رحلتي إلى الكنيسة األم
الفصل الثامن :معمودية األطفال "ألنكم تعمدتم جميعا في المسيح فلبستم المسيح" (غال )72/3 "دعوا األطفال يأتون إلي وال تمنعوهم ،ألن لمثل هؤالء ملكوت هللا" (مر)11/11 تعرفت بواسطة ميالني وبوب على كتاب مشابه لكتاب ،becoming orthodoxكتبه األب جوردان باجيس بعنوان "أرضية مشتركة" .واكتشفت لدى قراءته أن قراءة كتاب األب غيليكوسيت ُت َشبَّه بعملية قضم البسكويت مقارنة بهذا الكتاب .إنه كتاب صعب أ ُ َّشبهه بعملية هضم وجبة ثقيلة .ففيما كتاب ص َّمم ليكون مقدمة إلى األرثوذكسية، ُ becoming orthodoxم َ ويحوي مناقشات شبه تفصيلية لبعض المسائل الخالفية بين اإلنجيليين واألرثوذكس ،فإن كتاب "أرضية مشتركة" يحتوي على مناقشات مفصلة لجميع المسائل األساسية تقريبًا .فعلى غرار األب غليكوسيت ،يناقش األب جوردان قضايا الكتاب المقدس والتقليد وبنية الكنيسة وهيكليتها ،واألسرار .وقد أعادت حججه ،في فهم هذه القضايا أرثوذكسيا ،تأكيد ما كنت قد قرأته في كتاب .becoming orthodox كنت قبل أن أفتح كتاب "أرضية مشتركة" ،قد بدأت أقبل العبادة الليتورجية والهيكلية التراتبية والعبادة األسرارية (إلى حد ما)، وكذلك قيمة التقليد ،كوسيلة لتفسير الكتاب المقدس ،ودليل إلى الممارسة الكنسية .وقد واجهني كتاب "أرضية مشتركة" بحجة مقنعة لصالح ما كان ،يشكل حرما إيمانيا ،بالنسبة لي في السابق: 1
رحلتي إلى الكنيسة األم
معمودية األطفال .على غرار جميع المعمدانيين الجنوبيين ،لم أكن منفتحا البتة على فكرة معمودية األطفال .ولطالما اعتقدت بأن هذه الممارسة إنما هي ابتكار غير بيبلي ،زحف إلى الكنيسة تدريجيا عبر عدة مئات من السنين ،كما زحفت جميع "المفاسد" األخرى. وأن الرسل ما عمدوا أبدا من كان فتيا جدا ،ولم يمتلك بعد قرارا واعيا باتباع يسوع! لقد فتح األب جوردان عيناي على عدد من نصوص الكتاب المقدس ،التي تشير إلى أن الرسل ،في الواقع ،قد عمدوا أناسا من كل األعمار .بالحقيقة ،كنت قد قرأت هذه المقاطع عشرات المرات ،ولكن التزامي باالعتقادات المعمدانية منعني من رؤيتها على حقيقتها. دعم بيبلي وآبائي يعظ الرسول بطرس ،في الفصل الثاني من سفر األعمال ،جمهورا واسعا من اليهود ،الذين أتوا إلى أورشليم ،من كل مناطق حوض البحر المتوسط ،ليحتفلوا بعيد األسابيع ،المدعو عيد العنصرة .وقد "وخزتهم قلوبهم"( )32بعد سماعهم عظة الرسول بطرس، واقتنعوا بأن يسوع هو المسيح الموعود .ومن ثم نقرأ أن "الذين قبلوا كالمه (بطرس) تعمدوا ،فانضم في ذلك اليوم نحو ثالثة آالف نفس"( .)11ال تخبرنا اآلية ( ،)11بشكل جلي وواضح ،عن أي طفل أو فتى كانا بين المتعمدين ،وال تتكلم حتى عن وجود بالغين بين الذين اعتمدوا .ولكننا نعلم أن اليهود اعتادوا في رحالت حجهم أن يصطحبوا معهم عائالتهم .ولذلك فمن المستغرب أن يكون الراشدون فقط هم من كان في جمهور الذين سمعوا عظة القديس بطرس .وكمعظم الشعوب القديمة (وبالحقيقة مثل شعوب مناطق كثيرة من عالمنا اليوم) ،كان اليهود يقومون بقرارات دينية رئيسة 7
رحلتي إلى الكنيسة األم
كعائلة وليس كأفراد .فإذا ما اعتمد رب العائلة ،فبالتأكيد ستعتمد زوجته وجميع أوالده أيضا ،خاصة وأن بطرس الرسول قال: "ليتعمد كل واحد منكم باسم يسوع المسيح ،ف ُتغفر خطاياكم"(.)33 يمكننا أن نجد مزيدا من البينات على الممارسة الرسولية لمعمودية األطفال ،في كتاب أعمال الرسل .ففي الفصل ،11يروي بطرس الرسول لقاء كورنيليوس بالمالك الذي قال له" :أرسل إلى يافا، وجئ بسمعان الذي يقال له بطرس .فهو يكلمك كالما تخلص به أنت وجميع أهل بيتك" (أع .)11-13/11وبعد وصول بطرس: "أمرهم بأن يتعمدوا باسم يسوع المسيح" ( .)13/11والتلميح الواضح هو أن جميع أهل البيت قد تعمدوا. فيما بعد ،وعندما كان بولس يبشر في فيليبي ،هدى أوال امرأة اسمها ليديا .هذه ،حاال بعد اهتدائها" ،تعمدت هي وأهل بيتها" (أع .)11/11وبعد بضعة أيام ،وبعد نجاة بولس من السجن ،آمن سجانه أيضا بالرب يسوع .ونقرأ أنه في تلك الساعة "تعمد هو وجميع أهل بيته"(أع .)13/11وأخيرا في رسالته األولى إلى كورنثوس ،يذكر بولس الرسول وقتا آخر عمد فيه عائلة بكاملها فيقول ببساطة" :عمدت أيضا عائلة استفا ُنس" (1كو.)11/1 والكلمة اليونانية oikosالمترجمة "عائلة" تعني "بيت" كما نستخدمها ،بالتمام ،في اللغة العربية ونعني بها "عائلة فالن". ويذكر األب جوردان أن" :ما من دليل على أن كلمة "أهل" تستخدم في اللغة اليونانية العلمانية أو البيبلية ،أو حتى في كتابات اليهودية المتهلينة ،تقتصر في معناها على الراشدين وحدهم ". 1 ويضيف: Jordan bajis, common ground: an introduction to eastern Christianity for the western Christian 1 (minneapolis: light and life publishing, 1989), 288
3
رحلتي إلى الكنيسة األم
"تعادل هذه الكلمة (بيت) في العهد القديم ما يشير إلى كامل العائلة (وحصريا إلى أربعة أجيال) .الترجمة اليونانية للمخطوطات العبرية األصلية (أنجزت سنة 711ق.م) ،تستخدم oikosلتترجم هذه الكلمة العبرية بمعنى عائلة كاملة (رجال ونساء وأوالد وبالغين) .يشير المقطع "هو وبيته" ،في العهد القديم ،إلى العائلة اإلجمالية ،وليس فقط إلى أعضائها البالغين".7 وهكذا أ ُ ُ جبرت على اإلقرار بأن الرسل ما أنكروا معمودية األطفال واألوالد ،بل عمدوا كامل عائالت ذلك الزمان .ولكن ماذا عن خلفاء الرسل؟ وهل هذه األمثلة البيبلية مقتصرة على الرسل فحسب ،أم أن الكنيسة تابعت ممارسة تعميد الناس من كل األعمار؟ ومرة أخرى ،زودني األب جوردان بعبارات منيرة من آباء الكنيسة األولى ،من القديس بوليكربوس والقديس يوستينوس والقديس أغناطيوس .ولكن البينة األكثر وضوحًا حول معمودية األطفال في الكنيسة األولى كتبها هيبوليتس أسقف روما .ففي دليل الكنيسة الكالسيكي" ،التقليد الرسولي" ،المكتوب حوالي العام ،711يخبر هيبوليتس الكنائس بأن "يعمدوا األوالد أوال ،وإن كانوا يستطيعون اإلجابة (على أسئلة الكاهن) بأنفسهم فليفعلوا ،وإال فل ُيجب والداهم أو أقرباء آخرين عنهم" .3أخيرًاُ ،عقد مجمع في مدينة قرطاجة في العام 711م ترأسه القديس كبريانوس .أقر ذلك المجمع بأن معمودية األطفال كانت مالئمة ،ويمكن أن تتم في اليوم الثالث لوالدة الطفل وال تحتاج إلى التأجيل ألكثر من ثمانية أيام. ُ وجهت ببراهين واضحة بأن ممارسة وهكذا ،في موضوع آخر ،وُ الكنيسة األولى كانت مختلفة عما هو قائم في تقليد كنيستي .ولكن التحدي األكبر كان في فهم الكنيسة األولى للمعمودية. Bajis, common ground, 288-89 7 Bajis, 293 3
1
رحلتي إلى الكنيسة األم
معنى المعمودية كنت أعتقد ،قبل قراءة "أرضية مشتركة" ،أن المعمودية هي "فعل طاعة يرمز إليمان المعتمد بالمخلص المصلوب والمدفون والقائم، لموت المعتمد عن الخطيئة ،ودفنه الحياة القديمة ،وقيامته للسعي في جدة الحياة في المسيح يسوع " . 1بكلمات أخرى ،رأيت المعمودية مجرد حادثة في حياة المؤمن الفرد ،ولها تأثير ضعيف على الجماعة المسيحية ،يكمن في إضافة عضو جديد إليها .لكن هذه العقلية الفردية كانت غريبة بالكلية عن الكنيسة األولى ،التي رأت في معمودية شخص ما حدثا مشتركا ،دخوال في شعب هللا. لقد أَ ُ رسيت ،كمعظم اإلنجيليين الذين يعتبرون أنفسهم جزءا من "كنيسة العهد الجديد" ،الهوتي ونظرياتي بخصوص الممارسة الكنسية ،على العهد الجديد بشكل كامل ،أما العهد القديم فأعود إليه عند اللزوم .وكان اعتقادي بوجود انكسار رئيسي بين العهدين القديم والجديد نتاجا طبيعيا لعقلية كهذه .لكن معرفتي بأن الكنيسة ُ ذكرت سابقا، األولى ما رأت كما أرى ،كانت في البدايات .وكما كان المسيحيون األوائل يهودا آمنوا بأن (الماسيا) قد أتى .وقد رأوا أنفسهم إسرائيل الجديد (غال ،)11/1ولم يستغنوا عن كل العادات التي مارسها آباؤهم وأجدادهم .ولنكن متأكدين ،لم تأمر الكنيسة األولى بوجوب ارتباط المسيحيين بكامل ناموس موسى (أع .)11 وبدت بعض الممارسات التي أعطاها هللا لليهود مهمة جدا وال يمكن التفريط بها .بكالم آخر ،لقد تعدل شكل الممارسة بينما بقي معناها نفسه .والمثال األول على هذا هو المعمودية. لقد أعطى هللا شعب إسرائيل ،في العهد القديم ،الختان عالمة دخولهم في العهد وصيرورتهم شعب هللا .وكان الختان ُيت َّمم في The Baptist faith and message, article 7 1
1
رحلتي إلى الكنيسة األم
اليوم الثامن لوالدة الطفل .أما في العهد الجديد فقد حلت المعمودية مكان الختان ،الذي رسم الرسل أنه لم يعد الزما .ويقدم القديس بولس الحجة على دور المعمودية هذا في رسالته إلى كولوسي ،في قوله" :مدفونين معه في المعمودية ،التي فيها أ ُقمتم أيضا معه بإيمان عمل هللا ،الذي أقامه من األموات" (كول .)17/7ويؤكد القديس يوستينوس هذه الفكرة عندما يكتب ":ونحن الذين قاربنا هللا بواسطة هللا ،لم نستلم ختانا جسديا بل روحيا ..وتسلمناه بالمعمودية " . 1ولنكن على بينة ،ال تضمن المعمودية الخالص، وإنما تبدأ المسيرة الخالصية فقط .لكنها تقدم ،من ضمن أمور أخرى ،عالمة على أن الشخص صار جزءا من إسرائيل الجديد، تماما كما كان الختان يجعل المختون جزءا من إسرائيل .وبما أن الطفل لم يكن ناضجا كفاية ليصبح من شعب هللا في العهد القديم، فلماذا ُيشترط على أي متقدم للمعمودية أن يكون ناضجا لينضم إلى الكنيسة ،شعب هللا في العهد الجديد؟ لقد رأت الكنيسة األولى في المعمودية معنى آخر أيضا ،هو االتحاد بالمسيح .قال القديس بولس للغالطيين" :ألن كلكم الذين اعتمدتم بالمسيح قد لبستم المسيح" (غال ،)72/3ويكتب القديس بولس في المعمودية "ف ُدفنا معه بالمعمودية للموت ،حتى كما أ ُقيم المسيح من األموات ،بمجد اآلب ،هكذا نسلك نحن أيضا في جدة الحياة" (رو )1/1و "مدفونين معه في المعمودية ،التي فيها أ ُقمتم أيضا معه بإيمان عمل هللا ،الذي أقامه من األموات" (كول.)17/7 فالشخص الذي يعتمد يصير متحدا بالمسيح بطريقة حقيقية (واقعية) وسرانية اتحادا يفوق ويتجاوز أية رمزية .يمنح هذا االتحاد بالمسيح منافع روحية للذين اتحدوا بالمسيح .فيما الكنيسة الكاثوليكية تعمد األطفال لتمحو لعنة الخطيئة األصلية (مفهوم Bajis, 292 1
1
رحلتي إلى الكنيسة األم
تطور تحت تأثير أوغسطين وهو غريب عن الكنيسة األرثوذكسية) ،اعتادت الكنيسة األرثوذكسية أن تعمدهم ليحصلوا على بركة إيجابية .وبكلمات األب جوردان" :يُع َّمد الطفل ألن المسيحيين الشرقيين األوائل آمنوا أن ثمار هذا االتحاد – وهي القوة على الخطيئة والموت والشرير -يمكن أن تتحقق من األيام األولى".1 باختصار ،رأت الكنيسة األولى ،أن للمسيحية حسا جماعيا مش َت َركا وليس حسا فرديا .أن تصير مسيحيا أمر أكثر أهمية بكثير من أن تمتلك نفسا مخلَّصة .لقد رأى المسيحيون األوائل االهتداء إلى اإليمان المسيحي بمثابة دخول في شعب هللا للعهد الجديد ،إسرائيل الجديد الذي هو جسد المسيح .والمعمودية ،باإلضافة إلى أنها غسل لخطايا الشخصُ ،تنتج في ذلك الشخص اتحادا روحيا بالمسيح وبكنيستهُ .تمم العماد على المهتدين البالغين وعلى األطفال بنفس السوية .هذه كانت ممارسة الكنيسة في الشرق والغرب ،بدون استثناء لمدة 1111سنة من تاريخ الكنيسة ،ثم في القسم األول من القرن السادس عشر ،استبدل فريق من البروتستانت المصلحين بهذه الممارسة أخرى أصبحت إحدى العالمات المميزة للالهوت اإلنجيلي :معمودية الراشدين أو المؤمنين فقط. معمودية المؤمنين ُ كنت في الكلية الالهوتية ،شاهدت فيلما بعنوان the عندما radicalsيؤرخ هذا الفيلم بداية الحركة المضادة للمعمودية .Anabaptistبدأت هذه الحركة ،وهي األكثر تشددا بين المصلحين البروتستانت ،بممارسة معمودية "المؤمنين" ،التي ما تزال مستمرة في مذهب المعمدانية الجنوبية ،وفي جميع الكنائس Bajis, 284 1
2
رحلتي إلى الكنيسة األم
اإلنجيلية تقريبًا .اعتبرت هذه الحركة بأن لوثر وكالفن وزفنكلي لم ينبذوا ممارسات الكنيسة التقليدية بشكل كاف .وقد عارضت هذه الحركة معمودية األطفال بشكل خاص .إن شرح أتباع هذه الحركة للكتاب المقدس أقنعهم بأن المعمودية يجب أن ُت َت َّمم لشخص قادر تماما على اتخاذ قرار واع باتباع المسيح .لذلك ،وبحسب تفكيرهم، يجب أن تقتصر المعمودية على الراشدين .لقد بدت أحقية هذه الطريقة في التفكير بديهية عندي منذ وجودي .وفيما كنت أشاهد فيلم ، the radicalsتذكرت استحساني الصامت للمشهد الذي يصور القائد األول للحركة كونراد غريبل ،وهو يعمد نفسه ،ومن ثم جورج بلوروك ،الذي ع َّمد بدوره حوالي خمسة عشر شخصا، وهما يبدآان الحركة الرافضة لمعمودية غير الراشدين .لم أتساءل أبدا حول العقلية التي تكمن خلف معمودية المؤمنين .لكن األب جوردان فتح عيني على مشاكل كثيرة في هذه النظرية. تستند معمودية المؤمنين إلى الفكرة القائلة بأن إتمام المعمودية يتطلب شخصا بلغ من العمر ما يؤهله ألن يتخذ قرارا واعيا، بوضع إيمانه في المسيح .وهذا ،بدوره ،يعني أن اإليمان فكرة عقالنية ،أوال؛ أي إنه ،أوال وقبل الكل ،قبو ُل مجموعة مفاهي َم عقالنية ،مثل :إن المرء خاطئ يستحق جهنم ،وإن اإلنسان يحتاج المسيح كرب ومخلص لكي يخلُص ،وعلى المرء أن يعتمد طاعة لوصية المسيح. ترجم "إيمان" ،تفيد أفكار الثقة لكن الكلمة اليونانية pistisالتي ُت َ والوثوق .يكتب األب جوردان: " pistisتعني عالقة ثقة .كما أن اإليمان بكائن بشري ما هو رباط ثقة ومحبة ،وليس نتاج عقل تحليلي أوال ،هكذا هو إيمان اإلنسان باهلل .لذلك ،فإن قدرة اإلنسان على استخدام ذهنه وملكاته ليست 3
رحلتي إلى الكنيسة األم
أمرا الزما لإليمان ،بل َت َوجه قلبه وثقته هو ما يلزم .فقط هذا الحس باإليمان -كثقة -هو ما يوضحه الكتاب المقدس".2 كل الكائنات البشرية ،وحتى األطفال ،قادرة على صنع عالقة ثقة مع اآلخرين .ومع أن الولد الصغير جدا غير قادر على فهم الكثير عن هللا واإليمان كالراشد ،إال إنه بالرغم من ذلك ،يستطيع أن يحبه ويثق به ابتداء من عمر مبكر .لقد أكد يسوع هذا عندما أخذ ولدا وأقامه على ذراعه ،وقال "من أعثر أحد هؤالء الصغار المؤمنين بي فخير له أن ُيعلق في عنقه حجر الرحى و ُيغرَّ ق في لجة البحر" (متى .)1/13 يشير األب جوردان إلى تناقض جدي جدا في تفكير اإلنجيليين عموما ،والذين ينكرون المعمودية على األطفال واألوالد الصغار خصوصا .إن معظم هؤالء المؤمنين يعاملون أوالدهم كما لو أنهم قد ُخلصوا؛ أي على أنهم مسيحيون .هذا ألن هؤالء األوالد صغار جدا على خطيئتهم ،بما إنهم لم يصلوا بعد إلى السن التي يعتبرهم هللا فيها مسؤولين عن خطاياهم (انظر الفقرة التالية) ،مع إن هؤالء المؤمنين اإلنجيليين يرفضون أن يكون اإلنسان غير المعتمد مسيحيا حقيقيا .كما يجزمون بأن شخصا كهذا يختار بملء مشيئته أن يعصى وصية واضحة للمسيح ،ولذلك ال يقبله حقا ربا له .وهنا يوجد تناقض -يعاملون أوالدهم كمسيحيين ،وينكرون عليهم استطاعة أن يكونوا مسيحيين ،ألنهم لم ُي َع َّمدوا بعد .ولكي نكون منسجمين مع أنفسنا يجب أن نقول ،من الضروري إما أن نرفض أن األوالد مسيحيون ،أو أن نذيع على الملء بأن األوالد هم للمسيح بالحقيقة بواسطة اعتمادهم .والموقف األخير هو ما قبله جميع المسيحيون بدون استثناء حتى ظهر الرافضون لمعمودية األطفال. Bajis, 263 2
9
رحلتي إلى الكنيسة األم
سن المسؤولية كمن العائق األخير ،أمام قبولي ممارسة معمودية األطفال ،في التحامي الطويل األ َمد مع العقيدة المعمدانية ،التي تقول ب"سن المسؤولية" ،أي العمر المف َت َرض فيه أن يعي الولد خطيئته ونتائجها .لقد حدد أتباع الحركة المضادة للمعمودية المبًكرة عبر الزمن ( عُرف أتباعها فيما بعد بالمعمدانيين) مستويات مختلفة ألدنى سن يُسمح فيه بالمعمودية .حُدد سن العشرين والخمسة عشر واإلثني عشر .ومؤخرا جدا ،قرر المعمدانيون واإلنجيليون اآلخرون ،إلى جانب السن المقرَّ ر ،الذي ال تجوز معمودية أحد قبل بلوغه ،شر َط إجراء مقابلة مع كل ولد ،بشكل فردي ،ليتحدد بعدها إن كان مستعدا أم ال .وقد بدا هذا كله أمرا مناسبا وحسنا جدا بالنسبة لي .ولكن بعد قراءة كتاب "أرضية مشتركة" تأكدت أن الدفاع عن عقيدة "سن المسؤولية" أمر متعَّذر ،وذلك لثالثة أسباب. األول ،إن عقيدة سن المسؤولية غير بيبلية .كنت دوما أدرك هذا األمر بعمق ،ولكنني كنت خائفا ،إما من نفسي أو من اآلخرين ،من اإلقرار به .بالحقيقة ،ال يوجد في الكتاب المقدس نصا واحدا يقول عن سنٍّ ما إنه صغير جدا ليكون صاحبه مؤمنا بالمسيح ،أو ليعتمد ،أو ليتق َّدم إلى المناولة المق َّدسة .ال بل يظهر تعليم يسوع في اإلنجيل على العكس من ذلك تماما .فعندما حاول تالميذه أن يُبعدوا أوالدا يحاولون االقتراب منه ،غضب وقال لهم" :دعوا األوالد يأتون إليَّ وال تمنعوهم ،ألن ألمثال هؤالء ملكوت السموات"(مر .)11 /11بالطبع ،ال يتكلم يسوع هنا على المعمودية ،ولكن من الواضح إنَّ المبدأ الذي يعلمه ينطبق على المعمودية وعلى عضوية الكنيسة و وعلى اقتبال المناولة المقدسة أيضا. 11
رحلتي إلى الكنيسة األم
بدال من أن يؤسَّس مبدأ "سن المسؤولية" على تعليم الكتاب المقدس نراه مؤسَّسا على العقل والمنطق .واألمر األكثر غرابة في هذا األمر إن مصدر هذه العقيدة ال يكمن في حركة اإلصالح ،بل في كنيسة العصور الوسطى الكاثوليكية ،التي بدأ بعض الالهوتيين فيها ،بعد األلف األولى ،يحرمون على األوالد الصغار التق ُّدم من األفخارستيا بحجة إنهم صغار على فهم ما يفعلون .وتاليا سوف يقع الولد في خطر جدي من أن "يأكل ويشرب دينونة لنفسه ،ألنه ال يميز جسد الرب" (1كو .)79 /11في حين تابعت الكنيسة الشرقية معمودية الناس من جميع األعمار ،ومنحهم المناولة المقدسة ،فإن الكنيسة في الغرب بدأت تعطي المناولة المقدسة لألوالد ابتداء من سن محددة (المناولة األولى) .قدم رفض منح المناولة المقدسة لألوالد الصغار سابقة منطقية لرفض إعطائهم المعمودية فيما بعد. وكما يعلق األب جوردان" :إذا كانت الكنيسة الكاثوليكية قد بررت حجب عشاء الرب عن الولد حتى يبلغ سنا يفهم فيه ما يتناول، فكيف يُنتقد رافضو معمودية األطفال الستخدامهم نفس المنطق العقالني الستثناء األوالد من المعمودية؟".
الخلل الثاني في عقيدة سن المسؤولية يكمن في ربط اإليمان ،خطأ، بسن محددة .وكما وجدنا سابقا ،فإن المفهوم البيبلي لإليمان أكثر قربا إلى الثقة باألوالد (انظر مت )3 /13منه إلى عقالنية الراشدين .وقدرة البالغين على الثقة باهلل والرغبة بها ليستا ير أوالدا صغارا بالضرورة أعظم مما هما عند األوالد .من لم َ عندهم ثقة بالرب يسوع المسيح ومحبة عظيمة له؟ إن تاريخ الكنيسة مليء بأمثلة األوالد الذين بذلوا حياتهم برضى ورغبة ذاتيين وما أنكروا المسيح .وأكثر من هذا إنه لمن المستحيل أن 11
رحلتي إلى الكنيسة األم
نحدد على وجه الخصوص متى يعي اإلنسان فعليا حاجته إلى الخالص من الخطيئة .من الصعب تحديد سنٍّ محددة تضمن للمؤمن البقاء أمينا على إخالصه للمسيح ،وهذا ما يقرُّ به اإلنجيليون في كل مكان .وإذا كان التق ُّدم في السن يجعل إيمان اإلنسان أكثر نضجا وتمامية ،فلماذا ال ننتظر حتى يبلغ المُقبل على المعمودية سن العشرين أو الثالثين؟ فمع هذه السنين سيتمكن بشكل أكثر من دراسة الكتب المقدسة ،ويفهم خطة هللا الخالصية .في الواقع لن يفهم أبدا أيٌّ منا هذا السر العميق .فلماذا إذا نحرم الناس من المعمودية ون َعمها استنادا إلى سنوات العمر؟ وأخيرا ،ال تضمن عقيدة سن المسؤولية أية حماية من التخاذل الروحي ،وال تضمن كنيسة نقية .يستخدم مؤيدو هذه العقيدة حجة تقول بأن األطفال واألوالد الصغار المعمدين قد ال يبقون في كبرهم مؤمنين حقيقيين بالمسيح .وكثيرون منهم قد يسقطون ويهجرون الكنيسة ،ومنهم من يفقدون خالصهم ،ويلوثون الكنيسة .ولكن، وكما يجيب األب جوردن ،فإن تأخير المعمودية بحجة أن يصير الولد قادرا على أن يفهم ما سيفعله ال يحل المشكلة تماما .فابن الخمسة عشر أو العشرين الذي يقدم عهده اإليماني بالمسيح ويعتمد يمكن أن ينكر إيمانه مثله مثل من تعمد وهو طفل .والكنيسة كانت دوما ،وستظل ،مؤلَّفة من "قمح" و"زؤان" (انظر مت -71/13 ،)71وتقييد إجراء المعمودية بسن محددة بحجة االفتراض بأن السن المتقدمة تكفي لفهم اإلنجيل ليست ضمانة لتقليل "الزؤان" من الكنيسة. األمر الوحيد الذي يمكن القيام به ،من أجل حل لهذه المسألة وهو ما يتم في الكنيسة األرثوذكسية ،هو أن يتم تعميد أوالد العائالت المسيحية الملتزمة التي تتعهد تربية أوالدها على اإليمان. 17
رحلتي إلى الكنيسة األم
بعد استعراض كل ما ذكرت ال يسعني االستمرار في إنكار بيبلية وتاريخية ومنطقية معمودية األطفال .على العكس ظهر كل من معمودية المؤمنين وسن المسؤولية هما غير بيبليين وغير تاريخيين وغير منطقيين.
وهكذا واحدة بعد األخرى ،بدأت تتساقط ،العقائد التي آمنت بها منذ أن بدأت في اتباع يسوع ،بما فيها الكتاب المقدس فقط ،واإليمان فقط ،والالهوت غير األسراري ،واآلن معمودية المؤمنين .قلت لجنيفر في ذلك المساء" :أتعلمينُّ ، بت أعتقد إننا في الكنيسة الخطأ!" .وتوقعت أن تجيبني ،كما تجيب أية زوجة مبشر معمداني في مثل هذا الظرف :إنك مجنون .لكن جنيفر ليست زوجة عادية. فزوجتي الرائعة واألمينة ،وعلى مثال راعوث التي قالت لحماتها ُنعمى "حيثما تذهبين أذهب ،وحيثما تمضين أمضي ،شعبك يكون شعبي ،وإلهك يكون إلهي"(راع ،)11/1تطلعت في عيني وقالت: "جيمس ،أنا معك ،حتى ولو قررت أن تصير كاهنا أرثوذكسيا". عندما تفوهت بجملتها هذه ،تهللت وفرحت .فأنا اآلن أستطيع أن أتابع البحث الذي سيقودني إلى كنيسة أخرى دونما خوف من فقداني لزوجتي وعائلتي.
13