رحلتي إلى الكنيسة األم
12
مرة ثانية الفصل الثاني عشر :فترة انقطاعّ ، "قد نظرنا النور الحقيقي ،وأخذنا الروح السماوي ،ووجدنا اإليمان الحق، فلنسجد للثالوث غير المنقسم الذي خلصنا". "ترنيمة بعد المناولة المقدسة ،من قداس القديس يوحنا الذهبي الفم"
العبادة بدءا من األول من كانون األول بدأنا ،جنيفر وأنا ،نفضي بمكنونات قلبينا لصديقينا وزميلينا بوب وميالني ،ونخبرهما بنمو إلفتنا مع األرثوذكسية. كانا قد قرأا كتابين ،كنا قد استعرناهما منهما سابقا ،ووجدا ،مثلنا ،الكثير مما قرآه مقنعا .ولن أنسى أبدا ما قاله بوب بعد ساعتين قضيناهما في مناقشة األمور التي يذكرها هذان الكتابان .فبعدما قلت لبوب" :يجب أن 1
رحلتي إلى الكنيسة األم
ينتهي األمر بنا إلى الذهاب إلى الكنيسة األرثوذكسية" .تطلع في عيني وقال" :حسنا ،قد نذهب معك" .ولكن بالرغم من هذه الكلمات ،الحظنا أن بوب وميالني لم يكونا متحمسين مثلنا .وما زاد في قناعتنا بموقفهما أنهما لم يكونا قد حضرا بعد قداسا إلهيا واحدا في بانجالوكا أو في الواليات المتحدة ،حيث قضيا عطلة ميالد .2221-2222 في أحد أيام كانون األول وفيما كنت أصف لبوب روعة ما رأيته في القداس اإللهي ،قال لي :حسنا يا جيمس ،محبتك للقداس اإللهي هنا عظيمة ،ولكن إن اهتديت إلى األرثوذكسية ،سوف تعود إلى الواليات المتحدة ،وتجد رعية تتابع فيها حياتك الروحية .ماذا سيكون موقفك لو لم تجد كنيسة خدماتها الطقسية بالجمال الذي في بانجالوكا؟ يجب أن تتأكد من أنك ستجد في رعية في الواليات المتحدة تتم فيها العبادة كما وجدتها هنا!" اعتقدت أنها فكرة جيدة .فماذا سأكتشف عندما أعود إلى الواليات المتحدة؟ هل ستكون العبادة هناك بروعة التي وجدتها في بانجالوكا؟ هل سأجد ما يؤكد ،بشكل أكثر ،الجمال والحق في األرثوذكسية ،أم سأجد أن األرثوذكسية مجرد ظاهرة أوروبية شرقية عتيقة الطراز وغريبة الشكل وقائمة على تقاليد أناس أكثر مما هي قائمة على تعليم الكنيسة األولى؟ حالما وصلنا إلى بيت أهلي ،بدأت البحث بواسطة االنترنت عن رعية أرثوذكسية قريبة .ووجدت ،سريعا ،كنيسة القديس أنطونيوس الكبير األنطاكية األرثوذكسية في سبرينغ – تكساس،التي تبعد أمياال قليلة عن بيت أهلي .حضرنا القداس اإللهي فيها ،جنيفر وأنا ،في األحد األخير قبل عودتنا إلى البوسنة ،واهتم والدي برعاية األوالد .كانت الخدمة كما توقعتها تماما وفي كل شيء .فمع أن الكنيسة لم تكن مغطاة باأليقونات ككنيسة بانجالوكا ،والجوقة صغيرة مقارنة بجوقة بانجالوكا ،إال إن 2
رحلتي إلى الكنيسة األم
الخدمة ما تزال جميلة كما هي .وما جعلها أجمل ،بالنسبة لنا ،أنها كانت تقام ،بتمامها ،باللغة اإلنكليزية .خبرتنا هذه في كنيسة القديس أنطونيوس زادتنا ثباتا بأن هللا يقودنا إلى األرثوذكسية. كانت خبرتنا هذه عالمة فارقة ومخالفة لما خبرناه في األسبوعين السابقين .ففي األحد األول من وصولنا إلى هيوستن ،حضرنا خدمة العبادة الصباحية في الكنيسة المعمدانية التي كنا أعضاء فيها ،الكنيسة التي أقمنا في البيت البشاري التابع لها مدة سنتين فيما مضى .وكنا نتساءل فيما إذا كانت زيارة كنيستنا قد تكبح سرعة سيرنا إلى األرثوذكسية .فزيارة كنيسة أكبر وموسيقاها أفضل وواعظها ذو خبرة أكبر من الكنيسة المعمدانية التي في بانجالوكا قد يذكرنا بأننا معمدانيون في العمق حقا؟ ما كان أبعد تفكيرنا عن الواقع! ففيما كنا ننشد بفرح ومحبة ،في الماضي، إلى كنيستنا وخدماتها ،شعرنا اليوم بأننا سمك خارج البحر .فكل ما استطعنا التفكير به كان أننا افتقدنا كثيرا جمال الليتورجيا اإللهية. وشعرنا ،جنيفر وأنا ،بالذنب ،لكننا لم نكن قادرين أن ننكر أننا كنا نتمنى أن نخرج من هناك ونعود إلى البيت .كم كان عذبا وجميال أن نستطيع حضور القداس في كنيسة أرثوذكسية بعد أسبوعين! مع بدء السنة من العام ،2221وبعد تأمل مطول في قراءتنا وخبرتنا العبادية المتنوعة ،وبعد كثير من الصالة ،آمنا ،بصالبة ،أن مشيئة هللا بخصوصنا هي االهتداء إلى األرثوذكسية .وقد استخدم هللا ،مرة أخرى، وسريعا ،كتابا لكي يوصل مشيئته لنا .ففي ليل أحد األيام القليلة قبل عودتنا إلى البوسنة كنت أقرأ كتابا ممتعا "at the corner of east 3
رحلتي إلى الكنيسة األم
" and nowلمؤلفته فريدريكا ماتيوس -غرين .تصف الكاتبة في أحد فصول كتابها ،بتفصيل ،كيف يتمم الكاهن الذبيحة قبل البدء بالقداس اإللهي .وجدت نفسي مأسورا بالكلمات الجميلة التي يقولها الكاهن وهو يقطع الحمل (الختم الذي يتوسط القربانة)" :كشاة سيق إلى الذبح ،وكحمل صامت هكذا لم يفتح فاه ،بتواضعه ارتفعت حكومته .وأما جيله فمن يصفه .فإن حياته قد ارتفعت عن األرض" (أش.)8-7/33 حالما قرأت هذه الكلمات شعرت مرة أخرى بصوت خافت وغير مسموع يكلمني" :هذا ما سوف تفعله" .عرفت آنئذ أنه ال يفترض بي أن أصير أرثوذكسيا فقط ،بل أن أصير كاهنا أيضا! شاركت جنيفر بهذه الخبرة، وكما هي دائما ،كانت مؤيدة وداعمة لي .لكن مشكلة أخرى ما تزال تنتظر حال لها اآلن .وفيما كنا على متن الطائرة عائدين إلى البوسنة، كنت أسأل نفسي" :كيف أصير كاهنا أرثوذكسيا وأنا في الوقت ذاته، أعمل مبشرا معمدانيا؟".
رياضة روح ّية بعد يومين من عودتنا إلى أوروبا ،انخرطنا في حضور رياضة روحية في سلوفينيا لكل العاملين في حقل هيئة التبشير في المنطقة .تضمن برنامج الرياضة وقتا من الراحة واالسترخاء ،إلى جانب أوقات لدراسة الكتاب المقدس يقودها راع من الواليات المتحدة .لقد استمتعنا بالطبع، جنيفر وأنا ،بالراحة وصحبة أصدقائنا وزمالئنا .لكن شعورنا بأننا "سمك خارج الماء" استمر في داخلنا طوال األسبوع .ذلك الشعور ذاته الذي اختبرناه خالل حضور الصالة في كنيستنا في الواليات المتحدة .لقد 4
رحلتي إلى الكنيسة األم
ساعدنا هذا االختبار لكي نثبت أكثر في أننا لم نعد ننتمي حقا إلى الكنيسة المعمدانية. خالل إحدى حلقات دراسة الكتاب المقدس ،تكلم الراعي عن عظة القديس بطرس في الفصل الثاني من سفر األعمال ،النص الذي قضيت وقتا طويال في دراسته مؤخرا .وفيما كان يفسر النص بدأت أتساءل عن كيفية تعامله مع عبارة محددة في نهاية الفصل .ففي اآلية ،37نقرأ أن بطرس الرسول وبعد أن أنهى عظته كان سامعوه وقد" :وخزتهم قلوبهم ،وقالوا لبطرس وسائر الرسل :ماذا يجب علينا أن نعمل أيها اإلخوة؟". بالطبع كان جواب بطرس الرسول" :توبوا وليتعمد كل واحد منكم باسم يسوع المسيح ،فتغفر خطاياكم وينعم عليكم الروح القدس" ( .)38حركني الفضول ألرى ماذا سيقول الراعي عن هذه الكلمات القليلة التي في وسط الجملة" :فتغفر خطاياكم" .كما رأينا سابقا ،يعتبر هذا النص من النصوص الواضحة جدا في معرفة أن المعمودية تغسل الخطايا وتمنح المغفرة. فلمدة ألف وخمسمائة سنة من تاريخ الكنيسة ،لم يتساءل أحد حول معنى هذا النص الواضح .ولكن كثيرين من البروتستانت المصلحين ،لم يناسبه هذا المعنى الجلي الهوتيا ،فبدؤوا يعللونه تعليال عقليا بعيدا عن التفسير البين الواضح أو يتجاهلونه .وهذا ما تتبعه الغالبية العظمى من البروتستانت اإلنجيليين اليوم. لذلك لم نستغرب أن يتكلم ذلك الراعي في الرياضة الروحية ،بشكل مطول ،عن التوبة وعن تلقي الروح القدس ويسقط العبارة المثيرة للجدل كليا من حديثه .مما أقنعني مرة أخرى وإلى األبد أنني لن أستطيع الموافقة على النظام التفسيري اإلنجيلي أبدا بعد اآلن ،تلك الطريقة التي يأخذون 3
رحلتي إلى الكنيسة األم
فيها أقساما محددة من الكتاب المقدس ويعلونها على غيرها ،وينظمون لها بناء تفسيريا بينما يتجاهلون أو يعقلنون األجزاء األخرى .لقد استقر في ذهني نهائيا أن التفسير األرثوذكسي للكتاب المقدس هو التفسير المتماسك ،التفسير الذي يأخذ كل النصوص بجدية ،وال يتعامى عن النصوص التي ال تتناسب مع نهجه. بدأت أخيرا أفهم كل اآليات التي لم أكن أنتبه لها سابقا ،على حدذ تعبير األب بيتر غلييكويست المؤثر.
6