رحلتي إلى الكنيسة األم
11 الفصل الحادي عشر :مزيد من القراءة " يا رب عرّفني طرقك، وسبلك علّمني، بحقك اهدني وعلّمني، أنت هللا مخلّصي، وإ ّياك أرجو نهارا وليل" (مز.)2-4/52
األب بولس والقديس بولس حالما وصلت إلى بيت أهلي في ضواحي هيوستن الشمال ّية، باشرت بتمزيق الطرود التي تنتظرني ،وبدأت قراءة الكتب بشراهة .وخلل األسابيع األربعة التي قضيتها مع والديّ ،لم أ ّدخر دقيقة واحدة إال واستغليتها في البحث المشوق عن أجوبة ألسئلتي المتعلّقة باألرثوذكس ّية .بالطبع ،لم تكن جميع الكتب بنفس السو ّية ،فبعضها كان مفيدا أكثر من غيره .وأحد الكتب 1
رحلتي إلى الكنيسة األم
الذي ساعدني ،بشكل خاصّ ،كان كتاب "جواب أرثوذكسيّ على اإل ّدعاءات اإلنجيل ّية" لألب بولس أوكاالهان .1يع ّدد األب بولس ،في كتابه ،االعتراضات واألسئلة التي يطرحها اإلنجيل ّيون على األرثوذكس ّية ،ومن ث ّم يجيوب عليها بشكل مقنع .وجدت كثيرا من أسئلتي في عداد األسئلة الموجودة في هذا الكتاب .لقد ساعدني األب بولس في التغلّب على شكوكي المتبق ّية بشأن األرثوذكس ّية. قرأت أيضا كتابا نقديا ثانيا ،بعنوان "دراسة أرثوذكسية للكتاب المقدس " ،وقد كتبه باحثون أرثوذكسيون وضمنوه تعليقات تفسيرية أرثوذكسية للعهد الجديد .وقد تعجبت عند قراءته من طريقة تفسير الكنيسة األرثوذكسية للنصوص العديدة ،التي ظننتها سابقا نصوصا مؤيدة ،بشكل تام ،لمبدأ اإليمان وحده .sola fideففي رسالتيه إلى روما وغالطية ،يكرر القديس بولس تأكيداته على أن الخالص ال يتم بحفظ ناموس موسى بل باإليمان .وقد افترضت بدوري ،كسائر اإلنجيليين ،طالما أن الخالص هو باإليمان ،فهو باإليمان وحده .ومن بين نصوص العهد الجديد التي تبدو وكأنها تعلم هذه النظرية ،يبدو نص أفسس 9-8/من أكثر النصوص الواضحة ،التي حفظتها واستشهدت بها مئات المرات .يؤكد القديس بولس الرسول في هذا النص" :ألنكم بالنعمة مخلصون ،باإليمان ،وذلك ليس 1 5
An eastern orthodox response to evangelical claims The orthodox study bible انظر ،على سبيل المثال ،روم ،2-4/4 ،52 ،55/وغل 11/5
5
رحلتي إلى الكنيسة األم
منكم .هو عطية هللا ،ليس من أعمال كيال يفتخر أحد" .كان هذا النص ،بالنسبة لي ،برهانا ،بامتياز ،على أن ليس لألعمال أي دور في خالص اإلنسان. لكن كتاب ( OSBدراسة أرثوذكسية للكتاب المقدس) ساعدني كي أفهم للمرة األولى في حياتي أن هناك جانبا آخر للقصة .فكل النصوص المفاجئة التي تؤكد على ضرورة األعمال الصالحة للخالص بدت وكأنها قد برزت من ال مكان! تأمل عبارات يسوع التالية: "إذا أردت أن تدخل الحياة فاعمل بالوصايا(" ..مت)91/99 "فيخرج الذين عملوا الصالحات إلى قيامة حياة ،والذين عملوا السيئات إلى قيامة دينونة" (يو) 9/5 "الحق الحق أقول لكم :من عمل بكالمي ال يرى الموت أبدا" (يو)59/8 وحتى في كتابي المفضل ،رسالة بولس الرسول إلى روما، الذي يبدو ،من بين سائر كتب العهد الجديد ،أكثر من يعلم مبدأ "اإليمان وحده" ،قرأت كلمات بولس الرسول التالية ،بتركيز عظيم: "الذي سيجازي ك ّل واحد حسب أعماله ،أ ّما الذين بصبر في العمل الصالح يطلبون المجد والكرامة والبقاء ،فبالحياة
رحلتي إلى الكنيسة األم
ّ ّ للحق التحزب ،وال يطاوعون األبد ّية ،وأ ّما الذين هم من أهل بل يطاوعون لإلثم ،فسخط وغضب ،ش ّدة وضيق ،على ك ّل نفس إنسان يفعل ال ّ شر :اليهوديّ أوّ الا ث ّم اليونانيّ ،ومجد وكرامة وسلم لك ّل من يفعل الصلح :اليهوديّ أوّ ال ث ّم اليونانيّ "(رو.)11-1/5 أوقعتني هذه النصوص ،وغيرها من النصوص الموجودة في العهد الجديد في معضلة .هل من تناقض؟ هل يختلف يسوع مع بولس في كيفية خالص اإلنسان؟ هل يصارع القديس بولس مرات في تأكيده ،ومرات في نفيه ،لضرورة األعمال في الخالص؟ وأخيرا ،ساعدني القديس يعقوب في العثور على حل المشكلة .فالقديس يعقوب وحده من بين كتاب العهد الجديد الذي يستعمل عبارة "اإليمان وحده" .ونجد عبارة مهمة في رسالته " : /ترون إذا ،أن اإلنسان يتبرر باألعمال ال بإيمانه وحده" .وقد بدت هذه اآلية ،أكثر من غيرها ،آية لم تحمل لي أبدا فهما إنجيليا بروتستانتيا .وكان الحل الذي اعتمدته أن أتجاهلها هي وسائر اآليات التي ال تتناسب مع الالهوت المعمداني .أما اآلن فقد فهمت أخيرا هذه اآلية والنصوص األخرى المتعلقة بهذا األمر .فبوضع هذه اآليات سوية مع اآليات التي تقول "بدون أعمال" ،فهمت أخيرا تعليم العهد الجديد بخصوص عالقة اإليمان واألعمال .فهمت أن الخالص ليس باألعمال فقط ،وال باإليمان فقط .ألنه ،كما يؤكد القديس 4انظر ،على سبيل المثال ،مت 51/2و 1- 4/52؛ يو52-52/11؛ أع 2/11؛ 5كو11/2؛ رؤ .15/51لم أضيئ أو أنتبه إلى هذه اآليات أبدا في كتابي المقدس من قبل.
4
رحلتي إلى الكنيسة األم
يعقوب الرسول" :وكذلك اإليمان ،فهو بغير األعمال يكون في حد ذاته ميتا" ( .)91/بكلمات أخرى ،اإليمان الحق المخلص واألعمال الحق المخلصة ال ينفصالن؛ بل هما وجهان لعملة واحدة .األعمال ضرورية للخالص تماما ألن اإليمان ضروري للخالص.
اآلباء والطريق ساهم كتاب ثالث مساهمة ثمينة في تحركي باتجاه األرثوذكسية، إنه كتاب "اآلباء الرسوليون" .ففيه اطلعت على ما كتبه قادة الكنيسة ،في أواخر القرن األول الميالدي وبدايات القرن الثاني وكثير منهم تعلموا عقيدتهم الرسل مباشرة ،وتكلموا بأمور تتعلق بما يختلف اإلنجيليون واألرثوذكس عليها .قرأت دعوة القديس أغناطيوس األنطاكي إلى اإلفخارستيا "دواء الخلود"، وحثه المسيحيين المحليين على طاعة أساقفتهم .سمعت القديس اكليمنضوس روما يجادل بخصوص التعاقب الرسولي ويصف تقسيمات خدام الكنيسة الثالثة .والحظت كيف أن كاتب "الذيذاخي :تعليم الرسل االثني عشر" يحض على استعمال الصالة الليتورجية في اإلفخارستيا ،والمعمودية بالتغطيس الثالثي ،والصوم أيام األربعاء والجمعة .قراءة هذه الكتابات تثبت ،أكثر فأكثر ،أن الهوت الكنيسة األرثوذكسية وممارستها الليتورجية هما األقرب لكنيسة الرسل من أي تقليد آخر. 2
رحلتي إلى الكنيسة األم
في ذلك الوقت ،شعرت بأنني متوافق مع األرثوذكسية .وكانت قراءتي لكتاب " الطريق :ما يجب أن يعرفه كل بروتستانتي عن الكنيسة األرثوذكسية" لمؤلفه كالرك كارلتون ،المسمار األخير الذي ُدق في نعش تحالفي مع الكنيسة المعمدانية .إنه الكتاب األكثر إقناعا باألرثوذكسية ولكنه ليس األسهل! فاإلنجيليون والبروتستانت الذين يقرؤونه يجب أن يكونوا مهيئين لما سأسميه "المحبة الفظة" ،ألن كارلتون ال يوفر أية مسلة في نقده للالهوت اإلنجيلي وتطبيقه .وأعتقد أن سبب تجاوبي الكبير مع هذا الكتاب أن مؤلفه ،كان ،قبل اهتدائه، معمدانيا جنوبيا ،وقد درس في الكلية التي درست فيها .يحاجج كارلتون ،في كتابه هذا ،بقوة ،التمايزات البروتستانتية كمبدأي "الكتاب المقدس فقط" و "اإليمان فقط" ،لصالح الالهوت والممارسة األرثوذكسيين .لعب الفصل المختص بمناقشة كارلتون لمفهوم الكنيسة دور المؤثِر األعظم علي.
الكنيسة احتفظت دوما بنظرة رفيعة للكنيسة .وأحببت ،دوما ،صور الكنيسة االستعارية التي وردت في الكتاب المقدس ،خاصة، صور جسد المسيح ،عروس المسيح ،أهل بيت هللا .مع إنني، وبسبب تأثري برعاتي وأساتذة كليتي الالهوتيين ،آمنت بأن الكنيسة إنما هي ،ليست أكثر من" ،جماعة محلية مستقلة مؤلفة 1
رحلتي إلى الكنيسة األم
من جماعة مؤمنين معتمدين ،يشتركون بعهد باإليمان وشركة اإلنجيل".5 أسقطت ،في جميع دراساتي البيبلية ،نصوصا عديدة تخص الكنيسة .ولم أعر اهتماما للنصوص التي تُظهر أن الكنيسة أكثر من مجرد جماعة مؤمنين .ففي رسالته إلى كنيسة أفسس يكتب بولس الرسول أن الكنيسة هي "جسده (المسيح) وملؤه ،وهو الذي يمأل كل شيء في كل شيء" (أفسس .) /9كان علي أن أتأمل في معنى هذا النص ،ولكني لم أفعل طوال زمني السابق. فالقديس بولس يعلم فيه أن الكنيسة ،باعتبارها جسد المسيح ،هي حضور المسيح المنظور على األرض .وباعتبار الروح القدس ساكنا فيها فإن الكنيسة تحوي ملء هللا! هذا سر لن نستطيع إدراكه كليا من وجهته السماوية :فالكنيسة تتمايز عن المسيح كما يتمايز رأس اإلنسان عن جسده ،وبالرغم من ذلك ،تبقى متحدة بالمسيح اتحادا حقيقيا وسرانيا (روحيا ،صوفيا) ،كاتحاد الجسد في مع الرأس. كذلك يستعمل الرسول بولس لغة قوية بخصوص الكنيسة في رسالته األولى إلى تلميذه تيموثاوس .فينصح تيموثاوس بأن "تعرف كيف تتصرف في بيت هللا ،أي كنيسة هللا الحية ،عمود الحق ودعامته" (9تيمو .)95/بكلمات أخرى ،ليست الكنيسة مصدر "دعامة" الحق المسيحي كله ،أي الكتاب المقدس أو التقليد المقدذس ،فحسب ،بل هي أيضا الحكم الفصل والمفسر 2ايمار ورسالة المعمدانيين ،المقالة السادسة
2
رحلتي إلى الكنيسة األم
لهذا الحق "عمود" .باعتبار كون الكنيسة مصدر الحق ،قبلت (متألما على الوقت الذي مضى ولم أكن أعرف هذه الحقيقة )، حقيقة أن الكنيسة تأتي قبل الكتاب المقدس .وهذا يتضمن أن للكنيسة الحق والقدرة على تفسير الكتاب المقدس ،وليس الكتاب المقدس( ،أو باألحرى تفسيري له) ،هو الذي يدين الكنيسة. ولكن أية كنيسة بالتحديد تلك التي يدعوها بولس الرسول عمود الحق ودعامته؟ عندما صعد يسوع إلى السموات لم يترك لنا أية كتابات أو أي نوع من مدرسة .لقد ترك وراءه شيئا واحدا فقط :الكنيسة. ووعد مرات عديدة بالكنيسة .أوال ،وعد أنه سيحمي الكنيسة عندما قال" :أبواب الجحيم لن تقوى عليها" (مت.)98/91 وثانيا ،وعد بأنه سيكون حاضرا مع الكنيسة" :ها أنا معكم، طوال األيام ،إلى انقضاء الدهر"(مت .) 2/ 8وأخيرا ،وعد أنه سوف يرشد الكنيسة بروحه القدوس ،عندما قال لتالميذه: "فمتى جاء روح الحق فهو يرشدكم إلى الحق كله ،ألنه ال يتكلم بشيء من عنده ،بل يتكلم بما يسمع ويخبركم بما سيحدث" (يو.)9 /91 كمعمداني صالح ،كنت أؤمن ،دائما ،أن كمية األخطاء التي بدأت الكنيسة تقع فيها تدريجيا ،بعد موت آخر رسول ،قد بدأت تزداد؟ كما بدأت تتقبل ،أكثر فأكثر ،اعتقادات وممارسات مضادة لتعليم المسيح والرسل (وتعاليم الكنيسة المعمدانية، بالطبع!) .ولكن األخذ بهذه اآليات حرفيا يلزمني بهجران هذا االفتراض .فإذا كان االفتراض المعمداني ،بحدوث األخطاء 2
رحلتي إلى الكنيسة األم
ق مع جسده، واالنحرافات صحيحا ،فإنه يعني إن المسيح لم يب َ وإن الروح القدس لم يرشد الكنيسة في كل الحق ،وإن أبواب الجحيم قد سيطرت عليها حقا .وللمزيد من الغرابة ،فإنني كنت أؤمن ،كمعظم اإلنجيليين ،بأن الروح القدس قد أرشد الكنيسة األولى لكي تنتقي بشكل صحيح أيا هي الكتب التي تنتمي إلى العهد الجديد ،وأيا هي المزورة .أتراه ،الروح القدس نفسه ،الذي نجح في إرشاد الكنيسة إلى األسفار المقدسة األصيلة ،قد فشل في إرشادها إلى صياغة قوانين اإليمان والعقيدة والعبادة؟ وهكذا ،مرة أخرى ،كان علي أن أجد جوابا ،على هذا السؤال الهام :أية كنيسة هي التي قصدها يسوع وبولس الرسول؟ هل الكنيسة المعمدانية؟ أيمكن أن تكون واحدة من الكنائس البروتستانتية الكثيرة؟ بالطبع كال ،ألنه لم تكن أية واحدة منها قد تأسست على يد يسوع نفسه .بالتأكيد ،سيقول معظم مؤسسي آالف الفئات البروتستانتية إن الرب كان يقودهم ليفعلوا ما فعلوا. ولكن أي شخص يمكنه أن يقول هذا ،ويوجد معلمون مزيفون كثر يقولونه .هل ،حقا ،قاد يسوع الشعب لكي يخلق انقساما في الجسد الذي صلى من أجل أن يكون واحدا (يو) 9/91؟ لم أعد أستطع تجنب الحقيقة التاريخية القائلة أن الكنيسة التي أسسها المسيح لم تنقطع أبدا عن الوجود ،حتى لو لم أكن أعلم بوجودها معظم أيام حياتي (حتى اآلن) .لم تكن الكنيسة كاملة فقط ،لسبب بسيط وهو إنها مؤلفة من كائنات بشرية خاطئة. ولكن ،وكما وعد يسوع ،حُفظت بالرغم من مئات السنين من االضطهاد والضيقات التي حلـت عليها ،ابتداء بالوثنيين وليس 9
رحلتي إلى الكنيسة األم
انتهاء بالشيوعيين ،وسائر الفئات الكارهة لها .وأكثر من هذا، الكنيسة ،بمجملها ،ككل واحد ،لم تسقط في الخطأ أو الفساد .في النهاية كان علي أن أقر بالحقيقة التي كنت أقاومها طوال أشهر: ليست الكنيسة األرثوذكسية الكنيسة األقرب من غيرها إلى كنيسة العهد الجديد ،بل هي كنيسة العهد الجديد .وكما يكتب كارلتون" :ال تحاكي الكنيسة األرثوذكسية كنيسة العهد الجديد، إنها هي كنيسة العهد الجديد".1 الح الفجر علي أخيرا فأنا لست جزءا من جسد المسيح ،الكنيسة التي أسسها الرب يسوع وأرسل روحه القدوس ليرشدها ،ملء وعمود الحق ودعامته .علي اآلن أن أختار :إما أن أواصل متابعة الحياة المسيحية خارج الكنيسة التي أسسها المسيح ،أو أُخضع نفسي لها .لقد أيقنت أنه إذا ما كان المسيح قد أرشد (ويرشد) كنيسته إلى كل الحق ،فإن أيا من المشاكل التي أواجهها مع عقيدتها أو ممارساتها فإنما هي مشاكل مع تفكيري وليست مع الكنيسة .ومع أنه مازال عندي أسئلة كثيرة ،قررت أن أخضع لحكمة الكنيسة ،واثقا من أن أسئلتي سوف تلقى أجوبتها مع الوقت. قلت لجنيفر ،بعد كل هذا الصراع" :لقد انتهى األمر .لم أعد معمدانيا!".
Clark carlton, the way: what every protestant should know about the 1 orthodox faith (salisburg, mai regina orthodox publishing, 1997), 84
11