رحلتي إلى الكنيسة الأم - الفصل الحادي عشر: مزيد من القراءة

Page 1

‫رحلتي إلى الكنيسة األم‬

‫‪11‬‬ ‫الفصل الحادي عشر‪ :‬مزيد من القراءة‬ ‫" يا رب عرّفني طرقك‪،‬‬ ‫وسبلك علّمني‪،‬‬ ‫بحقك اهدني وعلّمني‪،‬‬ ‫أنت هللا مخلّصي‪،‬‬ ‫وإ ّياك أرجو نهارا وليل"‬ ‫(مز‪.)2-4/52‬‬

‫األب بولس والقديس بولس‬ ‫حالما وصلت إلى بيت أهلي في ضواحي هيوستن الشمال ّية‪،‬‬ ‫باشرت بتمزيق الطرود التي تنتظرني‪ ،‬وبدأت قراءة الكتب‬ ‫بشراهة‪ .‬وخلل األسابيع األربعة التي قضيتها مع والديّ ‪ ،‬لم‬ ‫أ ّدخر دقيقة واحدة إال واستغليتها في البحث المشوق عن أجوبة‬ ‫ألسئلتي المتعلّقة باألرثوذكس ّية‪ .‬بالطبع‪ ،‬لم تكن جميع الكتب‬ ‫بنفس السو ّية‪ ،‬فبعضها كان مفيدا أكثر من غيره‪ .‬وأحد الكتب‬ ‫‪1‬‬


‫رحلتي إلى الكنيسة األم‬

‫الذي ساعدني‪ ،‬بشكل خاصّ ‪ ،‬كان كتاب "جواب أرثوذكسيّ‬ ‫على اإل ّدعاءات اإلنجيل ّية" لألب بولس أوكاالهان‪ .1‬يع ّدد األب‬ ‫بولس‪ ،‬في كتابه‪ ،‬االعتراضات واألسئلة التي يطرحها‬ ‫اإلنجيل ّيون على األرثوذكس ّية‪ ،‬ومن ث ّم يجيوب عليها بشكل‬ ‫مقنع‪ .‬وجدت كثيرا من أسئلتي في عداد األسئلة الموجودة في‬ ‫هذا الكتاب‪ .‬لقد ساعدني األب بولس في التغلّب على شكوكي‬ ‫المتبق ّية بشأن األرثوذكس ّية‪.‬‬ ‫قرأت أيضا كتابا نقديا ثانيا‪ ،‬بعنوان "دراسة أرثوذكسية للكتاب‬ ‫المقدس " ‪ ،‬وقد كتبه باحثون أرثوذكسيون وضمنوه تعليقات‬ ‫تفسيرية أرثوذكسية للعهد الجديد‪ .‬وقد تعجبت عند قراءته من‬ ‫طريقة تفسير الكنيسة األرثوذكسية للنصوص العديدة‪ ،‬التي‬ ‫ظننتها سابقا نصوصا مؤيدة‪ ،‬بشكل تام‪ ،‬لمبدأ اإليمان وحده‬ ‫‪ .sola fide‬ففي رسالتيه إلى روما وغالطية‪ ،‬يكرر القديس‬ ‫بولس تأكيداته على أن الخالص ال يتم بحفظ ناموس موسى بل‬ ‫باإليمان ‪ .‬وقد افترضت بدوري‪ ،‬كسائر اإلنجيليين‪ ،‬طالما أن‬ ‫الخالص هو باإليمان‪ ،‬فهو باإليمان وحده‪ .‬ومن بين نصوص‬ ‫العهد الجديد التي تبدو وكأنها تعلم هذه النظرية‪ ،‬يبدو نص‬ ‫أفسس ‪ 9-8/‬من أكثر النصوص الواضحة‪ ،‬التي حفظتها‬ ‫واستشهدت بها مئات المرات‪ .‬يؤكد القديس بولس الرسول في‬ ‫هذا النص‪" :‬ألنكم بالنعمة مخلصون‪ ،‬باإليمان‪ ،‬وذلك ليس‬ ‫‪1‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪An eastern orthodox response to evangelical claims‬‬ ‫‪The orthodox study bible‬‬ ‫انظر‪ ،‬على سبيل المثال‪ ،‬روم ‪ ،2-4/4 ،52 ،55/‬وغل ‪11/5‬‬

‫‪5‬‬


‫رحلتي إلى الكنيسة األم‬

‫منكم‪ .‬هو عطية هللا‪ ،‬ليس من أعمال كيال يفتخر أحد"‪ .‬كان هذا‬ ‫النص‪ ،‬بالنسبة لي‪ ،‬برهانا‪ ،‬بامتياز‪ ،‬على أن ليس لألعمال أي‬ ‫دور في خالص اإلنسان‪.‬‬ ‫لكن كتاب ‪( OSB‬دراسة أرثوذكسية للكتاب المقدس) ساعدني‬ ‫كي أفهم للمرة األولى في حياتي أن هناك جانبا آخر للقصة‪ .‬فكل‬ ‫النصوص المفاجئة التي تؤكد على ضرورة األعمال الصالحة‬ ‫للخالص بدت وكأنها قد برزت من ال مكان! تأمل عبارات‬ ‫يسوع التالية‪:‬‬ ‫"إذا أردت أن تدخل الحياة فاعمل بالوصايا‪(" ..‬مت‪)91/99‬‬ ‫"فيخرج الذين عملوا الصالحات إلى قيامة حياة‪ ،‬والذين عملوا‬ ‫السيئات إلى قيامة دينونة" (يو‪) 9/5‬‬ ‫"الحق الحق أقول لكم‪ :‬من عمل بكالمي ال يرى الموت أبدا"‬ ‫(يو‪)59/8‬‬ ‫وحتى في كتابي المفضل‪ ،‬رسالة بولس الرسول إلى روما‪،‬‬ ‫الذي يبدو‪ ،‬من بين سائر كتب العهد الجديد‪ ،‬أكثر من يعلم مبدأ‬ ‫"اإليمان وحده"‪ ،‬قرأت كلمات بولس الرسول التالية‪ ،‬بتركيز‬ ‫عظيم‪:‬‬ ‫"الذي سيجازي ك ّل واحد حسب أعماله‪ ،‬أ ّما الذين بصبر في‬ ‫العمل الصالح يطلبون المجد والكرامة والبقاء‪ ،‬فبالحياة‬


‫رحلتي إلى الكنيسة األم‬

‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫للحق‬ ‫التحزب‪ ،‬وال يطاوعون‬ ‫األبد ّية‪ ،‬وأ ّما الذين هم من أهل‬ ‫بل يطاوعون لإلثم‪ ،‬فسخط وغضب‪ ،‬ش ّدة وضيق‪ ،‬على ك ّل‬ ‫نفس إنسان يفعل ال ّ‬ ‫شر‪ :‬اليهوديّ أوّ الا ث ّم اليونانيّ ‪ ،‬ومجد‬ ‫وكرامة وسلم لك ّل من يفعل الصلح‪ :‬اليهوديّ أوّ ال ث ّم‬ ‫اليونانيّ "(رو‪.)11-1/5‬‬ ‫أوقعتني هذه النصوص‪ ،‬وغيرها من النصوص الموجودة في‬ ‫العهد الجديد في معضلة ‪ .‬هل من تناقض؟ هل يختلف يسوع مع‬ ‫بولس في كيفية خالص اإلنسان؟ هل يصارع القديس بولس‬ ‫مرات في تأكيده‪ ،‬ومرات في نفيه‪ ،‬لضرورة األعمال في‬ ‫الخالص؟ وأخيرا‪ ،‬ساعدني القديس يعقوب في العثور على حل‬ ‫المشكلة‪ .‬فالقديس يعقوب وحده من بين كتاب العهد الجديد الذي‬ ‫يستعمل عبارة "اإليمان وحده"‪ .‬ونجد عبارة مهمة في رسالته‬ ‫‪" : /‬ترون إذا‪ ،‬أن اإلنسان يتبرر باألعمال ال بإيمانه‬ ‫وحده"‪ .‬وقد بدت هذه اآلية‪ ،‬أكثر من غيرها‪ ،‬آية لم تحمل لي‬ ‫أبدا فهما إنجيليا بروتستانتيا‪ .‬وكان الحل الذي اعتمدته أن‬ ‫أتجاهلها هي وسائر اآليات التي ال تتناسب مع الالهوت‬ ‫المعمداني‪ .‬أما اآلن فقد فهمت أخيرا هذه اآلية والنصوص‬ ‫األخرى المتعلقة بهذا األمر‪ .‬فبوضع هذه اآليات سوية مع‬ ‫اآليات التي تقول "بدون أعمال"‪ ،‬فهمت أخيرا تعليم العهد‬ ‫الجديد بخصوص عالقة اإليمان واألعمال‪ .‬فهمت أن الخالص‬ ‫ليس باألعمال فقط‪ ،‬وال باإليمان فقط‪ .‬ألنه‪ ،‬كما يؤكد القديس‬ ‫‪ 4‬انظر‪ ،‬على سبيل المثال‪ ،‬مت‪ 51/2‬و ‪ 1- 4/52‬؛ يو‪52-52/11‬؛ أع‪ 2/11‬؛ ‪5‬كو‪11/2‬؛‬ ‫رؤ‪ .15/51‬لم أضيئ أو أنتبه إلى هذه اآليات أبدا في كتابي المقدس من قبل‪.‬‬

‫‪4‬‬


‫رحلتي إلى الكنيسة األم‬

‫يعقوب الرسول‪" :‬وكذلك اإليمان‪ ،‬فهو بغير األعمال يكون في‬ ‫حد ذاته ميتا" ( ‪ .)91/‬بكلمات أخرى‪ ،‬اإليمان الحق المخلص‬ ‫واألعمال الحق المخلصة ال ينفصالن؛ بل هما وجهان لعملة‬ ‫واحدة‪ .‬األعمال ضرورية للخالص تماما ألن اإليمان ضروري‬ ‫للخالص‪.‬‬

‫اآلباء والطريق‬ ‫ساهم كتاب ثالث مساهمة ثمينة في تحركي باتجاه األرثوذكسية‪،‬‬ ‫إنه كتاب "اآلباء الرسوليون"‪ .‬ففيه اطلعت على ما كتبه قادة‬ ‫الكنيسة‪ ،‬في أواخر القرن األول الميالدي وبدايات القرن الثاني‬ ‫وكثير منهم تعلموا عقيدتهم الرسل مباشرة‪ ،‬وتكلموا بأمور‬ ‫تتعلق بما يختلف اإلنجيليون واألرثوذكس عليها‪ .‬قرأت دعوة‬ ‫القديس أغناطيوس األنطاكي إلى اإلفخارستيا "دواء الخلود"‪،‬‬ ‫وحثه المسيحيين المحليين على طاعة أساقفتهم‪ .‬سمعت القديس‬ ‫اكليمنضوس روما يجادل بخصوص التعاقب الرسولي ويصف‬ ‫تقسيمات خدام الكنيسة الثالثة‪ .‬والحظت كيف أن كاتب‬ ‫"الذيذاخي‪ :‬تعليم الرسل االثني عشر" يحض على استعمال‬ ‫الصالة الليتورجية في اإلفخارستيا‪ ،‬والمعمودية بالتغطيس‬ ‫الثالثي‪ ،‬والصوم أيام األربعاء والجمعة‪ .‬قراءة هذه الكتابات‬ ‫تثبت‪ ،‬أكثر فأكثر‪ ،‬أن الهوت الكنيسة األرثوذكسية وممارستها‬ ‫الليتورجية هما األقرب لكنيسة الرسل من أي تقليد آخر‪.‬‬ ‫‪2‬‬


‫رحلتي إلى الكنيسة األم‬

‫في ذلك الوقت‪ ،‬شعرت بأنني متوافق مع األرثوذكسية‪ .‬وكانت‬ ‫قراءتي لكتاب " الطريق‪ :‬ما يجب أن يعرفه كل بروتستانتي‬ ‫عن الكنيسة األرثوذكسية" لمؤلفه كالرك كارلتون‪ ،‬المسمار‬ ‫األخير الذي ُدق في نعش تحالفي مع الكنيسة المعمدانية‪ .‬إنه‬ ‫الكتاب األكثر إقناعا باألرثوذكسية ولكنه ليس األسهل!‬ ‫فاإلنجيليون والبروتستانت الذين يقرؤونه يجب أن يكونوا‬ ‫مهيئين لما سأسميه "المحبة الفظة"‪ ،‬ألن كارلتون ال يوفر أية‬ ‫مسلة في نقده للالهوت اإلنجيلي وتطبيقه‪ .‬وأعتقد أن سبب‬ ‫تجاوبي الكبير مع هذا الكتاب أن مؤلفه‪ ،‬كان‪ ،‬قبل اهتدائه‪،‬‬ ‫معمدانيا جنوبيا‪ ،‬وقد درس في الكلية التي درست فيها‪ .‬يحاجج‬ ‫كارلتون‪ ،‬في كتابه هذا‪ ،‬بقوة‪ ،‬التمايزات البروتستانتية كمبدأي‬ ‫"الكتاب المقدس فقط" و "اإليمان فقط"‪ ،‬لصالح الالهوت‬ ‫والممارسة األرثوذكسيين‪ .‬لعب الفصل المختص بمناقشة‬ ‫كارلتون لمفهوم الكنيسة دور المؤثِر األعظم علي‪.‬‬

‫الكنيسة‬ ‫احتفظت دوما بنظرة رفيعة للكنيسة‪ .‬وأحببت‪ ،‬دوما‪ ،‬صور‬ ‫الكنيسة االستعارية التي وردت في الكتاب المقدس‪ ،‬خاصة‪،‬‬ ‫صور جسد المسيح‪ ،‬عروس المسيح‪ ،‬أهل بيت هللا‪ .‬مع إنني‪،‬‬ ‫وبسبب تأثري برعاتي وأساتذة كليتي الالهوتيين‪ ،‬آمنت بأن‬ ‫الكنيسة إنما هي‪ ،‬ليست أكثر من‪" ،‬جماعة محلية مستقلة مؤلفة‬ ‫‪1‬‬


‫رحلتي إلى الكنيسة األم‬

‫من جماعة مؤمنين معتمدين‪ ،‬يشتركون بعهد باإليمان وشركة‬ ‫اإلنجيل"‪.5‬‬ ‫أسقطت‪ ،‬في جميع دراساتي البيبلية‪ ،‬نصوصا عديدة تخص‬ ‫الكنيسة‪ .‬ولم أعر اهتماما للنصوص التي تُظهر أن الكنيسة أكثر‬ ‫من مجرد جماعة مؤمنين‪ .‬ففي رسالته إلى كنيسة أفسس يكتب‬ ‫بولس الرسول أن الكنيسة هي "جسده (المسيح) وملؤه‪ ،‬وهو‬ ‫الذي يمأل كل شيء في كل شيء" (أفسس‪ .) /9‬كان علي أن‬ ‫أتأمل في معنى هذا النص‪ ،‬ولكني لم أفعل طوال زمني السابق‪.‬‬ ‫فالقديس بولس يعلم فيه أن الكنيسة‪ ،‬باعتبارها جسد المسيح‪ ،‬هي‬ ‫حضور المسيح المنظور على األرض‪ .‬وباعتبار الروح القدس‬ ‫ساكنا فيها فإن الكنيسة تحوي ملء هللا! هذا سر لن نستطيع‬ ‫إدراكه كليا من وجهته السماوية‪ :‬فالكنيسة تتمايز عن المسيح‬ ‫كما يتمايز رأس اإلنسان عن جسده‪ ،‬وبالرغم من ذلك‪ ،‬تبقى‬ ‫متحدة بالمسيح اتحادا حقيقيا وسرانيا (روحيا‪ ،‬صوفيا)‪ ،‬كاتحاد‬ ‫الجسد في مع الرأس‪.‬‬ ‫كذلك يستعمل الرسول بولس لغة قوية بخصوص الكنيسة في‬ ‫رسالته األولى إلى تلميذه تيموثاوس‪ .‬فينصح تيموثاوس بأن‬ ‫"تعرف كيف تتصرف في بيت هللا‪ ،‬أي كنيسة هللا الحية‪ ،‬عمود‬ ‫الحق ودعامته" (‪9‬تيمو ‪ .)95/‬بكلمات أخرى‪ ،‬ليست الكنيسة‬ ‫مصدر "دعامة" الحق المسيحي كله‪ ،‬أي الكتاب المقدس أو‬ ‫التقليد المقدذس‪ ،‬فحسب‪ ،‬بل هي أيضا الحكم الفصل والمفسر‬ ‫‪ 2‬ايمار ورسالة المعمدانيين‪ ،‬المقالة السادسة‬

‫‪2‬‬


‫رحلتي إلى الكنيسة األم‬

‫لهذا الحق "عمود"‪ .‬باعتبار كون الكنيسة مصدر الحق‪ ،‬قبلت‬ ‫(متألما على الوقت الذي مضى ولم أكن أعرف هذه الحقيقة )‪،‬‬ ‫حقيقة أن الكنيسة تأتي قبل الكتاب المقدس‪ .‬وهذا يتضمن أن‬ ‫للكنيسة الحق والقدرة على تفسير الكتاب المقدس‪ ،‬وليس الكتاب‬ ‫المقدس‪( ،‬أو باألحرى تفسيري له)‪ ،‬هو الذي يدين الكنيسة‪.‬‬ ‫ولكن أية كنيسة بالتحديد تلك التي يدعوها بولس الرسول عمود‬ ‫الحق ودعامته؟‬ ‫عندما صعد يسوع إلى السموات لم يترك لنا أية كتابات أو أي‬ ‫نوع من مدرسة‪ .‬لقد ترك وراءه شيئا واحدا فقط‪ :‬الكنيسة‪.‬‬ ‫ووعد مرات عديدة بالكنيسة‪ .‬أوال‪ ،‬وعد أنه سيحمي الكنيسة‬ ‫عندما قال‪" :‬أبواب الجحيم لن تقوى عليها" (مت‪.)98/91‬‬ ‫وثانيا‪ ،‬وعد بأنه سيكون حاضرا مع الكنيسة‪" :‬ها أنا معكم‪،‬‬ ‫طوال األيام‪ ،‬إلى انقضاء الدهر"(مت‪ .) 2/ 8‬وأخيرا‪ ،‬وعد‬ ‫أنه سوف يرشد الكنيسة بروحه القدوس‪ ،‬عندما قال لتالميذه‪:‬‬ ‫"فمتى جاء روح الحق فهو يرشدكم إلى الحق كله‪ ،‬ألنه ال يتكلم‬ ‫بشيء من عنده‪ ،‬بل يتكلم بما يسمع ويخبركم بما سيحدث"‬ ‫(يو‪.)9 /91‬‬ ‫كمعمداني صالح‪ ،‬كنت أؤمن‪ ،‬دائما‪ ،‬أن كمية األخطاء التي‬ ‫بدأت الكنيسة تقع فيها تدريجيا‪ ،‬بعد موت آخر رسول‪ ،‬قد بدأت‬ ‫تزداد؟ كما بدأت تتقبل‪ ،‬أكثر فأكثر‪ ،‬اعتقادات وممارسات‬ ‫مضادة لتعليم المسيح والرسل (وتعاليم الكنيسة المعمدانية‪،‬‬ ‫بالطبع!)‪ .‬ولكن األخذ بهذه اآليات حرفيا يلزمني بهجران هذا‬ ‫االفتراض‪ .‬فإذا كان االفتراض المعمداني‪ ،‬بحدوث األخطاء‬ ‫‪2‬‬


‫رحلتي إلى الكنيسة األم‬

‫ق مع جسده‪،‬‬ ‫واالنحرافات صحيحا‪ ،‬فإنه يعني إن المسيح لم يب َ‬ ‫وإن الروح القدس لم يرشد الكنيسة في كل الحق‪ ،‬وإن أبواب‬ ‫الجحيم قد سيطرت عليها حقا‪ .‬وللمزيد من الغرابة‪ ،‬فإنني كنت‬ ‫أؤمن‪ ،‬كمعظم اإلنجيليين‪ ،‬بأن الروح القدس قد أرشد الكنيسة‬ ‫األولى لكي تنتقي بشكل صحيح أيا هي الكتب التي تنتمي إلى‬ ‫العهد الجديد‪ ،‬وأيا هي المزورة‪ .‬أتراه‪ ،‬الروح القدس نفسه‪ ،‬الذي‬ ‫نجح في إرشاد الكنيسة إلى األسفار المقدسة األصيلة‪ ،‬قد فشل‬ ‫في إرشادها إلى صياغة قوانين اإليمان والعقيدة والعبادة؟‬ ‫وهكذا‪ ،‬مرة أخرى‪ ،‬كان علي أن أجد جوابا‪ ،‬على هذا السؤال‬ ‫الهام‪ :‬أية كنيسة هي التي قصدها يسوع وبولس الرسول؟ هل‬ ‫الكنيسة المعمدانية؟ أيمكن أن تكون واحدة من الكنائس‬ ‫البروتستانتية الكثيرة؟ بالطبع كال‪ ،‬ألنه لم تكن أية واحدة منها قد‬ ‫تأسست على يد يسوع نفسه‪ .‬بالتأكيد‪ ،‬سيقول معظم مؤسسي‬ ‫آالف الفئات البروتستانتية إن الرب كان يقودهم ليفعلوا ما فعلوا‪.‬‬ ‫ولكن أي شخص يمكنه أن يقول هذا‪ ،‬ويوجد معلمون مزيفون‬ ‫كثر يقولونه‪ .‬هل‪ ،‬حقا‪ ،‬قاد يسوع الشعب لكي يخلق انقساما في‬ ‫الجسد الذي صلى من أجل أن يكون واحدا (يو‪) 9/91‬؟‬ ‫لم أعد أستطع تجنب الحقيقة التاريخية القائلة أن الكنيسة التي‬ ‫أسسها المسيح لم تنقطع أبدا عن الوجود‪ ،‬حتى لو لم أكن أعلم‬ ‫بوجودها معظم أيام حياتي (حتى اآلن)‪ .‬لم تكن الكنيسة كاملة‬ ‫فقط‪ ،‬لسبب بسيط وهو إنها مؤلفة من كائنات بشرية خاطئة‪.‬‬ ‫ولكن‪ ،‬وكما وعد يسوع‪ ،‬حُفظت بالرغم من مئات السنين من‬ ‫االضطهاد والضيقات التي حلـت عليها‪ ،‬ابتداء بالوثنيين وليس‬ ‫‪9‬‬


‫رحلتي إلى الكنيسة األم‬

‫انتهاء بالشيوعيين‪ ،‬وسائر الفئات الكارهة لها‪ .‬وأكثر من هذا‪،‬‬ ‫الكنيسة‪ ،‬بمجملها‪ ،‬ككل واحد‪ ،‬لم تسقط في الخطأ أو الفساد‪ .‬في‬ ‫النهاية كان علي أن أقر بالحقيقة التي كنت أقاومها طوال أشهر‪:‬‬ ‫ليست الكنيسة األرثوذكسية الكنيسة األقرب من غيرها إلى‬ ‫كنيسة العهد الجديد‪ ،‬بل هي كنيسة العهد الجديد‪ .‬وكما يكتب‬ ‫كارلتون‪" :‬ال تحاكي الكنيسة األرثوذكسية كنيسة العهد الجديد‪،‬‬ ‫إنها هي كنيسة العهد الجديد"‪.1‬‬ ‫الح الفجر علي أخيرا فأنا لست جزءا من جسد المسيح‪ ،‬الكنيسة‬ ‫التي أسسها الرب يسوع وأرسل روحه القدوس ليرشدها‪ ،‬ملء‬ ‫وعمود الحق ودعامته‪ .‬علي اآلن أن أختار‪ :‬إما أن أواصل‬ ‫متابعة الحياة المسيحية خارج الكنيسة التي أسسها المسيح‪ ،‬أو‬ ‫أُخضع نفسي لها‪ .‬لقد أيقنت أنه إذا ما كان المسيح قد أرشد‬ ‫(ويرشد) كنيسته إلى كل الحق‪ ،‬فإن أيا من المشاكل التي‬ ‫أواجهها مع عقيدتها أو ممارساتها فإنما هي مشاكل مع تفكيري‬ ‫وليست مع الكنيسة‪ .‬ومع أنه مازال عندي أسئلة كثيرة‪ ،‬قررت‬ ‫أن أخضع لحكمة الكنيسة‪ ،‬واثقا من أن أسئلتي سوف تلقى‬ ‫أجوبتها مع الوقت‪.‬‬ ‫قلت لجنيفر‪ ،‬بعد كل هذا الصراع‪" :‬لقد انتهى األمر‪ .‬لم أعد‬ ‫معمدانيا!"‪.‬‬

‫‪Clark carlton, the way: what every protestant should know about the 1‬‬ ‫‪orthodox faith (salisburg, mai regina orthodox publishing, 1997), 84‬‬

‫‪11‬‬


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.