رحلتي إلى الكنيسة األم
الفصل الثالث عشر :األرثوذكس في القلب "حيث يكون كنزكم يكون قلبكم" (لو)43 /11
تحت الغطاء اتفقنا ،قبل أن نغادر إلى أميركا في كانون األول ،جنيفر وأنا ،مع زميلَي فريقنا ،بوب وميالني ،أن نواصل دراسة األرثوذكسيّة وأن نتابع الصالة ليكشف لنا هللا مشيئته بخصوص متابعتنا الطريق نحو األثورذكسيّة. واجتمعنا نحن األربعة ،بعد انتهاء الرياضة الروحيّة لنتناقش في ما تعلّمناه .وقد أُصبنا ،أنا وزوجتي ،بالخيبة حينما علمنا أنّ صديقينا العزيزين كان يبتعدان عن األرثوذكسيّة في حين ك ّنا نحن نقترب منها. فبينما ك ّنا نحن جاهزين لالهتداء بأسرع ما يمكن كانا هما ما يزاالن في غمرة كثير من األسئلة والشكوك .وكثير من األجوبة التي وجدناها نحن على أسئلتنا حول الكنيسة لم يجدها كل من بوب وميالني مقنعة لهما.
1
رحلتي إلى الكنيسة األم
دخلت وبوب بعد اجتماعنا مباشرة في محادثة طويلة كشفت له فيها إ ّنني وزوجتي ال نرغب بالدخول في األرثوذكسيّة فقط بل أشعر أيضًا بأنّ هللا يدعوني ألصير كاه ًنا .وفاجأني بأ ّنه لم يندهش من كالمي ،وأظن أ ّنه كان يتو ّقع مثل هذا .كان عليه أن يذهب وعائلته إلى براغ لمدة ثالثة أسابيع ليشارك في مؤتمر تدريبيّ طويل هناك .شجّ عني كي أصلّي وأف ّكر فيما أنا مُقدم عليه .ووعدته أن أفعل.
خالل شباط وفي غياب بوب وميالني تابعت القيام بمسؤولياتي على أفضل وجه وأنا أعتبر في قلبي أنني اآلن أرثوذكسيّ تا ّم .وبدأت ممارسة نظام الصالة الليتورجيّة األرثوذكسيّة ،أحضر الق ّداس اإللهيّ بقدر ما أستطيع ،وأتابع القراءة في Orthodox Study Bibleوكتب أخرى عن ّ بالتمزق بين أرثوذكسيّتي المخفيّة وعملي كمبشر األرثوذكسيّة .وشعرت معمدانيّ . شعر جزء م ّني بأ ّنني وجنيفر يجب أن نعود إلى بلدنا ونبدأ للحال عمليّة االهتداء عل ًنا .وكانت جنيفر توافق على هذا التوجّ ه .لكن الناحية العمليّة كانت تقلقني .فجنيفر وأنا ك ّنا في وضع ماديّ جيّد ،وك ّنا قادرين على توفير بعض المال شهريًا .وكما كان حالنا حينما في ساوث كاروالينا حينما كنت أف ّكر في ترك العمل وااللتحاق بدراسة الالهوت ،وتأ ّكدت من عدم وجود عمل لي إذا ما عدت إلى الواليات المتحدة .كيف سأعيل نفسي و عائلتي التي تكبر (ك ّنا بانتظار ولدنا الثالث) إذا ما تركت حقل التبشير؟ لألسف ،نسيت الدروس التي علّمني هللا إيّاها خالل السنوات الثمان الماضية في كيفيّة اعتنائه باحتياجاتنا. 1
رحلتي إلى الكنيسة األم
وهكذا قرّ رت أن أبقى أرثوذكس ًّيا "تحت الغطاء" في الخفية وأتابع عملي تحدي ًدا كم ّبشر معمدانيّ .وكان هذا قرارً ا قاسيًا ج ًّدا له تبعات غير ممكنة. فعلى سبيل المثال ،إذا ما قدت صرب ًّيا غير مؤمن إلى المسيح ،فأيّة كنيسة عليّ أن أوّ جّ هه إليها وأ ّ شجعه على االنضمام لها؟ .بالتأكيد لن تكون ّ مخططي "الخفيّ " هذا مع ّق ًدا بما فيه الكفاية، الكنيسة المعمدانيّة! وكان وذلك لسببين :األول أ ّنني كنت قد استلمت دور اإلشراف في التبشير، والثاني أنّ عائلة جديدة مبّشرة كانت ستأتي لتنضّم إلى فريقنا في شهر آذار القادم .وسيكون الزوجان تحت إشرافي .وكما قالت جنيفر سيكون عليّ أن أحمل "العلم" المعمدانيّ وأقود فري ًقا،
التقاعد بعد المكالمة ،افترض تيد أن السبب وراء عدم ذهابي إلى براغ إنما هو قراري بعدم قبول دور المشرف .وكان مصيبا ً .ولكنه لم يكن مهيأ ً أبداً ألن يسمع السبب الحقيقي الذي يكمن وراء رفضي. بعد عدة أيام من مكالمتنا ،توجهت وجنيفر إلى زغرب ،كرواتيا أللتقي تيد وزوجته تيريزا .وبعد حديث قصير مرتبك نوعا ً ما ،قلت له" :لن أتكلم مواربة يا تيد .الحقيقة أنني وجنيفر درسنا الكنيسة األرثوذكسية ،وقررنا أن نصير أرثوذكس .لذلك ،سوف نستقيل من خدمتنا كمبشرين ونعود إلى الواليات المتحدة".
4
رحلتي إلى الكنيسة األم
صعقه كالمي .وأظن أنه ما كنا لينصعق أكثر لو سمع أنني قتلت خمسين إنسانا ً وأتيت إليه في زغرب هربا ً من شرطة بانجالوكا! لم يجد ما يقوله للوهلة األولى .ولكنه أخيراً ،بدأ يكلمنا في األمر .ويعدد اعتراضاته على األرثوذكسية واحداً بعد اآلخر ،وأجيب عليها بأفضل ما عندي .وتمحورت اعتراضاته على ما واجهته مسبقا ً مع جنيفر ووجدنا أجوبته .كانت مشكلته الكبرى مع األرثوذكسية أنها ال تقبل أيا ً من المبادئ الكالفنية الخمس! وقد خرج من الغرفة مرة ليعودها حامالً ورقة كان قد كتبها في الكلية الالهوتية حول أخطاء األرثوذكسية المزعومة .غني عن القول أننا لم نجدها ورقة مقنعة. بعد حوالي الساعة تأكد لتيد أنه يجب أال يكلمنا في أمر تحولنا إلى األرثوذكسية بعد ،فغيّر تكتيكه .وبدأ يحاول إقناعنا بالبقاء بالرغم من أننا أرثوذكسيا القلب – الفكرة ذاتها التي تفكرت بها ورفضتها أخيراً .لن أنسى أبداً ما قاله لي ،وكانت دموعه على وشك الهطول" :لقد استطعت أن تبدأ الفرع األرثوذكسي لهيئة التبشير العالمية" .لمست نفسينا محاولته المثابرة على إبقائنا حيثما نحن ،لكننا كنا قد قررنا أنها فكرة غير قابلة للتحقيق. عبّرنا له عن أسفنا للمغادرة كما أنه هو متأسف لرؤيتنا نغادر .وأخيراً كفّ ،وطلب منا طلبا ً واحداً :أال نخبر أحداً سبب مغادرتنا حتى نصل إلى الواليات المتحدة .أراد أوالً أن يحمينا من األسئلة المتوالية التي ستنهار علينا ومن اإلهانات المحتملة التي قد نتعرض لها من الزمالء ،وثانيا ً أن يتأكد أن هيئة التبشير لن تضعف .ولم نكن نرغب بدورنا بالقيام بأي شيء يمكن أن يؤذي زمالئنا ،فوافقنا بطيبة خاطر.
3
رحلتي إلى الكنيسة األم
طلبنا منه مهلة ستة أسابيع لنبيع معظم أغراضنا ،ونوضب الباقي ،ونودع جميع أصدقائنا .وافق ببشاشة وتمنى لنا الخير .ومع أنه لم يفهم لماذا أردنا أن نفعل ما نحن فاعلوه إال أنه بقي داعما ً لنا ولطيفا ً. بعد حديثنا مع تيد وتيريزا لمدة ساعتين ،عدنا بسيارتنا إلى بانجالوكا، سعداء وشاعرين بأن العقبة الصعبة قد أزيلت من أمامنا .واآلن وجب علينا أن نواجه مهمة صعبة أخرى وهي استعدادنا لتغيير جذري آخر في حياتنا .سوف نبدأ من جديد مرة أخرى.
الرحيل األخير بدأت وزوجتي للمرة الحادية عشرة من سنوات زواجنا عملية توضيب أغراضنا ونقلها .كنا نملك هذه المرة أشياء أكثر من قبل ،ألننا وللمرة األولى في حياتنا الزوجية ،كنا قد خططنا للبقاء مدة طويلة في مكان واحد .وكنا قد فرشنا بيتنا بما يلزم ،وعلينا اآلن أن نتخلص مما وضعناه فيه .حمداً هلل فقد اشترت العائلة الجديدة التي أتت إلى بانجالوكا لتعمل في حقل التبشير كل عفشنا تقريبا ً .كانوا هم بحاجة ألثاث وكنا بحاجة للتخلص منه ،وهكذا تم األمر بسالسة. بعد أن أتممنا كل مستلزمات رحلة العودة ،واجهنا المهمة المربكة ،مهمة إخبار أصدقاءنا بأننا راحلون ،ولكن دون شرح السبب .كشفنا عن خبر
5
رحلتي إلى الكنيسة األم
استقالتنا تدريجياً ،حتى نقصر مدة الوقت الصعب ،بين زمن إذاعة الخبر وزمن الرحيل. تستقيل العائالت األميركية العاملة في حقل التبشير عادة ،وتعود إلى موطنها ألسباب معروفة ،كالفشل في التأقلم في البيئة الجديدة ،أو ذهاب األوالد إلى الجامعة ،مشاكل صحية أو مالية ،يلوك غير قانوني أو أخالقي ،أو (وهذا غالبا ً) مشاكل زوجية .كان الجميع يعرف أن السببين األولين ال ينطبقان علينا ،وكان مؤلما ً علينا أن نؤكد لكل واحد أن األسباب األربعة األخرى ،ال تنطبق علينا أيضا ً .حتى اضطررنا أخيراً للقول" :نحن نغادر ولكننا ال نستطيع إخباركم السبب .ثقوا بنا فكل شيء حسن في الواقع" .ال أدري بماذا فكر أي منهم ،لكنني واثق من أن أيا ً منهم لم يخطر بباله أن نريد ان نصبح أرثوذكس .فيما بعد ،وبعد وصولنا إلى بلدنا روينا القصة كاملة ،تأكد شكي ،بأنه ما من أحد ذهب فكره صوب هذه الحقيقة. ما كان أسوأ من اإلرباك بعدم قدرتنا على إخبارهم عن سبب رحيلنا هو الحزن العميق الذي شعرنا به عند مغادرة البلد والناس الذين أنمينا معهم روابط المحبة .يا لسخرية األقدار ،فإن تبني تقليدهم اإليماني (المعمداني) أنتج فينا أن نغادرهم .بعد سنة ونصف من البحث والتساؤل "وصلنا" أخيراً بكل معنى الكلمة .وما نزال نثق بأن هللا سوف يعطينا في عودتنا أمثر مما أعطانا من قبل ،وهذا ما صار بالضبط. كنت بحاجة إليجاد عمل جديد ،لوقت ما على األقل ،وكان الحقل الوحيد الذي أستطيع الدخول فيه بسهولة ،وبدون انزعاج وتكاليف دراسة جديدة، هو التعليم في المدارس ،ومع أنني كنت قد علّمت في مدرسة خاصة لمدة 6
رحلتي إلى الكنيسة األم
ثالث سنوات ،إال أ،ني علمت أنني يجب أن أدخل إلى مدرسة حكومية حتى أستطيع إعالة عائلتي .وألنني لم أكن حاصالً على شهادة تعليم حكومية ،لزمني أن أجد طريقة ألحصل على هذه الشهادة .فتشت في عدة مدارس في تكساس عن برامج تأهيل معلم بديل .ولكن مان وقت بدء هذه الدورات قد بدأ من خريف 1001في جميع مدارس نواحي تكساس إال في واحدة .وكانت ،للغرابة ،في ضاحية من هيوستن حيث تابعت دراستي مرة فيها .وهكذا ،وبواسطة البريد اإللكتروني أجريت مقابلة مع مدير برنامج "المعلم البديل" ،وتمت المقابلة بعد أيام معدودة من وصولنا إلى أميركا. في األول من نيسان ودعنا زمالءنا وأصدقائنا البوسنيين للمرة األخيرة. وغادرنا بانجالوكا للمرة األخيرة والدموع في عيوننا ،واستقلينا السيارة إلى زغرب .قضينا الليل في زغرب في مضيف اإلرسالية و ركبنا الطيارة في الصباح .لقد عاملنا ،حقاً ،زمالؤنا وكل فريق هيئة اإلرسالية بشكل حسن جداً .مع أنهم كانوا يحبون أن نرحل ولم يوافقوا بالتأكيد على موقفنا الالهوتي الجديد .إال أنهم تعاملوا معنا بمنتهى اللطف والمحبة واللياقة المسيحية .لن أسمح أبداً ألحد أن يتكلم بسوء عن المعمدانية الجنوبية ،خصوصا ً عن إرساليتها ،بحضوري ،ومع أني ال أوافقهم الرأي في الالهوت والتطبيق ،إال أنني أعتقد أن الغالبية العظمى منهم أناس طيبون يحبون هللا ،ويريدون خدمتهم بأفضل ما يعرفون .ولوال الكنيسة المعمدانية ،لما كنت أبداً قد أحببت الرب والكتاب المقدس .وما كنت أبداً قد صرت مبشراً ،وبعملي هذا اكتشفت الكنيسة األرثوذكسية .فقد كان الوقت الذي قضيته وكذلك جنيفر في الكنيسة المعمدانية هو بالتأكيد
7
رحلتي إلى الكنيسة األم
الوقت الذي استعمله هللا كزمن تهيئة لدخولي في الكنيسة المقدسة الجامعة الرسولية. المست عجالت طيارتنا أرض مطار داالس في اليوم ذاته الذي أقلعت فيه من مطار زغرب .استقبلنا أهل جنيفر وأقلتنا أختها إلى بيتهم في تكساركانا .كنا ممتنين لوصولنا بالسالمة إلى الواليات المتحدة .لقد بقي أمامنا مهمة بسيطة – البدء بحياتنا.
8