الاقتصاد الإسلامي.. هل هو المخرج؟

Page 1

‫القتصاد السلمي‪ ..‬هل هو المخرج؟‬ ‫عبد الحميد الغزالي‬ ‫يتكون القتصاد السلمي المعاصر من شقققين‪ :‬حقيقققي ومققالي‪ ،‬ويتمثققل الشققق الحقيقققي مققن‬ ‫القتصاد العيني‪ ،‬أي القطاعات التنتاجية – السلعية والخدمية‪ -‬من زراعة وتعدين وصناعة وتشييد‬ ‫وبناء وصحة وتعليم وتنقل وتخزين وغيرها‪ .‬ويتشكل المالي من النظقام المصقرفي‪ ،‬القذي يشقم‬ ‫البنك المركزي والمؤسسات النقدية‪ ،‬أي‪ :‬البنوك وشركات التأمين وسوق المققال‪ .‬وتتكققون البنققوك‬ ‫من بدورها من بنوك تجارية وبنوك متخصصة "استثمارية" بالساس‪ ،‬وأي خلل في أحد الشقققين‬ ‫ينتقل بالضرورة إلى خلل مماثل بل أعمل في الشق الخر‪.‬‬ ‫وينتهي المر‪ ،‬إذا لم تعالج هذه الختللت بصورة جادة وشاملة‪ ،‬إلى دخول القتصاد في حالة‬ ‫"ركود" حاد‪ ،‬تزداد حدة مع الزمن‪ .‬ولعل هذا ما حدث ويحدث الن للقتصاد العالمي‪.‬‬ ‫فنحن تنعلم أن النظام المصرفي بالنسبة للقتصاد المعاصر بمثابة القلب من الجسد‪ ،‬وأن النقود‪،‬‬ ‫أي‪ :‬السيولة‪ ،‬تعد بمثابة الدم الذي يضخه القلب المصرفي في عروق‪ ،‬أي أتنشطة‪ ،‬هذا الجسد‬ ‫القتصادي‪ .‬ولضمان هذه الوظيفة الحيوية والحياتية يفترض أن تخضع كافة المؤسسات النقدية‬ ‫لشراف ورقابة البنك المركزي‪ .‬فالعمل المصرفي يقوم بصفة رئيسية على "الوساطة المالية"‬ ‫بين المدخرين والمستثمرين‪ ,‬ويتأسس هذا العمل على "قواعد" الفن المصرفي‪ .‬ومن هنا‪،‬‬ ‫تأتي الهمية القصوى لدور البنك المركزي في التأكد من حرص المؤسسات النقدية على اللتزام‬ ‫بهذه القواعد‪.‬‬ ‫قواعد الفن المصرفي‬

‫تشخيص الزمة‬ ‫محاولت المعالجة‬ ‫البديل السلمي للمعالجة‬ ‫طبيعة القتصاد السلمي‬ ‫الربا والفائدة المصرفية‬ ‫جدوى آلية سعر الفائدة‬ ‫التمويل السلمي‪ ..‬طبيعة عمل البنوك‬ ‫صيغ وأساليب الستثمار السلمي‬ ‫جدوى التمويل السلمي‬

‫قواعد الفن المصرفي‬


‫وتشمل هذه القواعد‪ :‬المواءمة بين الثقة أو السيولة من تناحية‪ ،‬والعائد أو الربحية من تناحية‬ ‫أخرى‪ .‬فالبنك كمشروع اقتصادي يجب أن يحقق ربحا لصحابه المساهمين‪ ،‬وكمشروع‬ ‫اقتصادي من تنوع خاص بحسب طبيعة تنشاطه‪ ،‬وهي التعامل في "الئتمان"‪ .‬أو "التمويل"‪،‬‬ ‫يجب أن يحافظ على حد معين من السيولة في أصوله حتى يكتسب ثقة المتعاملين معه بأتنه‬ ‫يستطيع أن يلبي طلباتهم بالدفع تنقدا عند الطلب‪ ،‬أو بعد ترتيبات معينة‪ :‬وعليه وفقا لهذه‬ ‫القاعدة‪ ،‬يشكل البنك مجموع أصوله بما يضمن له السيولة الكافية مع الربح المناسب‪ ،‬وعادة ما‬ ‫تتراوح تنسبة الصول السائلة ما بين )‪ (%30‬إلى )‪ (%40‬من مجموع الصول الكلية للبنك‪.‬‬ ‫وتتمثل القاعدة الثاتنية في إدارة "جيدة" لمخاطر الئتمان أو التمويل‪ .‬فبالنسبة قليلة السيولة أو‬ ‫المثمرة‪ ،‬يجب على البنك أن يتوخى في تكوينها تقليل المخاطر قدر المكان‪ .‬فيكون محفظة‬ ‫أوراقه المالية من أوراق "جيدة" ويختار عملءه "المقترضين" أو "المشاركين" بدقة وفقا‬ ‫لمعايير معروفة من استعلم عن العميل‪ ،‬خاصة مركز المالي وسمعته الئتماتنية أو المالية‪ ،‬بل‬ ‫سمعته الشخصية بالضافة إلى أخذ ضماتنات كافية‪ ،‬أي رهن يغطي قيمة القرض أو التمويل‪،‬‬ ‫إن لم يزد عنها‪ ،‬للرجوع إليه عند عدم السداد في تاريخ الستحقاق‪ ،‬هذا ما يطلق عليه‪" :‬إدارة‬ ‫مخاطر الئتمان أو التمويل"‪.‬‬ ‫وأخيرا‪ ،‬تعني القاعدة الثالثة لضمان إدارة رشيدة للبنك أن تكون موارده الذاتية‪ ،‬أي رأس ماله‬ ‫المدفوع والحتياطات والمخصصات‪" ،‬كافية لمقابلة المخاطر المحتملة لقروض أو "التزامات"‬ ‫رديئة‪ ،‬أي مشكوك فيها أو معدومة‪ ،‬على أن تشكل هذه الموارد تنسبة تتراوح بين )‪ (%8‬إلى )‬ ‫‪ (%15‬من إجمالي الصول عالية "المخاطر"‪.‬‬ ‫إذا‪ ،‬من أهم وظائف البنك المركزي الشراف والرقابة على أن البنوك تتقيد بهذه القواعد‪ ،‬وتلتزم‬ ‫بصرامة في عملها بهذا المتطلبات‪ ،‬سواء أكاتنت بنوكا تقليدية‪ ،‬أو إسلمية‪ .‬وتنسمي هذه القواعد‬ ‫في العرف المصرفي بعناصر أو قواعد "الفن المصرفي" أو السياسات المصرفية‪ .‬وعليه‪ ،‬هذه‬ ‫السياسات هي‪ :‬سياسة إدارة السيولة والربحية‪ ،‬وسياسة إدارة مخاطر الئتمان أو التمويل‬ ‫وسياسة كفاية رأس المال‪.‬‬

‫تشخيص الزمة‬ ‫والزمة التي يعيشها العالم الن وبعامة‪ ،‬وتعيشها الوليات المتحدة المريكية وأوربا الغربية‬ ‫بخاصة‪ ،‬تنجمت عن عدم اللتزام غير المسؤول‪ ،‬بل المتعمد‪ ،‬بهذا المتطلبات من قبل البنوك‪،‬‬ ‫وبخاصة بنوك الستثمار‪ ،‬ومن الهمال غير المسؤول بل عدم الكتراث الذي يكاد يكون متعمدا‬ ‫طوال السنوات السبع الماضية‪ ،‬بحجة "حرية" العمل المصرفي أو عدم التنظيم "ديريجيولشن"‬ ‫من قبل الحتياطي الفيدرالي‪ ،‬أي‪ :‬البنك المركزي المريكي والبنوك المركزية الوروبية‪ ،‬في‬


‫القيام بواجباتها الشرافية والرقابية والتفتيشية‪ ،‬لدرجة أن غالبية العمل المصرفي أي أكثر من )‬ ‫‪ (%75‬كان يتم "خارج الميزاتنية"‪ ،‬أي بعيدا عن أية رقابة‪ ،‬إعمال لليبرالية الجديدة‪ ،‬وتوافق‬ ‫"واشنطن"‪.‬‬ ‫ومن ثم‪ ،‬وقعت الزمة المالية الحادة في القتصاد المريكي‪ ،‬والتي امتدت إلى القتصاديات‬ ‫الوروبية‪ ،‬فاقتصاديات آسيا واليابان والصين‪ ،‬ثم القتصاديات النامية وتنذر الزمة‪ ،‬رغم خطط‬ ‫التنقاذ‪ ،‬بعد أن دخلت هذا القتصاديات في مرحلة "ركود" حاد بكساد عالمي يصغر أمامه تماما‬ ‫"الكساد العالمي العظيم" في أواخر العشرينات وأوائل الثلثينات من القرن الماضي‪.‬‬ ‫فجريا وراء أقصى ربح وأسرعه أفرطت المؤسسات النقدية وبخاصة بنوك الستثمار في تقديم‬ ‫كم ضخم للغاية من القروض للفراد في مجال الرهن العقاري بالذات دوتنما دراسات‬ ‫استعلمية تذكر عنهم ودون اعتبار للسيولة وكفاية رأس المال مما أدى إلى تعثر الكثير من‬ ‫المقترضين عن السداد في الوقت الذي اتنخفضت فيه أسعار العقارات ومن ثم غرق المواطنون‬ ‫في الديون واتنتزعت البيوت منهم مما أدى إلى زيادة العرض فمزيد من اتنخفاض في أسعار‬ ‫العقارات وعليه أصبحت المؤسسات النقدية على مشارف الفلس‪.‬‬ ‫وساعد على هذا الوضع المتأزم العديد من العوامل أهمها‪:‬شبه غياب الرقابة من قبل السلطات‬ ‫النقدية على العمل المصرفي خاصة بنوك الستثمار والتي لم تتقيد بالقواعد المصرفية رغم‬ ‫علم السلطات بهذه الحقيقة‪.‬اشتداد المضارات أي‪:‬المقامرات المحمومة في "وول ستريت"‬ ‫وأسواق المال في أوروبا وبقية دول العالم والتي تصاعدت بل ضابط ول رابط ول منطق مما‬ ‫أدى على تقلص الثقة في السوق وبالتالي في القتصاد‪.‬‬ ‫اتنتشار استخدام أدوات مالية مبتكرة لمقابلة جشع البنوك الستثمارية وتلبية تنهمها لتحقيق أقصى‬ ‫الرباح من خلل الستثمار المالي الورقي دوتنما ارتباط يذكر بالقتصاد العيني‪ .‬هذه الدوات‬ ‫المالية هي المشتقات‪ :‬المستقبليات والخيارات والتحوطات ضد تغيير سعر الفائدة )الربا( أي‬ ‫المتاجرة في المخاطر‪ .‬فقامت البنوط باستخدام هذه الدوات ببيع القروض العقارية وغيرها‬ ‫من القروض المشكوك فيها في شكل أوراق مالية وباشتقاق أوراق مالية أخرى من هذه‬ ‫الوراق وهكذا العدد من المرات من خلل عملية "توريق" أو "تسنيد" لديون عقارية رديئة أصل‪:‬‬ ‫ومن ثم بيع مال ُيملك‪ ،‬وبيع الدين بالدين من خلل فائدة ربوية و"غرر"‪ ،‬أي‪ :‬جهالة كبيرة‪.‬‬ ‫فساد الدارة العليا في كثير من هذه المؤسسات مما جعلها ل تهتم كثيرا بالقواعد المصرفية قدر‬ ‫اهتمامها بالمرتبات والمزايا الخيالية التي تتقاضاها وتتمتع بها )مثال على ذلك مرتبات ومكافآت‬ ‫رئيس بنك "ليمان براذر" والتي بلغت ‪ 486‬مليون دولر عن عام ‪ 2007‬وعملية "مادوك" في‬ ‫النصب الستثماري والتي بلغت ‪ 50‬مليار دولر(‪.‬‬


‫هذه العوامل أدت إلى تورم اقتصادي خادع ومخادع ولد "فقاعة" مالية هائلة اتنفجرت في بنوك‬ ‫الستثمار والرهن العقاري وامتد صداها في صورة زلزال مالي في أسواق الوراق المالية على‬ ‫مستوى العالم لدرجة أن البعض وصف هذا التنفجار بأتنه "بيرل هاربر اقتصادية"‪ .‬وسقط مبدأ‬ ‫"الدولة الحارسة"‪ ،‬غير المتدخلة وتدخلت الحكومات لتنقاذ ما يمكن إتنقاذه من خلل التأميم أو‬ ‫المساتندة المالية المباشرة‪ ،‬ومع ذلك بلغت البنوك التي أفلست تنحو عشرين بنكا وأكثر من )‪(70‬‬ ‫شركة رهن عقاري في التجربة الميركية وحدها‪ ،‬واتنتقلت عدوى التأميمات والفلسات إلى دول‬ ‫أوروبا الغربية‪ ،‬وبخاصة إتنجلترا وألماتنيا وفرتنسا وإيطاليا ولكسمبرج وأيسلندا‪ ،‬ثم في بقية دول‬ ‫العالم بدرجات تتفاوت من حيث الحدة وفقا لرتباطها بقاطرة القتصادي العالمي‪ ،‬وهو‬ ‫القتصاد الميركي‪.‬‬ ‫ووصل النظام المصرفي الميركي في النهاية إلى درجة من فقدان "الثقة" أدت إلى حالة "تجمد‬ ‫ائتماتني" فل يوجد أي إقراض أو اقتراض بين البنوك‪ ،‬ول يوجد أي إقراض لقطاع العمال أو‬ ‫المستهلكين‪ ،‬ومن ثم‪ ،‬توجد حالة شلل يكاد يكون كامل في التيارات النقدية "المحركة" للتيارات‬ ‫الحقيقية‪ ،‬أي للنشاط القتصادي العيني خاصة‪ ،‬إذا أضفنا على ذلك الحجام شبه الكامل من‬ ‫المستهلك الميركي عن التنفاق خوفا من المستقبل‪ ،‬واحتياطا للطوارئ‪.‬‬ ‫وهنا كاتنت بداية التنهيار الكبير‪ ،‬ليس في أسواق المال فحسب‪ ،‬وإتنما أيضا في أساسيات‬ ‫القتصاديات‪ ،‬أي القتصاديات العينية‪ .‬ولقد ظهر ذلك بوضوح شديد في صناعة مفصلية‪ ،‬وهي‬ ‫صناعة السيارات‪ ،‬في التجارب الميركية والتنجليزية والياباتنية واللماتنية واليطالية والفرتنسية‪.‬‬ ‫ووصل مثل عدد العاطلين في القتصاد الميركي‪ ،‬منذ اتنفجار الزمة وحتى الن ما يقرب من‬ ‫خمسة مليون عاطل‪ ،‬وفي القتصاد الصيني تنحو ثلثين مليون عاطل‪.‬‬

‫محاولت المعالجة‬ ‫ولعل هذا الذي دفع حكومات دول العالم إلى التدخل لمحاولة الحد من الثار السلبية الحادة‬ ‫على القتصاد والمجتمع‪ ،‬ففي التجربة الميركية‪ ،‬كاتنت خطة التنقاذ في أواخر ولية "بوش" ثم‬ ‫تبعتها خطة "أوباما"‪ .‬وبلغ إجمالي الخطتين ما يقرب من )‪ (1.5‬تريليون دولر‪ ،‬فإذا أضفنا )‪(1.5‬‬ ‫تريليون دولر مساعدات إتنقاذ لبنوك وشركات تأمين‪ ،‬وما يقرب من تريليون دولر لمساعدة‬ ‫الوحدات التنتاجية في القتصاد العيني‪ ،‬تكون الموال التي ضخت ويتوقع ضخها في القتصاد‬ ‫الميركي تنحو )‪ (4‬تريليون دولر‪ .‬وتم ضخ ما يقرب من هذا القدر في القتصاديات الوروبية‬ ‫وبقية اقتصاديات العالم‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فهذه السياسات التنقاذية‪ ،‬في رأي كثير من المتخصصين‪ ،‬ل‬ ‫تعالج جذور الزمة ومسبباتها‪ ،‬وإتنما تتصدى لعراضها ومظاهرها‪ ،‬وبالتالي قد ل تحدث الثر‬ ‫المطلوب والمأمول‪.‬‬


‫وتتلخص جذور الزمة في فوضى الجهاز المصرفي‪ .‬وعليه‪ ،‬لعادة التنضباط إلى هذا الجهاز‬ ‫كي يؤدي وظيفته الحيوية يجب تقويم وتطوير قواعد عمل الوحدات المصرفية وأدوات الرقابة‬ ‫عليها‪ ،‬ومحاسبة المسئولين عن هذه الزمة‪ ،‬ثم العودة إلى سياسات مصرفية منضبطة حول‬ ‫السيولة والعائد‪ ،‬ومخاطر الئتمان‪ ،‬وكفاية رأس المال‪ ،‬ووقف المضاربات‪ ،‬أي المقامرات‪،‬‬ ‫وبخاصة المشتقات والستمرار في ضخ السيولة في شرايين القتصاد حتى ل تنهار أساسيات‬ ‫القاعدة التنتاجية‪.‬‬ ‫تنحن هنا ل تنتكلم عن بازل )‪ (1‬وبازل )‪ ،(2‬ولكننا بالقطع تنتكلم عن بازل جديدة تماما‪ ،‬وعن‬ ‫تنظام مالي عالمي جديد‪.‬‬ ‫إذ أن الزمة تجاوزت "كل" الترتيبات السابقة‪ ،‬بما في ذلك اتفاقية "بريتون وودز"‪ ،‬والتي كاتنت‬ ‫تهدف إلى تحسين أداء التنظمة المصرفية‪ ،‬والنظام المالي العالمي‪ .‬ولعل القمم الوروبية‪،‬‬ ‫والوروبية السيوية‪ ،‬والوروبية الميركية مع بعض الدول النامية‪ ،‬وأخيرا قمة مجموعة العشرين‬ ‫لبحث الصلح المصرفي والمالي في العالم تسير إلى هذا التجاه‪.‬‬ ‫ولقد جاءت بالذات قرارات قمة مجموعة العشرين التي عقدت أخيرا‪" ،‬إبريل ‪ ،"2009‬في لندن‬ ‫لتشدد على ضرورة إحكام الرقابة والتفتيش على الوحدات المصرفية من قبل السلطات النقدية‪،‬‬ ‫والشفافية في العمل المصرفي‪ ،‬ومحاربة الفساد في الجهاز المصرفي‪ ،‬والحد من المضاربات‪،‬‬ ‫أي المقامرات‪ ،‬المحمومة‪ ،‬والنظر في مرتبات ومكافآت القيادات المصرفية بما يكفل كفاءة‬ ‫الداء والحد من الستغلل‪ ،‬واستمرار ضخ السيولة في شرايين القتصاد‪ ،‬ودعم صندوق النقد‬ ‫الدولي لكي يقوم بمساعدة القتصاديات المتضررة من الزمة‪ ،‬وبالذات اقتصاديات الدول‬ ‫الفقيرة‪ ،‬وأخيرا تشكيل لجنة لدراسة النظام المالي العالمي والتقدم بمقترحات لعادة هيكلته‬ ‫ورفه كفاءته‪.‬‬ ‫وبالرغم من أهمية هذه القرارات‪ ،‬والتي يتوقف أثرها في النهاية على جدية وصرامة التطبيق‬ ‫يبقى البعد السلمي أي التمويل السلمي‪ ،‬كمخرج عملي تشغيلي فاعل من هذه الزمة‪،‬‬ ‫وكعلج تناجع لجذورها ومسبباتها‪ ،‬غائبا تماما من قرارات هذه اللجنة‪ .‬وعليه‪ ،‬تقدم هذه الورقة‬ ‫تنبذة مختصرة عن هذا البديل العملي‪ ،‬لعل السلطات النقدية في كل دولة من دول عالمنا‬ ‫المعاصر‪ ،‬إن لم تكن قد فكرت بالفعل في الخذ به‪ ،‬أن تأخذ به‪ ،‬ولو جزئيا‪ ،‬لترميم وتصحيح ما‬ ‫تمارسه في عملية تمويل القتصاد الحقيقي‪.‬‬

‫البديل السلمي للمعالجة‬ ‫بداية‪ ،‬ل يرفض البديل السلمي جوهر المعالجات المطروحة على المستوى القطري‪ ،‬أو على‬ ‫الصعيد العالمي من ضرورة رفع كفاءة الجهاز المصرفي لكي يؤدي وظيفته الحيوية في حشد‬


‫الموال من المدخرين وتوظيفها في استثماراتها حقيقية في القتصاد العيني‪ ،‬وقيام السلطات‬ ‫النقدية أي البنك المركزي‪ ،‬بدورها الرقابي والتفتيشي على تنفيذ السياسات المصرفية‪ ،‬واستمرار‬ ‫ضخ السيولة في شرايين القتصاد حفاظا على القاعدة التنتاجية وتنميتها‪ ،‬وإعادة للثقة في‬ ‫السوق‪ ،‬والعمل على إصلح النظام المالي الدولي ودعم مؤسساته‪ ،‬وأخيرا محاربة جادة‬ ‫ومستمرة للفساد في الجهزة المصرفية‪.‬‬ ‫بجاتنب هذه الجراءات‪ ،‬بل قبلها‪ ،‬يؤكد البديل السلمي على ضرورة معالجة جذور الزمة‬ ‫ومسبباتها الرئيسة بالبعد‪ ،‬تدريجيا‪ ،‬عن "الفائدة"‪ ،‬أي "الربا"‪ ،‬باستبدال تنظام "المشاركة في‬ ‫الربح والخسارة" بنظام "المداينة بفائدة"‪ ،‬والستثمار الحقيقي في القتصاد العيني بالستثمار‬ ‫المالي الورقي في القتصاد الرمزي‪ ،‬مما يعالج المضاربات‪ ،‬أي المقامرات‪ ،‬في التعامل‪ ،‬ويوقف‬ ‫البيوع الضارة‪ ،‬كبيع الدين بالدين‪ ،‬وبيع التنسان لما ل يملك‪ ،‬ويحد كثيرا من الغرر‪ ،‬أي الجهالة‬ ‫الكبيرة في العقود‪ ،‬ويحارب عمليا كل صور الفساد والفساد في النشاط القتصادي‪ ،‬فيعيد‬ ‫للنقود طبيعتها "كأداة" لتسهيل التبادل القتصادي‪ ،‬وليست "سلعة" ُيتاجر فيها‪.‬‬

‫طبيعة القتصاد السلمي‬ ‫والتمويل السلمي جزء من القتصاد السلمي‪ ،‬فكرا وتنظاما وتعد العتبارات القيمية أو‬ ‫الخلقية متغيرا داخليا أساسيا في آلية النظام‪.‬‬ ‫بل تعتبر "القيم" السلمية المحرك الرئيس لفاعليته فهو اقتصاد "محمل" بالقيم‪ ،‬وليس بالقطع‬ ‫"محررا" منها‪ ،‬فهو اقتصاد يستند في تحليله على التنسان الخلقي واليد المتوضئة واقعيا‪ ،‬وليس‬ ‫على "الرجل القتصادي" واليد الخفية تنظريا كما في النظام الرأسمالي‪ ،‬أو " الترس الجتماعي"‬ ‫واليد الباطشة أيديولوجيا كما في النظام الشتراكي‪ .‬وعليه‪ ،‬يقوم القتصاد السلمي على ركيزة‬ ‫أخلقية واضحة‪ ،‬أو "شفرة أخلقية" أضاعتها التنظمة الوضعية منذ زمن بعيد‪ ،‬كما يؤكد بعض‬ ‫الكتاب الغربيين‪ ،‬تهدف إلى الهتمام الكبر "بالناس"‪ .‬ومن ثم‪ ،‬جاء السلم ومنهجه في‬ ‫القتصاد والتنمية والتمويل حربا جادة ومستمرة وتناجحة على كل صور الظلم القتصادي‪ ،‬أي‬ ‫الستغلل والمستغلين من خلل تحريم صريح وقاطع‪ :‬للربا والغرر )الجهالة في التعامل(‪،‬‬ ‫والحتكار والكتناز‪ ،‬والسراف والتقتير‪ ،‬والتطفيف والبخس‪ ،‬والغش والتدليس‪ ،‬والرشوة‬ ‫والمحسوبية‪ ،‬إلى آخر كل صور أكل أموال الناس بالباطل‪ ،‬أي كل صور الممارسات الخاطئة في‬ ‫النشاط القتصادي إتنتاجا وتوزيعا واستهلكا‪.‬‬

‫الربا والفائدة المصرفية‬ ‫لعل أبشع وأشنع صور أكل أموال الناس بالباطل هي "الفائدة" أي الربا‪ .‬وهي أساس التمويل‬ ‫المعاصر‪ .‬والربا لغة هو الزيادة‪ ،‬واصطلحا هو الزيادة‪ ،‬بغير عوض‪ ،‬أي‪ :‬مقابل في عقود‬


‫المعاوضات‪ ،‬أي‪ :‬المبادلت فهو "الزيادة" في المال‪ ،‬تنقودا كاتنت أو منتجات اقتصادية )طيبات(‬ ‫مثلية‪ ،‬تنتيجة دين أو تبادل في المثليات‪ .‬ويعرف ربا الدين –اتفاقا‪ -‬بأتنه الزيادة في أصل الدين‬ ‫مقابل الجل‪ ،‬سواء كاتنت مشروطة ابتداء أو محددة عند الستحقاق للتأجيل في السداد‪ .‬والربا‬ ‫بصفة عامة محرم تحريما باتا قاطعا في كافة الديان السماوية‪ .‬وجاءت كتابات كثير من‬ ‫المصلحين الجتماعيين والقتصاديين في هذا الخصوص متفقة تماما مع هذا التحريم‪.‬‬ ‫فالربا يمثل ظلم التنسان لنفسه في صورة عدم اشتراكه في تنشاط اقتصادي منتج ومفيد له‬ ‫ولمجتمعه‪ ،‬ويعد استغلل لخيه التنسان في صورة أخذ مال من غير مقابل‪ ،‬ومن ثم يصطدم‬ ‫مع المبدأ السلمي القائل "ل ضرر ول ضرار"‪ .‬والربا كسب خبيث تولد عن النقود تنفسها‪،‬‬ ‫وبالتالي أخرجها عما وجدت لجله‪ ،‬أي كوسيط للتبادل ومقياس للقيم‪ .‬فالنقود بالقطع ليست‬ ‫"سلعة" يتاجر فيها‪ .‬ول ينبغي لها أن تلد بذاتها تنقودا‪ ،‬كما ل يمكنها بذاتها أن تنتج شيئا من‬ ‫الطيبات‪ ،‬ومن ثم‪ ،‬كان الكسب الربوي كسبا بدون أي مقابل اقتصادي‪ ،‬ومن غير تعرض‬ ‫للخسارة‪ .‬وعليه يشكل عبئا ل مبرر له على دافعيه‪ ،‬مستهلكين ومنتجين‪ ،‬ومن ثم يضر ضررا‬ ‫مباشرا بالقتصاد والمجتمع‪ .‬فهو بحق "إيدز" المعاملت القتصادية المعاصرة‪ ،‬حيث يفقد الحياة‬ ‫القتصادية مناعتها القتصادية‪ ،‬ويسلبها قدرتها على محاربة المراض القتصادية‪.‬‬ ‫والربا هو أساس عمل البنوك التقليدية التي تتعامل بالفائدة أخذا وعطاء‪ ،‬أي التي تسير وفقا‬ ‫لنظام المداينة بفائدة‪ .‬فتتكيف العلقة بين البنك والمتعاملين معه يحكمها "عقد القرض"‬ ‫بفائدة‪ .‬فالمودعون مقرضون‪ ،‬والبنك مقترض تنظير فائدة يدفعها‪ ،‬باستثناء الودائع الجارية التي‬ ‫ل يدفع لصحابها فائدة عادة‪ .‬ويد البنك على كل الودائع "يد ضمان"‪ ،‬أي يضمن أصل الوديعة‬ ‫والفائدة على الودائع غير الجارية‪ .‬ثم يقوم البنك بإقراض الموال التي تجمعت لديه للتجار‬ ‫والمنتجين والمستثمرين وأيضا المستهلكين‪ .‬والبنك هنا مقرض ومستخدمو الموال مقترضون‪.‬‬ ‫ومن ثم‪ ،‬فيدهم هي "يد ضمان" أي يضمنون أصل ديوتنهم والفوائد عليها‪ .‬والفرق بين مجموع‬ ‫الفوائد التي يحصل عليها البنك من مستخدمي موارده المالية ومجموع الفوائد التي يدفعها‬ ‫للمودعين يمثل العائد الصافي للبنك‪ .‬وهذا النظام هو عين الربا‪ .‬إذ أن عائد استخدام الدين إذا‬ ‫تحقق يحل للمدين لتنه "ضامن"‪ ،‬ول يحل للدائن على أساس المبدأ السلمي الذي ينص على‬ ‫أن "الخراج بالضمان"‪ ،‬أي العائد ل يحل إل تنتيجة تحمل المخاطر‪ .‬والمقرض عكس المشارك‪ ،‬ل‬ ‫يتحمل مخاطرة‪ .‬فهو غاتنم دائما ل يغرم أبدا‪ ،‬سواء كسب المقترض أم خسر‪ .‬وهذا يصطدم مع‬ ‫المبدأ السلمي القائل بأن "الغنم بالغرم"‪ .‬الذي يحكم حركة المال‪ ،‬أي أن المال ل يكون‬ ‫غاتنما‪ ،‬أي كاسبا أو رابحا‪ ،‬إل إذا كان هناك احتمال الغرم أو الخسارة‪ .‬ول يعرف السلم تأكيدا‬ ‫لتكافل اجتماعي حقيقي سوى "القرض الحسن"‪ ،‬أي القرض بل عائد‪ ،‬تأسيسا على المبدأ‬ ‫السلمي القائل "أي قرض جر تنفعا مشروطا فهو ربا"‪ .‬وإذا كان على رب المال مسؤولية تنمية‬ ‫ماله وتثميره‪ ،‬فعليه أن يقوم بهذه التبعة من خلل الستثمار السلمي الحقيقي المخاطر‪،‬‬


‫بالشتراك بماله فعل في النشاط القتصادي العيني‪ ،‬وتحمل تنتيجة هذا الشتراك ربحا أو‬ ‫خسارة‪.‬‬

‫جدوى آلية سعر الفائدة‬ ‫إذا الفائدة هي عين الربا‪ .‬كما أتنها تعد في رأي جمهور من القتصاديين الغربيين‪ ،‬السبب‬ ‫الرئيس في سوء تخصيص واستخدام الموارد‪ ،‬وبالتالي تعد مسئولة عن "عدم الستقرار"‬ ‫النقدي والمالي والقتصادي في القتصاد المعاصر‪.‬‬ ‫ولعل الزمة القتصادية العالمية التي تنعيشها شاهد صارخ على ذلك‪ .‬فلقد توصل "إتنزلر"‬ ‫و"كوتنراد" و"جوتنسون"‪ ،‬بناء على دراسات ميداتنية‪ ،‬إلى حقيقة أن رأس المال في القتصاديات‬ ‫المعاصرة قد أسيء تخصيصه إلى حد خطير بين قطاعات وأتنشطة القتصاد وأتنواع الستثمارات‬ ‫–في الساس‪ -‬بسبب سعر الفائدة‪ .‬فالفائدة من وجهة تنظرهم أداة رديئة ومضللة في تخصيص‬ ‫الموارد‪ ،‬لتنها تتحيز بصفة رئيسة للمشروعات الكبيرة على أساس "افتراض" غير مدروس‬ ‫بجدارتها الئتماتنية‪ .‬ومن ثم‪ ،‬تعزز هذه الداة التجاهات الحتكارية‪ .‬فالمشروعات الكبيرة بحجة‬ ‫ملءتها تحصل في الواقع على قروض أكبر بسعر فائدة أقل‪ ،‬بينما العكس تماما بالنسبة‬ ‫للمشروعات المتوسطة والصغيرة‪ ،‬التي يمكن أن تكون ذات إتنتاجية أعلى وكفاءة أكبر وملءة‬ ‫أفضل‪ ،‬فتحصل هذه المشروعات على قروض أقل بكثير من احتياجاتها وبأسعار فائدة أعلى‬ ‫بكثير من طاقاتها‪ .‬وعلى هذا الساس‪ ،‬وبدون دراسات جادة تذكر في ظل تنظام الفائدة الثابت‬ ‫والمضمون‪ ،‬ل تنفذ الستثمارات العلى جدوى والكثر إدرارا للعائد المتوقع‪ ،‬بسبب عدم القدرة‬ ‫على التمويل الذي يذهب إلى مشروعات أقل إتنتاجية‪ ،‬بل أقل حاجة تنسبيا إلى التمويل من‬ ‫خارجها‪ ،‬ولكنها أقواها سلطة وأكثرها تنفوذا‪.‬‬ ‫بل أكثر من ذلك‪ ،‬أكدت استقصاءات أجراها "ميد" و"أتندروز" أن رجال العمال يعتقدون أن سعر‬ ‫الفائدة ليس عامل يذكر في تحديد قرار ومستوى الستثمار‪ ،‬أي أن الطلب على الستثمار يعد‬ ‫"غير مرن" بالنسبة لسعر الفائدة‪ ،‬وذلك لعدة أسباب‪ .‬منها كون سعر الفائدة يمثل تنسبة ضئيلة‬ ‫من تنفقة إحلل الستثمار الجديد خاصة في حالة التقادم السريع‪ ،‬ومنها اعتماد كثير من‬ ‫المشروعات على التمويل "الذاتي"‪ ،‬مما يجعل أثر سعر الفائدة كنفقة ضمنية على المال‬ ‫المستثمر محدودا‪ ،‬ومنها أيضا في حالة الكساد الحاد‪ ،‬تكون توقعات المنتجين والمستثمرين‬ ‫بالنسبة لمستقبل النشاط القتصادي متشائمة‪ ،‬ومن ثم لن يقدموا على الستثمار‪ ،‬حتى لو كاتنت‬ ‫تكلفته‪ ،‬أي سعر الفائدة‪ ،‬صفرا‪.‬‬ ‫وبالنسبة لعرض الموال القابلة للستثمار‪ ،‬أي الدخار‪ ،‬يرى جمهور القتصاديين مع "كينز" أتنه‬ ‫"غير مرن" عادة لسعر الفائدة‪ .‬وتشير الدلئل الحصائية إلى عدم وجود رابط إيجابي كبير بين‬


‫الفائدة والدخار‪ .‬وحتى لو افترضنا وجود هذا الترابط‪ ،‬أي وجود تفضيل زمني إيجابي قوي لدى‬ ‫جمهور المستهلكين‪ ،‬كما يعتقد الكثير من القتصاديين‪ ،‬فإن "إصرار" أصحاب الموال‪ ،‬أي‬ ‫المدخرين‪ ،‬على الفائدة "الثابتة" المضموتنة يعد –خاصة في القتصاديات التي تتعرض لموجات‬ ‫تضخمية متصاعدة‪ -‬أمرا غير منطقي وغير مفهوم‪ .‬لن هذا يعني ببساطة إصرارا غريبا من‬ ‫مدخرين غاية في الغرابة على استمرار اتنخفاض –إن لم يكن اتنهيار‪ -‬مستوى معيشتهم تنتيجة‬ ‫الثر التآكلي المتزايد للتضخم على أموالهم‪" ،‬فالسعر الحقيقي" للفائدة‪ ،‬أي السعر السمى‬ ‫تناقصا التضخم‪ ،‬يصبح إن عاجل أو آجل "سالبا"‪ ،‬وبمعدلت متزايدة خلل الزمن‪ ،‬أي أن الموال‬ ‫الحقيقية لهؤلء المدخرين تتناقص باستمرار من عام لخر‪.‬‬ ‫وليس الوضع أفضل حال إذا ما تغيرت أسعار الفائدة‪ .‬إذ يقع الظلم تنتيجة هذا التغير تارة على‬ ‫المستثمرين )المقترضين( وتارة على المدخرين )المقرضين(‪ ،‬مما يؤدي في النهاية إلى تباطؤ‬ ‫التكوين الرأسمالي‪ .‬كما أكدت ذلك دراسة قام بها "ليبلنج" للتجربة الميركية‪ ،‬خلل الفترة‬ ‫‪ .1978-1970‬فارتفاع أسعار الفائدة كان ماتنعا كبيرا من الستثمار‪ ،‬واتنخفاضها شجع على‬ ‫القتراض للستهلك‪ ،‬وعلى تدتني تنوعية الستثمار‪ .‬وأدى في النهاية‪ ،‬كما أكد أحد تقارير "الجات"‬ ‫إلى سوء استخدام رأس المال‪ ،‬وإلى هبوط مستمر في معدل التكوين الرأسمالي‪.‬‬ ‫ويؤكد عدد ليس بالقليل من القتصاديين أن سعر الفائدة يعد من أهم عوامل "عدم الستقرار"‬ ‫في القتصاديات المعاصرة‪ .‬فمثل‪ ،‬يتساءل "فريدمان"‪ ،‬أبو القتصاد النقدي المعاصر‪ ،‬في‬ ‫الثماتنينات من القرن الماضي‪ ،‬عن "أسباب السلوك الطائش الذي لم يسبق له مثيل للقتصاد‬ ‫الميركي"‪ ،‬ويرد على تساؤله بالقول "إن الجابة التي تخطر على البال هي السلوك الطائش‬ ‫المساوي له في أسعار الفائدة" فالتقلبات في سعر الفائدة تؤثر مباشرة في السواق المالية‪،‬‬ ‫فيسودها قدر كبير من الشكوك‪ ،‬مما ينعكس أثره في تقلبات حادة وغير محسوبة في النشاط‬ ‫القتصادي الحقيقي‪.‬‬ ‫ويرجع "سيموتنز" السبب الساسي للكساد العالمي العظيم في أواخر العشرينات وأوائل‬ ‫الثلثينات من القرن الماضي إلى "تغيرات الثقة التجارية الناشئة عن تنظام ائتماتني غير مستقر"‪.‬‬ ‫وأكد اعتقاده بأن خطر الضطراب القتصادي يمكن تفاديه إلى حد كبير‪ ،‬إذا لم يتم اللجوء إلى‬ ‫الفتراض‪ ،‬ول سيما قصير الجل‪ ،‬وإذا ما تمت الستثمارات كلها في شكل تمويل ذاتي‪،‬‬ ‫وبالمشاركة‪ ،‬أي من خلل أدوات ملكية الحصص والسهم‪ .‬وحول المعنى تنفسه‪ ،‬شدد‬ ‫"مينسكي" على حقيقة أن قيام كل مشروع بالتمويل الذاتي لرأسماله العامل‪ ،‬والتخطيط‬ ‫الرشيد لستثمار أرباحه غير الموزعة‪ ،‬يفرز تنظاما ماليا قويا‪ ،‬ولكن لجوء المنتجين إلى التمويل‬ ‫عن طريق القتراض يعرض النظام لعدم الستقرار‪ .‬ولقد أيد ذلك "ميلر" من خلل دراسة‬ ‫ميداتنية‪ ،‬وأكده "تيرفي" بقوله أن سعر الفائدة ل يصلح‪ ،‬ولم يكن مناسبا لقرارات الستثمار‪.‬‬ ‫وعليه‪ ،‬فهو يرى وجوب أن يحل محله سعر الصول الحقيقية الموجودة‪ ،‬أو المستوى العام‬


‫لسعار السهم‪ ،‬ومن ثم تكون لدينا تنظرية عامة تحتل فيها أسعار الصول الحقيقية‪ ،‬ل الصول‬ ‫الورقية‪ ،‬مركز الصدارة‪ .‬إذن‪ ،‬فاللية الحقيقية هي "الربح" وليس "الفائدة"‪ .‬وهذا ما أكده‬ ‫القتصاد السلمي‪ ،‬وقامت عليه المصرفية السلمية‪ ،‬ويتأسس عليه التمويل السلمي‪.‬‬

‫التمويل السلمي‪ ..‬طبيعة عمل البنوك السلمية‬ ‫تأسيسا على حرمة الربا‪ ،‬وعلى حقيقة أن "الفائدة هي عين الربا"‪ ،‬واتساقا مع أن اللية ذات‬ ‫الجدوى لدارة النشاط القتصادي المعاصر هي "الربح" وليس الفائدة‪ ،‬إيماتنا –قبل ذلك وبعده‪-‬‬ ‫باستحالة أن يكون فيما حرمه ا سبحاتنه شيئا ل تقوم الحياة البشرية ول تتقدم بدوتنه‪ ،‬قام‬ ‫التمويل السلمي من خلل المصرفية السلمية‪ ،‬أي البنوك السلمية‪ .‬وهذه البنوك تعد تنوعا‬ ‫خاصا من البنوك المتخصصة‪ ،‬سواء من حيث طبيعتها‪ ،‬أو من حيث تفاصيل عملها‪ .‬فهي تقترب‬ ‫من بنوك الستثمار والعمال‪ ،‬أو بنوك التنمية‪ ،‬ولكنها أيضا تقبل الودائع الجارية‪ .‬فهي بمثابة‬ ‫"البنوك الشاملة"‪.‬‬ ‫ولقد تنشأت ضرورة إخراج فكرة هذه البنوك إلى حيز التنفيذ من الحرص على تأكيد المور‬ ‫التالية‪:‬‬ ‫•‬

‫أن الشريعة السلمية ليست أقوال أو تنصوصا أو طقوسا فحسب‪ ،‬بل هي بالساس‬ ‫عمل وممارسة وحركة وسلوك‪ ،‬وأتنها صالحة لكل زمان ومكان‪.‬‬

‫•‬

‫أن تطبيق الشريعة السلمية في النشاط المصرفي ليس بالعمل على إيجاد تخريجات‬ ‫فقهية بتطويع أحكام الشريعة لتبرير السلوك المصرفي القائم‪ ،‬وإتنما بالتمسك بهذه‬ ‫الحكام الواضحة والصريحة القابلة بكفاءة التطبيق‪.‬‬

‫•‬

‫أن قرارات –أي‪ :‬أي فتاوى‪ -‬المجامع الفقهية في العالم السلمي بشأن الفوائد‬ ‫المصرفية قاطعة بحرمتها بنصوص الكتاب والسنة وإجماع المة‪.‬‬

‫وعليه‪ ،‬يقوم عمل البنوك السلمية على ركيزتين‪ :‬الولى‪ ،‬فنية‪ ،‬وتتمثل في الوساطة بين‬ ‫المدخرين والمستثمرين‪ ،‬والثاتنية‪ ،‬شرعية‪ ،‬وتعني أن تتم هذه الوساطة وفقا للضوابط الشرعية‪.‬‬ ‫وتتحدد طبيعة عمل البنك السلمي وفقا للمبادئ الرئيسية التالية‪:‬‬ ‫•‬

‫ل ضرر ول ضرار‪ :‬بمعنى النهي عن إيقاع الذى بالنفس أو بالغير أو بالمال‪ .‬فالصل في‬ ‫التصرف هو مراعاة الحقوق والواجبات‪ ،‬وذلك مرهون بتجنب الضرر والضرار‪ ،‬وباتنتفاء‬ ‫صفة الفساد في النشاط القتصادي‪.‬‬


‫•‬

‫النقود ل تلد في حد ذاتها تنقودا‪ :‬بمعنى أن النقود تزيد أو تنقص تنتيجة الشتراك الفعلي‬ ‫في النشاط القتصادي الحقيقي‪ ،‬وتحمل تنتيجة هذا الشتراك كسبا كاتنت أو خسارة‪.‬‬

‫•‬

‫الصل في النقود أن ُيتاجر بها كأداة في النشاط القتصادي‪ ،‬ول يتاجر فيها كسلعة‪.‬‬

‫•‬

‫أي قرض جر تنفعا مشروطا فهو ربا‪ ،‬سواء كان النفع محددا ابتداء عند التعاقد‪ ،‬أو عند‬ ‫السداد‪.‬‬

‫•‬

‫الخراج بالضمان‪ ،‬والغنم بالغرم‪ :‬أي أن العائد ل يحل إل تنتيجة تحمل المخاطرة‬ ‫واحتمال الخسارة‪.‬‬

‫•‬

‫المشاركة وفقا لصيغ الستثمار السلمي‪ ،‬ل المداينة‪ ،‬طريق ابتغاء الربح وزيادة رأس‬ ‫المال‪ .‬فالربح وقاية لرأس المال‪ ،‬وبدوتنه قد يتعرض للنقصان‪.‬‬

‫•‬

‫العمل مصدر أصيل للكسب‪ .‬ومن ثم‪ ،‬الجر جزاء العمل بأجر‪ .‬والجزء الشائع من الربح‬ ‫مكافأة للعمل المخاطر‪.‬‬

‫وعلى أساس هذه المنطلقات والمبادئ‪ ،‬يقوم البنك السلمي بكل أساسيات العمل المصرفي‬ ‫الحديث كوسيط مالي يرتبط مباشرة بالقتصاد الحقيقي العيني‪ ،‬وذلك وفقا لحدث الطرق‬ ‫والساليب الفنية لتسهيل التبادل التجاري وتنشيط الستثمار الحقيقي ودفع عجلة التنمية‬ ‫القتصادية والجتماعية‪ ،‬مع ما ل يتنافى مع الحكام الشرعية‪ .‬وعلى ذلك‪ ،‬يحل تنظام "المشاركة‬ ‫في الربح والخسارة"‪ ،‬وفقا لصيغ الستثمار السلمي محل تنظام "المداينة بفائدة"‪ ،‬وتبرز أهمية‬ ‫الودائع الستثمارية‪ ،‬كما يتعاظم شأن محفظة الوراق المالية السلمية‪ ،‬سواء لغرض السيولة‬ ‫أو الستثمار‪ ،‬وبالتالي تظهر الطبيعة التنمائية لكل أتنشطة البنك‪.‬‬ ‫ويمكن تبيان طبيعة عمل البنك‪ ،‬بصورة مبسطة‪ ،‬من خلل تطبيق مزدوج لعقد "المضاربة"‬ ‫الشرعي‪ .‬وهذا العقد هو تنوع من الشركة في الربح بين طرفين‪ :‬رب المال‪ ،‬والعامل في المال‬ ‫أ المضارب‪ ،‬على أن تكون حصة كل منهما جزءا شائعا معلوما متفقا عليه ابتداء عند التعاقد‪.‬‬ ‫فمثل‪ ،‬إذا تحقق الربح يكون لرب المال )‪ (%50‬وللمضارب )‪ (%50‬أو )‪ (%60‬للول و)‪(%40‬‬ ‫للثاتني‪ ،‬أو العكس‪ ،‬كما يتفقا‪ ،‬على أساس المبدأ السلمي القائل "المؤمنون عند شروطهم‪ ،‬إل‬ ‫شرطا أحل حراما أو حرم حلل"‪ .‬وإذا وقعت خسارة يتحملها بالكامل رب المال‪ ،‬وهذا هو شق‬ ‫المخاطرة الذي يحل تنصيبه في الربح إذا تحقق‪ ،‬ويخسر المضارب جهده‪ ،‬وهذا أيضا يمثل‬ ‫المخاطرة التي تبرر تنصيبه في الربح إذا تحقق‪ .‬فالطرفان يخاطران‪ ،‬الول بماله‪ ،‬والثاتني‬ ‫بجهده‪ .‬والمضارب في حكم الوكيل‪ ،‬أمين على المال‪ ،‬أي يده "يد أماتنة"‪ ،‬ل يضمن إل إذا قصر‬


‫أو بدد‪ .‬ويجوز لرب المال أن يأخذ "رهنا" من المضارب‪ ،‬حتى يستوفي حقه منه في حالة‬ ‫التقصير أو التبديد‪.‬‬ ‫وبتطبيق هذا العقد تطبيقا مزدوجا ليحكم العلقة بين البنك وعملئه في جاتنبي الموارد أو‬ ‫الخصوم‪ ،‬والستخدامات أو الصول‪ ،‬تنجد أن التطبيق الول في جاتنب الموارد يكيف العلقة بين‬ ‫المودعين والبنك على أساس "عقد المضاربة"‪ ،‬حيث يكون المودعون "أرباب أموال"‪ ،‬ويكون‬ ‫البنك "مضاربا"‪ .‬والبنك كمضارب يعد وكيل‪ ،‬أي أمينا على ما بيده من مال‪ ،‬أي يده "يد أماتنة"‪ ،‬فل‬ ‫يضمن إل إذا قصر أو بدد‪ .‬ويجوز للبنك أن يأخذ "رهنا" لستيفاء حقوقه في حالة التقصير أو‬ ‫التبديد‪ ،‬حفاظا بالطبع على أموال المودعين‪ .‬والفرق بين مجموع الرباح التي يحصل عليها البنك‬ ‫من مضارباته مع عملئه مستخدمي الموال‪ ،‬وما يدفعه للمودعين من أرباح وفقا لعقد‬ ‫المضاربة الذي يحكم علقته معهم‪ ،‬يمثل "صافي" الربح أو عائد البنك‪.‬‬

‫صيغ وأساليب الستثمار السلمي‬ ‫وبالرغم من أن هيكل موارد البنك السلمي في الواقع العملي يتماثل إلى حد كبير مع هذه‬ ‫الصورة المبسطة‪ ،‬فإن هيكل استخدامات البنك لموارده يتسم بدرجة من التفصيل والتعقيد‪،‬‬ ‫حيث ل يقتصر على عقد المضاربة‪ ،‬بل يشمل العديد من صور "الستثمار المخاطر" لجال‬ ‫مختلفة‪ ،‬وفقا لصيغ وأساليب استثمار‪ ،‬مؤسسة على العقود الشرعية‪ ،‬التي بسطها فقه‬ ‫المعاملت المالية‪ ،‬والتي تتكون من ثلث مجموعات من العقود‪ ،‬وهي‪ :‬عقود الشركة‪ ،‬وعقود‬ ‫البيوع‪ ،‬وعقود الجارة‪.‬‬ ‫•‬

‫عقود الشركة‬ ‫فبالنسبة لعقود الشركة‪ ،‬تهتم البنوك السلمية تشغيليا فيما يتصل بالثروة الفقهية حول‬ ‫هذه العقود بنوع من " شركة الموال"‪ ،‬وهي "شركة العنان"‪ ،‬حيث ل يتساوى وفقا لهذا‬ ‫النوع الشريكان ل في رأس المال‪ ،‬ول في التصرف‪ .‬ويشتركان في الربح بنسب‬ ‫معلومة متفق عليها‪ ،‬ويتحملن الخسارة بقدر حصصهما في رأس المال‪ .‬ويسمى هذا‬ ‫النوع بشركة العنان حيث يشترط كل من الشريكين على صاحبه أل يتصرف إل بإذتنه‪.‬‬ ‫فكأتنه يأخذ بعناتنه‪ ،‬أي تناصيته أل يفعل فعل إل بإذتنه‪ ،‬كما يمنع العنان الدابة‪ .‬وهذه‬ ‫الشركة هي التي ُبني عليها‪ ،‬وتفرع منها عقود "المشاركات" المستخدمة في البنوك‬ ‫السلمية‪.‬‬ ‫‪o‬‬

‫المشاركات‬ ‫وعليه‪ ،‬تنبثق من عقود الشركة صيغ "الشتراك عن طريق خلط الموال" أو‬ ‫"المشاركات" بآجالها وأتنواعها المختلفة‪ ،‬حيث يتحمل المشاركون تنتائج العمال‬ ‫ربحا على أساس تنسب معلومة متفق عليها‪ ،‬وخسارة بحسب تنسب مساهماتهم‬


‫في رأس المال‪ .‬ويجوز أن يتفق الشركاء على أن يشتري أحدهما حصة‬ ‫شريكه أو جزء منها‪ .‬كما يجوز التفاق على توزيع الربح دوريا قبل اتنتهاء‬ ‫الشركة‪ ،‬سواء كله أو بعضه‪ .‬وتتعدد أشكال المشاركات التي يقوم بها البنك‬ ‫السلمي‪ ،‬وفقا للشكل والمعيار المتبع والهدف من المشاركة‪ .‬فنجد مثل‪.‬‬ ‫وفقا لطبيعة الصول الممولة‪ :‬مشاركات جارية ومشاركات رأسمالية‪.‬‬ ‫وفقا لستمرار ملكية البنك‪ :‬مشاركات ثابتة ومشاركات متناقصة‪.‬‬ ‫وفقا لجل المشاركة‪ :‬مشاركات قصيرة الجل ومشاركات طويلة الجل‪.‬‬ ‫وفقا لسترداد التمويل‪ :‬مشاركات مستمرة ومشاركات منتهية‪.‬‬ ‫وفقا للغرض أو مجال التمويل‪ :‬مشاركات تجارية‪ ،‬أو صناعية‪ ،‬أو مقاولت‪ ،‬أو‬ ‫استيراد أو تصدير‪ ..‬إلخ‪.‬‬ ‫وتعتبر المشاركات إحدى أهم أساليب الستثمار في البنوك السلمية‪ ،‬حيث تتيح‬ ‫للبنك توظيف موارده المالية والحصول على عائد‪ ،‬وتتيح للعميل المشارك‬ ‫الحصول على تمويل جزئي حلل لمشروعه‪ .‬هذا‪ ،‬وإن كان تنصيب المشاركات‬ ‫في إجمالي استثمارات البنك السلمي ما زال محدودا تنسبيا لعتبارات مختلفة‬ ‫منها‪ :‬السيولة والمخاطر العالية والمتطلبات الشرافية والرقابية عند التنفيذ‪.‬‬ ‫‪o‬‬

‫صيغ الرباح‪:‬‬ ‫يقصد بهذه الصيغ التعاقد بين طرفين حيث يقدم أحدهما المال إلى الطرف‬ ‫الخر ليعمل فيه مع الشتراك في النتائج‪ .‬فهي مشاركة بين المال والعمل‪.‬‬ ‫وأولى هذه الصيغ هي "المضاربات" بآجالها وأتنواعها المختلفة‪ ،‬حيث تشمل‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫وفقا لحرية المضارب في التصرف‪ :‬مضاربات مطلقة ومضاربات‬ ‫مقيدة‪.‬‬

‫‪‬‬

‫وفقا لعدد أطرافها‪ :‬مضاربات فردية أو ثنائية‪ ،‬ومضاربات جماعية أو‬ ‫مشتركة‪.‬‬

‫‪‬‬

‫وفقا لمصدر التمويل‪ :‬مضاربات غير مخلوطة‪ ،‬المال فيها من طرف‬ ‫واحد‪ ،‬ومضاربات مخلوطة‪ ،‬أي يسمح للمضارب بخلط مال المضاربة‬ ‫بماله‪.‬‬

‫‪‬‬

‫وفقا لتوقيت المحاسبة‪ :‬مضاربات منتهية‪ ،‬أي توزع الرباح عند التصفية‪،‬‬ ‫مضاربات مستمرة‪ ،‬يتم فيها التحاسب على الرباح وتوزيعها دوريا قبل‬ ‫التصفية‪.‬‬

‫‪‬‬

‫وفقا لجل المضاربة‪ :‬مضاربات قصيرة ومضاربات طويلة الجل‪.‬‬


‫"المزارعة"‪ :‬تندرج تحت صيغ "السترباح" عقود "المزارعة" أو المزارعات‪ ،‬حيث يقدم طرفا‬ ‫واحدا أرضا‪ ،‬وينفرد الطرف الخر المزارع‪ ،‬بالتصرف والرادة‪ ،‬أي‪ :‬بزراعتها‪ ،‬ويشترك الطرفان‬ ‫في الناتج بالنسب المتفق عليها بينهما مسبقا‪ .‬وإذا لم ُتخرج الرض شيئا‪ ،‬يخسر صاحب الرض‬ ‫منفعة أرضه‪ ،‬ويخسر المزارع عمله‪.‬‬ ‫" المساقاة"‪ :‬تشمل هذه الصيغ أيضا عقود "المساقاة" أو المساقات‪ ،‬بالشروط تنفسها مع‬ ‫استبدال الشجار بالرض‪.‬‬ ‫وعليه‪ ،‬فالمضاربة شركة في "الربح" والمزارعة شركة في "الزرع" والمساقاة شركة في‬ ‫"الثمرة"‪.‬‬ ‫•‬

‫عقود البيوع‪:‬‬ ‫وبالنسبة لعقود البيوع‪ ،‬أي عقود التجار أو المبادلت‪ ،‬فقد قسمها الفقهاء إلى أربعة‬ ‫أقسام بحسب صفة البدلين وهما المبيع والثمن‪ .‬وهذه القسام هي‪:‬‬ ‫‪o‬‬

‫بيع العين بالعين‪ ،‬أي‪ :‬مبادلة سلعة بسلعة ويسمى "بيع المقايضة"‪.‬‬

‫‪o‬‬

‫بيع العين بالثمن‪ ،‬أي‪ :‬مبادلة سلعة بنقد‪ ،‬ويسمى "البيع المطلق"‪ .‬وقد يكون‬ ‫ل"‪.‬‬ ‫عاجل في المجلس بدفع الثمن والحصول على سلعة‪ .‬ويسمى "البيع الحا "ّ‬ ‫وقد يكون آجل‪ ،‬فيحصل على سلعة ويدفع الثمن في أجل محدد‪ ،‬أو على‬ ‫أقساط محددة في فترات زمنية متفق عليها‪ ،‬ويسمى "البيع المؤجل" أو "البيع‬ ‫الجل"‪.‬‬ ‫وينقسم بيع العين بالثمن‪ ،‬أي مطلق البيع إلى أربعة أقسام فرعية وهي‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫بيع المساومة‪ :‬وهو بيه السلعة بثمن متفق عليه عن طريق المساومة‬ ‫بين البائع والمشتري‪ ،‬دون النظر إلى ثمنها الول الذي اشتراها البائع‬ ‫به‪.‬‬

‫‪‬‬

‫بيع التولية‪ :‬وهو بيع "بمثل" ثمنها الول الذي اشتراها البائع به تماما‪.‬‬

‫‪‬‬

‫بيع الوضعية‪ :‬وهو بيع السلعة "بمثل‪ :‬ثمنها الول الذي اشتراها البائع‬ ‫به مع خصم أو وضع مبلغ معلوم من الثمن‪.‬‬

‫‪‬‬

‫بيع المرابحة‪ :‬وهو بيع السلعة "بمثل" الثمن الول الذي اشتراها البائع‬ ‫به‪ ،‬مع زيادة ربح معلوم متفق عليه‪.‬‬


‫وتسمى الثلثة الخيرة – أي التولية والوضعية والمرابحة‪ -‬بيوع "أماتنة"‬ ‫لشتراط معرفة المشتري للثمن الول للسلعة‪ .‬ولقد استخدمت البنوك‬ ‫السلمية بيع المرابحة "الجل" ولكن بصورة معدلة‪ ،‬وهي "بيع‬ ‫المرابحة للمر بالشراء"‪ ،‬أي‪ :‬أتنها تشتري السلعة لمن يطلبها‪ ،‬وفقا‬ ‫لمواصفات محددة‪ ،‬ثم تبيعها له مرابحة بالجل‪.‬‬ ‫‪o‬‬

‫بيع الثمن بالعين‪ .‬وهي مبادلة ُيعجل فيها الثمن‪ ،‬ويتأخر تسليم السلعة لجل‬ ‫معلوم‪ .‬ويشمل هذا القسم تنوعين‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫بيع السلم‪ ،‬ويتم دفع الثمن كامل عند التعاقد إلى البائع الذي يلتزم‬ ‫بتسليم سلعة معينة مضبوطة بصفات محددة كما وكيفا في أجل‬ ‫معلوم‪.‬‬

‫‪‬‬

‫بيع الستصناع‪ ،‬ويتم دفع الثمن معجل‪ ،‬ومؤجل أو مقسطا للبائع الذي‬ ‫يلتزم بتصنيع سلعة معينة بمواصفات محددة‪ ،‬وتسليمها في أجل محدد‬ ‫ومتفق عليه‪.‬‬

‫‪‬‬

‫بيع الثمن بالثمن‪ ،‬أي‪ :‬مبادلة تنقد بنقد ويسمى "بيع الصرف" وهو‬ ‫عملية تبادل العملت بعضها ببعض في سوق الصرف الجنبي‪ .‬وهو‬ ‫بيع جائز شريطة أن يكون تناجزا‪ ،‬أي حا ّ‬ ‫ل‪.‬‬ ‫وأهم عقود البيوع في التطبيق في البنوك السلمية هي‪ :‬بيع الجل‪،‬‬ ‫وبيع المرابحة للمر بالشراء‪ ،‬وبيع السلم‪ ،‬وبيع الستصناع‪ ،‬على شروط‬ ‫وتفصيلت ليس هذا محلها‪) .‬ارجع إلى كتابنا‪ :‬أساسيات القتصاديات‬ ‫النقدية‪ ،‬الفصل الخامس‪ -‬البنوك السلمية(‪.‬‬

‫•‬

‫عقود الجارة‪:‬‬ ‫وبالنسبة لعقود الجارة‪ ،‬أي‪ :‬العقود الخاصة بتمليك منفعة عين مقابل عوض أو أجرة‬ ‫معلومة لمدة معلومة‪ ،‬فهي عقود مبادلت‪ :‬تملك من خللها المنافع‪ ،‬حيث تنتقل‬ ‫بمقتضاها ملكية المنفعة دون ملكية العين‪ .‬وتقع الجارة على المنافع على "العيان"‬ ‫المنقولة كاللت والمعدات‪ ،‬وعلى "العيان الثابتة" كالراضي والعقارات‪ ،‬شريطة أن‬ ‫تكون هذا الصول مقدورة التسليم والستيفاء حقيقة وشرعا‪.‬‬ ‫وتأخذ البنوك السلمية بالجارة على المنافع من خلل تنوعين‪:‬‬


‫‪o‬‬

‫الجارة التشغيلية‪ :‬وهي إجارة قصيرة الجل عادة‪ .‬وباتنتهاء مدة هذه‬ ‫الجارة يعود الصل إلى حيازة البنك‪ .‬ويتحمل البنك تبعة هلك الصل‪ ،‬وتكاليف‬ ‫التأمين والصياتنة الساسية الواجبة على المالك‪ .‬أما عن الجرة المستحقة‬ ‫فيجوز تعجيلها أو تأجيلها أو تقسيطها حسب التفاق‪.‬‬

‫‪o‬‬

‫الجارة التمليكية‪ :‬وتسمى بالتأجير التمويلي أو البيع التأجيري‪ .‬وهذه‬ ‫المسميات تبرز الصفة الرئيسية لهذا النوع‪ ،‬وهي إمكاتنية تملك المستأجر للصل‬ ‫في تنهاية مدة الجارة فهي إجارة بشرط البيع‪ .‬فالبنك يشتري الصل هنا لتلبية‬ ‫طلب مؤكد من العميل بتملك الصل عن طريق الجارة المنتهية بالتمليك‪ .‬وهي‬ ‫طويلة الجل تنسبيا‪ .‬فيدفع البنك بالصل للعميل مقابل مدفوعات إيجارية‬ ‫"أقساط" في آجال محددة متفق عليها على مدة فترة التعاقد‪ ،‬بحيث تغطي‬ ‫المدفوعات قيمة شراء البنك للصل‪ ،‬بالضافة إلى ربحه‪ .‬وعليه عند اتنتهاء مدة‬ ‫الجارية‪ ،‬ل يبقى في ملكية البنك‪ ،‬وإتنما ينتقل إلى ملكية المستأجر على سبيل‬ ‫"الهبة" أو البيع مقابل مبلغ رمزي أو حقيقي حسب الوعد المقترن بالجارة‪.‬‬ ‫ووفقا لهذا العقد يتحمل المستأجر تكاليف التأمين والصياتنة والصلح والهلك‪.‬‬

‫العقود غير المسماة‪:‬‬ ‫بعد تحديد صيغ الستثمار السلمي الرئيسة المستخدمة في البنوك السلمية‪ ،‬أي‪ :‬في التمويل‬ ‫السلمي‪ ،‬والتي تشير بوضوح إلى ثراء الفقه السلمي‪ ،‬يتعين تأكيد ضرورة الستمرار في‬ ‫تطوير أدوات التوظيف‪ ،‬وتحديث "المنتجات‪ :‬المصرفية السلمية‪ ،‬لتتماشى دائما مع مستجدات‬ ‫العصر وتغيرات ظروف المكان والزمان‪ .‬كما يجب التشديد على حقيقة أن فقهاءتنا لم يقولوا‬ ‫بهذه العقود على سبيل الحضر‪ ،‬بل قالوا بفكرة العقود "غير المسماة" بمعنى أتنه إذا اتفق‬ ‫طرفان على صيغة عقد لم يتضمنه التراث الفقهي ول يتعارض مع تنص إسلمي أو موقف‬ ‫واضح من حيث الحل والحرمة فهي صيغة صحيحة شرعا على أساس أن "الصل في الشياء‬ ‫الباحة" وأن "الحكمة ضالة المؤمن" وهو أولى بها‪ ،‬كالما ل تحل حراما أو تحرم حلل‪ .‬ولعل‬ ‫هذا التنفتاح المقصود من السمات المهمة التي أعطت لهذه الشريعة الغراء القدرة اللزمة‬ ‫والمروتنة المناسبة – في المعاملت – لمقابلة الظروف المتغيرة والمتجددة والمتطورة‪.‬‬

‫جدوى التمويل السلمي‪:‬‬ ‫وعليه‪ ،‬يقوم التمويل السلمي من خلل المصرفية السلمية بالستثمارات الحقيقية قصيرة‬ ‫الجل وفق صيغ المشاركة قصيرة الجل‪ ،‬والمضاربة قصيرة الجل والمزارعة والمساقاة وبيوع‬ ‫الجل والمرابحة للمر بالشراء والسلم والستصناع والتأجير التشغيلي‪ .‬كما يقوم بجاتنب‬


‫الستثمار المباشر في تأسيس الشركات والمساهمة في تأسيسها بالستثمارات طويلة الجل‬ ‫وفق صيغ المشاركة طويلة الجل والمضاربة طويلة الجل والستصناع والتأجير التمويلي‪.‬‬ ‫هذا‪ ،‬بالضافة إلى أن البنك السلمي يقوم بكافة المعاملت المصرفية المعاصرة الجائزة وفقا‬ ‫للشريعة السلمية‪.‬‬ ‫وعليه‪ ،‬أثبت التمويل السلمي ممثل في البنوك السلمية كبنوك تنمية أو شركات استثمار‬ ‫حقيقي مخاطر طويل الجل‪ ،‬بعيدة تماما عن الستثمار الورقي ومشتقاته ومقامراته جدواه‬ ‫المصرفية والقتصادية والتنمائية‪ .‬ولقد ظهرت هذه البنوك وازدهرت بمعدلت تنمو متسارعة‬ ‫محليا وإقليميا ودوليا خلل فترة وجيزة ل تتعدى تنحو ثلث قرن حيث إن أول مؤسسة تنقدية‬ ‫إسلمية أتنشئت في منتصف السبعينيات من القرن الماضي وتحديدا عام ‪.1975‬‬ ‫وتنود أن تنشدد على حقيقة أن البنك السلمي في قيامه بتوظيف موارده في استثمارات حقيقية‬ ‫في القتصاد العيني يتعرض لمخاطر عدم سداد مستحقاته قبل الغير ومخاطر العملية بصفته‬ ‫مشاركا فيها وبالتالي في تنتائجها ومخاطر عدم إفصاح العميل عن حقيقة تنتائج العمال ومخاطر‬ ‫الظروف القتصادية المحيطة بعمل البنك وتفرض هذه المخاطر على البنك أن يتحسب لها‬ ‫بتنفيذ أكثر صرامة وجدية لسياسات إدارة السيولة والعائد ومخاطر التمويل وكفاية رأس المال‬ ‫وبصفة خاصة القيام بدراسة وافية للعملية محل التمويل والستعلم الدقيق حول العميل وأخذ‬ ‫الضماتنات أي‪ :‬رهوتنات عينية ومالية كافية لضمان حقوقه ولعل هذا السلوك بجاتنب أسباب‬ ‫أخرى على رأسها البعد عن الستثمار الورقي هو الذي حصن هذه المؤسسات السلمية من‬ ‫الثار السلبية للزمة القتصادية العالمية الحالية‪.‬‬ ‫ولعلم عوامل تنجاح التمويل السلمي يتمثل أساسا فيما يلي‪:‬‬ ‫‪ .1‬تنمو حجم النشاط‪ :‬حيث وصل عدد البنوط والمؤسسات النقدية السلمية الن تنحو )‬ ‫‪ (500‬بنك ومؤسسة‪ ،‬منتشرة في أرجاء العالم تعمل من خلل شبكة فروع ل يقل‬ ‫عددها عن )‪ (5000‬فرع وتتعامل مع مئات المليين من العملء ووصل حجم عملياتها‬ ‫إلى تنحو )‪ (1.5‬تريليون دولر وشملت عملياتها كافة التنشطة القتصادية الزراعية‬ ‫والصناعية والخدمية ‪ ,‬كل هذا التنجاز في تنح ثلث قرن‪.‬‬ ‫‪ .2‬العتراف بجدوى التمويل السلمية‪ :‬اعترافا بجدول البنوك السلمية وخشية أن تتسرب‬ ‫ودائع البنوك الربوية إليها سارعت الكثير من هذه البنوط في الدول النامية المتقدمة إلى‬ ‫إتنشاء فروع لها للمعاملت السلمية أو "شبابيك" للتعامل السلمي بل إن بعضها أتنشأ‬ ‫بنوطا إسلمية كاملة مستقلة عنها كسيتي بنك وتشيس في البحرين وهناك ما ل يقل‬ ‫عن ‪ 40‬بنكا إسلميا ومؤسسة تنقدية إسلمية في الوليات المتحدة الميركية وحدها‪.‬‬ ‫كما أن هناك بنوكا إسلمية وفرعا وشابيك للمعاملت السلمية في المملكة المتحدة‬


‫والدتنمارك وألماتنيا والنمسا وفرتنسا وليس هذا بالقطع إيماتنا عقديا بالفكرة وإتنما‬ ‫استغلل لجدواها المصرفية والقتصادية‪.‬‬ ‫‪ .3‬شهادة المنظمات الدولية المختصة‪ :‬إذ صدر عن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي‬ ‫للتنشاء والتعمير دراسات معمقة حول المصرفية السلمية تشيد بهذه التجربة وتنصح‬ ‫الدول النامية منها السلمية بالخذ بها لتنها تمثل الداة التمويلية الفاعلة للمشروعات‬ ‫التنمائية التي تحتاج إليها هذه الدولي لتحقيق تنمية جادة ومستديمة‪ .‬وهذا يرجع‬ ‫بالساس إلى حقيقة أن هذه المؤسسات النقدية ل تقوم على الستثمار المالي وإتنما‬ ‫على الستثمار الحقيقي طويل الجل في القتصاد العيني‪.‬‬ ‫خاتمة‬ ‫ثم جاءت الزمة المالية العالمية والتي اتنعكست على القتصاد الحقيقي بركود حاد ومن ثم أزمة‬ ‫اقتصادية عالمية لتدفع المفكرين وبعض متخذي القرار في كثر من دول العالم وبالذات الدول‬ ‫الغربية إلى التفكير الخذ في الخذ ولو جزئيا بالبديل السلمي في التمويل‪.‬‬ ‫ولقد ظهر هذا واضحا ومتزايدا في المملكة المتحدة وألماتنيا وفرتنسا والنمسا وإيطاليا‬ ‫والفاتيكان‪ .‬فهل لنا كدول إسلمية أن تنعتز بهويتنا وتنفجر بمنهجنا وتنسارع بتطبيق "كامل"‬ ‫وحقيق للنمط السلمي في التمويل والتي حالت هذه الورقة أن تقدم مختصرا لساسياته‪.‬‬ ‫ومن ثم تنشجع الخرين بأن يحذو حذوتنا‪ .‬إتنقاذا للقتصاد العالمي من الزمة الطاحنة التي يمر‬ ‫بها ومحاولة بالتالي لسعاد البشرية جمعاء "ّ‬ ‫؟‬ ‫إتنها إذا وحقا كبيرة الربا وراء كل الشرور القتصادية التي تعاتني منها البشرية ولذلك لعلمه‬ ‫الزلي بمن خلق وهو اللطيف الخبير وأعلن رسوله صلى ا عليه وسلم حربا على مقترفيها‬ ‫حتى تطهر المجتمعات البشرية بالبتعاد عنها‪.‬‬ ‫إذ يقول سبحاتنه "يا أيها الذين آمنوا اتقوا ا وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم‬ ‫تفعلوا فأذتنوا بحرب من ا ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم ل تظلمون ول تظلمون‪.‬‬ ‫)البقرة‪ (279 – 278 :‬صدق ا العظيم‪ ،‬وصلى ا على سيدتنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم‪.‬‬ ‫وآخر دعواتنا أن الحمد لله رب العالمين‪.‬‬

‫المصدر‪ :‬مركز الجزيرة للدراسات‬


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.