ترشيد الاستهلاك في الاسلام

Page 1

‫ترشيد االستهالك‬ ‫فـي اإلســـالم‬


‫حقوق الطبع حمفوظة‬ ‫الطبعة األوىل‬

‫‪1429‬هـ ‪ 2008 -‬م‬

‫التدقيق اللغوي‬ ‫شروق حممد سلمان‬

‫اإلخـراج الفين‬ ‫حسـن عبد القادر العـزاني‬

‫دائرة الشؤون اإلسالمية والعمل اخليري بدبي‬ ‫إدارة البحوث‬

‫هاتف‪+971 4 6087777 :‬‬ ‫اإلم��ارات العربية املتحدة‬ ‫‪mail@iacad.gov.ae‬‬

‫فاكس‪+971 4 6087555 :‬‬ ‫ص‪ .‬ب‪ - 3135 :‬دب��ي‬ ‫‪www.iacad.gov.ae‬‬


‫ترشـيــد االسـتـهـــالك‬ ‫يف اإلســـالم‬ ‫‪AXtGihaneLight‬‬

‫تأليف‬ ‫د‪ .‬كامل صكر القيسي‬ ‫باحـث أول بإدارة البحــوث‬



‫افتتاحـية‬ ‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬والصالة والسالم عىل سيدنا حممد وعىل‬

‫آله وصحبه و َم ْن تبعهم بإحسان إىل يوم الدين‪..‬‬

‫وبعـــ�د‪ :‬فيسر « دائ��رة الش��ؤون اإلس�لامية والعم��ل‬

‫إصداره�ا اجلدي�د‬ ‫الخي��ري بدب��ي ‪ -‬إدارة البح��وث » أن تق�دِّ م‬ ‫َ‬

‫« ترشيد االستهالك في اإلسالم » جلمهور القراء من السادة الباحثني‬ ‫واملثقفني واملتطلعني إىل املعرفة‪.‬‬

‫وي�أيت ه�ذا الكت�اب كاش�ف ًا ع�ن املنه�ج اإلسلامي املتمث�ل يف‬

‫الوس�طية واالعت�دال يف أم�ور احلي�اة ومنه�ا اإلنفاق حي�ث يقول اهلل‬

‫س�بحانه وتع�اىل‪﴿ :‬ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ‬

‫ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﴾ [االس�راء‪ ،]29 :‬وحي�ن نتح�دث‬

‫عن ترش�يد االس�تهالك‪ ،‬فإن توجيه األنماط والعادات االس�تهالكية‬

‫ضرورة ملحة‪ ،‬بحيث يتس�م الس�لوك االس�تهالكي للفرد أو األسرة‬

‫بالتعق�ل‪ ،‬واالت�زان‪ ،‬والحكمة‪ ،‬والرش�ادة الموضوعي�ة والمنطقية‪،‬‬

‫وم�ن ثم يكون اس�تغالل الف�رد لما يملك اس�تغالال متزنا وس�لوكه‬ ‫س�لوكا معتدال‪ ،‬يتناس�ب مع تصوره االعتق�ادي واألخالقي وواجبه‬ ‫تجاه األمة والمجتمع‪.‬‬

‫ ‬


‫وهذا اإلنجاز العلمي جيعلنا نقدم عظيم الش�كر والدعاء ألرسة‬

‫آل مكت�وم حفظه�ا اهلل تعاىل التي حت�ب العلم وأهله‪ ،‬وت�ؤازر قضايا‬

‫اإلسلام والعروبة ب�كل متيز وإق�دام‪ ،‬ويف مقدمتها صاحب الس�مو‬ ‫الشيخ حممد بن راشد بن سعيد آل مكتوم‪ ،‬نائب رئيس الدولة‪ ،‬رئيس‬

‫جملس الوزراء‪ ،‬حاكم ديب الذي يش�يد جمتمع املعرفة‪ ،‬ويرعى البحث‬

‫العلمي ويشجع أصحابه و ُطالبه ‪.‬‬

‫راجين من العيل القدير أن ينفع هبذا العمل‪ ،‬وأن يرزقنا التوفيق‬

‫والسداد‪ ،‬وأن يوفق إىل مزيد من العطاء عىل درب التميز املنشود‪.‬‬

‫وآخ�ر دعوان�ا أن احلم�د هلل رب العاملني‪ ،‬وصَّل�ىَّ اهلل عىل النَّبي‬

‫األمي اخلاتم س ّيدنا حممد وعىل آله وصحبـه أمجعني‪.‬‬ ‫ ‬ ‫ ‬

‫مدير إدارة البحوث‬ ‫الدكتور سيف بن راشد اجلابري‬


‫املقدمة‬ ‫احلم�د هلل رب العاملين والصلاة والسلام على الرس�ول‬

‫الكريم حممد وعىل آله وأصحابه أمجعني‪ ،‬وبعد‪:‬‬

‫فكام هو معلوم أن الدورة االقتصادية متر بأربع مراحل هي‪:‬‬

‫اإلنتاج والتبادل والتوزيع واالستهالك‪.‬‬

‫واالس�تهالك‪ :‬ه�و آخ�ر مرحل�ة م�ن مراح�ل العملي�ة‬

‫االقتصادية‪ ،‬ألنه جيس�د الطلب النهائي عىل الس�لع واخلدمات‪،‬‬ ‫وال ش�ك أن حاج�ات اإلنس�ان ورغبات�ه ه�ي املح�رك جلمي�ع‬

‫األنشطة االقتصادية ‪.‬‬

‫ولق�د من�ح اهلل اإلنس�ان نعم�ة التمت�ع بنع�م اهلل والطيبات‬

‫م�ن ال�رزق فق�ال تع�اىل‪﴿ :‬ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ‬ ‫ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ‬

‫ﭸ﴾ ‪.‬‬ ‫ االس�تهالك وضوابط�ه يف االقتصاد اإلسلامي الدكتور عبد الس�تار‬ ‫رحيم ‪.12‬‬ ‫ سورة األعراف اآلية ‪.32‬‬

‫ ‬


‫وقال عليه الصالة والسالم‪« :‬إن اهلل حيب أن يرى أثر نعمته‬

‫على عبده» أي حي�ب أن يتنعم عبده بنعمت�ه ويتمتع بالطيبات‬

‫من الرزق‪ ،‬فاألصل أن يس�د اإلنس�ان حاجته بنعمة اهلل مادامت‬ ‫تل�ك النعم�ة أباحها اهلل تعاىل أو أمر هبا‪ ،‬كث�رت أو قلت‪ ،‬وليس‬ ‫يف ذل�ك حمظور‪ ،‬ما دامت الضوابط الرشعية تتحكم فيها‪ ،‬إال أن‬

‫املطلوب يف اس�تخدام هذه اإلباحة يف االس�تهالك وس�د احلاجة‬

‫فيها هو القصد واالعتدال‪ ،‬فإذا جتاوز احلدود الرشعية كان ذلك‬ ‫إرسافا‪ ،‬قد ينمو ويكرب فيكون تبذيرا‪ ،‬وقد يتعدى األمر إىل البطر‬

‫فيتح�ول إىل الرتف املهلك‪ ،‬ولذلك تدخل اإلسلام يف مس�توى‬

‫اإلنفاق ورس�م له س�بيال س�ويا وطريقا سليام‪ ،‬يف س�ياق منهجه‬

‫الوس�طي املعتدل يف كل يشء‪ ،‬حتى ال ينحرف اإلنس�ان فيقع يف‬ ‫مزال�ق الرتف واهلالك قال تع�اىل‪﴿ :‬ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ‬

‫ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ﴾ ‪.‬‬

‫ الرتمذي ‪ ،123/5‬املعجم الكبري للطرباين ‪ ،135/18‬السنن الكربى‬ ‫للبيهقي ‪.271/3‬‬ ‫ سورة الفرقان اآلية ‪.67‬‬

‫ ‬


‫وق�ال‪﴿ :‬ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ‬

‫ﭧﭨﭩﭪ﴾‬

‫ ‬

‫وهن�ى ع�ن اإلرساف فقال‪﴿ :‬ﭛ‬

‫ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﴾ ‪.‬‬

‫وآخى بني الش�يطان واملبذرين فق�ال تعاىل‪﴿ :‬ﯵ ﯶ ﯷ‬

‫*ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﴾‬

‫ ‬

‫ووع�د أه�ل الترف والغطرس�ة والكربياء باخليب�ة واملصري‬

‫البائس والسموم واحلميم‪ ،‬وقد وصفهم بالفسق والظلم والكفر‪،‬‬

‫قال تعاىل‪﴿ :‬ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ* ﯝ ﯞ ﯟ * ﯡ‬

‫ﯢ ﯣ * ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ * ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ﴾ ‪.‬‬

‫وقال أيضا﴿ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ﴾ ‪.‬‬

‫وق�ال‪﴿ :‬ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ‬

‫ﮒ ﮓ ﮔ﴾ ‪.‬‬

‫ سورة اإلرساء اآلية ‪.29‬‬ ‫ سورة األعراف اآلية ‪ ،31‬واألنعام اآلية ‪.141‬‬ ‫ سورة اإلرساء اآلية ‪.27- 26‬‬ ‫ سورة الواقعة اآلية ‪.45 -41‬‬ ‫ سورة املؤمنون اآلية ‪.64‬‬ ‫ سورة سبأ اآلية ‪.34‬‬

‫ ‬


‫وق�ال‪﴿ :‬ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ﴾ وق�ال‪:‬‬

‫﴿ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﴾ ‪.‬‬

‫ومل�ا كان�ت األم�ة الي�وم تعاين م�ن أزم�ات كثيرة‪ -‬فكرية‬

‫واقتصادي�ة وحضاري�ة‪ -‬ف�إن املتأم�ل جي�د أن اإلرساف يف كل‬

‫االجتاه�ات م�ن أهم أس�باب ضعفه�ا وتراجعها‪ ،‬ولع�ل إنفاق‬ ‫�ن اهلل تع�اىل عليها هبا قد‬ ‫مقدراهت�ا املالي�ة وتبذي�ر ثرواهتا التي َم َّ‬

‫ّ‬ ‫ورقيها‪.‬‬ ‫شكل عائقا أمام تقدمها ّ‬

‫وال شك أن األمة متر بمرحلة اندفاع نحو تقليد املجتمعات‬

‫األخ�رى جللب الس�عادة املوهوم�ة‪ ،‬ولذلك تب�ذل كل ما جيلب‬

‫هل�ا اللذة اآلني�ة ويمتعها ولو ألمد قصري‪ ،‬متناس�ية مس�ؤولية ما‬

‫كلفه�ا اهلل ب�ه م�ن إقام�ة رشيعته وحتقي�ق العدال�ة والوصول إىل‬

‫الرفاهي�ة املبني�ة عىل أس�س رصين�ة‪ ،‬تس�تنبط تطلعاهت�ا يف ذلك‬ ‫م�ن القرآن والس�نة املطه�رة اللذين يقيمان التوازن واالس�تقرار‬

‫يف املجتمع‪.‬‬

‫ سورة هود اآلية ‪.116‬‬ ‫ سورة اإلرساء اآلية ‪.16‬‬

‫‪10‬‬


‫نشرت جري�دة «الري�اض» الس�عودية يف الع�دد الص�ادر‬

‫يف ‪1423/4/17‬ه�ـ أن «عشرة ماليين ومخسمائة أل�ف ريال‬

‫ينفقها الشباب والش�ابات بمكة املكرمة شهري ًا عىل رشاء أجهزة‬ ‫اجلوال احلديثة»‪.‬‬

‫ونشر يف موق�ع «إسلام أون الي�ن» عبر اإلنرتن�ت يف‬

‫‪2001/4/17‬م أن رشكة «آي‪ .‬يب‪ .‬كيه انرتناشيونال» املتخصصة‬

‫يف أبحاث الس�ياحة والسفر ومراقبة حركة السفر العاملي كشفت‬

‫يف تقريرها الس�نوي الذي صدر االثنين (‪2001/4/16‬م) أن‬ ‫اخلليجيين أنفقوا ‪ 27 ‬مليار دوالر العام املايض عىل الس�ياحة يف‬ ‫اخل�ارج‪ ،‬فيام أنفق األوروبيون ‪25‬ملي�ار دوالر يف اخلليج خالل‬

‫نف�س الفترة‪ .‬وج�اء الس�عوديون يف املقدمة يف ع�دد الرحالت‬

‫حي�ث وصلت عدد رحالهتم إىل ‪ 46‬مليون رحلة و ‪160‬مليون‬

‫ليل�ة‪ ،‬ويف دراس�ة قام هبا الدكتور «حس�ن أبو ركبة» عن س�لوك‬ ‫املس�تهلك الس�عودي خلص إىل أن ‪ %60 -40‬من دخل األرسة‬

‫السنوي ينفق عىل الغذاء‪ ،‬و ‪ %20 -15‬عىل الكساء‪ ،‬ومثلها عىل‬ ‫الرتفيه والعالج والس�ياحة‪ ،‬و ‪ %10 -5‬عىل التأثيث ومثلها عىل‬ ‫‪11‬‬


‫األجهزة الكهربائية و ‪ %15 -5‬عىل التعليم ومثلها عىل الس�كن‬ ‫ومثلها كمدخرات ‪.‬‬

‫ف�إذا كنا بالفع�ل نتصدر الش�عوب يف اإلنف�اق فكيف نبني‬

‫إذن؟ ال سيام ونحن نعلم أن حضارات الشعوب تقام عىل اإلنتاج‬ ‫وليس االس�تهالك‪ ،‬لكن من املؤسف أن إحصاءات االستهالك‬ ‫تشير إىل أن معظمنا مص�اب بمرض االس�تهالك الرتيف‪ ،‬فنحن‬

‫ننف�ق املال عىل س�لع كاملي�ة ويف مناس�بات غري رضوري�ة إنفاقا‬ ‫يص�ل إىل ح�د اإلرساف والتبذير بقصد التباه�ي وحب الظهور‬

‫وتعويض نقص اجتامعي معني‪.‬‬

‫فهناك أنواع من الس�لع نحن ال نقدره�ا لصفاهتا الذاتية‪ ،‬أو‬

‫الحتياجنا الفعيل هلا ولكن وفق ًا ملا متثله من مكانة اجتامعية‪.‬‬

‫فاحلقيقة أن الس�لوكيات االستهالكية بدأت تتغري اليوم‪ ،‬إما‬

‫بس�بب ثورة املتغيرات اإلنتاجية الكبرية‪ ،‬أو ألننا ننتهج مس�لك ًا‬ ‫ متى نشفى من مرض االستهالك الرتفيهي ناهد باشطح (مقال منشور‬ ‫يف جريدة الرياض يف العدد ‪ 21609‬الس�نة ‪ 38‬بتاريخ األحد ‪/25‬‬ ‫شوال‪1423/‬هـ ‪/29‬ديسمرب‪2002/‬م ‪.‬‬

‫‪12‬‬


‫استهالكي ًا إلخفاء يشء يف نفوسنا‪ ،‬كمستوانا املايل أو الثقايف مث ً‬ ‫ال‪،‬‬ ‫ولذلك كان خيارنا عش�وائي ًا‪ ،‬حس�ب ما يملي�ه ذوق املصمم أو‬

‫حس�ب النص اإلعالين يف التلفزيون‪ ،‬واالستهالك هبذا املستوى‬

‫يعد مرض ًا اقتصادي ًا اجتامعي ًا ملخاطره وآثاره‪.‬‬

‫إنن�ا يف الغال�ب متلق�ون مل�ا يتلى علين�ا‪ ،‬ومل�ا متثله س�يطرة‬

‫اإلعالن�ات التجاري�ة‪ ،‬تل�ك الس�يطرة التي تصرف عليها دول‬ ‫عاملية أموا ً‬ ‫ال باهظة‪.‬‬

‫ففي دراس�ة أعدهتا صحيفة «الصنداي تايمز» عام ‪1989‬م‬

‫أثبت�ت أن األم�وال املخصص�ة لدراس�ة اإلعلان واألس�واق‬

‫تقدر بنحو مخس�ة ملي�ارات دوالر يف العامل كل�ه‪ ،‬وأن هناك أربع‬ ‫جمموع�ات عاملي�ة تس�يطر على س�وق اإلعلان ه�ي األمريكية‬

‫والربيطانية والفرنسية واليابانية‪ ،‬وأن العناوين اإلعالنية الكبرية‬

‫هي‪ :‬البنوك‪ ،‬السيارات‪ ،‬العطور‪.‬‬

‫م�ا ال�ذي تبقى لنا م�ن وعين�ا إذا كنا ن�ؤذي أنفس�نا والبيئة‬

‫م�ن حولن�ا باالس�تهالك التريف إذ إن اإلحصاءات تشير إىل أن‬ ‫م�ن العوام�ل الت�ي متث�ل نمط� ًا يف احلياة ‪ -‬ي�ؤذي البيئ�ة ‪ -‬هي‪:‬‬ ‫‪13‬‬


‫«الس�يارات‪ ،‬والبي�وت الفخم�ة‪ ،‬ومراك�ز التس�وق الكبرى‪،‬‬

‫والسلع االس�تهالكية‪ ،‬ونوع الطعام املرتكز عىل اإلفراط يف أكل‬

‫اللح�وم‪ ،‬والغ�ذاء غري الصح�ي»‪ .‬وأظن تل�ك العوامل جمتمعة‬ ‫تش�كل نمط احلياة لدى معظمنا‪ ،‬فالناس يشترون الس�لع وهم‬

‫ال يعرفوهن�ا متبعين الدعاية واإلعالن س�واء من الن�اس أو من‬

‫وس�ائل اإلعلام‪ ،‬إنن�ا بحاج�ة إىل إعالم ي�درك أمهي�ة أن يكون‬ ‫املتلقي خاضع ًا لالستهالك دون وعي!!‬

‫ولذلك فإن اإلنفاق االستهالكي‪ :‬يأيت نتيجة طبيعية لضعف‬

‫االلت�زام بقواعد النظ�ام االقتصادي اإلسلامي‪ ،‬وقد أدى ذلك‬ ‫إىل ارتف�اع امليل احلدي لالس�تهالك وزي�ادة االتكالية واالعتامد‬

‫على اخلدمات احلكومي�ة والزيادة املفرطة يف االس�ترياد للس�لع‬ ‫واخلدمات للرتفيه واإلنفاق البذخي‪ ،‬وكان من نتيجة هذا املسار‬

‫اإلنفاقي املغلوط يف املسار التنموي يف البالد اإلسالمية أن جلأت‬ ‫الدول اإلسلامية إىل حماولة سد العجز باالعتامد عىل االحتياطي‬

‫العام وعىل االستثامر اخلارجي‪ .‬وحني نتمعن يف الظواهر السابق‬

‫ذكرها فأي منها ال يعاين منه جمتمعنا؟‬ ‫‪14‬‬


‫ومل�ا كانت جمتمعاتنا غارقة يف س�وق الترف تتقاذفها أمواج‬

‫م�ن العواص�ف اخل�ارسة م�ن الف�وىض يف اإلنف�اق وتس�تنزفها‬

‫أه�واء احلض�ارة الزائف�ة‪ ،‬فقد جاء ه�ذا البح�ث املتواضع ليبني‬ ‫صورة النمط االس�تهالكي عىل ضوء اجلمع بني املفهوم الرشعي‬ ‫وتنمي‬ ‫واالقتصادي‪ ،‬عسى أن تستدرك األمة ما بقي من ثرواهتا‪ّ ،‬‬

‫قدراهتا اإلنتاجية عن طريق املحافظة عليها‪ ،‬وهي يف الوقت ذاته‬ ‫تقيم العدالة االجتامعية وحتقق التكافل بني أبنائها‪.‬‬

‫وقد تش�كل البحث من مقدمة ومتهي�د وأربعة مباحث عىل‬

‫النحو اآليت‪:‬‬

‫متهيد‪ :‬يف تعريف ترشيد االستهالك وحاجة األمة إليه‪.‬‬ ‫املبح�ث األول‪ :‬املهم�ة االس�تخالفية ودوره�ا يف توجي�ه‬

‫االستهالك‪.‬‬

‫املبحث الثاين‪ :‬ضوابط االستهالك‪.‬‬ ‫املبح�ث الثال�ث‪ :‬سمات املجتم�ع اإلسلامي وأثره�ا يف‬

‫االستهالك‪.‬‬

‫‪15‬‬


‫املبحث الرابع‪ :‬االستهالك الرشيد وسيلة جللب الربكة‪.‬‬ ‫اخلامتة‪.‬‬ ‫أس�أل اهلل تع�اىل الرش�د والص�واب‪ ،‬وأن يمنحن�ا القص�د‬

‫واالعتدال والرضا‪ ،‬وأستغفر اهلل العظيم‪.‬‬ ‫***‬

‫‪16‬‬


‫متهيد‬ ‫ترشيد االستهالك وحاجة األمة إليه‬ ‫الرتش�يد لغ�ة‪ :‬مص�در ّ‬ ‫رش�د‪ :‬س�عى إىل ترش�يده وهدي�ه‪،‬‬

‫وه�و االس�تقامة عىل طريق اخلري مع تصلب في�ه‪ ،‬وضده البغي‪،‬‬ ‫واسرتش�د الرج�ل‪ :‬اهت�دى وطلب الرش�د‪ .‬ورش�د الرجل إذا‬

‫أص�اب وجه األم�ر والصواب والطريق واهلدى واالس�تقامة يف‬ ‫األم�ر الواض�ح واهلداي�ة والدالل�ة ومنه قول�ه تعاىل‪﴿ :‬ﮰ‬

‫ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ﴾ ‪.‬‬

‫واالس�تهالك‪ :‬مصدر اس�تهلك‪ ،‬يقال اس�تهلك املال‪ :‬أنفقه‬

‫وأنف�ده‪ .‬وأهل�ك املال‪ :‬باعه‪ .‬واس�تهلك الرجل يف ك�ذا‪ :‬أجهد‬

‫نفسه فهو يعني النفاد واإلنفاق وبذل اجلهد والبيع‪.‬‬

‫ً‬ ‫واصطالح�ا‪ :‬االس�تخدام املب�ارش للس�لع واخلدم�ات التي‬

‫تشبع رغبات اإلنسان وحاجاته ‪.‬‬

‫ لسان العرب ‪.176/3‬‬ ‫ سورة غافر اآلية ‪.38‬‬ ‫ لسان العرب ‪. 505/10‬‬ ‫ النظام االقتصادي اإلسالمي حممد عبد املنعم عبد القادر ‪ /‬دار املجمع‬ ‫العلمي – جدة ‪1399‬هـ ‪1979 -‬م ص‪. 157‬‬

‫‪17‬‬


‫وترش�يد االس�تهالك يعنى‪ :‬االس�تخدام األمثل للامل وسد‬

‫احلاج�ات والتوازن واالعتدال يف اإلنفاق واالس�تقامة يف حتقيق‬ ‫مصلحة اإلنس�ان وعدم البغي أو الش�طط يف البذل‪ ،‬واالستقامة‬ ‫عىل احلق‪ ،‬واهلداية إىل طريق الرشد واخلري والصالح‪.‬‬ ‫ترشيد االستهالك حاجة لنهضة األمة‪:‬‬ ‫إن من أوىل وأهم األس�باب التي أضعفت األمة اإلسلامية‬

‫والعربية ومكنت الدول الغربية من إحكام س�يطرهتا عليها حتى‬ ‫غدت تابعة ال حول هلا وال قوة‪ ،‬هو كوهنا أمة تستهلك بال ضابط‬

‫وتأكل أكثر مما تنتج‪ ،‬وهي يف الغالب تستهلك املواد املستوردة من‬ ‫الدول الغربية‪ ،‬مما سمح لتلك الدول أن تفرض عليها رشوطها‪،‬‬

‫وتلوح من وقت آلخر بسلاح العقوب�ات االقتصادية‪ ،‬من أجل‬ ‫إذالل تلك الدول وإخضاعها لتنفيذ سياساهتا وأهدافها‪.‬‬

‫وحني نتحدث عن ترش�يد االس�تهالك‪ ،‬فإن توجيه األنامط‬

‫والع�ادات االس�تهالكية رضورة ملحة‪ ،‬بحيث يتس�م الس�لوك‬

‫االس�تهالكي للف�رد أو األرسة بالتعق�ل‪ ،‬واالت�زان‪ ،‬واحلكم�ة‪،‬‬ ‫‪18‬‬


‫والرش�ادة املوضوعي�ة واملنطقية‪ ،‬ومن ثم يكون اس�تغالل الفرد‬ ‫مل�ا يمل�ك اس�تغالال متزن�ا وس�لوكه س�لوكا معتدال‪ ،‬يتناس�ب‬ ‫م�ع تص�وره االعتقادي واألخالق�ي وواجبه جت�اه األمة‪ ،‬وذلك‬

‫يزي�ده نش�اطا وحيوية‪ ،‬بحي�ث ينعكس عىل اإلنتاجي�ة ويؤثر يف‬ ‫استهالك األرسة‪ ،‬واستهالك املجتمع وحيويته عموما‪ ،‬ومن بعد‬ ‫ذلك تبدو آثاره عىل مس�توى حتسين نمط حياة الس�كان‪ ،‬ورفع‬

‫مس�توى معيشتهم‪ ،‬وسد حاجاهتم‪ ،‬وتطوير االقتصاد من خالل‬ ‫تنمية خمتلف القطاعات‪ ،‬التي تش�ارك فيها احلكومة والس�لطات‬

‫املحلي�ة‪ ،‬وه�ذه الرتبية املنس�جمة م�ع القيم األخالقي�ة جيب أن‬

‫تنسكب يف عامل الطفولة من خالل الرتبية امليدانية للطفل وحاجة‬ ‫األرسة إىل حتم�ل املس�ؤولية يف ه�ذه التنش�ئة‪ ،‬وذل�ك ألن نمط‬

‫الس�لوك االس�تهالكي يتأصل لدى الطفل من�ذ الصغر‪ ،‬وعملية‬ ‫التنش�ئة االستهالكية هي عملية مستمرة يتعلم الطفل من خالهلا‬

‫املع�ارف وامله�ارات واالجتاهات التي تتناس�ب مع حصوله عىل‬ ‫املنتجات‪.‬‬

‫‪19‬‬


‫ومما الش�ك فيه أن دور األرسة مهم‪ ،‬فالطفل يتعلم السلوك‬

‫االس�تهالكي داخ�ل أروقتها قب�ل أن خيرج إىل الع�امل اخلارجي‪،‬‬ ‫وتس�تطيع األرسة الواعي�ة أن ت�درب الطف�ل على التعام�ل مع‬

‫املواقف االس�تهالكية كعملية الرشاء ومفهوم امليزانية مث ً‬ ‫ال‪ ،‬وإذا‬

‫كان�ت محى االس�تهالك الرتيف طالت أصح�اب الدخل املحدود‬ ‫يف جم�اراة للنمط العام فإنه ال يمنع أن يعرف�وا عددا من العوامل‬

‫يشير اخلبراء إىل تأثريه�ا يف عملي�ة اكتس�اب الطف�ل مه�ارات‬

‫االستهالك وهي‪:‬‬

‫‪ -1‬التقليد واملحاكاة وأمهية وجود القدوة السليمة وبخاصة‬

‫«س�لوك األم االستهالكي» يف فرتة الطفولة إذ يساعد عىل رسعة‬ ‫التعل�م وغ�رس الع�ادات والقي�م واالجتاه�ات الصحيحة نحو‬ ‫االستهالك والرتكيز عىل املفاهيم اخلاصة برتشيده‪.‬‬ ‫‪ -2‬مستوى الدخل النقدي‪.‬‬ ‫‪ -3‬وسائل اإلعالم وفنون الدعاية واإلعالن‪.‬‬ ‫‪ -4‬تعلي�م األم للطف�ل‪ ،‬وتفاع�ل األمهات م�ع األطفال يف‬

‫أثناء اختاذ القرارات االستهالكية‪.‬‬ ‫‪20‬‬


‫‪ -5‬عامل الدين‪.‬‬ ‫‪ -6‬املوقع اجلغرايف والبيئة االجتامعية‪.‬‬ ‫‪ -7‬العوامل النفسية‪.‬‬ ‫‪ -8‬العوام�ل االقتصادي�ة‪ ..‬ف�إن الطبق�ة االجتامعية تلعب‬

‫دور ًا أكرب من مجيع العوامل يف حتديد نمط اإلنفاق االس�تهالكي‬

‫والتعامل بالنقود‪.‬‬

‫‪ -9‬تدريب األرسة للطفل للمش�اركة يف عمليات االختيار‬

‫والشراء‪ ،‬مع تعويد الطفل عىل االقتصاد والتوفري وتقليل الفاقد‬ ‫يف كل نواحي احلياة االستهالكية‪.‬‬

‫والس�ؤال املتبق�ي ه�ل يمك�ن أن تع�رف األرسة دوره�ا‬

‫ومس�ؤوليتها يف تنمية شخصية املستهلك الصغري‪ ،‬الذي سيغدو‬

‫يوم ًا كبري ًا ؟‬

‫إن غي�اب الضابط االجتامعي يف عملية االس�تهالك الرتيف‪،‬‬

‫ي�ؤدي إىل ه�در اإلمكان�ات االقتصادي�ة وذه�اب الكثير م�ن‬ ‫اإلمكانات التي ال يس�تفاد منها بش�كل صحيح‪ ،‬والتي بإمكاهنا‬ ‫‪21‬‬


‫أن تش�ارك يف عملية التكافل االجتامع�ي‪ ،‬فالثروات االقتصادية‬

‫ينبغ�ي يف الدرج�ة األوىل‪ ،‬أن تتوج�ه إىل تقوي�ة البني�ة التحتي�ة‬ ‫للمجتمع‪ ،‬وإن االس�تهالك التريف‪ ،‬هو رضب من رضوب هدر‬

‫اإلمكان�ات والق�درات االقتصادي�ة يف غري موضعه�ا الطبيعي‪،‬‬ ‫فاحلض�ارات واملدني�ات ل�دى املجتمع�ات اإلنس�انية قاطبة‪ ،‬ال‬

‫تقوم عىل االستهالك وتداعياته االقتصادية واالجتامعية‪ ،‬بل عىل‬ ‫املزيد من توجيه الثروات إىل عمليات اإلنتاج يف إطار مؤسسات‬

‫ومجعيات ترجع بالنفع عىل اجلميع‪.‬‬

‫إن القضية ليس�ت س�لع ًا نشترهيا وبضائع نس�تهلكها لكن‬

‫املوض�وع أعمق من ذل�ك بكثري‪ ،‬حيكي أحد الكتاب التونس�يني‬

‫جترب�ة غربته فيقول‪« :‬عندم�ا ذهبنا نحن أبن�اء املغرب العريب إىل‬ ‫فرنس�ا للدراسة كان لدينا يقني بأن فرنس�ا تفتح لنا كل فضاءاهتا‬

‫لنتعل�م ونس�تفيد م�ن نتاجه�ا احلض�اري الرفيع‪ ،‬لك�ن الرئيس‬ ‫(ج�ورج بومبي�دو) ألق�ى يوم ًا كلمة ق�ال فيها لكل الفرنس�يني‪:‬‬ ‫«علم�وا ه�ؤالء القادمين من الشرق اللغ�ة والثقافة الفرنس�ية‬ ‫‪22‬‬


‫ليشتروا كل يشء فرنسي بع�د ذل�ك!» يومها كت�ب الكاتب إىل‬ ‫والدت�ه يف ري�ف تون�س طالب ًا منها كتب� ًا عربي�ة يتحصن هبا ضد‬

‫اختراق (بومبيدو) لوجدانه‪ ،‬قال هل�ا‪« :‬ال أريد أغطية أو بقالوة‬ ‫أو مصاري�ف زي�ادة‪ ،‬أري�د القبض عىل ذايت‪ ،‬ألهن�م يصادرونني‬

‫جهار ًا يف فرنسا»‪.‬‬

‫لق�د ختلصت الش�عوب العربي�ة من االس�تعامر‪ ،‬لكننا اليوم‬

‫نعاين اس�تعامر ًا من نوع آخ�ر‪ ..‬فالعوملة أدت إىل حدوث اخرتاق‬

‫ل�كل ش�عوب العامل‪ ،‬ومن أهم م�ا جنته املجتمع�ات العربية أهنا‬ ‫أصبحت جمتمعات استهالكية ‪.‬‬

‫إذن فالقضية ليست أن ندعو إىل ترشيد االستهالك‪ ،‬فنبدأ يف‬

‫الضغط عىل األبناء يف مرصوفاهتم‪ ،‬وإنام الرتشيد سياسة للتعامل‬

‫مع املال الذي هو من الرضورات اخلمس لديمومة احلياة‪ ،‬ترشيد‬ ‫االس�تهالك هو نمط يتوجه إىل إنامء النعم والثروات‪ ،‬عن طريق‬

‫ متى نشفى من مرض االستهالك الرتفيهي ناهد باشطح (مقال منشور‬ ‫يف جريدة الرياض يف العدد ‪ 21609‬الس�نة ‪ 38‬بتاريخ األحد ‪/25‬‬ ‫شوال‪1423/‬هـ ‪/29‬ديسمرب‪2002/‬م‪.‬‬

‫‪23‬‬


‫العم�ل على حتوي�ل هذه النع�م إىل مص�ادر دخل دائم�ة لصالح‬ ‫املواطن املس�تهلك‪ ،‬إن�ه نقل هذه الثروات من دائرة االس�تهالك‬ ‫إىل دائرة اإلنتاج‪.‬‬

‫إن الدع�وة إىل ترش�يد االس�تهالك ال يقص�د هب�ا احلرم�ان‬

‫م�ن التمت�ع بملذات الدنيا‪ ،‬بق�در ما يقصد هبا العم�ل عىل تربية‬ ‫النفس حتى يتمكن املس�لم من القيام بدوره يف النهوض بواجبه‬

‫االس�تخاليف يف األرض وفق ًا لق�ول اهلل عز وجل‪﴿ :‬ﭳ ﭴ‬

‫ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ﴾ ‪ .‬كام يقصد منها الدعوة إىل التوسط‬ ‫وعدم اإلرساف يف االستفادة من نعم اهلل عز وجل‪ ،‬لذا فإن هذه‬

‫الدع�وة إىل ترش�يد االس�تهالك ال تنطل�ق من فراغ وإنما ترتبط‬ ‫بحس�ن عبادة املؤمن لربه وتفعي�ل دوره يف محاية األرض والبيئة‬ ‫وتأمني احلياة الس�ليمة لألجيال التي تأيت بع�ده‪ ،‬ذلك أن العبادة‬

‫بمعناه�ا الش�امل ال تقترص عىل أداء الش�عائر الدينية فقط‪ ،‬إذ إن‬ ‫حسن اس�تغالل البيئة عبادة‪ ،‬واملحافظة عليها وصيانتها لتستمر‬

‫ سورة الذاريات اآلية ‪.56‬‬

‫‪24‬‬


‫إىل ما ش�اء اهلل تنتفع هبا البرشية كافة حتى يرث اهلل األرض ومن‬

‫عليه�ا عب�ادة‪ ،‬وإماطة األذى ع�ن الطريق عب�ادة‪ ،‬وعدم تلويث‬ ‫املاء واهلواء عبادة‪ ،‬وحس�ن اس�تعامل املرافق العامة واخلاصة من‬

‫طرق ومياه وكهرباء ومؤسس�ات خمتلفة (مدارس ‪ -‬مستشفيات‬ ‫ مصانع وغريها) بأسلوب راشد عاقل عبادة‪ ،‬هذه السلوكيات‬‫اإلسالمية البناءة ىف التعامل مع مكونات البيئة الطبيعية واملشيدة‪،‬‬ ‫أمر اهلل س�بحانه وتعاىل عب�اده هبا بقوله‪﴿ :‬ﯵ ﯶ ﯷ‬

‫ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ﴾ ‪.‬‬

‫وليس ثمة ش�ك أن حسن استغالل مكونات البيئة الطبيعية‬

‫واملشيدة وصيانتها فيه نفع كبري للبرشية كافة‪ ،‬وأن سوء استغالهلا‬

‫والعمل عىل رسعة اس�تنزاف مواردها أمر فيه رضر بالغ للبرشية‬

‫مجع�اء‪ ،‬وه�و ىف نف�س الوق�ت كف�ر والعي�اذ ب�اهلل بأنع�م اهلل‪،‬‬

‫وال ري�ب أن الكف�ر بأنع�م اهلل مدع�اة إىل امل�آيس والك�وارث‬

‫واجلوع واخلوف‪.‬‬

‫ سورة القصص اآلية ‪.77‬‬

‫‪25‬‬


‫قـ�ال تع�اىل‪﴿ :‬ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ‬

‫ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ﴾ ‪.‬‬

‫وم�ن نامذج س�وء االس�تهالك يف البيئ�ة‪ ،‬الكثاف�ة العالية يف‬

‫اس�تخدام األس�مدة الكياموي�ة واملبي�دات احلرشية‪ ،‬مم�ا أدى إىل‬ ‫ترسب كميات كبرية منها إىل اهلواء ومصادر املياه وإفسادمها‪.‬‬

‫أما عن نامذج س�وء االس�تهالك عىل الصعي�د اخلاص فمنها‬

‫اإلرساف يف اس�تخدام املي�اه يف االس�تعامالت اليومي�ة‪ ،‬ويف‬

‫استخدام الكهرباء وغريها من وسائل الطاقة‪.‬‬

‫ومن األمور الالفتة لالهتامم حدوث كثري من هذه الترصفات‬

‫االستهالكية يف أوساط إسالمية‪ ،‬حيث يستخدم اإلسالم كحجة‬ ‫للإرساف‪ ،‬مث�ل إهدار املياه على تنظيف البي�ت‪ ،‬حتت حجة أن‬

‫اإلسالم حيث عىل النظافة والطهارة ‪.‬‬

‫إن دور املس�لم يف تطبي�ق منه�ج اهلل يف الوس�طية وع�دم‬

‫اإلرساف يعبر ع�ن طبيعة هذه األم�ة وأصالتها‪ ،‬قال س�بحانه‪:‬‬ ‫﴿ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ﴾ ‪.‬‬

‫ سورة الروم اآلية ‪.41‬‬ ‫ سورة البقرة اآلية ‪.143‬‬

‫‪26‬‬


‫واملس�لم بحاجة إىل الرجوع إىل هذا األصل‪ ،‬وس�يادة منهج‬

‫الوسط عىل املستوى الفردي‪ ،‬فإن سوء اإلدارة واهلدر يف األموال‬ ‫واألرزاق الت�ي تبدو عىل ترصفات كثري من املس�لمني تؤكد هذه‬

‫احلاج�ة‪ ،‬فعلى عك�س اإلنس�ان الغ�ريب ال�ذي يشتري الفاكهة‬

‫بالقطعة‪ ،‬يعرف املس�لم بكرمه وس�خائه داخل أرسته وخارجها‬ ‫‪ -‬وهذا حس�ن‪ ،‬لك�ن املطلوب أن يكون بق�در معقول ‪ -‬لذا ال‬

‫يكتف�ي الرج�ل بشراء كيلو واحد م�ن طعام معين‪ ،‬وال يرىض‬ ‫بشراء نوع واحد م�ن الفاكهة‪ ،‬كام ال تطبخ املرأة نوع ًا واحد ًا من‬

‫الطع�ام‪ ،‬وال تقب�ل برشاء ث�وب واحد يف الس�نة‪ ،‬والنتيجة ماذا؟‬

‫طعام يرمى يف س�لة النفايات‪ ،‬وأثواب تلبس س�نة واحدة أو مرة‬ ‫واحدة ثم تنتهي موضتها فتزين اخلزائن بدل أن تزين األجس�اد‪،‬‬

‫فإىل متى س�يبقى املسلمون عاجزين عن حتديد الكميات املشرتاة‬

‫من األغذية واحلوائج حس�ب حاجة األفراد واألرسة الرضورية‬

‫والفعلية؟ وإىل متى س�يبقون عاجزين ع�ن إدراك أن الزيادة عن‬ ‫احلاج�ة ق�د تتلف أثن�اء التخزين الطوي�ل وتقل قيمته�ا الغذائية‬

‫وبالتايل تسبب خسائر مادية ‪.‬‬

‫‪27‬‬


‫فاحلاج�ة إىل تربي�ة النف�س للمس�لم وصياغتها وف�ق منهج‬

‫اإلسلام وطبيعة هذه األمة حيييها من رقاد طال‪ ،‬وس�بات عميق‬ ‫أمات القلوب‪ ،‬ولن حتيا إال بالرجوع إىل الكتاب والسنة النبوية‪،‬‬ ‫وق�د قيل‪ :‬من قل طعمه ص�ح بطنه‪ ،‬وصفا قلبه‪ ،‬ومن كثر طعمه‬

‫سقم بطنه‪ ،‬وقسا قلبه ‪.‬‬

‫وورد يِف احلكم�ة‪ :‬أن البطن�ة تذهب الفطن�ة ‪ ،‬وقال لقامن‬

‫البنه‪ :‬إذا امتألت املعدة نامت الفكرة وخرست احلكمة وقعدت‬

‫األعضاء عن العبادة ‪.‬‬

‫وإذا كان�ت احلاج�ة إىل ترش�يد االس�تهالك رضورية يف كل‬

‫حين‪ ،‬فهي أش�د رضورة يف أيامنا هذه‪ ،‬الس�يام يف ه�ذه املرحلة‬

‫التارخيية اهلامة‪ ،‬التي متر هبا األمة اإلسالمية‪ ،‬وحتتاج من املسلم أن‬ ‫يس�تعد ملواجهة احلياة والتحسب لألزمات يف أية حلظة‪ ،‬واملسلم‬

‫ عمدة القاري ‪ ،27/21‬املستطرف ‪.39/1‬‬ ‫ فيض القدير ‪ ،293/1‬البيان والتبيني ‪ ،253/1‬مجهرة خطب العرب‬ ‫‪.139/1‬‬ ‫ التحري�ر والتنوير البن عاش�ور ‪ ،3279/1‬س�بل السلام ‪،234/1‬‬ ‫الشفا ‪.72/1‬‬

‫‪28‬‬


‫إذا مل ينجح يف جهاد نفس�ه وكبح ش�هواهتا ومل يتغلب عليها‪ ،‬فهو‬ ‫س�يعجز ع�ن حتمل جه�اد األع�داء‪ ،‬ذل�ك أن الدني�ا ال تقر عىل‬

‫ح�ال‪ ،‬وعلى املؤمن أن يس�تعد يف أوق�ات الرخاء على مواجهة‬

‫أوق�ات البالء‪ ،‬قال س�يدنا عم�ر ريض اهلل عنه‪« :‬إياك�م والتنعم‬ ‫وزي العج�م وعليكم بالش�مس فإهنا محام العرب واخشوش�نوا‬ ‫واخلولقوا وارموا األغراض وانزوا نزوا» ‪.‬‬

‫وق�ال ابن خلدون يف مقدمت�ه‪« :‬فاهلالكون يف املجاعات إنام‬

‫قتلهم الشبع املعتاد السابق ال اجلوع احلادث الالحق» ‪.‬‬

‫فاملس�لم حريص عىل النهوض بمجتمعه وحتويله من جمتمع‬

‫اس�تهالكي إىل جمتمع منتج‪ ،‬ذلك أن الزيادة الكبرية يف اس�تهالك‬ ‫األف�راد‪ ،‬تؤدي إىل إنف�اق كل الدخل الف�ردي والقومي لتمويل‬

‫رشاء الس�لع االس�تهالكية‪ ،‬والت�ي يف معظمه�ا ق�د ال تكون من‬ ‫ اب�ن حب�ان ‪ ،268/2‬عب�د ال�رزاق ‪ ،85/11‬اخلول�ق الث�وب‪ :‬بيل‪،‬‬ ‫والن�زو الوثب�ان ومن�ه الوثب�ان عىل اخليل‪ /‬لس�ان الع�رب ‪88 /10‬‬ ‫و‪.319/15‬‬ ‫ تاريخ ابن خلدون ‪.109/1‬‬

‫‪29‬‬


‫الس�لع املهم�ة‪ ،‬وهذا التوجه لن يكون إال إذا اس�تند إىل أس�اس‬ ‫اعتقادي صحيح‪.‬‬

‫***‬

‫‪30‬‬


‫املبحث األول‬ ‫املهمة االستخالفية ودورها يف توجيه‬ ‫االستهـالك‬ ‫إن اهل�دف م�ن وج�ود اإلنس�ان على األرض يف االقتص�اد‬

‫اإلسلامي ه�و عامرهت�ا‪ ،‬الت�ي تقتضي العم�ل واحلرك�ة فيه�ا‪،‬‬ ‫واس�تثامرها عىل أس�اس الضواب�ط العقائدية والقي�م األخالقية‬

‫املرتبط�ة بالتص�ور اإلسلامي‪ ،‬ألن التزكي�ة الروحي�ة والبن�اء‬

‫األخالق�ي تزك�و بآمال اإلنس�ان فتجع�ل منها مرشوع� ًا للتنمية‬

‫ليتحم�ل مس�ؤولية االس�تجابة لكل طلب متتد إليه يده حلس�اب‬ ‫االس�تهالك وفق ًا لتلك الضوابط‪ ،‬ألن العملية االستهالكية ذاهتا‬

‫طاع�ة ينبغي أن تتوفر فيها الفضيل�ة والطهارة والصفاء‪ ،‬ولذلك‬ ‫فرق االقتصاد اإلسلامي بني السلع الطيبة والسلع اخلبيثة‪ ،‬ألنه‬

‫ال يدخل يف العملية االس�تهالكية إال الس�لع الطيبة التي توفرت‬ ‫فيه�ا الضوابط الرشعية وه�ذا ما يميز االقتصاد اإلسلامي عن‬

‫االقتص�اد الوضع�ي‪ ،‬حيث إن هذا األخري يس�تهلك أي س�لعة‬ ‫‪31‬‬


‫تتمش�ى م�ع رغبات األفراد بش�كل مطل�ق‪ ،‬ولذلك ف�إن عملية‬

‫االس�تهالك ال يمك�ن أن تعم�ل م�ن دون االعتامد على العقيدة‬ ‫التي حتكم النظرية االقتصادية‪ ،‬ال س�يام وأن نظرية االستخالف‪،‬‬ ‫الت�ي تعني يف املفهوم الفقهي‪ :‬النياب�ة والقوامة يف حدود املأذون‬

‫به واملخول فيه)‪ (1‬تتحكم يف توجهات املسلم وتصوراته وتضبط‬

‫كل س�لوكياته‪ ،‬وف�ق نظام أق�ره اهلل تعاىل لعب�اده يف احلدود التي‬ ‫س�خرها هل�م‪ ،‬وما س�لطهم علي�ه من ملك�ه‪ ،‬وذلك م�ن خالل‬

‫قوانينه�ا العاملة‪،‬وه�ي)‪ :(2‬أن املل�ك هلل وأن الك�ون س�خره اهلل‬

‫لإلنس�ان وس�لطه عليه بام وهبه من عقل وإدراك وسمع وبرص‪،‬‬ ‫الس�تثامره ملصلحت�ه)‪ (3‬ولذل�ك فه�و مكل�ف بعمارة األرض‬ ‫ امل�ال واحلك�م يف اإلسلام ‪ /‬عب�د الق�ادر ع�ودة ‪ 28‬الطبع�ة الثاني�ة‬ ‫‪1383‬هـ ‪1964 -‬م دار النذير – بغداد ‪.‬‬ ‫ نظرية االس�تخالف يف الفكر اإلسلامي وأثرها يف بناء الش�خصية ‪/‬‬ ‫الدكت�ور عبد اللطيف مهي�م ‪ 11‬وما بعدها الطبع�ة األوىل ‪1411‬هـ‬ ‫ ‪1990‬م مطبعة النواعري – العراق – الرمادي ‪.‬‬‫ املال واحلكم يف اإلسلام ‪ ،9‬الس�وق اإلسلامية املشتركة ‪ /‬الدكتور‬ ‫حمم�ود حممد بابليل ‪ 40‬الطبع�ة األوىل ‪1975‬م – دار الكتاب اللبناين‬ ‫– بريوت‪.‬‬

‫‪32‬‬


‫واالنتفاع بخرياهتا وفق منهج اهلل الذي وضعه للعمل به‪ ،‬وبذلك‬

‫يكون صاحلا لوراثتها ‪.‬‬

‫فحين ينس�اب املس�تهلك يف ظلال ه�ذا التص�ور وخيضع‬

‫عز َّ‬ ‫وج�ل فهو يعرب عن دوره يف إقام�ة اخلالفة وحتقيق‬ ‫ملنه�ج اهلل َّ‬

‫العبودية هلل تعاىل عىل هذه األرض‪،‬وقد جاء هذا املعنى واضح ًا يف‬

‫العديد من النصوص القرآنية التي بلغت عرشين نص ًا أو يزيد‪.‬‬

‫ق�ال تع�اىل‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ‬

‫ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ‬

‫ﭩ ﭪ ﭫ﴾)‪.(1‬‬

‫وقوله تع�اىل‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ‬

‫ﭘ ﭙ﴾)‪.(2‬‬

‫وقول�ه تع�اىل‪﴿ :‬ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ﴾‬

‫)‪(3‬‬

‫إىل غير ذلك من النص�وص التي تدل عىل أن مركز اإلنس�ان يف‬

‫األرض بمثابة النائب والقائم‪.‬‬ ‫ سورة فاطر اآلية ‪.39‬‬ ‫ سورة البقرة اآلية ‪. 30‬‬ ‫ سورة األنعام اآلية ‪.165‬‬

‫‪33‬‬


‫ويف ظ�ل ه�ذا التصور اإلسلامي للحي�اة اإلنس�انية ودور‬

‫اإلنس�ان يف احلي�اة ترتس�خ القي�م اإليامني�ة‪ ،‬فالدني�ا دار امتحان‬

‫وليس�ت هي دار مقامة‪ ،‬ومس�تقبل اإلنس�ان يف اآلخ�رة مرهون‬ ‫بترصف�ه يف الدنيا وما قدم فيها من عمل‘ ومن كانت هذه عقيدته‬

‫فإن االستهالك ال يشكل عنده هدفا لوجوده وال غاية من غاياته‪،‬‬

‫كما احلال عن�د من ال يفهم األم�ر هكذا من الذين اخت�ذوا الدنيا‬ ‫متاعا وهلوا ولعبا‪.‬‬

‫ق�ال تع�اىل‪﴿ :‬ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ‬

‫ﭥ ﭦ ﭧ﴾)‪ ،(1‬ب�ل إن م�ن رمح�ة اهلل ع�ز وج�ل بالناس أن‬

‫رشع هل�م دين�ا قيام وس�طا‪ ،‬ال جن�وح فيه وال مغ�االة‪ ،‬ولذلك مل‬

‫يرتك املس�لم يتهالك عىل االس�تهالك‪ ،‬ومل يدع�ه يعزف عنه‪ ،‬بل‬ ‫إن حسبه من الدنيا ما يقيم به نفسه ويتقوى به عىل معاده‪ ،‬يطلب‬

‫الفلاح يف اآلخ�رة‪ ،‬ويف ه�ذه الس�احة من الوس�طية واالعتدال‬ ‫يتحرك املسلم بكل طمأنينة وأمان)‪.(2‬‬

‫ سورة حممد اآلية ‪.12‬‬ ‫ األس�عار وختصيص املوارد يف اإلسلام الدكتور عبد اجلبار محد عبيد‬ ‫السبهاين ‪.464‬‬

‫‪34‬‬


‫فإذا ترسخت العقيدة واستبانت القيم اإليامنية يأيت بعد ذلك‬

‫دور املنهج يف تفعيل القيم وترسيخ املبادئ‪.‬‬

‫وعىل هذا األس�اس حدد القرآن الكريم يف بداية األمر املواد‬

‫التي نستهلكها‪ ،‬فجاء التعبري (بالطيبات) بمعنى املواد املستهلكة‬

‫يف ثامنية عرش موضع ًا)‪ (1‬التي يقابلها لفظ (اخلبائث) التي تش�مل‬ ‫امل�واد الت�ي ال تصل�ح لالس�تهالك)‪ (2‬ألهن�ا ت�ؤدي إىل إضعاف‬

‫طاق�ات البرش وفاعليته�م يف عامرة األرض ‪ -‬الت�ي هي تكليف‬

‫رشعي‪ ،-‬حيث إن االس�تهالك هدف اإلنتاج‪ ،‬وبه يقيم اإلنسان‬ ‫صلبه‪ ،‬وبه يس�تطيع مواصلة العمل‪ ،‬فهو املحصلة النهائية لتأدية‬

‫اإلنسان أهدافه التعبدية‪.‬‬

‫قال تعاىل‪﴿ :‬ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ‬

‫ﮅ ﮆ﴾)‪.(3‬‬

‫ االقتص�اد اإلسلامي ‪ /‬حمم�د منذر القح�ف ‪ ،38‬انظر مث ً‬ ‫ال‪ :‬س�ورة‬ ‫البق�رة اآلي�ة ‪ ،57‬س�ورة النس�اء اآلية ‪ ،160‬س�ورة املائ�دة اآلية ‪،6‬‬ ‫سورة األعراف اآلية ‪ ،32‬سورة يونس اآلية ‪.93‬‬ ‫ س�ورة النس�اء اآلية ‪ ،2‬س�ورة املائدة اآلية ‪ ،103‬س�ورة األنفال اآلية‬ ‫‪. 37‬‬ ‫ سورة البقرة اآلية ‪. 172‬‬

‫‪35‬‬


‫وقال‪﴿ :‬ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ﴾)‪.(1‬‬

‫وق�ال‪﴿ :‬ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ‬

‫ﯢﯣ ﯤﯥﯦﯧﯨﯩ‬ ‫ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ﴾)‪.(2‬‬

‫وقال عليه الصالة والسلام‪« :‬إن اهلل حيب أن يرى أثر نعمته‬

‫عىل عبده»)‪.(3‬‬

‫ولذل�ك قال�وا عن االس�تهالك‪ :‬هو م�ا يتوصل ب�ه إىل أداء‬

‫الفرائض)‪ (4‬لقوله عليه الصالة والسالم‪« :‬وإنك مهام أنفقت من‬ ‫نفقة فإهنا صدقة حتى اللقمة التي ترفعها إىل يف امرأتك»)‪.(5‬‬

‫ويق�ول الش�اطبي عن�ه‪« :‬إنام ه�و خادم لألص�ل الرضوري‬

‫ومؤن�س به وحمس�ن لصورته اخلاصة‪ ،‬إما مقدمة ل�ه أو مقارن ًا أو‬ ‫ سورة املؤمنون اآلية ‪. 51‬‬ ‫ سورة النحل اآلية ‪.14‬‬ ‫ أمح�د ‪ ،438/4‬الرتم�ذي ‪ ،123/5‬والطبراين يف الكبري ‪،135/18‬‬ ‫سنن البيهقي الكربى ‪.271/3‬‬ ‫ االكتساب يف الرزق املستطاب ملحمد الشيباين ‪. 62‬‬ ‫ أمح�د ‪ 172/1‬و ‪ ،173‬البخ�اري ‪ ،2591‬س�نن البيهق�ي الكبرى‬ ‫‪.467/7‬‬

‫‪36‬‬


‫تابع ًا‪ ،‬وعىل كل تقدير فهو يدور باخلدمة حواليه‪ ،‬فهو أحرى بأن‬ ‫يتأدى به الرضوري عىل أحسن حاالته»)‪.(1‬‬

‫ولي�س من املعقول أن يكلف اإلنس�ان بمهمة اخلالفة وهي‬

‫أداء عبادة‪ ،‬ثم حيال بينه وبني مقومات قيامه هبا‪.‬‬

‫يقول العز بن عبد السلام‪« :‬اإلنس�ان مكلف بعبادة الديان‬

‫باكتس�اب يف القلوب واحل�واس واألركان ما دام�ت حياته‪ ،‬ومل‬

‫تت�م حيات�ه إال بدف�ع رضوراته وحاجات�ه من املآكل واملش�ارب‬

‫واملالبس واملناكح وغري ذلك من املنافع»)‪.(2‬‬ ‫ويق�ول‪« :‬فل�و فقد أحدن�ا بيت ًا يأوي�ه أو ثوب ًا يواري�ه ومدفئ ًا‬

‫يدفئه ملا أطاق الصرب عليه»)‪.(3‬‬

‫ولذلك يويص عمر بن اخلطاب عامله بسد حاجات الرعية‪،‬‬

‫ألن اجل�وع مقدم�ة للكف�ر‪ ،‬فق�ال هل�م‪« :‬وال متنعوه�م حقوقهم‬ ‫فتكفروهم»)‪.(4‬‬

‫ املوافقات ‪.24/2‬‬ ‫ قواعد األحكام ‪.80/2‬‬ ‫ املصدر السابق ‪. 70/2‬‬ ‫ أمحد ‪ ،41/1‬سنن البيهقي الكربى ‪ ،29/9‬تاريخ الطربي ‪،567/2‬‬ ‫تاري�خ دمش�ق ‪ ،278/44‬كنز العمال ‪ ،191/16‬مناقب عمر البن‬ ‫اجلوزي ‪. 95‬‬

‫‪37‬‬


‫السلعة الطيبة والسلعة اخلبيثة‪:‬‬

‫إن الس�لعة االقتصادي�ة يف املفه�وم اإلسلامي هي الس�لعة‬ ‫الطيبة‪ ،‬التي أنتجت يف دائرة احلالل وحتمل كافة السامت اخلاضعة‬ ‫للضواب�ط الرشعية‪ ،‬فهي إذن س�لعة طيبة حيل اس�تهالكها‪ ،‬وأما‬ ‫السلعة اخلبيثة‪ :‬فهي التي مل تتوفر فيها الضوابط الرشعية فال حيل‬ ‫استهالكها‪.‬‬ ‫قال تعاىل‪﴿:‬ﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜ﴾)‪.(1‬‬ ‫وقــ�ال أيـضــ�ا‪﴿ :‬ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ‬ ‫ﮊ﴾)‪.(2‬‬ ‫وقـ�ال‪﴿ :‬ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ‬ ‫ﮥ﴾)‪.(3‬‬

‫ق�ال القرطب�ي‪« :‬إن اللف�ظ ع�ام يف مجيع األم�ور يتصور يف‬ ‫املكاس�ب واألعمال والن�اس واملع�ارف م�ن العل�وم وغريه�ا‪،‬‬ ‫فاخلبيث من هذا كله ال يفلح وال ينجب وال حتسن له عاقبة وإن‬ ‫كثر‪ ،‬والطيب ‪ -‬وإن قل‪ -‬نافع مجيل العاقبة»)‪.(4‬‬ ‫ سورة املائدة اآلية ‪. 4‬‬ ‫ سورة األعراف اآلية ‪. 157‬‬ ‫ سورة املائدة اآلية ‪.100‬‬ ‫ اجلامع ألحكام القرآن للقرطبي ‪.327/6‬‬

‫‪38‬‬


‫وكما س�بق‪ :‬ف�إن مم�ا ال ش�ك في�ه أن االرتب�اط العميق بني‬

‫االقتصاد والعقيدة هو املؤثر يف حتديد النش�اط اإلنساين وحاالته‬ ‫ونتائجه)‪.(1‬‬

‫فكما أن العم�ل يف إنتاج اخلم�ر وامليتة وال�دم وحلم اخلنزير‬

‫ويف كل م�ا ي�ؤدي إىل هدم األخلاق واإلرضار بالغير حرام يف‬

‫اإلسلام‪ ،‬ألنه من اخلبائث‪ ،‬فكذلك اس�تهالك هذه حرام‪ ،‬ألهنا‬

‫تعد س�لع ًا خبيثة‪ ،‬فال جيوز رشب اخلمر وال أكل امليتة وال بيعها‪،‬‬ ‫وكذلك الدم وحلم اخلنزير‪ ،‬ألن ما حيرم إنتاجه حيرم استهالكه‪.‬‬

‫ق�ال تع�اىل‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ‬

‫ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ﴾)‪.(2‬‬

‫وق�ال‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ‬

‫ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ‬

‫ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ‬

‫ﭮ ﭯ﴾)‪.(3‬‬

‫ االستهالك وضوابطه ‪.45‬‬ ‫ سورة املائدة اآلية ‪.90‬‬ ‫ سورة املائدة اآلية ‪. 3‬‬

‫‪39‬‬


‫وق�ال‪﴿ :‬ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ‬

‫ﮋ ﮌﮍﮎﮏ ﮐﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖﮗ‬ ‫ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ﴾)‪.(1‬‬ ‫وين�درج يف ه�ذا اجلان�ب كل عم�ل أو حاجة ت�ؤول إىل أن‬

‫يس�تخدم منافعه�ا املس�لم‪ ،‬وحي�ث إن إحي�اء امل�وات واملعادن‬ ‫واإلجارة واملش�اركة واملضاربة واملس�اقاة واملزارعة وغريها من‬

‫أش�كال العق�ود‪ ،‬حتتوي عىل منافع‪ ،‬وهذه املنافع تعمل عىل س�د‬ ‫حاج�ات متع�ددة ومتنوعة ولذل�ك تعرض الفقه�اء ألحكامها‬

‫وبينوا الصحيح والفاس�د منها‪ ،‬تبع ًا ملا تؤديه من أغراض‪ ،‬فقالوا‬

‫يف اإلجارة مثال بعدم جواز إجارة ما منفعته حمرمة كالزنا والنوح‬ ‫والغن�اء‪ ،‬وعدم إجارة الرجل داره ملن يتخذها كنيس�ة أو بيعة أو‬ ‫يتخذها لبيع اخلمر أو للعب القامر)‪ (2‬ونحو ذلك‪ ،‬وكذلك احلال‬

‫يف منافع باقي العقود‪.‬‬

‫***‬ ‫ سورة األعراف اآلية ‪. 33‬‬ ‫ املغني البن قدامة ‪. 150 -149/6‬‬

‫‪40‬‬


‫املبحث الثاني‬ ‫ضـوابط االسـتهـالك‬ ‫إن االس�تثامر يف الرشيعة اإلسلامية الب�د أن حيقق املقاصد‬

‫الرشعية التي تنقس�م إىل رضورية وحاجية وحتس�ينية‪ ،‬ولتحقيق‬ ‫هذه املقاصد جيب االهتامم بكل األنشطة التي تلبي هذا الغرض‪،‬‬ ‫بعي�دا عن االس�تثامر ال�ذي هيدم الفك�ر اإلنس�اين‪ ،‬وقد حددت‬

‫الرشيعة اإلسلامية احلاجات الرضورية بام يتامش�ى مع التعاليم‬ ‫الدينية واألخالقية والقيم اإلسالمية‪ ،‬خمالفة األنظمة االقتصادية‬ ‫املعارصة التي ترى حتقيق احلاجات اإلنسانية‪ ،‬سواء أكانت تلك‬ ‫احلاجات مرشوعة أم غري مرشوعة‪ ،‬حقيقية أم ومهية‪ ،‬استنادا عىل‬

‫أن علم االقتصاد علم حمايد ال دخل له بالقيم وال يقيد باحلاجة إال‬ ‫إذا توفرت القدرة املالية التي تشبع تلك احلاجة يف نظر االقتصاد‬

‫الرأساميل‪ ،‬ومل تكتف الرشيعة اإلسالمية بتحديد احلاجة فقط‪،‬بل‬

‫حرصت عىل املحافظة عىل املال وإحسان استغالله‪.‬‬

‫قال رسول اهلل ﷺ‪« :‬إن اهلل كره لكم ثالثا‪ :‬قيل وقال‪ ،‬وكثرة‬

‫السؤال‪ ،‬وإضاعة املال»)‪.(1‬‬

‫ البخاري ‪ ،2277‬مسلم ‪. 593‬‬

‫‪41‬‬


‫ولذلك فإن حتصيله برفق‪ ،‬واس�تثامره بحكمة وروية‪ ،‬سبيل‬

‫إىل إصالحه واملحافظة عليه‪.‬‬

‫يق�ول عمر بن اخلط�اب ريض اهلل عنه‪« :‬أصلح�وا أموالكم‬

‫الت�ي رزقكم اهلل ع�ز وجل‪ ،‬فإن إقالال يف رفق خير من إكثار يف‬

‫خ�رق»)‪ (1‬ألن اإلفراط يف طلب الفائدة من غري توازن يف الطلب‬

‫ربام كان سبب احلرمان وربام تكون شدة االجتهاد يف طلب الربح‬ ‫طريق ًا إىل اخلرسان)‪.(2‬‬

‫وإذا كان الرفق يف االستثامر والتوازن يف طلبه يمنع ضياعه‪،‬‬

‫ف�إن الت�وازن يف اس�تهالكه وإنفاقه حياف�ظ عليه ويس�هم يف مجع‬

‫الث�روة وعدم ضي�اع اإلنتاج‪ ،‬حي�ث ال قيمة لإلنت�اج إن مل يكن‬

‫استهالك متوازن حيميه‪.‬‬

‫ولتحقي�ق هذا الغرض جعل اإلسلام االس�تهالك املتوازن‬

‫وترش�يد اإلنفاق وعدم التخلص من السلع واآلالت واألدوات‬ ‫ تاريخ الطربي ‪ ،573/2‬إصالح املال ‪. 54‬‬ ‫ أعالم االقتصاد اإلسلامي دكتور ش�وقي دني�ا ‪ 196‬مكتبة اخلرجيي‬ ‫الرياض ‪.1404‬‬

‫‪42‬‬


‫واخلدمات قبل أن تستهلك بقدر معقول وسيلة للتنمية وديمومة‬

‫لإلنت�اج‪ ،‬وم�ن ثم ع�دَّ اإلرساف والتبذير أمرين مفس�دين لكل‬ ‫رشوط إصالح املال‪ ،‬ونقيضني لتنمية املال‪ ،‬أو مجع الثروة)‪. (1‬‬ ‫قال تعاىل‪﴿ :‬ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ﴾)‪.(2‬‬ ‫وق�ال‪﴿ :‬ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ‬

‫ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﴾)‪ (3‬وق�ال علي�ه الصلاة والسلام‪:‬‬

‫«كل�وا وارشب�وا والبس�وا وتصدق�وا يف غري خميل�ة وال رسف»‬

‫)‪(4‬‬

‫وقال‪« :‬ما عال من اقتصد»)‪.(5‬‬

‫وقال‪« :‬من اقتصد أغناه اهلل ومن بذر أفقره اهلل»)‪.(6‬‬ ‫ االقتصاد اإلسالمي‪ ،‬مفاهيم ومرتكزات ‪ /‬حممد أمحد صقر ‪. 55‬‬ ‫ سورة األعراف اآلية ‪. 31‬‬ ‫ سورة اإلرساء اآلية ‪.29‬‬ ‫ أمحد ‪ 181/2‬و ‪ ،182‬البخاري ‪ ،182/7‬ابن ماجه (‪.)3605‬‬ ‫ أمحد ‪ ،447/1‬الطرباين يف الكبري ‪ 109 – 108/10‬حديث ‪،10118‬‬ ‫جممع الزوائد للهيثمي ‪.252/10‬‬ ‫ قال اهليثمي يف املجمع ‪ :253 – 252/10‬رواه البزاز‪ ،‬ختريج اإلحياء‬ ‫‪.1904/4‬‬

‫‪43‬‬


‫ف�اإلرساف والتبذي�ر مدع�اة إىل الترف‪ ،‬ال�ذي هو س�بب‬

‫للهالك ونزول العذاب‪ ،‬كام صوره القرآن الكريم‪.‬‬

‫ق�ال تع�اىل‪﴿ :‬ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ‬

‫ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ﴾)‪.(1‬‬

‫وبن�ا ًء على ذل�ك‪ ،‬ف�إن العناي�ة باإلنت�اج ال تكف�ي للتنمية‬

‫االقتصادية‪ ،‬بل البد لتحقيق هذا اهلدف من االهتامم باالستهالك‬

‫وترش�يده‪ ،‬ألنه احللق�ة األخيرة يف العملية االقتصادي�ة‪ ،‬كام أن‬

‫العم�ل أيضا ال يمكن أن حيافظ عىل اإلنتاج وزيادته إال إذا حتقق‬

‫جان�ب الوفرة في�ه وتوجيهه إىل الطرق املرشوع�ة واملعقولة التي‬ ‫حتقق املصلحة للفرد واملجتمع عىل حد سواء ‪.‬‬

‫فاإلسلام وإن كان يبيح االستهالك ويأمر به‪ ،‬إال أنه وضع‬

‫ل�ه ح�دود ًا وضوابط ال جي�وز أن يتخطاه�ا املس�تهلك‪ ،‬وبذلك‬

‫تلتقي ضوابط العمل بضوابط االستهالك لتصب يف معني واحد‬ ‫هو سد حاجة الفرد لتحقيق اخلالفة يف األرض)‪.(2‬‬

‫ سورة اإلرساء اآلية ‪.16‬‬ ‫ االستهالك وضوابطه ‪.202‬‬

‫‪44‬‬


‫ومفهوم االعتدال والرتش�يد يف االس�تهالك مفهوم متوازن‬

‫وهو‪ :‬استخدام املقدار املناسب دون إرساف أو تقتري‪.‬‬

‫وقد بني اإلم�ام الغزايل ذلك بقوله‪« :‬واملقدار الذي يكس�به‬

‫ينبغي أن ال يستكثر منه وال يستقل‪ ،‬بل القدر الواجب‪ ،‬ومعياره‬ ‫احلاجة‪ :‬واحلاجة ملبس ومسكن ومطعم»)‪.(1‬‬

‫ولع�ل مفه�وم الكفاية الذي يق�ره نظام التوزيع اإلسلامي‬

‫يمكن أن حيدد لنا االعتدال والرتشيد يف االستهالك وهذا خيتلف‬

‫من عرص آلخر‬

‫ويمك�ن حتقيق ذلك من خالل اس�تخدام س�لم األولويات‬

‫وفق املنهج اآليت‪:‬‬

‫‪ -1‬يبدأ املسلم بسد حاجات نفسه أو ً‬ ‫ال‪ ،‬ثم أهله‪ ،‬ثم أقربائه‪،‬‬

‫ثم املحتاجني‪.‬‬

‫قال رس�ول اهلل ﷺ‪« :‬ابدأ بنفسك فتصدق عليها‪ ،‬فإن فضل‬

‫يشء فألهل�ك‪ ،‬ف�إن فضل عن أهل�ك يشء فل�ذي قرابتك‪ ،‬فإن‬ ‫ إحياء علوم الدين للغزايل ‪.262/3‬‬

‫‪45‬‬


‫فض�ل عن ذي قرابت�ك يشء‪ ،‬فهكذا وهكذا‪ ،‬يق�ول‪ :‬بني يديك‪،‬‬

‫وعن يمينك‪ ،‬وعن شاملك»)‪.(1‬‬

‫‪ -2‬يق�وم املس�تهلك املس�لم بتلبي�ة رضوريات�ه أو ً‬ ‫ال‪ ،‬ث�م‬

‫حاجيات�ه‪ ،‬ث�م حتس�يناته‪ ،‬وه�ذه ه�ي رت�ب املصالح عن�د علامء‬

‫األص�ول‪ ،‬حي�ث تعرض هلا اجلوين�ي (ت ‪478‬ه�ـ)‪ ،(2‬والغزايل‬

‫(ت ‪505‬هـ))‪ (3‬والعز بن عبد السلام (ت‪660‬هـ))‪ (4‬وثالثتهم‬

‫ش�افعية‪ ،‬والش�اطبي املالك�ي (ت ‪790‬ه�ـ))‪ ،(5‬واب�ن خل�دون‬ ‫(ت‪808‬هـ))‪.(6‬‬

‫فالرضوري‪ :‬ما يرتتب عىل فواته رضر ال يطاق عادة كاملوت‬

‫واملرض الشديد «كاملآكل واملشارب واملساكن واملناكح واملراكب‬

‫اجلالبة لألقوات»)‪.(7‬‬

‫ النس�ائي ‪ ،304/7‬س�نن البيهق�ي الكبرى ‪ ،178/4‬اب�ن حب�ان‬ ‫‪.124/1‬‬ ‫ الربهان يف أصول الفقه للجويني ‪ 923/2‬و ‪.939‬‬ ‫ املستصفى للغزايل ‪.286/1‬‬ ‫ قواعد األحكام يف مصالح األنام للعز بن عبد السالم ‪. 71/2‬‬ ‫ املوافقات للشاطبي ‪.8/2‬‬ ‫ مقدمة ابن خلدون ‪.875/2‬‬ ‫ قواعد األحكام يف مصالح األنام للعز بن عبد السالم ‪.71/2‬‬

‫‪46‬‬


‫واحلاجي‪ :‬ما يرفع احلرج عن الناس ويدفع املشقة‪.‬‬ ‫والتحسيني‪( :‬الكاميل) هو ما يتجاوز احلاجي إىل ما من شأنه‬

‫رغد العيش‪ ،‬دون أن يدخل يف نطاق الرسف أو الرتف أو التبذير‪،‬‬ ‫وذل�ك «كاملآكل الطيبات واملالب�س الناعامت والغرف العاليات‬ ‫والقصور الواس�عات واملراكب النفيسات‪ ،‬ونكاح احلسناوات‪،‬‬ ‫والرساري الفائقات»)‪.(1‬‬

‫قال ﷺ‪« :‬من س�عادة املرء املسكن الواسع‪ ،‬واجلار الصالح‪،‬‬

‫واملركب اهلنيء»)‪.(2‬‬

‫و«مفهوم احلوائج األصلية» يرتاوح بني الرضوري واحلاجي‬

‫بحسب املوارد املتوفرة‪ ،‬وقد تكلم الفقهاء عنها عند كالمهم عن‬ ‫الزكاة أو التوظيف املايل أو نفقات األقارب أو اإلفالس‪.‬‬

‫‪ -3‬يتحدد مستوى االستهالك واإلنفاق عىل النفس والعيال‬

‫ً‬ ‫نفس�ا إال‬ ‫واملحتاجين بالق�درة املالية للش�خص‪ ،‬فال يكلف اهلل‬

‫وسعها ‪.‬‬

‫ املصدر السابق‪.‬‬ ‫ أمحد ‪ ،407/3‬ابن حبان ‪ ،340/9‬األدب املفرد ‪.54/1‬‬

‫‪47‬‬


‫‪ -4‬ال جيوز أن يش�تمل االستهالك‪ ،‬س�واء كان رضوري ًا أو‬

‫حاجي� ًا أو كاملي ًا‪ ،‬عىل حمرم‪ ،‬كاحلري�ر أو الذهب للرجال‪ ،‬أو آنية‬ ‫الذهب والفضة‪ ،‬أو اخلمر‪ ،‬أو اخلنزير ‪.‬‬

‫‪ -5‬يدعو اإلسالم إىل احلد األمثل يف االستهالك‪ ،‬فيمنع ك ً‬ ‫ال‬

‫من التقتري‪ ،‬واإلرساف والتبذير)‪.(1‬‬

‫ التقتير‪ :‬ويدخ�ل يف البخ�ل ال�ذي كان يس�تعيذ منه رس�ول اهلل ﷺ‪،‬‬ ‫فهو يضعف اجلس�م والعق�ل والروح‪ ،‬ويقطع املس�لمني عن أعامهلم‬ ‫وأنش�طتهم‪ ،‬ويوهنه�م‪ ،‬وجي�رئ األع�داء عليه�م‪ ،‬انظ�ر‪ :‬الغياث�ي‬ ‫للجويني ص‪ 477‬و ‪ 481‬و ‪482‬و ‪.485‬‬ ‫واإلرساف‪ :‬لغة جماوزة احلد‪ ،‬أو القصد‪ ،‬أو االعتدال‪ ،‬وهو ما انفق يف غري‬ ‫طاعة‪.‬‬ ‫ويف الفق�ه عرفه بعضهم بأنه‪ :‬إنفاق الكثري يف الغرض اخلس�يس‪ ،‬أو جتاوز‬ ‫احل�د يف النفق�ة‪ ،‬أو أكل م�ا ال حي�ل‪ ،‬أو األكل فوق الش�بع‪ ،‬أو جتاوز‬ ‫املباح إىل املحظور ‪/‬انظر‪ :‬نيل األوطار ‪.301/5‬‬ ‫ويف السرف يف الطع�ام ق�ال الرسخسي يف املبس�وط ‪( 267/30‬كت�اب‬ ‫الكس�ب)‪« :‬ألن�ه إنما يأكل ملنفع�ة نفس�ه‪ ،‬وال منفع�ة يف األكل فوق‬ ‫الش�بع‪ ،‬بل فيه مضرة‪ ،‬وألن ما يزي�د عىل مقدار حاجت�ه من الطعام‬ ‫في�ه حق غريه‪ ،‬فإنه يس�د ب�ه جوعت�ه إذا أوصله إليه بع�وض أو بغري‬ ‫عوض‪ ،‬وألن األكل فوق الش�بع ربام يمرضه‪ .‬واألصل فيه أن رج ً‬ ‫ال‬ ‫جتش�أ يف جملس رس�ول اهلل ﷺ‪ ،‬فغضب رسول اهلل ﷺ وقال‪ :‬كف =‬

‫‪48‬‬


‫ق�ال تع�اىل‪﴿ :‬ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ‬

‫ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ * ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ‬

‫ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ﴾)‪.(1‬‬

‫وقـ�ال أيض�ا‪﴿ :‬ﯵ ﯶ ﯷ * ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ‬

‫ﯽﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ﴾)‪.(2‬‬

‫وق�ال تع�اىل‪﴿ :‬ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ‬

‫ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ﴾)‪.(3‬‬

‫وقال ﷺ‪« :‬كلوا وارشبوا والبس�وا وتصدقوا يف غري إرساف‬

‫وال خميلة»)‪.(4‬‬

‫= عنا جشاءك‪ ،‬فإن أكثرهم شبعا يف الدنيا أطوهلم جوعا يوم القيامة»‬ ‫‪ /‬الرتمذي ‪.649/4‬‬ ‫ف�اإلرساف إذن ه�و اإلنفاق يف حرام ولو قل‪ ،‬أو اإلنف�اق يف مباح‪ ،‬إذا زاد‬ ‫عىل احلد ‪.‬‬ ‫والتبذي�ر‪ :‬أش�د م�ن اإلرساف‪ ،‬فه�و املغاالة يف جت�اوز احلد‪ ،‬والتوس�ع يف‬ ‫اإلنفاق عىل املحرمات واملعايص والشهوات‪.‬‬ ‫ سورة األعراف اآلية ‪.32-31‬‬ ‫ سورة اإلرساء اآلية ‪.27‬‬ ‫ سورة اإلرساء اآلية ‪.29‬‬ ‫ البخاري ‪.2180/5‬‬

‫‪49‬‬


‫قال اب�ن عباس ريض اهلل عنهام‪« :‬كل ما ش�ئت‪ ،‬وارشب ما‬

‫شئت‪ ،‬ما أخطأتك اثنتان‪ :‬رسف وخميلة»)‪.(1‬‬

‫وال ش�ك فاملبذر ملاله يعدّ يف الرشع سفيه ًا غري راشد‪ ،‬حيجر‬

‫عليه عند مجهور الفقهاء)‪.(2‬‬

‫ف�إذا متادى اإلنس�ان يف الرسف والتبذير ف�إن ذلك يوقعه ال‬

‫حمالة يف الرتف املهلك‪.‬‬

‫الرتف طريق اهلالك‪:‬‬

‫عندم�ا تتأك�د يف املجتم�ع اإلسلامي وح�دة االس�تهالك‬

‫ووس�طية النمط االس�تهالكي وتوازنه فإن كل القيم اإلسلامية‬

‫واألحكام الرشعية تقف صفا واح�دا لتحارب اجلنوح ومظاهر‬ ‫االنحراف عن هذا املنهج اإلسالمي الرشيد‪.‬‬

‫فق�د ذم القرآن الكريم الرتف واملرتفني ألن الرتف أش�د من‬

‫التبذي�ر‪ ،‬وربما تك�ون حالة ي�ؤول إليها املبذر‪ ،‬فيتوس�ع يف مالذ‬ ‫ املصدر السابق‪ ،‬ابن أيب شيبة ‪.171/5‬‬ ‫ املغن�ي الب�ن قدام�ة ‪ ،550/4‬املبس�وط للرسخسي ‪ ،315/7‬بدائع‬ ‫الصنائع للكاس�اين ‪ ،176/6‬نيل األوطار ‪ ،301/5‬اجلامع ألحكام‬ ‫القرآن للقرطبي ‪.30/5‬‬

‫‪50‬‬


‫الدنيا وشهواهتا‪ ،‬وتبطره النعمة وسعة العيش‪ ،‬وإذا انترش الرتف‬

‫يف األمة أودى هبا إىل الفناء)‪.(1‬‬

‫واملرتف�ون دوم�ا بطان�ة الش�يطان وه�م أع�داء الدع�وات‬

‫اإلصالحي�ة ل�كل األنبياء عليه�م الصالة والسلام واملصلحني‬

‫يف كل األزمنة‪ ،‬ألن توظيفهم للعقائد الفاس�دة ناتج عن خوفهم‬

‫عىل املصالح الذاتية التي يس�عون لتحقيقها يف اس�تغالل الفقراء‬ ‫والبس�طاء من الناس‪ ،‬قال تع�اىل‪﴿ :‬ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ‬

‫ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ﴾)‪.(2‬‬

‫ويف آي�ة أخ�رى ﴿ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ‬

‫ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﴾)‪ (3‬وق�ال‪﴿ :‬ﯶ ﯷ ﯸ‬

‫ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ﴾)‪.(4‬‬

‫ مقدم�ة اب�ن خلدون ‪ 501/2‬فص�ل يف أن من عوائ�ق امللك حصول‬ ‫الترف وانغماس القبيل يف النعي�م‪ ،‬و ‪ 541/2‬فص�ل يف‪ :‬أن طبيعة‬ ‫امللك الدعة والسكون ‪.‬‬ ‫ سورة سبأ اآلية ‪.34‬‬ ‫ سورة الزخرف اآلية ‪.23‬‬ ‫ سورة هود اآلية ‪.116‬‬

‫‪51‬‬


‫ومل�ا كان الترف ه�و اخل�رق الفاض�ح هل�دف االس�تهالك‬

‫والتعطي�ل لوظيفته يف إدامة املوارد واملحافظ�ة عىل نامء الثروات‬ ‫وحف�ظ الت�وازن يف تلبية احلاج�ات للمجتمع‪ ،‬فقد ع�ده القرآن‬ ‫الكريم سببا للهالك والتدمري‪.‬‬

‫ق�ال تع�اىل‪﴿ :‬ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ‬

‫ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ﴾)‪.(1‬‬

‫وقال أيضا‪﴿ :‬ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ *‬

‫ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﴾)‪.(2‬‬

‫وق�ال‪﴿ :‬ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ * ﯝ ﯞ ﯟ *‬

‫ﯡ ﯢ ﯣ * ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ * ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ﴾)‪.(3‬‬ ‫فهو خلل تس�تأثر فيه حفن�ة تظلم اآلخرين حقوقهم وتس�تنزف‬

‫جهدهم‪.‬‬

‫***‬ ‫ سورة اإلرساء اآلية ‪.16‬‬ ‫ سورة املؤمنون اآلية ‪.65 -64‬‬ ‫ سورة الواقعة اآلية ‪.45 - 40‬‬

‫‪52‬‬


‫املبحث الثالث‬ ‫مسات اجملتمع اإلسالمي وأثرها يف االستهالك‬ ‫‪ -1‬ترك األنانية‪:‬‬ ‫إن اإلحس�اس باآلخري�ن والتعاي�ش مع املجتمع س�مو يف‬

‫األخالق وأصالة يف نفس املس�لم‪ ،‬وذلك ألن األنانية واس�تئثار‬

‫الفرد بام فضله اهلل به يعد جحودا لنعمة اهلل عز وجل‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬

‫﴿ﯽ ﯾ ﯿ﴾)‪ (1‬وذل�ك ألن اإلسلام يري�د إقامة‬ ‫جمتم�ع متكافل يقوم عىل التع�اون والت�آزر والتواصل بعيدا عن‬

‫الش�ح واألنانية‪ ،‬قال رس�ول اهلل ﷺ‪« :‬ما آمن يب من بات شبعان‬

‫وجاره جائع إىل جنبه وهو يعلم»)‪.(2‬‬

‫وق�ال‪« :‬من كان أخوه حتت يده فليطعمه مما يأكل وليلبس�ه‬

‫مما يلبس»)‪.(3‬‬

‫ سورة النحل اآلية ‪.71‬‬ ‫ املعجم الكبري للطرباين ‪ ،259/1‬مصنف ابن أيب شيبة ‪.164 /6‬‬ ‫ البخاري ‪ ،30‬مسلم ‪.1661‬‬

‫‪53‬‬


‫وق�ال‪« :‬من كان معه فض�ل ظهر فليعد به عىل من ال ظهر له‬

‫وم�ن كان له فض�ل من زاد ف ْليعد به عىل م�ن ال زاد له‪ ،‬فذكر من‬ ‫أصناف املال ما ذكر حتى رأينا أن ال حق ألحد منا يف فضل»)‪.(1‬‬

‫إن م�ن املمك�ن أن يكون النقص يف متطلبات اإلنس�ان ناجتا‬

‫ع�ن كس�له وإمهال�ه يف الس�عي اجل�اد يف حتصيلها‪ ،‬ولك�ن البطر‬ ‫واألث�رة من قب�ل اآلخرين‪ ،‬باس�تغالل املوارد والش�ح عىل أهل‬

‫احلقوق‪،‬عوامل هلا دور كبري يف ذلك‪.‬‬

‫ق�ال رس�ول اهلل ﷺ‪« :‬إن اهلل فرض عىل أغنياء املس�لمني يف‬

‫أمواهلم بقدر الذي يس�ع فقراءهم‪ ،‬ولن جيه�د الفقراء إذا جاعوا‬ ‫وعروا إال بام يصنع أغنياؤهم‪ ،‬أال وإن اهلل حياسبهم حسابا شديدا‬

‫ويعذهبم عذابا أليام»)‪.(2‬‬

‫وع�ن أيب هري�رة ريض اهلل عن�ه ق�ال‪ :‬ق�ال رس�ول اهلل ﷺ‪:‬‬

‫«عرض علي أول ثالثة يدخلون اجلن�ة وأول ثالثة يدخلون النار‬ ‫فأما أول ثالثة يدخلون اجلنة فالش�هيد وعبد مملوك أحس�ن عبادة‬

‫ مسلم ‪ ،1728‬أبو داود ‪ ،522/1‬ابن حبان ‪.238 /12‬‬ ‫ املعج�م الكبير للطبراين ‪ ، 48/4‬الرتغي�ب والرتهي�ب للمن�ذري‬ ‫‪ ،306 /1‬جممع الزوائد ‪.197/3‬‬

‫‪54‬‬


‫رب�ه ونص�ح لس�يده وعفي�ف متعف�ف ذو عي�ال وأم�ا أول ثالثة‬ ‫يدخلون النار فأمري مس�لط وذو ثروة من مال ال يؤدي حق اهلل يف‬

‫ماله وفقري فخور»)‪.(1‬‬

‫ويق�ول القرطب�ي‪« :‬م�ا رأي�ت ق�ط رسف�ا إال ومع�ه ح�ق‬

‫مضيع»)‪.(2‬‬

‫ولذلك فإن إحس�اس املس�لم بحاجة اآلخرين يوجب عليه‬

‫التنحي عن كل مظاهر اإلرساف والتبذير والرتف‪ ،‬وإلزام الذات‬ ‫أن تتوطن يف دائرة الوسطية املتناغمة مع سد احلاجات للمجتمع‪،‬‬

‫والتخيل عن معامل األنانية‪ ،‬التي ال حتس�ب لآلخرين حسابا‪ ،‬ألن‬ ‫األنانية وحب الذات رش مقيت وداء مناف لإلنسانية واألخالق‬

‫اإلسلامية‪ ،‬ق�ال ﷺ‪« :‬أال أنبئكم برشاركم؟ قالوا بىل إن ش�ئت‬ ‫ي�ا رس�ول اهلل‪ ،‬ق�ال‪ :‬فإن رشاركم م�ن ينزل وح�ده وجيلد عبده‬

‫ويمنع رفده»)‪.(3‬‬

‫ أمح�د ‪ ،425/2‬الرتم�ذي ‪ ،176 /4‬ابن حب�ان ‪ ،151/10‬الرتغيب‬ ‫والرتهيب للمنذري ‪ ،307/1‬املستدرك للحاكم ‪.544/1‬‬ ‫ اجلامع ألحكام القرآن ‪.251/10‬‬ ‫ املعج�م الكبير للطبراين ‪ ،318 /10‬الزه�د البن حنب�ل ‪،295/1‬‬ ‫املستدرك للحاكم ‪ ،300/4‬جممع الزوائد ‪. 334/8‬‬

‫‪55‬‬


‫‪ -2‬االلتزام بالتعاليم النبوية‪:‬‬ ‫ولكي ينتزع اإلسالم تلك األنانية جاءت التوجيهات النبوية‬

‫أن ال يتع�اىل أحد عىل أح�د يف البنيان وال يؤذي جاره بقتار قدره‬

‫إال أن يغ�رف ل�ه منه�ا وال خيرج ول�ده بالفاكهة فيغي�ظ هبا طفل‬ ‫جاره إال أن يصله‪.‬‬

‫قال ﷺ‪« :‬من أغلق بابه دون جاره خمافة عىل أهله وماله فليس‬

‫ذل�ك بمؤم�ن‪ ،‬وليس بمؤمن من مل يأمن ج�اره بوائقه‪ ،‬أتدري ما‬

‫ح�ق اجلار؟ إذا اس�تعانك أعنته‪ ،‬وإذا اس�تقرضك أقرضته‪ ،‬وإذا‬ ‫افتقر عدت علي�ه‪ ،‬وإذا مرض عدته‪ ،‬وإذا أصابه خري هنأته‪ ،‬وإذا‬ ‫أصابته مصيبة عزيته‪ ،‬وإذا مات اتبعت جنازته‪ ،‬وال تستطيل عليه‬

‫بالبني�ان فتحجب عنه الري�ح إال بإذنه‪ ،‬وال تؤذه بقتار ريح قدرك‬ ‫إال أن تغ�رف له منها‪ ،‬وإن اشتريت فاكهة فاه�د له‪ ،‬فإن مل تفعل‬

‫فأدخلها رسا وال خيرج هبا ولدك ليغيظ هبا ولده»)‪.(1‬‬

‫ شعب اإليامن ‪ ،83/7‬الرتغيب والرتهيب للمنذري ‪ ،243/3‬ختريج‬ ‫أحاديث اإلحياء ‪.187/2‬‬

‫‪56‬‬


‫وتأسيس�ا على ه�ذا تعق�ب اإلسلام مظاه�ر االس�تهالك‬

‫اجلانح�ة اخلارج�ة ع�ن منهج الوس�طية‪ ،‬فق�ال رس�ول اهلل عليه‬ ‫الصالة والسلام‪« :‬تكون إبل للشياطني وبيوت للشياطني‪ ،‬فأما‬

‫إب�ل الش�ياطني فق�د رأيتها‪ ،‬خي�رج أحدك�م بجنيب�ات)‪ (1‬معه قد‬

‫أس�منها‪ ،‬فال يعلو بعريا منها‪ ،‬ويمر بأخيه قد انقطع به فال حيمله‪،‬‬

‫وأما بيوت الش�ياطني فلم أرها» كان س�عيد يق�ول‪« :‬ال أراها إال‬ ‫هذه األقفاص التي يسرت الناس بالديباج»)‪.(2‬‬

‫فالبيوت والس�يارات الفاخرة الزائ�دة عىل احلاجة والتباهي‬

‫هب�ا‪ ،‬والبذخ يف األموال وإنفاقها على امللذات‪ ،‬وإن كان األصل‬

‫يف ذلك أن يكون مباحا ما مل يستخدم يف احلرام‪ ،‬لكنه يرصف عن‬ ‫املسؤولية جتاه اآلخرين ويذهب اإلحساس بحاجتهم‪ ،‬فقد أشاع‬

‫اإلسلام مب�دأ التكافل بني املس�لمني‪ ،‬وربط بين قلوهبم باملودة‬ ‫واإلخاء‪ّ ،‬‬ ‫وهذب املش�اعر واألحاس�يس حتى كأن الناس جسد‬ ‫واح�د‪ ،‬فإذا جتاهل املس�لم أخاه وانش�غل بملذات�ه أدى ذلك إىل‬

‫ اجلنيبة هي الدابة التي تقاد‪ ،‬انظر‪ :‬عون املعبود‪.169/7‬‬ ‫ أبو داود ‪ ،32/2‬البيهقي الكربى ‪.255/5‬‬

‫‪57‬‬


‫نس�يان الواجبات فامتت فيه مش�اعر التضحية واالهتامم بحقوق‬ ‫األخوة‪ ،‬وغلبت عليه شهوة اللذة والتفرد واالستعالء‪.‬‬

‫يقول الش�اطبي‪« :‬إن فعل املباح س�بب ىف مضار كثرية منها‪:‬‬

‫أن فيه اشتغاال عام هو األهم ىف الدنيا من العمل بنوافل اخلريات‬ ‫وصدا عن كثري من الطاعات‪ ،‬ومنها‪ :‬أنه س�بب ىف االشتغال عن‬ ‫الواجب�ات ووس�يلة إىل املمنوعات ألن التمت�ع بالدنيا له رضاوة‬ ‫كضراوة اخلمر وبعضها جير إىل بع�ض إىل أن هتوي بصاحبها ىف‬ ‫املهلكة والعياذ باهلل‪ ،‬ومنها‪ :‬أن الرشع قد جاء بذم الدنيا والتمتع‬

‫بلذاهتا»)‪.(1‬‬

‫ولذل�ك كان عم�ر بن اخلطاب يتخذ اخلش�ن من الطعام كام‬

‫كان يلب�س املرق�ع ىف خالفته‪ ،‬فقيل له لو اخت�ذت طعاما ألني من‬ ‫ه�ذا‪ ،‬فقال‪« :‬أخش�ى أن تعجل طيب�ايت يقول اهلل تع�اىل‪ :‬أذهبتم‬

‫طيباتكم ىف حياتكم الدنيا» )‪.(2‬‬

‫ املوافقات ‪.112 / 1‬‬ ‫ جام�ع البيان للطربي ‪ ،288/11‬تفسير ابن كثير ‪ ،202/4‬اجلامع‬ ‫ألحكام القرآن للقرطبي ‪.175/7‬‬

‫‪58‬‬


‫ولع�ل ما أش�ار به س�يدنا عمر ب�ن اخلطاب عىل جابر يشير‬

‫إىل الرتش�يد يف نمط االس�تهالك مما يعزز اجلانب الرتبوي يف هذا‬

‫اجلان�ب‪ ،‬فقد أدرك جاب�ر بن عبد اهلل ومعه مح�ال حلم فقال‪« :‬ما‬

‫هذا؟ فقال‪ :‬يا أمري املؤمنني قرمنا)‪ (1‬إىل اللحم فاشتريت بدرهم‬

‫حلما‪ ،‬فقال عم�ر‪ :‬أما يريد أحدك�م أن يطوي بطنه ع�ن جاره أو‬ ‫ابن عمه؟ أين تذهب عنكم هذه اآلية ﴿ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ‬

‫ﯽ ﯾ ﯿ﴾»)‪.(2‬‬

‫قال قتادة‪« :‬ذكر لنا أن عمر ريض اهلل عنه قال‪ :‬لو شئت كنت‬

‫أطيبكم طعاما وألينكم لباسا ولكني أستبقي طيبايت لآلخرة‪ .‬وملا‬

‫قدم عمر الشام صنع له طعام مل ير قط مثله قال‪ :‬هذا لنا فام لفقراء‬ ‫املسلمني الذين ماتوا وما شبعوا من خبز الشعري؟ فقال خالد بن‬

‫الولي�د‪ :‬هلم اجلنة‪ .‬فاغرورقت عينا عمر بالدموع وقال‪ :‬لئن كان‬ ‫ شدة الشهوة إىل اللحم‪ ،‬أي اشتهاه‪ ،‬لسان العرب ‪.473/12‬‬ ‫ املوطأ ‪ ،936/2‬املس�تدرك ‪ ،494/2‬ابن أيب ش�يبة ‪ ،140/5‬ش�عب‬ ‫اإليمان للبيهق�ي ‪ ،34/5‬الرتغي�ب والرتهيب للمن�ذري ‪،103/4‬‬ ‫إصالح املال ‪ .104/1‬واآلية من سورة األحقاف‪.‬‬

‫‪59‬‬


‫حظن�ا من الدني�ا هذا احلط�ام وذهبوا هم يف حظه�م باجلنة فلقد‬

‫باينونا بونا بعيدا»)‪.(1‬‬

‫ودخ�ل عم�ر ريض اهلل عن�ه على النبي ﷺ وه�و يف مرشبته‬

‫حني هجر نس�اءه قال‪« :‬ثم رفعت بصري يف بيته فواهلل ما رأيت‬ ‫فيه ش�يئا ي�رد البرص غري أهبة ثالث�ة فقلت ادع اهلل فليوس�ع عىل‬ ‫أمت�ك ف�إن ف�ارس وال�روم وس�ع عليه�م وأعط�وا الدني�ا وهم‬

‫ال يعب�دون اهلل وكان متكئ�ا فق�ال‪« :‬أو يف ش�ك أن�ت ي�ا اب�ن‬

‫اخلطاب؟ أولئك قوم عجلت هلم طيباهتم يف احلياة الدنيا»‪ .‬فقلت‬ ‫يا رسول اهلل استغفر يل»)‪.(2‬‬

‫وق�ال حف�ص ب�ن أيب العاص‪ :‬كن�ت أتغدى عن�د عمر بن‬

‫اخلطاب ريض اهلل عنه اخلبز والزيت واخلبز واخلل واخلبز واللبن‬

‫واخلب�ز والقدي�د وأق�ل ذل�ك اللح�م الغري�ض وكان يقول‪ :‬ال‬

‫تنخل�وا الدقيق فإنه طع�ام كله فجيء بخبز متفل�ع غليظ فجعل‬ ‫ جام�ع البي�ان للطبري ‪ ،288/11‬اجلامع ألحكام الق�رآن للقرطبي‬ ‫‪.171 / 16‬‬ ‫ البخاري ‪ ،2336‬مسلم ‪.1479‬‬

‫‪60‬‬


‫ي�أكل ويقول‪ :‬كل�وا فجعلنا ال ن�أكل فقال‪ :‬ما لك�م ال تأكلون؟‬ ‫فقلن�ا‪ :‬واهلل ي�ا أمري املؤمنني نرجع إىل طعام ألني من طعامك هذا‬ ‫فقال‪ :‬يابن أيب العاص أما ترى بأين عامل أن لو أمرت بعناق سمينة‬ ‫فيلق�ى عنها ش�عرها ثم خترج مصلية كأهنا كذا ك�ذا أما ترى بأين‬ ‫عامل أن لو أمرت بصاع أو صاعني من زبيب فأجعله يف س�قاء ثم‬ ‫أش�ن عليه من املاء فيصبح كأنه دم غ�زال فقلت‪ :‬يا أمري املؤمنني‬ ‫إين ألراك عامل�ا بطيب العيش فقال‪ :‬أج�ل ! واهلل الذي ال إله إال‬ ‫هو لوال أين أخاف أن تنقص حس�نايت يوم القيامة لش�اركناكم يف‬ ‫العيش ! ولكني س�معت اهلل تعاىل يقول ألقوام‪﴿ :‬ﯹ ﯺ‬ ‫ﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃ ﰄﰅ‬ ‫ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﴾)‪.(1‬‬ ‫وم�ن ه�ذا القبي�ل أيضا ك�ره بع�ض العلماء يف الرتبية أكل‬ ‫الطيب�ات واحتج بق�ول عمر ريض اهلل عنه‪« :‬إياك�م واللحم فإن‬ ‫ س�ورة األحق�اف اآلية ‪ 20‬وانظ�ر‪ :‬اجلامع ألحكام الق�رآن للقرطبي‬ ‫‪ ،171 /16‬طبقات ابن سعد ‪ ،280/3‬كنز العامل ‪.841/12‬‬

‫‪61‬‬


‫ل�ه رضاوة كضراوة اخلمر»)‪ (1‬أي عادة ينزع إليها كعادة ش�ارب‬ ‫اخلمر يف مالزمتها‪.‬‬ ‫وه�ذا من عمر قول خرج عىل من خشي منه إيثار التنعم يف‬ ‫الدنيا واملداومة عىل الشهوات وشفاء النفس من اللذات ونسيان‬ ‫اآلخرة واإلقبال عىل الدنيا»)‪.(2‬‬ ‫ويف هذا الس�ياق ما روي عن النبي ﷺ إذ رأى سترا موشيا‬ ‫على ب�اب فاطم�ة ريض اهلل عنها فق�ال‪« :‬مايل وللدني�ا» فقالت‪:‬‬ ‫ليأمرين بام ش�اء‪ ،‬قال‪« :‬ترس�ل به إىل أهل بيت هبم حاجة‪ ،‬ليست‬

‫يل حاجة بزخرف الدنيا»)‪.(3‬‬

‫وقد روي أن النبي ﷺ نزع أس�تارا يف بيت عائشة ريض اهلل‬ ‫عنها قائال‪« :‬إن اهلل مل يأمرنا أن نكسو احلجارة والطني»)‪.(4‬‬ ‫ املوطأ ‪ ،935/2‬مسلم ‪ ،1201/3‬كنز العامل ‪.728/5‬‬ ‫ اجلامع ألحكام القرآن للقرطبي ‪.175/ 7‬‬ ‫ البخاري ‪.2471‬‬ ‫ مسلم ‪.2107‬‬

‫‪62‬‬


‫روى س�امل ب�ن عب�د اهلل بن عمر ق�ال‪ :‬أعرس�ت يف عهد أيب‬

‫فآذن أيب الناس فكان أبو أيوب فيمن آذن وقد سرتوا بيتي بخباء‬

‫أخرض فأقبل أبو أيوب مرسعا فاطلع فرأى البيت مس�ترتا بخباء‬ ‫أخضر فق�ال يا عب�د اهلل أتسترون اجل�در؟ فقال أيب واس�تحيا‪:‬‬ ‫غلبتنا النس�اء يا أبا أيوب فقال‪ :‬من خش�يت أن يغلبنه فلم أخش‬

‫أن يغلبن�ك ث�م ق�ال ال أطع�م لك�م طعام�ا وال أدخل لك�م بيتا‬

‫ثم خرج)‪.(1‬‬

‫وع�ن حممد بن كعب ق�ال‪ :‬دعي عبد اهلل ب�ن يزيد إىل طعام‬

‫فلما جاء رأى البي�ت منجدا فقعد خارجا وبكى ق�ال فقيل له ما‬ ‫يبكيك قال كان رس�ول اهلل ﷺ إذا ش�يع جيشا فبلغ عقبة الوداع‬

‫ق�ال أس�تودع اهلل دينكم وأماناتكم وخواتي�م أعاملكم قال فرأى‬ ‫رجال ذات يوم قد رقع بردة له بقطعة قال فاستقبل مطلع الشمس‬ ‫وقال هكذا ومد يديه ومد عفان يديه وقال تطالعت عليكم الدنيا‬

‫ثلاث مرات أي أقبلت حتى ظننا أن يقع علينا ثم قال أنتم اليوم‬ ‫ املعجم الكبري للطرباين ‪.118/4‬‬

‫‪63‬‬


‫خير أم إذا غدت عليكم قصعة وراحت أخ�رى ويغدو أحدكم‬ ‫يف حلة ويروح يف أخرى وتسرتون بيوتكم كام تسرت الكعبة فقال‬ ‫عب�د اهلل بن يزيد أفال أبكي وقد بقيت حتى تسترون بيوتكم كام‬ ‫تسرت الكعبة»)‪.(1‬‬ ‫وعن ابن عباس وعيل بن احلسين عن النبي ﷺ «أنه هنى أن‬

‫تسرت اجلدر»)‪.(2‬‬

‫يقول ابن قدامة‪« :‬إذا ثبت هذا فإن سرت احليطان مكروه غري‬ ‫حم�رم وهذا مذه�ب الش�افعي‪ ،‬إذ مل يثبت يف حتريم�ه دليل‪ ،‬وقد‬ ‫فعله ابن عمر وفعل يف زمن الصحابة ريض اهلل عنهم وإنام كره ملا‬ ‫فيه من الرسف‪ ،‬كالزيادة يف امللبوس واملأكول وقد قيل‪ :‬هو حمرم‬ ‫للنه�ي عنه واألول أوىل فإن النه�ي مل يثبت‪ ،‬ولو ثبت حلمل عىل‬ ‫الكراهة ملا ذكرناه»)‪.(3‬‬ ‫ البيهقي يف الكربى ‪ ،272/7‬الزهد البن حنبل ‪.197/1‬‬ ‫ البيهقي يف الكربى ‪ ،272/7‬ويف شعب اإليامن ‪.256/5‬‬ ‫ املغني ‪.114/8‬‬

‫‪64‬‬


‫‪ -3‬الفهم العميق ملقاصد الترشيع اإلسالمي‪:‬‬ ‫إن الرشيعة اإلسلامية تناغي عمق اإليامن وسمو الروح يف‬

‫اإلنس�ان‪ ،‬وتنمي احلس املس�ؤول إزاء امل�وارد‪ ،‬وتكرس اجلهود‬

‫لتنميته�ا وحت�ارص كل ع�ارض يعط�ل وظيفته�ا‪ ،‬لك�ي ت�ؤدي‬

‫تل�ك امل�وارد دوره�ا دون احلاج�ة إىل الترف املجايف للوس�طية‬ ‫واحتكارها يف استخدامات ال رضورة فيها وال حاجة هلا‪ ،‬وذلك‬

‫ألن قانون االس�تهالك أو االستعامل يف اإلسالم جيب أن ينسجم‬ ‫مع قانون التس�خري‪ ،‬واس�تخدامها يف غري ما خلقت له يتناىف مع‬

‫هذا القانون‪.‬‬

‫قال رسول اهلل ﷺ‪« :‬إياكم أن تتخذوا ظهور دوابكم منابر‪،‬‬

‫فإن اهلل إنام سخرها لكم لتبلغكم إىل بلد مل تكونوا بالغيه إال بشق‬

‫األنفس‪ ،‬وجعل لكم األرض‪ ،‬فعليها فاقضوا حاجاتكم»)‪.(1‬‬

‫ج�اء يف ع�ون املعبود‪« :‬قال القاري‪ :‬واملعنى ال جتلس�وا عىل‬

‫ظهورها فتوقفوهنا وحتدثون بالبيع والرشاء وغري ذلك بل انزلوا‬ ‫ أبو داود ‪ ،32/2‬سنن البيهقي الكربى ‪.255/5‬‬

‫‪65‬‬


‫واقضوا حاجاتكم ثم اركبوا‪ ،‬قال الطيبي‪ :‬كناية عن القيام عليها‬

‫ألهن�م إذا خطب�وا على املناب�ر قاموا‪ ...‬ق�ال اخلطايب‪ :‬م�ا حمصله‬ ‫إن�ه ق�د ثبت عنه ﷺ أن�ه خطب على راحلته واقفا ف�دل عىل أن‬

‫الوق�وف على ظهورها إذا كان إلرب أو بل�وغ وطر ال يدرك مع‬ ‫النزول إىل األرض جائز وأن النهي انرصف إىل الوقوف عليها ال‬

‫ملعنى يوجبه بأن يس�توطنه اإلنس�ان ويتخذه مقعدا فيتعب الدابة‬

‫ويرض هبا من غري طائل»)‪.(1‬‬

‫فل�كل س�لعة اس�تعامل يلي�ق بطبيعته�ا‪ ،‬ف�إن انحرفت عن‬

‫وظيفته�ا أصاهب�ا اخلل�ل‪ ،‬فيج�ب توفري طاق�ة الدابة مل�ا خلقت‬

‫ألجل�ه‪ ،‬والوقوف عىل األرض أو اجلماد يغني عن الوقوف عىل‬ ‫الداب�ة‪ ،‬وبذلك تتوف�ر الطاقة الكامنة فيها‪ ،‬لتس�تخدم يف السير‬ ‫وقط�ع الطرق يف املس�افات البعيدة‪ ،‬واس�تخدامها منابر وأماكن‬

‫للوق�وف على ظهره�ا واملك�وث زمنا طويلا وهي واقف�ة ٍ‬ ‫تعد‬ ‫عىل وظيفتها األصلية‪ ،‬فإن هذا االس�تخدام قد هيأ اهلل عز وجل‬ ‫األرض بدل الدابة وسخرها هي لدور آخر يناسب خلقتها‪.‬‬

‫ عون املعبود ‪.169/7‬‬

‫‪66‬‬


‫وه�ذا املعن�ى يش�مل كل طاق�ة إنتاجي�ة أو ث�روة وطنية أو‬

‫مصلح�ة فردي�ة أو مجاعي�ة لكي يراع�ى فيها أس�اس اخللقة وما‬ ‫جبل�ت علي�ه من املناف�ع التي تؤدهيا وف�ق الضواب�ط التي حتكم‬

‫العملية االستهالكية وتراعي مصلحة اآلخرين‪.‬‬

‫وامل�واد املعدة لالس�تعامل ُأنتجت لس�د احلاجات‪ ،‬تنس�اب‬

‫بش�كل طبيعي يف أصل اخللقة لتأدية دوره�ا‪ ،‬وهي بذلك تكون‬ ‫صاحلة لديموم�ة احلياة وتوفري األمن الغذائ�ي واحلاجي للبرش‪،‬‬

‫فإن ختللها إرساف أو تبذير أو ترف تلكأ دورها وضلت طريقها‪.،‬‬

‫قال ﷺ‪« :‬ال ترسفوا»)‪.(1‬‬

‫وق�ال‪« :‬ما مأل آدم�ي رشا من بطن بحس�ب ابن آدم أكالت‬

‫يقمن صلبه فإن كان ال حمالة فثلث لطعامه وثلث لنفسه»)‪.(2‬‬

‫وبذلك يتبني أن نمط االس�تهالك الوس�طي والرشيد الذي‬

‫صاغت املعامل الرشعية والقيم اإليامنية حدوده هو الذي يتمش�ى‬ ‫ ‪-‬املعجم الكبري للطرباين ‪ ،69/8‬مصنف عبد الرزاق ‪.145/4‬‬ ‫ سنن الرتمذي ‪ ،590/4‬ابن حبان ‪ ،449/2‬املعجم الكبري‪،272/20‬‬ ‫املستدرك ‪.367 /4‬‬

‫‪67‬‬


‫م�ع رشوط الواق�ع ومقتضي�ات العصر ويكف�ل سلامة الفرد‬ ‫واملجتم�ع وحيف�ظ امل�وارد من اهل�در ويصن�ع السلامة والثروة‬ ‫وينم�ي اإلنت�اج‪ ،‬وذل�ك ألن االس�تهالك يعتبر أح�د مكونات‬ ‫الدخ�ل القوم�ي ألي بل�د‪ ،‬كام أن�ه أح�د م�ؤرشات الرفاهية يف‬

‫املجتم�ع‪ ،‬وتص�ب كل دراس�ات س�لوك املس�تهلك يف حماول�ة‬

‫معرفة جمددات االستهالك‪ ،‬وتوازن املستهلك‪ ،‬كام يعترب مفهوم ًا‬ ‫منافس� ًا لالدخ�ار؛ حي�ث يعترب االدخ�ار تأجي ً‬ ‫ال لالس�تهالك يف‬

‫الوقت احلارض إىل اس�تهالك مستقبيل‪ ،‬وبمعنى آخر عىل مستوى‬

‫االقتصاد الكيل هو‪ :‬تنازل اجليل احلايل عن جزء من االس�تهالك‬ ‫احلايل لصالح األجيال القادمة؛ وذلك ألن الدخل يمكن تقسيمه‬

‫إىل اس�تهالك إضاف�ة إىل ادخار وال بد من حتقي�ق موازنة معقولة‬ ‫بين االثنني ت�ؤدي إىل الوصول إىل مس�توى اإلش�باع املطلوب‪.‬‬

‫وم�ن هنا يتض�ح لنا أن الس�لوك االس�تهالكي يفترض أن يبدأ‬ ‫عندم�ا تعط�ي الس�لعة أو اخلدمة املس�تهلكة أعظم إش�باع ممكن‬ ‫ويستمر استهالكها حتى يصل هذا اإلشباع أو املنفعة إىل الصفر‪،‬‬ ‫‪68‬‬


‫وهي النقطة التي يفرتض أن يتوقف االس�تهالك عندها أو قبلها‬ ‫بقلي�ل‪ ،‬وعليه فإن القول الش�ائع «نحن قوم ال نأكل حتى نجوع‬

‫وإذا أكلنا ال نش�بع» هو قاعدة اس�تهالكية س�ليمة تعني رضورة‬

‫توفر مبدأين أساسيني‪:‬‬

‫‪ -1‬أن يت�م االس�تهالك عندما تعطي الس�لعة أعظم إش�باع‬

‫ممك�ن‪ ،‬وهذا ال يتحقق إال بوجود ش�عور حقيق�ي باحلاجة إليها‬

‫«حتى نجوع»‪.‬‬

‫‪ -2‬أن يتوق�ف االس�تهالك عن�د انتف�اء املنفعة أو اإلش�باع‬

‫ال�ذي تقدم�ه وه�ي مرحل�ة الش�بع‪ ،‬وبالت�ايل تكون الس�لعة قد‬

‫حقق�ت الغ�رض الذي اشتريت من أجل�ه وانتف�ت احلاجة إىل‬

‫اس�تهالك املزيد منها‪ ،‬فكل استهالك ال يبدأ عندما تعطي السلعة‬ ‫أعظم إش�باع ممكن يعترب تبذير ًا من أساسه؛ ألنه ال وجود حلاجة‬ ‫حقيقة هلذه السلعة‪.‬‬

‫وكل استهالك يتجاوز ذلك ُيعترب إرساف ًا؛ ألنه جتاوز املقدار‬

‫الكايف لتلبية احلاجة املفقودة والذي عادة ما يقع من املستهلكني؛‬ ‫‪69‬‬


‫ألهن�م ال يس�عون إىل معرفة ذل�ك املقدار من الس�لع واخلدمات‬ ‫ال�ذي يلب�ي حاجاهتم بالفع�ل ولو عىل وجه التقري�ب‪ ،‬وهو أمر‬

‫خيتل�ف من ش�خص آلخر وال يتم معرفته إال م�ع التدريب عليه‬ ‫حتى يصبح جزء ًا من سلوكيات الشخص نفسه‪ ،‬وعادة ما يكون‬

‫االس�تهالك الذي ال حيقق املبدأين الس�ابقني اس�تهالك ًا تفاخري ًا‬ ‫ألغ�راض املباه�اة وليس لتلبي�ة حاجة حقيقية وهو س�لوك ينبع‬ ‫م�ن التنافس يف تقليد اآلخري�ن والرغبة يف التمييز‪ ،‬وهو ما حذر‬

‫من�ه ﷺ حينام ح�ذر من التناف�س يف الدنيا‪ ،‬فاالس�تهالك يف حد‬ ‫ذات�ه ليس مذموم ًا‪ ،‬ولكن املذم�وم فيه هو اإلرساف والتبذير من‬

‫الناحية الرشعية وم�ن الناحية االقتصادية‪ ،‬وقد دفع ذلك معظم‬

‫البلدان إىل فرض رضائب عالية عىل استرياد وتوزيع السلع التي‬

‫تتس�م بطابع الرتف واملباهاة للحد من الس�لوكيات االستهالكية‬ ‫السلبية عىل الصعيد االقتصادي واالجتامعي‪ ،‬كام حددت معظم‬

‫البل�دان حد ًا أدنى ملس�توى الدخل الذي جي�ب أن يتحصل عليه‬

‫أي عامل أو موظف يف الدولة‪ ،‬والذي يمثل احلد األدنى ملستوى‬ ‫املعيش�ة يف البلد املعني‪ ،‬وإذا مل يوف�ق يف احلصول عىل عمل يوفر‬ ‫‪70‬‬


‫ل�ه ه�ذا الدخل؛ فيلتزم املجتم�ع بتوفريه له عىل هيئ�ة إعانة مالية‬ ‫ليتمكن من اقتناء السلع الرضورية‪.‬‬

‫ولضامن حتقيق العملية االستهالكية ينبغي أن تتوفر جمموعة‬

‫من األس�س املتينة‪ ،‬وعىل رأس�ها القناعة بام تيرس ودام‪ ،‬خري من‬ ‫التمسك بام ال يدوم‪ ،‬أو بام ال طائل من ورائه‪.‬‬

‫ق�ال ﷺ‪« :‬لو كان البن آدم واديان من مال البتغى ثالث ًا‪ ،‬وال‬

‫يمأل جوف ابن آدم إال الرتاب‪ ،‬ويتوب اهلل عىل من تاب»)‪.(1‬‬

‫ولي�س معن�ى ه�ذا أن اإلنس�ان يستس�لم ويرض�خ للحالة‬

‫الت�ي وج�د عليه�ا‪ ،‬وإنما القناع�ة تعن�ي رض�ا اإلنس�ان بنفس�ه‬

‫وبقدراته وإمكاناته‪ ،‬قال ﷺ‪« :‬قد أفلح من أسلم‪ ،‬ورزق كفافا‪،‬‬ ‫وقنعه اهلل بام آتاه»)‪.(2‬‬

‫فاملطلوب من الفقري أال يبقى مكتوف اليدين‪ ،‬قائال إنه ٍ‬ ‫راض‬

‫بقض�اء اهلل وقدره يف فقره‪ ،‬وإنام علي�ه أن يعمل جاهدا للخروج‬ ‫ البخاري ‪ ،6072‬مسلم ‪.1048‬‬ ‫ أمحد ‪ ،168/2‬مسلم ‪.1054‬‬

‫‪71‬‬


‫م�ن بوتقة الفق�ر املدقع إىل ح�د الكفاية‪ ،‬وهذا مطل�ب إهلي قبل‬

‫أن يكون مطلب الش�خص الفقري نفس�ه‪ ،‬مع الوضع يف احلسبان‬

‫أن األرزاق بيد اهلل‪ .‬وبني القناعة والسياس�ة الرشيدة لالستهالك‬ ‫عالقة وثيقة‪ ،‬تتمثل يف عدم االغرتار بام تبثه الرشكات اإلعالنية‪،‬‬ ‫ودور التج�ارة ومراكزه�ا‪ ،‬من صور إش�هارية‪ ،‬مل�ا حيتاجه‪ ،‬وال‬

‫حيتاجه املستهلك‪.‬‬

‫فالقناع�ة تتمث�ل يف طل�ب الضروري واالس�تغناء ع�ن‬

‫الكاملي�ات‪ ،‬بالتحدي�د الواض�ح لرضوري�ات احلي�اة األرسي�ة‬ ‫لتوفريها قدر اإلمكان‪ ،‬مع املوازنة بني الرضوريات نفسها‪.‬‬

‫ف�إذا توف�رت القناعة تعمق اإلحس�اس بالربكة م�ن اهلل عز‬

‫وج�ل‪ ،‬التي يعتقدها املس�لم ويعم�ل هبا يف واق�ع األمر؛ لكوهنا‬

‫تعن�ي الزيادة والنماء واحلفظ‪ ،‬فا ُمل َّس�لم به عند املس�لم‪ ،‬أن ليس‬

‫كل ما يتمناه املرء يطلبه‪ ،‬وإنام يسير وفق نظرية «االقتصاد» التي‬ ‫يتم فيه�ا املقاربة واملوازنة بني املدخالت واملخرجات قال تعاىل‪:‬‬

‫﴿ﰉ ﰊ ﰋ﴾)‪.(1‬‬ ‫ سورة لقامن اآلية ‪.19‬‬

‫‪72‬‬


‫والقصد يعني االعتدال والتوسط‪.‬‬ ‫وبين القناع�ة والربك�ة ارتب�اط وثي�ق يف أن يقنع املس�لم بام‬

‫عنده ويسأل اهلل تبارك وتعاىل أن يبارك له فيه‪ ،‬فإن طعام الواحد‬ ‫يكفي االثنني‪ ،‬وطعام االثنني يكفي األربعة‪ ،‬وهذه قاعدة جليلة‬ ‫عظيمة‪ ،‬جاء هبا قول املصطفى ﷺ‪« :‬طعام الواحد يكفي االثنني‪،‬‬

‫وطعام االثنني يكفي األربعة‪ ،‬وطعام األربعة يكفي الثامنية»)‪.(1‬‬

‫فاملس�لم ال جين�ح نح�و إش�باع رغباته ً‬ ‫كما وكيف� ًا‪ ،‬إنام يضع‬

‫التوازن يف سلم حياته كلها قدر املستطاع‪ ،‬ليأخذ بيده نحو احلياة‬

‫األزلية‪ ،‬يف جنة اخللد إن شاء اهلل تعاىل‪.‬‬

‫ق�ال تع�اىل‪﴿ :‬ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ‬

‫ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ﴾)‪.(2‬‬

‫فحين نفق�ه ه�ذه احليثي�ات ونتش�بث بتلك األس�س‪ ،‬فإن‬

‫سياسة ترشيد االس�تهالك ستعطي ثامرها‪ ،‬وتعكس فقه اإلنفاق‬

‫وآلياته‪ ،‬فليس كل س�لعة جيب أن ُتشترى‪ ،‬وليس كل مال جيب‬ ‫ البخاري ‪ ،5077‬مسلم ‪.2059‬‬ ‫ سورة القصص اآلية ‪.77‬‬

‫‪73‬‬


‫أن ينف�ق‪ ،‬وليس املال الكثري هو أم�ارة الغنى‪ ،‬وال قلته هي أمارة‬ ‫الفقر‪ ،‬لكن االعتدال يف إنفاق املال من الس�جايا النبيلة التي أمر‬

‫هبا اإلسالم‪.‬‬

‫وأول آلي�ة لإلنفاق ه�ي معرفة أوجهه ومدارك�ه؛ فاإلنفاق‬

‫يف اخلير واحللال والطيبات أول أبوابه‪ ،‬ب�دون إرساف يف رشاء‬

‫الكامليات‪ ،‬أو التوسع بغرض التباهي‪.‬‬ ‫***‬

‫‪74‬‬


‫املبحث الرابع‬ ‫االستهالك الرشيد وسيلة جللب الربكة‬ ‫إن الرتش�يد عن�د املس�لم يعن�ي الش�كر هلل عز وج�ل‪ ،‬حني‬

‫أطاعه باس�تخدامه كل طاقة فيام خلق�ت له‪ ،‬ويف هذا نامء للنفس‬ ‫وطه�ارة للقلب وبركة يف الس�لوك‪ ،‬فهو حي�س أن هذه النعمة أو‬

‫تلك حمفوظة من كل سوء‪ ،‬يفتح اهلل له هبا أبواب الرزق ومسالك‬ ‫اخلير الت�ي حيقق هب�ا كفايته‪ ،‬معتقدا أن اهلل س�ينمي ل�ه ما أعطاه‬

‫اس�تجابة لوع�د اهلل ع�ز وج�ل ق�ال تع�اىل‪﴿ :‬ﭰ ﭱ‬

‫ﭲ﴾)‪.(1‬‬

‫وم�ا دام الش�كر وس�يلة للزي�ادة س�واء كانت ه�ذه الزيادة‬

‫حس�ا أو معن�ى ـ كأن حتف�ظ النعم�ة وتنمو أو يدفع عنها الس�وء‬ ‫واهلالك والزوال ـ فإهنا يف حساب املسلم وعقيدته تسمى الربكة‬

‫الت�ي ذك�رت كثريا يف القرآن والس�نة النبوية‪،‬وجرت عىل ألس�نة‬

‫الصاحلني يف كل زمان‪.‬‬

‫فالربك�ة ه�ي ثم�رة الطاعة‪ ،‬وهي م�ن األس�س املعتمدة يف‬

‫عقي�دة املس�لم وتصوره‪ ،‬وق�د ال يفهمها من نظر إىل احلس�ابات‬ ‫ سورة إبراهيم اآلية ‪.7‬‬

‫‪75‬‬


‫اآللي�ة فقط وابتعد عن املش�اعر اإليامنية وحجبته قوانني األرض‬

‫ع�ن إدراك لغ�ة اإليمان الت�ي يتعام�ل هب�ا املؤم�ن يف اس�تخدام‬ ‫األس�باب واملس�ببات‪ ،‬وذلك ألن املسلم يس�تجيب باستخدامه‬

‫العوام�ل لكنه يض�ع النتائج وفق القاع�دة اإليامنية التي حيس هبا‬ ‫وراء ذلك‪.‬‬

‫فالربكة هي‪ :‬النامء والزيادة والس�عادة واالتساع والكثرة يف‬

‫كل خري)‪.(1‬‬

‫يقول النووي‪« :‬وأصل الربكة الزيادة وثبوت اخلري واإلمتاع‬

‫ب�ه‪ ،‬واملراد بربكة الطع�ام واهلل أعلم ما حيصل به التغذية وتس�لم‬

‫عاقبتة من أذى ويقوي عىل طاعة اهلل تعاىل وغري ذلك»)‪.(2‬‬

‫ويف قول�ه ﷺ‪« :‬الله�م ب�ارك هل�م يف مكياهلم وب�ارك هلم يف‬

‫صاعه�م وبارك هل�م يف مدهم»)‪ (3‬قال الق�ايض الربكة هنا بمعنى‬ ‫ لسان العرب‪ ،396/10‬القاموس املحيط ‪ ،1204/1‬اجلامع ألحكام‬ ‫القرآن للقرطبي ‪ ،5/13 ،134/4‬الكشاف للزخمرشي ‪.853/1‬‬ ‫ رشح مسلم ‪.206/13‬‬ ‫ املوطأ ‪ ،884/2‬البخاري ‪ ،2023‬مسلم ‪.1368‬‬

‫‪76‬‬


‫النم�و والزي�ادة وتكون بمعنى الثبات والل�زوم قال فقيل حيتمل‬ ‫أن تكون هذه الربكة دينية وهي ما تتعلق هبذه املقادير من حقوق‬

‫اهلل تع�اىل يف الزكاة والكفارات فتكون بمعن�ى الثبات والبقاء هلا‬

‫كبق�اء احلكم هبا ببقاء الرشيعة وثباهت�ا‪ ،‬وحيتمل أن تكون دنيوية‬ ‫من تكثري الكيل والقدر هبذه األكيال حتى يكفي منه ما ال يكفي‬ ‫م�ن غيره يف غير املدين�ة‪ ،‬أو ترج�ع الربك�ة إىل التصرف هبا يف‬

‫التج�ارة وأرباحه�ا واىل كثرة ما يكال هبا م�ن غالهتا وثامرها‪ ،‬أو‬

‫تكون الزيادة فيام يكال هبا التس�اع عيش�هم وكثرته بعد ضيقه ملا‬ ‫فتح اهلل عليهم ووس�ع من فضله هل�م وملكهم من بالد اخلصب‬

‫والري�ف بالش�ام والع�راق ومرص وغريه�ا حتى كث�ر احلمل إىل‬ ‫املدينة واتس�ع عيش�هم حتى صارت هذه الربكة يف الكيل نفس�ه‬

‫فزاد مدهم وصار هاشميا مثل مد النبى ﷺ مرتني أو مرة ونصفا‬

‫ويف ه�ذا كل�ه ظهور إجاب�ة دعوت�ه ﷺ وقبوهلا‪ .‬ه�ذا آخر كالم‬ ‫الق�ايض والظاهر من هذا كله أن الربكة يف نفس املكيل يف املدينة‬ ‫بحيث يكفي املد فيها ملن ال يكفيه يف غريها واهلل أعلم»)‪.(1‬‬

‫ رشح مسلم للنووي ‪.142/9‬‬

‫‪77‬‬


‫ويف رشح منته�ى اإلرادات‪« :‬الربك�ة الزيادة أو حلول اخلري‬

‫اإلهلي يف اليشء»)‪.(1‬‬

‫عز‬ ‫وق�د بني اإلم�ام األوزاع�ي أن الربكة حينام ينتزعه�ا اهلل َّ‬

‫َّ‬ ‫وجل يعد ذلك حرمانا وعقوبة‪ ،‬فقال‪« :‬إذا أراد اهلل أن حيرم عبده‬

‫بركة العلم ألقى عىل لسانه األغاليط»)‪.(2‬‬

‫فالربك�ة ه�ي الزي�ادة التي تنتجه�ا الطاعة لتك�ون ثمرة هلا‪،‬‬

‫ولذل�ك ق�ال تع�اىل‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ‬

‫ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﴾)‪ (3‬وق�ال‪﴿ :‬ﭣ ﭤ ﭥ‬

‫ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ﴾)‪.(4‬‬

‫يق�ول القرطبي‪« :‬فجعل تعاىل التقى من أس�باب الرزق كام‬

‫يف ه�ذه اآليات ووعد باملزيد ملن ش�كر فقال‪﴿ :‬ﭰ ﭱ‬

‫ﭲ﴾»)‪.(5‬‬

‫ البهويت ‪.235/1‬‬ ‫ املوافقات للشاطبي ‪.317/4‬‬ ‫ سورة األعراف اآلية ‪.96‬‬ ‫ سورة اجلن اآلية ‪.16‬‬ ‫ سورة إبراهيم اآلية ‪ ، 7‬وانظر‪ :‬اجلامع ألحكام القرآن ‪.227/6‬‬

‫‪78‬‬


‫وكما يف قوله تعاىل خمربا عن ن�وح إذ قال لقومه‪﴿ :‬ﯽ‬

‫ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ * ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﴾)‪.(1‬‬

‫وعـ�ن هـ�ود‪﴿ :‬ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ‬

‫ﯺ﴾‬

‫)‪(2‬‬

‫«فوعدهم املطر واخلصب»)‪.(3‬‬

‫وكذل�ك يف قوله تعاىل‪﴿:‬ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ‬

‫ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ﴾)‪.(4‬‬

‫قال س�عيد بن املسيب وعطاء بن أيب رباح والضحاك وقتادة‬

‫ومقات�ل وعطية وعبيد ب�ن عمري واحلس�ن‪« :‬كان واهلل أصحاب‬

‫النبي ﷺ س�امعني مطيعني ففتح�ت عليهم كنوز كرسى وقيرص‬ ‫واملقوقس والنجايش»)‪.(5‬‬

‫واملس�تقرئ للق�رآن الكري�م جي�د أن لف�ظ الربك�ة حني تأيت‬

‫بمعن�ى العطاء الكثري الذي يتجاوز حد العد واحلس�اب إنام تأيت‬ ‫بصيغة اجلمع الذي يدل عىل الزيادة والكثرة‪.‬‬

‫ سورة نوح اآلية ‪.11 - 10‬‬ ‫ سورة هود اآلية ‪.52‬‬ ‫ اجلامع ألحكام القرآن للقرطبي ‪.225/7‬‬ ‫ سورة املائدة اآلية ‪.66‬‬ ‫ اجلامع ألحكام القرآن للقرطبي ‪.19/19‬‬

‫‪79‬‬


‫فقد وردت يف ثالثة مواضع‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ‬

‫ﭕﭖﭗﭘﭙ ﭚﭛﭜﭝﭞ‬ ‫ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ﴾)‪.(1‬‬

‫وق�ال‪﴿ :‬ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ‬

‫ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﴾)‪.(2‬‬

‫وقوله‪﴿ :‬ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ‬

‫ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ﴾)‪.(3‬‬

‫وألن الربك�ة بمعنى الرفع�ة والعلو وصف بيت اهلل هبا فقال‬

‫تع�اىل‪﴿ :‬ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ‬ ‫ﮟ﴾)‪.(4‬‬

‫ووصف كتابه بأنه مبارك فقال‪﴿ :‬ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ‬

‫ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ‬ ‫ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ﴾)‪.(5‬‬ ‫ سورة األعراف اآلية ‪.96‬‬ ‫ سورة هود اآلية ‪.48‬‬ ‫ سورة هود اآلية ‪.73‬‬ ‫ سورة آل عمران اآلية ‪.96‬‬ ‫ سورة األنعام اآلية ‪.92‬‬

‫‪80‬‬


‫وقوله‪﴿ :‬ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ﴾)‪.(1‬‬

‫ووصف عيسى نفسه فقال‪﴿ :‬ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ‬

‫ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ﴾)‪.(2‬‬

‫وقال‪﴿ :‬ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ‬

‫ﮎ ﮏ﴾)‪.(3‬‬

‫ووجه نبيه أن ينزله منزال موصوفا بالربكة فقال‪﴿ :‬ﭡ ﭢ‬

‫ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ﴾)‪.(4‬‬

‫ووصف ش�جرة الزيت�ون متد الكوكب ال�دري بالطاقة بأهنا‬

‫مبارك�ة فق�ال‪ ﴿ :‬ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ‬

‫ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ‬

‫ﯟﯠﯡ ﯢﯣﯤ ﯥﯦﯧﯨﯩ‬ ‫ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ‬ ‫ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ﴾)‪.(5‬‬

‫ سورة األنبياء اآلية ‪.50‬‬ ‫ سورة مريم اآلية ‪.31‬‬ ‫ سورة الصافات اآلية ‪.113‬‬ ‫ سورة املؤمنون اآلية ‪.29‬‬ ‫ سورة النور اآلية ‪.35‬‬

‫‪81‬‬


‫ووص�ف أرايض وأماك�ن مقدس�ة وق�رى بالربك�ة فق�ال‪:‬‬

‫﴿ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ‬ ‫ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ‬ ‫ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ‬ ‫ﯲ ﯳ ﯴ﴾)‪.(1‬‬ ‫وق�ال‪﴿:‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ‬ ‫ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ‬ ‫ﭤ ﭥ ﭦ﴾)‪ .(2‬وقوله‪﴿:‬ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ‬

‫ﯪ ﯫ ﯬ﴾)‪ .(3‬وقول�ه‪﴿ :‬ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ‬

‫ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ﴾)‪.(4‬‬

‫وقوله‪﴿ :‬ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ‬

‫ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ﴾)‪.(5‬‬ ‫ سورة األعراف اآلية ‪.137‬‬ ‫ سورة اإلرساء اآلية ‪.1‬‬ ‫ سورة األنبياء اآلية ‪.71‬‬ ‫ سورة األنبياء اآلية ‪.81‬‬ ‫ سورة سبأ اآلية ‪.18‬‬

‫‪82‬‬


‫و يف الس�نة النبوية‪ ،‬كثريا م�ا ترد بصيغة التضعي�ف والتثنية‬

‫أيضا‪ ،‬وتلك داللة عىل الزيادة والنامء‪.‬‬

‫ق�ال رس�ول اهلل ﷺ‪« :‬اللهم اجعل باملدين�ة ضعفي ما بمكة‬

‫م�ن الربكة»)‪ .(1‬وقال‪« :‬اللهم بارك لن�ا يف مدينتنا‪ ،‬اللهم بارك لنا‬ ‫يف صاعن�ا‪ ،‬الله�م اجع�ل لنا يف مدن�ا‪ ،‬اللهم بارك لن�ا يف صاعنا‪،‬‬

‫اللهم بارك لنا يف مدنا‪ ،‬اللهم بارك لنا يف مدينتنا‪ ،‬اللهم اجعل مع‬ ‫الربكة بركتني»)‪.(2‬‬

‫وعن أيب سعيد اخلدري أن رسول اهلل ﷺ قال‪« :‬اللهم بارك‬

‫لنا يف صاعنا ومدنا واجعل مع الربكة بركتني»)‪.(3‬‬

‫ع�ن عائش�ة تق�ول كان رس�ول اهلل إذا أيت بلبن ق�ال‪« :‬بركة‬

‫أو بركتان»)‪.(4‬‬

‫ويف التحي�ات «السلام علي�ك أهي�ا النب�ي ورمح�ة اهلل‬

‫وبركاته»)‪.(5‬‬

‫ مسلم ‪.1369‬‬ ‫ مسلم ‪.1374‬‬ ‫ مسلم ‪. 1374‬‬ ‫ ابن ماجة ‪.1103/2‬‬ ‫ البخاري ‪ ،5910‬مسلم ‪.402‬‬

‫‪83‬‬


‫وع�ن أيب هريرة قال قال رس�ول اهلل ﷺ‪« :‬بينما أيوب عليه‬

‫السلام يغتس�ل عريانا خر علي�ه جراد من ذه�ب فجعل حيثي يف‬ ‫ثوب�ه ق�ال‪ :‬فناداه ربه عز وجل يا أي�وب أمل أكن أغنيتك؟ قال بىل‬

‫يا رب ولكن ال غنى يب عن بركاتك»)‪.(1‬‬

‫وعن أم سلمة أن رسول اهلل ﷺ قال لفاطمة‪« :‬ائتيني بزوجك‬

‫وابنيه فجاءت هبم فألقى رسول اهلل ﷺ كساء فدكيا ثم وضع يده‬

‫عليه�م ثم قال‪ :‬الله�م إن هؤالء آل حمم�د ﷺ فاجعل صلواتك‬

‫وبركاتك عىل آل حممد فإنك محيد جميد» قالت أم سلمة‪ :‬فرفعت‬ ‫الكساء ألدخل معهم فجبذه من يدي وقال‪ :‬إنك عىل خري»)‪.(2‬‬

‫وق�ال‪« :‬اللهم ابس�ط علين�ا من بركات�ك ورمحتك وفضلك‬

‫ورزقك»)‪.(3‬‬

‫إن الربك�ة حتل يف حياتنا ي�وم أن يلتزم املرء بأمر اهلل‪ ،‬ويكون‬

‫شعاره دائ ًام تقوى اهلل حيث ما حل وارحتل‪.‬‬ ‫ النسائي ‪.200/1‬‬ ‫ املعجم الكبري ‪.53/3‬‬ ‫ النسائي الكربى ‪.156/6‬‬

‫‪84‬‬


‫ق�ال اهلل تع�اىل‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ‬ ‫ﭘﭙ ﭚﭛﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ‬ ‫ﭢ﴾)‪.(1‬‬ ‫قيل ألحد الصاحلني‪ّ :‬‬ ‫إن األسعار قد ارتفعت‪ ،‬قال‪ :‬أنزلوها‬

‫بالتقوى‪.‬‬

‫وملا كان االس�تثامر عبادة وطاعة يتق�رب هبا إىل اهلل عزوجل‬

‫وهو الوس�يلة لالستهالك فقد بني رس�ول اهلل ﷺ األوقات التي‬ ‫يتضاعف فيها اإلنتاج وينشط فيها العامل فيؤدي جهدا استثنائيا‪،‬‬

‫فه�ي حم�ط الربكة وظرفها املناس�ب ق�ال ﷺ‪« :‬باك�روا الغدو يف‬ ‫طلب الرزق فإن الغدو بركة ونجاح»)‪.(2‬‬

‫وقال‪« :‬اللهم بارك ألمتي يف بكورها»)‪.(3‬‬ ‫ سورة األعراف اآلية ‪.96‬‬ ‫ الرتغي�ب والرتهي�ب ‪ 336/2‬وق�ال‪ :‬رواه الب�زار والطبراين يف‬ ‫األوسط‪.‬‬ ‫ أمح�د ‪ ،153/1‬أب�و داود ‪ ،41/2‬الرتم�ذي ‪ ،517/3‬اب�ن حب�ان‬ ‫‪ ،62/11‬ابن ماجة ‪.752/2‬‬

‫‪85‬‬


‫فااللت�زام بتوجيه�ات رس�ول اهلل ﷺ إنما متثل تق�وى اهلل‪،‬‬ ‫لتتكون حساسية يف القلب جتاه أمر اهلل‪ ،‬وشفافية يف الضمري جتاه‬ ‫م�ا هن�ى عنه وزجر‪ ،‬وكلما أنزلق القلب أو زل�ت القدم يف اخلطأ‬ ‫والعصي�ان مل يكن ذلك س�ببا ملحق الربكة ما دام املس�لم يس�ارع‬ ‫إىل التوبة واإلنابة واالس�تغفار‪ ،‬فمن لزم االستغفار فتح اهلل عليه‬ ‫وفرج مهه‪ ،‬وأزال كربته ورزقه من حيث‬ ‫أب�واب الرزق والربكة‪ّ ،‬‬ ‫ال حيتسب‪.‬‬

‫ق�ال اهلل تع�اىل‪﴿:‬ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ *‬

‫ﭑ ﭒﭓﭔ*ﭖﭗﭘﭙ ﭚ ﭛ‬

‫ﭜ ﭝ ﭞ ﴾)‪.(1‬‬

‫ولكن اإلرصار عىل اخلطأ‪ ،‬والوقوع يف مس�تنقع الفواحش‪،‬‬ ‫واللع�ب يف أرب�اض الرذائ�ل‪ ،‬ه�و الذي ي�ردي إىل اهللاك كام‬ ‫قال الشاعر)‪:(2‬‬ ‫ سورة نوح اآلية ‪.12- 10‬‬ ‫ جممع احلكم واألمثال أليب الفضل امليداين‪.‬‬

‫‪86‬‬


‫إن كـنـت يف نعمـة فارعها فـإن املعـايص تـزيل النعم‬ ‫وحافظ عليها بتقوى اإلله فـإن اإللـه سـريـع النـقم‬

‫فاملعايص تضيع عىل اإلنسان حياته احلقيقية التي جيد مغبتها‬

‫يوم يقول ﴿ ﭒ ﭓ ﭔ﴾)‪.(1‬‬

‫وعقوبته�ا أهنا متحق بركة العم�ر وبركة الرزق وبركة العلم‬

‫وبرك�ة العم�ل وبرك�ة الطاع�ة وباجلملة أهن�ا متحق برك�ة الدين‬ ‫والدني�ا‪ ،‬فالجت�د أقل برك�ة يف عمره ودينه ودني�اه ممن عىص اهلل‪،‬‬ ‫وما حميت الربكة من األرض إال بمعايص اخللق‪.‬‬

‫قال اهلل تعاىل‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ‬

‫ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ﴾)‪ (2‬وق�ال تعاىل‪﴿ :‬ﭣ ﭤ ﭥ‬

‫ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ * ﭫ ﭬ﴾)‪.(3‬‬

‫ق�ال علي�ه الصلاة والسلام‪« :‬إن العب�د ليح�رم ال�رزق‬

‫بالذنب يصيبه»)‪.(4‬‬

‫ سورة الفجر اآلية ‪.24‬‬ ‫ سورة األعراف اآلية ‪.96‬‬ ‫ سورة اجلن اآلية ‪.16‬‬ ‫ أمح�د ‪ ،280/5‬اب�ن حب�ان ‪ ،153/3‬ابن ماج�ة ‪ ،1334/2‬املعجم‬ ‫الكبري للطرباين ‪.100/2‬‬

‫‪87‬‬


‫وق�ال أيضا‪« :‬إن روح القدس نف�ث يف روعي أنه لن متوت‬

‫نفس حتى تستويف رزقها فاتقوا اهلل وأمجلوا يف الطلب وال حيملكم‬

‫اس�تبطاء ال�رزق عىل أن تطلبوه بمعايص اهلل فإن�ه ال ينال ما عنده‬

‫إال بطاعته»)‪.(1‬‬

‫ويف األث�ر إن الرب تبارك وتعاىل ق�ال‪« :‬إذا رضيت باركت‬

‫وليس لربكتي هناية‪ ،‬وإين إذا غضبت لعنت ولعنتي تدرك السابع‬

‫من الولد»)‪.(2‬‬

‫إن عم�ر العبد ه�و مدة حياته وال حياة مل�ن أعرض عن اهلل‬

‫واش�تغل بغريه‪ ،‬فإن حياة االنس�ان بحياة قلبه وروحه‪ ،‬والحياة‬ ‫لقلب�ه إال بمعرف�ة فاط�ره وحمبت�ه وعبادت�ه وح�ده واإلناب�ة إليه‬

‫والطمأنينة بذكره واألن�س بقربه‪ ،‬ومن فقد هذه احلياة فقد اخلري‬

‫كله ولو تعوض عنها بام تعوض به الدنيا‪ ،‬بل ليست لدنيا بأمجعها‬ ‫ع�وض عن ه�ذه احلياة‪ ،‬فمن كل يشء يف�وت العبد عوض وإذا‬

‫ مصنف عبد الرزاق ‪ ،125/11‬ابن أيب ش�يبة ‪ ،79/7‬مسند الشافعي‬ ‫‪.233/1‬‬ ‫ مصن�ف عب�د ال�رزاق ‪ ،184/7‬الزه�د الب�ن حنب�ل ‪ ،52/1‬حلي�ة‬ ‫األولياء ‪.41/4‬‬

‫‪88‬‬


‫فات�ه اهلل مل يعوض عنه يشء البتة‪ ،‬وكيف يعوض الفقري والعاجز‬ ‫عن الغني القادر الذي له ملك السموات واألرض؟ وإنام كانت‬ ‫معصية اهلل س�ببا ملحق بركة الرزق واألجل ألن الش�يطان موكل‬

‫هب�ا وبأصحاهب�ا‪ ،‬وكل يشء يتص�ل به الش�يطان ويقارن�ه فربكته‬

‫ممحوق�ة‪ ،‬وهل�ذا رشع ذكر اس�م اهلل تع�اىل عن�د األكل والرشب‬ ‫واللب�س والرك�وب واجلماع‪ ،‬ملا يف مقارنة اس�م اهلل م�ن الربكة‪،‬‬

‫وذك�ر اس�مه يطرد الش�يطان فتحص�ل الربكة وال مع�ارض هلا‪،‬‬ ‫وكل يشء ال يكون هلل فربكته منزوعة‪ ،‬فإن الرب هو الذي يبارك‬ ‫وح�ده‪ ،‬والربك�ة كلها من�ه‪ ،‬وكل ما نس�ب إليه مب�ارك‪ ،‬فكالمه‬

‫مب�ارك‪ ،‬ورس�وله مب�ارك‪ ،‬وعب�ده املؤم�ن النافع خللق�ه مبارك‪،‬‬

‫وبيته احلرام مبارك‪ ،‬وكنانته من أرضه وهى الش�ام أرض الربكة‪،‬‬ ‫وصفها بالربكة يف ست آيات من كتابه‪ ،‬فال مبارك إال هو وحده‪،‬‬

‫وال مبارك إال ما نسب إليه يف حمبته وألوهيته ورضاه‪.‬‬

‫فكل عم�ل أو قول ابتعد عن الطاعة فقد نزعت بركته‪ ،‬ألنه‬

‫انحرف عن جمراه الصحيح املنضبط‪ ،‬فيصيبه الش�طط وينتابه كل‬ ‫أسباب االنحراف وامليل‪.‬‬

‫‪89‬‬


‫فالربك�ة ترتك�ز بكل ما يدرك اإلنس�ان فيه أنه قرب�ة إىل ربه‪،‬‬

‫وكلما اتص�ل ب�ه وارتبط كان أش�د وثوق�ا ورس�وخا‪ ،‬وكان منه‬

‫بس�بيل‪ ،‬وقد غش�يته س�كينة الرمح�ة وأغدقت الربكة سلس�بيلها‬ ‫باخلير‪ .‬وم�ن هن�ا كان�ت لعن�ة إبليس نك�دا علي�ه‪ ،‬ف�كان أبعد‬

‫خل�ق اهلل م�ن رمحة اهلل ع�ز وجل‪ ،‬فكل ما كان م�ن جهته فله من‬

‫لعنة اهلل بقدر قربه منه واتصاله به‪.‬‬

‫وم�ن هن�ا كان للمع�ايص أعظ�م تأثير يف حمق برك�ة العمر‬

‫وال�رزق والعل�م والعم�ل‪ ،‬فكل وق�ت عصيت اهلل في�ه‪ ،‬أو مال‬ ‫عصي�ت اهلل ب�ه‪ ،‬أو ب�دن أو ج�اه أو عل�م أو عم�ل‪ ،‬فه�و عليك‬

‫ليس لك‪.‬‬

‫فليس لإلنسان من عمره وماله وقوته وجاهه وعلمه وعمله‬

‫إال ما أطاع اهلل به‪.‬‬

‫وهل�ذا ف�إن من الناس م�ن يعيش يف هذه الدار مائة س�نة أو‬

‫نحوها ويبدو وكأن عمره اليبلغ عرشين س�نة أو نحوها‪ ،‬كام أن‬

‫منهم من يملك القناطري املقنطرة من الذهب والفضة وحييا عمرا‬ ‫‪90‬‬


‫طويلا ولكنه ما يلب�ث أن يزول وكأنه بال عم�ر أو مال‪ ،‬وهكذا‬ ‫اجل�اه والعلم‪ ،‬قال ﷺ‪« :‬الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إال ذكر اهلل‬

‫عز وجل وما وااله و عامل أو متعلم»)‪.(1‬‬

‫هذا هو الذي فيه الربكة خاصة واهلل املستعان)‪.(2‬‬ ‫فم�ن أراد أن يكون كالغي�ث يف كبد السماء هطوله‪ ..‬فعليه‬

‫أن يس�قي الن�اس ماء اخلري واملع�روف‪ ،‬ويزرع ش�جرة املحبة يف‬

‫قلوهب�م‪ ،‬ويقطف ثامر املودة واملحبة لقريبهم وبعيدهم‪ ،‬فإذا رأى‬ ‫منك�ر ًا تلطف مع صاحب املعصية بالكلمة الطيبة‪ ..‬واالبتس�امة‬

‫اهلادفة‪ ..‬وإذا رأى أشواك الكراهية تزرع يف أرض العطاء‪ ،‬أزاهلا‬

‫بحكمت�ه وفطنته‪ ،‬وزرع مكاهن�ا أوراق التآل�ف وأغصان الوفاء‬ ‫وأزهار اإلخاء‪.‬‬

‫فربكة الرجل تنبض عندما يغمر قلبه حب اخلري‪ ،‬ونرش اخلري‬

‫والتع�اون عىل الرب واخلري‪ ،‬هب�ذه الومضات الطيبة يكون مبارك ًا‪،‬‬ ‫ الرتمذي ‪ ،561/4‬ابن ماجة ‪.1377/2‬‬ ‫ اجلواب الكايف ‪.57/1‬‬

‫‪91‬‬


‫أي�ن م�ا وقع نف�ع‪ ،‬وحيث م�ا ح�ل زرع‪ ،‬فمثله كمثل الش�مس‬

‫املرشقة باخلريات‪ ،‬واألرض املخرضة بالربكات‪ ،‬والريح املرسلة‬

‫بالنفحات‪.‬‬

‫قال اهلل تعاىل عىل لسان املسيح عيسى عليه السالم‪﴿ :‬ﮒ‬

‫ً‬ ‫معلما للخير‪ ،‬داعي ًا إىل اهلل‪ ،‬مذكر ًا‬ ‫ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ﴾)‪ ،(1‬أي‬ ‫ب�ه‪ ،‬مرغب� ًا يف طاعته‪ ،‬فهذا من بركة الرج�ل‪ ،‬ومن خال من هذا‪،‬‬ ‫فقد خال من الربكة‪ ،‬وحمقت بركة لقائه واجتامعه‪ ،‬بل حمقت بركة‬

‫م�ن لقيه واجتمع به‪ ،‬ألنه مضيع للوق�ت واملال‪ ،‬وحمرق للثياب‬ ‫كاجلليس السوء الذي أخرب عنه حبيبنا ﷺ‪.‬‬

‫وما هذا النكد وهذا الش�قاء الذي تعيشه البرشية إال لبعدها‬

‫عن هذه الرسالة اخلالدة‪.‬‬

‫لقد كانت بركاته ﷺ احلسية صورا معربة ونموذجا يرتاءى‬

‫فيه�ا اخلير وهي ش�اهد على عظ�م الرس�الة واهل�دى والدعوة‬

‫إلي�ه‪ :‬م�ن تكثيره الطع�ام ‪،‬ونبع امل�اء من بين أصابع�ه الرشيفة‬ ‫ سورة مريم اآلية ‪.31‬‬

‫‪92‬‬


‫وإبرائ�ه امل�رىض وبركته يف إجاب�ة اهلل تعاىل لدعائ�ه صلوات ريب‬

‫وسالمه عليه)‪.(1‬‬

‫إننا حين نتلمس الواقع نجد بعض الناس‪ ،‬منهم من دخله‬

‫الش�هري بس�يط لكن اهلل ب�ارك له يف القليل‪ ،‬فلا جتد املصاريف‬

‫الت�ي يرصفها بال فائدة وال حس�بان‪ ،‬فقد رزق�ه اهلل بابنة وحيدة‪،‬‬ ‫لكنه�ا زهرة تفوح باخلريات‪ ،‬وش�جرة أثمرت له أحفاد ًا هم قرة‬

‫عني له‪ ،‬وجتد وقته معمور ًا بطاعة اهلل ونفع الناس‪ ،‬وكأن ساعات‬

‫يومه أطول من ساعات وأيام اآلخرين‪.‬‬

‫وتأم�ل يف ح�ال اآلخري�ن مم�ن ال أث�ر للربكة لدهي�م‪ ،‬فهذا‬

‫يمل�ك املاليين لكنه�ا تتعب�ه وتش�قيه بالك�د والتع�ب يف النهار‬

‫وبالس�هر واحلساب يف الليل‪ ،‬فبِاألمس دفع مبلغ ًا هائ ً‬ ‫ال يف عالج‬ ‫ابن�ه املريض‪ ..‬وما زال يدفع‪ ،‬واليوم دفع نقود ًا طائلة يف إصالح‬

‫أعطال بيته وسياراته‪ ..‬وما زال يدفع‪ ،‬وغد ًا تنتظره الديون املثقلة‬

‫ أمحد ‪ ،437/6 ،418/3‬املعجم الكبري للطرباين ‪،87/12 ،338/8‬‬ ‫‪ ،151/22‬واألوسط ‪ ،285/4‬البيهقي الكربى ‪.274/7/7‬‬

‫‪93‬‬


‫عىل كاهله قد دفع بعضها‪ ..‬وما زال يدفع‪ ،‬فتتعجب عندما ترى‬

‫اخلوف مرس�وم ًا عىل وجهه‪ ،‬خياف من قدوم زائر أو دقة طالب‪،‬‬ ‫كثري املرض‪ ،‬فقري النفس‪ ،‬شقي ًا بامله‪ ،‬فال هو سعيد بأمالكه‪ ،‬وال‬ ‫ي�دري أين هنايت�ه‪ ،‬له أوالد لكنهم ينتظرون بف�ارغ الصرب توزيع‬

‫الرتكة وامليراث‪ ،‬جيمعهم دعاء واحد‪ :‬الله�م أرحنا منه‪ .‬ووراء‬

‫كل ذلك‪ ،‬البنوك ومديوناهتا التي تكبل األش�قياء بالدين‪ ،‬والربا‬

‫يغرقه بالوحل واهلم واحلزن‪.‬‬

‫لقد كان رسولنا ﷺ يدعو بالربكة يف األمور كلها‪ ،‬فاإلنسان‬

‫وهو يسير يف هذه الدنيا يطمع أن ي�زاد يف وقته‪ ،‬وعمره‪ ،‬وماله‪،‬‬ ‫وأبنائه‪ ،‬ألنه يعلم أن الربكة إذا حلت‪ ،‬حلت السعادة يف القلب‪،‬‬ ‫والس�كينة يف النفس‪ ،‬والراحة يف اجلس�د‪ ،‬واالنرشاح يف الصدر‪،‬‬

‫وم�ن فتح كتب األولين وتأمل يف حياهتم جي�د الربكة ظاهرة يف‬ ‫أحواهلم ‪ .‬فتج�د بعض الناس علمه قليل ولكن اهلل جعل الربكة‬ ‫يف هذا القليل‪ ،‬فنفع العباد وأخرج بفضل اهلل عىل يده كثري الناس‬ ‫م�ن وح�ل الضاللة إىل ري�اض اجلنة‪ ،‬وضده من لدي�ه علم كثري‬

‫لك�ن ال أث�ر لنفع الن�اس‪ ،‬والربك�ة إذا أنزهل�ا اهلل ع�ز وجل تعم‬ ‫‪94‬‬


‫كل يشء‪ :‬يف ال�رزق‪ ،‬والوظيفة‪ ،‬والس�يارة‪ ،‬واملن�زل‪ ،‬والزوجة‪،‬‬ ‫واألبن�اء والوق�ت‪ ،‬والدع�وة‪ ،‬واجلس�د‪ ،‬والعق�ل‪ ،‬واجل�وارح‪،‬‬ ‫وم�ن هن�ا كانت الربكة من أهم ما يطل�ب يف حياة الناس‪ .‬ولكن‬ ‫س�ؤال يطرح نفس�ه‪ ،‬كيف نس�تجلب الربكة؟ إن تق�وى اهلل عز‬ ‫وج�ل مفتاح كل خير‪ ،‬قال تع�اىل‪﴿ :‬ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ‬ ‫* ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ﴾)‪ ،(1‬أي م�ن جهة ال ختطر عىل باله‪.‬‬ ‫وع�رف العلامء التق�وى‪ :‬بأن تعمل بطاعة اهلل‪ ،‬على نور من اهلل‪،‬‬ ‫ترج�و ث�واب اهلل‪ ،‬وأن ترتك معصية اهلل‪ ،‬عىل ن�ور من اهلل‪ ،‬ختاف‬ ‫عق�اب اهلل‪ .‬وقد قيل‪ :‬ما احتاج تقي قط‪ ،‬قيل لرجل من الفقهاء‪:‬‬ ‫﴿ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ * ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ﴾‪ ،‬فقال‬ ‫الفقي�ه‪ :‬واهلل‪ ،‬إنه ليجع�ل لنا املخرج‪ ،‬وما بلغنا من التقوى ما هو‬ ‫أهل�ه‪ ،‬وإنه لريزقنا وما اتقيناه‪ ،‬وإنا لنرجو الثالثة‪﴿ :‬ﰀ ﰁ ﰂ‬ ‫ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﴾)‪.(2‬‬ ‫ سورة الطالق اآلية ‪.3 ،2‬‬ ‫ سورة الطالق اآلية ‪.5‬‬

‫‪95‬‬


‫واألعمال الصاحل�ة جملبة للخري والربك�ة كالدعاء؛ فقد كان‬

‫النب�ي يطل�ب الربكة يف أم�ور كثيرة‪ ،‬فعلمنا أن ندع�و للمتزوج‬ ‫فنقول‪« :‬بارك اهلل لك‪ ،‬وبارك عليك‪ ،‬ومجع بينكام يف خري»)‪.(1‬‬

‫والدع�اء ملن أطعمن�ا‪« :‬اللهم بارك هلم فيما رزقتهم‪ ،‬واغفر‬

‫هلم‪ ،‬وارمحهم»)‪.(2‬‬

‫وق�د دعا رس�ول اهلل ﷺ ألن�س بالربكة فق�ال‪« :‬اللهم أكثر‬

‫ماله وولده وبارك له فيام أعطيته»)‪.(3‬‬

‫ق�ال أنس‪« :‬ف�و اهلل إن مايل لكثير وإن ول�دي وولد ولدي‬

‫ليتع�ادون على نحو املائة الي�وم»)‪ .(4‬ويف رواي�ة «فلقد دفنت من‬ ‫صلبي س�وى ولد ولدي مخس�ا وعرشين ومائة وإن أريض لتثمر‬

‫يف السنة مرتني وما يف البلد يشء يثمر مرتني غريها»)‪.(5‬‬

‫ أمح�د ‪ ،381/2‬أب�و داود ‪ ،647/1‬الرتم�ذي ‪ ،400/3‬اب�ن حب�ان‬ ‫‪ ،359/9‬ابن ماجة ‪.234/1‬‬ ‫ أمح�د ‪ ،188/4‬أب�و داود ‪ ،364/2‬اب�ن حب�ان ‪ ،109/12‬الرتمذي‬ ‫‪.568/5‬‬ ‫ البخاري ‪ ،5975‬مسلم ‪.2480‬‬ ‫ مسلم ‪ ،2481‬ابن حبان ‪.142/16‬‬ ‫ املعجم الكبري للطرباين ‪.248/1‬‬

‫‪96‬‬


‫ويف مس�ند أمح�د ق�ال‪« :‬فأخربتن�ي ابنت�ي إين ق�د دفنت من‬

‫صلبي بضعا وتسعني وما أصبح يف األنصار رجل أكثر مني ماال‬

‫ثم قال أنس يا ثابت ما أملك صفراء وال بيضاء إال خامتي»)‪.(1‬‬

‫وحفاظ�ا على الربكة ومتكنها يف أموالنا وحياتنا ونفوس�نا‬

‫حذرنا اإلسلام من الش�ح والشره والكذب والغ�ش واخلداع‬

‫ونحو ذلك يف أخذ املال‪:‬‬

‫قال رسول اهلل ﷺ حلكيم بن حزام ريض اهلل عنه‪« :‬يا حكيم‬

‫إن هذا املال خرضة حلوة فمن أخذه بس�خاوة نفس بورك له فيه‪،‬‬ ‫وم�ن أخ�ذه بإرشاف نف�س مل يبارك ل�ه فيه‪ ،‬وكان كال�ذي يأكل‬

‫وال يشبع»)‪.(2‬‬

‫ولذل�ك كان الص�دق يف املعامل�ة من بيع ورشاء س�ببا يف‬

‫جلب الربكة‪« :‬البيعان باخليار ما مل يتفرقا‪ ،‬فإن صدقا وبينا بورك‬

‫هلام يف بيعهام‪ ،‬وإن كذبا وكتام حمقت بركة بيعهام»)‪.(3‬‬ ‫ أمحد ‪.248/3‬‬ ‫ البخاري ‪.1403‬‬ ‫ البخاري ‪ ،2004‬مسلم ‪.1532‬‬

‫‪97‬‬


‫فعىل املس�لم أن يتوكل عىل اهلل يف أمور حياته وعندما يسعى‬

‫يف طل�ب رزقه فليتوكل عىل اهلل فهو حس�به‪ ،‬ق�ال ﷺ‪« :‬لو أنكم‬ ‫توكلتم عىل اهلل حق توكله لرزقكم كام يرزق الطري‪ ،‬تغدو مخاص ًا‬ ‫وتروح بطان ًا»)‪.(1‬‬

‫ولقد كان من هدي رسولنا ﷺ أن يعلم أصحابه االستخارة‪،‬‬

‫ألهنا جتلب الربكة وتنعش التوكل واليقني يف قلب املؤمن وتوثق‬ ‫الصلة باهلل عز وجل‪.‬‬

‫ق�ال ﷺ‪« :‬إذا ه�م أحدك�م باألمر فلريك�ع ركعتني من غري‬

‫الفريض�ة‪ ،‬ث�م ليق�ل‪ :‬اللهم إين أس�تخريك بعلمك‪ ،‬وأس�تقدرك‬ ‫بقدرت�ك‪ ،‬وأس�ألك من فضل�ك العظيم‪ ،‬فإنك تق�در وال أقدر‪،‬‬ ‫وتعل�م وال أعل�م‪ ،‬وأنت عالم الغيوب‪ ،‬الله�م إن كنت تعلم أن‬

‫هذا األمر خري يل يف ديني‪ ،‬ودنياي ومعايش وعاقبة أمري أو قال‪:‬‬ ‫عاج�ل أم�ري‪ ،‬وآجله فاق�دره يل ويرسه يل‪ ،‬ثم ب�ارك يل فيه‪ ،‬وإن‬ ‫كن�ت تعلم أن هذا األم�ر رش يل يف ديني‪ ،‬ومعايش وعاقبة أمري‪،‬‬

‫ أمحد ‪ ،30/1‬ابن حبان ‪ ،509/2‬املستدرك ‪.354/4‬‬

‫‪98‬‬


‫أو ق�ال يف عاج�ل أم�ري‪ ،‬وآجل�ه فارصف�ه عني وارصفن�ي عنه‪،‬‬ ‫واقدر يل اخلري حيث كان‪ ،‬ثم أرضني به»)‪.(1‬‬

‫وعلين�ا دائام أن نش�كر اهلل تعاىل عىل ه�ذه النعم التي ال تعد‬

‫وال حتىص‪ ،‬والش�كر واحلم�د هلل عىل عطائه ونعمه؛ ﴿ﮎ‬

‫ﮏ ﮐ﴾)‪﴿ ،(2‬ﭰ ﭱ ﭲ﴾)‪.(3‬‬

‫ولق�د كانت األرض أكثر َب َر َك ًة مم�ا هي عليه اليوم من حيث‬

‫الس�ن وه�م يقولون‪:‬‬ ‫الغ ّل�ة واملحص�ول‪ ،‬وكثري ًا ما نس�مع كبار‬ ‫ّ‬

‫«كان�ت الدنيا أكثر َب َركة من اليوم‪ ،‬وأكثر مطر ًا وخصب ًا‪ ،‬أما اليوم‬

‫ ويص ّفق�ون كف� ًا ّ‬‫بكف ‪ -‬فقد ضاع�ت الربكة و َق َّل�ت األمطار‬

‫وكثر اجلدب واملحل»‪ .‬والس�بب يف ذلك يع�ود إىل ابتعاد الناس‬

‫عن منهج اهلل الذي يعلم ما يصلح العباد‪.‬‬

‫وحين نتأمل آية اإلنفاق كوس�يلة من الوس�ائل التي جتلب‬

‫الربك�ة ونتمعن كل كلمة يف داللتها عىل عمق املعنى الذي تؤديه‬ ‫ البخاري ‪.1109‬‬ ‫ سورة آل عمران اآلية ‪.144‬‬ ‫ سورة إبراهيم اآلية ‪.7‬‬

‫‪99‬‬


‫والدالل�ة الت�ي توحي هبا فإنن�ا نفهم معنى الربكة وكأهنا مش�هد‬ ‫يتح�رك أمامن�ا وصورة نتلم�س إحياءها على أرض الواقع‪ ،‬قال‬

‫تعاىل‪ ﴿ :‬ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ‬ ‫ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ‬

‫ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﴾)‪.(1‬‬ ‫فم�ن الطبيع�ي أن تنبت احلبة الواحدة س�نبلة واحدة ولكن‬

‫الربك�ة يف اإلنفاق جعلتها س�بع س�نابل‪ ،‬وم�ن الطبيعي أيضا أن‬

‫تكون يف السنبلة عرشون حبة أو أكثر بقليل ولكن الربكة جعلتها‬ ‫مائة‪ .‬ومل تكتف اآلية بتلك الزيادة ولكن القرآن جعلها تتضاعف‬

‫أضعاف�ا كثرية‪ ،‬ومع كل هذا تبقى الزيادة قليلة ما دامت معدودة‬ ‫باملائة ومضاعفاهتا‪ ،‬فقد قال علامء اللغة‪ :‬أن كل معدود قليل مهام‬

‫كث�ر ألن له حدودا‪ ،‬من أجل ذلك مل يكتف القرآن بذلك وصور‬

‫الربك�ة لإلنف�اق أهنا ال حدود هل�ا فهي زيادة مطلق�ة غري مقيدة‪،‬‬ ‫ولذلك ختمت اآلية بقوله‪ :‬واهلل واسع عليم‪ ،‬فتلك زيادة ليست‬

‫ سورة البقرة اآلية ‪.261‬‬

‫‪100‬‬


‫هل�ا مق�دار معني ألن الباب الذي خترج منه باب واس�ع ال يعرف‬ ‫م�داه إال اهلل وهو ب�اب ال يغلق وليس له حدود‪ ،‬وهذا الباب هو‬ ‫الذي يمثل الربكة يف حساب اهلل عز وجل‪.‬‬ ‫فإذا أردنا أن نفهم ألغاز احلياة بمفهوم القرآن ووحي النبوة‪،‬‬ ‫وأرق�ام األي�ام بمقاييس إسلامية‪ ،‬فلنعش م�ع حبيبنا ﷺ‪ ،‬وهو‬ ‫يعلمنا بركة املال‪ ،‬فعندما ينفق املسلم ماله عىل الفقراء‪ ،‬يبارك اهلل‬ ‫تعاىل يف رزقه‪ ،‬فاملنفق يدعو له امللك كل يوم بخالف املمسك‪.‬‬ ‫ويف ذلك يقول رس�ول اهلل ﷺ‪« :‬ما من يوم يصبح العباد فيه‬

‫إال مل�كان ينزالن فيقول أحدمها ‪:‬اللهم أعط منفق ًا خلف ًا‪ ،‬ويقول‬

‫اآلخر‪ :‬اللهم أعط ممسك ًا تلف ًا»)‪.(1‬‬

‫كما أن صاحب الصدقة يبارك له يف ماله كام أخرب النبي ﷺ‬ ‫عن ذلك بقوله‪« :‬ما نقصت صدقة من مال»)‪.(2‬‬ ‫ البخاري ‪ ،1374‬مسلم ‪.1010‬‬ ‫ املوطأ ‪ ،1000/2‬مسلم ‪.2588‬‬

‫‪101‬‬


‫وأن�ه ال يبقى لصاحب املال من مال�ه إال ما تصدق به كام يف‬

‫قوله تعاىل‪﴿ :‬ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ﴾)‪.(1‬‬

‫وملا س�أل النب�ي ﷺ عائش�ة ريض اهلل عنها عن الش�اة التي‬

‫ذبحوه�ا ما بق�ى منها‪ :‬قالت‪ :‬ما بقى منه�ا إال كتفها‪ .‬قال‪« :‬بقي‬

‫كلها غري كتفها»)‪.(2‬‬

‫ويف احلديث القديس قال اهلل تبارك وتعاىل‪« :‬يا ابن آدم أنفق‪،‬‬

‫ُأنفق عليك»)‪.(3‬‬

‫وكام أن اإلنفاق جيلب الربكة يف سعة الرزق فإن صلة الرحم‬

‫كذل�ك‪ ،‬برك�ة يف العمر وس�عة يف الرزق ق�ال ﷺ‪« :‬من رسه أن‬

‫يبسط له يف رزقه و ينسأ له يف أثره فليصل رمحه»)‪.(4‬‬

‫ويف رواي�ة‪« :‬صنائع املعروف تقي مصارع الس�وء والصدقة‬

‫خفي� ًا تطفىء غض�ب الرب وصل�ة الرحم زي�ادة يف العمر وكل‬ ‫ّ‬ ‫ سورة البقرة اآلية ‪.272‬‬ ‫ الرتم�ذي ‪ ،644/4‬اب�ن أيب ش�يبة ‪ ،352/2‬الرتغي�ب والرتهي�ب‬ ‫للمنذري ‪.5/2‬‬ ‫ البخاري ‪ ،5037‬مسلم ‪.993‬‬ ‫ البخاري ‪ ،1961‬مسلم ‪.2557‬‬

‫‪102‬‬


‫مع�روف صدقة وأهل املعروف يف الدنيا أهل املعروف يف اآلخرة‬ ‫وأه�ل املنكر يف الدنيا أهل املنكر يف اآلخرة وأول من يدخل اجلنة‬

‫أهل املعروف»)‪.(1‬‬

‫ويف رواية أخرى‪« :‬صلة الرحم وحسن اخللق وحسن اجلوار‬

‫يعمران الديار ويزيدان يف األعامر»)‪.(2‬‬

‫يق�ول الن�ووي‪« :‬ينس�أ أي يؤخ�ر‪ ،‬واألثر األج�ل ألنه تابع‬

‫للحياة يف أثرها‪ ،‬وبس�ط الرزق توسيعه وكثرته وقيل الربكة فيه‪،‬‬

‫هذه الزيادة بالربكة يف عمره والتوفيق للطاعات وعامرة أوقاته بام‬ ‫ينفعه يف اآلخرة وصيانتها عن الضياع يف غري ذلك»)‪.(3‬‬

‫ويف فت�ح الب�اري‪« :‬وحاصل�ه أن صل�ة الرحم تكون س�ببا‬

‫للتوفي�ق للطاعة والصيانة عن املعصية فيبقى بعده الذكر اجلميل‬

‫فكأنه مل يمت ومن مجلة ما حيصل له من التوفيق العلم الذي ينتفع‬ ‫به من بعده والصدقة اجلارية عليه واخللف الصالح» ‪.‬‬

‫ املعجم األوسط ‪ 163/6‬والكبري ‪.261/8‬‬ ‫ أمحد ‪.159/6‬‬ ‫ رشح مسلم ‪.114/16‬‬ ‫ فتح الباري ‪.416/10‬‬

‫‪103‬‬


‫واإلنفاق املعتدل والتواصل مع األقارب واألرحام استهالك‬

‫معتدل رش�يد يؤدي إىل الزيادة يف الرزق والربكة يف العمر ال إىل‬ ‫نقصانه أو هالكه‪ ،‬وهذا ما يدلل عىل فاعلية االس�تهالك الرشيد‬ ‫يف تنمي�ة امل�ال وطرح الربكة فيه وذلك فيام خيلف�ه من آثار إجيابية‬

‫حممودة‪ ،‬وتلك طبيعة سنة اهلل عز وجل يف كل عمل رشيد‪.‬‬ ‫بركة الطعام‪:‬‬

‫ومل�ا كان االس�تهالك املنضب�ط طاعة جتلب اخلير وتزيد يف‬

‫رزق املس�لم‪ ،‬حمل لالس�تهالك تظه�ر فيه آثاره املب�ارشة ولذلك‬ ‫علمنا اإلسلام آداب الطعام وكيفية التعامل مع القصعة‪ ،‬لتحل‬ ‫الربكة وينمو زاد املسلم ويعم اخلري‪.‬‬

‫فالتس�مية أول اآلداب وق�د علمها رس�ول اهلل ﷺ أصحابه‬

‫وأدهب�م هب�ذا األدب الرفيع فع�ن عمر بن أيب س�لمى قال ‪:‬كنت‬

‫غالم�ا يف حجر رس�ول اهلل ﷺ وكانت يدي تطيش يف الصحفة‪،‬‬

‫فق�ال يل رس�ول اهلل ﷺ‪« :‬يا غالم س�م اهلل وكل بيمينك وكل مما‬

‫يليك»‪ .‬فام زالت تلك طعمتي بعد ‪.‬‬ ‫ البخاري ‪ ،5061‬مسلم ‪.2022‬‬

‫‪104‬‬


‫عن عائش�ة ريض اهلل عنها قالت‪ :‬كان رس�ول اهلل ﷺ يأكل‬

‫يب‪ ،‬فأكله بلقمتني‪ ،‬فقال رسول اهلل‬ ‫طعام ًا يف ّ‬ ‫س�تة نفر‪ ،‬فجاء أعرا ّ‬ ‫سمى لكفاكم فإذا أكل أحدكم طعاما فليذكر‬ ‫ﷺ‪« :‬أ ّما أ ّنه لو كان ّ‬

‫اسم اهلل عليه فإن نيس يف أوله فليقل باسم اهلل أوله وآخره» ‪.‬‬ ‫واالجتامع عىل الطعام مودة وألفة وبركة‪:‬‬

‫ق�ال أصحاب رس�ول اهلل ﷺ‪ :‬يا رس�ول اهلل‪ ،‬إنّ�ا نأكل وال‬ ‫نش�بع؟ قال‪« :‬فلعلكم تفرتقون» قالوا نعم‪ .‬قال‪« :‬فاجتمعوا عىل‬ ‫طعامكم‪ ،‬واذكروا اسم اهلل عليه‪ ،‬يبارك لكم فيه» ‪.‬‬ ‫يق�ول النووي‪« :‬وامل�راد بربكة الطع�ام واهلل أعلم ما حيصل‬ ‫ب�ه التغذي�ة وتس�لم عاقبتة م�ن أذى ويقوي عىل طاع�ة اهلل تعاىل‬ ‫وغري ذلك» ‪.‬‬ ‫ أمحد ‪ ،143/6‬ابن حبان ‪ ،13/12‬ابن ماجة ‪.1086/2‬‬ ‫ أب�و داود ‪ ،373/2‬املعج�م الكبير ‪ ،139/22‬البيهق�ي الكبرى‬ ‫‪.258/5‬‬ ‫ رشح مسلم ‪.206/13‬‬

‫‪105‬‬


‫وأم�ا األكل من جانب القصعة فأدب إسلامي رفيع يراعي‬

‫ال�ذوق اإلنس�اين وحيق�ق نمط�ا راقي�ا من أنماط االس�تهالك يف‬

‫املحافظة عىل الطعام واإلحساس باآلخرين يف الفاضل منه‪:‬‬

‫ع�ن ابن عب�اس ريض اهلل عنهام عن النب�ي ﷺ قال‪« :‬الربكة‬

‫تنزل وسط الطعام فكلوا من حافتيه وال تأكلوا من وسطه» ‪.‬‬

‫وم�ن اآلداب أيض�ا لع�ق األصاب�ع والصحفة ف�إن فيه من‬

‫االقتص�اد م�ا يدلل على عدم التفري�ط بيشء‪ ،‬بحي�ث ال تزدري‬

‫نعمة اهلل عز وجل وإن كانت قليلة يف أطراف األصابع أو بقايا يف‬

‫الصحف�ة‪ ،‬وكذلك إزالة األذى عن اللقم�ة إن وقعت‪ ،‬فإنه إن مل‬ ‫يستفد منها اإلنسان فإهنا غذاء للحيوان ينتفع منها ويستهلكها‪.‬‬

‫عن جابر ريض اهلل عنه أن رسول اهلل ﷺ قال‪« :‬إن الشيطان‬

‫حيرض أحدكم عند كل يشء من ش�أنه‪ ،‬حتى حيرضه عند طعامه‪،‬‬

‫فإذا س�قطت من أحدكم اللقمة فليأخذه�ا فليمط ما كان هبا من‬

‫أذى‪ ،‬ثم ليأكلها‪ ،‬وال يدعها للش�يطان‪ ،‬فإذا فرغ فليلعق أصابعه‪،‬‬

‫فإنه ال يدري يف أي طعامه تكون الربكة» ‪.‬‬

‫ أمح�د ‪ ،364/1‬الرتم�ذي ‪ ،260/4‬اب�ن حب�ان ‪ ،50/12‬ابن ماجة‬ ‫‪.375/2‬‬ ‫ مسلم ‪ ،2033‬عبد الرزاق ‪ ،274/2‬ابن أيب شيبة ‪.399/1‬‬

‫‪106‬‬


‫يق�ول الن�ووي‪« :‬معن�اه واهلل أعلم أن الطع�ام الذى حيرضه‬

‫اإلنس�ان فيه برك�ة واليدري أن تلك الربكة فيما أكله أو فيام بقي‬ ‫عىل أصابعه أو ىف ما بقي ىف أس�فل القصعة أو يف اللقمة الساقطة‬

‫فينبغ�ى أن حيافظ على هذا كل�ه لتحصل الربك�ة‪ ،‬وأصل الربكة‬ ‫الزيادة وثبوت اخلير واإلمتاع به واملراد هنا واهلل أعلم ما حيصل‬

‫ب�ه التغذي�ة وتس�لم عاقبته م�ن أذى ويقوى عىل طاع�ة اهلل تعاىل‬ ‫وغري ذلك» ‪.‬‬

‫وهن�اك بعض األطعمة مباركة كام ذكرت يف هدي املصطفى‬

‫ﷺ‪ ،‬كامء زمزم خري ماء عىل وجه األرض قال ﷺ‪« :‬إهنا مباركة‪،‬‬

‫إهنا طعام ُطعم وشفاء سقم» ‪.‬‬

‫وزيت الزيتون وشجرة الزيتون قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﯝ ﯞ ﯟ‬

‫ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ‬ ‫ﯫ ﯬ﴾ ‪.‬‬ ‫ رشح مسلم ‪.206 /13‬‬ ‫ أمح�د ‪ ،174/5‬اب�ن حب�ان ‪ ،77/16‬املعج�م الكبير ‪ ،153/2‬عبد‬ ‫الرزاق ‪ ،115/5‬البيهقي الكربى ‪.147/5‬‬ ‫ سورة النور اآلية ‪.35‬‬

‫‪107‬‬


‫وكذل�ك متر النخلة‪ ،‬قال ﷺ‪« :‬إن من الش�جر بركته كربكة‬ ‫املسلم» واملراد هبا النخلة‪.‬‬ ‫ع�ن جابر بن عب�د اهلل ريض اهلل عنهام‪« :‬أن أباه قتل يوم أحد‬ ‫ش�هيدا وعليه دين فاش�تد الغرماء يف حقوقه�م فأتيت النبي ﷺ‬ ‫فس�أهلم أن يقبلوا متر حائطي وحيلل�وا أيب فأبوا فلم يعطهم النبي‬ ‫ﷺ حائط�ي وق�ال‪« :‬س�نغدو عليك»‪ .‬فغ�دا علينا حين أصبح‬ ‫فطاف يف النخل ودعا يف ثمرها بالربكة فجددهتا فقضيتهم وبقي‬ ‫لنا من مترها» ‪.‬‬ ‫وقال جابر‪« :‬اش�تد الغرماء يف حقوقهم يف دين أيب فس�أهلم‬ ‫النب�ي ﷺ أن يقبل�وا ثم�ر حائط�ي فأب�وا فلم يعطه�م احلائط ومل‬ ‫يكسره هلم قال‪« :‬س�أغدو عليك غدا»‪ .‬فغ�دا علينا حني أصبح‬ ‫فدعا يف ثمرها بالربكة فقضيتهم» ‪.‬‬ ‫ البخاري ‪.5129‬‬ ‫ البخاري ‪.2461 ،2265‬‬ ‫ البخاري ‪.846/2‬‬

‫‪108‬‬


‫وقال ﷺ‪« :‬إذا أفطر أحدكم فليفطر عىل متر‪،‬فإنه بركة» ‪.‬‬ ‫كما جع�ل اهلل يف طع�ام الس�حور برك�ة؛ «تس�حروا ف�إن يف‬ ‫السحور بركة» ‪.‬‬ ‫ق�ال ويف اخلي�ل برك�ة‪ ،‬ق�ال رس�ول اهلل ﷺ‪« :‬الربك�ة يف‬ ‫نوايص اخليل» ‪.‬‬ ‫وأخريا فالربكة سعة يف الطعام القليل‪ ،‬وزيادة يف املاء الزالل‪،‬‬ ‫وصحة يف أجساد الرجال‪ ،‬وحمبة يف قلوب الناس‪ ،‬وبيوت حيفها‬ ‫االس�تقرار واألمان‪ ،‬وذرية بررة مصلحون‪ ،‬وأيام غانمة باحلكم‬ ‫والدروس‪ ،‬فلا تقاس كثرة النعم وفيض األيام وقوة األجس�ام‬ ‫بمقايي�س البشر الق�ارصة‪ ،‬ألن الربك�ة هبة إهلية اخت�ص اهلل هبا‬ ‫بعض خلقه‪.‬‬ ‫ أمح�د‪ ،‬الرتمذي ‪ ،46/3‬ابن حب�ان ‪ ،281/8‬املعجم الكبري للطرباين‬ ‫‪.272/6‬‬ ‫ البخاري ‪ ،1823‬مسلم ‪.1095‬‬ ‫ البخاري ‪ ،2696‬مسلم ‪.1871‬‬

‫‪109‬‬


‫والربك�ة ال تلم�س باألي�ادي‪ ،‬وال ُت�وزن باملوازي�ن‪ ،‬وال‬

‫تق�اس باملقاييس‪ ،‬وال يراها اإلنس�ان بعينه‪ ،‬وال يتنس�مها بأنفه‪.‬‬

‫وكلما كانت أعاملن�ا حتفها التوبة واالس�تغفار والتقوى والتوكل‬

‫على اهلل تع�اىل‪ ،‬كان�ت األي�ام املنتظ�رة روض�ة خضراء تتلأأل‬ ‫باخلريات والربكات‪.‬‬

‫***‬

‫‪110‬‬


‫اخلامتة‬ ‫من خالل ما تقدم نخلص إىل اآليت‪:‬‬ ‫‪ -1‬االس�تهالك ه�و التمت�ع بالطيبات وهو اهل�دف النهائي‬

‫للعملي�ة االقتصادية وهو حيتل أمهية كبرية يف النظرية االقتصادية‬

‫لكونه يمثل ش�ك ً‬ ‫ال من أش�كال الطلب الكيل‪ ،‬وإن الطلب الكيل‬ ‫هو املحدد حلجم االستخدام واإلنتاج ‪.‬‬

‫والطل�ب االس�تهالكي هو دال�ة حلجم الدخ�ل‪ ،‬ويعد أهم‬

‫املس�امهات النظري�ة التي جاء هب�ا كينز يف الثالثيني�ات من القرن‬

‫امل�ايض‪ ،‬وألمهيت�ه يف دف�ع الفعالي�ة االقتصادية نج�د كينز يؤكد‬

‫إع�ادة التوزي�ع لصال�ح الطبق�ات الفقيرة ليزداد الطل�ب الكيل‬ ‫ويرتفع مستوى النشاط االقتصادي‪.‬‬

‫‪ -2‬إن االس�تهالك يف االقتصاد اإلسلامي حمكوم بضوابط‬

‫معين�ة كتحري�م اإلرساف‪ ،‬وه�و اس�تعامل الشيء ف�وق احلاجة‬

‫املرشوعة وحتريم التبذير‪ ،‬الذي هو جتاوز احلد املعقول يف اإلنفاق‬

‫واجلهل بمواقع احلقوق ‪.‬‬

‫ أدب الدنيا والدين للاموردي ‪. 276‬‬

‫‪111‬‬


‫‪ -4‬إن مس�توى االس�تهالك يف االقتص�اد اإلسلامي يتميز‬

‫بالوس�طية التي متيز طبيعة هذا الدين عموم ًا‪ ،‬األمر الذي يؤدي‬ ‫إىل مستوى من االستهالك املتوازن مع مستوى الدخل والتوزيع‬

‫لعموم أفراد املجتمع‪ ،‬مما يعكس آثاره اإلجيابية عىل قوة العمل يف‬ ‫حتقيق احلاجات األساس�ية التي يتألف منها حد الكفاية يف ضوء‬

‫ما يقره االقتصاد اإلسلامي حتى تتوفر فرص املسامهة اإلجيابية‬ ‫يف زيادة اإلنتاج واإلنتاجية ‪.‬‬

‫‪ -5‬تت�م معاجل�ة االس�تهالك الرتيف كما أك�د االقتصاديون‬

‫واالجتامعيون عن طريق‪:‬‬

‫‪ -1‬زي�ادة الوع�ي االقتص�ادي‪ :‬حي�ث يتض�ح لألف�راد‬

‫اآلث�ار الس�يئة لالس�تهالك التريف‪ ،‬لي�س ع�ن طري�ق توضي�ح‬

‫مضار وس�لبيات االس�تهالك الرتيف وحس�ب‪ ..‬وإنام عن طريق‬

‫بي�ان حس�نات اس�تثامر الث�روات أيض�ا‪ ،‬بما يرج�ع باخلير عىل‬ ‫الفرد واملجتمع‪.‬‬

‫‪ -2‬التخلص من القيم االستهالكية السلبية‪ ،‬وهتذيب إشباع‬

‫احلاجات والرغبات‪.‬‬

‫‪112‬‬


‫‪ -3‬تش�جيع األف�راد على االدخ�ار وفت�ح قن�وات فعال�ة‬ ‫الستثامر مدخراهتم‪.‬‬ ‫‪ -4‬تقديم الكميات املطلوبة واالهتامم باجلودة والنوعية‪.‬‬ ‫‪ -5‬اس�تحضار العام�ل الدين�ي‪ ،‬ال�ذي يؤكد على رضورة‬ ‫ترشيد االستهالك‪ ،‬وينبذ اإلرساف والرتف بكل أشكاله‪.‬‬ ‫‪ -6‬توجيه جزء من الثروة إىل عملية اإلنتاج‪ ،‬بام خيدم حارض‬ ‫اإلنسان ومستقبله‪.‬‬ ‫وللتعام�ل مع أطفالنا علينا أن نعرتف أن زمن الطفرة انتهى‬ ‫وزماهن�م خمتلف عن زمننا‪ ،‬وقد قي�ل‪« :‬ال تكرهوا أوالدكم عىل‬ ‫آثاركم‪ ،‬فإهنم خملوقون لزمان غري زمانكم» ‪.‬‬ ‫وال يمكنن�ا إمهال ظاهرة االس�تهالك الرتيف لدى األطفال‪،‬‬ ‫فهم جيل املستقبل‪ ،‬ومن اجلناية عليهم أال نعلمهم معنى الرتشيد‬ ‫االستهالكي‪.‬‬ ‫ امللل والنحل للشهرستاين ‪ ،82/2‬إغاثة اللهفان ‪.265/2‬‬

‫‪113‬‬


‫إن نم�ط الس�لوك االس�تهالكي يتأص�ل ل�دى الطف�ل منذ‬

‫الصغر‪ ،‬وعملية التنش�ئة االس�تهالكية هي عملية مستمرة يتعلم‬

‫الطفل من خالهلا املعارف واملهارات واالجتاهات التي تتناس�ب‬ ‫مع حصوله عىل املنتجات‪.‬‬

‫ومما الش�ك فيه أن دور األرسة مهم فالطفل يتعلم الس�لوك‬

‫االس�تهالكي داخ�ل أروقتها قب�ل أن خيرج إىل الع�امل اخلارجي‪.‬‬ ‫وتس�تطيع األرسة الواعي�ة أن ت�درب الطف�ل على التعام�ل مع‬

‫املواق�ف االس�تهالكية كعملي�ة الشراء ومفه�وم امليزاني�ة ً‬ ‫مثلا‬

‫لك�ن ذلك حيدث ن�ادر ًا لدى أرسنا فقد طالت محى االس�تهالك‬ ‫التريف أصح�اب الدخ�ل املح�دود يف جم�اراة النم�ط الع�ام‪.‬‬

‫وهن�اك ع�دد م�ن العوام�ل يشير اخلبراء إىل تأثريه�ا يف عملية‬

‫اكتساب الطفل مهارات االستهالك وهي‪:‬‬

‫‪ -1‬التقليد واملحاكاة وأمهية وجود القدوة السليمة وبخاصة‬

‫«سلوك األم االستهالكي» يف فرتة الطفولة إذ يساعد ‪ ‬عىل رسعة‬

‫التعل�م وغ�رس الع�ادات والقي�م واالجتاه�ات الصحيحة نحو‬ ‫االستهالك والرتكيز عىل املفاهيم اخلاصة برتشيده‪.‬‬ ‫‪114‬‬


‫‪ -2‬مستوى الدخل النقدي‪.‬‬ ‫‪ -3‬وسائل اإلعالم وفنون الدعاية واإلعالم‪.‬‬ ‫‪ -4‬تعلي�م األم للطف�ل‪ ،‬وتفاعل األمهات م�ع األطفال يف‬ ‫أثناء اختاذ القرارات االستهالكية‪.‬‬ ‫‪ -5‬عامل الدين‪.‬‬ ‫‪ -6‬املوقع اجلغرايف والبيئة االجتامعية‪.‬‬ ‫‪ -7‬العوامل النفسية‪.‬‬ ‫‪ -8‬العوام�ل االقتصادي�ة‪ ..‬إن الطبق�ة االجتامعي�ة تلع�ب‬

‫دور ًا أكرب من مجيع العوامل يف حتديد نمط اإلنفاق االس�تهالكي‬ ‫والتعامل بالنقود‪.‬‬ ‫‪ -9‬تدريب األرسة للطفل للمش�اركة يف عمليات االختيار‬ ‫والشراء‪ ،‬مع تعويد الطفل عىل االقتصاد والتوفري وتقليل الفاقد‬ ‫يف كل نواحي احلياة االستهالكية‪.‬‬ ‫‪115‬‬


‫والس�ؤال هل تعرف األرسة املسلمة دورها ومسؤوليتها يف‬

‫تنمية شخصية املستهلك الصغري الذي سيغدو يوم ًا كبري ًا؟ عسى‬

‫أن تك�ون مهمته�ا يف التنش�ئة أكرب من االس�تهالك غير املعتدل‬

‫ولتسعى للبلوغ به إىل مراتب الرقي املنشودة‪.‬‬ ‫***‬

‫‪116‬‬


‫املصادر‬ ‫‪ -‬إحي�اء عل�وم الدي�ن لإلمام أيب حام�د حممد بن حمم�د الغزايل‬

‫‪505‬هـ دار املعرفة ‪ -‬بريوت ‪ -‬لبنان‪.‬‬

‫‪ -‬أعلام االقتص�اد اإلسلامي للدكت�ور ش�وقي دني�ا ‪ -‬مكتبة‬

‫اخلرجيي ـ الرياض‪.‬‬

‫‪ -‬االس�تهالك وضوابط�ه يف االقتص�اد اإلسلامي للدكت�ور‬

‫عبدالس�تار إبراهي�م رحي�م اهليتي (رس�الة دكت�وراه مقدم�ة إىل كلية‬

‫العلوم اإلسالمية ‪ -‬جامعة بغداد ‪1414‬هـ ‪1994 -‬م)‪.‬‬

‫‪ -‬األسعار وختصيص املوارد يف اإلسالم الدكتور عبد اجلبار محد‬

‫عبيد الس�بهاين‪ -‬دار البحوث والدراس�ات اإلسلامية ديب ‪ -‬الطبعة‬ ‫األوىل ‪1426‬هـ ‪2005-‬م‪.‬‬

‫‪ -‬اإلسلام وخط�ط الت�وازن االقتص�ادي بني أف�راد املجتمع ‪-‬‬

‫حممد ش�وقي الفنجري (بحث منش�ور يف جملة منرب اإلسلام عدد ‪،2‬‬ ‫‪1393‬هـ)‪.‬‬

‫‪ -‬اإلسلام وعدالة التوزيع ‪ -‬حممد ش�وقي الفنجري ‪( -‬بحث‬

‫منش�ور يف ندوة االقتصاد اإلسلامي) ‪ -‬معهد البحوث والدراسات‬ ‫العربية ‪ -‬بغداد ‪1403‬هـ ‪1983 -‬م‪.‬‬ ‫‪117‬‬


‫‪ -‬االقتصاد اإلسالمي ‪ -‬دراسة حتليلية للدكتور حممد منذر قحف‬

‫‪ -‬دار القلم ‪ -‬الطبعة األوىل ‪ -‬الكويت ‪1399‬هـ ‪1979 -‬م‪.‬‬

‫‪ -‬االكتس�اب يف الرزق املس�تطاب ‪ -‬حممد بن احلس�ن الش�يباين‬

‫‪ -‬مطبعة األنوار ‪ -‬الطبعة األوىل ‪1357‬هـ ‪1938 -‬م‪.‬‬

‫‪ -‬الربه�ان يف أصول الفقه إلمام احلرمين اجلويني ‪ -‬دار الوفاء‬

‫‪ -‬الطبعة الثالثة ‪1412‬هـ ‪1992‬م املنصورة ‪ -‬مرص‪.‬‬

‫‪ -‬اجلام�ع الصغري لإلمام جالل الدين عبد الرمحن الس�يوطي ‪-‬‬

‫دار الكتب العلمية ‪ -‬الطبعة الرابعة‪.‬‬

‫‪ -‬اجلامع ألح�كام القرآن أليب عبد اهلل حممد بن أمحد األنصاري‬

‫القرطبي ‪ -‬دار الفكر ‪ -‬الطبعة الثانية ‪1372‬هـ ‪1952 -‬م‪.‬‬

‫‪ -‬الس�وق اإلسلامية املشتركة للدكت�ور حممود حمم�د بابليل ‪-‬‬

‫الطبعة األوىل ‪1975‬م ‪ -‬دار الكتاب اللبناين ‪ -‬بريوت‪.‬‬

‫‪ -‬الغياثي غياث األمم يف التياث الظلم إلمام احلرمني أيب املعايل‬

‫عب�د امللك بن عب�د اهلل اجلويني‪ ،‬حتقيق‪ :‬الدكت�ور عبد العظيم الديب‬ ‫‪ -‬الطبعة األوىل ‪ -‬قطر ‪1400‬هـ ‪.‬‬

‫‪ -‬املال واحلكم يف اإلسلام ‪ -‬عبد الق�ادر عودة ‪ -‬الطبعة الثانية‬

‫‪1383‬هـ ‪1964 -‬م دار النذير ‪ -‬بغداد‪.‬‬ ‫‪118‬‬


‫‪ -‬املبس�وط لش�مس الدي�ن الرسخسي ‪ -‬دار املعرف�ة للطباع�ة‬

‫والنرش‪ -‬الطبعة الثالثة ‪ -‬بريوت لبنان‪.‬‬

‫‪ -‬املستدرك عىل الصحيحني للحاكم حممد بن عبداهلل أيب عبداهلل‬

‫النيسابوري ‪ -‬دار الكتب العلمية ‪ -‬بريوت الطبعة ‪ -‬األوىل ‪1411‬هـ‬ ‫‪1990 -‬م‪.‬‬

‫‪ -‬املستصفى لإلمام أيب حامد الغزايل ‪ -‬املطبعة األمريية ‪ -‬الطبعة‬

‫األوىل بوالق ‪ -‬مرص ‪1322‬هـ ‪.‬‬

‫‪ -‬املغني يف فقه اإلمام أمحد بن حنبل لإلمام موفق الدين أيب حممد‬

‫عبد اهلل بن أمحد بن قدامة املتوىف س�نة ‪344‬هـ ‪ -‬دار الفكر ‪ -‬الطبعة‬

‫األوىل ‪1404‬هـ ‪1984 -‬م‪.‬‬

‫‪ -‬املوافقات يف أصول الرشيعة أليب إس�حاق الش�اطبي إبراهيم‬

‫بن موس�ى اللخمي الغرناطي املالكي املتوىف سنة ‪790‬هـ دار املعرفة‬

‫‪ -‬بريوت ‪ -‬لبنان‪.‬‬

‫‪ -‬النظ�ام االقتصادي اإلسلامي حممد عبد املنع�م عبد القادر ‪-‬‬

‫دار املجمع العلمي ‪ -‬جدة ‪1399‬هـ ‪1979 -‬م ص‪.157‬‬

‫‪ -‬بدائع الصنائع يف ترتيب الرشائع لإلمام عالء الدين أيب بكر بن‬

‫مسعود الكاس�اين احلنفي امللقب بملك العلامء املتوىف سنة ‪587‬هـ ‪-‬‬ ‫دار الكتب العلمية ‪ -‬الطبعة الثانية ‪ -‬بريوت ‪1406‬هـ ‪1986 -‬م‪.‬‬ ‫‪119‬‬


‫‪ -‬تاري�خ األم�م وامللوك حممد ب�ن جرير الطبري ‪ -‬دار الكتب‬

‫العلمية ‪ -‬بريوت ‪ -‬الطبعة األوىل ‪1407‬هـ‪.‬‬

‫‪ -‬جام�ع البي�ان ع�ن تأوي�ل الق�رآن أليب جعفر حممد ب�ن جرير‬

‫الطربي املتوىف سنة ‪310‬هـ ‪ -‬دار الفكر ‪1408‬هـ ‪1988 -‬م‪.‬‬

‫‪ -‬مجه�رة خطب العرب يف العص�ور العربية الزاه�رة أمحد زكي‬

‫صفوت ‪ -‬املكتبة العلمية ‪ -‬بريوت‪.‬‬

‫‪ -‬س�نن اب�ن ماجه ‪ -‬حممد بن يزي�د أبو عب�داهلل القزويني ‪ -‬دار‬

‫الفكر ‪ -‬بريوت‪.‬‬

‫‪ -‬س�نن أيب داود ‪ -‬س�ليامن بن األش�عث أبو داود السجس�تاين‬

‫األزدي ‪ -‬دار الفكر‪.‬‬

‫‪ -‬سنن البيهقي الكربى ‪ -‬أمحد بن احلسني بن عيل بن موسى أبو‬

‫بكر البيهقي ‪ -‬مكتبة دار الباز ‪ -‬مكة املكرمة‪1414 ،‬هـ ‪1994 -‬م‪.‬‬

‫‪ -‬س�نن الرتمذي‪ :‬اجلامع الصحيح ‪ -‬حممد بن عيسى أبو عيسى‬

‫الرتمذي السلمي ‪ -‬دار إحياء الرتاث العريب ‪ -‬بريوت‪.‬‬

‫‪ -‬س�نن الدارقطن�ي لعلي بن عم�ر الدارقطني ‪ -‬دار املحاس�ن‬

‫للطباعة ‪ -‬القاهرة‪.‬‬

‫‪120‬‬


‫‪ -‬س�نن النس�ائي الكبرى ‪ -‬أمح�د بن ش�عيب أبو عب�د الرمحن‬

‫النس�ائي ‪ -‬دار الكت�ب العلمي�ة ‪ -‬بريوت الطبع�ة األوىل‪1411 ،‬هـ‬ ‫‪1991 -‬م‪.‬‬

‫‪ -‬شعب اإليامن ‪ -‬أبو بكر أمحد بن احلسني البيهقي ‪ -‬دار الكتب‬

‫العلمية ‪ -‬بريوت ‪ -‬الطبعة األوىل‪1410 ،‬هـ‪.‬‬

‫‪ -‬صحي�ح ابن حبان برتتيب ابن بلبان ‪ -‬حممد بن حبان بن أمحد‬

‫أب�و حاتم التميمي البس�تي ‪ -‬مؤسس�ة الرس�الة ‪ -‬بيروت ‪ -‬الطبعة‬ ‫الثانية‪1414 ،‬هـ ‪1993 -‬م‪.‬‬

‫‪ -‬صحي�ح اب�ن خزيم�ة حممد بن إس�حاق ب�ن خزيم�ة أيب بكر‬

‫الس�لمي النيس�ابوري ‪ -‬املكتب اإلسلامي ‪ -‬بيروت‪1390 ،‬هـ ‪-‬‬

‫‪1997‬م‪.‬‬

‫‪ -‬صحي�ح البخ�اري‪ :‬اجلام�ع الصحي�ح املختصر ‪ -‬حمم�د بن‬

‫إسامعيل أبو عبداهلل البخاري اجلعفي ‪ -‬دار ابن كثري‪ ،‬الياممة ‪ -‬بريوت‬

‫الطبعة الثالثة‪1407 ،‬هـ ‪1987 -‬م‪.‬‬

‫‪ -‬صحيح مسلم بن احلجاج أيب احلسني القشريي النيسابوري ‪-‬‬

‫دار إحياء الرتاث العريب ‪ -‬بريوت ‪ -‬حتقيق‪ :‬حممد فؤاد عبد الباقي‪.‬‬ ‫‪121‬‬


‫‪ -‬في�ض القدي�ر رشح اجلامع الصغير ‪ -‬عبد ال�رؤوف املناوي‬

‫املكتبة التجارية الكربى ‪ -‬الطبعة األوىل ‪1356‬هـ مرص‪.‬‬

‫‪ -‬قواع�د األح�كام يف مصالح األنام لإلم�ام أيب حممد عز الدين‬

‫عب�د العزي�ز بن عبد السلام الس�لمي ‪ -‬دار اجلي�ل ‪ -‬الطبع�ة الثانية‬ ‫‪1400‬هـ ‪1980 -‬م‪.‬‬

‫‪ -‬لسان العرب أليب الفضل مجال الدين حممد بن مكرم بن منظور‬

‫األفريقي املرصي ‪ -‬دار صادر ودار بريوت ‪1375‬هـ ‪1956 -‬م‪.‬‬

‫‪ -‬مس�ند اإلم�ام أمحد بن حنبل أيب عبد اهلل الش�يباين ‪ -‬مؤسس�ة‬

‫قرطبة ‪ -‬القاهرة‪.‬‬

‫ مقدمة ابن خلدون ‪ -‬دار الكشاف ‪ -‬بريوت ‪.‬‬‫‪ -‬مناقب عمر بن اخلطاب أليب الفرج عيل بن اجلارود النيسابوري‬

‫‪ -‬مطبعة الفجالة اجلديدة ‪ -‬القاهرة ‪1382‬هـ‪.‬‬

‫‪ -‬نظري�ة االس�تخالف يف الفك�ر اإلسلامي وأثره�ا يف بن�اء‬

‫الش�خصية ‪ -‬الدكت�ور عب�د اللطيف مهي�م ‪ 11‬وما بعده�ا ‪ -‬الطبعة‬

‫األوىل ‪1411‬هـ ‪1990 -‬م مطبعة النواعري ‪ -‬العراق ‪ -‬الرمادي‪.‬‬

‫‪ -‬ني�ل األوط�ار رشح منتق�ى األخبار للش�يخ حممد ب�ن عيل بن‬

‫حممد الشوكاين ‪ -‬دار احلديث ‪ -‬القاهرة ‪.‬‬ ‫‪122‬‬


‫فهرس املوضوعات‬ ‫افتتاحية‬

‫مقدمة‬

‫‪.....................................................................................‬‬

‫‪........................................................................................‬‬ ‫‪.........................‬‬

‫‪...............................................................................‬‬

‫‪31‬‬

‫املبحث األول‪ :‬املهمة االستخالفية ودورها يف توجيه‬ ‫‪........................................‬‬

‫‪41‬‬

‫‪...............................................................................‬‬

‫‪53‬‬

‫املبحث الثاين‪ :‬ضوابط االستهالك‬

‫املبحث الثالث‪ :‬سامت املجتمع اإلسالمي وأثرها يف‬ ‫االستهالك‬

‫‪ -1‬ترك األنانية‬

‫‪.............................................................‬‬

‫‪ -2‬االلتـزام بالتعاليم النبوية‬

‫‪......................................‬‬

‫‪ -3‬الفهم العميق ملقاصد الترشيع اإلسالمي‬

‫‪...........‬‬

‫املبحث الرابع‪ :‬االستهالك الرشيد وسيلة جللب الربكة‬

‫اخلامتة‬

‫‪....‬‬

‫‪........................................................................................‬‬

‫املصادر‬

‫‪7‬‬

‫‪17‬‬

‫متهيد‪ :‬ترشيد االستهالك وحاجة األمة إليه‬ ‫االستهالك‬

‫‪5‬‬

‫‪.....................................................................................‬‬

‫فهرس املوضوعات‬

‫‪................................................................‬‬

‫‪123‬‬

‫‪53‬‬ ‫‪56‬‬ ‫‪65‬‬ ‫‪75‬‬

‫‪111‬‬ ‫‪117‬‬ ‫‪123‬‬


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.