رسائــل الحكيــم عــن ملك أورشليـــم نبــى الله - "سليمان الحكيم" بقلم د. طــارق رضــوان

Page 1

‫رسائــل الحكيــم عــن ملك أورشليـــم‬ ‫نبــى الله ‪" -‬سليمان الحكيم"‬ ‫بقلم د‪ .‬طــارق رضــوان‬ ‫يعتبر توفيق الحكيم من رواد الرواية والكتابة المسرحية‬ ‫العربية ومن السماء البارزة في تاريخ الدب العربي الحديث‪.‬‬ ‫وهو من أوائل المؤلفين الذين استلهموا في أعمالهم‬ ‫المسرحية موضوعات مستمدة من التراث المصري عبر‬ ‫عصوره المختلفة ‪ ،‬سواء أكانت فرعونية أو رومانية أو قبطية‬ ‫أو إسلمية‪.‬‬ ‫كتب مسرحية "سليمان الحكيم" وقال عنها‪ " " :‬بنيت هذه‬ ‫القصة علي كتب ثالثاة ‪ :‬القرآن والتوارة وألف ليلة وليلة وقد‬ ‫سرت فيها علي نهجي في " أهل الكهف " و" شهرزاد " و "‬ ‫بجماليون " من حيث استخدام النصوص القديمة والساطير‬ ‫الغابرة استخدما يبرز صورة في نفسي ل أكثر ول أقل "‬ ‫قام المؤلف بعدة تحويرات وتعديلت أساسية علي سيرة النبي‬ ‫سليمان الحكيم وشخصيته نفسها تحقيقا للفكرةالتى قال‬ ‫عنها أنها فكرة فى نفسه وتجسيدا لها ربما كان من أهمها ‪،‬‬ ‫التعامل مع شخصية النبي سليمان تعامل بشريا خالصا ‪ ،‬مجردا‬ ‫إياه عن مقام النبوة وما يتطلبه هذا المقام من توظيف فكره‬ ‫وعواطفه وجهده للرسالة المكلف بها وتسخير حياته وإمكاناته‬ ‫لها ‪ ،‬وجعل المؤلف النبي سليمان مهموما بكيفية التأثاير علي‬ ‫بلقيس التي أحبها حبا جما والبحث بكل الطرق المشروعة‬ ‫وغير المشروعة للستيلء علي قلبها الذي توجهت عواطفه‬ ‫كلية نحو إنسان آخر وهو أسيرها المير"منذر" والذى بدوره‬ ‫كان محبا لوصيفة الملكة بلقيس "شهباء" ولكن الخيرة تخجل‬ ‫من الملكة بلقيس ول تصرح بحبها للمير منذر‬ ‫هنا يصور المؤلف نبى الله سليمان بانسان ل يهتم ال بحبه‬ ‫وشهوته ويبذل كل ما فى وسعه للوصول الى غايته وهذا‬ ‫بالطبع ل يليق بنبى أبن نبى‪ ،‬لكن المؤلف أوضح ذلك من‬ ‫خلل مراسلت ورسائل تتم عبر المسرحية بين سليمان‬ ‫الحكيم وبين بلقيس واصفا نبى الله بأنه سبيانى فى حبه رغم‬ ‫تعدد زوجاته‪ .‬ويستمر المؤلف فى عرضه وهجومه على النبى‬ ‫سليمان فيعرض فى مسرحيته كيف ينتقم سليمان الحكيم من‬ ‫غريمه "منذر" فيحوله الى تمثال ‪ .‬وبهذا يكون وظف سليمان‬ ‫الحكيم نعم الله التى أنعم الله عليه بها والنعم التى لم تكن‬ ‫‪1‬‬


‫لنبى قبله والتى منحه الله اياها لخدمة الدعوة الى الله‪،‬‬ ‫وظفها بغية إشباع هوى ذاتي ورغبة شخصية‪ .‬فيستجيب‬ ‫سليمان لفكرة من أفكار الجني " داهش بن الدمرياط " ! هكذا‬ ‫في رضا واستسلم ‪ ،‬ليقوم الخير بمسخ المير منذر وتحويله‬ ‫إلي تمثال من الحجر ول يصبح ثامة وسيلة أو مخرج لنقاذه‬ ‫سوي سكب ماء العيون‪ .‬بوالفعل حين يستعد المير منذر‬ ‫سيرته الولى يظن أن من سكب عليه الدموع لفك سحره هى‬ ‫شهباء فيتمسك بها ويحبها أكثر حتى بعد ان علم أن من بكت‬ ‫عليه هى بلقيس ل يستطيع أن يفرط فى حبه لشهباء‪ .‬وتسير‬ ‫الحداث فى المسرحية لتبين القضية التي عرضتها المسرحية‬ ‫وهي انتصار سلطة القلب علي قمع القوة‪.‬‬ ‫ونري في المسرحية ‪ ،‬كيف أن الرسائل التي كان يبعثها الملك‬ ‫سليمان من أجل إنفاذ الدعوة وتصريف شئون الحكم والدولة‬ ‫والرسائل التي بعث بها أيضا إلي بلقيس ملكة سبأ – كانت‬ ‫رسائل ذات طبيعة خاصة ومحمولة بطرق غير بشرية و منجزة‬ ‫بسرعة ل تقاس بنسب السرعات البشرية المحدودة‪ .‬والله‬ ‫سبحانه وتعالي قد عضد ملك داوود عليه السلم فقال سبحانه‬ ‫" وشددنا ملكه وأتيناه الحكمة وفصل الخطاب " ] سورة ص‬ ‫الية ‪[ 20‬‬ ‫طموح سليمان عليه السلم في زمن البأس القوة كان طموح‬ ‫نبي عظيم ‪ ،‬طموحا يمل قلب نبي بحب الله وتحقيق دعوته‬ ‫ونشرها في الرض ‪ ،‬إنه لم يكن عاشقا للملك المجرد أو تواقا‬ ‫إلي الكبرياء والعظمة لكنه أراد أسباب القوة والملك ‪ ،‬ليحارب‬ ‫الظلم والقسوة التي انتشرت في الرض وينشر نور التوحيد‬ ‫الذي تكرمت به السماء علي الرض ‪ .‬ولقد استجاب رب العزة‬ ‫لدعوة نبيه وأجزل نعمه عليه خاصة‪ .‬قال تعالي ‪ " :‬وحشر‬ ‫لسليمان جنوده من الجن والنس والطير فهم يوزعون "‬ ‫] النمل – آية ‪17‬‬ ‫وتتلخص رسائل المسرحية فى الرسالة الولى حين نقل‬ ‫الهدهد لسليمان أمر الملكة بلقيس وقومها وهى كافرة ل‬ ‫تعبد الله فأمر سليمان صادوق ) الكاهن في مملكة سليمان (‬ ‫– اكتب كتابا باسمي واختمه بخاتمي ‪ ..‬ادع فيه ملكة سبأ إلي‬ ‫ي ‪ ..‬واربط الكتاب بساق الهدهد‬ ‫ي وعرض أمرها عل ي‬ ‫المجيء إل ي‬ ‫ثام أطلقه في الفضاء‪.‬‬ ‫‪2‬‬


‫الرسالة الثانية من بلقيس الى النبة سليمان بعد ان أخذت رأى‬ ‫وزرائها وقرروا أن يرسلوا وفدا رسميا نائبا عنها ومعه هدايا‬ ‫قيمة كى يتبينوا ما فى نفس سليمان‪ :‬فإن زاغ بصر سليمان‬ ‫أمام بريق الهدية العظيمة فهو رجل يحب المال ويزهو‬ ‫بأسباب الملك والقوة وإن لم يحفل بها ‪ ،‬فهو رجل له شأن‬ ‫آخر غير شأن سائر الرجال والملوك‪.‬‬ ‫الرسالة الثالثة وهي رد من الملك سليمان الحكيم علي رسالة‬ ‫الملكة بلقيس ذات الدللة والمغزى وهو مغزي فهمه سليمان‬ ‫ووعاه‪.‬‬ ‫وقائع الرد من خلل ذلك الحوار بين الملكة وكبير رسلها إلي‬ ‫سليمان ‪:‬‬ ‫الرسول‪ :‬أيتها الملكة ‪...‬‬ ‫بلقيس‪ :‬ما هذا ؟‬ ‫الرسول ‪ :‬الهدية يا مولتي ‪ ...‬قد ردها الملك سليمان ‪ ...‬قائل‬ ‫لنا ‪ :‬ل حاجة بي إلي هديتكم ول وقع لها عندي ‪ .‬ارجعوا إلي‬ ‫بلقيس وقومها ولنأتينكم بجنود ل قبل لكم لها ‪ ...‬إذا لم تأت‬ ‫هذه الملكة إلي وتعرض أمرها علي ‪...‬‬ ‫الرسول مستمرا ‪ :‬الفضة والذهب يا مولتي أو أورشليم مثل‬ ‫الحجارة والرز ‪...‬‬ ‫وهنا يطرح السؤال الكبير نفسه علي الملكة وحاشيتها وهو‪:‬‬ ‫ماذا يريد الملك سليمان علي وجه التحديد ؟ وتتعدد التأويلت‬ ‫وتسعف الملكة فطنتها وقدراتها السياسية وتقول‪ " :‬ولماذا ل‬ ‫نفهم مراده علي وجه آخر ‪ ...‬ملك غني يستضيف ملكة طمع‬ ‫في صداقتها " ‪...‬‬ ‫ويعلق وزيرها الول علي فهمها بقوله ‪ " :‬حقا يا مولتي ‪...‬‬ ‫حقا ما السياسة إل هذه ‪ ...‬براعة تفسير المقاصد ومهارة‬ ‫فهم المراد تبعا لمقتضى الحال ‪ .‬وجهزت الملكة نفسها‬ ‫وبدأت رحلتها نحو مملكة سليمان ‪.‬‬ ‫وحين نفذ الجني خطته بتحويل منذر الى تمثال‪ ،‬يظهر‬ ‫سليمان شماتة واضحة بها ‪ ،‬إذ يعتبر بكائها ودموعها علي‬ ‫حبيبها ليل نهار أشهي إليه من الماء المثلوج في ليلة من‬ ‫‪3‬‬


‫ليالي الصيف القائظ ‪.‬‬ ‫سليمان‪ ) :‬ينظر إلى بلقيس ويضحك طويل ( ‪.‬‬ ‫بلقيس‪ ) :‬دون أن تلتفت ( هذا أنت ‪...‬‬ ‫سليمان ‪ :‬أوليس هذا وقت مجيئي ؟‬ ‫بلقيس ‪ :‬نعم ‪ ..‬جئت علي عادتك ‪ ..‬تمتع عينك بمرأي دموعي !‬ ‫سليمان ‪ :‬آه ‪ ..‬لو علمت كم يلذ لي مرآها‪ ..‬إنها تثلج قلبي ‪..‬‬ ‫إنه يغتسل فيها ‪.‬‬ ‫بلقيس ‪ :‬إنما أذرف دمعا سخينا أيها الملك ‪.‬‬ ‫سليمان‪ :‬إن قلبي ليحسه رطبا باردا أيتها الملكة ‪" ..‬‬ ‫المسرحية ص ‪" 116‬‬ ‫وهنا تصل الحداث إلي ذروتها وتتبلور عقدة المسرحية‬ ‫وحبكتها ويلوح الحل ‪ ،‬في تحقيق الشرط الذي يحدث ويتم‬ ‫بدموع بلقيس ودمعتين آخرتين ‪ ،‬تذرفهما شهباء حبيبة منذر ‪،‬‬ ‫ليبتل الحجر وتسري دماء الحياة فيه ‪ ،‬ليجد منذر شهباء أمام‬ ‫عينيه ‪.‬‬ ‫ويندم سليمان فى نهاية المسرحية مدركا بأن ما فعله ل يليق‬ ‫بملك عظيم ونبى كريم فيقرر أن يلتفت الى مملكته وشئونها‬ ‫ويكتقى بصداقة بلقيس التى غادرت اورشليم وعادت الى‬ ‫بلدها فى سبأ‪.‬‬ ‫وهكذا تحل لحظة التنوير في المسرحية باقتناع سليمان بأن‬ ‫مفاتيح القلوب بيد الله وحده‬ ‫فبعد رحيل الملكة ‪ ،‬توجه سليمان آسفا حزينا إلي قاعة الصرح‬ ‫الذي بناه لها ‪ ،‬وأمر الجميع بأل يعكر صفو خلوته أحد واتجه‬ ‫إلي كرسي عرشه ليجلس عليه ‪ ،‬خافضا رأسه ‪ ،‬متكأ علي‬ ‫عصاه ‪ ،‬وظل علي هذا الوضع زمنا ليس بالقليل ‪ ،‬حتى حار‬ ‫كبار حاشيته من طول عزلته علي غير العادة‪ .‬وتكتشف‬ ‫الحاشية موت سليمان‪ . .‬ويتبين للجميع جنهم وإنسهم ‪،‬‬ ‫خاصتهم وعامتهم ‪ ،‬أن ل قدرة لحد علي سبر الغيب وأغواره ‪،‬‬ ‫فعالم الغيب وعجائبه وحكمة الله المنطوية فيه ‪ ،‬ل قبل لي‬ ‫كائن بمعرفته‬ ‫ل شك ان هناك هوة بين هذا العمل الدبى وبين سيرة النبى‬ ‫سليمان المعروفه بالقرأن ولكن هذا تم لغرض فى نفس‬ ‫‪4‬‬


‫الكاتب فصنع انحراف فنى يخدم فكرته ولكنه تداركه فنيا‬ ‫فيبرز ما حدث بانه لحظة ضعف فى حياة سليمان الحكيم‪ ،‬نتج‬ ‫عنها ما نتج من أحداث ‪ ،‬ويحاول بنزعة تأكيد وإلحاح ‪ -‬أن يفرد‬ ‫فصل بكامله ‪ ،‬حافل باعتراف الملك سليمان بالذنب والتقصير‬ ‫والحيد عن مطلوبات الحكمة في لحظة ضعف إنساني ‪ .‬أسوء‬ ‫مافي المسرحية‪ ،‬هناك مقطع صغير وهو عبارة عن حوار‬ ‫قصير بين سليمان والكاهن‪ ،‬بإختصار في تلك المحاورة يريد‬ ‫سليمان أن يقول للمل أنه مثل بقية البشر معرض للخطأ‬ ‫والمعصية‪ .‬هنا يقول سليمان للكاهن أنتم الذين دائما ا‬ ‫تتسترون على عيوبنا وهذا هو عملكم‪ ،‬طبعا ا المعنى واضح‬ ‫وهو أن الكهنة وعلماء الدين هم من ينزهون النبياء من‬ ‫المعصية ويحسنون صورتهم‪.‬‬ ‫المصادر والمراجع‪:‬‬ ‫‪ -1‬مسرحية " سليمان الحكيم " توفيق الحكيم ‪.‬‬ ‫‪ -2‬موسوعة ويكيبيديا العربية‬

‫‪5‬‬


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.