عــزازيل و(هيبــاتيــا شعلــة فى الظلام) بقلــم د. طــارق رضــوان

Page 1

‫عــزازيل و)هيبــاتيــا شعلــة فى الظلما(‬ ‫بقلــم د‪ .‬طــارق رضــوان‬ ‫البداع الفنى يهدف في أصله إلى الخير والحب‬ ‫والجمال‪ ،‬من خلل تأليف عمل أدبي متتخيل‪ ،‬مبني على‬ ‫خيال الكاتب وإبداعه‪ ،‬وقد يكون مبنيا ا على بعض‬ ‫الحقائق أو مبنيا ا على الخيال المحض‪ .‬فهل فى‬ ‫)عزازيل( ابداع فنى؟‬ ‫زعم الكاتب في كل أحاديثه الصحفية والتلفزيونية أن‬ ‫كل ما جاء في الرواية هو حقيقي‪ ،‬سواء الحداث‬ ‫والوقائع أو الشخصيات باستثناء شخصية البطل هيبا‬ ‫التي رسمها من خياله!؟ فهل هذا صحيح؟ والجابة كل!‬ ‫فهذا حق وقد قصد به باطل! فالشخصيات التاريخية‬ ‫مثل نسطور والبابا كيرلس عمود الدين وآريوس وبولس‬ ‫السموساطي والفيلسوفة السكندرية هيباتيا‬ ‫)هايبيشيا(‪ ،‬والمواقع التي جرت فيها الحداث مثل‬ ‫السكندرية والقسطنطينية وأورشليم القدس وإنطاكية‬ ‫والرها وغيرها‪ ،‬والتواريخ المذكورة كلها‪ ،‬مثل تاريخ‬ ‫انعقاد مجمع أفسس‪ ،‬صحيحة‪ ،‬ولكن ما قيل على لسان‬ ‫أبطال الرواية في معظمه غير صحيح بل ومنسوب لهذه‬ ‫الشخصيات فقط ليخدما رؤية الكاتب وما يريد أن يوصله‬ ‫للقراء! لقد فرض الكاتب هنا رؤيته الخاصة‪ ،‬رؤيته هو‪،‬‬ ‫على هذا التاريخ ووضع أفكاره الخاصة وما يريد أن‬ ‫يقوله للقراء على لسان هذه الشخصيات‪ ،‬فهو لم ينقل‬ ‫نصوصا ا عنهم‪ ،‬بل وضع أفكاره هو على لسانهم‬ ‫ألف الكاتب المصرى دكتور يوسف زيدان رواية‬ ‫)عزازيل( وهى تعنى في العبرية )עזאזל ‪ ،(Azazel -‬وهي‬ ‫في الكتاب المقدس اسم علم للروح الشرير الذي‬ ‫يسكن في البرية ‪.‬كما يعني أيضا ا الشيطان أو الجن في‬ ‫الصحاري والبراري أو ملكا ساقط‪ ..‬ويقول المؤلف في‬ ‫أجابته على سؤال لمحرر جريدة الراي‪ " :‬من المعروف‬ ‫أن معنى كلمة عزازيل هو الشيطان ‪ ...‬فمن هو عزازيل‬ ‫الذي قمت بطرحه في روايتك؟‬ ‫ عزازيل في الرواية ‪ ..‬هو الجزء المظلم من الذات‬‫النسانية‪ ،‬الجزء المطمور المخفي الذي ل يموت ما داما‬ ‫‪1‬‬


‫النسان حييا‪ ،‬فهو الذي يحركه ويربطه بالحياة‪ ،‬الذي‬ ‫يشجعه على تحقيق إرادته ثم ينتظر اللوما ويتحمله‬ ‫ويهنأ به‪ ،‬فيتحقق الطرفان ‪ ..‬الذي فعل‪ ،‬والذي كان‬ ‫مشجبا ا علقت عليه الخطايا‪.‬‬ ‫وهذا ما يوضحه لنا بصورة أوضح في الحوار التالي حيث‬ ‫يتساءل الراهب‪ " :‬ما الذي يريده عزازيل مني‪ ،‬ولماذا‬ ‫يدفعني لكتابة ما كان وما هو كائن؟ لبد أن له غرضا‬ ‫شريرا‪ ،‬موافقا لطبيعته‪ .‬لقد احتال علي حتى أغواني‬ ‫بحكاية ما جري مع أوكتافيا من فحش وخطية‪ ،‬فتدنست‬ ‫روحي وتكدرت‪.‬‬ ‫ وهل كانت روحك صافية‪ ،‬يا هيبا‪ ،‬قبل الكتابة؟‬‫ عزازيل؟ جئت ‪...‬‬‫ يا هيبا‪ ،‬قلت لك مرارا أنني ل أجيء ول اذهب‪ .‬أنت‬‫الذي تجيء بي‪ ،‬حين تشاء‪ .‬فانا آت إليك منك‪ .‬وبك‪،‬‬ ‫وفيك‪ .‬إنني انبعث حين تريدني لصوغ حلمك‪ ،‬أو أمد‬ ‫بساط خيالك‪ ،‬أو اقلب لك ما تدفنه من الذكريات‪ .‬أنا‬ ‫حامل أوزاركا وأوهامك ومآسيك‪ ،‬أنا الذي لغني لك‬ ‫عنه‪ ،‬ولغني لغيركا‪ .‬وأنا الذي ‪00‬‬ ‫ومن الغريب والغير منطقى أن المؤلف يعرض أحداث‬ ‫الرواية على لسان راهب من المفترض أنه يحيا حياة‬ ‫القداسة‪ ،‬ال أن الراهب ينغمس فى شهواته وفى الزنا‪،‬‬ ‫وهو نفسه الذى يدفن مخطوطاته كى يدفن حقيقة‬ ‫المفترض أنها مفيدة للعالم‪ .‬ال أنه هو نفسه يشك فى‬ ‫عقيدته ول يستطيع فى حياته أن يثبت حقائق هذه‬ ‫العقيدة!!فهل كان المؤلف من اليمان بالعقيدة أو أنه‬ ‫يرى الخلصا والنجاة فى النصياع لحب الشهوات‪.‬‬ ‫وترجع أهميتها وتفردها فى أنها تتحدث عن فترة زمنية‬ ‫غير مطروقة فى الدب العربى‪ .‬بالضافة الى أنها ذات‬ ‫طابع صوفى بلغة شعرية‪ .‬وهى تكشف التناقضات التى‬ ‫تدور برأس "هيبا" )الراهب المسيحى الذى عاش فى‬ ‫اوائل القرن الخامس الميلدى(‪.‬فهذا الراهب تدور‬ ‫بداخله تناقضات بين الفلسفة والمنطق وبين الدين‬ ‫المسيحى‪ .‬كما تبين الطبيعة البشرية وغرائزها فعلى‬ ‫الرغم من أنه هو كراهب مسيحى متدين ال أنه يقع‬ ‫‪2‬‬


‫فريسة غرائزه‪ .‬وجعل د زيدان الخلصا بالنسبة لبطل‬ ‫روايته الراهب في اللهو وممارسة الجنس مع‬ ‫الساقطات والتخلص من زي الرهبنة و صور كنيسة‬ ‫السكندرية ورجالها بالشرار وممثلو الشر في العالم!!‬ ‫ونادى بنظرية غريبة‪ ،‬والتي تقول أن الهراطقة من‬ ‫أمثال آريوس ونسطور وبولس السموساطي كانوا‬ ‫عرباا‪ .‬وجعلهم كمسلمين قبل السلما ومتحدثين‬ ‫بالقرآن قبل القرآن‬ ‫وزعم أن عزازيل هو الشيطان وأن النسان هو الذي‬ ‫أخترعه‪ ،‬أي الشيطان‪ ،‬ليبرر به الشرور والخطايا التي‬ ‫يفعلها!! وأن الله هو نقيض عزازيل وأن النسان الذي‬ ‫خلق شخصية عزازيل خلق شخص الله‪ ،‬الذي وصفه‬ ‫بالمألوه‪ ،‬ليبرر به وجوده والخير الذي فيه‬ ‫ورغم ان المؤلف يؤكد أن أحداث الرواية حقيقية ال أنه‬ ‫ل ينكر أن شخصية هيبا من وحى خياله ل وجود تاريخى‬ ‫لها ‪ .‬كما أن وجود مجموعه من اللفائف التى كتبها هيبا‬ ‫باللغة السريانية والتى وجدت مدفونه بالقرب من‬ ‫حلب‪/‬سوريا خدعة من المؤلف فهو ل علم له بهذه اللغه‬ ‫كى يترجمها الى العربية‬ ‫لذلك هاجمه كثير من النقاد والكتاب في الصحف! لنه‬ ‫كان يجب أن يقول منذ البداية أن هذه المخطوطات‬ ‫المزعومة هي محض خيال من تأليفه! وقد تكررت هذه‬ ‫الخدعة مرة أخرى في تاريخ الدب‪ ،‬حسبما اعتقد‪ ،‬عندما‬ ‫كتب الكاتب السباني ميجيل دي سرفانتس سافيدرا‬ ‫روايته الشهيرة المعروفة في الدب العربي بدون‬ ‫كيشوت وفي السبانية )دون كيخوتي دي لمنشا(‪" ،‬‬ ‫الرجل الذي حارب طواحين الهواء "‪ ،‬سنة ‪1605‬ما‪.‬‬ ‫والتي أعتمد فيها على مخطوطة ألفها كاتب مغربي‪.‬‬ ‫ولكن رواية دون كيشوت هي رواية لبطل تمثل‬ ‫بالفرسان الجوالين وذلك بتقليدهم والسير على نهجهم‬ ‫حين يضربون في الرض ويخرجون لكي ينشروا العدل‬ ‫وينصروا الضعفاء‪ ،‬ويدافعوا عن الرامل واليتامى‬ ‫والمساكين‬

‫‪3‬‬


‫ويتضح فكر د زيدان أكثر عندما يتحدث عن الله‪،‬‬ ‫بالمقابلة مع عزازيل‪ .‬فهو يرى أن الله لم يخلق النسان‬ ‫بل النسان هو الذي خلقه! الله في الرواية‪ ،‬وفي فكر د‬ ‫زيدان مثله مثل عزازيل‪ ،‬مجرد وهم في خيال وفكر‬ ‫الناس! فهو نقيض عزازيل‪ ،‬فإذا كان عزازيل وهم فالله‬ ‫أيضا ا وهم‬ ‫ويقول النقاد أن رواية )عزازيل( تشبه رواية )هيباتيا(‬ ‫عن شخصية " هيباتيا " للكاتب والعالم النجليزي‬ ‫والمؤرخ والروائي وأستاذ الجامعة تشارلز كنجزلي‬ ‫‪1819- 1875) Charles Kingsley‬ما(‪ ،‬والتي كتبها سنة‬ ‫‪1853‬ما‪ ،‬وترجمها الدكتور عزت ذكي إلى العربية بعنوان‬ ‫" هايبيشيا " ‪ .‬وتدور أحداثها وشخصياتها حول أحداث‬ ‫العنف التي سادت النصف الول من القرن الخامس‬ ‫الميلدي وهي الفترة التي تلت إعلن المسيحية كديانة‬ ‫المبراطورية الرومانية الرسمية سنة ‪391‬ما والتي كان‬ ‫فيها البابا كيرلس عمود الدين بطريركا ا للسكندرية‪.‬‬ ‫وهي نفس فكرة د يوسف زيدان سواء من جهة‬ ‫الشخاصا الرئيسية؛ الراهب والبطريركا وهيباتيا‪،‬‬ ‫وتتكلم عن نفس الحداث‪ ،‬ولكن كل بحسب توجهه‬ ‫وأسلوبه‪ ،‬أي أن الدكتور زيدان قرأ هذه الرواية واستعان‬ ‫بها وكانت وحيه الول وإلهامه في كتابة روايته فأخذ‬ ‫عنها فكرتها الجوهرية ونفس أبطالها الرئيسيين‪ ،‬ولكن‬ ‫ليس بحسب التاريخ الحقيقي والوقائع الموثقة بل‬ ‫بحسب فكره هو المتأثر بكونه غير مسيحي أول ا‬ ‫واعتماده بالدرجة الولى على الفكر الغربي اللحادي‬ ‫ثانيا ا ولم يرجع مطلقا للمؤرخين الذين عاصروا الحداث‬ ‫بل تبنى وجهات النظر اللحادية! ومن ثم خرج عن دائرة‬ ‫البحث الجاد ولم يكن محايدا مثل كاتب الرواية الملهمة‬ ‫له!!‬ ‫وأخيرا يصور د‪ .‬يوسف )هيباتيا( بأنها كائن الهى‪ ،‬بينما‬ ‫يصورها كنجزلي كامرأة لها طموحاتها وضعفاتها‪ ،‬بل‬ ‫كالمرائية التي تقول ما ل تفعل‪.‬‬

‫‪4‬‬


5


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.