أزداد إيمانا بضرورة التصدي للإسلاميين المجانين

Page 1

‫‪26‬‬

‫م�ساجالت‬

‫اخلمي�س ‪ 03‬يناير ‪ 2013‬ـ العدد‪500 :‬‬

‫يو�سف ليمود‬

‫أزداد إميانا بضرورة التصدي لإلسالميني املجانني‬

‫ومن املُقرفات في الدنيا أن من ورث الدين‬ ‫بال إعمال عقل ُيحاول فرض وصايته على من‬ ‫أعمل عقله واتخذ منه موقفا‪.‬‬

‫أتخيل وجه من حتدثني في هذه اللقطة اللطيفة‬ ‫من التواصل اإلنساني العابر بني اثنني ال‬ ‫يعرفان بعضهما البعض‪ ،‬بينما أحدق في جبل‬ ‫غامض ملفوف بالسواد من القمة إلى السفح‪.‬‬

‫***‬

‫***‬

‫ ملاذا تتطور الفنون وال تتطور األديان؟‬‫ ألن الفنون تتعامل مع املتغيرات احلياتية‪،‬‬‫أما األديان فتتعامل مع الثوابت‪.‬‬ ‫ وهل توجد أي ثوابت في الكون ماعدا‬‫فكرة الله؟‬ ‫ ممممـ‪ ...‬في احلقيقة ال!‬‫ إذن‪ ،‬يجب أن يقتصر الدين على التعامل‬‫الشخصي مع الله ويترك الدنيا ألهلها‪.‬‬

‫زرت بلدانا عديدة ورأيت اإلسالم _شكال‬ ‫وأدا ًء_ في الهند غيره في ماليزيا غيره في‬ ‫أندونيسيا غيره في بالد املغرب العربي وغيره‬ ‫بطبيعة احلال في مصر‪ .‬كما أتذكر شكل رجل‬ ‫الدين‪ ،‬بل شكل وتفاصيل احلياة عموما حني‬ ‫كنت صبيا‪ ..‬وأستنتج من كل هذه الصور‬ ‫أن شكل رجال الدين في مصر اليوم أقرب‬ ‫لتصورات الطفولة ألشكال الشياطني واألشرار‬ ‫في أفالم الرعب‪ .‬شيء مخزي ومحزن فعال‪.‬‬

‫***‬ ‫أمس في أحد خطوط امليني باص الطويلة‬ ‫ُ‬ ‫جلست جنب امرأة ُمنقبة ال تظهر منها عني وال‬ ‫مُ‬ ‫حتى ظفر إصبع‪ .‬كانت تسك في يدها املكسوة‬ ‫بقفاز أسود «كوز درة مشوي» ُأخذت منه قضمة‬ ‫واحدة‪ ،‬واملوبايل‪ .‬أردت أن أستعلم عن شيء‬ ‫يخص الطريق ومكان نزولي واستحييت أن‬ ‫أسألها‪ ،‬فاستدرت وسألت رجال خلفي‪ ،‬فشجعها‬ ‫أدبي على املسارعة إلجابتي عن سؤالي الذي‬ ‫لم أوجهه لها‪ ،‬ويبدو أنها فهمت أنني غريب‬ ‫_رمبا حتى عن البلد_ فتفرغت لي طوال‬ ‫الطريق‪ .‬في كل محطة تذكر لي اسمها وما تيسر‬ ‫من املعلومات عنها‪ ...‬كانت في غاية اللطف في‬ ‫احلقيقة‪ ،‬وكان في صوتها شيء جميل فعال‪.‬‬ ‫كانت جتربة خرافية بالنسبة لي أن أحاول أن‬

‫ثائر ديب‬

‫انكشف أخير ًا‪ ،‬في سورية‪ ،‬ما كان يخفيه‬ ‫أمن الديكتاتورية وأمانها الزائفان من ضروب‬ ‫دم ً‬ ‫ال قد انفقأ‪ .‬ظهرت على حقيقتها‬ ‫العنف‪ ،‬كأنَّ ّ‬ ‫سكينة االستبداد الفاسد بوصفها عنف ًا‬ ‫كارثي للنظام‬ ‫منظم ًا متكرر ًا‪ ،‬منهجي ًا‪ ،‬هو أثر‬ ‫ّ‬ ‫االقتصادي والسياسي‪ .‬غير أننا‪ ،‬نحن ضحاياه‬ ‫أي أمن كاذب هو هذا األمن‪.‬‬ ‫السابقني‪ ،‬ك ّنا نعلم ّ‬ ‫لقد رأينا في غرف التحقيق الد َم‪ ،‬واألجساد‬ ‫املشبوحة‪ ،‬واألفخاذ املفسوخة‪ ،‬واألعني املرفوسة‬ ‫بالبسطار‪ ،‬واألعضاء املُ َكهْ َربة‪ ،‬واألطراف امللو ّية‬ ‫حتى الشلل‪ .‬ورأينا املوت‪ّ ،‬‬ ‫وذل البشر وإباءهم‪.‬‬ ‫لقد أتيح لنا أن نختبر‪ ،‬على أجسادنا‪،‬‬ ‫طبيعة الديكتاتورية احلديثة احملكومة باألجهزة‬ ‫األمنية‪ :‬ذلك النظام السياسي الذي ال تكاد‬ ‫أن تكون له بنية سياسية حقوقية وقانونية‪.‬‬ ‫وقانونه الفعلي هو شهوة السلطة ليس لذاتها‬ ‫فحسب‪ ،‬بل ألنها‪ ،‬في مثل هذه املجتمعات‪،‬‬ ‫حتول الدولة إلى‬ ‫مصدر الثروة‪ ،‬وتقدر أن‬ ‫ّ‬ ‫مشروع استثماري هائل األرباح‪.‬‬

‫***‬ ‫احلقيقة أنني أزداد إميانا يوميا بضرورة‬ ‫التصدي احلاسم لإلسالميني املجانني هؤالء‪،‬‬ ‫واعتبارهم أعداء احلياة والله والفطرة‪ ،‬وليسوا‬ ‫فقط أعداءنا كعلمانيني أو كالدينيني‪.‬‬

‫على أعمالهم‪ ،‬كان دور شيوخ اإلسالم ألطف‬ ‫بكثير‪ .‬إذ كانوا مشغولني بأنفسهم وباآلخرة‬ ‫أكثر من انشغالهم بالدنيا وما فيها‪ .‬وعندما‬ ‫بدأت السعودية تدفع لهم‪ ،‬وبالدوالر‪ ،‬انشغلوا‬ ‫بحياة الناس‪ ،‬ويريدون اآلن القيام بدور الله‬ ‫في حساب البشر وحتقيق اجلحيم هنا على‬ ‫األرض‪ .‬طبعا طاملا الدفع هنا‪ ،‬يكون احلساب‬ ‫بدوره هنا!‬

‫***‬ ‫في األدبيات البوذية حكاية مفادها أن‬ ‫فالحا يعبر احلدود إلى البلد املجاورة كل عدة‬ ‫أيام راكبا حماره‪ ،‬وفي كل مرة يوقفه ضابط‬ ‫احلدود ويقوم بتفتيشه هو واحلمار بدقة فال‬ ‫يجد معه ما هو محظور أو يستحق الضريبة‪،‬‬ ‫فيتركه ميضي ونظرته املرتابة تقول‪« :‬أعرف‬ ‫أنك ُته ّرب شيئا‪ ،‬وستقع في يدي يوما ما»‪.‬‬ ‫وبعد سنني عديدة‪ ،‬تقابل الضابط الذي أحيل‬ ‫على املعاش مع الفالح‪ ،‬في إحدى اخلمارات‪،‬‬ ‫فقال له‪« :‬اآلن بإمكانك أن تخبرني‪ :‬ماذا كنت‬ ‫ته ّرب؟»‪ .‬رد الفالح بكل بساطة‪« :‬حميرا‪ .‬كنت‬ ‫أه ّرب احلمير»‪.‬‬

‫***‬

‫***‬

‫أرى وجوه املتأسلمني‪ ،‬فأشعر باحلاجة إلى‬ ‫غسل عيني‪.‬‬

‫مادامت هناك تهمة اسمها ازدراء األديان‪،‬‬ ‫ففي املقابل يجب أن تكون هناك جائزة لتكرمي‬ ‫األديان‪ .‬مثال ُنصبح يوما على هذا اخلبر‪:‬‬ ‫حصل الشيخ احلويني على جائزة نوبل‬ ‫لتكرمي األديان إلثباته اإلعجاز العلمي في بول‬ ‫اإلبل‪.‬‬

‫***‬ ‫عندما كان الله وحده هو من ُيحاسب البشر‬

‫***‬ ‫معدتي أصبحت إسالمية‪ُ .‬تزمجر من‬ ‫زجاجة بيرة‪ .‬لكن الكلمة األخيرة والعليا للقلب‬ ‫امللحد‪.‬‬

‫***‬ ‫ُيحكي أن هارون الرشيد استدعى أحد‬ ‫الزاهدين وسأله عن درجة زهده فقال الرجل ما‬ ‫معناه‪ ،‬أنه حني ينام بالليل ال ينتظر الصباح‪،‬‬ ‫وحني يرمش جفنه ال يتوقع أن ينفتح‪ ...‬فقال‬ ‫له الرشيد «أنا أزهد منك»‪ .‬فاندهش الرجل‬ ‫وتعجب من هذا الرد املضحك‪ ،‬إذ املعروف‬ ‫أن الرشيد كان دنيويا محبا للنساء والشراب‬ ‫وحفالت الطرب‪ .‬فقال له الرشيد‪« :‬أنت زاهد‬ ‫في الدنيا القصيرة الفانية‪ ،‬أما أنا فزاهد في‬ ‫اجلنة واحلياة األبدية التي تعمل لها طوال‬ ‫حياتك»‪.‬‬

‫***‬ ‫قال الشاعر الفرنسي رينيه شار‪« :‬هناك‬ ‫أناس يتقدمهم ُبرازهم»‪ .‬لو كان الشاعر بيننا‬ ‫اليوم لقال‪ :‬إن هناك أزمنة يتقدمها ال ُبراز‪.‬‬

‫***‬ ‫اب من‬ ‫الله يرحمه عمنا جنيب محفوظ‪َ .‬ج ْ‬ ‫اآلخر ملا قال‪ :‬ال جتادل مؤمنا‪.‬‬

‫كاتب وفنان ت�شكيلي م�صري‬

‫ِجل ْ ُد الديكتاتورية «اآلمن»‬ ‫تعال سياسي أو‬ ‫أي‬ ‫ليس للديكتاتورية ّ‬ ‫ٍ‬ ‫فعلي‪ ،‬بل ليس ضروري ًا أن تكون لها‬ ‫حقوقي‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫نكرة‬ ‫بأي ٍ‬ ‫أي رفعة شخصية‪ ،‬حتى ميكن أن تدار ّ‬ ‫ّ‬ ‫وليد املصادفة‪ ،‬األمر الذي يدفع إلى التساؤل‬ ‫ماض أو‬ ‫ّ‬ ‫عما إذا كان ملثل هذا النظام تاريخ فيه ٍ‬ ‫مستقبل‪ .‬فهو يكاد أن يكون نظام اللحظة التي‬ ‫ال جتد دوامها وأمانها إال باختفاء ّ‬ ‫كل معارضة‬ ‫وتعميم اخلنوع‪ ،‬وجعل البشر جميع ًا‪ ،‬مهما‬ ‫تكن تبايناتهم‪ ،‬متساوين‪ ،‬ال ألنهم ّ‬ ‫كل شيء‪ ،‬كما‬ ‫في الدميوقراطية‪ ،‬بل ألنهم ال شيء‪ ،‬مجرد رعايا‬ ‫ّ‬ ‫التحكم مبصيرهم‪.‬‬ ‫ميكن‬ ‫إ ّنه نظام يحيا حتت مستوى السياسي‪،‬‬ ‫بل واالجتماعي‪ ،‬كما لو أ ّنه حدود السياسة‬ ‫واالجتماع‪ ،‬كما لو أنّ ح ّيزه هو الفراغ وزمنه‬ ‫هو اللحظة‪« :‬ح ّيز بال أمكنة وزمن بال دميومة»‪.‬‬ ‫أما آلة ذلك ك ّله فهي اخلوف‪ ،‬ذلك االنفعال‬ ‫ّ‬ ‫العفوي‪ ،‬البسيط‪ ،‬الذي ال يحتاج إلى تعليم‪ ،‬وال‬ ‫يتم ّيز بطابع اجتماعي أو سياسي‪ ،‬وال يعرف‬ ‫لوائح أو قوانني‪ ،‬وال يثنيه شيء عن الوالدة آن‬

‫ُي ْس َت ْو َلد‪ .‬اخلوف‪ ،‬اخلوف‪ ،‬ثم اخلوف‪ ،‬ما يصنع‬ ‫حياة هذا النظام الغريب‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫تفجر وولد كل ما تراه‬ ‫ذلك هو العنف الذي ّ‬ ‫األعني اآلن من ضروب القسوة والهمجية‪ :‬بدء ًا‬ ‫ّ‬ ‫باحلل األمني الذي انتقل من الضرب بالعصي‬ ‫إلى القصف براجمات الصواريخ والطائرات‪،‬‬ ‫مرور ًا بالعنف احلربي املقابل واخلطف والذبح‬ ‫والتقطيع‪ ،‬انتها ًء مبا ينهمر من ّ‬ ‫كل صوب من‬ ‫خطابات التمييز الطائفي العنصري و »مكارثية«‬ ‫أشباه املثقفني والفنانني وميلهم إلى التخوين‬ ‫واإللغاء‪.‬‬ ‫حني انكسر حاجز اخلوف‪ ،‬آلة إعادة إنتاج‬ ‫النظام‪ ،‬لم يكن ب ّد من انفالت عنف هذا األخير‬ ‫من ّ‬ ‫كل عقال‪ .‬ذلك كان معروف ًا حتى لدى أمهاتنا‬ ‫ّ‬ ‫اللواتي كنّ ‪ ،‬أمام كل مصيبة دهماء من مصائب‬ ‫النظام‪ ،‬يطلنب من الله أن يجيرهنّ من األعظم‪.‬‬ ‫ومـــن أجـــل أن ينتهي ّ‬ ‫كل ذلك إلى غير‬ ‫رجعة‪ ،‬ك ّنا وال نزال مـــــع ثورة شعبنا املدنية‬ ‫الدميوقراطية‪ ،‬وضد حتويلها إلى حرب يريدها‬

‫من ال يقوى على ممارسة سواها‪ ،‬ويزداد جهلنا‬ ‫بطرفها الرابح كلما أمعنت بالقتل والدمار‪ .‬وما‬ ‫عَ َك َس ُه شعار »السلمية« في بداية الثورة مّ‬ ‫إنا‬ ‫ّ‬ ‫يحف بها من مخاطر ومخاوف‪،‬‬ ‫هو وعي ما‬ ‫قمته‪ ،‬والذي ال‬ ‫نظر ًا لبنية النظام املتركزة في ّ‬ ‫مكوناته‪ ،‬ويحظى‬ ‫يزال يبدي تالحم ًا شديد ًا في ّ‬ ‫بتأييد قواعد اجتماعية واقتصادية وعسكرية‬ ‫بلد يتم ّيز بفسيفسائه اإلثنية‬ ‫ش ّتى‪ ،‬في‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫بغياب‬ ‫والطائفية واملذهبية املعقدة‪ ،‬كما يتم ّيز‬ ‫ٍ‬ ‫كامل لكل مظاهر املجتمع املدني الذي ذهبت به‬ ‫عقود من القمع املطلق‪.‬‬ ‫هل أعاد النظام إنتاج ذاته حتى في بعض‬ ‫من يزعم أنه نقيضه؟ ثورة أم حرب؟ وما مقادير‬ ‫كل منهما في املشهد؟ من يريد ح ّق ًا إسقاط‬ ‫النظام؟ احلربجيون أم السلميون؟ تلك هي‬ ‫اليوم أسئلة حياة سورية أو موتها‪.‬‬

‫كاتب ومرتجم �سوري‪ ،‬رئي�س حترير جملة‬ ‫"ج�سور" للرتجمة والدرا�سات‬


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.