أصل المآسي في الإسلام السياسي: محمد خير

Page 1

‫‪26‬‬

‫خارج احلدود‬

‫اخلمي�س ‪ 10‬يناير ‪ 2013‬ـ العدد‪501 :‬‬

‫أصل املآسي في اإلسالم السياسي‬ ‫ال�سالم ال�سيا�سى مل يحقق أ�حالمه من قبيل «وحدة امل�سلمني» مثال أ�و‬ ‫املق�صود هنا لي�س أ�ن إ‬ ‫التقدم العلمى‪� ..‬إلخ‪ ،‬بل املق�صود أ�نه هوى بالبلدان التى حكمها �إىل قاع التق�سيم والعنف‬ ‫واحلروب أ‬ ‫الهلية واملجاعات‬

‫حممد خري‬ ‫ما «اإلسالم السياسى»؟‬ ‫هو باختصار‪ ،‬رؤية تؤمن بأن اإلسالم ليس‬ ‫عقيدة دينية فحسب‪ ،‬بل نظام حكم كذلك‪ ،‬أى‬ ‫أن حتقيق «الدولة اإلسالمية» جزء من عقيدة‬ ‫اإلسالم نفسها‪.‬‬ ‫يعبر أصحاب الرؤية عنها من خالل عديد‬ ‫من الشعارات أهمها «اإلسالم دين ودولة»‪.‬‬ ‫بالطبع‪ ،‬يحق ألى إنسان أن يرى العقيدة‬ ‫أو السياسة على نحو ما يريد‪ ،‬لكن أين املشكلة‬ ‫بالضبط؟‬ ‫نقول «مشكلة»‪ ،‬ألن القاعدة تقول‪« :‬إذا تكررت‬ ‫الظاهرة فال بد أن وراءها قانونا»‪ ،‬والظاهرة‬ ‫التى نقصدها هى فشل اإلسالم السياسى فى‬ ‫جميع جتاربه من باكستان وأفغانستان شرقا‬ ‫إلى السودان والصومال جنوبا‪ ،‬وها نحن‬ ‫نرى السرعة القياسية التى انقسم بها الشعب‬ ‫املصرى ‪-‬بل تصارع فى الشوارع‪ -‬بعد أشهر‬ ‫معدودة من حكم اإلسالم السياسى‪.‬‬ ‫والواقع أن كلمة «فشل» هنا مفردة رقيقة‪،‬‬ ‫ألن املقصود هنا ليس أن اإلسالم السياسى لم‬ ‫يحقق أحالمه من قبيل «وحدة املسلمني» مثال‬ ‫أو التقدم العلمى‪ ..‬إلخ‪ ،‬بل املقصود أنه هوى‬ ‫بالبلدان التى حكمها إلى قاع التقسيم والعنف‬ ‫واحلروب األهلية واملجاعات‪ ،‬وهى بلدان كان‬ ‫أهلها يظنون أنهم فى القاع فعال قبل وصول‬ ‫اإلسالميني‪.‬‬ ‫ملاذا حدث ويحدث‪ ،‬وسيحدث ذلك؟‬ ‫لنرجع إلى أصل شعار اإلسالم السياسى‬ ‫«اإلسالم دين ودولة»‪.‬‬ ‫قد يرى أحدهم أن قيم اإلسالم العليا ‪-‬التى‬ ‫يفهمها كل على طريقته‪ -‬ينبغى أن تـُستلهم أو‬ ‫يـُحتذى بها عند بناء أو إدارة الدول‪ ،‬لكن حتى‬

‫ذلك الشخص ال يعبر عن «اإلسالم السياسى»‬ ‫الذى يتبنى فى احلقيقة «دولة العصور‬ ‫الوسطى»‪ ،‬أى مفهوم الدولة كما كان قائما فى‬ ‫صدر التاريخ اإلسالمى‪.‬‬ ‫لنضرب مثاال توضيحيا‪( :‬تصور أن شخصا‬ ‫قرر أن يحول «هيئة البريد» إلى «هيئة البريد‬ ‫اإلسالمية»‪.‬‬ ‫إنه ال يقصد هنا مثال أن تتحلى هيئة البريد‬ ‫باألمانة وإتقان العمل‪ ،‬بالنسبة إليه فهذا ليس‬ ‫إسالميا بالقدر الكافى أو على اإلطالق‪ ،‬إمنا ال‬ ‫بد أن يعود البريد كما كان فى دولة اخلالفة‬

‫فى الواقع ترجمة لنظم احلكم التى كانت سائدة‬ ‫فى العصور الوسطى‪ ،‬لم يكن الوضع فى بقية‬ ‫العالم آنذاك يختلف عن تلك املفاهيم‪ ،‬وأهمها‬ ‫ضرورة ارتباط احلكم بشرعية سماوية‪ ،‬فحاكم‬ ‫املسلمني هو «خليفة رسول الله» أو «أمير‬ ‫املؤمنني»‪ ،‬والروم الفرجنة يرعون كنيسة الرب‬ ‫وترعاهم‪ ،‬والفرس هم املجوس‪ ،‬واليهود ‪-‬‬ ‫طبعا‪ -‬ساللة بنى إسرائيل‪.‬‬ ‫كانت «املواطنة» ‪-‬فى تلك املرحلة من‬ ‫التاريخ البشرى‪ -‬مواطنة دينية بالدرجة األولى‪،‬‬ ‫واحلروب «فتوحات إسالمية» أو «حمالت‬

‫قد يرى أ�حدهم أ�ن قيم ا إل�سالم العليا ‪-‬التى يفهمها كل على طريقته‪ -‬ينبغى‬ ‫أ�ن ت ُـ�ستلهم أ�و ي ُـحتذى بها عند بناء أ�و �إدارة الدول‪ ،‬لكن حتى ذلك ال�شخ�ص‬ ‫ال يعرب عن «ا إل�سالم ال�سيا�سى» الذى يتبنى فى احلقيقة «دولة الع�صور‬ ‫الو�سطى»‪ ،‬أ�ى مفهوم الدولة كما كان قائما فى �صدر التاريخ ا إل�سالمى‬

‫اإلسالمية‪ ،‬أن يستخدم احلمام الزاجل واخليول‪،‬‬ ‫بدال من الطائرات والوسائل اإللكترونية‪ ،‬فهل‬ ‫تتوقع لتجربة كتلك سوى الفشل املروع؟)‪.‬‬ ‫ماذا؟ هل يبدو لك هذا املثال مضحكا أو‬ ‫مبالغا فيه؟‬ ‫هل تتصور أن مفاهيم «اخلالفة‪ ،‬واحلل‬ ‫والعقد‪ ،‬والبيعة‪ ،‬واألهل والعشيرة» وغيرها‬ ‫تختلف عن املثال الذى ضربته لك بهيئة‬ ‫البريد؟‬ ‫الدولة التى يحلم كل إسالمى بالوصول‬ ‫‪-‬أو الرجوع‪ -‬إليها وهى «دولة اخلالفة»‪ ،‬هى‬

‫صليبية»‪ ،‬والعقيدة الدينية هى العنصر الذى‬ ‫يحدد مكانة أفراد «الرعية» ويترتب عليها‬ ‫وضعهم االجتماعى والتزاماتهم املالية‬ ‫(الضريبيبة وفق لغة اليوم)‪ ،‬فلم يكن غريبا أن‬ ‫تقوم حروب حتمل اسم حروب الردة‪ ،‬أو حتدد‬ ‫املعاهدات شروط تعامالت أبناء كل دين على‬ ‫حدة‪ ،‬وكل ذلك لم يخترعه املسلمون أو يبدؤوه‪،‬‬ ‫فحتى النظم اإلدارية لدولة اخلالفة ‪-‬الدواوين‪-‬‬ ‫كانت منقولة نقال عن الفارسيني‪.‬‬ ‫لكن كل ذلك انتهى يا صديقى‪ ،‬انتهى منذ‬ ‫قرون‪ ،‬حتققت الثورة الصناعية ومعها جاء‬

‫االستعمار واإلمبريالية‪ ،‬وتغير مفهوم «األمة»‬ ‫إلى الدولة القومية ثم الدولة الوطنية التى‬ ‫تعامل مواطنيها على أساس وحدة انتمائهم‬ ‫إليها‪ ،‬لكل مواطن وثيقة جنسية وجواز سفر‬ ‫ولكل دولة عضوية فى األمم املتحدة وتنظم‬ ‫تعامالتها القانون الدولى‪ ،‬لم يعد العالم فسطاط‬ ‫كفر وفسطاط إميان‪ ،‬فالعقائد واجلاليات فى‬ ‫كل مكان‪ ،‬ولم يعد احلاكم يستمد شرعيته من‬ ‫السماء بل من التصويت الشعبى‪ ،‬ولكل مواطن‬ ‫صوت انتخابى واحد سواء كان مسلما أو ذميا‬ ‫أو مهرطقا‪.‬‬ ‫وألن العالم احلديث لم يعد كما كان وفق‬ ‫اإلسالمى عامله القدمي‬ ‫قاموس اخلالفة‪ ،‬يخلق‬ ‫ّ‬ ‫فى املجتمع الذى يعيش فيه (منعزال) أو الذى‬ ‫يحكمه (منفردا)‪ ،‬واخلطوة األولى ‪-‬طبعا‪ -‬أن‬ ‫يعيد اختراع الكفار‪ ،‬ويغريه بذلك تنوع املجتمع‬ ‫احلديث امللىء بالليبراليني واليساريني‬ ‫والعلمانيني‪ ،‬فضال عن اإلعالميات املعارضات‬ ‫والنساء القاضيات والنصارى الذين ينزلون‬ ‫املظاهرات‪ ،‬لكن اإلسالمى بعد أن يشن عليهم‬ ‫غزوة الصناديق‪ ،‬يكتشف أن االنتصار االنتخابى‬ ‫ال يعنى أن املعارضة سوف متنحه البيعة‪ ،‬بل‬ ‫تبقى تتحدث عن املواطنة وحقوق اإلنسان‪ .‬فال‬ ‫يبقى أمامه ‪-‬وأمام هذا «االستفزاز»‪ -‬سوى‬ ‫إعالن النفير واستدعاء املجاهدين ومحاصرة‬ ‫من يثيرون «الفتنة»‪ ،‬والتهديد بالعنف ال بد‬ ‫أن تتبعه ممارسة العنف‪ ،‬وهنا يبدأ كل شىء‪،‬‬ ‫باألحرى ينتهى كل شىء‪.‬‬ ‫على كل حال‪ ،‬رمبا ينبغى أن أذكرك بأن‬ ‫«اإلسالم دين ودولة» ليس نصا دينيا‪ ،‬إنها‬ ‫عبارة اخترعها حسن البنا‪.‬‬

‫�شاعر وقا�ص م�صري (عن «التحرير»‪� ،‬صحيفة‬ ‫�إلكرتونية ومطبوعة يومية‪ ،‬نن�شر املقال باتفاق‬ ‫مع الكاتب)‬

‫تاردي كاتب القصص املصورة يرفض جائزة الشرف الفرنسية‬ ‫رفض كاتب القصص املصورة الفرنسي‬ ‫الشهير‪ ،‬جاك تاردي‪ ،‬وسام جوقة الشرف التي أعلن‬ ‫األسبوع املاضي أنها ستمنح له‪ .‬وقال تاردي في‬ ‫بيان نشر في بعض الصحف الفرنسية‪ ،‬إنه يرفض‬ ‫بشدة الوسام الذي ُأعلن أنه سيمنح له‪ ،‬مبررا ذلك‬ ‫بأنه يريد «أن يبقى رج ً‬ ‫ال حر ًا‪ ،‬وأ ّال يصبح رهينة‬ ‫ألي نفوذ كان»‪.‬‬ ‫وفي مقابلة مع «لو نوفيل أوبسيرفاتور» أوضح‬ ‫تاردي كاتب قصة «أديل بالن سيك»‪ ،‬إنه يستغرب‬ ‫منحه الوسام رغم أنه منتقد شرس للمؤسسات‬ ‫احلكومية‪ ،‬ووصف منح األوسمة بأنه مضيعة‬ ‫للوقت‪.‬‬

‫وقال إنه ال يعترف إ ّال بتقدير اجلمهور له وال‬ ‫يعنيه أن تقدّر احلكومة ذلك‪ .‬وأعرب كبار كتاب‬ ‫القصص املصورة في فرنسا عن تأييدهم لقرار‬ ‫تاردي‪.‬‬ ‫سبق أن رفض هذا الوسام‪ ،‬كل من جان بول‬ ‫سارتر ولويس أراغون وسيمون دو بوفوار وألبير‬ ‫كامي وغي دو موباسان والشاعران واملغنيان جاك‬ ‫بريل وليو فيريه‪ .‬وحتى جائزة نوبل التي متنح‬ ‫احلائزين عليها شهرة منقطعة النظير ورصيدا‬ ‫ماليا مدى احلياة‪ ،‬رفضها أدباء ومبدعون‪ :‬الكاتب‬ ‫اإليرلندي برنارد شو (رفضها عام ‪ ،)1925‬الشاعر‬ ‫والروائى بوريس باسترناك (رفضها عام ‪،)1958‬‬ ‫الفيلسوف الفرنسي جون بول سارتر (رفضها عام‬

‫‪...)1964‬‬ ‫ومعلوم أن «ظاهرة» رفض اجلوائز الرسمية‬ ‫(أو غير الرسمية) ليست ظاهرة غربية‪ ،‬فقد سبق‬ ‫لكثير من املفكرين واملبدعني العرب أن رفضوا هم‬ ‫أيضا العديد من اجلوائز‪ ،‬نذكر منهم على سبيل‬ ‫املثال ال احلصر‪ :‬املفكر املغربي محمد عابد اجلابري‬ ‫الذي رفض جائزتي الرئيس العراقي صدام حسني‬ ‫والرئيس الليبي معمر القذافي (األولى في أواخر‬ ‫الثمانينات‪ ،‬والثانية في ‪ ،)2002‬الروائي املصري‬ ‫صنع الله إبراهيم الذي رفض جائزة وزارة الثقافة‬ ‫املصرية (‪ ،)2003‬القاص املغربي أحمد بوزفور‬ ‫الذي رفض هو كذلك جائزة املغرب للكتاب التي‬ ‫متنحها وزارة الثقافة املغربية (‪....)2004‬‬


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.