العدد 162

Page 72

‫‪www.araa.sa‬‬

‫وتشــهده دول؛ مثــل‪ ،‬مالــي والنيجــر وتشــاد مــن حــركات تطــرف‬ ‫ومتــرد وانفــات أمنــي‪ ،‬التــي تؤثــر ســلباً علــى املســؤولية ال ُقطرِ َّيــة‬ ‫واجلماعيــة عــن األمــن واالســتقرار اإلقليميــن‪ .‬وقــد اعتمــدت‬ ‫منظومــة الســاحل والصحــراء علــى دعــم االحتــاد اإلفريقــي وبعــض‬ ‫احلكومــات الغربيــة‪ ،‬ذات النفــوذ االســتعماري‪ ،‬علــى أنظمــة احلكــم‬ ‫يف املنطقــة لتضمــن اســتقرارها كحــاالت انتقاليــة‪ّ ،‬إل أنّ القــوى‬ ‫االجتماعيــة واالقتصاديــة املضطربــة يف ليبيــا‪ ،‬بعــد ســقوط‬ ‫القــذايف‪ ،‬كانــت ســبباً يف صعــود امليليشــيات القويــة‪ ،‬التــي مــأت‬ ‫الفــراغ األمنــي يف ليبيــا وجوارهــا‪ .‬ويف ظــل غيــاب النفــوذ السياســي‬ ‫واالقتصــادي للدولــة املركزيــة القويــة‪ ،‬فــإنّ ليبيــا وجيرانهــا كانــوا‬ ‫علــى أهبــةِ االســتعداد لالجنــراف يف خطــر انــدالع موجــات مــن‬ ‫العنــف والصــراع األهلــي والتدهــور االقتصــادي واألمنــي‪.‬‬ ‫يف كل مــن املناطــق الريفيــة واحلضريــة‪ ،‬أدى انعــدام األمــن‬ ‫االقتصــادي الناجــم عــن األزمــات املزمنــة واالفتقــار إلــى البنيــة‬ ‫التحتيــة والوصــول إلــى اخلدمــات األساســية إلــى الفقــر والبطالــة‬ ‫عيــش بديلــة يف معظــم‬ ‫ممــا دفــع النــاس إلــى البحــث عــن ُســبلِ‬ ‫ٍ‬ ‫احلــاالت‪ ،‬يقــول برينســي ماريــن جــورج‪ ،‬الباحــث يف معهــد دراســات‬ ‫الدفــاع والتحليــل‪ ،‬نيودلهــي‪ ،‬الهنــد‪ ،‬يف دراســة لــه نُ ِشــ َرت يف ‪14‬‬ ‫أغســطس ‪2012‬م‪ ،‬إن هــذا يــؤدي إلــى املشــاركة يف أنشــطة غيــر‬ ‫مشــروعة واســعة االنتشــار‪ .‬لقــد م ّكنــت املناطــق غيــر املنظمــة‪،‬‬ ‫أو "الرماديــة"‪ ،‬ال ســيما يف منطقــة الســاحل الغربــي‪ ،‬مــن انتشــار‬ ‫الشــبكات اإلرهابيــة واجلرميــة املنظمــة وتهريــب األســلحة والبشــر‬ ‫واملــاس واألســلحة‪ .‬غســل األمــوال نتيجــة االجتــار باملخــدرات هــو‬ ‫أيضــاً مصــدر قلــق كبيــر‪ .‬مــن املعــروف أنّ كارتــات املخــدرات يف‬ ‫أمريــكا الالتينيــة تســتخدم املنطقــة لنقــل املنتجــات مبــا يف ذلــك‬ ‫الكوكايــن والهيرويــن وامليثامفيتامــن‪ ،‬علــى طــول الطــرق الســرية‬ ‫القائمــة يف غــرب إفريقيــا وعبــر األراضــي غيــر اخلاضعــة للرقابــة‬ ‫يف موريتانيــا ومالــي والنيجــر‪ ،‬مــن بــن أمــور أخــرى‪ .‬باســتخدام‬ ‫املنطقــة لنقــل املنتجــات إلــى أوروبــا الغربيــة‪ ،‬أوجــدت الكارتــات‬ ‫طلب ـاً جديــداً يف املنطقــة نفســها‪ .‬مــن أجــل تأمــن طرقهــم وحمايــة‬ ‫أعمالهــم‪ ،‬يوظــف مهربــو املخــدرات احملترفــون أشــخاصاً محليــن‬ ‫علــى درايــة باملنطقــة‪ .‬وتُسـ ِّهل املنطقــة أيضـاً حركــة املهاجريــن غيــر‬ ‫الشــرعيني مــن أجــزاء مــن إفريقيــا إلــى أوروبــا‪ ،‬ممــا يــؤدي إلــى‬ ‫انتشــار املتاجريــن بالبشــر‪.‬‬ ‫شــهدت البلــدان املجــاورة تدفقــاً لالجئــن واملهاجريــن ألســباب‬ ‫اقتصاديــة عائديــن مــن ليبيــا‪ .‬باإلضافــة إلــى اســتثمارات ليبيــا‬ ‫الكبيــرة ودعمهــا االقتصــادي املباشــر لبلــدان مثــل تشــاد ومالــي‬ ‫والنيجــر خــال التســعينيات‪ ،‬اجتــذب االقتصــاد الليبــي القــوي أيضـاً‬ ‫العمــال مــن هــذه البلــدان‪ .‬بعــد ســقوط حكومــة القــذايف‪ ،‬جتــاوز عدد‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪162‬‬ ‫يونيـــــــــو ‪2021‬‬

‫‪77‬‬

‫ملف العدد‬

‫العائديــن مــن ليبيــا ‪ ،209030‬منهــم ‪ 95760‬يف النيجــر‪ ،‬و‪ 82433‬يف‬ ‫تشــاد‪ ،‬و‪ 11230‬يف مالــي‪ ،‬و‪ 780‬يف موريتانيــا‪ .‬إن تدفــق العائديــن‬ ‫املصابــن بصدمــات نفســية وفقـ ًرا لــم يخــل بالهيــاكل االجتماعيــة يف‬ ‫البلــدان املســتقبلة فحســب‪ ،‬بــل أ ّثــر أيض ـاً علــى الوضــع اإلنســاني‬ ‫يف البلــدان‪ ،‬التــي تواجــه بالفعــل أزمــات الغــذاء‪ ،‬والفقــر‪ ،‬والبطالــة‪،‬‬ ‫ومحدوديــة الوصــول إلــى اخلدمــات االجتماعيــة‪ ،‬ومؤسســات الدولــة‬ ‫الضعيفــة‪ ،‬واألمــراض واألوبئــة‪ ،‬وآثــار الكــوارث الطبيعيــة مثــل‬ ‫اجلفــاف‪ .‬كانــت هجــرة اليــد العاملــة إلــى ليبيــا مبثابــة مصــدر رئيــس‬ ‫للدخــل لتنميــة املجتمعــات املجــاورة‪ ،‬وأ ّدى فقــدان التحويــات إلــى‬ ‫أثـ ٍـر ســلبي علــى هــذه البلــدان‪.‬‬

‫الطوارق ومايل ‪:‬‬

‫ســعى الطــوارق إلــى احلكــم الذاتــي يف منطقــة الســاحل‪ ،‬منــذ أوائــل‬ ‫القــرن العشــرين‪ ،‬حيــث وقــع التمــرد األول يف شــمال النيجــر ضــد‬ ‫احلكــم االســتعماري الفرنســي‪ ،‬خــال الفتــرة مــن ‪ 1916‬إلــى ‪1917‬م‪،‬‬ ‫وتكـ ّررت بعــده الصراعــات بــن الفرنســيني والطــوارق‪ .‬وحدثــت ثالثة‬ ‫صراعــات رئيســة بــن الطــوارق يف النيجــر ومــا هو اآلن شــمال مالي‪،‬‬ ‫يف الفتــرة مــن ‪ 1962‬إلــى ‪ ،1964‬و‪ ،1995-1990‬و‪2009-2007‬م‪.‬‬ ‫أحــدث مثــال علــى نضالهــم مــن أجــل االســتقالل هــو القتــال املتجــدد‬ ‫ضــد احلكومــة املاليــة مــن قبــل املجموعــة املســماة احلركــة الوطنيــة‬ ‫لتحريــر أزواد ابتــدا ًء مــن ينايــر ‪2012‬م‪ ،‬وكان قــد مت تشــكيلها‪ ،‬يف‬ ‫أواخــر عــام ‪2011‬م‪ ،‬ويقودهــا بشــكل أساســي أعضــاء مــن أقليــة‬ ‫الطــوارق يف مالــي‪ ،‬وكثيــر منهــم كانــوا يف الســابق جــزءاً مــن اجليــش‬ ‫الليبــي خــال عهــد القــذايف‪ ،‬أو قاتلــوا كمرتزقــة يف االنتفاضــة‪ ،‬التــي‬ ‫أطاحــت بحكومــة القــذايف‪ .‬وتزعــم احلركــة الوطنيــة لتحريــر أزواد‬ ‫أ ّنهــا حركــة علمانيــة أيديولوجيــة ومؤيــدة للدميقراطيــة تُقاتــل مــن‬ ‫أجــلِ دولــة ٍ مســتقلة معتــرف بهــا دوليــاً تُســمى أزواد؛ وهــو اســم‬ ‫الطــوارق للمناطــق الثــاث‪ :‬متبكتــو وغــاو وكيــدال يف شــمال مالــي‪.‬‬ ‫لقــد كان شــمال مالــي مبثابــة حالــة أوليــة مــن االرتــدادات غيــر‬ ‫املتوقعــة لثــورات الربيــع العربــي‪ ،‬إذ أ ّدى تدفــق الطــوارق املســلحني‬ ‫جيــداً إلــى هــذه املنطقــة يف أعقــاب ســقوط حكومــة القــذايف إلــى‬ ‫تعزيــز احلركــة الوطنيــة لتحريــر أزواد‪ ،‬وســمح لهــا مبواجهــة اجليــش‬ ‫املالــي الســيئ التجهيــز يف شــمال البــاد يف ينايــر ‪2012‬م‪ .‬ومــع‬ ‫اشــتداد االشــتباكات‪ ،‬فــإن ســوء إدارة احلكومــة املتصــورة مــن‬ ‫حالــة الطــوارق يف الشــمال قــاد مجموعــة ســاخطني مــن اجلنــود‬ ‫لتدبيــر انقــاب واالســتيالء علــى الســلطة يف باماكــو‪ .‬وتخلّــى عــدد‬ ‫مــن ضبـ ِ‬ ‫ـاط اجليــش الشــباب عــن مواقعهــم يف الشــمالِ املُضطــرب‬ ‫وانتقلــوا إلــى اجلنــوب لدعــم االنقــاب يف باماكــو‪ ،‬فتق ّدمــت احلركــة‬ ‫الوطنيــة لتحريــر أزواد بســرعة لالســتيالء علــى املناطــق‪ ،‬التــي تخلّــى‬ ‫عنهــا اجليــش‪ .‬بحلــول أول أبريــل ‪2012‬م‪ ،‬ســيطرت احلركــة الوطنيــة‬


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.