مجلة آراء حول الخليج العدد رقم 195

Page 1



‫‪218‬‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫وقفة‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫تحالف دول المنطقة لحماية البحر األحمر‬

‫جمال أمني همام*‬

‫كشــفت أزمــات حــرب غــزة‪ ،‬وخنــق املالحــة الدوليــة يف البحــر األحمــر‪،‬‬ ‫والتصعيــد يف القــرن اإلفريقــي عــن تشــابك جديــد يف معــادالت العالقــات‬ ‫اإلقليميــة والدوليــة‪ ،‬وحتويــل املنطقــة إلــى ســاحة للصــراع الدولــي واإلقليمــي‪،‬‬ ‫وأكــد الصــراع الدائــر رحــاه يف املنطقــة أوهــام مــا يســمى احتــرام القانــون‬ ‫الدولــي وحقــوق اإلنســان‪ ،‬وكذلــك أكــد ســقوط املواثيــق والتشــريعات الدوليــة‬ ‫التــي أقرهــا العالــم بعــد أن حطــت احلــرب العامليــة الثانيــة أوزارهــا عــام‬ ‫‪1945‬م‪ ،‬تلــك املواثيــق التــي قامــت عليهــا األمم املتحــدة ومجلــس األمــن‬ ‫الدولــي‪ ،‬وثبــت مبــا ال يــدع مجـااًلا للشــك أن مــن أســقط هــذه املواثيــق وضرب‬ ‫نَصبــت نفســها‬ ‫بالقانــون الدولــي عــرض احلائــط هــي الــدول الكبــرى التــي َ‬ ‫وصيــة علــى العالــم عنــد تشــكيل األمم املتحــدة التــي بشــرت حينئــذ بالعالــم‬ ‫احلــر الــذي يحتكــم ملبــادئ القانــون واحلريــة والعدالــة بعــد انتهــاء احلــرب‬ ‫الكونيــة الثانيــة‪ ،‬وفشــل اجملتمــع الدولــي القائــم آنــذاك يف حمايــة العالــم‬ ‫مــن األطمــاع واحلــروب التــي راح ضحيتهــا ماليني األبريــاء‪ ،‬ومــن املفارقــات‬ ‫مــا نــراه اآلن ومــا تقــوم بــه أمريــكا التــي أطلقــت علــى نفســها زعيمــة العالــم‬ ‫احلــر واســتضافت علــى أراضيهــا مقــر منظمــة األمم املتحــدة والعديــد مــن‬ ‫ورَســمت نفســها ضمــن الــدول اخلمــس الكبــار األوصيــاء علــى العالــم‬ ‫فروعهــا َ‬ ‫وأصحــاب حــق الفيتــو‪ ،‬هــي التــي تعمــل اآلن ضــد املبــادئ التــي نــادت‬ ‫بهــا‪ ،‬وهــي التــي جعلــت مــن الفيتــو أداة لقمــع الشــعوب ونصــر الظلــم و‬ ‫اضطهــاد العدالــة‪ ،‬ودهــس حقــوق اإلنســان بحــذاء الكاوبــوي راعــي البقــر‬ ‫األمريكــي‪ ،‬فأمريــكا ترفــض يف هــذه الظــروف الصعبــة علــى الفلســطينيني‬ ‫دفــع حصتهــا لوكالــة األمم املتحــدة لغــوث وتشــغيل الالجــئني الفلســطينيني‬ ‫(األونــروا) وهــي تابعــة لألمم املتحــدة بزعــم أنهــا تضــم أو تــأوي عناصــر مــن‬ ‫حمــاس اســتجابة لطلــب إســرائيل التــي تريــد إحــكام قبضتهــا علــى املشــردين‬ ‫الفلســطينيني الذيــن تقتلهــم وتلقــي بهــم يف العــراء آلــة احلــرب اإلســرائيلية‬ ‫الغاــشمة‪.‬‬ ‫مواقــف أمريــكا والغــرب املتناقضــة واملنحــازة إلســرائيل جهــا ً​ًرا‪ ،‬و باللعــب‬ ‫يف اخلفــاء مــع مــن يطلقــون علــى أنفســهم أعــداء إســرائيل يف املنطقــة ويف‬ ‫مقدمتهــم إيــران وأذرعهــا العســكرية‪ ،‬تــؤدي إلــى تــأزمي املنطقــة واالنتقــال مــن‬

‫أزمــة إلــى أخــرى‪ ،‬بــل نســيان األزمــات القائمــة والبحــث عــن حلــول لألزمــات‬ ‫اجلديــدة‪ ،‬وهــذه هــي السياســة األمريكيــة واإلســرائيلية منــذ نشــأة إســرائيل‬ ‫عــام ‪1948‬م‪ ،‬وحتــى اآلن فمــن قــرار التقســيم‪ ،‬إلــى محــاوالت إعــادة الالجــئني‬ ‫الفلســطينيني‪ ،‬إلــى زراعــة املســتوطنات‪ ،‬وبنــاء جــدار الفصــل العنصــري‬ ‫إلعاقــة قيــام الدولــة الفلســطينية‪ ،‬إلــى املطالبــة بحــل الدولــتني‪ ،‬وانتهــى‬ ‫األمــر أخيـ ً​ًرا للمطالبــة بإيقــاف حــرب غــزة‪ ،‬وبالتــوازي حتويــل أنظــار العالــم‬ ‫مــن حــرب غــزة إلــى أزمــة البحــر األحمــر والقــرن اإلفريقــي‪ ،‬وتؤكــد الدالئــل‬ ‫علــى أن أمريــكا ضالعــة بشــكل أو آخــر يف قصــف الســفن يف البحــر األحمــر‬ ‫ســواء بدعــم حــرب اإلبــادة اإلســرائيلية علــى غــزة التــي تعطــي املبــرر للهجــوم‬ ‫علــى املالحــة يف البحــر األحمــر‪ ،‬أو بغــض الطــرف عــن احلوثــيني ألكثــر‬ ‫مــن ‪ 10‬ســنوات والتغاضــي عــن توثيــق عالقاتهــم مــع إيــران‪ ،‬وغــض الطــرف‬ ‫ً‬ ‫أيًضــا عــن وصــول األســلحة اإليرانيــة للحوثــيني عبــر مينــاء احلديــدة‪ ،‬هــذا‬ ‫املينــاء الــذي رفضــت أمريــكا أن يقــوم التحالــف العربــي لدعــم الشــرعية يف‬ ‫اليمــن بتحريــره مــن قبضــة احلوثــيني‪ ،‬ويتضــح مــن كل ذلــك أن أمريــكا تريــد‬ ‫تفريــغ غــزة والقضــاء علــى القضيــة الفلســطينية‪ ،‬ويف الوقــت نفســه تريــد‬ ‫بقــاء احلوثــيني يف اليمــن ليكونــوا ورقــة علــى مائــدة املفاوضــات األمريكيــة ـــ‬ ‫اإليرانيــة‪ ،‬وتســعى واشــنطن مــن وراء ذلــك ً‬ ‫أيًضــا للتواجــد العســكري طويــل‬ ‫األجــل يف البحــر األحمــر الــذي تعمــل علــى عســكرته منــذ فتــرة ثــم أتــت‬ ‫بتحالــف حــارس االزدهــار ليضفــي الشــرعية علــى هــذا التواجــد‪ ،‬ودوره املعلــن‬ ‫حال�يـًا هــو الــرد علــى الصواريــخ والطائــرات املســيرة التــي تطلقهــا جماعــة‬ ‫احلوثــي وجميعهــا إيرانيــة الصنــع‪.‬‬ ‫وبنــا ً​ًء علــى ذلــك ال تريــد أمريــكا إيقــاف احلــرب اإلســرائيلية علــى غــزة‪ ،‬وال‬ ‫تريــد اســتئصال اخلطــر احلوثــي‪ ،‬وال تريــد ضــرب األذرع العســكرية إليــران‬ ‫فــكل ذلــك يعطيهــا املبــرر لعســكرة البحــر األحمــر والقــرن اإلفريقــي ملواجهــة‬ ‫الــصني وروســيا وتقطيــع أواصــر مبــادرة احلــزام والطريــق الصينيــة التــي‬ ‫متــر بالبحــر األحمــر‪ ،‬أي أن واشــنطن تطبــق نظريــة (ال ميــوت الذئــب وال‬ ‫تفنــى الغنــم) فتظــل إســرائيل صاحبــة اليــد العليــا وطــي صفحــة القضيــة‬ ‫الفلســطينية‪ ،‬وتظــل إيــران وأذرعهــا يقومــون بــدور احمللــل للوجــود األمريكــي‬ ‫يف املنطقــة وعســكرة البحــر األحمــر والقــرن اإلفريقــي‪ ،‬ويأتــي ذلــك بالتزامــن‬ ‫مــع إجنــاح طريــق الهنــد ـــ أوروبــا مــرو ً​ًرا بإســرائيل لتوجيــه الضربــة القاضيــة‬ ‫ملبــادرة احلــزام والطريــق الصينيــة‪.‬‬ ‫واحلــل األمثــل يف املرحلــة الراهنــة هــو تشــكيل وتفعيــل حتالــف وثيــق مــن‬ ‫الــدول العربيــة واإلفريقيــة املتشــاطئة علــى البحــر األحمــر لتــأمني املنطقــة‬ ‫وثبيــت قواعــد عــدم االنحيــاز وعــدم االجنــرار وراء االســتقطاب يف الصــراع‬ ‫األمريكــي‪ /‬الصينــي ـــ الروســي الــذي يســتهدف اســتقرار وأمــن املنطقــة‪،‬‬ ‫وــضرب املــمرات املائــية العربــية وحتوــيل ــخط ــسير حرــكة التــجارة العاملــية‪.‬‬ ‫*مدير التحرير‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫اصدارات‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪217‬‬

‫تنافس القوى يف إقليم البحر األحمر‬ ‫آراء حول الخليج‪ :‬جدة‬ ‫صــدر مؤخ ـ ً​ًرا كتــاب بعنــوان (تنافــس القــوى يف إقليــم البحــر األحمــر) للمؤلــف األســتاذ‬ ‫الدكتــور كاظــم هاشــم نعمــة‪ ،‬أســتاذ العالقــات الدوليــة‪ ،‬وصــدر عــن املعهــد الدبلوماســي‬ ‫بدولــة قطــر وصــدر الكتــاب يف دولــة قطــر مــع نهايــة العــام املنصــرم ‪2023‬م‪ ،‬وجــاء يف‬ ‫‪ 588‬صفحــة وتضمــن خمســة فصــول رئيســية‪ ،‬وتصــدر الكتــاب تقــدمي للســفير الدكتــور‬ ‫عبــد العزيــز بــن محمــد احلــر مديــر املعهــد الدبلوماســي بدولــة قطــر‪ ،‬ومقدمــة مــن املؤلــف‬ ‫نفســه حــول مضمــون الكتــاب‪ ،‬وقــال الســفير احلــر ‪:‬تنصــرف هــذه الدراســة إلــى منطقــة‬ ‫البحــر األحمــر ـــ القــرن اإلفريقــي كونهــا متثــل إقلي ً​ًمــا بــذي خصائــص جيواســتراتيجية‬ ‫وجيواقتصاديــة شــرعت القــوى العامليــة والكبــرى واحمليطــة والســاحلية بالتدافــع عليــه‬ ‫وفيــه بعــد نهايــة احلــرب البــاردة‪ ،‬ويجــري التنافــس بني القــوى موزعــة علــى أنســاق‬ ‫جيوبوليتيكيــة ‪ .‬فبعدمــا كان التنافــس يقتصــر علــى القــوتني العظمــتني النوويــتني‬ ‫األيدولوجيــتني الواليــات املتحــدة واالحتــاد الســوفيتي علــى الصعيــد الكونــي وبني الــدول‬ ‫العربيــة وإســرائيل علــى الصعيــد اإلقليمــي يف مرحلــة احلــرب البــاردة غــدى اإلقليــم‬ ‫ـرًحا للتنافــس بني قــوى موزعــة علــى نســق أربعــة منفصلــة ذات عالقــات ديناميكيــة‬ ‫مسـ ً‬ ‫متــشابكة تفــيض فيــها تــطورات يف سياــسية واــستراتيجية‪.‬‬ ‫فبعــد احلــرب البــاردة اســتبدل الــدور الســوفيتي بالــدور الصينــي تدريج ً​ًيــا وبعدمــا كان التنافــس أيدولوج ً​ًيــا ‪ /‬أمن ً​ًيــا ‪/‬‬ ‫عســكر ً​ًيا بــات جيوبوليتيك ً​ًيــا وجيــو اقتصاد�يـًا‪ ،‬فالــصني تزاحــم أمريــكا عبــر مبــادرة احلــزام والطريــق واندفعــت اليابــان‬ ‫مببــادرة اقتصاديــة وحضــور عســكري يف جيبوتــي وتبعتهــا الهنــد بإيقــاع أبطــأ ومجــال أضيــق‪ ،‬ولــم تكــن روســيا بعيــدة بــل‬ ‫تــسعى الــستعادة إرثــها ــمن احلـحرب الــباردة يف املنطــقة‪.‬‬ ‫وعلــى املســتوى اإلقليمــي انخرطــت تركيــا يف إقليــم البحــر األحمــر وإفريقيــا وصعــدت إيــران مــن دورهــا لكســر طــوق عزلتهــا‬ ‫الدوليــة وأصبــح لهــا حضــور أمنــي عنــد مضيــق بــاب املنــدب‪ ،‬أمــا الــدول الســاحلية فبدورهــا تفاعلــت مــع مراحــل التنافــس‬ ‫بسياســات رد فعــل ال فعــل حســبما متليــه عليهــا بيئتهــا الداخليــة وعالقاتهــا مــع جيرانهــا‪.‬‬ ‫وتأتــي هــذه الدراســة بفصولهــا اخلمســة علــى حتليــل ديناميكيــة عالقــات التنافــس املتداخلــة بني قــوى األقــواس األربعــة‪،‬‬ ‫فيذهــب الفصــل األول إلــى دراســة املصالــح واألهــداف واالســتراتيجيات للواليــات املتحــدة‪ ،‬والفصــل الثانــي يتنــاول معاجلــة‬ ‫قضايــا املنطقــة مــن منظــور صينــي والفصــل الثالــث يتنــاول دور روســيا واليابــان والهنــد كقــوى الطــوق الثانــي املســتقلة يف‬ ‫سياســاتها واملتفاعلــة مــع تنافــس قــوة الطــوق األول‪ ،‬ويتنــاول الفصــل الرابــع قــوى الطــوق احمليطــي ويضــم تركيــا وإيــران‬ ‫وقطــر واإلمــارات‪ ،‬ويبحــث الفصــل اخلامــس واألخيــر يف سياســية القــوى الــثالث يف املنطقــة وهــي مصــر والســعودية‬ ‫وإــسرائيل ــمع حتلــيل للتناــفس عــلى صياــغة هــيكل أــمن إقليــمي ــشامل ‪.‬‬ ‫وجــاء الفصــل األول حتــت عنــوان (السياســة األمريكيــة حيــال إقليــم البحــر األحمــر) والفصــل الثانــي جــاء حتــت عنــوان‬ ‫(السياســة الصينيــة حيــال البحــر األحمــر والقــرن اإلفريقــي) والفصــل الثالــث حتــت عنــوان (روســيا ـــ اليابــان ـــ الهنــد)‬ ‫والفصــل الرابــع حتــت عنــوان (قــوى الطــوق إلقليــم البحــر األحمــر والقــرن اإلفريقــي) والفصــل اخلامــس جــاء حتــت عنــوان‬ ‫(اــلدول الــساحلية إلقلــيم البــحر األحــمر)‬


‫‪216‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫االتف ــاق ط ــرح توحي ــد كيان ــات الدول ــة الصومالي ــة بم ــا ق ــد ي ــؤدي‬ ‫إىل التواف ــق بي ــن الحكوم ــة الفيدرالي ــة وح ــركات المعارض ــة الصومالي ــة‬ ‫خالل إجبــار الطــرفني املوقــعني علــى االتفاقيــة بعــدم اســتكمالها‪.‬‬

‫الطاقــة املولــدة مــن املشــروعات املائيــة اإلثيوبيــة‪.‬‬

‫فمــثاًلا ‪ ،‬لــم يحقــق التحالــف الدولــي الــذي تقــوده الواليــات املتحــدة‬ ‫نتائــج جديــة نحــو احلــد مــن قــدرات احلوثــيني علــى مهاجمــة املالحــة‬ ‫يف البحــر األحمــر‪.‬‬

‫جناًحــا كبي ـ ً​ًرا يف مســار اســتراتيجيتها‬ ‫يف اإلجمــال‪ ،‬حققــت إثيوبيــا‬ ‫ً‬ ‫نحــو الوجــود يف البحــر األحمــر‪ ،‬واملآالت النهائيــة لهــذا االتفــاق‬ ‫ســتكون نتــاج الصــراع بني املصالــح املتناقضــة يف منطقــة القــرن‬ ‫اإلفريقــي والبحــر األحمــر ومــا ينتــج مــن هــذا الصــراع مــن تأثيــرات‬ ‫علــى اســتقرار األوضــاع السياســية واألمنيــة يف تلــك املنطقــة‬ ‫االســتراتيجية‪.‬‬

‫ويرجــح يف حــال عــودة القرصنــة مــرة أخــرى وحتالــف التنظيمــات‬ ‫اإلرهابيــة يف منطقــة القــرن اإلفريقــي مــع جماعــة احلوثــيني خاصــة‬ ‫يف ضــوء ورود مؤشــرات حــول ســعي جماعــة احلوثــي لالســتعانة‬ ‫بتنظيــم القاعــدة لتهديــد املالحــة يف البحــر األحمــر وخليــج عــدن‬ ‫وقــد متتــد آثــاره إلــى مناطــق مالحيــة أخــرى‪ ،‬فــإن اجملتمــع الدولــي‬ ‫ســيتجه إلــى إحــداث تســوية لعــدم نفــاذ االتفــاق واحتــواء آثــاره‬ ‫الســلبية لتهدئــة الوضــع يف منطقــة القــرن اإلفريقــي واملدخــل‬ ‫اجلنوبــي للبحــر األحمــر‪.‬‬ ‫أمــا املســار الثالــث فيتمثــل يف قــدرة اجملتمــع الدولــي علــى حتمــل‬ ‫اخملاطــر الناجتــة عــن االتفــاق والتكيــف معهــا وقــدرة إثيوبيــا علــى‬ ‫احلــد مــن تأثيراتــه علــى األمــن واالســتقرار يف املنطقــة وعلــى أمــن‬ ‫املالحــة يف البحــر األحمــر‪.‬‬ ‫ويرجــح وفــق هــذا املســار أن يتجــه اجملتمــع الدولــي نحــو إيجــاد‬ ‫تســوية إليجــاد منفــذ بحــري إلثيوبيــا علــى البحــر األحمــر وذلــك‬ ‫مبحاولــة إرضــاء األطــراف املتضــررة مــن االتفــاق ســواء بوقــف‬ ‫االعتــراف اإلثيوبــي بــأرض الصومــال أو بتعزيــز املكاســب الصوماليــة‬ ‫مبشــاركتها يف صياغــة جديــدة لالتفــاق تتيــح لهــا احلصــول علــى‬ ‫مكاســب ماديــة مــع الدعــم املالــي والسياســي للصومــال‪ ،‬مــع توظيــف‬ ‫إثيوبيــا لعوامــل اإلغــراء وتشــبيك مصالــح دول املنطقــة معهــا ومنهــا‬

‫ومــن ناحيــة أخــرى يخــدم االتفــاق علــى مصالــح طــريف االتفــاق‬ ‫االســتراتيجية وقــوى أخــرى إقليميــة ودوليــة ترى يف الوجــود اإلثيوبي‬ ‫يف البحــر األحمــر مبــا يخــدم مصاحلهــا ويدفــع نحــو إيجــاد تســوية‬ ‫ترضــي كافــة األطــراف املرتبطــة باألزمــة ومنهــا الدولــة الصوماليــة‬ ‫خاصــة موقفهــا مــن االعتــراف بــأرض الصومــال والتــي قــد تتخلــى‬ ‫مؤقًتًــا عــن االعتــراف بهــا نتيجــة الضغــوط الدوليــة علــى إثيوبيــا‬ ‫يف هــذا الشــأن وحجــم املزايــا االقتصاديــة التــي قــد حتصــل عليهــا‬ ‫واحلمايــة التــي قــد توفرهــا لهــا إثيوبيــا‪ ،‬ومبــا يحــد جزئ�يـًا مــن اآلثــار‬ ‫الســلبية لهــذا االتفــاق علــى االســتقرار يف منطقــة القــرن اإلفريقــي‬ ‫وأــمن املالــحة يف البــحر األحــمر‪.‬‬

‫*باحث متخصص يف قضايا أمن املمرات املالحية والشأن اإلفريقي‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪215‬‬

‫ملف العدد‬

‫تصاعــد الصــراع بيــن الصومــال وإثيوبيــا قــد يزيــد مــن تهديــد المالحــة‬ ‫يف البح ــر األحم ــر وخلي ــج ع ــدن بجان ــب جماع ــة الحوثيي ــن يف اليم ــن‬ ‫الصومالــي بتاريــخ هــذا الصــراع خاصــة أن إثيوبيــا حتتــل بالفعــل‬ ‫إقليــم أوجاديــن الصومالــى‪ ،‬وللدولتــان تاريــخ مــن الصــراع والتنافــس‬ ‫اإلقليمــي يف منطقــة القــرن اإلفريقــي ومبــا قــد يــؤدي إلــى دعــم‬ ‫التوجهــات الصوماليــة احلكوميــة جتــاه هــذا االتفــاق‪.‬‬ ‫بروز حركات انفصالية داخل الصومال أو يف القرن اإلفريقي‪.‬‬ ‫ســلطت االتفاقيــة الضــوء علــى االنقســامات والتطلعــات العميقــة‬ ‫داخــل مجتمــع أرض الصومــال واماكــن أخــرى يف الصومــال‪ ،‬وقــد‬ ‫يــؤدي االتفــاق يف حــال نفــاذه إلــى تأجيــج الصراعــات العشــائرية‬ ‫داخــل الصومــال خاصــة أن بعضهــا لــه تطلعــات نحــو تكويــن كيــان‬ ‫خــاص بــه‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أيًضــا أعــاد االتفــاق طــرح توحيــد كيانــات الدولــة الصوماليــة التــي‬ ‫تســعى إلــى االنفصــال أو احلكــم الذاتــي علــى أولويــات متخــذ القــرار‬ ‫الصومالــي‪ ،‬ومبــا قــد يــؤدي إلــى التوافــق بني احلكومــة الفيدراليــة‬ ‫وحــركات املعارضــة الصوماليــة جتــاه التحــدي اإلثيوبــي‪.‬‬ ‫وفـ ً‬ ‫ـضًال عــن االنقســامات الــواردة يف الصومــال فقــد يــؤدي االتفــاق‬ ‫إلــى بــروز حــركات انفصاليــة تــؤدي إلــى حــدوث انقســامات يف‬ ‫املنطقــة‪ ،‬وتكــرار النمــوذجني اإلريتــري واجلنــوب ســوداني‪ ،‬لذلــك‬ ‫قــد تكثــف بعــض القــوى الدوليــة جهودهــا يف الضغــط علــى إثيوبيــا‪،‬‬ ‫للحفــاظ علــى االســتقرار يف القــرن اإلفريقــي‪.‬‬ ‫اخملاطــر االقتصاديــة علــى دول منطقــة القــرن اإلفريقــي وقــوى‬ ‫أخــرى‬ ‫بالنســبة لــدول القــرن اإلفريقــي والتــي ترتبــط مصاحلهــا باملنطقــة‬ ‫وبحســب صحيفــة نيويــورك تاميــز األمريكيــة جنــد أن إريتريــا‬ ‫وجيبوتــي والصومــال سيشــعرون بالقلــق مــن وجــود إثيوبيــا البحــري‬ ‫الكبيــر يف البحــر األحمــر وخليــج عــدن االســتراتيجيني‪ ،‬فجيبوتــي‬ ‫ستشــعر بالقلــق خاصــة أن فقــد حوالــي ‪ 1.5‬مليــار دوالر ســنويًاً مــن‬ ‫إثيوبيــا الســتخدام موانئهــا قــد يــؤدي إلــى عــدم اســتقرار حكومــة‬ ‫الرئيــس إســماعيل عمــر جيلــه‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أيًضــا فمينــاء بربــرة يؤثــر علــى الــدول األخــرى التــي تقــدم خدمــات‬ ‫املوانــئ للســفن املتجهــة إلــى قنــاة الســويس‪ ،‬وهنــاك حــرب تــدور اآلن‬ ‫بني دول املنطقــة بخصــوص هــذه املســألة خاصــة وأن هــذا املينــاء قــد‬ ‫يــؤدي خلصــم نســبة مــن حصــص املوانــئ األخــرى التــي تقــدم هــذه‬ ‫اخلدمــات للســفن املارة بقنــاة الســويس وهــذا جانــب اقتصــادي يقــدر‬ ‫بعشــرات املليــارات مــن الــدوالرات ســنويًاً"‪.‬‬

‫خامًســا‪ :‬املســارات والتأثيــرات احملتملــة لالتفــاق بني إثيوبيــا وأرض‬ ‫ً‬ ‫الصومــال‬ ‫بتحليــل خريطــة املصالــح والــدول املتضــررة مــن هــذا االتفــاق فقــد‬ ‫يواجــه االتفــاق بني إثيوبيــا وأرض الصومــال ثالثــة مســارات‪ ،‬ويتمثــل‬ ‫املســار األول‪ :‬يف أن يحــدث مــا يطلــق عليــه فــرض أمــر واقــع أمــام‬ ‫اجملتمــع الدولــي يتعامــل معــه ولكنــه ال يعتــرف بــه‪ ،‬وذلــك بنــا ً​ًء علــى‬ ‫عــدم وجــود ضــرر واقعــي يحتــم التعامــل معــه وأن تطغــي حســابات‬ ‫املصاــلح ــمع إثيوبــيا وكاــفة األــطراف املتعلــقة بتــلك األزــمة‪.‬‬ ‫وتتمثــل العوامــل املرجحــة لهــذا املســار واملتعلقــة بنفــاذ االتفــاق يف‬ ‫إنــه رغــم كــون أرض الصومــال كيــان غيــر معتــرف بــه إال إنــه واقعيــا‬ ‫العديــد مــن دول العالــم تتعامــل مــع اإلقليــم حتقي ً​ًقــا ملصاحلهــم يف‬ ‫املنطقــة ومبــا يضيــف إلــى عوامــل الدعــم لالتفــاق بني إثيوبيــا وأرض‬ ‫الصومــال‪.‬‬ ‫فقــد قــام وفــد مــن االحتــاد األوروبــي مبراقبــة االنتخابــات األخيــرة‬ ‫التــي متــت يف أرض الصومــال‪ ،‬وتهنئتــه علــى إجــراء االنتخابــات‬ ‫بنجــاح‪ ،‬يشــير إلــى أن املواقــف السياســية لتلــك الــدول تتعامــل مــع‬ ‫الواقــع القائــم والــذي قــد يحقــق مصاحلهــا‪.‬‬ ‫كذلــك متــت زيــارة عــدة دول ألرض الصومــال و القيــام بعقــد صفقات‬ ‫تكريًســا لالنقســام الصومالــي ومــن ذلــك‪:‬‬ ‫جتاريــة معهــا ومبــا يعــد‬ ‫ً‬ ‫ســجلت زيــارات متبادلــة بني املســؤولني يف كينيــا وأرض الصومــال‬ ‫خالل الفتــرات املاضيــة‪ ،‬ويتحــرك الصوماليــون بجــوازات تابعــة‬ ‫ألرض الصومــال إلــى جميــع أنحــاء العالــم مــن دون أي عقبــات‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أيًضــا وإفريق�يـًا‪ ،‬جنــد أن منظمــة اإليجــاد "الهيئــة احلكوميــة للتنميــة"‬ ‫رفضــت االنحيــاز‪ ،‬ودعــت األطــراف إلــى ضبــط النفــس والتعــاون مــن‬ ‫أجــل التوصــل إلــى حــل ســلمي وودي‪ ،‬بينمــا دعــا رئيــس مفوضيــة‬ ‫االحتــاد اإلفريقــي “موســى فقيــه” يف بيــان إلــى التهدئــة واالحتــرام‬ ‫املتبــادل‪ ،‬مــع ذكــر ضــرورة احتــرام وحــدة وســيادة األراضــي‬ ‫والســيادة الكاملــة جلميــع الــدول األعضــاء يف االحتــاد اإلفريقــي دون‬ ‫إدانــة واضحــة لالتفــاق‪ ،‬ومبــا يوضــح حجــم النفــوذ اإلثيوبــي داخــل‬ ‫املؤسســات اإلفريقيــة‪.‬‬ ‫أمــا املســار الثانــي فيتمثــل يف أن تكــون اخملاطــر الناجتــة مــن هــذا‬ ‫االتفــاق أكبــر مــن قــدرة إثيوبيــا وأرض الصومــال ودول العالــم علــى‬ ‫احتوائهــا ومبــا يــؤدي إلــى عــدم نفــاذ االتفــاق‪ ،‬وتعــد العوامــل املرجحة‬ ‫لهــذا املســار يف حجــم اخملاطــر التــي ســينتجها هــذا االتفــاق ملنطقــة‬ ‫القــرن اإلفريقــي وأمــن املالحــة يف البحــر األحمــر والعالــم‪ ،‬ومبــا‬ ‫قــد يــؤدي إلــى تدخــل القــوى اخملتلفــة للحــد مــن تلــك اخملاطــر‪ ،‬مــن‬

‫يــؤدي االتفــاق يف حــال نفــاذه لتأجيــج الصراعــات العشــائرية داخــل‬ ‫الصومــال خاصــة أن بعضهــا لــه تطلعــات نحــو تكويــن كيــان خــاص بــه‬


‫‪214‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫إثيوبيــا تحفــز الجماعــات الجهاديــة يف القــرن اإلفريقــي بحكــم العــداء‬ ‫اــلذي تكــنه التنظيــمات اإلرهابــية النــشطة يف الــقرن اإلفريــقي إلثيوبــي‬ ‫إحيــاء دور املتطــرفني مثــل حركــة الشــباب وداعــش يف منطقــة القــرن‬ ‫اإلفريقي‪.‬‬ ‫تبنــت حركــة الشــباب الصوماليــة والتــي تعــد أبــرز احلــركات‬ ‫املتطرفــة يف داخــل الصومــال وعامــل لعــدم االســتقرار يف منطقــة‬ ‫القــرن اإلفريقــي نفــس املوقــف احلكومــي املتشــدد برفــض االتفــاق‬ ‫األخيــر بني أديــس أبابــا وهارجيســا‪،‬ومن املتوقــع أن تتجلــى تداعيــات‬ ‫هــذه املعارضــة يف توســع العمليــات اإلرهابيــة حلركــة الشــباب‪ ،‬والتــي‬ ‫مــن احملتمــل أن تســتهدف ً‬ ‫كًال مــن أرض الصومــال وإثيوبيــا يف‬ ‫املســتقبل القريــب جــًدًا‪.‬‬ ‫وقــد أشــارت احلركــة إلــى بــطالن االتفــاق‪ ،‬واعتبرتــه مبثابــة عمليــة‬ ‫نهــب وســرقة لثــروات الصومــال‪ ،‬وأنهــا لــن تقبــل باســتيالء إثيوبيــا‬ ‫علــى جــزء مــن األراضــي الصوماليــة‪ ،‬كمــا أنهــا دعــت الشــعب‬ ‫الصومالــي حلمــل الــسالح حملاربــة اإلثيوبــيني للدفــاع عــن بالدهــم‪.‬‬ ‫ويســتخدم هــؤالء املتطرفــون مذكــرة التفاهــم كذريعــة للدفــاع عــن‬ ‫الدولــة الصوماليــة املســلمة مــن اإلثيوبــيني‪ ،‬حيــث تزودهــم بقــوة‬ ‫دافعــة لتعبئــة الشــعب الصومالــي باســم اجلهــاد ضــد مســيحيي‬ ‫إثيوبــيا‪.‬‬ ‫فإثيوبيــا كدولــة مســيحية قــد حتفــز اجلماعــات اجلهاديــة يف القــرن‬ ‫اإلفريقــي والــذي بحكــم العــداء الــذي تكنــه التنظيمــات اإلرهابيــة‬ ‫النشــطة يف القــرن اإلفريقــي جتــاه إثيوبيــا سيكتســب بعــدًاً دينيــً​ًا‬ ‫وسياســيًاً؛ وقــد ميتــد األمــر إلــى مصالــح الــدول التــي تدعمهــا‪ ،‬األمــر‬ ‫الــذي ينــذر بخطــر أكبــر قــد يطــال العديــد مــن دول املنطقــة التــي‬ ‫تعانــي وضعـًاً أمنيـًاً وسياســيًاً واقتصاديـًاً غيــر مســتقر‪ ،‬عالوة علــى‬ ‫مــا متتلكــه التنظيمــات اإلرهابيــة يف املنطقــة مــن قــدرة علــى تنفيــذ‬ ‫عمليــات داخــل العديــد مــن دول املنطقــة‪ ،‬وســبق لهــا بالفعــل تنفيــذ‬ ‫العديــد مــن االســتهدافات يف إثيوبيــا وجيبوتــي وكينيــا وأوغنــدا‪،‬‬ ‫فـ ً‬ ‫ـضًال عــن توطنهــا بالصومــال‪.‬‬ ‫ويف حــال تصاعــد الصــراع بني الصومــال وإثيوبيــا فإنــه قــد يضيــف‬ ‫عــاماًلا آخــر لتهديــد املالحــة يف البحــر األحمــر وخليــج عــدن إلــى‬ ‫جانــب مــا متثلــه جماعــة احلوثــيني والتــي اتخــذت إســرائيل ذريعــة‬ ‫لتهديــد املالحــة يف البحــر األحمــر وأثــرت يف املالحــة يف البحــر‬ ‫األحــمر كــما يتــضح ــمن الــشكل التاــلي‬ ‫حجــم تراجــع ســفن الشــحن عبــر قنــاة الســويس بعــد هجمــات‬ ‫احلوثــيني‬ ‫(املتوسط املتداول لعدد السفن ملدة ‪ 7‬أيام)‬

‫عودة أحداث القرصنة‬ ‫نتــج عــن انهيــار دولــة الصومــال عــام ‪1991‬م‪ ،‬أحــداث قرصنــة يف‬ ‫املدخــل اجلنوبــي للبحــر األحمــر أدت إلــى تكويــن حتالــف دولــى‬ ‫ملواجهتهــا‪ ،‬وقــد تــؤدي الرغبــة يف عــدم نفــاذ االتفــاق باإلضافــة‬ ‫إلــى تدخــل اجلماعــات اإلرهابيــة يف املشــهد إلــى تصاعــد حــاالت‬ ‫القرصنــة مبــا يهــدد املالحــة الدوليــة‪ ،‬يضــاف إلــى ذلــك أن البيئــة‬ ‫الصوماليــة مهيئــة لذلــك املشــهد بســبب اجلفــاف الــذي يعانــى منــه‬ ‫الصومــال منــذ عــدة ســنوات وأدى إلــى نــزوح أكثــر مــن مليونــي‬ ‫شــخص مــن منازلهــم بح ً​ًثــا عــن املاء والغــذاء واملراعــي‪ ،‬هــذه‬ ‫األوضــاع االقتصاديــة املتدهــورة تشــّجّ ع الشــباب علــى االنضمــام‬ ‫للعمــل مــع القراصنــة‪.‬‬ ‫وتزيــد عــودة القرصنــة الصوماليــة الضغــط علــى شــركات الشــحن‬ ‫الدوليــة للتخلــي عــن الطريــق املــؤدي إلــى قنــاة الســويس‪ ،‬وتوجيــه‬ ‫ســفنها حــول طريــق رأس الرجــاء الصالــح‪ ،‬وبالتطبيــق علــى شــركات‬ ‫النفــط فإنــه قــد ترتفــع أســعار النفــط مــع دخــول أوروبــا أشــهر‬ ‫الــشتاء‪ ،‬وزــيادة أــسعار الــشحن‪.‬‬ ‫جتدد الصراع الصومالي ‪ /‬اإلثيوبي‬ ‫ورثــت الصومــال وإثيوبيــا عــداوات وطموحــات قدميــة ولطــاملا كانــت‬ ‫اخلصومــات التاريخيــة بني الطــرفني والرغبــات الوطنيــة واملشــاكل‬ ‫االقتصاديــة والتــدخالت األجنبيــة تشــكل العناصــر اخلطيــرة التــي‬ ‫تذكــى نــار الصــراع بني الدولــتني‪ ،‬باإلضافــة إلــى جــذب الصــراع قوى‬ ‫دوليــة وإقليميــة عديــدة لهــا مصالــح باملنطقــة وخاصــة فيمــا يتعلــق‬ ‫بالبحــر األحمــر وخليــج عــدن‪ ،‬وقــد خاضــت الدولتــان العديــد مــن‬ ‫املصادمــات عبــر احلــدود منهــا املصادمــات التــي حدثــت يف أعــوام‬ ‫‪1961‬م‪1964 ،‬م‪1977 ،‬م‪ ،‬وصــواًلا للتدخــل اإلثيوبــي يف األراضــي‬ ‫الصوماليــة بدعــم أمريكــي واضــح للحــد مــن ســيطرة اجلماعــات‬ ‫املتطرــفة بــها‪.‬‬ ‫وقــد نتــج عــن االتفــاق احلالــي تصاعــد يف الشــعور القومــي لــدى‬ ‫الشــعب الصومالــي‪ ،‬وقــد راهنــت إثيوبيــا علــى الضعــف واالنقســام‬ ‫بني الصومالــيني ومبــا ســيمكن إثيوبيــا مــن جنــاح مخططهــا‪ ،‬إال إنــه‬ ‫واقع�يـًا فقــد تســبب االتفــاق يف لفــت انتبــاه الصومالــيني إلــى األطمــاع‬ ‫اإلثيوبيــة يف األراضــي الصوماليــة‪ ،‬وإعــادة التذكيــر للشــعب‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪213‬‬

‫ملف العدد‬

‫اتف ــاق إثيوبي ــا وأرض الصوم ــال خال ــف القان ــون ال ــدويل وميث ــاق‬ ‫األم ــم المتح ــدة والميث ــاق التأسيس ــي لالتح ــاد اإلفريق ــي‬ ‫اآلخــران همــا داكار يف الســنغال والســخنة يف مصــر)‪ ،‬ثــم يف عــام‬ ‫‪2018‬م‪ ،‬أبرمــت إثيوبيــا اتفاقيــة أخــرى لــم تســتكمل للمشــاركة يف‬ ‫تطويــر مينــاء بربــرة‪ ،‬متتلــك مبوجبهــا موانــئ دبــي العامليــة ‪ %51‬مــن‬ ‫املشــروع‪ ،‬و‪ %30‬لـــموانئ أرض الصومــال‪ ،‬بينمــا تبلــغ حصــة إثيوبيــا‬ ‫‪ ،%19‬ويؤمــن االتفــاق إلثيوبيــا زيــادة تقــدر بنحــو ‪ %30-%25‬مــن‬ ‫النــاجت احمللــي اإلجمالــي‪ ،‬وف ً​ًقــا لدراســة لألمم املتحــدة‪.‬‬ ‫ثال�ثـًا‪ :‬حتديــات االتفــاق اإلثيوبــي مــع أرض الصومــال حــول مينــاء‬ ‫برــبرة‪.‬‬ ‫االتفــاق اإلثيوبــي مــع أرض الصومــال والــذي أطلــق عليــه بأنــه أشــبه‬ ‫بصفقــة مقايضــة بني طــرفني‪ ،‬حيــث اتخــاذ إثيوبيــا خطــوات نحــو‬ ‫االعتــراف بــأرض الصومــال التــي لــم تعتــرف بهــا دول العالــم منــذ‬ ‫إعالن اســتقاللها عــن الصومــال يف عــام ‪1991‬م‪ ،‬واحلصــول علــى‬ ‫مزايــا أخــرى منهــا حصــة يف شــركة الطيــران اإلثيوبيــة الوطنيــة قــدر‬ ‫بـــ ‪ %20‬مــن اخلطــوط اجلويــة اإلثيوبيــة التــي تعــد كبــرى شــركات‬ ‫الطيــران يف إفريقيــا والتــي بلغــت إيراداتهــا نحــو ‪ 6.9‬مليــار دوالر‬ ‫خالل عــام ‪2022‬م‪ ،‬األمــر الــذي يشــكل فرصــة اقتصاديــة مهمــة‬ ‫ألرض الصومــال‪ ،‬يف مقابــل احلصــول علــى تســهيالت يف مينــاء‬ ‫بربــره تتيــح لهــا تســهيل جتارتهــا مــع العالــم وحتقيــق حلمهــا بإعــادة‬ ‫إحيــاء أســطولها احلربــي والــذي قــد بــدأت تتخــذ خطــوات تنفيذيــة‬ ‫منــذ عــدة ســنوات اســتبا ً​ًقا خلطــوة إنشــاء قاعــدة بحريــة حربيــة‪،‬‬ ‫وقــد أكــدت تصريحــات لرئيــس أرض الصومــال موســى بيهــي عبــدي‬ ‫إن إثيوبيــا تســعى إلــى اســتئجار جــزء مــن اخلــط الســاحلي إلقامــة‬ ‫قاعــدة بحريــة ومؤكــًدًا أن حكومتــه ســتمضي قد ً​ًمــا يف االتفــاق‪،‬‬ ‫وتتمــثل حتدــيات االتــفاق يف التاــلي‬ ‫الشرعية القانونية لالتفاق بني إثيوبيا وأرض الصومال‬ ‫يعــد عــدم االعتــراف بــأرض الصومــال كدولــة لهــا حــق التوقيــع علــى‬ ‫االتفاقيــات الدوليــة أحــد أهــم اإلشــكاليات التــي تواجــه قانونيــة هــذا‬ ‫االتفــاق خاصــة وجــود مناطــق يف عــدد مــن دول العالــم ترغــب يف‬ ‫االنفصــال عــن الكيــان األم كأقليــم كتالونيــا يف أســبانيا علــى ســبيل‬ ‫املثــال والــذي تعــده مملكــة إســبانيا منطقــة ذات حكــم ذاتــي داخــل‬ ‫حدودهــا‪ ،‬ووفــق القانــون الدولــي فــأن الــدول املعتــرف بهــا دول ً​ًيــا‬ ‫وذات الســيادة هــي التــي لهــا احلــق يف التوقيــع علــى االتفاقيــات‬ ‫واملعاهــدات الدوليــة وهــو مــا تفتقــده هــذه االتفاقيــة‪ ،‬وال تخضــع‬ ‫لبنــد إعطــاء احلــق للــدول غيــر الســاحلية احلــق يف االســتعانة‬ ‫مبوانــئ دول اجلــوار مــن خالل اتفاقيــات دبلوماســية تعتمــد علــى‬ ‫القواعــد واللوائــح الدوليــة‪ ،‬فهــذا االتفــاق خالــف أحــكام القانــون‬ ‫الدولــي وميثــاق األمم املتحــدة‪ ،‬وامليثــاق التأسيســي لالحتــاد‬ ‫اإلفريقــي‪ ،‬ومعاهــدة األمم املتحــدة لقانــون البحــار‪.‬‬ ‫وقــد حرصــت العديــد مــن املنظمــات ودول العالــم علــى معارضــة‬ ‫االتفــاق يف ضــوء اخللــل القانونــي الــذي شــاب هــذا االتفاق وترسـ ً‬ ‫ـيًخا‬ ‫ملبــدأ ســيادة الــدول وخشــية مــن تصاعــد الصــراع بني الصومــال‬ ‫وإثيوبيــا ومبــا يلقــي بأعبــاء أمنيــة أخــرى علــى املمــر املالحــي الهــام‪،‬‬

‫حيــث مالــت إلــى احلــرص علــى احتــرام ســيادة الصومــال واعتمــاد‬ ‫القانــون الدولــي يف هــذا الشــأن‪ ،‬فمــثاًلا ســارعت الواليــات املتحــدة‬ ‫االمريكيــة‪ :‬بإرســال رئيــس اخملابــرات املركزيــة للصومــال مــع إصــدار‬ ‫تصريحــات متتاليــة حــول موقفهــا مــن االتفــاق‪ ،‬وشــددت علــى‬ ‫وجــوب احتــرام ســيادة الصومــال‪ ،‬وأدانــت جامعــة الــدول العربيــة‬ ‫االتفــاق‪ ،‬وأكــدت رفــض أي مذكــرات تفاهــم تخــل أو تنتهــك ســيادة‬ ‫الدولــة الصوماليــة‪ ،‬أو حتــاول االســتفادة مــن هشاشــة األوضــاع‬ ‫الداخليــة الصوماليــة بينمــا حــث األمني العــام لألمم املتحــدة‬ ‫أنطونيــو غوتيريــش كال مــن أديــس أبابــا ومقديشــو علــى فتــح حــوار‬ ‫لتســوية نزاعهمــا بشــأن االتفــاق البحــري الــذي أبرمتــه إثيوبيــا مــع‬ ‫منطقــة أرض الصومــال االنفصاليــة دون إدانــة واضحــة لالتفــاق‪.‬‬ ‫وبالنســبة لالحتــاد األوروبــى فأكــد علــى أهميــة احتــرام وحــدة‬ ‫جمهوريــة الصومــال الفيدراليــة‪ ،‬وســيادتها‪ ،‬وسالمــة أراضيهــا‪ ،‬وفقـً​ًا‬ ‫لدــستورها ومواثــيق االحتـحاد اإلفريــقي واألمم املّتّــحدة‪،‬‬ ‫ويف إفريقيــا فقــد خالــف االتفــاق أحــد املبــادي الهامــة ملنظمــة الدول‬ ‫اإلفريقيــة ســاب ً​ًقا واالحتــاد اإلفريقــي حال�يـًا وهــو مبــدأ عــدم املســاس‬ ‫باحلــدود اجلغرافيــة للــدول اإلفريقيــة والتــي مت وراثتهــا منــذ عهــد‬ ‫االســتعمار وذلــك خشــية مــن الصراعــات بني الــدول اإلفريقيــة‪.‬‬ ‫تعارض املصالح بني إثيوبيا ودول اجلوار اجلغرايف وقوى إقليمية‬ ‫ً‬ ‫أيًضــا ســيواجه االتفــاق حتــدى تعــارض املصالــح بني إثيوبيــا وقــوى‬ ‫إقليميــة لهــا مصالــح متعارضــة مــع إثيوبيــا ومبــا ســيدفع هــذه الــدول‬ ‫لالنتفــاض ضــده دفاعــًاً عــن مصاحلهــا مثــل إريتريــا وجيبوتــي‬ ‫والســودان ومصــر‪ ،‬وقــد عارضــت دول اجلوار اجلغــرايف التصريحات‬ ‫اإلثيوبيــة املتالحقــة جتــاه احلــق الشــرعي لهــا يف الوجــود علــى البحــر‬ ‫األحمــر كجيبوتــى وإريتريــا والصومــال‪ ،‬وقامــت مصــر مبعارضــة‬ ‫واضًحــا للموقــف‬ ‫صريحــة لالتفــاق وأبــرزت دع ً​ًمــا سياس ـ ً​ًيا وأمن�يـًا‬ ‫ً‬ ‫الصومالــي خالل زيــارة الرئيــس الصومالــي للقاهــرة بعــد توقيــع‬ ‫االتفــاق‪.‬‬ ‫حتــدي توفيــر التمويــل الالزم لبنــاء القاعــدة البحريــة واملينــاء‬ ‫التــجاري‬ ‫تتوقــف قــدرة إثيوبيــا يف حــال جنــاح تنفيــذ االتفاقيــة علــى مرونتهــا‬ ‫السياســية يف جلــب متــويالت خارجيــة لتمويــل املينــاء وبنــاء قاعدتهــا‬ ‫البحريــة هنــاك‪ ،‬خاصــة يف ضــوء تعثــر إثيوبيــا يف ســداد مديوناتهــا‬ ‫مؤخ ـ ً​ًرا‪ ،‬ولذلــك قــد تتجــه إثيوبيــا يف ســبيل احلصــول علــى الدعــم‬ ‫اإلقليمــي والدولــي الــذي ســيوفر لهــا االســتثمارات إلــى الســعي نحــو‬ ‫بنــاء حتالفــات وشــراكات سياســية مــع الــدول التــي متتلــك مصالــح‬ ‫عبــر البحــر األحمــر وتقيــم حتالفــات بشــكل أقــوى مــع دول قــد يكــون‬ ‫لهــا مصلحــة يف نفــاذ االتفــاق وللتأثيــر علــى مصالــح الــدول املتضــررة‬ ‫منــه كمصــر علــى ســبيل املثــال‪.‬‬ ‫راب ً​ًعــا‪ :‬التأثيــرات احملتملــة لالتفــاق علــى منطقــة القــرن اإلفريقــي‬ ‫واملدخــل اجلنوبــي للبحــر األحمــر‬


‫‪212‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫اختي ــار إثيوبي ــا ألرض الصوم ــال قائ ــم عىل حس ــابات الق ــوة والضع ــف‬ ‫وع ــدم الق ــدرة الصومالي ــة عىل دف ــع إثيوبي ــا للرج ــوع ع ــن ه ــذا االتف ــاق‬ ‫باألســاس‪ ،‬وأن الصومال بوضعها السياســي والعســكري احلالي غير‬ ‫قــادر علــى دفــع إثيوبيــا للرجــوع عــن هــذا االتفــاق‪ ،‬لــذا فقــد أســرعت‬ ‫بعقــد االتفــاق مــع أرض الصومــال اســتبا ً​ًقا لتعزيــز الصومــال قدراتــه‬ ‫علــى مواجهــة اخملططــات اإلثيوبيــة بعــد رفــع حظــر اســيتراد الــسالح‬ ‫بــقرار ــمن األمم املتــحدة‪.‬‬ ‫وقــد تبنــت إثيوبيــا اســتراتيجية قائمــة علــى الوجــود يف أي ترتيبــات‬ ‫سياســية وأمنيــة يف دول اجلــوار اجلغــرايف املطلــة علــى البحــر‬ ‫األحمــر والتــي تتمثــل يف الســودان والصومــال وإرتيريــا وجيبوتــي‪،‬‬ ‫ومــا يتيــح لهــا احلصــول علــى مزايــا بحريــة بالنســبة لصادراتهــا‬ ‫ووارداتهــا‪.‬‬ ‫كذلــك العمــل علــى عــدم اســتتباب األمــر يف دول اجلــوار اجلغــرايف‬ ‫ومبــا يتيــح لهــا الهمينــة االقتصاديــة والعســكرية مع االســتعداد الدائم‬ ‫لتجــدد النــزاع املســلح مبــا يتيــح لهــا الوصــول إلــى املوانــئ اإلريتريــة‬ ‫أو الصومالــية ــسواء باالتفاــقات الــسلمية أو يف حاــلة الــنزاع املــسلح‪.‬‬ ‫وأخيــ ً​ًرا العمــل علــى إعــادة إحيــاء أســطولها احلربــي مــرة أخــرى‬ ‫والــذي بــدأت تتخــذ خطــوات عمليــة يف هــذا االجتــاه مــن خالل‬ ‫االتفــاق مــع قــوى لبنــاء أســطولها احلربــي وإعــادة تكويــن تشــكيالت‬ ‫عســكرية بحريــة اســتعدا ً​ًدا خلطــوة احلصــول علــى مينــاء بحــري يف‬ ‫إحــدى دول اجلــوار اجلغــرايف‪.‬‬

‫ثان ً​ًيا‪ :‬األهمية االستراتيجية مليناء بربرة يف أرض الصومال‬ ‫يقــع مينــاء بربــرة علــى الســاحل اجلنوبــي خلليــج عــدن عنــد مدخــل‬ ‫مضيــق بــاب املنــدب والــذي يعــد رابــع أهــم املعابــر البحريــة العامليــة‬ ‫للتــزود بالطاقــة واملــؤدي إلــى قنــاة الســويس‪ ،‬ويوصــف هــذا املينــاء‬ ‫بأنــه مفتــاح البحــر األحمــر‪ .‬وميثــل عامــل االســتقرار األمنــي ألرض‬ ‫الصومــال وُيُنظــر إليــه كبديــل مســتقبلي محتمــل ملينــاء جيبوتــي يف‬ ‫املنطقــة‪ ،‬فاملوقــع يوفــر للدولــة التــي تســتحوذ عليــه موق ً​ًعــا فري ـًدًا‬ ‫للحصــول علــى دور أكثــر تأثيـ ً​ًرا علــى القضايــا االقتصاديــة والتجارية‬ ‫يف املدــخل اجلنوــبي للبــحر األحــمر‪.‬‬ ‫وقــد بــدأ التركيــز اإلثيوبــي علــى جمهوريــة أرض الصومــال غيــر‬ ‫املعتــرف بهــا مبكــرًاً حيــث وقعــت إثيوبيــا اتفــاق مــع أرض الصومــال‬ ‫حــول اســتخدام مينــاء بربــرة منــذ عــام ‪2005‬م‪ ،‬ولكنــه لــم يدخــل‬ ‫حيــز التنفيــذ ألســباب تتعلــق باالعتــراف القانونــي الدولــي بــأرض‬ ‫الصومــال باإلضافــة إلــى اخلدمــات اللوجيســتية التــي لــم يســتطع‬ ‫االقتــصاد اإلثيوــبي حتملــها يف تطوــير امليــناء‪.‬‬ ‫وألهميــة املوقــع االســتراتيجي ملينــاء بربــرة فقــد أجتهــت إليــه‬ ‫شــركة موانــئ دبــي التابعــة لدولــة اإلمــارات العربيــة املتحــدة يف عــام‬ ‫‪2016‬م‪ ،‬باســتثماراتها مــن خالل توقيــع عقــد امتيــاز مدتــه ‪ 30‬عا ً​ًمــا‬ ‫لتطويــر املينــاء‪ ،‬ومبــا يجعــل بربــرة أحــد املوانــئ اإلفريقيــة الثالثــة‬ ‫التــي تدعمهــا جن ً​ًبــا إلــى جنــب مــع موانــئ دبــي العامليــة (االثنــان‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪211‬‬

‫ملف العدد‬

‫التأثيرات المحتملة لالتفاق اإلثيوبي مع أرض الصومال للحصول على منفذ بحري‬

‫‪ 3‬مسارات التفاق إثيوبيا وأرض الصومال وأديس أبابا‬ ‫وضعت استراتيجية جديدة للبحر األحمر‬ ‫أعــاد االتفــاق بني أرض الصومــال وإثيوبيــا بشــأن حصــول إثيوبيــا علــى تســهيالت بحريــة يف مينــاء بربــرة علــى البحــر‬ ‫األحمــر مقابــل االعتــراف بــأرض الصومــال ومزايــا أخــرى التذكيــر بطبيعــة العالقــات الصوماليــة ‪ /‬اإلثيوبيــة علــى مــدار‬ ‫التاريــخ والتــي أتســمت بالتنافــس والصــراع بني الدولــتني خاصــة يف ضــوء اقتطــاع جــزء مــن األراضــي الصوماليــة وهــو إقليــم‬ ‫أوجاديــن وضمــه إلــى األراضــي اإلثيوبيــة‪ ،‬وكذلــك أثــار إشــكاليات اجلغرافيــا السياســية ليــس فقــط إلثيوبيــا بعــد اســتقالل‬ ‫إريتريــا وفقــدان موانئهــا علــى البحــر األحمــر بــل يف منطقــة القــرن اإلفريقــي‪.‬‬

‫د‪ .‬رأفت محمود محمد‬

‫وقــد أضــاف االتفــاق أعبــاء أمنيــة أخــرى إلــى املدخــل اجلنوبــي‬ ‫للبحــر األحمــر والــذي يعانــي منــذ عــدة عقــود مــن إشــكاليات‬ ‫أمنيــة أثــرت علــى أمــن املالحــة بــه والتــي نتجــت مــن أحــداث عــدم‬ ‫االســتقرار السياســي واألمنــي يف الــدول املطلــة عليــه ومتركــز‬ ‫اجلماعــات اإلرهابيــة وعلــى رأســها كل مــن الصومــال واليمــن‬ ‫ناهيــك عــن التنافــس والصــراع بني العديــد مــن القــوى اإلقليميــة‬ ‫والدوليــة يف البحــر األحمــر ومنطقــة القــرن اإلفريقــي والتــي ألقــت‬ ‫بتأثيراتهــا علــى اســتقرار املالحــة يف املمــر املالحــى االســتراتيجي‪،‬‬ ‫ومبــا يســتدعي معــه حتليــل أســباب وتأثيــرات التوجــه اإلثيوبــي جتــاه‬ ‫البحــر األحمــر والتحديــات التــي ســتواجه االتفــاق اإلثيوبــي مــع أرض‬ ‫الصومــال واملســارات احملتملــة لــه‪.‬‬ ‫أواًلا ‪ :‬العوامل الدافعة لالتفاق احلالي بني إثيوبيا وأرض الصومال‬ ‫تقــع إثيوبيــا يف منطقــة شــرق إفريقيــا مبــا يف ذلــك القــرن اإلفريقــي‬ ‫وحــوض النيــل والبحيــرات العظمــى وهــى بحكــم هــذا املوقــع دولــة‬ ‫إقليميــة كبــرى لهــا مصالــح اســتراتيجية وتنظــر إلــى تلــك املناطــق‬ ‫باعتبارهــا منطقــة نفــوذ إقليمــي تســعى إلبــراز هيمنتهــا هنــاك‬ ‫رغ ً​ًبــة منهــا يف توســيع نفوذهــا علــى الصعيــد القــاري‪ ،‬ولتحقيــق‬ ‫ذلــك وجــدت إنــه عليهــا حــل معضلــة أســر اجلغرافيــا السياســية‬ ‫لهــا والبحــث عــن منافــذ بحريــة دائمــة تقلــل مــن حــدة املعضلــة‬ ‫اجلغرافيــة التــي تعانيهــا منــذ اســتقالل إريتريــا عــام ‪1993‬م‪،‬‬ ‫وفقدانهــا مينائــي عصــب ومصــوع املنفذيــن املطــلني علــى البحــر‬ ‫األحمــر‪ ،‬فقــد ظــل هــذان املينــاءان ميــثالن جــزءًاً مــن اجلغرافيــا‬ ‫السياســية لإلمبراطوريــة اإلثيوبيــة طــوال قــرون ماضيــة‪ ،‬ومــا تبــع‬ ‫ذلــك مــن تفكيــك قوتهــا البحريــة وافتقــاد جــز ً​ًءا كبي ـ ً​ًرا مــن قوتهــا‬

‫اإلقليميــة‪.‬‬ ‫حال�يـًا توجــد عوامــل ضاغطــة علــى صانــع القــرار اإلثيوبــي للحصــول‬ ‫علــى مينــاء بحــري وإحيــاء أســطولها احلربــي ناهيــك عــن املشــاركة‬ ‫يف وضــع اخلطــط واالســتراتيجيات اخلاصــة بحفــظ األمــن‬ ‫واالســتقرار يف املنطقــة‪ ،‬فتعانــي إثيوبيــا مــن كثافــة ســكانية عاليــة‬ ‫والبالغــة نحــو ‪ 120‬مليــون نســمة وهــو مــا تســتند إليــه التصريحــات‬ ‫اإلثيوبيــة املتعــددة حــول أحقيتهــا يف احلصــول علــى منفــذ علــى‬ ‫البحــر األحمــر‪ ،‬كذلــك وقــوع منفــذ جتارتهــا مــن خالل دولــة جيبوتــي‬ ‫والتــي تســتحوذ علــى ‪ %95‬مــن جتارتهــا مــع العالــم علــى رأس منطقــة‬ ‫تشــهد تهديــدات متصاعــدة مــع زيــادة يف عامــل التوظيــف لتلــك‬ ‫املمــرات املالحيــة االســتراتيجية لتحقيــق مصالــح قــوى إقليميــة‬ ‫ودوليــة ومنهــا مــا يحــدث مؤخ ـ ً​ًرا مــن جماعــة احلوثــيني يف اليمــن‬ ‫مــن تهديــد للمالحــة واالســتيالء علــى الســفن‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أيًضــا االضطرابــات األمنيــة يف الداخــل اإلثيوبــي حيــث شــهدت‬ ‫إثيوبيــا عــدة محــاوالت لقطــع الطريــق الرئيســي والواصــل بني‬ ‫العاصمــة أديــس أبابــا ومينــاء جيبوتــي خالل الصــراع بني احلكومــة‬ ‫الفيدراليــة وإقليــم تيجــراي‪ ،‬يضــاف إلــى ذلــك ارتفــاع تكاليــف شــحن‬ ‫الــواردات ال ســيما األســمدة الضروريــة للمــزارعني اإلثيوبــيني نتيجــة‬ ‫تأثيــرات احلــرب الروســية األوكرانيــة‪ ،‬والتــي مــن شــأن امــتالك‬ ‫إثيوبيــا مينــا ً​ًء بحري ـًاً علــى البحــر األحمــر أن يســهم يف خلــق (‪–25‬‬ ‫‪ )%30‬مــن النــاجت احمللــي اإلجمالــي إلثيوبيــا وفق ـًاً لدراســة أعدتهــا‬ ‫األمم املتحــدة يف عــام ‪2018‬م‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أيًضــا فــان اختيــار الصومــال قائــم علــى حســابات القــوة والضعــف‬


‫‪210‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫أم ــن البح ــر األحم ــر يتطل ــب اس ــتراتيجية تق ــوم عىل مب ــادئ أساس ــية‬ ‫وتلتـــزم بهـــا الـــدول لحمايـــة المالحـــة فيـــه وضمـــان األمـــن البحـــري‬ ‫تع ـّدّ الدعــوة الســعودية إلــى تشــكيل كيــان إقليمــي للــدول املشــاطئة‬ ‫للبحــر األحمــر‪ ،‬مســأل ً​ًة حيويــة يف التفــاعالت املفصليــة األخيــرة‬ ‫يف تلــك املنطقــة‪ ،‬حيــث شــكل اجتمــاع الريــاض حــول أمــن البحــر‬ ‫األحمــر‪ ،‬ملمح ـًاً أساســيًاً يف التعبيــر عــن السياســة اإلقليميــة جتــاه‬ ‫منطقــة البحــر األحمــر‪ ،‬ويف هــذا االجتمــاع أكــدت اململكــة العربيــة‬ ‫الســعودية علــى احلاجــة لتشــكيل كيــان إقليمــي لــدول البحــر األحمــر‪،‬‬ ‫بهــدف تعزيــز التعــاون السياســي واألمنــي واالقتصــادي بني الــدول‬ ‫املشــاطئة لــه‪.‬‬ ‫مت وضــع اســتراتيجية بحريــة متكاملــة إلفريقيــا لعــام ‪2050‬م‪،‬‬ ‫متماســكة وطويلــة األمــد لتحقيــق أهــداف االحتــاد اإلفريقــي لتعزيــز‬ ‫االســتدامة البحريــة لصالــح إفريقيــا‪ .‬تهــدف لتعزيــز زيــادة الثــروة‬ ‫البحريــة مــن خالل تطويــر االقتصــاد األزرق املســتدام بطريقــة‬ ‫آمنــة ومســتدامة‪ ،‬حيــث تســاهم بشــكل إيجابــي يف التنميــة البيئيــة‬ ‫واالجتماعيــة واالقتصاديــة‪ ،‬وتعزيــز االســتقرار ســواء علــى املســتوى‬ ‫الوطنــي أو اإلقليمــي أو القــاري‪ ،‬وذلــك يكــون مــن خالل التعــاون‬ ‫وبنــاء الثقــة‪.‬‬ ‫مهمة «سنتينال»‪:‬‬ ‫مت تشــكيل حتالــف عســكري بقيــادة الواليــات املتحــدة بالبحريــن يف‬ ‫‪2022‬م‪ ،‬حلمايــة املالحــة البحريــة باخلليــج وصـواًلا إلــى بــاب املنــدب‬ ‫والبحــر األحمــر‪ .‬شــاركت فيــه الســعودية والبحريــن واإلمــارات‬ ‫وبريطانيــا وأســتراليا وألبانيــا‪.‬‬ ‫مجلس الدول العربية واإلفريقية املطلة على البحر األحمر‪:‬‬ ‫يف ‪2020‬م‪ ،‬وقــع وزراء خارجيــة الــدول العربيــة واإلفريقيــة املطلــة‬ ‫علــى البحــر األحمــر وخليــج عــدن ميثــاق تأســيس منظمــة جديــدة‬ ‫مقرهــا الريــاض لتعزيــز التعــاون السياســي واالقتصــادي واألمنــي‬ ‫بينهــم‪ .‬يضــم اجمللــس ‪ 8‬دول وهــم الســعودية ومصــر واألردن واليمــن‬ ‫والســودان والصومــال وجيبوتــي وإريتريــا‪ .‬يهــدف لتعزيــز التنميــة‬ ‫وضمــان األمــن بالبحــر األحمــر ولتســهيل االهتمامــات املشــتركة‬ ‫والتــي مــن ضمنهــا التجــارة وتطويــر البنيــة التحتيــة وحمايــة البيئــة‪.‬‬

‫االنضمــام حلارس االزدهــار وعــدم املشــاركة يف الضربــات األمريكيــة‬ ‫البريطانيــة‪ .‬وبســبب اتهــام االحتــاد بالبــطء يف التعامــل مــع األزمــة‬ ‫أطلــق مهمــة عســكرية جديــدة لضمــان حريــة املالحــة يف مضيــق‬ ‫هرمــز‪.‬‬ ‫يرتبــط الوضــع بالبحــر األحمــر باحلــرب يف غــزة ممــا يجعــل املنطقــة‬ ‫تتســم بالتوتــرات‪ ،‬فمــن املتوقــع أن يزيــد االحتــاد األوروبــي الضغــط‬ ‫عــلى إــسرائيل وحــماس للوــصول لهدــنة دائــمة‪.‬‬ ‫تتجــه ً‬ ‫أيًضــا الواليــات املتحــدة إلــى الوصــول ملرحلــة مــا بعــد احلــرب‬ ‫لتحجيــم األزمــة املشــتعلة يف البحــر والعتبــارات يف الداخــل‪.‬‬ ‫حشــد الواليــات املتحــدة وبريطانيــا للســفن والفرقاطــات وحتديــث‬ ‫أنظمــة دفاعيــة يشــير الحتماليــة حتــول ضرباتهــم إلــى هجوميــة ممــا‬ ‫يعنــى حــرب إقليميــة‪.‬‬ ‫خالصة‪:‬‬ ‫إن ضمــان األمــن البحــري يف البحــر األحمــر أمــر ذات أهميــة بالغــة‬ ‫لكافــة الــدول علــى كافــة املســتويات‪ ،‬ومهــم حلمايــة املصالــح احليويــة‬ ‫لألفــراد واجملتمــع‪ .‬والتجــارة الدوليــة لهــا دور أساســي يف اقتصــادات‬ ‫الــدول‪ ،‬فــإن ‪ %90‬منهــا تكــون عــن طريــق البحــر‪ .‬فمــن الضــروري‬ ‫حمايتــه مــن اجلرائــم البحريــة والتهديــدات األمنيــة كالقرصنــة‬ ‫وهجمــات احلوثــيني وغيــره‪ ،‬فتحتــاج الــدول حلمايــة ســيادتها‬ ‫وأراضيهــا وتطويــر املالحــة ضمــن مســاحتها البحريــة وحمايــة بيئتهــا‬ ‫البحريــة‪ .‬وبســبب التهديــدات حتــاول الــدول البحــث عن طــرق بديلة‪،‬‬ ‫فتــم توقيــع اتفاقيــة بني اإلمــارات وإســرائيل تقضــي بتشــغيل جســر‬ ‫بــري بني دبــي وحيفــا‪ ،‬ميــر عبــر األردن والســعودية‪ .‬فأمــن وحريــة‬ ‫املالحــة يف البحــر األحمــر يعــد أحــد املبــادئ األساســية واملهمــة يف‬ ‫القانــون الدولــي‪ ،‬وعلــى كافــة الــدول االلتــزام باملواثيــق والقواعــد‬ ‫الدوليــة‪ .‬البــد مــن اســتراتيجية خاصــة تقــوم علــى مبــادئ أساســية‬ ‫وتلتــزم بهــا الــدول حلمايــة املالحــة فيــه وضمــان األمــن البحــري‪.‬‬

‫‪-6‬تقييم وقراءة مستقبلية‪:‬‬ ‫ينــذر الوضــع يف البحــر األحمــر مبزيــد مــن التصعيــد مــن قبــل‬ ‫احلوثــيني وتكثيــف الواليــات املتحــدة وبريطانيــا الضربــات لردعهــم‪،‬‬ ‫ومــن ثــم ينعكــس ذلــك علــى حركــة املاحلــة الدوليــة ولــه تأثيــر مباشــر‬ ‫علــى اقتصــاد أوروبــا‪ ،‬األمــر الــذي يزيــد املهــام العســكرية ويزيــد‬ ‫التوتــر يف املنطقــة‪.‬‬ ‫هنــاك تخــوف مــن قبــل االحتــاد األوروبــي بشــأن حتــول املهــام‬ ‫العســكرية مــن دفاعيــة إلــى هجوميــة‪ ،‬األمــر الــذي دفعــه لعــدم‬

‫*مدير مركز الدراسات االسرتاتيجية مبكتبة اإلسكندرية‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪209‬‬

‫ملف العدد‬

‫التفـــاوت بيـــن دول البحـــر األحمـــر يف مســـتوى االســـتقرار والقـــوة‬ ‫العســـكرية يفـــرض عىل الســـعودية ومصـــر واألردن أعبـــاًءً إضافيـــة‬ ‫وحركــة جيــش الــرب األوغنديــة ولــكل منهــم عالقات إقليميــة ودولية‪.‬‬ ‫كمــا يســتخدم البحــر األحمــر كممــر مائــي للمقاتــلني التابــعني لتلــك‬ ‫اجلماعــات‪ ،‬ولنقــل معداتهــم وأســلحتهم‪ ،‬وكمنصــة يطلقــون منهــا‬ ‫هجماتهــم علــى أهــداف بريــة‪ ،‬وهــو وســيلة للمنــاورة واالنســحاب‬ ‫التكتيكــي أثنــاء املواجهــات مــع األجهــزة األمنيــة‪ ،‬ووســيلة لتمويــل‬ ‫عملياتــها فــهو مــصدر للدــخل كالتهرــيب‪.‬‬ ‫ويتطلــب تنفيــذ العمليــات اإلرهابيــة يف البحــر قــدرات خاصــة لــم‬ ‫تكــن متوفــرة‪ ،‬فــكان مــن الصعــب القيــام بذلــك‪ .‬اســتطاعت تلــك‬ ‫التنظيمــات تطويــر قدراتهــا البحريــة حتــى اصبحــت قــادرة علــى‬ ‫قيــادة الســفن والقيــام مبنــاورات بحريــة حتــى أصبــح اإلرهــاب‬ ‫البحــري علــى رأس التهديــدات التــي تواجــه األمــن البحــري‪.‬‬ ‫اســتطاعوا اســتغالل الهشاشــة األمنيــة والنزاعــات يف املنطقــة‪ .‬كمــا‬ ‫تعانــي املنطقــة مــن ضعــف القــدرات العســكرية‪ ،‬محدوديــة األســاطيل‬ ‫البحريــة‪ ،‬عــدم وجــود تعــاون حقيقــي بني الــدول‪ ،‬وتعتمــد أغلــب‬ ‫الــدول علــى املعونــات العســكرية واالقتصاديــة‪ ،‬وعــدم االســتقرار‬ ‫األمنــي والسياســي لبعــض الــدول كالصومــال واليمــن‪ ،‬الصراعــات‬ ‫بني دول املنطقــة وتناقــض املصالــح بينهــا والتنافــس بني القــوى‬ ‫الكبــرى يف املنطقــة‪.‬‬ ‫‪-3‬تقييم للوضع األمني لبعض الدول املطلة على البحر األحمر‪:‬‬ ‫الصومال‪:‬‬ ‫تواجــه الصومــال فوضــى أمنيــة وسياســية منــذ إطاحــة الرئيــس‬ ‫محمــد بــري ‪1991‬م‪ ،‬حيــث تتقاســمها ثالث حكومــات؛ واحــدة‬ ‫مركزيــة معتــرف بعــا تســيطر علــى العاصمــة‪ ،‬واألخــرى غيــر معتــرف‬ ‫بهــا تســيطر علــى جمهوريــة أرض الصومــال‪ ،‬والثالثــة تســيطر علــى‬ ‫أرض بونــت‪ .‬وأول إقليمــان األكثــر اضطرا ً​ًبــا بســبب وجــود حركــة‬ ‫الشــباب‪.‬‬ ‫اليمن‪:‬‬ ‫تعانــي مــن عــدم االســتقرار األمنــي منــذ انــدالع االحتجاجــات‬ ‫الشــعبية ‪2011‬م‪ ،‬وإزاحــة الرئيــس عبــد اهلل صالــح وســيطرة حركــة‬ ‫أنصــار اهلل علــى الســلطة ‪2014‬م‪ ،‬كمــا زاد العنــف املســلح بني‬ ‫مؤيــدي النزاعــات االنفصاليــة واحلكومــة الشــرعية‪ ،‬وزيــادة نشــاط‬ ‫اجلماعــات اإلرهابيــة واجلرميــة املنظمــة‪ ،‬فقــد اتخذ تنظيــم القاعدة‬ ‫اجلهــاد مــن جزيــرة العــرب مكا�نـًا مــن ضمــن خريطــة الصــراع وعــزز‬ ‫وجــوده يف املــدن الســاحلية اجلنوبيــة‪.‬‬ ‫العراق‪:‬‬ ‫وجــود تنظيــم دولــة العــراق والشــام اإلسالميــة (داعــش) ميثــل‬ ‫تهدي ـًدًا لألمــن واالســتقرار‪ ،‬وبالرغــم مــن انحســار نفــوذه إال أنــه ال‬ ‫تــزال بــذوره كامنــة بســبب تدخــل التحالــف الدولــي بقيــادة الواليــات‬ ‫املتحــدة ‪2014‬م‪.‬‬

‫السودان‪:‬‬ ‫اليــزال نشــاط اجلماعــات اإلرهابيــة قائ ً​ًمــا‪ .‬ويف ظــل ازديــاد الوضــع‬ ‫ســو ً​ًءا بعــد ســقوط نظــام الرئيــس عمــر البشــير ‪2019‬م‪ ،‬قــد تــزداد‬ ‫قوتــه وانتشــاره‪ ،‬فـ ً‬ ‫ـضًال عــن الصــراع بني الســودان وإثيوبيــا وإريتريــا‬ ‫يف إقليــم تيجــراي ‪2020‬م‪.‬‬ ‫‪-4‬خطوات لضمان األمن بالبحر األحمر‪:‬‬ ‫التعــاون وتنســيق اجلهــود املشــتركة بني الــدول وال ســيما التنســيق‬ ‫املصــري ‪ /‬الســعودي‪.‬‬ ‫دراســة التهديــدات املتوقعــة والعمــل للوقايــة منهــا ومواجهتهــا‬ ‫جماع�يـًا‪.‬‬ ‫تطوير قدرات األمن السيبراني يف اجملال البحري‪.‬‬ ‫توافق املصالح حول اخملاطر التي تهدد مصالح الدول‪.‬‬ ‫وجــود هيئــة أمنيــة لصياغــة أدوار دول اإلقليــم جتــاه التهديــدات‬ ‫األمنيــة‪.‬‬ ‫تبنــي مفهــوم واســع للــدول التــي لديهــا مصالــح فيــه حتــى وإن لــم‬ ‫تكــن تطــل عليــه‪.‬‬ ‫العمل يف إطار املنظمات الدولية‪.‬‬ ‫بناء رؤية مشتركة وجدول أعمال مشترك يف القارة اإلفريقية‪.‬‬ ‫معاجلة أسباب الهشاشة والفقر والتخلف يف القارة‪.‬‬ ‫‪-5‬استراتيجيات أمن البحر األحمر‪:‬‬ ‫ُيُعــّدّ البحــر األحمــر واخلليــج العربــي وخليــج عــدن‪ ،‬املدخــ َ​َل إلــى‬ ‫احمليــط الهنــدي الواقــع بني قارتــي آســيا وإفريقيــا‪ ،‬إذ يرتبــط البحــر‬ ‫باحمليــط مــن خالل مضيــق بــاب املنــدب وخليــج عــدن‪ ،‬ويفتــح البحــر‬ ‫األحمــر مجـ ً‬ ‫ـاًال واســعًاً للتعــاون بني الســعودية ومصــر واألردن بوجــه‬ ‫خــاص‪ ،‬باإلضافــة إلــى الــدول العربيــة واإلفريقيــة املشــاطئة للبحــر‬ ‫األحمــر وخليــج عــدن‪ .‬ولعــل التفــاوت بني دول البحــر األحمــر يف‬ ‫مســتوى االســتقرار والقــوة العســكرية‪ ،‬يفــرض علــى الســعودية‬ ‫ومصــر واألردن أعبــا ً​ًء إضافيــة‪ ،‬فبينمــا تشــهد كل مــن الســعودية‬ ‫ومصــر واألردن اســتقرارًاً أمنيــًاً وسياســيًاً‪ ،‬وقــدر ً​ًة عســكرية علــى‬ ‫تــأمني احلــدود البحريــة علــى البحــر األحمــر‪ ،‬فــإن بقيــة الــدول إمــا‬ ‫تعانــي مــن هشاشــة أمنيــة وتــدّخّ الت خارجيــة‪ ،‬أو متــّرّ بأزمــات‪.‬‬ ‫وعليــه ميكــن اســتعراض بعــض املبــادرات واالســتراتيجيات الالزمــة‬ ‫حلــفظ األــمن البــحري يف منطــقة البــحر األحــمر‬


‫‪208‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫القرصنــة البحريــة إضافــة إىل التحديــات التقليديــة أخطــر المشــكالت‬ ‫المهـــددة ألمـــن البحـــر األحمـــر ودول المنطقـــة والتجـــارة العالميـــة‬ ‫أمــا بالنســبة لقــوة املهــام املشــتركة فتعمــل بشــكل محــدود حيــث‬ ‫تواجــه القرصنــة باســتخدام أســلحة ومعــدات وزوارق صغيــرة وال‬ ‫تســتخدم الســفن واملدمــرات والفرقاطــات‪ .‬وأعلــن االحتــاد األوروبــي‬ ‫يف ‪ ٢٢‬ينايــر ‪٢٠٢٤‬م‪ ،‬عــن اتفــاق يهــدف للقيــام بعمليــة عســكرية يف‬ ‫البحــر األحمــر تتشــكل املهمــة يف ‪ ١٩‬فبرايــر ‪٢٠٢٤‬م‪ ،‬وتعمــل خالل‬ ‫عــدة أشــهر لتــأمني الشــحن البحــري التجــاري‪ .‬تعــد هــذه املهمــة‬ ‫منفصلــة عــن حــارس االزدهــار‪.‬‬ ‫عسكرة البحر األحمر‪:‬‬ ‫تعــد منطقــة البحــر األحمــر منطقــة تنافــس وصراعــات ولــكل مــن‬ ‫اــلدول الكــبرى مصاــلح وأــهداف بــها‬ ‫ســيطرة روســيا علــى مينــاء طرطــوس بســوريا‪ ،‬وســعيها لبنــاء قاعــدة‬ ‫بحريــة يف البحــر األحمــر‪ ،‬فهــي تســعى لتكــون محطــة وســيطة‬ ‫لتمويــن وإمــداد الســفن باحمليــط الهنــدي‪ ،‬ولقــد عقــدت مــع الســودان‬ ‫اتفــاق عســكري للوجــود يف مينــاء بورتســودان‪.‬‬ ‫التنافــس الصينــي ‪ /‬األمريكــي؛ حيــث أنــه بعدمــا أصبــح للــصني دور‬ ‫محــوري يف منطقــة البحــر األحمــر خاصــة مــن خالل مبــادرة احلــزام‬ ‫والطريــق التــي أدت مــن الفــرص االقتصاديــة للمنطقــة وجلبــت البنية‬ ‫التحتيــة‪ .‬كمــا متتلــك الــصني قاعــدة عســكرية يف جيبوتــي التــي‬ ‫يطلــق عليهــا واحــة الــسالم ملا عرفــت بــه مــن دبلوماســية حكيمــة‬ ‫وذات األهميــة االســتراتيجية حيــث أنهــا تطــل علــى مضيــق بــاب‬ ‫املنــدب‪ .‬توجــه القواعــد العســكرية الصينيــة يف جيبوتــي للتصــدي‬ ‫للقرصنــة البحريــة واإلرهــاب وحلمايــة املالحــة الدوليــة هنــاك‪ ،‬لكــن‬ ‫أدى وجــود تلــك القواعــد بالبحــر األحمــر وبالقــرب مــن القواعــد‬ ‫األمريكيــة والفرنســية لزيــادة اخملاطــر األمنيــة‪ .‬فــإن الوجــود الصيني‬ ‫يثيــر مخــاوف الواليــات املتحــدة‪ .‬بالرغــم مــن اتبــاع الــصني سياســة‬ ‫عــدم التدخــل واالعتمــاد علــى املشــاركة االقتصاديــة‪ ،‬إذ تــرى أن‬ ‫ذلــك هــو الطريــق لتكويــن عالقــات وديــة وصداقــة للتأثيــر يف البحــر‬ ‫األحمــر‪ .‬ورغــم اخملاوف مــن الوجــود الصينــي يف املنطقــة‪ ،‬إال أن‬ ‫الــدول اإلفريقيــة أكــدت أن املشــاريع الصينيــة ضروريــة لدفــع عجلــة‬ ‫التنميــة‪ .‬فتبنــت دول منطقــة القــرن اإلفريقــي املشــاركة االقتصاديــة‬ ‫مــع الــصني خاصــة فيمــا يتعلــق بتمويــل وتشــييد البنيــة التحتيــة‪.‬‬ ‫التنافــس العســكري واالقتصــادي حــول إريتريــا والصومــال مــن قبــل‬ ‫عــدة دول مثــل تركيــا واإلمــارات والــصني والكيــان الصهيونــي‪.‬‬ ‫تواجــه بعــض دول املنطقــة تهديــدات وتغمرهــا توتــرات داخليــة‬ ‫متأصلــة‪ ،‬كالهشاشــة التــي تغمــر الصومــال والتــي اســتغلت مــن‬ ‫قبــل الــدول األجنبيــة‪ ،‬فماتــزال احلكومــة غيــر قــادرة علــى اســتعادة‬ ‫اســتقرار الدولــة ومواجهــة حركــة اجملاهديــن‪ .‬كمــا يوجــد نزاعــات‬ ‫حدوديــة كالنــزاع بني الســودان وإثيوبيــا‪ ،‬والنــزاع بني احلكومــة‬

‫اإلثيوبيــة وإقليــم التيجــراي‪ ،‬والتــي بدورهــا لهــا تداعيــات إقليميــة‬ ‫طويلــة األمــد‪ ،‬حيــث أنهــا تفتــح الطريــق أمــام اجلماعــات اإلرهابيــة‬ ‫وأنشــطتها والــذي بــدوره يهــدد االســتقرار والتنميــة بالــدول املعنيــة‪.‬‬ ‫اجلرمية املنظمة العابرة للحدود‪:‬‬ ‫ تعــد تهديــد أمنــي غيــر تقليــدي متعــدد اجلوانب‪ ،‬وتتمثــل يف تهريب‬‫اخملــدرات‪ ،‬االجتــار بالبشــر‪ ،‬الهجــرة غيــر الشــرعية‪ ،‬جرائــم الغــذاء‪،‬‬ ‫الســلع املزيفــة‪ ،‬غســيل األمــوال‪ ،‬اإلغــراق غيــر القانونــي للنفايــات‬ ‫يف البحــار‪ ،‬الهجمــات الســيبرانية يف اجملال البحــري والقرصنــة‪.‬‬ ‫فالقرصنــة البحريــة مــن أخطــر املشــكالت التــي تهــدد أمــن البحــر‬ ‫األحمــر ودول املنطقــة والتجــارة العامليــة‪ .‬وقــد أدت أعمــال القرصنــة‬ ‫املتزايــدة يف اآلونــة األخيــرة لتداعيــات خطيــرة علــى أمــن البحــر‬ ‫األحمــر وعلــى مصالــح الــدول املطلــة عليــه وتلــك التــي تعتمــد‬ ‫جتارتهــا عليــه‪ ،‬حيــث أنــه قــد يتحــول ملنطقــة حــروب وصراعــات‬ ‫إقليميــة ودوليــة وتــدخالت أجنبيــة‪ ،‬فقــد الــدول باملنطقــة الســيادة‬ ‫والثــروات‪ ،‬ضعــف الــدول املطلــة عليــه اقتصاد ً​ًيــا بســبب حتــول‬ ‫ً‬ ‫وأيًضــا‬ ‫التجــارة الدوليــة عنــه وبســبب احلاجــة لزيــادة تــأمني الســفن‪،‬‬ ‫محاولــة إســرائيل أن تكــون اخملطــط األساســي وف ً​ًقــا ملصاحلهــا‪.‬‬ ‫وعلــى ســبيل املثــال‪ ،‬تعــزى أســباب ظهــور القرصنــة الصوماليــة علــى‬ ‫الســفن النهيــار هيــاكل الدولــة بســقوط نظــام الرئيــس محمــد بــري‪،‬‬ ‫وانتشــار الصيــد الغيــر قانونــي‪.‬‬ ‫الهجمات السيبرانية‪:‬‬ ‫حيــث يســتخدم قراصنــة اجملال الســيبراني تقنيــات املعلومــات ونظــم‬ ‫املعلومــات‪ ،‬بهــدف اختــراق أنظمــة وبيانــات الشــركات املالحيــة‬ ‫والســفن لتدميرهــا يف منطقــة البحــر األحمــر‪ .‬حيــث تعرضــت‬ ‫خطــوط الشــحن اإليرانيــة لهجمــات ســيبرانية لعــدة مــرات‪ .‬كمــا‬ ‫تعرضــت شــبكة أرامكــو النفطيــة ومرافقهــا البحريــة لهجمــات‬ ‫ســيبرانية‪ .‬وتعــد جنــوب إفريقيــا الدولــة األكثــر اســتهدا ً​ًفا مــن‬ ‫الهجمــات الســيبرانية‪ ،‬ولذلــك هنــاك تخــوف لتحويــل مينــاء ديربــان‬ ‫ملنفــذ ذكــي تقن ً​ًيــا‪.‬‬ ‫اإلرهاب البحري‪:‬‬ ‫حيــث نشــط القيــام باألعمــال اإلرهابيــة يف البيئــة البحريــة ويرتبــط‬ ‫بدوافــع سياســية‪ ،‬وبذلــك هــو مختلــف عــن القرصنــة املرتبطــة‬ ‫بأهــداف اقتصاديــة‪ .‬يهــدد اإلرهــاب أمــن البحــر األحمــر واســتقرار‬ ‫دول املنطقــة وإعاقــة عمليتــي البنــاء والتنميــة‪ .‬ومــن أمثلــة اجلماعات‬ ‫اإلرهابيــة يف هــذا الشــأن‪ :‬حركــة الســباب الصوماليــة وتنظيم داعش‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪207‬‬

‫ملف العدد‬

‫يرج ــع الص ــراع يف البح ــر األحم ــر ألهميت ــه الجيوسياس ــية‪ ،‬فه ــو مم ــر‬ ‫مائـــي دويل ذات موقـــع متميـــز حيـــث يتوســـط قـــارات العالـــم القديـــم‬ ‫ومــع اتخــاذ أمريــكا وحلفائهــا كبريطانيــا بعــض التدابيــر منهــا ردع‬ ‫احلوثــيني بهــدف خفــض قدراتهــم علــى مواصلــة الهجمــات وعــدم‬ ‫اتســاع الصــراع وتهديــد املالحــة يف ذلــك املمــر املالحــي‪ ،‬حيــث‬ ‫وصفــت تلــك الضربــات بأنهــا (دفاعيــة) ولــم تســتهدف البنيــة‬ ‫التحتيــة الرئيســية لهــم أو مراكــز القيــادة السياســية أو مناطــق‬ ‫حيويــة‪ ،‬واعتمــاد مجلــس األمــن قــرا ً​ًرا يف ‪ 10‬ينايــر ‪2024‬م‪ ،‬يديــن‬ ‫فيــه هجمــات احلوثــيني‪ .‬فقــد أرســلت قــوة ضاربــة تضــم مجموعــتني‬ ‫مــن حــامالت الطائــرات‪ ،‬وســفينتان برمائيتــان مجهزتــان بــآالف‬ ‫مــن املشــاة البحريــة‪ ،‬عبرتــا البحــر األحمــر ‪ 4‬نوفمبــر ‪2023‬م‪،‬‬ ‫ومت توجيــه انتقــاد بســبب محدوديــة الــرد األمريكــي‪ .‬ومــع اشــتداد‬ ‫خطــورة الوضــع نشــرت إســرائيل منظومــة دفــاع بحريــة يف البحــر‬ ‫ً‬ ‫فــضًال عــن تعزيــز الدفاعــات العســكرية قبالــة مينــاء‬ ‫األحمــر‪،‬‬

‫إيالت‪ .‬كمــا أرســلت إســرائيل قطــع بحريــة وغواصــة متطــورة للبحــر‬ ‫األحمــر وبــاب املنــدب لرصــد حتــركات إيــران‪ .‬وعــززت ذلــك بإرســال‬ ‫ســفينة الصواريــخ «ســاعر ‪ .»6‬ودعــت بشــكل رســمي عــدة دول منهــا‬ ‫بريطانيــا واليابــان لتشــكيل قــوة عمليــات خاصــة للعمــل بالبحــر‬ ‫األحمــر ومضيــق بــاب املنــدب لضمــان حريــة املالحــة بــه‪.‬‬ ‫كمــا شــكلت واشــنطن قــوة حــارس االزدهــار يف ‪ 18‬ديســمبر ‪2023‬‬ ‫م‪ ،‬وضمــت ‪ 20‬دولــة حلمايــة أمــن البحــر األحمــر وضمــان حريــة‬ ‫املالحــة‪ .‬وهــي ال حتــل محــل القــوات املوجــودة يف املنطقــة‪ ،‬فهــي‬ ‫ليســت بديــل للقــوة البحريــة املشــتركة أو قــوة املهــام املشــتركة؛‬ ‫فاألولــى تضــم ‪ ٣٩‬دولــة بينمــا حــارس االزدهــار تضــم ‪ ٢٠‬دولــة‬ ‫فقــط‪ ،‬وذلــك يعنــي عــدم الرغبــة يف التصعيــد املباشــر مــع احلوثــيني‪.‬‬


‫‪206‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫جيوسياسية ومستقبل األمن البحري بالمنطقة في ظل التوترات اإلقليمية‬

‫‪ 4‬أسباب أشعلت التنافس والصراع الدويل واإلقليمي يف‬ ‫منطقة البحر األحمر‬ ‫تشــهد منطقــة البحــر األحمــر توتــرات وحتديــات اســتراتيجية كبيــرة ومســتمرة حيــث الصراعــات والتنافــس والتــدخالت‬ ‫األجنبيــة بهــا‪ ،‬والتــي بدورهــا تؤثــر علــى اســتقرار منطقــة الشــرق األوســط والقــرن اإلفريقــي وتهــدد مصالــح القــوى الكبــرى‬ ‫باملنطقــة‪ ،‬كمــا لــه تداعيــات أمنيــة وسياســية واقتصاديــة‪ .‬ويكتســب البحــر األحمــر أهميتــه مــن خالل موقعــه االســتراتيجي‬ ‫الهــام بالنســبة للتجــارة الدوليــة والعامليــة‪ .‬فمــن الضــروري ضمــان حريــة املالحــة البحريــة واألمــن البحــري يف البحــر‬ ‫األحمــر‪.‬‬

‫د‪ .‬محمود عزت عبد الحافظ‬

‫‪-1‬ألهميته اجليوسياسية‪:‬‬

‫احلرب يف اليمن والنفوذ اإليراني‪:‬‬

‫يرجــع الصــراع يف البحــر األحمــر ألهميتــه اجليوسياســية‪ ،‬فهــو‬ ‫ممــر مائــي دولــي ذات موقــع متميــز حيــث يتوســط قــارات العالــم‬ ‫القــدمي‪ ،‬ويربــط بني البحــر املتوســط واحمليــط الهنــدي‪ ،‬ويرتبــط‬ ‫بالبحــر املتوســط عــن طريــق قنــاة الســويس‪ ،‬كمــا يوجــد عنــد مدخلــه‬ ‫اجلنوبــي مضيــق بــاب املنــدب‪ .‬فضمــان األمــن يف منطقــة البحــر‬ ‫األحمــر أمــر يف غايــة األهميــة ســواء لألمــن القومــي لــدول املنطقــة‬ ‫أو لألمــن اإلفريقــي أو ملصالــح الــدول الكبــرى‪.‬‬

‫زاد األمــر خطــورة بعــد ســيطرة احلوثــيني علــى الســاحل الغربــي‬ ‫باليمــن خاصــة مينــاء احلديــدة الــذي يعــد أكبــر موانــئ اليمــن علــى‬ ‫الســاحل الغربــي‪ .‬ودعمــت إيــران تواجــد امليليشــيات بالبحــر األحمــر‬ ‫حيــث ترغــب يف التحكــم بذلــك املمــر املائــي املهــم والــذي يعــد أســاس‬ ‫يف اســتراتيجيتها منــذ الثــورة اإليرانيــة‪ ،‬كمــا سيســاعدها يف توظيــف‬ ‫وســائل ضغــط جديــدة وتهديــد طــرق التجــارة العامليــة خلدمــة‬ ‫مشــروعها النــووي‪ .‬فقامــت بتزويــد امليليشــيات باأللغــام والقــوارب‬ ‫املفخخــة والدرونــز كمــا وفــرت لهــم وســائل التدريــب ممــا يجعــل‬ ‫البــحر األحــمر ــساحة قــتال‪.‬‬

‫وتعــد دول املنطقــة ذات أهميــة اســتراتيجية وجيوسياســية‪ ،‬ولكــن‬ ‫يرافــق ذلــك انتشــار احلــروب األهليــة واجلرميــة املنظمــة واإلرهــاب‬ ‫ممــا جعلهــا هد ً​ًفــا للــدول الكبــرى‪ .‬تهيمــن تلــك الــدول علــى طــرق‬ ‫التجــارة البحريــة وتتمتــع بوفــرة املــوارد االقتصاديــة وخصائصهــا‬ ‫اجلغرافيــة؛ فتتحكــم يف تدفــق النفــط عبــر مضيــق هرمــز‪ ،‬كمــا أنــه‬ ‫ملضيــق بــاب املنــدب أهميــة كبــرى للطريــق التجــاري األورو‪-‬آســيوي‪.‬‬ ‫وازدادت أهميتــه بعــد افتتــاح قنــاة الســويس حيــث أن الســفن‬ ‫أصبحــت متــر مــن خاللهــا وعبــر البحــر األحمــر متجــه إلــى مضيــق‬ ‫بــاب املنــدب ومنهــا إلــى جنــوب وشــرق آســيا‪ ،‬فيلعــب الربــط بني قنــاة‬ ‫الســويس ومضيــق بــاب املنــدب دو ً​ًرا يف غايــة األهميــة‪.‬‬ ‫‪-2‬التهديدات األمنية‪:‬‬ ‫تتســم منطقــة البحــر األحمــر بعــدم االســتقرار واالضطــراب األمنــي‬ ‫والسياــسي‪ ،‬حــيث تتمــثل التهدــيدات يف اآلــتي‬ ‫جماعة احلوثي‪:‬‬

‫احلرب يف قطاع غزة وميليشيات احلوثي‪:‬‬ ‫زادت التوتــرات والتهديــدات يف البحــر األحمــر مــع اســتمرار‬ ‫احلــرب يف قطــاع غــزة‪ ،‬حيــث تفاقمــت تبعاتهــا وامتــدت ملناطــق‬ ‫أخــرى كاملناوشــات التــي دارت بني حــزب اهلل اللبنانــي والقــوات‬ ‫اإلســرائيلية‪ .‬أعلنــت جماعــة احلوثــي الدخــول يف احلــرب ضــد‬ ‫الكيــان الصهيونــي يف نوفمبــر ‪2023‬م‪ ،‬مــن خالل اســتهداف الســفن‬ ‫التجاريــة املتجهــة إلســرائيل‪ ،‬مــا أدى لتعطيــل حركــة املالحــة‬ ‫ً‬ ‫فــضًال‬ ‫والتجــارة الدوليــة وارتفــاع أســعار الســلع ومــوارد الطاقــة‪.‬‬ ‫عــن شــن احلوثــيني هجمــات صاروخيــة وهجمــات بالدرونــز علــى‬ ‫الســفن يف البحــر األحمــر ومضيــق بــاب املنــدب‪ ،‬وشــن هجمــات علــى‬ ‫الســفن املرتبطــة بإســرائيل أو حلفائهــا وذلــك تزام�نـًا مــع األحــداث‬ ‫اجلارــية وتصاــعد املوــقف يف ــغزة‪.‬‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫الدولــي‪ ،‬وفيمــا يلــي نحــاول رصــد أهــم التأثيــرات احملتملــة علــى‬ ‫نــسب النــمو املتوقــعة ــمن خالل النــقاط التالــية‬ ‫‪ )1‬تباطــؤ النمــو االقتصــادي‪ :‬ال شــك أن التأثيــر الســلبي حلركــة‬ ‫التجــارة الدوليــة نتيجــة لتحديــات ممــر البحــر األحمــر ســيؤدي إلــى‬ ‫تباطــؤ النمــو االقتصــادي يف الــدول املعنيــة‪.‬‬ ‫‪ )2‬ضغــوط علــى القطاعــات املعتمــدة علــى التجــارة‪ :‬أيضــًاً فــإن‬ ‫الــدول التــي تعتمــد بشــكل كبيــر علــى التجــارة البحريــة ستشــهد‬ ‫ضغوط ـًاً علــى قطاعاتهــا االقتصاديــة‪ ،‬ممــا يؤثــر ســلبًاً علــى النمــو‪.‬‬ ‫‪ )3‬ارتفــاع تكاليــف اإلمــداد والطلــب‪ :‬إذ أن زيــادة تكاليــف الشــحن‬ ‫وتعديــل سالســل التوريــد سيتســبب يف ارتفــاع تكاليــف اإلمــداد‬ ‫والطلــب‪ ،‬ممــا يؤثــر علــى األســعار ويؤثــر علــى نســب النمــو‪.‬‬ ‫‪ )4‬تأثيــرات علــى االســتثمار‪ :‬إذ أنــه قــد يتــردد املســتثمرون يف‬ ‫االســتثمار يف الــدول املتأثــرة بســبب عــدم اليــقني االقتصــادي الناجــم‬ ‫عــن التحديــات اإلقليميــة‪.‬‬ ‫‪ )5‬تأثيــرات علــى القطــاع الســياحي‪ :‬أيض ـًاً امتــداد حتديــات ممــر‬ ‫البحــر األحمــر يف تداعياتهــا الســلبية علــى السالمــة واألمــان‪،‬‬ ‫ســتجعل القطــاع الســياحي يعانــي بســبب تراجــع العائــدات مــن‬ ‫الســياحة‪.‬‬ ‫مــع ذلــك‪ ،‬جديــر بالذكــر أن التأثيــرات ميكــن أن تختلــف وف ً​ًقــا‬ ‫للتدابيــر التــي تتخذهــا احلكومــات املعنيــة واجملتمــع الدولــي لتخفيف‬ ‫التحديــات ودعــم اســتقرار النظــام البحــري والتجــاري‪.‬‬ ‫بقيــت اإلشــارة إلــى أنــه مــن الصعوبــة مبــكان التنبــؤ بدقــة مبــدى‬ ‫زمــن اســتمرار التحديــات يف ممــر البحــر األحمــر ومنطقــة القــرن‬ ‫اإلفريقــي إال أن طريقــة التعامــل معهــا يتطلــب اســتجابة فعالــة‬ ‫ومســتمرة‪ ،‬خاصــة وأن هــذا االضطــراب تأتــي يف وقــت كان فيــه‬ ‫النشــاط االقتصــادي يف املنطقــة يف حالــة تراجــع بالفعــل‪ ،‬حيــث‬ ‫انخفــض مــن ‪ %5.6‬يف عــام ‪2022‬م‪ ،‬إلــى ‪ %2‬يف عــام ‪2023‬م‪ ،‬وف ً​ًقــا‬ ‫لتقريــر صــادر عــن صنــدوق النقــد الدولــي‪ ،‬الــذي أكــد بــدوره أن‬ ‫التوقعــات اخلاصــة باالقتصــادات األكثــر عرضــة للخطــر بشــكل‬ ‫مباشــر ســيتم تخفيــض تصنيفهــا‪ ،‬وأن السياســات الراميــة إلــى‬ ‫حمايــة االقتصــادات مــن الصدمــات واحلفــاظ علــى االســتقرار‬ ‫ســتكون حاســمة‪.‬‬ ‫وفيمــا يلــي نرصــد بعــض العوامــل التــي ميكــن أن تؤثــر علــى مــدى‬ ‫زــمن اــستمرار التحدــيات ــمن خالل النــقاط التالــية‬ ‫التطــورات السياســية واألمنيــة‪ :‬ال شــك أن اســتمرار التوتــرات‬ ‫السياســية واألمنيــة يف املنطقــة‪ ،‬ســيطيل مــن أمــد اســتمرار األزمــة‬ ‫وبالتبعيــة ســتطول فتــرة اســتمرار التحديــات‪.‬‬ ‫التطــورات االقتصاديــة العامليــة‪ :‬إذ أن الهــزات االقتصاديــة التــي‬ ‫تظهــر مــن آن آلخــر مثــل تقلبــات أســعار الطاقــة أو األزمــات‬ ‫االقتصاديــة‪ ،‬ميكــن أن تؤثــر علــى اســتقرار املمــر املالحــي‪.‬‬ ‫جهــود التعــاون الدولــي‪ :‬إذ أنــه يتــعني علــى اجملتمــع الدولــي أن يســعى‬ ‫بــدأب شــديد نحــو تعزيــز أواصــر التعــاون واجلهــود املشــتركة لتعزيــز‬ ‫األمــان وتســهيل حــل النزاعــات مبــا مــن شــأنه املســاهمة يف احلــد‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪205‬‬

‫ملف العدد‬

‫مــن فتــرة اســتمرار التحديــات‪.‬‬ ‫ونشــير يف هــذا الصــدد إلــى أنــه يتــعني الســعي نحــو تبنــي سياســات‬ ‫اســتباقية للتعامــل مــع هــذه التحديــات إذا طــال أمدهــا بــأن تقــوم‬ ‫الــدول املتأثــرة باتبــاع اســتراتيجيات شــاملة تشــمل جملــة األمــور‬ ‫التالــية‬ ‫تعزيز التعاون اإلقليمي والدولي‪.‬‬ ‫حتسني األمان البحري وتعزيز التكنولوجيا يف إدارة املالحة‪.‬‬ ‫دعــم التنويــع االقتصــادي للتقليــل مــن التبعيــة على مصادر ومســارات‬ ‫واحدة‪.‬‬ ‫تعزيز الدبلوماسية واجلهود حلل النزاعات بني الدول‪.‬‬ ‫تعزيــز إجــراءات األمــان البحــري وحتفيــز االســتثمار يف البنيــة‬ ‫التحتيــة البحريــة‪.‬‬ ‫وبالتالــي فــإن االســتمرار يف مراقبــة التطــورات واتخــاذ إجــراءات‬ ‫تصحيحيــة بشــكل فعــال ســيكون حاســمًاً للتعامــل مــع حتديــات املمــر‬ ‫املالحــي بشــكل فّعّ ــال‪.‬‬ ‫ويف اخلتــام ميكــن اســتخالص جملــة النقــاط التاليــة للتعقيــب علــى‬ ‫تأثيــر حتديــات األمــن املتصاعــدة يف املمــر املالحــي بالبحــر األحمــر‬ ‫ومنطقــة القــرن اإلفريقــي علــى االقتصــاد املصــري نوجزهــا يف‬ ‫النــقاط التالــية‪:‬‬ ‫مــن املتوقــع أن تتلقــى مصــر‪ ،‬الدولــة األكثــر اكتظاظــا بالســكان يف‬ ‫الشــرق األوســط‪ ،‬هــزة كبيــرة علــى الـمدى القصيــر‪ ،‬نظــرًاً النخفــاض‬ ‫عائــدات قنــاة الســويس‪ ،‬حيــث أنــه يف الظــروف العاديــة متــر أكثــر‬ ‫مــن ‪ 20‬ألــف ســفينة عبــر قنــاة الســويس كل عــام‪ ،‬ممــا يحقــق‬ ‫إيــرادات قدرهــا حوالــي ‪ 10‬مليــارات دوالر لالقتصــاد املصــري يف‬ ‫عــام ‪2023‬م‪ ،‬وبالفعــل أعلنــت هيئــة قنــاة الســويس يف الــبالد عــن‬ ‫انخفــاض اإليــرادات بنســبة ‪ ٪40‬خالل األســبوعني األولني مــن عــام‬ ‫‪2024‬م‪ ،‬مقارنــة بنفــس الفتــرة يف ‪2023‬م‪ ،‬وتكمــن اخلطــورة هنــا يف‬ ‫أن الدخــل الــذي جتلبــه القنــاة لــه أهميــة خاصــة القتصــاد الــبالد‬ ‫ألنــه أحــد املصــادر الرئيســية للوصــول إلــى العملــة األجنبيــة‪ ،‬والتــي‬ ‫ال تــزال نــادرة‪ ،‬ويتفاقــم الوضــع أكثــر بســبب انخفــاض قيمــة العملــة‬ ‫احملليــة وارتفــاع التضخــم‪.‬‬ ‫ال يــزال مــدى الضــرر الــذي ميكــن أن يحدثــه انقطــاع طــرق الشــحن‬ ‫لفتــرة طويلــة يف غيــر مؤكــد مــع اســتمرار الصــراع‪.‬‬ ‫مــن غيــر املرجــح أن يكــون لالضطرابــات يف املمــر املالحــي يف البحــر‬ ‫األحمــر ومنطقــة القــرن اإلفريقــي تداعيــات مســتدامة علــى الطاقــة‪،‬‬ ‫وأســعار الســلع األساســية علــى نطــاق أوســع ألن إعــادة توجيــه‬ ‫الــسفن تعــيق سالــسل التورــيد العاملــية‪ ،‬ولــيس اإلنــتاج احلجــمي‪.‬‬ ‫ـ‬ ‫*مسؤول ملف االستثامر ـ إدارة العالقات االقتصادية ـ قطاع الشؤون‬ ‫االقتصادية ‪-‬جامعة الدول العربية‬


‫‪204‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫التنســيق اإلقليمــي والتعــاون الــدويل أمــر حتمــي وضــروري للتصــدي‬ ‫لتأثيراته ــا وضم ــان اس ــتدامة حرك ــة التج ــارة وسالس ــل التوري ــد العالمي ــة‬ ‫اإلفريقــي علــى أن يتــم ذلــك مــن خالل تعزيــز التعــاون مــع املؤسســات‬ ‫الدوليــة لتحقيــق االســتقرار واألمــان‪.‬‬ ‫تعزيــز التنويــع االقتصــادي بحيــث تتمكــن القاهــرة يف وقــت قريــب‬ ‫مــن دعــم قطاعــات اقتصاديــة أخــرى كالســياحة والطاقــة والزراعــة‬ ‫ً‬ ‫فــضًال عــن تعزيــز‬ ‫لتقليــل االعتمــاد علــى إيــرادات قنــاة الســويس‬ ‫االــستثمار يف القطاــعات ذات القيــمة املضاــفة‪.‬‬ ‫زيــادة حــمالت التواصــل والتوعيــة علــى أن يشــمل ذلــك تعزيــز‬ ‫التواصــل مــع اجلمهــور واملســتثمرين حــول إجــراءات األمــان‬ ‫والتحديــات املتوقعــة جنبــًاً إلــى جنــب مــع تعزيــز التوعيــة حــول‬ ‫ضــرورة االســتعداد ملواجهــة التحديــات والتهديــدات‪.‬‬ ‫وممــا ال شــك فيــه أن حتقيــق هــذه العمليــات ســيتطلب تعاو ً​ًنــا‬ ‫مســتم ً​ًرا بني احلكومــة املصريــة واجملتمــع الدولــي لضمــان العمــل‬ ‫علــى األمــان واالســتقرار يف املنطقــة‪ ،‬مــع التأكيــد علــى أهميــة تبنــي‬ ‫احللــول الشــاملة للتحديــات األمنيــة املعقــدة‪.‬‬ ‫وتأسيســًاً علــى مــا ســبق نســتنبط أن مجابهــة االقتصــاد املصــري‬ ‫لتحديــات األمــان يف ممــر البحــر األحمــر املالحــي ومنطقــة القــرن‬ ‫اإلفريــقي ــقد يعتــمد عــلى حتقــيق ــعدة عواــمل‪ ،‬ــمن بينــها‬ ‫فعاليــة التعامــل مــع التحديــات مــن خالل البــدء الفــوري يف تنفيــذ‬ ‫االســتراتيجيات الفّعّ الــة ســالفة الذكــر ملواجهــة التحديــات األمنيــة‬ ‫والتأكيــد علــى أمــان البنيــة التحتيــة واملمــر املالحــي‪.‬‬ ‫تعزيــز الثقــة بني املســتثمرين احمللــيني واألجانــب مــن خالل إظهــار‬ ‫قــدرة مصــر علــى إدارة األزمــة بحرفيــة شــديدة والتعامــل بفعاليــة مــع‬ ‫تلــك التحديــات الناشــئة‪.‬‬ ‫حتفيــز االســتثمار عبــر إطالق مشــاريع حتفيزيــة وحوافــز لتشــجيع‬ ‫االســتثمار يف مختلــف القطاعــات االقتصاديــة احليويــة التــي مــن‬ ‫شــأنها جــذب املســتثمرين‪.‬‬ ‫البنــاء علــى مــا مت حتقيقــه مــن تطــور كبيــر وهائــل يف مجــال‬ ‫تطويــر البنيــة التحتيــة مــع االســتمرار حســب اإلمكانــات املتاحــة‬ ‫يف االســتثمار يف حتــسني بنيــة النقــل واللوجســتيات لتعزيــز الكفــاءة‬ ‫وجــذب املزيــد مــن االســتثمارات‪.‬‬ ‫تبنــي سياســات اقتصاديــة صحيحــة تشــجع علــى النمــو املســتدام‬ ‫وتعــزز التوظيــف‪.‬‬ ‫وعليــه جنــد أنــه علــى الرغــم مــن حتديــات األمــان الســالفة الذكــر‪،‬‬ ‫إال أن مصــر متتلــك إمكانيــات هائلــة وموقعـًاً جغرافيـًاً اســتراتيجيًاً‪،‬‬ ‫وباســتمرار اجلهــود الراميــة لتعزيــز األمــان وتنويــع االقتصــاد‪ ،‬ميكــن‬ ‫لالقتصــاد املصــري أن يتجــاوز التداعيــات احملتملــة ويحقــق التعــايف‬ ‫الســريع جــراء التبعــات الســلبية لتحديــات األمــن يف املمــر املالحــي‬

‫للبحــر األحمــر والقــرن اإلفريقــي‪.‬‬ ‫وممــا ال شــك فيــه أن حتديــات األمــن املتصاعــدة يف املمــر املالحــي‬ ‫بالبحــر األحمــر ومنطقــة القــرن اإلفريقــي لــن تقتصــر فقــط علــى‬ ‫مصــر وحدهــا‪ ،‬إذ أن التداعيــات احملتملــة جــراء تلــك التحديــات‬ ‫ســوف متتــد لتشــمل اقتصــادات الــدول املتشــاطئة علــى البحــر‬ ‫األحمــر وأيض ـًاً علــى حركــة التجــارة الدوليــة‪ ،‬وســرعة اإلمــدادات‬ ‫التجاريــة وسالســل التوريــد العامليــة وزيــادة كلفــة النقــل البحــري‬ ‫جــراء تغييــر مســارات إبحــار الســفن التجاريــة مــن قنــاة الســويس‬ ‫إلــى رأس الرجــاء الصالــح‪ ،‬وميكــن رصــد جملــة تلــك التأثيــرات مــن‬ ‫خالل النــقاط التالــية‪:‬‬ ‫‪ )1‬تأخيــرات وزيــادة تكاليــف الشــحن‪ :‬ال شــك أن الســفن التجاريــة‬ ‫التــي تغيــر مســارها مــن قنــاة الســويس إلــى رأس الرجــاء الصالــح‬ ‫ســتواجه تأخيــرات يف الوصــول‪ ،‬جنبــًاً إلــى جنــب مــع زيــادة يف‬ ‫تكاليــف الشــحن نتيجــة للمســافة اإلضافيــة والزمــن اإلضــايف الالزم‬ ‫وميكــن أن يتأثــر بذلــك األســعار النهائيــة للمنتجــات‪.‬‬ ‫‪ )2‬تغيــرات يف سالســل التوريــد‪ :‬إذ أن تغيــر مســار الســفن يــؤدي‬ ‫حتمـًاً إلــى تعــديالت يف سالســل التوريــد العامليــة‪ ،‬ممــا قــد يؤثــر علــى‬ ‫حركــة اإلمــدادات واإلنتــاج يف الــدول املعتمــدة علــى هــذه السالســل‪.‬‬ ‫‪ )3‬تأثيــر علــى حركــة التجــارة الدوليــة‪ :‬أيضـًاً فــإن التحديــات يف ممر‬ ‫البحــر األحمــر متثــل تهديــدًاً حلركــة التجــارة الدوليــة‪ ،‬وخاصـ ً​ًة فيمــا‬ ‫يتعلــق باملســارات البحريــة احليويــة للنقــل البحــري‪.‬‬ ‫‪ )4‬تأثيــر علــى االقتصــاد اإلقليمــي‪ :‬حيــث قــد تواجــه الــدول‬ ‫املتشــاطئة علــى البحــر األحمــر تأثيــرًاً ســلبيًاً علــى اقتصاداتهــا‬ ‫نتيــجة لتباــطؤ حرــكة التــجارة وارتــفاع تكالــيف النــقل‪.‬‬ ‫وباســتمرار تلــك التحديــات‪ ،‬يصبــح التنســيق اإلقليمــي والتعــاون‬ ‫الدولــي أمــر�ا حتميــ�ا وضروريــ�ا للتصــدي لتأثيراتهــا وضمــان‬ ‫اســتدامة حركــة التجــارة وسالســل التوريــد العامليــة‪.‬‬ ‫مــن املتوقــع أن تؤثــر الزيــادات يف أوقــات الشــحن وتكاليفــه بشــكل‬ ‫أكبــر علــى االقتصــاد العالـمي‪ ،‬الــذي يشــهد أبطــأ منــو لــه منــذ نصــف‬ ‫عقــد منــذ ‪ 30‬عا ً​ًمــا‪ ،‬وف ً​ًقــا للبنــك الدولــي‪ ،‬جنبـًاً إلــى جنــب مــع تفاقــم‬ ‫العوامــل املســاهمة يف تغيــر املنــاخ‪.‬‬ ‫وإذا كان مــن غيــر املرجــح أن يــؤدي انقطــاع الشــحن إلــى زيــادة‬ ‫كبيــرة يف أســعار الطاقــة‪ ،‬إال أن ارتفــاع تكاليــف الشــحن مــن شــأنه‬ ‫الضغــط علــى أســعار الســلع االســتهالكية‪ ،‬وبالتالــي زيــادة التضخــم‪،‬‬ ‫وتكمــن اخلطــورة هنــا يف أن ذلــك يأتــي متزامن ـًاً يف التوقيــت الــذي‬ ‫بــدأت فيــه البنــوك املركزيــة إجــراءات خفــض أســعار الفائــدة لضبــط‬ ‫أوضــاع السياســة النقديــة لديهــا‪.‬‬ ‫وتأسيسـًاً علــى مــا ســبق ميكننــا اســتنباط حقيقــة مفادهــا أن تأثيــر‬ ‫حتديــات ممــر البحــر األحمــر علــى نســب النمــو املتوقعــة ميكــن‬ ‫متنوًعــا حســب القطاعــات االقتصاديــة وحركــة التــداول‬ ‫أن يكــون‬ ‫ً‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪203‬‬

‫ملف العدد‬

‫تتلق ــى مص ــر الدول ــة األكث ــر اكتظاًظً ــا بالس ــكان يف الش ــرق األوس ــط‬ ‫هــزة كبيــرة عىل المــدى القصيــر نظ ـًرًا النخفــاض عائــدات قنــاة الســويس‬ ‫خامسًاً‪ :‬تأثير على السياحة‪:‬‬

‫الــقرن اإلفريــقي ميــكن إجمالــها ــمن خالل النــقاط التالــية‪:‬‬

‫ال شــك أيضـًاً أن تلــك التطــورات يف املمــر املالحــي بالبحــر األحمــر‬ ‫ومنطقــة القــرن اإلفريقــي قــد تؤثــر بشــكل ســلبي علــى االســتثمارات‬ ‫األجنبيــة املباشــرة مبــا مــن شــأنه احلــد مــن إشــراك املســتثمرين‬ ‫األجانــب يف االقتصــاد املصــري‪ ،‬أضــف إلــى ذلــك كلــه أن القطــاع‬ ‫الســياحي‪ ،‬الــذي يعتبــر مصــدرًاً هامـًاً لإليــرادات بالنســبة للحكومــة‬ ‫املصريــة‪ ،‬هــو اآلخــر قــد يتأثــر ســلبًاً كنتيجــة مباشــرة لتأثيــر األمــان‬ ‫علــى ســمعة مصــر كوجهــة ســياحية آمنــة‪.‬‬

‫تعزيــز التعــاون اإلقليمــي والدولــي مــع الــدول اجملاورة لتعزيــز األمــان‬ ‫وتبــادل املعلومــات‪ ،‬وكذلــك املشــاركة يف اجلهــود الدوليــة حملاربــة‬ ‫التهديــدات األمنيــة البحريــة‪.‬‬

‫يف ضــوء هــذه التحديــات‪ ،‬يصبــح مــن الضــروري علــى احلكومــة‬ ‫املصريــة اتخــاذ إجــراءات فّعّ الــة لتعزيــز األمــان‪ ،‬وتنويــع االقتصــاد‪،‬‬ ‫وتشــجيع االســتثمار‪ ،‬وتعزيــز الشــراكات اإلقليميــة لتعزيــز اســتقرار‬ ‫املنطقــة وضمــان اســتدامة االقتصــاد املصــري‪.‬‬ ‫وال شــك أن مصــر اآلن مطالبــة أكثــر مــن أي وقــت مضــى بتبنــي‬ ‫اســتراتيجيات شــاملة مــن شــأنها تعزيــز التعــاون الدولــي جملابهــة‬ ‫تلــك التطــورات اخلطيــرة يف املمــر املالحــي بالبحــر األحمــر ومنطقــة‬

‫حتــسني األمــان البحــري مــن خالل زيــادة االســتثمار يف تكنولوجيــا‬ ‫املراقبــة البحريــة وحتديــث األنظمــة األمنيــة‪ ،‬جنب ـًاً إلــى جنــب مــع‬ ‫تعزيــز التواجــد األمنــي يف املناطــق احليويــة وتطويــر القــدرات‬ ‫البحريــة‪.‬‬ ‫تنميــة البنيــة التحتيــة مبــا يتضمنــه ذلــك مــن ضــرورة تطوير وحتسني‬ ‫بنيــة النقــل البحــري واملرافــق اللوجســتية‪ ،‬وأيض ـًاً زيــادة االســتثمار‬ ‫يف مشــاريع البنيــة التحتيــة لتعزيــز قــدرات التجــارة البحريــة‪.‬‬ ‫تعزيــز الدبلوماســية عبــر املشــاركة يف مفاوضــات دبلوماســية حلــل‬ ‫النزاعــات اإلقليميــة والتهديــدات األمنيــة والتــي يأتــي علــى رأســها‬ ‫التطــورات األخيــرة يف املمــر املالحــي للبحــر األحمــر ومنطقــة القــرن‬


‫‪202‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫تأثير تحديات األمن في ممر البحر األحمر والقرن اإلفريقي على االقتصاد المصري‬

‫‪ 5‬تأثيرات سلبية عىل النمو االقتصادي تتطلب‬ ‫تدابير سريعة بالتعاون مع المجتمع الدويل‬ ‫ال شــك أن الهجمــات علــى خطــوط الشــحن يف البحــر األحمــر قبالــة ســواحل اليمــن مــن قبــل احلوثــيني يف الــبالد والتــي‬ ‫شــنتها انتقا ً​ًمــا للحــرب العســكرية اإلســرائيلية علــى غــزة‪ ،‬تشــكل تهديــًدًا متزايــًدًا للتجــارة الدوليــة وبالتالــي االقتصــاد‬ ‫العاملــي‪ ،‬غيــر أن االقتصــاد املصــري علــى وجــه اخلصــوص ســيعاني بشــدة علــى املــدى القصيــر حيــث دفعــت الهجمــات‬ ‫أكبــر خمســة خطــوط حاويــات يف العالــم‪ ،‬والتــي متثــل حوالــي ‪ %65‬مــن طاقــة الشــحن العامليــة‪ ،‬إلــى تعليــق الـمرور عبــر قنــاة‬ ‫الســويس‪ ،‬مــع انخفــاض حركــة الـمرور بنحــو ‪ %39‬منــذ بدايــة ديســمبر‪ ،‬ممــا أدى إلــى انخفــاض الشــحن بنســبة ‪ .%45‬بحســب‬ ‫أرقــام مؤمتــر األمم املتحــدة للتجــارة والتنميــة (األونكتــاد)‪.‬‬

‫د‪ .‬عالء أبو الوفا‬

‫وكانــت النتيجــة املباشــرة جــراء تلــك التطــورات ارتفــاع أســعار شــحن‬ ‫البضائــع بني آســيا وأوروبــا بســبب احلاجــة إلــى اإلبحــار حــول القــارة‬ ‫اإلفريقية‪.‬‬ ‫وبالتالــي فــإن مصــر تواجــه حتديــات جــراء تلــك التداعيــات األمنيــة‬ ‫املتصاعــدة يف ممــر البحــر األحمــر واملنطقــة احمليطــة بــه‪ ،‬فـ ً‬ ‫ـضًال‬ ‫عــن أي تهديــدات قرصنــة‪ ،‬والتوتــرات اإلقليميــة‪ ،‬والتحديــات‬ ‫اجليوسياســية‪ ،‬وال شــك أن تلــك التحديــات قــد تكــون لهــا تأثيــرات‬ ‫كبيــرة علــى االقتصــاد املصــري ميكــن رصــد أهمهــا مــن خالل جملــة‬ ‫النــقاط التالــية‬ ‫ً‬ ‫أوًال‪ :‬تأثيرات على حركة التجارة واللوجستيات‪:‬‬ ‫إذ تعتبــر قنــاة الســويس مــن أهــم املمــرات املالحيــة يف العالــم‪،‬‬ ‫وبالتالــي فــإن أي تعطيــل يف حركــة الســفن يــؤدي إلــى انقطــاع يف‬ ‫سالســل التوريــد العامليــة ويؤثــر علــى التجــارة الدوليــة‪ ،‬أضــف إلــى‬ ‫ذلــك أن تكاليــف الشــحن ســترتفع بســبب التأمينــات اإلضافيــة‬ ‫والتدابيــر األمنيــة‪ ،‬وعليــه فال شــك أن ذلــك سيشــكل تأثيــرات ســلبية‬ ‫علــى حركــة التجــارة البحريــة وتدفــق البضائــع عبــر القنــاة‪ ،‬ممــا يؤثــر‬ ‫علــى إيــرادات مصــر مــن مصاريــف العبــور‪.‬‬ ‫وردًاً علــى الهجمــات مت اآلن حتويــل مئــات الســفن والنــاقالت املتجهة‬ ‫إلــى الســوق األوروبيــة بعيــًدًا عــن البحــر األحمــر وقنــاة الســويس‬ ‫عبــر رأس الرجــاء الصالــح يف جنــوب إفريقيــا‪ ،‬وكنتيجــة لذلــك‬ ‫زادت أوقــات العبــور لناقلــة ســويز ماكــس مــن ‪ 16‬إلــى ‪ 32‬يوم ـًاً يف‬ ‫املتوــسط‪.‬‬

‫ثانيًاً‪ :‬ارتفاع تكاليف األمان البحري والدفاع‪:‬‬ ‫حيــث أن زيــادة التوتــرات الواقعــة يف املمــر املالحــي بالبحــر األحمــر‬ ‫ومنطقــة القــرن اإلفريقــي قــد تســتدعي تكاليــف إضافيــة لتعزيــز‬ ‫األمــان البحــري والدفــاع عــن املمــر املالحــي‪ ،‬وبالتالــي فإنــه لتحــسني‬ ‫األمــان‪ ،‬قــد جتــد القاهــرة نفســها أمــام ضــرورة زيــادة اإلنفــاق علــى‬ ‫األمــان البحــري وتكنولوجيــا املراقبــة‪ ،‬هــذا يتطلــب اســتثمارات‬ ‫إضافيــة مــن احلكومــة املصريــة يف البنيــة التحتيــة والتكنولوجيــا‬ ‫لضــمان اــستدامة األــمان‪ ،‬ممـما يزــيد ــمن تكالــيف احلكوــمة‪.‬‬ ‫ثالثًاً‪ :‬تأثير على القطاعات االقتصادية احليوية‪:‬‬ ‫قــد تؤثــر التوتــرات أيضــًاً بشــكل كبيــر علــى القطاعــات احليويــة‬ ‫كالطاقــة‪ ،‬حيــث تعتمــد مصــر بشــكل كبيــر علــى مــرور النفــط والغــاز‬ ‫عبــر املمــر املالحــي لقنــاة الســويس‪ ،‬وبالتالــي فــإن تعــرض القنــاة‬ ‫للتهديــد ميكــن أن يعرقــل حركــة النفــط والغــاز‪ ،‬ممــا يؤثــر علــى‬ ‫إمــدادات الطاقــة واالقتصــاد‪.‬‬ ‫رابعًاً‪ :‬تأثير على االستثمارات األجنبية‪:‬‬ ‫ال شــك أيض ـًاً ان التطــورات األخيــرة قــد تثيــر مخــاوف املســتثمرين‬ ‫األجانــب وتؤثــر علــى قراراتهــم باالســتثمار يف مصــر خاصــة يف ظــل‬ ‫مــا تعانيــه القاهــرة مــن أزمــة شــح العملــة األجنبيــة وتضــارب الســعر‬ ‫الرســمي لســعر الصــرف مــع الســعر يف الســوق الســوداء‪.‬‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫أن هــذه األحــداث يف البحــر األحمــر ســتنعكس أيضـًاً علــى مســتوى‬ ‫اإليــرادات العامــة‪ ،‬التــي حتصــل عليهــا الدولــة‪ ،‬وعلــى مســتوى حيــاة‬ ‫املواطــن‪ ،‬ألن أي ارتفــاع بتكاليــف الشــحن يتــم إضافتــه علــى املنتــج‬ ‫النهائــي‪ ،‬وترتفــع األســعار‪ ،‬حيــث تخطــى ســعر كيــس الدقيــق زنــة‬ ‫‪ 50‬كيلوغرام ـًاً‪ )20( ،‬ألــف ريــال‪ ،‬وكيــس األرز (‪ )28‬ألــف ريــال‪ ،‬يف‬ ‫مناطــق ســيطرة االنقالبــيني احلوثــيني‪ ،‬مقابــل بيــع نفــس الدقيــق‬ ‫بأقــل مــن (‪ )40‬ألــف ريــال‪ ،‬وتعــدى ســعر األرز (‪ )50‬ألــف ريــال يف‬ ‫املناطــق احملــررة‪.‬‬ ‫كمــا إن قيــام مليشــيا احلوثــي باســتهداف مينــاء الضبــة والنشــيمة‬ ‫لتصديــر النفــط يف حضرمــوت وشــبوة إلجبارهمــا علــى إيقــاف‬ ‫التصديــر‪ ،‬ســيكون لــه تداعيــات خطيــرة علــى االقتصــاد اليمنــي‬ ‫الــذي يعتمــد علــى إيــرادات بيــع النفــط يف احلصــول علــى النقــد‬ ‫األجنبــي‪ ،‬حيــث ارتفعــت تلــك اإليــرادات خالل النصــف األول مــن‬ ‫العــام املاضــي إلــى (‪ )187.6‬مليــون دوالر‪ ،‬بنســبة زيــادة بلغــت‬ ‫(‪ ،)%34‬لتبلــغ ‪ 739.3‬مليــون دوالر‪ ،‬مقارنــة بـــ (‪ )551.7‬مليــون دوالر‬ ‫خالل نفــس الفتــرة مــن العــام ‪ .2021‬ويعــود ذلــك إلــى ارتفــاع أســعار‬ ‫النفــط خالل النصــف األول مــن العــام املاضــي‪ .‬كمــا أن هــذه احلــرب‬ ‫لهــا تداعيــات خطيــرة علــى مســتوى الداخــل اليمنــي ً‬ ‫أوًال ألنهــا رفعــت‬ ‫بالفعــل أســعار الســلع الغذائيــة يف ظــل أزمــة متفاقمــة يف األصــل‬ ‫يعيــشها االقتــصاد اليمــني‪.‬‬ ‫إن مــا يجــري علــى املوانــئ اليمنيــة وإغالقهــا أمام الشــحن التجاري‬ ‫الدولــي ســيكون لــه تبعــات علــى االقتصــاد اليمنــي املتدهــور واملنهــار‪،‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪201‬‬

‫ملف العدد‬

‫إذ يتوقــع اســتمراره يف االنكمــاش مــع تأثيــر األزمــة علــى الشــأن‬ ‫احمللــي وجهــود التســوية التــي كانــت ســتمهد لعــدد مــن اإلجــراءات‬ ‫والترتيبــات مثــل إعــادة تصديــر النفــط وصــرف رواتــب املوظــفني‬ ‫وإعــداد موازنــة عامــة للدولــة‪ .‬كمــا تأثــر الطلــب علــى النفــط‬ ‫العراقــي الثقيــل مــن قبــل الواليــات املتحــدة وأوروبــا واالســتعانة عنــه‬ ‫بالنفــط الثقيــل مــن األســواق اإلقليميــة‪ ،‬وهــذا انعكــس ســلبًاً علــى‬ ‫حجــم املبيعــات مــن النفــط‪.‬‬ ‫وصفــوة القــول فــإن اســتمرار هجمــات احلوثــيني علــى الســفن‬ ‫العابــرة للبحــر األحمــر والــرد األمريكــي البريطانــي علــى هــذه‬ ‫الهجمــات رمبــا سيشــجع الشــركات علــى املضــي قدم ـًاً يف اخلطــط‬ ‫التــي جــرى وضعهــا‪ ،‬مــن أجــل إيجــاد طــرق إمــداد بديلــة أكثــر قابليــة‬ ‫للتنبــؤ بهــا‪ .‬وقــد يشــمل ذلــك مســارات جتاريــة أطــول‪ ،‬لكــن أكثــر‬ ‫أمان ـًاً‪ ،‬وتعزيــزًاً قريب ـًاً أو إعــادة دعــم لتقريــب اإلنتــاج مــن األســواق‬ ‫الرئيســية‪ .‬لكــن مهمــا كانــت اخليــارات التــي ســيتم استكشــافها يف‬ ‫ظــل األزمــة‪ ،‬فمــن املرجــح أن تشــترك جميعهــا يف شــيء واحــد‪ ،‬هــو‬ ‫التكاليــف األعلــى‪.‬‬

‫*أستاذ االقتصاد السيايس – املعهد الدبلومايس – قطر‬


‫‪200‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫انخف ــض نش ــاط مين ــاء إيالت (‪ )%85‬واضطـ ـ ّ​َّرت الس ــفن إىل تغيي ــر‬ ‫مســارها نحــو طريــق أطــول مــن قنــاة الســويس لمـ ّ​ّدة بيــن ‪ 10‬و‪ 14‬يو�م ـًا‬ ‫املطــول لإلمــدادات مــن ثانــي أكبــر مــزود للغــاز الطبيعــي املســال يف‬ ‫أوروبــا يزيــد مــن اخملاطــر يف الوقــت الــذي يســيطر فيــه الطقــس‬ ‫الشــتوي علــى القــارة‪ .‬وصعــدت عقــود الغــاز الطبيعــي بنســبة ‪%2.1‬‬ ‫إلــى ‪ 3.2‬دوالر لــكل مليــون وحــدة حراريــة‪ ،‬وســط مخــاوف مــن تأثــر‬ ‫إمــدادات الطاقــة عبــر مضيــق بــاب املنــدب‪.‬‬

‫وذكــرت الوكالــة أن أســعار النافتــا ســجلت أعلــى مســتوياتها يف نحــو‬ ‫عــامني يف األســبوع األخيــر مــن ينايــر ‪2024‬م‪ ،‬وســط مخــاوف مــن‬ ‫أن يصبــح مــن الصعــب احلصــول عليهــا مــن أوروبــا‪.‬‬ ‫أسعار الذهب‪:‬‬ ‫ارتفعــت أســعار الذهــب بســبب الضربــات اجلويــة علــى اليمــن‪ ،‬وهو‬ ‫مــا أدى إلــى ارتفــاع جاذبيــة املعــدن األصفــر النفيــس باعتبــاره مالذا‬ ‫آمنــًاً‪ .‬ارتفــع الذهــب يف املعــامالت الفوريــة ‪ %0.9‬إلــى ‪2046.62‬‬ ‫دوالرا لألوقيــة (األونصــة)‪ .‬كمــا ارتفعــت العقــود األمريكيــة اآلجلــة‬ ‫للذهــب نحــو ‪ %2‬إلــى ‪ 2050.90‬دوال ً​ًرا‪ .‬إن االهتمــام ســيتركز علــى‬ ‫التوتــر اجليوسياســي املتزايــد الــذي يــرى أنــه كلمــا تصاعــد درجــة‬ ‫فإنــه "يدعــم أســعار الذهــب فــوق املتوســط املتحــرك ملــدة ‪ 50‬يومــا‬ ‫البالــغ ‪ 2015‬دوالرًاً‪.‬‬

‫املصــدر‪ :‬مــن عمــل الباحــث باالعتمــاد علــى بيانــات وكالــة الطاقــة‬ ‫الدوليــة ‪2024‬‬ ‫وتقــدر وكالــة ســتاندرد آنــد بــورز شــحنات الغــاز الطبيعــي‬ ‫املســال القطريــة عبــر قنــاة الســويس عنــد ‪ 14.8‬مليــون طــن ســنويًاً‪،‬‬ ‫والشــحنات األمريكيــة عنــد ‪ 8.8‬مليــون طــن والشــحنات الروســية‬ ‫عنــد ‪ 3.7‬ملــيون ــطن‪.‬‬

‫املصدر‪ :‬من إعداد الباحث باالعتماد على‪:‬‬ ‫‪h t t p s : / / w w w. s k y n e w s a r a b i a . c o m / b u s i‬‬‫‪ness/1685578‬‬ ‫ويف أســواق املنتجــات‪ ،‬كانــت تدفقــات الديــزل ووقــود الطائــرات‬ ‫مــن الهنــد والشــرق األوســط إلــى أوروبــا‪ ،‬وزيــت الوقــود األوروبــي‬ ‫والنافتــا املتجهــة إلــى آســيا هــي األكثــر تأثــرًاً‪ ،‬بحســب بلومبيــرغ‪.‬‬

‫رابعًاً‪-‬األثار على االقتصادات العربية واخلليجية‪:‬‬ ‫تنقــل ســفن الشــحن البحــري نحــو (‪ )9.9‬مليــار طــن الســلع علــى‬ ‫مســتوى العالــم‪ ،‬ميــر منهــا (‪ )1.2‬طــن بقنــاة الســويس نحــو (‪)7‬‬ ‫ماليني حاويــة فقــط مــن بني (‪ )40‬مليــون حاويــة تنقــل عبــر القنــاة‬ ‫يحمــل مســار البحــر‪ ،‬قنــاة الســويس نحــو (‪ )%4‬مــن واردات الغــاز‬ ‫املســال العامليــة بإيــرادات بلغــت (‪ )9.4‬مليــارات دوالر نهايــة ‪.2023‬‬ ‫أن التوتــرات التــي تشــهدها منطقــة بــاب املنــدب يف البحــر األحمــر‬ ‫نتيجــة لهجمــات مليشــيا احلوثــي‪ ،‬كان لهــا تأثيــر ســلبي علــى حركــة‬ ‫مــرور الســفن يف قنــاة الســويس‪ ،‬التــي انخفــض عددهــا إلــى ‪544‬‬ ‫ســفينة حتــى اآلن هــذا العــام‪ ،‬مقابــل ‪ 777‬ســفينة يف الفتــرة نفســها‬ ‫مــن العــام املاضــي‪ ،‬اي انخفضــت بنســبة (‪ )%30‬تقريبــًاً يف الفتــرة‬ ‫مــا بني ‪ 1‬و‪ 11‬ينايــر ‪2024‬م‪ ،‬علــى أســاس ســنوي‪ ،‬كمــا انخفضــت‬ ‫إيــرادات قنــاة الســويس بنحــو (‪ )%40‬خالل الفتــرة نفســها وفــق‬ ‫تصريــح رئيــس هيئــة قنــاة الســويس‪ .‬إن خــروج األمــر عــن الســيطرة‬ ‫جنــوب البحــر األحمــر ســيكلف االقتصــاد املصــري ‪-‬الــذي يعانــي مــن‬ ‫شــح الــدوالر ‪-‬خســائر كبيــرة‪.‬‬ ‫وجتــدر اإلشــارة إلــى أن ارتفــاع تكلفــة الشــحن ليــس علــى‬ ‫مســتوى الســفن القادمــة إلــى اليمــن‪ ،‬بــل أيضـًاً يخفــض مــن القــدرة‬ ‫التنافســية للموانــئ اليمنيــة‪ ،‬خصوصــًاً مينــاء عــدن‪ ،‬الــذي ليــس‬ ‫فقــط الســتقبال الســفن واحلاويــات‪ ،‬وإمنــا هــو مينــاء ترانزيــت يقــوم‬ ‫بتزويــد الســفن بالوقــود‪ ،‬ومينــاء ميتلــك أحــواض ســفن للصيانــة‪ .‬كمــا‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪199‬‬

‫ملف العدد‬

‫عبــر قنــاة الســويس‪ ،‬اتخــذت طرق ـًاً بديلــة يف ديســمبر‪ .‬وأوضحــت‬ ‫أن هــذه النســبة ارتفعــت إلــى نحــو (‪ )%42‬يف النصــف األول مــن‬ ‫ينايــر‪ .‬وأضافــت أن نصيــب الطــرق البديلــة كان حوالــي (‪ )%3‬فقــط‬ ‫يف املتوســط قبــل الهجمــات‪.‬‬

‫هــذه التوتــرات إلــى تفاقــم التضخــم العاملــي‪ .‬وقــدر بنــك "جيــه بــي‬ ‫مورغــان تشــيس أن أســعار االســتهالك العامليــة للســلع ســترتفع‬ ‫بنســبة ‪ % 0.7‬إضافيــة يف النصــف األول مــن هــذا العــام‪ ،‬إذا‬ ‫اســتمرت اضطرابــات الشــحن‪.‬‬

‫وســيؤدي اســتمرار التوتــرات يف البحــر األحمــر ملــدة أطــول إلــى‬ ‫خلــل كبيــر يف حركــة سالســل اإلمــداد العامليــة‪ ،‬الســيما وأن طريــق‬ ‫البحــر األحمــر ُيُعــد مــن أهــم الطــرق املالحيــة التجاريــة يف العالــم‪،‬‬ ‫حيــث ميــر مــن خاللــه نحــو (‪ )%12‬مــن حركــة التجــارة العامليــة‬ ‫عبــر قنــاة الســويس‪ .‬وحســب وكالــة «موديــز»‪ ،‬فــإن مــا يقــرب مــن‬ ‫(‪ )20‬ألــف ســفينة حاويــات متــر بقنــاة الســويس ســنويًاً‪ ،‬وإن الــدول‬ ‫األوروبيــة ســتكون األشــد تأثــرًاً بتجنــب الســفن العبــور مــن خالل‬ ‫القنــاة‪ .‬ووفقــًاً لبيانــات مكتــب اإلحصــاءات األوروبــي‪ ،‬فــإن نحــو‬ ‫(‪ )%20‬مــن واردات أوروبــا مــرت عبــر البحــر األحمــر عــام ‪2022‬م‪،‬‬ ‫ومعظمهــا كان عبــر قنــاة الســويس‪ .‬وتراجــع حجــم الشــحنات املارة‬ ‫بقنــاة الســويس خالل الفتــرة مــن ‪ 19‬نوفمبــر وحتــى ‪ 14‬ينايــر بنحــو‬ ‫(‪ )%11‬إلــى ‪ 242.5‬مليــون طــن‪ ،‬مــن (‪ )273‬مليــون طــن يف الفتــرة‬ ‫نفســها قبــل عــام‪ ،‬حســب منصــة «بــورت ووتــش» لتتبــع حركــة الشــحن‬ ‫والتابعــة لصنــدوق النقــد الدولــي‪ .‬وكشــفت البيانــات أيض ـًاً عــن أن‬ ‫عــدد ســفن احلاويــات تراجــع إلــى ‪ 2453‬ســفينة مقابــل (‪)2693‬‬ ‫خالل الفتــرة نفســها قبــل عــام‪ ،‬بينمــا انخفــض عــدد نــاقالت النفــط‬ ‫إلــى (‪ )1260‬مــن (‪ )1379‬ناقلــة‪.‬‬

‫اآلثار على أسواق النفط والغاز‪:‬‬

‫ثالثًاً‪-‬اآلثار على االقتصاد العاملي‪:‬‬ ‫ال شــك أن هجمــات احلــوثني علــى الســفن العابــرة للبحــر األحمــر‬ ‫ســيكون لهــا تداعيــات علــى االقتصــاد العاملــي تتمثــل يف ارتفــاع‬ ‫معــدالت التضخــم‪ ،‬وأســعار النفــط والغــاز والذهــب‪ ،‬وفيمــا يلــي بيــان‬ ‫بذــلك‬

‫اآلثار على معدالت التضخم‪:‬‬ ‫باســتخدام تقديــرات صنــدوق النقــد الدولــي لتأثيــر ارتفــاع‬ ‫تكاليــف الشــحن‪ ،‬قــدرت "أكســفورد إيكونوميــك" يف مذكــرة بتاريــخ‬ ‫‪ 4‬ينايــر‪2024‬م‪ ،‬أن املكاســب يف أســعار النقــل باحلاويــات ســتضيف‬ ‫‪ 0.6‬نقطــة مئويــة إلــى التضخــم يف غضــون عــام‪ .‬ميكــن أن تــؤدي‬

‫ارتفعــت تدفقــات النفــط اخلام املار عبــر مضيــق بــاب املنــدب‬ ‫خالل الســنوات الســتة املنصرمــة‪ ،‬حيــث زاد مــن (‪ )6.1‬مليــون‬ ‫برميــل يومي ـًاً عــام ‪2018‬م‪ ،‬إلــى (‪ )8.8‬مليــون برميــل عــام ‪2023‬م‪،‬‬ ‫أي بنســبة (‪.)%44.3‬‬

‫املصــدر‪ :‬مــن عمــل الباحــث باالعتمــاد علــى بيانــات وكالــة الطاقــة‬ ‫الدوليــة ‪2024‬م‪.‬‬ ‫ومــع حتويــل نــاقالت نفــط مســارها مــن البحــر األحمــر نتيجــة‬ ‫للهجمــات التــي تشــنها مليشــيا احلوثــي منــذ أواخــر العــام املاضــي‬ ‫قفــزت أســعار النفــط (‪ ،)%4‬وتخطــى ســعر تــداول برنــت ‪ 80‬دوالرً​ًا‬ ‫بســبب اخملاطــر اجليوسياســية املرتفعــة قبــل أن يتراجــع إلــى نحــو‬ ‫‪ 78.3‬دوالر‪ .‬وارتفــع خــام غــرب تكســاس الوســيط األمريكــي ‪%4‬‬ ‫أيضـًاً فــوق ‪ 75‬دوالرًاً‪ ،‬قبــل أن يتراجــع ليســتقر قري�بـًا مــن ‪ 73‬دوالرًاً‪.‬‬ ‫كمــا أوقفــت قطــر مؤق�تـًا إرســال نــاقالت الغــاز الطبيعــي املســال‬ ‫عبــر مضيــق بــاب املنــدب بعــد أن أدت الغــارات اجلويــة التــي قادتهــا‬ ‫الواليــات املتحــدة علــى أهــداف احلوثــيني يف اليمــن إلــى زيــادة‬ ‫اخملاطــر يف املمــر املائــي احليــوي‪ .‬وقــد توقفــت خمــس ســفن علــى‬ ‫األقــل للغــاز الطبيعــي املســال تديرهــا قطــر وكانــت متجهــة نحــو‬ ‫املمــر يف الطــرف اجلنوبــي للبحــر األحمــر‪ ،‬ثــم اســتأنفت رحلتهــا‬ ‫بعــد‪ ،‬وف ً​ًقــا لبيانــات تتبــع الســفن التــي جمعتهــا بلومبــرج‪ .‬إن التوقــف‬

‫التط ــورات يف الق ــرن اإلفريق ــي ال تعن ــي دوله ــا فحس ــب ب ــل تؤث ــر‬ ‫أيًضً ــا بش ــكل مباش ــر عىل بيئاته ــا السياس ــية واالقتصادي ــة واألمني ــة‬


‫‪198‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫تحوي ــل مس ــار الس ــفن م ــن مضي ــق ب ــاب المن ــدب إىل رأس الرج ــاء‬ ‫الصال ــح س ــيرفع م ــن تكالي ــف النق ــل بح ــدود (‪ )100‬دوالر ل ــكل حاوي ــة‬ ‫الدخــل القومــّيّ ‪ .‬وتتبــع ملصــر (‪ )22‬جزيــرة داخــل البحــر األحمــر‬ ‫تتمّيّــز بتن ـّوّ ع احليــاة البحر�يـّة فيهــا‪ .‬أمــا بالنســبة للســعودية‪ ،‬فقــد‬ ‫اســتغّلّت ســاحل البحــر األحمــر لتبنــي عليــه أكبــر وأهــم مينــاء يف‬ ‫اململكــة‪ ،‬مينــاء جــّدّ ة اإلسالمــّيّ ‪ .‬إذ يســتقبل املينــاء أكثــر مــن (‪)4‬‬ ‫آالف ســفينة ســنوّيًّاً‪ .‬ويش ـّكّ ل املينــاء نقطــة اســتقبال حلّجّ ــاج البيــت‬ ‫احلــرام مــن الــدول اإلفريق�يـّة‪ .‬وتســعى الســعودية اليــوم انطالقـًاً مــن‬ ‫رؤيتهــا ‪ ،2030‬علــى تطويــر حوالــي (‪ )200‬كيلــو متــر علــى طــول‬ ‫ســواحل البحــر األحمــر‪ ،‬يقــع ضمــن نطــاق (‪ )50‬جزيــرة صغيــرة‪،‬‬ ‫لتعزيــز املبــادرات الســياحية التــي تســتهدف جــذب االســتثمارات‬ ‫األجنبيــة‪ .‬كمــا أن موقــع مدينــة نيــوم املســتقبلية ســوف يكــون داخــل‬ ‫ــهذا الــشريط الــساحلي‪.‬‬ ‫ثانيًاً‪-‬تأثيــر حتديــات األمــن املتصاعــدة يف البحــر األحمــر علــى‬ ‫حركــة التجــارة الدوليــة‬ ‫أثــرت األحــداث اجلاريــة يف منطقــة البحــر األحمــر واخملاوف‬ ‫األمنيــة علــى شــركات الشــحن‪ ،‬حيــث قامــت (‪ )18‬شــركة شــحن‬ ‫تغييــر مســارها إلــى رأس الرجــاء الصالــح‪ ،‬ممــا يعنــي ارتفــاع الكلفــة‬ ‫يقابلهــا زيــادة يف مــدة الــرحالت تصــل إلــى (‪ )20‬يومــًاً‪ ،‬باملقابــل‪،‬‬ ‫يترقــب املســتهلكون زيــادة ســعرية ناجتــة عــن ذلــك التحــول‪ ،‬الســيما‬ ‫يف ظــل إعالن مســؤولني يف مجــال اخلدمــات اللوجســتية أن أكثــر‬ ‫مــن (‪ )200‬مليــار دوالر مــن التجــارة الدوليــة غيــرت مســارها عــن‬ ‫طريــق املالحــة البحريــة احليويــة يف الشــرق األوســط‪ ،‬نحــو رأس‬ ‫الرجــاء الصالــح‪ .‬وتضاعفــت تكلفــة شــحن احلاويــات مــن الــصني إلى‬ ‫البحــر األبيــض املتوســط مبــا يفــوق ‪ 4‬أضعــاف منــذ أواخــر نوفمبــر‬ ‫املاضــي‪ .‬كمــا أن هنــاك أكثــر مــن ‪ 500‬ســفينة حاويــات كانــت تبحــر‬ ‫يف العــادة عبــر البحــر األحمــر مــن وإلــى قنــاة الســويس‪ ،‬وحتمــل‬ ‫كل شــيء بدايــة مــن املالبــس واأللعــاب إلــى قطــع غيــار الســيارات‪،‬‬ ‫لكنهــا أصبحــت مضطــرة إلضافــة أســبوعني ملســار ســفرها حــول‬ ‫رأس الرجــاء الصالــح باجلــزء اجلنوبــي مــن إفريقيــا‪ ،‬ويشــكل هــذا‬ ‫ربــع ســعة شــحن احلاويــات يف العالــم تقريبـًاً‪ ،‬وفــق منصــة اخلدمــات‬ ‫اللوجســتية الرقميــة‪.‬‬ ‫وجتــدر اإلشــارة إلــى أنــه قــد مــرت (‪ )150‬ســفينة عبــر قنــاة‬ ‫الســويس خالل األســبوعني األولني مــن شــهر ينايــر ‪2024‬م‪ ،‬مقارنــة‬ ‫بـــ (‪ )400‬ســفينة كانــت قــد مــرت مــن املنطقــة يف الوقــت نفســه مــن‬ ‫عــام ‪2023‬م‪ ،‬طبق ـًاً لشــركة ماريــن ترافيــك لتتبــع الســفن‪ .‬وقامــت‬

‫شــركات الشــحن مبضاعفــة األســعار التــي تفرضهــا لنقــل حاويــة مــن‬ ‫آســيا إلــى أوروبــا ‪ 3‬مــرات‪ ،‬وذلــك جزئيـًاً لتغطيــة التكلفــة اإلضافيــة‬ ‫لإلبحــار حــول إفريقيــا‪ .‬ويواجــه أصحــاب الســفن الذيــن مــا زالــوا‬ ‫يســتخدمون البحــر األحمــر‪ ،‬الســيما أصحــاب النــاقالت‪ ،‬ارتفــاع‬ ‫أقســاط التــأمني ضــد مخاطــر احلــرب‪ .‬وعلــى الرغــم مــن أن أســعار‬ ‫احلاويــات لــم ترتفــع بعــد بالقــدر نفســه الــذي ارتفعــت بــه خالل‬ ‫جائحــة كوفيــد ‪ 19-‬غيــر أن جتــار التجزئــة‪ ،‬كأيكيــا‪ ،‬حــذروا مــن‬ ‫أن جتنــب قنــاة الســويس قــد يؤخــر وصــول الســلع إلــى املتاجــر‪.‬‬ ‫واضطــرت بعــض مصانــع الســيارات يف أوروبــا إلــى تعليــق عملياتهــا‬ ‫لفتــرة وجيــزة أثنــاء انتظــار وصــول قطــع الغيــار مــن آســيا‪.‬‬ ‫إن حتويــل مســار الســفن مــن قبــل شــركات الشــحن الدوليــة مــن‬ ‫مضيــق بــاب املنــدب إلــى رأس الرجــاء الصالــح ســيرفع مــن تكاليــف‬ ‫النقــل بحــدود (‪ )100‬دوالر لــكل حاويــة‪ .‬وأن ذلــك ســيقود إلــى رفــع‬ ‫أســعار الســلع علــى املســتهلك النهائــي‪ .‬وأعلنــت شــركات شــحن كبــرى‬ ‫رفــع أســعار شــحن احلاويــات التــي متــر عبــر البحــر األحمــر‪ ،‬مــع‬ ‫بقــاء التوتــرات واالعتــداءات علــى الســفن يف منطقــة بــاب املنــدب‪.‬‬ ‫وكانــت مجموعــة الشــحن الفرنســية ‪ CMA‬رفعــت أســعار شــحن‬ ‫احلاويــات مــن آســيا إلــى منطقــة البحــر األبيــض املتوســط بنســبة‬ ‫تصــل إلــى (‪ )%100‬اعتبــارًاً مــن ‪ 15‬ينايــر ‪2024‬م‬ ‫بحســب حتليــل أصــدره معهــد كيــل األملانــي لالقتصــاد العالـمي حتــت‬ ‫عنــوان "انهيــار حجــم البضائــع يف البحــر األحمــر" ‪ ،‬انخفــض عــدد‬ ‫احلاويــات املشــحونة يف البحــر األحمــر بنســبة (‪ )%66‬يف ديســمبر‬ ‫املاضــي‪ ،‬وانخفضــت التجــارة العامليــة بنســبة (‪ )%1.3‬يف الفتــرة‬ ‫املمتـّدّ ة مــن نوفمبــر إلــى ديســمبر ‪2023‬م‪ ،‬جـّرّ اء هجمــات احلوثــيني‬ ‫علــى الســفن التجاريــة يف البحــر األحمر‪.‬وانخفــض جــّرّ اء ذلــك‬ ‫نشــاط مينــاء إيالت بنســبة (‪ ،)%85‬واضطـَّرّ ت الســفن التجاريــة إلــى‬ ‫تغييــر مســارها نحــو طريــق أطــول مــن قنــاة الســويس لـمّدّ ة تــراوح بني‬ ‫‪ 10‬و‪ 14‬يوــمًاً‪.‬‬ ‫وقالــت منظمــة التجــارة العامليــة ‪ 18‬ينايــر ‪2024‬م‪ ،‬علــى منصــة‬ ‫التواصــل االجتماعــي إكــس إن شــحنات القمــح عبــر قنــاة الســويس‬ ‫انخفضــت بنحــو (‪ )%40‬يف النصــف األول مــن ينايــر‪ ،‬إلــى ‪0.5‬‬ ‫مليــون طــن بســبب الهجمــات يف البحــر األحمــر وخليــج عــدن‪.‬‬ ‫وقالــت منظمــة التجــارة العامليــة إن ‪ %8‬تقريب ـًاً مــن شــحنات القمــح‬ ‫مــن االحتــاد األوروبــي وروســيا وأوكرانيــا‪ ،‬التــي كانــت متــر عــادة‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪197‬‬

‫ملف العدد‬

‫تمـــر يف البحـــر األحمـــر (‪ )%10‬مـــن تجـــارة العالـــم و (‪ )%60‬مـــن‬ ‫احتياج ــات أوروب ــا م ــن الطاق ــة ويم ــر يف مياه ــه (‪ )%30‬م ــن نف ــط العال ــم‬ ‫واملعــادن الثقيلــة‪ ،‬كالرصــاص والذهــب والفضــة والزنــك واحلديــد‬ ‫والنحــاس والكبريــت والفوســفات‪ .‬ويعطــي مخــزون الّنّفــِطِ يف‬ ‫البحــر األحمــر أهم�يـّة كبيــرة‪ ،‬باإلضافــة للثــروة امللح�يـّة والســمكّيّة‪،‬‬ ‫ومختلــف أصنــاِفِ احليوانــاِتِ والنباتــات البحر�يـّة‪ ،‬كاللؤلــؤ واملرجــان‬ ‫واحملار واإلســفنج‪ .‬تغــّذّ ي األمطــار املوســمّيّة يف البحــر األحمــر‬ ‫اجلانــب الزراع ـّيّ للــدول املطل ـِةِ عليــه‪ ،‬كمــا أّنّ ميــاه البحــر األحمــر‬ ‫ُتُســتخدم كمصــدِرِ ميــاٍهٍ لالســتخدام البشــرّيّ والزراعــّيّ ‪.‬‬ ‫كمــا يوفــر البحــر األحمــر بيئــة جاذبــة للســياحة‪ ،‬حيــث تنتشــر‬ ‫املنتجعــات الســياحية الشــهيرة يف عــدة مــدن كشــرم الشــيخ والغردقــة‬ ‫ودهــب ومرســى علــم يف مصــر‪ .‬كمــا وأصبــح مــن الوجهــات املفضلــة‬ ‫عامليـًاً ملمارســة نشــاطات الغــوص والســباحة‪ ،‬بفضــل مياهــه الدافئــة‬ ‫طــوال العــام‪ ،‬ومتيــزه ببيئــة بيولوجيــة غنيــة وفريــدة‪ .‬وقــد أنشــئت‬ ‫علــى ســواحله موانــئ مهمــة‪ ،‬تســهم بشــكل فعــال يف النشــاط‬ ‫التجــاري ودعــم الدخــل القومــي للــدول املطلــة عليــه‪ ،‬حيــث تؤمــن‬ ‫هــذه املوانــئ نقــل املــوارد الطاقويــة واملنتجــات املعدنيــة والبضائــع‬ ‫العامــة‪ ،‬وتقــدم خدمــات املالحــة للســفن العابــرة‪ .‬ومــن أهــم هــذه‬ ‫املوانــئ‪ :‬مينــاء جــدة وينبــع الســعوديان‪ ،‬وعــدن يف اليمــن‪ ،‬وإيالت‬ ‫يف فلســطني احملتلــة‪ ،‬والســويس وســفاجا املصريــان‪ ،‬وســواكن يف‬

‫الســودان‪ ،‬ومصــوع وعصــب اإلريتريــان‪ ،‬ومينــاء جيبوتــي‪ .‬ومــن الـمدن‬ ‫األخــرى اّلّتــي تطــل علــى البحــر األحمــر‪ ،‬واّلّتــي اكتســبت أهمّيّــة‬ ‫اقتصاد�يـّة كبيــرة‪ ،‬مدينــة العقبــة األردنيــة‪ ،‬التــي لهــا أهميــة خاصــة‬ ‫علــى مســتوى الســياحة يف األردن‪ ،‬ملا يتميــز بــه ســاحلها مــن جمــال‪،‬‬ ‫وُحســن‪ ،‬وروعــة‪ ،‬إلــى جانــب خدماتهــا االقتصاديــة‪ ،‬خاصــة علــى‬ ‫ُ‬ ‫مســتوى التبــادل التجــاري البحــري بني اململكــة والــدول األخــرى‬ ‫التــي ترســل بضائعهــا عبــر وســائل النقــل البحريــة إليهــا‪ُ​ُ ،‬ويعــد‬ ‫مينــاء العقبــة املينــاء الوحيــد الــذي تســتقبل فيــه األردن النفــط مــن‬ ‫ال ـّدّ ول والغــاز الطبيع ـّيّ حتديــدًاً مــن مصــر‪ ،‬وتص ـّدّ ر منــه اخلامــات‬ ‫كالبوتــاس والفوســفات‪ .‬كمــا ُيُعــد مينــاء بورتســودان الــذي يقــع علــى‬ ‫البحــر األحمــر مينــاء بورتســودان‪ ،‬أكبــر وأشــهر املوانــئ يف الســودان‪،‬‬ ‫إذ يبلــغ طولــه ‪ 6‬كــم وعرضــه ‪2.5‬كــم‪ ،‬وميثــل الرئــة التــي يتنفــس‬ ‫منهــا االقتصــاد الســوداني الســيما يف ظــل األوضــاع السياســية غيــر‬ ‫املــستقرة الــتي يعيــشها الــسودان الــيوم‪.‬‬ ‫وتكمــن أهم�يـّة البحــر األحمــر لالقتصــاد املصــري بالثــروة الســمكّيّة‬ ‫التــي حتصــل عليهــا محافظــة البحــر األحمــر مــن خالل امتــداد‬ ‫املصايــد علــى الشــاطئ‪ .‬كمــا يق ـّدّ م البحــر األحمــر جذب ـًاً ســياحّيًّ​ًا‬ ‫للمنطقــة وبالتالــي يخلــق فــرص عمــل لســكان املنطقــة‪ ،‬ويزيــد مــن‬


‫‪196‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫تأثير تحديات األمن في البحر األحمر والقرن اإلفريقي على االقتصاد العالمي‬

‫استمرار هجمات الحوثيين يف البحر األحمر يشجع الشركات‬ ‫عىل إيجاد طرق إمداد بديلة‬ ‫ُتُشــكل املمــرات املائيــة أحــد أهــم مرتكــزات القــوة مبختلــف أبعادهــا لدورهــا املهــم علــى الصعيديــن االســتراتيجي واألمنــي يف‬ ‫حفــظ األمــن العالـمي‪ ،‬فهــي الداعــم األكبــر حلســم الصراعــات والتحكــم اإلقليمــي والدولــي‪ ،‬ويف هــذا اإلطــار تأتــي األهميــة‬ ‫اجليــو اســتراتيجية للبحــر األحمــر والقــرن اإلفريقــي للــدول الكبــرى ودول اإلقليــم لالســتفادة مــن املقومــات االقتصاديــة‪،‬‬ ‫حيــث تشــكل منطقــة القــرن اإلفريقــي موق ً​ًعــا جغراف�يـًا مُمم ي ـًزًا يربــط احمليــط الهنــدي بالبحــر األحمــر‪ ،‬وطريــق التجــارة‬

‫أ‪.‬د نوزاد عبد الرحمن الهيتي‬

‫الدوليــة للنفــط والغــاز بني الــدول املنتجــة والــدول املســتهلكة‪ ،‬الســيما‬ ‫إذ علمنــا بأنــه متــر يف البحــر األحمــر نحــو (‪ )%10‬مــن جتــارة العالــم‪،‬‬ ‫ـاًال ميــر يف‬ ‫ونحــو (‪ )%60‬مــن احتياجــات أوروبــا مــن الطاقــة‪ ،‬وإجمـ ً‬ ‫مياهــه (‪ )%30‬مــن نفــط العالــم‪ .‬وُتُعــد الــدول املتشــاطئة لــه مــن‬ ‫يُضمــه‬ ‫أهــم املراكــز العامليــة إلنتــاج الـموارد الطاقويــة‪ .‬عالوة علــى مــا ُ‬ ‫البحــر األحمــر مــن مخــزون نفطــي وثــروة ســمكية ومحليــة‪ ،‬ومختلــف‬ ‫أصنــاِفِ احليوانــاِتِ والنباتــات البحرّيّــة‪ ،‬كاللؤلــؤ واملرجــان واحملار‬ ‫واإلســفنج‪.‬‬ ‫يأتــي هــذا املقــال للتســليط علــى اخملاطــر التــي تواجــه املالحــة يف‬ ‫البحــر األحمــر‪ ،‬وتأثيــر هــذه اخملاطــر علــى اقتصــادات دول مجلــس‬ ‫التعــاون اخلليجــي والــدول املتشــاطئة علــى البحــر األحمــر‪ ،‬وتأثيرهــا‬ ‫ً‬ ‫أيًضــا علــى حركــة التجــارة الدوليــة‪ ،‬وســرعة اإلمــدادات التجاريــة‬ ‫وسالســل التوريــد العامليــة وزيــادة كلفــة النقــل البحــري جــراء تغييــر‬ ‫مســارات إبحــار الســفن التجاريــة مــن قنــاة الســويس إلــى رأس‬ ‫الرجــاء الصالــح‪ ،‬وتأثيــر ذلــك علــى اقتصــادات دول املنطقــة‪ ،‬ونســب‬ ‫النمــو املتوقعــة‪.‬‬

‫ً‬ ‫أوًال‪-‬األهمية اجليواقتصادية للبحر األحمر والقرن اإلفريقي‪:‬‬ ‫تكمــن األهميــة االقتصاديــة للبحــر األحمــر يف مــرور (‪ )%12‬مــن‬ ‫النفــط الــذي تنقلــه النــاقالت يف جميــع أنحــاء العالــم‪ ،‬وتقريبـًاً القــدر‬ ‫نفســه مــن الغــاز الطبيعــي املســال فيــه‪ .‬وزادت أهميــة البحــر األحمــر‬ ‫وقنــاة الســويس يف العــامني املاضــيني‪ ،‬ليــس فقــط بالنســبة للســفن‬ ‫التــي تنقــل البضائــع بني آســيا وأوروبــا‪ ،‬ولكــن أيضـًاً لشــحنات النفــط‬ ‫والغــاز الطبيعــي املســال‪ .‬وحاولــت الــدول األوروبيــة التوقــف عــن‬ ‫شــراء الوقــود مــن روســيا بعــد غزوهــا ألوكرانيــا يف عــام ‪2022‬م‪،‬‬ ‫لذلــك زادت روســيا بشــكل حــاد مــن النفــط الــذي تشــحنه عبــر قنــاة‬ ‫الســويس‪ ،‬ومعظمــه إلــى الهنــد‪ ،‬يف حني كثفــت أوروبــا مشــترياتها‬ ‫مــن الغــاز الطبيعــي مــن الشــرق األوســط‪ ،‬مــن خالل قنــاة الســويس‬ ‫أيــضًاً‪.‬‬ ‫وعالوة علــى أهميــة البحــر األحمــر يف نقــل النفــط والغــاز‪ ،‬تتواجــد‬ ‫فيــه املعــادن ذات القيمــة العاليــة والتــي تعمــل علــى دعــم اقتصــادات‬ ‫الــدول املتشــاطئة‪ ،‬وتتمثــل هــذه املعــادن يف الرواســب النفطيــة‬ ‫والرواســب املتبخــرة‪ ،‬كالهاليــت والســيلفيت واجلبــس والدولوميــت‪.‬‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫يتســبب يف تعطيــل سالســل التوريــد وارتفــاع تكلفــة اإلنتــاج‪ .‬ورمبــا أن‬ ‫التأثيــر املباشــر ســوف يكــون علــى االقتصــاد املصــري‪ ،‬الــذي يعتمــد‬ ‫بشــكل كبيــر علــى عائــدات قنــاة الســويس‪ ،‬وســيكون التأثيــر علــى‬ ‫سالــسل التورــيد العاملــية ــمن خالل ارتــفاع تكلــفة النــقل والــتأمني‪.‬‬ ‫سادًســا‪ :‬هــل مــن حلــول للمعضلــة األمنيــة يف البحــر األحمــر والقــرن‬ ‫ً‬ ‫اإلفريقي؟‬ ‫تظــل املعضلــة األمنيــة يف منطقــة البحــر األحمــر ودول القــرن‬ ‫ً‬ ‫أوًال‪ :‬تضــارب االســتراتيجيات‬ ‫اإلفريقــي‪ ،‬مرتبطــة باألســاس‬ ‫واملصالــح بني القــوى الدوليــة واإلقليميــة‪ ،‬حيــث لــم تســع الــدول‬ ‫الكبــرى إلــى حتقيــق الســلم واألمــن يف املنطقــة خاصــة يف إثيوبيــا‬ ‫والصومــال والســودان‪ ،‬ثان�يـًا‪ :‬ظلــت احلــروب والنزاعــات األهليــة وال‬ ‫زالــت متــزق أوصــال املنطقــة‪ ،‬ثال�ثـًا‪ :‬تتســابق بعــض القــوى اإلقليميــة‬ ‫كإيــران وتركيــا للهيمنــة علــى بعــض املوانــئ البحريــة كمــا هــو الشــأن‬ ‫بالنســبة ملينــاء ســواكن الــذي تهيمــن عليــه تركيــا باإلضافــة إلــى‬ ‫احلــضور الصيــني والروــسي‪.‬‬ ‫وبالرغــم مــن مطالبــة قــرار مجلــس األمــن رقــم ‪ ،2722‬الــذي مت‬ ‫اعتمــاده يف ‪ 10‬ينايــر ‪2024‬م‪ ،‬احلوثــيني بوقــف الهجمــات وإطالق‬ ‫ســراح جميــع البحــارة احملتجزيــن كرهائــن‪ ،‬مــع اإلشــارة إلــى حــق‬ ‫الــدول األعضــاء يف الدفــاع عــن ســفنها‪ ،‬فــإن عــدم وجــود وقــف‬ ‫إلطالق النــار يف غــزة باعتبــاره الســبب اجلــذري التســاع دائــرة‬ ‫الصــراع لتشــمل منطقــة البحــر األحمــر وعــدم احلــث علــى اتخــاذ‬ ‫إجــراءات متنــع املزيــد مــن التصعيــد وتبنــي اســتراتيجيات أمنيــة‬ ‫محايــدة بنــاء علــى منظومــة األمــن اجلماعــي ســوف يضاعــف مــن‬ ‫األزمــات يف املنطقــة واســتمرار احلــروب غيــر املتناهيــة‪.‬‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪195‬‬

‫ملف العدد‬

‫خامتة‬ ‫اعتبــا ً​ًرا لألهميــة اجليوسياســية ملنطقــة البحــر األحمــر ودول القــرن‬ ‫اإلفريقــي‪ ،‬فــإن حــل أزمــات املنطقــة والتوصــل إلــى صيــغ مقبولــة‬ ‫بني األطــراف املتصارعــة واملتنافســة‪ ،‬وعــزل املنطقــة عــن جحيــم‬ ‫التدخــل الدولــي‪ ،‬تبقــى مــن أهــم األولويــات العاجلــة لــدول وشــعوب‬ ‫خصوًصــا دول اخلليــج العربــي التــي حتتــاج إلــى هــذا العمــق‬ ‫املنطقــة‬ ‫ً‬ ‫االســتراتيجي يف عالقاتهــا األمنيــة واالقتصاديــة والتجاريــة‪ ،‬لكــون‬ ‫منطقــة البحــر األحمــر والقــرن اإلفريقــي‪ ،‬تعتبــر معبــ ً​ًرا للتجــارة‬ ‫العامليــة ونقطــة التقــاء حضاريــة لــدول وشــعوب القــارتني اآلســيوية‬ ‫واإلفريقــية‪.‬‬ ‫حتتــاج املنطقــة إلــى فهــم وقــراءة جديــدة آلليــات وديناميــات التنافــس‬ ‫والتعــاون املتعــدد األقطــاب وإلــى إرادة جماعيــة ملواجهــة اخملاطــر‬ ‫احملدقــة بهــا‪ ،‬ومــن أهــم العوامــل التــي قــد تخــدم نظام األمــن املتحور‬ ‫واملتناغــم مــع حاجــة ومصالــح هــذه الــدول‪ً ،‬‬ ‫أوًال‪ :‬العمــل علــى تصفيــر‬ ‫األزمــات مــن خالل عالقــات متوازنــة واســتدامة احلــوار والتفاعــل‬ ‫اإليجابــي بني القــوى اإلقليميــة يف املنطقــة‪ ،‬ثان�يـًا‪ :‬احلــد مــن الــوكالء‬ ‫غيــر النظامــيني املدعــومني مــن قبــل بعــض القــوى كجماعــة أنصــار‬ ‫اهلل احلوثــي يف اليمــن وامليليشــيات الشــيعية والســنية علــى حــد‬ ‫ســواء‪ ،‬والتــي تهــدد األمــن اإلقليمــي والدولــي ثال ً​ًثــا‪ :‬اســتمرار‬ ‫األدوار اإلقليميــة الفاعلــة لــدول اخلليــج العربيــة وتوحيــد كلمتهــا‬ ‫بقيــادة اململكــة العربيــة الســعودية التــي أصبحــت تنــأى بشــكل واضــح‬ ‫عــن االســتقطاب الدولــي وتنهــج سياســات مســتقلة علــى املســتوى‬ ‫السياســي واألمنــي واالقتصــادي مبــا يتجــاوب مــع مصاحلهــا‬ ‫وأولوياتــها واــستراتيجياتها املــستقبلية‪.‬‬

‫كمــا أن ارتبــاط نظــام األمــن يف الشــرق األوســط مــع نســق األمــن‬ ‫يف منطقــة البحــر األحمــر ودول القــرن اإلفريقــي‪ ،‬ســوف يشــكل‬ ‫نقطــة ارتــكاز للجماعــات واملليشــيات املســلحة التــي تبنــى تدخالتهــا‬ ‫علــى أســاس شــرعية املقاومــة وغيرهــا مــن العوامــل األيديولوجيــة‪،‬‬ ‫يف حني تســتغل دول أخــرى الوضــع الســتدامة األزمــات وإضعــاف‬ ‫املنطقــة فمــن جهــة أولــى‪ ،‬توظــف إيــران جماعــة أنصــار اهلل احلوثــي‬ ‫وغيرهــا مــن املليشــيات للتدخــل غيــر املباشــر يف املنطقــة ومــن‬ ‫جهــة ثانيــة‪ ،‬فــإن اســتمرار العنــف اإلســرائيلي يف املنطقــة‪ ،‬ســوف‬ ‫يســاهم يف اتســاع دائــرة الصــراع لتشــمل مناطــق أمنيــة أخــرى بعيــدة‬ ‫جغرافًيــًا ــعن منطــقة الــصراع اإلــسرائيلي الفلــسطيني ‪.‬‬

‫*مدير عام مركز منظورات للدراسات الجيوسياسية واالسرتاتيجية ـ املغرب‬


‫‪194‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫يســـتعد القـــرن اإلفريقـــي لنظـــام جديـــد تشـــعل شـــرارته‬ ‫التعبئـــة يف المنطقـــة وتنافـــس القـــوى الكبـــرى تجـــاه إفريقيـــا‬ ‫يبقــى القــرن اإلفريقــي يحتــل األهمية االســتراتيجية‪ ،‬إقليم�يـًا ودول ً​ًيا‪،‬‬ ‫وهــذا مــا يدفــع الــدول الكبــرى‪ ،‬وأبرزهــا أمريــكا والــصني وروســيا‬ ‫وأوروبــا مــن أن يكــون لهــا تواجــد عســكري حلمايــة مصاحلهــا يف‬ ‫القــرن اإلفريقــي‪ ،‬البحــر األحمــر وبــاب املنــدب‪ .‬ومــا يثيــر الهواجــس‬ ‫أن الــدول الواقعــة عنــد القــرن اإلفريقــي تعانــي الكثيــر مــن الهشاشــة‬ ‫وعــدم االســتقرار‪ ،‬وأبرزهــا الصومــال‪ ،‬وهــذا مــا دفــع أمريــكا ودول‬ ‫أخــرى التخــاذ جيبوتــي مقــرًاً لعملياتهــا يف حمايــة املالحــة البحريــة‪،‬‬ ‫ملوجهــة عمليــات اجلماعــات املتطرفــة وأبرزهــا جماعــة “الشــباب”‬ ‫الصوماليــة املتطرفــة‪.‬‬ ‫تعتمــد واشــنطن علــى الطائــرات املســيرة لتنفيــذ عمليــات ضــد‬ ‫اجلماعــات املتطرفــة ويف عمليــات االســتطالع أكثــر مــن نشــر قواتهــا‬ ‫علــى األرض‪ ،‬وهــذا ال يعتبــر حــل جــذري لألزمــات يف املنطقــة‪ ،‬وال‬ ‫يحــد مــن قــدرة اجلماعــات املتطرفــة املتناميــة يف املنطقــة وتهديدهــا‬ ‫للمالحــة البحريــة يف القــرن اإلفريقــي ـــ يعنــي أن متــدد الفوضــى يف‬ ‫الســودان والصومــال وإثيوبيــا بدعــم مــن دول أخــرى‪ ،‬التــي تســعى‬ ‫الســتغالل الفوضــى لصاحلهــا‪ ،‬خاصــة يف حالــة عــدم وجــود تدابيــر‬ ‫اســتباقية لألطــراف الدوليــة واإلقليميــة‪.‬‬ ‫ال يوجــد تأثيــر كبيــر لالحتــاد األوروبــي يف القــرن اإلفريقــي رغــم‬ ‫وجــود “قــوة أتالنتــا ” ويعــود الســبب إلــى اخــتالف أولويــات املصالــح‬ ‫يف إفريقيــا أبرزهــا فرنســا‪ ،‬وكذلــك ال ترتقــي قــوة “أتالنتــا” إلــى قــوة‬ ‫رافعــة للقــرار األوروبــي‪ ،‬وهــذا يعنــي أن دور االحتــاد األوروبــي ســوف‬ ‫يبقــى محــدودًاً يف القــرن اإلفريقــي‪ ،‬ويبقــى تابعـًاً للقــوات األمريكيــة‪.‬‬ ‫إن ســيادة الفوضــى واالضطــراب يف الســودان مرشــحة إلــى‬ ‫االســتمرار والتمــدد عبــر احلــدود‪ ،‬وهــذا يعنــي مــا يحــدث يف‬ ‫الســودان لــه انعكاســات أمنيــة خطيــرة علــى منطقــة الســاحل‬ ‫اإلفريقــي ودول القــرن اإلفريقــي بالتــوازي مــع غــرب إفريقيــا عبــر‬ ‫تشــاد‪ .‬االضطرابــات املتواصلــة يف الســودان قــد تســهم ال محالــة يف‬ ‫عــودة أنشــطة اجلماعــات املتطرفــة يف الســاحل اإلفريقــي وممــرات‬ ‫املالحــة الدوليــة‪ ،‬وهــذا يتطلــب مــن األطــراف الدوليــة الفاعلــة‬ ‫اتخــاذ خطــوات اســتباقية إليجــاد حــل سياســي يف الســودان وكذلــك‬ ‫اتخــاذ تدابيــر أمنيــة عســكرية يف القــرن اإلفريقــي‪.‬‬

‫خامًسً ا‪ :‬تأثير الحرب يف غزة عىل أمن منطقة البحر األحمر‬

‫تزايــدت االشــتباكات بني الســفن العســكرية والتجاريــة يف البحــر‬ ‫األحمــر منــذ بــدء احلــرب علــى غــزة يف أكتوبــر املاضــي‪ .‬وقــد شــمل‬ ‫ذلــك قيــام احلوثــيني يف اليمــن مبهاجمــة الســفن العابــرة للبحــر‬ ‫األحمــر‪ .‬إضافــة إلــى هجمــات بطائــرات بــدون طيــار وصواريــخ علــى‬ ‫إســرائيل‪ .‬وامتــد الصــراع يف غــزة إلــى البحــر األحمــر‪ ،‬حيــث تورطــت‬ ‫فيــه إيــران مــن خالل حلفائهــا احلوثــيني‪ ،‬ونتيجــة لذلــك أنشــأت‬ ‫واشــنطن قــوة عمــل بحريــة يف املنطقــة‪.‬‬ ‫وانطالق ـًاً مــن طموحهــا لتنويــع اقتصادهــا‪ ،‬قامــت اململكــة العربيــة‬ ‫الســعودية بتعزيــز العالقــات األمنيــة يف املنطقــة‪ ،‬وحتديــث األســطول‬ ‫الســعودي يف البحــر األحمــر‪ ،‬ودعــم املبــادرات املتعــددة األطراف‪ ،‬مبا‬ ‫يف ذلــك القــوات البحريــة التــي تقودهــا أمريــكا‪ ،‬حيــث يعد االســتقرار‬ ‫يف منطقــة البحــر األحمــر أم ـ ً​ًرا بالــغ األهميــة للعديــد مــن خطــط‬ ‫التنميــة الســعودية‪ ،‬فبالنســبة للنفــط تعــد محطــة خــط أنابيــب ينبــع‬ ‫علــى البحــر األحمــر أمـ ً​ًرا بالــغ األهميــة للســعودية لتصديــر النفــط‪.‬‬ ‫وملواجهــة أنشــطة احلوثــيني يف البحــر األحمــر‪ ،‬أعلنــت واشــنطن‬ ‫عــن تشــكيل حتالــف بحــري دولــي أســمته «حــارس االزدهــار» يف‬ ‫‪ 18‬ديســمبر ‪2023‬م‪ ،‬وهــي مبــادرة أمنيــة متعــددة اجلنســيات تضــم‬ ‫أعضــاء يف حلــف شــمال األطلســي (الناتــو) وعــدة حكومــات حتــت‬ ‫مظلــة فرقــة العمــل املشــتركة للقــوات البحريــة املشــتركة ‪ .153‬التــي‬ ‫تأسســت عــام ‪2022‬م‪ ،‬لتعزيــز األمــن البحــري يف البحــر األحمــر‬ ‫وبــاب املنــدب وخليــج عــدن‪ ،‬لكــن مــع رفــض انضمــام العديــد مــن‬ ‫الــدول الغربيــة والعربيــة باســتثناء البحريــن لهــذا التحالــف البحــري‪،‬‬ ‫فــإن تأثيــر مثــل هــذه القــوة البحريــة قــد يكــون محــدو ً​ًدا ولــن يفلــح يف‬ ‫إعــادة األمــن واالســتقرار للمنطقــة‪.‬‬ ‫عقــب تشــكيل التحالــف‪ ،‬هــدد احلوثيــون مبهاجمــة ســفن الــدول‬ ‫املشــارك فيــه واســتهداف مصاحلهــا‪ ،‬وضــرب القطــع البحريــة‬ ‫األمريكيــة يف املنطقــة‪ ،‬وكشــف احلوثيــون عــن قدراتهــم الصاروخيــة‪،‬‬ ‫وأكــدوا اســتعدادهم للتصــدي للتحالــف‪ ،‬الــذي يشــكل برأيهــم جــز ً​ًءا‬ ‫مــن العــدوان علــى الفلســطينيني وقطــاع غــزة‪ ،‬وأعلنــوا أن إيقــاف‬ ‫هجماتهــم مرهــون بتوقــف العــدوان اإلســرائيلي علــى غــزة وفــك‬ ‫احلصــار عــن القطــاع‪.‬‬ ‫مــن الناحيــة االقتصاديــة والتجاريــة‪ ،‬تتســبب الهجمــات احلوثيــة يف‬ ‫تغييــر مســار العديــد مــن الســفن حــول رأس الرجــاء الصالــح‪ ،‬مــا‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫رئيًســا للــبالد يف‬ ‫عبــد اهلل محمــد (املعــروف باســم “فارماجــو”)‬ ‫ً‬ ‫عــام ‪2017‬م‪ ،‬وهــذا األمــر كان منبــع تفــاؤل حــذر بني الكثيــر مــن‬ ‫املراقــبني الدولــيني الذيــن كانــوا يأملــون أن ينجــح الصومــال يف‬ ‫حتقيــق التقــدم والقضــاء علــى املتمرديــن اإلسالمــيني «جماعــة حركة‬ ‫الشــباب اجملاهديــن» عــادة املعروفــة باســم حركــة الشــباب؛ ودفــع‬ ‫عمليــة عجلــة التحــول الدميقراطــي والتنميــة يف الــبالد إلــى األمــام‪.‬‬ ‫ويف عــام ‪2018‬م‪ ،‬قــادت اجلبهــة الشــعبية لتحريــر تيغــراي العديــد‬ ‫مــن االحتجاجــات العامــة وتعــرض التحالــف يف إثيوبيــا لضغــوط‬ ‫مــن أجــل اإلصالح‪ ،‬حيــث تولــى آبــي أحمــد منصــب رئيــس الــوزراء‪،‬‬ ‫وقــد رحــب اجملتمــع الدولــي برئيــس الــوزراء اجلديــد‪ ،‬الــذي جنــح يف‬ ‫التوصــل إلــى اتفــاق الــسالم طويــل األمــد مــع إريتريــا البلــد املنافــس‪.‬‬ ‫وقــد تلقــى االتفــاق إشــادة دوليــة كبيــرة باعتبــاره خطــوة حقيقيــة‬ ‫لالســتقرار يف املنطقــة‪.‬‬ ‫لكــن حتطمــت كل اآلمــال بشــأن اســتقرار الوضــع يف منطقــة القــرن‬ ‫اإلفريقــي‪ ،‬حينمــا اندلعــت يف نوفمبــر ‪2020‬م‪ ،‬حــرب أهليــة يف‬ ‫إثيوبيــا‪ ،‬وتشــير التقديــرات إلــى أنهــا أدت إلــى مقتــل حوالــي ‪600‬‬ ‫ألــف شــخص واندلعــت احلــرب بني احلكومــة الفيدراليــة اإلثيوبيــة‬ ‫وجبهــة حتريــر شــعب تيغــراي‪ ،‬يف منطقــة تيغــراي بإثيوبيــا‪ .‬ووقعــت‬ ‫احلكومــة اإلثيوبيــة واجلبهــة الشــعبية لتحريــر تيغــراي اتفاقيــة وقــف‬ ‫األعمــال العدائيــة يف أواخــر عــام ‪2022‬م‪ ،‬ولكــن االضطرابــات‬ ‫الرئيســية التــي بــدأت قبــل احلــرب ال تــزال دون حــل‪ ،‬وال تــزال‬ ‫احلــرب يف تيغــراي مســتمرة وتســهم يف زعزعــة اســتقرار إثيوبيــا‪.‬‬ ‫ويف الصومــال‪ ،‬علــى إثــر تأخــر االنتخابــات ومحاولــة الرئيــس‬ ‫الصومالــي فرماجــو التمديــد لواليتــه‪ ،‬قــاد هــذا األخيــر الــبالد إلــى‬ ‫حافــة احلــرب األهليــة يف عــام ‪2021‬م‪ ،‬واســتقر الوضــع السياســي‬ ‫الداخلــي إلــى حــد مــا عندمــا أجريــت االنتخابــات يف مايــو ‪2022‬م‪،‬‬ ‫وأســفرت االنتخابــات عــن فــوز حســن شــيخ محمــود الــذي شــغل‬ ‫بالفعــل منصــب الرئيــس مــن عــام ‪ 2012‬إلــى عــام ‪2017‬م‪ ،‬حيــث‬ ‫تولــى املنصــب للمــرة الثانيــة‪ .‬وبالرغــم مــن ذلــك‪ ،‬ظــل البلــد‬ ‫يعيــش علــى إيقــاع الاليــقني والهشاشــة األمنيــة؛ وال تــزال حركــة‬ ‫اجملاهديــن الشــباب تســيطر علــى مناطــق واســعة مــن الصومــال‬ ‫وتتواصــل املواجهــات العنيفــة بني امليليشــيات العشــائرية‪ ،‬وكذلــك‬ ‫بني امليليشــيات والقــوات احلكوميــة بشــكل متكــرر‪.‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪193‬‬

‫ملف العدد‬

‫ودخــل الســودان يف عمليــة انتقاليــة تاريخيــة يف عــام ‪2019‬م‪ ،‬عندمــا‬ ‫أطيــح بالرئيــس عمــر البشــير علــى إثــر االنــقالب العســكري‪ ،‬ممــا‬ ‫تســبب يف العديــد مــن التداعيــات اإلقليميــة والدوليــة‪ ،‬كمــا أعــرب‬ ‫اجملتمــع الدولــي عــن رغبتــه يف تغييــر النظــام الســوداني وتطويــر‬ ‫احليــاة السياســية والدســتورية يف الســودان‪.‬‬ ‫لكــن شــهد الســودان يف ‪2021‬م‪ ،‬انقال�بـًا عســكر ً​ًيا آخــر‪ ،‬حيــث نشــب‬ ‫الصــراع بني القــوات املســلحة الســودانية بقيــادة الفريــق أول عبــد‬ ‫الفتــاح البرهــان وقــوات الدعــم الســريع بقيــادة محمــد حمــدان‬ ‫دقلــو‪ ،‬ذهــب ضحيــة هــذا الصــراع مئــات اآلالف مــن املقاتــلني‪ ،‬كمــا‬ ‫غــادر عــدد كبيــر مــن الســودانيني أراضيهــم وبيوتهــم بســبب احلــرب‬ ‫األهليــة‪.‬‬ ‫وتعــرض الوضــع األمنــي يف جنــوب الســودان للتدهــور والتراجــع مــرة‬ ‫أخــرى‪ ،‬علــى الرغــم مــن اجلهــود املبذولــة لتنفيــذ اتفــاق الــسالم‬ ‫املوقــع ســنة ‪2018‬م‪ ،‬وتشــكل جيبوتــي وإريتريــا اســتثناءات قليلــة‬ ‫لالســتقرار النســبي يف املنطقــة‪ ،‬علــى الرغــم مــن أن دولــة جيبوتــي‬ ‫تشــهد حــوادث عنــف غيــر منتظمــة مبــا يف ذلــك الــدور املتنامــي‬ ‫للجماعــات املتمــردة وتــورط إريتريــا بشــكل كبيــر يف حــرب تيغــراي‪.‬‬

‫رابًعً ا‪ :‬تضارب استراتيجيات القوى الدولية واإلقليمية‬

‫لعبــت األهميــة االســتراتيجية للقــرن اإلفريقــي‪ ،‬وكذلــك العوامــل‬ ‫الثقافيــة والسياســية األخــرى‪ ،‬دو ً​ًرا كبيــرًاً يف زيــادة التــدخالت‬ ‫الدوليــة مــن أجــل الســيطرة والنفــوذ‪ ،‬وهــو مــا شــكل إلــى حــد كبيــر‬ ‫تطــور األحــداث التاريخيــة ومآالتهــا يف املنطقــة‪،‬‏ بيــد أن درجــة‬ ‫ومســتوى هــذه التــدخالت تباينــت عــن الفتــرات احلديثــة‪ ،‬وال أدل‬ ‫ً‬ ‫ارتباًطــا وثي ً​ًقــا بالصــراع‬ ‫علــى ذلــك مــن أن القــرن اإلفريقــي ارتبــط‬ ‫العربــي ‪ /‬اإلســرائيلي‪ ،‬ممــا أدرجــه‪ ،‬يف تقديــرات بعــض احمللــلني‬ ‫واملراقــبني ضمــن منظومــة الشــرق األوســط‪.‬‬ ‫واجتذبــت صراعــات املصالــح قــوى دوليــة أخــرى علــى رأســها‬ ‫الــصني‪ ،‬وروســيا‪ ،‬وإيــران‪ ،‬والهنــد‪ ،‬واليابــان‪ ،‬إضافــة إلــى القــوى‬ ‫الغربيــة ذات املصالــح التقليديــة‪ ،‬وإســرائيل‪ .‬كمــا أســهمت حــدة‬ ‫التنافــس الدولــي علــى الثــروة والنفــوذ وكثــرة الالعــبني الدولــيني‬ ‫وانهيــار الدولــة الصوماليــة ومســتجدات اإلرهــاب والقرصنــة‪ ،‬يف‬ ‫إضفــاء مزيــد مــن اإلشــكاليات علــى مجمــل التعقيــدات التــي تواجــه‬ ‫منطقــة القــرن اإلفريقــي‪.‬‬

‫التط ــورات يف الق ــرن اإلفريق ــي ال تعن ــي دوله ــا فحس ــب ب ــل تؤث ــر‬ ‫أيًضً ــا بش ــكل مباش ــر عىل بيئاته ــا السياس ــية واالقتصادي ــة واألمني ــة‬


‫‪192‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫الصومــال تمتلــك ‪ 110‬مليــارات برميــل احتياطيــات نفطيــة مــا يجعلهــا‬ ‫ــسابع أكــبر دوــلة يف العاــلم يف احتياطــيات النــفط‬ ‫وأصبحــت احلــدود غيــر واضحــة عبــر البحــر األحمــر بشــكل لــم‬ ‫يســبق لــه مثيــل‪ ،‬ممــا يطــرح العديــد مــن التســاؤالت عــن طبيعــة‬ ‫النظــام اإلقليمــي الناشــئ‪ ،‬ســواء كان تعاون�يـًا أو تنافسـ ً​ًيا أو فوضو�يـًا‪.‬‬ ‫ومــن منظــور جيوســتراتيجي‪ ،‬يســتعد القــرن اإلفريقــي لنظــام‬ ‫جديــد تشــعل شــرارته التعبئــة السياســية الوطنيــة يف دول املنطقــة‬ ‫واملنافســة العامليــة املرتبطــة باملواقــف االســتراتيجية التــي تتخذهــا‬ ‫القــوى الكبــرى جتــاه إفريقيــا‪ .‬ومتتــد املنافســة يف منطقــة البحــر‬ ‫األحمــر إلــى طــرق اإلمــداد واألســواق الواســعة‪.‬‬

‫ثانًيًا‪ :‬دور البحر األحمر يف السياسة الدولية‬

‫يعتقــد بعــض احمللــلني االســتراتيجيني أن العديــد مــن املؤشــرات‬ ‫والتطــورات متهــد الطريــق لصــراع وتنافــس أكثــر حــدة يف منطقــة‬ ‫البحــر األحمــر‪ ،‬وخليــج عــدن‪ ،‬واحمليــط الهنــدي‪ ،‬حيــث اكتســبت‬ ‫أمنــاط التفاعــل أهميــة اســتراتيجية علــى املســتويني اإلقليمــي‬ ‫والدولــي‪ .‬إن وجــود العديــد مــن القواعــد والتجمعــات العســكرية‬ ‫األجنبيــة علــى طــول الشــواطئ الغربيــة للبحــر األحمــر قــد أدى‬ ‫إلــى ظهــور حقائــق ماديــة جديــدة ال جتعــل املنطقــة أكثــر عرضــة‬ ‫لعــدم االســتقرار فحســب‪ ،‬بــل تعيــق ً‬ ‫أيًضــا وتيــرة التنميــة التجاريــة‬ ‫واالقتصاديــة للعديــد مــن دول املنطقــة‪.‬‬ ‫تواجــه بعــض دول البحــر األحمــر‪ ،‬وخاصــة تلــك الواقعــة يف‬ ‫القــرن اإلفريقــي‪ ،‬توتــرات داخليــة ومتبادلــة ترجــع جذورهــا أو‬ ‫تغذيهــا الصراعــات العرقيــة واالثنيــة‪ ،‬علــى ســبيل املثــال‪ ،‬تظهــر‬ ‫الدولــة الصوماليــة العديــد مــن مظاهــر الهشاشــة الشــديدة التــي‬ ‫تســتغلها مختلــف األطــراف األجنبيــة‪ .‬إن التوتــر بني احلكومــة‬ ‫الفيدراليــة وحكومــات الواليــات‪ ،‬الناجــم عــن اخلالفــات حــول‬ ‫الســلطة السياســية‪ ،‬وتوزيــع الثــروة وعائــدات النفــط‪ ،‬وســلوك بعــض‬ ‫حكومــات الواليــات علــى مســتوى العالقــات اخلارجيــة‪ ،‬يزيــد مــن‬ ‫تقويــض اســتقرار الواليــة وفعاليتهــا‪.‬‬ ‫ومتتلــك الــدول الســاحلية يف املنطقــة العديــد مــن املوانــئ‪ ،‬مبــا يف‬ ‫ذلــك الســويس وجــدة وبورتســودان واحلديــدة والعقبــة وجيبوتــي‪.‬‬ ‫وإذا مت التعــاون بينهــا بشــكل فعــال‪ ،‬ميكــن لهــذه املوانــئ أن تعــزز‬ ‫نظــام األمــن يف املنطقــة مــن خالل إعــادة تركيــز مختلــف التســويات‬ ‫واالعتبــارات اإلقليميــة والدوليــة التــي ســاهمت يف زيــادة الهشاشــة‬ ‫األمنيــة‪.‬‬

‫أساًســا‬ ‫تتنــوع دوافــع انعــدام األمــن يف هــذه املنطقــة‪ ،‬ولكنهــا تتمحــور‬ ‫ً‬ ‫حــول احلــروب واملواجهــات بالوكالــة واملنافســات اإلقليميــة‪ .‬لقــد‬ ‫حتولــت القرصنــة قبالــة ســواحل الصومــال ‪-‬التــي كانــت يف الســابق‬ ‫القضيــة األمنيــة األولــى يف محيــط البحــر األحمــر ‪-‬إلــى عامــل‬ ‫ثانــوي مــن عوامــل عــدم االســتقرار‪ ،‬بفضــل عمليــة بحريــة دوليــة‬ ‫ضخمــة بــدأت يف عــام ‪2008‬م‪ ،‬ومنــذ ذلــك احلني‪ ،‬حلــت احلــرب يف‬ ‫اليــمن مــحل القرصــنة كتهدــيد حقيــقي لألــمن يف املنطــقة‪.‬‬

‫ثالًثًا‪ :‬القرن اإلفريقي‪ :‬المخاطر والتحديات‬

‫كشــفت العديــد مــن التقاريــر مــن أن الصراعــات اإلقليميــة والنشــاط‬ ‫العســكري املتزايــد والتوتــرات السياســية املتصاعــدة يف البحــر‬ ‫األحمــر‪ ،‬ال تــزال تشــكل تهديــدات للســفن التجاريــة العابــرة لهــذه‬ ‫املناطــق‪ .‬ومــع تصاعــد الصــراع بني إســرائيل وغــزة‪ ،‬تصاعــدت‬ ‫التوتــرات يف منطقــة جنــوب البحــر األحمــر بشــكل أكبــر‪ ،‬كــرد فعــل ملا‬ ‫تقــوم بــه إســرائيل مــن إبــادة جماعيــة للفلســطينيني يف قطــاع غــزة‪.‬‬ ‫إن مــا بــدأ علــى شــكل انتفاضــة سياســية وحــرب أهليــة يف اليمــن‪،‬‬ ‫يف أعقــاب اإلطاحــة بالرئيــس اليمنــي الراحــل علــي عبــد اهلل صالــح‬ ‫ـرًحا آخــر للنفــوذ اإليرانــي‬ ‫يف عــام ‪2012‬م‪ ،‬ســرعان مــا أصبــح مسـ ً‬ ‫ســع ً​ًيا للتفــوق اإلقليمــي‪ ،‬عندمــا دعمــت إيــران املتمرديــن احلوثــيني‬ ‫يف اليمــن‪ .‬إن احلفــاظ علــى األمــن اإلقليمــي يف املنطقــة دفــع اململكــة‬ ‫العربيــة الســعودية واإلمــارات العربيــة املتحــدة لإلســراع إلــى دعــم‬ ‫احلكومــة الشــرعية ومواجهــة احلوثــيني املدعــومني مــن طهــران‪،‬‬ ‫وتطــورت احلــرب بســرعة كبيــرة وحتولــت إلــى تهديد كبيــر للمبادالت‬ ‫التجاريــة وحركــة للشــحن ونقــل البضائــع يف البحــر األحمــر‪.‬‬ ‫نفــذت قــوات احلوثــي عشــرات الهجمــات علــى الســفن الدوليــة قبالــة‬ ‫ســواحل اليمــن‪ ،‬بــدءًاً بهجمــات صاروخيــة غيــر متطــورة نســبيًاً‪،‬‬ ‫واســتخدم احلوثيــون صواريــخ مضــادة للســفن‪ ،‬مبــا يف ذلــك صــاروخ‬ ‫‪ 802-C‬الصينــي الصنــع ونظيــره اإليرانــي‪ ،‬صــاروخ نــور‪ .‬كمــا قامــت‬ ‫القــوات الســعودية بنــزع أســلحة العديــد مــن األلغــام التــي زرعهــا‬ ‫احلوثــيون والــتي مت اكتــشافها يف املــمرات البحرــية الدولــية‪.‬‬ ‫مــن جهــة أخــرى‪ ،‬أصبحــت منطقــة القــرن اإلفريقــي مرت ً​ًعــا‬ ‫للصراعــات العنيفــة وانعــدام األمــن‪ .‬وبالرغــم مــن ذلــك‪ ،‬فــإن‬ ‫التغييــرات السياســية التــي حصلــت يف نهايــة العقــد األول مــن القــرن‬ ‫احلادي والعشــرين أنعشــت اآلمــال يف إمكانيــة االنتقــال السياســي‬ ‫نحــو الدميقراطيــة واالســتقرار‪ .‬يف الصومــال‪ :‬مت انتخــاب محمــد‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪191‬‬

‫ملف العدد‬

‫أهمية إعادة الصيـاغة الجيوسياسية ألمن المنطقـة وتوسيـع الخارطـة‬ ‫الجيوبولتيکيـــة لتشمـــل دول شـــرق إفريقيــا وإقليـــم البحيـــرات العظمـــى‬ ‫والغــاز واالجتــار بالبضائــع واألســلحة وعبــور األشــخاص عوامــل‬ ‫جعلــت منهــا نقطــة جــذب دوليــة ال محيــد عنهــا‪.‬‬

‫للمنافســة بني القــوى الدوليــة واإلقليميــة‪ ،‬مبــا يف ذلــك أمريــكا‬ ‫والــصني وروســيا‪ ،‬الذيــن يشــكلون منافــسني عاملــيني اســتراتيجيني‪.‬‬ ‫وتتمتــع قــوى دوليــة كبيــرة‪ ،‬مثــل االحتــاد األوروبــي وأعضائــه والهنــد‬ ‫ودول مجلــس التعــاون اخلليجــي‪ ،‬باإلضافــة إلــى تركيــا وإيــران يف‬ ‫املنافســة علــى املنطقــة‪ ،‬وإضافــة إلــى البحــر األحمــر فقــد أصبــح‬ ‫القــرن اإلفريقــي جــزءًاً ال يتجــزأ وحلقــة وصــل بني األنظمــة األمنيــة‬ ‫يف منطقــة الشــرق األوســط واحمليــطني الهنــدي والهــادئ‪ ،‬والبحــر‬ ‫األبيــض املتوســط‪ ،‬وبالتالــي‪ ،‬فــإن التطــورات يف القــرن اإلفريقــي‬ ‫ال تعنــي هــذه املناطــق فحســب‪ ،‬بــل تؤثــر ً‬ ‫أيًضــا بشــكل مباشــر علــى‬ ‫بيئاتهــا السياســية واالقتصاديــة واألمنيــة‪.‬‬

‫إضافــة إلــى احتياطيــات النفــط والغــاز واحليــاة البحريــة والشــحن‬ ‫وخدمــات املوانــئ‪ .‬ويقــدر احملللــون أن الصومــال متتلــك حوالــي ‪110‬‬ ‫مليــارات برميــل مــن احتياطيــات النفــط البريــة والبحريــة‪ ،‬ممــا‬ ‫يجعلهــا ســابع أكبــر دولــة يف العالــم مــن احتياطيــات النفــط‪ .‬عالوة‬ ‫علــى ذلــك‪ ،‬يقــال إن الصومــال متتلــك مــا يقــرب مــن ‪ 440‬تريليــون‬ ‫قــدم مكعــب مــن الغــاز البحــري‪ ،‬ممــا قــد يجعلهــا رابــع أكبــر حامــل‬ ‫الحتياطيــات الغــاز علــى مســتوى العالــم‪.‬‬

‫ميكــن فهــم التداخــل احلاصــل بني البحــر األحمــر واخلليــج والقــرن‬ ‫اإلفريقــي جزئ ً​ًيــا مــن خالل منظــور االنقســام‪ ،‬مــع وجــود مفاهيــم‬ ‫متناقضــة للبحــر األحمــر باعتبــاره ســمة موحــدة أو مثيــرة لالنقســام‪.‬‬ ‫يف حني شــكلت املنطقــة ولفتــرة طويلــة فضــا ً​ًء جيـًدًا لتفاعــل الشــعوب‬ ‫والــدول عبــر هــذا الطريــق البحــري الضيــق‪ ،‬فــإن االجتاهــات العامليــة‬ ‫تذهــب يف اجتــاه توســيع فجــوة التفــاوت بني الــدول القويــة والضعيفــة‬ ‫يف املنطقــة‪ ،‬وحتــول مراكــز الســلطة‪ ،‬وزيــادة الهجــرة‪ ،‬واملطالــب‬ ‫الشــعبية بالدميقراطيــة‪ ،‬واملنافســة التجاريــة البحريــة الشــديدة‪،‬‬

‫وُتُعــزى أهميــة هــذه املنطقــة جغرافيـًاً إلــى کونهــا تقــع داخــل اإلقليــم‬ ‫الــذي أضحــى يعــرف باســم «قــوس األزمــة»‪ ،‬ويتمثــل عنصــر االرتــكاز‬ ‫األخــر يف البعــد االقتصــادي‪ ،‬الــذي يعــد ملمحـًاً آخــر ألهميــة القــرن‬ ‫اإلفريقــي بالنســبة للقــوى اإلقليميــة والدوليــة‪ ،‬ومــرد ذلــك أن دول‬ ‫القــرن اإلفريقــي غنيــة بالثــروات الطبيعيــة‪ ،‬ســوا ً​ًء النفــط أو الذهــب‬ ‫أو اليورانيــوم أو الغــاز الطبيعــي‪ ،‬كمــا متلــك ثــروة مائيــة هائلــة‬ ‫جتعلهــا أحــد أكبــر مخــازن امليــاه يف العالــم‪ ،‬وثــروة حيوانيــة هائلــة‪.‬‬

‫مــن الناحيــة األمنيــة والعســكرية‪ ،‬أصبحــت املنطقــة ســاحة‬


‫‪190‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫المنطقة تحتاج فهم ديناميات التنافس و إرادة جماعية لمواجهة المخاطر‬

‫حل أزمات البحر األحمر يتطلب صيغ مقبولة للوفاق‬ ‫بيناألطرافالمتشاطئةوعزلالمنطقةعنالصراعالدويل‬ ‫إن احلديــث عــن األهميــة اجليوسياســية والتاريخيــة للبحــر األحمــر ومنطقــة القــرن اإلفريقــي‪ ،‬ليســت وليــدة اليــوم‪ ،‬حيث كان‬ ‫للمنطقــة دو ً​ًرا مؤثـ ً​ًرا يف العصــور القدميــة‪ ،‬وكانــت محــط أنظــار القــوى واالمبراطوريــات املهيمنــة‪ ،‬ألهميتهــا االســتراتيجية‬ ‫وإطاللتهــا علــى طــرق التجــارة الدوليــة البريــة والبحريــة‪ ،‬ومنــذ القــرن الـــ ‪ 15‬ازداد التنافــس الغربــي علــى النفــوذ بهــذه‬ ‫املنطقــة‪ ،‬بــل وحتــول لصــراع يف الكثيــر مــن األحيــان‪.‬‬

‫د‪ .‬محمد عصام لعرويس‬

‫أدركــت القــوى االســتعمارية مثــل بريطانيــا وفرنســا وإيطاليــا األهمية‬ ‫األمنيــة واالقتصاديــة للمنطقــة‪ ،‬ممــا دفعهــا إلــى إنشــاء قواعــد‬ ‫عســكرية يف املوانــئ الرئيســية علــى البحــر األحمــر‪ ،‬مبــا يف ذلــك‬ ‫مصــر وإريتريــا وجيبوتــي والصومــال واليمــن‪ .‬واســتمر هــذا التوجــه‬ ‫خالل مرحلــة احلــرب البــاردة‪ ،‬وســلكت نفــس النهــج الواليــات‬ ‫املتحــدة واالحتــاد الســوفييتي البائــد‪.‬‬ ‫يشيـــر الواقـــع الراهـــن إلى أهميـة وخطـورة أدوار «الفواعل اإلقليمية‬ ‫والدوليــة يف القــرن اإلفريقــي‪ ،‬حيـــث تؤكــد کافـــة املؤشـــرات‬ ‫واملعطيـــات أن مجمـــل املتغيـــرات الراهنـــة يف املنطقـــة‪ ،‬يف ظل وجود‬ ‫الفواعــل اإلقليميــة والدوليــة والهيئــات غيــر احلكوميــة مــن جماعــات‬ ‫متطرفة مليشيات عسكرية‪ ،‬تتجـــه نحـــو حتفيـــز الصـــراع واستمـراره‬ ‫بني الفواعــل الرئيســية والثانويــة‪ .‬ومــن ثــم فقــد أضحــت موازيــن‬ ‫القـــوة ومــا يرتبـــط بهــا مــن توازنـــات دوليـــة وإقليميـــة‪ ،‬متثـــل أحـــد‬ ‫العـــوامل املهمـــة لضــرورة إعــادة الصيـــاغة اجليوسياســية ألمــن‬ ‫املنطقـــة‪ ،‬وتوسيـــع رقعـــة اخلارطـــة اجليوبولتيکيـــة أکثـــر لتشمـــل‬ ‫أغلـــب دول شـــرق إفريقيــا وإقليـــم البحيـــرات العظمـــى‪.‬‬ ‫حتــاول الورقــة البحثيــة الوقــوف علــى التحديــات األمنيــة والسياســية‬ ‫واالقتصاديــة للقــرن اإلفريقــي والبحــر األحمــر‪ ،‬والتهديــدات التــي‬ ‫حتيــق بــدول املنطقــة والتــي جتعــل منهــا منطقــة ممزقــة ومنقســمة‬

‫علــى نفســها (‪ )Fragmented Region‬مــن جهــة النزاعــات‬ ‫األهليــة واإلقليميــة التــي تعرفهــا منطقــة القــرن اإلفريقــي‪ ،‬ومــن جهــة‬ ‫ثانيــة‪ :‬اخملاطــر األمنيــة التــي تعرفهــا منطقــة البحــر األحمــر مــع‬ ‫التدخــل احلوثــي يف احلــرب علــى غــزة مــن خالل اعتــراض الســفن‬ ‫وضربهــا وعرقلــة املمــرات البحريــة وخاصــة بــاب املنــدب وخليــج‬ ‫عــدن‪ .‬كمــا حتــاول الورقــة تقــدمي رؤيــة واضحــة عــن دور الفواعــل‬ ‫الدوليــة واإلقليميــة يف زعزعــة اســتقرار احمليــط اإلقليمــي والدولــي‪،‬‬ ‫وتأثيــر اســتمرار األزمــات يف منطقــة القــرن اإلفريقــي وشــرق‬ ‫إفريقيــا علــى طبيعــة النظــام األمنــي الفرعــي واإلقليمــي والدولــي‪،‬‬ ‫ممــا يجعــل مــن املعضلــة األمنيــة مســألة ذات أهميــة مركبــة ومعقــدة‬ ‫ومتشــابكة تتطلــب قــراءة جديــدة وأدوار وسياســات مختلفــة تنــأى‬ ‫عــن الصراعــات وحتقــق احلــد األدنــى مــن التعــاون والتعايــش بني‬ ‫دول املنطقــة‪.‬‬

‫أواًلا ‪ :‬القرن اإلفريقي منطقة جيوسياسية هامة‬

‫حتتــل منطقــة القــرن اإلفريقــي مكانــة جيوسياســية كبيــرة وحيويــة‬ ‫مــن الناحيــة اجلغرافيــة‪ ،‬اعتبــا ً​ًرا مــن أن بعــض دولــه تطــل علــى‬ ‫احمليــط الهنــدي مــن ناحيــة‪ ،‬وتتحــکم يف املدخــل اجلنوبــي للبحــر‬ ‫األحمــر؛ ومــن ثــم فــإن املنطقــة تتحكــم يف طــرق التجــارة العامليــة‪،‬‬ ‫وقــد زاد مــن أهميتهــا االســتراتيجية كونهــا متثــل منطقــة اتصــال مــع‬ ‫شــبه اجلزيــرة العربيــة الغنيــة بالنفــط‪ ،‬فاملوانــئ وحــامالت النفــط‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مــن دون االعتــراف بهــا‪ ،‬كمــا أنهــا معزولــة عــن التمويــل الدولي‪ ،‬الذي‬ ‫يتــم توجيهــه يف الغالــب عبــر مقديشــو‪ .‬وقــد قــال وزيــر خارجية أرض‬ ‫الصومــال‪ ،‬عيســى كايــد يف مقابلــة مــع صحيفــة األوبزرفــر إن صفقــة‬ ‫املينــاء مــع إثيوبيــا «ســوف تضفــي الشــرعية علــى تقريــر مصيرنــا»‬ ‫وميكــن أن تقــود إلــى «تأثيــر الدومينــو» وهــو التفاعــل التسلســلي‬ ‫باعتــراف دول أخــرى باســتقاللية اإلقليــم‪ .‬وقــال كايــد‪« :‬االعتــراف‬ ‫هــو مــا كنــا نناضــل مــن أجلــه طــوال هــذا الوقــت وهــو أهــم شــيء‬ ‫ميكننــا تقدميــه لشــعب أرض الصومــال”‪ .‬لكــن هنــاك ارتبــاكا بشــأن‬ ‫مضمــون االتفــاق بني أرض الصومــال وإثيوبيــا‪ .‬ولــم يعلــن أي مــن‬ ‫اجلانــبني عــن النــص الكامــل‪ .‬وعندمــا مت إبــرام الصفقــة‪ ،‬قــال رئيــس‬ ‫أرض الصومــال‪ ،‬موســى بيهــي عبــدي‪ ،‬إن إثيوبيــا وافقــت علــى منــح‬ ‫االعتــراف الرســمي مقابــل عقــد إيجــار ملــدة ‪ 50‬عا ً​ًمــا لشــريط مــن‬ ‫الســاحل‪ ،‬والــذي ســتقوم بتطويــره ألغــراض «بحريــة وجتاريــة»‪ .‬ومــع‬ ‫ذلــك‪ ،‬قالــت إثيوبيــا إنهــا وافقــت فقــط علــى «إجــراء تقييــم عميــق‬ ‫جتــاه اتخــاذ موقــف بشــأن جهــود أرض الصومــال للحصــول علــى‬ ‫االعتــراف»‪.‬‬ ‫لقــد أصبحــت إثيوبيــا أكبــر دولــة غيــر ســاحلية يف العالــم عــام‬ ‫‪١٩٩٣‬م‪ ،‬عندمــا انفصلــت إريتريــا مــع ســاحلها علــى البحــر األحمــر‪.‬‬ ‫ويف أكتوبــر ‪٢٠٢٢‬م‪ ،‬قــال أبــي احمــد رئيــس الــوزراء اإلثيوبــي إن‬ ‫هــذا خطــأ تاريخــي يهــدد وجــود إثيوبيــا‪ ،‬ممــا أثــار مخــاوف مــن‬ ‫نشــوب حــرب مــع إريتريــا‪ .‬وقــال «يف عــام ‪٢٠٣٠‬م‪ ،‬مــن املتوقــع أن‬ ‫يصــل عــدد ســكاننا إلــى ‪ ١٥٠‬مليــون نســمة‪ ،‬وهــم ال يســتطيعون‬ ‫العيــش يف ســجن جغــرايف»‪ .‬جيبوتــي وهــي إحــدى دول املنطقــة‬ ‫لديهــا حتفظــات بشــأن مذكــرة التفاهــم حيــث أن اســتخدام أديــس‬ ‫أبابــا ملينــاء بربــرة ســيحرمها مــن ميــزة كونهــا نقطــة العبــور الرئيســية‬ ‫لــواردات وصــادرات إثيوبيــا‪ ،‬وهــو مــا يهددهــا بخســارة قــدر كبيــر مــن‬ ‫دخلهــا مــن الرســوم والضرائــب‪ .‬كمــا تتخــوف أريتريــا مــن حصــول‬ ‫إثيوبيــا علــى قاعــدة بحريــة‪ ،‬حيــث أنهــا تســعى دائمــا مــن عــدم متكــن‬ ‫إثيوبيــا الوصــول ملنفــذ بحــري‪ .‬مــن ناحيــة أخــرى‪ ،‬قــال الرئيــس‬ ‫املصــري عبــد الفتــاح السيســي خالل مؤمتــر صحفــي مــع الرئيــس‬ ‫الصومالــي حســن شــيخ محمــود إن مصــر «لــن تســمح ألحــد بتهديــد‬ ‫الصومــال»‪ .‬يأتــي ذلــك أيضـًاً يف إطــار معارضــة مصــر ملشــروع ســد‬ ‫النهضــة اإلثيوبــي الكبيــر وانســحابها مــن املفاوضــات حيــث يضيــف‬ ‫ذلــك مزيــدًاً مــن التعقيــد اجليوسياســي‪ .‬يف املقابــل‪ ،‬فــإن أي تدهــور‬ ‫يف العالقــات الصوماليــة ـــ اإلثيوبيــة ميثــل أيضــًاً تهديــًدًا للجهــود‬ ‫اإلقليميــة ملكافحــة اإلرهــاب‪ ،‬وقــد تؤثــر هــذه التوتــرات علــى الوجــود‬ ‫املشــروع للجنــود اإلثيوبــيني يف الصومــال‪ .‬لــدى إثيوبيــا حال ً​ًيــا مــا‬ ‫ال يقــل عــن ‪ ٤٠٠٠‬جنــدي منتشــرين يف الصومــال كجــزء مــن بعثــة‬ ‫االحتــاد اإلفريقــي االنتقاليــة يف الصومــال وألــف جنــدي آخــر‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪189‬‬

‫ملف العدد‬

‫منتشــرين كجــزء مــن االتفاقيــات الثنائيــة مــع الصومــال‪ .‬وتشــكل‬ ‫القــوات اإلثيوبيــة مــا بني ربــع وثلــث قــوة بعثــة االحتــاد اإلفريقــي‬ ‫البالــغ قوامهــا ‪ ١٤‬ألــف جنــدي‪ ،‬وهــي مســؤولة عــن قطاعــات يف‬ ‫وســط وجنــوب غــرب الصومــال املتاخمــة إلثيوبيا‪ .‬يشــكل االضطراب‬ ‫يف العالقــة تهديـًدًا جلهــود مكافحــة اإلرهــاب اإلقليميــة‪ ،‬نظـ ً​ًرا للــدور‬ ‫املهــم الــذي تلعبــه إثيوبيــا يف محاربــة حركــة الشــباب يف الصومــال‪،‬‬ ‫وممــا ال شــك فيــه قيــام حركــة الشــباب‪ ،‬التــي تســتفيد مــن املشــاعر‬ ‫املعاديــة إلثيوبيــا مــن صفقــة املينــاء‪ ،‬بزيــادة هجماتهــا علــى القــوات‬ ‫اإلثيوبيــة لتعزيــز التمويــل والتجنيــد‪.‬‬ ‫خامتة‪:‬‬ ‫أصبــح البحــر األحمــر والقــرن اإلفريقــي ســاحة للتنافــس‬ ‫اجليوسياســي اجلديــدة حيــث تولــي القــوى العظمــى واإلقليميــة‬ ‫اهتمامــا متزايــدا لهــذه املنطقــة‪ .‬إن بــروز هــذه املنطقــة كســاحة‬ ‫سياســية واقتصاديــة مشــتركة يشــكل خطــر كبيــر ولكنــه يوفــر أيضـً​ًا‬ ‫فرصــًاً للتنميــة والتكامــل‪ .‬لقــد طــرح ثابــو مبيكــي رئيــس جنــوب‬ ‫إفريقيــا الســابق الــذي يــرأس فريــق التنفيــذ الرفيــع املســتوى التابعــة‬ ‫لالحتــاد اإلفريقــي ملنطقــة القــرن اإلفريقــي منــذ أعــوام مصطلــح‬ ‫«ســاحة البحــر األحمــر”‪ .‬وكانــت الفكــرة تتلخــص يف إنشــاء منتــدى‬ ‫دبلوماســي ال يشــمل الــدول الســاحلية للبحــر األحمــر فحســب‪ ،‬بــل‬ ‫كل الــدول األخــرى التــي لهــا مصالــح حيويــة يف البحــر األحمــر‬ ‫وخليــج عــدن أو التــي لهــا روابــط سياســية وجتاريــة يف هــذه املنطقــة‪.‬‬ ‫هــذا النــوع مــن املبــادرات رمبــا تكــون عمليــة خاصــة وإن منطقــة‬ ‫القــرن اإلفريقــي معرضــة خلطــر حقيقــي يتمثــل يف الصراعــات‬ ‫العنيفــة التــي مــن شــأنها أن تــؤدي إلــى تفتيــت دولــه‪ ،‬ومــن ثــم فقــدان‬ ‫االســتقرار علــى ســاحل البحــر األحمــر‪ ،‬وزيــادة تدفقــات املهاجريــن‪،‬‬ ‫انتشــار اإلرهــاب ومخاطــر كبيــرة أخــرى‪ .‬لقــد عانــت املنطقــة يف‬ ‫املاضــي ومــا تــزال مــن نزاعــات مختلفــة مثــل‪ :‬حــرب اليمــن‪ ،‬احلــرب‬ ‫األهليــة الصوماليــة‪ ،‬وحــرب االســتقالل اإلريتريــة‪ ،‬وحــرب انفصــال‬ ‫جنــوب الســودان‪ ،‬باإلضافــة إلــى نزاعــات متقطعــة بني إريتريــا‬ ‫وإثيوبيــا‪ ،‬واالضطــراب احلالــي داخــل الســودان وإثيوبيــا‪ .‬إن بــؤر‬ ‫األزمــة املتعــددة األوجــه يف منطقــة البحــر األحمــر والقــرن اإلفريقــي‬ ‫حتتــاج إلــى منهــج شــامل يتــم تبنيــه دوليــًاً وإقليم ً​ًيــا للتمكــن مــن‬ ‫التعامــل مــع قضايــا املنطقــة التــي تتطلــب حـًدًا معقـواًلا مــن املبدئيــة‬ ‫والعقالنيــة يف ســبيل الــسالم واالســتقرار واألمــن‪.‬‬

‫*باحث يف قضايا الخليج والرشق األوسط والقرن اإلفريقي ـ عمل بوزارة‬ ‫الخارجية السودانية ـ ومستشا ً​ًرا يف وزارة الخارجية بدولة قطر‬


‫‪188‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫منـــذ ‪ ١٢‬نوفمبـــر الماضـــي "تـــدرب الحوثيـــون عىل هجمـــات‬ ‫برمائيـــة وإطالق صواريـــخ وهميـــة تســـتهدف ســـفًنًا بحريـــة وهميـــة‬ ‫كمــا أن كينيــا بلــد آخــر يحتمــل أن يكــون واعــًدًا للغــاز الطبيعــي‬ ‫املســال يف شــرق إفريقيــا‪.‬‬ ‫يف هــذا اإلطــار‪ ،‬أعلنــت احلكومــة الســعودية يف بدايــة ديســمبر‬ ‫‪٢٠١٨‬م‪ ،‬عــن تأســيس مجلــس الــدول املشــاطئة للبحــر األحمــر‪ ،‬وهــو‬ ‫جتمــع يضــم ‪ ٧‬دول عربيــة وإفريقيــة علــى شــاطئ البحــر األحمــر‬ ‫وخليــج عــدن يضــم الســعودية ومصــر والســودان وجيبوتــي‪ ،‬واليمــن‬ ‫والصومــال واألردن‪ ،‬وأشــار بيــان للحكومــة الســعودية إلــى أن هــذا‬ ‫الكيــان يهــدف إلــى حمايــة التجــارة العامليــة وحركــة املالحــة الدوليــة‪.‬‬ ‫وقــال وزيــر اخلارجيــة الســعودي عــادل اجلبيــر «إن هــذا الكيــان‬ ‫ســيعزز االســتقرار واألمــن والتجــارة واالقتصــاد باملنطقــة‪ ،‬ويســهم يف‬ ‫إيجــاد تناغــم يف هــذه املنطقــة احلساســة‪ ،‬ومنــع أي قــوى خارجيــة يف‬ ‫لعــب دور ســلبي» ويأتــي تكويــن هــذا التجمع يف إطار ســعي الســعودية‬ ‫حمايــة ســواحل تلــك املنطقــة مــن اعتــداءات إيــران‪ ،‬وجماعــة احلوثــي‬ ‫املدعومــة مــن طهــران‪ .‬لــم يقــم هــذا الــدور بــأي دور فعــال حتــى‬ ‫اآلن يف التأثيــر بــأي شــكل مــن األشــكال علــى األوضــاع املتفجــرة‬ ‫يف منطقــة البحــر األحمــر‪ .‬وتتــرأس الســعودية أيضـًاً منتــدى البحــر‬ ‫األحمــر الــذي يضــم ثمانــي دول ســاحلية (باســتثناء إســرائيل) وذلــك‬ ‫ملعاجلــة قضايــا غيــر سياســية تشــمل القرصنــة والتهريــب واملــوارد‬ ‫البحريــة‪.‬‬ ‫تداخــل الصراعــات يف منطقــة القــرن اإلفريقــي‪ :‬منــوذج مذكــرة‬ ‫التفاــهم بني إثيوبــيا وأرض الصوــمال‬ ‫لقــد ظــل القــرن اإلفريقــي معـ ً‬ ‫ـقًال للكثيــر مــن الصراعــات العنيفــة‬ ‫وانعــدام األمــن لفتــرة طويلــة‪ ،‬ولذلــك فــإن دول كالصومــال وإثيوبيــا‬ ‫والســودان جميعهــا تعانــي بشــكل متواصــل مــن التشــرذم والتفــكك‬ ‫مــن خالل حتــدي أســاس الدولــة نفســه‪ .‬تقــع يف هــذه املنطقــة‬ ‫اثــنني مــن أحــدث الــدول يف العالــم‪ :‬جنــوب الســودان وإريتريــا حيــث‬ ‫يعكــس ذلــك مــدى التعقيــدات األمنيــة والسياســية واملســتوى الكبيــر‬ ‫مــن التفــاعالت األمنيــة املتداخلــة‪ .‬إن الصراعــات التــي تــدور يف‬ ‫القــرن اإلفريقــي ترتكــز علــى أســس وأســباب تاريخيــة تتداخــل فيهــا‬ ‫القضايــا االجتماعيــة واالقتصاديــة والبيئيــة وتصنــف إلــى صراعــات‬ ‫داخــل تلــك الــدول وبني دول املنطقــة نفســها‪ .‬يعكــس منــط إعــادة‬ ‫تشــكيل التحالفــات والتوجهــات علــى املســتوى اإلقليمــي والدولــي‬ ‫يف دول القــرن اإلفريقــي الهشاشــة األمنيــة والسياســية نســبة لعــدم‬ ‫االســتقرار وتأثيــر االضطرابــات الوطنيــة والتــدخالت اإلقليميــة‬ ‫والدوليــة‪ .‬وكمثــال للتغيــرات يف السياســات فــإن الســودان خالل‬

‫فتــرة احلركــة اإلسالميــة يف التســعينات حليفـًاً هامـًاً إليــران‪ ،‬خاصــة‬ ‫يف تزويــد حمــاس باألســلحة يف غــزة وكذلــك حــزب اهلل يف لبنــان‪،‬‬ ‫ولكنــه أعــاد تشــكيل عالقــات متجــددة ونشــطة مــع اململكــة العربيــة‬ ‫الســعودية بعــد أن طــرد الســودان املســؤولني اإليرانــيني يف عــام‬ ‫‪٢٠١٤‬م‪ .‬وقــد اســتخدمت الســعودية جماعــات الضغــط يف الواليــات‬ ‫املتحــدة لرفــع بعــض العقوبــات االقتصاديــة علــى النظــام الســوداني‬ ‫يف عــام ‪ ٢٠١٥‬م‪ ،‬واســتثمرت منــذ ذلــك احلني يف مليــون هكتــار‬ ‫زراعــي‪ ،‬كمــا قــام النظــام يف الســودان باملوافقــة علــى املشــاركة يف‬ ‫عاصفــة احلــزم يف اليمــن‪.‬‬ ‫وكنمــوذج لهــذا التداخــل واالضطــراب األمنــي وتوازنــات املصالــح‬ ‫اجليوسياســية التــرددات األمنيــة والسياســية ملذكــرة التفاهــم التــي‬ ‫مت التوقيــع عليهــا يف ينايــر ‪٢٠٢٤‬م‪ ،‬والتــي وعــدت فيهــا إثيوبيــا‬ ‫االعتــراف بــأرض الصومــال كدولــة مســتقلة ذات ســيادة‪ ،‬مقابــل‬ ‫ً‬ ‫مــيًال مــن األرض‪ ،‬مبــا يف‬ ‫تأجيــر أرض الصومــال لهــا مســاحة ‪12‬‬ ‫ذلــك مينــاء بحــري‪ ،‬ممــا سيســمح إلثيوبيــا بإنشــاء قاعــدة بحريــة‪.‬‬ ‫وتعتبــر حكومــة جمهوريــة الصومــال أن دولــة أرض الصومــال‬ ‫االنفصاليــة جــز ً​ًءا مــن أراضيهــا‪ ،‬حيــث أعلنــت عــن بــطالن هــذا‬ ‫االتفــاق‪ .‬ودعــا رئيســها حســن شــيخ محمــود الصومالــيني إلــى‬ ‫“االســتعداد للدفــاع عــن الوطــن”‪ ،‬يف حني نظمــت مســيرات يف‬ ‫العاصمــة الصوماليــة مقديشــو ضــد االتفــاق‪ .‬يف هــذا اإلطــار قــال‬ ‫كبيــر مستشــاري الرئيــس الصومالــي إن الصومــال مســتعد خلــوض‬ ‫احلــرب ملنــع إثيوبيــا مــن االعتراف بإقليــم أرض الصومال االنفصالي‬ ‫وبنــاء مينــاء هنــاك‪ .‬علــى مــدى عقديــن مــن الزمــن‪ ،‬عانــت الصومــال‬ ‫كثيــرًاً مــن عنــف حركــة الشــباب‪ ،‬التابعــة لتنظيــم القاعــدة‪ ،‬ممــا‬ ‫يجعلهــا واحــدة مــن أخطــر البلــدان يف العالــم‪ .‬وعلــى النقيــض مــن‬ ‫ذلــك‪ ،‬تتمتــع أرض الصومــال بالــسالم نســبيًاً‪ ،‬ولكنهــا غيــر معتــرف‬ ‫بهــا مــن قبــل أي دولــة‪ .‬ولــن تعتــرف احلكومــات الغربيــة بهــا حتــى‬ ‫تعتــرف بهــا البلــدان اإلفريقيــة‪ ،‬ولكــن زعمــاء القــارة أحجمــوا عــن‬ ‫االعتــراف بهــا‪ ،‬تأسيسـًاً علــى سياســة االحتــاد اإلفريقــي ضــد إعــادة‬ ‫رســم احلــدود الوطنيــة املوروثــة عــن املســتعمر‪ .‬علــى الرغــم مــن‬ ‫ذلــك فهنــاك وجــود لتبــادل قنصلــي مــع كينيــا والواليــات املتحــدة‬ ‫وأملانيــا وتركيــا واململكــة املتحــدة وفرنســا واإلمــارات العربيــة املتحــدة‬ ‫واململكــة العربيــة الســعودية وهــو إجــراء مثيــر لالهتمــام تأتــي خــارج‬ ‫األطــر التقليديــة‪.‬‬ ‫وتعانــي أرض الصومــال مــن عــدم القــدرة علــى جــذب االســتثمارات‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫ويشــير العديــد مــن املراقــبني إلــى أن اإلمــارات تهــدف مــن خالل هذه‬ ‫القواعــد إلــى أن تصبــح طر ً​ًفــا فـ ً‬ ‫ـاعًال يف منطقــة القــرن اإلفريقــي‬ ‫مــن خالل وجــود عســكري يف خليــج عــدن ومضيــق بــاب املنــدب‬ ‫والبحــر األحمــر‪ ،‬كمــا أنهــا ترمــي أيضــًاً إلــى تعزيــز قــوة مينــاء‬ ‫جبــل علــي يف دبــي باعتبــاره مركــًزًا لوجســت ً​ًيا وجتار ً​ًيــا رئيســ ً​ًيا‬ ‫يربــط آســيا بإفريقيــا عبــر البنيــة التحتيــة ملوانــئ دبــي العامليــة‪ ،‬يف‬ ‫مواجهــة التنافــس مــع عــدد مــن املوانــئ اجلديــدة الطموحــة التــي‬ ‫مت أنشــاؤها يف إيــران وباكســتان وعمــان وكذلــك يف أماكــن أخــرى‬ ‫علــى طــول القــرن اإلفريقــي‪ .‬يف هــذا اإلطــار‪ ،‬تشــارك موانــئ دبــي‬ ‫العامليــة يف مشــاريع للبنيــة التحتيــة اللوجســتية واملوانــئ يف روانــدا‪،‬‬ ‫وموزمبيــق‪ ،‬واجلزائــر‪ ،‬ومالــي‪ .‬ســوف جتعــل هــذه املوانــئ والقواعــد‬ ‫مــن اإلمــارات العبـًاً إقليميـًاً اســتراتيجيًاً مــن خالل إنشــاء ممــر آمــن‬ ‫إلمــدادات الطاقــة مــن الشــرق األوســط إلــى العالــم‪ ،‬حيــث إنهــا‬ ‫تنتــج مليونــي برميــل مــن النفــط يوم�يـًا‪ ،‬وتســعى إلــى احلفــاظ علــى‬ ‫مســتوى صادراتهــا مــن خالل تهيئــة بيئــة آمنــة يف بــاب املنــدب لتدفــق‬ ‫النفــط إلــى األســواق األوروبيــة بشــكل عــام‪.‬‬ ‫انعكــس التأثيــر اخلليجــي يف القــرن اإلفريقــي كذلــك يف اتفاقيــة‬ ‫الــسالم التاريخيــة التــي وقعهــا الرئيســان اإلثيوبــي واألريتــري يف‬ ‫‪ ٩‬يوليــو ‪٢٠١٨‬م‪ ،‬والــذي كان لإلمــارات دور مهــم فيهــا‪ ،‬حيــث أنهــت‬ ‫ســنوات طويلــة مــن الصــراع الدامــي يف منطقــة القــرن اإلفريقــي‬ ‫والــذي كان يهــدد بشــكل دائــم اســتقرار هــذه املنطقــة‪ .‬وكســرت‬ ‫الرحلــة التــي لــم يتوقعهــا أحــد والتــي قــام بهــا أبي أحمد رئيــس وزراء‬ ‫إثيوبيــا اجلديــد اجلمــود الــذي شــهدته العالقــات بني هذيــن البلديــن‪،‬‬ ‫وكان هــذا التصالــح نتيجــة ترتيبــات قــام بهــا رئيــس الــوزراء اإلثيوبــي‬ ‫وانخــراط دبلوماســي كبيــر لإلمــارات يف جهــود رأب الصــدع‪ .‬وكانــت‬ ‫العالقــات بني اإلمــارات وإثيوبيــا قــد تطــورت بشــكل تدريجــي يف‬ ‫الســنوات املاضيــة خاصــة مــع تصاعــد نفــوذ دول اخلليــج يف املنطقــة‬ ‫واالهتمــام الكبيــر باالســتثمار يف إثيوبيــا وأهميتهــا االســتراتيجية يف‬ ‫منطقــة القــرن اإلفريقــي‪ .‬مــن جهــة أخــرى قامــت اململكــة العربيــة‬ ‫الســعودية واإلمــارات العربيــة املتحــدة بدعــم اجمللــس العســكري‬ ‫االنتقالــي الــذي قــام بتولــي الســلطة يف الســودان بعــد انهيــار‬ ‫نظــام الرئيــس عمــر البشــير بعــد انتفاضــة عارمــة بـــ ‪ ٣‬مليــارات‬ ‫دوالر مــن املســاعدات‪ ،‬حيــث أكــد اجمللــس علــى التزامــه مبواصلــة‬ ‫مشــاركة القــوات الســودانية يف حــرب اليمــن‪ .‬وكان االختــراق يف‬ ‫املفاوضــات بني اجمللــس العســكري االنتقالــي الســوداني وحتالــف‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪187‬‬

‫ملف العدد‬

‫املعارضــة العريــض املتمثــل يف قــوى احلريــة والتغييــر عــام ‪٢٠١٩‬م‪،‬‬ ‫الــذي قــاد إلــى اتفــاق اإلعالن الدســتوري قــد حــدث بعــد ضغــوط‬ ‫علــى اجلانــبني للقبــول مبقترحــات مــن االحتــاد اإلفريقــي وإثيوبيــا‬ ‫قــام بهــا دبلوماســيون مــن الســعودية واإلمــارات الواليــات املتحــدة‪،‬‬ ‫وبريطانيــا‪ .‬وبعــد قيــام احلــرب يف الســودان بني اجليــش والدعــم‬ ‫الســريع‪ ،‬يعتبــر منبــر جــدة الــذي ترعــاه اململكــة العربيــة الســعودية‬ ‫والواليــات املتحــدة األمريكيــة لتســهيل التفــاوض بني طــريف النــزاع‬ ‫ميثــل اآلليــة واخملــرج الرئيســي للنــزاع يف الســودان‪.‬‬ ‫هنــاك أســباب أخــرى لهــذا االهتمــام اخلليجــي إضافــة لدعــم‬ ‫اجملهــود العســكري يف اليمــن وحمايــة املصالــح األمنيــة اإلقليميــة‬ ‫مــن التهديــدات اإليرانيــة واجلماعــات املتطرفــة علــى الـمدى الطويــل‪.‬‬ ‫يتمثــل هــذا االهتمــام ً‬ ‫أيًضــا إلــى أن دول اخلليــج‪ ،‬خاصــة اإلمــارات‬ ‫والســعودية تعتبــر أن املوانــئ التجاريــة اجلديــدة يف منطقــة القــرن‬ ‫اإلفريقــي ميكــن أن توفــر لهــا إمكانيــة الوصــول إلــى فئــة املســتهلكني‬ ‫املتســعة يف إفريقيــا‪ ،‬ومــن ثــم تأمــل هــذه الــدول أن متكنهــم االتفاقات‬ ‫باســتخدام املوانــئ يف البحــر األحمــر إلــى جانــب اليمــن‪ ،‬يف صياغــة‬ ‫مســتقبل التجــارة البحريــة يف البحــر األحمــر وغــرب احمليط الهندي‪،‬‬ ‫خاصــة مــع منــو جتــارة الــصني مــع املنطقــة بســبب مبــادرة احلــزام‬ ‫والطريــق‪ .‬يأتــي ذلــك يف إطــار رؤى دول مجلــس التعــاون اخلليجــي‬ ‫وبحثهــا عــن مصــادر بديلــة للطاقــة وتنويــع مصــادر واردات األغذيــة‬ ‫والــذي ميثــل دافعــًاً لهــا لالســتثمار يف إنتــاج األغذيــة يف منطقــة‬ ‫كالقــرن اإلفريقــي بشــكل جــدي خاصــة يف أعقــاب أزمــة أســعار‬ ‫الغــذاء العامليــة يف ‪٢٠٠٨-٢٠٠٧‬م‪ ،‬ميثــل األمــن الغذائــي واملائــي‬ ‫مصلحــة رئيســية للــدول اخلليجيــة يف شــرق إفريقيــا‪ ،‬ولذلــك حتــاول‬ ‫تعزيــز أمنهــا الزراعــي مــن خالل االســتحواذ علــى مســاحات واســعة‬ ‫مــن األراضــي الزراعيــة الســتثمارها يف مشــروعات زراعيــة كبــرى يف‬ ‫تلــك البلــدان‪ .‬هنــاك أيض ـًاً إمكانــات هائلــة للغــاز الطبيعــي املســال‬ ‫يف إفريقيــا جنــوب الصحــراء‪ ،‬ولكــن هــذه الفــرص عليهــا الكثيــر‬ ‫مــن القيــود بســبب التحديــات السياســية واألمنيــة واالقتصاديــة‬ ‫اخملتلفــة‪ .‬يــرى كثيــر مــن اخملتــصني أن منطقــة شــرق إفريقيــا هــي‬ ‫احلــدود اجلديــدة للغــاز الطبيعــي املســال‪ ،‬ليــس فقــط بالنســبة للقارة‬ ‫اإلفريقيــة‪ ،‬ولكــن ً‬ ‫أيًضــا علــى املســتوى العاملــي‪ ،‬بســبب االكتشــافات‬ ‫الهائلــة األخيــرة للغــاز الطبيعــي يف املنطقــة‪ ،‬حيــث متتلــك موزمبيــق‬ ‫وتنزانيــا أكبــر احتياطيــات مثبتــة مــن الغــاز الطبيعــي يف شــرق‬ ‫إفريقيــا بطاقــة مجتمعــة تبلــغ حوالــي ‪ ٢٥٠‬تريليــون قــدم مكعــب‪،‬‬

‫منطقــة شــرق إفريقيــا الحــدود الجديــدة للغــاز المســال عىل المســتوى‬ ‫العالمــي بســبب االكتشــافات الهائلــة األخيــرة للغــاز الطبيعــي يف المنطقة‬


‫‪186‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫التواجد العسكري اإلماراتي يف قواعد عسكرية بخليج عدن ومضيق باب‬ ‫المنــدب والبحــر األحمــر لتكــون أبــو ظبــي طر�ف ـًا فــاعاًلا يف القــرن اإلفريقــي‬ ‫األراضــي التــي اســتولوا عليهــا منــذ عــام ‪٢٠١٤‬م‪ ،‬تطــورت تكتيكاتهــم‬ ‫بســرعة إلــى حملــة مــن الهجمــات املفاجئــة علــى الشــحن والتــي‬ ‫نشــرت الفوضــى عبــر سالســل التوريــد يف العالــم‪ .‬وفقــًاً ملركــز‬ ‫صنعــاء للدراســات االســتراتيجية فإنــه منــذ ‪ ١٢‬نوفمبــر ‪٢٠٢٣‬م‪،‬‬ ‫“تقــوم قــوات احلوثــيني بتدريــب جنودهــا يف فــرق هجــوم بحريــة‬ ‫برمائيــة‪ ،‬مــع تدريبــات تشــمل إطالق صواريــخ وهميــة تســتهدف‬ ‫ســفن بحريــة وهميــة وعمــل محــاكاة للغــارات علــى الســفن‪ .‬كمــا‬ ‫قامــوا بتوســيع أهدافهــم تدريجيــًاً مــن الســفن التــي ترفــع العلــم‬ ‫اإلســرائيلي إلــى الســفن التــي تتاجــر مــع إســرائيل”‪ .‬كــرد فعــل لهــذه‬ ‫الهجمــات قامــت الواليــات املتحــدة بتكويــن حتالــف أطلقــت عليــه‬ ‫«حــارس االزدهــار» الدولــي‪ ،‬مبشــاركة كل مــن بريطانيــا وأســتراليا‬ ‫والبحريــن وكنــدا وهولنــدا‪ ،‬والــذي يهــدف وبشــكل رئيســي إلــى تدمير‬ ‫القــدرات العســكرية للحوثــيني يف اليمــن بغــرض حمايــة املالحــة يف‬ ‫البحــر األحمــر حيــث نفــذت الواليــات املتحــدة وبريطانيــا ضربــات‬ ‫ضــد أهــداف للحوثــيني داخــل اليمــن‪ .‬مــن جهــة أخــرى يقــود االحتــاد‬ ‫األوروبــي مــا يطلــق عليــه عمليــة أتالنتــا وتضــم أســطواًلا مــن الســفن‬ ‫احلربيــة مــن ‪ 13‬دولــة أوروبيــة ملكافحــة القرصنــة يف منطقــة البحــر‬ ‫األحمــر‪.‬‬ ‫لقــد حــذر العديــد مــن اخلبــراء االقتصــاديني الدولــيني بــأن أي‬ ‫صــراع يطــول أمــده يف البحــر األحمــر إضافــة للتوتــرات املتصاعــدة‬ ‫يف جميــع أنحــاء الشــرق األوســط ســيكون لهــا آثــار مدمــرة علــى‬ ‫االقتصــاد العالـمي‪ ،‬ممــا يــؤدي إلــى زيــادة التضخــم وتعطيــل إمــدادات‬ ‫الطاقــة‪ .‬تشــعر الســعودية عــدم الرضــا مــن هــذه الضربــات علــى‬ ‫اجلماعــة احلوثيــة كونهــا ســتعيق فــرص إحالل الــسالم يف اليمــن‪.‬‬ ‫وينظــر الغــرب إلــى أن الهجمــات الصاروخيــة علــى احلوثــيني علــى‬ ‫أنهــا اخليــار الوحيــد‪ ،‬ولكــن ذلــك ليــس بال تكلفــة‪ ،‬حيــث أن طائــرات‬ ‫اجلماعــة احلوثيــة بــدون طيــار رخيصــة الثمــن‪ ،‬وعلــى النقيــض مــن‬ ‫ذلــك ينفــق الفرنســيون مــا يقــرب مــن مليــون يــورو علــى كل صــاروخ‬ ‫مــن طــراز أســتر ‪ 15‬الــذي يســتخدمه الفرنســيون والبريطانيــون‬ ‫لصــد الطائــرات احلوثيــة بــدون طيــار‪ .‬ويشــير عــدد مــن املراقــبني‬ ‫الــى أنــه مــن احملتمــل أن تكــون هــذه احلــرب طويلــة ومكلفــة‪.‬‬ ‫يف هــذا الســياق‪ ،‬ويف عالقــة وثيقــة مــع أمــن البحــر األحمــر شــهدت‬ ‫منطقــة القــرن اإلفريقــي انهيــار حــدود دول مــع تداخــل السياســات‬ ‫احملليــة واإلقليميــة‪ ،‬وأصبــح هنــاك تغلــغاًلا إقليم ً​ًيــا ودول ً​ًيــا بشــكل‬ ‫متزايد يف تلك املنطقة يســعى إلى ممارســة النفوذ يف منطقة أصبح‬

‫التشــرذم هــي الســمة الغالبــة فيهــا بشــكل متزايــد‪ .‬مــن هــذا املنطلــق‬ ‫كان للنــزاع يف اليمــن دور كبيــر يف تشــكيل التفكيــر االســتراتيجي‬ ‫لــدى الــدول اخلليجيــة بتشــكيل سياســاتها وحتركهــا يف منطقــة‬ ‫القــرن اإلفريقــي‪ ،‬حيــث أصبحــت تولــى أهميــة وبشــكل متزايــد لهــذه‬ ‫املنطقــة‪ .‬وعلــى الرغــم أن األهميــة طويلــة األجــل لعالقــات دول‬ ‫اخلليــج مــع القــرن اإلفريقــي قــد تكــون أقــل اســتراتيجية مــن مناطــق‬ ‫أخــرى بشــكل عــام‪ ،‬إال أن ديناميكيــة توازنــات القــوى اإلقليميــة‬ ‫والدوليــة وتأثيــر النزاعــات احملليــة يف منطقــة القــرن اإلفريقــي‬ ‫ســيكون لهــا نتائــج ســلبية علــى مصالــح وأمــن منطقــة اخلليــج‪.‬‬ ‫االهتمام اخلليجي مبنطقة البحر األحمر والقرن اإلفريقي‪:‬‬ ‫أصبــح الوجــود العســكري اإليرانــي املتزايــد لدعــم املتمرديــن‬ ‫احلوثــيني يف منطقــة البحــر األحمــر مــع اشــتداد احلــرب يف اليمــن‬ ‫بعــد عــام ‪٢٠١٥‬م‪ ،‬مصــدر قلــق حقيقــي للــدول اخلليجيــة‪ ،‬كمــا دفــع‬ ‫البرنامــج النــووي اإليرانــي والسياســات اإلقليميــة العدوانية يف جميع‬ ‫أنحــاء الشــرق األوســط إلــى زيــادة حــدة التنافــس االســتراتيجي‬ ‫اإلقليمــي مــع دول مثــل اململكــة العربيــة الســعودية واإلمــارات‬ ‫العربيــة املتحــدة‪ .‬يف هــذا اإلطــار‪ ،‬قامــت قــوى دوليــة وإقليميــة‬ ‫يف الســنوات القليلــة املاضيــة‪ ،‬بإنشــاء قواعــد عســكرية يف الــدول‬ ‫املطلــة علــى البحــر األحمــر‪ ،‬حيــث يضــم اآلن ســبع دول ســاحلية‪:‬‬ ‫مصــر والســودان وإريتريــا وجيبوتــي تشــكل اجلهــة الغربيــة بينمــا‬ ‫تشــكل اململكــة العربيــة الســعودية واليمــن الســاحل الشــرقي‪ .‬ســعت‬ ‫اململكــة العربيــة الســعودية واإلمــارات العربيــة املتحــدة إلــى احلــد‬ ‫مــن قــوة احلوثــيني املدعــومني مــن إيــران وكذلــك كبــح نفوذهــا يف‬ ‫منطقــة جنــوب البحــر األحمــر‪ .‬ولذلــك‪ ،‬أصبحــت الــدول اخلليجيــة‬ ‫تتبــع سياســات خارجيــة تنخــرط يف منطقــة القــرن اإلفريقــي كونهــا‬ ‫امتــدا ً​ًدا جغرافي ـًاً ويف جوارهــا األوســع بهــدف القــدرة علــى التأثيــر‬ ‫يف السياســة اإلقليميــة‪ ،‬وتــأمني طــرق التجــارة وأمنهــا القومــي‪.‬‬ ‫وحتقي ً​ًقــا لهــذه الغايــة‪ ،‬فقــد قامــوا بتبنــي العديــد مــن السياســات‬ ‫املرتبطــة بالقــوة الناعمــة وكذلــك اخلشــنة‪ .‬ســعت بعــض دول اخلليــج‬ ‫إلــى إنشــاء قواعــد عســكرية يف أماكــن اســتراتيجية يف منطقــة القــرن‬ ‫اإلفريقــي لتأثيرهــا املباشــر علــى األمــن اإلقليمــي‪ .‬يف هــذا اإلطــار‪،‬‬ ‫شــرعت اإلمــارات العربيــة املتحــدة يف الســنوات املاضيــة يف إقامــة‬ ‫قواعــد عســكرية يف جــزر ســقطرى وبيــرم يف اليمــن‪ ،‬ومناطــق أرض‬ ‫الصوــمال وبونتالــند يف الصوــمال وميــناء عــصب يف إريترــيا‪.‬‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪185‬‬

‫ملف العدد‬

‫ديناميكية توازنات القوى اإلقليمية والدولية وتأثير النزاعات المحلية‬ ‫يف القــرن اإلفريقــي ســيكون لها نتائج ســلبية عىل مصالح وأمــن دول الخليج‬ ‫الدولــة‪ .‬أبــدت أيضــًاً الهنــد واململكــة العربيــة الســعودية اهتما ً​ًمــا‬ ‫بإنشــاء قواعــد يف جيبوتــي‪ ،‬التــي تعــد موطًنًــا للمينــاء الوحيــد يف‬ ‫امليــاه العميقــة يف املنطقــة‪ ،‬يف حني أن روســيا بــدأت محادثــات مــع‬ ‫إريتريــا حــول وجودهــا االســتراتيجي يف البحــر األحمــر‪.‬‬ ‫التصعيد احلوثي يف البحر األحمر‪:‬‬ ‫يف أكتوبــر ‪٢٠١٦‬م‪ ،‬بــدأت احلركــة احلوثيــة يف اســتخدام مينــاء‬ ‫احلديــدة االســتراتيجي بعــد االســتيالء عليــه كقاعــدة‪ ،‬وهــو الــذي‬ ‫يقــع علــى الســاحل الغربــي لليمــن‪ ،‬حيــث قامــوا يف ذلــك الوقــت‬ ‫بــإطالق النــار مــرتني علــى الســفينة احلربيــة األمريكيــة يــو إس إس‬ ‫ماســون كشــكل مــن أشــكال الهجــوم املضــاد علــى الواليــات املتحــدة‬ ‫التــي تقــدم الدعــم اجلــوي للســعوديني‪ .‬ويف ينايــر ‪٢٠١٧‬م‪ ،‬قــام‬ ‫احلوثيــون بالتحــول مــن إطالق الصواريــخ الباليســتية والطائــرات‬ ‫بــدون طيــار عبــر احلــدود البريــة باجتــاه الريــاض‪ ،‬وأرســلوا بـ ً‬ ‫ـدًال مــن‬ ‫ذلــك ثالثــة زوارق انتحاريــة‪ ،‬كمــا حاولــوا تلغيــم املمــر املائــي‪ .‬وكان‬ ‫رئيــس اجمللــس السياســي األعلــى التابــع للحوثــيني صالــح الصمــاد‪،‬‬ ‫الــذي ُ​ُقتــل الحقـًاً يف غــارة جويــة يف أبريــل ‪٢٠١٨‬م‪ ،‬قــد هــدد بقطــع‬ ‫ممــرات الشــحن يف البحــر األحمــر إذا واصــل التحالــف تقّدّ مــه نحــو‬

‫احلديــدة‪ .‬وُنُقــل عــن الصمــاد قولــه علــى قنــاة «املســيرة»‪« :‬إذا اســتمر‬ ‫املعتــدون يف التقـّدّ م نحــو احلديــدة‪ ،‬وإذا وصــل احلــل السياســي إلــى‬ ‫حائــط مســدود فســتكون هنــاك بعــض اخليــارات االســتراتيجية التــي‬ ‫ســيتم اتخاذهــا كنقطــة ال عــودة تشــمل منــع املالحــة الدوليــة يف‬ ‫البحــر األحمــر”‪ .‬وأضــاف بــأن «الســفن متــر مبياهنــا بينمــا شــعبنا‬ ‫جوًعــا»‪ .‬يف عــام ‪٢٠١٩‬م‪ ،‬وجــه عبــد امللــك احلوثــي زعيــم‬ ‫يتضــور‬ ‫ً‬ ‫اجلماعــة احلوثيــة خطاب ـًاً ضــد إســرائيل حيــث نفــي مزاعــم رئيــس‬ ‫الــوزراء بنيــامني نتنياهــو بــأن إيــران بــدأت يف تزويــد اجلماعــة‬ ‫بصواريــخ دقيقــة‪ ،‬وتوّعّ ــد االحــتالل االســرائيلي‪ ،‬قــائال‪ :‬لــن نتــردد يف‬ ‫إعالن اجلهــاد ضــد العــدو «اإلســرائيلي» وتوجيــه أقســى الضربــات‬ ‫ضــد األهــداف احلساســة يف كيــان العــدو إذا تــورط العــدو يف أي‬ ‫حماقــة ضــد شــعبنا‪ ،‬مضيفــًاً التأكيــد علــى أن موقــف احلركــة‬ ‫يف العــداء إلســرائيل ككيــان غاصــب هــو موقــف مبدئــي إنســاني‬ ‫أخالقــي والتــزام دينــي‪.‬‬ ‫ومبجــرد انفجــار احلــرب يف غــزة يف أكتوبــر ‪٢٠٢٣‬م‪ ،‬بــدأ احلوثيــون‬ ‫يف إطالق صواريــخ غيــر فعالــة باجتــاه مدينــة إيالت الســاحلية‬ ‫اإلســرائيلية‪ ،‬وأصــروا علــى أن ال يتوقفــوا إال عندمــا تســمح إســرائيل‬ ‫بدخــول املســاعدات اإلنســانية إلــى غــزة‪ .‬ومــن خالل االســتفادة مــن‬


‫‪184‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫ديناميكية األمن والصراع في الممر المالحي بالبحر األحمر والقرن اإلفريقي‬

‫أزمات البحر األحمر والقرن اإلفريقي تحتاج منهًجً ا‬ ‫إقليمًيًا ‪ /‬دولًيًا لتوفير العقالنية لتحقيق االستقرار واألمن‬ ‫باتــت الهجمــات التــي تشــنها اجلماعــة احلوثيــة تتزايــد علــى الســفن يف منطقــة البحــر األحمــر كــرد فعــل للحــرب اإلســرائيلية‬ ‫يف غــزة تشــكل تهديــدًاً علــى هــذا اخلــط البحــري احليــوي واألمــن العاملــي بشــكل عــام‪ .‬وتأتــي هــذه اخملاطــر يف ســياق‬ ‫أهميــة منطقــة البحــر األحمــر والقــرن اإلفريقــي وتداخلهــا كموقــع اســتراتيجي مهــم علــى خريطــة العالــم‪ ،‬حيــث يقــع فيهــا‬ ‫مضيــق بــاب املنــدب الــذي يعــد ممــرًاً رئيســيًاً للنقــل البحــري‪ .‬لقــد أثــرت التغيــرات يف الوضــع السياســي واألمنــي يف الشــرق‬ ‫األوســط الكبيــر علــى هــذه املنطقــة‪ ،‬وينظــر إلــى القــرن اإلفريقــي علــى نحــو متزايــد مــن قبــل القــوى اإلقليميــة والدوليــة‬ ‫كمنطقــة جغرافيــة اســتراتيجية ذات ارتبــاط كبيــر بأمــن الشــرق األوســط‪ ،‬وأدى ذلــك إلــى حتولهــا إلــى منطقــة صــراع‬ ‫رئيــسية يف ــسباق التأثــير اجليوسياــسي إقليمــيًاً ودولــيًاً‪.‬‬

‫د‪ .‬محمد حسني رشيف‬

‫حيوية منطقة باب املندب والقرن اإلفريقي لألمن العاملي‪:‬‬ ‫يقــع مضيــق بــاب املنــدب بني اليمــن وجيبوتــي وأريتريــا ويصــل بني‬ ‫البحــر األحمــر وخليــج عــدن وبحــر العــرب‪ ،‬حيــث يبلــغ عــرض بــاب‬ ‫املنــدب ‪ ١٨‬مــياًلا عنــد أضيــق نقاطــه ممــا يجعــل حركــة النــاقالت‬ ‫صعبــة ممــا يجعلــه محــدودًاً بقنــاتني فقــط لدخــول وخــروج ا لســفن‪.‬‬ ‫تفصــل جزيــرة بــرمي املضيــق ممــا يخلــق القنــاتني‪ ،‬القنــاة الشــرقية‬ ‫وتســمى بــاب إســكندر ويبلــغ عرضهــا ميــلني‪ ،‬والقنــاة الغربيــة‬ ‫وتســمى دقــة املايــون ويبلــغ عرضهــا ‪ ٢٥‬مــياًلا ‪ .‬يعتبــر مضيــق بــاب‬ ‫املنــدب ممــر رئيســي حلركــة املالحــة العامليــة ومــن ثــم التجــارة‬ ‫واالقتصــاد الدولــي‪ ،‬حيــث تعبــر مــا قيمتــه ‪ ٢.٥‬تريليــون مليــار دوالر‬ ‫مــن التجــارة عبــر األحمــر‪ ،‬وميثــل ذلــك مــا يــوازي ‪ ٪١٣‬مــن التجــارة‬ ‫العامليــة‪ .‬يتــم عــن طريقــه شــحن مــا يقــرب مــن ‪ %١٥‬مــن البضائــع‬ ‫املســتوردة إلــى أوروبــا والشــرق األوســط وشــمال إفريقيــا مــن آســيا‬ ‫واخلليــج‪ ،‬كمــا ميــر مــا يقــرب مــن ‪ %٢١.٥‬مــن النفــط املكــرر وأكثــر‬ ‫مــن ‪ %١٣‬مــن النفــط اخلام عبــر هــذا املضيــق‪ .‬مينــع إغالق املضيــق‬ ‫النــاقالت اآلتيــة مــن اخلليــج الوصــول لقنــاة الســويس ممــا يــؤدي‬ ‫إلــى حتويــل حركتهــم عــن طريــق جنــوب القــارة اإلفريقيــة ممــا يزيــد‬ ‫مــن تكلفــة ومســافة الرحلــة‪ .‬ميثــل البحــر األحمــر حلقــة وصــل‬

‫مهمــة كطريــق اســتراتيجي واقتصــادي يف شــبكة مــن املمــرات املائيــة‬ ‫العامليــة املمتــدة مــن البحــر األبيــض املتوســط إلــى احمليــط الهنــدي‬ ‫إلــى احمليــط الهــادئ‪ ،‬فهــو ليــس مجــرد ممــر للخدمــات اللوجســتية‪،‬‬ ‫ــبل يعتــبر أيًضـ ـًا رقــعة ــشطرجن حقيقــية للــقوى اإلقليمــية والعاملــية‪.‬‬ ‫ـرًحا ناشـ ً​ًئا ملنافســة القــوى العظمــى‬ ‫لقــد أصبحــت هــذه املنطقــة مسـ ً‬ ‫لقربهــا مــن منطقــة الشــرق األوســط ذات احلساســية الكبيــرة مــع‬ ‫قضايــا ومصالــح دوليــة تتمثــل يف عوامــل النفــط والصــراع العربــي‬ ‫اإلســرائيلي‪ ،‬ولذلــك فهنــاك تواجــد دولــي وإقليمــي بشــكل دائــم‪،‬‬ ‫حيــث تقيــم العديــد مــن البلــدان كمثــال قواعــد عســكرية علــى‬ ‫أراضــي جيبوتــي تضــم فرنســا‪ ،‬والواليــات املتحــدة‪ ،‬واليابــان‪،‬‬ ‫وإيطاليــا‪ ،‬والــصني‪ ،‬وأملانيــا وإســبانيا‪ .‬يعــود ذلــك التواجــد يف هــذا‬ ‫املضيــق االســتراتيجي الــذي يربــط طــرق التجــارة العامليــة للعديــد من‬ ‫األســباب األمنية والعســكرية تتضمن هجمات اجلماعة احلوثية كما‬ ‫يحــدث اليــوم وقضايــا القرصنــة البحريــة واحلــرب علــى اإلرهــاب‪.‬‬ ‫يفصــل جيبوتــي عــن اليمــن حوالــي ‪ ٢٢‬كــم فقــط يف مضيــق بــاب‬ ‫املنــدب‪ ،‬وهــذه املداخيــل الســنوية التــي تأتــي مــن القواعــد العســكرية‬ ‫اخملتلفــة يف الــبالد والتــي تصــل ســنو ً​ًيا إلــى حوالــي ‪ ١٦٠‬مليــون دوالر‬ ‫مــن أهــم اإليــرادات للدخــل القومــي جليبوتــي لفقــر الـموارد يف هــذه‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪183‬‬

‫ملف العدد‬

‫تعيــد إثيوبيــا تجربــة الصــراع مــع إريتريــا بإبــرام مذكــرة تعــاون مــع‬ ‫أرض الصومــال لتحصــل عىل منفــذ بحــري مســاحته ‪ 20‬كيلو متًرًا لـــ ‪ 50‬عاًمً ا‬ ‫ضمن هــذا املنظور االستراتيجي األوســع يأتــي اهتمــام القــوى‬ ‫العظمــى بالبحــر األحمــر بضفتيه‪ ،‬إضافــة إلــى ذلك إّنّ‪ ‬القــرب‬ ‫اجلغــرايف بني القــارة األوروبيــة ومنطقــة القــرن اإلفريقــي وشــمال‬ ‫إفريقيــا يشــّكّ ل حتّدًّّي�ًــا إضافًّي�ًــا للقــارة األوروبيــة؛ ‪ -‬فعلــى ســبيل‬ ‫املثــال ال احلصــر ‪ -‬خالل العقــود املاضيــة بســبب االضطرابــات‬ ‫األمنيــة يف القــرن اإلفريقــي؛ فقد تدفقــت مــن تلــك املنطقــة‬ ‫موجــات متالحقــة مــن املهاجريــن غيــر الشــرعيني إلــى دول االحتــاد‬ ‫ُ‬ ‫اُألوروبــي‪ ،‬بــل ‪ -‬واألكثــر مــن ذلــك ‪ -‬إن تلــك املناطق قــد تســتخدم‬ ‫مــن ِقِ بــل القــوى املناوئــة لتهديــد أمــن أوروبــا ومصاحلهــا مسـ ً‬ ‫ـتقبًال‪.‬‬ ‫ومن هــذا املنطلــق إَّنَ هــذه املناطــق بالنســبة ألوروبــا تشــّكّ ل عم ً​ًقــا‬ ‫استراتيجًّي�ًا أمنًّي�ًا‪ ،‬وعســكرًّي�ًا‪ ،‬واقتصادًّي�ًــا‪.‬وإن هــذا التدافــع والوجــود‬ ‫العســكري املك ث�ـّف يف املنطقــة‪ ،‬يشـّكّ ل مصــدر تهديــد واقعــي ومحتمــل‬ ‫لتراجــع ســيادة دول املنطقــة‪ ،‬ويصبــح أمرهــا ومصيرهــا مرهو�نـًا بــاردات‬ ‫الــقوى الدولــية‪.‬‬ ‫واألخطــر مــن ذلــك أن جتــر املنطقــة إلــى االســتقطابات الدوليــة‬ ‫البعيــدة مــن مصاحلهــا‪ .‬ويف هــذا الســياق قــد يتــم تغذيــة الصراعــات‬ ‫احملليــة لتداخلهــا مــع تلــك التجاذبــات‪ .‬وتنتهــي بتبعيــة املنطقــة‬ ‫سياســًّي�ًا واقتصادًّي�ًــا وأمنًّي�ًــا للقــوى الدوليــة‪ .‬األمــر الــذي سيشــّكّ ل‬ ‫ضـر ً​ًرا كبيـ ً​ًرا يهــدد اســتقرار منطقــة القــرن اإلفريقــي والبحــر األحمــر‪.‬‬

‫حلول معضلة األمن يف القرن اإلفريقي والبحر األحمر‬

‫تعــود جــذور الهشاشــة األمنيــة يف القــرن اإلفريقــي والبحــر األحمــر‬ ‫إلــى طبيعــة نظــم احلكــم‪ ،‬احلــروب الداخليــة وبني دولهــا‪ .‬والتــدخالت‬ ‫اخلارجــية وللــخروج ــمن ــهذا املأزق يــلزم‬ ‫¦إرســاء أنظمــة حكــم رشــيدة يف املنطقــة تبســط احلريــات والثروة‬ ‫والســلطة بالعــدل واملســاواة بــن جميــع املواطنــن داخــل الدولــة‬ ‫والتكامــل بــن دول القــرن األخــرى‪.‬‬ ‫¦ اللجــوء إل ــى القانــون الدول ــي وآليــات املنظمــات اإلقليميــة مثــل‬ ‫منظمــات‪ :‬اإليقــاد واالحتــاد اإلفريقــي حلــ ّل مســائل اخلــاف‬ ‫بــن دول القــرن‪.‬‬ ‫¦بنــاء رؤيــة أمنيــة ودفاعيــة مشــتركة شــاملة لتعزيــز األمــن‬ ‫والســام يف املنطقــة واتخــاذ تدابيــر وآليــات مشــتركة ملواجهــة‬ ‫التهديــدات األمنيــة والتصــدي لهــا بنهــج جماعــي‪.‬‬ ‫املؤسســية‬ ‫¦ التركيــز علــى التنميــة الشــاملة وبنــاء القــدرات‬ ‫ّ‬ ‫واالهتمــام بالتكامــل االقتصــادي بــن دول القــرن‪.‬‬

‫¦ وعلــى صعيــد األمــن املالحــي ميكــن التعــاون والتنســيق مــع‬ ‫الــدول املشــاطئة والقــوى الدوليــة‪.‬‬ ‫¦فــك االرتبــاط بــن األجنــدات الداخليــة واخلارجيــة الت ــي تتســبب‬ ‫يف توتــر املنطقــة وجتعــل الوصــول إل ــى الســام صع ًبــا‪.‬‬ ‫¦‬ ‫¦وباملقابــل مطلــوب مــن القــوى الدوليــة واإلقليميــة مســاعدة هــذه‬ ‫املنطقــة للوصــول إل ــى ســام مســتدام عبــر وضــع اخلطــط لبنــاء‬ ‫القــدرات املؤسســية والفنيــة واإلمكانيــات املاليــة‪ ،‬والتعامــل مــع‬ ‫هــذه الــدول مــن منطلــق التكامــل وتبــادل املصالــح‪ .‬ميكــن لهــذه‬ ‫القــوى إنشــاء صنــدوق للتنميــة االقتصاديــة يف هــذه املنطقــة‬ ‫لتمويــل املشــاريع اإلنتاجيــة واألمــن الغذائــي فيهــا‪ ،‬تعزيــز‬ ‫الشــراكات بــن القطاعــن العــام واخلــاص حملاربــة التصحــر‬ ‫واجلفــاف‪ .‬وربــط هــذا التمويــل ماعــدا اإلنســانية العاجلــة منهــا‬ ‫بالشــفافية وســيادة القانــون‪.‬‬ ‫اخلالصة‬ ‫ملعاجلــة حــّدّ ة الصراعــات يف منطقــة القــرن اإلفريقــي والبحــر‬ ‫األحمــر؛ ال �بـُد مــن النظــر إلــى جذورهــا التاريخيــة وشــبكاتها املعقــدة‬ ‫والفاعــلني فيهــا محلًّي�ًــا‪ ،‬يف داخــل الدولــة الواحــدة أو بني دولهــا‪ ،‬ومــن‬ ‫�ثـَم تقــدمي حلــول تشــاركية عادلــة وفّعّ الــة بني تلــك األطــراف‪ ،‬واالهتمــام‬ ‫بالتنميــة الشــاملة يف املنطقــة‪ .‬وبنــاء اســتراتيجية مرنــة تتعامــل مــع‬ ‫التعقيــدات الدوليــة والتشــابكات اإلقليميــة‪ ،‬وف ً​ًقــا ملقتضيــات املصلحــة‬ ‫دون االصطــدام مــع املنظومــة املهيمنــة بقــدر اإلمــكان‪ ،‬وحتويــل اهتمــام‬ ‫القــوى الدوليــة واإلقليميــة إلــى منطلــق تكاملــي وتبــادل املصالــح‬ ‫واملنافــع املشــتركة؛ وذلــك ممكــن بالنظــر إلــى عناصــر صــراع القــوى‬ ‫الدوليــة واإلقليميــة يف هــذه املنطقــة‪ ،‬فهــي عناصــر شــبه ثابتــة‪،‬‬ ‫علــى الرغــم مــن تغيــر محــددات التعامــل معهــا‪ ،‬حســب تطـّوّرات الواقــع‬ ‫وتوجهــات العالقــات الدوليــة‪ ،‬وصــراع األقطــاب فيهــا‪ ،‬وحتالفــات‬ ‫القــوى اإلقليميــة واحملليــة مــع القــوى الدوليــة‪ ،‬ومــا يحــدث يف هــذه‬ ‫التحالفــات مــن تبــدالت وتغييــر املواقــف مــن طــرف إلــى آخــر ‪.‬‬

‫*باحث يف العالقات الدولية ـــ لندن‬


‫‪182‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫مثــل شــبكات جتــارة البشــر‪ ،‬الــسالح‪ ،‬اخملــّدّ رات‪ ،‬غســيل األمــوال‪،‬‬ ‫الهجــرة غيــر الشــرعية‪ ،‬القرصنــة إلــخ ‪ ..‬ومــا لــم يحصــل تــدارك‬ ‫عاجــل لتلــك التحديــات؛ قــد تصبــح املنطقــة بــؤرة تهــدد الســلم واألمــن‬ ‫هاجًســا أمنًّيًيـًا معـ ً‬ ‫الدولــيني‪ .‬وستش ـّكّ ل ً‬ ‫ـرقًال للتجــارة الدوليــة‬ ‫أيًضــا‬ ‫ً‬ ‫العابــرة بالبحــر األحمــر واألمــن البحــري العالـمي برمتــه‪ ،‬وذلــك بالنظــر‬ ‫ملا حتتلــه هــذه املنطقــة مــن أهميــة يف املمــرات البحريــة الدوليــة‪ ،‬وإن‬ ‫هــذه التطـّوّرات ســتضع الشــركات الناقلــة أمــام خياريــن ال ثالــث لهمــا‪،‬‬ ‫االســتمرار يف اســتخدام هــذا املمــر مــع حتمــل اخملاطــر والتأمينــات‬ ‫العاليــة‪ ،‬أو حتويــل مســاراتها إلــى رأس الرجــاء الصالــح البعيــد الــذي‬ ‫يؤّخّ ــر تســليم الشــحنات ألكثــر مــن عشــرة أيــام مــع ارتفــاع التكاليــف‪.‬‬ ‫وهــذان األمــران ســيؤثران ســل ً​ًبا يف التجــارة الدوليــة ويف الشــركات‬ ‫املرتبطــة بهــذا اجملال يف املنطقــة مثــل قنــاة الســويس وغيرهــا‪ .‬أســوأ‬ ‫ممــا حصــل لهــا أثنــاء نشــاط القراصنــة الصومالــيني قبــل أعــوام‪،‬‬ ‫وهجــوم احلوثــيني علــى الســفن املتجهــة إلــى إســرائيل يف الشــهر‬ ‫املاضــي‪.‬‬ ‫ثانًيا‪ :‬القوى اإلقليمية‬ ‫ً‬ ‫تنافًســا قو ً​ًيــا بني إرادات القــوى‬ ‫اإلفريقــي‪،‬‬ ‫القــرن‬ ‫منطقــة‬ ‫تشــهد‬ ‫ً‬ ‫اإلقليميــة‪ ،‬الســاعية إليجــاد موطــئ قــدم لهــا يف هــذه املنطقــة‬ ‫احليويــة‪ .‬وتشــمل هــذه القــوى دواًلا عربيــة‪ ،‬وغيــر عربيــة كإســرائيل‪،‬‬ ‫إيــران‪ ،‬وتركيــا‪ .‬فاســتراتيجية مصــر يف منطقــة القــرن اإلفريقــي‬ ‫عبــر التاريــخ قائمــة علــى أمــن البحــر األحمــر وميــاه النيــل ومثلهــا‬ ‫تــرى اململكــة العربيــة الســعودية أهميــة القــرن اإلفريقــي يف حمايــة‬ ‫أمــن البحــر األحمــر وأمنهــا القومــي‪ .‬وأّمّ ــا إســرائيل؛ فتع ـّدّ منطقــة‬ ‫القــرن اإلفريقــي والبحــر األحمــر ج ـز ً​ًءا مــن أمنهــا القومــي وعمقهــا‬ ‫االســتراتيجي لتــأمني طــرق مالحتهــا التجاريــة والعســكرية العابــرة‬ ‫عبرهــا‪ ،‬ومزاحمــة القــوى املنافســة لهــا يف اإلقليــم‪ ،‬وعوامــل أخــرى‬ ‫مثــل مكافحــة تهريــب الــسالح إلــى فلســطني‪ ،‬ومكافحــة الهجــرة غيــر‬ ‫املشــروعة ‪...‬إلــخ أّمّ ــا اهتمــام إيــران أكثــر بهــذه املنطقــة؛ فقــد جــاء بعــد‬ ‫أن حوصــرت شـ ً‬ ‫ـماًال مــن القــوى النوويــة الروســية وشــر ً​ًقا مــن القــوتني‬ ‫النوويــتني الباكســتانية والهنديــة‪ .‬فأصبــح تركيزهــا أكثــر بالبحــر‬ ‫األحمــر بضفتيــه خللــق مزيــد مــن العمــق االســتراتيجي والنفــاذ عبرهــا‬ ‫إلــى القــارة اإلفريقيــة وتقويــض جهــود القــوى املنافســة لهــا يف املنطقــة‪.‬‬ ‫ومــن القــوى األخــرى املهتمــة بهــذه املنطقــة تركيــا التــي تتحــرك عبــر‬ ‫بوابــة الصومــال والســودان بهــدف بســط نفوذهــا السياســي واألمنــي يف‬ ‫املنطقــة وحتقيــق شــراكات ومكاســب اقتصاديــة لهــا‪.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫علــى العمــوم إن منطقــة القــرن اإلفريقــي والبحــر األحمــر أضحــت‬ ‫منطقــة جتــاذب وتفاعــل للقــوى اإلقليميــة‪ ،‬مثــل الصــراع العربــي–‬ ‫اإلســرائيلي‪ ،‬اإليراني‪-‬اإلســرائيلي‪ ،‬اخلليجي‪-‬اإليرانــي‪ ،‬اإلثيوبــي ـــ‬ ‫املصــري ‪...‬إلــخ وتدخــل بعــض هــذه القــوى يف الصراعــات الداخليــة‪.‬‬ ‫إضافــة إلــى احلــروب األهليــة اجلاريــة يف اليمــن والســودان هــذه األمــور‬ ‫وغيرهــا تش ـّكّ ل حتديــات أمنيــة يف منطقــة القــرن اإلفريقــي والبحــر‬ ‫األحمــر‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ثالًثا‪ :‬القوى الدولية‬ ‫املوقــع االســتراتيجي ملنطقــة القــرن اإلفريقي والبحــر األحمــر‪ ،‬جــذب‬ ‫اهتمــام القــوى الدوليــة نتيجــة لوجود أحــد أهــم طــرق الشــحن البحــري‬ ‫فيهــا‪ ،‬والقــرب مــن مناطــق إنتــاج البتــرول وطرق مالحتها ومنطقــة‬ ‫الصــراع العربــي ‪-‬اإلســرائيلي‪ ،‬والصــراع على مصادرهــا الطبيعــة‪ ،‬كمــا‬ ‫ًاًصبحــت املنطقــة جز ً​ًءا مــن االســتراتيجية الدولية حملاربــة اإلرهــاب‪،‬‬ ‫والتقــت معهــا سياســة محاربــة القراصنة فيهــا‪ .‬هذه األمــور وغيرهــا‬ ‫دفعــت إلى اكتظاظ املنطقة بقطاعــات عســكرية مــن شــتى بقــاع‬ ‫العالــم‪ ،‬مــن أمريــكا‪ ،‬الــصني‪ ،‬اليابان‪ ،‬أملانيــا‪ ،‬فرنســا‪ ،‬الهنــد‪ ،‬إيــران‪،‬‬ ‫تركيــا‪ ،‬إســرائيل‪ ،‬وغيرهــم بحّجّ ــة تــأمني ســفنهم العابــرة بهــذه املنطقــة‬ ‫مــن القراصنــة وأغــراض أخــرى‪ ،‬و بعــض هــذه القــوى لهــا قواعــد‬ ‫عســكرية ثابتة يف املنطقة‪ ،‬مثــل‪ :‬الــصني‪ ،‬واليابــان‪ ،‬وأمريــكا‪ ،‬وتركيــا ـــ‬ ‫باإلضافــة إلــى القاعــدة العســكرية الفرنســية القدميــة ‪ ..‬إلــخ ‪ .‬كما أن‬ ‫املنطقــة مت ث�ـّل جز ً​ًءا مه ً​ًما ملشــروع احلــزام والطريــق الصينــي‪ .‬ويفهــم‬ ‫ممــا ســبق إن منطقتــي القــرن اإلفريقــي‪ ،‬والبحــر األحمــر همــا ضمــن‬ ‫مناطــق الصــراع علــى النفــوذ بني الــدول الكبــرى؛ الواليــات املتحــدة‬ ‫األمريكيــة والــصني وحلفائهمــا لألســباب السابقة االســتراتيجية‪،‬‬ ‫واالقتصاديــة‪ ،‬واألمنيــة‪ ،‬وبتشـّكّ ل نظــام دولي جديــد متعــدد األقطــاب‪،‬‬ ‫وإن كان حتــى اآلن يف مرحلــة البنــاء وضبــط موازيــن القــوى وتوســيع‬ ‫النفوذ‪ ،‬يف هذا الســياق يشــتّدّ اهتمام القوى الدولية بالقارة اإلفريقية‬ ‫بشــكل عــام والقــرن اإلفريقــي والبحــر األحمــر علــى وجــه اخلصــوص‬ ‫ملا تتم�يـّز بــه هــذه املنطقــة مــن ربــط اســتراتيجي بالبحــار املفتوحــة‬ ‫وخاصــة بني مناطــق األورو – األطلنطيــة‪ ،‬والهنــدو‪ -‬الهــادي‪.‬‬ ‫أساًســا‬ ‫مسرًحا‬ ‫فالقــوى الغربيــة تتجه جلعــل الهندو‪-‬الهادي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ملواجهة النفــوذ املتنامــي للــصني يف العالــم‪ .‬ويف ظــل هــذا الصــراع‬ ‫قــد تلعب منطقــة القــرن اإلفريقي والقــارة اإلفريقيــة بشــكل عــام دو ً​ًرا‬ ‫مه ً​ًمــا يف تــوازن الصــراع بني القــوى الدوليــة‪ ،‬ذلــك التصالهــا مبناطــق‬ ‫الصــراع احلاليــة واحملتملــة يف آســيا‪.‬‬

‫إيران تركز عىل البحر األحمر للبحث عن عمق استراتيجي والنفاذ إلفريقيا‬ ‫بـ ـعد حصارـ ـها ـ ـمن الـ ـقوى النووـ ـية الروـ ـسية والباكـ ـستانية والهندـ ـية‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪181‬‬

‫ملف العدد‬

‫التطـــ ّ​ّورات تضـــع النـــاقالت أمـــام خياريـــن االســـتمرار مـــع تحمـــل‬ ‫المخاــطر والتأميــنات العالــية أو تحوــيل مــساراتها ــلرأس الرــجاء الصاــلح‬ ‫أمثلــة كثيــرة‪ .‬كل هــذه التعقيــدات والتشــابكات الدوليــة واإلقليميــة‬ ‫تعكــس األهميــة احلضاريــة لهــذه املنطقــة‪.‬‬

‫التحديات األمنية يف القرن اإلفريقي والبحر األحمر‬

‫لالعتبــارات الســابقة‪ ،‬االســتراتيجية والسياســية واألمنيــة والعســكرية‬ ‫واالقتصاديــة واحلضاريــة‪ ،‬وقعــت منطقــة القــرن اإلفريقــي مــن قــدمي‬ ‫الزمــان‪ ،‬ضمــن اســتراتيجيات وجتاذبــات القــوى الدوليــة واإلقليميــة‪،‬‬ ‫كمــا كانــت جــز ً​ًءا مــن جتاذبــات املعســكرين الشــرقي والغربــي أثنــاء‬ ‫احلــرب البــاردة‪ ،‬وخضوعهــا يف الوقــت احلالــي لنفــوذ القــوى الدوليــة‬ ‫الكبــرى‪ ،‬املتمثلــة يف الواليــات املتحــدة األمريكيــة وحلفائهــا يف أوروبــا‪،‬‬ ‫ولنفــوذ القــوى الصينيــة الصاعــدة وحلفائهــا الــروس وغيرهــم‪ .‬وتنافــس‬ ‫قــدٍم لهــا يف هــذه‬ ‫إرادات القــوى اإلقليميــة الســاعية إليجــاد موطــئ ٍ‬ ‫املنطقــة احليويــة‪ .‬وتشــمل القــوى اإلقليميــة دول عربيــة موجــودة علــى‬ ‫حــدود القــرن اإلفريقــي ولهــا مصالــح مشــروعة مثــل مصــر والســعودية‪،‬‬ ‫ودول أخــرى وغيــر عربيــة كإســرائيل‪ ،‬إيــران‪ ،‬تركيــا‪ .‬مبقابــل هــذا‬ ‫التنافــس احملمــوم مــن القــوى الدوليــة واإلقليميــة يف منطقــة القــرن‬ ‫اإلفريقــي والبحــر األحمــر‪ ،‬فــإّنّ دولهــا؛ تعانــي مــن عــدم االســتقرار‬ ‫السياســي وصراعــات داخليــة وأوضــاع اقتصاديــة وأمنيــة صعبــة‪ ،‬وإّنّ‬ ‫هــذه التفــاعالت بني املســتويات الثالثــة (احملليــة‪ ،‬اإلقليميــة‪ ،‬الدوليــة)‬ ‫وتباًعــا شــّكّ لت التهديــدات‬ ‫متشــابكة أّدّت إلــى عــدم االســتقرار‬ ‫ً‬ ‫واخملاــطر األمنــية املاثــلة أمامــنا الــيوم يف املنطــقة‪.‬‬ ‫أ ّ​ّو ً​ًال‪ :‬التحديات األمنية احمللية‬ ‫توصــف منطقــة القــرن اإلفريقــي عبــر التاريــخ بعــدم االســتقرار‬ ‫األمنــي‪ ،‬يعــود ذلــك إلــى عــدد مــن العوامــل علــى املســتوى احمللــي؛ مــن‬ ‫بينهــا‪ :‬أزمــة بنــاء الدولــة والهويــة‪ ،‬الفقــر واحلرمــان‪ ،‬االخــتالل يف توزيــع‬ ‫الثــروة والســلطة‪ ،‬مشــكلة القيــادة‪ ،‬طبيعــة النظــم التــي حكمــت وحتكــم‬ ‫دول القــرن اإلفريقــي هــي نظــم اســتبدادية‪ ،‬تكـّرّ س ســيطرة مجموعــة‬ ‫بعينهــا وتهمــش اآلخريــن ينتــج عنــه عنــف مضــاد‪ .‬وصراعــات أخرى بني‬ ‫دولهــا املرتبطــة برســم احلــدود‪ ،‬التدهــور البيئــي وزيــادة رقعــة التصحــر‪،‬‬ ‫ومــن عناصــر الصــراع يف املنطقــة النــزاع حــول ميــاه النيــل بني دول‬ ‫املنبــع واملصــب‪ ،‬رغبــة إثيوبيــا يف الوصــول إلــى البحــر األحمــر دون‬ ‫االهتمــام بقانــون البحــار الدولــي والبنــود اخلاصــة املنظمــة للعالقــات‬ ‫بني الــدول احلبيســة والــدول الســاحلية؛ األمــر الــذي تســبب يف الصراع‬ ‫بني إرتريــا وإثيوبيــا لعقــود‪ ،‬ومــرة أخــرى تعيــد إثيوبيــا التجربــة نفســها‬ ‫بإبرامهــا الشــهر املاضــي مذكــرة تفاهــم وتعــاون مــع رئيــس دولــة أرض‬

‫الصومــال غيــر املعتــرف بهــا دولًّيًيـًا‪ ،‬مبوجبهــا ســتحصل إثيوبيــا علــى‬ ‫منفــذ بحــري مســاحته تصــل ‪ 20‬كيلــو متـ ً​ًرا ملــدة ‪ 50‬عا ً​ًمــا تســتخدمه‬ ‫ألغــراض جتاريــة وعســكرية‪ ،‬ومبقابــل ذلــك تنال أرض الصومال أســه ً​ًما‬ ‫يف شــركة اخلطــوط اجلويــة اإلثيوبيــة واعترا ً​ًفــا مــن إثيوبيــا بوصفهــا‬ ‫دول ـ ً​ًة مســتقل ً​ًة‪ .‬وع ـّدّت احلكومــة الفيدراليــة الصوماليــة هــذا اإلجــراء‬ ‫تعدًّيًيـًا ســاف ً​ًرا علــى ســيادة ووحــدة الصومــال‪ ،‬وســتتخذ جميــع الوســائل‬ ‫للدفــاع عــن أراضيهــا‪ .‬ويف حــال مضــت إثيوبيــا وأرض الصومــال يف‬ ‫هــذا االتفــاق دون الرجــوع إلــى احلكومــة الفيدراليــة الصوماليــة قــد‬ ‫يـؤّدّ ي إلــى إشــعال احلــرب يف منطقــة القــرن اإلفريقــي والبحــر األحمر‪.‬‬ ‫إَّنَ األزمــات املذكــورة أعاله وغيرهــا مجتمعـ ً​ًة أّدّت؛ وتؤّدّ ي إلى مســتويات‬ ‫مــن الصراعــات اخملتلفــة يف املنطقــة؛ منهــا الصراعــات الداخليــة‬ ‫كاحلــروب األهليــة‪ ،‬وحــروب نظاميــة بني دول املنطقــة‪ .‬وتشــابكها مــع‬ ‫الُبُعــد الدولــي أوصلــت غالبيــة دول القــرن اإلفريقــي إلــى دول ضعيفــة‬ ‫وغيــر قــادرة علــى مواجهــة املصاعــب االقتصاديــة والتهديــدات األمنيــة‬ ‫واإلنســانية يف املنطقــة‪ .‬األمــر الــذي تســبب ومــازال يف جلــوء ‪-‬غيــر‬ ‫مســبوق ‪-‬لــكل مــن الصومــال‪ ،‬وإثيوبيــا‪ ،‬وإرتريــا‪ ،‬والســودان إلــى الــدول‬ ‫اجملاورة‪ ،‬أو إلى دول الغربية‪ .‬وأيضا إّنّ هشاشــة مؤسســات دول القرن‬ ‫اإلفريقــي وعــدم التعــاون فيمــا بينهــا‪ ،‬أّدّ ى إلــى ظهــور العــبني آخريــن‬ ‫يف املنطقــة مــن غيــر الــدول‪ ،‬مثــل‪ :‬املليشــيات واحلــركات االنفصاليــة‬ ‫املس ـّلّحة واجلماعــات املتطرفــة‪ ،‬إضافــة إلــى التهديــدات النابعــة مــن‬ ‫ً‬ ‫فــضًال‬ ‫أعمــال القراصنــة وانشــطتهم ضــد الســفن التجاريــة‪ ،‬هــذا‬ ‫عــن شــبكات اجلرميــة املنظمــة األخرى‪...‬إلــخ بعضهــا يعمــل ضمــن‬ ‫احلــدود‪ ،‬وآخــرون عبــر احلــدود‪ .‬هــذه األمــور وغيرهــا مجتمعــة جعلــت‬ ‫الوضــع األمنــي يف منطقــة القــرن اإلفريقــي والبحــر األحمــر أشــّدّ‬ ‫تعقي ـًدًا وأكثــر تهدي ـًدًا ألمــن وسالمــة هــذه املنطقــة واملناطــق اجملاورة‬ ‫لهــا‪.‬‬ ‫وأَّنَ الســيناريو املتوقــع مــا لــم حتصــل معــاجلات لهــذه الصراعــات‬ ‫املعقـّدّ ة مــن جذورهــا يف هــذه املنطقــة‪ ،‬فــإن شــبكة التهديــدات األمنيــة‬ ‫ستســمر يف تهديــد منطقــة القــرن اإلفريقــي والبحــر األحمــر م ً​ًعــا‪،‬‬ ‫وســيكون لهــا انعكاســات ســلبية بعيــدة املــدى يف املنطقــة وأمنهــا‬ ‫البحــري ويف عمقهــا اإلفريقــي‪ ،‬ويف الضفــة املقابلــة لهــا يف شــبه‬ ‫اجلزيــرة العربيــة‪ .‬وإّنّ مصــادر هــذه التهديــدات يعــود إلــى عجــز‬ ‫دول القــرن اإلفريقــي عــن مواجهــة حتديــات بنــاء الدولــة‪ ،‬واملشــاكل‬ ‫االقتصاديــة‪ ،‬واالجتماعيــة‪ ،‬والسياســية‪ ،‬واألمنيــة إلخ‪...‬وخطــر تزايــد‬ ‫اجلماعــات املتطرفــة العابــرة للقــارات‪ ،‬وشــبكات اجلرميــة املنظمــة‬


‫‪180‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مصــادر التهديــدات‪ :‬عجــز دول القــرن اإلفريقــي عــن مواجهة تحديات بناء‬ ‫الدولــة ومشــاكل االقتصاد والسياســة والجماعــات المتطرفة العابــرة للقارات‬ ‫ثان ً​ًيا‪-‬القــرب املكافــئ مــن مناطــق إنتــاج البتــرول يف اخلليــج العربــي‪،‬‬ ‫وطــرق مالحتهــا إلــى الــدول الصناعيــة‪ .‬ويف ســياق َ​َمــن يتح َ​َّكــم يف‬ ‫هــذه املنطقــة‪ ،‬فإنــه ســتكون لــه الســيطرة يف خنــق املالحــة يف أه ـّمّ‬ ‫ممــر مائــي يف العالــم‪ .‬واألهميــة األخــرى لهــذه املنطقــة تكمــن يف وفــرة‬ ‫ومخــزوٍن مائــي كبيــر‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫أراٍض زراعيــة شاســعة‪،‬‬ ‫املــوارد الطبيعيــة‪ ،‬مــن ٍ‬ ‫فعلــى ســبيل املثــال ال احلصــر‪-‬إن الهضبــة اإلثيوبيــة ترفــد النيــل‬‫مبــا يعــادل ‪ %85‬مــن مــوارده املائيــة‪ ،‬كمــا ُيُعتقــد وجــود احتياطــات‬ ‫كبيــرة مــن البتــرول والغــاز‪ ،‬والبوتاســيوم؛ ومصــادر الطاقــة األخــرى؛‬ ‫ومعــادن نفيســة يف البــر والبحــر‪ ،‬كمــا أن املنطقــة ُتُعـُّدُ بوصفهــا ســو ً​ًقا‬ ‫اقتصاديــة‪ ،‬واعـد ً​ًة لكثافــة ســكانها‪ ،‬مــع وجــود موانــئ كثيــرة يف املنطقــة‬ ‫َ‬ ‫مُيمَّكـ ُ​ُن ِمِ ــن النفــاذ عبرهــا إلــى األســواق الكبيــرة يف إفريقيــا‪ .‬ويف الوقــت‬ ‫نفســه‪ ،‬قــد تكــون موانــئ منافســة أو مســاعدة ملوانــئ كبــرى يف املنطقــة‬ ‫أو يف العالــم‪ .‬كل هــذه األمــور وغيرهــا مجتمعـ ً​ًة؛ مَتم نـ ُ​ُح املنطقــة أهميـ ً​ًة‬ ‫أخــرى؛ وهــي جيــو ‪-‬اقتصاديــة ال تقــل أهميــ ً​ًة مــن اجليو‪-‬سياســية‬ ‫واألمنيــة‪.‬‬ ‫ثال ً​ًثــا ‪-‬ميكــن التحكــم علــى ميــاه البحــر األحمــر وطــرق املالحــة‬ ‫فيهــا وذلــك لضيقهــا وكثــرة اجلــزر غيــر املأهولــة فيهــا واملتناثــرة‬ ‫ً‬ ‫وشــماًال والتــي يســهل جعلهــا نقــاط خنــق وحصــار والتحكــم‬ ‫جنو ً​ًبــا‬

‫االســتراتيجي يف أي وقــت وظــرف‪.‬‬ ‫راب�ع ـًا ‪-‬إّنّ هــذه املنطقــة ً‬ ‫أيًضا لهــا أهمية حضارية لتالقي احلضارتني‪:‬‬ ‫املســيحية واإلسالميــة فيهــا‪ ،‬لوقوعهــا يف املنطقــة الفاصلــة بني احلزام‬ ‫املســيحي واإلسالمــي الــذي ميتــد مــن شــرق إفريقيــا مــرو ً​ًرا مبنطقــة‬ ‫القــرن اإلفريقــي؛ وانتهــا ً​ًء بأواســط الســودان وتشــاد‪ ،‬األمــر الــذي جعلهــا‬ ‫يف تدافــع وحتــت مراقبــة مســتمرة مــن القــوى الدوليــة‪ ،‬حتــى ال يقــود‬ ‫هــذا احلــزام إلــى انتشــار اإلسالم يف معاقــل املســيحية علــى النحــو‬ ‫الــذي حــدث للممالــك املســيحية يف الســودان يف القــرنني اخلامــس‬ ‫عشــر والســادس عشــر املــيالديني‪ .‬مــن هــذا املنظــور فــإن أّيّ تغييــر‬ ‫يف هــذه املعادلــة غيــر مرحــب بــه مــن القــوى الدوليــة املهيمنــة اليــوم‬ ‫يف العالــم‪ ،‬حتــى ال تعرقــل اســتراتيجيتها املرســومة لهــذه املنطقــة‬ ‫واملناطــق اجملاورة لهــا هــذا مــن ناحيــة‪ ،‬ومــن ناحيــة أخــرى القــرب‬ ‫الشــديد لهــذه املنطقــة مــن قلــب العالــم اإلسالمــي ومقدســاته؛ مثــل‪:‬‬ ‫احلــرمني الشــريفني واملســجد األقصــى؛ وبحكــم أن هــذه املنطقــة متثل‬ ‫ظهي ـ ً​ًرا خلفًّيًيـًا لتلــك املقدســات‪ .‬أصبحــت تتأ ث�ـّر وتؤ ث�ـّر عبــر التاريــخ‬ ‫بالتطـّوّرات اجلاريــة يف قلــب العالــم اإلسالمــي‪ ،‬فعلــى ســبيل املثــال ال‬ ‫احلصــر احلــروب الصليبيــة يف مختلــف مراحلهــا والصــراع العربــي‬ ‫– اإلســرائيلي؛ والصــراع السني‪/‬الشــيعي يف الوقــت احلالــي؛ وغيرهــا‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪179‬‬

‫ملف العدد‬

‫القرن اإلفريقي والبحر األحمر ‪ ..‬التحديات األمنية وفرص الحلول‬

‫مشاكل القرن اإلفريقي تتطلب الحلول التشاركية‬ ‫للتنمية والتعامل مع التشابكات الدولية اإلقليمية‬ ‫يرصــد هــذا املقــال ويحلــل الطبيعــة اجلغرافيــة والدميغرافيــة ملنطقــة القــرن اإلفريقــي والبحــر األحمــر‪ ،‬مبّيّ�نـًا أهميــة املنطقــة‬ ‫للقــوى الدوليــة واإلقليميــة‪ ،‬طبيعــة التهديــدات األمنيــة الداخليــة واخلارجيــة‪ ،‬محدداتهــا وعناصرهــا املتفاعلــة‪ ،‬مواقــف واجتاهات‬ ‫القــوى املتصارعــة يف اإلقليــم‪ ،‬وأســباب عــدم متاســك القــوى احملليــة‪ ،‬كمــا يناقــش املقــال الفــرص واحللــول ملعاجلــة معضلــة‬ ‫األــمن يف املنطــقة‪ ،‬واــلدور املرجتـجى ــمن الفاــعلني الدوــليني واإلقليــميني واحملــليني‪.‬‬

‫د‪ .‬إدريس جميل‬

‫أهمية القرن اإلفريقي والبحر األحمر‬

‫يعــود اكتســاب املواقــع ألهميتهــا االســتراتيجية يف العالــم إلــى امليــزات‬ ‫اجلغرافيــة أو إلــى عوامــل القــوى األخــرى السياســية‪ ،‬واألمنيــة‪،‬‬ ‫والعســكرية‪ ،‬واالقتصاديــة‪ ،‬واحلضاريــة إلــخ ‪ ..‬ذات التأثيــر املباشــر‬ ‫أو غيــر املباشــر يف اجملتمــع الدولــي أو أجــزاء منــه‪ .‬منطقــة القــرن‬ ‫اإلفريقــي تقــع ضمــن املناطــق املوســومة باجليو‪-‬اســتراتيجية‪ ،‬األمــر‬ ‫الــذي جعلهــا منطقــة ذات أهميــة اســتراتيجية للقــوى الدوليــة‬ ‫واإلقليمــية عــبر العــصور‪.‬‬ ‫مــن الناحيــة اجلغرافيــة يطلــق القــرن اإلفريقــي علــى اجلــزء البــارز مــن‬ ‫اليابــس علــى شــكل قــرن الــذي يفصــل بني البحــر األحمــر واحمليــط‬ ‫الهنــدي‪ ،‬وسياس ـًّي�ًا يشــمل دول‪ :‬الصومــال‪ ،‬إثيوبيــا‪ ،‬جيبوتــي‪ ،‬إرتريــا‪.‬‬ ‫ويضيــف إليــه البعــض الســودان وكينيــا؛ كوحــدات سياســي ً​ًة قائم ـ ً​ًة يف‬ ‫رقعــة جغرافيــة متصلــة ‪ ..‬يبلــغ عــدد ســكانها مــا يقــارب مائتــي مليــون‬ ‫نســمة‪ ،‬يف مســاحة تقتــرب مــن خمســة ماليني كلــم‪ ،2‬واســتراتيجًّي�ًا‬ ‫إّنّ دائــرة التأثــر والتأثيــر ملنطقــة القــرن اإلفريقــي تتجــاوز التعريــفني‬ ‫الســابقني متتــد إلــى دول البحيــرات العظمــى وشــبه اجلزيــرة العربيــة‪،‬‬ ‫ومصــر‪ ،‬وليبيــا؛ وإن الدائــرة االســتراتيجية ال تتكامــل مالــم تأخــذ يف‬ ‫احلســبان تلــك املناطــق اســتقرا ً​ًرا واضطرا ً​ًبــا‪ ،‬وذلــك بحكــم التقــارب‬

‫اجلغــرايف والتداخــل الثقــايف والتواصــل الســكاني؛ واملصيــر املشــترك‪.‬‬ ‫وبعبــارة أخــرى بــأّنّ دالالت التأّثّــر والتأثيــر ملنطقــة القــرن اإلفريقــي‬ ‫والبحــر األحمــر‪ ،‬تتعــدى احلــدود اجلغرافيــة لألهميــة االســتراتيجية‬ ‫ً‬ ‫التــي حتتلهــا‪ ،‬والرتباطهــا بتلــك املناطــق‬ ‫ارتباًطــا اســتراتيج ً​ًيا‪ ،‬وبنــاّءّ‬ ‫عليــه جن ـ ُ​ُد أَّنَ أغلــبَ َالــدوِلِ الكبــرى تربــط منطقــة القــرن اإلفريقــي‬ ‫موَّحــدة‪.‬‬ ‫وتلــك املناطــق باســتراتيجية َ‬ ‫والعوامــل التــي جعلــت منطقــة القــرن اإلفريقــي والبحــر األحمــر‪،‬‬ ‫منطقــة ذات أهميــة اســتراتيجية قصــوى للقــوى الدوليــة واإلقليميــة‬ ‫عــبر التارــيخ ــهي عدــيدة وميــكن إجمالــها عــلى النــحو اآلــتي‬ ‫ً‬ ‫أّوًّال‪-‬املوقــع االســتراتيجي للقــرن اإلفريقــي يكمــن يف ســيطرته مــن‬

‫الشــرق علــى البحــر األحمــر؛ ومــن اجلنــوب الشــرقي علــى احمليــط‬ ‫الهنــدي‪ ،‬وإشــرافه علــى خليــج عــدن؛ وســيطرته علــى النيــل ومنابعــه؛‬ ‫وعلــى مضيــق بــاب املنــدب الــذي يربــط القــارات الــثالث بأقصــر طــرق‬ ‫املالحــة للتجــارة الدوليــة وخاصــة جتــارة النفــط‪ ،‬كمــا يعـُّدُ ً‬ ‫أيًضــا ممـ ً​ًرا‬ ‫مائًّيًيـًا ُ​ُمه ً​ًمــا للقــوى الدوليــة واإلقليميــة لتحركاتهــا العســكرية وقطعهــا‬ ‫البحريــة‪ ،‬مــن مراكزهــا األصليــة ومناطــق انتشــارها يف أجــزاء مختلفــة‬ ‫مــن العالــم‪ ،‬ولــذا تهتــم بهــا القــوى الدوليــة اهتما ً​ًمــا مســتم ً​ًرا دون‬ ‫اســتثناء‪.‬‬


‫‪178‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫قــد تســللوا إلــى الداخــل يف يوليــو ‪2022‬م‪ ،‬وســخرت احلركــة الصفقــة‬ ‫يف حشــد التاييــد لهــا والتجنيــد‪ .‬وقــد اعترضــت بعــض اجلهــات‬ ‫السياســية مــن داخــل أرض الصومــال علــى الصفقــة واســتقال وزيــر‬ ‫الدفــاع‪.‬‬ ‫والســتحالة اخليــار العســكري جلأت مقديشــو إلــى الدبلوماســية‬ ‫الثنائيــة واملتعــددة األطــراف اإلقليميــة واملنظمــات والقــوى الدوليــة‪.‬‬ ‫وعلــى الصعيــد الثنائــي خاطبــت مقديشــو حكومــة أرض الصومــال‬ ‫للتباحــث يف القضيــة وحلهــا‪ .‬وأعطــت وجههــا إلــى الــدول العربيــة‪.‬‬ ‫وكانــت مصــر هــي احملطــة األساســية‪ .‬ودعــا الرئيــس السيســي نظيــره‬ ‫الصومالــي لزيــارة القاهــرة للتباحــث يف األمــر‪ .‬وشــرع حســن الشــيخ‬ ‫محمــود بزيــارة إرتيريــا‪ ،‬التــي لهــا خالفــات وهواجــس مــن النيــات‬ ‫التوســعية اإلثيوبيــة‪ ،‬بيــد أن أســمرة ليســت علــى اســتعداد لتقــدمي‬ ‫مــساعدات ــسوى التعاــطف والــشجب‪.‬‬ ‫نزاًعــا علــى ســد النهضــة مــع إثيوبيــا‪ .‬وقــد أخفقــت جهودهــا‬ ‫إن ملصــر ً‬ ‫يف إيجــاد تســوية ترتضيهــا‪ .‬ومصــر وإثيوبيــا همــا القوتــان احملوريتــان‬ ‫يف إقليــم البحــر األحمــر والقــرن اإلفريقــي‪ .‬وحضــور عســكري إثيوبــي‬ ‫عنــد بوابــة البحــر األحمــر تهديــد وحتــدي لألمــن املصــري والعربــي‪.‬‬ ‫وإثيوبيــا ذات عالقــات تاريخيــة مــع إســرائيل‪ .‬وقــال السيســي» إننــا‬ ‫لــن نســمح ألي طــرف أن يهــدد الصومــال أو ينتهــك أراضيها‪...‬ويجــب‬ ‫أال يحلــو ألحــد تهديــد أخــوة مصــر‪ ،‬خاصــة إن إخوتنــا يطلبــون منــا‬ ‫الوقــوف معهــم»‪ .‬وأرســلت القاهــرة وزيــر اخلارجيــة إلــى مقديشــو‬ ‫للتباحــث يف مواجهــة الصفقــة‪ .‬وزار وفــد أمنــي مقديشــو للتشــاور يف‬ ‫خطــوات عمليــة وتعزيــز اجلهــود العســكري‪ ،‬ويف ذلــك إشــارة إلــى قــول‬ ‫السيســي مخاط ً​ًبــا إثيوبيــا « ال حتاولــوا اختبــار مصــر‪...‬أو محاولــة‬ ‫تهديــد إخوتهــا‪ ،‬وخاصــة عندمــا يطلبــون مــن مصــر التدخــل‪».‬‬ ‫وحتركــت الســعودية وهــي الثقــل االســتراتيجي واجليوبوليتيكــي العربــي‬ ‫يف البحــر األحمــر وشــجبت الصفقــة وعدتهــا انتهــا ً​ًكا لوحــدة أرض‬ ‫الصومــال واخترا ً​ًقــا ملبــادئ الوحــدة اإلفريقيــة وميثــاق األمم املتحــدة‬ ‫وأنهــا تتضامــن مــع الصومــال‪ ،‬وطرقــت مقديشــو بــاب جامعــة الــدول‬ ‫العربيــة ســع ً​ًيا وراء موقــف عربــي جماعــي لــردع إثيوبيــا‪ ،‬لكــن اجلامعــة‬ ‫ليــس يف حــال مــن القــوة لتضــع يف مواقفهــا صدقيــة رادعــة‪ .‬وناقــش‬ ‫لقــاء وزراء اخلارجيــة العــرب املوقــف ولــم يبحثــوا يف اخليــارات‬ ‫واإلــجراءات العملــية واكتــفوا بالتندــيد والــشجب‪.‬‬ ‫والذت الصومــال إلــى املنظمــات اإلفريقيــة‪ .‬وراهنــت علــى « الهيئــة‬ ‫احلكوميــة للتنميــة» (إغــاد) التــي تضــم الصومــال وإثيوبيــا وإريتريــا‬ ‫والســودان وجنــوب الســودان وأوغنــدا وكينيــا‪ .‬واكتفــت الهيئــة ببيــان‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مــن الســكرتير التنفيــذي يدعــو فيــه إلــى ضبــط النفــس واحلــل‬ ‫الســلمي واحلــرص علــى األمــن واالســتقرار اإلقليمــي‪ .‬ودعــت املنظمــة‬ ‫إلــى اجتمــاع طــارئ يف أوغنــدا‪ .‬ولــم يــأت البيــان علــى انتهــاك حرمــة‬ ‫الســيادة ووحــدة أرض الصومــال التــي هــي مــن صلــب املبــادئ للوحــدة‬ ‫اإلفريقيــة ومنظماتهــا الفرعيــة‪.‬‬ ‫وليــس بني يــدي (إيغــاد) مــن اخليــارات لــردع إثيوبيــا‪ .‬فــأرض الصومــال‬ ‫ليســت عضـ ً​ًوا‪ ،‬أكثــر ممــا تلــك التــي بني يــدي اجلامعــة العربيــة‪ ،‬إن لــم‬ ‫تكــن أقــل‪ ،‬للضغــط عليهــا وردعهــا‪ .‬وال يوجــد آليــات لتنفيــذ قــرارات‪.‬‬ ‫وال يقــع إجمــاع علــى عمليــات عســكرية‪ ،‬خاصــة إذا كانــت تــؤول إلــى‬ ‫املواجهــة مــع عضــو فيهــا‪ .‬وإن التدخــل بغطــاء إفريقــي يف الصومــال‬ ‫مــا يــزال عاجـًزًا عــن تســوية النــزاع‪.‬‬ ‫وكــذا األمــر مــع موقــف منظمــة الوحــدة اإلفريقيــة‪ .‬فقــد صــدر بيــان‬ ‫عــن رئيــس مفوضيــة االحتــاد اإلفريقــي موســى مكــي محمــد داع�يـًا‬ ‫فيــه إلــى الهــدوء واالحتــرام املتبــادل وخفــض التصعيــد وضبــط النفــس‬ ‫واالنخــراط يف مباحثــات‪ .‬وأعــاد إلــى األذهــان أهميــة التمســك مببــادئ‬ ‫املنظمــة يف تدبــر العالقــات بني دولهــا‪ .‬وأرســلت املنظمــة أوباســاجنو‪،‬‬ ‫رئيــس نيجيريــا الســابق‪ ،‬يف مســعى للبحــث عــن مخــرج لألزمــة‪.‬‬ ‫وجــاء علــى لســان املتحــدث باســم اخلارجيــة األمريكيــة إن الواليــات‬ ‫املتحــدة تعتــرف بوحــدة أراضــي وســيادة الصومــال وإن واشــنطن‬ ‫قلقــة مــن التوتــرات يف القــرن االفريقــي وإنهــا حتــظ الطــرفني علــى‬ ‫االنخــراط يف حــوار سياســي‪ .‬ومثــل هــذه اإلشــارات وردت يف بيــان‬ ‫لالحتــاد األوروبــي‪.‬‬ ‫وصفــوة القــول إن الصفقــة اضافــت أزمــة ذات ابعــاد ثنائيــة وإقليميــة‬ ‫إلــى ســجل األزمــات التــي تعصــف يف بيئــة األمــن واالســتقرار يف إقليــم‬ ‫البحــر األحمــر والقــرن اإلفريقــي‪ .‬وإن الصومــال يف موقــف العاجــز‪.‬‬ ‫وال حتســد عليــه‪ .‬واخليــارات قــد اتضحــت مــن البيانــات واالســتجابات‬ ‫إلــى احلــدث بأنهــا عقيمــة‪ .‬وســتترقب إثيوبيــا الفرصــة املالئمــة‬ ‫لتنفيــذ بنــود الصفقــة دون كلفــة سياســية واقتصاديــة وعســكرية ال‬ ‫قــدرة لهــا عليهــا‪.‬‬

‫*أستاذ العالقات الدولية والسياسة االسرتاتيجية الدولية والرشق أوسطية‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪177‬‬

‫ملف العدد‬

‫البيانــات والمواقــف مــن اتفاقيــة إثيوبيــا وأرض الصومــال عقيمــة‬ ‫وأديس تســعى لتنفيذ الصفقة دون كلفة سياســية واقتصادية وعســكرية‬ ‫مليــار دوالر وتدميــر البنيــة التحتيــة وانهيــار القطــاع الزراعــي واآلالف‬ ‫مــن القتلــى‪ .‬وتعــذر علــى أديــس أبابــا تســديد ديونهــا‪ .‬وأوقــف صنــدوق‬ ‫النقــد الدولــي ً‬ ‫قرًضــا بقيمــة ‪ 2.5‬مليــار دوالر‪ .‬واحتــج الــرأي العــام‬ ‫الدولــي علــى انتهــاك حقــوق اإلنســان‪ .‬وصــدرت قــرارات مــن مجلــس‬ ‫األمــن لألمم املتحــدة تشــجب العمليــات العســكرية حلكومــة آبــي‪.‬‬ ‫وفرضــت واشــنطن عقوبــات عليهــا وحظــر علــى التســلح‪ .‬لقــد ســعى‬ ‫آبــي لتعزيــز موقعــه السياســي‪ .‬فلقــد كســب الرهــان علــى بنــاء ســد‬ ‫النهضــة محلي ـًاً وإقليمي ـًاً ودولي ـًاً‪ ،‬لــذا يــروم الفعــل ذاتــه يف املطالبــة‬ ‫مبوقــع قــدم عنــد البحــر األحمــر‪.‬‬ ‫ويحــدو آبــي حلــم اســتعادة دور وهيبــة إثيوبيــا يف سياســة إقليــم البحــر‬ ‫اإلحمــر وإفريقيــا‪ .‬فإثيوبيــا هــي القــوة اإلقليميــة املنافســة ملصــر يف‬ ‫شــرق إفريقيــا والســاحل الغربــي للبحــر األحمــر‪ .‬وقــد عقــد صفقــة‬ ‫سالح مــع روســيا لتســليحه مبقــاتالت ســوخي ‪ .27‬واشــترى املســيرات‬ ‫مــن تركيــا‪ .‬وكان يترقــب موعــد االنخــراط يف بريكــس‪ .‬وإن إثيوبيــا هــي‬ ‫القــوة املركزيــة يف منظمــة ايغــاد‪.‬‬ ‫وانتهــز آبــي واقــع اإلقليــم‪ .‬فالــدول العربيــة منصرفــة إلــى احلــرب‬ ‫اإلســرائيلية يف غــزة‪ .‬والضفــة الشــرقية للبحــر األحمــر تشــغلها‬ ‫عمليــات احلوثــيني‪ .‬ومصــر لــم تفلــح يف إدارة أزمــة ســد النهضــة‪.‬‬ ‫والســعودية عازفــة عــن التــورط يف أزمــات جانبيــة فأجندتهــا مزدحمــة‬ ‫باألولويــات‪ .‬والقــوى اخلارجيــة تركــز علــى حــرب أوكرانيــا وحــرب غــزة‪.‬‬ ‫وال متثــل الصفقــة تهديــًدًا مباشــرًاً ألي طــرف ثالــث ســوى دولــة‬ ‫الصومــال‪ .‬والصومــال ال حيلــة لهــا يف ردع إثيوبيــا أو حتــى ردع وإرغــام‬ ‫أرض الصوــمال لثنيــها ــعن مذــكرة التفاــهم‪.‬‬ ‫وكان ُيُعتقــد أن اريتريــا هــي اجلهــة التــي يطمــح آبــي يف احلصــول‬ ‫علــى موقــع فيهــا عنــد ميــاء عصــب‪ .‬فقــد تخلــت عنــه بعــد اســتقالل‬ ‫إريتريــا يف ‪1991‬م‪ ،‬وتركــت خلفهــا أســطولها البحــري‪ .‬وانقطعــت عنهــا‬ ‫الســبل إلــى البحــر األحمــر‪ .‬وارتضــت باتفاقيــة تعــاون مــع جيبوتــي يف‬ ‫‪2018‬م‪ ،‬لتدبــر أكثــر مــن ‪ %90‬مــن جتارتهــا عبرهــا وربــط خــط ســكك‬ ‫حديــدي كهربائــي وقنــاة صناعيــة لتزويــد جيبوتــي بامليــاه‪ ،‬ولكــن لتمنــح‬ ‫االتفاقيــة امتيــاز حضــور عســكري إثيوبــي‪ .‬أجــرى الطرفــان مباحثــات‬

‫بشــأن التعــاون العســكري واألمنــي بعــد أيــام مــن الصفقــة اإلثيوبيــة‪-‬‬ ‫أرض الصوــمال‪.‬‬ ‫إن إريتريــا لــن تتنــازل إلثيوبيــا بحــق يف مينــاء عصــب‪ .‬وال توجــد‬ ‫دوافــع اقتصاديــة وسياســية حتضهــا علــى التعــاون مــع إثيوبيــا يف‬ ‫اجملال العســكري واألمنــي مبســتوى الســماح حلضــور عســكري‪ .‬وقــد‬ ‫تذبذبــت العالقــات بني البلديــن تاريخ�يـًا وســادت التوتــرات بعدمــا عقــد‬ ‫آبــي صفقــة مــع اجلبهــة الشــعبية لتحريــر تغــراي‪.‬‬ ‫إن مينــاء بربــرة يف أرض الصومــال البديــل عــن إريتريــا‪ .‬ومنفــذ‬ ‫اقتصــادي وجتــاري باإلضافــة إلــى جيبوتــي مــع حضــور عســكري‬ ‫يف القــرن اإلفريقــي يطــل علــى خليــج عــدن ومضيــق بــاب املنــدب‪.‬‬ ‫وقــد حصلــت إثيوبيــا علــى ‪ %19‬يف املينــاء الــذي تســتثمر فيــه وتديــره‬ ‫شــركة ‪ WP World‬لإلمــارات العربيــة املتحــدة بحصــة ‪ %51‬و‪%30‬‬ ‫ألرض الصومــال‪ .‬وبربــرة ركــن اســتراتيجي يف سياســة اإلمــارات لبســط‬ ‫النفــوذ يف املراكــز البحريــة التجاريــة يف إقليــم البحــر األحمــر والوفــاق‬ ‫إن لــم يكــن التحالــف ســيد املوقــف‪.‬‬

‫المواقف من الصفقة‬

‫لقــد اســتنكرت ورفضــت احلكومــة الفيدراليــة الصوماليــة الوثيقــة‬ ‫وعدتهــا علــى لســان الرئيــس ورئيــس احلكومــة والبــرملان باطلــة‬ ‫وغيــر شــرعية‪ .‬وإنهــا انتهــاك لســيادة ووحــدة أراضــي دولــة الصومــال‪.‬‬ ‫وخــرق ملبــادئ االحتــاد اإلفريقــي يف حرمــة وحــدة احلــدود بني الــدول‬ ‫اإلفريقيــة‪ .‬ومنافيــة لالعــراف والقانــون الدولــي وميثــاق األمم املتحــدة‪.‬‬ ‫ولــم تتــردد مقديشــو يف التحذيــر مــن الذهــاب إلــى احلــرب مــع إثيوبيــا‪.‬‬ ‫وخاطــب حمــزة عبــدي بــري‪ ،‬رئيــس الــوزراء‪ ،‬الصوماليــون لتوحيــد‬ ‫الصفــوف متحديــن للدفــاع عــن الصومــال‪.‬‬ ‫ورفضــت حركــة الشــباب الصفقــة واعتبرتهــا حملــة صليبيــة مســيحية‬ ‫علــى حســاب إسالم الصومــال وتوســع اســتعماري‪ .‬وهــددت باللجــوء‬ ‫إلــى الهجمــات علــى القــوات اإلثيوبيــة املنخرطــة مــع قــوات مهــام‬ ‫حفــظ الــسالم اإلفريقيــة يف الصومــال وكذلــك يف داخــل إثيوبيــا‪ .‬وكانــوا‬

‫تده ــور األوض ــاع يف اليم ــن يجع ــل الحوثيي ــن بحاج ــة لوح ــدة الص ــف‬ ‫وكســـب التأييـــد لنظامهـــم وهـــو مـــا ينشـــدوه مـــن وراء عملياتهـــم‬


‫‪176‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫آبـــي أحمـــد كســـب رهـــان بنـــاء ســـد النهضـــة محل�يـــا وإقليم�يـــا‬ ‫ودول�ي ـًا ويرغ ــب يف تك ــرار الفع ــل ذات ــه بموق ــع ق ــدم عىل البح ــر األحم ــر‬ ‫يفضــي إلــى تــورط إيــران‪ .‬وتصعيــد أمريــكا ينطــوي علــى رســائل‬ ‫تدركهــا وتعيهــا قيــادة احلوثــيني‪ .‬ومطلــب احلوثــيني ميكــن إشــباعه‬ ‫جزئي ـًاً بتغييــر وتيــرة احلــرب يف غــزة وتقــدمي املســاعدات‪ .‬وتوظيــف‬ ‫الضغــط الدولــي علــى إيــران للســيطرة علــى ســلوك احلوثــيني‪ .‬إن‬ ‫الــصني وروســيا ومجموعــة بريكــس وخيمــة منظمــة شــنغهاي للتعــاون‬ ‫رواــفع للتأثــير عــلى إــيران‪.‬‬

‫هــذا البعــد يف الوثيقــة مباشــرة‪ ،‬بيــد أن مالحظــات وزارة اخلارجيــة‬ ‫ال تعــطي تفــسيرات تناــقض ــما يذــهب إليــها موــسى بيــهي عــبدي‪.‬‬ ‫ومــن جهتهــا تعــد إثيوبيــا االعتــراف باســتقالل أرض الصومــال يف حني‬ ‫لــم يحــدد كيــف ومتــى‪ ،‬وإمنــا تــرك للظــروف املوائمــة‪ .‬وان تكــون إثيوبيا‬ ‫أول دول يف العالــم وإفريقيــة تعتــرف بــأرض الصومــال‪ .‬ومتنحهــا حصة‬ ‫يف الشــركة الوطنيــة اإلثيوبيــة للطيران‪.‬‬

‫ويــدرك احلوثيــون أن ليــس ثمــة بديــل آخــر للــرد علــى عملياتهــم ســوى‬ ‫اخليــار العســكري‪ .‬ولــن تعــدل عنــه الواليــات املتحــدة‪ ،‬وإن خذلهــا‬ ‫حلفاؤهــا‪ .‬وليــس يف وســعهم مجــاراة عتبــات ســلم التصعيــد مــن‬ ‫حيــث الغــرض السياســي‪ ،‬والهــدف امليدانــي‪ ،‬ووســيلة اســتهدافه‪ .‬وإن‬ ‫إيــران لــن تشــفع لهــم‪ .‬وقــد يتركــون ملصيرهــم‪ ،‬ولهــم يف درس مكافحــة‬ ‫القرصنــة يف ‪2008‬م‪ ،‬عبــرة‪.‬‬

‫وجــاء إعالن البيــان بعــد أيــام مــن لقــاء حــوار ومصاحلــة إلنهــاء‬ ‫اخلالفــات كان قــد عقــد يف جيبوتــي بني الرئيــس الصومالــي حســن‬ ‫شــيخ محمــود ورئيــس أرض الصومــال موســى بيهــي عبــدي‪ ،‬برعايــة‬ ‫ووســاطة إســماعيل عمــر جيلــة‪ ،‬رئيــس جيبوتــي‪ .‬وصــدر بيــان مشــترك‬ ‫يؤكــد فيــه الطرفــان التزامهمــا يف إدامــة احلــوار بغيــة التوصــل إلــى‬ ‫تــسوية‪.‬‬

‫إثيوبيا تفجر أزمة‪ :‬البحر األحمر والقرن اإلفريقي‬

‫دوافع الخطوة اإلثيوبية‬

‫يف مســتهل العــام اجلديــد ‪2004‬م‪ ،‬تفجــرت يف الضفــة الغربيــة مــن‬ ‫البحــر األحمــر أزمــة إقليميــة يف الوقــت الــذي تتصاعــد فيــه أزمــة‬ ‫الضفــة الشــرقية ويتعــذر حلهــا‪ .‬فقــد أعلــن يف ‪ 1‬كانــون الثاني‪-‬ينايــر‬ ‫عــن “وثيقــة تفاهــم “ بني إثيوبيــا وأرض الصومــال‪ ،‬التــي انشــقت منــذ‬ ‫‪1991‬م‪ ،‬عــن احلكومــة الفيدراليــة لدولــة الصومــال وأعلنــت اســتقاللها‬ ‫مــن طــرف واحــد‪ ،‬ولكنهــا لــم حتــظ باالعتــراف الدولــي مــن أيــة دولــة‪.‬‬ ‫وثمــة قــراءات وتفســيرات مختلفــة ملكنونهــا‪ .‬فلــكل مــن الطــرفني‬ ‫تفســيره‪ .‬فمنهــم مــن يعدهــا محــض مذكــرة تفاهــم‪ .‬ويكتســيها‬ ‫الغمــوض‪ .‬وعصــي العثــور فيهــا علــى أهــداف بينــة‪ .‬وإنهــا تنطــق‬ ‫عــن نيــات‪ .‬وتخلــو مــن االلتزامــات‪ .‬ومــا هــي بتحالــف‪ .‬وال تعطــي‬ ‫فيهــا إثيوبيــا تعهــدات‪ .‬وإنهــا مدخــل ملســتقبل عالقــات‪ .‬وليــس فيهــا‬ ‫إجــراءات تنفيــذ‪.‬‬ ‫ومــن جهــة أخــرى‪ ،‬إنهــا نصــر للدبلوماســية اإلثيوبيــة‪ .‬وإنهــا متهــد‬ ‫لعالقــات حتالــف‪ .‬وتضــع التزامــات علــى الطــرفني‪ ،‬رغــم عــدم التعهــد‬ ‫بالتنفيــذ‪ .‬فقــد وافقــت أرض الصومــال علــى منــح إثيوبيــا موق�ع ـًا علــى‬ ‫خليــج عــدن مــن جبهــة القــرن اإلفريقــي مســاحته ‪20‬كــم لبنــاء مينــاء‬ ‫وقاعــدة عســكرية وملــدة ‪ 50‬ــسنة‪.‬‬ ‫وصــرح موســى بيهــي عبــدي‪ ،‬رئيــس الصومــال‪ ،‬أنهــا وثيقــة تتعهــد‬ ‫فيهــا إثيوبيــا باالعتــراف بــأرض الصومــال‪ .‬ومــن جهتهــا فــإن أديــس‬ ‫أببــا ال تفشــي مثــل هــذا املنطــق‪ ،‬بــل هــي متلكئــة وال تأتــي علــى‬

‫مــا كان االشــهار عــن الوثيقــة مفاجــأة‪ .‬فقــد كانــت هنــاك جــوالت‬ ‫مباحثــات قــد ســبقته‪ .‬فلــكل مــن الطــرفني دوافعــه لإلقــدام علــى هــذه‬ ‫اخلطــوة‪ .‬وكان آبــي أحمــد‪ ،‬رئيــس وزراء إثيوبيــا‪ ،‬قــد تطــرق إلــى األمــر‬ ‫يف مناســبات مختلفــة وبتلميحــات وتســويغات متنوعــة‪ .‬وقــد قــال إن‬ ‫إثيوبيــا كانــت قــد آثــرت الصمــت عــن فحــوى االتفــاق ومــا كان لهــا أن‬ ‫تفعــل ذلــك‪ .‬إن مســألة أن يكــون إلثيوبيــا حضــور عنــد البحــر األحمــر‬ ‫حــق‪ .‬وإن املطلــب تاريخــي‪ .‬ومصلحــة حيويــة‪.‬‬ ‫إن البحــر األحمــر كمــا هــو النيــل فيــه ســر بقــاء إثيوبيــا‪ .‬واملســتقبل‬ ‫مرهــون بــه‪ .‬فال تنميــة اقتصاديــة وال ازدهــار دون موقــع عليــه‪ .‬ويف‬ ‫حني يشــاركون إثيوبيــا آخــرون يف نيلهــا‪ ،‬واملــراد ســد النهضــة والنــزاع‬ ‫حولــه بني إثيوبيــا ومصــر والســودان‪ ،‬فال يرضــون ويجيــزون إلثيوبيــا‬ ‫أن يكــون لهــا حصــة يف البحــر األحمــر‪ .‬وقــال إن نامــوس الطبيعــة ال‬ ‫يســتقيم وإثيوبيــا ال موقــع لهــا عنــد البحــر األحمــر‪ .‬وأشــار إلــى تاريــخ‬ ‫إثيوبيــا وامبراطوريتهــا وســكان يفــوق ‪ 100‬مليــون نســمة وهــم يف «‬ ‫ــسجن جــغرايف»‪.‬‬ ‫وينشــد آبــي شــحذ املشــاعر القوميــة يف مثــل هــذا املطلــب واخلطــاب‬ ‫السياســي‪ .‬وحشــد التأييــد لسياســته‪ .‬وجــاءت دعوتــه يف أوضاع داخلية‬ ‫سياســية واقتصاديــة متدهــورة وال يعــرف لهــا قــرار‪ .‬ومعــدل الفقر ‪.%24‬‬ ‫وأصــاب شــرق الــبالد اجلفــاف‪ .‬وخاضــت حكومــة آبــي حر�بـًا أهليــة يف‬ ‫إقليــم تغــراي ضــد توجهــات انفصــال جهويــة‪ .‬وكانــت قــد كلفتهــا ‪22‬‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫تســتخدمان القــوات البحريــة واجلويــة يف شــن هجمــات علــى مواقــع‬ ‫للحوثــيني يف اليمــن‪ .‬وقــد أفضــى ذلــك إلــى أن تصبــح األهــداف‬ ‫البحريــة للقــوتني منكشــفة للهجمــات احلوثيــة‪.‬‬ ‫إن املبــادرة ال حتظــى بالشــرعية الدوليــة وليــس هنــاك التــزام مــن‬ ‫أطرافهــا بالقواعــد الدوليــة‪ .‬لقــد صــدر عــن مجلــس األمــن لألمم‬ ‫املتحــدة بيــان يشــجب العمليــات ضــد املالحــة الدوليــة والدعــوة إلــى‬ ‫احلفــاظ علــى األمــن واالســتقرار يف املنطقــة‪ .‬وامتنعــت روســيا والــصني‬ ‫واجلزائــر وموزمبيــق عــن التصويــت‪ .‬ويــدل ذلــك علــى اخلشــية مــن أن‬ ‫توظــف أمريــكا القــرارات الدوليــة لصاحلهــا يف بســط الهيمنــة‪ .‬وإن‬ ‫روســيا والــصني ال تتعــرض أهدافهمــا البحريــة إلــى الهجمــات‪ ،‬فليــس‬ ‫لروســيا مــن املصالــح التجاريــة الكثيــرة فهــي حتــت وطــأة احلصــار‪،‬‬ ‫لكــن الــصني لهــا حصــة ولكنهــاال تســتتهدف مــن قبــل احلوثــيني‪.‬‬ ‫وهنــاك مدرســتان يف أهميــة وفــرص املبــادرة يف النجــاح‪ .‬تــرى املدرســة‬ ‫األولــى أن عمليــات املبــادرة لــن تــردع احلوثــيني‪ .‬فقــد أكــدت اليابــان أن‬ ‫املبــادرة” دفاعيــة” و” ردعيــة”‪ ،‬وأن واشــنطن ال ترمــي إلــى التصعيــد‪ ،‬بل‬ ‫الغايــة مــن املبــادرة منــع التصعيــد‪ ،‬ولكنهــا يف الوقــت نفســه لهــا قــدرة‬ ‫معاقبــة احلوثــيني‪ .‬ويراهــن احلوثيــون علــى قدرتهــم يف « التصعيــد‬ ‫الردعــي»‪ .‬وان ســقف التصعيــد النفســي والعملياتــي ليــس واطئــا‪ .‬يف‬ ‫حني ثمــة قيــو ُ​ُد ردع ذاتيــة علــى التصعيــد األمريكــي‪ .‬إن أمريــكا علــى‬ ‫أبــواب انتخابــات‪ .‬واحلــرب يف اكرانيــا ال تســير كمــا تريــد واشــنطن‪،‬‬ ‫واحلــرب يف غــزة ال ميكــن ضمــان عــدم التصعيــد فيهــا بفتــح جبهــات‬ ‫أخــرى‪ ،‬والــرأي العــام الدولــي يســتنكر فظائــع اجلرائــم اإلســرائيلية يف‬ ‫عــزة ويطالــب بوقــف احلــرب‪ ،‬واحملكمــة الدوليــة تنظــر يف احلــرب‪.‬‬ ‫إن الهجمــات ضــد مصــادر العمليــات احلوثيــة مثــل منصــات إطالق‬ ‫الصواريــخ واملســيرات ومســتودعات الذخيــرة واملطــارات ال يكتــب لهــا‬ ‫أن تفلــح يف تدميرهــا كليـًاً‪ ،‬ويف النهايــة إرغــام احلوثــيني علــى اإلذعــان‪.‬‬ ‫ولــردع احلوثــيني ينبغــي علــى الواليــات املتحــدة وبريطانيــا مواجهــة‬ ‫حتديــات التصعيــد‪ .‬إن التصعيــد قــد ال يحظــى باملوافقــة اجلماعيــة‬ ‫ً‬ ‫مقبــوًال‬ ‫مــن املتحالــفني‪ .‬وإن فــرض حصــار علــى اليمــن لــن يكــون‬ ‫دولي ـًاً إذ يترتــب عليــه كــوارث إنســانية تعمــق جــراح الشــعب اليمنــي‪.‬‬ ‫وقــد ُأُنتقــدت واشــنطن بأنهــا تنتهــك القانــون الدولــي يف هجماتهــا‬ ‫علــى اليمــن‪.‬‬ ‫إن احلوثــيني يســيطرون علــى مواقــع اســتراتيجية متتــد مــن خليــج‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪175‬‬

‫ملف العدد‬

‫عــدن إلــى مضيــق بــاب املنــدب إلــى اجلــزء اجلنوبــي مــن البحــر‬ ‫األحمــر لتهديــد األهــداف البحريــة‪ .‬إن عمليــة مرافقــة الســفن‬ ‫لتــامني سالمــة إبحارهــا ليــس بالــعالج الناجــع لــردع احلوثــيني الذيــن‬ ‫يدركــون أن أمريــكا ليــس لهــا حلفــاء كثيــرون‪ ،‬بــل إن بعــض املشــاركني‬ ‫قــد ينســحبون‪ .‬والضربــات األمريكيــة ‪ /‬البريطانيــة ضــد احلوثــيني‬ ‫حتثهــم علــى إدامــة الهجمــات علــى املصالــح للدولــتني مــن ســفن‬ ‫جتاريــة وحربيــة‪ .‬وإن حلفــاء أمريــكا ليــس لهــم وحــدة األهــداف يف‬ ‫حتطيــم القــدرات العســكرية للحوثــيني‪ .‬فلــكل منهمــا خطوطــه احلمــر‬ ‫يف اخلســائر البشــرية‪ ،‬فحتــى الواليــات املتحــدة مردوعــة يف هــذه‬ ‫املســألة بعــد جتربتهــا املريــرة واملذلــة يف أفغانســتان‪ .‬ويــدرك احلوثيــون‬ ‫أن لديهــم مــن الدوافــع والقــدرات والبيئــة اللوجيتســة ملقاومــة الواليــات‬ ‫املتحــدة‪.‬‬ ‫إن احلوثــيني قــد ُيُردعــون يف حالــة تهديدهــم بتنفيــذ حملــة بريــة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫فــأوًال‪ ،‬لــن يأتــي معهــا أحــد‬ ‫وهــذا خيــار ال يرجــح عنــد واشــنطن‪.‬‬ ‫ً‬ ‫مــن احللفــاء‪ ،‬ولرمبــا بريطانيــا تفعــل ذلــك‪ .‬ثانيـًا‪ ،‬تقــع أمريــكا يف فــخ‬ ‫التصعيــد‪ .‬ثالث ـًاً‪ ،‬تفتــح عليهــا جبهــات العــراق وســوريا‪ .‬رابع ـًاً‪ ،‬ال مفــر‬ ‫مــن انخــراط الســعودية إلجنــاح التدخــل‪ .‬والريــاض لــن تتــورط قــط‪.‬‬ ‫خامس ـًاً‪ ،‬ســوف تكــون اخلســائر األمريكيــة البشــرية عاليــة‪ ،‬واخلــط‬ ‫األحــمر األمريــكي واــطيء باملقارــنة ــمع احلوــثيني الذــين خــبروا احلرب‬ ‫إن الهجمــات األمريكيــة ال تعطــل اإلمــدادات مــن إيــران وتزويدهــم‬ ‫باملعلومــات االســتخبارية عــن حركــة املالحــة التجاريــة واحلربيــة‪.‬‬ ‫وطهــران لهــا أجندتهــا يف هــذه الزاويــة‪ .‬واملواجهــة مــع إيــران ليــس مــن‬ ‫أهــداف» حــارس االزدهــار»‪ ،‬أو أمريــكا‪ .‬وإن فعلــت فســوف تكــون قــد‬ ‫وجلــت بــاب التصعيــد غيــر املقيــد‪.‬‬ ‫ال يوجــد خيــار عســكري يفضــي إلــى ردع احلوثــيني‪ .‬وقــد اعتــرف‬ ‫بايــدن بذلــك‪ .‬وإنــك « عندمــا تســأل هــل الهجمــات تعمــل عملهــا يف‬ ‫منــع احلوثــيني؟» يســأل بايــدن يف رده علــى صحفــي‪ .‬فيجيــب بايــدن‬ ‫نفســه عــن الســؤال بوضــوح مــبني « كال»‪ .‬وُيُعقــب بايــدن علــى ســؤاله‬ ‫وجوابــه بســؤال « هــل إنهــم ســوف يســتمرون؟» ويجيــب بايــدن مــرة‬ ‫أخــرى « نعــم»‪.‬‬ ‫إن اخليــار الناجــع‪ ،‬يف مثــل هــذه احلالــة‪ ،‬هــو اتبــاع مقاربــة الضغــط‬ ‫الدبلوماســي مــع قــوة الــردع وليــس اإلرغــام‪ .‬لقــد قــاد التصعيــد إلــى‬ ‫طاولــة املفاوضــات يف حــرب اليمــن‪ .‬والتصعيــد ضــد احلوثــيني ال‬

‫وراء عمليـــات الحوثييـــن دوافـــع ذات صلـــة باألوضـــاع المحليـــة‬ ‫واإلقليميـــة والدوليـــة غيـــر التـــي يســـوقونها يف الخطـــاب السياســـي‬


‫‪174‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫الصي ــن وروس ــيا وبريك ــس ومنظم ــة ش ــنغهاي رواف ــع للتأثي ــر عىل‬ ‫إيـــران وتوظيـــف الضغـــط الـــدويل للســـيطرة عىل ســـلوك الحوثييـــن‬ ‫إن مطلــب احلوثــيني أن ينالــوا مكاســب يف ظــل رغبــة الريــاض لوضــع‬ ‫نهايــة للحــرب‪ ،‬وإخــراج اليمــن مــن جــدول أولوياتهــا‪ .‬فقــد مت ترتيــب‬ ‫وفــاق بني الســعودية وإيــران‪ .‬وليــس مــن مصلحــة الوفــاق أن ُيُفســده‬ ‫احلوثيــون‪ ،‬واالســتراتيجية الســعودية منصرفــة إلــى دور عبــر إقليمــي‬ ‫بعدمــا انضمــت إلــى بركــس وتنتظــر االنضمــام إلــى منظمــة شــنغهاي‬ ‫للتعــاون‪ .‬وال تريــد الريــاض أن تعطــل أزمــة اليمــن إجنــاز مشــروعها‬ ‫االســتراتيجي الطمــوح وهــو رؤيــة ‪2030‬م‪ .‬ويــدرك احلوثيــون أن‬ ‫الــسعودية ــلن تنــخرط عملــيًاً يف املــبادرة األمريكــية « ــحارس االزدــهار»‪.‬‬ ‫انعكاسات العمليات احلوثية‬ ‫لقــد أعــادت عمليــات احلوثــيني إلــى الواجهــة السياســية واالقتصاديــة‬ ‫مــا كان قــد جــرى يف خليــج عــدن يف ‪2012-2008‬م‪ ،‬مــن عمليــات قرصنة‬ ‫نفذتهــا مجاميــع متفرقــة مــن الســواحل الصوماليــة‪ .‬وقــد أربكــت‬ ‫التجــارة العامليــة واســتدعى األمــر قــرارت مــن مجلــس األمــن لألمم‬ ‫املتحــدة يضفــي الشــرعية علــى عمليــات ائــتالف متعــدد األطــراف‬ ‫والناتــو قادتهــا الواليــات املتحــدة ودول أخــرى خــارج القيــادة األمريكيــة‬ ‫كاــلصني وروــسيا‪.‬‬ ‫إن البحــر األحمــر مــن بني أهــم املمــرات الدوليــة يف التجــارة العامليــة‬ ‫والنفــط ومنتجاتــه والغــاز الطبيعــي الســائل‪ .‬إنــه األقصــر مســافة بني‬ ‫آســيا وأوروبــا‪ .‬إن اإلبحــار مــن اخلليــج العربــي إلــى لنــدن يتطلــب ‪14‬‬ ‫يو ً​ًمــا لقطــع ‪ 14000‬كــم‪ ،‬و‪ 24‬يو ً​ًمــا عبــر رأس الرجــاء الصالــح ليقطــع‬ ‫‪ 20900‬كــم‪ .‬ويعبــر قنــاة الســويس ‪ 1‬مليــون برميــل مــن النفــط يومي ـً​ًا‬ ‫و‪ 33000‬ســفينة شــحن ســنويا و‪ %30‬مــن احلاويــات و‪ %12-%10‬مــن‬ ‫التــجارة العاملــية‪.‬‬ ‫وقــد تضاربــت التقديــرات يف تقييــم العواقــب التجاريــة واالقتصاديــة‬ ‫لهجمــات احلوثــيني‪ .‬وكانــت يف بدايــة األزمــة أكثــر تشــاؤمًاً خشــية‬ ‫مــن ارتفــاع أســعار النفــط والســلع االســتهالكية وتصاعــد معــدالت‬ ‫التضخــم‪ ،‬بيــد أن الصــورة الشــاملة ال توحــي بأزمــة كتلــك التــي‬ ‫تزامنــت مــع احلــرب يف أكرانيــا‪ ،‬إذ بلــغ ســعر البرميــل ‪ 140‬دوال ً​ًرا‪،‬‬ ‫فليــس هنــاك ارتفــاع كبيــر يف ســعر النفــط اخلام وأســعار الســلع‪ .‬ويف‬ ‫بدايــة األزمــة آثــرت شــركات النقــل البحــري الكبــرى التوجــه إلــى رأس‬ ‫الرجــاء الصالــح حتاشـ ً​ًيا للمخاطــر يف البحــر األحمــر‪ .‬ولــم ينجــم عــن‬ ‫العمليــات صدمــة يف ســوق الطاقــة وسلســلة التوريــد العامليــة‪ ،‬إال يف‬ ‫بعــض الصناعــات اإلليكترونيــة احملــدودة‪.‬‬

‫وكانــت إدارة بايــدن قــد حــذرت احلوثــيني مــن عواقــب وخيمــة إن لــم‬ ‫يوقفــوا الهجمــات علــى األهــداف البحريــة التجاريــة‪ .‬وتصــدت البــوارج‬ ‫األمريكيــة يف املنطقــة لهجمــات احلوثــيني بالصواريــخ والــدرون وحالــت‬ ‫دون إصابــة أهدافهــا‪ .‬ولتعزيــز العمليــات ضــد احلوثــيني ســارعت‬ ‫واــشنطن إــلى حــشد ــشراكة دولــية حتـحت قيادتــها‪.‬‬ ‫ويف ‪ 18‬ديســمبر ‪2023‬م‪ ،‬أعلــن لويــد أوسنت‪ ،‬وزيــر الدفــاع األمريكــي‪،‬‬ ‫بعــد لقــاء افتراضــي للتشــاور مــع مســؤولي الدفــاع واألمــن مــن ‪ 20‬دولــة‬ ‫والناتــو واالحتــاد األوروبــي‪ ،‬عــن تشــكيل ائــتالف “حــارس االزدهــار»‬ ‫متعــدد األطــراف للــدول الراغبــة يف االنخــراط يف عمليــات لــردع‬ ‫احلوثــيني‪ .‬وانضمــت ‪ 20‬دولــة إلــى التكتــل اجلديــد حتــت مظلــة «‬ ‫قــوات البحريــة املشــتركة وقيــادة املهــام ‪ »153‬حتــت قيــادة الواليــات‬ ‫املتحــدة‪ ،‬وكان قــد أســس الهيــكل ملواجهــة القرصنــة يف خليــج عــدن‬ ‫يف ‪2008‬م‪.‬‬ ‫وتهــدف املبــادرة إلــى حمايــة الســفن التجاريــة التــي ُتُبحــر يف خليــج‬ ‫عــدن والبحــر األحمــر مــن الهجمــات التــي يشــنها احلوثيــون مــن اليمــن‬ ‫وحمايــة حريــة املالحــة الدوليــة يف البحــار التــي يتكفلهــا القانــون‬ ‫الدولــي وقانــون البحــار‪ ،‬وكذلــك‪ ،‬لطمأنــة شــركات الشــحن العامليــة‬ ‫بــأن التجــارة العامليــة مصلحــة اجملتمــع الدولــي وتقــع عليــه مســؤولية‬ ‫حمايتــها‪.‬‬ ‫وأكــد البيــان املشــترك أن دور القــوات الدوليــة املشــتركة دور دفاعــي‬ ‫ليــس إال‪ ،‬والغــرض التصــدي إلــى الهجمــات الصاروخيــة واملســيرات‬ ‫احلوثيــة‪ ،‬وإن القــوات املشــتركة لــن تشــن هجو ً​ًمــا ســوى يف الدفــاع‬ ‫عــن النفــس‪ .‬وحــددت مجــاالت نشــاطات قــوات “حــارس االزدهــار”‬ ‫يف مضيــق بــاب املنــدب وخليــج عــدن واجلــزء اجلنوبــي مــن البحــر‬ ‫األحمــر‪.‬‬ ‫وانضمــت دول مثــل بريطانيــا وفرنســا وإيطاليــا وكنــدا وأســتراليا‪ .‬ولــم‬ ‫يلتــزم جميــع األطــراف يف املشــاركة الفعليــة يف العمليــات‪ .‬فقــد تلــكأت‬ ‫اســتراليا بذريعــة أن األولويــات لديهــا هــو فضــاء احمليــط الهــادي‬ ‫والتحــدي الصينــي يف بحــر جنــوب الــصني‪ .‬وأرســلت كنــدا نف ـرًاً مــن‬ ‫املراقــبني العســكريني‪ .‬وامتنعــت إســبانيا‪ ،‬لكــن اليونــان تشــارك يف‬ ‫العمليــات‪ .‬واختــارت فرنســا والهنــد املشــاركة خــارج القيــادة األمريكيــة‪.‬‬ ‫وبــات التعــاون الوثيــق يقتصرعلــى الواليــات املتحــدة وبريطانيــا اللــتني‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪173‬‬

‫ملف العدد‬

‫مبــادرة ائــتالف حــارس االزدهــار ال تحظــى بالشــرعية الدوليــة وخشــية‬ ‫م ــن توظي ــف أمري ــكا الق ــرارات الدولي ــة لصالحه ــا يف بس ــط الهيمن ــة‬ ‫وكمــا يبــدو مــن طبيعــة العمليــات فــإن احلوثــيني واثقــون مــن أنهــم‬ ‫قــادرون علــى الــرد علــى العمليــات التــي تنفذهــا الواليــات املتحــدة‬ ‫وشــركاؤها‪ .‬ويراهنــون علــى مــا لديهــم للصمــود‪ .‬وال تثنيهــم الهجمــات‬ ‫األمريكيــة البريطانيــة‪ .‬ويظنــون أن الوقــت لصاحلهــم‪ .‬وإنهــم كانــوا‬ ‫ينفــذون هجمــات بالصواريــخ الباليســتية والــدرون علــى أهــداف حيويــة‬ ‫يف دول اجلــوار وهــم يف حالــة الضعــف‪ .‬إن وهــن احلوثــيني ال يعنــي‬ ‫فقدانهــم قــدرة املقاومــة كلي ـًاً‪.‬‬

‫ومــن الدوافــع وراء العمليــات يف البحــر األحمــر أن احلوثــيني يرمــون‬ ‫إلــى تأكيــد حقيقــة ميدانيــة بأنهــم طــرف فاعــل يف أمــن اإلقليــم وال‬ ‫مفــر مــن أن يكــون لهــم دور فيــه واملتمثــل يف عمليــة الــسالم إلنهــاء‬ ‫احلــرب يف اليمــن‪ .‬إن هجمــات احلوثــيني ُتُعــد روافــع يف التأثيــر علــى‬ ‫املواقــف األمريكيــة والغربيــة مــن عمليــة الــسالم التــي انطلقــت يف‬ ‫أبريــل ‪2022‬م‪ ،‬ومــا تــزال بطيئــة ومتعثــرة‪ .‬فهــذه األطــراف تســعى خللــق‬ ‫بيــئة سالم وأــمن واــستقرار إقليــمي‪.‬‬


‫‪172‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫أمن واستقرار البحر األحمر والقرن اإلفريقي في عواصف األزمات‬

‫الخيار العسكري لن يردع الحوثيين وإثيوبيا تنتظر‬ ‫لتنفيذ الصفقة مع أرض الصومال دون تكلفة‬ ‫يف ‪ 19‬أكتوبر‪-‬تشــرين األول ‪2023‬م‪ ،‬شــن احلوثيــون هجمــات بالصواريــخ واملســيرات علــى مينــاء إيالت اإلســرائيلي علــى خليــج‬ ‫العقبــة وضــد ســفينة جتاريــة عائــدة ملكيتهــا إلســرائيل‪ .‬احتجــزوا ســفينة وقادوهــا إلــى الســاحل اليمنــي‪ .‬وأعلــن الناطــق‬ ‫العســكري يحيــى ســريع أن العمليــات جــاءت ر ً​ًدا علــى العــدوان الغاشــم والقتــل والتدميــر لقطــاع غــزة‪ ،‬وأن العمليــات ســوف لــن‬ ‫تتوقــف حتــى يتوقــف هــذا العــدوان‪ .‬وتوســعت دائــرة األهــداف ضــد ســفن جتاريــة وحربيــة‪.‬‬

‫أ‪ .‬د‪ .‬كاظم هاشم نعمة‬

‫دوافع العمليات الحوثية‬

‫إن وراء عمليــات احلوثــيني دوافــع أخــرى ذات صلــة باألوضــاع احملليــة‬ ‫واإلقليميــة والدوليــة غيــر التــي يســوقونها يف اخلطــاب السياســي‬ ‫واإليديولوجــي‪ .‬فبعــد ســطيرتهم علــى صنعــاء لــم يســتتب األمــر لهــم‬ ‫سياس ـ ً​ًيا فثمــة جهــات ال تتوافــق مــع توجهاتهــم وخياراتهــم وتدبرهــم‬ ‫لالزمــة اليمنيــة‪ .‬ويكبــح احلوثيــون األصــوات املعأرضــة حلكمهــم‪.‬‬ ‫وقــد تدهــورت األوضــاع االقتصاديــة علــى الرغــم مــن عقــد الهدنــة‬ ‫مــع الســعودية‪ .‬فبــات بهــم حاجــة إلــى وحــدة الصــف وكســب التأييــد‬ ‫لنظامهــم‪ .‬وينشــد احلوثيــون مــن وراء عملياتهــم ترســيخ إدراك‬ ‫موقفهــم مــن القضيــة الفلســطينية وتثبيــت صدقيــة التزامهــم بثوابتهــم‬ ‫األيديولوجيــة يف املقاومــة ضــد إســرائيل والواليــات املتحــدة‪.‬‬ ‫ويرمــون إلــى تنزيــه ســلوكهم الــذي كان قــد مســخه اإلعالم اخلارجــي‬ ‫بأنهــم وكالء إيــران‪ .‬فبعملياتهــم يظهــرون أنهــم ســباقون إلــى االســتجابة‬ ‫إلســتغاثة غــزة‪ ،‬يف حني شــعوب العالــم العربــي واإلسالمــي قــد آثــرت‬ ‫الصمــت‪ ،‬وخذلــت فلســطني‪ ،‬ويرســل احلوثيــون مــن خالل عملياتهــم‬ ‫إشــارات إلــى العــاملني العربــي واإلسالمــي بأنهــم يضحــون ليــس‬ ‫إلغــراض مصالــح ضيقــة‪ ،‬أومــن بــاب حمــاس عاطفــي‪ ،‬وإمنــا هــم‬

‫يقفــون مــع فلســطني يف التصــدي للعــدوان‪ ،‬وأن قــرار احلوثــيني ناجــم‬ ‫ــعن التضاــمن ــمع جبــهة املقاوــمة‪.‬‬ ‫ويعتقــد احلوثيــون أن لديهــم اإلرادة والقــدرة للتأثيــر علــى حــرب‬ ‫إســرائيل يف غــزة‪ ،‬وذلــك بــاحلاق الضــرر يف إســرائيل والواليــات‬ ‫املتحــدة وشــركائها‪ .‬فقــد تعــززت قدراتهــم العســكرية مــن صواريــخ‬ ‫ملدايــات ‪ 200-800‬كــم مختلفــة ومنهــا ذو قــدرة تطــال إســرائيل‪ ،‬ولديهــم‬ ‫مــسيرات وزوارق بحرــية حربــية‪.‬‬ ‫ويتصــور احلوثيــون أن عملياتهــم يف البحــر األحمــر إشــارة إلــى‬ ‫احتمــال توســع احلــرب يف غــزة‪ .‬وقــد أكــدت الواليــات املتحــدة علــى‬ ‫لســان مســؤوليها بأنهــا تســعى ملنــع حــدوث ذلــك‪ ،‬وهــي تضغــط علــى‬ ‫األطــراف العربيــة باحلــذر مــن التــورط يف احلــرب‪ .‬وقــد قــام بلنــكني‪،‬‬ ‫وزيــر اخلارجيــة‪ ،‬بزيــارات متكــررة لبعــض العواصــم العربيــة وأنقــرة‬ ‫لنقــل موقــف الواليــات املتحــدة مــن فتــح جبهــات أخــرى دع ً​ًمــا حلمــاس‪،‬‬ ‫ومــحذ ً​ًرا ــمن عواــقب ذــلك عــلى العالــقات ــمع واــشنطن‪.‬‬ ‫ويعتقــد احلوثيــون أن عملياتهــم تشــجع بقيــة أطــراف املقاومــة يف لبنان‬ ‫والعــراق وســوريا علــى التحــرك وضــرب أهــداف إســرائيلية وأمريكيــة‪،‬‬ ‫وتبرهــن أن احلوثــيني يقفــون مــع أطــراف املقاومــة يف جبهــة واحــدة‪.‬‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪171‬‬

‫ملف العدد‬

‫التطـــورات يف مضيـــق بـــاب المنـــدب أتاحـــت لواشـــنطن فرصـــة‬ ‫توس ــيع نط ــاق حضوره ــا العس ــكري بتكوي ــن تحال ــف "ح ــارس االزده ــار"‬ ‫ثالثهــا‪ ،‬مراقبــة تداعيــات التصعيــد يف بــاب املنــدب علــى أســعار‬ ‫النفــط لضبــط األســعار وتعظيــم املكاســب‪ .‬فقــد أدى االضطــراب يف‬ ‫حركــة الشــحن وسالل التوريــد الناجمــة عــن األزمــة يف بــاب املنــدب‬ ‫إلــى ارتفــاع أســعار النفــط‪ ،‬وإن كان مبســتوى أقــل مــن املتوقــع نتيجــة‬ ‫تداخــل عوامــل أخــرى مؤثــرة‪ .‬ويأتــي رصــد وحتليــل مــا يجري يف أســواق‬ ‫النفــط علــى قمــة األولويــات الروســية‪ ،‬ففــي األول مــن فبرايــر أشــار‬ ‫نائــب رئيــس الــوزراء الروســي لشــؤون الطاقــة‪ ،‬ألكســندر نوفــاك‪ ،‬إن‬ ‫روســيا «تراقــب باســتمرار» تداعيــات هجمــات احلوثــيني علــى الســفن‬ ‫التجاريــة قبالــة ســواحل اليمــن علــى أســواق الطاقــة العامليــة لتكييــف‬ ‫إجراءاتــنا املــشتركة الرامــية إــلى ضــبط الــسوق وإــعادة الــتوازن إليــها‪.‬‬ ‫ومــن املعــروف أن روســيا لــم تتضــرر بشــكل مباشــر مــن هــذه الهجمات‪،‬‬ ‫وواصلت النــاقالت التــي حتمــل النفــط الروســي اإلبحار عبــر البحــر‬ ‫األحمــر مــن دون انقطــاع إلــى حــد كبيــر رغــم هجمــات احلوثــيني علــى‬ ‫الســفن الغربيــة‪ ،‬وتواجــه مخاطــر أقــل مــن املنافــسني‪ ،‬وف ً​ًقــا ملســؤولني‬ ‫تنفيــذيني يف قطــاع الشــحن وبيانــات الــرحالت‪ .‬وقــد أصبحــت روســيا‬ ‫أكثــر اعتمــا ً​ًدا علــى التجــارة عبــر قنــاة الســويس والبحــر األحمــر منــذ‬ ‫األزمــة األوكرانيــة‪ ،‬وفــرض أوروبــا عقوبــات علــى الــواردات الروســية‬ ‫وإجبــار موســكو علــى تصديــر معظــم نفطهــا اخلام إلــى الــصني‬ ‫والهنــد‪ .‬كمــا ســاهمت العقوبــات التــي فرضتهــا مجموعــة الســبع‬ ‫علــى جتــارة النفــط الروســية وشــركات الشــحن والتــأمني املتعاونــة مــع‬ ‫موســكو إلــى النمــو الســريع ألســطول الظــل مــن الســفن التــي تنقــل‬ ‫النفــط اخلام والوقــود اخلاضــع للعقوبــات‪ ،‬ويتــم اســتئجار هــذه الســفن‬ ‫مــن قبــل شــركات مســجلة عــادة خــارج الــدول التــي فرضــت عقوبــات‬ ‫علــى روســيا‪ ،‬كمــا أنهــا تســتعني باخلدمــات البحريــة وعقــود التــأمني‬ ‫مــن الــدول التــي ال تفــرض عقوبــات‪ ،‬ويف غيــاب الروابــط الواضحــة مــع‬ ‫الشــركات الغربيــة‪ ،‬لــم تكــن تلــك الســفن هد ً​ًفــا للحوثــيني واســتطاعت‬ ‫مواصــلة عملــها‪.‬‬ ‫رابعهــا‪ ،‬تفعيــل الطريــق البحــري الشــمالي الروســي الــذي يربــط بني‬ ‫احمليــطني األطلســي والهــادئ‪ ،‬ويبلــغ طولــه أكثــر مــن ثالثــة آالف ميــل‬ ‫بحــري (‪ 5556‬كيلومتــرا)‪ ،‬مــن بحــر بارنتــس إلــى مضيــق بيرينــج‪ ،‬ويعــد‬ ‫أقصــر طريــق بني أوروبــا وآســيا‪ ،‬وأقصــر طريــق بحــري بني الشــرق‬ ‫األقصــى واجلــزء األوروبــي مــن روســيا‪ .‬ويــزداد االهتمــام يف آســيا‬ ‫بالطريــق البحــري الشــمالي يف ظــل الصــراع الدائــر يف منطقــة الشــرق‬ ‫األوســط‪ ،‬نظ ـرًاً لكونــه يضمــن املالحــة اآلمنــة للســفن التجاريــة التــي‬ ‫تخشــى عبــور البحــر األحمــر‪ ،‬ويقلــل التكلفــة يف ذات الوقــت حيــث‬ ‫ينخفــض زمن الرحلــة مــن آســيا إلــى أوروبــا مبقــدار النصــف عبــر‬

‫املــمر الــشمالي‪.‬‬ ‫ومــن املتوقــع أن يصبــح املمــر البحــري الشــمالي طري ً​ًقــا جتار�يـًا رئيسـ ً​ًيا‬ ‫بني أوروبــا وآســيا حيــث تعمل روســيا بخطى حثيثــة علــى تطويــره‪،‬‬ ‫وتواصــل تصنيــع عــدد إضــايف مــن كاســحات اجلليــد ملرافقــة الســفن‬ ‫التجاريــة‪ ،‬وإحلاقهــا بأســطولها األكبــر عامل ً​ًيــا مــن الكاســحات‪ .‬ويف‬ ‫شــهر نوفمبــر ‪2023‬م‪ ،‬صرح نائــب رئيــس الــوزراء الروســي‪ ،‬ألكســندر‬ ‫نوفــاك‪ ،‬بأنــه ســيكون باإلمكان إبحــار الســفن علــى مــدار العــام علــى‬ ‫طــول ممــر املالحــة الشــمالي اعتبــا ً​ًرا مــن عــام ‪2024‬م‪ ،‬وكان املمر يواجه‬ ‫صعوبــات يف اســتدامة املالحــة التــي كانــت تتوقــف تقريب ـًاً شــهرين أو‬ ‫ثالثــة نتيجــة كثافــة الثلــوج‪ .‬يفســر هــذا إقبــال العديــد مــن الــدول‬ ‫علــى املشــاركة باســتثمارات يف تنميــة املمــر الشــمالي‪ .‬ففــي ‪ 20‬أكتوبــر‬ ‫‪2023‬م‪ ،‬أسســت روســيا شــركة ‪International Container‬‬ ‫‪ Logistics‬بالتعــاون مــع «دي بــي ورلــد (‪ )DP World‬اإلماراتيــة‬ ‫بــرأس مــال يبلــغ ‪ 960‬مليــون روبــل (نحــو ‪ 10.33‬مليــون دوالر)‪ ،‬لتطويــر‬ ‫ممــر املالحــة الشــمالي‪ .‬ومتتلــك «روســاتوم كارجو»‪ ،‬التابعة لـ»روســاتوم»‬ ‫‪ %51‬مــن أســهم الشــركة‪ ،‬أمــا ‪ %49‬الباقيــة فهــي مملوكــة لشــركة «دي‬ ‫بــي ورلــد» (موانــئ دبــي العامليــة)‪ .‬كمــا أعلــن وزيــر املوانــئ والشــحن‬ ‫واملمــرات املائيــة الهنــدي‪ ،‬ســارباناندا ســونوال‪ ،‬يف ‪ 13‬ســبتمبر ‪،2023‬‬ ‫إن بالده تســعى إلــى الشــراكة مــع روســيا يف تطويــر طريــق بحــر‬ ‫الشــمال عقــب اجتمــاع جمعــه يف مدينــة فالديفوســتوك الروســية مــع‬ ‫وزيــر تنمية الشــرق األقصى والقطــب الشــمالي الروســي‪ ،‬أليكســي‬ ‫تشــيكونكوف‪.‬‬ ‫مــن رحــم األزمــات تخــرج اإلجنــازات‪ ،‬هكــذا السياســة الروســية عامــة‬ ‫وفــى القــرن اإلفريقــي خاصــة‪ ،‬لقــد اســتطاعت روســيا أن تتلمــس‬ ‫مكاســب عــدة اســتراتيجية واقتصاديــة ممــا متــوج بــه املنطقــة مــن‬ ‫تهديــدات أمنيــة وأزمــات‪ ،‬وتفتــح مســار بديــل باجتــاه االســتقرار‬ ‫والتنميــة‪.‬‬

‫*أستاذة العالقات الدولية بكلية االقتصاد والعلوم السياسية ـ جامعة القاهرة‬


‫‪170‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫القــرار األممــي الــذى يديــن العمليــة العســكرية الروســية يف أوكرانيــا‬ ‫عــام ‪2022‬م‪ ،‬ويف ‪ 10‬ينايــر ‪2023‬م‪ ،‬وقعــت إريتريــا مذكــرة تفاهــم مــع‬ ‫روســيا تنــص علــى ربــط مدينــة مصــوع اإلريتريــة الســاحلية مــع مدينــة‬ ‫سيفاســتوبول حيــث قاعــدة البحــر األســود البحريــة الروســية‪ ،‬ويتيــح‬ ‫هــذا االتفــاق ملوســكو اســتغالل مينــاء مصــوع اإلريتــري متهيـًدًا إلقامــة‬ ‫قاعــدة عســكرية روســية جديــدة يف البحــر األحمــر بالقــرب مــن مضيــق‬ ‫بــاب املنــدب‪.‬‬ ‫كذلــك تــزداد العالقــات الروســية الصوماليــة دفئـًاً منــذ اســتئنافها عــام‬ ‫‪2016‬م‪ ،‬بعــد قطيعــة دامــت حوالــي أربعــة عقــود‪ ،‬ويتطــور التعــاون بني‬ ‫البلديــن علــى نحــو ملحــوظ‪ .‬وفــى هــذا اإلطــار‪ ،‬مت تعــيني ميخائيــل‬ ‫جولوفانــوف ســفيرًاً مفوضــًاً وفــوق العــادة لروســيا لــدى كل مــن‬ ‫الصومــال وجيبوتــي يف أبريــل ‪2019‬م‪ .‬وزار الرئيــس الصومالــي محمــد‬ ‫عبــد اهلل (فرماجــو) موســكو للمشــاركة يف قمــة روســيا–إفريقيا التــي‬ ‫اســتضافتها مدينــة سوتشــي الروســية يف أكتوبــر ‪2019‬م‪ ،‬والتقــى‬ ‫الرئيــس بــوتني علــى هامــش أعمــال القمــة‪ .‬كمــا التقــى وزيــر الدفــاع‬ ‫الصومالــي الســابق حســن علــي محمــد‪ ،‬ونائــب وزيــر الدفــاع الروســي‬ ‫ألكســندر فــومني‪ ،‬الــذي أكــد اســتعداد موســكو الســتئناف التعــاون‬ ‫العســكري مــع الصومــال‪ .‬وكان وزيــر اخلارجيــة الروســي‪ ،‬ســيرجى‬ ‫الفــروف‪ ،‬قــد دعــا اجملتمــع الدولــي يف عــام ‪2018‬م‪ ،‬إلــى تعزيــز القــوات‬ ‫الصوماليــة ودعــم قدراتهــا لتمكينهــا مــن القضــاء علــى حركــة الشــباب‬ ‫اجملاهديــن‪ ،‬وشــدد علــى ضــرورة بنــاء القــوات املســلحة الصوماليــة‬ ‫كمتطلــب ضــروري لذلــك‪ .‬وســبق وأن طلــب الصومــال مــن موســكو‬ ‫املشــاركة يف إعــادة بنــاء القــوات املســلحة الصوماليــة‪ .‬ومــن جانبهــا‬ ‫أكــدت موســكو دعمهــا للقيــادة الصوماليــة يف بنــاء الدولــة وتعزيــز‬ ‫وحدتهــا واســتقرار الوضــع الداخلــي ومكافحــة اإلرهــاب‪ ،‬وامتنعــت يف‬ ‫نوفمبــر ‪2022‬م‪ ،‬عــن التصويــت يف مجلــس األمــن الدولــي لإلبقــاء علــى‬ ‫قــرار حظــر األســلحة علــى الصومــال دعمـًاً للحكومــة الصوماليــة‪ ،‬يف‬ ‫الوقــت الــذي أيــدت فيــه كل مــن الواليــات املتحــدة وبريطانيــا اإلبقــاء‬ ‫علــى احلظــر‪.‬‬ ‫كمــا رحبــت احلكومــة الروســية بعــودة كال مــن احلكومــة الفيدراليــة‬ ‫الصوماليــة وإدارة إقليــم أرض الصومــال إلــى املفاوضــات عــام ‪2020‬م‪،‬‬ ‫متهيـدًاً حلــل اخلالفــات القائمــة بني اجلانــبني والتوصــل إلــى تســوية‬ ‫شــاملة ونهائيــة‪ .‬وكانــت هــذه املــرة هــي األولــى التــي تنخــرط فيهــا‬ ‫روســيا يف احملادثــات بني مقديشــو وهرجيســا‪ ،‬وإن كانــت لــم تــؤت‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫ثمارهــا كغيرهــا مــن الوســاطات يف هــذا التوقيــت‪ .‬كمــا دعمــت روســيا‬ ‫اللقــاء التشــاوري الــذي ُ​ُعقــد بني اجلانــبني بالعاصمــة اجليبوتيــة يف‬ ‫ديســمبر ‪2023‬م‪ ،‬حتــت رعايــة رئيــس جمهوريــة جيبوتــي إســماعيل‬ ‫عمــر غيلــي‪ ،‬بهدف إجــراء مزيــد مــن املناقشــات وتعزيــز التعــاون‬ ‫الثنائــي بني الطــرفني‪ .‬وعلــى صعيــد التعــاون االقتصــادي‪ ،‬تعتبــر‬ ‫روســيا ثانــي أكبــر الدائــنني للصومــال‪ ،‬وقامــت بإعفــاء الصومــال‬ ‫ممــا يزيــد عــن ‪ 684‬مليــون دوالر يف اتفــاق جــرى التوصــل إليــه علــى‬ ‫هامــش القمــة الروســية ‪ /‬اإلفريقيــة يف ســانت بطرســبرج ‪2023‬م‪،‬‬ ‫ومت بحــث إمكانيــة إنشــاء منصــات جتاريــة بني الصومــال وروســيا‪،‬‬ ‫تســمح بتفاعــل الشــركات التجاريــة مــن البلديــن‪ ،‬وتعزيــز فــرص التعاون‬ ‫التجــاري بينهمــا؛ وذلــك يف الوقــت الــذي أعربــت فيــه موســكو عــن‬ ‫تطلــع املســتثمرين الــروس إلــى االســتثمار يف الصومــال‪ ،‬وبخاصــة يف‬ ‫مجــال الطاقــة والتعديــن وغيرهــا مــن اجملاالت‪.‬‬ ‫ثانيهــا‪ ،‬موقــف روســي معــارض للتمــدد العســكري األمريكــي والغربــي يف‬ ‫املنطقــة وتكثيــف وجــوده وتوســيع نطــاق عملياتــه‪ ،‬انطالق ـًاً مــن كونــه‬ ‫يزاحــم احلضــور الروســي وســيكون حتم ـًاً علــى حســابه ومعرقــل ألي‬ ‫فــرص لتطويــر التعــاون بني روســيا ودول املنطقــة‪ .‬يف هــذا الســياق‪،‬‬ ‫انتقــدت روســيا تشــكيل واشــنطن لتحالــف «حــارس االزدهــار»‪ ،‬وأدانــت‬ ‫الضربــات العســكرية التــي شــنتها الواليــات املتحــدة وبريطانيــا يف‬ ‫البحــر األحمــر ضــد احلوثــيني‪ ،‬وحــذرت مــن تداعياتهــا ومــا ميكــن‬ ‫أن تــؤدى إليــه مــن توســيع نطــاق احلــرب‪ .‬وأكــد الســفير الروســي‬ ‫لــدى األمم املتحــدة‪ ،‬فاســيلي نيبينزيــا‪ ،‬خالل اجتمــاع جمللــس‬ ‫األمــن حــول املوضــوع‪ ،‬يف ‪ 13‬ينايــر‪ ،‬إن املهاجــمني يســهمون «بشــكل‬ ‫شــخصي» يف امتــداد حــرب غــزة بني إســرائيل وحركــة حمــاس إلــى‬ ‫املنطقــة بأكملهــا‪ ،‬وإن تصرفــات الغــرب عــدوان مســلح مباشــر وانتهــاك‬ ‫صــارخ مليثــاق األمم املتحــدة‪ .‬كمــا ســبق وأن عارضــت روســيا تكويــن‬ ‫البحريــة األمريكيــة حتالــف دائــم يضــم قــوات متعــددة اجلنســيات مــن‬ ‫‪ 34‬دولــة مــن حلفائهــا حتــت اســم قــوة املهــام املشــتركة (‪)153-CTF‬‬ ‫التابعــة للقــوات البحريــة املشــترك (‪ ،CMF‬يف أبريــل ‪2022‬م‪ ،‬ملكافحــة‬ ‫األنشــطة غيــر املشــروعة وأعمــال القرصنــة املهــددة للمالحــة الدوليــة‬ ‫يف البحــر األحمــر ومحاولــة تثبيــت اســتقرار املالحــة وتــأمني خــط‬ ‫التجــارة الدولــي عبــر مضيــق بــاب املنــدب والبحــر األحمــر وخليــج‬ ‫عــدن‪ .‬وقــد شــككت روســيا يف هــذه األهــداف املعلنــة مــن جانــب‬ ‫واشــنطن ورأت إن الهــدف احلقيقــي هــو الهيمنــة وإحــكام نفوذهــا‬ ‫علــى املنطقــة وعرقلــة أي آفــاق للتعــاون مــع قــوى دوليــة أخــرى‪.‬‬

‫يضـــم المجـــال البحـــري للقـــرن اإلفريقـــي ‪ 110‬مليـــارات برميـــل‬ ‫احتياطي ــات نفطي ــة و‪ 440‬تريلي ــون ق ــدم غ ــاز بح ــري للصوم ــال وح ــده‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪169‬‬

‫ملف العدد‬

‫روســـيا لـــم تتضـــرر مـــن هجمـــات الحوثـــي وواصلـــت نـــاقالت‬ ‫النفـــط الروســـي اإلبحـــار عبـــر البحـــر األحمـــر مـــن دون انقطـــاع‬ ‫متعــددة اجلنســيات لتــأمني املالحــة بالبحــر األحمــر‪ ،‬وتوجيــه ضربــات‬ ‫إلــى جماعــة أنصــار اهلل إلضعافهــم وتقويــض قدراتهــم‪ .‬يف املقابــل‬ ‫أعلنــت إيــران عــن «قــوة باســيج بحريــة» قوامهــا ‪ 55‬ألــف عنصــر و‪33‬‬ ‫ألــف قطعــة بحريــة تتواجــد يف ميــاه اخلليــج خالل املرحلــة األولــى مــن‬ ‫نشــاطها‪ ،‬يف تصعيــد واضــح يرفــع درجــة التوتــر باملنطقــة ككل ويجعــل‬ ‫الصــدام واالنــزالق إلــى مواجهــة عســكرية أمــر محتمــل‪.‬‬ ‫يف ذات الســياق‪ ،‬قامــت إثيوبيــا بتوقيــع مذكــرة تفاهــم مــع أرض‬ ‫الصومــال‪ ،‬مطلــع ينايــر‪ ،‬لتأجيــر قطعــة أرض بطــول ‪ 20‬كيلومتــ ً​ًرا‬ ‫علــى طــول ســاحلها ملــدة ‪ 50‬عامــًاً مــن أجــل إقامــة قاعــدة بحريــة‬ ‫ومينــاء جتــارى‪ ،‬مقابــل اعتــراف إثيوبيــا بإقليــم أرض الصومــال كدولــة‬ ‫مســتقلة وحصولهــا علــى أســهم يف اخلطــوط اجلويــة اإلثيوبيــة‪.‬‬ ‫وكانت إثيوبيا قــد حتولــت إلــى دولــة حبيســة بعيــدة عــن امليــاه‬ ‫املفتوحــة بعــد اســتقالل إريتريا عام ‪1993‬م‪ ،‬إذ فقــدت منفــ ً​ًذا بحر ً​ًيــا‬ ‫مســتدا ً​ًما وســياد ً​ًيا علــى البحــر األحمــر عبــر مينــاءي عصــب ومصــوع‬ ‫واعتمــدت منــذ ذلــك احلني يف جتارتهــا الدوليــة علــى جيبوتــي‪ ،‬حيــث‬ ‫ميــر أكثــر مــن ‪ %95‬مــن وارداتهــا وصادراتهــا عبــر ممــر «أديــس أبابــا –‬ ‫جيبوتــي»‪ ،‬مقابــل ‪ 1.5‬مليــار دوالر ســنويًاً‪ .‬وســتؤدي اخلطــوة اإلثيوبيــة‬ ‫إلــى زيــادة نفــوذ إثيوبيــا ودعــم قدراتهــا االقتصاديــة والعســكرية‪ ،‬علــى‬ ‫النحــو الــذي ُيُحــدث تغيــرات هامــة يف موازيــن القــوى ليــس فقــط يف‬ ‫القــرن اإلفريقــي ولكــن يف منطقــة البحــر األحمــر‪ .‬كمــا إنــه يفتــح جبهــة‬ ‫أخــرى للصــراع يف املنطقــة ويضيــف بعــدًاً جديــدًاً مــن أبعــاد التوتــر‬ ‫والتصعيــد بهــا نتيجــة موقــف الصومــال الرافــض لالتفــاق ودعوتهــا‬ ‫مصــر ملســاندتها يف مواجهــة أديــس أبابــا‪ ،‬يف وقــت تــزداد العالقــات‬ ‫بني األخيــرة والقاهــرة توت ـرًاً عقــب فشــل املفاوضــات بينهمــا واجتــاه‬ ‫إثيوبيــا نحــو املــلء اخلامــس لســد النهضــة دون التنســيق املســبق مــع‬ ‫مصــر والســودان‪.‬‬ ‫يفاقــم مــن تداعيــات التهديــدات األمنيــة الســابقة كونهــا تأتى يف ســياق‬ ‫دولــي شــديد التوتــر واالســتقطاب علــى خلفيــة األزمــة األوكرانيــة‪،‬‬ ‫والتمــدد الواضــح لنفــوذ الــصني وروســيا يف القــارة اإلفريقيــة بصفــة‬ ‫عامــة والقــرن اإلفريقــي خاصــة علــى حســاب انكمــاش النفــوذ الغربــي‪.‬‬ ‫األمــر الــذي يطــرح التســاؤل حــول دور روســيا يف دعــم دول القــرن‬ ‫اإلفريقــي يف مواجهــة التهديــدات األمنيــة والتحديــات االقتصاديــة التــي‬ ‫تواجههــا‪ ،‬واملــدى الــذي ميكــن أن يصــل إليــه هــذا الدعــم وحــدوده‪،‬‬ ‫وتأثــير ذــلك عــلى أــمن واــستقرار املنطــقة‪.‬‬

‫ميكــن بلــورة التحــرك الروســي ومحدداتــه باملنطقــة يف أربعــة محــاور‬ ‫أساســية‪ ،‬أولهــا‪ ،‬بنــاء الشــراكات االســتراتيجية والتنمويــة مــع دول‬ ‫القــرن اإلفريقــي الســيما إريتريــا وإثيوبيــا والصومــال فيمــا بــات ُيُعــرف‬ ‫بـــالهالل الروســي يف القــرن اإلفريقــي‪ ،‬نظــرًاً للتعــاون املتنامــي يف‬ ‫مختلــف اجملاالت بني موســكو والــدول الــثالث‪ .‬فقــد دعمــت موســكو‬ ‫إثيوبيــا خالل عمليتهــا يف والية تيجــراي‪ ،‬وفــى يوليــو ‪2021‬م‪ ،‬وقعــت‬ ‫إثيوبيــا وروســيا اتفاقيــة للتعــاون العســكري تهــدف إلــى حتديــث قــدرة‬ ‫اجليــش اإلثيوبــي يف املعــدات واملهــارات والتكنولوجيــا‪ ،‬حصلــت أديــس‬ ‫أبابــا مبقتضاهــا علــى ‪ 6‬طائــرات مــن مقــاتالت اجليــل اخلامــس‬ ‫روســية الصنــع مــن طــراز “ســو‪ ،″30-‬بهــدف تعزيــز قدراتهــا يف القتــال‬ ‫اجلــوي والهجــوم األرضــي‪ ،‬وتــأمني اجملال اجلــوي وردع أي اعتــداءات‬ ‫محتملــة‪ .‬ودخلــت هــذه الطائــرات اخلدمــة خالل حفــل أقيــم يف ينايــر‬ ‫املاضــي‪ .‬ويذكــر أن اجليــش اإلثيوبــي يحتــل رقــم ‪ 15‬يف ترتيــب الــدول‬ ‫التــي حتصــل علــى املقــاتالت الروســية‪ ،‬وتعتبــر أديــس أبابــا الدولــة‬ ‫اإلفريقيــة الرابعــة التــي حتصــل علــى هــذه املقــاتالت الروســية بعــد‬ ‫اجلزائــر وأجنــوال وأوغنــدا‪ .‬وفــى أكتوبــر ‪2023‬م‪ ،‬عرضــت إثيوبيــا‬ ‫أســلحتها وأنظمتهــا الدفاعيــة احلديثــة خالل عــرض عســكري لقــوات‬ ‫الدفــاع الوطنــي اإلثيوبيــة‪ ،‬وكشــفت عــن إضافــة جديــدة إلــى ترســانتها‬ ‫وهــو نظــام احلــرب اإللكترونيــة ‪ )EW( 4-Krasukha‬مــن أصــل‬ ‫روســي‪ ،‬ويعــد هــذا النظــام مــن قــدرات احلــرب اإللكترونيــة املتقدمــة‬ ‫ويتمتــع بالقــدرة علــى تعطيــل إلكترونيــات العــدو وأنظمــة الــرادار‪.‬‬ ‫كمــا تتطــور العالقــات الروســية اإلريتريــة بشــكل ملحــوظ‪ .‬وفــى‬ ‫الوقــت الــذي تشــهد العالقــات اإلريترية‪-‬األمريكيــة توت ـ ً​ًرا متصاع ـًدًا‬ ‫خالل الســنوات األخيــرة‪ ،‬خاصــة بعدمــا فرضــت واشــنطن عــدد مــن‬ ‫العقوبــات علــى أربعــة كيانــات حكوميــة إريتريــة يف نوفمبــر ‪2021‬م‪،‬‬ ‫علــى خلفيــة مشــاركة القــوات اإلريتريــة يف حــرب تيجــراي شــمالي‬ ‫إثيوبيــا‪ ،‬وعــدم دعــوة اإلدارة األمريكيــة للحكومــة اإلريتريــة للمشــاركة‬ ‫يف أعمــال قمــة واشــنطن‪-‬إفريقيا التــي انعقــدت يف منتصــف ديســمبر‬ ‫‪2022‬م‪ ،‬ينمــو التعــاون الروســي ‪ /‬اإلريتــري ويــزداد قــوة ومتانــة‪ .‬فقــد‬ ‫قــام الرئيــس اإلريتــري أسياســي أفورقــي بزيــارة موســكو مــرتني يف‬ ‫عــام ‪2023‬م‪ ،‬بحــث خاللهــا التعــاون األمنــي والعســكري واالســتعانة‬ ‫باخلبــرات الروســية يف إعــادة تأهيــل وحتديــث املؤسســة العســكرية‬ ‫اإلريتريــة‪ .‬وخالل اجتماعــه مــع الرئيــس الروســي فالدمييــر بــوتني‪،‬‬ ‫حــث روســيا علــى «قيــادة املســيرة» لوضــع مــا أســماه ”النظــام العالـمي‬ ‫اجلديــد‪ “.‬وكانــت إريتريــا الدولــة اإلفريقيــة الوحيــدة التــي صوتــت ضــد‬


‫‪168‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫تـــؤدى الخطـــوة اإلثيوبيـــة نحـــو بربـــرة لزيـــادة نفـــوذ إثيوبيـــا‬ ‫ودـــعم قدراتـــها ـــما ُ​ُيـــحدث تغـــيرات هاـــمة يف موازـــين الـــقوى‬ ‫للقطاعــات الصناعيــة‪ ،‬ممــا ســيؤدي حتم ـًاً إلــى ارتفــاع أســعار هــذه‬ ‫املــواد نتيجــة زيــادة تكلفــة الشــحن والتــأمني علــى احلاويــات حيــث‬ ‫قامــت بعــض شــركات التــأمني برفــع تكاليــف الشــحن بنســبة تصــل‬ ‫إلــى ‪ .%200‬األمــر الــذي ســيزيد حــدة أزمــة التضخــم التــي جتتــاح‬ ‫العالــم منــذ األزمــة األوكرانيــة ‪2022‬م‪ .‬يعمــق مــن األزمــة تزامــن‬ ‫الصعوبــات يف قناتــا الســويس وبنمــا‪ ،‬وهــو أمــر غيــر مســبوق حيــث‬ ‫تراجعــت حركــة عبــور الســفن مــن قنــاة بنمــا هــي األخــرى بنســبة ‪%33‬‬ ‫بســبب انخفــاض منســوب امليــاه بهــا حيــث تشــهد جفا ً​ًفــا تاريخيــً​ًا‬ ‫يجبــر الســفن علــى االنتظــار ملــدة تصــل إلــى شــهر للعبــور‪ ،‬ممــا أدى‬ ‫إلــى رفــع تكاليــف الشــحن لبضائــع مثــل القمــح وفــول الصويــا وخــام‬ ‫احلديــد والفحــم واألســمدة بشــكل حــاد يف أواخــر عــام ‪2023‬م‪.‬‬ ‫أمــا علــى الصعيــد االســتراتيجي‪ ،‬فقــد أعــادت األزمــة منطقــة القــرن‬ ‫اإلفريقــي إلــى قلــب حلبــة الصــراع الدولــي‪ ،‬وزادت مــن كثافــة التواجــد‬ ‫ً‬ ‫أصًال بالقواعــد العســكرية‬ ‫العســكري األجنبــي يف املنطقــة املكتظــة‬ ‫األجنبيــة نظـرًاً لتســابق القــوى الدوليــة واإلقليميــة لتعزيــز نفوذهــا يف‬

‫املنطقــة واالحتفــاظ بنقــاط متوضــع متكنهــا مــن حمايــة مصاحلهــا‬ ‫وفــرض هيمنتهــا‪ .‬فهنــاك ‪ 9‬قواعــد يف جيبوتــي واحــدة لــكل مــن‬ ‫الواليــات املتحــدة‪ ،‬وأملانيــا‪ ،‬والــصني‪ ،‬واليابــان‪ ،‬وإيطاليــا‪ ،‬وإســبانيا‪،‬‬ ‫و‪ 3‬فرنســية‪ .‬وفــى الصومــال ‪ 5‬قواعــد لتركيــا‪ ،‬والواليــات املتحــدة‬ ‫وبريطانيــا‪ ،‬و‪ 2‬لإلمــارات‪ ،‬ويف إريتريــا قاعدتــان إســرائيلية‪ ،‬وإماراتيــة‪.‬‬ ‫ورغــم أن للواليــات املتحــدة ثالث قواعــد يف منطقــة القــرن اإلفريقــي‬ ‫‪ ،‬وهــى قاعــدة “ليمونيــر” يف جيبوتــي املســؤولة عــن العمليــات‬ ‫والعالقــات العســكرية مــع الــدول اإلفريقيــة‪ ،‬ومقــر قــوات “أفريكــوم”‬ ‫يف املنطقــة‪ ،‬وقاعــدة “باليدوجــل” اجلويــة يف الصومــال‪ ،‬وقاعــدة‬ ‫«أربــا مينــش» اجلويــة للطائــرات بــدون طيــار يف إثيوبيــا ومهمتهــا‬ ‫االســتطالع والتجســس يف شــرق إفريقيــا‪ ،‬كمــا أن بــاب املنــدب يقــع‬ ‫ضمــن منطقــة عمــل بعثــة الرقابــة األوروبيــة علــى مضيــق هرمــز التــي‬ ‫تشــكلت عــام ‪2020‬م‪ ،‬مــن ثمانيــة دول أوروبيــة‪ ،‬إال إن التطــورات يف‬ ‫مضيــق بــاب املنــدب أتاحــت لواشــنطن فرصــة توســيع نطــاق حضورهــا‬ ‫العســكري بتكويــن حتالــف «حــارس االزدهــار» كقــوة حمايــة بحريــة‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪167‬‬

‫ملف العدد‬

‫حققت روسيا مكاسب استراتيجية واقتصادية من األزمة وفتحت مساًرً ا ا‬ ‫بدياًل‬

‫‪ 4‬محددات للتحرك الروسي يف البحر األحمر‬ ‫والقرناإلفريقيلبناءشراكاتاستراتيجيةوتنموية‬ ‫كان القــرن اإلفريقــي دومـًاً بدولــه األربعــة‪ ،‬الصومــال وإريتريــا وإثيوبيــا وجيبوتــي‪ ،‬ســاحة للتنافــس الدولــي واإلقليمــي مــع اخــتالف‬ ‫القــوى الكبــرى واإلقليميــة املؤثــرة‪ ،‬نظـرًاً ألهميتــه االســتراتيجية كونــه يتحكــم يف واحــد مــن أهــم ممــرات التجــارة العامليــة التــي‬ ‫تربــط آســيا بأوروبــا عبــر الشــرق األوســط وذلــك منــذ افتتــاح قنــاة الســويس يف ســتينيات القــرن التاســع عشــر وربــط البحــر‬ ‫املتوســط بالبحــر األحمــر‪ ،‬ممــا ضاعــف مــن أهميــة مضيــق بــاب املنــدب كمنفــذ جنوبــي وحيــد لألخيــر مــن الناحيــتني العســكرية‬ ‫والتجاريــة‪ ،‬حيــث ميــر عبــره مــا يزيــد عــن ‪ %10‬مــن الشــحنات والبضائــع البحريــة العامليــة‪ ،‬و‪ %60‬مــن احتياجــات أوروبــا مــن‬ ‫الطاقــة ونحــو ‪ %25‬مــن احتياجــات النفــط للواليــات املتحــدة‪ .‬ويوجــد مبنطقــة القــرن اإلفريقــي ‪ 6‬موانــئ بحريــة مــن أكبــر‬ ‫وأهــم املوانــئ اإلفريقيــة وهــي عصــب ومصــوع بإريتريــا‪ ،‬ومينــاء جيبوتــي‪ ،‬وموانــئ بربــرة وبوصاصــو وهوبيــو يف الصومــال‪ ،‬وتتمتــع‬ ‫جميعهــا مبوقــع اســتراتيجي هــام‪ ،‬لقربهــا اجلغــرايف مــن مضيــق بــاب املنــدب‪ ،‬وكونهــا حلقــة وصــل وبوابــة مهمــة ألســواق بلــدان‬ ‫شــرق ووســط إفريقيــا ومراكــز إقليميــة لنقــل النفــط والبضائــع‪.‬‬

‫أ ‪.‬د‪ .‬نــورهان الشيــخ‬

‫كمــا يضــم اجملال البحــري للقــرن اإلفريقــي احتياطيــات كبيــرة مــن‬ ‫النفــط والغــاز تقــدر بحوالــي ‪ 110‬مليــارات برميــل مــن احتياطيــات‬ ‫النفــط و‪ 440‬تريليــون قــدم مــن الغــاز البحــري للصومــال وحــده‪.‬‬ ‫رغــم هــذه اإلمكانــات الضخمــة فــإن دول القــرن اإلفريقــي مازالــت‬ ‫تصــارع مــن أجــل االســتقرار والتنميــة وذلــك بالنظــر إلــى التحديــات‬ ‫األمنيــة التــي تواجههــا والتــي تفاقمــت يف اآلونــة األخيــرة وامتــدت‬ ‫تداعياتهــا إلــى العالــم بأســره باخــتالف درجــات التأثيــر والتأثــر‪ .‬يأتــي‬ ‫يف مقدمتهــا مــن حيــث األهميــة واإلحلاح الهجمــات التــي تشــنها‬ ‫جماعــة احلوثــي يف اليمــن علــى الســفن بالبحــر األحمــر ممــا أدى‬ ‫إلــى تداعيــات اقتصاديــة واســتراتيجية متصاعــدة احلــدة واخلطــورة‪،‬‬ ‫مــن أهمهــا تلــك املتعلقــة باضطــراب حركــة التجــارة العامليــة نتيجــة‬ ‫انخفــاض حركــة الشــحن بنســبة ‪ ،%30‬وفــق تقديــرات صنــدوق النقــد‬ ‫الدولــي يف ‪ 31‬ينايــر‪ ،‬وانخفــاض حركــة عبــور الســفن يف قنــاة الســويس‬ ‫بنســبة ‪ %37‬حيــث علقــت بعــض الشــركات رحالتهــا متامــًاً‪ ،‬مثــل‬ ‫التايوانيــة «إيفرجريــن» و»أورينــت أوفرســيز كونتينــر اليــن» بهــوجن كــوجن‪،‬‬

‫يف حني أعلنــت ‪ 18‬مــن شــركات الشــحن العامليــة الكبــرى‪ ،‬حتــى مطلــع‬ ‫ينايــر‪ ،‬تغييــر مســارها وجتنــب املــرور مــن البحــر األحمــر‪ ،‬منهــا شــركة‬ ‫ميرســك الدامناركيــة العمالقــة للشــحن البحــري التــي تتولــى أكثــر مــن‬ ‫‪ %20‬مــن التجــارة العامليــة وتتعامــل مــع أكثــر مــن ‪ 12‬مليــون حاويــة‬ ‫ســنويًاً‪ ،‬حســب بيانــات موقــع «ستاتيســتا»‪ ،‬وشــركة «بريتيــش بتروليــوم»‬ ‫البريطانيــة النفطيــة وشــركة النفــط والغــاز النرويجيــة «إكوينــور‬ ‫«ونظيرتهــا «فرونــت اليــن» لنــاقالت النفــط و»لينيــوس فيلهلمســن»‪،‬‬ ‫وشــركة شــحن احلاويــات األملانيــة «هابــاج لويــد»‪ ،‬والكوريــة اجلنوبيــة‬ ‫«إتــش إم إم»‪ ،‬و «إن واي كيــه» اليابانيــة و»يــاجن مينــج» التايوانيــة‪ .‬يــؤدى‬ ‫هــذا إلــى تعطيــل وانكمــاش حركــة التجــارة العامليــة مبــا يعــادل حوالــي‬ ‫‪ 9.6‬مليــارات دوالر يوم�يـًا وفــق إحــدى التقديــرات حيــث ســتضطر هــذه‬ ‫الشــركات إلــى املــرور عبــر طريــق رأس الرجــاء الصالــح يف أقصــى‬ ‫جنــوب القــارة اإلفريقيــة‪ ،‬مبــا يطيــل الــرحالت بني ‪ 19‬إلــى ‪ 31‬يو ً​ًمــا‪.‬‬ ‫يؤثــر ذلــك علــى سالســل التوريــد العامليــة واســتدامة حركــة التجــارة‬ ‫وإمــداد الــدول بالــواردات مــن املنتجــات النهائيــة واملــواد اخلام‬


‫‪166‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫تبـــدو الهنـــد بمنـــأى عـــن تداعيـــات أزمـــة البحـــر األحمـــر لكنهـــا‬ ‫تتأثـــر تأثـــًرًا مباشـــًرًا بالهجمـــات التـــي تســـتهدف الســـفن التجاريـــة‬ ‫احلوثــيني‪ ،‬إال أن البحريــة الهنديــة قامــت بصــورة مســتقلة بتدعيــم‬ ‫مراقبتهــا البحريــة مــن أجــل إحبــاط أيــة هجمــات محتملــة على الســفن‬ ‫البحريــة املرتبطــة بالهنــد‪ .‬ويعتقــد خبــراء اســتراتيجيون أنــه رغــم أن‬ ‫العديــد مــن الــدول األخــرى‪ ،‬مبــا يف ذلــك اليابــان‪ ،‬وأســتراليا‪ ،‬واململكــة‬ ‫العربيــة الســعودية‪ ،‬واإلمــارات تعتبــر دول حليفــة للواليــات املتحــدة‪،‬‬ ‫لكنهــا تبــدو متــرددة ً‬ ‫أيًضــا بشــأن االنضمــام إلــى قــوة بحريــة عامليــة‪.‬‬ ‫ورغــم قيــام بعــض شــركاء واشــنطن مثــل إيطاليــا‪ ،‬والهنــد‪ ،‬وفرنســا‪،‬‬ ‫وإســبانيا‪ ،‬بإرســال ســفن حربيــة إلــى املنطقــة لتعزيــز الدفاعــات ضــد‬ ‫العناصــر احلوثيــة‪ ،‬إال إنهــا يف الوقــت ذاتــه آثــرت عــدم االنضمــام‬ ‫إلــى االئــتالف البحــري‪ .‬ومــع االبتعــاد عــن املبــادرة البحريــة األمريكيــة‪،‬‬ ‫قامــت الهنــد برفــع مســتوى األمــن البحــري‪ ،‬ونشــرت مدمــرات‬ ‫الصواريــخ املوجهــة " مورموغــاو"‪ ،‬و"كوتشــي"‪ ،‬و"كولكاتــا لُتُســتخدم‬ ‫"كــرادع"‪ ،‬إلــى جانــب اســتخدامها طائــرات االســتطالع البحــري بعيــدة‬ ‫املــدى مــن طــراز "بــي ‪ "81‬للتوعيــة بــاجملال‪.‬‬

‫العامالن اإليراني واإلسرائييل يف المعادلة‬ ‫يف الوقــت الــذي أدانــت الهنــد الهجمــات التــي شــنتها حركــة حمــاس‬ ‫علــى إســرائيل‪ ،‬إال إنهــا امتنعــت عــن تصنيــف حمــاس كجماعــة‬ ‫إرهابيــة‪ .‬وحثــت تــل أبيــب يف الوقــت ذاتــه علــى ممارســة ضبــط‬ ‫النفــس والســعي إلــى احلــوار والدبلوماســية مــن أجــل تســوية األزمــة‪.‬‬ ‫ويف حني أن العامــل اإليرانــي يعــد أحــد األســباب الكامنــة وراء عــزوف‬ ‫الهنــد (أو الــصني) عــن إدانــة أو شــن هجمــات مضــادة علــى جماعــة‬ ‫احلوثــي‪ ،‬يطــرح اخلبيــر اإلماراتــي اخملتــص يف الشــؤون االقتصاديــة‬ ‫محمــد العصيمــي تفســي ً​ًرا حــول هــذا الشــأن‪" :‬حتمــل أزمــة البحــر‬ ‫األحمــر ُبُعديــن‪ .‬أحدهمــا يتعلــق بالدعايــة التــي تهــدف إلــى حشــد‬ ‫الدعــم الشــعبي للجماعــة املتمركــزة داخــل اليمــن وحلفائهــا مــن خالل‬ ‫اســتغالل العــدوان اإلســرائيلي علــى الشــعب الفلســطيني‪ .‬أمــا اآلخــر‬ ‫فهــو بعــد عملــي‪ ،‬ويركــز علــى التأثيــر علــى التجــارة الدوليــة التــي متــر‬ ‫عبــر هــذا املمــر البحــري احليــوي‪ .‬وعلــى الرغــم مــن املبالغــة اإلعالميــة‬ ‫فيمــا يتعلــق بالتداعيــات املترتبــة علــى تفجيــرات الســفن ونــاقالت‬ ‫النفــط‪ ،‬فــإن تــوازن القــوى بني احلوثــيني والتحالــف الــذي مت تشــكيله‬ ‫إلحبــاط هــذه الهجمــات وتــأمني املالحــة اآلمنــة عبــر مضيــق بــاب‬ ‫املنــدب ال ميكــن مقارنتــه حتــى باحلــد األدنــى‪ .‬وإذا مت اتخــاذ قــرار‬ ‫جــدي بوقــف هــذه الهجمــات‪ ،‬فمــن املمكــن إجنــاز املهمــة خالل أيــام‪.‬‬ ‫ومــن الناحيــة العمليــة‪ ،‬ينخــرط كال اجلانــبني يف ضربــات محــدودة‬ ‫ضمــن "قواعــد االشــتباك" املتفــق عليهــا ملنــع تصعيــد النــزاع إلــى مــا‬

‫هــو أبعــد مــن الترتيبــات احلاليــة‪ .‬الشــاغل األساســي هنــا هــو علــى‬ ‫احملــور الثانــي املتعلــق بالعراقيــل التــي تواجــه التجــارة العامليــة والــدول‬ ‫األكثــر تضــر ً​ًرا‪ .‬وقــد أدى هــذا التوتــر إلــى زيــادة تكاليــف الشــحن‬ ‫وتوفيــر فرصــة مربحــة للمضــاربني يف الســوق‪ ،‬وخاصــة يف أســواق‬ ‫النفــط وغيرهــا"‪.‬‬ ‫اخلالصة‬ ‫إذا مــا تــبني صحــة اجلــزء األخيــر املتضمــن يف حتليــل اخلبيــر‬ ‫االقتصــادي محمــد العصيمــي‪ ،‬فينبغــي حينهــا علــى الهنــد (والــصني)‬ ‫تقــدمي املزيــد مــن أجــل حمايــة مصاحلهــم اخلاصــة‪ ،‬والتــي تعــد‬ ‫ً‬ ‫ارتباًطــا مباش ـ ً​ًرا باملصالــح العامليــة‪ .‬ولكــن بالنظــر إلــى مــا‬ ‫مرتبطــة‬ ‫جــاء يف اجلــزء األول مــن املقــال التحليلــي‪ ،‬فيبــدو أن كافــة األطــراف‬ ‫املعنيــة ســواء ‪-‬جماعــة احلوثــي‪ ،‬وإيــران‪ ،‬والواليــات املتحــدة‪ ،‬واململكــة‬ ‫املتحــدة‪-‬ال جتــد ضيــرا يف إبقــاء النيــران مشــتعلة عوضــا عــن تركهــا‬ ‫تتحــول إلــى جحيــم أو إطفائهــا بالكامــل‪ .‬وإذا كان هــذا هــو التكتيــك‬ ‫املتبــع‪ ،‬فلــن يكــون هنــاك اهتمــام لــدى الهنــد أو الــصني (وال حتــى دول‬ ‫اخلليــج) باستكشــاف احللــول التجميليــة‪ .‬التصــور الغالــب هنــا‪ ،‬هــو‬ ‫أن األزمــة لــن تتصاعــد ولــن تطــول أكثــر مــن الالزم‪ .‬وذلــك نظـ ً​ًرا إلــى‬ ‫أن تداعياتهــا ســتطال الــدول التــي تربطهــا عالقــات وديــة مــع بعــض‬ ‫أطــراف الصــراع‪ ،‬خاصــة الــدول اآلســيوية التــي تربطهــا عالقــات جيــدة‬ ‫بإيــران‪ .‬ومــن املتوقــع أن تكثــف هــذه الــدول ضغوطهــا الدبلوماســية‬ ‫بهــدوء إلنهــاء الهجمــات علــى الســفن وضمــان حريــة املالحــة يف‬ ‫البحــر األحمــر‪ .‬ومــن املرجــح أن يســتجيب احلوثيــون وداعموهــم‬ ‫لهــذه الضغــوط الدبلوماســية أكثــر مــن اســتجابتهم لسياســة القصــف‬ ‫املضــاد التــي انتهجوهــا منــذ ســنوات عديــدة‪.‬‬

‫*مدير إدارة البحوث والتحليل يف أكادميية أنور قرقاش الدبلوماسية ‪-‬زميل غري‬ ‫مقيم يف معهد دول الخليج العربية يف واشنطن‬


‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫األثر عىل الصادرات‬

‫مــع ذلــك‪ ،‬ثمــة مخــاوف هنديــة حيــال التداعيــات االقتصاديــة التــي‬ ‫ســتنجم عــن اضطــرار ســفنها إلــى تغييــر مســارها واإلبحــار حــول‬ ‫إفريقيــا مــن أجــل شــحن البضائــع إلــى أوروبــا‪ .‬وذلــك نظ ـ ً​ًرا إلــى أن‬ ‫العبــور مــن خالل طريــق رأس الرجــاء الصالــح‪ ،‬عنــد الطــرف اجلنوبــي‬ ‫إلفريقيــا‪ ،‬مــن شــأنه أن ُيُزيــد مــن أمــد الرحلــة مبــا ال يقــل عــن ‪10‬‬ ‫أيــام‪ ،‬ويضاعــف تكلفــة نقــل البضائــع مــن الهنــد إلــى أوروبــا مبقــدار‬ ‫ثالثــة أضعــاف‪ ،‬ممــا يقــوض قــدرة الصــادرات الهنديــة علــى املنافســة‪.‬‬ ‫ُيُشــار إلــى أن عــدد الســفن التــي تعبــر مــن خالل قنــاة الســويس‪،‬‬ ‫ً‬ ‫انخفاًضــا بنســبة ‪ % 44‬مقارنــة مبتوســط املعــدل ا ُ​ُملســجل خالل‬ ‫شــهد‬ ‫النصــف األول مــن شــهر ديســمبر‪ .‬يف حني تعتمــد الهنــد بشــكل كبيــر‬ ‫علــى طريــق البحــر األحمــر عبــر قنــاة الســويس مــن أجــل جتارتهــا مــع‬ ‫كل مــن أوروبــا‪ ،‬وأمريــكا الشــمالية‪ ،‬وشــمال إفريقيــا‪ ،‬ومنطقــة الشــرق‬ ‫األوســط‪ .‬إذ تشــكل هــذه املناطــق مجتمعــة نحــو ‪ % 50‬مــن الصــادرات‬ ‫الهنديــة‪ ،‬البالغــة ‪ 217‬مليــار دوالر‪ ،‬ونحــو ‪ % 30‬مــن وارداتهــا البالغــة ‪205‬‬ ‫مليــار دوالر خالل العــام املالــي ا ُ​ُملنتهــي يف مــارس ‪.2023‬‬ ‫يف الوقــت ذاتــه‪ ،‬يعبــر نحــو ‪ % 80‬مــن جتــارة الســلع الهنديــة مــع أوروبــا‪،‬‬ ‫التــي تقــدر بنحــو ‪ 14‬مليــار دوالر شــهر ً​ًيا‪ ،‬عبــر املمــر املالحــي للبحــر‬ ‫األحمــر‪ .‬وقــد أفــاد مصــدرون أن ‪ %95‬مــن الســفن غيــرت مســارها حــول‬ ‫رأس الرجــاء الصالــح‪ ،‬ممــا أدى إلــى إضافــة مــا يتــراوح بني ‪ 4000‬إلــى‬ ‫‪ 6000‬ميــل بحــري‪ ،‬ومــا بني ‪ 14‬إلــى ‪ 20‬يو ً​ًمــا للــرحالت القادمــة مــن‬ ‫الهنــد منــذ بــدء الهجمــات يف نوفمبــر‪ .‬وبحســب التقديــرات الصــادرة‬ ‫عــن مركــز "نظــام البحــوث واملعلومــات للــدول الناميــة"‪ ،‬وهــو مركــز‬ ‫أبحــاث يف نيودلهــي تابــع للحكومــة الهنديــة‪ ،‬فــإن أزمــة البحــر األحمــر‬ ‫كفيلــة بَتَكبيــد قطــاع الصــادرات الهنــدي خســائر بقيمــة ‪ 30‬مليــون‬ ‫دوالر‪ .‬ووف ً​ًقــا لهــذه التنبــؤات‪ ،‬بــدأت األزمــة تخلــف بالفعــل انعكاســات‬ ‫علــى قطــاع األعمــال والشــركات الهنديــة‪ .‬حيــث شــهدت أســعار تأجيــر‬ ‫احلاويــات ألحــد طــرق الشــحن الرئيســية" شــنغهاي ‪-‬تشــيناي"‪ ،‬زيــادة‬ ‫بنســبة ‪ ٪144‬يف ينايــر ‪2024‬م‪ ،‬مــن ‪ 85‬دوال ً​ًرا لــكل وحــدة يف نوفمبــر‬ ‫‪2023‬م‪ ،‬يف حني بلــغ متوســط الزيــادة يف تكلفــة الشــحن للتجــارة مــن‬ ‫الهنــد إلــى أوروبــا والواليــات املتحــدة عبــر مختلــف القطاعــات‪ ،‬مبــا‬ ‫يف ذلــك األدويــة‪ ،‬الســيارات‪ ،‬واملنســوجات‪ ،‬بنســبة ‪ %50-40‬يف ينايــر‬ ‫‪2024‬م‪ ،‬مقارنــة بشــهر ســبتمبر ‪2023‬م‪.‬‬

‫‪165‬‬

‫وفقــا لبيانــات وزارة التجــارة الهنديــة‪ ،‬دفعــت هــذه اخملاطــر ا ُ​ُملصدريــن‬ ‫الهنــود إلــى التراجــع عــن شــحن نحــو ‪ % 25‬مــن الشــحنات اخلارجيــة‬ ‫التــي متــر عبــر البحــر األحمــر‪ .‬وعــادة مــا تشــمل الصــادرات الهنديــة‬ ‫العابــرة للبحــر األحمــر مجموعــة متنوعــة مــن الســلع مبــا يف ذلــك‬ ‫املنتجــات البتروليــة‪ ،‬واحلبــوب الغذائيــة‪ ،‬والكيماويــات‪ .‬وقــد تراجــع‬ ‫معــدل الطلــب علــى األرز البســمتي الهنــدي مــن جانــب ا ُ​ُملشــتريني‬ ‫التقليــديني داخــل منطقــة الشــرق األوســط‪ ،‬والواليــات املتحــدة‪ ،‬وأوروبــا‬ ‫بســبب غلــو التكلفــة‪ .‬بالتالــي‪ ،‬فــإن االضطرابــات التــي تشــهدها‬ ‫منطقــة البحــر األحمــر قــد تلحــق أضــرا ً​ًرا ً‬ ‫أيًضــا بقطــاع النفــط‬ ‫وصناعــة الســيارات الهنديــة‪.‬‬

‫شكل استجابة البحرية الهندية‬ ‫أفــادت البحريــة الهنديــة مبالحظــة "تزايــد وتيــرة احلــوادث األمنيــة‬ ‫البحريــة التــي تتعــرض لهــا الســفن التجاريــة العابــرة مــن خالل ممــرات‬ ‫الشــحن الدوليــة داخــل منطقــة البحــر األحمــر‪ ،‬وخليــج عــدن‪ ،‬ووســط‬ ‫وشــمال بحــر العــرب"‪ .‬وأوضحــت أنهــا اتخــذت عــدة خطــوات للتعامــل‬ ‫ــمع ــهذه القضــية منــها‬ ‫تعزيــز جهــود املراقبــة البحريــة يف وسط‪/‬شــمال بحــر‬ ‫‪.1‬‬ ‫العــرب ورفــع مســتويات القــوة‪.‬‬ ‫نشــر مجموعــات عمــل تضــم مدمــرات وفرقاطــات للقيــام‬ ‫‪.2‬‬ ‫بعمليــات األمــن البحــري وتقــدمي املســاعدة للســفن التجاريــة يف حالــة‬ ‫وقــوع أي حــادث‪.‬‬ ‫تعزيــز املراقبــة اجلويــة بواســطة طائــرات الدوريــات‬ ‫‪.3‬‬ ‫البحريــة بعيــدة املــدى والطائــرات مــن طــراز "آر بــي إيــه" للحصــول‬ ‫علــى وعــي كامــل بــاجملال البحــري‪.‬‬ ‫التنســيق الوثيــق مــع خفــر الســواحل الهنــدي‪ ،‬لضمــان‬ ‫‪.4‬‬ ‫مراقبــة أكثــر فعاليــة للمنطقــة االقتصاديــة اخلالصــة‪.‬‬ ‫مراقبــة الوضــع العــام عــن كثــب بالتنســيق مــع الــوكاالت‬ ‫‪.5‬‬ ‫البحريــة الوطنيــة‪ .‬كمــا أكــدت البحريــة الهنديــة “التزامهــا الراســخ‬ ‫بضمــان سالمــة الشــحن التجــاري يف املنطقــة"‪.‬‬ ‫وحتــى مــع حفــاظ الهنــد علــى مســافة اســتراتيجية مــن حتالــف"‬ ‫حــارس الرخــاء" الــذي تقــوده الواليــات املتحــدة لتعزيــز األمــن املالحــي‬ ‫داخــل منطقــة جنــوب البحــر األحمــر وخليــج عــدن يف مواجهــة هجمات‬

‫الهنــد اتخــذت عــدة خطــوات للتعامــل مــع أزمــة البحــر األحمــر لتعزيــز‬ ‫المراقبــة البحريــة والجويــة والتنســيق للحفــاظ عىل مصالحهــا االقتصادية‬


‫‪164‬‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫نش ــرت الهن ــد ‪4‬مدم ــرات م ــن فئ ــة المش ــروع" ‪ 15‬اي ــه" و"‪ 15‬ب ــي"‬ ‫للتخفي ــف م ــن تهدي ــدات الحوثيي ــن بالطائ ــرات المس ــيرة والصواري ــخ‬ ‫بيــد أن االضطــرار إلــى حتويــل مســار الســفن حــول الطــرف اجلنوبــي‬ ‫إلفريقيــا‪ ،‬بــدال مــن اتخــاذ طريــق أقصــر عبــر قنــاة الســويس والبحــر‬ ‫األحمــر‪ ،‬قــد أدى إلــى إطالــة أمــد الــرحالت التــي تقــوم بهــا الســفن‪.‬‬ ‫اســتتبع ذلــك ورود تقاريــر بشــأن نقــص يف الســفن وزيــادة يف تكاليــف‬ ‫ارتفاًعــا ممــا‬ ‫الشــحن بشــكل عــام‪ .‬كذلــك شــهدت أســعار التــأمني‬ ‫ً‬ ‫أدى إلــى تراجــع أربــاح شــركات التكريــر‪ .‬وبرغــم مــن العوامــل ســالفة‬ ‫الذكــر‪ ،‬إال أن الهنــد لــم تشــهد حتــى اآلن زيــادة يف تكاليــف وارداتهــا‬ ‫النفطيــة للحــد الــذي يســتدعي معــه اتخــاذ دور دبلوماســي أو أمنــي‬ ‫أكبــر مــن أجــل جتــاوز األزمــة‪ .‬مــع ذلــك‪ ،‬فــإن أي ارتفــاع طفيــف قــد‬ ‫يطــرأ علــى أســعار املعــدن األســود‪ ،‬مــن شــأنه أن يفضــي إلــى ارتفــاع‬ ‫نســب التضخــم‪ ،‬وســيجلب معــه تداعيــات سياســية كبيــرة قبــل بضعــة‬ ‫أشــهر فقــط مــن انعقــاد االنتخابــات البرملانيــة داخــل الهنــد املقــررة يف‬ ‫مايــو املقبــل‪ .‬مــن ثــم‪ ،‬ســتحرص الهنــد عــن مراقبــة تطــورات األحــداث‬ ‫اجلاريــة عــن كثــب‪.‬‬ ‫تأثيــر اضطرابــات البحــر األحمــر علــى أســعار الشــحن وأحجــام‬ ‫احلمــوالت‬ ‫(املؤشر؛ األول من أكتوبر‪)100=2023 ،‬‬ ‫حجم التجارة العابرة لقناة السويس‬ ‫أسعار الشحن العاملية‬ ‫تكاليف الشحن عبر طريق أوروبا‪/‬املتوسط ‪-‬الصني‬

‫أوىل هجمات الحوثيين بعد بداية األزمة‬

‫املصــدر‪ :‬بلومبــرج فاينانــس؛ بــورت ووتــش؛ بيانــات صنــدوق النقــد‬ ‫الدولــي‬ ‫ملحوظــة‪ُ :‬تُشــير "بدايــة األزمــة" إلــى بدايــة العــدوان اإلســرائيلي علــى‬

‫قطــاع غــزة يف أكتوبــر ‪2023‬م‪ ،‬تعتبــر "تكاليــف الشــحن عبــر طريــق‬ ‫أوروبا‪/‬املتوســط ‪-‬الــصني " هــي متوســط تكلفــة الشــحنات بني املوانــئ‬ ‫داخــل أوروبــا‪ ،‬والبحــر املتوســط والــصني‪ ،‬وشــرق آســيا‪.‬‬

‫المزيد من اإلمدادات الخليجية مقابل نفط أمريكي أقل‬ ‫يف نتيجــة غيــر مقصــودة‪ ،‬حققــت البلــدان اخلليجيــة ا ُ​ُملنتجــة للنفــط‬ ‫اســتفادة مــن أزمــة الشــحن املندلعــة يف البحــر األحمــر‪ ،‬بعدمــا قامــت‬ ‫الهنــد باســتبدال بعــض مــن وارداتهــا مــن النفــط األمريكــي‪ .‬فقــد ظلــت‬ ‫الواليــات املتحــدة علــى مــدار أعــوام حتــى اآلن مــن بني أكبــر خمســة‬ ‫مورديــن للنفــط اخلام إلــى الهنــد‪ ،‬حيــث قامــت مصــايف التكرير احمللية‬ ‫يف الهنــد بشــراء مــا متوســطه ‪ 205000‬برميــل يوم�يـًا مــن النفــط اخلام‬ ‫األمريكــي عــام ‪2023‬م‪ ،‬إال أنــه بحلــول ينايــر ‪2024‬م‪ ،‬لــم تتلــق شــركات‬ ‫التكريــر الهنديــة أي شــحنات مــن اخلام األمريكــي‪ .‬وبــخالف شــحنات‬ ‫اخلام األمريكيــة‪ ،‬فــإن شــحنات النفــط القادمــة مــن اخلليــج إلــى الهنــد‬ ‫عــادة ال تعبــر مــن خالل مضيــق بــاب املنــدب يف البحــر األحمــر‪ ،‬ومتــر‬ ‫بــداًلا مــن ذلــك عبــر مضيــق هرمــز‪ .‬نتيجــة لذلــك‪ ،‬شــهدت واردات‬ ‫النفــط الهنديــة القادمــة مــن العراق‪-‬التــي تعــد ثانــي أكبــر مــورد للهنــد‪-‬‬ ‫زيــادة بنســبة ‪ % 25‬خالل شــهر ينايــر املاضــي‪ ،‬مقارنــة بشــهر ديســمبر‬ ‫الســابق لــه‪ ،‬لتصــل إلــى ‪ 1.19‬مليــون برميــل يوم�يـًا‪ُ​ُ ،‬مســجلة أعلــى زيــادة‬ ‫لهــا منــذ شــهر إبريــل ‪2022‬م‪( ،‬يف أعقــاب الغــزو الروســي ألوكرانيــا)‪.‬‬ ‫باملثــل‪ ،‬قفــزت الــواردات الهنديــة مــن النفــط اخلام اإلماراتــي إلــى ‪% 81‬‬ ‫خالل شــهر ينايــر‪ ،‬مقارنــة مبســتويات ديســمبر ‪2023‬م‪ ،‬مبــا يقــرب مــن‬ ‫‪ 326،500‬برميــل يوم�يـًا‪ ،‬حيــث تعتبــر أبــو ظبــي رابــع أكبــر مــورد للنفــط‬ ‫اخلام إلــى الهنــد‪ .‬يف حني بلغــت إمــدادات النفــط القادمــة مــن اململكــة‬ ‫العربيــة الســعودية‪-‬ثالث أكبــر مــورد إلــى الهنــد‪ 90.172-‬برميــل يوم�يـًا‬ ‫يف ينايــر‪ ،‬أي أقــل بشــكل طفيــف مــن معــدالت ديســمبر ‪2023‬م‪ ،‬التــي‬ ‫بلغــت ‪ 706.759‬برميــل يوم ً​ًيــا‪ .‬كذلــك شــهدت اإلمــدادات القادمــة مــن‬ ‫ارتفاًعــا بنســبة‬‫روســيا‪-‬التي تعــد حال�يـًا أكبــر مــورد للنفــط الهنــدي‬ ‫ً‬ ‫‪ % 5.6‬خالل شــهر ينايــر‪ ،‬مقارنــة بالشــهر الســابق لــه‪ ،‬لتصــل إلــى‬ ‫‪ 1.53‬مليــون برميــل يوم ً​ًيــا‪( .‬حيــث كانــت حمــوالت النفــط الروســية‬ ‫يف مأمــن إلــى درجــة كبيــرة مــن اخملاطــر األمنيــة احملدقــة يف البحــر‬ ‫األحمــر)‪.‬‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪163‬‬

‫ملف العدد‬

‫نصف عدد السفن المتجهة للهند أو عىل متنها طواقم هندية تعرضت‬ ‫للهجــوم مــن جماعــة الحوثــي أو اختطافهــا مــن جانــب قراصنــة مســلحين‬ ‫احلوثــيني نتيجــة املعطيــات السياســية احُملح يطــة باحلــرب الدائــرة يف‬ ‫قطــاع غــزة‪ .‬الســيما عــدم وجــود نيــة لــدى إســرائيل مــن أجــل تخفيــف‬ ‫حملتهــا العســكرية علــى القطــاع‪ .‬وبينمــا حتــرص الهنــد علــى حمايــة‬ ‫مصاحلهــا‪ ،‬لكنــه مــن غيــر املرجــح أن تتخــذ أي رد فعــل عدائــي ضــد‬ ‫احلوثــيني‪ ،‬خشــية أن حُتح ســب علــى املعســكر الغربــي‪ ،‬أو ينظــر إليهــا‬ ‫باعتبارهــا داعمــة إلســرائيل‪ ،‬أو حتــى إثــارة غضــب اجلانــب اإليرانــي‬ ‫نظ ـ ً​ًرا لقربــه األيديولوجــي مــن جماعــة احلوثــي‬

‫خســائر بعشــرات املليــارات مــن الــدوالرات بســبب حــرب بعيــدة عــن‬ ‫حدودهــا‪ .‬لكــن يف الواقــع‪ ،‬جــاءت تداعيــات األزمــة علــى االقتصــاد‬ ‫الغربــي أشــد وطــأة مــن أثرهــا علــى االقتصــاد الهنــدي ‪-‬أو علــى‬ ‫األقــل حتــى اآلن‪ .‬ونف�يـًا ألن يكــون لألزمــة تأثيــر علــى واردات الــبالد‬ ‫مــن النفــط أو أمنهــا الطاقــي‪ ،‬قالــت شــركة “هندوســتان بتروليــوم‬ ‫احملــدودة" للنفــط‪ ،‬إن هجمــات احلوثــيني علــى الســفن لــم يكــن لهــا‬ ‫تأثــير يذــكر عــلى تدفــقات النــفط اخلام‪.‬‬

‫تأثير هامشي‬

‫تعــد الهنــد ثالــث أكبــر مســتورد للنفــط عامل ً​ًيــا‪ ،‬حيــث تبلــغ نســبة‬ ‫مفرًطــا علــى‬ ‫وارداتهــا مــن الوقــود ‪ ،%86‬يف حني إنهــا تعتمــد اعتمــا ً​ًدا‬ ‫ً‬ ‫اإلمــدادات الروســية التــي تعبــر مــن خالل البحــر األحمــر‪ .‬وخالل عــام‬ ‫‪2023‬م‪ ،‬بلغــت نســبة واردات الهنــد مــن الطاقــة الروســية‪ ،‬العابــرة مــن‬ ‫خالل البحــر األحمــر‪ ،‬نحــو ‪ ،% 35‬أو مــا يعــادل ‪ 1.7‬مليــون برميــل‬ ‫يوم ً​ًيــا مــن إجمالــي وارداتهــا مــن النفــط اخلام‪ .‬وحتــى اآلن‪ ،‬ال تعــد‬ ‫الســفن أو احلمــوالت الروســية هد ً​ًفــا رئيســ ً​ًيا لهجمــات احلوثــيني‪،‬‬

‫إحــدى الفرضيــات التــي علــى أساســها حتــرك اجملتمــع الدولــي ســري ً​ًعا‬ ‫مــن أجــل بلــورة اســتجابة إقليميــة موحــدة‪ ،‬مبــا يف ذلــك اضــطالع الهند‬ ‫بــدور أمنــي اســتباقي ضــد احلوثــيني‪ ،‬هــي اخلســائر االقتصاديــة‬ ‫احُملح تملــة‪ .‬وقــد مت تســليط الضــوء علــى أن الهنــد‪ ،‬باعتبارهــا أحــد‬ ‫أكبــر االقتصــادات العامليــة املعتمــدة علــى التجــارة البحريــة‪ ،‬قــد تتكبــد‬


‫‪162‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫التزام الهند بحماية مصالحها رغم غموض موقفها من أزمة البحر األحمر‬

‫‪ % 25‬تراجع يف الصادرات الهندية والخسائر‬ ‫‪30‬مليون دوالر واألزمة لن تتصاعد ولن تطول‬ ‫قبــل نهايــة عــام ‪2023‬م‪ ،‬اندلعــت احلــرب يف قطــاع غــزة وفرضــت علــى الهنــد ضــرورة التعامــل معهــا‪ ،‬وموازنــة عالقاتهــا الثنائيــة‬ ‫مــع اجلانــبني الفلســطيني واإلســرائيلي‪ .‬ثــم جــاء العــام اجلديــد ‪2024‬م‪ ،‬ليضــع الهنــد أمــام أزمــة جديــدة وهــي االضطرابــات‬ ‫املتصاعــدة يف البحــر األحمــر وســط الهجمــات التــي تشــنها جماعــة احلوثــي يف اليمــن علــى الســفن التجاريــة‪ ،‬تعاط ً​ًفــا مــع‬ ‫واحتجاًجــا علــى االعتــداءات اإلســرائيلية‪ .‬وقــد ترتــب علــى ذلــك‪ ،‬تعطيــل حركــة الشــحن‬ ‫الشــعب الفلســطيني يف قطــاع غــزة‬ ‫ً‬ ‫العامليــة يف خضــم معركــة حقيقيــة بني الغــرب وعناصــر جماعــة احلوثــي اجتذبــت يف رحاهــا إيــران ودول عربيــة‪ .‬وعلــى الرغــم‬ ‫مــن عــدم اســتهداف ســفن جتاريــة حتمــل علــم الدولــة الهنديــة‪ ،‬إال أن مــا يقــرب مــن نصــف عــدد الســفن املتجهــة إلــى الهنــد‬ ‫أو تلــك التــي حتمــل علــى متنهــا طواقــم هنديــة تعرضــت للهجــوم علــى مــدار األشــهر القليلــة املاضيــة مــن قبــل جماعــة احلوثــي‬ ‫أو مت اختطافهــا مــن جانــب مجموعــات قراصنــة مســلحة‪ .‬ويف حني أن الهنــد التزمــت مــرة أخــرى احليــاد الدبلوماســي يف عــدم‬ ‫إلقائهــا اللــوم علــى أي مــن األطــراف (مثلمــا حــدث يف أزمــة قطــاع غــزة)‪ ،‬إال أن نهجهــا حيــال أزمــة البحــر األحمــر يختلــف‬

‫د‪ .‬ن‪ .‬جاناردهان‬

‫ً‬ ‫ملحوًظــا نظ ـ ً​ًرا ملشــاركتها النشــطة يف هــذا الشــأن‪ ،‬يف ظــل‬ ‫اختال ً​ًفــا‬ ‫اضــطالع البحريــة الهنديــة بــدور مهــم يف ســبيل حمايــة مصاحلهــا‬ ‫القوميــة بشــكل رئيســي‪ ،‬واملســاعدة يف القضيــة العامليــة بشــأن املــرور‬ ‫احلــر للتجــارة‪.‬‬ ‫وبينمــا قــد تبــدو الهنــد مبنــأى عــن تداعيــات أزمــة البحــر األحمــر‪،‬‬ ‫لكنهــا تتأثــر تأثــرًاً مباشــ ً​ًرا بالهجمــات التــي تســتهدف الســفن‬ ‫التجاريــة‪ .‬وتؤكــد مثــل هــذه األحــداث مــدى ووتيــرة انتشــار الصراعــات‬ ‫يف ظــل عالــم مترابــط‪ .‬وهــو مبثابــة تذكــرة ً‬ ‫أيًضــا لنيودلهــي بأنهــا لــم‬ ‫تعــد معزولــة عــن الوقائــع اجليوسياســية البعيــدة‪ ،‬إذ ينبغــي لهــا أن‬ ‫تكــون اســتباقية علــى الصعيــد األمنــي‪ .‬مــن ثــم‪ ،‬عمــدت البحريــة‬ ‫الهنديــة إلــى تكثيــف أنشــطة املراقبــة اخلاصــة بهــا داخــل املنطقــة مــن‬ ‫أجــل حمايــة مصالــح الشــحن الهنديــة وطواقمهــا‪ .‬كمــا نشــرت البحريــة‬ ‫أربــع مدمــرات مــن فئــة املشــروع" ‪ 15‬ايــه" و"‪ 15‬بــي"‪ ،‬للتخفيــف مــن‬ ‫التهديــدات الناجمــة عــن الهجمــات التــي يشــنها احلوثيــون بالطائــرات‬

‫املســيرة والصواريــخ‪ .‬عالوة علــى ذلــك‪ ،‬حرصــت البحريــة الهنديــة‬ ‫ً‬ ‫أيًضــا علــى ضمــان توافــر الطائــرات مــن طــراز" بوينــج بــي ‪ "81‬طويلــة‬ ‫املــدى املضــادة للغواصــات‪ ،‬وطائــرات مــن طــراز "دورنيــر"‪ ،‬واملروحيــات‬ ‫مــن أجــل املهــام االســتطالعية‪ .‬وعلــى الرغــم مــن أن البحريــة الهنديــة‬ ‫عملــت علــى تعزيــز حضورهــا داخــل املنطقــة يف الوقــت املناســب مــن‬ ‫أجــل ضمــان سالمــة مصاحلهــا علــى طــول الطريــق‪ ،‬فثمــة حاجــة إلــى‬ ‫تنســيق أكبــر مــع الــدول الشــريكة يف ســبيل حتقيــق االســتقرار علــى‬ ‫املــدى الطويــل‪.‬‬ ‫كذلــك ينبغــي علــى الهنــد العمــل مــع شــركائها يف املنطقــة لتقييــم‬ ‫حتــركات احلوثــيني داخــل منطقــة البحــر األحمــر‪ ،‬واســتباق خططهــم‪،‬‬ ‫والتخفيــف مــن حدتهــا حيثمــا أمكــن ذلــك‪ .‬ولكــن تكمــن األزمــة يف أنــه‬ ‫ال يوجــد إجمــاع دولــي بشــأن كيفيــة التعامــل مــع أزمــة البحــر األحمــر‪.‬‬ ‫حيــث فشــلت القــوى الغربيــة حتــت قيــادة الواليــات املتحــدة‪ ،‬واململكــة‬ ‫املتحــدة‪ ،‬والــدول العربيــة‪ ،‬يف حتقيــق إجمــاع حــول التعامــل مــع‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪161‬‬

‫ملف العدد‬

‫‪ 4‬عوامــل تجعــل أمــن البحــر األحمــر قضيــة دوليــة خاصة يف الســنوات‬ ‫العشـــر األخيـــرة وهـــو مـــا وضـــح بصـــورة جليـــة يف األزمـــة الحاليـــة‬ ‫األحمــر التــي كانــت تســاعد يف رصــد الســفن العســكرية والســفن‬ ‫التجاريــة التابعــة إلســرائيل ومتــد احلوثــيني بهــا لضربهــا‪.‬‬

‫التقدير‬

‫املالحــظ يف الفتــرة األخيــرة أن اتصــاالت قــد جــرت بني الواليــات‬ ‫املتحــدة األمريكيــة وإيــران أدت إلــى نــوع مــن الــردع األمريكــي إليــران‪،‬‬ ‫خاصــة وأن هنــاك تقاريــر تقــول إن الواليــات املتحــدة األمريكيــة وجهــت‬ ‫عبــر وســطاء بني البلديــن تهديــدات إليــران بإمكانيــة توجيــه ضربــات‬ ‫مباشــرة ألهــداف إيرانيــة‪ ،‬وهــو مــا حتاشــته واشــنطن حتــى اآلن إذا‬ ‫اســتمر املوقــف اإليرانــي أو موقــف األذرع اإليرانيــة يهــدد املصالــح‬ ‫األمريكيــة بصــورة واضحــة خالل الفتــرة القادمــة‪ ،‬وهــو مــا انعكــس‬ ‫بصــورة واضحــة يف انضبــاط الفصائــل العســكرية العراقيــة التــي كانــت‬ ‫تعــد أداة أساســية إليــران خاصــة كتــاب حــزب اهلل منــذ أكثــر مــن‬ ‫أســبوع وتوقفهــا عــن عمليــات التهديــد أو عمليــات توجيــه ضربــات أو‬ ‫طائــرات مســيرة ألهــداف أمريكيــة أو مصالــح أمريكيــة مشــتركة مــع‬ ‫األكــراد يف العــراق وســوريا‪.‬‬ ‫نوًعــا مــن‬ ‫األمــر الــذي يؤكــد أن املرحلــة القادمــة ميكــن أن تشــهد ً‬ ‫االنضبــاط للحوثــيني‪ ،‬خاصــة مــع اســتمرار الضربــات األمريكيــة‬ ‫والبريطانيــة املكثفــة‪ .‬كمــا أنــه مــن املتوقــع ً‬ ‫أيًضــا أن يشــهد األمــن يف‬ ‫نوًعــا مــن عــودة االســتقرار نســب ً​ًيا‪ ،‬خاصــة بعــد قيــام‬ ‫البحــر األحمــر ً‬ ‫االحتــاد األوروبــي بتســيير دوريــات ســوف تصاحــب الســفن التجاريــة‬ ‫األوروبيــة القادمــة مــن آســيا عبــر خليــج عــدن يف البحــر األحمــر‪،‬‬ ‫وُيُعتقــد أن إيــران ســوف تراعــي ذلــك متا ً​ًمــا حتــى ال تخســر املوقــف‬ ‫األوروبــي منهــا‪.‬‬ ‫نوًعــا مــن التغييــر‬ ‫علــى هــذا النحــو‪ ،‬نتوقــع أن يشــهد املوقــف اإليرانــي ً‬ ‫النســبي‪ ،‬خاصــة وأن إيــران يف حتركهــا بصفــة عامــة‪ ،‬ســواء يف األمــن‬ ‫يف البحــر األحمــر أو يف منطقــة املشــرق العربــي علــى اتســاعها‪،‬‬ ‫كانــت تركــز علــى أن تكــون طر ً​ًفــا يف أي تســويات قادمــة يف املنطقــة‬ ‫ومنهــا التطــورات يف غــزة‪ ،‬وهــو مــا عبــر عنــه تصريــح وزيــر اخلارجيــة‬ ‫اإليرانــي بأنهــم يســعون مــع دول مؤثــرة يف املنطقــة لتحقيــق تســوية‬ ‫ــسلمية يف أزــمة ــغزة‪.‬‬ ‫ومــن ناحيــة أخــرى‪ ،‬فإنــه مــن الضــروري اإلشــارة هنــا إلــى أن األزمــة‬ ‫اليمنيــة يف ظــل التهديــدات احلوثيــة وعمليــات التصالــح التــي كانــت‬ ‫نوًعــا مــن التراجــع الكبيــر بســبب ممارســات‬ ‫جاريــة هنــاك قــد شــهدت ً‬ ‫احلوثــي وتهديداتــه لألمــن واالســتقرار يف املنطقــة‪ ،‬وبالتالــي فــإن‬ ‫األزمــة اليمنيــة ً‬ ‫أيًضــا ال يرجــح أن تشــهد تقد ً​ًمــا فيمــا يتعلــق باجلهــود‬ ‫املبذولــة لتحقيــق تســوية‪ ،‬يف ظــل التمــدد احلوثــي العســكري بصــورة‬

‫كبيــرة والــذي هــدد االســتقرار ليــس فقــط يف البحــر األحمــر ولكــن‬ ‫داخــل اليمــن ذاتهــا وأدى إلــى نــوع مــن االســتقطاب‪ ،‬وقــد عبــرت‬ ‫عنــه مظاهــرات لقبائــل كانــت محســوبة علــى احلوثــيني يف األســابيع‬ ‫األخيــرة داخــل صنعــاء ويف اجلبــال احمليطــة بهــا‪.‬‬ ‫اخلالصة‬ ‫إن التهديــدات التــي يشــهدها األمــن يف البحــر األحمــر بصــورة كبيــرة‬ ‫خالل الفتــرة األخيــرة يجــب االنتبــاه أنهــا ال تقتصــر علــى تهديــد األمــن‬ ‫يف البحــر األحمــر فقــط‪ ،‬ولكنهــا متتــد إلــى األمــن العربــي بصفــة‬ ‫عامــة وإلــى األمــن يف اخلليــج واألمــن القومــي املصــري بصــورة كبيــرة‬ ‫واألمــن يف القــرن اإلفريقــي‪ .‬وهــو مــا يحتــم أن تكــون هنــاك حتــركات‬ ‫عربيــة منظمــة ملواجهــة أيــة تطــورات مســتقبلية تهــدد االســتقرار‬ ‫واألمــن‪ ،‬وأال تكــون املواجهــات قاصــرة علــى صيــغ لقــوى دوليــة‬ ‫وإقليميــة لهــا أجنداتهــا اخلاصــة التــي قــد ال تتوافــق مــع األجنــدات‬ ‫العربيــة ومتطلبــات األمــن القومــي العربــي بصــورة كبيــرة‪.‬‬ ‫ومــن هنــا تبــرز ضــرورة أن يبــدأ ذلــك مــن خالل حتالــف مصــري‬ ‫ســعودي ثنائــي رمبــا ينضــم إليــه األردن‪ ،‬ويبــدأ هــذا التحالــف يف‬ ‫بلــورة موقــف مشــترك يركــز علــى كيفيــة الدعــم وتوفيــر القــدرات ســواء‬ ‫العســكرية أو السياســية أو االقتصاديــة ملواجهــة مثــل هــذه التهديــدات‪،‬‬ ‫ونســج عالقــات إقليميــة ودوليــة تســمح بذلــك‪ ،‬وأن ينضــم إلــى هــذا‬ ‫التحالــف مســتقباًلا مــن يرغــب مــن دول البحــر األحمــر‪ ،‬وإن كان ضــم‬ ‫إســرائيل إلــى ذلــك ســوف يواجــه محاذيــر كثيــرة‪.‬‬ ‫وبصفــة عامــة‪ ،‬فإنــه ميكــن التأكيــد علــى أن االســتقرار يف البحــر‬ ‫األحمــر ســوف يرتبــط بصــورة كبيــرة مبــا يتــم إجنــازه فيمــا يجــري يف‬ ‫غــزة اليــوم‪ ،‬وشــكل غــزة فيمــا بعــد احلــرب‪ ،‬وشــكل التســوية القادمــة‪،‬‬ ‫نوًعــا مــن‬ ‫وهــل ميكــن أن تنجــح احملاوالت اجلاريــة حال ً​ًيــا لتحقيــق ً‬ ‫التســوية السياســية لألزمــة الفلســطينية اإلســرائيلية بصفــة عامــة‬ ‫والوصــول إلــى صيغــة معينــة تســمح بإقامــة دولــة فلســطينية وانتهــاء‬ ‫الصــراع‪ .‬وإذا مــا مت اتخــاذ خطــوات أساســية إلنهــاء الصــراع ســوف‬ ‫ينعكــس ذلــك بصــورة كبيــرة علــى التهديــدات األمنيــة التــي يشــهدها‬ ‫البحــر األحمــر؛ فمــن الثابــت أن األمــن واالســتقرار يف املنطقــة كل ال‬ ‫يتجــزأ‪ ،‬وأن حتقيــق االســتقرار واســتيعاب التوتــر القائــم يف املشــرق‬ ‫العربــي بصفــة عامــة ميكــن أن ينعكــس علــى االســتقرار واألمــن يف‬ ‫البحــر األحمــر واخلليــج والقــرن اإلفريقــي‪.‬‬

‫*املستشار األكادميي للمركز املرصي للفكر والدراسات االسرتاتيجية ـ مرص‬


‫‪160‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫واحتــواء احلوثــيني وتســليحهم بصــورة كبيــرة‪ ،‬مبــا جعــل مــن احلركــة‬ ‫أهــم الــوكالء اإليرانــيني يف منطقــة الشــرق األوســط‪.‬‬ ‫وفــاق الدعــم اإليرانــي للحوثــيني دعمهــم حلــزب اهلل بصــورة كبيــرة‪،‬‬ ‫وتزايــدت أهميــة احلوثــيني العســكرية يف الســنوات األخيــرة يف ظــل‬ ‫افتقــاد حــزب اهلل مجموعــات عســكرية كبيــرة خاصــة مــن مجموعــات‬ ‫النخبــة يف انخراطــه يف الصــراع يف ســوريا وتعرضــه وتعــرض قيادتــه‬ ‫ومواقعهــا االســتراتيجية هنــاك لضربــات إســرائيلية مكثفــة‪ ،‬كمــا أن‬ ‫انشــغاله يف احلــرب اجلاريــة حال�يـًا يف املنطقــة الشــمالية من إســرائيل‬ ‫ولــو أنــه انشــغال منضبــط بســبب املوقــف اإليرانــي‪ -‬أعطــى فرصــة‬‫ألن يكــون الــذراع األكثــر تأثيـ ً​ًرا هــو الــذراع احلوثــي يف البحــر األحمــر‪،‬‬ ‫وهــو مــا نقــل األزمــة والتوتــر بصــورة كبيــرة مــن منطقــة الشــمال إلــى‬ ‫داخــل منطقــة البحــر األحمــر‪.‬‬ ‫وتتعــدد التهديــدات التــي تشــهدها منطقــة البحــر األحمــر يف الفتــرة‬ ‫احلاليــة‪ ،‬جــراء التطــورات اجلاريــة يف القــرن اإلفريقــي والصراع اجلاري‬ ‫يف الســودان والصــراع اجلاري بني إثيوبيــا والصومــال مؤخــ ً​ًرا حــول‬ ‫ســعي إثيوبيــا إلقامــة قاعــدة عســكرية يف «صوماليالنــد» واعتــراض‬ ‫احلكومــة الفيدراليــة علــى ذلــك؛ أو كذلــك جــراء الصــراع الداخلــي‬ ‫يف اليمــن والــذي رغــم وقــف إطالق النــار فــإن التمــدد احلوثــي ينــذر‬ ‫بإمكانيــة تفجــر األوضــاع بصــورة تهــدد االســتقرار الــذي تتمتــع بــه‬ ‫اليمــن نســب ً​ًيا يف الفتــرة األخيــرة‪.‬‬ ‫وقــد زاد مــن حــدة الصــراع يف البحــر األحمــر يف الفتــرة األخيــرة وهــدد‬ ‫االســتقرار واألمــن األزمــة اجلاريــة حال�يـًا يف غــزة واحلــرب اإلســرائيلية‬ ‫املتصاعــدة علــى القطــاع‪ ،‬وكذلــك امتــداد احلــرب اإلســرائيلية بصــورة‬ ‫أقــل فيمــا يتعلــق بشــمال إســرائيل واملواجهــة املنضبطــة حتــى اآلن‬ ‫بينهــا وبني حــزب اهلل‪ ،‬وتصاعــد التســاؤالت حــول الــدور اإليرانــي‬ ‫الــذي كان يدعــم حمــاس بالدرجــة األولــى واحلديــث الــذي تكــرر كثيـ ً​ًرا‬ ‫ســوا ً​ًء مــن القيــادات احلمســاوية أو مــن قيــادات إيرانيــة عســكرية‬ ‫وسياســية عمــا يســمى بوحــدة الســاحات ومحــور املقاومــة واحلديــث‬ ‫عــن التحالــف القائــم مــا بني أذرع إيــران وبني حمــاس‪ ،‬وهــو األمــر‬ ‫الــذي أدى إلــى تركيــز إيــران علــى حتريــك احلوثــيني لتهديــد املالحــة يف‬ ‫البحــر األحمــر‪ ،‬يف إشــارة إلــى أنهــا تقــوم بــدور مــا يســاهم يف اإليحــاء‬ ‫بــأن إيــران متواجــدة يف األزمــة اجلاريــة يف غــزة وأنهــا تدعــم حمــاس‪.‬‬

‫التهديدات الحوثية ألمن البحر األحمر‬

‫مــن املالحــظ أن قيــام احلوثــيني بالتعــرض للســفن التجاريــة التــي تعبــر‬ ‫بــاب املنــدب وتوجيــه ضربــات لهــا ســواء داخــل البحــر األحمــر أو يف‬ ‫خليــج عــدن‪ ،‬قــد أدى إلــى تهديــد االســتقرار يف املنطقــة ويف البحــر‬ ‫األحمــر وهــدد التجــارة الدوليــة بصــورة كبيــرة‪ ،‬وأثــار ذلــك الكثيــر مــن‬ ‫اخملاوف حــول تأثيــر ذلــك علــى التجــارة الدوليــة بصفــة عامــة وعلــى‬ ‫سالســل اإلمــداد مــا بني آســيا وأوروبــا بصــورة كبيــرة‪ .‬األمــر الــذي لــم‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫يهــدد فقــط املالحــة وإمنــا رتــب آثــا ً​ًرا ســلبية علــى االقتصــاد املصــري‬ ‫مــن خالل توقــف عبــور الســفن الرئيســية والنــاقالت اخملتلفــة ســواء‬ ‫للغــاز أو البتــرول عبــر قنــاة الســويس‪ ،‬وتراجــع العائــد يف ظــل أزمــة‬ ‫اقتصاديــة مصريــة تفــرض احلاجــة إلــى عــادات تلــك القنــاة‪.‬‬ ‫ورغــم أن احلوثيــون أعلنــوا مســاندتهم حلمــاس ومشــاركتهم يف احلــرب‬ ‫اجلاريــة يف غــزة إال أن مــا أطلقــوه مــن أســلحة أو مــن صواريــخ أو‬ ‫طائــرات مســيرة لــم متــس األراضــي اإلســرائيلية أو متثــل تهديـًدًا لهــم‬ ‫يرتــب آثــا ً​ًرا عســكرية مــا‪ ،‬ولكنهــا ســقطت ولألســف علــى األراضــي‬ ‫املصريــة‪ ،‬مهــد ً​ًدا الســياحة وأدى إلــى تراجعهــا بصــورة كبيــرة‪ .‬وبالتالــي‬ ‫كانــت املشــاركة احلوثيــة دفعــت مصــر ثمنهــا ولــم تتأثــر إســرائيل بينهــا‬ ‫حتــى اآلن‪ .‬األمــر الــذي دفــع الواليــات املتحــدة األمريكيــة إلــى إعالن‬ ‫تكويــن حتالــف عســكري ســمي «حــارس االزدهــار»‪ ،‬وأعلنــت أن هــذا‬ ‫التحالــف ســيكون هــو األداة األساســية لضبــط ومنــع احلوثــيني مــن‬ ‫تهديــد التجــارة العامليــة‪ ،‬وإثبــات أن منطقــة البحــر األحمــر تدخــل‬ ‫جيــو سياس ـ ً​ًيا ضمــن االســتراتيجية األمريكيــة العســكرية والسياســية‬ ‫بصــورة كبيــرة‪.‬‬ ‫ورغــم أن واشــنطن أعلنــت انضمــام ‪ 39‬دولــة إلــى هــذا التحالــف‪ ،‬إال أنه‬ ‫لــم يشــارك يف العمليــات ســوى الواليــات املتحــدة األمريكيــة وبريطانيــا‪،‬‬ ‫بــل إن فرنســا أعلنــت أنهــا ســوف تشــارك منفــردة يف تــامني ســفنها‪،‬‬ ‫وكذلــك إيطاليــا‪ ،‬كمــا امتنعــت دول متشــاطئة خاصــة مصــر واململكــة‬ ‫العربيــة الســعودية مــن املشــاركة يف ذلــك ألســباب متعــددة‪ ،‬منهــا أن‬ ‫واضًحــا بــأن املوقــف األمريكــي مــن احلوثــيني كان ضعي ً​ًفــا‬ ‫هنــاك إدرا ً​ًكا‬ ‫ً‬ ‫ولــم يكــن علــى مســتوى املواجهــة‪ ،‬خاصــة وأن اإلدارة األمريكيــة احلاليــة‬ ‫هــي مــن رفعــت احلركــة مــن قائمــة اإلرهــاب‪ ،‬ورغــم أنهــا أعادتهــا إلــى‬ ‫تلــك القائمــة فإنهــا أعادتهــا ككيــان إرهابــي وليــس كتنظيــم إرهابــي‪،‬‬ ‫وهنــاك تفــاوت بني املســتويني‪.‬‬ ‫األمــر اآلخــر أن الواليــات املتحــدة األمريكيــة أرادت يف البدايــة حتجيــم‬ ‫احلوثــيني ليــس فقــط مــن أجــل تــامني حريــة املالحــة ولكــن حتــى تتفرغ‬ ‫إســرائيل بعملياتهــا يف غــزة والتــي أكــدت الواليــات املتحــدة األمريكيــة‬ ‫وبريطانيــا االتفــاق علــى عــدم وقــف إطالق النــار حتــى تاريخــه‪ .‬يضــاف‬ ‫إلــى ذلــك أن الواليــات املتحــدة األمريكيــة اضطــرت يف النهايــة إلــى‬ ‫أن تقــوم بعمليــات عســكرية واضحــة لضــرب احلوثــيني ليــس فقــط‬ ‫الصواريــخ املوجهــة للســفن واســقاطها هــي والطائــرات املســيرة ولكــن‬ ‫تطــور املوقــف العســكري بعــد ذلــك وتواصــل خالل الفتــرة األخيــرة‬ ‫لضــرب مراكــز جتميــع ومراكــز تخزيــن الطائــرات املســيرة والصواريــخ‬ ‫وكذلــك الصواريــخ املعــدة للضــرب‪ ،‬مبــا أثــر علــى القــدرات العســكرية‬ ‫للحوثــيني‪ .‬إال أن املصــادر األمريكيــة ال تــزال تؤكــد أن هنــاك إمــدا ً​ًدا‬ ‫واضًحــا للحوثــيني‪ ،‬وأن هنــاك قيــادات وعناصــر خبــراء مــن‬ ‫إيران ً​ًيــا‬ ‫ً‬ ‫احلــرس الثــوري اإليرانــي يديــرون العمليــة العســكرية للحوثــيني‪ ،‬كمــا‬ ‫كانــت هنــاك إحــدى القطــع العســكرية البحريــة اإليرانيــة يف البحــر‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪159‬‬

‫ملف العدد‬

‫تصاعــدت التهديــدات لألمــن واالســتقرار يف البحــر األحمر مؤخًرًا متأثرة‬ ‫باالس ــتراتيجية اإليراني ــة المتقاطع ــة م ــع الق ــوى اإلقليمي ــة والدولي ــة‬ ‫القــرن اإلفريقــي خــارج بــاب املنــدب وخليــج عــدن‪ ،‬بعــد اعتبــار أن كل‬ ‫هــذه املنطقــة تعــد إقلي ً​ًمــا متماسـ ً​ًكا‪ ،‬ويتأثــر األمــن يف البحــر األحمــر‬ ‫مبــا يجــري يف تلــك املنطقــة بصــورة كبيــرة‪.‬‬ ‫راب ً​ًعــا‪ :‬إن البحــر األحمــر قــد شــهد خالل الســنوت األخيــرة نزاعــات‬ ‫كبيــرة ومتعــددة‪ ،‬خاصــة يف الضفــة الغربيــة للبحــر األحمــر بصــورة‬ ‫أساســية‪ ،‬ســواء النــزاع داخــل الســودان والــذي أدى إلــى تقســيمه بظهــور‬ ‫دولــة جنــوب الســودان‪ ،‬ثــم الصــراع اجلاري يف الصومــال والــذي تعــدد‬ ‫االنقســامات التــي حدثــت فيــه‪ ،‬وكذلــك الصــراع يف إثيوبيــا والطموحات‬ ‫اإلثيوبيــة اخملتلفــة‪ .‬كل هــذا بجانــب القرصنــة التــي امتــدت مــن خــارج‬ ‫بــاب املنــدب إلــى منطقــة خليــج عــدن‪ ،‬وذلــك كلــه أدى إلــى تراكــم‬ ‫النزاعــات داخــل البحــر األحمــر وهــدد االســتقرار واألمــن بصــورة كبيرة‪.‬‬

‫تهديدات متصاعدة‬

‫ويف احلقيقــة فــإن األمــن يف البحــر األحمــر قــد شــهد تصاعــًدًا‬ ‫يف التوتــرات واألزمــات والتهديــدات التــي يشــهدها بصــورة واضحــة‪،‬‬ ‫ارتبطــت بدرجــة أساســية بتنامــي الصــراع مــا بني الواليــات املتحــدة‬ ‫األمريكيــة والــصني‪ ،‬والــذي كانــت مــن مظاهــره األساســية انتقــال‬ ‫الصــراع مــن منطقــة آســيا وبحــر الــصني اجلنوبــي إلــى املســارات‬ ‫البحريــة األساســية التــي متتــد علــى اتســاع املنطقــة وعلــى اتســاع‬ ‫العاــلم‪.‬‬ ‫وكان البحــر األحمــر نقطــة ارتــكاز أساســية يف هــذا اجملال‪ ،‬عبــر‬ ‫عنهــا ســعي البلديــن إلــى إقامــة قاعــدتني كبيــرتني يف جيبوتــي؛‬ ‫إذ تعــد القاعــدة األمريكيــة هنــاك مــن أهــم القواعــد األمريكيــة يف‬ ‫إفريقيــا‪ ،‬وتعــد القاعــدة الصينيــة يف جيبوتــي القاعــدة الصينيــة‬ ‫الوحيــدة العســكرية خــارج أراضيهــا‪ .‬ومتركــز الصــراع يف تلــك املنطقــة‬ ‫يف احمليــط الهنــدي ويف مداخــل منطقــة اخلليــج وانتقــل إلــى البحــر‬

‫األحمــر‪ ،‬لينقــل العســكرة اجلاريــة بني البلديــن أو بني الــصني والــدول‬ ‫الغربيــة علــى اتســاعها إلــى منطقــة البحــر األحمــر؛ فقــد ســعت‬ ‫بريطانيــا ً‬ ‫أيًضــا يف إطــار هــذا الصــراع والتحالــف مــع الواليــات املتحــدة‬ ‫األمريكيــة إلــى دعــم متركزهــا يف املنطقــة ويف مدخــل البحــر األحمــر‪،‬‬ ‫وكذلــك احلضــور الفرنســي يف القــرن اإلفريقــي‪ .‬هكــذا نــرى أن البحــر‬ ‫األحمــر قــد تأثــر بصــورة كبيــرة بالتنافــس الدولــي‪ ،‬ليــس فقــط داخلــه‪،‬‬ ‫ولكــن فيمــا يتعلــق بالقــرن اإلفريقــي والصــراع اجلاري حولــه بصــورة‬ ‫كبــيرة يف الــسنوات األخــيرة‪.‬‬ ‫وقــد تصاعــدت التهديــدات لألمــن واالســتقرار يف البحــر األحمــر يف‬ ‫الســنوات األخيــرة بصــورة كبيــرة باالســتراتيجية اإليرانيــة للتواجــد‪،‬‬ ‫حســب مــا تعلنــه دوائرهــا االســتراتيجية العســكرية‪ ،‬يف املمــرات‬ ‫واملســارات البحريــة اخملتلفــة ســواء بتأكيــد النفــوذ اإليرانــي بصــورة‬ ‫أساســية أو للتأثيــر علــى االســتراتيجيات املنافســة لهــا للقــوى‬ ‫اإلقليميــة والدوليــة األخــرى‪ .‬وبالتالــي ظهــر مــا يســمى بالسياســة‬ ‫البحريــة للحــرس الثــوري اإليرانــي أو «الباســيج البحــري» لدعــم‬ ‫التواجــد العســكري ليــس فقــط يف منطقــة اخلليــج ومضيــق هرمــز‬ ‫ولكــن التمــدد يف احمليــط الهنــدي والبحــر األحمــر وبــاب املنــدب‬ ‫والوصــول إلــى البحــر املتوســط‪.‬‬ ‫كمــا أن هــذا التواجــد اإليرانــي قــد تصاعــد بصــورة كبيــرة يف إطــار‬ ‫ســعي إيــران لتثبيــت نفوذهــا يف الدوائــر احمليطــة باملنطقــة بصفــة‬ ‫عامــة‪ ،‬ليــس فقــط يف منطقــة اخلليــج ولكــن يف العــراق ويف ســوريا‬ ‫ويف لبنــان ويف اليمــن مــن خالل مــا يســمى بــاألذرع اإليرانيــة أو الــوكالء‬ ‫احمللــيني؛ لتنفيــذ سياســاتها‪ .‬وتتولــى تلــك األذرع تثبيــت النفــوذ والقيــام‬ ‫بــاألدوار التــي ال تريــد إيــران أن تتحمــل مســؤوليتها بصــورة مباشــرة‪.‬‬ ‫وكان االنخــراط اإليرانــي يف األزمــة اليمنيــة ترجمــة واضحــة علــى‬ ‫هــذا املســتوى؛ فقــد وضــح حجــم التأثيــر اإليرانــي يف األزمــة اليمنيــة‬


‫‪158‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫البحر األحمر‪ :‬تهديدات متصاعدة ومتغيرات في خريطة الصراع‬

‫أمن البحر األحمر يتطلب تحالف سعودي‪ /‬مصري‬ ‫‪ /‬أردني وعالقات إقليمية ودولية داعمة‬ ‫إن مفهــوم األمــن القومــي بصفــة عامــة ينطلــق مــن اآليــة القرآنيــة الكرميــة «أطعمهــم مــن جــوع وآمنهــم مــن خــوف» وهنــا يف‬ ‫اآليــة نالحــظ اقتــران األمــن بصــورة أساســية مبفهــوم التنميــة وتوفيــر متطلبــات احليــاة‪ ،‬وبالتالــي فــإن األمــن القومــي مبعنــاه‬ ‫الشــامل يــدور حــول محوريــن أساســيني‪ ،‬وهمــا‪ :‬كيفيــة توفيــر األمــن مبعنــاه الضيــق‪ ،‬وكيفيــة توفيــر األمــن مبعنــاه الواســع وهو كل‬ ‫مــا يكفــل حتقيــق التنميــة‪ ،‬مثــل األمــن السياســي واالقتصــادي واالجتماعــي والثقــايف ويضــاف إليهــم األمــن العلمــي بــكل أبعــاده‪.‬‬ ‫وبالتالــي فــإن احلديــث عــن األمــن يف البحــر األحمــر بصفــة عامــة يجــب أن ينطلــق مــن هذيــن احملوريــن‪ .‬غيــر أن حتقيــق األمــن‬ ‫للــدول املتشــاطئة يعنــي كيفيــة مواجهتهــا ملا يتعــرض لــه إقليــم البحــر األحمــر مــن تهديــدات‪ ،‬ويف نفــس الوقــت كيــف توفــر‬ ‫متطلبــات دعــم التنميــة الشــاملة وحمايــة مصاحلهــا ودعــم االســتقرار واســتيعاب أيــة توتــرات ميكــن أن تؤثــر ســلب ً​ًيا علــى ذلــك‪.‬‬ ‫بالنظــر إلــى جغرافيــا البحــر األحمــر‪ ،‬نالحــظ أن الشــواطئ الســعودية واملصريــة متثــل احليــز األكبــر مــن جغرافيــا البحــر األحمر‬ ‫بصفــة عامــة؛ فشــواطئ الســعودية وحدهــا متثــل حوالــي ‪ %40‬مــن إجمالــي شــواطئ البحــر األحمــر وتليهــا الشــواطئ املصريــة‬ ‫التــي تبلــغ حوالــي ‪ %26‬ــمن إجماــلي ــشواطئ البــحر األحــمر‪.‬‬

‫د‪ .‬محمد مجاهد الزيات‬

‫ومتثــل التهديــدات التــي يتعــرض إليهــا البحــر األحمــر يف الفتــرة‬ ‫األخيــرة أهميــة كبيــرة؛ بالنظــر إلــى أن هنــاك مشــروعات تطويــر‬ ‫وتنميــة متصاعــدة‪ ،‬ترجمهــا البرنامــج التنمــوي الطمــوح الــذي يقــوده‬ ‫ولــي العهــد ورئيــس مجلــس الــوزراء الســعودي األميــر محمــد بــن‬ ‫ســلمان لتحديــث ســواحل البحــر األحمــر يف اململكــة‪ ،‬والقيــام بعمليــة‬ ‫بنــاء وإصالح ليــس فقــط اقتصاد�يـًا ولكــن سياسـ ً​ًيا واقتصاد�يـًا وثقاف�يـًا‬ ‫يشــمل تلــك املنطقــة وســياح ً​ًيا علــى ‪ 17‬جزيــرة ســعودية يجــري حتويلها‬ ‫إلــى مراكــز ســياحية وثقافيــة عامليــة‪.‬‬ ‫ويف مصــر ً‬ ‫أيًضــا‪ ،‬تشــهد ســواحل البحــر األحمــر عمليــة بنــاء‬ ‫وتنميــة طموحــة‪ .‬وكل هــذه البرامــج االقتصاديــة والتنمويــة جتعــل‬ ‫مــن التهديــدات التــي يتعــرض لهــا االســتقرار واألمــن يف اخلليــج‬ ‫أهميــة قصــوى وتتطلــب االنتبــاه إلــى مــدى التأثيــرات الســلبية لتلــك‬ ‫التهديــدات علــى تلــك البرامــج التنمويــة بصــورة كبيــرة‪ ،‬وإمكانيــة تفجــر‬ ‫األوضــاع العســكرية وتهديــد االســتقرار‪.‬‬

‫مالحظات مبدئية‬

‫إن األمــن يف البحــر األحمــر لــم يعــد قضيــة محليــة أو قضيــة إقليميــة‬

‫فقــط‪ ،‬ولكنــه أصبــح قضيــة دوليــة خاصــة يف الســنوات العشــر‬ ‫األخــيرة‪ ،‬وــهو ــما وــضح بــصورة جلــية ــمن خالل ــعدة عواــمل‬ ‫أواًلا‪ :‬تكثيــف االهتمــام الدولــي بالتواجــد داخــل املنطقــة أو االنخــراط‬ ‫يف قضاياهــا والنزاعــات اجلاريــة فيهــا‪ ،‬فــضاًلا عــن تشــابك القضايــا‬ ‫املثــارة يف إقليــم البحــر األحمــر واألقاليــم اجملاورة بقضايــا املنطقــة‬ ‫وتــشابك القضاــيا فيــما بينــها وانــخراط األــطراف اخملتلــفة فيــها‪.‬‬ ‫ثان ً​ًيــا‪ :‬إن األمــن يف البحــر األحمــر هــو نطــاق فرعــي لألمــن اإلقليمــي‬ ‫بصفــة عامــة واألمــن الدولــي‪ ،‬وهنــاك ترابــط واضــح مــا بني األمــن‬ ‫يف البحــر األحمــر واألمــن يف اخلليــج واألمــن العربــي بصفــة عامــة‪،‬‬ ‫وإن كان هنــاك وضــوح أكثــر الرتبــاط األمــن يف البحــر األحمــر باألمــن‬ ‫القومــي للمملكــة العربيــة الســعودية واألمــن القومــي ملصــر بدرجــة‬ ‫كبيــرة‪ ،‬باعتبارهمــا أكبــر دولــتني متشــاطئتني يف داخــل إقليــم البحــر‬ ‫األحمــر‪.‬‬ ‫ثال ً​ًثــا‪ :‬إن إقليــم البحــر األحمــر ليــس فقــط بحــدوده مــن العقبــة‬ ‫وبورســعيد شــمااًلا حتــى بــاب املنــدب جنو ً​ًبــا‪ ،‬ولكــن ذلــك ميتــد حتــى‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪157‬‬

‫ملف العدد‬

‫عــدم االســتقرار يف البحــر األحمــر يــؤدى لصدمــات تضخميــة مــن خالل‬ ‫ارتفــاع تكلفــة الســلع التــي تتطلــب مــدخالت مــن آســيا والشــرق األوســط‬ ‫كمــا يســتهدف احلوثيــون بتعريــض التجــارة الدوليــة للتهديــد يف واحــد‬ ‫مــن أهــم ممــرات الشــحن يف العالــم لتأكيــد قدراتهــم العســكرية علــى‬ ‫املســرح العاملــي‪ ،‬وتعزيــز وضعــه كفاعــل إقليمــى يؤثــر علــى األمــن‬ ‫اإلقليمــي‪ ،‬لزيــادة ميكنهــم زيــادة نفوذهــم علــى طاولــة املفاوضــات‬ ‫لــتأمني أولوياتــهم احمللــية‪.‬‬ ‫مــن شــأن هــذه الهجمــات أن تــؤدي إلــى تفاقــم الوضــع يف اليمــن‬ ‫فهجمــات احلوثــيني علــى الشــحن البحــري‪ ،‬والــرد العســكري األمريكــي‬ ‫والبريطانــي‪ ،‬قــد يــؤدي إلــى قلــب محادثــات الــسالم اليمنيــة‪ ،‬والتأثيــر‬ ‫علــى العمليــة الســلمية برمتهــا‪ .‬ومــن جهــة أخــرى فإن تأثيــر أزمة البحر‬ ‫األحمــر علــى تكاليــف التــأمني والنقــل للســفن التجاريــة املســافرة إلــى‬ ‫اليمــن قــد يــؤدى إلــى ارتفــاع أســعار الســلع التــي يســتوردها اليمــن‪،‬‬ ‫مثــل املــواد الغذائيــة‪ ،‬ممــا يفاقــم الوضــع اإلنســاني‪ ،‬فــضال عــن أن‬ ‫إعــادة واشــنطن تصنيــف احلوثــيني بأنهــا جماعــة إرهابيــة مــن شــأنه‬ ‫يؤــثر عــلى املعوــنات واملــساعدات اإلنــسانية لليــمن‪.‬‬ ‫كمــا قــد تــؤدى إلــى زيــادة التوتــرات اإلقليميــة يف الوقــت الــذي تشــهد‬ ‫فيــه املنطقــة إضرابــات بفعــل احلــرب يف غــزة مــن جهــة ومهاجمــة‬ ‫امليليشــيات العراقيــة للقــوات األمريكيــة يف العــراق وســوريا‪ .‬أن التقلبات‬ ‫األخيــرة يف البحــر األحمــر قــد حتيــي شــبح القرصنــة البحريــة‪ ،‬فمــع‬ ‫تزايــد احلــوادث ومــع اضطــرار الســفن إلــى تغييــر مســارها وتوجيــه‬ ‫املــوارد العســكرية نحــو مكافحــة احلوثــيني‪ ،‬فقــد يظهــر فــراغ ميكــن‬ ‫للقراصنــة اســتغالله‪.‬‬ ‫يتصاعد الوضع مع استمرار احلوثيني يف هجماتهم وإعالن الواليات‬ ‫املتحــدة عــن التصــدي للهجمــات ثــم االنتقــال ملرحلــة مهاجمــة األصــول‬ ‫العســكرية للحوثــيني‪ .‬فقــد أطلــق احلوثيــون صواريــخ كــروز مضــاد‬ ‫ة للســفن باجتــاه ســفينة بحريــة أمريكيــة يف جنــوب البحــر األحمــر‬ ‫فــضاًلا عــن الســفن التجاريــة كمــا اســتخدم احلوثيــون الطائــرات بــدون‬ ‫طيــار ت يف خليــج عــدن‪ ،‬أعلنــت الواليــات املتحــدة عــن ضربــات ضــد‬ ‫‪ 14‬صاروخــًاً للحوثــيني «كانــت محملــة لإلطالق»‪ .‬كمــا اســتهدفت‬ ‫صواريــخ مضــادة للســفن‪ ،‬كمــا نفــذت بريطانيــا والواليــات املتحــدة‪،‬‬ ‫بدعــم مــرة مــن أســتراليا والبحريــن وكنــدا وهولنــدا‪ ،‬جولــة جديــدة مــن‬ ‫الضربــاات‪ .‬اســتهدفت العمليــات إلــى إضعــاف قــدرات احلوثــيني علــى‬ ‫مواصلــة هجماتهــم علــى املالحــة والتجــارة الدوليــة يف البحــر األحمــر‬ ‫ومضــيق ــباب املــندب وخلــيج ــعدن‪.‬‬

‫ويف ‪ 10‬ينايــر اعتمــد اجمللــس القــرار رقــم ‪ ،2722‬الــذي صاغتــه‬ ‫الواليــات املتحــدة واليابــان‪ ،‬وأدان القــرار هجمــات احلوثــيني علــى‬ ‫الســفن التجاريــة‪ ،‬والتــي بلــغ عددهــا ‪ 24‬ســفينة علــى األقــل منــذ ‪19‬‬ ‫نوفمبــر ‪2023‬م‪ ،‬وطالــب القــرار احلوثــيني بالوقــف الفــوري جلميــع هــذه‬ ‫الهجمــات‪ ،‬وأكــد ضــرورة احتــرام احلقــوق واحلريــات املالحيــة للســفن‬ ‫التجارــية‪ ،‬وفًقـ ـًا للقاــنون الدوــلي‪.‬‬ ‫ممــا ســبق نســتنتج أنــه يف الســنوات املاضيــة كان تركيــز االهتمــام‬ ‫الدولــي علــى احتمــاالت قيــام إيــران بــإغالق مضيــق هرمــز‪ ،‬والتأثيــر‬ ‫الــذي قــد يخلفــه علــى إمــدادات الطاقــة العامليــة‪ ،‬فحتــى اإلغالق‬ ‫املؤقــت أو التعطيــل العســكري للممــر املائــي مــن شــأنه أن يتســبب‬ ‫يف ارتفــاع أســعار الطاقــة وميكــن أن يزعــزع االســتقرار السياســي يف‬ ‫منطقــة اخلليــج العربــي‪ ،‬ومــع ذلــك‪ ،‬لــم يكــن هنــاك اهتمــام كبيــر‬ ‫بالنشــاط اإليرانــي يف البحــر األحمــر‪ ،‬علــى الرغــم مــن أهميــة مضيــق‬ ‫بــاب املنــدب لشــحنات النفــط العامليــة‪.‬‬ ‫وفــى ظــل حتــول البحــر األحمــر إلــى نقطــة محوريــة للمنافســة الدوليــة‬ ‫خاصــة يف ظــل وجــود إحــدى عشــرة قاعــدة عســكرية يف القــرن‬‫اإلفريقــي‪ ،‬والتــي تنتمــي إلــى العديــد مــن القــوى اإلقليميــة والدوليــة‬ ‫املتنافســة‪ ،‬ميكــن أن تتصاعــد األعمــال العدائيــة إلــى حــرب دوليــة‪،‬‬ ‫وتــؤدي إلــى فــرض شــروط جديــدة علــى املالحــة الدوليــة يف منطقــة‬ ‫البحــر األحمــر‪.‬‬ ‫إن هجمــات احلوثــيني يف البحــر األحمــر‪ ،‬وارتباطــًاً بسياســة إيــران‬ ‫التوســعية ومــد العمــق االســتراتيجي‪ ،‬جعــل أمــن البحــر األحمــر ورقــة‬ ‫جديــدة للتاثيــر يف األمــن اإلقليمــى للمنطقــة‪ ،‬ومــن ثــم لــن تتخلــى‬ ‫إيــران عــن توظيفهــا كورقــة مســاومة مــع واشــنطن‪ .‬وهــو مــا يدفــع‬ ‫للتســاؤل حــول مــدى أهميــة بحــث آليــات جديــدة حلــل املعضلــة‬ ‫األمنيــة للبحــر األحمــر بالتشــارك بني الــدول املتشــاطئة لــه ولكــن‬ ‫ليــس مبعــزل وضــع احلوثــيني ودورهــم يف العمليــة السياســية يف اليمــن‬ ‫مــن جهــة وعالقتهــم بإيــران مــن جهــة وعالقــة إيــران بالــدول العربيــة‬ ‫ــمن جــهة ثالــثة‪.‬‬

‫*أستاذ مساعد العلوم السياسية ـ كلية االقتصاد ـ رئيس وحدة الدراسات‬ ‫اإليرانية باملركز املرصي للفكر والدراسات االسرتاتيجية‬


‫‪156‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫ال يمكن تحليل هجمات الحوثي يف البحر األحمر بمعزل عن االستراتيجية‬ ‫اإلقليميــة إليــران يف الشــرق األوســط وطموحاتهــا اإلقليميــة التوســعية‬ ‫وفــى إطــار السياســة التوســعية البحريــة إليــران تبــرز أهميــة توظيــف‬ ‫جماعــة احلوثــى‪ ،‬حيــث مــن خالل األعمــال العدائيــة لهــم بالبحــر‬ ‫األحمــر حيــث تقــوم إيــران بالتأثيــر يف املالحــة البحريــة يف منطقــة‬ ‫خليــج عــدن وبــاب املنــدب ومــن ثــم البحــر األحمــر‪ ،‬والتاثيــر علــى‬ ‫مصالــح الــدول املتشــاطئة‪ .‬لــذا تســعى طهــران ملــد تأثيراتهــا علــى‬ ‫املالحــة مــن منطقــة خليــج عمــان ومضيــق هرمــز يف اخلليــج العربــى‬ ‫علــى منطقــة القــرن اإلفريقــي والبحــر األحمــر‪ ،‬وهــو مــا يفســر ســعى‬ ‫طــهران لتعزــيز عالقتــها بالــسودان ودول الــقرن اإلفريــقي‪.‬‬ ‫وبتطــور الهجمــات حتــى األن‪ ،‬نســتنتج تزايــد الصواريــخ الباليســتية‬ ‫اإليرانيــة املضــادة للســفن وهــي يف خدمــة احلوثــيني بإصــدارات‬ ‫جديــدة‪ ،‬كمــا صنعــت إيــران صواريــخ كــروز منخفضــة التكلفــة‪ .‬فــضال‬ ‫عــن طائــرات شــاهد بــدون طيــار واألنــواع املشــابهة ضــد الســفن‬ ‫املتحركــة‪ .‬كمــا إن إرســال طهــران ســفينة حربيــة إلــى البحــر األحمــر‬ ‫يأخــذ اســتعراض القــوة اإليرانيــة يف املنطقــة إلــى مســتوى آخــر يف‬ ‫حتــدى القــوات األمريكيــة‪ ،‬رغــم أنهــا ال ترغــب يف مواجهــة مباشــرة مــع‬ ‫واشــنطن‪ .‬لقــد عملــت إيــران علــى نقــل الصــراع يف الشــرق األوســط‬ ‫للميــدان البحــري كذلــك كجــزء مــن اســتراتيجية إلظهــار قوتهــا يف‬ ‫املنطقــة‪.‬‬ ‫ويبــرز ذلــك مــن محــاوالت اســتعراض القــوة البحريــة للحــرس الثوري يف‬ ‫ميــاه اخلليــج العربــي ومضيــق هرمــز وتطويــر ســفن بحريــة وفرقاطــات‬ ‫متطــورة‪ ،‬وتطويــر أنظمــة صاروخيــة مضــادة للســفن‪ ،‬ومــن جهــة أخــرى‬ ‫حتــاول اســتعراض القــوة البحريــة عبــر مــرور الســفن اإليرانيــة عبــر‬ ‫امليــاه الدوليــة‪ .‬فقــد ســبق أن أعلنــت البحريــة اإليرانيــة نيــة اإلبحــار‬ ‫يف منطقــة القطــب اجلنوبــي‪ ،‬إلــى جانــب وجودهــم بالقــرب مــن‬ ‫احلــدود البحريــة للواليــات املتحــدة يف احمليــط األطلســي‪ .‬وتأتــي هــذه‬ ‫اإلجــراءات يف إطــار اجلهــود الراميــة إلــى اســتعراض قوتهــم والــرد علــى‬ ‫الوجــود العســكري األمريكــي يف اخلليــج العربــى‪ ،‬ولكــن مؤخـرًاً حتــاول‬ ‫إيــران اســتعراض تواجدهــا يف خليــج عــدن ومضيــق بــاب املنــدب مبــا‬ ‫يؤثــر علــى أمــن البحــر األحمــر‪ ،‬واملناطــق البحريــة األخــرى‪.‬‬ ‫تعتبــر إيــران أن إعــادة متوضعهــا ضمــن النظــام العالـمى اجلديــد الــذي‬ ‫تســعى لتشــكيله مــع القــوى األخــرى كالــصني وروســيا‪ ،‬يعتمــد يف جــزء‬ ‫منــه علــى جناحهــا يف الســيطرة علــى البحــار واملمــرات املائيــة الهامــة‪،‬‬ ‫فقــد ســبق وصــرح قائــد القــوات البحريــة يف احلــرس الثــورى علــي رضا‬

‫تنكســيري إنــه يجــب الســيطرة علــى البحــر إذا أرادت إيــران التأثيــر يف‬ ‫هندســة النظــام العاملــي اجلديــد‪ ،‬كمــا أكــد أن املرشــد اإليرانــي قــد‬ ‫أــمر باالنتــقال ــمن اخللــيج نــحو اخللــيج‪ ،‬والبــحار واحمليــطات األــخرى‪.‬‬ ‫كمــا بــرزت محــاوالت إيــران الســتعراض القــوة مــن خالل محاولتهــا‬ ‫إضفــاء الفارســية علــى اخلليــج العربــى‪ ،‬فقــد أعلــن قائــد البحريــة‬ ‫اإليرانيــة أن «أي ســفينة ترغــب يف املــرور عبــر مضيــق هرمــز يجــب‬ ‫أن تبلغنــا بجنســيتها ونــوع حمولتهــا ووجهتهــا باللغــة الفارســية‪ ،‬وإذا‬ ‫فشــلت يف ذلــك فســوف نالحقهــا»‪ .‬يف غضــون ذلــك‪ ،‬قــال املتحــدث‬ ‫باســم وزارة اخلارجيــة اإليرانيــة ناصــر كنعانــي‪ ،‬إن «إيــران هــي الدولــة‬ ‫األكثــر فعاليــة يف ضمــان األمــن البحــري يف اخلليــج وامليــاه اإلقليميــة‬ ‫والدوليــة‪ .‬وقــد ضمنــت دائ ً​ًمــا املــرور اآلمــن للســفن عبــر مضيــق‬ ‫هرمــز»‪.‬‬ ‫تــدرك إيــران أن البيئــة الدوليــة املضطربــة هي اللحظة املناســبة لتعزيز‬ ‫نفوذهــا اإلقليمــي والدولــي‪ ،‬وتشــير تصريحــات املســؤولني اإليرانــيني‬ ‫إلــى أن تصرفــات إيــران يف الواقــع تتجــاوز التعــاون اإلقليمــي لضمــان‬ ‫األمــن البحــري‪ ،‬وبــدال مــن ذلــك‪ ،‬فإنهــا تعمــل علــى ترســيخ الهيمنــة‬ ‫اإليرانيــة األحاديــة اجلانــب علــى امليــاه اإلقليميــة‪ .‬تســعى إيــران إلــى‬ ‫تهديــد املالحــة يف املمــرات البحريــة احليويــة يف املنطقــة‪ ،‬مبــا ميكــن‬ ‫الطائــرات بــدون طيــار والقــوارب الســريعة والفرقاطــات وغيرهــا مــن‬ ‫الســفن الصغيــرة أن تهــدد أســاطيل الشــحن يف امليــاه اإلقليميــة‪ ،‬وهــو‬ ‫مــا يتماشــى مــع العقيــدة العســكرية اإليرانيــة التــي تتمحــور حــول‬ ‫احلـحرب بالوكاــلة‪ ،‬ويفــسر ذــلك ــسلوك احلوــثيني يف البــحر األحــمر‪.‬‬

‫ثالثًاً‪ :‬أهداف الحوثيين من هجمات البحر األحمر‪:‬‬

‫بــرر احلوثيــون هجماتهــم علــى ســفن الشــحن باعتبارهــا رد علــى‬ ‫العمليــة العســكرية اإلســرائيلية يف غــزة‪ ،‬وأن املســتهدف هــو وقــف‬ ‫العدوان اإلســرائيلي‪ .‬وفى حني لم تتوقف اآللة العســكرية اإلســرائيلية‬ ‫حتــى اآلن‪ ،‬فــإن الهــدف مــن هجمــات احلوثــي ترتبــط بأســباب داخليــة‬ ‫تتعلــق بالسياســة الداخليــة يف اليمــن‪ ،‬وأســباب إقليميــة ترتبــط بإعــادة‬ ‫متوضــع احلوثــيني كفاعــل مؤثــر يف املنطقــة مــن جهــة‪ ،‬ولــدى إيــران‪،‬‬ ‫أي الرغبــة يف تقــدمي ذاتــه باعتبــاره جماعــة مقاومــة تناهــض إســرائيل‬ ‫وتدافــع مــن أجــل قضيــة عربيــة أمــام الشــعب اليمنــى وليــس جماعــة‬ ‫متمــردة‪ ،‬ومــن جهــة أخــرى للعــب دور مماثــل لــدور حــزب اهلل اللبنانــي‪،‬‬ ‫ورفــع مكانتــه لــدى إيــران باعتبــاره قــادر علــى التأثيــر يف أمــن البحــر‬ ‫األحــمر‪ ،‬حــيث ال توــجد ــسيطرة إيرانــية ــبه‪.‬‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪155‬‬

‫ملف العدد‬

‫تــدرك إيــران أن البيئــة الدوليــة المضطربــة هــي اللحظــة المناســبة‬ ‫لتعزيــز نفوذهــا اإلقليمــي والــدويل‬ ‫أن االضطرابــات احلاليــة ســتؤثر يف املقــام األول علــى طــرق التجــارة‬ ‫وسالســل التوريــد بني أوروبــا وآســيا‪ ،‬فيمــر عبــر هــذه املنطقــة‬ ‫البحريــة ســنو ً​ًيا مــا يقــرب مــن ‪ %12‬مــن التجــارة العامليــة و‪ %30‬مــن‬ ‫حركــة احلاويــات العامليــة‪ .‬وقــد أدت تلــك الهجمــات إلــى تعطيــل‬ ‫الشــحن البحــري العاملــي بشــكل كبيــر مــن خالل إجبــار العديــد مــن‬ ‫شــركات النقــل علــى تعليــق العبــور عبــر البحــر األحمــر وقنــاة الســويس‬ ‫والســفر بـ ً‬ ‫ـدًال مــن ذلــك عبــر طريــق رأس الرجــاء الصالــح ومــن ثــم‬ ‫فــإن اســتمرار عــدم االســتقرار يف البحــر األحمــر ســيؤدى إلــى حــدوث‬ ‫صدمــات للتضخــم‪ ،‬مــن خالل عوامــل دفــع التكلفــة‪ ،‬وارتفــاع تكلفــة‬ ‫الســلع التــي تتطلــب مــدخالت مــن آســيا والشــرق األوســط‪ ،‬ممــا يــؤدى‬ ‫إلــى ارتفــاع أســعار الســلع األساســية ومــن ثــم حــدوث صدمــة ثانيــة‬ ‫يف األســعار علــى غــرار مــا حــدث يف أعقــاب جائحــة كورونــا واحلــرب‬ ‫الروســية األوكرانيــة‪ .‬وســيترتب علــى توقــف حركــة الشــحن العامليــة‬ ‫يف منطقــة البحــر األحمــر وحتــول إلــى منطقــة رأس الرجــاء الصالــح‬ ‫أي رحالت شــحن أطــول‪ ،‬ممــا تعنــي املزيــد مــن الطلــب علــى الوقــود‪،‬‬ ‫كمــا أن القيــود املفروضــة علــى الشــحن تعنــي املزيــد مــن القيــود علــى‬ ‫العــرض‪ ،‬أى محدوديــة العــرض وارتفــاع التكاليــف لــكل وحــدة‪.‬‬

‫ثانيًاً‪ :‬موقع البحر األحمر يف السياسة البحرية اإليرانية‪:‬‬

‫لقــد كان النفــوذ البحــري منــذ فتــرة طويلــة نقطــة اهتمــام إيــران‪،‬‬ ‫ومؤخــرًاً عملــت إيــران علــى انتهــاج سياســة بحريــة توســعية وأكثــر‬

‫نشــاطًاً‪ ،‬وجــاءت توجيهــات املرشــد اإليرانــي علــى خامنئــي عــام ‪2017‬م‪،‬‬ ‫لقــادة البحريــة اإليرانيــة ثــم تعليماتــه مؤخرًاً يف نوفمبــر ‪2023‬م‪ ،‬املاضي‬ ‫لكافــة مؤسســات الدولــة لتعكــس أهميــة املمــرات املائيــة والبحــار يف‬ ‫االســتراتيجية اإليرانيــة‪ ،‬والتــي ال تنفصــل عــن أهــداف االســتراتيجية‬ ‫اإليرانيــة يف الشــرق األوســط‪ .‬فقــد دعــا خامنئــي القــادة العســكريني‬ ‫إلــى توســيع القــدرات البحريــة‪ ،‬وفــى أحــد االجتماعــات مــع قــادة‬ ‫البحريــة‪ ،‬قــال خامنئــي إن البحريــة يجــب أن تعــزز أصولهــا وقدراتهــا‬ ‫مــن حيــث املعــدات العســكرية والقــوة القتاليــة‪ ،‬كمــا شــدد علــى‬ ‫ضــرورة توســيع عمليــات البحريــة يف املناطــق احلرجــة مثــل ســاحل‬ ‫مكــران وبحــر عمــان‪ ،‬وحــث البحريــة علــى احلفــاظ علــى وجودهــا يف‬ ‫امليــاه الدوليــة‪ .‬وقــد أخطــر خامنئــي اجلهــات احلكوميــة (مــن ســلطة‬ ‫تنفيذيــة ممثلــة يف إدارة الرئيــس إبراهيــم رئيســي‪ ،‬والبــرملان‪ ،‬والســلطة‬ ‫القضائيــة) بالسياســات اجلديــدة التــي يجــب أن تنتهجهــا طهــران‬ ‫والتــي تهــدف إلــى االرتقــاء باملشــاريع البحريــة إلــى مســتوى جديــد‪.‬‬ ‫لــذا ركــزت إيــران بشــكل متزايــد علــى تطويــر قدراتهــا البحريــة يف‬ ‫الســنوات األخيــرة‪ ،‬ورمبــا يكــون تخفيــف العقوبــات بعــد رفــع العقوبــات‬ ‫الدوليــة املتعلقــة بالبرنامــج النــووي قــد ســاعد طهــران علــى االســتثمار‬ ‫بشــكل أكبــر يف قواتهــا البحريــة‪ ،‬مبــا يف ذلــك الســفن احلربيــة‬ ‫والغواصــات‪ .‬وأعلنــت البحريــة اإليرانيــة عــن ســعيها لتصنيــع ســفن‬ ‫حربيــة إلطالق الصواريــخ تســمى ســيبار وغواصــة حتمــل اســم فــاحت‪.‬‬


‫‪154‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫إيران تعتبر إعادة تموضعها ضمن النظام العالمي الجديد مع القوى الكبرى‬

‫هجمات الحوثيين جعلت البحر األحمر ورقة للتأثير‬ ‫يف األمن اإلقليمي وللمساومة اإليرانية ـ األمريكية‬ ‫تصاعــدت التوتــرات بني ميليشــيا احلوثــي يف اليمــن والواليــات املتحــدة بعــد أن اســتولى احلوثيــون علــى طاقــم ســفينة شــحن‬ ‫جتاريــة يف ‪ 19‬نوفمبــر ‪2023‬م‪ .‬وقامــوا بشــن هجمــات – باســتخدام طائــرات بــدون طيــار وصواريــخ وقــوارب صغيــرة – علــى‬ ‫الســفن التجاريــة والســفن احلربيــة البحريــة يف البحــر األحمــر‪ ،‬أحــد أهــم املمــرات املائيــة يف العالــم للتجــارة الدوليــة‪ .‬ادعــى‬ ‫احلوثيــون يف البدايــة أنهــم كانــوا يســتهدفون الســفن التجاريــة املتجهــة إلــى إســرائيل أو املرتبطــة بهــا إلظهــار التضامــن مــع‬ ‫الفلســطينيني يف غــزة‪ .‬وردت الواليــات املتحــدة يف ‪ 18‬ديســمبر بــإطالق عمليــة «حــارس االزدهــار»‪ ،‬وهــي حتالــف يضــم أكثــر مــن‬ ‫‪ 20‬دولــة مكلــف بحمايــة الشــحن الدولــي‪ .‬وقــال وزيــر الدفــاع األمريكــي لويــد أوسنت إن مهمــة التحالــف هــي «التصــدي بشــكل‬ ‫مشــترك للتحديــات األمنيــة يف جنــوب البحــر األحمــر وخليــج عــدن‪ ،‬بهــدف ضمــان حريــة املالحــة جلميــع البلــدان وتعزيــز األمــن‬ ‫واالزدهــار اإلقليمــيني»‪.‬‬

‫د‪ .‬هدى رؤوف‬

‫وأطلقــت القيــادة املركزيــة األمريكيــة مــا أســمته الضربــات املتعــددة‬ ‫األطــراف والضربــات الديناميكيــة داخــل املناطــق التــي يســيطر عليهــا‬ ‫احلوثيــون يف اليمــن ومرافــق التخزيــن‪ ،‬كمــا حــذر بايــدن الالعــبني‬ ‫اإلقليمــيني املدعــومني مــن إيــران‪ ،‬مبــا يف ذلــك احلوثــيني‪ ،‬مــن توســيع‬ ‫حــرب الشــرق األوســط بني إســرائيل وحمــاس يف غــزة‪ ،‬لكــن الهجمــات‬ ‫اســتمرت‪ ،‬وزعــم قــادة احلوثــيني أن الضغــوط األمريكيــة لــن تغيــر‬ ‫هجماتهــم يف البحــر األحمــر‪ ،‬الــذي ميــر عبــره حوالــي ‪ % 30‬مــن‬ ‫الــشحن التــجاري العاملـمي‪.‬‬

‫هجمــات البحــر األحمــر‪ ،‬ومــا هــي تداعيــات تلــك الهجمــات بالنســبة‬ ‫إليــران؟ ومــا هــي التداعيــات علــى البحــر األحمــر كممــر مائــى هــام؟‬ ‫وهــل ترتبــط العمليــات احلوثيــة بالعمليــة اإلســرائيلية يف قطــاع غــزة؟‬ ‫وهــل أثــرت عليهــا؟‬ ‫ال ميكــن حتليــل مــا يحــدث يف البحــر األحمــر مــن اضطرابــات بفعــل‬ ‫هجمــات احلوثــيني مبعــزل عــن االســتراتيجية اإلقليميــة إليــران يف‬ ‫الشــرق األوســط‪ ،‬وطموحــات التوســع والنفــوذ اإلقليمــى وتوســع العمــق‬ ‫االســتراتيجي لهــا‪ ،‬وال بعي ـدًاً عــن السياســة البحريــة إليــران‪.‬‬

‫وفــى حني أعلنــت الواليــات املتحــدة أن األســلحة املســتخدمة مــن‬ ‫قبــل احلوثــيني هــي إيرانيــة الصنــع وقــد زودتهــم بهــا طهــران‪ ،‬إال‬ ‫أن واشــنطن تصــرح بأنهــا غيــر متيقنــة ممــا إذا مــا كانــت هجمــات‬ ‫احلوــثيني مرتبــطة بأواــمر ــمن طــهران أم ال‪.‬‬

‫أوًالً‪ :‬األهمية االستراتيجية للبحر األحمر‪:‬‬

‫وفــى هــذا اإلطــار تثــار األســئلة حــول مــا هــي أهــداف احلوثــيني مــن‬

‫ألهميــة منطقــة البحــر األحمــر وخليجــي عــدن وعمــان يف ضمان تدفق‬ ‫إمــدادات النفــط والغــاز الالزمــة لتحقيــق أمــن الطاقــة‪ .‬باإلضافــة إلــى‬ ‫ذلــك‪ ،‬متثــل هــذه املنطقــة اجلغرافيــة ركيــزة مهمــة يف احلفــاظ علــى‬ ‫االقتصــاد والتجــارة الدولــيني‪ .‬وعلــى الرغــم مــن أهميــة هــذه املنطقــة‬ ‫البحريــة يف احلفــاظ علــى األمــن العاملــي‪.‬‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪153‬‬

‫ملف العدد‬

‫ل ــن يتحق ــق اس ــتقرار البح ــر األحم ــر باس ــتراتيجية ضيق ــة تقتص ــر‬ ‫عىل حماي ــة التج ــارة البحري ــة ب ــل بتس ــوية لألزمتي ــن يف غ ــزة و اليم ــن‬ ‫اجلاري يف املنطقــة‪.‬‬ ‫يف الواقــع‪ ،‬ميكــن أن نــرى نقــاط الضعــف يف السياســة الصينيــة نحــو‬ ‫الشــرق األوســط مــن خالل غيــاب بــكني علــى املســتوى الدبلوماســي‪.‬‬ ‫فقبــل شــهر أكتوبــر ‪٢٠٢٣‬م‪ ،‬كان تأثيــر الــصني يف املنطقــة املوضــوع‬ ‫احملــوري بعــد تعزيــز عالقاتهــا مــع دول اخلليــج وإيــران وإســرائيل‪.‬‬ ‫وخالل العقــد الســابق‪ ،‬اســتطاعت الــصني أن تقــّوّي هــذه الشــراكة‬ ‫اإلقليميــة بفضــل املقاربــة الدبلوماســية التــي ركــزت علــى العالقــات‬ ‫التجاريــة واملاليــة ومــن وجهــة نظــر بــكني فــإّنّ زيــادة التبــادالت‬ ‫االقتصاديــة تــؤدي إلــى اســتقرار املنطقــة‪ ،‬وخيــر دليــل علــى هــذا‪،‬‬ ‫االتفــاق الــذي ّمتّ بني اململكــة العربيــة الســعودية وإيــران يف شــهر‬ ‫مــارس حتــت وســاطة الــصني‪ .‬هكــذا يبــدو أنــه قبــل احلــرب احلاليــة‬ ‫بني إســرائيل وحمــاس‪ ،‬قــد جنحــت السياســة الصينيــة مــن املنظــور‬ ‫االقتصــادي يف املنطقــة وهــذا لــم يعــد اليــوم األولويــة املطلوبــة‪.‬‬ ‫يف نفــس الوقــت‪ ،‬نــرى عــدم قــدرة الــصني علــى تغييــر سياســة النظــام‬ ‫اإليرانــي املســتمرة يف تســليح حمــاس وحــزب اهلل واحلوثــيني منــذ‬ ‫ســنوات‪ .‬بالفعــل تقــف إيــران خلــف التصعيــد يف البحــر األحمــر مــن‬ ‫خالل دعمهــا العســكري للحوثــيني وكمــا رأينــا‪ ،‬فــإن تصاعــد األزمــة‬ ‫يقــّوّض املصالــح االقتصاديــة الصينيــة لكــن يظهــر أن بــكني ليــس‬ ‫لديهــا أي تأثيــر علــى طهــران علــى الرغــم مــن الشــراكة االســتراتيجية‬ ‫بني الدولــتني منــذ عــام ‪٢٠٢١‬م‪.‬‬ ‫يف نهايــة املطــاف‪ ،‬تعكــس املواقــف احلــذرة للــدول األوروبيــة واآلســيوية‬ ‫مــن الصــراع يف البحــر األحمــر االختالفــات العميقــة بني أعضــاء‬ ‫اجملتمــع الدولــي يف ســبيل إيجــاد اســتجابة مشــتركة ضــد هجمــات‬ ‫احلوثــيني وتشــير ً‬ ‫أيًضــا إلــى فشــل الواليــات املتحــدة بتشــكيل جبهــة‬ ‫موحــدة أمــام الصــراع‪.‬‬

‫‪ .٤‬التطورات األمنية يف القرن اإلفريقي‬ ‫‪.٤‬‬

‫بســبب توجيــه أنظــار اجملتمــع الدولــي علــى االشــتباكات اجلاريــة بني‬ ‫احلوثــيني والتحالــف األمريكــي‪ ،‬تغيــب التطــورات يف القــرن اإلفريقــي‬ ‫عــن هــذه اجلهــود‪ ،‬علــى الرغــم مــن أنهــا تؤثــر بشــكل واضــح علــى‬ ‫اســتقرار منطقــة البحــر األحمــر ومنــذ الســنوات اخلمــس الســابقة‪،‬‬ ‫الحظنــا تفاقــم الوضــع األمنــي هنــاك لعــدة أســباب‪ :‬أواًلا يف الســودان‪،‬‬ ‫فــإن فشــل نظــام الرئيــس الســابق عمــر البشــير يف عــام ‪٢٠١٩‬م‪،‬‬ ‫أدى إلــى مرحلــة انتقاليــة عنيفــة ويف عــام ‪٢٠٢١‬م‪ ،‬فرضــت القــوات‬ ‫املســلحة نظا ً​ًمــا جديــًدًا حتــت ســيطرة عبــد الفتــاح البرهــان ولكــن‬

‫بعــد ســنتني انهــار هــذا النظــام عندمــا شــّنّ محمــد حمــدان دقلــو‬ ‫(وُيُلقــب ب»حميدتــي») وقائــد قــوات الدعــم الســريع الســودانية هجو ً​ًمــا‬ ‫عســكر ً​ًيا ضــد البرهــان‪ ،‬واندلعــت احلــرب األهليــة يف الســودان األمــر‬ ‫الــذي أدى إلــى مقتــل ‪ 12000‬شــخص ونــزوح أكثــر مــن مليــون ســوداني‬ ‫حــسب تقدــيرات األمم املتــحدة‪.‬‬ ‫باإلضافــة إلــى الصــراع الســوداني‪ ،‬توتــرت العالقــات بني إثيوبيــا‬ ‫وجيبوتــي والصومــال بســبب طموحــات أديــس أبابــا للوصــول إلــى‬ ‫البحــر األحمــر‪ .‬فمنــذ تأســيس دولــة إريتريــا يف ‪١٩٩٣‬م‪ ،‬أصبحــت‬ ‫إثيوبيــا بلــًدًا غيــر ســاحلي وبالتالــي تعتمــد علــى مرفــأ جيبوتــي‬ ‫لوارداتهــا وصادراتهــا‪ .‬مــع ذلــك‪ ،‬يريــد رئيــس الــوزراء األثيوبــي آبــي‬ ‫أحمــد إنهــاء هــذا الوضــع عبــر توقيــع اتفــاق مــع صوماليالنــد ‪-‬منطقــة‬ ‫الصومــال التــي أعلنــت اســتقاللها بــدون اعتــراف حكومــة الصومــال‬ ‫وهــذا التقــارب بني صوماليالنــد وإثيوبيــا يشــير إلــى زيــادة التوتــرات‬ ‫بني أديــس أبابــا وجيبوتــي ومقديشــو وعــدد مــن املراقــبني يف املنطقــة‬ ‫يخــشون ــسيناريو احلـحرب بني دول الــقرن اإلفريــقي‪.‬‬ ‫إمكانيــة احلــرب بني إثيوبيــا وجيرانهــا تظهــر احلاجــة لتأســيس إطــار‬ ‫دبلوماســي إقليمــي حلمايــة اســتقرار منطقــة البحــر األحمــر‪ .‬كمــا نــرى‬ ‫يف القــرن اإلفريقــي واليمــن‪ ،‬املقاربــة العســكرية ليســت احلــل علــى‬ ‫املــدى الطويــل ومــن الضــروري أن يجــد اجملتمــع الدولــي آليــات عمــل‬ ‫ملنــع تصاعــد العنــف يف جانبــي البحــر األحمــر‪ .‬يف عــام ‪٢٠١٨‬م‪ ،‬أطلقــت‬ ‫اململكــة العربيــة الســعودية مبــادرة املنتــدى للبحــر األحمــر التــي أدت‬ ‫يف شــهر ينايــر ‪٢٠٢٠‬م‪ ،‬إلــى تشــكيل مجلــس دول البحــر األحمــر وخليــج‬ ‫عــدن الــذي يشــمل ‪ ٨‬دول ســاحلية للمنطقــة‪ .‬علــى الرغــم مــن هــذه‬ ‫اخلطــوة األولــى‪ ،‬لــم نــر دو ً​ًرا حاسـ ً​ًما لهــذه املنظمــة اإلقليميــة اجلديــدة‬ ‫يف ســياق األزمــات اجلاريــة لكــن مجلــس دول البحــر األحمــر وخليــج‬ ‫عــدن ‪-‬مثــل منظمــات أخــرى كمجلــس التعــاون لــدول اخلليــج والهيئــة‬ ‫احلكوميــة للتنميــة «إيقــاد» ‪-‬ميثــل احلــل األفضــل للتحديــات احلاليــة‪.‬‬ ‫هكــذا بـداًلا مــن االعتمــاد علــى التدخــل العســكري األمريكــي احملــدود‪،‬‬ ‫مــن األفضــل أن يســاعد اجملتمــع الدولــي علــى تقويــة املبــادرات احملليــة‬ ‫مثــل مجلــس دول البحــر األحمــر وخليــج عــدن الــذي ميلــك الشــرعية‬ ‫كمنظمــة إقليميــة باإلضافــة إلــى أهميــة زيــادة صالحياتــه ً‬ ‫أمًال يف‬ ‫معاجلـجة مــشاكل املنطــقة‪.‬‬ ‫* باحث متخصص يف مجال الشؤون االسرتاتيجية ملعهد الرشق األوسط يف‬ ‫جامعة سنغافورة الوطنية‪.‬‬


‫‪152‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫وزارة الدفـــاع الســـنغافورية‪ :‬المشـــاركة يف "حـــارس االزدهـــار"‬ ‫ال تعنـــي قبـــول الحملـــة الجويـــة األمريكيـــة يف البحـــر األحمـــر‬ ‫مــن خالل اســتراتيجية ضيقــة تقتصــر علــى حمايــة التجــارة البحريــة‪.‬‬ ‫هكــذا مــن الضــروري أن نقّيّــم حتــدي احلوثــيني يف البحــر األحمــر‬ ‫بشــكل دقيــق‪ :‬ولذلــك ال ميكــن أن نأمــل بتحّسّ ــن الوضــع بــدون تســوية‬ ‫لألزمــتني يف غــزة ويف اليمــن‪ .‬مــع ذلــك لــم تظهــر واشــنطن رغبــة‬ ‫بلعــب دور أساســي يف املفاوضــات اليمنيــة بني احلوثــيني ومســؤولي‬ ‫احلكومــة الشــرعية حتــى اآلن فاعتمــاد هــذه السياســة األمريكيــة‬ ‫احملــدودة تســاهم يف عــدم ثقــة الكثيــر مــن حلفــاء الواليــات املتحــدة يف‬ ‫أوروــبا واخللــيج وآــسيا ــحول نتاــئج العملــية البحرــية احلالــية‪.‬‬

‫‪ .٣‬أوروبا وآسيا تبحث عن مقاربة بديلة‬ ‫‪.٣‬‬

‫علــى الرغــم مــن أن الــدول األوروبيــة انضمــت إلــى عمليــة حــارس‬ ‫االزهــار رســميًاً‪ ،‬فـإّنّ عــدد منهــا رفــض املشــاركة يف الضربــات اجلويــة‬ ‫األمريكيــة ضــد احلوثــيني يف بدايــة عــام ‪٢٠٢٤‬م‪ ،‬وعلــى ســبيل املثــال‬ ‫اعترضــت احلكومــة الفرنســية هــذه احلملــة اجلويــة باعتبارهــا‬ ‫اســتراتيجية غيــر فعالــة‪ .‬ناهيــك عــن أّنّ االختالفــات بني الواليــات‬ ‫املتحــدة وحلفائهــا األوروبــيني حــول الشــرق األوســط لــم تظهــر بعــد‬ ‫حــرب غــزة األخيــرة‪ ،‬بــل بــرزت بعــد االنســحاب األمريكــي مــن االتفــاق‬ ‫النــووي مــع إيــران يف عــام ‪٢٠١٨‬م‪ ،‬خالل رئاســة دونالــد ترامــب‪ .‬بعــد‬ ‫هــذا القــرار نفــذت إدارة ترامــب سياســة «الضغــط األقصــى» ضــد‬ ‫النظــام اإليرانــي عبــر عقوبــات اقتصاديــة وعــزل طهــران علــى املســتوى‬ ‫الدبلوماســي‪ .‬يف عــام ‪٢٠١٩‬م‪ ،‬بعــد الهجمــات التــي اســتهدفت ســفنً​ًا‬ ‫جتاريــة بالقــرب مــن مضيــق هرمــز‪ ،‬قامــت القــوات البحريــة األمريكيــة‬ ‫بشــّنّ عمليــة «احلارس» (‪ )sentinel‬بهــدف صــّدّ هجمــات إيــران‬ ‫ووكالئهــا‪ ،‬لكــن الــدول األوروبيــة ‪-‬وخصوصــا فرنســا ‪-‬رفضــت املشــاركة‬ ‫يف هــذه العمليــة و قــررت إطالق عمليــة أخــرى ل»توعيــة بحريــة بقيــادة‬ ‫أوروبيــة يف مضيــق هرمــوز» ‪ EMASOH‬و كانــت هــذه العمليــة قــد‬ ‫عكســت الهــوة املتســعة بني واشــنطن وأوروبــا‪.‬‬ ‫بالتالــي‪ ،‬نــرى نفــس املواقــف احلــذرة األوروبيــة نحــو السياســة‬ ‫األمريكيــة يف البحــر األحمــر اليــوم وبســبب هــذه االختالفــات‪ ،‬تــدرس‬ ‫بعــض الــدول األوروبيــة فكــرة عمليــة جديــدة ومختلفــة عــن «حــارس‬ ‫االزدهــار» فــإذا لــم متثــل هــذه الفكــرة تطــو ً​ًرا كبيــ ً​ًرا علــى الصعيــد‬ ‫العســكري بســبب القــدرات احملــدودة للقــوات البحريــة األوروبيــة‪،‬‬ ‫فإّنّهــا تشــير إلــى صعوبــات الواليــات املتحــدة بتوحيــد حلفائهــا نحــو‬ ‫التحديــات يف البحــر األحمــر‪.‬‬

‫تشــارك الــدول اآلســيوية نفــس اخملاوف األوروبيــة نحــو املقاربــة‬ ‫األمريكيــة ضــد احلوثــيني‪ .‬علــى ســبيل املثــال‪ ،‬دولــة ســنغافورة قــررت‬ ‫املشــاركة يف عمليــة «حــارس االزدهــار» علــى الرغــم مــن أنهــا لــم تــؤد‬ ‫إلــى تدخــل عســكري إلــى جانــب الواليــات املتحــدة واململكــة املتحــدة‬ ‫وأحملــت وزارة الدفــاع لســنغافورة علــى أّنّ مشــاركتها يف عمليــة «حــارس‬ ‫االزدــهار» ال يعــني قبولــها احلمــلة اجلوــية األمريكــية ــضد احلوــثيني‪.‬‬ ‫انضمــت ســريالنكا كثانــي دولــة آســيوية بعــد ســنغافورة إلــى عمليــة‬ ‫«حــارس االزدهــار»‪ ،‬ولكــّنّ مشــاركتها ال متثــل قــرا ً​ًرا أساســ ً​ًيا بســبب‬ ‫ضعــف قــدرات قواتهــا البحريــة ووف ً​ًقــا لوســائل اإلعالم احملليــة‪،‬‬ ‫فــإن هــذا القــرار يشــير بشــكل أساســي إلــى رغبتهــا بتعزيــز تعاونهــا‬ ‫العســكري مــع اجليــش األمريكــي الــذي يلعــب دو ً​ًرا مه ً​ًمــا يف ســياق‬ ‫إصالحــات قواتهــا املســلحة‪.‬‬ ‫علــى نحــو مالحــظ‪ ،‬الهنــد لــم تقــرر املشــاركة يف عمليــة «حــارس‬ ‫االزدهــار» ويبــدو أن هــذا املوقــف كان نتيجــة نيــة حكومــة نارينــدرا‬ ‫مــودي إلبعــاد نفســها عــن إدارة بايــدن‪ .‬علــى الرغــم مــن الدعــم الهنــدي‬ ‫املفتــوح إلســرائيل منــذ بدايــة احلــرب مــع حمــاس وعلــى الرغــم مــن‬ ‫أهميــة اســتقرار البحــر األحمــر واخلليــج لالقتصــاد الهنــدي‪ ،‬حتافــظ‬ ‫نيودلهــي علــى حذرهــا نحــو التدخــل األمريكــي ومــن املمكــن أن نــرى‬ ‫هــذا القــرار كمثــال علــى اســتمرارها بسياســة «عــدم االنحيــاز»‪.‬‬ ‫يف نفــس الوقــت لــم يكــن غيــاب الــصني عــن عمليــة «حــارس االزدهــار»‬ ‫مفاجئــًاً‪ ،‬فقــد رفضــت التدخــل العســكري والدبلوماســي منــذ بدايــة‬ ‫األزمــة علــى الرغــم مــن مصالــح االقتصاديــة الكبيــرة يف املنطقــة‪،‬‬ ‫حيــث تعبــر أغلبيــة التجــارة الصينيــة مــع أوروبــا ‪ ٪٩٩-‬حســب اجمللــة‬ ‫اإلجنليزيــة ‪- The Economist‬وأغلبيــة إمداداتهــا مــن الطاقــة‪.‬‬ ‫يف هــذا الســياق مــن املهــم ً‬ ‫أيًضــا أن نذكــر بوجــود القــوات البحريــة‬ ‫الصينيــة يف البحــر األحمــر مــن خالل قاعدتهــا يف جيبوتــي التــي‬ ‫تســمح لهــا بشــن عمليــة عســكرية ســريعة‪.‬‬ ‫إذا كان اســتقرار الشــرق األوســط هد ً​ًفــا اساس ـ ً​ًيا للحكومــة الصينيــة‪،‬‬ ‫فـإّنّ بــكني تعتبــر السياســة األمريكيــة احلاليــة تعّقّ ــد الوضــع‪ ،‬وتفاقمــه‬ ‫وهــذا مــا أكــده الســفير الصينــي جمللــس األمــن لألمم املتحــدة بعــد‬ ‫سلســلة الضربــات اجلويــة األمريكيــة ضــد احلوثــيني‪ .‬ويســتمر‬ ‫املســؤولون الصينيــون منــذ بدايــة حــرب غــزة بالتأكيــد علــى أن الــدور‬ ‫األمريكــي ‪-‬الســّيّما دعمهــا العســكري إلســرائيل أدى إلــى التصعيــد‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪151‬‬

‫ملف العدد‬

‫عــدم مشــاركة الهنــد يف "حــارس االزدهار" إلبعاد نفســها عــن إدارة بايدن‬ ‫وحذرهــا مــن تداعيــات التدخــل األمريكي اســتمراًرًا لسياســة "عــدم االنحياز"‬ ‫ً‬ ‫بــدًال مــن البحــر األحمــر لتفــادي‬ ‫لويــد» عبــر رأس الرجــاء الصالــح‬ ‫خطــر صواريــخ احلوثــيني لكــن هــذا القــرار لديــه آثــار علــى املســتوى‬ ‫االقتــصادي ملا يــسببه ــمن تأخــير يف وــصول اــلرحالت‪.‬‬

‫‪ .٢‬إستراتيجية إدارة بايدن يف البحر األحمر وصعوباتها‬ ‫‪.٢‬‬

‫بســبب زيــادة هجمــات احلوثــيني علــى الســفن يف البحــر األحمــر‪ ،‬قرّرّت‬ ‫إدارة جــو بايــدن تأســيس حتالــف «حــارس االزدهــار» يف شــهر ديســمبر‬ ‫‪٢٠٢٣‬م‪ ،‬والــذي يهــدف إلــى حمايــة التجــارة البحريــة يف املنطقة و»فرض‬ ‫القــوة» لــردع احلوثــيني‪ .‬وتشــارك باإلضافــة إلــى الواليــات املتحــدة ‪١٣‬‬ ‫دولــة مثــل اململكــة املتحــدة وفرنســا وإيطاليــا ودولــتني مــن دول آســيا‬ ‫همــا ســنغافورة وســريالنكا‪ ،‬تبقــى مملكــة البحريــن ‪-‬حيــث يقــع مقــر‬ ‫القــوات البحريــة األمريكيــة للشــرق األوســط ‪-‬الدولــة العربيــة الوحيــدة‬ ‫الــتي انضــمت إــلى ــهذا التحاــلف‪.‬‬ ‫بعــد قــرار مجلــس األمــن لألمم املتحــدة يف ‪ ١٠‬ينايــر ‪٢٠٢٤‬م‪ ،‬بوقــف‬ ‫هــذه الهجمــات‪ ،‬قــرر البيــت األبيــض شــن عمليــة عســكرية ضــد‬ ‫قواعــد احلوثــيني يف اليمــن مبشــاركة عــدد مــن الــدول الغربيــة وبعــد‬ ‫ذلــك شــهدنا اشــتداد الصــراع بعــد أســابيع مــن الضربــات اجلويــة‬ ‫األمريكيــة ومــا حلقهــا مــن هجمــات مضــادة قــام بهــا احلوثيــون وعلــى‬ ‫الرغــم مــن اإلمكانــات الكبيــرة للقــدرات العســكرية األمريكيــة املوجــودة‬

‫يف املنطــقة ــلم حتــقق إدارة باــيدن هدفــها ــبردع احلوــثيني‪.‬‬ ‫تبــرز مشــكلتان كبيرتــان يف االســتراتيجية األمريكيــة احلاليــة يف‬ ‫البحــر األحمــر‪ .‬أواًلا ‪ ،‬ال ميكــن فهــم االســتراتيجية العســكرية يف البحــر‬ ‫األحمــر بــدون ربطهــا مــع احلــرب يف غــزة والتــي يســتغلها احلوثيــون‬ ‫لفــرض أهدافهــم يف اخلليــج‪ ،‬علــى الرغــم مــن أّنّ إدارة بايــدن ومــن‬ ‫خالل اســتراتيجية الــردع ضــد إيــران ووكالئهــا فصلــت الصــراع يف‬ ‫البحــر األحمــر عنــه يف غــزة منــذ شــهر أكتوبــر‪ .‬وهكــذا لــم تنجــح‬ ‫املقاربــة األمريكيــة يف البحــر األحمــر كمــا يجــب‪ ،‬ويف نفــس الوقــت‪،‬‬ ‫لــم يحــظ البيــت األبيــض بتأثيــر حقيقــي علــى مســار احلــرب يف‬ ‫غــزة حيــث حصــل اجليــش اإلســرائيلي علــى موافقــة أمريكيــة غيــر‬ ‫مشــروطة خالل عملياتــه العســكرية ولذلــك فــإن إدارة بايــدن عاجــزة‬ ‫عــن الســيطرة علــى تطــور األحــداث وعلــى منطــق املواجهــة اإلقليميــة‬ ‫وبالتالــي ال ميكــن أن نتوقــع تســوية األزمــة يف البحــر األحمــر بــدون‬ ‫إنهــاء القتــال بني إســرائيل وحمــاس‪.‬‬ ‫ثان ً​ًيــا‪ ،‬اســتراتيجية احلكومــة األمريكيــة تركــز علــى الوضــع األمنــي‬ ‫يف البحــر األحمــر وعمليــة «حــارس االزدهــار» تعكــس هــذه األولويــة‬ ‫لكــن البعــد البحــري ليــس البعــد األساســي للصــراع مــع احلوثــيني‪.‬‬ ‫ف ـإّنّ اســتمرار احلــرب داخــل اليمــن كانــت ســببًاً لهجمــات احلوثــيني‬ ‫يف البحــر األحمــر ولــن جتــد إدارة بايــدن اســتقرارًاً يف هــذه املنطقــة‬


‫‪150‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫أفضل الحلول جهود المجتمع الدولي لتقوية المبادرات لمعالجة مشاكل المنطقة‬

‫حذر أوروبا وآسيا حيال صراع البحر األحمر‬ ‫لفشل أمريكا بتشكيل جبهة موحدة للمواجهة‬ ‫مُتم ثــل املنطقــة بني البحــر األحمــر وخليــج عــدن منطقــة حيويــة لالقتصــاد العاملــي وهــي تربــط أوروبــا وإفريقيــا مــع اخلليــج‬ ‫العربــي‪ ،‬فأغلبيــة احلاويــات للــدول األوروبيــة متـّرّ عبرهــا‪ .‬مــع ذلــك تعتمــد حركــة الســفن التجاريــة علــى اســتقرار الــدول الواقعــة‬ ‫علــى جانبــي مضيــق بــاب املنــدب الــذي يفصــل القــارة اإلفريقيــة عــن اخلليــج ألن التطــورات األمنيــة يف البلــدان مثــل اليمــن‬ ‫والصومــال وإثيوبيــا دائ ً​ًمــا تؤثــر علــى تكاليــف تــأمني البضائــع وبالتالــي تؤثــر علــى بقيــة االقتصــاد‪.‬‬

‫جان‪-‬لو سمعان‬

‫بســبب أهميــة املنطقــة للتجــارة العامليــة‪ ،‬اعتبــرت القــوى العظمــى أّنّ‬ ‫حمايــة مصاحلهــا التاريخيــة أولويــة‪ ،‬فالقــرن اإلفريقــي شــهد حر�بـًا‬ ‫بــاردة بســبب املنافســة اإلقليميــة بني الواليــات املتحــدة واالحتــاد‬ ‫الســوفيتي‪ .‬واليــوم الزال اجملتمــع الدولــي يواجــه حتديــات جديــدة‬ ‫منــذ نهايــة الســنة الســابقة وحاليـًاً نــرى أّنّ الوضــع األمنــي يف البحــر‬ ‫األحمــر تفاقــم بســبب زيــادة هجمــات احلوثــيني ضــد الســفن املدنيــة‬ ‫والعســكرية‪ ،‬ويف نفــس الوقــت نشــهد ازديــاد التوتــرات يف القــرن‬ ‫اإلفريقــي فيمــا يتع�لـّق باحلــدود البحريــة بني الصومــال وجيبوتــي‬ ‫وإثيوبيــا التــي تطمــح للحصــول علــى مينــاء بحــري‪ ،‬باإلضافــة إلــى‬ ‫ذلــك‪ ،‬ف ـإّنّ اســتمرار احلــرب األهليــة يف الســودان ميثــل عــاماًلا مه ً​ًمــا‬ ‫لالــستقرار اإلقليــمي‪.‬‬ ‫يف هــذا الســياق‪ ،‬مــن الضــروري أن نق�يـّم هــذه التحديــات بدقــة لفهــم‬ ‫طبيعتهــا ولتحديــد احللــول املمكنــة لهــا ولذلــك يقــوم هــذا املقــال‬ ‫بتحليــل قضيتــي اليمــن والقــرن اإلفريقــي ومناقشــة االســتراتيجيات‬ ‫اإلقليميــة للواليــات املتحــدة وأوروبــا وآســيا وأخيــ ً​ًرا األخــذ بــعني‬ ‫االعتــبار التأثــيرات احملتمــلة عــلى دول اخللــيج‪.‬‬

‫‪ .١‬التصعيد العسكري يف البحر األحمر‬ ‫‪.١‬‬

‫يف التاســع عشــر مــن شــهر أكتوبــر‪ ،‬اعترضــت املدمــرة األمريكيــة‬ ‫«كارنــي» ثالثــة صواريــخ كــروز وثمانيــة طائــرات بــدون طيــار‪ ،‬أطلقهــا‬ ‫املقاتلــون احلوثيــون مــن الســاحل اليمنــي حتــت ذريعــة دعــم حمــاس‬ ‫يف ســياق احلــرب اإلســرائيلية اجلديــدة علــى غــزة بعــد هجــوم طوفــان‬

‫األقصــى ضــد مدنــيني إســرائيليني‪ .‬وعلــى الرغــم مــن تبريــر هــذا‬ ‫الهجــوم وغيــره مــن الهجمــات التــي شــهدناها يف البحــر األحمــر منــذ‬ ‫ذلــك احلني حتــت عنــوان تضامــن احلوثــيني مــع الشــعب الفلســطيني‪،‬‬ ‫فــإن األســباب الرئيســية الكامنــة وراءهــا هــي تكتيكيــات احلوثــيني يف‬ ‫البحــر األحمــر كوســيلة الشــتداد نفوذهــم داخــل اليمــن ضــد مجلــس‬ ‫القيــادة الرئاســي والســيما يف ســياق املفاوضــات مــع اجملتمــع الدولــي‬ ‫لتســوية احلــرب األهليــة‪.‬‬ ‫يف احلقيقــة‪ ،‬لــم تكــن هجمــات احلوثــيني يف أكتوبــر ‪2023‬م‪ ،‬هــي‬ ‫األولــى مــن نوعهــا‪ ،‬ألنهــم كانــوا قــد أطلقــوا هجماتهــم األولــى بعــد‬ ‫وقــت قليــل مــن بدايــة عمليــة «عاصفــة احلــزم» للتحالــف العربــي‬ ‫وعلــى ســبيل املثــال يف عــام ‪٢٠١٦‬م‪ ،‬تعرضــت ســفينة عســكرية إماراتيــة‬ ‫«ســويفت» لصواريــخ احلوثــيني التــي أطلقوهــا مــن اليمــن وبالتالــي‬ ‫فــإن الهجمــات احلاليــة متثــل امتــدادًاً للصــراع الراهــن علــى األرض‬ ‫يف اليــمن‪.‬‬ ‫بالتأكيــد‪ ،‬يوجــد اآلن فــرق مهــم بني هجمــات احلوثــيني ضــد القــوات‬ ‫البحريــة اخلليجيــة والهجمــات التــي تســتهدف شــركات شــحن‬ ‫احلاويــات الدوليــة بشــكل عشــوائي وعلــى الرغــم مــن البيانــات‬ ‫الرســمية للحوثــيني التــي تؤكــد أنهــم يســتهدفون ســفنًاً إســرائيلية‪،‬‬ ‫فــإن عــدد مــن هــذه الســفن أعلنــت عــدم وجــود أي ربــط لهــا مــع‬ ‫إســرائيل وبالتالــي كثيــر مــن الشــركات الدوليــة قــررت تغييــر مســار‬ ‫رحالتهــا‪ .‬اآلن تعبــر ســفن الشــركات مثــل «ميرســك ســيالند» و»هابــاج‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫للتعــاون االقتصــادي والتجــارة اخلارجيــة علــى املســتوى الوطنــي داخــل‬ ‫منوذًجــا للتعــاون يف مجــال الطاقــة اإلنتاجيــة‬ ‫الــبالد‪ .‬كمــا أنهــا متثــل‬ ‫ً‬ ‫بني الــصني وإثيوبيــا‪ .‬يف الســياق ذاتــه‪ ،‬يعــد طريــق «أديــس أبابا‪-‬أدامــا»‬ ‫وهــو طريــق برســم مــرور يربــط بني أديــس أبابــا وأدامــا‪ ،‬أول طريــق‬‫ســريع داخــل إثيوبيــا واألكبــر علــى مســتوى منطقــة شــرق إفريقيــا‪ ،‬وقــد‬ ‫مت تشــييده بواســطة شــركة إنشــاءات االتصــاالت الصينيــة‪ .‬يف حني‬ ‫مُيم ثــل خــط الســكة احلديــد الــذي شــيدته الــصني بني إثيوبيــا وجيبوتــي‬ ‫(ســكة حديــد أديــس أبابا‪-‬جيبوتــي)‪ ،‬أو «ســكة حديــد تــازارا يف العصــر‬ ‫اجلديــد»‪ ،‬أولــى ثمــار ُ​ُمخرجــات سلســلة الصناعــة املتضمنــة يف‬ ‫اســتراتيجية الســكك احلديديــة الصينيــة حــول «التوجــه إلــى العامليــة»‪.‬‬ ‫ومنــذ عــام ‪2013‬م‪ ،‬ظلــت الــصني تصنــف كأكبــر شــريك جتــاري ملصــر‬ ‫علــى مــدى تســع ســنوات متتاليــة‪ ،‬يف ظــل أنشــطة اســتثمارية قويــة‬ ‫ومعــدالت منــو هــي األســرع يف الســنوات األخيــرة‪ .‬عالوة علــى ذلــك‪،‬‬ ‫تعــد اململكــة العربيــة الســعودية أكبــر متلــق لالســتثمارات الصينيــة على‬ ‫مســتوى منطقــة الشــرق األوســط‪ .‬يف حني تعتبــر الــصني أكبــر شــريك‬ ‫اســتثماري للســودان‪ .‬ومبــا أنهــا طــورت تعاو�نـًا وثي ً​ًقــا مــع الــدول املعنيــة‪،‬‬ ‫فقــد أصبــح لبــكني مصالــح جمــة داخــل منطقــة البحــر األحمــر‪.‬‬

‫عمــل صينــي دؤوب مــن أجــل استكشــاف ســبل المشــاركة البنــاءة‬ ‫يف جــهود اــلسالم واألــمن يف إفريقــي‬ ‫مــن املنظــور األمنــي‪ُ ُ،‬تشــكل منطقــة القــرن اإلفريقــي أهميــة‬ ‫اســتراتيجية للــصني مــن أجــل حمايــة مصاحلهــا اخلارجيــة‪ .‬فقــد‬ ‫مت إثبــات موقــع نقطــة االختنــاق يف البحــر األحمــر مــن خالل مهــام‬ ‫املرافقــة التــي قامــت بهــا قــوة مهــام املرافقــة التابعــة للبحريــة الصينيــة‬ ‫يف خليــج عــدن‪ ،‬إلــى جانــب عمليــة اإلخالء الصينيــة يف ليبيــا خالل‬ ‫عــام ‪2011‬م‪ .‬ويف عــام ‪2015‬م‪ ،‬أنشــأت الــصني أول منشــأة لوجســتية‬ ‫خارجيــة لهــا داخــل جيبوتــي‪ ،‬ممــا ســاهم يف إرســاء أســاس صلــب‬ ‫حلمايــة مصاحلهــا اخلارجيــة‪ .‬كمــا أنهــا كانــت والزالــت تتيــح منافــع‬ ‫عامــة يف منطقــة البحــر األحمــر‪ ،‬مبــا يف ذلــك عمليــات حفــظ الــسالم‪،‬‬ ‫واملرافقــة البحريــة‪ ،‬واملســاعدة األمنيــة‪ ،‬وبنــاء البنيــة التحتيــة‪ .‬يف‬ ‫الوقــت ذاتــه‪ ،‬تعمــل الــصني علــى استكشــاف املشــاركة البناءة يف شــؤون‬ ‫الــسالم واألمــن اإلفريقيــة‪ .‬فــضاًلا عــن إقامتهــا نــدوات ومؤمتــرات‬ ‫تهــدف إلــى تعميــق احلــوار مــن أجــل الــسالم واألمــن بينهــا وبني دول‬ ‫القــارة اإلفريقيــة‪ .‬ومــن خالل إجــراء منــاورات مشــتركة‪ ،‬وتبــادل البعثــات‬ ‫البحريــة وغيرهــا مــن أشــكال التعــاون األخــرى‪ ،‬يســاعد املارد الصينــي‬ ‫البلــدان اإلفريقيــة يف تدعيــم بنــاء قواتهــا العســكرية والدفاعيــة‪ .‬فــضاًلا‬ ‫عــن إســهاماته يف جهــود دعــم األمــن اإلقليمــي ومكافحــة اإلرهــاب‬ ‫داخــل منطقــة الســاحل اإلفريقــي‪ ،‬وخليــج عــدن‪ ،‬وخليــج غينيــا‬ ‫وغيرهــم مــن املناطــق‪ .‬عالوة علــى ذلــك‪ ،‬مت تقــدمي مســاعدات أمنيــة‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪149‬‬

‫ملف العدد‬

‫ومشــروعات للتدريبــات العســكرية للــدول اإلفريقيــة يف مجــاالت مثــل‬ ‫إنشــاء مبــادرة احلــزام والطريــق‪ ،‬واحلفــاظ علــى النظــام االجتماعــي‪،‬‬ ‫وحفــظ الــسالم التابــع لألمم املتحــدة‪ ،‬ومكافحــة القرصنــة‪ ،‬وعمليــات‬ ‫مكافحــة اإلرهــاب‪ .‬كمــا حتــرص الــصني علــى مســاعدة األمم املتحــدة‬ ‫يف احلفــاظ علــى الــسالم واالســتقرار داخــل إفريقيــا‪ ،‬إلــى جانــب‬ ‫إرســالها أكبــر عــدد مــن أصحــاب اخلــوذ الــزرق إلــى إفريقيــا مــن‬ ‫بني األعضــاء اخلمســة الدائــمني يف مجلــس األمــن‪ .‬كذلــك مت تعزيــز‬ ‫التعــاون القنصلــي والتعــاون يف مجــال إنفــاذ القانــون مــن أجــل القضــاء‬ ‫بشــكل مشــترك علــى اجلرائــم العابــرة للحــدود الوطنيــة‪.‬‬ ‫ظلــت منطقــة البحــر األحمــر والقــرن اإلفريقــي نقطــة عامليــة ســاخنة‬ ‫وتنعــم بوفــرة مــن املــوارد االســتراتيجية‪ ،‬لذلــك ينبغــي أن تتحــول‬ ‫ً‬ ‫عوًضــا عــن كونهــا‬ ‫املنطقتــان إلــى ســاحة للتعــاون بني القــوى العظمــى‬ ‫ســاحة لالقتتــال والتناحــر فيمــا بينهــا‪ .‬بيــد أن املنطقتــان ال تــزاالن‬ ‫تعانــي أزمــة أمنيــة حــادة‪ .‬مــن ناحيــة أخــرى‪ ،‬تســعى البلــدان العربيــة‬ ‫حال ً​ًيــا إلــى بنــاء نظــام شــامل جديــد تنعــم مــن خاللــه بقــدر أكبــر‬ ‫مــن االســتقاللية االســتراتيجية ويشــهد تغييــرات عميقــة علــى مســتوى‬ ‫العالقــات مــع الواليــات املتحــدة واألنشــطة املعتــادة لألطــراف الفاعلــة‬ ‫داخــل هــذه املنطقــة‪ .‬فــاآلن أصبــح وقــت االضطرابــات والتحــوالت؛‬ ‫الوقــت الــذي تتداخــل فيــه القضايــا األمنيــة التقليديــة مــع تلــك‬ ‫الناشــئة حدي ً​ًثــا‪ .‬وخالل هــذه املرحلــة االنتقاليــة‪ ،‬مــن احملتــم رؤيــة‬ ‫التهديــدات القائمــة مثــل الصــراع الفلسطيني‪-‬اإلســرائيلي تتصاعــد‪،‬‬ ‫بينمــا تســتمر القضايــا الناشــئة حدي�ثـًا يف الظهــور مثــل أزمــة البحــر‬ ‫األحمــر‪ .‬ومــن أجــل احلفــاظ علــى األمــن والــسالم يف البحــر األحمــر‬ ‫والقــرن اإلفريقــي‪ ،‬حرصــت بــكني علــى اســتضافة مؤمتــر الــسالم األول‬ ‫بني الــصني والقــرن اإلفريقــي ومنتــدى األمــن يف الشــرق األوســط‪،‬‬ ‫وتقــدمي مقترحــات للمجتمــع الدولــي لتســهيل بنــاء هيــكل أمنــي جديــد‬ ‫يف الشــرق األوســط‪ .‬ويف إطــار مبــادرة األمــن العامليــة‪ ،‬تعمــل الــصني‬ ‫علــى ضــخ االســتقرار والطاقــة اإليجابيــة لتحــسني الوضــع الدولــي‬ ‫املضطــرب‪ ،‬مــن خالل تعميــق التعــاون األمنــي الثنائــي واملتعــدد‬ ‫األطــراف‪ ،‬وتعزيــز تنســيق املفاهيــم األمنيــة وتقــارب املصالــح‪.‬‬

‫*نائب األمني العام ملركز الدراسات الصيني العريب لإلصالح ـــــــ أستاذ‬ ‫مشارك ‪-‬جامعة شنغهاي للدراسات الدولية‬


‫‪148‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫تس ــعى البل ــدان العربي ــة لبن ــاء نظ ــام ش ــامل جدي ــد لتنع ــم بق ــدر‬ ‫أكب ــر م ــن االس ــتقاللية االس ــتراتيجية وتغيي ــرات يف العالق ــات الدولي ــة‬ ‫واحلفــاظ علــى الــسالم العاملــي‪ ،‬واألمــن‪ ،‬وتطويــر احلضــارة اإلنســانية‪.‬‬ ‫ومــع هــدف القضــاء علــى األســباب املتجــذرة للصراعــات الدوليــة‪،‬‬ ‫وحتــسني األمــن اإلقليمــي واحلوكمــة‪ ،‬إلــى جانــب التشــجيع علــى‬ ‫اجلهــود الدوليــة املشــتركة جللــب مزيــد مــن االســتقرار واليــقني حلقبــة‬ ‫زمنيــة مضطربــة ومتغيــرة‪ .‬فـ ً‬ ‫ـضًال عــن دعــم الــسالم والتنميــة الدائــمني‬ ‫يف العالــم‪ ،‬تدعــو املبــادرة البلــدان إلــى التكيــف مــع املشــهد الدولــي‬ ‫الــذي يشــهد تغييــرات جذريــة‪ ،‬بــروح التضامــن‪ ،‬والتصــدي للتحديــات‬ ‫األمنيــة املعقــدة واملتشــابكة بعقليــة مربحــة للجانــبني‪.‬‬

‫الحلــول الســلمية للقضايــا األمنيــة يف القــرن اإلفريقــي تمثــل‬ ‫مح ـوًرًا رئيس ـًيًا للصيــن مــن أجــل تنفيــذ مبــادرة األمــن العالمــي‬ ‫ثمــة حكمــة عربيــة تقــول بــأن «األعمــال ثمــار‪ ،‬والكلمــات مــا هــي إال‬ ‫أوراقهــا»‪ .‬فقــد ســاهمت الــصني بشــكل متواصــل يف دعــم الــسالم‬ ‫واالســتقرار مبنطقــة القــرن اإلفريقــي مبــا يتجــاوز حــد التشــدق‬ ‫بالكلمــات والعبــارات الرنانــة‪ُ​ُ ،‬مبديــة التزا ً​ًمــا راسـ ً‬ ‫ـًخا حيــال االضــطالع‬ ‫بــدور بنــاء يف إعالء االســتقرار والتنميــة وضــخ طاقــة إيجابيــة يف‬ ‫اجلهــود املبذولــة مــن أجــل احلفــاظ علــى األمــن واالســتقرار داخــل‬ ‫إفريقيــا‪ .‬كمــا دأبــت بــكني علــى توطيــد أواصــر التعــاون األمنــي الثنائــي‬ ‫ومتعــدد األطــراف مــع كافــة الــدول واملنظمــات الدوليــة واإلقليمية حتت‬ ‫إطــار مبــادرة األمــن العاملــي‪ ،‬وتعزيــز تنســيق املفاهيــم األمنيــة وتوافــق‬ ‫املصالــح‪ .‬ويف عــام ‪2022‬م‪ ،‬تقدمــت الــصني مبقتــرح حمــل عنــوان»‬ ‫نظــرة علــى الــسالم والتنميــة يف القــرن اإلفريقــي «‪ .‬كمــا قامــت بتعــيني‬ ‫مبعــوث خــاص لـــ شــؤون القــرن اإلفريقــي مــن أجــل تقــدمي الدعــم‬ ‫واخلبــرات الصينيــة يف احلفــاظ علــى االســتقرار اإلقليمــي ومخاطبــة‬ ‫قضايــا النقــاط الســاخنة‪ .‬وبعــد مضــي أقــل مــن عــام منــذ طــرح مبــادرة‬ ‫األمــن العاملــي للمــرة األولــى‪ ،‬أصــدرت الــصني ورقــة مفاهيــم مبــادرة‬ ‫األمــن العاملــي يف فبرايــر ‪2023‬م‪ ،‬واســتعرضت أفكارهــا ومبادئهــا‬ ‫الرئيســية‪ ،‬وأدرجــت ‪ 20‬محــو ً​ًرا رئيسـ ً​ًيا‪ ،‬و‪ 5‬منصــات وآليــات للتعــاون‪.‬‬ ‫وكمــا ورد يف البنــد ‪ ،8‬تؤكــد الورقــة علــى أهميــة التســوية الســلمية‬ ‫للبــؤر الســاخنة داخــل َ​َمناطــق القــرن اإلفريقــي‪ ،‬والســاحل‪ ،‬والبحيــرات‬ ‫الكبــرى ومناطــق أخــرى‪ .‬وتدعــو اجملتمــع الدولــي إلــى تقــدمي الدعــم‬ ‫املالــي والتقنــي لعمليــات مكافحــة اإلرهــاب التــي تقودهــا إفريقيــا‪ .‬إلــى‬ ‫جانــب دعــم البلــدان اإلفريقيــة يف تعزيــز قدرتهــا علــى حمايــة الــسالم‬ ‫بشــكل مســتقل‪ .‬وتقتــرح ورقــة املفاهيــم ً‬ ‫أيًضــا تنفيــذ توقعــات الــسالم‬ ‫والتنميــة يف القــرن اإلفريقــي‪ ،‬ومعاجلــة املشــاكل اإلفريقيــة علــى‬

‫الطريقــة اإلفريقيــة‪ ،‬وتعزيــز إضفــاء الطابــع املؤسســي علــى مؤمتــر‬ ‫الــسالم واحلوكمــة والتنميــة بني الــصني والقــرن اإلفريقــي‪ ،‬والعمــل‬ ‫بنــشاط إلطالق مــشروعات راــئدة يف التــعاون‪.‬‬ ‫‪ .3‬خطــوات عمليــة تتخذهــا الــصني تواف ً​ًقــا مــع مبــادرة األمــن العالـمي‬ ‫حلمايــة أمــن البحــر األحمــر والقــرن اإلفريقــي‬ ‫إن املشــاركة النشــطة يف حوكمــة املناطــق العامليــة املهمــة تعتبــر لزا ً​ًمــا‬ ‫علــى الــصني باعتبارهــا قــوة عامليــة مســؤولة وال تقتصــر املســؤولية‬ ‫الواقعــة علــى عاتــق الــصني علــى املشــاركة الفعالــة يف حمايــة األمــن‬ ‫اإلقليمــي فحســب‪ ،‬بــل أن تصبــح ُ​ُمنشــ ً​ًئا اســتباق ً​ًيا آلليــات األمــن‬ ‫العاملــي ودلــياًلا استرشــاد ً​ًيا ملفاهيــم وقيــم حوكمــة األمــن اإلقليمــي‪.‬‬ ‫وقدمــت الــصني بالفعــل دع ً​ًمــا قو ً​ًيــا ملواجهــة التهديــدات األمنيــة‬ ‫التقليديــة وغيــر التقليديــة والتشــجيع علــى احلــوار األمنــي والتعــاون‬ ‫بني أصحــاب املصلحــة‪ .‬وكجــزء مــن هــذه اجلهــود‪ ،‬طرحــت الــصني‬ ‫ً‬ ‫أيًضــا رؤى محــددة للحوكمــة األمنيــة مصاغــة وف ً​ًقــا للظــروف‬ ‫اإلقليميــة‪ .‬ومــن أجــل التنفيــذ الفعــال ملبــادرة األمــن العامليــة‪ ،‬شــاركت‬ ‫الــصني بنشــاط يف احلوكمــة األمنيــة للبحــر األحمــر والقــرن اإلفريقــي‪.‬‬

‫الصيــن مــن أصحــاب المصلحــة الرئيســيين يف منطقــة البحــر‬ ‫األحمــر والقــرن اإلفريقــي‬ ‫مــن الناحيــة االقتصاديــة‪ ،‬تعتبــر دول منطقــة القــرن اإلفريقــي‬ ‫شــركاء مهــمني يف مبــادرة احلــزام والطريــق الصينيــة‪ .‬يف حني أن‬ ‫نصــف إجمالــي واردات النفــط الصينيــة تأتــي مــن منطقــة الشــرق‬ ‫األوســط والقــارة اإلفريقيــة مــا يجعــل الوضــع األمنــي يف منطقــة القــرن‬ ‫اإلفريقــي قضيــة حاســمة مــن أجــل احلفــاظ علــى ممــرات الشــحن‬ ‫التــي متثــل شــريان احليــاة لــواردات النفــط الصينيــة‪ .‬وخالل مبادالتهــا‬ ‫وتعاونهــا مــع الــدول املعنيــة‪ ،‬تلتــزم الــصني بالفلســفة القائلــة بــأن‬ ‫التنميــة هــي احلقيقــة الصعبــة‪ ،‬وتهــدف إلــى حتقيــق التعــاون املثمــر‬ ‫للطــرفني والنتائــج املربحــة للجانــبني مــن خالل االســتثمار‪ ،‬والتجــارة‪،‬‬ ‫وبنــاء البنيــة التحتيــة‪ .‬ومــع التقــدم املســتمر ملبــادرة احلــزام والطريــق‪،‬‬ ‫توســع بــكني تعاونهــا مــع دول القــرن اإلفريقــي بشــكل أكبــر‪ .‬كذلــك‬ ‫تعــد الــصني أكبــر شــريك إلثيوبيــا يف مجــاالت التجــارة‪ ،‬والهندســة‪،‬‬ ‫واالســتثمار‪ .‬يف حني تعتبــر املنطقــة الصناعيــة الشــرقية‪ ،‬التــي‬ ‫أنشــأتها إحــدى الشــركات الصينيــة العاملــة داخــل إثيوبيــا‪ ،‬أول منطقــة‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫أمــا عــن اخملاطــر األمنيــة غيــر التقليديــة التــي تواجــه هــذه املنطقــة‬ ‫بشــكل رئيســي فتشــمل اإلرهــاب‪ ،‬والكــوارث الطبيعيــة‪ ،‬والهجــرة غيــر‬ ‫الشــرعية‪ ،‬إلــى جانــب القرصنــة وأزمــات الالجــئني‪ .‬حيــث أخفقــت دول‬ ‫املنطقــة التــي تعانــي مــن االضطرابــات واحلكومــات املركزيــة الضعيفــة‬ ‫يف مكافحــة انتشــار اإلرهــاب‪ ،‬ممــا أدى إلــى حتــول منطقــة القــرن‬ ‫اإلفريقــي إلــى واحــدة مــن البــؤر الســاخنة لإلرهــاب والعنــف‪ .‬وقــد أدي‬ ‫وجــود املنظمــات اإلرهابيــة إلــى تفاقــم الوضــع داخــل الصومال‪ ،‬الســيما‬ ‫حركــة الشــباب الصوماليــة التــي تواصــل تنفيــذ هجمــات إرهابيــة‬ ‫ممولــة مــن خالل أنشــطة االختطــاف والتهريــب‪ .‬كمــا اســتفادت‬ ‫املنظمــات اإلرهابيــة األجنبيــة مــن حالــة الفوضــى املنتشــرة‪ ،‬حيــث‬ ‫قامــت مجموعــات مثــل تنظيــم القاعــدة وتنظيــم «داعــش» بتوســيع‬ ‫نفوذهــا واكتســاب مســاحة للتطــور داخــل القــرن اإلفريقــي‪ .‬األســوأ‬ ‫مــن ذلــك‪ ،‬أن هــذه البقعــة مــن العالــم تعــد واحــدة مــن أكثــر املناطــق‬ ‫عرضــة للتغيــرات املناخيــة‪ ،‬وســط حــدوث موجــات اجلفــاف املتكــررة‪،‬‬ ‫والفيضانــات‪ ،‬وهجــوم أســراب اجلــراد ممــا يتســبب يف تعميــق أزمــات‬ ‫الغــذاء‪ .‬كذلــك تعتبــر قضيــة الالجــئني أحــد التحديــات التــي تواجــه‬ ‫دول القــرن اإلفريقــي‪ .‬وبحســب املفوضيــة الســامية لألمم املتحــدة‬ ‫لشــؤون الالجــئني‪ ،‬فقــد أظهــر عــدد الالجــئني داخــل هــذه املنطقــة‬ ‫من ـ ً​ًوا ســري ً​ًعا‪ ،‬ليبلــغ ‪ 4.52‬مليــون شــخص يف أوائــل عــام ‪2022‬م‪.‬‬ ‫أزمــة البحــر األحمــر الناجمــة عــن الصــراع الفلسطيني‪-‬اإلســرائيلي‬ ‫ُتُفِضـ ـِي إــلى صراــعات أوــسع نطاًقـ ـًا وأكــثر تعقــ ًيًد‬ ‫يف أكتوبــر ‪2023‬م‪ ،‬اندلعــت جولــة جديــدة مــن موجــات الصــراع‬ ‫الفلسطيني‪-‬اإلســرائيلي‪ ،‬ومنــذ ذلــك احلني‪ ،‬بــدأت جماعــة احلوثــي‪،‬‬ ‫أحــد أعضــاء املعســكر املناهــض للواليــات املتحــدة وإســرائيل داخــل‬ ‫الشــرق األوســط وشــبه احلليــف حلركــة حمــاس‪ ،‬اســتهداف مــدن‬ ‫واقعــة علــى طــول الســاحل اجلنوبــي إلســرائيل بواســطة طائــرات‬ ‫مســيرة وصواريــخ باليســتية‪ ،‬إال أن هــذه الهجمــات بعيــدة املــدى‬ ‫لــم تشــكل تهديــًدًا أمن ً​ًيــا إلســرائيل‪ .‬ويف منتصــف نوفمبــر‪ ،‬اجتــه‬ ‫احلوثيــون إلــى التعــرض واختطــاف الســفن التجاريــة يف البحــر األحمــر‬ ‫التــي لهــا عالقــة بإســرائيل مشــعلة فتيــل األزمــة يف ممــرات البحــر‬ ‫األحمــر‪ .‬وقــد ســاعد القــوام الكبيــر للقــوات العســكرية التابعــة جلماعــة‬ ‫احلوثــي والــذي يقــدر مبئــات اآلالف‪ ،‬إلــى جانــب أســلحتها املتطــورة‬ ‫والتكنولوجيــا العســكرية‪ ،‬مبــا يف ذلــك الصواريــخ والطائــرات بــدون‬ ‫طيــار‪ ،‬وســيطرتها علــى جــزء كبيــر مــن اليمــن‪ ،‬مبــا يف ذلــك العاصمــة‬ ‫صنعــاء ومينــاء احلديــدة الرئيســي علــى البحــر األحمــر‪ ،‬يف توســيع‬ ‫نطــاق وصولهــا إلــى مضيــق بــاب املنــدب والبحــر األحمــر‪ .‬حيــث تركــت‬ ‫العمليــات العســكرية التــي شــنها احلوثيــون تأثيـ ً​ًرا عمي ً​ًقــا علــى الوضــع‬ ‫داخــل البحــر األحمــر‪ ،‬واألمــن اإلقليمــي‪ ،‬والتجــارة العامليــة‪ ،‬وأســعار‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪147‬‬

‫ملف العدد‬

‫النفــط‪ ،‬كذلــك لــم تســلم الســلع واخلدمــات يف بعــض البلــدان واملناطــق‬ ‫اجملاورة‪ .‬بالتالــي ال تعــد أزمــة البحــر األحمــر إحــدى النتائــج غيــر‬ ‫املباشــرة الناجمــة عــن الصــراع الفلسطيني‪-‬اإلســرائيلي فحســب‪ ،‬بــل‬ ‫إنهــا تســلط الضــوء ً‬ ‫أيًضــا علــى قضيــة انتقــال الســلطة يف اليمــن‪،‬‬ ‫ممــا يجعــل الوضــع أكثــر تعقيـًدًا بســبب األزمــات املتشــابكة واملتداخلــة‪.‬‬ ‫‪»2‬مبــادرة األمــن العاملــي» وإســهام احلكمــة الصينيــة يف حوكمــة األمــن‬ ‫العاملي‬ ‫ميــر العالــم بتغيــرات غيــر مســبوقة‪ ،‬جعلــت اجملتمــع الدولــي يف‬ ‫مواجهــة حتديــات متعــددة نــاد ً​ًرا مــا شــهدها مــن قبــل مثــل‪ :‬تصاعــد‬ ‫حــدة املنافســة بني القــوى العظمــى؛ تزايــد وتيــرة الصراعــات‬ ‫اجليوسياســية؛ التداخــل بني التهديــدات التقليديــة وغيــر التقليديــة؛‬ ‫يف حني يكافــح نظــام حوكمــة األمــن العاملــي مــن أجــل معاجلــة أوجــه‬ ‫القصــور والثغــرات يف منظومتــي الــسالم واألمــن‪ .‬بالتالــي تعمــل‬ ‫الــصني‪ ،‬باعتبارهــا قــوة عظمــى مســؤولة‪ ،‬علــى ضــخ عوامــل االســتقرار‬ ‫الداعمــة للــسالم واألمــن العاملــيني‪ .‬ويف عــام ‪2014‬م‪ ،‬أطلــق الرئيــس‬ ‫الصينــي شــي جني بينــغ رؤيــة جديــدة لألمــن املشــترك‪ ،‬والشــامل‪،‬‬ ‫والتعاونــي ا ُ​ُملســتدام‪ ،‬والتــي مت تطويرهــا وإثرائهــا بشــكل أكبــر مــن‬ ‫خالل اإلصــدارات الالحقــة ملبــادرات األمــن العاملــي وورقــة املفاهيــم‬ ‫ذات الصلــة‪.‬‬ ‫مبــادرة األمــن العاملــي مبثابــة ممارســة حيــة ملفهــوم اجملتمــع البشــري‬ ‫ذي املصيــر املشــترك علــى صعيــد األمــن‬ ‫« األمــن شــرط أساســي للتنميــة‪ ،‬وإن اإلنســانية حتيــا يف مجتمــع‬ ‫أمنــي غيــر قابــل للتجزئــة»‪ ..‬بهــذه العبــارات افتتــح الزعيــم الصينــي‬ ‫تشــي جني بينــغ‪ ،‬املؤمتــر الســنوي ملنتــدى بــواو اآلســيوي ‪2022‬م‪ ،‬حيــث‬ ‫تعــد مبــادرة األمــن العالـمي التــي طرحتهــا الــصني مبثابــة إحــدى املنافــع‬ ‫العامــة املقدمــة للعالــم وممارســة حيــة ملفهــوم اجملتمــع البشــري ذي‬ ‫املصيــر املشــترك علــى صعيــد األمــن‪ .‬وقــد أردف الزعيــم الصينــي‬ ‫موضحــا أن‪ »:‬األمــن املشــترك يعنــي احتــرام وضمــان أمــن كافــة الــدول‪.‬‬ ‫يجــب أن يكــون األمــن عامل�يـًا؛ فال ميكــن أن تنعــم دولــة أو بعــض الــدول‬ ‫باألمــن‪ ،‬يف حني ُتُْتْــ َ​َرك الــدول األخــرى غيــر آمنــة‪ .‬يجــب أن يكــون‬ ‫هنــاك مســاواه يف األمــن؛ أي أن كل دولــة لديهــا احلــق نفســه يف‬ ‫املشــاركة يف الشــؤون األمنيــة للمنطقــة واالضــطالع مبســؤولية احلفــاظ‬ ‫علــى األمــن اإلقليمــي‪ .‬يجــب أن يكــون األمــن شــمول ً​ًيا؛ حيــث ينبغــي‬ ‫حتويــل التنــوع الثقــايف واالختالفــات بني الــدول إلــى طاقــة وقــوة دافعــة‬ ‫للتعــاون األمنــي اإلقليمــي»‪ .‬لذلــك تعتبــر مبــادرة األمــن اإلقليمــي ذات‬ ‫أهميــة كبــرى يف حتقيــق أهــداف األمم املتحــدة للتنميــة املســتدامة‬


‫‪146‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫منطق ــة الق ــرن اإلفريق ــي س ــاحة للتنا�ف ــس بي ــن الق ــوى العظم ــى‬ ‫إضاف ــة لع ــدم االس ــتقرار وقائم ــة القضاي ــا األمني ــة اإلقليمي ــة الش ــائكة‬ ‫العاملــي بعــد أزمــة تفشــي جائحــة فيــروس كورونــا‪.‬‬ ‫القــرن اإلفريقــي‪ ،‬كأحــد أكثــر مناطــق العالــم اضطراب ـًاً مــع معاناتــه‬ ‫مــن التعقيــدات املتزايــدة وانعــدام االســتقرار‬ ‫تعتبــر منطقــة القــرن اإلفريقــي أحــد أكثــر املناطــق اضطرابــا علــى‬ ‫مســتوى العالــم‪ .‬فعلــى الصعيــد الداخلــي‪ ،‬تواجــه املنطقــة شــبكة‬ ‫معقــدة مــن النزاعــات التــي تشــمل نزاعــات علــى األراضــي بني الســودان‬ ‫وإثيوبيــا‪ ،‬واحلــرب األهليــة يف إثيوبيــا‪ ،‬إلــى جانــب اجلــدل بشــأن ســد‬ ‫ً‬ ‫فــضًال عــن‬ ‫النهضــة اإلثيوبــي‪ ،‬واألزمــات السياســية يف الســودان‪.‬‬ ‫األنشــطة املســتفحلة حلركــة شــباب اجملاهديــن يف الصومــال‪ .‬أمــا‬ ‫خارج ً​ًيــا‪ ،‬فتســعى الــدول التــي لديهــا مشــاركة نشــطة داخــل هــذه‬ ‫املنطقــة مثــل الواليــات املتحــدة‪ ،‬وروســيا‪ ،‬وتركيــا‪ ،‬واململكــة العربيــة‬ ‫الســعودية‪ ،‬واإلمــارات‪ ،‬وإســرائيل‪ ،‬إلــى تعظيــم نفوذهــا‪ ،‬وبالتالــي‬ ‫حتولــت منطقــة القــرن اإلفريقــي إلــى ســاحة تنا ُ​ُفــس بني القــوى‬ ‫العظمــى‪ ،‬لُيُضــاف عــدم االســتقرار إلــى قائمــة القضايــا األمنيــة‬ ‫اإلقليميــة الشــائكة‪ .‬يف ضــوء هــذا الســياق‪ ،‬تواجــه منطقتــي القــرن‬ ‫اإلفريقــي والبحــر األحمــر العديــد مــن التهديــدات التــي تتداخــل مــع‬ ‫قضايــا أمنيــة تقليديــة وغيــر تقليديــة‪ ،‬ينجــم عــن ذلــك تفاعــل معقــد‬ ‫بني التحديــات املعاصــرة والتاريخيــة‪.‬‬ ‫خالل القــرن الـــ ‪ ،21‬تطلعــت القــارة الســمراء إلــى التخفيــف مــن بواعث‬ ‫اخملاوف األمنيــة‪ ،‬مــع تراجــع معــدل احلــروب الداخليــة‪ ،‬واالنقالبــات‪،‬‬ ‫والنزاعــات علــى احلــدود‪ .‬مــع ذلــك‪ ،‬لــم يتــم اســتئصال هــذه األزمــات‬

‫مــن جذورهــا وظلــت النزاعــات تطفــو علــى الســطح بني احلني واآلخــر‪.‬‬ ‫علــى ســبيل املثــال‪ ،‬علــى الرغــم مــن اتفــاق وقــف إطالق النــار الدائــم‬ ‫الــذي مت التوصــل إليــه بني احلكومــة اإلثيوبيــة واجلبهــة الشــعبية‬ ‫لتحريــر تيغــراي يف ‪ 2‬نوفمبــر‪2022‬م‪ ،‬إال أن األســباب املتجــذرة للنزاعات‬ ‫العرقيــة ظلــت دون تســوية‪ ،‬ممــا ســمح لقــوات انفصاليــة مثــل جيــش‬ ‫حتريــر أورومــو بــأن تشــكل تهديــًدًا لالســتقرار احمللــي‪ .‬ويف أوائــل‬ ‫‪2024‬م‪ ،‬وقــع رئيــس الــوزراء اإلثيوبــي آبــي أحمــد والزعيــم اإلقليمــي‬ ‫لصوماالنــد» جمهوريــة أرض الصومــال»‪ ،‬موســى بيهــي عبــدي‪ ،‬مذكــرة‬ ‫تفاهــم بأديــس أبابــا حــول منــح إثيوبيــا إمكانيــة الوصــول إلــى مينــاء‬ ‫«بربــرة»‪ .‬وعلــى مــا يبــدو أن االتفــاق أثــار اســتياء الصومــال التــي تعانــي‬ ‫مــن حكــم أمــراء احلــرب والصراعــات الداخليــة‪ .‬وممــا ال شــك فيــه أن‬ ‫التوقيــع علــى مذكــرة التفاهــم بني البلديــن أشــعل فتيــل اضطرابــات‬ ‫إقليميــة‪.‬‬ ‫وخالل األعــوام األخيــرة‪ ،‬أصبحــت منطقتــي القــرن اإلفريقــي والبحــر‬ ‫األحمــر يف مواجهــة حتديــات أمنيــة نابعــة مــن املنافســات احملتدمــة‬ ‫بني القــوى اإلقليميــة والنزاعــات املســلحة التــي جتتــذب الــدول الواقعــة‬ ‫علــى جانبــي البحــر األحمــر‪ ،‬مثلما شــوهد يف املنافســة بني تركيا ودولة‬ ‫اإلمــارات‪ ،‬حيــث تصطــف أنقــرة إلــى جانــب احلكومــة املعتــرف بهــا‬ ‫دوليــا يف الصومــال‪ ،‬بينمــا تدعــم أبــو ظبــي جمهوريــة أرض الصومــال‬ ‫االنفصاليــة‪ .‬ومــن شــأن مثــل هــذه الصراعــات الدائــرة بهــدف كســب‬ ‫هيمنــة إقليميــة‪ ،‬أن تتســبب يف تقويــض الــسالم اإلقليمــي علــى نحــو‬ ‫بعيــد‪.‬‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪145‬‬

‫ملف العدد‬

‫أزمات المنطقة نتيجة تحديات داخلية وصراعات ومنافسة خارجية‬

‫أمن البحر األحمر والقرن اإلفريقي قضية حاسمة‬ ‫من أجل الحفاظ عىل شريان الحياة لالقتصاد الصيني‬ ‫شــهد أكتوبــر ‪2023‬م‪ ،‬انــدالع جولــة جديــدة مــن جــوالت الصــراع الفلسطيني‪-‬اإلســرائيلي التــي التــزال مســتمرة حتــى اآلن علــى‬ ‫مــدى أكثــر مــن ‪ 100‬يــوم‪ .‬فقلمــا يشــهد التاريــخ نشــوب صــراع علــى هــذا النطــاق الواســع واســتمراره لهــذه املــدة الزمنيــة املمتــدة‪،‬‬ ‫حاصـًدًا حيــاة أعــداد كبيــرة مــن الضحايــا‪ ،‬ومخل ً​ًفــا تداعيــات واســعة املــدى‪ .‬مــن جانبهــا‪ ،‬تواصــل جماعــة احلوثــي املســلحة يف‬ ‫اليمــن‪ ،‬التــي تدعــم حركــة حمــاس يف حتركاتهــا ضــد إســرائيل‪-‬التعرض للســفن التجاريــة يف البحــر األحمــر‪ ،‬واســتهداف الســفن‬ ‫العســكرية األمريكيــة بشــكل مباشــر‪ُ​ُ ،‬مشــعلة فتيــل مخــاوف عامليــة حيــال أمــن املمــر املالحــي للبحــر األحمــر‪ .‬بشــكل عــام‪،‬‬ ‫شــهدت القضايــا الراســخة يف منطقتــي البحــر األحمــر والقــرن اإلفريقــي تفاق ً​ًمــا نتيجــة تأثيــر القــوى اجليوسياســية الكبــرى‬ ‫يف الصراعــات املتكــررة‪ .‬وقــد خلفــت األزمــة األخيــرة يف البحــر األحمــر التــي أشــعلتها هجمــات احلوثــيني‪ ،‬تداعيــات يتجــاوز‬ ‫مداهــا نطــاق الصــراع الفلسطيني‪-‬اإلســرائيلي‪ ،‬وكشــفت النقــاب عــن قضايــا راســخة وأكثــر عم ً​ًقــا متتــد لتشــمل نطــاق أوســع‬ ‫مــن املصالــح‪ .‬فــضاًلا عــن تغذيــة حالــة عــدم االســتقرار التــي تعصــف باملنطقــة وجــذب االهتمــام الدولــي لقضايــا األمــن يف‬ ‫البحــر األحمــر والقــرن اإلفريقــي‪.‬‬

‫أ‪.‬د‪ .‬تشني يويانغ‬

‫اســتمرار تعــرض منطقــة البحــر األحمــر لتهديــدات تتعلــق‬ ‫بالقضايــا األمنيــة التقليديــة وغيــر التقليديــة‬

‫القــوى العظمــى الــذي ال يــزال يالحقهــا مصحو�بـًا بظهــور صراعــات‬ ‫جدــيدة‪.‬‬

‫علــى الصعيــد اجليوسياســي‪ ،‬تعــد منطقــة القــرن اإلفريقــي التــي‬ ‫تشــمل كل مــن إثيوبيــا‪ ،‬وإريتريــا‪ ،‬وجيبوتــي‪ ،‬والصومــال‪ ،‬همــزة الوصــل‬ ‫بني احمليــط الهنــدي‪ ،‬والبحريــن األحمــر واملتوســط‪ .‬واكتســبت هــذه‬ ‫البقعــة مــن العالــم منــذ أمــد بعيــد أهميــة مــن حيــث املوقــع اجلغــرايف‬ ‫ومكانتهــا االســتراتيجية‪ ،‬ممــا يجعلهــا نقطــة ارتــكاز للقــوى املهيمنــة‬ ‫والقــوى اإلمبرياليــة‪ .‬ومنــذ القــرن الـــ ‪ ،15‬كثفــت القــوى الغربيــة وتيــرة‬ ‫منافســاتها يف املنطقــة ممــا أدى إلــى نشــوب النزاعــات‪ .‬وبالعــودة إلــى‬ ‫الــوراء‪ ،‬فقــد شــهدت حقبــة احلــرب البــاردة منافســة بني الواليــات‬ ‫املتحــدة واالحتــاد الســوفيتي علــى منطقــة القــرن اإلفريقــي مــن خالل‬ ‫انخــراط اجلانــبني يف صراعــات بالوكالــة‪ ،‬ممــا ترتــب عليــه حــروب‬ ‫وكــوارث مــن صنــع اإلنســان‪ .‬وحتــى يومنــا هــذا‪ ،‬ال تــزال منطقــة القــرن‬ ‫اإلفريقــي تعانــي العديــد مــن التهديــدات األمنيــة نتيجــة شــبح صــراع‬

‫يف الســياق ذاتــه‪ ،‬تتمتــع منطقــة البحــر األحمــر‪ ،‬التــي يحدهــا القــرن‬ ‫اإلفريقــي وشــبه اجلزيــرة العربيــة‪ ،‬بأهميــة اســتراتيجية‪ ،‬حيــث يخــدم‬ ‫مضيــق بــاب املنــدب يف اجلنــوب كبوابــة خلليــج عــدن واحمليــط‬ ‫الهنــدي‪ ،‬باجتــاه شــرق آســيا وجنوبهــا‪ ،‬مــرورا بقنــاة الســويس يف‬ ‫الشــمال‪ ،‬ليرُبُطهــا بالبحــر األبيــض‪ ،‬وقارتــي أوروبــا وأمريــكا الشــمالية‪.‬‬ ‫كمــا يعــد البحــر األحمــر أحــد أكثــر املمــرات املائيــة كثافــة يف العالــم‬ ‫وطري ً​ًقــا محور�يـًا للطاقــة والتجــارة‪ ،‬حيــث يعبــر مــن خاللــه مــا يقــرب‬ ‫مــن ‪ ٪12‬إلــى ‪ ٪15‬مــن إجمالــي التجــارة الدوليــة‪ ،‬و‪ ٪30‬مــن احلاويــات‪،‬‬ ‫وأجــزاء كبيــرة مــن النفــط املنقــول بحــ ً​ًرا (‪ ،)٪12‬والغــاز الطبيعــي‬ ‫املســال بنســبة (‪ ،)%8‬وكذلــك الفحــم (‪ .)%8‬فيمــا يؤثــر الوضــع املتوتــر‬ ‫يف البحــر األحمــر بشــدة علــى سالســل التوريــد العامليــة والنظــام‬ ‫البحــري‪ ،‬ممــا ُيُلقــي بــظالل ســلبية علــى مســيرة تعــايف االقتصــاد‬


‫‪144‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫الخيــار الصائــب لحــل المشــاكل هــو تحقيــق األمــن التعاونــي واألمــن‬ ‫الجماعــي واألمــن المشــترك ومصيــر العالــم تحــدده شــعوب مختلــف الــدول‬ ‫وتدعــو الــصني إلــى مبــادئ الــسالم والعدالــة والشــمول‪ ،‬كمــا تســعى إلى‬ ‫تعزيــز احلــوار والتشــاور بني جميــع األطــراف‪ ،‬ســع ً​ًيا إلــى إيجــاد حلــول‬ ‫مســتدامة للنزاعات‪ .‬لفتــرة طويلــة‪ ،‬ظلــت الــصني تشــارك بنشــاط يف‬ ‫الوســاطة الســلمية وتســوية الصراعــات يف الشــرق األوســط‪ ،‬ممــا‬ ‫يســهم يف االســتقرار واألمــن اإلقليمــيني يف املنطقة‪ .‬وعليــه‪ ،‬فقــد مت‬ ‫االعتــراف بــدور الــصني اإليجابــي يف الشــرق األوســط علــى نطــاق‬ ‫واســع مــن قبــل اجملتمــع الدولــي‪.‬‬ ‫إن ضمــان حريــة املالحــة يف امليــاه الدوليــة ويف املضائــق مســؤولية‬ ‫دوليــة مشــتركة‪ ،‬وتعــرب الــصني عــن قلقهــا العميــق إزاء ارتفــاع نســبة‬ ‫التهديــد مؤخــ ً​ًرا يف البحــر األحمــر‪ .‬إذ أّنّ‪ ‬مياهــه هــي قنــاة هامــة‬ ‫لنقــل البضائــع والطاقــة‪ ،‬فال بــد مــن ضمــان سالســة النقــل يف هــذا‬ ‫اجملــرى املائــي مــن قبــل اجملتمــع الدولــي‪ ،‬وكذلــك سالمــة الســفن املارة‪،‬‬ ‫وهــو مــا ال يســاعد فقــط علــى احلفــاظ علــى الــسالم واالســتقرار‬ ‫اإلقليمــيني‪ ،‬بــل يســاعد علــى احلفــاظ علــى أمــن سلســلة التوريــد‬ ‫العامليــة والنظــام التجــاري الدولــي‪ ،‬األمــر الــذي يتفــق مــع املصالــح‬ ‫املــشتركة للمجتــمع الدوــلي‪.‬‬ ‫وتعتقــد الــصني أن التوتــر يف البحــر األحمــر هــو عالمــة بــارزة علــى‬ ‫تداعيــات الصــراع الفلســطيني‪ /‬اإلســرائيلي يف غــزة‪ ،‬إذ أنــه مــن امللــح‬ ‫أن تهــدأ احلــرب يف غــزة يف أقــرب وقــت ممكــن ملنــع املزيــد مــن‬ ‫التوســع يف الصــراع أو حتــى خــارج نطــاق الســيطرة‪ .‬وحتقي ً​ًقا لهــذه‬ ‫الغايــة‪ ،‬بذلــت الــصني جهــو ً​ًدا نشــطة مــن أجــل احلفــاظ علــى اتصــال‬ ‫وثيــق مــع جميــع األطــراف مــن أجــل تخفيــف حــدة التوتــر يف البحــر‬ ‫األحــمر‪ .‬فــقد اتــخذت ــبكني اإلــجراءات التالــية‬ ‫أواًلا ‪ ،‬تدعــو الــصني إلــى وقــف الهجمــات علــى الســفن املدنيــة‪،‬‬ ‫واحلفــاظ علــى سالمــة سالســل التوريــد العامليــة والنظــام التجــاري‬ ‫الدولــي‪ ،‬وحتــّثّ األطــراف املعنيــة علــى جتنــب تصاعــد حــدة التوتــر يف‬ ‫البحــر األحمــر‪ ،‬والعمــل م ً​ًعــا مــن أجــل احلفــاظ علــى سالمــة املمــرات‬ ‫املائــية يف مــياه تــلك املنطــقة وفًقـ ـًا للقاــنون الدوــلي‪.‬‬ ‫ثان ً​ًيــا‪ ،‬إن مجلــس األمــن لــم يعــط احلــق ألي بلــد باســتخدام القــوة‬ ‫ضــد اليمــن‪ ،‬ينبغــي جت�نـُب صــب الزيــت علــى نــار التوتــرات يف البحــر‬ ‫األحمــر ومنــع زيــادة اخملاطــر األمنيــة العامــة يف املنطقة‪ .‬وتدعــو‬

‫الــصني جميــع األطــراف إلــى االحتــرام الفعلــي لســيادة وسالمــة أراضــي‬ ‫اــلدول املطــلة عــلى البــحر األحــمر‪ ،‬مبـما فيــها اليــمن‪.‬‬ ‫ثال�ثـًا‪ ،‬تــرى الــصني أنــه يجــب علــى جميــع األطــراف‪ ،‬وال ســيما الــدول‬ ‫الكبــرى ذات النفــوذ‪ ،‬أن تلعــب دو ً​ًرا بّنّــاء ومســؤواًلا يف احلفــاظ علــى‬ ‫سالمــة املمــرات املائيــة يف ميــاه البحــر األحمــر‪ .‬فالــصني علــى‬ ‫اســتعداد للعمــل مــع األطــراف األخــرى مــن أجــل تخفيــف حــدة التوتــر‪،‬‬ ‫واحلفــاظ علــى األمــن واالســتقرار يف منطقــة البحــر األحمــر‪ ،‬واحلفاظ‬ ‫عــلى سالــمة املــمرات املائــية يف مياــهه‪.‬‬ ‫ولذلــك‪ ،‬مــن أجــل حــل األزمــة احلاليــة يف البحــر األحمــر‪ ،‬مــن الضروري‬ ‫تنفيــذ سياســات شــاملة ملعاجلــة األســباب اجلذريــة لهــا‪ ،‬وبنــاء أمــن‬ ‫دائــم يف البحــر األحمر‪ .‬كمــا يجــب تنســيق اجلهــود الراميــة إلــى‬ ‫احلفــاظ علــى األمــن املائــي مــع اجلهــود الراميــة إلــى إنهــاء احلــرب‬ ‫يف غــزة واســتئناف املفاوضــات بشــأن القضيــة الفلســطينية والعمليــة‬ ‫السياســية يف اليمــن‪.‬‬ ‫تــرى الــصني أن التشــاور السياســي والســعي إلــى األمــن والتعــاون‬ ‫املشــترك هــو املقاربــة الصحيحــة لضمــان أمــن البحــر األحمــر‬ ‫واالســتقرار يف اليمــن مــع احلــد مــن التهديــدات األخــرى‪.‬‬ ‫أخيـ ً​ًرا‪ ،‬تــرى الــصني أّنّ القضيــة الفلســطينية هــي جوهــر أزمــة الشــرق‬ ‫األوســط‪ ،‬ال ســيما وأّنّ األســباب اجلذريــة للصــراع يف املنطقــة التــي‬ ‫أدت إلــى زيــادة العنــف تعــود بشــكل أساســي إلــى تداعيــات تلــك‬ ‫القضيــة‪ .‬لذلــك تســعى الــصني إلــى لعــب دور الوســاطة بني األطــراف‪.‬‬ ‫فمنــذ ســنوات وحتــى اليــوم لــم تّدّخــر بــكني جهــو ً​ًدا مــن أجــل الدعــوة‬ ‫إلــى وقــف فــوري إلطالق النــار يف غــزة‪ .‬وهنــا ال بــد مــن التأكيــد‬ ‫علــى دور مبــادرة الــسالم العربيــة والتــي تدعــو يف جوهرهــا إلــى حــل‬ ‫الدولــتني‪ ،‬إذ أنهــا املقاربــة الصحيحــة الوحيــدة واحلــل الدائــم للقضيــة‬ ‫الفلســطينية‪ .‬ولذلــك تدعــو الــصني األمم املتحــدة إلــى االعتــراف‬ ‫بالعضوــية الكامــلة لدوــلة فلــسطني كخــطوة أوــلى‪.‬‬

‫*أستاذ بجامعة شنغهاي للدراسات الدولية بالصني ـــ األمني العام ملركز‬ ‫الدراسات الصيني‪ /‬العريب لإلصالح والتنمية‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪143‬‬

‫ملف العدد‬

‫اعت ــرف االتح ــاد األوروب ــي ب ــأن تكالي ــف الش ــحن بي ــن أوروب ــا وآس ــيا‬ ‫قـــد ارتفعـــت بنســـبة تصـــل إىل ‪ % 400‬بســـبب أزمـــة البحـــر األحمـــر‬ ‫األساســية والتحويليــة‪ ،‬منطقــة الســويس للتعــاون االقتصــادي‬ ‫والتجــاري الصينــي املصــري‪ ،‬وغيرهــا مــن املشــاريع األخــرى‪ .‬إذا أخذنــا‬ ‫جيبوتــي مث ـااًلا ميكــن القــول إنــه وعلــى الرغــم مــن أن جيبوتــي هــي‬ ‫واحــة الــسالم يف شــرق إفريقيــا‪ ،‬إال أّنّ ألزمــة البحــر األحمــر تأثيــر‬ ‫كبيــر علــى الشــركات الصينيــة احملليــة بســبب موقعهــا يف مضيــق بــاب‬ ‫املنــدب‪ ،‬حيــث توقفــت العديــد مــن شــركات الشــحن علــى طريــق البحر‬ ‫األحمــر‪ ،‬وعرقلــت الشــحنات مــن الــصني إلــى جيبوتــي‪ ،‬ممــا أدى إلــى‬ ‫صعوبــة العثــور علــى شــركة شــحن لنقــل الســلع واملــواد‪ ،‬وباملقارنــة مــع‬ ‫نوفمبــر ‪2023‬م‪ ،‬ارتفعــت أســعار احلاويــات يف ينايــر ‪2024‬م‪ ،‬مــا يقــرب‬ ‫من ‪.% 400‬‬ ‫ويف اآلونــة األخيــرة‪ ،‬أدت مذكــرة التفاهــم املبرمــة بني إثيوبيــا و»أرض‬ ‫الصومــال» بشــأن وصــول إثيوبيــا إلــى البحــر إلــى إثــارة القلــق يف‬ ‫البلــدان اجملاورة‪ ،‬فـ ً‬ ‫ـضًال عــن التوتــر علــى طــول ســاحل البحــر األحمــر‪،‬‬ ‫ممــا شــكل عــاماًلا ها ً​ًمــا يهــدد األمــن البحــري للبحــر األحمــر‪ .‬ويف‬ ‫هــذا الصــدد‪ ،‬دأبــت الــصني علــى الدعــوة إلــى احلفــاظ علــى مقاصــد‬ ‫ومبــادئ ميثــاق األمم املتحــدة ودعــم الــدول يف احلفــاظ علــى ســيادتها‬ ‫وسالمتهــا اإلقليمية‪ .‬فمــن املعــروف أن «أرض الصومــال» جــزء مــن‬ ‫األراضــي الصومالية‪ .‬لذلــك تؤيــد الــصني اجلهــود التــي تبذلهــا‬ ‫احلكومــة االحتاديــة الصوماليــة للحفــاظ علــى الوحــدة الوطنيــة‬ ‫والســيادة والسالمــة اإلقليميــة‪ ،‬وتأمــل ً‬ ‫أيًضــا يف أن البلــدان يف املنطقــة‬ ‫تتعامــل مــع الشــؤون اإلقليميــة مــن خالل احلــوار وحتقيــق التنميــة‬ ‫املشــتركة علــى أســاس الصداقــة والتعــاون‪.‬‬

‫دور الصين يف بناء ممر آمن للبحر األحمر‬

‫قــد أدركــت دول العالــم بالفعــل أن درجــة الترابــط واالعتمــاد املتبــادل‬ ‫بني مختلــف الــدول تتعمــق بصــورة غيــر مســبوقة‪ ،‬حيــث يعيــش‬ ‫جميــع البشــر علــى الكــرة األرضيــة ذاتهــا‪ ،‬يف الزمــان واملــكان ذاتــه‪،‬‬ ‫ومــن هنــا فــإّنّ مجتمــع املصيــر املشــترك‪ ،‬يتســم مبيــزة أساســية ال‬ ‫ميكــن إنكارهــا أال وهــي‪« :‬أ�نـّي موجــود فيــك وأنــك موجــود ّيفّ »‪ .‬إّنّ‬ ‫حدوث الصــراع اإلقليمــي‪ ،‬أزمــة النقــل واملــواصالت‪ ،‬انســداد تدفــق‬ ‫املــواد‪ ،‬تبــدو بشــكل ظاهــري أنهــا قــد عطلــت إيقــاع تدفــق املــواد‪ ،‬ولكــن‬ ‫يف الواقــع قــد حصــل تعطيــل كامــل لسلســلة التوريــد‪ .‬إذ أّنّ السلســلة‬ ‫الصناعيــة متتــد حللقــات متصلــة ببعضهــا البعــض عبــر احلــدود‪ ،‬ويف‬ ‫حــال تعطــل حلقــة واحــدة‪ ،‬ال ميكــن للحلقــات األخــرى الواصلــة إلــى‬ ‫املنــبع واملــصب أن تعــمل بسالــسة‪.‬‬

‫أمــا علــى صعيــد األمــن الدولــي فتــرى الــصني أنــه ينبغــي علــى الــدول‬ ‫اخملتلفــة وشــعوبها أن تتمتــع ســو ً​ًيا بضمــان األمــن‪ ،‬وعلــى مختلــف‬ ‫الــدول أن تضافــر جهودهــا وتوحــد قلوبهــا ملواجهــة أنــواع مختلفــة‬ ‫مــن املشــاكل والتحديــات واألزمــات‪ ،‬بصــورة ســليمة‪ .‬فكلمــا كبــرت‬ ‫التحديــات العامليــة‪ ،‬يجــب أن يــزداد التعــاون ملواجهتهــا‪ ،‬وتتضافــر‬ ‫اجلهــود أكثــر يف حتويــل الضغــط إلــى قــوة محركــة‪ ،‬وحتويــل األزمــة‬ ‫إلــى فرصــة‪ .‬فلمواجهــة التهديــدات األمنيــة الدوليــة املعقــدة‪ ،‬ال ميكــن‬ ‫اللجــوء جلهــود دولــة واحــدة مبفردهــا‪ ،‬وال ميكــن اللجــوء إلــى القــوة‪.‬‬ ‫فاخليــار الصائــب حلــل املشــاكل هــو حتقيــق األمــن التعاونــي واألمــن‬ ‫اجلماعــي واألمــن املشــترك‪ .‬بالنســبة إلــى مصيــر العالــم فال بــد أن‬ ‫حتــدده شــعوب مختلــف الــدول‪ ،‬وأي شــأن يقــع ضمــن إطــار ســيادة‬ ‫الــدول‪ ،‬ال ميكــن إدارتــه إال عبــر حكومــات الــدول املعنيــة وشــعوبها‪،‬‬ ‫بينمــا ال ُتُعالــج شــؤون العالــم إال مــن خالل التشــاور بني حكومــات‬ ‫وشــعوب مختلــف الــدول‪ ،‬وهــذا هــو األســاس يف املبــادئ الدميقراطيــة‬ ‫ملعاجلــة الشــؤون الدوليــة‪ ،‬وينبغــي أن يلتــزم اجملتمــع الدولــي بــه‪.‬‬ ‫شــاركت بــكني وأســهمت يف احلــد مــن التهديــدات والتوتــرات األمنيــة‬ ‫يف البحــر األحمــر‪ ،‬وال ســيما يف جنــوب اخلليــج‪ .‬فالــصني باعتبارهــا‬ ‫أكبــر دولــة ناميــة‪ ،‬لديهــا مصلحــة كبيــرة يف حمايــة املالحــة الدوليــة‬ ‫يف البحــر األحمــر وقنــاة الســويس وغيرهــا مــن املصالــح يف منطقــة‬ ‫اخلليــج وإفريقيــا‪ .‬باإلضافــة إلــى ذلــك‪ ،‬فــإن الــصني لديهــا أول قاعــدة‬ ‫للتمويــن واإلمــداد خــارج الــصني‪ ،‬وحتــت التشــغيل بالقــرب مــن مضيــق‬ ‫بــاب املنــدب‪ ،‬والتــي بناهــا اجليــش الصينــي لصــون املصالــح الوطنيــة‬ ‫خــارج الــبالد بشــكل فّعّ ــال وتنفيــذ حراســة الســفن التجاريــة وحفــظ‬ ‫الــسالم الدولــي واملســاعدات اإلنســانية الدوليــة وإجالء املواطــنني‬ ‫الصينــيني املغتــربني يف خــارج الــصني وغيرهــا مــن املهمــات‪ .‬يف‬ ‫الســنوات األخيــرة‪ ،‬نفــذ اجليــش الصينــي عــد ً​ًدا متزايـًدًا مــن املهمــات‬ ‫مثــل حراســة الســفن التجاريــة وحفــظ الــسالم الدولــي واملســاعدات‬ ‫اإلنســانية الدوليــة وإجالء املواطــنني الصينــيني املغتــربني يف خــارج‬ ‫الــصني‪ ،‬ومنــذ عــام ‪2008‬م‪ ،‬أرســلت الــصني دفعــات عديــدة مــن‬ ‫أســاطيل احلراســة يف خليــج عــدن واجملال البحــري الصومالــي وف ً​ًقــا‬ ‫للتقاريــر املعنيــة لألمم املتحــدة‪ .‬وتهــدف الــصني مــن إنشــاء قاعــدة‬ ‫التمويــن واإلمــداد يف جيبوتــي إلــى أداء املســؤوليات والواجبــات الدوليــة‬ ‫للدولــة الكبيــرة املســؤولة علــى خيــر وجــه‪ ،‬وتقــدمي املنافــع العامــة‬ ‫لألمــن الدولــي‪ ،‬واحملافظــة علــى الــسالم واالســتقرار اإلقليمــيني‪،‬‬ ‫واملســاعدة يف صــون احلقــوق واملصالــح الشــرعية لــدول العالــم‪.‬‬


‫‪142‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫أن يؤثــر علــى نضــارة الفواكــه مثــل التفــاح والكيــوي واحلمضيات‪ .‬وقــال‬ ‫املصــّدّ رون األوروبيــون إن الصــادرات األوروبيــة مــن منتجــات مثــل‬ ‫حلــم اخلنزيــر واأللبــان والنبيــذ‪ ،‬فـ ً‬ ‫ـضًال عــن واردات الشــاي والتوابــل‬ ‫والدواجــن تواجــه مشــاكل يف النقــل‪ ،‬علــى الرغــم مــن أنــه ال يــزال‬ ‫مــن غيــر الواضــح حتديــد وجــود تأثيــر معني‪ .‬وباإلضافــة إلــى ذلــك‪،‬‬ ‫ُتُنقــل العديــد مــن املنتجــات الزراعيــة يف الهنــد ً‬ ‫أيًضــا عــن طريــق‬ ‫البحــر األحمــر إلــى أوروبــا‪ ،‬وقــد أضطــرت أن تكــون علــى اســتعداد‬ ‫لتجــاوز هــذه الســفن جنوبــي إفريقيا‪ .‬يشــير مصـّدّ رون مــن الهنــد أنهــم‬ ‫يواجهــون تأخيــرات يف نقــل حلــوم البقــر إلــى مناطــق مثــل شــمالي‬ ‫إفريقيــا‪.‬‬ ‫وبصــورة أعــم‪ ،‬فــإن آثــار أزمــة البحــر األحمــر متعــددة‪ ،‬مبــا يف ذلــك‬ ‫ارتفــاع تكاليــف النقــل‪ ،‬والتضخــم احملتمــل‪ ،‬والتأخيــر واالنقطــاع يف‬ ‫التســليم علــى الصعيــد العاملــي‪ ،‬ممــا قــد يــؤدي بــدوره إلــى حلقــة‬ ‫مفرــغة ــمن التفاــعل ــمع العواــمل الــتي ــتؤدي إــلى تفاــقم تغــير املــناخ‪.‬‬ ‫التضخــم ســيرتفع بنســبة ‪ % 0.7‬عندمــا تتضاعــف تكاليــف الشــحن‪،‬‬ ‫ولكــن التأثيــر ســيبلغ ذروتــه بعــد عــام تقري ً​ًبــا‪ ،‬وف ً​ًقــا لبحــث ســابق‬ ‫صــادر عــن صنــدوق النقــد الدولــي‪ .‬إن انقطــاع اإلمــدادات ميكــن أن‬ ‫يــؤدي إلــى نقــص مؤقــت يف املنتجــات‪ ،‬وبعــض الشــركات ســوف تواجــه‬ ‫انقطاًعــا يف سلســلة التوريــد‪ ،‬والتــي قــد جتبرهــم علــى خفــض‬ ‫حت ً​ًمــا‬ ‫ً‬ ‫اإلنــتاج مؤقًتًا‪.‬‬ ‫إن البيانــات التــي قّدّ مهــا االحتــاد األوروبــي تــدل بوضــوح علــى أن‬ ‫اســتمرار إســرائيل يف الهجــوم علــى قطــاع غــزة كان لــه سلســلة مــن‬ ‫اآلثــار يف أوروبــا بأســرها‪ .‬ويف الوقــت نفســه‪ ،‬فإنــه يــدل ً‬ ‫أيًضــا علــى أن‬ ‫ً‬ ‫ضغوًطــا‬ ‫االســتراتيجيات التــي اعتمدتهــا جماعــة احلوثــيني قــد شــكلت‬ ‫هائلــة علــى الواليــات املتحــدة واالحتــاد األوروبــي وغيرهــا مــن البلــدان‬ ‫واملنظمات‪.‬‬ ‫بعــد تنفيــذ قــوات التحالــف األمريكيــة والبريطانيــة ضربــات عســكرية‬ ‫علــى جماعــة احلوثــيني‪ ،‬واصــل احلوثيــون ً‬ ‫أيًضــا الهجــوم علــى‬ ‫الســفن التجاريــة يف البحــر األحمــر وتعهــد االنتقــام العنيــف ضــد‬ ‫الواليــات املتحــدة وبريطانيــا‪ ،‬هكــذا اســتمرت أزمــة البحــر األحمــر‬ ‫يف التصعيــد‪ .‬إن اســتمرار تداعيــات اجلولــة اجلديــدة مــن الصــراع‬ ‫الفلســطيني ‪-‬اإلســرائيلي‪ ،‬يــدل متا ً​ًمــا علــى أن نفــوذ الواليــات املتحــدة‬ ‫يف الشــرق األوســط يتراجــع إقليم ً​ًيــا ودول ً​ًيــا‪ ،‬فقــد انكســر التــوازن‬ ‫السياســي اإلقليمــي القــدمي‪ ،‬وهــا هــو النظــام اجلديــد ميضــي يف‬ ‫طريــق إعــادة التشــّكّ ل‪.‬‬

‫مصالــح الصيــن أيًضً ــا الحفــاظ عىل سالمــة وسالســة المــرور يف‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫البحــر األحمــر‬

‫ال يعــد البحــر األحمــر واحــًدًا مــن أكثــر الطــرق البحريــة ازدحا ً​ًمــا‬ ‫يف العالــم فقــط‪ ،‬وإمنــا هــو طريــق الشــحن الصينيــة مــن آســيا إلــى‬ ‫املوانــئ العربيــة والغربية‪ .‬لــذا فــإّنّ أزمــة البحــر األحمــر تؤّثّــر علــى‬ ‫الــصني مــن عــدة جوانــب‪ ،‬مبــا يف ذلــك االقتصــاد والتجــارة والسياســة‬ ‫والعالقــات الدبلوماســية‪ .‬لقد أصبحت الــصني مصنــع العالــم‪ ،‬حتتــاج‬ ‫إلــى اســتيراد كميــات كبيــرة مــن الطاقــة واملــواد اخلام لدعــم قاعــدة‬ ‫صناعيــة متناميــة‪ ،‬ولكــن ال تــزال عرضــة االختناقــات التــي تعانــي منهــا‬ ‫سلســلة التوريــد العامليــة اليوم‪ .‬فانــدالع أزمــة البحــر األحمــر قــد وضــع‬ ‫ً‬ ‫ضغوًطــا علــى الــصني مــن حيــث الشــحن والتجــارة واالقتصــاد‪ ،‬ليــس‬ ‫فقــط علــى الســلع الصغيــرة‪ ،‬ولكــن ً‬ ‫أيًضــا علــى الســيارات الكهربائيــة‬ ‫واملنتجــات الضوئيــة التــي متثــل أكبــر صــادرات الصني‪ .‬لــن يــؤدي‬ ‫حصــار البحــر األحمــر إلــى صعوبــات يف أنشــطة التصديــر يف الــصني‬ ‫فحســب‪ ،‬وإمنــا ســيؤثر ً‬ ‫أيًضــا علــى اإلمــدادات العاديــة مــن الســلع‬ ‫املســتوردة‪ .‬وهو مــا يضــّرّ يف الســوق الصينيــة التــي تعتمــد علــى‬ ‫الــواردات‪ ،‬ال ســيما يف الســلع األساســية مثــل الغــذاء والدواء‪ .‬االحتــاد‬ ‫األوروبــي هــو ثانــي أكبــر شــريك جتــاري للــصني‪ ،‬إذ يتــم شــحن ‪% 60‬‬ ‫مــن صــادرات الــصني إلــى االحتــاد األوروبــي عــن طريــق البحــر األحمــر‬ ‫وقنــاة الســويس‪.‬‬ ‫ومــع تعميــق التعــاون يف إطــار مبــادرة «احلــزام والطريــق»‪ ،‬أصبــح العالــم‬ ‫ً‬ ‫ترابًطــا وتــواصاًلا ممــا مضى‪ .‬وقــد أعاقــت أزمــة البحــر األحمــر‬ ‫أكثــر‬ ‫التجــارة العاديــة وتدفقــات الســلع بني بلــدان آســيا وأوروبــا وشــمال‬ ‫إفريقيا‪ .‬فالعديــد مــن الشــركات الصينيــة التــي متــارس التجــارة‬ ‫وتشــارك يف مشــاريع البنــاء يف الــدول املطلــة علــى «احلــزام والطريــق»‪،‬‬ ‫قــد تأثــرت بشــدة مــن أزمــة البحــر األحمــر يف اســتيراد املــواد اخلام‬ ‫للبنــاء وتصديــر الســلع‪ .‬وال بـّدّ مــن اإلشــارة إلــى أنه بعــد انعقــاد القمــة‬ ‫الصينيــة ‪ /‬العربيــة األولــى عــام ‪2022‬م‪،‬دخلــت العالقــات بني الــصني‬ ‫والــدول العربيــة مرحلــة التعــاون االســتراتيجي الشــامل‪ ،‬فعززت الــصني‬ ‫التبــادالت اإلنســانية مــع البلــدان العربيــة‪ ،‬ممــا عــزز التفاهــم والصداقة‬ ‫بني الشــعبني علــى جميــع املســتويات‪ ،‬وهــو مــا وّفّ ــر ضمانــة قويــة ملزيــد‬ ‫مــن تطويــر العالقــات الثنائيــة‪ ،‬فقــد أصبحــت الــصني واحــدة مــن أهــم‬ ‫الشــركاء التجــاريني واملســتثمرين يف البلــدان العربية‪ ،‬وارتفــع حجــم‬ ‫التجــارة بني اجلانــبني بشــكل مســتمر‪ ،‬فالشــركات الصينيــة يف البلــدان‬ ‫العربــية تــسعى لتنفــيذ مجموــعة متنوــعة ــمن املــشاريع التعاونــية‪.‬‬ ‫وبطبيعــة احلال‪ ،‬فــإن أهــم املشــاريع التعاونيــة الصينيــة علــى طــول‬ ‫ســواحل البحــر األحمــر حتتــاج إلــى سالســة قنــوات النقــل البحــري‪،‬‬ ‫مثــل‪ :‬قاعــدة التمويــن واإلمــداد الصينيــة يف جيبوتــي‪ ،‬مشــاريع التعــاون‬ ‫الصينــي ‪ /‬الســعودي للطاقــة اإلنتاجيــة يف مدينــة جــازان للصناعــات‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪141‬‬

‫ملف العدد‬

‫األونكتاد‪ :‬أزمة البحر األحمر تأثيرها مدمر عىل التجارة العالمية وسالسل‬ ‫التوري ــد وأدت إىل ارتف ــاع تكالي ــف الش ــحن وزي ــادة انبعاث ــات الغ ــازات‬ ‫أزمــة البحــر األحمــر أدت إىل ارتفــاع متوســط ســعر الشــحن الفــوري‬ ‫للحاويات‬

‫منــذ أوائــل ديســمبر ‪2023‬م‪ ،‬تضاعــف متوســط تكاليــف الشــحن‬ ‫مــن شــنغهاي يف الــصني أكثــر مــن ثالثــة أضعــاف متوســط تكاليــف‬ ‫الشــحن إلــى أوروبــا‪ ،‬وفقــا لألونكتاد‪ .‬فحتــى لــو كانــت الســفن املتجهــة‬ ‫إلــى الســاحل الغربــي للواليــات املتحــدة ال تعبــر قنــاة الســويس‪ ،‬فــإن‬ ‫متوســط تكاليــف الشــحن قــد ازداد‪ .‬وعالوة علــى ذلــك‪ ،‬ارتفعــت‬ ‫أقســاط التــأمني‪ ،‬ممــا زاد مــن تكاليــف النقــل اإلجماليــة‪ .‬مــن‬ ‫جانــب آخــر‪ ،‬قــال بــن مــي مديــر مركــز البحــوث لالقتصاديــة الكليــة‬ ‫العامليــة يف معهــد أوكســفورد لألبحــاث االقتصاديــة‪ ،‬إنــه إذا كانــت‬ ‫الســفينة تســافر مــن آســيا عبــر البحــر األحمــر إلــى هولنــدا‪ ،‬فــإّنّ‬ ‫ذلــك يســتغرق حوالــي ‪ 25.5‬يومــا للذهــاب مــن خالل قنــاة الســويس‪،‬‬ ‫ولكــن يف حــال تغيــر مســار الرحلــة‪ ،‬فإنــه ميكــن أن تزيــد إلــى ‪ 34‬يو ً​ًمــا‬ ‫إلكمــال الرحلة‪ .‬وعلــى الرغــم مــن أن التأخــر مــدة تســعة أيــام تأخيــر‬ ‫يف التســليم قــد ال يبــدو خطيــ ً​ًرا جــًدًا‪ ،‬إال أّنّ األثــر التراكمــي لهــذا‬ ‫التأخيــر قــد يكــون لــه نتائــج خطــرة‪ .‬وميكــن أن يــؤدي النقــل اإلضــايف‬ ‫النــاجت عــن أزمــة البحــر األحمــر إلــى تخفيــض قــدرة الشــحن العامليــة‬ ‫بنسبة ‪.%20‬‬

‫يف اآلونــة األخيــرة‪ ،‬اعتــرف االحتــاد األوروبــي بــأن تكاليــف الشــحن‬ ‫بني أوروبــا وآســيا قــد ارتفعــت بنســبة تصــل إلــى ‪ % 400‬بســبب أزمــة‬ ‫البحــر األحمــر‪ .‬ويف مؤمتــر صحفــي عقــد يف بروكســل‪ ،‬أكــد مفــوض‬ ‫الشــؤون االقتصاديــة يف االحتــاد األوروبــي جــان تيلونــي علــى هــذه‬ ‫املســألة‪ ،‬مشــي ً​ًرا إلــى أنــه باإلضافــة إلــى ارتفــاع األســعار‪ ،‬فــإن الوقــت‬ ‫الــذي يســتغرقه الشــحن البحــري (يف املناطــق ذات الصلــة) قــد ازداد‬ ‫مبــا ال يقــل عــن ‪ 10‬إلــى ‪ 15‬يو ً​ًما‪ ،‬وحــذر مــن أنــه إذا اســتمرت األزمــة‬ ‫يف االرتفــاع‪ ،‬ميكــن أن يــؤدي ذلــك إلــى ارتفــاع حــاّدّ يف التضخــم يف‬ ‫االحتــاد األوروبــي‪.‬‬ ‫ويف ظــل هــذه الظــروف‪ ،‬ف ـإّنّ املزيــد مــن ســفن الشــحن التــي حتمــل‬ ‫النفــط اخلام بــدأت احملاولــة بتجنــب الهجمــات والتهديــدات يف البحــر‬ ‫األحمــر‪ .‬ويف الوقــت نفســه‪ ،‬ارتفعــت أســعار الناقالت‪ .‬باملقارنــة مــع‬ ‫النفــط اخلام‪ ،‬فـإّنّ اآلثــار الناجتــة عــن نقــل املنتجــات الزراعيــة يبــدو‬ ‫أكثــر وضوحــا‪ ،‬خاصــة وأّنّ‪ ‬خصائــص املنتجــات الزراعيــة القابلــة‬ ‫للتلــف وصعوبــة التخزيــن أدت إلــى زيــادة كبيــرة يف تكاليــف النقــل‬ ‫لســفن الشــحن املارة بــرأس الرجــاء الصالح‪ .‬وأشــارت منظمــة الزراعــة‬ ‫اإليطاليــة أن املصّدّ ريــن اإليطالــيني قلقــون مــن أن عبــور إفريقيــا ميكــن‬


‫‪140‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫حرب غزة أكدت تالشي نفوذ أمريكا في المنطقة وانكسار التوازن القديم‬

‫‪ 3‬إجراءات صينية‪ :‬وقف الهجمات الحوثية وعدم‬ ‫استخدام القوة ضدهم واألمن بمشاركة الجميع‬ ‫تصاعــدت حــدة التوتــر يف ميــاه البحــر األحمــر مــع وقــوع كارثــة إنســانية خطيــرة يف فلســطني نتيجــة جلولــة جديــدة مــن الصــراع‬ ‫الفلســطيني – اإلســرائيلي‪ .‬إذ بــدأت جماعــة احلوثــي يف اليمــن بتنفيــذ ضربــات ضــد «الســفن اإلســرائيلية ومــا ميــت لهــا‬ ‫بصلــة» يف البحــر األحمــر منــذ ‪ 19‬نوفمبــر ‪2023‬م‪ ،‬ممــا أدى إلــى تضـّرّر عــدد مــن ســفن الشــحن يف املناطــق البحريــة اجملاورة‪.‬‬ ‫وهــو مــا قــد أ ث�ـّر علــى شــركات الشــحن الكبــرى‪ ،‬التــي اضطــرت إلــى املــرور مــن رأس الرجــاء الصالــح يف إفريقيــا‪ ،‬األمــر الــذي‬ ‫أدى إلــى ارتفــاع تكاليــف النقــل‪ ،‬وأســعار الشــحن‪ ،‬ويف الوقــت احلاضــر‪ ،‬تــزداد تداعيــات أزمــة البحــر األحمــر‪ ،‬فالتوتــرات يف تلــك‬ ‫املنطقــة تفاقمــت بســبب الغــارات اجلويــة التــي شــنتها أمريــكا وبريطانيــا علــى احلوثــيني‪ ،‬والــرد احلوثــي يف املقابــل علــى هــذه‬ ‫الغــارات مــن خالل الصواريــخ البالســتية املضــادة لســفن الشــحن األمريكيــة والبريطانيــة‪.‬‬

‫أ‪.‬د‪ .‬وانغ قوانغدا‬

‫أزمــة البحــر األحمــر لهــا تأثيــر مدمــر عىل التجــارة العالميــة‬ ‫وسالســل التوريــد‬

‫علــى الرغــم مــن أّنّ النقــل البحــري يعــّدّ شــريا ً​ًنا أساســ ً​ًيا يف حركــة‬ ‫التجــارة العامليــة‪ ،‬إال أّنّ لــه جانــب هــش يف مواجهــة القرصنــة واألزمــة‬ ‫اجليوسياســية وتوتــر الوضــع وتغيــر املنــاخ‪ .‬إن منطقــة البحــر األحمــر‬ ‫هــي قنــاة هامــة للتجــارة الدوليــة يف الســلع والطاقــة‪ ،‬فاســتقرارها‬ ‫مســألة تتعلــق باملصالــح املشــتركة للمجتمــع الدولي‪ .‬وبحســب بيانــات‬ ‫مؤمتــر األمم املتحــدة للتجــارة والتنميــة (األونكتــاد)‪ ،‬فـإّنّ قنــاة الســويس‬ ‫هــي محــور النقــل البحــري الدولــي‪ ،‬الــذي يحمــل ‪ ٪12‬إلــى ‪ ٪15‬مــن‬ ‫التجــارة البحريــة يف العالــم‪ ،‬مبــا يف ذلــك حوالــي ‪ ٪20‬مــن التجــارة يف‬ ‫احلاويــات البحريــة‪ ،‬فانقطــاع هــذا احملــور الرئيســي ميكــن أن يكــون‬ ‫لــه عواقــب وخيمــة علــى العالــم‪ ،‬وتشــير التحذيــرات مــن األونكتــاد إلــى‬ ‫أن أزمــة البحــر األحمــر لهــا أثــر مدمــر علــى التجــارة العامليــة ال ســيما‬ ‫التجــارة الهشــة وسالســل التوريد‪ .‬كمــا أدت أزمــة الشــحن البحــري يف‬ ‫البحــر األحمــر إلــى ارتفــاع تكاليــف الشــحن وزيــادة انبعاثــات الغــازات‪.‬‬ ‫قــد أعلنــت العديــد مــن شــركات الشــحن الدوليــة عــن تعليــق رحالت‬ ‫البحــر األحمــر‪ ،‬فانخفــض حجــم التجــارة عبــر قنــاة الســويس بنســبة‬ ‫‪ % 42‬يف الشــهرين املاضيني‪ .‬وقــد أصــدرت شــركة حتليــل البيانــات‬

‫البحريــة الدمناركيــة مؤخــ ً​ًرا حتذيــ ً​ًرا أشــارت فيــه إلــى أن سلســلة‬ ‫التوريــد العامليــة قــد تضــررت بشــكل أكبــر وذلــك باملقارنــة مــع أيــام‬ ‫الوباء‪ .‬مــن أجــل جتنــب اخملاطــر‪ ،‬قــد اختــارت ســفن احلاويــات طــرق‬ ‫االلتفــاف علــى طــول املمــر املائــي يف الطــرف اجلنوبــي مــن إفريقيــا‬ ‫بــداًلا مــن البحــر األحمر‪ .‬وتشــير بيانــات األونكتــاد إلــى أنــه يف ‪26‬‬ ‫ينايــر‪ ،‬انخفضــت حركــة مــرور ســفن احلاويــات يف البحــر األحمــر‬ ‫بنســبة ‪ % 67‬مقارنــة بالســنة الســابقة‪ .‬ولعّلّ نواقــل الغــاز الطبيعــي‬ ‫املســال هــي األكثــر تضـر ً​ًرا‪ ،‬إذ أنهــا ُأُغلقــت متا ً​ًمــا منــذ ‪ 16‬يناير‪ .‬علمــا‬ ‫أنــه عادة قبــل أزمــة البحــر األحمــر‪ ،‬يكــون هنــاك اثنــتني أو ثالث مــن‬ ‫ــناقالت الــغاز الــتي متـمر عــبر املنطــقة كل ــيوم‪.‬‬ ‫ومــن اجلديــر بالذكــر أن أزمــة البحــر األحمــر كشــفت ً‬ ‫أيًضــا عــن‬ ‫ضعــف الشــحن وسالســل التوريــد العاملية‪ .‬ففــي تقريــر صــدر مؤخـ ً​ًرا‬ ‫عــن شــركة حتليــل البيانــات البحريــة‪ ،‬تشــير البيانــات إلــى أن زيــادة‬ ‫وقــت العبــور قــد أدت إلــى انخفــاض كبيــر يف كفــاءة النقــل يف ســوق‬ ‫الشــحن مــع جتــاوز الســفن رأس الرجــاء الصالح‪ ،‬وانقطــاع قنــاة البحــر‬ ‫األحمــر األمــر الــذي قــد تســبب بأضــرار كبيــرة علــى سالســل التوريــد‬ ‫العامليــة باملقارنــة مــع فتــرة تفشــي الكوفيــد ‪.19-‬‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫ذاتــه‪ ،‬قــد يدفــع األخيــرة إلــى التهديــد بعرقلــة حركــة املالحــة يف البحــر‬ ‫األحمــر وخليــج عــدن يف إطــار اســتراتيجية الــردع املتبــادل‪ ،‬وإلعطــاء‬ ‫االنطبــاع بأنهــا مــا تــزال متتلــك القــدرة علــى تهديــد املصالــح احليويــة‬ ‫التــي ترتبــط باألمــن واالقتصــاد الدولــيني‪.‬‬ ‫ميثــل اجمللــس منظــورًاً جديـدًاً للتعــاون اإلقليمــي‪ ،‬حيــث يأخــذ‬ ‫يف االعتبــار العالقــة الوثيقــة بني األمــن والتنميــة‪ .‬كمــا أنــه ال يضــم‬ ‫ً‬ ‫دوًال تنتمــي إلــى إقليــم موحــد‪ ،‬كباقــي التكــتالت األخــرى‪ ،‬وإمنــا يضــم‬ ‫قائمــة مــن الــدول تنتمــي إلــى دوائــر ثالث هــي‪ :‬اخلليجيــة والعربيــة‬ ‫واإلفريقيــة وتشــترك هــذه الــدول يف تصوراتهــا ورؤاهــا لكيفيــة تــأمني‬ ‫البحــر األحمــر وخليــج عــدن‪ ،‬مــا يعنــي أن لهــذا التكتــل أن يشــكل‬ ‫إطــارًاً أوســع لتكامــل عربــي إفريقــي شــامل يســهم يف إعــادة صياغــة‬ ‫العالقــات العربيــة – اإلفريقيــة وتشــكيلها يف ضــوء التحديــات التــي‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪139‬‬

‫ملف العدد‬

‫تواجــه الطــرفني‪ .‬وتوثيــق التعــاون األمنــي بينهــا للحــد مــن اخملاطــر‬ ‫التــي يتعــرض لهــا البحــر األحمــر وخليــج عــدن مبــا يعــزز أمــن وسالمــة‬ ‫املالحــة الدوليــة فيهــا‪ ،‬ومنــع كل مــا يهددهــا أو يعرضهــا للخطــر بعيـًدًا‬ ‫عــن نفــوذ الــدول العظمــى والكبــرى أو الــدول الطامعــة‪ .‬ولــذا البــد مــن‬ ‫وجــود قــوة عســكرية مشــتركة تابعــة لــه‪ ،‬علــى األقــل يف املــدى املنظــور‪،‬‬ ‫حلمايــة أمــن البحــر األحمــر‪ ،‬بعي ـًدًا عــن الــدول األجنبيــة وأســاطيلها‬ ‫وغواصاتــها وــسفنها وــحامالت الطاــئرات‪.‬‬

‫* األمني العام التحاد الجغرافيني العرب‪-‬أستاذ الجغرافية السياسية يف جامعة‬ ‫بغداد (سابًقًا)‬


‫‪138‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫الصومــال‪ ،‬وأعربــت الهيئــة احلكوميــة لتنميــة شــرق إفريقيــا (إيجــاد)‬ ‫عــن قلقهــا ودعــت الدولتــان العضــوان يف املنظمــة إلــى التعــاون‬ ‫للوــصول إــلى ــحل ــسلمي‪.‬‬ ‫مــا الــدور املطلــوب مــن اجملتمــع الدولــي والــدول اإلقليميــة واملتشــاطئة‬ ‫لتثبــيت أــمن البــحر األحــمر‬ ‫يف ‪ 12‬ديســمبر‏‪2017‬م‪ ،‬عقــد اجتمــاع يف القاهــرة‏ مبشــاركة عــدد‬ ‫مــن الــدول العربيــة واإلفريقيــة املتشــاطئة للبحــر األحمـ ‏ر شــكل اللبنــة‬ ‫األولــى نحــو بلــورة رؤيــة عربيــة ملنظومــة أمــن البحــر األحمــر وخليــج‬ ‫عــدن‪ ،‬لتأخــذ يف االعتبــار املصالــح العربيــة وتنطلــق مــن اعتبــارات‬ ‫األمــن القومــي العربـي‏‪ ،‬حيــث جــاءت املبــادرة املصريــة بالدعــوة لتطويــر‬ ‫تأسيًســا علــى أرضيــات التعــاون‬ ‫منظومــة جديــدة ألمــن البحــر األحمــر‬ ‫ً‬ ‫املشــتركة التــي قــد توفرهــا أطــر التعــاون االقتصــادي فيمــا بني الــدول‬ ‫املتشــاطئة علــى نحــو يــؤدي إلــى إجــراء حــوار جــدي حيــال األوضــاع‬ ‫السياســية يف إقليــم البحــر األحمــر ومحيطــه وهــو مــا يســهم بــدوره‬ ‫يف بلــورة صيغــة للتنســيق املشــترك الفاعــل ملواجهــة التحديــات األمنيــة‬ ‫يف املنطقــة ومنهــا ظاهــرة اإلرهــاب والهجــرة غيــر الشــرعية واالجتــار‬ ‫يف البشــر وعمليــات التهريــب‪ ,‬واجلرميــة العابــرة للحــدود وعمليــات‬ ‫القرصنــة‪.‬‬ ‫تبــع ذلــك اجتمــاع آخــر لــوزراء خارجيــة الســعودية ومصــر‬ ‫والســودان وجيبوتــي واليمــن والصومــال واألردن‪ ،‬يف الريــاض يف ‪22‬‬ ‫ديســمبر ‪2018‬م‪ ،‬الــذي مت اإلعالن مــن خاللــه عــن تشــكيل حتالف‬ ‫يضــم الــدول العربيــة واإلفريقيــة املتشــاطئة للبحــر األحمــر وخليــج‬ ‫عــدن يهــدف إلــى التنســيق والتعــاون فيمــا بينهــا‪ ،‬كمــا تتنــوع دوافــع‬ ‫تأسيســه يف كونــه منصــة دائمــة للتشــاور بني الــدول األعضــاء مــن‬ ‫أجــل إيجــاد فهــم مشــترك للتحديــات األمنيــة التــي تزعــزع اســتقرار‬ ‫البحــر األحمــر‪.‬‬ ‫ويضع التحالــف علــى رأس أولوياتــه تقويــض النفــوذ والتأثيــر‬ ‫اإليرانــي علــى أمــن البحــر األحمــر وحمايــة أمــن اجملــرى املالحــي‬ ‫الدولــي الســيما مــع ســيطرة جماعــة احلوثــي املوالية إليــران علــى‬ ‫مينــاء احلديــدة ومحاولتهــا تعطيــل حركــة املالحــة وتصديــر النفــط يف‬ ‫مضــيق ــباب املــندب‪.‬‬ ‫وعقــد اجتمــاع آخــر لــوزراء خارجيــة اجمللــس التنســيقي للــدول‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫العربيــة واإلفريقيــة املتشــاطئة للبحــر األحمــر وخليــج عــدن يف الريــاض‬ ‫يف ‪ 6‬ينايــر ‪2020‬م‪ ،‬حضــره كل مــن الســعودية ومصــر والســودان‬ ‫وجيبوتــي واليمــن والصومــال واألردن وإريتريــا‪.‬‬ ‫شــهد اجتمــاع وزراء اخلارجيــة التوقيــع علــى ميثــاق تأســيس مجلــس‬ ‫الــدول العربيــة واإلفريقيــة املطلــة علــى البحــر األحمــر وخليــج‬ ‫عــدن «بهــدف تعزيــز اجلهــود لتحقيــق املصالــح األمنيــة والسياســية‬ ‫واالســتثمارية وتــأمني حركــة املالحــة البحريــة يف املمــر املائــي الدولــي»‪.‬‬ ‫ويهــدف اجمللــس إلــى رفــع مســتوى التعــاون والتفاهــم بني الــدول‬ ‫األعضــاء‪ ،‬وتنســيق املواقــف السياســية بينهــا‪ ،‬وتوثيــق التعــاون‬ ‫األمنــي بهــدف احلــّدّ مــن اخملاطــر والتهديــدات التــي يتعــّرّض لهــا‬ ‫البحــر األحمــر‪ ،‬وتعزيــز أمــن وسالمــة املالحــة البحريــة واحليلولــة‬ ‫دون أّيّ تهديــد يواجههــا أو يعرضهــا أليــة مخاطــر‪ ،‬وتنميــة العالقــات‬ ‫االقتصاديــة والتجاريــة‪ ،‬وتعزيــز االســتثمارات بني الــدول األعضــاء‬ ‫وتعزيــز النقــل البحــري وحريــة حركــة البضائــع واخلدمــات بينهــا‪،‬‬ ‫وتعزيــز التعــاون بني املوانــئ البحريــة علــى طــول ســاحل البحــر‬ ‫األحمــر وتنســيق التعــاون بينهــا‪ ،‬ويكــون مقــر اجمللــس يف الريــاض ‪.‬‬ ‫يأتــي توقيــع اجمللــس علــى امليثــاق استشــعارًاً مــن قيــادات الــدول‬ ‫الثمانيــة ألهميــة التنســيق والتشــاور حــول املمــر املائــي احليــوي الــذي‬ ‫ميثــل أهميــة اقتصاديــة وجتاريــة واســتثمارية لالقتصــاد العاملــي‬ ‫بأكملــه‪ ،‬باعتبــار البحــر األحمــر املعبــر الرئيســي للتجــارة العامليــة بني‬ ‫دول شــرق آســيا وأوروبــا»‪.‬‬ ‫يواجه اجمللس حتديات مســتقبلية‪ ،‬تتمثل يف تطلعات بعض‬ ‫القــوى اإلقليميــة التــي متتلــك تصــورات مغايــرة ألمــن البحــر األحمــر‬ ‫وخليــج عــدن؛ منهــا مشــكلة الســودان واحلــرب األهليــة املســتعرة منــذ‬ ‫عــدة أشــهر‪ ،‬وبــدء الســودان يف حتــسني عالقتهــا مــع إيــران بعــد انقطــاع‬ ‫دام منــذ ينايــر ‪2016‬م‪ ،‬ومحاولــة قائــد اجليــش الســوداني الفريــق‬ ‫البرهــان احلصــول علــى أســلحة ومســيرات حربيــة مــن إيــران‪.‬‬ ‫واســتمرار األزمــة اليمنيــة‪ ،‬ومــا يرتبــط بهــا مــن مخاوف تتعلــق بإمكانية‬ ‫جلــوء ميليشــيات احلوثــي إلــى تهديــد حركــة املالحــة يف البحــر األحمر‪،‬‬ ‫وتوظيــف ذلــك كورقــة للضغــط واملســاومة يف أيــة مفاوضــات سياســية‬ ‫محتملــة‪ ،‬هــذا فـ ً‬ ‫ـضًال عــن اخــتالف رؤى القــوى الكبــرى حــول كيفيــة‬ ‫حتقيــق أمــن البحــر األحمــر‪ ،‬ومــا قــد يتبــع ذلــك مــن محــاوالت إلقامــة‬ ‫حتالفــات جديــدة تعــزز نفوذهــا وتضمــن مصاحلهــا يف هــذه املمــرات‬ ‫املائيــة‪ .‬كمــا أن اســتمرار التوتــر بني واشــنطن وطهــران‪ ،‬يف الوقــت‬

‫البحـــر األحمـــر يمثـــل نظا�م ـــا فرع�يـــا مـــن إقليـــم الشـــرق األوســـط‬ ‫المضطــرب باألزمــات السياســية والعســكرية التــي تهــدد حالــة االســتقرار‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪137‬‬

‫ملف العدد‬

‫وبــداًلا مــن أن تســعى واشــنطن لوقــف احلــرب ورفــع احلصــار عــن‬ ‫ســكان غــزة‪ ،‬حتشــد أكبــر عــدد ممكــن مــن الــدول حلمايــة إســرائيل‬ ‫وجتارتهــا البحريــة‪ ،‬ألن احلوثــيني أعلنــوا أنهــم ال يســتهدفون املالحــة‬ ‫الدوليــة يف املنطقــة باســتثناء الســفن التجاريــة املتجهــة للموانــئ‬ ‫اإلســرائيلية‪ .‬وهــذا التحالــف هــو عبــارة عــن إجــراء مؤقــت مــن قبــل‬ ‫الواليــات املتحــدة يشــبه مــن يهتــم مبعاجلــة األعــراض ويتــرك الــداء‬ ‫يســتفحل‪.‬‬

‫وســبق حلكومــة أرض الصومــال أن وقعــت اتفاقيــتني مــع شــركة‬ ‫موانــئ دبــي العامليــة يف عامــي (‪ 2016‬و‪2018‬م) لتشــغيل مركــز جتــاري‬ ‫ولوجســتي إقليمــي يتضمــن تطويــر مشــروع منطقــة اقتصاديــة حــرة‬ ‫يف مينــاء مدينــة بربــرة التجاريــة‪ .‬وحتتفــظ الشــركة اإلماراتيــة مبوجــب‬ ‫ذلــك بحصــة تبلــغ ‪ %51‬مــن املشــروع‪ ،‬الــذي مت االنتهــاء مــن املرحلــة‬ ‫األولــى منــه عــام ‪2021‬م‪ ،‬مبــا ميّكّ ــن املينــاء مــن العمــل بقــدرة تشــغيلية‬ ‫تصــل إلــى ‪ 500‬ألــف حاويــة ســنو ً​ًيا‪.‬‬

‫يف فجــر يــوم ‪ 12‬ينايــر ‪2024‬م‪ ،‬وجهــت ضربــة صاروخيــة وجويــة‬ ‫مــن قبــل أمريــكا وبريطانيــا إلــى احلوثــيني يف (صنعــاء واحلديــدة‬ ‫وحجــة وتعــز) أعلــن أنهــا أصابــت مواقــع إلطالق الصواريــخ واملســيرات‬ ‫والــرادارات‪ ،‬ومبســاعدة غيــر عملياتيــة مــن قبــل كنــدا وأســتراليا‬ ‫وهولنــدا والبحريــن وأعلــن أن هــذه العمليــة ال تدخــل ضمــن عمليــات‬ ‫حتالــف حــارس االزدهــار‪ ،‬وتوالــت الضربــات بني اجلانــبني يف األيــام‬ ‫التــي تلتهــا‪ .‬وهــذا ميثــل إجــراء ال جــدوى منــه يف فــرض األمــن وإنهــاء‬ ‫الهجمــات علــى اجملــرى املالحــي املهــم‪ ،‬فال هجمــات احلوثــيني علــى‬ ‫الســفن توقفــت الن يف ذلــك مصلحــة إليــران التــي تريــد خلــط األوراق‬ ‫لعــل ذلــك يحــدث حلحلــة مــا يف ملفهــا النــووي أو تخفي ً​ًفــا للحصــار‬ ‫املفــروض عليهــا‪ ،‬وال توجيــه ضربــات ملواقــع احلوثــيني يف اليمــن خفت‪.‬‬ ‫هنــاك دول عربيــة مثــل مصــر والســعودية واإلمــارات العربيــة‬ ‫أحجمــت عــن املشــاركة يف حتالــف هدفــه احلقيقــي حشــد الدعــم‬ ‫العســكري إلســرائيل يف حربهــا علــى غــزة ولــو بشــكل غيــر مباشــر‪،‬‬ ‫ومحاولــة كســر العزلــة الدوليــة التــي تعانــي منهــا تــل أبيــب بســبب‬ ‫جرائــم احلــرب التــي ترتكبهــا يف غــزة‪ ،‬وجتلــى ذلــك يف تصويــت‬ ‫مجلــس األمــن عــدا أمريــكا التــي اســتعملت حــق النقــض ضــده‬ ‫واجلمعيــة العامــة لألمم املتحــدة‪( .‬وهــذا موضــوع يحتــاج إلــى مقالــة‬ ‫منفــردة لتوضيــح األســباب والنتائــج)‬

‫هنــاك بعـًدًا دول�يـًا ال ميكــن إغفالــه يف كواليــس مذكــرة التفاهــم لكونهــا‬ ‫تأتــي بضــوء أخضــر أمريكــي‪ ،‬فواشــنطن «متثــل أهــم الالعــبني يف‬ ‫املنطقــة ومتتلــك أكبــر قاعــدة عســكرية يف جيبوتــي‪ ،‬وطب ً​ًقــا التفــاق مــع‬ ‫حكومــة جيبوتــي‪ ،‬تدفــع الواليــات املتحــدة ‪ 63‬مليــون دوالر كإيجــار لهذه‬ ‫القاعــدة‪ ،‬مــع وجــود خطــة لتطويرهــا علــى مــدى ‪ 20‬عا ً​ًمــا بتكلفــة ‪1,4‬‬ ‫مليــار دوالر‪ .‬ويالحــظ أن هــذه القاعــدة تلعــب دو ً​ًرا ها ً​ًمــا يف العمليــات‬ ‫اجلويــة األمريكيــة املوجهــة ضــد عناصــر إرهابيــة يف كل مــن الصومــال‬ ‫واليمــن‪ ،‬وتقــدر حجــم القــوة املرتكــزة يف هــذه القاعــدة بحوالــي ‪ 4‬آالف‬ ‫فــرد‪ .‬ويف عــام ‪2008‬م‪ ،‬اندمجــت هــذه القــوات ضمــن القيــادة األمريكيــة‬ ‫إلفريقيــا (أفريكــوم)‪ ،‬وحتــول معســكر ليمونيــر وهــو املعســكر الســابق‬ ‫للجيــش الفرنســي يف جيبوتــي إلــى هــذه القاعــدة العســكرية للواليــات‬ ‫املتحــدة يف إفريقيــا‪ .‬ولــذا فال ميكــن أن يكــون إلثيوبيــا قاعــدة بحريــة‬ ‫يف أرض الصومــال اجملاورة دون موافقــة أمريكيــة‪.‬‬

‫تداعيات االتفاقية بين إثيوبيا ودولة أرض الصومال‪:‬‬

‫مت توقيــع مذكــرة تفاهــم بني إثيوبيــا ودولــة أرض الصومــال‬ ‫االنفصاليــة يف األول مــن ينايــر ‪2024‬م‪ ،‬تضمــن إلثيوبيــا احلصــول‬ ‫علــى منفــذ بحــري باســتخدام مينــاء بربــرة‪ ،‬وقــد أعلنــت وزارة خارجيــة‬ ‫أرض الصومــال يف بيــان لهــا أن االتفــاق «يضمــن إلثيوبيــا وصــول‬ ‫قواتهــا البحريــة إلــى البحــر‪ ،‬مقابــل االعتــراف الرســمي بجمهوريــة‬ ‫أرض الصومــال»‪ ،‬حيــث ســيؤجر إقليــم أرض الصومــال االنفصالــي‬ ‫إلثيوبيــا شـ ً‬ ‫ـريًطا ســاحل ً​ًيا بطــول ‪ 20‬كيلومت ـ ً​ًرا ملــدة ‪ 50‬عا ً​ًمــا‪ ،‬وقوبلــت‬ ‫املذكــرة بغضــب شــديد مــن مقديشــو التــي تعـّدّ إقليــم أرض الصومــال‬ ‫االنفصالــي واليــة تابعة لبالدهــا وأنهــا «لــن تقبــل أن تؤخــذ قطعــة مــن‬ ‫ً‬ ‫صارًخــا للقــوانني الدوليــة وال‬ ‫أرض بالدهــا “‪ ،‬معتبــرة املذكــرة انتهــا ً​ًكا‬ ‫ميكــن تنفيذهــا بــأي حــال‪.‬‬

‫كمــا أنــه ال ميكــن فصــل هــذه املذكــرة عــن «التطــورات يف بــاب املنــدب‬ ‫وإعــادة تشــكيل منطقــة القــرن اإلفريقــي بحيــث يتماشــى مــع املصالــح‬ ‫األميركيــة مســتقباًلا ‪ ،‬واحلــد مــن أي نفــوذ روســي صينــي فيهــا‪.‬‬ ‫إن ســعي رئيــس حكومــة أرض الصومــال وراء احلصــول علــى االعتــراف‬ ‫باالســتقالل دفعــه إلــى منــح إثيوبيــا ‪ 20‬كيلومتـ ً​ًرا علــى الشــاطئ مقابــل‬ ‫نيــل هــذا الهــدف‪ ،‬بغــض النظــر عــن العوائــد االقتصاديــة‪.‬‬ ‫يف املقابــل تبــدو إثيوبيــا وأرض الصومــال ماضيــتني يف تطويــر مذكــرة‬ ‫التفاهــم‪ ،‬ممــا تفســرها بعــض النخــب اإلثيوبيــة باإلشــارة إلــى أن‬ ‫اتفاقيــة األمم املتحــدة لقانــون البحــار تكفــل للــدول احلبيســة حــق‬ ‫عقــد اتفاقــات مــع الــدول الســاحلية للوصــول إلــى البحــر واالســتفادة‬ ‫مــن خدمــات املوانــئ‪.‬‬ ‫وعلــى إثــر توقيــع املذكــرة صــدرت العديــد مــن املواقــف‬ ‫عــن أطــراف إقليميــة ودوليــة‪ ،‬حيــث حثــت بيانــات االحتــاد اإلفريقــي‬ ‫واألوروبــي ومنظمــة التعــاون اإلسالمــي واجلامعــة العربيــة والواليــات‬ ‫املتحــدة وعــدد مــن الــدول علــى احتــرام وحــدة وســيادة وسالمــة‬


‫‪136‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫تكت ــل ال ــدول المتش ــاطئة يش ــكل إطــاًرًا لتكام ــل عرب ــي إفريق ــي‬ ‫يس ــهم يف إع ــادة صياغ ــة العالق ــات العربي ــة – اإلفريقي ــة‬ ‫دولــة داخليــة بــدون ســواحل بحريــة‪ ،‬وتشــكل نســبة مســاعدات التنميــة‬ ‫األوروبيــة ثلــث ميزانيتهــا الســنوية‪ ،‬وقــد حتولــت مــن بلــد فقيــر شــهد‬ ‫سلســلة مجاعــات أودت بحيــاة أكثــر مــن مليــون إنســان‪ ،‬حيــث ســجل‬ ‫فيهــا منــذ ســنوات أســرع معــدل منــو عالـمي مــن اجملاعــات‪ ،‬ورغــم انهــا‬ ‫كانــت عــام ‪2000‬م‪ ،‬ثانــي أفقــر بالد العالــم‪ ،‬إال أن ناجتهــا القومــي منــى‬ ‫مــن نحــو ســبعة مليــارات دوالر عــام ‪1994‬م‪ ،‬إلــى قرابــة ‪ 62‬مليــا ً​ًرا عــام‬ ‫‪2016‬م‪.‬‬ ‫امــا جيبوتــي التــي تقــع علــى اجلانــب الغربــي ملضيــق بــاب املنــدب‪،‬‬ ‫تبلــغ مســاحتها ‪23200‬كــم‪ 2‬وعــدد ســكانها مليــون نســمة (‪2023‬م) ولهــا‬ ‫ســاحل بحــري بطــول ‪ 372‬كــم‪.‬‬ ‫اخملاطــر والتحديــات التــي تواجــه املالحــة واألمــن اإلقليمــي يف البحــر‬ ‫األحــمر‬ ‫تتعــرض املالحــة يف البحــر األحمــر وخليــج عــدن هــذه األيــام إلــى‬ ‫تهديــدات مــن قبــل احلوثــيني والتــي بــدأت منــذ ‪ 19‬نوفمبــر ‪2023‬م‪،‬‬ ‫باالســتيالء علــى ســفينة مملوكــة مــن قبــل بريطانيــا‪ ،‬وقــد أعلنــت‬ ‫جماعــة احلوثــي أن إطالق الصواريــخ واملســيرات يأتــي تأييـًدًا للقضيــة‬ ‫الفلســطينية‪ ،‬وأن إيقــاف هــذه التهديــدات مرهــون بوقــف االعتــداءات‬ ‫اإلســرائيلية علــى قطــاع غــزة والســماح بدخــول اإلمــدادات اإلنســانية‬ ‫إــلى القــطاع‪.‬‬ ‫إن هــذه األعمــال يف حقيقتهــا لصيقــة بســعي احلــوثني إلــى أحــداث‬ ‫التغييــر القســري املذهبــي الــذي متارســه إيــران يف اليمــن‪ ،‬تطبي ً​ًقــا‬ ‫أليدولوجيــة (واليــة الفقيــه) والتــي اســتطاعت مبوجبهــا عــن طريــق‬ ‫مجموعــات تســير حســب مــا تريــد مــن حتقيــق خروقــات يف بنيــة‬ ‫مجتمعــات يف كل مــن العــراق وســوريا ولبنــان‪.‬‬ ‫إننــا يف الوقــت الــذي نديــن فيــه االعتــداءات الصهيونيــة علــى الشــعب‬ ‫الفلســطيني وخاصــة مــا قامــت بــه مــن مجــازر بشــعة ضــد املدنــيني‬ ‫نصفهــم مــن األطفــال والنســاء ومــن جــرف البيــوت وهدمهــا فــوق‬ ‫رؤوس ســاكنيها بالصواريــخ وبتأييــد أمريكــي‪ ،‬ميكــن القــول إن أعمــال‬ ‫احلوثــيني يف البحــر األحمــر‪ ،‬رغــم توقــف الســفن التجاريــة مــن اإلبحــار‬ ‫نحــو مينــاء إيالت عبــر البحــر األحمــر إال إنــه يصــب يف صالــح إيــران‬ ‫ألن األخيــرة ترغــب يف الســيطرة علــى مضيــق بــاب املنــدب‪.‬‬

‫أمــا احلجــة بأنهــا موجهــة ضــد إســرائيل ونصــرة لغزة‪ ،‬فهــذا ال يتوافق‬ ‫مــع قيــام الرئيــس األمريكــي جــو بايــدن مــن رفــع اســم احلوثــيني مــن‬ ‫قائمــة املنظمــات اإلرهابيــة يف العالــم وبــذات الوقــت يســعون إلــى‬ ‫تشــكيل حتالــف دولــي حلمايــة الســفن يف البحــر األحمــر‪ .‬رغــم صــدور‬ ‫قــرار مــن مجلــس األمــن الدولــي برقــم ‪ 2624‬لعــام ‪2022‬م‪ ،‬يعــد جماعــة‬ ‫(أنصــار اهلل) احلوثيــة جماعــة إرهابيــة‪ .‬وأخيـ ً​ًرا قــرر بايــدن أن يتراجــع‬ ‫عــن قــراره هــذا ويعلــن أن الواليــات املتحــدة األمريكيــة ســتعيد أدراج‬ ‫جماعــة أنصــار اهلل علــى الئحــة اإلرهــاب اعتبــا ً​ًرا مــن منتصــف شــهر‬ ‫فبرايــر ‪2024‬م‪ ،‬ممــا يشــير إلــى أن أمريــكا ال تفكــر إال مبصاحلهــا دون‬ ‫األخــذ بأيــة اعتبــارات أخــرى‪.‬‬

‫انعكاسات المخاطر والتحديات عىل حركة التجارة العالمية‪:‬‬

‫إن تعطيــل حركــة املالحــة اآلمنــة يف البحــر األحمــر ومضيــق بــاب‬ ‫املــندب (مدخــله اجلنوــبي) ــيؤدي إــلى العدــيد ــمن النتاــئج منــها‬ ‫‪-1‬ارتفــاع تكاليــف النقــل ألن العديــد مــن شــركات النقــل البحــري‬ ‫العمالقــة حولــت مســارات ســفنها باجتــاه رأس الرجــاء الصالــح ممــا‬ ‫يزيــد مــدة اإلبحــار إلــى مــا بني ‪ 12-10‬يو ً​ًمــا لكــي تصــل إلــى املوانــئ‬ ‫التــي تقصدهــا‪ .‬وهنــاك شــركات علقــت مــرور ســفنها عبــر مضيــق‬ ‫بــاب املنــدب إلــى حني ضمــان سالمــة املالحــة يف املمــر ومنهــا شــركات‬ ‫شــحن بحــري رئيســية مثــل «ميرســك» الدمناركيــة و»هاباغ‪-‬ليــود»‬ ‫األملانيــة و»ســي إم آيــه ســي جــي أم» الفرنســية و»بريتيــش بتروليــوم»‬ ‫البريطانيــة‬ ‫‪-2‬ارتفــاع تكاليــف التــأمني علــى الســفن التــي تعبــر البحــر األحمــر إلــى‬ ‫الضعــفني ممــا يزيــد مــن أســعار املــواد االســتهالكية والغذائيــة خاصــة‬ ‫يف الــدول الناميــة وعلــى األخــص يف اليمــن الــذي يســتورد ‪%90‬مــن‬ ‫احتياــجات الــسكان الغذائــية واالــستهالكية والوــقود‪.‬‬ ‫‪-3‬ارتفــاع أســعار البتــرول واملــواد اخلام املعدنيــة ممــا يضيــف تكاليــف‬ ‫علــى املنتجــات الصناعيــة يف العالــم‪.‬‬ ‫هــل يســتطيع حتالــف (حــارس االزدهــار) فــرض األمــن يف اجملــرى‬ ‫املالحــي؟‬ ‫يضــم حتالــف «حــارس االزدهــار» كل مــن الواليــات املتحــدة‪ ،‬وبريطانيــا‪،‬‬ ‫وكنــدا‪ ،‬وفرنســا‪ ،‬وإيطاليــا‪ ،‬وهولنــدا‪ ،‬والنرويــج‪ ،‬وإســبانيا‪ ،‬والبحريــن‪،‬‬ ‫وجــزر السيشــل‪ ،‬واليونان‪ ،‬وأســتراليا فيما رفضــت ‪ 8‬دول علــى األقــل‬ ‫الكشــف عــن مشــاركتها علنــا بســبب احلساســيات السياســية للعمليــة‬ ‫مــع اســتمرار حــرب غــزة‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪135‬‬

‫ملف العدد‬

‫إثيوبيــا وأرض الصومــال ماضيتــان يف التفاهــم بنـاًءً عىل اتفاقيــة األمم‬ ‫المتحــدة التــي تكفــل للــدول الحبيســة عقــد اتفاقــات للوصــول إىل البحــر‬ ‫ويعــد البحــر األحمــر قنــاة الوصــل بني البحــار واحمليطــات املفتوحــة‪،‬‬ ‫ومــن هنــا تتزايــد أهميتــه االســتراتيجية أمن�يـًا وعســكر ً​ًيا واقتصاد ً​ًيــا‪،‬‬ ‫فهــو الطريــق الرئيســي الــذي ميــر مــن خاللــه نفــط اخلليــج العربــي‬ ‫إلــى األســواق العامليــة يف أوروبــا والواليــات املتحــدة األمريكيــة‪ ،‬حيــث‬ ‫حتتــاج أوروبــا إلــى نقــل حوالــي ‪ %60‬مــن احتياجاتهــا مــن الطاقــة عبــر‬ ‫البحــر األحمــر ونقــل ‪ %25‬مــن احتياجــات النفــط للواليــات املتحــدة‪.‬‬

‫خارطة منطقة القرن اإلفريقي‬ ‫تبلــغ مســاحة الصومــال ‪ 637540‬كــم‪ 2‬وتطــل الســواحل الصوماليــة التي‬ ‫يبلــغ طولهــا ‪ 3025‬كــم علــى كل مــن خليــج عــدن مــن الشــمال ومضيــق‬ ‫جواردفــوي مــن الشــمال الشــرقي واحمليــط الهنــدي يف الشــرق‪ ،‬ووصــل‬ ‫عــدد ســكانها يف عــام ‪2023‬م‪ ،‬حوالــي ‪ 17.3‬مليــون نســمة‪ .‬توقفــت‬ ‫املســاعدات بشــكل كبيــر عــن الصومــال منــذ تعرضهــا لتدخــل دولــي‬ ‫مأســاوي ودمــوي أوائــل التســعينيات‪.‬‬

‫اخلارطة السياسية للبحر األحمر‬

‫منطقة القرن اإلفريقي‪:‬‬

‫يقصــد مبنطقــة القــرن اإلفريقــي‪ ،‬املنطقــة التــي تقــع شــرقي قــارة‬ ‫إفريقيــا والتــي تشــمل ً‬ ‫كًال مــن الصومــال وإثيوبيــا وارتيريــا وجيبوتــي‬ ‫والتــي تشــرف علــى جنوبــي البحــر األحمــر وخليــج عــدن (عــدا إثيوبيــا‬ ‫الدولــة الداخليــة)‪ ،‬وتقــدر مســاحة القــرن اإلفريقــي مبفهومــه الضيــق‬ ‫(الصومــال‪ ،‬جيبوتــي‪ ،‬إريتريــا‪ ،‬إثيوبيــا) نحــو ‪ 1.9‬مليــون كيلومتر مربــع‪.‬‬ ‫ويبلــغ عــدد ســكانها نحــو ‪ 151‬مليــون نســمة وف ً​ًقــا لتقديــرات عــام‬ ‫‪2023‬م‪.‬‬

‫وقــد أعلنــت أرض الصومــال (صوماليالنــد) انفصالهــا عــن الصومــال‬ ‫يف ‪ 18‬مايــو ‪1991‬م‪ ،‬والتــي لــم يعتــرف بهــا أيــة دولــة أو منظمــة دوليــة‪،‬‬ ‫وعاصمتهــا هرجيســا‪ ،‬مســاحتها ‪ 284899‬كــم‪ 2‬وعــدد ســكانها ‪ 4‬مليــون‬ ‫نســمة متتلــك ســاحاًلا طــوياًلا علــى خليــج عــدن بطــول ‪740‬كــم‪.‬‬ ‫تعتبــر إريتريــا واحــدة مــن أكثــر دول العالــم اعتمــا ً​ًدا علــى الــدول‬ ‫املانحــة للمســاعدات‪ ،‬تبلــغ مســاحتها‪ 117600‬كــم‪ 2‬وعــدد ســكانها ‪8‬‬ ‫مليــون نســمة (‪2023‬م) طــول ســاحلها علــى البحــر األحمــر ‪1000‬كــم ‪،‬‬ ‫اللغــة التغرينيــة هــي اللغــة الرســمية والقوميــة فيهــا ‪ ،‬والتــي هــي مــن‬ ‫اللغــات الســامية اجلنوبيــة التــي تنتشــر يف شــرقي إفريقيــا ‪.‬‬ ‫أمــا إثيوبيــا التــي تبلــغ مســاحتها ‪1112000‬كــم‪ 2‬وعــدد ســكانها‬ ‫‪121‬مليــون نســمة (‪2023‬م) نســمة‪ ،‬نســبة املســلمني منهــم ‪ .%36‬وهــي‬

‫توقـــف الســـفن مـــن اإلبحـــار نحـــو مينـــاء إيالت يصـــب يف صالـــح‬ ‫إيـــران التـــي ترغـــب يف الســـيطرة عىل مضيـــق بـــاب المنـــدب‬


‫‪134‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫ال يمكــن فصــل مذكــرة إثيوبيــا عن إعادة تشــكيل منطقة القرن اإلفريقي‬ ‫بمــا يتماشــى مــع المصالــح األمريكيــة ومواجهــة النفــوذ الروســي‪ /‬الصينــي‬ ‫للدخــل يف اليمــن‪ ,‬ومصــد ً​ًرا ها ً​ًمــا للدخــل يف الصومــال وجيبوتــي‪ ،‬و‬ ‫يتصــدر قائمــة بحــار العالــم ملا يحتــوي يف باطنــه مــن معــادن مثــل‬ ‫احلديــد‪ ،‬املغنســيوم وغيرهــا‪ ،‬تتشــبع بهــا صخــور قــاع البحــر األحمــر‪،‬‬ ‫ً‬ ‫فــضًال عــن النفــط والغــاز الطبيعــي باإلضافــة إلــى املرجــان‬ ‫هــذا‬ ‫والطحالــب‪ ،‬وجميعهــا ميكــن أن تســهم يف إنشــاء صناعــات متعــددة‬ ‫تقــام علــى الشــواطئ املطلــة عليــه‪ ،‬هــذا إلــى جانــب أهميتــه كطريــق‬ ‫للنقــل البحــري وبالــذات النفــط‪ ،‬ومــن هنــا فــإن أمــن البحــر األحمــر‬ ‫ينبغــي أن يكــون أحــد قضايــا ومشــاغل الفكــر االســتراتيجي العربــي‬ ‫الرئيســية‪.‬‬

‫وتكمــن أهميــة البحــر األحمــر كذلــك يف كونــه ميثــل نظا ً​ًمــا فرع�يـًا‬ ‫مــن إقليــم الشــرق األوســط املضطــرب باألزمــات السياســية والعســكرية‬ ‫التــي تهــدد حالــة االســتقرار األمنــي والسياســي يف دول هــذه املنطقــة‪،‬‬ ‫وكمــا حــدده «بريجنســكي» مستشــار األمــن القومــي األمريكــي‬ ‫األســبق‪ ،‬فهــو القــوس الــذي يضــم الشــرق األوســط والقــرن اإلفريقــي‬ ‫ومنطقــة احمليــط الهنــدي كمــا يقــع ضمــن اإلطــار اجليوبولوتيكــي‬ ‫ملنطقــة اخلليــج العربــي االســتراتيجية‪ ،‬ولــذا فللبحــر األحمــر أهميــة‬ ‫اســتراتيجية لألمــن القومــي العربــي يف ثالث دوائــر (األمــن العربــي –‬ ‫األمــن اإلفريقــي‪ -‬األمــن العاملــي) مركزهــا القــرن اإلفريقــي‪.‬‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪133‬‬

‫ملف العدد‬

‫البد من وجود قوة عسكرية مشتركة للدول المتشاطئة لحماية أمن البحر األحمر‬

‫اتفاق إثيوبيا وأرض الصومال بضوء أمريكي‬ ‫والتواجد بجوار قاعة جيبوتي بالتوافق‬ ‫يشــغل البحــر األحمــر جـز ً​ًءا مــن األخــدود اإلفريقــي العظيــم‪ ،‬تبلــغ مســاحته ‪ 438,000‬كــم‪ .2‬وبطــول يصــل إلــى ‪ 1900‬كــم‪ ،‬وأوســع‬ ‫نقطــة فيــه تبلــغ ‪ 355‬كــم‪ ،‬وأقصــى عمــق ‪ 2,211‬مت ـرًاً‪ ،‬أمــا متوســط العمــق فيبلــغ ‪ 490‬مت ـرًاً‪ .‬ومــع ذلــك‪ ،‬هنــاك أيض ـًاً أرصفــة‬ ‫ضحلــة واســعة النطــاق يوجــد فيهــا الكثيــر مــن الكائنــات البحريــة والشــعاب املرجانيــة‪.‬‬ ‫يتمتــع البحــر األحمــر مبوقــع جغــرايف واســتراتيجي مهــم ألنــه ملتقــى ثالث قــارات (إفريقيــا – آســيا – أوروبــا) وهــو حلقــة‬ ‫وصــل بني ثالث مناطــق إقليميــة (الشــرق األوســط – القــرن اإلفريقــي واحمليــط الهنــدي – منطقــة اخلليــج العربــي)‪ ،‬وتطــل‬ ‫عليــه ‪ 8‬دول منهــا ‪ 6‬دول عربيــة (اململكــة العربيــة الســعودية – اليمــن – مصــر – الســودان – األردن – جيبوتــي) ودولتــان أخريــان‬ ‫همــا (الكيــان الصهيونــي وإريتريــا) وتقــع ‪ 4‬دول منهــا يف قــارة إفريقيــا (مصــر – الســودان – جيبوتــي – إريتريــا) واألربــع دول‬ ‫األخــرى يف آســيا (الســعودية – اليمــن – األردن – الكيــان الصهيونــي)‪ .‬ويســتمد البحــر األحمــر أهميتــه االســتراتيجية مــن‬ ‫موقعــه اجلغــرايف الــذي وفــر للقــوى اإلقليميــة والدوليــة إمكانيــة الوصــول إلــى احمليــطني الهنــدي واألطلنطــي عبــره وزادت هــذه‬ ‫األهميــة بعــد اكتشــاف النفــط يف دول اخلليــج العربــي‪.‬‬

‫ا‪.‬د‪ .‬صبري فارس الهيتي‬

‫أمــا امتــداد أطــوال الســواحل علــى اجلانــبني فيبلــغ حوالــي ‪ 4910.4‬كــم‬ ‫مقــسمة كاالــتي‬ ‫‪ 1890 ‬كم يف السعودية بنسبة ‪.%33.9‬‬‫‪ 1425 ‬كم يف مصر بنسبة ‪.%25.5‬‬‫‪ 717 ‬كم يف السودان بنسبة ‪.%12.8‬‬‫‪ 442 ‬كم يف اليمن بنسبة ‪.%8.11‬‬‫‪ 40 ‬كم يف جيبوتي بنسبة ‪.%0.7‬‬‫‪ 17 ‬كم يف األردن بنسبة ‪.%0.5‬‬‫‪ 11.2 ‬كم يف فلسطني احملتلة بنسبة ‪.%0.2‬‬‫البحــر األحمــر ذو موقــع جغــرايف يتوســط بني جناحــي العالــم العربــي‪،‬‬ ‫ويتوســط البحــار واحمليطــات الشــرقية والغربيــة‪ ،‬ويقــع بالقــرب مــن‬ ‫أهــم منابــع النفــط يف العالــم ويعــد أهــم الشــرايني البحريــة يف عاملنــا‬ ‫املعاصــر إذ متثــل حريــة املالحــة فيــه مصلحــة دوليــة وإقليميــة كبــرى‪،‬‬

‫باإلضافــة إلــى أنــه يزخــر بالثــروات الغذائيــة واملعدنيــة ومصــادر‬ ‫الطاقــة والصناعــة والســياحة‪ ،‬وميثــل أهميــة كبــرى لألمــن القومــي‬ ‫العربــي ‪ ،‬ومــن ناحيــة أخــرى فــإن منافــذ البحــر األحمــر الثالثــة (جوبــال‬ ‫وتيــران وبــاب املنــدب) باإلضافــة إلــى قنــاة الســويس جميعهــا تقــع يف‬ ‫ميــاه إقليميــة عربيــة ممــا يتيــح لألقطــار العربيــة‪ ،‬يف حــال اتفاقهــا‪،‬‬ ‫أن تقيــد حركــة مــرور الســفن املعاديــة التــي قــد تشــكل تهديـًدًا لألمــن‬ ‫القومــي لــدول املنطقــة اســتنا ً​ًدا إلــى القانــون الدولــي للبحــار ‪.‬‬

‫أهمية البحر األحمر يمكن أن ينظر اليها من جانبين‪:‬‬

‫األول ‪-‬هــو اجلانــب االســتراتيجي العســكري األمنــي حيــث يتميــز‬ ‫بتغلغلــه أو جتــاوره مــع عــدة مناطــق بالغــة األهميــة هــي‪ :‬الشــرق‬ ‫األوســط‪ ،‬منطقــة اخلليــج العربــي‪ ،‬القــرن اإلفريقــي‪ ،‬باإلضافــة إلــى‬ ‫احمليــط الهنــدي والبحــر املتوســط‪ ،‬أمــا اجلانــب الثانــي ‪ -‬فهــو‬ ‫اقتصــادي فحركــة املالحــة يف البحــر األحمــر متثــل املصــدر األساســي‬


‫‪132‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫علــى االعتــراف الرســمي بوصفهــا دولــة مســتقلة وهــذه خطــوة لــم‬ ‫تقــدم عليهــا أي دولــة أخــرى خالل ‪ 30‬عا ً​ًمــا‪ ،‬لــذا أعلنــت جامعــة‬ ‫الــدول العربيــة عــن رفضهــا وإدانــة أي مذكــرات تفاهــم تخــل أو تنتهــك‬ ‫ســيادة الدولــة الصوماليــة‪ ،‬أو حتــاول االســتفادة مــن هشاشــة األوضــاع‬ ‫الداخليــة الصوماليــة واســتقطاع جــزء مــن أراضــي الصومــال باخملالفــة‬ ‫لقواعــد ومبــادئ القانــون الدولــي‪ ،‬ومبــا يهــدد وحــدة أراضــي الدولــة‬ ‫الصوماليــة‪ .‬كمــا أن احتمــاالت نشــوب نــزاع مســلح قائمــة طــاملا هنــاك‬ ‫خالف دبلوماســي طويــل األمــد بني إثيوبيــا والصومــال‪ ،‬فقــد اندلــع‬ ‫يف املاضــي صــراع إقليمــي بني البلديــن‪ .‬مثــل عــام ‪1977‬م‪ ،‬حني غــزت‬ ‫الصومــال منطقــة أوجاديــن‪ ،‬وهــي منطقــة حدوديــة متنــازع عليهــا‬ ‫تقــع اآلن يف إثيوبيــا‪ .‬وفــازت إثيوبيــا يف احلــرب بدعــم مــن االحتــاد‬ ‫الســوفييتي وكوبــا‪ .‬وال تقــارن قــوة الصومــال العســكرية مبــا تتمتــع بــه‬ ‫إثيوبيــا يف الوقــت احلالــي‪ .‬فبينمــا يبلــغ تعــداد اجليــش الصومالــي ‪20‬‬ ‫ألــف جنــدي‪ ،‬يصــل عــدد أفــراد اجليــش يف إثيوبيــا إلــى أكثــر مــن ‪130‬‬ ‫ألــف جنــدي‪.‬‬ ‫‪ .٣‬االرتباط األمني بني البحر األحمر واخلليج العربي‬ ‫هنــاك ارتبــاط يف العالقــة بني أمــن البحــر األحمــر وأمــن اخلليــج‬ ‫العربــي حيــث يرتبــط البحــر األحمــر واخلليــج العربــي بشــكل مباشــر‪،‬‬ ‫فيصــب البحــر األحمــر يف خليــج عــدن الــذي يتصــل بــدوره بخليــج‬ ‫عمــان واخلليــج العربــي‪ .‬وُيُعــّدّ مضيــق بــاب املنــدب‪ ،‬الــذي يربــط‬ ‫البحــر األحمــر بخليــج عــدن‪ ،‬نقطــة عبــور اســتراتيجية للتجــارة العاملية‬ ‫وحركــة الســفن‪ .‬وإكمــال حلركــة العديــد منهــا مــن مضيــق هرمــز‪ .‬وُيُعـّدّ‬ ‫البحــر األحمــر أحــد أهـّمّ طــرق التجــارة البحريــة لنقــل النفــط والغــاز‬ ‫مــن اخلليــج العربــي إلــى مختلــف أنحــاء العالــم‪ .‬كمــا تواجــه منطقــة‬ ‫البحــر األحمــر واخلليــج العربــي العديــد مــن التهديــدات األمنيــة‪،‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫املتشــابهة كالقرصنــة البحريــة‪ .‬واإلرهــاب‪ .‬واألنشــطة غيــر القانونيــة‬ ‫مثــل تهريــب األســلحة واخملــدرات‪ .‬واألهــم التــدخالت اخلارجيــة مــن‬ ‫قبــل بعــض الــدول‪.‬‬ ‫¦ لــذا كان هنــاك ضــرورة التخــاذ خطــوات يف مجــال التعــاون‬ ‫األمنــي حيــث تُــدرك دول املنطقــة أهميــة التعــاون األمنــي‬ ‫ملواجهــة التهديــدات املشــتركة‪.‬‬ ‫وتشــارك العديــد مــن دول املنطقــة يف مبــادرات أمنيــة إقليميــة وهيــاكل‬ ‫كمظلــة مجلــس التعــاون لــدول اخلليــج العربيــة‪ .‬ومنظمــة التعــاون‬ ‫اإلسالمــي‪ .‬ومجلــس دول البحــر األحمــر وإفريقيــا‪ .‬باإلضافــة إلــى‬ ‫تفهــم ضــرورة دور القــوى الدوليــة كالواليــات املتحــدة والــصني وروســيا‪،‬‬ ‫حمايــة ملصاحلهــا االســتراتيجية يف املنطقــة‪ ،‬واحلفــاظ علــى حريــة‬ ‫املالحــة البحريــة‪ .‬بني البحــر األحمــر واخلليــج العربــي العديــد مــن‬ ‫التأثيــرات املتبادلــة ف ـأّيّ تهديــد ألمــن البحــر األحمــر مُيم كــن أن يؤثــر‬ ‫بشــكل مباشــر علــى أمــن اخلليــج العربــي والعكــس صحيــح‪ .‬فهجمــات‬ ‫احلوثــيني علــى الســفن التجاريــة يف البحــر األحمــر ُتُهــدد أمــن املالحــة‬ ‫البحريــة وُتُؤثــر علــى حركــة التجــارة العامليــة‪ ،‬مبــا يف ذلــك صــادرات‬ ‫النفــط والغــاز مــن اخلليــج العربــي‪ .‬وأّيّ صــراع أو توتــر يف اخلليــج‬ ‫العربــي مُيم كــن أن ُيُؤ ث�ـّر علــى حركــة املالحــة البحريــة يف البحــر األحمــر‬ ‫ويهــدد أمــن املنطقــة‪ .‬بشــكل عــام‪ ،‬يعتبــر حتقيــق األمــن واالســتقرار‬ ‫يف كل مــن البحــر األحمــر واخلليــج العربــي أمــرًاً حيويــًاً للمصالــح‬ ‫االقتصاديــة والسياســية للعديــد مــن الــدول يف العالــم‪ ،‬ولذلــك يجــب أن‬ ‫يتــم التعامــل مــع األمــن يف كلتــا املنطقــتني بشــكل متكامــل ومترابــط‪.‬‬ ‫*أستاذ العلوم السياسية ـ جامعة الكويت‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪131‬‬

‫ملف العدد‬

‫أخطـــأت إدارة ترامـــب يف رفـــض دعـــم حملـــة التحالـــف العربـــي‬ ‫الس ــتعادة مدين ــة الحدي ــدة والي ــوم الصواري ــخ الحوثي ــة تنطل ــق منه ــا‬ ‫موانــئ دبــي العامليــة إلدارة مينــاء بربــرة بهــدف تعزيــز القــدرة‬ ‫اإلنتاجيــة ولــم نســمع أن اعتــرض أحــد لكــن التوتــر ظهــر عقــب‬ ‫توقيــع أدي ــس أبابــا مذكــرة تفاهــم مــع أرض الصومــال‪ ،‬تســعى‬ ‫إثيوبيــا مبوجبهــا إل ــى اســتخدام بربــرة أحــد موانــئ البــاد‪ .‬بــل‬ ‫وأدى إل ــى التوتــر بــن إثيوبيــا وبعــض الــدول العربيــة‪ .‬وليســت‬ ‫مذكــرة التفاهــم وه ــي بيــان نوايــا‪ ،‬اتفا ًقــا ملز ًمــا قانون ًيــا‪ ،‬لكــن‬ ‫مــا يبــدو هــو أن أرض الصومــال مســتعدة ملنــح إثيوبيــا إمكانيــة‬ ‫الوصــول إل ــى البحــر باســتئجار ‪ 20‬كيلومتـ ًرا حــول مينــاء بربــرة‬ ‫علــى خليــج عــدن‪ ،‬تتيــح لهــا إمكانيــة الوصــول إلــى البحــر‬ ‫األحمــر‪ ،‬ملــدة ‪ 50‬عا ًمــا ألغراضهــا البحريــة والتجاريــة‪ ،‬مقابــل‬ ‫االعتــراف بــأرض الصومــال دولــة مســتقلة‪.‬‬ ‫¦يف تقديرنا هناك ثالث إشكاليات‪:‬‬ ‫**ســيوفر املينــاء مج ـااًلا إلثيوبيــا للوصــول إلــى البحــر األحمــر وقنــاة‬ ‫الســويس عســكر ً​ًيا‪ ،‬فقــد أفــادت تقاريــر ً‬ ‫أيًضــا بوجــود جانــب عســكري‬ ‫يف االتفــاق‪ .‬إذ قالــت أرض الصومــال إنهــا قــد تؤجــر جــز ً​ًءا مــن‬ ‫الســاحل للبحريــة اإلثيوبيــة‪ .‬ملــدة ‪ 50‬عا ً​ًمــا لقاعــدة بحريــة مــع إمكانيــة‬ ‫الوصــول إلــى مينــاء بربــرة يف أرض الصومــال للعمليــات البحريــة‬ ‫التجاريــة‪ ،‬وأكــدت هــذا أديــس أبابــا‪ ،‬ممــا يعنــي حيــز منــاورة لإلحاطــة‬ ‫بالســودان ومصــر يف حــال انزيــاح قضيــة خالف ســد النهضــة إلــى‬ ‫املرحلــة التعبويــة‪.‬‬ ‫‪ 1 .‬بديل عسكري جليبوتي‬ ‫ً‬ ‫اكتظاًظــا بالســكان‬ ‫كانــت إثيوبيــا‪ ،‬وهــي الدولــة غيــر الســاحلية األكثــر‬ ‫يف العالــم‪ ،‬قــد فقــدت موانئهــا عقــب انفصــال إريتريــا يف أوائــل‬ ‫التســعينيات‪ .‬ومنــذ ذلــك احلني‪ ،‬اعتمــدت إثيوبيــا بشــكل أساســي‬ ‫علــى جيبوتــي الدولــة األصغــر يف عمليــات موانئهــا‪ .‬لكــن جيبوتــي‬ ‫مكتظــة بالفرقــاء‪ ،‬لــذا بحثــت إثيوبيــا عــن بديــل االكتظــاظ مــع‬ ‫مميــزات نفــس املوقــع وهــو مــا ســتبحث عنــه الــدول األخــرى وجعــل‬ ‫أرض الصومــال بديــل جليبوتــي‪ ،‬حيــث تضــم جيبوتــي عــد ً​ًدا كبيـ ً​ًرا مــن‬ ‫القواعــد العســكرية األجنبيــة علــى الرغــم مــن ضيــق مســاحتها‪ ،‬حيــث‬ ‫تتبايــن هــذه القواعــد بني ســت قواعــد تعــود لفرنســا والواليــات املتحــدة‬ ‫واليابــان والــصني وإســبانيا وإيطاليــا‪ .‬تهــدف هــذه القواعــد إلــى حمايــة‬ ‫املصالــح االســتراتيجية للــدول القائمــة بهــا وتعزيــز نفوذهــا السياســي‬ ‫والعســكري‪ ،‬باإلضافــة إلــى التصــدي لظاهــرة القرصنــة ومكافحــة‬ ‫اإلرهــاب وتــأمني املمــرات التجاريــة البحريــة يف البحــر األحمــر‪.‬‬ ‫وتشــمل هــذه القواعــد العســكرية الوجــود الكبيــر للقاعــدة األمريكيــة‬

‫يف جيبوتــي‪ ،‬والتــي ُتُعتبــر األكبــر يف إفريقيــا‪ ،‬باإلضافــة إلــى القاعــدة‬ ‫الصينيــة الوحيــدة خــارج الــصني‪ ،‬والقاعــدة اليابانيــة األولــى منــذ‬ ‫احلــرب العامليــة الثانيــة‪ ،‬ووحــدة اجليــش الفرنســي الهامــة يف إفريقيــا‪.‬‬ ‫كمــا تســتضيف جيبوتــي قــوات تابعــة حللــف شــمال األطلســي (ناتــو)‪،‬‬ ‫باإلضافــة إلــى القــوات العســكرية الدوليــة التــي تعمــل علــى مكافحــة‬ ‫القرصنــة‪ .‬وهنــاك جهــود مــن قبــل عــدة دول أخــرى مثــل روســيا والهنــد‬ ‫واإلمــارات والســعودية إلنشــاء قواعــد عســكرية يف جيبوتــي‪.‬‬ ‫أمــا األســباب التــي قــد تدفــع الســتضافة أرض الصومــال للقواعــد‬ ‫العســكرية التــي يف جيبوتــي فكثيــرة منهــا األســباب واالعتبــارات‬ ‫االقتصاديــة والفقــر والتــي تعــد مــن بني العوامــل الدافعــة الســتضافتها‬ ‫للقواعــد العســكرية األجنبيــة‪ ،‬بــل أبــرز االعتبــارات‪.‬‬ ‫كمــا ترتبــط األســباب احملفــزة الســتضافة أرض الصومــال للقواعــد‬ ‫العســكرية‪ ،‬بأهميــة منظومــة األهــداف واملصالــح الوطنيــة املرتبطــة‬ ‫بــكل قــوة مــن تلــك القــوى التــي متتلــك هــذه القواعــد‪ ،‬ولعــل مــن أبــرز‬ ‫ــهذه األــسباب ــما يــلي‪:‬‬ ‫**األهميــة اجليواســتراتيجية أرض الصومــال فاملوقــع اجلغــرايف‬ ‫أعطــى أرض الصومــال األهميــة اجليواســتراتيجية وذلــك انطال ً​ًقــا مــن‬ ‫وقوعهــا علــى البحــر األحمــر وخليــج عــدن وبحــر العــرب مقابــل مضيــق‬ ‫بــاب املنــدب‪ ،‬يف أحــد أهــم املمــرات املائيــة يف العالــم كمــا ظهــر مــن‬ ‫أزمــة احلوثــيني هــذه األيــام‪.‬‬ ‫**القــرب اجلغــرايف ألرض الصومــال مــن مناطــق الصــراع يف إفريقيــا‬ ‫ومنطقــة الشــرق األوســط‪ ،‬وإن كان وضعهــا كنمــوذج لالســتقرار أقــل‬ ‫مــن جيبوتــي لكنهــا عاشــت فتــرة مــن العزلــة املريحــة وهــذا قــد يعــد‬ ‫عــاماًلا جلعلهــا مركـًزًا مميـًزًا لــكل مــن عمليــات األمن البحــري‪ ،‬دوريات‬ ‫مكافحــة القرصنــة‪ ،‬ضربــات الطائــرات بــدون طيــار اإلرهابيــة‪ ،‬عمليات‬ ‫القــوات اجلويــة‪ ،‬واملراقبــة االســتخباراتية حيــث ميكــن عــن طريــق أرض‬ ‫الصوــمال الوــصول ــلكل ــمن اليــمن والصوــمال وإثيوبــيا‪.‬‬ ‫ويف تقديرنــا أن الرؤيــة املســتقبلية تشــير إلــى ترجيــح ســيناريو تنامــي‬ ‫عــدد القواعــد العســكرية يف أرض الصومــال بــدياًلا أو توسـ ً​ًعا باإلضافة‬ ‫للتواــجد يف جيبوــتي‬ ‫‪ .٢‬االعتراف اإلثيوبي اعتراف بانشقاق وتقسيم بلد عربي‬ ‫وعــدت إثيوبيــا ببحــث عميــق لســعي أرض الصومــال إلــى احلصــول‬


‫‪130‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫العربيــة ســوى البحريــن‪ .‬وقــد هــدد احلوثيــون مبهاجمــة ســفن الــدول‬ ‫املشــاركة‪ .‬وكشــفوا عــن قدراتهــم الصاروخيــة‪ .‬وأكــدوا أنهــم مســتعدون‬ ‫للتصــدي للتحالــف‪ .‬يــرى احلوثيــون أن التحالــف جــزء مــن العــدوان‬ ‫علــى الفلســطينيني وقطــاع غــزة‪ .‬فربطــوا إيقــاف هجماتهــم بوقــف‬ ‫العــدوان اإلســرائيلي علــى غــزة وفــك احلصــار عــن القطــاع‪ .‬وممــا‬ ‫جتــدر اإلشــارة إليــه تركــز نطــاق عمليــات التحالــف يف اجلــزء اجلنوبــي‬ ‫مــن البحــر األحمــر ومضيــق بــاب املنــدب وخليــج عــدن‪.‬‬ ‫¦إعادة االستقرار ملنطقة البحر األحمر‬ ‫أخطــأت الواليــات املتحــدة يف عــدم دعــم احلملــة الســعودية والتحالــف‬ ‫العربــي الســتعادة مدينــة احلديــدة الســاحلية ‪2018‬م‪ ،‬وتلــك الــدروس‬ ‫التــي حتتــاج واشــنطن إلــى تعلمهــا مــن الضربــة علــى احلوثــيني؛‬ ‫فالتجــارة الدوليــة مقيــدة بثمانيــة ممــرات بحريــة رئيســية‪ ،‬وهــي‬ ‫حقائــق صعبــة تفرضهــا اجلغرافيــا غيــر القابلــة للتغييــر‪ .‬ولســوء‬ ‫احلــظ‪ ،‬فــإن النصــف مــن هــذه املمــرات احليويــة يتركــز جميعهــا يف‬ ‫منطقــة صغيــرة نســب ً​ًيا ومنهــا ومضيــق بــاب املنــدب‪ ،‬قــرب املصــدر‬ ‫األكثــر أهميــة للطاقــة الالزمــة لدعــم النمــو االقتصــادي العاملــي‪ .‬لقــد‬ ‫أخطــأت إدارة ترامــب يف رفضهــا دعــم حملــة التحالــف العربــي لدعــم‬ ‫الشــرعية الســتعادة مدينــة احلديــدة‪ .‬واليــوم الصواريــخ احلوثيــة تنطلــق‬ ‫منهــا…أال ُيُع ـ ُ​ُد ذلــك قصــر نظــر وخطــأ إســتراتيجي أميركــي آخــر يف‬ ‫امللــف اليمنــي واملســتمر!!‬ ‫لقــد شــن التحالــف الدولــي‪ ،‬بقيــادة الواليــات املتحــدة‪ ،‬العديــد مــن‬ ‫الغــارات علــى أهــداف جلماعــة احلوثــي يف اليمــن‪ ،‬ر ً​ًدا علــى هجماتهــا‬ ‫يف البحــر األحمــر‪ ،‬لكــن الضربــات الغربيــة مــن املرجــح أن تــؤدي إلــى‬ ‫متـمكني احلوــثيني وذــلك لــعدة أــسباب‬ ‫** أواًلا‪ :‬العمليــات العســكرية الغربيــة رمزيــة وهدفهــا اســتعادة الهيبــة‪،‬‬ ‫بعــد انهيــار الــردع يف األشــهر األخيــرة‪ .‬فالطبيعــة احملــدودة للغــارات‬ ‫اجلويــة حتــى اآلن تتعلــق بتجنــب خطــر االنتشــار اإلقليمــي للصــراع‪،‬‬ ‫ولذلــك‪ ،‬فــإن هــذا التدخــل لــن يفيــد كثيـ ً​ًرا يف تعطيــل برامــج احلوثــيني‬ ‫للطائــرات املسـّيّرة والصواريــخ املدعومــة مــن إيــران‪.‬‬ ‫** ثان�يـًا‪ :‬ال تعالــج العمليــة البريطانيــة ‪ /‬األمريكيــة اخللــل اخلطيــر يف‬ ‫توزيــع الســلطة يف اليمــن (بني احلكومــة الشــرعية واحلوثــيني)‪ .‬ومنــذ‬ ‫‪ 20‬شــه ً​ًرا‪ ،‬يشــهد اليمــن تهدئــة مــن حــرب اندلعــت قبــل ‪ 9‬ســنوات‬ ‫بني القــوات املواليــة للحكومــة الشــرعية‪ ،‬مدعومــة بتحالــف عســكري‬ ‫عربــي بقيــادة اجلارة الســعودية‪ ،‬وقــوات احلوثــيني‪ ،‬املدعــومني مــن‬ ‫إيــران‪ ،‬واملســيطرين علــى محافظــات ومــدن بينهــا العاصمــة صنعــاء‬ ‫منــذ عــام ‪2014‬م‪.‬‬ ‫**ثال ً​ًثــا‪ :‬لــن يــؤدي الهجــوم الدولــي إال إلــى تعزيــز الدعــم للحوثــيني‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫يف اليمــن؛ نظــ ً​ًرا للمعارضــة الشــعبية للتدخــل األجنبــي‪ ،‬باإلضافــة‬ ‫إلــى وجــود ســياق إقليمــي يجــب أخــذه بــعني االعتبــار‪ ،‬وهــو تزايــد‬ ‫العــداء للواليــات املتحــدة (الداعمــة إلســرائيل يف حربهــا علــى قطــاع‬ ‫غــزة) يف جميــع أنحــاء املنطقــة‪ ،‬كمــا أن تأطيــر احلوثــيني لهجماتهــم‬ ‫البحريــة (ضــد الســفن املرتبطــة بإســرائيل) لدعــم فلســطني (يف ظــل‬ ‫احلــرب املســتمرة علــى غــزة) جعــل الهجــوم علــى اجلماعــة أكثــر ضــررا‬ ‫لواشــنطن مــن الناحيــة السياســية ‪.‬وألن الضربــات اجلويــة الغربيــة‬ ‫ســتعزز مكانــة احلوثــيني وقبولهــم يف العــاملني العربــي واإلسالمــي‪،‬‬ ‫بالنظــر إلــى اســتثمار اجلماعــة الناجح للمشــاعر املؤيدة للفلســطينيني‬ ‫منــذ انــدالع حــرب غــزة يف أكتوبر‪/‬تشــرين األول ‪.»2023‬‬ ‫**راب ً​ًعــا‪ :‬ســتوفر الهجمــات الغربيــة للحوثــيني «عــد ً​ًوا خارج ً​ًيــا» آخــر‬ ‫لصــرف االنتبــاه عــن أوجــه القصــور يف حكمهــم اليومــي‪ ،‬مــن تقــدمي‬ ‫اخلدمــات إلــى دفــع الرواتــب»‪.‬‬ ‫**خامًســا‪ :‬بالنظــر إلــى تأطيــر عملياتهــم البحريــة علــى أنهــا مرتبطــة‬ ‫ً‬ ‫بحــرب غــزة‪ ،‬سيســتخدم احلوثيــون ً‬ ‫أيًضــا القتــال ضــد بريطانيــا‬ ‫والواليــات املتحــدة حلشــد املزيــد مــن املقاتــلني‪ .‬هنــاك تقاريــر تشــير‬ ‫بالفعــل إلــى أنــه مت جتنيــد اآلالف يف كتائــب طوفــان األقصــى‪ ،‬يف‬ ‫أعقــاب الهجــوم املفاجــئ طوفــان األقصــى‪ ،‬الــذي شــنته حركــة حمــاس‬ ‫الفلســطينية علــى إســرائيل يف ‪ 7‬أكتوبــر املاضــي‪.‬‬ ‫سادًســا‪ :‬مــن املرجــح أن يــؤدي التدخــل العســكري الغربــي إلــى‬ ‫**‬ ‫ً‬ ‫تعميــق النــزوح وإثــارة اخلــوف وزيــادة املشــاعر املعاديــة ألمريــكا‬ ‫وبريطانيــا بني عامــة الشــعب اليمنــي‪ ،‬وبالتالــي خســارة معركــة القلــوب‬ ‫والعــقول كــما ــحدث يف دول أــخرى مــثل أفغانــستان والصوــمال‪.‬‬ ‫¦تداعيات االتفاقية بني إثيوبيا ودويلة أرض الصومال‬ ‫تقــع صوماليالنــد يف القــرن اإلفريقــي علــى شــاطئ خليــج عــدن‬ ‫وبالتحديــد يف شــمال الصومــال‪ .‬حتدهــا إثيوبيــا مــن الغــرب وجيبوتــي‬ ‫مــن الشــمال الغربــي وخليــج عــدن مــن الشــمال‪ .”.‬ويتكــون جيــش أرض‬ ‫الصومــال مــن اثنــي عشــر فرقــة مجهــزة بشــكل أساســي باألســلحة‬ ‫اخلفيفــة‪ ،‬علــى الرغــم مــن أنهــا مجهــزة ببعــض مدافــع الهاوتــزر‬ ‫وقاذفــات الصواريــخ املتنقلــة‪ .‬عرباتهــا املدرعــة ودباباتهــا يف الغالــب‬ ‫مــن تصميــم ســوفيتي‪ ،‬علــى الرغــم مــن وجــود بعــض املركبــات‬ ‫والدبابــات الغربيــة القدميــة يف ترســانتها‪ .‬أمــا البحريــة الصوماليــة‪،‬‬ ‫فعلــى الرغــم مــن النقــص الشــديد يف املعــدات والتدريــب الرســمي‪،‬‬ ‫يبــدو أنهــا حققــت بعــض النجــاح يف احلــد مــن القرصنــة والصيــد غيــر‬ ‫القانونــي داخــل ميــاه أرض الصومــال‬ ‫¦يف يونيــو ‪2016‬م‪ ،‬وقعــت حكومــة أرض الصومــال اتفاقيــة مــع‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪129‬‬

‫ملف العدد‬

‫هجمــات الحوثييــن أدت لزيــادة التوتــر ودقــت ناقــوس خطــر لتعزيــز‬ ‫الالعبي ــن م ــن غي ــر ال ــدول يف البح ــر األحم ــر‬ ‫وجهــودــة‬ ‫لمكافح‬ ‫ـاون‬ ‫التع ـ‬ ‫مكافحــة‬ ‫ـدويلاألحمــر‬ ‫ال ـالبحــر‬ ‫علــى‬ ‫املطلــة‬ ‫مثــل مجلــس الــدول‬

‫التهرــيب وتدرــيب الــقوات البحرــية احمللــية‬ ‫‪1 .‬القوات البحرية امللكية السعودية (األسطول الغربي)‬ ‫أســطول البحــر الغربــي أو رســم ً​ًيا قيــادة األســطول الغربــي هــو أســطول‬ ‫إقليمــي نشــط للقــوات املســلحة الســعودية؛ ويتألــف مــن منظومــة‬ ‫وحــدات ســفن وعناصــر بحريــة‪ ،‬مــع منشــآت عســكرية متقدمــة‬ ‫قواعــد‪ ،‬ومطــارات‪ ،‬ومراكــز القيــادة‪ ،‬ومراكــز التمويــن‪ ،‬ومراكــز التشــغيل‬ ‫والصيانــة‪ ،‬ومؤسســات صحيــة ويتركــز يف قاعــدة امللــك فيصل البحرية‬ ‫علــى امتــداد ســواحل البحــر الغربــي للمملكــة العربيــة الســعودية‪ .‬وهــو‬ ‫جــزء مــن مكــون أســطول البحــر اإلقليمــي املســؤول عــن قــوة البحريــة‬ ‫الســعودية الدائمــة يف عــرض البحــر األحمــر وعلــى امتــداد ســاحله‬ ‫الشــرقي‪ ،‬مبــا يف ذلــك خليــج العقبــة وبــاب املنــدب‪ ،‬وخليــج عــدن‪.‬‬ ‫ويعتبــر أكبــر أســطول عســكري يطــل علــى البحــر األحمــر‪.‬‬ ‫‪2 .‬مجلس الدول املطلة على البحر األحمر‬ ‫يبلــغ عــدد الــدول األعضــاء يف” مجلــس الــدول املطلــة علــى البحــر‬ ‫األحمــر وخليــج عــدن” ‪ 8‬دول‪ .‬وتأســس يف الريــاض بتاريــخ ‪ 6‬ينايــر‬ ‫‪2020‬م‪ ،‬مــن قبــل الــدول األعضــاء املؤسســة وهــي‪ :‬الســعودية‪ ،‬مصــر‪،‬‬ ‫اليمــن‪ ،‬الصومــال‪ ،‬إريتريــا‪ ،‬جيبوتــي‪ ،‬األردن‪ ،‬الســودان‪ .‬وهدفــه حفــظ‬ ‫املصالــح املشــتركة ومواجهــة جميــع اخملاطــر‪ ،‬وللتعــاون يف االســتفادة‬ ‫مــن الفــرص املتوفــرة‪ ،‬فمنطقــة البحــر األحمــر هامــة جتار�يـًا وفيهــا‬ ‫ثــروات كبيــرة‪ ،‬وتســعى لبنــاء رخــاء املنطقــة بشــكل يخــدم اجلميــع‪.‬‬ ‫‪3 .‬قوة الواجب البحري ‪CTF153‬‬ ‫تعمــل “القــوة ‪ ″153‬يف مجــال مكافحــة النشــاطات غيــر املشــروعة يف‬ ‫البحــر األحمــر والقرصنــة وجتــارة اخملــدرات‪ ،‬وتــأمني حريــة املالحــة‪.‬‬ ‫وبعدمــا أعلنــت جماعــة احلوثــي يف اليمــن مواصلــة مهاجمــة إســرائيل‬ ‫والســفن املتجهــة إليهــا عبــر البحــر األحمــر‪ ،‬حتــى تتوقــف احلــرب‬ ‫علــى قطــاع غــزة‪ ،‬اعتبــر «البنتاغــون» هــذه التهديــدات عامليــة وتشــكل‬ ‫حتد ً​ًيــا دول ً​ًيــا ‪ ،‬وأعلــن البنتاغــون‪ ،‬تفعيــل فرقــة العمــل ‪ 153‬املعنيــة‬ ‫بأمــن البحــر األحمــر ‪،‬وتعتبــر قــوة املهــام املشــتركة ‪Combined‬‬ ‫‪ )153 CTF( 153 Task Force‬إحــدى اآلليــات املشــتركة لتعزيــز‬ ‫األمــن واالســتقرار اإلقليمــي ومجابهــة التهديــدات بكافــة أمناطهــا‪،‬‬ ‫وهــي جــزء مــن القــوة البحريــة املشــتركة “‪ ”CMF‬التــي تأسســت‬ ‫يف العــام ‪ 2001‬ملواجهــة تهديــد اإلرهــاب الدولــي يف البحــر األحمــر‬ ‫وخلــيج ــعدن‪.‬‬ ‫‪4 .‬حتالف الــ ‪ 12‬دولة‬ ‫أعلنــت واشــنطن عــن تشــكيل حتالـ ٍـٍف دولــي يضــم ‪ 12‬دولــة حلمايــة‬

‫أمــن البحــر األحمــر‪ ،‬يهــدف إلــى مواجهــة هجمــات احلوثــيني يف البحــر‬ ‫األحمــر‪ ،‬وهــذا هــو الهــدف املعلــن مــن هــذا التحالــف؛ ولكــن هنــاك‬ ‫أهــداف غيــر معلنــة‪ .‬يــرى خبــراء بــأن أمريــكا تــدرك أهميــة البحــر‬ ‫األحمــر منــذ حــرب أكتوبــر ‪1973‬م‪ .‬ومــن ثــم فإنهــا تســتخدم هــذه‬ ‫الهجمــات ذريعــ ً​ًة مــن أجــل عســكرة البحــر األحمــر‪ ،‬وجعلــه منطقــة‬ ‫ٍ‬ ‫قــدٍر مــن‬ ‫نفــوٍذ لهــا‪ ،‬وللســيطرة علــى بــاب املنــدب‪ ،‬وإدخــال أكبــر ٍ‬ ‫القــوات األمريكيــة إلــى املنطقــة‪ ،‬لتســمح لهــا باملنــاورة السياســية‬ ‫وحمايــة أمــن إســـرائيل؛ وذلــك عــن طريــق خلــق عـد ٍ​ٍّو وهمي واالســتفادة‬ ‫منــه كمــا حــدث يف أفغانســتان والعــراق‪ ،‬ليصبــح البحــر األحمــر محــل‬ ‫تنافـ ٍـٍس دولـ ٍـٍّي كبيــر نظـرًاً لوجــود ‪ 11‬قاعــدة عســكرية يف منطقــة القــرن‬ ‫اإلفريقــي القريبــة مــن مدخلــه‪ ،‬تتبــع العديــد مــن الــدول املتنافســة‬ ‫إقليمي ـًاً ودولي ـًاً‪ ،‬األمــر الــذي يــؤدي إذا مــا تفاقمــت حــدة املواجهــات‬ ‫ٍ‬ ‫شـــروٍط جديــدة علــى منطقــة‬ ‫حــرٍب دوليــة‪ ،‬وفــرض‬ ‫إلــى انــدالع‬ ‫ٍ‬ ‫البحــر األحمــر واملالحــة الدوليــة فيــه والتــي تعــده واشــنطن ذا أولويـ ٍـٍة‬ ‫اســتراتيجية‪.‬‬ ‫ولهــذا يــرى خبــراء اســتراتيجيون بــأن واشــنطن حاولــت تضخيــم‬ ‫الهجمــات احلوثيــة يف البحــر األحمــر‪ ،‬وركــزت عليهــا إعالميـًاً‪ ،‬وســعت‬ ‫ـراٍر مــن مجلــس األمــن‪ ،‬وهــو القــرار (‪ )2722‬لكــي ُيُعطــي‬ ‫الســتصدار قـ ٍ‬ ‫لهــا شـــرعية عســكرة املنطقــة والســيطرة علــى واحـ ٍـٍد مــن أهــم املمــرات‬ ‫املائيــة يف العالــم‪ ،‬ليعكــس هــذا رغبـ ً​ًة أمريكيـ ً​ًة وبريطانيــة للتواجــد يف‬ ‫بــاب املنــدب‪ ،‬ورغبتهمــا يف إضعــاف النفــوذ الصينــي وتهديــد تواجــده‪،‬‬ ‫وعــدم الســماح بعبــور جتارتــه عبــر هــذا املضيــق‪ ،‬وبالتالــي عــدم‬ ‫الســماح أيضـًاً لروســيا‪ ،‬ومحاصـــرة نفوذهــا الســابق يف هــذه املنطقــة‪.‬‬ ‫¦دور حتالف حارس االزدهار يف حتقيق األمن يف البحر األحمر‬ ‫تأســس (حتالــف حــارس االزدهــار) ‪Operation Prosperity‬‬ ‫‪Guardian‬‬ ‫يف ديســمبر ‪2023‬م‪ ،‬مببــادرة مــن الواليــات املتحــدة‪ .‬ويهــدف إلــى‬ ‫التصــدي للهجمــات احلوثيــة علــى الســفن التجاريــة يف البحــر األحمــر‪،‬‬ ‫وتــأمني املالحــة يف البحــر األحمــر‪ ،‬وحمايــة الســفن التجاريــة مــن‬ ‫الهجمــات احلوثيــة‪ .‬وطمأنــة شــركات الشــحن العامليــة والبحــارة‪.‬‬ ‫حماًســا للمشــاركة‪ .‬لكــن قامــت أكثــر‬ ‫لكــن لــم تبــِدِ الــدول الغربيــة‬ ‫ً‬ ‫مــن ‪ 20‬دولــة بالتوقيــع علــى املشــاركة‪ .‬وتشــمل بريطانيــا‪ ،‬وكنــدا‪،‬‬ ‫وفرنســا‪ ،‬وإيطاليــا‪ ،‬وهولنــدا‪ ،‬والنرويــج‪ ،‬وإســبانيا‪ ،‬والبحريــن‪ ،‬وسيشــل‪،‬‬ ‫واليونــان‪ ،‬وأســتراليا‪ ،‬والواليــات املتحــدة‪ .‬فيمــا نــأت الــدول العربيــة‬ ‫بنفســها عــن املشــاركة‪ ،‬الســيما الســعودية‪ ،‬ولــم تنضــم مــن الــدول‬


‫‪128‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫أمن الممر المالحي في البحر األحمر‪ :‬المسؤولية الدولية واإلقليمية‬

‫‪ 6‬أسباب ‪ ..‬وفشل االستراتيجية األمريكية‬ ‫أحادية الرؤية والهدف وراء تمكين الحوثيين‬ ‫مثــل اإلعالن الترويجــي الــذي بثتــه طهــران وأدى إلــى تســويق أهميــة اخلليــج العربــي منــذ ‪ 40‬عا ً​ًمــا‪ ،‬أخــذ احلوثــي دون قصــد‬ ‫يف رفــع أســهم البحــر األحمــر ليــس يف وســائل اإلعالم بــل يف أروقــة صنــاع القــرار اإلقليمــيني والدولــيني‪ ،‬فقــد أثــار احلوثيــون‬ ‫أهميــة البحــر األحمــر مــن خالل شــن هجمــات علــى الســفن التجاريــة‪ ،‬مبــا يف ذلــك ســفًنًا تابعــة لــدول إقليميــة ودوليــة‪ .‬كمــا‬ ‫أطلــق احلوثيــون صواريــخ باليســتية فــوق الســعودية‪ ،‬وبعضهــا ســقط يف البحــر األحمــر‪ .‬كمــا ســيطر احلوثــي علــى ســاحل‬ ‫وموانــئ غــرب اليمــن‪ ،‬وأخــذ يف اســتخدامها ألغــراض عســكرية‪ .‬واألهــم هــدد بــإغالق املمــر املائــي بــاب املنــدب‪ .‬لقــد أثــارت‬ ‫هجمــات احلوثــيني الوعــي بأهميــة البحــر األحمــر كطريــق جتــاري رئيســي وممــر حيــوي للتجــارة العامليــة‪ .‬وهجمــات احلوثــيني‬ ‫التــي أدت إلــى زيــادة التوتــر يف املنطقــة قــد تكــون ناقــوس خطــر يدعــو إلــى تعزيــز التعــاون الدولــي ملكافحــة الالعــبني مــن غيــر‬ ‫اــلدول يف البــحر األحــمر‪.‬‬

‫د‪ .‬ظافر العجمي‬

‫¦يفصــل البحــر األحمــر بــن اجلزيــرة العربيــة وشــرق إفريقيــا‪،‬‬ ‫ويتمتــع مبوقــع اســتراتيجي مميــز حيــث يصــل بــن القــارات‬ ‫الثــاث‪ :‬آســيا وإفريقيــا وأوروبــا‪ ،‬وتطــل عليــه ‪ 8‬دول‪ .‬ويربــط‬ ‫احمليــط الهنــدي وخليــج عــدن وبحــر العــرب بالبحــر األبيــض‬ ‫املتوســط‪ ،‬ويبلــغ طولــه حوال ــي ‪1930‬م‪ ،‬كيلومتـ ًرا وميتــد بانحنــاء‬ ‫نحــو الغــرب مــن خليــج عــدن جنو ًبــا إل ــى جزيــرة ســيناء شـ ً‬ ‫ـمااًل‪.‬‬ ‫ويتميــز بضحالــة نســبية عنــد طرفيــه ويــزداد عم ًقــا يف‬ ‫الوســط‪ ،‬حيــث تصــل أعمــق نقطــة فيــه إل ــى مــا يقــارب ‪ 3‬آالف‬ ‫متــر‪ .‬وتكمــن أهميــة البحــر األحمــر يف عــدة نقــاط منهــا أن‬ ‫لــه أهميــة اقتصاديــة وعســكرية وأمنيــة‪ .‬وميــر عبــره أحــد أكثــر‬ ‫طــرق املالحــة البحريــة الدوليــة حيويــة يف العالــم‪ .‬كمــا أن الــدول‬ ‫املشــاطئة للبحــر األحمــر تعتبــر مــن أهــم املراكــز العامليــة إلنتــاج‬ ‫ً‬ ‫نقاطــا‬ ‫مــوارد الطاقــة‪ .‬باإلضافــة إل ــى أن مضائقــه وجــزره متثــل‬ ‫اســتراتيجية أمنيــة‪ .‬فيشــتمل عل ــى ‪ 3‬مضائــق طبيعيــة‪ ،‬ه ــي‪:‬‬ ‫**مضيــق بــاب املنــدب‪ :‬يقــع جنــوب البحــر األحمــر‪ ،‬ويعتبــر املنفــذ‬ ‫الوحيــد الــذي يتحكــم مبدخلــه اجلنوبــي‪ ،‬ويربطــه بخليــج عــدن وبحــر‬ ‫العــرب واحمليــط الهنــدي‪.‬‬

‫**مضيــق تيــران‪ :‬يقــع يف شــمال البحــر األحمــر مــن اجلهــة الشــرقية‪،‬‬ ‫ويعتبــر املدخــل الرئيســي خلليــج العقبــة‪ ،‬ويحظــى بأهميــة خاصــة‬ ‫بســبب ارتباطــه بالصــراع العربــي ‪ /‬اإلســرائيلي‪ ،‬حيــث يعتبــر املدخــل‬ ‫إلــى مينــاء إيالت اإلســرائيلي‪.‬‬ ‫**مضيــق جوبــال‪ :‬يقــع شــمال البحــر األحمــر باجتــاه الغــرب‪ ،‬ويعتبــر‬ ‫بوابتــه إلــى خليــج الســويس‪.‬‬ ‫¦الهياكل األمنية يف البحر األحمر‬ ‫ألن البحــر األحمــر هــو أكبــر ثغــرة أمنيــة علــى جزيــرة العــرب بســاحل‬ ‫طويــل‪ ،‬لــذا أصبحــت قضيــة أمــن البحــر األحمــر مــن أبــرز أولويــات‬ ‫السياســة الداخليــة واخلارجيــة للمملكــة العربيــة الســعودية‪ .‬وتهــدف‬ ‫الســعودية مببادراتهــا االســتراتيجية وتطلعاتهــا لتنويــع اقتصادهــا‪ ،‬إلــى‬ ‫تعزيــز األمــن يف املنطقــة بشــراكات مــع الــدول املشــاطئة‪ .‬لــذا تركــزت‬ ‫اجلهــود علــى حتديــث القــوات البحريــة امللكيــة‪ ،‬خاصــ ً​ًة األســطول‬ ‫الغربــي يف البحــر األحمــر‪ ،‬وتعزيــز التعــاون البحــري مــع مصــر‪ .‬كمــا‬ ‫شــهدت املبــادرات الدوليــة مشــاركة واضحــة للســعودية يف مجــاالت‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪127‬‬

‫ملف العدد‬

‫تركيــز الجهــود الدبلوماســية لحــل نزاعــات القضايا ال ُ​ُمتســببة يف انعدام‬ ‫أمــن المنطقــة وضــرورة التعــاون االقتصــادي والتنميــة لدعــم االســتقرار‬ ‫يف تعقيــد األمــور‪ .‬ويعــد مضيــق تايــوان محــو ً​ًرا اســتراتيج ً​ًيا لطــرق‬ ‫التجــارة البحريــة اليابانيــة‪ ،‬إال أن تزايــد الضبابيــة السياســية واملواقــف‬ ‫العســكرية يف املنطقــة أدى إلــى زيــادة اخملاوف بشــأن سالمــة وأمــن‬ ‫ممــرات الشــحن‪ .‬ومــن احملتمــل أن تؤثــر املنــاورات العســكرية والنزاعات‬ ‫حــول ملكيــة األراضــي والتوتــرات السياســية بني الــصني وتايــوان علــى‬ ‫صناعــة الشــحن اليابانيــة‪ ،‬متســببة يف تأخيــر وتعطيــل حركــة نقــل‬ ‫البضائــع‪ .‬لذلــك ينبغــي علــى شــركات الشــحن اليابانيــة العاملــة داخــل‬ ‫املنطقــة إجــراء حتلــيالت دبلوماســية دقيقــة وتقييمــات مدروســة‬ ‫للمخاطــر مــن أجــل التعاطــي بشــكل فعــال مــع هــذه التحديــات‪.‬‬

‫آفاق تنفيذ اتفاق لوقف إطالق النار‬ ‫نهًجا متعدد‬ ‫يتطلــب تنفيــذ اتفــاق وقــف إلطالق النــار داخــل قطــاع غــزة ً‬ ‫األوجــه ينطــوي علــى جهــود دبلوماســية‪ ،‬وسياســية‪ ،‬وإنســانية‪ .‬أوال‪،‬‬ ‫ينبغــي علــى املنظمــات الدوليــة والــدول ذات التأثيــر املشــاركة يف حــوار‬ ‫دبلوماســي مســتدام‪ ،‬وتشــجيع طــريف النــزاع علــى العــودة إلــى طاولــة‬ ‫املفاوضــات‪ .‬ويف هــذا الضــوء‪ ،‬ميكــن االســتفادة مــن وجــود طــرف‬ ‫وســيط محايــد مثــل األمم املتحــدة يف تســهيل إجــراء احملادثــات وبنــاء‬ ‫الثقــة‪ .‬كمــا يعــد ضرور�يـًا أن يتــم معاجلــة األســباب املتجــذرة للصــراع‪،‬‬ ‫مبــا يف ذلــك النزاعــات حــول األراضــي وعــودة الالجــئني‪ .‬إضافــة إلــى‬ ‫ذلــك‪ ،‬مــن املمكــن أن يســاعد العمــل علــى دعــم التنميــة االقتصاديــة‬ ‫وحتــسني األوضــاع املعيشــية داخــل املنطقــة يف خلــق بيئــة مواتيــة‬ ‫إلقامــة سالم‪ .‬كمــا يجــب أن يتــم تكثيــف جهــود إيصــال املســاعدات‬ ‫اإلنســانية يف ســبيل التخفيــف مــن معانــاة الشــعب الفلســطيني وتعزيــز‬ ‫النوايــا احلســنة‪ .‬أخيــ ً​ًرا‪ ،‬فــإن دعــم التواصــل بني الشــعبني وتعزيــز‬ ‫التفاهــم الثقــايف مــن شــأنه املســاهمة يف إمتــام مصاحلــة طويلــة‬ ‫األجــل‪ .‬مثلمــا يعــد تبنــي اســتراتيجية شــاملة‪ ،‬مدعومــة بجهــد دولــي‬ ‫متضافــر‪ ،‬أم ـ ً​ًرا أساس ـ ً​ًيا مــن أجــل تطبيــق اتفــاق وقــف إلطالق النــار‬ ‫داــئم وإعالء االــستقرار يف املنطــقة‪.‬‬

‫أن ينخــرط كافــة أصحــاب املصالــح الدولــيني يف حــوار مــع الالعــبني‬ ‫اإلقليمــيني‪ ،‬وحثهــم علــى التأثيــر علــى قيــادة جماعــة احلوثــي مــن أجــل‬ ‫خفــض التصعيــد‪ .‬كمــا مــن املمكــن أن يســاعد تنفيــذ تدابيــر أمنيــة‬ ‫بحريــة أكثــر صرامــة‪ ،‬مثــل زيــادة الدوريــات واملراقبــة‪ ،‬يف ردع الهجمــات‪.‬‬ ‫كذلــك األمــر بالنســبة للتعــاون اليابانــي اخلاص يف تبــادل املعلومــات‬ ‫االســتخباراتية مــع الــدول املتضــررة مبــا يعــزز القــدرة علــى توقــع مثــل‬ ‫هــذه احلــوادث ومنعهــا‪ .‬ويجــب علــى اجملتمــع الدولــي أن يعمــل م ً​ًعــا‬ ‫ملعاجلــة األســباب اجلذريــة للصــراع‪ ،‬بهــدف حــل املظالــم األساســية‬ ‫وتعزيــز االســتقرار‪ .‬باإلضافــة إلــى ذلــك‪ ،‬فــإن العقوبــات املســتهدفة‬ ‫ضــد املســؤولني عــن تنظيــم الهجمــات ميكــن أن تكــون مبثابــة رادع‪.‬‬ ‫وبالتالــي‪ ،‬فــإن اجلمــع بني هــذه اإلجــراءات الدبلوماســية‪ ،‬واألمنيــة‪،‬‬ ‫واالقتصاديــة ميكــن أن يســاهم يف إنهــاء اســتهداف احلوثــيني للشــحن‬ ‫يف البحــر األحمــر‪.‬‬ ‫اخلالصة‬ ‫إن مســاهمة اليابــان املنظــورة يف أمــن املمــر املالحــي بالبحــر األحمــر‬ ‫ليــس شــأ ً​ًنا إقليم�يـًا؛ بــل مســؤولية دوليــة‪ .‬ومبــا إن اليابــان تقــف عنــد‬ ‫نقطــة الوصــل بني املصالــح االقتصاديــة والتجــارة البحريــة‪ ،‬فــإن‬ ‫تدخالتهــا ميكــن أن يكــون لهــا تأثيــر بعيــد املــدى علــى االســتقرار‬ ‫يف هــذا املمــر املائــي احليــوي‪ .‬ومــن خالل تبنــي نهــج متعــدد األوجــه‬ ‫يشــمل تدابيــر التدخــل الدبلوماســية‪ ،‬واللوجســتية‪ ،‬واملباشــرة‪ ،‬تســتطيع‬ ‫اليابــان االضــطالع بدورهــا كالعــب رئيســي يف ضمــان أمــن ممــر‬ ‫الشــحن يف البحــر األحمــر ودعــم مصالــح اجملتمــع الدولــي‪.‬‬

‫كيــف يمكــن أن تســاعد اليابــان يف اســتقرار األوضــاع بالبحــر‬ ‫األحــمر‬ ‫يتطلــب وقــف هجمــات احلوثــيني علــى ســفن الشــحن بالبحــر األحمــر‬ ‫مزيًجــا مــن اجلهــود الدبلوماســية بواســطة اليابــان واألطــراف الفاعلــة‬ ‫ً‬ ‫األخــرى ذات الصلــة واتخــاذ تدابيــر اســتراتيجية‪ .‬ومــن األهميــة مبــكان‪،‬‬

‫*مستشار أول مبركز الخليج لألبحاث‬


‫‪126‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫عقوب ــات رادع ــة ض ــد مص ــدر الهجم ــات وإج ــراءات دبلوماس ــية وأمني ــة‬ ‫واقتصاديـــة إلنهـــاء اســـتهداف الحوثييـــن للشـــحن يف البحـــر األحمـــر‬ ‫هــذه االســتفزازات‪ ،‬حيــث ســتفقد املنــاورة جدواهــا إذا أصبحــت بقيــة‬ ‫دول العالــم علــى درايــة بهــذه اللعبــة‪( .‬إحــدى الطــرق التــي قــد يكــون‬ ‫لديهــا بعــض فــرص النجــاح هــي أن تقــوم طهــران باالنتقــام العلنــي‬ ‫أو شــبه العلنــي وتكثيــف جهودهــا الســرية لإلطاحــة بالنظــام علــى‬ ‫أمــل أن يتــم تصويــره علــى أنــه عمــل عدوانــي إيرانــي غيــر مبــرر»‪.‬‬ ‫حتــى اآلن‪ ،‬يبــدو أن اجلانــب اإليرانــي يظهــر صبـ ً​ًرا هــائاًلا ‪ ،‬حيــث تعــي‬ ‫طهــران أن الوقــت يعمــل لصاحلهــا وأن روســيا والــصني توجهــان نفــس‬ ‫سياســة التطويــق واالحتــواء التــي تنتهجهــا الواليــات املتحــدة ضدهــا‪.‬‬ ‫وقــد خــدم الصبــر اإليرانــي مصالــح طهــران بشــكل جيــد بالفعــل؛‬ ‫فعبــر الوســاطة الصينيــة‪ ،‬أصبــح لديهــا القــدرة علــى حــل التوتــرات‬ ‫الدبلوماســية مــع اململكــة العربيــة الســعودية‪ .‬كمــا أنهــا ســمحت إليــران‬ ‫مبواصلــة تعزيــز ليــس جيشــها فحســب‪ ،‬بــل ً‬ ‫أيًضــا شــبكتها الكاملــة‬ ‫مــن حلفائهــا اإلقليمــيني‪ ،‬ممــا أدى إلــى حتويــل ميــزان القــوى تدريج�يـًا‬ ‫لصالــح طهــران‪.‬‬ ‫تــدرك واشــنطن هــذا األمــر جيـًدًا وتــرى أنــه يف حــال اســتمرت األمــور‬ ‫علــى ذات املنــوال الــذي ظهــرت عليــه يف األعــوام األخيــرة‪ ،‬فســتكون‬ ‫إيــران يف هــذا الوقــت مــن العــام املقبــل أكثــر قــوة وتصبــح الواليــات‬ ‫املتحــدة يف املقابــل أكثــر عزلــة داخــل املنطقــة‪ .‬وهــي املعضلــة ذاتهــا‬ ‫التــي تواجههــا الواليــات املتحــدة داخــل أوروبــا حيــث يــزداد نفوذهــا‬ ‫انحســا ً​ًرا‪ ،‬حتــى إنهــا تســتخدم حربهــا بالوكالــة داخــل أوكرانيــا ضــد‬ ‫روســيا كوســيلة إلعــادة اكتســاب نفوذهــا علــى القــارة العجــوز‪ .‬ورمبــا‬ ‫قــد تتصــور واشــنطن أنهــا قــادرة علــى انتهــاج ذات االســتراتيجية يف‬ ‫ســبيل إضعــاف وإخضــاع دول املنطقــة مــن خالل الصراعــات اإلقليميــة‬ ‫بينمــا تعمــل يف الوقــت ذاتــه علــى إعــادة تأكيــد نفوذهــا داخــل املنطقــة‪.‬‬ ‫‪ -٤‬املساهمة اليابانية املرتقبة لضمان أمن البحر األحمر‬ ‫‪ ‬‬

‫الصورة من قناة اجلزيرة‬ ‫‪( 5‬أ االعتماد الياباني التاريخي على البحر األحمر‬

‫تضطلــع اليابــان‪ ،‬باعتبارهــا قــوة اقتصاديــة عامليــة‪ ،‬بــدور محــوري يف‬ ‫الشــبكة املتداخلــة للتجــارة العامليــة‪ ،‬إذ تعتمــد بشــكل خــاص علــى‬ ‫البحــر األحمــر وقنــاة الســويس‪ .‬ومــن املفيــد أن يتــم دراســة املســاهمات‬ ‫احملتملــة التــي ميكــن أن تقدمهــا اليابــان لضمــان األمــن علــى طــول‬ ‫املمــر املالحــي للبحــر األحمــر‪ ،‬مــع األخــذ بــعني االعتبــار اخملاطــر‬ ‫االقتصاديــة التــي ينطــوي عليهــا األمــر واخملاوف املتزايــدة التــي تثيرهــا‬ ‫أنشــطة احلوثــيني يف اليمــن‪.‬‬ ‫تنعــم اليابــان بتاريــخ حافــل مــن الشــحن مــع منطقــة الشــرق األوســط‪،‬‬ ‫يعــود إلــى أوائــل القــرن العشــرين‪ .‬يف البدايــة‪ ،‬أنشــأت اليابــان طر ً​ًقــا‬ ‫للتجــارة البحريــة مــع دول الشــرق األوســط‪ ،‬رغبــة يف احلصــول علــى‬ ‫املــوارد الطبيعيــة‪ ،‬الســيما النفــط واملــواد اخلام‪ .‬وتطــورت هذه الشــراكة‬ ‫االســتراتيجية علــى مــر الســنني‪ ،‬حيــث لعبت شــركات الشــحن اليابانية‬ ‫دو ً​ًرا حاسـ ً​ًما يف نقــل مجموعــة متنوعــة مــن البضائــع بني املنطقــتني‪.‬‬ ‫ويف ضــوء هــذا‪ ،‬ســاهمت املكانــة املهمــة ملنطقــة الشــرق األوســط‬ ‫كمــورد رئيســي للنفــط يف تعزيــز العالقــات االقتصاديــة اجلديــدة ودفــع‬ ‫مســيرة النمــو الصناعــي داخــل اليابــان‪ .‬وكمــا ُأُشــير ســل ً​ًفا‪ ،‬يعتبــر املمــر‬ ‫املالحــي يف البحــر األحمــر مبثابــة شــريان حيــوي للتجــارة العامليــة‬ ‫يربــط بني املراكــز االقتصاديــة الرئيســية‪ ،‬كمــا أن الفوائــد اجلمــة التــي‬ ‫جتنيهــا اليابــان مــن أنشــطة الشــحن داخــل هــذه املنطقــة جتعــل دورهــا‬ ‫يف تعزيــز األمــن أمـ ً​ًرا بالــغ األهميــة مــن املنظــور احمللــي والدولــي‪.‬‬ ‫‪( .5‬ب) املصالح اليابانية االقتصادية‬ ‫ترتبــط النهضــة االقتصاديــة لليابــان بشــكل متداخــل مــع التجــارة‬ ‫الدوليــة‪ ،‬يف ظــل عبــور جــزء كبيــر مــن جتارتهــا البحريــة مــن خالل‬ ‫خاًصــا‬ ‫البحــر األحمــر‪ .‬مــن ثــم‪ ،‬فــإن حمايــة هــذا املمــر ال تعــد شــأ ً​ًنا‬ ‫ً‬ ‫باألمــن اإلقليمــي فقــط بــل إنــه مرتبــط بشــكل مباشــر مــع االزدهــار‬ ‫االقتصــادي للدولــة اليابانيــة‪ .‬علــى هــذا النحــو‪ ،‬لــدى اليابــان مصلحــة‬ ‫كبــيرة للمــساهمة يف اــستتباب األــمن واالــستقرار داــخل املنطــقة‪.‬‬ ‫حتديــات أمــام صناعــة الشــحن اليابانيــة ودور مضيــق تايــوان كشــريان‬ ‫حيــاة لــواردات الطاقــة اليابانيــة القادمــة مــن اخلليــج‬ ‫تواجــه صناعــة الشــحن اليابانيــة العديــد مــن التحديــات يف مضيــق‬ ‫تايــوان علــى مــدى أعــوام‪ .‬حيــث ســاهمت التوتــرات الناشــبة داخــل‬ ‫املنطقــة‪ ،‬الســيما العالقــات السياســية املعقــدة بني الــصني وتايــوان‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪125‬‬

‫ملف العدد‬

‫أهمي ــة انخ ــراط أصح ــاب المصال ــح الدوليي ــن يف ح ــوار م ــع الالعبي ــن‬ ‫اإلقليميي ــن وحثه ــم عىل التأثي ــر عىل قي ــادة الحوث ــي لخف ــض التصعي ــد‬ ‫إلــى تبنــي نهــج أكثــر تواز ً​ًنــا يأخــذ يف احلســبان حقــوق وتطلعــات‬ ‫الشــعبني الفلســطيني واإلســرائيلي‪.‬‬ ‫‪ .2‬تأثيــر اإلجنيليــة علــى االنتخابــات األمريكيــة والعالقــات مــع‬ ‫إســرائيل‬ ‫يؤثــر املذهــب اإلجنيلــي بشــكل كبيــر علــى االنتخابــات والسياســات‬ ‫األمريكيــة‪ ،‬خاصــة فيمــا يتعلــق بإســرائيل‪ .‬فغال�بـًا مــا يلعب املســيحيون‬ ‫اإلجنيليــون‪ ،‬الذيــن يشــكلون ج ـز ً​ًءا كبي ـ ً​ًرا مــن تعــداد ســكان الواليــات‬ ‫املتحــدة‪ ،‬دو ً​ًرا محور�يـًا يف تشــكيل املشــهد السياســي‪ .‬ويتجلــى تأثيرهــم‬ ‫خالل فتــرة انعقــاد االنتخابــات‪ ،‬حيــث أن املرشــحني الذيــن يســعون‬ ‫للحصــول علــى دعــم هــذه الطائفــة غال�بـًا مــا ينســجمون مــع القيــم‬ ‫اإلجنيليــة‪ ،‬والتــي قــد تنطــوي علــى دعــم وتأييــد قــوي إلســرائيل‪.‬‬ ‫وينظــر العديــد مــن اإلجنيلــيني إلــى دولــة إســرائيل احلديثــة مــن خالل‬ ‫العدســة «التوراتيــة» الكتــاب املقــدس‪ ،‬حيــث يعتقــدون بأنهــا حتقــق‬ ‫النبــوءات ويؤكــدون أهميتهــا يف عقيدتهــم‪ .‬ونتيجــة لذلــك‪ ،‬مييــل‬ ‫املرشــحون الذيــن يعبــرون عــن دعمهــم الثابــت إلســرائيل إلــى احلصــول‬ ‫علــى دعــم إجنيلــي كبيــر خالل االنتخابــات‪ .‬ميتــد هــذا التأثيــر ملا هــو‬ ‫أبعــد مــن االنتخابــات ليرســم مالمــح السياســة اخلارجيــة األمريكيــة‬ ‫الســيما فيمــا يتعلــق بإســرائيل‪ .‬فقــد ســاهم الدعــم اإلجنيلــي يف‬ ‫تعزيــز السياســات التــي متنــح األولويــة للتحالــف الوثيــق مــع إســرائيل‪،‬‬ ‫مــع التركيــز علــى التعــاون األمنــي‪ ،‬والدعــم الدبلوماســي‪ ،‬واملســاعدة‬ ‫االقتصاديــة‪ .‬وتعكــس قــرارات مثــل االعتــراف بالقــدس عاصمــة‬ ‫إلســرائيل ونقــل الســفارة األمريكيــة هنــاك مواءمــة السياســة األمريكيــة‬ ‫مــع املعتقــدات اإلجنيليــة‪ .‬ويف حني أن هــذا الدعــم يعــزز العالقــات مــع‬ ‫إســرائيل‪ ،‬فإنــه يثيــر ً‬ ‫أيًضــا تســاؤالت حــول تأثيــر االعتبــارات الدينيــة‬ ‫علــى صياغــة السياســة اخلارجيــة‪ ،‬يف ظــل إبحــار قــادة الواليــات‬ ‫املتحــدة يف تــوازن دقيــق بني املصالــح اجليوسياســية واملعتقــدات‬ ‫الدينيــة‪.‬‬ ‫مضيق باب املندب ‪..‬همزة الوصل بني خليج عدن والبحر األحمر‬ ‫ُيُشــكل بــاب املنــدب‪ ،‬وهــو املضيــق الــذي يصــل البحــر األحمــر بخليــج‬ ‫عــدن‪ ،‬مخاطــر جيوسياســية محتملــة نتيجــة موقعــه االســتراتيجي‪.‬‬ ‫حيــث أن انعــدام االســتقرار يف املنطقــة قــد يــؤدي إلــى تعطيــل التجــارة‬ ‫البحريــة‪ ،‬والتأثيــر ســل ً​ًبا علــى ممــرات الشــحن العامليــة‪ .‬مــن ثــم‪ ،‬فــإن‬ ‫العوامــل املتمثلــة يف الصراعــات اإلقليميــة‪ ،‬والقرصنــة‪ ،‬والتوتــرات‬

‫السياســية قــد تتســبب يف زيــادة اخملاطــر‪ ،‬ممــا يســتدعي اهتما ً​ًما دول ً​ًيا‬ ‫وتعاونــا لضمــان االســتقرار والتدفــق احلــر للتجــارة‪ .‬يف هــذا الســياق‪،‬‬ ‫فقــد ســاهم املوقــع االســتراتيجي لليمــن املطــل علــى مضيــق بــاب‬ ‫املنــدب يف تأجيــج اخملاوف اإلقليميــة يف ظــل الصــراع الدائــر يف الــبالد‬ ‫وســيطرة جماعــة احلوثــي علــى مناطــق بعينهــا ممــا يشــكل تهدي ـًدًا‬ ‫الســتقرار املضيــق‪ .‬كمــا أن شــبح الهجمــات احملتملــة ومحــاوالت إغالق‬ ‫املمــر املائــي مــن قبــل األطــراف املعنيــة ميكــن أن يــؤدي إلــى تعطيــل‬ ‫الشــحن الدولــي‪ ،‬ممــا يؤثــر علــى تدفــق البضائــع ومــوارد الطاقــة‪ .‬مــن‬ ‫ثــم‪ ،‬يتطلــب الوضــع بــذل جهــود دبلوماســية ملعاجلــة األســباب اجلذريــة‬ ‫للــصراع وضــمان أــمن ــهذا املــمر البــحري احلــيوي‪.‬‬ ‫مــن املمكــن أن يؤثــر ســيناريو اخملاطــر احملدقــة مبضيــق بــاب املنــدب‬ ‫بشــكل كبيــر علــى التقــدم احلــر لتجــارة النفــط الدوليــة وأســعار النفــط‬ ‫العامليــة‪ ،‬إلــى جانــب َتَأثيــره غيــر املباشــر علــى معــدالت التضخــم‪،‬‬ ‫حيــث يــؤدي إطالــة خطــوط اإلمــداد وارتفــاع أســعار التــأمني إلــى زيــادة‬ ‫تكاليــف الشــحن اإلجماليــة‪ .‬عالوة علــى ذلــك‪ ،‬فــإن اخملاوف بشــأن‬ ‫أمــن هــذا املمــر البحــري احليــوي قــد تضفــي مزي ـًدًا مــن الضبابيــة‬ ‫علــى األســواق‪ ،‬وإحــداث تذبذبــات محتملــة يف أســعار املــواد اخلام‪.‬‬ ‫يف ضــوء هــذا‪ ،‬يراقــب املســتثمرون والتجــار عــن كثــب التطــورات‬ ‫اجليوسياســية حــول مضيــق بــاب املنــدب‪ ،‬خشــية أن يــؤدي تصعيــد‬ ‫مــا إلــى تعطيــل حركــة إمــدادات النفــط وزيــادة تقلبــات األســواق‪ .‬لذلــك‪،‬‬ ‫أصبــح ضرور ً​ًيــا أن يتــم العمــل علــى ضمــان اســتقرار مضيــق بــاب‬ ‫املنــدب يف ســبيل التخفيــف مــن حــدة هــذه اخملاطــر واحلفــاظ علــى‬ ‫التدفــق الســلس للنفــط عبــر ممــرات الشــحن احليويــة‪.‬‬

‫مخاطــر التصعيــد المحتملــة يف منطقــة البحــر األحمــر والشــرق‬ ‫األوسط‬

‫أشــار العديــد مــن املعلــقني إلــى أن مخاطــر التصعيــد اإلقليمــي ال‬ ‫تــزال مرتفعــة يف ظــل اســتمرار اجتــذاب الصــراع بني إســرائيل وحمــاس‬ ‫أطرافـًاً أخــرى‪ ،‬ومــع اســتمرار هجمــات احلوثــيني علــى الســفن الدوليــة‬ ‫مــن داخــل قواعدهــم يف اليمــن علــى الرغــم مــن التحذيــرات األمريكيــة‬ ‫والعمليــات االنتقاميــة املضــادة‪ ،‬تســتمر التوتــرات يف التصاعــد‪ .‬وقــد‬ ‫علــق معهــد «بروكينغــز» يف هــذا الصــدد‪ ”:‬ســيكون مــن األفضــل كثيــرا‬ ‫إذا مــا استشــهدت الواليــات املتحــدة باســتفزازات مــن جانــب إيــران‬ ‫كذريعــة لشــن أي هجمــة جويــة‪ .‬لكنــه بالطبــع ســيكون أمــر بالــغ‬ ‫الصعوبــة علــى اجلانــب األمريكــي أن يدفــع إيــران كــي تقــوم مبثــل‬


‫‪124‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫أمــن البحــر األحمــر مســؤولية مشــتركة تقتضــي تعاو�نـًا دول�يـًا وإقليم�يـًا‬ ‫وتأمينــه ال يصــب يف مصلحــة الــدول المعنيــة فقط‬ ‫حني يؤكــد آخــرون علــى أهميــة احلــوار والتعايــش الســلمي‪ .‬لذلــك‬ ‫مــن املهــم االعتــراف بتنــوع اآلراء داخــل إســرائيل عنــد مناقشــة موقفهــا‬ ‫مــن فلســطني‪.‬‬

‫الموقف األمريكي تجاه إسرائيل‬

‫يخضــع املوقــف األمريكــي حيــال الصــراع الفلسطيني‪-‬اإلســرائيلي‬ ‫إلــى تفاعــل معقــد بني مزيــج مــن العوامــل التاريخيــة‪ ،‬واجليوسياســية‪،‬‬ ‫واالســتراتيجية‪ .‬فتاريخ ً​ًيــا‪ ،‬حافظــت الواليــات املتحــدة علــى عالقــة‬ ‫وثيقــة بإســرائيل متجــذرة يف القيــم املشــتركة‪ ،‬والروابــط الثقافيــة‪،‬‬ ‫واملصالــح االســتراتيجية‪ .‬عالوة علــى ذلــك‪ ،‬تعتبــر الواليــات املتحــدة‬ ‫حلي ً​ًفــا رئيســ ً​ًيا وداع ً​ًمــا إلســرائيل منــذ نشــأتها عــام ‪1948‬م‪ .‬علــى‬

‫الصعيــد اجليوسياســي‪ ،‬تنظــر الواليــات املتحــدة إلــى إســرائيل‬ ‫باعتبارهــا قــوة داعمــة لالســتقرار داخــل الشــرق األوســط وشــري ً​ًكا‬ ‫يعتمــد عليــه داخــل منطقــة مضطربــة‪ .‬وتتعــاون الدولتــان علــى مســتوى‬ ‫جبهــات مختلفــة مبــا ذلــك؛ األمــن‪ ،‬واالســتخبارات‪ ،‬والتكنولوجيــا‪ .‬كمــا‬ ‫تنظــر واشــنطن إلــى تــل أبيــب باعتبارهــا حليفــًاً مهمــًاً يف مجابهــة‬ ‫التهديــدات املشــتركة مثــل اإلرهــاب وانعــدام االســتقرار اإلقليمــي‪.‬‬ ‫وبينمــا تعتــرف الواليــات املتحــدة بأهميــة التوصــل حلــل تفاوضــي يقــود‬ ‫إلــى حــل الدولــتني‪ ،‬إال أن روابطهــا التاريخيــة الوثيقــة مــع اجلانــب‬ ‫اإلســرائيلي تؤثر يف رســم سياســاتها ومواقفها الدبلوماســية‪ .‬مع ذلك‪،‬‬ ‫جتــدر اإلشــارة إلــى أن الــرأي العــام داخــل الواليــات املتحــدة متنــوع حتى‬ ‫أن هنــاك أفــراد‪ ،‬ومجموعــات‪ ،‬وعــدد مــن صانعــي السياســات يدعــون‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪123‬‬

‫ملف العدد‬

‫تدخل اليابان بتدابير دبلوماسية ولوجستية لضمان مصالح المجتمع الدولي‬

‫أمن البحر األحمر مرتبط بازدهار االقتصاد الياباني‬ ‫ولدىطوكيومصلحةللمساهمةيفاستتبابأمنه‬ ‫ال يعــد أمــن املمــر املالحــي يف البحــر األحمــر مبعثـًاً للقلــق لــدى الــدول التــي لديهــا مصالــح مباشــرة داخــل املنطقــة فقــط‪ ،‬بــل‬ ‫هــو كذلــك مســؤولية مشــتركة متتــد بشــكل متزايــد لتشــمل أجــزا ً​ًء مختلفــة حــول العالــم‪ ،‬وتؤكــد األهميــة االســتراتيجية التــي‬ ‫مُيم ثلهــا هــذا املمــر البحــري‪ ،‬الــذي يربــط البحــر املتوســط باحمليــط الهنــدي عبــر قنــاة الســويس‪ ،‬احلاجــة إلــى تنســيق جهــود‬ ‫مــشتركة ــمن أــجل حماــية أمــنه واــستقراره‪.‬‬

‫د‪ .‬نوريكو سوزوكي‬

‫‪1‬ـ الوضع يف املمر املالحي يف البحر األحمر‪:‬‬ ‫دول ً​ًيــا‪ ،‬يعــد ممــر البحــر األحمــر املالحــي شــريان احليــاة للتجــارة‬ ‫العامليــة‪ ،‬حيــث يســهل حركــة نقــل البضائــع والســلع بني القــارات‬ ‫الــثالث أوروبــا‪ ،‬وآســيا‪ ،‬وإفريقيــا‪ .‬وإدرا ً​ًكا لــدوره احلاســم‪ ،‬يجــب علــى‬ ‫دول العالــم االعتــراف مبســؤوليتها املشــتركة يف حمايــة هــذا املمــر‬ ‫احليــوي‪ .‬وتعــد املبــادرات التعاونيــة‪ ،‬مثــل نشــر الدوريــات املشــتركة‪،‬‬ ‫وتعزيــز آليــات تبــادل املعلومــات‪ ،‬ضروريــة لــردع التهديــدات احملتملــة‬ ‫واالــستجابة بفعالــية للتحدــيات األمنــية‪.‬‬ ‫إقليم ً​ًيــا‪ ،‬لــدى الــدول ا ُ​ُملطلــة علــى البحــر األحمــر مصلحــة مباشــرة‬ ‫يف ضمــان أمــن املمــر بســبب القــرب اجلغــرايف واالعتمــاد االقتصــادي‬ ‫املتبــادل‪ .‬ويف هــذا اإلطــار‪ ،‬يصبــح التعــاون بني القــوى اإلقليميــة أم ـ ً​ًرا‬ ‫حتم�يـًا يف معاجلــة التحديــات ونقــاط الضعــف احملــددة التــي تنفــرد‬ ‫بهــا منطقــة البحــر األحمــر‪ .‬ومــن املمكــن أن تســاهم اجلهــود املشــتركة‬ ‫يف مجــال تبــادل املعلومــات االســتخبارية‪ ،‬والدوريــات البحريــة املنســقة‪،‬‬ ‫ومبــادرات بنــاء القــدرات‪ ،‬يف تعزيــز القــدرة اجلماعيــة للمنطقــة علــى‬ ‫االســتجابة للتهديــدات الناشــئة علــى وجــه الســرعة‪ .‬وال تقتصــر‬ ‫مســؤولية احلفــاظ علــى أمــن املمــر املالحــي يف البحــر األحمــر علــى‬ ‫النواحــي العســكرية فقــط‪ ،‬بــل متتــد لتشــمل األبعــاد الدبلوماســية‬ ‫واالقتصاديــة‪ .‬كمــا ينبغــي أن تركــز اجلهــود الدبلوماســية علــى رعايــة‬ ‫احلــوار وحــل النزاعــات مــن أجــل معاجلــة القضايــا األساســية ا ُ​ُملتســببة‬ ‫يف انعــدام األمــن يف املنطقــة‪ .‬ومــن املمكــن أن تلعــب مبــادرات التعــاون‬

‫االقتصــادي والتنميــة دو ً​ًرا يف خلــق االســتقرار وتقليــل الدوافــع الكامنــة‬ ‫وراء األنــشطة التخريبــية عــلى ــطول املــمر البــحري‪.‬‬ ‫يعتبــر أمــن املمــر املالحــي للبحــر األحمــر مســؤولية مشــتركة تقتضــي‬ ‫تعاو�نـًا دول�يـًا وإقليم ً​ًيــا‪ .‬وباعتبــاره شــريا ً​ًنا مه ً​ًمــا للتجــارة العامليــة‪ ،‬فــإن‬ ‫تــأمني هــذا الطريــق البحــري ال يصــب يف مصلحــة األطــراف املعنيــة‬ ‫بشــكل مباشــر فحســب‪ ،‬بــل هــو واجــب جماعــي مشــترك علــى اجملتمــع‬ ‫الدولــي‪ .‬ومــن خالل اجلهــود املتضافــرة‪ ،‬التــي تشــمل مجموعــة كاملــة‬ ‫مــن التدابيــر العســكرية‪ ،‬والدبلوماســية‪ ،‬واالقتصاديــة‪ ،‬ميكــن ألصحــاب‬ ‫املصلحــة ضمــان اســتقرار وأمــن املمــر املالحــي يف البحــر األحمــر‬ ‫لصالــح اجلميــع‪.‬‬ ‫‪.2‬املوقف اإلسرائيلي بشأن فلسطني‬ ‫تنوًعــا بتنــوع‬ ‫يعــد املوقــف اإلســرائيلي جتــاه فلســطني ُ​ُمعقــًدًا و ُ​ُم ً‬ ‫وَسياســيها‪ ،‬ومجتمعاتهــا‪ .‬تاريخ�يـًا‪ ،‬زعمــت إســرائيل بحقهــا‬ ‫مواطنيهــا‪َ ،‬‬ ‫يف الوجــود كدولــة ذات ســيادة‪ ،‬مؤكــدة علــى أهميــة احلفــاظ علــى األمن‬ ‫يف منطقــة تتســم بالصــراع‪ .‬وقــد انخرطــت احلكومــة اإلســرائيلية يف‬ ‫بعــض األحيــان يف مفاوضــات مــع الســلطات الفلســطينية املتعاقبــة‪،‬‬ ‫ســع ً​ًيا إلــى حــل الدولــتني الــذي يخاطــب مخــاوف البلديــن‪ .‬ومــع ذلــك‪،‬‬ ‫تختلــف اآلراء ووجهــات النظــر داخــل إســرائيل بشــأن قضايــا مثــل‬ ‫احلــدود‪ ،‬واملســتوطنات‪ ،‬ووضــع مدينــة القــدس‪ .‬حيــث يدعــو بعــض‬ ‫اإلســرائيليني إلــى اتبــاع نهــج أكثــر حز ً​ًمــا فيمــا يتعلــق باألمــن‪ ،‬يف‬


‫‪122‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫جماعــة الحوثــي نفــذت حتى عــام ‪ 2022‬حوايل‪ 43‬عملية بحرية إرهابية‬ ‫بالصواري ــخ وال ــزوارق المفخخ ــة واأللغ ــام منه ــا عملي ــات ض ــد ‪ 22‬س ــفينة‬ ‫عــن دورهــا الســيادي يف احملافظــة علــى أمــن اإلقليــم الــذي يعتبــر‬ ‫مجالهــا احليــوي متــددت عليــه قــوى عامليــة أكثــر قــدرة علــى التوســع‬ ‫وفــرض الســيادة‪ ،‬محققــة نظريــة فريــدرك راتــزل اجليوبوليتيكيــة‬ ‫(نظريــة الدولــة العامليــة والقــوة الواحــدة)‪ ،‬والتــي تقضــي بحــق كل دولــة‬ ‫يف التوســع تب ً​ًعــا ملعــدالت منوهــا حتــى يصيــر العالــم دولــة واحــدة‪،‬‬ ‫وخالصتهــا أن مــن ال يتوســع علــى اآلخريــن يتــم التوســع عليــه‪.‬‬ ‫فهــل كانــت محــض صدفــة أن تتابــع وتتسلســل األحــداث مــن األقصــى‬ ‫إلــى غــزة لتدفــع الواليــات املتحــدة األمريكيــة بأكبــر حاملتــي طائــرات‬ ‫لديهــا إلــى منطقــة شــرق املتوســط وترافقهــا أكبــر مدمــرات األســطول‬ ‫البريطانــي لتوفيــر احلمايــة الالزمــة للجيــش اإلســرائيلي للعمــل‬ ‫بحريــة تامــة يف قطــاع غــزة وشــعبه األعــزل يف أكبــر عمليــة إبــادة‬ ‫جماعيــة شــهدها التاريــخ ضــد شــعوب األرض‪ .‬وبغريــزة الصيــاد وبعــد‬ ‫تــأمني الشــمال اإلســرائيلي ضــد أي تدخــل ألذرع املقاومــة أو أي طــرف‬ ‫آخــر قــد تأخــذه احلميــة ويــؤدي لتعطيــل إســرائيل أو شــغلها علــى‬ ‫حتقيــق مهمتهــا‪.‬‬ ‫يتلقــف الصيــاد األمريكــي األوروبــي صواريــخ املقاومــة احلوثيــة أو‬ ‫الــذراع احلوثــي ضــد األهــداف اإلســرائيلية يف البــر والبحــر وتطلــق‬ ‫حتالفهــا املســمى بـــ «حــارس اإلزدهــار» بحجــة تــأمني املالحــة يف‬ ‫البحــر األحمــر ضــد األعمــال التــي تقــوم بهــا جماعــة أنصــار اهلل‬ ‫احلوثيــة (اإلرهابيــة) هكــذا وصفتهــا الواليــات املتحــدة األمريكيــة‬ ‫باإلرهابيــة ألنهــا هاجمــت أهدا ً​ًفــا إســرائيلية وهــي التــي رفضــت‬ ‫وصفهــا باإلرهــاب طيلــة الســنوات التــي أعملــت يف هجماتهــا ضــد‬ ‫كل املســتخدمني ملنطقــة خليــج عــدن وجنــوب البحــر األحمــر وبينهمــا‬ ‫بــاب املنــدب‪ ،‬مبــا فيهــم الواليــات املتحــدة نفســها‪ ،‬ويصبــح البحــر‬ ‫األحمــر بكاملــه بحيــرة أمريكيــة ‪ /‬أوروبيــة وتضغــط شــركات التــأمني‬ ‫علــى شــركات املالحــة لتغييــر خــط ســيرها خــارج البحــر األحمــر إلــى‬ ‫رأس رجــاء الصالــح وينخفــض دخــل مصــر مــن قنــاة الســويس بنســبة‬ ‫‪ %40‬عــن العــام الســابق‪ ،‬وتتحــول الواليــات املتحــدة األمريكيــة إلــى أكبــر‬ ‫مصــدر للغــاز املســال يف العالــم‪ ،‬ويتــم اإلعالن عــن جنــاح التشــغيل‬ ‫التجريبــي للطريــق الهنــدي اخلليجــي اإلســرائيلي إلــى أوروبــا عبــر‬ ‫املتوســط كبديــل لقنــاة الســويس يف حــال تعطيلهــا أو تهديدهــا‪.‬‬ ‫هــل كان ضمــن األجنــدة الغربيــة خنــق مصــر اقتصاد ً​ًيــا للموافقــة‬ ‫علــى املطلــب اإلســرائيلي بتهجيــر الشــعب الفلســطيني يف غــزة إلــى‬

‫أرض ســيناء‪ ،‬مقابــل ســخاء اقتصــادي يتــم جلبــه إليهــا؟‪ ،‬إن آخــر‬ ‫املقترحــات اإلســرائيلية التــي نشــرتها صحيفــة «هآرتــس» اإلســرائيلية‬ ‫يــوم ‪ 20‬أكتوبــر عــام ‪2022‬م‪ ،‬عــن مخطــط قدمــه املستشــرق اإلســرائيلي‬ ‫يتســحاق عبــادي‪( ،‬املولــود يف دمشــق عــام ‪1934‬م‪ ،‬وهــو اآلن ضابــط‬ ‫متقاعــد ســبق لــه اخلدمــة يف جيــش الدفــاع اإلســرائيلي كضابــط‬ ‫اســتخبارات ثــم قائـًدًا للــواء اجلوالنــي ‪-‬مخصــص للعمليــات اخلاصة‪-‬‬ ‫وشــغل وظيفــة حاكــم قطــاع غــزة عــام ‪1971‬م‪ ،‬ويعمــل حال�يـًا يف اللجنــة‬ ‫العليــا بــوزارة التربيــة يف إســرائيل‪ ،‬للغــة العربيــة)‪.‬‬ ‫هــو أن يكــون حــل الدولــتني عبــارة عــن دولــة إســرائيل تضــم الشــعب‬ ‫اليهــودي علــى كامــل أرض فلســطني التاريخيــة ومســاحتها ‪ 27‬ألــف‬ ‫كيلــو متــر مربــع‪ ،‬وأن يتــم ترحيــل جميــع الفلســطينني إلــى شــبه جزيــرة‬ ‫ســيناء إلقامــة دولتهــم عليهــا مبســاحة عشــرين ألــف كيلــو متــر مربــع‬ ‫مــن أرض ســيناء مالصقــة للدولــة اإلســرائيلية وطب ً​ًقــا ملا نشــرته‬ ‫الصحيفــة اإلســرائيلية‪ ،‬حتصــل مصــر علــى ثمــن هــذه األرض مــن‬ ‫الــدول البتروليــة‪.‬‬ ‫بعي ـًدًا عــن نظريــات املؤامــرة ألــم تعلــن ذلــك إســرائيل يف الكثيــر مــن‬ ‫أدبياتهــا أليــس األمــس بقريــب يــوم كتــب تيــودور هرتــزل يف مذاكراتــه‬ ‫بعــد انعقــاد املؤمتــر الصهيونــي األول يف بــازل يف سويســرا عــام ‪1897‬م‪،‬‬ ‫يف التاســع والعشــرين مــن أغســطس مقولتــه املشــهورة‪ »:‬لــو ســألني‬ ‫أحــد الصحفــيني مــاذا فعلتــم اليــوم لقلــت لــه‪ :‬اليــوم أنشــأت دولــة‬ ‫إســرائيل‪ ،‬رمبــا ســخر منــي ذلــك الصحفــي أو ضحــك ولكــن بعــد‬ ‫خمــسني ســنة مــن اليــوم ســتكون إســرائيل حقيقــة واقعــة»‪.‬‬ ‫ألــم يتحقــق مــا قالــه الصحفــي اإلســرائيلي تيــودور هرتزل عــام ‪1897‬م؟‬ ‫وقامــت دولــة إســرائيل عــام ‪1948‬م‪ ،‬أي بعــد خمــسني ســنة؟‪ ،‬فلمــاذا ال‬ ‫نأخــذ مــا يــردده الكتــاب واملفكــرون اإلســرائيليون اليــوم محمــل اجلــد‪،‬‬ ‫وخاصــة أن كل مــا يــدور بيننــا وحولنــا يشــير إلــى ذلــك‪ ،‬أرجــو أن ننظــر‬ ‫إلــى األمــر علــى أنــه تقديــر موقــف إســتراتيجي وليــس نظريــة مؤامــرة‬ ‫قبــل أن يداهمنــا الوقــت وال يدركنــا الصبــاح‪.‬‬

‫*أستاذ العلوم االسرتاتيجية‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫املســيطرة عليــه والعمــل علــى زيــادة تواجدهــا يف املنطقــة‪ .‬وزادت كثافــة‬ ‫التواجــد العســكري البحــري واجلــوي والبــري األجنبــي يف املنطقــة مــن‬ ‫الواليــات املتحــدة األمريكيــة إلــى روســيا والــصني وفرنســا وإيــران حتــى‬ ‫إســرائيل ركــزت جهودهــا عليهــا بإعتبارهــا مطلــب رئيــس ألمنهــا يف‬ ‫إطــار الرؤيــة األمريكيــة التــي ال تكتفــي بأســطولها اخلامــس صاحــب‬ ‫املســؤولية يف املنطقــة ومركــز قيادتــه يف املنامــة عاصمــة مملكــة‬ ‫البحريــن‪ ،‬بــل شــكلت أربــع مجموعــات عمــل بحريــة مشــتركة مــن ‪34‬‬ ‫دولــة (الواليــات املتحــدة األمريكيــة – البحريــن – اســتراليا – بلجيــكا‬ ‫– البرازيــل – كنــدا – مصــر – الدمنــارك – فرنســا – أملانيــا ‪-‬‬ ‫العــراق – إيطاليــا – اليابــان – الســعودية – سيشــل – ســنغافورة‬ ‫– اســبانيا – تايالنــد – تركيــا – اإلمــارات – بريطانيــا – اليمــن –‬ ‫األردن – كوريــا اجلنوبيــة – الكويــت – ماليزيــا – هولنــدا – نيوزلنــدا‬ ‫– النرويــج – باكســتان – الفلــبني – البرتغــال – قطــر) وتتولــى هــذه‬ ‫اجملموــعات مــسؤوليتها كاآلــتي‬ ‫¦القــوة البحريــة املشــتركة (‪ )CMT150‬وتختــص بأعمــال األمــن‬ ‫البحــري خــارج اخلليــج العرب ــي‪.‬‬ ‫¦القــوة البحريــة املشــتركة (‪ )CMT151‬وتختــص مبكافحــة‬ ‫القرصنــة‪.‬‬ ‫¦القــوة البحريــة املشــتركة (‪ )CMT152‬عمليــات األمــن داخــل‬ ‫اخلليــج العربــي‪.‬‬ ‫القوات البحرية املشتركة (‪ )CMT153‬األمن البحري للبحر األحمر‪.‬‬ ‫جديــر بالذكــر أن مشــاركة الــدول املذكــورة يف هــذه القــوات البحريــة‬ ‫املشــتركة (‪ )CMT‬تتــم حســب قدرتهــا يف املســاهمة باألصــول والقــوات‬ ‫يف وقــت مــعني‪ ،‬أو نشــر الســفن احلربيــة أو طائــرات اإلســتطالع‬ ‫البحــري كمــا ميكــن اســتدعاء ســفن حربيــة غيــر مخصصــة للقــوات‬ ‫صراحــة لتقــدمي أو حتقيــق مهمــة ثــم تعــود مــرة أخــرى لتنفيــذ مهامهــا‬ ‫الوطنيــة‪ ،‬جميــع القــوات املشــتركة مــن الــدول (‪ )34‬التــي تشــكل القــوات‬ ‫البحريــة املشــتركة غيــر ملزمــة بــأي تفويــض سياســي أو عســكري‪.‬‬ ‫واســتمر هــذا احلال يف منطقــة البحــر األحمــر إلــى أن جــاء يــوم‬ ‫الســابع مــن أكتوبــر ‪2023‬م‪ ،‬ونفــذت املقاومــة الفلســطينية يف غــزة‬ ‫عمليــة طوفــان األقصــى ضــد قــوات االحــتالل اإلســرائيلي‪ ،‬وأعلنــت‬ ‫احلكومــة اإلســرائيلية احلــرب علــى الفلســطينني وأعملــت آالتهــا‬ ‫احلربيــة يف إبــادة الشــعب الفلســطيني وســاندتها الواليــات املتحــدة‬ ‫األمريكيــة سياســ ً​ًيا وعســكر ً​ًيا واقتصاد ً​ًيــا‪.‬‬ ‫أعلنــت جماعــة أنصــار اهلل احلوثيــة اســتعدادها لدخــول احلــرب‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪121‬‬

‫ملف العدد‬

‫باســتخدام الصواريــخ والطائــرات املســيرة ضــد األهــداف اإلســرائيلية‬ ‫مــا لــم توقــف إســرائيل عملياتهــا ضــد الفلســطينني يف قطــاع غــزة‪.‬‬ ‫وكــذا اتخــاذ خيــارات عســكرية أخــرى حــال تدخــل الواليــات املتحــدة‬ ‫األمريكيــة بشــكل مباشــر إلــى جانــب إســرائيل يف احلــرب‪ ،‬واعتبــا ً​ًرا‬ ‫مــن يــوم ‪ 19‬أكتوبــر ‪2023‬م‪ ،‬أخــذت جماعــة احلوثــيني إطالق الصواريــخ‬ ‫البالســتية والكــروز والطائــرات املســيرة وكان يتــم اعتراضهــا بواســطة‬ ‫الدفاعــات اجلويــة األمريكيــة والفرنســية مــن مدمراتهــا املتواجــدة يف‬ ‫البحــر األحمــر‪ ،‬ويف ‪ 19‬نوفمبــر احتجــزت القــوات البحريــة اليمنيــة‬ ‫التابعــة للحوثــيني ســفينة (غالكــس ليــدر) وعلــى متنهــا ‪ 25‬فــر ً​ًدا كمــا‬ ‫قامــت باالســتيالء علــى ســفينة أخــرى ترفــع العلــم الليبيــري وميتلكهــا‬ ‫أحــد اإلســرائيليني‪ ،‬واســتمر اســتهداف الســفن التابعــة إلســرائيل‬ ‫بهــدف الضغــط علــى إســرائيل إليقــاف حربهــا ضــد الفلســطينيني‬ ‫يف غــزة وأعلنــت علــى لســان قائدهــا عبدامللــك احلوثــي أن هجماتهــا‬ ‫ســوف تتوقــف فــور إيقــاف إســرائيل حلربهــا علــى قطــاع غــزة‪.‬‬ ‫ويف يــوم ‪ 19‬ديســمبر ‪2023‬م‪ ،‬أعلــن وزيــر الدفــاع األمريكــي لويــد أوسنت‬ ‫تشــكيل حتالــف حمايــة اإلزدهــار (متعــدد اجلنســيات) لشــن عمليــات‬ ‫عســكرية للــرد علــى الهجمــات التــي يقــوم بهــا احلوثيــون ضــد الســفن‬ ‫املتجــه إلــى إســرائيل أو املرتبطــة بهــا يف البحــر األحمــر وخليــج عــدن‪،‬‬ ‫وانضــم إلــى هــذا التحالــف أكثــر مــن عشــرين دولــة بقيــادة الواليــات‬ ‫املتحــدة األمريكيــة‪ .‬فضلــت ثمانــي دول منهــا عــدم اإلفصــاح عــن‬ ‫إســمها ورفضــت الــدول العربيــة االنضمــام لهــذا التحالــف‪.‬‬ ‫واعتبــا ً​ًرا مــن ‪ 12‬ينايــر ‪2024‬م‪ ،‬أخــذت القــوات األمريكيــة والبريطانيــة‬ ‫يف شــن هجماتهــا ضــد جماعــة أنصــار اهلل احلوثيــة علــى األراضــي‬ ‫اليمنيــة يف محافظــات صنعــاء واحلديــدة وحجــة وزمــار وتعــز وصعــدة‬ ‫بكثافــات بلغــت ‪ 73‬غــارة يف يــوم واحــد تبعتهــا غــارات أخــرى ضــد‬ ‫أهــداف مينيــة‪.‬‬ ‫ومــع اســتمرار القصفــات األمريكيــة والبريطانيــة يــزداد عنــاد احلوثــيني‬ ‫ويعلنــون إصرارهــم علــى اســتهداف كل الســفن األمريكيــة واإلجنليزيــة‬ ‫واســتمرارهم يف اســتهداف األهــداف اإلســرائيلية حتــى توقــف إطالق‬ ‫النــار يف غــزة‪ ،‬ويف ‪ 31‬ينايــر يعلــن صنــدوق النقــد الدولــى انخفــاض‬ ‫حركــة نقــل احلاويــات يف البحــر األحمــر خالل عــام واحــد بنســبة‬ ‫‪ %30‬بســبب الهجمــات املنطلقــة مــن اليمــن علــى الســفن املرتبطــة‬ ‫بإســرائيل يف البحــر األحمــر ويعلــن االحتــاد األوروبــي يــوم ‪ 6‬فبرايــر‬ ‫عــن قــرب إطالق مهمــة بحريــة حلمايــة الســفن التجاريــة‪.‬‬ ‫وهكــذا بعــد أن تخلــت أو أجبــرت دول اإلقليــم املشــاطئة للبحــر األحمــر‬

‫فتــح جزيــرة دهلــك ومينــاء مصــوع يف عهــد الخليفــة عمــر بــن الخطــاب‬ ‫تأكيــد عىل األهميــة الجيواســتراتيجية يف الحفــاظ عىل أمــن هــذا الممــر‬


‫‪120‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫البحــر األحمــر المثــال األهــم لألمــن العربــي لوقوعــه يف منتصــف الــدول‬ ‫العربيـــة وألهميتـــه الجيواســـتراتيجية للـــدول الواقعـــة عىل شـــواطئه‬ ‫علــى خليــج عــدن ولــم تتوقــف تلــك الهجمــات التــي امتــدت لتهــدد‬ ‫حركــة املالحــة البحريــة والتجاريــة الدوليــة يف املنطقــة‪ ،‬وقــد رصــد‬ ‫منهــا حتــى عــام ‪2022‬م‪ ،‬فقــط مــا ال يقــل عــن ‪ 43‬عمليــة بحريــة‬ ‫إرهابيــة بالصواريــخ والــزوارق املفخخــة واأللغــام منهــا عمليــات ضــد‬ ‫‪ 22‬ســفينة جلنســيات مختلفــة (ســعودية وإماراتيــة وتركيــة ويونانيــة‬ ‫‪...‬إلــخ) ونفــذت منهــا ً‬ ‫أيًضــا عمليتــي اختطــاف لعــدد ‪ 4‬ســفينة جتاريــة‬ ‫يف البحــر األحمــر وكــذا هجمــات إرهابيــة أخــرى علــى موانــئ جتاريــة‬ ‫ســعودية ومينيــة باســتخدام أســلحة متطــورة مثــل الصواريــخ البالســتية‬ ‫واأللغــام البحريــة والــزوارق املســيرة املفخخــة وتنوعــت أســاليب‬ ‫هجومهــا إلــى عمليــات قرصنــة مباشــرة‪ ،‬وســطو علــى الســفن التجاريــة‬ ‫وإقتيادهــا إلــى الســواحل اليمنيــة الواقعــة حتــت ســيطرتها علــى البحــر‬ ‫األحمــر‪.‬‬ ‫ولــم تســلم مستشــفى ميدانــي ســعودي مــن القرصنــة أثنــاء مرورهــا‬ ‫يف البحــر األحمــر عــام ‪2023‬م‪ ،‬كمــا اســتهدف امليلشــيات احلوثيــة‬

‫ً‬ ‫وأيًضــا ثالث‬ ‫ســفينة مدنيــة إماراتيــة (ســويفت) يف بــاب املنــدب‪،‬‬ ‫ســفن أمريكيــة بالصواريــخ أرض ـــ أرض يف البحــر األحمــر ولكنهــا‬ ‫فشــلت يف إصابتهــا‪ ،‬وتكــررت األعمــال اإلرهابيــة ضــد نــاقالت النفــط‬ ‫والســفن التجاريــة بــزوارق بحريــة مفخخــة وصواريــخ موجهــة‪ ،‬وقــد‬ ‫أحبطــت قــوات التحالــف العربــي محــاوالت اســتهداف ســفن جتاريــة‬ ‫وتعاملــت مــع احلوثــيني املعتديــن طــوال تلــك الفتــرة التــي لــم تخلــو مــن‬ ‫تصريحــات قــادة امليليشــيات احلوثيــة بالتهديــد والوعيــد لألهــداف‬ ‫البحريــة بأنهــا لــن تكــون يف مأمــن مــن نيرانهــا‪.‬‬ ‫فــوق كل تلــك اخملاطــر لــم تســلم املنطقــة مــن التنافــس بني القــوى‬ ‫الكبــرى يف الســيطرة والهيمنــة عليهــا لتحقيــق أكبــر قــدر مــن املكاســب‬ ‫واملصالــح وفــرض صيــغ أمنيــة جديــدة حتقــق مصاحلهــا وال تتناســب‬ ‫مــع مصالــح وثقــل الــدول العربيــة صاحبــة اجملال احليــوي واملعنيــة‬ ‫بأمــن املنطقــة وسالمتهــا‪ ،‬ولــم تتــرك إســرائيل فرصتهــا يف اســتغالل‬ ‫تلــك األحــداث يف زيــادة دعاويهــا لتدويــل (بــاب املنــدب) واجلــزر العربيــة‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪119‬‬

‫ملف العدد‬

‫لنأخ ــذ م ــا ي ــردده اإلس ــرائيليون محم ــل الج ــد ف ــكل م ــا ي ــدور يش ــير‬ ‫لحلمه ــم التوس ــعي ويج ــب تقدي ــر الموق ــف قب ــل أن يداهمن ــا الوق ــت‬ ‫الواليــات املتحــدة األمريكيــة التــي حتصــل علــى ‪ %25‬مــن احتياجاتهــا‬ ‫مــن خاللــه‪.‬‬ ‫ويزيــد مــن أهميــة هــذا البحــر امــتالك دول القــرن اإلفريقــي الواقــع‬ ‫معظمهــا عليــه العديــد مــن املعــادن الهامــة الالزمــة للصناعــات الثقيلــة‬ ‫والصناعــات النوويــة مثــل الكوبلــت واليورانيــوم بــخالف الذهــب‬ ‫واملعــادن النفيســة‪ .‬بــل أن قاعــه يكتنــز ثــروات معدنيــة كبيــرة وثــروات‬ ‫بحريــة عديــدة تقــع يف نطــاق املناطــق االقتصاديــة اخلالصــة للــدول‬ ‫املطلــة عليــه ومــن حقهــا الســيادة الكاملــة علــى تلــك املــوارد وإمتالكهــا‪.‬‬ ‫ويتميــز البحــر األحمــر مبواصفــات جغرافيــة‪ ،‬إذ يبلــغ الطــول اإلجمالــي‬ ‫لســواحله مبــا فيهــا خليجــي الســويس والعقبــة حوالــي ( ‪ 4900‬كــم)‬ ‫ويصــل طولــه مــن الســويس حتــى بــاب املنــدب إلــى (‪1900‬كــم)‪،‬‬ ‫وأقصــى اتســاع لــه حوالــي (‪204‬كم)عنــد مصــوع علــى الســاحل اإلرتــري‬ ‫اإلفريقــي وجيــزان علــى الســاحل الشــرقي الســعودي اآلســيوي وأقــل‬ ‫اتســاع (‪66‬كــم) عندعصــب علــى الســاحل الغربــي اآلســيوي ويتحكــم‬ ‫يف مدخلــه اجلنوبــي بــاب املنــدب الــذي ال يزيــد عرضــه عــن (‪20‬كــم)‬ ‫تقســمه جزيــرة (بــرمي) إلــى شــطرين أحدهمــا بالــغ الضيــق وهــو املمــر‬ ‫الشــرقي بعــرض أقــل مــن واحــد كيلــو متــر واآلخــر يف الغــرب بعــرض‬ ‫(‪ 19‬كــم) تنتشــر فيهــا اجلــزر والشــعاب املرجانيــة التــي تزيــد مــن‬ ‫صعوبــة املالحــة‪.‬‬ ‫أمــا يف الشــمال فيتحكــم مضيــق تيــران يف مدخــل خليــج العقبــة‬ ‫ومضيــق جوبــال يف مدخــل خليــج الســويس املنتهــى بقنــاة الســويس‬ ‫املصريــة وتتقاســم الــدول املطلــة عليــه األطــوال الشــاطئية فيبلــغ طــول‬ ‫الشــاطئ الســعودي ‪1890‬كــم بنســبة ‪ ،%33.9‬ومصــر ‪ 1425‬كــم بنســبة‬ ‫‪ ،%25.5‬وإرتيريــا ‪1012‬كــم بنســبة ‪ ،%18.2‬والســودان ‪717‬كــم بنســبة‬ ‫‪ ،%12.8‬واليمــن ‪414‬كــم بنســبة ‪ ،%8.1‬وجيبوتــي ‪40‬كــم بنســبة ‪،%7‬‬ ‫وإســرائيل ‪11‬كــم بنســبة ‪ ،%0.2‬واألردن ‪17‬كــم بنســبة ‪.%0.23‬‬ ‫وللبحــر األحمــر أهميتــه اجليواســتراتيجية واجليوبولوتيكيــة علــى مــر‬ ‫العصــور‪ ،‬ولقــد شــهدت هــاتني األهميــتني تغييــرات متعــددة مــع تعاقــب‬ ‫اإلمبراطوريــات واحلضــارات بــد ً​ًءا باملصــريني القدمــاء مــرو ً​ًرا باإلغرايــق‬ ‫والرومــان واألحبــاش إلــى أن تأكــدت عروبتــه بعــد ظهــور اإلسالم يف‬ ‫القــرن الســادس املــيالدي وإرتبطــت أهميتــه اجليواســتراتيجية بأمــن‬ ‫وسالمــة الــبالد اإلسالميــة التــي متــددت شــر ً​ًقا وغر�بـًا وشــمااًلا وجنو�بـًا‬ ‫وكان فتــح جزيــرة دهلــك ومينــاء مصــوع يف عهــد اخلليفــة «عمــر‬

‫بــن اخلطــاب» تأكيــًدًا لتلــك األهميــة اجليواســتراتيجية واملســؤولية‬ ‫اإلقليميــة يف احلفــاظ علــى أمــن هــذا املمــر الهــام‪.‬‬ ‫وباكتشــاف طريــق رأس الرجــاء الصالــح تقلصــت تلــك األهميــة عامل�يـًا‬ ‫مؤقًتًا‪-‬ولكنهــا لــم تتأثــر إقليم ً​ًيــا لكونــه أصبــح بحيــرة إسالميــة‬‫وعربيــة‪ ،‬واســتطاعت مصــر أن تفــرض ســيادتها علــى الســاحل‬ ‫اإلفريقــي حتــى بربــرة جنو ً​ًبــا وضمــت إليهــا الســودان وإريتريــا عــام‬ ‫‪1865‬م‪ ،‬لتــأمني االجتــاه اجلنوبــي يف وجــه بريطانيــا التــي احتلــت‬ ‫جزيــرة ســوقطرة عــام ‪1835‬م‪ ،‬وعــدن عــام ‪1839‬م‪ ،‬وجزيــرة بــرمي عــام‬ ‫‪1847‬م‪.‬‬ ‫وبحفــر قنــاة الســويس عــام ‪1859‬م‪ ،‬واتصــال البحــر األحمــر بالبحــر‬ ‫املتوســط ومنــه إلــى محيطــات العالــم‪ ،‬زادت األهميــة االســتراتيجية‬ ‫للبحــر األحمــر واتســعت قيمتــه اجليواســتراتيجية واجليوبولوتيكيــة‬ ‫إقليم ً​ًيــا وعامل ً​ًيــا وأصبــح ال غنــى عنــه كممــر مالحــي لألســاطيل‬ ‫التجاريــة والعســكرية بني قــارات العالــم اخملتلفــة مــن شــرقها إلــى‬ ‫غربهــا ومــن شــمالها إلــى جنوبهــا وبالعكــس وخاصــة بعــد تدفــق‬ ‫البتــرول والغــاز يف منطقــة اخلليــج العربــي‪.‬‬ ‫ومــن احلــرب العامليــة األولــى والثانيــة إلــى حــرب الســويس عــام ‪1956‬م‪،‬‬ ‫إلــى حــرب أكتوبــر عــام ‪1973‬م‪ ،‬بني العــرب وإســرائيل إلــى حــرب‬ ‫اخلليــج األولــى ‪1980‬م‪ ،‬والثانيــة ‪1990‬م‪ ،‬ثــم انفــراد الواليــات املتحــدة‬ ‫األمريكيــة بقمــة القــوة العامليــة بعــد ســقوط االحتــاد الســوفيتي عــام‬ ‫‪1991‬م‪ ،‬وظهــور املنافســة احملمومــة بينهــا وبني الــصني املنطلقــة‬ ‫اقتصاد�يـًا لتتبــوأ مكانتهــا العامليــة بني األمم وعــودة روســيا االحتاديــة‬ ‫وريثــة االحتــاد الســوفيتي الســتعادة مــا فقــد‪ ،‬وتكالــب قــوى أخــرى‬ ‫عامليــة وإقليميــة للبحــث عــن دور جيوبولوتيكــي يف منطقــة الشــرق‬ ‫األوســط والنفــوذ إلــى مناطــق الثــروة‪.‬‬ ‫واعتبــا ً​ًرا مــن نهايــة العــام ‪2014‬م‪ ،‬وســيطرة جماعــة أنصــار اهلل احلوثية‬ ‫علــى العاصمــة اليمنيــة صنعــاء‪ ،‬لــم تــر تلــك املنطقــة مــن جنــوب البحر‬ ‫األحمــر وبــاب املنــدب وخليــج عــدن هــدو ً​ًءا وال سال ً​ًمــا ســواء مــن‬ ‫العمليــات اإلرهابيــة أو القرصنــة أو القصفــات الصاروخيــة واملدفعيــة‬ ‫والطاــئرات املــسيرة‪،‬‬ ‫وقــد شــنت ميلشــيات احلوثــي العديــد مــن الهجمــات والقصــف‬ ‫العشــوائي باألســلحة الثقيلــة واملتوســطة علــى بعــض املــدن الواقعــة‬


‫‪118‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫أمن البحر األحمر بين المسؤولية اإلقليمية والجيوبولتيك العالمية‬

‫مخطط ليكون البحر األحمر بحيرة أمريكية ‪/‬‬ ‫أوروبية وتحويل المالحة لرأس الرجاء الصالح‬ ‫ملا كان األمــن مبدلولــه املطلــق هــو مطلــب أساســي ألي كائــن حــي‪ ،‬فــإن الــدول ومــا تضمــه مــن شــعوب هــي األولــى قبــل غيرهــا‬ ‫بتحقيــق هــذا املدلــول لكــي تضمــن العيــش واألمــن والنمــو‪ ،‬ويقصــد بالعيــش احملافظــة علــى أســباب الوجــود‪ ،‬وعناصرهــا يف كل‬ ‫دولــة ثالثــة عناصــر هــي األرض‪ ،‬والشــعب‪ ،‬والســلطة‪ .‬لــو نقصــت إحداهــا مــا كانــت هنــاك دولــة‪ ،‬ومــا كان هنــاك حاجــة ألمــن‬ ‫أو منــو لكائــن غيــر مكتمــل الوجــود‪.‬‬ ‫ويف حالــة تواجــد هــذا الكائــن متوافــر العناصــر (الدولــة) فــإن بقاءهــا مرهــون باحملافظــة عليــه وحمايتــه مــن اخملاطــر املتمثلــة‬ ‫يف ثالث أشــكال (تهديــد وإعتــداء وحتــدي) مــن مصادرهــا اخملتلفــة يف الداخــل واخلارج‪ .‬وبتحقيــق األمــن واحلمايــة مــن اخملاطــر‬ ‫تكتمــل حركــة احليــاة بالنمــو واإلزدهــار مــن أجــل توفيــر مســتقبل أفضــل لألجيــال املقبلــة‪.‬‬

‫لواء د‪ .‬نصر سالم‬

‫وملا كان العالــم قــد حتــول إلــى قريــة صغيــرة يف تأثيرهــا وتأثرهــا‬ ‫فــإن األمــن املعاصــر لــم يعــد محــدودًاً بنطاقــات محليــة أو إقليميــة أو‬ ‫عامليــة بــل تعــدى كل احلــدود ليشــمل دول اجلــوار اجلغــرايف املباشــر‬ ‫وميتــد إلــى اإلطــار اإلقليمــي والعاملــي كمــا تأثــرت أســاليب التعامــل‬ ‫املمكنــة واملتاحــة بالعديــد مــن املتغيــرات اخلارجيــة التــي يصعــب‬ ‫جتاهلهــا‪ ،‬وأصبحــت السياســات األمنيــة ألي دولــة أو إقليــم تتصــدى‬ ‫لــكل مصــادر التهديــد والعــدوان والتحــدي مــن جميــع مصادرهــا‪.‬‬ ‫وبتطبيــق هــذا املفهــوم األمنــي علــى أمــن أمتنــا العربيــة وهــو أمنهــا‬ ‫القومــي ولبناتــه املكونــة مــن األمــن الوطنــي لدولــه اخملتلفــة‪ ،‬جنــد أن‬ ‫الوطــن العربــي مــوزع جغرافيــا بني قارتــي آســيا وإفريقيــا‪ ،‬وأنــه يتأثــر‬ ‫مبــا تشــهده كلتــا القــارتني مــن أحــداث بــل مبــا يشــهده العالــم مــن‬ ‫مشــرقه إلــى مغربــه‪ ،‬نظ ـ ً​ًرا لكونــه يربــط بينهمــا ويتحقــق لهمــا مــن‬ ‫خاللــه االتصــال‪ ،‬ولقــد زاد مــن أهميــة هــذا املوقــع الفريــد للوطــن‬ ‫العربــي احتــواؤه علــى ممــرات مائيــة تربــط قــارات العالــم ومحيطاتهــا‬ ‫وبحارهــا لتنســاب فيهــا األســاطيل التجاريــة والعســكرية حاملة أســباب‬

‫احليــاة وفناءهــا يف وقــت واحــد لشــعوب العالــم كافــة‪.‬‬ ‫وميثــل البحــر األحمــر املثــال األهــم واألخطــر لــكل تلــك العوامــل‬ ‫نظــ ً​ًرا لوقوعــه يف منتصــف الــدول العربيــة واإلسالميــة واحتفاظــه‬ ‫بأهميــة جيوســتراتيجية لتلــك الــدول الواقعــة علــى شــواطئه وأهميــة‬ ‫جيوبولتيكيــة للــدول األخــرى التــي ترتبــط مصاحلهــا بــه وتعتبــره جـز ً​ًءا‬ ‫مــن مجالهــا احليــوي الــذي حتــرص علــى احلفــاظ علــى أمنــه‪ .‬وال‬ ‫تقبــل التفريــط فيــه‪ ،‬وقــد زادت هــذه األهميــة باكتشــاف النفــط والغــاز‬ ‫يف منطقــة اخلليــج العربــي وحاجــة معظــم دول العالــم لهــا مــن جهــة‬ ‫وتهافــت القــوى الكبــرى للســيطرة علــى تلــك املنطقــة عســكر ً​ًيا وأمن�يـًا‬ ‫يف مواجهــة بعضهــا البعــض‪.‬‬ ‫ويســتمد البحــر األحمــر أهميتــه مــن كونــه املمــر الــذي يختصــر‬ ‫املســافات والوقــت والتكلفــة املاليــة‪ ،‬ومــن خاللــه ميــر نفــط اخلليــج‬ ‫العربــي وغــازه مــن الــدول العربيــة وإيــران إلــى أوروبــا التــي حتصــل‬ ‫ً‬ ‫وأيًضــا‬ ‫علــى ‪ %60‬مــن احتياجاتهــا مــن مصــادر الطاقــة مــن خاللــه‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪117‬‬

‫ملف العدد‬

‫مــا يجــري اليــوم نتــاج طبيعــي لعــدم تحــرك العواصــم الغربيــة لــردع‬ ‫إي ــران وسياس ــاتها يف المنطق ــة وتمس ــكها بتحري ــك ورق ــة الحوثيي ــن‬ ‫مــا زال يف مقدمــة احللــول واخليــارات املمكــن اعتمادهــا بني الــدول‬ ‫املعنيــة‪.‬‬

‫العكــس‪ ،‬املزيــد مــن التأجيــج وتزايــد يف ســيناريوهات خــروج األوضــاع‬ ‫ــعن الــسيطرة‪.‬‬

‫‪- 5‬إثيوبيا و” أرض الصومال “‪ :‬من املستفيد من التصعيد؟‬ ‫أقدمــت إثيوبيــا علــى توقيــع مذكــرة تفاهــم مــع إقليــم « أرض الصومــال‬ ‫« الــذي أعلــن اســتقالله عــن الصومــال مــن طــرف واحــد ســنة ‪1991‬م‪،‬‬ ‫ومبوجــب هــذه املذكــرة مينــح اإلقليــم بصــورة غيــر شــرعية إثيوبيــا‬ ‫حــق اســتخدام مينــاء بربــرة املطــل علــى البحــر األحمــر ملــدة ‪ 50‬عامـً​ًا‬ ‫مقابــل حصولــه علــى حصــة يف شــركة اخلطــوط اجلويــة اإلثيوبيــة‪،‬‬ ‫واعتــراف أديــس أبابــا بــأرض الصومــال كدولــة مســتقلة‪ .‬شــكل التحــرك‬ ‫الثنائــي هــذا مــادة إضافيــة لعــدم االســتقرار يف حــوض البحــر األحمــر‬ ‫وإفريقيــا‪ ،‬ودخــول أكثــر مــن العــب علــى اخلــط مســتفيدا مــن املشــهد‪،‬‬ ‫باجتــاه تقــدمي حســاباته ومصاحلــه هنــاك مــن خالل تــأمني العقــود‬ ‫االقتصاديــة البعيــدة املــدى والقواعــد العســكرية التــي توفــر لــه البقــاء‬ ‫يف هــذه املنطقــة‪ .‬هــذا إلــى جانــب تداعيــات االتفاقيــة بني إثيوبيــا و «‬ ‫أرض الصومــال « التــي مبوجبهــا يتــم تأجيــر مينــاء بربــرة ومســاحة ‪20‬‬ ‫كيلــو متـ ً​ًرا مــن أراضــي الصومــال دون موافقتهــا إلثيوبيــا علــى اســتقرار‬ ‫وأمــن البحــر األحمــر وإفريقيــا‪.‬‬

‫أيــن وكيــف ســتنتهي املواجهــة وإلــى متــى ســتطول؟ ومــا هــي ارتداداتهــا‬ ‫علــى التوازنــات احلساســة؟ وهــل هــي عمليــة « تأديبيــة « محــدودة أم‬ ‫فرصــة لتغييــر الكثيــر مــن املعــادالت القائمــة يف البحــر األحمــر؟‬ ‫هنــاك ً‬ ‫أوًال الرســائل السياســية واألمنيــة املتبادلــة والتــي ال تتوقــف بني‬ ‫دول احلــوض فيمــا بينهــا مــن جهــة‪ ،‬وبني الالعــبني الكبــار أصحــاب‬ ‫املصاــلح االــستراتيجية املؤثرــين يف املــلف‬

‫جتاهــل أديــس أبابــا لــكل املواقــف والبيانــات والتصريحــات الصــادرة‬ ‫عــن األمم املتحــدة وجامعــة الــدول العربيــة ومنظمــة التعــاون اإلسالمــي‬ ‫واالحتــاد األوروبــي وتكتــل اإليجــاد ال يعطيهــا حــق توقيــع اتفاقيــات مــن‬ ‫هــذا النــوع وســيقود إلــى تعقيــدات أوســع يف ملــف األزمــات الداخليــة‬ ‫يف الصومــال وســيكون لــه ارتداداتــه علــى التوازنــات احلساســة يف‬ ‫القــارة الســمراء وســيتحول إلــى عامــل إضــايف لتعقيــد املشــهد القائــم‬ ‫يف البحــر األحمــر‪ .‬لكنهــا ورمبــا هــو األهــم هنــا خطــوة تذهــب باجتــاه‬ ‫الــرد علــى تفاهمــات التفكيــك والفصــل والدمــج ومحــاوالت التالعــب‬ ‫ببنيــة الصومــال‪.‬‬ ‫‪- 6‬فرص وطرق إعادة االستقرار إلى حوض البحر األحمر‬ ‫تتشــبث مجموعــات احلوثــي بنهجهــا التصعيــدي املعــروف مســتغلة‬ ‫الوســائل والفــرص‪ ،‬والتخبــط الغربــي يف السياســات واملواقــف‪ .‬مــا‬ ‫يوصــف مبواجهــة عســكرية غربيــة مــع احلوثــي يف البحــر األحمــر‬ ‫إلعــادة الهــدوء وتــأمني حركــة املالحــة الدوليــة عبــر « حــارس االزدهــار‬ ‫خصوًصــا يف الشــق املتعلــق‬ ‫«‪ ،‬لــم يعــط أمريــكا حتديــًدًا مــا تريــده‬ ‫ً‬ ‫بحمايــة الســفن اإلســرائيلية وتســهيل حركــة انتقالهــا‪ .‬مــا يحصــل هــو‬

‫من جهة أخرى‪.‬‬ ‫هنــاك ثان ً​ًيــا حقيقــة أن اإلدارة األمريكيــة تتحمــل اجلــزء الكبيــر مــن‬ ‫وصــول األمــور إلــى هــذه الدرجــة مــن التعقيــد والتداخــل نتيجــة سياســة‬ ‫غــير مــستقرة أو متماــسكة ودائــمة التخــبط يف ــهذا املــلف‪.‬‬ ‫وهنــاك ثال�ثـًا احتمــال أن يقــود ذلــك إذا مــا اســتمر علــى مــا هــو عليــه‬ ‫العديــد مــن الــدول املتشــاطئة يف البحــر األحمــر والقــوى الفاعلــة يف‬ ‫املنطقــة والتــي لهــا مصالــح اســتراتيجية هنــاك‪ ،‬ملراجعــة الكثيــر مــن‬ ‫مواقفهــا وسياســاتها والتحالفــات التــي بنتهــا حــول هــذا املمــر البحــري‬ ‫احليــوي يف العقــود األخيــرة‪.‬‬ ‫هــل ســتقود املتغيــرات املتالحقــة لبنــاء منظومــات جديــدة مــن‬ ‫العالقــات العســكرية والسياســية والتجاريــة؟ أم أن التهدئــة يف قطــاع‬ ‫غــزة ســتعيد اجلميــع إلــى لعبــة الوقــت وهــو الــذي قــد يســهل رســم‬ ‫معالــم طبيعــة املشــهد السياســي واألمنــي والتجــاري اجلديــد يف هــذه‬ ‫البقعــة اجلغرافيــة البالغــة األهميــة‪.‬‬ ‫التحــرك الغربــي ‪ /‬الروســي‪ /‬الصينــي مهــم هنــا باجتــاه املســاهمة‬ ‫يف وضــع حــد لســلوك وتصرفــات احلوثــي‪ .‬لكــن األمــر يتطلــب نفــس‬ ‫اــلدور والثــقل باجتـجاه وــقف احلـحرب يف ــغزة وإزاــلة أــسباب الــصراع‬

‫* أستاذ القانون والعالقات الدولية ــ العميد املؤسس لكلية القانون يف جامعة‬ ‫غازي عنتاب الرتكية‬


‫‪116‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫أوجــز وزيــر الدفــاع التركــي يشــار غــوالر نظــرة أنقــرة حــول مــا يجــري‬ ‫يف البحــر األحمــر وسياســاتها ومواقفهــا هنــاك‪ ،‬ال ســيما بعــد تصاعــد‬ ‫التوتــر بني جماعــة احلوثــي املدعومــة إيران ً​ًيــا والواليــات املتحــدة‬ ‫األمريكيــة بقولــه‪« ،‬منــر مبرحلــة حرجــة حيــث حتولــت التوتــرات إلــى‬ ‫نزاعــات وحتــى حــروب‪ ،‬وبلغــت االختبــارات الدوليــة ذروتهــا‪ ،‬ويتــم إعــادة‬ ‫حتديــد التوازنــات «‪ .‬مؤك ـًدًا أن تركيــا « تؤمــن بأنــه ميكــن حــل جميــع‬ ‫املشــاكل مــن خالل االلتــزام مببــادئ القانــون الدولــي األساســية‪ ،‬وبنــاء‬ ‫عالقــات أخويــة ووديــة قائمــة علــى االحتــرام والتفاهــم املتبــادل بني‬ ‫جميــع األطــراف املعنيــة «‪.‬‬ ‫تنامــى الوجــود والــدور التركــي يف إفريقيــا والبحــر األحمــر مــع وصــول‬ ‫حــزب العدالــة والتنميــة إلــى الســلطة‪ .‬كمــا فتحــت اســتراتيجية أنقــرة‬ ‫بهــذا االجتــاه األبــواب التجاريــة واالســتثمارية أمامهــا بحيــث جنحــت‬ ‫تركيــا يف تســجيل اختراقــات واســعة يف منظومــة عالقاتهــا مــع العديــد‬ ‫مــن دول إفريقيــا التــي تواجــه مشــاكل وأزمــات فيمــا بينهــا مثــل‬ ‫الصومــال وجيبوتــي وإثيوبيــا والســودان‪ .‬ســاهم التحــول يف سياســات‬ ‫أنقــرة اإلقليميــة يف إعــادة متوضــع واســع يف منظومــة تقاطــع عالقاتهــا‬ ‫مــع الــدول املطلــة علــى البحــر األحمــر والقــارة اإلفريقيــة‪ .‬تصريحــات‬ ‫الرئيــس التركــي رجــب طيــب أردوغــان األخيــرة حــول تطــورات الوضــع‬ ‫يف البحــر األحمــر وإعالنــه أن بعــض العواصــم الغربيــة تريــد حتويــل‬ ‫املنطقــة هنــاك إلــى بحيــرة مــن الدمــاء‪ ،‬يعكــس حجــم هــذا التحــول‬ ‫والتقــارب التركــي ‪ /‬املصــري‪ /‬الســعودي ‪ /‬اإلماراتــي احلاصــل يف‬ ‫العــامني األخيريــن‪ .‬إلــى جانــب ذلــك تشــكل خطــط ومشــاريع خطــوط‬ ‫التجــارة العامليــة التــي تناقــش يف هــذه اآلونــة واملرتبطــة بخليــج عــدن‬ ‫وبــاب املنــدب وقنــاة الســويس فرصــة تقــارب وتنســيق تركــي مــع الــدول‬ ‫الــثالث يف إطــار املمــرات التجاريــة اإلقليميــة املطروحــة اليــوم ســواء‬ ‫يف اجلانــب العراقــي‪ ،‬أو الصينــي‪ ،‬أو الهنــدي‪ .‬بني أســباب التصعيــد‬ ‫اإليرانــي يف البحــر األحمــر قلــق طهــران مــن تهميــش دورهــا يف هــذه‬ ‫امللفــات بعــد جنــاح تركيــا يف حتــسني وتطبيــع عالقاتهــا مــع الــدول‬ ‫املطلــة علــى احلــوض والبوابــات املائيــة االســتراتيجية هنــاك‪ .‬حقيقــة‬ ‫أخــرى ال ميكــن إغفالهــا وهــي وجــود مصالــح تركيــة كبيــرة يف منطقــة‬ ‫القــرن اإلفريقــي‪ ،‬لذلــك وضعــت أنقــرة دائ ً​ًمــا نصــب عينيهــا مســألة‬ ‫التنســيق املتــوازن بني دول القــرن اإلفريقــي‪ ،‬ودول منطقــة البحــر‬ ‫األحمــر وفتــح الطريــق أمــام املنتجــات التركيــة للوصــول إلــى هــذه‬ ‫املناطــق مبواكبــة توســيع رقعــة االســتثمار االســتراتيجي ودعــم بلــدان‬ ‫القــرن اإلفريقــي يف حتــسني بنيتهــا التحتيــة‪ ،‬مــن أجــل رفــع مســتوى‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫التبــادل التجــاري واخلدماتــي بني اجلانــبني‪.‬‬

‫الموقع والدور السعودي والمصري‬

‫يعتبــر أمــن البحــر األحمــر ركيــزة أساســية مــن ركائــز السياســة‬ ‫الســعودية واملصريــة‪ .‬ليــس فقــط الرتباطــه بأمنهمــا القومــي‪ ،‬بــل‬ ‫مــن منطلــق حمايــة األمــن العربــي واخلليجــي واإلقليمــي هنــاك‪.‬‬ ‫مــن هنــا تواصــل الــدول العربيــة الفاعلــة املعنيــة بأمــن املالحــة يف‬ ‫البحــر األحمــر وحتدي ـًدًا اململكــة العربيــة الســعودية ومصــر التنســيق‬ ‫املشــترك ودعــم خطــط التعــاون اإلقليمــي جتن�بـًا للتــورط يف مواجهــات‬ ‫أو تصعيــد يتعــارض مــع مصاحلهــا‪.‬‬ ‫جتربــة امللــف اليمنــي‪ ،‬والتذبــذب يف سياســات واشــنطن املعتمــدة‬ ‫يف البحــر األحمــر واخلليــج والقــارة اإلفريقيــة‪ ،‬وجتاهــل حتذيــرات‬ ‫ودعــوات الريــاض والقاهــرة حــول مــا يجــري هنــاك‪ ،‬هــو مــا دفــع العديد‬ ‫مــن الــدول العربيــة واإلسالميــة لتجنــب الدخــول يف أي مغامــرة إقليمية‬ ‫تريدهــا أمريــكا يف إطــار حســاباتها ومصاحلهــا وحدهــا‪ .‬مــا ســاهم‬ ‫يف مواصلــة الريــاض والقاهــرة لسياســاتهما الراهنــة هــو التخبــط‬ ‫األمريكــي والغربــي يف طريقــة التعامــل مــع جماعــة احلوثــي‪ ،‬وتطــورات‬ ‫املشــهد يف قطــاع غــزة مــع جتاهــل أفعــال نتنياهــو ورفضــه القبــول‬ ‫بحــل الدولــتني يف الصــراع الفلســطيني اإلســرائيلي‪ .‬تســعى الســعودية‬ ‫منــذ منتصــف اخلمســينيات ويف إطــار ميثــا َ​َق جــدة‪ ،‬إلقامــة نظــام‬ ‫أمــن مشــترك يف البحــر األحمــر‪ ،‬وهــذا مــا حاولــت تثبيتــه وترســيخه‬ ‫يف قمــم واتفاقيــات عــام ‪ 1972‬وعــام ‪1982‬م‪ ،‬بني العديــد مــن العواصــم‬ ‫العربيــة املعنيــة‪ .‬وانطال ً​ًقــا مــن ذلــك حمــل البيــان اخلتامــي الجتمــاع‬ ‫الريــاض بني دول البحــر األحمــر وخليــج عــدن‪ ،‬يف ديســمبر ‪2019‬م‪،‬‬ ‫كيــاٍن لــدول البحــر‬ ‫بنــود التأكيــد علــى املبــادرة الســعودية بتأســيس ٍ‬ ‫األحمــر وخليــج عــدن العربيــة واإلفريقيــة‪َ ،‬يَضــّمّ الســعودية ومصــر‬ ‫واألردن والســودان واليمــن والصومــال وغيرهــا مــن الــدول الراغبــة يف‬ ‫تعزيــز التعــاون االقتصــادي واألمنــي والسياســي‪ ،‬وحتقيــق املصالــح‬ ‫ـيٍق ســعودي‪ /‬مصري الســتراتيجية متعددة‬ ‫املشــتركة هناك‪ .‬وســط تنسـ ٍ‬ ‫اجلوانــب خاصــة بعــد ترســيم احلــدود البحريــة ودخــول البلديــن إلــى‬ ‫مجــاالت أوســع مــن التعــاون‪.‬‬ ‫العــودة لطــرح وإحيــاء خطــط ومشــاريع التعــاون التــي تبنتهــا الريــاض‬ ‫والقاهــرة يف مطلــع الســبعينيات ودعــت دول احلــوض األحمــر لتبنيهــا‬ ‫واعتمادهــا مــع األخــذ بــعني االعتبــار التحــوالت واملتغيــرات القائمــة‬

‫العواصـــم الغربيـــة تتحمـــل جـــزًءً ا مـــن مســـؤولية مـــا يجـــري‬ ‫يف البحـــر األحمـــر لتجاهلهـــا حـــل النزاعـــات يف الحـــوض ومـــا حولـــه‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪115‬‬

‫ملف العدد‬

‫نقاشـــات فـــرص نـــزع فتيـــل االنفجـــار مـــا زالـــت بعيـــدة‬ ‫حتـــى اآلن وســـيناريوهات األخطـــار المحدقـــة تتقـــدم وتســـود‬ ‫األفــق‬ ‫حاولــت دول حــوض البحــر األحمــر بالتنســيق مــع الالعــبني املؤثريــن‬ ‫والفاعــلني أكثــر مــن مــرة وضــع أطــر تعــاون مشــترك بهــدف صــون‬ ‫األمــن يف هــذا اجملــرى املالحــي االســتراتيجي‪ ،‬إال أن طموحــات‬ ‫البعــض الضيقــة عرقلــت باســتمرار الوصــول إلــى هــدف بنــاء وترســيخ‬ ‫الســلم والتعــاون يف ملفــات االقتصــاد واألمــن والتنســيق السياســي بني‬ ‫األطــراف هنــاك‪ .‬مبــادرة الــدول املتشــاطئة يف البحــر األحمــر وخليــج‬ ‫عــدن يف عــام ‪2020‬م‪ ،‬عرقلتهــا مـ ً‬ ‫ـثًال حســابات البعــض ويف مقدمتهــم‬ ‫إــيران يومــها‪.‬‬ ‫مــا هــي الفــرص القائمــة اليــوم باجتــاه احللحلــة واالنفــراج مــع‬ ‫الالعــب الصينــي واألمريكــي واإليرانــي والتركــي واحتمــال التنســيق مــع‬ ‫الــدول املؤثــرة يف بنــاء اســتراتيجيات احلــوض مثــل الســعودية ومصــر‬ ‫والســودان؟ وهــل « حــارس االزدهــار « األمريكــي قــادر علــى إعطــاء‬ ‫الــدول املتشــاطئة هنــاك مــا تريــد؟ وكيــف ســيتم التعامــل مــع مــا تقولــه‬ ‫ً‬ ‫مــثًال مــن خالل محــاوالت تســجيل اختراقــات غيــر‬ ‫وتفعلــه إثيوبيــا‬ ‫شــرعية بالتعــاون مــع « أرض الصومــال «؟‬ ‫واشــنطن هــي التــي جتاهلــت مــا جــرى يف صنعــاء عــام ‪2014‬م‪ ،‬مــن قبــل‬ ‫احلوثــيني‪ ،‬والرئيــس جــو بايــدن هــو الــذي أشــرف علــى عمليــة ســحب‬ ‫اســم احلوثــي مــن قائمــة اجلماعــات اإلرهابيــة‪ .‬هــدف واشــنطن‬ ‫هــو محاولــة اإلمســاك بخيــوط اللعبــة يف البحــر األحمــر للتفــاوض‬ ‫ومقايضــة طهــران عنــد اللــزوم متامــا كمــا فعلــت يف العــراق وكمــا تريــد‬ ‫أن تفعــل اليــوم يف ســوريا‪.‬‬ ‫يســتحق مــا يقولــه املستشــار الســابق لألمــن القومــي األمريكــي جــون‬ ‫بولتــون حــول « أن مخــاوف الرئيــس بايــدن معّقّــدة للغايــة لدرجــة‬ ‫اســتحالة إيجــاد التــوازن الصحيــح بشــأنها « التوقــف عنــده‪ .‬فبولتــون‬ ‫يــرى « أن هــذه اخملاوف مشــروعة لكــن ليــس لألســباب التــي قّدّ متهــا‬ ‫مصــادر مجهولــة يف اإلدارة‪ .‬املشــكلة تأتــي مــن بايــدن نفســه‪ ،‬لديــه‬ ‫الكثيــر مــن األهــداف االســتراتيجية اخلاطئــة واملربكــة واملتناقضــة‬ ‫التــي تتصــادم وتعيــق بعضهــا بعض ـًاً «‪.‬‬

‫االالعب الصيني‬

‫وضعــت الــصني يف األعــوام األخيــرة مصاحلهــا التجاريــة مــع إيــران‬ ‫علــى رأس الئحــة مناقشــة الوضــع املربــك يف البحــر األحمــر‪ .‬حاولــت‬ ‫التوســط بني الريــاض وطهــران لكــن األمــور تختلــف هــذه املــرة ألن‬

‫مصاحلهــا التجاريــة يف احلــوض هــي املهــددة‪ .‬فمــا الــذي ســتختاره‬ ‫وتقولــه عندمــا تــرى إيــران تتحــرك عســكر ً​ًيا وسياسـ ً​ًيا لدعــم احلوثــي‬ ‫يف عمليــات إشــعال احلــوض وتهديــد سالمــة املالحــة فيــه وكيــف‬ ‫ســتتصرف بــكني حلمايــة ســفنها ومصاحلهــا التجاريــة هنــاك؟ هــل‬ ‫ســتذهب وراء إقنــاع طهــران كــي تتوســط لــدى احلوثــي بعــدم اســتهداف‬ ‫بواخرهــا أم هــي ســتبحث عــن خيــارات سياســية واســتراتيجية أهــم‬ ‫وأكبــر تأخــذ بــعني االعتبــار مصاحلهــا مــع دول اخلليــج ككل؟‬ ‫متيــز املوقــف الصينــي باملقارنــة مــع املوقــف الروســي يف قــراءة ما يدور‬ ‫يف البحــر األحمــر بعــدم التشــدد أو التصعيــد ضــد جماعــة احلوثــي‬ ‫واالكتفــاء بالتعبيــر « عــن القلــق « إزاء تصاعــد التوتــرات ودعــوة جميــع‬ ‫الفرقــاء إلــى ضبــط النفــس‪ ،‬مبديــة بــكني اســتعدادها للتواصــل مــع‬ ‫جميــع األطــراف مــن أجــل التهدئــة‪ .‬لكــن الــصني أعلنــت ً‬ ‫أيًضــا أنهــا لــن‬ ‫تتــردد يف اجملاهــرة بخيبــة أملهــا حيــال طهــران إذا مــا تعرضــت ســفنها‬ ‫ألي هجــوم أو تأثــرت مصاحلهــا التجاريــة يف احلــوض‪.‬‬ ‫بني مــا حتــاول الــصني فعلــه باختصــار هــو احلصــول علــى ضمانــات‬ ‫إيرانيــة بعــدم اعتــراض ســفنها يف البحــر األحمــر لتكــون معاملتهــا‬ ‫متســاوية مــع طريقــة التعامــل مــع اجلانــب الروســي هنــاك‪ ،‬ودعــوة‬ ‫األطــراف املعنيــة لعــدم زيــادة التوتــر يف البحــر األحمــر‪ ،‬إلــى جانــب‬ ‫انتقــاد سياســة أمريــكا التــي تعرقــل صــدور القــرارات الدوليــة لوقــف‬ ‫العــدوان اإلســرائيلي علــى قطــاع غــزة‪.‬‬ ‫ال تريــد بــكني تعريــض حوالــي ‪ % 60‬مــن جتارتهــا مــع أوروبــا التــي‬ ‫تعبــر ميــاه هــذا املمــر باجتــاه مينــاء « بيرايــوس « اليونانــي كمحطــة‬ ‫ترانزيــت اســتراتيجية للخطــر‪ .‬فــبني مــا يقلــق بــكني أكثــر مــن غيــره يف‬ ‫اســتراتيجية التعامــل مــع تطــورات املشــهد يف البحــر األحمــر ارتــدادات‬ ‫مــا يجــري علــى مبــادرة « احلــزام والطريــق « التــي مت مبوجبهــا إطالق‬ ‫مشــاريع صينيــة ضخمــة يف املنطقــة‪ ،‬واحتمــال تراجــع ثقلهــا التجــاري‬ ‫لصالــح املشــاريع املنافســة اجلديــدة مــن قبــل الهنــد والعــراق وأمريــكا‪،‬‬ ‫خصوًصــا يف الشــق املتعلــق ببــاب املنــدب الــذي يعــد قنــاة مهمــة‬ ‫ً‬ ‫لصــادرات الــصني ووارداتهــا إلــى إفريقيــا وأوروبــا‪.‬‬

‫الالعب التركي‬

‫مــا هــو الــدور الــذي ميكــن أن تضطلــع بــه تركيــا يف تثبيــت األمــن‬ ‫خصوًصــا مــع تزايــد وجودهــا ونفوذهــا يف القــرن‬ ‫يف البحــر األحمــر‬ ‫ً‬ ‫اإلفريقــي؟‬


‫‪114‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫بايـــدن ســـحب الحوثـــي مـــن قائمـــة اإلرهـــاب وهـــدف واشـــنطن‬ ‫اإلمســاك بخيــوط اللعبــة يف البحــر األحمــر للتفــاوض ومقايضــة طهــران‬ ‫وتريــد بهــذا اخلصــوص؟‬ ‫‪- 3‬هل ينقذ “ حارس االزدهار “ املوقف؟‬ ‫أعلنــت القيــادات األمريكيــة أكثــر مــن مــرة أنهــا ال تدعــم فكــرة توســيع‬ ‫احلــرب يف قطــاع غــزة ونقلهــا إلــى جبهــات أخــرى يف املنطقــة‪ .‬لكنهــا‬ ‫لــم تتــردد يف تشــكيل حتالــف « حــارس االزدهــار « يف مواجهــة جماعــة‬ ‫احلوثــي التــي اســتهدفت حركــة املالحــة يف البحــر األحمــر‪.‬‬ ‫تدعــو واشــنطن احلوثــيني لوقــف الهجمــات ضــد الســفن يف مضيــق‬ ‫بــاب املنــدب بالبحــر األحمــر‪ ،‬وتقــرر التحــرك العســكري ضدهــم‬ ‫هنــاك لكنهــا تتجاهــل مواقفهــا وسياســاتها الســابقة املتناقضــة والتــي‬ ‫ســاهمت يف إيصــال األمــور إلــى مــا هــي عليــه اليــوم‪ .‬مــع مــا تقولــه‬ ‫وتفعلــه اليــوم ‪ .‬ال تكتفــي واشــنطن بتكويــن حلــف « حــارس االزدهــار «‬ ‫الــذي أعلنتــه يف ‪ 19‬ديســمبر املنصــرم‪ ،‬لكنهــا حتــاول تبريــر مــا تفعلــه‬ ‫بغطــاء أممــي وقــرار مجلــس األمــن الدولــي الــذي صاغتــه بالتنســيق‬ ‫مــع بعــض العواصــم الغربيــة حتــت ذريعــة مطالبــة احلوثــيني بإنهــاء‬ ‫هجماتهــم‪ .‬ورطــة أمريــكا التــي ال تريــد التوقــف عندهــا سياســ ً​ًيا‬ ‫وقانون ً​ًيــا نتيجــة التناقضــات يف سياســاتها املعتمــدة حيــال احلوثــي‪،‬‬ ‫هــي عــدم حصولهــا علــى التفويــض األممــي واإلقليمــي الــذي مينحهــا‬ ‫حــق تنفيــذ عملياتهــا العســكرية ضــد احلوثــيني ويتحــدث حصـرًاً عــن‬ ‫صـّدّ الهجمــات وليــس توســيع رقعــة احلــرب‪ ،‬وجتاهــل تبعــات خطــوات‬ ‫بهــذا االجتــاه تســاهم يف عســكرة البحــر األحمــر وزيــادة األزمــة تعقيـدًاً‪.‬‬ ‫هــل هــدف واشــنطن هنــا هــو منــح جماعــة احلوثــي املزيــد مــن‬ ‫احلجــج واألســباب لشــن املزيــد مــن الهجمــات واحلصــول علــى فرصــة‬

‫الــرد لتوتيــر األجــواء يف البحــر األحمــر أكثــر فأكثــر‪ ،‬أم الوصــول إلــى‬ ‫تفاهمــات جديــدة مــع إيــران عبــر الورقــة احلوثيــة كمــا ســبق وفعلــت‬ ‫قبــل أعــوام عندمــا تخلــت عــن توصيفهــا كمجموعــات إرهابيــة تهــدد‬ ‫األمــن واالســتقرار يف حــوض البحــر األحمــر؟ لــم توقــف الهجمــات‬ ‫األمريكيــة احلوثــي ولــم تنــه التصعيــد يف ميــاه البحــر األحمــر فهــل‬ ‫هنــاك أهــداف أخــرى ألمريــكا حتــاول الوصــول إليهــا وحتقيقهــا؟‬ ‫حــددت واشــنطن سياســتها اجلديــدة حيــال التصعيــد احلوثــي يف‬ ‫حــوض البحــر األحمــر باللجــوء إلــى الضربــات اجلويــة إلضعــاف‬ ‫قــدرات احلوثــيني علــى مهاجمــة الســفن‪ ،‬وتكثيــف اجلهــود العتــراض‬ ‫األســلحة اإليرانيــة املرســلة إلــى هــذه اجملموعــات‪ ،‬والعمــل علــى حمايــة‬ ‫نفوذهــا ومصاحلهــا يف هــذه البقعــة اجلغرافيــة االســتراتيجية البالغــة‬ ‫األهميــة‪ .‬مــن أجــل ذلــك ذهبــت وراء تشــكيل مــا ســمي بتحالــف «‬ ‫حــارس االزدهــار «‪ .‬تقــول واشــنطن أن هدفهــا هــو حمايــة حركــة‬ ‫التجــارة يف البحــر األحمــر‪ ،‬فهــل ستســأل نفســها ملاذا لــم تلتحــق الــدول‬ ‫املتشــاطئة بهــذا احللــف؟ مــا تقــوم بــه إدارة بايــدن ســواء عبــر خطــوات‬ ‫فــرض العقوبــات وإعــادة تصنيــف هــذه اجملموعــات كمنظمــة إرهابيــة‪،‬‬ ‫لــم يــردع احلوثــي ولــم يعيــد األمــور يف املمــرات املائيــة هنــاك إلــى مــا‬ ‫كانــت عليــه قبــل أشــهر‪ .‬لذلــك تبــرز مســألة ضــرورة إقنــاع واشــنطن‬ ‫مبراجعــة سياســاتها أو التحــرك العملــي والســريع باجتــاه التنســيق‬ ‫اإلقليمــي والدولــي يف امللــف اليمنــي إلنهــاء هــذا الوضــع املضطــرب‬ ‫بأــسرع ــما يــكون‪.‬‬ ‫‪- 4‬معالــم معــضالت أمنيــة اقتصاديــة دوليــة إقليميــة أوســع تلــوح يف‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫‪-1‬تأثيــر التحديــات األمنيــة يف اجملــرى املالحــي للبحــر األحمــر‬ ‫ومنطــقة الــقرن اإلفريــقي عــلى حرــكة التــجارة العاملــية واإلقليمــية‬ ‫ميثــل حــوض البحــر األحمــر ممـّرًّاً مهمـًاً للتجــارة والتنّقّ ــل‪ ،‬تعاظمــت‬ ‫أهميتــه مــع شــق قنــاة الســويس قبــل أكثــر مــن قــرن ونصــف‪ .‬هنــاك‬ ‫إجمــاع دولــي وإقليمــي علــى موقــع ودور احلــوض مــن النواحــي‬ ‫األمنيــة والسياســية واالقتصاديــة يف تقصيــر املســافات بني الــدول‬ ‫وبنــاء منظومــات تقــارب وانفتــاح عبــر التاريــخ يف منطقــة حيويــة‬ ‫واســتراتيجية بهــذه األهميــة‪ .‬يقــرب حــوض البحــر األحمــر بني ثالث‬ ‫قــارات عبــر أهــم املمــرات البحريــة علــى خــط بــاب املنــدب وقنــاة‬ ‫الســويس‪ ،‬وشــاركت دول إقليميــة وازنــة يف تقاســم مياهــه وســواحله‪.‬‬ ‫تصاعــد التوتــر يف األزمــة اليمنيــة املزمنــة وإصرار طهــران على حتريك‬ ‫أوراق محليــة يف احلــوض كان العامــل األهــم يف توتيــر عالقــات الــدول‬ ‫املتشــاطئة وتأجيــج اخلالفــات ونقلهــا إلــى دائــرة اخلطــر اإلقليمــي‬ ‫كمــا هــو حاصــل اليــوم‪ .‬دون إغفــال طريقــة تعامــل بعــض الالعــبني‬ ‫الدولــيني مــع امللــف وتقــدمي مصالــح جتاريــة وسياســية وأمنيــة ضيقــة‬ ‫حتــى ولــو كان الثمــن هــو تعريــض االســتفادة مــن موقــع ودور احلــوض‬ ‫االســتراتيجي يف لعبــة التوازنــات وبنــاء االســتقرار الدولــي واإلقليمــي‬ ‫للخطــر‪.‬‬ ‫نتحــدث عــن عبــور ماليني براميــل النفــط يوميــًاً‪ ،‬وعــن معبــر‬ ‫اســتراتيجي رئيســي للتجــارة الدوليــة‪ ،‬وســط تقاطعــات تشــكل أهــم‬ ‫الطــرق املائيــة التــي تقــرب بني منطقة الشــرق األوســط وشــرق إفريقيا‪.‬‬ ‫لكننــا نتحــدث ً‬ ‫أيًضــا عــن ضــرورة عــدم جتاهــل مســألة وجــود احلــوض‬ ‫وخليــج عــدن يف قلــب كتلــة جغرافيــة تعنــي مضيــق جبــل طــارق وقنــاة‬ ‫الســويس ومضيــق بــاب املنــدب وخليــج عــدن ومضيــق هرمــز واخلليــج‬ ‫العربــي وبحــر العــرب‪ ،‬وأن مــا يهــدد جزئيــة يف هــذه البقعــة اجلغرافيــة‬ ‫احلساســة يطــال بقيــة األجــزاء شــئنا أم أبينــا‪.‬‬ ‫‪-2‬البحــر األحمــر يف “ اليــوم التالــي “ للتصعيــد احلوثــي والعقــدة‬ ‫اإليرانــية‬ ‫بقــدر مــا هنــاك إجمــاع يف صفــوف اخلبــراء والــدارسني علــى أن مــا‬ ‫يــدور يف قطــاع غــزة تتحمــل تــل أبيــب املســؤولية األكبــر فيــه نتيجــة‬ ‫رفضهــا تطبيــق القــرارات الدوليــة واألمميــة امللزمــة بشــأن حقــوق‬ ‫الشــعب الفلســطيني املشــروعة والعادلــة وأنهــا هــي التــي ســاهمت يف‬ ‫تســهيل اســتغالل الواقــع القائــم مــن قبــل جماعــة احلوثــي هنــاك‬ ‫إجمــاع آخــر علــى أن العديــد مــن العواصــم الغربيــة تتحمــل جـز ً​ًءا مــن‬ ‫مســؤولية مــا يجــري يف البحــر األحمــر اليــوم بســبب جتاهــل دعــم حــل‬ ‫الكثيــر مــن النزاعــات يف احلــوض ومــن حولــه كال القناعــتني تلتقيــان‬ ‫ً‬ ‫أيًضــا عنــد حقيقــة أن مــا يجــري اليــوم هــو نتــاج طبيعــي لعــدم حتــرك‬ ‫هــذه العواصــم الغربيــة بشــكل فاعــل ومؤثــر لــردع إيــران وسياســاتها‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪113‬‬

‫ملف العدد‬

‫يف املنطقــة‪ ،‬ومتســكها بتحريــك ورقــة احلوثــيني لتهديــد الكثيــر ممــا‬ ‫شــيد وبنــي علــى طريــق االنفتــاح والتعــاون والــسالم هنــاك ‪ .‬مــا معنــى‬ ‫أن تعتــرض جماعــة احلوثــي خطــوط املالحــة يف حــوض اســتراتيجي‬ ‫دولــي لهــذا النــوع مــن األخطــار مســتقوية بإيــران وحســاباتها وربــط ذلك‬ ‫مبــا يــدور يف قطــاع غــزة‪ ،‬بينمــا جتــد واشــنطن أن احلــل البديــل هــو‬ ‫تشــكيل حتالــف عســكري حلمايــة املالحــة يف البحــر األحمــر دون أن‬ ‫يكــون لــه أي تأثيــر حقيقــي حتــى اليــوم؟ وملاذا اختــارت اإلدارة األمريكية‬ ‫التحــرك يف هــذه اآلونــة بعدمــا جتاهلــت لســنوات التحذيــرات التــي‬ ‫حتدثــت عنهــا الريــاض والقاهــرة أكثــر مــن مــرة باجتــاه التنبــه خلطــورة‬ ‫مــا تقــوم بــه إيــران وأدواتهــا منــذ ســنوات يف هــذه البقعــة اجلغرافيــة؟‬ ‫خــروج واشــنطن مــن عقــدة املوقــف اإليرانــي يف البحــر األحمــر ومــا‬ ‫تريــده طهــران‪ ،‬ال يقــل أهميــة مــن الرهــان علــى جناحهــا يف دفــع‬ ‫جماعــة احلوثــي للتراجــع عــن خطواتهــا التصعيديــة‪ .‬قناعــة أخــرى‬ ‫تبــرز إلــى العلــن يو ً​ًمــا بعــد يــوم وهــي أن واشــنطن رمــت الكــرة مــرة‬ ‫أخــرى يف امللعــب اإليرانــي لناحيــة التصعيــد والتهدئــة يف املنطقــة‪،‬‬ ‫وهــذا مــا يدفــع العديــد مــن شــركاء واشــنطن للحــذر وعــدم الرهــان‬ ‫علــى مــا تقولــه وتفعلــه اإلدارة األمريكيــة يف البحــر األحمــر‪ .‬هــل تفــرط‬ ‫إيــران مبثــل هــذه الســهولة مبصاحلهــا يف مضيــق بــاب املنــدب عبــر‬ ‫ورقــة احلوثــي التــي متنحهــا البقــاء أمــام طاولــة التفــاوض حــول مــا‬ ‫ُيُقــدر بنحــو ‪ %40‬مــن التجــارة البحريــة الدوليــة‪ ،‬ونحــو ‪ %20‬مــن جتــارة‬ ‫النفــط العامليــة‪ .‬اإلجابــة مرتبطــة مبــدى جديــة واشــنطن واســتعدادها‬ ‫لالنخــراط يف مواجهــة واضحــة مــع إيــران وهــذا مــا يقلــق شــركاء‬ ‫أمريــكا يف املنطقــة ويدفعهــم للحــذر ً‬ ‫أيًضــا‪.‬‬ ‫يريــد احلوثــي وبقــرار إيرانــي فتــح الطريــق أمــام طهــران باجتــاه تعزيــز‬ ‫النفــوذ والتمــدد يف املنطقــة‪ .‬املشــهد يتكــرر اليــوم يف حــوض البحــر‬ ‫األحمــر مــن جديــد مــن خالل التصعيــد يف أحــد أهــم املمــرات املائيــة‬ ‫يف العالــم‪ .‬محاولــة عــرض العــضالت يف البحــر األحمــر‪ ،‬ال عالقــة لــه‬ ‫مــن قريــب أو بعيــد مبســألة نصــرة الشــعب الفلســطيني‪ ،‬إمنــا هــي‬ ‫محاولــة للتأثيــر يف مســألة قبــول شــرعية هــذه اجلماعــات كقــوة فاعلــة‬ ‫يف املعادلــة السياســية اليمنيــة والتفــاوض معهــا إلرضــاء إيــران وتثبيــت‬ ‫نفوذهــا وحصتهــا أمــام الطاولــة‪.‬‬ ‫تطمــح طهــران وأدواتهــا لتهديــد معــادالت األمــن والســلم يف هــذا‬ ‫احلــوض احليــوي وممراتــه‪ ،‬فهــل البديــل هــو حتويــل الســفن باجتــاه‬ ‫رحلــة بحريــة طويلــة متــر عبــر رأس الرجاء الصالــح‪ ،‬يف جنوب إفريقيا‪،‬‬ ‫وإطالــة أمــد الرحلــة ومضاعفــة تكاليفهــا‪ ،‬أو محاولــة تشــكيل قــوة ردع‬ ‫مبتــورة لــم تقــدم أي شــيء حتــى اآلن باســتثناء تعقيــد األمــور أكثــر‬ ‫فأكثــر‪ .‬أم البحــث عــن البديــل السياســي واألمنــي احلقيقــي لدعمــه‬ ‫مــن خالل التنســيق الســريع مــع دول احلــوض واإلصغــاء إلــى مــا تقــول‬


‫‪112‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫البحر األحمر ركيزة للسعودية ومصر لحماية األمن العربي والخليجي واإلقليمي‬

‫هدف واشنطن منح الحوثيين الحجج لشن‬ ‫الهجمات للوصول إىل تفاهمات مع إيران‬ ‫يشــهد حــوض البحــر األحمــر منــذ نهايــة شــهر نوفمبــر املنصــرم تصعيـدًاً مــن قبــل جماعــة احلوثــي وبدعــم مــن إيــران‪ ،‬بهــدف‬ ‫قطــع الطريــق املالحــي علــى الســفن املرتبطــة بإســرائيل أو املتجهــة إليهــا حتــت ذريعــة دعــم قطــاع غــزة يف مواجهــة العــدوان‬ ‫اإلســرائيلي‪ .‬جــاءت ردة الفعــل اإلقليميــة والدوليــة الرافضــة لهــذه اخلطــوة التــي تســببت بأزمــة مالحيــة دوليــة وتتعــارض مــع‬ ‫مبــادئ القانــون الدولــي وقواعــد تســهيل حركــة الســفن التجاريــة عبــر البحــار واملمــرات وامليــاه الدوليــة‪ ،‬ســريعة ومتعــددة‬ ‫خصوًصــا‬ ‫اجلوانــب‪ .‬جــاء املوقــف األمريكــي بالتنســيق مــع بعــض العواصــم مغاي ـ ً​ًرا لسياســة واشــنطن يف حــاالت مشــابهة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وهــي تســارع لتشــكيل وقيــادة قــوة دوليــة متعــددة األطــراف حتــت رايــة « حــارس االزدهــار «‪ ،‬الــذي نفــذ سلســلة ضربــات علــى‬ ‫أهــداف مفترضــة للحوثــيني يف عــدة مــدن مينيــة‪ ،‬لــم تــردع هــذه اجلماعــات ولــم تســاهم يف إعــادة األمــور إلــى مــا كانــت عليــه‬ ‫يف الســابق‪.‬‬

‫أ ‪ .‬د ‪ .‬سمير صاحلة‬

‫أججــت احلــرب يف غــزة جبهــات كانــت هادئــة وأضرمــت النــار يف‬ ‫فتيــل يهــدد بتفجيــر جبهــات جديــدة بينهــا حــوض البحــر األحمــر‪،‬‬ ‫ويتــرك أكثــر مــن العــب محلــي وإقليمــي أمــام حالــة خلــط أوراق‬ ‫قــد تتعــارض مــع العديــد مــن التفاهمــات واالتفاقيــات املعقــودة بني‬ ‫الــدول املتشــاطئة يف احلــوض والقــوى الفاعلــة واملؤثــرة التــي ترتبــط‬ ‫مصاحلهــا األمنيــة واالقتصاديــة بهــذا املمــر االســتراتيجي وامتداداتــه‬ ‫اجليــو ‪-‬سياســية‪ .‬اخلطــورة التــي تســتدعي التنبــه إليهــا والتعامــل‬ ‫معهــا هــي ارتــدادات تصعيــد مــن هــذا النــوع قــد يدفــع باجتــاه بنــاء‬ ‫منظومــة اصطفافــات مغايــرة تقــود نحــو توازنــات جديــدة‪ ،‬نتيجــة‬ ‫احلســابات الضيقــة والتقديــرات اخلاطئــة التــي باتــت تهــدد املعــادالت‬ ‫السياســية واألمنيــة القائمــة منــذ ســنوات طويلــة يف منطقــة البحــر‬ ‫األحمــر وجوارهــا‪.‬‬ ‫تطــرح اليــوم أكثــر مــن فرضيــة ويناقــش أكثــر مــن ســيناريو أمنــي‬ ‫وسياســي واقتصــادي حــول تطــورات املشــهد يف البحــر األحمــر‬ ‫واجلغرافيــا احمليطــة بــه‪ ،‬ومســتقبل العالقــة بني الــدول املشــاركة‬ ‫يف ســواحله والعواصــم اإلقليميــة والدوليــة التــي تبحــث عــن حمايــة‬ ‫مصاحلهــا ونفوذهــا هنــاك بعــد التصعيــد احلوثــي يف احلــوض‪ .‬مــا‬

‫هــي أبــرز التحديــات األمنيــة والسياســية التــي تنتظــر دول البحــر‬ ‫األحمــر والالعــبني املؤثريــن يف امللــف ويف مقدمتهــم الــدول العربيــة‬ ‫واخلليجيــة وأمريــكا والــصني وإيــران وتركيــا؟ وإلــى أيــن ميكــن لهــذا‬ ‫الصــراع أن يجـّرّ اليمــن واملنطقــة‪ ،‬ومــا التأثيــرات املتوقعــة علــى مســار‬ ‫خصوًصــا وأن نقاشــات فــرص نــزع فتيــل االنفجــار مــا زالــت‬ ‫الــسالم‬ ‫ً‬ ‫بعيــدة حتــى اآلن إذا لــم نقــل إن ســيناريوهات األخطــار احملدقــة هــي‬ ‫التــي تتقــدم وتســود‪ ،‬بعدمــا اتســعت رقعــة اســتهداف الســفن العابــرة‬ ‫للحــوض‪ ،‬وانتقلــت مــن ذريعــة قطــع الطريــق علــى البواخــر املتجهــة‬ ‫إلســرائيل إلــى اســتهداف مباشــر لســفن دول املنطقــة األخــرى وتهديــد‬ ‫املضائــق واملعابــر املائيــة املرتبطــة مبيــاه البحــر األحمــر؟ وهــل مــن‬ ‫املمكــن أن تســاهم اخلطــة األمريكيــة حتــت عنــوان « حــارس االزدهــار‬ ‫خصوًصــا وأن العديــد‬ ‫« يف ردع احلوثــي وحتقيــق األمــن واالســتقرار‬ ‫ً‬ ‫مــن األطــراف اإلقليميــة وقفــت بعيـًدًا عــن هــذه اخلطــوة التــي جــاءت‬ ‫مزدوجــة املعاييــر ويف إطــار حســابات ومصالــح ضيقــة وتعكــس حقيقــة‬ ‫اســتمرار تخبــط إدارة بايــدن يف التعامــل مــع مــا يجــري يف اليمــن أواًلا‬ ‫ومنطقــة احلــوض ككل ثان�يـًا ورســم سياســة واضحــة حيــال التصعيــد‬ ‫اإليرانــي اإلقليمــي ثال ً​ًثــا‪.‬‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪111‬‬

‫ملف العدد‬

‫عــزم إثيوبيــا بنــاء قاعــدة عســكرية عىل الســاحل الغربــي للبحــر األحمــر‬ ‫فهــذا إن كان لــه مــن داللــة فهــي داللــة توســعية تهــدد أمــن المنطقــة‬ ‫كذلــك فــإن االتفــاق اإلثيوبــي‪-‬األرض صومالــي ســيثير حفيظــة العبــون‬ ‫أساســيون يف املنطقــة وسيشــكل تهديـًدًا لألمــن القومــي للبعــض منهــا؛‬ ‫فعلــى ســبيل املثــال تضــخ كل مــن اإلمــارات العربيــة وتركيــا والــصني‬ ‫مليــارات الــدوالرات كاســتثمار أجنبــي يف مجــال املوانــئ وهنــاك قبــل‬ ‫هــذا وبعــده‪ ،‬مصــر‪ ،‬والــذي أعــرب رئيســها صراحــة عــن أن مصــر‬ ‫لــن تســمح باملســاس بالصومــال وســيادته وأن الصومــال بل ـًدًا عربًّيًيـًا‬ ‫وهنــاك اتفاقيــة دفــاع مشــترك تســتفيد منهــا الصومــال وأن مصــر‬ ‫علــى اســتعداد للتدخــل إذا مــا طلــب الصومــال ذلــك‪.‬‬

‫أرض الصومال والمراهقة السياسية‬

‫غــاب عــن حســابات إقليــم أرض الصومــال محدوديتــه يف كل شــيء‪،‬‬ ‫املســاحة‪ ،‬التأثيــر السياســي‪ ،‬عــدد الســكان‪ ...‬إلــخ؛ فــإذا مــا منــح‬ ‫إثيوبيــا ‪ 20‬كيلــو متــر بطــول الســاحل بفــرض شــرعية ذلــك‪ -‬وهــذا غيــر‬ ‫صحيــح‪ -‬يف مقابــل االعتــراف بهــا فكــم عليــه منحــه والتنــازل عنــه‬ ‫لغيــر إثيوبيــا نظيــر االعتــراف بهــا؟ وهــل ســيتبقى بعــد ذلــك شــيء ؟!‬ ‫تعتقــد هارجيســا أن أديــس أبابــا ســوف تســبغ عليهــا احلمايــة وســوف‬ ‫درًعــا واق�يـًا لهــا مــن األســهم الصوماليــة‪ ،‬وهــذا صحيــح حــال‬ ‫تكــون ً‬ ‫حدوثــه‪ ،‬لكــن مــن سيســمح لهمــا بذلــك !!‬ ‫بالنســبة إلقليــم أرض الصومــال؛ فــإن هــذا املســلك ســوف يجلــب‬ ‫ســخط الداخــل مــن احلــركات املعارضــة األمــر الــذي معــه قــد جتــد‬ ‫هارجيســا نفســها أمــام موجــة بــل موجــات مــن املواجهــة املســلحة مــع‬ ‫تلــك احلــركات كمــا أن هــذا االتفــاق قــد وّحّ ــد الصــف الصومالــي فيمــا‬ ‫يتعلــق مبجابهــة مضمــون االتفــاق؛ فهــا هــي حركــة الشــباب اجملاهديــن‬ ‫تعلــن رفضهــا التــام لالتفــاق وتدعــو ملقاومتــه بالــسالح وجت�يـّش لذلــك‬ ‫الشــعب الصومالــي علــى قــول إن هــذا واجــب وطنــي‪ :‬الــذود عــن‬ ‫أراــضي الوــطن وــسيادته‪.‬‬ ‫كمــا ســيترتب علــى تنفيــذ االتفــاق إلصــاق تهمــة اخليانــة بقــادة اإلقليم‬ ‫ووضعهــم يف كفــة واحــدة مــع إثيوبيــا وهــذا ممــا يعّمّ ــق املشــكلة ويســهم‬ ‫ــبدوره يف قلقــلة اإلقلــيم وزعزــعة اــستقراره‪.‬‬ ‫ـَس الصومــال أن إثيوبيــا هــي مــن خلقت حركة الشــباب اجملاهدين‬ ‫ال تنـ َ‬ ‫والــذي أغــرق الصومــال يف حــرب داخليــة ونــزاع مســلح ق ـّوّض األمــن‬ ‫الصومالــي ومــا يــزال يهــدد الوحــدة الوطنيــة إلــى اللحظــة‪ ،‬فتجــرؤ‬ ‫أرٍض صوماليــة متمثلــة يف‬ ‫إثيوبيــا مــرة ثانيــة باعتدائهــا علــى ســيادة ٍ‬ ‫عقــد اتفــاق بينهــا وبني اإلقليــم املعلــن انفصالــه مــن طــرف واحــد وهــو‬

‫إقليــم أرض الصومــال ســيزيد مــن حــدة التوتــر بني البلديــن ويتخطــى‬ ‫مــا هــو حــادث اآلن بســحب الســفراء وهــو مــا يســهم يف تــأزمي املوقــف‬ ‫وتعقــيده‪.‬‬ ‫علــى صعيــد االســتقرار اإلقليمــي مبــا يف ذلــك أمــن وسالمــة املالحــة‬ ‫بالبحــر األحمــر؛ فإنــه مــن املتوقــع أن ُيُحــدث االتفــاق دوًّيًيـًا ويســبب‬ ‫اســتفزاًزًا للصومــال وســيدفعها إلــى تعطيلــه بكافــة الطــرق مبــا فيهــا‬ ‫القــوة املســلحة‪ ،‬األمــر الــذي ســتقابله جبهــة إقليــم أرض الصومــال‬ ‫بعقــد حتالفــات واتفاقيــات دفــاع مشــترك ليدخــل القــرن اإلفريقــي يف‬ ‫دوامــة مــن احلــروب وعــدم االســتقرار‪....‬‬ ‫قــد تنتهــج الصومــال سياســة عــدو عــدوي صديقــي بــأن تســعى خللــق‬ ‫حتالفــات وتكويــن جبهــات مــن شــأنها ردع التوغــل اإلثيوبــي ممــا قــد‬ ‫يزيــد الداخــل اإلثيوبــي اشــتعااًلا وتعقيــًدًا األمــر الــذي ســيكون لــه‬ ‫مــردو ً​ًدا ســي ً​ًئا علــى اســتقرار إثيوبيــا والقــرن اإلفريقــي ً‬ ‫أيًضــا‪.‬‬ ‫كمــا أن هاجــس االنفصــال الوبائــي يســيطر علــى دول القــرن اإلفريقــي‪،‬‬ ‫لذلــك نتوقــع أن تقــف لــه باملرصــاد‪ ،‬ذلــك أن الفئويــة والتشــرذم همــا‬ ‫النتيجتــان احلتميتــان التــي تنتظرهــا دول القــرن لتمريــر االتفــاق بني‬ ‫إقلــيم أرض الصوــمال وإثيوبــيا‬ ‫جملــة القــول ومفــاده‪ ،‬أن السياســة التوســعية املنتهجــة مــن قبــل‬ ‫إثيوبيــا تعمــل علــى شــرذمة إقليــم القــرن اإلفريقــي وينــذر باالنــزالق‬ ‫يف مســتنقع احلــروب األهليــة ممــا يقــوض االســتقرار واألمــن باملنطقــة‬ ‫ومبــا يتبعــه ذلــك مــن انعكاســات علــى أمــن وسالمــة املالحــة يف البحــر‬ ‫األحــمر‪...‬‬ ‫قادم املستجدات سيميط اللثام عن حقيقة تلك سياسات‪...‬‬

‫*مدير مركز بحوث الرشق األوسط والدراسات املستقبلية ــ رئيس تحرير‬ ‫مجلة بحوث الرشق األوسط‬


‫‪110‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫البحــث عــن "الفاعليــن األصلييــن" ‪ ..‬فكيــف إلثيوبيــا ذات الموازنــة‬ ‫المهترئــة والديــون والحــروب األهليــة تضطلــع بتمويــل مشــروع بربــرة‬ ‫اجلويــة اإلثيوبيــة ويعــد هــذا االســتحواذ رافـًدًا اقتصاد�يـًا مه ً​ًمــا ألرض‬ ‫الصومــال إذ ســيدر عليهــا دخاًلا مبــا قيمتــه ‪ 1.4‬مليــار دوالر ســنو ً​ًيا‪.‬‬ ‫كذلــك تســعى هارجيســا لالســتفادة مــن الثــروة البشــرية اإلثيوبيــة‬ ‫والتــي تقــدر بنحــو ‪ 120‬مليــون نســمة يف أن جتتــذب اســتثمارات‬ ‫إثيوبيــة مبــا ينعــش اقتصادهــا القومــي‪.‬‬ ‫الدوافــع السياســية واالقتصاديــة ليســت فقــط هــي احملــرك الدافــع‬ ‫لهارجيســا لالنخــراط يف هــذا االتفــاق‪ ،‬هنــاك ً‬ ‫أيًضــا الباعــث األمني‪ ،‬إذ‬ ‫تســعى هارجيســا لعقــد اتفاقيــة دفــاع مشــترك يضمــن أمنهــا الداخلــي‬ ‫ســيما بعــد متــرد قبيلــة «طولبهنتــي» عليهــا وإعالنهــا اخلضــوع لســلطة‬ ‫حكومــة مقديشــو املركزيــة‪ ،‬األمــر الــذي قابلتــه األخيــرة مبنحهــا صفــة‬ ‫واليــة فيدراليــة مؤقتــة‪ ،‬كمــا تســعى هارجيســا لضمــان أمنهــا اخلارجــي‬ ‫خاصــة مــع اجلانــب الصومالــي وهــو مــا تســعى لتوريــط إثيوبيــا يف‬ ‫مــستنقعه‪.‬‬ ‫لذلــك ألقــت مذكــرة التفاهــم هــذه بــظالل التخــوف والقلــق علــى الــدول‬ ‫املعنيــة حيــث أعربــت كل مــن مصــر والواليــات املتحــدة األمريكيــة‬ ‫وتركيــا وكذلــك االحتــاد اإلفريقــي عــن دعمهــم لوحــدة واســتقرار وأمــن‬ ‫وسالــمة األراــضي الصومالــية‪.‬‬

‫شرعية المذكرة من وجهة نظر القانون الدويل‬

‫القانــون الدولــي ال يعتــرف إال بأشــخاصه وهــم الــدول واملنظمــات‬ ‫الدوليــة ودولــة الفاتيــكان فيمــا يتعلــق بإبــرام االتفاقــات واملعاهــدات‬ ‫الدوليــة وذلــك وف ً​ًقــا ملا فرضتــه اتفاقيــة ڤيينــا للمعاهــدات الدوليــة‬ ‫لعــام ‪1969‬م‪ ،‬والتــي تعــد املرجــع الرئيــس والركــن الــركني يف إبــرام‬ ‫املعاهــدات الدوليــة‪ ،‬وبســحب هــذا املبــدأ علــى مشــروع االتفاقيــة‬ ‫«مذكــرة التفاهــم» وبالنظــر إلــى كــون إقليــم «أرض الصومــال» جــزء‬ ‫ال يتجــزأ مــن الصومــال ويقبــع حتــت ســيادته وال يتمتــع بالشــخصية‬ ‫القانونيــة الدوليــة وال باألهليــة القانونيــة إلبــرام املعاهــدات الدوليــة‪،‬‬ ‫يتضــح لنــا علــى الفــور عــدم شــرعية املذكــرة دول ً​ًيــا ألنهــا وببســاطة‬ ‫ــشديدة تــصرف ــمن ال ميــلك فيــما ال ميــلك‪.‬‬

‫تداعيات المذكرة‬

‫أســلفت األســطر الســابقة عــن عــدم شــرعية مذكــرة التفاهــم املبرمــة‬ ‫بني إقليــم أرض الصومــال ودولــة إثيوبيــا حيــث إن أرض الصومــال‬ ‫ليســت بشــخص مــن أشــخاص القانــون الدولــي وال تتمتــع بالشــخصية‬ ‫القانونيــة املســتقلة ومــن ثــم فهــي جــزء ال يتجــزأ مــن الصومــال‪ ،‬تســري‬

‫عليــه قوانينــه ومتــارس عليــه ســيادته‪ .‬ينبثــق عــن ذلــك أن إقليــم أرض‬ ‫الصومــال غيــر مخــول لــه وال مرخــص لــه بعقــد االتفاقــات والصفقــات‬ ‫مبعــزل عــن العاصمــة مقديشــو وإال اعتبــرت هــي والعــدم ســواء‪ .‬يف‬ ‫هــذا الســياق لــم يكــن غري�بـًا أن وصفــت الصومــال وبحــق االتفــاق يف‬ ‫اليــوم التالــي لــه بأنــه‪« :‬عمــل مــن أعمــال العــدوان يقــف عائ ً​ًقــا أمــام‬ ‫الــسالم واالســتقرار»‪.‬‬ ‫مــا يؤجــج املوقــف ويؤزمــه هــو أن املذكــرة تأتــي بع�يـّد أيــام مــن جنــاح‬ ‫جيبوتــي يف انتــزاع موافقــة مقديشــو وهارجيســا علــى العــودة لطاولــة‬ ‫املفاوضــات وحــل خالفاتهمــا وهــو مــا يعصــف مبصداقيــة هارجيســا‬ ‫ــلدى مقديــشو وجيبوــتي‪.‬‬ ‫يف حســابات ميــزان القــوى تتفــوق إثيوبيــا وترجــح كفتهــا العســكرية‬ ‫علــى الصومــال إذ ال يتعــ َ​َد قــوام جيــش الصومــال ‪ 20‬ألــف جند ً​ًيــا‬ ‫بينمــا يصــل تعــداد اجليــش اإلثيوبــي إلــى ‪ 130‬أل ً​ًفــا ‪ ،‬لكــن رجحــان كفــة‬ ‫اجليــش اإلثيوبــي ال تعنــي انــزواء واســتبعاد النــزاع املســلح؛ فيذكرنــا‬ ‫التاريــخ بانــدالع حــرب بني الطــرفني عــام ‪1977‬م‪ ،‬عندمــا قامــت‬ ‫الصومــال بغــزو منطقــة حدوديــة متنــازع عليهــا تســمى «أوجاديــن»‬ ‫وانتهــى األمــر بضمهــا إلــى إثيوبيــا بعدمــا تفوقــت اآللــة العســكرية‬ ‫اإلثيوبــية عــلى نظيرتــها الصومالــية‪.‬‬ ‫احتماليــة نشــوب صــراع عســكري بني مقديشــو وأديــس أبابــا قائمــة‬ ‫إذن وســواء اندلعــت شــرارة احلــرب أو توقــف األمــر عنــد حــد التلويــح‬ ‫بهــا يقــوض كل ذلــك األمــن يف القــرن اإلفريقــي ويضربــه يف مقتــل‪.‬‬ ‫الفئويــة والطائفيــة همــا ســيدا املوقــف يف الداخــل اإلثيوبــي وكــذا‬ ‫الصومالــي‪ ،‬ال تنعــم أي مــن الدولــتني باللحمــة واالســتقرار الداخلــي‪.‬‬ ‫يف حني تنغمــس مقديشــو يف جــوالت طويلــة مــع حركــة الشــباب‬ ‫اجملاهديــن تســتنزف طاقــة ومــوارد البلــد الفقيــر جنــد أن أديــس أبابــا‬ ‫ً‬ ‫أيًضــا غارقــة بــل مســتغرقة يف مســتنقع احلــروب الداخليــة كتيغــراي‬ ‫وأمهــرة‪ ...‬والتمــادي يف تنفيــذ هــذا االتفــاق يســكب البنزيــن علــى النــار‬ ‫ويزــيد االضــطراب والتناــحر مبـما ينعــكس ــسل ً​ًبا عــلى األــمن اإلقليــمي‪.‬‬ ‫بيــد أن أخطــر نتيجــة لذلــك االتفــاق قــد تتمثــل يف لعــب أديــس أبابــا‬ ‫بورقــة آالف اجلنــود اإلثيوبــيني يف الصومــال‪ ،‬حيــث يقدمــوا الدعــم‬ ‫والعــون حلكومــة مقديشــو؛ فــإذا مــا حــاول أبــي أحمــد‪ ،‬اســتخدامهم‬ ‫لفــرض رؤيتــه فســوف تشــتعل املنطقــة ليــس لســنوات بــل لعقــود‬ ‫وعقــود‪...‬‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪109‬‬

‫ملف العدد‬

‫إقليــم أرض الصومــال غيــر مخــول لــه وال مرخــص لــه عقــد االتفاقــات‬ ‫والصفـــقات بمـــعزل ـــعن مقديـــشو وإال اعتـــبرت ـــهي والـــعدم ـــسواء‬ ‫باألســباب الداعيــة لذلــك؛ فمــن ناحيــة ترغــب إثيوبيــا يف أن تنفــض‬ ‫غبــار الدولــة احلبيســة عــن نفســها بــأن تغــادر نــادي الــدول احلبيســة‬ ‫والتــي رزحــت حتــت نيــره مــا يزيــد عــن ‪ 40‬عا ً​ًمــا وأن تعــاود احلال ملا‬ ‫كانــت عليــه قبــل ‪1993‬م‪ ،‬أي قبــل انفصــال إريتريــا وتنعــم بكونهــا دولــة‬ ‫ســاحلية ولــو باإليجــار‪ ،‬إذ تقضــي املذكــرة بــأن تســتأجر إثيوبيــا مــن‬ ‫الصومــال مــا مســاحته ‪ 20‬كيلــو متــر ســاحل ً​ًيا يف حيــز مينــاء بربــرة‬ ‫املطــل علــى خليــج عــدن مبــا مينحهــا مكنــة الوصــول إلــى ميــاه البحــر‬ ‫األحمــر واســتغاللها يف األغــراض التجاريــة والبحريــة وذلــك ملــدة ‪50‬‬ ‫عا ً​ًمــا‪ .‬تبحــث إذن إثيوبيــا عــن موضــع قــدم علــى الســاحل الغربــي‬ ‫للبحــر األحمــر بغيــة الوصــول إلــى أوروبــا وباقــي دول العالــم عبــر‬ ‫املعبريــن احليــويني قنــاة الســويس ومضيــق بــاب املنــدب‪.‬‬ ‫لــم يقتصــر االتفــاق علــى اجلانــبني التجــاري واالســتغالل البحــري‬ ‫بــل إن اجلانــب العســكري كان حاضــ ً​ًرا وبقــوة إذ صرحــت أرض‬ ‫الصومــال وكذلــك فعلــت إثيوبيــا بــأن املذكــرة تشــمل ً‬ ‫أيًضــا تأجيــر جــزء‬ ‫مــن ســاحل إقليــم أرض الصومــال كقاعــدة حربيــة بحريــة للبحريــة‬ ‫اإلثيوبيــة‪ ....‬فهــل العمــل علــى بنــاء وعملقــة أســطول بحــري سيســاعد‬ ‫علــى االســتقرار أم أنــه ســيفتح أبوا ً​ًبــا للصــراع والتســليح تســتنزف‬ ‫مقــدرات اإلقليــم وتوقعــه يف شــرك احلــروب ؟!‬ ‫ريــادة البحــر األحمــر إذن تفــوح مــن سياســة أديــس أبابــا وإن لــم‬ ‫ٍ‬ ‫بخــاٍف علــى‬ ‫تصــرح بذلــك صراحــة‪ ،‬والهــدف االســتراتيجي ليــس‬ ‫عني فاحصــة متفحصــة‪ ،‬إذ إن املســتهدف مــن تلــك اخلطــوة هــو أن‬ ‫تصبــح إثيوبيــا الع�بـًا محورًّيًيـًا يف اإلقليــم وضام�نـًا يعــول عليــه يف أمــن‬ ‫وسالمــة البحــر األحمــر وأن حتجــز لهــا مقع ـًدًا يف محــور املدافــعني‬ ‫عــن املالحــة والتجــارة الدوليــة وخاصــة تــأمني مضيــق بــاب املنــدب‬

‫بعــد التهديــد الــذي يتعــرض لــه إبــان حــرب غــزة مــن قبــل احلوثــيني‬ ‫والقراصنــة الصومالــيني‪ ،‬األمــر الــذي يســتتبعه متتعهــا بنفــوذ سياســي‬ ‫عــسكري اقتــصادي يضــمن لــها ــفرض سياــستها عــلى املنطــقة‪.‬‬ ‫تقلــد منصــب املتحــدث الرســمي باســم القــرن اإلفريقــي والظهــور‬ ‫مبظهــر حامــي حمــى البحــر األحمــر والتجــارة الدوليــة وحلي ً​ًفــا إقليم�يـًا‬ ‫للقــوى الدوليــة الفاعلــة هــو هــدف األهــداف مــن وراء ذاك اتفــاق‪...‬‬ ‫ـتغرٍب إذن أن تصــف إثيوبيــا هــذا االتفــاق بــــ «التاريخــي» إذ‬ ‫ليــس مبسـ ٍ‬ ‫يعيــد لهــا تدفــق امليــاه الدافئــة للبحــر األحمــر عبــر شــريانها البحــري‬ ‫اجلديــد وهــو مــا يســاهم وبحســب مــا عبــرت عنــه أديــس أبابــا بـــــ‬ ‫«تنويــع وصولهــا إلــى املوانــئ البحريــة»‪ ،‬واملتتبــع جملريــات األمــور‬ ‫اإلفريقيــة وباألخــص القــرن اإلفريقــي يجــد أن نــواة هــذه املذكــرة بــدأت‬ ‫عــام ‪2019‬م‪ ،‬حينمــا قامــت إثيوبيــا بشــراء ‪ 19‬باملائــة مــن مينــاء بربــرة‬ ‫يف مقابــل احتفــاظ أرض الصومــال بحصــة ‪ % 30‬يف حني ظفــرت‬ ‫شــركة موانــئ دبــي العامليــة بنصيــب األســد املديــر ‪ % 51‬ملــدة ‪30‬‬ ‫عا ً​ًمــا وهــذا مــا قوبــل بالرفــض التــام مــن مقديشــو واجتمــع البــرملان‬ ‫الصومالــي حينئــذ وص ـّدّ ق علــى قــرار صومالــي بإلغــاء الصفقــة لكــن‬ ‫ــلم يــكن ثــمة تأثــير للتــحرك الصوماــلي عــلى الصفــقة أو املــشروع‪.‬‬ ‫يف مقابــل فــك أســر اإلقليــم األرضــي اإلثيوبــي احلبيــس واستنشــاق‬ ‫أرٍض إثيوبيــة ولــو بالتأجيــر‪ ،‬جنــد أن‬ ‫هــواء البحــر األحمــر علــى ٍ‬ ‫هنــاك مقــاباًلا كان مبثابــة الدافــع واحملــرك إلقليــم أرض الصومــال يف‬ ‫االنخــراط يف هــذه الصفقــة وهــو حلــم االعتــراف الدولــي بهــا ومكافــأة‬ ‫مــن يفــض عذريــة عــدم االعتــراف بهــا بهــذا املقابــل الســخي كذلك كان‬ ‫اجلانــب االقتصــادي حاض ـ ً​ًرا ً‬ ‫أيًضــا يف فكــر هارجيســا إذ مبقتضــى‬ ‫االتفــاق ســوف تتحصــل هارجيســا علــى حصــة ‪ % 20‬مــن اخلطــوط‬


‫‪108‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫أبــي أحمــد‪ ،‬يســعى جاهـًدًا الســتعادة واســتعاضة مــا فــات إثيوبيــا ومــا‬ ‫حلقهــا مــن تداعيــات أســر احلــدود األرضيــة وهــو مــا كان لــه أثــ ً​ًرا‬ ‫ســي ً​ًئا علــى االقتصــاد اإلثيوبــي‪.‬‬ ‫مــا برحــت إثيوبيــا يف تصديــر مظلوميــة تاريخيــة مزعومــة للمجتمــع‬ ‫الدولــي متمــثاًلا يف كونهــا دولــة حبيســة وهــو مــا يضــرب يف الصميــم‬ ‫اقتصادهــا الوطنــي ويعّطّ ــل عجلــة التنميــة ملوحـ ً​ًة بتهديــد االســتقرار‬ ‫اإلقليمــي واألمــن املالحــي يف البحــر األحمــر حــال اســتمرار وضعهــا‬ ‫كدولــة حبيســة‪ .‬شســوع فــرق بني مــن يســعى‪ ،‬وهــذا حــق مشــروع‪،‬‬ ‫لتلبيــة احتياجاتــه األساســية وبني مــن يهــرول حــول أهــداف توســعية‬ ‫تتخطــى الفــرض األول‪ .‬وهــذا هــو الوضــع اإلثيوبــي احلالــي‪ ،‬إذ إن‬ ‫كامــل جتارتــه اخلارجيــة تتــم عبــر موانــي جيبوتــي؛ فمــا الدافــع وراء‬ ‫إيجــاد بدائــل ثــم أن هنــاك تخوفــات تلــوح يف أفــق دول القــرن اإلفريقــي‬ ‫مبعثهــا عــزم إثيوبيــا بنــاء قاعــدة عســكرية علــى الســاحل الغربــي‬ ‫للبحــر األحمــر رغــم كونهــا دولــة حبيســة؛ فهــذا إن كان لــه مــن داللــة‬ ‫فــهي دالــلة توــسعية تــهدد أــمن املنطــقة‪.‬‬ ‫املنــاورة املتهــورة إلثيوبيــا ال تخلــو مــن مفاجــآت‪ ،‬إذ علــى مــا يبــدو أن‬ ‫التفكيــر التوســعي ألبــي أحمــد يســيطر علــى قراراتــه؛ فهــو يســعى‬ ‫بهــذه اخلطــوة نحــو إيجــاد مســاحة لــه علــى املســرحني اإلقليمــي‬ ‫والدولــي كالعــب فاعــل وركيــزة أســاس‪ ،‬يصبــو لــه ذوي املصالــح يف‬ ‫املنطقــة ويخطــب وده مــن يريــد االســتثمار فيهــا‪ .‬ولئــن كان لهــذا مــن‬ ‫داللــة مبدئيــة فهــي أن العــام ‪2024‬م‪ ،‬لــن يكــون كنهــر هــادئ بــل كبحــر‬ ‫هائــج ذو أمــواج عاتيــة وريــاح عاصفــة علــى الشــرق اإلفريقــي وخاصــة‬ ‫منطقــة القــرن اإلفريقــي‪.‬‬

‫فهًمً ا لإلشكالية‪ ...‬دافعية األطراف عىل المذكرة‬

‫يف محاولــة لفهــم دوافــع التقــارب والتفاهــم بني طرفــا املذكــرة يجــب‬ ‫األخــذ يف االعتبــار موقــف إثيوبيــا الســابق الرافــض لالعتــراف بــأرض‬ ‫مبعــزٍل وبســابقية عــن االعتــراف األورو‪-‬أمريكــي‪،‬‬ ‫الصومــال كدولــة‬ ‫ٍ‬ ‫إذ صــرح ميلــس زينــاوي‪ ،‬رئيــس وزراء إثيوبيــا الســابق بــأن االعتــراف‬ ‫اإلثيوبــي بــأرض الصومــال ســيكون بالحقيــة لالعتــراف األورو‪-‬أمريكــي؛‬ ‫فمــا الــذي حــدا إذن بأبــي أحمــد أن يعــدل نهــج ســلفه وأن يعّجّ ــل‬ ‫بوتيــرة االعتــراف بإقليــم أرض الصومــال؟‬ ‫يف ذات الوقــت حتدثــت تقاريــر إثيوبيــة عــن حزمــة تنــازالت مــن قبــل‬ ‫أبــي أحمــد‪ ،‬إلبــرام هــذا االتفــاق مبــررة هــذه التنــازالت بعــدم جــدوى‬ ‫املفاوضــات السياســية التــي قادهــا أبــي أحمــد منــذ أن وصــل إلــى‬ ‫ســدة احلكــم عــام ‪2018‬م‪ ،‬يف إقنــاع أي مــن دول القــرن اإلفريقــي يف‬ ‫اــستئجار ميــناء وبــناء قاــعدة عــسكرية عــلى ــساحل البــحر األحــمر‪.‬‬ ‫أرٍض واحدة وصومال واحد‬ ‫من أرضني وصومال واحد إلى ٍ‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫أرضــان وصومــال واحــدة هكــذا شــَّقَ ســكني االســتعمار الصومــال‪ :‬أرض‬ ‫الصومــال البريطانيــة والتــي اســتقلت عــام ‪1960‬م‪ ،‬وأرض الصومــال‬ ‫اإليطاليــة والتــي اســتقلت بدورهــا ً‬ ‫أيًضــا عــام ‪1960‬م‪ ،‬واندمجــا كســابق‬ ‫عهدهمــا يف مكــّوّن واحــد هــو الصومــال‪ .‬إال أن النزعــة االنفصاليــة‬ ‫باتــت متجــذرة يف إقليــم أرض الصومــال؛ ففــي عــام ‪1991‬م‪ ،‬وعقــب‬ ‫اإلطاحــة بالرئيــس الصومالــي الســابق ســياد بــري‪ ،‬أعلنــت أرض‬ ‫الصومــال االنفصــال واالســتقالل عــن الصومــال بإجــراء منفــرد ولــم‬ ‫تعــترف بــها أــية دوــلة حلني كتاــبة ــهذه الــسطور‪.‬‬

‫إثيوبيا‪ :‬من دولة ساحلية إىل دولة حبيسة‬

‫كذلــك أعمــل االنفصــال نصلــه يف اجلســد اإلثيوبــي‪ ،‬حيــث حملــت‬ ‫بدايــة حقبــة التســعينات مــن القــرن املاضــي؛ فبعــد أن كانــت إثيوبيــا‬ ‫دولــة ســاحلية وقــوة بحريــة فاعلــة يف املنطقــة بفضــل امتالكهــا عــدة‬ ‫موانــئ أهمهــا مينائ ـّيّ مصــوع وعصــب وبانفصــال إريتريــا عنهــا عــام‬ ‫وُحرمــت‬ ‫‪1993‬م‪ ،‬فقــدت إثيوبيــا شــريانها البحــري ومتنفســها الســاحلي ُ‬ ‫مــن دفء ميــاه البحــر األحمــر ومــا ترتــب علــى ذلــك مــن آثــار سياســية‬ ‫واقتصاديــة ال تخطئهــا عني‪.‬‬ ‫ولرمبــا كان مــن بني بواعــث هــذا االتفــاق مداعبــة الداخــل اإلثيوبــي‬ ‫سياس ـ ً​ًيا والعمــل علــى كســب شــعبية جديــدة وازديــاد رقعــة املؤيديــن‬ ‫لسياســة أبــي أحمــد؛ كمــا أن للمذكــرة حــال تنفيذهــا بع ـًدًا اقتصاد�يـًا‬ ‫ً‬ ‫ملحوًظــا إذ تقــدر الرســوم املدفوعــة جليبوتــي مــا يربــو علــى مليــاري‬ ‫دوالر ــسنو ً​ًيا‪.‬‬

‫نتيجة أولية للتوافقات التبادلية بين الطرفين‬

‫تقــدم مذكــرة التفاهــم املوقعــة مطلــع هــذا العــام بني إقليــم أرض‬ ‫الصومــال ودولــة إثيوبيــا إذن تفســي ً​ًرا مبدئًّي�ًــا لإلشــكالية الســالف‬ ‫ذكرهــا‪ ،‬إذ إن إقليــم أرض الصومــال يســعى أن يكــون بــدياًلا إلريتريــا‬ ‫بالنســبة إلثيوبيــا؛ بــأن مينحهــا شــريا ً​ًنا بحر�يـًا يفــض عذريــة حبســتها‬ ‫ٍ‬ ‫حتــٍد ســامت ويف ذات‬ ‫اجلغرافيــة وهــو مــا تســعى إليــه إثيوبيــا يف‬ ‫الوقــت‪ ،‬تعــي أرض الصومــال مــدى إحلاح حاجــة إثيوبيــا للبحــر‬ ‫األحمــر وترغــب هــي األخــرى يف شــراكة اقتصاديــة ورافــد مالــي‬ ‫ينتشــلها مــن الوضــع االقتصــادي املتــردي واألهــم هــو أن ُتُفــرط ُ​ُعقــد‬ ‫العــزوف عــن االعتــراف بهــا دولًّيًيـًا بــأن تنتــزع اعترا ً​ًفــا بهــا كدولــة مــن‬ ‫جانــب دولــة فاعلــة يف املنطقــة بحجــم وثقــل إثيوبيــا يعقــب ذلــك‪ -‬مــن‬ ‫وجــهة نظرــها‪ -‬تواــلي االعتراــفات‪.‬‬

‫مضمون المذكرة‪ ...‬قراءة ما بين السطور‬

‫نضحــت مذكــرة التفاهــم والتــي ال تنطــوي علــى ثمــة إلــزام قانونــي‪،‬‬ ‫بــل تعبــر عــن تقــارب رؤى واتفــاق يف وجهــات النظــر بني الطــرفني‪،‬‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪107‬‬

‫ملف العدد‬

‫مذكرة التفاهم بين أرض الصومال وإثيوبيا‪ٌ :‬‬ ‫نفٌخ نار انفصاالت القرن اإلفريقي‬

‫عدم شرعية مذكرة إثيوبيا وأرض الصومال‬ ‫كونها تصرف من ال يملك فيما ال يملك‬ ‫مــا فتــئ العالــم يغـّطّ يف ســبات عميــق بعدمــا أمضــى مســاء ‪ 31‬ديســمبر ‪2023‬م‪ ،‬محتــفاًلا بــرأس الســنة اجلديــدة حتــى اســتفاق‬ ‫صبيحــة األول مــن ينايــر ‪2024‬م‪ ،‬علــى زلــزال سياســي يــكاد يعصــف بأمــن واســتقرار ليــس منطقــة القــرن اإلفريقــي فحســب‪ ،‬بــل‬ ‫أمــن وسالمــة البحــر األحمــر‪ ،‬إذ وقــع كل مــن إقليــم أرض الصومــال ودولــة إثيوبيــا مذكــرة تفاهــم وصفهــا طرفاهــا بــــ «الـــتاريخية»‬ ‫ُضّمّ نــت‬ ‫يف حني يــرى اآلخــرون أنهــا تهدي ـًدًا ألمــن املنطقــة مبــا ينعكــس علــى أمــن وسالمــة املالحــة بالبحــر األحمــر حيــث ُ‬ ‫االتفاقيــة ‪ 5‬ركائــز وهــي ‪ :‬اســتئجار أديــس أبابــا شـ ً‬ ‫ـريًطا ســاحل ً​ًيا مــن هارجيســا بطــول ‪ 20‬كيلومتـ ً​ًرا مــن شــاطئ البحــر األحمــر‬ ‫متضم�نـًا مينــاء بربــرة ملــدة ‪ 50‬عا ً​ًمــا؛ تــدشني قاعــدتني إثيوبيــتني إحداهمــا عســكرية واألخــرى بحريــة يف مينــاء بربــرة ؛ ِمِ كنــة‬ ‫بنــاء منطقــة جتاريــة يف مينــاء بربــرة؛ اســتحواذ هارجيســا علــى نســبة ‪ %20‬مــن اخلطــوط اجلويــة اإلثيوبيــة وأخي ـ ً​ًرا اعتــراف‬ ‫إثيوبــيا ــبأرض الصوــمال كدوــلة مــستقلة ذات ــسيادة‪.‬‬

‫د‪ .‬حامت العبد‬

‫فهــل مــن داللــة لتوقيــت املذكــرة؟ مبعنــى هــل ُأُبرمــت املذكــرة يف خلســة‬ ‫مــن العالــم ســيما املعنــي بالقــرن اإلفريقــي؟ وملاذا أحدثــت ومــا زالــت‬ ‫حتــدث هــذا الضجــر الصاخــب؟ هــل ثمــة أيـ ٍـٍد خفيــة تســعى لشــرذمة‬ ‫القــرن اإلفريقــي؟ وإذا مــا وجــدت فمــن هــي ومــا تداعيــات ذلــك علــى‬ ‫رئيًســا مــن الســلم واألمــن‬ ‫أمــن البحــر األحمــر والــذي يعــد جــز ً​ًءا‬ ‫ً‬ ‫الدوــليني‪...‬‬ ‫وبالرجــوع إلــى توقيــت توقيــع املذكــرة‪ ،‬يثــور التســاؤل حــول النوايــا‬ ‫اخلفيــة لهــذا التوقيــت‪ ،‬إذ إن ظاهــر األشــياء بــل وباطنهــا يقودنــا إلــى‬ ‫نتيجــة واحــدة وهــي تعّمّ ــد إبــرام املذكــرة يف خلســة مــن اجلميــع؛ ففــي‬ ‫حني تنخــرط الواليــات املتحــدة األمريكيــة يف الدفــاع عــن عربــدة ابنهــا‬ ‫غيــر الشــرعي‪ -‬الكيــان الصهيونــي‪ -‬يف األراضــي احملتلــة وتزويــده‬ ‫بالــسالح والدعــم الدبلوماســي وكذلــك فعلــت معظــم الــدول الغربيــة‪،‬‬ ‫يف حني تنشــغل مصــر وبعــض الــدول احملوريــة يف العالــم العربــي يف‬ ‫محــاوالت مضنيــة إليقــاف احلــرب الدائــرة يف قطــاع غــزة ولــو عبــر‬ ‫هدنــة مؤقتــة متهيـًدًا لبحــث إيجــاد حاّلا للقضيــة الفلســطينية برمتهــا‬ ‫متمثلــة يف حــل الدولــتني كمــا أشــرنا يف مقالنــا الســابق‪ ،‬جنــد انخــراط‬ ‫حوثيــو اليمــن يف النــزاع اإلســرائيلي الفلســطيني وهــو مــا يهــدد‬

‫ملموًســا‬ ‫املالحــة البحريــة يف البحــر األحمــر وبالفعــل كان لذلــك أثـ ً​ًرا‬ ‫ً‬ ‫علــى حركــة التجــارة الدوليــة‪ .‬إضافــة إلــى انغمــاس روســيا واملعســكر‬ ‫الشــرقي يف احلــرب مــع أوكرانيــا والدعــم األوروبــي لتلــك األخيــرة؛ فهــل‬ ‫ينقــص النــار حط ً​ًبــا؟‬ ‫مــاٍض يف مشــروعه إذ‬ ‫أحمــد‪،‬‬ ‫أبــي‬ ‫اإلثيوبــي‬ ‫الــوزراء‬ ‫يبــدو أن رئيــس‬ ‫ٍ‬ ‫أدلــى بتصريحــات يف أكتوبــر املاضــي عــن حــق الدولــة اإلثيوبيــة يف‬ ‫أن جتــد لهــا موطــئ قــدم علــى البحــر األحمــر وأن تلــك املســألة هــي‬ ‫طوًعــا أو علــى ظهــر دبابــة‬ ‫«وجوديــة» وأن منالهــا ٍآٍت ال محالــة إمــا ً‬ ‫حــال عــدم التوصــل التفــاق مــع دول القــرن اإلفريقــي‪ .‬وعقــب ذلــك‬ ‫التصريــح شــخصت األنظــار نحــو إريتريــا‪ ،‬بحكــم كونهــا إقلي ً​ًمــا إثيوبيــا‬ ‫ســاب ً​ًقا وهــو مــا أثــار حفيظتهــا واســتنكارها ولــم يــدر بخلــد أحـ ٍـٍد أن‬ ‫يضبــط أبــي أحمــد مؤشــر بوصلتــه نحــو هارجيســا ســيما يف ضــوء مــا‬ ‫أقدمــت عليــه األخيــرة بإلغــاء نســبة إثيوبيــا‪.‬‬ ‫يقودنــا ذلــك إلــى التســاؤل والبحــث عــن املــوكلني «الفاعــلني األصلــيني»‬ ‫وعــن أهدافهــم مــن تلــك اخلطــوة‪ ،‬إذ كيــف لدولــة ذات موازنــة مهترئــة‬ ‫وديــون متكدســة وحــروب أهليــة تعصــف بأيــة تنميــة اقتصاديــة وعــوز‬ ‫هنــا وفقــر هنــاك أن تضطلــع بتمويــل هــذا املشــروع !! ‪ ،‬ويبــدو أن‬


‫‪106‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫معــادالت التوافــق والتــوازن يف منطقــة القــرن اإلفريقــي تــكاد تكــون‬ ‫منعدمــة فــكل دول المنطقــة بمعناهــا الواســع يف مشــكالت مســتعصية‬ ‫احلــق‪ .‬لذلــك‪ ،‬مــن املرجــح أن تســتمر التوتــرات اإلقليميــة بني إثيوبيــا‬ ‫وإريتريــا‪ ،‬مــع خطــر نشــوب صــراع مفتــوح بعــد هــذه التصريحــات‪،‬‬ ‫التــي مــا يــزال صداهــا يتــردد عال�يـًا يف أســمرا‪ .‬وهنــاك ً‬ ‫أيًضــا تقاريــر‬ ‫تفيــد بــأن إريتريــا تقــوم بتدريــب ميليشــيات األمهــرة املعروفــة باســم‬ ‫فانــو‪ .‬كمــا تواجــه إثيوبيــا أزمــة اقتصاديــة غيــر مســبوقة‪ ،‬فاقمــت منهــا‬ ‫احلــروب املســتعرة‪ ،‬وتوتــرات دينيــة قــادت مؤخـ ً​ًرا إلــى انقســام الكنيســة‬ ‫األرثدوكســية‪ ،‬وســبقها تقاتــل بني املســلمني واملســيحيني‪.‬‬ ‫اخلامتة‪:‬‬ ‫إن منطقــة البحــر األحمــر اجلنوبيــة‪ ،‬عنــد مدخــل بــاب املنــدب‬ ‫وخليــج عــدن‪ ،‬معرضــة خلطــر حقيقــي يتمثــل يف اجتيــاح سلســلة‬ ‫مــن الصراعات لغالــب دولها‪ ،‬وانــدالع حــروب بالوكالــة يف أهــم‬ ‫واضًحــا أنــه حــرب‬ ‫حواضرها‪ .‬ويوضــح التهديــد باســتمرار مــا بــدا‬ ‫ً‬ ‫إقليميــة يف الســودان رأس جبــل اجلليــد يف هــذه التحديــات‪،‬‬ ‫التــي تواجــه املنطقــة‪ ،‬التــي ال يســتثنى منهــا اليمــن‪ ،‬والصومــال‪،‬‬ ‫وإثيوبيا‪ .‬ولتجنــب املزيــد مــن التفتــت‪ ،‬يتــعني علــى دول هــذه املنطقــة‬ ‫أن تعمــل علــى بنــاء ثقافــة التفــاوض الداخلــي والتســوية‪ ،‬باســتخدام‬ ‫آليــات املنظمــات اإلقليميــة والدوليــة املعنيــة كإطــار عمــل‪ ،‬ويتــعني علــى‬ ‫الشــركاء اإلقليمــيني والدولــيني أن يدعمــوا هــذا األمــر‪ .‬لذلــك‪ ،‬فــإن‬ ‫الســعي مــن أجــل احتــواء انهيــار الســودان يف حــرب ذات امتــدادات‬ ‫إقليميــة يرمــز إلــى التحديــات‪ ،‬التــي تواجــه منطقــة القــرن اإلفريقــي‬ ‫حيــث ُيُنظــر إلــى العنــف كوســيلة لتحقيــق غايــات سياســية‪ .‬وتبدو‬ ‫القــوى العظمــى غيــر مباليــة نســبيًاً بالوضــع‪ ،‬وكأن وكالءهــا اإلقليمــيني‬ ‫واحمللــيني يقومــون باملهمــة علــى أكمــل وجه‪ .‬وتظهــر التحالفــات داخــل‬ ‫القــرن اإلفريقــي‪ ،‬التــي تعكــس مديــات الصــراع علــى النفــوذ‪ ،‬وجتلياتــه‬ ‫علــى السياســة واالقتصــاد‪ ،‬ومــا يطــال األمــن يف البحــر األحمــر‪.‬‬ ‫وعلــى هــذه اخللفيــة‪ ،‬فــإن أفضــل مــا يخــدم املنطقــة هــو االعتيــاد علــى‬ ‫التعامــل مــع مشــاكلها اخلاصــة‪ ،‬وبنــاء ثقافــة التكيــف‪ ،‬وإيجــاد الســبل‬ ‫إلدارة أمنها يف عصر تنتشــر فيه مراكز القوى العاملية املتنافســة‪ .‬وقد‬ ‫كانــت أول محاولــة مهمــة للقيــام بذلــك‪ ،‬ولــو أنهــا لــم حتــظ بالنضــج‪،‬‬ ‫أو القبــول الــكايف‪ ،‬جــاءت مــن داخــل املنطقــة ذاتهــا‪ ،‬أي مــن الهيئــة‬ ‫احلكوميــة الدوليــة املعنيــة بالتنميــة «إيغاد»‪ .‬ففــي األشــهر األخيــرة‪،‬‬ ‫قامــت الهيئــة بتعــيني جيبوتــي رئيســًاً جديــدًاً لهــا خلفــًاً للســودان‪،‬‬ ‫كمــا أعيــدت إريتريــا إلــى اجملموعــة بعــد ‪ 16‬عا ً​ًمــا مــن الغيــاب‪ ،‬وهــي‬ ‫تشــارك اآلن كعضــو كامــل العضويــة يف الهيئــة احلكوميــة الدوليــة‬ ‫املعنيــة بالتنميــة ومكافحــة التصحــر واجلراد‪ .‬وبقيــادة الرئيــس الكينــي‬

‫ويليــام روتــو‪ ،‬املعــروف بعالقاتــه وحتيزاتــه لصالــح قــوات الدعــم الســريع‬ ‫املتمــردة علــى الدولــة‪ ،‬قامــت الكتلــة اإلقليميــة بتشــكيل جلنــة رباعيــة‬ ‫مــن بني أعضائهــا حلــل أزمــة الســودان‪ ،‬برئاســة كينيــا وتضــم جيبوتــي‪،‬‬ ‫وإثيوبيــا‪ ،‬وجنــوب الســودان‪ ،‬األمــر الــذي جعــل الســودان يتــردد أواًلا يف‬ ‫التجــاوب معهــا‪ ،‬ألنهــا فشــلت يف اجلمــع بني اجلنــرالني؛ عبــد الفتــاح‬ ‫البرهــان‪ ،‬رئيــس مجلــس الســيادة‪ ،‬ومحمــد حمــدان دقلــو «حميدتــي»‪،‬‬ ‫قائــد قــوات الدعــم الســريع‪ ،‬ومــن ثــم اضطــرت اخلرطــوم لالنســحاب‬ ‫مــن «اإليغــاد»‪ ،‬وجتميــد عضويتهــا‪ ،‬يف املنظمــة‪.‬‬ ‫وبأخــذ كل ذلــك يف االعتبــار‪ ،‬وال ينبغــي االســتهانة باملهمــة‪ ،‬التــي‬ ‫تواجــه الســاعني إلــى الــسالم يف املنطقــة‪ ،‬والتــي تتطلــب حتريــر‬ ‫االحتــاد اإلفريقــي و”اإليغــاد” مــن هيمنــة النفــوذ احمللــي واإلقليمــي‬ ‫والدولــي‪ ،‬وذلــك بدعمهمــا سياســ ً​ًيا وماد ً​ًيــا‪ .‬إذ إن منطقــة القــرن‬ ‫اإلفريقــي معرضــة خلطــر حقيقــي يتمثــل يف اجتياحهــا بسلســلة مــن‬ ‫الصراعــات‪ ،‬التــي مــن شــأنها أن تــؤدي إلــى تفتيــت البلــدان‪ ،‬وتفتــح‬ ‫بالفعــل البــاب أمــام التدخــل اخلارجــي االنتهــازي‪ .‬ويف أســوأ احلاالت‪،‬‬ ‫ميكــن أن تصبــح املنطقــة ســاحة معركــة للــوكالء املتنافــسني احمللــيني‬ ‫واإلقليمــيني املدعــومني مــن رعــاة خارجــيني عدميــي الضمير‪ .‬وســوف‬ ‫ينتشــر فقــدان االســتقرار إلــى ســاحل البحــر األحمــر‪ ،‬وســتزداد‬ ‫تدفقــات الهجــرة‪ ،‬وال ميكــن االســتهانة مبخاطــر الصــراع بني الــدول‬ ‫يف هــذه املنطقــة احلساســة‪ ،‬خاصــة بني إثيوبيــا والصومــال‪ ،‬أو بني‬ ‫إثيوبيــا وإريتريــا‪ .‬لذلــك‪ ،‬فــإن اجلهــود الراميــة إلــى تعزيــز قــدرة املنطقة‬ ‫علــى التعامــل مــع مشــاكلها اخلاصــة ســوف تتطلــب توحيــد شــبه دول‬ ‫اخلليــج العربيــة بنفــس القــدر يف رؤيــة مشــتركة لكيفيــة حتقيــق‬ ‫االســتقرار علــى جناحهــا الغربــي مــع الســاحل الشــرقي إلفريقيــا علــى‬ ‫البحــر األحمــر وخليــج عــدن‪ .‬ففــي الوقــت احلاضــر‪ ،‬يبــدو أن قضايــا‬ ‫القــرن اإلفريقــي تخضــع لــرؤى متنافســة محتملــة للمصلحــة الوطنيــة‬ ‫بني دول اخلليــج‪ ،‬والتــي تظهــر بشــكل واضــح يف الصومــال والســودان‪،‬‬ ‫ورمبــا يف أماكــن أخــرى يف املنطقــة‪.‬‬

‫*سفري سوداين‪ ،‬األمني العام السابق ملنتدى الفكر العريب ـــ األردن‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪105‬‬

‫ملف العدد‬

‫غيــاب القانــون الــدويل وأزمــات العــرب واألفارقــة أثبتــت دفــع األقويــاء‬ ‫لفــرض واقعهــم يعيــد تصميــم حدودنــا ويغــرق المنطقــة يف االضطرابــات‬ ‫اإلرهــاب» هــذه‪ ،‬ويعطــل خطــوات إعــادة بنــاء مؤسســات الدولــة‪،‬‬ ‫وحتقيــق االســتقرار واألمــن‪ ،‬الــذي بــدأ يشــهد حتســًنًا كبيــ ً​ًرا يف‬ ‫الســنوات األخيــرة‪ .‬ومــن ثــم‪ ،‬فــإن ســعي إثيوبيــا الطويــل األمــد للوصــول‬ ‫إلــى املوانــئ قــد يؤتــي ثمــاره يو ً​ًمــا مــا‪ ،‬ولكــن ســتكون تكلفتــه عاليــة‪ ،‬إن‬ ‫لــم تكــن قاتلــة‪ ،‬ويف كال احلالــتني فهــو تطــور لديــه القــدرة علــى إعــادة‬ ‫تشــكيل اجلغرافيــا السياســية ملنطقــة القــرن اإلفريقــي‪ ،‬وجنــوب البحــر‬ ‫األحمــر‪ ،‬وخليــج عــدن‪ ،‬وغــرب احمليــط الهنــدي‪.‬‬

‫توقعات‪:‬‬

‫إذن‪ ،‬مــا‪ ،‬الــذي ُتُخبئــه لنــا توقعــات املــدى املنظــور لشــأن املنطقــة؟ وقــد‬ ‫ال تكــون اإلجابــة يســيرة‪ ،‬نتائجهــا مؤكــدة‪ ،‬لكــن مــا يتوفــر مــن حيثيــات‬ ‫يدفعنــا إلــى االعتقــاد بــأن األســوأ لــم يــأت بعــد‪ .‬إن خطــر عــودة‬ ‫إضرابــات مــا يســمى بـ»الربيــع العربــي» يف الفضــاء العربي‪-‬اإلفريقــي‬ ‫جامًحــا‪ ،‬فاالضطرابــات السياســية والصراعــات الدمويــة‬ ‫ليــس توق ً​ًعــا‬ ‫ً‬ ‫تفــت يف عضــد الكثيــر مــن البلــدان‪ ،‬واألزمــات االقتصاديــة تنهــش‬ ‫حلــم وعظــام عــدد ال يســتهان بــه خزائــن دول عــدة‪ ،‬ويلتهــم التضخــم‬ ‫حصائــل الطبقــات الوســطى‪ ،‬ويســحق طبقــات الفقــراء بال رحمــة‪.‬‬ ‫رئيًســا‪ ،‬علــى الرغــم مــن تشــتيت‬ ‫وســيظل اإلرهــاب يشــكل تهديــًدًا‬ ‫ً‬ ‫االنتبــاه بســبب أزمــات أخــرى؛ داخــل دول بعــض املنطقــة‪ ،‬وبني بعــض‬ ‫دولهــا والبعــض اآلخــر‪ .‬ففــي جمهوريــة الصومــال‪ ،‬ســتواصل جماعــات‬ ‫مســلحة نشــر الفوضــى يف املقاطعــات الشــرقية‪ ،‬وعلــى طــول الســواحل‬ ‫املؤديــة إلــى البحــر األحمــر‪ ،‬خاصــة وأن بعثــة االحتــاد اإلفريقــي‬ ‫االنتقاليــة يفتــرض أن تكــون قــد أغلقــت أبوابهــا يف ديســمبر املاضــي‪.‬‬ ‫ولكــن هنــاك مخــاوف مــن أننــا قــد نشــهد ســيناريو أفغانســتان يف‬ ‫الصومــال‪ ،‬إذا متــادت إثيوبيــا يف املضــي قد ً​ًمــا يف تنفيــذ صفقتهــا مــع‬ ‫هرغيســا‪ ،‬وإذا لــم تكــن هنــاك خطــة لتحــل محــل القــوة الدوليــة‪ ،‬التــي‬ ‫كانــت موجــودة يف الــبالد منــذ عــام ‪2007‬م‪ ،‬فحركــة الشــباب تواصــل‬ ‫بنــاء قواتهــا‪ ،‬وتوســع نطــاق عملياتهــا‪ ،‬ومــن املرجــح أن حتــاول التوســع‬ ‫يف إثيوبيــا وكينيــا‪ ،‬مثلمــا فعلــت مؤخــ ً​ًرا يف أرض الصومــال‪ ،‬بينمــا‬ ‫يواصــل اجليــش الوطنــي الصومالــي الكفــاح مــن أجــل أن يصبــح ً‬ ‫جيًشــا‬ ‫ـرٌب فوضويــة مــع إثيوبيــا‪ ،‬ليــس يف مقــدور‬ ‫محتر ً​ًفــا‪ ،‬وقــد تفاجئــه حـ ٌ‬ ‫البلديــن خوضهــا بطــرق احلــرب التقليديــة‪.‬‬

‫ويف الســودان‪ ،‬الــذي يحتــل موق ً​ًعــا مه ً​ًمــا يف منطقــة القــرن اإلفريقــي‪،‬‬ ‫وســاحاًلا طــوياًلا علــى الضفــة الغربيــة للبحــر األحمــر‪ ،‬تنــذر احلــرب‬ ‫الدائــرة فيــه اآلن بالتمــدد إلــى خــارج حــدوده‪ .‬وعلــى الرغــم مــن أن‬ ‫التركيــز كان‪ ،‬ومــا يــزال‪ ،‬علــى الصــراع بني القــوات املســلحة الســودانية‬ ‫وقــوات الدعــم الســريع‪ ،‬إال أنــه لــم يتــم إيالء اهتمــام كبيــر لـ»كتائــب‬ ‫النصــرة»‪ ،‬التــي تقاطــرت مــن كل دول الســاحل اإلفريقــي‪ ،‬وملحقاتهــا‬ ‫مــن جنــوب الســودان وإثيوبيــا‪ ،‬وغيرهمــا‪ ،‬والتــي تقاتــل إلــى جانــب‬ ‫قــوات الدعــم الســريع املتمــردة‪ ،‬ومــا يتبادلــه اجلانبــان مــن اتهامــات‬ ‫عــن منظمــات وجماعــات ودول تدعــم هــذا الطــرف‪ ،‬أو ذاك‪ .‬وأحــد‬ ‫األخبــار الغربيــة‪ ،‬التــي لفتــت انتبــاه األجهــزة األمنيــة يف املنطقــة‪،‬‬ ‫هــي مــا ادعتــه جهــات أوكرانيــة مــن أنهــا أصابــت أهدا ً​ًفــا روســية يف‬ ‫الســودان‪ .‬لذلــك‪ ،‬فهنــاك مخــاوف مــن أنــه حتــى لــو ضمنــت القــوات‬ ‫املســلحة الســودانية وقــوات الدعــم الســريع وق ً​ًفــا إلطالق النــار‪ ،‬أو‬ ‫انتصــار أحدهمــا علــى اآلخــر‪ ،‬فال توجــد ضمانــات بــأن الكتائــب‬ ‫والقــوى املســلحة األخــرى ســتتوقف عــن القتــال‪ ،‬بــل وقــد توســع‬ ‫وجودهــا يف الــبالد وتخلــق حتالفــات جديــدة مــع اجلماعــات املقاتلــة يف‬ ‫املنطقــة‪ ،‬وتخلــق حالــة مــن اســتدامة األزمــة‪ .‬لذلــك‪ ،‬ال بــد أن تنخــرط‬ ‫حكومــة الرئيــس عبــد الفتــاح البرهــان؛ مدعومــة بتقدمها العســكري يف‬ ‫امليــدان‪ ،‬والتفــاف قطاعــات واســعة مــن الشــعب حولهــا‪ ،‬يف حــوار مــع‬ ‫ضجيًجــا متزايـًدًا مــن بعــض‬ ‫كل القــوى الوطنيــة‪ .‬رغــم أنهــا قــد تواجــه‬ ‫ً‬ ‫اجملموعــات السياســية الصغيــرة‪ ،‬التــي رهنــت مصيرهــا بقــوات الدعــم‬ ‫الســريع‪ ،‬وأيــدت متردهــا علــى الدولــة‪ ،‬إذا لــم يتــم التوصــل إلــى حــل‬ ‫ملشــاكل اســتيعابها يف العمليــة السياســية‪.‬‬ ‫إن عــدم اليــقني هــو كلمــة الســر يف املــدى املنظــور‪ ،‬الــذي أشــرنا إليــه‪،‬‬ ‫ومثلمــا يصطــرع الســودان‪ ،‬ال تــزال إثيوبيــا تصــارع األزمــات يف أقاليــم‬ ‫التيغــراي‪ ،‬واألمهــرة وأوروميــا‪ ،‬وغامبــيال‪ ،‬وســيداما‪ ،‬واألوغاديــن‪ ،‬وبنــي‬ ‫شــنقول‪-‬قومز‪ ،‬واحتمــاالت حــرب أخــرى مــع إريتريــا‪ .‬كمــا أنهــا علــى‬ ‫شــفا حــرب مــع الصومــال بســبب اتفاقيــة أرض الصومــال‪ ،‬ونهــج رئيس‬ ‫الــوزراء أبــي أحمــد جتــاه حاجــة إثيوبيــا لتــأمني الوصــول إلــى البحــر‪،‬‬ ‫التــي قــال إن هنــاك «أخطــاء تاريخيــة وقانونيــة» حرمــت بالده هــذا‬

‫أصابــع االتهــام تشــير لمشــجعين إقليمييــن ودولييــن لتحفيــز إثيوبيــا‬ ‫وأرض الصوم ــال أن يعق ــدا ه ــذه الصفق ــة المثي ــرة للج ــدل والمخ ــاوف‬


‫‪104‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫المــرور اآلمــن لســفن الشــحن أصبــح بعيــد المنــال لذلــك مــن المقــرر‬ ‫أن يســتمر الوجــود العســكري األجنبــي يف المنطقــة ليكــون حالــة دائمــة‬ ‫للوصــول املباشــر إلــى البحــر‪ .‬وحاولــت إثيوبيــا يف املاضــي الوصــول‬ ‫إلــى مينــاء بربــرة يف أرض الصومال مــن خالل اتفــاق ثالثــي بني‬ ‫اإلمــارات وإثيوبيــا وأرض الصومــال‪ .‬كمــا جــرت محــاوالت بني إثيوبيــا‬ ‫وكينيــا‪ ،‬وإثيوبيــا والســودان‪ ،‬وارتفعــت نبــرة احلديــث عــن اقتــراب أديــس‬ ‫أبابــا مــن حتقيــق حلمهــا بوضــع اليــد علــى مينــاء مصــوع يف إريتريــا‪،‬‬ ‫إال أن كل تــلك احملاوالت‪ ،‬أو الرغــبات‪ ،‬ــلم يكــتب لــها النــجاح‪.‬‬ ‫إن الصفقــة احلاليــة هــي اتفاقيــة ثنائيــة ال تشــمل غيرهمــا‪ ،‬لكــن‬ ‫أصابــع االتهــام تؤشــر علــى مشــجعني إقليمــيني ودولــيني ال ُيُســتبعد‬ ‫حثهــم‪ ،‬بــل حتفيزهــم للطــرفني أن يعقــدا هــذه الصفقــة املثيــرة للجــدل‬ ‫واخملاوف‪ .‬فاالتفاقيــة‪ ،‬إذا ُ​ُقــ ِ​ِّد َ​َر لهــا أن تكتمــل خطــوات تنفيذهــا‪،‬‬ ‫ســتعمل علــى تنويــع نقــاط وصــول إثيوبيــا إلــى البحــر‪ ،‬وتقليــل‬ ‫اعتمادهــا الســاحق علــى جيبوتــي يف التجــارة الدوليــة‪ ،‬الــذي يخلــق‬ ‫بــدوره حساســيات اقتصاديــة وسياســية ودبلوماســية مــع احلكومــة‬ ‫اجليبوتيــة‪ ،‬التــي بــادرت بالتعبيــر عــن امتعاضهــا مــن التصرفــات‬ ‫اإلثيوبيــة‪ .‬إذ مــن املؤكــد أن تــؤدي الصفقــة إلــى تأجيــج حالــة عــدم‬ ‫اليــقني وعــدم االســتقرار يف الفضــاء القــاري والبحــري املضطــرب‬ ‫بالفعــل يف القــرن اإلفريقــي‪ .‬فدولتــي إثيوبيــا والصومــال؛ املتحفزتــان‬ ‫للدفــاع عــن موقفيهمــا حــال املضــي قد ً​ًمــا يف هــذه الصفقــة‪ ،‬لــم‬ ‫تســتقرا داخل ً​ًيــا بعــد‪ ،‬خاصــة إثيوبيــا‪ ،‬التــي قــد تلجئهــا صراعاتهــا‬ ‫الداخليــة املتفاقمــة إلــى اإلصــرار علــى تصديرهــا إلــى خــارج احلــدود‪،‬‬ ‫وهــي تــرى يف الصومــال احللقــة األضعــف واألنســب لكســب شــيء مــن‬ ‫الوحــدة التضامنيــة الداخليــة‪ ،‬بعــد أن جربــت يف أوقــات ســابقة خــوض‬ ‫حــروب نشــطة معهــا‪ ،‬وحتتــل إقلي ً​ًمــا مه ً​ًمــا «أغاديــن» مــن أراضيهــا‪،‬‬ ‫تنشــط فيــه حركــة حتريــر ُ​ُم َ​َسـَّلَ َ​َحة قــد تكــون نــواة التســاع دائــرة التــآزر‬ ‫بني القــوى املتمــردة يف كل أنحــاء الصومــال الكبيــر‪ ،‬مبــا فيهــا حركــة‬ ‫الشــباب‪ ،‬والتــي بــدأت يف التعبيــر عــن ردة فعلهــا ضــد مــن ظنــت أنهــم‬ ‫يناــصرون صفــقة هيرغــسا ــمع أدــيس أباــبا‪.‬‬

‫فقدان التوازن‪:‬‬

‫إن معــادالت التوافــق يف منطقــة القــرن اإلفريقــي تــكاد تكــون منعدمــة‪،‬‬ ‫فالســودان‪ ،‬الــذي كان يشــكل نقطــة تــوازن مهمــة‪ ،‬يــرزح يف قبضــة‬ ‫حــرب داخليــة بامتــدادات إقليميــة مدمــرة‪ ،‬وجنــوب الســودان مفتــون‬ ‫بصراعــات القبليــة‪ ،‬التــي ال تهــدأ‪ .‬وإريتريــا‪ ،‬التــي تصاحلــت مــع‬ ‫إثيوبيــا‪ ،‬وحاربــت إلــى جانبهــا يف القضــاء علــى اجلبهــة الشــعبية‬ ‫لتحريــر التيغــراي‪ ،‬أغضبتهــا طموحــات أبــي أحمــد يف الوصــول إلــى‬

‫ـدواٍن ســيأتيها‬ ‫البحــر؛ ســل ً​ًما أو حر�بـًا‪ ،‬فظنــت أنهــا املرشــحة األمثــل لعـ ٍ‬ ‫بليــل‪ ،‬فســارعت إلــى االصطفــاف إلــى جانــب األمهــرة يف حربهــم‬ ‫املتجــددة ضــد الســلطة املركزيــة يف أديــس أبابــا‪ .‬ودولــة جيبوتــي حانقــة‬ ‫علــى غمــوض السياســة اإلثيوبيــة فيمــا يتعلــق بتــأمني بدائلهــا البحريــة‬ ‫بعيــًدًا َ​َع َ​َّمــا اســتقرت عليهــا مواضعــات االقتصــاد بينهمــا‪ ،‬خاصــة‬ ‫يف الصــادرات والــواردات‪ ،‬التــي يســتفيد منهــا البلــدان‪ ،‬كمــا أنهــا ال‬ ‫تســتبعد عدوا ً​ًنــا عليهــا إذا فشــلت صفقــات أبــي أحمــد األخــرى‪.‬‬ ‫وكينيــا ا ُ​ُملْن ََْش ـِغَِلَة بأوضاعهــا الداخليــة وإثيوبيــا ذاتهــا‪ ،‬التــي كان يؤمــل‬ ‫أن تتعافــى من حربهــا األهليــة‪ ،‬التــي دامــت ثالث ســنوات‪ ،‬اســتمرت‪،‬‬ ‫أو دخلــت يف حــروب داخليــة أخــرى أكثــر خطـ ً​ًرا علــى وجودهــا‪ .‬وليــس‬ ‫هنــاك نهايــة يف األفــق للحــرب يف صراعهــا مــع جيرانهــا األقــربني‬ ‫واألبعدــين‪.‬‬ ‫باإلضافــة إلــى عــدم اليــقني املتزايــد بشــأن املالحــة يف البحــر األحمــر‪،‬‬ ‫فــإن الصفقــة بني إثيوبيــا وأرض الصومــال لديهــا القــدرة علــى إثــارة‬ ‫صــراع علــى األرض لــن تقتصــر آثــاره علــى أديــس أبابــا ومقديشــو‬ ‫وحدهمــا‪ ،‬وإمنــا كل اخلشــية مــن احتمــاالت التوســع املتوقعــة إلــى‬ ‫درجــة اليــقني باجتــاه إريتريــا‪ ،‬ورمبــا جيبوتــي‪ .‬وقــد ردت الصومــال بقــوة‬ ‫علــى الصفقــة وســتتعرض لضغــوط «للقيــام بشــيء مــا»‪ ،‬خاصــة وقــد‬ ‫وجــدت مناصــرة قويــة آنيــة مــن أســمرا والقاهــرة‪ ،‬إذ عقــدت األولــى‬ ‫لقــاءات عســكرية رفيعــة املســتوى مــع مقديشــو‪ ،‬فيمــا قالــت الثانيــة‬ ‫علــى لســان الرئيــس عبــد الفتــاح السيســي إن الصومــال تشــملها‬ ‫معاهــدة الدفــاع العربــي املشــترك‪ ،‬وحــذر الطــرف اآلخــر أال يجــرب‬ ‫اللعــب مــع مصالــح مصــر‪ .‬ومــع ذلــك‪ ،‬فــإن قــدرة الصومــال علــى شــن‬ ‫عمليــة عســكرية فعالــة ضــد أرض الصومــال‪ ،‬أو إثيوبيــا‪ ،‬أو كليهمــا‬ ‫محــدودة‪ ،‬كمــا أن قــدرة إثيوبيــا علــى املضــي قد ً​ًمــا يف اخلطــورة‪ ،‬ولــو‬ ‫أدى األمــر ملواجهــة عســكرية‪ ،‬هــي األخــرى محــدودة للغايــة‪ .‬رغــم أن‬ ‫إمكانيــة املغامــرات غيــر احملســوبة متوفــرة جـًدًا عنــد هــذا الطــرف‪ ،‬أو‬ ‫ذاك‪ ،‬ممـمن اــستثمروا الوــقت واملال واجلــهد يف توقــيع ــهذه الصفــقة‪.‬‬ ‫ومثلمــا لــم تتمكــن إثيوبيــا مــن القضايــا علــى معرضيهــا‪ ،‬وإطفــاء نــار‬ ‫الصراعــات املشــتعلة يف غالــب أقاليــم الــبالد‪ ،‬لــم تتمكــن الصومــال‬ ‫من هزميــة متــرد حركــة الشــباب‪ ،‬وكافحــت كثيــ ً​ًرا مــن أجــل بســط‬ ‫ســلطتها على مســاحات شاســعة مــن األراضــي اخلاضعــة لســيطرتها‪،‬‬ ‫وحتــاول إخضــاع بعــض األقاليــم املتفلتــة‪ ،‬أو النزاعــة لالســتقالل؛‬ ‫بــخالف أرض الصومــال‪ .‬إن احلــرب مــع إثيوبيــا‪ ،‬أو أرض الصومــال‬ ‫ســتصرف االنتبــاه حت ً​ًمــا بعي ـًدًا عــن عمليــات مــا يســمى بـ»مكافحــة‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪103‬‬

‫ملف العدد‬

‫تســللت المنافســة العالميــة للمنطقــة عبــر التحديــات لالســتفادة مــن الموانــئ‬ ‫والغــذاء واألمــن والطاقــة والمعــادن ويف كل مــرة تتخــذ ذريعــة جديــدة لوجودهــا‬ ‫الهجمــات وقــرار شــركات الشــحن العامليــة الكبــرى بتعليــق العبــور‬ ‫عبــر البحــر األحمــر علــى هشاشــة هــذا الطريــق البحــري عبــر بــاب‬ ‫املنــدب وخليــج عــدن‪ .‬رغــم أنــه‪ ،‬منــذ ظهــور دول اخلليــج كقلــب للطاقــة‬ ‫يف العالــم‪ ،‬زادت األهميــة االســتراتيجية خلليــج عــدن بشــكل كبيــر‪،‬‬ ‫فأصبح مه ً​ًمــا لصــادرات هــذه الطاقــة إلــى أوروبــا وأمريــكا‪ .‬لذلــك‪،‬‬ ‫علــى مــر الســنني‪ ،‬اكتســبت املوانــئ الواقعــة علــى اخلليــج أهميــة‬ ‫جيوسياســية متزايــدة‪ .‬ولذلــك‪ ،‬ور ً​ًدا علــى تهديــدات احلوثــيني‪،‬‬ ‫نشــرت البحرية األمريكيــة‪ ،‬إلــى جانــب شــركاء رئيســيني مــن بينهــم‬ ‫بريطانيا‪ ،‬ســفًنًا حربيــة يف املنطقــة‪ .‬ويف هــذه البيئــة االســتراتيجية‬ ‫املتقلبــة مت اإلعالن عــن االتفــاق بني إثيوبيــا وأرض الصومــال إليجــار‬ ‫مســاحة أرض إلقامــة مينــاء‪ ،‬وقاعــدة بحريــة‪ ،‬هيــأت لهــا بتأســيس‬ ‫معهــد للتدريبــات العســكرية البحريــة‪ ،‬وشــرعت يف البحــث عــن‬ ‫قطــع بحريــة لشــرائها‪ .‬ومثلمــا تتســابق دول املنطقــة علــى املوانــئ‬

‫والعســكرة‪ ،‬فقــد ســعى الالعبــون العامليــون واإلقليميــون الرئيســيون‬ ‫إلــى إنشــاء قواعــد يف القــرن اإلفريقــي‪ ،‬كان جليبوتــي احلــظ األوفــر‬ ‫يف اــستضافتها‪.‬‬

‫عسكرة المنطقة‪:‬‬

‫لقــد وســعت دول عديــدة؛ مثــل الواليــات املتحــدة‪ ،‬وروســيا‪ ،‬والــصني‪،‬‬ ‫واململكــة العربيــة الســعودية‪ ،‬وتركيــا‪ ،‬واإلمــارات العربيــة املتحــدة‪ ،‬بشــكل‬ ‫منهجــي بصماتهــا العســكرية يف املنطقــة‪ ،‬األمــر الــذي جعــل مــن‬ ‫ســاحل البحــر األحمــر وخليــج عــدن بأكملــه‪ ،‬مــن الســويس املصريــة يف‬ ‫الشــمال إلــى الصومــال يف اجلنــوب‪ ،‬منطقــة تكــدس عســكري شــديد‬ ‫اخلطــر‪ .‬ومنــذ أن أصبحــت إثيوبيــا دولــة غيــر ســاحلية عنــد انفصــال‬ ‫إريتريــا يف أوائــل تســعينيات القــرن العشــرين‪ ،‬كانــت أديــس أبابــا تبحــث‬ ‫عــن الوصــول إلــى البحــر‪ ،‬ممــا يجعــل الصفقــة احتمــااًلا حقيق ً​ًيــا‬


‫‪102‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫أفضــل مــا يخــدم المنطقــة االعتيــاد عىل التعامــل مــع مشــاكلها وبنــاء‬ ‫ثقافــة التكيــف وإدارة أمنهــا يف عصــر مراكــز القوى العالمية المتنافســة‬ ‫القــرن اإلفريقــي متشــابكة يف احلقيقــة مــع أمنــاط الصــراع احلاليــة‪،‬‬ ‫والناشــئة‪ ،‬ومــا ميكــن أن يخلقــه التعــاون مــن مقاربــات إقليميــة لألمــن‬ ‫البحــري يف بــاب املنــدب وخليــج عــدن‪ ،‬وعلــى طــول البحــر األحمــر‪ ،‬ومــا‬ ‫يشــكله ذلــك مــن أهميــة بالغــة األثــر علــى املالحــة الدوليــة يف هــذا‬ ‫املمــر املائــي الهــام‪ .‬فتقليد ً​ًيــا‪ُ ،‬يُشــير مصطلــح «القــرن اإلفريقــي”‪ ،‬أو‬ ‫ببســاطة “القــرن”‪ ،‬إلــى اجلــزء الشــمالي الشــرقي مــن إفريقيــا ويحــده‬ ‫البحــر األحمــر واحمليــط الهنــدي‪ ،‬والــذي ميتــد يف الغــرب إلــى احلــدود‬ ‫الغربيــة للســودان‪ .‬رغــم أنــه عــادة مــا يكــون مفهو ً​ًمــا أن دول إثيوبيــا‪،‬‬ ‫وإريتريــا‪ ،‬والصومــال‪ ،‬وجيبوتــي‪ ،‬هــي‪ ،‬التــي تشــكل املنطقــة املعروفــة‬ ‫بـ»القــرن»‪ ،‬علــى الرغــم مــن أنــه يشــمل حال�يـًا دولتــي كينيــا والســودان‬ ‫بقســميه‪ .‬لذلــك‪ ،‬جنــد بعــض املراقــبني يســتخدمون مصطلــح «القــرن‬ ‫األكبــر”‪ ،‬الــذي يشــمل أوغنــدا ومنطقــة البحيــرات الكبــرى حتــت هــذا‬ ‫العنــوان‪.‬‬ ‫وألغــراض هــذا املقــال‪ ،‬فــإن مفهــوم «القــرن اإلفريقــي” يشــمل الســودان‪،‬‬ ‫وجنــوب الســودان‪ ،‬وإريتريــا‪ ،‬وجيبوتــي‪ ،‬والصومــال‪ ،‬وكينيــا‪ ،‬ويوغنــدا‪،‬‬ ‫وإثيوبيــا‪ .‬وهــذه البلــدان تشــترك يف مجموعــة واســعة مــن أوجــه‬ ‫التشــابه‪ ،‬مــن حيــث الثقافــة واللغــات واألديــان‪ ،‬والهيــاكل االجتماعيــة‪،‬‬ ‫واألمنــاط االقتصاديــة‪ .‬و”القــرن اإلفريقــي”‪ ،‬بهــذا الفهــم‪ُ ،‬يُتاخــم واحــدة‬ ‫مــن أكثــر الطــرق البحريــة الهامــة يف العالــم‪ ،‬أو عمل ً​ًيــا كل املمــرات‬ ‫املالحيــة عبــر البحــر األحمــر؛ مثــل‪ ،‬خليــج عــدن وغــرب احمليــط‬ ‫ً‬ ‫وأيًضــا‬ ‫الهنــدي‪ ،‬التــي تعتبــر حاســمة بالنســبة للتجــارة العامليــة‪،‬‬ ‫باعتبارهــا ممــر عبــور مهــم لشــحنات النفــط‪ .‬فــاجملال البحــري ُيُ َ​َع ـُّدُ‬ ‫هــو اآلخــر محور�يـًا لــدول املنطقــة يف اجملال االجتماعــي واالقتصــادي‪،‬‬ ‫ألن اجلــزء األكبــر مــن االســتيراد والتصديــر لتلبيــة احتياجاتهــا ميــر‬ ‫عبــر موانــئ البحــر األحمــر وخليــج عدن وغــرب احمليــط الهنــدي‪.‬‬ ‫كمــا اجملال البحــري هــو ً‬ ‫أيًضــا مصــدر الصــادرات والتغذيــة لســكان‬ ‫الواليــات الســاحلية يف املنطقــة‪ ،‬إذ تتمتــع الصومــال بخــط ســاحلي‬ ‫يبلــغ ‪ 3,025‬كــم‪ ،‬وإريتريــا مبــا طولــه ‪ 2234‬كــم‪ ،‬والســودان يتجــاوز طــول‬ ‫ســاحله ‪ 853‬كــم‪ ،‬ويقــدر طــول ســاحل كينيــا بـــ‪ 536‬كــم‪ ،‬فيمــا تشــغل‬ ‫جيبوتــي ‪ 314‬كــم‪.‬‬

‫اللغز الجيوسياسي‪:‬‬

‫كشــفت طموحــات؛ مــا ميكــن أن ُنُطلــق عليــه اآلن «إمبراطوريــة أوروميــا»‬ ‫املوعــودة‪ ،‬وديناميكيــات القــرن اإلفريقــي املعقــدة‪ ،‬التحــوالت املتوقعــة‬ ‫يف إثيوبيــا وخارجهــا‪ .‬ففــي الفــاحت مــن ينايــر ‪2024‬م‪ ،‬وقعــت إثيوبيــا‬ ‫ِرَِمــت‬ ‫صفقــة مــع أرض الصومال للوصــول إلــى البحــر‪ ،‬الــذي ُ​ُح َ‬

‫منــه منــذ انفصــال‪ ،‬أو اســتقالل إريتريــا يف العــام ‪1991‬م‪ ،‬وهــذا أمــر‬ ‫هــددت حكومــة أديــس أبابــا‪ ،‬علــى لســان رئيــس الــوزراء أمــام بــرملان‬ ‫َص َ​َّعــد التوتــر‬ ‫بالده‪ ،‬علــى حتميــة اإلقــدام عليــه ســل ً​ًما‪ ،‬أو حر ً​ًبــا‪ ،‬مــا َ‬ ‫ً‬ ‫مــع أســمرا‪ ،‬كمــا لــم تخــف جيبوتــي والصومــال انزعاجهمــا‪ .‬ووفًقــا‬ ‫لالتفــاق‪ ،‬ســتعترف إثيوبيــا بإقليــم أرض الصومــال املتمتــع باحلكــم‬ ‫الذاتــي مقابــل الوصــول إلــى البحــر وبنــاء قاعــدة عســكرية‪ ،‬التــي كثيـ ً​ًرا‬ ‫مــا حلمــت بهــا احلكومــات اإلثيوبيــة املتعاقبــة‪ ،‬بعــد أن أصبحــت دولــة‬ ‫حبيســة‪ .‬فقــد صــارت أكبــر دولــة غيــر ســاحلية يف العالــم‪ ،‬رغــم أنــه‬ ‫قــد ُنُِظِ ـ َ​َر إليهــا كمحــرك منــو متســارع يف القــرن اإلفريقــي‪ ،‬قبــل أن‬ ‫تدــخل يف دواــمة صراعاتــها الداخلــية‪.‬‬ ‫إن الصفقــة‪ ،‬إذا ُ​ُقــ ِ​ِّد َ​َر لهــا أن تتــم‪ ،‬ستســمح إلثيوبيــا بالوصــول إلــى‬ ‫خليــج عــدن‪ ،‬ولكــن كان رد الصومــال ســري ً​ًعا وصاع ً​ًقــا‪ ،‬فمقديشــو‬ ‫مــا تــزال متمســكة بحقيقــة أن أرض الصومــال‪ ،‬التــي أعلنــت عــن‬ ‫اســتقاللها مــن جانــب واحــد‪ ،‬جــزء مــن أراضيهــا‪ ،‬لذلــك تصرفــت‬ ‫بغضب علــى اإلعالن عــن الصفقــة‪ .‬وقــد ُنُِظِ ــ َ​َر إلــى االتفــاق علــى‬ ‫أنــه خــرق للســيادة الصوماليــة وسالمــة أراضيهــا‪ ،‬علــى الرغــم مــن أن‬ ‫الصومــال لــم يتمكــن مــن بســط ســيطرته علــى أرض الصومــال منــذ‬ ‫عــام ‪1991‬م‪ ،‬لكــن الصفقــة لديهــا القــدرة علــى إعــادة تشــكيل اجلغرافيا‬ ‫السياســية لغــرب احمليــط الهنــدي‪ ،‬األمــر الــذي يصعــب علــى الصومال‬ ‫وحلفائهــا القبــول بــه‪ ،‬أو الســكوت عنــه‪ .‬فــأرض الصومــال تقــع علــى‬ ‫الســاحل اجلنوبــي خلليــج عــدن‪ ،‬الــذي ظــل مم ـ ً​ًرا مائ ً​ًيــا مه ً​ًمــا مــن‬ ‫الناحيــة االســتراتيجية منــذ افتتــاح قنــاة الســويس يف عــام ‪1869‬م‪.‬‬ ‫واملعلــوم أن مضيــق بــاب املنــدب يربــط خليــج عــدن بالبحــر األحمــر‬ ‫ويوفــر أقصــر طريــق لربــط آســيا بأوروبــا‪ .‬لذلــك‪ ،‬بــرز كنقطــة ســاخنة‬ ‫جيوســتراتيجية علــى مــدى الســنوات القليلــة املاضيــة لعــدة أســباب؛‬ ‫منهــا القرصنــة‪ ،‬وتكاثــف االهتمــام بــه أكثــر بعــد ربــط احلوثــيني‬ ‫اليمنــيني لــه مبــا يجــري مــن عــدوان علــى غزة‪ .‬ولذلــك‪ ،‬يعتبــر هــذا‬ ‫االتفــاق محاولــة إلعــادة تشــكيل اجلغرافيــا السياســية واالســتراتيجية‬ ‫يف املنطقــة‪ ،‬لــن جتعــل مــن اليمــن وحــده هــو النقطــة الســاخنة‪ ،‬بــل‬ ‫أن اإلقليــم بقضــه وقضيضــه مقبــل علــى صــراع ال يعلــم أحــد مــداه‪،‬‬ ‫غيــر أن املؤكــد فيــه هــو أن املالحــة يف البحــر األحمــر لــن تعــود آمنــة‬ ‫كمــا كانــت‪.‬‬ ‫لهــذا‪ ،‬ففــي األســابيع القليلــة األخيــرة‪ ،‬كان خليــج عــدن وجنــوب البحــر‬ ‫األحمــر يف األخبــار بســبب هذه الصفقــة‪ ،‬وموجــة الهجمــات علــى‬ ‫ســفن الشــحن‪ ،‬التــي أطلقهــا احلوثيــون يف اليمــن‪ .‬وقــد أكــدت هــذه‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪101‬‬

‫ملف العدد‬

‫اإلبحار في عين العاصفة‪ :‬نحو أمن مشترك في منطقة البحر األحمر‬

‫جنوب البحر األحمر معرض لخطر سلسلة صراعات‬ ‫واندالع حروب بالوكالة يف أهم رررررررر‬ ‫حواضرها‬ ‫تكاثفــت العديــد مــن اخملاطــر يف بــاب املنــدب وخليــج عــدن‪ ،‬التــي جتلــب معهــا عــادة غيــر قليــل مــن التحديــات والفــرص‪.‬‬ ‫فتحــدي املالحــة يف جنــوب البحــر األحمــر أوجــد حتديــات بالغــة األثــر علــى حركــة التجــارة العامليــة‪ ،‬وبقــي علــى اإلقليــم‬ ‫املمتــد شــرقه وغربــه أن يتــدارك مــا ميكــن أن تتســبب فيــه هــذه األزمــة‪ ،‬بأبعادهــا اخملتلفــة‪ ،‬مــن وضــع حواجــز تســتعصي علــى‬ ‫التجــاوز يف العالقــات العربية‪-‬اإلفريقيــة‪ ،‬أو عالقــات كل املنطقــة ببقيــة العالــم‪ ،‬إذا اســتمر هــذا التعطيــل للمصالــح اجلماعيــة‪.‬‬ ‫فقــد ظلــت هــذه املنطقــة محفوفــة باخملاطــر‪ ،‬وتتعامــل مــع أزمــات طــال أمدهــا؛ كاإلرهــاب‪ ،‬والتحــوالت الصعبــة‪ ،‬مــع مزيــج‬ ‫مــن القضايــا الســاخنة املترابطــة‪ :‬ارتفــاع تكاليــف املعيشــة‪ ،‬وأزمــة التمويــل‪ ،‬وأزمــة النمــو‪ ،‬وأزمــة املنــاخ‪ ،‬ولكنهــا ُ​ُم َ​َش ـ َ​َّب َ​َع ٌ​ٌة ً‬ ‫أيًضــا‬ ‫فرًصــا ال حصــر لهــا‪ .‬لذلــك‪ ،‬ال بــد‬ ‫بالفــرص‪ .‬فقــد علمتنــا التجــارب أن جميــع األزمــات؛ مثلمــا هــي تخلــق حتديــات‪ ،‬فإنهــا تتيــح ً‬ ‫مــن إيجــاد ســبل عمليــة للمضــي قد ً​ًمــا يف اســتكمال‪ ،‬أو تأثيــث‪ ،‬مــا هــو إيجابــي حلاضــر شــعوب املنطقــة ومســتقبلها‪ ،‬ومواصلــة‬ ‫الدفــع نحــو جــدول األعمــال العربي‪-‬اإلفريقــي للــسالم واألمــن‪ ،‬واحلكــم الرشــيد‪ ،‬والتكامــل اإلقليمــي‪ ،‬والتعبيــر عــن الطموحــات‬ ‫وف ً​ًقــا لتصــورات حتقيقهــا مبــا ميتلكــه اجلانبــان مــن إمكانيــات‪ ،‬ومجتمعــات محتشــدة بالتنــوع والتعــدد الفعــال‪.‬‬

‫د‪ .‬الصادق الفقيه‬

‫ويف اآلونــة األخيــرة‪ ،‬تســللت املنافســة العامليــة إلــى املنطقــة عبــر هــذه‬ ‫التحديــات‪ ،‬وال ســيما تلــك احلريصــة علــى تــأمني املوانــئ والغــذاء‬ ‫واألمــن والطاقــة واملعــادن وحريــة التجــارة بــأي ثمــن‪ .‬ويف كل مــرة تتخــذ‬ ‫لهــا ذريعــة جديــدة لتثبيــت وجودهــا وتوســيعه‪ ،‬حتــى لــو انتفــت احلاجــة‬ ‫إليــه‪ .‬فقــد جــاءت بهــم دعــاوى احلــرب علــى اإلرهــاب‪ ،‬ومكنتهــم أحداث‬ ‫القرصنــة‪ ،‬التــي نشــط فيهــا الصوماليــون يف خليــج عــدن‪ ،‬يف زمــن‬ ‫مضــى‪ ،‬ومــا يزالــون قائــمني علــى قواعدهــم العســكرية‪ ،‬مدجــجني‬ ‫إلمكانياتهــا‪ ،‬مــن دون أن يراجعــوا أســباب وجودهــا يف األســاس‪ .‬ومبــا‬ ‫أن الهجمــات‪ ،‬التــي يشــنها احلوثيــون مرتبطــة بحــرب غــزة‪ ،‬التــي‬ ‫التقــت فيهــا مشــاعر ومواقــف العــرب واألفارقــة‪ ،‬فــإن املــرور اآلمــن‬ ‫لســفن الشــحن‪ ،‬التــي متخــر العبــاب عبــر خليــج عــدن والبحــر األحمــر‬ ‫أصبــح بعيــد املنــال‪ ،‬وأكثــر مــن أي وقــت مضــى‪ .‬لذلــك‪ ،‬مــن املقــرر‬ ‫أن يســتمر الوجــود العســكري األجنبــي يف املنطقــة‪ ،‬ويضــاف إليــه‬ ‫مــن املبــررات مــا يجعلــه حالــة دائمــة‪ ،‬تســتدعي «العســكرة»‪ ،‬ليــس‬ ‫فقــط الســتقرار األمــن‪ ،‬وإمنــا قــد متتــد إلــى محــاوالت تقريــر مصيــر‬

‫االقتصــاد والتجــارة واجلغرافيــة السياســية للمنطقــة‪ .‬ويضيــف دخــول‬ ‫إثيوبيــا وطموحاتهــا إلــى التفــوق اإلقليمــي بعـًدًا آخــر لهــذه الديناميكيــة‬ ‫االســتراتيجية املتطــورة‪ ،‬التــي ال تعبــأ كثي ـ ً​ًرا بفــروض حســن اجلــوار‪.‬‬ ‫ويف عالــم ال يعنــي فيــه القانــون الدولــي شــي ً​ًئا‪ ،‬كمــا أثبتــت ذلــك كل‬ ‫أزمــات العــرب واألفارقــة‪ ،‬فــإن دفــع األقويــاء لفــرض واقعهــم ميكــن أن‬ ‫يعيــد تصميــم حدودنــا ويغــرق املنطقــة برمتهــا يف اضطرابــات كبــرى‪.‬‬ ‫بيــد أن كل هــذه األزمــات‪ ،‬كل هــذه األزمــات‪ ،‬حبلــى بالفــرص‪ ،‬التــي‬ ‫علينــا أن ُنُحســن اقتناصهــا‪.‬‬

‫يف المنهج‪:‬‬

‫يف هــذا املقــال ُنُ�ع ـ َِِّرف مصطلــح «املنطقــة» مبــا يعنــي أن نظا ً​ًمــا فرع�يـًا‬ ‫متميـًزًا وها ً​ًمــا لألمــن يوجــد بني مجموعــة مــن الــدول‪ ،‬التــي أوجدهــا‬ ‫القــدر متجــاورة يف القــرن اإلفريقــي‪ ،‬وحبســها القــرب اجلغــرايف مــع‬ ‫دول اخلليــج‪ ،‬ولهــا جمي�ع ـًا عالقــات متحركــة وف ً​ًقــا ملقتضيــات املصالــح‬ ‫اخملتلفة‪ .‬وبنــاء علــى ذلــك‪ ،‬فــإن االفتــراض هــو أن دول منطقــة‬


‫‪100‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫طهـــران تركـــت المراهقـــة السياســـية و الثوريـــة لتالميذهـــا‬ ‫يحاربـــون عنهـــا بالوكالـــة يف العـــراق وســـوريا ولبنـــان واليمـــن‬ ‫األحمــر يف قواعــد النقــب‪ ،‬وتقــوم هــذه القــوات بدوريــات وطلعــات فــوق‬ ‫هــذا البحــر حتــى مدخلــه اجلنوبــي فــضاًلا عــن تواجــد قــوات فرقــة‬ ‫مدرعــة إســرائيلية كبيــرة توجــد يف املنطقــة العســكرية اجلنوبيــة قري�بـًا‬ ‫مــن البحــر األحمــر‪ ،‬وتعمــل يف مجــاالت االســتطالع واملســاحة وتخزيــن‬ ‫األســلحة والعمــل يف البحــر بالتعــاون مــع القــوات األمريكيــة يف عمليــة‬ ‫الســياق مــن املهــم مالحظــة أن الدعــوة األمريكيــة للتحالــف العســكري‬ ‫اجلديــد قــد كشــفت علًنًــا عــن احلالــة التنافســية يف املعســكر‬ ‫الغربــي ألول مــرة إذ قالــت فرنســا أنهــا متمســكة بــأن تكــون حتركاتهــا‬ ‫العســكرية يف البحــر األحمــر حتــت قيادتهــا‪ ،‬ورمبــا يكــون ذلــك ر ً​ًدا‬ ‫علــى الســلوك األمريكــي املضــاد لهــا يف دول الســاحل والــذي كســبت يف‬ ‫واشــنطن مســاحات جديــدة يف إفريقيــا علــى حســاب باريــس ‪.‬‬ ‫وبطبيعــة احلال ال ميكــن عــزل األداء األمريكــي الراهــن يف البحــر‬ ‫األحمــر عــن الصــدام االســتراتيجي بني الواليــات املتحــدة مــن جهــة‬ ‫وكل مــن الــصني وروســيا مــن جهــة أخــرى‪ ،‬حيــث يشــكل مشــروع احلــزام‬ ‫والطريــق الصينــي حتد�يـًا اســتراتيج ً​ًيا للواليــات املتحــدة التــي تعتبــره‬ ‫مشــروع هيمنــة عاملــي وهــو األمــر الــذي يفســر املوقــف الصينــي‬ ‫الســاعي إلــى حتجيــم التصعيــد العســكري والوجــود الغربــي العســكري‬ ‫يف البحــر األحمــر‪ ،‬حيــث تنطــوي األهــداف األمنيــة املعلنــة مــن جانــب‬ ‫الواليــات املتحــدة أنهــا مرافقــة نــاقالت النفــط والســفن التجاريــة‪،‬‬ ‫وحمايــة حريــة املالحــة ومكافحــة اإلرهــاب والقرصنــة وحمايــة املصالــح‬ ‫اخلاصــة بالــدول املتنافســة‪ ،‬حيــث تســتخدم قواعــد االنــطالق‪ ،‬وذلــك‬ ‫لتنفيــذ مهمــات عســكرية وعمليــات وللحصــول علــى أكبــر عــدد مــن‬ ‫احللفــاء واألصدقــاء يف املقابــل فرمبــا ثمــة أهــداف غيــر معلنــة تنطــوي‬ ‫علــى وضــع اليــد علــى اإلمكانيــات والثــروات والســيطرة علــى األســواق‬

‫واملنطقــة االســتراتيجية وفــرض الهيمنــة األمنيــة والعســكرية والتدخــل‬ ‫بالشــؤون الداخليــة لــدول املنطقــة إضاف ـ ً​ًة إلــى وضــع أطــراف أخــرى‬ ‫يف هــذا الســياق هنــاك تقيي ً​ًمــا للضربــات األمريكيــة ضــد احلوثــيني‬ ‫أنهــا جــاءت ضمــن قواعــد «االشــتباك احملــدود» حيــث لــم تســتهدف‬ ‫البنيــة الرئيســية التحتيــة للحوثــيني أو مراكــز املناطــق احليويــة‬ ‫بصنعــاء أو حتــى مراكــز القيــادة السياســية‪ .‬وكشــفت تقاريــر بســبق‬ ‫تبليــغ احلوثــيني بالعمليــات قبــل تنفيذهــا بحوالــي ‪ 8‬ســاعات وهــو‬ ‫اــلذي ــسمح للحوــثيني بــترك املواــقع املــستهدفة‬ ‫إجمـااًلا يبــد لنــا أنــه علــى الرغــم مــن الســعي الغربــي اإليرانــي املشــترك‬ ‫بعــدم توســيع العلميــات العســكرية املترتبــة علــى طوفــان األقصــى‬ ‫لتصــل إلــى حــرب إقليميــة ‪،‬يبــدو لنــا أن هــذه اجملهــودات قــد تكــون‬ ‫مهــددة بتوجــه لــدى الفواعــل غيــر الرســمية العربيــة حمــاس وحــزب‬ ‫اهلل بتوســيع نطــاق احلــرب مبــا يســمح باســتنزاف كل مــن إســرائيل‬ ‫ومــن ورائهــا الواليــات املتحــدة ورمبــا عبــر عمليــات اســتنزاف طويلــة‬ ‫مــن هــذا النــوع نشــهد صعــو ً​ًدا روســيا يف أوكرانيــا وقــدرات صينيــة‬ ‫متعاظمــة يف بحــر الــصني اجلنوبــي وهــو مــا يشــكل خســائر باجلملــة‬ ‫لواشــنطن عليهــا أن تتحســب لهــا وتبلــور اســتراتيجية بضــرورة حــل‬ ‫القضيــة الفلســطينية بشــكل نهائــي وإال فســوف تكــون هــي دون‬ ‫غيرهــا مــن يتحمــل تكاليــف باهظــة الســتمرار التفــاعالت الصراعيــة‬ ‫يف الشــرق األوســط ‪.‬‬ ‫*خبري الدراسات اإلفريقية ــ مركز األهرام للدراسات السياسية واالسرتاتيجية‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫تداعيــات عمليــة «طوفــان األقصــى» التــي شــنتها املقاومة الفلســطينية‪،‬‬ ‫حيــث مــن املتوقــع تراجــع قيمــة التجــارة اخلارجيــة اإلســرائيلية البالغــة‬ ‫حاليــا ‪ ١٨٠،٧‬مليــار دوالر عــام ‪ ٢٠٢٢‬وف ً​ًقــا للبنــك الدولــي‪.‬‬ ‫أمــا علــى الصعيــد املصــري فــإن هنــاك جملــة مــن التحديــات التــي‬ ‫يواجههــا االقتصــاد املصــري نتيجــة تفــاعالت القــرن اإلفريقــي واحلــرب‬ ‫علــى غــزة إذ أن عــدم حــل أزمة ســد النهضة يشــكل ضغوطــا اقتصادية‬ ‫علــى مصــر وذلــك مــن زاويــة تكاليــف مواجهــة الشــح املائــي املرتبــط‬ ‫بزيــادة الســكان وإمكانيــة تقلــص احلصــة املائيــة املصريــة‪ ،‬أمــا علــى‬ ‫صعيــد التهديــدات األمنيــة يف البحــر األحمــر فــإن اخلســائر املصريــة‬ ‫قــد تصــل لـــ ‪ 5‬مليــارات دوالر خالل عــام ‪٢٠٢٤‬م‪ ،‬طب ً​ًقــا للمؤشــرات‬ ‫التــي طرحهــا الفريــق أســامة ربيــع رئيــس هيئــة قنــاة الســويس‪ ٪٤٠‬منــذ‬ ‫بدايــة العــام مقارنــة بعــام ‪2023‬م‪ ،‬بعــد أن أدت هجمــات احلوثــيني يف‬ ‫اليمــن علــى ســفن إلــى حتويــل مســار إبحارهــا بعيــدا عــن هــذا املمــر‬ ‫وأشــار إلــى أن التراجــع جــاء بواقــع ‪ 544‬ســفينة مقارنــة بـــ ‪ 777‬ســفينة‬ ‫العــام املاضــي‪ ،‬بينمــا تراجعــت احلمــوالت بنســبة ‪ %41‬يف ذات الفتــرة‬ ‫مقارنــة بعــام ‪٢٠٢٣‬م‪.‬‬ ‫وقــد اســتبقت الواليــات املتحــدة فاعليتهــا العســكرية بفاعليتهــا‬ ‫السياســية حيــث أعلنــت يف ‪ 18‬ديســمبر ‪2023‬م‪ ،‬تشــكيل قــوة “حــارس‬ ‫االزدهــار” وضمــت وفق ـًاً لبيــان واشــنطن (‪ )20‬دولــة وذلــك حلمايــة‬ ‫أمــن البحــر األحمــر و ضمــان حريــة املالحــة ومنــع اســتهداف الســفن‬ ‫يف نطــاق البحــر األحمــر وخليــج عــدن‪ .‬وبحســب وزارة الدفــاع‬ ‫األمريكيــة “البنتاغــون” فــإن هــذه القــوة مبثابــة مبــادرة أمنيــة جديــدة‬ ‫ومهمــة متعــددة اجلنســيات‪ُ ،‬أُنشــئت حتــت مظلــة القــوات البحريــة‬ ‫املشــتركة وقيــادة قــوة املهــام املشــتركة (‪ )153‬التــي تركــز علــى تــأمني‬ ‫البحــر األحمــر‪.‬‬ ‫ويف هــذا الســياق قامــت أمريــكا بتنفيــذ ضربــات عســكرية ضــد‬ ‫احلوثــيني واســتهدفت مراكــز إطالق الصواريــخ واملقــرات العســكرية‬ ‫ومراكــز التدريــب بشــمال اليمــن‪ ،‬بعــد أن وفــر قــرار مجلــس األمــن‬ ‫رقــم ‪ ٢٧٢٢‬والصــادر يف ‪١٠‬ينايــر مشــروعية للضربــات األمريكيــة‬ ‫ضــد ميليشــيا احلوثــي باعتبارهــا مهــد ً​ًدا للمالحــة الدوليــة يف البحــر‬ ‫األحمــر‪.‬‬ ‫وقــام االحتــاد األوروبــي يف ‪ 22‬ينايــر ‪2024‬م‪ ،‬بــاإلعالن عــن اتفــاق‬ ‫بعمليــة عســكرية لتــأمني الشــحن البحــري بالبحــر األحمــر تبــدأ‬ ‫مهامهــا يف األســبوع الثالــث مــن فبرايــر حيــث تنفصــل هــذه العمليــة‬ ‫عــن عمليــة أتالنتــا التــي مقرهــا إســبانيا التــي تركــز علــى حمايــة‬ ‫املالحــة البحريــة أمــام ســواحل الصومــال‪ ،‬وواجهــت الســطو املســلح‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪99‬‬

‫ملف العدد‬

‫والقرصنــة والتهريــب والشــبكات اإلرهابيــة‪ ،‬كذلــك توفيــر احلمايــة‬ ‫ملســاعدات برنامــج األغذيــة العاملــي داخــل منطقــة العمليــات‪ .‬وطب ً​ًقــا‬ ‫لإلحصــاءات فقــد قامــت عمليــة أتالنتــا بالفتــرة مــن ‪2012- 2009‬م‪،‬‬ ‫بحوالــي ‪ 171‬عمليــة للقبــض علــى قراصنــة وحتويلهــم للســلطات‬ ‫اخملتصــة باملنطقــة واحتجــزت (‪ )134‬ســفينة كمــا قبضــت علــى أكثــر‬ ‫مــن ‪ 2100‬مــن القراصنــة واملنخــرطني بأعمــال التهريــب‪ ،‬ووفــرت‬ ‫احلمايــة حلوالــي (‪ )2214‬ســفينة‪.‬‬

‫ثالًثًا تقييم االستجابات الدولية واإلقليمية‪:‬‬

‫علــى الرغــم مــن أن الواليــات املتحــدة فــد أعلنــت عــن مشــاركة ‪٢٠‬‬ ‫دولــة يف حتالــف االزدهــار املعنــي بحمايــة املالحــة يف البحــر األحمــر‬ ‫فــإن غالبيــة الــدول األوروبيــة بقيــت خــارج هــذا التحالــف فيمــا عــدا‬ ‫بريطانيــا‪ ،‬حيــث أعلنــت إســبانيا وإيطاليــا وفرنســا أنهــم غير مشــاركني‬ ‫‪.‬فيــه و قالــت وزارة الدفــاع اإلســبانية إنهــا ستشــارك فقــط يف املهــام‬ ‫التــي يقودهــا حلــف الناتــو أو العمليــات التــي يقــوم االحتــاد األوروبــي‬ ‫بتنســيقها‪ ،‬فيمــا أعلنــت رومــا أنــه «تلبيــة لطلــب محــدد مــن مالكــي‬ ‫الســفن اإليطالــيني»‪ ،‬أرســلت الفرقاطــة «فيرجينيــو فاســان» للقــوات‬ ‫البحريــة إلــى البحــر األحمــر بغيــة حمايــة املصالــح الوطنيــة‪ ،‬مؤكــدة‬ ‫أن هــذا جــزء مــن عملياتهــا اخلاصــة وال عالقــة لهــا بعمليــة «حــارس‬ ‫االزدهــار األمريكيــة‪ ،‬أمــا املوقــف الفرنســي فقــد تبلــور العمــل حتــت‬ ‫قيــادة فرنســية منفــردة‪.‬‬ ‫يف هــذا الســياق رفضــت أســتراليا بوضــوح إرســال ســفن حربيــة‬ ‫وطائــرات للمشــاركة يف مرافقــة الســفن يف البحــر‪ ،‬أمــا هولنــدا فقــد‬ ‫أعلنــت أنهــا سترســل ضابــطني فقــط‪ ،‬يف حني قالــت النرويــج إنهــا‬ ‫سترســل عشــرة جنــود مــن القــوات البحريــة إلــى مقــر «القــوات البحريــة‬ ‫املشــتركة» يف البحريــن‪ ،‬الدمنــارك‪ ،‬فأعلنــت نيتهــا يف إرســال ضابــط‪.‬‬ ‫علــى املســتوي اإلقليمــي رفضــت مصــر أن تكــون ج ـز ً​ًءا مــن التحالــف‬ ‫األمريكــي فيمــا تعــد إســرائيل عضـ ً​ًوا فــاعاًلا يف التحالفــات األمريكيــة‬ ‫‪ /‬العســكرية املرتبطــة بالبحــر األحمــر انطال ً​ًقــا مــن أهميتــه‬ ‫االســتراتيجية لهــا وتأثيــره علــى اقتصادهــا عبــر التفاعــل مــع كل مــن‬ ‫آســيا وشــرق إفريقيــا‪ ،‬فــضاًلا عمــا يشــكله النفــوذ اإليرانــي فيــه مــن‬ ‫تهديــدات أمنيــة إلســرائيل‪ ،‬فــإن السياســات اإلســرائيلية عنصــر فعــال‬ ‫خصوًصــا بعــد‬ ‫يف اآلليــات األمريكيــة لضمــان أمــن البحــر األحمــر‬ ‫ً‬ ‫درس إغالق بــاب املنــدب يف حــرب أكتوبــر ‪1973‬م‪ ،‬يف هــذا الســياق‬ ‫فــإن هنــاك وجــود عســكري مباشــر إلســرائيل يف البحــر األحمــر يف‬ ‫قواعــد يف رواجيــات ومكــهالوي كمــا متتلــك إســرائيل قواعــد جويــة يف‬ ‫جــزر حالــب وفاطمــة عنــد مضيــق بــاب املنــدب‪ ،‬وقامــت باســتئجار‬ ‫جزيــرة دهلــك حيــث أقامت قاعــدة بحريــة‪ ،‬حيــث أن حوالــي نصــف‬ ‫القــوات اجلويــة اإلســرائيلية (‪ 449‬طائــرة قتــال) توجــد قري�بـًا مــن البحــر‬


‫‪98‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫ومصــر دولــة الصومــال يف رفــض اتفاقيــة إثيوبيــا مــع أرض الصومــال‪،‬‬ ‫حيــث نشــطت اجملموعــة العربيــة لدعــم املوقــف الصومالــي يف األمم‬ ‫املتحــدة وأصــدرت اجلامعــة العربيــة بيا ً​ًنــا لرفــض االتفاقيــة مطلــع‬ ‫‪٢٠٢٤‬م‪.‬‬ ‫أمــا علــى صعيــد دول القــرن اإلفريقــي فقــد رفضــت كل مــن إرتيريــا‬ ‫وجيبوتــي اخلطــوة اإلثيوبيــة وذلــك حتــت مظلــة حتالفــات متحركــة‬ ‫وغيــر مســتقرة بني الدولــتني وإثيوبيــا التــي متلــك معهمــا حالــة تداخــل‬ ‫قومــي (التيجــراي والعفــر) مهــددة الســتقرار الــدول الــثالث يف حالــة‬ ‫عــدم اســتقرار العالقــات الثالثيــة يف أي ملفــات‪.‬‬ ‫وطب ً​ًقــا لهــذه التفــاعالت يف القــرن اإلفريقــي ميكــن بلــورة عــدد مــن‬ ‫املؤشــرات املرتبطــة بتصاعــد التهديــدات اجليوسياســية علــى املســتوى‬ ‫اإلقليــمي منــها‬ ‫خصوًصــا‬ ‫ إنــه علــى الرغــم مــن التعــاون اخلليجــي مــع إثيوبيــا‬‫ً‬ ‫يف مجــال الدعــم االقتصــادي واالســتثماري فإنــه مــن غيــر املقبــول‬ ‫بالنســبة لهــا االعتــداء علــى ســيادة دولــة عضــو يف اجلامعــة العربيــة‬ ‫علــى مســتوى كبيــر مــن األهميــة االســتراتيجية لــدول مجلــس التعــاون‬ ‫اخلليجــي باعتبارهــا دولــة مؤثــرة علــى أمــن بــاب املنــدب والبحــر‬ ‫األحمــر الناقــل البحــري للنفــط والغــاز اخلليجــي‪.‬‬ ‫ عــدم انخــراط إثيوبيــا يف إطــار عالقــات تعاونيــة مــع القاهــرة يف‬‫ـروًعا‬ ‫ســياق ســد النهضــة يجعــل الضغــط علــى املصالــح اإلثيوبيــة مشـ ً‬ ‫علــى صعيــد تضاغــط املصالــح بني الــدول‪ ،‬حيــث انســحبت مصــر‬ ‫نهائ ً​ًيــا مــن أي مســار تفاوضــي بشــأن ســد النهضــة‪ ،‬ومــن أي أداء‬ ‫تعاونــي وتتعامــل حال ً​ًيــا مــع إثيوبيــا علــى اعتبــار أنهــا تفــاعالت‬ ‫صراعيــة مؤثــرة ليــس فقــط يف إطــار نهــر النيــل ولكــن ً‬ ‫أيًضــا يف إطــار‬ ‫جديــد هــو البحــر األحمــر‪ ،‬مبــا يعنــي إجمـااًلا تأســيس حتالــف مفتــوح‬ ‫مــع الصومــال التــي متلــك حــدو ً​ًدا مباشــرة مــع إثيوبيــا‪.‬‬ ‫ إن إدارة الصومــال لعالقاتهــا مــع إثيوبيــا ســيكون يف إطــار صراعــي‬‫أيًضـ ـًا نتيــجة اتفاقــية أرض الصوــمال‪.‬‬ ‫ إقليــم العفــر الصومالــي مرشــح ملمارســة تهديــدات إلثيوبيــا علــى‬‫النحــو الــذي مارســه أثنــاء احلــرب اإلثيوبيــة الداخليــة مــع التيجــراي‬ ‫والتــي اندلعــت عــام ‪٢٠٢٠‬م‪ ،‬مــن حيــث تهديــد التواصــل مــع جيبوتــي‬ ‫التــي تربطهــا بإثيوبيــا خــط ســكة حديــد يضمــن تواصــل إثيوبيــا‬ ‫الراهــن مــع العالــم‪.‬‬ ‫هــذه املؤشــرات إجمــاال تعنــي تصاعــد التهديــدات الداخليــة بالــدول‬ ‫املشــاطئة للبحــر األحمــر ذلــك أن مؤشــر الــدول الهشــة الصــادر يف‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫‪٢٠٢٢‬م‪ ،‬قــد رصــد أن بعــض بلــدان البحــر األحمــر هــي مــن أكثــر‬ ‫الــدول ضع ً​ًفــا وهشاشــة حــول العالــم‪ ،‬مثــل إثيوبيــا والصومــال وإرتيريــا‬ ‫والســودان واليمــن‪ .‬وبطبيعــة احلال تكــون يؤســس ضعــف وهشاشــة‬ ‫مؤسســة الدولــة مــع تفــاعالت إقليميــة صراعيــة يف اٍلٍ قــرن اإلفريقــي‬ ‫إمكانيــة واســعة لعــدم االســتقرار السياســي واالنــفالت األمنــي وبــروز‬ ‫ظواهــر تهريــب األســلحة‪ ،‬واالجتــار بالبشــر والهجــرة غيــر الشــرعية‬ ‫ونهــب املــوارد األوليــة لصالــح ميليشــيات وفواعــل غيــر رســمية مثــل‬ ‫احلوثــي باليمــن وتنظيــم شــباب اجملاهديــن يف الصومــال‪ ،‬هــو األمــر‬ ‫الــذي يعــد تصاعــًدًا للتهديــدات الداخليــة للــدول املشــاطئة للبحــر‬ ‫األحمــر واملتاخمــة لــه‪.‬‬ ‫ علــى الصعيــد الدولــي فــإن اتفاقيــة أرض الصومــال مــع إثيوبيــا مــن‬‫شــأنها فتــح جبهــة صراعيــة جديــدة متتــد بني إقليمــي شــرق إفريقيــا‬ ‫والشــرق األوســط يف وقــت يكثــر فيــه الالعبــون اإلقليميــون ضــد‬ ‫املصالــح األمريكيــة يف هــذه املرحلــة‪ ،‬كمــا يوجــد منافــسني دولــيني‬ ‫علــى األبــواب يحتفظــون بقدراتهــم مثــل الــصني‪ ،‬بينمــا يتــم اســتنزاف‬ ‫خصوًصــا‬ ‫القــدرات الغربيــة علــى أكثــر مــن جبهــة حــول العالــم‬ ‫ً‬ ‫األمريكيــة منهــا‪.‬‬

‫ثانًيًا‪ :‬التداعيات االقتصادية‪:‬‬

‫تشــكل التداعيــات االقتصاديــة لتصاعــد التهديــدات األمنيــة يف البحــر‬ ‫األحمــر أخطــا ً​ًرا علــى جملــة مــن املصالــح الدوليــة ففــضاًلا عــن تهديــد‬ ‫مــا بني ‪ ٪١٠‬إلــى ‪ ٪١٢‬مــن حجــم التجــارة العامليــة‪ ،‬أتخــذ ‪ ٪ ٧٠‬منهــا‬ ‫طريــق رأس الرجــاء الصالــح بــدياًلا عــن قنــاة الســويس وهــو مــا كان‬ ‫لــه أثــر علــى صناعــة الســيارات وتوقــف اإلنتــاج لشــركات مثــل شــركتي‬ ‫تــسال وفولفــو وكذلــك التأخــر يف سالســل اإلمــداد طب ً​ًقــا ملا أعلنتــه‬ ‫ــشركة إيكــيا العمالــقة‪.‬‬ ‫يف هــذا الســياق تذهــب التقديــرات إلــى أن تكلفــة الشــحن البحــري قــد‬ ‫ارتفعــت بنســبة ‪ ٪٢٠‬كمــا زاد التــأمني علــى الســفن بنســبة ‪ ٪٦٠‬طب ً​ًقــا‬ ‫ملؤشــر شــنغهاي القياســي للشــحن‪ ،‬كمــا أنــه مــن املرشــح أن ترتفــع‬ ‫أســعار النفــط طب ً​ًقــا لتحذيــرات املفــوض األوروبــي لشــؤون االقتصــاد‬ ‫باولــو جنتيلونــي خالل األســابيع املقبلــة وهــو أمــر يكــون لــه تأثيــر‬ ‫مباشــر علــى أســعار الســلع الغذائيــة‪ ،‬حيــث أن معــدالت التضخــم‬ ‫مرشــحة للزيــادة بنهايــة العــام احلالــي‪.‬‬ ‫وميكــن القــول إن مــن أهــم االقتصــادات اإلقليميــة املتأثــرة ســل ً​ًبا كل‬ ‫مــن االقتصاديــن اإلســرائيلي واملصــري‪ ،‬فطب ً​ًقــا للواقــع يفــرض علــى‬ ‫إســرائيل واملتعامــلني معهــا اســتخدام وســائل نقــل أخــرى أو ممــرات‬ ‫بحريــة بعيــدة عــن البحــر األحمــر‪ ،‬فــإن األمــر يعنــي زيــادة تكلفــة‬ ‫التجــارة‪ ،‬فــضاًلا عــن خســائر الســياحة‪ ،‬وذلــك وســط توقعــات بــأن‬ ‫تتأثــر جتــارة إســرائيل اخلارجيــة بشــكل عــام يف ضــوء مــا أســفرت عنــه‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪97‬‬

‫ملف العدد‬

‫حرب غزة دشنت دوًرًا إليران عبر أذرعها يف اليمن وشمال لبنان وهو دور‬ ‫مؤثــر عىل أمــن البحــر األحمــر الممر البحري أهــم ناقل تجاري لثلــث التجارة‬ ‫طوفــان األقصــى يف أكتوبــر املاضــي‪ ،‬حيــث أســفرت حــرب اإلبــادة‬ ‫اإلســرائيلية علــى غــزة‪ ،‬أن عمــدت إيــران بحســبان عالقتهــا القويــة‬ ‫بحمــاس إلــى تفعيــل أدواتهــا اإلقليميــة يف كل مــن لبنــان واليمــن‪،‬‬ ‫بينمــا يتــم حال ً​ًيــا حتضيــر املنصــة الســودانية لتنضــم إلــى ســاحات‬ ‫دفــاع إيــران املتقدمــة عــن مصاحلهــا اإلقليميــة والدوليــة ضــد مجمــل‬ ‫النــظام العرــبي‪.‬‬ ‫يف هــذا الســياق ســاهم موقــف اإلســناد األمريكــي املطلــق إلســرائيل يف‬ ‫طبيعــة ردهــا العســكري علــى حمــاس يف غــزة يف تفعيــل موقــف عربــي‬ ‫وإسالمــي مناهــض لــكل مــن واشــنطن وتــل أبيــب علــى اعتبــار أن‬ ‫عمليــة طوفــان األقصــى لــم تكــن إال رد فعــل مشــروع علــى ممارســات‬ ‫دولــة إســرائيل غيــر اإلنســانية ضــد الشــعب الفلســطيني ســواء‬ ‫بعمليــات االعتــداء علــى البلــدات الفلســطينية والتوســع االســتيطاني‬ ‫أو باالعتــداء اليهــودي علــى املســجد األقصــى أو التوســع يف عمليــات‬ ‫القتــل واألســر الفلســطينية‪ ،‬وقــد شــكلت وحــدة املوقــف العربــي‬ ‫واإلسالمــي علــى الصعيــد الشــعبي املنصــة املناســبة ألمريــن األول‬ ‫تفعيــل دور يدعــم الــوزن اإلقليمــي اإليرانــي يف عالقتــه مبصاحلهــا‬ ‫خصوًصــا مــع الواليــات املتحــدة األمريكيــة حيــث اســتخدمت‬ ‫الدوليــة‬ ‫ً‬ ‫طهــران أدوات الــردع التقليديــة يف ســاحات متوغلــة يف اإلقليــم العربــي‬ ‫يف كل مــن اليمــن ولبنــان‪ ،‬وهــو األمــر الــذي يهــدد يف حــال انــفالت‬ ‫التفــاعالت إلــى حــرب إقليميــة واســعة النطــاق وكذلــك إلغــاء أو تعطيــل‬ ‫اتفاقيــة كامــب ديفيــد بني إســرائيل ومصــر نتيجــة الضغوط العســكرية‬ ‫اإلســرائيلية علــى رفــح ‪.‬‬ ‫أمــا األمــر الثانــي فهــو تأكيــد شــرعية ومشــروعية كل مــن حــزب اهلل‬ ‫وميليشــيات احلوثــي يف كل مــن لبنــان واليمن علــى اعتبار أن عملياتهم‬ ‫العســكرية ضــد إســرائيل هــي دفــاع عــن الشــعب الفلســطيني واحلقوق‬ ‫خصوًصــا‪ ،‬مــن هنــا مت‬ ‫العربيــة واإلسالميــة املشــروعة يف القــدس‬ ‫ً‬ ‫إعالن وحــدة الســاحات العربيــة ضــد إســرائيل وحتــرك حــزب اهلل‬ ‫حتــركات محســوبة ومتصاعــدة ضــد إســرائيل طب ً​ًقــا لتوســع العمليــة‬ ‫اإلســرائيلية ضــد أهالــي غــزة وحمــاس مــن ناحيــة ومــا تســمح بــه‬ ‫املعــادالت اللبنانيــة الداخليــة مــن ناحيــة أخــرى‪.‬‬ ‫علــى صعيــد ميليشــيات احلوثــي فقــد أعلــن عبــد امللــك احلوثــي‪ ،‬يف‬ ‫‪ ١٥‬نوفمبــر ‪٢٠٢٣‬م‪ ،‬أن «عيــون اجلماعــة مفتوحــة لرصــد أي ســفن تعــود‬ ‫ملكيتهــا أو ُتُشــغلها شــركات إســرائيلية»‪ ،‬وذلــك ردًاً علــى احلــرب يف‬

‫غــزة‪ ،‬حيــث مت توســيع العمليــات جتــاه كل الســفن املتوجهــة إلســرائيل‪،‬‬ ‫كمــا مــارس احلوثــي فاعليــة عســكرية كبيــرة منــذ اليــوم األول لالعتــداء‬ ‫اإلســرائيلي علــى غــزة وذلــك يف إطالق صواريــخ يف اجتــاه إســرائيل‬ ‫واالعتــداء علــى بعــض الســفن املبحــرة إلــى إســرائيل يف نطــاق بــاب‬ ‫املنــدب مــرو ً​ًرا الــى البحــر األحمــر‪.‬‬ ‫أمــا يف نطــاق القــرن اإلفريقــي فقــد اســتغلت إثيوبيــا االنشــغال‬ ‫الدولــي باحلــرب علــى غــزة وتصاعــد التهديــدات األمنيــة بالبحــر‬ ‫األحمــر وأعلنــت عــن اتفاقيــة مــع جــزء مــن الصومــال هــي دويلــة‬ ‫أرض الصومــال علــى أســاس تقــدمي اعتــراف هــو األول مــن نوعــه‬ ‫علــى الصعيــد الدولــي مبــا يســمى بجمهوريــة أرض الصومــال‪ ،‬مقابــل‬ ‫احلصــول علــى إطاللــة ســاحلية مــن مينــاء بربــرة تقــام عليهــا قاعــدة‬ ‫عســكرية إثيوبيــة‪ ،‬تتيــح فاعليــة للقــوات اإلثيوبيــة البحريــة التــي مت‬ ‫تدريبهــا اعتبــارا مــن عــام ‪٢٠١٩‬م‪ ،‬وذلــك يف ضــوء اســتراتيجية إثيوبيــة‬ ‫ثابتــة منــذ اســتقالل إرتيريــا عــام ‪١٩٩٣‬م‪ ،‬بضــرورة العــودة إلــى شــواطئ‬ ‫البحــر األحمــر بعــد أن حرمهــا انفصــال إرتيريــا عــن ذلــك‪.‬‬ ‫وقــد مت تصنيــف اخلطــوة اإلثيوبيــة علــى أنهــا اعتــدا ً​ًء علــى ســيادة دولة‬ ‫الصومــال‪ ،‬مــن حيــث التالعــب باحلــدود املعتــرف بهــا إقليم�يـًا ودول�يـًا‬ ‫طب ً​ًقــا لبرتوكــوالت االحتــاد اإلفريقــي املوروثــة عــن منظمــة الوحــدة‬ ‫اإلفريقيــة التــي تســعى دو ً​ًمــا إلــى عــدم تغييــر احلــدود اإلفريقيــة حتــت‬ ‫أيــة ضغــوط وذلــك علــى اعتبــار أنهــا قنبلــة ملغومــة يف كافــة أنحــاء‬ ‫القــارة التــي تشــهد مــا يزيــد عــن مائــة خالف حــدودي‪.‬‬ ‫وقــد حــازت اخلطــوة اإلثيوبيــة ً‬ ‫أيًضــا علــى رفــض دولــي وإقليمــي‬ ‫�ن‬ ‫حيــث أصــدرت اخلارجيــة األمريكيــة بيا ـًا يرفــض االعتــراف بجمهوريــة‬ ‫أرض الصومــال‪ ،‬وذلــك رمبــا مــن بــاب الوعــي بــدرس اســتقالل جنــوب‬ ‫درًســا‬ ‫الســودان الــذي تنــدم عليــه واشــنطن حال�يـًا بعــد أن شــكل لهــا ً‬ ‫قاسـ ً​ًيا‪ ،‬حيــث اكتشــفت الواليــات املتحــدة األمريكيــة أن جتزئــة الــدول‬ ‫يف إفريقيــا ينتــج مــن املشــاكل والتحديــات أكثــر ممــا يقــدم مــن‬ ‫حلــول‪ ،‬ذلــك أن اســتقالل جنــوب الســودان قــد أنتــج حر�بـًا أهليــة بعــد‬ ‫االســتقالل عــام ‪٢٠١١‬م‪ ،‬كمــا تواجــه الدولــة حال ً​ًيــا حتديــات بنيويــة‬ ‫بشــأن حتقيــق االســتقرار وذلــك إلــى حــد تأجيــل االنتخابــات الرئاســية‬ ‫فيــها ــسع ً​ًيا وراء ــعدم انفــجار املوــقف‪.‬‬ ‫أمــا علــى املســتوى اإلقليمــي فقــد دعمــت كل مــن اجلامعــة العربيــة‬


‫‪96‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫تحديات األمن في القرن اإلفريقي والبحر األحمر‪ :‬المخاطر وكيفية المواجهة‬

‫ال يمكن عزل األداء األمريكي يف البحر األحمر عن‬ ‫الصدام االستراتيجي بين واشنطن وبكين وموسكو‬ ‫تتراكــم حال�يـًا يف منطقــة القــرن اإلفريقــي والبحــر األحمــر عوامــل التصعيــد والتهديــدات األمنيــة املؤثــرة جد�يـًا علــى جملــة‬ ‫مــن املصالــح العامليــة واإلقليميــة‪ ،‬وذلــك علــى نحــو رمبــا يكــون غيــر مســبوق علــى املســتوى التاريخــي‪ ،‬حيــث يتــم تصنيــف‬ ‫هــذه املنطقــة كقــوس اخلطــر طب ً​ًقــا ملستشــار األمــن القومــي األمريكــي علــى زمــن الرئيــس كارتــر مــارك برينســكي‪ ،‬وذلــك مــن‬ ‫حيــث تعــدد احلــروب العســكرية البينيــة بني دول القــرن اإلفريقــي‪ ،‬وانتشــار الصراعــات علــى أســس عرقيــة داخــل غالبيــة دولــه‪،‬‬ ‫وارتباطــه عضو�يـًا بأزمــات الشــرق األوســط‪.‬‬ ‫هــذه املقولــة وغيرهــا برهنــت عليهــا التطــورات األخيــرة املرتبطــة باحلــرب علــى غــزة ‪ ،‬حيــث دشــنت دو ً​ًرا إليــران عبــر أذرعهــا يف‬ ‫اليمــن وشــمال لبنــان‪ ،‬وهــو دور مؤثــر علــى أمــن البحــر األحمــر املمــر البحــري األهــم بني شــرق وغــرب العالــم والناقــل التجــاري‬ ‫لثلــث حجــم التجــارة العامليــة بنصيــب مقــدر مــن مصــادر الطاقــة‪ ،‬فــضاًلا عــن ذلــك فــإن الفاعليــة اإليرانيــة يف البحــر األحمــر‬ ‫خصوًصــا بعــد ضــرب‬ ‫باتــت مهــددة التســاع حجــم املهــددات لتشــمل إقليمــي القــرن اإلفريقــي والشــرق األوســط مجتمــعني‬ ‫ً‬ ‫القاعــدة العســكرية األمريكيــة بــاألردن‪ ،‬ومــا تالهــا مــن ضربــات عســكرية يف كل مــن ســوريا والعــراق‪.‬‬

‫د‪ .‬أماني الطويل‬

‫وقــد تراكمــت عوامــل التعقيــد يف كل مــن القــرن اإلفريقــي والبحــر‬ ‫األحمــر النــزوع اإلثيوبــي المــتالك منصــة علــى البحــر األحمــر تتيــح‬ ‫لــه نشـ ً‬ ‫ـاًطا بحر�يـًا عســكر ً​ًيا انطال ً​ًقــا مــن مينــاء بربــرة أرض الصومــال‪،‬‬ ‫وذلــك فــضاًلا عــن احلــرب يف الســودان مبــا حتملــه مــن مخاطــر‬ ‫متوقعــه علــى الســودان انطال ً​ًقــا مــن شــرقه‪.‬‬ ‫يف هــذا الســياق نســعى يف هــذه الدراســة إلــى اســتعراض طبيعــة‬ ‫االســتجابات العامليــة ملواجهــة مخاطــر تصعيــد التهديــدات األمنيــة‬ ‫يف مناطــق القــرن اإلفريقــي وبــاب املنــدب والبحــر األحمــر‪ ،‬كمــا‬ ‫نقــدم محاولــة الستشــراف مســتقبل االســتقطاب بني األطــراف علــى‬ ‫املســتويات اإلقليميــة والدوليــة‪ ،‬وانعكاســها علــى مصالــح الــدول‬ ‫املشــاطئة للبحــر األحمــر‪.‬‬ ‫نهتــم ً‬ ‫أيًضــا بطــرح رؤيــة بشــأن تداعيــات اتفاقيــة مينــاء بربــرة بني‬ ‫إثيوبيــا ودويلــة أرض الصومــال مــن حيــث تداعياتهــا علــى أمــن القــرن‬

‫اإلفريقــي مــن ناحيــة وتأثيــره علــى الــدول املتشــاطئة علــى البحــر‬ ‫األحمــر حتــت مظلــة كل مــن أزمــات االنقســام الداخلــي يف دول القــرن‬ ‫اإلفريقــي‪ ،‬وتراجــع إيــرادات قنــاة الســويس‪ ،‬وكذلــك التفــاعالت املصريــة‬ ‫‪ /‬اإلثيوبيــة مــن زاويــة أزمــة ســد النهضــة‪.‬‬ ‫مطروًحــا تقييــم اآلليــات الدوليــة‬ ‫بطبيعــة احلال البــد وأن يكــون‬ ‫ً‬ ‫الراهنــة ملواجهــة التحديــات ســالفة الذكــر‪ ،‬وذلــك طبقــا الســتراتيجيات‬ ‫مطلوبــة بــإحلاح مــن حيــث إقــرار الســلم وحتقيــق األمــن مــن زاويــة‬ ‫إحــداث تــوازن للقــوى يكــون قائـًدًا لعمليــة ردع مطلوبــة للحالــة الراهنــة‬ ‫ــمن تصاــعد تهدــيدات األــمن اإلقليــمي خصوًصـ ـًا‪.‬‬

‫أوال‪ :‬حالة تصاعد التهديدات الجيوسياسية‬

‫تراكمــت عوامــل تعقيــد أمــن كل مــن القــرن اإلفريقــي والبحــر األحمــر‬ ‫اللــذان يحــوزان عالقــة عضويــة تاريخ ً​ًيــا تأكــدت مــع انــدالع عمليــة‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪95‬‬

‫ملف العدد‬

‫أمريكا واثقة من عدم تصعيد الجماعات المسلحة الرتباطها بإيقاع إيران‬ ‫التــي ال تريــد توســيع دائــرة الحــرب وتســجل مواقــف إيجابيــة مــع واشــنطن‬ ‫تتعلــق باملكاســب التــي حققتهــا يف الســنوات املاضيــة والتــي كان مــن‬ ‫أولهــا االتفــاق الــذي وقعــه الرئيــس اليمنــي عبدربــه منصــور هــادي عام‬ ‫‪2013‬م‪ ،‬والــذي منــح الــصني فرصــة تشــغيل مينــاء عــدن االســتراتيجي‬ ‫مقابــل اســتثمار مبلــغ ‪ 570‬مليــون دوالر يف تطويــر املينــاء لكــن املشــروع‬ ‫تعثــر ألن صنعــاء ســقطت حتــت ســيطرة جماعــة احلوثــي بعــد عــام‬ ‫ــمن توقــيع االتــفاق‪.‬‬ ‫تعتبــر قاعــدة جيــش التحريــر الشــعبي الصينــي يف جيبوتــي مــن أوضح‬ ‫األمثلــة علــى التمــدد الصينــي يف املنطقــة عامــة والبحــر األحمــر‬ ‫خاصــة‪ .‬هــذه القاعــدة التــي مت افتتاحهــا يف عــام ‪2017‬م‪ ،‬وبلغــت كلفــة‬ ‫إنشــاؤها أكثــر مــن نصــف مليــار دوالر كانــت الغايــة املعلنــة مــن ورائهــا‬ ‫املســاهمة يف عمليــات مكافحــة القرصنــة وإســناد العمليــات اإلنســانية‬ ‫وحفــظ الــسالم بحســب املصــادر الصينيــة‪ .‬تعتبــر القاعــدة التــي‬ ‫تضــم أكثــر مــن ألــف جنــدي صينــي مــن أكبــر وأول القواعــد العســكرية‬ ‫الصينيــة فيمــا وراء البحــار‪ .‬ليــس بعي ـدًاً عــن القاعــدة الصينيــة يقــع‬ ‫مينــاء دور إليه الــذي تشــغله الــصني إلــى الغــرب من مدينــة جيبوتــي‬ ‫حيــث قامــت الــصني بربــط املينــاء بإثيوبيــا بخــط ســكة حديــد‪.‬‬ ‫الــصني ليســت اخلاســر الوحيــد مــن االضطرابــات يف البحــر األحمــر‬ ‫ألن روســيا هــي األخــرى فقــدت موطــئ القــدم الــذي حصلــت عليــه‬ ‫يف قاعــدة الفالمنغــو الســودانية مــن خالل االتفــاق الــذي وقعتــه مــع‬ ‫حكومــة الرئيــس الســوداني الســابق عمر البشــير عام ‪2017‬م‪ ،‬الــذي‬ ‫ســمح للبحريــة الروســية بإقامــة قاعــدة عســكرية يف بورتســودان‬ ‫واالحتفــاظ بهــا ملــدة ‪ 25‬عا ً​ًمــا‪ ،‬قابلــة للتمديــد ملــدة ‪ 10‬ســنوات يف حــال‬ ‫عــدم وجــود اعتــراض مــن اجلانــبني لكــن االتفــاق مت جتميــده بعــد‬ ‫اإلطاحــة بالبشــير عــام ‪2019‬م‪.‬‬ ‫املتضــرر األكبــر بالنســبة لــدول املنطقــة هــو ليــس إســرائيل بــل مصــر‬ ‫وذلــك بســبب االنخفــاض الكبيــر يف واردات قنــاة الســويس التي هبطت‬ ‫بنســبة تقــارب ‪ %40‬وهــي أزمــة جــاءت يف توقيــت صعــب ج ـدًاً ألنهــا‬ ‫حرمــت مصــر مــن أهــم مصادرهــا للعــمالت الصعبــة وأضافــت بذلــك‬ ‫عبئـًاً جديـدًاً علــى األوضــاع االقتصاديــة املترديــة ولذلــك الحظنــا قيــام‬ ‫املؤسســات االئتمانيــة العامليــة بتخفيــض تقييمهــا لالقتصــاد املصــري‬ ‫األمــر الــذي انعكــس ســلبًاً علــى قيمــة اجلنيــه املصــري مقابــل الــدوالر‪.‬‬ ‫يقــول املثــل العربــي «مصائــب قــوم عنــد قــوم فوائــد» ألن املصيبــة‬ ‫يف مــكان مــا قــد تشــكل فرصــة لآلخريــن لذلــك فهنــاك العديــد‬ ‫مــن الرابــحني مــن التهديــدات احلوثيــة للمالحــة يف البحــر حيــث‬

‫تقــف الواليــات املتحــدة علــى رأس املســتفيدين مــن تلــك التحــركات‬ ‫والســبب يعــود إلــى أنهــا تســعى كمــا ذكرنــا آنفــًاً إلــى التصــدي‬ ‫للتمــدد الصينــي يف املنطقــة وحرمانهــا مــن املكاســب التــي حصلــت‬ ‫عليهــا مؤخــرًاً يف ســبيل ترســيخ قدمهــا يف املنطقــة التــي تســيطر‬ ‫علــى أهــم ممــرات التجــارة العامليــة ومتتلــك أكبــر خزيــن مــن املــوارد‬ ‫الطبيعيــة ويف مقدمتهــا الطاقــة واملعــادن التــي هــي بأمــس احلاجــة‬ ‫لهــا ولذلــك فــإن قيامهــا باملســؤولية املباشــرة عــن حمايــة املالحــة يف‬ ‫البحــر األحمــر ميثــل تهديــدًاً للمكاســب الصينيــة التــي حققتهــا يف‬ ‫املنطقــة والتــي ذكرنــا بعض ـًاً منهــا‪ .‬كذلــك فــإن التصعيــد العســكري‬ ‫هــو مبثابــة فرصــة للواليــات املتحــدة لتحقيــق مزيــد مــن التقــدم يف‬ ‫إعــادة رســم خارطــة املنطقــة وذلــك مــن خالل إبــراز دور األقليــات‬ ‫علــى حســاب األكثريــة وإضعــاف ســلطة الــدول يف املنطقــة ومــن هنــا‬ ‫نفهــم العمليــات العســكرية ضــد القــوات األمريكيــة يف العــراق وســوريا‬ ‫ومســارعة الواليــات املتحــدة إلــى تبرئــة إيــران مــن تلــك العمليــات ألن‬ ‫الغايــة مــن هــذه العمليــات هــي إعطــاء غطــاء الشــرعية للجماعــات‬ ‫املرتبطــة بهــا ومنحهــا األســباب التــي متكنهــا مــن االنتشــار يف مناطــق‬ ‫أوســع خصوصــًاً يف املناطــق احلدوديــة بني العــراق وســوريا واألردن‬ ‫حتـحت ذريــعة محارــبة الوالــيات املتــحدة‪.‬‬ ‫خامتــة القــول بــأن األحــداث التــي جتــري يف حــوض البحــر األحمــر‬ ‫يجــب النظــر إليهــا علــى أنهــا جبهــة مــن جبهــات الصــراع علــى‬ ‫املنطقــة ومقدراتهــا ومنهــا موقعهــا االســتراتيجي الــذي وضعهــا علــى‬ ‫أهــم طــرق التجــارة العامليــة‪ .‬هــذه األحــداث ال تختلــف عمــا يجــري يف‬ ‫اخلليــج العربــي والبحــر األبيــض املتوســط‪ .‬وقــد الحظنــا مــن خالل‬ ‫احلديــث غيــاب الفعــل االســتراتيجي العربــي‪ ،‬لذلــك فالبــد مــن قيــام‬ ‫عمــل إقليمــي موحــد يغيــر مــن منحــى مســار األحــداث ويحفــظ لــدول‬ ‫اإلقلــيم مصاحلــها‪.‬‬

‫* سفري العراق األسبق لدى اليابان واململكة العربية السعودية‬


‫‪94‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫توجهــات أبــي أحمــد الشــعبوية وعقيدتــه المسيحية‪-‬الخمســينية تحمل‬ ‫ب ــذور فتن ــة ق ــد تح ــرق المنطق ــة بإدخ ــال الدي ــن يف صراع ــات المنطق ــة‬ ‫يف العديــد مــن املواقــف معاكســة للرغبــات األمريكيــة فعلــى ســبيل‬ ‫املثــال فــإن االنحيــاز األمريكــي الكامــل إلســرائيل دفــع بالعديــد مــن‬ ‫دول املنطقــة للبحــث عــن بديــل للــدور االســتراتيجي األمريكــي‪ .‬وألن‬ ‫الواليــات املتحــدة ال تتعلــم مــن أخطائهــا فهــي تكــرر نفــس التجــارب‬ ‫التــي تــؤدي بهــا إلــى فقــدان مواقــع نفوذهــا حــول العالــم ذلــك أن‬ ‫التقــارب األمريكي‪-‬اإلســرائيلي مــع إثيوبيــا علــى ســبيل املثــال دفــع‬ ‫بأرتيريــا وقبلهــا الســودان إلــى التقــارب مــع الــصني وموســكو وطهــران‬ ‫بحيــث أصبــح الرئيــس األرتيــري أســياس أفورقــي مــن أشــد الناقديــن‬ ‫للسياســة األمريكيــة يف إفريقيــا‪ .‬هــذه السياســة توجــت بتوقيــع إرتيريــا‬ ‫يف عــام ‪2021‬م‪ ،‬اتفاقــًاً مــع الــصني لالنضمــام إلــى مبــادرة احلــزام‬ ‫والطريــق ويف نفــس العــام أعلنــت أرتيريــا موافقتهــا علــى منــح روســيا‬ ‫موقع ـًاً لوجســتيًاً علــى البحــر األحمــر‪ .‬التقــارب األرتيــري مــع روســيا‬ ‫والــصني قــد يشــكل مصــدرًاً جديـدًاً لعــدم االســتقرار يف املنطقــة ألنــه‬ ‫قــد يغــري آبــي أحمــد الســتغالله كغطــاء إلقنــاع شــركائه يف احلصــول‬ ‫علــى الدعــم لتحقيــق تهديــده الــذي أطلقــه يف القريــب والــذي أعلــن‬ ‫فيــه أن إثيوبيــا علــى اســتعداد الســتخدام جميــع الوســائل يف ســبيل‬ ‫حتقيــق هدفهــا االســتراتيجي يف احلصــول علــى منفــذ علــى البحــر‬ ‫األحمــر والــذي فهــم يف حينهــا علــى أنــه تهديــد باســتخدام القــوة ضــد‬ ‫إرتيريــا‪.‬‬ ‫املثــال اآلخــر علــى التخبــط األمريكــي جــاء علــى شــاكلة الــرد علــى‬ ‫هجمــات احلوثــي وهــو الــذي أثــار العديــد مــن األســئلة ومنهــا أنــه‬ ‫تزامــن مــع ســعي الواليــات املتحــدة إلــى عــدم توســيع دائــرة الصــراع‬ ‫الدائــر يف غــزة مــن خالل الضغــط علــى دول املنطقــة بعــدم التصعيــد‬ ‫لكــن يف نفــس الوقــت تقــوم مــع بريطانيــا بتوجيــه ضربــات جويــة ضــد‬ ‫أهــداف يف اليمــن تدعــي أنهــا تابعــة جلماعــة احلوثــي وكذلــك توجــه‬ ‫ضربــات جويــة ضــد مواقــع تدعــي أنهــا تابعــة جلماعــات مســلحة‬ ‫مرتبطــة بإيــران يف العــراق وســوريا‪ .‬فكيــف ميكــن أن نوفــق بني‬ ‫األمرــين؟‬ ‫اجلــواب البســيط هــو ألن الواليــات املتحــدة موقنــة مــن أن ردة الفعــل‬ ‫مــن هــذه اجلماعــات ســوف تبقــى منضبطــة بحســب اإليقــاع اإليرانــي‬ ‫الــذي ال يريــد توســيع دائــرة احلــرب لكنــه يســعى يف ذات الوقــت إلــى‬ ‫تســجيل النقــاط اإليجابيــة مــع الواليــات املتحــدة‪ .‬هــذه العمليــات‬

‫جــاءت ضمــن حــدود مدروســة ومتفــق عليهــا تســتفيد منهــا إيــران‬ ‫واجلماعــات املرتبطــة بهــا مثــل احلوثــي للدفــع باملشــروع الطائفــي‬ ‫والتمــدد مــن خاللــه يف املنطقــة‪ .‬والدليــل علــى محدوديــة العمليــات أن‬ ‫املتحــدث باســم مجلــس األمــن القومــي األمريكــي أعلــن بــأن الواليــات‬ ‫املتحــدة أعلمــت احلكومــة العراقيــة بالضربــات قبــل وقوعهــا كذلــك‬ ‫أعلــن رئيــس بلديــة القائــم وهــي إحــدى املــدن التــي اســتهدفت يف‬ ‫العــراق مــن قبــل الواليــات املتحــدة بأنهــم علمــوا بحــدوث الضربــات‬ ‫قــبل ــيومني ــمن وقوعــها ولذــلك ــلم يفاــجؤوا بــها‪.‬‬ ‫ردة الفعــل األمريكيــة شــملت أيض ـًاً الدعــوة الــى قيــام حتالــف دولــي‬ ‫لضمــان حريــة املالحــة يف البحــر األحمــر لكــن أي ـًاً مــن دول املنطقــة‬ ‫لــم تنضــم إلــى هــذا التحالــف‪ .‬كمــا أنهــا أعلنــت إعــادة إدراج جماعــة‬ ‫احلوثــي علــى قائمــة اإلرهــاب وهــو األمــر الــذي ذكرنــا باملثــل العربــي‬ ‫«أشــبعتهم شــتمًاً وفــروا باإلبــل» ألن القــرار ال قيمــة لــه يف الواقــع إال‬ ‫منــح الشــرعية لتلــك اجلماعــة الطائفيــة ومشــروعها التخريبــي القائــم‬ ‫علــى تخريــب اليمــن واملنطقــة حتــت ذريعــة محاربــة أمريــكا وإســرائيل‪.‬‬ ‫النجاحــات التــي حققتهــا جماعــة احلوثــي وردة الفعــل األمريكيــة‬ ‫الضعيفــة ســوف تغــري اجلماعــة باملزيــد مــن الهجمــات علــى الســفن‬ ‫يف املنطــقة وتــنذر برــفع وتــيرة التصعــيد‪.‬‬

‫حسابات الخسائر واألرباح يف البحر األحمر‬

‫تعتبــر الــصني أحــد أكبــر املتضرريــن مــن الفوضــى يف البحــر األحمــر‬ ‫لكونهــا املســتفيد األكبــر مــن املالحــة فيــه حيــث متــر خاللــه بضائــع‬ ‫صينيــة تقــدر كلفتهــا بأكثــر مــن مليــار دوالر يوم�يـًا لذلــك فقــد ذكــرت‬ ‫ً‬ ‫نــقًال عــن صحيفــة (‪)Global Times‬‬ ‫العديــد مــن املصــادر‬ ‫احلكوميــة الصينيــة أن كلفــة شــحن احلاويــة الواحــدة ســعة ‪40‬‬ ‫قــدم مــن مينــاء شــنغهاي إلــى الواليــات املتحــدة قــد تضاعفــت منــذ‬ ‫بدايــة شــهر ديســمبر لتصــل إلــى ‪ 4‬آالف دوالر إلــى الســاحل الغربــي‬ ‫األمريكــي و‪ 6‬آالف دوالر إلــى الســاحل الشــرقي هــذا باإلضافــة إلــى‬ ‫الزيــادة يف الوقــت الــذي يضــاف إلــى الرحلــة نتيجــة تغييــر الوجهــة مــن‬ ‫البحــر األحمــر إلــى رأس الرجــاء الصالــح‪.‬‬ ‫هنــاك آثــار ســلبية علــى املــدى البعيــد بالنســبة للــصني وهــي خســائر‬

‫إس ــرائيل اس ــتفادت م ــن هج ــوم الحوث ــي لتأكي ــد أهمي ــة مم ــر التنمي ــة‬ ‫الهنـــدي لنقـــل البضائـــع عـــن طريـــق األردن بـــداًلا مـــن البحـــر األحمـــر‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مــن ارتبــاط بعضهــا باالســتراتيجيات العامليــة وخيــر مثــال علــى ذلــك‬ ‫االســتراتيجية اإلثيوبيــة الطامحــة إلــى لعــب دور متقــدم يف القــرن‬ ‫اإلفريقــي ولعــب دور بوابــة العالــم علــى إفريقيــا مــن خالل إزاحــة مكانــة‬ ‫مصــر وهــي االســتراتيجية التــي القــت الدعــم الكبيــر مــن إســرائيل‬ ‫والواليــات املتحــدة‪ .‬وقــد كان الثمــن املطلــوب باإلضافــة إلــى الغطــاء‬ ‫اإلســرائيلي لبنــاء ســد النهضــة حصــول إثيوبيــا علــى الدعــم السياســي‬ ‫يف مســاعيها للحصــول علــى منفــذ عســكري وجتــاري علــى البحــر‬ ‫األحمــر وخليــج عــدن‪.‬‬ ‫تركيــا ليســت غائبــة عــن املنطقــة وإن كانــت جهودهــا أقــل مــن غيرهــا‬ ‫رمبــا بســبب بعــد املســافة لكنهــا علــى العمــوم تســعى ملواجهــة اجلهــود‬ ‫اإلثيوبيــة مــن خالل محاولــة االنفتــاح علــى إفريقيــا عــن طريــق البوابــة‬ ‫املصريــة وقــد تكللــت هــذه اجلهــود بالزيــارة األخيــرة للرئيــس أردوغــان‬ ‫إلــى مصــر وكذلــك عملــت تركيــا علــى إســناد احلكومــة الصوماليــة يف‬ ‫مقديشــو مــن خالل دعــم أجهزتهــا املركزيــة والقيــام ببعــض املشــاريع‬ ‫االســتراتيجية‪.‬‬

‫التحركات اإلثيوبية وآثارها البعيدة‬

‫قــام رئيــس الــوزراء اإلثيوبــي آبــي أحمــد يف األول مــن ينايــر مــن العــام‬ ‫احلالــي بتوقيــع مذكــرة تفاهــم مــع رئيــس مــا يســمى أرض الصومــال‬ ‫موســى بيحــي عبــدي حتصــل إثيوبيــا مبوجبهــا علــى ممــر إســتراتيجي‬ ‫بعــرض ‪ 20‬كيلومتـ ً​ًرا علــى خليــج عــدن حيــث تنــوي إقامــة مينــاء جتــاري‬ ‫وقاعــدة عســكرية بحريــة مقابــل اعتــراف إثيوبيــا باســتقالل «أرض‬ ‫الصومــال» ومنحهــا حصــة يف اخلطــوط اجلويــة اإلثيوبيــة‪.‬‬ ‫هــذه اخلطــوة التصعيديــة مــن جانــب رئيــس الــوزراء اإلثيوبــي آبــي‬ ‫أحمــد وهــو اعترافهــا بتقســيم الصومــال مقابــل حصولهــا علــى منفــذ‬ ‫مائــي مــن شــأنها أن تشــكل عـ ً‬ ‫ـامًال مــن عوامــل التــأزمي يف املنطقــة‬ ‫ليــس بســبب حصــول إثيوبيــا علــى املنفــذ البحــري وإمنــا الطريقــة‬ ‫التــي متــت بهــا العمليــة والتــي تشــبه إلــى حــد كبيــر األســلوب الــذي‬ ‫ســلكته يف بنــاء ســد النهضــة علــى منابــع النيــل الــدول األخــرى التــي‬ ‫تشــكل حــوض النيــل أو أدنــى مراعــاة حلقوقهــا هــي التــي ســببت‬ ‫اإلشــكال‪ .‬ذلــك أن االتفاقيــة مــع «أرض الصومــال» جــاءت هــي األخــرى‬ ‫علــى حســاب دولــة الصومــال وهــي دولــة مســتلقة وذات ســيادة علــى‬ ‫جميــع أراضيهــا وال يحــق لدولــة أخــرى املســاس بســيادتها حتــت أي‬ ‫ذريعــة ولذلــك فــإن هــذا االتفــاق يشــكل ســابقة خطيــرة يف هــذا اجملال‬ ‫ً‬ ‫وتــدخًال ســافرًاً يف شــؤون بلــد مجــاور‪ .‬هــذا األمــر مــع خطورتــه‬ ‫إال أنــه قــد ال يكــون األخطــر لوجــود عوامــل أخــرى قــد تكــون أشــد‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪93‬‬

‫ملف العدد‬

‫خطــورة منهــا أن سياســات آبــي أحمــد خاصــة وهــو املعــروف بتوجهاتــه‬ ‫الشــعبوية النابعــة مــن إميانــه بعقيدتــه املسيحية‪-‬اخلمســينية حتمــل‬ ‫ً‬ ‫اشــتعاًال‬ ‫بــذور فتنــة كبيــرة قــد حتــرق املنطقــة وتزيــد مــن نيرانهــا‬ ‫وهــذه تتمثــل بإدخــال العوامــل الدينيــة والعرقيــة التــي ميكــن أن تظهــر‬ ‫علــى شــكل صــراع مســيحي‪-‬إسالمي يف املنطقــة خصوصـًاً مــع وجــود‬ ‫اجلماعــات الدينيــة املتطرفــة علــى اجلانــبني مثــل القاعــدة وحركــة‬ ‫الشــباب اجملاهديــن وجماعــة احلوثــي كذلــك فــإن مــن شــأن هــذه‬ ‫اخلطــوة أن تؤجــج الصراعــات العرقيــة بني إثيوبيــا وقبائــل األورومــو‬ ‫وهــي مــن أكبــر القبائــل يف الصومــال وأرتيريــا وإثيوبيــا والتــي أعلنــت‬ ‫معارضتــها التــفاق آــبي أحــمد ــمع أرض الصوــمال‪.‬‬

‫عمليات جماعة الحوثي يف البحر األحمر‬

‫قامــت جماعــة احلوثــي بعــدة عمليــات عســكرية الغايــة املعلنــة منهــا‬ ‫اســتهداف الســفن املتوجهــة إلــى إســرائيل كنــوع مــن الدعــم للمقاومــة‬ ‫الفلســطينية التــي تخــوض حربـًاً ضــد إســرائيل يف غــزة منــذ الســابع‬ ‫مــن أكتوبــر املاضــي‪ .‬نظــرة بســيطة إلــى هــذه العمليــات تثيــر العديــد‬ ‫مــن الشــكوك حــول فعاليتهــا يف خدمــة األهــداف املعلنــة أولهــا أن‬ ‫االدعــاء بتضــرر إســرائيل مــن هــذه العمليــات هــو أمــر مبالــغ فيــه‬ ‫ألن إســرائيل ليســت مــن الــدول الكبيــرة مــن حيــث أعــداد الســكان‬ ‫ومــا حتتاجــه مــن واردات خصوص ـًاً العســكرية والتــي يجــب أن تكــون‬ ‫يف مقدمــة األهــداف تأتــي مــن الواليــات املتحــدة وأوروبــا عــن طريــق‬ ‫البحــر األبيــض املتوســط وليــس البحــر األحمــر‪ .‬أمــا بالنســبة للواردات‬ ‫األخــرى وهــي محــدودة فــإن إســرائيل اســتفادت مــن العمليــات لوضــع‬ ‫فكــرة ممــر التنميــة االقتصــادي الــذي يربطهــا بالهنــد عــن طريــق‬ ‫دول اخلليــج موضــع التنفيــذ وذلــك مــن خالل نقــل البضائــع التــي‬ ‫احتاجتــها إــسرائيل ــعن طرــيق دول اخللــيج واألردن‪.‬‬

‫المالمح العامة لالستجابة األمريكية‬

‫السياســة األمريكيــة يف حــوض البحــر األحمــر إذا صــح لنــا أن نســميها‬ ‫كذــلك تــقوم عــلى ركــيزتني هــما‬ ‫¦دعــم التوجهــات اإلســرائيلية بغــض النظــر عــن طبيعتهــا‬ ‫وتطابقهــا مــع املصالــح األمريكيــة‬ ‫¦احليلولــة دون حصــول الصــن عل ــى مواطــئ قــدم اســتراتيجية‬ ‫يف املنطقــة‪.‬‬ ‫هــذه السياســات مــع بســاطتها إال أنــه شــابها العديــد مــن اإلشــكاالت‬ ‫ومــن ذلــك أن الطريقــة التــي ســعت الواليــات املتحــدة إلــى حتقيقهــا‬ ‫متيــزت بالتخبــط والعمــل بــردود األفعــال لدرجــة أن النتائــج جــاءت‬

‫الصــراع البحــري بــدأ بــإعالن الصيــن عــن "الحــزام والطريــق" ومنافســة‬ ‫أمريــكا عىل طــرق التجــارة العالميــة مــا جعل بكيــن غريم جيو اســتراتيجي‬


‫‪92‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫التحالــف اإلثيوبي‪-‬اإلســرائييل مــزق الســودان والصومــال وهــدد دور‬ ‫مصــر اإلفريقــي عبــر الســد وتزويــد إثيوبيــا بصواريــخ متطــورة لحمايتــه‬ ‫مســلحة وإن اختلفــت العناويــن ومظاهــر الصــراع التــي بــرزت علــى‬ ‫هيئــة قرصنــة بحريــة أو عمليــات إرهابيــة أو حــروب أهليــة أو نزاعــات‬ ‫بني دول‪ .‬هــذه األحــداث شــملت بحــر الــصني ومضيــق تايــوان مــرورً​ًا‬ ‫بســيراليون والباكســتان وبحــر آزوف والبحــر األســود وإقليــم كرابــاخ‬ ‫والبحــر األبيــض املتوســط واخلليــج العربــي وبحــر الــصني وأخيــرً​ًا‬ ‫البحــر األحمــر وهــي نزاعــات لــم حتصــل بدوافــع محليــة بحتــة بــل‬ ‫هــي نتيجــة مباشــرة الحتــدام الصــراع العاملــي علــى األســواق واملــوارد‬ ‫الطبيعيــة والطــرق البريــة والبحريــة التــي توصــل إليهمــا‪ .‬ليــس مــن‬

‫بــاب املصادفــة إذًاً أن أغلــب هــذه الصراعــات بــدأت بعــد إعالن الــصني‬ ‫عــن اســتراتيجيتها يف بنــاء احلــزام والطريــق وعزمهــا علــى منافســة‬ ‫الواليــات املتحــدة يف حمايــة طــرق التجــارة العامليــة وهــي النقطــة‬ ‫املفصليــة التــي حولــت الــصني مــن شــريك اقتصــادي الــى غــرمي جيــو‬ ‫إســتراتيجي يجــب التصــدي لــه بــكل الوســائل‪.‬‬ ‫ثالث ً​ًا‪-‬صــراع املشــاريع اإلقليميــة يف املنطقــة ويف مقدمتهــا اإليرانيــة‬ ‫واإلثيوبيــة واإلســرائيلية والتركيــة‪ .‬هــذه املشــاريع تكتســب قوتهــا أيضـً​ًا‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪91‬‬

‫ملف العدد‬

‫البد من عمل إقليمي موحد يغير مسار األحداث ويحفظ لدول اإلقليم مصالحها‬

‫أمريكا تدعم إسرائيل وتسعى لمنع حصول‬ ‫الصين عىل موطئ قدم يف البحر األحمر‬ ‫احلديــث عــن البحــر األحمــر البــد أن يبــدأ عنــد قنــاة الســويس‪ ،‬ألنهــا منــذ افتتاحهــا منحتــه أهميــة كبيــرة وجعلــت منــه واحـدً​ًا‬ ‫مــن أهــم طــرق املالحــة العامليــة التــي تربــط بني قــارات ثالث‪ .‬القنــاة كذلــك قربــت بني أركان العالــم‪ ،‬ألنهــا اختصــرت طريــق‬ ‫الســفن املبحــرة مــن أوروبــا إلــى آســيا وبالعكــس‪ ،‬الــذي كان ميــر عبــر رأس الرجــاء الصالــح يف جنــوب إفريقيــا وهــي رحلــة‬ ‫طويلــة تواجــه فيهــا العديــد مــن اخملاطــر‪ .‬بلغــة اليــوم‪ ،‬ومــع الزيــادة الكبيــرة يف ســرعة الســفن التجاريــة فــإن فــرق الوقــت بني‬ ‫املــرور مــن قنــاة الســويس أو رأس الرجــاء الصالــح يصــل بني ‪ 10‬إلــى ‪ 14‬يومـًاً مــع كل مــا تعنيــه هــذه املــدة مــن زيــادة يف كلفــة‬ ‫الشــحن والتــأمني‪ .‬هــذه املنطقــة احليويــة شــهدت مؤخـرًاً العديــد مــن األحــداث السياســية واألمنيــة كان مــن أبرزهــا االتفاقيــة‬ ‫بني إثيوبيــا ومــا يســمى “أرض الصومــال” التــي منحــت إثيوبيــا منفـذًاً علــى خليــج عــدن ثــم جــاء التصعيــد العســكري جلماعــة‬ ‫احلوثــي باســتهداف الســفن املتوجهــة إلــى إســرائيل مــن خالل مضيــق بــاب املنــدب هــذا باإلضافــة إلــى احلــروب العبثيــة‬ ‫املشــتعلة يف الســودان والصومــال‪ .‬نحــاول يف الســطور التاليــة إلقــاء بعــض الضــوء علــى أهــم األحــداث التــي شــهدتها منطقــة‬ ‫البحــر األحمــر والعوامــل التــي تدفــع بهــا نحــو عــدم االســتقرار وماهــي ردة فعــل الواليــات املتحــدة جتــاه تلــك التهديــدات وطبيعــة‬ ‫التصــورات األمريكيــة ألمــن املالحــة يف املنطقــة وعالقــة ذلــك مبــا يجــري يف دول اإلقليــم والصــراع العاملــي‪.‬‬

‫د‪ .‬غامن علوان اجلميلي‬

‫العوامل التي تقف وراء عدم االستقرار يف البحر األحمر‬

‫النزاعــات يف حــوض البحــر األحمــر ليســت جديــدة فهــي تعــود‬ ‫لســنوات طويلــة مثــل احلــروب األهليــة يف الصومــال والســودان وإثيوبيــا‬ ‫واليمــن باإلضافــة إلــى أعمــال القرصنــة يف خليــج عــدن‪ .‬دميومــة هــذه‬ ‫الصراعــات تشــير إلــى أمريــن أولهمــا غيــاب اإلرادة الدوليــة ملعاجلــة‬ ‫تلــك األزمــات وثانيهمــا احتمــال اســتفادة الــدول املتنفــذة مــن ورائهــا‬ ‫وهــذه تذكرنــا مبقولــة هنــري كيســنجر عــن احلــرب العراقية‪-‬اإليرانيــة‪:‬‬ ‫“مــن قــال بــأن جميــع احلــروب ســيئة”‪ .‬هــذه الصراعــات التــي ال تنتهي‬ ‫تــستمد دميومتــها ــمن عواــمل عدــيدة لــعل ــمن أهمــها‬ ‫ً‬ ‫أوًال‪-‬تداعيــات الصــراع العربي‪-‬اإلســرائيلي‪ :‬ســعت إســرائيل منــذ‬ ‫قيامهــا مدعومــة بالواليــات املتحــدة وبريطانيــا إلــى إدخــال اإلقليــم يف‬ ‫دوامــة الفوضــى بهــدف إعــادة تشــكيل اخلارطــة السياســية للمنطقــة‬ ‫يف ســبيل ضمــان تفوقهــا العســكري علــى جميــع دول اإلقليــم منفــردة‬

‫ومجتمعــة لذلــك عملــت علــى إحــداث تغييــر يف أدوار دول املنطقــة‬ ‫والتمــكني لبعــض الــدول علــى حســاب أخــرى‪ .‬وقــد اســتطاعت‬ ‫حتقيــق الكثيــر مــن التقــدم يف مشــروعها بعــد غــزو العــراق وتفكيــك‬ ‫منظومــة األمــن العربــي‪ .‬كمــا وأنهــا أقامــت حتالفــات إقليميــة الغايــة‬ ‫منهــا إضعــاف دول اجلــوار العربــي ولعــل مــن أوضــح األمثلــة علــى‬ ‫ذلــك تنامــي النفــوذ اإليرانــي والســماح ملشــروعه الطائفــي بالتمــدد‬ ‫يف املنطقــة وليــس بعيــدًاً عــن ذلــك التحالــف اإلثيوبي‪-‬اإلســرائيلي‬ ‫الــذي أثبــت فعاليتــه يف متزيــق الســودان والصومــال وأضعــاف مصــر‬ ‫وتهديــد دورهــا بوصفهــا بوابــة إفريقيــا وقــد بــرز دور التحالــف يف دعــم‬ ‫إســرائيل ملشــروع ســد النهضــة وتزويدهــا إثيوبيــا مبنظومــة صواريــخ‬ ‫متــطورة حلماــية الــسد ــمن أــية هجــمات مصرــية محتمــلة‪.‬‬ ‫ثاني ً​ًا‪-‬التنافــس علــى الســيطرة علــى طــرق التجــارة العامليــة‪ :‬نالحــظ‬ ‫اليــوم أن أهــم املمــرات اإلســتراتيجية أصبحــت مناطــق صراعــات‬


‫‪90‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫ميناء بربرة في أرض الصومال بإدارة إماراتية فرنسية‬

‫سفينة الشحن “جاالكسي ليدر” التي اختطفتها زوارق الحوثي‬ ‫في البحر األحمر في نوفمبر الماضي‬

‫القــرن اإلفريقــي أن تعمــل عليــه هــو تقويــة الوضــع الداخلــي وتخفيــف‬ ‫التوتــر بني اجلهــات السياســية احملليــة مــن خالل االندمــاج السياســي‬ ‫واملصاحلــة‪ .‬ويتــعني علــى كل دولــة أن تعمــل علــى حتــسني قدراتهــا‬ ‫املؤسســية إلــى املســتوى الــذي ميكــن أن يخــدم املصالــح والتطلعــات‬ ‫السياســية املتنوعــة‪ .‬وبهــذه الطريقــة فقــط تســتطيع كل دولــة ترســيخ‬ ‫احلكــم الرشــيد مــع القــدرة علــى حمايــة مصالــح املواطــنني يف الشــؤون‬ ‫احملليــة والدوليــة‪.‬‬

‫اإلقليميــة يف متــكني الــدول احملليــة لضمــان أمــن اخلطــوط الســاحلية‪.‬‬ ‫ومــن اجليــد ً‬ ‫أيًضــا تطويــر آليــة تلتــزم مبوجبهــا الــدول التــي لديهــا‬ ‫قواعــد عســكرية يف املنطقــة مبســاعدة الــدول املضيفــة يف بنــاء‬ ‫املؤسســات‪ ،‬واحلفــاظ علــى احليــاد يف الشــؤون اإلقليميــة‪ ،‬واملســاهمة‬ ‫يف نقــل املعرفــة والتكنولوجيــا حتــى تتولــى دول املنطقــة مهمــة تــأمني‬ ‫البحــر األحمــر واحمليــط الهنــدي علــى املــدى الطويــل‪.‬‬

‫وحتتــاج دول القــرن اإلفريقــي أيضـًاً إلــى تعزيــز التعــاون اإلقليمــي حــول‬ ‫أهــداف مشــتركة وضــد التهديــدات املشــتركة‪ .‬ويتــعني علــى املؤسســات‬ ‫اإلقليميــة مثــل الهيئــة احلكوميــة الدوليــة املعنيــة بالتنميــة أن تبــدأ‬ ‫التعــاون التجــاري والسياســي والعســكري واألمنــي يف املنطقــة مــن أجــل‬ ‫تقــدمي حلــول إفريقيــة ملشــاكلها العالقــة‪ ،‬وأن تكــون مبثابــة منصــة‬ ‫للتعــاون يف تبــادل املعلومــات‪ ،‬وجتنــب املنافســة املدمــرة واخملاوف‬ ‫األمنيــة بشــأن القواعــد العســكرية األجنبيــة يف املنطقــة‪ .‬ويجــوز‬ ‫لــدول املنطقــة ومنظماتهــا اإلقليميــة صياغــة بروتوكــوالت بشــأن‬ ‫القواعــد العســكرية األجنبيــة والتصديــق عليهــا بهــدف جتنــب املواجهــة‬ ‫العســكرية‪ ،‬واحلــد مــن تدخــل القــوى األجنبيــة يف الشــؤون الداخليــة‬ ‫للــدول‪ ،‬ومراقبــة حركــة األســلحة مــن وإلــى القواعــد العســكرية‬ ‫األجنبيــة‪ ،‬وحمايــة ســيادة الــدول وسالمــة أراضيهــا‪.‬‬ ‫ويبــرز دور األمم املتحــدة واالحتــاد اإلفريقــي وجامعــة الــدول العربيــة‬ ‫والهيئــة احلكوميــة الدوليــة املعنيــة بالتنميــة وغيرهــا مــن املنظمــات‬

‫تتزايــد أهميــة مضيــق بــاب املنــدب علــى مســتوى العالــم لــدوره يف‬ ‫الربــط بني التجــارة العامليــة مــن الشــرق إلــى الغــرب‪ ،‬وباألخــص يف‬ ‫ضــوء مــا يحــدث مــن توتــرات وصراعــات كمــا يرغــب كثيرون يف تشــكيل‬ ‫حــزام ســاحلي آمــن يضــم إريتريــا وجيبوتــي والصومــال يضمــن سالمــة‬ ‫التجــارة عبــر البحــر األحمــر‪ .‬وباعتبــار القــرن اإلفريقــي حلقــة وصــل‬ ‫بني األنظمــة األمنيــة يف الشــرق األوســط ومنطقــة احمليــطني الهنــدي‬ ‫والهــادئ والبحــر األبيــض املتوســط‪ ،‬فهنــاك تأثيــر مباشــر عليهــا‬ ‫سياســ ً​ًيا واقتصاد ً​ًيــا وأمن ً​ًيــا مــع أيــة تطــورات يف القــرن اإلفريقــي‪.‬‬ ‫ومــن احلكمــة توســيع نطــاق املنطقــة‪ ،‬وتفعيــل دور االحتــاد اإلفريقــي‪،‬‬ ‫وتکويــن «هيئــة إقليميــة لــدول القــرن اإلفريقــي» كمــا يلــزم التغلــب‬ ‫علــى نزاعــات الهويــة‪ ،‬وصياغــة مبــادرة تتضمــن رؤيــة لنظــام «إقليمــي‬ ‫أمنــي لــدول املنطقــة»‪.‬‬

‫* أكادميي ــ جمهورية مرص العربية‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪89‬‬

‫ملف العدد‬

‫الشـــراكة الثالثيـــة بيـــن موســـكو وطهـــران وبكيـــن ال تعنـــي‬ ‫أنهـــا عـــى حســـاب الشـــراكة االســـتراتيجية مـــع دول الخليـــج‬ ‫األطــراف الثالثــة‪ ،‬ومــع حتــول مينــاء بربــرة إلــى ممــر رئيســي لتجــارة‬ ‫إثيوبيــا التــي تشــكل أكبــر اقتصــادات القــرن اإلفريقــي فــإن عائــد أربــاح‬ ‫دبــي العامليــة ســيتزايد بشــكل كبيــر‪ .‬ومــن املتوقــع أن هــذه االتفاقيــة‬ ‫ســتفاقم التوتــرات القائمــة أصاًلا يف املنطقــة‪ ،‬ويف ذات الســياق ً‬ ‫أيًضــا‬ ‫يبــدو توجــس إريتريــا مــن حصــول أديــس أبابــا علــى أيــة قواعــد بحريــة‪.‬‬ ‫أهميــة بــاب املنــدب والقــرن اإلفريقــي خالل احلــروب والنزاعــات‬ ‫الدوليــة‬ ‫أصبــح مضيــق بــاب املنــدب‪ ،‬الــذي يقــع بني منطقــة القــرن اإلفريقــي‬ ‫املكتظــة بالصــراع وشــبه اجلزيــرة العربيــة‪ ،‬والبحــر األحمــر‪ ،‬والــدول‬ ‫املشــاطئة ســاحة للتنافــس اإلقليمــي‪ .‬وتؤكــد اخملاوف األمنيــة علــى‬ ‫امتــداد الســواحل‪ ،‬إلــى جانــب تنامــي االهتمــام باالســتثمارات يف‬ ‫منطقــة القــرن اإلفريقــي علــى ضــرورة حمايــة حريــة املالحــة والتدفــق‬ ‫احلــر للتجــارة البحريــة‪ .‬وتكمــن أهميــة حمايــة املالحــة يف بــاب‬ ‫املنــدب يف أن ُ​ُعشــر التجــارة العامليــة متــر بهــذا املضيــق‪ ،‬وهنــاك‬ ‫رغبــة لزيــادة هــذه النســبة خاصــة جتــارة مصــادر الطاقــة والنفــط‬ ‫بعــد احلــرب الروســية األوكرانيــة‪ ،‬ويتميــز املضيــق بأنــه يســمح للســفن‬ ‫ونــاقالت النفــط بعبــوره بســهولة يف االجتــاهني‪ .‬وهنــاك تنافــس دولــي‬ ‫جيوســتراتيجي للســيطرة علــى القــرن اإلفريقــي وبــاب املنــدب‪ ،‬ولذلــك‬ ‫توجــد يف جيبوتــي وحدهــا تسـ ُ​ُع قواعــد عســكرية لســت دول مختلفــة‪،‬‬ ‫ويف الصومــال خمــس قواعــد‪ ،‬اثنتــان منهــا لإلمــارات وواحــدة لتركيــا‪،‬‬ ‫ويف إريتريــا قاعدتــان‪ ،‬واحــدة إســرائيلية وأخــرى إماراتيــة‪.‬‬ ‫ويحتــل القــرن اإلفريقــي موقعـًاً جغرافيـًاً اســتراتيج ً​ًيا‪ ،‬يشــمل الصومــال‬ ‫وجيبوتــي وإريتريــا وإثيوبيــا‪ ،‬إذ يبلــغ ســكانه نحــو ‪ 200‬مليــون نســمة‬ ‫ومســاحته نحــو ‪ 1.9‬مليــون كيلومتــر مربــع‪ ،‬ويتســع سياســيا واقتصاديــا‬ ‫ليشــمل كينيــا والســودان وجنــوب الســودان وأوغنــدا‪ .‬وبــه مــوارد طبيعيــة‬ ‫مــن احتياطيــات النفــط والغــاز وخدمــات املوانــئ‪ ،‬كمــا يضــم أكثــر مــن‬ ‫‪ 8‬موانــئ بحريــة متطــورة يف إريتريــا وجيبوتــي والصومــال والســودان‬ ‫وكينيــا علــى البحــر األحمــر‪ .‬ويف العقــود األخيــرة أســهمت التحــوالت‬ ‫اجليوســتراتيجية يف العالــم يف لفــت االهتمــام إلــى منطقــة القــرن‬ ‫اإلفريقــي کســاحة إلعــادة ترتيــب ميــزان القــوى وتعزيــز النفــوذ وتأكيــد‬

‫التواجــد باآلليــات االقتصاديــة والعســكرية‪.‬‬ ‫تدابير حماية أمن خطوط املالحة الدولية يف باب املندب‬ ‫شــكلت البحريــة األمريكيــة والبريطانيــة يف أبريــل‪2022‬م‪ ،‬فريق ـًاً أمني ـً​ًا‬ ‫مــع عــدد مــن الــدول احلليفــة ملراقبــة البحــر األحمــر ومحاولــة تثبيــت‬ ‫اســتقرار املالحــة وتــأمني خــط التجــارة الدولــي املهــم عبــر مضيــق بــاب‬ ‫املنــدب والبحــر األحمــر وخليــج عــدن‪ .‬وتقــوم عــدد مــن الــدول األوروبيــة‬ ‫علــى رأســها فرنســا بالدعــوة إلــى متديــد صالحيــات بعثــة الرقابــة‬ ‫األوروبيــة علــى مضيــق هرمــز الــذي تشــكل بدايــة ‪2020‬م‪ ،‬مــن ثمانــي‬ ‫دول أوروبيــة ليشــمل البحــر األحمــر نـ ً‬ ‫ـزوًال الــى اخلليــج الهنــدي عبــر‬ ‫مضيــق بــاب املنــدب‪ .‬وأعلــن اجليــش املصــري يف ديســمبر ‪2022‬م‪،‬‬ ‫تولــي قواتــه البحريــة مهــام دوليــة جديــدة يف البحــر األحمــر تشــمل‬ ‫مضيــق بــاب املنــدب وخليــج عــدن‪ ،‬إثــر توليهــا للمــرة األولــى قيــادة «قــوة‬ ‫املهــام املشــتركة الدوليــة»‪ .‬وهــذه القــوة تضــم كاًلا مــن مصــر والســعودية‬ ‫واإلمــارات واألردن والواليــات املتحــدة األمريكيــة‪ ،‬ويتركــز نطــاق عملهــا‬ ‫يف البحــر األحمــر وبــاب املنــدب وخليــج عــدن‪.‬‬ ‫نفــذت طائــرات حربيــة وســفن وغواصــات أمريكيــة وبريطانيــة‬ ‫ضربــات ضــد أهــداف جلماعــة احلوثــي يف اليمــن خالل الليــل يف‬ ‫اتســاع لنطــاق الصــراع اإلقليمــي الــذي أشــعلته احلــرب اإلســرائيلية‬ ‫يف غــزة‪ .‬وقــد أثــارت هــذه الضربــات تســاؤالت بشــأن تأثيرهــا علــى‬ ‫قــدرات احلوثــيني‪ ،‬وتبعاتهــا خالل الفتــرة املقبلــة‪ ،‬ومــدى مســاهمتها يف‬ ‫ردًعــا وزيــادة لألمــن البحــري‬ ‫زيــادة التصعيــد باملنطقــة‪ ،‬أو كونهــا متثــل ً‬ ‫يف البحــر األحمــر‪ .‬ويــرى محللــون عســكريون أنهــا مجــرد ضربــات‬ ‫حتذيريــة ولــن تشــل قــدرة احلوثــيني‪ ،‬ومــع أنهــا متثــل «رســالة ردع»‬ ‫ملنــع تفاقــم الهجمــات علــى الســفن العابــرة بالبحــر األحمــر‪ ،‬فليــس‬ ‫«رد الفعــل» مــن ِقِ�بـَل احلوثــيني مســتبعدًاً مبــا يتضمــن شــن «هجمــات‬ ‫مؤثــرة» علــى أهــداف أمريكيــة وبريطانيــة‪.‬‬

‫الحاجة إىل تنسيق الجهود لحماية القرن اإلفريقي‬

‫يتميــز القــرن اإلفريقــي بظــروف فشــل الدولــة واالنهيــار املؤسســي يف‬ ‫كثيــر مــن احلاالت‪ .‬ومــن الواضــح أن هــذا يضعهم يف موقف أضعف يف‬ ‫املســاومة مــع القــوى األجنبيــة‪ .‬ولذلــك‪ ،‬فــإن أول شــيء يتــعني علــى دول‬

‫س ــلمت روس ــيا لطه ــران أنظم ــة صواري ــخ ‪ S-300‬ع ــام ‪2016‬ويت ــم‬ ‫التف ــاوض إلمداده ــا بـــــ ‪S-400‬‬


‫‪88‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫موســـكو وطهـــران اتفقتـــا يف نوفمبـــر عـــى صناعـــة‬ ‫المســـيرات اإليرانيـــة يف روســـيا إلنتـــاج ‪ 6‬آالف مســـيرة إيرانيـــة‬ ‫وتعزيــز الروابــط االقتصاديــة والتجاريــة خــارج محيطهــا اإلقليمــي‪.‬‬ ‫باملقابــل‪ ،‬ســعت القــوى اإلقليميــة اخلليجيــة لتعزيــز وجودهــا مبنطقــة‬ ‫القــرن اإلفريقــي‪ ،‬وتوقيــع اتفاقيــات للتعــاون العســكري ُتُ ِ​ِّو َ​َجــت بإنشــاء‬ ‫قواعــد عســكرية خليجيــة باملنطقــة‪ .‬وَتَعتبــر الســعودية حضورهــا‬ ‫املتصاعــد بالقــرن اإلفريقــي فرصــة لتقليــص النفــوذ اإليرانــي هنــاك‪.‬‬ ‫وتنشــد إيــران بســط نفوذهــا علــى بــاب املنــدب عــن طريــق دعمهــا‬ ‫للحوثــيني‪ ،‬األمــر الــذي يضعهــا موضــع االتهــام بنقــل صراعاتهــا مــع‬ ‫دول اخلليــج إلــى مضيــق بــاب املنــدب بعــد الهيمنــة علــى مضيــق‬ ‫هرمــز‪ .‬ويف أكتوبــر ‪2023‬م‪ ،‬مت إطالق سلســلة مــن ا ُ​ُمل َ​َسـ َ​َّيرات الهجوميــة‬ ‫وصواريــخ كــروز بعيــدة املــدى مــن اليمــن‪ ،‬قيــل إنهــا كانــت متجهــة إلــى‬ ‫إســرائيل واعترضتهــا مدمــرة أمريكيــة فــوق البحــر األحمــر‪ .‬والحقــً​ًا‬ ‫هــددت جماعــة احلوثــيني باســتهداف الســفن اإلســرائيلية التــي تعبــر‬ ‫بــاب املنــدب يف حــال تواصــل القصــف علــى قطــاع غــزة‪.‬‬

‫تداعيات توسيع القواعد العسكرية األجنبية‬

‫جلــب انتشــار القواعــد العســكرية األجنبيــة يف القــرن اإلفريقــي آثــا ً​ًرا‬ ‫إيجابيــة وأخــرى ســلبية علــى دول املنطقــة‪ .‬ففــي اجلانــب اإليجابي ثمة‬ ‫فوائــد اقتصاديــة للــدول املضيفــة مــن خالل تأجيــر القواعد العســكرية‬ ‫واملوانــئ واملطــارات‪ .‬تؤجــر جيبوتــي وحدهــا قواعــد عســكرية ألكثــر مــن‬ ‫‪ 6‬قــوى أجنبيــة‪ ،‬كمــا تتحصــل دول مضيفــة علــى مبالــغ مجزيــة مــن‬ ‫العملــة الصعبــة مقابــل التأجيــر‪ ،‬وتتوفــر لهــا فــرص لتحقيــق مصاحلها‬ ‫الوطنيــة االســتراتيجية‪ .‬كمــا ســاعد وصــول اجليــوش األجنبيــة يف‬ ‫حمايــة خطــوط التجــارة الســاحلية مــن القرصنــة والســطو املســلح‬ ‫والهجمــات اإلرهابيــة‪ ،‬ومتــكني دول القــرن اإلفريقــي مــن تعزيــز قــدرة‬ ‫قواتهــا البحريــة‪.‬‬ ‫ومــن ناحيــة أخــرى‪ ،‬فمــن شــأن توســيع القواعــد العســكرية األجنبيــة‬ ‫أن يجلــب آثــا ً​ًرا ســلبية هائلــة علــى املنطقــة‪ .‬ومنهــا إمكانيــة نشــوب‬ ‫حــروب بالوكالــة بني القــوى اإلقليميــة والعامليــة املتنافســة‪ ،‬وتنافــر‬ ‫القــوى السياســية احملليــة‪ ،‬وإعاقــة التحــول الدميقراطــي واإلصالح‬ ‫السياســي وإقصــاء مصلحــة الشــعوب‪ .‬وهنــاك أمثلــة علــى جتــاوز‬ ‫القــوى األجنبيــة أهــداف السياســة االســتراتيجية للــدول املضيفــة‪،‬‬ ‫وتوظيــف املســاعدات اإلنســانية والتنمويــة والتعــاون العســكري والدعــم‬ ‫الفنــي لتعزيــز مصاحلهــا‪ .‬ومتيــل بعــض هــذه القــوى إلــى إثــارة عــدم‬ ‫االســتقرار يف الــدول املضيفــة مــن أجــل تغييــر األنظمــة وخلخلــة‬ ‫الوضــع الراهــن أو إلــى تأجيــج اخلالف بني اجلهــات السياســية‬

‫الفاعلــة والتأثيــر عليهــا حلملهــا علــى الوقــوف ضــد مصالــح‬ ‫منافســيها‪ .‬ويرتبــط توســيع القواعــد العســكرية األجنبيــة بدعــم الرعــاة‬ ‫األجانــب للعــمالء االســتبداديني وعرقلــة التغييــر االجتماعــي الداعــي‬ ‫للدميقراطيــة مبــا يفاقــم التوتــر العرقــي‪ ،‬وأزمــة الشــرعية‪ ،‬وتوتــر‬ ‫العالقــات بني الدولــة واجملتمــع‪ .‬كمــا يفتــح ذلــك ً‬ ‫أيًضــا اجملال للتجــارة‬ ‫املســلحة غيــر القانونيــة إذ تقــوم اجلهــات الفاعلــة باإلمــداد باألســلحة‬ ‫والتكنولوجيــا العســكرية لصالــح الفــرق املتخاصمــة يف الــدول غيــر‬ ‫املســتقرة يف القــرن اإلفريقــي‪ .‬وهكــذا ميتــد أجــل الصراعــات العنيفــة‬ ‫ممــا يشــكل إخفا ً​ًقــا لتطلعــات إفريقيــا إلــى الــسالم والتنميــة واألمــن‪.‬‬ ‫اتفاق إثيوبيا وأرض الصومال‪ ،‬يشعل فتيل التوتر بالقرن اإلفريقي‬ ‫يف تهديــد صريــح مــن رئيــس الــوزراء اإلثيوبــي أكــد أن احلصــول علــى‬ ‫منفــذ بحــري ميثــل قضيــة حيــاة أو مــوت لــبالده‪ ،‬وأنهــا ســتحصل علــى‬ ‫هــذا احلــق بالقــوة أو بغيرهــا‪ ،‬ممــا أثــار توتــر العالقــات مــع جيــران‬ ‫بالده الســاحليني يف القــرن اإلفريقــي‪ .‬وجــرى اإلعالن عــن توقيــع‬ ‫ً‬ ‫شــريًطا ســاحل ً​ًيا‬ ‫اتفــاق عــن تأجيــر دويلــة أرض الصومــال إلثيوبيــا‬ ‫بطــول ‪ 20‬كيلومت ـ ً​ًرا ملــدة ‪ 50‬عا ً​ًمــا‪ ،‬ويضمــن االتفــاق إلثيوبيــا وصــول‬ ‫قواتهــا البحريــة إلــى البحــر‪ ،‬مقابــل االعتــراف الرســمي بدويلــة أرض‬ ‫الصومــال‪ .‬كمــا تطمــع دويلــة أرض الصومــال أيضــًاً يف حصــة يف‬ ‫اخلطــوط اجلويــة اإلثيوبيــة‪ ،‬ممــا يشــكل لهــا فرصــة اقتصاديــة مهمــة‪.‬‬ ‫تتابعــت الــردود مــن جيبوتــي والصومــال وإريتريــا ‪-‬جيــران إثيوبيــا‬ ‫الســاحليني ‪-‬كمــا حتدثــت تقاريــر عــن حشــود عســكرية علــى احلــدود‬ ‫اإلريتريــة ‪ /‬اإلثيوبيــة‪ ،‬ممــا أدى إلــى تصاعــد اخملاوف مــن انــدالع نــزاع‬ ‫مســلح مــن الطــرفني‪ .‬ويبــدو أن طبيعــة الدوافــع اإلثيوبيــة تتعــدى‬ ‫الدواعــي االقتصاديــة إلــى أبعــاد جيوسياســية وأمنيــة‪ ،‬وال تريــد أن‬ ‫تبقــى ســلبية إزاء التهديــدات األمنيــة الكبيــرة التــي يشــهدها البحــر‬ ‫األحمــر‪ .‬ومتثــل دويلــة أرض الصومــال علــى خليــج عــدن قري ً​ًبــا مــن‬ ‫بــاب املنــدب موق�ع ـًا اســتراتيج ً​ًيا جاذبـًاً للعديــد مــن القــوى‪ ،‬لالســتفادة‬ ‫مــن القــرن اإلفريقــي وموانئــه‪ .‬فقــد اتفقــت اإلمــارات العربيــة املتحــدة‬ ‫مــع دويلــة أرض الصومــال لتشــغيل مركــز جتــاري ولوجســتي إقليمــي‬ ‫يف مينــاء مدينــة بربــرة التجاريــة‪ .‬وو َ​َّقــع الطرفــان بعــد ذلــك اتفاقيــة‬ ‫لتطويــر مشــروع منطقــة اقتصاديــة حــرة تتكامــل مــع مشــروع تطويــر‬ ‫مينــاء بربــرة‪ ،‬لتحتفــظ موانــئ دبــي بحصــة تبلــغ ‪ %51‬مــن املشــروع‪،‬‬ ‫مبــا ميّكّ ــن املينــاء مــن العمــل بقــدرة تشــغيلية تصــل إلــى ‪ 500‬ألــف‬ ‫حاويــة ســنويًاً‪ .‬ويف مذكــرات التفاهــم بني دويلــة أرض الصومــال‬ ‫وإثيوبيــا مبوافقــة إماراتيــة داللــة علــى العالقــات املتينــة التــي تربــط‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫االســتخباراتية‪ ،‬ومراقبــة تدفقــات األمــوال وحتــركات األفــراد‪ .‬وهنــاك‬ ‫قواعــد عســكرية أمريكيــة أخــرى يف إريتريــا وجيبوتــي وأوغنــدا وكينيــا‪.‬‬ ‫وألمريــكا قاعــدة جوّيّــة يف الصومــال‪ ،‬كمــا حتدثــت مصــادر عــن‬ ‫وجــود قواعــد عســكرية ســرية لهــا بالقــرن اإلفريقــي ومــا حولهــا‪ ،‬وعــن‬ ‫وجــود قاعــدتني بحريــتني يف كينيــا‪ .‬ويف إثيوبيــا توجــد قاعــدة جويــة‬ ‫لل ُ​ُمسـ َ​َّيرات مهمتهــا االســتطالع والتجّسّ ــس يف شــرق إفريقيــا‪ .‬وحتسـبً​ًا‬ ‫إلغالق مضيــق بــاب املنــدب مــن ِقَِبَــل إيــران واجلماعــات املواليــة‬ ‫لهــا يف املنطقــة مــع تطــور احلــرب يف غــزة‪ ،‬حتركــت قــوات وســفن‬ ‫لألســطول اخلامــس التابــع للبحريــة األمريكيــة‪ ،‬إلــى منطقــة عمليــات‬ ‫تشــمل اخلليــج العربــي وخليــج ُ​ُعمــان والبحــر األحمــر‪ ،‬وأجــزاء مــن‬ ‫احمليــط الهنــدي و‪ 3‬نقــاط حرجــة يف مضيــق هرمــز وقنــاة الســويس‬ ‫ومضيــق بــاب املنــدب‪.‬‬

‫حضور القوى األخرى يف المنطقة‬

‫حتتفــظ فرنســا بأكبــر قاعــدة عســكرية أجنبيــة لهــا خــارج حدودهــا‬ ‫يف جيبوتــي‪ .‬وينتشــر نحــو ‪ 1500‬جنــدي يف القاعــدة ويقومــون مبهــام‬ ‫مكافحــة اإلرهــاب وحراســة املمــرات البحريــة القريبــة‪ ،‬ومنهــا تــأمني‬ ‫احلركــة التجاريــة عبــر مضيــق بــاب املنــدب وحمايــة جيبوتــي وتدريــب‬ ‫القــوات احملليــة والتنســيق والدعــم اللوجيســتي للبعثــات األمميــة‬ ‫والفرنســية باملنطقــة‪ .‬وتســعى بريطانيــا إلــى إقامــة قاعــدة يف دويلــة‬ ‫أرض الصومــال‪ ،‬وهنــاك قاعــدة بريطانيــة يف منطقــة «بيــدوا» يتــّمّ‬ ‫فيهــا تدريــب القــوات الصوماليــة‪ .‬وتســعى روســيا للعــودة إلــى القــرن‬ ‫اإلفريقــي‪ ،‬عبــر البوابــة اإلريتريــة‪ .‬حيــث وّقّ عــت مــع إريتريــا‪ ،‬يف ينايــر‬ ‫‪2023‬م‪ ،‬مذكــرة تفاهــم تتيــح اســتغالل مينــاء «مصــوع» اإلريتــري متهيـًدًا‬ ‫إلقامــة قاعــدة عســكرية روســية جديــدة يف البحــر األحمــر بالقــرب مــن‬ ‫مضيــق بــاب املنــدب‪ .‬واليابــان لهــا قاعــدة لقــوات الدفــاع الذاتــي يف‬ ‫جيبوتــي‪ .‬وُتُ َ​َعـُّدُ القاعـدُةُ العســكرية التــي أنشــأتها تركيــا يف الصومــال‬ ‫أكبــر قاعــدة عســكرية تركيــة يف العالــم‪ ،‬للتواجــد يف القــرن اإلفريقــي‬ ‫وممــر البحــر األحمــر التجــاري‪ ،‬ومضيــق بــاب املنــدب‪.‬‬

‫التنافس األمريكي ‪ /‬الصيني يف القرن اإلفريقي‬

‫تهيــئ التحــوالت الدوليــة لتوازنــات جديــدة وانتقــال إلــى‪« :‬عالــم مــا‬ ‫بعــد أمريــكا» وفــق تعدديــة قطبيــة وصعــود قــوى دوليــة أخــرى أبرزهــا‬ ‫الــصني‪ .‬ويــرى صانــع القــرار األمريكــي يف الصعــود الصينــي إلــى‬ ‫جانــب روســيا وكوريــا الشــمالية وإيــران أبــرز تهديــد أمنــي واقتصــادي‬ ‫لالزدهــار األمريكــي‪ .‬وتتبنــى الــصني مبــادرة احلــزام والطريق‪ ،‬وتســتثمر‬ ‫مليــارات الــدوالرات لتشــييد منشــآت وموانــئ وطــرق مــن الــصني عبــر‬ ‫آســيا الوســطى إلــى شــرق إفريقيــا فأوروبــا‪ ،‬حيــث تعــد منطقــة شــرق‬ ‫إفريقيــا منطقــة اســتراتيجية ومعب ـ ً​ًرا محور�يـًا للحــزام والطريــق‪ ،‬كمــا‬ ‫تتمتــع يف ظلهــا جيبوتــي مبوقــع وســيط يف طريــق احلريــر البحــري‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪87‬‬

‫ملف العدد‬

‫نحــو القــارة وأوروبــا‪.‬‬ ‫ويف اجملال العســكري‪ ،‬أسســت الــصني أول قاعــدة عســكرية خارجيــة‬ ‫بجيبوتــي بهــدف مكافحــة عمليــات القرصنــة يف منطقــة القــرن‬ ‫اإلفريقــي‪ ،‬وتقــدمي املســاعدة يف إعــادة متويــن القــوات التــي تنفــذ‬ ‫مهــام حربيــة وإنســانية أو مهــام حفــظ الــسالم‪ ،‬وســط مخــاوف‬ ‫أمريكيــة مــن أهدافهــا غيــر املعلنــة‪ .‬وهــي ترمــي للدعــم اللوجيســتي‬ ‫لألســطول الصينــي‪ ،‬وجمــع املعلومــات االســتخباراتية وعمليــات اإلجالء‬ ‫غيــر القتالــي ومكافحــة القرصنــة وضمــان أمــن بــاب املنــدب‪ .‬وتســعى‬ ‫الــصني لتعزيــز حضورهــا باملنطقــة‪ ،‬وفــق خطتهــا االســتراتيجية‪:‬‬ ‫«صعــود الــصني الســلمي»‪ ،‬ورؤيتهــا إلقامــة مبــادرة احلــزام والطريــق‪،‬‬ ‫وارتباطهــا باملوقــع االســتراتيجي لشــرق إفريقيــا‪.‬‬

‫استراتيجية النفوذ اإلسرائييل‬

‫راهنــت إســرائيل علــى حضورهــا يف منطقــة القــرن اإلفريقــي‬ ‫كاســتراتيجية لألمــن القومــي اإلســرائيلي‪ .‬وســعت إلــى حتقيــق‬ ‫اختــراق مبنطقــة شــرق إفريقيــا وحتــسني عالقاتهــا اإلفريقيــة‪ ،‬لكســب‬ ‫أصواتهــا باملنظمــات الدوليــة وكســر احلصــار والعزلــة املفروضــة عليهــا‬ ‫إقليم ً​ًيــا‪ .‬اســتغلت إســرائيل عالقاتهــا املتميــزة مــع دول كينيــا وأوغنــدا‬ ‫وإثيوبيــا حلصــار الــدول العربيــة‪ ،‬وتــأمني طريــق املالحــة اجلويــة‬ ‫إلــى الشــرق األقصــى وجنــوب إفريقيــا‪ .‬واســتطاعت عقــد اتفاقيــات‬ ‫عســكرية أبرزهــا التعــاون العســكري مــع إريتريــا وحصلــت علــى قاعــدة‬ ‫عســكرية ملراقبــة املالحــة ببــاب املنــدب ومراقبــة األنشــطة اإليرانيــة‬ ‫واخلليجيــة وحمايــة املصالــح اإلســرائيلية‪ .‬أسســت إســرائيل وجــودً​ًا‬ ‫عســكريًاً وأمني ـًاً يف تلــك املنطقــة‪ ،‬كمــا طــورت عالقاتهــا السياســية‬ ‫مــع بعــض األنظمــة وخاصــة النظــام اإلريتــري واألوغنــدي‪ .‬ويف ‪2016‬م‪،‬‬ ‫أنشــأت سـرًاً قاعــدة اســتخبارات إلكترونيــة متقدمــة يف إريتريــا ملراقبــة‬ ‫مضيــق بــاب املنــدب االســتراتيجي‪.‬‬

‫التنافس الخليجي‪-‬اإليراني‬

‫إن الهــدف مــن حتــرك القــوى جتــاه املنطقــة هــو الســيطرة علــى املــوارد‪،‬‬ ‫وترتبــط التحــركات اخلليجيــة مببــررات حمايــة املصالــح اخلليجيــة‬ ‫باملنطقــة يف ظــل حتــركات االســتقطاب اخلليجية‪-‬اإليرانيــة‪ .‬وتتزايــد‬ ‫اخملاوف اخلليجيــة مــن ســيطرة احلوثــيني علــى بــاب املنــدب‪ ،‬ويرمــي‬ ‫النــزاع اخلليجــي مــع إيــران إلــى تقليــص حضورهــا‪ ،‬وحتــاول إيــران يف‬ ‫املقابــل تعزيــز وجودهــا باملنطقــة‪ .‬لقــد راهنــت إيــران علــى محــاوالت‬ ‫االنفتــاح علــى منطقــة شــرق إفريقيــا يف إطــار اســتراتيجيتها لتجــاوز‬ ‫احلصــار املفــروض عليهــا إقليميــا‪ .‬كانــت منطقــة شــرق إفريقيــا‬ ‫متنفســا لطهــران بعيــدا عــن أزمــات الشــرق األوســط‪ ،‬وترتكــز‬ ‫اســتراتيجية التوجــه اإلفريقــي للسياســة اخلارجيــة اإليرانيــة علــى‬ ‫االهتمــام باملنطقــة باعتبارهــا املعبــر الرئيســي لتــأمني انفتاحهــا‪،‬‬


‫‪86‬‬

‫ملف العدد‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫تحديات أمنية في القرن اإلفريقي والبحر األحمر‬

‫ضرورة تفعيل االتحاد اإلفريقي وتأسيس‬ ‫"هيئة إقليمية للقرن اإلفريقي" ومبادرة أمنية‬ ‫تتســابق القــوى الدوليــة لتــأمني وجودهــا يف اخلليــج والقــرن اإلفريقــي‪ ،‬وتأكيــد نفوذهــا العســكري بهــذه املنطقــة االســتراتيجية‬ ‫بنشــر قواعدهــا العســكرية هنــاك‪ .‬ويشــير ذلــك إلــى تنامــي التهديــدات األمنيــة باملنطقــة‪ ،‬وضعــف األمــن اإلقليمــي الــذي يرتهــن‬ ‫بالتواجــد العســكري األجنبــي يف ظــل التنافــس بني أطرافــه‪ .‬وتشــهد منطقــة جنــوب البحــر األحمــر واليمــن تطــورات خطيــرة‬ ‫ومتســارعة‪ ،‬تهــدد أمــن املالحــة يف البحــر األحمــر إثــر تصاعــد العمليــات العســكرية يف املنطقــة‪ .‬ومــع اســتمرار االعتــداءات‬ ‫اإلســرائيلية علــى قطــاع غــزة‪ ،‬وشــن غــارات جويــة أمريكيــة داخــل األراضــي اليمنيــة‪ ،‬تتزايــد حــدة التوتــر وعــدم االســتقرار يف‬ ‫املنطقــة‪ .‬ممــا ينــذر باتســاع رقعــة الصــراع‪ ،‬وتفاقــم اخملاطــر يف تهديــد الســلم واألمــن الدولــيني‪ ،‬وإعــادة ترتيــب التوازنــات‬ ‫الدوليــة‪.‬‬

‫لواء د‪ .‬محمد عالم سيد‬

‫مخاطر الصراعات العسكرية يف المنطقة‬

‫يؤثــر إقليــم القــرن اإلفريقــي يف القــوى العامليــة مبــا ينطــوي عليــه مــن‬ ‫خصائــص جاذبــة‪ ،‬ممــا يجعلــه موضــع اســتقطاب للعديــد مــن القــوى‪،‬‬ ‫ســواء كانــت مــن داخــل اإلقليــم أو مــن خارجــه‪ .‬وتعتبــر املنطقــة منفـ ً​ًذا‬ ‫بحر�يـًا ُ​ُمِهًِّم�ً ــا باعتبارهــا مــن أهــم املمــرات واملنافــذ النفطيــة املتجهــة‬ ‫نحــو أوروبــا علــى مســتوى العالــم‪ .‬مــن خالل ذلــك تتحكــم ُ​ُد َ​َو�لـ ُ​ُ​ُه يف‬ ‫طريــق ومحــور التجــارة العامليــة‪ ،‬كمــا ُتُ َ​َعــُّدُ مــن أهــم املناطــق الغنيــة‬ ‫ملا حتتويــه مــن ثــروات النفــط والغــاز والذهــب‪ ،‬فــضاًلا عــن معــادن‬ ‫اليورانيــوم والكوبالــت الالزمــة لصناعــات حرجــة‪.‬‬ ‫حظيــت املنطقــة باهتمــام مجموعــة مــن القــوى الدوليــة كالواليــات‬ ‫املتحــدة وروســيا والــصني ملا متثلــه مــن عمــق اســتراتيجي ومنبــع‬ ‫ٍ‬ ‫ثــرواٍت ضخــم يجعلهــا مــن أبــرز املناطــق أهميــة علــى مســتوى‬ ‫العالــم‪ .‬فهــي ُتُعتَبَــ ُ​ُر املعبــر والشــريان الرئيــس للتجــارة الدوليــة مــن‬ ‫ً‬ ‫وصــوًال للبجــر األحمــر‪ ،‬ويعُبُــ ُ​ُر خاللهــا نحــو ‪ %30‬مــن‬ ‫بــاب املنــدب‬ ‫أَح ـ َ​َد املمــرات احليويــة‬ ‫حمــوالت النفــط اخلليجــي إلــى العالــم‪ .‬وُتُ َ​َع ـُّدُ َ‬ ‫للتحــركات العســكرية لبعــض القــوى الكبــرى املتجهــة ملنطقــة الشــرق‬ ‫األوســط واخلليــج العربــي وشــبه القــارة الهنديــة‪ .‬وســاهم ذلــك يف‬

‫اشــتداد التنافــس الدولــي واإلقليمــي للحصــول علــى موقــع نفــوذ هناك‪.‬‬ ‫وهكــذا َ​َغــ َ​َدت املنطقــة مســرحًاً لقــوى خارجيــة لتؤكــد وجودهــا مــن‬ ‫خالل آليــات عســكرية واقتصاديــة‪ ،‬وســاحة للســباق مــن أجــل إنشــاء‬ ‫قواعــد عســكرية عديــدة يف املواقــع االســتراتيجية القريبــة مــن مناطــق‬ ‫االضطرابــات بالشــرق األوســط وإفريقيــا‪ .‬وتســعى تلــك القــوى إلــى‬ ‫حتقيــق مكاســب الريــادة اإلقليميــة وتــأمني مصاحلهــا االســتراتيجية‬ ‫والتضييــق علــى منافســيها‪.‬‬

‫الدور األمريكي يف المنطقة‬

‫يوجــد يف جيبوتــي أكبــر قاعــدة عســكرية أمريكيــة بالقــارة‪ ،‬وبلــغ تعــداد‬ ‫قواتهــا مــا يقــارب مــن أربعــة آالف جنــدي ومهمتهــا مراقبــة اجملال‬ ‫اجلــوي والبحــري والبــري للســودان وإريتريــا والصومــال وجيبوتــي‬ ‫وكينيــا واليمــن‪ ،‬للحفــاظ علــى الوجــود العســكري األمريكــي وحمايــة‬ ‫مصالــح األمــن القومــي األمريكــي‪ .‬وتقــوم بــأدوار أمنيــة وعســكرية‬ ‫حساســة ملكافحــة اإلرهــاب يف شــرق إفريقيــا واليمــن‪ ،‬وُتُعــ ِ​ِّول علــى‬ ‫إعــادة تشــكيل منطقــة القــرن اإلفريقــي وتوظيــف أحــداث بــاب املنــدب‬ ‫لتغليــب مصاحلهــا‪ ،‬وحتجيــم أي نفــوذ روســي أو صينــي‪ ،‬إضافــة إلــى‬ ‫التركيــز علــى حتــسني قــدرات اجليــوش احملليــة‪ ،‬وتبــادل املعلومــات‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪85‬‬

‫ملف العدد‬

‫تتوجـــس أمريـــكا مـــن تحـــول القاعـــدة العســـكرية الصينيـــة يف‬ ‫جيبوتـــي لقاعـــدة قـــادرة عىل اســـتقبال غواصـــات وحاملـــة طائـــرات‬ ‫األمنــية واالقتصادــية والسياــسية للطرــيفني»‪.‬‬ ‫وتبــرر إثيوبيــا هــذا التمــدد بــأن «وجــود إثيوبيــا كأمــة مرتبــط بالبحــر‬ ‫األحمــر ونهــر النيــل»‪ ،‬وأن دول اجلــوار مطالبــة باالعتــراف مبصالــح‬ ‫إثيوبيــا يف احلصــول علــى منفــذ بحــري‪.‬‬ ‫ومــن املعلــوم أن األمني العــام للجامعــة العربيــة‪ ،‬قــد أدان هــذا االتفــاق‬ ‫ً‬ ‫صارًخــا» علــى الثوابــت العربيــة واإلفريقيــة‪ ،‬كمــا‬ ‫واعتبــره «انقال ً​ًبــا‬ ‫اعتبــرت اخلارجيــة املصريــة إثيوبيــا مصــد ً​ًرا لبــث االضطــراب يف‬ ‫املنطقــة؛ واكتفــى االحتــاد اإلفريقــي بالدعــوة إلــى احتــرام ميثــاق‬ ‫االحتــاد اإلفريقــي واحتــرام ســيادة جميــع الــدول األعضــاء ومطالبــة‬ ‫اجلهــات اخلارجيــة بعــدم التدخــل يف شــؤون القــارة اإلفريقيــة‪.‬‬ ‫وبالرغــم مــن مســاندة الواليــات املتحــدة واالحتــاد اإلفريقــي واجلامعــة‬ ‫العربيــة ومنظمــة التعــاون اإلسالمــي ودول اخلليــج لوحــدة الصومــال‪،‬‬ ‫وكذلــك توجــس أريتريــا مــن التمــدد اإلثيوبــي‪ ،‬فليــس مــن الســهل‬ ‫الضغــط علــى إثيوبيــا للتخلــي عــن طموحهــا للحصــول علــى منفــذ‬ ‫بحــري‪ .‬ومــن احملتمــل الوصــول إلــى حــل توافقــي عبــر الوســاطة‬ ‫الدوليــة‪ ،‬ومــن املســتبعد أن تصعــد الصومــال موقفهــا إلــى مســتوى‬ ‫عســكري‪ ،‬ألنهــا غيــر مؤهلــة لذلــك بســبب هشاشــة الدولــة ومواجهتهــا‬ ‫لإلرهــاب‪.‬‬ ‫ثال ً​ًثا‪ :‬املشاهد املستقبلية‬ ‫هنــاك عــدة محــددات تشــكل التفاعــل احلاد بني مختلــف القــوى‬ ‫املهتمــة مبنطقــة البحــر األحمــر والقــرن اإلفريقــي‪ .‬ومنهــا التنافــس‬ ‫احلاد بني الواليــات املتحــدة األمريكيــة والــصني وســعي االحتــاد‬ ‫األوروبــي للمســاهمة يف محاصــرة مشــروع طريــق احلريــر البحــري‬ ‫والتمــدد الصينــي يف القــارة اإلفريقيــة وكذلــك التوجــس مــن عــودة‬ ‫روســيا إلــى القــرن اإلفريقــي‪ .‬هــذا إضافــة إلــى اســتمرار إســرائيل‬ ‫يف إبــادة غــزة‪ ،‬الــذي مينــح إيــران واحلوثــيني مب ـر ً​ًرا ملواجهــة إســرائيل‬ ‫والــغرب؛ وبالتاــلي تعــقد املــشهد اجليواــستراتيجي للمنطــقة‪.‬‬ ‫سيناريو حرب شاملة يف املنطقة‬ ‫هــو ســيناريو وارد لكنــه مســتبعد‪ ،‬ألن تداعياتــه علــى اجلميــع ســتكون‬ ‫ضخمــة‪ ،‬وميكــن أن يتطــور األمــر إلــى حــرب عامليــة ثالثــة‪ .‬ويبــدو أن‬ ‫أمريــكا بالرغــم مــن حضورهــا العســكري يف املنطقــة‪ ،‬حتــاول ممارســة‬ ‫نــوع مــن التخويــف والــردع‪ ،‬وتســعى إلــى إقنــاع إيــران واحلوثــيني إلــى‬ ‫عــدم التصعيــد وبالتالــي جتنــب مواجهــة مباشــرة مــع إيــران‪.‬‬ ‫سيناريو احتواء األزمة عبر تغليب توازن املصالح‪.‬‬ ‫يعــول يف هــذا الســيناريو علــى الــصني التــي لهــا مصالــح جيواقتصاديــة‬

‫أكثــر مــن روســيا مــع العلــم أن اجلميــع مــن مصلحتــه احتــواء األزمــة‪.‬‬ ‫وكمــا يشــير بعــض اخلبــراء‪« ،‬ومــع أن الــصني ال متتلــك نفــس التأثيــر‬ ‫الــذي متتلكــه روســيا علــى اجلهــاز العســكري يف «احلــرس الثــوري»‪ ،‬إال‬ ‫أن بــكني لديهــا عالقــات مؤثــرة مــع باقــي مؤسســات الدولــة العميقــة‪،‬‬ ‫وتتمتــع كذلــك بعالقــات واســعة ج ـًدًا مــع األذرع االقتصاديــة التابعــة‬ ‫للحــرس الثــوري؛ إذ تشــتري بيــكني نحــو ‪ 400‬ألــف برميــل مــن النفــط‬ ‫يومــي عبــر شــركات تابعــة للحــرس‪ ،‬أو عبــر «عقــود املقايضــة» التــي‬ ‫ارتفعــت خالل العــام األخيــر‪ ،‬وعــززت ارتبــاط الــصني مبؤسســات‬ ‫احلــرس االقتصاديــة الكبــرى ومنهــا «منظمــة خــامت األنبيــاء «عبــر‬ ‫عقــود تتجــاوز قيمتهــا ‪ 10‬مليــارات دوالر»‪ .‬وليــس مــن مصلحــة الــصني‬ ‫اجملازفــة باالســتثمارات الهائلــة يف املنطقــة ومشــروعها لطريــق احلرير‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ضغًطــا كب ً​ًيــرا الحتــواء‬ ‫كمــا أن الشــركات العامليــة الكبــرى‪ ،‬ســتمارس‬ ‫األزمــة ملا تشــكله مــن تداعيــات علــى االقتصــاد العالـمي وارتفــاع تكلفــة‬ ‫النقــل وبالتالــي ارتفــاع األســعار وانقطــاع سالســل التوريــد وغيــر ذلــك‬ ‫مــن التداعيــات االقتصاديــة اخلطيــرة التــي ال ميكــن لالقتصــاد العالـمي‬ ‫حتمــل آفاتهــا وهــو يحــاول أن يتعافــى مــن آثــار وبــاء كرونــا‪.‬‬ ‫خامتة‬ ‫ليــس مــن املتوقــع انتهــاء األزمــة يف القــرن اإلفريقــي والبحــر األحمــر‬ ‫يف املنظــور القريــب‪ ،‬ألن الصــراع اجليوسياســي مســتمر بني أمريــكا‬ ‫وحلفائهــا ضــد الــصني‪ ،‬حيــث يســعى الغــرب إلــى حتجيــم النفــوذ‬ ‫الصينــي وإفشــال مشــروع مبــادرة احلــزام واحلريــر ومراقبــة البحــر‬ ‫الهنــدي واملمــرات البحريــة والتصــدي إليــران واحلوثــيني‪ .‬كمــا تشــكل‬ ‫القضيــة الفلســطينية ســب ً​ًبا الســتمرار التصــدع اجليوسياســي يف‬ ‫املنطقــة وتهديـًدًا ملســتقبل الــسالم يف الشــرق األوســط ومــا يحيــط بــه‬ ‫يف حالــة عــدم الوصــول إلــى حــل عــادل للقضيــة‪ .‬ولــذا فــإن دول القــرن‬ ‫اإلفريقــي والبحــر األحمــر مطالبــة بتشــكيل حتالــف ملواجهــة مختلــف‬ ‫هــذه التحديــات وصياغــة اســتراتيجية موحــدة‪ ،‬تضمــن مراعــاة األمــن‬ ‫اإلقليمــي وحتقيــق توافــق حــول مصاحلهــا بعيـًدًا عــن حســابات القــوى‬ ‫الكبــرى ومــن املمكــن أن تســاهم دول اخلليــج برعايــة مبــادرة ســلمية‬ ‫ترســخ منهــج احلكمــة والتعــاون بني مختلــف أطــراف النــزاع يف البحــر‬ ‫األحمــر والقــرن اإلفريقــي والتفكيــر يف فضــاء آمــن يضمــن االزدهــار‬ ‫للجميــع‪.‬‬

‫* باحث يف العالقات الدولية واملستقبليات ـ رئيس املركز املغريب للدراسات‬ ‫الدولية واملستقبلية ـ املغرب‬


‫‪84‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫يضــم البحــر األحمــر ‪ 1496‬جزيــرة منهــا‪ 1150‬تابعــة للســعودية و‪152‬‬ ‫لليمــن و‪ 26‬لمصــر و‪ 36‬للســودان و‪ 126‬جزيــرة ألرتيريا‬ ‫يف القــرن اإلفريقــي وســواحل البحــر األحمــر واحمليــط الهنــدي مــن‬ ‫الســودان إلــى كينيــا‪ .‬وبالتالــي اســتعمال القــوة العســكرية أداة للتدخــل‬ ‫األمنــي والتأثيــر علــى السياســات العامــة لــدول املنطقــة‪ ،‬والقيــام بــدور‬ ‫هــام يف حفــظ الســلم والتنميــة‪ .‬قــد طــرح وزيــر اخلارجيــة الصينــي‬ ‫وانــغ بــي‪ ،‬أثنــاء زيارتــه لعــدة دول يف القــرن اإلفريقــي‪ ،‬مشــروع «التنميــة‬ ‫الســلمية للقــرن اإلفريقــي»‪ ،‬كمــا أعلــن املبعــوث الصينــي اخلاص‬ ‫للقــرن اإلفريقــي‪ ،‬عــن إرادة بالده وحرصهــا علــى رعايــة» أول مؤمتــر‬ ‫سالم» وذلــك خالل زيارتــه إلثيوبيــا‪.‬‬ ‫لكــن هــذا ال يعنــي أن الــصني ليســت لهــا مصالــح اقتصاديــة محضــة؛‬ ‫بالعكــس فهنــاك اهتمــام صينــي باملــوارد الطبيعيــة واملعــادن‪ ،‬ومنهــا‬ ‫النفــط والغــاز والذهــب واحلديــد واملاس واليورانيــوم وامليــكا ثــم هنــاك‬ ‫األراضــي الفالحيــة اخلصبــة والثــروة الســمكية‪« ،‬لذلــك حرصــت‬ ‫الــصني علــى تعزيــز نشــاطها بالقــرن اإلفريقــي بزيــادة منحهــا للقروض‪،‬‬ ‫بالتــوازي مــع اســتثماراتها يف مجــاالت التنقيــب عــن البتــرول واملعــادن‬ ‫يف إثيوبــيا والــسودان وجنوــبه»‪.‬‬ ‫ويوجــه الغــرب التهــم إلــى الــصني‪ ،‬بأنهــا حتــاول اإليقــاع بالــدول‬ ‫اإلفريقيــة يف فــخ الديــون واالســتحواذ عليهــا‪ .‬لذلــك تراقــب الواليــات‬ ‫املتحــدة األمريكيــة الــصني عــن كثــب يف املنطقــة‪ ،‬حيــث يعتبــر بعــض‬ ‫اخلبــراء بــأن جيبوتــي حتولــت إلــى «وكــر جلواســيس العالــم»‪ ،‬فالــدول‬ ‫الغربيــة تراقــب الــصني وروســيا وتســعى للحــد مــن نفوذهــم يف‬ ‫إفريقيــا‪ .‬فهنــاك عــودة لروســيا يف القــرن اإلفريقــي مــن خالل أريتريــا‪،‬‬ ‫التــي وقعــت علــى اتفاقيــة تعــاون مــع روســيا‪ ،‬لتتمكــن مــن إنشــاء قاعــدة‬ ‫عســكرية بحريــة‪ ،‬ومناطــق صناعيــة حــرة‪ ،‬وضــخ اســتثمارات مهمــة يف‬ ‫البنيــة التحتيــة ومجــال الطاقــة‪.‬‬ ‫ولهــذا يشــكل توقيــع أرتيريــا يف ‪ 10‬ينايــر ‪2023‬م‪ ،‬مذكــرة تفاهــم مــع‬ ‫روســيا لربــط مدينــة مصــوع األريتريــة الســاحلية مــع قاعــدة البحــر‬ ‫األســود سيفاســتوبول‪ ،‬اســتفزاز ألمريــكا وحلفائهــا؛ ممــا ينــذر باحتــدام‬ ‫الصــراع مسـ ً‬ ‫ـتقبًال‪.‬‬ ‫ويالحــظ «زاك نيــرتني» أنــه «ليســت الواليــات املتحــدة والــصني اجلهتني‬ ‫الفاعلــتني الوحيــدتني اللــتني تتســابقان لكســب النفــوذ اجليوسياســي‪.‬‬ ‫فقــد اكتظــت املنطقــة يف الســنوات األخيــرة بــدول صغيــرة (مثــل‬ ‫اإلمــارات وقطــر) وقــوى متوســطة (الســعودية وإيــران وتركيــا) أخــذت‬

‫تشــيد املوانــئ التجاريــة واملراكــز العســكرية ومشــاريع البنــى التحتيــة‬ ‫علــى ســاحل البحــر األحمــر اإلفريقــي ســع ً​ًيا منهــا إلــى التحلــي بالنفــوذ‬ ‫يف مناطــق تتخطــى جوارهــا‪ .‬ويــؤدي تنافســها علــى قــدرة الوصــول‬ ‫والنفــوذ واحلصــة الســوقية إلــى جعــل معالــم احلــدود القدميــة بني‬ ‫الشــرق األوســط وإفريقيــا غيــر واضحــة وإلــى إنشــاء ديناميــات عبــر‬ ‫إقليميــة جديــدة»‪.‬‬ ‫وال شــك أن هنــاك تداخــل بني البعــد اجليوسياســي واجليواقتصــادي‬ ‫والعســكري‪ ،‬خملتلــف الفاعــلني يف املنطقــة ممــا يجعــل الصــراع معقـًدًا‪.‬‬ ‫كمــا أن مواجهــة الغــرب وحلفائهــا إليــران واحلوثــيني؛ يف ســياق احلــرب‬ ‫اإلســرائيلية علــى غــزة‪ ،‬تتجــاوز البعــد االقتصــادي واألمنــي‪ ،‬إلــى بعــد‬ ‫آخــر أكثــر تعقي ـًدًا قـ ً‬ ‫ـابًال لعمليــة توظيــف الديــن واخلالف احلضــاري‬ ‫واملســألة اإلنســانية‪ ،‬ممــا يجعــل دول اجلــوار أمــام معضلــة كبــرى‪.‬‬ ‫فهنــاك حاجــة إلــى تبنــي حلــول سياســية شــاملة‪ ،‬ومــن ذلــك إعــادة‬ ‫االعتبــار للقضيــة الفلســطينية وإدراجهــا ضمــن جــدول أعمــال إنهــاء‬ ‫األزمــة احلاليــة يف البحــر األحمــر‪ .‬إذ «يشــعر املراقبــون بالقلــق مــن أن‬ ‫قصــف إســرائيل املكثــف لقطــاع غــزة ســيدفع مزيـًدًا مــن خصومها إلى‬ ‫مهاجمتهــا مــن جبهــات جديــدة‪ .‬ويف املقابــل‪ ،‬يــرى البعــض أن اســتمرار‬ ‫هجمــات احلوثــيني يحــرض بــدوره إســرائيل علــى الــرد علــى «احلصــار‬ ‫البحــري» الــذي تســعى طهــران لفرضــه عبــر احلوثــيني‪ ،‬حتــى لــم تكــن‬ ‫ســيطرتها علــى ميليشــياتهم هــي نفســها علــى ميليشــياتها األخــرى‬ ‫كـــ «حــزب اهلل»‪ ،‬علــى ســبيل املثــال‪ .‬ومــع إرســال إســرائيل مدمــرات‬ ‫صاروخيــة إلــى البحــر األحمــر‪ ،‬باتــت اخلشــية مــن توســع الصــراع علــى‬ ‫ترجيًحــا»‪.‬‬ ‫منطقــة الشــرق األوســط أكثــر‬ ‫ً‬ ‫وباإلضافــة إلــى هــذا الصــراع حــول ترســيخ نفــوذ جيوسياســي دولــي‬ ‫واقليمــي‪ ،‬تســاهم إثيوبيــا بدورهــا يف تعقيــد الوضــع‪.‬‬ ‫طموح إثيوبيا يف التمدد‪.‬‬ ‫اعتبــر إقــدام إثيوبيــا علــى توقيــع مذكــرة تفاهــم مــع إقليــم أرض‬ ‫الصومــال‪ ،‬للحصــول علــى منفــذ بحــري عبــر مينــاء بربــرة الصومالــي؛‬ ‫مبثابــة ليــس فقــط اعتــداء علــى ســيادة ووحــدة الصومــال؛ وإمنــا كذلــك‬ ‫إطالق شــرارة صــراع إقليمــي خطيــر يف املنطقــة‪ .‬وجــاء يف بيــان صــادر‬ ‫عــن مكتــب رئيــس الــوزراء اإلثيوبــي‪ ،‬بــأن االتفــاق «ســيفتح الطريــق‬ ‫أمــام حتقيــق تطلعــات إثيوبيــا إلــى تــأمني وصولهــا إلــى البحــر‪ ،‬وتنويــع‬ ‫وصولهــا إلــى املوانــئ البحريــة‪ ،‬وأن االتفــاق يعــزز ً‬ ‫أيًضــا الشــراكة‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪83‬‬

‫ملف العدد‬

‫طموح إثيوبيا يف الحصول عىل منفذ إىل البحر األحمر يشكل تهديًدً ا‬ ‫للمنطقــة والــزج بالقــرن اإلفريقــي يف دوامــة جديــدة مــن عــدم االســتقرار‬ ‫واشــنطن‪ ،‬والــذي يعتبــرون الصــراع اآلخــر يف الشــرق األوســط مجــرد‬ ‫ــجزء ــمن لعبتــهم اجليوسياــسية»‪.‬‬ ‫أمــا الــصني فقــد تبنــت سياســة حــذرة‪ ،‬ففــي نفــس الوقــت الــذي دعــت‬ ‫فيــه جميــع الــدول الكبــرى إلــى حمايــة مســارات املالحــة البحريــة‪ ،‬فقــد‬ ‫امتنعــت عــن التصويــت علــى قــرار مجلــس األمــن رقــم‪ .2722 :‬ويف ‪12‬‬ ‫ينايــر طالــب وزيــر اخلارجيــة الصينــي «وانــغ بــي»‪« ،‬بوقــف املضايقــات‬ ‫والهجمــات علــى الســفن املدنيــة واحملافظــة علــى التدفــق الســلس‬ ‫للسالســل الصناعيــة وسالســل التوريــد العامليــة والنظــام التجــاري‬ ‫الدولــي»‪ .‬وانتقــد الواليــات املتحــدة وبريطانيــا‪ ،‬حيــث قــال «يجــب‬ ‫جتنــب صــب البنزيــن علــى نــار التوتــرات يف البحــر األحمــر ومنــع زيــادة‬ ‫اخملاطــر األمنيــة الشــاملة للمنطقــة»‬ ‫أمــا الــدول العربيــة فلهــا حتفــظ مــن املشــاركة يف هــذا التحالــف لعــدم‬ ‫وضــوح أهدافــه والرتباطــه بأمــن إســرائيل واســتمرار هــذه األخيــرة‬ ‫يف حــرب هوجــاء ضــد أهــل غــزة؛ وتعتبــر البحريــن الدولــة العربيــة‬ ‫الوحيــدة املشــاركة‪ ،‬وفســر مســؤول بحرينــي ذلــك قـ ً‬ ‫ـائًال‪« :‬إن مشــاركة‬ ‫البحريــن يف التحالــف تأتــى بالنظــر لتواجــد األســطول اخلامــس‬ ‫األمريكــي وقيــادة القــوات البحرينيــة املشــتركة (‪ )CMF‬باإلضافــة إلــى‬ ‫قــوة املهــام املشــتركة ‪ 193‬يف مملكــة البحريــن‪ .‬ولهــذه االعتبــارات كلهــا‪،‬‬ ‫يبــدو أن موضــوع حمايــة التجــارة البحريــة‪ ،‬قــد كشــف عــن عــدم توافــق‬ ‫يف املنطلقــات‪ ،‬بســبب الســياق الــذي تفجــرت فيــه األزمــة وهــو احلــرب‬ ‫علــى غــزة‪.‬‬ ‫تعزيز النفوذ العسكري واجليوسياسي واجليواقتصادي‬ ‫إن األهميــة االســتراتيجية للبحــر األحمــر والقــرن اإلفريقــي‪ ،‬ال‬ ‫تنحصــر فقــط يف ضمــان أمــن املســارات البحريــة‪ ،‬وإمنــا كذلــك‬ ‫يف تعزيــز النفــوذ اجليوسياســي واجليواقتصــادي لعــدة قــوى دوليــة‬ ‫ومنهــا الواليــات املتحــدة األمريكيــة والــدول األوروبيــة‪ .‬فقــد ارتفــع‬ ‫عــدد القواعــد العســكرية يف املنطقــة بشــكل مقلــق‪ ،‬وهنــاك ســباق بني‬ ‫القــوى الكبــرى‪ ،‬لبنــاء قواعــد عســكرية لهــا‪ .‬وقــد جتــاوز عددهــا نحــو‬ ‫‪ 23‬قاعــدة‪ ،‬حســب بيانــات معهــد ســتوكهولم ألبحــاث الــسالم‪ .‬وهنــاك‬ ‫حضــور متفــاوت حلوالــي ‪ 16‬دولــة‪ ،‬وتعتبــر الواليــات املتحــدة األمريكية‪،‬‬ ‫صاحبــة أكبــر قاعــدة عســكرية يف إفريقيــا‪ ،‬يف جيبوتــي؛ حيــث يوجــد‬ ‫بهــا أكثــر مــن ‪ 4‬آالف شــخص؛ بني عســكري ومدنــي؛ ويعــود إنشــاء‬ ‫القاعــدة إلــى مــا بعــد أحــداث ‪11‬ســبتمبر‪ .‬وألمريــكا قواعــد غيــر معلــن‬

‫عنهــا يف كينيــا وإثيوبيــا للطائــرات املســيرة وغيــر ذلــك‪.‬‬ ‫وهنــاك قواعــد عســكرية أملانيــة وإيطاليــة ويابانيــة وإســبانية وفرنســية‬ ‫خصوًصــا يف جيبوتــي ويف الصومــال‪ ،‬وهنــاك قاعــدة‬ ‫وبريطانيــة؛‬ ‫ً‬ ‫عســكرية إســرائيلية يف إيريتريــا‪ ،‬كمــا أسســت تركيــا قاعــدة عســكرية‬ ‫يف الصومــال‪ ،‬وتعتبــر أكبــر قاعــدة لهــا يف العالــم‪.‬‬ ‫ويظهــر الصــراع بشــكل جلــي ومقلــق بني أمريــكا والــصني وروســيا‪،‬‬ ‫حــول التموضــع اجليواســتراتيجي يف املنطقــة‪ .‬ذلــك أن أمريــكا عبــرت‬ ‫عــن اســتيائها مــن تطويــر الــصني لقاعدتهــا العســكرية يف جيبوتــي‪،‬‬ ‫والتــي تأسســت ســنة ‪2017‬م‪ ،‬وقــد ورد يف دراســة عــن مركــز بروكينــز‬ ‫الدوحــة‪ ،‬بــأن «الــصني وصلــت إلــى جيبوتــي مؤخـ ً​ًرا‪ ،‬بادئــة باســتثمارات‬ ‫اقتصاديــة ضخمــة ثــم احلقتهــا بحضــور عســكري دائــم‪ .‬وعلــى األرجــح‬ ‫إن قاعدتهــا البحريــة هــي باكــورة النخــراط اســتراتيجي أوســع يف‬ ‫إفريقيــا والبحــر األحمــر ويف أرجــاء احمليــط الهنــدي‪ .‬بنــاء علــى‬ ‫ذلــك‪ ،‬هــي ً‬ ‫أيًضــا أرض جتــارب‪ ،‬أي مــكان يســتطيع الضبــاط واجلنــود‬ ‫الصينيــون فيــه كســب خبــرة يف العمليــات يف البحــار البعيــدة وتقييــم‬ ‫املنصــات البحريــة اجلديــدة والتعلــم مــن اآلخريــن‪ .‬وهــي مركــز تخــدم‬ ‫انطال ً​ًقــا منــه املواطــنني وعناصــر حفــظ الــسالم الصينــيني وتنشــر‬ ‫الســلطة املترافقــة مــع جتــارة مبــادرة احلــزام والطريــق واســتثماراتها‬ ‫وتقييــم رد الفعــل الدولــي إزاء عــرض العــضالت الصينــي خــارج غربــي‬ ‫احمليــط الهــادئ‪.« .‬‬ ‫ويــرى اخلبــراء بــأن القاعــدة الصينيــة هــي» قاعــدة دعــم لوجيســتي»‪،‬‬ ‫وتنــدرج ضمــن اســتراتيجية «سلســلة الآللــئ الصينيــة» والتــي تتوخــى‬ ‫مــن خاللهــا الــصني‪ ،‬إنشــاء موانــئ عبــر ســاحل احمليــط الهنــدي‪،‬‬ ‫وربطهــا بالقواعــد العســكرية والتجاريــة‪ ،‬لتمــكني اجليــش الصينــي مــن‬ ‫مراقبــة املنطقــة وحمايــة مشــروع طريــق احلريــر البحــري والتصــدي‬ ‫للهيمنــة األمريكيــة‪( .‬مركــز فــاروس)‪ .‬لذلــك تتوجــس القيــادة األمريكيــة‬ ‫يف إفريقيــا‪ ،‬مــن حتــول القاعــدة العســكرية الصينيــة يف جيبوتــي‪،‬‬ ‫إلــى قاعــدة قــادرة علــى اســتقبال غواصــات وحاملــة الطائــرات وعتــاد‬ ‫عســكري متطــور‪.‬‬ ‫ويالحــظ اخلبــراء كذلــك بــأن الــصني انتقلت من سياســة عدم التدخل‪،‬‬ ‫إلــى اعتمــاد اســتراتيجية وقائيــة حلمايــة مصاحلهــا اجليواقتصاديــة‪،‬‬ ‫وخصوًصــا‬ ‫عبــر تأســيس قواعــد عســكرية يف عــدة مناطــق مــن العالــم؛‬ ‫ً‬


‫‪82‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫األمريكيــة‪ ،‬حر ً​ًبــا علــى اإلرهــاب‪ ،‬كان ذلــك ســب ً​ًبا لتكثيــف الوجــود‬ ‫العســكري يف البحــر األحمــر والقــرن اإلفريقــي‪ .‬كمــا اعتبــرت ظاهــرة‬ ‫القرصنــة‪ ،‬ســب ً​ًبا للقــوى األجنبيــة يف تشــكيل قــوة بحريــة أوروبيــة‬ ‫ملكافحــة القرصنــة والتــي تأسســت عــام ‪2008‬م‪ ،‬وهــذه الســنة كانــت‬ ‫كذلــك أول حتــرك عســكري صينــي يف املنطقــة بدافــع مواجهــة‬ ‫القرصنــة؛ حيــث حشــدت الــصني مــا بني ‪2018 – 2002‬م‪ ،‬حوالــي‬ ‫‪ 26‬ألــف جنــدي للمشــاركة يف عمليــات مكافحــة القرصنــة‪ .‬وهكــذا‬ ‫أصبحــت القرصنــة حصــان طــروادة الــذي اســتعملته مجموعــة مــن‬ ‫القــوى الدوليــة‪ ،‬لتكثيــف وجودهــا يف البحــر األحمــر والقــرن اإلفريقــي‪.‬‬ ‫وتشــير البيانــات الصــادرة عــن بعثــة االحتــاد األوروبــي؛ إلــى وقــوع‬ ‫حوالــي ‪ 200‬حــادث قرصنــة ســنو ً​ًيا مــا بني ‪ 2009‬و‪2011‬م‪ ،‬وذلــك قبالــة‬ ‫ــسواحل الصوــمال‪.‬‬ ‫وبالرغــم مــن الوجــود املكثــف للــصني والواليــات املتحــدة وفرنســا يف‬ ‫املنطقــة حال�يـًا ملواجهــة القرصنــة‪ ،‬فــإن احلضــور العســكري الهنــدي‬ ‫أكبــر؛ بحيــث قامــت القــوات اخلاصــة الهنديــة‪« ،‬بالتحقيــق مــع أكثــر‬ ‫مــن ‪ 250‬ســفينة وزورق صغيــر يف الشــهرين املاضــيني‪ ،‬واعتقلــوا أكثــر‬ ‫مــن‪ 40‬منهــا يف ظــل عــودة القرصنــة بعــد غيــاب دام ســت ســنوات»‪.‬‬ ‫ويف ظــل أزمــة البحــر األحمــر احلاليــة‪ ،‬وانشــغال القــوى الغربيــة بالــرد‬ ‫علــى هجمــات احلوثــيني‪ ،‬فــإن اخلبــراء يعتقــدون بــأن القرصنــة مــن‬ ‫الصومــال‪ ،‬ســيكون لهــم حضــور وعــودة مــن جديــد‪ .‬ويظهــر جل�يـًا أن‬ ‫الوضــع اجليواســتراتيجي يف البحــر األحمــر والقــرن اإلفريقــي‪ ،‬قــد‬ ‫وصــل يف اآلونــة األخيــرة إلــى مســتوى مرتفــع مــن التعقيــد‪ ،‬بســبب‬ ‫تضــارب مصالــح جيوسياســية لقــوى دوليــة وإقليميــة‪ ،‬ممــا ينــذر‬ ‫بكارثــة مســتقبلية‪.‬‬

‫ثانًيًا‪ :‬مجاالت الصراع بين الفاعلين‬

‫إن تدخــل القــوى الكبــرى يف منطقــة البحــر األحمــر والقــرن اإلفريقــي‪،‬‬ ‫هــو اســتمرار للتنافــس اجليوسياســي منــذ احلــرب البــاردة واكتشــاف‬ ‫البتــرول؛ لكــن هنــاك قــوى إقليميــة وفاعــلني جدد يف املنطقــة‪ ،‬يحاولون‬ ‫الدفــاع عــن مصاحلهــم والتعبيــر عــن منظوراتهــم االســتراتيجية‬ ‫والتطلــع إلــى دور ريــادي يف املنطقــة‪ .‬وميكــن اختــزال مجــاالت الصــراع‬ ‫والتنافــس وكذلــك احلضــور القــوي يف البحــر األحمــر والقــرن اإلفريقي‬ ‫يف اجملاالت التالــية‬ ‫تأمني وحماية املالحة البحرية‬ ‫أطلقــت الواليــات املتحــدة األمريكيــة مــع حلفائهــا‪ ،‬حتال ً​ًفــا ســمي‬ ‫«بحــارس االزدهــار»‪ ،‬وهــو حتالــف دولــي يتكــون مــن حوالــي ‪ 22‬دولــة‬ ‫لتــأمني املالحــة البحريــة‪ ،‬بعــد هجمــات احلوثــيني علــى الســفن‪ ،‬إثــر‬ ‫هجــوم إســرائيل علــى غــزة واإلصــرار علــى إبــادة أهلهــا‪« .‬وقــال وزيــر‬ ‫الدفــاع األمريكــي لويــد اوسنت‪« ،‬أعلــن عــن إطالق عمليــة «حــارس‬ ‫االزدهــار» وهــي مبــادرة أمنيــة جديــدة مهمــة متعــددة اجلنســيات حتــت‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مظلــة القــوات البحريــة املشــتركة وقيــادة فرقــة العمــل ‪153‬التابعــة لهــا‪،‬‬ ‫والتــي تركــز علــى األمــن يف البحــر األحمــر» وقــال ً‬ ‫أيًضــا بــأن «الــدول‬ ‫يجــب أن تتحــد معــا ملواجهــة التحــدي الــذي متثــل يف اجلهــة غيــر‬ ‫احلكوميــة التــي تطلــق الصواريــخ الباليســتية واملســيرات علــى الســفن‬ ‫التجاريــة للعديــد مــن الــدول التــي تعبــر امليــاه الدوليــة بشــكل قانونــي»‪،‬‬ ‫وأشــار إلــى كــون «التصعيــد األخيــر يف هجمــات احلوثــيني املتهــورة‬ ‫القادمــة مــن اليمــن يهــدد التدفــق احلــر للتجــارة‪ ،‬ويعــرض البحــارة‬ ‫األبرــياء للخــطر‪ ،‬وينتــهك القاــنون الدوــلي»‪..‬‬ ‫ويف نفــس الوقــت الــذي يعتقــد البعــض أن أمريــكا اســتعادت هيمنتهــا‬ ‫علــى البحــر األحمــر مــن جديــد عــن طريــق هــذا التحالــف؛ فــإن بعــض‬ ‫اخلبــراء يؤكــدون علــى وجــود تصــدع داخــل هــذا التحالــف البحــري‪.‬‬ ‫فهنــاك ثمانيــة دول مــن أصــل ‪ 20‬دولــة‪ ،‬ترفــض اإلعالن عــن نفســها‬ ‫داخــل التحالــف بســبب حساســية الوضــع؛ كمــا ترفــض إيطاليــا‬ ‫وفرنســا اخلضــوع للقيــادة األمريكيــة‪ ،‬وهنــاك دول لــن تشــارك بســفن‬ ‫وإمنــا فقــط بخبــراء‪ ،‬كمــا أن أملانيــا حتجــم عــن املشــاركة بســبب‬ ‫مقتضيــات دســتورها؛ وهــي تــدرس مــدى إمكانيــة االنضمــام‪.‬‬ ‫ويتأكــد التصــدع أكثــر داخــل هــذا التحالــف البحــري‪ ،‬حينمــا أعلــن‬ ‫مســؤول السياســة اخلارجيــة باالحتــاد األوروبــي‪ ،‬عــن مهمــة «‬ ‫أســبيديس» أي احلامــي‪ ،‬وهــي مهمــة تنحصــر يف حمايــة الســفن‬ ‫التجاريــة واعتــراض الهجمــات ولــن يكــون ضمــن التفويــض اخملــول‪،‬‬ ‫املشــاركة يف احلــرب ضــد احلوثــيني‪ .‬وقــال «بوريــل» لــن تكــون جميــع‬ ‫الــدول األعضــاء مســتعدة للمشــاركة لكــن لــن يعرقــل أحــد (األمــر)‪...‬‬ ‫آمــل أن يتســنى إطالق املهمــة يف ‪ 17‬مــن هــذا الشــهر (فبرايــر)»؛ وقــال‬ ‫ً‬ ‫أيًضــا «علينــا أن نقــرر أي دولــة ســتولى القيــادة وأيــن ســيكون املقــر‬ ‫الرئيســي وماهــي األصــول البحريــة التــي ســتقدمها الــدول األعضــاء»‪.‬‬ ‫(فرانــس ‪ .)2024/1/31 ،24‬وهنــاك اســتعداد مــن فرنســا وإيطاليــا‬ ‫واليونــان‪ ،‬لقيــادة هــذه املهمــة التابعــة لالحتــاد األوروبــي وليــس للناتــو‬ ‫أو احللــف األمريكــي – البريطانــي‪ .‬ويعكــس هــذا التصــدع أو االختالف‬ ‫احلاد بني الــدول الغربيــة‪ ،‬تضار�بـًا يف املصالــح اجليوسياســية وكذلــك‬ ‫يف املقاربــة اجليواســتراتيجية لهــذه األزمــة‪.‬‬ ‫وانتقــد منــدوب روســيا الدائــم لــدى األمم املتحــدة أمريــكا وقــال «مــا‬ ‫يســمى بـ»التحالــف البحــري الدولــي» الــذي شــكلته واشــنطن‪ ،‬علــى‬ ‫الرغــم مــن اســمه املرتفــع‪« ،‬حــارس االزدهــار» يتكــون معظمــه يف‬ ‫الواقــع مــن ســفن حربيــة تابعــة للواليــات املتحــدة نفســها‪ ،‬وشــرعية‬ ‫تصرفاتهــا مــن وجهــة نظــر القانــون الدولــي تثيــر شــكوك جديــة جـًدًا»‪،‬‬ ‫وقــال ً‬ ‫أيًضــا «ولذلــك فــإن مهأمنــا اليــوم ال تقتصــر فقــط علــى تأكيــد‬ ‫اإلشــارة اجلماعيــة املتفــق عليهــا يف ديســمبر جلماعــة «أنصــار اهلل»‬ ‫حــول عــدم جــواز أفعالهــم‪ ،‬بــل ً‬ ‫أيًضــا تهدئــة الــرؤوس الســاخنة» يف‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪81‬‬

‫ملف العدد‬

‫حض ــور أمري ــكا العس ــكري يف المنطق ــة للتخوي ــف وال ــردع وإقن ــاع‬ ‫إيــران والحوثييــن بعــدم التصعيــد وتجنــب مواجهــة مباشــرة مــع إيــران‬ ‫أمــا القــرن اإلفريقــي‪ ،‬فيضــم حســب معهــد ســتوكهولم الدولــي ألبحــاث‬ ‫الــسالم أريتريــا وجيبوتــي والصومــال وإثيوبيــا وهنــاك مــن يعتبــر‬ ‫الســودان وجنــوب الســودان وكينيــا وسيشــل‪ ،‬ضمــن الفضــاء األمنــي‬ ‫للقــرن اإلفريقــي‪ .‬ومــن املعلــوم بــأن االهتمــام بالبحــر األحمــر وكذلــك‬ ‫القــرن اإلفريقــي‪ ،‬يعــود يف الفتــرة املعاصــرة‪ ،‬إلــى مرحلــة التنافــس‬ ‫بني بريطانيــا وفرنســا وإيطاليــا؛ فقــد اســتعمرت فرنســا جيبوتــي‬ ‫ســنة ‪1850‬م‪ ،‬كمــا اســتعمرت إيطاليــا الصومــال وأريتريــا؛ وكانــت لهــا‬ ‫مواجهــات مــع بريطانيــا يف املنطقــة ‪.‬و»يعتبــر اخلامــس عشــر مــن‬ ‫ً‬ ‫تاريًخــا مه ً​ًمــا للقــارة اإلفريقيــة التــي تضــم اليــوم‬ ‫نوفمبــر ‪1884‬م‪،‬‬ ‫فــوق خمــسني دولــة مســتقلة‪ ،‬حيــث اجتمعــت أربعــة عشــرة دولــة هــي‬ ‫النمســا واجملــر وبلجيــكا والدمنــارك وإيطاليــا وهولنــدا والبرتغــال‬ ‫وروســيا وإســبانيا والســويد والنرويــج وتركيــا والواليــات املتحــدة‬ ‫األمريكيــة واجنلتــرا لوضــع أســس تقســيم القــارة اإلفريقيــة‪ .‬وأعطــى‬ ‫مؤمتــر بــرلني الضــوء األخضــر للــدول االســتعمارية لتقســيم إفريقيــا‪،‬‬ ‫وبنهايــة القــرن التاســع عشــر ســيطرت الــدول األوروبيــة علــى أصقــاع‬ ‫إفريقيــا وتقســيمها فيمــا بينهــا‪.‬‬ ‫وجتــدد االهتمــام الدولــي بالبحــر األحمــر والقــرن اإلفريقــي‪ ،‬بعــد‬ ‫اكتشــاف النفــط والغــاز يف اجلزيــرة العربيــة‪ ،‬حيــث أصبحــت املنطقــة‬ ‫لهــا قيمــة اســتراتيجية للواليــات املتحــدة األمريكيــة الرتبــاط ذلــك‬

‫بأمنهــا الطاقــي وكذلــك بالنســبة للــدول الصناعيــة األخــرى‪ ،‬ملا‬ ‫يشــكله املمــر املائــي للبحــر األحمــر مــن أهميــة قصــوى لتجارتهــا‬ ‫الدوليــة؛ وظهــر األمــر جل�يـًا يف أزمــة قنــاة الســويس ‪1956‬م‪ ،‬والعــدوان‬ ‫البريطاني‪-‬الفرنسي‪-‬اإلســرائيلي علــى مصــر‪ ،‬بســبب تأميــم قنــاة‬ ‫الســويس والتدخــل األمريكــي إلنهــاء هــذه احلــرب‪ ،‬بســبب التهديــد‬ ‫الســوفياتي بالتدخــل‪.‬‬ ‫صراًعــا بني أمريــكا واالحتــاد‬ ‫وعرفــت مرحلــة احلــرب البــاردة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫الســوفياتي علــى املنطقــة‪ ،‬يف إطــار احلــرب بالوكالــة‪ .‬كمــا شــكلت‬ ‫حــرب ‪1973‬م‪ ،‬واســتعمال النفــط كأداة ضغــط سياســي مــن طــرف‬ ‫العــرب‪ ،‬مبــر ً​ًرا للغــرب عامــة وأمريــكا خاصــة‪ ،‬لصياغــة منظــور‬ ‫اســتراتيجي حلمايــة مصاحلهــا يف البحــر األحمــر وضمــان نقــل‬ ‫النفــط والغــاز‪ .‬واســتند املنظــور االســتراتيجي األمريكــي حــول األهميــة‬ ‫االســتراتيجية للبحــر األحمــر‪ ،‬علــى مبــدأ نيكســون (‪1969‬م) ومبــدأ‬ ‫بــوش (‪ )1990‬ومبــدأ كارتــر (‪ )1976‬ومبــدأ ريجــان (‪)1982‬؛ وهــي مبــادئ‬ ‫توخــت حتقيــق ثالثــة أهــداف‪ :‬منــع أي قــوة دوليــة معاديــة ألمريــكا‬ ‫للســيطرة علــى البحــر األحمــر وحمايــة أمــن إســرائيل وبقائهــا وحمايــة‬ ‫عمليــات نقــل النفــط عبــر البحــر األحمــر‪.‬‬ ‫وجتــدد االهتمــام الدولــي باملنطقــة‪ ،‬بعــد إطالق الواليــات املتحــدة‬


‫‪80‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫الوضع األمني في البحر األحمر والقرن اإلفريقي‪ :‬الرهانات والتحديات المستقبلية‬

‫دول القرن اإلفريقي والبحر األحمر مطالبة‬ ‫بتحالف واستراتيجية تراعي األمن والمصالح‬ ‫هنــاك توجــس للخبــراء والباحــثني املهتــمني بقضايــا الدراســات االســتراتيجية واألمنيــة‪ ،‬مــن أن تتحــول منطقــة البحــر األحمــر‬ ‫والقــرن اإلفريقــي إلــى بــؤرة جديــدة لصــراع دولــي وليــس فقــط إقليمــي‪ .‬وهــو صــراع متعــدد الوجــوه والدوافــع‪ ،‬وســيدخل املنطقــة‬ ‫يف أزمــة معقــدة‪ ،‬لهــا تداعيــات جيوسياســية وجيواقتصاديــة وكذلــك أمنيــة وأيديولوجيــة‪.‬‬ ‫وبالفعــل فــإن قــرار ‪ 2722‬الصــادر عــن مجلــس األمــن‪ ،‬والــذي أدان الهجمــات التــي شــنها احلوثيــون علــى الســفن التجاريــة‬ ‫ً‬ ‫نقاًشــا حــا ً​ًدا بني احمللــلني والدبلوماســيني‪ ،‬فهنــاك‬ ‫وســفن النقــل والتــي جتــاوزت العشــرين منــذ ‪ 19‬نوفمبــر ‪2023‬م‪ ،‬أثــار‬ ‫مــن يعتبــر ذلــك مجــرد عمليــة «الهــاء سياســي» عمــا يقــع يف غــزة‪ ،‬وهنــاك مــن يــرى مثــل منــدوب روســيا الدائــم لــدى األمم‬ ‫املتحــدة‪ ،‬بــأن املقصــود مــن القــرار ليــس حمايــة املالحــة يف البحــر األحمــر‪ ،‬وإمنــا «محاولــة إلضفــاء الشــرعية علــى اإلجــراءات‬ ‫احلاليــة للتحالــف الــذي شــكلته أمريــكا وحلفاؤهــا وحتقيــق مباركــة مفتوحــة لهــا يف مجلــس األمــن الدولــي»‪ .‬ويف حني يتخــوف‬ ‫البعــض مــن عســكرة البحــر األحمــر وتدويــل أمنــه‪ ،‬والتخــوف مــن تعطيــل مســار احلــل السياســي للصــراع اليمنــي واســتفحال‬ ‫األزمــة اإلنســانية‪ ،‬هنــاك مــن يدعــو بشــدة إلــى ضــرورة التصــدي للتصعيــد العســكري احلوثــي يف البحــر األحمــر والــذي لــه‬

‫د‪ .‬خالد ميار اإلدريسي‬

‫عالقــة بإيــران التــي لهــا مطامــع يف املنطقــة‪ .‬وال شــك أن اتســاع دائــرة‬ ‫التحالــف العســكري يف منطقــة البحــر‪ ،‬ستشــكل أزمــة خطيــرة‪ ،‬قابلــة‬ ‫للتحــول إلــى صــراع دولــي مكشــوف‪ ،‬يف ظــل وجــود قــوى أخــرى مثــل‬ ‫الــصني وروســيا وتركيــا ووجــود حوالــي ‪ 23‬قاعــدة عســكرية يف منطقــة‬ ‫القــرن اإلفريقــي والبحــر األحمــر‪.‬‬ ‫وممــا يزيــد يف تعقــد الوضــع‪ ،‬هــو كذلــك طمــوح إثيوبيــا يف احلصــول‬ ‫علــى منفــذ إلــى البحــر األحمــر‪ ،‬ممــا يشــكل تهديــًدًا لــدول اجلــوار‬ ‫ورفضهــا لتمــدد إثيوبيــا؛ وهــذا مــن شــأنه تصعيــد التوتــر يف املنطقــة‬ ‫واــلزج بالــقرن اإلفريــقي يف دواــمة جدــيدة من التزاحم وعدم االــستقرار‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أوًال‪ :‬السياق اجليواستراتيجي للبحر األحمر والقرن اإلفريقي‬

‫إن التنافــس حــول البحــر األحمــر والقــرن اإلفريقــي ليــس جديــًدًا‪،‬‬ ‫وإمنــا يعــود إلــى مراحــل تاريخيــة متعــددة؛ بســبب املوقــع اجلغــرايف‬

‫املتميــز والــذي يعــد اســتراتيجيا لإلمبراطوريــات القدميــة والقــوى‬ ‫الدوليــة اجلديــدة‪ .‬فالبحــر األحمــر شــريط مائــي بحــري مهــم‪ ،‬يشــكل‬ ‫همــزة وصــل بني إفريقيــا وآســيا وأوروبــا‪ ،‬وبني احمليــط الهنــدي وخليــج‬ ‫عــدن وبحــر العــرب بالبحــر األبيــض املتوســط‪ .‬ويتضمــن ثالثــة‬ ‫مضائــق طبيعيــة وهــي مضيــق بــاب املنــدب ومضيــق تيــران ومضيــق‬ ‫جوبــال‪ .‬كمــا يضــم حوالــي ‪ 1496‬جزيــرة‪ 1150 ،‬جزيــرة تابعــة للســعودية‬ ‫و‪ 152‬جزيــرة لليمــن‪ ،‬و‪ 26‬جزيــرة ملصــر و‪ 36‬جزيــرة للســودان و‪126‬‬ ‫جزيــرة ألريتريــا‪.‬‬ ‫وتعتبــر جزيــرة بــرمي‪ ،‬املوجــودة يف مدخــل مضيــق بــاب املنــدب‪،‬‬ ‫وجــزر تيــران وصنافيــر وجوبــال املوجــودة علــى مدخــل خليجــي‬ ‫العقبــة والســويس‪ ،‬وكذلــك جــزر حنيــش ودهلــك وحالــب‪ ،‬مــن املواقــع‬ ‫االــستراتيجية ولــها دور يف مراقــبة املالــحة التجارــية‪.‬‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪79‬‬

‫ملف العدد‬

‫الرفـــض العربـــي للتدخـــل العســـكري واتخـــاذ موقـــف متـــوازن‬ ‫إزاء "حـــارس االزدهـــار" لـــه مـــا يبـــرره يف ظـــل حـــرب غـــزة‬ ‫القــوى اخلارجيــة‪ ،‬وزيــادة التواجد العســكري يف منطقــة القرن اإلفريقي‬ ‫حيــث يــدرك الالعبــون الدوليــون أهميــة البحــر األحمــر كممــر مالحــي‪،‬‬ ‫ممــا قــد يســتدعي ترســيخ تواجدهــم مــع تضــارب مقاصــد ومصالــح‬ ‫وتوجهــات هــذه الــدول التــي تأتــي الواليــات املتحــدة وفرنســا والــصني‬ ‫وروســيا وإيــران علــى رأســهم‪.‬‬ ‫وبشــكل عــام مــن الواضــح أن إثيوبيــا وأرض الصومــال كانتــا علــى‬ ‫اســتعداد جملابهــة ردود الفعــل العكســية لهــذا االتفــاق الــذي حثــت‬ ‫مختلــف الــدول (كالواليــات املتحــدة‪ ،‬وبريطانيــا) ومختلــف املنظمــات‬ ‫(كاالحتــاد األوروبــي‪ ،‬ومنظمــة التعــاون اإلسالمــي‪ ،‬وجامعــة الــدول‬ ‫العربيــة) إثيوبيــا علــى االنســحاب مــن هــذا االتفــاق الــذي يرفــع مــن‬ ‫وتــيرة التوــتر يف منطــقة الــقرن اإلفريــقي ومضــيق ــباب املــندب‪.‬‬ ‫وبشــكل عــام‪ ،‬يفــرض تصاعــد هــذه التقلبــات والتهديــدات‬ ‫اجليوسياســية ســواء مــن قبــل احلوثــيني يف أقصــى جنــوب البحــر‬ ‫األحمــر‪ ،‬أو تهديــدات تصاعــد العنــف يف أرض الصومــال‪ ،‬أهميــة أكبــر‬ ‫للتكامــل الدفاعــي اإلقليمــي يف منطقــة البحــر األحمــر‪ ،‬إذ أنه بافتراض‬ ‫إذا مــا كان توقــف هجــوم احلوثــيني علــى الســفن يف البحــر األحمــر‬ ‫مرهــون بوقــف العمليــات العدائيــة جليــش االحــتالل اإلســرائيلي علــى‬ ‫غــزة‪ ،‬إال أن منطقــة البحــر األحمــر منطقــة ذات أهميــة اســتراتيجية‬ ‫وعســكرية واقتصاديــة تتالقــى فيهــا مصالــح مختلــف القــوى التــي رمبــا‬ ‫ال تتالقــى يف أهدافهــا ممــا يجعــل هــذه املنطقــة ســاحة للصراعــات‪.‬‬ ‫ومتتلــك الــدول العربيــة خاصــة املتشــاطئة علــى البحر األحمــر مصالح‬ ‫أمنيــة بحريــة مباشــرة أيضــا ملكافحــة اإلرهــاب والقرصنــة‪ ،‬والتــي ال‬ ‫شــك تــزداد أهميتهــا نظـرًاً لألولويــة القصــوى التــي باتــت توليهــا الــدول‬ ‫وعلــى رأســها اململكــة العربيــة الســعودية لنموها االقتصــادي وحتوالتها‬ ‫الوطنيــة الطموحــة التــي تســتلزم اســتتاب األمــن علــى حدودهــا حتــى‬ ‫تتمــكن ــمن االــستمرار يف مــشروعاتها الوطنــية الواــعدة‪.‬‬ ‫وعلــى الرغــم مــن اخلســائر االقتصاديــة‪ ،‬يظــل املوقــف العربــي‬ ‫القاضــي بعــدم التدخــل العســكري‪ ،‬أو اتخــاذ موقــف متــوازن إزاء عمليــة‬ ‫«حــارس االزدهــار» يف البحــر األحمــر ولــه مــا يبــرره خاصــة يف ظــل‬ ‫اســتمرار العــدوان اإلســرائيلي علــى غــزة‪ ،‬ولكــن ال ميكــن إغفــال أهميــة‬ ‫هــذا املمــر املالحــي وأن تهديــد املالحــة البحريــة وتدخــل العديــد مــن‬ ‫اجلهــات اخلارجيــة املناوئــة للمصالــح العربيــة والتــي تشــكل إيــران أهــم‬ ‫هــذه الــدول بدعــوة حمايــة مصاحلهــا يعــد تهديـدًاً للمصالــح العربيــة‬ ‫خاصــة بالنســبة للــدول العربيــة ذات املصلحــة املباشــرة يف البحــر‬

‫األحمــر‪.‬‬ ‫أضــف إلــى مــا ســبق أنــه حتــى إذا مــا جنحــت اجلهــود الدبلوماســية‬ ‫يف وقــف الهجمــات احلوثيــة التــي أعلنــت مــرارًاً وتكــرارًاً رهــن وقــف‬ ‫عملياتهــا يف البحــر األحمــر بوقــف العــدوان اإلســرائيلي علــى غــزة‪،‬‬ ‫يظــل مــا حــدث مبثابــة جــرس إنــذار هــام حلمايــة أمــن ومكتســبات‬ ‫الــدول العربيــة وتعزيــز التواجــد العربــي يف هــذا املمــر املالحــي الهــام‪،‬‬ ‫خاصــة وأن مصــر ودول اخلليــج العربــي متتلــك من املقومــات الدفاعية‬ ‫مــا يؤهلهــا مــن الــذود عــن مصاحلهــا إذا مــا دعــت احلاجــة‪ ،‬خاصــة‬ ‫أن تطــور األحــداث يف مضيــق بــاب املنــدب والقــرن اإلفريقــي يفــرض‬ ‫أهميــة توطيــد التعــاون األمنــي العربــي اإلقليمــي مــن جهــة‪ ،‬و بني‬ ‫دول اخلليــج العربــي ومصــر بشــكل خــاص مــن جهــة أخــرى حلمايــة‬ ‫مصاحلــهم يف البــحر األحــمر‪.‬‬ ‫إذ متتلــك مصــر قــدرة عســكرية بحريــة تعــد األقــوى بني دول البحــر‬ ‫األحمــر‪ ،‬كمــا أعلنــت دول مجلــس التعــاون اخلليجــي يف مايــو ‪٢٠٢٣‬م‪،‬‬ ‫عــن إنشــاء وتفعيــل القيــادة العســكرية املوحــدة لتنضــوي حتتهــا‬ ‫تشــكيالت التكتــل اخملتلفــة‪ ،‬مثــل القــوات البريــة واجلويــة والبحريــة‬ ‫والصاروخيــة وهــو مــا يفســر االســتعداد اخلليجــي والعربــي جملابهــة أي‬ ‫خطــر يهــدد املصالــح األمنيــة واالقتصاديــة يف البحــر األحمــر‪ ،‬وتأطيــر‬ ‫رســالة مفادهــا أن أي اعتــداء علــى مصالــح أحــد هــذه الــدول هــو‬ ‫اعــتداء مباــشر عــلى بقــية ــهذه اــلدول‪.‬‬

‫*دبلوماسية سعودية بجامعة الدول العربية‬


‫‪78‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫االتف ــاق اإلثيوب ــي س ــيؤثر ســلًبًا عىل اقتص ــاد جيبوت ــي ويحرمه ــا‬ ‫م ــن ‪ 1.5‬ملي ــار دوالر رس ــوم وتخس ــر ‪ %95‬م ــن تج ــارة إثيوبي ــا الخارجي ــة‬ ‫أمــا بالنســبة ملصــر التــي ســببت لهــا هــذه الهجمــات علــى البحــر‬ ‫األحمــر خســائر اقتصاديــة كبيــرة‪ ،‬إذ تعــد قنــاة الســويس أحــد املصــادر‬ ‫الرئيســية لالحتياطيــات األجنبيــة والدخــل لالقتصــاد املصــري‪ ،‬وقــد‬ ‫بلغــت إيراداتهــا العــام املاضــي ‪ 9.4‬مليــار دوالر وقــد انخفضــت اآلن‬ ‫بنســبة ‪ %40‬مقارنــة بعــام ‪2023‬م‪ ،‬بعــد هجمــات احلوثــيني يف اليمــن‪،‬‬ ‫فـ ً‬ ‫ـضًال عــن التأثــر املباشــر لقطــاع الســياحة خاصــة يف منطقــة ســيناء‪.‬‬ ‫ولكــن علــى الرغــم مــن هــذه اخلســائر املباشــرة إال أن أي حتــرك‬ ‫عســكري ســيتم تفســيره علــى أنــه اصطفــاف بجانــب إســرائيل وحتيــز‬ ‫ودــعم مباــشر لــها عــلى حــساب املدــنيني يف قــطاع ــغزة‪.‬‬ ‫وبالتالــي ميكــن القــول إن احلــرب يف غــزة نزعــت فتيــل أزمــات عديــدة‬ ‫ومركبــة يف املنطقــة اســتدعت معهــا حالــة مــن التعقيــد السياســي‬ ‫الــذي تطلــب التعامــل معــه مــن مختلــف الــدول العربيــة بحكمــة‬ ‫سياســية عاليــة‪ ،‬والتحــرك مببــدأ احتســاب املكاســب واخلســائر قبــل‬ ‫اتخــاذ أي قــرار‪ ،‬خاصــة وأن الهــدف األكبــر لــدول املنطقــة يتلخــص يف‬ ‫إحالل اــلسالم واألــمن يف املنطــقة العربــية‪.‬‬ ‫تفاقم اخملاطر‬ ‫يشــكل البحــر األحمــر شــريا ً​ًنا ها ً​ًمــا كممــر مالحــي وحيــوي للتجــارة‬ ‫الدوليــة بشــكل عــام وللــدول العربيــة بشــكل خــاص‪ ،‬وتفــرض مجريــات‬ ‫األحــداث اآلخــذة يف التصاعــد نفســها علــى الســاحة وتــزداد معهــا‬ ‫فــرص حتــول البحــر األحمــر إلــى منطقــة مواجهــات إذ أنــه بالتزامــن‬ ‫مــع مجريــات األحــداث يف البحــر األحمــر البــد مــن طــرح الســؤال‬ ‫التالــي‪ :‬هــل وقــف العــدوان علــى غــزة ســينهي تهديــدات أمــن املالحــة‬ ‫عــلى البــحر األحــمر؟‬ ‫مــن واقــع متابعــة التطــورات علــى الســاحة اإلقليميــة جنــد أن هنــاك‬ ‫محفــزات لتصعيــد التوتــر يف منطقــة القــرن اإلفريقــي يأتــي يف‬ ‫مقدمتهــا االتفــاق الــذي توصلــت إليــه إثيوبيــا مــع أرض الصومــال‬ ‫االنفصاليــة لتــأمني موطــأ قــدم ألثيوبيــا احلبيســة علــى البحــر‬ ‫األحمــر‪ ،‬ويتــم مبوجــب االتفاقيــة منــح إثيوبيــا املوافقــة علــى إنشــاء‬ ‫قاعــدة عســكرية ومنشــآت جتاريــة علــى طــول املمــر البالــغ ‪20‬‬ ‫كيلومت ـ ً​ًرا الــذي ســيتم اســتئجاره ملــدة ‪ 50‬عام ـًاً‪ ،‬مقابــل حصــول أرض‬ ‫الصومــال علــى حصــة يف شــركة الطيــران اإلثيوبيــة‪ ،‬وهــي اخلطــوات‬ ‫التــي مــن املؤكــد ســتأجج التوتــر يف هــذه املنطقــة املضطربــة وســيكون‬ ‫لــه تداعيــات جيوسياســية علــى عالقــات الــدول اجملاورة إلثيوبيــا‪،‬‬ ‫وإمكانيــة وصــول هــذه التوتــرات إلــى مضيــق بــاب املنــدب‪ ،‬وهــو مــا‬ ‫ميــكن ــقراءة تداعياــته عــلى النــحو التاــلي‪:‬‬

‫ً‬ ‫أوًال‪ :‬يثيــر هــذا التحــرك مــن طــرف إثيوبيــا توتــرات مــع جيرانهــا‬ ‫اإلقليــمني‪ ،‬مبــا مــن شــأنه التلويــح ببــوادر صــراع يف منطقــة القــرن‬ ‫اإلفريقــي‪ ،‬فنجــد أن الصومــال تعتبــر هــذا االتفــاق اإلثيوبــي مــع‬ ‫أرض الصومــال هــو انتهــاك صــارخ للســيادة الصوماليــة ممــا قــد‬ ‫يــؤدي حــال تفاقمــت هــذه األزمــة إلــى قطــع العالقــات الصوماليــة ‪/‬‬ ‫اإلثيوبيــة‪ ،‬وبالتالــي ســحب إثيوبيــا لقواتهــا يف الصومــال‪ ،‬حيــث أنــه‬ ‫مــن املعــروف أن إثيوبيــا مــن أكبــر املســاهمني بقــوات يف بعثــات حفــظ‬ ‫الــسالم التابعــة لالحتــاد اإلفريقــي يف الصومــال بقــوة يبلــغ قوامهــا‬ ‫‪ 5000‬جنــدي ضمــن بعثــة االحتــاد اإلفريقــي مبوجــب اتفاقــات ثنائيــة‪،‬‬ ‫جملابهــة «حركــة الشــباب اإلسالميــة»‪ ،‬وبالتالــي فــإن انســحاب هــذه‬ ‫القــوات بشــكل مباغــت قــد يزيــد مــن خطــر اإلرهــاب يف منطقــة‬ ‫الــقرن اإلفريــقي‪.‬‬ ‫ثانيـًاً‪ :‬أعلنــت «حركــة الشــباب» الصوماليــة يف بيــان مطلــع ينايــر ‪2024‬م‪،‬‬ ‫رفضهــا لالتفــاق اإلثيوبــي مــع أرض الصومــال‪ ،‬وليــس هــذا فحســب‬ ‫بــل هــددت بشــن هجمــات انتقاميــة جتــاه إثيوبيــا‪ ،‬وهــو مــا قــد ميثــل‬ ‫فرصــة ســانحة للحركــة يف اســتغالل هــذا التوتــر وحشــد الدعــم‬ ‫الشــعبي والتمــدد يف إقليــم أرض الصومــال املتاخــم للحــدود اإلثيوبيــة‪،‬‬ ‫مبــا مــن شــأنه تصعيــد خطــر العنــف واإلرهــاب يف منطقــة القــرن‬ ‫اإلفريقــي‪ ،‬ومــن ثــم فــإن تهديــد احلوثــيني علــى بــاب املنــدب‪ ،‬وإمكانيــة‬ ‫تصاعــد العنــف علــى يــد حركــة الشــباب يف منطقــة شــمال الصومــال‪،‬‬ ‫ــسيهدد بالتأكــيد املــمر املالــحي يف البــحر األحــمر بأكمــله‪.‬‬ ‫ثالثــًاً‪ :‬اخملاوف املشــتركة لــدول اجلــوار اإلثيوبــي مــع الصومــال‪ ،‬إذ‬ ‫أن االتفــاق اإلثيوبــي مــع أرض الصومــال ســيؤثر ســلبًاً علــى اقتصــاد‬ ‫جيبوتــي‪ ،‬إذ أن اســتخدام إثيوبيــا ملينــاء بربــرة يحــرم مينــاء جيبوتــي مــن‬ ‫نحــو ‪ 1.5‬مليــار دوالر رســوم وضرائــب ملينائهــا الــذي يســتخدم كمركــز‬ ‫رئيســي للصــادرات والــواردات اإلثيوبيــة‪ ،‬وبذلــك تخســر جيبوتــي نحــو‬ ‫‪ %95‬مــن جتــارة إثيوبيــا اخلارجيــة مــن ناحيــة‪ ،‬ومــن ناحيــة أخــرى ال‬ ‫یمكــن إغفــال القلــق اإلريتــري مــن جــراء فكــرة وجــود أســطول إثيوبــي‬ ‫بالقــرب مــن ســواحلها نظـرًاً لتاريــخ النــزاع احلــدودي بني البلديــن الــذي‬ ‫اســتمر لســنوات طويلــة‪ ،‬وبالتالــي ال يعــد هــذا االتفــاق اإلثيوبــي مــع‬ ‫أرض الصومــال بــأي حــال مــن األحــوال حافــزًاً للــسالم يف منطقــة‬ ‫الــقرن اإلفريــقي‪.‬‬ ‫رابعـًاً‪ :‬قــد يســبب تفاقــم األزمــات علــى البحــر األحمــر تزايــد تــدخالت‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪77‬‬

‫ملف العدد‬

‫تحـــركات إثيوبيـــا وإيجـــاد التوتـــرات مـــع جيرانهـــا اإلقليمييـــن‬ ‫مـــن شـــأنه التلويـــح ببـــوادر صـــراع يف منطقـــة القـــرن اإلفريقـــي‬ ‫ومصــر يف حتالــف «حــارس االزدهــار» أو أي مــن العمليــات البحريــة‬ ‫الدوليــة لتــأمني املدخــل اجلنوبــي للبحــر األحمــر‪ ،‬فعلــى الرغــم مــن‬ ‫اآلثــار الســلبية املباشــرة علــى الــدول العربيــة وعلــى الــرأس منهــا‬ ‫اململكــة العربيــة الســعودية ومصــر إال أنهــم علــى درايــة كاملــة أن النــأي‬ ‫بالنفــس عــن التدخــل املباشــر يف هــذا التحالــف ســيحول دون فتــح‬ ‫جبهــة جديــدة للصــراع يف الشــرق األوســط‪ ،‬وأنــه كان مــن األنســب‬ ‫واألقــل تكلفــة للواليــات املتحــدة األمريكيــة أن متــارس ضغوطــات علــى‬ ‫إســرائيل لوقــف إطالق النــار وإنهــاء العمليــة العســكرية يف قطــاع غــزة‪،‬‬ ‫ولعــل أبــرز مــا يدلــل علــى اســتخدام هــذا النهــج مــا جــاء علــى لســان‬ ‫ســمو وزيــر اخلارجيــة فيصــل بــن فرحــان يف أكثــر مــن مناســبة بــأن‬ ‫«الهجمــات يف البحــر األحمــر متصلــة بشــكل مباشــر باحلــرب يف‬ ‫غــزة»‪ ،‬وأنــه هنــاك حاجــة لوقــف إطالق النــار بشــكل فــوري‪ ،‬وإطالق‬ ‫العمليــة السياســية حلــل األزمــة الفلســطينية بشــكل نهائــي‪ ،‬جنبـًاً إلــى‬ ‫جنــب مــع تأكيــدات وزارة اخلارجيــة الســعودية يف بيــان رســمي بعــد‬

‫الضربــات األمريكيــة ملواقــع احلوثــيني على أهميــة احملافظــة علــى‬ ‫أمــن واســتقرار منطقــة البحــر األحمــر التــي تعد حريــة املالحة فيهــا‬ ‫ً‬ ‫فــضًال عــن دعوتهــا‬ ‫مطلبــًاً دوليــًاً ملساســها مبصالــح العالــم أجمــع‪،‬‬ ‫إلــى ضبــط النفــس وجتنــب التصعيــد يف ظــل مــا تشــهده املنطقــة‬ ‫ــمن أــحداث‪.‬‬ ‫وجديــر بالذكــر يف هــذا الصــدد اجلهــود الدؤوبــة التــي قامــت بهــا‬ ‫حكومــة خــادم احلــرمني الشــريفني يف مســاعيها احلميــدة إليجــاد حــل‬ ‫سياســي يف اليمــن والوصــول إلــى اتفــاق سالم انطــوى علــى مفاوضــات‬ ‫مــع احلوثــيني‪ ،‬وبالتالــي فــإن التدخــل العســكري املباشــر ســيعود بجهود‬ ‫الــسالم إلــى املربــع صفــر بعــد أن بذلــت اململكــة جهــودًاً حثيثــة الحتــواء‬ ‫أزمــات املنطقــة وتصفيــر الصراعــات علــى مختلــف اجلبهــات‪ ،‬وإيالء‬ ‫األولويــة للمفاوضــات مبــا يضمــن التركيــز علــى منوهــا االقتصــادي‬ ‫وفقـًاً ألجنــدة رؤيــة ‪.٢٠٣٠‬‬


‫‪76‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫تحظـــى القضيـــة الفلســـطينية بدعـــم مختلـــف أطيـــاف الشـــعب‬ ‫اليمنــي بمــا فيهــم المناوئيــن لســلطة الحوثــي بالتــايل تعــزز هجماتهــم‬ ‫أنهــم حصدوهــا‪ ،‬إال أن الهجمــات املســتمرة يف البحــر األحمــر أدت إلى‬ ‫قلــب طــرق الشــحن العامليــة رأس ـًاً علــى عقــب‪ ،‬حيــث أعلنــت العديــد‬ ‫مــن الشــركات أنهــا لــن تعبــر البحــر األحمــر بعــد اآلن حتــت تهديــد‬ ‫احلوثــيني‪ ،‬وبالفعــل ســلكت أكثــر مــن ‪ ١٨٠‬مــن ســفن الشــحن رأس‬ ‫الرجــاء الصالــح الــذي يتطلــب العبــور بــه مبــا يصــل إلــى ‪ 10‬إلــى ‪14‬‬ ‫يوم ـًاً ممــا يــؤدي بــدوره إلــى ارتفــاع أســعار الشــحن ممــا يترتــب عليــه‬ ‫زيــادة يف التكلفــة املاليــة‪ .‬فـ ً‬ ‫ـضًال عــن توقــف العشــرات مــن شــركات‬ ‫الشــحن العمالقــة رحالتهــا البحريــة عبــر البحــر األحمــر مبــا يشــكل‬ ‫تهدي ـًدًا حقيق�يـًا حلركــة املالحــة البحريــة عبــر مضيــق بــاب املنــدب‬ ‫احليــوي الــذي يشــكل شــريان هــام حلركــة التجــارة العامليــة حيــث‬ ‫متــر عبــره نحــو ‪ ٢١‬ألــف ســفينة‪ ،‬أي مــا يعــادل ‪ ٪١٠‬مــن الشــحنات‬ ‫والبضائــع البحريــة العامليــة‪ ،‬ونحــو ‪ ٣.٣‬ملــيون برمــيل نــفط يومــيًاً‪.‬‬ ‫وعلــى نفــس النهــج الــذي اســتخدمته إســرائيل يف حربهــا مــع‬ ‫مصر عــام ‪1967‬م‪ ،‬علــى خلفيــة إغالق الرئيــس املصــري الراحــل‬ ‫جمــال عبــد الناصــر ملضائــق تيــران يف البحــر األحمــر لتشــن حربهــا‬ ‫علــى مصــر وســوريا واألردن‪ ،‬أعلنــت الواليــات املتحــدة يف ديســمبر‬ ‫‪ ٢٠٢٣‬م‪ ،‬عــن حتالــف «حــارس االزدهــار» حتــت مظلــة «القــوات البحريــة‬ ‫املشــتركة» املتعــددة اجلنســيات‪ ،‬وشــنت عمليــات عســكرية علــى أكثــر‬ ‫مــن عشــرة مواقــع يســتخدمها احلوثيــون ردًاً علــى هجماتهــم علــى‬ ‫الســفن املتجهــة إلــى إســرائيل عبــر البحــر األحمــر‪ ،‬أعقبهــا جولــة‬ ‫جديــدة مــن الهجمــات يف ‪ 23‬ينايــر املاضــي باعتبــار أن هجمــات‬ ‫احلوثــيني يف البحــر األحمــر متثــل تهديــدًاً حلريــة املالحــة الدوليــة‪،‬‬ ‫وبالتاــلي ــهو تهدــيد مباــشر للمجتــمع الدوــلي‪.‬‬ ‫لكــن حتمــل عمليــة «حــارس االزدهــار» يف حــد ذاتهــا دالالت سياســية‬ ‫ميكــن مــن خاللهــا اســتقراء بعــض التفــاعالت اإلقليميــة والدوليــة التــي‬ ‫مــن املمكــن أن تفســر مواقــف عــدد مــن الــدول احملوريــة يف هــذا النــزاع‬ ‫وهــو مــا یمــكن اــستنباطه ــمن خالل جمــلة النــقاط التالــية‪:‬‬ ‫ً‬ ‫أوًال‪ :‬لــم تكــن االســتجابة للمبــادرة حماســية مبا فيــه الكفاية لالنضمام‬ ‫إلــى حتالــف «حــارس االزدهــار» للتصــدي للهجمــات احلوثيــة‪ ،‬إذ أنــه‬ ‫عقــب إعالن البنتاغــون عــن انضمــام أكثــر مــن ‪ ٢٠‬دولــة يف التحالــف‪،‬‬

‫لــم ينضــم ســوى عشــرة بلــدان بشــكل معلــن بينهــا بريطانيــا‪ ،‬وفرنســا‪،‬‬ ‫وإيطاليــا‪ ،‬وكنــدا‪ ،‬وذلــك علــى الرغــم مــن التهديــد األمنــي الصريــح‬ ‫للتــجارة الدولــية‪.‬‬ ‫وعالوة علــى ذلــك ســاهم عــدد مــن الــدول التــي انضمــت إلــى التحالــف‬ ‫بعــدد رمــزي مــن األفــراد‪ ،‬حيــث عرضــت الدمنــارك ضابــط أركان واحــد‬ ‫فقــط علــى الرغــم مــن تأثــر الدمنــارك بشــكل مباشــر مــن التهديــدات‬ ‫األمنيــة يف البحــر األحمــر حيــث متتلــك الدمنــارك شــركة الشــحن‬ ‫العمالقــة مولــر ميرســك والعديــد مــن الســفن األخــرى‪ ،‬وفضلــت‬ ‫التفــاوض املباشــر مــع احلوثــيني فيمــا يتعلــق بســفن الشــحن اخلاصــة‬ ‫بــها‪.‬‬ ‫وحــذت عــدد مــن الــدول نفــس النهــج مــن املشــاركة احلــذرة يف‬ ‫التحالــف حيــث أعلنــت هولنــدا إنهــا سترســل ضابطــي أركان وقالــت‬ ‫ً‬ ‫فــضًال عــن أن إيطاليــا‬ ‫النرويــج إنهــا سترســل ‪ 10‬ضبــاط بحريــة‪،‬‬ ‫وفرنســا وإســبانيا أعلنــوا أن إرســال ســفنهم اخلاصــة بغــرض حمايــة‬ ‫مصاحلهــم الوطنيــة‪ ،‬ولكــن ليــس حتــت قيــادة الواليــات املتحــدة علــى‬ ‫الرــغم ــمن موافقتــهم عــلى التــعاون‪.‬‬ ‫وهــو مــا نســتطيع مــن خاللــه القــول إن هــذه الــدول وغيرهــا مــن الــدول‬ ‫التــي رفضــت إعالن مشــاركتها بشــكل علنــي يف هــذا التحالــف تخشــى‬ ‫التــورط يف خلــق ســاحة مواجهــة دوليــة يف البحــر األحمــر‪ ،‬كمــا أن‬ ‫اإلعالن عــن مشــاركة بعــض هــذه الــدول بعيـدًاً عــن القيــادة األمريكيــة‬ ‫ينبــئ عــن القلــق مــن أن تفهــم هــذه املشــاركة أنهــا تقــع يف إطــار ســياق‬ ‫سياســي حتــت قيــادة الواليــات املتحــدة ممــا يوحــي بدعــم العمليــات‬ ‫العســكرية اإلســرائيلية يف قطــاع غــزة وليــس بغــرض حمايــة املالحــة‬ ‫يف البحــر األحمــر‪ ،‬خاصــة وســط إعالن اجلانــب احلوثــي أن الهجمــات‬ ‫ً‬ ‫ارتباًطــا كاماًلا بوقــف إطالق النــار‬ ‫يف البحــر األحمــر ظرفيــة ومرتبطــة‬ ‫يف ــغزة‪.‬‬ ‫ثانيـًاً‪ :‬بــدا مــن الالفــت عــدم انضمــام عــدد مــن الــدول العربيــة الفاعلــة‬ ‫واملتشــاطئة علــى البحــر األحمــر وأهمهــم اململكــة العربيــة الســعودية‬

‫الرفض الدويل الواســع للمشــاركة يف "تحالف االزدهار" خشــية التورط‬ ‫يف مواجه ــة دولي ــة يف البح ــر األحم ــر والقل ــق م ــن القي ــادة األمريكي ــة‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪75‬‬

‫ملف العدد‬

‫التدخل العسكري يعيد السالم للمربع صفر بعد جهود السعودية الحتواء األزمات‬

‫أحداثالبحراألحمروالقرناإلفريقيتفرضالتعاون‬ ‫األمني الخليجي‪ /‬المصري لحماية مصالحهم‬ ‫فرضــت مجريــات اعتــداء قــوات االحــتالل اإلســرائيلي علــى املدنــيني يف قطــاع غــزة سلســلة مــن التصعيــد الديناميكــي علــى‬ ‫املســتويني الدولــي واإلقليمــي وزادت حدتهــا علــى خلفيــة فــرض أطــراف أخــرى نفســها علــى املشــهد كأطــراف يف النــزاع‪ ،‬ممــا‬ ‫ترــتب علــيه اتــساع داــئرة الــصراع الــتي لــطاملا ــحذرت منــها الــقوى الدولــية واإلقليمــية وخاــصة اــلدول العربــية‪.‬‬ ‫ســعى املتمــردون احلوثيــون يف اليمــن بتصــدر املشــهد كطــرف مناصــر للفلســطينيني وداعــم حلركــة حمــاس‪ ،‬حيــث خــرج زعيــم‬ ‫املتمرديــن احلوثــيني عبــد امللــك احلوثــي ليعلــن عــن شــن سلســلة مــن الهجمــات بطائــرات بــدون طيــار وصواريــخ اســتهدفت‬ ‫إســرائيل ممــا زاد مــن اخملاطــر التــي قــد تواجههــا بعــض دول املنطقــة ويف مقدمتهــا الــدول املتشــاطئة علــى البحــر األحمــر وذلــك‬ ‫ر ً​ًدا علــى القصــف العشــوائي الــذي تشــنه إســرائيل علــى املدنــيني يف قطــاع غــزة واحلصــار املفــروض علــى القطــاع املســتمر‬ ‫منــذ ‪ 7‬أكتوبــر ‪2023‬م‪ ،‬ويف مرحلــة الحقــة صعــد احلوثيــون مــن وتيــرة اإلجــراءات املتخــذة ضــد إســرائيل وأعلــن عبــد امللــك‬ ‫احلوثــي عــن شــن هجمــات بحريــة تصاعــدت معهــا التوتــرات يف البحــر األحمــر‪ ،‬حيــث اســتهدف احلوثيــون ســفينة جتاريــة قالــوا‬ ‫إنهــا إســرائيلية يف البحــر األحمــر ومت اقتيادهــا إلــى الســواحل اليمنيــة‪ ،‬ويف أوائــل ديســمبر ‪2023‬م‪ ،‬خــرج املتحــدث العســكري‬ ‫للحوثــيني يحيــى الســريع ليعلــن منــع الســفن الدوليــة املتجهــة إلــى املوانــئ اإلســرائيلية مــن املــرور عبــر البحــر األحمــر بصــرف‬ ‫النظــر عــن جنســية مالكيهــا أو مشــغليها ممــا يشــكل تهدي ـدًاً مباش ـرًاً حلريــة املالحــة يف البحــر األحمــر التــي تشــكل حجــر‬ ‫األســاس للتجــارة العامليــة يف أحــد أهــم املمــرات املائيــة يف العالــم التــي تشــير التقديــرات إلــى أن مــا بني ‪ 10‬إلــى ‪ %15‬مــن‬ ‫إجمالــي الشــحن العاملــي‪ ،‬أي حوالــي ‪ 21‬ألــف ســفينة ســنو ً​ًيا‪ ،‬ميــر عبــر البحــر األحمــر‪.‬‬

‫سلمى الظاهري‬

‫وبالنظــر إلــى تاريــخ هــذه اجلماعــة التــي متثــل أحــد أهــم أذرع‬ ‫إيــران يف املنطقــة‪ ،‬فممــا ال شــك فيــه أن البحــث عــن موطــأ قــدم يف‬ ‫هــذه احلــرب ميثــل فرصــة ســانحة لتحقيــق مكاســب علــى مختلــف‬ ‫األصعــدة؛ فمــن جهــة يســعى احلوثيــون إلــى الظهــور البطولــي لتعزيــز‬ ‫قاعــدة الدعــم لهــم علــى الصعيديــن الداخلــي واإلقليمــي‪ ،‬فداخل ً​ًيــا‪،‬‬ ‫حتظــى القضيــة الفلســطينية بدعــم مختلــف أطيــاف الشــعب اليمنــي‬ ‫مبــا فيهــم اليمنــيني املنــاوئني لســلطة احلوثــي‪ ،‬بالتالــي يعــزز هــذا‬ ‫املوقــف مــن صورتهــم الشــعبية خاصــة يف ظــل اتخــاذ اجمللــس‬ ‫القيــادي الرئاســي اليمنــي املعتــرف بــه دول ً​ًيــا موقفــًاً محايــدًاً مــن‬ ‫األزمــة اليمنيــة وتركــزت تصريحاتــه علــى التنديــد بهجمــات احلوثــيني‬ ‫عــلى البــحر األحــمر‪.‬‬

‫وإقليمي ـًاً‪ ،‬ال ميكــن إنــكار تأثيــر هــذه األفعــال احلوثيــة علــى الشــارع‬ ‫العربــي املدفــوع بالعاطفــة خاصــة وأنهــم وضعــوا أنفســهم يف موضــع‬ ‫املدافــع يف اخلطــوط األماميــة لدعــم فلســطني علــى قــدم املســاواة مــع‬ ‫حــزب اهلل اللبنانــي مبــا يعــزز صورتهــم لــدى بعــض الشــعوب العربيــة‬ ‫خاصــة بعــد الضربــات األمريكيــة البريطانيــة التــي أفــادت مختلــف‬ ‫املصــادر أنهــا كانــت ذات تأثيــر محــدود علــى مناطــق احلوثــيني‪ ،‬غيــر‬ ‫أن احلوثــيني جنحــوا يف توظيــف هــذه الضربــات يف الدعايــة الشــعبية‬ ‫وكســب تعاطــف الشــارع العربــي املشــتعل غضب ـًاً جــراء عــدوان جيــش‬ ‫االــحتالل االــسرائيلي عــلى املدــنيني يف قــطاع ــغزة‪.‬‬ ‫لكن علــى الرغــم مــن هــذه املكتســبات املؤقتــة التــي يعتقــد احلوثيــون‬


‫‪74‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫التــي أدت يف الســابق وال تــزال آثارهــا حاضــرة معنــا إلــى عســكرة‬ ‫إقليميــة ودوليــة للبحــر األحمــر‪ ،‬حيــث قــام القراصنــة الصوماليــون يف‬ ‫ســنة ‪2011‬م‪ ،‬بشــن ‪ 212‬هجو ً​ًمــا ممــا أدى إلــى تدويــل القضيــة علــى‬ ‫مســتوى مجلــس األمــن الدولــي‪ ،‬الــذي أصــدر ســبعة قــرارات يف الفتــرة‬ ‫مــا بني ‪ 2010‬و‪2022‬م‪ ،‬اســتدعت التواجــد العســكري األجنبــي حلمايــة‬ ‫النــاقالت البحريــة علــى غــرار عمليــة أتالنتــا للقــوات البحريــة التابعــة‬ ‫لالحتــاد األوروبــي التــي تقودهــا الواليــات املتحــدة األمريكيــة حملاربــة‬ ‫القرصنــة البحريــة‪ .‬وأثبتــت التجربــة يف محاربــة القرصنــة البحريــة‬ ‫أن القــدرات العســكرية الضخمــة أضحــت عاجــزة عــن مواجهتهــا‬ ‫يف غيــاب بنــاء االســتقرار السياســي واألمنــي يف دول منطقــة القــرن‬ ‫اإلفريقــي‪ ،‬فتقديــرات شــركة األمــن البحــري دريــاد غلوبــال‪ ،‬ال تــزال‬ ‫تصنــف الشــحن مــن ســاحل القــرن اإلفريقــي إلــى ســاحل الهنــد‬ ‫باعتبارهــا منطقــة عاليــة اخملاطــر رغــم انتشــار قــوات عســكرية بحريــة‬ ‫خلمــسة وعــشرين دوــلة‪.‬‬ ‫ثال ً​ًثا‪ ،‬من أجل األمن البحري يف البحر األحمر واخليارات البديلة‬ ‫يف إطــار ترابــط النزاعــات بني الضفــة اآلســيوية والضفــة اإلفريقيــة‬ ‫للمنفــذ اجلنوبــي للبحــر األحمــر‪ ،‬فــإن التهديــدات احلوثيــة مــن جهــة‪،‬‬ ‫وعــودة القرصنــة والتهديــدات اإلرهابيــة يف القــرن اإلفريقــي يختبــر مــن‬ ‫جديــد قــدرة التــدخالت العســكرية للقــوى الدوليــة يف البحــر األحمــر‪،‬‬ ‫ال ســيما العمليــة املتعــددة اجلنســيات «حــارس االزدهــار» التــي أنشــأتها‬ ‫الواليــات املتحــدة األمريكيــة‪ ،‬بتاريــخ ‪ 12‬ديســمبر ‪2023‬م‪ ،‬علــى تــأمني‬ ‫خصوًصــا يف ظــل‬ ‫املالحــة وحمايــة الســفن التجاريــة ونــاقالت النفــط‪،‬‬ ‫ً‬ ‫الــرؤى االســتراتيجية املتناقضــة بني واشــنطن والعواصــم األوروبيــة‬ ‫الفاعلــة‪ ،‬باريــس‪ ،‬مدريــد‪ ،‬رومــا وبــرلني‪ ،‬التــي تصــر علــى فصــل مهامهــا‬ ‫يف إطــار العمليــة األوروبيــة «أتالنتــا» عــن عمليــة «حــارس االزدهــار»‪،‬‬ ‫التــي تــرى فيهــا تهديــًدًا ملصاحلهــا احليويــة يف البحــر األحمــر يف‬ ‫حالــة التصعيــد العســكري ضــد احلوثــيني يف اليمــن التــي قــد تدعــم‬ ‫قــوى غيــر نظاميــة يف املنطقــة لتحريــك وتعبئــة قدراتهــا ملواجهــة‬ ‫التواجــد العســكري األوروبــي يف البحــر األحمــر‪ .‬التفــاؤل األمريكــي‬ ‫يتحــدث عــن نتائــج إيجابيــة مــا بني تاريــخ إنشــاء قــوات «حــارس‬ ‫االزدهــار» إلــى غايــة الرابــع مــن ينايــر ‪2024‬م‪ ،‬اســتطاعت أن تضمــن‬ ‫أمــن ‪ 1500‬ســفينة جتاريــة عبــرت البحــر األحمــر‪ ،‬لكــن بــدون ربطهــا‬ ‫بجوهــر النــزاع املرتبــط مبــا يجــري مــن العــدوان اإلســرائيلي الــذي‬ ‫يلقــى دع ً​ًمــا دبلوماسـ ً​ًيا‪ ،‬عســكر ً​ًيا أمريك�يـًا علــى غــزة التــي تعــد دينامــو‬ ‫التصعيــد يف منطقــة البحــر األحمــر‪ ،‬بالنســبة للحوثــيني‪ .‬وقــد تقــوض‬ ‫خصوًصــا‬ ‫كل املســارات التفاوضيــة إليجــاد حاًلا نهائ�يـًا للنــزاع اليمنــي‬ ‫ً‬ ‫بعــد الــدور الدبلوماســي الصينــي الــذي توصــل إلــى تقــارب بني فاعــلني‬ ‫أساســيني يف املنطقــة الريــاض وطهــران‪ ،‬ملا لهــذه األخيــرة مــن تأثيــر‬ ‫ونــفوذ عــلى مجــموع التنظيــمات الغــير نظامــية يف املنطــقة العربــية‪.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫أمــا بالنســبة للجهــة اإلفريقيــة مــن بــاب املنــدب‪ ،‬فــإن االحتــاد‬ ‫متأرجًحــا‬ ‫اإلفريقــي يجــد نفســه يف إدارة النــزاع اإلثيوبي‪-‬الصومالــي‬ ‫ً‬ ‫بني باملبــادئ والواقعيــة السياســية التــي تفرضهــا اجملاالت واملنافــذ‬ ‫البحريــة‪ ،‬فمــن جهــة‪ ،‬يتمســك االحتــاد بامليثــاق التأسيســي الــذي‬ ‫يكــرس مبــدأ قدســية احلــدود املوروثــة عــن اســتقالل الــدول اإلفريقيــة‪،‬‬ ‫وهــو مــا بــادر بــه رئيــس مفوضيــة االحتــاد اإلفريقــي يف بيــان طالــب‬ ‫فيــه بضــرورة احتــرام الوحــدة والسالمــة اإلقليميــة والســيادة الكاملــة‬ ‫جلميــع الــدول األعضــاء يف االحتــاد اإلفريقــي مبــا يف ذلــك الصومــال‬ ‫وإثيوبيــا‪ ،‬وطالــب بنهــج سياســة التهدئــة والتفــاوض بني البلديــن‪.‬‬ ‫كمــا حــاول مجلــس الســلم واألمــن اإلفريقــي تطويــق النــزاع يف اجتمــاع‬ ‫طــارئ بتاريــخ ‪ 17‬ينايــر ‪2024‬م‪ ،‬بعــد االســتماع إلــى الطــرفني املتنــازعني‬ ‫وطالــب بضبــط النفــس واحلــوار الهــادف لتســوية ســلمية للنــزاع‪ .‬إال‬ ‫أن املوقــف الصومالــي بقــي متشــب ً​ًثا مبوقفــه القائــم علــى رفــض أيــة‬ ‫مفاوضــات أو وســاطات قبــل انســحاب إثيوبيــا مــن مذكــرة التفاهــم‬ ‫غيــر القانونيــة‪ .‬وتوجهــت الصومــال بتاريــخ ‪ 23‬ينايــر ‪2024‬م‪ ،‬برســالة‬ ‫إلــى مجلــس األمــن الدولــي‪ ،‬حتتــج علــى مذكــرة التفاهــم التــي اعتبرتهــا‬ ‫تهــدد ســيادة الصومــال وسالمتــه اإلقليميــة‪ .‬بينمــا رفضــت إثيوبيــا أي‬ ‫نقــاش للقضيــة مبجلــس األمــن الدولــي وطالبــت باحلــوار يف إطــار‬ ‫مجلــس الســلم واألمــن اإلفريقــي‪ .‬مــن الصعــب علــى االحتــاد اإلفريقــي‬ ‫أن يجــد حاًلا وتســوية نهائيــة للقضيــة إال بتنــازالت محتملــة ميكــن أن‬ ‫تقــدم عليهــا إثيوبيــا بإلغــاء مذكــرة التفاهــم جتن�بـًا ألي تصعيــد تبحــث‬ ‫عــنه أرض الصوــمال ــمن خالل االعــتراف الدوــلي بإقليمــها‪.‬‬ ‫مــن الســيناريوهات القليلــة االحتمــال واألكثــر تأثيــ ً​ًرا يف اجتاهاتهــا‬ ‫اإليجابيــة أن يلجــأ الطرفــان إلــى الوســاطة الدوليــة‪ ،‬ونتصــور هنــا‬ ‫إعــادة محــاكاة ســيناريو اتفــاق اجلزائــر يف النــزاع اإلثيوبي‪-‬اإلرتيــري‪،‬‬ ‫بحيــث متلــك اجلزائــر بعــض اخلبــرة يف الوســاطات اإلفريقيــة‬ ‫خصوًصــا يف هــذه الفتــرة التــي متثــل القــارة اإلفريقيــة واجملموعــة‬ ‫ً‬ ‫العربيــة يف مجلــس األمــن الدولــي‪ ،‬الســيما وأن الصومــال قــد جلأ‬ ‫بالشــكوى إلــى مجلــس األمــن الدولــي‪ ،‬وجنــاح هــذا الســيناريو يكــون‬ ‫بشــرط أساســي‪ ،‬أن يتقلــد رئيــس الــوزراء اإلثيوبــي‪ ،‬أحمــد آبــي‪ ،‬وســام‬ ‫نوبــل للــسالم ويتخلــى عــن املصالــح اجليوبوليتكيــة التــي تهــدف إلــى‬ ‫حتقــيق املصاــلح احليوــية وــلو بالــقوة‪.‬‬

‫* أستاذ العلوم السياسية والعالقات الدولية ـ جامعة الجزائر‪3‬‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫باســتغالل اجملال البحــري احليــوي‪ ،‬حيــث ســبق وأن عقــد أكبــر صفقــة‬ ‫مــع مؤسســة مينــاء دبــي العامليــة يف ســنة ‪2017‬م‪ ،‬تتضمــن حتديــث‬ ‫وتوســيع مينــاء بربــرة‪ ،‬عاصمتهــا االقتصاديــة أيــن دشــنت املنطقــة‬ ‫التجاريــة يف مــارس ‪2023‬م‪ .‬كمــا اســتغلت االكتشــافات النفطيــة‬ ‫بالقــرب مــن احلــدود اإلثيوبيــة بالشــراكة مــع شــركة جينــال للطاقــة‬ ‫البريطانــية‪.‬‬ ‫بالنســبة إلثيوبيــا‪ ،‬فإنهــا تبحــث دومــا عــن الوصــول إلــى املمــرات‬ ‫البحريــة باجتــاه البحــر األحمــر وقنــاة الســويس‪ ،‬بســبب موقعهــا‬ ‫اجلغــرايف الــذي يحبســها يف اليابســة‪ ،‬وقــد كــرس رئيــس الــوزراء‬ ‫اإلثيوبــي‪ ،‬آبــي أحمــد‪ ،‬مقولــة اجملال احليــوي يف خطابــه أمــام البــرملان‬ ‫بتاريــخ ‪ 13‬أكتوبــر ‪2023‬م‪ ،‬بقولــه‪ »:‬احلصــول علــى منفــذ بحــري قضيــة‬ ‫حيــاة أو مــوت إلثيوبيــا‪ ،‬وســنحصل علــى هــذا احلــق بالقــوة أو بغيرهــا»‪،‬‬ ‫ألن يف النهايــة اجليوبولتيــكا تلــوي عنــق حتــى دعــاة الــسالم‪ ،‬باعتبــاره‬ ‫حــاصاًلا علــى جائــزة نوبــل للــسالم ســنة ‪2019‬م‪ ،‬ملســاهمته يف تســوية‬ ‫النــزاع املســلح مــع إيريتريــا‪ .‬إن االتفــاق الــذي أبرمــه آبــي أحمــد‪ ،‬الــذي‬ ‫صــوره بالتاريخــي‪ ،‬مينــح إلثيوبيــا هــذا احلــق علــى املنفــذ البحــري‬ ‫مــن أجــل تعزيــز مــا ســمته إثيوبيــا بالشــراكة األمنيــة‪ ،‬االقتصاديــة‬ ‫والسياســية‪ ،‬مــع إقامــة قاعــدة عســكرية بحريــة‪ .‬وهــو مــا يثيــر الكثيــر‬ ‫مــن التســاؤالت حــول مســتقبل االســتقرار السياســي واألمــن البحــري‬ ‫يف الضفــة اإلفريقيــة للبحــر األحمــر وعلــى الســاحل اجلنوبــي خلليــج‬ ‫عــدن مدخــل البحــر األحمــر املــؤدي إلــى قنــاة الســويس‪ .‬عقــدة إثيوبيــا‬ ‫اجليوبوليتكيــة أنهــا لــم تســتطع بنــاء شــراكات أمنيــة واســتراتيجية‬ ‫مســتقرة مــع الــدول املشــاطئة للبحــر األحمــر‪ ،‬فبعــد اســتقالل إريتريــا‬ ‫ســنة ‪1993‬م‪ ،‬بعــد نــزاع مســلح طويــل معهــا مت جتريدهــا مــن املنفــذ‬ ‫البحــري علــى البحــر األحمــر‪ ،‬كمــا أنهــا لــم حتافــظ علــى شــراكة‬ ‫اســتراتيجية ثابتــة مــع أســمرة بعــد منحهــا االســتفادة مــن مينــاء‬ ‫بحــري بســبب العــودة إلــى النــزاع املســلح مــا بني ‪2000-1988‬م‪ ،‬ووجــدت‬ ‫يف جيبوتــي املنفــذ املؤقــت لتبادالتهــا التجاريــة‪ ،‬وعينهــا علــى املنفــذ‬ ‫البحــري الصومالــي‪ ،‬ألنهــا ســبق وأن اســتحوذت علــى ‪ % 19‬مــن مينــاء‬ ‫بربــرة يف عــام ‪2018‬م‪ ،‬بالشــراكة مــع شــركة موانــئ دبــي العامليــة التــي‬ ‫متلــك ‪ % 51‬بينمــا متتلــك أرض الصومــال النســبة املتبقيــة ‪.% 30‬‬ ‫تشــكل مذكــرة التفاهــم بني إثيوبيــا وإقليــم أرض الصومــال حتــدي‬ ‫أمنــي لدولــة الصومــال التــي تعتبــر اإلقليــم واليــة تابعــة لهــا‪ ،‬وقــد‬ ‫اتخــذت جملــة مــن اإلجــراءات القانونيــة والسياســية قبــل التلويــح‬ ‫باســتخدام كل اخليــارات لضــم اإلقليــم الــذي أعلــن انفصالــه ســنة‬ ‫‪1991‬م‪ .‬فمــن بني اإلجــراءات املتخــذة‪ ،‬توقيــع الرئيــس الصومالــي‪،‬‬ ‫حســن شــيخ محمــود‪ ،‬علــى قانــون إلغــاء االتفاقيــة كرســالة لــكل مــن‬ ‫يريــد الغــزو البــري‪ ،‬البحــري واجلــوي للشــعب الصومالــي‪ ،‬علــى حــد‬ ‫اخلطــاب الرســمي الصومالــي‪ .‬كمــا قامــت باســتدعاء ســفيرها لــدى‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪73‬‬

‫ملف العدد‬

‫إثيوبيــا تنديـًدًا باملوقــف اإلثيوبــي‪ .‬ويف إطــار الضغوطــات التــي ميكــن‬ ‫أن تلجــأ إليهــا الصومــال إلــى جانــب الضغــط القانونــي والدبلوماســي‪،‬‬ ‫فإنهــا قــد تعقــد شــراكات أمنيــة يف إطــار لعبــة التوازنــات واألحالف‬ ‫خصوًصــا وأن البيئــة السياســية اإلفريقيــة متيــل‬ ‫العســكرية اإلقليميــة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫لصاحلهــا علــى األقــل مــن حيــث التأييــد الدبلوماســي‪ ،‬التــي تؤيــد‬ ‫الوحــدة والســيادة اإلقليميــة للصومــال مــع دعــوة الهيئــة احلكوميــة‬ ‫لتنميــة شــرق إفريقيــا «اإليغــاد» إلــى التوصــل إلــى حــل ودي وســلمي‬ ‫بني الدولــتني العضويــن يف املنظمــة اجلهويــة‪ .‬ولعلــه مــن أكبــر‬ ‫اخملاطــر يف حالــة تصعيــد النــزاع يف املنطقــة العــودة إلــى صعــود‬ ‫اجلماعــات اإلرهابيــة التــي تســتفيد مــن حــاالت هشاشــة الدولــة يف‬ ‫القــرن اإلفريقــي وتزايــد النزاعــات احلدوديــة الالمتناهيــة‪ ،‬وهــو مــا‬ ‫يشــير إليــه معظــم املراقبــون للمنطقــة‪ ،‬مثــل مــا أشــار إليــه‪ ،‬مايــك‬ ‫هامــر‪ ،‬املبعــوث األمريكــي اخلاص للقــرن اإلفريقــي‪ ،‬حيــث أكــد يف‬ ‫اجتمــاع لإليغــاد حــول النــزاع اإلثيوبي‪-‬الصومالــي بقولــه‪ »:‬إن مذكــرة‬ ‫التفاهــم تهــدد مبزيــد مــن التقويــض لألمــن اإلقليمــي وإن حركــة‬ ‫الشــباب الصوماليــة تســتخدمها كــسالح‪ ،‬وهنــاك مؤشــرات لتجنيــد‬ ‫مقاتــلني جــدد»‪ .‬واملالحــظ يف هــذا الصــدد‪ ،‬أن النــزاع اجملمــد بني‬ ‫حركــة الشــباب الصومالــي وإثيوبيــا ال تــزال تختــزن الكثيــر مــن األحقاد‬ ‫التاريخيــة بســبب الــدور الــذي لعبتــه إثيوبيــا يف اإلطاحــة باحملاكــم‬ ‫اإلسالميــة يف الصومــال بعــد تدخلهــا املباشــر يف مقديشــو مــا بني‬ ‫‪ 2006‬و‪2009‬م‪ ،‬وتنتشــر حركــة الشــباب يف احلــدود الصوماليــة اإلثيوبيــة‬ ‫الواســعة التــي تســتغل فيهــا الغالبيــة مــن الصومالــيني املســلمني‬ ‫واألورومــو التــي تســعى لالنفصــال عــن إثيوبيــا‪ .‬وأي تصاعــد للنــزاع‬ ‫بني إثيوبيــا والصومــال بعــد مذكــرة التفاهــم مــع إقليــم أرض الصومــال‪،‬‬ ‫ستســتفيد منــه حتمــا حركــة الشــباب اجملاهديــن التــي تشــكل فــرع‬ ‫تنظيــم القاعــدة يف شــرق إفريقيــا‪ ،‬وتقــوض كل االتفاقــات التــي مت‬ ‫التوصــل إليهــا بني دول اجلــوار إليجــاد آليــات للتنســيق األمنــي يف‬ ‫مكافحــة التهديــدات اإلرهابيــة‪ ،‬ونذكــر هنــا علــى ســبيل املثــال مــن‬ ‫بني مخرجــات القمــة التشــاورية املنعقــدة بالصومــال بتاريــخ األول مــن‬ ‫فبرايــر ‪2023‬م‪ ،‬بحضــور رؤســاء الصومــال‪ ،‬كينيــا‪ ،‬جيبوتــي وإثيوبيــا‪،‬‬ ‫االتفــاق علــى تــدشني آليــة مشــتركة ملنــع التهديــدات العابــرة للحــدود‪،‬‬ ‫إطالق حملــة عســكرية مبشــاركة قــوات الــدول األربعــة ملالحقــة حركــة‬ ‫الشــباب اإلرهابيــة‪ .‬ومــن بني االحتمــاالت األكثــر ورو ً​ًدا أنــه ســيتم‬ ‫التحالــف بني اجلماعــات اإلرهابيــة وجماعــات اجلرميــة املنظمــة علــى‬ ‫ضفــاف خليــج عــدن وبــاب املنــدب‪ ،‬إذ مت التأكيــد فعليــا علــى عــودة‬ ‫أعمــال القرصنــة يف منطقــة القــرن اإلفريقــي بشــكل ملفــت لالنتبــاه‪،‬‬ ‫كمــا يشــير إلــى ذلــك املعهــد امللكــي للخدمــات املتحــدة الــذي الحــظ‬ ‫تصاعــد أعمــال القرصنــة خالل الثالثــة أشــهر األخيــرة لســنة ‪2023‬م‪،‬‬ ‫بشــكل لــم تشــهده املنطقــة منــذ ‪ 6‬ســنوات ســابقة‪ ،‬ومــن بني الدوافــع‬ ‫احملركــة لذلــك البحــث عــن الفديــة وحتويــل الســفن‪ .‬وهــي الوضعيــة‬


‫‪72‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫اضطراب ــات أمني ــة يف أرض الصوم ــال تقوده ــا عش ــائر ص ــول وه ــي‬ ‫ورقـــة اســـتراتيجية بيـــد مقديشـــيو للضغـــط بهـــا عىل االنفصالييـــن‬ ‫تبــرز النزاعــات اجملمــدة أصاًلا والعــودة إلــى حالــة الصوملــة املنقســمة‬ ‫علــى مناطــق هشــة مثــل أرض الصومــال وأرض بونــت‪ ،‬وتصاعــد النــزاع‬ ‫يف إثيوبيــا مــع حــركات انفصــال التيغــراي‪ ،‬وإحيــاء النــزاع املتجــذر بني‬ ‫إثيوبيــا والصومــال حــول أوجاديــن أيــن يقطنهــا صوماليــون لكــن تابــعني‬ ‫إلثيوبيــا‪ ،‬وحتريــك النــزاع البحــري بني الصومــال وكينيــا يف منطقــة‬ ‫بحريــة غنيــة باملــوارد الطاقويــة‪.‬‬ ‫إن االتفــاق الــذي أبرمــه رئيــس الــوزراء اإلثيوبــي‪ ،‬أحمــد آبــي‪ ،‬مــع رئيــس‬ ‫إقليــم أرض الصومــال‪ ،‬موســى بيحــي عبــدي‪ ،‬باســتئجار ‪ 20‬كلــم مربــع‬ ‫مــن األراضــي الســاحلية حــول مينــاء بربــرة علــى خليــج عــدن يف مدخــل‬ ‫بــاب املنــدب ملــدة ‪ 50‬ســنة مــن أجــل تعزيــز مــا ســمته إثيوبيــا بالشــراكة‬ ‫األمنيــة‪ ،‬يحقــق أحالم الطــرفني علــى حســاب الســيادة اإلقليميــة‬ ‫للصومــال‪ ،‬فإقليــم أرض الصومــال يبحــث مــن خالل مذكــرة التفاهــم‬

‫مــع إثيوبيــا فــضاًلا عــن االعتــراف الدولــي باإلقليــم االنفصالي‪ ،‬شــرعنة‬ ‫النظــام السياســي واســتمرارية ســلطته يف ظــل الشــرعية الهشــة بعــد‬ ‫ســخط املعارضة بســبب تأجيل االنتخابات الرئاســية ومتديد تاريخها‬ ‫لفتــرة ســنتني تنتهــي يف ســنة ‪2024‬م‪ ،‬مــن جهــة‪ ،‬ومواجهــة االضطرابــات‬ ‫األمنيــة الناجتــة عــن املطالــب االنفصاليــة لعشــائر إقليــم صــول‪ ،‬مــن‬ ‫جهــة أخــرى‪ ،‬الــذي يعــد ثانــي أكبــر إقليــم يف أرض الصومــال‪ ،‬التــي‬ ‫تســعى إلــى قيــام إقليــم مســتقل تابــع للصومــال‪ ،‬ألن الدوافــع نفســها‬ ‫التــي عــززت انفصــال أرض الصومــال عــن جمهوريــة الصومــال تتكــرر‬ ‫مــع عشــيرة «دولبهنتــي» التــي انتفضــت ضــد مــا تســميه باحتــكار‬ ‫الســلطة والثــروة لعشــيرة «آل إســحاق»‪ .‬وهــي ورقــة اســتراتيجية بيــد‬ ‫مقديشــيو ميكــن الضغــط بهــا علــى النخبــة االنفصاليــة يف أرض‬ ‫الصومــال‪ .‬كمــا ميثــل االتفــاق مــع إثيوبيــا محاولــة لبنــاء مشــروعية‬ ‫مــن خالل البحــث عــن الثــروة لتجــاوز حالــة الفقــر املنتشــرة يف اإلقليــم‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪71‬‬

‫ملف العدد‬

‫‪ 4‬شـــركات شـــحن أوروبيـــة تشـــكل ‪ %54‬مـــن التجـــارة العالميـــة‬ ‫غيـــرت مســـاراتها وهـــي دنماركيـــة وألمانيـــة وفرنســـية وسويســـرية‬ ‫التجــارة العامليــة‪ ،‬وهــي «ميرســك الدمناركيــة‪ ،‬و»هابــاغ لويــد األملانيــة‪،‬‬ ‫و» ــسي إم إــيه ــسي ــجي» إم الفرنــسية‪ ،‬و «إم إس ــسي» السويــسرية‪.‬‬ ‫تغييــر املســار البحــري يكلــف خســائر إضافيــة يف عمليــات الشــحن‬ ‫البحــري مــن حيــث القيمــة املاليــة وقيمــة عامــل الوقــت‪ ،‬فالشــحنة‬ ‫البحريــة مــن آســيا إلــى أوروبــا ميكــن أن تضيــف حوالــي ‪ 9‬أيــام إلــى‬ ‫الرحلــة التــي تســتغرق عــادة ‪ 18‬يومــا إلــى أوروبــا‪ .‬ولتبســيط أهميــة‬ ‫قصــر املســافة وربــح الوقــت عبــر بــاب املنــدب وقنــاة الســويس‪ ،‬مــن‬ ‫بــاب الوقــت هــو املال‪ ،‬فــإن املتخصــصني يف هــذا اجملال يقدمــون‬ ‫منوذًجــا لســفينة شــحن تنطلــق مــن مينــاء تايــوان باجتــاه مينــاء روتــردام‬ ‫ً‬ ‫بهولنــدا‪ ،‬يف حالــة اتخاذهــا مســار قنــاة الســويس فإنهــا تســتغرق ‪25‬‬ ‫يو ً​ًمــا ملســافة ‪ 10‬آالف ميــل بحــري‪ .‬أمــا يف حالــة اضطرارهــا لســلك‬ ‫املســار البحــري عبــر الرجــاء الصالــح عبــر جنــوب إفريقيــا فإنهــا‬ ‫ســتقطع ‪ 13500‬ميــل بحــري وتســتغرق ‪ 34‬يو ً​ًمــا‪ ،‬أي بزيــادة ‪ 9‬أيــام‪.‬‬ ‫يضــاف إلــى تكلفــة النقــل االرتفــاع الكبيــر يف تــأمني الشــحنات‪ ،‬نشــير‬ ‫هنــا إلــى بعــض املؤشــرات التــي تؤكــد تأثيــرات الهجمــات احلوثيــة‬ ‫علــى األمــن البحــري‪ ،‬حســب املوقــع املتخصــص يف أخبــار النقــل‬ ‫اللوجســتيكي‪ ،‬فإنــه ابتــداء مــن ‪ 15‬ينايــر‪2024‬م‪ ،‬تزايــدت أســعار نقــل‬ ‫حاويــة مــن املوانــئ اآلســيوية‪ ،‬مبــا يف ذلــك اليابــان وجنــوب شــرق آســيا‬ ‫وبنغالديــش إلــى دول املنطقــة املتوســطية‪ ،‬مــن ‪ 2000‬دوالر إلــى ‪3500‬‬ ‫دوالر إلــى غــرب البحــر األبيــض املتوســط​ومــن ‪ 2100‬دوالر إلــى ‪3600‬‬ ‫دوالر إلــى شــرق البحــر األبيــض املتوســط‪ ،‬أي ‪ 1500‬دوالر أكثــر ممــا‬ ‫كانــت عليــه يف اليــوم األول مــن العــام‪ .‬ويشــير مؤشــر شــنغهاي للشــحن‬ ‫باحلاويــات‪ ،‬الــذي يقيــس تكلفــة حاويــة بطــول ‪ 20‬قد ً​ًمــا يتــم شــحنها‬ ‫مــن شــنغهاي إلــى أوروبــا قــد وصــل إلــى ‪ 3101‬دوالر لــكل حاويــة‪ ،‬ممــا‬ ‫يؤشــر علــى زيــادة بنســبة ‪ % 310‬مقارنــة ببدايــة نوفمبــر ‪2023‬م‪.‬‬ ‫كمــا أثــرت الهجومــات احلوثيــة علــى األمــن الطاقــوي بتهديــد نــاقالت‬ ‫النفــط والغــاز‪ ،‬ألن البحــر األحمــر يعــد طري ً​ًقــا حيو�يـًا لتدفــق الطاقــة‪،‬‬ ‫حيــث تعبــر نــاقالت النفــط التــي حتمــل مــا بني ‪ 8‬إلــى ‪ % 10‬مــن‬ ‫النفــط العاملــي‪ ،‬ومــا يصــل إلــى ‪ % 8‬مــن الغــاز الطبيعــي املســال‬ ‫ســنو ً​ًيا‪ ،‬وقــد ســارعت شــركة بريتــش بتروليــوم إلــى التعليــق املؤقــت‬ ‫ً‬ ‫حفاًظــا علــى سالمــة‬ ‫جلميــع حركــة ناقالتهــا عبــر البحــر األحمــر‬ ‫وأمــن موظفيهــا كمــا جــاء يف بيانهــا الرســمي‪ .‬وبعــد الضربــات اجلويــة‬

‫للقــوات األمريكية‪-‬البريطانيــة ضــد مواقــع احلوثــيني يف اليمــن يف‬ ‫منتصــف ينايــر ‪2024‬م‪ ،‬توقفــت شــركة قطــر للطاقــة‪ ،‬ثانــي أكبــر مصدر‬ ‫للغــاز املســال يف العالــم‪ ،‬عــن إرســال ناقالتهــا عبــر البحــر األحمــر‪،‬‬ ‫متخــذة مــن طريــق الرجــاء الصالــح بــدياًلا يف غيــاب األمــن البحــري يف‬ ‫املنطقــة‪ .‬كمــا حولــت شــركة النفــط والغــاز النرويجيــة «إكوينــور» ســفنها‬ ‫التــي حتمــل النفــط والغــاز املســال مســارها عــن البحــر األحمــر‪ ،‬مثلهــا‬ ‫مثــل شــركة نــاقالت النفــط البلجيكيــة «يورونــاف» التــي أكــدت تغييــر‬ ‫املســار إلــى حالــة اســتباب األمــن البحــري يف املنطقــة‪.‬‬ ‫اســتمرار التصعيــد املســلح بني احلوثــيني والتحالــف األمريكــي‪-‬‬ ‫البريطانــي وخيــارات املواجهــة املســلحة أدى باملنتــدى الدولــي للتفــاوض‬ ‫إلــى تصنيــف جنــوب البحــر األحمــر ومضيــق بــاب املنــدب كمنطقــة‬ ‫عاليــة اخملاطــر‪ ،‬وبالتالــي فــإن البحــارة‪ ،‬الذيــن تغطــي اتفاقيــات‬ ‫املنتــدى الدولــي للتفــاوض عقودهــم‪ ،‬ســيحصلون علــى مكافــأة تعــادل‬ ‫راتبهــم األساســي طــوال مــدة العبــور وتعويــض مــزدوج يف حالــة الوفــاة‬ ‫أو العجــز‪ .‬فــضاًلا عــن إلــزام االحتــاد الدولــي للســفن كل الســفن العابرة‬ ‫مــن بــاب املنــدب اتخــاذ تدابيــر أمنيــة إلزاميــة مــن املســتوى الثالــث‪،‬‬ ‫أي التهديــد االســتثنائي‪ ،‬الــذي يعنــي حــادث أمنــي محتمــل أو وشــيك‬ ‫مــن املدونــة الدوليــة ألمــن الســفن ومرافــق املوانــئ‪ ،‬وهــي كلهــا أعبــاء‬ ‫وتكاليــف ماليــة وبشــرية ال تطيقهــا شــركات الشــحن أو نــاقالت النفــط‬ ‫والغــاز يف ظــل اســتمرار األوضــاع وإطالــة عمــر النــزاع املســلح يف البحــر‬ ‫األحــمر‪.‬‬

‫ثانًيًا‪ :‬البحر األحمر والقرن اإلفريقي‪ :‬تحول جيوسياسي دائم‬

‫إلــى جانــب التصعيــد املســلح بني احلوثــيني والــدول الغربيــة يف املنطقة‬ ‫اجلنوبيــة للبحــر األحمــر وتأثيراتهــا علــى األمــن البحــري والطاقــوي‬ ‫العاملــي‪ ،‬فــإن النــزاع الدبلوماســي والسياســي بني إثيوبيــا والصومــال‬ ‫علــى ضــوء مذكــرة التفاهــم بني أديــس بابــا وإقليــم أرض الصومــال‪،‬‬ ‫املوقعــة بتاريــخ أول ينايــر ‪2024‬م‪ ،‬قــد عمق من حالة الالســتقرار األمني‬ ‫يف منطقــة جغرافيــة ميكــن أن تــؤدي إلــى غلــق كل املنفــذ البحــري مــن‬ ‫خليــج عــدن وبــاب املنــدب وتشــعل منطقــة القــرن اإلفريقــي الضيقــة‪،‬‬ ‫املمتــدة بني الصومــال‪ ،‬إرتيريــا جيبوتــي وإثيوبيــا‪ ،‬أو القــرن اإلفريقــي‬ ‫املوســع املمتــد إلــى غايــة كينيــا جنــوب الســودان‪ ،‬الســودان وأوغنــدا‪ .‬قــد‬

‫مؤش ــر ش ــنغهاي‪ :‬تكلف ــة حاوي ــة م ــن ش ــنغهاي إىل أوروب ــا بل ــغ‬ ‫‪ 3101‬دوالر للحاويـــة بزيـــادة ‪ % 310‬مقارنـــة ببدايـــة نوفمبـــر ‪2023‬‬


‫‪70‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫تحديات األمن في الممر المالحي البحري‪ :‬المعضلة والحلول‬

‫اتفاقية إثيوبيا وأرض الصومال قد تغلق‬ ‫منفذ البحر األحمر وتشعل القرن اإلفريقي‬ ‫عــادت املــدارس اجليوبوليتكيــة الكالســيكية األمريكيــة والبريطانيــة إلــى الظهــور مــن جديــد وبقــوة يف البحــر األحمــر‪ ،‬وفــق‬ ‫أطروحاتهــا القائمــة علــى مــن يتحكــم يف البحــار واملضائــق يتحكــم يف الســيادة العامليــة‪ ،‬بعــد قــرار احلوثــيني منــع كل ســفن‬ ‫الشــحن التــي متــر عبــر بــاب املنــدب إلــى إســرائيل ر ً​ًدا علــى عدوانهــا علــى قطــاع غــزة‪ ،‬كمــا بــرز النــزاع الدبلوماســي بني إثيوبيــا‬ ‫والصومــال بعــد التوقيــع علــى مذكــرة التفاهــم بني إثيوبيــا وإقليــم أرض الصومــال التــي حتصــل مبوجبــه أديــس بابــا علــى ممــر‬ ‫بحــري اســتراتيجي بطــول ‪ 20‬كلــم يف ميــاه خليــج عــدن وبنــاء قاعــدة عســكرية بحريــة واســتئجارها ملــدة خمــسني ســنة‪ .‬فكيــف‬ ‫ســتؤثر الهجمــات احلوثيــة علــى أهــم ممــر حيــوي بحــري يف العالــم؟ ومــا هــو مســتقبل األمــن البحــري يف البحــر األحمــر بعــد‬ ‫إعالن الواليــات املتحــدة األمريكيــة عــن عمليــة حــارس االزدهــار؟ وكيــف ميكــن لالحتــاد اإلفريقــي أن يواجــه نــزاع جيوبوليتيكــي‬ ‫بني إثيوبيــا والصومــال علــى ضفــاف خليــج عــدن؟‬

‫أ‪.‬د‪ .‬مصطفى صايج‬

‫أواًلا ‪ :‬تأثيرات الحوثيين عىل المالحة يف البحر األحمر‪.‬‬

‫تقديــرات البنتاغــون يف الفتــرة مــا بني ‪ 19‬نوفمبــر ‪ 2023‬إلــى ‪ 31‬ينايــر‬ ‫ـلًحا قامــت بــه جماعــة‬ ‫‪2024‬م‪ ،‬تشــير إلــى خمســة وثالثني هجو ً​ًمــا مسـ ً‬ ‫احلوثــيني بالصواريــخ واملســيرات ضــد الســفن البحريــة يف البحــر‬ ‫األحمــر ويف خليــج عــدن‪ ،‬ممــا أدى إلــى حالــة اضطرابــات شــديدة يف‬ ‫منطقــة حساســة حيــث تشــهد عبــور مــا يقــارب ‪ % 12‬مــن التجــارة‬ ‫العاملــية‪.‬‬ ‫وكل املؤشــرات تشــير إلــى التأثيــرات الثقيلــة لتهديــدات احلوثــيني علــى‬ ‫عمليــات الشــحن البحــري والنقــل الطاقــوي يف البحــر األحمــر‪ ،‬وفــق‬ ‫تقريــر لصنــدوق النقــد الدولــي‪ ،‬فــإن النقــل البحــري للحاويــات عبــر‬ ‫البحــر األحمــر تراجــع بنســبة ‪ % 30‬يف ســنة ‪2023‬م‪ ،‬بســبب تضاعــف‬ ‫الهجومــات احلوثيــة علــى النــاقالت البحريــة علــى طــول احلــدود‬ ‫البحريــة لليمــن‪ ،‬مــع تراجــع معتبــر للتجــارة عبــر احلاويــات يف بدايــة‬ ‫ســنة ‪2024‬م‪ .‬ويف نفــس االجتــاه‪ ،‬أكــدت منصــة املوانــئ لصنــدوق النقــد‬ ‫الدولــي بــأن حجــم العبــور عبــر قنــاة الســويس الــذي يربــط البحــر‬ ‫األحمــر بالبحــر املتوســط‪ ،‬انخفــض بنســبة ‪ % 37‬يف الفتــرة مــا بني‬ ‫أول ينايــر إلــى ‪ 16‬ينايــر ‪2024‬م‪ ،‬مقارنــة بنفــس الفتــرة مــن ســنة ‪2023‬م‪.‬‬

‫واملالحــظ أن النقطــة القصــوى لتأثيــر الهجمــات احلوثيــة علــى حركــة‬ ‫ســفن الشــحن يف البحــر األحمــر‪ ،‬التــي أدت إلــى االرتبــاك الشــديد‪،‬‬ ‫ترجــع إلــى ‪ 19‬نوفمبــر ‪2023‬م‪ ،‬بعــد الهجــوم علــى ســفينة جاالكســي‬ ‫ليــدر‪ ،‬اململوكــة لرجــل أعمــال إســرائيلي‪ ،‬حيــث اقتحمهــا احلوثيــون‬ ‫واحتجــزوا أفــراد الطاقــم البالــغ عددهــم ‪ 25‬كرهائــن‪ ،‬ممــا أدى إلــى‬ ‫تراجــع حركــة نقــل احلاويــات مبــا يقــارب ‪ .% 70‬وربطــت جماعــة‬ ‫احلوثــيني هــذه الهجمــات يف إطــار التضامــن مــع الشــعب الفلســطيني‬ ‫علــى خلفيــة العــدوان اإلســرائيلي علــى غــزة‪ ،‬وهــي بذلــك تبحــث عــن‬ ‫تعزيــز رأســمالها الرمــزي لبســط ســيطرتها علــى الواجهــة البحريــة‬ ‫اليمنــية احليوــية عــبر خلــيج ــعدن‪ ،‬ــباب املــندب والبــحر األحــمر‪.‬‬ ‫ومــن االنعكاســات البــارزة لهجومــات احلوثــيني علــى النشــاط التجــاري‬ ‫البحــري‪ ،‬جلــوء أهــم شــركات الشــحن العامليــة إلــى تغييــر املســار‬ ‫البحــري مــن بــاب املنــدب وقنــاة الســويس إلــى الطريــق التقليــدي عبــر‬ ‫رأس الرجــاء الصالــح قبــل إنشــاء قنــاة الســويس‪ ،‬حيــث تعــد هــذه‬ ‫األخيــرة أقصــر املمــرات البحريــة بني آســيا وأوروبــا‪ ،‬ومــن بني أهــم‬ ‫شــركات الشــحن التــي غيــرت مســاراتها أو تعليــق مرورهــا يف البحــر‬ ‫األحمــر مؤق�تـًا‪ ،‬أربــع شــركات أوروبيــة تشــكل نحــو ‪ %54‬مــن إجمالــي‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪69‬‬

‫ملف العدد‬

‫لهــا علــى البحــر األحمــر‪ ،‬فاملتضــرر األكبــر هــو التجــارة العامليــة ورمبــا‬ ‫األقــل إســرائيل‪ ،‬إال أن األحــداث بذاتهــا ُتُســمع عاطف ً​ًيــا يف النســيج‬ ‫العربــي ويطــرب لهــا كثيــرون دون معرفــة أو وعــي‪.‬‬

‫إال أن العالــم يعــرف أن مــن وراء احلوثــي هــو إيــران‪ ،‬وأنــه مجــرد أداة يف‬ ‫يدهــا‪ ،‬األمــر الــذي كان يقــال منــذ زمــن للقــوى الغربيــة وهــي تتجاهــل‬ ‫تلــك احلقائــق‪.‬‬

‫األضرار على اخلليج‬

‫قنــاة الســويس تخســر ‪ %40‬مــن دخلهــا بســبب االضطــراب يف املالحقــة‬ ‫البحريــة جنــوب البحــر األحمــر‪ ،‬وقــد قــام مجلــس األمــن باعتمــاد‬ ‫القــرار رقــم ‪( 2722‬األربعــاء ‪ 11‬ينايــر) يديــن فيــه بأشــد العبــارات‬ ‫(الهجمــات التــي يشــنها احلوثــي علــى الســفن التجاريــة ويطالــب‬ ‫بالوقــف الفــوري لهــذه الهجمــات)‬

‫كثيــر مــن الدراســات تقلــل مخاطــر قرصنــة البحر األحمــر وباب املندب‬ ‫علــى اقتصاديــات دول اخلليــج‪ ،‬فهــي يف الغالــب تصــدر النفــط‪ ،‬والغــاز‪،‬‬ ‫فبــاب املنــدب ليــس بأهميــة مضيــق هرمــز لــدول اخلليــج‪ ،‬لذلــك فــإن‬ ‫تصديــر الطاقــة إلــى الغــرب هــو قليــل (عــدا الغــاز) أمــا بقيــة شــحنات‬ ‫النفــط وهــي نســبة قليلــة فتذهــب عــن طريــق رأس الرجــاء الصالــح‬ ‫وزيــادة التكلفــة يدفعهــا املســتهلك الغربــي‪ ،‬معظــم ورادات االســتهالكية‬ ‫تأتــي مــن الشــرق‪.‬‬ ‫املهــم هــو تعطيــل التجــارة العامليــة‪ ،‬ومــن املفارقــات أن حاويــات كل مــن‬ ‫الــصني وروســيا متــر بــسالم مبوافقــة ومرافقــة حوثيــة‪ ،‬واألولــى هــي‬ ‫املصــدر للبضائــع األكثــر إلــى الــدول األوروبيــة بــل حتــى إلــى إســرائيل‪.‬‬ ‫فــكل مغامــرات احلوثــي يف البحــر األحمــر هــي مغامــرات‬ ‫(جمســوبوندية) ال أكثــر وال أقــل يتضــرر منهــا أول مــن يتضــرر الشــعب‬ ‫اليمنــي بزيــادة احلصــار عليــه وحرمانــه مــن املســاعدات الدوليــة التــي‬ ‫تصــل إليــه عــن طريــق البحــر‪ ،‬واملتضــرر الثانــي هــو قنــاة الســويس‬ ‫واالقتصــاد املصــري‪.‬‬

‫ذاك القــرار الدولــي مكــن الواليــات املتحــدة وبريطانيــا بشــن غــارات‬ ‫متالحقــة‪ ،‬وكان ذلــك اعتمــا ً​ًدا علــى قــرار أممــي للحافــظ علــى مصالــح‬ ‫دول العالــم‪ ،‬كمــا قــرر مجلــس األمــن يف قــراره رقــم ‪ 2624‬خطــر تزويــد‬ ‫األســلحة للحوثــي‪ ،‬ممــا مكــن القــوات الدوليــة مــن اعتــراض ســفن‬ ‫إيرانيــة محملــة بالــسالح إلــى احلوثــي‪.‬‬ ‫لقــد وضــع احلوثــي اليمــن يف صــراع أممــي ليــس الشــعب اليمنــي‬ ‫براغــب أو قــادر عليــه‪ ،‬وهكــذا تفعــل األيدلوجيــا اخلارجــة عــن العصــر‬ ‫ومضيعــة البوصلــة‪ ،‬والتــي تســعى جاهــدة إلــى مزايــدة‪ ،‬ال حتقــق غيــر‬ ‫الفشــل‪.‬‬ ‫* أستاذ علم االجتامع السيايس ـ جامعة الكويت‬


‫‪68‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫الحــرب بعيـًدً ا عــن حــدود إيــران اســتراتيجية النظام اإليرانــي المفضلة‬ ‫مـــا دام هنـــاك قضيـــة للمتاجـــرة بهـــا وهـــي القضيـــة الفلســـطينية‬ ‫اإليرانــي‪ ،‬ومــا دام هنــاك قضيــة ميكــن املتاجــرة بهــا‪ ،‬وهــي القضيــة‬ ‫الفلســطينية‪ ،‬وبشــر شــبه يائســون أو شــبه فاقــدو للعمــل والدخــل‬ ‫واملســتقبل وميكــن جتنيدهــم فهــو الطريــق األفضــل للحــرب دون‬ ‫اشــتباك‪.‬‬ ‫ذاك مجمــل الصــراع الــذي تعــرف إيــران كيــف ومتــى تدخلــه‪ ،‬عــن طريق‬ ‫أدواتهــا‪ ،‬ومتــى تتبــرأ منــه ً‬ ‫أيًضــا‪ ،‬ولكــن أصحــاب القضيــة أو بعضهــم‬ ‫علــى األقــل مــن أصحــاب النوايــا الطيبــة إن اقترضنــا‪ ،‬لــم يكــن يفكــروا‬ ‫إال يف أن النــصر ــقادم ــمن احللــيف اــلذي وعدــهم بالــسمن والعــسل!‬ ‫تلــك هــي الصــورة األكبــر للصــراع يف غــزة والبحــر األحمــر‪ ،‬وتوظيــف‬ ‫القضيــة ملصالــح أخــرى‪ ،‬التــي كانــت قــد وظفتهــا األحــزاب واملنظمــات‬ ‫واحلكومــات الشــمولية‪ ،‬حتــى ال يبقــى لإلنســان الفلســطيني يف بالده‬ ‫مرقــد عنــزة!‬ ‫وأحــد أهــم األدوات التــي تســتخدما إيــران يف هــذا الصــراع (مــع أمريــكا‬ ‫وليــس فقــط مــع إســرائيل) مغامــرات احلوثــي مغامراتــه التــي تخــل‬ ‫بالتجــارة العامليــة‪ ،‬وهــو ً‬ ‫أيًضــا لــه مصلحــة يف إطالق صيحــات حتريــر‬ ‫فلســطني‪ ،‬فاحلوثــي يف مــازق‪ ،‬بعــد وقــف إطالق النــار يف اليمــن‪،‬‬ ‫فالفقــر يــزداد و العــوز واملــرض يفتــك باليمنــيني حتــت ســلطته‪ ،‬و‬ ‫فشــله يف إدارة املناطــق حتــت ســيطرته بانــت واضحــة‪ ،‬إلــى درجــة‬ ‫خــروج أعــداد ضخمــة يف صنعــاء تهتــف أنهــا تريــد اخلبــز والعمــل أمــام‬ ‫ذلــك االنســداد تأتــي منــاورة احلوثــي يف البحــر األحمــر و بحــر العــرب‪،‬‬ ‫ويطــرب متحدثــه العســكري الرســمي بســماع صوتــه املنكــر وهــو يلفــظ‬ ‫أســماء الســفن التــي يســتهدفها بأســماء محرفــة ‪ .‬العجيــب يف األمــر‬ ‫أن إيــران ســارعت بالقــول إن مــا يقــوم بــه احلوثيــون يف البحــر األحمــر‬ ‫وبحــر العــرب نابــع مــن قــرار مســتقل منهــم وتعاط ً​ًفــا مــع إخوانهــم‬ ‫الفلســطينيني‪.‬‬ ‫مسيرة التطورات يف البحر األحمر‪:‬‬ ‫شــهدت ميــاه البحــر األحمــر توتــرات متزايــدة مــع دخــول جماعــة‬ ‫أنصــار اهلل احلوثيــة املتمــردة يف اليمــن علــى خــط احلــرب التــي تقــول‬ ‫إنهــا بســبب الدفــاع عــن حمــاس يف غــزة جتــاه حــرب إســرائيل التــي‬ ‫تشــن علــى حركــة حمــاس يف قطــاع غــزة حربــا ضاريــة‪.‬‬ ‫وبعــد تصريحهــا بأنهــا هاجمــت "ســفينتني إســرائيليتني" يف البحــر‬ ‫األحمــر واحتجــزت ســفينة تعــود ملكيتهــا لرجــل أعمــال إســرائيلي يف‬

‫مضيــق بــاب املنــدب خالل األســابيع القليلــة املاضيــة "نصــرة لقطــاع‬ ‫غــزة"‪ ،‬أعلنــت اجلماعــة توســيع نطــاق عملياتهــا ليشــمل أي ســفينة‬ ‫متجهــة إلــى إســرائيل بغــض النظــر عــن جنســيتها "إذا لــم يدخــل قطــاع‬ ‫غــزة الغــذاء والــدواء"‪ ،‬ووقــف إطالق النــار علــى حــد قــول الناطــق‬ ‫العســكري باســم اجلماعــة العميــد يحــي ســريع صاحــب الصــوت‬ ‫األجــش !‪.‬و اســتجابت كثيــر مــن الــدول التــي تســتخدم املــرور احليــوي‬ ‫و شــركاتها إلــى اإليعــاز لســفنهم بتغيــر املســار توق�يـًا ملا قــد يحــدث‪،‬‬ ‫ممــا يصاعــد يف أثمــان الســلع واخلدمــات التــي تصــل للمســتهلك‬ ‫الغرــبي‬ ‫وهــذه ليســت املــرة األولــى التــي تنتقــل فيهــا الصراعــات اإلقليميــة إلــى‬ ‫ميــاه البحــر األحمــر‪ .‬علــى ســبيل املثــال‪ ،‬هاجــم احلوثيــون أو احتجــزوا‬ ‫ســفًنًا يف الســنوات املاضيــة تابعــة لــدول التحالــف العســكري الــذي‬ ‫تقــوده الســعودية ضدهــم يف اليمــن منــذ عــام ‪2015‬م‪ ،‬وحتــى الهدنــة‪،‬‬ ‫كمــا أن الواليــات املتحــدة اتهمــت إيــران بأنهــا عكفــت علــى "مضايقــة‬ ‫أو مهاجمــة" ‪ 15‬ســفينة جتاريــة‪ ،‬وهــو مــا اعتبــره مراقبــون وقتهــا ر ً​ًدا‬ ‫علــى العقوبــات التــي أعــادت الواليــات املتحــدة فرضهــا علــى طهــران‬ ‫عــام ‪2018‬م‪ ،‬وشــملت حتديــد تصديــر النفــط‪ ،‬ومصــادرة البحريــة‬ ‫األمريكيــة املنتشــرة يف املنطقــة الســفن احململــة بالنفــط اإليرانــي‬ ‫وكذلــك األســلحة اإليرانيــة املتوجهــة إلــى جماعــة احلوثــي‪ ،‬يف ترابــط‬ ‫وثيــق بني إيــران و اســتخدامها للجماعــة احلوثيــة‬ ‫ونظ ـ ً​ًرا لألهميــة الكبيــرة للمالحــة الدوليــة يف البحــر األحمــر‪ ،‬الــذي‬ ‫يعتبــر مضيــق بــاب املنــدب (الــذي تطــل عليــه اليمــن وجيبوتــي) بوابتــه‬ ‫اجلنوبيــة‪ ،‬اعتبــر مراقبــون أن الهجمــات احلوثيــة تشــكل تهديـًدًا ألمــن‬ ‫البحــر األحمــر واالقتصــاد العالـمي برمتــه‪ .‬وحتدثــت الواليــات املتحــدة‬ ‫عــن تشــكيل قــوة خاصــة حلمايــة املالحــة البحريــة هنــاك مــن دول‬ ‫متضــررة أوروبيــة وشــرق أوســطية‪ ،‬وقامــت القــوات اجلويــة األمريكيــة‬ ‫والبريطانيــة بشــن عــدد مــن الهجمــات علــى مواقــع مختلفــة عســكرية‬ ‫حتــت إدارة احلوثــيني‪ ،‬ثــم تكــرر ذلــك خالل شــهر ينايــر ‪2024‬م‪.‬‬ ‫حصــار التجــارة يف البحــر األحمــر والــذي متــر منــه حوالــي ‪ % 12‬مــن‬ ‫التجــارة العامليــة يتضــرر منــه أول مــا يتضــرر بالد عربيــة‪ ،‬فتحــرم‬ ‫مصــر مــن دخــل يحتاجــه االقتصــاد املصــري وهــو دخــل قنــاة الســويس‪،‬‬ ‫كمــا حتــرم املوانــئ الســودانية وهــي املتنفــس البحــري الوحيــد للســودان‪،‬‬ ‫أمــا إســرائيل فلهــا موانــي علــى البحــر األبيــض املتوســط أكثــر ممــا‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪67‬‬

‫ملف العدد‬

‫العالــم يعــرف أن وراء الحوثــي إيــران وأن الحوثييــن مجــرد أداة يف يد‬ ‫طهــران وهــذا مــا كان يقــال منــذ زمــن للغــرب الــذي تجاهــل تلــك الحقائق‬ ‫كمــا يقــال إن يأتيــك اخلبــر مــن الداخــل و موثــق هــو األمــر القاطــع‬ ‫املانــع يف أي قضيــة تــدرس و الــذي ال جــدال فيــه أن هنــاك كــم كثيــر‬ ‫مــن الكتابــات والتصريحــات يف الداخــل اإليرانــي تقــول لنــا بوضــوح‬ ‫تــورط إيــران يف هــذا االضطــراب الهائــل الــذي نشــاهد‪ ،‬مــن حــرب‬ ‫غــزة إلــى أعمــال احلوثــي وقرصنتــه‪ ،‬و هكــذا مــع أحــداث غــزة الداميــة‬ ‫والتــي تســيل دمــاء األطفــال و النســاء و الرجــال يف هجمــة بربريــة‬ ‫علــى العــزل مــن املواطــنني‪ ،‬والعالــم يتفــرج‪ ،‬ويتيــح املهــل الزمنيــة مهلــة‬ ‫بعــد أخــرى إلســرائيل للتدميــر ‪ ،‬مــن أجــل أن تبطــش اآللــة العســكرية‬ ‫اإلســرائيلية باملدنــيني‪ ،‬حتــاول إيــران أن متتــك بعــض أوراق اللعبــة ‪.‬‬ ‫حــرب غــزة يف االســتراتيجية األكبــر هــي تفصيــل صغيــر‪ ،‬احلــرب التــي‬ ‫نشــاهد مــن غــزة إلــى البحــر األحمــر تقــع بني قوميــتني تلبســا كالهمــا‬ ‫لبــاس الديــن‪ ،‬قوميــة صهيونيــة‪ ،‬تلبــس لبــاس الديــن اليهــودي يف دولــة‬ ‫هــي إســرائيل‪ ،‬وقوميــة فارســية‪ ،‬تلبــس لبــاس الديــن اإلسالمــي هــي‬ ‫إــيران‪ ،‬ذــلك ــهو (الفــيل يف الغرــفة) وتــلك ــهي ــساحة الــصراع‪.‬‬ ‫األولــى الصهيونيــة مؤيــدة دون تــردد مــن الغــرب‪ ،‬رمبــا إلكراهــات غربية‬ ‫لهــا عالقــة باألوضــاع الداخليــة لتلــك البلــدان‪ ،‬وعظــم تأثيــر اللوبــي‬ ‫اإلســرائيل فيهــا‪ ،‬والثانيــة إيــران التــي تعتقــد أنهــا مؤيــدة مــن الشــرق‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وأيًضــا تريــد حتقيــق أوراق تفاوضيــة مــع الغــرب‬ ‫وهــذا غيــر واقعــي‬ ‫تخــص مصاحلهــا‪ ،‬أمــا املســرح فهــو كمــا نعلــم جمي ً​ًعــا‪ ،‬أرض غــزة‬ ‫وقضيــة فلســطني وبشــرها بــاب املنــدب وصحــراء العــراق وجنــوب‬ ‫لبنــان‪ ،‬وأمــا الضحايــا فهــم أطفــال ونســاء غــزة وشــيخوهم التــي‬ ‫تطحــن عظامهــم حتــت وابــل مــن النيــران‪.‬‬ ‫فعــل إســرائيل واضــح للعيــان ال يحتــاج إلــى دليــل‪ ،‬أمــا فعــل إيــران فهــو‬ ‫وملتبًســا للعامــة مــن النــاس‪ ،‬أمــا إذا توفــرت‬ ‫يســعى أن يكــون مخبــأ‬ ‫ً‬ ‫األدلــة يصبــح جل�يـًا ملــن يريــد أن يســتخدم عقلــه ال عاطفتــه‪ ،‬بعي ـًدًا‬ ‫عــن التعصــب املســبق والتحيــز األعمــى‪ ،‬فيــرى املشــهد بوضــوح والــذي‬ ‫ميــكن التدلــيل علــيه باحلقاــئق اآلتــية‬ ‫‪-1‬عــزت ضرغامــي وزيــر التــراث والصناعــات اليدويــة يف اجلمهوريــة‬ ‫اإلسالميــة يقــول (ذهبــت إلــى املنطقــة (غــزة) بصفتــي املســؤول عــن‬ ‫إنتــاج الصواريــخ ‪ ....‬وهــذه هــي نفــس األنفــاق التــي يقاتلــون فيهــا‬ ‫اليــوم‪ ،‬قضيــت بعــض الوقــت داخــل هــذه األنفــاق ‪ ....‬حيــث كنــت أذهب‬ ‫ألعطيهــم دورة تدريبيــة حــول كيفيــة اســتخدام الصواريــخ‪ ،‬لقــد كانــت‬ ‫واحــدة مــن أجنــح الــدورات (تليفزيــون افــق احلكومــي اإليرانــي ‪24‬‬ ‫نوفمبــر ‪ 2023‬م)‪.‬‬

‫‪(-2‬العميــد قاســم قرشــي‪ ،‬نائــب قائــد منظمــة الباســيج التابعــة‬ ‫للحــرس للثــوري اإليرانــي)‪ ،‬يف كلمــة لــه أمــام قــوات الباســيج ‪ :‬يقــول ‪:‬‬ ‫حــزب اهلل يف لبنــان و حمــاس و اجلهــاد اإلسالمــي يف غــزة و اليمنيــون‬ ‫و الرجــال الســوريون األحــرار يسترشــدون بأفكاركــم وتدريباتكــم و‬ ‫تعليماتكــم وتوجيهــات القائــد ‪( ....‬تلفزيــون قــم احلكومــي ‪ 24‬نوفمبــر‬ ‫‪2023‬م)‬ ‫‪-3‬العميــد محمــد تقــى أصانلــو (أحــد قــادة احلــرس الثــوري )‪( ،‬قنــاة‬ ‫أشــراق التابعــة للنظــام ‪ 24‬نوفمبــر ‪ )2023‬يقــول (اليــوم خنادقنــا‬ ‫تبعــد ألفــي كليــو مــن حدودنــا‪ ،‬وهــم يقاتلــون يف اليمــن‪ ،‬وقــد أخــذ‬ ‫احملاربــون األفغــان والباكســتانيون والعراقيــون والســوريون يقاتلــون يف‬ ‫اليمــن ولبنــان وســوريا وفلســطني‪ ،‬هــذه احلــرب التــي بدأناهــا ال تنتهــي‬ ‫ستــستمر وتتــطور !!‬ ‫قــال وزيــر خارجيــة إيــران احلالــي عبــد احلــسني اللهيــان يف مقابلــة‬ ‫تلفزيونيــة (موقــع ديدبــان اإليرانيــة ‪ 22‬أكتوبــر ‪2023‬م) (إذا لــم ندافــع‬ ‫عــن غــزة اليــوم‪ ،‬فســنضطر غـًدًا إلــى التعامــل مــع القنابــل الفســفورية‬ ‫يف مدننــا)‬ ‫‪-4‬كمــا كتبــت صحيفــة جــوان التابعــة للحــرس اإليرانــي يف ‪ 8‬أكتوبــر‬ ‫(بعــد يــوم واحــد فقــط مــن بــدء العمليــات احلربيــة يف غــزة) تقــول‪ :‬إن‬ ‫تزامــن هــذه العمليــة مــع كالم املرشــد خامنئــي الواضــح يف ‪ 3‬أكتوبــر‬ ‫هــو (مؤشــر واضــح علــى علــم املرشــد بالغــزو) !! فقــد قــال املرشــد (إن‬ ‫احلكومــات التــي تتخــذ مــن مغامــرة التطبيــع مــع الكيــان الصهيونــي‬ ‫منوذًجــا لهــا ستخســر‪ ،‬واخلســارة يف انتظارهــا‪ ،‬وكمــا يقــول األوروبيــون‬ ‫ً‬ ‫أنهــم يراهنــون علــى احلصــان اخلاســر)!‬ ‫مــا تقــدم هــو غيــض مــن فيــض مــن تصريحــات قادمــة مــن مصــادر‬ ‫إيرانيــة وقــد نــوه عــن مكانهــا وتاريخهــا وقائلهــا‪ ،‬وبعضهــا كان متعـ ً‬ ‫ـجًال‪،‬‬ ‫قبــل أن يأخــذ املســار الرســمي اإليرانــي تراج ً​ًعــا مــن خالل اإلعالن‬ ‫(الــنأي بالنــفس) كــما ــهو معــلوم‪.‬‬ ‫ال يحتــاج عاقــل ان ُيُقنــع ً‬ ‫أوًال بتــورط إيــران توقي�تـًا يف تفجيــر الصــراع‬ ‫يف غــزة‪ ،‬ألنــه توقيــت يناســب متا ً​ًمــا األجنــدة اإليرانيــة‪ ،‬كمــا أن احلــرب‬ ‫عــن بعــد وبالوكالــة‪ ،‬كانــت وال تــزال اســتراتيجية إيــران املؤكــدة يف‬ ‫اجلــوار‪ ،‬فهنــاك مــن الشــواهد املكتوبــة واملشــورة‪ ،‬مــا يــدل علــى أن‬ ‫احلــرب بعي ـًدًا عــن حــدود إيــران هــي االســتراتيجية الفضلــى للنظــام‬


‫‪66‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫أضرار تحديات األمن في البحر األحمر على دول الخليج‬

‫مغامرات الحوثي يتضرر منها الشعب اليمني ومصر‬ ‫وحاويات الصين وروسيا تمر بموافقة ومرافقة حوثية‬ ‫الثقافــة العربيــة مــن الثقافــات القليلــة التــي تزخــر باملبالغــة‪ ،‬وقــد ظهــر يف الشــعر العربــي‪ ،‬كثيــر منهــا‪ ،‬وهــذه املبالغــة تظهــر‬ ‫مدًحــا‪ ،‬ويف كثيــر مــن األوقــات ( مــدح النفــس) أو ذ ً​ًمــا لألخــر ‪ ،‬ال يتســع الـمكان لضــرب األمثلــة‪ ،‬ولكــن تلــك املبالغــة‬ ‫إمــا ذ ً​ًمــا أو ً‬ ‫وصلــت إلــى السياســة‪ ،‬و الكثيــر مــن الشــعارات السياســة اليــوم لهــا عالقــة بذلــك ( الفخــر) أو ( الــذم) غيــر املبنــي علــى رأي‬ ‫عقالنــي متــوازن‪ ،‬و الــذي حتــول يف كثيــر منــه إلــى ( مزايــدة)‪ ،‬ولعــل مزايــدة مجموعــة احلوثــي يف اليمــن اليــوم أكثــر مــا يظهــر‬ ‫علــى الســطح‪ ،‬فهــي تريــد مــن جهــة أن تأخــذ اليمــن إلــى املاضــي الكهنوتــي ومــن جهــة أخــرى تزايــد علــى قضيــة عربيــة معقــدة‬ ‫هــي القضيــة الفلســطينية‪.‬‬

‫أ‪.‬د‪ .‬محمد الرميحي‬

‫نكتــة ســوداء تنقــل عــن بعــض القيــادات اليمنيــة يف الســابق‪ ،‬ومت‬ ‫تداولهــا بكثافــة يف عقــود االضطــراب اليمنــي‪ ،‬حيــث تقــول احلكايــة‬ ‫أو النكتــة (اجتمــع بعــض السياســيني اليمنــيني واســتعرضوا مــا يف‬ ‫اليمــن مــن حتلــف و فقــر وحاجــة للمســاعدة‪ ،‬فاقتــرح أحــد احلاضريــن‬ ‫اقتراًحــا هاز ً​ًئــا‪ ،‬قــال ملاذا ال نعلــن احلــرب علــى أمريــكا !‪،‬فتهزمنــا‬ ‫ً‬ ‫و بعــد ذلــك تســاعدنا يف مجــاالت التنميــة اخملتلفــة‪ ،‬كمــا ســاعدت‬ ‫اليابــان وأملانيــا بعــد احلــرب الثانيــة؟‪ ،‬ســكت اجلميــع أمــام هــذا‬ ‫االقتــراح (البيــزاري) ‪ ،‬وقطــع الصمــت أحدهــم بالقــول ( افــرض أننــا‬ ‫هزمــنا أمرــيكا)! ــماذا نفــعل!‬ ‫نكتــة شــديدة املــرارة‪ ،‬ومعبــأة بالســخرية‪ ،‬ولكــن يبــدو أنهــا تتمثــل‬ ‫اليــوم أمامنــا يف محاولــة احلوثــي قطــع طــرق التجــارة العامليــة بحجــة‬ ‫(املســاعدة يف حتريــر فلســطني)! وبالتالــي الصــدام مــع القــوى الكبــرى‪،‬‬

‫وهــي ال متلــك مــن الــسالح إال مــا يصــدر لهــا مــن إيــران‪ ،‬فال مصانــع‬ ‫سالح يف صنعــاء وال قــوى علميــة تنتــج طائــرات مســيرة!‬ ‫الفيل يف احلجرة‪:‬‬ ‫الفيــل األبيــض الكبيــر هــو يف احلجــرة‪ ،‬والفيــل هنــا هــو النظــام‬ ‫اإليرانــي وتكتيكاتــه املرتبطــة مبصاحلــه‪ ،‬حيــث ورط حمــاس يف معركــة‬ ‫غيــر متكافئــة يف غــزة‪ ،‬و لــم يســتطع أن يــويف مبــا وعــد يف شــعار رفعــه‬ ‫كثيــر وهــو ( وحــدة الســاحات) فال هــو قــادر أو راغــب أن يســتخدم‬ ‫حــزب اهلل يف لبنــان ‪ ،‬رغــم مــا لديــة مــن ترســانة هائلــة مــن األســلحة‪،‬‬ ‫زود بهــا مــن طهــرات‪ ،‬ألنــه يعــرف أن لبنــان قــد ُيُدمــر وال تصبــح لديــه‬ ‫ســاحة يبتــز بهــا العــرب مــن لبنــان‪ ،‬وال هــو قــادر بتعظيــم ردود فعــل‬ ‫شــركائه يف العــراق بشــكل واســع‪ ،‬حتــى ال يفــد نفــوذه يف العــراق‪،‬‬ ‫بقــى احلوثــي البعيــد والــذي ليــس لديــه أي شــيء يخســره‪ ،‬غيــر العــوز‬ ‫والفقــر الــذي ابتلــى بــه شــعبه !‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪65‬‬

‫ملف العدد‬

‫أهمية تفعيل دور مجلس الدول المشاطئة لمعالجة الوضع يف البحر‬ ‫األحم ــر خاص ــة وأنه ــم م ــن أكث ــر ال ــدول المتض ــررة ج ــراء ه ــذه األوض ــاع‬ ‫التوصيات‪:‬‬

‫‪-1‬تفعيــل دور مجلــس الــدول املشــاطئة؛ لبحــث كيفيــة معاجلــة الوضــع‬ ‫يف البحــر األحمــر خاصــة وأنهــم مــن أكثــر الــدول املتضــررة جــراء هــذه‬ ‫األوضــاع‪ ،‬مــع الوضــع يف االعتبــار أهميــة وجــود تدريبــات عســكرية‬ ‫مشــتركة بينهــم‪ ،‬ســواء مــن خالل القيــام بتمشــيطات أمنيــة للمنطقــة؛‬ ‫للتصــدي لعمليــات القرصنــة‪ ،‬أو التهديــدات احملتملــة ملســار املالحــة‬ ‫يف ميــاه البحــر األحمــر‪ ،‬والكشــف املبكــر عــن احتماليــة وجــود ألغــام‬ ‫بحريــة تعتــرض الســفن املارة‪.‬‬ ‫‪-2‬اإلميــان بــأن حــل هــذه التوتــرات لــن يتــم ســوى بالطــرق الدبلوماســية‬ ‫واحتــواء هــذا اخلطــر؛ نظـرًاً ألن القــوة العســكرية لــن جُتج ــدي نفعـًاً‪ ،‬بــل‬ ‫ســتزيد األوضــاع ســوءًاً‪ ،‬وتعمــل علــى تأجيــج بــؤر الصــراع وزيــادة فــرص‬ ‫املواجهة‪.‬‬ ‫‪-3‬عقــد شــراكات اقتصاديــة بني دول القــرن اإلفريقــي؛ واســتغالل‬ ‫املوقــع االســتراتيجي للبحــر األحمــر عبــر تــدشني موانــئ للســفن‬ ‫بهــا كافــة التجهيــزات الالزمــة‪ ،‬لتنشــيط التبــادل التجــاري‪ ،‬وحتويــل‬ ‫البحــر كســاحة لالســتثمار بـ ً‬ ‫ـدًال مــن التصــارع؛ إميان ـًاً مبــدى أهميــة‬ ‫سالح التنميــة للــدول اإلفريقيــة‪ ،‬وســتمكنها مــن بنــاء جــدار عــازل قــوي‬

‫يتصــدى حملاوالت التوغــل األجنبيــة والتدخــل يف شــؤون هــذه الــدول‪.‬‬ ‫ختامًاً‪:‬‬ ‫تتعــرض منطقــة البحــر األحمــر لفتــرة مــن أوج الفتــرات املعقــدة أمنيـً​ًا‬ ‫وسياســيًاً‪ ،‬تتنامــى معهــا دائــرة اخلطــر بشــأن تفاقــم التوتــرات التــي‬ ‫تعصــف مبنطقــة القــرن اإلفريقــي والبحــر األحمــر الــذي بــات يتطبــع‬ ‫بالصبغــة الصفــراء بعــد سلســلة الهجمــات املتبادلــة بني احلوثــيني‬ ‫والواليــات املتحــدة وبريطانيــا‪ ،‬كمــا أن الســباق احملمــوم بني الفاعــلني‬ ‫الدولــيني وأيضــًاً الفاعــلني مــن غيــر الــدول‪ ،‬وتضــارب اآلراء بشــأن‬ ‫قواعــد املنافســة بني القــوى الدوليــة واإلقليميــة‪ ،‬متهــد الطريــق ملزيــد‬ ‫مــن التدافــع والصــراع املكثــف‪ ،‬مبــا قــد يتمخــض عنــه تبعــات العالــم‬ ‫يف غنــى عنهــا خالل الفتــرة احلاليــة‪ ،‬ومــن ثــم فالبــد مــن خلــق حالــة‬ ‫مــن التوافــق بني الفواعــل الدوليــة واإلقليميــة ووضــع مصلحــة وأمــن‬ ‫املنطقــة يف احلســبان؛ للعبــور مــن هــذه األزمــة أو علــى األقــل عــدم‬ ‫مفاقمــة التوتــرات أكثــر مــن ذلــك‪.‬‬

‫* وزير خارجية جمهورية مرص العربية السابق‬


‫‪64‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫املباحثــات مــع املســؤولني اليمنيــن وبعــض الفاعلــن باملنطقــة؛‬ ‫ملناقشــة اآلليــات التــي يتــم مــن خاللهــا مواجهــة التصعيــد‬ ‫احلوث ــي يف البحــر األحمــر ومضيــق بــاب املنــدب‪ ،‬وبــدأت هــذه‬ ‫التحــركات باجتماعــه بنائــب رئيــس مجل ــس القيــادة الرئاس ــي‬ ‫ورئيــس املجلــس االنتقالــي "عيــدروس الزبيــدي"؛ للتطــرق إلــى‬ ‫األســاليب املمكنــة التــي ميكــن مــن خاللهــا مجابهــة اخلطــر‬ ‫احلوث ــي‪ ،‬والتشــاور حــول ســبل التعــاون والتنســيق لتعزيــز األمــن‬ ‫البحــري وحمايــة خطــوط املالحــة يف البحــر األحمــر‪.‬‬ ‫¦قــام وزيــر الدفــاع األمريكــي "لويــد أوســن" بزيــارة بعــض دول‬ ‫املنطقــة كإســرائيل وقطــر والبحريــن‪ ،‬وكان فحــوى هــذا اللقــاء‬ ‫هــو حتديــد الــرد املناســب علــى هجمــات احلوثيــن‪ ،‬وظهــر‬ ‫ذلــك يف توجــه أوســن إل ــى البحريــن حيــث يتواجــد األســطول‬ ‫األمريكــي اخلامــس‪.‬‬

‫التداعيات اإلقليمية والدولية‪:‬‬

‫إن حالــة التصعيــد التــي يشــهدها البحــر األحمــر حتمــل يف طياتهــا‬ ‫تبعــات كارثيــة علــى كافــة األصعــدة السياســية واالقتصاديــة واألمنيــة‪،‬‬ ‫فمــع انخــراط الفاعــلني مــن غيــر الــدول يف املشــهد بــات الوضــع أكثــر‬ ‫خــطورة‪ ،‬وتداعــيات ذــلك عــلى الــشرق األوــسط ــقد تــكون وخيــمة‬ ‫التداعيات السياسية‪:‬‬ ‫تواجه االســتراتيجية الســعودية حتديًاً جديدًاً يف ظل األحداث املتواترة‬ ‫علــى املنطقــة‪ ،‬قــد يؤثــر علــى ترتيــب األهــداف اجليواســتراتيجية ‪،‬‬ ‫فلقــد بــات أمــن البحــر األحمــر مــن أهــم دعائــم السياســات الداخليــة‬ ‫واخلارجيــة للمملكــة؛ هــذا ألن االســتقرار يف هــذا النطــاق اجلغــرايف‬ ‫يخــدم مشــاريع رؤيــة ‪2030‬؛ لــذا فقــد ســعت الريــاض جاهــدة لترســيخ‬ ‫عالقاتهــا األمنيــة باملنطقــة‪ ،‬علــى الصعيــد اآلخــر هنــاك امللــف اليمنــي‬ ‫املعقــد‪ ،‬فقــد عملــت جماعــة احلوثــيني علــى اســتخدام احلــرب كأداة‬ ‫سياســية؛ لتوســيع قاعدتهــا الشــعبية ومحاولــة اكتســاب شــرعية البقــاء‬ ‫يف الســلطة يف ظــل افتقارهــا للمشــروعية الدوليــة‪ ،‬فــأرادت أن تظهــر‬ ‫مبظهــر الالعــب املؤثــر يف املنطقــة؛ بهــدف احلصــول علــى امتيــازات‬ ‫يف أي مفاوضــات محتملــة‪ ،‬إال أن عواقــب هــذه اخلطــوات قــد تنقلــب‬ ‫علــى اجلماعــة وحتــول دون حصولهــم علــى أي فــرص للــسالم يف‬ ‫اليمــن‪ ،‬ال ســيما بعــد القــرار األمريكــي بتصنيــف احلوثــي كجماعــة‬ ‫إرهابيــة‪ ،‬فهــذه األمــور حتمــل معهــا مخــاوف جمــة مــن احتماليــة‬ ‫اشــتعال حــرب اليمــن اخلامــدة مــن جديــد‪.‬‬

‫التداعيات االقتصادية‪:‬‬

‫تــأزم االقتصــاد العاملــي‪ :‬لقــد ألقــت نيــران األوضــاع امللتهبــة يف البحــر‬ ‫األحمــر بظاللهــا علــى االقتصــاد العاملــي‪ ،‬وتراجعــت حركــة مــرور‬ ‫الســفن التجاريــة مــن هــذ املمــر املالحــي‪ ،‬وســعي الكثيــر مــن ســفن‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫الشــحن لتغييــر مســار العبــور‪ ،‬وااللتفــاف عبــر طريــق رأس الرجــاء‬ ‫الصالــح‪ ،‬وهــو مــا ســيطيل مــن أمــد وصــول الســلع ويزيــد مــن تكلفتهــا‪،‬‬ ‫مبــا دفــع بعــض الشــركات مثــل شــركة إنتــاج الســيارات "تــسال" إلــى‬ ‫تعليــق اإلنتــاج يف الفتــرة مــا بني ‪ 29‬ينايــر و‪ 11‬فبرايــر‪ ،‬باإلضافــة إلــى‬ ‫مصنــع شــركة فولفــو للســيارات يف بلجيــكا الــذى أعلــن أنــه سـُيُغلق ملــدة‬ ‫ثالثــة أيــام يف ينايــر بســبب نقــص يف علــب تغييــر الســرعة التــي تأخــر‬ ‫تســليمها بســبب تعــديالت علــى الطــرق البحريــة‪ ،‬أمــا علــى مســتوى‬ ‫األســعار فقــد عمــدت شــركات النقــل البحــري إلــى زيــادة رســومها‬ ‫بشــكل حــاد‪ ،‬بجانــب ارتفــاع أســعار الوقــود‪ ،‬وهــو بطبيعــة احلال ســيؤثر‬ ‫علــى معــدالت التضخــم العامليــة‪ ،‬وقــد أدت زيــادة تكاليــف الشــحن‬ ‫وإطالــة وقــت نقــل البضائــع وتأخــر سالســل التوريــد إلــى اللجــوء‬ ‫للــشحن اجلـجوي كخــيار بدــيل‪.‬‬ ‫عرقلــة حركــة املــرور يف قنــاة الســويس‪ :‬يف ضــوء ارتبــاط مــرور الســفن‬ ‫يف قنــاة الســويس بعبورهــا ً‬ ‫أوًال يف ميــاه البحــر األحمر‪ ،‬ويف ظل الوضع‬ ‫املتــأزم يف هــذه املنطقــة‪ ،‬جلأت العديــد مــن شــركات الشــحن إلــى‬ ‫تغييــر مســارها؛ واتخــاذ الطريــق اجلنــوب إفريقــي؛ جتنب ـًاً للمخاطــر‬ ‫التــي ميكــن أن تتعــرض لهــا ســفنها بســبب ضربــات احلوثــيني‪ ،‬وجنــد‬ ‫أن إيــرادات قنــاة الســويس انخفضــت بقرابــة ‪ %40‬منــذ بدايــة العــام‬ ‫مقارنــة بعــام ‪2023‬م‪ ،‬وتعــد مصــر مــن أكثــر الــدول تضــررًاً بســبب تعطــل‬ ‫املالحــة يف البحــر؛ وذلــك ألن حوالــي ‪ %15‬مــن حركــة الشــحن العامليــة‬ ‫متــر بهــا‪ ،‬وانخفــض عــدد الســفن املارة يف قنــاة الســويس إلــى ‪544‬‬ ‫حتــى ‪ 12‬ينايــر يف ‪2024‬م‪ ،‬مقارنــة بـــ ‪ 777‬يف نفــس الفتــرة مــن العــام‬ ‫املاضــي‪ ،‬وهــو مــا ســيؤثر علــى االقتصــاد املصــري‪ ،‬حيــث انخفــاض‬ ‫العملــة الصعبــة‪ ،‬علــى اعتبــار أن القنــاة تعــد املصــدر األهــم لروافــد‬ ‫هــذه العــمالت‪ ،‬وهــو مــا ســيزيد مــن الضغــط علــى الدولــة يف الوقــت‬ ‫الــذي تعانــي فيــه مــن نقــص حــاد يف العــمالت األجنبيــة‪.‬‬

‫التداعيات األمنية‪:‬‬

‫إن محــاوالت احلشــد العســكري الدولــي يف ميــاه البحــر األحمــر‪،‬‬ ‫الســيما الــذي تقــوم بــه أمريــكا وإســرائيل‪ ،‬وتشــكيل قــوة عســكرية‬ ‫جديــدة‪ ،‬تضــاف إلــى القــوى الراهنــة‪ ،‬لــن يكــون يســيرًاً علــى املنطقــة‪،‬‬ ‫حيــث ينــذر بتصعيــد بحــري لــن حُتح مــد عواقبــه‪ ،‬كمــا أن عســكرة البحــر‬ ‫بهــذا الشــكل‪ ،‬ميكــن أن يغامــر بانخــراط فاعــلني إقليمــيني ودولــيني‬ ‫جــدد يف البحــر األحمــر‪ ،‬مبــا يزيــد مــن فــرص االحتــكاك التــي قــد‬ ‫تصــل يف النهايــة إلــى مرحلــة املواجهــة العســكرية‪ ،‬ويتوقــع زيــادة‬ ‫النشــاط اإليرانــي الرافــض للوجــود العســكري األمريكــي واإلســرائيلي‬ ‫يف املنطقــة‪ ،‬وهــو مــا ســينعكس علــى مســتقبل األمــن البحــري للبحــر‬ ‫األحمــر‪.‬‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪63‬‬

‫ملف العدد‬

‫التداعي ــات ق ــد تنقل ــب عىل جماع ــة الحوث ــي بع ــد الق ــرار األمريك ــي‬ ‫بتصنيفه ــا جماع ــة إرهابي ــة‬ ‫لصومالــي النــد‪ ،‬وخالل الفتــرة املاضيــة ســعى آبــى أحمــد بكافــة‬ ‫الســبل؛ حملاولــة تــأمني مســألة التواجــد علــى ســواحل األحمــر‪ ،‬وتنويــع‬ ‫منافــذ بالده البحريــة‪ ،‬مبــا يف ذلــك الســودان وكينيــا‪ ،‬وأثيــرت اخملاوف‬ ‫بشــأن أن هــذه التحــركات قــد تــؤدى إلــى تهديــد األمــن واالســتقرار‬ ‫اإلقليمــي‪ ،‬وتأجيــج بــؤر التوتــر امللتهبــة بطبيعــة احلال يف املنطقــة‪ ،‬ال‬ ‫ســيما يف ظــل تزايــد أطمــاع أديــس أبابــا‪ ،‬ورفــض بعــض الــدول مثــل‬ ‫جيبوتــي وإريتريــا والصومــال تصريحــات رئيــس الــوزراء اإلثيوبــي أبــي‬ ‫أحمــد‪ ،‬والتــي أعلــن فيهــا أنــه يف حــال فشــل بالده يف تــأمني الوصــول‬ ‫إلــى ميــاه البحــر األحمــر ســوف يــؤدي ذلــك إلــى صــراع‪ ،‬كمــا أن جنــاح‬ ‫إثيوبيــا يف حتقيــق هــذا الهــدف ســيمنحها نقطــة انــطالق للتحكــم‬ ‫يف حركــة املالحــة يف البحــر األحمــر ومضيــق بــاب املنــدب الواصــل‬ ‫إلــى قنــاة الســويس‪ ،‬مبــا قــد يهــدد األمــن القومــي العربــي ومصالــح‬ ‫مصــر االقتصاديــة واألمنيــة بشــدة‪ ،‬إذا مــا وظفــت إثيوبيــا نفوذهــا يف‬ ‫الصومــال لصالــح أجندتهــا السياســية‪ ،‬وبالنظــر إلــى حتــركات أديــس‬ ‫أبابــا‪ ،‬التــي قــد تثيــر حفيظــة العديــد مــن الــدول اإلفريقيــة وبصفــة‬ ‫خاصــة دول القــرن اإلفريقــي‪ ،‬جنــد أن ذلــك قــد يعــزز مــن فــرص مصــر‬ ‫للتواجــد بقــوة يف هــذه املنطقــة‪ ،‬وهــو مــا ســيعطيها بعـدًاً اســتراتيجيً​ًا‬ ‫هام ـًاً‪ ،‬ورمبــا تكويــن رابطــة داعمــة حلقوقهــا التاريخيــة يف ميــاه نهــر‬ ‫النيــل‪ ،‬فتكــون هــذه الرابطــة مبثابــة ورقــة ضغــط علــى إثيوبيــا فيمــا‬ ‫يتعلــق مبلــف ســد النهضــة؛ لكســر جمــود املفاوضــات املتعثــرة‪ ،‬ويحتمل‬ ‫أن تشــهد أديــس أبابــا خالل الفتــرة املقبلــة بعــض املشــاكل السياســية‬ ‫مــع دول اجلــوار‪ ،‬وأمنيــة تتمثــل يف تفاقــم االضطرابــات الداخليــة‪،‬‬ ‫وســيادة منــاخ عــدم االســتقرار بعــض الشــيء خارجي ـًاً‪ ،‬وبالطبــع زيــادة‬ ‫أنشــطة اجلماعــات اإلرهابيــة التــي تنشــط يف البيئــات غيــر املســتقرة‪،‬‬ ‫وبالرغــم مــن ذلــك فــإن كل هــذه األمــور قــد ال تعيــق إثيوبيــا عــن حتقيق‬ ‫هدفهــا‪ ،‬والــذى تســعى إليــه منــذ فتــرة‪ ،‬بالرغــم مــن التحديــات التــي‬ ‫تواجههــا وضعــف أداء اقتصادهــا‪ ،‬وهــو مــا يعيــد إلــى األذهــان أنــه قــد‬ ‫يكــون هنــاك دعــم خارجــي يدفــع باجلانــب اإلثيوبــي نحــو اتخــاذ مثــل‬ ‫هــذه اخلطــوات‪ ،‬ويتوقــع أن تشــهد العالقــات الصوماليــة ‪ /‬اإلثيوبيــة‬ ‫أزمــة دبلوماســية قــد تصــل إلــى حــد القطيعــة؛ كنتيجــة للتحــرك الــذى‬ ‫أعدتــه حكومــة مقديشــو تعدي ـًاً علــى ســيادتها ووحــدة أراضيهــا‪.‬‬

‫الجهود الدولية لضمان أمن المالحة يف البحر األحمر‪:‬‬

‫بالنظــر إلــى األهميــة االســتراتيجية التــي يوليهــا البحــر األحمــر‬ ‫ومضيــق بــاب املنــدب‪ ،‬وعلــى إثــر التهديــدات األخيــرة التــي جعلــت‬ ‫املنطقــة مضطربــة إلــى هــذا احلــد‪ ،‬توالــت اجلهــود الدوليــة‪ ،‬وتنوعــت‬

‫ردود الفعــل مــن قبــل بعــض الــدول كالواليــات املتحــدة وإســرائيل‪،‬‬ ‫وبــدأت رحلــة البحــث عــن طــرق بديلــة للتجــارة اإلســرائيلية؛ جتنبــً​ًا‬ ‫للحــوادث التــي تتعــرض لهــا الســفن وطيــدة الصلــة بإســرائيل‪ ،‬وفــى‬ ‫ــهذا الــصدد ميــكن إجــمال أــبرز ردود الفــعل الدولــية‬ ‫استجابات دولية واسعة‪:‬‬ ‫أعربــت الواليــات املتحــدة والدمنــارك وأملانيــا وهولنــدا وبريطانيــا يف‬ ‫‪ 20‬ينايــر ‪2024‬م‪ ،‬عــن مســئوليتها علــى ضمــان أمــن واســتقرار البحــر‬ ‫األحمــر‪ ،‬وشــرعنة اإلجــراءات التــي تقــوم بهــا أمريــكا وبريطانيــا‪ ،‬وأن‬ ‫ذلــك مــن منطلــق الدفــاع عــن النفــس وحمايــة حركــة املــرور ووقــف‬ ‫التصعيــد اجلاري علــى ميــاه البحــر األحمــر‪ ،‬وقــد أشــارت البحريــة‬ ‫األمريكيــة أنــه منــذ تــدشني مهمــة حــارس االزدهــار مت ردع هجــوم‬ ‫احلوثــيني علــى قرابــة ‪ 1500‬ســفينة جتاريــة‪.‬‬ ‫عملية أجينور‪:‬‬ ‫اســتنادًاً علــى عمليــة أجينــور التــي ُأُطلقــت منــذ حوالــى ‪ 4‬ســنوات؛‬ ‫لتــأمني التجــارة البحريــة يف مضيــق هرمــز‪ ،‬فقــد أعلــن التكتــل املوحــد‬ ‫يف البحــر األحمــر عــن تشــكيل مهمــة‪ ،‬لتطويــق هجمــات احلوثــيني‬ ‫علــى الســفن التجاريــة العابــرة لهــذا املمــر املالحــي‪ ،‬تعتمــد علــى ‪3‬‬ ‫ســفن عســكرية قــادرة علــى مطــاردة الصواريــخ والقذائــف والطائــرات‬ ‫بــدون طيــار التــي يتــم إطالقهــا ضــد الســفن املتجهــة إلــى قنــاة‬ ‫الســويس أو القادمــة منهــا‪ ،‬وســيكون االنضمــام لهــذه املهمــة غيــر‬ ‫مقتصــر علــى الــدول األعضــاء يف االحتــاد األوروبــي‪ ،‬وقــد ُ​ُطرحــت‬ ‫هــذه الفكــرة للموافقــة عليهــا يف مجلــس الشــؤون اخلارجيــة املزمــع‬ ‫عقــده يف فبرايــر املقبــل‪.‬‬ ‫أمن البحر يف املواثيق الدولية‪:‬‬ ‫قــام مجلــس األمــن الدولــي باعتمــاد قــرار رقــم ‪ 2722‬يديــن الهجمــات‬ ‫التــي أطلقتهــا جماعــة احلوثــي علــى الســفن العابــرة للبحــر األحمــر‪،‬‬ ‫وطالــب بالوقــف الفــوري لهــذه االنتهــاكات‪ ،‬كمــا اعتمــد قــرار رقــم ‪2216‬‬ ‫الصــادر عــام ‪2015‬م‪ ،‬بالفصــل الســابع‪ ،‬والــذي حظــر حينهــا إمــداد‬ ‫احلوثــي باألســلحة وفــرض عليهــم عقوبــات كثيــرة مــع مطالبتهــم‬ ‫بوقــف القتــال‪ ،‬وبنــا ً​ًء علــى ذلــك‪ ،‬فقــد طالبــت األمم املتحــدة بتفتيــش‬ ‫الشــحنات املتجهــة إلــى اليمــن حــال االشــتباه بوجــود أســلحة فيهــا‪.‬‬ ‫مساعي دبلوماسية أمريكية‪:‬‬ ‫¦أجــرى املبعــوث األمريك ــي يف اليمــن "تيــم ليندركينــج" العديــد مــن‬


‫‪62‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫حال ــة التصعي ــد الت ــي يش ــهدها البح ــر األحم ــر تحم ــل يف طياته ــا‬ ‫تبعــات كارثيــة عىل كافــة األصعــدة السياســية واالقتصاديــة واألمنيــة‬ ‫احلوثــي علــى مواصلــة االســتهدافات التــي شــنها ضــد أي ســفن لهــا‬ ‫صلــة بالكيــان اإلســرائيلي‪ ،‬بــل واســتخدام البحــر واملالحــة عبــر مضيــق‬ ‫بــاب املنــدب كورقــة ضغــط رابحــة ضــد الــدول الغربيــة التــي متــادت‬ ‫يف دعــم اجملازر اإلســرائيلية بحــق الشــعب الفلســطيني‪ ،‬عبــر التأثيــر‬ ‫علــى طــرق التجــارة‪ ،‬اخليــار املفضــل ملثــل هــذه الــدول يف تبادالتهــم‬ ‫التجاريــة مــع العالــم اخلارجــي‪.‬‬ ‫األســطول األمريكــي اخلامــس‪ ،‬الــذي مت تدشــينه يف تســعينيات القــرن‬ ‫املاضــي‪ ،‬يعــد مبثابــة امتــداد للحضــور العســكري األمريكــي يف الشــرق‬ ‫األوســط لتعزيــز نفوذهــا وحمايــة طــرق التجــارة ومصــادر الطاقــة‬ ‫ومحاربــة اإلرهــاب والقرصنــة البحريــة والتحديــات الســيبرانية‪ ،‬وينظــم‬ ‫األســطول منــاورات دوريــة لضمــان اجلاهزيــة وتعزيــز الــردع وتــأمني‬ ‫حريــة املالحــة‪ ،‬كمــا يراقــب أنشــطة إيــران التــي تــرى يف وجــوده عامــل‬ ‫اضطــراب وميثــل إخراجــه مــن اخلليــج العربــي أحــد أهــم أهدافهــا‪.‬‬ ‫ب‪-‬القواعد العسكرية‪:‬‬ ‫لقــد عولــت بعــض الــدول األجنبيــة التــي لــم تتمكــن مــن ترســيخ موطــئ‬ ‫قــدم لهــا يف البحــر األحمــر علــى القواعــد العســكرية التــي بــادرت‬ ‫بتأسيســها مــع تصاعــد عمليــات القرصنــة عــام ‪2008‬م‪ ،‬ولــم ينصــرم‬ ‫العقــد الثانــي مــن القــرن الـــ‪ ،21‬حتــى كانــت دول عديــدة قــد ثبتــت‬ ‫قواعــد عســكرية لهــا يف بلــدان مثــل‪ :‬جيبوتــي والصومــال وإريتريــا‬ ‫واليمــن‪ ،‬وشــمل ذلــك قواعــد إلســبانيا واليابــان وإيطاليــا والــصني‬ ‫وغيرهــم‪ ،‬إضافــة إلــى القاعــدتني العســكريتني الفرنســية واألمريكيــة‬ ‫اللــتني كانتــا موجــودتني مــن قبــل‪ ،‬واألحــرى بالذكــر يف هــذا الصــدد‬ ‫هــو القواعــد املتواجــدة علــى ســواحل البحــر األحمــر‪ ،‬فتلــك العوامــل‬ ‫مجتمعــة تضغــط علــى مســتوى االســتقرار األمنــي فيــه‪.‬‬ ‫‪-2‬هجمات احلوثيني‪:‬‬ ‫لــم تكــن هجمــات احلوثــي وليــدة احلــرب اإلســرائيلية علــى غــزة‪،‬‬ ‫فقــد بــدأت قبــل ذلــك‪ ،‬ولكــن زادت وتيرتهــا يف الســابع مــن أكتوبــر‬ ‫املاضــي مــع انــدالع هــذه احلــرب‪ ،‬حيــث قــام احلوثيــون باســتهداف‬ ‫الســفن اململوكــة إلســرائيل أو الســفن املتجهــة إلــى املوانــئ اإلســرائيلية؛‬ ‫تضامنــًاً مــع الشــعب الفلســطيني‪ ،‬مبــا أدى إلــى عرقلــة املالحــة‬ ‫البحريــة‪ ،‬فتكثيــف احلوثــيني هجماتهــم عنــد مضيــق بــاب املنــدب‬ ‫دفــع العديــد مــن شــركات الشــحن العمالقــة إلــى تعليــق رحالتهــا عبــر‬ ‫البحــر األحمــر‪ ،‬وبــدأت حوالــى ‪ 55‬ســفينة حتــول مســار عبورهــا إلــى‬

‫طريــق رأس الرجــاء الصالــح منــذ ‪ 19‬نوفمبــر املاضــي ويف ظــل هــذا‬ ‫الوضــع املضطــرب‪ ،‬جــاءت إيــران؛ لُتُدخــل املدمــرة البحريــة "ألبــرز"‬ ‫التابعــة لهــا‪ ،‬بجانــب الفرقاطــة اللوجســتية "بوشــهر" املــزودة بصواريــخ‬ ‫كــروز بحريــة بعيــدة املــدى عبــرت البحــر؛ لكــي ترســو قبالــة مضيــق باب‬ ‫املنــدب‪ ،‬وقــد جــاءت هــذه التحــركات كنتيجــة إلرســال الواليــات املتحــدة‬ ‫ســفنًاً بحريــة يف إطــار التحالــف البحــري الــذى دشــنته هــذه األخيــرة‪،‬‬ ‫ويبعــث ذلــك رســالة حتذيــر للجانــبني األمريكــي والبريطانــي مــن مغبــة‬ ‫التطــاول علــى جماعــة احلوثــي باعتبارهــم جــزء أساســي مــن محــور‬ ‫املقاومــة‪ ،‬ويحــرك إعــادة التموضــع اإليرانــي يف املنطقــة شــهية التوترات‬ ‫يف البحــر األحمــر‪ ،‬كمــا أن اخلطــوات التــي اتخذتهــا القيــادة اإليرانيــة‬ ‫ملنــاوءة إســرائيل وواشــنطن تعــد جــز ً​ًءا مــن اســتراتيجية اســتعراض‬ ‫قوتهــا يف املنطقــة‪ ،‬إال أن انخراطهــا يف الضلــوع يف هجمــات احلوثــيني‬ ‫عبــر دعمهــم بالطائــرات املســيرة والصواريــخ واملعلومــات االســتخباراتية‬ ‫التكتيكيــة‪ ،‬صعــد مــن خطــورة املوقــف‪ ،‬وفّجّ ــر البــارود علــى ميــاه‬ ‫البحــر األحمــر؛ فأصبحــت املنطقــة محاصــرة بحــرب إقليميــة مصغــرة‪،‬‬ ‫تثــار التخوفــات مــن احتماليــة توســعها وإطالــة أمدهــا مبــا يهــدد أمــن‬ ‫واســتقرار هــذا احليــز اجليوســتراتيجي الهــام‪.‬‬ ‫‪-3‬القرصنة‪:‬‬ ‫لقــد أدت التوتــرات يف البحــر األحمــر إلــى زيــادة نشــاط القرصنــة‪،‬‬ ‫فبــدأ القراصنــة الصوماليــون يف توســيع عمليــات خطــف الســفن‬ ‫التجاريــة قبالــة مضيــق بــاب املنــدب‪ ،‬وتصاعــدت وتيــرة اخملاوف بشــأن‬ ‫عــودة القرصنــة علــى الســواحل الصوماليــة‪ ،‬وذلــك بعــد اختطــاف‬ ‫مســلحني ســفينتني جتاريــتني خالل شــهر ديســمبر املاضــي بالقــرب‬ ‫مــن منطقــة أيــل داخــل امليــاه اإلقليميــة الصوماليــة‪ ،‬عالوة علــى ذلــك‬ ‫فقــد مت فقــد جنــديني أمريكــيني يف البحــر األحمــر‪ُ ،‬يُقــال أنهــم كانــوا‬ ‫يف مهمــة البحــث عــن شــحنة أســلحة متجهــة إلــى اليمــن بعــد أن‬ ‫اشــتبهت الســلطات األمريكيــة يف أمــر ســفينة كانــت تعبــر خليــج عــدن‬ ‫محملــة بأســلحة إيرانيــة‪ ،‬وفيمــا يتعلــق باخلطــوة اإلثيوبيــة للحصــول‬ ‫علــى منفــذ علــى البحــر األحمــر‪ ،‬فــإن ثمــة تهديــد بخصــوص زيــادة‬ ‫نشــاط القرصنــة إذا مــا متكنــت أديــس أبابــا مــن حتقيــق هــذا الهــدف‪،‬‬ ‫وهــو مــا ســيعمل علــى توســيع رقعــة الصــراع املشــتعلة بطبيعــة احلال‪.‬‬ ‫‪-4‬اتفاق إثيوبيا وأرض الصومال‪:‬‬ ‫بعــد إقــدام احلكومــة اإلثيوبيــة علــى توقيــع اتفــاق مــع أرض الصومــال؛‬ ‫للحصــول علــى منفــذ علــى البحــر األحمــر عبــر مينــاء بربــرة التابــع‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪61‬‬

‫ملف العدد‬

‫تحديات األمن في القرن اإلفريقي والبحر األحمر‪ :‬مخاطر التأثير‬

‫التوافق الدويل واإلقليمي ووضع مصلحة وأمن‬ ‫المنطقة يف الحسبان ضرورة لعبور األزمة‬ ‫تشــهد منطقــة البحــر األحمــر حالــة مــن االســتقطاب الدولــي واإلقليمــي‪ ،‬كل طــرف يحــاول ترســيخ موطــئ قــدم لــه يف هــذه‬ ‫املنطقــة اجليوســتراتيجية؛ نظ ـرًاً ألن البحــر األحمــر يتمتــع مبكانــة فريــدة متيــزه عــن باقــي املمــرات البحريــة الدوليــة‪ ،‬التــي‬ ‫بدورهــا اســتدعت التنافــس والصــراع بني القــوى اخملتلفــة يف محاولــة لفــرض الســيطرة عليــه‪ ،‬ومــع تــدشني قنــاة الســويس أصبــح‬ ‫لــه مكانــة خاصــة‪ ،‬حيــث أنهــا ســاعدت علــى ربطــه ألول مــرة بالبحــر املتوســط؛ ليصبــح أقصــر ممــر مالحــي يصــل الشــرق‬ ‫بالغــرب‪ ،‬كمــا أنــه حــل محــل طريــق رأس الرجــاء الصالــح الــذى اس ـُتُخدم قدمي ـًاً يف حركــة التجــارة الدوليــة‪ ،‬ومــن هنــا فــإن‬ ‫النزاعــات التــي تــدور رحاهــا علــى ميــاه األحمــر تهــدد مصالــح العديــد مــن الــدول‪ ،‬ناهيــك عــن تقويــض حالــة األمــن واالســتقرار‬ ‫باملنطــقة الــتي تعاــنى بالفــعل ــمن ــصراع مفــتوح ــجراء األزــمات الدولــية الــتي باــتت تعــصف بــها مؤــخرًاً‪.‬‬

‫السفير محمد العرابي‬

‫مظاهر التهديد يف البحر األحمر‪:‬‬

‫خريطة التوترات يف منطقة البحر األحمر‬

‫‪-1‬التنافس الدولي‪:‬‬ ‫تشــهد منطقــة البحــر األحمــر‪ ،‬الســيما دول القــرن اإلفريقــي موجــة‬ ‫مــن التمــدد الدولــي واإلقليمــي‪ ،‬وســعي الــدول الكبــرى لتأســيس‬ ‫قواعــد عســكرية يف هــذا النطــاق؛ بحجــة تطويــق اجلماعــات اإلرهابيــة‬ ‫وأنشــطة القرصنــة‪ ،‬وتتنافــس القــوى الكبــرى عنــد املضائــق املائيــة‬

‫االســتراتيجية علــى الســواحل اإلفريقيــة‪ ،‬وهــو مــا يشــكل تهديــًدًا‬ ‫لألمــن البحــري للقــارة‪ ،‬ملا ينطــوي عليــه مــن تزايــد عســكرة املنطقــة‪،‬‬ ‫وميكــن تنــاول ذلــك يف إطــار التواجــد الدولــي يف البحــر األحمــر‪،‬‬ ‫والقواــعد العــسكرية املتواــجدة عــلى ــسواحله‬ ‫أ‪-‬التواجد البحري‪:‬‬ ‫بعــد الضربــات احلوثيــة األخيــرة التــي تســتهدف الســفن يف البحــر‬ ‫األحمــر قامــت الواليــات املتحــدة بطــرح مبــادرة تشــكيل حتالــف‬ ‫عســكري بحــرى متعــدد اجلنســيات ‪ 18‬ديســمبر املنصــرم ُأُطلــق عليــه‬ ‫"حــارس االزدهــار"‪ ،‬بجانــب القــوة ‪ 153‬التابعــة لهــا‪ ،‬التــي ُأُطلقــت عــام‬ ‫‪2022‬م‪ ،‬والتــي تعمــل يف مجــال مكافحــة األنشــطة غيــر املشــروعة يف‬ ‫البحــر األحمــر والقرصنــة وجتــارة اخملــدرات‪ ،‬وتــأمني حريــة املالحــة؛‬ ‫للتصــدي للهجمــات احلوثيــة‪ ،‬ويقــع نطــاق عمليــات هــذه القــوة يف‬ ‫جنــوب البحــر ومضيــق بــاب املنــدب وخليــج عــدن‪ ،‬ويشــارك بهــا أكثــر‬ ‫مــن ‪ 20‬دولــة‪ ،‬ويتــم تفعيــل هــذه املشــاركة عبــر القيــام بدوريات مشــتركة‬ ‫يف ميــاه األحمــر‪ ،‬وقــد توالــت الهجمــات بني جماعــة احلوثــيني وأمريــكا‬ ‫واحللفــاء الغربــيني‪ ،‬فعمليــات االســتهداف التــي قامــت بهــا اجلماعــة‬ ‫علــى الســفن التجاريــة تبعهــا ضربــات جويــة علــى أهــداف عســكرية‬ ‫تابعــة لهــم مــن قبــل الواليــات املتحــدة وبريطانيــا‪ ،‬مــع تأكيــدات مــن‬


‫‪60‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫وج ــود إي ــران يف البح ــر األحم ــر بالتس ــعينيات أقل ــق األم ــن العرب ــي‬ ‫حيـــث اســـتخدمت الســـودان وإريتريـــا نقطـــة عبـــور إىل المنطقـــة‬ ‫وقنــاة الســويس وليــس العكــس‪ ،‬وأن املســتفيد األكبــر مــن الوضــع هــي‬ ‫التجــارة املتجهــة مــن الواليــات املتحــدة إلــى أوروبــا عبــر األطلســي‬ ‫واخلاســر األكبــر هــي الــصني‪ .‬وأدى الوضــع األمنــي املرتبــك يف البحــر‬ ‫األحمــر إلــى تزايــد تكلفــة الشــحن البحــري مــن آســيا إلــى أوروبــا ‪3‬‬ ‫مــرات ألن الســفن تضطــر إلــى اللــف عبــر رأس الرجــاء الصالــح وليــس‬ ‫مباشــرة عبــر البحــر األحمــر‪.‬‬ ‫وتوفــر التطــورات احلاليــة يف تايــوان بعــد انتخابــات ‪2024/1/13‬م‪،‬‬ ‫والتوجــه احملتمــل نحــو إعالن االســتقالل ظرو ً​ًفــا مواتيــة لالســتراتيجية‬ ‫األمريكيــة ضــد الــصني‪ .‬إذ قــد تلجــأ واشــنطن إلــى منطــق «احلصــار‬ ‫مقابــل احلصــار»‪ ،‬مبعنــى الــرد علــى احلصــار الصينــي احملتمــل‬ ‫لتايــوان يف حــال إعالنهــا االســتقالل مقابــل حصــار الواليــات املتحــدة‬ ‫وحلفائهــا للســفن املتجهــة إلــى الــصني عــن بعــد يف املضايــق البحريــة‬ ‫مبــا يف ذلــك يف مضيــق بــاب املنــدب ومضيــق هرمــز ومضيــق ملقــا‬ ‫مــن خالل إيقــاف الســفن املتجهــة إلــى الــصني‪ .‬وهــو مــا سيشــكل‬ ‫حتد�يـًا غيــر مســبوق لألمــن القومــي العربــي‪.‬‬ ‫ونظ ـ ً​ًرا للتحديــات التــي تعتــرض املمــر املالحــي عبــر البحــر األحمــر‪،‬‬ ‫كان الف�تـًا التركيــز األمريكــي ‪ /‬األوروبــي الكبيــر ‪-‬مقارنــة باالنتخابــات‬ ‫الســابقة‪-‬على متابعــة ســير االنتخابــات الرئاســية يف جــزر القمــر‬ ‫بتاريــخ ‪ 14‬ينايــر ‪2024‬م‪ ،‬حتس ـ ً​ًبا مــن احتمــال تأثــر املالحــة البحريــة‬ ‫عبــر ممــر املوزمبيــق جتــاه رأس الرجــاء الصالــح يف حــال اضطربــت‬ ‫األوضــاع يف جــزر القمــر‪ .‬فلجــزر القمــر موقــع جغرايف اســتراتيجي مهم‬ ‫للغايــة يف منتصــف شــمال ممــر املوزمبيــق بني موزمبيــق ومدغشــقر‬ ‫حيــث متــر الســفن التجاريــة علــى طــول مســار غــرب احمليــط الهنــدي‬ ‫بالقــرب مــن اليابســة‪.‬‬ ‫وســاهمت األحــداث املســتعجلة واملقلقــة يف قطــاع غــزة ويف البحــر‬ ‫األحمــر يف تخفيــف الضغــط الدولــي علــى إيــران بشــأن برنامجهــا‬ ‫النــووي الــذي يهــدد األمــن القومــي العربــي‪ ،‬إذ أفــادت الوكالــة الدوليــة‬ ‫للطاقــة الذريــة بــأن إيــران تواصــل تخصيــب اليورانيــوم ملســتوى يســبق‬ ‫ذلــك املطلــوب لصنــع األســلحة النوويــة بقليــل وأن «إيــران تواصــل‬ ‫تخصيــب اليورانيــوم مبــا يتجــاوز احتياجــات االســتخدام النــووي‬ ‫التجــاري‪ ،‬رغــم ضغــوط األمم املتحــدة لوقــف ذلــك مبعــدل مرتفــع يبلــغ‬ ‫نحــو حوالــي ســبعة كيلوغرامــات شــهر ً​ًيا بنســبة نقــاء ‪.»% 60‬‬ ‫ويف ظــل انشــغال الــدول العربيــة مبحاولــة وقــف العــدوان اإلســرائيلي‬

‫علــى ســكان غــزة واســتمرار اجلهــود إليجــاد مخــارج إليقــاف احلــرب‬ ‫يف الســودان وانشــغال العالــم بأمــن املالحــة يف البحــر األحمــر‪ ،‬وقــع‬ ‫حــدث جيوسياســي آخــر يف خليــج عــدن يضــر باألمــن القومــي العربــي‬ ‫ويقــوض الســلم واألمــن اإلقليمــي والدولــي؛ إذ أبرمــت إثيوبيــا مذكــرة‬ ‫تفاهــم مــع إقليــم أرض الصومــال بتاريــخ ‪2024/1/1‬م‪ ،‬بشــأن تأجيــر‬ ‫منفــذ بحــري اســتراتيجي بطــول ‪ 20‬كيلومت ـ ً​ًرا يف ميــاه خليــج عــدن‪،‬‬ ‫ومينــاء جتــاري وقاعــدة بحريــة لقواتهــا البحريــة‪ .‬ويف املقابــل‪ ،‬تلتــزم‬ ‫إثيوبيــا باالعتــراف بــأرض الصومــال كدولــة مســتقلة‪ ،‬وتعطــي لهــا‬ ‫حصــة مــن اخلطــوط اجلويــة اإلثيوبيــة‪ .‬وتفاعلــت الــدول العربيــة‬ ‫يف إطــار جامعــة الــدول العربيــة بإصــدار القــرار رقــم ‪ 8988‬بتاريــخ‬ ‫‪2024/1/17‬م‪ ،‬يدعــم جمهوريــة الصومــال الفيدراليــة يف مواجهة االعتداء‬ ‫علــى ســيادتها ووحــدة أراضيهــا‪.‬‬ ‫وتبــذل الــدول العربيــة فــرادا أو يف إطــار جامعــة الــدول العربيــة جهــو ً​ًدا‬ ‫كبيــرة إلخــراج املنطقــة العربيــة مــن حلقــات العنــف املســتمرة منــذ‬ ‫خصوًصــا يف فلســطني مــن خالل اقتــراح حلــول جذريــة بشــأن‬ ‫عقــود‬ ‫ً‬ ‫التطبيــع مــع إســرائيل مقابــل إقامــة الدولــة الفلســطينية املســتقلة لكــن‬ ‫ال يقابــل ذلــك بتجــاوب إيجابــي مــن إســرائيل حتــى اآلن‪ .‬لذلــك يجــري‬ ‫العمــل عرب�يـًا علــى حتقيــق أي جنــاح سياســي للقضيــة الفلســطينية‬ ‫كــي ال تذهــب دمــاء ‪ 30‬ألــف فلســطيني مجا�نـًا مــن خالل االســتمرار‬ ‫يف الضغــط إلقنــاع الــدول الدائمــة العضويــة يف مجلــس األمــن والتــي‬ ‫لــم تعتــرف بعــد بالدولــة الفلســطينية أي الواليــات املتحــدة األمريكيــة‬ ‫وبريطانــيا وفرنــسا إــلى االعــتراف بالدوــلة الفلــسطينية رــسم ً​ًيا‪.‬‬ ‫وتؤكــد التحديــات املتزايــدة واملســتجدة يف البحــر األحمــر وخليــج‬ ‫عــدن وارتباطهــا املتوقــع بــأي منعطــف سياســي مســتقبلي يف املنطقــة‬ ‫خصوًصــا يف حــال اســتمرار حكــم جماعــة احلوثــي يف صنعــاء مــدى‬ ‫ً‬ ‫أهميــة تعزيــز العمــل العربــي املشــترك يف إطــار جامعــة الــدول العربيــة‪.‬‬

‫*محلل سيايس متخصص يف شؤون أمن املالحة باملنطقة وقضايا الخليج العريب واليمن‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪59‬‬

‫ملف العدد‬

‫المخاط ــر أح ــد أس ــباب التفاع ــل م ــع المم ــر االقتص ــادي م ــن الهن ــد‬ ‫ألوروبــا عبــر الشــرق األوســط؛ فالجــزء البــري منــه يتجنــب مخاطــر إيــران‬ ‫يف النقــض وعــدم متريــر القــرار‪ ،‬ممــا يعكــس موقــف روســيا والــصني‬ ‫مــن زاويــة إعالء املصلحــة القوميــة للبلديــن ومصلحــة عــدد مــن الــدول‬ ‫الصديقــة علــى حســاب األبعــاد والقيــم األخــرى رغــم التصريحــات‬ ‫السياســية الروســية‪-‬الصينية بشــأن عــدم شــرعية الضربــات‬ ‫العســكرية األمريكيــة ‪ /‬البريطانيــة الهادفــة إلــى تقليــل انزعــاج إيــران‬ ‫وجماعــة احلوثــي واملتعاطــفني مــع الســلوك احلوثــي يف البحــر األحمــر‪.‬‬ ‫راب ً​ًعــا‪ :‬التحديــات اجليوسياســية للهجمــات احلوثيــة علــى األمــن‬ ‫القومــي العربــي‬ ‫تبــرز تدريج�يـًا العديــد مــن التحديــات لألمــن القومــي العربــي بســبب‬ ‫الهجمــات احلوثيــة يف البحــر األحمــر؛ فتقليد�يـًا‪ ،‬يعــد البحــر األحمــر‬ ‫بحيــرة عربيــة‪ ،‬وحال�يـًا‪ ،‬وبســبب تلــك الهجمــات‪ ،‬بــرزت مظاهــر جديــدة‬ ‫بشــأن تدويــل البحــر األحمــر ممــا ســيؤدي إلــى تقليــص ســيادة الــدول‬ ‫املطلــة عليــه عمل ً​ًيــا‪ ،‬إذ ازدادت مؤشــرات عســكرة البحــر األحمــر‪،‬‬ ‫وبــدأ يتحــول تدريج ً​ًيــا إلــى ثكنــة عســكرية بحريــة دائمــة لقــوى‬ ‫عامليــة للســيطرة علــى هــذا املمــر التجــاري البحــري االســتراتيجي‪.‬‬ ‫وضخمــت بعــض الــدول الغربيــة والــدول ذات التفكيــر املشــترك معهــا‬ ‫مــن الهجمــات احلوثيــة وتداعياتهــا وأبعادهــا حلشــد مزيــد مــن الدعــم‬ ‫السياســي لعملياتهــا يف البحــر األحمــر‪ ،‬وأطلقــت عمليــات بحريــة‬ ‫خاصــة وأرســلت ســفًنًا حربيــة كثيــرة إلــى البحــر األحمــر مببــرر توفيــر‬ ‫احلماــية لــسفنها التجارــية‪.‬‬ ‫وميثــل تزايــد حــدة تنافــس القــوى الكبــرى يف البحــر األحمــر يف‬ ‫ظــل الهجمــات احلوثيــة حتد�يـًا آخــر لألمــن القومــي العربــي؛ فرغــم‬ ‫التصريحــات العلنيــة واملتكــررة مــن جماعــة احلوثــي بشــأن أســباب‬ ‫عملياتهــا يف البحــر األحمــر وأن املســتهدف هــي الســفن اإلســرائيلية‬ ‫أو املتجهــة إلــى إســرائيل فقــط‪ ،‬يطــرح مســؤولو الــدول الغربيــة مبــررات‬ ‫أخــرى لتفســير الســلوك احلوثــي يف البحــر األحمــر‪ ،‬إذ صــرح وزيــر‬ ‫الدفــاع اإليطالــي أن جماعــة احلوثــي انتقائيــة يف عملياتهــا وال‬ ‫تســتهدف الســفن الصينيــة والروســية‪ .‬وقــد يهــدف املســؤول اإليطالــي‬ ‫تبريــر إطالق االحتــاد األوروبــي القــوة البحريــة «أســبيدس» يف البحــر‬ ‫األحمــر بقيــادة إيطاليــا حلمايــة الســفن والتــي انطلقــت بتاريــخ‬ ‫‪2024/2/19‬م‪ .‬وقبــل ذلــك أطلــق حتالــف “حــارس االزدهــار” يف البحــر‬ ‫األحمــر بقيــادة أمريكيــا لنفــس الغــرض‪ .‬ونشــرت الهنــد قــوة بحريــة‬ ‫غيــر مســبوقة يف البحــر األحمــر ال تقــل عــن ‪ 12‬ســفينة حربيــة بســبب‬ ‫الهجمــات احلوثيــة‪ ،‬فــضاًلا عــن إرســال إيــران والــصني ودول أخــرى‬

‫ســفًنًا حربيــة إلــى البحــر األحمــر‪ .‬ويف ‪ 17‬أبريــل ‪2022‬م‪ ،‬أنشــئت «قــوة‬ ‫املهــام املشــتركة ‪ »153‬كفرقــة رابعــة ضمــن فــرق «القــوات البحريــة‬ ‫املشــتركة» بقيــادة أمريــكا للتصــدي لألعمــال غيــر املشــروعة يف البحــر‬ ‫األحــمر وــباب املــندب‪.‬‬ ‫كمــا يركــز عــدد مــن اخلبــراء الغربــيني علــى حتليــل أســلحة جماعــة‬ ‫احلوثــي املســتعملة يف البحــر األحمــر‪ ،‬وبــرزت تســاؤالت حــول‬ ‫كيفيــة وصــول الصواريــخ الباليســتية الصينيــة املضــادة للســفن إلــى‬ ‫جماعــة احلوثــي للتشــكيك حــول احتمــال وقــوف الــصني وراء تلــك‬ ‫الهجمــات بالنظــر إلــى أن لــدى بــكني وطهــران وموســكو اهتمــام كبيــر‬ ‫باالســتراتيجيات الهادفــة إلــى درء القــوات البحريــة الغربيــة‪ .‬وبــرزت‬ ‫دعــوات رســمية غربيــة متكــررة للــصني ملمارســة الضغــط علــى إيــران‬ ‫ومــن خاللهــا علــى جماعــة احلوثــي لوقــف قصــف الســفن يف البحــر‬ ‫األحمــر‪ ،‬لكــن الــصني لــم تســتجب لتلــك الطلبــات‪.‬‬ ‫وباملقابــل‪ ،‬تؤكــد الــصني علــى عــدم شــرعية الضربــات العســكرية‬ ‫األمريكيــة ‪ /‬البريطانيــة ضــد احلوثــيني وتــرى أنــه تصعيــد متعمــد‬ ‫يف البحــر األحمــر مــن خالل اللجــوء إلــى احللــول الصعبــة ضمــن‬ ‫االســتراتيجية األمريكيــة لفــك االرتبــاط التجــاري ألوروبــا بالــصني‬ ‫تدريج ً​ًيــا كمــا فعلــت مــع روســيا؛ فــإعالن واشــنطن عل�نـًا عــدم دعــم‬ ‫وقــف إطالق النــار يف غــزة حال�يـًا فــضاًلا عــن إعــادة تصنيــف جماعــة‬ ‫خاًصــا» يعــد تصعيـًدًا‬ ‫احلوثــي كـ»إرهابــيني دولــيني مصنــفني تصني ً​ًفــا‬ ‫ً‬ ‫وقــد يفهــم كدعــوة غيــر مباشــرة جلماعــة احلوثــي لالســتمرار يف‬ ‫ســلوكها يف البحــر األحمــر ممــا يوفــر مبــررات لبقــاء القــوات البحريــة‬ ‫األمريكيــة وحلفائهــا يف جنــوب البحــر األحمــر لفتــرة أطــول‪ ،‬رمبــا إلــى‬ ‫حني اتضــاح مســار التطــورات بني الــصني وتايــوان‪ ،‬أو لتوفيــر مزيــد‬ ‫مــن الوقــت إلســرائيل الســتئصال حركــة حمــاس رغــم جرائــم اإلبــادة‬ ‫اإلســرائيلية املرتكبــة يف حــق ســكان غــزة‪.‬‬ ‫ومــن املنظــور الصينــي كذلــك‪ ،‬يعــد حتالــف “حــارس االزدهــار» بقيــادة‬ ‫منوذًجــا آخــر مــن التحالفــات البحريــة‬ ‫أمريــكا يف البحــر األحمــر‬ ‫ً‬ ‫األمريكيــة إضافــة إلــى «حتالــف أوكــوس» مــع أســتراليا وبريطانيــا‬ ‫واحلــوار األمنــي الرباعــي «كواد»‪...‬يهــدف إلــى كبــح صعــود الــصني‬ ‫وبالتالــي اســتمرار احلفــاظ علــى الريــادة والهيمنــة األمريكيــة علــى‬ ‫العالــم؛ إذ أدى الوضــع احلالــي يف البحــر األحمــر إلــى تأثــر التجــارة‬ ‫مــن الشــرق إلــى الغــرب أي مــن آســيا إلــى أوروبــا عبــر البحــر األحمــر‬


‫‪58‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫بســبب هجمــات الحوثييــن بــرزت مظاهــر جديــدة بشــأن تدويــل البحــر‬ ‫األحـ ـمر مـ ـما ـ ـسيؤدي إىل تقلـ ـيص ـ ـسيادة اـ ـلدول المطـ ـلة علـ ـيه عمل ـي ـً‬

‫الطابــع الدفاعــي عنهــا فقــط يف البحــر األحمــر أم أنــه ميكــن أن ميتــد‬ ‫إلــى الهجــوم علــى مصــادر اخلطــر يف البــر‪ .‬وتضمــن القــرار‪ ،‬طل ً​ًبــا‬ ‫مــن األمني العــام لألمم املتحــدة “تقــدمي تقاريــر شــهرية خطيــة حتــى‬ ‫يوليــو ‪2024‬م‪ ،‬عــن أي هجمــات أخــرى يشــنها احلوثيــون علــى الســفن‬ ‫التجارــية يف البــحر األحــمر»‪.‬‬

‫وميثــل قــرار مجلــس األمــن الســيما الفقــرة التــي تشــير إلــى “اإلشــادة‬ ‫باجلهــود املبذولــة حتــى اآلن حلمايــة الســفن املعرضــة إلطالق النــار‬ ‫نوًعــا مــن إضفــاء الشــرعية الدوليــة علــى أعمــال‬ ‫يف البحــر األحمــر” ً‬ ‫حتالــف «حــارس االزدهــار» بقيــادة أمريــكا يف البحــر األحمــر‪ .‬وحتتمــل‬ ‫عبــارة «التأكيــد علــى احلاجــة إلــى «معاجلــة األســباب اجلذريــة»‬ ‫للهجــوم التــي تســاهم يف التوتــرات اإلقليميــة‪ ،‬لضمــان «اســتجابة‬ ‫ســريعة وفعالــة» أكثــر مــن تفســير‪ ،‬وعــادة مــا تلجــأ بعــض الــدول إلــى‬ ‫آليــة «غمــوض النــص»؛ فقــد تفهــم بعــض دول املنطقــة أن «األســباب‬ ‫اجلذريــة» لهجــوم احلوثــي علــى الســفن يف البحــر األحمــر هــو العــدوان‬ ‫اإلســرائيلي علــى قطــاع غــزة‪ .‬وقــد تفهــم باقــي الــدول أن األســباب‬

‫اجلذريــة لهجــوم احلوثــي علــى الســفن هــو الدعــم العســكري اإليرانــي‬ ‫جلماعــة احلوثــي وانــقالب احلوثــيني عــن الشــرعية يف اليمــن ودور‬ ‫املنطقة‪...‬خصوًصــا أن الفقــرة التاليــة تديــن‬ ‫إيــران التخريبــي يف‬ ‫ً‬ ‫صراحــة «تقــدمي أي أســلحة للحوثــيني و»يحــث (اجمللــس) علــى احلــذر‬ ‫وضبــط النفــس لتجنــب املزيــد مــن تصعيــد الوضــع يف البحــر األحمــر‬ ‫واملنطــقة عــلى نــطاق أوــسع»‪.‬‬ ‫ويعكــس محتــوى قــرار مجلــس األمــن حتــول الســردية األمريكيــة ‪/‬‬ ‫اإلســرائيلية بشــأن الوضــع يف البحــر األحمــر إلــى نــص قانونــي ملــزم‬ ‫يصــدر عــن مجلــس األمــن الدولــي‪ .‬ويؤكــد القــرار بشــكل غيــر مباشــر‬ ‫علــى حــق الســفن اإلســرائيلية أو املتجهــة إلــى إســرائيل املــرور اآلمــن‬ ‫يف البحــر األحمــر‪.‬‬ ‫ويعنــي امتنــاع روســيا والــصني عــن التصويــت علــى قــرار يديــن بشــدة‬ ‫العمليــات احلوثيــة يف البحــر األحمــر يف مجلــس األمــن املوافقــة‬ ‫الضمنيــة علــى متريــر القــرار مــادام أنــه كان ميكــن أن ميارســا حقهمــا‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪57‬‬

‫ملف العدد‬

‫الصيــن تــرى عــدم شــرعية الضربــات األمريكيــة ضد الحوثيين واســتراتيجية‬ ‫أمريكيــا فــك االرتبــاط التجــاري بيــن بكين و أوروبا‬ ‫ويف ضــوء التطــورات‪ ،‬لــم يصــدر موقــف عربــي موحــد بشــأن إدانــة‬ ‫أو تأييــد أو الدعــوة لوقــف تلــك الهجمــات احلوثيــة علــى الســفن يف‬ ‫البحــر األحمــر نظــ ً​ًرا لعالقتــه مبلفــات أخــرى فــضاًلا عــن طبيعــة‬ ‫الفاعــل «جماعــة احلوثــي»‪ ،‬إضافــة إلــى بــروز عناصــر عــدم توافــق‬ ‫كامــل بني املواقــف الرســمية العلنيــة لبعــض الــدول العربيــة بشــأن‬ ‫وصــف مــا قامــت بــه حمــاس يف ‪ 7‬أكتوبــر ‪2023‬م‪ ،‬وبشــأن وصــف‬ ‫الهجمــات احلوثيــة يف البحــر األحمــر؛ فمــن جانــب‪ ،‬لــو يركــز املوقــف‬ ‫العربــي علــى أمــن املالحــة يف البحــر األحمــر فقــط دون ربطــه بالعدوان‬ ‫اإلســرائيلي علــى قطــاع غــزة‪ ،‬ســيظهر أن العالــم العربــي يســعى إلــى‬ ‫توفيــر األمــن للســفن اإلســرائيلية يف ظــل جرائــم اإلبــادة اإلســرائيلية‬ ‫علــى قطــاع غــزة وســيظهر أن العالــم العربــي يدعــم املوقــف األمريكــي‬ ‫والغربــي‪ ،...‬ومــن جانــب آخــر‪ ،‬لــو يربــط املوقــف العربــي املوحــد‬ ‫الهجمــات احلوثيــة بالعــدوان اإلســرائيلي علــى قطــاع غــزة‪ ،‬فقــد يقــرأ‬ ‫ذلــك كدعــم سياســي عربــي جلماعــة احلوثــي املصنفــة إرهابيــة مــن‬ ‫بعــض الــدول وقــرارات اجلامعــة العربيــة بشــأن املوقــف العربــي مــن‬ ‫جماعــة احلوثــي فــضاًلا عــن املواقــف السياســية الفرديــة اخلاصــة‬ ‫لعــدد مــن الــدول العربيــة جتــاه جماعــة احلوثــي‪ .‬لذلــك لــم يصــدر‬ ‫موقــف سياســي عربــي موحــد بشــأن الهجمــات احلوثيــة يف البحــر‬ ‫األحمــر‪.‬‬ ‫وكذلــك الشــأن بالنســبة للقصــف األمريكــي البريطانــي ضــد احلوثــيني‬ ‫الــذي بــدأ يف ‪ 12‬ينايــر املاضــي؛ إذ لــم يصــدر موقــف عربــي موحــد‬ ‫حولــه بســبب اخــتالف مواقــف الــدول العربيــة بني دول التزمت الصمت‬ ‫وأخــرى اســتنكرت صراحــة العمليــات العســكرية األمريكيــة ودعــت إلــى‬ ‫معاجلــة أصــل املشــكل‪ ،‬ودول عربيــة حاولــت تبنــي موقــف محايــد‬ ‫وأعربــت عــن القلــق مــن التطــورات ودعــت إلــى خفــض التصعيــد يف‬ ‫البحــر األحمــر‪.‬‬ ‫ثال ً​ًثــا‪ :‬عــدم شــرعية هجمــات احلوثــي يف البحــر األحمــر مــن منظــور‬ ‫أممــي‬ ‫أمــن وحريــة املالحــة البحريــة قضيــة حيويــة للعالــم‪ ،‬فالبحــار‬ ‫واحمليطــات شــريان التجــارة العامليــة‪ .‬ويعــد قانــون البحــار لســنة‬

‫‪1982‬م‪ ،‬مــن أهــم االتفاقيــات الدوليــة علــى اإلطالق‪ .‬ويف املنطقــة‬ ‫برنامًجــا‬ ‫البحريــة املتاخمــة للعــرب‪ ،‬أطلقــت منظمــة األمم املتحــدة‬ ‫ً‬ ‫كبيــ ً​ًرا للتصــدي للقرصنــة الصوماليــة ســنة ‪2009‬م‪ .‬ويف ‪2021/8/9‬م‪،‬‬ ‫ســلطت األمم املتحــدة الضــوء علــى أهميــة تعــاون دولــي أقــوى أمــام‬ ‫اجتمــاع يف مجلــس األمــن حــول أمــن املالحــة البحريــة‪ .‬وأشــارت األمم‬ ‫املتحــدة إلــى أن املســتويات «غيــر املســبوقة» مــن «انعــدام أمــن املالحــة‬ ‫البحريــة» يف خليــج غينيــا‪ ،‬ويف اخلليــج العربــي وبحــر العــرب‪ ،‬كانــت‬ ‫مقلقــة بشــكل خــاص ألنــه يضاعــف مــن العمــل اإلرهابــي‪ .‬وأوضحــت‬ ‫أن تلــك التهديــدات املتزايــدة واملترابطــة تتطلــب اســتجابة عامليــة‬ ‫ومتكاملــة‪ .‬ويف إطــار البرنامــج العاملــي ملكافحــة اجلرميــة البحريــة‪،‬‬ ‫عمــل البرنامــج الفرعــي «خليــج عــدن» لدعــم قــدرات ســلطات إنفــاذ‬ ‫القانــون البحــري وإعــادة بنــاء خفــر الســواحل يف اليمــن‪.‬‬ ‫وحال ً​ًيــا‪ ،‬تطــرح الهجمــات احلوثيــة يف البحــر األحمــر علــى مســتوى‬ ‫مجلــس األمــن الدولــي يف ســياق سياســي إقليمــي مختلــف متا ً​ًمــا‪.‬‬ ‫وحســب التصريحــات العلنيــة جلماعــة احلوثــي‪ ،‬فالهجمــات تتعلــق‬ ‫مبطالــب سياســية بشــأن الضغــط لوقــف العــدوان اإلســرائيلي علــى‬ ‫غــزة وأنــه ليســت هنــاك حاجــة لعســكرة البحــر األحمــر بــل وقــف‬ ‫العــدوان اإلســرائيلي علــى قطــاع غــزة فقــط‪ .‬ومــع ذلــك تختلــف‬ ‫الســردية األمميــة بشــأن تلــك الهجمــات عــن الســردية احلوثيــة‬ ‫وتقتــرب مــن املوقــف األمريكــي منهــا؛ فرغــم اإلشــارات احملتشــمة‬ ‫وغيــر املباشــرة إلــى الســبب الرئيســي لهجمــات احلوثــي يف البحــر‬ ‫األحمــر‪ ،‬تؤكــد التصريحــات العلنيــة ملســؤولني أممــيني بأنــه “ال توجــد‬ ‫أهــداف أو مظالــم ميكــن أن تبــرر اســتمرار تلــك الهجمــات علــى حريــة‬ ‫املالحــة»‪ .‬ودعــت املنظمــة البحريــة الدوليــة إلــى وقــف الهجمــات‬ ‫احلوثيــة وضمــان سالمــة البحــارة وسالســل اإلمــداد‪.‬‬ ‫ويف ‪2024/1/10‬م‪ ،‬صــدر قــرار مجلــس األمــن ‪ 2722‬يديــن بشــدة‬ ‫العمليــات احلوثيــة يف البحــر األحمــر ويشــدد علــى حريــة املالحــة‬ ‫ويؤكــد علــى “حــق الــدول يف حمايــة ســفنها مــن االعتــداءات وف ً​ًقــا‬ ‫للقانــون الدولــي» يف الفقــرة التنفيذيــة الثالثــة مــن القــرار‪ ،‬لكــن تلــك‬ ‫الفقــرة أثــارت اختال ً​ًفــا إن كان حــق حمايــة الســفن يقتصــر علــى‬

‫ل ــم يتج ــاوب العال ــم بالتص ــدي للخط ــر الحوث ــي عىل ال ــدول العربي ــة‬ ‫وغ ــض الط ــرف ع ــن تهري ــب األس ــلحة اإليراني ــة إىل اليم ــن‬


‫‪56‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫الغــرب ضخــم هجمــات الحوثييــن لحشــد الدعــم وأرســل سـفًنًا حربيــة‬ ‫للبحــر األحمــر بمبــرر توفيــر الحمايــة للتجــارة الدوليــة‬ ‫البحــار ســنة ‪1982‬م‪( ،‬املادة ‪ )38‬يف ظــل ظــروف سياســية أخــرى يف‬ ‫املنطقــة بعــد اتفاقيــة كامــب دافيــد لســنة ‪1979‬م‪.‬‬ ‫ويف تســعينيات القــرن املاضــي‪ ،‬كان وجــود إيــران يف البحــر األحمــر‬ ‫مصــدر قلــق أمنــي رئيســي لألمــن القومــي العربــي‪ ،‬إذ اســتخدمت‬ ‫طهــران الســودان وإرتيريــا كنقطــة عبــور لتهريــب أســلحتها بفضــل‬ ‫عالقــات إيــران بالرئيــس الســوداني الســابق عمــر البشــير‪.‬‬

‫ثانًيًا‪ :‬جماعة الحوثي تحدي جديد ألمن المالحة البحرية‬

‫أو احملاوالت الراميــة إلــى تهديــد حريــة املالحــة‪ .‬ويف ‪2019/11/18‬م‪،‬‬ ‫اختطفــت جماعــة احلوثــي ثالثــة ســفن‪ ،‬لكــن لــم يتحــرك اجملتمــع‬ ‫الدولــي وكان يحســب أن املشــكلة تخــص عــد ً​ًدا محــد ً​ًدا مــن الــدول‬ ‫العربــية فــقط‪.‬‬ ‫ودفعــت تلــك اخملاطــر املتزايــدة بعــض الــدول العربيــة إلــى البحــث‬ ‫عــن مزيــد مــن اخليــارات لضمــان إمــدادات الطاقــة وسالمــة كابالت‬ ‫األنترنــت العابــرة للحــدود‪ ،‬وقــد يكــون ذلــك أحــد أســباب التفاعــل‬ ‫اإليجابــي للســعودية واإلمــارات مــع مشــروع املمــر االقتصــادي مــن الهند‬ ‫إلــى أوروبــا عبــر الشــرق األوســط؛ فاجلــزء البــري مــن املشــروع‪ ،‬أي‬ ‫مــن اإلمــارات إلــى إســرائيل مــرو ً​ًرا بالســعودية واألردن يتجنــب مخاطــر‬ ‫إيــران يف مضيــق هرمــز ومخاطــر جماعــة احلوثــي يف مضيــق بــاب‬ ‫املنــدب‪.‬‬

‫يف الســنوات األخيــرة‪ ،‬بــرز حتــدي جديــد غيــر تقليــدي ألمــن املالحــة‬ ‫البحريــة وأمــن إمــدادات الطاقــة يف املضايــق والبحــار املتاخمــة‬ ‫للمنطقــة العربيــة وهــو “فاعــل مســلح مــن غيــر الــدول» يســمى “جماعة‬ ‫احلوثــي” أو “ميليشــيات احلوثــي” وبذلــت الــدول العربيــة جهــو ً​ًدا‬ ‫للتصــدي لالعتــداءات احلوثيــة واإليرانيــة علــى املنشــآت النفطيــة‬ ‫والســفن التجاريــة لعــدد مــن الــدول العربيــة دون دعــم دولــي ملمــوس؛‬ ‫ويف ‪2019/5/30‬م‪،‬عقــدت قمــة عربيــة غيــر عاديــة مبكــة املكرمــة بســبب‬ ‫تلــك التطــورات اخلطيــرة وغيــر املســبوقة يف املنطقــة‪ ،‬وتضمــن البيــان‬ ‫الصــادر عنهــا إدانــة “ميليشــيات احلوثــي اإلرهابيــة» بســبب “أعمــال‬ ‫تخريبيــة طالــت الســفن التجاريــة يف امليــاه اإلقليميــة لدولــة اإلمــارات‬ ‫“‪ .‬ويف البنــد التاســع مــن البيــان ورد‪...»:‬الوقــوف بــكل حــزم وقــوة ضــد‬ ‫أي محــاوالت إيرانيــة لتهديــد أمــن الطاقــة وحريــة وسالمــة املنشــآت‬ ‫البحريــة يف اخلليــج العربــي واملمــرات املائيــة األخــرى ســواء قامــت بــه‬ ‫إيــران أو عبــر أذرعهــا يف املنطقــة‪.”...‬‬

‫ورغــم اجلهــود الدبلوماســية العربيــة‪ ،‬لــم يتجــاوب العالــم باجلديــة‬ ‫الالزمــة مــع دعــوات العالــم العربــي للتصــدي للخطــر احلوثــي يف‬ ‫البحــر األحمــر وخليــج عــدن وبحــر عمــان وحتــى يف اخلليــج العربــي‪،‬‬ ‫لذلــك لــم يكــن لتلــك اجلهــود أثــر ملمــوس واســتمر تهريــب الــسالح‬ ‫مــن إيــران إلــى جماعــة احلوثــي انتهــا ً​ًكا لقــرارات مجلــس األمــن‪ ،‬لكــن‬ ‫عندمــا تعرضــت الســفن اإلســرائيلية إلــى هجمــات جماعــة احلوثــي‬ ‫يف البحــر األحمــر حتركــت الواليــات املتحــدة األمريكيــة وتوابعهــا مــن‬ ‫الــدول إليقــاف تلــك الهجمــات احلوثيــة وحتركــت الســفن احلربيــة‬ ‫لعــدة دول إلــى البحــر األحمــر‪.‬‬

‫ومنــذ ذلــك احلني‪ ،‬أصبــح «أمــن املالحــة» يف البحــر األحمــر وخليــج‬ ‫عــدن واخلليــج العربــي بنــًدًا دائ ً​ًمــا يف أجنــدة االجتماعــات الدوريــة‬ ‫لــوزراء اخلارجيــة العــرب مــرتني يف الســنة علــى األقــل إدرا ً​ًكا ألهميــة‬ ‫التحــدي الــذي ميثلــه انتهــاك مبــدأ حريــة املالحــة لألمــن القومــي‬ ‫العربــي‪ .‬ويف ســبتمبر ‪2019‬م‪ ،‬صــدر أول قــرار مــن جامعــة الــدول‬ ‫العربيــة علــى مســتوى وزراء اخلارجيــة رقــم ‪ 8412‬بتاريــخ ‪2024/9/10‬م‪،‬‬ ‫يطالــب بضمــان أمــن وسالمــة املالحــة يف اخلليــج العربــي وخليــج‬ ‫عمــان ويف البحــر األحمــر‪ ،‬ويؤكــد علــى مبــدأ حريــة املالحــة البحرية يف‬ ‫امليــاه الدوليــة وف ً​ًقــا للقواعــد املســتقرة يف القانــون الدولــي واتفاقيــات‬ ‫قانــون البحــار‪ .‬ودعــا القــرار العربــي مجلــس األمــن الدولــي إلــى حتمــل‬ ‫مســؤولياته لضمــان حريــة املالحــة وأمنهــا وسالمتهــا وضمــان أمــن‬ ‫إمــدادات الطاقــة واســتقرارها واتخــاذ موقــف حــازم للتصــدي لألنشــطة‬

‫أدت ازدواجيــة املعاييــر وعــدم االلتــزام بالتعهــدات التقليديــة للواليــات‬ ‫املتحــدة جتــاه دول اخلليــج إلــى زعزعــة ثقــة العديــد مــن الــدول العربيــة‬ ‫بأمريــكا الخــتالف جديتهــا يف التعامــل مــع نفــس اخلطــر احلوثــي‬ ‫واإليرانــي فــضاًلا عمــا اعتبــره بعــض املســؤولني العــرب الســقوط‬ ‫األخالقــي غيــر املســبوق لبعــض الــدول الغربيــة ويف مقدمتهــم أمريــكا‬ ‫لرفــض وقــف جرائــم اإلبــادة اجلماعيــة اإلســرائيلية يف حــق الشــعب‬ ‫الفلســطيني؛ ولكــن كمــا يقــال «رب ضــارة نافعــة»‪ ،‬إذ أدى تراكــم حــاالت‬ ‫«ازدواجيــة مواقــف واشــنطن وتوابعهــا” ببعــض الــدول العربيــة إلــى فتــح‬ ‫مســارات جديدة يف السياســة اخلارجية شــر ً​ًقا وجنو ً​ًبا بشــكل أساســي‬ ‫وتبنــي سياســات أمنيــة واقتصاديــة متعــددة األبعــاد مــع عــدد معتبــر‬ ‫مــن القــوى الدوليــة ممــا عــزز ســيادتها وحريــة حتركاتهــا وزاد مــن‬ ‫هاــمش ممارــسة السياــسة الدولــية‪.‬‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪55‬‬

‫ملف العدد‬

‫الغرب لم يتحرك ضد خطر الحوثي على دول الجوار وتحرك ألهداف غربية‬

‫صراع أمريكي ‪ /‬صيني يف البحر األحمر بوجود‬ ‫عسكري دائم يهدد األمن العربي‬

‫حمايــة أمــن املالحــة البحريــة يف العالــم ويف املمــر املالحــي يف البحــر األحمــر مســؤولية دوليــة مشــتركة‪ ،‬تســتوجب مــن اجملتمــع‬ ‫الدولــي التعــاون والتنســيق‪ ،‬واحتــرام القانــون الدولــي لضمــان أمــن ومبــدأ حريــة املالحــة‪ .‬ويتحمــل مجلــس األمــن والــدول التــي‬ ‫تتمتــع بحــق النقــض «الفيتــو» املســؤولية الرئيســية يف هــذا الصــدد‪.‬‬ ‫خاًصــا حال�يـًا؛ فاخــتالف املواقــف الرســمية والســرديات بشــأن وصــف الهجمــات‬ ‫ويعــرف أمــن املالحــة يف البحــر األحمــر وض�ع ـًا‬ ‫ً‬ ‫العســكرية احلوثيــة يف البحــر األحمــر ضــد ســفن بعــض الــدول يعكــس مــدى تعقــد املشــهد السياســي يف هــذا املمــر املائــي‬ ‫االســتراتيجي ومــدى تضــارب املصالــح؛ بني مــن يربــط تلــك الهجمــات احلوثيــة يف البحــر األحمــر بالعــدوان اإلســرائيلي علــى‬ ‫قطــاع غــزة ويدعــو إلــى عالج أصــل املشــكل وليــس األعــراض الناجتــة عنــه وبني مــن ينفــي تلــك الرابطــة ويؤكــد علــى ضــرورة‬ ‫احتــرام مبــدأ حريــة املالحــة يف كل الظــروف وبني مــن يســتمر يف التــزام الصمــت‪ .‬وإضافــة إلــى ذلــك‪ ،‬ثمــة مواقــف رســمية وآراء‬ ‫فســرت الســلوك احلوثــي يف البحــر األحمــر مــن منظــور تنافــس القــوى الدوليــة العظمــى يف البحــر األحمــر‪.‬‬

‫د‪ .‬مالك العبد اهلل‬

‫أواًلا ‪ :‬إيران وإسرائيل‪ :‬تحديان ألمن المالحة البحرية‬

‫تاريخ ً​ًيــا‪ ،‬ظلــت التحديــات األمنيــة التــي مصدرهــا إيــران وإســرائيل‬ ‫حجــر الزاويــة يف مناقشــات الــدول العربيــة حتــت مظلــة جامعــة الــدول‬ ‫العربيــة بشــأن صياغــة موقــف عربــي موحــد يطــرح يف املنصــات‬ ‫العامليــة بشــأن النظــام القانونــي املالئــم للمالحــة يف املضايــق البحريــة‪.‬‬ ‫وبذلــت جلنــة قانــون البحــار التابعــة جلامعــة الــدول العربيــة جهــو ً​ًدا‬ ‫معتبــرة منــذ خمســينات القــرن املاضــي يف إطــار اإلعــداد ملؤمتــر‬ ‫جنيــف للبحــار ســنة ‪1958‬م‪.‬‬ ‫ويف ســنة ‪1973‬م‪،‬عقــدت تلــك اللجنــة اجتماعــات عــدة يف ظــل ظــروف‬ ‫جيوسياســية معقــدة يف املنطقــة؛ إذ كان الوضــع اجليوسياســي ملضيــق‬ ‫هرمــز يختلــف عــن الوضــع اجليوسياســي ملضيــق بــاب املنــدب ومضيق‬ ‫“تيــران وصنافيــر” ممــا صّعّ ــب الوصــول إلــى إجمــاع عربــي علــى‬ ‫مقاربــة موحــدة؛ فكانــت الــدول اخلليجيــة والعــراق تدفــع إلــى تكريــس‬

‫مبــدأ «حريــة املالحــة يف املضايــق» يف االتفاقيــات الدوليــة القادمــة‬ ‫لتــأمني نقــل صادراتهــا مــن النفــط عبــر املضايــق الدوليــة عمو ً​ًمــا وفــى‬ ‫مضيــق هرمــز خاصــة حتســ ً​ًبا مــن الســلوك اإليرانــي الســيما بعــد‬ ‫احــتالل إيــران للجــزر الواقعــة يف مدخــل مضيــق هرمــز وحتكمــه يف‬ ‫املــرور فيــه‪ .‬وباملقابــل‪ ،‬كانــت مصــر والــدول العربيــة اإلفريقيــة تركــز‬ ‫علــى الدفــع لصالــح وضــع قانونــي للمضايــق البحريــة يســاعد العــرب‬ ‫يف حربهــم ضــد إســرائيل‪ ،‬لذلــك كانــت تلــك الــدول مــع تقييــد حريــة‬ ‫املالحــة البحريــة عبــر املضايــق مــن خالل «حــق املــرور البــريء” والــذي‬ ‫يقتصــر علــى الســفن التجاريــة فقــط مــع عــدم إغفــال االتفاقيــة التــي‬ ‫تنظــم حــق املــرور البــريء يف زمــن احلــرب أو يف وقــت الطــوارئ أو‬ ‫التهديــد بنشــوب حــرب علــى أن يكــون مــرور الســفن احلربيــة يف امليــاه‬ ‫اإلقليميــة بشــرط اإلذن املســبق وليــس مجــرد إخطــار‪ .‬والح ً​ًقــا‪ ،‬وافقــت‬ ‫الــدول العربيــة علــى «املــرور العابــر» أو «الترانزيــت» يف املضايــق أي‬ ‫املــرور الســريع واملتواصــل الــذي ورد يف اتفاقيــة األمم املتحــدة لقانــون‬


‫‪54‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫بــاب املنــدب منــذ قفــزت احلركــة احلوثيــة علــى احلكــم يف صنعــاء‬ ‫وســيطرتها علــى كثيــر مــن التــراب اليمنــي مبســاعدة أطــراف إقليميــة‬ ‫وصمــت دولــي مريــب‪.‬‬ ‫بإلقــاء نظــرة علــى كافــة دول القــرن اإلفريقــي واليمــن جنــد أنهــا‬ ‫تتشــارك عــدم االســتقرار السياســي ومــا تبعــه مــن حــروب أهليــة‬ ‫داخليــة أو حــروب بينيــة وانتشــار ظواهــر الفقــر ممــا خلــق بيئــة‬ ‫خصبــة لظاهــرة اإلرهــاب الدولــي املمــول مــن أطــراف تــرى مصاحلهــا‬ ‫يف اســتمرار هــذه احلالــة مــن عــدم االســتقرار‪.‬‬ ‫هــذه احلالــة أوجــدت فرصــة مواتيــة لعــودة القواعــد األجنبيــة‬ ‫واألــساطيل البحرــية بحــجة حماــية ممـمرات املالــحة ومحارــبة اإلرــهاب‪.‬‬ ‫التصرفــات املزعزعــة لألمــن املالحــي وتهديــد سالمــة التجــارة الدوليــة‬ ‫بحاجــة إلــى ردع فــوري لكــن ال يســتقيم الــردع مــن جانــب دون إيقــاف‬ ‫تغذيــة نشــوء هــذه الكيانــات اإلرهابيــة‪ ،‬وحالــة عــدم االســتقرار‬ ‫السياســي هــي حتمــًاً البيئــة اخلصبــة لهــذه الظواهــر‪.‬‬ ‫حتمــا ســتكون بقيــة دول البحــر األحمــر هــي أول وأكثــر مــن يتأثــر‬ ‫مبشــاكل تضعضــع األمــن يف منطقــة القــرن اإلفريقــي واليمــن‪ ،‬ســيمتد‬ ‫التأثيــر لبقيــة دول العالــم مــن خالل تهديــد ومهاجمــة طــرق املالحــة يف‬ ‫هــذا املمــر احليــوي‪ .‬ظهــرت تلــك اآلثــار منــذ زمــن مــن خالل قرصنــة‬ ‫ســفن الشــحن ونــاقالت النفــط قبالــة الصومــال يف احمليــط الهنــدي‬ ‫ومــن خالل الهجــرات الكثيفــة للنــازحني مــن تلــك البلــدان للضفــة‬ ‫األخــرى يف اجلزيــرة العربيــة‪.‬‬ ‫مت االنتبــاه ملشــاكل األمــن يف البحــر األحمــر مبكـرًاً حيــث عقــدت عــدة‬ ‫مؤمتــرات ووقعــت اتفاقيــات ملعاجلــة هــذا امللــف ومــن تلــك اجلهــود‬ ‫ميثــاق أمــن جــدة ‪1956‬م‪ ،‬بني الســعودية ومصــر واليمــن ثــم مؤمتــر تعــز‬ ‫‪1977‬م‪ ،‬وال زالــت اململكــة العربيــة الســعودية مبشــاركة الــدول املؤثــرة يف‬ ‫أمــن البحــر األحمــر تبــذل جهــودًاً مشــهودة إليجــاد احللــول املناســبة‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫ألزمــات البحــر األحمــر ومــن ذلــك مؤمتــر الريــاض ‪2019‬م‪ ،‬للــدول‬ ‫املطلــة علــى البحــر األحمــر وخليــج عــدن‪.‬‬ ‫الــدول العربيــة املشــاطئة للبحــر األحمــر واملســتقرة حتدي ـدًاً هــي مــن‬ ‫عليــه العــبء الكبيــر يف مواجهــة آثــار أزمــة األمــن يف البحــر األحمــر‬ ‫وبــكل أســف فــإن االنهيــارات املتتابعــة لــدول القــرن اإلفريقــي ودخــول‬ ‫بعضهــا ضمــن دائــرة الــدول الفاشــلة قــد أوجــد الفرصة لظهــور كيانات‬ ‫موازيــة لكيانــات الــدول كاملنظمــات اإلرهابيــة ممــا أفقــد تلــك الــدول‬ ‫الســيطرة علــى املمارســات املتخــذة ضــد املالحــة الدوليــة‪ ،‬اجلهــود‬ ‫الدوليــة لــم تنجــح يف إيجــاد احللــول النهائيــة ملعاجلــة ظاهــرة هشاشــة‬ ‫الــدول ومنــو حــركات اإلرهــاب يف منطقــة القــرن اإلفريقــي وهــي ال‬ ‫تفكــر مــن ناحيــة أخالقيــة أو مصالــح جماعيــه فقــط وإمنــا تذهــب‬ ‫أحيان ـًاً كثيــرة للنظــر يف املصالــح الذاتيــة مــن خالل فــرص الهيمنــة‬ ‫وإعــادة النفــوذ علــى مناطــق تخلــت عنهــا بعــد احلقبــة االســتعمارية‬ ‫ولعــل التســابق يف إقامــة القواعــد العســكرية يف جــزر جنــوب البحــر‬ ‫األحمــر وجيبوتــي هــو مــا يوضــح الصــورة ‪.‬‬ ‫يقــع علــى عاتــق اجملتمــع الدولــي برمتــه وخاصــة الــدول العظمــى‬ ‫املؤثــرة اتخــاذ اخلطــوات اجلادة إلعــادة تأهيــل دول القــرن اإلفريقــي‬ ‫لتكــون ً‬ ‫دوًال قويــة بالقــدر الــذي تســتطيع بــه تلــك الــدول التحكــم‬ ‫والســيطرة علــى أراضيهــا بعيــدًاً عــن حمايــة القواعــد العســكرية‬ ‫األجنبيــة او ابتــزاز اجلماعــات اإلرهابيــة املتمــردة علــى الــدول ذلــك هــو‬ ‫احلــل الــذي ميكــن بــه إعــادة االســتقرار لتلــك الــدول وسالمــة طــرق‬ ‫املالــحة الدولــية وإيــقاف ــسيل الهــجرة غــير الــشرعية اــلذي ال ينتــهي‪.‬‬

‫*ماجستري علوم عسكرية وماجستري علوم سياسية ـ كاتب يف الشؤون األمنية‬ ‫والسياسية‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪53‬‬

‫ملف العدد‬

‫عــدم االســتقرار السياســي والحــروب األهليــة والفقــر خلــق بيئة خصبة‬ ‫لإلرهــاب وفرصــة لعودة القواعــد األجنبية واألســاطيل يف القرن اإلفريقي‬ ‫اوغاديــن ذو الهويــة الصوماليــة العربيــة واخلاضــع للســيطرة اإلثيوبيــة‬ ‫وبــسببه نــشأت بني البلدــين ــعدة ــحروب‪.‬‬ ‫بعــد االنــقالب العســكري الــذي قــاده الرئيــس الســابق محمــد ســياد‬ ‫بــري مت تغييــر هويــة الــبالد نحــو االشــتراكية‪ ،‬تراجعــت قــوة هــذا‬ ‫النظــام حتــى ســقوطه يف ‪1991‬م‪ ،‬وحينهــا دخــل الصومــال يف حالــة‬ ‫مــن الفوضــى السياســية واحلــرب األهليــة‪ .‬تدخلــت الواليــات املتحــدة‬ ‫األمريكيــة حتــت تفويــض أممــي ولــم يــدم ذلــك التدخــل طـ ً‬ ‫ـويًال‪ ،‬ولــم‬ ‫ترجــع الــبالد حلالتهــا األولــى منــذ ذلــك التاريــخ‪ ،‬أعلــن حينهــا إقليــم‬ ‫أرض الصومــال االنفصــال عــن احلكومــة املركزيــة ولــم يحــظ باعتــراف‬

‫دولــي حتــى اآلن‪ .‬وفجــر الوضــع يف األيــام املاضيــة بتوقيعــه اتفاقيــة‬ ‫التفاهــم مــع إثيوبيــا إليجــاد مرفــأ لهــا علــى البحــر األحمــر يف أراضــي‬ ‫اإلقليــم متجــاوزًاً احلكومــة املركزيــة يف مقديشــو‪.‬‬ ‫هــذا االتفــاق مهــدد بشــكل كبيــر لســيادة احلكومــة الصوماليــة املركزيــة‬ ‫علــى أراضيهــا فـ ً‬ ‫ـضًال عــن خلــق فرصــة مواتيــة إلثيوبيــا ملمارســة شــعور‬ ‫التفــوق الــذي تبحــث عنــه‪ ،‬والوضــع مهــدد باالنفجــار حيــث أن هــذا‬ ‫املوقــف اإلثيوبــي مبثابــة التهديــد لــكل مــن مصــر والســودان اللــتني‬ ‫تتنازعــان مــع إثيوبيــا أزمــة ســد النهضــة‪.‬‬ ‫اليمــن دخــل علــى خــط الــدول غيــر املســتقرة املطلــة علــى مضيــق‬


‫‪52‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫نتيجــة ردات الفعــل االنتقاميــة وليــس مــن يعانــي الضربــات كمــن‬ ‫يعدهــا وحســب‪.‬‬ ‫دول جنــوب البحــر األحمــر لــم تعــش مراحــل االســتقرار السياســي‬ ‫والرفــاه االقتصــادي بعــد اســتقاللها إال قلـ ً‬ ‫ـيًال برغــم مواردهــا اجليــدة‬ ‫فالســودان طــوال تاريخــه احلديــث ومنــذ اســتقالله وهــو ميضــي مــن‬ ‫انــقالب عســكري إلــى مثلــه حتــى انتهــى بالصــراع الدائــر حالي ـًاً بني‬ ‫قــوات اجليــش النظامــي وقــوات الدعــم الســريع التــي مت بناؤهــا‬ ‫وتشــكيلها خالل الســنوات القليلــة املاضيــة وال توحــي املؤشــرات بنهايــة‬ ‫األزمــة برغــم اجلهــود الدبلوماســية الضخمــة حملاولــة جمــع الكلمــة‬ ‫ونــزع فتيــل األزمــة وتقــف اململكــة العربيــة الســعودية علــى رأس الــدول‬ ‫التــي تســعى لإلصالح هنــاك‪.‬‬ ‫ً‬ ‫اســتقالًال وثانــي أكبــر دولــة بعــد نيجيريــا‬ ‫إثيوبيــا أول دول إفريقيــا‬ ‫تعتبــر دولــة داخليــة ال تطــل علــى بحــر لكنهــا قامــت باحــتالل دولــة‬ ‫إرتيريــا املطلــة علــى البحــر األحمــر منــذ عــام ‪ 1962‬حتــى عــام ‪1993‬م‪.‬‬ ‫برغــم كل املصاعــب التــي تقابلهــا إثيوبيــا فهــي تصــارع لتكــون دولــة‬ ‫مؤثــرة متحكمــة مــن خالل عــدد مــن امللفــات السياســية مثــل بنائهــا‬ ‫ســد النهضــة محــل التنــازع مــع مصــر والســودان مــن حيــث احلصــص‬ ‫املائيــة لنهــر النيــل وأزمــة مــلء الســد ومــا يترتــب عليــه‪.‬‬ ‫وبعــد فشــل اســتمرار احــتالل إرتيريــا وبقائهــا متنفســًاً لهــا علــى‬ ‫البحــر األحمــر إضافــة إلــى احلــروب واملناوشــات التــي لــم تتوقــف منــذ‬ ‫اســتقالل إرتيريــا لــم تتوقــف إثيوبيــا ملــد نظرهــا للــدول احمليطــة بهــا‬ ‫ً‬ ‫تدخًال عســكر ً​ًيا مباشـرًاً يف التســعينات من‬ ‫فقــد تدخلــت يف الصومــال‬ ‫القــرن املاضــي عــدة مــرات منــذ انهيــار احلكومــة املركزيــة للصومــال‪.‬‬ ‫انتهــت هــذه التــدخالت باجتــاه آخــر وذلــك بتوقيــع مذكــرة تفاهــم‬ ‫بني كل مــن رئيــس الــوزراء اإلثيوبــي آبــي أحمــد ورئيــس إقليــم أرض‬ ‫الصومــال االنفصالــي موســى بيهــي عبــدي‪ .‬يضمــن االتفــاق إلثيوبيــا‬ ‫إيجــاد منفــذ جتــاري وعســكري لهــا علــى البحــر األحمــر‪ ،‬مقابــل‬ ‫االعتــراف الرســمي بجمهوريــة أرض الصومــال»‪ ،‬حيــث ســيؤجر إقليــم‬ ‫ً‬ ‫شــريًطا ســاحل ً​ًيا بطــول ‪20‬‬ ‫أرض الصومــال االنفصالــي إلثيوبيــا‬ ‫كيلومتـ ً​ًرا ملــدة ‪ 50‬عا ً​ًما‪.‬هــذا االتفــاق قــد يضمــن ألرض الصومــال أول‬ ‫اعتــراف دولــي لهــا منــذ إعالنهــا االنفصــال عــن جمهوريــة الصومــال‬ ‫مــن طــرف واحــد يف ‪1991‬م‪ .‬ســبق هــذا االتفــاق خطــاب للرئيــس‬ ‫اإلثيوبــي يف البــرملان يف شــهر أكتوبــر املاضــي قــال فيــه صراحــة إن‬ ‫دولتــه لــن تستســلم لبقائهــا دولــة حبيســة علــى الــدوام ويجــب خلــق‬ ‫فــرص لوصولهــا ملوانــئ البحــر األحمــر بــأي ســبيل‪ ،.‬وكان هــذا االتفــاق‬ ‫مبثابــة صــب الزيــت علــى النــار يف القــرن اإلفريقــي الغــارق يف الفوضى‬ ‫والصراعــات التــي لــم تتوقــف منــذ زمــن طويــل‪.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫دولــة إرتيريــا التــي عانــت االســتعمار اإليطالــي لنفــس الفتــرة التــي‬ ‫عانتهــا إثيوبيــا لــم تفــرح باالســتقالل كثي ـ ً​ًرا حيــث دخلــت يف احــتالل‬ ‫إثيوبــي إبــان حكــم الرئيــس اإلثيوبــي هيالسيالســي لــم تبارحــه حتــى‬ ‫‪1991‬م‪ ،‬حني اســتطاعت حــركات املقاومــة علــى مــدى ثالثني عامـًاً مــن‬ ‫احلصــول علــى االســتقالل مبســاع أمريكيــة‪ .‬كانــت الواليــات املتحــدة‬ ‫األمريكيــة تعتبــر إثيوبيــا حليفهــا القــوي يف القــرن اإلفريقــي ملراقبــة‬ ‫األوضــاع هنــاك والتدخــل نيابــة عنهــا يف كثيــر مــن الصراعــات حيــث‬ ‫تدخلــت يف إرتيريــا والصومــال كثيـرًاً لكنهــا رأت إفســاح اجملال لتجربــة‬ ‫جديــدة بدعــم ثــوار إرتيريــا مــن خالل املفاوضــات مــع إثيوبيــا بإقامــة‬ ‫اســتفتاء شــعبي حتــت رعايــة أمميــة أدى إلــى اســتقالل إرتيريــا أخيـرًاً‪.‬‬ ‫إســرائيل لــم تكــن غائبــة عــن املشــهد حيــث ســعت إلــى وجــود موطــئ‬ ‫قــدم لهــا يف جنــوب البحــر األحمــر منــذ نشــأتها وقــد آمنــت بــأن‬ ‫أمنهــا يبــدأ مــن هنــاك وال زالــت كلمــة ديفيــد بــن غوريــون الرئيــس‬ ‫اإلســرائيلي األول حاضــرة يف األذهــان حني قــال (إننــي أحلــم بــأن‬ ‫متخــر أســاطيل داود يف البحــر األحمــر)‪ .‬فعــززت مــن عالقاتهــا مــع‬ ‫إثيوبيــا أوال وكانــت حاضــرة دائمــا يف تســليح وتدريــب القــوات اإلثيوبيــة‬ ‫ومــع الوقــت لــم تشــأ أن تخســر الرهــان وعينهــا علــى البحــر األحمــر‪،‬‬ ‫حني رأت إســرائيل بــوادر الغلبــة للثــوار اإلرتيــريني راهنــت علــى هــذا‬ ‫اخليــار ودخلــت يف حتالــف مريــب مــع أول حاكــم إرتيــري وهــو أسياســي‬ ‫أفورقــي الــذي كانــت سياســاته جانحــة نحــو النــأي عــن العالــم العربــي‬ ‫واإلسالمــي وترجيــح العالقــة مــع إســرائيل وتغليــب اللغــة والقوميــة ذات‬ ‫البعــد اإلفريقــي‪ .‬تشــير كثيــر مــن األخبــار والتقاريــر إلــى تأجيــر إرتيريــا‬ ‫جملموعــة مــن جــزر أرخبيــل دهلــك إلســرائيل إلقامــة قواعــد عســكرية‬ ‫عليهــا‪ ،‬كمــا تشــير أخبــار أخــرى لتأجيــر مجموعــة مــن اجلــزر أيض ـً​ًا‬ ‫إليــران لنفــس الغــرض‪.‬‬ ‫جيبوتــي الدولــة العربيــة املطلــة علــى مضيــق بــاب املنــدب والتــي كانــت‬ ‫تســمى بالصومــال الفرنســي هــي الدولــة املطلــة علــى مضيــق بــاب‬ ‫املنــدب مــن جهــة الغــرب حتديــدًاً وهــي دولــة قليلــة الســكان قليلــة‬ ‫املــوارد فتحــت اجملال علــى مصراعيــه يف ظــل هشاشــة الــدول احمليطــة‬ ‫الســتضافة القواعــد األجنبيــة حيــث تســتضيف قواعــد عســكرية لــكل‬ ‫مــن الواليــات املتحــدة األمريكيــة وفرنســا وإيطاليــا وإســبانيا والــصني‬ ‫واليابــان‪.‬‬ ‫دولــة الصومــال هــذا الكيــان الهــش خضــع لالســتعمار الغربــي بدايــة‬ ‫مــن القــرن التاســع والعاشــر ثــم اســتقل عــام ‪1960‬م‪ ،‬بكافــة أقاليمــه‬ ‫باســتثناء الصومــال الفرنســي الــذي اســتقل الح ً​ًقــا ‪1977‬م‪ ،‬حتــت‬ ‫مســمى دولــة جيبوتــي‪.‬‬ ‫الصومــال منــذ اســتقالله وهــو يف نــزاع حــدودي مــع إثيوبيــا علــى إقليــم‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪51‬‬

‫ملف العدد‬

‫االســتعراض الشــكيل للحوثييــن الســتغالل التعاطــف الشــعبي مــع‬ ‫الفلســطينيين لتعزيز شــرعيتهم المهزوزة والبحث عن فرصة االعتراف الدويل‬ ‫بريطانيــا‪ ،‬ســمي هــذا التحالــف بـــ (حــارس االزدهــار) كنايــة عــن تــأمني‬ ‫طــرق التجــارة واســتمرار حريــة املالحــة دون تهديــدات يف منطقــة‬ ‫عمليــات التحالــف‪ .‬الــدول العربيــة لــم تشــارك يف التحالــف باســتثناء‬ ‫البحريــن التــي تســتضيف موانئهــا األســطول اخلامــس األمريكــي‪.‬‬ ‫مت تــدشني هــذا التحالــف يف ‪ 18‬ديســمبر ‪2023‬م‪ ،‬وكانــت عملياته بداية‬ ‫عبــارة عــن أدوار دفاعيــة فقــط ملنــع هجمــات احلوثــي الصاروخيــة أو‬ ‫الطائــرات املســيرة مــن مهاجمــة الســفن العابــرة للممــرات املائيــة يف‬ ‫البحــر األحمــر وخليــج عــدن‪.‬‬ ‫كانــت إجــراءات قــوة التحالــف هــذه مقتصــرة علــى الدفــاع باســتهداف‬ ‫املســيرات والصواريــخ املوجهــة ضــد الســفن العابــرة خلطــوط املالحــة‬ ‫القريبــة مــن األراضــي اليمنيــة لكــن مــا لبثــت العمليــات حتــى انتقلــت‬ ‫للجانــب الهجومــي حيــث شــنت القــوات األمريكيــة والبريطانيــة عــدة‬ ‫غــارات جويــة وهجومــات صاروخيــة علــى أهــداف منتقــاة يف اليمــن‬ ‫حســب تصريــح قــوات التحالــف ابتــداء مــن ‪11‬ينايــر ‪2024‬م‪ ،‬وتكــرر ذلــك‬ ‫الهجــوم مــرات عديــدة‪ ،‬وكــرد فعــل علــى هــذه الهجمــات هــدد احلوثيــون‬ ‫بعدهــا بإضافــة أي ســفن أمريكيــة أو بريطانيــة إلــى قائمــة أهدافهــم‪.‬‬ ‫حتمــَاَ تســتطيع القــوات األمريكيــة والبريطانيــة التأثيــر بشــكل بالــغ‬ ‫علــى قــدرات احلوثــي الصاروخيــة بالتحديــد باســتهداف قواعــد‬ ‫اإلطالق واخملازن واملصانــع ‪ ،‬هــذا التأثيــر مرهــون بحقيقــة النوايــا‬ ‫األمريكيــة فمــن يهاجمــون احلوثــي ويشــيطنون أفعالــه اليــوم هــم مــن‬ ‫عرقلــوا باألمــس قــوات حتالــف دعــم الشــرعية بقيــادة الســعودية ملنــع‬ ‫اســتيالئهم علــى مينــاء احلديــدة وســاقوا يف ذلــك الوقــت كل املبــررات‬ ‫اإلنســانية ملنــع إمتــام تقــدم قــوات التحالــف علــى األرض وأبقــوا البــاب‬ ‫مشــرعًاً لقــوات احلوثــي إلدخــال كل التعزيــزات مــن األســلحة وغيرهــا‬ ‫عبــر ذلــك املنفــذ البحــري إلدامــة تغذيــة هــذا الكائــن اإلرهابــي املتمــرد‬ ‫‪ ،‬وهــم مــن ســارعوا بإزالــة اجلماعــة مــن قائمــة اإلرهــاب األمريكيــة‬ ‫مببــررات واهيــة ثــم عــادوا لوصمــه بنفــس التصنيــف حني طالتهــم‬ ‫هجمــات احلوثــي بنيرانهــا ‪.‬‬ ‫نــأت اململكــة العربيــة الســعودية بنفســها عــن هــذا التحالــف فهــي ال‬ ‫تريــد املســاهمة يف تقويــض جهــود الــسالم التــي توشــك علــى التمــام‬ ‫بني األطــراف اليمنيــة كمــا أن النتائــج املرجــوة لهــذا التحالــف تصــب‬

‫بطريقــة أو بأخــرى يف مصلحــة إســرائيل ويعــزز مــن اســتمرار عدوانهــا‬ ‫عــلى الفلــسطينيني يف ــغزة‪.‬‬ ‫ال يســتبعد بــأن جماعــة احلوثــي بهــذه الهجمــات تبحــث عــن دور‬ ‫حقيقــي ومســاحة علــى خارطــة السياســة الدوليــة أكبــر مــن تلــك التــي‬ ‫ســتحصل عليهــا نتيجــة مفاوضــات واتفاقــات الــسالم مــع األطــراف‬ ‫اليمنيــة األخــرى التــي ســتكتفي مبنحهــا اعترافــًاً بأنهــا مجــرد جــزء‬ ‫ــشرعي ــمن املكوــنات اليمنــية‪.‬‬ ‫ســيعتمد مــدى اســتمرار احلوثــي يف هجماتــه علــى النتائــج املتحققــة‬ ‫يف املــدى القريــب واألهــداف النهائيــة التــي يطمــح يف الوصــول إليهــا‪،‬‬ ‫أمــا إذا كانــت مجــرد مغامــرات للحصــول علــى تأييــد وتعاطــف شــعبي‬ ‫يف العالــم اإلسالمــي أو تنفيــذًاً لرغبــات إيرانيــة فالطــرف الــذي‬ ‫ــسيدفع الثــمن غالــيًاً ــهو الــشعب اليمــني املغــلوب عــلى أــمره‪.‬‬ ‫يف الواقــع لــن تكــون الضربــات احلوثيــة ذات تأثيــر حقيقــي للدرجــة‬ ‫التــي تســهم يف نهايــة احلــرب علــى غــزة‪ ،‬واحلوثــي يعــرف قبــل غيــره‬ ‫أن صواريخــه ومســيراته طــوال ســنوات عمليــات عاصفــة احلــزم‬ ‫وإعــادة األمــل لــم حتقــق الكثيــر مــن أهدافهــا ولــم حتــدث أث ـرًاً كبي ـرً​ًا‬ ‫يف ميــدان املعركــة‪.‬‬ ‫يبــدو أن جانــب االســتعراض الشــكلي لهــذه العمليــات يطغــى‬ ‫علــى حقيقتهــا والهــدف النهائــي اســتغالل التعاطــف الشــعبي مــع‬ ‫الفلســطينيني ضــد االعتــداءات اإلســرائيلية لتعزيــز الشــرعية‬ ‫الداخليــة املهــزوزة والبحــث عــن فرصــة مــا وســط العمليــات العســكرية‬ ‫للحصــول علــى اعتــراف مــا كطــرف مؤثــر علــى األراضــي اليمنيــة‬ ‫بــدال مــن احلكومــة الشــرعية التــي ال متلــك علــى األرض كثي ـ ً​ًرا مــن‬ ‫مكونــات الدولــة اليمنيــة الســابقة وأهمهــا العاصمــة صنعــاء واملينــاء‬ ‫االســتراتيجي احلديــدة‪.‬‬ ‫إيــران حني وظفــت تلــك األذرع املؤثــرة البعيــدة عنهــا للمشــاغبة‬ ‫يف اجتاهــات متعــددة مــن خالل مهاجمــة املصالــح األمريكيــة أو‬ ‫اإلســرائيلية دون وقايــة مــن ردود األفعــال القاســية التــي تســلط عليهــا‬ ‫فهــي تكتفــي باملشــاركة املعنويــة يف استشــعار األلــم الــذي يحــدث‬

‫مصــر أكثــر الــدول العربية تســديًدً ا لفاتورة االحتالل اإلســرائييل قديًمً ا‬ ‫وحدي�ثـًا طالهــا الجــزء األكبــر من الضــرر بانخفاض إيــرادات قناة الســويس‬


‫‪50‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫نــأت الســعودية بنفســها عــن تحالــف االزدهــار ألن النتائــج‬ ‫تصــب يف مصلحــة إســرائيل وتعــزز مــن اســتمرار عدوانهــا عىل غــزة‬ ‫فحســب بــل وجهــت ضرباتهــا اجلويــة واجتياحاتهــا البريــة ضــد‬ ‫املدنــيني العــزل‪ ،‬وبعــد مــرور أكثــر مــن مائــة يــوم مــن العمليــات بلغــت‬ ‫الوفيــات يف اجلانــب الفلســطيني أكثــر مــن ‪ 25‬ألــف شــهيد فيمــا‬ ‫جــاوزت أرقــام اجلرحــى ضعفــي هــذا الرقــم وأكثــر وال زالــت األرقــام‬ ‫يف تصاعــد مســتمر‪ ،‬حظــي هــذا الهجــوم الســافر مبواقــف متواطئــة‬ ‫فجــة مــن احلكومــات الغربيــة فيمــا قــادت اململكــة العربيــة الســعودية‬ ‫مجموعــة مــن اجلهــود الدبلوماســية عبــر اســتضافتها للقمــتني العربية‬ ‫واإلسالميــة علــى أراضيهــا بعــد أيــام مــن بدايــة العــدوان وذلــك حلشــد‬ ‫اجلهــود الدبلوماســية إليقــاف هــذا العــدوان وحشــد جهــود األعمــال‬ ‫اإلنســانية مــع الشــقيقة مصــر ملســاعدة النــازحني واملصــابني وتخفيــف‬ ‫األضــرار التــي يعانونهــا بســبب هــذه احلــرب‪.‬‬ ‫حمــاس التــي أشــعلت فتيــل هــذه احلــرب ولــم تــدرس جي ـدَاَ طبيعــة‬ ‫الثمــن الــذي ســيتم تســديده باتــت وحيــدة يف ميــدان القتــال وأصبحــت‬ ‫القــوى التــي كانــت تهــدد بــهالك إســرائيل متطأطئــة الــرأس لــم‬ ‫يصــل حلمــاس منهــا ســوى التعاطــف اللفظــي فيمــا يســدد املواطنــون‬ ‫الفلســطينيون يف غــزة والضفــة الغربيــة اجلــزء األكبــر مــن الثمــن‪.‬‬ ‫احلوثيــون يف اليمــن قامــوا ابتــدا ً​ًء مــن يــوم التاســع عشــر مــن نوفمبــر‬ ‫املاضــي بأعمــال هجوميــة ضــد القطــع البحريــة التجاريــة الذاهبــة‬ ‫إلســرائيل أو القادمــة منهــا حســب ادعائهــم تضمنــت تلــك الهجمــات‬ ‫خطــف واحتجــاز الســفن ومهاجمــة أخــرى يف عــرض البحــر بفعــل‬ ‫املســيرات أو الصواريــخ‪ ،‬يدعــي احلوثيــون أن عملياتهــم العســكرية‬ ‫ضــد القطــع البحريــة اإلســرائيلية أو الســفن الذاهبــة إلــى إســرائيل‬ ‫أو العائــدة منهــا حتدي ـدًاً‪.‬‬ ‫هــذا االســتعراض املشــوب باخملاطــر لــم يخــدم القضيــة التــي يزعمــون‬ ‫الدفــاع عنهــا كثيـرًاً فإســرائيل لديهــا مــن البدائــل األخــرى مــا يقلــل مــن‬ ‫هــذا التأثيــر ‪ ،‬بينمــا التأثيــر املباشــر يف األشــهر األولــى لهــذه العمليات‬ ‫كان يف حتــول كثيــر مــن شــركات الشــحن نحــو املســار البعيــد اآلمــن‬ ‫(رأس الرجــاء الصالــح)‪ ،‬ومــن ثــم تكاليــف الشــحن ارتفعــت بنســب‬ ‫كبيــرة علــى املســتفيدين مــن الشــحنات وأجــور التــأمني ارتفعــت كثيـرً​ًا‬ ‫وأيــام تســليم الشــحنات لــدول أوروبــا بالــذات تضاعفــت ‪ ،‬مصــر التــي‬ ‫تعــد مــن أكثــر الــدول العربيــة تســديدًاً لفاتــورة االحــتالل اإلســرائيلي‬

‫ألراضــي فلســطني قدميــًاً وحديثــًاً طالهــا اجلــزء األكبــر مــن تأثيــر‬ ‫هــذه الهجمــات غيــر املدروســة فقــد انخفضــت إيــرادات قنــاة الســويس‬ ‫لألشــهر الالحقــة لهــذه الهجمــات بنســبة جتــاوزت الـــ ‪ %40‬نتيجــة‬ ‫انخفــاض حركــة الســفن وحتويــل مســارها عــن البحــر األحمــر ‪.‬‬ ‫وهنــا يتبــادر لذهننــا الســؤال امللــح التالــي‪ :‬ماهــي الدوافــع احلقيقيــة‬ ‫لهــذا التصــرف مــن احلوثــيني ومــا الــذي ســيترتب عليــه؟‬ ‫قبــل الذهــاب لإلجابــة علــى الســؤالني أعاله يجــب وضــع تصرفــات‬ ‫احلوثــي علــى مســطرة القانــون الدولــي ملعرفــة مــا إذا كان هــذا‬ ‫ً‬ ‫مشــروًعا يف القانــون الدولــي أم ال‪ ،‬ومبــا ان جميــع‬ ‫عــمًال‬ ‫التصــرف‬ ‫ً‬ ‫الــدول لهــا حــق حريــة املالحــة يف امليــاه الدوليــة فــإن أي اعتــداء علــى‬ ‫تلــك الســفن هــو خــرق للقانــون الدولــي والغــرض املســتهدف هــو‬ ‫االســتهالك الداخلــي وجلــب بعــض التعاطــف اخلارجــي‪ .‬فمــن يدعــي‬ ‫مناصرة الفلســطينيني ميارس يف الداخل اليمني ما متارســه إســرائيل‬ ‫بحــق الفلســطينيني مــن تفجيــر املنــازل واغتيــال املعــارضني وإســكات‬ ‫كل صــوت مخالــف وإذا كانــت إســرائيل تســعى لتهويــد كل األراضــي‬ ‫الفلســطينية فــإن احلوثــي ميــارس مبنهجيــة التحــول الطائفــي للشــعب‬ ‫اليمنــي بالقــوة بفــرض مناهــج تعليــم طائفيــة وإدخــال شــعائر مذهبيــة‬ ‫ــلم يــكن الــشعب اليمــني يعرفــها مــسبقًاً‪.‬‬ ‫كــرد فعــل مباشــر ألعمــال احلوثــي املهــددة ألمــن املالحــة يف جنــوب‬ ‫البحــر األحمــر تبنــت الواليــات املتحــدة األمريكيــة الدعــوة إلــى قيــام‬ ‫حتالــف عســكري دولــي لــردع العمليــات احلوثيــة وحمايــة وتــأمني‬ ‫الســفن العابــرة ملضيــق بــاب املنــدب واملمــرات القريبــة منــه‪ ،‬هــذا‬ ‫التحالــف ليــس بالضــرورة فضيلــة أمريكيــة فهــي علــى مســافة‬ ‫ليســت بالبعيــدة تؤيــد بفجاجــة العمليــات العســكرية اإلســرائيلية‬ ‫ضــد الفلســطينيني العــزل يف غــزة بــل وتســاهم بشــكل مباشــر يف‬ ‫جوانــب منهــا‪ .‬انضــم لهــذا التحالــف الــذي دعــت لــه الواليــات املتحــدة‬ ‫األمريكيــة عــدة دول علــى رأســها بريطانيــا وأســتراليا وإيطاليــا وعــدد‬ ‫مــن الــدول األخــرى واختلفــت درجــة املســاهمة يف هــذا التحالــف بني‬ ‫املســاهمة الفعليــة بقطــع بحريــة مؤثــرة أو الرمزيــة حتــى إن بعــض‬ ‫الــدول لــم تصــل مشــاركتها ســوى إرســال ضبــاط أركان للتنســيق يف‬ ‫غرفــة عمليــات التحالــف والطــرف الوحيــد املشــارك بشــكل مؤثــر هــي‬

‫تأثير الضربات األمريكية عىل قدرات الحوثيين مرهون بنوايا أمريكا التي‬ ‫عرقلــت قــوات تحالــف دعم الشــرعية لمنع اســتيالئهم عىل مينــاء الحديدة‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪49‬‬

‫ملف العدد‬

‫تحديــات األمــن فــي البحــر األحمــر والقــرن اإلفريقــي‪ :‬املواجهــة والتــوازن والــردع‬

‫المجتمع الدويل مطالب بتأهيل القرن اإلفريقي‬ ‫بعيًدً ا عن القواعد األجنبية لسالمة المالحة‬

‫بالرغــم مــن صغــر مســاحة البحــر األحمــر قياسـًاً بغيــره مــن بحــار العالــم ومحيطاتــه إال أنــه يحمــل أهميــة اســتراتيجية بالغــة‪،‬‬ ‫حيــث أنــه أحــد أهــم املمــرات املائيــة للتجــارة الدوليــة والتحــركات العســكرية‪ ،‬فمنــذ أيــام اإلمبراطوريــة الرومانيــة كانــت تربــط‬ ‫بينــه وبني البحــر املتوســط بفضــل ســيطرتها علــى طــرق التجــارة أثنــاء حكمهــا ملصــر وبالد الشــام‪ .‬ظــل البحــر األحمــر يحمــل‬ ‫درجــة عاليــة مــن األهميــة يف العصــور الالحقــة ثــم تعــززت هــذه األهميــة بشــكل كبيــر حني مت افتتــاح قنــاة الســويس يف القــرن‬ ‫التاــسع عــشر حــيث أصــبح البــحر األحــمر أــهم ممـمر ماــئي عــلى اإلطالق يرــبط ــشرق العاــلم بغرــبه‪.‬‬ ‫ممــا يعظــم أهميــة هــذا املمــر املالحــي والشــريان احليــوي حصــر حركــة املالحــة للدخــول لــه أو اخلــروج منــه مــن خالل مضايــق‬ ‫وممــرات مائيــة مقيــدة فمــن اجلنــوب مضيــق بــاب املنــدب الــذي يربــط البحــر األحمــر بخليــج عــدن ومنــه للبحــر العربــي‬ ‫واحمليــط الهنــدي ومــن الشــمال خليــج العقبــة الــذي ينتهــي مبينــاء العقبــة يف األردن وإيالت يف إســرائيل ومدينــة حقــل الســعودية‬ ‫يف حني يعتبــر خليــج الســويس الفــرع النافــذ مــن البحــر األحمــر جهــة الشــمال حيــث يرتبــط بقنــاة الســويس املؤديــة للبحــر‬ ‫املتوســط‪.‬‬

‫العميد الركن ‪/‬سعد سليمان الشهري‬

‫هــذا األمــر يجعــل مــن األهميــة مبــكان أن تكــون الــدول املشــاطئة لهــذا‬ ‫املســطح املائــي مســتقرة سياســيًاً وأمني ـًاً وبخاصــة تلــك املطلــة علــى‬ ‫املضائــق واملمــرات املائيــة‪ ،‬طبيعــة توزيــع املــوارد االقتصاديــة حــول‬ ‫العالــم وحركــة نقلهــا مــن بلــدان اإلنتــاج إلــى بلــدان االســتهالك حيــث‬ ‫الطلــب العالــي‪ ،‬يشــمل ذلــك منتجــات الصناعــة والغــذاء ومنتجــات‬ ‫الطاقــة اخلام واملشــتقات‪ ،‬حركــة هــذه املــواد بني املنتجني واملســتهلكني‬ ‫يســلك معظمهــا البحــر األحمــر‪.‬‬ ‫وســاعد يف تفضيــل هــذا املســار أيضـًاً دفء امليــاه معظــم أوقات الســنة‬ ‫وخلــوه مــن املعوقــات وســهولة الدعــم اللوجســتي علــى طــول الطريــق‬ ‫بفضــل انتشــار الكثيــر مــن املوانــئ علــى جنباتــه‪ ،‬وكان اكتشــاف املســار‬ ‫املالحــي املار بــرأس الرجــاء الصالــح الــذي يــدور حــول إفريقيــا قبــل‬ ‫حًال بـ ً‬ ‫إجنــاز قنــاة الســويس ميثــل ً‬ ‫ـديًال ملســارات التجــارة بني أوروبــا‬ ‫ووســط وشــرق آســيا وال يــزال يســتخدم حتــى وقتنــا هــذا لكــن املســار‬ ‫املار بالبحــر األحمــر يعطــي قيمــة تفضيليــة فارقــة‪.‬‬

‫نظــرًاً ألهميــة البحــار يف العمليــات العســكرية واملدنيــة ولكونهــا‬ ‫مســتودع الكثيــر مــن املــوارد الطبيعيــة والغذائيــة للــدول وحلاجــة الــدول‬ ‫واجملتمعــات لتســيير املراكــب املتعــددة خالل البحــار واحمليطــات‬ ‫واملســطحات املائيــة األخــرى وكــون جتــارب الــدول قــد أوصلتهــا للكثيــر‬ ‫مــن النضــج عــن طريــق عقــد االتفاقيــات واملفاهمــات حــول اســتخدام‬ ‫البحــار يف التنقــل وجلــب املــوارد اخملتلفــة‪ .‬فقــد توصلــت مجموعــة‬ ‫مــن الــدول إلــى إقــرار قانــون البحــار ليكــون قواعــد منظمــة للتعــامالت‬ ‫بني الــدول والكيانــات يف اســتخدام البحــار واملمــرات املائيــة وحتديــد‬ ‫مــا يكــون منهــا حتــت ســيادة الدولــة ومــا يكــون مشــاعًاً للــدول األخــرى‬ ‫لالنتفــاع بوجــوه مختلفــة وتــوج ذلــك بتوقيــع مــا ســميت اتفاقية األمم‬ ‫املتحــدة لقانــون البحــار لعــام ‪1982‬م‪.‬‬ ‫عندمــا هاجمــت إســرائيل قطــاع غــزة ردًاً علــى العمليــة التــي أســمتها‬ ‫منظمــة حمــاس طوفــان األقصــى يف ‪ 7‬أكتوبــر ‪2023‬م‪ ،‬اســتخدمت‬ ‫دولــة االحــتالل اإلســرائيلي القــوة املفرطــة ليــس ضــد مقاتلــي حمــاس‬


‫‪48‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫بث المشاهد الدامية للقصف اإلسرائييل المدمر واألطفال يف غزة أجج مشاعر‬ ‫الغضب والسخط العربي الزدواجية المعايير الغربية وعدم محاسبة إسرائيل‬ ‫ومــن أجــل جتنــب انــدالع حــرب إقليميــة مدمــرة‪ ،‬مــن املهــم تعريــف‬ ‫وحتديــد الــدروس األساســية املســتفادة مــن التطــورات األخيــرة‬ ‫واخلطــوات الالزمــة مــن أجــل وضــع منطقــة الشــرق األوســط علــى‬ ‫املســار الصحيــح الــذي يــؤول إلــى االســتقرار السياســي واالزدهــار‬ ‫االقتــصادي‬ ‫الــدرس األول الــذي أكدتــه التطــورات األخيــرة‪ ،‬هــو الترابــط بني احلــرب‬ ‫الدائــرة يف قطــاع غــزة‪ ،‬والصــراع يف البحــر األحمــر‪ ،‬والتوتــرات يف‬ ‫منطقــة القــرن اإلفريقــي‪ .‬واحلاجــة إلــى صياغــة اســتراتيجية موســعة‬ ‫مــن أجــل معاجلــة كافــة هــذه الصراعــات املتداخلــة‪ .‬عالوة علــى ذلــك‪،‬‬ ‫يجــدر التأكيــد علــى أن “إدارة النــزاع” ال ميكــن أن تكــون بـ ً‬ ‫ـديًال عــن‬ ‫«حــل النــزاع» كمــا أنــه ينبغــي حتديــث اجلهــود اإلقليميــة والدوليــة مــن‬ ‫أجــل التوصــل حلــل دائــم للقضيــة الفلســطينية وهــو مــا يعنــي إقامــة‬ ‫حــل الدولــتني‪ .‬فــإن الشــعب الفلســطيني‪ ،‬كســائر شــعوب العالــم‪ ،‬لديــه‬ ‫احلــق يف أن يكــون لــه دولــة مســتقلة‪ .‬ويف هــذا الســياق‪ ،‬فــإن مبــادرة‬ ‫الــسالم العربيــة (‪2002‬م) التــي طرحهــا ولــي العهــد الســعودي يف ذلــك‬ ‫احلني األميــر عبــد اهلل بــن عبــد العزيــز تتيــح أكثــر اإلطــارات القابلــة‬ ‫للتطبــيق‪.‬‬ ‫الــدرس الثانــي‪ ،‬هــو ضــرورة أن تعــي إســرائيل ومواطنوهــا أن الســبيل‬ ‫الوحيــد ألن يحظــوا بقبــول جيرانهــم العــرب والعيــش يف سالم يكمــن‬ ‫يف التوصــل إلــى تســوية عادلــة والتفــاوض علــى حــل سياســي مــع‬ ‫الفلســطينيني‪ .‬باإلضافــة إلــى ضــرورة إحــراز تقــدم ال رجعــة فيــه‬ ‫نحــو حــل الدولــتني وإقامــة الدولــة الفلســطينية‪ .‬وقــد أعربــت كل مــن‬ ‫الواليــات املتحــدة وبريطانيــا واالحتــاد األوروبــي عــن نيتهــم لالعتــراف‬ ‫بدولــة فلســطينية‪ .‬مــن جانبــه‪ ،‬قــال وزيــر اخلارجيــة البريطانــي ديفيــد‬ ‫كاميــرون « إذا مــا كانــت الثالثــون عا ً​ًمــا املاضيــة ســتخبرنا شــي ً​ًئا‪،‬‬ ‫فســيكون ســردية عــن الفشــل‪ ،‬فصحيــح أن إســرائيل تنعــم مبســتويات‬ ‫عاليــة مــن املعيشــة علــى نحــو مثيــر لإلعجــاب‪ ،‬فــضاًلا عــن اقتصادهــا‬ ‫املتنامــي وجيشــها القــوي‪ .‬إال أن احلكومــة فشــلت يف توفيــر أكثــر مــا‬ ‫يريــده النــاس وهــو األمــن‪ .‬كذلــك لــن تنعــم إســرائيل باألمــن قــط مــا‬ ‫لــم يقبلهــا جيرانهــا‪ .‬لذلــك فــإن اإلقــدام علــى قتــل آالف الفلســطينيني‬ ‫يف قطــاع غــزة هــو نهــج خاطــئ‪ ،‬فــإن النهــج الصحيــح يكمــن يف جهــود‬ ‫الــسالم واملفاوضــات الدبلوماســية وليــس احلــرب والدمــار‪.‬‬ ‫الــدرس الثالــث‪ ،‬إن كافــة األحــداث الراهنــة ســواء احلــرب يف غــزة‪ ،‬أو‬ ‫الصــراع يف منطقــة البحــر األحمــر‪ ،‬أو التوتــرات يف القــرن اإلفريقــي‬

‫جميعهــا أبــرزت الــدور املركــزي الــذي تلعبــه الواليــات املتحــدة علــى‬ ‫مســتوى األمــن اإلقليمــي‪ .‬حيــث تتمتــع واشــنطن بعالقــات أمنيــة‬ ‫وثيقــة مــع كافــة األطــراف الفاعلــة‪ ،‬كمــا تنعــم بقــدرات اقتصاديــة‪،‬‬ ‫ودبلوماســية‪ ،‬وعســكرية تخولهــا العمــل مــع كافــة احللفــاء اإلقليمــيني‬ ‫مــن أجــل تقليــص التوتــرات والتفــاوض بشــأن سالم دائــم‪ .‬بالتالــي‪،‬‬ ‫ينبغــي علــى واشــنطن العمــل مــع هــؤالء احللفــاء مــن أجــل صياغــة‬ ‫اســتراتيجية شــاملة تخاطــب كافــة النزاعــات املتداخلــة‪ ،‬واألهــم هــو أن‬ ‫توقــف القتــال يف غــزة ومتهــد الطريــق أمــام اتخــاذ خطــوات ملموســة‬ ‫ال رجعــة فيهــا مــن أجــل إقامــة دولــة فلســطينية تعيــش جن�بـًا إلــى جنــب‬ ‫مــع إســرائيل‪ .‬كذلــك يجــب االعتــراف بالتطلعــات السياســية للشــعب‬ ‫الفلســطيني وإشــراك القــوى العامليــة األخــرى مثــل الــصني‪ ،‬وروســيا‪،‬‬ ‫وأوروبــا‪ ،‬والهنــد‪ ،‬واليابــان يف مثــل هــذه االســتراتيجية‪ .‬حيــث أن إرســاء‬ ‫الــسالم ونشــر االســتقرار يف الشــرق األوســط يعــد مــن األولويــات‬ ‫الرئيســية لكافــة القــوى العامليــة‪.‬‬ ‫حرًصــا لــدى القــوى اإلقليميــة مثــل‬ ‫أخيــ ً​ًرا‪ ،‬ينبغــي أن يكــون هنــاك‬ ‫ً‬ ‫مصــر‪ ،‬واألردن‪ ،‬واململكــة العربيــة الســعودية علــى مواصلــة بــل وتكثيــف‬ ‫جهودهــم يف التفــاوض للتوصــل إلــى تســوية سياســية للصراعــات‬ ‫اإلقليميــة‪ ،‬فأحيا�نـًا يكــون للقــوى العامليــة مصاحلهــا اخلاصــة التــي قــد‬ ‫تتماشــى أو ال تتماشــى مــع مصالــح القــوى اإلقليميــة‪ .‬لذلــك حتتــاج‬ ‫الــدول العربيــة ً‬ ‫أيًضــا إلــى اســتغالل نفوذهــا بفعاليــة للضغــط علــى‬ ‫إدارة الواليــات املتحــدة‪ ،‬والكونغــرس‪ ،‬والشــعب األمريكــي حتــى وإن‬ ‫اســتغرق األمــر بعــض الوقــت حتــى تتمكــن الواليــات املتحــدة مــن اتخــاذ‬ ‫نهــج أكثــر تواز�نـًا يف التعامــل مــع الصــراع العربــي اإلســرائيلي وعمليــة‬ ‫الــسالم‪ .‬يف الوقــت ذاتــه‪ ،‬تتمتــع الــدول العربيــة الرائــدة بعالقــات جيــدة‬ ‫مــع قــوتني أخــريني غيــر عربيــتني يف املنطقــة وهمــا (إيــران وتركيــا)‪،‬‬ ‫وقــد أوضحــت الدولتــان أن التوصــل إلــى حــل دائــم وشــامل للصــراع‬ ‫الفلســطيني يشــكل أولويــة وضــرورة البــد منهــا ‪ ،‬لعلــه يخــرج مــن كنــف‬ ‫الوضــع املأســاوي الراهــن نظــام إقليمــي مســتقر‪.‬‬

‫*أستاذ يف مركز الرشق األدىن وجنوب آسيا للدراسات االسرتاتيجية بجامعة الدفاع‬ ‫الوطني بواشنطن العاصمة‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪47‬‬

‫ملف العدد‬

‫تحتاج الدول العربية استغالل نفوذها للضغط عىل اإلدارة األمريكية‬ ‫والكونغرسحتىتتخذواشنطننهًجً اأكثرتوازًنًاتجاهالصراعالعربياإلسرائييل‬ ‫رغبــة العديــد مــن البلــدان يف جتنــب إرســاء ســابقة ميكــن أن تشــجع‬ ‫االنفصالــيني داخــل أراضيهــا‪.‬‬ ‫كمــا أعلنــت إدارة بايــدن معارضتهــا لالتفــاق املوقــع بني إثيوبيــا‬ ‫وجمهوريــة أرض الصومــال‪ .‬وأشــارت إلــى أن االتفــاق قــد يــؤدي‬ ‫إلــى حالــة مــن عــدم االســتقرار وتقويــض اجلهــود الدوليــة ملكافحــة‬ ‫اإلرهــاب‪ .‬يف حني حــذر جــون كيــري‪ ،‬منســق االتصــاالت االســتراتيجية‬ ‫يف مجلــس األمــن القومــي األمريكــي‪ ،‬مــن أن اعتــراف إثيوبيــا احملتمــل‬ ‫بجمهوريــة أرض الصومــال قــد يــؤدي إلــى تعطيــل القتــال ضــد حركــة‬ ‫الشــباب الصوماليــة‪ ،‬وهــي منظمــة مســتقلة تابعــة لتنظيــم القاعــدة‪.‬‬ ‫حرًصــا أمريك ً​ًيــا شــديًدًا بشــأن هزميــة حركــة‬ ‫حيــث أن هنــاك‬ ‫ً‬ ‫الشــباب وقدمــت واشــنطن أكثــر مــن ‪ 500‬مليــون دوالر مــن املســاعدات‬ ‫العســكرية إلــى الصومــال بني عامــي ‪ 2010‬و‪2020‬م‪ُ ،‬خُ صــص معظمهــا‬ ‫حملارــبة حرــكة الــشباب الصومالــية‪.‬‬ ‫اســتولت حركــة الشــباب الصوماليــة علــى العاصمــة مقديشــو خالل‬ ‫عــام ‪2006‬م‪ ،‬ولــم يتــم إقصاؤهــا مــن املدينــة إال بواســطة هجــوم‬ ‫صومالي‪-‬إثيوبــي مشــترك بدعــم أمريكــي خالل عامــي ‪ 2011‬و‪2012‬م‪.‬‬ ‫كان الرئيــس الســابق دونالــد ترامــب قــد قــرر ســحب قــوات اجليــش‬ ‫األمريكــي مــن الــبالد عــام ‪2021‬م‪ ،‬إال أنــه مت إعــادة نشــرها يف عــام‬ ‫‪2022‬م‪ ،‬بقــرار مــن الرئيــس احلالــي جــون بايــدن‪ .‬ويتمركــز حال�يـًا مــا‬ ‫يقــرب مــن ‪ 450‬جند�يـًا أمريك ً​ًيــا مــن أجــل توفيــر الدعــم‪ ،‬والتدريــب‪،‬‬ ‫والهجمــات ا ُ​ُملســيرة‪.‬‬

‫مآالت الحرب‬

‫مــع اســتمرار بــث املشــاهد الداميــة للقصــف اإلســرائيلي املدمــر‬ ‫واألطفــال الذيــن يتضــورون جوعــًاً يف غــزة‪ ،‬علــى الهــواء مباشــرة‬ ‫للمواطــن العربــي‪ ،‬أصبحــت مشــاعر الغضــب والســخط العربــي‬ ‫منصبــة علــى ازدواجيــة املعاييــر الغربيــة وعــزوف الغــرب عــن محاســبة‬ ‫إســرائيل‪ ،‬ليــس فقــط علــى عدوانهــا اجلاري بــل وعلــى الطريقــة التــي‬ ‫عاملــت بهــا الفلســطينيني علــى مــدار الـــ ‪ 75‬عا ً​ًمــا املاضيــة‪ .‬وثمــة‬

‫الكثيــر مــن الغضــب ُ​ُموجــه إلــى الواليــات املتحــدة بالتحديــد بســبب‬ ‫دعمهــا إلســرائيل‪ .‬كمــا أدت الهجمــات األمريكيــة علــى أهــداف حوثيــة‬ ‫علــى مــدار األشــهر القليلــة املاضيــة إلــى تأجيــج املزيــد مــن مشــاعر‬ ‫الغضــب واالســتياء حيــال الواليــات املتحــدة‪ .‬باملثــل‪ ،‬تعرضــت القــوات‬ ‫األمريكيــة يف كل مــن ســوريا‪ ،‬والعــراق‪ ،‬واألردن إلــى هجمــات متكــررة‬ ‫مــن قبــل جماعــات مســلحة مختلفــة‪ .‬حيــث تعتبــر هــذه الهجمــات‬ ‫ر ً​ًدا علــى دعــم واشــنطن للعــدوان اإلســرائيلي علــى قطــاع غــزة‪ .‬وجــاء‬ ‫الــرد األمريكــي متمــثاًلا يف شــن هجمــات جويــة علــى منشــآت تابعــة‬ ‫لهــذه اجلماعــات‪ .‬يف حني أكــدت واقعــة مقتــل ثالثــة جنــود أمريكــيني‬ ‫يف غــارة جويــة اســتهدفت قاعــدة أمريكيــة علــى احلــدود الســورية‪-‬‬ ‫األردنيــة أواخــر ينايــر‪ ،‬التهديــد الــذي بــات يالحــق القــوات األمريكيــة‬ ‫يف املنطقــة منــذ انــدالع العــدوان اإلســرائيلي علــى قطــاع غــزة يف‬ ‫أكتوبــر املاضــي‪ .‬فــضاًلا عــن تســليطها الضــوء علــى مخاطــر اجنــرار‬ ‫الواليــات املتحــدة بشــكل أعمــق إلــى األعمــال العدائيــة اإلقليميــة التــي‬ ‫أشــعلتها احلــرب يف غــزة‪ .‬فمنــذ الهجمــات التــي شــنتها حركــة حمــاس‬ ‫علــى إســرائيل ورد األخيــرة االنتقامــي العنيــف علــى قطــاع غــزة‪ ،‬كانــت‬ ‫الواليــات املتحــدة واعيــة للمخاطــر املترتبــة علــى انــدالع حــرب إقليميــة‬ ‫أوســع نطا ً​ًقــا‪ ،‬وســعت إلــى احتــواء الصــراع مــن خالل اعتمــاد مزيــج مــن‬ ‫الدبلوماســية وسياســة الــردع‪.‬‬ ‫وتشــعر الــدول العربيــة ً‬ ‫أيًضــا بقلــق إزاء االســتقرار واألمــن اإلقليمــيني‪.‬‬ ‫وقــد عبــر وزيــر اخلارجيــة الســعودي األميــر فيصــل بــن فرحــان قــائاًلا ‪»:‬‬ ‫إن التصعيــد ليــس يف مصلحــة أحــد‪ .‬فنحــن ملتزمــون حيــال إنهــاء‬ ‫احلــرب يف اليمــن‪ ،‬كمــا إننــا ملتزمــون بالتوصــل إلــى اتفــاق وقــف‬ ‫إطالق نــار دائــم مــن شــأنه أن يفتــح البــاب أمــام عمليــة سياســية»‪.‬‬ ‫وبرغــم مــن كافــة هــذه الدعــوات املطالبــة بخفــض التصعيــد‪ ،‬إال‬ ‫أن التهديــد املتمثــل يف انــدالع حــرب إقليميــة أوســع نطا ً​ًقــا وتــورط‬ ‫أمريكــي أكثــر عم ً​ًقــا يف األزمــات اإلقليميــة أصبــح حقيق ً​ًيــا‪ .‬وقــد‬ ‫حــذر وزيــر اخلارجيــة األمريكــي أنتونــي بلينكــن مــن أن الوضــع الراهــن‬ ‫أضحــى متقل�بـًا بشــكل ال يصــدق معي ـًدًا لألذهــان أجــواء عــام ‪1973‬م‪،‬‬ ‫عــلى األــقل‪ ،‬إن ــلم يــكن ــما قــبل ذــلك‪.‬‬

‫تعتبر أمريكا تشكيل ائتالف حارس الرخاء تأكيًدً ا عىل أن المجتمع‬ ‫الدويل يواجه تحدًيًا عالمًيًا غير مسبوق يتطلب تبني فعل جماعي‬


‫‪46‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫إدراك حقيقة السبيل الوحيد ألن تحظى إسرائيل بقبول جيرانها‬ ‫والعيش بسالم يكمن يف تسوية عادلة وحل سياسي مع الفلسطينيين‬ ‫ويف أواخــر ينايــر‪ ،‬فــرض مكتــب مراقبــة األصــول األجنبيــة التابــع‬ ‫لــوزارة اخلزانــة األمريكيــة عقوبــات علــى مســؤولني حوثــيني بارزيــن‪.‬‬ ‫وصــرح وكيــل وزارة اخلزانــة لشــؤون اإلرهــاب واالســتخبارات املاليــة‪،‬‬ ‫بريــان نيلســون‪ ،‬أن هجمــات احلوثــيني علــى الســفن التجاريــة‬ ‫وأطقمهــا املدنيــة التــي تعبــر بشــكل قانونــي البحــر األحمــر وخليــج‬ ‫عــدن تهــدد بتعطيــل سالســل التوريــد الدوليــة وحريــة املالحــة التــي‬ ‫تعتبــر بالغــة األهميــة لـــ األمــن‪ ،‬واالســتقرار‪ ،‬واالزدهــار العاملــي‪ .‬يف‬ ‫غضــون ذلــك‪ ،‬أعلنــت وزارة اخلارجيــة األمريكيــة إعــادة إدراج جماعــة‬ ‫احلوثــي علــى قائمــة “الكيانــات اإلرهابيــة العامليــة املصنفــة تصني ً​ًفــا‬ ‫خاًصــا»‪ .‬وأوضحــت أنــه يف حــال أوقــف احلوثيــون هجماتهــم يف البحــر‬ ‫ً‬ ‫األحمــر وخليــج عــدن‪ُ​ُ ،‬ســيعاد تقييــم هــذا التصنيــف وتعهــدت إدارة‬ ‫بايــدن باتخــاذ خطــوات للتخفيــف مــن أي آثــار ســلبية قــد يخلفهــا‬ ‫هــذا التصنيــف علــى الشــعب اليمنــي وضمــان عــدم تعطــل دخــول‬ ‫املســاعدات اإلنســانية أو اســتيراد الســلع األساســية‪.‬‬

‫توترات يف القرن اإلفريقي‬

‫وقعــت حكومــة إثيوبيــا‪ ،‬أوائــل ينايــر املاضــي‪ ،‬اتفا ً​ًقــا مبدئ ً​ًيــا مــع»‬ ‫صوماليالنــد « أو جمهوريــة أرض الصومــال‪ ،‬وهــي منطقــة انفصاليــة‬ ‫تقــع يف شــمال غــرب الصومــال‪ ،‬مُتم نــح إثيوبيــا مبوجبــه إمكانيــة النفــاذ‬ ‫جتار�يـًا وعســكر ً​ًيا إلــى البحــر األحمــر مــن خالل املينــاء الواقــع داخــل‬ ‫هــذه املنطقــة االنفصاليــة ‪-‬وهــي صفقــة تنــذر بإشــعال فتيــل التوتــرات‬ ‫داخــل منطقــة القــرن األفريقــي املضطربــة بالفعــل‪ .‬وخالل مذكــرة‬ ‫التفاهــم املوقعــة مــع رئيــس الــوزراء اإلثيوبــي أبــي أحمــد‪ ،‬قــال زعيــم‬ ‫جمهوريــة أرض الصومــال‪ ،‬موســى بيهــي عبــدي‪« ،‬أنــه ســيتم تأجيــر‬ ‫مســاحة متتــد ألكثــر مــن ‪ 12‬مــياًلا بحر�يـًا إلــى األســطول اإلثيوبــي ملــدة‬ ‫‪ 50‬عا ً​ًمــا‪ .‬علــى أن تعتــرف إثيوبيــا يف املقابــل رســم ً​ًيا بــأرض الصومــال‬ ‫كدولــة مســتقلة‪ ،‬يف خطــوة مــن شــأنها أن تشــكل ســابقة هــي األولــى‬ ‫ــمن نوعــها كأول دوــلة متــنح اعتراًفـ ـًا دول ـيـًا ــبأرض الصوــمال‪.‬‬ ‫أحدثــت هــذه االتفاقيــة هــزة داخــل منطقــة القــرن اإلفريقــي‪ ،‬الــذي‬ ‫يعانــي بالفعــل مــن ويالت احلــروب األهليــة‪ ،‬واخلالفــات السياســية‪،‬‬ ‫واألزمــات اإلنســانية واســعة النطــاق‪ .‬كمــا مــن شــأنها أن ُتُشــعل‬ ‫فتيــل املزيــد مــن التوتــرات داخــل منطقــة البحــر األحمــر‪ .‬االعتــراض‬ ‫األكبــر علــى هــذه الصفقــة جــاء مــن جانــب الصومــال‪ ،‬حيــث وصفتهــا‬ ‫احلكومــة الصوماليــة بأنهــا اتفاقيــة «الغيــة وباطلــة» ُ​ُمطالبــة االحتــاد‬ ‫اإلفريقــي ومجلــس األمــن الدولــي بعقــد اجتماعــات للتباحــث حــول‬

‫هــذا الشــأن‪ .‬فيمــا تعهــد الرئيــس الصومالــي حســن شــيخ محمــود‬ ‫ً‬ ‫رافًضــا االتفــاق بشــدة معتبـ ً​ًرا ذلــك انتهــا ً​ًكا‬ ‫بالدفــاع عــن ســيادة بالده‪،‬‬ ‫ً‬ ‫صارًخــا لســيادة بالده ووحــدة أراضيهــا‪ .‬كمــا قامت الصومال باســتدعاء‬ ‫ســفيرها إلــى إثيوبيــا وبــدأت مبنــع إصــدار تصاريــح الطيــران لشــركات‬ ‫الطيــران اإلثيوبيــة للعبــور مــن خالل اجملال اجلــوي الصومالــي‪ .‬كذلــك‬ ‫ثمــة مخــاوف تعتــري دولتــي مصــر وإريتريــا مــن أن يكــون للبحريــة‬ ‫اإلثيوبيــة حضــو ً​ًرا كبي ـ ً​ًرا داخــل منطقــة البحــر األحمــر االســتراتيجية‬ ‫وخليــج عــدن‪.‬‬ ‫وكانــت إثيوبيــا‪ ،‬التــي تعــد ثانــي أكبــر دولــة يف إفريقيــا مــن حيــث‬ ‫عــدد الســكان والدولــة غيــر الســاحلية األكثــر اكتظاظــا بالســكان علــى‬ ‫مســتوى العالــم‪ ،‬قــد فقــدت منفذهــا البحــري عندمــا انفصلــت إريتريــا‬ ‫وأعلنــت اســتقاللها يف عــام ‪1993‬م‪ ،‬ومنــذ ذلــك احلني‪ ،‬اعتمــدت‬ ‫إثيوبيــا علــى جيبوتــي مــن أجــل التجــارة الدوليــة‪ ،‬مــع مــرور أكثــر مــن‬ ‫‪ % 95‬مــن وارداتهــا وصادراتهــا عبــر ممــر أديــس أبابــا ‪-‬جيبوتــي‪ .‬وعلــى‬ ‫مــدار األعــوام املاضيــة‪ ،‬ســعت احلكومــة اإلثيوبيــة إلــى تنويــع منافذهــا‬ ‫إلــى املوانــئ بحريــة مبــا يف ذلــك استكشــاف اخليــارات املتاحــة يف كل‬ ‫مــن الســودان وكينيــا‪ .‬وخالل األشــهر األخيــرة‪ ،‬أصبــح الرئيــس اإلثيوبــي‬ ‫آبــي أكثــر إصــرا ً​ًرا وعز ً​ًمــا بشــأن متابعــة طمــوح بالده يف احلصــول‬ ‫علــى مينــاء علــى طــول ســاحل شــرق إفريقيــا‪ ،‬مجــادال بــأن بالده يف‬ ‫حاجــة إلــى إيجــاد ســبيل للخــروج مــن «ســجنها اجلغــرايف»‪ ،‬معتب ـ ً​ًرا‬ ‫أن البحــر األحمــر «احلــدود الطبيعيــة» إلثيوبيــا‪ .‬علــى اجلانــب اآلخــر‪،‬‬ ‫وبرغــم إعالن “جمهوريــة أرض الصومــال» اســتقاللها يف عــام ‪1991‬م‪،‬‬ ‫واعتمــاد عملتهــا وعلمهــا اخلاصني‪ ،‬فــضاًلا عــن إجرائهــا العديــد مــن‬ ‫االنتخابــات البرملانيــة والرئاســية‪ ،‬إال أنهــا لــم تنــل أكثــر مــا تطمــح إليــه‬ ‫أال وهــو االعتــراف الدولــي‪.‬‬‫علــى اجلانــب اآلخــر‪ ،‬أعربــت األطــراف الدوليــة الفاعلــة املنخرطــة‬ ‫بشــكل كبيــر داخــل الصومــال مثــل الواليــات املتحــدة‪ ،‬واململكــة املتحــدة‪،‬‬ ‫واالحتــاد األوروبــي‪ ،‬وتركيــا‪ ،‬والهيئــة احلكوميــة الدوليــة املعنيــة‬ ‫بالتنميــة‪ ،‬عــن مخاوفهــا بشــأن تصاعــد وتيــرة التوتــرات داخــل منطقــة‬ ‫القــرن اإلفريقــي‪ .‬ومــن خالل إعــادة تأكيــد التزامهــم حيــال سالمــة‬ ‫األراضــي الصوماليــة‪ ،‬فقــد وجهــوا جمي ً​ًعــا انتقــا ً​ًدا ضمن ً​ًيــا إلثيوبيــا‬ ‫وجمهوريــة أرض الصومــال بســبب االتفــاق املوقــع بينهمــا‪ .‬كمــا خــرج‬ ‫االحتــاد اإلفريقــي للدفــاع عــن سالمــة أراضــي الصومــال ممــا يعكــس‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫واحتجاًجــا‬ ‫ســفينة لهــا عالقــة بإســرائيل‪ ،‬وذلــك دع ً​ًمــا حلركــة حمــاس‬ ‫ً‬ ‫علــى العــدوان اإلســرائيلي علــى قطــاع غــزة‪.‬‬

‫الواليات المتحدة واألمن يف البحر األحمر‪:‬‬

‫أعلنــت الواليــات املتحــدة يف منتصــف ديســمبر املاضــي‪ ،‬عــن تشــكيل‬ ‫قــوة بحريــة متعــددة اجلنســيات تهــدف إلــى حمايــة الســفن التجاريــة‬ ‫يف البحــر األحمــر مــن الهجمــات الباليســتية والطائــرات املســيرة التــي‬ ‫يطلقهــا احلوثيــون‪ .‬وأوضــح وزيــر الدفــاع األمريكــي لويــد أوسنت أن‬ ‫حتالــف «حــارس الرخــاء» ‪-‬الــذي يضــم عــدة دول أوروبية‪-‬يهــدف إلــى‬ ‫العمــل م ً​ًعــا مــن أجــل مجابهــة التحــدي الــذي يشــكله «هــذا الفاعــل‬ ‫غيــر احلكومــي» الــذي يطلــق الصواريــخ الباليســتية والطائرات املســيرة‬ ‫علــى الســفن التجاريــة القادمــة مــن دول مختلفــة حــول العالــم وتعبــر‬ ‫امليــاه الدوليــة بشــكل قانونــي»‪ .‬وجــدد املســؤول األمريكــي‪ ،‬خالل إعالنه‬ ‫عــن تشــكيل ائــتالف حــارس الرخــاء‪ ،‬تأكيــده علــى أن اجملتمــع الدولــي‬ ‫يواجــه حتد�يـًا عامل�يـًا غيــر مســبوق يتطلــب تبنــي فعــل جماعــي‪ .‬وصــرح‬ ‫بــأن الواليــات املتحــدة ســتواصل التشــاور والعمــل إلــى جانــب حلفائهــا‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪45‬‬

‫ملف العدد‬

‫وشــركائها الذيــن يشــتركون يف املبــدأ األساســي حلريــة املالحــة‪ .‬كمــا‬ ‫تعتقــد واشــنطن أن الهجمــات احلوثيــة املتصاعــدة تقتضــي اتخــاذ‬ ‫رد فعــل دولــي مبنــأى عمــا يحــدث يف غــزة‪ .‬حيــث أن التهديــد الــذي‬ ‫تشــكله جماعــة احلوثــي كان حتد ً​ًيــا يف مواجهتــه حتــى بالنســبة‬ ‫ألكثــر األســاطيل تطــو ً​ًرا‪ .‬وعلــى الرغــم مــن جنــاح البحريــة األمريكيــة‬ ‫يف إســقاط العديــد مــن الطائــرات بــدون طيــار والصواريــخ احلوثيــة‬ ‫يف املنطقــة‪ ،‬إال أنــه ينبغــي علــى اخملطــط البحــري اآلن التعامــل مــع‬ ‫فكــرة توســيع عــدد كبيــر مــن أنظمــة صواريــخ الدفــاع اجلــوي باهظــة‬ ‫الثمــن ملواجهــة التهديــدات‪ ،‬والتــي ميثــل الكثيــر منهــا جـز ً​ًءا بسـ ً‬ ‫ـيًطا مــن‬ ‫التكلفــة‪ ،‬واخملاطــرة بنفــاد هــذه الصواريــخ أثنــاء وجودهــا يف احملطــة‪.‬‬ ‫وبشــكل عــام‪ ،‬تعتبــر عمليــة تطويــر أســلحة جديــدة وأكثــر فعاليــة مــن‬ ‫حيــث التكلفــة ملواجهــة تهديــد الطائــرات بــدون طيــار‪ ،‬ضــرورة بحريــة‬ ‫ملحــة بقــدر مــا هــو احلال بالنســبة للقــوات البريــة كمــا هــو موضــح‬ ‫يف ســياق احلــرب يف أوكرانيــا‪ .‬مــن ناحيــة أخــرى‪ ،‬يواجــه األســطول‬ ‫األمريكــي احتماليــة زيــادة حضــوره يف املنطقــة ومــا حولهــا لفتــرة زمنيــة‬ ‫ممــتدة ممـما ــقد يؤــثر عــلى التزاماــته األــخرى عاملًيــًا‪.‬‬


‫‪44‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫‪ 3‬دروس مستفادة من الصراعات الثالث أبرزت الدور المركزي األمريكي‬

‫المنطقة بحاجة لصياغة استراتيجية‬ ‫لمعالجة كافة الصراعات بما فيها حرب غزة‬ ‫يعبــر نحــو ‪ % 12‬مــن إجمالــي التجــارة العامليــة مــن خالل منطقــة البحــر األحمــر وقنــاة الســويس الواقعــة بني قــارتني ويحدهــا‬ ‫‪ 10‬دول‪ 6-‬دول إفريقيــة و‪ 4‬شــرق أوســطية‪ .‬كمــا أنهــا متثــل أهميــة خاصــة َ‬ ‫لَشــاحنات الوقــود‪ ،‬حيــث يعتبــر ممــر قنــاة الســويس‬ ‫ومضيــق بــاب املنــدب طــرق شــحن رئيســية إلمــدادات الطاقــة العامليــة حيــث تصــل إمــدادات الطاقــة القادمــة مــن اخلليــج‬ ‫إلــى القــارة األوروبيــة عبــر البحــر األحمــر‪ .‬وقــد اكتســبت هــذه الشــاحنات أهميــة متزايــدة مؤخ ـ ً​ًرا علــى خلفيــة احلــرب يف‬ ‫أوكرانيــا والعقوبــات املفروضــة علــى روســيا والتــي جعلــت أوروبــا أكثــر اعتمــا ً​ًدا علــى واردات النفــط ومشــتقاته مثــل زيــت الديــزل‬ ‫واجلازولني‪ ،‬القادمــة مــن منطقــة الشــرق األوســط وآســيا‪.‬‬

‫أ‪.‬د‪ .‬جودت بهجت‬ ‫وبحســب بيانــات وزارة الطاقــة األمريكيــة‪ ،‬فقــد بلغــت نســبة شــاحنات‬ ‫الطاقــة التــي عبــرت مــن خالل البحــر األحمــر خالل عــام ‪2023‬م‪،‬‬ ‫نحــو ‪ % 12‬مــن إجمالــي جتــارة النفــط املنقولــة بحـ ً​ًرا‪ ،‬و‪ %8‬مــن حجــم‬ ‫التجــارة العامليــة يف الغــاز الطبيعــي املســال‪ .‬ومنــذ نوفمبــر ‪2023‬م‪،‬‬ ‫قامــت جماعــة احلوثــي يف اليمــن بتكثيــف وتيــرة هجماتهــا بشــكل‬ ‫ملحــوظ علــى ســفن الشــحن التجاريــة التــي تعبــر مــن خالل اجلــزء‬ ‫الســفلي مــن البحــر األحمــر ر ً​ًدا علــى القصــف اإلســرائيلي علــى قطــاع‬ ‫غــزة‪ .‬حيــث توعــدت حينهــا باســتهداف الســفن اإلســرائيلية ثــم اتســع‬ ‫نطــاق التهديــد ليشــمل منــع مــرور كافــة الســفن إلــى إســرائيل مــا لــم‬ ‫يتــم الســماح بدخــول املســاعدات اإلنســانية إلــى قطــاع غــزة‪.‬‬ ‫وعليــه قامــت الواليــات املتحــدة وحلفاؤهــا بالــرد مــن خالل تشــكيل‬ ‫حتالــف حلمايــة التجــارة املنقولــة بحــ ً​ًرا وتوجيــه إنــذار نهائــي‬ ‫للحوثــيني‪ .‬ثــم بتوجيــه ضربــات جويــة قيــل إنهــا اســتهدفت منشــأة‬ ‫رادار تابعــة جلماعــة احلوثــي‪ ،‬باإلضافــة إلــى عــدد مــن أنظمــة الدفــاع‬ ‫اجلــوي اخلاصــة بهــا ومواقــع إلطالق الصواريــخ‪ .‬وحتــى اآلن لــم‬ ‫تنجــح الهجمــات التــي تتزعمهــا الواليــات املتحــدة يف ردع احلوثــيني‬ ‫أو تقويــض قدراتهــم العســكرية بشــكل كبيــر‪ .‬مثلمــا جــاء علــى لســان‬ ‫الرئيــس األمريكــي جــون بايــدن الــذي أقــر بــأن الهجمــات األمريكيــة‬

‫رادًعــا بالقــول‪ »:‬هــل جنحــت الهجمــات يف منــع‬ ‫لــم تفلــح يف أن تشــكل ً‬ ‫جماعــة احلوثــي؟ ال‪ ،‬لــم تنجــح‪ ،‬وهــل ســيواصل احلوثيــون نشــاطهم»‬ ‫اإلجابــة‪ ،‬نعــم‪ .‬بالتالــي‪ ،‬أدت املواجهــة مــع الواليــات املتحــدة إلــى حتــول‬ ‫منطقــة البحــر األحمــر إلــى بــؤرة مشــتعلة عامليــة جديــدة‪ .‬الســيما بعــد‬ ‫أن أعــادت إدارة جــون بايــدن‪ ،‬يف ينايــر املنصــرم‪ ،‬إدراج جماعــة احلوثــي‬ ‫علــى قائمــة املنظمــات اإلرهابيــة وشــنت العديــد مــن الهجمــات اجلويــة‬ ‫ضــد أهــداف حوثيــة‪.‬‬ ‫وعلــى الرغــم مــن العالقــات التــي جتمــع جماعــة احلوثــي بإيــران‪ ،‬إال‬ ‫أنهــا علــى عكــس غيرهــا مــن اجلماعــات املســلحة يف املنطقــة ليســت‬ ‫متحالفــة أيديولوجيــا مــع طهــران‪ .‬وحتــى اآلن‪ ،‬لــم يكــن للعــدوان‬ ‫اإلســرائيلي علــى قطــاع غــزة تأثيـ ً​ًرا يذكــر علــى االقتصــاد العاملــي‪ ،‬إال‬ ‫أن موجــة الهجمــات املتكــررة علــى ســفن الشــحن التجاريــة يف البحــر‬ ‫األحمــر كفيلــة بتغييــر هــذا الوضــع علــى نحــو كبيــر‪ .‬يف الوقــت ذاتــه‪،‬‬ ‫فــإن املســار البديــل للبحــر األحمــر‪ ،‬والــذي يســتلزم القيــام برحلــة حــول‬ ‫إفريقيــا عبــر طريــق رأس الرجــاء الصالــح‪ ،‬ســيؤدي إلــى إطالــة أمــد‬ ‫الرحلــة بنحــو أســبوعني‪ ،‬إلــى جانــب زيــادة أســعار الشــحن والتــأمني‪،‬‬ ‫ورفــع ســعر النفــط اخلام مبــا يصــل إلــى ‪ 4‬دوالرات للبرميــل‪ .‬مــن‬ ‫جانبهــا‪ ،‬أكــدت جماعــة احلوثــي عزمهــا مواصلــة الهجمــات ضــد أي‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪43‬‬

‫ملف العدد‬

‫استثمرت إيران يف تطوير قدرة الحوثيين عىل تصنيع األسلحة‬ ‫المحلية وأضحوا قادرين عىل إنتاج طائرات بدون طيار‬ ‫إذن مــا الــذي حتققــه الضربــات؟ الهــدف العــام مــن مثــل هــذه‬ ‫اإلجــراءات هــو اســتعادة قــوة الــردع – إلقنــاع احلوثــيني بالتخلــي عــن‬ ‫شــن هجمــات ضــد الســفن والتركيــز علــى القضايــا الداخليــة‪ .‬ومــع‬ ‫ذلــك‪ ،‬فمــن الواضــح أن مهمــة اســتعادة قــوة الــردع يف هــذه احلالــة‬ ‫لــم تنجــح‪ .‬وتفســيري لذلــك يكمــن يف سياســة ضبــط النفــس التــي‬ ‫ميارســها التحالــف‪ :‬حيــث أن األصــول احلوثيــة التــي يتــم تدميرهــا‬ ‫ليســت مهمــة مبــا يكفــي بالنســبة للحوثــيني للحــد الــذي يضطرهــم‬ ‫إلــى تغييــر ســلوكهم‪ .‬وينظــر العديــد مــن الضبــاط العســكريني داخــل‬ ‫منطقــة اخلليــج بشــيٍءٍ مــن الشــماتة إلــى احلملــة العســكرية ضــد‬ ‫جماعــة احلوثــي‪ ،‬فعلــى الرغــم مــن أنهــا قــد تكــون مثيــرة لإلعجــاب‬ ‫مــن الناحيــة التقنيــة‪ ،‬إال أنهــا ُ​ُمخيبــة لآلمــال علــى الصعيــد‬ ‫االســتراتيجي‪ .‬ومــن هــذا املنطلــق‪ ،‬فــإن املشــاكل التــي نواجههــا اليــوم‬ ‫لــم تكــن لتظهــر لــو أن الواليــات املتحــدة ودول أخــرى دعمــوا احلكومــة‬ ‫اليمنيــة وحلفاءهــا الســعوديني واإلماراتــيني يف حملتهــم حتريــر مينــاء‬ ‫«احلديــدة» مــن قبضــة احلوثــيني‪.‬‬ ‫يف املقابــل‪ ،‬يــرى منتقــدون آخــرون أن أي رد فعــل يتخــذ ضــد جماعــة‬ ‫مرجًحــا أن يــؤدي إلــى اســتعادة قــوة الــردع لفتــرة طويلــة‬ ‫احلوثــي ليــس‬ ‫ً‬ ‫طــاملا أن إيران‪-‬الدولــة الراعيــة جلماعــة احلوثي‪-‬لــم متــس‪ .‬واجلــدل‬ ‫هنــا يكمــن يف أن اإليرانــيني ينظــرون إلــى احلوثــيني باعتبارهــم «وقــود‬ ‫مدافــع قابــل لالســتهالك”‪ .‬وإذا كان األمــر كذلــك‪ ،‬فلــن تتــم اســتعادة‬ ‫قــوة الــردع إال إذا متــت معاقبــة اإليرانــيني بشــكل مباشــر‪ .‬أحد األهداف‬ ‫املغريــة يف هــذا الصــدد‪ ،‬يتمثــل يف ســفينة بهشــاد‪ ،‬وهــي ســفينة إيرانية‬ ‫كانــت يف البحــر األحمــر وخليــج عــدن‪ ،‬وُيُعتقــد أنهــا توفــر بيانــات‬ ‫اســتهداف الســفن التجاريــة للحوثــيني‪ .‬وعندمــا انتقلــت بهشــاد إلــى‬ ‫جيبوتــي‪ ،‬تراجعــت دقــة هجمــات احلوثــيني‪ .‬ومنــذ ذلــك احلني‪ ،‬وردت‬ ‫تقاريــر عــن تعــرض الســفينة لهجــوم إلكترونــي أمريكــي‪ .‬ويبــدو أن إدارة‬ ‫بايــدن تنظــر إلــى حملــة اليمــن علــى أنهــا مســرح ثانــوي يف املواجهــة‬ ‫مــع إيــران مقارنــة مــع املســرحني الرئيســيني وهمــا العــراق وســوريا‬ ‫حيــث شــنت الواليــات املتحــدة أكثــر مــن ‪ 150‬هجو ً​ًمــا داخــل هذيــن‬ ‫البلديــن– هجمــات ضــد قــادة مختلــف امليليشــيات التابعــة إليــران‪.‬‬ ‫وعلــى النقيــض مــن ذلــك‪ ،‬اقتصــرت الهجمــات يف اليمــن علــى مواقــع‬ ‫األســلحة وأجهــزة االستشــعار ‪-‬مثــل الــرادارات ‪-‬الالزمــة الســتهداف‬ ‫الســفن يف البحــر‪.‬‬ ‫تشــير سياســة ضبــط النفــس الغربيــة إلــى أن إدارة بايــدن ال تنــوي‬ ‫خــوض مواجهــة مباشــرة ضــد احلوثــيني‪ ،‬بــل تســعى ب ـداًلا مــن ذلــك‬

‫ملنعهــم مــن مهاجمــة الســفن‪ ،‬يف انتظــار التوصــل لهدنــة يف قطــاع غــزة‬ ‫(والتــي مــن شــأنها أن متحــي الذريعــة التــي يســتخدمها احلوثيــون‬ ‫مــن أجــل مهاجمــة الســفن) أو أن تضغــط دولــة صاحبــة نفــوذ علــى‬ ‫إيــران وجماعــة احلوثــي مــن أجــل وقــف هــذه الهجمــات‪ ،‬علــى أن تكــون‬ ‫هــذه الدولــة صاحبــة دور كبيــر علــى صعيــد التجــارة البحريــة وتتمتــع‬ ‫بالقــدرة علــى التأثيــر علــى إيــران‪ .‬والدولــة الوحيــدة التــي تســتويف هــذه‬ ‫املتطلبــات هــي الــصني‪.‬‬

‫اآلفاق المستقبلية‪ :‬نحو مستقبل بحري آمن‬

‫علــى املــدى القصيــر‪ ،‬مــن غيــر احملتمــل أن يكــون أي حتــرك ضــد‬ ‫احلوثــيني كاف ً​ًيــا مــن أجــل ردعهــم عــن شــن هجمــات متواصلــة‪.‬‬ ‫بالتالــي‪ ،‬إذا أردنــا اســتعادة قــوة الــردع‪ ،‬فقــد تكــون هنــاك حاجــة إلــى‬ ‫توجيــه ضربــات علــى منشــآت قيــادة احلوثــيني (وقــادة احلوثــيني)‬ ‫وداعميهــم اإليرانــيني‪ .‬ويف حني يحتــج احلوثيــون باحلــرب يف قطــاع‬ ‫غــزة‪ ،‬علــى األرجــح سيســتخدمون الهجمــات علــى منشــآتهم كمبــرر‬ ‫ملواصلــة هجماتهــم علــى الشــحن البحــري حتــى بعــد انتهــاء احلــرب‪.‬‬ ‫حيــث يســعى احلوثيــون لالعتــراف بهــم كحكومــة مينيــة‪ :‬فالهجمــات‬ ‫علــى الســفن جتبــر اآلخريــن علــى التعامــل معهــم كمــا لــو كانــوا دولــة‪.‬‬ ‫ومــع اســتمرار التهديــدات البحريــة يف التطــور يف خليــج عــدن والبحــر‬ ‫األحمــر‪ ،‬أضحــت احلاجــة إلــى بلــورة عمــل متضافــر أكثــر إحلاحـًاً مــن‬ ‫أي وقــت مضــى‪ .‬وينبغــي علــى اجملتمــع الدولــي أن يظــل ً‬ ‫يقًظــا‪ ،‬وأن‬ ‫يكــيف االــستراتيجيات والــقدرات ملواجــهة التحدــيات الناــشئة بفعالــية‪.‬‬ ‫يف نهايــة املطــاف‪ ،‬ونظـ ً​ًرا للتحديــات التــي تواجههــا الواليــات املتحــدة‬ ‫يف احلفــاظ علــى وجودهــا املســتمر علــى اجلانــب اآلخــر مــن العالــم‪،‬‬ ‫فــإن معاجلــة األســباب اجلذريــة لعــدم االســتقرار يف اليمــن واملنطقــة‬ ‫األوســع أمــر ضــروري لألمــن واالزدهــار البحــري علــى املــدى الطويــل‪.‬‬ ‫*”اآلراء الــواردة يف هــذا املقــال ال تعكــس آراء أي هيئــة‬ ‫حكوميــة أمريكيــة “‬

‫*أسـتاذ يف مركـز الرشق األدىن وجنـوب آسـيا للدراسـات االسرتاتيجية‪-‬جامعـة‬ ‫الدفـاع الوطنـي ــ واشـنطن العاصمة‬


‫‪42‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫إذا أرادت واشنطن نجاح الردع يكون بتوجيه ضربات عىل منشآت‬ ‫قيادة الحوثيين وداعميهم اإليرانيين‬ ‫التشــغيلية‪ .‬وقــد أجبــر شــبح الهجمــات احلوثيــة شــركات الشــحن علــى‬ ‫حتويــل مســار الســفن‪ ،‬لتفــادي املناطــق املعرضــة للخطــر ممــا أدى إلــى‬ ‫إطالــة زمــن العبــور‪ .‬فــإن مثــل هــذه االضطرابــات ال يقتصــر تأثيرهــا‬ ‫علــى سالســل التوريــد العامليــة فحســب بــل تتســبب يف اســتنزاف‬ ‫اقتصــادات الــدول املعتمــدة علــى التجــارة البحريــة‪ .‬ويف ســبيل تقليــص‬ ‫حجــم الضــرر‪ ،‬عمــدت الواليــات املتحــدة إلــى تشــكيل “قــوة مهــام”‬ ‫بحريــة حلمايــة الســفن يف امليــاه الدوليــة‪ .‬وســرعان مــا قامــت فرنســا‪،‬‬ ‫التــي دائ ً​ًمــا مــا تبحــث عــن فرصــة كــي تنصــب نفســها قط�بـًا عامل�يـًا‬ ‫بــدياًلا ‪ ،‬بتشــكيل “قــوة مهــام” موازيــة إلجنــاز املهمــة ذاتهــا‪ ،‬ولكــن ليــس‬ ‫حتــت القيــادة األمريكيــة‪ .‬وبينمــا قــد تكــون هــذه وســيلة مالئمــة ملنــع‬ ‫املالحــة العســكرية‪ ،‬فــإن الشــحن التجــاري (الــذي يعتمــد علــى اكتتابــات‬ ‫التــأمني التجــاري) ال يحقــق اســتفادة كبيــرة لهــذه احلمايــة نتيجــة‬ ‫أســعار التــأمني املرتفعــة‪ .‬مــن ثــم‪ ،‬فــإن الزيــادة يف أســعار التــأمني‬ ‫التــي يواجههــا أولئــك الذيــن هــم علــى اســتعداد للمخاطــرة للتعــرض‬ ‫لهجمــات احلوثــيني‪ ،‬جعلــت فكــرة التخلــي عــن البحــر األحمــر بالكامــل‬ ‫فعالــة مــن حيــث التكلفــة بالنســبة للعديــد مــن شــركات الشــحن‪ .‬إن‬ ‫اخلاســر األكبــر يف هــذه املعادلــة هــي مصــر‪ ،‬يف ظــل تدهــور أوضاعهــا‬ ‫االقتصاديــة واعتمادهــا علــى رســوم العبــور مــن خالل قنــاة الســويس‬ ‫التــي تشــكل نحــو ‪ % 30‬مــن إيراداتهــا مــن العملــة الصعبــة‪ .‬وال ميكــن‬ ‫أن تتصــادف هــذه اخلســارة املاديــة مــع وقــت أســوأ ممــا هــو اآلن‪،‬‬ ‫حيــث تســعى مصــر إلــى إعــادة التفــاوض علــى اتفاقهــا مــع صنــدوق‬ ‫النقــد الدولــي‪ :‬فمــن احملتمــل أن يكــون هنــاك خفــض كبيــر يف الدعــم‬ ‫األساــسي‪ ،‬وــهو ــما يــهدد دائًمـ ـًا بخــطر اــندالع اضطراــبات داخلــية‪.‬‬ ‫ثمــة تقاريــر ً‬ ‫أيًضــا تشــير إلــى نقــص يف بعــض الســلع األساســية‪ ،‬مثــل‬ ‫الشــاي يف اململكــة املتحــدة‪ ،‬ويعــود ذلــك إلــى انقطــاع الشــحن مــن‬ ‫كينيــا والهنــد‪ .‬كمــا تأثــرت ً‬ ‫أيًضــا شــركات «املوضــة الســريعة» التــي‬ ‫تعتمــد علــى الشــحن الســريع مــن الشــرق إلــى األســواق األوروبيــة‪.‬‬ ‫يف حني أفــادت وزارة اخلارجيــة األمريكيــة أن التكلفــة املترتبــة علــى‬ ‫ً‬ ‫عوًضــا‬ ‫إعــادة توجيــه مســار بعــض الســفن حــول رأس الرجــاء الصالــح‬ ‫عــن املــرور عبــر البحــر األحمــر قــد تصــل إلــى نحــو مليــون دوالر‪:‬‬ ‫وســينعكس مــردود هــذه التكلفــة علــى القطــاع االســتهالكي العاملــي‪.‬‬ ‫االســتجابة الدوليــة واجلهــود الراميــة إلــى التخفيــف مــن األزمــة‪ :‬لغــز‬ ‫معقــد‬

‫ونظـ ً​ًرا إلــى أن الدوريــات البحريــة الدوليــة‪ ،‬مثــل تلــك التي يتــم إجراؤها‬ ‫حتــت رعايــة قــوة املهــام املشــتركة ‪ ،151‬كانــت فعالــة يف ردع القرصنــة‬ ‫وحمايــة ممــرات الشــحن‪ .‬بالتالــي‪ ،‬جــاءت االســتجابة األمريكيــة األولية‬ ‫لهجمــات احلوثــيني تكــرا ً​ًرا لذلــك مــن خالل تشــكيل قــوة «حــارس‬ ‫الرخــاء»‪ ،‬وهــي قــوة مهــام بحريــة ملرافقــة الســفن التجاريــة‪ .‬وقــد حــل‬ ‫هــذا محــل اجلهــود اخملصصــة الســابقة التــي شــهدت هزميــة الســفن‬ ‫األمريكيــة‪ ،‬والبريطانيــة‪ ،‬والفرنســية للهجمــات الصاروخيــة‪ .‬ويف حني‬ ‫أن الفرنســيني لديهــم قــوة مهــام موازيــة خاصــة بهــم‪ ،‬فــإن هــذا ال يؤثــر‬ ‫ح ً​ًقــا علــى فعاليــة املهمــة بقــدر مــا يظــن املــرء‪ :‬حيــث ميكــن تخصيــص‬ ‫العمليــات يف البحــر ضــد مجموعــة تهديــد واحــدة ‪-‬الهجــوم اجلــوي‬ ‫بالصواريــخ والطائــرات بــدون طيــار ‪-‬حســب القطــاع‪ ،‬وال يتطلــب ذلــك‬ ‫توحيــد القيــادة بنفــس الطريقــة التــي تــدار بهــا العمليــات البريــة‪ .‬لقــد‬ ‫أدت هجمــات احلوثــيني املســتمرة إلــى قيــام الواليــات املتحــدة واململكــة‬ ‫املتحــدة بشــن عمليــات مشــتركة علــى أهــداف احلوثــيني يف اليمــن‪.‬‬ ‫وحتــى اآلن‪ ،‬ظلــت هــذه الهجمــات مدروســة للغايــة ومحــدودة النطــاق‪،‬‬ ‫مقتصــرة فقــط علــى محطــات الــرادار وغيرهــا مــن األصــول التــي‬ ‫ميكنهــا تطويــر أهــداف للصواريــخ والطائــرات بــدون طيــار‪ ،‬ومرافــق‬ ‫تخزيــن األســلحة‪ ،‬والصواريــخ اجلاهــزة لإلطالق‪ .‬لقــد امتنــع التحالــف‬ ‫(حتــى اآلن) عــن مهاجمــة مراكــز القيــادة والســيطرة التابعــة للحوثــيني‬ ‫أو املقــرات العســكرية العليــا ‪-‬وهــي إجــراءات مــن شــأنها أن تــؤدي‬ ‫بالتأكيــد إلــى قــدر كبيــر مــن اخلســائر البشــرية‪.‬‬ ‫ومــن غيــر املرجــح أن تســتمر العمليــات التــي يتــم تنفيذهــا بواســطة‬ ‫طائــرات بريطانيــة حتلــق مــن قبــرص‪ ،‬إلــى جانــب طائــرات أمريكيــة‬ ‫تعمــل مــن خالل مجموعــة حاملــة الطائــرات «يــو إس إس أيزنهــاور»‬ ‫علــى مــدى فتــرة زمنيــة طويلــة‪ .‬حيــث يبلــغ عــدد حــامالت الطائــرات‬ ‫التــي متتلكهــا الواليــات املتحــدة إحــدى عشــرة حاملــة طائــرات فقــط‪:‬‬ ‫اثنتــان منهــا قيــد الصيانــة وواحــدة مــن املقــرر أن تخــرج مــن اخلدمــة‪.‬‬ ‫ويتــم نشــر العديــد منهــا يف احمليــط الهــادئ‪ :‬ومــن غيــر احملتمــل‬ ‫اإلبقــاء علــى مثــل هــذه النســبة العاليــة مــن القــوة البحريــة املتواجــدة‬ ‫يف املنطقــة إلــى أجــل غيــر مســمى‪.‬‬

‫الهجمات األمريكية عىل أهداف الحوثيين مدروسة ومحدودة ومقتصرة‬ ‫عىل محطات الرادار ومخازن األسلحة والصواريخ الجاهزة لإلطالق‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪41‬‬

‫ملف العدد‬

‫المشاكل الحالية لم تكن تظهر لو أن أمريكا دعمت الحكومة اليمنية‬ ‫وحلفاءها لتحرير ميناء "الحديدة" من قبضة الحوثيين‬ ‫والــذي اكتســب شــهرته بعــد اســتخدامه يف حــرب الفوكالنــد‪ .‬ويف‬ ‫الوقــت الــذي كانــت املفاوضــات إلنهــاء حــرب اليمــن التــزال مســتمرة‬ ‫وتؤتــي ثمارهــا‪ ،‬امتنــع احلوثيــون عــن القيــام بــأي عمــل بحــري‪.‬‬ ‫ومتركــزت القضيــة البحريــة الرئيســية مــع احلوثــيني حــول اجلهــود‬ ‫الدوليــة ملنــع تســرب النفــط مــن الناقلــة صافــر‪ ،‬وهــي ناقلــة نفــط‬ ‫عائمــة مت اســتخدامها للتخزيــن قبالــة احلديــدة وكانــت معرضــة‬ ‫خلطــر التفــكك وإطالق أربعــة أضعــاف كميــة النفــط التــي تنتجهــا‬ ‫«إكســون فالديــز»‪.‬‬ ‫أتاحــت احلــرب الدائــرة يف غــزة ذريعــة للحوثــيني للقيــام بعمــل‬ ‫إضــايف بعــد إعالن اجلماعــة املتمــردة دعمهــا للقضيــة الفلســطينية‪،‬‬

‫واســتيالئها علــى ســفينة شــحن يعــود جــزء مــن ملكيتهــا إلســرائيل‪ ،‬ثــم‬ ‫تصريحاتهــا بأنــه ســيتم مهاجمــة أو االســتيالء علــى أي حمولــة متجهــة‬ ‫إلــى إســرائيل‪ .‬ومت توســيع نطــاق هــذه السياســة عمل ً​ًيــا‪ ،‬لتشــمل‪-‬‬ ‫مجاز�يـًا‪-‬أي ســفينة تعبــر املنطقــة وال حتمــل علمـًاً روسـ ً​ًيا أو صين ً​ًيــا‪.‬‬ ‫يف الواقــع‪ ،‬هاجــم احلوثيــون إحــدى الســفن التــي كانــت حتمــل شــحنة‬ ‫ــمن اــلذرة ــمن البرازــيل متجــهة إــلى الدوــلة الراعــية لــهم‪ ،‬إــيران‪.‬‬ ‫التأثير على املالحة املدنية‪ :‬االضطرابات والتداعيات االقتصادية‬ ‫إن اســتهداف الشــاحنات املدنيــة مــن قبــل قــوات احلوثــي يحمــل‬ ‫تداعيــات بعيــدة املــدى‪ ،‬تتجــاوز نطــاق اخملاوف األمنيــة املباشــرة‪ .‬حيــث‬ ‫تواجــه الســفن التجاريــة التــي متــر عبــر خليــج عــدن والبحــر األحمــر‬ ‫تهديــدات متزايــدة‪ ،‬ترتــب عليهــا زيــادة أقســاط التــأمني والتكاليــف‬


‫‪40‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫اإلبحار في المياه الخطرة‪ :‬التهديدات البحرية في خليج عدن والبحر األحمر‬

‫إدارة بايدن لن تخوض مواجهة حاسمة ضد‬ ‫الحوثيين وتسعى للضغط عىل إيران‬ ‫يعتبــر خليــج عــدن والبحــر األحمــر ممــرات بحريــة محوريــة‪ ،‬تســهل نقــل وشــحن بضائــع بقيمــة مليــارات الــدوالرات ســنو ً​ًيا‪.‬‬ ‫ولســوء احلــظ‪ ،‬أن األهميــة االســتراتيجية التــي تنعــم بهــا هــذه املنطقــة تتــوازى مــع مخاطرهــا املتأصلــة‪ .‬حيــث شــهدت‬ ‫ارتفاًعــا كبيـ ً​ًرا يف أوائــل القــرن احلادي والعشــرين بعــد انــزالق الصومــال‬ ‫القرصنــة‪ ،‬التــي تعــد آفــة هــذه امليــاه منــذ أمــد بعيــد‪،‬‬ ‫ً‬ ‫يف حالــة مــن الفوضــى‪ ،‬ممــا قــاد إلــى بلــورة اجلهــود الدوليــة مــن أجــل القيــام بدوريــات بحريــة واعتــراض أعمــال القرصنــة‪ .‬ويف‬ ‫حني جنــح حتالــف دول الشــرطة البحريــة املســتدام يف احلــد مــن حــوادث القرصنــة‪ ،‬إال أن التهديــد ال يــزال قائ ً​ًمــا‪ ،‬حيــث تتمكــن‬ ‫الشــبكات اإلجراميــة مــن التكيــف مســتعينة بتكتيــكات جديــدة‪ُ​ُ ،‬مســتغلة نقــاط الضعــف يف األمــن البحــري‪.‬‬

‫أ ‪ .‬د‪ .‬ديفيد دي روش‬

‫العامل الحوثي‪ُ​ُ :‬بعد جديد للمخاطر‬

‫أدى صعــود جماعــة احلوثــي املتمــردة يف اليمــن وجناحهــا يف االســتيالء‬ ‫علــى جــزء كبيــر مــن مخــازن األســلحة اململوكــة للدولــة اليمنيــة‪ ،‬إلــى‬ ‫إضافــة بعــد جديــد للمخاطــر احُملح دقــة باملشــهد البحــري‪ .‬كمــا خلــف‬ ‫الصــراع الدائــر يف اليمــن‪ ،‬الــذي ُتُغذيــه املنافســات اإلقليميــة والتوتــرات‬ ‫الطائفيــة‪ ،‬تداعيــات علــى اجملال البحــري مــع شــن عناصــر احلوثــيني‬ ‫هجمــات علــى الشــاحنات التجاريــة والســفن البحريــة‪ .‬وقــد أظهــرت‬ ‫جماعــة احلوثــي قــدرة علــى مهاجمــة الســفن يف البحــر األحمــر منــذ‬ ‫وقــت مبكــر يعــود إلــى عــام ‪2016‬م‪ ،‬بعــد اســتهدافها زورق عســكري‬ ‫إماراتــي بصــاروخ ُ​ُمضــاد للســفن‪ ،‬وإطالقهــا يف العــام ذاتــه‪ ،‬صواريــخ‬ ‫علــى ســفن البحريــة األمريكيــة‪ .‬فــضاًلا عــن مهاجمتهــا ســفينة تابعــة‬ ‫للبحريــة الســعودية بواســطة ســفينة ســطحية يتــم التحكــم فيهــا عــن‬ ‫بعــد يف الشــهر التالــي‪ .‬وقــد ظلــت القــدرة البحريــة للحوثــيني يف حالــة‬ ‫خمــول لبضــع ســنوات‪ ،‬مــع حتــول تركيــز احلــرب يف اليمــن إلــى مدينــة‬ ‫«مــأرب»‪ ،‬وحتــرك قــوات احلكومــة اليمنيــة إلــى الســاحل باجتــاه»‬ ‫احلديــدة»‪ .‬إذ كان احلوثيــون حينهــا محتــلني علــى األرض ويفتقــرون‬ ‫إلــى القــدرة واالهتمــام مبهاجمــة أهــداف يف البحــر‪ .‬ومــع ذلــك‪ ،‬مبجــرد‬

‫أن بــدأت املفاوضــات إلنهــاء احلــرب يف اليمــن‪ ،‬اجتــه احلوثيــون إلــى‬ ‫بنــاء وجمــع مجموعــة هائلــة مــن الطائــرات بــدون طيــار والصواريــخ‬ ‫املضــادة للســفن‪.‬‬ ‫معظــم هــذه األســلحة مت اســتيرادها مــن إيــران‪ :‬بعضهــا مت جتميعــه‬ ‫محل�يـًا مــن أجــزاء إيرانيــة املصــدر‪ .‬كما اســتثمرت إيــران يف تطوير قدرة‬ ‫احلوثــيني علــى تصنيــع األســلحة احملليــة حتــى إنهــم أضحــوا قادريــن‬ ‫اآلن علــى إنتــاج العديــد مــن الطائــرات بــدون طيــار مــن املكونــات‬ ‫التــي بحوزتهــم‪ .‬وكمــا فعلــت مــع حركــة حمــاس وجماعــة حــزب اهلل‬ ‫يف لبنــان‪ ،‬تولــت طهــران تدريــب احلوثــيني علــى إنتــاج الصواريــخ ومــن‬ ‫احملتمــل أن يصبــح احلوثيــون قادريــن علــى إنتــاج الصواريــخ محل�يـًا يف‬ ‫غضــون بضــع أعــوام‪ .‬يشــار إلــى أن غالبيــة الصواريــخ املســتخدمة يف‬ ‫شــن هجمــات علــى الســفن تعــد إيرانيــة املنشــأ‪ .‬ويف حني أن غالبيــة‬ ‫اخملــزون اإليرانــي األولــي مــن الصواريــخ كان يتكــون مــن نســخ ُ​ُمعدلــة‬ ‫مــن صــاروخ «ســكود» الروســي‪ ،‬قــام اإليرانيــون ً‬ ‫أيًضــا بنســخ الصــاروخ‬ ‫الصينــي ا ُ​ُملضــاد للســفن مــن طــراز «ســي‪ ،”802-‬يف محاولــة أقــل شــأًناً‬ ‫إلــى حــد مــا‪ ،‬حملاكاة صــاروخ» إكسوســيت» الفرنســي املضــاد للســفن‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫وجوبــا يف الصومــال‪ ،‬والعــداء املســتمر مــع إريتريــا مينــع منحهــا منفـ ً​ًذا‬ ‫علــى البحــر‪ ،‬وملصلحــة جيبوتــي يف اســتمرار اعتمــاد إثيوبيــا علــى‬ ‫اســتخدام موانيهــا مينــع ً‬ ‫أيًضــا منحهــا منف ـ ً​ًذا مســتقاًلا علــى البحــر‬ ‫األحــمر‪.‬‬

‫الموقف الدويل من االتفاق‪:‬‬ ‫رفضــت العديــد مــن الــدول وعلــى رأســهم مصــر ذلــك االتفــاق‬ ‫باعتبــاره انتهــا ً​ًكا لســيادة الصومــال‪ ،‬وحتذي ـ ً​ًرا مــن تداعياتــه يف زيــادة‬ ‫حــدة التوتــر يف منطقــة القــرن‪ ،‬وخو ً​ًفــا مــن تشــجيع أقاليــم أخــرى يف‬ ‫املنطقــة لالنفصــال‪ ،‬كمــا حــدث مــن قبــل يف انفصــال إريتريــا التــي‬ ‫اســتقلت عــن إثيوبيــا عــام ‪1993‬م‪ ،‬وجنــوب الســودان التــي اســتقلت‬ ‫عــام ‪2011‬م‪.‬‬ ‫كمــا رفضــت احلكومــة الصوماليــة االتفــاق بشــدة‪ ،‬ووصفــه الرئيــس‬ ‫حســن شــيخ محمــود بأنــه انتهــاك غيــر مشــروع للســيادة الصوماليــة‪،‬‬ ‫مؤكــدًاً أنــه «ال ميكــن ألحــد أن ينتــزع شــب ً​ًرا مــن الصومــال»‪ ،‬كمــا‬ ‫اســتدعت مقديشــو ســفيرها لــدى إثيوبيــا‪ ،‬والح ً​ًقــا وقــع الرئيــس‬ ‫الصومالــى قانو ً​ًنــا يلغــي فيــه االتفــاق‪ .‬وشــّدّ دت أمريــكا وأوروبــا و‬ ‫"إيجــاد" علــى ضــرورة احتــرام ســيادة جمهوريــة الصومــال الفيدراليــة‬ ‫ووحــدة أراضيهــا وف ً​ًقــا لدســتورها ومواثيــق االحتــاد اإلفريقــي واألمم‬ ‫املتحــدة‪ ،‬وأنــه ينبغــى أن يكــون أي اتفــاق أو ترتيــب مبوافقــة حكومــة‬ ‫جمهوريــة الصومــال‪ ،‬كمــا نــددت اجلامعــة العربيــة‪ ،‬باتفــاق بني إثيوبيــا‬ ‫وأرض الصومــال‪ ،‬ووصفتــه بأنــه "انــقالب صــارخ" علــى الثوابــت العربيــة‬ ‫واإلفريقيــة‪ ،‬ودعــا اجلميــع إثيوبيــا والصومــال إلــى تهدئــة التوتــرات‬ ‫والدخــول يف حــوار بنــاء‪ .‬لــم يتخــذ االحتــاد اإلفريقــي موق ً​ًفــا للدفــاع‬ ‫عــن ســيادة دولــة عضــو فيــه وهــي الصومــال كمــا هــو معتــاد يف مثــل‬ ‫هــذه احلاالت‪ ،‬ويرجــع ذلــك إلــى وجــود مبنــى االحتــاد اإلفريقــي يف‬ ‫أديــس أبابــا‪ ،‬والعالقــة القويــة لرئيــس الــوزراء اإلثيوبــي بــإدارة االحتــاد‪.‬‬ ‫مــن املتوقــع يف حالــة إصــرار إثيوبيــا وأرض الصومــال علــى املضــي‬ ‫ُ​ُقد ً​ًمــا يف تنفيــذ االتفــاق أن يزيــد التوتــر يف القــرن اإلفريقــي‪ ،‬وزيــادة‬ ‫القواعــد العســكرية للــدول الكبــرى لتــأمني مصاحلهــا االســتراتيجية‪،‬‬ ‫وتوســيع نفوذهــا السياســي والعســكري‪.‬‬

‫رد الفعل المصري تجاه االتفاق‪:‬‬ ‫أبــدت مصــر رفض ـًاً قاط ً​ًعــا لالتفــاق اإلثيوبــى مــع أرض الصومــال إذ‬ ‫أكــدت أن الصومــال دولــة عربيــة‪ ،‬ولهــا حقــوق طب ً​ًقــا مليثــاق اجلامعــة‬ ‫العربيــة يف الدفــاع املشــترك ألى تهديــد لهــا‪ ،‬وأن مصــر لــن تســمح‬ ‫ألحــد بتهديــد الصومــال أو املســاس بأمنــه‪ ،‬يأتــي املوقــف املصــري‬ ‫يف أعقــاب فشــل مفاوضــات ســد النهضــة اإلثيوبــي علــى مــدار أكثــر‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪39‬‬

‫ملف العدد‬

‫مــن اثنــى عشــر عا ً​ًمــا‪ ،‬وتوجههــا إلــى مجلــس األمــن مــرتني يف ‪،2020‬‬ ‫و‪2021‬م‪ ،‬دون الوصــول إلــى حــل بشــأن مــلء وتشــغيل الســد اإلثيوبــي‪،‬‬ ‫واعالن مصــر أنهــا حتتفــظ بحقهــا املكفــول مبوجــب املواثيــق الدوليــة‬ ‫للدفــاع عــن أمنهــا املائــي والقومــي يف حالــة تعرضــه للضــرر‪ .‬قوبــل‬ ‫املوقــف املصــري بترحــاب واســع يف الصومــال حيــث شــدد الرئيــس‬ ‫الصومالــى حســن شــيخ محمــود‪ ،‬علــى أن بالده تعتبــر مصــر حلي ً​ًفــا‬ ‫تاريخ�يـًا وشــري ً​ًكا اســتراتيج ً​ًيا‪ ،‬معر�بـًا عــن تطلــع الصومــال للمزيــد مــن‬ ‫التعــاون مــع القاهــرة خالل الفتــرة القادمــة‪.‬‬

‫المواجهة الدولية للتهديدات األمنية يف البحر األحمر‪:‬‬ ‫أطلقــت الواليــات املتحــدة يف ديســمبر ‪2023‬م‪ ،‬مبــادرة لتشــكيل قــوات‬ ‫متعــددة اجلنســيات مــن دول عــدة باســم "حــارس االزدهــار مقاومــة‬ ‫هجمــات احلوثــيني بالبحــر األحمــر‪ ،‬حيــث جمعــت دواًلا مــن بينهــا‬ ‫أســتراليا‪ ،‬والبحريــن‪ ،‬وبلجيــكا‪ ،‬وكنــدا‪ ،‬والدمنــارك‪ ،‬واليونــان‪ ،‬وإيطاليــا‪،‬‬ ‫واليابــان‪ ،‬وهولنــدا‪ ،‬وســنغافورة‪ ،‬ونيوزيلنــدا‪ ،‬واململكــة املتحــدة‪ ،‬وفضلــت‬ ‫بعــض الــدول منهــا مصــر عــدم االشــتراك وســط مخــاوف مــن أنهــا قــد‬ ‫تــؤدي إلــى زيــادة التوتــرات وزيــادة تصعيــد الصــراع يف الشــرق األوســط‪،‬‬ ‫وزيــادة دائــرة االعتــداءات علــى جميــع الســفن التــى متــر خالل قنــاة‬ ‫الســويس‪.‬‬ ‫قامــت أمريــكا وبريطانيــا‪ ،‬بدعــم مــن دول حليفــة أخــرى‪ ،‬بضربــات‬ ‫مباشــرة علــى بعــض أهــداف احلوثــيني يف اليمــن‪ ،‬وبعــد ذلــك تعهــد‬ ‫احلوثيــون باالنتقــام‪ ،‬ويف ‪ 10‬ينايــر ‪2024‬م‪ ،‬اعتمــد مجلــس األمــن‬ ‫الدولــي قــرا ً​ًرا يديــن "بأشــد العبــارات" الهجمــات املتكــررة للحــوثني‬ ‫قبالــة ســواحل اليمــن‪ .‬ولــم تنجــح واشــنطن يف ردع احلوثــيني‪ ،‬وطلبــت‬ ‫مــن الــصني اســتخدام نفوذهــا لــدى إيــران لوقــف الهجمــات علــى‬ ‫الســفن يف البحــر األحمــر‪ ،‬يف املقابــل زاد احلوثيــون مــن نشــاطهم‬ ‫باســتهداف الســفن األمريكيــة والــدول املؤيــدة ر ً​ًدا علــى هــذا التصعيــد‪.‬‬ ‫مــن طــرق احلــل الضغــط الدولــى علــى إســرائيل للتوقــف عــن اجلرمية‬ ‫اإلنســانية التــي ترتكبهــا يف حــق الشــعب الفلســطيني يف غــزة‪ ،‬وعــودة‬ ‫الــدول الداعمــة لهــا مــن أمريــكا وأوروبــا إلــى رشــدهم يف وقــف العــدوان‬ ‫الغاشــم‪ ،‬وحــل القضيــة الفلســطينية مــن جذورهــا بـداًلا مــن بــذل مزيــد‬ ‫مــن اجلهــد فقــط يف عمــل هدنــة مؤقتــه‪ ،‬يعــود بعدهــا قتــل األبريــاء‬ ‫مــرة أخــرى يف جرميــة تلحــق باجملتمــع الدولــي بأكملــة اخلــزي والعــار‬ ‫أمــام األجيــال القادمــة‪.‬‬ ‫* أستاذ الجيولوجيا واملوارد املائية ـ كلية الدراسات اإلفريقية العليا – جامعة‬ ‫القاهرة ‪-‬مرص‬


‫‪38‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫شكل (‪ :)1‬طرق مرور السفن قبل وبعد حرب غزة‪.‬‬ ‫(المصادر‪ :‬معدلة من ‪).Noam Raydan , The Washington Institute‬‬ ‫(الطرق البرية‪)Bloomberg :‬‬

‫شكل (‪ :)2‬المتوسط اليومى لحركة مرور السفن في قناة السويس (‪2024 – 2016‬م)‬ ‫(المصدر‪)UNCTAD, 2024 :‬‬

‫مذكرة التفاهم بين إثيوبيا وأرض الصومال‪:‬‬

‫اعتــراف إثيوبيــا بــأرض الصومــال كدولــة مســتقلة‪ ،‬فـ ً‬ ‫ـضًال عــن منــح‬ ‫إثيوبيــا ‪ %20‬مــن أســهم شــركة اخلطــوط اجلويــة اإلثيوبيــة‪ ،‬وأماًلا يف‬ ‫مــساعدتها عــلى احلــصول عــلى اعــتراف دوــلي‪.‬‬

‫مــع بدايــة العــام اجلديــد ‪2024‬م‪ُ​ُ ،‬فوجــئ اجملتمــع الدولــي بتوقيــع مذكــرة‬ ‫تفاهــم بني زعيــم إقليــم أرض الصومــال موســى بيهــي عبــدي ورئيــس‬ ‫الــوزراء اإلثيوبــي أبيــي أحمــد‪ ،‬متنــح إثيوبيــا منفـ ً​ًذا علــى البحــر األحمــر‬ ‫بطــول ‪ 20‬كيلومتــ ً​ًرا يضــم مينــاء بربــرة وقاعــدة عســكرية‪ ،‬مقابــل‬

‫تســعى إثيوبيــا ‪-‬الدولــة احلبيســة‪-‬منذ انفصــال إريتريــا عــام‬ ‫‪1993‬م‪ ،‬للحصــول علــى أي منفــذ‪ ،‬إال أن توتــر العالقــات بينهــا وبني‬ ‫الــدول اجملاورة مثــل الصومــال بعــد ســيطرتها علــى إقليــم أوجاديــن‬ ‫الصومالــي‪ ،‬وبنــاء ســدود حتــد مــن تدفــق امليــاه نحــو نهــري شــبيلي‬

‫األجنبيــة بدخــول امليــاه الصوماليــة‪.‬‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪37‬‬

‫ملف العدد‬

‫مش ــروع أم الق ــرى آخ ــر مش ــاريع اإلس ــام الحرك ــي ال ــذي فش ــل يف‬ ‫الس ــودان ومص ــر ويف إي ــران أط ــول بق ــا ًء لخل ــط القومي ــة بالطائفي ــة‬ ‫تغييــر مســار الســفن أدى إلــى تأخــر وصــول البضائــع وانخفــاض‬ ‫اإلنتــاج وارتفــاع تكاليــف الشــحن وأســعار البضائــع‪ ،‬وزيــادة أســعار‬ ‫النفــط والغــاز وأقســاط التــأمني‪ ،‬وعرقلــة الصفقــات وعمليــات‬ ‫التبــادل التجــارى‪ ،‬وزيــادة التلــوث البيئــى نتيجــة زيــادة انبعــاث غــازات‬ ‫االحتبــاس احلــراري (ثانــى أكســيد الكربــون) ألن الســفن تختــار‬ ‫مســارات أطــول ممــا يزيــد مــن اســتهالك الوقــود‪ ،‬وأصــاب ذلــك مينــاء‬ ‫إيالت اإلســرائيلى بالشــلل‪ ،‬ووجــه ضربــة اقتصاديــة إلســرائيل‪ ،‬كانــت‬ ‫الــرحالت بني آســيا وأوروبــا للســفن املتجهــة إلــى إســرائيل تســتغرق‬ ‫حوالــي ‪ 19‬يو ً​ًمــا قبــل احلــرب‪ ،‬لكنهــا ميكــن أن تســتغرق اآلن مــا يصــل‬ ‫إلــى ‪ 31‬يو ً​ًمــا اعتمــا ً​ًدا علــى ســرعة الســفينة (شــكل ‪ .)1‬كمــا توقفــت‬ ‫بعــض املصانــع والشــركات العامليــة مثــل مصانــع الســيارات يف بلجيــكا‬ ‫وأملانيــا‪ ،‬وشــركة ماريالنــد لصناعــة مســتلزمات املستشــفيات لتأخــر‬ ‫احلصــول علــى قطــع الغيــار مــن آســيا‪.‬‬ ‫حتــاول بعــض الشــركات فتــح طــرق جتاريــة جديــدة متــر عبــر قلــب‬ ‫الشــرق األوســط لتجــاوز البحــر األحمــر الــذي يهــدده احلوثيــون‪ ،‬تقــوم‬ ‫شــركة ‪ .Trucknet Enterprise Ltd‬بإرســال البضائــع مبــا يف‬ ‫ذلــك املــواد الغذائيــة والبالســتيكية واملــواد الكيميائيــة والكهربائيــة مــن‬ ‫موانــئ يف اإلمــارات والبحريــن‪ ،‬عبــر الســعودية واألردن‪ ،‬إلــى إســرائيل‬ ‫ثــم إلــى أوروبــا‪.‬‬

‫تأثير هجمات الحوثيين عىل مصر‪:‬‬ ‫أدت هجمــات احلوثــيني علــى بعــض الســفن يف منطقــة بــاب املنــدب‬ ‫إلــى تراجــع حجــم الشــحنات املارة بقنــاة الســويس خالل الفتــرة مــن‬ ‫‪ 19‬نوفمبــر ‪ 2023‬وحتــى ‪ 14‬ينايــر ‪2024‬م‪ ،‬بنحــو ‪ %11‬إلــى ‪ 242.5‬مليــون‬ ‫طــن‪ ،‬مــن ‪ 273‬مليــون طــن يف الفتــرة نفســها قبــل عــام‪ ،‬حســب منصــة‬ ‫«بــورت وتــش» لتتبــع حركــة الشــحن والتابعــة لصنــدوق النقــد الدولــى‪،‬‬ ‫وتراجــع عــدد ســفن احلاويــات مــن ‪ 2693‬إلــى ‪ 2453‬ســفينة خالل‬ ‫الفتــرة نفســها قبــل عــام‪ ،‬وعــدد نــاقالت النفــط مــن ‪ 1379‬إلــى ‪1260‬‬ ‫ناقلــة‪ .‬انخفــاض عــدد الســفن املارة بقنــاة الســويس بعــد االعتــداءات‬ ‫اإلســرائيلية علــى غــزة يعــادل ضعــف انخفاضهــا أثنــاء جائحــة كورونــا‬ ‫‪2020‬م (شــكل ‪ .)2‬وانخفضــت شــحنات احلاويــات عبــر القنــاة ‪ %82‬يف‬ ‫األســبوع املنتهــي يف ‪ 19‬ينايــر ‪2024‬م‪ ،‬مقارنــة بأوائــل ديســمبر‪ ،‬كمــا‬ ‫تراجعــت شــحنات الغــاز الطبيعــي املســال بشــكل أكبــر‪ ،‬يف حني شــهدت‬

‫شــحنات البضائــع الســائبة اجلافــة تراج ً​ًعــا أقــل بينمــا زادت حركــة‬ ‫نــاقالت النفــط اخلام قلــياًلا ‪ ،‬وطب ً​ًقــا لهيئــة قنــاة الســويس انخفضــت‬ ‫هــذه اإليــرادات بنســبة ‪ ٪40‬خالل األســبوعني األولني مــن عــام ‪2024‬م‪،‬‬ ‫مقارنــة بالعــام املاضــي يف نفــس الفتــرة‪.‬‬ ‫ومــن املتوقــع أال يكــون التأثيــر كبي ـ ً​ًرا علــى االقتصــاد املصــري الــذي‬ ‫ً‬ ‫انخفاًضــا شــديًدًا يف قيمــة العملــة احملليــة (أكثــر مــن‬ ‫يعانــي بالفعــل‬ ‫وارتفاًعــا كبيــ ً​ًرا يف التضخــم‪ ،‬ولكــن إذا اســتمر‬ ‫‪ %100‬خالل ‪2023‬م)‬ ‫ً‬ ‫االضطــراب فقــد يتفاقــم الوضــع أكثــر بســبب انخفــاض عائــدات‬ ‫قنــاة الســويس التــى تشــكل أحــد أهــم املصــادر للحصــول علــى العملــة‬ ‫األجنبيــة‪ ،‬حيــث ميــر بقنــاة الســويس أكثــر مــن ‪ 20‬ألــف ســفينة ســنو ً​ًيا‪،‬‬ ‫بعائــد قــدره حوالــي ‪ 10‬مليــار دوالر عــام ‪2023‬م‪.‬‬

‫حال استمرار الصراع يف البحر األحمر‬

‫أوضــح خبــراء يف البنــك الدولــي أن تأثيــر اضطرابــات البحــر األحمــر‬ ‫ميكــن اســتيعابها نســب ً​ًيا يف شــحن احلاويــات العامليــة خالل شــهرى‬ ‫ينايــر وفبرايــر ‪2024‬م‪ ،‬حيــث أنهمــا مــن األشــهر الهادئــة موســم ً​ًيا‬ ‫بالنســبة للشــحن‪ ،‬ولكــن إذا اســتمرت هجمــات احلوثيــيني علــى‬ ‫الســفن إلــى مــارس وأبريــل‪ ،‬حيــث تشــهد فيهمــا التجــارة العامليــة‬ ‫ً‬ ‫انتعاًشــا موســم ً​ًيا‪ ،‬فقــد تــؤدى إلــى أزمــة يف سالســل اإلمــداد مثلمــا‬ ‫حــدث جــراء وبــاء كورونــا ‪2022-2021‬م‪ ،‬عندمــا انخفــض عــدد ســفن‬ ‫نقــل البضائــع وُأُغلقــت املوانــئ‪ ،‬ونقــص عــدد العامــلني فيهــا‪ ،‬ممــا أدى‬ ‫إلــى تأخيــر الســفن أيا ً​ًمــا أو أســابيع لتفريــغ حمولتهــا‪ ،‬وارتفــاع حــاد يف‬ ‫أســعار الشــحن الفــوري بلــغ ثمانيــة أضعــاف أســعار عــام ‪2019‬م‪.‬‬ ‫كمــا أن اســتمرار الهجمــات علــى الســفن يشــكل خط ـ ً​ًرا علــى األمــن‬ ‫الغذائــى العالـمى مــن خالل إبطــاء توزيــع احلبــوب إلــى مناطــق متفرقــة‬ ‫مــن العالــم خاصــة آســيا وإفريقيــا‪ ،‬التــي تعتمــد علــى القمــح مــن‬ ‫أوروبــا ومنطقــة البحــر األســود‪ ،‬وأن األمــر قــد يكــون أســوأ إذا اتســع‬ ‫نطــاق الصــراع يف الشــرق األوســط وأدى إلــى ارتفــاع أســعار النفــط مــع‬ ‫مضاعفــة تكاليــف الشــحن اجلديــدة‪.‬‬ ‫تدهــور األمــن يف البحــر األحمــر شــجع القراصنــة الصومالــيني علــى‬ ‫العــودة للهجــوم علــى الســفن يف القــرن اإلفريقــي بعــد مــا تراجعــت‬ ‫أعمــال القرصنــة قبالــة ســواحل الصومــال يف الســنوات األخيــرة التــي‬ ‫بلغــت ذروتهــا عــام ‪2011‬م عندمــا شــن القراصنــة الصومالــيني ‪212‬‬ ‫هجو ً​ًمــا‪ .‬وأصــدر مجلــس األمــن ‪ 7‬قــرارات تســتهدف القرصنــة بني‬ ‫ديســمبر ‪2010‬م ومــارس ‪2022‬م‪ ،‬ممــا ســمح للقــوات البحريــة واجلويــة‬


‫‪36‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫بـــدأ الحديـــث يف إيـــران عـــن أن واليـــة الفقيـــه طارئـــة عـــى‬ ‫التفكي ــر الش ــيعي وكان ــت مناس ــبة لإلطاح ــة بالش ــاه ال اس ــتمرارها‬ ‫تســاهم بقــوة يف النشــاط التجــارى والدخــل االقتصــادى للــدول املطلــة‬ ‫عليــه‪ ،‬حيــث تؤمــن هــذه املوانــئ نقــل مــوارد الطاقــة واملعــادن واملنتجــات‬ ‫الزراعيــة والصناعيــة‪ ،‬وتقــدم خدمــات املالحــة للســفن العابــرة‪ ،‬ومــن‬ ‫أهــم هــذه املوانــئ جــدة وينبــع يف الســعودية‪ ،‬عــدن يف اليمــن‪ ،‬وإيالت‬ ‫يف إســرائيل‪ ،‬وســفاجا والــعني الســخنة والســويس يف مصــر‪ ،‬وســواكن‬ ‫يف الســودان‪ ،‬ومصــوع وعصــب يف إرتريــا‪ ،‬ومينــاء جيبوتــى‪.‬‬

‫المخاطر والصراعات العسكرية يف البحر األحمر‪:‬‬

‫أصبــح البحــر األحمــر بيئــة تفاعــل وجتــاذب لصراعــات إقليميــة مثــل‬ ‫الصــراع العربــى – اإلســرائيلي‪ ،‬واإليرانــي –اخلليجــى‪ ،‬اإليرانــى –‬ ‫اإلســرائيلى‪ ،‬واإلثيوبــى – اإلريتــرى‪ ،‬واإلريتــرى – اليمنــى‪ ،‬االثيوبــى‬ ‫– الصومالــي‪ ،‬واملصــري – اإلثيوبــي بســبب ســد النهضــة‪ ،‬باإلضافــة‬ ‫إلــى أن املنطقــة تشــهد الكثيــر مــن الصراعــات الداخليــة مثــل احلــرب‬ ‫األهليــة يف الصومــال والتدخــل اإلثيوبــي فيهــا والصــراع يف اليمــن‪،‬‬ ‫واحلــرب األهليــة يف الســودان‪ ،‬والقرصنــة وتنظيــم القاعــدة‪.‬‬ ‫وفــرت قنــاة الســويس طري ً​ًقــا مباش ـ ً​ًرا هــو األقصــر بني أوروبــا وشــرق‬ ‫آســيا‪ ،‬وبذلــك ازدادت أهميــة البحــر األحمــر للقــوى الكبــرى التــى‬ ‫ســارعت إلــى فــرض نفوذهــا االســتعمارى يف املنطقــة‪ ،‬واســتمرت‬ ‫ســيطرتها علــى البحــر األحمــر‪ ،‬وطــرق املالحــة فيــه إلــى النصــف‬ ‫الثانــى مــن القــرن الـــعشرين‪ ،‬ومــع خــروج االســتعمار األوروبــي‪ ،‬بــدأ‬ ‫قطبــا احلــرب البــاردة ببســط نفوذهمــا يف املنطقــة‪ ،‬وتبعهــم كثيــر مــن‬ ‫الــدول الكبــرى للتواجــد عــن طريــق القواعــد العســكرية خاصــة يف‬ ‫منطقــة القــرن اإلفريقــي‪.‬‬ ‫بعــد ظهــور األهميــة العســكرية للبحــر األحمــر يف حــرب ‪1973‬م‪،‬‬ ‫عندمــا أغلقــت مصــر واليمــن مضيــق بــاب املنــدب يف وجــه املالحــة‬ ‫اإلســرائيلية‪ ،‬وبــدء عمليــات القرصنــة يف القــرن اإلفريقــي مــع بــدء‬ ‫احلــرب األهليــة يف الصومــال أوائــل التســعينات‪ ،‬وبعــد هجمــات ‪11‬‬ ‫ســبتمبر ‪2001‬م‪ ،‬قــررت أمريــكا تأســيس قاعــدة لهــا يف جيبوتــي عــام‬ ‫‪2002‬م‪ ،‬الســتخدامها يف مواجهــة االرهــاب كمــا تدعــى‪ ،‬كمــا بــدأت‬ ‫قــوات عســكرية أجنبيــة أخــرى يف الظهــور باملنطقــة عــام ‪2008‬م‪ ،‬وتوالى‬ ‫إنشــاء القواعــد العســكرية للعديــد مــن الــدول األجنبيــة خالل العقديــن‬ ‫املاضــيني يف دول القــرن اإلفريقــي مثــل جيبوتــي والصومــال وإريتريــا‬ ‫واليمــن‪ ،‬وشــمل ذلــك باإلضافــة إلــى قواعــد فرنســا وأمريــكا‪ ،‬قواعــد‬ ‫إلــسبانيا والياــبان وإيطالــيا واــلصني وتركــيا واإلــمارات وإــسرائيل‪.‬‬ ‫بعــد انتشــار مــا يســمى بالربيــع العربــي ‪2011‬م‪ ،‬اشــتعلت يف اليمــن‬

‫االضطرابــات الداخليــة منــذ عــام ‪2014‬م‪ ،‬وأخــذ جماعــة احلوثــيني‬ ‫املواليــة إليــران يف تصعيــد هجماتهــم علــى بعــض الســفن‪ ،‬األمــر الــذي‬ ‫دفــع القــوى الدوليــة إلــى تأســيس «قــوة املهــام املشــتركة ‪ 153‬الدوليــة»‬ ‫عــام ‪2022‬م‪ ،‬لــتأمني املالــحة‪.‬‬ ‫ر ً​ًدا علــى العــدوان اإلســرائيلي علــى الفلســطينيني يف غــزة‪ ،‬هاجــم‬ ‫احلوثيــون يف ‪ 16‬نوفمبــر ‪2023‬م الســفن اإلســرائيلية التــى متــر عبــر‬ ‫بــاب املنــدب‪ ،‬وازدادت املواجهــة يف التاســع مــن ديســمبر ‪2023‬م مبنــع‬ ‫مــرور جميــع الســفن املتجهــة مــن وإلــى املوانــئ اإلســرائيلية وبعــض‬ ‫الــدول الداعمــة لهــا‪ ،‬ومهاجمتهــا بالصواريــخ والطائــرات املســيرة‪.‬‬ ‫طب ً​ًقــا لتقريــر نشــره موقــع «منتــدى اخلليــج الدولــي»‪ ،‬أن هنــاك‬ ‫تهديــدات مرتقبــة مــن احلوثــيني الســتهداف شــبكة كابالت االتصــاالت‬ ‫البحريــة التــي متــر مبضيــق بــاب املنــدب‪ ،‬والتــى ميكــن أن تعطــل‬ ‫االتصــاالت واالقتصــاد العالـميني بعــد الهجمــات األمريكيــة علــى مواقــع‬ ‫للحوثــيني يف اليمــن‪.‬‬ ‫وزاد االضطــراب يف املنطقــة بعــد عــودة القراصنــة الصومالــيني إلــى‬ ‫الهجــوم‪ ،‬مــع تزايــد أعمــال القرصنــة يف جميــع أنحــاء القــرن اإلفريقــي‬ ‫بشــكل حــاد يف األشــهر األخيــرة‪ ،‬ممــا زاد مــن اخملاوف بشــأن املالحــة‬ ‫يف املنطقــة‪.‬‬

‫تداعيات هجمات الحوثيين‪:‬‬

‫دفعــت هجمــات احلوثــيني علــى بعــض الســفن التجاريــة يف البحــر‬ ‫األحمــر‪ ،‬خاصــة املرتبطــة بإســرائيل‪ ،‬إلــى حتويــل بعــض الشــركات‬ ‫مســار ســفنها بعيــًدًا‪ ،‬واتخــاذ الطريــق القــدمي واألطــول حــول رأس‬ ‫الرجــاء الصالــح للوصــول إلــى أوروبــا وآســيا‪ ،‬وهــو مــا يضيــف ‪3000‬‬ ‫‪ 3500‬ميــل بحــري (‪ 6500- 5500‬كيلومتــر) وســبعة إلــى ‪ 10‬أيــام‬‫إبحــار لرحلــة معتــادة بني أوروبــا وآســيا‪ .‬وميكــن أن تســتوعب املســافة‬ ‫اإلضافيــة مــا بني ‪ 700‬ألــف إلــى ‪ 1.9‬مليــون حاويــة قياســية مكافئــة‬ ‫(وحــدات شــحن تعــادل عشــرين قد ً​ًمــا) مــن ســعة الشــحن حســب‬ ‫تقديــرات البنــك الدولــى‪ ،‬وتصــل التكاليــف اإلضافيــة للرحلــة حــول‬ ‫رأس الرجــاء الصالــح ‪-‬والتــي تشــمل مــا يصــل إلــى مليــون دوالر مــن‬ ‫الوقــود لــكل رحلــة ذها�بـًا وإيا�بـًا ‪-‬يف ارتفــاع أســعار الشــحن الفــورى‬ ‫إلــى أكثــر مــن ‪ 3000‬دوالر لــكل حاويــة ســعة ‪ 40‬قد ً​ًمــا للرحلــة مــن آســيا‬ ‫إلــى أوروبــا‪ ،‬بزيــادة ثالثــة أمثــال عــن أدنــى معــدل مت تســجيله يف عــام‬ ‫‪2023‬م‪( ،‬نحــو ‪ 1000‬دوالر)‪.‬‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪35‬‬

‫ملف العدد‬

‫تهريـــب األســـلحة اإليرانيـــة لليمـــن هـــدف لجعـــل اليمـــن منصـــة‬ ‫للقفـــز عـــى دول الجـــوار وإشـــاعة الفوضـــى واالســـتيالء عـــى ثرواتهـــا‬ ‫يصــل بني احمليــط الهنــدى جنو�بـًا‪ ،‬والبحــر املتوســط شــمااًلا ‪ ،‬كمــا أنــه‬ ‫يحتــوي علــى معابــر هامــة منهــا قنــاة الســويس البوابــة الشــمالية إلــى‬ ‫البحــر املتوســط‪ ،‬ومضيــق بــاب املنــدب البوابــة اجلنوبيــة إلــى خليــج‬ ‫عــدن واحمليــط الهنــدي‪ .‬تطــل عليــه ثمانيــة دول هــي‪ :‬اليمن والســعودية‬ ‫مــن جهــة الشــرق‪ ،‬واألردن وفلســطني وشــبه جزيــرة ســيناء املصريــة مــن‬ ‫الشــمال‪ .‬ومصــر والســودان وإريتريــا‪ ،‬وجيبوتــي مــن الغــرب‪.‬‬ ‫للبحــر األحمــر أهميــة اقتصاديــة وعســكرية وأمنيــة كبيــرة‪ ،‬حيــث‬ ‫ميــر بــه أحــد أكثــر طــرق املالحــة البحريــة الدوليــة حيويــة يف العالــم‬ ‫وهــو قنــاة الســويس‪ ،‬وتشــكل بعــض دولــه أهــم املراكــز العامليــة إلنتــاج‬ ‫النفــط‪ ،‬ومتثــل مضائقــه وجــزره ً‬ ‫نقاًطــا اســتراتيجية واقتصاديــة وأمنيــة‬ ‫هامــة‪ ،‬ممــا زاد مــن الصــراع اإلقليمــى للــدول الكبــرى وإنشــاء القواعــد‬ ‫العســكرية األجنبيــة‪.‬‬ ‫قدًميــا شــكل البحــر األحمــر أحــد ُأُولــى املســطحات املائيــة الكبيــرة‬ ‫ً‬ ‫املذكــورة يف التاريــخ املســجل‪ .‬وكان مه ً​ًمــا يف التجــارة البحريــة املصريــة‬ ‫املبكــرة (‪ 2000‬ســنة ق‪.‬م)‪ ،‬وُاُســتخدم كممــر مائــي إلــى الهنــد حوالــي‬ ‫‪ 1000‬ق‪.‬م كمــا ســجل علــى جــدران وأعمــدة املعابــد القدميــة (األقصــر‬ ‫مصــر) الــرحالت التجاريــة خالل حكــم امللكــة حتشبســوت إلــى بالد‬‫بونــت (الصومــال)‪.‬‬ ‫مت حفــر القنــوات الضحلــة بني البحــر األحمــر ونهــر النيــل قبــل القــرن‬ ‫األول الـميالدى‪ ،‬وقدمــت االقتراحــات إلنشــاء قنــاة عميقــة تربــط البحــر‬ ‫األحمــر باملتوســط ألول مــرة عــام ‪ 800‬م‪ ،‬مــن قبــل اخلليفــة هــارون‬ ‫الرشــيد‪ ،‬حتــى اســتطاع املهنــدس الفرنســي فردينانــد دى ليســبس‬ ‫انتــزاع املوافقــة علــى إنشــاء قنــاة الســويس بطــول ‪ 193‬كيلــو متــر‪ ،‬ومت‬ ‫افتتاحهــا يف ‪ 17‬نوفمبــر ‪1869‬م‪ ،‬بعــد ‪ 10‬ســنوات مــن اإلنشــاء‪.‬‬ ‫يؤكــد مؤمتــر األمم املتحــدة للتجــارة والتنميــة (األونكتــاد) علــى الــدور‬ ‫احلاســم الــذي يلعبــه النقــل البحــري بصفــة عامــة باعتبــاره العمــود‬ ‫الفقــرى للتجــارة الدوليــة‪ ،‬فهــو مســئول عــن أكثــر مــن ‪ %80‬مــن احلركــة‬ ‫العامليــة للبضائــع‪ ،‬والبحــر األحمــر وقنــاة الســويس بصفــة خاصــة‬ ‫حيــث يعبــر أكثــر مــن ‪ %12‬مــن جتــارة العالــم‪ %30 ،‬مــن ســفن احلاويــات‬ ‫العامليــة‪ ،‬وأكثــر مــن مليــون برميــل مــن النفــط اخلام يوم�يـًا عبــر قنــاة‬ ‫الســويس‪ ،‬وأكثــر مــن‪ %40‬ــمن التــجارة بني آــسيا وأوروــبا‪.‬‬ ‫وحدي ً​ًثــا ُتُســتخدم البحــار ملــرور كابالت بحريــة لإلنترنــت‪ ،‬حيــث أن‬

‫حوالــي ‪ %95‬مــن حركــة اإلنترنــت يف العالــم متــر عبــر البحــار‪ ،‬كمــا أن‬ ‫نحــو ‪ %17‬منهــا متــر عبــر البحــر األحمــر‪ ،‬وأن حوالــي ‪ %90‬مــن بيانــات‬ ‫اإلنترنــت بني أوروبــا وآســيا متــر عبــر البحــر األحمــر مــن خالل ‪16‬‬ ‫كابــل‪ ،‬وأهمهــا خــط آســيا – إفريقيــا – أوروبــا ‪ )1-AAE( 1‬الــذي‬ ‫يبلــغ طولــه ‪ 25‬ألــف كيلومتــر‪ ،‬علــى عمــق ال يتجــاوز ‪ 100‬متــر‪ ،‬وميتــد‬ ‫مــن جنــوب شــرق آســيا – البحــر األحمــر – قنــاة الســويس – البحــر‬ ‫املتوســط حتــى غــرب أوروبــا (فرنســا)‪.‬‬

‫الثروات الطبيعية يف البحر األحمر‪:‬‬

‫تعــود أهميــة البحــر األحمــر باإلضافــة إلــى املوقــع اجلغــرايف‪ ،‬إلــى‬ ‫احتوائــه علــى العديــد مــن الثــروات الطبيعيــة يف اجلبــال املمتــدة‬ ‫علــى جانبيــه وماحتويــه مــن خامــات معدنيــة اســتراتيجية مثــل‬ ‫الذهــب والفضــة والنحــاس واحلديــد واملنجنيــز والرصــاص والكبريــت‪،‬‬ ‫والرواســب املتبخــرة مثــل الهاليــت والســيلفيت واجلبــس والدولوميــت‪،‬‬ ‫والفوســفات والرخــام‪ ،‬والرمــال البيضــاء‪ ،‬واألحجــار الكرميــة وغيرهــا‪،‬‬ ‫كمــا تنتشــر حقــول النفــط والغــاز الطبيعــى التــى ســاهمت يف تنميــة‬ ‫دول حــوض البحــر األحمــر‪ ،‬وميــاه بحريــة ذات ســمات خاصــة‪،‬‬ ‫وأنــواع وثــروة ســمكية حتتــوى علــى أكثــر مــن ‪ 1100‬نــوع مختلــف مــن‬ ‫األســماك‪ ،‬وســواحل جذابــة للنشــاط الســياحى واالستشــفائى حيــث‬ ‫تنتشــر املنتجعــات الســياحية الشــهيرة يف مــدن عــدة‪ ،‬مثــل شــرم الشــيخ‬ ‫والغردقــة ودهــب يف مصــر‪ ،‬وجــزر وخلجــان ومضايــق‪ ،‬كمــا يحتــوى علــى‬ ‫عــدد مــن احملميــات الطبيعيــة الفريــدة‪ ،‬مبــا يف ذلــك تنــوع بيولوجــى‬ ‫مــن حيوانــات نــادرة وممــر لهجــرة الطيــور مــن أوروبــا إلــى جنــوب‬ ‫إفريقيــا‪ ،‬وتكثــر بــه الشــعاب املرجانيــة اخملتلفــة‪ ،‬وانتشــار األعشــاب‬ ‫البحريــة واملالحــات وأشــجار املاجنــروف واملســتنقعات املاحلــة‪.‬‬ ‫ازدادت أهميــة البحــر األحمــر مــع االكتشــافات البتروليــة ونقلهــا إلــى‬ ‫معظــم دول العالــم الــذي أيقــن أهميــة البحــر األحمــر وقنــاة الســويس‬ ‫بعــد تعثــر الباخــرة إفرجريــن يف قنــاة الســويس وتعطــل املالحــة ســتة‬ ‫أيــام يف مــارس ‪2022‬م‪.‬‬ ‫يشــتمل البحــر األحمــر علــى ثالثــة مضائــق طبيعيــة بــاب املنــدب يف‬ ‫اجلنــوب‪ ،‬ويف الشــمال مضيــق تيــران يف مدخــل خليــج العقبــة‪ ،‬ومضيق‬ ‫جوبــال علــى مدخــل خليــج الســويس‪ ،‬كمــا يضــم البحــر األحمــر نحــو‬ ‫‪ 1496‬جزيــرة‪ ،‬ومعظمهــا شــعاب مرجانيــة‪ ،‬منهــا ‪ 1150‬ســعودية‪152 ،‬‬ ‫مينيــة‪ 126 ،‬إرتريــة‪ 36 ،‬ســودانية‪ 26 ،‬مصريــة‪.‬‬ ‫يوجــد العديــد مــن املوانــئ الهامــة علــى ســواحل البحــر األحمــر‪،‬‬


‫‪34‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫تحديات القرن اإلفريقي والبحر األحمر‪ :‬المخاطر وكيفية المواجهة‬

‫مخاوف من استهداف كابالت االتصاالت يف‬ ‫باب المندب ما يعطل اقتصاد العالم‬ ‫لعــب البحــر األحمــر دو ً​ًرا كبي ـ ً​ًرا عبــر التاريــخ القــدمي والوســيط واحلديــث‪ ،‬كمــا أن إنشــاء قنــاة الســويس عــام ‪1861‬م‪ ،‬لربــط‬ ‫البحــر األحمــر باملتوســط جعلــه مــن أهــم املمــرات املائيــة يف العالــم‪ ،‬وحتــاول جميــع الــدول الكبــرى الســيطرة علــى مــوارده‬ ‫ومناــفذه خاــصة يف منطــقة الــقرن اإلفريــقي وــباب املــندب‪.‬‬ ‫أعلــن احلوثيــون يف نوفمبــر ‪2023‬م‪ ،‬إغالق بــاب املنــدب وامليــاه احمليطــة بــه يف وجــه الســفن اإلســرائيلية ر ً​ًدا علــى العــدوان‬ ‫اإلســرائيلى علــى الفلســطينيني يف غــزة عقــب عمليــة «طوفــان األقصــى» يف الســابع مــن أكتوبــر ‪2023‬م‪ ،‬وهاجمــوا العديــد مــن‬ ‫الســفن اإلســرائيلية واألجنبيــة أثنــاء عبورهــا باملنطقــة بالصواريــخ والطائــرات املســيرة‪ ،‬ممــا أثــر بشــدة علــى التجــارة العامليــة‪،‬‬ ‫وانخفــاض دخــل قنــاة الســويس ملصــر‪ ،‬وانتهــزت إثيوبيــا التوتــر يف املنطقــة وأعلنــت اتفاقهــا مــع إقليــم أرض الصومــال للحصــول‬ ‫علــى منفــذ بحــرى‪ ،‬كمــا نشــطت مؤخـ ً​ًرا بعــض أعمــال القرصنــة قبالــة الســواحل الصوماليــة‪.‬‬

‫أ‪ .‬د‪ .‬عباس محمد شراقي‬

‫النشأة الجيولوجية للبحر األحمر‪:‬‬

‫البحــر األحمــر عبــارة عــن أخــدود حديــث النشــأة نســب ً​ًيا بالنســبة لعمــر‬ ‫األرض‪ ،‬حيــث تشــكل بعــد احلركــة التكتونيــة التباعديــة التــي حدثت يف‬ ‫العصــر امليوســيني منــذ نحــو ‪ 55‬مليــون ســنة‪ ،‬والتــي أدت إلــى انفصــال‬ ‫شــبه جزيــرة العــرب عــن قــارة إفريقيــا‪ ،‬ثــم ازدادت احلركــة التصدعيــة‬ ‫يف عصــر األوليجــوسني قبــل نحــو ‪ 30‬مليــون ســنة‪ ،‬حيــث تكــون يف‬ ‫تلــك الفتــرة خليــج الســويس‪ ،‬أمــا خليــج العقبــة والطــرف اجلنوبــي‬ ‫مــن البحــر‪ ،‬فقــد بــدأ االنفــراج فيهمــا منــذ حوالــي ‪ 4‬مليــون ســنة‪.‬‬ ‫بــدأ تكويــن البحــر األحمــر بتشــقق أخــذ يف االتســاع تدريج ً​ًيــا‪ ،‬ليكــون‬ ‫بحيــرة عذبــة مغلقــة بطــول حوالــي ‪ 2000‬كيلومتــر‪ ،‬إلــى أن ُ​ُفتحــت مــن‬ ‫اجلنــوب مبمــر ضيــق يســمى بــاب املنــدب‪ ،‬اندفعــت منــه ميــاه احمليــط‬ ‫الهنــدى نحــو البحيــرة لتكــون بح ـ ً​ًرا مـ ً‬ ‫ـاًحلا‪ ،‬تــزداد ملوحتــه يو ً​ًمــا بعــد‬ ‫يــوم نظـ ً​ًرا ألنــه محــاط ببيئــة صحراويــة يف العصــر احلديــث ال تتلقــى‬ ‫أمطــا ً​ًرا غزيــرة أو أنهــا ً​ًرا كبــرى‪ ،‬مــع ارتفــاع معــدل البخــر‪ ،‬فأصبــح أكثــر‬ ‫بــحار العاــلم املتصــلة مباــشرة باحمليــطات ملوــ ًحًة‪.‬‬ ‫مــازال البحــر األحمــر يتســع تدريج�يـًا وتبتعــد شــبه اجلزيــرة العربيــة‬ ‫عــن القــارة اإلفريقيــة مبعــدل ‪ 2-1‬سنتيمتر‪/‬ســنة‪ ،‬ويصــل أقصــى‬

‫عــرض ‪ 306‬كيلومتــر‪ ،‬وســوف يتحــول بعــد ماليني الســنوات إلــى‬ ‫محيــط‪ ،‬ويعــرف اليــوم بأنــه وليــد محيــط‪ ،‬تبلــغ مســاحة البحــر‬ ‫األحمــر حوالــي ‪ 440‬ألــف كيلومتــر مربــع‪ ،‬بأعمــاق تختلــف مــن‬ ‫‪ 3039‬متــ ً​ًرا بالقــرب مــن بورتســودان (الســودان) إلــى ‪ 100‬متــر عنــد‬ ‫مضيــق بــاب املنــدب‪ .‬حيــث يتصــل البحــر األحمــر باحمليــط الهنــدى‬ ‫عنــد خليــج عــدن‪ .‬ويتفــرع اجلــزء الشــمالى مــن البحــر األحمــر إلــى‬ ‫خليــجني العقبــة بعمــق ‪ 1,800‬متــر‪ ،‬وميتــد شــماال عبــر البحــر امليــت‬ ‫إلــى أن يصــل إلــى جبــال طــوروس جنــوب شــرق كتلــة األناضــول يف‬ ‫تركيــا‪ ،‬واآلخــر خليــج الســويس مبتوســط عمــق ‪ 60‬متــر‪ ،‬وهــو املنفــذ‬ ‫الشــمالى الوحيــد للبحــر األحمــر نحــو البحــر املتوســط‪ ،‬مــن خالل‬ ‫قنــاة الســويس الصناعيــة التــي ُاُفتتحــت عــام ‪1869‬م‪.‬‬

‫أهمية موقع البحر األحمر وقناة السويس‪:‬‬ ‫يتمتــع البحــر األحمــر بأهميــة جيو‪-‬اســتراتيجية كبيــرة‪ ،‬إذ يقــع يف قلب‬ ‫العالــم‪ ،‬ويربــط بني القــارات الكبــرى آســيا وإفريقيــا وأوروبــا‪ ،‬كمــا أنــه‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫قضية العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪33‬‬

‫أمســكت إيــران بالعصــا مــن المنتصــف وتحلــت بالبرجماتيــة‬ ‫فدعــت لعــدم توســيع نطــاق الصــراع وأيــدت هجمــات الحوثييــن‬ ‫جــرى تبــادل االتهامــات باملســؤولية عــن تعطيــل التســوية ذهــب هانــز‬ ‫جروندبــرج املبعــوث األممــي لليمــن إلــى أن األوضــاع كانــت مهيــأة‬ ‫للتســوية لــوال التطــورات اإلقليميــة وانخــراط احلوثــيني يف املعركــة‪.‬‬ ‫وذهــب وزيــر اخلارجيــة اإليرانــي حــسني أميــر عبــد اللهيــان إلــى أن‬ ‫الهجمــات التــي شـّنّتها أمريــكا وبريطانيــا علــى اليمــن وإدراج احلوثــيني‬ ‫علــى قائمــة اإلرهــاب زادا الوضــع السياســي تعقيـًدًا‪ ،‬واحلـّلّ السياســي‬ ‫ـوٍل آخــر يف حني ألقــى املبعــوث األممــي مبســؤولية‬ ‫أصبــح صع�بـًا بقـ ٍ‬ ‫تعطيــل التســوية علــى حرك�تـّي حمــاس وأنصــار اهلل‪ ،‬فــإن إيــران حّمّ لــت‬ ‫املســؤولية للــدول الغربيــة وعلــى رأســها أمريــكا وبريطانيــا‪ .‬وســواء كان‬ ‫االتهــام لهــذا الطــرف أو ذاك بالتعطيــل‪ ،‬فــإن هــذا يعنــي إننــا بعــد‬ ‫جولــة ســبتمبر كّنّــا علــى وشــك التوّصّ ــل إلــى تســوية لــوال الســابع‬ ‫مــن أكتوبــر وتوابعــه‪ .‬ويذهــب أحــد التحلــيالت يف هــذا االجتــاه قــائاًلا‬ ‫إنــه كان مــن املتوّقّ ــع اإلعالن يف ‪ ٢٣‬نوڤمبــر‪/‬ت ‪٢٠٢٣‬م‪ ،‬عــن االتفــاق‬ ‫مبناســبة الذكــرى الســنوية ملبــادرة مجلــس التعــاون اخلليجــي حلــّلّ‬ ‫األزمــة اليمنيــة عــام ‪٢٠١١‬م‪،‬وأن بنــود هــذا االتفــاق كانــت ستشــمل‬ ‫اإلنهــاء الفــوري للقتــال وإطالق املرحلــة األولــى مــن املفاوضــات بني‬ ‫احلكومــة الشــرعية وحركــة أنصــار اهلل‪ ،‬والتفاهــم علــى إيــداع عوائــد‬ ‫النفــط والغــاز وإيــرادات مينــاء احلدّيّــدة يف حســاب مشــترك تتو�لـّى‬ ‫إدارتــه جلنــة اقتصاديــة‪ ،‬ودفــع رواتــب موظفــي القطــاع العــام تزام�نـًا‬ ‫مــع إصالح البنيــة التحتيــة ملوانــئ تصديــر النفــط‪ ،‬فإلــى أي مــدى كان‬ ‫ذلــك ممك�نـًا يف هــذا التوقيــت؟‪.‬‬ ‫يف التعليــق علــى التحليــل الســابق ميكــن القــول إن اشــتباك احلوثــيني‬ ‫مــع طوفــان األقصــى والــرد الدولــي عليــه زادا بالفعــل مــن إضعــاف‬ ‫فــرص التســوية‪ ،‬لكــن هــذا ال يعنــي يف الوقــت نفســه أن هــذه التســوية‬ ‫كانــت قــاب قــوسني أو أدنــى مــن التحّقّــق بعــد جولــة املفاوضــات‬ ‫الثانيــة يف ســبتمبر أمــا عــن مصــادر إضعــاف فــرص التســوية بفعــل‬ ‫تطــورات طوفــان األقصــى فيمكــن إجمالهــا ف مــا يلــي‪ :‬تراجــع أهميــة‬ ‫القضيــة اليمنيــة (مثلهــا يف ذلــك مثــل القضيــة األوكرانيــة ذاتهــا)‬ ‫علــى قائمــة اهتمامــات اجملتمــع الدولــي‪ .‬وزيــادة شــعبية احلوثــيني‬ ‫لــدى قطاعــات مــن الــرأي العــام العربــي مــا يدفعهــم للتش ـّدّ د‪ .‬وعــدم‬ ‫إضعــاف الضربــات اجلويــة األمريكية‪-‬البريطانيــة قــوة احلوثــيني‬ ‫ممــا يعــَزَز ً‬ ‫أيًضــا مــن تشــّدّ دهم‪ .‬وأمــا عــن تعــّذّ ر التســوية الســريعة‬ ‫حتــى قبــل تطــورات طوفــان األقصــى فيمكــن إجمالهــا فيمــا يلــي‪:‬‬ ‫خصوًصــا تلــك التــي تتع�لـّق‬ ‫صعوبــة التوافــق حــول القضايــا األساســية‬ ‫ً‬ ‫بالشــرعية (االعتــراف بحكومــة أحمــد عــوض بــن مبــارك) والســيادة‬

‫(مّقّ ــر البنــك املركــزي) واســتمرار احلوثــيني يف محاولــة التوّسّ ــع والتمـّدّ د‬ ‫يف مناطــق الشــرعية والتصعيــد العســكري يف الداخــل‪ .‬وتعّقّ ــد مشــكلة‬ ‫اجلنــوب التــي ال ميكــن حتقيــق الــسالم يف اليمــن بــدون حّلّهــا‪ ،‬وهــذه‬ ‫املشــكلة بالتحديــد ترتبــط باألوضــاع داخــل معســكر الشــرعية وليــس‬ ‫باحلوثــيني‪.‬‬ ‫وبنــاء علــى مــا ســبق فــإن الديناميــات اخلاصــة باألزمــة اليمنيــة كانــت‬ ‫ُ​ُمحّمّ لــة بأســباب تعطيــل التوّصّ ــل التفــاق ســهل وســريع بني اململكــة‬ ‫العربيــة الســعودية وحركــة أنصــار اهلل بعــد جولــة املفاوضــات الثانيــة‬ ‫وذلــك بغــض النظــر عــن عمليــة طوفــان األقصــى‪ ،‬وإن كان شــكل‬ ‫االتفــاق الــذي ميكــن التوّصّ ــل إليــه يف املســتقبل البــد ســيتأّثّر بالوضــع‬ ‫السياســي والعســكري للحوثــيني بعــد وقــف إطالق النــار يف غــّزّة‪.‬‬ ‫وبالتالــي فــإذا كان اســتئناف العالقــات الســعودية‪-‬اإليرانية قــد ســاعد‬ ‫علــى اســتمرار الهدنــة رغــم انتهائهــا رســم ً​ًيا يف نوفمبــر ‪٢٠٢٢‬م‪ ،‬إال أن‬ ‫الطــرفني اإلقليمــيني ال ميكنهمــا بالضــرورة الضغــط إلجنــاز اتفــاق‬ ‫تســوية‪ ،‬ألن الصــراع املســّلّح طويــل األمــد خلــق مصالــح لألطــراف‬ ‫الداخليــة يف اســتمراره‪ ،‬ســواء كانــت تلــك األطــراف هــي حركــة أنصــار‬ ‫اهلل أو كانــت موجــودة يف داخــل معســكر الشــرعية‪.‬‬ ‫خامتة‪:‬‬ ‫كشــفت الدراســة عــن أن التصعيــد العســكري للحوثــيني يف البحــر‬ ‫األحمــر لــم يكــن لــه أثــر كبيــر علــى العالقــات الســعودية ـــ اإليرانيــة‪،‬‬ ‫ســواء بذاتهــا أو فيمــا يّخّ ــص قضيــة تتع�لـّق بهــا يف الصميــم مثــل‬ ‫القضيــة اليمنيــة‪ ،‬وذلــك ألن هنــاك مجموعــة مــن العوامــل الوســيطة‬ ‫ســبق شــرحها حتــول دون الربــط امليكانيكــي بني متغّيّــر التصعيــد‬ ‫احلوثــي ومتغّيّــر العالقــات الســعودية‪-‬اإليرانية‪ .‬لكــن مــن املهــم يف‬ ‫نهايــة هــذه الدراســة التأكيــد علــى أن الطــرفني الســعودي واإليرانــي‬ ‫حريصــان علــى التمّسّ ــك باالتفــاق‪ ،‬وهــو مــا يعطــي األمــل يف إمكانيــة‬ ‫االنتــقال ــمن احملافــظة عــلى الــشكل إــلى تنفــيذ املضــمون‪.‬‬

‫*أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة‬


‫‪32‬‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫قضية العدد‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫هجمات الحوثيين يف البحر األحمر تتشــابه مع هجمات الحرس الثوري‬ ‫تقريًبًـبـاً‬ ‫اإليرانــي ضــد النــاقالت يف مضيــق هرمــز وبنفــس التكتيــكات تقري‬

‫واتص ـااًلا بذلــك تبــادل وزيــرا اخلارجيــة الســعودي فيصــل بــن فرحــان‬ ‫واإليراني حسني أمير عبد اللهيان الزيارة يف شــهري يونيو وأغســطس‬ ‫‪٢٠٢٣‬م‪ ،‬علــى التوالــي‪ .‬وكان التركيــز يف هــاتني الزيــارتني علــى مســائل‬ ‫مثــل‪ :‬أهميــة التعــاون األمنــي بني البلديــن لضمــان خلــو املنطقــة مــن‬ ‫أســلحة الدمــار الشــامل‪ ،‬وحتقيــق أمــن واســتقرار املنطقــة‪ ،‬واالحتــرام‬ ‫املتبــادل وعــدم التدخــل يف الشــؤون الداخليــة‪ ،‬وتفعيــل االتفاقيــات‬ ‫املوّقّ عــة ســاب ً​ًقا‪ .‬وكمــا هــو واضــح فــإن وزيـّرّ ي خارجيــة الدولــتني أعــادا‬ ‫تكــرار املطالبــة بنفــس بنــود االتفــاق الــذي رعتــه الــصني‪ ،‬مــع الدخــول‬ ‫يف بعــض التفاصيــل اخلاصــة بــإخالء الشــرق األوســط مــن أســلحة‬ ‫الدمــار الشــامل أثنــاء زيــارة الوزيــر فرحــان للعاصمــة اإليرانيــة‪.‬‬ ‫وتقودنــا املالحظــة الســابقة للتطــّرّق ملا ور َ​َد يف مباحثــات وزيــر‬ ‫الدفــاع الســعودي األميــر خالــد بــن ســلمان ورئيــس أركان القــوات‬ ‫املس ـّلّحة اإليرانيــة محمــد حــسني باقــري يف ديســمبر ‪٢٠٢٣‬م‪ ،‬عــن أن‬ ‫الســعودية» ترّحّ ــب بزيــادة مســتوى تعــاون القــوات املس ـَلَحة للبلديــن»‪.‬‬ ‫ومــا ورد يف لقــاء ســفير إيــران يف الريــاض علــي رضــا عنايتــي مــع‬ ‫رئيــس احتــاد الغــرف الســعودية حســن احلويــزي يف ينايــر ‪٢٠٢٤‬م‪،‬‬ ‫عــن رغبــة إيــران يف تطويــر عالقاتهــا االقتصاديــة مــع الســعودية ورفــع‬ ‫مســتوى التبــادل التجــاري واالســتثمار ليكــون هــو األكبــر علــى مســتوى‬ ‫الشــرق األوســط‪ .‬ومــا ور َ​َد عــن اتفــاق اجلانــبني علــى ضــرورة تنشــيط‬ ‫التبــادل التجــاري واالســتثمار وإبــرام شــراكات بني قطاّعّ ــي األعمــال يف‬ ‫الدولــتني وحتقيــق التكامــل يف قطــاع البتروكيماويــات‪ .‬ومــن اســتعراض‬ ‫مجمــل التصريحــات الســابقة والتــي تّخّ ــص الهــدفني الثانــي والثالــث‬ ‫مــن أهــداف االتفــاق الســعودي‪-‬اإليراني‪ ،‬يتــبنّين لنــا أن هنــاك نوايــا‬ ‫مــن اجلانــبني إلحــداث نقلــة نوعيــة يف العالقــات التجاريــة التــي‬ ‫تدهــو َ​َرت بشـّدّ ة بعــد قطــع العالقــات الدبلوماســية (أشــار موقــع ميــدل‬ ‫إيســت نيــوز يف ‪ ١٥‬مايــو ‪٢٠٢٣‬م‪ ،‬إلــى أن قيمــة التبــادل التجــاري بني‬ ‫البلدين لم تتجــاوز يف عاّمّ ــي ‪ ٢٠٢١‬و‪٢٠٢٢‬م‪ ،‬مبلــغ ‪ ٦٠‬مليــون دوالر)‪،‬كمــا‬ ‫أن هنــاك نوايــا ملواصلــة التعــاون األمنــي (الــذي كانــت قــد تشــّكّ لت‬ ‫جلنــة أمنيــة مشــتركة دون وزاريــة لتنفيــذه واجتم َ​َعــت يف نوڤمبــر ‪٢٠٠١‬‬ ‫وأبريــل ‪٢٠٠٨‬م‪ ،‬ثــم لــم يعــد يعــرف مآلها)‪.‬لكــن يف الوقــت نفســه فــإن‬ ‫هــذه النوايــا لــم تتــم ترجمتهــا إلــى إجــراءات عمليــة لتحقيــق هذيــن‬

‫الهدفني‪-‬علــى األقــل يف حــدود املــواد املنشــورة عــن تطـّوّرات العالقــات‬ ‫الســعودية‪ /‬اإليرانيــة‪ ،‬وهــذا األمــر كان موجــو ً​ًدا منــذ االتفــاق الــذي‬ ‫رعتــه الــصني قبــل وقــوع طوفــان األقصــى والتصعيــد العســكري‬ ‫احلوثــي يف البحــر األحمــر ثــم اســتمر بعــده‪ ،‬أي أن تعّثّــر حتقيــق‬ ‫الهــدفني الثانــي والثالــث ســابق علــى أحــداث الســابع مــن أكتوبــر ومــا‬ ‫تالهــا مــن تفــاعالت‪.‬‬ ‫بعبــارة أخــرى ميكــن القــول إن التهدئــة يف العالقات الســعودية‪-‬اإليرانية‬ ‫لــم تنتكــس بســبب اســتهدافات احلوثــيني للنــاقالت التجاريــة وإرباكهــم‬ ‫حريــة حركــة املالحــة البحريــة‪ ،‬وصم ـ َ​َدت يف مواجهــة مشــهد إقليمــي‬ ‫ملتهــب وتــدخالت دوليــة متزايــدة لكــن هــذه التهدئــة لــم ترت ـِقِ ً‬ ‫أيًضــا‬ ‫لتحقيــق الهــدفني الثانــي والثالــث مــن أهــداف االتفــاق‪ ،‬مــا يجعــل مــن‬ ‫املمكــن وصــف العالقــات الســعودية‪-‬اإليرانية بأنهــا بني بني‪ .‬ويرجــع‬ ‫ذلــك إلــى وجــود عــدد كبيــر مــن ال ُ​ُع َ​َقــد التــي تكتنــف هــذه العالقــة‪،‬‬ ‫وأهمهــا مــا يتع�لـّق باألمــن‪ ،‬ولذلــك جنــد مــثاًلا أنــه حتــى يف ذروة‬ ‫ازدهــار العالقــة بني البلديــن يف ظــل حكــم الرئيــس محمــد خامتــي لــم‬ ‫يتجــاوز حجــم التبــادل التجــاري بني البلديــن مليــار دوالر رغــم الفــرص‬ ‫الواســعة ملضاعفــة هــذا احلجــم عــّدّ ة مــرات‪ .‬وهــذا يعنــي أن البــدء‬ ‫بّحّ ــل ال ُ​ُعقــدة األمنيــة مــن شــأنه إنعــاش العالقــات التجاريــة‪ ،‬واألمــر‬ ‫ال يحتــاج إلــى جهـ ٍـٍد إضــايف جديــد‪ ،‬بــل ميكــن إحيــاء اللجنــة األمنيــة‬ ‫املشــتركة ومواصلــة مــا حققتــه مهمــا كان محــدو ً​ًدا‪ ،‬فهــذا وحــده هــو‬ ‫الكفيــل ببنــاء الثقــة‪ ،‬وبعــد ذلــك يأتــي دور االقتصــاد‪.‬‬ ‫على مستوى القضية اليمنية‬ ‫عندمــا اندلــع طوفــان األقصــى كانــت قــد انقضــت جولتــان مــن جــوالت‬ ‫التفــاوض بني الســعودية وحركــة أنصــار اهلل يف شــهّرّ ي أبريل وســبتمبر‬ ‫‪٢٠٢٣‬م‪ ،‬للتوّصّ ــل لتســوية سياســية للقضيــة اليمنيــة بوســاطة عمانيــة‪.‬‬ ‫ويف مقابــل تع ث�ـّر اجلولــة األولــى مــن املفاوضــات التــي ّمتّ ــت يف صنعــاء‬ ‫وإعالن هيئــة التشــاور واملصاحلــة التابعــة للمجلــس الرئاســي عــن أن‬ ‫جهــود الــسالم وص�لـَت لطريــق مســدود‪ ،‬كان هنــاك ترحيــب باجلولــة‬ ‫الثانيــة التــي ُ​ُعِقِ ـ َ​َدت يف الريــاض‪ ،‬حتــى إذا وقع طوفــان األقصى ودخلنا‬ ‫يف دائــرة الفعــل ورّدّ الفعــل بني احلوثــيني وحتالــف «حــارس االزدهــار»‬

‫التحالفــات العســكرية هدفهــا توزيــع المســؤولية وتعزيــز نفــوذ أمريــكا‬ ‫ومنــاوأة الصيــن يف نقطــة التقــاء الم�م ـّر البـ ّ​ّري بطريــق الحريــر البحــري‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫قضية العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪31‬‬

‫الســعودية رفَضَــت االنجــرار إىل متواليــة التصعيــد العســكري‬ ‫يف البــحر األحــمر ومّثــّل غيابــها ــمع دول الــجوار إحراًجـ ـًا ألمرــيكا‬ ‫القومــي والسياســة اخلارجيــة مبجلــس الشــورى اإلسالمــي اإليرانــي‬ ‫الــذي قــال إن اليمــن ليســت غــّزّة ألنه ســيكون مســتنق ً​ًعا للــدول األخرى‪،‬‬ ‫وغيــر ذلــك كثيــر‪ .‬والنقطــة الثانيــة هــي نفــي أي صلــة إليــران بهجمــات‬ ‫احلوثــيني‪ ،‬والتأكيــد علــى أن أنصــار اهلل هــم أصحــاب قرارهــم‪ ،‬وي�ع ـّد‬ ‫هــذا النفــي جــز ً​ًءا مــن نفــي أوســع لعالقــة إيــران بعمليــة «طوفــان‬ ‫األقصــى»‪ ،‬حتــى أنــه مــا أن قــال رمضــان شــريف املتحــّدّث باســم‬ ‫احلــرس الثــوري إن هــذه العمليــة كانــت ج ـز ً​ًءا مــن ال ـرّدّ علــى مقتــل‬ ‫قاســم ســليماني حتــى بــادر حــسني سالمــي قائــد احلــرس الثــوري‬ ‫نفســه بنفــي ذلــك وتأكيــد أن العمليــة نف َ​َذهــا الفلســطينيون وأنهــا‬ ‫فلســطينية بالكامــل‪ .‬والنقطــة الثالثــة‪ ،‬الهجــوم احلاد علــى حتالــف‬ ‫«حــارس االزدهــار» ألنــه ســتترتب عليــه مشــاكل كبيــرة وال عالقــة لــه‬ ‫باملنطقــة‪ ،‬أو علــى حــد تعبيــر أميــر أشــتياني وزيــر الدفــاع اإليرانــي فــإن‬ ‫البحــر األحمــر «جــزء مــن منطقتنــا»‪ ،‬وبالتالــي فال موضــع فيــه لقــوات‬ ‫أجنبيــة‪ .‬وبالتــوازي مــع هــذا النقــد الشــديد للتحالــف‪ ،‬لّوّحــت إيــران‬ ‫بجاهزيتهــا ملواجهــة أي محاولــة لالعتــداء عليهــا‪ ،‬ويف هــذا الســياق‬ ‫أعلــن علــي رضــا تنكســيري قائــد القــوة البحريــة باحلــرس الثــوري‬ ‫تشــكيل وحــدة باســيچ بحريــة ميكنهــا القيــام بعمليــات عســكرية حتــى‬ ‫شــواطئ تنزانيــا‪.‬‬ ‫مريًحــا للســعودية‪ ،‬إذ أمسـ َ​َكت إيــران العصــا‬ ‫هــذا املوقــف اإليرانــي كان‬ ‫ً‬ ‫مــن املنتصــف وحت�لـّت كعادتهــا بالبرجماتيــة الشــديدة‪ .‬فمــن جهــة‬ ‫دعــت إيــران لعــدم توســيع نطــاق الصــراع‪ .‬ومــن جهــة أخــرى فإنهــا أّيّدت‬ ‫هجمــات احلوثــيني يف إطــار مبــدأ «وحــدة الســاحات» أو تكاملهــا وهــو‬ ‫املبــدأ الــذي تـرّوّج لــه‪ ،‬وتنبــأت» إذا جــاز التعبيــر» باســتمرار اســتهداف‬ ‫النــاقالت البحريــة كمــا جــاء يف تصريــح املرشــد الــذي ســبَقَت اإلشــارة‬ ‫إليــه‪ .‬وبطبيعــة احلال يلفــت النظــر هنــا ذلــك التناقــض الشــديد بني‬ ‫تكــرار إيــران عــدم رغبتهــا يف توســيع نطــاق الصــراع‪ ،‬وتبنيهــا يف الوقــت‬ ‫نفســه مبــدأ وحــدة أو تكامــل الســاحات الــذي يعنــي انخــراط كل قــوى‬ ‫محــور املقاومــة يف الصــراع‪ ،‬لكــن هــذه االثنيــة هــي جــزء ال يتجــّزّأ‬ ‫مــن الشــخصية اإليرانيــة ومــن السياســة اخلارجيــة‪ .‬ثــم أنــه بينمــا‬ ‫أشــادت إيــران بهجمــات احلوثــيني فإنهــا أنك ـ َ​َرت متا ً​ًمــا ضلوعهــا يف‬ ‫ٍأٍي منهــا وأكــّدّت علــى أاّلا دخــل لهــا بقراراتهــم‪ ،‬وهــي جملــة تتكــّرّر‬

‫علــى ألســنة املســؤولني اإليرانــيني يف توصيــف عالقتهــم بالفصائــل‬ ‫املســلحة املواليــة لهــم‪ .‬وميكــن القــول إن إيــران بقــدر مــا حاو�لـَت بهــذا‬ ‫املوقــف الوســط أن تبعــد عنهــا خطــر الضربــات األمريكيــة علــى‬ ‫أســاس أنــه ال شــأن لهــا بهجمــات احلوثــيني‪ ،‬بقــدر مــا رف َ​َعــت احلــرج‬ ‫عــن الســعودية إذ كان يصعــب أن تّظّ ــل علــى احليــاد يف حــال جاهـ َ​َرت‬ ‫إيــران مبشــاركتها يف تلــك الهجمــات‪.‬‬ ‫واخلالصــة إن التصعيــد العســكري للحوثــيني يف البحــر األحمــر لــم‬ ‫ي ـؤِدِ إلــى تعقيــد العالقــات الســعودية‪-‬اإليرانية‪ ،‬فهــل نفهــم مــن ذلــك‬ ‫مبفهــوم اخملالفــة أن تلــك العالقــات قــد أخ ـ َ​َذت دفعــة لألمــام؟ هــذا‬ ‫يقودنــا للجــزء التالــي مــن الدراســة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ثالًثــا‪ :‬أثــر موقّفّ ــي الســعودية وإيــران علــى عالقاتهمــا املباشــرة وغيــر‬ ‫املباشــرة‬ ‫على مستوى العالقات الثنائية بني الدولتني‪ ،‬كان االتفاق الذي ّمتّ بني‬ ‫الســعودية وإيــران برعايـ ٍـٍة صينيــة قــد تضّمّ ــن ثالثــة أهــداف أساســية‪،‬‬ ‫األول اســتئناف العالقــات الدبلوماســية وإعــادة فتــح الســفارتني يف‬ ‫غضــون شــهرين‪ .‬والثانــي تفعيــل االتفاقيــة العامــة للتعــاون يف مجــاالت‬ ‫االقتصــاد والتجــارة واالســتثمار والتقنيــة والعلــوم والثقافــة والرياضــة‬ ‫والشــباب والتــي وقّعّ تهــا الدولتــان يف مايــو ‪١٩٩٨‬م‪ ،‬وتنفيــذ اتفاقيــة‬ ‫التعــاون األمنــي ويف مواجهــة اإلرهــاب وتهريب اخملــدرات وغســيل‬ ‫األمــوال والتــي وقّعّ تهــا الدولتــان يف ديســمبر ‪٢٠٠١‬م‪ ،‬والثالــث هــو عــدم‬ ‫التدّخّ ــل يف الشــؤون الداخليــة واحتــرام ســيادة الــدول ومبــدأ حســن‬ ‫اجلــوار‪ .‬وفيمــا لــه صلــة مبوضــوع هــذه الدراســة فــإن أمامنــا ســؤال‬ ‫مهــم لإلجابــة عليــه هــو‪ :‬كيــف نق�يـّم العالقــات الســعودية‪-‬اإليرانية بعــد‬ ‫ـكٍل خــاص؟‬ ‫توقيــع االتفــاق بشــكل عــام وبعــد طوفــان األقصــى بشـ ٍ‬ ‫مبطالعــة األهــداف التــي توّخّ اهــا االتفــاق الســعودي‪-‬اإليراني ميكــن‬ ‫القــول إن الهــدف األول وحــده هــو الــذي حتّقّ ــق باســتئناف العالقــات‬ ‫الدبلوماســية وإعــادة فتــح ســفارّتّي الدولــتني يف الريــاض وطهــران‪ ،‬مــع‬ ‫بعــض التجــاوز يف املــدى الزمنــي الــذي ح ـّدّ ده االتفــاق وهــو شــهران‪.‬‬

‫مســألة اســم الحوثــي يف قائمــة الجماعــات اإلرهابيــة وضــع‬ ‫عالــمة اــستفهام كبــيرة أــمام توقــيت التصعــيد العــسكري األمريــكي‬


‫‪30‬‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫قضية العدد‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫موقــف الســعودية‪ :‬وقــف التصعيــد ورفــض المشــاركة يف (حــارس‬ ‫االزدهــار) وال تطبيــع مــع إســرائيل قبــل االعتــراف بالدولــة الفلســطينية‬ ‫وحتــركات الدبلوماســيني الســعوديني داخــل هــذا الســياق‪ ،‬كمــا أتــى‬ ‫انعقــاد القمــة العربية‪-‬اإلسالميــة يف الريــاض علــى ضــوء تلك اخللفية‪.‬‬ ‫والنقطــة الثانيــة‪ ،‬رفــض املشــاركة يف حتالــف «حــارس االزدهــار «‪،‬‬ ‫علــى الرغــم مــن أن الســعودية صاحبــة اإلطاللــة األطــول علــى البحــر‬ ‫األحمــر‪ .‬والنقطــة الثالثــة‪ ،‬تأكيــد اململكــة علــى أنــه ال تطبيــع للعالقــة‬ ‫مــع إســرائيل قبــل اعتــراف اجملتمــع الدولي‪-‬وبالــذات الــدول دائمــة‬ ‫العضويــة يف مجلــس األمن‪-‬بالدولــة الفلســطينية علــى حــدود مــا‬ ‫قبــل اخلامــس مــن يونيــو ‪١٩٦٧‬م‪ ،‬وعاصمتهــا القــدس الشــرقية‪ ،‬مــع‬ ‫تكــرار املطالبــة بضــرورة وقــف العــدوان اإلســرائيلي علــى قطــاع غــّزّة‬ ‫وانســحاب القــوات اإلســرائيلية‪ .‬وأتــى بيــان اخلارجيــة الســعودية يف‬ ‫هــذا الشــأن ر ً​ًدا علــى احملاوالت األمريكيــة توظيــف مســألة التطبيــع‬ ‫كٍل‬ ‫يف ســباق االنتخابــات الرئاســية نهايــة ‪٢٠٢٤‬م‪ ،‬بّفّ ــك االرتبــاط بني ٍ‬ ‫ــمن مــسار ــحرب ــغّزّة ومــسار التطبــيع‪.‬‬ ‫مثــل هــذا املوقــف بأبعــاده الثالثــة كان إيجاب ً​ًيــا مــن وجهــة النظــر‬ ‫اإليرانيــة‪ ،‬وذلــك أن متّسّ ــك اململكــة بوقـ ٍـٍف كامـ ٍـٍل إلطالق النــار يتّفّ ــق مع‬ ‫املوقــف الــذي تبّنّتــه حركــة احلوثــي وكل الفصائــل املس ـّلّحة املرتبطــة‬ ‫بإيــران‪ .‬يضــاف لذلــك أن الســعودية َ‬ ‫رفَضــت االجنــرار إلــى متواليــة‬ ‫كٍل مــن‬ ‫التصعيــد العســكري يف البحــر األحمــر ومّثّــل غيابهــا مــع ٍ‬ ‫مصــر واألردن والصومــال والســودان وجيبوتــي وحتــى اليمــن (احلكومــة‬ ‫إحراًجــا ألمريــكا التــي أقامــت حتالفهــا حلمايــة االزدهــار‬ ‫الشــرعية)‬ ‫ً‬ ‫دوٍل ال تّطّ ــل علــى البحــر األحمــر‪ ،‬وبعضهــا يبعــد عنــه بــآالف‬ ‫مــع ٍ‬ ‫األميــال‪ .‬هــذا إلــى أن الســعودية بربطهــا بني التق ـّدّم يف التطبيــع مــن‬ ‫جهــة واعتــراف إســرائيل بدولــة فلســطينية مــن جهــة أخــرى تص ـّدّت‬ ‫جملاهــرة العديــد مــن ممثلــي اليــمني اإلســرائيلي أثنــاء حــرب غــّزّة‬ ‫بالرفــض التــام لفكــرة الدولــة الفلســطينية‪ .‬وهنــا مــن املهــم التذكيــر‬ ‫َ‬ ‫تصاَحلت‪-‬مــن وجهــة نظــر براجماتيــة بحتــة منــذ بدايــات‬ ‫بــأن إيــران‬ ‫التســعينيات‪-‬مع إمكانيــة االحتفــاظ بعالقــات دبلوماســية طبيعيــة مــع‬ ‫الــدول التــي تقــوم بتطبيــع عالقاتهــا مــع إســرائيل‪ ،‬وال مت ث�ـّل الســعودية‬ ‫اســتثنا ً​ًء مــن هــذا التح ـّوّل البراجماتــي‪.‬‬ ‫وميكــن القــول إن غيــاب اململكــة عــن املشــاركة يف حتالــف «حــارس‬

‫االزدهــار «علــى العكــس مــن انضمامهــا لتحالــف «ســانتينال» يف عــام‬ ‫‪٢٠١٩‬م‪ ،‬حك َ​َمتــه مجموعــة معّقّــدة مــن احلســابات أبرزهــا‪ :‬اجتــاه‬ ‫الســعودية نحــو إنهــاء عالقاتهــا مــع صراعــات املنطقة ســواء السياســية‬ ‫أو بدرجــة أكبــر العســكرية وإعطــاء األولويــة للعمليــة التنمويــة كمــا‬ ‫ور َ​َد يف رؤيــة اململكــة ‪ ،٢٠٣٠‬ويف هــذا اإلطــار جــاء اســتئناف اململكــة‬ ‫عالقاتهــا الدبلوماســية مــع إيــران وشــروعها يف التفــاوض مــع حركــة‬ ‫احلوثــي حلــل القضيــة اليمنيــة‪ .‬وذلــك أن الــدرس املســتفاد مــن جتربــة‬ ‫الــثالث عشــرة عا ً​ًمــا املاضيــة‪ ،‬هــو أنــه ال حلــول عســكرية للنزاعــات‬ ‫املسـّلّحة‪ .‬وفيمــا يّخّ ــص البحــر األحمــر فهنــاك شــبكة شــديدة التعقيــد‬ ‫كٍل منهــا علــى حدة‬ ‫مــن الصراعــات بني الــدول املّطّ لــة عليهــا ي‬ ‫ويِف داخــل ٍ‬ ‫مبــا ال يحتمــل املزيــد‪ .‬يضــاف إلــى مــا ســبق أن الغــرض احلقيقــي مــن‬ ‫وراء تكويــن «حــارس االزدهــار «كان هــو حمايــة التجــارة اإلســرائيلية‬ ‫حصـ ً​ًرا وليــس التجــارة الدوليــة‪ ،‬وذلــك يف وقــت لــم يخــل يــوم مــن أيــام‬ ‫العــدوان اإلســرائيلي علــى غــّزّة مــن مجــزرة ت�تـّم بحــق الفلســطينيني‪.‬‬ ‫وتقودنــا جزئيــة املصلحــة األمريكيــة إلــى موقــف واشــنطن امللتبــس‬ ‫جتــاه احلوثــيني‪ ،‬فعلــى الرغــم مــن تاريــخ هــؤالء يف مهاجمــة النــاقالت‬ ‫البحريــة إال أن هــذا لــم مينــع أمريــكا والــدول الغربيــة مــن الضغــط‬ ‫لوقــف تقـّدّم قــوات حتالــف الشــرعية جتــاه مدينــة ُ‬ ‫اُحلد�يـّدة والذهــاب‬ ‫لعقــد اتفاقيــة ســتوكهولم التــي لــم ُتُنّفّ ــذ‪ ،‬وال هــو منع رفع اســم احلوثي‬ ‫مــن قائمــة اجلماعــات اإلرهابيــة‪ ،‬وهــذا يضــع عالمــة اســتفهام كبيــرة‬ ‫أمــام توقيــت التصعيــد العســكري األمريكــي األخيــر‪ ،‬كمــا يضــع عالمــة‬ ‫اــستفهام أكــبر أــمام الطبيــعة املنضبــطة لــهذا التصعــيد‪.‬‬ ‫وفيمــا يّخّ ــص موقــف إيــران مــن التصعيــد العســكري يف البحــر‬ ‫األحمــر‪ ،‬فمــن املمكــن إجمالــه يف ثالث نقــاط‪ ،‬األولــى‪ ،‬الترحيــب‬ ‫الشــديد بهجمــات احلوثــيني واإلشــادة بقدراتهــم العســكرية كمــا ورد‬ ‫يف تصريحــات العديــد مــن املســؤولني اإليرانــيني علــى رأســهم علــي‬ ‫خامنئــي مرشــد اجلمهوريــة نفســه الــذي أشــاد باســتهداف النــاقالت‬ ‫ذات العالقــة بإســرائيل وقــال إنهــا ستســتّمّ ر‪ ،‬كمــا دعــا لعرقلــة صادرات‬ ‫النفــط واملــواد الغذائيــة إلســرائيل‪ .‬وحــسني أميــر عبــد اللهيــان وزيــر‬ ‫اخلارجيــة اإليرانيــة الــذي أعــرب عــن شــكره وتقديــره للحوثــيني علــى‬ ‫دعمهــم القــوي للفلســطينيني‪ .‬وفــدا حــسني مالكــي عضــو جلنــة األمــن‬

‫موقــف واشــنطن ملتبــس ‪ ..‬ضغطــت لوقــف تقــدم قــوات التحالــف‬ ‫تجــاه الحديــدة والذهــاب التفاقيــة ســتوكهولم التــي لــم تنفــذ‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫أمريكيــة يف ميــاه البحــر األحمــر وقواعــد عســكرية إســرائيلية يف‬ ‫إريتريــا‪ .‬لكــن هــذه املرحلــة الثانيــة تط ـّوّرت وتفّرّعــت‪ ،‬إذ انتق�لـَت مــن‬ ‫التهديــد مبهاجمــة الســفن اإلســرائيلية‪ ،‬إلــى التهديــد باســتهداف‬ ‫الســفن املتّجّ هة إلســرائيل وتقــوم بتشــغيلها شــركات تابعــة لــدول‬ ‫أخــرى‪ ،‬إلــى التهديــد باســتهداف الســفن املشــاركة يف حتالــف «حــارس‬ ‫االزدهــار»‪ ،‬وتنفيــذ األشــكال الثالثــة مــن التهديــد بالفعــل‪ .‬وكان أخطــر‬ ‫هجمــات احلوثــي مــا قامــت بــه يف ‪ ١٩‬نوڤمبــر ‪٢٠٢٣‬م‪ ،‬بإنــزال جــوي‬ ‫فــوق ســفينة جاالكســي ليــدر اململوكــة لرجــل أعمــال إســرائيلي والتــي‬ ‫كانــت ترفــع علــم جــزر البهامــا وتقــوم بتشــغيلها شــركة يابانيــة‪ ،‬حيــث‬ ‫مت اختطــاف الســفينة واقتيادهــا إلــى مينــاء احلدّيّــدة‪.‬‬ ‫املالحظــة الثالثــة‪ ،‬أن هجمــات احلوثــيني ســواء قبــل ‪ ٧‬أكتوبــر أو‬ ‫بعــده تتشــابه إلــى ح ـّدّ كبيــر مــع هجمــات احلــرس الثــوري اإليرانــي‬ ‫ضــد النــاقالت يف مضيــق هرمــز ألســباب مختلفــة‪ ،‬بنفــس التكتيــكات‬ ‫تقري ً​ًبــا‪ .‬هــذا التشــابه وأهــم منــه نــوع الــسالح بيــد احلوثــيني كان مــن‬ ‫األســباب التــي جع�لـَت أمريــكا تــداوم علــى اتهــام إيــران بالضلــوع يف‬ ‫هجمــات احلوثــيني‪ ،‬مبــا يف ذلــك اختطــاف ســفينة جاالكســي ليــدر‪،‬‬ ‫وهــو االتهــام الــذي نفتــه إيــران‪ .‬جديــر بالذكــر أن أحــدث تقاريــر جهــاز‬ ‫اخملابــرات التابــع لــوزارة الدفــاع األمريكيــة يف فبرايــر ‪٢٠٢٤‬م‪ ،‬أشــار إلــى‬ ‫تزويــد إيــران للحوثــيني بطائــرات بــدون ط�يـّار يبلــغ مداهــا ‪ ١٥٠٠‬مــياًلا‬ ‫مــا يجعــل كل القــوات األمريكيــة يف مرمــى اخلطــر‪ ،‬كمــا أشــار التقريــر‬ ‫لــدور التكنولوجيــا العســكرية اإليرانيــة يف تطويــر منظومــة الصواريــخ‬ ‫الباليســتية للحركــة‪ ،‬ومــن ذلــك التشــابه بني الصــاروخ الباليســتي‬ ‫«الطوفــان» احلوثــي والصــاروخ الباليســتي «شــهاب ‪»٣‬متوســط املــدى‬ ‫اإليرانــي‪.‬‬ ‫عنــد حتليــل رّدّ الفعــل األمريكــي علــى التصعيــد العســكري للحوثــيني‬ ‫ميكــن ً‬ ‫أيًضــا إبــداء عــدة مالحظــات هــي‪ ،‬األولــى‪ ،‬أن أمريــكا قاب�لـَت‬ ‫ث‬ ‫التصعيــد احلوثــي بتصعيــد مقابــل لكنــه منضبــط‪ ،‬و مت�ـّل يف إعالن‬ ‫وزيــر الدفــاع األمريكــي ديڤيــد أوسنت يف ‪ ١٩‬ديســمبر ‪ ٢٠٢٣‬م‪ ،‬عــن‬ ‫مبــادرة تشــكيل حتالـ ٍـٍف دولـ ٍـٍي بعنــوان «حــارس االزدهــار «وهــو عبــارة‬ ‫عــن قــوة متع ـّدّ دة اجلنســيات هدفهــا حمايــة حريــة املالحــة البحريــة‬ ‫وتدفقــات التجــارة‪ ،‬وأمــا عــن انضبــاط التصعيــد فمظهــره هــو التركيــز‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫تابعــٍة للحوثــيني مــن مخــازن ومواقــع إطالق‬ ‫عســكريٍة‬ ‫أهــداٍف‬ ‫علــى‬ ‫مســّيّرات وصواريــخ دون اســتهداف مفاصــل احلكــم يف صنعــاء‪ ،‬مــا‬ ‫يعنــي أن القصــد ليــس تقويــض ســلطة احلوثــيني بــل إضعــاف قدراتهــم‬

‫قضية العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪29‬‬

‫العســكرية‪ .‬وبعــد مبــادرة «حــارس االزدهــار «تقّدّ مــت واشــنطن يف ينايــر‬ ‫مبشــروع قــرار جمللــس األمــن إلدانــة مهاجمــة الســفن التجاريــة مطالبــة‬ ‫احلوثــيني بالوقــف الفــوري لهجماتهــم واإلفــراج عــن ســفينة جاالكســي‬ ‫ليــدر‪ ،‬وهــو القــرار رقــم ‪ ٢٧٢٢‬الــذي تبّنّــاه مجلــس األمــن مبوافقــة‬ ‫‪١١‬عــ ًضًوا وامتــناع اــلصني وروــسيا واجلزائر وموزمبيق ــعن التصويت‪.‬‬ ‫املالحظــة الثانيــة‪ ،‬هــي أنــه كمــا لــم تكــن مهاجمــة احلوثــيني للنــاقالت‬ ‫البحريــة جديــدة‪ ،‬كذلــك فــإن حتالــف أمريــكا لتــأمني املالحــة البحريــة‬ ‫ً‬ ‫أيًضــا لــم يكــن جديـًدًا‪ ،‬فهنــاك التحالــف تأّسّ ــس عــام ‪٢٠١٩‬م‪ ،‬يف عهــد‬ ‫ترامــب باســم «ســانتينال «بقيــادة أمريكيــة ومشــاركة ســت دول هــي‬ ‫بريطانيــا وألبانيــا واســتراليا والســعودية واإلمــارات والبحرين‪-‬والــذي‬ ‫اســتهدف حمايــة املالحــة يف اخلليــج مــرو ً​ًرا مبضيــق هرمــز وانتهــا ً​ًء‬ ‫الَحــظ علــى هــذا‬ ‫مبضيــق بــاب املنــدب ‪-‬مــن التهديــدات اإليرانيــة‪ .‬وُيُ َ‬ ‫التحالــف أن نصــف املشــاركني فيــه كانــوا مــن الــدول العربيــة‪ ،‬بينمــا‬ ‫ال توجــد ســوى دولــة عربيــة واحــدة فقــط هــي البحريــن يف حتالــف‬ ‫«حــارس االزدهــار «الــذي يتك ـّوّن مــن أكثــر مــن ‪ ٢٠‬دولــة‪ ،‬وهــي نقطــة‬ ‫يعــاد حتليلهــا يف اجلــزء الثانــي مــن الدراســة‪ .‬املهــم هنــا أن مســألة‬ ‫كٍل مــن األســطول‬ ‫تشــكيل حتالفــات أمنيــة بحريــة‪ ،‬يف ظــل وجــود ٍ‬ ‫اخلامــس األمريكــي وقيــادة القــوات البحريــة املشــتركة وقــوة املهــام‬ ‫املشــتركة ‪ 153‬يف البحريــن‪ ،‬هدفــه توزيــع املســؤولية علــى دول العالــم‪،‬‬ ‫وحتقيــق حزمــة أهــداف أمريكيــة أهمهــا تعزيــز النفــوذ يف امليــاه‬ ‫الدوليــة ومنــاوأة الــصني التــي تتّخّ ــذ مــن البحــر األحمــر نقطــة يلتقــي‬ ‫فيهــا املّمّ ــر الب ـّرّ ي بطريــق احلريــر البحــري‪.‬‬ ‫املالحظــة الثالثــة‪ ،‬مشــاركة دول أوروبيــة فــرادى يف حتالــف «حــارس‬ ‫االزدهــار» لــم يحــل دون إعالن جوزيــف بوريــل املم ث�ـّل األعلــى لالحتــاد‬ ‫األوروبــي للشــؤون اخلارجيــة والسياســة األمنيــة يف ‪ ٣١‬ينايــر ‪٢٠٢٤‬م‪،‬‬ ‫عــن اســتعداد االحتــاد إلطالق مهمــة بحريــة جديــدة يف البحــر األحمــر‪،‬‬ ‫األمــر الــذي يعنــي املزيــد مــن العســكرة والتصعيــد يف هــذا املمــر املائــي‬ ‫بالغ األهمية‪.‬‬ ‫ثانًيا‪ :‬حسابات املوقفني السعودي واإليراني‬ ‫ً‬ ‫ميكــن تلخيــص موقــف الســعودية مــن التصعيــد العســكري يف البحــر‬ ‫األحمــر يف ثالث نقــاط أساســية‪ ،‬األولــى‪ ،‬الدعــوة لوقــف التصعيــد‬ ‫والتحــّرّ ك يف الوقــت نفســه لنــزع أســباب هــذا التصعيــد مــن خالل‬ ‫املطالبــة بوقــف تــام إلطالق النــار يف غــّزّة‪ .‬وأتــت تصريحــات املســؤولني‬

‫التمّســك باالتفــاق مــا يعطــي األمل‬ ‫الســعودية وإيــران حريصتــان عىل ّ‬ ‫يف إمكانيــة االنتقــال مــن المحافظــة عىل الشــكل إىل تنفيــذ المضمــون‬


‫‪28‬‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫قضية العدد‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫إذا مــا تحســنت عالقــات إيــران مع المملكة العربية الســعودية فســيتم‬ ‫توفيــر بيئــة إقليميــة لتحســين عالقاتهــا مــع الــدول العربيــة األخــرى‬ ‫أواًلا ‪ :‬أبعاد التصعيد العسكري احلوثي يف البحر األحمر‬ ‫عنــد تنــا ُ​ُول التصعيــد العســكري الــذي قــام بــه احلوثيــون يف البحــر‬ ‫ً‬ ‫تاريًخــا مــن‬ ‫األحمر تــرد مالحظــات ثالث أساســية‪ ،‬األولــى‪ ،‬هنــاك‬ ‫االســتهدافات احلوثيــة لنــاقالت تتبــع دواًلا مختلفــة عربيــة وغيــر‬ ‫عربيــة بعــد ســيطرة احلركــة علــى العاصمــة صنعــاء عــام ‪٢٠١٤‬م‪ ،‬ويف‬ ‫هــذا الســياق رصــد أحــد التقاريــر وقــوع ‪ ٣٢‬اعتــدا ً​ًء على نــاقالت تتبــع‬ ‫الســعودية واإلمــارات وتركيــا واليونــان وجــزر املارشــال مــن عــام ‪٢٠١٥‬م‪،‬‬ ‫وحتــى ينايــر عــام ‪٢٠٢٢‬م‪ ،‬واختطــاف ‪ ٤‬ســفن تتبــع اإلمــارات والســعودية‬ ‫وكوريــا اجلنوبيــة‪ ،‬فــضاًلا عــن اســتهداف املوانــئ التجاريــة لليمــن‬ ‫والســعودية‪ .‬واســتخ َ​َد َ​َمت احلركــة األلغــام البحريــة والــزوارق املفّخّ خــة‬ ‫والصواريــخ الباليســتية والطائــرات املسـّيّرة‪ .‬لكــن هــذه الهجمــات أتــت‬ ‫يف إطــار صــراع احلركــة مــع التحالــف الدولــي للشــرعية والضغــط‬ ‫عليــه بشــّتّى الطــرق ومنهــا تهديــد حركــة املالحــة البحريــة‪ .‬أمــا‬ ‫مارَســته احلركــة اعتبــا ً​ًرا مــن أكتوبــر ‪٢٠٢٣‬م‪ ،‬فجــرى‬ ‫التصعيــد الــذي‬ ‫َ‬

‫تبريــره وألول مــرة بالــرد علــى اجملازر اإلســرائيلية يف غــّزّة‪ ،‬وإن كان‬ ‫مــن الســهل التع ـّرّف علــى مــآرب أخــرى للحركــة تتم ث�ـّل يف اســتعراض‬ ‫قوتهــا العســكرية قبيــل جلوســها إلــى طاولــة املفاوضــات لتســوية‬ ‫األزمة اليمنيــة‪ ،‬وتوظيــف حــرب غــّزّة يف كســب تعاطــف الشــارع العربــي‬ ‫شــديد احلساســية لــكل مــا يــدور يف فلســطني‪ ،‬وجتنيــد واســع النطــاق‬ ‫للشــباب وحتــى األطفــال فيمــا ُ​ُســّمّ ي «كتائــب طوفــان األقصــى»‬ ‫وَص ـ ْ​ْرف االنتبــاه عــن مشــكالت‬ ‫بدعــوى نصــرة املقاومــة الفلســطينية‪َ ،‬‬ ‫احلركــة الداخليــة‪.‬‬ ‫املالحظــة الثانيــة‪ ،‬هــي أنــه ميكــن القــول بشــيء مــن التبســيط إن‬ ‫التصعيــد احلوثــي يف أعقــاب العــدوان اإلســرائيلي علــى غــّزّة مــّرّ‬ ‫مبرحلــتني أساســيتني‪ ،‬إحداهمــا مرحلــة إطالق الصواريــخ واملس ـّيّرات‬ ‫علــى إســرائيل وبالــذات إيالت علــى خليــج العقبــة‪ ،‬والثانيــة مرحلــة‬ ‫مهاجمــة الســفن يف ظــل محدوديــة القــدرة علــى إضــرار رشــقات‬ ‫الصواريــخ بإســرائيل مــع وجــود حاملــة طائــرات وســفن حربيــة‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫قضية العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪27‬‬

‫أمريكا قابلت هجمات الحوثيين بعدم استهداف مفاصل الحكم أو تقويض سلطتهم‬

‫التصعيد العسكري للحوثي يف البحر األحمر‬ ‫لم يؤثر عىل العالقات السعودية ـ اإليرانية‬ ‫ـكٍل مفاجــئ عــن توّصّ ــل اململكــة العربيــة الســعودية وجمهوريــة إيــران اإلسالميــة‬ ‫يف العاشــر مــن مــارس ‪٢٠٢٣‬م‪ ،‬مت اإلعالن بشـ ٍ‬ ‫التفــاق بوســاطة صينيــة علــى إعــادة العالقــات الدبلوماســية بينهمــا‪ .‬وبالنســبة للمعنــيني بالعالقــات العربية‪-‬اإليرانيــة فــإن‬ ‫مكمــن املفاجــأة لــم يكــن موضــوع االتفــاق‪ ،‬لكنــه كان يتع�لـّق بالطــرف الوســيط‪ ،‬إذ كان مــن املعلــوم أن هنــاك جهــو ً​ًدا ســابقة‬ ‫تقــوم بهــا أطــراف عربيــة أهمهــا الطــرف العراقــي الــذي رعــا خمــس جــوالت مــن املباحثــات إلعــادة امليــاه جملاريهــا بني البلديــن‬ ‫وإنهــاء قطيعتهمــا الدبلوماســية منــذ ينايــر ‪٢٠١٦‬م‪ ،‬كمــا كانــت هنــاك مؤّشّ ــرات علــى أن الدولــتني راغبتــان يف فتــح صفحــة‬ ‫ـُت عــن هــذا املوضــوع مقـااًلا جلريــدة األهــرام املصريــة بتاريــخ ‪ ٥‬أكتوبــر ‪٢٠١٩‬م‪ ،‬بعنــوان «هــل‬ ‫جديــدة بينهمــا منــذ عــام ‪٢٠١٩‬م‪،‬وكتبـ ُ‬ ‫ـرُت فيــه إلــى املقــال املشــترك الــذي كتبــه يف شــهر مايــو مــن نفــس العــام بجريــدة اجلارديــان‬ ‫هــو ضــوء يف نهايــة النفق؟»‪،‬أشـ ُ‬

‫أ‪ .‬د‪ .‬نيڤني مسعد‬

‫البريطانيــة ك ُ​ُل مــن املفّكّ ــر الســعودي البــارز الدكتــور عبــد العزيــز صقــر‬ ‫رئيــس مركــز اخلليــج لألبحــاث والدبلوماســي اإليرانــي الســابق الســفير‬ ‫حــسني موســويان ‪-‬عــن أن الصــراع بني البلديــن ليــس محتو ً​ًمــا بــل‬ ‫ـرُت أن هكــذا مقــال ال ميكــن إال أن يكــون‬ ‫إن حوارهمــا ممكــن‪ ،‬واعتبـ ُ‬ ‫معبـ ً​ًرا عــن إرادة الدولــتني‪ ،‬وهــو مــا حــدث بالفعــل‪ .‬وبالتالــي كان دخــول‬ ‫الــصني علــى اخلــط هــو فقــط املتغّيّــر الوحيــد اجلديــد ألســباب‬ ‫مختلفــة‪ ،‬منهــا عالقتهــا الوثيقــة بالطــرفني الســعودي واإليرانــي‪ ،‬ومنهــا‬ ‫قوّتّهــا كضامــن لالتفــاق وقدرتهــا علــى التدّخّ ــل للضغــط يف حــال تع ث�ـّر‬ ‫تنفيــذه‪ ،‬ومــن جانــب الــصني نفســها فلقــد كانــت لهــا مصلحــة مؤّكّ ــدة‬ ‫يف اســتقرار املنطقــة نظ ـ ً​ًرا الرتبــاط ذلــك مبشــروع احلــزام والطريــق‪.‬‬ ‫عمو ً​ًمــا ســتعود الدراســة لتنــا ُ​ُول جوهــر االتفــاق يف جزئيــة معّيّنــة مــن‬ ‫قســمها الثانــي‪ ،‬لكــن اإلشــارة إلــى االتفــاق يف املقدمــة هدفهــا القــول‬ ‫ّوًّرا اســتراتيج ً​ًيا مه ً​ًمــا باجتــاه التهدئــة يف منطقــة الشــرق‬ ‫إنــه م ث�ـّل تطـ ً‬ ‫األوســط‪ ،‬كــون الدولــتني َتَ َ​َواجهتــا يف العديــد مــن ســاحات الصــراع‬ ‫العربيــة أهمهــا اليمــن وبدرجــة أقــل لبنــان وســورية والعــراق‪ ،‬وبالتالــي‬ ‫فــإن االتفــاق مــن هــذه الزاويــة ُيُ�ع ـّد كنـًزًا ثمي�نـًا وفرصــة كبيــرة إلحالل‬ ‫الــسالم واالســتقرار يف املنطقــة‪.‬‬

‫وّملّ ا كان االتفــاق علــى هــذه الدرجــة مــن األهميــة فــإن التصعيــد‬ ‫العســكري الــذي قامــت بــه حركــة احلوثــي يف البحــر األحمــر علــى أثــر‬ ‫اجملازر اإلســرائيلية يف غــّزّة‪ ،‬وبالنظــر للعالقــة الوثيقــة للحركــة بإيــران‬ ‫مــن جهــة ولكــون التصعيــد يف البحــر األحمــر ّميّ ــس األمــن القومــي‬ ‫الســعودي مّسّ ــا مباشـ ً​ًرا مــن جهــة أخــرى‪ ،‬فــإن عالمــة اســتفهام كبيــرة‬ ‫ثــارت حــول مســتقبل االتفــاق وبشــكل أّعّ ــم حــول مســتقبل العالقــات‬ ‫الســعودية‪-‬اإليرانية‪ .‬وتتفـّرّع عــن الســؤال الســابق أســئلة الفرعيــة مــن‬ ‫قبيــل‪ :‬مــا هــي أبعــاد التصعيــد العســكري للحوثــيني يف البحــر األحمــر‪،‬‬ ‫ومــا هــو تأثيــره علــى التقـّدّم يف تنفيــذ بنــود االتفــاق الســعودي‪-‬اإليراني‬ ‫عــاٍم مــن توقيعــه؟ وهــل تأّثّــرت األزمــة اليمنيــة التــي هــي لــّبّ‬ ‫بعــد ٍ‬ ‫اخلالف الســعودي‪-‬اإليراني بهــذا التصعيــد؟ وحتــاول الدراســة اإلجابــة‬ ‫علــى هــذه األســئلة مــن خالل ثالثــة مداخل‪/‬أجــزاء رئيســية هــي‬ ‫علــى التوالــي‪ :‬أبعــاد التصعيــد العســكري احلوثــي يف البحــر األحمــر‪،‬‬ ‫وحســابات املوقــفني الســعودي واإليرانــي فيمــا يّخّ ــص التصعيــد‪ ،‬وأثــر‬ ‫هذيــن املوقــفني علــى قضايــا التعــاون املباشــر وغيــر املباشــر بني‬ ‫الدولــتني‪.‬‬


‫‪26‬‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫دراسة العدد‬

‫يف قنــاة الســويس لثمــان ســنوات (‪١٩٧٥-١٩٦٧‬م)‪ ،‬وإن ترتــب علــى‬ ‫ذلــك خســائر اقتصاديــة‪ ،‬إال أن تأثيــر ذلــك لــم يكــن بنفــس التكلفــة‬ ‫االســتراتيجية‪ .‬بالرغــم مــن إغالق قنــاة الســويس‪ ،‬بســبب حــرب ‪١٩٦٧‬م‪،‬‬ ‫إال أن مصــر متكنــت باقتــدار اســتراتيجي‪ ،‬مــن أن تســتخدم البحــر‬ ‫األحمــر عســكريًاً‪ ،‬بفــرض حصــار بحــري علــى إســرائيل مــن ناحيــة‬ ‫مضيــق بــاب املنــدب‪ ،‬أثنــاء حــرب أكتوبــر ‪١٩٧٣‬م‪.‬‬ ‫إســرائيل‪ ،‬مــن ناحيــة أخــرى‪ :‬يف وضــع اســتراتيجي‪ ،‬ال حتســد عليــه‪.‬‬ ‫يف األحــداث األخيــرة‪ ،‬ثبــت أن اســتثمار الدولــة العبريــة االســتراتيجي‪،‬‬ ‫يف شــق إطاللــة لهــا علــى خليــج العقبــة عنــوة‪ ،‬ومــن ث�ـّ​ّمّ إلــى البحــر‬ ‫األحمــر باســتيالئها علــى قريــة أم الرشــاش املصريــة يف حــرب ‪١٩٤٨‬م‪،‬‬ ‫وتســميتها إيالت‪ ،‬لــم يكــن بتلــك القيمــة االســتراتيجية الكبيــرة‪ ،‬ال يف‬ ‫تاريخهــا العدوانــي التوســعي‪ ،‬وال حتــى يف حمايــة نفســها‪ ،‬وتكريــس‬ ‫وجودهــا املغتصــب يف املنطقــة‪ .‬فــرض احلوثيــون حصــا ً​ًرا بحريـًاً علــى‬ ‫إســرائيل‪ ،‬مــن ناحيــة البحــر األحمــر ووصــول صواريخهــم الباليســتية‬ ‫ومســيراتهم االنتحاريــة‪ ،‬إلــى منطقــة إيالت‪ ،‬جعــل املينــاء غيــر قابــل‬ ‫للمالحــة‪ ،‬وأفــرغ متام ـًاً مــن الســفن‪ ،‬ولــم تعــد إســرائيل قــادرة علــى‬ ‫اســتخدامه‪ ،‬ال يف التصديــر وال يف االســتيراد… دعــك مــن اســتخدامه‬ ‫يف مجهودهــا احلربــي أثنــاء حربهــا األخيــرة علــى َ​َغــّزّة‪ .‬كمــا أن‬ ‫التهديــد بــإغالق مضيــق جبــل طــارق يف وجــه حركــة املالحــة مــن وإلــى‬ ‫إــسرائيل‪ ،‬ــيؤذن بتــشديد اخلــناق عــلى إــسرائيل اقتصادــيًاً وعــسكريًاً‪.‬‬ ‫الوضــع اجليوسياســي غيــر املســتقر يف منطقــة البحــر األحمــر‬ ‫واخلليــج العربــي والقــرن اإلفريقــي يشــكل حتديـًاً اســتراتيجيًاً خطيـرً​ًا‬ ‫لألمــن القومــي العربــي‪ ،‬وضــع اســتراتيجي يــزداد حرجــًاً يف أوقــات‬ ‫التوتــر وعــدم االســتقرار‪ ،‬كمــا يظــل مزعج ـًاً يف أوقــات الســلم‪ .‬عــدم‬ ‫وجــود رؤيــة عربيــة مشــتركة‪ ،‬علــى املســتوى القومــي‪ ،‬لتقديــر حتديــات‬ ‫ٍ‬ ‫املــواٍت ‪ ،‬مــن شــأنه‬ ‫هــذا الوضــع اجليوسياســي يف املنطقــة‪ ،‬غيــر‬ ‫تعقيــد أي محاولــة لبنــاء اســتراتيجية عربيــة موحــدة حتمــل إمكانــات‬ ‫ردع فعالــة‪ ،‬يحمــي مــن خاللهــا العــرب مصاحلهــم ‪ ..‬ويــذودون بهــا عــن‬ ‫أمنهــم الوطنــي‪.‬‬ ‫ال ميكــن تفعيــل مثــل هــذه االســتراتيجية‪ ،‬والعرب فيمــا بينهم تتجاذبهم‬ ‫مصالــح متضاربــة وتتحكــم يف ســلوكهم أولويــات قطريــة ضيقــة‪ .‬ال‬ ‫ميكــن للعــرب جتاهــل مخاطــر اخللفيــة التاريخيــة والثقافيــة‪ ،‬التــي‬ ‫تشــكل أهــم بــؤر اخلطــورة املباشــرة علــى أمنهــم القومــي‪ ،‬ويطلبــون‬ ‫مــن الغيــر البعيــد احلمايــة والدعــم‪ .‬أمــن املنطقــة‪ ،‬البــد أن ينظــر‬ ‫إليــه علــى أنــه قضيــة أمــن قومــي عربــي‪ ،‬بامتيــاز‪ .‬البــد مــن التحديــد‬ ‫بدقــة األطــراف الدوليــة‪ ،‬التــي حتــول بني العــرب وخدمــة قضايــا‬ ‫أمنهــم القومــي‪ ،‬باخلطــورة االســتراتيجية‪ ،‬التــي متثلهــا‪ .‬إقليمـًاً‪ ،‬العــرب‬ ‫يواجهــون عــدوًاً (إســرائيل) يتربــص بهــم‪ ،‬يعــرف متامــًاً‪ ،‬حساســية‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫وتعقيــد الوضــع اجليوسياســي للمنطقــة‪ ،‬ويســتغله خلدمــة أهدافــه‬ ‫التوســعية‪.‬‬ ‫ليســت إســرائيل وحدهــا التــي تشــكل خطــرًاً اســتراتيجيًاً وشــيكً​ًا‬ ‫وناجــزًاً علــى األمــن القومــي العربــي‪ ،‬إيــران أيضــًاً‪ ،‬تشــكل خصمــً​ًا‬ ‫إقليميـًاً‪ ،‬ال يقــل شراســة يف خطورتــه االســتراتيجية علــى أمــن العــرب‬ ‫القومــي‪ .‬إيــران مثقلــة بثــأر تاريخــي‪ ،‬جتــاه العــرب‪ ،‬ممتــد ألكثــر مــن‬ ‫أربعــة عشــرة قرنـًاً مــن الزمــان‪ ،‬مدفوعـًاً بأيدلوجيــة مذهبيــة عقائديــة‪،‬‬ ‫ال تقــل خطــورة عــن ذلــك اإلرث التاريخــي والثقــايف‪ ،‬الــذي يشــكل‬ ‫لعقيــدة الثــأر الفارســي املركبــة جتــاه العــرب‪ .‬إيــران امتــد نفوذهــا‬ ‫التوســعي‪ ،‬حتدي ـًاً ألمــن العــرب القومــي‪ ،‬ليشــمل طــول املنطقــة شــرق‬ ‫ً‬ ‫شــماًال بعمــق املســافة بني العــراق وحتــى ســاحل شــوق‬ ‫الســويس‬ ‫املتوســط‪ .‬وجنوبــًاً وصلــوا إلــى اجلــزء اجلنوبــي الغربــي مــن شــبه‬ ‫اجلزيــرة العربيــة‪ ،‬ليحكمــوا احلصــار علــى النظــام العربــي‪ ،‬مــن أهــم‬ ‫نقــاط مرتكزاتــه االســتراتيجية املنيعــة (مضيــق بــاب املنــدب)‪ ،‬ومــن‬ ‫َثَــّمّ يحكمــوا ســيطرتهم علــى شــبه اجلزيــرة العربيــة ومنطقــة شــرق‬ ‫ً‬ ‫وصــوًال إلــى مصــر‪ ،‬بســيطرتهم الثنائيــة ألهــم مضيــقني‬ ‫الســويس‬ ‫اــستراتيجيني للمالــحة الدولــية يف املنطــقة‪.‬‬ ‫مســؤولية العــرب يف بنــاء اســتراتيجية قوميــة‪ ،‬للــذود عــن أمــن العــرب‬ ‫القومــي‪ ،‬هــي مســؤولية جماعيــة‪ ،‬يف املقــام األول‪ ،‬لكــن املعنــي بهــا‪،‬‬ ‫بصــورة خاصــة هنــا‪ ،‬دولــتني عربيــتني‪ ،‬ال ثالــث لهمــا (اململكــة العربيــة‬ ‫الســعودية وجمهوريــة مصــر العربيــة)‪ .‬يجــب أال يطــول اجلــدل حــول‬ ‫تشــكيل قــوة ردع عربيــة يف منطقــة البحــر األحمــر‪ ،‬يف قضيــة لـمن تكــون‬ ‫القيــادة لهــذه لقــوة العربيــة الرادعــة‪ .‬املهــم‪ :‬إنشــاء هــذه القــوة الرادعــة‬ ‫يف منطقــة البحــر األحمــر‪ ،‬مــع امتــداد مســاحة رقعتهــا اجلغرافيــة‬ ‫لبحــر العــرب‪ ،‬حتــى اخلليــج العربــي شــرقًاً والقــرن اإلفريقــي‪ ،‬غرب ـًاً‪.‬‬ ‫ال شــك أن مشــروعًاً قوميـًاً‪ ،‬ذات صفــة اســتراتيجية مصيريــة‪ ،‬يتغلــب‬ ‫علــى حساســية الوضــع اجليوسياســي املعقــد واخلطيــر للمنطقــة‪،‬‬ ‫إمنــا هــو مــن أولويــات مرتكــزات أي قــوة ردع عربيــة كفيلــة بتحقيــق‬ ‫متطلبــات األمــن القومــي للعــرب‪ ،‬خدمــة الســتقرار املنطقــة‪ ،‬وصون ـً​ًا‬ ‫ــلسالم العاــلم أجــمع‪.‬‬

‫* أستاذ العلوم السياسية ـ كلية االقتصاد واإلدارة ـ جامعة امللك عبد العزيز‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫هــي تطلعــت للعــب دور إقليمــي نافــذ يف منطقــة الشــرق األوســط‪ ،‬ومــا‬ ‫وراءه حتــى القــرن اإلفريقــي‪ ،‬ومنــه إلــى شــرق إفريقيــا‪ .‬كمــا ســبق لهــا‬ ‫وغــزت اقتصاديــًاً وثقافيــًاً ومذهبيــًاً‪ً ،‬‬ ‫دوًال يف وســط وغــرب إفريقيــا‪،‬‬ ‫معروفــة مبذهبيــة مجتمعاتهــا الســنية‪ ،‬لتحويلهــا للتشــيع‪ ،‬كمــا هــو‬ ‫احلال يف مالــي وتشــاد ونيجيريــا وغينيــا‪ ،‬وغيرهــا مــن دول وســط‬ ‫وــغرب إفريقــيا‪ ،‬املعروــفة بخلفيتــها املذهبــية الــسنية‪.‬‬

‫جيوسياسية الموقع وتحديات األمن‬ ‫الــدول العربيــة‪ ،‬خاصـ ً​ًة دول املشــرق‪ ،‬مبــا فيهــا مصــر‪ ،‬تواجــه حتديــات‬ ‫أمنيــة خطيــرة‪ ،‬ترجــع يف املقــام األول حلساســية وهشاشــة موقعهــا‬ ‫اجلغــرايف‪ .‬جميــع هــذه الــدول‪ ،‬هــي دول شــاطئية‪ ،‬تتفــاوت إطاللتهــا‬ ‫علــى البحــار‪ ،‬مــن بضعــة كيلــو متــرات‪ ،‬مثــل مــا هــو احلال يف العــراق‬ ‫واألردن‪ ،‬إلــى أن يتجــاوز بعضهــا آالف الكيلــو متــرات‪ ،‬بــل ومتتــاز‬ ‫بعضهــا بإطاللــة بحريــة وكثــرة موانئهــا‪ ،‬علــى أكثــر مــن جهــة حلدودهــا‬ ‫اإلقليمــية‪ ،‬مــثل اململــكة العربــية الــسعودية وجمهورــية مــصر العربــية‪.‬‬ ‫إال أن عشــر دول عربيــة (اململكــة العربيــة الســعودية‪ ،‬مصــر‪ ،‬العــراق‪،‬‬ ‫األردن‪ ،‬الســودان وخمــس مــن دول مجلــس التعــاون لــدول اخلليــج‬ ‫العربيــة عــدا ُ​ُعمــان‪ ،‬اســتراتيجيًاً‪ ،‬مــن الناحيــة اجليوسياســية‪ ،‬تعتبــر‬ ‫ً‬ ‫دوًال شــبه داخليــة‪ ،‬ألنهــا ال تطــل مباشــرة علــى أعالــي البحــار‪ .‬وضــع‬ ‫جيوسياســي‪ ،‬غيــر مـ ٍ‬ ‫ـواٍت أمنيـًاً‪ ،‬خاصـ ً​ًة يف أوقــات التوتــر والصراعــات‬ ‫العنيفــة‪ ،‬التــي جتتــاح منطقــة الشــرق األوســط‪ ،‬مــن آن آلخــر‪ .‬هنــاك‬ ‫دولتــان يف محيــط شــبه اجلزيــرة املائــي‪ ،‬تتمتعــان مبيــزة اســتراتيجية‬ ‫(جيوسياســية) تنافســية‪ ،‬همــا‪ُ​ُ :‬عمــان واليمــن‪ .‬باإلضافــة إلــى دولــة‬ ‫عضــو يف جامعــة الــدول العربيــة‪ ،‬تقــع يف اجلانــب الغربــي مــن مضيــق‬ ‫ــباب املــندب (جيبوــتي)‪.‬‬ ‫باختصــار‪ :‬مــن الناحيــة االســتراتيجية البحتــة‪ ،‬الــدول التــي تطــل‬ ‫شــواطئها القابلــة للمالحــة‪ ،‬علــى أعالــي البحــار طــوال العــام‪ ،‬تتمتــع‬ ‫مبيــزة تنافســية (جيوسياســية)‪ ،‬عــن تلــك التــي لهــا إطاللــة ســاحلية‪،‬‬ ‫مهمــا بلــغ طولهــا وتوفــرت لســواحلها إمكانــات مالحيــة مواتيــة‪ .‬الــدول‬ ‫الشــاطئية التــي تطــل مباشــرة علــى أعالــي البحــار‪ ،‬تتمتــع مــن الناحيــة‬ ‫االســتراتيجية مبيــزتني جيوسياســيتني مهمــتني‪ .‬األولــى‪ :‬إطاللتهــا‬ ‫املباشــرة علــى أعالــي البحــار توفــر لهــا إمكانــات وقــدرات لوجســتية‬ ‫متناهيــة‪ ،‬خاصـ ً​ًة يف أوقــات الســلم‪ .‬كمــا أنهــا يف أوقــات احلــرب توفــر‬ ‫ً‬ ‫ـواصًال‪ ،‬بــدون عوائــق تقريب ـًاً‪ ،‬ممــا يعــزز منظومــة‬ ‫إمــدادًاً عســكريًاً متـ‬ ‫دفاعاتهــا اخملتلفــة‪ .‬امليــزة الثانيــة‪ ،‬التــي قــد تتوفــر للــدول الشــاطئية‬ ‫ذات اإلطاللــة املباشــرة علــى أعالــي البحــار‪ ،‬يف حالــة مــا إذا كانــت‬ ‫تتحكــم (جغرافي ـًاً) يف مضايــق طبيعيــة أو اصطناعيــة‪ ،‬حتــى ولــو يف‬

‫دراسة العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪25‬‬

‫أحــد اجلوانــب‪ ،‬عنــد مداخــل ومخــارج تلــك املضايــق‪ .‬ميزة اســتراتيجية‬ ‫تنافســية مضافــة‪ ،‬تتمتــع بهــا الــدول الشــاطئية املطلــة مباشــرة علــى‬ ‫أعاــلي البــحار‪ ،‬يف أوــقات الــسلم واحلـحرب مــعًاً‪.‬‬ ‫الــدول الشــاطئية‪ ،‬التــي ال تتمتــع بإطاللــة مباشــرة علــى أعالــي البحــار‪،‬‬ ‫وإن كان وضعهــا اجليوسياســي‪ ،‬يوفــر لهــا ســواحل قابلــة للمالحــة‬ ‫طــوال الســنة‪ ،‬إال أن تكلفــة القيــام بأعبــاء أمنهــا تتضاعــف يف أوقــات‬ ‫الســلم واحلــرب معـًاً‪ ،‬عــن تلــك التــي تتكلفــه الــدول الســاحلية التــي لهــا‬ ‫إطاللــة مباشــرة علــى أعالــي البحــار‪ ،‬ويزيــد مــن إمكانــات قــدرة الفئــة‬ ‫األخيــرة االســتراتيجية‪ ،‬إذا مــا كانــت تتحكــم يف ممــرات مائيــة طبيعيــة‬ ‫أو اصطناعــية‪ ،‬بــصورة كلــية أو جزئــية‪.‬‬ ‫علــى ســبيل املثــال‪ :‬اململكــة العربيــة الســعودية‪ ،‬وإن كانــت مــن الناحيــة‬ ‫اجليوسياســية يف وضــع أفضــل مــن دول أخــرى يف املنطقــة‪ ،‬كالعــراق‬ ‫واألردن وإســرائيل‪ ،‬علــى ســبيل املثــال‪ ،‬إال أن افتقارهــا إلطاللــة‬ ‫مباشــرة علــى أعالــي البحــار‪ ،‬يقلــل مــن ميزتهــا اجليوسياســية‬ ‫التنافســية‪ ،‬مقارنــة بتلــك الــدول العربيــة التــي لهــا إطاللــة مباشــرة‬ ‫علــى أعالــي البحــار‪ ،‬مثــل ُ​ُعمــان واليمــن‪ ،‬التــي تتضاعــف ميزتهــا‬ ‫التنافســية‪ ،‬بتحكمهــا‪ ،‬مبضايــق طبيعيــة‪ ،‬مثــل مضيقــي هرمــز وبــاب‬ ‫املنــدب‪ .‬وجــود مضيقــي بــاب املنــدب وهرمــز جنــوب شــبه اجلزيــرة‬ ‫العربيــة‪ ،‬وكــذا قنــاة الســويس‪ ،‬يف أقصــى الطــرف الشــمالي الغربــي‬ ‫للبحــر املتوســط‪ ،‬يحــد مــن قــدرة اململكــة التصديريــة للنفــط‪ ،‬مبــا ال‬ ‫يجــاري قدرتهــا اإلنتاجيــة الضخمــة‪ً .‬‬ ‫أيًضــا‪ :‬يحــد كثي ـرًاً مــن إمكانــات‬ ‫اســتيعاب موانــئ اململكــة علــى اخلليــج العربــي والبحــر األحمــر‪،‬‬ ‫مقارنــة باحتياجــات ســوقها الكبيــر مــن وارداتهــا االســتهالكية ومــن‬ ‫واردات أدوات اإلنتــاج لتلبيــة طلبــات واحتياجــات قدراتهــا اإلنتاجيــة‬ ‫الضخمــة‪ .‬األمــر ميكــن جتــاوزه‪ ،‬يف أوقــات الســلم‪ ،‬ولــو بتكلفــة أعلــى‬ ‫بعــض الشــيء… إال أن الوضــع قــد يصبــح أكثــر تعقيــدًاً يف أوقــات‬ ‫التوتــر وعــدم االســتقرار يف املنطقــة‪ .‬لــذا كان وســيظل مــن أوليــات‬ ‫صانعــي القــرار يف اململكــة‪ ،‬إيجــاد منفــد مباشــر ألعالــي البحــار‪ ،‬مــن‬ ‫ناحيــة بحــر العــرب‪ ،‬مثــل مــا هــو خيــار قنــاة امللــك ســلمان املزمــع‬ ‫إنشــاؤها‪ ،‬ضمــن رؤيــة ‪٢٠٣٠‬م‪.‬‬ ‫طبعـًاً الوضــع اجليوسياســي للمملكــة العربيــة الســعودية ومصــر علــى‬ ‫ســبيل املثــال‪ ،‬أفضــل بكثيــر مــن الوضــع اجليوسياســي للعــراق واألردن‬ ‫وإســرائيل‪ .‬مصــر علــى ســبيل املثــال‪ ،‬لديهــا منفــذ علــى البحــر األحمر‪،‬‬ ‫حتــى مــع تعطــل منفذهــا منــه إلــى البحــر املتوســط‪ ،‬عــن طريــق قنــاة‬ ‫الســويس‪ .‬لــدى مصــر ســاحل طويــل جنــوب شــرق البحــر املتوســط‪،‬‬ ‫بطــول يقــرب مــن ألــف كيلومتــر‪ ،‬عوضهــا تعطيــل قنــاة الســويس عــن‬ ‫املالحــة يف حربــي ‪١٩٦٧ ،١٩٥٦‬م‪ .‬بســبب حــرب ‪١٩٦٧‬م‪ ،‬تعطلــت املالحــة‬


‫‪24‬‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫دراسة العدد‬

‫أدوات ردع فعالــة تكبــح جمــاح عنــف وتهــور أطرافهــا‪ .‬رغــم أن أي نظــام‬ ‫دولــي أو إقليمــي‪ُ ،‬يُ ْ​ْعلــي مــن شــأن قيمــة الســيادة ألطرافــه‪ ،‬بطريقــة‬ ‫متطرفــة‪ ،‬بجعــل تقديــر مســؤولية أي طــرف دولــي أو إقليمــي‪ ،‬تتوقــف‬ ‫علــى إرادتــه الســيادية احلــرة ليــس بالضــرورة علــى مســؤوليته جتــاه‬ ‫التزاماتــه اإلقليميــة والدوليــة‪ .‬مــع ذلــك‪ :‬يف أي نظــام دولــي هنــاك‬ ‫آليــات عمليــة وفعالــة‪ ،‬حتمــل ســمات الــردع الذاتــي‪ ،‬ألي طــرف دولــي‬ ‫أن يقــدم علــى مــا مــن شــأنه أن يعكــر صفــو االســتقرار الدولــي‪ ،‬بالعبث‬ ‫بأهــم عناصــره فيمــا يخــص حريــة املالحــة يف البحــار واحمليطــات‬ ‫ومســارات حركــة الســفن التجاريــة‪ ،‬وحتــى العســكرية‪.‬‬ ‫تاريخيـًاً‪ :‬كان نظــام تــوازن القــوى‪ ،‬مــن أهــم فعاليات الــردع للحفاظ على‬ ‫تــوازن النظــام الدولــي‪ ،‬يف عصـ ٍـٍر مــن العصــور‪ ،‬ومــن �ثـَّمّ اســتقراره‪ .‬يأتي‬ ‫يف املرتبــة الثانيــة‪ ،‬مــن حيــث ضمــان احلفــاظ علــى اســتقرار النظــام‬ ‫الدولــي‪ ،‬افتــراض العقالنيــة يف ســلوك الــدول‪ ،‬التــي تتبصــر أن خدمــة‬ ‫مصاحلهــا القوميــة تكمــن يف احترامهــا للقانــون الدولــي ‪ ..‬وأن احتــرام‬ ‫حريــة املالحــة الدوليــة‪ ،‬منفعــة ماديــة وأمنيــة لهــا‪ ،‬ومــن أجــل ذلــك‬ ‫يفتــرض أن تتصــرف بحكمــة وعقالنيــة لتبصــر مــدى فاعليــة احتــرام‬ ‫القانــون الدولــي‪ ،‬يف خدمــة مصاحلهــا القوميــة‪ ،‬بالعمــل علــى اســتقرار‬ ‫النظــام‪ .‬ســلوك الــدول هــذا قــد يختلــف عــن ســلوك اجلماعــات غيــر‬ ‫النظاميــة‪ ،‬التــي تــرى أن وجــود النظــام الدولــي‪ ،‬مبؤسســاته القانونيــة‬ ‫والسياســية‪ ،‬إمنــا يعكــس هيمنــة قــوى دوليــة معينــة علــى مقــدرات‬ ‫العالــم‪ ،‬وبالتالــي‪ :‬هــي معنيــة بتقويــض النظــام الدولــي (غيــر العــادل)‬ ‫ــمن وحــجة نظرــها‪ ،‬ال املــساهمة يف اــستقراره‪.‬‬ ‫كانــت القرصنــة‪ ،‬يف املاضــي‪ ،‬مــن أهــم عناصــر تقويــض األنظمــة‬ ‫الدوليــة املعاصــرة‪ ،‬وهــي موجــودة يف وقتنــا احلاضــر‪ ،‬بــل وتشــكل أهــم‬ ‫التهديــدات للمالحــة الدوليــة يف منطقــة بحــر العــرب والقــرن اإلفريقي‪،‬‬ ‫علــى وجــه التحديــد‪ .‬والقرصنــة‪ ،‬يف الوقــت احلاضــر ال ترتكبهــا‬ ‫جماعــات خارجــة عــن القانــون منفلتــة‪ ،‬جملــرد النهــب والترويــع‪ ،‬كحرفــة‬ ‫وصناعــة لكســب الــرزق‪ ،‬بــل أحيانــًاً تتشــكل مــن جماعــات خارجــة‬ ‫عــن القانــون يف بلدانهــا‪ ،‬كتعبيــر سياســي عــن متــرد عنيــف‪ ،‬ألوضــاع‬ ‫سياســية غيــر مواتيــة يف بلدانهــم‪ .‬يف الفتــرة األخيــرة كانــت جماعــات‬ ‫القرصنــة يف القــرن اإلفريقــي تتشــكل مــن جماعــات سياســية تعكــس‬ ‫األوضــاع السياســية املتوتــرة يف منطقــة القــرن اإلفريقــي‪ ،‬بالــذات يف‬ ‫الصوــمال‪.‬‬

‫حوثيو اليمن‬ ‫جماعــات أخــرى‪ ،‬متــارس شــكاًلا مــن أشــكال القرصنــة املنظمــة‪،‬‬ ‫تعكــس األوضــاع السياســية يف مجتمعاتهــا‪ ،‬إال أنهــا ال ترقــى إلــى‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مســتوى اعتبارهــا أطــراف دوليــة‪ ،‬حتظــى باعتــراف النظــامني اإلقليمــي‬ ‫والدولــي‪ ،‬علــى ٍ‬ ‫حــٍد ســواء‪ ،‬رغــم ســيطرتها القويــة علــى مقــدرات‬ ‫األوضــاع السياســية‪ ،‬يف بلدانهــا‪ .‬مــن ضمــن هــذه اجلماعــات‪ ،‬شــبه‬ ‫النظاميــة‪ ،‬التــي تتمتــع بنفــوذ سياســي طـ ٍـاٍغ يف مجتمعاتهــا‪ ،‬لكنهــا ال‬ ‫حتــظى باالعــتراف اإلقليــمي والدوــلي بــها (جماــعة احلوــثي يف اليمن)‪.‬‬ ‫يف الفتــرة األخيــرة‪ ،‬وخاصــة بفعــل أحــداث العنــف يف املنطقــة‪ ،‬التــي‬ ‫متثلــت بالعــدوان اإلســرائيلي علــى غــزة‪ ،‬وجــدت جماعــة احلوثــي‬ ‫الفرصــة للفــت أنظــار العالــم لوجودهــا ‪ ..‬وأن جتاهلهــا‪ ،‬إقليميــً​ًا‬ ‫ودوليــًاً‪ ،‬لــم يعــد مجديــًاً‪ ،‬فلجــأت الســتغالل حالــة عــدم االســتقرار‬ ‫يف املنطقــة‪ ،‬منف ـذًاً ليــس فقــط لوقــف مقاطعتهــا اقتصادي ـًاً وعزلهــا‬ ‫سياســيًاً‪ ،‬بــل أخطــر مــن ذلــك‪ :‬االعتــراف بهــا كقــوة إقليميــة ميكنهــا‬ ‫أن يكــون لهــا وزن سياســي وعســكري يف مناطــق عنــف بعيــدة عنهــا‪،‬‬ ‫بالتحكــم يف مجريــات أعمــال العنــف عــن بعــد‪.‬‬ ‫اســتغلت جماعــة احلوثــي مــا يحــدث يف غــزة مــن عــدوان إســرائيلي‬ ‫يصــل حلــد ارتــكاب جرائــم حــرب وممارســة تطهيــر واســتئصال عرقــي‬ ‫يرقــى جلرميــة اإلبــادة اجلماعيــة‪ ،‬يف عــدم حتــرك عربــي ودولــي فعــال‬ ‫جملابهــة إســرائيل‪ ،‬وكان مدخلهــا خلــوض الصــراع‪ ،‬جدلهــا‪ :‬أن أهــل‬ ‫غــزة ال يواجهــون حربـًاً تســتهدف اســتئصالهم‪ ،‬لكــن يواجهــون مــا هــو‬ ‫ً‬ ‫أقســى‪ :‬حصــارًاً‬ ‫قــاتًال مينــع عنهــم املاء والغــذاء والــدواء‪ .‬بالتبعيــة‪:‬‬ ‫فــرض احلوثيــون‪ ،‬مــن جانــب واحــد‪ ،‬حصــارًاً مضــادًاً علــى إســرائيل‪،‬‬ ‫عــن طريــق مهاجمــة أيــة ســفن تدخــل إلــى إســرائيل أو تخــرج منهــا‪،‬‬ ‫ال فــرق هنــا بني ســفن حتمــل عتــادًاً عســكريًاً إلســرائيل أم أخــرى‬ ‫حتمــل منتجــات اســتهالكية‪ ،‬لالســتخدام املدنــي‪ ،‬ســواء كان غــذا ً​ًء أم‬ ‫دوا ً​ًء أو منتجــات طاقــة ووقــود‪ .‬بهــذا قــدر احلوثيــون أنهــم وجــدوا أخيـرً​ًا‬ ‫مخرجـًاً حلصارهــم االقتصــادي وعزلتهــم السياســية‪ ،‬ومتكنــوا بالفعــل‬ ‫ــمن ــفرض مــثل ذــلك احلــصار عــلى إــسرائيل‪.‬‬ ‫طب ً​ًعــا‪ :‬احلوثيــون مــا كانــوا ليقدمــوا علــى مثــل هــذا العمــل اخلطيــر‪،‬‬ ‫دون مســاعدة مــن قــوة إقليميــة‪ ،‬مــا فتئــت تدعمهــم منــذ اســتيالئهم‬ ‫علــى الســلطة يف صنعــاء (‪ ٢١‬ســبتمبر ‪٢٠١٤‬م)‪ ،‬التــي لــم يعتــرف بهــا‬ ‫النظــامني اإلقليمــي والدولــي‪ .‬إيــران‪ ،‬منــذ ثــورة اخلمينــي علــى نظــام‬ ‫الشــاه‪ ،‬وهــي لــم تفشــل يف إظهــار تطلعاتهــا التوســعية‪ ،‬تصديـرًاً لقيــم‬ ‫مــا تســميه بالثــورة اإلسالميــة‪ .‬بعــد حربهــا مــع العــراق‪ ،‬التــي اســتمرت‬ ‫لثمــان ســنوات‪ ،‬استشــرت نزعتهــا التوســعية يف املنطقــة‪ ،‬لتشــمل‬ ‫العــراق ومنطقــة الــهالل اخلصيــب‪ ،‬حتــى شــرق املتوســط ‪ ..‬وجنوب ـً​ًا‬ ‫كان مســرح توســعها اليمــن‪ .‬جماعــة احلوثــي يف اليمــن هــي أحــد‬ ‫أذرع إيــران الطولــي‪ ،‬لفــرض اســتراتيجيتها التوســعية‪ ،‬خــارج نطــاق‬ ‫إقليمهــا‪ ،‬احملــدود األثــر والتأثــر مــن الناحيــة اجليوسياســية‪ ،‬إذا مــا‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫بســبب احــتالل إســرائيل للضفــة الشــرقية للقنــاة‪ .‬كمــا أنــه تاريخي ـًاً‪:‬‬ ‫كانــت منطقــة القنــاة لعقــود حتــت الســيطرة األجنبيــة‪ ،‬منذ بــدء املالحة‬ ‫فيهــا عنــد افتتاحهــا ً​ً( ‪ ،١٨٦٩‬وحتــى تأميمهــا ‪١٩٥٦‬م)‪ .‬حتــى مــع ســيادة‬ ‫مصــر علــى القنــاة‪ ،‬تظــل مصــر مــن الناحيــة االســتراتيجية حبيســة‬ ‫الوضــع اجليوسياســي ملوقعهــا اجلغــرايف‪ ،‬شــأنها شــأن بقيــة الــدول‬ ‫ً‬ ‫شــماًال تطــل بســواحلها الطويلــة‬ ‫العربيــة املطلــة علــى البحــر‪ ،‬فهــي‬ ‫علــى البحــر املتوســط‪ ،‬الــذي هــو مــن الناحيــة االســتراتيجية بحــر شــبه‬ ‫مغلــق‪ ،‬حتتــاج املــرور عبــر مضيــق جبــل طــارق غربـًاً‪ ،‬لتنفــذ إلــى أعالــي‬ ‫البحــار‪ .‬كمــا هــو احلال جنوبـًاً علــى ســفنها وأســاطيلها البحريــة املــرور‬ ‫ــمن ــباب املــندب‪ ،‬لتنــفذ إــلى بــحر الــعرب ومــنه للمحــيط الــهادي‪.‬‬

‫حرية المرور ومتطلبات األمن‬ ‫هــذا هــو الوضــع اجليوسياســي‪ ،‬للخليــج العربــي والبحــر األحمــر‪،‬‬ ‫الــذي يتحكــم يف حركــة املالحــة الدوليــة‪ ،‬ويتكفــل القانــون الدولــي‬ ‫ضمــان حريــة املــرور البــريء جلميــع الســفن التابعــة للــدول غيــر تلــك‬ ‫الشــاطئية الواقعــة علــى ضفتــي املضايــق املائيــة‪ ،‬ســواء الطبيعيــة‬ ‫منهــا أو االصطناعيــة‪ ،‬خاصــ ً​ًة يف أوقــات الســلم‪ .‬يف أوقــات الســلم‪،‬‬ ‫علــى ســبيل املثــال‪ :‬يتكفــل القانــون الدولــي‪ ،‬واألهــم مصالــح الــدول‬ ‫الشــاطئية‪ ،‬التــي تقــع أجــزاء مــن ميــاه املضايــق الدوليــة ضمــن مياههــا‬ ‫اإلقليميــة‪ ،‬مبــا فيهــا امتــداد مياههــا االقتصاديــة‪ ،‬ضمــان حريــة‬ ‫املالحــة جلميــع الســفن‪ ،‬مهمــا كانــت هويــة وجنســية األعالم‪ ،‬التــي‬ ‫ُتُرــفع عليــها‪.‬‬ ‫األعالم التــي ُتُرفــع علــى الســفن خاص ـ ً​ًة التجاريــة‪ ،‬ليســت بالضــرورة‬ ‫معلم ـًاً أو رم ـزًاً للحمايــة‪ ،‬وإن كان ذلــك يف األصــل مقصــودًاً تاريخي ـً​ًا‬ ‫بظاهــرة رفــع األعالم علــى الســفن التــي تبحر يف أعالــي البحار‪ ،‬أو تلك‬ ‫التــي تســتخدم املمــرات املائيــة‪ ،‬ســواء كانــت طبيعيــة أو اصطناعيــة‪ ،‬أو‬ ‫حتــى املــرور عبــر امليــاه اإلقليميــة واالقتصاديــة للــدول الشــاطئية‪ ،‬مبــا‬ ‫فيــها الرــسو يف املواــنئ التابــعة لــلدول األجنبــية‪.‬‬ ‫ـوُب البحــار‪،‬‬ ‫يف حقيقــة األمــر‪ :‬األعالم املرفوعــة علــى الســفن التــي ُجَت�ُ ـ ُ‬ ‫ليســت بالضــرورة‪ ،‬يف الوقــت احلاضــر‪ ،‬رمــزًاً للحمايــة أو علمــً​ًا‬ ‫للســيادة‪ ،‬بقــدر مــا هــي يف األســاس‪ ،‬عالمــة شــبه جتاريــة‪ ،‬حتــدد‬ ‫احلاجــة لرفعهــا رخصــة صالحيــة تلــك الســفن لإلبحــار أثنــاء مجــرى‬ ‫ومرســى تلــك الســفن‪ ،‬يف أعالــي البحــار‪ ،‬تتنافــس الــدول يف تســويقها‪.‬‬ ‫حتــى أن بعــض الــدول تشــكل عوائــد الترخيــص للســفن‪ ،‬برفــع علمهــا‬ ‫عليهــا‪ ،‬جــزءًاً مــن مصــادر تلــك الــدول مــن النقــد األجنبــي‪ ،‬مثــل ليبريــا‪.‬‬ ‫بينمــا تتكفــل شــركات التــأمني العامليــة‪ ،‬دفــع أي تعويضــات ميكــن أن‬ ‫تلحــق بشــحنات تلــك الســفن‪ ،‬أو بالســفن نفســها‪ ،‬ألســباب طبيعيــة‪،‬‬

‫دراسة العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪23‬‬

‫مثــل‪ :‬األعاصيــر ‪ ..‬واالرتطــام بأجســام صلبــة ككتــل اجلليــد العائمــة‬ ‫‪ ..‬ومــا قــد تســببه الــزالزل يف البحــر مــن موجــات عاتيــة (تســونامي)‬ ‫ممكــن أن تتســبب يف تلــف البضائــع التــي‪ ،‬حتملهــا تلــك الســفن‬ ‫التجاريــة‪ ،‬أو غــرق الســفن نفســها‪.‬‬ ‫خــارج احتمــاالت اخملاطــر الطبيعيــة التــي تتعــرض لهــا الســفن عندمــا‬ ‫متخــر عبــاب البحــار‪ ،‬أثنــاء مرورهــا علــى مناطــق توتــر جيوسياســي‪،‬‬ ‫ليــس بالضــرورة أطرافــه دول تعــي مســؤولية حريــة التجــارة وحتترمهــا‪،‬‬ ‫مثــل أعمــال القرصنــة ‪ ..‬وعنــف اجلماعــات املصنفــة إرهابيــة‪ ،‬أو‬ ‫املارقــة عــن ســلطة حكومتهــا الوطنيــة ‪ ..‬أو نتيجــة الوقــوع أو املــرور يف‬ ‫مناطــق عنــف مســلح بني أطــراف دولية‪ ،‬وإن كانــت بطبيعة احلال تكون‬ ‫مســؤولة مســؤولية سياســية وقانونيــة عــن حمايــة الســفن التجاريــة‬ ‫التابعــة للــدول غيــر املتحاربــة‪ .‬بســبب مثــل احتمــاالت اخملاطــر يف تلــك‬ ‫الظــروف جنــد شــركات التــأمني ترفــع مــن ســعر بوليصــات التــأمني‬ ‫علــى الســفن ومــا حتملــه مــن بضائــع‪ ،‬ملواجهــة ارتفــاع تكلفــة تعويــض‬ ‫األضــرار التــي قــد تنجــم جــراء مــرور الســفن مــن تلــك املناطــق اخلطــر‬ ‫املــرور بهــا‪.‬‬ ‫حريــة التجــارة العامليــة وأمــن حــق املــرور املكفــول لــكل الــدول يف‬ ‫اســتخدام أعالــي البحــار وعبــر املمــرات املائيــة وحتــى امليــاه اإلقليميــة‬ ‫والرســو يف موانــئ الــدول األخــرى‪ ،‬بغــرض املــرور البــريء‪ ،‬هــو أســس‬ ‫التجــارة الدوليــة وازدهــار األســواق العامليــة ودليــل لوجســتي علــى توافــق‬ ‫دولــي خلدمــة املصالــح املشــتركة للــدول‪ ،‬حفاظـًاً علــى اســتقرار النظــام‬ ‫الدوــلي‪ ،‬وذودًاً ــعن سالم العاــلم‪.‬‬ ‫لكــن‪ ،‬ليســت أوضــاع النظــام الدولــي وترتيبــات األمــن اإلقليميــة‪،‬‬ ‫بهــذه السالســة املفتــرض حتكمهــا ســلوكيات عقالنيــة‪ ،‬تتبصــر‬ ‫خدمــة مصالــح األطــراف الدوليــة‪ ،‬ضمــن مراعــاة اعتبــارات االســتقرار‬ ‫اإلقليمــي وتغليــب قيمــة الــسالم العاملــي‪ .‬مــن أهــم خصائــص أي‬ ‫نظــام دولــي‪ :‬النــزوع للســلوكيات املســببة للتوتــر وعــدم االســتقرار‪،‬‬ ‫منهــا لتبصــر عوائــد االســتقرار واالبتعــاد عــن حــاالت التوتــر‪ .‬اجملتمــع‬ ‫الدولــي‪ ،‬ليــس مثــل اجملتمــع احمللــي للــدول‪ .‬مــن أهــم مؤشــرات قصــور‬ ‫النظــام الدولــي‪ ،‬ميلــه لعــدم االســتقرار‪ ،‬أكثــر مــن ركونــه لالســتقرار‪،‬‬ ‫نتيجــة عــدم وجــود ســلطة قاهــرة متــارس جبــروت عنفهــا علــى أطرافــه‪،‬‬ ‫لفــرض احتــرام القانــون الدولــي‪ .‬باختصــار‪ :‬النظــام الدولــي ال حتكمــه‬ ‫حكومــة قويــة فاعلــة تتحكــم يف ســلوك أعضائــه‪ ،‬حتــى يتبصــروا تبعات‬ ‫ــعدم االــستقرار ويتصرــفوا بعقالنــية وحكــمة‪ ،‬خلدــمة مصاحلــهم‪.‬‬ ‫لكــن مــع ذلــك النظــام الدولــي‪ ،‬وكــذا األنظمــة اإلقليميــة‪ ،‬ميكــن القــول‬ ‫إنهــا متســقات شــبه فوضويــة‪ ،‬وليســت فوضويــة باملطلــق‪ ،‬تفتقــر إلــى‬


‫‪22‬‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫دراسة العدد‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫عدم وجود رؤية عربية مشتركة لتقدير تحديات الوضع الجيوسياسي يف‬ ‫المنطقة يعقد بناء اســتراتيجية عربية موحدة تحمل إمكانات ردع فعالة‬ ‫املــرور عبــر مضيــق هرمــز‪ .‬قنــاة امللــك ســلمان البحريــة التــي تربــط‬ ‫اململكــة العربيــة الســعودية عبــر الربــع اخلالــي واألراضــي ال ُ​ُع َ​َمانيــة‬ ‫وصــوال لبحــر العــرب‪ ،‬متثــل حتديــًاً هندســيًاً وبيئيــًاً وتقنيــًاً جبــارًاً‪.‬‬ ‫قنــاة امللــك ســلمان املائيــة هــذه‪ ،‬متتــد بطــول ‪ ٩٦٠‬كــم مــن اجلبيــل‬ ‫بعــرض ‪١٥٠‬م وعمــق ‪٢٥‬م‪ ،‬عبــر األراضــي الســعودية والعمانيــة‪ ،‬وصـ ً‬ ‫ـوًال‬ ‫لبحــر العــرب‪ .‬هنــاك موافقــات صــدرت بشــأنها مراســيم للبــدء يف‬ ‫هــذا املشــروع العــمالق‪ ،‬الــذي يأتــي ضمــن رؤيــة ‪ ٣٠ – ٢٠‬للمملــكة‪.‬‬ ‫اإلمــارات العربيــة املتحــدة أيضـًاً‪ ،‬لديهــا طمــوح مماثــل‪ ،‬وإن كانــت تتبــع‬ ‫يف تنفيــذه بوســائل أكثــر “دراماتيكيــة”‪ .‬االســتراتيجية اإلماراتيــة‪ ،‬يف‬ ‫هــذا الشــأن تقــوم أساسـًاً علــى التواجــد العســكري يف أماكــن حساســة‪،‬‬ ‫قــد تقتضــي تقســيم كيانــات سياســية قائمــة‪ .‬القــوات اإلماراتيــة‬ ‫مســيطرة علــى جــزر يف بحــر العــرب مثــل جزيــرة ســقطرى الشــهيرة‬ ‫بتنوعهــا البيئــي الفريــد‪ ،‬ومبوقعهــا اجليوسياســي اخلطيــر يف التحكــم‬ ‫بحركــة املالحــة بني مضيــق املنــدب ومضيــق هرمــز‪ ،‬بامتــداد بحــر‬ ‫العــرب‪ ،‬عــن طريــق وجــود عســكري بحــري يف خليــج عــدن وقواعــد‬ ‫عســكرية يف جيبوتــي‪ .‬مبســاعدة اجلنوبــيني‪ ،‬املشــروع اإلماراتــي قــد‬ ‫يرمــي إلعــادة انفصــال جنــوب اليمــن مــن شــماله‪ ،‬الوجــود اإلماراتــي يف‬ ‫ــهذه املنطــقة احلساــسة ــمن الناحــية االــستراتيجية‪.‬‬

‫منطقة البحر األحمر‬ ‫الوضــع علــى جبهــة البحــر األحمــر‪ ،‬فيمــا لــه عالقــة بأمــن العــرب‬ ‫القومــي‪ ،‬ال يختلــف يف حساســيته وتعقيــده عــن ذلــك‪ ،‬علــى جبهــة‬ ‫اخلليــج العربــي‪ .‬صحيــح أن مدخــل البحــر األحمــر‪ ،‬مــن الناحيــة‬ ‫اجلنوبيــة يتحكــم فيــه مضيــق بــاب املنــدب‪ ،‬وبصــورة ال تقــل أهميــة‬ ‫مــن الناحيــة االســتراتيجية خليــج عــدن‪ ،‬إال أن البحــر األحمــر‪ ،‬ليــس‬ ‫مــن الناحيــة اجليوسياســة بحيــرة عربيــة خالصــة‪ ،‬عنــد مدخلــه‬ ‫مضيــق بــاب املنــدب (اليمــن وجيبوتــي) وعنــد مخرجــه‪ ،‬شـ ً‬ ‫ـماًال قنــاة‬ ‫الــسويس (جمهورــية مــصر العربــية)‪.‬‬ ‫يف أقصــى اجلنــوب الغربــي للبحــر األحمــر‪ ،‬ليــس بعيــدًاً عــن بــاب‬ ‫املنــدب حتتــل دولــة غيــر عربيــة (أريتريــا) موقع ـًاً اســتراتيج ً​ًيا مهم ـًاً‪،‬‬ ‫إن لــم يــوازي‪ ،‬مــن الناحيــة االســتراتيجية إطاللــة دولــتني عربيــتني‬ ‫علــى املضيــق‪ ،‬إال أنــه يضعــف مــن الناحيــة االســتراتيجية الســيطرة‬ ‫العربيــة الكاملــة علــى مضيــق بــاب املنــدب‪ ،‬خاصـ ً​ًة أن إســرائيل عملــت‬

‫باالتفــاق مــع أســمرة علــى تواجــد عســكري لهــا يف بعــض اجلــزر التابعة‬ ‫ألريتريــا يف تلــك املنطقــة احلساســة مــن البحــر األحمــر‪ ،‬بالقــرب مــن‬ ‫بــاب املنــدب‪ .‬يف أقصــى شــمال خليــج العقبــة تقــع مدينــة إيالت‬ ‫اإلســرائيلية‪ ،‬وهــي أرض مصريــة احتلتهــا إســرائيل يف حــرب ‪١٩٤٨‬م‪،‬‬ ‫وكانــت تســمى أم الرشــراش‪ .‬هــذه البقعــة‪ ،‬التــي تســيطر عليهــا دولــة‬ ‫عــدوة للعــرب‪ ،‬تقلــل مــن أهميــة مضايــق تيــران وصنافيــر جنــوب خليــج‬ ‫ـوًى‬ ‫العقبــة‪ ،‬فتحولهــا إلــى مضايــق دوليــة‪ ،‬تتحجــج بحريــة املالحــة قـ ً‬ ‫دوليــة‪ ،‬انتقاص ـًاً مــن الســيادة العربيــة الكاملــة‪ ،‬علــى األقــل يف اجلــزء‬ ‫الشــمالي مــن البحــر األحمــر‪ .‬ممــا هــو جديــر بالذكــر هنــا‪ :‬إســرائيل‬ ‫حتججــت بــإغالق مصــر ملضايــق تيــران وصنافيــر‪ ،‬لتبريــر عدوانهــا‬ ‫علــى العــرب يف حــرب األيــام الســتة ‪١٩٦٧‬م‪.‬‬ ‫مــع ذلــك يظــل البحــر األحمــر‪ ،‬مــن الناحيــة االســتراتيجية بحـرًاً شــبه‬ ‫مغلــق‪ ،‬إطاللــة دولــه الواقعــة علــى ســواحله‪ ،‬تتحكــم فيهــا مضايــق‬ ‫ً‬ ‫شــماًال ‪..‬‬ ‫طبيعيــة واصطناعيــة (تيــران وصنافيــر‪ ،‬وقنــاة الســويس‬ ‫وبــاب املنــدب جنوبـًاً)‪ ،‬حتتــاج الــدول املطلــة علــى البحــر األحمــر املــرور‬ ‫مــن هــذه املضايــق‪ ،‬لتنفــذ إلــى أعالــي البحــار‪ .‬بالنســبة للــدول املطلــة‬ ‫علــى البحــر األحمــر‪ ،‬مــن الصعــب ضمــان حريــة املالحــة لســفنها‪ ،‬يف‬ ‫أوقــات احلــرب‪ ،‬دون التعــرض ملضايقــات الــدول التــي تتحكــم يف تلــك‬ ‫املضايــق‪ .‬مــن الناحيــة االســتراتيجية‪ ،‬ليــس هنــاك فــرق يف أوقــات‬ ‫توتــر العالقــات‪ ،‬بني دول صديقــة وشــقيقة‪ ،‬متــى كان علــى احملــك‬ ‫قضيــة األمــن وتغليــب مصالــح الــدول‪ ،‬التــي تدفعهــا غريــزة أنانيــة‬ ‫محــضة‪.‬‬ ‫حتــى مصــر‪ ،‬التــي تتحكــم يف قنــاة الســويس‪ ،‬هــي خاضعــة يف إدارة‬ ‫القنــاة التفاقيــة القســطنطينية (‪١٨٨٨‬م)‪ ،‬التــي حتــدد اســتحقاقات‬ ‫مصــر والتزاماتهــا جتــاه املــرور بالقنــاة وكــذا منطقــة القنــاة‪ ،‬مبــا‬ ‫يحفــظ حقــوق املســاهمني يف شــركة قنــاة الســويس العامليــة‪ .‬هــذه‬ ‫االلتزامــات جتــاه املالحــة يف قنــاة الســويس‪ ،‬حتــى بعــد تأميــم القنــاة‬ ‫(‪ ٢٦‬يوليــو ‪١٩٥٦‬م) لتصبــح خالصــة الســيادة ملصــر‪ ،‬امتــدادًاً لســيادة‬ ‫مــصر اخلالــصة‪ ،‬عــلى خلــيج الــسويس‪.‬‬ ‫ُثُــّمّ أن التوتــرات التاريخيــة يف املنطقــة‪ ،‬وكــذا تغيــر مصالــح الــدول‪،‬‬ ‫أثــر عملي ـًاً علــى مكانــة قنــاة الســويس ووزنهــا لألمــن القومــي ملصــر‪،‬‬ ‫نفســها‪ .‬يف حــرب ‪1956‬م‪ُ​ُ ،‬جمــدت املالحــة عبــر القنــاة ‪ ..‬يف حــرب‬ ‫‪١٩٦٧‬م‪ ،‬توقف العمل يف قناة الســويس لتســع ســنوات (‪١٩٧٥ – ١٩٦٧‬م)‪،‬‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫دراسة العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪21‬‬

‫الوضــع الجيوسياســي غيــر المســتقر يف البحــر األحمــر والخليــج العربــي‬ ‫والقــرن اإلفريقــي يشــكل تحدًيًا اســتراتيجًيًا خطيًرًا لألمــن القومي العربي‬ ‫يف تلــك احلــروب ظهــر كــم هــم العــرب مهــددون بجغرافيــة منطقــة‬ ‫اخلليــج‪ ،‬مبــا يفــوق عائــد ثروتهــم النفطيــة‪ .‬لــم تتــردد إيــران يف‬ ‫اســتغالل امليــزة التنافســية (اجليوسياســية) ملوقعهــا‪ ،‬خدم ـ ً​ًة ألغــراض‬ ‫حربهــا ضــد العــراق‪ ،‬للحــؤول دون مســاعدة الــدول العربيــة املطلــة علــى‬ ‫اخلليــج للعــراق‪ ،‬اتســاقًاً مــع التزاماتهــم القوميــة‪ .‬يف حقيقــة األمــر‪:‬‬ ‫حــرب اخلليــج األولــى كانــت ملحمــة عربيــة فارســية‪ ،‬ســاحة الوغــى‬ ‫فيهــا ميــاه اخلليــج العربــي‪ ،‬بوضعــه اجليوسياســي املعقــد‪ ،‬حيــث‬ ‫تتحكــم إيــران عــن طريــق مضيــق هرمــز يف أهــم مــوارد ســوق الطاقــة‬ ‫العامليــة مــن النفــط‪ .‬إيــران لــم تتــردد يف تهديــد الســفن املصــدرة للنفط‬ ‫الكويتــي واســتهدافها‪ ،‬ممــا أضطــر األخيــرة لطلــب احلمايــة األمريكيــة‪،‬‬ ‫الــذي متثــل يف رفــع العلــم األمريكــي للســفن احلاملــة للنفــط الكويتــي‪.‬‬ ‫ممــا زاد األمــور تعقيـدًاً‪ ،‬احتمــال دخــول أطــراف دوليــة‪ ،‬بــل قــوة عظمــى‬ ‫(الواليــات املتحــدة)‪ ،‬بصــورة مباشــرة‪ ،‬يف تلــك احلــرب‪ ،‬والعالــم علــى‬ ‫مشــارف نظــام دولــي جديــد‪ ،‬بعــد ســقوط االحتــاد الســوفيتي وانهيــار‬ ‫حــلف وارــسو‪.‬‬ ‫هــذا الوضــع املعقــد‪ ،‬واخلطيــر يف نفــس الوقــت‪ ،‬الــذي وجــدت فيــه‬ ‫دول النفــط الغنيــة يف منطقــة اخلليــج العربــي نفســها فيــه‪ ،‬أظهــر‬ ‫مــدى احلاجــة لتفــادي املــرور‪ ،‬خاص ـ ً​ًة يف أوقــات التوتــر يف املنطقــة‪،‬‬ ‫عبــر مضيــق هرمــز‪ ،‬الــذي تتحكــم فيــه‪ ،‬بصــورة أساســية إيــران‪ ،‬وإن‬ ‫كانــت يف طرفــه اآلخــر تتحكــم ُ​ُعمــان يف رأس مســندم‪ ،‬ولكــن ليــس‬ ‫بالصــورة التــي تتحكــم بهــا إيــران يف الطــرف اآلخــر (الشــرقي) مــن‬ ‫مضيــق هرمــز‪ .‬جغرافي ـًاً‪ :‬رأس مســندم هــو جــزء مــن مضيــق هرمــز‬ ‫تابــع ل ُ​ُعمــان‪ ،‬إال أنــه مــن الناحيــة اجليوسياســية جــزء مقتطــع مــن‬ ‫أراٍض تابعــة لدولــة اإلمــارات العربيــة املتحــدة!‬ ‫أراضــي ُ​ُعمــان‪ ،‬تفصلــه ٍ‬ ‫هــذا الوضــع اجليوسياســي الشــاذ واملعقــد‪ ،‬يضعــف‪ ،‬بــل ويذهــب‬ ‫بالقيمــة االســتراتيجية ملضيــق هرمــز‪ ،‬بالنســبة للجانــب العربــي‪،‬‬ ‫ألن ذلــك اجلــزء مــن املضيــق‪ ،‬ال يتصــل جغرافيــًاً‪ ،‬بصــورة حصريــة‪،‬‬ ‫بأراــضي دوــلة عربــية بذاتــها‪.‬‬ ‫هــذا وضــع بالــغ احلساســية مــن الناحيــة اجليوسياســية‪ ،‬ألن مجــرد‬ ‫عــدم توفــر الســيطرة التامــة لطــرف دولــي علــى جــزء مــن املضايــق‪ ،‬مــن‬ ‫شــأنه أن يضعــف موقــف أي تكتــل إقليمــي‪ ،‬مهمــا كانــت أواصــر ذلــك‬ ‫التكتــل قويــة‪ .‬مجــرد رســم خريطــة احلــدود‪ ،‬بهــذا الشــكل املتجــزئ بني‬ ‫دولــتني عربيــتني جــارتني‪ ،‬إمنــا هــو مؤشــر لتوتــر محتمــل ممكــن أن‬ ‫يتســبب يف احتــكاك عنيــف علــى احلــدود بينهمــا يف أي وقــت‪ ،‬لتســوية‬

‫هــذا لوضــع اجلغــرايف الشــاذ‪ ،‬مهمــا كانــت طبيعــة العالقــات التــي‬ ‫تســود الدولــتني‪ ،‬يف إطــار تكتــل إقليمــي قومــي واحــد‬ ‫مــن هنــا جــاءت احلاجــة للمملكــة العربيــة الســعودية أن تكــون لهــا‬ ‫إطاللــة علــى بحــر العــرب املفتــوح مباشــرة علــى أعالــي البحــار‪ .‬فكانــت‬ ‫كل محــاوالت الريــاض أن يكــون لهــا مينــاء علــى بحــر العــرب‪ ،‬عبــر‬ ‫األراضــي اليمنيــة أو األراضــي العمانيــة‪ ،‬لكــن حدثــت تطــورات يف هــذه‬ ‫املنطقــة حــرب اليمــن األهليــة (‪١٩٦٧ – ١٩٦٢‬م) وثــورة ظفــار يف عمــان‬ ‫ســبعينات القــرن املاضــي‪ ،‬ســاهمت يف عــدم نفــاذ اململكــة املباشــر‬ ‫علــى بحــر العــرب‪ ،‬باإلضافــة للمناوشــات علــى احلــدود بني اململكــة‬ ‫واليمــن اجلنوبــي‪ ٢٧( ،‬نوفمبــر – ‪ ٦‬ديســمبر ‪١٩٦٩‬م)‪ ،‬عندمــا احتلــت‬ ‫القــوات اليمنيــة اجلنوبيــة مركــز الوديعــة الســعودي علــى احلــدود‬ ‫بني البلديــن‪ ،‬حيــث انتهــت تلــك احلــرب القصيــرة بطــرد اجلنــود‬ ‫اليمــنني مــن تلــك البقعــة واســتعادة الســعودية الســيادة عليهــا‪ ،‬ممــا‬ ‫عقــد مشــاريع اململكــة للنفــاذ إلــى بحــر العــرب‪ ،‬واخلــروج مــن واقــع‬ ‫إقليمهــا الشــبه مغلــق‪ ،‬رغــم امتــداد ســواحلها الطويلــة علــى جانبــي‬ ‫شــبه اجلزيــرة العربيــة‪ ،‬شــرقًاً مــن ناحيــة اخلليــج العربــي‪ ..‬وغربـًاً مــن‬ ‫ناحــية البــحر األحــمر‪.‬‬ ‫الوصــول إلــى بحــر العــرب‪ ،‬بالنســبة للمملكــة العربيــة الســعودية هــدف‬ ‫اســتراتيجي بعيــد املــدى حتتــم ضرورتــه االســتراتيجية العمــل‪ ،‬بكافــة‬ ‫الوســائل لتحقيقــه‪ ،‬مــن أجــل تــأمني ممــر بــري آمــن لنقــل النفــط إلــى‬ ‫مينــاء (ســعودي) علــى بحــر العــرب‪ ،‬تعمــل اململكــة علــى بنــاء مينــاء‬ ‫لتصديــر النفــط عــن طريــق مــد أنبــوب نفــط‪ ،‬بطــول ‪ ٥٦٠‬كــم مــن‬ ‫مينــاء اخلريــر الســعودي علــى اخلليــج العربــي‪ ،‬إلــى مينــاء نشــطون‬ ‫اليمنــي يف أرض املهــرة علــى احلــدود اليمنيــة العمانيــة‪ .‬هــذا املشــروع‬ ‫رغــم جدارتــه االقتصاديــة للطــرفني الســعودي واليمنــي‪ ،‬إال أن مشــكلة‬ ‫الــسيادة تعــقد احتــماالت تنفــيذه‪.‬‬ ‫هنــاك مشــروع أكثــر طموحــًاً وتتوفــر فيــه إمكانــات تنفيــذه باتفــاق‬ ‫تكاملــي بني اململكــة العربيــة الســعودية و ُ​ُع َ​َمــان‪ ،‬ال يقتصــر علــى‬ ‫تصديــر النفــط بــل يشــمل علــى «لوجســتيات” النقــل البحــري التجــاري‪،‬‬ ‫بصــورة عامــة‪ ،‬الهــدف األساســي (االســتراتيجي) منــه إيجــاد منفــذ‬ ‫بحــري للمملكــة العربيــة الســعودية علــى بحــر العــرب‪ ،‬بإطاللــة مباشــرة‬ ‫علــى احمليــط الهنــدي مــن �ثـَّمّ إلــى أعالــي البحــار واحمليطــات املفتوحة‪،‬‬ ‫دون عــواق طبيعيــة أو اصطناعيــة‪ ،‬والتخلــص متامــًاً مــن تعقيــدات‬


‫‪20‬‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫دراسة العدد‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫يجــب أال يطــول الجــدل حــول تشــكيل قــوة ردع عربيــة يف منطقــة‬ ‫البحــر األحمــر يف قضيــة لمــن تكــون القيــادة لهذه القــوة العربيــة الرادعة‬ ‫أن يطــل علــى أعالــي البحــار (فالديفوســتوك) شــرقًاً علــى احمليــط‬ ‫الهــادي‪ ،‬هــو مينــاء يغطيــه اجلليــد طــوال ثمانيــة شــهور يف الســنة‪،‬‬ ‫وعلــى األســاطيل التجاريــة واحلربيــة الروســية‪ ،‬أن متــر عبــر مضايــق‬ ‫وبالقــرب مــن جــزر لــدول غيــر صديقــة‪ ،‬لتتمكــن مــن النفــاذ إلــى امليــاه‬ ‫الدافــئة للمحــيط الــهادي‪ ،‬ــسواء االجتـجاه ــشرقًاً أو جنوــبًاً‪.‬‬ ‫العبــرة هنــا للميــزة االســتراتيجية (اجليوسياســية) أن تطــل الدولــة‬ ‫الســاحلية موانئهــا علــى أعالــي البحــار مباشــر ً​ًة ‪ ..‬وأن تكــون هــذه‬ ‫املوانــئ قابلــة للمالحــة‪ ،‬طــوال الســنة تضاريســ ً​ًيا ومناخيــًاً‪ .‬األمثلــة‬ ‫أراٍض‬ ‫ً»الكالســيكية” هنــا للــدول الســاحلية التــي متتــد ســواحلها يف ٍ‬ ‫قابلــة للمالحــة تتمتــع مبنــاخ معتــدل تتالطــم شــواطئها بأمــواج‬ ‫وتيــارات دافئــة‪ .‬جميــع الــدول االســتعمارية تاريخيــ�ا (بريطانيــا‪،‬‬ ‫فرنســا‪ ،‬إســبانيا‪ ،‬البرتغــال‪ ،‬هولنــدا واليابــان)‪ .‬تنضــم إلــى هــذه الفئــة‬ ‫مــن الــدول الســاحلية الكبــرى‪ .‬الواليــات املتحــدة‪ ،‬تتفــوق عليهــم‬ ‫جميع ـًاً‪ ،‬مــن الناحيــة االســتراتيجية‪ ،‬مبوقعهــا اجلغــرايف الــذي ميتــد‬ ‫علــى طــول ســواحل دافئ ـ ً​ًة قابلــة تضاريس ـ ً​ًيا ومناخي ـًاً للمالحــة طــول‬ ‫الســنة‪ ،‬تبلــغ آالف األميــال‪ ،‬مطلــة علــى احمليــطني الهــادئ غربــًاً ‪..‬‬ ‫واألطلســي‪ ،‬شــرقًاً‪ .‬جتلــت امليــزة التنافســية (اجليوسياســي) ملوقــع‬ ‫الواليــات املتحــدة اجلغــرايف يف احلــربني العامليــتني األولــى (‪– ١٩١٤‬‬ ‫‪١٩١٩‬م)‪ ،‬والثانيــة (‪١٩٤٥ – ١٩٣٩‬م)‪ .‬كمــا أن عظمــة الواليــات املتحــدة‬ ‫االســتراتيجية تتجلــى يف قوتهــا البحريــة الضاربــة‪ ،‬حيــث تعتبــر‬ ‫أيقونــة مكانتهــا الكونيــة املهيمنــة‪ ،‬يف العصــر احلديــث‪ ،‬بواقــع كونهــا‬ ‫بحــاٍر العالــم‪ ،‬علــى مــدار الســاعة ‪ ..‬وميكــن أن تصــل ألي‬ ‫جتــوب‬ ‫ٍ‬ ‫نقطــة توتــر يف العالــم‪ ،‬خالل أيــام‪ .‬كل ذلــك بفضــل امليــزة التنافســية‬ ‫(اجليــو سياســية) ملوقعهــا اجلغــرايف‪ ،‬املطلــة ســواحله الدافئــة والقابلــة‬ ‫للمالحــة طــول العــام‪ ،‬املمتــد آالف األميــال‪ ،‬مباشــرة علــى أعالــي‬ ‫البحــار‪ .‬ميــزة (جيــو سياســية) تنافســية رفيعــة ال تنافســها فيهــا أي‬ ‫دوــلة أــخرى يف العاــلم‪.‬‬

‫منطقة البحر األحمر والقرن اإلفريقي والخليج العربي‬ ‫بعــد أن ناقشــنا األهميــة االســتراتيجية ملواقــع أقاليــم الــدول وتفــاوت‬ ‫امليــزة التنافســية (جيوسياســيًاً) بينهــا‪ ،‬نأتــي لتطبيــق كل ذلــك علــى‬ ‫منطقتنــا العربيــة‪ ،‬بالــذات يف منطقــة البحــر األحمــر‪ ،‬وامتــداده إلــى‬ ‫القــرن اإلفريقــي ‪ ..‬ومنطقــة اخلليــج العربــي وامتدادهــا إلــى بحــر‬ ‫العــرب واحمليــط الهنــدي‪ ،‬هــذه املنطقــة ذات األهميــة االســتراتيجية‬

‫الرفيعــة‪ ،‬ليــس فقــط للــدول التــي تقــع يف نطاقهــا اجلغــرايف‪ ،‬بــل‬ ‫للقــوى الكبــرى‪ ،‬التــي تتنافــس علــى مكانــة الهيمنــة الكونيــة‪ ،‬وهــي‬ ‫تشــهد تاريخيـًاً صراعـًاً ممتـدًاً جتــاوز فتــرات الصــراع الكونــي يف فتــرة‬ ‫احلــرب البــاردة‪ ،‬ليمتــد إلــى الوقــت احلاضــر‪ ،‬ورمبــا ألجيــال قادمــة‪.‬‬ ‫لقــد ظهــرت األهميــة االســتراتيجية ملنطقــة البحــر األحمــر والقــرن‬ ‫اإلفريقــي‪ ،‬حساســية مرنــة لـــ «ترمومتــر» األوضــاع اإلقليميــة والدوليــة‪،‬‬ ‫وثيــقة الصــلة باــستقرار املنطــقة والعاــلم‪.‬‬

‫منطقة الخليج العربي‬ ‫ال ميكــن مناقشــة الوضــع اجليوسياســي ملنطقــة البحــر األحمــر‪،‬‬ ‫دون التطــرق للوضــع اجليوسياســي للجهــة املقابلــة‪ ،‬شــرقًاً‪ ،‬بشــبه‬ ‫اجلزيــرة العربيــة‪ ،‬التــي تقــع فيهــا منطقــة اخلليــج العربــي‪ .‬ك ٌ​ٌل مــن‬ ‫اخلليــج العربــي والبحــر األحمــر يوضحــان مــدى حساســية األوضــاع‬ ‫اجليوسياســية يف املنطقــة‪ ،‬مــن الناحيــة االســتراتيجية‪ ،‬وكــم هــي‬ ‫اإلطاللــة علــى أعالــي البحــار مهمــة‪ ،‬بــل ومصيريــة‪ ،‬ممــا يذهــب بقيمــة‬ ‫اإلطاللــة علــى البحــار‪ ،‬كفــارق جوهــري مــن الناحيــة االســتراتيجية‪ ،‬بني‬ ‫الــدول الداخلــة التــي ال تطــل علــى بحـ ٍـاٍر مغلقــة‪ ،‬وتلــك املطلــة علــى‬ ‫بحــاٍر شــبه مغلقــة‪ ،‬مثــل مــا‬ ‫بحــاٍر ممتــدة‪ ،‬لكنهــا يف حقيقــة األمــر‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫هــي احلالــة يف البحريــن األحمــر واخلليــج العربــي‪ ،‬التــي تتحكــم يف‬ ‫مداخلــها مضاــيق طبيعــية أو ممـمرات اصطناعــية‪.‬‬ ‫يف وقــت الســلم متــر ‪٪ ٢٠‬؜ مــن التجــارة العامليــة عبــر البحــر األحمــر‪.‬‬ ‫يف وقــت الســلم‪ ،‬أيض ـًاً‪ ،‬تعبــر مــن اخلليــج العربــي أكثــر مــن ‪٪٢٥‬؜ مــن‬ ‫احتياجــات العالــم مــن مــوارد الطاقــة األحفوريــة‪ .‬منطقــة اخلليــج‬ ‫العربــي تزخــر بأكثــر مــن ‪ %٣٠‬مــن احتياطــي العالــم وإنتاجــه مــن‬ ‫النفــط‪ ،‬ســلعة اســتراتيجية ال يســتغني عنهــا العالــم‪ ،‬ولطــاملا كانــت‬ ‫مصــدرًاً للتوتــر بني الــدول املطلــة علــى اخلليــج العربــي‪ ،‬وال تســتثنى‬ ‫مــن ذلــك الــدول العربيــة‪ ،‬نفســها‪ .‬يف الثانــي مــن أغســطس ‪١٩٩٠‬م‪،‬‬ ‫غــزا العــراق الكويــت‪ ،‬ووقــف العالــم بأســره إلفشــال مشــاريع العــراق‬ ‫التوســعية‪ ،‬التــي رأى فيهــا مظهـرًاً لعــدم االســتقرار‪ ،‬ال ميكــن التعامــل‬ ‫معــه إلــى مبســتوى خطورتــه علــى اســتقرار املنطقــة‪ ،‬وسالم العالــم‪.‬‬ ‫قبــل مغامــرة غــزو الكويــت كانــت منطقــة اخلليــج العربــي ســاح ً​ًة‬ ‫ـروٍس نشــبت بني العــراق وإيــران‪ ،‬اســتمرت لثمــان ســنوات‬ ‫حلـ ٍ‬ ‫ـرٍب ضـ ٍ‬ ‫(‪١٩٨٨ – ١٩٨٠‬م)‪.‬‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫دراسة العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪19‬‬

‫قــوة الــردع يف البحــر األحمــر مشــروع قومــي عربــي اســتراتيجي كفيلــة‬ ‫بتحقيــق متطلبــات األمــن القومــي للعــرب الســتقرار المنطقــة والعالــم‬ ‫أمــن الدولــة القومــي‪ ،‬التــي حتــدده بصــورة اســتراتيجية أهميــة وموقــع‬ ‫إقليمهــا‪ ،‬هــو خــط الدفــاع األول املباشــر للــذود عــن ســيادتها ‪ ..‬ورعايــة‬ ‫مصاحلهــا اخلارجيــة‪ .‬كلمــا ارتفعــت قيمــة وإمكانــات إقليــم الدولــة‬ ‫االســتراتيجية‪ ،‬كلمــا قلــت تكلفــة وارتفــع عائــده وزادت فاعليــة وكفــاءة‬ ‫إمكاناتهــا الدفاعيــة الذاتيــة‪ .‬ويف الوقــت نفســه‪ :‬كلمــا زادت قدراتهــا‬ ‫التحالفيــة مــع أطــراف دوليــة أخــرى اســتفادت مــن امليــزة األمنيــة‬ ‫التنافــسية (اجليوسياــسية) ملوقعــها اجلــغرايف‪ .‬والعــكس صحــيح‪.‬‬

‫الميزة الجيوسياسية لموقع الدولة‬ ‫تتنافــس الــدول‪ ،‬فيمــا بينهــا‪ ،‬بتفــاوت امليــزة التنافســية (اجليوسياســي)‬ ‫كٍل منهــا اجلغــرايف‪ ،‬فالــدول تختلــف فيمــا بينهــا مــن حيــث موقع‬ ‫ملوقــع ٍ‬ ‫ً‬ ‫كٍل منهــا اجلغــرايف‪ .‬الــدول قــد تتشــارك‪ ،‬إقليمي ـًا‪ ،‬مــن حيــث موقعهــا‬ ‫ٍ‬ ‫اجلغــرايف‪ ،‬إال أنهــا تبقــى تختــص‪ ،‬ك ٌ​ٌل منهــا بقيمــة اســتراتيجية‬ ‫كٍل منهــا اجلغــرايف‪ .‬علــى ســبيل‬ ‫تنافســية مميــزة (جيوسياســية) ملوقــع ٍ‬ ‫املثــال ك ٌ​ٌل مــن الواليــات املتحــدة وكنــدا تقتســمان قارة أمريكا الشــمالية‪،‬‬ ‫إال أنهمــا تتفاوتــان مــن الناحيــة االســتراتيجية‪ ،‬تبعـًاً للميــزة التنافســية‬ ‫(اجليوسياســية) ملوقعهمــا مقارنـ ً​ًة ببعضهمــا البعــض‪ .‬وقــس علــى هــذا‬ ‫املوقــع اجلغــرايف للــدول العربيــة‪ ،‬علــى مســتوى شــبه اجلزيــرة العربيــة‪.‬‬ ‫كٍل‬ ‫علــى ســبيل املثــال‪ :‬تتفــاوت امليــزة التنافســية (جيوسياســيًاً) بني ٍ‬ ‫مــن العــراق واململكــة العربيــة الســعودية و ُ​ُعمــان‪ ،‬رغــم أن الــدول الــثالث‬ ‫تــقع يف منطــقة إقليمــية واــحدة وتنتمــيان لكتــلة قومــية واــحدة‪.‬‬ ‫مــا يحــدد امليــزة التنافســية (اجليوسياســية) بني الدولــة‪ ،‬مــن الناحيــة‬ ‫االســتراتيجية‪ ،‬هــو‪ ،‬يف املقــام األول النظــر ملوقــع إقليميهــا‪ ،‬فيمــا إذا‬

‫كانــت دولــة داخلــة (مغلقــة) حتيــط بهــا اليابســة مــن جميــع اجلهــات‪،‬‬ ‫أم دولــة ســاحلية شــاطئية‪ .‬اســتراتيجيًاً‪ ،‬بصفــة عامــة‪ً ،‬‬ ‫أوًال‪ :‬الــدول‬ ‫الســاحلية‪ ،‬تتمتــع مبيــزة تنافســية (جيوسياســية)‪ ،‬أعلــى مبراحــل‬ ‫مــن الــدول الداخليــة‪ ،‬التــي ال تطــل علــى بحــار‪ .‬ثانيــًاً‪ :‬مــن الناحيــة‬ ‫االســتراتيجية‪ ،‬أيض ـًاً‪ :‬ليســت أي دولــة تطــل علــى بحــر أو بحــار‪ ،‬يف‬ ‫مســتوى متكافــئ مــن الناحيــة االســتراتيجية‪ ،‬جملــرد أنهــا تطــل علــى‬ ‫بحــاٍر ‪ .‬هنــا جنــد مســتويني لألهميــة االســتراتيجية للــدول املطلــة‬ ‫ٍ‬ ‫علــى البحــار‪ .‬هنــاك دول مطلــة علــى بحـ ٍـاٍر مغلقــة‪ ،‬وهــذه تظــل ً‬ ‫دوًال‬ ‫داخليــة شــأنها‪ ،‬مــن الناحيــة االســتراتيجية‪ ،‬شــأن الــدول التــي ال‬ ‫تطــل علــى بحـ ٍـاٍر ‪ .‬يف هــذا الصــدد مــن الناحيــة االســتراتيجية‪ ،‬ليــس‬ ‫بحــاٍر مغلقــة‬ ‫هنــاك فــروق جيوسياســية مهمــة بني دول تطــل علــى‬ ‫ٍ‬ ‫مثــل‪ :‬أذربيجــان وأوزباكســتان املطلتــان علــى بحــر قزويــن املغلــق‪ ،‬وبني‬ ‫ً‬ ‫أصًال‪.‬‬ ‫بــحاٍر ‪،‬‬ ‫أفغانــستان وتــشاد‪ ،‬اللــتان ال ــتطالن عــلى‬ ‫ٍ‬ ‫املســتوى الثانــي‪ :‬دول تطــل علــى بحـ ٍـاٍر ‪ ،‬لكنهــا ال تطــل مباش ـر ً​ًة علــى‬ ‫أعالــي البحــار املفتوحــة‪ .‬هنــا تتجــاوز األهميــة االســتراتيجية أو العــوار‬ ‫االســتراتيجي‪ ،‬مســاحة الدولــة ومــدى غنــى إقليمهــا باملــوارد الطبيعيــة‬ ‫واإلمكانــات البشــرية‪ .‬روســيا االحتاديــة‪ ،‬مــن الناحيــة االســتراتيجية‪،‬‬ ‫رغــم كونهــا أكبــر دول العالــم مســاحة وتزخــر مبــوارد طبيعيــة هائلــة‪،‬‬ ‫إال أنهــا مــن الناحيــة االســتراتيجية‪ُ ،‬تُعـ ُ​ُد دولــة داخلــة‪ ،‬ألن ســواحلها ال‬ ‫تقــع علــى ميــاه بحـ ٍـاٍر دافئــة قابلـ ً​ًة للمالحــة‪ ،‬مطلــة علــى أعالــي البحــار‪،‬‬ ‫طــوال الســنة‪ .‬موانــئ روســيا االحتاديــة الدافئــة علــى البحــر األســود‪،‬‬ ‫عليهــا أن متــر مبضايــق طبيعيــة وصناعيــة‪ ،‬حتــى تنفــذ أســاطيلها‬ ‫التجاريــة واحلربيــة‪ ،‬إلــى أعالــي البحــار‪ .‬املينــاء الوحيــد الــذي ميكــن‬


‫‪18‬‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫دراسة العدد‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫منطقة البحر األحمر والقرن اإلفريقي‪ :‬هواجس األمن ‪ ..‬وتحديات االستقرار‬

‫مسؤوليةالعرببناءاستراتيجيةأمنيةجماعية‬ ‫المعني بها بصورة خاصة السعودية ومصر‬ ‫ـتراتيجٌي مهـ ٌ​ٌم‪،‬‬ ‫املوقــع اجلغــرايف‪ ،‬ليــس فقــط‪ ،‬عنصــر أســاس مــن عناصــر الدولــة‪ ،‬هــو أيضـًاً‪ ،‬ببعــده اإلقليمــي والدولــي‪ ،‬ركـ ٌ​ٌن اسـ‬ ‫ٌ‬ ‫ألمــن واســتقرار أي نظــام إقليمــي ودولــي‪ .‬فحــدود الــدول‪ ،‬ليســت فقــط تلــك اخلطــوط احلمــراء املتقطعــة التــي تفصــل بينهــا‬ ‫نقــط‪ ،‬كمــا تظهــر يف اخلرائــط‪ ،‬بــل قــد متتــد حــدود الــدول تاريخيـًاً وليــس فقــط جغرافيـًاً‪ ،‬مــن الناحيــة االســتراتيجية‪ ،‬التــي‬ ‫فرضهــا أمنهــا القومــي وحتتمهــا ضــرورات بقائهــا واســتمرارها‪ ،‬يف شــكل خطــوط وهميــة يرســمها صانعــو السياســة اخلارجيــة‬ ‫للدولــة‪ ،‬قــد متتــد مسـ ٍ‬ ‫ـافاٍت طويلــة تتخللهــا تضاريــس وعــرة‪ ،‬ورمبــا بحـ ٍـاٍر ومحيطــات بعيــدة‪ ،‬آلالف األميــال‪ ،‬بعيـدًاً عــن حدودهــا‬ ‫السياــسية اللصيــقة بــحدود جيرانــها اإلقليــميني املباــشرين‪.‬‬

‫د‪ .‬طالل صالح بّنّان‬

‫األهمية االستراتيجية لموقع الدولة الجغرايف‬ ‫إقليــم الدولــة‪ ،‬مــن الناحيــة االســتراتيجية‪ ،‬قــد يكــون أهــم عناصــر‬ ‫الدولــة الرئيســية الــثالث املعروفــة (الســكان‪ ،‬اإلقليــم واحلكومــة‬ ‫الوطنيــة)‪ ،‬ليــس مــن حيــث ضــرورات توفرهــا مجتمعــة‪ ،‬فحســب… بــل‪،‬‬ ‫وهــذا هــو األهــم مــن الناحيــة االســتراتيجية‪ :‬إمكانــات قيامهــا‪ ،‬بدايـ ً​ًة ‪..‬‬ ‫وكــذا فــرص واحتمــاالت اســتقرارها‪ ،‬وحتــى اســتمرارها وبقائهــا‪ .‬اإلقليم‬ ‫ال يوفــر للدولــة مصــادر الثــروة الالزمــة لتقدمهــا ‪ ..‬وازدهــار وغنــى‬ ‫شــعبها‪ ،‬ومنعــة نظامهــا السياســي‪ ،‬مــن مــواد أوليــة ‪ ..‬ومصــادر طاقــة‪،‬‬ ‫وإمكانــات لوجســتية متعــددة ومرنــة‪ ،‬ورمبــا تكــون معقــدة‪ ،‬فحســب…‬ ‫بــل األهــم‪ :‬توفــر ضــرورات أمنهــا بإمكانــات ردع اســتراتيجية فعالــة‪،‬‬ ‫تضمــن أمنهــا ‪ ..‬وحتــدد دورهــا وثقلهــا ووزنهــا اإلقليمــي والدولــي‪،‬‬ ‫كقيمــة اســتراتيجية مضافــة لتعزيــز الــذود عــن أمنهــا ‪ ..‬ورعايــة‬ ‫مصاحلهــا الوطنيــة‪ ،‬وخدمــة أهــداف سياســتها اخلارجيــة‪ ،‬وضمــان‬ ‫حصولهــا علــى مــا تــراه نصيبـًاً عـ ً‬ ‫ـادًال مــن مــوارد النظــامني اإلقليمــي‬ ‫والدولــي‪ ،‬ولــو علــى حســاب املصالــح السياســية واألمنيــة‪ ،‬جليرانهــا‬ ‫اإلقليمــيني… دعــك مــن شــركائها وخصومهــا الدولــيني‪ ،‬البعيديــن عــن‬ ‫حدودــها السياــسية الدولــية املباــشرة املتاخــمة جليرانــها القرــيبني‪.‬‬ ‫كلمــا كانــت الدولــة تتمتــع بحــدود آمنــة قابلــة للدفــاع عنهــا‪ ،‬مــع‬

‫توفــر إمكانــات التوســع اإلقليمــي والتمــدد الدولــي‪ ،‬بعوائــد أكبــر‬ ‫وتكلفــة أقــل‪ ،‬كلمــا اطمأ�نـّت الدولــة علــى صيانــة أمنهــا ‪ ..‬والــذود عــن‬ ‫مصاحلهــا‪ ،‬وحجــزت لنفســها مقع ـدًاً مرموق ـًاً مهاب ـًاً‪ ،‬إقليمي ـًاً ودولي ـًاً‪.‬‬ ‫الدولــة أي دولــة‪ ،‬ميكــن أن تندفــع جتــاه خدمــة أمنهــا القومــي‪ ،‬إلــى‬ ‫حــدود مــا تســتطيع أن تصــل إليــه مــن نفــوذ إقليمــي ومكانــة دوليــة‪،‬‬ ‫مبــا يتجــاوز – أحيان ـًاً – إمكانــات مــوارد إقليمهــا‪ ،‬التــي هــي مهمــا‬ ‫بلــغ غناهــا ومقدراتهــا‪ ،‬تظــل مــوارد محــدودة‪ .‬هــذا بســبب أن هاجــس‬ ‫األمــن هــو الشــاغل الرئيــس‪ ،‬الــذي يشــغل بــال صانعــي القــرار يف‬ ‫الدولــة ومؤسســات احلكــم فيهــا‪ .‬يف كل األوقــات علــى رمــوز الســلطة‬ ‫ومؤسســات احلكــم‪ ،‬أال تطــرف لهــم عني‪ ،‬جتــاه قضايــا األمــن القومــي‬ ‫لــلبالد‪.‬‬ ‫مــن هنــا نــرى ميزانيــة الدفــاع حتظــى بأولويــة اســتراتيجية مرموقــة‪،‬‬ ‫رمبــا أحيانــًاً تتجــاوز تلــك التــي تفرضهــا برامــج ومشــاريع التنميــة‬ ‫احملليــة‪ ،‬دون حســاب جدواهــا االقتصاديــة ‪ ..‬أو توقــع عائــد مــادي‬ ‫أو تنمــوي منهــا‪ .‬حتــى أن بعــض الــدول حُتح جــم اإلفصــاح عــن ميزانيــة‬ ‫الدفــاع لديهــا‪ ،‬خشــية أن ُيُفهــم أو ُيُســاء فهمهــا مــن جيرانهــا وخصومها‬ ‫اإلقليمــيني‪ ،‬ممــا يدفعهــم لســلوكيات مضــادة‪ ،‬قــد تزيــد مــن حــدة‬ ‫توــترات قائــمة أو محتمــلة‪.‬‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫الــسواحل واألماــكن األكــثر خــطورة‪.‬‬ ‫املتغيــر الثالــث‪ ،‬يتمثــل يف اقتصــار احلديــث عــن القــرن اإلفريقــي‬ ‫باملعنــى الضيــق وإمنــا الشــاطئ الغربــي للبحــر األحمــر وحتدي ـًدًا مــا‬ ‫يجــري يف الســودان وهــو أمــر بالــغ الصعوبــة ويطــرح أســئلة معقــدة يف‬ ‫اجلواريــن العربــي واإلفريقــي‪ .‬وميكــن اإلشــارة إلــى متغيريــن األول‪ ،‬هــو‬ ‫مــا يتعلــق باالنفتــاح الســوداني علــى إيــران ومــا ارتبــط بــه مــن حديــث‬ ‫بشــأن مســاعدات عســكرية ُ​ُقّدّ مــت للســودان‪ .‬والثانــي مــا يخــص متــدد‬ ‫الدعــم الســريع باجتــاه مناطــق الوســط والشــرق‪ .‬واألخطــر هــو مــا‬ ‫يجــري اآلن مــن محاولــة للتمــدد باجتــاه الشــرق خاصــة يف واليــة‬ ‫القضــارف‪ .‬ويف حــال وصلــت قــوات الدعــم الســريع إلــى املناطــق‬ ‫الشــرقية والســاحل الشــرقي الســوداني‪ ،‬فهــذا األمــر ســيفرض بنيــة‬ ‫أمنيــة مغايــرة يف البحــر األحمــر ككل‪.‬‬

‫ندوة العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪17‬‬

‫روســيا‪-‬يحاول البحــث عــن موضــع قــدم يف هــذه املنطقــة‪ ،‬مــن‬‫الصعــب احلديــث عــن جهــد دولــي توافقــي متفــق عليــه مــن جانــب‬ ‫اجلميــع وف ً​ًقــا لشــروط وحتديــد مســاحات للتحــرك وذلــك ملواجهــة‬ ‫التحدــيات الكبــيرة الــتي تــشهدها منطــقة البــحر األحــمر‪.‬‬ ‫لعــل هــذه املتغيــرات األربعــة هــي مــا تعقــد مــن املشــهد احلالــي مبــا‬ ‫تفرضــه مــن حتديــات قبالــة الشــاطئ الغربــي وليــس الشــرقي للبحــر‬ ‫األحمــر‪ .‬جميــع الكلمــات واملــداخالت املهمــة أكــدت علــى ضــرورة وجــود‬ ‫عمــل جديــد مــن الناحيــة الفكريــة مــن ناحيــة آلياتــه علــى األرض مــن‬ ‫والُّسـ ُ​ُعودَّيّة‪ ،‬وذلــك مــن‬ ‫جانــب دول اإلقليــم ذاتهــا ويف مقدمتهــا مصــر ّ‬ ‫أجــل اســتعادة قــدر مــن األمــن املفقــود يف هــذه املنطقــة‪ .‬وأن تكــون‬ ‫تلــك اجلهــود ســباقة ألي تدهــور مــن املمكــن أن يحــدث يف هــذه‬ ‫املنطقــة املهمــة‪ .‬خالــص الشــكر‪.‬‬

‫وســنكون أمــام فاعــلني مــن غيــر الــدول يف كل مــن اليمــن والســودان‬ ‫يســيطرون ســيطرة كاملــة علــى الســواحل املمتــدة علــى البحــر األحمــر‪.‬‬ ‫التعامــل مــع هــذا النــوع مــن الفاعــلني الدولــيني يفــرض حتديــات كبيــرة‪.‬‬ ‫بحيــث ال ميكــن احلديــث عــن ترتيبــات أمنيــة أو توافقــات مســتقرة أو‬ ‫مســتدامة مــع مثــل هــذا النــوع مــن الفاعــلني مــن غيــر الــدول‪ .‬فهــؤالء‬ ‫الفاعــلني لديهــم منطــق مغايــر تتحــرك اســتنا ً​ًدا لــه وهــو منطــق بعيــد‬ ‫كل البــعد ــعن منــطق الدوــلة الوطنــية املــستقرة‪.‬‬ ‫األمــر الرابــع مــا يشــهده البحــر األحمــر وامتــداده اجلنوبــي مــن تصاعد‬ ‫كبيــر يف االســتقطاب الدولــي‪ ،‬وهنــا نتحــدث علــى املســتوى العســكري‪.‬‬ ‫فنحــن نتحــدث عــن واحــدة مــن املناطــق النــادرة إن لــم تكــن الوحيــدة يف‬ ‫العالــم التــي ميكــن فيهــا احلديــث عــن اســتقطاب عســكري أمريكــي‬ ‫صينــي‪ .‬فالقاعــدة الصينيــة الوحيــدة خــارج حدودهــا تقــع يف جيبوتــي‪.‬‬ ‫ورغــم احلديــث عــن قواعــد مســتجدة يف غــرب إفريقيــا يف أماكــن‬ ‫أخــرى والتــي ال تــزال مجــرد مناقشــات‪ .‬فــإن األمــر القائــم هــو مــا‬ ‫يتعلــق باحلضــور العســكري الصينــي الكبيــر واملهــم واملؤثــر يف جيبوتي‪.‬‬ ‫واألمــر ال يقتصــر فقــط علــى احلديــث عــن اســتقطاب ثنائــي بني‬ ‫الواليــات املتحــدة والــصني‪ ،‬وإمنــا املشــهد احلالــي فنحــن نتكلــم علــى‬ ‫أَّنَ منطقــة البحــر األحمــر وامتدادهــا اجلنوبــي بامتــداد املناطــق غــرب‬ ‫احمليــط الهنــدي باعتبارهــا مجــرد امتــداد غربــي‪ .‬فمقابــل احلضــور‬ ‫الصينــي الكثيــف يف جيبوتــي‪ ،‬جنــد هنــاك حضــور أمريكــي وحضــور‬ ‫عســكري يابانــي‪ ،‬وتعــاون مــع الهنــد‪ .‬نحــن هنــا أمــام معادلــة دوليــة‬ ‫يغلــب عليهــا طابــع االســتقطاب والتحــرك بــأدوات عســكرية وتفــرض‬ ‫نفســها علــى املشــهد وميكــن لهــذا املتغيــر أن يقيــد أي حتــرك دولــي‬ ‫فاعــل‪.‬‬ ‫ويف ظــل حالــة االســتقطاب الكبيــر القائــم‪ ،‬ووجــود طــرف ثالــث‬

‫املشاركون يف احللقة النقاشية‪:‬‬

‫* د‪ .‬عبد العزيز بن عثمان بن صقر‬

‫رئيس مركز اخلليج لألبحاث‬

‫* أ‪ .‬د‪ .‬صالح بن محمد اخلثالن‬

‫مستشار أول ــ مركز اخلليج لألبحاث‬

‫* د‪ .‬محمد مجاهد الزيات‬

‫املستشار األكادميي ـ املركز املصري للفكر والدراسات االستراتيجية‬ ‫* أ‪ .‬د‪ .‬محمد كمال ـ عضو الهيئة االستشارية للمركز املصري‬ ‫للفكر والدراسات االستراتيجية‬ ‫* د‪ .‬دالل محمود ـ رئيس برنامج األمن والدفاع ـ املركز املصري‬ ‫* د‪ .‬هدى رؤوف ـ رئيس وحدة الدراسات اإليرانية باملركز املصري‬ ‫* د‪ .‬أحمد أمل ـ رئيس وحدة الدراسات اإلفريقية ـ املركز املصري‬ ‫* أدار احللقة النقاشية‬ ‫اللواء محمد إبراهيم الدويري ـ نائب مدير عام املركز املصري للفكر‬ ‫والدراسات االستراتيجية‬ ‫* مدير تحرير مجلة آراء حول الخليج‬


‫‪16‬‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫ندوة العدد‬

‫سياســة بحريــة توســعية يف املمــرات املائيــة والبحريــة‪ ،‬ووجــدت يف‬ ‫البحــر األحمــر ميدا�نـًا جدي ـًدًا ميكنهــا أَّنَ تســتعرض فيــه أنشــطتها‪،‬‬ ‫ففــي نوفمبــر املاضــي أصــدر املرشــد اإليرانــي توصيــات وتعليمــات‬ ‫للســلطة التنفيذيــة والتشــريعية بشــأن وضــع خطــة عمــل لترقيــة‬ ‫اخلطــط اإليرانيــة البحريــة للتوســع يف ميــاه البحــار واحمليطــات‪ .‬وهنــا‬ ‫وجــدت ضالتهــا يف احلوثــيني الرتبــاط األهــداف‪ ،‬ســواء كانــت األهــداف‬ ‫احلوثيــة املرتبطــة باالنتقــال إلــى أَّنَ تكــون فــاعاًلا مؤث ـ ً​ًرا يف منطقــة‬ ‫البحــر األحمــر‪ ،‬ووجــدت إيــران يف ذلــك نــوع مــن التأثيــر والضغــط‬ ‫وورــقة جدــيدة ــمن أوراق املــساومة‪.‬‬

‫جــزء ثانــي مــن األهــداف اإليرانيــة يرتبــط بالترويــج لصناعتهــا‬ ‫العســكرية‪ ،‬يف تقديــري مثلمــا اســتعرضت إيــران قــدرات املســيرات‬ ‫اخلاصــة بهــا حيــث اســتخدمت يف احلــرب الروســية ضــد أوكرانيــا‪،‬‬ ‫فهــناك اآلن طاــبور ــمن اــلدول املنتــظرة لــشراء الدروــنز اإليرانــية‪،‬‬ ‫وفيمــا يتعلــق باملصالــح اإلقليميــة‪ ،‬فهنــاك هــدف خفــي إليــران يتمثــل‬ ‫الُّســ ُ​ُعودَّيّة‪،‬‬ ‫يف التأثيــر علــى املصالــح االقتصاديــة للمملكــة العربيــة ّ‬ ‫الُّس ـ ُ​ُعودَّيّ‬ ‫ونحــن نتحــدث عــن رؤيــة ‪ 2030‬واملتعلقــة بتنويــع االقتصــاد ّ‬ ‫وتطويــر الهيــكل االقتصــادي للمملكــة وحتقيــق نقلــة نوعيــة لالقتصــاد‬ ‫واالعتمــاد علــى مصــادر أخــرى للدخــل مثــل الســياحة‪ .‬إضافــة إلــى‬ ‫التأثيــر ســل ً​ًبا علــى االقتصــاد املصــري مــن خالل التأثيــر علــى قنــاة‬ ‫الســويس وهــو مــا يطــرح تســاؤاًلا عــن احلــرص اإليرانــي علــى التقــارب‬ ‫الُّســ ُ​ُعودَّيّة‪ ،‬وكذلــك احلــرص اإليرانــي ً‬ ‫أيًضــا علــى التقــارب مــع‬ ‫مــع ّ‬ ‫مصــر ورفــع مســتوى العالقــات الدبلوماســية‪ .‬فهــل تهــدف إيــران مــن‬ ‫ذلــك إلــى أَّنَ يتــم إدماجهــا يف املشــروعات االقتصاديــة باملنطقــة‪ ،‬وهــل‬ ‫ميكــن بهــذه الورقــة الضغــط لتغييــر الســلوك اإليرانــي‪ ،‬يف الواقــع‬ ‫لســت متأكــدة‪ ،‬ففــي ظــل العقليــة اإليرانيــة والقائمــة علــى فكــرة‬ ‫اســتعراض القــوى فهــي جتعــل أي محــاوالت حقيقيــة إلدمــاج إيــران يف‬ ‫مشــروعات تنمويــة باملنطقــة طب�ع ـًا أمــر صعــب نظـ ً​ًرا للطمــوح اإليرانــي‬ ‫والفكــر املســيطر علــى النخبــة اإليرانيــة‪ .‬ويف تصــوري إن هــذا األمــر‬ ‫يــزداد خاصــة لــو نظرنــا إلــى مــا يــدور مــن كالم عــن أن إيــران بــدأت‬ ‫تتعــاون مــع الســودان يف مجــال املســيرات‪ ،‬وبالتالــي حتــاول التواجــد‬ ‫ليــس فقــط مــن خالل التأثيــر علــى أمــن البحــر األحمــر ولكــن يف‬ ‫الــسودان ‪ ،‬وطبًعـ ـًا الــقرن اإلفريــقي‪.‬‬ ‫ومــن املهــم التركيــز علــى تقييــد الســلوك اإليرانــي‪ ،‬لكــن مــن الواضــح‬ ‫أَّنَ هنــاك غيــاب للرغبــة األمريكيــة يف حتقيــق ذلــك الهــدف‪ .‬فالبحريــة‬ ‫األمريكيــة أعلنــت منــذ أســابيع عــن حجزهــا لســفينة حتمــل تقنيــات‬ ‫عســكرية متجهــة إلــى احلوثــيني وقالــت إنهــا إيرانيــة‪ ،‬ومــع ذلــك لــم‬ ‫يتــم اتخــاذ أي إجــراء بشــأنها‪ .‬فهنــاك تأكيــد ورســائل متبادلــة مــا بني‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫الطــرفني علــى عــدم الرغبــة أو الدافــع لالجنــرار يف صــدام عســكري‬ ‫مباشــر‪ ،‬ومــع ذلــك فــإن إيــران لــم تؤثــر علــى احلوثــيني‪ ،‬وال احلوثــيني‬ ‫أوقــفوا هجماتــهم‪ ،‬وبالتاــلي فهــناك تــساؤل بــشأن اــلدور األمريــكي‪.‬‬ ‫*د‪ .‬أحمد أمل‪:‬‬ ‫هــذا اللقــاء فرصــة مهمــة للتوصــل لنتائــج مهمــة يف هــذه اللحظــة‬ ‫املعقــدة والتــي فرضتهــا الهجمــات احلوثيــة يف البحــر األحمــر يف وضــع‬ ‫شــديد الصعوبــة متــر بــه اجلهــة األخــرى مــن البحــر األحمــر ممثلــة‬ ‫يف الضفــة اإلفريقيــة املمتــدة مــن مصــر شــمااًلا وحتــى جيبوتــي ومنهــا‬ ‫إلــى أرض الصومــال ثــم الصومــال يف ســياق عــدد مــن املتغيــرات املهمــة‬ ‫التــي واكبــت تصاعــد التوتــرات األمنيــة يف البحر األحمــر‪ .‬أولها وأهمها‬ ‫علــى اإلطالق مــا شــهدناه مــن مذكــرة التفاهــم املوقعــة بني إثيوبيــا‬ ‫وأرض الصومــال‪ .‬املشــكلة يف هــذه املذكــرة ليســت مــا تفرضــه مــن‬ ‫حتديــات أو تغييــرات ســريعة علــى بنيــة األمــن اإلقليمــي يف املنطقــة‪،‬‬ ‫ولكــن كونهــا تؤكــد ً‬ ‫منًطــا متكـر ً​ًرا تقــوم بــه إثيوبيــا يف عهــد آبــي أحمــد‬ ‫مــن نقــل حالــة االســتقطاب مــن الداخــل إلــى اخلارج؛ إثيوبيــا متــر‬ ‫بأوضــاع داخليــة بالغــة الصعوبــة علــى املســتويني األمنــي والسياســي‬ ‫وســبق لهــا أَّنَ نقلــت صراعهــا الداخلــي خالل الفتــرة مــن ‪2022-2020‬‬ ‫م‪ ،‬إلــى دول اجلــوار‪ ،‬واألمــر قابــل للتكــرار يف املشــهد احلالــي‪ .‬ورمبــا‬ ‫مــا شــهدناه مــن تصاعــد التوتــرات مجــد ً​ًدا يف الصومــال بني أنصــار‬ ‫الوحــدة املؤمــنني بوحــدة الصومــال واملدعــومني دول�يـًا وأرض الصومــال‪،‬‬ ‫والتــي رغــم تواجــد بعــض املمثليــات الدبلوماســية لهــا لكنهــا ال حتظــى‬ ‫باعتــراف مــن قبــل أي دولــة علــى مســتوى العالــم‪ .‬تصديــر الصــراع‬ ‫الداخلــي إلــى دول الســاحل أمــر بالــغ األهميــة‪.‬‬ ‫النقطــة األخــرى التــي واكبــت الهجمــات احلوثيــة يف البحــر األحمــر‬ ‫هــي عــودة القرصنــة انطال ً​ًقــا مــن الســواحل الصوماليــة؛ فمنــذ نوفمبــر‬ ‫‪2023‬م‪ ،‬وحتــى اآلن كانــت هنــاك علــى األقــل أربــع هجمــات بــذات‬ ‫النمــط الــذي كان ســائًدًا أعــوام ‪ ،2009‬و‪ ،2010‬و‪2011‬م‪ ،‬ويف ظــل الســياق‬ ‫األمنــي القائــم حال ً​ًيــا مــا نخشــاه هــو أَّنَ يفتــح ذلــك اجملال لتنظيــم‬ ‫القاــعدة للقــيام بنــشاط بــحري ــساحلي‪.‬‬ ‫إن األوضــاع األمنيــة يف الصومــال هشــة للغايــة‪ ،‬وكافــة اجلهــود التــي‬ ‫ُ​ُقّدّ مــت يف العقــود املاضيــة لــم ُتُســفر عــن نتائــج حاســمة بشــأن‬ ‫القضــاء علــى اإلرهــاب؛ فتنظيــم القاعــدة وداعــش موجــودون هنــاك مــع‬ ‫اخــتالف القــدرات لصالــح القاعــدة مــن خالل فرعهــا هنــاك ممــثاًلا يف‬ ‫تنظيــم الشــباب‪ .‬الوضــع القائــم حال�يـًا يف القــرن اإلفريقــي يعنــي أَّنَ‬ ‫األمــور مرشــحة بالتأكيــد لتمــدد نشــاط حركــة الشــباب مــن املناطــق‬ ‫الداخليــة التــي كان نشــاطها محصــو ً​ًرا بهــا لعــدة شــهور لتتجــه نحــو‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫النقطــة األخــرى املهمــة هــي ضــرورة التحــرك املشــترك وتوحيــد الــرؤى‬ ‫بني البلديــن علــى املســتوى الثنائــي‪ .‬كمــا مت اقتراحــه مثــل الدوريــات‬ ‫العســكرية املشــتركة‪ ،‬وهنــاك تاريــخ مــن املنــاورات العســكرية املشــتركة‬ ‫التــي متــت بني البلديــن‪ ،‬أعتقــد أَّنَ هــذا التعــاون الثنائــي البــد مــن‬ ‫دعمــه‪ ،‬فمــن املهــم أَّنَ تكــون هنــاك رؤى مشــتركة وحتــرك مشــترك‬ ‫يف القضايــا األخــرى التــي هــي جــزء مــن منظومــة األمــن يف البحــر‬ ‫األحمــر والقــرن اإلفريقــي وليــس فقــط مســألة احلوثــيني‪ ،‬فاألوضــاع‬ ‫يف الســودان هــي غايــة يف األهميــة وتؤثــر علــى أمــن البحــر األحمــر‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وأيًضــا األوضــاع يف الصومــال‪ ،‬فهنــاك مســاحة لتوحيــد الــرؤى‬ ‫والتــحرك املــشترك‪.‬‬ ‫النقطــة األخــرى هــي أهميــة تفعيــل اإلطــار اإلقليمــي املوجــود بالفعــل‬ ‫واملرتبــط بالــدول العربيــة واإلفريقيــة املشــاطئة للبحــر األحمــر‪ ،‬فمصــر‬ ‫كان لديهــا أفــكار مبكــرة فيمــا يتعلــق بهــذا املوضــوع‪ ،‬واآلن هنــاك‬ ‫منظمــة أنشــئت مببــادرة ّ​ُّس ـ ُ​ُعودَّيّة لــذا مــن املهــم تفعيــل هــذا التجمــع‬ ‫يف اجلانــب األمنــي واجلانــب التنمــوي واالقتصــادي‪ ،‬وال ميكــن الفصــل‬ ‫بني األمريــن‪ .‬ومــن املهــم التعامــل بحــذر مــع أي مبــادرة قــد تــورط‬ ‫الــدول العربيــة يف االســتقطاب الصينــي ‪ /‬األمريكــي املتعلــق بالبحــار‬ ‫واملمــرات التجاريــة‪ .‬ولكــن ميكــن االســتفادة مــن األزمــة احلاليــة يف‬ ‫البحــر األحمــر بــأن يكــون هنــاك تعــاون دولــي مشــترك تكــون الــصني‬ ‫ً‬ ‫أيًضــا ج ـز ً​ًءا منــه مــع الواليــات املتحــدة‪.‬‬ ‫النقطــة األخيــرة أعيــد تكــرار مــا ذكــره الدكتــور عبــد العزيــز بــن صقــر‬ ‫والدكتــور صالــح اخلــثالن مــن أهميــة االبتعــاد بقــدر اإلمــكان عــن األداة‬ ‫العســكرية ويف نفــس الوقــت أهميــة التأكيــد علــى املبــادئ الدوليــة‬ ‫ومبــادئ القانــون الدولــي اخلاصــة بحريــة املالحــة وحريــة تدفــق‬ ‫التجــارة العامليــة‪ ،‬وأرحــب بفكــرة أَّنَ يكــون هنــاك دو ً​ًرا ملراكــز الفكــر‬ ‫يف دول البحــر األحمــر يف طــرح مجموعــة مــن األفــكار والــرؤى التــي‬ ‫تســاند صانــع القــرار فيمــا يتعلــق بالتحــرك يف منطقــة البحــر األحمــر‪.‬‬ ‫وــشك ً​ًرا ــجزياًلا ‪.‬‬ ‫*د‪ .‬دالل محمود‪:‬‬ ‫ســأركز يف مداخلتــي علــى اجلانــب األمنــي‪ ،‬واحلقيقــة أود أَّنَ أؤكــد‬ ‫أَّنَ جماعــة احلوثــي مُتمّثّــل تهديــًدًا كبيــ ً​ًرا مــن خالل األنشــطة التــي‬ ‫مُتم ارســها وعالقتهــا بإيــران ودورهــا يف تهديــد االســتقرار يف اليمــن‬ ‫ومنطقــة القــرن اإلفريقــي‪ .‬ويتمثــل التهديــد األول للحوثــيني يف أَّنَ‬ ‫األنشــطة التــي قامــت بهــا جماعــة احلوثــي مــن تهديــد املالحــة يف‬ ‫البحــر األحمــر وبالتالــي فهنــاك حاجــة للبحــث عــن آليــات جديــدة‪.‬‬ ‫التهديــد األخطــر مــن وجهــة نظــري هــي أَّنَ هنــاك مــا يشــبه االتفــاق‬ ‫أو التحالــف بني جماعــة احلوثــي وتنظيــم القاعــدة الــذي يســعى لعــودة‬

‫ندوة العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪15‬‬

‫دوره‪ ،‬وهــو مــا يعنــي توســع لألعمــال اإلرهابيــة‪ .‬ومعنــى ذلــك اســتخدام‬ ‫إيــران مــن خالل احلوثــي إلمكانيــات تنظيــم القاعــدة يف أماكــن أخــرى‬ ‫واســتخدام عناصــره يف القتــال‪ ،‬وهــذا الــكالم ليــس محــض شــائعات‪،‬‬ ‫دعونــا نوضــح أَّنَ خليفــة «أميــن الظواهــري» وهــو «ســيف العــدل» ابنــه‬ ‫هــو املســؤول عــن فــرع القاعــدة يف اليمــن‪ ،‬وبعــض عناصــر القاعــدة‬ ‫أنفســهم أعلنــوا عــن وجــود مثــل هــذا االتفــاق‪ ،‬وُنُشــرت الكثيــر مــن‬ ‫األخبــار عــن أَّنَ عناصــر القاعــدة تســاعد احلوثــي يف أماكنهــم ويف‬ ‫العمليــات التــي يقومــون بهــا‪ .‬ومــا يهمنــا يف هــذا الشــأن ســرعة العمــل‬ ‫لتحجيــم هــذا التحــدي‪ .‬ومــع تثــمني العمــل يف اجملال الدبلوماســي‪،‬‬ ‫لكــن البــد مــن التــدخالت األمنيــة‪ .‬لذلــك مــن املهــم اإلشــارة إلــى ثالث‬ ‫نقــاط‪ ،‬لإلطــار اإلقليمــي ومجلــس الــدول العربيــة واإلفريقيــة املطلــة‬ ‫علــى البحــر األحمــر وخليــج عــدن‪ ،‬وهــذا اجمللــس لديــه األســاس‬ ‫القانونــي واألســاس التنظيمــي‪ ،‬لكــن هنــاك تأخيــر يف تفعيــل العمــل‬ ‫يف اجمللــس‪ ،‬لــذا مــن املهــم حتديــد املعوقــات ومواجهتهــا بجديــة وهــو‬ ‫أمــر يقــع علــى عاتــق الدولــتني األكبــر مثلمــا أشــرمت حضراتكــم وهمــا‬ ‫مــصر والُّسـ ـ ُُّعودَّيّة‪.‬‬ ‫األمــر الثانــي‪ ،‬متعلــق بقــوة املهــام املشــتركة القــوة ‪ 153‬والتــي لــم يتــم‬ ‫تفعيلهــا يف مواجهــة تهديــد جماعــة احلوثــي‪ ،‬حيــث كانــت الضربــات‬ ‫أمريكيــة ‪ /‬بريطانيــة‪ ،‬بينمــا القــوة ‪ 153‬وتشــارك بهــا كل مــن مصــر‬ ‫واململــكة العربــية الُّسـ ـ ُُّعودَّيّة واألردن ــلم تفــعل‪.‬‬ ‫وفيمــا يتعلــق باالتفــاق بني إثيوبيــا وأرض الصومــال‪ .‬أعتقــد أَّنَ احلــل‬ ‫يكــون بإســقاط مشــروعية دولــة أرض الصومــال‪ ،‬فهنــاك بعــض الــدول‬ ‫التــي اعترفــت بهــا دولــة‪ ،‬وبالتالــي مــن املهــم ســحب هــذا االعتــراف‬ ‫مــن خالل التواصــل الدبلوماســي مــع الــدول التــي اعترفــت بــأرض‬ ‫الصومــال ممــا ســيؤدي إلــى إضعــاف مشــروعات أرض الصومــال وهــي‬ ‫يف احلقيقــة ليســت دولــة ومــن املهــم إلغــاء أي اتفــاق مت إبرامــه معهــا‬ ‫للبحــث عــن وجــود يف القــرن اإلفريقــي‪.‬‬ ‫*د‪ .‬هدى رؤوف‪:‬‬ ‫بحكــم تخصصــي يف امللــف اإليرانــي فأنــا أؤكــد علــى كل املــداخالت‬ ‫التــي متــت وأتفــق معهــا جمي ً​ًعــا‪ .‬لكــن أود أَّنَ أؤكــد علــى أَّنَ العالقــة‬ ‫بني إيــران واحلوثــيني وبني مــا يحــدث يف غــزة هــو مرتبــط بالسياســة‬ ‫اإلقليميــة إليــران وطموحــات التوســع اإليرانــي والــذي نقلتــه مــن دول‬ ‫الصــراع يف املنطقــة إلــى مســرح جديــد وهــو البحــر األحمــر‪ ،‬التــي تعـّدّ‬ ‫ج ـز ً​ًءا مــن فكــرة املمــرات املائيــة املهمــة بالنســبة للسياســة اإليرانيــة‪.‬‬ ‫ومــا يحــدث يف البحــر األحمــر هــو عكــس االدعــاء املرتبــط بدعــم‬ ‫غــزة أو حمــاس لكنــه مرتبــط بثالثــة أهــداف إيرانيــة يف تصــوري‬ ‫هــي‪ :‬توســيع سياســة إيــران البحريــة مبعنــى أَّنَ إيــران تريــد اتبــاع‬


‫‪14‬‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫ندوة العدد‬

‫يف غــزة انعكاســاته علــى األمــن يف البحــر األحمــر؛ ألن مــا يجــري اآلن‬ ‫واحلديــث عــن مســتقبل التســوية‪ ،‬وقــد ال أضيــف جديـًدًا‪ ،‬لكــن ممكــن‬ ‫القــول إَّنَ إيــران تــرى أَّنَ األطــراف التــي ســتجلس علــى مائــدة التفــاوض‬ ‫لــن يكــون مــن بينهــا إيــران‪ ،‬وبالتالــي فهــي تســعى ألن يكــون لهــا دور‬ ‫فيمــا يتــم مــن ترتيبــات مســتقبلية يف غــزة‪ .‬وهــذا مــا يطــرح الكثيــر مــن‬ ‫عالــمات االــستفهام ــحول حرــكة إــيران خالل الفــترة القادــمة‪.‬‬ ‫*د‪ .‬محمد كمال‪:‬‬ ‫الُّســ ُ​ُعودَّيّة ليــس علــى‬ ‫أريــد أن أبــدأ بأهميــة الشــراكة املصريــة ‪ّ /‬‬ ‫املســتوى الثنائــي فحســب‪ ،‬ولكــن ً‬ ‫أيًضــا علــى املســتوى اإلقليمــي‪ .‬أنــا‬ ‫أحتــدث عــن املســتوى اإلقليمــي يف اإلطــار العربــي أو يف إطــار البحــر‬ ‫األحــمر‪.‬‬ ‫يف احلقيقــة عندمــا نتحــدث عــن أي تطويــر ألي نطــاق إقليمــي يف‬ ‫العالــم مبــا يف ذلــك االحتــاد األوروبــي جنــد دائمــا أنــه كانــت هنــاك‬ ‫شــراكة بني دولــتني أو أكثــر ومــن ذلــك الشــراكة بني أملانيــا وفرنســا يف‬ ‫حالــة االحتــاد األوروبــي لذلــك أعتقــد أنــه يف إطــار النظــام اإلقليمــي‬ ‫العربــي أو أي نظــام إقليمــي مقتــرح يف منطقــة البحــر األحمــر البــد‬ ‫أَّنَ يســتند إلــى شــراكة مصريــة ‪ُّ​ّ /‬س ـ ُ​ُعودَّيّة وقيــادة مصريــة ّ​ُّس ـ ُ​ُعودَّيّة‬ ‫مــشتركة‪ ،‬ــهذه ــهي النقــطة األوــلى‪.‬‬ ‫النقطــة الثانيــة‪ ،‬هــي أَّنَ موضــوع أمــن البحــر األحمــر يطــرح قضيــة‬ ‫اســتراتيجية كبــرى وهــي عــودة االهتمــام مــرة أخــرى بالبحــار‪ .‬فالفكــر‬ ‫االســتراتيجي العالـمي ركــز لفتــرة طويلــة علــى االســتحواذ علــى األرض‪،‬‬ ‫واآلن االهتمــام بالبحــار‪ ،‬فنجــد العديــد مــن دول العالــم لديهــا اآلن مــا‬ ‫ُيُســمى باســتراتيجية بحريــة‪ .‬ولــم يعــد األمــر مقصــو ً​ًرا علــى الــدول‬ ‫الكبــرى‪ ،‬فهنــاك قــوى إقليميــة مثــل تركيــا وغيرهــا لديهــا اســتراتيجية‬ ‫بحريــة‪ .‬وهــذا يعنــي أَّنَ مصــر ودول اخلليــج عليهــا التفكيــر ً‬ ‫أيًضــا يف‬ ‫أَّنَ يكــون هنــاك اســتراتيجية بحريــة للــدول العربيــة اخملتلفــة وهــذه‬ ‫االســتراتيجية ال تقتصــر علــى اجلوانــب األمنيــة ولكــن اجلوانــب‬ ‫التنموــية أيًضـ ـًا‪.‬‬ ‫كمــا أنــه علــى املســتوى العاملــي هنــاك حاجــة لبلــورة أنظمــة إقليميــة‬ ‫بحريــة‪ ،‬ورمبــا أهمهــا مــا تشــهده منطقــة احمليــط الهــادي والهنــدي‪،‬‬ ‫وهــناك محاوــلة طموــحة أيًضـ ـًا يف منطــقة ــشرق املتوــسط‪.‬‬ ‫مــا أريــد التأكيــد عليــه أَّنَ األنظمــة البحريــة الكبــرى وخاصــة يف‬ ‫منطقــة اإلنــدو باســيفيك أو احمليــطني الهــادي والهنــدي ال ميكــن‬ ‫فصلهــا عمــا يحــدث يف منطقــة البحــر األحمــر؛ وال ميكــن فصــل‬ ‫مــا يحــدث يف احمليــطني الهــادي والهنــدي عــن احمليــط األطلنطــي‪،‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫والراــبط بينــهم ــمن الناحــية اجلغرافــية ــهو البــحر األحــمر‪.‬‬ ‫بالتأكيــد هنــاك درجــة متزايــدة مــن التنافــس واالســتقطاب الدولــي‬ ‫وخاصــة بني أمريــكا والــصني فيمــا يتعلــق بالبحــار‪ ،‬خاصــة يف بحــر‬ ‫الــصني اجلنوبــي‪ ،‬ومــع ذلــك توجــد ً‬ ‫أيًضــا فرصة للتعــاون الدولي‪ .‬ورمبا‬ ‫أزمــة البحــر األحمــر جعلــت الــصني تعيــد النظــر يف بعــض حتركاتهــا‬ ‫الدبلوماســية‪ ،‬ويجــري حديــث صينــي عــن الضــرر االقتصــادي الــذي‬ ‫تتعــرض لــه نتيجــة إلعاقــة حركــة التجــارة العامليــة‪ ،‬وأعتقــد أَّنَ هــذا‬ ‫أيًضـ ـًا مُيم ـثـّل فرــصة للتــعاون بني أمرــيكا واــلصني يف ــهذه املنطــقة‪.‬‬ ‫ولــو أضفنــا ً‬ ‫أيًضــا منطقــة القــرن اإلفريقــي‪ ،‬فحتــى قبــل هجمــات‬ ‫احلوثــيني شــهدت منطقــة القــرن اإلفريقــي عســكرة مــع وجــود بحــري‬ ‫دولــي مكثــف وقواعــد عســكرية‪ .‬لكــن طب ً​ًعــا التطــور الــذي بدأنــا‬ ‫نشــهده يف الســنوات األخيــرة هــو دخــول أطــراف إقليميــة ال تنتمــي‬ ‫جغراف�يـًا إلــى منطقــة البحــر األحمــر أو منطقــة القــرن اإلفريقــي وذلــك‬ ‫بهــدف احلصــول علــى نفــوذ يف هــاتني املنطقــتني‪ ،‬وطب ً​ًعــا إيــران هــي‬ ‫النمــوذج الواضــح‪.‬‬ ‫احلقيقــة متــت اإلشــارة ً‬ ‫أيًضــا للصلــة بني أمــن البحر األحمــر والقضية‬ ‫الفلســطينية ومــا يحــدث يف غــزة‪ .‬وبالتأكيــد ال توجــد أســباب منطقيــة‬ ‫ُتُســاند هــذا الربــط‪ ،‬ولكــن الربــط موجــود علــى األقــل علــى مســتوى‬ ‫اإلدراك لــدى قطاعــات كبيــرة مــن الــرأي العــام العربــي‪ ،‬وهــذا بالتأكيــد‬ ‫يقيــد احلركــة ويضــع عليهــا‪ .‬يف تقديــري ميكــن أَّنَ يتحــول ذلــك إلــى‬ ‫فرصــة مــن خالل اجلهــود التــي تبذلهــا مصــر واململكــة العربيــة‬ ‫الُّسـ ُ​ُعودَّيّة للتهدئــة والوصــول إلــى هدنــة يف غــزة واالنــطالق منهــا بعــد‬ ‫ّ‬ ‫ذــلك إــلى ــحل الدوــلتني‪.‬‬ ‫والُّس ـ ُ​ُعودَّيّة يف ظــل‬ ‫مت التأكيــد علــى أهميــة البحــر األحمــر ملصــر ّ‬ ‫الســواحل الطويلــة للدولــتني علــى البحــر األحمــر‪ ،‬وُيُضــاف لذلــك‬ ‫موضــوع قنــاة الســويس بالنســبة ملصــر‪ ،‬حيــث تأثــرت عائــدات قنــاة‬ ‫الســويس نتيجــة لهجمــات احلوثــيني‪ .‬لكــن النقطــة األخــرى املهمــة‬ ‫للُّســ ُ​ُعودَّيّة ً‬ ‫أيًضــا؛ فهنــاك توجــه يف‬ ‫بالنســبة ملصــر وهــي مهمــة ّ‬ ‫الدولــتني نحــو البنــاء والتنميــة واإلصالح يف الداخــل‪ ،‬وبالتالــي مــا‬ ‫يحــدث يف البحــر األحمــر هــو مبثابــة ‪ destruction‬حيــث يقلــل‬ ‫مــن االهتمــام والتركيــز فيمــا يتعلــق بقضايــا التنميــة وبالتالــي يؤثــر‬ ‫بالتأكيــد علــى خطــط االســتثمار يف العديــد مــن اجملاالت‪ .‬إذن مــا‬ ‫الُّس ـ ُ​ُعودَّيّة‪ .‬اعتقــد‬ ‫الــذي ميكــن أَّنَ تقــوم بــه مصــر واململكــة العربيــة ّ‬ ‫مــرة أخــرى أنــه مــن املهــم التحــرك بفاعليــة لفــك االرتبــاط بني البحــر‬ ‫األحمــر والقضيــة الفلســطينية مــن خالل اجلهــود الدبلوماســية‬ ‫الُّسـ ُ​ُعودَّيّة للتهدئــة ووضــع القضيــة الفلســطينية علــى مســار‬ ‫املصريــة ّ‬ ‫حــل الدولــتني‪.‬‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫ندوة العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪13‬‬

‫ألن تكــون قــوى إقليميــة عظمــى وبالتحديــد منــذ ثــورة اخلمينــي عــام‬ ‫‪1979‬م‪ ،‬ومبــدأ تصديــر الثــورة اإلسالميــة الــذي حتــول مــن تصديــر‬ ‫الفكــر الشــيعي إلــى توســيع النفــوذ العســكري والسياســي باملنطقــة‪،‬‬ ‫حيــث بــدأت إيــران يف االعتمــاد علــى األذرع التابعــة لهــا؛ لتتولــى مــن‬ ‫خاللهــا تنفيــذ أهدافهــا دون أَّنَ تتــورط بصــورة مباشــرة‪ .‬ومــن هنــا كان‬ ‫الوجــود اإليرانــي يف لبنــان‪ ،‬ثــم الوجــود اإليرانــي يف ســوريا والعــراق‪،‬‬ ‫والوــجود اإليراــني يف اليــمن‪.‬‬

‫بــن صقــر‪ ،‬ملاذا لــم تذهــب الواليــات املتحــدة جمللــس األمــن؟ وملاذا‬ ‫لــم ُتُطالــب بوضــع احلوثــي حتــت الفصــل الســابع؟ ملاذا لــم يتحــرك‬ ‫اجمللــس كقــوى مشــتركة؟ ملاذا رفضــت القــوى الغربيــة االنضمــام إلــى‬ ‫«حــارس االزدهــار»‪ .‬وهنــا ميكــن القــول أَّنَ تلــك الــدول رأت أَّنَ الهــدف‬ ‫ليــس هــو ضمــان املالحــة‪ .‬وبالتالــي جــاء االحتــاد األوروبــي ليضمــن‬ ‫حريــة مالحــة الســفن اخلاصــة بــه‪ ،‬كمــا أرســلت فرنســا قطــع بحريــة‬ ‫لــهذا الــهدف وكذــلك إيطالــيا‪.‬‬

‫أمــا عــن أهميــة الوجــود اإليرانــي يف اليمــن فهــو يرتبــط بعــدد مــن‬ ‫العناصــر؛ أول هــذه العناصــر هــي أَّنَ اليمــن كان بهــا قــوات مســلحة‬ ‫قويــة وكان هنــاك تســليح مهــم للجيــش اليمنــي قبــل ســقوط النظــام‬ ‫الســابق‪ ،‬فاجليش اليمني كان ميتلك صواريخ كروز‪ ،‬وكان يشــهد بداية‬ ‫عمليــة تصنيــع عســكري واعــدة ثــم جــاء احلوثيــون واســتولوا علــى كافــة‬ ‫القطاعــات‪ .‬وهنــاك تقاريــر للمخابــرات العســكرية األمريكيــة رصــدت‬ ‫كــم األســلحة التــي وفرتهــا إيــران للحوثــيني والتــي فاقــت وضاعفــت‬ ‫كــم األســلحة التــي وفرتهــا إيــران حلــزب اهلل‪ .‬كمــا جنحــت إيــران يف‬ ‫جعــل احلوثــيني يف اليمــن أحــد أذرعهــا يف املنطقــة لتثبيــت نفوذهــا‬ ‫يف البــحر األحــمر‪.‬‬ ‫النظريــة االســتراتيجية البحريــة إليــران ترتكــز علــى عناصــر مــن‬ ‫بينهــا أَّنَ يكــون هنــاك وجــود إليــران يف البحــار املطلــة علــى املنطقــة‪،‬‬ ‫وتوجــد تصريحــات لقائــد البحريــة يف احلــرس الثــوري اإليرانــي مؤخـ ً​ًرا‬ ‫قــال فيهــا إَّنَ أســاطيرنا موجــودة وســنكون موجوديــن حتــى يف البحــر‬ ‫املتوســط‪ .‬كمــا أعلــن عــن تشــكيل وحــدة «باســيج» بحريــة مشــي ً​ًرا إلــى‬ ‫أَّنَ األســاطيل اإليرانيــة موجــودة يف احمليــط الهنــدي ويف اخلليــج‪ .‬وهنــا‬ ‫إذا لــم ينجــح احلــرس الثــوري يف تعطيــل املالحــة يف مضيــق هرمــز‬ ‫بســبب الوجــود الدولــي العســكري الكبيــر هنــاك‪ ،‬فيمكنــه تعطيــل‬ ‫املالــحة يف البــحر األحــمر‪.‬‬

‫هنــاك عالمــة اســتفهام كبيــرة علــى املوقــف األمريكــي بهــذا الشــأن؛‬ ‫حيــث تســمح إليــران باالســتمرار يف سياســتها‪ .‬واحلديــث عــن أَّنَ‬ ‫احلوثــي ُيُشــارك يف معركــة غــزة فهــذا هــو الطــرح اإليرانــي حتــى ال‬ ‫يقــال أَّنَ إيــران خذلــت حمــاس‪ ،‬وأن وحــدة الســاحات قائمــة فضربــة‬ ‫مــن الفصائــل العراقيــة يف منطقــة صحراويــة وضربــة مــن احلوثــي‬ ‫علــى األراضــي املصريــة‪ ،‬ثــم ممارســات احلوثــي لتعطــل املالحــة يف‬ ‫قنــاة الســويس تــؤدي إلــى خســائر اقتصاديــة قــد تصيــب االقتصــادات‬ ‫األوروبيــة‪ .‬كمــا تهــدد مصالــح دول غربيــة يف منطقــة اخلليــج‪ .‬لكنهــا‬ ‫لــم تصــل للنهايــة‪ ،‬فاملباحثــات جتــرى وتتوقــف يف ســلطنة عمــان بشــأن‬ ‫برنامجهــا النــووي‪ ،‬كمــا أَّنَ األرصــدة اإليرانيــة يف قطــر مازالــت مجمدة‪،‬‬ ‫وبالتاــلي فــهي متــلك أوراًقـ ـًا لتحقــيق مكاــسب‪.‬‬

‫إيــران لديهــا اســتراتيجية واضحــة جـًدًا وهــي إعاقــة الهيمنــة األمريكيــة‬ ‫واألوروبيــة‪ ،‬وحــرص إيرانــي علــى عــدم الوصــول للصــدام مــع أمريــكا‪،‬‬ ‫ومــا زال هنــاك حــرص إيرانــي علــى ذلــك‪ ،‬ومــا حــدث يف العــراق حيــث‬ ‫مت ضــرب املقــرات يف تقديــري موقــف ينطــوي علــى نفــاق سياســي يف‬ ‫التعامــل مــع إيــران‪ .‬فالقــوات األمريكيــة نفــذت ‪ 180‬ضربــة يف العــراق‬ ‫وســوريا منــذ ‪ 7‬أكتوبــر ‪2023‬م‪ ،‬لكــن الضربــة املؤثــرة هــي التــي جــاءت‬ ‫يف البــرج ‪ 22‬بــاألردن وســقط فيــه قتلــى فتحركــت أمريــكا والغريــب‬ ‫أنــه مــا بني تنفيــذ الضربــة والــرد األمريكــي كانــت هنــاك ثالثــة‬ ‫أيــام حيــث ُأُخليــت فيهــا كل املنشــآت التابعــة للفصائــل التــي قامــت‬ ‫بالعمليــة‪ ،‬حيــث كانــت اخلســائر محــدودة‪ .‬ورغــم اتهــام إيــران فلــم‬ ‫تتخــذ الواليــات املتحــدة موقفهــا مــن إيــران‪ .‬هــذا النفــاق السياســي‬ ‫يظهــر ً‬ ‫أيًضــا يف التعامــل مــع احلوثــيني‪ ،‬كمــا قــال الدكتــور عبــد العزيــز‬

‫ويف تقديــري أن إيــران لــم تتراجــع عــن ســعيها للســيطرة يف اليمــن‪،‬‬ ‫فاحلوثــي يعــد القــوة األولــى يف األذرع اإليرانيــة يف املنطقــة بعــد حــزب‬ ‫اهلل خاصــة أَّنَ األخيــر اســتهلكته املعــارك التــي جــرت يف ســوريا‪ ،‬يف‬ ‫حني أَّنَ احلوثــي ال يــزال ميتلــك قــدرات عســكرية كبيــرة واألســلحة‬ ‫التــي وردت إليــه مــن إيــران لهــا تأثيــر كبيــر‪ .‬وال يــزال احلوثــي جــرح يف‬ ‫خاــصرة دول اخللــيج‪ ،‬كــما يــفرض تهدــيًدًا لالقتــصاد املــصري‪.‬‬ ‫الُّســ ُ​ُعودَّيّة بإقامــة نــوع‬ ‫نحــن مطالبــون كمصــر واململكــة العربيــة ّ‬ ‫مــن التحالــف يســبق حتالــف الــدول املشــاطئة للبحــر األحمــر‪ ،‬هــذا‬ ‫التحالــف القــوي الــذي أســميه ‪ :‬حتالــف الــدول الســاعية للتنميــة يف‬ ‫الُّسـ ُ​ُعودَّيّ األميــر محمــد‬ ‫إطــار املشــروع التنمــوي الطمــوح لولــي العهــد ّ‬ ‫بــن ســلمان يف البحــر األحمــر ومشــروع نيــوم‪ ،‬واحلــرص املصــري علــى‬ ‫اســتثمار اجلــزر املصريــة يف الســياحة‪ .‬هــذا هــو حتالــف الــدول التــي‬ ‫تســعى للتنميــة ويجــب أَّنَ حتصــن هــذه التنميــة بصــورة كبيــرة‪ .‬يلــي‬ ‫ذلــك ضــرورة أَّنَ يكــون هنــاك موق ً​ًفــا جماع�يـًا تســانده الــدول اخلليجيــة‬ ‫وُتُشــارك فيــه األردن والــدول التــي ترغــب يف ذلــك بهــدف ممارســة‬ ‫الضــغط عــلى إــيران لوــقف ممارــسات احلوــثي يف البــحر األحــمر‪.‬‬ ‫يف اعتقــادي‪ ،‬األزمــة يف البحــر األحمــر ســوف تظــل مشــتعلة طــاملا‬ ‫بقيــت أزمــة غــزة قائمــة علــى مــا هــي عليــه‪ ،‬وســيكون النتهــاء احلــرب‬


‫‪12‬‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫ندوة العدد‬

‫مشــتركة أو تبــادل معلومــات اســتخباراتية أو رصــد مبكــر جندهــا‬ ‫مرتبطــة باملتغيــر اجلديــد املهــدد لألمــن وبنــا ً​ًء علــى ذلــك نحــن أمــام‬ ‫مســارين‪ ،‬األول أن تتحــول الهدنــة الراهنــة إلــى سالم ويعــود يف اليمــن‬ ‫وتصبــح مصلحــة وطنيــة جلميــع مكونــات اليمــن مبعنــى أن يتحــرك‬ ‫احلوثــي خارج�يـًا وفــق مصلحــة اليمــن الوطنيــة وهنــا يكــون جـز ً​ًءا مــن‬ ‫الترتيبــات األمنيــة ويصبــح شــري ً​ًكا يف أي ترتيبــات حلمايــة األمــن يف‬ ‫البحــر األحمــر لكــن ال يوجــد مؤشــرات علــى حتقيــق ذلــك‪ .‬أو أن يبقــى‬ ‫احلوثــي مســتم ً​ًرا يف مواقفــه ويكــون منطل ً​ًقــا لالســتراتيجية اإليرانيــة‬ ‫‪ ،‬فمــن يتابــع ســلوك احلوثــي منــذ اســتيالئه علــى الســلطة يف اليمــن‬ ‫أــنه ــهو ــجزء ــمن اــستراتيجية إــيران ويــبدو أــنه مــستمر يف ذــلك‪.‬‬ ‫املســألة الثانيــة‪ ،‬هــي نظرتنــا للبعــد الدولــي ‪ ،‬تقليد�يـًا كنــا ننظــر للبعــد‬ ‫الدولــي أنــه ســبب ومصــدر للتهديــد يف األحمــر بســبب التنافــس‬ ‫ســوا ً​ًء أثنــاء احلــرب البــاردة والتنافــس الســوفيتي ‪ /‬األمريكــي أو حتــى‬ ‫التنافس بني أمريكا والصني وروســيا اليوم ويف ظل ما تعيشــه املنطقة‬ ‫مــن ظــروف جنــد دول املنطقــة حريصــة علــى املعاجلــة الدبلوماســية‬ ‫لألزمــة‪ ،‬وعليــه البــد مــن دور دولــي إيجابــي‪ ،‬لكــن التحــركات احلاليــة‬ ‫و تشــكيل مــا يســمى حــارس االزدهــار أو غيــره بحاجــة إلــى إعــادة‬ ‫النظــر فلــم يعــد التنافــس الدولــي مصــدر تهديــد لألمــن‪ ،‬بــل قــد يكــون‬ ‫مصــد ً​ًرا لألمــن واالســتقرار يف ظــل تهديــدات ميليشــيات احلوثــي‬ ‫وهنــاك مــن يقــول إن الواليــات املتحــدة تريــد عســكرة البحــر األحمــر‬ ‫فلــم جنــد قبــل ذلــك أي حتــركات أمريكيــة يف البحــر األحمــر لــذا مهــم‬ ‫ج ـًدًا إعــادة النظــر يف البعــد الدولــي‪.‬‬ ‫املســألة الرابعــة‪ ،‬تتعلــق بســردية مــا يحــدث مــن جماعــة احلوثــي‬ ‫التــي تــرى أن مــا يحــدث هــو رد فعــل أنهــا تســاند الشــعب الفلســطيني‬ ‫وأن مــا يحــدث يف غــزة جرميــة إبــادة يوظفهــا احلوثــي وكذلــك القــوى‬ ‫املرتبطــة بــه‪.‬‬ ‫وأقترح مجموعة من التوصيات‪:‬‬ ‫التوصيــة األولــى‪ ،‬املنطقــة بحاجــه إلــى تعــاون ثنائــي بني أهــم دولــتني‬ ‫يف املنطقــة وهمــا مصــر واململكــة العربيــة الســعودية ومــن املكــن‬ ‫أن يــؤدي هــذا التعــاون إلــى تســيير دوريــات مشــتركة وتبــادل يعنــي‬ ‫معلوــمات اــستخبارية ورــصد مبــكر وغــير ذــلك‪.‬‬ ‫التوصيــة الثانيــة‪ ،‬أمتنــى أن يطلــق مركــز اخلليــج لألبحــاث واملركــز‬ ‫املصــري للفكــر والدراســات االســتراتيجية منتــدى إقليمــي ألمــن البحــر‬ ‫األحمــر ‪ ،‬منتــدى أكادميــي يكــون منصــة للتشــاور وطــرح األفــكار‬ ‫ويســاعد صانــع القــرار ‪ ،‬خاصــة أن املنطقــة بحاجــة إلــى تشــخيص‬ ‫دقيــق‪ ،‬وإذا لــم نقــوم بتشــخيص طبيعــة اخملاطــر والتهديــدات ال نعــرف‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫املعاجلــة ووضــع احللــول املناســبة‪ ،‬وأعتقــد وجــود مثــل هــذا املنتــدى‬ ‫ــقد تــكون بدايــته ــهذه احللــقة النقاــشية الــتي نــشارك فيــها اآلن‪.‬‬ ‫* اللواء محمد إبراهيم‪:‬‬ ‫وعقــب اللــواء محمــد إبراهيــم الدويــري نائــب مديــر املركــز املصــري‬ ‫بالشــكر للدكتــور عبــد العزيــز بــن صقــر رئيــس مركــز اخلليــج لألبحاث‬ ‫‪ ،‬معل�نـًا أنــه حتــدث عــن حقائــق مهمــة جـًدًا عــن واقــع قضيــة األمــن‬ ‫يف البحــر األحمــر وحقيقــة املوقــف اإليرانــي ‪ /‬األمريكــي‪ ،‬وأن‬ ‫التحــرك األمريكــي جــاء عندمــا تعــرض أمــن إســرائيل للخطــر فقــط‪،‬‬ ‫وأن واشــنطن لــم حتــرك ســاكًنًا مــن قبــل جتــاه أخطــار احلوثــيني‪،‬‬ ‫والشــكر لألســتاذ الدكتــور صالــح اخلــثالن وأكــد اتفاقــه مــع توصيفــه‬ ‫لتهديــدات أمــن البحــر األحمــر ومــع التوصيــات املقترحــة وأكــد علــى‬ ‫أهميــة إطالق منتــدى أكادميــي مــن جانــب مركــز اخلليــج لألبحــاث‬ ‫واملركــز املصــري للفكــر والدراســات االســتراتيجية‪ ،‬وأضــاف أنــه يجــب‬ ‫أن نســتغل الزخــم احلالــي يف حــل الصــراع العربــي ‪ /‬اإلســرائيلي ألن‬ ‫ــهذا الــصراع ــهو أــساس ــعدم االــستقرار يف املنطــقة‪.‬‬ ‫*د‪ .‬محمد مجاهد الزيات‪:‬‬ ‫وحتــدث الدكتــور محمــد مجاهــد الزيــات املستشــار األكادميــي للمركــز‬ ‫املــصري للفــكر والدراــسات االــستراتيجية‪ ،‬وــجاء يف حديــثه‪:‬‬ ‫النقطــة األولــى‪ :‬دعونــي أوضــح أن أمــن البحــر األحمــر ليــس شــأًناً‬ ‫للــدول املشــاطئة فحســب‪ ،‬ولكنــه يتســع ليشــمل الــدول ذات النفــوذ‬ ‫والتــي تســعى ألن يكــون لهــا نفــوذ‪ ،‬وكذلــك الــدول التــي لديهــا مصالــح‬ ‫عــلى املــستوى العاملـمي‪.‬‬ ‫والنقطــة الثانيــة‪ ،‬هــي أَّنَ األمــن يف البحــر األحمــر كمفهــوم‬ ‫جيوسياســي يرتبــط بصــورة كبيــرة باألمــن العربــي واألمــن اخلليجــي‪،‬‬ ‫الُّس ـ ُ​ُعودَّيّ واملصــري‪ .‬فعلــى‬ ‫وبصــورة مباشــرة بــكل مــن األمــن القومــي ّ‬ ‫للُّس ـ ُ​ُعودَّيّة كمــا‬ ‫ســبيل املثــال فــإن ‪ %40‬مــن شــواطئ البحــر األحمــر ّ‬ ‫ث‬ ‫مُتم�ـّل الشــواطئ املصريــة ‪ %26‬مــن شــواطئ البحــر األحمــر‪ ،‬وبالتالــي‬ ‫فهمــا أكبــر دولــتني لهمــا مصالــح يف البحــر األحمــر‪ ،‬ومعنيتــان متا ً​ًمــا‬ ‫بتحقــيق األــمن واالــستقرار يف البــحر األحــمر‪.‬‬ ‫قضيــة األمــن يف البحــر األحمــر مطروحــة منــذ ســنوات طويلــة‪،‬‬ ‫لكنهــا كانــت مقصــورة علــى التهديــدات املرتبطــة بالنزاعــات الداخليــة‬ ‫وحــوادث القرصنــة؛ لكــن اجلديــد كان منــذ ظهــور احلوثــيني عــام‬ ‫‪2015‬م‪ ،‬ودخــول إيــران لتكــون طر ً​ًفــا يف التأثيــر علــى األمــن يف البحــر‬ ‫األحمــر‪ .‬واحلديــث عــن الــدور اإليرانــي ال ميكــن قصــره علــى البحــر‬ ‫األحمــر ولكــن عــن الــدور اإليرانــي يف املنطقــة بكاملهــا فهــو كّلّ ال‬ ‫يتجــزأ؛ فهنــاك حــرص إيرانــي علــى أَّنَ تكــون طر ً​ًفــا أو أَّنَ تســعى‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫الطــرفني‪ ،‬واســتخدم احلوثيــون أحــداث غــزة كرســالة سياســية وســاعد‬ ‫علــى ذلــك أن إيــران تســتخدم اســتراتيجية حتريــك األذرع يف املنطقــة‬ ‫ومنهــا احلوثــي‪ ،‬و وجــدت إيــران فرصــة مهمــة يف هــذه املواجهــة‬ ‫وهــي‪ :‬أن تكلفــة هــذا النــوع مــن التهديــد ليســت عاليــة فهــي تســتخدم‬ ‫طائــرات بــدون طيــار وصواريــخ تقــوم بتصنيعهــا مــع اســتعداد احلوثــي‬ ‫لتنفيذهــا للعــودة للظهــور ولفــت أنظــار العالــم إليهــا‪ ،‬خاصــة أن‬ ‫احلــروب تعطــي الفرصــة للجماعــات اإلرهابيــة للظهــور كمــا حــدث‬ ‫يف حــرب أفغانســتان التــي أوجــدت تنظيــم القاعــدة‪ ،‬والغــزو األمريكــي‬ ‫للعــراق أوجــد تنظيــم داعــش‪ ،‬وحــرب غــزة أعطــت الفرصــة جلماعــة‬ ‫احلوثــي حيــث أرســلت إيــران صواريــخ ومســيرات لتســتخدمها جماعــة‬ ‫احلوثــي ضــد إســرائيل مباشــرة أو يف الهجــوم علــى الســفن التجاريــة‬ ‫يف البحــر األحمــر مــا جعــل أمريــكا تدعــو لتشــكيل (حتالــف االزدهــار)‬ ‫الــذي حتفظــت عليــه اململكــة العربيــة الســعودية كمــا حتفظــت بعــض‬ ‫الــدول التــي رفضــت أن تكــون طر ً​ًفــا مــن هــذا التحالــف وكانــت‬ ‫التحفــظات بــسبب ــعدة أــسباب منــها‪:‬‬ ‫* أواًلا ‪ ،‬قانــون البحــار الــذي صــدر عــام ‪1981‬م‪ ،‬واضــح ويقــر حريــة‬ ‫وسالمــة املالحــة وأمــن البحــار واملمــرات املائيــة وهــو صــادر بقــرار‬ ‫أممــي‪ ،‬وعليــه ملاذا ال نلجــأ إلــى مجلــس األمــن إلصــدار قــرار أممــي‬ ‫وليــس مبــادرة مــن دولــة واحــدة لتكويــن حتالــف رمبــا يكــون لــه تداعيات‬ ‫أخــرى مختلفــة‪.‬‬ ‫*ثان�يـًا‪ ،‬اململكــة ســعت منــذ فتــرة للهدنــة مــع احلوثــيني وحرصــت علــى‬ ‫مفاوضــات سياســية جــادة بني احلــوثني واحلكومــة الشــرعية اليمنيــة‬ ‫للوصــول إلــى وفــاق دائــم وحتقيــق مــا مت اإلعالن عنــه مــن خارطــة‬ ‫الطرــيق الــتي أعــلن عنــها املبــعوث األممـمي‪.‬‬ ‫*ثال ً​ًثــا‪ ،‬اململكــة تــرى أن احلــل الدبلوماســي هــو األســاس وليــس‬ ‫التصعيــد العســكري ألنهــا ال تريــد تصعيـًدًا عســكر ً​ًيا أكثــر يف املنطقــة‪.‬‬ ‫*راب ً​ًعــا‪ ،‬أمريــكا تريــد مشــاركة اململكــة إلضفــاء الشــرعية علــى‬ ‫عملياتهــا العســكرية‪ ،‬وهنــا تــرى اململكــة أن مســؤولية أمــن البحــر‬ ‫األحمــر هــي مســؤولية الــدول املتشــاطئة مــع ضــرورة العــودة إلــى‬ ‫قــرارات مجلــس األمــن ومنهــا القــرار الــذي نــص علــى عــدم متــكني‬ ‫احلوثــيني مــن احلصــول علــى أي أســلحة خارجيــة ولكــن لــم تلــق هــذه‬ ‫القــرارات أي اهتمــام‪ ،‬بينمــا عندمــا هــددت جماعــة احلوثــي إســرائيل‬ ‫ومصاحلهــا حتركــت الواليــات املتحــدة ‪ ،‬أي أن هــذا التحــرك جــاء‬ ‫ملصلحــة إســرائيل وليــس مصلحــة الــدول املتشــاطئة أو اجملاورة لليمــن‪،‬‬ ‫كمــا أن الضربــات التــي وجههــا حتالــف االزدهــار جــاءت علــى اســتحياء‬ ‫خلفــض القــدرات احلوثيــة وليــس الســتئصال هــذا اخلطــر ‪ ،‬ولألســف‬ ‫الشــديد حينمــا نواجــه اجلماعــات املســلحة غيــر احلكوميــة يكــون‬

‫ندوة العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪11‬‬

‫هنالــك تخــاذل دولــي كبيــر ‪ ،‬فهــذه كارثــة حقيقيــة ومعاييــر مزدوجــة‪،‬‬ ‫واآلن ال نعلــم قــدرة الضربــات البريطانيــة واألمريكيــة علــى تدميــر‬ ‫قــدرة احلوثــي فحســب مزاعــم اجلماعــة أنهــا متتلــك قــدرات تخزينيــة‬ ‫يف اجلبــال ولديهــا صواريــخ وقــدرات متكنهــا مــن اســتخدامها ضــد أي‬ ‫ــمكان وجتـجاه أي ــسفينة ‪.‬‬ ‫واحلقيقــة أن دول اجلــوار العربيــة والشــعب اليــمني نفســه هــم األكثــر‬ ‫تضــر ً​ًرا مــن عمليــات احلوثــي حيــث أن مصــر والســعودية واألردن‬ ‫تضــم جاليــات مينيــة كبيــرة فمصــر حتتضــن مــا يقــارب ‪ 2‬مليــون‬ ‫مينــي‪ ،‬ويف الســعودية مليــون و‪ 600‬ألــف مينــي وكذلــك األردن التــي‬ ‫حتتضــن جاليــة مينيــة كبيــرة‪ ،‬أي مــا يعنــي أن هــذه الضربــات تركــت‬ ‫تأثيــ ً​ًرا ســلب ً​ًيا علــى الشــعب اليمنــي نفســه لذلــك نتمنــى أن يســود‬ ‫املنطــق والعقــل وأن نــرى مفاهيــم مختلفــة خاصــة مــع وجــود مســارين‬ ‫لالســتراتيجية اإليرانيــة وهمــا االســتمرار يف املفاوضــات التــي متــت يف‬ ‫عمــان ســواء بني اجلانــب األمريكــي واحلوثــي أو بني اجلانــب األمريكــي‬ ‫و إيــران وقدمــت األخيــرة قائمــة طويلــة مــن املطالــب وقــد ال حتظــى‬ ‫بقبــول جميــع األطــراف لذلــك وجــدت أن هجمــات احلوثــي وحــزب اهلل‬ ‫أعطاهــا قــوة أكثــر ويف الوقــت نفســه فــإن إيــران أقــل الــدول تأثي ـ ً​ًرا‬ ‫بتداعــيات ــهذه الهجــمات‪.‬‬ ‫*د‪ .‬صالح اخلثالن‪:‬‬ ‫ومــن جهتــه قــال األســتاذ الدكتــور صالــح اخلــثالن ـــ مستشــار أول‬ ‫مبركــز اخلليــج لألبحــاث أنــه مــن منطلــق عنــوان حلقــة النقــاش (أمــن‬ ‫البحــر األحمــر والقــرن اإلفريقــي التحديــات واحللــول) ســأطرح أربــع‬ ‫مــسائل أظنــها يف غاــية األهمــية وانتــهي إــلى مجموــعة ــمن التوصيات‪.‬‬ ‫للمســألة األولــى‪ :‬هجمــات احلوثــي علــى الســفن التجاريــة يف البحــر‬ ‫األحمــر متثــل حتــول نوعــي يف مصــادر التهديــد لألمــن يف البحــر‬ ‫األحمــر و خليــج عــدن‪ ،‬فتقليد�يـًا كانــت مهــددات األمــن البحــري تنطلــق‬ ‫مــن التنافــس الدولــي وســعي إســرائيل إليجــاد مناطــق نفــوذ عبــر‬ ‫تواجــد عســكري يف البحــر األحمــر بإيجــاد قواعــد ســواء يف إثيوبيــا‪،‬‬ ‫أويف مناطــق أخــرى‪ ،‬لكــن اآلن انتقلنــا إلــى محــاوالت قــوى إقليميــة‬ ‫إليجــاد موطــئ قــدم يف البحــر األحمــر إضافــة إلــى القرصنــة‪ ،‬ولــم يكن‬ ‫يف وارد البــال أن نــرى أكبــر مصــدر تهديــد لألمــن يف البحــر األحمــر‬ ‫مــن ميليشــيا محليــة وكان غائــب عــن مقاربتنــا عندمــا نتحــدث عــن‬ ‫األمــن يف البحــر األحمــر‪ .‬ولــو قمنــا مبســح للدراســات والكتــب ورســائل‬ ‫املاجســتير والدكتــوراه ســنجدها دائ ً​ًمــا تتحــدث عــن البعــد الدولــي‬ ‫املصــدر األول للتهديــد وكذلــك احملاوالت اإلقليميــة‪ ،‬لكــن اليــوم‬ ‫نواجــه متغيــر وحتــول كبيــر ج ـًدًا يف مصــادر التهديــد لذلــك البــد أن‬ ‫يحــدث حتــول يف احلــل‪ ،‬وبــدون تغيــر يف املقاربــة ســيكون صعــب جـًدًا‬ ‫مواجهــة التهديــدات يف املســتقبل‪ ،‬مــثاًلا عندمــا نطــرح تســيير دوريــات‬


‫‪10‬‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫ندوة العدد‬

‫وــلم تتــحرك بجدــية يف هذــين امللفني‬ ‫ــــ توضيــح رغبــة إيــران يف الســعي إلــى الهيمنــة علــى املمــرات املائيــة‬ ‫واالنتقــال مــن مرحلــة تصديــر الثــورة والهيمنــة علــى األرض إلــى مرحلــة‬ ‫الهيمنــة علــى امليــاه‬ ‫ــــ هنــاك مخاطــر مزدوجــة علــى البحــر األحمــر مــن اجلهــتني اإلفريقيــة‬ ‫واآلســيوية ومصــدر التهديــد مــن إفريقيــا جماعــة الدعــم الســريع‬ ‫وتغلغــل إثيوبيــا يف أرض الصومــال ومــن اجلانــب اآلســيوي احلوثــيني‬ ‫وإيــران‬ ‫ــــ التأكيــد علــى ضــرورة إيقــاف حــرب غــزة وحــل القضيــة الفلســطينية‬ ‫وإقامــة الدولــتني إلســقاط عــودة ظهــور اجلماعــات اإلرهابيــة والتــذرع‬ ‫بالدفــاع عــن القضيــة الفلســطينية‪.‬‬ ‫*د‪ .‬عبد العزيز بن صقر‪:‬‬ ‫واســتهل احلديــث الدكتــور عبــد العزيــز بــن عثمــان بــن صقــر رئيــس‬ ‫مركــز اخلليــج لألبحــاث حــول الوضــع احلالــي يف البحــر األحمــر‬ ‫وشــرح التطــورات وأســبابها وقــدم رؤيــة استشــرافية ملعاجلــة األوضــاع‬ ‫يف ــهذه املنطــقة احليوــية ــمن العاــلم‪ ،‬وــقال‪:‬‬ ‫لقــد اشــتدت اخملاطــر يف البحــر األحمــر يف الســنوات العشــر األخيــرة‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫بعــد أن ســيطرت جماعــة احلوثــي علــى اليمــن‪ ،‬وكان يف الســابق قــد‬ ‫شــهد البحــر األحمــر عمليــات قرصنــة بحريــة وعملــت اململكــة ومصــر‬ ‫ودول أخــرى علــى مواجهــة هــذه القرصنــة‪ ،‬لكــن تغيــر الوضــع يف مــارس‬ ‫‪2015‬م‪ ،‬عندمــا اســتولت ميليشــيات احلوثــي علــى الســلطة يف صنعــاء‬ ‫وتغيــرت األوضــاع وتدخلــت إيــران التــي اســتفادت مــن الوضــع ودعمــت‬ ‫جماعــة احلوثــي كعادتهــا بالتعامــل مــع األذرع املســلحة التابعــة لهــا‬ ‫وليــس مــع الــدول مباشــرة ونتــج عــن ذلــك اعتــداءات علــى الســفن‬ ‫البحريــة بــزوارق مفخخــة وبالطائــرات بــدون طيــار‪ ،‬وســط تخــاذل‬ ‫وصمــت عالـمي لتجاهــل مصــدر التهديــدات واجلهــة التــي تقــف خلفهــا‬ ‫مــا جعــل إيــران تســتغل الفرصــة وتواجــدت بســفن لهــا أمــام الشــواطئ‬ ‫اليمنيــة للقيــام باإلمــداد وإرســال األســلحة و تدريــب عناصــر مــن‬ ‫جماعــة احلوثــي علــى العمليــات العســكرية األمــر الــذي ســمح إليــران‬ ‫وذراعهــا يف اليمــن أن تكــون الع ً​ًبــا يف البحــر األحمــر ‪ ،‬ثــم تطــور‬ ‫األمــر بعــد أحــداث غــزة التــي بــدأت يف ‪ 7‬أكتوبــر املاضــي وترتــب‬ ‫عليهــا مواجهــة إيرانيــة ‪ /‬إســرائيلية يف البحــر األحمــر وبحــر العــرب‬ ‫ويف مضيــق بــاب املنــدب ‪ ،‬حيــث يعتبــر املضيــق واجملــرى املالحــي يف‬ ‫البحــر األحمــر شــريان حيــوي إلســرائيل وميــر خاللــه ‪ %34‬مــن‬ ‫وارداتهــا ومــن ثــم أصبحــت هنــاك مواجهــة وحــرب اإلنابــة مــا بني‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫ندوة العدد‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪9‬‬

‫إطالق منتدى مركز الخليج لألبحاث والمركز المصري للفكر حول البحر األحمر‬

‫تعاون السعودية ومصر أهم حلقات تأمين‬ ‫البحر األحمر بمشاركة إقليمية ودولية‬ ‫أعد احللقة للنشر‪ :‬جمال أمني همام‬ ‫*د‪ .‬عبد العزيز بن صقر‪:‬‬ ‫‪ 4‬أســباب وراء رفــض الســعودية االنضمــام لـــ (حــارس االزدهــار)‬ ‫وصمــت العالــم جعــل إيــران تتواجــد يف البحــر األحمــر وإمــداد احلوثــي‬ ‫باألــسلحة والتدرــيب‬ ‫*د‪ .‬صالح اخلثالن‪:‬‬ ‫املنطقــة بحاجــه لتعــاون بني أهــم دولــتني وهمــا الســعودية ومصــر مــا‬ ‫يــؤدي لتســيير دوريــات مشــتركة وتبــادل معلومــات اســتخبارية ورصــد‬ ‫مبــكر‬ ‫*اللواء محمد إبراهيم الدويري‪:‬‬ ‫يجــب اســتغالل الزخــم احلالــي يف حــل الصــراع العربــي ‪ /‬اإلســرائيلي‬ ‫ألــنه ــهو أــساس ــعدم االــستقرار يف املنطــقة‬ ‫*د‪ .‬محمد مجاهد الزيات‪:‬‬ ‫عالمــة اســتفهام علــى موقــف أمريــكا للســماح إليــران باالســتمرار يف‬ ‫سياــستها ورواــية مــشاركة احلوــثي يف معرــكة ــغزة ــطرح إيراــني‬ ‫*د‪ .‬محمد كمال‪:‬‬ ‫ضــرورة تفعيــل اإلطــار اإلقليمــي بني الــدول املشــاطئة للبحــر األحمــر‬ ‫وعلــى الســعودية ومصــر وضــع اســتراتيجية بحريــة تتجــاوز األمــن إلــى‬ ‫التنمــية‬ ‫*د‪ .‬دالل محمود‪:‬‬ ‫يوجــد شــبه التحالــف بني احلوثــي وتنظيــم القاعــدة مــا يعنــي توســع‬ ‫األعــمال اإلرهابــية واــستخدام إــيران للقاــعدة ــمن خالل احلوــثي‬ ‫*د‪ .‬هدى رؤوف‪:‬‬ ‫تهــدف إيــران للتأثيــر علــى رؤيــة ‪ 2030‬الســعودية وحتقيــق نقلــة‬ ‫لالقتصــاد الســعودي والتأثيــر علــى االقتصــاد املصــري عبــر قنــاة‬ ‫الســويس‬ ‫*د‪ .‬أحمد أمل‪:‬‬ ‫اســتيالء الدعــم الســريع علــى الســاحل الســوداني يوجــد فاعــلني مــن‬ ‫غيــر الــدول يف اليمــن والســودان ويفــرض بنيــة أمنيــة مغايــرة يف البحــر‬ ‫األحمــر‬

‫نظــم مركــز اخلليــج لألبحــاث باململكــة العربيــة الســعودية‪ ،‬واملركــز‬ ‫املصــري للفكــر والدراســات االســتراتيجية بالقاهــرة حلقــة نقاشــية‬ ‫حــول (أمــن البحــر األحمــر‪ :‬التحديــات واحللــول بني املســؤولية‬ ‫اإلقليميــة واجملتمــع الدولــي) عبــر تقنيــة الــزوم يــوم اخلميــس ‪ 8‬فبرايــر‬ ‫‪2024‬م‪ ،‬وحتــدث فيهــا كل مــن الدكتــور عبــد العزيــز بــن صقــر رئيــس‬ ‫املركــز واألســتاذ الدكتــور صالــح بــن محمــد اخلــثالن مستشــار أول‬ ‫باملركــز (مــن مركــز اخلليــج لألبحــاث) ‪ ،‬وحتــدث مــن املركــز املصــري‬ ‫للفكــر كل مــن‪ :‬الدكتــور محمــد مجاهــد الزيــات املستشــار األكادميــي‬ ‫للمركــز‪ ،‬واألســتاذ الدكتــور محمــد كمــال عضــو الهيئــة االستشــارية‬ ‫للمركــز وأســتاذ العلــوم السياســية بجامعــة القاهــرة‪ ،‬وأدار احلــوار‬ ‫اللــواء محمــد إبراهيــم الدويــري نائــب مديــر عــام املركــز‪ ،‬وشــارك‬ ‫باملناقشــة واملــداخالت كل مــن الدكتــورة دالل محمــود رئيســة برنامــج‬ ‫األمــن والدفــاع باملركــز وأســتاذ العلــوم السياســية بجامعــة القاهــرة‪،‬‬ ‫والدكتــورة هــدى رؤوف رئيســة وحــدة الدراســات اإليرانيــة باملركــز‬ ‫‪ ،‬ومــدرس العلــوم السياســية‪ ،‬والدكتــور أحمــد أمــل رئيــس وحــدة‬ ‫الدراــسات اإلفريقــية باملرــكز وأــستاذ العــلوم السياــسية‪.‬‬ ‫وأوصت احللقة بعدة توصيات مهمة منها‪:‬‬ ‫ــــ التأكيــد علــى أهميــة التعــاون الســعودي ‪ /‬املصــري يف تــأمني البحــر‬ ‫األحمــر وأن يكــون التعــاون بني الدولــتني األكبــر علــى البحــر األحمــر‬ ‫ــنواة للتــعاون اإلقليــمي والدوــلي لتوفــير األــمن ملنطــقة البــحر األحــمر‪.‬‬ ‫ــــ االتفــاق علــى إطالق منتــدى دائــم بني مركــز اخلليــج لألبحــاث واملركز‬ ‫املصــري للفكــر والدراســات االســتراتيجية ملناقشــة كافــة القضايــا‬ ‫املتعلقــة مبنطقــة البحــر األحمــر مــن النواحــي األمنيــة والعســكرية‬ ‫واالقتصاديــة والبيئيــة وغيــر ذلــك‬ ‫ــــ التأكيــد علــى أن إيــران تســتخدم احلوثــيني ورقــة ضغــط للتعامــل بهــا‬ ‫مــع الواليــات املتحــدة األمريكيــة يف مفاوضــات أخــرى خاصــة باملصالــح‬ ‫الثنائية‬ ‫ــــ التأكيــد علــى أن الواليــات املتحــدة ال ترغــب يف ردع إيران أو احلوثيني‬


‫‪8‬‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫متابعات خليجية‬

‫الدولــة منــذ البدايــات‪ .‬ولــم تتوقــف هنــاك‪ ،‬بــل انتقلــت للهجــوم علــى‬ ‫هــذه التحديــات‪ .‬فشــكلت حملــة ضــد الفكــر الضــال وبــدأت باالنتقــال‬ ‫بالفكــر مــن اجلمــود إلــى االنفتــاح‪ .‬كمــا قامــت بحملــة عامليــة إعالميــة‬ ‫للدفــاع عــن اإلسالم وبيــان أن هــذا الديــن لــم ميكــن يوم ـًاً منغلق ـًاً أو‬ ‫إرهابيـًاً وإمنــا كان دائمـًاً يدعــو باحلكمــة واملوعظــة احلســنة وصداقــة‬ ‫الشــعوب‪.‬‬ ‫كمــا واجهــت أضــرار الهجــرة غيــر املشــروعة واخملــدرات وجتــارة‬ ‫الــسالح بتشــديد أمــن احلــدود األمــن الداخلــي وحتــصني الفــرد‬ ‫الســعودي علمي ـًاً ضــد هــذه اآلفــات‪ .‬وخارج�يـًا قامــت اململكــة بحملــة‬ ‫مــن املســاعدات اإلنســانية التــي تخفــف آالم الفقــر والضعــف يف الــدول‬ ‫الفقيــرة للمســاهمة يف منــع األفــراد مــن االنحــراف ومســاعدتهم علــى‬ ‫تطويــر أنفســهم قــدر اإلمــكان‪.‬‬ ‫ومــا جــاءت أفــكار اإلسالم السياســي وظهــور الربيــع العربــي الــذي هوى‬ ‫بعــدد مــن الــدول مــن الغنــى إلــى الفقــر ومــن األمــن واالســتقرار إلــى‬ ‫اخلــوف والقنــوط‪ ،‬كانــت اململكــة تبنــى بخطــى ثابتــة وتقــف كالصخــرة‬ ‫الشــامخة ضــد كل مــن تســول لــه نفســه العبــث بإجنــازات هــذا الوطــن‬ ‫والــذي مت حتقيقــه خالل ثالثــة قــرون مــن الصفــر إلــى مــا وصلــت‬ ‫عليــه مــن تقــدم وازدهــار‪.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫األعــوام املقبلــة‪ .‬كمــا أن االقتصــاد اجلديــد القائــم علــى تنويــع اإلنتــاج‬ ‫والصــادرات‪ ،‬قــد فتــح اجملال أمــام املــرأة الســعودية القتحــام ســوق‬ ‫العمــل ممــا ســاهم إلــى حــد كبيــر يف حتقيــق برامــج ســعودة ســوق‬ ‫العمــل وفتــح اجملال لــكل الســعوديات والســعوديني للعمــل يف جميــع‬ ‫أنــواع ومراحــل اإلنتــاج الوطنــي‪.‬‬ ‫أمــا علــى الصعيــد اخلارجــي فقــد عمــدت اململكــة إلــى سياســة "‬ ‫تصفيــر املشــاكل" فأعــادت العالقــات مــع إيــران وفســحت اجملال‬ ‫للتفــاوض مــع اليمــن وكل دول اجلــوار مــن أجــل حــل كل املســائل‬ ‫اإلقليميــة بالوســائل الســلمية دون اللجــوء إلــى العنــف الــذي أثبــت أنــه‬ ‫يهــوي بالــدول إلــى الفقــر والضعــف وانعــدام األمــن واالســتقرار‪.‬‬ ‫لــم تكتــف اململكــة مبجابهــة التحديــات القائمــة‪ ،‬بــل جنحــت يف التغلــب‬ ‫علــى الضعــف االقتصــادي الناجــم مــن جائحــة كورونــا وانخفــاض‬ ‫أســعار النفــط‪ ،‬خرجــت أقــوى ممــا كانــت عليــه ‪ ،‬فكانــت دائمـًاً تخــرج‬ ‫ــمن مواجــهة التحدــيات منتــصرة ــشامخة (ــماال يقتــلك يجعــلك أــقوى)‪.‬‬ ‫فبعــد مواجهــة تلــك التحديــات أعلــن ســمو األميــر محمــد بــن ســلمان‬ ‫ولــي العهــد ورئيــس مجلــس الــوزراء عــن رؤيــا ‪ 2030‬والتــي تنهــض‬ ‫باقتصــاد الــبالد وتنويعــه بعيـدًاً عــن النفــط ونحــو بنــاء املــدن النظيفــة‬ ‫اخلاليــة مــن االنبعاثــات وبالتالــي االنتقــال بالــبالد إلــى مصــاف الــدول‬ ‫الكبــرى واالنتقــال باملواطنــات واملواطــنني إلــى تكنولوجيــا منتصــف‬ ‫القــرن احلادي والعشــرين‪.‬‬ ‫لقــد خطــت اململكــة العربيــة الســعودية خطــوات جبــارة باالنتقــال ممــا‬ ‫كانــت عليــه عــام ‪1727‬م" يــوم بدينــا" إلــى اآلن‪ .‬هــذا االنتقــال الــذي‬ ‫يشــبه مواجهــة املســتحيالت‪.‬‬

‫واململكــة اســتطاعت بقيــادة خــادم احلــرمني الشــريفني امللــك ســلمان‬ ‫بــن عبــد العزيزـــ حفظــه اهلل ـــ وولــي العهــد األمني األميــر محمــد‬ ‫بــن ســلمان ـــ حفظــه اهلل ـــ‪ ،‬مواجهــة حتديــات أخــرى‪ ،‬كان مــن أهمهــا‬ ‫التحــدي االقتصــادي الناجــم عــن انخفــاض أســعار النفــط وجائحــة‬ ‫كورونــا واألزمــة املاليــة العامليــة وبعــون اهلل وبحكمــة القيــادة الرشــيدة‬ ‫اســتطاعت اململكــة جتــاوز كل هــذه التحديــات وحققــت نســب منــو‬ ‫فاقــت توقعــات األمم املتحــدة والبنــك الدولــي وصنــدوق النقــد الدولــي‪.‬‬ ‫باإلضافــة لذلــك‪ ،‬كان التحــدي اإلقليمــي يف احلــرب علــى اإلرهــاب‪،‬‬ ‫ومحــاوالت القــوى اخلارجيــة للتوســع يف اإلقليــم علــى حســاب‬ ‫اســتقراره وأمنــه‪ ،‬لكــن أخــذت القيــادة يف اململكــة علــى عاتقهــا‬ ‫مواجهــة التحديــات واخملاطــر وتخطيهــا واالنتقــال إلــى مرحلــة جديــدة‬ ‫مــن البنــاء االقتصــادي‪ .‬مــع أن انخفــاض أســعار النفــط واألزمــة‬ ‫االقتصاديــة العامليــة كانــت مــن العوائــق‪ ،‬إال أن القيــادة الســعودية‬ ‫بقيــادة امللــك ســلمان وولــي عهــده األمني محمــد بــن ســلمان قامــت‬ ‫برفــض التقشــف‪ .‬بــل واالندفــاع إلــى حتــسني األوضــاع مــن خالل‬ ‫إيجــاد فــرص عمــل جديــدة للمواطــنني‪.‬‬

‫ولكــن ال يوجــد مســتحيل يف هــذه الــبالد املباركــة لقــد انتقلــت هــذه‬ ‫الــبالد وبجهــود قادتهــا وشــعبها باالعتمــاد علــى الــذات‪ ،‬انتقلــت الــبالد‬ ‫مــن الصفــر إلــى مصــاف أحــدث الــدول‪ .‬تفتخــر اململكــة بالعديــد مــن‬ ‫اإلجنــازات‪ .‬فاخلدمــات احلكوميــة " أبشــر" األفضــل عاملي ـًاً‪ .‬وشــبكة‬ ‫النقــل علــى الطــرق والســكك احلديديــة تعتمــد أعلــى املعاييــر العامليــة‪.‬‬ ‫كمــا أن اخلدمــات التعليميــة والصحيــة يف أعلــى املســتويات وأرقاهــا‪.‬‬ ‫إن يــوم التأســيس الــذي حتتفــل بــه اململكــة عبــارة عــن محفــز للــبالد‬ ‫ملواصلــة مواجهــة التحديــات والوقــوف يف وجــه كل اخملاطــر ويف كل‬ ‫األوقــات‪ .‬قريبـًاً ســتحتفل اململكــة مبــرور ثالثــة قــرون علــى تأسيســها‬ ‫وســتنطلق باجتــاه املئويــة الرابعــة‪ .‬حينهــا ســتكون الــبالد قريبــة ج ـدً​ًا‬ ‫مــن حتقيــق رؤيــا ‪ 2030‬وســتكون أقــوى ممــا كانــت عليــه لصنــع رؤى‬ ‫جديــدة وتطــورات أحــدث ومواجهــة املســتحيالت بــإذن اهلل‪.‬‬

‫ففــي فتــرة وجيــزة انخفضــت نســبة البطالــة مــن ‪ %12.4‬عــام ‪2011‬م‪،‬‬ ‫إلــى ‪ %5.1‬عــام ‪ 2023‬م‪ ،‬ومــن املتوقــع أن يزيــد هــذا االنخفــاض خالل‬

‫*أستاذ العلوم السياسية ـ جامعة نايف ـ اململكة العربية السعودية‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫متابعات خليجية‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪7‬‬

‫يــوم التأســيس ليــس مجــرد مناســبة عاديــة تمــر ســنوًيًا وإنمــا‬ ‫تذكيــر لمــا كانــت عليــه الــبالد وكيــف أصبحــت " يــوم بدينــا "‬ ‫اليســار واليــمني كنــوع جديــد مــن االســتعمار والســيطرة الفكريــة‪.‬‬ ‫كل ذلــك تطلــب مــن اململكــة حتــصني البيــت الداخلــي مــن خالل بنــاء‬ ‫أجهــزة أمنيــة فاعلــة وبنــاء فكــر وطنــي يقــوم علــى إميــان راســخ بنبــذ‬ ‫كل مــا هــو ضــار مــن أفــكار ومحاربــة كل مــا يهــدم مــا مت إجنــازه‬ ‫مــن بنــاء وتقــدم واســتقرار‪ .‬وإلميــان اململكــة بأهميــة اجلــوار اإلقليمــي‬ ‫العربــي وضــرورة خلــق اســتقرار وأمــن إقليمــيني‪ ،‬فقــد بــدأت اململكــة‬ ‫ببرنامــج مســاعدات اقتصاديــة اســتفادة مــن معظــم الــدول العربيــة‬ ‫اجملاورة‪.‬‬ ‫لقــد كانــت هــذه املرحلــة خطيــرة ج ـدًاً‪ ،‬فلــوال تنبــه القــادة ويقظتهــم‬ ‫علــى األمــن لــكان الوضــع مختلف ـًاً‪ .‬فالكثيــر مــن الــدول ومنهــا الغنيــة‬ ‫باملــوارد‪ ،‬وقعــت فريســة لزعزعــة االســتقرار والتغييــر الســريع والفكــر‬ ‫الهــادم‪ ،‬أصبحــت يف وضــع ال حتســد عليــه‪.‬‬ ‫أمــا يف اململكــة فقــد مت مجابهــة هــذه األخطــار بــكل حــزم وإخالص‬ ‫واحملافظــة علــى املكتســبات ومتــكني الــبالد لالنتقــال إلــى مواجهــة‬ ‫حتديــات جديــدة وحتقيــق تقــدم متواصــل‪.‬‬ ‫بعــد تثبيــت االســتقرار يف الوطــن بشــكل خــاص واإلقليــم بشــكل عــام‬ ‫انتقلــت اململكــة إلــى محــور جديــد يف البنــاء الوطنــي‪ .‬بنــاء اإلنســان‬ ‫الســعودي املتعلــم القــادر علــى القيــام مبهــام بنــاء الدولــة احلديثــة‪ ،‬مــن‬ ‫خالل التعليــم املتميــز‪ .‬لقــد أرســلت اململكــة العربيــة الســعودية عشــرات‬ ‫اآلالف مــن بناتهــا وأبنائهــا للدراســة يف اخلارج واحلصــول علــى أعلــى‬ ‫الشــهادات مــن أرقــى املعاهــد العلميــة يف العالــم‪ .‬وعــاد هــؤالء ليتولــوا‬

‫مســؤولية البنــاء احلديــث للدولــة‪ .‬لبنــاء اجلامعــات وفــق أعلــى املعاييــر‬ ‫العامليــة‪ ،‬لتقــدمي اخلدمــات الصحيــة واالجتماعيــة األفضــل‪ .‬لقــد‬ ‫اســتطاعت اململكــة يف هــذه الفتــرة بنــاء اإلنســان الســعودي احلديــث‬ ‫وتوفيــر أعلــى مســتويات العيــش الكرمي‪ ،‬دون نســيان ماضيه وحضارته‪.‬‬ ‫مــع كل التطــور والتحديــث ونقــل التكنولوجيــا‪ ،‬بقــي الســعودي ابــن هــذه‬ ‫الــبالد بصحاريهــا وجبالهــا وحاضرهــا وماضيهــا‪.‬‬ ‫إن هــذا التــوازن يف بنــاء اإلنســان كان لــه الــدور األكبــر يف حتقيــق‬ ‫اســتقرار وطنــي قائــم علــى بنــاء دولــة حديثــة بقــادة مخلــصني وشــعب‬ ‫واع بأهميــة احلفــاظ علــى املنجــزات‪ .‬مــع بدايــة القــرن احلالــي احلادي‬ ‫والعشــرين وقبــل االنــطالق إلــى آفــاق جديــدة واجهــت اململكــة العديــد‬ ‫مــن التحديــات اجلديــدة والقاســية‪ .‬فجــاءت العمليــات اإلرهابيــة التــي‬ ‫وصمــت‪ ،‬بــدون أي وجــه حــق‪ ،‬اإلسالم باإلرهــاب‪ ،‬وأصبحــت كافــة‬ ‫الــدول اإلسالميــة متهمــة حتــى تثبــت براءتهــا‪ .‬فعانــت الــدول اإلسالمية‬ ‫بشــكل عــام والعربيــة بشــك خــاص‪ .‬فــاإلعالم املعــادي وجدهــا فرصــة‬ ‫لالبتــزاز‪ .‬باإلضافــة إلــى أن اإلرهــاب نفســه أضــر فـ ً‬ ‫ـعًال بالبنــى التحتيــة‬ ‫وباســتقرار الــدول ومنهــا اململكــة‪ .‬وجنــم عــن اللحمــة الغربيــة علــى‬ ‫اإلرهــاب احــتالل دول وبنــاء قواعــد عســكرية يف اجلــوار‪ ،‬كمــا نتــج‬ ‫عنهــا الهيمنــة الغربيــة وتصديــر العوملــة والفكــر الليبرالــي الــذي هــز‬ ‫قواعــد االســتقرار وطــرق العيــش لألفــراد والشــعوب واحلكومــات علــى‬ ‫حـ ٍـٍد ســواء‪ .‬كمــا بــرز مفهــوم الــدول الفاشــلة التــي أصبحــت تصــدر كل‬ ‫مــا هــو ضــار مــن هجــرات غيــر مشــروعة ومخــدرات وقرصنــة وسالح‪.‬‬ ‫لقــد واجهــت اململكــة هــذه التحديــات بــكل حــزم وقــوة واســتطاعت‬ ‫احلفــاظ علــى املكتســبات ولــو بتكلفــة عاليــة جــدًاً ولكــن بقيــت‬ ‫صامــدة مســتقرة محافظــة علــى األمــن واألمــان الــذي وعــدت بــه‬


‫‪6‬‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫متابعات خليجية‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫التحديات أوجدت وحدة وطنية من قبائل متناحرة في صحراء متناثرة األطراف‬

‫يوم التأسيس‪ :‬نهضة وطن ‪ ..‬ومحفز لمواجهة‬ ‫التحديات‬ ‫احتفلــت اململكــة العربيــة الســعودية مبــرور ثالثــة قــرون مكتملــة علــى تأسيســها‪ ،‬وســتبدأ رحلــة انــطالق بخطــى ثابتــة نحــو‬ ‫مئويتهــا الرابعــة‪ .‬فهــذه الــبالد التــي بــدأ فجرهــا بالبــزوغ يف مثــل هــذا اليــوم مــن عــام ‪1727‬م‪ ،‬عندمــا قادهــا باجتــاه الوحــدة‬ ‫والبنــاء اإلمــام محمــد بــن ســعود ـــ رحمــه اهلل ـــ هــذا التاريــخ ليــس مجــرد مناســبة عاديــة متــر ســنويًاً‪ ،‬وإمنــا هــي تذكيــر ملا كانــت‬ ‫عليــه الــبالد وكيــف أصبحــت‪ " .‬يــوم بدينــا " هــو تاريــخ االنتقــال مــن الصفــر إلــى األعالــي‪ ،‬مــن الشــتات إلــى الوحــدة ومــن اجلهــل‬ ‫إلــى العلــم ومــن الفقــر إلــى الغنــى‪ .‬ففــي ذلــك التاريــخ بــدأت هــذه الــبالد رحلتهــا يف مواجهــة أقســى أنــواع التحديــات واألعاصيــر‬ ‫الداخليــة واخلارجيــة‪ .‬خســرت أمــام بعــض التحديــات وجنحــت أمــام أخــرى‪ ،‬ولكــن لــم تخــن يومـًاً أمــام أي حتــدي‪ .‬كانــت دائمـً​ًا‬ ‫تعــود وكمــا يقــول املثــل " مــاال يقتلــك يجعلــك أقــوى" ففــي حربــه علــى اجلهــل والصراعــات الداخليــة‪ ،‬اســتطاع اإلمــام محمــد بــن‬

‫د‪.‬غالب اخلالدي‬

‫ســعود ـــ رحمــه اهلل ـــ أن يبــدأ رحلــة البنــاء والتطوير وبنــاء األمن واألمان‬ ‫يف ربــوع هــذه الــبالد املباركــة‪ ،‬وأن يــزرع فيهــا بــذرة الوحــدة واالســتقرار‪.‬‬ ‫ويف عــام ‪1932‬م‪ ،‬عــادت الــبالد أقــوى‪ .‬فجــاء امللــك عبــد العزيــز بــن‬ ‫عبــد الرحمــن الفيصــل آل ســعود ـــ طيــب اهلل ثــراه ـــ ليبــدأ رحلــة‬ ‫بنــاء اململكــة وتوحيــد أقاليمهــا‪ ،‬لتبقــى مــن بعــده احلصــن املنيــع ضــد‬ ‫كل أنــواع التهديــدات واملكائــد اخلارجيــة وليضــع القاعــدة الصعبــة‬ ‫للمملكــة لتصبــح مــن بعــده الدولــة األهــم بإقليــم الشــرق األوســط‬ ‫واملعادلــة األصعــب علــى كل الطامــعني واحلاقديــن مــن داخــل اإلقليــم‬ ‫ومــن خارجــه‪.‬‬ ‫لقــد اســتطاع امللــك عبــد العزيــز آل ســعود ـــ رحمــه اهلل ـــ ومــن بعــده‬ ‫أبنــاؤه امللــوك البــررة بنــاء دولــة ذات اســتقرار ونهضــة نــدر مثيلهــا‬ ‫يف منطقــة مضطربــة ومليئــة باملفاجــآت غيــر الســارة واحلــروب‬ ‫والصراعــات‪ .‬لقــد قــاد ملــوك هــذه الــبالد مملكتهــم إلــى بــر األمــان‬ ‫رغــم كل األمــواج والصعوبــات‪ .‬وبعــد مواجهــة كل التحديــات كانــت هــذه‬ ‫اــلبالد تــعود أــقوى ــمن ذي قــبل (ــماال يقتــلك يجعــلك أــقوى)‪.‬‬

‫هــذه التحديــات كانــت خلــق وحــدة وطنيــة مــن قبائــل متناحــرة‬ ‫ومتصارعــة يف صحــراء متناثــرة األطــراف‪.‬‬ ‫ففــي حربــه علــى اجلهــل والبــدع واخلرافــات‪ ،‬أســتطاع رحلــة البنــاء‬ ‫والتطويــر وبنــاء األمــن واألمــان يف ربــوع الــبالد املبــارك وأن يــزرع فيهــا‬ ‫بــذرة الوحــدة واالســتقرار ومــع اكتشــاف النفــط يف شــرق اململكــة عــام‬ ‫‪1936‬م‪ ،‬بــدأت تتوفــر املــوارد الالزمــة لبنــاء املــدن واملرافــق الصحيــة‬ ‫والتعليميــة وتــوطني الســكان وخلــق األمــن للجميــع‪ .‬ثــم كان بنــاء القــوات‬ ‫املســلحة الســعودية وتدريبهــا وتســليحها لتصبــح الســياج الواقــي ضــد‬ ‫أي محــاوالت خارجيــة لزعزعــة اســتقرار الوطــن أو تهديــد أمــن‬ ‫مواطنــيه‪.‬‬ ‫ويف النصــف الثانــي مــن القــرن العشــرين ومــع ترســيخ بنــاء الدولــة‬ ‫وحيــث أصبــح يــوم التأســيس مــن التاريــخ ‪ ،‬جــاءه حتديــات جديــدة‪.‬‬ ‫فبينمــا كانــت اململكــة العربيــة الســعودية تبنــي مدنهــا ومؤسســاتها‪،‬‬ ‫كانــت منطقــة الشــرق األوســط تغلــي باحلــروب واالنقالبــات العســكرية‬ ‫ومحاولــة االســتيالء علــى احلكــم والســلطة‪ .‬كمــا بــدأت تتغلغــل إلــى‬ ‫املنطقــة أفــكار وأيديولوجيــات غريبــة كالشــيوعية وأفــكار مختلفــة مــن‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫الغربيــة املؤيــدة إلســرائيل وكان املتضــرر الرئيســي يف هــذه املنازلــة‬ ‫هــو االقتصــاد العالـمي والــدول املتشــاطئة علــى ضفتــي البحــر األحمــر‬ ‫خاصــة العربيــة منهــا‪ ،‬وهــي دول اتخــذت أصال مواقــف صارمــة جتــاه‬ ‫العــدوان االســرائيلي علــى غــزة‪ .‬وبــدت الــدول الكبــرى صاحبــة املصالــح‬ ‫والســاعية لترســيخ النفــوذ متحمســة للتواجــد العســكري‪ ،‬أو مــا يســمى‬ ‫عســكرة البحــر األحمــر بحجــة الدفــاع عــن املالحــة الدوليــة وتــأمني‬ ‫املمــر املالحــي‪ ،‬ســاعية ملواجهــة جماعــة احلوثــي صاحبــة الهجمــات‬ ‫علــى الســفن التجاريــة يف البحــر األحمــر ‪ ،‬وعليــه مت تشــكيل “حتالــف‬ ‫حــارس االزدهــار” وتدفقــت القطــع البحريــة العســكرية مــن بعــض دول‬ ‫العالــم ملســاندة الهــدف املعلــن وهــو حمايــة الســفن التجاريــة‪ ،‬بينمــا‬ ‫كثيــر مــن الــدول يشــكك يف فاعليــة هــذا التحالــف وأهدافــه‪ ،‬وكذلــك‬ ‫قياًســا مبواقــف ســابقة ألمريــكا‬ ‫موقــف واشــنطن مــن احلوثــيني وإيــران‬ ‫ً‬ ‫ســمحت مليليشــيات احلوثــي باالســتمرار يف تعاونهــا العســكري مــع‬ ‫إيــران‪ ،‬ويؤشــر لذلــك رفــض واشــنطن ولنــدن تقــدم قــوات حتالــف دعــم‬ ‫الشــرعية يف اليمــن الــذي جنــح يف حصــار احلديــدة يف مايــو ‪2018‬م‪،‬‬ ‫وكان علــى بعــد ســاعات مــن حتريــر املينــاء مــن الســيطرة احلوثيــة‪،‬‬ ‫والتمــادي الغربــي بالتهديــد يف الذهــاب إلــى مجلــس األمــن الدولــي‬ ‫حلمايــة الســيطرة احلوثيــة ‪ ،‬ومينــاء احلديــدة هــو حلقــة الربــط بني‬ ‫احلوثــيني وإيــران ومنفــذ دخــول األســلحة اإليرانيــة جلماعــة احلوثــي‬ ‫يف اليمــن وهــو اليــوم منبــع الهجمــات احلوثيــة البحريــة علــى خطــوط‬ ‫املالحــة الدوليــة ‪ ،‬بــل رفعــت إدارة بايــدن احلوثــيني مــن قائمــة اإلرهاب‪،‬‬ ‫وعــادت واشــنطن ولنــدن اليــوم عبــر حتالــف حــارس االزدهــار لتقصــف‬ ‫مواقــع منصــات الصواريــخ والطائــرات املســيرة يف اليمــن بزعــم‬ ‫إضــعاف ــقدرات احلوــثيني ولــيس اــستئصال احلرــكة‪.‬‬ ‫ويف ظــل هــذه األحــداث وتطوراتهــا التــي لــم تفــض إلى حل حاســم‪ ،‬فإن‬ ‫دول املنطقــة املعنيــة قبــل غيرهــا بالبحــر األحمــر والقــرن اإلفريقي ترى‬ ‫ضــرورة التعامــل مــع جــذور األزمــة وليــس فروعهــا أو مجــرد افرازاتهــا‪،‬‬ ‫وأن احلــل يبــدأ بإيقــاف احلــرب اإلســرائيلية علــى غــزة بصفــة عاجلــة‪،‬‬ ‫ثــم البــدء بحــل القضيــة الفلســطينية وف ً​ًقــا للمبــادرة العربيــة للــسالم‬ ‫وإقامــة الدولــة الفلســطينية علــى حــدود ‪ 4‬يونيــو ‪1967‬م‪ ،‬ثــم االنتقــال‬ ‫إلــى حــل قضايــا املنطقــة األخــرى ومنهــا تفكيــك امليليشــيات الطائفيــة‬ ‫املســلحة واألذرع العســكرية للــدول اخلارجيــة التــي اصبحــت مبوضــع‬ ‫الســيطرة يف أربــع دول عربيــة‪ ،‬وإيجــاد حاًلا للمعضلــة اليمنيــة وإنهــاء‬ ‫أزمــات الشــعب اليمنــي‪ ،‬وإخــراج القــوات األجنبيــة مــن ســوريا‪ ،‬وبــذل‬ ‫جهــد دولــي صــادق إلنهــاء احلــرب األهليــة يف الســودان‪ ،‬وتخفيــف‬ ‫عســكرة القــرن اإلفريقــي ومدخــل البحــر األحمــر بالقــرب مــن مضيــق‬

‫العــدد‬ ‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس‪2024‬‬

‫‪5‬‬

‫بــاب املنــدب وكل ذلــك يتطلــب جهــو ً​ًدا دوليــة وإقليميــة صادقــة‪،‬‬ ‫وبالتعــاون مــع دول املنطقــة وتفعيــل دور األمم املتحــدة واالحتــاد‬ ‫اإلفريقــي وعلــى األخيــر أن يكــون لــه دور مؤثــر يف حــل قضايــا‬ ‫القــرن اإلفريقــي لتحقيــق األمــن واالســتقرار يف املنطقــة بعيــًدًا عــن‬ ‫األطمــاع الدوليــة واإلقليميــة ومحــاوالت بســط النفــوذ التــي بــدأت يف‬ ‫إيجــاد حــرب بــاردة جديــدة تشــارك فيهــا أطــراف كثيــرة فباإلضافــة‬ ‫إلــى الصــراع األمريكــي‪ /‬الصينــي ـــ الروســي‪ ،‬تبحــث دول أخــرى عــن‬ ‫موطــئ يف املنطقــة ضمــن هــذا الصــراع حيــث تتغلغــل إســرائيل‪ ،‬إيــران‪،‬‬ ‫إثيوبيــا‪ ،‬بريطانيــا‪ ،‬وفرنســا وغيرهــا يف منطقــة القــرن اإلفريقــي‪.‬‬ ‫ويكتمــل عقــد احللــول مبشــاركة فعالــة جمللــس الــدول العربيــة‬ ‫واإلفريقيــة املطلــة علــى البحــر األحمــر وخليــج عــدن لتفعيــل تعــاون‬ ‫إقليمــي يســانده جهــد دولــي لنــزع فتيــل الصــراع ومنــع إقحــام الــدول‬ ‫اخلارجيــة يف هــذا امللــف وحتجيــم أطمــاع الــدول اإلقليميــة مــن‬ ‫التعــدي علــى ســيادة الــدول اجملاورة كمــا حــدث بتوقيــع االتفاقيــة بني‬ ‫إثيوبيــا ودويلــة أرض الصومــال االنفصاليــة التــي تســعى إثيوبيــا مــن‬ ‫خاللهــا أن تضــع يدهــا علــى مينــاء بربــرة ومســاحة ‪ 20‬كيلــو متــ ً​ًرا‬ ‫مــن ســواحل الصومــال مبــا يفتــح البــاب أمــام ســوابق يف هيمنــة‬ ‫الــدول األكبــر علــى الــدول األصغــر وكذلــك إثــارة صــراع جديــد عنــد‬ ‫املدخــل اجلنوبــي للبحــر األحمــر ‪ ،‬وأن يكــون للســعودية و مصــر الــدور‬ ‫احملــوري يف تكويــن النــواة للتعــاون اجلاد واملثمــر بني الــدول املتشــاطئة‬ ‫حلمايــة أمــن البحــر األحمــر‪ ،‬وهــذا مــا أكــدت عليــه احللقــة النقاشــية‬ ‫التــي نظمهــا مركــز اخلليــج لألبحــاث مــع املركــز املصــري للفكــر‬ ‫والدراســات االســتراتيجية يف شــهر فبرايــر املاضــي حــول (أمــن البحــر‬ ‫األحمــر‪ :‬التحديــات واحللــول) والتــي ناقشــت أســباب الصراعــات يف‬ ‫حــوض البحــر األحمــر والقــرن اإلفريقــي‪ ،‬وقدمــت توصيــات مهمــة‬ ‫للمســاهمة يف إيجــاد احللــول الواقعيــة لهــذه املنطقــة بالتركيــز علــى‬ ‫اجلهــد اإلقليمــي خاصــة للســعودية ومصــر‪ .‬كمــا مت إطالق منتــدى‬ ‫مــن املركزيــن ليكــون منصــة ملناقشــة أزمــات البحــر األحمــر والقــرن‬ ‫اإلفريقــي بصفــة مســتمرة وإيجــاد احللــول لهــا‪ ،‬باعتبــار أن احلــل‬ ‫احلقيقــي ألزمــات البحــر األحمــر والقــرن اإلفريقــي واحلفــاظ علــى‬ ‫أمــن هــذه املنطقــة واســتقرارها يأتــي مــن الــدول املعنيــة وعلــى أيــدي‬ ‫أبنائهــا بالتعــاون مــع الــدول احملبــة للــسالم واملنظمــات اإلقليميــة‬ ‫للنــأي بهــذه املنطقــة عــن العســكرة واالســتقطاب والصراعــات‪.‬‬

‫*رئيس مركز الخليج لألبحاث‬


‫حول الخليج‬ ‫‪4‬‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫افـتتــاحــية ال ـعـدد‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫البحر األحمر‬ ‫بين األزمات والحلول‬

‫د‪ .‬عبد العزيز بن عثمان بن صقر‬

‫‪4‬‬ ‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫أزمــة البحــر األحمــر والقــرن اإلفريقــي جــزء مــن األزمــات اإلقليميــة التــي‬ ‫تعصــف مبنطقــة الشــرق األوســط وإفريقيــا‪ ،‬تلــك املنطقــة التــي متــر‬ ‫بسلســلة مــن األزمــات املتشــابكة واملرتبطــة بالصــراع الدولــي والنزاعــات‬ ‫اإلقليميــة التــي تفضــي إلــى رغبــة كثيــر مــن دول العالــم يف بســط‬ ‫الســيطرة القائمــة علــى األطمــاع واألبعــاد األيدولوجيــة‪ .‬واألزمــة احلاليــة‬ ‫التــي يشــهدها البحــر األحمــر‪ ،‬والتــي انفجــرت إثــر العــدوان اإلســرائيلي‬ ‫علــى غــزة منــذ الســابع مــن أكتوبــر املاضــي‪ ،‬هــي نتيجــة تراكمــات قدميــة‬ ‫أخــذت صــو ً​ًرا مختلفــة علــى مــدار حوالــي ‪ 80‬عا ً​ًمــا مضــت‪ ،‬والثابــت أن‬ ‫هنــاك قواســم مشــتركة بني جميــع أزمــات املنطقــة وعنوانهــا الرئيســي‬ ‫هــو الصــراع الدولــي واإلقليمــي علــى النفــوذ والثــروات والتمــدد ونشــر‬ ‫األيدولوجيــات‪ ،‬وبــدأت بوجــود إســرائيل التــي لــم تهــدأ يو ً​ًمــا منــذ عــام‬ ‫‪1948‬م‪ ،‬وحتــى اآلن فهــي مســتمرة يف احلــروب ومحــاوالت التوســع‬ ‫وتطوــيق املنطــقة ــبكل الوــسائل ورــفض كل املــبادرات العربــية لــلسالم‪.‬‬ ‫ثــم جــاءت الثــورة اإلسالميــة يف إيــران نهايــة الســبعينيات املاضيــة‬ ‫لتخلــق أزمــة جديــدة يف املنطقــة‪ ،‬لهــا توابــع كثيــرة بــدأت بحــرب اخلليــج‬ ‫األولــى مطلــع الثمانينيــات ومــا تالهــا مــن تصعيــد ومحــاوالت مــا يســمى‬ ‫بتصديــر الثــورة‪ ،‬ثــم ســقوط نظــام صــدام حــسني يف بغــداد‪ ،‬إلــى أن‬ ‫ضربــت املنطقــة عواصــف مــا يســمى بثــورات الربيــع العربــي نهايــة العقــد‬ ‫ـرًعا أمــام‬ ‫األول مــن القــرن احلالــي تلــك الثــورات التــي فتحــت البــاب مشـ ً‬ ‫تدخــل القــوى الدوليــة واإلقليميــة يف شــؤون العديــد مــن الــدول العربيــة‬ ‫بعــد أن حتولــت إلــى دول رخــوة تعانــي مــن حــروب داخليــة واقتصــادات‬ ‫هــشة وانقــسامات وتناــحر مذهــبي وعرــقي‪.‬‬ ‫ثــم التهبــت املنطقــة باحلــرب اإلســرائيلية الغاشــمة األخيــرة علــى قطــاع‬ ‫غــزة واملســتمرة بال هــوادة يف ظــل صمــت دولــي‪ ،‬ودعــم أمريكــي وغربــي‪،‬‬ ‫هــذه احلــرب أعطــت امليليشــيات املســلحة والــدول التــي تســاندها‬ ‫الفرصــة حملاولــة اختطــاف الشــارع العربــي واإلسالمــي بزعمهــا الوقــوف‬ ‫إلــى جــوار الفلســطينيني يف غــزة ومناصرتهــم وســاعدها علــى ذلــك‬ ‫املوقــف الســلبي األمريكــي ‪ /‬األوروبــي املؤيــد للحــرب اإلســرائيلية علــى‬ ‫قطــاع غــزة‪ .‬وكان البحــر األحمــر هــو ســاحة املنازلــة اخللفيــة لهــذه‬ ‫احلــرب بني مــن يزعــم معــاداة إســرائيل ويضــرب مصاحلهــا‪ ،‬وبني القــوى‬


‫هذا العدد‬

‫ملف العدد‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬عباس محمد شراقي‬ ‫أ ‪ .‬د‪ .‬ديفيد دي روش‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬جودت بهجت‬ ‫عميد الركن ‪/‬سعد سليمان الشهري‬ ‫د‪ .‬مالك العبد الله‬ ‫السفير محمد العرابي‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬محمد الرميحي‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬مصطفى الصايج‬ ‫سلمى الظاهري‬ ‫د‪ .‬خالد ميار اإلدرييس‬ ‫لواء د‪ .‬محمد عالم سيد‬ ‫د‪ .‬غانم علوان الجمييل‬ ‫د‪ .‬أماين الطويل‬ ‫د‪ .‬الصادق الفقيه‬ ‫د‪ .‬حاتم العبد‬ ‫أ ‪ .‬د ‪ .‬سمري صالحة‬ ‫لواء د‪ .‬نرص سامل‬ ‫د‪ .‬نوريكو سوزويك‬ ‫د‪ .‬ظافر العجمي‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬صربي فارس الهيتي‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬وانغ قوانغدا‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬تشني يويانغ‬ ‫جان‪-‬لو سمعان‬ ‫د‪ .‬هدى رؤوف‬ ‫د‪ .‬محمد مجاهد الزيات‬ ‫د‪ .‬ن‪ .‬جاناردهان‬ ‫أ ‪.‬د‪ .‬نورهان الشيخ‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬كاظم هاشم نعمة‬ ‫د‪ .‬إدريس جميل‬ ‫د‪ .‬محمد حسني رشقي‬ ‫د‪ .‬محمد عصام لعرويس‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬نوزاد عبد الرحمن الهيتي‬ ‫د‪ .‬عالء أبو الوفا‬ ‫د‪ .‬محمود عزت عبد الحافظ‬ ‫د‪ .‬رأفت محمود محمد‬

‫إصدارات‬

‫‪34www.araa.sa‬‬ ‫‪40‬‬ ‫‪44‬‬ ‫‪49‬‬ ‫‪55‬‬ ‫‪61‬‬ ‫‪66‬‬ ‫‪70‬‬ ‫‪75‬‬ ‫‪80‬‬ ‫‪86‬‬ ‫‪91‬‬ ‫‪96‬‬ ‫‪101‬‬ ‫‪107‬‬ ‫‪112‬‬ ‫‪118‬‬ ‫‪123‬‬ ‫‪128‬‬ ‫‪133‬‬ ‫‪140‬‬ ‫‪145‬‬ ‫‪150‬‬ ‫‪154‬‬ ‫‪156‬‬ ‫‪162‬‬ ‫‪167‬‬ ‫‪172‬‬ ‫‪179‬‬ ‫‪184‬‬ ‫‪190‬‬ ‫‪196‬‬ ‫‪202‬‬ ‫‪206‬‬ ‫‪211‬‬ ‫‪217‬‬

‫تنافس القوى يف إقليم البحر األحمر‬ ‫أراء حول الخليج‪ :‬جدة‬

‫وقفة‬

‫العــددــن مجلــة (آراء حــول الخليــج) والــذي‬ ‫يف هــذا العــدد الماثــل بيــن أيــدي القــراء م‬ ‫‪195‬‬ ‫والصــادر يف األول مــن مــارس‬ ‫مـــــــــارسللمجل‬ ‫يحمــل رقــم (‪ )195‬مــن سلســلة اإلصــدار الشــهري‬ ‫‪2024‬ــة‪3 ،‬‬ ‫(‪ ،)2024‬يطــرح قضيــة مهمــة لمنطقــة الخليــج والمنطقــة العربيــة واإلفريقيــة‬ ‫والعالــم كلــه‪ ،‬وهــي قضيــة "أمــن الممــر المالحــي يف البحــر األحمــر والقــرن اإلفريقــي‪:‬‬ ‫المســؤولية الدوليــة واإلقليميــة" وجــاءت دراســات ومقــاالت العــدد‪ ،‬توضــح أهميــة‬ ‫هــذا الممــر المائــي الحيــوي واالســتراتيجي كونــه أكثــر الممــرات المائيــة أهميــة‬ ‫للتجــارة الدوليــة ويربــط بيــن جميــع قــارات العالــم‪ ،‬وكونــه ســاحة للتنافــس اإلقليمــي‬ ‫والــدويل‪ ،‬وموق ع�ـًا لالصطفــاف الــدويل إلقامــة القواعــد العســكرية قــرب بــاب المنــدب‬ ‫المدخــل الجنوبــي للبحــر األحمــر والمــؤدي إىل قنــاة الســويس الممــر المائــي العالمــي‬ ‫الــذي تمــر خاللــه ‪ %12‬مــن حجــم التجــارة الدوليــة‪ ،‬ومســؤول عــن ‪ %80‬مــن الحركــة‬ ‫العالميــة للبضائــع‪ ،‬وتمــر بــه ‪ %30‬مــن ســفن الحاويــات العالميــة‪ ،‬و مليــون برميــل من‬ ‫النفــط الخــام يوم�يـًا‪ ،‬وأكثــر مــن‪ %40‬مــن التجــارة بيــن آســيا وأوروبــا‪.‬‬ ‫كمــا أن نحــو ‪ %17‬مــن كابالت االنترنــت تمــر عبــر البحــر األحمــر‪ ،‬وأن حــوايل ‪%90‬‬ ‫مــن بيانــات اإلنترنــت بيــن أوروبــا وآســيا تمــر عبــر هــذا الممــر البحــري مــن خالل ‪16‬‬ ‫كابال‪ ،‬وأهمهــا خــط آســيا – إفريقيــا – أوروبــا ‪ 1‬الــذي يبلــغ طولــه ‪ 25‬ألــف كيلومتـًرًا‪،‬‬ ‫عىل عمــق ال يتجــاوز ‪ 100‬متــر‪ ،‬ويمتــد مــن جنــوب شــرق آســيا – البحــر األحمــر – قنــاة‬ ‫الســويس – البحــر المتوســط حتــى غــرب أوروبــا (فرنســا)‪ ،‬وهنــاك مخــاوف مــن تعــرض‬ ‫هــذه الــكابالت للهجــوم ممــا يؤثــر عىل قطــاع االتصــاالت ومــن ثــم االقتصــاد العالمــي‪،‬‬ ‫وتناولــت الدراســات والمقــاالت خطــورة التمركــز الــدويل واإلقليمــي يف منطقــة القــرن‬ ‫اإلفريقــي‪ ،‬وتأثيــر ذلــك عىل الــدول العربيــة المتشــاطئة للبحــر األحمــر وكذلــك الــدول‬ ‫اإلفريقيــة‪ ،‬كمــا تناولــت تداعيــات االتفــاق اإلثيوبــي مــع مــا يســمى بدويلــة أرض‬ ‫الصومــال االنفصاليــة غيــر المعتــرف بهــا دول�يـًا‪ ،‬وهــذا االتفــاق محــل الرفــض اإلقليمــي‬ ‫والــدويل ورفــض جمهوريــة الصومــال نفســها وكافــة الــدول العربيــة والمجتمــع الــدويل‪،‬‬ ‫يف حــال دخولــه حيــز التنفيــذ‪ ،‬ســوف يفتــح بوابــة جديــدة للصــراع يف منطقــة القــرن‬ ‫اإلفريقــي‪ ،‬كونــه تؤجــر بموجبــه مــا يســمى دويلــة أرض الصومــال مينــاء بربــرة‬ ‫وبمســاحة ‪ 20‬كيلــو متـًرًا إلثيوبيــا الدولــة اإلفريقيــة الحبيســة والتــي تبحــث عــن منفــذ‬ ‫بحــري بــأي الطــرق ومنهــا بالقــوة كمــا ســبق وأعلــن ذلــك رئيــس وزرائهــا أبــي أحمــد‬ ‫أــمام البرلــمان اإلثيوــبي‬ ‫وناقــش العــدد دوافــع أمريــكا لعســكرة البحــر األحمــر بصفــة دائمــة إلضعــاف‬ ‫النفــوذ الصينــي وإعاقــة مبــادرة الحــزام والطريــق الصينيــة‪ ،‬وكذلــك إضعــاف النفــوذ‬ ‫الروســي واإليرانــي يف قــارة إفريقيــا‪ ،‬وركــزت موضوعــات العــدد أيًضًــا عىل ضــرورة‬ ‫حمايــة أمــن البحــر األحمــر بجهــود الــدول العربيــة الرئيســية المطلــة عىل هــذا الممــر‬ ‫المائــي بمشــاركة الــدول اإلفريقيــة المتشــاطئة وكذلــك التعــاون الــدويل تحــت‬ ‫الشــرعية األمميــة‪ ،‬وقــد تــم مناقشــة أهــداف أمريــكا مــن تشــكيل تحالــف حــارس‬ ‫االزدهــار الــذي شــكلته الواليــات المتحــدة وبريطانيــا ودعــت إليــه ‪ 20‬دولــة‪ ،‬وكذلــك‬ ‫شــككت الدراســات يف النوايــا األمريكيــة حيــث لــم تتخــذ واشــنطن موق�ف ـًا حاز�م ـًا مــن‬ ‫جماعــة الحوثــي قبــل هجمــات األخيــرة عىل الســفن اإلســرائيلية ‪ ،‬بــل أشــارت إىل أن‬ ‫أمريــكا نفســها منعــت دول التحالــف مــن منــع اســتيالء الحوثييــن عىل مينــاء الحديــدة‬ ‫منــفذ وــصول األــسلحة اإليرانــية إىل الحوثيــين‬ ‫وطالبــت دراســات ومقــاالت العــدد بإنهــاء الحــرب اإلســرائيلية عىل غــزة فــوًرًا‬ ‫وتوقــف الحوثييــن عــن الهجمــات ضــد الســفن التجاريــة وإيجــاد حلــول سياســية عاجلــة‬ ‫لكاــفة قضاــيا المنطــقة‬

‫محاور العدد المقبل‬ ‫‪218‬‬

‫تحالف دول المنطقة لحماية البحر األحمر‬ ‫جمال أمين ه ّ​ّمام‬ ‫اإلسهامات‬ ‫٭ ترحــب مجلــة «آراء حــول اخلليــج» بإســهامات الكتــاب والباحثــن يف الشــؤون اخلليجيــة يف‬ ‫املجــاالت السياســية واالقتصاديــة واالجتماعيــة والدفاعيــة واألمنيــة‪.‬‬ ‫٭ المجلة غير ملتزمة بإعادة أي مادة تتلقاها للنشر‪.‬‬ ‫٭ جميع حقوق الترجمة والنشر محفوظة لمركز الخليج لألبحاث‪.‬‬ ‫٭ ال يســمح بإعــادة نشــر المــواد المنشــورة فــي المجلــة دون الحصــول علــى إذن خطــي مســبق مــن‬ ‫مركــز الخليــج لألبحــاث‪.‬‬ ‫٭ آراء الكتاب تعبر عن أصحابها وال تعبر بالضرورة عن اتجاهات يتبناها مركز الخليج أو مجلة آراء‪.‬‬

‫‪ )196‬مــن سلســلة إصــدارات المجلــة والــذي ســيصدر بمشــيئة اللــه‬ ‫يتنــاول العــدد المقبــل رقــم ((‪)196‬‬ ‫‪2024‬م) يف الملــف الرئيســي (قــراءة يف الرؤيــة الخليجيــة‬ ‫تعــاىل مطلــع شــهر أبريــل المقبــل ((‪2024‬م)‬ ‫لألمــن اإلقليمــي‪ :‬األســباب ـــ األهــداف ـــ القدرة)‬ ‫وتضع المجلة شروط الكتابة والتي تتمثل فيما ييل‪:‬‬ ‫ــ ال ٌ​ٌيلتفت للمقاالت التي تصل المجلة دون تنسيق مسبق ودون تحديد محور المقال‪.‬‬ ‫ــ االلتزام بإرسال المقاالت والدراسات يف موعد أقصاه العشرين من كل شهر‪.‬‬ ‫ــــ ال يزيــد عــدد الكلمــات عــن ‪ 2500‬كلمــة للمقــال‪ ،‬ولــن يتــم التعامــل مــع المقــاالت التــي‬ ‫تتــجاوز ــعدد الكلــمات المــحدد‬ ‫ــ المجلة غير ملزمة بنشر كل ما يصلها من مقاالت‪.‬‬ ‫ــــ مراعــاة الكتابــة بلغــة عربيــة ســليمة وليــس باللهجــات المحليــة‪ ،‬مــع االهتمــام بالجــودة ولــن‬ ‫يلتــفت للمــقاالت الــتي ال تلــتزم بالــجودة‪ ،‬والمنقوــلة ــمن مواــقع االنترــنت‪.‬‬ ‫ــ المقاالت تعبر عن رأي كاتبها وليست بالضرورة تعبر عن رأي المجلة‪.‬‬ ‫ـــ احترام ثوابت المجتمع والمعتقدات الدينية واألخالقيات العامة‬


‫افتتاحية العدد‬ ‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪2‬‬

‫‪4‬‬

‫البحر األحمر بين األزمات والحلول‬ ‫‪www.araa.sa‬‬ ‫د‪ .‬عبد العزيز بن عثمان بن صقر‬

‫مجلة شهرية تصدر عن‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬ ‫تعنى بالشؤون اخلليجية‬

‫متابعات خليجية‬

‫‪6‬‬

‫يوم التأسيس‪ :‬نهضة وطن ‪ ..‬ومحفز لمواجهة التحديات‬ ‫د‪ .‬غالب الخالدي‬

‫رئيس التحرير‬

‫د‪ .‬عبد العزيز بن عثمان بن صقر‬ ‫مدير التحرير‬

‫جمال أمني همام‬

‫ندوة العدد‬

‫‪9‬‬

‫إطالق منت ــدى مرك ــز الخلي ــج لألبح ــاث والمرك ــز المص ــري للفك ــر ح ــول‬ ‫البح ــر األحم ــر‬ ‫مدير تحرير مجلة آراء حول الخليج‬

‫سكرتير التحرير‬

‫سليمان مارديني‬ ‫التصميم الفني‬

‫هند منصور احلازمي‬

‫دراسة العدد‬ ‫الهيئة االستشارية‬

‫أ‪.‬د‪ .‬صالح بن محمد اخلثالن‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬باقر سلمان النجار‬ ‫د‪ .‬فاطمة الشامسي‬ ‫د‪ .‬هيله حمد املكيمي‬ ‫د‪ .‬عهود بنت سعيد البلوشي‬ ‫د‪ .‬خالد اجلابر‬

‫‪18‬‬

‫منطقــة البحــر األحمــر والقــرن اإلفريقــي‪ :‬هواجــس األمــن ‪ ..‬وتحديــات‬ ‫االســتقرار‬ ‫د‪ .‬طالل صالح بّنّان‬

‫قضية العدد‬

‫‪27‬‬

‫أمريـــكا قاب�لـــت هجمـــات الحوثـــي بـــرد منضبـــط دون اســـتهداف‬ ‫مفاـــصل الحـــكم أو تقوـــيض ـــسلطتهم‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬نيڤين مسعد‬

‫اإلعالنات واملراسالت‬ ‫لإلعالن يف املجلة ميكن االتصال بقسم اإلعالن والتسويق على العنوان التالي‪:‬‬ ‫البريد االلكتروني‪info@araa.sa :‬‬ ‫توجه جميع املراسالت إلى مجلة «آراء حول اخلليج» على العنوان التالي‪:‬‬ ‫‪ 1٩‬شارع راية االحتاد‬ ‫ص‪.‬ب‪ ١٠٥٠١ .‬جدة ‪ ٢١٤٤٣‬اململكة العربية السعودية‬ ‫هاتف‪+٩٦٦ ١٢ ٦٥١١٩٩٩:‬‬ ‫فاكس‪+٩٦٦ ١٢ ٦٥٣١٣٧٥ :‬‬ ‫البريد اإللكتروني‪info@araa.sa :‬‬ ‫رقم اإليداع ‪1443/8509‬‬

‫‪ISSN: 1658-9262‬‬

‫العدد (‪)23‬‬

‫ثمن النسخة‬

‫االشتراك السنوي‬

‫اململكة العربية السعودية‪ ٣٥ :‬ري ـ ــا ًال‬ ‫درهما‬ ‫اإلمارات العربية املتحدة‪٣٥ :‬‬ ‫ً‬ ‫‪ ٣٫٥‬دينا ًرا‬ ‫مملكة البحرين‪:‬‬ ‫‪ ٣٥‬ري ـ ـ ــا ًال‬ ‫دولة قطر‪:‬‬ ‫‪ ٣٫٥‬دينا ًرا‬ ‫دولة الكويت‪:‬‬ ‫‪ ٣٫٥‬ري ـ ـ ــا ًال‬ ‫سلطنة عمان‪:‬‬ ‫‪ ٤٫٥‬ديـنــا ًرا‬ ‫األردن‪:‬‬

‫الدول العربية‪:‬‬ ‫الدول األوروبية‪:‬‬ ‫بقية دول العالم‪:‬‬

‫‪ ١٠٠‬دوال ًرا‬ ‫‪ ١١٠‬دوال ًرا‬ ‫‪ ١٢٠‬دوال ًرا‬

‫يرسل طلب االشتراك إلى عنوان املجلة‬ ‫مــع حوالــة مصرفيــة أو شــيك بقيمــة‬ ‫االشــتراك باســم مركز اخلليج لألبحاث‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫العــدد ‪195‬‬ ‫مـــــــــارس ‪2024‬‬

‫‪1‬‬




Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.