مجلة آراء حول الخليج العدد رقم 194 || فبراير 2024

Page 1

www.araa.sa : www.grc.net



‫‪www.araa.sa‬‬

‫وقفة‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫‪145‬‬

‫جرائم إسرائيل تُوقظ ضمير العالم‬

‫جمال أمني همام*‬

‫إســرائيل تؤكــد دائ ًمــا عنــد كل اختبــار يدفعهــا نحــو الســام أنهــا تتمســك‬ ‫بخيــار احلــرب وتنحــاز للحلــول العســكرية‪ ،‬فه ــي ال ترغب يف العيش بســام‪،‬‬ ‫وتثبــت أن بقاءهــا قائــم عل ــى اختالق احلــروب والتصعيد‪ ،‬وهذا توجه اليمني‬ ‫اإلســرائيلي املتطــرف منــذ اإلعــان عــن قيــام إســرائيل يف أربعينيــات القــرن‬ ‫العشــرين‪ ،‬حيــث تتخــذ مــن احلــروب وســيلة حلشــد الداخــل مبــا يجعلــه يف‬ ‫حالــة تأهــب دائمــة ومــن ثــم االلتفــاف حــول احلكومــات الت ــي تزعــم حمايتــه‪،‬‬ ‫وكذلــك تتخــذ مــن حالــة احلــرب وســيلة لتهييــج الــرأي العــام العامل ــي خاصــة‬ ‫الغرب ــي واألمريك ــي ضــد الفلســطينيني والعــرب‪ ،‬لدعمهــا باملــال والســاح‬ ‫والوقــف معهــا يف احملافــل الدوليــة‪ ،‬وتوظيــف القــوى الكبــرى بقيــادة أمريــكا‬ ‫حــق النقــض «الفيتــو» يف مجل ــس األمــن حلمايتهــا مــن أي عقوبــات دوليــة‪،‬‬ ‫بــل ذلــك جعلهــا تســتبيح جميــع القوانــن والقــرارات األمميــة الصــادرة بشــأن‬ ‫الصراع الفلســطيني‪ ،‬كما يحلو إلســرائيل أن تتشــدق يف ظل هذه احلماية‬ ‫الغربيــة‪ /‬األمريكيــة بأنهــا الدولــة الدميوقراطيــة يف الشــرق األوســط‪ ،‬وأنهــا‬ ‫رأس احلربــة التــي حتمــي املصالــح الغربيــة يف املنطقــة ‪ ،‬وتقــدم نفســها‬ ‫عل ــى أنهــا احلمــل الوديــع احملــاط بغابــة مــن الوحــوش‪ ،‬ويســاعدها يف ذلــك‬ ‫أن الصهيونيــة العامليــة متتلــك أدوات الترويــج إلســرائيل وأبــرز هــذه األدوات‬ ‫هــي املــال واإلعــام‪ ،‬إضافــة إلــى التغلغــل يف جماعــات الضغــط ومراكــز‬ ‫الفكــر ومؤسســات صناعــة القــرار الغربيــة عبــر لوب ــي يهــودي نافــذ‪ ،‬وغال ًبــا‬ ‫مــا تســتغل إســرائيل االنتخابــات يف العالــم الغرب ــي كوســيلة للضغــط عل ــى‬ ‫املرشــحني لرئاســة الــدول واحلكومــات وابتزازهــم وهــم يرضخــون لهــذه‬ ‫الضغــوط اســتجابة للنفــوذ اليهــودي واســع التأثيــر يف بالدهــم‪.‬‬ ‫لكــن مؤخــ ًرا وبعــد احلــرب اإلســرائيلية علــى غــزة التــي طالــت وتعــرض‬ ‫الفلســطينيون خاللهــا إل ــى حــرب إبــادة راح ضحيتهــا أكثــر مــن ‪ 25‬ألــف‬ ‫قتيــل وعشــرات اآلالف مــن املصابــن ؛ أكثرهــم مــن األطفــال والنســاء وكبــار‬ ‫الســن‪ ،‬ونــزوح مليــون ونصــف املليــون فلســطيني إلــى العــراء ‪ ،‬وكل ذلــك‬ ‫موثــق بالصــوت والصــورة وعبــر الفضائيــات وكافــة شــبكات وســائل التواصــل‬ ‫االجتماع ــي الت ــي نقلــت مــا يحــدث إل ــى كل مــكان يف العالــم‪ ،‬وســاعد عل ــى‬

‫ذلــك جهــود الــدول العربيــة الت ــي حتركــت جتــاه إنهــاء هــذه احلــرب ووقــف‬ ‫العــدوان بتنظيــم مؤمتــر القمــة للــدول العربيــة واإلســامية املشــترك يف‬ ‫نوفمبــر املاض ــي‪ ،‬وحتــرك اللجنــة الوزاريــة املشــتركة عل ــى الصعيــد العامل ــي‪،‬‬ ‫كل ذلــك خاطــب الــرأي العــام الغربــي يف عقــر داره وأيقظــه مــن ثباتــه‬ ‫العميــق‪ ،‬وجعــل إســرائيل ال تســتطيع التغطيــة علــى جرائمهــا ومتــارس‬ ‫هوايتهــا يف تضليــل العالــم بنقــل صــور مخالفــة ملــا ترتكــب مــن جرائــم‬ ‫بحــق الفلســطينيني املدنيــن العــزل‪ ،‬لذلــك تغيــرت الصــورة وتعاطــف الــرأي‬ ‫العــام الغرب ــي مــع الفلســطينيني‪ .‬وكان مــن نتيجــة هــذه احلــرب أو ًاًل‪ ،‬انقســام‬ ‫املجتمع اإلســرائيلي نفســه وتصديه لسياســات حكومة اليمني املتطرف‪ ،‬بل‬ ‫انقســام احلكومــة اإلســرائيلية نفســها حيــال اســتمرار احلــرب وخســائرها‪،‬‬ ‫وثان ًيــا‪ ،‬حتــرك الغــرب ورمبــا ألول مــرة بهــذه اجلديــة الظاهــرة عل ــى األقــل‪ ،‬أو‬ ‫املجاهــرة بطلــب وقــف احلــرب واحلديــث العلن ــي عــن ضــرورة إقامــة الدولــة‬ ‫الفلســطينية وحــل الدولتــن‪ ،‬وهــذا يف حــد ذاتــه تطــور إيجاب ــي طــرأ عل ــى‬ ‫املعادلــة اإلســرائيلية ‪ /‬الفلســطينية حيــث كان الغــرب يف بدايــة احلــرب‬ ‫مؤيـدًا بشــكل مطلــق ومســاندًا للهجــوم عل ــى غــزة‪ ،‬لكــن حتــت ضغــط الــرأي‬ ‫العــام احلاشــد يف الــدول األوروبيــة وأمريــكا حتــول اخلطــاب السياس ــي إل ــى‬ ‫تبنــي احللــول الســلمية والعــودة للمفاوضــات‪ ،‬وتتحــدث اإلدارة األمريكيــة‬ ‫عــن (حــل الدولتــن) وكذلــك دول أوروبــا إضافــة إل ــى الصــن وروســيا والكثيــر‬ ‫مــن دول العالــم الت ــي تتبن ــى املطالبــة بإيقــاف احلــرب وإدخــال املســاعدات‬ ‫اإلغاثيــة واإلنســانية إل ــى قطــاع غــزة‪ ،‬مــع تفهــم الغــرب إل ــى صعوبــة إجبــار‬ ‫الفلســطينيني عل ــى النــزوح مــن قطــاع غــزة وتهجيرهــم إل ــى خــارج األراض ــي‬ ‫الفلســطينية‪ ،‬ومــن ثــم قفــزت املطالبــات بالتفكيــر يف اليــوم التال ــي النتهــاء‬ ‫احلــرب وتقــدمي الــرؤى حــول مســتقبل قطــاع غــزة‪.‬‬ ‫وهنــا عــادت املبــادرة العربيــة للســام إلــى واجهــة األحــداث كآليــة فعالــة‬ ‫وناجعــة للحــل وحتقيــق الســام‪ ،‬وكذلــك إعــادة طرحهــا يف مؤمتــر دولــي‬ ‫للســام تؤيــده العديــد مــن الــدول الكبــرى يف مقدمتهــا روســيا والصــن‬ ‫والــدول العربيــة واإلســامية‪ ،‬إضافــة إلــى التغيــر يف موقــف اإلدارة‬ ‫األمريكيــة‪ ،‬وعليــه‪ ،‬ويف تلــك املرحلــة الفارقــة مــن الضــروري أن تتضافــر‬ ‫اجلهــود لدفــع الــدول الكبــرى لتبن ــي إعــادة طــرح املبــادرة العربيــة يف مؤمتــر‬ ‫دولــي يجــب اإلعــداد لــه بعنايــة وحشــد املواقــف الدوليــة لتبنــي ســرعة‬ ‫وقــف احلــرب وفــرض خيــار الســام بأســرع وقــت‪ ،‬كمــا يجــب تفعيــل ســاح‬ ‫اإلعــام بــكل أنواعــه إل ــى جانــب التحــرك الدبلوماس ــي العرب ــي وباللغــة الت ــي‬ ‫يفهمهــا الغــرب لتوضيــح حقيقــة مــا تقــوم بــه إســرائيل ؛ مــع االســتمرار يف‬ ‫نقــل مــا يحــدث يف غــزة إل ــى الــرأي العــام العامل ــي بوضــوح وقطــع الطريــق‬ ‫عل ــى إســرائيل يف تضليــل العالــم‪ ،‬كل ذلــك يدعــم املوقــف العرب ــي املتمســك‬ ‫بالســام ورفــض احلــرب والعنــف‪.‬‬ ‫*مدير التحرير‬


‫‪144‬‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫إصدارات‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقدمة حول القضايا والمسائل العالمية‬ ‫السياسات التنموية‬ ‫آراء حول اخلليج‪ :‬جدة‬

‫صــدر عــن دار عمــار للنشــر والتوزيــع بالعاصمــة األردنيــة عمــان كتــاب (السياســات التنمويــة ـ مقدمــة حــول القضايــا‬ ‫واملســائل العامليــة) مــن تأليــف جــون ل ـ ســاينز ‪ ،‬وترجمــة ســمير حمارنــة ‪ ،‬واملؤلــف جــون ل ـ ســاينز هــو أســتاذ حكومــة‬ ‫مشــارك يف جامعــة ووفــورد يف ســبارتنبرغ جنــوب كارولينــا ‪ ،‬وحاصــل علــى شــهادة الدكتــوراه يف العلــوم السياســية مــن‬ ‫جامعــة وسنكســون ـ ماديســون ‪ ،‬وأمض ــى ‪ 11‬عا ًمــا يعمــل مــع منظمــات ذات اهتمــام بالتنميــة االقتصاديــة والسياســية يف‬ ‫العالــم الثالــث‪ ،‬وقادتــه أعمالــه ومســؤولياته للعمــل يف كوريــا اجلنوبيــة‪ ،‬إيــران‪ ،‬البرازيــل‪ ،‬ليبيريــا ‪ ،‬وباكســتان‪.‬‬ ‫ويركــز الكتــاب عل ــى الــدور الــذي تلعبــه السياســة يف حــل مشــاكل رئيســية معينــة واكبــت التطــور االقتصــادي يف معظــم‬ ‫البلــدان املتطــورة واألقــل تطــو ًرا‪ ،‬وتشــمل السياســة مــن منظــوره اجلهــود املبذولــة لتمكــن الشــعب مــن العيــش كمجتمــع‪،‬‬ ‫وتــؤدي هــذه اجلهــود إل ــى صنــع القــرارات الت ــي يلتــزم بهــا جميــع أعضــاء املجتمــع‪ ،‬واحلكومــة ه ــي املؤسســة الوحيــدة يف‬ ‫املجتمعــات احلديثــة الت ــي متتلــك احلــق يف اســتعمال العقــاب لترغــم النــاس عل ــى إطاعــة قراراتهــا‪.‬‬ ‫والتنميــة مــن وجهــة نظــر املؤلــف تعنــي النمــو االقتصــادي باإلضافــة إلــى التغيــرات االجتماعيــة التــي ســببها النمــو أو واكبتــه‪ ،‬وكان الشــائع يف‬ ‫اخلمســينات والســتينيات مــن القــرن العشــرين أن التفكيــر يف التنميــة يكــون ضمــن إطــار االقتصــاد فقــط‪ ،‬وبالنســبة للكثيــر مــن رجــال االقتصــاد‬ ‫وعلمــاء السياســة واملســؤولني احلكوميــن كانــت تعن ــي التنميــة زيــادة الدخــل لألفــراد أو زيــادة النــاجت احملل ــي اإلجمال ــي وإجمال ــي البضائــع واخلدمــات‬ ‫املنتجــة‪ ،‬ولكــن أدرك النــاس أنــه إذا أرادوا التنميــة االقتصاديــة‪ ،‬فإنــه البــد لهــم مــن املزيــد مــن االهتمــام بالتأثيــرات الت ــي تركهــا النمــو االقتصــادي‬ ‫عل ــى العوامــل االجتماعيــة‪.‬‬ ‫ويقــول املؤلــف «ذهبــت كموظــف يف حكومــة الواليــات املتحــدة إل ــى إيــران والبرازيــل وليبيريــا وباكســتان للمســاعدة يف تطويرهــا‪ ،‬وأصبــت بخيبــة أمــل‬ ‫عندمــا أدركــت أننــا لــم نعــرف نقــدم العــون واملســاعدة لهــذه الــدول للتخفيــف مــن الفقــر الواســع االنتشــار فيهــا ‪ ،‬ولقــد زادت خيبــة األمــل عندمــا‬ ‫نظــرت إل ــى بلــدي وأدركــت أن لديهــا مشــاكلها اخلاصــة الت ــي لــم تعمــل أو تنجــح يف حلهــا‪.‬‬ ‫ويلق ــي الكتــاب نظــرة عل ــى بعــض القضايــا األكثــر أهميــة والت ــي ترتبــط بالتنميــة والتطــور‪ ،‬إن الفقــر الواســع االنتشــار‪ ،‬واالنفجــار الســكاني‪ ،‬ونقــص‬ ‫الغــذاء والتلــوث واســتنزاف املــوارد ونقــص الطاقــة تعتبــر مســائل وقضايــا تنمويــة‪ ،‬وأوضــح املؤلــف أنــه يتمن ــى أن يكــون هــذا الكتــاب مفيـدًا للقــارئ يف‬ ‫فهــم بعــض القضايــا واملســائل العامليــة واخليــارات السياســية املرتبطــة بهــذه القضايــا‪.‬‬ ‫ويضم الكتاب أقسام رئيسية وأخرى فرعية والرئيسية جاءت حتت عناوين‪:‬‬ ‫ــ ثروة الشعوب وفقرها ـ السكان والتنمية ـ الغذاء والتنمية ـ الطاقة والتنمية ـ البيئة والتنمية ـ التكنولوجيا والتنمية ـ البدائل املستقبلية‪.‬‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫الرأي‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫‪143‬‬

‫تمكيـــن ‪ 10‬شـــركات ناشـــئة لتنميـــة وتطويـــر قـــدرات األطفـــال‬ ‫واليافعيــن يف كتابــة ورســم وروايــة القصــص ومختلــف المهــارات األدبيــة‬ ‫¦مجلة التحليل املالي والكمي‪.‬‬ ‫¦مجلة التاريخ االقتصادي‪.‬‬ ‫¦املراجعة السنوية للغويات التطبيقية‪.‬‬ ‫¦املجلة التاريخية‪.‬‬ ‫¦املجلة األوروبية لتنظيم املخاطر‪.‬‬ ‫¦العصور القدمية‪.‬‬ ‫¦املنظمة الدولية‪.‬‬ ‫¦التحليل السياسي‪.‬‬ ‫¦مجلة السياسات االجتماعية‪.‬‬ ‫¦السياسات العاملية‪.‬‬ ‫ترجــم يف اململكــة العربيــة الســعودية ‪ 450‬كتا�بـًا طب ً​ًقــا ألرقــام اإليــداع يف‬ ‫مكتبــة امللــك فهــد الوطنيــة‪ ،‬لكــن مــن املرجــح أن عــدد الكتــب املترجمــة‬ ‫يزيــد عــن ذلــك‪ ،‬ويرجــح أنهــا تصــل إلــى ‪ 500‬عنــوان لكثافــة برامــج‬ ‫الترجمــة يف الســعودية‪ ،‬فتصاريــح الترجمــة الصــادرة خالل ‪2021/2020‬م‬ ‫تصــل إلــى ‪ 500‬تصريــح‪ ،‬إذا أضفنــا أعمــال مترجمــة ال حتصــل علــى‬

‫أرقــام إيــداع يصبــح رقــم ‪ 500‬منطق ً​ًيــا‪ ،‬وال يدخــل يف هــذا الرقــم‬ ‫الكتــب املترجمــة مــن العربيــة للغــات األخــرى والتــي يبلــغ عددهــا ‪،350‬‬ ‫واجملالت املترجمــة مــن اإلجنليزيــة إلــى العربيــة علــى ســبيل املثــال‪.‬‬ ‫تتعــدد اللغــات التــي يجــري الترجمــة منهــا إلــى العربيــة فتتركــز بصــورة‬ ‫أساســية علــى اإلجنليزيــة‪ ،‬ثــم الفرنســية التــي ترجــم منهــا ‪ 31‬كتا ً​ًبــا‪،‬‬ ‫ثــم ترجــم مــن األملانيــة ‪ 19‬كتا ً​ًبــا‪ ،‬ثــم أعــداد قليلــة مــن الروســية‬ ‫واإليطاليــة والصينيــة ثــم اليابانيــة ثــم اإلســبانية‪.‬‬

‫*باحث متخصص يف الرتاث والتاريخ‬


‫‪142‬‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫الرأي‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫الكتــب املنشــورة يف بعــض دور النشــر الســعودية خــال‬ ‫الســنوات مــن ‪ 2019‬إلــى ‪2021‬‬ ‫مالحظات‬ ‫‪2021 2020‬‬ ‫‪2019‬‬ ‫دار النشر‬ ‫‪ 77‬بدأت النشر يف‬ ‫‪110‬‬ ‫‪50‬‬ ‫دار الرائدية‬ ‫آخر ‪2016‬م‬ ‫‪39‬‬ ‫‪31‬‬ ‫‪43‬‬ ‫العبيكان‬

‫«منــح الترجمــة» الت ــي تقدمهــا الهيئــة لــدور النشــر الســعودية وفــق‬ ‫آليــة تضمــن تنفيــذ مــواد مترجمــة عاليــة اجلــودة يتــم مــن خاللهــا‬ ‫دعــم املؤلــف واملترجــم والناشــر الســعودي‪ ،‬ومت إصــدار ‪ 222‬كتــاب إل ــى‬ ‫نهايــة ‪2021‬م يف إطــار هــذه املنــح‪ ،‬الكتــب متيــزت بتنــوع املوضوعــات‬ ‫ً‬ ‫فضــا عــن الترجمــة مــن العربيــة إلــى‬ ‫واللغــات املترجــم منهــا‪،‬‬ ‫اإلجنليزيــة‪.‬‬

‫مركز الترجمة «جامعة امللك سعود»‬ ‫يعــد مركــز الترجمــة يف جامعــة امللــك ســعود مــن مراكــز الترجمــة‬ ‫العربيــة املتميــزة‪ ،‬وبالرغــم مــن إنتاجــه املنشــور ذا املســتوى اجليــد‬ ‫مــن حيــث الترجمــة‪ ،‬إال أن انتشــار مطبوعاتــه ليــس بالدرجــة الت ــي‬ ‫تــوازي جــودة املطبوعــات مــن حيــث املوضوعــات املتنوعــة والترجمــة‪،‬‬ ‫ويعــود هــذا إل ــى كونــه مركــز يخضــع لقواعــد اجلامعــة‪ ،‬ولــذا فــإن أول‬ ‫خطــوة يجــب أن تؤخــذ مــن قبــل اجلامعــة هــو حتويلــه لــدار نشــر‬ ‫عل ــى غــرار دور النشــر يف اجلامعــات الكبــرى‪ ،‬إن نظــرة عل ــى أرقــام‬ ‫الكتــب املترجمــة مــن قبــل املركــز تكشــف عــن حجــم الكتــب املترجمــة‬ ‫مــن قبــل املركــز‪:‬‬ ‫عدد الكتب‬ ‫السنة‬ ‫‪49‬‬ ‫‪2015‬‬ ‫‪67‬‬ ‫‪2016‬‬ ‫‪70‬‬ ‫‪2017‬‬ ‫‪80‬‬ ‫‪2018‬‬ ‫‪50‬‬ ‫‪2018‬‬ ‫‪50‬‬ ‫‪2019‬‬ ‫‪50‬‬ ‫‪2020‬‬ ‫‪2021‬‬ ‫مــن الواضــح أن املركــز تراجــع عــدد الكتــب املترجمــة مــن قبلــه نســب ًيا‬ ‫بســبب جائحــة كورونــا مــن ‪ 80‬كتا ًبــا عــام ‪ 2018‬إل ــى ‪ 50‬كتا ًبــا عــام‬ ‫‪2020‬م‪ ،‬وإن كان نشــر ‪ 50‬كتا ًبــا عــام ‪2019‬م‪ ،‬ولكــن قيمــة مــا ينشــر مــن‬ ‫حيــث املوضوعــات هــو األهــم إذ أن املركــز تصــدى لترجمــة كتــب يف‬ ‫مجــاالت أكادمييــة صعبــة حتتــاج إلــى تعريــب للمصطلحــات مثــل‪:‬‬ ‫أساســيات الفيزيــاء للكيميائيــن‪ ،‬مقيــاس الضغــط‪ ،‬البوليمــرات‪،‬‬ ‫النانويــة وغيرهــا يف مجــاالت الطــب وطــب األســنان‪ ،‬كمــا أن ترجماتــه‬ ‫يف مجــاالت العلــوم اإلنســانية متيــزت بالتطــرق ملوضوعــات مهمــة‬ ‫وأساســية للباحثــن مثــل‪ :‬املفاهيــم األساســية يف السياســة‪ ،‬كتابــة‬ ‫التاريــخ وغيرهــا‪.‬‬

‫لكــن األهــم يف مشــروع الترجمــة لهيئــة األدب والنشــر والترجمــة‬ ‫الســعودية مشــروع ترجمــة الدوريــات األكادمييــة الــذي أتــاح حتــى‬ ‫نهايــة ‪2021‬م ترجمــة عــدد ‪ 42‬دوريــة أكادمييــة رفيعــة املســتوى إل ــى‬ ‫اللغــة العربيــة‪ ،‬وهــي بهــذا تقــدم خدمــة غيــر مســبوقة يف حركــة‬ ‫الترجمــة إلــى العربيــة وهــذه الدوريــات هــي‪:‬‬ ‫¦مجلة مكتبات الكليات والبحوث‪.‬‬ ‫¦مجلة دراسات يف القصص املصورة‪.‬‬ ‫¦مجلة دراسات املسرح التطبيقي‪.‬‬ ‫¦مجلة العالج بالدراما‪.‬‬ ‫¦مجلة التقدم يف الدراسات اللغوية واألدبية‪.‬‬ ‫¦املجلة الدولية للحوسبة املعمارية‪.‬‬ ‫¦مجلة إدارة التراث الثقايف‪.‬‬ ‫¦مجلة الدراسات التجريبية للفنون‪.‬‬ ‫¦مجلة دراسات اللغة‪.‬‬ ‫¦مجلة األغذية العرقية‪.‬‬ ‫¦مجلة االتصال اللغوي‪.‬‬ ‫¦مجلة دراسات األفالم القصيرة‪.‬‬ ‫¦مجلة املسرح الهندي‪.‬‬ ‫¦مجلة الكتابة يف املمارسة اإلبداعية‪.‬‬ ‫¦مجلة معلمي املوسيقى‪.‬‬ ‫¦مجلة الدراسات البحثية يف التعليم املوسيقي‪.‬‬ ‫¦مجلة االحتاد الدولي جلمعيات ومؤسسات املكتبات‪.‬‬ ‫¦مجلة اللغة واللغويات واألدب‪.‬‬ ‫¦مجلة أبحاث البرمجيات املفتوحة‪.‬‬ ‫¦املجلة الدولية ألبحاث الثقافة والسياحة والضيافة‪.‬‬ ‫¦أوربت‪ :‬مجلة األدب األمريكي‪.‬‬ ‫¦مجلة تقنية املعلومات واملكتبات‪.‬‬ ‫¦رؤى‪ :‬مجلة مجموعة الدوريات البريطانية‪.‬‬ ‫¦مجلة آفاق املكتبة الرقمية‪.‬‬ ‫¦مجلة أنثروبولوجيا الغذاء‪.‬‬ ‫¦مجلة علم اجلمال والثقافة‪.‬‬ ‫¦مجلة علم التصميم‪.‬‬ ‫¦مجلة املوضة واملنسوجات‪.‬‬ ‫¦املجلة الدولية ألبحاث الترجمة والترجمة الفورية‪.‬‬ ‫¦املجلة البريطانية للتعليم املوسيقي‪.‬‬ ‫¦مجلة مكتبات الفنون‪.‬‬

‫إن مــن املتوقــع خــال الســنوات القادمــة منــو حركــة الترجمــة يف‬ ‫اململكــة العربيــة الســعودية‪ ،‬لقــد بــرزت العديــد مــن دور النشــر‬ ‫الســعودية يف مجــال الترجمــة وكانــت ه ــي إل ــى ســنوات حتمــل شــعلة‬ ‫الترجمــة يف اململكــة خاصــة العبيــكان وجريــر‪ ،‬ويأت ــي احلافــز املضــاف‬ ‫مــن إطــاق هيئــة األدب والنشــر والترجمــة مبــادرة ترجــم‪ ،‬تســتهدف‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫حتتــوي عل ــى صــور ورســومات‪ ،‬ســيؤدي هــذا البرنامــج إل ــى تنافســية‬ ‫ً‬ ‫فضــا عــن تعزيــز‬ ‫ســعودية متميــزة يف مجــال النشــر الرقمــي‪،‬‬ ‫ً‬ ‫فضــا عــن دعــم الناشــر‬ ‫تنافســية الســعودية يف احملتــوى الرقمــي‬ ‫الســعودي يف بيئــات التحــول الرقمــي‪.‬‬ ‫كمــا تســتعد الهيئــة إلطــاق برامــج أخــرى لكتــب األطفــال واليافعــن‬ ‫لتمكــن ‪ 10‬شــركات ناشــئة تعن ــى بتنميــة وتطويــر قــدرات األطفــال‬ ‫واليافعــن يف كتابــة ورســم وروايــة القصــص ومختلــف املهــارات‬ ‫األدبيــة‪ ،‬بتطبيــق أفضــل املمارســات العاليــة مــن خــال التوجيــه‬ ‫ً‬ ‫فضــا عــن تقــدمي املنــح املاليــة للمســاهمة يف تنميــة‬ ‫والتدريــب‪،‬‬ ‫وتطويــر الشــركات يف هــذا املجــال‪.‬‬ ‫إن املســح لــدور النشــر الســعودية يظهــر قــدرات متفاوتــة يف التعامــل‬ ‫مــع جائحــة كورونــا‪ ،‬لكــن هنــاك دور نشــر لديهــا ميــزات نســبية‬ ‫«جريــر‪ /‬العبيــكان» بســبب عملهــا يف إطــار مؤسســي‪ ،‬فالعبيــكان‬ ‫بالرغــم مــن تراجــع عــدد الكتــب املنشــورة لديهــا‪:‬‬ ‫الكتب املنشورة يف العبيكان‬ ‫السنة‬

‫عدد الكتب‬

‫‪2019‬‬

‫‪43‬‬

‫‪2020‬‬

‫‪31‬‬

‫‪2021‬‬

‫‪39‬‬

‫ً‬ ‫فضــا عــن‬ ‫إال أن إطــاق الــدار منصــة كتــب رقميــة خاصــة بهــا‬ ‫تعاملهــا مــع عــدد مــن املنصــات مثــل‪ :‬نــون‪ ،‬أمــازون‪ ،‬رواق الكتــب‪،‬‬ ‫النيــل والفــرات‪ ،‬فورديــل‪ ،‬ديبوســترى‪ ،‬فضـ ًـا عــن بنــاء خطــط التســليم‬ ‫الســريع لطلبــات الكتــب عبــر اإلنترنــت‪ ،‬وممــا ســاعد عل ــى فاعليــة‬ ‫الــدار قدرتهــا عل ــى الطباعــة حتــت الطلــب للكتــب النافــذة‪ ،‬هــذا كلــه‬ ‫قــاد الــدار إل ــى حتقيــق زيــادة قدرهــا ‪ %5‬يف عــام ‪2020‬م‪ ،‬يف توزيــع‬ ‫الكتــاب الورقــي لتقفــز إلــى ‪ %26‬يف ‪2021‬م‪.‬‬ ‫وعل ــى جانــب آخــر متثــل جريــر للنشــر والتوزيــع واح ـدًا مــن أهــم دور‬ ‫النشــر الســعودية‪ ،‬نشــرت جريــر منــذ إطــاق نشــاطها كناشــر أكثــر‬ ‫مــن ‪ 5000‬عنــوان‪ ،‬مبعــدل ســنوي يقــرب مــن ‪ 300‬عنــوان وذلــك منــذ‬ ‫عــام ‪1974‬م‪ ،‬وجلريــر سلســلة مــن املكتبــات تعطيهــا ميــزة نســبية‪،‬‬ ‫وهــي تعــد مــن أفضــل سالســل توزيــع الكتــب العربيــة مــن حيــث‬ ‫الكفــاءة والنشــاط‪ ،‬وتتركــز يف الســعودية وعــدد مــن الــدول العربيــة‬ ‫خاصــة منطقــة اخلليــج العربــي‪.‬‬ ‫تتنــوع إصــدارات جريــر بــن الكتــب األدبيــة وكتــب األطفــال والترجمــة‬ ‫الت ــي متيــزت بهــا‪ ،‬خاصــة ترجمــة الكتــب السياســية والســير‪.‬‬ ‫ويدخــل فضــاء النشــر يف الســعودية دور نشــر جديــدة جتــدد الدمــاء‬

‫الرأي‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫‪141‬‬

‫يف حركــة النشــر‪ ،‬فالــدار الرائديــة بــدأت إصــدار كتبهــا عــام ‪2017‬م‪،‬‬ ‫ومــن املالحــظ زيــادة عــدد إصداراتهــا طب ًقــا للجــدول التال ــي‪:‬‬ ‫عدد الكتب‬ ‫السنة‬ ‫‪50‬‬ ‫‪2019‬‬ ‫‪110‬‬ ‫‪2020‬‬ ‫‪77‬‬ ‫‪2021‬‬ ‫أطلقــت الــدار متجــ ًرا رقم ًيــا أثنــاء جائحــة كورونــا عــززت خدمــات‬ ‫التوصيــل عبــر حملــة «التوصيــل للمنــزل جلميــع أنحــاء اململكــة» وهــو‬ ‫ً‬ ‫فضــا عــن عــروض‬ ‫مــا ســاعدها علــى زيــادة قدرتهــا التنافســية‪،‬‬ ‫اخلصومــات الت ــي تعــزز هــذه القــدرة‪.‬‬ ‫إن أهــم قــرار صــدر يف عــام ‪2021‬م‪ ،‬يف اململكــة العربيــة الســعودية‬ ‫هــو القــرار الــذي أصــدره دكتــور ماجــد القصبــي وزيــر اإلعــام‬ ‫الســعودي املكلــف‪ ،‬رئيــس الهيئــة العامــة لإلعــام املرئ ــي واملســموع‪،‬‬ ‫إجــراء تعديــات جوهريــة عل ــى الالئحــة التنفيذيــة لنظــام املطبوعــات‬ ‫والنشــر‪ ،‬وتنــص تلــك التعديــات عل ــى إطــاق خدمــة الفســح الفــوري‬ ‫املباشــر للمطبوعــات اخلارجيــة اإللكترونيــة‪ ،‬وإتاحتهــا للقطــاع العــام‬ ‫واخلــاص‪ ،‬واعتمــد إضافــة مــادة جديــدة علــى الالئحــة التنفيذيــة‬ ‫لنظــام املطبوعــات والنشــر بعنــوان «ضوابــط إجــازة الكتــب غيــر‬ ‫الورقيــة املنشــورة خارج ًيــا» حتــت فصــل املطبوعــات اخلارجيــة‪.‬‬ ‫واشــترطت التعديــات اجلديــدة إلجــازة أي كتــاب يف اململكــة ســبق‬ ‫نشــره خارجهــا االلتــزام بتقــدمي نســخة إلكترونيــة إلجازتــه للــوزارة‬ ‫عبــر منصتهــا اإللكترونيــة‪ ،‬وأقــرت التعديــات اجلديــدة علــى‬ ‫الالئحــة التنفيذيــة للنظــام قيــام اجلهــة املعنيــة يف الــوزارة بتطبيــق‬ ‫مبــدأ الرقابــة الالحقــة علــى جميــع املطبوعــات اخلارجيــة‪ ،‬هــذا‬ ‫القــرار يتواكــب مــع العصــر وتطوراتــه‪ ،‬بــل لــه دور يف إنعــاش الكتــاب‬ ‫العرب ــي‪ ،‬حيــث تعتبــر الســعودية أهــم وأكبــر ســوق للكتــاب العرب ــي‬ ‫وهــذه التعديــات ســيكون لهــا نتائــج إيجابيــة عل ــى النحــو التال ــي‪:‬‬ ‫¦تســهيل إجــراءات الفســح علــى املؤلفــن والناشــرين وموزعــي‬ ‫الكتــب‪.‬‬ ‫¦تنميــة قطــاع جتــارة الكتــب اإللكترونيــة وإثــراء منافــذ التوزيــع‬ ‫الســعودية باحملتــوى املتميــز فــور صــدوره‪.‬‬ ‫¦تشكل دع ًما مباش ًرا لدور النشر السعودية‪.‬‬ ‫¦تطبيــق الفســح الفــوري يهــم يف احلــد مــن القرصنــة والتحايــل‬ ‫وتســرب املســتخدمني إل ــى املتاجــر العامليــة‪.‬‬


‫‪140‬‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫الرأي‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫النشر والكتاب في المملكة العربية السعودية‬

‫تزايد اإلنتاج المعريف يف السعودية لوضوح‬ ‫حقوق المؤلف ‪ ..‬وترجمة ‪ 42‬دورية للعربية‬ ‫تعــد اململكــة العربيــة الســعودية أحــد أقــوى الــدول العربيــة الت ــي لديهــا صناعــة نشــر متطــورة ولديهــا قــدرات تنافســية عاليــة‪،‬‬ ‫يســاعدها عل ــى ذلــك العديــد مــن العوامــل‪ ،‬كان أبرزهــا دور الدولــة الداعــم ثــم عــدد الســكان الــذي يصــل إل ــى ‪ 34.8‬مليــون‬ ‫نســمة مــع قــدرات شــرائية عاليــة‪ ،‬فضـ ًـا عــن شــبكة مكتبــات جامعيــة وعامــة تعــد جيــدة‪ ،‬حيــث يبلــغ عــدد اجلامعــات‬ ‫الســعودية احلكوميــة ‪ 29‬جامعــة واخلاصــة واألهليــة ‪ 14‬جامعــة‪ ،‬فضـ ًـا عــن املعاهــد العليــا الت ــي يزيــد عددهــا عــن ‪ 21‬معهـدًا‪.‬‬ ‫صــدر يف الســعودية ‪ 16500‬كتــاب خــال عام ــي ‪2021/2020‬م وكانــت الســعودية قــد أصــدرت عــدد ‪ 8121‬كتا ًبــا يف عــام ‪2019‬م‪،‬‬ ‫هــذا مــا يؤشــر أن حركــة النشــر يف الســعودية لــم تتأثــر بكورونــا مــن حيــث متوســط إصــدارات الكتــب ســنو ًيا‪ ،‬لكــن ً‬ ‫أيضــا لــم‬ ‫تشــهد النمــو الــذي كان متوق ًعــا لهــا‪ ،‬خاصــة أن معــدالت منــو عــدد اإلصــدارات كان يف تصاعــد مســتمر منــذ عــام ‪ 2018‬م‪،‬‬ ‫حيــث صــدر يف الســعودية ‪ 4220‬كتا ًبــا يف هــذا العــام‪ ،‬يبلــغ عــدد دور النشــر يف الســعودية ‪ 572‬احلكوميــة منهــا ‪ 35‬دار نشــر‪.‬‬ ‫متاســك صناعــة النشــر يف الســعودية انعك ــس عل ــى متوســط عــدد النســخ املطبوعــة مــن كل كتــاب إذ يتــراوح بــن ‪ 1000‬إل ــى‬ ‫‪ 5000‬نســخة‪ ،‬يف حــن جلــأت دور النشــر يف عــدد كبيــر مــن الــدول العربيــة إل ــى خفــض عــدد النســخ املطبوعــة ليتــراوح بــن‬ ‫‪ 50‬إل ــى ‪ 100‬نســخة بالطباعــة حتــت الطلــب‪ ،‬وعــدد النســخ يف الطباعــة األكثــر انتشــا ًرا بــن ‪ 500‬إل ــى ألــف نســخة‪.‬‬

‫د‪ .‬خالد عزب‬

‫إن تزايــد اإلنتــاج املعــريف يف اململكــة العربيــة الســعودية يعــود إلــى‬ ‫وضــوح حقــوق املؤلــف‪ ،‬وتتنــوع طــرق حصــول املؤلــف عل ــى حقوقــه مــا‬ ‫بــن نســبة مــن ســعر الغــاف تتــراوح بــن ‪ %10‬إل ــى ‪ %30‬واألخيــرة‬ ‫ً‬ ‫فضــا عــن الشــراء القطعــي حلقــوق الكتــاب‬ ‫هــي األعلــى عرب ًيــا‪،‬‬ ‫مــرة واحــدة وه ــي تقــدر بـ ـــ ‪ 60‬ريــال إل ــى ‪ 120‬ريــال للصفحــة طبقــاً‬ ‫لشــهرة املؤلــف وقيمــة منتجــه ‪ ...‬إلــخ‪ ،‬هــذا مــا جعــل اإلنتــاج املعــريف‬ ‫يف الســعودية يتصاعــد وخاصــة مــع ازدهــار األدب بأشــكاله خاصــة‬ ‫الروايــة وأدب الرحــات ثــم الكتــب املترجمــة يف الســعودية‪.‬‬ ‫شــهد شــهر فبرايــر ‪2020‬م إطــاق هيئــة األدب والنشــر والترجمــة‬ ‫لتضطلــع مبهــام إدارة قطاعــات األدب والنشــر واملســاهمة يف حتقيــق‬ ‫تطلعــات رؤيــة الســعودية ‪ ،2030‬وســتقوم الهيئــة بتنظيــم قطاعــات‪:‬‬ ‫األدب‪ ،‬النشــر‪ ،‬الترجمــة‪ ،‬وحــددت الهيئــة أهدافهــا االســتراتيجية‬ ‫لقطــاع النشــر عل ــى النحــو التال ــي‪:‬‬ ‫¦دعم انتشار الكتاب السعودي محل ًيا وعامل ًيا‪.‬‬

‫¦تطوير معارض الكتاب السعودية واالرتقاء بها‪.‬‬ ‫¦تطويــر قــدرات دور النشــر الســعودية ورفــع تنافســيتها إقليم ًيــا‬ ‫وعامل ًيــا‪.‬‬ ‫¦زيادة حجم االستثمار يف سوق النشر السعودي‪.‬‬ ‫¦تنظيم سوق النشر احمللي وحتسني بيئة األعمال‪.‬‬ ‫هــذا يعن ــي أن هنــاك إدراك مــن الهيئــة أن صناعــة النشــر تقــوم عل ــى‬ ‫جناحــن النشــر اخلــاص والنشــر احلكوم ــي «جامعــات ومؤسســات»‬ ‫ممــا يعن ــي أن رؤيــة الهيئــة تقــوم عل ــى برامــج حتفيزيــة للنشــر‪ ،‬لــذا‬ ‫ســرعان مــا أطلقــت عــد ًدا مــن البرامــج التحفيزيــة ومت إطــاق مــا يل ــي‪:‬‬ ‫مســار رقمنــة الكتــب‪ :‬يعن ــي هــذا البرنامــج بتقــدمي منــح لــدور النشــر‬ ‫الســعودية لتغطيــة تكاليــف حتويــل الكتــب الورقيــة إل ــى كتــب رقميــة‬ ‫بصيــغ تتــاءم مــع املنصــات الرقميــة األكثــر انتشــا ًرا ومــع أجهــزة‬ ‫القــراءة الرقميــة‪ ،‬صمــم املشــروع لينفــذ عل ــى عــدة مراحــل انطلقــت‬ ‫أول ــى مراحلــه يف عــام ‪ 2022‬وســتمتد إل ــى عــام ‪2025‬م‪ ،‬هــذه املرحلــة‬ ‫مخصصــة للكتــب النصيــة مثــل الكتــب األدبيــة والروايــات التــي ال‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫‪139‬‬

‫ملف العدد‬

‫أهمية استثمار المجتمع الدويل رأس المال السياسي الالزم لتنفيذ الحل‬ ‫السياســي للمطلــب الفلســطيني وتكــون المبــادرة العربيــة عنصـ ًرا محور ًيــا‬ ‫االقتصاديــة خــال العمليــة السياســية برمتهــا مــن أجــل تهيئــة بيئــة‬ ‫أكثــر اســتقرا ًرا للمفاوضــات‪ ،‬وضمــان االســتقرار‪ ،‬والظــروف املواتيــة‬ ‫لعمليــة ســام بنــاءة‪ .‬ومــن شــأن التنســيق الوثيــق مــع دول مجلــس‬ ‫التعــاون اخلليجــي علــى هــذه اجلبهــة أن يضمــن فعاليــة برامــج‬ ‫املســاعدات االقتصاديــة يف املســاهمة يف ترتيبــات احلكــم الــذي ينعــم‬ ‫باالســتقرار‪.‬‬ ‫ً‬ ‫عامــا مه ًمــا‬ ‫ســيادة القانــون واحلوك مــة‪ :‬ســيكون االحتــاد األوروبــي‬ ‫حينمــا يتعلــق األمــر بضمــان العمــل علــى تعزيــز ســيادة القانــون‬ ‫واحلكــم الرشــيد يف األراضــي الفلســطينية‪ ،‬إلــى جانــب تدعيــم‬ ‫املؤسســات التــي ســيكون دورهــا محوريــا يف مســيرة إقامــة الدولــة‬ ‫الفلســطينية املســتقبلية‪ .‬ومــن املرجــح أن تســتغل إســرائيل كل‬ ‫فرصــة ك ــي تزعــم عــدم وجــود شــريك فلســطيني للعمــل معــه أو أن‬ ‫الفلســطينيني يعجــزون عــن تلبيــة متطلبــات احلكومــة اخلاضعــة‬ ‫للمســاءلة‪ .‬بالتال ــي‪ ،‬ســيكون لالحتــاد األوروب ــي دور حاســم يف ضمــان‬ ‫عــدم الســماح ملثــل هــذه احلجــج أن تقــوض العمليــة برمتهــا‪.‬‬ ‫تشــجيع التعــاون اإلقليمــي‪ :‬كمــا اتضــح مــن خــال « جهــود يــوم‬ ‫ال س ــام‪ :‬جهــد مــن أجــل الســام يف الشــرق األوســط»‪ ،‬الت ــي مت اإلعالن‬ ‫عنهــا خــال اجتمــاع اجلمعيــة العامــة لــأمم املتحــدة لعــام ‪2023‬م‪،‬‬ ‫ميكــن لالحتــاد األوروبــي أن يكــون محــاو ًرا فعــاال لتشــجيع التعــاون‬ ‫والتنســيق اإلقليميــن بــن الــدول العربيــة بهــدف توطيــد الدعــم‬ ‫ملبــادرة الســام العربيــة‪ .‬وممــا ال شــك فيــه أن هــذه اجلهــود التعاونيــة‬ ‫ســتعزز تأثيــر املبــادرة وتخلــق جبهــة موحــدة شــاملة للســام‪.‬‬ ‫املراق بــة والدع ــوة‪ :‬ســيكون لالحتــاد األوروب ــي دور أساس ــي يف مراقبــة‬ ‫التطــورات يف املنطقــة والدعــوة بشــكل صــارم إل ــى االلتــزام بالقانــون‬ ‫الدول ــي ومعاييــر حقــوق اإلنســان بوجــه عــام‪ .‬يشــمل ذلــك معاجلــة‬ ‫القضايــا مثــل‪ :‬املســتوطنات‪ ،‬ووضــع مدينــة القــدس‪ ،‬والالجئــن‪ .‬ومــن‬ ‫الالفــت أن االحتــاد األوروب ــي كان قــد اقتــرح بالفعــل فــرض عقوبــات‬ ‫عل ــى املســتوطنني اإلســرائيليني املتطرفــن يف الضفــة الغربيــة‪.‬‬

‫األوروب ــي بشــكل منفــرد يف أعقــاب أحــداث الســابع مــن أكتوبــر عــن‬ ‫انقســامات أوروبيــة عميقــة وأعــادت التأكيــد مــرة أخــرى عل ــى الثغــرات‬ ‫ونقــاط الضعــف الت ــي تظهــر عندمــا يتعلــق األمــر مبمارســة االحتــاد‬ ‫األوروب ــي دو ًرا اســتراتيج ًيا يف العالقــات الدوليــة‪ .‬ويعــد جتــاوز هــذه‬ ‫االنقســامات عمليــة بالغــة الصعوبــة الســيما يف عـ ٍـام مــن املقــرر أن‬ ‫يشــهد انعقــاد االنتخابــات األوروبيــة‪ ،‬ممــا يهــدد بحــدوث مزيــد مــن‬ ‫االســتقطاب‪ .‬إال أن املمثــل األعل ــى لالحتــاد األوروب ــي جوزيــف بوريــل‬ ‫أكــد بشــكل قاطــع أنــه‪« :‬إذا لــم ينجــح االحتــاد األوروبــي‪ ،‬فســنكون‬ ‫بالتأكيــد يف دوامــة مــن العنــف والكراهيــة املتبادلــة ألجيــال»‪.‬‬ ‫ثان ًيــا‪ ،‬ينبغــي أن يصيــغ االحتــاد األوروبــي مطالبــه اخلاصــة فيمــا‬ ‫يتعلــق بسياســة الشــرق األوســط وأن يــدرك أنــه لــم يعــد بوســعه‬ ‫االنتظــار حتــى تبــادر الواليــات املتحــدة بالتصــرف الصحيــح‪ .‬فــإن‬ ‫الواليــات املتحــدة لديهــا مصاحلهــا اخلاصــة التــي تريــد حتقيقهــا‬ ‫عندمــا يتعلــق األمــر بالصــراع الفلسطيني‪-‬اإلســرائيلي وهــذه املصالــح‬ ‫ال تتوافــق يف كافــة املجــاالت مــع مصالــح االحتــاد األوروبــي‪ .‬لذلــك‬ ‫البــد مــن االعتــراف بهــذا األمــر والعمــل عل ــى حتقيقــه إذا أردنــا أن‬ ‫ً‬ ‫فصــا جديــدًا للســام يف الشــرق األوســط‪.‬‬ ‫نســطر‬ ‫أخي ـ ًرا‪ ،‬يتعــن عل ــى االحتــاد األوروب ــي تعميــق عالقاتــه مــع شــركائه‬ ‫العــرب والقيــام بــدور أفضــل يف اإلصغــاء لتقييم حلفائــه داخل املنطقة‬ ‫لألوضــاع إذا مــا أراد اعتمــاد نهــج موضوع ــي ومثمــر‪ .‬وبالعــودة إل ــى‬ ‫عــام ‪2002‬م‪ ،‬كانــت جامعــة الــدول العربيــة قــد اقترحــت مســا ًرا حلــل‬ ‫الصــراع العرب ــي ‪-‬اإلســرائيلي بُنــاء عل ــى خطــة الســام الت ــي طرحهــا‬ ‫العاهــل الســعودي امللــك عبــد اهلل بــن عبــد العزيــز‪ .‬ولــم يقصــد مــن‬ ‫اخلطــة أن تكــون الوثيقــة النهائيــة املعتمــدة ملعاهــدة الســام‪ ،‬بــل‬ ‫أن متثــل األســاس الــذي ميكــن أن تنطلــق منــه املفاوضــات‪ .‬ولســوء‬ ‫احلــظ‪ ،‬لــم تؤخــذ اخلطــة علــى محمــل اجلــد ولــم حتــظ بالدعــم‬ ‫الــازم‪ .‬لذلــك‪ ،‬ينبغ ــي ألوروبــا أال تكــرر اخلطــأ ذاتــه‪.‬‬

‫التحديات واآلفاق المستقبلية‬ ‫تعتمــد اخلطــوات املذكــورة ســلفا ومــدى فاعليتهــا عل ــى عوامــل عــدة‪.‬‬ ‫أو ًاًل‪ ،‬وقبــل أي ش ــيء‪ ،‬توافــر اإلرادة السياســية لــدى االحتــاد األوروب ــي‬ ‫مــن أجــل االتعــاظ مــن دروس املاض ــي وبــذل جهــود متســقة مــن أجــل‬ ‫الدفــع قد ًمــا صــوب التوصــل لتســوية سياســية‪ .‬ولك ــي يحــدث ذلــك‪،‬‬ ‫يحتــاج االحتــاد األوروب ــي إل ــى ترتيــب أوضاعــه الداخليــة مبــا يســمح‬ ‫بالتوصــل إلــى إجمــاع بــن الــدول األعضــاء كــي يتــم متابعــة هــذا‬ ‫املســار‪ .‬حيــث كشــفت ردود أفعــال الــدول األعضــاء داخــل االحتــاد‬

‫*مدير األبحاث ـ مركز الخليج لألبحاث‬


‫‪138‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫عــام‪ ،‬اكتســبت الدعــوات لوقــف إطــاق النــار واملســار السياســي‬ ‫الالحــق زخ ًمــا‪.‬‬ ‫وينبغ ــي االعتــراف بــأن دوال مثــل اململكــة العربيــة الســعودية عبــرت‬ ‫عــن دعمهــا لعمليــة التطبيــع مــع إســرائيل يف حــال مت إحــراز تقــدم‬ ‫يف حــل القضيــة الفلســطينية‪ .‬وخــال اجتمــاع املنتــدى االقتصــادي‬ ‫العاملــي ً‬ ‫أيضــا‪ ،‬أكــد وزيــر اخلارجيــة الســعودي األميــر فيصــل بــن‬ ‫فرحــان عل ــى اســتعداد بــاده لالعتــراف بإســرائيل كجــزء مــن إطــار‬ ‫عمــل سياس ــي أوســع‪ ،‬مبــا يُشــير بوضــوح إل ــى أن املعالــم واملعاييــر‬ ‫الرئيســية ملبــادرة الســام العربيــة الزالــت صاحلــة وأن البلــدان العربيــة‬ ‫ال زالــت راغبــة يف رؤيــة املبــادرة تخطــو لألمــام‪.‬‬

‫المضي قدماً‬

‫ولك ــي يتــم اغتنــام بعــض مــن الزخــم الراهــن وعــدم رؤيــة فــرص أخــرى‬ ‫تضيــع‪ ،‬ينبغــي أن يســتثمر املجتمــع الدولــي رأس املــال السياســي‬ ‫الــازم مــن أجــل املضــي قد ًمــا يف تنفيــذ حــل سياســي للمطلــب‬ ‫الفلســطيني عل ــى أن تكــون مبــادرة الســام العربيــة عنص ـ ًرا محور ًيــا‬ ‫يف هــذه العمليــة‪ .‬وبالنســبة لالحتــاد األوروبــي‪ ،‬يعنــي ذلــك ضــرورة‬ ‫تصحيــح املســار وإبــداء اســتعداد واضــح لاللتــزام بخارطــة طريــق ذات‬ ‫مصداقيــة تــؤدي إل ــى إقامــة دولــة فلســطينية‪ .‬وكمــا أوضــح املمثــل‬ ‫األوروب ــي الســامي جوزيــف بوريــل‪ ”:‬ثمــة مســؤولية أخالقيــة وسياســية‬ ‫تقــع عل ــى عاتــق األوروبيــن مــن أجــل املشــاركة يف ذلــك ليــس فقــط‬ ‫مــن خــال توفيــر املســاعدات بــل أيضــا عبــر املســاهمة يف الوصــول‬ ‫إل ــى حــل دائــم‪.‬‬ ‫كمــا ينبغ ــي أن تشــمل خارطــة الطريق سلســلة من اخلطــوات املتكاملة‬ ‫واملتوازيــة الت ــي تضمــن التــزام املجتمــع الدول ــي ككل واتخــاذ خطــوات‬ ‫ملموســة صــوب حتقيــق الهــدف املشــترك‪ .‬وبينمــا ينبغــي علــى‬ ‫االحتــاد األوروبــي تقريــر اخلطــوات التــي يجــب أن تتخــذ بالتعــاون‬ ‫مــع شــركائه يف املنطقــة‪ ،‬باألخــص دول مجل ــس التعــاون اخلليج ــي‪،‬‬ ‫يف إمــكان الكتلــة األوروبيــة ً‬ ‫أيضــا اتخــاذ العديــد مــن اخلطــوات مــن‬ ‫أجــل دعــم مبــادرة الســام العربيــة واملســاهمة يف الوصــول إل ــى حــل‬ ‫للصــراع الفلسطيني‪-‬اإلســرائيلي‪.‬‬ ‫وتشمل بعض من هذه التدابير احملتملة ما يلي‪:‬‬ ‫املشــاركة الدبلوماســية‪ :‬ينبغ ــي عل ــى االحتــاد األوروب ــي املشــاركة بشــكل‬ ‫فعــال يف كافــة اجلهــود الدبلوماســية مــن أجــل تشــجيع األطــراف‬ ‫املعنيــة علــى اســتئناف مفاوضــات مثمــرة‪ .‬يشــمل ذلــك‪ ،‬التعــاون‬ ‫مــع الشــركاء اإلقليميــن‪ ،‬واألمم املتحــدة‪ ،‬وغيرهــم مــن األطــراف‬ ‫الفاعلــة الدوليــة مــن أجــل خلــق بيئــة مواتيــة إلقامــة محادثــات‬ ‫ســام‪ .‬ومــن األدوار ذات األهميــة اخلاصــة التــي ينبغــي أن يلعبهــا‬ ‫االحتــاد األوروبــي‪ ،‬هــي التعــاون املســتمر مــع الواليــات املتحــدة مــن‬ ‫أجــل إشــراك واشــنطن بشــكل كامــل يف مثــل هــذه االســتراتيجية‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫الدبلوماســية الواســعة‪ .‬فمــن ناحيــة‪ ،‬ثمــة اعتــراف واضــح أنــه لــن يتــم‬ ‫املض ــي قد ًمــا يف تطبيــق حــل الدولتــن يف ظــل غيــاب قيــادة أمريكيــة‬ ‫مســتدامة وفعالــة‪ .‬ومــن ناحيــة أخــرى‪ ،‬لــم تبــد الواليــات املتحــدة نفــس‬ ‫مســتوى دعــم االحتــاد األوروب ــي ملبــادرة الســام العربيــة‪ .‬بالتال ــي‪ ،‬فــإن‬ ‫مســموعا أمــر بالــغ األهميــة‪.‬‬ ‫العمــل علــى جعــل الصــوت األوروبــي‬ ‫ً‬ ‫فقــد جتاهلــت أوروبــا كثيــ ًرا احلاجــة إلــى وجــود إجمــاع قــوي عبــر‬ ‫األطلس ــي كأســاس لعملية ســام ناجحة يف منطقة الشــرق األوســط‪.‬‬ ‫مــن ثــم‪ ،‬يجــب أن تُركــز غالبيــة اجلهــود الدبلوماســية عل ــى واشــنطن‪.‬‬ ‫الدعــم السياس ــي‪ :‬بالتــوازي مــع العمــل الدبلوماســي‪ ،‬ينبغــي أن‬ ‫يواصــل االحتــاد األوروبــي التعبيــر عــن دعمــه السياســي ملبــادرة‬ ‫الســام العربيــة‪ ،‬ومبادئهــا‪ ،‬وللعمليــة الشــاملة مــن أجــل الوصــول إل ــى‬ ‫حــل سياس ــي‪ .‬فــإن االلتــزام املؤكــد حيــال تنفيــذ حــل الدولتــن‪ ،‬وإقامــة‬ ‫دولــة فلســطينية‪ ،‬وتطبيــع العالقــات بــن إســرائيل والبلــدان العربيــة‬ ‫يعــد محور ًيــا ويســتدعي تكــراره والتأكيــد عليــه يف كل مناســبة‪.‬‬ ‫الدبلوماســية العامــة‪ :‬خــارج إطــار املشــاركة الدبلوماســية الرســمية‪،‬‬ ‫ينبغ ــي أن يتــم اســتثمار جهــد واســع النطــاق يف الدبلوماســية العامــة‬ ‫بــن الــرأي العــام األوروب ــي والدول ــي ملــا يحملــه ذلــك مــن أهميــة يف‬ ‫املســاعدة عل ــى خلــق وع ــي ودعــم للحــل الســلمي‪ .‬وكجــزء مــن هــذه‬ ‫الدبلوماســية العامــة‪ ،‬يجــب أن يتــم اســتخدام كافــة اآلليــات لتعزيــز‬ ‫التفاهــم ودعــم مختلــف عناصــر عمليــة الســام مبــا يف ذلــك مبــادرة‬ ‫الســام العربيــة‪.‬‬ ‫تســهيل احملادثــات‪ :‬إقامــة احملادثــات يف حــد ذاتهــا تعتبــر عمليــة‬ ‫شــاقة وتتطلــب الكثيــر مــن االبتــكار مــن أجــل رؤيــة القضايــا الشــائكة‬ ‫تصــل إل ــى حــل‪ .‬ويتمتــع االحتــاد األوروب ــي يف هــذا الصــدد بخبــرات‬ ‫غنيــة ميكــن أن يطرحهــا علــى الطاولــة‪ ،‬وميكنــه أن يلعــب دو ًرا‬ ‫رئيســ ًيا يف تســهيل أو التوســط يف أجــزاء مختلفــة مــن املفاوضــات‬ ‫بــن اإلســرائيليني والفلســطينيني‪ ،‬وكذلــك مــع أطــراف ثالثــة‪ .‬وقــد‬ ‫يشــمل ذلــك توفيــر منصــة محايــدة للمناقشــات وتعزيــز احلــوار بــن‬ ‫األطــراف‪ ،‬وميثــل النجــاح يف هــذا الصــدد اختبــا ًرا مه ًمــا ملصداقيــة‬ ‫االحتــاد األوروبــي‪.‬‬ ‫امل ســاعدات االقتصاديــة والدعــم اإلن ســاني‪ :‬يعــد االحتــاد األوروبــي‬ ‫بالفعــل أكبــر مســاهم يف املســاعدات االقتصاديــة املُوجهــة للشــعب‬ ‫الفلســطيني‪ .‬حيــث تبلــغ قيمــة املخصصــات املاليــة لالحتــاد األوروب ــي‬ ‫متعــددة الســنوات للفلســطينيني مبوجــب االســتراتيجية األوروبيــة‬ ‫املشــتركة ‪2024-2021‬م‪ ،‬نحــو ‪ 1.177‬مليــار يــورو‪ .‬ويشــمل ذلــك‪،‬‬ ‫املســاعدات املاليــة‪ ،‬ومشــروعات التنميــة‪ ،‬ودعــم النمــو االقتصــادي‬ ‫املســتدام‪ .‬باإلضافــة إلــى ذلــك‪ ،‬يقــدم االحتــاد األوروبــي مســاعدات‬ ‫إنســانية لتلبيــة االحتياجــات الفوريــة ألبنــاء الشــعب الفلســطيني‪ ،‬مبــا‬ ‫يف ذلــك الدعــم واســع النطــاق للمدنيــن الفلســطينيني خــال األزمــة‬ ‫الراهنــة‪ .‬وســتكون هنــاك حاجــة إلــى اســتمرار حــزم املســاعدات‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫‪137‬‬

‫ملف العدد‬

‫ضـــرورة توافـــر اإلرادة السياســـية لالتحـــاد األوروبـــي وصياغـــة‬ ‫مطالبـــه دون انتظـــار تعميـــق عالقاتـــه مـــع شـــركائه العـــرب‬ ‫للتطبيــق وإعــادة إحيــاء مبــادرة الســام العربيــة والبنــاء عليهــا‪ ،‬مــن‬ ‫خــال إضافــة إســهامات الســام األوروبيــة إليهــا‪ ،‬وســنعمل بشــكل‬ ‫وثيــق مــع الشــركاء العــرب والشــركاء الدوليــن اآلخريــن»‪ .‬كمــا‬ ‫أكــد البيــان الصــادر عــن االجتمــاع الــوزاري لــدول مجلــس التعــاون‬ ‫اخلليجــي واالحتــاد األوروبــي الــذي عقــد يف مســقط‪ ،‬بســلطة‬ ‫عمــان يف أكتوبــر ‪2023‬م‪ ،‬التــزام اجلانبــن «بحــل الدولتــن‪ ،‬والعيــش‬ ‫بشــكل آمــن جن ًبــا إلــى جنــب‪ ،‬علــى أســاس حــدود ‪1967‬م‪ ،‬وف ًقــا‬ ‫ملبــادرة الســام العربيــة وكافــة قــرارات األمم املتحــدة ذات الصلــة‪.‬‬

‫واالحتــاد األوروبــي دعمهمــا املســتمر جلهــود يــوم الســام يف ينايــر‬ ‫‪2024‬م‪ ،‬خــال اجتمــاع املمثــل األعل ــى لالحتــاد األوروب ــي بوريــل ووزيــر‬ ‫اخلارجيــة الســعودي األميــر فيصــل بــن فرحــان‪.‬‬

‫ومــن األهميــة مبــكان التأكيــد علــى نظــرة االحتــاد األوروبــي إلــى‬ ‫مبــادرة الســام العربيــة باعتبارهــا جــز ًءا مــن آليــات أخــرى تهــدف‬ ‫للتوصــل إلــى تســوية للقضيــة الفلســطينية إلــى جانــب القانــون‬ ‫الدولــي‪ ،‬وقــرارات مجلــس األمــن التابــع لــأمم املتحــدة‪ ،‬وتوصيــات‬ ‫مؤمتــر مدريــد للســام عــام ‪1992‬م‪ ،‬وخارطــة طريــق اللجنــة الرباعيــة‪،‬‬ ‫وجهــود الســام األخــرى الت ــي يبذلهــا االحتــاد األوروب ــي مبــا يف ذلــك‬ ‫املقتــرح الــذي تقــدم بــه لدعــم الســام يف عــام ‪2013‬م‪ ،‬يف ضــوء هــذا‪،‬‬ ‫ينظــر االحتــاد األوروب ــي إل ــى مشــاركته ومشــاركة املجتمــع الدول ــي يف‬ ‫جهــود عمليــة الســام عل ــى أنهــا أمــر أساس ــي‪.‬‬

‫ورغــم العديــد مــن بيانــات الدعــم التــي مت التعبيــر عنهــا‪ ،‬إال أنهــا‬ ‫تقــف عل ــى النقيــض مــن اجلهــد السياس ــي الفعل ــي واملســتدام الــذي‬ ‫يبذلــه االحتــاد األوروب ــي والــدول األعضــاء فيــه مــن أجــل منــح مبــادرة‬ ‫الســام العربيــة فرصــة ك ــي تُنفــذ ورؤيتهــا متض ــي قد ًما‪ .‬وخــارج نطاق‬ ‫البيانــات والتصريحــات العامــة‪ ،‬ال يتوفــر الكثيــر عمــا يُشــير إلــى‬ ‫أن االحتــاد األوروب ــي قــد بــذل جهــو ًدا كافيــة وراء الكواليــس لضمــان‬ ‫حصــول مبــادرة الســام العربيــة عل ــى االعتبــار واالســتجابة الالزمــن‪،‬‬ ‫عل ــى ســبيل املثــال‪ ،‬مــن الواليــات املتحــدة مــن جهــة‪ ،‬وبالطبــع إســرائيل‬ ‫مــن جهــة أخــرى‪ .‬ويعــد غيــاب االلتــزام الدولي املســتدام وواســع النطاق‬ ‫ســب ًبا رئيس ـ ًيا يف إخفــاق مبــادرة الســام العربيــة بنهايــة املطــاف يف‬ ‫اكتســاب الزخــم املطلــوب ك ــي حتــرز تقد ًمــا‪ .‬بالتال ــي‪ ،‬ميكــن وصــف‬ ‫هــذا الفشــل والوقــت الضائــع بأنــه فرصــة مهــدرة‪ .‬وكمــا خلــص املمثــل‬ ‫األعل ــى لالحتــاد األوروب ــي إل ــى أن الوضــع احلال ــي هــو نتيجــة «الفشــل‬ ‫السياس ــي واألخالق ــي اجلماع ــي للمجتمــع الدول ــي»‪.‬‬

‫ويف هــذا الصــدد‪ ،‬أطلــق االحتــاد األوروب ــي واململكــة العربيــة الســعودية‬ ‫واجلامعــة العربيــة‪ ،‬بالتعــاون مــع مصــر واألردن‪ ،‬مــا يشــار إليــه بـ ـــ‬ ‫“جهــود يــوم الســام مــن أجــل الســام يف الشــرق األوســط « وذلــك‬ ‫علــى هامــش الــدورة ال ـــ ‪ 78‬للجمعيــة العامــة لــأمم املتحــدة يف‬ ‫ســبتمبر ‪2023‬م‪ ،‬وأوضــح البيــان الصحف ــي الصــادر يف هــذا الشــأن‬ ‫أن‪ »:‬املبــادرة اجلديــدة تأسســت‪ ،‬مــن بــن أمــور أخــرى‪ ،‬عل ــى مبــادرة‬ ‫الســام العربيــة‪ ،‬الت ــي تبنتهــا الــدول العربيــة لوضــع رؤيتهــا لتســوية‬ ‫شــاملة للســام اإلقليمــي‪ ،‬وشــروطه‪ ،‬ومتطلباتــه»‪ .‬ويتضمــن هــذا‬ ‫اإلطــار اتفا ًقــا مشــتر ًكا بــن االحتــاد األوروب ــي وأطــراف مبــادرة الســام‬ ‫العربيــة بضــرورة احلفــاظ عل ــى حــل الدولتــن وضــرورة بــذل اجلهــود‬ ‫إلعــادة تنشــيط عمليــة الســام‪ .‬وأكــدت اململكــة العربيــة الســعودية‬

‫ويف أعقــاب هجمــات الســابع مــن أكتوبــر‪ ،‬تزايــدت احتمــاالت أن يُعــاد‬ ‫إحيــاء مبــادرة الســام العربيــة ورؤيــة عمليــة ســام حقيقيــة تتحقــق‬ ‫أخي ـ ًرا والت ــي ستشــهد بحلــول نهايتهــا قيــام دولــة فلســطينية‪ .‬وكلمــا‬ ‫طــال أمــد احلــرب اإلســرائيلية علــى غــزة‪ ،‬كلمــا تنامــى اإلجمــاع‬ ‫الدول ــي عل ــى احلاجــة إل ــى حــل سياس ــي للمطلــب الفلســطيني‪ .‬وقــد‬ ‫عبــرت بالفعــل العديــد مــن الــدول األوروبيــة عــن مطلبهــا الواضح لهذا‬ ‫احلــل مبــا يف ذلــك إســبانيا‪ ،‬وإيطاليــا‪ ،‬وفرنســا‪ ،‬وأيرلنــدا‪ ،‬وبلجيــكا‪،‬‬ ‫والبرتغــال‪ .‬واألهــم مــن ذلــك‪ ،‬هــو اعتــراف وزيــر اخلارجيــة األمريك ــي‬ ‫أنتون ــي بلينكــن خــال اجتمــاع املنتــدى االقتصــادي العامل ــي يف مدينــة‬ ‫دافــوس بسويســرا يف ينايــر بــأن إســرائيل ال ميكنهــا حتقيــق «األمــن‬ ‫مبفهومــه احلقيق ــي» إال مــن خــال تطبيــق حــل الدولتــن‪ .‬وبشــكل‬


‫‪136‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫أوروبا ومبادرة السالم العربية‪ :‬لحظة تاريخية فارقة‬

‫‪ 8‬خطوات مطلوبة من أوروبا لقيام الدولة‬ ‫الفلسطينية وال ينبغي أن تكرر أخطاءها‬ ‫إن أحــداث الســابع مــن أكتوبــر ‪2023‬م‪ ،‬واحلــرب الت ــي تلتهــا عل ــى قطــاع غــزة متثــل منعطفـاً تاريخيـاً هامـاً أمــام منطقــة الشــرق‬ ‫األوســط‪ .‬فمــن ناحيــة‪ ،‬مــن احملتمــل أن تتســارع وتيــرة انتشــار العنــف‪ ،‬واالســتقطاب‪ ،‬والتقلبــات اجليوسياســية املشــهودة حال ًيــا‬ ‫عبــر مختلــف أنحــاء الشــرق األوســط مبــا ينــذر بعواقــب وخيمــة طويلــة األمــد يتجــاوز مداهــا مــا هــو أبعــد مــن املنطقــة‪ .‬مــن‬ ‫ناحيــة أخــرى‪ ،‬وعل ــى الرغــم مــن املشــاهد املروعــة الت ــي نطالعهــا يوم ًيــا‪ ،‬ثمــة فرصــة مــن أجــل مواصلــة املســار التحويل ــي الــذي‬ ‫تقــوده دول مجل ــس التعــاون اخلليج ــي يف ســبيل خفــض التصعيــد داخــل املنطقــة عل ــى مــدى األعــوام القليلــة املاضيــة والــذي‬ ‫أثمــر عــن فتــح مســار دبلوماس ــي مــع إيــران‪ ،‬وجتــاوز االنقســامات الداخليــة بــن دول مجل ــس التعــاون اخلليج ــي وبــدء عمليــة‬ ‫سياســية جوهريــة يف اليمــن‪ .‬ويف ظــل األحــداث األخيــرة الت ــي أكــدت اســتمرار مركزيــة القضيــة الفلســطينية يف شــؤون الشــرق‬ ‫األوســط اإلقليميــة‪ ،‬تقــف مبــادرة الســام العربيــة كنقطــة انطــاق ميكــن مــن خاللهــا اختيــار طريــق بنــاء الســام واالزدهــار‪.‬‬

‫د‪ .‬كريستيان كوخ‬

‫موقف االتحاد األوروبي حيال مبادرة السالم العربية‬

‫يعــرب االحتــاد األوروب ــي بصفــة مســتمرة عــن دعمــه حلــل الدولتــن‬ ‫عبــر التفــاوض‪ ،‬ويف ضــوء ذلــك أبــدت الكتلــة األوروبيــة ترحيبهــا‬ ‫مببــادرة الســام العربيــة باعتبارهــا خطــوة إيجابيــة صــوب تنفيــذ‬ ‫ســام شــامل يف املنطقــة‪ .‬ويف ديســمبر ‪2003‬م‪ ،‬أي بعــد عــام واحــد‬ ‫فقــط مــن املصادقــة علــى مبــادرة الســام العربيــة‪ ،‬صــرح املجلــس‬ ‫األوروب ــي خــال القمــة التاريخيــة جلامعــة الــدول العربيــة املنعقــدة يف‬ ‫بيــروت‪ ،‬أن « الســام الشــامل يجــب أن يتضمــن ســوريا ولبنــان وشــدد‬ ‫علــى أهميــة مبــادرة الســام العربيــة…» كمــا أشــاد املمثــل األعلــى‬ ‫الســابق للسياســة اخلارجيــة والشــؤون األمنيــة لالحتــاد األوروبــي‪،‬‬ ‫خافييــر ســوالنا‪ ،‬باملبــادرة يف خطــاب ألقــاه أمــام البرملــان األوروب ــي يف‬ ‫فبرايــر ‪2009‬م‪ ،‬وأوضــح املســؤول األوروب ــي أن املبــادرة كانــت حاســمة‬ ‫وأن «احللــول واملقترحــات يجــب أن تكــون ُمســتلهمة محل ًيــا»‪ .‬يف حــن‬ ‫وصفــت خليفتــه يف املنصــب‪ ،‬فريدريــكا موجيرين ــي‪ ،‬مبــادرة الســام‬ ‫العربيــة بأنهــا «صفقــة مــن شــأنها أن توفــر األمــن املســتدام للجميــع»‪.‬‬ ‫بشــكل عــام‪ ،‬ميكــن القــول إن االحتــاد األوروب ــي يــرى تناغ ًمــا إل ــى حــد‬ ‫بعيــد بــن مبــادرة الســام العربيــة واملواقــف واألولويــات األوروبيــة‪.‬‬ ‫ويشــمل ذلــك منــح األولويــة حلــل الدولتــن‪ ،‬وتعزيــز التعدديــة‪ ،‬وإشــراك‬ ‫اجلهــات الفاعلــة اإلقليميــة يف الضغــط مــن أجــل التوصــل إلــى‬

‫تســوية دائمــة واالتفــاق عليهــا‪.‬‬ ‫لــم يقتصــر األمــر علــى االحتــاد األوروبــي ككتلــة بــل شــمل الــدول‬ ‫األعضــاء الت ــي حرصــت كل منهــا عل ــى التعبيــر عــن مواقفهــا لتتفــق‬ ‫مــع املوقــف األوروبــي العــام‪ .‬إســبانيا‪ ،‬علــى ســبيل املثــال‪ ،‬كانــت‬ ‫داعمــا صريحــا منــذ البدايــة ملبــادرة الســام العربيــة واعتبرتهــا مكونــا‬ ‫أساســيا يف مســعى الســام الشــامل‪ .‬كذلــك أعربــت كل مــن فرنســا‬ ‫وأملانيــا عــن دعمهمــا للمبــادرة ودعــت الدولتــان إل ــى النظــر يف املبــادرة‬ ‫العربيــة ضمــن املســاعي الراميــة إل ــى إقامــة ســام شــامل يف املنطقــة‪.‬‬ ‫ويف الوقــت ذاتــه‪ ،‬أعربــت اململكــة املتحــدة عــن تفــاؤل يشــوبه احلــذر‬ ‫وأكــدت عل ــى احلاجــة إل ــى اإلصغــاء إل ــى مخــاوف اجلانبــن‪ .‬وحت ــى‬ ‫وقــت قريــب كانــت العديــد مــن بيانــات الدعــم التــزال تصــدر‪ ،‬وبحســب‬ ‫املمثــل األعل ــى لالحتــاد األوروب ــي جوزيــف بوريــل‪ ،‬فــإن الكتلــة األوروبيــة‬ ‫تســعى إل ــى املســاهمة يف مبــادرة الســام العربيــة كجــزء مــن جهودهــا‬ ‫الراميــة إل ــى إحــال الســام يف املنطقــة‪.‬‬ ‫ويف كلمتــه أمــام املجلــس األوروبــي يف مــارس ‪2023‬م‪ ،‬قــال بوريــل‬ ‫أنــه اتفــق مــع وزيــر اخلارجيــة الســعودي واألمــن العــام جلامعــة‬ ‫الــدول العربيــة مــن أجــل‪ »:‬العمــل ســو ًيا نحــو صياغــة حــل قابــل‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫شــاهدوا هــدم املمتلــكات‪ .‬ومــع ذلــك‪ ،‬خلصــت الدراســة إل ــى أن ‪%53.5‬‬ ‫مــن املشــاركني مت تشــخيص إصابتهــم باضطــراب مــا بعــد الصدمــة‬ ‫(اخلضــري وآخــرون‪ .)2020 ،‬تعــد املرونــة عامـ ً‬ ‫ا مه ًما مــن حيث تطوير‬ ‫آليــات التكيــف اإليجابيــة بــن األفــراد‪ .‬وقــد عرفــت بعــض الدراســات‬ ‫املرونــة بأنهــا القــدرة عل ــى التعامــل بشــكل جيــد نســبياً يف مواقــف‬ ‫الشــدائد (‪ .)2014 ,Lepore & Revenson‬ويف الوقــت نفســه‪،‬‬ ‫عــ ّرف أونغــار‪2011 ،‬م‪ ،‬املرونــة علــى أنهــا قــدرة الفــرد علــى التنقــل‪،‬‬ ‫فرد ًيــا ويف التفاعــل مــع اآلخريــن‪ ،‬نفس ـ ًيا واجتماع ًيــا وثقاف ًيــا‪ ،‬عل ــى‬ ‫الرغــم مــن تعرضــه ألحــداث دراميــة (أونغــار‪2011 ،‬م)‪ .‬متثــل املرونــة‬ ‫مجموعــة معقــدة مــن عوامــل وعمليــات احلمايــة املختلفــة الت ــي تعتبــر‬ ‫مهمــة ج ـدًا لفهــم الصحــة واملــرض‬ ‫لكــن علــى الرغــم مــن صدمــة مــا بعــد احلــرب إال أن الشــعب‬ ‫الفلســطيني يتمتــع بتعــايف إله ــي الكتســابهم الشــهور بــأن موتاهــم‬ ‫شــهداء يف اجلنــة ومصابيهــم هــم أبطــال يف ســبيل هــدف مقــدس‬ ‫وهــو مــا يجعــل عمليــة االستشــفاء مــن تلــك الترومــا أمـ ًرا ممكنـاً عل ــى‬ ‫الرغــم أنــه يســتغرق وقت ـاً طوي ـ ً‬ ‫ا يف بعــض احلــاالت‪.‬‬ ‫أمــا عل ــى اجلانــب اآلخــر و هــو اجلانــب اإلســرائيلي‪ ،‬فــإن الصدمــة‬ ‫الت ــي يعان ــي منهــا اجلنــود اإلســرائيليون احلاليــون والســابقون ه ــي‬ ‫مصــدر قلــق اجتماع ــي وسياس ــي‪ ،‬ومــع ذلــك‪ ،‬فــإن الدولة االســتعمارية‬ ‫االســتيطانية إمــا تنكرهــا أو تصورهــا كحالــة فرديــة منحرفــة ‪-‬ممــا‬ ‫يــؤدي إلــى إدامــة الوصــم الــذي يســبب العــار للمتضرريــن‪ ،‬وكذلــك‬ ‫عائالتهــم‪ ،‬فيجعــل ذلــك الشــعور مــن الصعــب التعــايف مــن صدمــات‬ ‫مــا بعــد احلــرب ( الترومــا)‪.‬‬ ‫بالنســبة إلســرائيل‪ ،‬تشــكل معانــاة اجلنــود تهديــدًا أليديولوجيتهــا‬ ‫الذكوريــة العســكرية التــي تدعــم جتنيــد اجلنــود املتطوعــن مــن‬ ‫اخلــارج واســتمرار التجنيــد اإللزامــي‪.‬‬ ‫فــإن سياســة الصحــة العقليــة يف إســرائيل تكشــف عــن اســتخدامها‬ ‫االســتراتيجي لإليــذاء‪ ،‬يف حــن تفشــل يف رعايــة جنودهــا البالــغ‬ ‫عددهــم ‪ 125‬ألــف جنــدي واملجتمــع بشــكل عــام‪ ،‬ثلثــي اجلنــود‬ ‫اإلســرائيليني هــم مــن املجنديــن‪ ،‬والباق ــي مــن املرتزقــة‪ /‬املتطوعــن‬ ‫األجانــب الذيــن مت جلبهــم بشــكل رئيســي مــن الواليــات املتحــدة‬ ‫األمريكيــة‪ .‬نصــف هــؤالء املتطوعــن‪ ،‬الذيــن يشــار إليهــم باســم‬ ‫«اجلنــود املنفرديــن»‪ ،‬ال يســتطيعون التحــدث بالعبريــة‪ ،‬وليــس لديهــم‬ ‫آبــاء إســرائيليون‪ .‬إن الشــعور بالعزلــة الــذي يشــعرون بــه يــؤدي إل ــى‬ ‫تســرب حوال ــي ‪ %14‬منهــم‪ ،‬وبــن عام ــي ‪ 2014‬و‪2016‬م‪ ،‬انتحــر ‪( 6‬مــن‬ ‫أصــل ‪ 45‬حالــة انتحــار جنــدي بشــكل عــام)‪ ،‬فشــعورهم الداخلــي‬ ‫بعــدم وجــود ســبب قــوى حلربهــم هــذه يجعــل مشــكلة التعــايف مــن‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫‪135‬‬

‫ملف العدد‬

‫صدمــة مــا بعــد احلــرب مســتحيل فيلجــئ اجلنــود إل ــى االنتحــار بــدالً‬ ‫مــن التعــايف‪ ،‬كمــا أن معظــم هــؤالء اجلنــود املتطوعــن مــن مدمن ــي‬ ‫الكحــول واملخــدرات ومــن خــال هــذه املعلومــة يفســر لنــا حقيقــة أن‬ ‫اجليــش اإلســرائيلي يشــكل أرض ـاً خصبــة للمتعصبــن واملتطرفــن‬ ‫ومدمن ــي العــدوان مــن جميــع أنحــاء العالــم‪ ،‬ولهــذا الســبب يســتمر‬ ‫متويــل املشــروع‪.‬‬ ‫أمــا بالنســبة للمجنديــن يف إســرائيل‪ ،‬فبالرغــم مــن ضــرورة إجــراء‬ ‫فحــص نفس ــي لهــم قبــل التجنيــد‪ ،‬إال أن قــوات االحتــال حتــذر مــن‬ ‫إعفــاء املواطنــن‪ ،‬وتتهــم مــن يقدمــون أنفســهم علــى أنهــم مرضــى‬ ‫عقليــن‪ ،‬بتقــدمي ادعــاءات كاذبــة لإلعفــاء مــن اخلدمــة‪ .‬يف النهايــة‪،‬‬ ‫يُجبــر العديــد مــن اجلنــود عل ــى اخلدمــة عل ــى الرغــم مــن مشــاكل‬ ‫صحتهــم العقليــة‪.‬‬ ‫يف الواقــع‪ ،‬علــى الرغــم مــن وعــي املؤسســة العســكرية اإلســرائيلية‬ ‫مبيــول األفــراد االنتحاريــة‪ ،‬فبــدالً مــن إعفائهــم مــن اخلدمــة‪ ،‬يتــم‬ ‫تقليــل حصولهــم علــى األســلحة الناريــة ويتــم مراقبتهــم بشــكل‬ ‫مشــدد‪ .‬لذلــك يجــب علــى القــادة العســكريني بــذل جهــد جلعــل‬ ‫اجلنــود يشــعرون باألمــان عنــد طلــب املســاعدة يف مجــال الصحــة‬ ‫العقليــة مــن خــال خلــق جــو تنظيمــي داعــم للحــد مــن الوصمــة‬ ‫املرتبطــة برعايــة الصحــة العقليــة‪ ،‬ولكــن شــعورهم بوصمــة العــار‬ ‫املرتبطــة باضطرابــات الصحــة العقليــة أو العــاج والقلــق مــن أن‬ ‫طلــب املســاعدة قــد يعــرض التطــور الوظيف ــي للفــرد للخطــر‪ .‬وهــو‬ ‫األمــر الــذي يجعــل الشــباب الفلســطيني أكثــر قــدرة عل ــى التعــايف‬ ‫وذلــك لشــعورهم بالبطولــة مــن جــراء هــذه احلــرب يف حــن الشــباب‬ ‫اإلســرائيلي يشــعرون باخلــوف مــن إظهــار اضطرابــات مــا بعــد احلــرب‬ ‫ممــا يصعــب عليهــم التعــايف‪.‬‬ ‫الش ــرق األوس ــط اجلديــد مــن وجهــة نظ ــر الش ــعوب العربيــة‬ ‫جتــاه إســرائيل والــدول الداعم ــة‪:‬‬ ‫ســبق وأشــار بنيامــن نتنياهــو إلــى خريطــة لشــرق أوســط جديــد‬ ‫أو مــا يعــرف النظــام العاملــي اجلديــد‪ ،‬أو الشــرق األوســط الكبيــر‬ ‫وهــو مشــروع أميرك ــي محكــوم بالفشــل مــن حيــث التنفيــذ فســيتم‬ ‫فيهــا إعــادة تقســيم البــاد العربيــة علــى أســاس املناطــق الدينيــة‬ ‫وعرقيــة وحزبيــة وغيرهــا مــن تقســيمات ‪ ...‬لكــن الشــرق األوســط‬ ‫ألبنــاء املنطقــة العــرب هــو كمــا يعرفــوه بــدون تقســيمات إســرائيلية‬ ‫أو أمريكيــة‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫* باحثة دكتوراه يف القياس النفيس‬


‫‪134‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫‪ %4.‬مــن األطفــال الفلســطينيين تعرضــوا لصدمــات شــخصية و‪%88.3‬‬ ‫شــاهدوا هــدم الممتلــكات و‪ %53.5‬مصابــون باضطــراب مــا بعــد الصدمــة‬ ‫‪ 24‬عا ًمــا‪ ،‬ه ــي عمليــة غيــر واقعيــة ومحفوفــة باملخاطــر‪ ،‬وقــد أدت‬ ‫بالفعــل إل ــى نــزوح جماع ــي ألكثــر مــن ‪ 600,000‬طفــل وبالــغ يعيشــون‬ ‫يف شــمال قطــاع غــزة‪ .‬أولئــك الذيــن ليــس لديهــم مــكان يذهبــون‬ ‫إليــه يُتركــون الذيــن تقطعــت بهــم الســبل يف الشــوارع يف اليــأس‪.‬‬ ‫إن توفيــر الرعايــة الصحيــة الطارئــة واســتمرارية الرعايــة للمرض ــى‪،‬‬ ‫مبــا يف ذلــك الوصــول إل ــى العالجــات واألدويــة املنقــذة للحيــاة ملرض ــى‬ ‫غســيل الكلــى ومرضــى الســرطان ومرضــى وحــدة العنايــة املركــزة‬ ‫واألطفــال حديث ــي الــوالدة يف احلاضنــات واملرض ــى الذيــن ينتظــرون‬ ‫العمليــات اجلراحيــة والنســاء احلوامــل يف قطــاع غــزة‪ ،‬وعل ــى الرغــم‬ ‫مــن االتفاقيــات واالتفاقيــات العامليــة واألمم املتحــدة وأهــداف التنميــة‬ ‫املســتدامة‪ ،‬فــإن مصيــر أكثــر مــن ‪ 600‬ألــف طفــل وبالــغ ال يــزال‬ ‫محفو ًفــا باملخاطــر‪ .‬ويؤثــر العنــف علــى أبعــاد متعــددة مــن عــدم‬ ‫االســتقرار‪ ،‬مبــا يف ذلــك العمــل وســبل العيــش‪ ،‬وزيــادة املؤقتــة والعابــرة‬ ‫الت ــي يعان ــي منهــا األفــراد الذيــن مت نقلهــم وزيــادة التعــرض للعنــف‬ ‫واالســتغالل أثنــاء نزوحهــم‪ ،‬فــكل تلــك الظــروف جتعــل مــن جعــل املنــاخ‬ ‫الفلســطيني مــن الصعــب العيــش فيــه بصحــة نفســية وجســدية‬ ‫ســليمة‪.‬‬ ‫إن أي جتربــة مؤملــة تنجــم عــن صــراع عســكري تعــد صدمــة حــرب‪،‬‬ ‫وميكــن أن تنطــوي تلــك التجربــة علــى أحــداث قــد تهــدد حيــاة‬ ‫الشــخص أو الســامة اجلســدية ‪-‬مثــل التعــرض للقصــف‪ ،‬أو‬ ‫التعــرض إلصابــة خطيــرة‪ ،‬أو االعتــداء اجلنســي‪ ،‬ومــا إلــى ذلــك‪.‬‬ ‫وبهــذا الصــدد كتــب الدكتــور جيــم جاكســون عــن صدمــة احلــرب‪،‬‬ ‫خبيــر الصدمــات وأســتاذ الطــب النفســي يف مركــز فاندربيلــت‬ ‫الطبــي يف الواليــات املتحــدة‪ ،‬أن أســباب صدمــة احلــرب تشــمل‪:‬‬ ‫¦أن يشهد الشخص اندالع حرب‪.‬‬ ‫¦أن يكون منخرطا يف جتربة قتالية مباشرة‪.‬‬

‫¦أن يتعــرض الشــخص ملظاهــر العنــف مثــل رؤيــة قتل ــى وجرح ــى‬ ‫ومشــوهني‪.‬‬ ‫¦إحلاق الشخص األلم بشخص آخر أو قتله‪.‬‬ ‫¦إعطاء األوامر التي تؤدي إلى إحلاق ألم باآلخرين أو موتهم‪.‬‬ ‫وف ًقــا ملنظمــة الصحــة العامليــة (‪ ،)WHO‬فــإن ‪ 1‬مــن كل ‪ 5‬أشــخاص‬ ‫(‪ )٪22‬مــن الســكان املتأثريــن بالصــراع قــد طــوروا مجموعــة واســعة‬ ‫مــن األعــراض العقليــة مثــل االكتئــاب والقلــق واضطــراب مــا بعــد‬ ‫الصدمــة (‪ )PTSD‬واالضطــراب ثنائــي القطــب أو الفصــام‪.‬‬ ‫(منظمــة الصحــة العامليــة‪ .)2022 ،‬إن اآلثــار التنمويــة الدائمــة‬ ‫والبعيــدة املــدى لإلجهــاد املزمــن والشــديد الــذي يحــدث خــال مرحلــة‬ ‫الطفولــة املبكــرة‪ ،‬واملعروفــة ً‬ ‫أيضــا باســم ضغــوط احليــاة املبكــرة‪ ،‬أو‬ ‫محنــة الطفولــة‪ ،‬أو ســوء معاملــة الطفــل‪ ،‬أو صدمــة الطفولــة‪ ،‬موثقــة‬ ‫جيــدًا (ســميث وبــوالك‪ .)2020 ،‬إن ارتفــاع معــدل انتشــار اضطــراب‬ ‫مــا بعــد الصدمــة لــدى األطفــال والبالغــن املصابــن بصدمــات‬ ‫نفســية بســبب التعــرض للعنــف املجتمعــي أو صدمــات احلــرب‬ ‫أمــر راســخ (‪ .)2021 ,.Woolgar et al‬بحثــت األبحــاث الســابقة‬ ‫يف مســار اضطــراب مــا بعــد الصدمــة وأعــراض الصحــة العقليــة‬ ‫األخــرى وأعراضهــا‪ ،‬خاصــة لــدى الشــباب (اللجنــة الدائمــة املشــتركة‬ ‫بــن الــوكاالت‪ .)2008 ،‬لقــد وجــد أن اضطــراب مــا بعــد الصدمــة‬ ‫يرتبــط بالتعــرض لصدمــات احلــرب يف ســن أصغــر‪ ،‬يف حــن أن تطــور‬ ‫االكتئــاب يرتبــط أكثــر بالضغوطــات احلديثــة‪ .‬وقــد مت توثيــق زيــادة‬ ‫كبيــرة يف حــاالت االكتئــاب بــن األطفــال بســبب احلــرب (& ‪Chu‬‬ ‫‪ .)2010 ,Lieberman‬ومــع ذلــك‪ ،‬وجــدت دراســة ســابقة أجراهــا‬ ‫اخلضــري (‪ )2020‬عــن األطفــال الفلســطينيني أن ‪ %88.4‬تعرضــوا‬ ‫لصدمــات شــخصية‪ ،‬و‪ %83.7‬شــهدوا صدمــات لــدى آخريــن‪ ،‬و‪%88.3‬‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫‪133‬‬

‫ملف العدد‬

‫النتائج النفسية لحرب إسرائيل على غزة وتابعاتها على الجانبين وعلى المستوى اإلقليمي‬

‫منظمة الصحة العالمية‪ %22 :‬من سكان‬ ‫مناطق الحرب يصابون باالكتئاب‬ ‫تصاعــد الصــراع اإلســرائيلي ‪ /‬الفلســطيني طويــل األمــد منــذ بدايــة القــرن العشــرين‪ ،‬ممــا أدى إلــى أزمــة إنســانية يف‬ ‫فلســطني‪ ،‬تســببت يف معانــاة نفســية واجتماعيــة كبيــرة‪ ،‬خاصــة لألطفــال والشــباب‪ ،‬وهنــاك دوافــع عامــة إلســرائيل‪ ،‬ودوافــع‬ ‫خاصــة برئيــس الــوزراء اإلســرائيلي‪ ،‬فإســرائيل تهاجــم فقــط وتســعى لالنتقــام‪ .‬إن هــدف احلــرب املعلــن املتمثــل يف «تدميــر‬ ‫حمــاس» غيــر ممكــن ألن حمــاس اســم جتــاري وفكــرة‪ ،‬وليســت قائمــة باألفــراد أو املعــدات والبنيــة التحتيــة الت ــي ميكــن قتلهــا‬ ‫أو تدميرهــا‪ ،‬لــذا فــإن الســؤال هــو مــاذا تريــد إســرائيل أن يحــدث يف نهايــة القتــال الرئيس ــي؟ وليــس لديهــم إجابــة عل ــى ذلــك‪.‬‬ ‫ال يبــدو أنهــم قــد أخــذوا يف االعتبــار [هــذا االحتمــال]‪ .‬ال أعتقــد أنهــم فكــروا كثيــراً فيمــا هــو أبعــد مــن مرحلــة قتــل أكبــر عــدد‬ ‫ممكــن مــن أفــراد حمــاس وتدميــر األنفــاق وجميــع معداتهــا وبنيتهــا التحتيــة‪.‬‬

‫د‪ .‬هالة إبراهيم أحمد رمضان‬

‫فيبــدو أن هــذا الــرد يرجــع ألهــداف أخــرى غيــر معروفــة قــد تكــون‬ ‫أهــداف شــخصية أخــرى وهــي أهــداف رئيــس الــوزراء (بنيامــن‬ ‫نتنياهــو) ج ـد ًاًل متزايـدًا مــن خــال إصــراره وحكومتــه‪ ،‬عل ــى اســتمرار‬ ‫احلــرب يف غــزة‪ ،‬رغــم تزايــد الضغــوط علــى املســتويني الداخلــي‬ ‫واخلارجــي‪ ،‬التــي تطالــب بإنهــاء تلــك احلــرب‪.‬‬ ‫وتعــد الضغــوط التــي تواجههــا حكومــة نتانياهــو‪ ،‬علــى مســتوى‬ ‫الداخــل‪ ،‬األقــوى واألكثــر تأثيــ ًرا يف هــذا الصــدد‪ ،‬يف ظــل تنامــي‬ ‫املعارضــة مــن اجلبهــة‪ ،‬الت ــي متثــل عائــات الرهائــن اإلســرائيليني‪،‬‬ ‫احملتجزيــن عل ــى يــد حمــاس يف غــزة‪ ،‬والذيــن لــم يتمكــن نتانياهــو‬ ‫مــن إعادتهــم ألســرهم‪ ،‬رغــم وعــوده املتكــررة يف هــذا الصــدد‪ ،‬وبجانــب‬ ‫ضغــوط تلــك العائــات‪ ،‬يخــرج عل ــى نتانياهــو معارضــون‪ ،‬بينهــم قــادة‬ ‫جيــش ســابقون‪ ،‬يتحدثــون صراحــة عــن أن احلــرب يف غــزة‪ ،‬لــم حتقــق‬ ‫أ ًيــا مــن أهدافهــا‪ ،‬يف ظــل اخلســائر الكبيــرة‪ ،‬الت ــي يتكبدهــا اجليــش‬ ‫اإلســرائيلي‪.‬‬ ‫ونتيجــة لهــذه االزدواجيــة يف األهــداف وعدم شــعور الشــارع اإلســرائيلي‬ ‫مبصداقيــة هــذه احلــرب وأنهــا فقــط مــن أجــل احلصــول عل ــى األرض‬

‫وكرامــة املواطــن‪ ،‬أدى إلــى شــعور املواطــن اإلســرائيلي بصفــة عامــة‬ ‫واحملــارب بصفــة خاصــة بعــدم وضــوح املعاييــر القائمــة عليهــا تلــك‬ ‫احلــرب وأدى إل ــى عــدم إميانهــم بقضيتهــم عل ــى عك ــس الهــدف الــذي‬ ‫يكمــن بداخــل كل مواطــن فلســطيني وهــو إميانــه بــاألرض وأحقيتــه‬ ‫يف ملكيتهــا‪ ،‬وهــو مــا يعط ــي ً‬ ‫كاًل منهمــا القــدرة إمــا للتخلــص مــن‬ ‫صدمــات مــا بعــد احلــرب أو الطريــق لالنتحــار‪.‬‬ ‫فاإلســرائيليون يعملــون مــن دون ســياق سياس ــي‪ ،‬وهــو مــا يشــكل كارثة‬ ‫بالنســبة ألي قــوة مقاتلــة‪ ،‬ألن احلــرب‪ ،‬كمــا يقــول كالوزفيتــز (اجلنــرال‬ ‫البروس ــي كارل فــون كالوزفيتــز)‪ ،‬ه ــي سياســة بوســائل أخرى‪.‬‬ ‫وبحســب مكتــب األمم املتحــدة لتنســيق الشــؤون اإلنســانية (أوتشــا)‪،‬‬ ‫هنــاك ‪ 12,500‬جريــح (‪ %52‬مــن النســاء واألطفــال)‪ .‬اإلمــدادات‬ ‫الطبيــة األساســية تنفــد‪ .‬املعــدات ســوف تتوقــف عــن العمــل قري ًبــا‪،‬‬ ‫ممــا يــؤدي إل ــى فقــدان املزيــد مــن األرواح‪ ،‬باإلضافــة إلى ‪ 3000‬شــخص‬ ‫قتلــوا بالفعــل‪ .‬إننــا نشــهد حال ًيــا يف غــزة واحــدة مــن أكبــر وأســرع‬ ‫عمليــات النــزوح الداخل ــي يف اآلونــة األخيــرة‪ .‬إن عمليــة إجــاء حوال ــي‬ ‫‪ 1.1‬مليــون شــخص التــي أمــرت بهــا احلكومــة اإلســرائيلية خــال‬


‫‪132‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫مواقف الدول اإلفريقية الكبيرة‬

‫متثــل كل مــن نيجيريــا وجنــوب إفريقيــا أكبــر بلديــن يف إفريقيــا‬ ‫جنــوب الصحــراء مــن حيــث الثقــل السياس ــي واحلجــم االقتصــادي‪.‬‬ ‫ولــكل مــن البلديــن دور مهــم عل ــى نطــاق القــارة يف أعمــال الوســاطة‬ ‫والســام عبــر مــا قــام بــه زعيمــان همــا ثابــو أمبيك ــي وأولــو ســيجون‬ ‫أبوســاجنو‪ .‬وقــد عك ــس البلــدان تأيي ـدًا للقضيــة الفلســطينية‪ .‬وقــد‬ ‫ع ّبــرت حكومــة جنــوب إفريقيــا عــن ذلــك رمزيــا وفعليــا‪ .‬فقــد درجــت‬ ‫علــى االحتفــال بيــوم األمم املتحــدة الدولــي للتضامــن مــع الشــعب‬ ‫الفلســطيني‪ .‬وظلــت تع ّبــر عــن التزامهــا بالتوصــل إل ــى حــل عــادل‬ ‫ودائــم لقضيــة فلســطني‪ .‬وتــرى أن قضيــة فلســطني ال تــزال دون حــل‬ ‫بعــد مــرور ‪ 70‬عا ًمــا‪ ،‬ومــا زالــت تتحــدى الضميــر اإلنســاني والعدالــة‬ ‫الدوليــة‪ .‬كمــا انعك ــس دعمهــا العمل ــي لقضيــة فلســطني يف رفعهــا‬ ‫لدعــوى يف محكمــة العــدل الدوليــة مؤخ ـ ًرا ضــد إســرائيل واتهامهــا‬ ‫بارتــكاب إبــادة جماعيــة‪ .‬وتعك ــس البيانــات الرســمية االلتــزام بدعــم‬ ‫املبــادرات الراميــة إلــى إعــادة تركيــز جــدول األعمــال الدولــي علــى‬ ‫فلســطني وعمليــة الســام يف الشــرق األوســط ومــن بينهــا مبــادرة‬ ‫الســام العربيــة‪.‬‬ ‫يتبــدى موقــف نيجيريــا‪ ،‬وهــي البلــد األكبــر يف القــارة مــن حيــث‬ ‫الســكان وحجــم االقتصــاد‪ ،‬يف دعــم مبــادرة الســام العربيــة يف‬ ‫املنظمــات الدوليــة املختلفــة‪ .‬فعل ــى ســبيل املثــال قــال ممثــل نيجيريــا‬ ‫رئيســا للــدورة‬ ‫لــدى األمم املتحــدة‪ ،‬تيجان ــي محمــد بانــدي الــذي كان‬ ‫ً‬ ‫الرابعــة والســبعني للجمعيــة العامــة لــأمم املتحــدة‪ ،‬يف املناقشــة‬ ‫املفتوحــة ملجل ــس األمــن حــول الشــرق األوســط‪ ،‬مبــا يف ذلــك القضيــة‬ ‫الفلســطينية‪ .‬إن نيجيريــا تشــعر بقلــق بالــغ إزاء الوضــع املثيــر للقلــق‬ ‫يف أجــزاء كثيــرة مــن الشــرق األوســط‪ ،‬وخاصــة يف فلســطني‪ ،‬مضي ًفــا‬ ‫أنــه مــن املهــم جلميــع األطــراف أن تبــذل جهــو ًدا حقيقيــة ومنســقة‬ ‫إليجــاد حلــول ســلمية‪ .‬وأضــاف أن نيجيريــا تدعــو الــدول الت ــي تتمتــع‬ ‫بنفــوذ عل ــى األطــراف املعنيــة إل ــى تشــجيعها عل ــى إعــادة االنخــراط‬ ‫يف احلــوار عل ــى أســاس قــرارات األمم املتحــدة ذات الصلــة‪ ،‬ومبــادئ‬ ‫مدريــد‪ ،‬وخريطــة الطريــق الرباعيــة‪ ،‬ومبــادرة الســام العربيــة‪ .‬وقــد‬ ‫أ ّكــدت الرئاســة النيجيريــة يف بيــان لهــا هــذا املوقــف وحثــت األطــراف‬ ‫عل ــى إعــادة االنخــراط يف احلــوار عل ــى أســاس قــرارات األمم املتحــدة‬ ‫ذات الصلــة ومبــادئ مدريــد وخريطــة الطريــق الرباعيــة ومبــادرة‬ ‫الســام العربيــة‪.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫اإلســرائيلي بنيامــن نتنياهــو بزيــارة إل ــى أربــع دول يف شــرق إفريقيــا‬ ‫يف عــام ‪2016‬م‪ ،‬حــن زار كينيــا ويوغنــدا وروانــدا وإثيوبيــا حيــث تعــول‬ ‫تــل أبيــب اآلن علــى دعــم قســم كبيــر مــن إفريقيــا عندمــا يتعلــق‬ ‫األمــر بالتصويــت يف األمم املتحــدة‪ .‬وقــال مســؤولون رفيعــو املســتوى‬ ‫يف احلكومــة األوغنديــة لصحيفــة «إيســت أفريــكان» علــى هامــش‬ ‫قمــة مكافحــة اإلرهــاب الت ــي حضرهــا رئيــس الــوزراء نتنياهــو وســبعة‬ ‫رؤســاء دول‪ ،‬إن السياســة اخلارجيــة إلســرائيل كانــت أحــد األســباب‬ ‫الرئيســية لزيــارة رئيــس الــوزراء‪ ،‬وأن أهــم مــا يســعى لتحقيقــه مــن‬ ‫هــذه اجلولــة احلصــول عل ــى أصدقــاء مــن إفريقيــا يدعمــون إســرائيل‬ ‫يف التصويــت يف األمم املتحــدة‪ ،‬وإعــادة قبولهــا كمراقــب يف االحتــاد‬ ‫اإلفريقــي‪ ،‬والصفقــات التجاريــة واألمنيــة‪ .‬وكانــت إســرائيل قــد‬ ‫ووجهــت بعــدة نكســات مــن قبــل الــدول اإلفريقيــة‪ ،‬والت ــي متيــل إل ــى‬ ‫التصويــت ككتلــة داخــل األمم املتحــدة‪.‬‬

‫رفض إسرائيل لمختلف مبادرات السالم‬

‫لــدى إســرائيل موقــف ثابــت‪ ،‬وإن تغ ّيــرت أشــكال التعبيــر عنــه‪ ،‬مــن‬ ‫موضــوع الســام‪ .‬وأي مبــادرة ال تعــزّز واقــع هيمنــة إســرائيل علــى‬ ‫األراضــي الفلســطينية فهــي مرفوضــة‪ .‬يتبــدى املوقــف اإلســرائيلي‬ ‫الرافــض ألي مبــادرة ســام مــع الفلســطينيني يف املوقــف مــن مبــادرات‬ ‫أخــرى طرحتهــا دول تعــد صديقــة إلســرائيل مثــل فرنســا‪ .‬فقــد‬ ‫رفــض رئيــس الــوزراء اإلســرائيلي نتنياهــو مبــادرة الســام الفرنســية‬ ‫لكســر اجلمــود يف املفاوضــات بــن اإلســرائيليني والفلســطينيني‪ .‬ويف‬ ‫بيــان قصيــر أصــدره مكتــب نتنياهــو أصــر رســم ًيا عل ــى أنــه ال يــرى‬ ‫أي فائــدة ملؤمتــر الســام الفرنســي املقتــرح الــذي كانــت احلكومــة‬ ‫الفرنســية تخطــط لعقــده يف عــام ‪2016‬م‪.‬‬ ‫تظهــر الــدول الغربيــة أنهــا تضغــط علــى إســرائيل إلقامــة دولــة‬ ‫فلســطينية تكــون عاصمتهــا القــدس الشــرقية لكــن هــذه الضغــوط‬ ‫غيــر جــادة يعكســها موقــف هــذه الــدول مــن احلــرب عل ــى غــزة‪ .‬كمــا‬ ‫أن الواقــع اإلســرائيلي الداخلــي الــذي يــزداد تطر ًفــا يجعــل القبــول‬ ‫باملبــادرة العربيــة كمــا طرحــت يف مؤمتــر بيــروت غيــر واردة‪ .‬ورغــم مــا‬ ‫أشــيع مــن رغبــة أطــراف عربيــة يف تعديــل املبــادرة‪ ،‬إال أن إســرائيل‬ ‫ترفــض ذلــك‪ ،‬ألنهــا ال تريــد قيــام دولــة فلســطينية‪ ،‬وتعمــل علــى‬ ‫تكري ــس سياســة األمــر الواقــع‪.‬‬

‫الموقف اإلسرائييل من التأييد اإلفريقي لمبادرة السالم العربية‬

‫رغــم أن إســرائيل متكنــت يف العقــود الثالثــة األخيــرة مــن إقامــة‬ ‫عالقــات دبلوماســية واقتصاديــة مــع عــدد مــن الــدول اإلفريقيــة‪،‬‬ ‫إال أنهــا انزعجــت مــن تنامــي العالقــات العربيــة‪ /‬اإلفريقيــة علــى‬ ‫املســتويني التعــددي والثنائــي‪ .‬نتيجــة لذلــك قــام رئيــس الــوزراء‬

‫* رئيس جامعة العلوم الطبية والتكنولوجيا‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫‪131‬‬

‫ملف العدد‬

‫رحبــت إســرائيل بالمبــادرة ورفضــت بندين‪ :‬العودة لحــدود ‪ 67‬وحل عادل‬ ‫لمشــكلة الالجئيــن الفلســطينيين ورفض العــرب أي تغيير والعــودة للوراء‬ ‫بــن اجلامعــة العربيــة والــدول اإلفريقيــة ألول مــرة مــن خــال إعــان‬ ‫وبرنامــج عمــل اعتمدتهمــا القمــة التاريخيــة اإلفريقيــة العربيــة‬ ‫األولــى التــي عقــدت يف القاهــرة يف مــارس ‪1977‬م‪ ،‬وتعــد الشــراكة‬ ‫اإلفريقيــة العربيــة أقــدم ترتيــب تعــاون دخلــت فيــه إفريقيــا‪ ،‬علــى‬ ‫الرغــم مــن أنهــا مــا تــزال حتــى اآلن مبثابــة اتفــاق تعاونــي‪ ،‬إال أن‬ ‫الشــراكة يف بدايتهــا األولــى ر ّكــزت علــى التضامــن السياســي أكثــر‬ ‫مــن التعــاون االقتصــادي‪ .‬وتعتمــد الشــراكة عل ــى الروابــط التاريخيــة‬ ‫واللغويــة والثقافيــة والدينيــة الهامــة بــن إفريقيــا والــدول العربيــة‪،‬‬ ‫والت ــي يعززهــا إل ــى حــد كبيــر حقيقــة أن حوال ــي ‪ ٪70‬مــن املجتمــع‬ ‫«العربــي» موجــود يف إفريقيــا‪ .‬كمــا أن هنــاك دول إفريقيــة تشــكل‬ ‫جــز ًءا مــن الــدول األعضــاء يف جامعــة الــدول العربيــة‪ .‬تر ّكــز الشــراكة‬ ‫علــى أربعــة مجــاالت هــي التعــاون السياســي والتعــاون االقتصــادي‬ ‫واألمــن الزراعــي الغذائــي والتعــاون االجتماعــي والثقــايف‪.‬‬ ‫يضــاف إل ــى البعــد اجلماع ــي العرب ــي العالقــات الثنائيــة الوطيــدة بني‬ ‫دول عربيــة والــدول اإلفريقيــة‪ .‬يبــرز هنــا مثــال العالقــات الســعودية‬ ‫‪ /‬اإلفريقيــة الت ــي جتســدت مؤخ ـ ًرا يف القمــة الســعودية ‪ /‬اإلفريقيــة‬ ‫الت ــي عقــدت يف الريــاض يف نوفمبــر ‪2023‬م‪ ،‬يف ختــام القمــة صــدر‬ ‫إعــان الريــاض الــذي أ ّكــد عل ــى أهميــة املبــادرة العربيــة للســام يف‬ ‫حــل القضيــة الفلســطينية حيــث «أكــد املجتمعــون علــى ضــرورة‬ ‫إنهــاء الســبب احلقيقــي للنــزاع املتمثــل يف االحتــال اإلســرائيلي‪،‬‬ ‫وأهميــة تكثيــف اجلهــود للوصــول إل ــى تســوية شــاملة وعادلــة للنــزاع‬ ‫الفلســطيني اإلســرائيلي؛ وف ًقــا ملبــدأ حــل الدولتــن ومبــادرة الســام‬ ‫العربيــة وقــرارات الشــرعية الدوليــة ذات الصلــة مبــا يكفــل للشــعب‬ ‫الفلســطيني حقــه يف إقامــة دولتــه املســتقلة عل ــى حــدود عــام ‪1967‬م‪،‬‬ ‫وعاصمتهــا القــدس الشــرقية”‪.‬‬ ‫وتبــرز أهميــة عالقــة اململكــة العربيــة الســعودية بالقــارة اإلفريقيــة يف‬ ‫اجلانــب االقتصــادي‪ ،‬كذلــك‪ ،‬حيــث بلــغ إجمال ــي اســتثمارات اململكــة‬ ‫يف إفريقيــا خــال األعــوام العشــر األخيــرة ‪ 49.5‬مليــار ريــال‪ ،‬ووصــل‬ ‫عــدد الشــركات الســعودية العاملــة هنــاك ‪ 47‬شــركة‪ .‬وشــكل دعــم‬ ‫الصنــدوق الســعودي للتنميــة‪ ،‬لقــارة إفريقيــا‪ ،‬حوالــي ‪ %57.06‬مــن‬ ‫إجمالــي نشــاطه اإلمنائــي حــول العالــم‪ ،‬حيــث قــ ّدم منــذ مزاولــة‬ ‫نشــاطه اإلمنائ ــي دعمــه إل ــى ‪ 46‬دولــة ناميــة يف قــارة إفريقيــا‪ .‬وبلــغ‬ ‫حجــم التبــادل التجــاري بــن اململكــة والقــارة نحــو ‪ 20‬مليــار دوالر يف‬ ‫عــام ‪2023‬م‪.‬‬

‫جتســدت العالقــة السياســية بــن الــدول العربيــة وإفريقيــا‪ً ،‬‬ ‫أيضــا‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫يف إعــان ســرت الــذي صــدر يف ‪ 11‬أكتوبــر ‪2010‬م‪ ،‬يف مدينــة ســرت‬ ‫الليبيــة يف ختــام القمــة العربيــة اإلفريقيــة الثانيــة والتــي عقــدت‬ ‫بعــد مــرور ‪ 33‬ســنة علــى عقــد القمــة العربيــة اإلفريقيــة األولــى‬ ‫عــام ‪1977‬م‪« ،‬التعــاون السياس ــي مــن خــال رفــع جميــع مســتويات‬ ‫احلــوار السياس ــي» والتعــاون «يف مقاومــة االحتــال ومكافحــة اإلرهــاب‬ ‫واجلرميــة العابــرة للحــدود واالجتــار بالبشــر واملخــدرات والقرصنــة‬ ‫واالجتــار غيــر الشــرعي باألســلحة”‪ .‬ومــا ورد يف إعــان الكويــت الــذي‬ ‫صــدر عــن القمــة العربيــة اإلفريقيــة الثالثــة الت ــي عقــدت يف الكويــت‬ ‫يف الفترة من ‪ 19‬إلى ‪ 20‬نوفمبر ‪2013‬م‪ ،‬الذي جاء فيه‪« :‬مسترشــدين‬ ‫بتصميمنــا املشــترك عل ــى تعزيــز التعــاون جنــوب ‪-‬جنــوب والتضامــن‬ ‫والصداقــة بــن بلداننــا وشــعوبنا لتحقيــق تطلعــات شــعوبنا يف توطيــد‬ ‫العالقــات اإلفريقيــة العربيــة‪ ،‬عل ــى أســاس مبــادئ املســاواة واملصالــح‬ ‫املتبادلــة والتســامح واالحتــرام”‪.‬‬ ‫للــدول اإلفريقيــة دور سياســي مهــم تقــوم بــه عبــر عضويتهــا يف‬ ‫منظمــات دوليــة مختلفــة‪ .‬فعل ــى ســبيل املثــال يبــرز هنــا القــرار الــذي‬ ‫اتخــذه أعضــاء االحتــاد اإلفريقــي وحركــة عــدم االنحيــاز باإلجمــاع‬ ‫بالتصويــت لصالــح حصــول فلســطني عل ــى صفــة املراقــب يف األمم‬ ‫املتحــدة‪ .‬كمــا يالحــظ دورهــا املهــم يف منظمــة التعــاون اإلســامي‬ ‫ً‬ ‫ملحوظــا‪ .‬فقــد اجتمعــت مؤخــراً‬ ‫حيــث تشــكل الــدول اإلفريقيــة ثقـ ًـا‬ ‫‪ 57‬دولــة عربيــة وإســامية يف اململكــة العربيــة الســعودية ودعــت إل ــى‬ ‫حــل ســلمي للصــراع الفلســطيني اإلســرائيلي علــى أســاس حــل‬ ‫الدولتــن‪ ،‬مؤكــدة التزامهــا مببــادرة الســام العربيــة‪ .‬فالقمــة املشــتركة‬ ‫بــن جامعــة الــدول العربيــة ومنظمــة التعــاون اإلســامي أصــدرت‬ ‫بيانهــا وأشــارت فيــه إل ــى حقــوق الشــعب الفلســطيني حيــث ذكــرت‬ ‫“ونؤكــد مجــد ًدا أن الســام العــادل والدائــم والشــامل‪ ،‬وهــو خيــار‬ ‫اســتراتيجي‪ ،‬هــو الســبيل الوحيــد لتحقيــق األمــن واالســتقرار جلميــع‬ ‫شــعوب املنطقــة وحمايتهــا مــن دوامــات العنــف واحلــروب‪ .‬ونؤكــد‬ ‫أن ذلــك لــن يتحقــق دون إنهــاء االحتــال اإلســرائيلي وحــل القضيــة‬ ‫الفلســطينية عل ــى أســاس حــل الدولتــن‪ .‬ونؤكــد أنــه ال ميكــن حتقيــق‬ ‫الســام اإلقليم ــي مــع التغاض ــي عــن القضيــة الفلســطينية أو محاولــة‬ ‫جتاهــل حقــوق الشــعب الفلســطيني‪ .‬ونؤكــد أن مبــادرة الســام‬ ‫العربيــة‪ ،‬الت ــي تدعمهــا منظمــة التعــاون اإلســامي‪ ،‬تشــكل مرج ًعــا‬ ‫أساس ـ ًيا لتحقيــق هــذه الغايــة”‪.‬‬


‫‪130‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫لــم يــدرك بــوش فرصــة المبــادرة العربيــة ووصفتهــا مستشــارته لألمــن‬ ‫اقتراح ــا جري ًئ ــا ونقط ــة انط ــاق للمفاوض ــات‬ ‫القوم ــي كوندولي ــزا أنه ــا‬ ‫ً‬ ‫أو أجبــروا عل ــى اخلــروج مــن أراضيهــم يف فلســطني‪ .‬وقــال الســفير‬ ‫اإلســرائيلي يف القاهــرة شــالوم كوهــن إن «إســرائيل تطالــب بإدخــال‬ ‫تعديــات معينــة عل ــى مبــادرة الســام حت ــى تتمكــن مــن مناقشــتها مــع‬ ‫الــدول العربيــة»‪ .‬وقــال وزيــر اخلارجيــة أحمــد أبــو الغيــط للصحفيــن‬ ‫يف القاهــرة إنــه «لــن يكــون هنــاك تغييــر وال عــودة إل ــى الــوراء»‪ .‬وكان‬ ‫يتحــدث بعــد أن قــدم الســفير اإلســرائيلي مقترحــات بــاده‪ .‬وتخطــط‬ ‫إســرائيل لالحتفــاظ باملجمعــات االســتيطانية الكبيــرة يف الضفــة‬ ‫الغربيــة‪ ،‬وخاصــة يف منطقــة القــدس يف أي اتفــاق ســام نهائ ــي‪ .‬وتــرى‬ ‫يف تدفــق ماليــن الالجئــن الفلســطينيني وأحفادهــم نهايــة إســرائيل‬ ‫كوطــن لليهــود‪ .‬يف عــام ‪2013‬م‪ ،‬رفــض وزيــر الدفــاع اإلســرائيلي موشــيه‬ ‫يعالــون املبــادرة العربيــة ووصفهــا بأنهــا «حتريــف» و»إمــاء» مــن شــأنه‬ ‫أن يجبــر إســرائيل عل ــى تقــدمي تنــازالت كبيــرة قبــل أن تتمكــن مــن‬ ‫تقــدمي مطالبهــا اخلاصــة‪.‬‬ ‫إزاء هــذه املواقــف اإلســرائيلية جــاء املوقــف العربــي علــى لســان‬ ‫وزيــر اخلارجيــة الســعودي ســعود الفيصــل الــذي قــال إن الرفــض‬ ‫اإلســرائيلي لهــذا االقتــراح هــو رفــض للســام‪ .‬وقــال عمــرو موس ــى‪،‬‬ ‫األمــن العــام جلامعــة الــدول العربيــة علــى إســرائيل أو ًاًل قبــول‬ ‫االقتــراح واســتخدامه كأســاس للمفاوضــات‪ ،‬بــد ًاًل مــن االكتفــاء‬ ‫باالنتقــاد ومحاولــة فــرض التغييــرات‪.‬‬ ‫يعــد موقــف رئيــس احلكومــة اإلســرائيلية بنيامــن نتنياهــو وزعيــم‬ ‫حــزب الليكــود يف ‪ 13‬يونيــو ‪2016‬م‪ ،‬امتــدا ًدا للرفــض الرســمي‬ ‫اإلســرائيلي للمبــادرة العربيــة‪ .‬قــال إنــه لــن يقبــل أبـدًا مبــادرة الســام‬ ‫العربيــة األصليــة كأســاس للمفاوضــات بــن إســرائيل والفلســطينيني‪.‬‬ ‫وقــال نتنياهــو‪ :‬حســب مــا أوردت صحيفــة هآرتــز “إذا أدركــت الــدول‬

‫العربيــة حقيقــة أنهــا بحاجــة إل ــى مراجعــة اقتــراح اجلامعــة العربيــة‬ ‫وف ًقــا للتغييــرات التــي تطالــب بهــا إســرائيل‪ ،‬فيمكننــا عندئــذ‬ ‫التحــدث‪ ...‬لكــن إذا قدمــوا االقتــراح مــن عــام ‪2002‬م‪ ،‬وعرضــوه عل ــى‬ ‫أســاس التعامــل مــع املبــادرة كاملــة دون تعديــل أو تركهــا ‪-‬فســوف‬ ‫نختــار تركهــا»‪ .‬يعكــس نتنياهــو هــذه األيــام موق ًفــا أكثــر تشــد ًدا‬ ‫حيــال الســام بحكــم رئاســته ألكثــر احلكومــات تطر ًفــا يف إســرائيل‪،‬‬ ‫ومطالبــة وزراء مــن حكومتــه ليــس فقــط بترحيــل الفلســطينيني بــل‬ ‫القضــاء عليهــم‪.‬‬

‫الموقف اإلفريقي من مبادرة السالم العربية‬

‫جــاءت مواقــف االحتــاد اإلفريق ــي والــدول اإلفريقيــة الكبيــرة مؤيــدة‬ ‫ملبــادرة الســام العربيــة‪ .‬ففــي اجتمــاع قمــة االحتــاد اإلفريقــي يف‬ ‫دورتــه العاديــة التاســعة يف أكــرا‪ ،‬غانــا‪ ،‬يف الفتــرة مــن ‪ 1‬إل ــى ‪ 3‬يوليــو‪/‬‬ ‫متــوز ‪2007‬م‪ ،‬قــررت القمــة وبعــد االطــاع على الوضــع اخلطير الناجم‬ ‫عــن اســتمرار االحتــال اإلســرائيلي لألراض ــي الفلســطينية والعربيــة‪،‬‬ ‫دعــم مبــادرة الســام العربيــة بكافــة جوانبهــا بصيغتهــا املعتمــدة‬ ‫الصــادرة عــن القمــة العربيــة يف دورتهــا الرابــع عشــرة املنعقــدة يف‬ ‫بيــروت‪ ،‬لبنــان‪ ،‬يف ‪ 28‬مــارس‪/‬آذار‪2002‬م‪ ،‬حلــل القضيــة الفلســطينية‬ ‫والصــراع العرب ــي ‪ /‬اإلســرائيلي‪ .‬كمــا قــررت القمــة بــذل كافــة اجلهــود‬ ‫والوســائل للترويــج للمبــادرة وشــرح أبعادهــا وحشــد الدعــم الدولــي‬ ‫لتنفيذهــا‪.‬‬ ‫يجــب وضــع موقــف الــدول اإلفريقيــة مــن مبــادرة الســام العربيــة‬ ‫يف إطــار أوســع حيــث أن العالقــة بــن اجلانبــن قدميــة وراســخة‬ ‫عبــرت عنهــا الشــراكة االســتراتيجية بــن اجلامعــة العربيــة واالحتــاد‬ ‫أضفــي الطابــع املؤسســي علــى الشــراكة االســتراتيجية‬ ‫اإلفريقــي‪ُ .‬‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫‪129‬‬

‫ملف العدد‬

‫رحــب المجتمــع الــدويل بالمبــادرة وأدرك إمكاناتهــا لكنــه فشــل بدمجهــا‬ ‫يف حزمـــة دوليـــة مـــن حوافـــز الســـام بضمانـــات أمريكيـــة ـ أوروبيـــة‬ ‫ولكنــه فشــل يف دمجهــا يف حزمــة دوليــة أوســع مــن حوافــز الســام‪،‬‬ ‫والت ــي كان مــن املمكــن أن تتضمــن أيض ـاً ضمانــات أمنيــة أميركيــة‬ ‫وحتســن العالقــات مــع االحتــاد األوروب ــي‪.‬‬

‫وتوجهــت وزيــرة اخلارجيــة تســيبي ليفنــي إلــى القاهــرة للمشــاركة‬ ‫يف أول محادثــات رفيعــة املســتوى بــن إســرائيل والعالــم العرب ــي حــول‬ ‫املبــادرة الت ــي أعيــد إطالقهــا بالريــاض يف مــارس ‪2007‬م‪.‬‬

‫قــررت القمــة العربيــة التاســع عشــرة التــي عقــدت يف الريــاض يف‬ ‫مــارس ‪2007‬م‪ ،‬تفعيــل املبــادرة العربيــة للســام‪ .‬وتأكيـدًا لهــذا التفعيــل‬ ‫قــال امللــك عبــد اهلل الثان ــي ملــك األردن يف لقــاء مــع وكالــة األنبــاء‬ ‫الفرنســية يف ‪ 10‬أبريــل ‪2007‬م‪“ ،‬إننــا نتحــدث عــن مبــادرة ســام عربية‬ ‫أقرهــا الزعمــاء العــرب يف قمــة بيــروت عــام ‪2002‬م‪ ،‬وجــددوا التزامهــم‬ ‫بــكل بنودهــا يف قمــة الريــاض‪ .‬وعل ــى اإلســرائيليني أن يتعاملــوا مــع‬ ‫املبــادرة بجديــة ووضــوح‪ ،‬وأن يظهــروا نواياهــم بشــأن العيــش يف أمــن‬ ‫واســتقرار‪“ .‬وإذا اختــار القــادة اإلســرائيليون عــدم القيــام بذلــك‪،‬‬ ‫فأعتقــد أنهــم لــن يخدمــوا شــعبهم ولــن يســاهموا يف جهــود الســام‬ ‫وإنهــاء الصــراع األساســي”‪ .‬وقــد عينــت اجلامعــة العربيــة مصــر‬ ‫واألردن كمحاوريــن لهــا مــع إســرائيل فيمــا يتعلــق باملبــادرة العربيــة وأن‬ ‫يشــكال مجموعــة عمــل لبحــث القضيــة مــع إســرائيل‪.‬‬

‫قابلــت ليفنــي الرئيــس املصــري حســني مبــارك‪ ،‬كمــا عقــدت‬ ‫اجتماعــا ثالث ًيــا مــع وزيــر اخلارجيــة املصــري أحمــد أبــو الغيــط‬ ‫ً‬ ‫ووزيــر اخلارجيــة األردنــي عبــد اإللــه اخلطيــب‪ .‬وكان رئيــس الــوزراء‬ ‫إيهــود أوملــرت ووزيــرة اخلارجيــة تســيبي ليفن ــي قــد قــاال إن املبــادرة‬ ‫حتتــوي علــى عناصــر إيجابيــة وأنهمــا يريــدان مســاعدة مصــر يف‬ ‫توضيــح ذلــك للــدول العربيــة‪ .‬ور ًدا عل ــى ذلــك قــال أحمــد أبــو الغيــط‬ ‫وزيــر خارجيــة مصــر آنــذاك «لــن نقبــل أي مراجعــة للمبــادرة العربيــة‬ ‫الت ــي طرحــت يف قمــة اجلامعــة العربيــة عــام ‪2002‬م‪ ،‬والت ــي عرضــت‬ ‫التطبيــع الكامــل للعالقــات مــع إســرائيل مقابــل انســحاب إســرائيل‬ ‫مــن جميــع األراضــي العربيــة احملتلــة”‪.‬‬

‫اخلطــوة اإلســرائيلية الوحيــدة التــي كانــت إيجابيــة هــي ترحيــب‬ ‫رئيــس وزراء إســرائيل األســبق إيهــود أوملــرت باملبــادرة حت ــى ال يظهــر‬ ‫للعالــم عــدم رغبــة إســرائيل يف الوصــول للســام‪ .‬لــذا قــررت احلكومــة‬ ‫اإلســرائيلية عقــد جلســات حــول املبــادرة مــع احلكومــة املصريــة‪.‬‬

‫وعل ــى الرغــم مــن أن ليفن ــي ورئيــس الــوزراء إيهــود أوملــرت قــد أشــارا‬ ‫لوجــود نقــاط إيجابيــة يف املبــادرة‪ ،‬إال أنهمــا أوضحــا أن إســرائيل لــن‬ ‫تقبل مبا سـ ّم ي بحق العودة الفلســطيني‪ ،‬وال مبدأ «خذها أو اتركها»‬ ‫يف املبــادرة‪ .‬وبــرزت اعتراضــات إســرائيل عل ــى املبــادرة يف بنديــن مــن‬ ‫بنــود املبــادرة العربيــة همــا‪ :‬الدعــوة إل ــى العــودة إلى حدود عــام ‪1967‬م‪،‬‬ ‫والتوصــل إل ــى حــل عــادل ملشــكلة الالجئــن الفلســطينيني الذيــن فــروا‬


‫‪128‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫االتحاد اإلفريقي أيد المبادرة العربية للسالم في قمة أكرا يوليو ‪2007‬‬

‫جنوب إفريقيا ونيجيريا الدولتان األكبر يف‬ ‫إفريقيا يؤيدان المبادرة العربية للسالم‬ ‫ظلــت القضيــة الفلســطينية ه ــي القضيــة احملوريــة للــدول العربيــة‪ ،‬واســتمرت حاضــرة عل ــى جــدول أعمــال اجلامعــة العربيــة‪،‬‬ ‫والتأكيــد عليهــا بانتظــام خــال مؤمتــرات القمــة املتعاقبــة للجامعــة العربيــة‪ .‬وقــد طرحــت اجلامعــة قضيــة الســام يف املنطقــة‬ ‫منــذ القــرار الــذي اتخــذه مؤمتــر القمــة العرب ــي االســتثنائي يف القاهــرة يف يونيــو ‪1996‬م‪ ،‬بــأن الســام العــادل والشــامل يف‬ ‫الشــرق األوســط هــو اخليــار االســتراتيجي للــدول العربيــة‪ ،‬ويكتمــل وف ًقــا للشــرعية الدوليــة‪ ،‬ويتطلــب ذلــك التزا ًمــا مماثـ ًـا‬ ‫بشــأن الســام الشــامل مــن جانــب احلكومــة اإلســرائيلية‪ .‬يف ‪ 17‬فبرايــر ‪2002‬م‪ ،‬اقتــرح ول ــي العهــد الســعودي ســمو األميــر‬ ‫عبــد اهلل بــن عبــد العزيــز‪ ،‬يف مقابلــة مــع تومــاس فريدمــان يف صحيفــة نيويــورك تاميــز‪ ،‬فكــرة جديــدة‪ :‬انســحاب إســرائيلي‬ ‫كامــل مــن جميــع األراض ــي احملتلــة‪ ،‬مبــا فيهــا القــدس الشــرقية‪ ،‬وف ًقــا لقــرارات األمم املتحــدة‪ ،‬والتطبيــع الكامــل للعالقــات بــن‬ ‫إســرائيل والــدول األعضــاء يف جامعــة الــدول العربيــة البالــغ عددهــا ‪ 22‬دولــة‪.‬‬

‫أ‪ .‬د‪ .‬حسن احلاج علي أحمد‬

‫الح ًقــا أ ّيــد مجل ــس جامعــة الــدول العربيــة عل ــى مســتوى القمــة يف‬ ‫دورتــه العاديــة الرابــع عشــرة يف مــارس ‪2002‬م‪ ،‬الــذي عقــد يف بيــروت‪،‬‬ ‫مــا طرحــه ســمو األميــر عبــد اهلل بــن عبــد العزيــز ولــي العهــد‬ ‫الســعودي الــذي دعــا إلــى انســحاب إســرائيل مــن جميــع األراضــي‬ ‫احملتلــة يف عــام ‪1967‬م‪ ،‬تنفيــذا لقــراري مجلــس األمــن ‪ 242‬و‪338‬‬ ‫اللذيــن أ ّكــد عليهمــا مؤمتــر مدريــد يف عــام ‪1991‬م‪ ،‬ومبــدأ األرض‬ ‫مقابــل الســام‪ ،‬والقبــول بقيــام دولــة فلســطينية مســتقلة ذات ســيادة‬ ‫وعاصمتهــا القــدس الشــرقية‪ ،‬مقابــل قيــام الــدول العربيــة بإنشــاء‬ ‫عالقــات طبيعيــة مــع إســرائيل يف إطــار ســام شــامل‪ .‬ونصــت املبــادرة‬ ‫صراحــة علــى ضــرورة انســحاب إســرائيل مــن مرتفعــات اجلــوالن‬ ‫واألراض ــي الت ــي يطالــب بهــا لبنــان (أي مــزارع شــبعا والغجــر)‪ .‬وفيمــا‬ ‫يتعلــق مبشــكلة الالجئــن الفلســطينيني‪ ،‬فقــد ذكــر أن التوصــل إل ــى‬ ‫حــل عــادل لهــذه املشــكلة يجــب أن «يتــم االتفــاق عليــه وف ًقــا لقــرار‬ ‫اجلمعيــة العامــة لــأمم املتحــدة رقــم ‪.»194‬‬ ‫متاحــا لكــن إســرائيل‬ ‫ظلــت مبــادرة الســام العربيــة خيــا ًرا سياس ـ ًيا‬ ‫ً‬ ‫لــم تكــن ترغــب يف إقامــة ســام‪ .‬فف ــي فبرايــر ‪2001‬م‪ ،‬انتُخــب أرييــل‬

‫شــارون‪ ،‬زعيــم حــزب الليكــود اليمين ــي‪ ،‬رئيس ـاً لــوزراء إســرائيل‪ .‬وكان‬ ‫عل ــى رأس أولوياتــه وضــع نهايــة فوريــة النتفاضــة األقص ــى الت ــي كانــت‬ ‫مشــتعلة منــذ ســبتمبر ‪2000‬م‪ ،‬يف أعقــاب فشــل احملادثــات يف قمــة‬ ‫كامــب ديفيــد يف يوليــو مــن ذلــك العــام‪ .‬وكانــت الواليــات املتحــدة‪،‬‬ ‫قــد حاولــت يف املاضــي التوســط يف املفاوضــات‪ ،‬ور ّكــزت أيضــاً يف‬ ‫‪2002/2001‬م‪ ،‬علــى إيجــاد صيغــة سياســية مقبولــة إلنهــاء األزمــة‪.‬‬ ‫لكــن كل هــذه اجلهــود بــاءت بالفشــل‪ .‬ويف ضــوء هــذه اخللفيــة جــاءت‬ ‫مبــادرة الســام الت ــي قدمهــا ول ــي العهــد الســعودي ســمو األميــر عبــد‬ ‫اهلل وتبنتهــا اجلامعــة العربيــة‪.‬‬ ‫لــم يــدرك الرئيــس األمريكــي جــورج بــوش األبــن أهميــة الفرصــة‬ ‫التــي وفرتهــا املبــادرة العربيــة‪ .‬وكتبــت مستشــارته لألمــن القومــي‪،‬‬ ‫اقتراحــا جري ًئــا وكان مــن‬ ‫كوندوليــزا راي ــس‪ ،‬الح ًقــا أن املبــادرة “كانــت‬ ‫ً‬ ‫املمكــن أن تكــون نقطــة انطــاق مهمــة للمفاوضــات”‪ ،‬لكــن توقيتهــا‬ ‫كان ســي ًئا‪ .‬لكــن الرئيــس بــوش أعــرب عــن تأييــده العلن ــي للمبــادرة‪،‬‬ ‫موضحــا أنــه ال ميكــن تنفيذهــا إال بوقــف الهجمــات ضــد إســرائيل‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وقــد رحــب املجتمــع الدول ــي مببــادرة الســام العربيــة وأدرك إمكاناتهــا‪،‬‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫‪127‬‬

‫ملف العدد‬

‫تلتقي المواقف التركية والعربية يف التعامل مع الملف الفلسطيني‬ ‫والصــراع العربــي‪ /‬اإلســرائييل رغم التقــارب واالنفتاح التركي ‪ /‬اإلســرائييل‬ ‫للحكــم املســتقبلي يف املنطقــة‪ ،‬واملعروفــة إعالم ًيــا بخطــة «اليــوم‬ ‫التال ــي»‪ .‬خيــارات تــل أبيــب شــبه محــدودة اليوم وه ــي ال ميكن لها بعد‬ ‫اآلن ســوى الدخــول يف حــوار وتفــاوض سياس ــي دبلوماس ــي حقيق ــي‬ ‫حــول احلــل الشــامل للصــراع‪ ،‬ب ـد ًاًل مــن الطــرق امللتويــة والتهــرب مــن‬ ‫املواجهــة احلقيقيــة ملشــاكلها يف املنطقــة وعل ــى رأســها التهــرب مــن‬ ‫االســتجابة للمطالــب واحلقــوق املشــروعة للشــعب الفلســطيني‪.‬‬

‫جــاءت بعــد إتفاقيــات مــع القاهــرة وعمــان والســلطة الفلســطينية‬ ‫وتعهــدات إســرائيلية جتــاه الســلم والتطبيــع وإعــادة األراض ــي احملتلــة‪.‬‬ ‫وإلــزام تــل أبيــب بتنفيــذ مضامــن القــرارات األمميــة الصــادرة عــن‬ ‫مجلــس األمــن يف موضــوع الصــراع وإنهائــه وحــل الدولتــن وإعــان‬ ‫القــدس عاصمــة للدولــة الفلســطينية‪ .‬والرهــان هــو علــى خطــة‬ ‫طــوارئ عربيــة إســامية عاجلــة باجتــاه إعــادة إحيــاء املبــادرة العربيــة‬ ‫الت ــي اقترحتهــا اململكــة العربيــة الســعودية‪ ،‬يواكبهــا حتــرك دبلوماس ــي‬ ‫وسياس ــي عرب ــي وإســامي واســع متعــدد اجلوانــب جتــاه دعــم املبــادرة‬ ‫الســعودية وإعــادة تفعيلهــا مــن جديــد‪ .‬وإلــزام إســرائيل إقليم ًيــا ودول ًيــا‬ ‫وحتديـدًا مــن قبــل العواصــم الغربيــة الداعمــة لهــا‪ ،‬مبراجعــة مواقفهــا‬ ‫وسياســاتها يف التعامــل مــع امللــف الفلســطيني‪.‬‬

‫املتوقــع اليــوم هــو التحــرك العربــي اإلســامي الواســع مــن خــال‬ ‫خصوصــا وأنهــا‬ ‫اإللتفــاف وراء بنــود مبــادرة عــام ‪2002‬م‪ ،‬وتبنيهــا كاملــة‬ ‫ً‬

‫* أستاذ القانون والعالقات الدولية‪ .‬العميد املؤسس لكلية القانون يف جامعة‬ ‫غازي عنتاب‬

‫بقــدر مــا هنــاك الكثيــر مــن العواصــم الغربيــة الت ــي تقــف إل ــى جانــب‬ ‫إســرائيل بقــدر مــا نتابــع الكثيــر مــن أجــواء التحــول يف السياســات‬ ‫الغربيــة نتيجــة الضغوطــات الشــعبية وكتــل الــرأي العــام الت ــي بــدأت‬ ‫تعيــد تشــكيل مواقفهــا حيــال مــا يجــري يف األراض ــي الفلســطينية‬ ‫احملتلــة‪.‬‬


‫‪126‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫رئيــس جهــاز «الشــاباك» أيالــون‪ :‬إســرائيل كانــت تعيــش عــى وهــم‬ ‫الحصــول عــى كل شــيء بالقــوة لكــن كل هــذه األوهــام انهارت يف أســبوع‬ ‫ســارعت أنقــرة إلعــان دعمهــا لقــرارات قمة بيروت والترحيــب باملبادرة‬ ‫الســعودية وبنودهــا‪ ،‬وعملــت يف الوقــت نفســه عل ــى تفعيــل خطــوات‬ ‫انفتاحهــا عل ــى اجلانــب اإلســرائيلي باجتــاه لعــب دور الوســيط املقبــول‬ ‫يف إطــار حتــرك متــوازن‪.‬‬

‫الســانحة لفتــح الطريــق مجــد ًدا أمــام التســويات وإلــزام إســرائيل‬ ‫بالتخل ــي عــن مواقفهــا احلاليــة حيــث يناقــش العالــم بأكملــه فــرص‬ ‫الســام بينمــا تناقــش القيــادات اإلســرائيلية السياســية والعســكرية‬ ‫فــرص التصعيــد والتوتيــر والشــحن اإلقليم ــي ‪.‬‬

‫أنقرة التي رفضت الســماح لواشــنطن باســتخدام قواعدها العســكرية‬ ‫عــام ‪1967‬م‪ ،‬وكــررت ذلــك يف العــام ‪1973‬م‪ ،‬خــال احلــروب العربيــة‪/‬‬ ‫اإلســرائيلية‪ .‬ذهبــت اليــوم وراء مواقــف أكثــر تشــد ًدا يف مواجهــة تــل‬ ‫أبيــب وسياســاتها العدوانيــة علــى الشــعب الفلســطيني‪ .‬وجــددت‬ ‫تبنيهــا للقــرارات واملواقــف العربيــة املعلنــة بعــد انفجــار الوضــع‬ ‫يف غــزة‪ .‬واختــارت أن تكــون جــز ًءا مــن التحــرك العربــي اإلســامي‬ ‫املتكامــل يف التعامــل مــع امللــف‪ ،‬والتصعيــد املباشــر ضــد نتنياهــو‬ ‫وحكومتــه واملطالبــة بتحميلــه املســؤولية السياســية والقانونيــة‬ ‫الكاملــة يف اســتهداف املدنيــن وتدميــر املبانــي وســقوط عشــرات‬ ‫اآلالف مــن القتلــى واجلرحــى‪ .‬التوتــر التركــي‪ /‬اإلســرائيلي يف غــزة‬ ‫ً‬ ‫مرتبطــا بالدفــاع عــن منظمــة حمــاس بقــدر مــا يهــدف للدفــاع‬ ‫ليــس‬ ‫عــن املدنيــن يف األراضــي الفلســطينية احملتلــة واألماكــن املقدســة‬ ‫ودور العبــادة ومســاءلة القيــادة اإلســرائيلية عمــا ترتكبــه مــن جرائــم‬ ‫هنــاك‪.‬‬

‫هــل الظــروف مواتيــة حســب اجلانــب التركــي إلعــادة طــرح املبــادرة‬ ‫العربيــة يف مؤمتــر دولــي كآليــة للســام يف الشــرق األوســط بعــد‬ ‫النتائــج الكارثيــة للحــرب اإلســرائيلية علــى غــزة؟‬

‫حالــت بعــض العواصــم الغربيــة دون دخــول تركيــا عل ــى خــط الوســاطة‬ ‫بــن تــل أبيــب وحمــاس باجتــاه التهدئــة يف غــزة‪ .‬وعرقلــت العــرض‬ ‫الترك ــي القائــم عل ــى خطــة األطــراف الضامنــة لوقــف إطــاق النــار‬ ‫وحتويلــه إلــى خارطــة طريــق سياســية بــن الطرفــن اإلســرائيلي‬ ‫والفلســطيني‪ .‬إل ــى جانــب رفــض تــل أبيب للعــروض التركية مســتقوية‬ ‫بدعــم هــذه العواصــم إلســرائيل يف تصلبهــا وتعنتهــا واعتبــار أنقــرة‬ ‫غيــر حياديــة وأنهــا لــن تكــون عل ــى مســافة واحــدة مــن طــريف النــزاع‪.‬‬ ‫فلمــاذا لــن تقــف أنقــرة بكامــل ثقلهــا ودورهــا اإلقليم ــي إل ــى جانــب‬ ‫املنظومــة العربيــة وه ــي تتحــرك لوضــع اســتراتيجيات التعامــل مــع‬ ‫تــل أبيــب؟‬ ‫رحبــت تركيــا يف العــام ‪2002‬م‪ ،‬بقــرارات قمــة بيــروت وأعلنــت دعمهــا‬ ‫للمبــادرة الســعودية وقتهــا وهــي لــن تغيــر يف مواقفهــا هــذه التــي‬ ‫يواكبهــا الكثيــر مــن احلراك السياس ــي والدبلوماس ــي باجتاه التنســيق‬ ‫الترك ــي ‪ /‬العرب ــي املشــترك يف التعامــل مــع مــا يجــري يف غــزة اليــوم‪،‬‬ ‫وتســريع ترجمتــه إل ــى فــرص سياســية تضغــط لدفــع حلفــاء تــل أبيــب‬ ‫يف الغــرب ملواجعــة مواقفهــم وسياســاتهم ودعــم الفرصــة السياســية‬

‫إعــان الرئيــس التركــي أنــه ال مجــال إلحــال الســام يف منطقــة‬ ‫الشــرق األوســط إال مــن خــال إقامــة دولــة فلســطينية عل ــى حــدود‬ ‫‪1967‬م‪ ،‬عاصمتهــا القــدس الشــرقية وأن أصــل األزمــة هــو عدم تطبيق‬ ‫إســرائيل للقــرارات األمميــة‪ .‬وتأكيــده يف مؤمتــر صحف ــي مشــترك مــع‬ ‫املستشــار األملانــي شــولتز‪“ :‬إن هدفنــا يف تركيــا‪ ،‬هــو تهيئــة منــاخ‬ ‫يســوده األمــن والثقــة‪ ،‬يعيــش فيــه اإلســرائيليون والفلســطينيون جن ًبــا‬ ‫إلــى جنــب يف ســام‪ .‬أنــا أعتقــد أن مــن الضــروري علــى اجلميــع‬ ‫أن يتحملــوا املســؤولية لضمــان الســام العــادل والدائــم يف الشــرق‬ ‫األوســط « يعك ــس مســار املوقــف الترك ــي الداعــم ملواقــف العواصــم‬ ‫العربيــة ومــا تــردده حــول ســبل احلــل والتســويات العادلــة عل ــى طريــق‬ ‫حــل الدولتــن‪.‬‬ ‫تكــرار أردوغــان دعــم أنقــرة ملقتــرح تنظيــم مؤمتــر ســام فلســطيني ـ‬ ‫إســرائيلي دول ــي يشــارك فيــه جميــع الفاعلــن املؤثريــن يف املنطقــة‪،‬‬ ‫مصحو ًبــا « باالســتفادة مــن الــدروس املأخــوذة مــن النتائــج املخيبــة‬ ‫الجتماعــات عديــدة مماثلــة عقــدت خــال الثالثــن عا ًمــا املاضيــة “‪،‬‬ ‫يعك ــس املوقــف الترك ــي الداعــم لطروحــات العواصــم العربيــة للتســوية‬ ‫العادلــة والدائمــة للصــراع العرب ــي ‪ /‬اإلســرائيلي والعــودة خلطــة وبنــود‬ ‫املبــادرة الســعودية وطرحهــا أمــام مؤمتــر دولــي يبحــث عــن إنهــاء‬ ‫الصــراع العرب ــي اإلســرائيلي ويســاهم يف بنــاء الســام الدائــم‪.‬‬ ‫بقــدر مــا ســاهمت العواصــم العربيــة يف فتــح الطريــق أمــام أبــواب‬ ‫احلــوار والتهدئــة اإلقليميــة‪ ،‬بقــدر مــا ذهبــت تــل أبيــب باجتــاه‬ ‫التصلــب والتشــدد والتعنــت‪ .‬مســؤولية حلفــاء إســرائيل اليــوم هــي‬ ‫أكبــر وأهــم مــن املواقــف والسياســات املعتمــدة قبــل الســابع مــن‬ ‫أكتوبــر املنصــرم‪ ،‬ومراجعــة الــدول الغربيــة ملواقفهــا ينبغ ــي أن يســبق‬ ‫املوقــف اإلســرائيلي‪.‬‬ ‫كشــف وزيــر الدفــاع اإلســرائيلي يــوآف غاالنــت النقــاب عــن مقترحــات‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫‪125‬‬

‫ملف العدد‬

‫حال ــت عواص ــم غربي ــة دون دخ ــول تركي ــا ع ــى خ ــط الوس ــاطة يف غ ــزة‬ ‫وعرقل ــت الع ــرض الترك ــي لخط ــة األط ــراف الضامن ــة لوق ــف إط ــاق الن ــار‬ ‫مــن مــرة‪ .‬وقــد يشــكل فرصــة مهمــة لتســريع تفعيــل املبــادرة الســعودية‬ ‫املدعومــة عرب ًيــا وإســام ًيا ومــن قبــل العديــد مــن العواصــم اإلقليميــة‬ ‫والدوليــة الفاعلــة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ـتكمااًل ملــا قــد يكــون مقدمــة لقــراءة أمريكيــة جديــدة يف التعامــل‬ ‫اسـ‬ ‫مــع امللــف الفلســطيني‪،‬‬ ‫ً‬ ‫حتليــا بعنــوان “ بلينكــن‬ ‫نشــرت صحيفــة “ نيويــورك تاميــز”‬ ‫يتحــدث عــن رؤيــة كبــرى للســام يف الشــرق األوســط لكنــه يصطــدم‬ ‫بحائــط يف إســرائيل “ يقــول إنــه عندمــا وقــف وزيــر اخلارجيــة‬ ‫األمريكــي علــى مــدرج مطــار القاهــرة‪ ،‬قبــل عودتــه إلــى الواليــات‬ ‫املتحــدة‪ ،‬أعــرب عــن “ ثقتــه يف الدعــم الــذي قــال إنــه حصــل عليــه‬ ‫مــن القــادة يف جميــع أنحــاء الشــرق األوســط لرؤيــة غــزة مــا بعــد‬ ‫احلــرب‪ ،‬ويف نهايــة املطــاف فه ــي تشــمل دولــة فلســطينية إل ــى جانــب‬ ‫إســرائيل “‪ .‬وأوضــح أنــه يف نهايــة أســبوع مــن الدبلوماســية عاليــة‬ ‫املخاطــر مــع عشــر حكومــات “ لــن يحــدث أي مــن هــذا بــن عشــية‬ ‫وضحاهــا‪ .‬لكــن هنــاك رغبــة أكبــر اآلن لــدى الــدول التخــاذ القــرارات‬ ‫الصعبــة والقيــام مبــا هــو ضــروري للتقــدم بهــذا املســار «‪.‬‬ ‫املوقــف األمريكــي بعــد أســابيع علــى تطــورات املشــهد بشــقيه‬ ‫العســكري والسياس ــي يف غــزة‪ ،‬قــد يذهــب باجتــاه مغايــر هــذه املــرة‪.‬‬ ‫فواشــنطن التــي كانــت الضامــن األول للكثيــر مــن خطــط الســام‬ ‫واالتفاقيــات واملعاهــدات بــن اجلانبــن العرب ــي واإلســرائيلي‪ ،‬بــدأت‬ ‫تشــعر أنهــا مطالبــة بتنفيــذ الكثيــر مــن التعهــدات املقدمــة ســواء يف‬ ‫موضــوع “األرض مقابــل الســام” والــذي يشــكل جوهــر قــرار مجل ــس‬ ‫األمــن رقــم ‪ ،242‬وجوهــر العمليــة الســلمية كمــا رددت القيــادات‬ ‫األمريكيــة منــذ ســنوات طويلــة‪ ،‬وإلــزام تــل أبيــب بالتخل ــي عــن املراوغــة‬ ‫يف مســألة االنســحابات مــن األراضــي احملتلــة يف الضفــة الغربيــة‬ ‫وقطــاع غــزة واجلــوالن وجنــوب لبنــان‪ ،‬ومــا أعلنتــه حــول وجــود القــدس‬ ‫داخــل إطــار األراض ــي احملتلــة‪ .‬إل ــى جانــب تعهــدات أمريكيــة ســابقة‬ ‫بإلــزام إســرائيل وقــف عمليــات االســتيطان‪ ،‬وفتــح الطريــق بشــكل‬ ‫رســمي علن ــي واضــح أمــام تفعيــل مبــادرة عــام ‪2002‬م‪ ،‬العربيــة‪.‬‬

‫أبلــغ وزيــر اخلارجيــة األمريك ــي أنتون ــي بلينكــن للرئيــس الفلســطيني‬ ‫محمــود عبــاس تأييــد واشــنطن “ تدابيــر ملموســة “ إلقامــة دولــة‬ ‫فلســطينية‪ ،‬وقــال املتحــدث باســم وزارة اخلارجيــة ماثيــو ميلــر “‬ ‫إن بلينكــن أكــد موقــف واشــنطن الثابــت علــى وجــوب قيــام دولــة‬ ‫فلســطينية إلــى جانــب إســرائيل والعيــش يف ســام وأمــن “‪.‬‬ ‫املواقــف األمريكيــة األخيــرة ال ميكــن فصلهــا عــن الدعــوات التــي‬ ‫بــدأت تظهــر إل ــى العلــن عل ــى لســان أكثــر مــن قيــادي عرب ــي وإســامي‬ ‫وغرب ــي وه ــي تطالــب بعقــد مؤمتــر دول ــي جديــد للســام يف املنطقــة‪.‬‬ ‫املواقــف العربيــة واإلســامية الت ــي توحــدت يف قمــة الريــاض األخيــرة‬ ‫تــرى مــن جديــد أن الطريــق األســهل واألقصــر هنــا هــو االلتفــاف حــول‬ ‫بنــود ومضمــون املبــادرة الســعودية‪.‬‬ ‫‪- 4‬الرؤية التركية للملف الفلسطيني بني األمس واليوم‬ ‫أكــدت القيــادات السياســية التركيــة أكثــر مــن مــرة أن موقــف أنقــرة‬ ‫حيــال القضيــة الفلســطينية ثابــت ال يتغيــر وهــذا مــا رأينــاه مــن‬ ‫خــال إعــان تركيــا التزامهــا ببيــان قمــة الريــاض اإلســامية‪ /‬العربيــة‬ ‫يف نوفمبــر املنصــرم‪ .‬وبهــذا تلتقــي املواقــف التركيــة والعربيــة يف‬ ‫التعامــل مــع مســار امللــف الفلســطيني والصــراع العرب ــي اإلســرائيلي‬ ‫ككل رغــم التقــارب واالنفتــاح الترك ــي اإلســرائيلي‪ .‬تعــود أســباب ذلــك‬ ‫بالدرجــة األول ــى خليــارات شــرائح املجتمــع الترك ــي وبنيتــه االجتماعيــة‬ ‫وخلفيتــه التاريخيــة ونظرتــه الدينيــة يف التعامــل مــع امللــف‪.‬‬ ‫كانــت العالقــات التركيــة ‪ /‬اإلســرائيلية ومــا زالــت حتــت تأثيــر مســار‬ ‫امللــف الفلســطيني بــكل جوانبــه‪ .‬ترصــد تركيــا عــن قــرب ملــف‬ ‫الصــراع العرب ــي ‪ /‬اإلســرائيلي وتطــورات املشــهد السياس ــي واألمن ــي‬ ‫يف القضيــة الفلســطينية منــذ العــام ‪1947‬م‪ ،‬حتــى اليــوم‪ .‬املوقــف‬ ‫الترك ــي بإختصــار مبن ــي عل ــى أســاس حقــوق دول عربيــة باســترداد‬ ‫أراضيهــا يف مواجهــة االحتــال اإلســرائيلي‪ .‬بــن العوامــل املؤثــرة‬ ‫يف املوقــف التركــي هنــاك اجلوانــب السياســية واألمنيــة والقانونيــة‬ ‫واإلنســانية وأنقــرة بنــت اســتراتيجياتها ورســمت معالــم سياســاتها‬ ‫عل ــى هــذا األســاس‪.‬‬ ‫مــع وصــول حــزب العدالــة والتنميــة للســلطة يف تركيــا عــام ‪2002‬م‪،‬‬

‫لج ــأت القي ــادات اإلس ــرائيلية للمن ــاورة واعتم ــاد خي ــار الره ــان ع ــى‬ ‫قدراته ــا العس ــكرية وع ــى الدع ــم الغرب ــي فوصل ــت لالنس ــداد الح ــايل‬


‫‪124‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫تجاهل ــت إس ــرائيل مب ــادرات عربي ــة وإس ــامية أكثره ــا اعت ـ ً‬ ‫ـدااًل‬ ‫وانفتاح ــا المب ــادرة العربي ــة التي واف ــق عليها القادة الع ــرب عام ‪2002‬‬ ‫ً‬ ‫دبلوماســي يحــرك مســار القضيــة الفلســطينية ويعيــد امللــف إلــى‬ ‫الواجهــة اإلقليميــة والدوليــة مــن جديــد؟ وهــل ســيكون هنــاك أي‬ ‫حتــرك عربــي‪ /‬ســعودي باجتــاه تعديــل مــواد ومضمــون املبــادرة‬ ‫املقترحــة عــام ‪2002‬م؟ وهــل الظــروف اإلقليميــة والدوليــة القائمــة‬ ‫اليــوم تدعــم تســريع العــودة إل ــى طــرح املبــادرة الســعودية وحتريكهــا‬ ‫إقليم ًيــا ودول ًيــا وأمم ًيــا؟ وكيــف ســيكون شــكل املوقــف الترك ــي حيــال‬ ‫خطــوات بهــذا االجتــاه بعدمــا أعلنــت أنقــرة تبنيهــا الكامــل ودعمهــا‬ ‫املفتــوح لقــرارات قمــة الريــاض العربيــة اإلســامية األخيــرة؟ ومــا‬ ‫ه ــي فــرص املجتمــع الدول ــي مــع رئيــس الــوزراء اإلســرائيلي بنيامــن‬ ‫نتنياهــو ليتحــول إل ــى محــاور ســلمي يدعــم أي حتــرك عرب ــي‪ /‬دول ــي‬ ‫باجتــاه احلــوار السياســي والدبلوماســي مــن جديــد الهــادف حلــل‬ ‫النــزاع الفلســطيني اإلســرائيلي؟‬ ‫يــرى الكاتــب اإلســرائيلي املعــروف عامــوس هاريــل‪ ،‬إن سياســة‬ ‫التهديــدات األمنيــة التــي اعتمدتهــا إســرائيل لســنوات يف األراضــي‬ ‫الفلســطينية وســمحت لغالبيــة اإلســرائيليني مبمارســة حياتهــم‬ ‫اليوميــة بإحســاس محــدود باملخاطــر‪ ،‬انعكســت ســل ًبا بشــكل كبيــر‬ ‫داخــل املجتمــع اإلســرائيلي‪ ،‬ممــا أدى إل ــى تغييــر جــذري يف احليــاة‬ ‫اليوميــة اإلســرائيلية‪ .‬ويتابــع القــول ‪ :‬إن إســرائيل جتــد نفســها يف‬ ‫مــأزق اســتراتيجي بســبب احلــرب التــي اندلعــت يف الســابع مــن‬ ‫أكتوبــر املاض ــي مــع حركــة حمــاس الت ــي تســيطر عل ــى قطــاع غــزة‪،‬‬ ‫إذ جتــاوزت تكلفــة احلــرب ‪ 18‬مليــار دوالر‪ ،‬يف حــن عــادت صراعــات‬ ‫إســرائيل التــي لــم حتــل بعــد مــع الفلســطينيني وحــزب اهلل إلــى‬ ‫الســاحة اإلقليميــة‪ .‬جتنــب هاريــل حســاب األضــرار واخلســائر الت ــي‬ ‫أحلقتهــا القــوات اإلســرائيلية بغــزة ولــم يكــن يف احلســبان بعــد أن‬ ‫إيــران قــد حتــرك جبهــة البحــر األحمــر عبــر احلوثــي يف محاولــة‬ ‫خللــط الكثيــر مــن األوراق التــي تخــدم أهدافهــا‪.‬‬ ‫تــل أبيــب وبــد ًاًل مــن اســتغالل فــرص الســام واالتفاقيــات املوقعــة‬ ‫معهــا مــن قبــل بعــض الــدول العربيــة حاولــت جتييــر ذلــك لصالــح‬ ‫خططهــا ومشــاريعها وحســاباتها السياســية واألمنيــة وحدهــا‪ .‬ووقفــت‬ ‫وراء اتفاقيــات أوســلو ألخــذ مــا تريــد وتخلــت عــن تعهداتهــا املقدمــة‬ ‫لألطــراف األخــرى‪ ،‬ممــا أدى إل ــى زيــادة عــدد املســتوطنات الت ــي تشــكل‬ ‫أكبــر عقبــة أمــام مســار الســام‪ .‬كمــا واصلــت عمليــات مصــادرة‬ ‫األراض ــي الفلســطينية‪ ،‬وجتاهــل الوضــع يف اجلــوالن وجنــوب لبنــان‬ ‫مســتقوية بالدعــم الغرب ــي لهــا عل ــى طريــق إجهــاض أوســلو ومــا رافقــه‬ ‫مــن تعهــدات للفلســطينيني يف مســائل القــدس واللجــوء واالســتيطان‬

‫ووقــف التهويــد‪ .‬مــا بعــد غــزة بقــول إن نقاشــات الداخــل اإلســرائيلي‬ ‫بــدأت تســير باجتــاه العــودة إل ــى مــا فرطــت بــه القيــادات اإلســرائيلية‬ ‫قبــل عقديــن وأن قناعــة الكثيــر مــن اإلســرائيليني باتــت متيــل نحــو‬ ‫خيــار حــل الصــراع والســام احلقيق ــي عبــر التفاهمــات والعــودة إل ــى‬ ‫طاولــة احلــوار اإلقليم ــي الت ــي تضــع عل ــى رأس جــدول أعمالهــا قيــام‬ ‫دولــة فلســطينية مســتقلة قابلــة للحيــاة كشــريك كامــل إلســرائيل‪ ،‬وأن‬ ‫ال بديــل عــن الســام وعــن االعتــراف بحقــوق الشــعب الفلســطيني‪.‬‬ ‫العقبــة األكبــر اليــوم ه ــي حكومــة نتياهــو ومــن يدعمهــا من متشــددين‬ ‫يف الداخــل اإلســرائيلي‪ ،‬لكــن هنــاك مــن يدعــو حتــى يف صفــوف‬ ‫« الليكــود « مثــل مئيــر طريــت‪ ،‬إلــى التجــاوب مــع مبــادرة الســام‬ ‫العربيــة لعــام ‪2002‬م‪ ،‬يقــول طريــت‪ ،‬الــذي خــدم يف عــدة حكومــات يف‬ ‫املاض ــي مبناصــب وزاريــة رفيعــة‪ ،‬منهــا العــدل والداخليــة‪ ،‬إن املبــادرة‬ ‫“ ال تــزال علــى الطاولــة‪ ،‬ومــن شــبه اليقــن أنهــا احلــل الوحيــد‬ ‫لســام دائــم لنــا وللمنطقــة كلهــا «‪ .‬ظاهــراً‪ ،‬يبــدو الوضــع بــا مخــرج‬ ‫وال توجــد حلــول ســحرية لتثبيــت االســتقرار والســام يف املنطقــة‪،‬‬ ‫لكنن ــي أعتقــد بأنــه يوجــد حــل ممكــن وصحيــح للمتاهــة الت ــي نوجــد‬ ‫فيهــا‪ ،‬املبــادرة العربيــة والســعودية الت ــي تبنتهــا اجلامعــة العربيــة عــام‬ ‫‪2002‬م‪ ،‬وه ــي تعك ــس عمليـاً املوقــف الرســمي املشــترك للــدول العربيــة‬ ‫بالنســبة حلــل النــزاع اإلســرائيلي – العرب ــي «‪.‬‬ ‫كالم مشــابه ســبق وردده قبــل عامــن آم ــي أيالــون رئيــس جهــاز األمــن‬ ‫العــام اإلســرائيلي «الشــاباك»‪ ،‬وهــو يقــر بــأن إســرائيل كانــت تعيــش‬ ‫عل ــى وهــم أنهــا تســتطيع أن حتصــل عل ــى كل ش ــيء بالقــوة‪ ،‬لكــن كل‬ ‫هــذه األوهــام انهــارت خــال أســبوع واحــد‪.‬‬ ‫الطريــق إلــى الســام كمــا قــال وزيــر اخلارجيــة الســعودي األميــر‬ ‫فيصــل بــن فرحــان آل ســعود مرهــون بإســرائيل وحتقيــق الدولــة‬ ‫الفلســطينية وعاصمتهــا القــدس الشــرقية حســب املبــادرة الســعودية‬ ‫للســام ‪ ..‬الهــروب ال يفيــد‪.‬‬ ‫‪- 3‬كيف ستتصرف واشنطن؟‬ ‫أبلــغ وزيــر اخلارجيــة األمريك ــي أنتون ــي بلينكــن القيــادات اإلســرائيلية‬ ‫أثناء جولته اإلقليمية الرابعة خالل ‪ 3‬أشــهر‪ ،‬أن اجلانب الفلســطيني‬ ‫لــه حقوقــه املشــروعة وأن واشــنطن ســتدعم بعــد إنتهــاء احلــرب عل ــى‬ ‫غــزة تفعيــل خطــط حــل الدولتــن‪ .‬موقــف أمريك ــي جديــد يف هــذا‬ ‫االجتــاه قــد يكــون بــن مؤشــرات التحــول املرتقــب يف سياســة أمريــكا‬ ‫الفلســطينية ونظرتهــا إل ــى احلــل املتــوازن واملقبــول كمــا رددت أكثــر‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫‪123‬‬

‫ملف العدد‬

‫المب ــادرة العربي ــة مخ ــرج س ــلمي بطاب ــع إقليم ــي يعك ــس الص ــورة‬ ‫اإليجابي ــة االنفتاحي ــة للخط ــاب العرب ــي تج ــاه التس ــوية العادل ــة للص ــراع‬ ‫إســرائيل قــد قبلــت مبــادرة اململكــة العربيــة الســعودية للســام؟‬ ‫كانــت املبــادرة يف كلمــات قليلــة تبغ ــي قيــام دولــة فلســطينية مســتقلة‬ ‫عل ــى حــدود عــام ‪1967‬م‪ ،‬والتوصــل إل ــى حــل عــادل ملشــكلة الالجئــن‬ ‫الفلســطينيني‪ ،‬يتفــق عليهــا وفقــاً لقــرار اجلمعيــة العامــة لــأمم‬ ‫املتحــدة رقــم ‪ ،194‬ثــم االنســحاب مــن هضبــة اجلــوالن‪ .‬يف املقابــل‬ ‫تعتبــر الــدول العربيــة أن النــزاع العربــي ‪-‬اإلســرائيلي قــد انتهــى‪،‬‬ ‫مــع الدخــول يف اتفاقيــة ســام بينهــا وبــن إســرائيل‪ ،‬مــع حتقيــق‬ ‫األمــن جلميــع دول املنطقــة‪ ،‬وإنشــاء عالقــات طبيعيــة مــع إســرائيل يف‬ ‫إطــار الســام الشــامل‪ .‬عــرض ســعودي‪ /‬عرب ــي ‪/‬إســامي ينطلــق مــن‬ ‫مبــادىء وأســس القانــون الدول ــي وقــرارات األمم املتحــدة ومــا يقولــه‬ ‫املنطــق والواقــع‪ ،‬لكــن إســرائيل قالــت ال وإختــارت مواصلــة مــا بــدأت‬ ‫بــه قبــل ‪ 8‬عقــود‪.‬‬ ‫جنحــت الريــاض يف نقــل الكــرة إل ــى الســاحة اإلســرائيلية وداعميهــا‬ ‫يف الغــرب‪ ،‬لكــن تــل أبيــب عولــت دائ ًمــا عل ــى الضــوء األخضــر الــذي‬ ‫منــح لهــا يف املنطقــة مــن قبــل بعــض احللفــاء والشــركاء‪ ،‬لتواصــل‬ ‫خططهــا السياســية واألمنيــة وعرقلــة القــرارات األمميــة والعــروض‬ ‫الدوليــة املقدمــة لهــا مــن قبــل أكثــر مــن دولــة وتكتــل إقليم ــي ودول ــي‬ ‫ورفــض إعــادة األراض ــي الت ــي احتلتهــا والعــودة إل ــى خرائــط مــا قبــل‬ ‫العــام ‪1967‬م‪.‬‬ ‫مــا الــذي كان ســيحمله معــه قبــول املبــادرة الســعودية وقتهــا؟ وهــل‬

‫كان ســيجنب املنطقــة املزيــد مــن التصعيــد والتــأزم ويفتــح األبــواب‬ ‫اإلقليميــة علــى وســعها باجتــاه التأســيس حلالــة مــن األمــن‬ ‫واالســتقرار وازدهــار قبــل عقديــن مــن الزمــن؟‬ ‫مخــرج ســلمي اســتراتيجي بطابــع إقليم ــي يعك ــس الصــورة اإليجابيــة‬ ‫االنفتاحيــة للخطــاب العرب ــي باجتــاه التســوية العادلــة للصــراع‪ ،‬رحــب‬ ‫بــه البعــض يف إســرائيل والعديــد مــن العواصــم الغربيــة‪ ،‬وأعلــن‬ ‫اســتعداده للتفــاوض حولــه مــع العواصــم العربيــة‪ ،‬لكــن دون الذهــاب‬ ‫خصوصــا مــن اجلانــب اإلســرائيلي‬ ‫وراء ترجمــة حقيقيــة للمواقــف‬ ‫ً‬ ‫الــذي اختــار االســتقواء بالدعــم الغرب ــي واألمريك ــي حتدي ـدًا‪.‬‬ ‫عــرض ســعودي ‪ /‬عربــي‪ /‬إســامي كان ســيحمل معــه الكثيــر مــن‬ ‫فــرص وبــوادر األمــن والســام والتعــاون السياســي واالقتصــادي‪،‬‬ ‫عرقلتــه إســرائيل ولــم تذهــب الــدول الغربيــة الداعمــة لهــا وراء‬ ‫االســتفادة مــن الفرصــة الســانحة وجتييرهــا إل ــى مســاحة إقليميــة‬ ‫باجتــاه التهدئــة واالســتقرار‪ ،‬وتركــت املنطقــة أمــام وضعيــة حافــة‬ ‫الهاويــة وقــاب قوســن أو أقــل مــن التوتــر واالنفجــار احملتمــل يف كل‬ ‫حلظــة كمــا هــي الوضعيــة اليــوم‪.‬‬ ‫‪-2‬هــل األج ــواء مواتيــة لل ع ــودة إل ــى امل بــادرة ال س ــعودية؟ وهــل تريــد‬ ‫إســرائيل ال س ــام يف املنطقــة؟‬ ‫مــا ه ــي اليــوم فــرص املبــادرة الســعودية املعلنــة قبــل عقديــن حتــت‬ ‫شــعار قمــة احلــق العربــي يف بيــروت بتســجيل إختــراق سياســي‬


‫‪122‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫تركيا تدعم الموقف العربي للتسوية وطرح المبادرة العربية أمام مؤتمر دولي‬

‫الرهان عىل تحرك عربي‪ /‬إسالمي إلحياء‬ ‫المبادرة وإلزام إسرائيل بمراجعة مواقفها‬ ‫يجتهــد رئيــس الــوزراء اإلســرائيلي بنيامــن نتنياهــو لتوســيع رقعــة احلــرب التــي اشــتعلت يف الســابع مــن أكتوبــر ‪2023‬م‪،‬‬ ‫يف قطــاع غــزة ونقلهــا إل ــى جبهــات جديــدة يف املنطقــة‪ .‬هنــاك مــن يدعمــه يف هــذا التوجــه إنطال ًقــا مــن حســابات الربــح‬ ‫واخلســارة ومتطلبــات املصالــح ويف مقدمتهــم إيــران‪ .‬يف اجلانــب اآلخــر هنــاك تكتــل واســع يف اإلقليــم يحــذر مــن انتشــار رقعــة‬ ‫املواجهــات ويهمــه إبعــاد شــبح التوتيــر والتصعيــد الــذي ســيح ّمل دول املنطقــة وشــعوبها املزيــد مــن األزمــات واألعبــاء املكلفــة‬ ‫الت ــي ه ــي بغن ــى عنهــا‪.‬‬

‫أ‪.‬د ‪ .‬سمير صاحلة‬

‫‪ – 1‬إسرائيل والغرب بعد إهدار فرصة املبادرة السعودية‬ ‫فرطــت إســرائيل وداعموهــا يف الغــرب أكثــر مــن مــرة بأكثــر مــن‬ ‫عــرض علــى طريــق تســوية الصــراع العربــي اإلســرائيلي والوصــول‬ ‫إل ــى حــل عــادل للقضيــة الفلســطينية‪ .‬إختــارت جتاهــل الكثيــر مــن‬ ‫ً‬ ‫اعتــدااًل‬ ‫املبــادرات العربيــة واإلســامية والتــي كان أهمهــا وأكثرهــا‬ ‫وانفتاحــا يف اإلقليــم‪ ،‬املبــادرة العربيــة للســام الت ــي اقترحتهــا اململكــة‬ ‫ً‬ ‫العربيــة الســعودية ووافــق عليهــا القــادة العــرب يف القمــة العربيــة‬ ‫التــي ُعقــدت يف بيــروت عــام ‪2002‬م‪.‬‬ ‫نظــرة خاطفــة علــى أهــم بنــود املبــادرة التــي تقدمــت بهــا اململكــة‬ ‫العربيــة الســعودية‪ ،‬الت ــي تبنتهــا الــدول العربيــة واإلســامية ورفضتهــا‬ ‫إســرائيل‪ ،‬تســاعدنا عل ــى إحيــاء مــا قيــل ســعو ًديا وعرب ًيــا وإســام ًيا‬ ‫قبــل ‪ 21‬عا ًمــا لتــل أبيــب ومــن يقــف إل ــى جانبهــا مــن عواصــم غربيــة‬ ‫ومــا زالــت بنــوده وأسســه قائمــة حت ــى اليــوم‪:‬‬ ‫ االنـ ــسحاب اإلسرائيلي الكامــ ــل مــ ــن «األراضـ ــي العربيـ ــة احملتلـ ــة»‬‫مبـ ــا فـ ــي ذلـ ــك اجلــوالن السـ ــوري واألراض ــي الت ــي مــا زالــت محتلــة يف‬ ‫جنــوب لبنــان‪.‬‬ ‫ التوصـ ــل إلــ ــى حــ ــل عــ ــادل ملــ ــشكلة الالجئــ ــن الفلــ ــسطينيني‬‫يتفــ ــق عليــه وف ًقــا لقــرار اجلمعيــة العامــة لــأمم املتحــدة رقــم ‪.194‬‬ ‫‪ -‬قبـول قيـام دولـة فلـسطينية مـستقلة ذات سـيادة علـى األراضـي‬

‫الفلـ ــسطينية احملتلـ ــة منـ ــذ الرابـ ــع مـ ــن يونيـ ــو ‪1967‬م‪ ،‬فـ ــي الضفــة‬ ‫الغربيــة وقطــاع غــزة وتكــون عاصمتهــا القــدس الشــرقية‪.‬‬ ‫توجهــت أنظــار العالــم يف أواخــر مــارس عــام ‪2002‬م‪ ،‬نحــو العاصمــة‬ ‫اللبنانيــة بيــروت الت ــي إســتضافت أعمــال القمــة العربيــة ال ـــ ‪ 14‬والت ــي‬ ‫طرحــت فيهــا اململكــة العربيــة الســعودية مبادرتهــا‪ ،‬التــي أطلقهــا‬ ‫ول ــي العهــد الســعودي األميــر عبــد اهلل بــن عبــد العزيــز داع ًيــا فيهــا‬ ‫إســرائيل إلــى عــدم تفويــت الفرصــة عبــر االنســحاب الكامــل مــن‬ ‫األراضــي احملتلــة باجتــاه حــدود مــا قبــل العــام ‪1967‬م‪ ،‬مبــا فيهــا‬ ‫مدينــة القــدس وإعــان الدولــة الفلســطينية مقابــل حــل الدولتــن‬ ‫والتطبيــع العرب ــي الكامــل مــع إســرائيل‪ .‬جلــأت القيــادات اإلســرائيلية‬ ‫كعادتهــا للمنــاورة وإعتمــاد خيــار الرهــان علــى قدراتهــا العســكرية‬ ‫وعلــى الدعــم السياســي واالقتصــادي الــذي يقدمــه لهــا العديــد‬ ‫مــن العواصــم الغربيــة‪ ،‬فوصلــت األمــور إل ــى مــا ه ــي عليــه مــن تــأزم‬ ‫وانســداد يدفــع املاليــن ثمنــه‪ .‬هــل تســتفيد تــل أبيــب مــن دروس مــا‬ ‫جــرى يف غــزة ومخاطــر إتســاع رقعتــه وتدخــل يف عمليــة تفــاوض‬ ‫حقيقيــة أم ه ــي ســتواصل التلط ــي وراء سياســاتها املدعومــة غر ًبيــا‬ ‫وتفــرط بفرصــة جديــدة ســانحة لهــا اليــوم؟‬ ‫بعــد مــرور أكثــر مــن عقديــن عل ــى املبــادرة الســعودية يطــرح الكاتــب‬ ‫ً‬ ‫ســؤااًل يقــول فيــه‪ “ :‬مــاذا لــو كانــت‬ ‫واملفكــر العربــي إميــل أمــن‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫‪121‬‬

‫ملف العدد‬

‫تمس ــك إس ــرائيل بنظري ــة األم ــن مقاب ــل الس ــام بمع ــزل ع ــن‬ ‫مس ــارات التس ــوية للقضاي ــا النهائي ــة ال يبن ــي الس ــام المس ــتدام‬ ‫التطبيــع مــع الــدول العربيــة أو ًاًل‪ ،‬وهــو بذلــك يقلــب املبــادرة العربيــة‬ ‫مبتهجــا وهــو يخاطــب اجلمعيــة العامــة‬ ‫رأســا علــى عقــب‪ ،‬وكان‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫لــأمم املتحــدة يف دورتهــا الثامنــة والســبعني‪ ،‬ســبتمبر ‪2023‬م‪ ،‬بأنــه‬ ‫حقــق أربعــة اتفاقيــات للســام مــع الــدول العربيــة بــدون أن يفــرض‬ ‫عليــه شــروط حــل القضيــة الفلســطينية‪ ،‬مســتندًا إلــى دعــم إدارة‬ ‫دونالــد ترومــب الــذي طــرح مبــادرة للســام باســم صفقــة القــرن‪ ،‬والتي‬ ‫ســماها الرئيــس الفلســطيني‪ ،‬أبومــازن‪ ،‬بصفعــة القــرن‪ ،‬ألنهــا بــكل‬ ‫بســاطة نســفت كل بنــود املبــادرة العربيــة‪ ،‬أو ًاًل باتخــاذ قــرار اعتبــار‬ ‫القــدس عاصمــة يهوديــة إلســرائيل‪ ،‬مــع إلغــاء حــق العــودة لالجئــن‬ ‫الفلســطينيني باقتصارهــا علــى اجليــل األول وحــده دون أوالدهــم‬ ‫وأحفادهــم‪ ،‬أي بطريقــة واضحــة التصفيــة البيولوجيــة لقضيــة‬ ‫الالجئــن‪ ،‬ألنــه الــذي هجــر منــذ ‪1948‬م‪ ،‬أضحــى أغلبهــم ســاكنني‬ ‫القبــور وليــس املخيمــات الفلســطينية‪ ،‬أمــا الدولــة الفلســطينية ذات‬ ‫الســيادة فتحولــت إل ــى رقعــة مــن اجلــن السويســري‪ ،‬كمــا خاطــب‬ ‫أبومــازن اجلمعيــة العامــة لــأمم املتحــدة‪ ،‬متقطعــة األوصــال بــدون‬ ‫روابــط جغرافيــة وال دميغرافيــة‪ .‬وزادت قناعــة وإدراك نتانياهــو‬ ‫وإدارة بايــدن‪ ،‬بــأن الســام اإلبراهيمــي مــع الــدول العربيــة القائــم‬ ‫عل ــى مقاربــة الســام االقتصــادي بــدالً مــن مقاربــة الســام الشــامل‬ ‫واالنســحاب الكامــل‪ ،‬مــن تعزيــز إدارة اللعبــة بحصيلــة صفريــة مــع‬ ‫الطــرف الفلســطيني والتســويق ملشــهد االســتقرار واالزدهــار يف‬ ‫املنطقــة بــدون تســوية نهائيــة للقضايــا اجلوهريــة التــي طرحتهــا‬ ‫املبــادرة العربيــة‪ ،‬وكان التفــاؤل املفــرط بــأن التقــارب اإلســرائيلي‪-‬‬ ‫العرب ــي ســيخلق ‪ 4‬ماليــن فرصــة عمــل وترليــون دوالر يف النشــاط‬ ‫االقتصــادي خــال العقــد القــادم‪ ،‬وأن الصنــدوق اإلبراهيمــي بــن‬ ‫اإلمــارات وإســرائيل والواليــات املتحــدة األمريكيــة بقيمــة ‪ 3‬مليــارات‬ ‫دوالر ســيعزز التنميــة االقتصاديــة يف املنطقــة‪.‬‬ ‫ثانيــا‪ :‬مــا بعــد طوفــان األقصــى ســيناريوهات تفعيــل‬ ‫ً‬ ‫املبــادرة العربيــة للســام‬ ‫يف إطــار اللعبــة االســتراتيجية لنظريــة اللعــب نتصــور ســيناريوهني‬ ‫ملســتقبل املبــادرة العربيــة للســام‪:‬‬ ‫الســيناريو األول‪ ،‬مــا يســمى يف الدراســات االستشــرافية بالســيناريو‬ ‫االجتاهــي‪ ،‬ويفتــرض أن املتغيــرات الثقيلــة التــي ضبطــت إيقــاع‬ ‫الصــراع العربي‪-‬اإلســرائيلي منــذ قمــة فــاس إل ــى غايــة قمــة بيــروت‬ ‫(‪2002-1982‬م) مــع املســتجدات لعشــرين ســنة مــا بعــد قمــة بيــروت‬ ‫(‪2023-2002‬م)‪ ،‬صفقــة القــرن والســام اإلبراهيم ــي‪ ،‬جتعــل الطــرف‬ ‫اإلســرائيلي متشــبثا بــإدارة الصــراع يف الشــق املتعلــق بالتســوية‬

‫السياســية للقضيــة الفلســطينية وفــق احلصيلــة الصفريــة‪ ،‬مهمــا‬ ‫تغيــرت األحــزاب والقيــادات السياســية يف إســرائيل‪ ،‬وقناعاتــه يف‬ ‫ذلــك أن العمــق االســتراتيجي واألمن ــي للدولــة الثكنــة تفــرض عليهــا‬ ‫التغييــر الدميغــرايف داخــل إســرائيل برفــض حــق عــودة الفلســطينيني‬ ‫وبنــاء املزيــد مــن املســتوطنات مــع إبعــاد القــدس مــن أيــة مفاوضــات‬ ‫باعتبارهــا العاصمــة األبديــة إلســرائيل‪ ،‬وبالتال ــي ســيتم إفــراغ املبــادرة‬ ‫العربيــة مــن جوهرهــا‪ ،‬األرض مقابــل الســام‪.‬‬ ‫الســيناريو الثانــي‪ ،‬مــا نســميه بالســيناريو اإلصالحــي ويتعلــق‬ ‫باألســاس بالتغييــر اجلوهــري يف إدراك صانع ــي القــرار يف إســرائيل‬ ‫مــا بعــد طوفــان األقصــى‪ ،‬بــأن اســتمرار التمســك بنظريــة األمــن‬ ‫مقابــل الســام والســام االقتصــادي مبعــزل عــن مســارات التســوية‬ ‫للقضايــا النهائيــة‪ ،‬احلــدود‪ ،‬الدولــة الفلســطينية ذات الســيادة‪،‬‬ ‫امليــاه‪ ،‬اجلــوالن‪ ،‬القــدس‪ ،‬الالجئــن‪ ،‬ال ميكــن أن تبنــي الســام‬ ‫املســتدام يف املنطقــة‪ ،‬وميكــن تصــور غلبــة التيــار اإلصالح ــي داخــل‬ ‫إســرائيل وفــق مقاربــة شــمعون بريــز بــأن « احلــرب عقيمــة‪ ،‬وأن ال‬ ‫ضامــن للنصــر الكل ــي‪ ،‬وأي حــرب تخــاض ســتكون حر ًبــا ال ضــرورة‬ ‫منهــا‪ ،‬تنطــوي عل ــى خســائر فادحــة يف األرواح وعل ــى معانــاة بشــرية‬ ‫وأضــرار ماليــة وبيئيــة‪ ،‬وإن وقعــت حر ًبــا أخــرى‪ ،‬فــإن املعــارك ســتكون‬ ‫طويلــة مريــرة‪ ،‬والدمــار أعظــم مــن ذي قبــل وحجــم املصابــن عل ــى‬ ‫اجلبهــات وخلــف اخلطــوط ال مثيــل لــه مــن قبــل‪ ،‬وعليــه‪ ،‬يجــب أن‬ ‫نضــع حــد حلالــة الالســلم والالحــرب»‪ ،‬وســيتم تكري ــس هــذا االجتــاه‬ ‫أكثــر مــا بعــد الكــوارث اإلنســانية والبيئــة لفتــرة مــا بعــد طوفــان‬ ‫األقص ــى‪ ،‬بعقــد مؤمتــر دول ــي للســام وتفعيــل املبــادرة العربيــة وفــق‬ ‫خطوطهــا العريضــة مــع نفــس الضمانــات الت ــي كانــت مطروحــة أن‬ ‫تكــون األمم املتحــدة ه ــي الضامــن لتنفيــذ بنودهــا مــع ضــرورة اقتنــاع‬ ‫اإلدارة األمريكيــة القادمــة بأنهــا طر ًفــا داع ًمــا للســام وليــس حام ًيــا‬ ‫إلســرائيل عل ــى حســاب مصاحلهــا القوميــة يف املنطقــة العربيــة‪ ،‬ألن‬ ‫التاريــخ يبــن لنــا أن الطــرف األمريك ــي منــذ مبــادرة ريغــان إل ــى صفقــة‬ ‫القــرن ال يدعــم إال خيــار اللعبــة الصفريــة مــع القضيــة الفلســطينية‪.‬‬

‫* األستاذ بكلية العلوم السياسية والعالقات الدولية‪-‬جامعة الجزائر‪3‬‬


‫‪120‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫اس ــتمرار الح ــرب وخي ــارات الق ــوة المج ــال الوحي ــد إلدارة الص ــراع‬ ‫لتعزي ــز األطروح ــات األيديولوجي ــة لآلب ــاء المؤسس ــين للصهيوني ــة‬ ‫دول مــن املغــرب العربــي‪ ،‬تونــس‪ ،‬اجلزائــر واملغــرب‪ .‬ولقــد أظهــرت‬ ‫وثائــق األرشــيف الوطنــي البريطانــي عــن املوقــف الصلــب والثابــت‬ ‫للملــك فهــد‪ ،‬بعــد رفــض رئيســة الــوزراء مارغريــت تاتشــر اســتقبال‬ ‫الوفــد العربــي بســبب تواجــد ياســر عرفــات معهــم‪ ،‬حيــث تبــن‬ ‫الوثيقــة البريطانيــة غضــب امللــك عل ــى الســفير البريطان ــي بالريــاض‪،‬‬ ‫حيــث ســأله قائــا‪ »:‬كيــف ميكــن لرئيســة الــوزراء أن تصافــح مناحيــم‬ ‫بيغــن‪ ،‬الــذي كان هــو نفســه مســؤو ًاًل عــن قتــل اجلنــود البريطانيــن‬ ‫أثنــاء االنتــداب البريطانــي وتتعــذر عــن لقــاء عرفــات»‪ .‬رد الســفير‬ ‫البريطان ــي مبــر ًرا ســلوك تاتشــر‪ »:،‬لكــن الســيد بيغــن كان رئيــس وزراء‬ ‫دولــة لنــا عالقــات دبلوماســية معهــا‪ ،‬لقــد تغيــرت الظــروف»‪ ،‬فــرد‬ ‫امللــك فهــد‪ »:‬مــع اعتمــاد قــرار فــاس تغيــرت الظــروف بالنســبة إل ــى‬ ‫الفلســطينيني كذلــك»‪.‬‬ ‫بعــد عشــرين ســنة مــن قمــة فــاس‪ ،‬اجتمــع القــادة العــرب مــرة أخــرى‬ ‫يف القمــة العربيــة ببيــروت يف ‪2002‬م‪ ،‬ليتبنــوا مبــادرة ولــي العهــد‬ ‫الســعودي‪ ،‬األميــر عبــد اهلل‪ ،‬وتضمنــت املبــادرة العربيــة مقاربــة‬ ‫الســام الشــامل مقابــل االنســحاب الكامــل مــن األراضي الفلســطينية‬ ‫والعربيــة الت ــي احتلتهــا إســرائيل خــال عــدوان ‪1967‬م‪ ،‬وذلــك طب ًقــا‬ ‫للشــرعية الدوليــة وتنفي ـ ًذا لقــراري مجل ــس األمــن ‪ 242‬و‪ 338‬اللذيــن‬ ‫تعــززا بقــرارات مؤمتــر مدريــد عــام ‪1991‬م‪ ،‬ومبــدأ األرض مقابــل‬ ‫الســام‪ ،‬وقيــام دولــة فلســطينية مســتقلة ذات ســيادة وعاصمتهــا‬ ‫القــدس الشــرقية‪ .‬وانطال ًقــا مــن اقتنــاع الطــرف العربــي بخيــارات‬ ‫اللعبــة غيــر صفريــة يف إدارة الصــراع العربي‪-‬الفلســطيني‪ ،‬فــإن‬ ‫أول نقطــة يف نــص مبــادرة الســام العربيــة تطالــب إســرائيل بإعــادة‬ ‫النظــر يف سياســتها وأن جتنــح للســلم بإعالنهــا أن الســام هــو خيــار‬ ‫اســتراتيجي ً‬ ‫أيضــا‪ ،‬أي وفــق نظريــة اللعــب االســتراتيجية أن تتخل ــى‬ ‫عــن إدارة الصــراع وفــق احلصيلــة الصفريــة‪ ،‬ألنــه ســتكون هنــاك‬ ‫مكاســب اســتراتيجية مشــتركة يف حالــة التزامهــا بثالثــة خطــوات‬ ‫أساســية‪ ،‬األول ــى‪ ،‬االنســحاب الكامــل مــن األراض ــي العربيــة احملتلــة‬ ‫مبــا يف ذلــك اجلــوالن الســوري وحت ــى خــط الرابــع مــن يونيــو ‪1967‬م‪،‬‬ ‫واألراض ــي الت ــي مازالــت محتلــة يف جنــوب لبنــان‪ .‬ثان ًيــا‪ ،‬التوصــل إل ــى‬ ‫حــل عــادل ملشــكلة الالجئــن الفلســطينيني وف ًقــا لقــرار اجلمعيــة‬ ‫العامــة رقــم ‪ .194‬ثال ًثــا‪ ،‬قبــول قيــام دولــة فلســطينية مســتقلة ذات‬ ‫ســيادة علــى األراضــي الفلســطينية احملتلــة وعاصمتهــا القــدس‬ ‫الشــرقية‪ .‬وتتمثــل هــذه املكاســب االســتراتيجية املشــتركة وفــق املبــادرة‬ ‫العربيــة يف إنهــاء النــزاع العربــي اإلســرائيلي والدخــول يف اتفاقيــة‬ ‫ســام بينهــا وبــن إســرائيل مــع حتقيــق األمــن جلميــع دول املنطقــة‪،‬‬

‫مــع إنشــاء عالقــات طبيعيــة مــع إســرائيل يف إطــار الســام الشــامل‪،‬‬ ‫مبــا ميكــن جميــع األطــراف مــن العيــش م ًعا يف ســام وتوفيــر لألجيال‬ ‫القادمــة مســتقبال آمنــا يســوده الرخــاء واالســتقرار‪.‬‬ ‫ولعلــه مــن املفيــد هنــا‪ ،‬أن نشــير إلــى بعــض التغييــرات اجلوهريــة‬ ‫داخــل النخــب اإلســرائيلية ذاتهــا مــن حيــث تبنيهــا الســتراتيجية‬ ‫اللعبــة ذات احلصيلــة غيــر الصفريــة يف إدارة الصــراع مــع الطــرف‬ ‫خصوصــا يف عمليــة الســام يف أوســلو ومــا بعدهــا‪،‬‬ ‫اإلســرائيلي‪،‬‬ ‫ً‬ ‫والت ــي واكبــت املبــادرة العربيــة‪ ،‬وميثــل شــمعون بريــز‪ ،‬وزيــر اخلارجيــة‬ ‫منوذجــا لذلــك‪ ،‬الــذي عبــر عــن هــذا اإلدراك والتصــور‬ ‫اإلســرائيلي‬ ‫ً‬ ‫بضــرورة تغييــر جوهــر الصــراع وفــق املقاربــة األمنيــة الكالســيكية‬ ‫اإلســرائيلية القائمــة عل ــى حمايــة العمــق االســتراتيجي‪ ،‬وقــد عــدد‬ ‫مجمــوع املســوغات الت ــي دفعتــه لتبن ــي مقاربــة «الســام االقتصــادي»‬ ‫يف كتابــه» الشــرق األوســط اجلديــد»‪ ،‬مــن بينهــا‪ ،‬أن املدرســة الدفاعيــة‬ ‫الكالسيكية ال تقدم حلوالً للحقائق اجلغرافية احلالية أو للتهديدات‬ ‫التكنولوجيــة بفعــل تطــور األســلحة االســتراتيجية‪ ،‬ألنــه بــكل بســاطة‬ ‫الصواريــخ املتوســطة والبعيــدة املــدى والصواريــخ الباليســتية أفقــدت‬ ‫أهميــة احلواجــز الطبيعيــة وحشــد القــوات مــع تعاظــم تكاليــف‬ ‫الدفــاع االســتراتيجي أمــام التطــور التكنولوج ــي لألســلحة‪ .‬ويف تصــوره‬ ‫أن السياســة البديلــة لــكل ذلــك تتمثــل يف املعاهــدات واالتفاقيــات‬ ‫الثنائيــة واملتعــددة للحفــاظ عل ــى نظــام إقليمي آمن وعــادل‪ ،‬ألن اللعبة‬ ‫االســتراتيجية يف النهايــة حصيلتهــا غيــر صفريــة‪ .‬ويعتقــد شــمعون‬ ‫بريــز أن احلــروب الت ــي خاضتهــا إســرائيل لــم تســتطع أن تضمــن لهــا‬ ‫النصــر النهائ ــي أو حت ــى األمــن‪ .‬يلق ــي بريــز اللــوم عل ــى جمــود حــزب‬ ‫الليكــود وسياســته اإليديولوجيــة الرجعيــة الت ــي عطلــت مســار الســام‬ ‫يف ســنة ‪1986‬م‪ ،‬الــذي بســببه اندلعــت االنتفاضــة الفلســطينية ملــدة‬ ‫ســت ســنوات‪ .‬ووفــق املقاربــة ذاتهــا‪ ،‬فــإن حــزب الليكــود الــذي يقــوده‬ ‫نتانياهــو ملــدة خمســة عشــرة عا ًمــا وحتالفاتــه مــع اليمــن الصهيون ــي‬ ‫ً‬ ‫رافضــا‬ ‫الدين ــي‪ ،‬هــو الــذي أوجــد البيئــة املواتيــة لطوفــان األقص ــى‪،‬‬ ‫كل مشــاريع التســوية منــذ أوســلو إل ــى غايــة املبــادرة العربيــة للســام‪.‬‬ ‫حيــث عــارض نتانياهــو املبــادرة العربيــة وطالــب بإلغــاء بنودهــا املتعلقة‬ ‫مبطالــب االنســحاب مــن األراض ــي احملتلــة والالجئــن الفلســطينيني‬ ‫وتقســيم القــدس‪ ،‬كمــا توقفــت املفاوضــات الفلسطينية‪-‬اإلســرائيلية‬ ‫منــذ أبريــل ‪2014‬م‪ ،‬بعــد رفــض إســرائيل وقــف االســتيطان والقبــول‬ ‫بحــل الدولتــن علــى أســاس حــدود ‪1967‬م‪ ،‬واإلفــراج عــن معتقلــن‬ ‫مــن الســجون اإلســرائيلية‪ .‬ومــأزق الســجني الــذي وضــع نفســه فيــه‬ ‫نتانياهــو‪ ،‬أنــه بــرر إبعــاده للقضيــة الفلســطينية مــن أولوياتــه مبقاربــة‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫ال يكــون إال عبــر مقاربــة األرض مقابــل الســام‪ ،‬وهــو مــا تضمنــه‬ ‫البنــدان األول والثان ــي‪ ،‬الــذي يطالــب بانســحاب إســرائيل مــن جميــع‬ ‫األراضــي العربيــة احملتلــة منــذ عــدوان يونيــو ‪ 1967‬م‪ ،‬مبــا فيهــا‬ ‫القــدس الشــريف مــع إزالــة كل املســتوطنات اإلســرائيلية‪ .‬كمــا أنهــا‬ ‫ركــزت علــى مســألة جوهريــة يف الصــراع الفلسطيني‪-‬اإلســرائيلي‬ ‫وحســمته لصالــح التمثيــل الشــرعي ملنظمــة التحريــر الفلســطينية‬ ‫دفاعــا عــن حــق الشــعب الفلســطيني يف‬ ‫الت ــي متثــل حركــة حترريــة‬ ‫ً‬ ‫تقريــر مصيــره مــن أجــل قيــام دولــة فلســطينية وعاصمتهــا القــدس‪.‬‬ ‫بينمــا فوضــت لــأمم املتحــدة إدارة املرحلــة االنتقاليــة يف األراضــي‬ ‫الفلســطينية احملتلــة يف الضفــة الغربيــة وقطــاع غــزة مــع منــح‬ ‫مجلــس األمــن الدولــي شــرعية الســهر علــى ضمــان تنفيــذ هــذه‬ ‫البنــود باعتبــاره الضامــن لتطبيــق قــرارات الشــرعية الدوليــة‪.‬‬ ‫الشــاهد يف هــذه املرحلــة مــن حيــث البيئــة اإلقليميــة والدوليــة‪ ،‬أن‬ ‫الطــرف اإلســرائيلي كان مقتن ًعــا بــأن اللعبــة االســتراتيجية مــا بعــد‬ ‫كامــب ديفيــد‪ ،‬تقــوم عل ــى أســاس اللعبــة ذات احلصيلــة الصفريــة‪،‬‬ ‫وتســتند باألســاس علــى إبعــاد أيــة خيــارات للتفــاوض مــع الطــرف‬ ‫الفلســطيني‪ ،‬معتبـ ًرا منظمــة التحريــر الفلســطينية تنظي ًمــا إرهاب ًيــا‬ ‫وأقص ــى مــا ميكــن تصــوره يف إدارة املســاومة أن مينــح احلكــم الذات ــي‬ ‫للفلســطينيني يف إطــار كونفدراليــة أردنيــة‪ ،‬مــع التســليم النهائــي‬ ‫بــأن القــدس هــي العاصمــة األبديــة إلســرائيل‪ .‬وقــد حــدد البعــد‬ ‫اجليوسياس ــي مســار الســلوك اإلســرائيلي منذ ميالدها ســنة ‪1948‬م‪،‬‬ ‫بــأن الســام النهائ ــي مرتبــط باألمــن احليــوي مــن أجــل ترجيــح ميــزان‬ ‫القــوة العســكري‪ ،‬اجلغــرايف والدميغــرايف لصاحلهــا‪ .‬وقــد متســكت‬ ‫إســرائيل بالتفســير السياســي واألمنــي للقــرار ‪ 242‬الــذي يطالــب‬ ‫باالنســحاب مــن األراض ــي العربيــة الت ــي احتلتهــا بعــد عــدوان ‪1967‬م‪،‬‬ ‫والقائــم علــى بعــض األراضــي وليــس كلهــا‪ ،‬ألن الضــرورات األمنيــة‬ ‫واجليوسياســية تتطلــب الســيطرة عليهــا‪ ،‬مــن القــدس الشــرقية‪،‬‬ ‫الضفــة الغربيــة واجلــوالن وجنــوب لبنــان‪ .‬وطبقــت هــذه املقاربــة الت ــي‬ ‫تكــرس عقيدتهــا األمنيــة قبــل أربعــة أشــهر مــن املصادقــة عل ــى مبــادرة‬ ‫فــاس‪ ،‬حيــث قامــت يف اخلامــس مــن يونيــو ‪1982‬م‪ ،‬بغــزو جنــوب‬ ‫لبنــان ووصلــت إل ــى كل لبنــان لتحاصــر العاصمــة بيــروت بعمليــات‬ ‫عســكرية شــاملة‪ ،‬بريــة‪ ،‬جويــة وبحريــة مدعيــة يف ذلــك القضــاء‬ ‫عل ــى اإلرهــاب الفلســطيني الــذي يهــدد املســتوطنات اإلســرائيلية يف‬ ‫شــمال فلســطني احملتلــة‪ .‬وبعــد ســتة أيــام مــن قمــة فــاس قامــت‬ ‫إســرائيل يف الســادس عشــر مــن ســبتمبر ‪1982‬م‪ ،‬مبجــزرة مبســاعدة‬ ‫بعــض الكتائــب اللبنانيــة يف مخيم ــي صبــرا وشــتيال ضــد الالجئــن‬ ‫الفلســطينيني‪ .‬ويف الواقــع‪ ،‬فــإن الدوافــع اجليوسياســية حلكومــة‬ ‫أساســا يف التوســع والســيطرة علــى‬ ‫الليكــود يف إســرائيل تكمــن‬ ‫ً‬ ‫نهــر الليطانــي الــذي يعــد مصــد ًرا حيو ًيــا للميــاه حيــث ســبق أن‬ ‫مــددت احلفريــات يف الشــريط احلــدودي التــي حتتلــه منــذ ‪1978‬م‪،‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫‪119‬‬

‫ملف العدد‬

‫بالتحالــف مــع دويلــة «ســعد حــداد» التــي راعتهــا‪ .‬أمــا الدوافــع‬ ‫أساســا حــول القضــاء عل ــى املقاومــة‬ ‫األمنيــة والسياســية‪ ،‬فتتمركــز‬ ‫ً‬ ‫الفلســطينية واللبنانيــة وإبعــاد أي متثيــل شــرعي ملنظمــة التحريــر‬ ‫الفلســطينية كمــا تطالــب بذلــك خطــة الســام العربيــة‪ .‬وبذلــك تبق ــى‬ ‫إســرائيل متمســكة بخيــار احلكــم الذات ــي الفلســطيني بــدون متثيــل‬ ‫سياس ــي رســمي يكــون تاب ًعــا للكونفدراليــة األردنيــة‪ .‬ووجــدت إســرائيل‬ ‫يف لعبتهــا الصفريــة مســاندة مطلقــة مــن إدارة رونالــد ريغــان الــذي‬ ‫وافــق عل ــى القضــاء عل ــى اإلرهــاب يف الشــرق األوســط وصــرح وزيــر‬ ‫خارجيتــه‪ ،‬ألكســندر هيــج‪ ،‬يف نــدوة صحفيــة بلنــدن بــأن «مــن حــق‬ ‫إســرائيل أن متــارس حــق الدفــاع عــن النفــس كمــا متارســه حال ًيــا‬ ‫بريطانيــا يف فوكالنــد‪ ،‬ونحــن نؤيــد ذلــك»‪ ،‬وقــد اســتخدمت واشــنطن‬ ‫حــق الفيتــو ضــد إدانــة إســرائيل واملطالبــة بانســحابها مــن لبنــان‪،‬‬ ‫لتوافقهــا بــأن منظمــة التحريــر الفلســطينية حركة إرهابيــة‪ .‬وإن كانت‬ ‫إدارة رونالــد ريغــان يف تلــك الفتــرة منشــغلة أكثــر بالبيئــة الدوليــة يف‬ ‫إطــار الصــراع شــرق‪-‬غرب بســبب قضيتــن جوهريتــن‪ ،‬األول ــى الغــزو‬ ‫الســوفياتي ألفغانســتان وتهديداتهــا األمنيــة يف املنطقــة األوراســية‪،‬‬ ‫والتهديــد الثانــي‪ ،‬انهيــار نظــام الشــاه يف إيــران الــذي كان يشــكل‬ ‫احلليــف االســتراتيجي األكبــر يف منطقــة الشــرق األوســط وصعــود‬ ‫النظــام الثــوري اإليران ــي املعــادي للمصالــح األمريكيــة‪ ،‬وبالتال ــي‪ ،‬فــإن‬ ‫إســرائيل اســتغلت تلــك البيئــة لتســويق دورهــا علــى أنهــا احلليــف‬ ‫دفاعــا عــن القيــم الدميقراطيــة‪،‬‬ ‫االســتراتيجي املوثــوق فيــه للغــرب‬ ‫ً‬ ‫الت ــي تقــف أمــام الزحــف الشــيوعي الســوفياتي ومتــدد الراديكاليــة‬ ‫العربيــة واإلســامية‪ ،‬وهــو التبريــر الــذي قدمتــه أثنــاء قصــف املفاعــل‬ ‫الــذري العراقــي يف يونيــو ‪1981‬م‪ ،‬وغــزو لبنــان‪ ،‬وكانــت تلــك هــي‬ ‫البيئــة اإلقليميــة والدوليــة ملبــادرة فــاس‪ ،‬التــي واجهتهــا إســرائيل‬ ‫بلعبــة صفريــة رافضــة كل خيــارات التســوية لبنــاء الســام‪ ،‬وكانــت‬ ‫قناعــة أريــل شــارون‪ ،‬وزيــر الدفــاع اإلســرائيلي‪ ،‬كمــا وثــق ذلــك وليــام‬ ‫ب‪ .‬كوانــت يف كتابــه‪ ،‬عمليــة الســام والدبلوماســية األمريكيــة‪ ،‬وهــو‬ ‫يعلــم األمريكيــن بأنــه ســيحل القضيــة الفلســطينية عل ــى طريقتــه‪،‬‬ ‫أي بتحريــك الدبابــات إل ــى لبنــان‪ ،‬إذ عندمــا تســحق منظمــة التحريــر‬ ‫الفلســطينية ســيصبح الفلســطينيون يف الضفــة الغربيــة معتدلــن‬ ‫ومســتعدين للتعامــل مــع احلقائــق القائمــة‪ .‬وهــو مــا جعلــه وحليفــه‬ ‫مناحيــم بيغــن‪ ،‬رئيــس الــوزراء‪ ،‬يرفــض حت ــى مبــادرة ريغــان بالرغــم مــن‬ ‫التوافــق معــه بإبعــاد منظمــة التحريــر ورفــض إقامــة دولــة فلســطينية‬ ‫مســتقلة‪ .‬رغــم ذلــك بقــي اإلدراك العربــي علــى قناعــة تامــة بــأن‬ ‫الســام خيــار اســتراتيجي ال يتــم إال عبــر مقاربــة األرض مقابــل‬ ‫الســام‪ ،‬وه ــي الرســالة الدبلوماســية الت ــي حملتهــا اللجنــة العربيــة‬ ‫املنبثقــة عــن قمــة فــاس مــن أجــل تســويق خطــة الســام لــدى األعضاء‬ ‫الدائمــن يف مجلــس األمــن‪ ،‬التــي تشــكلت إضافــة إلــى منظمــة‬ ‫التحريــر الفلســطينية‪ ،‬مــن ثالثــة دول مــن املشــرق العرب ــي‪ ،‬كل مــن‬ ‫اململكــة العربيــة الســعودية‪ ،‬ســوريا واململكــة األردنيــة الهاشــمية‪ ،‬وثالثة‬


‫‪118‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫رؤيـــة الســـعودية للـــسالم المســـتدام يكـــون عبـــر األرض مقابـــل‬ ‫الـــسالم وانســـحاب إســـرائيل مـــن األرض المحتلـــة عـــام ‪1967‬‬ ‫ً‬ ‫أواًل‪ :‬مــن مبــادرة فــاس إل ــى مبــادرة بيروت‪ :‬املكاس ــب واخلس ــائر‬ ‫االس ــتراتيجية للص ــراع غيــر الصفري‬ ‫بــن مبــادرة الســام الت ــي قــام بهــا الرئيــس املصــري أنــور الســادات يف‬ ‫‪ 9‬نوفمبــر ‪1977‬م‪ ،‬ومــا خلفتــه مــن تصــدع اجلبهــة العربيــة يف اإلدراك‬ ‫والتصــور إلدارة الصــراع مــع إســرائيل‪ ،‬والغــزو اإلســرائيلي للبنــان يف‬ ‫صيــف ‪1982‬م‪ ،‬كانــت تتبلــور مبــادرة عربيــة للســام إلدارة الصــراع‬ ‫مــع إســرائيل وفــق الرؤيــة غيــر الصفريــة‪ ،‬تقــوم عل ــى إزالــة العــدوان‬ ‫اإلســرائيلي عــن طريــق مشــروع للســام العربــي‪ ،‬حيــث قــدم ولــي‬ ‫العهــد الســعودي‪ ،‬األميــر فهــد‪ ،‬خطــة للســام يف ســنة ‪1981‬م‪ ،‬تبنتهــا‬ ‫اجلامعــة العربيــة يف قمــة فــاس يف ‪1982‬م‪ ،‬ودوافعــه يف ذلــك أن يتــم‬ ‫بنــاء الســام يف منطقــة الشــرق األوســط ووضــع حــد للحــروب والدمار‬ ‫الــذي عرفتــه شــعوب املنطقــة‪ ،‬وقناعتــه كمــا وثــق الوزيــر األســبق‬ ‫غــازي القصيبــي‪ ،‬أنــه‪« :‬مــا دامــت قضيــة فلســطني لــم حتــل فلــن‬ ‫تشــهد املنطقــة االســتقرار وســتكون هنــاك حــروب‪ ،‬واحلــروب ســتقود‬ ‫إل ــى حــروب أخــرى»‪ .‬وتتضمــن خطــة الســام كمــا مت املصادقــة عليهــا‬ ‫يف القمــة العربيــة عل ــى ثمانيــة مبــادئ أساســية‪ ،‬أولهــا‪ ،‬االنســحاب‬

‫اإلســرائيلي مــن جميــع األراض ــي العربيــة احملتلــة منــذ عــام ‪1967‬م‪،‬‬ ‫مبــا يف ذلــك القــدس العربيــة‪ .‬ثان ًيــا‪ ،‬إزالــة املســتعمرات الت ــي أقامتهــا‬ ‫إســرائيل يف األراض ــي العربيــة بعــد عــام ‪1967‬م‪ .‬ثال ًثــا‪ ،‬ضمــان حريــة‬ ‫العبــادة وممارســة الشــعائر الدينيــة جلميــع األديــان باألماكن املقدســة‪.‬‬ ‫راب ًعــا‪ ،‬تأكيــد حــق الشــعب الفلســطيني وتقريــر مصيــره وممارســة‬ ‫حقوقــه الثابتــة غيــر القابلــة للتصــرف بقيــادة منظمــة التحريــر‬ ‫خامســا‪ ،‬تخضــع الضفــة الغربيــة وقطــاع غــزة إل ــى فتــرة‬ ‫الفلســطينية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫انتقاليــة حتــت إشــراف األمم املتحــدة‪ ،‬وملــدة ال تزيــد عــن بضعة أشــهر‪.‬‬ ‫سادســا‪ ،‬قيــام الدولــة الفلســطينية بعاصمتهــا القــدس‪ .‬ســاب ًعا‪ ،‬يضــع‬ ‫ً‬ ‫مجلــس األمــن الدولــي ضمانــات للســام بــن جميــع دول املنطقــة‪،‬‬ ‫مبــا فيهــا الدولــة الفلســطينية املســتقلة‪ ،‬ثام ًنــا وأخيـ ًرا‪ ،‬يكــون مجل ــس‬ ‫األمــن الدول ــي الضامــن لتنفيــذ هــذه املبــادئ‪.‬‬ ‫املالحــظ يف حتليــل هــذه املبــادئ الثمانيــة الت ــي قامــت عليهــا خطــة‬ ‫امللــك فهــد وتبنتهــا اجلامعــة العربيــة‪ ،‬أنهــا تعكــس رؤيــة صانعــي‬ ‫القــرار يف الســعودية‪ ،‬بــأن االســتقرار والســام النهائــي واملســتدام‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫‪117‬‬

‫ملف العدد‬

‫الخيار االستراتيجي العربي للسالم بين اللعبة الصفرية وغير الصفرية‬

‫سيناريوهان للسالم ‪ ..‬وأمريكا منذ مبادرة‬ ‫ريجانوحتىصفقةالقرنتدعم"اللعبةالصفرية"‬ ‫شــكلت إدارة الصــراع العربي‪-‬اإلســرائيلي حقـ ًـا خص ًبــا ومتمي ـزًا للدراســات األكادمييــة واالســتراتيجية لفتــرة تفــوق ســبعة‬ ‫عقــود مــن الزمــن‪ ،‬ولعــل أبــرز الدراســات االســتراتيجية املهتمــة باستشــراف مســتقبل الصــراع املمتــد بــن احلــروب العربيــة‬ ‫املتتاليــة والصدامــات الالمتناهيــة يف املنطقــة‪ ،‬تلــك الت ــي توظــف نظريــة اللعــب أو املبــاراة االســتراتيجية يف إدارة الصــراع‬ ‫العربي‪-‬اإلســرائيلي‪ ،‬الــذي يختــزل التوقعــات املســتقبلية يف التركيــز عل ــى إدراك وتصــورات طــريف الصــراع إل ــى طبيعــة اللعبــة‬ ‫االســتراتيجية القائمــة عل ــى احلصيلــة الصفريــة‪ ،‬الت ــي تعن ــي باختصــار عل ــى أن مــا يكســبه طــرف يشــكل خســارة كليــة‬ ‫للطــرف اآلخــر‪ ،‬وعليــه‪ ،‬فــإن اســتمرار احلــرب وخيــارات القــوة العســكرية هــو املجــال الوحيــد إلدارة الصــراع‪ .‬ويعــزز هــذا اإلدراك‬ ‫األطروحــات األيديولوجيــة لآلبــاء املؤسســن للصهيونيــة أمثــال زئيــف جابوتنســكي والتيــار الصهيون ــي احلال ــي يف حكومــة‬ ‫الليكــود بشــقيه العلمان ــي والدين ــي‪ ،‬الــذي يصــر عل ــى التمســك بــاألرض اإلســرائيلية التوراتيــة‪ ،‬أرضــك يــا إســرائيل مــن الفــرات‬ ‫إل ــى النيــل‪ .‬أمــا اللعبــة االســتراتيجية ذات احلصيلــة غيــر الصفريــة‪ ،‬فتعن ــي أن هنــاك إدراك لــدى طــريف الصــراع بــأن هنــاك‬ ‫مجــاالت واســعة للتوصــل لبنــاء الســام مــن خــال املفاوضــات‪ ،‬وفــن املســاومات‪ ،‬وه ــي قناعــة توصــل إليهــا رئيــس الــوزراء‬ ‫اإلســرائيلي األســبق‪ ،‬شــمعون بريــز‪ ،‬بعــد جتربــة أكثــر مــن عشــرين ســنة يف القيــادة العســكرية واألمنيــة اإلســرائيلية‪ ،‬عبــر عنهــا‬ ‫يف كتابــه « الشــرق األوســط الكبيــر» بقولــه‪ »:‬إن احلــرب بــن إســرائيل والعــرب ال حتــل أيــا مــن املشــكالت‪ ،‬أمــا الســام فهــو‬ ‫احلــل‪ ،‬ولقــد بينــت نتائــج اتفاقنــا مــع مصــر أن بوســعنا إقامــة عالقــات ســلمية مــع جيراننــا‪ ،‬وأن املســاومة‪ ،‬أي احلــد األدن ــى‬ ‫مــن التنــازالت واحلــد األقص ــى مــن اإلنصــاف لــكال اجلانبــن تســمح لنــا بالعيــش م ًعــا»‪.‬‬

‫أ‪.‬د‪ .‬مصطفى صايج‬

‫أعــادت عمليــة طوفــان األقص ــى يف الســابع مــن أكتوبــر ‪2023‬م‪ ،‬ومــا‬ ‫تبعتــه مــن عــدوان صهيونــي فــاق كل التوقعــات بارتكابــه كل أنــواع‬ ‫اجلرائــم ضــد اإلنســانية ضــد الشــعب الفلســطيني‪ ،‬طــرح اإلشــكال‬ ‫النظــري مــن جديــد‪ :‬هــل ميكــن أن يقتنــع الطــرف اإلســرائيلي وفــق‬ ‫مقاربــة شــمعون بريــز بــأن ‪ »:‬احلــرب عقيمــة وأن ال ضامــن للنصــر‬ ‫الكلــي»‪ ،‬ويقبــل باالنخــراط يف اللعبــة االســتراتيجية وفــق اإلدراك‬ ‫العرب ــي اجلماع ــي لطبيعــة الصــراع ذو احلصيلــة غيــر الصفريــة‪ ،‬مــن‬ ‫خــال القبــول باملبــادرة العربيــة للســام التــي طرحهــا ولــي العهــد‬ ‫الســعودي‪ ،‬األميــر عبــد اهلل بــن عبــد العزيــز‪ ،‬يف قمــة بيــروت ‪2002‬م‪،‬‬

‫وفــق مقاربــة الســام الشــامل مقابــل االنســحاب الكامــل مــن األراض ــي‬ ‫العربيــة احملتلــة‪ .‬ومــن ثمــة‪ ،‬ســنبحث عــن الرؤيــة العربيــة اجلماعيــة‬ ‫وإدارة اللعبــة االســتراتيجية منــذ مبــادرة الســام الت ــي قدمهــا امللــك‬ ‫فهــد بــن عبــد العزيــز وصــودق عليهــا يف القمــة العربيــة بفــاس يف‬ ‫ســبتمبر ‪1982‬م‪ ،‬إلــى غايــة املبــادرة العربيــة للســام‪ ،‬الســتخالص‬ ‫العبــر مــن التجــارب الســابقة‪ ،‬مــع طــرح بعــض الســيناريوهات‬ ‫املتوقعــة ملســتقبل الصــراع وفــق نظريــة اللعــب االســتراتيجية لفتــرة‬ ‫مــا بعــد طوفــان األقص ــى‪.‬‬


‫‪116‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫تحديــات المبادرة‪ :‬تعددية األطراف‬

‫يكتنــف تفعيــل املبــادرة العربيــة الســعودية حتديــات جســام‪ ،‬يعــزى ذلك‬ ‫إل ــى اختــاف أيديولوجيــات الطرفــن وكذلــك إل ــى مــا تعتقده إســرائيل‬ ‫بأنهــا ســتكون الفائــز األوحــد مــن هــذه العمليــة‪ ،‬ويف هــذه احلالــة‬ ‫يغيــب أو يتغ ّيــب عنهــا أن عمليــة التفــاوض تعن ــي األخــذ والعطــاء ال‬ ‫األخــذ فحســب؛ فه ــي عالقــة تبادليــة قوامهــا نفعيــة الطرفــن وابتغــاء‬ ‫مصاحلهمــا‪.‬‬ ‫شســوع فــرق بــن مــن يَعــد وال يفعــل وبــن مــن ال يَعــد وال يفعــل‪ ،‬وهــذا‬ ‫مــا ينطبــق علــى السياســة اإلســرائيلية؛ فهــي ال تَعــد بالســام وال‬ ‫تفعــل مــا مــن شــأنه تهيئــة األجــواء املناخيــة املواتيــة لــه‪.‬‬ ‫ولعلــي ال أكــون متشــائ ًما إن قلــت إن املبــادرة العربيــة للســام يف‬ ‫ظــل مــا تفعلــه إســرائيل بالشــعب الفلســطيني لــن جتــد لهــا ظهي ـ ًرا‬ ‫شــعب ًّيا عروب ًّيــا قوم ًّيــا مثــل ذي قبــل وهــذا ممــا قــد يعرقــل وضعهــا‬ ‫موضــع التنفيــذ‪.‬‬ ‫اتســع اخلــرق علــى الراتــق فكيــف لــه برتــق الثــوب؟ إن مــن كبــرى‬ ‫العقبــات الت ــي جتابــه تطبيــق املبــادرة العربية وتباعــد احلل التفاوضي‬ ‫هــو مــا نتــج عــن السياســة القمعيــة اإلســرائيلية مــن اتســاع رقعــة‬ ‫النــزاع ودخــول أطــراف جديــدة عل ــى خــط املواجهــة‪.‬‬ ‫كان لتدحــرج كــرة الثلــج الغز ّيــة أن اشــتعلت اجلبهــة الشــمالية يف‬ ‫إســرائيل بدخــول حــزب اهلل وانغماســه «اجلزئ ــي» يف األحــداث‪ ،‬كذلــك‬ ‫فــإن الضفــة الغربيــة مرشــحة لالتقــاد‪ ،‬إذ ورغــم ســيطرة الســلطة‬ ‫الفلســطينية عليهــا حتــى اآلن بيــد أن االنفجــار إذا مــا حــان وقتــه‬ ‫لــن يســيطر عليــه أحــد‪ ،‬لــم يقــف األمــر عنــد هــذا احلــد‪ ،‬بــل مت‬ ‫فتــح جبهــات جديــدة عــدة يف املنطقــة منهــا اليمــن وقيــام احلوثيــن‬ ‫مبهاجمــة الســفن اإلســرائيلية واألمريكيــة ر ًّدا علــى االنتهــاكات‬ ‫اإلســرائيلية للشــعب الفلســطيني‪ ،‬كذلــك فعلــت بعــض اجلماعــات‬ ‫املســلحة بالعــراق‪ ،‬إذ رشــق البعــض منهــا إســرائيل بالصواريــخ‬ ‫والقذائــف احملمولــة عل ــى املسـ ّيرات باإلضافــة إل ــى مهاجمــة القواعــد‬ ‫األمريكيــة بالعــراق وهــو مــا يرشــح اشــتعال املنطقــة بأســرها‪.‬‬ ‫ومــاذا عــن الداخــل اإلســرائيلي وعــرب اخلــط األخضــر‪ ،‬عــرب ‪48‬؟ إن‬ ‫أحــداث ح ــي الشــيخ ج ـ ّراح يف القــدس ومــا تبعــه مــن هبــة شــبابية‬ ‫وشــعبية داخــل اخلــط األخضــر ينــذر أن الداخــل اإلســرائيلي مرشــح‬ ‫ً‬ ‫أيضــا لالنفجــار ولالنغمــاس يف احلــرب‪ .‬إن إســرائيل بنــزع فتيل قنبلة‬ ‫الداخــل ســتدخل نف ًقــا مظل ًمــا ليــس مبكنــة أحــد التنبــؤ بعواقبــه‪.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫تجنّ ًبا لحرب‪ -‬يف حدها األدنى‪ -‬عربية إســرائيلية خامســة‬

‫بالعــزوف عــن املبــادرة العربيــة والتشــبث بشــعارات واهيــة مثــل‬ ‫«اجليــش الــذي ال يقهــر» ومــع اتســاع مســرح العمليــات العســكرية‬ ‫وترشــيحه لالتســاع أكثــر فأكثــر؛ فــإن األمــور قــد تقودنــا إل ــى حــرب‬ ‫عربيــة ‪ /‬إســرائيلية خامســة وســيكون ذلــك مبثابــة احلــد األدن ــى إذا‬ ‫مــا ظ ـ ّل الوضــع عل ــى حالــه املاثــل‪.‬‬ ‫مــع ازديــاد النفــوذ اإليران ــي وتعاظــم شــوكته يف املنطقــة ومــع تنام ــي‬ ‫أذرعــه العســكرية هنــا وهنــاك ويف ظــل االنســداد األفق ــي الــذي حتيــاه‬ ‫إســرائيل‪ ،‬نخشــى أن يضحــى احلــل إيرانــي ‪ /‬إســرائيلي بــدال مــن‬ ‫عربــي ‪ /‬إســرائيل وهــذا لــن يكــون يف صالــح أي مــن األطــراف‪ ،‬ال‬ ‫العــرب وال إســرائيل وال حت ــى أمريــكا‪ .‬إذ مــن املعلــوم أن إليــران أجندتها‬ ‫اخلاصــة والت ــي تختلــف متــام االختــاف عــن األجنــدة العربيــة ومــع‬ ‫اســتمرار االنتهــاكات اإلســرائيلية وغيــاب التأثيــر األمريكــي علــى‬ ‫إســرائيل‪ ،‬وااللتفــات عــن املبــادرة العربيــة‪ ،‬يصــادف ذلــك ه ـ ًوى لــدى‬ ‫إيــران وســيتم إدخالهــا‪ -‬شــاء مــن شــاء وأب ــى مــن أب ــى‪ -‬كفاعــل رئيــس‬ ‫يف األحــداث وكصانــع قــرار؛ فهــل تقــوى إســرائيل ومــن خلفهــا أمريــكا‬ ‫عل ــى فاتــورة ذلــك ؟!‬ ‫ومــن يضمــن أال تنخــرط إيــران يف مواجهــة مباشــرة مــع إســرائيل‬ ‫أو باألقــل يف مواجهــة معهــا بالوكالــة وإرهاصــات ذلــك ال تخطئهــا‬ ‫عــن‪ ،‬ومــن ثــم ســتغرق املنطقــة يف بحــور مــن الدمــاء ولــن يكــون‬ ‫مبقــدور أحـ ٍـد وقتئــذ التحكــم يف الوضــع مبــا فيهــا الواليــات املتحــدة‬ ‫األمريكيــة وقــد يبلــغ األمــر ذروتــه بدخــول قــوى كبــرى وفاعلــون جــدد‬ ‫غيــر الواليــات املتحــدة األمريكيــة بعــد تعــ ّرض صواحلهــم للخطــر‬ ‫وهنــا تكــون إســرائيل قــد قرعــت بــاب احلــرب العامليــة الثالثــة ودقــت‬ ‫طبولهــا‪...‬‬

‫يف وجيــز من القول‬

‫تظــ ّل املبــادرة العربية‪-‬الســعودية ويف القلــب منهــا «حــل الدولتــن»‬ ‫طــوق جنــاة عمليــة الســام والفرصــة الوحيــدة لالســتقرار باملنطقــة‬ ‫لكــن ســانحية تلــك الفرصــة ره ًنــا بــإرادة «إســرائيكية» حقيقيــة؛ فهــل‬ ‫لــدى إســرائيل وأمريــكا رغبــة حقيقيــة إلنهــاء الصــراع املســتمر لعقــود؟‬ ‫وهــل مــن أولويــات أمريــكا اســتقرار الشــرق األوســط؟ قــادم األيــام‬ ‫و ُمقبــل األفعــال ســيجيبنا عل ــى تلــك تســاؤالت‪...‬‬

‫*مدير مركز بحوث الرشق األوسط والدراسات املستقبلية ـ رئيس تحرير مجلة‬ ‫بحوث الرشق األوسط‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫‪115‬‬

‫ملف العدد‬

‫تناغمت بنود المبادرة الس ــبعة مع أحكام القانون الدويل وقرارات‬ ‫الش ــرعية الدولي ــة وخط ــت المب ــادرة خط ــوات أبع ــد مدى م ــن القانون‬ ‫ناهيــا للصــراع‪ ،‬بــل ســيفاقم الوضــع ويؤزمــه‪.‬‬ ‫كمــا وأن مفتــاح فلســطني بيــد العــرب؛ فــإن مفتــاح إســرائيل بيــد‬ ‫الواليــات املتحــدة األمريكيــة‪ ،‬ومــن هنــا نــرى أن احلــل هــو عرب ــي ‪/‬‬ ‫أمريكــي وليــس فلســطيني ‪ /‬إســرائيلي‪ .‬إن إيــاء الــدور األمريكــي‬ ‫هــذا االهتمــام والتعويــل عليــه ليــس مببالغــة لكنــه يأت ــي مــن قــراءة‬ ‫متأ ّنيــة للواقــع وعــن فاحصــة لتجــارب املاضــي‪.‬‬ ‫لكــن كيــف ميكــن حــثّ أو باألحــرى إرغــام الواليــات املتحــدة األمريكيــة‬ ‫عل ــى تبن ــي املســار التفاوض ــي؟‬ ‫تُفعــم جعبــة العــرب وتزخــر بالكثيــر والكثيــر وال جنــد أقيــم مــن‬ ‫املبــادرة العربيــة كثمــن إلنهــاء الصــراع العرب ــي ‪ /‬اإلســرائيلي‪ .‬إذ نــرى‬ ‫أنــه مــن األوفــق دخــول الطــرف العربــي مــع الطــرف األمريكــي يف‬ ‫ً‬ ‫فضــا‬ ‫مفاوضــات علــى أن يكــون املرتكــز هــو املبــادرة العربيــة إذ‬ ‫عــن التزامهــا بالشــرعية الدوليــة تقــدم املبــادرة العربيــة وكمــا أســلفنا‬ ‫ً‬ ‫مقابــا غيــر مناظــر وغيــر منافــس وهــو التطبيــع الشــامل يف كل‬ ‫البــاد العربيــة مــع إســرائيل‪ .‬فكيــف لعاقــل أن يرفــض مثــل هــذا حــل‬ ‫!! وكيــف للبيــب أن يرفــض إقامــة عالقــات اقتصاديــة مــع ســوق كبيــر‬ ‫كالســوق العرب ــي؟ وكيــف ملســؤول إســرائيلي أن يرفــض جتـ ّول مواطــن‬ ‫إســرائيلي يف ‪ 22‬دولــة بأمــن وأمــان؟‬ ‫عل ــى املعســكر اإلســرائيلي أن يع ــي ج ّيـدًا أن التطبيــع لــن يكــون عل ــى‬ ‫جثــث الفلســطينيني ومقدراتهــم وأن عل ــى إســرائيل فاتــورة مســتحقة‬ ‫الدفــع منــذ عقــود‪...‬‬

‫الرفض اإلســرائييل‪ :‬وخيمية العواقب‬

‫مح ٍّيــر هــو املوقــف اإلســرائيلي‪ ،‬ال يتعاط ــى البتــة يف املجمــل مــع أي‬ ‫ـص املبــادرة العربيــة بصلــف ورفــض تــام رغــم أنهــا‬ ‫مبــادرة ســام ويخـ ّ‬ ‫تضمــن مــا لــم ولــن تضمنــه مبــادرة غيرهــا‪.‬‬

‫وتترســخ يف العقيــدة اإلســرائيلية‬ ‫تتجــ ّذر يف الفلســفة الصهيونيــة‬ ‫ّ‬ ‫فكــرة مجانيــة التطبيــع‪ ،‬مبعنــى أن إســرائيل مدفوعــ ًة بالتأييــد‬

‫الغرب ــي وباألخــص الواليــات املتحــدة تنح ــى منح ــى األخــذ دون العطــاء‬ ‫أو إن أعطــت فــذر الرمــاد يف العــن ومبــا ال يتناســب مطل ًقــا مــع‬ ‫حتصلــت عليــه وتلــك مــن وجهــة نظرنــا آفــة العالقــات الدوليــة‬ ‫مــا‬ ‫ّ‬ ‫واملعـ ّوق األســاس واحلاجــز الرئيــس أمــام جنــاح أيــة عمليــة تفاوضيــة‪.‬‬ ‫تكتســب املبــادرة العربيــة‪ ،‬والتــي تتألــف مــن ‪ٍ 7‬‬ ‫بنــود‪ ،‬أهميــة بالغــة‬ ‫ومكانــة خاصــة نظ ـ ًرا ألنهــا تعك ــس تواف ًقــا عرب ًّيــا‪ .‬مبــا مفــاده أنهــا‬ ‫حظيــت بالبحــث والدراســة الكافيــان مــن عــدة مســتويات ونالــت‬ ‫قبــول واستحســان كافــة املؤسســات احلكوميــة وكذلــك منظمــات‬ ‫املجتمــع املدن ــي‪ ،‬األمــر الــذي يدفعنــا إل ــى القــول بــأن هنــاك إجمــاع‬ ‫وتوجــه حاســم نحــو وضــع تلــك املبــادرة موضــع التنفيــذ‪.‬‬ ‫«معلــن» ّ‬ ‫ً‬ ‫تع ـ ّول إســرائيل إذن عل ــى مجانيــة التطبيــع ولرمبــا اعتقــدت خطـأ أو‬ ‫تلقــت وعــو ًدا مــن اجلانــب األمريك ــي يف هــذا الشــأن‪ ،‬مت ــى اســتمرت‬ ‫تلــك الفلســفة فلــن نصــل حلــل‪.‬‬ ‫يترافــق ذلــك مــع االتهــام اجلنــوب إفريق ــي إلســرائيل أمــام محكمــة‬ ‫العــدل الدوليــة بانتهــاك اتفاقيــة منــع جرميــة اإلبــادة اجلماعيــة‬ ‫واملعاقبــة عليهــا دول ًيــا‪ ،‬عل ــى أن أحــداث الســابع مــن أكتوبــر ال تبــرر‬ ‫مطل ًقــا مــا ترتكبــه إســرائيل مــن مجــازر بحــق املدنيــن يف قطــاع غــزة‪.‬‬ ‫وعلّــق رونالــد المــوال‪ ،‬وزيــر العــدل اجلنــوب إفريق ــي‪ ،‬قائـ ًـا‪« :‬ال ميكــن‬ ‫ألي هجــوم مســلّح علــى أراضــي دولــة مهمــا كانــت خطورتــه‪ ...‬أن‬ ‫يقــ ّدم أي تبريــر النتهــاكات االتفاقيــة»‪.‬‬ ‫القــت هــذه اخلطــوة قبـو ًاًل منقطــع النظيــر مــن املجتمــع الدول ــي‪ ،‬عل ــى‬ ‫املســتويني احلكومــي والشــعبي وهــو مــا يظهــر حجــم املــأزق الــذي‬ ‫حـ ّل بإســرائيل وتنام ــي التعاطــف والتعاط ــي مــع املقاومــة الفلســطينية‬ ‫خاصــة والقضيــة الفلســطينية عامــة وهــو مــا يعيــد مــن جديــد‬ ‫املبــادرة العربيــة للســام ويدفــع بهــا إلــى الواجهــة؛ فعلــى اجلميــع‬ ‫اســتثمار الفرصــة واغتنــام اللحظــة قبــل فــوات األوان‪...‬‬ ‫إن صــم اآلذان اإلســرائيلية عــن صــوت املبــادرة العربيــة قــد يجنبهــا‬ ‫الطــرح‪ ،‬بــأن يســحبها العــرب أو بــأن حتــدث انقســامات بشــأنها‬ ‫يف اجلانــب العرب ــي وهنــا تظــل املنطقــة رازحــة حتــت نيــر احلــروب‬ ‫ومســتنقع الدمويــة‪.‬‬

‫المب ــادرة العربي ــة متس ــقة م ــع الق ــرارات األممي ــة ومنه ــا القراري ــن‬ ‫‪ 242‬و‪ 338‬م ــا ُي كس ــبها ق ــوة وفاعلي ــة وتح ّص نه ــا بالش ــرعية الدولي ــة‬


‫‪114‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫االنتهاكات اإلسرائيلية وغياب التأثير األمريكي وااللتفات عن "المبادرة"‬ ‫يدخــل إيــران فاعــل وصانــع قــرار فهل تقــوى إســرائيل وأمريكا عــى الفاتورة؟‬ ‫التعايــش الســلمي‪ ،‬جنــد علــى العكــس مــن ذلــك تضمنــت املبــادرة‬ ‫صريحــا باعتبــار النــزاع العرب ــي اإلســرائيلي‬ ‫العربيــة التزا ًمــا عرب ًّيــا‬ ‫ً‬ ‫منته ًيــا‪ ،‬كمــا التزمــت بالتطبيــع الشــامل مــع إســرائيل حــال التــزام‬ ‫األخيــرة بالســلم ومقتضياتــه ومــن ذلــك االنســحاب الكامــل مــن‬ ‫األراض ــي العربيــة احملتلــة مبــا يف ذلــك اجلــوالن الســوري‪ ،‬والتوصــل‬ ‫إل ــى حــل عــادل ملشــكلة الالجئــن الفلســطينيني يُتفــق عليــه وف ًقــا‬ ‫لقرار اجلمعيــة العامــة لــأمم املتحــدة رقــم ‪ 194‬والصــادر يف ‪11‬‬ ‫ديســمبر ‪1948‬م‪.‬‬ ‫كمــا أكــدت املبــادرة ويف مقابــل التطبيــع الشــامل‪ ،‬قبــول إســرائيل قيــام‬ ‫دولــة فلســطينية مســتقلة ذات ســيادة علــى األراضــي الفلســطينية‬ ‫احملتلة منــذ اخلام ــس مــن يونيــو‪1967‬م‪ ،‬يف الضفــة الغربيــة وقطــاع‬ ‫غــزة وتكــون عاصمتهــا القدس الشــرقية‪.‬‬ ‫أضحــى إذن التطبيــع الشــامل مرهو ًنــا بحــل الدولتــن كأطروحــة‬ ‫عربيــة‪ ،‬وأكــد القــادة العــرب يف أكثــر مــن مناســبة أنــه إذا مــا قبلــت‬ ‫ً‬ ‫شــاماًل مبعنــى‬ ‫إســرائيل باملبــادرة فســوف يكــون هنــاك تطبي ًعــا‬ ‫ّ‬ ‫يتخط ــى احلـ ّد الرســمي ليمتــد ليشــمل كافــة مناح ــي‬ ‫الكلمــة بحيــث‬ ‫احليــاة االقتصاديــة واالجتماعيــة والفنيــة‪ ...‬إلــخ‪.‬‬

‫الجلــوس عىل طاولة المفاوضات‪ :‬الفرصة الســانحة‬

‫أتــت ريــاح الســابع مــن أكتوبــر ‪2023‬م‪ ،‬مبــا ال تشــتهيه الســفن‬ ‫اإلســرائيلية والغربيــة وفرضــت املقاومــة الفلســطينية مســا ًرا ودر ًبــا‬ ‫خالصــا مــن الفــخ الــذي وقعــت فيــه‬ ‫ليــس أمــام إســرائيل إذا مــا أرادت‬ ‫ً‬ ‫ســوى االلتــزام مبــا متليــه إرادة املقاومــة ومــا تنــادي بــه املقاومــة إن هــو‬ ‫إال مضمــون املبــادرة العربيــة‪.‬‬ ‫مــا أشــبه اليــوم بالبارحــة‪ ،‬علــى خطــى حــرب أكتوبــر ‪1973‬م‪ ،‬ويف‬ ‫االحتفــال باليوبيــل الذهبــي النتصــارات أكتوبــر املجيــدة ‪2023‬م‪،‬‬ ‫ســارت املقاومــة الفلســطينية؛ حيــث مت نســخ ذات الســيناريو املن ّفــذ‬ ‫يف أكتوبــر ‪1973‬م‪ ،‬مــن ُح ســن إعــداد وفجائيــة قــرار وتوقيت مباغت‪...‬‬ ‫والســؤال الــذي يتبــادر إل ــى أذهــان كل متابــع ملجريــات األحــداث هــو‪:‬‬ ‫هــل يتــم نســخ كامــل الســيناريو وباألخــص نهايتــه‪ ،‬ويتبــع النســخة‬ ‫الفلســطينية مــن حــرب أكتوبــر نســخة مــن مفاوضــات ومــآالت كامــب‬ ‫ديفيــد؟‬ ‫حــرب إال وتخللهــا‬ ‫يدلنــا التاريــخ وتخبرنــا التجــارب أنــه مــا مــن‬ ‫ٍ‬

‫وأعقبهــا مفاوضــات‪ ،‬ولــن تشــذ حــرب غــزة عــن القاعــدة‪ ،‬بدليــل أنــه‬ ‫عبــر مفاوضــات ووســطاء بــن إســرائيل واملقاومــة مت يف ‪ 22‬نوفمبــر‬ ‫‪2023‬م‪ ،‬عقــد هدنــة ملــدة أربعــة أيــام مت فيهــا تبــادل لألســرى بــن‬ ‫اجلانبــن ودخــول مســاعدات إنســانية لقطــاع غــزة؛ فهــل تنهــي‬ ‫املفاوضــات حــرب غــزة ؟!‬ ‫قالهــا الرئيــس أنــور الســادات‪ ،‬إن خيــوط اللعبــة السياســية يف العالــم‬ ‫كلــه بيــد الواليــات املتحــدة األمريكيــة‪ ،‬وهــو مــا دعــاه ـ رحمــه اهلل ـ‬ ‫لضبــط مؤشــر بوصلتــه ناحيتهــا وقــد ُكللــت جهــوده عبــر مفاوضــات‬ ‫مضنيــة إل ــى عقــد اتفاقيــة ســام بــن مصــر وإســرائيل وضعــت حـدًا‬ ‫للصــراع املصــري ‪ /‬اإلســرائيلي وأرســت تطبي ًعــا رســم ًيا بــن الدولتــن‬ ‫ولــم تفلــح بســبب السياســات اإلســرائيلية يف إقــرار التطبيــع الشــعبي‪.‬‬ ‫مــا دام الوضــع كذلــك‪ ،‬ومــا دامــت الواليــات املتحــدة األمريكيــة ال‬ ‫تــزال ُمُتســك بخيــوط اللعبــة وتضطلــع بالــدور األســاس يف السياســة‬ ‫الدوليــة؛ فــا منــاص مــن إشــراكها يف احلــل النهائــي‪.‬‬ ‫مت ــى كان َقــدر العــرب فلســطني؛ فــا ميكننــا احلديــث عــن الصــراع‬ ‫الفلســطيني ‪ /‬اإلســرائيلي مبعــزل عــن املســار التفاوض ــي العرب ــي ‪/‬‬ ‫اإلســرائيلي‪ ،‬أي أن الفاعلــن مــن العــرب هــم مــن ســيقودون التفــاوض‬ ‫حــال حدوثــه مــع إســرائيل‪ ،‬ولكــن مــا هــي فــرص قبــول إســرائيل‬ ‫للمفاوضــات؟‬ ‫مِ كنــة العــودة للمفاوضــات العربيــة ‪ /‬اإلســرائيلية يحكمهــا عامــان‬ ‫رئيســان‪ :‬العامــل األول هــو وحــدة الصــف العرب ــي واحتــاد كلمــة القــادة‬ ‫والساســة العــرب‪ ،‬وهــذا مترجــم باملبــادرة العربيــة وإن كان يضعــف‬ ‫مــن ذلــك احلــرب غيــر العادلــة واالنتهــاكات اجلســيمة الت ــي ترتكبهــا‬ ‫إســرائيل ليــل نهــار يف األراض ــي احملتلــة‪ .‬أمــا عــن العامــل الثان ــي فهــو‬ ‫أي مــن هذيــن العاملــن‬ ‫تبن ــي الطــرف األمريك ــي للمفاوضــات‪ ،‬وبــدون ّ‬ ‫لــن يفلــح أحــد يف ملــئ مقاعــد طاولــة املفاوضــات وســيجلس هــو‬ ‫وحي ـدًا منفــر ًدا منع ـز ًاًل‪.‬‬ ‫مــا يقــوي ويعــزز املبــادرة العربيــة هــو َج نــح املقاومــة الفلســطينية‬ ‫للســام والرغبــة يف التفــاوض شــريطة الوقــف الفــوري إلطــاق النــار‬ ‫واإلفراج عن األســرى الفلســطينيني القابعني يف الســجون اإلســرائيلية‬ ‫وهــو مــا يطلــق عليــه «تبييــض الســجون»‪ .‬فهــل تغتنــم إســرائيل‬ ‫الفرصــة الســانحة وتتخل ــى عــن عنتريتهــا وغرورهــا وإصرارهــا عل ــى‬ ‫احلــل العســكري الــذي لــن يضــع حــ ّدًا للمقاومــة ولــن يقــدم ًّ‬ ‫حــا‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫‪113‬‬

‫ملف العدد‬

‫حظي ــت المب ــادرة العربي ــة للس ــام وامت ــازت بم ــا ل ــم تح ــظ ب ــه‬ ‫مب ــادرة ق ــط فق ــد أقام ــت تواز ًن ــا بي ــن م ــا ه ــو سياس ــي وم ــا ه ــو قانوني‬ ‫األمم ــي انســحاب القــوات اإلســرائيلية مــن األراض ــي الت ــي احتلتهــا (يف‬ ‫أراض احتلتهــا»( وإنهــاء حالــة احلــرب واحتــرام‬ ‫النــص اإلجنليــزي‪« :‬مــن ِ‬ ‫الســيادة واالســتقالل السياســي لــكل دولــة‪ .‬مؤكــدًا عــدم شــرعية‬ ‫ـص القــرار عل ــى‬ ‫االســتيالء عل ــى األرض عــن طريــق احلــرب‪ ،‬كمــا نـ ّ‬ ‫االعتــراف ضم ًنــا بإســرائيل‪.‬‬ ‫عقــب ذلــك ويف ‪ 22‬أكتوبــر ‪1973‬م‪ ،‬وأثنــاء احلــرب العربية‪-‬اإلســرائيلية‬ ‫الرابعــة أصــدر مجل ــس األمــن قــرا ًرا بــذات مضمــون قــرار ‪ 242‬حيــث‬ ‫طلــب ضــرورة وقــف إطــاق النــار والدخــول احلــال يف مفاوضــات بــن‬ ‫األطــراف املعنيــة حتــت إشــراف أمم ــي بغيــة إقامــة ســام عــادل ودائــم‬ ‫يف الشــرق األوســط‪ ،‬كمــا دعــا صراحــة يف بنــده الثان ــي إل ــى ضــرورة‬ ‫تنفيــذ القــرار ‪.242‬‬ ‫ومبقاربــة بســيطة بــن مضمــون املبــادرة العربيــة الســعودية‪ ،‬والقــرارات‬ ‫األمميــة خاصــة امللزمــة منهــا ويقبــع عل ــى قمتهــا القراريــن ‪ 242‬و‪338‬‬

‫واضحــا بينهمــا‬ ‫الصادريــن عــن مجل ــس األمــن جنــد اتســا ًقا واتفا ًقــا‬ ‫ً‬ ‫وهــذا مــا يُكســب املبــادرة قــوة وفاعليــة عل ــى املســتوى الدول ــي وذلــك‬ ‫لتحصنهــا بالشــرعية الدوليــة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫إن مــا نــادت بــه املبــادرة الســعودية املصــدر والعربيــة التبن ــي ليعك ــس‬ ‫رغبــة عربيــة جامحــة للســام ليــس هــذا فحســب‪ ،‬بــل ينــم عــن درايــة‬ ‫بالشــرعية الدوليــة وفهــم عميــق للسياســة الدوليــة وأبعادهــا‪.‬‬ ‫مسحة سياسية‪ :‬حل الدولتني مقابل تطبيع كامل‬ ‫مــا متتــاز بــه املبــادرة العربيــة عــن كافــة القــرارات األمميــة أنهــا حــذت‬ ‫حــذ ًوا إيجاب ًيــا ونحــت منحــى استشــراف ًّيا بــأن تغلّفــت مبســحة‬ ‫سياســية أكســبتها ديناميكيــة دافقــة وصالحيــة فوريــة للتطبيــق‬ ‫ً‬ ‫وحــا ناج ًعــا ومنه ًيــا للصــراع العربــي اإلســرائيلي؛ ففــي حــن‬ ‫تقوقعــت القــرارات األمميــة ولــم حتــظ بديناميكيــة دافعــة قد ًمــا نحــو‬


‫‪112‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫المبادرة العربية‪ :‬التوافق مع القانون الدولي والقرارات األممية والرفض اإلسرائيلي‬

‫"المبادرة" تتبنى رغبة عربية جامحة للسالم‬ ‫ودرايةبالشرعيةالدوليةوفهمالسياسةالدولية‬ ‫ملموســا وزلـ ً‬ ‫ً‬ ‫ـزااًل سياسـ ًّيا وعســكر ًّيا‬ ‫ملحوظــا وحــرا ًكا‬ ‫أبــت الســنة امليالديــة ‪2023‬م‪ ،‬أن حتــزم حقائبهــا مــن دون أن ُحُتــدث زخ ًمــا‬ ‫ً‬ ‫ليــس فحســب يف الشــرق األوســط‪ ،‬بــل ويف العالــم كلــه‪ .‬إذ اندلعــت يف الســابع مــن أكتوبــر ‪2023‬م‪ ،‬شــرارة احلــرب الضــروس‬ ‫الدائــرة حال ًيــا بــن إســرائيل وفصائــل املقاومــة الفلســطينية ويف القلــب منهــا حمــاس وهــو مــا تواتــر عل ــى تســميته بـ ـــ «حــرب‬ ‫غــزة»‪ ،‬نظ ـ ًرا ألن غــزة ه ــي مســرح العمليــات العســكرية حت ــى اآلن‪ .‬أحــداث غــزة تفــرض نفســها عل ــى الســاحتني اإلقليميــة‬ ‫والدوليــة وجتعلنــا نتســاءل‪ :‬هــل كان ثمــة سـ ً‬ ‫ـبياًل آخ ـ ًرا للتطبيــع مــع إســرائيل غيــر املبــادرة العربيــة؟ وبتعبيــر آخــر‪ ،‬هــل لــدى‬ ‫إســرائيل مقابـ ًـا للتطبيــع أقــل ُكلفــة مــن املبــادرة العربيــة ؟! ينبثــق عــن هذيــن التســاؤلني متراد ًفــا الكلمــات متحـدًا املضمــون‬ ‫والنتيجــة سـ ً‬ ‫ـؤااًل آخ ـ ًرا‪ ،‬هــل كان بإمكانيــة إســرائيل جت ّنــب احلــرب احلاليــة وتو ّق ــي املثــول‪ -‬الطوع ــي‪ -‬أمــام محكمــة العــدل‬ ‫الدوليــة للدفــاع عــن نفســها يف ادعــاء جنــوب إفريقيــا لهــا بارتكابهــا جرميــة إبــادة جماعيــة بحــق الفلســطينيني بغــزة ؟! ‪.‬‬

‫د‪ .‬حامت العبد‬

‫حر ًّيــا بنــا أن نطــوف بالفحــص والتمحيــص يف املبــادرة العربيــة لنــرى‬ ‫هــل ال زالــت ه ــي اخليــار األوحــد واألمثــل لنــزع فتيــل حــرب عامليــة‬ ‫ً‬ ‫بديــا عنهــا ترتضيــه كامــل األطــراف؟ هــل مــن‬ ‫ثالثــة؟ أم أن ثمــة‬ ‫عــوار انتــاب املبــادرة فأحالهــا إلــى مجــرد نظريــة وق ّوضهــا وعمــل‬ ‫عل ــى تفريغهــا مــن مضامينها‪...‬ومــاذا عــن األمم املتحــدة‪ ،‬املنظمــة األم‪،‬‬ ‫ويف القلــب منهــا مجلــس األمــن‪ ،‬الضامــن واحلامــي للســلم واألمــن‬ ‫الدوليــن‪ ،‬هــل مــن اســتنهاض لدورهــا واضطالعهــا مبهامهــا الرئيســة‬ ‫ّ‬ ‫تكــف اجلميــع مؤنــة احلــرب وحتفــظ علــى املنطقــة بأســرها‬ ‫لكــي‬ ‫مقدراتهــا‪...‬‬ ‫تتجـ ّذر يف الفكــر السياس ــي الدول ــي املبــادرة العربيــة للســام واملنبثقــة‬ ‫عــن قمــة بيــروت عــام ‪2002‬م‪ ،‬والتــي تقــدم بهــا العاهــل الســعودي‬ ‫الراحــل امللــك عبــد اهلل بــن عبــد العزيــز وقــت أن كان ول ًّيــا للعهــد ثــم‬ ‫تبنتهــا القمــة والت ــي عرفــت فيمــا بعــد باملبــادرة العربية‪-‬الســعودية‪.‬‬ ‫زخــرت املبــادرة العربيــة وامتــازت مبــا لــم حتــظ بــه مبــادرة قــط فقــد‬ ‫أقامــت تواز ًنــا بــن مــا هــو سياس ــي ومــا هــو قانون ــي‪ ،‬فمــن ناحيــة‬ ‫أولــى أتــت بنودهــا الســبعة يف تناغــم مــع أحــكام القانــون الدولــي‬

‫وكافــة قــرارات الشــرعية الدوليــة ومــن ناحيــة أخــرى خطــت املبــادرة‬ ‫خطــوات أبعــد مــدى مــن القانــون‪ ،‬إذ عانقــت السياســة وانتمــت إل ــى‬ ‫عرضــا وح ـ ً‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫املرونــة الت ــي يجــب أن يتحل ــى بهــا الساســة‪ ،‬إذ ق ّدمــت‬ ‫ً‬ ‫ومقابــا عــاد ًاًل يف ذات الوقــت بــل وســخ ًّيا ً‬ ‫أيضــا‪ ،‬وهــو التطبيــع‬ ‫الكامــل‪ ،‬ولكــن وعل ــى مــا يبــدو أن إســرائيل اجتــزأت املبــادرة ولــم ت ـ َر‬ ‫منهــا ســوى التطبيــع وأضفــت عليــه طابــع املجانيــة وألبســته ثــوب‬ ‫الهبــة واملنحــة‪.‬‬

‫توافــق المبادرة العربية والشــرعية الدولية‬

‫تعـ ّـج الشــرعية الدوليــة بجملــة قــرارات تخــص القضيــة الفلســطينية‬ ‫والصــراع العرب ــي اإلســرائيلي ولعــل أهمهــا همــا القــراران ‪ 242‬و‪338‬‬ ‫الصــادران عــن مجل ــس األمــن‪ .‬اتفقنــا أو اختلفنــا مــع قــرار مجل ــس‬ ‫األمــن رقــم ‪ 242‬الصــادر يف ‪ 22‬نوفمبــر ‪1967‬م‪ ،‬عقــب احلــرب‬ ‫العربية‪-‬اإلســرائيلية الثالثــة وإذا مــا تخطينــا معضلــة التعريــف‬ ‫والتنكيــر لكلمــة «أراض»؛ فــإن هــذا القــرار يعتبــر رك ًنــا ركي ًنــا ومرتكـزًا‬ ‫يف الصــراع العرب ــي اإلســرائيلي بتأكيــده عــدم شــرعية االســتيالء عل ــى‬ ‫األرض باحلــرب وأن مــن مقتضيــات إعمــال املــادة الثانيــة مــن امليثــاق‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫‪111‬‬

‫ملف العدد‬

‫إذا امتـــد الصـــراع إىل الـــدول المنتجـــة للنفـــط مثـــل إيـــران فقـــد‬ ‫يواج ــه االقتص ــاد العالم ــي عواق ــب وخيم ــة وترتف ــع تكالي ــف الطاق ــة‬ ‫أن يســتغل مــوارده البشــرية والطبيعيــة والتقنيــة يف حتقيــق حيــاة‬ ‫كرميــة‪ ،‬اعتمــا ًدا عل ــى مــا ينتجــه عل ــى أرضــه مــن ســلع وخدمــات مــن‬ ‫خــال النشــاط االقتصــادي‪ ،‬وتعيــد تعميــر مــا دمرتــه احلــرب مــن‬ ‫املنشــآت الســكنية واإلداريــة والطــرق واملرافــق واملنشــآت‪.‬‬ ‫كمــا يجــب أن تأخــذ املبــادرة يف اعتبارهــا ً‬ ‫أيضــا أن فــك الترابــط‬ ‫الــذي كان قائ ًمــا مــع االقتصــاد اإلســرائيلي ســوف يعــرض اجلانــب‬ ‫الفلســطيني ملخاطــر اقتصاديــة ســلبية إضافيــة قــد تتفاقــم‬ ‫إذا اســتمر تصعيــد جــوالت الصــراع بــن اجلانبــن اإلســرائيلي‬ ‫والفلســطيني‪ ،‬ويجــب أن يؤخــذ يف االعتبــار أن نســبة كبيــرة مــن قــوة‬ ‫العمــل الفلســطينية كانــت تعمــل خــارج غــزة والضفــة‪ ،‬يف إســرئيل‪،‬‬ ‫متاحــا يف أي تســوية قادمــة‪ ،‬ممــا يعن ــي أن األوضــاع‬ ‫ولــن يكــون ذلــك‬ ‫ً‬

‫االقتصاديــة ســتتأثر لفتــرة إنتقاليــة طويلــة تتخطــى فتــرة إعــادة‬ ‫اإلعمــار‪ ،‬حــن كان اإلنفــاق االســتهالكي داع ًمــا للنمــو االقتصــادي‬ ‫يف القطــاع‪ ،‬نتيجــة زيــادة عــدد الفلســطينيني العاملــن يف إســرائيل‪،‬‬ ‫وحيــث يكســب العمــال أكثــر مــن ضعــف متوســط األجــر اليوم ــي يف‬ ‫الضفــة الغربيــة‪ ،‬وســاعد ذلــك ً‬ ‫أيضــا عل ــى زيــادة إيــرادات الســلطة‬ ‫الفلســطينية بشــكل كبيــر‪ ،‬بفضــل زيــادة النشــاط االقتصــادي وجنــاح‬ ‫اجلهــود الراميــة إلــى توســيع القاعــدة الضريبيــة‪ ،‬ومــن املتوقــع أن‬ ‫يســتمر تشــديد األوضــاع بعــد أي تســوية قادمــة بعــد أن تضــع احلرب‬ ‫أوزارهــا‪.‬‬ ‫*أستاذ االقتصاد بجامعة املنوفية ــ املستشار االقتصادي لجامعة امللك عبد‬ ‫العزيز ـ سابقًا‬


‫‪110‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫حـــرب غـــزة رغـــم محدوديتهـــا جغراف ًيـــا وعســـكر ًيا ســـتترك آثـــا ًرا‬ ‫اقتصادي ــة ع ــى اإلقلي ــم ل ــن تق ــل أهمي ــة ع ــن آث ــار الح ــرب األوكراني ــة‬ ‫محادثــات التطبيــع مــع إســرائيل وحتقيــق االســتقرار واألمــن الالزمــن‬ ‫الســتكمال مســيرة التنميــة االقتصاديــة‪ ،‬وتوفيــر بيئــة مواتيــة لتنفيــذ‬ ‫اســتثمارات طويلــة األجــل محل ًيــا‪ ،‬وجــذب اســتثمارات أجنبيــة مباشــرة‬ ‫تســهم يف دعــم خطــط التنميــة بــدول املنطقــة وبــدون الســام يصعــب‬ ‫اســتكمال املشــروعات النهضويــة طويلــة األجــل باملنطقــة‪.‬‬ ‫وممــا يؤكــد أهميــة تطويــر املبــادرة الســعودية العربيــة أن اململكــة تأت ــي‬ ‫يف قلــب املنطقــة‪ ،‬وتضــع خططهــا التنمويــة الطموحــة يف طليعــة‬ ‫األطــراف املعنيــة بالســام‪ ،‬مــع إدراك حقيقــة املكاســب االقتصاديــة‬ ‫التــي ميكــن أن تتحقــق علــى املديــن القصيــر والطويــل‪ .‬ورغــم أن‬ ‫تســوية الصــراع الفلســطيني اإلســرائيلي صــراع سياس ــي وعســكري‬ ‫يف املقــام األول إال أن البعــد االقتصــادي يقــف يف خلفيــة كل منهــا‪،‬‬ ‫ســواء بســبب اخلســائر أثنــاء انــدالع احلــرب أو املكاســب عقــب‬ ‫الهدنــة وإقــرار الســام‪ ،‬وإذا كان مــن احملتمــل أن تتغيــر صيغــة املبــادرة‬ ‫الســعودية العربيــة للســام‪ ،‬يف أعقــاب تبعــات احلــرب احلاليــة‪ ،‬فــإن‬ ‫البعــد االقتصــادي ال يجــب أن يغيــب‪ ،‬يف تشــكيل صيغــة الســام‪،‬‬ ‫فرصــا متســاوية‬ ‫الــذي يجــب أن يكــون‪ ،‬دائ ًمــا ومســتدا ًما‪ ،‬ويضمــن ً‬ ‫لــكل شــعوب املنطقــة يف صنــع مســتقبلها‪ ،‬وبــدون إدراك ذلــك لــن‬ ‫تتحقــق لهمــا االســتدامة‪.‬‬ ‫لذلــك فعلــى الرغــم مــن مــرور أكثــر مــن عقديــن مــن الزمــن علــى‬ ‫املبــادرة الســعودية العربيــة للســام مــع إســرائيل‪ ،‬ومــا طــرأ علــى‬ ‫املنطقــة مــن تداعيــات نتيجــة احلــرب القائمــة عل ــى غــزة‪ ،‬فســتظل‬ ‫دوافــع الســام أقــوى مــن هديــر قنابــل احلــرب‪ ،‬واخلســائر البشــرية‬ ‫الت ــي ال تعــوض خاصــة عل ــى اجلانــب العرب ــي‪ ،‬وال تنبــع دوافــع الســام‬ ‫مــن مصلحــة دول املنطقــة فحســب‪ ،‬بــل إن احلــرب احلاليــة أكــدت‬ ‫أن كل األقطــاب لهــم مصلحــة‪ ،‬يف اســتقرار الســام وقيــام الدولــة‬ ‫الفلســطينية‪.‬‬ ‫فمصالــح األمريــكان يف املنطقــة تاريخيــة‪ ،‬واســتراتيجية يف آن واحــد‪،‬‬ ‫وال تقتصــر علــى نفــط اخلليــج‪ ،‬بــل أصبحــت ضــرورة يف مواجهــة‬ ‫عمليــات التوغــل القادمــة مــن الشــرق اآلســيوي‪ ،‬بزعامــة الصــن‪،‬‬ ‫واملزاحمــة التاريخيــة مــن جانــب روســيا االحتاديــة‪ ،‬لذلــك وجدنــا‬ ‫أمريــكا طر ًفــا رئيســ ًيا يف اتفاقيــة املمــر االقتصــادي الهنــدي‪ ،‬رغــم‬ ‫بعدهــا اجلغــرايف عــن أراضيهــا‪ ،‬لكنهــا محاولــة للتواجــد مســتغلة‬ ‫رغبــة الهنــد يف منافســة الصــن‪ ،‬ودع ًمــا حللفائهــا يف اخلليــج ويف‬ ‫إســرائيل‪ ،‬والتــي ميــر خــال أراضيهــا املمــر ‪ ،‬ومــن غــزة حتديــدًا‪،‬‬

‫ودع ًمــا للغــرب بطبيعــة احلــال الت ــي ينته ــي عندهــا املمــر االقتصــادي‪.‬‬ ‫ولــم تغــب املصالــح االقتصاديــة الصينيــة عــن املشــهد‪ ،‬حيــث يعتمــد‬ ‫املــد الصينــي نحــو غــرب آســيا ونحــو إفريقيــا مــن خــال مشــروع‬ ‫احلــزام والطريــق علــى الدعــم الســعودي واإلماراتــي‪ ،‬ومحاولــة‬ ‫اســتقطاب دول املنطقــة لتحالــف البريكــس‪ ،‬والســعي لوضــع بديــل‬ ‫للنظــام االقتصــادي الغرب ــي ومؤسســاته متعــددة األطــراف مــن خــال‬ ‫تقويــة هــذا التحالــف‪ ،‬واســتقطاب دول املنطقــة العربيــة‪ ،‬ومــن هنــا‬ ‫الحظنــا املوقــف السياس ــي الصين ــي الداعــم لغــزة‪ ،‬والداع ــي لوقــف‬ ‫احلــرب‪ ،‬والدمــار‪ ،‬ومســاندة القضيــة الفلســطينية يف احملافــل الدوليــة‬ ‫باجلمعيــة العموميــة لــأمم املتحــدة وغيرهــا‬ ‫خالصــة القــول ينظــر االقتصاديــون للســام واالســتقرار باعتبارهمــا‬ ‫مــن املنافــع العامــة العامليــة‪ ،‬حيــث تعــم املنافــع كل دول العالــم‪ ،‬وترتــب‬ ‫فتــرات ازدهــار االقتصــاد العامل ــي بفتــرات الســام العامل ــي‪ ،‬مــن ناحيــة‬ ‫أخــرى فإنــه ال يوجــد بلــد محصــن مــن مضــار الصراعــات أينمــا كانت‪،‬‬ ‫كمــا أن تبعــات احلــروب تؤثــر عل ــى حيــاة البشــر يف مختلــف أنحــاء‬ ‫العالــم مــن خــال آثارهــا الســلبية علــى االقتصــاد العاملــي‪ ،‬الــذي‬ ‫تعــرض لسلســلة مــن الصدمــات عل ــى مــدى الســنوات األربــع املاضيــة‪:‬‬ ‫كوفيــد‪ ،19-‬والتضخــم يف مرحلــة مــا بعــد كوفيــد‪ ،19-‬واحلــرب بــن‬ ‫روســيا وأوكرانيــا‪ ،‬يضــاف إليهــا احلــرب يف غــزة‪.‬‬ ‫وقــد أثبتــت الصراعــات اإلقليميــة الســابقة واحلاليــة أن مــا‬ ‫يســببه العنــف مــن آثــار علــى الرفاهيــة اإلنســانية واالقتصاديــة ال‬ ‫يقتصــر عل ــى الــدول الداخلــة يف الصــراع‪ ،‬كمــا تشير دراســة البنــك‬ ‫الدولي مؤخ ـ ًرا إل ــى أن الصراعــات والعنــف تتســبب يف فتــرات ركــود‬ ‫اقتصــادي طويلــة‪ ،‬وارتفــاع معــدالت التضخــم‪ ،‬وإرباك مســارات التجارة‬ ‫العامليــة‪ ،‬وتدهــور أوضــاع املاليــة العامــة للــدول‪ ،‬بجانــب اخلســائر يف‬ ‫األرواح‪ ،‬وهــذه حتديــات جســيمة تتطلــب قيــام احلكومــات بدورهــا‬ ‫القيــادي مــن أجــل وضــع حــد لهــذه الصراعــات‪ ،‬وإعتبــار الســام‬ ‫واالســتقرار يف عــداد الســلع العامــة العامليــة‪ ،‬وعل ــى املنظمــات املاليــة‬ ‫الدوليــة‪ ،‬متشـ ًيا مــع املهــام املنوطــة بهــا‪ ،‬وضــع الســام واالســتقرار يف‬ ‫صــدارة جــدول أعمالهــا‪.‬‬ ‫وباإلضافــة ملــا ســيترتب علــى تلــك احلــرب مــن نتائــج خاصــة‬ ‫باألمــن وشــكل الدولــة الفلســطينية‪ ،‬فيجــب أن يأخــد تطويــر املبــادرة‬ ‫الســعودية العربيــة يف االعتبــار ضــرورة توفيــر مقومــات الدولــة مــن‬ ‫أرض‪ ،‬وســكان‪ ،‬وحكومــة‪ ،‬تعمــل كلهــا مــن أجــل أن تتــاح لهــذا الشــعب‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫‪109‬‬

‫ملف العدد‬

‫الســام يوفــر نفقــات الحــرب ويحقــق مكاســب تترتــب عــى االســتقرار‬ ‫وتتف ــرغ الحكوم ــات لإلنف ــاق ع ــى رفاه ــة الش ــعوب ويزده ــر االس ــتثمار‬ ‫العــراق للكويــت يف عــام ‪1990‬م‪ ،‬ارتفــاع متوســط أســعار النفــط بعــد‬ ‫ثالثــة أشــهر بنســبة ‪ ،% 105‬وأدى احلظــر النفط ــي العرب ــي يف الفتــرة‬ ‫‪1974-1973‬م‪ ،‬إلــى ارتفــاع أســعار النفــط العامليــة بنســبة ‪،% 52‬‬ ‫وتســببت الثــورة اإليرانيــة عــام ‪1978‬م‪ ،‬يف زيــادة أســعار النفــط بنســبة‬ ‫‪ ،% 48‬ومبــا أن املنطقــة متثــل مــا يقــرب مــن ثلــث إمــدادات النفــط‬ ‫العامليــة‪ ،‬فــإن أي عــدم اســتقرار ميكــن أن يخلــق حالــة مــن عــدم‬ ‫اليقــن يف الســوق اســتنا ًدا إلــى املخــاوف بشــأن انقطــاع إمــدادات‬ ‫النفــط العامليــة‪.‬‬ ‫ورغــم أن التأثيــرات املترتبــة عل ــى احلــرب يف غــزة عل ــى أســعار النفــط‬ ‫ال تــزال محــدودة حت ــى اآلن‪ ،‬خاصــة يف ظــل تنــوع مصــادر اإلمــدادات‬ ‫العامليــة‪ ،‬وارتفــاع االحتياط ــي االســتراتيجي‪ ،‬وتراجــع األهميــة النســبية‬ ‫للنفــط العامليــة يف مدخــات الطاقــة العامليــة‪ ،‬لكنــه ســيظل حيو ًيــا‬ ‫باعتبــارة وقــود نقــل حيــوي‪ ،‬كمــا أن الغــاز الطبيعــي املســال مــن‬ ‫منطقــة اخلليــج‪ ،‬ميثــل جــز ًءا أساس ـ ًيا مــن إمــدادات الغــاز العامليــة‪،‬‬ ‫وبالتال ــي فــإن أي اضطرابــات يف هــذه اإلمــدادات ســتؤثر بشــكل كبيــر‬ ‫عل ــى أســعار الطاقــة العامليــة ومــن ثــم عل ــى النــاجت العامل ــي مــن الســلع‬ ‫واخلدمــات وعل ــى مســتوى التضخــم العامل ــي‪ ،‬وارتفــاع أســعار الســلع‬ ‫املصنعــة و املــواد األوليــة األخــرى والســلع الغذائيــة‪.‬‬ ‫ووفق ـاً للســيناريوهات املتوقعــة حــول إمــدادات النفــط فــإن انقطــاع‬ ‫اإلمــدادات علــى نطــاق صغيــر ســيخفض العــرض مبــا يصــل إلــى‬ ‫‪ 2‬مليــون برميــل يوم ًيــا (حوالــي ‪ % 2‬مــن العــرض العاملــي)‪ ،‬وعلــى‬ ‫نطــاق متوســط ســيخفض العــرض مبــا يتــراوح بــن ‪ 3‬و‪ 5‬ماليــن‬ ‫برميــل يوم ًيــا‪ ،‬بينمــا ســيؤدي انخفــاض كبيــر يف اإلمــدادات إلــى‬ ‫خفضهــا مبــا يتــراوح بــن ‪ 6‬و‪ 8‬ماليــن برميــل يوم ًيــا‪ .‬وتقــدر أســعار‬ ‫النفــط املقابلــة لهــذه الســيناريوهات علــى النحــو التالــي ‪ 93‬دوال ًرا‬ ‫و‪ 102‬دوالر و‪ 109‬دوالرات و‪ 121‬دوال ًرا و‪ 141‬دوال ًرا و‪ 157‬دوال ًرا علــى‬ ‫التوال ــي‪ ،‬أي أن الســيناريو األســوأ ســيدفع باألســعار احلقيقيــة نحــو‬ ‫ذروتهــا التاريخيــة‪ ،‬وإذا مت إغــاق مضيــق هرمــز‪ ،‬فــإن النتائــج ســوف‬ ‫تكــون أســوأ بكثيــر‪ ،‬حيــث ال يــزال العالــم يعيــش يف عصــر الوقــود‬ ‫األحفــوري‪ ،‬وف ًقــا إلدارة معلومــات الطاقــة األميركيــة‪.‬‬

‫دوافع تطوير المبادرة الســعودية العربية للســام‬

‫عل ــى الرغــم مــن أن احلــروب قــد تتأجــج ألســباب عديــدة سياســية‬ ‫وجغرافيــة واقتصاديــة وحتــى ثقافيــة فــإن الســام دائ ًمــا مــا يكــون‬ ‫مدفوعــا بأســباب اقتصاديــة قبــل كل ش ــيء‪ ،‬ويرجــع ذلــك ببســاطة‬ ‫ً‬

‫إل ــى أن احلــرب بصــرف النظــر عــن نتائجهــا العســكرية والسياســية‪،‬‬ ‫فمــن املؤكــد أن محصلتهــا النهائيــة خســائر اقتصاديــة‪ ،‬مبــا فيهــا‬ ‫خســائر قــوة العمــل‪ ،‬واملــوارد الطبيعيــة وعناصــر البنيــة التحتيــة‬ ‫وتراجــع معــدالت االســتثمار والنمــو االقتصــادي‪ ،‬ناهيــك عــن نفقــات‬ ‫إعــادة مــا دمرتــه احلــرب‪ ،‬أو التعويضــات الت ــي قــد ترتبهــا اتفاقــات‬ ‫الســام‪.‬‬ ‫غال ًبــا مــا تلعــب التوتــرات اجليوسياســية العامليــة دو ًرا محور ًيــا يف‬ ‫التاثيــر عل ــى الســلوك االقتصــادي لألفــراد واملنشــآت بــل واحلكومــات‪،‬‬ ‫وتشــير نتائــج األبحــاث أن املخــاوف بشــأن مثــل هــذه القضايــا مــن‬ ‫املمكــن أن تدفــع األفــراد والشــركات نحــو تفضيــل احلاضــر عــن‬ ‫املســتقبل فتنخفــض املدخــرات‪ ،‬وتنكمــش االســتثمارات وتقــل مــوارد‬ ‫احلكومــات مــن اإليــرادات الضريبيــة‪ ،‬وهــو مــا قــد يــؤدي يف نهايــة‬ ‫املطــاف إل ــى الركــود االقتصــادي‪.‬‬ ‫لــذا فــإن مــن أهــم دوافــع الســام يف أي منطقــة هــو تأثيــر العوامــل‬ ‫االقتصاديــة‪ ،‬حــن تتصــرف األطــراف املختلفــة مــن أفــراد ومنشــأت‬ ‫وحكومــات برشــد اقتصــادي ســاعني للمزيــد مــن الدخــول واألربــاح‪،‬‬ ‫ممــا ينعــش األحــوال االقتصاديــة‪ ،‬كمــا يســاعد االســتقرار احلكومــات‬ ‫عل ــى توفيــر نفقــات احلــرب وجتنــب تكاليــف عدم االســتقرار‪ ،‬وحتقيق‬ ‫مكاســب عديــدة تترتــب عل ــى االســتقرار مــع اســتتباب الســام‪ ،‬حيــث‬ ‫تتفــرغ احلكومــات لالنفــاق عل ــى رفاهــة الشــعوب‪ ،‬ويزدهــر االســتثمار‪،‬‬ ‫وتتدفــق األمــوال بــن الــدول‪ ،‬وتتوســع التجــارة الدوليــة‪ ،‬وترتفــع‬ ‫معــدالت التنميــة والنمــو االقتصــادي العامل ــي‪.‬‬ ‫وإذا كانــت هنــاك مكاســب يحققهــا البعــض جــراء احلــروب وعــدم‬ ‫االســتقرار‪ ،‬فــإن منافــع الســام واالســتقرار تعــم أرجــاء العالــم‬ ‫وليســت قاصــرة عل ــى شــعوب املنطقــة‪ ،‬وهنــاك العديــد مــن املكاســب‬ ‫االقتصاديــة التــي تدعــوا إلــى تطويــر املبــادرة الســعودية العربيــة‬ ‫للســام مــع إســرائيل وحــل القضيــة الفلســطينية‪ ،‬منهــا مــا يتعلــق‬ ‫بــدول املنطقــة ‪ ،‬كمــا أن مصالــح األطــراف الفاعلــة اخلارجيــة تتالق ــي‬ ‫مــع مصالــح دول املنطقــة ذاتهــا‪ ،‬مبــا فيهــا طــريف الصــراع ‪.‬‬ ‫فاملضــي قد ًمــا يف خطــط اإلصــاح االقتصــادي يف دول اخلليــج‪،‬‬ ‫يســتلزم تطويــر مبــادرة الســام الســعودية العربيــة متشــ ًيا مــع‬ ‫تداعيــات احلــرب احلاليــة‪ ،‬واســتمرا ًرا اللتــزام اململكــة جتــاه القضيــة‬ ‫الفلســطينية‪ ،‬فض ـ ً‬ ‫ا عــن كونهــا متثــل متطل ًبــا أساس ـ ًيا الســتئناف‬


‫‪108‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫يتوق ــع أن تدع ــم ح ــرب غ ــزة التوج ــه نح ــو تراج ــع نظ ــام التج ــارة‬ ‫العالمـــي متعـــدد األطـــراف وتأكيـــد النزعـــة نحـــو اإلقليميـــة‬ ‫االقتصــاد العامل ــي عواقــب وخيمــة حيــث قــد ترتفــع تكاليــف الطاقــة‬ ‫بالنســبة للشــركات واألســر إذا انقطعــت اإلمــدادات‪.‬‬ ‫ومــن املمكــن أن يقــدم لنــا التاريــخ بعــض الــرؤى حــول الكيفيــة‬ ‫الت ــي قــد يحــدث بهــا التأثيــر عل ــى االقتصــاد العامل ــي يف ظــل هــذه‬ ‫الســيناريوهات املختلفــة‪ ،‬عل ــى ســبيل املثــال‪ ،‬لــم يكــن للحــرب الت ــي‬ ‫دامــت خمســن يو ًمــا بــن إســرائيل وحمــاس يف عــام ‪2014‬م‪ ،‬والت ــي‬ ‫أســفرت عــن مقتــل ‪ 2200‬شــخص‪ ،‬أغلبهــم مــن املدنيــن‪ ،‬تأثيــر يذكــر‬ ‫عل ــى االقتصــاد العامل ــي أو األســواق املاليــة‪ ،‬ومــع ذلــك‪ ،‬عندمــا وقعــت‬ ‫اشــتباكات بــن إســرائيل وحــزب اهلل يف لبنــان يف عــام ‪2006‬م‪ ،‬ارتفعــت‬ ‫أســعار النفــط عامل ًيــا بســبب املخــاوف مــن صــراع أوســع يف الشــرق‬ ‫األوســط‪.‬‬ ‫ويف ظــل هــذه الظــروف‪ ،‬يســتعد املســتثمرون بالفعــل لزيــادة التقلبــات‬ ‫املاليــة يف مختلــف القطاعــات مــن األســهم والســندات احلكوميــة إل ــى‬ ‫أســواق الســلع األساســية إضافــة إل ــى التحــول نحــو األصــول اآلمنــة‬ ‫مثــل الذهــب الــذي يســتخدم عــادة كحمايــة ضــد حالــة عــدم اليقــن‬ ‫االقتصــادي الســائدة‪ ،‬وقــد ارتفــع ســعر الذهــب يف أعقــاب التصعيــد‬ ‫األخيــر يف الصــراع اإلســرائيلي ‪ /‬الفلســطيني‪ ،‬وســوف تســتمر‬ ‫األســواق املاليــة يف مراقبــة الصــراع بــن إســرائيل وحمــاس حتس ـ ًبا‬ ‫لعالمــات التصعيــد‪ ،‬أو أي تطــورات مــن شــأنها أن ترفــع أســعار النفــط‬ ‫و إل ــى زيــادة املخــاوف مــن إرتفــاع معــدالت التضخــم العامل ــي‪ ،‬خاصــة‬ ‫مــع اجتــاه العديــد مــن البلــدان إل ــى إبطــاء التضخــم مــن جديــد بعــد‬ ‫عامــن مــن االرتفــاع املســتمر يف أســعار املســتهلكني‪.‬‬ ‫ويكشــف اســتمرار الصــراع العربــي ‪ /‬اإلســرائيلي عــن عجــز‬ ‫احلكومــات واملنظمــات الدوليــة عــن إقــرار الســام‪ ،‬وســيدفع اجلميــع‬ ‫تكاليــف احلــرب وســيعانون مــن تبعاتهــا االقتصاديــة والتــي مــن‬ ‫أهمهــا حتــول مســار التجــارة العامليــة وتوقــف حركــة الســياحة‪ ،‬وحتــد‬ ‫مــن تدفقــات رؤوس األمــوال وتزيــد وتيــرة الهجــرة غيــر الشــرعية‪ ،‬كمــا‬ ‫تتســبب يف إضعــاف التعــاون بــن البلــدان‪ ،‬وهــو مــا يؤثــر ســل ًبا عل ــى‬ ‫الرخــاء العامل ــي‪.‬‬

‫اآلثــار االقتصادية للحرب عــى منطقة الخليج‬

‫مــن املؤكــد أن احلــرب يف غــزة‪ ،‬رغــم محدوديتهــا حت ــى اآلن مــن حيــث‬ ‫النطــاق اجلغــرايف‪ ،‬وحتــى علــى املســتوى العســكري‪ ،‬ســتترك أثــا ًرا‬ ‫اقتصاديــة عل ــى اإلقليــم لــن تقــل أهميــة عــن آثــار احلــرب األوكرانيــة‪،‬‬ ‫فاحمليــط اجلغــرايف لغــزة‪ ،‬مرتبــط بطبيعتــه بالعالــم اخلارج ــي‪ ،‬مــن‬ ‫خــال التجــارة الدوليــة‪ ،‬خاصــة صــادرات النفــط والغــاز مــن دول‬ ‫اخلليــج العربيــة‪ ،‬و التدفقــات الســياحية إلــى بلــدان مثــل مصــر‬ ‫واألردن ولبنــان‪ ،‬وإذا كانــت الســياحة الوافــدة قــد تأثــرت بالفعــل يف‬ ‫املنطقــة‪ ،‬فــإن احلــرب بــن حمــاس وإســرائيل‪ ،‬تهــدد خطــط التنميــة‬ ‫الت ــي تســعى لهــا دول مجل ــس التعــاون‪ ،‬مســتهدفة تنويــع اقتصاداتهــا‬ ‫انفتاحــا‬ ‫بعيــدًا عــن مصــدر الطاقــة غيــر املتجــددة‪ ،‬والتــي حتتــاج‬ ‫ً‬ ‫علــى العالــم وتدف ًقــا لالســتثمارات األجنبيــة والتقنيــات العامليــة‪،‬‬ ‫وتنفيــذ قــدر كبيــر مــن االســتثمارات لبنــاء قواعــد انتاجيــة يف قطــاع‬ ‫الصناعــات التحويليــة لتنويــع اقتصاداتهــا بعي ـدًا عــن النفــط والغــاز‪.‬‬ ‫وتتطلــب رؤى ‪2030‬م‪ ،‬الت ــي تقــوم عليهــا خطــط التنميــة االقتصاديــة‬ ‫يف دول اخلليــج العربيــة اســتقرا ًرا يف املنطقــة‪ ،‬وهواجتــاه تقــوده‬ ‫اململكــة‪ ،‬والــذي يف ســبيله أعــادت بنــاء عالقــات جــوار مــع إيــران‪ ،‬وبــدء‬ ‫محادثــات تطبيــع العالقــات مــع دولــة إســرائيل‪ ،‬وتأت ــي هــذه احلــرب‬ ‫يف منتصــف الطريــق ممــا يولــد مخــاوف مــن إبطــاء عمليــة بنــاء‬ ‫اقتصــادات متنوعــة النشــاط يف دول املنطقــة‪ ،‬وهــو مــا يتطلــب ليــس‬ ‫فقــط جهــو ًدا تنمويــة كبيــرة‪ ،‬بــل يســتلزم جــوا ًرا مســتق ًرا‪ ،‬حيــث مــن‬ ‫الصعــب تنفيــذ اســتثمارات ضخمــة يف البنيــة األساســية ويف بنــاء‬ ‫قواعــد إنتاجيــة واســتكمال خطــط اإلصــاح االقتصــادي يف منطقــة‬ ‫ال يعمهــا الســام واالســتقرار‪.‬‬ ‫وتعتبــر املنطقــة أهــم منتــج للطاقــة يف العالــم‪ ،‬وتشــير إحصــاءات‬ ‫الطاقــة العامليــة لعــام ‪2023‬م‪ ،‬أن منطقــة الشــرق األوســط حتتــوي‬ ‫عل ــى ‪ ٪48‬مــن االحتياطيــات العامليــة املؤكــدة وأنتجــت ‪ ٪33‬مــن نفــط‬ ‫العالــم يف عــام ‪2022‬م‪ ،‬كمــا أن ‪ %20‬مــن إمــدادات النفــط العامليــة‬ ‫مــرت عبــر مضيــق هرمــز‪ ،‬الــذي يتعــرض األن لتهديــدات واســعة‪.‬‬ ‫وتتزايداملخــاوف مــن امتــداد احلــرب خــارج محيــط غــزة‪ ،‬ومــن‬ ‫ثــم تأثــر إمــدادات الطاقــة للغــرب‪ ،‬ويشــير البنــك الدولــي إلــى أن‬ ‫صدمــات الطاقــة الســابقة كانــت مؤملــة للغايــة‪ ،‬حيــث ترتــب عل ــى غــزو‬

‫انقطاع إمدادات النفط القليلة يخفض العرض ‪ 2‬مليون برميل والمتوسط‬ ‫مــا بيــن ‪ 3‬و‪ 5‬مالييــن واالنقطــاع الكبيــر مــا بيــن ‪ 6‬و‪ 8‬ماليين برميــل يوم ًيا‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫‪107‬‬

‫ملف العدد‬

‫توس ــع الص ــراع بي ــن إس ــرائيل وفلس ــطين وت ــورط الق ــوى اإلقليمي ــة‬ ‫الكبــرى يعجــل إعــادة التنظيــم الــدويل ويخلــف ضــر ًرا عــى النمــو العالمــي‬ ‫مختلفــة متا ًمــا‪ ،‬خاصــة لــو طالــت احلــرب إيــران‪ ،‬حيــث يخش ــى مــن‬ ‫عواقــب وخيمــة لــن تقتصــر عل ــى أســعار النفــط‪ ،‬بــل ســتمتد إل ــى‬ ‫التأثيــر علــى جهــود البنــوك املركزيــة يف العالــم ملكافحــة التضخــم‬ ‫العاملــي‪ ،‬وعــودة ارتفــاع أســعار الفائــدة العامليــة‪ ،‬ومــن ثــم ارتفــاع‬ ‫تكاليــف اإلقتــراض مــن األســواق العامليــة‪ .‬وعــادة مــا يكــون التأثيــر‬ ‫االقتصــادي األطــول أجــ ً‬ ‫ا أكثــر تعقيــدًا‪ ،‬وقــد يكــون مــن الصعــب‬ ‫التنبــؤ بالتأثيــرات الدائمــة الت ــي قــد تخلفهــا األحــداث املأســاوية عل ــى‬ ‫ســلوك املســتثمرين‪.‬‬ ‫وتنبــئ التجــارب التاريخيــة الســابقة مبــا ميكــن أن يحــدث يف أعقــاب‬ ‫الصراعــات املســلحة مــن تغيــرات يف األجــل القصيــر يف أســعار الســلع‬ ‫األساســية‪ ،‬كالنفــط‪ ،‬والغــاز‪ ،‬واحلبــوب‪ ،‬والذهــب‪ ،‬وأســعار الفائــدة‬ ‫العامليــة وتدفقــات رؤوس األمــوال‪ ،‬لكــن أثــر احلــروب ال يقــف عنــد‬ ‫هــذا احلــد حيــث حتــدث تداعيــات بعيــدة األمــد مــن خــال التأثيــر يف‬ ‫بيئــة األعمــال العامليــة‪ ،‬والنظــام االقتصــادي العامل ــي‪ ،‬ومصالــح القــوى‬ ‫العظم ــى‪.‬‬ ‫ومــن هنــا يتوقــع أن تدعــم احلــرب احلاليــة التوجــه احلاصــل نحــو‬ ‫تراجــع نظــام التجــارة العامل ــي متعــدد األطــراف‪ ،‬وتأكيــد النزعــة نحــو‬ ‫اإلقليميــة‪ ،‬والــذي يترجــم يف شــكل جتمــع البريك ــس‪ ،‬والتوجــه الصيني‬ ‫نحــو الغــرب اآلســيوي وإفريقيــا‪ ،‬وســعي الهنــد لفــرض وجودهــا يف‬ ‫االقتصــاد العامل ــي مــن خــال مبــادرة املمــر االقتصــادي مدعومــة مــن‬

‫الغــرب يف مواجــة مبــادرة احلــزام والطريــق الصينيــة‪ ،‬وبالتال ــي فــإن‬ ‫توســع الصــراع املطــول بــن إســرائيل وفلســطني‪ ،‬وخاصــة مــع تــورط‬ ‫القــوى اإلقليميــة الكبــرى‪ ،‬مــن شــأنه أن يزيــد مــن التعجيــل بعمليــة‬ ‫إعــادة التنظيــم الدول ــي هــذه وأن يخلــف عواقــب ضــارة عل ــى النمــو‬ ‫االقتصــادي العامل ــي‪.‬‬ ‫وال شــك يف أن انــدالع احلــرب علــى غــزة قــد كشــف القنــاع عــن‬ ‫مواقــف القــوى اإلقليميــة الكبــرى وحالــة االســتقطاب العامل ــي احلاليــة‪،‬‬ ‫ودعمــت مســاعي اخلــروج عــن النظــام االقتصــادي الدولــي‪ ،‬كمــا‬ ‫تأثــرت األســواق املاليــة العامليــة حتســ ًبا الحتمــاالت التصعيــد‪،‬‬ ‫وتترقــب البنــوك املركزيــة الكبــرى تطــورات احلــرب وأســعار النفــط‬ ‫مخافــة معــاودة االجتاهــات التضخميــة مــن جديــد‪ ،‬بعــد أن بــدأت‬ ‫تأخــذ اجتاهــات تنازليــة بعــد عامــن مــن االرتفــاع املســتمر يف أســعار‬ ‫املســتهلكني‪.‬‬ ‫ويتوقــف تأثيــر الصــراع األخيــر بــن إســرائيل وحمــاس علــى‬ ‫األســواق املاليــة العامليــة علــى مشــاركة قــوى إقليميــة كبــرى أخــرى‪،‬‬ ‫وإذا ظــل الصــراع محصــورا بــن إســرائيل وحمــاس‪ ،‬فرمبــا يكــون‬ ‫التأثيــر محــدو ًدا وقــد يكــون قاصــ ًرا علــى البلــدان التــي تتعــرض‬ ‫بشــكل مباشــر للتجــارة مــع إســرائيل أو فلســطني‪ ،‬أو تعتمــد علــى‬ ‫الســياحة العامليــة مثــل مصــر واألردن‪ ،‬أمــا إذا امتــد الصــراع إلــى‬ ‫الــدول الرئيســية املنتجــة للنفــط يف املنطقــة مثــل إيــران‪ ،‬فقــد يواجــه‬


‫‪106‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫اآلثار االقتصادية للحرب على غزة وانعكاساتها على تسوية القضية الفلسطينية‬

‫تطوير المبادرة العربية يحقق فر ًصا للمنطقة‬ ‫واألطراف الفاعلة الخارجية وطريف الصراع‬ ‫تشــكل حــرب أكتوبــر ‪2023‬م‪ ،‬عل ــى غــزة حد ًثــا لــم يســبق لــه مثيــل مــن حيــث حجــم املــوت والدمــار‪ ،‬مــع آثــار مؤملــة عل ــى حيــاة‬ ‫الفلســطينيني يف القطــاع‪ ،‬ومتثــل غــزة جغراف ًيــا واقتصاد ًيــا جيــب ســاحلي يبلــغ طولــه ‪ 45‬كــم ‪ 2‬حتتلــه إســرائيل منــذ عــام‬ ‫‪1967‬م‪ ،‬ويعتبــر مــن أكثــر مناطــق العالــم كثافــة مــن حيــث الســكان‪ ،‬حيــث يبلــغ عــدد ســكانها ‪ 2.3‬مليــون فلســطيني‪ ،‬أكثــر مــن‬ ‫‪ % 66‬منهــم مــن الالجئــن منــذ عــام ‪1948‬م‪.‬‬ ‫وممــا ال شــك فيــه أن احلــرب احلاليــة ســوف تســفر عــن تغيــرات جذريــة يف الواقــع اجليوسياس ــي واجليــو اقتصــادي‪ ،‬وغيــرت‬ ‫بالفعــل الكثيــر مــن املفاهيــم واملســلمات‪ ،‬ومــن ثــم يف شــكل التســوية السياســية يف املســتقبل‪ ،‬الت ــي كان محورهــا املبــادرة‬ ‫الســعودية العربيــة للســام مــع إســرائيل‪.‬‬

‫أ‪.‬د‪ .‬محمد البنا‬

‫وتتنــاول املقالــة احلاليــة نقطتني أساســيتني‪ ،‬أولهمــا اآلثار االقتصادية‬ ‫املتوقعــة للحــرب قصيــرة األمــد ويف األمــد الطويــل‪ ،‬وكيــف ميكــن‬ ‫للحــرب بــن إســرائيل وحمــاس أن تؤثــر عل ــى االقتصــاد العامل ــي وتزيــد‬ ‫مــن ســوء الوضــع الدولــي‪ ،‬وعلــى الوضــع االقتصــادي يف املنطقــة‪،‬‬ ‫وماه ــي تداعيــات تلــك اآلثــار عل ــى املبــادرة الســعودية العربيــة للســام‬ ‫مــع إســرائيل‪.‬‬

‫اآلثــار االقتصادية للحرب عالم ًيا‬

‫تؤثــر الصراعــات الداخليــة وكــذا الصراعــات بــن الــدول عل ــى األوضــاع‬ ‫االقتصاديــة العامليــة أيــا كانــت منطقــة الصــراع‪ ،‬بــد ًءا مــن التأثيــر‬ ‫عل ــى مؤشــرات األســواق املاليــة‪ ،‬وأســعار صــرف العمــات األجنبيــة‪،‬‬ ‫وأســعار الســلع األوليــة خاصــة النفــط والغــاز والســلع الغذائيــة‬ ‫والذهــب‪ ،‬فض ـ ً‬ ‫ا عــن ذلــك يترتــب عل ــى الصراعــات تأثيــرات دائمــة‬ ‫عل ــى ســلوك األفــراد واملســتثمرين وحركــة رؤوس األمــوال واجتاهاتهــا‪،‬‬ ‫بــل وعل ــى طبيعــة العالقــات االقتصاديــة الدوليــة والنظــام االقتصــادي‬ ‫العامل ــي‪.‬‬

‫ومتثــل منطقــة الشــرق األوســط‪ ،‬حالــة خاصــة‪ ،‬حيــث متلــك دول‬ ‫املنطقــة أكثــر مــن ثلــث إمــدادات النفــط العامليــة‪ ،‬ويقــع فيهــا ممريــن‬ ‫جتاريــن عامليــن ( قنــاة الســويس ومضيــق هرمــز) وبالتال ــي فــإن عــدم‬ ‫االســتقرار يخلــق حالــة مــن عــدم اليقــن يف أســواق النفــط العامليــة‪،‬‬ ‫نتيجــة املخــاوف مــن إنقطــاع تلــك اإلمــدادات‪ ،‬وهــو مــا تؤكــده جتــارب‬ ‫قريبــة‪ ،‬حــن مت حظــر النفــط العرب ــي خــال الفتــرة ‪1974 -1973‬م‪،‬‬ ‫وإبــان الثــورة اإليرانيــة ‪1979 -1978‬م‪ ،‬واحلــرب اإليرانيــة العراقيــة عــام‬ ‫‪1980‬م‪ ،‬وحــرب اخلليــج األولــى ‪1991 -1990‬م‪ ،‬وتبعتهــا ارتفاعــات‬ ‫يف أســعار النفــط العامليــة‪ ،‬نتيجــة مــا يعــرف بعــاوات املخاطــر‬ ‫يف الســوق‪ ،‬واحتياطــات التحــوط التــي تفرضهــا الشــركات املنتجــة‬ ‫للنفــط‪ ،‬واالختــاالت يف قــوى الطلــب والعــرض‪.‬‬ ‫ورغــم أن تأثيــر احلــرب يف غــزة عل ــى األوضــاع االقتصاديــة يف املنطقــة‬ ‫واألســواق املاليــة العامليــة وتدفــق رؤوس األمــوال وحركــة التجــارة‬ ‫العامليــة‪ ،‬ال يــزال محــدو ًدا حتــى اآلن‪ ،‬إال أن اتســاع نطــاق احلــرب‬ ‫أوضاعــا اقتصاديــة‬ ‫وامتــداده لــدول أخــرى ومناطــق أخــرى‪ ،‬ســيرتب‬ ‫ً‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫‪105‬‬

‫ملف العدد‬

‫إع ــادة ط ــرح المب ــادرة العربي ــة للس ــام حال ًي ــا فرص ــة فري ــدة لتحقي ــق‬ ‫ـكل دقيق‬ ‫التســوية الســلمية ال ُمطلوبــة يف المنطقــة يف توقيــت هام بشـ ٍ‬

‫أوالً‪ :‬بنــاء الثقــة بــن األطــراف املتنازعــة‪ :‬حيــث يجــب بنــاء ثقــة قويــة‬ ‫ومتينــة بــن األطــراف املشــاركة يف املفاوضــات لضمــان جنــاح املبــادرة‪،‬‬ ‫ميكــن أن تتضمــن هــذه اجلهــود تعزيــز التفاهــم املتبــادل وتبــادل‬ ‫املعلومــات بصــدق وإثبــات االلتــزام بالتعهــدات املتفــق عليهــا‪.‬‬ ‫ومــن الضــروري توزيــع املــوارد بطريقــة عادلــة ومتوازنــة‪ .‬بــن جميــع‬ ‫الفلســطينيني حت ــى يشــعر جميــع األطــراف بأنهــم مشــاركون يف صنــع‬ ‫القــرارات ومســتفيدون مــن النتائــج‪ .‬وميكــن حتقيــق ذلــك بالشــفافية‬ ‫واملشــاركة الشــاملة يف جميــع مراحــل املفاوضــات بــن اجلانبــن‬ ‫الفلســطيني واإلســرائيلي‪.‬‬ ‫كمــا يجــب التعامــل بشــفافية ووضــوح مــع التحديــات الثقافيــة‬ ‫والدينيــة التــي قــد تؤثــر علــى ســير املفاوضــات‪ .‬واحتــرام وتقبــل‬ ‫التنــوع الثقــايف والدين ــي وأن نتعلــم كيفيــة التعايــش بســام مــن خــال‬ ‫احلــوار املفتــوح واملســتمر‪ ،‬وبنــاء جســو ًرا مــن التفاهــم واالحتــرام بــن‬ ‫األديــان والثقافــات املختلفــة‪.‬‬

‫أخيــراً‪ ،‬يجــب أن نتعامــل مــع التحديــات القانونيــة والسياســية الت ــي‬ ‫ميكــن أن تعرقــل تنفيــذ املبــادرة‪ ،‬والعمــل عل ــى تشــكيل أطــر قانونيــة‬ ‫وسياســية مناســبة لتحقيــق أهــداف املبــادرة ومعاجلــة أي انتهــاكات‬ ‫حتــدث‪ ،‬وضمــان تنفيــذ ومراقبــة االلتــزام بالقوانــن واالتفاقــات‬ ‫املتعلقــة باملفاوضــات‪ ،‬والتصــدي ألي حتــد يعرقــل تنفيــذ املبــادرة‪.‬‬ ‫ثان ًيــا‪ :‬التوافــق السياس ــي‪ ،‬حتتــاج مبــادرة الســام ‪2002‬م‪ ،‬إل ــى جهــود‬ ‫مشــتركة مــن األطــراف الفلســطينية لتحقيــق توافــق سياس ــي وطن ــي‪،‬‬ ‫ويجــب عل ــى حركت ــي فتــح وحمــاس جتــاوز االنقســام القائــم بينهمــا‬ ‫والعمــل بــروح املصلحــة الوطنيــة للشــعب الفلســطيني‪ .‬وبالتالــي‪،‬‬ ‫ينبغ ــي عل ــى األطــراف الفلســطينية املتنافســة أن تــدرك أن االنقســام‬ ‫الفلســطيني يعــد عائ ًقــا يعــوق حتقيــق اتفــاق ســام دائــم وعليهــم أن‬ ‫يعملــوا جن ًبــا إل ــى جنــب بــروح املصاحلــة والوحــدة الوطنيــة للتغلــب‬ ‫علــى التحديــات وحتقيــق األمــان واالســتقرار للشــعب الفلســطيني‪،‬‬ ‫وأن يســبق ذلــك مشــاورات وحــوارات فلســطينية داخليــة لتعزيــز‬ ‫الوحــدة الوطنيــة بــن الفلســطينيني‪ ،‬وه ــي خطــوة أساســية لتحقيــق‬ ‫االســتقالل والســيادة وإنهــاء احتــال األراضــي الفلســطينية‪ .‬عــن‬ ‫طريــق العمــل املشــترك والتعــاون‪ ،‬حيــث ميكــن للفلســطينيني حتقيــق‬ ‫طموحاتهــم الوطنيــة وبنــاء دولــة فلســطينية قائمــة عل ــى حــدود عــام‬ ‫‪1967‬م‪ ،‬وبالقــدس الشــرقية عاصمتهــا‪.‬‬

‫ثال ًثــا‪ :‬دور األمــم المتحــدة‪ ،‬ينبغــي أو ًال أن يتــم اســتئناف‬ ‫المفاوضــات بــن الطرفــن مبشــاركة األمم املتحــدة واجلامعــة‬

‫العربــي‪ ،‬ويجــب أن تكــون هــذه املفاوضــات مبنيــة علــى قــرارات‬ ‫الشــرعية الدوليــة‪ ،‬مبــا يف ذلــك قــرارات مجلــس األمــن‪ ،‬مــن أجــل‬ ‫حتقيــق الســام والعدالــة يف املنطقــة‪ .‬ومــن الضــروري أن يحظ ــى هــذا‬ ‫العمــل بدعــم قــوي مــن املجتمــع الدولــي لضمــان تنفيــذه‪.‬‬ ‫راب ًعــا‪ :‬حقــوق الشــعب الفلســطيني‪ ،‬يتعــن عل ــى املفاوضــات أن تأخــذ‬ ‫بعــن االعتبــار حقــوق الشــعب الفلســطيني املشــروعة‪ ،‬ومــن بينهــا‬ ‫حــق العــودة لالجئــن الفلســطينيني وتعويضهــم بامللكيــة اخلاصــة‬ ‫بهــم‪ ،‬كمــا يتعــن عل ــى الــدول العربيــة أن تتخــذ مبــادرات اقتصاديــة‬ ‫لتوفيــر املســاعدات الالزمــة لهــم‪ ،‬ولدعــم االســتقرار االقتصــادي‬ ‫والتنميــة يف األراض ــي الفلســطينية احملتلــة‪ .‬فالتنميــة االقتصاديــة لهــا‬ ‫دور كبيــر يف حتقيــق االســتقالل الفلســطيني واحلفــاظ عل ــى الكرامــة‬ ‫اإلنســانية‪ .‬ويجــب أخــذ هــذه االعتبــارات عنــد املفاوضــات املســتقبلية‪،‬‬ ‫وأن يتعــاون املجتمــع الدولــي والــدول العربيــة كلهــا لتحقيــق هــذه‬ ‫األهــداف العادلــة واملشــروعة‪.‬‬ ‫يف اخلتــام‪ُ ،‬مُيكــن القــول إن إعــادة طــرح املبــادرة العربيــة‪ /‬الســعودية‬ ‫لتســوية القضيــة الفلســطينية‪ ،‬تعــد فرصــة فريــدة لتحقيــق التســوية‬ ‫ـكل دقيــق‪،‬‬ ‫الســلمية املُطلوبــة يف املنطقــة‪ .‬ويَع تَ َب ـ ُر توقيتُهــا هــام بشـ ٍ‬ ‫وأنهــا متثــل أدا ًة قويــة يف بَنــاء جســور الثقــة بــن الفلســطينيني‬ ‫وا ِإلســرائيليني‪َ ،‬‬ ‫وحَتقيــق احلــل النهائ ــي والعادل للقضية الفلســطينية‪.‬‬ ‫هــذه املبــادرة ســتكون فرصــة هامــة لت َْســوِية اخلالفــات وإِنهــاء النــزاع‬ ‫الطويــل األ َمــد القائــم بــن اجلانبــن‪ ،‬ويَنبَغِ ــي َ‬ ‫لأل ْطــ َر ِ‬ ‫اف الدوليــة‬ ‫واإلقليميــة َد ْعـ ُم املبــادرة العربيــة ‪ /‬الســعود َّية‪ ،‬وتَعزيـ ُز اجلهــود الراميــة‬ ‫لتحقيــق العدالــة َو ِإنْ َهــاء النــزاع بــن الفلســطينيني وا ِإلســرائيليني‪.‬‬ ‫علــى الرغــم مــن أهميــة هــذه مبــادرة وإمكانيــة إعــادة طرحهــا يف‬ ‫مؤمتــر دول ــي للســام‪ ،‬إال أنــه ينبغ ــي ً‬ ‫أيضــا أن يكــون هنــاك التــزام‬ ‫حقيقــي مــن قبــل األطــراف املشــاركة لتحقيــق الســام‪ ،‬ويجــب أن‬ ‫تكــون هنــاك اســتعدادات وتنــازالت مــن األطــراف املتصارعــة‪ ،‬وإرادة‬ ‫حقيقيــة للتوصــل إلــى حلــول ســلمية‪.‬‬

‫* دكتوراه نظم سياسية مقارنة ـ األردن‬


‫‪104‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقترح ــات لنج ــاح إع ــادة ط ــرح المب ــادرة العربي ــة للس ــام‪ :‬بن ــاء الثق ــة‬ ‫ـ التوافــق السياســي ـ دور األمــم المتحــدة ـ إعــادة حقــوق الفلســطينيين‬ ‫اإلفريقيــة الت ــي ُعقــدت يف الريــاض ‪2023/11/10‬م‪ ،‬وتناولــت كلمتــه‬ ‫أزمــة احلــرب عل ــى قطــاع غــزة‪ ،‬وكان لهــا تأثيـ ًرا كبيـ ًرا عل ــى املجتمــع‬ ‫الدول ــي‪ ،‬وبــدأ كلمتــه بتســليط الضــوء عل ــى الظــروف الصعبــة الت ــي‬ ‫يعيشــها الســكان يف قطــاع غــزة نتيجــة احلــرب املســتمرة‪ ،‬وأشــار إل ــى‬ ‫أهميــة التضامــن الدولــي وضــرورة وقــف العنــف وحمايــة احلقــوق‬ ‫اإلنســانية للفلســطينيني احملاصريــن يف غــزة‪ ،‬وقــدم اقتراحــات‬ ‫عمليــة لتحقيــق الســام واســتعادة االســتقرار يف املنطقــة‪ .‬ويف ختــام‬ ‫كلمتــه‪ ،‬دعــا املجتمــع الدول ــي إل ــى التعــاون والتضامــن للعمــل عل ــى‬ ‫وضــع حــد للحــرب يف قطــاع غــزة وحتقيــق الســام العــادل والدائــم يف‬ ‫املنطقــة العربيــة والشــرق األوســط‪.‬‬ ‫ويف اتصــال هاتف ــي أجــراه ول ــي العهــد الســعودي األميــر محمــد بــن‬ ‫ســلمان مــع رئيــس الســلطة الفلســطينية محمــود عبــاس‪ ،‬جــرى تنــاول‬ ‫قضايــا هامــة تتعلــق بالتطــورات األخيــرة يف غــزة وأمــن املنطقــة بشــكل‬ ‫عــام‪ .‬وأكــد خــال هــذا االتصــال التــزام اململكــة العربيــة الســعودية‬ ‫الكامــل بدعــم الشــعب الفلســطيني ووقوفهــا إل ــى جانبهــم لتحقيــق‬ ‫تطلعاتهــم وحتقيــق الســام العــادل والشــامل‪ .‬وكل ذلــك يعك ــس التــزام‬ ‫الســعودية الثابــت بالقضيــة الفلســطينية ودعــم حقــوق الفلســطينيني‬ ‫يف إقامــة دولتهــم املســتقلة وإقامــة الســام يف املنطقــة‪ ،‬وجــاءت املبادرة‬ ‫العربيــة ‪/‬الســعودية يف إطــار جهــود تعزيــز أمــن واســتقرار املنطقــة‬ ‫والعمــل عل ــى إيجــاد حــل ســلمي للصــراع الفلســطيني اإلســرائيلي‪.‬‬

‫ً‬ ‫مستقباًل‬ ‫إعادة طرح مبادرة الســام العربية الســعودية‬

‫ت َع ـ ّد إعــادة طــرح املبــادرة العربيــة الســعودية للســام إطال ًقــا جدي ـدًا‬ ‫ومبتك ـ ًرا يف جهــود حتقيــق الســام يف املنطقــة‪ ،‬وتعبــر عــن إصــرار‬ ‫الســعودية لتعزيــز االســتقرار والتعــاون يف الشــرق األوســط‪ ،‬وتعك ــس‬ ‫إرادة حقيقيــة إلحــال الســام يف املنطقــة وحتقيــق تعــاون مشــترك‬ ‫بــن الــدول العربيــة‪ ،‬خاصــة بعــد أن تســببت احلــرب اإلســرائيلية‬ ‫علــى غــزة يف دمــار كبيــر وســقوط عــدد كبيــر مــن الضحايــا‪ ،‬مــا‬ ‫يبرهــن عل ــى أن العنــف والتصعيــد العســكري ليــس الطريــق الصحيــح‬ ‫لتحقيــق الســام املســتدام‪ .‬لذلــك‪ ،‬يعتبرإعــادة طــرح املبــادرة خطــوة‬ ‫هامــة نحــو تســوية دبلوماســية عادلــة وإعــادة جمــع األطــراف املتحاربة‪.‬‬ ‫ويف الظــروف احلاليــة وتداعيــات احلــرب اإلســرائيلية عل ــى قطــاع غــزة‬ ‫ثمــة دعــم قــوي ومســاند ًة واســعة مــن املجتمــع الدول ــي إلعــادة طــرح‬ ‫املبــادرة كآليــة للســام يف الصــراع العربــي اإلســرائيلي‪ ،‬حيــث يــرى‬ ‫املجتمــع الدول ــي أن االســتقرار اإلقليم ــي والعامل ــي يتأثــر ســل ًبا باحلرب‬ ‫والتوتــر املســتمرين يف هــذا الصــراع‪ ،‬ويف املقابــل تهــدف املبــادرة‬

‫العربيــة الســعودية إل ــى توفيــر بيئــة مواتيــة لبــدء مفاوضــات جديــدة‬ ‫بــن األطــراف املعنيــة‪ ،‬وتســوية كل القضايــا العالقــة بــن اجلانبــن‬ ‫الفلســطيني واإلســرائيلي‪ ،‬بــل واملنطقــة برمتهــا‪.‬‬ ‫باإلضافــة إل ــى ذلــك‪ ،‬ميكــن للــدول املشــاركة يف املبادرة أن تعمل بشــكل‬ ‫مشــترك يف مجــاالت مختلفــة‪ ،‬مثــل األمــن‪ ،‬والتجــارة‪ ،‬واالقتصــاد‪.‬‬ ‫بالتعــاون مــع بعضهــا البعــض‪ ،‬وميكنهــا إقامــة عالقــات دبلوماســية‬ ‫وجتاريــة ثابتــة بينهــا‪ ،‬ممــا يعــود بالفائــدة عل ــى جميــع الــدول املعنيــة‬ ‫ويســهم يف تعزيــز التعــاون اإلقليمــي‪ ،‬وتعزيــز الثقــة بــن األطــراف‬ ‫املعنيــة مــن خــال العمــل املشــترك وتبــادل اخلبــرات واملعرفــة‪ ،‬وميكــن‬ ‫للــدول أن تبن ــي عالقــات أكثــر تواص ـ ً‬ ‫ا وتعاون ـاً‪ ،‬وحتقــق مصاحلهــا‬ ‫املشــتركة‪.‬‬ ‫كمــا ميكــن للمبــادرة أن تلعــب دو ًرا حاسـ ًما يف دعــم إعــادة اإلعمــار يف‬ ‫غــزة وحتقيــق اســتقرارها االجتماع ــي واالقتصــادي لســكان القطــاع‪،‬‬ ‫حيــث يعتبــر الدعــم املــادي والتنمــوي الــذي تقدمــه اململكــة العربيــة‬ ‫الســعودية ضرور ًيــا إلعــادة بنــاء البنيــة التحتيــة الت ــي تضــررت بســبب‬ ‫احلــرب‪ ،‬ولتحســن الظــروف املعيشــية للســكان مــن خــال االســتثمار‬ ‫يف املشــاريع التحتيــة وتوفيــر فــرص العمــل‪ ،‬وميكــن للمجتمــع الدول ــي‬ ‫والــدول العربيــة أن يســاهموا يف حتقيــق التنميــة االقتصاديــة‬ ‫واالجتماعيــة املســتدامة يف غــزة‪.‬‬ ‫ويعــد التعــاون الدول ــي لدعــم إعــادة اإلعمــار ضرور ًيــا خللــق بيئــة آمنــة‬ ‫ومســتدامة للســكان يف غــزة‪ .‬مــن خــال توفيــر املســاعدات املاليــة‬ ‫والتقنيــة الالزمــة‪ ،‬ميكــن حتقيــق حتســن مســتوى املعيشــة وتوفيــر‬ ‫فــرص عمــل جديــدة‪ .‬يجــب أن تتعــاون الــدول العربيــة واملجتمــع‬ ‫الدولــي م ًعــا لتحقيــق هــذه األهــداف‪ ،‬وميكــن اســتثمار اخلبــرات‬ ‫واملــوارد العربيــة يف مشــروع إعــادة اإلعمــار‪ ،‬وبالتالــي حتقيــق نتائــج‬ ‫إيجابيــة للمجتمعــات احملليــة يف غــزة‪ ،‬إن إعــادة بنــاء غــزة ليســت‬ ‫مهمــة ســهلة‪ ،‬ولكــن العمــل املشــترك والتضامــن بــن الــدول العربيــة‬ ‫ناجحــا لتحقيــق التنميــة الشــاملة‬ ‫مشــروعا‬ ‫ميكــن أن يجعــل منهــا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫واالســتقرار يف املنطقــة‪.‬‬ ‫ورغــم التحديــات الت ــي واجهــت مبادرة الســام ‪2002‬م‪ ،‬إال أننا نســتطيع‬ ‫أن جنــد ح ـ ً‬ ‫ا ممك ًنــا لهــذه املعوقــات عنــد إعــادة طــرح هــذه املبــادرة‬ ‫مــرة أخــرى‪ ،‬ويتعــن عل ــى جميــع األطــراف التعامــل مــع هــذه املشــاكل‬ ‫بحكمــة وذكاء لضمــان جنــاح املبــادرة مــن خــال املقترحــات اآلتيــة‪:‬‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫‪103‬‬

‫ملف العدد‬

‫الــدول العربيــة مجتمعــة‪ ،‬للحفــاظ عل ــى وجودهــا وتعزيــز موقعهــا يف‬ ‫املنطقــة‪ .‬فقــد تعــودت إســرائيل عل ــى مواجهــة التهديــدات والتحديــات‬ ‫مــن دول اجلــوار بشــكل فــردي‪ ،‬وتعتبــر االحتــاد العرب ــي يعط ــي هــذه‬ ‫الــدول املزيــد مــن القــوة والتأثيــر يف التعامــل معهــا‪.‬‬

‫احلــل العربــي لتحقيــق الســام الشــامل يف املنطقــة‪.‬‬ ‫إن توافــق الــدول العربيــة عل ــى املبــادرة يُ َع ـ ُّد قاعــدة أساســية للتمكــن‬ ‫مــن خلــق بيئــة مناســبة للمفاوضــات وحتقيــق تقــدم حقيق ــي نحــو‬ ‫الســام‪ .‬عليــه‪ ،‬فــإن الــدول العربيــة يجــب أن تعمــل بشــكل مشــترك‬ ‫عل ــى تبــادل اآلراء واملعلومــات وتعزيــز الوع ــي بأهميــة الســام والتعــاون‬ ‫بــن الــدول يف املنطقــة‪ .‬ومــن الضــروري أن تســتخدم الــدول العربيــة‬ ‫الوســائل الدبلوماســية واملفاوضــات إلقنــاع الــدول األخــرى بــأن املبــادرة‬ ‫العربيــة للســام هــي احلــل األمثــل واملســتدام لتحقيــق االســتقرار‬ ‫والتعايــش الســلمي يف املنطقــة‪.‬‬

‫ويعتبــر االســتيطان عائ ًقــا رئيس ـ ًيا أمــام التقــدم يف عمليــة الســام‪.‬‬ ‫فإســرائيل تواصــل بنــاء املســتوطنات وتوســعها يف األراضــي‬ ‫الفلســطينية بشــكل غيــر قانون ــي‪ ،‬ممــا يعرقــل العمليــات السياســية‬ ‫والدبلوماســية‪ .‬ويــرى اجلانــب الفلســطيني أن هــذه املمارســات متثــل‬ ‫انتهــا ًكا حلقوقهــم وإقامــة حواجــز وصعوبــات أمــام حتقيق االســتقالل‪،‬‬ ‫ثــم أن حتقيــق الســام يتطلــب اعتــراف إســرائيل بدولــة فلســطني‬ ‫املســتقلة وأن تتراجــع عــن اســتيطان األراضــي الفلســطينية وإنهــاء‬ ‫االحتــال‪.‬‬

‫رابعــاً‪ :‬تواجــه المبــادرة العربيــة تحديــات متعلقــة بمســتقبل‬ ‫القدس‪ ،‬فهي تعد املدينة املقدســة بالنســبة للمســلمني واملســيحيني‪،‬‬

‫والقضيــة الرئيســية الثانيــة التــي تعتــرض املبــادرة تتمثــل يف‬ ‫املســتوطنات يف األراض ــي الفلســطينية احملتلــة‪ ،‬ويجــب عل ــى إســرائيل‬ ‫أن تكــون مســتعدة للتنــازل عــن هــذه املســتوطنات وإعــادة األراضــي‬ ‫احملتلــة للفلســطينيني لتحقيــق التســوية‪.‬‬

‫ثان ًيــا‪ :‬االنقســام الفلســطيني‪ :‬حيــث أن حركــة فتــح وحمــاس مــا‬ ‫زالتــا تتباعــدان يف الرؤيــة واألهــداف‪ ،‬ممــا يصعــب علــى اجلانــب‬ ‫العرب ــي التفــاوض عل ــى األســاس الواحــد‪ ،‬فاالنقســام السياس ــي بــن‬ ‫حركت ــي فتــح وحمــاس يعــد عامـ ً‬ ‫ا رئيســياً يعــوق التوصــل إل ــى اتفــاق‬ ‫ســام دائــم يف املنطقــة‪ ،‬وهــذا االنقســام الفلســطيني أدى إل ــى تشــتت‬ ‫الســلطة الفلســطينية وتعطيــل عمليــة صنــع القــرار‪ .‬فمــن الصعــب‬ ‫حتقيــق توافــق بــن الفصيلــن واتخــاذ قــرارات هامــة تتعلــق بتقــدمي‬ ‫تنــازالت يف ســبيل الســام‪ .‬وهــذا يؤثــر ســلباً عل ــى مصداقيــة اإلرادة‬ ‫السياســية الفلســطينية ويجعلهــا غيــر قــادرة عل ــى التفــاوض بنجــاح‬ ‫مــع إســرائيل‪.‬‬ ‫وال ميكننــا جتاهــل تأثيــر هــذا االنقســام علــى موقــف اجلهــات‬ ‫اخلارجيــة جتــاه عمليــة الســام‪ ،‬فاالنقســام الفلســطيني يعطــي‬ ‫إســرائيل والعالــم فرصــة للتحفــظ علــى تقــدمي تنــازالت يف اتفــاق‬ ‫ســام نهائ ــي‪ .‬فعندمــا تتجاهــل األطــراف الفلســطينية املتنازعــة عل ــى‬ ‫الســلطة وجــود مبــادرة ســام واحــدة‪ ،‬فإنهــا تضــع إســرائيل يف موقــف‬ ‫قــوة وحتــرم الفلســطينيني مــن الدعــم والدفــاع الدول ــي عــن حقوقهــم‪.‬‬ ‫ثالثــاً‪ :‬تتطلــب املبــادرة العربيــة للســام ‪2002‬م‪ ،‬تواف ًقــا واســ ًعا بــن‬ ‫الــدول العربيــة التــي تدعمهــا‪ .‬وعلــى الرغــم مــن تأييــد العديــد‬ ‫مــن الــدول العربيــة للمبــادرة‪ ،‬إال أن هنــاك دو ًاًل أخــرى ال تــزال غيــر‬ ‫مســتعدة للتطبيــع الكامــل مــع إســرائيل‪ .‬ويف هــذا الســياق‪ ،‬يتعــن‬ ‫عل ــى الــدول العربيــة العمــل بجديــة عل ــى إقنــاع هــذه الــدول بأهميــة‬

‫وال ميكــن مناقشــة تاريخهــا العرب ــي وثقافتهــا‪ ،‬فهمــا جــزء ال يتجــزأ‬ ‫مــن هويتهــا‪ .‬لــذا‪ ،‬يتعــن عل ــى الــدول العربيــة واإلســامية واملجتمــع‬ ‫الدول ــي جميعهــم أن يعترفــوا بحــق الفلســطينيني يف الســيادة عل ــى‬ ‫القــدس الشــرقية وأن تكــون عاصمــة للدولــة الفلســطينية املســتقبلية‪.‬‬ ‫إن هــذا االعتــراف يتطلــب ً‬ ‫أيضــا جهــو ًدا دبلوماســية واقتصاديــة‬ ‫وثقافيــة لتعزيــز الوجــود العرب ــي يف القــدس الشــرقية‪ ،‬وتعزيــز الوع ــي‬ ‫العامل ــي بأهميــة املدينــة واحلفــاظ عل ــى هويتهــا املتعــددة الثقافــات‪،‬‬ ‫وينبغ ــي للــدول العربيــة أن تعمــل م ًعــا حلمايــة املقدســات اإلســامية‬ ‫واملســيحية يف املدينــة‪ ،‬ولتعزيــز االســتثمار يف البنيــة التحتيــة والتطــور‬ ‫االقتصــادي للمنطقــة‪ ،‬يف هــذه الفتــرة مــن الضــروري أن تصبــح املبادرة‬ ‫العربيــة ‪2002‬م‪ ،‬القــوة الدافعــة للجهــود مســتقبال‪ ،‬ويجــب أن تتعــاون‬ ‫الــدول العربيــة لضمــان أن تظــل القــدس مفتوحــة للجميــع‪ ،‬وأن تكــون‬ ‫مدينــة للســام والتعايــش الســلمي بــن األديــان‪.‬‬

‫الــدور الســعودي الداعــم للســام يف الحــرب عــى قطــاع غــزة‬ ‫‪2023‬‬ ‫اململكــة العربيــة الســعودية رائــدة وداعمــة للســام وإيجــاد احللــول‬ ‫الدبلوماســية للنزاعــات‪ ،‬ويف حالــة غــزة‪ ،‬اســتجاب ولــي العهــد‬ ‫الســعودي األميــر محمــد بــن ســلمان بســرعة لألحــداث وبــدأ البحــث‬ ‫عــن طــرق لوقــف احلــرب والوصــول إل ــى حــل ســلمي‪ ،‬وقــام بتكثيــف‬ ‫جهــوده الدبلوماســية وتوجيــه دعــوات إل ــى القــادة العــرب واإلســاميني‬ ‫لبحــث األوضــاع يف غــزة وإيجــاد حلــول ســلمية للصــراع‪.‬‬ ‫وعقــد اجتماعــات ومفاوضــات مــع القيــادات الفلســطينية كمــا‬ ‫وجــه دعــوات ملنظمــات غيــر حكوميــة ومنظمــات حقــوق اإلنســان‬ ‫ومؤسســات للســام والعدالــة واســتضافتهم الســعودية ملناقشــة‬ ‫القضيــة وتبــادل وجهــات النظــر‪.‬‬ ‫والقــى األميــر محمــد بــن ســلمان كلمــة أمــام القمــة الســعودية‬


‫‪102‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫ج ــاءت المب ــادرة الس ــعودية ‪ /‬العربي ــة لكس ــر الجم ــود وتعزي ــز أم ــن‬ ‫واســتقرار المنطقــة وإيجــاد حــل ســلمي للصــراع الفلســطيني‪ /‬اإلســرائييل‬ ‫أساســية يف حتقيــق الســام بــن الطرفــن‪ ،‬ويجــب علــى األطــراف‬ ‫املعنيــة العمــل بجديــة لتنفيذهــا‪ ،‬وتتضمــن املبــادرة اعتــراف الــدول‬ ‫العربيــة بإســرائيل وتطبيــع العالقــات السياســية واالقتصاديــة‬ ‫والثقافيــة معهــا‪ ،‬وهــذا يعتبــر نقلــة تاريخيــة يف عمليــة الســام يف‬ ‫املنطقــة‪ ،‬حيــث يتــم تعزيــز وتنميــة التفاهــم والتعــاون بــن الشــعوب‬ ‫ا عــادالً وشــام ً‬ ‫والــدول‪ ،‬كمــا إنهــا تقــدم ح ـ ً‬ ‫ال للصــراع الفلســطيني‬ ‫اإلســرائيلي لــذا يجــب علــى إســرائيل أن تســتجيب لهــذه املبــادرة‬ ‫وتتفــاوض بجديــة مــع اجلانــب الفلســطيني‪ ،‬مــن أجــل بنــاء مســتقبل‬ ‫مســتدام ومزدهــر لــكل الشــعوب يف املنطقــة‪.‬‬

‫تحديــات تتطلب تحقيق التوازن‪:‬‬

‫توجــد عــدة حتديــات تواجــه تطبيــق الســام العــادل والشــامل يف‬ ‫املنطقــة وتتطلــب التعامــل معهــا بجديــة ووضــوح ومنهــا‪:‬‬

‫ً‬ ‫أواًل‪ :‬املعضلــة الرئيســية تتمثــل يف موقــف إســرائيل الــذي يرفــض أي‬ ‫خطــوة نحــو الســام فه ــي ال ترغــب يف التوصــل إل ــى اتفــاق عرب ــي‬ ‫عبــري‪ ،‬ألن ذلــك ســيضعها يف موقــف ضعيــف حيــث يتعــن عليهــا‬‫أن تواجــه التحديــات أمــام تكتــل عربــي‪ ،‬فاملوقــف يســتند دائ ًمــا‬ ‫إلــى تعامــل إســرائيل بشــكل فــردي مــع الــدول العربيــة وليــس مــع‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫‪101‬‬

‫ملف العدد‬

‫‪ 4‬تحديات تواجه فرص السالم بين إسرائيل وفلسطين‪:‬‬

‫الرفض اإلسرائييل واالنقسام الفلسطيني‬ ‫ومستقبل القدس والتوافق اإلقليمي والدويل‬ ‫شــهدت املنطقــة يف عــام ‪2023‬م‪ ،‬تصعيــداً عســكرياً بــن إســرائيل وقطــاع غــزة‪ ،‬تســبب يف حــرب شــاملة ومدمــرة‪ .‬ويف الوقــت‬ ‫نفســه تعــد هــذه احلــرب محفــزاً قويـاً إلعــادة طــرح املبــادرة العربيــة الســعودية الت ــي مت تقدميهــا عــام ‪2002‬م‪ ،‬كآليــة للســام وأن‬ ‫يحتــض إعــادة طــرح املبــادرة مؤمتــر دول ــي إلعــادة طــرح وتبن ــي هــذه املبــادرة الت ــي متثــل فرصــة إلحــداث تغييــر جــذري وفعــال‬ ‫يف القــرارات واملباحثــات الســلمية‪ ،‬لتجنــب تكــرار احلــرب بــن الطرفــن الفلســطيني واإلســرائيلي يف املســتقبل‪.‬‬ ‫وتظهــر الظــروف الراهنــة إمكانيــة إعــادة طــرح مبــادرة الســام ‪2023‬م‪ ،‬مــن قبــل اململكــة العربيــة الســعودية الت ــي تعتبــر قــوة‬ ‫إقليميــة قويــة وحتظ ــى بتأييــد دول العالــم الكبــرى ولديهــا القــدرة والســمعة للتدخــل يف قضايــا املنطقــة‪ ،‬ممــا يعطيهــا القــوة‬ ‫الالزمــة إلعــادة طــرح مبــادرة الســام ودعمهــا‪.‬‬

‫د‪ .‬خلود محمد الدعجة‬

‫وتعتبــر املبــادرة العربيــة أداة مناســبة لتســوية القضيــة الفلســطينية‪،‬‬ ‫وفــق أســس يف صالــح جميــع األطــراف‪ ،‬تلــك املبــادرة الت ــي قدمتهــا‬ ‫اململكــة العربيــة الســعودية ووافقــت عليهــا الــدول العربيــة التــي‬ ‫تعتبــر القضيــة الفلســطينية مرتك ـزًا أساس ـ ًيا ضمــن االســتراتيجية‬ ‫الســعودية املتوازنــة‪ ،‬وكان قــد أطلــق املبــادرة امللــك عبــد اهلل بــن‬ ‫عبــد العزيــز عــام ‪2002‬م‪ ،‬وهــي مــن أهــم املبــادرات العربيــة التــي‬ ‫تســعى إلــى إيجــاد حــل ســلمي يف املنطقــة وحتقــق احلــل العــادل‬ ‫للصــراع الفلســطيني ‪ /‬اإلســرائيلي‪ ،‬وجتســد التــزام العالــم العرب ــي‬ ‫بالســام وتضامنــه مــع الشــعب الفلســطيني يف ســعيه لتحقيــق‬ ‫الســام الشــامل والدائــم‪ ،‬فه ــي تقــوم عل ــى مبــدأ حــل الدولتــن كحــل‬ ‫للصــراع‪ ،‬حيــث تســعى إل ــى إنشــاء دولــة فلســطينية مســتقلة وذات‬ ‫ســيادة يف إطــار حــدود ‪1967‬م‪ ،‬بعاصمتهــا القــدس الشــرقية‪ ،‬وباملقابــل‬ ‫توفيــر االعتــراف العرب ــي بإســرائيل وتطبيــع العالقــات العربيــة معهــا‪،‬‬ ‫وتأت ــي املبــادرة يف ســياق مهــم جــداً‪ ،‬ويعتبــر توقيتهــا يف عــام ‪2002‬م‪،‬‬ ‫كان مه ًمــا‪ ،‬حيــث جــاءت بعــد فشــل عمليــة الســام الت ــي متــت يف‬ ‫عهــد الرئيــس األمريك ــي األســبق بيــل كلينتــون‪ ،‬وهدفــت املبــادرة إل ــى‬ ‫االســتفادة مــن صعــود الرئيــس جــورج بــوش إلــى الســلطة‪ ،‬وتعزيــز‬ ‫الــدور العربــي يف العمليــة الســلمية‪.‬‬

‫وتعــد املبــادرة نقطــة حتــول يف تاريــخ العمليــة الســلمية بــن العــرب‬ ‫وإســرائيل‪ ،‬حيــث مت تقدميهــا باالشــتراك مــع اجلامعــة العربيــة‪ ،‬يف‬ ‫القمــة العربــي التــي انعقــدت يف بيــروت ‪2022/3/28-27‬م‪ ،‬ممــا‬ ‫منحهــا الشــرعية والتأييــد العرب ــي الالزمــن لنجاحهــا وتبن ــى املؤمتــر‬ ‫املبــادرة وح َّولهــا إل ــى مبــادرة عربيــة شــاملة‪ ،‬وقــد لقيــت املبــادرة ترحيباً‬ ‫عاملي ـاً أمريكي ـاً وأوروبي ـاً‪.‬‬ ‫وقــد مت قبــول املبــادرة مــن قبــل دول عربيــة مهمــة مثــل مصــر‪ ،‬الكويت‪،‬‬ ‫قطــر‪ ،‬اإلمارات‪،‬‬ ‫األردن‪ ،‬واملغــرب‪ ،‬وهــذا التأييــد يشــير إلــى إمكانيــة التأثيــر علــى‬ ‫حــدوث تغييــر إيجابــي يف السياســات واملواقــف اإلقليميــة جتــاه‬ ‫القضيــة الفلســطينية‪.‬‬ ‫وتركــز املبــادرة العربيــة لتســوية القضيــة الفلســطينية علــى عــدة‬ ‫نقــاط رئيســية وأحــد هــذه النقــاط هــو إقــرار قــرارات مجل ــس األمــن‬ ‫‪ 242‬و‪ ،338‬والت ــي تعتبــر مــن القــرارات الدوليــة الهامــة الت ــي تدعــو‬ ‫النســحاب إســرائيل مــن األراضــي العربيــة احملتلــة يف حــرب األيــام‬ ‫الســتة عــام ‪1967‬م‪ ،‬وتطبيــق قــرارات مجلــس األمــن يعتبــر خطــوة‬


‫‪100‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫األراض ــي جعــل املبــادرة مقبولــة مــن اجلانــب اإلســرائيلي‪.‬‬ ‫لكــن هــذه احملاولــة األمريكيــة لــم تســهم يف تغييــر املوقــف اإلســرائيلي‬ ‫فقــد أشــار رئيــس الــوزراء اإلســرائيلي احلال ــي «بنيامــن نتنياهــو» يف‬ ‫مايــو ‪2016‬م‪ ،‬إلــى أن «املبــادرة العربيــة تتضمــن عناصــر إيجابيــة‪.‬‬ ‫وأنهــا تنطــوي علــى «إشــارة طيبــة»‪ ،‬يف ظــل مــا أشــارت إليــه مــن‬ ‫اعتــراف العــرب بإســرائيل وإقامــة عالقــات دبلوماســية معهــا‪ ،‬لكنــه‬ ‫رفــض القبــول بشــروطها‪ .‬وهــذا هــو النهــج اإلســرائيلي املســتمر يف‬ ‫املراوغــة فهــي كانــت ترغــب مــن املبــادرة مــا يصــب يف مصلحتهــا‪.‬‬ ‫وقــال نتانياهــو أنــه بإمــكان املبــادرة العربيــة أن تكــون «ذات صلــة‬ ‫شــرط إلغــاء بعــض مطالبهــا» حــول االنســحاب اإلســرائيلي والالجئــن‬ ‫الفلســطينيني‪ .‬وأضــاف «يحــب تعزيــز فكــرة عقــد لقــاء إقليم ــي يــؤدي‬ ‫إلــى تطبيــع العالقــات مــع الــدول العربيــة والتوصــل إلــى تســوية‬ ‫مــع الفلســطينيني»‪ .‬وقــد أشــار نتنياهــو آنــذاك أنــه مــن الواضــح أن‬ ‫املبــادرة «يجــب حتديثهــا مــع األخــذ باالعتبــار التغييــرات الت ــي طــرأت‬ ‫يف املنطقــة خــال الســنوات األخيــرة»‪.‬‬ ‫وقــد اتســمت املبــادرة العربيــة للســام بكونهــا خطــة قابلــة للتحقيــق‬ ‫ومــا زالــت األســاس الــذي ميكــن البنــاء عليــه‪ .‬خاصــة يف ظــل غيــاب‬ ‫مبــادرات بديلــة قابلــة للتحقيــق وحتظــى بقبــول واســع مــن كافــة‬ ‫األطــراف‪.‬‬ ‫فقــد أكــدت القمــم العربيــة منــذ ذلــك التاريــخ عل ــى أهميــة وااللتــزام‬ ‫ب ـــ “مبــادرة الســام العربيــة” كأســاس لتحقيــق الســام ولتســوية‬ ‫القضيــة الفلســطينية‪ .‬وهــو مــا أكــد صالحيتهــا كأســاس للســام‬ ‫مــع مــرور الوقــت‪ .‬وخــال القمــة العربيــة يف جــدة مايــو ‪2023‬م‪ ،‬مت‬ ‫التأكيــد علــى املبــادرة العربيــة للســام كأســاس للتســوية الشــاملة‬ ‫للقضيــة الفلســطينية فقــد نــص البيــان اخلتامــي علــى أهميــة‬ ‫تكثيــف اجلهــود للتوصــل إلــى «تســوية شــاملة وعادلــة للقضيــة‬ ‫الفلســطينية‪ ،‬وإيجــاد أفــق حقيقــي لتحقيــق الســام علــى أســاس‬ ‫حــل الدولتــن وفقـاً للمرجعيــات الدوليــة وعل ــى رأســها مبــادرة الســام‬ ‫العربيــة والقــرارات الدوليــة ذات الصلــة ومبــادئ القانــون الدول ــي مبــا‬ ‫يضمــن إقامــة الدولــة الفلســطينية املســتقلة ذات الســيادة علــى‬ ‫األراضــي الفلســطينية بحــدود عــام ‪1967‬م‪ ،‬وعاصمتهــا القــدس‬ ‫الشــرقية»‪ .‬وإجمـ ً‬ ‫ـااًل فقــد عملــت القمــة عل ــى إعــادة االعتبــار للقضيــة‬ ‫الفلســطينية والتــي شــهدت تراج ًعــا نســب ًيا يف األجنــدة العربيــة يف‬ ‫ظــل العديــد مــن األزمــات الت ــي مــرت بهــا املنطقــة خــال الســنوات‬ ‫األخيــرة‪ ،‬حيــث أكــد البيــان اخلتامــي علــى مركزيــة القضيــة‬ ‫رئيســا‬ ‫الفلســطينية بالنســبة للــدول العربيــة باعتبارهــا محــو ًرا‬ ‫ً‬ ‫لالســتقرار يف املنطقــة‪ .‬كمــا ســيطرت القضيــة الفلســطينية علــى‬ ‫كلمــات أغلــب القــادة العــرب مــن خــال إدانــة االنتهــاكات اإلســرائيلية‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫املســتمرة بحــق الفلســطينيني واألماكــن املقدســة يف ظــل احلكومــة‬ ‫اإلســرائيلية اليمينيــة املتطرفــة ومــا تقــوم بــه مــن ممارســات ضــد‬ ‫الشــعب الفلســطيني واملقدســات الدينيــة‪ .‬مــع دعــوة املجتمــع الدول ــي‬ ‫لتحمــل مســؤولياته يف إنهــاء العنــف ووقــف تلــك االنتهــاكات املتكــررة‪.‬‬ ‫ويف قمــة جــدة لألمــن والتنميــة يف يوليــو ‪2022‬م‪ ،‬والت ــي شــارك فيهــا‬ ‫الرئيــس األمريكــي ودول مجلــس التعــاون اخلليجــي ومصــر واألردن‬ ‫والعــراق‪ .‬فقــد أكــد البيــان املشــترك علــى أهميــة املبــادرة العربيــة‬ ‫للســام مــن خــال ضــرورة التوصــل حلــل عــادل للصــراع الفلســطيني‬ ‫ـ اإلســرائيلي عل ــى أســاس حــل الدولتــن‪ ،‬مــع وقــف كافــة اإلجــراءات‬ ‫األحاديــة التــي تقــوض حــل الدولتــن‪ ،‬واحتــرام الوضــع التاريخــي‬ ‫القائــم يف القــدس ومقدســاتها‪ ،‬وعلــى الــدور الرئيســي للوصايــة‬ ‫الهاشــمية يف هــذا الســياق‪ .‬كمــا أكــد القــادة أهميــة دعــم االقتصــاد‬ ‫الفلســطيني ووكالــة األمم املتحــدة إلغاثــة وتشــغيل الالجئــن‬ ‫الفلســطينيني (األنــروا)‪.‬‬ ‫وختا ًمــا‪ ،‬خــال العقــود األربعــة املاضيــة قدمــت الــدول العربيــة‬ ‫مبــادرات للســام عكســت رغبــة عربيــة حقيقيــة يف حتقيــق الســام‬ ‫يف املنطقــة والعيــش بســام مبــا شــكل حتــو ًاًل عــن املوقــف العربــي‬ ‫الســابق الرافــض للســام مــع إســرائيل‪ ،‬ومــع اختــاف التفاصيــل‬ ‫اخلاصــة بــكل منهــا‪ ،‬إال أن املشــترك فيمــا بينهــا أمريــن رئيســن؛‬ ‫األول‪ :‬هــو وجــود رغبــة عربيــة مســتمرة يف حتقيــق تســوية ســلمية‬ ‫للصــراع العرب ــي اإلســرائيلي‪ ،‬والثان ــي هــو الرفــض اإلســرائيلي لــكل‬ ‫محاولــة للســام أيــا كانــت مضامينهــا وأبعادهــا‪ .‬فقــد كان ميكــن أن‬ ‫يجنــب ذلــك كافــة األطــراف املزيــد مــن اخلســائر عل ــى كافــة األصعــدة‪.‬‬ ‫ويف ظــل احلــرب الشرســة يف قطــاع غــزة ويف ظــل تعــدد املبــادرات‬ ‫املطروحــة للخــروج مــن األزمــة احلاليــة والتفكيــر يف اليــوم التالــي‬ ‫لنهايــة احلــرب‪ ،‬ومــع طــرح تصــورات فرديــة‪ ،‬تطــرح تســاؤالت بشــأن‬ ‫مــدى إمكانيــة العــودة للمبــادرة العربيــة للســام‪.‬‬ ‫احلديــث عــن حتقيــق الســام يف املنطقــة ال ميكــن أن يتــم مناقشــته‬ ‫يف ظــل املمارســات اإلســرائيلية ضــد الشــعب الفلســطيني‪ .‬مــع‬ ‫أساســا ميكــن‬ ‫التأكيــد علــى أن املبــادرة العربيــة للســام مــا زالــت‬ ‫ً‬ ‫االعتمــاد والبنــاء عليــه وهــو مــا يتطلــب مناقشــتها هــذه املــرة يف إطــار‬ ‫دول ــي وعــدم قصرهــا عل ــى الســياق العرب ــي يف إطــار مؤمتــر دول ــي مــع‬ ‫التأكيــد عل ــى أهميــة وجــود ضمانــات دوليــة لضمــان التــزام إســرائيل‬ ‫مبــا يتــم االتفــاق عليــه‪.‬‬

‫* رئيس محور التواصل املجتمعي ـ مركز املعلومات ودعم اتخاذ القرار ـ مرص‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫‪99‬‬

‫ملف العدد‬

‫قم ــة ج ــدة أك ــدت أن المب ــادرة العربي ــة أس ــاس للح ــل ون ــص البي ــان‬ ‫الختاـ ـمي عىل أهمـ ـية تكثـ ـيف الجـ ـهود للتوـ ـصل إىل تـ ـسوية ـ ـشاملة‬ ‫“االنســحاب الكامــل مقابــل الســام الشــامل”‪ .‬وقــد حظيــت املبــادرة‬ ‫باملوافقــة باإلجمــاع‪ .‬كمــا أن طــرح املبــادرة مــن قبــل امللــك عبــد اهلل بــن‬ ‫عبــد العزيــز جعلهــا حتظ ــى باملوثوقيــة بشــكل أكبــر عل ــى املســتويني‬ ‫الدول ــي والعرب ــي وجعلهــا حتظ ــى بتأييــد أوســع خاصــة أنهــا جتنبــت‬ ‫املشــكالت الت ــي عانــت منهــا مبــادرة فــاس‪.‬‬ ‫وقــد أكــد البيــان اخلتام ــي لقمــة بيــروت عــام ‪2002‬م‪ ،‬عل ــى أن املبــادرة‬ ‫العربيــة للســام تأت ــي انطال ًقــا مــن وجــود قناعــة لــدى الــدول العربيــة‬ ‫بــأن احلــل العســكري للنــزاع لــن يقــود لتحقيــق الســام أو األمــن ألي‬ ‫مــن األطــراف‪ .‬لتعك ــس املبــادرة يف ذلــك الوقــت رغبــة عربيــة حقيقيــة‬ ‫يف الســام والتنمية ووجود قناعة أن ال ســبيل ســوى احلوار والتســوية‬ ‫الســلمية‪ ،‬حيــث أكــدت التجربــة أن احلــل العســكري لــن يقــود إال إل ــى‬ ‫مزيــد مــن عــدم االســتقرار يف املنطقــة مبجملهــا‪.‬‬ ‫وقــد شــكلت املبــادرة حينمــا طرحــت حت ـو ًاًل مه ًمــا يف سياســة الــدول‬ ‫ً‬ ‫مرفوضــا يف‬ ‫العربيــة جتــاه االعتــراف بإســرائيل وهــو األمــر الــذي كان‬ ‫الســابق‪ .‬ومبــا يُســهم يف أن يعيــش اجلميــع يف ســام‪ .‬ليُم ّثــل تراج ًعــا‬ ‫عــن موقــف الرفــض العرب ــي الســابق ألي اعتــراف بإســرائيل‪.‬‬ ‫وقــد طالبــت املبــادرة اجلانبــن اإلســرائيلي والعرب ــي االلتــزام ببعــض‬ ‫املطالــب‪ ،‬فعلــى اجلانــب اإلســرائيلي‪ ،‬طالبــت املبــادرة إســرائيل‬ ‫باالنســحاب الكامــل مــن األراضــي العربيــة احملتلــة مبــا يف ذلــك‬ ‫اجلــوالن الســوري وحت ــى خــط الرابــع مــن يونيــو‪1967‬م‪ ،‬واألراض ــي الت ــي‬ ‫مــا زالــت محتلــة يف جنــوب لبنــان‪ ،‬وكذلــك التوصــل إل ــى حــل عــادل‬ ‫ملشــكلة الالجئــن الفلســطينيني يتفــق عليــه وف ًقــا لقــرار اجلمعيــة‬ ‫العامــة لــأمم املتحــدة رقــم ‪ .194‬مــع قبــول قيــام دولــة فلـ ــسطينية‬ ‫مســتقلة ذات ســيادة عل ــى األراض ــي الفلســطينية احملتلــة منــذ الرابــع‬ ‫مـ ــن يونيــو ‪1967‬م‪ ،‬يف الضفــة الغربيــة وقطــاع غــزة وتكــون عاصمتهــا‬ ‫القــدس الشــرقية‪ .‬عل ــى اجلانــب اآلخــر طالبــت املبــادرة الــدول العربيــة‬ ‫اعتبــار النــزاع العرب ــي اإلســرائيلي منته ًيــا‪ ،‬والدخــول يف اتفاقيــة ســام‬ ‫بينهــا وبــن إســرائيل مــع حتقيــق األمــن جلميــع دول املنطقــة‪ .‬وكذلــك‬ ‫إنشــاء عالقــات طبيعيــة مــع إســرائيل يف إطــار هــذا الســام الشــامل‪.‬‬ ‫باإلضافــة إل ــى ضمــان رفــض كل أشــكال التوطــن الفلســطيني الــذي‬ ‫يتناف ــى والوضــع اخلــاص يف البلــدان العربيــة املضيفــة‪.‬‬

‫أساســا صا ً‬ ‫حلــا للمناقشــة كخطــة‬ ‫هــذا التــوازن يف املبــادرة جعلهــا‬ ‫ً‬ ‫للســام حتــى مــا قبــل ‪ 7‬أكتوبــر ‪2023‬م‪.‬‬ ‫وبذلــك شــكلت املبــادرة العربيــة أول مشــروع ســام حقيقــي شــامل‬ ‫باملنطقــة‪ ،‬وكان مــن شــأن قبــول اجلانــب اإلســرائيلي لهــا أن توفــر‬ ‫أساســا ميكــن البنــاء عليــه وجتنيــب املنطقــة ويــات كثيــرة‪ .‬خاصــة أن‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫املبــادرة مثلــت حتـواًل عــن املوقــف العرب ــي الســابق وكمــا عكســته قمــة‬ ‫اخلرطــوم عــام ‪1967‬م‪ ،‬حيــث متثــل املوقــف العرب ــي الرســمي آنــذاك‬ ‫فيمــا ُعــرف بالــاءات الثالثــة وه ــي‪ :‬ال ســام مــع إســرائيل‪ ،‬ال اعتــراف‬ ‫بإســرائيل‪ ،‬ال مفاوضــات مــع إســرائيل‪.‬‬ ‫وقــد أيــدت الواليــات املتحــدة األمريكيــة تلــك املبــادرة والت ــي نُظــر إليهــا‬ ‫كأول مشــروع ســام حقيق ــي يف املنطقــة‪ .‬حيــث مثلــت املبــادرة حــن‬ ‫طرحهــا خطــة ســام عربيــة قابلــة للتطبيــق‪ ،‬وكان مــن شــأن القبــول‬ ‫بهــا واالتفــاق علــى اخلطــوات التاليــة للتنفيــذ وف ًقــا خلطــة عمــل‬ ‫متوافــق عليهــا بــن األطــراف املعنيــة توفيــر أســاس للســام يجنــب‬ ‫املنطقــة املزيــد مــن الصراعــات وإزهــاق األرواح‪.‬‬ ‫وشــأنها شــأن مبــادرة فــاس‪ ،‬فعنــد إطــاق “مبــادرة الســام العربيــة»‬ ‫عــام ‪2002‬م‪ ،‬فقــد رفضتهــا إســرائيل ُمعلنــ ًة رفــض العــودة حلــدود‬ ‫‪1967‬م‪ ،‬ألســباب «أمنيــة وروحيــة»؛ ُمشــير ًة إلــى أن هــذه احلــدود ال‬ ‫ميكــن الدفــاع عنهــا‪.‬‬ ‫ومــع قبــول الواليــات املتحــدة األمريكيــة‪ ،‬فقــد طالبــت بإدخــال‬ ‫بعــض التعديــات عليهــا وذلــك مــن أجــل ضمــان موافقــة اجلانــب‬ ‫اإلســرائيلي عليهــا‪ .‬فف ــي عــام ‪2013‬م‪ ،‬دعــا وزيــر اخلارجيــة األمريك ــي‬ ‫جــون كيــري إل ــى إعــادة إحيــاء املبــادرة خــال لقائــه مــع مجموعــة مــن‬ ‫وزراء اخلارجيــة العــرب يف واشــنطن‪ .‬حيــث اقتــرح “جــون كيــري”‬ ‫إدخــال تعديلــن عل ــى املبــادرة لضمــان قبولهــا مــن إســرائيل لتتضمــن‬ ‫“ أن حــدود ‪1967‬م‪ ،‬ميكــن تعديلهــا باتفــاق الطرفــن»‪ ،‬مــع الســماح‬ ‫بتبــادل األراضــي بــن الفلســطينيني واإلســرائيليني ومنــح ضمانــات‬ ‫أمنيــة أكثــر إلســرائيل‪ .‬وكان الهــدف األمريك ــي مــن النــص عل ــى تبــادل‬

‫المبـــادرة العربيـــة خطـــة قابلـــة للتحقيـــق ومـــا زالـــت يف ظـــل غيـــاب‬ ‫مبــادرات بديلــة قابلــة للتحقيــق وتحظــى بقبــول واســع مــن كافــة األطــراف‬


‫‪98‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫المب ــادرة العربي ــة أول مش ــروع س ــام ش ــامل وقب ــول إس ــرائيل يوف ــر‬ ‫أساس ــا يمك ــن البن ــاء علي ــه وتجني ــب المنطق ــة وي ــات كثي ــرة‬ ‫ً‬ ‫إطالقهــا‪ ،‬فمنــذ اليــوم األول للحــرب اإلســرائيلية ضــد قطــاع غــزة عــاد‬ ‫احلديــث بقــوة عــن مبــادرة الســام العربيــة كأســاس ميكــن البنــاء‬ ‫عليــه فيمــا يتعلــق مبســتقبل القضيــة الفلســطينية‪ .‬فمــع تطــور‬ ‫العمليــة يف قطــاع غــزة منــذ ‪ 7‬أكتوبــر املاض ــي بــدأت تُطــرح تصــورات‬ ‫بشــأن اليــوم الثان ــي للحــرب‪ ،‬لتطــرح عــدة تصــورات يف هــذا الشــأن‪.‬‬ ‫كمــا بــدأت تطــرح أفــكا ًرا بشــأن عقــد مؤمتــر دول ــي ملناقشــة مســتقبل‬ ‫اإلقليــم ومســتقبل الوضــع بــن اإلســرائيليني والفلســطينيني بشــكل‬ ‫عــام‪ .‬وهــو مــا أعــاد احلديــث عــن مبــادرة الســام العربيــة لعــام ‪2002‬م‪،‬‬ ‫كأســاس ميكــن البــدء مــن مناقشــته وتطويعــه يف ضــوء التطــورات‬ ‫األخيــرة‪.‬‬ ‫ويف الواقــع لــم تكــن مبــادرة الســام العربيــة ه ــي أول مبــادرة عربيــة‬ ‫تُطــرح بشــأن الســام بــن الفلســطينيني واإلســرائيليني‪ ،‬فقــد شــكلت‬ ‫مبــادرة فــاس واملعروفــة باســم خطــة الســام فهــد‪ ،‬والت ــي قدمهــا ول ــي‬ ‫ودي آنــذاك األميــر فهــد بــن عبــد العزيــز يف عــام ‪1981‬م‪،‬‬ ‫السـ ُع َّ‬ ‫العهــد ّ ُ‬ ‫أول محاولــة لتقــدمي مبــادرة للســام بعــد معاهــدة كامــب ديفيــد‪.‬‬ ‫اشــتملت مبــادرة فــاس عل ــى ‪ 8‬نقــاط ه ــي؛ انســحاب إســرائيل مــن‬ ‫جميــع األراض ــي احملتلــة مبــا فيهــا القــدس‪ ،‬إزالــة املســتوطنات املُقامــة‬ ‫بعــد عــام ‪1967‬م‪ ،‬وضمــان حريــة العبــادة وممارســة الشــعائر الدينيــة‬ ‫جلميع األديان يف األماكن املقدســة‪ ،‬وتأكيد حق الشــعب الفلســطيني‬ ‫يف العــودة وتعويــض مــن ال يرغــب يف العــودة‪ ،‬وإخضــاع الضفــة الغربيــة‬ ‫وقطــاع غــزة لفتــرة انتقاليــة ال تزيــد عــن بضعــة أشــهر حتــت إشــراف‬ ‫األمم املتحــدة‪ ،‬وقيــام الدولــة الفلســطينية املســتقلة وعاصمتهــا‬ ‫القــدس‪ ،‬وتأكيــد حــق دول املنطقــة يف العيــش بســام‪ ،‬وقيــام األمم‬ ‫املتحــدة أو بعــض الــدول األعضــاء فيهــا بضمــان تنفيــذ هــذه املبــادئ‪.‬‬ ‫وقــد أثــارت تلــك املبــادرة خالفــات يف القمــة العربيــة احلاديــة‬ ‫عشــرة التــي ُعقــ ّدت يف مدينــة فــاس يف نوفمبــر ‪1981‬م‪ ،‬خاصــة‬ ‫أنهــا لــم تُشــير إل ــى منظمــة التحريــر الفلســطينية‪ ،‬كمــا أصــرت كل‬ ‫مــن منظمــة التحريــر الفلســطينية وســوريا واجلزائــر وليبيــا علــى‬ ‫عــدم تضمــن البنــد الســابق وكان ينــص علــى االعتــراف الضمنــي‬ ‫بإســرائيل‪ ،‬ليُعــاد طرحهــا يف العــام التالــي يف فــاس ً‬ ‫أيضــا وقــد مت‬ ‫إقرارهــا بعــد أن مت التأكيــد عل ــى أن هــذا األمــر ال يتناف ــى مــع احلقوق‬

‫العربيــة كمــا أنــه يتوافــق مــع قــرار مجل ــس األمــن ‪ .242‬حيــث تبنــت‬ ‫الــدول العربيــة املبــادرة بعــد أن متــت اإلشــارة إل ــى منظمــة التحريــر‬ ‫الفلســطينية‪.‬‬ ‫عل ــى اجلانــب اآلخــر‪ ،‬رفضــت احلكومــة اإلســرائيلية بقيــادة مناحيــم‬ ‫أساســا للنقــاش‬ ‫بيجــن آنــذاك املبــادرة‪ .‬ورغــم ذلــك فقــد شــكلت‬ ‫ً‬ ‫األعمــق فيمــا بعــد‪.‬‬ ‫وتُشــير التحليــات إلــى أن املبــادرة توافقــت مــع اخلــط السياســي‬ ‫العرب ــي الــذي كان ســائدًا يف ثمانينيــات القــرن العشــرين‪ ،‬مــن خــال‬ ‫التأكيــد علــى االعتــراف الضمنــي بإســرائيل مقابــل قيــام دولــة‬ ‫فلســطينية يف الضفــة والقطــاع‪ .‬وهــو مــا م ّثــل حتــو ًاًل يف املوقــف‬ ‫ً‬ ‫حــا‬ ‫العربــي جتــاه القضيــة الفلســطينية‪ .‬وكان ميكــن أن يكــون‬ ‫مالئ ًمــا يف حــال قبلــه اجلانــب اإلســرائيلي الــذي كان مســؤو ًاًل بشــكل‬ ‫كبيــر عــن عــدم حتــول املبــادرة لواقــع ملمــوس ميكــن اجلميــع مــن‬ ‫العيــش بســام ويجنــب املنطقــة مزيــدًا مــن التدهــور يف األوضــاع‬ ‫األمنيــة‪.‬‬ ‫لكــن املبــادرة آلــت للنســيان بعــد الغــزو اإلســرائيلي إل ــى لبنــان‪ .‬ورغــم‬ ‫أساســا للمزيــد مــن املناقشــات حــول‬ ‫ذلــك فقــد قدمــت اخلطــة‬ ‫ً‬ ‫الســام يف الشــرق األوســط‪ .‬ومهــدت الطريــق للعديــد مــن املبــادرات‬ ‫وكان أبرزهــا وأكثرهــا شــمو ًاًل املبــادرة العربيــة للســام‪.‬‬ ‫فبعــد مــرور نحــو عشــرين عا ًمــا عل ــى طــرح مبــادرة فــاس‪ ،‬طرحــت‬ ‫الس ـ ُعود ّيَة يف عــام ‪2002‬م‪« ،‬مبــادرة الســام العربيــة»‬ ‫اململكــة العربيــة ّ ُ‬ ‫ودي األميــر عبــداهلل بــن‬ ‫الســ ُع َّ‬ ‫والتــي أطلقهــا آنــذاك ولــي العهــد ّ ُ‬ ‫عبــد العزيــز‪ ،‬والت ــي دعــت إل ــى انســحاب إســرائيل الكامــل مــن كافــة‬ ‫األراض ــي العربيــة الت ــي احتلتهــا منــذ عــام ‪1967‬م‪ ،‬مبــا فيهــا القــدس‬ ‫الشــرقية وهضبــة اجلــوالن‪ ،‬مــع التوصــل حلــل عــادل ملشــكلة الالجئني‬ ‫الفلســطينيني‪ .‬مقابــل التطبيــع الكامــل للعالقــات بــن الــدول العربيــة‬ ‫وإســرائيل‪ .‬وقــد متــت مناقشــة املبــادرة يف اجتمــاع وزراء اخلارجيــة‬ ‫العــرب خــال الفتــرة مــن ‪ 8‬إل ــى ‪ 10‬مــارس ‪2002‬م‪ ،‬وذلــك لتفــادي تكرار‬ ‫مــا حــدث يف قمــة فــاس‪ .‬حيــث طلبــت ســوريا اســتبدال «التطبيــع‬ ‫الكامــل” ب ـــ «الســام الشــامل”‪ ،‬كمــا مت االتفــاق عل ــى اســتخدام جملــة‬

‫دع ــا وزي ــر الخارجي ــة األمريك ــي كي ــري ع ــام ‪ 2013‬إلحي ــاء المبادرة‬ ‫يف لقـــاء مـــع وزراء خارجيـــة عـــرب واقتـــرح إدخـــال تعديليـــن‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫‪97‬‬

‫ملف العدد‬

‫منـــذ اليـــوم األول لحـــرب غـــزة عـــاد الحديـــث بقـــوة عـــن مبـــادرة‬ ‫الســام العربيــة كأســاس للبنــاء عليــه لمســتقبل القضيــة الفلســطينية‬ ‫وكان مــن املفتــرض أن يتــم إجــراء تقييــم أول ــى للمبــادرة يف ديســمبر‬ ‫‪2023‬م‪ ،‬قبــل أنَّ يتــم تقــدمي حزمــة لدعــم الســام بحلــول ســبتمبر‬ ‫‪2024‬م‪ ،‬إال أن تطــورات األحــداث منــذ ‪ 7‬أكتوبــر حالــت دون احلديــث‬ ‫ً‬ ‫مخططــا وأزهقــت أي فرصــة‬ ‫عــن التقييــم األول ــي للمبــادرة كمــا كان‬ ‫للســام يف ظــل العنــف الشــديد الــذي متارســه إســرائيل ضــد الشــعب‬ ‫الفلســطيني يف قطــاع غــزة‪ .‬خاصــة يف ظــل التطــورات األخيــرة مــع‬ ‫امتــداد رقعــة الصــراع لــدول مجــاورة ممــا يزيــد املخــاوف لتحولــه‬ ‫لصــراع إقليم ــي متتــد تداعياتــه للعديــد مــن دول املنطقــة‪.‬‬

‫األوســط‪ ،‬ووجــود قناعــة لــدى اجلانــب العرب ــي أن الســام يف املنطقــة‬ ‫لــن يتحقــق إال مــن خــال وجــود حــل جــذري للصــراع الفلســطيني‬ ‫اإلســرائيلي؛ وهــذا لــن يتحقــق إال مــن خــال إقامــة دولــة فلســطينية‪.‬‬ ‫وأن حتقيــق الســام واالســتقرار يف املنطقــة يبــدأ مــن إيجــاد تســوية‬ ‫للقضيــة الفلســطينية‪ .‬بحيــث تعكــس تلــك املبــادرة قناعــة عربيــة‬ ‫أن املنطقــة لــن تنعــم باالســتقرار دون إيجــاد حــل جــذري للقضيــة‬ ‫الفلســطينية‪ .‬وأن هنــاك رغبــة عربيــة حقيقيــة يف الوصــول للســام‬ ‫بــن اجلانبــن‪.‬‬

‫السـ ُعود ّيَة يف إطــار «جهــود يــوم الســام»‬ ‫وبشــكل عــام‪ ،‬تُشـ ّكل الدعــوة ّ ُ‬ ‫ً‬ ‫الس ـ ُعود ّيَة الت ــي ســبق طرحهــا يف إطــار مبــادرات‬ ‫اسـ‬ ‫ـتكمااًل للجهــود ّ ُ‬ ‫ســابقة‪ ،‬بحيــث تعك ــس تلــك املبــادرات رغبــة ّ ُسـ ُعود ّيَة وعربيــة يف أخــذ‬ ‫زمــام املبــادرة مــن خــال دعــوة اجلانــب العربــي للســام يف الشــرق‬

‫الس ـ ُعود ّيَة مؤمتــر‬ ‫وقبــل ذلــك بعــام فقــد اســتضافت اململكــة العربيــة ّ ُ‬ ‫عل ــى هامــش اجتماعــات اجلمعيــة العامــة لــأمم املتحــدة يف ســبتمبر‬ ‫‪2022‬م‪ ،‬وذلــك مبناســبة الذكــرى العشــرين ملبــادرة الســام العربيــة‪.‬‬ ‫ومبــادرة الســام العربيــة‪ ،‬ورغــم مــرور أكثــر مــن عشــرين عا ًمــا عل ــى‬


‫‪96‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫قمة جدة أعادت االعتبار للقضية الفلسطينية بعد تراجعها في ظل أزمات المنطقة‬

‫المبادرة العربية للسالم أساس الحل ونجاحها‬ ‫يتطلب إطا ًرا دول ًيا وضمانات ملزمة إلسرائيل‬

‫الس ـ ُعود ّيَة‬ ‫عل ــى هامــش اجتماعــات اجلمعيــة العامــة لــأمم املتحــدة يف نيويــورك ســبتمبر املنصــرم كشــفت اململكــة العربيــة ّ ُ‬ ‫واالحتــاد األوروب ــي وجامعــة الــدول العربيــة وشــركاء دوليــون آخــرون عــن مبــادرة تهــدف إل ــى حتفيــز إســرائيل والســلطة الوطنيــة‬ ‫الفلســطينية عل ــى التوصــل إل ــى اتفــاق ســام‪ .‬حيــث مت إطــاق «جهــود يــوم الســام» يف حــدث وزاري عل ــى هامــش اجلمعيــة‬ ‫العامــة لــأمم املتحــدة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫اجتماعــا مغلقــا يف نيويــورك يف الثامــن عشــر‬ ‫ودي األميــر فيصــل بــن فرحــان آل ســعود‬ ‫الس ـ ُع َّ‬ ‫ً‬ ‫حيــث تــرأس وزيــر اخلارجيــة ّ ُ‬ ‫مــن ســبتمبر مــع ممثلــن عــن أكثــر مــن ‪ 30‬دولــة‪ ،‬معظمهــم وزراء اخلارجيــة‪ ،‬ملناقشــة ملــف الســام اإلســرائيلي الفلســطيني‪.‬‬ ‫وقــد أكــدت الوثيقــة التحضيريــة لالجتمــاع عل ــى احلاجــة امللحــة للحفــاظ عل ــى حــل الدولتــن عل ــى أســاس “مبــادرة الســام‬ ‫العربيــة”‪ ،‬فضـ ًـا عــن خطــوات عمليــة ملســاعدة إســرائيل والفلســطينيني للتحــرك يف هــذا امللــف‪.‬‬

‫د‪ .‬خديجة عرفة‬

‫ونصــت املبــادرة علــى دعــم الســام بــن إســرائيل والعالــم العربــي‬ ‫مقابــل إقامــة دولــة فلســطينية‪ .‬كمــا مت التأكيــد خــال الفاعليــة عل ــى‬ ‫تشــكيل مجموعــات تُعن ــى بتقــدمي أفكار تدعم إنشــاء دولة فلســطينية‬ ‫مســتقلة إل ــى جانــب إســرائيل‪ .‬كمــا مت التأكيــد عل ــى أهميــة دراســة‬ ‫خطــط عمــل ملموســة إلعــادة تعبئــة الشــركاء اإلقليميــن والدوليــن‬ ‫للتأكيــد عل ــى التزامهــم بدعــم اســتئناف عمليــة الســام عل ــى أســاس‬ ‫مبــادرة الســام العربيــة وقــرارات األمم املتحــدة ومرجعيــات الســام‬ ‫ذات الصلــة‪.‬‬ ‫وكان املفتــرض أن يتــم تشــكيل ثــاث مجموعــات عمــل تــوكل إليهــا‬ ‫مهمــة التوصــل إل ــى مجموعــة مــن اإلجــراءات والت ــي ســيتم تقدميهــا‬ ‫إلــى إســرائيل والســلطة الفلســطينية‪ .‬إحــدى املجموعــات تُناقــش‬ ‫آليــات التعــاون اإلقليمــي‪ ،‬وثانيــة للقضايــا االقتصاديــة‪ ،‬وثالثــة‬ ‫للقضايــا اإلنســانية‪ .‬حيــث مت اإلعــان أن املبــادرة مت العمــل عليهــا‬ ‫منــذ ســنوات‪.‬‬ ‫الســ ُعود ّيَة‪ ،‬األميــر فيصــل‬ ‫وخــال االجتمــاع صــ ّرح وزيــر اخلارجيــة ّ ُ‬

‫بــن فرحــان آل ســعود‪ ،‬إنــه لــن يكــون هنــاك حــل للصــراع الفلســطيني‬ ‫اإلســرائيلي بــدون إقامــة دولــة فلســطينية مســتقلة‪ .‬كمــا أشــار‬ ‫«جوزيــب بوريل»‪-‬مم ّثــل االحتــاد األوربــي للشــئون اخلارجيــة‪ ،‬أنــه‬ ‫عل ــى علــم بــأن الطرفــن غيــر مســتعدين يف هــذه املرحلــة‪ ،‬لكــن «ال‬ ‫ميكننــا البقــاء مكتــويف األيــدي لتكــرار شــعار حــل الدولتــن دون بــذل‬ ‫كل مــا يف وســعنا للحصــول عليــه»‪ .‬مضي ًفــا أنَّ االجتمــاع أســفر عــن‬ ‫التــزام مــن قبــل العديــد مــن األطــراف يف املشــاركة يف التوصــل حلــل‬ ‫الدولتــن كحــل وحيــد إلنهــاء الصــراع‪ .‬أمــا وكيلــة األمــن العــام لــأمم‬ ‫املتحــدة «روزمــاري ديكارلــو»‪ ،‬فقــد أكــدت عل ــى أهميــة تهدئــة التوتــرات‬ ‫وإنهــاء دائــرة العنــف والتوصــل ألفــق سياس ــي‪ ،‬مــع أهميــة دور القيــادة‬ ‫السياســية يف حتقيــق هــذا الهــدف‪.‬‬ ‫ورغــم أنــه لــم يتــم دعــوة اجلانبــن الفلســطيني واإلســرائيلي‬ ‫لالجتمــاع‪ ،‬فقــد أعــرب مســؤولون يف مكتــب الرئيــس الفلســطيني‬ ‫“محمــود عبــاس” عــن ارتياحهــم لنتائــج الفاعليــة الدوليــة‪ .‬وأشــار‬ ‫املســؤولون الفلســطينيون إلــى أنَّ االختبــار احلقيقــي ســيأتي مــع‬ ‫تنفيــذ اخلطــوات التــي اقترحتهــا تلــك املجموعــات‪.‬‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫‪95‬‬

‫ملف العدد‬

‫تناقــض إســرائيل ورغبتهــا يف الهيمنــة عــى غــزة ســبب تــردد الــدول‬ ‫العربية يف المشــاركة بمبادرة من دون ضمانات لتأســيس دولة فلسطينية‬ ‫عل ــى الرغــم مــن الســياق الداخل ــي يف الواليــات املتحــدة الــذي قد يعيق‬ ‫قــدرة إدارة بايــدن لدعــم مبــادرة دبلوماســية للمنطقــة‪ ،‬مــن املمكــن أن‬ ‫ننتظــر تنســي ًقا سياس ـ ًيا بــن القــوى العظم ــى حــول قضيــة التعايــش‬ ‫بــن اإلســرائيليني والفلســطينيني‪ :‬يف الواقــع‪ ،‬ال يوجــد خــاف كبيــر‬ ‫بــن واشــنطن وبكــن حــول هــذه القضيــة عل ــى النقيــض مــن التوتــرات‬ ‫بينهمــا يف آســيا ومضيــق تايــوان‪ .‬حت ــى اآلن‪ ،‬الصــن لــم تعــرض رغبــة‬ ‫كبيــرة لتدخلهــا يف عمليــة الســام بــن اإلســرائيليني والفلســطينيني‬ ‫كمــا يظهــر حذرهــا خــال احلــرب احلاليــة وعل ــى املســتوى الرســمي‪،‬‬ ‫وزارة اخلارجيــة الصينيــة حتافــظ علــى موقفهــا التقليــدي الــذي‬ ‫يدعــو إل ــى حــل الدولتــن وإنشــاء دولــة فلســطينية عل ــى حــدود ‪١٩٦٧‬م‪،‬‬ ‫مــع ذلــك‪ ،‬فــإنّ لــدى الصــن نفــوذ اقتصــادي واســتراتيجي حاســم‬ ‫لدعــم املبــادرة‪ :‬اســتثمرت الشــركات الصينيــة يف كل بلــدان الشــرق‬ ‫األوســط ‪-‬مــن إســرائيل إل ــى مصــر وإيــران ‪-‬وهــذه االســتثمارات توفــر‬ ‫لبكــن نفــوذاً عل ــى حكومــات املنطقــة لاللتــزام باملبــادرة اجلديــدة‪ .‬إذا‬ ‫الواليــات املتحــدة كانــت الالعــب االســتراتيجي الوحيــد الــذي لديــه‬ ‫القــدرة عل ــى إلــزام إســرائيل بعمليــة ســلمية‪ ،‬وكذلــك األمــر الصــن‬ ‫لديهــا نفــس القــدرة عل ــى إلــزام إيــران ولذلــك ال نســتطيع أن نتخيــل‬ ‫خطــة ســام جديــدة بــدون دور صين ــي مينــع طهــران مــن عرقلــة أي‬ ‫مبــادرة ســام‪.‬‬ ‫واضحــا أن واشــنطن وبكــن لديهمــا الــدور األكبــر لدعــم‬ ‫إذا كان‬ ‫ً‬ ‫اســتئناف عمليــة الســام بــن إســرائيل وفلســطني‪ ،‬مــا دور بقيــة‬ ‫املجتمــع الدولــي؟ بالنســبة إلــى االحتــاد األوروبــي‪ ،‬لــم نــر موقفــاً‬ ‫دبلوماســ ًيا م ّوحــداً أثنــاء احلــرب بــن إســرائيل وحمــاس‪ ،‬تواجــه‬ ‫احلكومــات األوروبيــة خالفــات عميقــة حــول الصــراع ويف نفــس الوقــت‬ ‫ال تعتبــر دول املنطقــة االحتــاد األوروب ــي الع ًبــا اســتراتيج ًيا حاس ـ ًما‬ ‫لكــن علــى الرغــم مــن هــذه الصعوبــات‪ ،‬مــن املمكــن أن األوروبيــن‬ ‫ســيلعبون دو ًرا مه ًمــا يف مجــال املســاعدة االقتصاديــة واإلنســانية الت ــي‬ ‫ستســمح ببنــاء دولــة فلســطينية قــادرة عل ــى إدارة الواقــع بعــد احلــرب‪.‬‬ ‫بالنســبة إل ــى القــوى اآلســيوية األخــرى مثــل الهنــد واليابــان وكوريــا‬ ‫اجلنوبيــة وإندونيســيا‪ ،‬فــإنّ دورهــا كمــا الــدور األوروب ــي ســيكون ثانويـاً‬ ‫يف إدارة عمليــة الســام‪ ،‬عل ــى الرغــم مــن أنّ كثيــراً مــن هــذه الــدول‬ ‫اآلســيوية لديهــا عالقــات دبلوماســية واقتصاديــة وثقافيــة عل ــى ســبيل‬ ‫املثــال الــدول اآلســيوية اإلســامية كإندونيســيا وماليزيــا – الت ــي تؤ ّيــد‬ ‫العالــم العربــي‪ .‬يف املقابــل أصبحــت الهنــد شــري ًكا اســتراتيج ًيا‬ ‫أساســ ًيا لــدول اخلليــج وإلســرائيل يف عصــر نارينــدرا مــودي‪ .‬لكــن‬ ‫ليــس لديهــا النفــوذ احلقيقــي للعــب دور رئيســي خــال عمليــة‬

‫الســام بــن إســرائيل وفلســطني‪.‬‬ ‫مــع ذلــك‪ ،‬مــن املمكــن أن دعــم الــدول اآلســيوية ملبــادرة الســام يكــون‬ ‫عبــر منــح مســاعدات اقتصاديــة وإنســانية للفلســطينيني ويف نفــس‬ ‫الوقــت‪ ،‬فــإن تقــدم خطــة الســام يســتطيع أن يــؤدي إلــى توســيع‬ ‫عمليــة تطبيــع العالقــات بــن إســرائيل ودول العالــم اإلســامي‪،‬‬ ‫خصوصــا إندونيســيا وماليزيــا‪.‬‬ ‫ً‬ ‫**‬ ‫ختام ـاً‪ ،‬لــم نفتــرض عبــر هــذا املقــال أن إعــادة مبــادرة الســام مثــل‬ ‫مبــادرة ‪٢٠٠٢‬م‪ ،‬ســتكون عمليــة هادئــة يف ســياق احلــرب اجلاريــة يف‬ ‫غــزة الت ــي تســببت يف أكبــر مأســاة للفلســطينيني منــذ عــام ‪١٩٤٨‬م‪،‬‬ ‫لكــن التشــاؤم ليــس مقاربــة عمليــة يف الشــرق األوســط‪ :‬تاريخ ًيــا‪ ،‬لــم‬ ‫يتوقــع أحــد بعــد حــرب أكتوبــر ‪١٩٧٣‬م‪ ،‬أن رئيــس مصــر أنــور الســادات‬ ‫ســيزور إســرائيل بعــد ‪ ٤‬ســنوات وأن هــذه الزيــارة ســتؤدي إل ــى اتفــاق‬ ‫ســام بــن إســرائيل ومصــر الــذي ال يــزال مســتم ًرا حت ــى اليــوم عل ــى‬ ‫الرغــم مــن كل األحــداث اإلقليميــة منــذ ذلــك احلــن‪.‬‬ ‫عل ــى املــدى القريــب‪ ،‬إعــادة مبــادرة الســام ســتعتمد عل ــى عاملني‪ :‬أو ًاًل‬ ‫عل ــى املســتوى العســكري مــن الضــروري وضــع نهايــة حقيقيــة حلــرب‬ ‫غــزة وبالتال ــي إعــادة إســرائيل النظــر يف قــدرات حمــاس العســكرية‪.‬‬ ‫وثان ًيــا التغيــر العميــق للطبقــة السياســية مــن اجلانبــن‪ .‬مــن الواضــح‬ ‫أنــه ال ميكــن اعتبــار العــودة إل ــى العمليــة الســلمية بــدون حتـ ّول واســع‬ ‫والســيما تهميــش اجلماعــات املتش ـ ّددة لــدى الطرفــن لكــن ال ميكــن‬ ‫أن نعــرف كــم مــن الوقــت ســوف يســتغرق الوصــول إل ــى هــذا الهدف‪...‬‬ ‫باإلضافــة إلــى ذلــك وعلــى املــدى البعيــد‪ ،‬تنفيــذ مبــادرة الســام‬ ‫اجلديــدة ســيعتمد عل ــى قــدرة اإلســرائيليني والفلســطينيني ملواجهــة‬ ‫أكبــر القضايــا التــي تســببت بفشــل عمليــة أوســلو قبــل ‪ ٢٢‬ســنة‬ ‫مثــل مفهــوم حــق العــودة للفلســطينيني ووضــع القــدس الت ــي يعتبرهــا‬ ‫الطرفــان عاصمتهمــا وبالرغــم مــن صعوبــة تصــ ّور كل التفاصيــل‬ ‫حــول املفاوضــات املســتقبلية لــن توجــد مبــادرة فعليــة بــدون تنــازالت‬ ‫مــن الطرفــن حــول معتقداتهمــا األساســية‪.‬‬

‫* باحث متخصص يف مجال الشؤون االسرتاتيجية ملعهد الرشق األوسط يف‬ ‫جامعة سنغافورة الوطنية‬


‫‪94‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫لـــم تلـــغ دول إبراهـــام اتفاقيـــات اعترافهـــا بإســـرائيل مـــا‬ ‫يشـــير إىل رغبـــة بعـــض الـــدول اســـتمرار التطبيـــع مـــع إســـرائيل‬ ‫مــن الضــروري لبــدء املفاوضــات حــول مبــادرة للســام‪ ،‬حتديــد خريطــة‬ ‫واضحــة وف ّعالــة تع ـزّز الســيادة الفلســطينية وســيطرة الســلطة عل ــى‬ ‫كل أراضيهــا‪ .‬لكــن اليــوم مــن الصعــب تنفيــذ املطالــب اإلســرائيلية‬ ‫والفلســطينية يف نفــس الوقــت‪ ،‬فعل ــى ســبيل املثــال‪ ،‬أكــدت حكومــة‬ ‫نتانياهــو أن إســرائيل ســتحتفظ بحــق التدخــل العســكري يف غــزة‬ ‫يف حــال كان ضروريــا ألمنهــا الوطنــي وحســب نتانياهــو‪« ،‬إســرائيل‬ ‫ســتبقى املســؤولة األمنيــة الرئيســية عل ــى غــزة بعــد احلــرب احلاليــة»‪،‬‬ ‫األمــر الــذي يظهــر تناقــض مهــم بــن رغبــة إســرائيل بالســيطرة عل ــى‬ ‫الوضــع األمن ــي يف غــزة وحتقيــق ســيادة فلســطينية عل ــى اإلقليــم‪.‬‬ ‫هــذا التناقــض العميــق ميثــل ســب ًبا مــن األســباب خلــف تــردد‬ ‫الــدول العربيــة املشــاركة يف عمليــة ســلمية بعــد احلــرب‪ :‬ترفــض‬ ‫الــدول العربيــة املشــاركة مببــادرة مــن دون ضمانــات لتأســيس دولــة‬ ‫فلســطينية‪ .‬علــى ســبيل املثــال‪ ،‬يف شــهر ديســمبر ‪٢٠٢٣‬م‪ ،‬أكــدت‬ ‫حكومــة اإلمــارات أ ّنهــا لــن تدعــم إعــادة إعمــار غــزة بــدون خطــة‬ ‫دبلوماســية لتطبيــق «حــل الدولتــن»‪ .‬بالنســبة إلــى مصــر واألردن‪،‬‬ ‫فــإنّ تســوية القضيــة الفلســطينية متثــل أولويــة سياســية وامنيــة لكــن‬ ‫الدولتــن العربيتــن تظــان حذرتــن حــول التنســيق مــع إســرائيل‬ ‫بســبب البرنامــج األيديولوجــي لبعــض أفــراد حكومــة نتنياهــو‬ ‫خصوصــا بــن غبيــر وســموتريش الذيــن يدعــوان بشــكل واضــح إل ــى‬‫ً‬ ‫التطهيــر العرق ــي يف غــزة والضفــة الغربيــة‪ .‬بالتال ــي رفضــت حكومــة‬ ‫عبــد الفتــاح السيس ــي اســتقبال الالجئــن الفلســطينيني مــن غــزة‬ ‫خــال احلــرب األخيــرة ملنــع طــرد الســكان مــن غــزة «بحكــم األمــر‬ ‫الواقــع”‪.‬‬ ‫يف نهايــة املطــاف‪ ،‬تعتمــد تســوية الصــراع علــى توحيــد املوقــف‬ ‫الدبلوماس ــي للــدول العربيــة ولذلــك ‪-‬كمــا حصــل يف عــام ‪٢٠٠٢‬م‪- ،‬ال‬ ‫نســتطيع تو ّقــع مبــادرة جديــدة بــدون قيــادة اململكــة العربيــة الســعودية‬ ‫التــي ســتكون الالعــب اإلقليمــي احلاســم لتنفيــذ املشــروع بســبب‬ ‫الــدور الســعودي يف العالــم العرب ــي واإلســامي لكــن مثــل بقيــة الــدول‬ ‫العربيــة‪ ،‬الريــاض ال تريــد املشــاركة يف أي عمليــة دبلوماســية جديــدة‬ ‫بــدون التــزام حقيق ــي حلــل الدولتــن‪.‬‬ ‫واضحــا أن العــودة إلــى‬ ‫يف ضــوء هــذه التطــورات اإلقليميــة‪ ،‬يبــدو‬ ‫ً‬

‫العمليــة الســلمية ســتعتمد عل ــى تشــكيل حكومــة إســرائيلية جديــدة‬ ‫بــدون وجــود أفــراد مــن اليمــن املتطــرف ويف نفــس الوقــت علــى‬ ‫إصــاح الســلطة الفلســطينية وبــدون هذيــن الشــرطني‪ ،‬مــن غيــر‬ ‫احملتمــل أن الــدول يف املنطقــة ســتقبل مشــاركتها يف هــذا املشــروع‪.‬‬

‫دور القــوات الخارجية يف دعم العملية الدبلوماســية‬

‫باإلضافــة إل ــى هــذه التحديــات اإلقليميــة‪ ،‬ســيعتمد إطــاق مبــادرة‬ ‫دبلوماســية جديــدة علــى دور القــوى العظمــى ‪-‬الســيما الواليــات‬ ‫املتحــدة والصــن ‪-‬لدعــم املشــروع‪ .‬مــن جهــة الواليــات املتحــدة‪ ،‬الت ــي‬ ‫تبق ــى القــوة األول ــى يف الشــرق األوســط دبلوماس ـ ًيا وعســكر ًيا عل ــى‬ ‫الرغــم مــن كل القيــل والقــال عــن تراجــع الوجــود األمريك ــي يف املنطقة‪،‬‬ ‫فقــد شــهدنا زيــادة القــوات املســلحة األمريكيــة يف البحــر املتوســط‬ ‫واخلليــج بســبب احلــرب بــن حمــاس وإســرائيل وآثارهــا عل ــى املنطقة‪.‬‬ ‫يف نفــس الوقــت‪ ،‬ال جنــد أحـدًا ســوى الواليات املتحدة تســتطيع فرض‬ ‫مطالــب سياســية عل ــى إســرائيل مثــل ســيطرة الســلطة الفلســطينية‬ ‫عل ــى غــزة والــذي ظهــر بشــكل واضــح مــن خــال التوتــرات بــن إدارة‬ ‫بايــدن وحكومــة نتنياهــو حــول قضيــة «اليــوم التالــي بعــد احلــرب»‬ ‫يف غــزة‪ .‬مــع ذلــك‪ ،‬يوجــد عــدد مــن الصعوبــات التــي تواجــه دور‬ ‫واشــنطن يف إطــار مبــادرة ســلمية جديــدة‪ ،‬فتاريخ ًيــا‪ ،‬كانــت إدارة بيــل‬ ‫كلينتــون األخيــرة التــي اعتبــرت عمليــة الســام بــن اإلســرائيليني‬ ‫والفلســطينيني أولويــة أمريكيــة ومنــذ فشــل «أوســلو»‪ ،‬جتاهلــت كل‬ ‫احلكومــات يف واشــنطن الصــراع‪ ،‬وباإلضافــة إل ــى ذلــك فــإن املوضــوع‬ ‫الرئيســي الــذي يحضــر اليــوم يف الدوائــر االســتراتيجية للعاصمــة‬ ‫األمريكيــة ليــس تســوية مشــاكل الشــرق األوســط بــل املنافســة مــع‬ ‫الصــن يف آســيا والصــراع بــن روســيا وأوكرانيــا‪ .‬باإلضافــة إلــى‬ ‫ذلــك‪ ،‬فــإنّ البيــت األبيــض ســيواجه عل ــى املــدى القريــب ضغــط يف‬ ‫السياســة الداخليــة بســبب االنتخابــات الرئاســية املقبلــة يف شــهر‬ ‫نوفمبــر ‪٢٠٢٤‬م‪ ،‬وحســب أغلبيــة اســتطالعات الــرأي‪ ،‬فــإن احتمــال فوز‬ ‫دونالــد ترامــب ضــد جــو بايــدن كبيــر ويف هــذا الســيناريو‪ ،‬مــن املمكــن‬ ‫أن تــؤدي رئاســة ترامــب الثانيــة إلــى تنفيــذ السياســة «االنعزاليــة»‬ ‫الت ــي ســتنهي كل اآلمــال حــول دور أمريك ــي يف إطــار مبــادرة ســلمية‬ ‫إقليميــة‪ .‬لذلــك مــن الصعــب عل ــى إدارة بايــدن أن تبق ــي مشــاركتها يف‬ ‫املناقشــات اجلاريــة حــول خطــة الســام اجلديــدة‪.‬‬

‫فشــل "أوســلو" أدى النهيار معســكر الســام يف إسرائيل وصعود اليمين‬ ‫مــع أريــل شــارون وبنياميــن نتنياهــو اللذيــن رفضــا اســتئناف المفاوضــات‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫‪93‬‬

‫ملف العدد‬

‫إع ــادة مب ــادرة الس ــام تتطل ــب‪ :‬انتهاء حرب غ ــزة والنظر يف قدرات‬ ‫حم ــاس العس ــكرية وتغيي ــر الطبق ــة السياس ــية م ــن الجانبي ــن‬ ‫فلســطينية‪ .‬بالتال ــي ميثــل هــذا الســياق الدبلوماس ــي جان ًبــا مه ًمــا‬ ‫إلمكانيــة اســتئناف عمليــة ســلمية عل ــى املســتوى اإلقليم ــي‪.‬‬ ‫لكــن الوضــع علــى األرض تفاقــم منــذ عــام ‪٢٠٠٢‬م‪ ،‬أوالً عبــر زيــادة‬ ‫عــدد املســتوطنات اإلســرائيلية علــى األراضــي الفلســطينية‪ .‬ففــي‬ ‫حــن قــررت حكومــة شــارون ســحب القــوات املســلحة وســحب‬ ‫املســتوطنات مــن قطــاع غــزة يف عــام ‪٢٠٠٥‬م‪ ،‬لــم تــؤد هــذه اإلجــراءات‬ ‫إل ــى نفــس التقــدم يف الضفــة الغربيــة‪ ،‬يف الواقــع كانــت كل احلكومــات‬ ‫اإلســرائيلية خــال ال‪ ٢٠‬ســنة الســابقة قــد ســمحت بزيــادة‬ ‫املســتوطنات‪ ،‬وباملقارنــة مــع ‪٢٠٠٢‬م‪ ،‬كان حوالــي ‪ 000 110‬مســتوطن‬ ‫يعيشــون يف الضفــة الغربيــة‪ ،‬يوجــد فيهــا اليــوم أكثــر مــن ‪000 500‬‬ ‫مســتوطن واســتمرار وجودهــم ســيعيق قــدرة الســلطة الفلســطينية‬ ‫علــى حتقيــق الســيادة علــى األرض‪.‬‬ ‫زيــادة املســتوطنات تعكــس ً‬ ‫أيضــا تطــرف احلكومــات اإلســرائيلية‪:‬‬ ‫بينمــا كانــت عمليــة الســام مــع الســلطة الفلســطينية مشــروعاً‬ ‫رئيســياً لليســار وحــزب العمــل يف عهــد إســحاق رابــن وشــمعون بيريز‪،‬‬ ‫وبالتال ــي فــإن فشــل عمليــة أوســلو أدى إل ــى انهيــار معســكر الســام‬ ‫يف إســرائيل وإل ــى صعــود اليمــن مــع أريــل شــارون وبنيامــن نتنياهــو‬ ‫اللذيــن رفضــا اســتئناف املفاوضــات مــع الســلطة الفلســطينية‪ .‬ويف‬ ‫نوفمبــر ‪٢٠٢٢‬م‪ ،‬كســب نتنياهــو االنتخابــات مــرة جديــدة لكــن بســبب‬ ‫رفــض ممثلــن مــن الوســط السياس ــي تشــكيل حتالــف حكوم ــي‪ ،‬قــرر‬ ‫نتنياهــو االقتــراب مــن اليمــن املتطــرف ومــن احلــركات الصهيونيــة‬ ‫الدينيــة الت ــي ترفــض بشــكل قاطــع تأســيس دولــة فلســطينية‪ .‬هكــذا‬ ‫أصبــح إيتامــار بــن غفيــر وزيــراً لألمــن القومــي وتو ّل ــى بتســإيل‬ ‫ســموتريش مســؤولية إدارة املســتوطنات ومــن الواضــح أ ّنــه لــن‬ ‫نســتطيع تصـ ّور عمليــة ســلمية جديــدة مــع هــذه احلكومــة املتطرفــة‪.‬‬ ‫يف نفــس الوقــت‪ ،‬مــن الــازم أن نذكــر أيضــاً تطــرف السياســة‬ ‫الفلســطينية منــذ عــام ‪٢٠٠٢‬م‪ ،‬وهيمنــة منظمــات مثــل حمــاس‬ ‫واجلهــاد اإلســامي علــى املســتوى السياســي والعســكري‪ ،‬األمــر‬ ‫الــذي يشــير إل ــى تغ ّيــر عميــق يف الطبقــة السياســية الفلســطينية‬ ‫بعــد فشــل عمليــة أوســلو‪ .‬وفــق اســتطالعات الــرأي يف غــزة والضفــة‬ ‫الغربيــة‪ ،‬فــإن شــرعية الســلطة الفلســطينية وعل ــى رأســها محمــود‬

‫عبــاس انخفضــت بشــكل كبيــر يف العقديــن الســابقني‪ ،‬ولفهــم هــذا‬ ‫الوضــع يوجــد عــدة أســباب‪ :‬عجــز الســلطة عــن تنفيــذ ســيادتها‬ ‫علــى األقاليــم الفلســطينية وتفشــي الفســاد‪ .‬خــال نفــس الفتــرة‪،‬‬ ‫شــهدنا ارتفــاع نفــوذ منظمــة حمــاس الت ــي حتكــم غــزة منــذ فوزهــا‬ ‫يف انتخابــات عــام ‪ ٢٠٠٦‬م‪ ،‬وبالتالــي أصبحــت حمــاس الالعــب‬ ‫االســتراتيجي االساس ــي ضــد اجليــش اإلســرائيلي عبــر شـ ّـن خمســة‬ ‫حــروب – يف أعــوام ‪ ٢٠٢١ ،٢٠١٤ ،٢٠١٢ ،٢٠٠٨‬و‪٢٠٢٣‬م‪.‬‬ ‫ومــن الواضــح أنّ تــوازن القــوى بني املؤسســات السياســية الفلســطينية‬ ‫ســيؤثر عل ــى قــدرة الســلطة عل ــى تنفيــذ مبــادرة جديــدة ومــن الصعــب‬ ‫حاليـاً أن نتخيــل إطــاق عمليــة دبلوماســية مــع الســلطة حتــت رئاســة‬ ‫عبــاس بــدون حصــول تغيــرات عميقــة تســمح ألغلبيــة الفلســطينيني‬ ‫بدعــم هــذه املبــادرة‪.‬‬

‫المطالب األساســية للطرفيــن وللقوات اإلقليمية‬

‫بالنســبة إل ــى اإلســرائيليني‪ ،‬املطلــب األساس ــي اليــوم هــو احلصــول‬ ‫علــى ضمانــات أمنيــة‪ ،‬خصوصــاً بعــد هجــوم حمــاس املفاجــئ يف‬ ‫أكتوبــر ‪٢٠٢٣‬م‪ ،‬ضــد مــدن و»كبوزتــن» يف جنــوب البــاد الت ــي أدت إل ــى‬ ‫مقتــل ‪ ١٤٠٠‬شــخص تقريب ـاً ومنــذ هــذه العمليــة اإلرهابيــة‪ ،‬ترفــض‬ ‫احلكومــة اإلســرائيلية ‪-‬وأغلبيــة الطبقــة السياســية ‪-‬بشــكل مطلــق‬ ‫كل الســيناريوهات حــول مفاوضــات ســام مــع حمــاس ويظهــر أن‬ ‫إســرائيل لــن تقبــل بعمليــة دبلوماســية مــع أي طــرف فلســطيني‬ ‫يســمح بوجــود أفــراد مــن حمــاس يف هــذه املفاوضــات‪.‬‬ ‫مــع ذلــك‪ ،‬مــن الصعــب أن نــرى كيــف ســيحقّق الفلســطينيون هــذه‬ ‫املطالــب اإلســرائيلية‪ :‬فكمــا رأينــا‪ ،‬إنّ تــوازن القــوى ليــس لصالــح‬ ‫الســلطة ومحمــود عبــاس وعلــى الرغــم مــن هــدف أنّ العمليــة‬ ‫العســكرية اإلســرائيلية التــي تهــدف إلــى تدميــر حمــاس والقضــاء‬ ‫عليهــا‪ ،‬ميكننــا أن نــرى اســتمرار إيديولوجيــة حمــاس واســتمرار‬ ‫دعمهــا مــن الســكان يف غــزة والضفــة الغربيــة‪.‬‬ ‫بالنســبة إل ــى اجلبهــة الفلســطينية‪ ،‬والســيما مســؤولو الســلطة يف‬ ‫رام اهلل‪ ،‬ال يريــدون اســتئناف العمليــة الســلمية بــدون إنهــاء االحتــال‬ ‫ووقــف احلملــة العســكرية اإلســرائيلية يف غــزة‪ .‬باإلضافــة إل ــى ذلــك‪،‬‬

‫يتوج ــب ع ــى المجتم ــع الدويل دراس ــة كل الس ــيناريوهات الممكنة‬ ‫إلع ــادة الس ــام يف المنطق ــة بع ــد تفج ــر الح ــرب اإلس ــرائيلية ع ــى غزة‬


‫‪92‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مبــادرة الســام العربيــة آخــر مبــادرة طموحــة للتســوية بعــد اختفــاء‬ ‫القضيــة الفلســطينية مــن أولويــات القوى العظمى بعد فشــل " أوســلو"‬ ‫خصوصــا بعــد التحــوالت الت ــي شــهدها الشــرق األوســط‬ ‫الســابقني‬ ‫ً‬ ‫وهكــذا ميكننــا أن نــرى أبعــا ًدا إيجابيــة وســلبية للســياق الدبلوماس ــي‬ ‫يف نفــس الوقــت‪.‬‬ ‫عل ــى املســتوى اإلقليم ــي‪ ،‬الفــارق األكبــر كان وجود عالقات دبلوماســية‬ ‫بــن إســرائيل وعــدد مــن الــدول العربيــة‪ :‬عندمــا قدمــت جامعــة الــدول‬ ‫العربيــة مبــادرة الســام يف عــام ‪٢٠٠٢‬م‪ ،‬كان لــدى إســرائيل عالقــات‬ ‫رســمية مــع األردن ومصــر فقــط‪ ،‬لكــن خــال العقديــن املاضيــن‬ ‫شــهدنا تغ ّيــراً تاريخ ًيــا بالنســبة إل ــى العالقــات بــن إســرائيل والعالــم‬ ‫العربــي‪ ،‬خاصــة بعــد اتفاقيــات إبراهيــم يف عــام ‪٢٠٢٠‬م‪ ،‬التــي أدت‬ ‫إل ــى تطبيــع عالقــات إســرائيل مــع اإلمــارات العربيــة املتحــدة‪ ،‬ومملكــة‬ ‫البحريــن‪ ،‬واملغــرب‪ ،‬والســودان‪.‬‬

‫علــى الرغــم مــن حــرب غــزة وإدانــة تداعيــات العمليــة العســكرية‬ ‫اإلســرائيلية علــى املدنيــن‪ ،‬لــم تقــرر هــذه الــدول العربيــة إلغــاء‬ ‫اعترافهــا بإســرائيل األمــر الــذي يشــير إل ــى اســتمرار عمليــة التطبيــع‬ ‫اجلاريــة‪.‬‬ ‫بنفــس املنطــق‪ ،‬كان واضحـاً قبــل احلــرب أن هــذه العمليــة السياســية‬ ‫اإلقليميــة ســتؤدي ً‬ ‫أيضــا إل ــى تقــارب تاريخ ــي بــن إســرائيل و الــدول‬ ‫العربيــة الكبــرى ومــن بينهــا اململكــة العربيــة الســعودية‪ ،‬ولكـ ّـن انــدالع‬ ‫الصــراع بــن حمــاس واجليــش اإلســرائيلي علّــق أي تقــدم حــول تطبيع‬ ‫عالقــات بــن الدولتــن‪ ،‬فقــد أعلــن عــدد مــن املســؤولني الســعوديني أن‬ ‫اململكــة ال تــزال تــدرس إمكانيــة حتقيــق التطبيــع مــع إســرائيل لكــن‬ ‫يف املقابــل مــن الضــروري إحــراز تقــدم واضــح لضمــان تأســيس دولــة‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫‪91‬‬

‫ملف العدد‬

‫شرطان للسالم‪ :‬حكومة إسرائيلية بدون اليمين المتطرف وإصالح السلطة الفلسطينية‬

‫ال مبادرة بدون السعودية ألي مشروع للسالم‬ ‫والرياض ال تريد المشاركة بدون التزام بالدولتين‬ ‫منــذ بدايــة احلــرب اجلديــدة بــن إســرائيل وحمــاس يف شــهر أكتوبــر عــام ‪ ،٢٠٢٣‬اكتشــف املجتمــع الدولــي مــن جديــد‬ ‫غيــاب تســوية الصــراع بــن اإلســرائيليني والفلســطينيني منــذ ‪ ٧٥‬ســنة‪ ،‬فقبــل عــدة أيــام مــن هجــوم حمــاس عل ــى املدنيــن‬ ‫اإلســرائيليني يف ‪ ٧‬أكتوبــر‪ ،‬كان جيــك ســوليفان ‪-‬املستشــار لألمــن الوطن ــي للرئيــس جــو بايــدن ‪-‬يؤكــد أن الشــرق األوســط‬ ‫بــات «أكثــر هــدو ًءا» منــذ عقديــن ‪ ..‬يف الواقــع‪ ،‬اختفــت القضيــة الفلســطينية مــن األولويــات الدبلوماســية للقــوى العظم ــى بعــد‬ ‫فشــل العمليــة الســلمية خــال التســعينات – املعروفــة ب ـــ «عمليــة أوســلو» ‪-‬وبالتال ــي ميكننــا أن نعتبــر مبــادرة الســام العربيــة‬ ‫الت ــي تقــدم بهــا امللــك عبــد اهلل بــن عبــد العزيــز يف عــام ‪ ٢٠٠٢‬م‪ ،‬كانــت آخــر مبــادرة طموحــة لتســوية الصــراع‪.‬‬

‫جان‪-‬لو سمعان‬

‫كان مــن أهــداف هــذه املبــادرة إنشــاء دولــة فلســطينية عل ــى حــدود‬ ‫‪١٩٦٧‬م‪( ،‬يف قطــاع غــزة والضفــة الغربيــة) وعــودة الالجئــن وانســحاب‬ ‫القــوات اإلســرائيلية مــن اجلــوالن الســورية ويف نفــس الوقــت ينبغ ــي‬ ‫عل ــى كافــة الــدول العربيــة االعتــراف بدولة إســرائيل وتطبيــع العالقات‬ ‫معهــا‪ .‬اجلديــر بالذكــر أن رئيــس الســلطة الوطنية الفلســطينية ياســر‬ ‫عرفــات كان يدعــم املبــادرة خصوص ـاً بعــد أن تبنّتهــا جامعــة الــدول‬ ‫العربيــة خــال قمــة بيــروت يف عــام ‪٢٠٠٢‬م‪ ،‬لكــن حكومــة إســرائيل‬ ‫آنذاك‪-‬حتــت رئاســة أرييــل شــارون ‪-‬رفضــت املبــادرة لســببني ومــن‬ ‫الضــروري تفســير الســياق وراء هــذا الرفــض‪:‬‬ ‫أوالً‪ ،‬أعلنــت جامعــة الــدول العربيــة املبــادرة يف نفــس اليــوم مــن هجــوم‬ ‫كبيــر حلمــاس عل ــى إســرائيل – والــذي أطلــق عليــه “مجــزرة عيــد‬ ‫الفصــح” ‪-‬والتــي تســببت مبقتــل‪ ٣٠‬شــخصاً‪ ،‬وبالتالــي لــم يقتنــع‬ ‫شــارون بإمكانيــة تنفيــذ مبــادرة الســام خــال فتــرة االنتفاضــة‬ ‫الثانيــة‪.‬‬ ‫السبب الثاني‪ ،‬كان رفض شارون الكامل مبدأ عودة الالجئني‪.‬‬ ‫اليــوم بعــد ‪ ٢٢‬ســنة مــن طــرح املبــادرة العربيــة للســام‪ ،‬يبق ــى موضــوع‬ ‫التعايــش بــن اإلســرائيليني والفلســطينيني القضيــة األساســية‬

‫الضامنــة الســتقرار املنطقــة وعل ــى الرغــم مــن ظهــور قضايــا راهنــة‬ ‫أخــرى مثــل املكافحــة ضــد اإلرهــاب أو البرنامــج النــووي اإليرانــي‪،‬‬ ‫ســلطت احلــرب يف غــزة الضــوء علــى القضيــة الفلســطينية مــن‬ ‫وخصوصــا‬‫جديــد‪ .‬األمــر الــذي يوجــب علــى املجتمــع الدولــي‬ ‫ً‬ ‫الــدول العربيــة – دراســة كل الســيناريوهات املمكنــة إلعــادة الســام‬ ‫يف املنطقــة ويف هــذا اإلطــار‪ ،‬تأخــذ هــذه املقالــة بعــن االعتبــار‬ ‫ثالثــة أســئلة محوريــة‪ :‬أوالً‪ ،‬مــا ه ــي أبــرز االختالفــات عل ــى املســتوى‬ ‫اإلسرائيلي‪-‬الفلســطيني وعل ــى املســتوى اإلقليم ــي بــن ســياق املبــادرة‬ ‫العربيــة يف عــام ‪٢٠٠٢‬م‪ ،‬واليــوم؟ ثان ًيــا‪ ،‬مــا ه ــي الشــروط األساســية‬ ‫للطرفــن يف عــام ‪٢٠٢٤‬م‪ ،‬الســتئناف عمليــة ســلمية حقيقيــة؟ ثال ًثــا‪،‬‬ ‫أي دور تلعبــه القــوى اخلارجيــة‪ ،‬الســيما الواليــات املتحــدة والصــن‬ ‫واالحتــاد األوروبــي لدعــم العمليــة الدبلوماســية؟‬

‫االختالفــات بيــن الوضــع الراهــن وســياق المبــادرة يف عــام‬ ‫‪2002‬‬

‫عل ــى الرغــم مــن أن احلــرب احلاليــة يف غــزة كانــت كارثيــة بالنســبة‬ ‫لوضــع الفلســطينيني اإلنســاني وعل ــى الرغــم مــن أن الوضــع احلال ــي‬ ‫يبــدو ميؤوســاً منــه‪ ،‬لكــن كان هنــاك بارقــة أمــل خــال العقديــن‬


‫‪90‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫‪2003‬م‪ ،‬لــم يقــم أي رئيــس وزراء هنــدي بزيــارة متبادلــة إل ــى إســرائيل‬ ‫حت ــى رحلــة مــودي يف عــام ‪2017‬م‪.‬‬

‫تؤيــد حمــاس متنــح الهنــد درجــة أكبــر مــن الثقــة يف التعامــل مــع مثــل‬ ‫هــذه القضيــة الشــائكة دون تقويــض املطالــب الفلســطينية‪.‬‬

‫ويف عــام ‪2016‬م‪ ،‬امتنعــت الهنــد عــن التصويــت علــى مشــروع قــرار‬ ‫أمم ــي بشــأن إحالــة إســرائيل إل ــى احملكمــة اجلنائيــة الدوليــة بســبب‬ ‫جرائــم احلــرب املزعومــة الت ــي ارتكبتهــا خــال أزمــة غــزة عــام ‪2014‬م‪،‬‬ ‫وهكــذا اعتمــدت الهنــد هــذا النهــج إلــى جانــب سياســة التــوازن‬ ‫الراهنــة يف متابعــة عالقاتهــا االســتراتيجية مــع إســرائيل‪ ،‬وهــو مــا‬ ‫ميكــن أن يعــزى إل ــى عوامــل السياســة الواقعيــة‪ .‬حيــث تعــد إســرائيل‬ ‫واحــدة مــن أكبــر مــوردي األســلحة للهنــد‪ ،‬والت ــي تتــراوح بــن الطائــرات‬ ‫بــدون طيــار والــرادارات والصواريــخ‪ .‬كمــا تعاونــت الدولتــان ً‬ ‫أيضــا يف‬ ‫أبحــاث الدفــاع والعلــوم والتكنولوجيــا والزراعــة والســياحة‪.‬‬

‫اخلالصة‬

‫تتناســب العالقات الهندية ‪ /‬اإلســرائيلية بشــكل جيد مع السياســات‬ ‫اخلارجيــة التــي تنتهجهــا نيودلهــي وواشــنطن وبعــض العواصــم‬ ‫العربيــة اخلليجيــة‪ .‬ويتجل ــى هــذا عبــر عضويتهــا يف مجموعــة «آي‬ ‫تــو يــو تو»ـ ـــ الت ــي مت تشــكيلها يف عــام ‪2021‬م‪ ،‬لتشــمل كل مــن الهنــد‪،‬‬ ‫وإســرائيل واإلمــارات‪ ،‬والواليــات املتحــدة‪ .‬باإلضافــة إل ــى مشــروع املمــر‬ ‫االقتصــادي اجلديــد بــن الهنــد‪ ،‬والشــرق األوســط‪ ،‬وأوروبــا والــذي‬ ‫يعــد أحــدث مشــروع عابــر لألقاليــم وغيــر متطابــق جغراف ًيــا‪ .‬ويشــمل‬ ‫مشــاركة الهنــد‪ ،‬واإلمــارات‪ ،‬والســعودية‪ ،‬وإســرائيل‪ ،‬واألردن‪ ،‬واليونــان‪،‬‬ ‫وإيطاليــا‪ ،‬وفرنســا‪ ،‬وأملانيــا‪ ،‬والواليــات املتحــدة‪.‬‬ ‫إال أن هــذا املشــروع‪ ،‬الــذي مت الكشــف عنــه خــال انعقــاد مجموعــة‬ ‫العشــرين يف نيودلهــي يف ســبتمبر ‪2023‬م‪ ،‬تلقــى ضربــة إثــر انــدالع‬ ‫احلــرب اإلســرائيلية عل ــى قطــاع غــزة‪ .‬لكنهــا قــد تكــون عل ــى األرجــح‬ ‫انتكاســة مؤقتــة‪ ،‬نظــ ًرا إلــى أن أهميتــه االســتراتيجية بالنســبة‬ ‫لغالبيــة الــدول املشــاركة أكبــر مــن أن تســمح للخالفــات السياســية‬ ‫أن تعكــر صفــو الشــراكات االقتصاديــة املســتقبلية‪ .‬وتؤكــد الهنــد‬ ‫بصفــة مســتمرة عل ــى أنــه لــن يكــون هنــاك تأثيـ ًرا ســلب ًيا عل ــى تقــدم‬ ‫املشــروع‪ .‬وأشــار البيــان الــذي أصدرتــه نيودله ــي إل ــى أن «مشــروع املمــر‬ ‫اجلديــد يســتهدف املــدى البعيــد وأن أهميتــه طويلــة األجــل‪ ،‬ويف حــن‬ ‫قــد تتســبب مواطــن اخللــل املتكشــفة عل ــى املــدى القصيــر يف إثــارة‬ ‫مخاوفنــا وشــغل أذهاننــا‪ ،‬ســنواصل االنخــراط مــع كافــة مجموعــات‬ ‫أصحــاب املصالــح ولــن يقتصــر ذلــك عل ــى املســتقبل القريــب فقــط»‪.‬‬ ‫وقــد تفض ــي العديــد مــن التطــورات األخيرة‪-‬مبــا يف ذلــك اتفاقــات‬ ‫إبرهام‪-‬إل ــى تطبيــع عرب ــي ‪-‬إســرائيلي يف بعــض الدوائــر واألوســاط‪.‬‬ ‫فضــا عــن‪ ،‬أن احتماليــة حــدوث تطبيــع بــن اململكــة العربيــة‬ ‫الســعودية وإســرائيل يف املســتقبل تثبــت صحــة املوقــف الهنــدي‬ ‫حيــال إســرائيل‪ .‬كمــا أن حقيقــة أن بعــض احلكومــات العربيــة ال‬

‫بشــكل عــام‪ ،‬يتألــف رد الفعــل الدبلوماس ــي الهنــدي حيــال العــدوان‬ ‫اإلســرائيلي عل ــى قطــاع غــزة مــن ثالثــة محــاور‪ :‬األول‪ ،‬انتقــاد حمــاس‬ ‫بشــكل علنــي‪ :‬الثانــي‪ ،‬التعبيــر عــن التضامــن مــع إســرائيل‪ .‬أمــا‬ ‫اجلانــب الثالــث فيتعلــق بإعــادة تأكيــد الهنــد موقفهــا مــن حــل‬ ‫الدولتــن وضــرورة التمســك باملبــادئ اإلنســانية‪ .‬بالنســبة للهنــد‪ ،‬فــإن‬ ‫التغاض ــي عــن هجمــات حمــاس عل ــى إســرائيل باعتبارهــا «شــكل مــن‬ ‫أشــكال املقاومــة» مــن شــأنه أن يقــوض تصنيفهــا للهجمــات عبــر‬ ‫احلــدود يف كشــمير عل ــى أنهــا « هجمــات إرهابيــة»‪.‬‬ ‫وتتســم سياســية « فــك االرتبــاط» الهنديــة يف التعامــل مــع القضيــة‬ ‫اإلســرائيلية ‪ /‬الفلســطينية بعــدم التعقيــد والــذكاء مــن الناحيــة‬ ‫ً‬ ‫وعوضــا عــن التعامــل مــع الكيانــن باعتبارهمــا كتلــة‬ ‫السياســية‪.‬‬ ‫واحــدة معقــدة‪ ،‬تواصــل الهنــد التعامــل معهمــا بشــكل منفصــل‪ .‬وهــذا‬ ‫يلبــي ضروراتهــا األخالقيــة واالســتراتيجية‪.‬‬ ‫ويف مثــل هــذا املنــاخ‪ ،‬فــإن املجــال الوحيــد الذي رمبــا كان من املمكن أن‬ ‫تــؤدي الهنــد دورهــا بشــكل أفضــل أو محاولــة القيــام بــه يف املســتقبل‬ ‫هــو ترجمــة مخزونهــا املتنامــي علــى الســاحة الدوليــة إلــى جهــود‬ ‫دبلوماســية قويــة حلــل الصراعــات يف مختلــف النقــاط الســاخنة‪.‬‬ ‫ويتضمــن ذلــك تشــجيع الوســاطة اآلســيوية بشــكل اســتباقي يف‬ ‫حــل الصراعــات اآلســيوية‪ ،‬مبــا يف ذلــك الصــراع الفلســطيني ‪/‬‬ ‫اإلســرائيلي‪ ،‬إال أن هــذا غيــر مرجــح حيــث ســتعتمد الهنــد احلــذر‬ ‫مــن أن تبــدو منافقــة مــن خــال محاولتهــا حــل نزاعــات أخــرى يف‬ ‫ً‬ ‫فضــا عــن أن التركيــز‬ ‫حــن تظــل صراعاتهــا احلدوديــة دون حــل‪.‬‬ ‫الهنــدي املباشــر ينصــب عل ــى النمــو االقتصــادي‪ ،‬وهــو مــا مــن شــأنه‬ ‫أن يثنيهــا عــن أي انحرافــات سياســية ميكــن جتنبهــا خــارج حدودهــا‪.‬‬ ‫لــذا‪ ،‬فف ــي الوقــت الــذي شــهدت عالقــة الهنــد مــع إســرائيل تطــو ًرا‬ ‫«مــن االعتــراف إلــى التنفيــذ إلــى القبــول»‪ ،‬فــإن التزامهــا جتــاه‬ ‫الفلســطينيني ومبــادرة الســام العربيــة ســوف يظــل ثابتًــا يف‬ ‫املســتقبل ً‬ ‫أيضــا‪.‬‬

‫*مدير إدارة البحوث والتحليل يف أكادميية أنور قرقاش الدبلوماسية‪-‬أبو ظبي‬ ‫ـ زميل غري مقيم ‪-‬معهد دول الخليج العربية يف واشنطن‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫‪89‬‬

‫ملف العدد‬

‫نزاع ــات الهن ــد الحدودي ــة تجع ــل رغبته ــا منعدم ــة يف لع ــب دور‬ ‫الوس ــيط لتس ــوية النزاع ــات األخ ــرى أو الس ــماح لآلخري ــن بالتوس ــط‬ ‫الشــعب الفلســطيني‪.‬‬ ‫وحت ــى قبــل أن تتكشــف األزمــة احلاليــة‪ ،‬كان املمثــل الدائــم للهنــد لــدى‬ ‫األمم املتحــدة قــد شــدد يف ديســمبر ‪2022‬م‪ ،‬عل ــى أنــه «ال يوجــد بديــل‬ ‫حلــل الدولتــن لضمــان الســام الدائــم بــن إســرائيل وفلســطني»‪.‬‬ ‫وأكــدت الهنــد مجــد ًدا ضــرورة إجــراء «مفاوضــات مباشــرة» بــن‬ ‫الطرفــن املتنازعــن‪.‬‬ ‫وقــد تأكــد ذلــك علــى لســان دبلوماســي هنــدي أخــر متقاعــد‬ ‫ً‬ ‫قائــا‪ »:‬ال ميكــن أن تكــون هنــاك معارضــة هنديــة حلــل الدولتــن‬ ‫حت ــى الواليــات املتحــدة ال تســتطيع فعــل ذلــك‪ ،‬كمــا أن الهنــد ليســت‬ ‫طر ًفــا فاعـ ًـا يف هــذه القضيــة وال ميكننــا ســوى أن نكــون جــز ًءا مــن‬ ‫عمليــة متعــددة األطــراف مثــل مجموعــة العشــرين‪ ،‬حيــث نســتخدم‬ ‫مهاراتنــا الدبلوماســية يف الدعــوة إل ــى حــل عبــر احلــوار مــع الطرفــن‪.‬‬ ‫وأضــاف‪“ :‬ليســت لدينــا القــدرة عل ــى الضغــط عل ــى اإلســرائيليني أو‬ ‫الفلســطينيني‪( ،‬املدعومــن مــن قبــل أطــراف خارجيــة)‪ .‬وال ســبيل‬ ‫أمامنــا ك ــي ننحــاز لطــرف دون آخــر»‪.‬‬ ‫وكمــا هــو حــال ســائر دول العالــم‪ ،‬أوضحــت الهنــد هــذه النوايــا‬ ‫مــرا ًرا وتكــرا ًرا للمملكــة العربيــة الســعودية‪ .‬ويف خطابــه أمــام مجل ــس‬ ‫الشــورى خــال زيارتــه للمملكــة العربيــة الســعودية يف عــام ‪2010‬م‪،‬‬ ‫أيــد رئيــس الــوزراء الهنــدي الســابق مامنوهــان ســينغ مبــادرة الســام‬ ‫العربيــة مــن أجــل تســوية عادلــة للقضيــة الفلســطينية وأعــرب عــن‬ ‫أملــه يف أن «ينتصــر احلــوار عل ــى املواجهــة» يف حــل النزاعــات‪ .‬وقــال‬ ‫إن الهنــد لديهــا «مصلحــة كبيــرة» يف إرســاء الســام واالســتقرار يف‬ ‫املنطقــة‪ ،‬الت ــي تعــد «جــز ًءا حيو ًيــا» مــن جوارهــا املمتــد‪.‬‬ ‫لــم يقتصــر األمــر علــى القضيــة الفلســطينية فقــط‪ ،‬بــل دعمــت‬ ‫نيودلهــي املوقــف الســعودي يف العديــد مــن القضايــا األخــرى‪ .‬يف‬ ‫عــام ‪2021‬م‪ ،‬أعربــت الهنــد رســميا عــن ترحيبهــا باملبــادرة الســعودية‬ ‫لدعــم الســام يف اليمــن وشــددت عل ــى دعمهــا لكافــة اجلهــود الراميــة‬ ‫إليجــاد حــل لألزمــة السياســية يف البــاد‪ .‬ويف ‪2023‬م‪ ،‬شــاركت الهنــد‬ ‫يف محادثــات الســام الت ــي اســتضافتها اململكــة العربيــة الســعودية‬ ‫حــول أوكرانيــا‪ .‬وهــو مــا يشــير إل ــى أن الهنــد لديهــا االســتعداد للتعــاون‬ ‫مــع أي مبــادرة ســعودية‪-‬عربية حلــل األزمــة الراهنــة ويف املســتقبل‪.‬‬ ‫تتماش ــى ردود األفعــال الهنديــة املتباينــة حــول احلــرب عل ــى غــزة مــع‬

‫نهجهــا بشــأن أحــد الصراعــات االســتقطابية األخرى‪-‬وهــو احلــرب‬ ‫الروســية ‪ /‬األوكرانيــة‪ .‬وبينمــا ال ميكــن أن تتــم مقارنــة الظــروف‬ ‫واملعطيــات والسياســات احمليطــة بــكال احلربــن‪ ،‬إال إن األدوات‬ ‫الدبلوماســية املتمثلــة يف «التحــوط والتــوازن بــن األطــراف املتحاربــة‬ ‫كانــت دومــاً ســمة ثابتــة لنهــج نيودلهــي»‪.‬‬

‫القيم األخالقية والمصالح االســتراتيجية‬ ‫تتمركــز يف صميــم العالقــات الهنديــة املتوازنــة مــع روســيا‪ ،‬وإيــران‪،‬‬ ‫وإســرائيل ومنافســيهم‪ ،‬املواءمــة بــن القيــم األخالقيــة واملصالــح‬ ‫القوميــة‪.‬‬ ‫منــذ اســتقاللها يف عــام ‪1947‬م‪ ،‬قدمــت الهنــد دع ًمــا سياســ ًيا‬ ‫للفلســطينيني يقــوم عل ــى أســاس النضــال املشــترك ضــد االســتعمار‪.‬‬ ‫وهنــاك قــول مأثــور شــهير ملهامتــا غانــدي « أن فلســطني ملــك‬ ‫للفلســطينيني مثلمــا تعــد فرنســا ملــكا للفرنســيني»‪ .‬وبنــاء عليــه‪،‬‬ ‫صوتــت الهنــد ضــد خطــة تقســيم فلســطني الت ــي طرحتهــا عصبــة‬ ‫األمم املتحــدة يف عــام ‪1947‬م‪ ،‬كمــا صوتــت ضــد انضمــام إســرائيل‬ ‫إلــى األمم املتحــدة يف ‪1949‬م‪ ،‬ولــم تعتــرف رســم ًيا بدولــة إســرائيل‬ ‫حت ــى عــام ‪1950‬م‪ .‬كذلــك تعــد الهنــد أول دولــة غيــر عربيــة تعتــرف‬ ‫مبنظمــة التحريــر الفلســطينية باعتبارهــا املمثــل الوحيــد للشــعب‬ ‫الفلســطيني فضــا عــن موافقتهــا عل ــى فتــح مقــر ملنظمــة التحريــر‬ ‫بالعاصمــة نيودله ــي يف ‪1975‬م‪ ،‬كمــا مت تأســيس عالقــات دبلوماســية‬ ‫كاملــة عــام ‪1980‬م‪ ،‬واالعتــراف بالدولــة الفلســطينية عندمــا أعلنــت‬ ‫الهنــد اســتقاللها يف ‪1988‬م‪.‬‬ ‫كذلــك صوتــت الهنــد‪ ،‬حتــت حكومــة مــودي‪ ،‬لصالــح قــرار اجلمعيــة‬ ‫العامــة لــأمم املتحــدة يف عــام ‪2017‬م‪ ،‬الــذي أعلــن بطــان اعتــراف‬ ‫الرئيــس األمريكــي دونالــد ترامــب بالقــدس عاصمــة إلســرائيل‪.‬‬ ‫وأخيـ ًرا‪ ،‬أصبــح مــودي أول رئيــس وزراء هنــدي يــزور فلســطني يف عــام‬ ‫‪2018‬م‪.‬‬ ‫عل ــى اجلانــب اآلخــر‪ ،‬تعتبــر العالقــات الهنديــة ‪ /‬اإلســرائيلية حديثــة‬ ‫العهــد نســبيا مقارنــة بعالقــات الهنــد مــع فلســطني‪ .‬حيــث لــم تنشــأ‬ ‫العالقــات الدبلوماســية بــن الهنــد وإســرائيل إال يف عــام ‪1992‬م‪ ،‬عل ــى‬ ‫خلفيــة انهيــار االحتــاد الســوفييتي ونهايــة احلــرب البــاردة‪ .‬وبينمــا‬ ‫أصبــح آرييــل شــارون أول رئيــس وزراء إســرائيلي يــزور الهنــد يف عــام‬


‫‪88‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫السياســة الهنديــة تعمــل وفــق أطــر براغماتيــة كونهــا قــوة مــا بعــد‬ ‫االســتعمار فــا يعــد مصطلــح "الوســاطة" ذا وقع يف قاموســها الدبلوماســي‬ ‫موقف حيادي‬

‫يعــد رئيــس الــوزراء الهنــدي مــن أوائــل الزعمــاء الذيــن أعلنــوا إدانتهــم‬ ‫للهجمــات الت ــي شــنتها حركــة حمــاس يف ‪ 7‬أكتوبــر‪ .‬ويف هــذا الســياق‪،‬‬ ‫كان بديهيــا أن يعبــر عــن “الصدمــة» و»التضامــن» يف تصريحاتــه‪،‬‬ ‫ً‬ ‫شــكاًل مــن أشــكال «‬ ‫نظــ ًرا إلــى أن الهنــد تــرى أن أفعــال حمــاس‬ ‫اإلرهــاب»‪ ،‬وهــو ذات الشــبح الــذي يطاردهــا يف إقليــم كشــمير وعبــر‬ ‫حــدود أراضيهــا‪ .‬يف الوقــت ذاتــه‪ ،‬تع ــي الهنــد أن موقفهــا ال يتناغــم مــع‬ ‫موقــف اجلنــوب العامل ــي‪ ،‬ومــع ذلــك تصــر عل ــى التمييــز بــن الســلطة‬ ‫الفلســطينية وحركــة حمــاس وتــرى أن العنــف الــذي متارســه األخيــرة‬ ‫ال ميكــن أن ينظــر إليــه باعتبــاره املوقــف الرســمي للفلســطينيني‪.‬‬ ‫وبعــد مــرور خمســة أيــام عل ــى انــدالع هجمــات حمــاس‪ ،‬جــددت وزارة‬ ‫الشــؤون اخلارجيــة الهنديــة تفضيلهــا إلجــراء محادثــات مباشــرة‬ ‫و»إقامــة دولــة فلســطينية ذات ســيادة‪ ،‬مســتقلة‪ ،‬وقابلــة للحيــاة‪،‬‬ ‫تعيــش جن ًبــا إل ــى جنــب يف ســام مــع إســرائيل داخــل حــدود آمنــة‬ ‫ومعتــرف بهــا دوليــا»‪ .‬وقــد صوتــت الهنــد لصالــح مشــروع قــرار أمم ــي‬ ‫يف ‪ 13‬ديســمبر الــذي يطالــب بوقــف فــوري إلطــاق النــار‪ ،‬وإطــاق‬ ‫ســراح غيــر مشــروط جلميــع الرهائــن وضمــان وصــول املســاعدات‬ ‫اإلنســانية‪ .‬وتعــد هــذه املــرة األول ــى الت ــي تعلــن فيهــا الهنــد دعمهــا‬ ‫لهــذا القــرار منــذ بدايــة احلــرب عل ــى غــزة‪.‬‬ ‫وكانــت الهنــد قــد امتنعــت يف ‪ 27‬أكتوبــر عــن التصويــت عل ــى مشــروع‬ ‫قــرار أمــام اجلمعيــة العامــة لــأمم املتحــدة يدعــو إل ــى هدنــة إنســانية‬ ‫فوريــة‪ .‬وأوضحــت وزارة الشــؤون اخلارجيــة الهنديــة مــن جانبهــا‬ ‫إل ــى أن امتناعهــا عــن التصويــت جــاء بســبب عــدم توجيــه الوثيقــة‬ ‫إدانــة صريحــة للهجمــات الت ــي شــنتها حمــاس عل ــى إســرائيل‪ .‬مــن‬

‫ناحيــة أخــرى‪ ،‬جــدد رئيــس الــوزراء الهنــدي يف حديثــه مــع الرئيــس‬ ‫اإلســرائيلي إســحاق هرتســوغ علــى هامــش انعقــاد مؤمتــر املنــاخ‬ ‫العامل ــي «كــوب ‪ »28‬مبدينــة دب ــي يف ديســمبر‪ ،‬دعــم بــاده إلقامــة حــل‬ ‫الدولتــن والتوصــل لقــرار بشــأن احلــرب اإلســرائيلية عل ــى غــزة‪.‬‬ ‫وعل ــى الرغــم مــن أن الهنــد حافظــت لنفســها عل ــى مســافة واحــدة‬ ‫وتبن ــي موقــف غيــر توافق ــي صــارم ضــد العنــف واإلرهــاب‪ ،‬إال أن نهــج‬ ‫احلكومــة الهنديــة أثــار فتيــل موجــة مــن االنتقــادات مــن جانــب أحــزاب‬ ‫املعارضــة‪ .‬علــى ســبيل املثــال‪ ،‬اتهــم حــزب املؤمتــر‪ ،‬الــذي يحظــى‬ ‫بدرجــة أكبــر مــن الدعــم االنتخاب ــي مــن قبــل املســلمني الهنــود‪ ،‬رئيــس‬ ‫الــوزراء مــودي «بالتعبيــر عــن التضامــن الكامــل» مــع إســرائيل‪ .‬وقــد‬ ‫قامــت الهنــد ً‬ ‫أيضــا بتثبيــط االحتجاجــات املؤيــدة للفلســطينيني‪،‬‬ ‫خاصــة يف إقليــم كشــمير ذات األغلبيــة املســلمة‪ ،‬والــذي مت جتريــده‬ ‫مــن وضعــه اخلــاص يف عــام ‪2019‬م‪ ،‬لضمــان عــدم وجــود تداخــل مــع‬ ‫املظالــم واملقاومــة السياســية احملليــة‪.‬‬ ‫وكجــزء مــن سياســة املوازنــة‪ ،‬قدمــت احلكومــة الهندية مســاهمة مالية‬ ‫بقيمــة ‪ 2,5‬مليــون دوالر أمريك ــي لوكالــة األمم املتحــدة لغــوث وتشــغيل‬ ‫الالجئــن الفلســطينيني يف الشــرق األدنــى (األونــروا)‪ ،‬وبهــذا تكــون‬ ‫الهنــد قــد أوفــت ً‬ ‫أيضــا مبســاهمتها الســنوية البالغــة ‪ 5‬ماليــن دوالر‬ ‫للفتــرة ‪2024-2023‬م‪ .‬ويهــدف هــذا الدعــم إل ــى مســاندة برامــج الوكالــة‬ ‫وخدماتهــا األساســية‪ ،‬مبــا يف ذلــك التعليــم‪ ،‬والرعايــة الصحيــة‪،‬‬ ‫واإلغاثــة‪ ،‬واخلدمــات االجتماعيــة املقدمــة لالجئــن الفلســطينيني‪.‬‬ ‫وعــززت الهنــد مســاهمتها الســنوية للوكالــة مــن ‪ 1.25‬مليــون دوالر يف‬ ‫عــام ‪2018‬م‪ ،‬إل ــى ‪ 5‬ماليــن دوالر‪ .‬كمــا ســاهمت الهنــد مبــا يقــرب مــن‬ ‫‪ 30‬مليــون دوالر عل ــى مــدى الســنوات اخلمــس املاضيــة مــن أجــل رفــاه‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫‪87‬‬

‫ملف العدد‬

‫تناقض موقف الهند حيال عدوان غزة رغم دعمها الثابت لمبادرة السالم العربية‬

‫الهند تتبنى المبادرة العربية للسالم بشكل‬ ‫ثابت وتقف مع حل الدولتين وضد حماس‬ ‫يف خضــم احلــرب اإلســرائيلية الدائــرة عل ــى قطــاع غــزة‪ ،‬جــاء املوقــف الهنــدي ليعك ــس درجــة مــن األريحيــة يف تعا ُمــل نيودله ــي‬ ‫نهجــا “توفيق ًيــا» حيــال الصــراع الفلسطيني‪-‬اإلســرائيلي‪ .‬وأدى ذلــك‬ ‫مــع تــل أبيــب‪ ،‬وهــو مــا أثــار القيــل والقــال حــول تبنيهــا ً‬ ‫بــدوره إل ــى إثــارة الشــكوك بشــأن مــدى التــزام الهنــد حيــال مبــادرة الســام العربيــة الت ــي طرحتهــا اململكــة العربيــة الســعودية‬ ‫يف ‪2002‬م‪ ،‬مــا ســاهم يف تغذيــة هــذا الشــعور‪ ،‬ه ــي عالقــة الصداقــة الشــخصية الواضحــة بــن رئيس ــي وزراء البلديــن ـ ـــ نارينــدرا‬ ‫مــودي وبنيامــن نتنياهــو ـ ـــ واألحــزاب السياســية واﻷيديولوجيــات الت ــي ميثلونهــا‪ .‬مــع ذلــك‪ ،‬ثمــة أســباب وجيهــة تدفــع لالعتقاد‬ ‫بــأن الهنــد ليســت بصــدد تغييــر موقفهــا املؤيــد حلــل الدولتــن أو مبــادرة الســام العربيــة‪ ،‬ومــن بــن هــذه األســباب‪ :‬وجــود‬ ‫نحــو ‪ 200‬مليــون نســمة مــن املواطنــن الهنــود مــن أبنــاء الديانــة اإلســامية‪ ،‬إل ــى جانــب موقــف نيودله ــي التاريخ ــي مــن القضيــة‬ ‫الفلســطينية‪ ،‬ومحاولتهــا احلفــاظ عل ــى أوراق اعتمادهــا كدولــة علمانيــة يف ظــل وجــود حكومــة هندوســية ميينيــة‪ ،‬فضـ ًـا عــن‬ ‫املســاعي الهنديــة لتزعــم اجلنــوب العامل ــي‪ ،‬وهــو مــا يتعــارض مــع النظــام العامل ــي القائــم‪ ،‬كذلــك املشــاركة القويــة مــن جانــب‬ ‫نيودله ــي مــع العديــد مــن دول اخلليــج و بلــدان منطقــة الشــرق األوســط‪.‬‬

‫د‪ .‬ن ‪ .‬جاناردهان‬

‫يُناقــش املقــال التال ــي السياســة اخلارجيــة الهنديــة الت ــي تعــد أكثــر‬ ‫تعقي ـدًا ممــا تبــدو عليــه مثلمــا يتجل ــى عبــر موقفهــا الراهــن جتــاه‬ ‫احلــرب اإلســرائيلية الدائــرة (كذلــك العــدوان الروس ــي عل ــى أوكرانيــا)‪.‬‬ ‫إذ تعــد الهنــد مــن الــدول القالئــل الت ــي حتافــظ عل ــى مســافة واحــدة‬ ‫بــن الواليــات املتحــدة وروســيا‪ ،‬وإيــران ومجل ــس التعــاون اخلليج ــي‪،‬‬ ‫كذلــك بــن الفلســطينيني واإلســرائيليني‪ .‬وحتــرص نيودلهــي علــى‬ ‫فعــل ذلــك بغيــة زيــادة اســتقالليتها االســتراتيجية ومصاحلهــا‬ ‫القوميــة‪ ،‬التــي تعــد الهــدف الرئيســي للسياســة اخلارجيــة ألي‬ ‫دولــة‪ .‬وباإلشــارة إلــى موقــف نيودلهــي منــذ أكتوبــر ‪2023‬م‪ ،‬يســلط‬ ‫املقــال الضــوء علــى األســباب وراء اعتمــاد الهنــد سياســة «الســير‬ ‫عل ــى احلبــل املشــدود»‪ ،‬والتأثيــر احملتمــل لذلــك عل ــى عالقاتهــا مــع‬ ‫بعــض مــن شــركائها البارزيــن داخــل املنطقــة‪ ،‬واملشــروعات التعاونيــة‬ ‫الناشــئة عنهــا‪ ،‬كذلــك يناقــش املقــال مــا ميكــن توقعــه مــن حيــث‬ ‫اضطــاع الهنــد بــدور ريــادي يف مســاعي حــل الصــراع الفلســطيني‬ ‫‪-‬اإلســرائيلي يف املســتقبل‪.‬‬

‫خالصــة القــول‪ ،‬إن السياســة الهنديــة تعمــل وفــق أطــر براغماتيــة‬ ‫ومثاليــة‪ ،‬ونظــرا إلــى كونهــا قــوة مــا بعــد االســتعمار‪ ،‬فــا يعــد‬ ‫مصطلــح « الوســاطة» ذا وقــع جيــد يف قامــوس الدبلوماســية الهنديــة‪.‬‬ ‫ذلــك إل ــى جانــب أن الهنــد لديهــا النزاعــات احلدوديــة اخلاصــة بهــا‬ ‫والت ــي قــد جتعــل رغبتهــا منعدمــة يف لعــب دور الوســيط أو أن حتــاول‬ ‫تســوية النزاعــات األخــرى‪ ،‬أو حت ــى الســماح لآلخريــن بالتوســط حلــل‬ ‫قضاياهــا املشــتعلة‪ .‬ومــع ذلــك‪ ،‬وقفــت نيودلهــي بحــزم إلــى جانــب‬ ‫املطلــب الفلســطيني بإقامــة دولــة فلســطينية ذات ســيادة‪ ،‬ومســتقلة‪،‬‬ ‫وقابلــة للحيــاة‪ ،‬وموحــدة‪ ،‬علــى النحــو الــذي أقرتــه مبــادرة الســام‬ ‫العربيــة وقــرارات األمم املتحــدة ذات الصلــة‪ .‬حيــث يشــكل االســتقرار‬ ‫اإلقليم ــي والعامل ــي عامـ ًـا أساسـ ًيا ملســيرة الهنــد التنمويــة عل ــى املــدى‬ ‫البعيــد‪ ،‬وهــو مــا يجعلهــا مســتعدة للمشــاركة يف أي جهــد جماع ــي‬ ‫يهــدف إلــى حــل أي مــن األزمــات العامليــة‪ ،‬مبــا يف ذلــك الصــراع‬ ‫الفلسطيني‪-‬اإلســرائيلي‪.‬‬


‫‪86‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫أخيـ ًرا ‪ ...‬قبلة الحياة للمبادرة العربية للســام‪:‬‬

‫وهكــذا؛ إذا كان حتقيــق الســام العــادل الــذي يعيــد للفلســطينيني‬ ‫ومُيكنهــم مــن إقامــة دولتهــم املســتقلة ذات الســيادة عل ــى‬ ‫حقوقهــم ُ‬ ‫النحــو الــذي دعــت لــه مبــادرة الســام العربيــة‪ ،‬قــد ظــل حل ًمــا بعيــد‬ ‫املنــال لعقــود ‪ ..‬فــإن االصطفــاف مــن قبــل الــرأي العــام الدول ــي مــع‬ ‫حــق الفلســطينيني يف إقامــة دولــة حــرة مســتقلة ذات ســيادة عل ــى‬ ‫نحــو جعلــه يخــرج يف مظاهــرات حاشــدة‪ ،‬وبصــورة لــم تتوقــف منــذ‬ ‫بدايــة احلــرب؛ وكأنهــا معركــه بــن إســرائيل والــرأي العــام الدول ــي ‪..‬‬ ‫إن هــذا االصطفــاف ميكــن إذا مــا أحســن اســتثماره مــن قبــل العالــم‬ ‫العربــي أن مينــح هــذه املبــادرة قبلــة احليــاة‪ ،‬بعــد أن كادت تصبــح‬ ‫نســ ًيا منســ ًيا؛ لكونــه يحمــل قــدرة كبيــرة علــى الضغط‪-‬الســيما‬ ‫يف عواصــم صناعــة القــرار الغربي‪-‬علــى ساســته لتغييــر مواقفهــم‬ ‫الداعمــة بشــكل مفضــوح للعــدوان اإلســرائيلي عل ــى حســاب احلــق‬ ‫الفلســطيني‪ ،‬وذلــك لدفــع هــذه احلكومــات ألن تقــف بشــكل صريــح‪،‬‬ ‫ال لبــس فيــه‪ ،‬مــع احلــق الفلســطيني يف إنهــاء العــدوان الصهيون ــي‬ ‫عل ــى أراضيــه‪ ،‬وإقامــة دولتــه احلــرة املســتقلة‪ ،‬وهــو جوهــر املبــادرة‬ ‫العربيــة للســام‪.‬‬

‫ســبل الحفــاظ عــى زخــم تأييــد الــرأي العــام الــدويل للحــق‬ ‫ا لفلســطيني ‪:‬‬ ‫مــن البديه ــي أن نقــول‪ :‬إنــه محــال أن تُرســم ســبل ناجعــة لتحقيــق‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫هــدف ضخــم دون أن يكــون للبحــث العلم ــي دور بــارز يف رســم هــذه‬ ‫الســبل‪ ،‬وهــو مــا يعنــي أن العالــم العربــي إن أراد أن يحافــظ علــى‬ ‫زخــم الــرأي العــام الدول ــي ‪-‬الــذي أصبــح مناصـ ًرا ملوقفــه يف قضيتــه‬ ‫احملوريــة‪ -‬فــا بــد أن ينشــئ ‪،‬ودون تأخيــر‪ ،‬بنيــة مؤسســية تتكــون‬ ‫مــن خيــرة علمائــه املتخصصــن يف علــوم الــرأي العــام واإلعــام‬ ‫وســيكولوجيا اجلماهيــر لدراســة كل مــا يتعلــق بالعوامــل التــي‬ ‫أســهمت يف تشــكيل هــذا الــرأي العــام الدولــي الــذي أصبــح يلتــف‬ ‫حــول احلــق الفلســطيني بصــورة غيــر مســبوقة‪ ،‬وطــرح الســبل‬ ‫واألليــات االتصاليــة الت ــي ُمُتكــن مــن احلفــاظ عل ــى دميومــة تأييــده‬ ‫لهــذا احلــق‪ ،‬وجعلــه مؤثــ ًرا يف القــرار السياســي للحكومــات التــي‬ ‫متثلــه نحــو هــذه القضيــة العربيــة احملوريــة‪ ،‬شــريطة أن يتــم صياغــة‬ ‫هــذه الســبل يف صــورة اســتراتيجيات اتصاليــة ُمحكمــة قابلــة للتنفيذ‬ ‫مــن قبــل صنــاع القــرار يف الــدول العربيــة‪ ..‬حت ــى يتســنى لهــم حتويــل‬ ‫احللــم الــذي رنــت إليــه مبــادرة ســامهم الشــهيرة إلــى واقــع قابــل‬ ‫للتحقــق‪ .‬لكــن هــذه املــرة عبــر مناشــدة ضميــر شــعوب العالــم احلــر‪،‬‬ ‫بعدمــا أخرســت املصالــح ضميــر حكومــات هــذا العالــم الت ــي متــت‬ ‫مناشــدته طيلــة الـ ـــ ‪ 75‬عا ًمــا الغابــرة‪.‬‬

‫*أستاذ اإلعالم املشارك بجامعتي الريموك سابقًا وسوهاج حال ًيا‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫احلــرة ‪ ..‬وذلــك إثــر مــا شــاهده ‪-‬وعل ــى الهــواء مباشــرة‪-‬من جرائــم‬ ‫العــدوان اإلســرائيلي الت ــي بلغــت درجــة اإلبــادة اجلماعية لســكان قطاع‬ ‫غــزة احملاصــر منــذ ‪2007‬م‪ .‬وعلــة املفارقــة هنــا كــون االجتــاه الــذي‬ ‫أصبــح ســائدًا بعــد ‪ 7‬أكتوبــر يف الــرأي العــام الدول ــي عمو ًمــا‪ ،‬والغرب ــي‬ ‫خصوصــا يأت ــي معاكســا للســردية الت ــي حرصــت جــل وســائل اإلعــام‬ ‫الدوليــة علــى ترويجهــا لتبريــر جرائــم الكيــان الصهيونــي يف غــزة‬ ‫بعــد الســابع مــن أكتوبــر‪ ،‬هــذا مــن ناحيــة‪ ،‬ويأت ــي ‪،‬مــن ناحيــة‪ ،‬ثانيــة‬ ‫معاكســا لقدرتهــا الفائقــة عل ــى تشــكيله نحــو الصــراع الفلســطيني‬ ‫ً‬ ‫اإلســرائيلي بالصــورة الت ــي ترنــو إليهــا طيلــة العقــود الســابقة‪ ،‬وذلــك‬ ‫لكــون جــل هــذه الوســائل يف العواصــم الغربيــة الكبــرى (مــن صحــف‬ ‫وســينما وإذاعــات وفضائيــات بــل ومواقــع الكترونيــة وغيرهــا مــن‬ ‫وســائل إنتــاج احملتــوى اإلعالم ــي) تنته ــي ملكيتهــا لليهــود مــن ناحيــة‪،‬‬ ‫أو تعتنق‪-‬علــى أقــل تقدير‪-‬الســردية اإلســرائيلية يف هــذا الصــراع‬ ‫لكــون الكيــان الصهيون ــي ُغــرس يف قلــب األمــة العربيــة ومنــا وترعــرع‬ ‫علــى يــد العالــم الغربــي؛ علــى النحــو الــذي مكــن إســرائيل‪ ،‬ومنــذ‬ ‫إعــان قيامهــا مــن تشــكيل الــرأي العــام يف هــذه البلــدان‪ ،‬بالصــورة‬ ‫الت ــي جتعلــه يتماه ــى مــع رغباتهــا‪ ،‬ويلب ــي طموحاتهــا يف جعــل القــرار‬ ‫السياس ــي يف العواصــم الغربيــة يأت ــي دائ ًمــا مســاندًا لهــا‪.‬‬

‫انهيــار جدران حراس البوابــات يف الميديا التقليدية‪:‬‬

‫لــم يكــن املتغيــر الوحيــد يف تشــكل الــرأي العــام الدولــي حــول‬ ‫القضيــة الفلســطينية وحشــية إســرائيل التــي كشــفتها عمليــة‬ ‫طوفــان األقصــى؛ وإمنــا كان املتغيــر املهــم الثانــي هــو الــذي فضــح‬ ‫هــذه الوحشــية أال وهــي مواقــع التواصــل االجتماعــي‪ ،‬التــي لــم‬ ‫يكــن يف وســع حــراس بوابــات امليديــا الغربيــة ((‪Gatekeepers‬‬ ‫التقليديــة الصمــود أمــام طوفانهــا الهــادر‪ ،‬ولــم يعــد بوســعهم عــرض‬ ‫حقائــق العــدوان الوحش ــي عل ــى النحــو الــذي يريــدون‪ ،‬عبــر إخفــاء‬ ‫مــا يشــتهون‪ ،‬وإبــراز مــا يريــدون‪ ،‬وتضخيــم مــا يحبــون‪ ،‬و تقــزمي مــا‬ ‫يبغضــون‪ ،‬وتشــويه مــا يعــادون ‪ ..‬وأن ــى لهــم هــذا؛ وهــا هــو طوفــان‬ ‫مواقــع التواصــل االجتماعــي قــد اختــرق بوابــات امليديــا التقليديــة‬ ‫بحراســها األشــداء والت ــي كانــت تقــف أمــام احلقائــق الت ــي ال تــروق‬ ‫لهــم سـدًا منيعــا؛ فباغتــت هــذه الســدود عــن ميينهــا‪ ،‬وعــن شــمائلها‪،‬‬ ‫وقفــرت مــن فوقهــا وحفــرت أنفا ًقــا أســفل منهــا‪ .‬ومكنــت كل شــخص‬ ‫ميلــك هات ًفــا لديــه اتصــال بشــبكة اإلنترنــت أن يتابــع ‪-‬حلظــة‬ ‫بلحظة‪-‬ب ًثــا مباشـ ًرا للمجــاز اإلســرائيلية الوحشــية‪ ،‬وأن يعيــد نشــرها‬ ‫ملــن يشــاء‪ ،‬بــل وأن يصنــع مــا يشــاء مــن محتــوى يعلــن فيــه وجهــة‬ ‫نظــره حيالهــا ‪ ..‬وقــد حــدث ذلــك بالفعــل وصنــع كثيــر مــن املشــاهير‬ ‫واملؤثريــن(‪ )Influencers‬بــل ومــن املســتخدمني العاديــن يف كل‬ ‫بقــاع الدنيــا محتويــات رقميــة تفــوق احلصــر‪ ،‬تظهــر مــدى اســتنكارهم‬ ‫لهــذه املجــازر علــى نحــو ســاهم يف اســتثارة الــرأي العــام الدولــي‬ ‫بصــورة لــم تشــهدها البشــرية ‪-‬نحــو قضيــة دوليــة ‪-‬يف تاريخهــا‪.‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫‪85‬‬

‫ملف العدد‬

‫احتجاجات لم يشــهد العالــم لكثافتها مثيًالً‪:‬‬

‫لــو أخذنــا فقــط املظاهــرات كأبــرز الطــرق الت ــي يعبــر بهــا الــرأي العــام‬ ‫عــن موقفــه مــن قضيــة مــا ســنجد ‪-‬ومــن تقريــر ملعهــد دراســات‬ ‫األمــن القومــي اإلســرائيلي ‪The Institute for National‬‬ ‫)‪ - Security Studies (INSS‬أن عــدد املظاهــرات املؤيــدة ل ـــ‬ ‫”إســرائيل” خــال العشــرين اليــوم التاليــة ل ‪ 7‬أكتوبــر يف كل العالــم‬ ‫كانــت ‪ 359‬مظاهــرة‪ ،‬مقابــل ‪ 3,482‬مظاهــرة مؤيــدة للفلســطينيني‪.‬‬ ‫ويف مقــال لهــا بعــد ســتة أســابيع فقــط مــن بــدء احلــرب قالــت‬ ‫صحيفــة «فايننشــال تاميــز» البريطانيــة إنهــا رصــدت تغيــ ًرا يف‬ ‫الــرأي العــام الغربــي‪ ،‬خاصــة الواليــات املتحــدة‪ ،‬حيــال إســرائيل‬ ‫والفلســطينيني‪ ،‬وذكــرت أن هجــوم ‪ 7‬أكتوبــر‪ ،‬واحلــرب اإلســرائيلية‬ ‫«االنتقاميــة» ضــد غــزة دفعــا نحــو مزيــد مــن االســتقطاب يف وجهــات‬ ‫النظــر‪ ،‬خاصــة مــع ســيطرة املشــاهد املروعــة مــن احلــرب علــى‬ ‫األخبــار وشــبكات التواصــل حــول العالــم‪ .‬واعتبــرت أنــه عل ــى الرغــم‬ ‫مــن أن الــرأي العــام كان بعي ـدًا عــن التوقــع أو الوضــوح‪ ،‬إال أنــه شــهد‬ ‫حتــوالت مهمــة متتــد مــن الواليــات املتحــدة إل ــى أوروبــا‪ ،‬وه ــي حتــوالت‬ ‫تــرددت أصداؤهــا عبــر السياســات الوطنيــة لهــذه البلــدان‪.‬‬ ‫ويف اســتطالع أجــراه معهــد «هاري ــس» بالتعــاون مــع معهــد الدراســات‬ ‫السياســية األمريكيــة التابــع جلامعــة هارفــارد‪ ،‬أيــد ‪ %51‬مــن الشــباب‬ ‫األمريكــي يف الفئــة العمريــة ‪ 24-18‬عامــاً “تصفيــة إســرائيل”‬ ‫وتســليمها حلمــاس وللفلســطينيني‪ ،‬وقــد جــاء هــذا الســؤال ضمــن‬ ‫أســئلة كثيــرة ّ‬ ‫مت توجيههــا لنحــو ألفــي مبحــوث مــن كافــة الفئــات‬ ‫العمريــة‪ ،‬ونشــرت نتائجــه يف ‪ 70‬صفحــة‪ .‬وقــد شــمل الســؤال‬ ‫املشــار إليــه ثالثــة خيــارات بشــأن احلــل طويــل املــدى للصــراع؛ أولهــا‬ ‫اســتيعاب الــدول العربيــة للفلســطينيني‪ ،‬وثانيهــا حــل الدولتــن‪،‬‬ ‫وثالثهــا “تصفيــة إســرائيل» وتســليمها حلمــاس‪ .‬وكمــا يظهــر مــن‬ ‫اجلــدول املرفــق فالنســبة تنخفــض كلمــا ارتفــع الســن‪ ،‬فيصبــح خيــار‬ ‫“تصفيــة إســرائيل» ‪ %31‬يف الفئــة العمريــة ‪ ،34-25‬و‪ %24‬للفئــة‬ ‫العمريــة ‪ ،44-35‬إل ــى أن يصــل إل ــى ‪ %4‬يف الفئــة العمريــة األعل ــى؛‬ ‫بينمــا يرتفــع نصيــب حـ ّل الدولتــن يف املعــدل العــام إل ــى ‪ %60‬وهــو مــا‬ ‫يشــير مجمـ ًـا إل ــى وجــود توجــه متزايــد بــن الشــباب لدعــم قضيــة‬ ‫فلســطني واملقاومــة؛ ويف ســؤال آخــر أجــاب ‪ %50‬مــن فئــة ‪24-18‬‬ ‫أنهــم يدعمــون املقاومــة الفلســطينية يف هــذا الصــراع‪ .‬كمــا أجــاب‬ ‫‪ %60‬أن «إســرائيل» ارتكبــت مذابــح يف غــزة‪ ،‬بينمــا يعتقــد ‪ %76‬أن‬ ‫حمــاس ميكــن التفــاوض معهــا للوصــول للســام‪ ،‬ويدعــم ‪ %57‬منهــم‬ ‫وقــف «إســرائيل» عدوانهــا عل ــى غــزة‪ ،‬ويذهــب ‪ % 67‬أن اليهــود يُعـ ّدون‬ ‫ظاملــن يف هــذا الصــراع‪.‬‬


‫‪84‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫ثالث ــة أرب ــاع األلم ــان ال يهتم ــون بالص ــراع و‪ %55‬م ــن األمريكيي ــن‬ ‫ال يملك ــون ش ــعو ً​ًرا قو�ي ـًا إزاء القضي ــة الفلس ــطينية (ماي ــو الماض ــي)‬ ‫وبالطبع لم يتحقق من املبادرة يف السنوات الالحقة على األرض‬ ‫ش ــيء‪ .‬حت ــى إن القمــة العربيــة الت ــي عقــدت يف ‪-28‬مــارس‪2007‬م‪ ،‬يف‬ ‫الريــاض أعلنــت رســمياً عــن إعــادة إحيــاء مبــادرة الســام العربيــة‪.‬‬ ‫رغــم أن « ليفن ــي» وزيــرة خارجيــة إســرائيل ‪-‬حينها‪-‬كانــت قــد طالبــت‬ ‫الــدول العربيــة بوضــوح‪ ،‬وقبــل انعقــاد هــذه القمــة بأســبوعني “بعدم‬ ‫انتظــار حتقيــق الســام لتطبيــع عالقاتهــا مــع إســرائيل» وهــو مــا‬ ‫يعنــي بوضــوح أن تطبيــع العالقــات عنــد الكيــان الصهيونــي يأتــي‬ ‫قبــل «الســام”‪ ،‬وكشــرط لــه منــذ قمــة مؤمتــر بيــروت‪ .‬وقــد ظلــت‬ ‫بيانــات القمــم العربيــة جميعهــا تعلــن التمســك باملبــادرة العربيــة‬ ‫للســام منــذ ‪ 2002‬وحت ــى قمــة ‪2015‬م‪.‬‬ ‫ويف ‪ 14‬حزيــران ‪2016‬م‪ ،‬ذكــرت صحيفــة «هآرتــس» اإلســرائيلية أن‬ ‫رئيــس الــوزراء بنيامــن نتنياهــو صــرح يف اجتمــاع مــع وزراء حزبــه‬ ‫«ليكــود» أنــه لــن يقبــل أبـدًا مببــادرة الســام العربيــة بشــكلها احلال ــي‬ ‫كمرجــع للتفــاوض مــع الفلســطينيني”‬ ‫وعلــى اجلانــب األمريكــي الراعــي الرســمي لعمليــة الســام بــدا‬ ‫التنصــل املعلــن ممــا تدعــو إليــه املبــادرة يــزداد شــي ًئا فشــي ًئا‪ ،‬فقــد‬ ‫جــاء علــى لســان ســفيرتها خــال اجتمــاع مجلــس األمــن الدولــي‬ ‫يف ‪ 26‬أكتوبــر‪2020‬م‪ ،‬ملناقشــة دعــوة رئيــس الســلطة الفلســطينية‬ ‫محمــود عبــاس لعقــد مؤمتــر ســام دول ــي يف أوائــل ‪2021‬م‪ ،‬أنــه‪“ :‬لــم‬ ‫تعــد هنــاك حاجــة ملبــادرة الســام العربيــة؛ ألنهــا ال تقــدم التفاصيــل‬ ‫املطلوبــة لتحقيــق الســام بــن إســرائيل والفلســطينيني‪ .‬مــا يحتاجــه‬ ‫العالــم اليــوم هــو اتفــاق ســام يجلــب الدعــم االقتصــادي واالســتثمار‬ ‫الــذي يحتاجــه الشــعب الفلســطيني”‪.‬‬

‫الضربــة القاصمة للمبادرة‪:‬‬

‫ميكــن القــول إن الضربــة القاصمــة للمبــادرة جــاءت مــن قبــل أربــع‬ ‫دول عربيــة وقعــت برعايــة الواليــات املتحــدة عل ــى اتفاقيات‪-‬وبشــكل‬ ‫منفــرد ‪-‬لتطبيــع العالقــات مــع إســرائيل يف الســنة األخيــرة مــن حكــم‬ ‫الرئيــس ترامــب ‪2020‬م؛ رغــم إعــان التزامهــا الدائــم باملبــادرة العربيــة‬ ‫للســام يف القمــم العربيــة الكثيــرة الت ــي كان دعــم هــذه املبــادرة واحـدًا‬ ‫مــن أبــرز قراراتهــا‪.‬‬ ‫ورغــم تلــك الضربــة التــي أوهنــت هــذه املبــادرة؛ إال أن الســعودية‬ ‫ظلــت يحدوهــا األمــل يف تفعيلهــا‪ ،‬وهــا هــو األميــر فيصــل بــن فرحــان‬

‫وزيــر خارجيتهــا يدعــو يف‪-21‬ســبتمبر‪ 2022‬م‪ ،‬إلــى اجتمــاع طاولــة‬ ‫مســتديرة ألعضــاء جلنــة مبــادرة الســام العربيــة والــدول األوروبيــة‬ ‫الراعيــة للســام‪ ،‬مبناســبة مــرور ‪ 20‬عا ًمــا عل ــى إطــاق اململكــة ملبــادرة‬ ‫الســام العربيــة‪.‬‬

‫مــا قبل الطوفــان ‪...‬التجاهل التام للمبادرة‪:‬‬

‫يف جتاهل تام ملبادرة السالم العربية‪ ،‬أخذ رئيس الوزراء اإلسرائيلي‪،‬‬ ‫نتنياهــو يف اجلمعيــة العامــة لــأمم املتحــدة يف ‪ 23‬ســبتمبر ‪2023‬م‪،‬‬ ‫يبشــر «بخريطــة الســام اجلديــد» بــن إســرائيل وجيرانهــا العــرب‪،‬‬ ‫وقــال‪« :‬إن ربــع قــرن مــن الزمــن مض ــى يف املفاوضــات مــن أجــل حــل‬ ‫الدولتــن‪ ،‬الــذي تتقاســم مبقتضــاه إســرائيل مــع الدولــة الفلســطينية‬ ‫املســاحة مــن نهــر األردن إل ــى البحــر املتوســط‪ ،‬فلــم يفلــح املتفاوضــون‬ ‫يف صياغــة اتفــاق ســام واحــد» وتابــع ‪« :‬يف عــام ‪2020‬م‪ ،‬وفــق اخلطــة‬ ‫الت ــي تبنيتهــا‪ ،‬حققنــا تقد ًمــا باهـ ًرا يف وقــت قياس ــي‪ ،‬أربــع معاهــدات‬ ‫يف أربعــة أشــهر‪ ،‬مــع أربــع دول عربيــة» (هــي اإلمــارات والبحريــن‬ ‫والســودان واملغــرب)‪.‬‬

‫الــرأي العــام الدويل ‪ ..‬ما قبل الطوفان‪:‬‬

‫كان مــن الطبيعــي أن تكــون شــدة أو خفــوت اهتمــام الــرأي‬ ‫العــام الدولــي‪ ،‬الســيما يف العالــم الغربــي‪ ،‬بـ ـــ “الصــراع العربــي ‪/‬‬ ‫انعكاســا لشــدة أو خفــوت اهتمــام وســائل اإلعــام يف‬ ‫اإلســرائيلي»‬ ‫ً‬ ‫الــدول الغربيــة املؤثــرة يف هــذا الصــراع‪ ،‬وكان طبيع ًيــا أن يكــون ذلــك‬ ‫انعكاســا ملوقــف هــذه الــدول منــه‪ ،‬وقــد وصفــت صحيفــة» الفايننشــال‬ ‫ً‬ ‫تاميــز « هــذا املوقــف قبــل الســابع مــن أكتوبــر بقولهــا» رغــم أن الصراع‬ ‫الفلســطيني ‪ /‬اإلســرائيلي مســألة «مثيــرة للخــاف منــذ عقــود»‪ ،‬لكــن‬ ‫يف األشــهر الت ــي ســبقت هجــوم ‪ 7‬أكتوبــر‪ ،‬كان الــرأي العــام يف دول‬ ‫أوروبــا الغربيــة غيــر مبــال بهــذه القضيــة‪.‬‬ ‫وذكــرت أن نحــو ثالثــة أربــاع األملــان يــرون يف اســتطالع لهــم أن الصــراع‬ ‫لــم يكــن مه ًمــا لديهــم‪ ،‬وأنــه حت ــى يف الواليــات املتحــدة‪ ،‬أبــرز حليــف‬ ‫إلســرائيل‪ ،‬فــإن ‪ % 55‬مــن املشــاركني يف اســتطالع أجــري يف مايــو‬ ‫املاض ــي‪ ،‬قالــوا إنهــم ال ميلكــون شــعو ًرا قو ًيــا إزاء تلــك القضيــة‪.‬‬

‫ما بعــد الطوفان ‪..‬انقالب تاريخي‪:‬‬

‫بالطبــع لــم يخطــر ببــال أحــد ‪-‬قبــل الســابع مــن أكتوبــر‪-‬أن تنــال‬ ‫القضيــة الفلســطينية ولــو النــذر اليســير مــن ذلــك القــدر غيــر‬ ‫املســبوق مــن دعــم الــرأي العــام الدول ــي لهــا وتأييــده حلــق الشــعب‬ ‫الفلســطيني يف إقامــة دولــة مســتقلة متكنــه مــن نيــل احليــاة الكرميــة‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫‪83‬‬

‫ملف العدد‬

‫" الفايننش ــال تايم ــز"‪ :‬كان ال ــرأي الع ــام يف أوروب ــا غي ــر مب ــال‬ ‫بالصـــراع الفلســـطيني ‪ /‬اإلســـرائييل قبـــل أحـــداث ‪ 7‬أكتوبـــر‬ ‫عل ــى مراحــل‪ ،‬ومبوجــب هــذا االقتــراح فــإن االعتــراف بإســرائيل تبع ـاً‬ ‫لذلــك ليــس ســوى وهــم‪ .‬وأن هــذه اخلطــة تناقــض اتفاقيــة كامــب‬ ‫أساســا‬ ‫ديفيــد»‪ .‬وبينما أعلنــت املجموعــة األوروبيــة أن املبــادرة تشــكل‬ ‫ً‬ ‫للتفــاوض‪ ،‬فــإن أمريــكا جتاهلتهــا ولــم تتخــذ أي موقــف حيالهــا‪.‬‬ ‫وقــد تبايــن املوقــف العرب ــي بــن الرفــض الفــوري‪ ،‬والــذي متثل يف‬ ‫موقــف مصــر الت ــي أعلنــت عــن متســكها باتفاقيــة كامــب ديفيــد الت ــي‬ ‫وقعتهــا مــع إســرائيل يف العــام ‪1978‬م‪ ،‬كما رفضتهــا قيــادة وكــوادر‬ ‫حركــة منظمــة التحريــر الفلسطينية بشــدة‪ ،‬كما رفضهــا ســوريا‬ ‫والعــراق‪ ،‬بينمــا أيدتهــا بعــض الــدول العربيــة‪ ،‬وعل ــى إثــر ذلــك الرفــض‬ ‫والضغــوط الت ــي مورســت عليهــا ســحبت الســعودية مشــروع املبــادرة‬ ‫يف قمــة فــاس يف نوفمبــر ‪1981‬م‪ ،‬و قــال الناطــق الرســمي وقتهــا‬ ‫‪”:‬نظــراً إلميــان اململكــة التــام بــأن أيــة اســتراتيجية عربيــة يجــب أن‬ ‫حتظ ــى بالتأييــد اجلماع ــي لك ــي تســتطيع دفــع املوقــف العرب ــي إل ــى‬ ‫األمــام‪ ،‬فقــد قــام الوفــد الســعودي بســحب املشــروع مؤكــداً ملؤمتــر‬ ‫القمــة أن الســعودية علــى اســتعداد تــام ألن تقبــل أي بديــل يجمــع‬ ‫عليــه العرب‪”.‬‬

‫وســائل اإلعالم تصنع رأ ًيا عا ًما يتماشــى مع سياســات دولها‪:‬‬

‫التــي حتملهــا‪ ،‬ناهيــك عــن التســويف يف تســوية القضايــا العالقــة‬ ‫الت ــي مت تأجيــل حلهــا لوقــت الحــق على توقيــع هــذه االتفاقيــات‪.‬‬

‫انتقــال العرب مــن رد الفعل إىل المبادرة بالفعل‪:‬‬

‫ويف ظــل هــذه الوضعيــة التــي أصابــت القضيــة العربيــة األبــرز‬ ‫باجلمــود؛ ولتحريــك امليــاه الراكــدة؛ وطب ًقــا ملــا عبــر عنــه عمــرو موس ــى‬ ‫أمــن عــام اجلامعــة العربيــة (‪2011/2001‬م) بقولــه “الواقــع أننــا عل ــى‬ ‫اجلانــب العربــي‪ ،‬كنــا نبحــث عــن مخــ َرج‪ ،‬فالهجمــة شرســة علينــا‬ ‫باعتبارنــا إرهابيــن أو علــى األقــل منتجــن لهــم‪ ،‬وذلــك يف أعقــاب‬ ‫أحــداث ‪ 11‬ســبتمبر ‪2001‬م‪ ،‬فــكان ال بــد مــن االنتقــال إل ــى شــن حــرب‬ ‫دبلوماســية تنقلنــا مــن خانــة الدفــاع دون تقــدمي تنــازالت مؤملــة أو مــع‬ ‫تنــازالت متبادلــة‪ ”.‬يف ظــل هــذه الوضعيــة جاءت مبادرة األميــر‬ ‫عبــد اهلل بــن عبــد العزيــز ولــي العهــد السعودي(حينئذ) للســام‪.‬‬ ‫والتــي مت اإلعــان عنهــا يف قمــة بيــروت يف‪28‬مايــو‪2002‬م‪ ،‬وتعــد‬ ‫أول مبــادرة للســام تنــال إجمــاع الــدول العربيــة؛ عل ــى نحــو جعلهــا‬ ‫خليقــة بــأن تســمى رســم ًيا «مبــادرة الســام العربيــة» ( ‪Arab‬‬ ‫‪ )Peace Initiative‬ومتثلــت أبــرز نصوصهــا يف الدعــوة إلــى‬ ‫انســحاب إســرائيل الكامــل مــن جميــع األراض ــي العربيــة احملتلــة منــذ‬ ‫‪1967‬م‪ ،‬تنفي ـ ًذا لقــراري مجل ــس األمــن (‪ 242‬و‪ )338‬والذيــن عززتهمــا‬ ‫قــرارات مؤمتــر مدريــد عــام ‪1991‬م‪ ،‬ومبــدأ األرض مقابــل الســام‪ ،‬وإلى‬ ‫قبولهــا قيــام دولــة فلســطينية مســتقلة‪ ،‬وذات ســيادة وعاصمتهــا‬ ‫القــدس الشــرقية‪ .‬وذلــك مقابــل قيــام الــدول العربيــة بإنشــاء عالقــات‬ ‫طبيعيــة يف إطــار ســام شــامل مــع إســرائيل‪.‬‬ ‫‪ ‬‬

‫لــم يكــن محتــوى وســائل اإلعــام الدوليــة الت ــي تصــدر مــن العواصــم‬ ‫الكبــرى بدرجــة أو بأخــرى يف الشــأن الدولــي نحــو كل ما يتعلــق‬ ‫بالقضيــة الفلســطينية أو نحــو اتفاقيــة كامــب ديفيــد الت ــي وقعــت‬ ‫يف ‪ 17‬ســبتمبر ‪1978‬م‪ ،‬أو مقتــرح املبــادرة الســعودية الــذي تل ــى هــذه‬ ‫االتفاقيــة بثــاث ســنوات تقري ًبــا ‪ ..‬لــم يكــن إال صــدى للمواقــف‬ ‫الــذي تتبناها العواصم الت ــي تصــدر منها‪ ،‬وهــو مــا شــكل رأ ًيــا عا ًمــا‬ ‫يعكــس موقــف هــذه العواصــم نحــو القضيــة الفلســطينية ونحــو‬ ‫مبــادرات حلولهــا‪.‬‬ ‫وبالطبــع لــم يتغيــر موقــف وســائل اإلعالم الدوليــة مــن الســير‬ ‫يف ركاب العواصــم الت ــي تصــدر عنهــا فيمــا يتعلــق باتفاقيــة الســام‬ ‫الالحقــة‪ ،‬الت ــي مت توقيعهــا يف ‪ 13‬ســبتمبر ‪1993‬م‪ ،‬يف أوســلو والت ــي‬ ‫تعــد أول اتفاقيــة رســمية مباشــرة بــن إســرائيل وفلســطني ممثلــة يف‬ ‫منظمــة التحريــر ‪ ...‬أو اتفاقيــة وادي عربــة يف ‪ 26‬أكتوبــر ‪1994‬م‪ ،‬بــن‬ ‫األردن وإســرائيل‪.‬‬

‫وحتى نفهم موقف الرأي العام يف الدول التي تعد الع ًبا رئيس ًيا‬ ‫يف القضيــة الفلســطينية نحــو هــذه املبــادرة‪ ،‬يكفينــا هنــا أن نســرد‬ ‫موقــف حكومــات هــذه الــدول مــن هــذه املبــادرة‪ ،‬والت ــي ســار موقــف‬ ‫وســائل اإلعــام التــي تشــكل الــرأي العــام فيهــا يف ركابها‪ .‬فبُعيــد‬ ‫إعــان هــذه املبــادرة مباشــرة رفضتهــا إســرائيل‪ ،‬وصــرح « شــارون»‬ ‫رئيــس وزرائهــا حينئــذ بــأن مقــررات القمــة إياهــا‪ ،‬ال تســاوي حتــى‬ ‫قيمــة احلبــر الــذي ُكتبــت بــه‪.‬‬

‫ورغــم ســريان هــذه االتفاقيــات إال إن النــزاع العرب ــي ‪ /‬اإلســرائيلي‬ ‫ظــل قائ ًمــا نتيجــة لتفريــغ إســرائيل لهــذه االتفاقــات مــن مضمونهــا‪،‬‬ ‫الســيما اتفاقيــة أوســلو‪ ،‬ومراوغتهــا يف تنفيــذ الكثيــر مــن االلتزامــات‬

‫أمــا أمريــكا‪ ،‬فقــد قدمــت عبــر إدارة بــوش متلّق ـاً كالمي ـاً لالقتــراح‪،‬‬ ‫ودعمـاً فاتــراً يف أحســن األحــوال‪ ،‬أمــا املجموعــة األوروبيــة فقــد ذهبــت‬ ‫أساســا للتفــاوض‪.‬‬ ‫إل ــى أن املبــادرة تشــكل‬ ‫ً‬

‫موقــف حكومــات الــدول الفاعلــة مــن المبــادرة وســير الــرأي‬ ‫العــام يف ركابهــا‪:‬‬


‫‪82‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫اهتم ــام ال ــرأي الع ــام ال ــدويل بــــ "الص ــراع العرب ــي ‪ /‬اإلس ــرائييل"‬ ‫يعك ــس ش ــدة أو خف ــوت اهتم ــام اإلع ــام الغرب ــي المؤث ــر به ــذا الص ــراع‬ ‫فيــه اجلمعيــة العامــة لــأمم املتحــدة “خطــة تقســيم فلســطني «الت ــي‬ ‫تقــع حتــت االنتــداب البريطان ــي تقســيماً سياســياً‪ ،‬لتصبــح دولتــن‬ ‫(عربيــة ويهوديــة) مــع خضوع وضــع القــدس وبيــت حلــم لنظــام دول ــي‬ ‫خــاص بهمــا‪ ،‬ومت قبــول اخلطــة مــن قبــل الوكالــة اليهوديــة‪ ،‬يف حــن‬ ‫رفضتهــا الــدول العربيــة‪.‬‬ ‫أمــا اللحظــة احلقيقيــة التــي جعلــت هــذه القضيــة تشــغل الــرأي‬ ‫العــام الدولــي كأطــول قضيــة دوليــة يف العصــر احلديــث فقــد كانــت‬ ‫يف ‪14‬مايــو ‪1948‬م‪ ،‬حينمــا أعلنــت الوكالــة اليهودية اســتقالل دولــة‬ ‫إســرائيل‪ ،‬وفــور هــذا اإلعالن اندلعــت احلــرب بني اململكــة املصريــة‪،‬‬ ‫واململكــة األردنيــة الهاشــمية‪ ،‬واململكــة العربيــة الســعودية‪ ،‬ومملكــة‬ ‫العــراق‪ ،‬وســوريا‪ ،‬ولبنــان‪ ،‬ضــد امليليشــيات الصهيونيــة املســلحة يف‬ ‫فلســطني‪ ،‬والتــي تشــ ّ​ّكلت مــن «البلمــاخ» و»اإلرجــون» و»الهاجانــاه»‬ ‫و»الشــتيرن» واملتطــوعني وقــد اســتمر القتــال ‪-‬الــذي دام عشــرة‬ ‫أشــهر‪ -‬يف أراضــي االنتــداب البريطانــي‪ ،‬ويف شــبه جزيــرة ســيناء‪،‬‬ ‫وجنــوب لبنــان‪ ،‬وتخللتــه هدنــات عــدة‪ .‬ســيطرت امليليشــيات الصهيونية‬ ‫ يف نهايتهــا ‪ -‬علــى املنطقــة التــي اقترحتهــا “خطــة األمم املتحــدة‬‫“للدولــة اليهوديــة‪ ،‬باإلضافــة إلــى مــا يقــرب مــن ‪ %60‬مــن املســاحة‬ ‫التــي اقترحتهــا “اخلطــة” للدولــة العربيــة‪ ،‬والتــي شــملت مناطــق مثــل‬ ‫«يافــا» و»اللــد» و»الرملــة» و»اجلليــل األعلــى» وأجــزا ً​ًء مــن النقب وشـ ً‬ ‫ـريًطا‬ ‫كبي ـ ً​ًرا علــى طــول طريــق تــل أبيب‪-‬القــدس‪ .‬كمــا ســيطرت‪ً ‬‬ ‫أيًضــا‬ ‫علــى القــدس الغربيــة‪ ،‬التــي كان مــن املفتــرض أن تكــون جــز ً​ًءا مــن‬ ‫املنطقــة الدوليــة للقــدس وضواحيهــا‪ .‬بينمــا ســيطر اجليــش األردنــي‬ ‫علــى القــدس الشــرقية‪ ،‬ومــا أصبــح يعــرف بالضفــة الغربيــة‪ ،‬وضمهــا‬ ‫للســيادة األردنيــة يف العــام التالــي‪ .‬كمــا ســيطر اجليــش املصــري علــى‬ ‫قطــاع غــزة‪ .‬ويف حــرب األيــام الســتة يف يونيــو ‪1967‬م‪ ،‬احتلــت إســرائيل‬

‫كل ــمن الضــفة الغربــية‪ ،‬وقــطاع ــغزة وــسيناء‪ ،‬ومرتفــعات اجلـجوالن‪.‬‬

‫موقف المجتمع الدويل من العدوان اإلســرائييل‪:‬‬

‫‪ ‬بالطبــع لــم يقــف اجملتمــع الدولــي بعــد هــذه احلــرب اخلاطفــة‬ ‫موقــف املتفــرج مــن هــذا الصــراع؛ وإمنــا أصــدر مجلــس األمــن يف ‪22‬‬ ‫نوفمبــر ‪1967‬م‪ ،‬قــراره الشــهير رقــم (‪ )242‬ومــن أبــرز مــا نــص عليــه هــو‬ ‫«انســحاب القــوات اإلســرائيلية مــن األراضــي التــي احتلــت يف النــزاع‬ ‫األخيــر»‪ .‬وقــد حذفــت «ال» التعريــف مــن كلمــة «األراضــي» يف النــص‬ ‫اإلجنليــزي للمحافظــة علــى الغمــوض يف تفســير هــذا القــرار‪ .‬كمــا‬ ‫نص علــى إنهــاء حالــة احلــرب واالعتــراف ضمًنًــا بإســرائيل‪ .‬ورغم‬ ‫جتنــب هــذا القــرار تقــدمي حلــول للقضيــة الفلســطينية‪ ،‬وحصــره‬ ‫للقضيــة يف اإلشــارة فقــط ملشــكلة الالجــئني بنصــة علــى « حتقيــق‬ ‫تســوية عادلــة ملشــكلة الالجــئني» إال أن هــذا القــرار شــكل منــذ صــدوره‬ ‫محــور كل املفاوضــات واملســاعي الدوليــة العربيــة إليجــاد حــل للصــراع‬ ‫العرــبي‪ /‬اإلــسرائيلي‪.‬‬

‫ميــاد أول مبــادرة عربية مجمع عليها للســام‪:‬‬

‫تتمثــل أول مبــادرة عربيــة تطــرح فكــرة الســام بــن الــدول العربيــة‬ ‫مجتمعــة‪ ،‬وبــن إســرائيل يف تلــك املبادرة الت ــي أعلنهــا األميــر فهــد‪-‬‬ ‫ولــي العهــد الســعودي حينئــذ‪-‬يف ‪ 7‬أغســطس ‪1981‬م‪ ،‬والتي تدعــو‬ ‫إل ــى انســحاب إســرائيل مــن جميــع األراض ــي العربيــة الت ــي احتلتهــا‬ ‫يف عــام ‪1967‬م‪ ،‬مبــا فيهــا القــدس العربيــة‪ .‬وإزالــة املســتعمرات الت ــي‬ ‫أقامتهــا إســرائيل يف األراضــي العربيــة بعــد ‪1967‬م‪ ،‬وقيــام الدولــة‬ ‫الفلســطينية املســتقلة بعاصمتهــا القدس‪ .‬وبعــد يومــن أعلــن‬ ‫مناحيــم بيغــن رفضهــا‪ .‬وأصــدرت وزارة اخلارجيــة اإلســرائيلية بيا ًنــا‬ ‫جــاء فيــه «إن إســرائيل تــرى يف االقتــراح الســعودي خطــة لتدميرهــا‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫‪81‬‬

‫ملف العدد‬

‫ضرورة إنشاء بنية عربية لعلوم الرأي العام وسيكولوجيا الجماهير‬

‫انقالب الرأي العام الدويل قبلة الحياة‬ ‫لمبادرة السالم العربية‬ ‫ثمــة بدهيــة يصعب االختــاف عليهــا أال وه ــي أن «الــرأي العــام» (‪ )Public Opinion‬ال ميكــن أن يتشــكل يف دولــة ما نحــو‬ ‫قضية خارجيــة إال إذا كانــت هــذه القضيــة تهــم شــعب هذه الدولــة‪ ،‬وعلى النحــو الــذي يتفــق مــع السياســيات العامــة الت ــي‬ ‫حتقــق مصاحلهــا‪ .‬وال مــراء أن وســائل اإلعــام اجلماهيريــة (‪ )Mass Media‬تعــد األداة الرئيســة الت ــي تشــكل الــرأي العــام‬ ‫يف دولــة مــا‪ ،‬ســواء أكانــت القضيــة محــل ذلــك الــرأي محليــة‪ ،‬أم إقليميــة‪ ،‬أم دوليــةـ وإذا كان مــن املعتاد ‪-‬الســيما يف الــدول‬ ‫الدميقراطيــة – أن تبايــن توجهــات بعــض وســائل اإلعــام يف قضيــة داخليــة مــا مــع توجهــات الســلطة احلاكمــة نحوهــا‪ ،‬فمــن‬ ‫النــادر أن يبايــن التوجــه العــام لوســائل اإلعــام يف هــذه الدولــة نحــو قضيــة دوليــة تلــك اخلطــوط العريضــة لسياســيات هــذه‬ ‫الســلطة نحوهــا‪ .‬بــل إن املعتــاد هــو أن تكــون وســائل اإلعــام األداة الرئيــس حلشــد الــرأي العــام يف هــذه الدولــة لدعم موقــف‬ ‫ســلطاتها احلاكمــة حيــال تلــك القضيــةـ وهــو مــا يفض ــي إل ــى نتيجــة منطقيــة أال وه ــي‪ :‬إن الــرأي العــام يف دولــة مــا نحــو‬ ‫قضيــة خارجيــة معينــة يتشــكل طب ًقــا ملوقــف وســائلها اإلعالميــة الت ــي تتبن ــى – عل ــى أقــل تقديــر – اخلطــوط الرئيســية‬ ‫لسياســات دولتهــا نحــو هــذه القضيــة ‪ ..‬وهــو مــا يعن ــي أن معرفــة املوقــف الرســمي لدولــة أو دول مــا نحــو قضيــة دوليــة معينــة‬ ‫يجعلنــا نســتطيع أن نضــع أيدينــا عل ــى املالمــح الرئيســة ملوقــف الــرأي العام داخــل هــذه الدولــة أو الــدول حيــال تلــك القضيــة‪.‬‬

‫د‪ .‬محمود السماسيري‬

‫القضيــة األكثر إثــارة للرأي العام الدويل يف التاريخ‪:‬‬

‫رغــم كثــرة القضايــا املمتــدة‪ ،‬أو العابــرة الت ــي أثــارت اهتمــام الــرأي‬ ‫العــام علــى املســتوى الدولــي‪ ،‬إال إن القضيــة الفلســطينية تعــد‬ ‫القضيــة األكثــر إثــارة للــرأي العــام الدول ــي يف التاريــخ احلديــث‪ ،‬بــل‬ ‫ميكــن أن جنــزم باطمئنــان أنهــا القضيــة األكثــر إثــارة للــرأي العــام‬ ‫الدول ــي يف التاريــخ اإلنســاني لكونهــا تقــع جغراف ًيــا يف نقطــة التقــاء‬ ‫األديــان الســماوية الثالثــة الت ــي يربــو أتباعهــا عل ــى نصــف ســكان‬ ‫العالــم‪ ،‬ولكونهــا حظيــت‪-‬دون غيرهــا مــن القضايــا الدوليــة ‪ -‬بوجــود‬ ‫وســائل إعــام عابــرة للحــدود؛ عل ــى نحــو جعــل العالــم كلــه‪ -‬عل ــى‬ ‫حــد تعبيــر عالــم االتصــال الكنــدي الشــهير “مارشــال ماكلوهــان”‬ ‫(قريــة واحــدة)‪ .‬وهــو مــا جعــل أي حــدث يقــع يف ركــن مــا مــن أركان‬ ‫هــذه القريــة الكونيــة يتــردد صــداه يف باق ــي أركانهــا يف اآلن نفســه‪.‬‬ ‫وقبــل الشــروع يف احلديــث عــن موقــف الــرأي العــام الدول ــي مــن هــذه‬ ‫القضيــة بصفــة عامــة وعــن أبــرز مبــادرات حلها ‪ -‬والت ــي توافق عليها‬

‫أصحــاب القضيــة أنفســهم ‪ -‬أال وهــي «مبــادرة الســام العربيــة»؛‬ ‫وحــري بنــا أن نقــدم تعري ًفــا للــرأي العــام الدول ــي(‪International‬‬ ‫‪ ،)public opinion‬وهــو التعريــف الــذي طرحــه الدكتــور حامــد‬ ‫ربيــع يف كتابــه “مقدمــة يف نظريــات الــرأي العــام واإلعــام « والــذي‬ ‫يذهــب فيــه إل ــى أنــه هــو «كل تعبيــر تلقائ ــي عــن وجهــة نظــر معينــة ال‬ ‫تقتصــر يف إثبــات وجودهــا عل ــي مجتمــع معــن‪ ،‬وإمنــا تتعــدى احلــدود‬ ‫بــن اجلماعــات السياســية لتعبــر عــن نــوع معــن مــن التوافــق بــن‬ ‫بعــض الطبقــات أو الفئــات الت ــي تنتم ــي إل ــى أكثــر مــن دولــة واحــدة‪،‬‬ ‫ســواء كانــت تلــك الــدول تشــكل‪ -‬يف مجموعهــا ‪-‬مجتمع ـاً إقليمي ـاً‬ ‫دولي ـاً أو كانــت تنتم ــي إل ــى أكثــر مــن مجتمــع إقليم ــي دول ــي»‬

‫البدايــة الحقيقيــة النشــغال الــرأي العــام الــدويل بالقضيــة‬ ‫الفلســطينية‪:‬‬ ‫تعــود شــرارة البدايــة لوضــع القضيــة الفلســطينية يف بــؤرة اهتمــام‬ ‫الــرأي العــام الدول ــي إل ــى (‪ 29‬نوفمبــر‪1947‬م) وهــو اليــوم الــذي أقــرت‬


‫‪80‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫ت ــرى إس ــرائيل يف انهي ــار الجي ــش الس ــوداني إضع ــاف لمص ــر ويفت ــح‬ ‫الطريــق لتقســيم الســودان مــرة أخــرى كمــا فعلــت مــع جنــوب الســودان‬ ‫اخلامتة‪:‬‬ ‫اتهــم الغــرب املؤيــد إلســرائيل قمــة اخلرطــوم بأنهــا وضعــت بالءاتهــا‬ ‫الثالثــة الشــرق األوســط علــى مســار الصــراع‪ ،‬ألنــه يف الوقــت‪،‬‬ ‫الــذي كان يضغــط فيــه العالــم عل ــى إســرائيل لقبــول صيغــة األرض‬ ‫مقابــل الســام‪ ،‬وأن تســحب جيشــها ومواطنيهــا مــن املناطــق‪ ،‬الت ــي‬ ‫ســيطرت عليهــا خــال حــرب األيــام الســتة‪ ،‬أغلقــت هــذه «الــاءات»‬ ‫كل األبــواب‪ .‬وتشــبث الغــرب طويـ ًـا مبزاعــم أنــه بعــد احلــرب مباشــرة‪،‬‬ ‫كانــت إســرائيل عل ــى اســتعداد للقيــام بتلبيــة مــا نــادت بــه القمــة مــن‬ ‫مطالــب‪ .‬وذهبــت هــذه املزاعــم أكثــر للقــول إنــه لــم يكــن لــدى إســرائيل‬ ‫أبــدًا خطــط للســيطرة علــى هــذه املناطــق‪ ،‬وبعــد احلــرب مباشــرة‬ ‫كانــت مســتعدة لســحب قواتهــا منهــا مقابــل الســام مــع جيرانهــا‬ ‫ــب إلــى موشــيه ديــان‪،‬‬ ‫العــرب‪ .‬ويتكئــون يف ذلــك علــى تصريــح نُ ِس َ‬ ‫وزيــر الدفــاع اإلســرائيلي آنــذاك‪ ،‬يقــول إن «إســرائيل تنتظــر مكاملــة‬ ‫هاتفيــة مــن العــرب»‪ ،‬وأن «كل شــيء قابــل للتفــاوض»‪ .‬ويتشــبث‬ ‫الغــرب أكثــر بهــذه املزاعــم قائلــن إن إســرائيل لــم تغلــق أبــدا البــاب‬ ‫أمــام تبــادل األراض ــي‪ ،‬الت ــي ســيطرت عليهــا بعــد حــرب األيــام الســتة‬ ‫مقابــل االعتــراف والســام‪ ،‬ويستشــهدون بحقيقــة أنــه عندمــا وقعــت‬ ‫اتفاقيــة ســام مــع مصــر‪ ،‬بعــد أن أصبحــت األخيــرة أول دولــة عربيــة‬ ‫تكســر «الــاءات الثالثــة» واالعتــراف بإســرائيل والوعــد بإنهــاء جميــع‬ ‫محــاوالت تدميرهــا‪ ،‬انســحبت إســرائيل مــن شــبه جزيــرة ســيناء‪ ،‬الت ــي‬ ‫وعــدت مصــر بتجريدهــا مــن الســاح‪ ،‬ووضــع حــد جلميــع أشــكال‬ ‫العــدوان عل ــى إســرائيل‪ ،‬وتركهــا بحــدود ميكــن الدفــاع عنهــا لتوفيــر‬ ‫أمنهــا‪.‬‬ ‫لقــد أرادت إســرائيل ســام التجزئــة عل ــى نســق كامــب ديفيــد‪ ،‬الــذي‬ ‫أخــرج مصــر مــن قيــادة املقاومــة‪ ،‬وأوســلو‪ ،‬التــي شــقت الصــف‬ ‫الفلســطيني‪ ،‬ووادي عربــة‪ ،‬والتــي أوجــدت توتــ ًرا صامتًــا داخــل‬

‫املجتمــع األردنــي‪ .‬ومــا أحدثتــه بــن هــذه الــدول والكيانــات‪ ،‬التــي‬ ‫قبلــت مببــدأ االتفاقيــات الثنائيــة‪ ،‬وبقيــة الشــعوب العربيــة‪ ،‬التــي‬ ‫رفضــت التطبيــع حتــى يف الــدول أقــرت بضــرورات الســام‪ ،‬الــذي‬ ‫ُو ِصـ َ‬ ‫ـف بأ َّنــه ظــل بــار ًدا وبــا روح‪ .‬ومــا جربتــه إســرائيل مؤخ ـ ًرا فيمــا‬ ‫ســمي باالتفاقيــات “اإلبراهيميــة”‪ ،‬أعطاهــا بصيــص أمــل يف عالقــة‬ ‫مــع دول مبقدورهــا أخــذ شــعوبها مبقتضيــات قرارهــا السياس ــي‪ ،‬إذ‬ ‫يتســق الســام الرســمي مــع التطبيــع الشــعبي؛ عل ــى األقــل هــذا مــا‬ ‫كان قبــل الســابع مــن أكتوبــر ‪2023‬م‪ ،‬ومــا ُعـ َ‬ ‫ـرِف بـ»طوفــان األقص ــى»‪.‬‬ ‫لكــن تــل أبيــب حتاشــت عل ــى الــدوام املبــادرة الســعودية‪ ،‬ألنهــا مثلــت‬ ‫إرادة عربيــة جماعيــة‪ .‬فقــد أرادت دائ ًمــا احلديــث مــع الريــاض‪ ،‬وليــس‬ ‫القبــول باملبــادرة الســعودية ‪ /‬العربيــة‪ ،‬كمــا اجتهــدت يف التحــدث مــع‬ ‫الســلطة الفلســطينية وليــس الفلســطينيني‪ ،‬وعــزل منظمــة فتــح عــن‬ ‫بقيــة احلــركات‪ ،‬هادفــة بذلــك لشــق الصــف الفلســطيني وإضعافــه‪،‬‬ ‫ـامل وعــادل‪ .‬فهــا هــو رئيــس‬ ‫ـام شـ ٍ‬ ‫ب ـد ًاًل مــن احلــوار معــه إلقــرار سـ ٍ‬ ‫الــوزراء اإلســرائيلي الســابق نفتالــي بينيــت يوضــح أنــه ليــس لديــه‬ ‫مصلحــة يف إحيــاء عمليــة الســام اإلســرائيلية – الفلســطينية‪،‬‬ ‫مؤك ـدًا بذلــك موقفــه الثابــت بأنــه «يعــارض قيــام دولــة فلســطينية‪،‬‬ ‫ولــن يســمح بإجــراء محادثــات عل ــى خــط الدولــة الفلســطينية»‪ .‬إن‬ ‫اخلطــوط احلمــراء األساســية للمحادثــات وحــل الدولتــن وتعزيزهــا‬ ‫ه ــي «الــاءات الســت»‪ ،‬الت ــي يبــدو أنهــا توجــه اســتراتيجية إســرائيل‬ ‫احلاليــة جتــاه الفلســطينيني‪ ،‬ممــا يضــع اإلســرائيليني والفلســطينيني‬ ‫عل ــى األرجــح عل ــى مســار محكــوم عليــه بالكــوارث‪ ،‬لكــن يكــون «طوفان‬ ‫األقص ــى» آخــر حلقاتــه‪.‬‬ ‫*سفري سوداين ــ األمني العام السابق ملنتدى الفكر العريب‪ ،‬األردن‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫ذلــك‪ ،‬بإقامــة عالقــات دبلوماســية كاملــة مــع العالــم اإلســامي‪،‬‬ ‫مبــا يف ذلــك إيــران‪ ،‬التــي تتخذهــا تــل أبيــب ذريعــة للتهــرب مــن‬ ‫اســتحقاقات الســام‪ .‬فقــد قــال ذلــك الوزيــر‪ ،‬وف ًقــا لرافائيــل أهريــن‪،‬‬ ‫إنهــا‪ ،‬أي املبــادرة العربيــة‪« ،‬أفضــل فكــرة عل ــى اإلطــاق»‪.‬‬ ‫لكــن‪ ،‬ظــل ســؤال أهريــن‪ ،‬الــذي اتخــذه عنوا ًنــا ملقالتــه تلــك‪« :‬ملــاذا‬ ‫تخش ــى إســرائيل مــن مبــادرة الســام العربيــة؟» بــا إجابــة إســرائيلية‬ ‫مقنعــة علــى مــدى أكثــر مــن عقديــن مــن الزمــن‪ .‬رغــم أن كلمــة‬ ‫«التطبيــع» قــد أصبحــت أكثــر تــداو ًاًل‪ ،‬بــذات مــا اصطلــح النــاس عل ــى‬ ‫تعريفــه؛ بفهــم أنــه اتبــاع سياســات عل ــى مســتوى احلكومــات‪ ،‬كمــا‬ ‫أرادتــه املبــادرة العربيــة‪ ،‬أو إجــراءات عل ــى مســتوى األفــراد واجلماعات‪،‬‬ ‫الــذي ســعت إليــه مــا ســبقها مــن مبــادرات ثنائيــة؛ غامــرت بــه مصــر‬ ‫أنــور الســادات‪ ،‬فيمــا ُعــرف باتفاقيــة «كامــب ديفيــد»‪ ،‬عــام ‪ ،79‬أو مــا‬ ‫جتاســرت عليــه اململكــة األردنيــة باتفاقيــة “وادي عربــة”‪ ،‬عــام ‪،94‬‬ ‫وهدفــت كالهمــا إل ــى خلــق حالــة ســام جزئ ــي‪ ،‬بينمــا نزعــت املبــادرة‬ ‫العربيــة إل ــى معاملــة إســرائيل والشــعب اإلســرائيلي كحالــة طبيعيــة‬ ‫يف الشــرق األوســط‪ ،‬مــن دون أن تتجاهــل دور احلكومــة اإلســرائيلية‬ ‫واملســتوطنني اإلســرائيليني يف عمليــات التطهيــر العرقــي وتهجيــر‬ ‫الفلســطينيني‪ .‬غيــر أن املوجــة اجلديــدة مــن التطبيــع «اإلبراهيم ــي»‬ ‫بــدا أنهــا رغبــة يف املضــي قد ًمــا يف العالقــات مــع إســرائيل‬ ‫واإلســرائيليني‪ ،‬مــع غــض الطــرف َع َّمــا مضــى مبدخــل «عفــا اهلل‬ ‫َع َّمــا ســلف»‪ ،‬وانخــراط نشــط يف عالقــات‪ ،‬وكأنهــا مســابقة تعويــض‬ ‫لســنوات القطيعــة واخلصــام‪.‬‬ ‫إن حجــة أهريــن‪ ،‬الت ــي حــاول أن يجيــب بهــا عل ــى تســاؤله ُ َ‬ ‫«احُمل ِّيــر»‪،‬‬ ‫ركــزت يف مقدمتــه عل ــى ميــزة املبــادرة العربيــة‪ ،‬والت ــي كان بإمكانهــا‬ ‫أن جتلــب للتطبــع ‪ 57‬دولــة‪ ،‬ه ــي عضويــة منظمــة التعــاون اإلســامي‪،‬‬ ‫وعل ــى رأســها اجلمهوريــة اإلســامية يف إيــران‪ .‬وقــال إن املبــادرة ُ َ‬ ‫مُت ِّكــن‬ ‫إلســرائيل بســهولة أن تصنــع الســام مــع إيــران؛ ُمبــرِ ًرا ذلــك بأنهــا‬ ‫«حتتــاج فقــط إل ــى إخــاء بعــض املســتوطنات‪ ،‬والســماح لعــدد قليــل‬ ‫مــن الالجئــن الفلســطينيني بدخــول إســرائيل‪ ،‬والعــداوة املريــرة بــن‬ ‫القــدس وطهــران أصبحــت شــي ًئا مــن املاضــي»‪ .‬لكنــه اعتــرف أن‬ ‫األمــر ليــس بهــذه البســاطة‪ ،‬إال أن «هنــاك نــواة نظريــة للحقيقــة»‪،‬‬ ‫فيمــا قدمــه مــن اقتــراح‪ُ ،‬متَ َوقِ ًعــا أن تقيــم ‪ 57‬دولــة عربيــة وإســامية‬ ‫«عالقــات دبلوماســية وطبيعيــة كاملــة» مــع إســرائيل‪ ،‬مقابــل «اتفــاق‬ ‫ســام شــامل» مــع الفلســطينيني‪ .‬وجمهوريــة إيــران اإلســامية مــن‬ ‫بــن البلــدان‪ ،‬الت ــي تؤيــد املبــادرة‪ .‬وعل ــى الرغــم مــن أن إيــران ليســت‬ ‫دولــة عربيــة‪ ،‬إال أنهــا عضــو يف منظمــة التعــاون اإلســامي‪ ،‬التــي‬ ‫أعربــت مــرا ًرا وتكــرا ًرا عــن دعمهــا ملبــادرة الســام العربيــة‪ ،‬مبــا يف‬ ‫ذلــك يف مايــو ‪2013‬م‪ ،‬يف القاهــرة‪ .‬ورحبــت بهــا قبــل ذلــك بعقــد مــن‬ ‫الزمــان حــن أعــاد مؤمتــر لــوزراء خارجيــة الــدول األعضــاء يف طهــران‪،‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫‪79‬‬

‫ملف العدد‬

‫يف مايــو ‪2003‬م‪« ،‬التأكيــد عل ــى دعمــه وتبنيــه ملبــادرة الســام العربيــة‬ ‫حلــل قضيــة فلســطني والشــرق األوســط»‪ .‬يف الواقــع‪ ،‬أظهر منشــور‬ ‫إعالمــي حــول مبــادرة السالم نشــر علــى املوقــع الرســمي جلامعــة‬ ‫الــدول العربيــة أعــام جميــع الــدول‪ ،‬الت ــي تؤيــد االقتــراح‪ ،‬مبــا يف ذلــك‬ ‫ليبيــا وســوريا وإيــران‪.‬‬ ‫فضول قاتل‪:‬‬ ‫يف األصــل‪ ،‬عرضت مبــادرة الســام العربية إقامــة عالقــات‬ ‫دبلوماســية لتــل أبيــب مــع العالــم العربــي بأســره‪ .‬لكــن‪ ،‬يف عــام‬ ‫‪2002‬م‪ ،‬كانــت احلكومــة اإلســرائيلية‪ ،‬كمــا وصفهــا أهريــن‪« ،‬فضوليــة»‪،‬‬ ‫لذلــك نظــرت إل ــى املبــادرة عل ــى أنهــا اقتــراح مغلــق احلــدود؛ مبعن ــى‬ ‫ــب علــى املتعصبــن واملتردديــن‬ ‫ص َّع َ‬ ‫«خذوهــا‪ ،‬أو اتركوهــا»‪ ،‬ممــا َ‬ ‫تَبنيهــا‪ ،‬أو حت ــى مجــرد الترحيــب بهــا‪ .‬رغــم أن املبــادرة بــدت «ظاهر ًيــا»‬ ‫جذاب ـ ٌة لــكل العقــاء‪ ،‬ملــا ورد فيهــا ممــا ُعـ َّـد تنــاز ًاًل مه ًمــا مــن جانــب‬ ‫الــدول العربيــة‪ ،‬الت ــي رحبــت ألول مــرة‪ ،‬وبشــكل جماع ــي‪ ،‬بـ»الســام‬ ‫مــع إســرائيل»‪ ،‬وهــو أمــر لــم تكــن مســتعدة للقيــام بــه منــذ تأســيس‬ ‫الكيــان اليهــودي علــى أرض فلســطني‪ .‬وقــد أفــاض املشــككون يف‬ ‫القــول إن مبــادرة الســام العربيــة غيــر مقبولــة إلســرائيل بســبب بنــود‬ ‫معينــة ال ميكــن ألي حكومــة املوافقــة عليهــا‪ ،‬مــن دون أن يُشــيروا‬ ‫ألي مــن هــذه البنــود‪ ،‬عل ــى قِ لــة مــا حوتــه املبــادرة مــن تفاصيــل‪.‬‬ ‫بِد َّقــة ٍ‬ ‫فقــد كتــب جلعــاد شــارون‪ ،‬جنــل رئيــس الــوزراء آنــذاك أريئيــل شــارون‪،‬‬ ‫يف مذكــرات والــده‪ ،‬الت ــي صــدرت عــام ‪2011‬م‪ ،‬أن «التفاصيــل جعلــت‬ ‫العــرض غيــر مقبــول»‪ ،‬أي أن مــا تقتضيــه مــن التزامــات جعلهــا غيــر‬ ‫قابلــة حلكومــات ال تنــوي أن تقــدم تنــازالت مــن أجــل الســام‪ ،‬الــذي‬ ‫تُ ْكثِــر احلديــث عنــه كلمــا أرادت حتقيــق ســبق دبلوماســي‪ .‬فقــد‬ ‫أظهــرت املبــادرة أن إســرائيل ال تريــد االنخــراط مــع العالــم العربــي‬ ‫مجتم ًعــا مــن خــال اإلعــان عــن اهتمامهــا بالرغبــة العربيــة اجلمعيــة‬ ‫يف الســام‪ ،‬ولــم تبــادر إلظهــار إرادة سياســية جتــاه هــذا الســام‪،‬‬ ‫واســتحقت‪ ،‬بالتال ــي‪ ،‬لقــب الطــرف‪ ،‬الــذي مينــع التوصــل إل ــى اتفــاق‬ ‫تكســب ه ــي منــه أكثــر ممــا تخســر‪ .‬باملقابــل‪ ،‬فــإن اجلامعــة العربيــة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ســبياًل إال‬ ‫التــي احتضنــت املبــادرة الســعودية وتبنتهــا‪ ،‬لــم تتــرك‬ ‫ســلكته مــن أجــل الترويــج لهــا‪ ،‬واإلقنــاع بهــا‪ ،‬ومحاولــة اجناحهــا‪ .‬فف ــي‬ ‫مــارس ‪2007‬م‪ ،‬أعــادت قمتهــا‪ ،‬الت ــي عقــدت يف الريــاض‪ ،‬التأكيــد عل ــى‬ ‫عــرض الســام األصل ــي‪ ،‬وأوفــدت وزيــر اخلارجيــة املصــري أحمــد أبــو‬ ‫الغيــط‪ ،‬ونظيــره األردن ــي عبــد اإللــه اخلطيــب‪ ،‬الذيــن أبرمــت بلدانهــم‬ ‫بالفعــل معاهــدات ســام مــع تــل أبيــب‪ .‬و ُعـ َّـدت الزيــارة األول ــى ملمثلــن‬ ‫رســميني جلامعــة الــدول العربيــة إل ــى إســرائيل‪ ،‬رغــم إصرارهمــا عل ــى‬ ‫بروتوكــول دبلوماســي مــن شــأنه أن يوضــح أنهمــا ميثــان بلديهمــا‬ ‫وليــس جامعــة الــدول العربيــة‪ ،‬لكــن حضــرا بتكليــف مــن مجموعــة‬ ‫العمــل يف القمــة العربيــة‪.‬‬


‫‪78‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫تريـــد إســـرائيل التجزئـــة مثـــل كامـــب ديفيـــد مـــع مصـــر وأوســـلو‬ ‫مـــع الفلســـطينيين ووادي عربـــة مـــع األردن واتفاقيـــات إبراهـــام‬ ‫الثالثــة» “نعــم الثالثــة”‪“ :‬نعــم للمفاوضــات بــن إســرائيل والســودان‪،‬‬ ‫نعــم لالعتــراف بإســرائيل‪ ،‬ونعــم للســام بــن الــدول وبــن الشــعوب»‪.‬‬ ‫واســتمرت هــذه النشــوة لبعــض الوقــت‪ ،‬ويف الزيــارة األخيــرة يف ‪2‬‬ ‫فبرايــر ‪ ،2023‬التق ــى كوهــن‪ ،‬الــذي صــار وزي ـ ًرا للخارجيــة‪ ،‬باجلنــرال‬ ‫البرهــان ووزيــر دفاعــه يف اخلرطــوم‪ .‬لكــن لــم يتوقــع البرهــان‪ ،‬الــذي‬ ‫فتــح أبــواب اخلرطــوم لتــل أبيــب‪ ،‬مبــا يف ذلــك مواقــع منظومتــه‬ ‫الصناعيــة الدفاعيــة‪ ،‬أن يتعــرض للخيانــة‪ .‬فقــد أدرك ذلــك بعــد‬ ‫أن قــام نائبــه محمــد حمــدان دقلــو «حميدت ــي»‪ ،‬قائــد قــوات «الدعــم‬ ‫الســريع»‪ ،‬بانقــاب ضــده‪ ،‬يف ‪ 15‬أبريــل ‪2023‬م‪ ،‬وأغــرق الســودان يف‬ ‫ــن صداقتهــم‬ ‫بــرك مــن الدمــاء والدمــار والفوضــى‪ ،‬ووقفــت مــن َظ َّ‬ ‫إل ــى جانــب غرميــه‪ .‬رغــم أن الرجلــن؛ البرهــان وحميدت ــي قــد أظهــرا‬ ‫والءهمــا إلســرائيل‪ ،‬لكــن رأت تــل أبيــب يف حميدت ــي خصائــص أكثــر‬ ‫فائــدة يف املــدى القريــب‪ ،‬ألن ســيطرته عل ــى الســودان ســتؤدي إل ــى‬ ‫انهيــار جيــش البــاد‪ ،‬الــذي تنشــط املزاعــم يف وصمــه بأنــه يتكــون مــن‬ ‫قــوى إســامية معاديــة إلســرائيل‪ ،‬وانهيــاره هــو انتصــار لهــا وحللفائها‪،‬‬ ‫الذيــن تكفلــوا بدعمــه الالمحــدود‪ .‬وميكــن لذلــك أن يُضعــف مصــر‪،‬‬ ‫ويفتــح الطريــق لتقســيم الســودان مــرة أخــرى‪ ،‬كمــا فعلــت ذات القــوى‬ ‫مــع جنــوب الســودان‪.‬‬ ‫الالءات الستة‪:‬‬ ‫إذا كانــت «الــاءات الثــاث» تذكرنــا بإجمــاع العــرب الغاضــب يف‬ ‫اخلرطــوم‪ ،‬الــذي شــرخته معاهــدة الســام بــن إســرائيل ومصــر عــام‬ ‫‪1978‬م‪ ،‬وتليهــا املعاهــدة اإلســرائيلية األردنيــة لعــام ‪1994‬م‪ ،‬ثــم عكســته‬ ‫بالكامــل مبــادرة الســام العربيــة بقيــادة الســعودية عــام ‪2002‬م‪ ،‬فــإن‬ ‫إلســرائيل مــا أجمــع عليــه قادتهــا مــن «الــاءات الســتة»‪ ،‬التــي مــا‬ ‫تــزال صامــدة‪ ،‬رغــم كل املغريــات‪ ،‬مبــا فيهــا املعــادات «اإلبراهيميــة»‬ ‫الثنائيــة‪ ،‬التــي اعترفــت بإســرائيل‪ ،‬وقبلــت مبــا َح َّصلتــ ُه كطريــق‬ ‫اســتراتيجي للتعــاون‪ ،‬وهدفــت إل ــى تأســيس العالقــات الدبلوماســية‬ ‫الطبيعيــة بينهــا وإســرائيل‪ .‬رمبــا تكــون هنــاك مفارقــة‪ ،‬قــد ال تصلــح‬ ‫لعقــد املقارنــات‪ ،‬ميكــن العثــور عليهــا يف انعــكاس املوقــف‪ .‬فف ــي حــن‬ ‫كانــت إســرائيل تنــاور؛ يف حلظــة تاريخيــة‪ ،‬بالســام‪ ،‬كانــت فيهــا‬ ‫الــدول العربيــة يف أوج تشــددها‪ ،‬اليــوم‪ ،‬يف حلظــة أصبحــت فيهــا‬ ‫مواقــف الــدول العربيــة جتــاه إســرائيل أكثــر مرونــة‪ ،‬أصبحــت القيــادة‬ ‫اإلســرائيلية أكثــر صالبــة وتقــدم مجموعــة «الــاءات» اخلاصــة بهــا‪:‬‬ ‫ال مفاوضــات‪ ،‬ال حــل الدولتــن‪ ،‬ال حــل الدولــة الواحــدة‪ ،‬ال جتميــد‬ ‫املســتوطنات‪ ،‬ال ســيادة فلســطينية يف القــدس الشــرقية‪ ،‬ال لعــودة أي‬ ‫الجــئ فلســطيني إل ــى إســرائيل‪.‬‬

‫على هذه اخللفية‪ ،‬إذا كانت «الالءات الستة» تُشير ضمن ًيا إلى قبول‬ ‫«الوضــع الراهــن»‪ ،‬فــإن الكثيريــن يف اليمــن اإلســرائيلي‪ ،‬ومــن بينهــم‬ ‫وضوحا أن‬ ‫رئيــس الــوزراء بنجامــن نتنياهــو‪ ،‬ظلــوا يؤكدون بشــكل أكثر‬ ‫ً‬ ‫هــذا هــو الســبيل األفضــل‪ ،‬أو الوحيــد للمض ــي قد ًمــا؛ مثلمــا أشــارت‬ ‫وزيــرة الداخليــة اإلســرائيلية األســبق أييليــت شــاكيد إلى أن «الوضــع‬ ‫ٍ‬ ‫وقتئذ وزيــر االقتصــاد‬ ‫احلال ــي هــو األفضــل للجميــع»‪ ،‬مؤكــدة مــا قالــه‬ ‫والتجــارة نفتال ــي بينيــت‪ ،‬زعيــم حزب البيــت اليهــودي‪ ،‬أمــام مجموعــة‬ ‫مــن قــادة املســتوطنني أن القضيــة الفلســطينية لــن حتــل أبـدًا ويجــب‬ ‫حتملهــا‪ .‬ومــع ذلــك‪ ،‬فــإن مخاطــر رفــض أي مرونــة‪ ،‬أو عــدم إظهــار‬ ‫االســتعداد لتقــدمي أفــكار‪ ،‬أو بدائــل حلــل الصــراع‪ ،‬أو تقريــب مواقــف‬ ‫األطــراف كثيــرة‪ .‬وقــال تــور وينســاند‪ ،‬املنســق اخلــاص لعملية الســام‬ ‫يف الشــرق األوســط‪ ،‬خــال املناقشــة املفتوحــة للمجل ــس املكونــة مــن‬ ‫‪ 15‬عضــ ًوا‪ ،‬يف ‪ 19‬ينايــر ‪2022‬م‪ ،‬إنــه «بــدون احتمــال واقعــي إلنهــاء‬ ‫االحتــال وحتقيــق حــل الدولتــن‪ ...‬إنهــا مســألة وقــت فقــط قبــل أن‬ ‫نواجــه انهيــا ًرا خطي ـ ًرا ال رجعــة فيــه وعــدم اســتقرار واســع النطــاق»‪.‬‬ ‫وأشــار إلــى تدهــور األوضــاع االقتصاديــة واألمنيــة والسياســية يف‬ ‫األرض الفلســطينية احملتلــة‪ ،‬وأوجــز حــاالت العنــف األخيــرة شــبه‬ ‫ً‬ ‫فضــا عــن اســتمرار التوســع االســتيطاني اإلســرائيلي‪،‬‬ ‫اليوميــة‪،‬‬ ‫وطــرد الفلســطينيني‪ ،‬وهــدم املنــازل؛ وكلهــا تغــذي اليــأس وتقلــل مــن‬ ‫احتمــاالت الســام‪ .‬وقال املنســق مؤخـ ًرا إن احلــروب املتكــررة والعنــف‬ ‫حــول غــزة‪ ،‬والتوتــرات يف القــدس الشــرقية والضفــة الغربيــة‪ ،‬ســواء‬ ‫مــع القــوات اإلســرائيلية‪ ،‬أو بــن الفلســطينيني‪ ،‬تشــير بوضــوح إل ــى أن‬ ‫الوضــع الراهــن ال ميكــن أن يســتمر‪.‬‬ ‫اخلشية من السالم‪:‬‬ ‫قيــض اهلل لوزيــر ســابق يف حكومــة «الليكــود» أن يعبــر يف حلظــة‬ ‫جتــل عــن تفــاؤل باملبــادرة العربية‪/‬الســعودية لتســوية القضيــة‬ ‫ٍ‬ ‫الفلســطينية‪ ،‬الت ــي أقرتهــا ألول مــرة جامعــة الــدول العربيــة‪ ،‬يف عــام‬ ‫‪2002‬م‪ ،‬يف قمــة بيروت‪ ،‬وأعيــد تأييدهــا يف عامــي ‪ 2007‬و‪2017‬م‪ ،‬يف‬ ‫قمم جامعــة الــدول العربيــة‪ .‬وتَ ْعــرِض املبــادرة‪ ،‬الت ــي صيغــت من عشــر‬ ‫ُج َمــل وســبعة بنــود‪ ،‬تطبيــع العالقــات بني العالــم العربي وإســرائيل‪،‬‬ ‫مقابــل انســحاب كامــل مــن قبــل إســرائيل من األراض ــي احملتلــة؛ مبــا‬ ‫يف ذلك الضفــة الغربية وغزة ومرتفعــات اجلوالن وجنــوب لبنــان‪،‬‬ ‫مــع إمكانيــة إجــراء مقايضــات طفيفــة مماثلــة ومتفــق عليهــا بشــكل‬ ‫متبــادل لــأرض بــن إســرائيل وفلســطني‪ ،‬و»تســوية عادلة» لقضيــة‬ ‫الالجئــن الفلســطينيني‪ ،‬عل ــى أســاس قرار األمم املتحــدة رقــم ‪،194‬‬ ‫وإقامــة دولــة فلســطينية عاصمتها القــدس الشــرقية‪ .‬وتَعِ ــ ُد‪ ،‬فــوق‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫‪77‬‬

‫ملف العدد‬

‫"الالءات" اإلســـرائيلية‪ :‬ال للمفاوضـــات وال للدولتيـــن وال للدولـــة‬ ‫الواحـــدة وال لتجميـــد المســـتوطنات وال للقـــدس والالجئيـــن‬ ‫ســوى عــدم جديــة»‪ .‬ومثلــه‪ ،‬تَ َد َّثـ َر كثيــرون مــن قــادة إســرائيل مببــررات‬ ‫اخلــوف والشــك وعــدم الثقــة يف مبــادرة كان بإمكانهــا أن تقــدم حـ ًـا؛‬ ‫مهمــا اعتــراه مــن نواقــص يف نظــر العــرب واإلســرائيليني‪.‬‬ ‫قصة قمتني‪:‬‬ ‫يف البــدء كان الكلمــة‪ ،‬وكانــت كلمــة القــادة العــرب‪ ،‬التــي اجتمعــوا‬ ‫وأجمعــوا عليهــا يف قمــة اخلرطــوم‪ ،‬يف ‪ 1‬ســبتمبر ‪1967‬م‪ ،‬موحــدة‪،‬‬ ‫روحــا جديــد ًة عبــرت عنهــا تأكيــدات القمــة علــى وحــدة‬ ‫ومثلــت ً‬ ‫الصــف العربــي‪ ،‬ووحــدة العمــل املشــترك‪ ،‬وضــرورة التنســيق وإزالــة‬ ‫كافــة اخلالفــات‪ .‬وقــد أكــد ملــوك ورؤســاء وممثلــو رؤســاء الــدول‬ ‫العربيــة وقــوف بلدانهــم إل ــى جانــب ميثــاق التضامــن العرب ــي‪ ،‬الــذي‬ ‫مت التوقيــع عليــه يف مؤمتــر القمــة العرب ــي الثالــث يف الــدار البيضــاء‪،‬‬ ‫وشــددوا علــى ضــرورة تنفيــذه‪ .‬واتفقــوا علــى وجــوب توحيــد كافــة‬ ‫اجلهــود إلزالــة آثــار العــدوان عل ــى أســاس أن األراض ــي احملتلــة ه ــي‬ ‫أراض عربيــة وأن عــبء اســتعادتها يقــع علــى عاتــق جميــع الــدول‬ ‫العربيــة‪ .‬وقــد ســبق مؤمتــر وزراء املاليــة واالقتصــاد والنفــط العــرب‬ ‫القمــة وأوصــى باســتخدام تعليــق ضــخ النفــط كســاح يف املعركــة‪.‬‬ ‫ومــع ذلــك‪ ،‬وبعــد دراســة مســتفيضة للموضــوع‪ ،‬توصلــت القمــة إل ــى‬ ‫أن ضــخ النفــط ميكــن أن يســتخدم يف حــد ذاتــه كســاح إيجاب ــي‪ ،‬ألن‬ ‫النفــط مــورد عرب ــي ميكــن اســتخدامه لتعزيــز اقتصــاد الــدول العربيــة‬ ‫املتضــررة مباشــرة مــن العــدوان‪ ،‬حت ــى تتمكــن هــذه الــدول مــن الصمود‬ ‫يف املعركــة‪ .‬لذلــك‪ ،‬قــررت القمــة اســتئناف ضــخ النفــط‪ ،‬باعتبــار‬ ‫النفــط مــور ًدا عرب ًيــا إيجاب ًيــا ميكــن اســتخدامه يف خدمــة األهــداف‬ ‫العربيــة‪ .‬ومــن شــأنه أن يســهم يف اجلهــود الراميــة إل ــى متكــن الــدول‬ ‫العربيــة‪ ،‬الت ــي تعرضــت للعــدوان وفقــدت بالتال ــي مواردهــا االقتصادية‬ ‫مــن الصمــود وإزالــة آثــار العــدوان‪ .‬والواقــع أن الــدول املنتجــة للنفــط‬ ‫شــاركت يف اجلهــود الراميــة إل ــى متكــن الــدول املتضــررة مــن العــدوان‬ ‫مــن الصمــود يف وجــه أي ضغــوط اقتصاديــة‪ .‬وقــد وافــق املشــاركون‬ ‫يف القمــة علــى اخلطــة‪ ،‬التــي اقترحتهــا الكويــت إلنشــاء صنــدوق‬ ‫عربــي لإلمنــاء االقتصــادي واالجتماعــي بنــاء علــى توصيــة مؤمتــر‬ ‫بغــداد لــوزراء املاليــة واالقتصــاد والنفــط العــرب‪ .‬واتفــق القــادة عل ــى‬ ‫ضــرورة اتخــاذ التدابيــر الالزمــة لتعزيــز االســتعداد العســكري ملواجهــة‬ ‫جميــع االحتمــاالت‪ ،‬وقــرروا اإلســراع يف إزالــة القواعــد األجنبيــة يف‬ ‫الــدول العربيــة‪.‬‬ ‫ال شــك أن قمــة اخلرطــوم مثلــت حالــة الغضــب العربــي‪ ،‬ألنهــا‬ ‫انعقــدت بعــد حــرب األيــام الســتة‪ ،‬الت ــي شــنتها إســرائيل عل ــى الــدول‬

‫العربيــة يف اخلام ــس مــن يونيــو ‪1967‬م‪ ،‬لذلــك اختتمــت أعمالهــا بقرار‬ ‫مــن ســبع نقــاط‪ ،‬أجملناهــا يف الفقــرة الســابقة‪ .‬وقــد أصبحــت تلــك‬ ‫القمــة‪ ،‬ومــا اتخذتــه مــن قــرارات‪ ،‬مشــهورة وتاريخيــة‪ ،‬خاصــة بســبب‬ ‫«الءاتهــا الثالثــة»‪ ،‬الت ــي صــارت دالــة عليهــا‪ ،‬إذ اتفــق القــادة العرب على‬ ‫توحيــد جهودهــم السياســية عل ــى الصعيديــن الدول ــي والدبلوماس ــي‬ ‫إلزالــة آثــار العــدوان‪ ،‬وضمــان انســحاب القــوات اإلســرائيلية املعتديــة‬ ‫مــن األراضــي العربيــة احملتلــة‪ ،‬منــذ عــدوان اخلامــس مــن يونيــو‬ ‫‪1967‬م‪ .‬وســيتم ذلــك يف إطــار املبــادئ الرئيســة‪ ،‬التــي تلتــزم بهــا‬ ‫الــدول العربيــة‪ ،‬وهــي عــدم الســام مــع إســرائيل‪ ،‬وعــدم االعتــراف‬ ‫بإســرائيل‪ ،‬وعــدم التفــاوض معهــا‪ ،‬واإلصــرار علــى حقــوق الشــعب‬ ‫الفلســطيني يف أرضــه‪ .‬ومنــذ ذلــك احلــن‪ ،‬بــدا إلســرائيل‪ ،‬والــدول‬ ‫الغربيــة املناصــرة لهــا‪ ،‬أن الــدول العربيــة تغلــق البــاب أمــام أي تقــدم‬ ‫محتمــل نحــو الســام‪ .‬غيــر أن هــذا االجمــاع العرب ــي اهتــز مببادرت ــي‬ ‫“كامــب ديفيــد” يف ‪ 17‬ســبتمبر ‪1978‬م‪ ،‬و”أوســلو” يف ‪ 13‬ســبتمبر‬ ‫‪1993‬م‪ ،‬و»وادي عربــة» يف ‪ 26‬أكتوبــر ‪1994‬م‪ ،‬وجتــدد بوجــه آخــر يف ‪28‬‬ ‫مــارس ‪2002‬م‪ ،‬يف قمــة بيــروت‪ .‬ومثلمــا احتــوت قمــة «الــاءات الثالثــة»‬ ‫عل ــى ســبعة بنــود؛ رافضــة للســام واالعتــراف والتفــاوض مــع الكيــان‬ ‫الصهيونــي‪ ،‬حملــت مبــادرة الســام العربيــة مضمــون اســمها يف‬ ‫ســبعة بنــود ه ــي األخــرى؛ ُم َطا ِل َبــة إلســرائيل أن جتنــح للســلم‪ ،‬بشــرط‬ ‫اســتيفاء ذات البنــود‪ ،‬التــي وردت يف قمــة اخلرطــوم‪ ،‬ويف مقدمتهــا‬ ‫االنســحاب مــن األراضــي احملتلــة عــام ‪1967‬م‪ ،‬وحــق العــودة‪ ،‬وقيــام‬ ‫الدولــة الفلســطينية يف الضفــة الغربيــة وقطــاع غــزة‪ ،‬وعاصمتهــا‬ ‫القــدس الشــريف‪ .‬وقــد رفضتهــا تــل أبيــب بــذات العبــارات‪ ،‬التــي‬ ‫أدانــت بهــا مقــررات قمــة اخلرطــوم‪ ،‬وزعمــت أن الطريقــن يؤديــان‬ ‫إل ــى تصفيــة الدولــة العبريــة يف نهايــة املطــاف؛ األول ــى بحربهــا وعــدم‬ ‫االعتــراف بهــا‪ ،‬والثانيــة بإضعافهــا وخلــق دولــة فلســطينية معاديــة‬ ‫إل ــى جوارهــا‪.‬‬ ‫بيــد إن املُثيــر للدهشــة هــو مــا طــرأ عل ــى موقــف اخلرطــوم ذاتهــا‪،‬‬ ‫الت ــي شــهدت حتـو ًاًل مه ًمــا بعــد عامــن مــن إطاحة اجليش الســوداني‪،‬‬ ‫بقيــادة اجلنــرال عبــد الفتــاح البرهــان‪ ،‬بالرئيــس عمــر حســن أحمــد‬ ‫البشــير يف انقــاب‪ ،‬هيــأت لــه انتفاضــة شــعبية‪ .‬فقــد التق ــى البرهــان‬ ‫مــع بنجامــن نتنياهــو يف عنتيب ــي بيوغنــدا‪ ،‬وزار وفــد سياس ــي مــن‬ ‫إســرائيل الســودان‪ ،‬اتفــق معهــم قــادة االنقــاب عل ــى متهيــد الطريــق‬ ‫ملصاحلــة الســودان مــع إســرائيل‪ .‬وكان رئيــس الوفــد اإلســرائيلي‬ ‫إيل ــي كوهــن قــد عــاد إل ــى تــل أبيــب مــن اخلرطــوم منتص ـ ًرا‪ ،‬وقــال‬ ‫«نحــن نبن ــي واق ًعــا جديـدًا مــع الســودانيني‪ ،‬حيــث ســتصبح «الــاءات‬


‫‪76‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫المبادرة العربية‪ :‬بين التوافق العربي والرفض اإلسرائيلي‪ :‬إعادة تقييم‬

‫إسرائيلتستخدمنظرية"الالءاتالست"وتفضل‬ ‫سالم التجزئة والمفاوضات الفردية مع العرب‬ ‫يف البــدء‪ ،‬يعتقــد كل ُمتَا ِبـ ٍـع ُم َّط ِلـ ٍـع عل ــى ُم ْج َريــات األمــور يف الشــرق األوســط أنــه ال يوجــد عاقــل يتوجــه قلبــه‪ ،‬قبــل عقلــه‪،‬‬ ‫مخرجــا ُم ِ‬ ‫نص ًفــا‬ ‫للســام أال يــرى يف مبــادرة الســام العربيــة الت ــي اعتمدتهــا جامعــة الــدول العربيــة ألول مــرة يف عــام ‪2002‬م‪،‬‬ ‫ً‬ ‫لــكل األطــراف املتصارعــة ِإِلحــداث اســتقرار َعـ َّز بلــوغ غاياتــه يف شــرق أوســط أرهقــه النــزاع‪ ،‬وأدمتــه احلــروب‪ ،‬وعطلــت تقــدم‬ ‫دولــه منافســات ال َع ْس ـ َك َرة واالنفــاق الباهــظ عل ــى التســلح‪ .‬فقــد كانــت املبــادرة الســعودية‪ ،‬الت ــي أصحبــت عربيــة بالتَ َملُّــك‪،‬‬ ‫وإســامية بالتبن ــي‪ ،‬وإنســان ًيا بالتأييــد واملــؤازرة‪ ،‬بن ـدًا سياس ـ ًيا ســاخنًا يف أروقــة الدبلوماســية العامليــة‪ ،‬منــذ أن ُق ِّد َمــت ألول‬ ‫ـادل متف ـ ٌق عليــه بشــكل جماعي‪ .‬و ُفهِ َمــت هــذه اخلطــوة عل ــى نطــاق واســع عل ــى أنهــا إشــارة‬ ‫ـامل عـ ٍ‬ ‫ـام شـ ٍ‬ ‫مــرة إمكانيــة سـ ٍ‬ ‫إل ــى احلقائــق املتغيــرة عل ــى األرض‪ ،‬وتنــازالت صعبــة مــن كل العــرب واملســلمني‪ ،‬الت ــي مــن شــأنها أن تســمح للفلســطينيني‬ ‫ـوار دولتــن تُ َقـ َّرر تفاصيــل العالقــات املوضوعيــة بينهمــا يف اتفــاق الوضــع النهائ ــي يف‬ ‫واإلســرائيليني التعايــش املشــترك يف ِجـ ٍ‬ ‫املســتقبل‪ .‬ومــع ذلــك‪ ،‬ال تــزال إســرائيل ثابتــة يف رفــض العــرض املغــري‪ ،‬أو عل ــى األقــل يف جتاهلــه بحــزم‪ .‬وقــد ســبق لوزيــر‬ ‫الدفــاع موشــيه يعالــون أن عبــر عــن هــذا الرفــض للمبــادرة العربيــة‪ ،‬وف ًقــا للصحف ــي اإلســرائيلي رافائيــل أهريــن‪ ،‬يف صحيفــة‬ ‫«تاميــز أوف إســرائيل ‪ ،”The Times of Israel‬بتاريــخ ‪ 18‬يونيــو ‪2013‬م‪ ،‬بواشــنطن‪ ،‬واص ًفــا لهــا بانهــا ال تعــدو أن تكــون‬ ‫«تلفي ًقــا» وإمــاء” مــن شــأنه أن يجبــر إســرائيل عل ــى تقــدمي تنــازالت كبيــرة قبــل أن تتمكــن مــن تقــدمي مطالبهــا اخلاصــة‪ ،‬ولــم‬ ‫يعــرف العــرب بعــد حــدود هــذه املطالــب اخلاصــة غيــر األطمــاع املمتــدة مــن النيــل إل ــى الفــرات‪.‬‬

‫د‪ .‬الصادق الفقيه‬

‫ـي عل ــى اإلجابــة امل ُ ْق ِن َعــة‪ ،‬هــو‪ :‬ملــاذا االعتراضــات‬ ‫لكــن‪ ،‬الســؤال ال َع ِص ـ ُّ‬ ‫والتحفظــات اإلســرائيلية وعــدم الثقــة‪ ،‬الت ــي ُقو ِبلَــت بهــا هــذه املبــادرة‪،‬‬ ‫والتــردد يف االســتجابة لهــا عل ــى مــدى العقديــن املاضيــن؟ حسـنًا‪ ،‬قــد‬ ‫يبــدو احتمــال الســام مــع إســرائيل اآلن أبعــد مــن أي وقــت مض ــى‪،‬‬ ‫خاصــة بعــد «طوفــان األقص ــى» والتحــول‪ ،‬الــذي يشــهده وينفعــل به كل‬ ‫العالــم جتــاه طبيعــة الصــراع‪ ،‬والــذي اســتطاعت تــل أبيــب أن تخفيــه‬ ‫عــن أعــن اإلنســانية علــى مــدى اخلمــس وســبعني ســنة املاضيــة‪.‬‬ ‫ووف ًقــا لذلــك‪ ،‬قــد تبــدو اإلجابــة‪ ،‬الت ــي كانــت مســتحيلة يف املاض ــي‪،‬‬ ‫محتملــة اآلن‪ ،‬بتقديــر أن إســرائيل لــم تعــد ُم َح َّصنَــة مــن املســاءلة‪ ،‬بــل‬ ‫والضغــوط اإلقليميــة والدوليــة‪ ،‬ورمبــا احملاســبة املُطالبــة بإعــادة احلق‬ ‫املغتصــب ألهلــه‪ .‬فف ــي إســرائيل نفســها مــن تســاءل ُم ِح ًقــا‪ :‬ملــاذا لــم‬

‫تركــب تــل أبيــب املوجــة‪ ،‬وت ِ‬ ‫ُبحــر باملبــادرة العربيــة نحــو التطبيــع مــع‬ ‫الــدول العربيــة املعتدلــة‪ ،‬كخطــوة أول ــى‪ ،‬الت ــي يبــدو أن الكثيــر منهــا‬ ‫مهتــم بالتعــاون‪ ،‬الــذي يُنه ــي حالــة إدمــان الصــراع امل ُ َع ِّطلَــة ملصاحلهــم؟‬ ‫وألن منظمــة التعــاون اإلســامي قــد تبنــت املبــادرة ً‬ ‫أيضــا‪ ،‬فوفــرت‬ ‫علــى السياســيني اإلســرائيليني فرصــة النفــاذ إلــى مــا هــو أبعــد‬ ‫وأوســع مــن العالــم العرب ــي؛ إل ــى اجلمهوريــة اإلســامية يف إيــران‪ ،‬إال‬ ‫أن مســؤو ًاًل إســرائيل ًيا نافـ ًذا‪ ،‬غيــر أنــه شــديد التعصــب والتشــاؤم قــال‬ ‫لصحيفــة‪ ،‬بإيجــاز أكبــر‪« :‬الســام مــع إيــران وأفغانســتان وباكســتان‬ ‫مضحــك للغايــة‪ .‬لنكــن واضحــن‪ :‬لــن نحصــل علــى بطاقــات‬‫االحتفــال بالســنة اجلديــدة مــن إيــران‪ ،‬أو الســودان‪ ،‬أو ليبيــا حتــت أي‬ ‫ظــرف مــن الظــروف املتوقعــة‪ .‬االعتمــاد عل ــى مثــل هــذه الوعــود ليــس‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫ً‬ ‫توبيخــا ملســؤولني‬ ‫يف ‪ 3‬مــن ينايــر ‪2024‬م‪ ،‬وجهــت الواليــات املتحــدة‬ ‫إســرائيليني بســبب إدالئهــم بتصريحــات غيــر حــذرة بشــأن التطهيــر‬ ‫العرق ــي‪ .‬وأصــدرت وزارة اخلارجيــة األمريكيــة بيا ًنــا توبــخ فيــه اثنــن‬ ‫مــن كبــار املســؤولني اإلســرائيليني اللذيــن تصــدرا عناويــن األخبــار‬ ‫مؤخـ ًرا لدعمهمــا العلن ــي إلخــراج الفلســطينيني مــن قطــاع غــزة‪ .‬وجــاء‬ ‫يف بيــان احلكومــة األمريكيــة‪« :‬ترفــض الواليــات املتحــدة التصريحــات‬ ‫األخيــرة للوزيــر اإلســرائيلي بتســلئيل ســموتريش والوزيــر إيتامــار بــن‬ ‫غفيــر الداعيــة إل ــى إعــادة توطــن الفلســطينيني خــارج قطــاع غــزة»‪.‬‬ ‫وعل ــى الرغــم مــن اجلهــود الت ــي تبذلهــا الواليــات املتحــدة والالعبــن‬ ‫الدوليــن اآلخريــن‪ ،‬يظــل الوضــع ضباب ًيــا ويصعــب التكهن مبا ســيؤول‬ ‫إليــه‪ .‬يف نهايــة املطــاف‪ ،‬يتطلــب حل الصــراع الفلسطيني‪-‬اإلســرائيلي‬ ‫جهــو ًدا متعــددة األوجــه تشــمل التــزام أصحــاب املصالــح اإلقليميــن‬ ‫والدوليــن باحلــوار‪ ،‬والتفاهــم‪ ،‬واالســتعداد لتقــدمي تنــازالت‪ ،‬والتــي‬ ‫تعــد عنص ـ ًرا حيو ًيــا وإن كان مفقــو ًدا‪.‬‬ ‫مــن جانبــه‪ ،‬أكــد رئيــس الــوزراء اليابان ــي فوميــو كيشــيدا مــرا ًرا عل ــى‬ ‫دعــم بــاده حلــل الدولتــن معر ًبــا عــن قلقــه إزاء العنــف اجلــاري‪.‬‬ ‫وخــال لقائــه العــام املاض ــي مــع رئيــس الــوزراء الفلســطيني الســابق‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫‪75‬‬

‫ملف العدد‬

‫رام ــي حمــد هلل بطوكيــو‪ ،‬أصــدر رئيــس الــوزراء اليابان ــي بيا ًنــا يؤكــد‬ ‫ضــرورة االمتنــاع عــن اتخــاذ أيــة إجــراءات أحاديــة تقــوض عمليــة‬ ‫الســام مبــا يف ذلــك النشــاط االســتيطاني الــذي يعتبــر «غيــر‬ ‫قانونــي» مبوجــب قوانــن األمم املتحــدة‪ .‬وقــد أشــار كيشــيدا إلــى‬ ‫أن بــاده ســتواصل املســاهمة يف تهيئــة بيئــة مواتيــة تســمح بإحــراز‬ ‫تقــدم يف عمليــة الســام الشــرق أوســطية‪ .‬بشــكل عــام‪ ،‬فــإن املوقــف‬ ‫احليــادي الــذي تنتهجــه اليابــان‪ ،‬باإلضافــة إل ــى حنكتهــا الدبلوماســية‬ ‫وقوتهــا االقتصاديــة والتزامهــا جتــاه التعــاون الدول ــي جميعهــا عوامــل‬ ‫تســهم يف متوضعهــا كطــرف مســاهم ذي قيمــة ضمــن اجلهــود الت ــي‬ ‫تســتهدف حــل النــزاع الفلسطيني‪-‬اإلســرائيلي‪ .‬كمــا أن مشــاركتها‬ ‫ميكــن أن تســهل إقامــة احلــوار وتوفيــر املســاعدات مــن أجــل التنميــة‪،‬‬ ‫ودعــم مســاعي التوصــل إل ــى حــل ســلمي ومســتدام ومفيــد للطرفــن‬ ‫مــن أجــل إنهــاء دوامــة العنــف الالمتناه ــي عل ــى مــا يبــدو يف املنطقــة‪.‬‬

‫*مستشار أول مبركز الخليج لألبحاث‬


‫‪74‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫للياب ــان عالق ــات دبلوماس ــية م ــع الفلس ــطينيين لعق ــود وس ــاهمت‬ ‫يف التنمي ــة الفلس ــطينية بالم ــال والمب ــادرات‬ ‫أ‪ .‬الوســاطة الدبلوماســية‪ :‬املشــاركة النشــطة يف احلــوار وجهــود‬ ‫الوســاطة بــن اجلانبــن‪ ،‬واغتنــام املوقــف اليابان ــي ُ‬ ‫احُملايــد يف ســبيل‬ ‫تســهيل احملادثــات ورعايــة التفاهــم املشــترك‬ ‫ب‪ .‬املســاعدات اإلنســانية والدعــم اإلمنائــي‪ :‬توفيــر املســاعدات‬ ‫الالزمــة لدعــم الشــعب الفلســطيني يف جهــود إعــادة بنــاء البنيــة‬ ‫التحتيــة‪ ،‬والتعليــم‪ ،‬والرعايــة الصحيــة‪ ،‬والتنميــة االقتصاديــة وهــو مــا‬ ‫قــد يســاهم يف تخفيــف مــن حــدة بعــض التوتــرات وحتســن الظــروف‬ ‫املعيشــية‪.‬‬ ‫ج‪ .‬دعــم مبــادرات الســام‪ :‬تقــدمي الدعــم واملســاندة ملبــادرات الســام‬ ‫الدوليــة التــي تهــدف إلــى إقامــة حــل الدولتــن‪ ،‬والتشــجيع علــى‬ ‫املفاوضــات وســبل التســوية بــن الفلســطينيني واإلســرائيليني‪.‬‬ ‫د‪ .‬االســتثمار االقتصادي والتجارة‪ :‬التشــجيع على التعاون االقتصادي‬ ‫بــن اجلانبــن الفلســطيني واإلســرائيلي‪ ،‬ودعــم املشــروعات املشــتركة‬ ‫واالســتثمارات مــن أجــل رعايــة االعتمــاد املتبــادل والتعــاون‪.‬‬ ‫التبــادالت الثقافيــة والتعليميــة‪ :‬تســهيل التبادالت الثقافيــة والتعليمية‬ ‫بــن املجتمعــات الفلســطينية واإلســرائيلية مــن أجــل تعزيــز التفاهــم‪،‬‬ ‫والتعاطــف‪ ،‬والثقــة املتبادلــة بــن الشــعبني‪.‬‬

‫‪ .6‬تحديات أمام اليابان يف محاولتها للتوصل إىل حل‬ ‫‪.6‬‬

‫تواجــه اليابــان العديــد مــن العقبــات أمــام متوضعهــا كوســيط محايــد‬ ‫يف النــزاع الفلسطيني‪-‬اإلســرائيلي‪.‬‬ ‫أو ًاًل‪ ،‬أن طوكيــو حافظــت تاريخيــا عل ــى عالقــات وثيقــة مــع الواليــات‬ ‫املتحــدة الداعمــة إلســرائيل‪ .‬وقــد يعيــق هــذا القــرب احليــاد اليابان ــي‬ ‫املتصــور يف أعــن القــادة الفلســطينيني وأنصارهــم‪.‬‬ ‫ثان ًيــا‪ ،‬تفتقــر اليابــان إلــى روابــط تاريخيــة أو ثقافيــة مباشــرة مــع‬ ‫املنطقــة‪ ،‬ممــا قــد يؤثــر عل ــى فهمهــا للتعقيــدات العميقــة املتجــذرة‬ ‫للصــراع‪ .‬وهــذا االفتقــار إل ــى املشــاركة التاريخيــة قــد يحــد مــن قدرتهــا‬ ‫عل ــى كســب الثقــة مــن كال اجلانبــن‪.‬‬ ‫ثال ًثــا‪ ،‬االعتمــاد اليابان ــي عل ــى إمــدادات النفــط القادمــة مــن الشــرق‬

‫األوســط وحاجتهــا إلــى احلفــاظ علــى عالقــات مســتقرة مــع دول‬ ‫املنطقــة مــن أجــل أســباب ودوافــع اقتصاديــة قــد ميثــل يف حــد ذاتــه‬ ‫حتد ًيــا‪ .‬كمــا قــد يصبــح مــن الصعــب علــى اليابــان التنقــل عبــر‬ ‫التــوازن الدقيــق املطلــوب للوســاطة دون أن تبــدو وكأنهــا متنــح األولويــة‬ ‫ملصاحلهــا االقتصاديــة اخلاصــة‪.‬‬ ‫يف الوقــت ذاتــه‪ ،‬ينطــوي الصــراع الفلســطيني ‪-‬اإلســرائيلي علــى‬ ‫قضايــا دينيــة وإقليميــة وجيوسياســية متعــددة األوجــه‪ ،‬ممــا يجعلــه‬ ‫قضيــة شــائكة وراســخة‪ .‬كمــا إن محدوديــة اخلبــرات اليابانيــة يف‬ ‫جهــود التوســط يف مثــل هــذه الصراعــات قــد تعيــق فعاليتهــا يف‬ ‫تعزيــز احلــوار الهــادف واحلــل بــن األطــراف‪.‬‬ ‫يف اعتقــادي‪ ،‬أنــه عل ــى الرغــم مــن أن رغبــة اليابــان يف العمــل كوســيط‬ ‫محايــد أمــر يســتحق اإلشــادة‪ ،‬إال إنهــا تواجــه حتديــات كبيــرة نابعــة‬ ‫مــن محدوديــة عالقاتهــا التاريخيــة ومشــاركتها اإلقليميــة‪ ،‬فضـ ًـا عــن‬ ‫مصاحلهــا االقتصاديــة‪ ،‬وافتقارهــا إل ــى اخلبــرة يف التوســط يف مثــل‬ ‫هــذه الصراعــات العميقــة اجلــذور‪.‬‬

‫‪ .7‬الوضع الراهن فيما يتعلق بالنزاع الفلسطيني‪-‬اإلسرائييل‬ ‫‪.7‬‬ ‫وف ًقــا ألحــدث التقاريــر اإلعالميــة الدوليــة‪ ،‬فــإن احلــرب اإلســرائيلية‬ ‫علــى قطــاع غــزة لــم حتقــق تقد ًمــا كمــا كانــت تخطــط حكومــة‬ ‫بنيامــن نتنياهــو‪ ،‬كمــا التــزال املقاومــة شرســة مــن قبــل حركــة‬ ‫حمــاس‪ ،‬فضـ ًـا عــن اخلســائر الفادحــة نســبيا الت ــي تكبدتهــا قــوات‬ ‫االحتــال اإلســرائيلية‪ .‬وكجــزء مــن عملياتهــا العســكرية األخيــرة‪،‬‬ ‫قامــت الطائــرات املســيرة اإلســرائيلية يف الثانــي مــن ينايــر ‪2024‬م‪،‬‬ ‫باغتيــال صالــح العــاروري‪ ،‬أحــد أبــرز قــادة حمــاس الفلســطينية‪ ،‬نائــب‬ ‫رئيــس املكتــب السياس ــي حلركــة حمــاس‪ ،‬الــذي ُقتــل أثنــاء وجــوده يف‬ ‫بيــروت‪ .‬وكان صالــح العــاروري قــد شــارك يف الســابق يف مفاوضــات‬ ‫الرهائــن مــع إســرائيل يف قطــر‪ .‬وهــو مــا دفــع العديــد مــن املعلقــن‬ ‫إل ــى التحذيــر مــن مغبــة انتشــار األعمــال العدائيــة داخــل األراض ــي‬ ‫اللبنانيــة باعتبــار ذلــك تهديــدًا رئيســ ًيا للجهــود املبذولــة لتجنــب‬ ‫التصعيــد اإلقليم ــي‪ .‬ونظ ـ ًرا إل ــى أن لبنــان وإســرائيل لديهمــا تاريــخ‬ ‫مــن الصراعــات يتســم باشــتباكات متفرقــة وتوتــرات مســتمرة‪ ،‬فمــن‬ ‫املأمــول أال يوفــر النشــاط العســكري الــذي يقــوم بــه حــزب اهلل حافـزًا‬ ‫إلســرائيل للشــروع يف هجــوم أوســع نطا ًقــا عل ــى لبنــان‪.‬‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫‪73‬‬

‫ملف العدد‬

‫تتشــارك اليابــان وإســرائيل عالقــة متعــددة األوجه وتعــاون اقتصادي‬ ‫وتقنــي وبينهمــا روابــط قويــة منــذ إقامــة العالقات الرســمية عــام ‪1952‬‬ ‫تســوية بشــأن املســتوطنات وحــل ســلمي للنــزاع القائــم‪.‬‬

‫‪ .4‬أهميــة الجهــود اليابانيــة يف التوصــل لحــل للنزاعــات‬ ‫‪.4‬‬ ‫ا لفلسطينية ‪ -‬ا إل ســر ا ئيلية‬

‫تنطــوي املشــاركة اليابانيــة يف جهــود التوصــل إلــى حــل للصــراع‬ ‫الفلسطيني‪-‬اإلســرائيلي علــى أهميــة ودالالت نظــراً لعــدة أســباب‪:‬‬ ‫أو ًاًل‪ ،‬حفــاظ طوكيــو علــى موقــف محايــد يف النــزاع‪ ،‬ومتوضعهــا‬ ‫كوســيط غيــر منحــاز‪ .‬وقــد ســمحت هــذه احلياديــة لليابــان‬ ‫باالنخــراط والتفاعــل مــع اجلانبــن الفلســطيني واإلســرائيلي ورعايــة‬ ‫حــوار مشــترك وجــوالت للمفاوضــات دون وجــود حتيــزات مســبقة‬ ‫وبالتالــي تدعيــم املصداقيــة التــي تتمتــع بهــا كوســيط يف الصــراع‪.‬‬ ‫ثان ًيــا‪ ،‬أن تاريــخ اليابــان يف املشــاركات الدبلوماســية وااللتــزام باحللــول‬ ‫الســلمية للنزاعــات واألزمــات اجليوسياســية‪ ،‬جعلهــا الع ًبــا ذا قيمــة‬ ‫يف جهــود حــل النزاعــات الدوليــة‪ .‬حيــث تنعــم اليابــان بســجل حافــل‬ ‫مــن دعمهــا للقضايــا اإلنســانية وإعــاء قيمــة احلــوار يف النزاعــات‬ ‫العامليــة املختلفــة‪ ،‬ممــا ســاهم يف تعزيــز مصداقيتهــا يف تســهيل‬ ‫محادثــات الســام بــن فلســطني وإســرائيل‪.‬‬

‫ثال ًثــا‪ ،‬ســاعدت القــوة االقتصاديــة اليابانيــة والتــزام طوكيــو حيــال‬ ‫املســاعدات اإلمنائيــة بشــكل كبيــر يف إعــادة بنــاء البنيــة التحتيــة‬ ‫ودعــم التنميــة االقتصاديــة‪ ،‬وحتســن الظــروف املعيشــية داخــل‬ ‫األراض ــي الفلســطينية‪ .‬ومــن خــال توفيــر الدعــم املــادي واملســاعدات‬ ‫الالزمــة‪ ،‬يف إمــكان اليابــان االضطــاع بــدور محــوري يف رعايــة‬ ‫االســتقرار والنمــو يف املنطقــة‪ ،‬ومعاجلــة القضايــا االجتماعيــة‪-‬‬ ‫االقتصاديــة الضمنيــة الت ــي عــادة مــا تكــون ســب ًبا يف تغذيــة التوتــرات‪.‬‬ ‫راب ًعــا‪ :‬النهــج اليابان ــي يعط ــي األولويــة إل ــى إطــار عمل متعــدد اجلوانب‬ ‫وإل ــى التعــاون الدول ــي‪ .‬كمــا أن املشــاركة اليابانيــة يف املنتديــات العامليــة‬ ‫ودعمهــا للقانــون الدول ــي يتماش ــى مــع جهــود املجتمــع الدولي األشــمل‬ ‫مــن أجــل التوصــل حلل ســلمي عــادل للنــزاع الفلسطيني‪-‬اإلســرائيلي‪.‬‬ ‫فضـ ًـا عــن أن تركيــز اليابــان عل ــى الدبلوماســية والتعــاون وااللتــزام‬ ‫باألعــراف الدوليــة مــن شــأنه أن يتمــم جهــود أصحــاب املصلحــة‬ ‫اآلخريــن املنخرطــن يف جهــود التوصــل إل ــى احلــل‪.‬‬

‫‪ .5‬خيــارات اليابــان للتوصــل إىل نهــج محتمــل لحــل الصــراع‬ ‫‪.5‬‬ ‫الفلسطيني‪-‬اإلســرائييل‬

‫نســتعرض يف هــذا القســم بعــض املســارات احملتملــة لتســوية الصــراع‬ ‫الفلسطيني‪-‬اإلسرائيلي‬


‫‪72‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫الـــدور اليابانـــي كوســـيط محـــدود مقارنـــة بالقـــوى العالميـــة لعـــدم‬ ‫تدخلهــا المباشــر يف المنطقــة وهيمنــة القــوى الكبــرى األخــرى عــى النــزاع‬ ‫مــن أبــرز املســتثمرين الدائمــن يف صناعــة التكنولوجيــا اإلســرائيلية‬ ‫وترع ــى العديــد مــن املشــروعات البحثيــة املشــتركة واالســتثمارات يف‬ ‫مجــاالت التكنولوجيــا الفائقــة مثــل‪ :‬األمــن الســيبراني‪ ،‬والزراعــة‪،‬‬ ‫والتكنولوجيــا الطبيــة‪ .‬عــاوة عل ــى ذلــك‪ ،‬لعبــت املبــادالت الثقافيــة‬ ‫بــن اجلانبــن والت ــي تشــمل البرامــج األكادمييــة والســياحية دو ًرا يف‬ ‫توطيــد العالقــات بــن الدولتــن وتعزيــز التفاهــم والتقديــر املتبــادل‬ ‫لــإرث الثقــايف والعــادات اخلاصــة بــكل منهمــا‪ .‬ورغــم االختالفــات‬ ‫يف حجــم املشــاهد اجليوسياســية‪ ،‬تواصــل طوكيــو وتــل أبيــب تعزيــز‬ ‫عالقاتهمــا مــن خــال القيــم املشــتركة وااللتــزام نحــو التقــدم واالبتكار‪.‬‬

‫‪.2‬العالقات اليابانية‪-‬الفلسطينية‬ ‫‪.2‬العالقات‬

‫حافظــت اليابــان عل ــى عالقــات دبلوماســية مــع اجلانــب الفلســطيني‬ ‫علــى مــدار عقــود طويلــة‪ ،‬معربــة عــن دعمهــا للتوصــل إلــى حــل‬ ‫ســلمي للنــزاع الفلسطيني‪-‬اإلســرائيلي‪ .‬لطاملــا كانــت طوكيــو‬ ‫مســاه ًما فاعـ ًـا يف التنميــة الفلســطينية عبــر قنــوات الدعــم املال ــي‬ ‫واملســاعدات اإلنســانية والعديــد مــن املبــادرات الشــعبية‪ .‬وعل ــى مــدار‬ ‫أعــوام‪ ،‬ســاهمت اليابــان يف تقــدمي دعــم مالــي كبيــر ملشــروعات‬ ‫البنيــة التحتيــة‪ ،‬والرعايــة الصحيــة‪ ،‬والتعليــم‪ ،‬وجهــود بنــاء املؤسســات‬ ‫داخــل فلســطني بغيــة حتســن األوضــاع املعيشــية وتوفيــر اســتقرار‬ ‫اجتماعي‪-‬اقتصــادي‪ .‬عــاوة علــى ذلــك‪ ،‬أبــدت اليابــان انخراطــا‬ ‫ومشــاركة دبلوماســية مــن خــال اســتضافة مؤمتــرات الســام ودعــم‬ ‫املبــادرات الت ــي تهــدف إل ــى إعــاء احلــوار بــن اجلانبــن الفلســطيني‬ ‫واإلســرائيلي‪ .‬ويف حــن حتتفــظ اليابــان بعالقــات جيــدة مــع كال‬ ‫اجلانبــن‪ ،‬تعــرب يف الوقــت ذاتــه‪ ،‬عــن دعمهــا املتواصــل إلقامــة حــل‬ ‫الدولتــن ضمــن جهودهــا للمســاهمة يف حتقيــق الســام واالســتقرار‬ ‫يف املنطقــة‪.‬‬

‫‪ .3‬االختــاف بيــن الموقــف اليابانــي واألمريكــي ونظرتهــا للصــراع‬ ‫‪.3‬‬ ‫الفلسطيني‪-‬اإلسرائييل‬ ‫لطاملــا حافظــت اليابــان عل ــى موقفهــا الداعــم حلــل الدولتــن‪ ،‬والدعوة‬ ‫إلــى مفاوضــات الســام بــن الفلســطينيني واإلســرائيليني علــى‬ ‫أســاس حــدود مــا قبــل عــام ‪1967‬م‪ ،‬حيــث تتعايــش الدولتــان بســام‬ ‫وأمــان‪ .‬وقــد دأبــت اليابــان عل ــى حــث كال الطرفــن عل ــى االنخــراط‬

‫يف حــوار مباشــر للتوصــل إل ــى اتفــاق ســام دائــم وشــامل‪ .‬وحرصــت‬ ‫ً‬ ‫أيضــا علــى تقــدمي املســاعدات اإلنســانية للشــعب الفلســطيني‬ ‫وتدعيــم مشــروعات التنميــة يف املنطقــة مــن أجــل حتســن الظــروف‬ ‫املعيشــية وتعزيــز االســتقرار‪ .‬مــع ذلــك‪ ،‬فــإن الــدور اليابان ــي كوســيط‬ ‫يف النــزاع كان محــدو ًدا مقارنــة بالقــوى العامليــة األخــرى بســبب عوامــل‬ ‫مختلفــة‪ ،‬مبــا يف ذلــك روابطهــا التاريخيــة‪ ،‬وعــدم التدخــل املباشــر يف‬ ‫سياســة املنطقــة‪ ،‬وهيمنــة القــوى الكبــرى األخــرى عل ــى التوســط يف‬ ‫جهــود إنهــاء النــزاع‪.‬‬ ‫عل ــى اجلانــب اآلخــر‪ ،‬لطاملــا كانــت الواليــات املتحــدة‪ ،‬احلليــف األقــرب‬ ‫إل ــى اليابــان‪ ،‬الع ًبــا بــارزًا يف الصــراع الفلسطيني‪-‬اإلســرائيلي فضـ ًـا‬ ‫عــن عالقاتهــا القويــة مــع اجلانــب اإلســرائيلي الــذي عــادة مــا ينظــر‬ ‫إليــه باعتبــاره احلليــف األقــرب إل ــى واشــنطن داخــل املنطقــة‪ .‬فقــد‬ ‫حظيــت إســرائيل بدعــم أمريك ــي سياس ــي‪ ،‬اقتصــادي‪ ،‬وعســكري عل ــى‬ ‫مــدار عقــود طويلــة‪ .‬فلطاملــا كان هنــاك دعــم أمريكــي إلقامــة حــل‬ ‫الدولتــن بحيــث تتعايــش إســرائيل وفلســطني كدولتــن مســتقلتني‬ ‫جن ًبــا إلــى جنــب‪ .‬مــع ذلــك‪ ،‬فــإن املقاربــة األمريكيــة جتــاه النــزاع‬ ‫ومســتوى انخراطهــا شــهد تباينًــا مــع تبايــن اإلدارات األمريكيــة‬ ‫املتعاقبــة والت ــي كان مــن بينهــا العديــد مــن اإلدارات الت ــي انخرطــت‬ ‫بشــكل فعــال يف مبــادرات الســام ودعمــت املفاوضــات بــن القــادة‬ ‫الفلســطينيني واإلســرائيليني مــن أجــل التوصــل إل ــى ســام شــامل‪.‬‬ ‫كمــا كانــت واشــنطن والتــزال مســاه ًما مال ًيــا بــارزًا يف برامــج‬ ‫املســاعدات املُوجهــة إل ــى املنطقــة‪ ،‬فض ـ ً‬ ‫ا عــن تقدميهــا مســاعدات‬ ‫اقتصاديــة وعســكرية إلــى إســرائيل مــع احلفــاظ علــى تقــدمي‬ ‫املســاعدات اإلنســانية للفلســطينيني‪ .‬وحتــت مظلــة إدارات أمريكيــة‬ ‫مختلفــة‪ ،‬اعترفــت الواليــات املتحــدة بالقــدس عاصمــة إلســرائيل‪،‬‬ ‫وهــي خطــوة أثــارت اجلــدل بســبب طبيعــة املدينــة املُتنــازع عليهــا‪.‬‬ ‫باإلضافــة إل ــى ذلــك‪ ،‬تعرضــت الواليــات املتحــدة إل ــى انتقــادات بســبب‬ ‫انحيازهــا الواضــح جتــاه إســرائيل‪ ،‬والــذي يقــول البعــض إنــه يؤثــر‬ ‫عل ــى قدرتهــا عل ــى العمــل كوســيط محايــد يف الصــراع‪ .‬بشــكل عــام‪،‬‬ ‫تضطلــع الواليــات املتحــدة‪ ،‬الت ــي تعتبــر احلليــف األقــرب إل ــى اليابــان‪،‬‬ ‫بــدور مهــم يف النــزاع الفلسطيني‪-‬اإلســرائيلي‪ ،‬وعــادة مــا تنحــاز إل ــى‬ ‫جانــب إســرائيل مــع دعمهــا يف الوقــت ذاتــه جهــود التوصــل إلــى‬

‫تع ــود ج ــذور الص ــراع الفلس ــطيني ‪ /‬اإلس ــرائييل لتاري ــخ ُم عق ــد م ــن‬ ‫النزاع ــات ح ــول األراض ــي والمعتق ــدات الديني ــة والتطلع ــات الوطنية‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫‪71‬‬

‫ملف العدد‬

‫الصراع الفلسطيني ‪-‬اإلسرائيلي‪ :‬قضية معقدة ذات جذور تاريخية وسياسية‬

‫‪ 4‬منطلقات تدعم وساطة اليابان و‪ 3‬تحديات‬ ‫تعرقلها أبرزها موقف الحليف األمريكي‬ ‫تعــود جــذور العالقــات بــن فلســطني وإســرائيل إل ــى تاريــخ ُمعقــد مــن النزاعــات حــول األراض ــي‪ ،‬واألهميــة الدينيــة‪ ،‬والتطلعــات‬ ‫الوطنيــة املتضاربــة‪ .‬وقــد نشــأ الصــراع الفلسطيني‪-‬اإلســرائيلي مــن املزاعــم املتضاربــة حــول ملكيــة األراض ــي ذاتهــا الســيما‬ ‫تلــك الواقعــة يف مدينــة الضفــة الغربيــة‪ ،‬وقطــاع غــزة‪ ،‬والقــدس الشــرقية‪ .‬تعــود اخللفيــة التاريخيــة لهــذا الوضــع املتــأزم إل ــى‬ ‫أواخــر القــرن التاســع عشــر وأوائــل القــرن العشــرين‪ ،‬تزام ًنــا مــع صعــود احلــركات القوميــة اليهوديــة والعربيــة‪ ،‬والت ــي تطلــع كل‬ ‫منهــا إل ــى تقريــر املصيــر داخــل املنطقــة‪ .‬ومــع نهايــة احلــرب العامليــة األول ــى‪ ،‬منحــت عصبــة األمم املتحــدة بريطانيــا انت َدابــا‬ ‫عل ــى فلســطني‪ ،‬تواكــب ذلــك مــع تنام ــي هجــرة اليهــود‪ ،‬املدفوعــة برغبــة احلركــة الصهيونيــة يف إقامــة وطــن ألبنــاء الديانــة‬ ‫اليهوديــة‪ .‬تســبب هــذا املــد اليهــودي إل ــى نشــوب توتــرات مــع الشــعوب العربيــة‪ ،‬أســفرت عــن انــدالع أعمــال عنــف ونزاعــات‬ ‫حــول ملكيــة األراض ــي‪ .‬وقــد تصاعــدت وتيــرة األوضــاع عقــب انــدالع احلــرب العامليــة الثانيــة وأحــداث الهولوكوســت‪ ،‬الت ــي ترتــب‬ ‫عليهــا دع ًمــا دول ًيــا متزايـدًا إلقامــة دولــة يهوديــة‪ .‬ويف عــام ‪1947‬م‪ ،‬اقترحــت األمم املتحــدة خطــة تقســيم إلنشــاء دولتــن يهوديــة‬ ‫وأخــرى عربيــة منفصلتــن‪ ،‬وهــو مــا وافقــت عليــه القيــادة اليهوديــة ورفضتــه القيــادة العربيــة‪ .‬ويف وقــت الحــق‪ ،‬مت إعــان دولــة‬ ‫إســرائيل يف عــام ‪1948‬م‪ ،‬ممــا أدى إل ــى انــدالع حــرب مــع البلــدان العربيــة املجــاورة وتهجيــر جماع ــي للشــعب الفلســطيني‪.‬‬

‫د‪ .‬نوريكو سوزوكي‬

‫منــذ ذلــك احلــن‪ ،‬لعبــت النزاعــات املتعــددة‪ ،‬واحلــروب‪ ،‬ومبــادرات‬ ‫الســام دو ًرا يف تشــكيل العالقــة بــن اجلانبــن الفلســطيني‬ ‫واإلســرائيلي‪ .‬فيمــا ظلــت القضايــا احلدوديــة‪ ،‬واألمــن‪ ،‬واملســتوطنات‪،‬‬ ‫والالجئــن‪ ،‬والســلطة يف القــدس‪ ،‬إل ــى جانــب إقامــة دولــة فلســطينية‬ ‫مثــار جــدل‪ ،‬ممــا أدى إلــى اســتدامة دائــرة العنــف التــي تتخللهــا‬ ‫املفاوضــات وجهــود التوصــل إل ــى الســام بــن احلــن واآلخــر‪ .‬وعل ــى‬ ‫الرغــم مــن جلســات احلــوار التــي كانــت تتــم بصــورة متقطعــة‬ ‫ومحــاوالت التوصــل إل ــى اتفاقيــات ســام بــن اجلانبــن الفلســطيني‬ ‫واإلســرائيلي‪ ،‬إال أن إيجــاد حــل دائــم ال يــزال أم ـ ًرا بعيــد املنــال‪ ،‬ممــا‬ ‫يعك ــس انعــدام الثقــة املتأصــل واملزاعــم املتضاربــة للجانبــن‪ .‬وحت ــى‬ ‫هــذا احلــن ال يــزال الصــراع الفلسطيني‪-‬اإلســرائيلي يشــكل قضيــة‬ ‫مركزيــة داخــل منطقــة الشــرق األوســط‪ ،‬ويحظــى باهتمــام عاملــي‬ ‫واســع يف ظــل جهــود ٌمكرســة مــن أجــل إيجــاد حــل قابــل للتطبيــق‬

‫ومســتدام ومقبــول لــكال الطرفــن‪.‬‬ ‫وباعتبــار اليابــان كيا ًنــا دبلوماس ـ ًيا بــارزًا‪ ،‬فيمكنهــا أن تلعــب دو ًرا يف‬ ‫التوصــل إل ــى حــل للصــراع الفلسطيني‪-‬اإلســرائيلي‪ ،‬ويتــم مــن خــال‬ ‫هــذا املقــال بحــث هــذه القضايــا املعقــدة وحتديــد الســبل املمكنــة مــن‬ ‫أجــل التوصــل إل ــى حــل ســلمي‪.‬‬

‫‪ 1‬ـ العالقات بين اليابان وإسرائيل‬

‫تتشــارك اليابــان وإســرائيل عالقــة متعــددة األوجــه تتســم باالحتــرام‬ ‫املتبــادل‪ ،‬والتعــاون االقتصــادي والتقن ــي‪ .‬ورغــم البُعــد اجلغــرايف‪ ،‬إال‬ ‫أنــه ثمــة روابــط دبلوماســية قويــة جتمــع بــن الشــعبني اليابانــي‬ ‫واليهــودي منــذ إقامــة العالقــات الرســمية يف عــام ‪1952‬م‪ ،‬ومتتــد‬ ‫هــذه الشــراكة عبــر مختلــف القطاعــات‪ ،‬مــع التركيــز بشــكل خــاص‬ ‫عل ــى االبتــكار‪ ،‬والعلــوم‪ ،‬والتبــادالت التقنيــة‪ .‬مــن جانبهــا‪ ،‬تعتبــر اليابان‬


‫‪70‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫دعمـــت الصيـــن اتفاقيـــة أوســـلو بوصفهـــا خيـــا ً​ًرا فلســـطين ً​ًيا‬ ‫وعرب ـي ـًا يفـ ـتح الطرـ ـيق لـ ـحل الدولتـ ـين واالـ ـستقرار يف الـ ـشرق األوـ ـسط‬ ‫‪2002‬م‪ ،‬فالدبلوماســية الصينيــة كانــت قــد قــرأت منــذ وقــت مبكــر‬ ‫جــذور وطبيعــة الصــراع ورأت بــأن حــل الدولتــن يبــدو اخليــار املمكــن‬ ‫واألوحــد واألكثــر منطقيــة حلــل النــزاع يف املنطقــة‪ ،‬ولذلــك التزمــت‬ ‫بــه منــذ ســبعينيات مــن القــرن املاض ــي‪ .‬ومنــذ تبن ــي الصــن ملبــادرة‬ ‫الســام العربيــة تق ّدمــت بعــدد مــن املبــادرات حلــل النــزاع التزمــت‬ ‫جميعهــا بحــل الدولتــن‪ ،‬مواصلــة دعمهــا ملبــادرة الســام العربية حتى‬ ‫بعــد أن تراجعــت الكثيــر مــن اجلهــات عــن تقــدمي هــذا الدعــم‪ ،‬وكاد‬ ‫يطويهــا النســيان‪ ،‬كمــا اســتم ّرت الصــن مبهــارة دبلوماســية هادئــة‬ ‫يف تذكيــر املجتمــع الدولــي بجوهــر هــذه املبــادرة «حــل الدولتــن»‬ ‫مــن خــال طرحهــا يف فتــرات وأوقــات مختلفــة لعــدد مــن املبــادرات‬ ‫الصينيــة والتــي التزمــت جميعهــا مببــدأ حــل الدولتــن‪ .‬إن مثابــرة‬ ‫الصــن العضــو الدائــم يف مجل ــس األمــن عل ــى تذكيــر املجتمــع الدول ــي‬ ‫بضــرورة هــذا احلــل جعــل مبــادرة الســام العربيــة حاضــرة وحيــة‪ .‬ويف‬ ‫تقديرنــا كان ذلــك أكبــر دعــم مســتدام حصلــت عليــه مبــادرة الســام‬ ‫العربيــة عل ــى اإلطــاق‪.‬‬ ‫بالرغم من أن الظروف قد تغيرت بشــكل واســع إال أن مبادرة الســام‬ ‫العربيــة والت ــي تتضمــن يف جوهرهــا «حــل الدولتــن» ال تــزال صاحلــة‬ ‫حلــل النــزاع يف املنطقــة وبالطبــع حتتــاج إل ــى تطويــر عناصــر جديــدة‬ ‫وآليــات مبتكــرة لتنفيذهــا‪ .‬ويف هــذا الســياق ال بــد مــن إعــادة قــراءة‬ ‫نصــوص املبــادرات الصينيــة بشــكل مع ّمــق لالســتفادة مــن بعــض‬ ‫األفــكار والبنــود الــواردة يف متنهــا‪ .‬عل ــى ســبيل املثــال تدعــو الصــن‬ ‫إل ــى خلــق آليــات دوليــة حلــل النــزاع‪ ،‬وبنــاء آليــة بقيــادة منظمــة األمم‬ ‫املتحــدة إلقامــة الدولــة الفلســطينية‪ ،‬كمــا أكــدت املبــادرات الصينيــة‬ ‫علــى ضــرورة االلتــزام مبفهــوم أمنــي مشــترك ومتكامــل وتعاونــي‬ ‫ومســتدام‪ ،‬وكذلــك عل ــى أهميــة تعزيــز الســام مــن خــال التنميــة‪،‬‬ ‫هــذا باإلضافــة إل ــى أن الصــن دعــت ً‬ ‫أيضــا إل ــى مؤمتــر دول ــي للســام‬ ‫متعــدد األطــراف‪.‬‬ ‫بنــاء علــى مــا ســبق مــن عــرض‪ ،‬وحتديــدًا فيمــا يتعلــق بالرؤيــة‬ ‫الصينيــة للحــل‪ ،‬تُعـ ّد الصــن دولــة مؤيــدة ملبــادرة الســام العربيــة‪ ،‬إذ‬ ‫يظهــر هــذا التأييــد يف التوافــق مــا بــن اجلانبــن الصين ــي والعرب ــي‬ ‫يف عــدة نقــاط‪ ،‬والتــي قــد جــاء بعــض منهــا يف البيــان املشــترك‬ ‫مــا بــن الصــن وجامعــة الــدول العربيــة الــذي صــدر مؤخ ـ ًرا منهــا‪:‬‬ ‫«ضــرورة وقــف إطــاق النــار علــى نحــو فــوري وشــامل‪ ،‬والتنفيــذ‬ ‫الشــامل والفعــال للقــرارات املعنيــة الصــادرة عــن مجل ــس األمــن الدولي‬ ‫واجلمعيــة العامــة لــأمم املتحــدة بشــأن الوضــع يف غــزة‪ ،‬والصــراع‬ ‫الفلســطيني ‪ -‬اإلســرائيلي‪ ،‬وحمايــة املدنيــن بخطــوات ملموســة‪،‬‬

‫ضــرورة االلتــزام مببــدأ «حكــم فلســطني مــن قبــل الفلســطينيني»‪،‬‬ ‫وضــرورة العمــل علــى حتقيــق املصاحلــة الفلســطينية الداخليــة‪.‬‬ ‫وبنــاء علــى مــا ســبق‪ ،‬ونتيجــة للطروحــات الســابقة‪ ،‬ميكــن اقتــراح‬ ‫مــا يل ــي‪:‬‬ ‫ً‬ ‫¦انطالقــا مــن موقــع الصــن كصديــق جلميــع األطــراف‪ ،‬فإنهــا‬ ‫تتمتــع مبيــزة مت ّكنهــا مــن لعــب دور الوســيط‪ ،‬وهــذه بالطبــع‬ ‫ســمة الصــن كدولــة تؤمــن بالســام‪ ،‬وانطال ًقــا مــن إميانهــا بــه‬ ‫ميكنهــا أن تدعــو إل ــى حتقيقــه‪.‬‬ ‫¦تتوافــق املبــادئ الصينيــة املقترحــة يف املبــادرات الصينيــة‬ ‫جوهر ًيــا مــع مبــادئ مبــادرة الســام العربيــة‪ ،‬وهــو مــا يعن ــي أن‬ ‫البنــاء عل ــى األســاس املشــترك لــن يكــون مسـ ً‬ ‫ـتحياًل‪ ،‬مهمــا كانــت‬ ‫تلــك العمليــة طويلــة وصعبــة‪.‬‬ ‫¦إقامــة مؤمتــر دولــي واســع النطــاق مــن أجــل ترســيخ فكــرة‬ ‫الســام يف الشــرق األوســط‪ ،‬يتــم خاللــه إعــادة تقييــم النقــاط‬ ‫الــواردة يف مبــادرات الســام الصينيــة والعربيــة‪ ،‬جلعلهــا أكثــر‬ ‫واقعيــة مبــا يُتيــح تطبيقهــا بطريقــة عمليــة‪ ،‬وبذلــك يتــم العمــل‬ ‫عل ــى احلصــول عل ــى تأييــد املجتمــع الدول ــي ملبــادرات الســام‪،‬‬ ‫مــع أهميــة ترســيخها عل ــى أرض الواقــع‪.‬‬ ‫¦االســتمرار يف متابعــة وتقييــم النقــاط الناجتــة عــن مبــادرات‬ ‫الســام‪ ،‬مبــا يــؤدي إل ــى حتديثهــا بشــكل مســتمر ويتناســب مــع‬ ‫تطــورات األوضــاع‪ ،‬ومبــا يُفض ــي إل ــى إجمــاع دول ــي عــام عليهــا‪.‬‬ ‫خامتة‬ ‫ال بديــل عــن الســام واحللــول الســلمية‪ ،‬ولع ـ ّل اجلولــة الراهنــة مــن‬ ‫الصــراع الفلســطيني اإلســرائيلي تثبــت مــرة أخــرى أن العنــف ال ميكــن‬ ‫أن يحــل املشــكلة‪ ،‬ولذلــك مــن الضــروري العمــل علــى حتويــل هــذا‬ ‫الصــراع إل ــى فرصــة لتحقيــق الســام الشــامل والعــادل‪.‬‬

‫* بروفسور بجامعة شنغهاي للدراسات الدولية بالصني ــ األمني العام ملركز‬ ‫الدراسات الصيني العريب لإلصالح والتنمية‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫‪69‬‬

‫ملف العدد‬

‫الصي ــن الدول ــة الوحي ــدة خ ــارج العال ــم العرب ــي الت ــي ق ّدم ــت دع ًم ــا‬ ‫ثاب ًت ــا للقضي ــة الفلس ــطينية ودعم ــت المب ــادرة العربي ــة من ــذ إطالقه ــا‬ ‫مبــا يضمــن احلقــوق املشــروعة للشــعب الفلســطيني‪ ،‬مبــا يف ذلــك‬ ‫حقــه يف إقامــة دولــة فلســطينية مســتقلة وموحــدة ذات ســيادة كاملــة‬ ‫وعاصمتهــا القــدس الشــرقية‪ ،‬وأبــدى اجلانــب الصينــي تقديــره‬ ‫للمســاهمة الســعودية يف ســبيل تعزيــز الســام يف املنطقــة‪.‬‬ ‫يف ينايــر ‪2016‬م‪ ،‬أصــدرت حكومــة الصــن «وثيقــة السياســة الصينيــة‬ ‫جتــاه الــدول العربيــة»‪ ،‬وقــد كانــت تلــك الوثيقــة مناســبة أخــرى أكــدت‬ ‫فيهــا الصــن موقفهــا الثابــت جتــاه حــل الدولتــن‪ ،‬إذ ق ّدمــت الصــن‬ ‫يف اجلــزء الثان ــي مــن هــذه الوثيقــة دعمهــا الكامــل للقضايــا العربيــة‬ ‫الرئيســية ويف مقدمتهــا دعمهــا إلقامــة دولــة فلســطينية ذات ســيادة‬ ‫كاملــة عل ــى حــدود عــام ‪1967‬م‪ ،‬وعاصمتهــا القــدس الشــرقية‪ .‬كمــا‬ ‫أكــدت دعمهــا أليــة جهــود تقــوم بهــا اجلامعــة العربيــة يف ســبيل إقامــة‬ ‫الدولــة الفلســطينية‪ ،‬وهــو مــا يعن ــي أن الصــن مســتعدة لدعــم أيــة‬ ‫مبــادرة جديــدة للجامعــة العربيــة لتحريــك امليــاه الراكــدة يف املجتمــع‬ ‫الدولــي‪ .‬وقــد تــا إصــدار هــذه الوثيقــة إلقــاء خطــاب مــن قبــل‬ ‫الرئيــس الصين ــي «ش ــي جــن بينــغ» يف مقــر جامعــة الــدول العربيــة‪،‬‬ ‫حيــث أكــد الرئيــس «شــي» بلهجــة واضحــة وصارمــة يف رســالة‬ ‫لعــدد مــن األطــراف قائ ـ ً‬ ‫ا «ال يجــوز تهميــش القضيــة الفلســطينية‬ ‫وكذلــك ال يجــوز وضعهــا يف الزاويــة املنســية»‪ ،‬وأضــاف إن القضيــة‬ ‫الفلســطينية قضيــة جذريــة للســام يف الشــرق األوســط‪ ،‬إذ قــال‪:‬‬ ‫«تدعــم الصــن بحــزم عمليــة الســام يف الشــرق األوســط‪ ،‬وتدعــم‬ ‫إقامــة دولــة فلســطينية ذات ســيادة كاملــة عل ــى حــدود عــام ‪1967‬م‪،‬‬ ‫وعاصمتهــا القــدس الشــرقية‪ .‬كمــا نتفهــم مطالــب فلســطني‬ ‫املشــروعة باالنضمــام إلــى املجتمــع الدولــي بصفــة دولــة»‪ .‬وهكــذا‬ ‫كســر الرئيــس «شــي» الصمــت الــذي عــم املنطقــة والعالــم جتــاه‬ ‫أخطــر قضايــا املنطقــة‪.‬‬ ‫يف مــارس عــام ‪2017‬م‪ ،‬زار رئيــس الــوزراء اإلســرائيلي «بنيامــن‬ ‫نتنياهــو» الصــن ليتــم طــرح حــل الدولتــن مج ـ ّددا مــن قبــل الرئيــس‬ ‫«شــي»‪ ،‬إذ مت التنويــه بــأن التوتــر يف الشــرق األوســط وحتديــدًا‬ ‫الصــراع الفلســطيني اإلســرائيلي ال يصــب يف مصلحــة الصــن وال‬ ‫إســرائيل معلن ـاً دعمــه لقيــام دولــة فلســطينية وعاصمتهــا القــدس‬ ‫الشــرقية‪ .‬وعــاد الرئيــس «ش ــي» يف يوليــو يف العــام ذاتــه‪ ،‬ليؤكــد خــال‬ ‫زيــارة الرئيــس الفلســطيني محمــود عبــاس «دعــم الصــن لتســوية‬ ‫سياســية للقضيــة الفلســطينية قائمــة عل ــى أســاس حــل الدولتــن»‪.‬‬ ‫وجتلّــى جتديــد الصــن موقفهــا الثابــت مــن مبــادرة الســام العربيــة‬ ‫مــرة أخــرى خــال زيــارة امللــك ســلمان بــن عبــد العزيــز للصــن يف عــام‬ ‫‪2017‬م‪ ،‬حيــث أكــد البيــان املشــترك عل ــى أهميــة «حتقيــق حــل عــادل‬

‫وشــامل ودائــم للقضيــة الفلســطينية‪ ،‬وفق ـاً ملبــادرة الســام العربيــة‬ ‫وقــرارات مجل ــس األمــن الدول ــي ذات الصلــة»‪.‬‬ ‫ومــن املالحــظ أنــه منــذ إطــاق الرئيــس «ش ــي» مبــادرة النقــاط األربــع‬ ‫حلــل القضيــة الفلســطينية علــى أســاس حــل الدولتــن يف عــام‬ ‫‪2013‬م‪ ،‬فــإنّ جميــع املبــادرات الت ــي أطلقتهــا الصــن التزمــت مبضمــون‬ ‫وجوهــر النقــاط األربــع مــع تغيــرات إضافيــة محــدودة‪ ،‬إذ أضافــت‬ ‫الصــن يف عــام ‪2017‬م‪ ،‬عناصــر جديــدة لرؤيتهــا للحــل منهــا «أهميــة‬ ‫االلتــزام مبفهــوم أمن ــي مشــترك ومتكامــل وتعاون ــي ومســتدام وتعزيــز‬ ‫الســام مــن خــال التنميــة»‪ .‬كمــا دعــت إل ــى حــوار ثالث ــي «فلســطيني‬ ‫إســرائيلي صين ــي»‪ ،‬وأعلنــت نيتهــا الســتضافة منتــدى حــول الســام‬ ‫بــن فلســطني وإســرائيل والصــن‪ ،‬وهــو مــا لــم يتحقــق حت ــى اليــوم‪.‬‬ ‫يف مــارس ‪2021‬م‪ ،‬أطلقــت الصــن ً‬ ‫ــمي ب ـــ «النقــاط‬ ‫أيضــا مــا ُس ّ‬ ‫اخلمــس» أكــدت فيهــا عل ــى أهميــة حــل الدولتــن مبــا يتوافــق مــع‬ ‫النقــاط األربعــة الت ــي ُطرحــت عــام ‪2013‬م‪ ،‬ويف يوليــو مــن العــام ذاتــه‬ ‫طرحــت الصــن ثــاث نقــاط لتنفيــذ مبــدأ «حــل الدولتــن» أكــدت‬ ‫خاللهــا علــى أهميــة الوحــدة الداخليــة الفلســطينية‪ .‬وكانــت آخــر‬ ‫هــذه املبــادرات أفــكار ق ّدمهــا الرئيــس «ش ــي» يف يونيــو ‪2023‬م‪ ،‬حملــت‬ ‫ثالثــة اقتراحــات أكــدت عل ــى املبــادرات الســابقة أضيــف إليهــا «الدعوة‬ ‫إل ــى مؤمتــر دول ــي للســام متعــدد األطــراف»‪ .‬وقــد ت ّوجــت الصــن ‪68‬‬ ‫عامــا مــن الدعــم الثابــت للقضيــة الفلســطينية باتفاقيــة الشــراكة‬ ‫االســتراتيجية مــع دولــة فلســطني الت ــي مت توقيعهــا العــام املاض ــي‪.‬‬ ‫واجلديــر بالذكــر أن الرئيــس «شــي» قــد بعــث برســائل تهنئــة إلــى‬ ‫اجلمعيــة العامــة لــأمم املتحــدة مبناســبة اليــوم الدولــي للتضامــن‬ ‫مــع الشــعب الفلســطيني عل ــى مــدى الســنوات العشــر املاضيــة‪ ،‬وقــدم‬ ‫عــدة مقترحــات الصــن بشــأن تعزيــز تســوية القضيــة الفلســطينية‪،‬‬ ‫ممــا يــدل علــى أن الصــن تتحمــل مســؤولية الدولــة الكبيرة حلــث‬ ‫التوصــل إل ــى توافــق دول ــي‬ ‫جميــع األطــراف أن تعمــل م ًعــا مــن أجــل‬ ‫ّ‬ ‫مــن أجــل التوصــل إل ــى تســوية شــاملة وعادلــة ودائمــة يف أقــرب وقــت‬ ‫ممكــن‪.‬‬

‫دور الصين يف دعم وتطوير مبادرة السالم العربية‬

‫بنــاء علــى مــا ســبق ذكــره‪ ،‬كانــت الصــن الدولــة الوحيــدة خــارج‬ ‫العالــم العربــي التــي ق ّدمــت دعمــاً اســتراتيجياً ثابتًــا للقضيــة‬ ‫الفلســطينية توجتــه مــع كامــل االلتــزام بقــرار الــدول العربيــة بدعــم‬ ‫مبــادرة الســام العربيــة يف الشــرق األوســط منــذ اإلعــان عنهــا يف‬


‫‪68‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫رغـــم الحـــمالت االنتقاميـــة اإلســـرائيلية الواســـعة إال أنـــه ال‬ ‫انتص ــار حقيق ــي يل ــوح يف األف ــق وس ــط انقس ــام ال ــرأي الع ــام الغرب ــي‬ ‫ومبــدأ حــل الدولتــن عندمــا أعلــن الكنيســت اإلســرائيلي يف يوليــو‬ ‫‪1980‬م‪ ،‬أن القــدس ســوف تكــون العاصمــة األبديــة وغيــر املجــزأة لــه‪.‬‬ ‫قوبــل ذلــك اإلعــان مبوجــة غضــب عارمــة يف األقطــار العربيــة والعالم‬ ‫اإلســامي وكان رد الفعــل الصينــي أن أصــدر املتحــدث باســم وزارة‬ ‫اخلارجيــة الصينيــة بيان ـاً متــت فيــه إدانــة اإلجــراءات غيــر القانونيــة‬ ‫التــي تقــوم بهــا إســرائيل لتغييــر وجــه القــدس وناشــدت الصــن‬ ‫إســرائيل أن تنســحب مــن كامــل األراض ــي العربيــة الت ــي احتلتهــا منــذ‬ ‫رح بــت الصــن أيضاً‬ ‫‪1967‬م‪ ،‬باإلضافــة إل ــى القــدس‪ .‬ويف هــذا االجتــاه ّ‬ ‫بخطــة ولــي العهــد األميــر فهــد بــن عبــد العزيــز آل ســعود التــي‬ ‫تتك ـ ّون مــن ثمانيــة بنــود حلــل القضيــة الفلســطينية وجوهرهــا حــل‬ ‫الدولتــن‪ .‬وقــد اطلعــت القيــادة الصينيــة عل ــى اخلطــة عــن طريــق‬ ‫دبلوماســيني عــرب‪ ،‬وأشــارت يف معــرض ترحيبهــا باملبــادرة إل ــى أنهــا‬ ‫تعتــرف بحقــوق كل الــدول يف املنطقــة مبــا فيهــا إســرائيل للعيــش يف‬ ‫ســام‪ ،‬ووصفــت املبــادرة بأنهــا «القــرار احلقيقــي والصحيــح الــذي‬ ‫ســيقود للحــل الســلمي للنــزاع”‪.‬‬ ‫يف ديســمبر ‪1982‬م‪ ،‬دعمــت بكــن خطــة البنــود الثمانيــة حلــل مشــكلة‬ ‫الشــرق األوســط الت ــي اعتُمــدت يف مؤمتــر القمــة العربيــة االســتثنائي‬ ‫الثان ــي عشــر يف فــاس الت ــي ال تختلــف عــن نــص مبــادرة ول ــي العهــد‬ ‫الســعودي إذ أشــار ذلــك املؤمتــر إلــى أن النقــاط الــواردة كان قــد‬ ‫اقترحهــا كل مــن الرئيــس احلبيــب بورقيبــة وجاللــة امللــك فهــد بــن‬ ‫عبــد العزيــز‪.‬‬ ‫وبعــد توقيــع منظمــة التحريــر الفلســطينية يف ‪ 13‬ســبتمبر ‪1993‬م‪،‬‬ ‫ــمي رســم ًيا باســم إعــان “املبــادئ الفلســطيني‪-‬‬ ‫االتفــاق الــذي ُس ّ‬ ‫اإلســرائيلي” يف أوســلو‪ ،‬دعمــت الصــن هــذه االتفاقيــة بوصفهــا أيضاً‬ ‫خيــاراً فلســطينياً وعربي ـاً يفتــح الطريــق حلــل الدولتــن واالســتقرار‬ ‫يف الشــرق األوســط‪ .‬إال أنــه وبســبب التعنــت اإلســرائيلي لــم تقــم‬ ‫الدولــة الفلســطينية التــي كانــت تأمــل منظمــة التحريــر أن يكــون‬ ‫االتفــاق ســابق الذكــر بدايــة الطريــق إلقامتهــا‪ ،‬ومــا كان حتــت ســيطرة‬ ‫الســلطة الفلســطينية مــن أراض بعــد االتفــاق أعــادت إســرائيل‬ ‫احتاللــه بعــد أقــل مــن ‪ 8‬ســنوات‪ .‬وعــادت املنطقــة مــرة أخــرى إل ــى‬ ‫التوتــر وســاد التشــاؤم فيهــا‪.‬‬

‫يف عــام ‪2002‬م‪ ،‬تق ّدمــت اململكــة العربيــة الســعودية مببــادرة جديــدة‪،‬‬ ‫وه ــي مبــادرة ول ــي العهــد األميــر عبــداهلل بــن عبــد العزيــز آل ســعود‬ ‫للســام يف الشــرق األوســط ودعــت املبــادرة اجلديــدة إل ــى مــا يل ــي‪:‬‬ ‫انسحاب إســرائيل الكامــل مــن جميــع األراضــي العربيــة احملتلــة‬ ‫منــذ ‪1967‬م‪ ،‬تنفيــ ًذا لقــراري مجلس األمــن (‪ 242‬و‪ )338‬واللذيــن‬ ‫عزّزتهمــا قــرارات مؤمتــر مدريــد عــام ‪1991‬م‪ ،‬ومبــدأ “األرض مقابــل‬ ‫الســام”‪ .‬قيــام دولــة فلســطينية مســتقلة وذات ســيادة عاصمتهــا‬ ‫القدس الشــرقية‪ ،‬وذلــك مقابــل قيــام الــدول العربيــة بإنشــاء عالقــات‬ ‫طبيعيــة يف إطــار ســام شــامل مع إســرائيل‪.‬‬ ‫منــذ عــام ‪2013‬م‪ ،‬انتقلــت الصــن مــن املوقــف املؤيــد الثابــت للنضــال‬ ‫الفلســطيني وحــل الدولتــن والداعــم ملبــادرات الســام العربيــة‪ ،‬إل ــى‬ ‫تقــدمي رؤيتهــا اخلاصــة للحــل كق ـ ّوة صديقــة كبــرى والعــب أساس ــي‬ ‫يف املنطقــة‪ .‬وقــد طــرح الرئيــس الصينــي “شــي جــن بينــغ” يف ‪6‬‬ ‫مايــو ‪2013‬م‪ ،‬خــال مباحثاتــه مــع الرئيــس الفلســطيني “محمــود‬ ‫عبــاس” الرؤيــة الصينيــة ذات النقــاط األربــع حــول تســوية القضيــة‬ ‫الفلســطينية القائــم عل ــى حــل الدولتــن ومــن أهــم بنودهــا‪“ :‬التمســك‬ ‫بإقامــة دولــة فلســطني املســتقلة والتعايــش الســلمي بــن دولتــي‬ ‫فلســطني وإســرائيل‪ ،‬إقامــة دولــة مســتقلة ذات ســيادة كاملــة علــى‬ ‫أســاس حــدود عــام ‪1967‬م‪ ،‬وعاصمتهــا القــدس الشــرقية والــذي هــو‬ ‫ومفتاحــا لتســوية‬ ‫حــق غيــر قابــل للنقــاش للشــعب الفلســطيني‪،‬‬ ‫ً‬ ‫القضيــة الفلســطينية‪ ،‬احتــرام حــق البقــاء إلســرائيل وهمومهــا‬ ‫األمنيــة املعقولــة يجــب أن تكــون موضــع االحتــرام الــكايف”‪ .‬وهنــا ال‬ ‫بــد مــن اإلشــارة إل ــى أن بعــض احملللــن الغربيــن واإلســرائيليني قــد‬ ‫رأوا أن النقــاط ســابقة الذكــر مرفوضــة بالكامــل إســرائيل ًيا وأمريك ًيــا‪،‬‬ ‫رح بــت الــدول العربيــة واإلســامية ومعظــم دول اجلنــوب بهــذه‬ ‫بينمــا ّ‬ ‫املبــادرة‪.‬‬ ‫عــادت الصــن لتعلــن دعمهــا ملبــادرة الســام العربيــة وذلــك خــال‬ ‫زيــارة ولــي العهــد صاحــب الســمو امللكــي األميــر ســلمان بــن عبــد‬ ‫العزيــز آل ســعود للصــن يف مــارس ‪2014‬م‪ ،‬حينمــا أكــد اجلانبــان‬ ‫علــى أهميــة حتقيــق الســام الشــامل والعــادل يف الشــرق األوســط‬ ‫وفقــاً ملبــادرة الســام العربيــة وقــرارات األمم املتحــدة ذات الصلــة‪،‬‬

‫رفض ــت الصي ــن إع ــان الق ــدس عاصم ــة إلس ــرائيل وأدان ــت الخارجي ــة‬ ‫الصيني ــة اإلج ــراءات غي ــر القانوني ــة اإلس ــرائيلية لتغيي ــر وج ــه الق ــدس‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫‪67‬‬

‫ملف العدد‬

‫لنجــاح مؤتمــر دويل موســع للســام يجــب إعــادة تقييــم النقــاط الــواردة‬ ‫يف مب ــادرات الس ــام الصيني ــة والعربي ــة لجعله ــا أكث ــر واقعي ــة وتطبي ًق ــا‬ ‫فيهــا إلــى أن «سياســة االســتيطان االســرائيلية تقــف عائقــاً أمــام‬ ‫طموحــات الشــعب العرب ــي وأكــد بــأن احلــل الوحيــد ملشــكلة الشــرق‬ ‫األوســط هــو اســترجاع األراضــي العربيــة كافــة‪ ،‬واســتعادة احلقــوق‬ ‫الوطنيــة للشــعب الفلســطيني»‪ .‬فيمــا يلــي تسلســل زمنــي يظهــر‬ ‫الرؤيــة الســلمية الصينيــة فيمــا يتعلــق بالقضيــة الفلســطينية‪ ،‬تلــك‬ ‫الســلمية املتمثلــة بشــكل رئيس ــي بالطروحــات املتعلقــة بحــل الدولتني‪:‬‬ ‫يعــد العــام ‪1977‬م‪ ،‬عا ًمــا مفصل ًيــا بالنســبة للعالــم عمو ًمــا‪ ،‬ومنطقــة‬ ‫الشــرق األوســط بشــكل خــاص‪ ،‬إذ قبلــت فيــه مصــر باحلــل الســلمي‬ ‫للنــزاع العربــي اإلســرائيلي‪ ،‬وحتديــدًا عندمــا قــام الرئيــس املصــري‬

‫«أنــور الســادات» بزيارتــه إلســرائيل يف ‪ 19‬نوفمبــر ‪1977‬م‪ ،‬تلــك الزيــارة‬ ‫الت ــي م ّهــدت الطريــق إل ــى اتفاقيــة كامــب ديفيــد يف ســبتمبر ‪1978‬م‪،‬‬ ‫عل ــى الرغــم مــن أن الصــن لــم تصــدر أي بيــان تعــارض أو تســاند‬ ‫فيــه «كامــب ديفيــد» إال أنهــا أبــدت تف ّه ًمــا جزئ ًيــا لهــذه اخلطــوة‪ ،‬وهــو‬ ‫مــا ظهــر عل ــى لســان رئيــس الــوزراء الفرنس ــي الــذي قــال‪« :‬إنّ الصــن‬ ‫وفرنســا تأمــان يف أن تــزول كل الصعوبــات الت ــي تواجــه الســادات يف‬ ‫سياســته اجلديــدة»‪.‬‬ ‫وقــد اتخــذت بكــن موقفـاً أكثــر وضوح ـاً جتــاه احلقــوق الفلســطينية‬


‫‪66‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫رغ ــم تغي ــر الظ ــروف الت ــزال مب ــادرة الس ــام العربي ــة وجوهره ــا "ح ــل‬ ‫الدولتيــن" صالحــة لحــل النــزاع وإن احتاجــت تحتــاج تطويــر وآليــات مبتكرة‬ ‫مــن أجــل القضيــة الفلســطينية‪ ،‬وف ــى احلقيقــة فــإن وقــوف الصــن‬ ‫بجانــب الفلســطينيني أذهــل القــادة العــرب‪ ،‬وبالفعــل منــذ ذلــك‬ ‫الوقــت اســتم ّرت الصــن يف دعمهــا الرســمي والشــعبي للقضيــة‬ ‫الفلســطينية‪.‬‬ ‫فعل ــى الصعيــد األهل ــي أرســلت اللجنــة الصينيــة للتضامــن اإلفريق ــي‬ ‫اآلســيوي يف ‪ 15‬مايــو ‪1960‬م‪ ،‬مبناســبة العيــد الوطنــي لفلســطني‬ ‫برقيــة إل ــى أحمــد الشــقيري‪ ،‬أكــدت فيهــا مســاندة الشــعب الصين ــي‬ ‫يف نضالــه ضــد إســرائيل القاعــدة العدوانيــة املتقدمــة للواليــات‬ ‫املتحــدة األمريكيــة‪ ،‬وع ّبــرت البرقيــة عــن وقــوف الصــن إل ــى جانــب‬ ‫النضــال الفلســطيني العــادل مــن أجــل عودة الشــعب الفلســطيني إلى‬ ‫وطنــه واســتعادة حقوقــه الشــرعية‪ .‬وكانــت اللجنــة الصينيــة للتضامــن‬ ‫اإلفريق ــي اآلســيوي قــد أرســلت بعــد أقــل مــن أســبوع برقيــة أخــرى يف‬ ‫‪ 20‬مايــو ‪1960‬م‪ ،‬إل ــى أحمــد الشــقيري واملؤمتــر الوطن ــي الفلســطيني‬ ‫الــذي افتتحــت أعمالــه يف غــزة يف نفــس اليــوم‪ ،‬عبــرت فيهــا اللجنــة‬ ‫عــن وقوفهــا الصــارم إل ــى جانــب النضــال الفلســطيني‪ .‬كمــا أرســلت‬ ‫اجلمعيــة اإلســامية ‪ /‬الصينيــة برقيــة إل ــى أحمــد الشــقيري “دعمـاً‬ ‫لنضــال الشــعب الفلســطيني ضــد اإلمبرياليــة األمريكيــة”‪ .‬يف ‪20‬‬ ‫مــارس ‪1964‬م‪ ،‬نُ ّظمــت يف بكــن مســيرة تعبيــراً عــن موقــف الصــن‬ ‫احلــازم ملســاندة الكفــاح الفلســطيني والشــعب العرب ــي ضد ممارســات‬ ‫إســرائيل املدعومــة مــن الواليــات املتحــدة األمريكيــة‪ .‬يف وقــت قالــت‬ ‫فيــه صحيفــة الشــعب اليوميــة والت ــي ه ــي الناطــق الرســمي باســم‬ ‫اللجنــة املركزيــة للحــزب الشــيوعي الصينــي يف افتتاحيتهــا بتاريــخ‬ ‫‪ 17‬مــارس ‪1964‬م‪« ،‬ســيق ّدم الشــعب الصين ــي الدعــم الكامــل للشــعب‬ ‫الفلســطيني والشــعوب العربيــة يف كفاحهــا ضــد إمبرياليــة الواليــات‬ ‫املتحــدة‪ ،‬الكفــاح الــذي يعتبــره الشــعب الصين ــي دفعــة قويــة لنضــال‬ ‫الشــعوب ضــد إمبرياليــة الواليــات املتحــدة األمريكيــة»‪ .‬وبنــا ًء علــى‬ ‫الدعــوة املقدمــة مــن اللجنــة الصينيــة للتضامــن اإلفريق ــي اآلســيوي‬ ‫زار القائــدان الفلســطينيان ياســر عرفــات وخليــل الوزيــر (أبــو جهــاد)‬ ‫الصــن يف ‪ 17‬مــارس ‪1964‬م‪ ،‬حيــث اس ـتُقبال اســتقباالً حــاراً وعقــدا‬ ‫محادثــات هامــة مــع ليــاو شــينغ تش ــي (‪ )Liao Cheng Zhi‬عضــو‬ ‫اللجنــة املركزيــة للحــزب الشــيوعي الصينــي وناقــش اجلانبــان‬ ‫العالقــات الثنائيــة‪ ،‬وقــد وافقــت الصــن خــال الزيــارة علــى فتــح‬ ‫مكتــب اتصــال غيــر رســمي حلركــة “فتــح” وكان ذلــك أول مكتــب‬ ‫اتصــال فلســطيني خــارج العالــم العرب ــي‪.‬‬ ‫ويف خطــوة هامــة قـ ّررت الصــن تطبيــق قــرار جامعــة الــدول العربيــة‬

‫مبقاطعــة إســرائيل ومنــع عقــد الصفقــات التجاريــة مــع الســفن‬ ‫االســرائيلية التــي ُوضعــت يف القائمــة الســوداء مــن قبــل الــدول‬ ‫العربيــة و ُمنعــت مــن دخــول امليــاه اإلقليميــة الصينيــة‪ .‬وفــى نفــس‬ ‫الوقــت قــام احلــاج محمــد ل ــى تانــغ (‪)Haj Mohmed Lin Tang‬‬ ‫بزيــارة رســمية إلــى مخيــم خــان الشــيخ لالجئــن الفلســطينيني‬ ‫أعلــن خاللهــا اســتعداد شــعب الصــن وحكومتــه ملســاعدة الشــعب‬ ‫الفلســطيني مــن أجــل اســتعادة أراضيــه‪ .‬علم ـاً أن مســاندة الصــن‬ ‫للنضــال الفلســطيني يف فتــرة الســتينات جــاءت يف وقــت حاســم‬ ‫وصعــب حيــث تــرددت فيــه الكثيــر مــن الــدول يف دعــم املقاومــة‬ ‫الفلســطينية‪ ،‬إال أن الصــن يف ذلــك الوقــت قامــت بتقدمي مســاعدات‬ ‫سياســية ومعنويــة شــديدة األهميــة للمقاومــة الفلســطينية ممــا شــكل‬ ‫دافع ـاً كبيــراً لهــا للتق ـ ّدم لألمــام‪ .‬وت ّوجــت بكــن مواقفهــا احلازمــة‬ ‫املؤيــدة لقضايــا النضــال الفلســطيني بترحيبهــا بإعــان تأســيس‬ ‫منظمــة التحريــر الفلســطينية يف القمــة الثانيــة للجامعــة العربيــة يف‬ ‫‪ 19‬ســبتمبر ‪1964‬م‪ ،‬واعتبــرت الصــن تأســيس املنظمــة حلظــة فارقــة‬ ‫يف كفــاح الشــعب الفلســطيني‪.‬‬ ‫وبهــذا يتضــح ممــا ســبق أنّ الصــن ظلــت منــذ مؤمتر باندونــغ ‪1955‬م‪،‬‬ ‫تقـ ّدم دعمـاً مســتمراً للقضيــة الفلســطينية (قضيــة العــرب املركزيــة)‪.‬‬ ‫كمــا أنــه مــن املمكــن مالحظــة أن املنظمــات األهليــة والشــعبية‬ ‫الصينيــة ظلــت أيضــاً تقــ ّدم دعمــاً قويــاً لفلســطني إذ يبــدو ذلــك‬ ‫بشــكل واضــح مــن خــال البيانــات واملســيرات الت ــي نُ ّظمــت يف املــدن‬ ‫الصينيــة دعم ـاً للنضــال الفلســطيني‪ .‬وف ــى احلقيقــة ميكــن اعتبــار‬ ‫تطبيــق الصــن منــذ وقــت مب ّكــر للعقوبــات التــي فرضتهــا الــدول‬ ‫العربيــة علــى إســرائيل‪ ،‬واعترافهــا مبنظمــة التحريــر الفلســطينية‬ ‫دلي ـ ً‬ ‫ا كافي ـاً عل ــى الدعــم الالمشــروط الــذي تق ّدمــه الصــن لقضيــة‬ ‫العــرب املركزيــة‪.‬‬

‫رؤى الصين للسالم يف الشرق األوسط ومبدأ حل الدولتين‬

‫اعتمــدت الصــن مبــدأ الســام كقاعــدة يف عالقاتهــا مــع الــدول‬ ‫األخــرى‪ ،‬وأطلقــت مبــادئ ســلمية حتــى يف تعامالتهــا االقتصاديــة‬ ‫بــن الــدول‪ ،‬فالســام هــو مــن الثوابــت الت ــي ال تنتهجهــا الصــن يف‬ ‫عالقتهــا مــع الــدول األخــرى فحســب‪ ،‬بــل تدعــو باقــي الــدول إلــى‬ ‫تطبيقهــا‪ .‬وانطالقــا مــن هنــا دعــت الصــن إل ــى حــل الدولتــن فيمــا‬ ‫يتعلــق بالصــراع الفلســطيني اإلســرائيلي‪ .‬ولع ـ ّل أبــرز موقــف تاريخ ــي‬ ‫ظهــرت فيــه نظــرة الصــن إلــى حــل الدولتــن هــو تصريــح وزيــر‬ ‫اخلارجيــة الصين ــي هوانــغ هــوا (‪ )Huang Hua‬يف كلمتــه أمــام‬ ‫اجلمعيــة العامــة لــأمم املتحــدة يف ‪ 28‬ســبتمبر ‪1976‬م‪ ،‬والت ــي أشــار‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫‪65‬‬

‫ملف العدد‬

‫مبادرة السالم العربية في الشرق األوسط‪ :‬دور الصين المرتقب‬

‫توافق المبادرات الصينية مع المبادرة العربية‬ ‫يحقق نجاح عملية السالم مهما كانت صعبة‬ ‫أعــادت أحــداث الســابع مــن أكتوبــر القضيــة الفلســطينية إل ــى دائــرة الضــوء واالهتمــام الدول ــي ألول مــرة منــذ عقــود طويلــة‪ ،‬إذ‬ ‫دخــل الشــرق األوســط يف دائــرة عنــف جديــدة‪ ،‬وقــد بــدا الغــرب مضطربـاً جتــاه هــذه التطــورات‪ ،‬ترافــق هــذا األمــر مــع ظهــور‬ ‫خلــل يف التفكيــر االســتراتيجي الغرب ــي‪ ،‬فقــد أظهــرت دول الغــرب ارتبــا ًكا يف التعامــل مــع هــذه التطــورات اجلديــدة الت ــي رمبــا‬ ‫لــم تشــهدها القضيــة الفلســطينية منــذ حــرب ‪1973‬م‪.‬‬ ‫وســط هــذا االرتبــاك كلّــه لــم يتــوان الغــرب عــن الدفــع بكامــل قوتــه العســكرية والدبلوماســية للدفــاع عــن إســرائيل بوصفهــا‬ ‫قاعدتــه املتق ّدمــة يف الشــرق األوســط‪ ،‬واشــترك فعليــاً يف عمليــات القتــل واإلبــادة اإلســرائيلية املمنهجــة ضــد الشــعب‬ ‫الفلســطيني يف قطــاع غــزة‪ .‬وذلــك عل ــى الرغــم مــن اإلدانــات املتواصلــة مــن قبــل الــدول العربيــة واإلســامية ومعظــم دول‬ ‫اجلنــوب والت ــي أدانــت احلمــات املدعومــة غربي ـاً الت ــي تقــوم بهــا إســرائيل‪.‬‬

‫أ‪.‬د‪ .‬وانغ قوانغدا‬

‫وبالرغــم مــن احلمــات االنتقاميــة الواســعة الت ــي تقــوم بهــا إســرائيل‬ ‫إال أنــه ال انتصــار حقيق ــي يلــوح يف األفــق‪ ،‬بــل أدى العنــف اإلســرائيلي‬ ‫غيــر املســبوق إلــى انقســام كبيــر يف أوســاط الــرأي العــام الغربــي‪،‬‬ ‫وهــو مــا قــد ســاهم يف دخــول التحالــف الغرب ــي اإلســرائيلي يف عزلــة‬ ‫دوليــة‪ .‬ويف ظــل اســتمرار العمليــات العســكرية‪ ،‬وتع ّثــر التوصــل إل ــى‬ ‫حــل سياس ــي عــاد طــرح حــل الدولتــن إل ــى الواجهــة مجــد ًدا‪ ،‬وهــو مــا‬ ‫أعــاد األنظــار إلــى عــام ‪2002‬م‪ ،‬وحتديــدًا إلــى قمــة بيــروت عندمــا‬ ‫أعلــن ول ــي العهــد الســعودي األميــر عبــد اهلل بــن عبــد العزيــز عــن‬ ‫نصــت املبــادرة عل ــى‬ ‫مبــادرة الســام العربيــة يف الشــرق األوســط‪ .‬وقــد ّ‬ ‫قيــام دولــة فلســطينية معتــرف بهــا دولي ـاً عل ــى حــدود عــام ‪1967‬م‪،‬‬ ‫وعــودة الالجئــن واالنســحاب مــن هضبــة اجلــوالن الســوري احملتــل‪.‬‬ ‫تتنــاول هــذه الورقــة املوقــف الصينــي مــن مبــادرة الســام العربيــة‬ ‫ومســألة حــل الدولتــن‪ ،‬والــذي هــو جوهــر هــذه املبــادرة‪ .‬إذ ســيتم‬ ‫تقســيم الورقــة إل ــى األجــزاء التاليــة‪ :‬يف اجلــزء األول ســيتم مراجعــة‬

‫اجلــذور التاريخيــة ملوقــف الصــن مــن مســألة حــل الدولتــن‪ .‬بينمــا‬ ‫يعالــج اجلــزء الثان ــي الــرؤى الصينيــة يف الســام ومبــدأ حــل الدولتــن‪.‬‬ ‫أمــا اجلــزء الثالــث فســيتناول دور الصــن يف دعــم وتطويــر املبــادرة‪،‬‬ ‫كمــا ســينتهي بتقــدمي بعــض املقترحــات والتوصيــات‪.‬‬

‫الجــذور التاريخيــة لموقــف الصيــن مــن حــل الدولتيــن ومبــادرة‬ ‫الســام العربيــة‬

‫مــن املعــروف تاريخ ًيــا أن الصــن قــد أعلنــت وقوفهــا بجانــب احلــق‬ ‫الفلســطيني ألول مــرة يف مؤمتــر بانــدوجن (‪ )Bandung‬للــدول‬ ‫اإلفريقيــة واآلســيوية يف إندونيســيا يف الفتــرة مــن ‪ 24 – 18‬أبريــل‬ ‫عــام ‪1955‬م‪ ،‬حيــث قابــل رئيــس مجل ــس الدولــة الصين ــي تشــو إنــاي‬ ‫الى (‪ )Zhou En Lai‬رئيــس منظمــة التحريــر الفلســطينية آنــذاك‬ ‫أحمــد الشــقيري ألول مــرة والــذي كان ضمــن الوفــد الســوري‪ .‬أظهــرت‬ ‫الصــن خــال هــذا املؤمتــر وقوفهــا إل ــى جانــب العــرب يف نضالهــم‬


‫‪64‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫اتفاقيـــات إبراهـــام أفقـــدت مبـــادرات الـــسالم زخمهـــا وتبنـــت‬ ‫التطبيــع مــع إســرائيل مقابــل الــسالم دون إقامــة الدولــة الفلســطينية‬ ‫املتداخلــة التأثيــر واملعطيــات املتســارعة واملعقــدة التــي تشــهدها‬ ‫املنطقــة والعالــم‪ ،‬فــإن اإلعــداد اجليــد للمؤمتــر يعــد شـ ً‬ ‫ـرطا أساس ـ ًـىا‬ ‫لنجاحــه يف وقــف تدحــرج كــرة الثلــج ونــزع فتيــل حــرب واســعة تهــدد‬ ‫اجلميــع‪ .‬فــا ميكــن ملؤمتــر مهمــا طالــت مــدة إنعقــاده أن يقــرب بــن‬ ‫طــريف الصــراع‪ ،‬وتظــل مرحلــة مــا قبــل املؤمتــر ه ــى الفاصلــة‪ .‬يتضمــن‬ ‫ذلــك جه ـدًا دبلوماس ـ ًيا مــن املنتظــر أن تقــوده الريــاض لبلــورة صيغــة‬ ‫توافقيــة مقبولــة مــن جانــب حمــاس وإســرائيل‪ .‬وميكــن االســتعانة يف‬ ‫هــذا الصــدد بوســطاء أبرزهــم قطــر حيــث قيــادات حمــاس‪ ،‬وواشــنطن‬ ‫صاحبــة التأثيــر علــى إســرائيل وإن كان ليــس بقوتــه يف املاضــى‪.‬‬ ‫وقــد يكــون وقــف العمليــة اإلســرائيلية والســماح بعــودة الفلســطينيني‬ ‫لشــمال غــزة مقابــل اإلفــراج عــن األســرى اإلســرائيليني املدنيــن وبعض‬ ‫العســكريني‪ ،‬صيغــة مقبولــة وأســاس لعقــد املؤمتــر مبشــاركة كافــة‬

‫األطــراف املباشــرة وكذلــك الدوليــة واإلقليميــة الضامنــة‪ .‬ومــن املهــم يف‬ ‫هــذا اإلطــار حتديــد برنامــج زمن ــي للتنفيــذ يقــوم عل ــى مبــدأ خطــوة‬ ‫مقابــل خطــوة‪ ،‬وآليــات لضمــان وقــف إطــاق النــار‪ ،‬وتقنــن مخرجــات‬ ‫املؤمتــر يف قــرارات ملزمــة مــن مجلــس األمــن‪ .‬وال شــك أن ذلــك‬ ‫ســيمثل إجنــاز كبيــر‪ ،‬ميكــن البنــاء عليــه إلطــاق مســار تفاوضــي‬ ‫يبــدأ ببحــث مســتقبل غــزة مــا بعــد وقــف إطــاق النــار فيمــا بــن‬ ‫الفلســطينيني وبعضهــم البعــض وبينهــم وبــن إســرائيل‪ ،‬ويتطــرق‬ ‫لقضايــا التســوية الشــاملة يف مراحــل تاليــة‪.‬‬

‫* أستاذ العالقات الدولية ــ كلية االقتصاد والعلوم السياسية ـ جامعة القاهرة‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫احليــاة‪ ،‬يف انتهــاك للقانــون الدول ــي اإلنســاني‪ .‬كمــا تقدمــت روســيا‬ ‫بتعديــل يدعــو لتطبيــق هدنــة إنســانية فوريــة يف قطــاع غــزة‪ ،‬عل ــى‬ ‫مشــروع قــرار قدمتــه مالطــا ملجل ــس األمــن بشــأن التصعيــد يف الشــرق‬ ‫األوســط يف ‪ 15‬نوفمبــر لتكــون هدنــة إنســانية فوريــة ومســتدامة تؤدي‬ ‫إلــى وقــف األعمــال العدائيــة‪ .‬إال أن كل هــذه املشــروعات الروســية‬ ‫أصطدمــت بالفيتــو األمريك ــى‪ .‬عل ــى صعيــد آخــر‪ ،‬تواصلــت شــحنات‬ ‫املســاعدات اإلنســانية إل ــى ســكان قطــاع غــزة وبلــغ إجماليهــا حت ــى ‪23‬‬ ‫نوفمبــر حوال ــي ‪ 300‬طــن‪ ،‬كمــا أبــدى بوتــن اســتعداد روســيا الفتتــاح‬ ‫مستشــفي ميدان ــى يف قطــاع غــزة‪.‬‬ ‫وال يقتصــر األمــر عل ــى التأييــد الروس ــى‪ ،‬فقــد دعــا وزيــر خارجيــة‬ ‫الصــن واجن ي ــي إل ــى عقــد مؤمتــر ســام دول ــي أوســع نطا ًقــا وأكثــر‬ ‫موثوقيــة وفعاليــة بشــأن احلــرب يف غــزة‪ ،‬ووضــع جــدول زمنــي‬ ‫ملمــوس لتنفيــذ حــل الدولتــن‪ ،‬مؤكــداً أنــه يتعــن علــى املجتمــع‬ ‫الدولــي أن يســتمع بعنايــة إلــى املخــاوف املشــروعة لــدول املنطقــة‬ ‫ويجــب أن يكــون احلكــم يف غــزة يف املســتقبل خطــوة مهمــة نحو حــل‬ ‫الدولتــن‪ .‬هــذا إل ــى جانــب التأييــد املتوقــع مــن جانــب الــدول ال ـــ ‪153‬‬ ‫التــي صوتــت لصالــح القــرار الــذي تقدمــت بــه املجموعــة العربيــة‬ ‫واعتمدتــه اجلمعيــة العامــة لــأمم املتحــدة‪ ،‬يــوم ‪ 12‬ديســمبر‪ ،‬ويطالــب‬ ‫بالوقــف الفــوري إلطــاق النــار يف قطــاع غــزة ألســباب إنســانية‪،‬‬ ‫وبضمــان وصــول املســاعدات اإلنســانية‪.‬‬ ‫كمــا توفــر الدعــوى الت ــي أقامتهــا جنــوب إفريقيــا أمــام محكمــة العــدل‬ ‫الدوليــة يف الهــاي واتهمــت فيهــا إســرائيل بارتــكاب جرائــم “إبــادة‬ ‫جماعيــة” بحــق الفلســطينيني يف قطــاع غــزة عامــل ضغــط وورقــة‬ ‫ميكــن توظيفهــا للدفــع بعقــد املؤمتــر الدول ــي للســام‪ ،‬وفض ـ ً‬ ‫ا عــن‬ ‫املطالبــة بإدانــة إســرائيل بجرميــة إبــادة جماعية‪ ،‬طالبت جوهانســبرج‬ ‫احملكمــة بإصــدار قــرار يُجبــر إســرائيل عل ــى وقــف األعمــال القتاليــة‬ ‫بشــكل فــوري حلــن صــدور قــرار نهائ ــي مــن احملكمــة‪ .‬وقــد نظــرت‬ ‫محكمــة العــدل الدوليــة الدعــوة يوم ــي ‪ 11‬و‪ 12‬ينايــر‪ ،‬وتعــد هــذه املــرة‬ ‫األول ــى الت ــي تقبــل فيهــا إســرائيل املثــول أمــام محكمــة العــدل الدوليــة‪،‬‬ ‫بعــد أن رفضــت عــام ‪2004‬م‪ ،‬حضــور جلســات اســتماع ناقشــت فيهــا‬ ‫احملكمــة الــرأي االستشــاري الــذي طلبتــه األمم املتحــدة بشــأن شــرعية‬ ‫اجلــدار العــازل الــذي كانــت تبنيــه إســرائيل‪ .‬وتعــد أحــكام محكمــة‬ ‫العــدل الدوليــة ُملزمــة لألطــراف‪ ،‬إال إن احملكمــة ال متلــك ســلطة‬ ‫تنفيــذ أحكامهــا‪ ،‬ويتوجــب عل ــى جنــوب إفريقيــا التوجــه إل ــى مجل ــس‬ ‫األمــن الدولــي بوصفــه جهــاز إنفــاذ قــرارات األمم املتحــدة إلصــدار‬ ‫ـرار بتنفيــذ حكــم محكمــة العــدل الدوليــة حــال صــدوره‪ ،‬ممــا يجعلــه‬ ‫قـ ٍ‬ ‫عرضــه الحتمــال نقضــه مــن جانــب الفيتــو األمريك ــىي‬ ‫ولكــن رغــم إن عقــد مثــل هــذا املؤمتــر الدول ــي أصبــح ضــرورة للســام‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫‪63‬‬

‫ملف العدد‬

‫واالســتقرار يف املنطقــة‪ ،‬ورغــم التأييــد الواســع والدعــوات لعقــده‬ ‫مــن جانــب مــا ميكــن اعتبــاره “األغلبيــة العامليــة”‪ ،‬إال إنــه يواجــه‬ ‫حتديــات جوهريــة‪ .‬أهمهــا رفــض إســرائيل للتفــاوض وضعــف تأثيــر‬ ‫اإلدارة األمريكيــة احلاليــة عل ــى تــل أبيــب‪ .‬فرغــم إعــان وزيــر الدفــاع‬ ‫اإلســرائيلي يــوآف جاالنــت رســم ًيا يــوم ‪ 15‬ينايــر‪ ،‬انتهــاء االجتيــاح‬ ‫البــري مبرحلتــه الكثيفــة شــمالي قطــاع غــزة‪ ،‬واقتــراب موعــد انتهائــه‬ ‫جنوبــي القطــاع‪ ،‬إال إنــه رفــض وقــف إطــاق النــار الدائــم مؤكــداً‬ ‫اســتمرار القتــال وأنــه ال يوجــد طريــق آخــر ســوى االنتصــار بهــذه‬ ‫احلــرب ونف ــى أن تقــدم إســرائيل أى تنــازالت‪ ،‬وشــدد عل ــى أن القــوة‬ ‫العســكرية هــى فقــط القــادرة علــى حتريــر األســرى‪ ،‬وأن إســرائيل‬ ‫لــن تســمح ألي قــوى معاديــة إلســرائيل بحكــم غــزة‪ .‬ويف اليــوم املائــة‬ ‫للحــرب أعلــن نتنياهــو‪ ،‬إن احلــرب عل ــى حركــة حمــاس يف قطــاع غــزة‬ ‫قــد تســتمر حت ــى عــام ‪ ،2025‬مجــدداً بذلــك رفضــه لوقــف احلــرب‬ ‫يف غــزة ومؤكــداً أنــه البــد مــن تدميــر حمــاس‪ ،‬ونــزع ســاح غــزة‪،‬‬ ‫واســتئصال التطــرف يف املجتمــع الفلســطيني‪ ،‬كشــروط أساســية‬ ‫لتحقيــق الســام مــن وجهــة نظــره‪ .‬ويــرى البعــض أن مــن مصلحــة‬ ‫نتنياهــو الشــخصية اســتمرار احلــرب حت ــى يتجنــب احملاكمــات الت ــي‬ ‫تطــارده بتهــم فســاد‪ ،‬واألهــم محاكمتــه بالتقصيــر بشــأن مــا حــدث‬ ‫يــوم ‪ 7‬أكتوبــر‪ ،‬وأن أملــه الوحيــد يف حتقيــق نصــر ينقــذه‪.‬‬ ‫كمــا أن اإلدارة األمريكيــة تبــدو غيــر قــادرة علــى ممارســة ضغــوط‬ ‫فعالــة عل ــى تــل أبيــب‪ ،‬ورغــم اســتمرار التحالــف االســتراتيجى بــن‬ ‫البلديــن‪ ،‬والدعــم األمريك ــى املطلــق إلســرائيل عســكرياً ودبلوماســياً‪،‬‬ ‫فقــد كشــفت احلــرب يف غــزة عــن تراجــع التأثيــر األمريكــى علــى‬ ‫إســرائيل‪ ،‬وهــو أمــر ليــس وليــد اللحظــة‪ ،‬فقــد كان هــذا التراجــع يــزداد‬ ‫ويتضــح يف مقابــل زيــادة النفــوذ والتأثيــر اإلســرائيلي عل ــى السياســة‬ ‫األمريكيــة عل ــى مــدى العقديــن املاضيــن منــذ إدارة بــوش اإلبــن‪ ،‬إال‬ ‫إن رفــض نتنياهــو معظــم طلبــات اإلدارة األمريكيــة بشــأن احلــرب يف‬ ‫غــزة أكــد التغيــر يف ميــزان التأثيــر بــن اجلانبــن لصالــح إســرائيل‪،‬‬ ‫وتضمــن ذلــك قضيــة عائــدات الضرائــب وعــدم قيــام إســرائيل مبــا‬ ‫يكف ــي للســماح بدخول املســاعدات اإلنســانية إلى غــزة‪ ،‬وعــدم رغبــة‬ ‫نتنياهــو يف مناقشــة خطــط اليــوم التال ــي للحــرب‪ ،‬ورفضــه للخطــة‬ ‫األمريكيــة اخلاصــة بإصــاح الســلطة الفلســطينية ليكــون لهــا دور يف‬ ‫مرحلــة مــا بعد حمــاس يف غــزة‪ .‬ووفق ـاً للموقــع اإلخبــاري األمريك ــي‬ ‫“أكســيوس”‪ ،‬فــإن بايــدن لــم يتحــدث مــع نتنياهــو منــذ املكاملــة‬ ‫املتوتــرة بينهمــا يف ‪ 23‬ديســمبر‪ ،‬الت ــي ختمهــا الرئيــس األمريك ــي ب ـــ‬ ‫“هــذه املكاملــة انتهــت”‪ ،‬بعــد أن كانــا يتواصــان كل يومــن تقري ًبــا‬ ‫خــال الشــهرين األولــن مــن احلــرب‪.‬‬ ‫يف ضــوء مــا تقــدم مــن فــرص وحتديــات إلعــادة إحيــاء املبــادرة العربيــة‬ ‫وعقــد مؤمتــر دول ــي للســام‪ ،‬وأخــذاً يف االعتبــار شــبكة التفاعــات‬


‫‪62‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫آخ ــر مب ــادرات الحقب ــة الس ــوفيتية طرحه ــا إدوارد ش ــيفرنادزة وزي ــر‬ ‫الخارجيـــة يف فبرايـــر ‪1989‬وأكـــدت عـــى انعقـــاد المؤتمـــر الـــدويل‬ ‫ثالثهــا‪ ،‬احلاضنــة الدوليــة املؤيــدة واملعضــدة لعقــد مؤمتــر دولــي‬ ‫للســام يف املنطقــة‪ ،‬والتأييــد شــبه العامل ــي لفكــرة عقــد املؤمتــر‪ ،‬ويبــرز‬ ‫يف هــذا الســياق دعــم روســيا الواضــح للمبــادرة العربيــة وعقــد مؤمتــر‬ ‫دول ــي وذلــك بالنظــر إل ــى العديــد مــن املعطيــات‪ ،‬أهمهــا املســتوى غيــر‬ ‫املســبوق للتعــاون االســتراتيجى بــن موســكو والريــاض‪ ،‬ومــا يتيحــه‬ ‫مــن آفــاق رحبــة للتنســيق بــن البلديــن بشــأن عقــد املؤمتــر الدول ــي‬ ‫خاصــة أن الدعــوة ملؤمتــر دول ــي للســام يف الشــرق األوســط يعــد مــن‬ ‫ثوابــت املوقــف الروس ــى‪ ،‬وكان ملوســكو العديــد مــن املبــادرات الداعيــة‬ ‫لعقــد مؤمتــر دول ــي للتســوية الســلمية للقضيــة الفلســطينية والصــراع‬ ‫العربــى اإلســرائيلي منــذ الثمانينــات‪ ،‬بــد ًءا مببــادرة برجينيــف يف‬ ‫فبرايــر ‪1981‬م‪ ،‬وتضمنــت الدعــوة إل ــى عقــد مؤمتــر دول ــي حتضــره‬ ‫أطــراف النــزاع مبــا يف ذلــك منظمــة التحريــر الفلســطينية بهــدف‬ ‫الوصــول إل ــى حــل عــادل وشــامل للصــراع العرب ــى ‪ /‬اإلســرائيلي‪ .‬وكان‬ ‫آخــر هــذه املبــادرات يف احلقبــة الســوفيتية ه ــى تلــك الت ــي طرحهــا‬ ‫إدوارد شــيفرنادزة‪ ،‬وزيــر اخلارجيــة الســوفيتى‪ ،‬يف فبرايــر ‪1989‬م‪،‬‬ ‫وتضمنــت التأكيــد كســابقتها علــى انعقــاد املؤمتــر الدولــي حتــت‬ ‫رعايــة األمم املتحــدة‪ ،‬وتعزيــز التعــاون بــن الــدول اخلمــس دائمــة‬ ‫العضويــة يف مجل ــس األمــن يف هــذا الصــدد‪ .‬وكانــت روســيا الراع ــي‬ ‫الثان ــي ملؤمتــر مدريــد للســام ‪1991‬م‪ ،‬ودعمــت فكــرة التســوية الشــاملة‬ ‫للصــراع العرب ــي اإلســرائيلي‪.‬‬ ‫يعــزز دعــم روســيا للمبــادرة العربيــة وعقــد مؤمتــر دولــي للتســوية‬ ‫الســلمية أيضــاً املوقــف الروســى مــن األزمــة يف غــزة‪ .‬فمنــذ اليــوم‬ ‫األول أبــدت روســيا موقف ـاً متســقاً مــع املواقــف العربيــة واإلســامية‬ ‫ومغايــراً للموقــف األمريك ــي واألوروب ــىي‪ .‬وأكــدت يف أول تعليقاتهــا أنــه‬ ‫“ال ميكــن بوســائل القــوة حــل هــذا النــزاع املســتمر منــذ ‪ 75‬عا ًمــا‪،‬‬ ‫وإمنــا ميكــن حلــه حص ـ ًرا بالوســائل السياســية والدبلوماســية‪ ،‬ومــن‬ ‫خــال إقامــة عمليــة تفاوضيــة كاملــة عل ــى األســس القانونيــة الدوليــة‬ ‫املعروفــة‪ ،‬التــي تنــص علــى إقامــة الدولــة الفلســطينية املســتقلة‬ ‫ضمــن حــدود عــام ‪ 1967‬وعاصمتهــا القــدس الشــرقية‪ ،‬تعيــش‬ ‫بســام وأمــن مــع إســرائيل”‪ .‬واعتبــر الرئيــس بوتــن أن سياســة‬ ‫االســتيطان اإلســرائيلية أحــد أســباب انــدالع احلــرب يف غــزة‪ ،‬وأن‬ ‫“القضية الفلســطينية ه ــي يف قلــب كل مســلم ويعتبرونهــا ظل ًمــا”‪،‬‬

‫وأنــه خــال إنشــاء دولــة إســرائيل كان هنــاك حديــث أيضــا عــن‬ ‫إنشــاء دولــة فلســطينية ذات ســيادة‪ ،‬لكــن هــذا لــم يحــدث أبـدًا‪ ،‬مؤكــداً‬ ‫إن الدعــوات املوجهــة للفلســطينيني للمغــادرة إل ــى ســيناء ليســت أمـ ًرا‬ ‫ميكــن أن يــؤدي إلــى الســام‪ ،‬وأن غــزة جــزء مــن أرض فلســطني‬ ‫التاريخيــة‪.‬‬ ‫وخــال قمــة اســتثنائية عبــر الفيديــو ملجموعــة “بريك ــس” عقــدت‬ ‫يــوم ‪ 21‬نوفمبــر مبشــاركة ســمو ولــي العهــد األميــر محمــد بــن‬ ‫ســلمان أكــد بوتــن أنــه أصبــح مــن الواضــح عــدم جــدوى احملــاوالت‬ ‫الفرديــة حلــل الصــراع الفلســطيني ‪ /‬اإلســرائيلي‪ ،‬وضــرورة تســوية‬ ‫النــزاع بجهــود دوليــة مشــتركة‪ ،‬وأن روســيا ودول “البريك ــس” ميكــن‬ ‫أن تلعــب دو ًرا رئيس ـ ًيا يف حــل الصــراع الفلســطيني اإلســرائيلي‪ ،‬وأن‬ ‫كل هــذا كان نتيجــة لتخريــب قــرارات األمم املتحــدة الت ــي تنــص عل ــى‬ ‫إنشــاء دولتــن مســتقلتني إســرائيل وفلســطني تتعايشــان بســام‪ .‬ويف‬ ‫مكاملــة هاتفيــة مــع رئيــس الــوزراء اإلســرائيلي بنيامــن نتنياهــو يــوم‬ ‫‪ 10‬ديســمبر أكــد بوتني عل ــى ضــرورة أال تعــود العمليــات العســكرية‬ ‫يف غــزة بعواقــب وخيمــة عل ــى املدنيــن العــزل يف القطــاع‪.‬‬ ‫يف هــذا اإلطــار حتركــت روســيا علــى محوريــن دبلوماســى يف األمم‬ ‫املتحــدة‪ ،‬وإنســانى عبــر املســاعدات لقطــاع غــزة‪ .‬فقــد تقدمــت روســيا‬ ‫بعــدد مــن مشــروعات القــرار داخــل مجل ــس األمــن منهــا مشــروع قــرار‬ ‫مدعــوم مــن عــدد مــن الــدول العربيــة يف ‪ 16‬أكتوبــر يدعــو إل ــى وقــف‬ ‫إنســاني إلطــاق النــار بشــكل فــوري ودائــم‪ ،‬ويديــن كل أعمــال العنــف‬ ‫ضــد املدنيــن وجميــع األعمــال اإلرهابيــة‪ ،‬ويدعــو إل ــى تأمــن إطــاق‬ ‫ســراح األســرى وإل ــى توفيــر وتوزيــع املســاعدات اإلنســانية بــدون عوائــق‬ ‫وخلــق الظــروف املواتيــة لإلجــاء اآلمــن للمدنيــن احملتاجــن‪ .‬كمــا‬ ‫عــادت وتقدمــت مبشــروع آخــر يف ‪ 26‬أكتوبــر دعــا إل ــى وقــف إطــاق‬ ‫النــار ألســباب إنســانية وق ًفــا فور ًيــا ودائ ًمــا يُحتــرم بالكامــل‪ ،‬وأدان‬ ‫بشــدة جميــع أشــكال العنــف وأعمــال القتــال ضــد املدنيــن‪ ،‬فــأدان‬ ‫الهجمــات الت ــي شــنتها حمــاس يف إســرائيل وأخــذ الرهائــن املدنيــن‪،‬‬ ‫وكذلــك الهجمــات العشــوائية اإلســرائيلية ضــد املدنيــن يف قطــاع‬ ‫غــزة‪ ،‬ورفــض اإلجــراءات الراميــة إلــى حصــار قطــاع غــزة وحرمــان‬ ‫الســكان املدنيــن مــن الوســائل الت ــي ال غن ــى عنهــا لبقائهــم عل ــى قيــد‬

‫"طوفــان األقصــى" أتــاح إحيــاء المبــادرة العربيــة بــل جعلهــا ضــرورة‬ ‫وطـــوق نجـــاة مـــن حـــرب إقليميـــة وربمـــا دوليـــة تلـــوح يف األفـــق‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫‪61‬‬

‫ملف العدد‬

‫اتس ــاع نط ــاق التهدي ــدات األمني ــة وتصاع ــد ن ــذر الح ــرب وزي ــادة‬ ‫المخــاوف مــن خروجهــا عــن الســيطرة جعــل المؤتمــر الدويل ضــرورة ملحة‬ ‫إنشــاء دولــة فلســطينية وعــودة الالجئــن واالنســحاب الكامــل مــن‬ ‫األراضــي العربيــة احملتلــة‪ ،‬مقابــل الســام مــع إســرائيل وإنشــاء‬ ‫عالقــات طبيعيــة معهــا يف إطــار هــذا الســام الشــامل‪ ،‬ورفــض كل‬ ‫أشــكال التوطــن الفلســطيني يف البلــدان العربيــة املضيفــة‪.‬‬ ‫رغــم إن العديــد مــن املعطيــات اختلفــت خــال العقديــن املاضيــن‪،‬‬ ‫لعــل أهمهــا اجتــاه عــدد مــن الــدول العربيــة إل ــى إقامــة عالقــات مــع‬ ‫إســرائيل يف إطــار مــا ُعــرف ب ـــ “اتفاقــات إبراهــام”‪ ،‬ممــا أفقــد املبادرة‬ ‫كثيـ ًرا مــن الزخــم بالنظــر لكونهــا بُنيــت عل ــى توظيــف ورقــة التطبيــع‬ ‫مــع إســرائيل مقابــل الســام وإقامــة دولــة فلســطينية‪ ،‬إال إن عمليــة‬ ‫طوفــان األقص ــى والتطــورات املصاحبــة لهــا إقليمي ـاً ودولي ـاً أتاحــت‬ ‫فرصــة ســانحة إلحيــاء املبــادرة العربيــة‪ ،‬بــل وجعلــت منهــا ضــرورة‬ ‫وطــوق جنــاة مــن حــرب إقليميــة ورمبــا دوليــة تلــوح يف األفــق‪ ،‬يدعــم‬ ‫هــذا مجموعــة مــن العوامــل‪.‬‬ ‫أولهــا‪ ،‬الضربــات املوجعــة التــي تلقتهــا إســرائيل وحالــة االســتنزاف‬ ‫البشــرى واملــادي التــي تعتصرهــا‪ ،‬ومــا يصاحبهــا مــن ضغــوط يف‬ ‫الداخــل اإلســرائيلي واحتجاجــات مســتمرة لوقــف احلــرب وإعــادة‬ ‫األســرى اإلســرائيليني عبــر املفاوضــات‪ .‬صحيــح إن الضحايــا‬ ‫مــن الفلســطينيني صادمــة إال إن القتلــى واألســرى اإلســرائيليني‬ ‫مــن العســكريني واملدنيــن متثــل فاجعــة غيــر مســبوقة لتــل أبيــب‪،‬‬ ‫وعجــزت األخيــرة عــن حتقيــق األهــداف التــي أعلنتهــا لعملياتهــا‬ ‫العســكرية يف قطــاع غــزة بالكامــل مبــا يف ذلــك حتريــر أســراها لــدى‬ ‫حمــاس‪ .‬كمــا شــهد التأييــد الغرب ــى إلســرائيل انحصــاراً ملحوظـاً مــع‬ ‫انكشــاف جرائــم االحتــال والعنــف الــذي وصــل حــد اإلبــادة اجلماعيــة‬ ‫والتهجيــر القســرى للفلســطينيني‪ ،‬واتســاع نطــاق االحتجاجــات‬ ‫املؤيــدة لوقــف إطــاق النــار وبــدء املفاوضــات إلنهــاء الصــراع يف أوروبــا‬ ‫والواليــات املتحــدة‪.‬‬ ‫ثانيهــا‪ ،‬اتســاع نطــاق التهديــدات األمنيــة وتصاعــد نــذر احلــرب‬ ‫اإلقليميــة ورمبــا الدوليــة‪ ،‬فالعمليــة اإلســرائيلية يف غــزة أصبحــت‬ ‫أشــبه بكــرة الثلــج الت ــي تتضخــم مبــرور الوقــت وتتجــاوز إنعكاســاتها‬ ‫الســلبية عل ــى األمــن واالســتقرار حــدود غــزة إل ــى املنطقــة بأســرها‪،‬‬ ‫وتــزداد املخــاوف مــن خروجهــا عــن نطــاق الســيطرة‪ ،‬األمــر الــذي‬ ‫يجعــل مــن املؤمتــر الدولــي ضــرورة ملحــة‪ .‬فمــن ناحيــة تتصاعــد‬ ‫التهديــدات يف مضيــق بــاب املنــدب مــع اســتهداف احلوثيــن‬ ‫للســفن املتجهــة إل ــى إســرائيل‪ ،‬األمــر الــذى يفــرض حتديــات أمنيــة‬

‫واقتصاديــة علــى دول البحــر األحمــر والعالــم‪ ،‬خاصــة مــع حتــول‬ ‫العديــد مــن شــركات الشــحن العامليــة مثــل “إيفرجريــن” و”هابــاج‬ ‫لويــد” و”ميرســيك” و”فرونتاليــن” وغيرهــا إل ــى طريــق رأس الرجــاء‬ ‫الصالــح‪ ،‬وإيقــاف شــركات شــحن أخــرى عمليــات النقــل عبــر البحــر‬ ‫األحمــر دون حتديــد مســار بديــل‪ ،‬ممــا أدى إلــى تضاعــف تكالــف‬ ‫الشــحن البحــري والتأمــن وتهديــد ســال اإلمــداد العامليــة الت ــي لــم‬ ‫تتعــاف بعــد مــن التضــرر احلــادث بهــا عل ــى خلفيــة األزمــة األوكرانيــة‪.‬‬ ‫وتتزايــد املخــاوف الدوليــة واإلقليميــة مــن اتســاع دائــرة احلــرب نتيجــة‬ ‫تكثيــف التواجــد العســكرى باملنطقــة والتمــاس واالحتــكاكات احملتملــة‬ ‫بــن الغــرب بقيــادة واشــنطن وإيــران مــع تشــكيل الواليــات املتحــدة‬ ‫حتالــف عســكري بحــري متعــدد اجلنســيات‪”،‬حارس اإلزدهــار”‪ ،‬يف‬ ‫ديســمبر لضمــان أمــن املالحــة يف البحــر األحمــر‪ ،‬وتوجيــه ضربــات‬ ‫أمريكيــة بريطانيــة ضــد احلوثيــن يف اليمــن‪ ،‬وحتريــك طهــران‬ ‫يف املقابــل املدمــرة اإليرانيــة “ألبــرز” القتاليــة وســفينة “بهشــاد”‬ ‫العســكرية يف بــاب املنــدب‪ ،‬واســتهداف احلوثيــن للســفن األمريكيــة‪.‬‬ ‫علــى صعيــد آخــر‪ ،‬تــزداد التوتــرات حــدة بــن إســرائيل وحــزب اهلل‬ ‫عل ــى النحــو الــذي أثــار قلــق الكثيريــن مــن إمتــداد العملية اإلســرائيلية‬ ‫إلــى اجلــوار اللبنانــى الســيما مــع تهديــد وزيــر الدفــاع اإلســرائيلي‬ ‫يــوآف جاالنــت‪ ،‬ب ـــ “نســخ” العمليــة العســكرية يف غــزة إلــى لبنــان‬ ‫إذا لــزم األمــر”‪ ،‬وإعــان رئيــس أركان اجليــش اإلســرائيلي‪ ،‬هرتســي‬ ‫هاليفــي‪ ،‬أن احتمــاالت احلــرب علــى اجلبهــة الشــمالية احلدوديــة‬ ‫مــع لبنــان أعل ــى ممــا كان عليــه يف املاض ــي‪ .‬ويف هــذا الســياق‪ ،‬أكــد‬ ‫جوزيــب بوريــل منســق الشــؤون اخلارجيــة يف االحتــاد األوروب ــي‪ ،‬قلــق‬ ‫األخيــر مــن التصعيــد عل ــى احلــدود بــن لبنــان وإســرائيل وضــرورة‬ ‫العمــل ضمــن القنــوات الدبلوماســية خلفــض التصعيــد باملنطقــة‪.‬‬ ‫كمــا أن جولــة وزيــر اخلارجيــة األمريكيــة أنتونــي بلينكــن باملنطقــة‬ ‫يف ينايــر‪ ،‬والت ــي كانــت الرابعــة منــذ إنــدالع احلــرب يف غــزة‪ ،‬وأجــرى‬ ‫خاللهــا محادثــات مــع ســمو ول ــي العهــد األميــر محمــد بــن ســلمان‬ ‫يف مدينــة العــا‪ ،‬وعــدد مــن القــادة العــرب يف اإلمــارات واألردن وقطــر‪،‬‬ ‫إل ــى جانــب تــل أبيــب‪ ،‬واختتمهــا بزيــارة إل ــى رام اهلل ثــم القاهــرة‪ ،‬أكدت‬ ‫قلــق واشــنطن وســعيها ملنــع اتســاع نطــاق احلــرب يف غــزة خاصــة مــع‬ ‫دخــول العــراق ضمــن جبهــات املواجهــة امللتهبــة عبــر عمليــات كتائــب‬ ‫حــزب اهلل العراقــى ضــد القواعــد األمريكيــة بالعــراق ثــم ضربــات‬ ‫احلــرس الثــورى ألربيــل بعــدد مــن الصواريــخ الباليســتية بدعــوى‬ ‫اســتهداف مقــرات جتســس لصالــح إســرائيل وجتمعــات إرهابيــة‬ ‫مناهضــة إليــران‪.‬‬


‫‪60‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫الرغبة العربية والدعم الروسي والرفض اإلسرائيلي للسالم في الشرق األوسط‬

‫مؤتمــر دويل للــسالم وتأييــد المبــادرة‬ ‫العربيــة مــن ثوابــت الموقــف الروســي‬ ‫كانــت موســكو الســوفيتية احلليــف التقليــدى للعــرب يف مواجهــة الدعــم األمريك ــى املطلــق إلســرائيل‪ ،‬وعقــب تفــكك االحتــاد‬ ‫الســوفيتى أصبحــت روســيا ه ــى «الراع ــي الثان ــي» لعمليــة الســام باعتبارهــا دولــة االســتمرار لــه‪ ،‬إال إنهــا لــم تســع إل ــى تفعيــل‬ ‫دورهــا هــذا بــل أنــه تراجــع وأصبــح أكثــر محدوديــة وهامشــية طــوال حقبــة التســعينات‪ ،‬وذلــك نظــراً النشــغال القــادة الــروس‬ ‫آنــذاك بترتيــب األوضــاع الداخليــة وإحــكام الســيطرة عليهــا يف ظــل أزمــات اقتصاديــة واجتماعيــة وسياســية طاحنــة‪ .‬واقتصــر‬ ‫الــدور الروس ــى عل ــى الســلوك اللفظ ــى الداعــم للســلطة الفلســطينية والنشــاط الدبلوماس ــى‪ ،‬واحلــرص عل ــى احتفــاظ روســيا‬ ‫بأكبــر قــدر مــن التــوازن يف عالقاتهــا مبختلــف األطــراف‪ .‬ويف عــام ‪2001‬م‪ ،‬بــدأت آليــة رباع ــى الوســطاء الدوليــن‪« ،‬الرباعيــة»‪،‬‬ ‫الت ــي تضــم روســيا والواليــات املتحــدة واالحتــاد األوروب ــى واألمم املتحــدة‪ ،‬وصــدر بهــا قــرار مجل ــس األمــن رقــم ‪ 1397‬يف مــارس‬ ‫‪2002‬م‪ ،‬ليقــن دور روســيا يف عمليــة التســوية الســلمية‪ ،‬ولتعــود موســكو فاعــل ذو وضعيــة دوليــة وقانونيــة يف هــذا اإلطــار‪ ،‬إال‬ ‫إنــه مــن الناحيــة الفعليــة خيــم اجلمــود عل ــى الرباعيــة ولــم يعــد لهــا دور يذكــر يف عمليــة التســوية منــذ تعيــن تون ــي بليــر‪،‬‬ ‫رئيــس الــوزراء البريطان ــي األســبق‪ ،‬موفــداً للجنــة الرباعيــة إل ــى الشــرق األوســط يف يونيــو ‪2007‬م‪ ،‬وحتفــظ روســيا عل ــى ذلــك‪.‬‬

‫أ‪.‬د‪ .‬نورهان الشيخ‬

‫وقــد متيــزت املواقــف الروســية مــن القضيــة الفلســطينية مبجموعــة‬ ‫مــن الثوابــت التــي بــدأت يف احلقبــة الســوفيتية واســتمرت حتــى‬ ‫تاريخــه باختــاف املعطيــات والتفاصيــل‪ .‬أبرزهــا التأييــد املطلــق‬ ‫للحقــوق املشــروعة للشــعب الفلســطينى وضــرورة التــزام إســرائيل‬ ‫بتنفيــذ كافــة االتفاقــات املوقعــة مبــا يف ذلــك حــل الدولتــن وحــق‬ ‫الفلســطينيني يف إقامــة دولتهــم املســتقلة‪ ،‬ووضع القــدس الشــرقية‬ ‫كعاصمــة لهــا‪ ،‬ورفــض سياســة االســتيطان والعنــف باعتبارهــا ال‬ ‫تخــدم العمليــة الســلمية‪ .‬كذلــك‪ ،‬دعــم املصاحلــة الفلســطينية‪،‬‬ ‫ومحاولــة التوفيــق فيمــا بــن الفصائــل الفلســطينية املختلفــة‬ ‫حيــث حتتفــظ روســيا بعالقــات جيــدة وقنــوات اتصــال مفتوحــة مــع‬ ‫كافــة القــوى الفلســطينية ومــن بينهــا حركــة حمــاس الت ــي تصنفهــا‬ ‫واشــنطن وبروكســل منظمــة إرهابيــة‪ ،‬وســبق وأن اســتضافت موســكو‬ ‫عــدة لقــاءات للفصائــل الفلســطينية‪ ،‬يف ينايــر ‪2017‬م‪ ،‬وفبرايــر ‪2019‬م‪،‬‬ ‫إال إنهــا لــم تســتطع جتــاوز االنقســام الفلســطيني املســتمر منــذ عــام‬

‫‪2006‬م‪ ،‬واتخــذ مــرا ًرا طابــع الصــدام املســلح‪ ،‬نتيجــة الصــراع علــى‬ ‫الســلطة وإختــاف الفصائــل ‪.‬‬ ‫إل ــى جانــب دعــم روســيا للجهــود العربيــة بشــأن التســوية الســلمية‬ ‫للصــراع العرب ــي اإلســرائيلي‪ ،‬فقــد أيــدت موســكو املبــادرات العربيــة‬ ‫للتســوية الســلمية‪ ،‬والتي أكدت جميعها على االنســحاب اإلســرائيلي‬ ‫مــن األراض ــى العربيــة‪ ،‬وحــق الشــعب الفلســطينى يف تقريــر مصيــرة‬ ‫وإقامــة دولــة فلســطينية مســتقلة ذات ســيادة‪ ،‬واحتــرام ســيادة الــدول‬ ‫العربيــة‪ .‬ومــن أهــم هــذه املبــادرات مشــروع امللــك فهــد الــذي طرحــه‬ ‫يف حديــث لوكالــة األنبــاء الســعودية عــام ‪1981‬م‪ ،‬ومت البنــاء عليــه‬ ‫كمشــروع عرب ــي للســام يف القمــة العربيــة الت ــي ُعقــدت يف فــاس يف‬ ‫ســبتمبر ‪1982‬م‪ ،‬فيمــا ُعــرف «مبشــروع فــاس»‪ .‬كمــا أيــدت موســكو‬ ‫املبــادرة العربيــة التــي أطلقهــا امللــك عبــد اهلل بــن عبــد العزيــز‪ ،‬يف‬ ‫«قمــة بيــروت» عــام ‪2002‬م‪ ،‬عندمــا كان حينهــا ول ًيــا للعهــد‪ ،‬وتضمنــت‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫‪59‬‬

‫ملف العدد‬

‫رفضـــت إســـرائيل المبـــادرة العربيـــة وفضلـــت اســـتراتيجية إحـــداث‬ ‫فوض ــى يف المنطق ــة ودفعه ــا للقب ــول بمب ــادرة "الس ــام مقاب ــل الس ــام"‬ ‫للوهلــة األولــى اســتحالة جتاوزهــا مــن قبــل الطرفــن األمريكــي‬ ‫واإلســرائيلي فعلــى مــاذا نتحــدث إذاً؟ اجلــواب قــد يكــون يف أن‬ ‫التصــور املطــروح ليــس حــل الدولتــن الــذي تصورتــه املبــادرة العربيــة‬ ‫والــذي هــو بطبيعتــه تســوية شــاملة جلميــع القضايــا العالقــة لكنــه‬ ‫نســخة مقتضبــة جــداً عــن املبــادرة أو باحلقيقــة ال تشــترك معهــا‬ ‫إال باالســم فقــط أســميناها يف مقــال ســابق حــل «الدولــة ونــص»‬ ‫وه ــي تشــمل تغييــر الســلطة الفلســطينية وبســط نفوذهــا عل ــى غــزة‬ ‫وحتويــل الصــراع إل ــى فلسطيني‪-‬فلســطيني مــن خــال تولي الســلطة‬ ‫الفلســطينية مســؤولية األمــن الداخل ــي بالتنســيق الكامــل مــع أجهــزة‬ ‫األمــن اإلســرائيلية‪ .‬ولذلــك فليــس مــن املتصــور العــودة إل ــى حــدود‬ ‫‪1967‬م‪ ،‬أو أي ش ــيء قريــب منهــا ألن عمليــة إزالــة املســتوطنات ليســت‬ ‫مطروحــة اآلن كذلــك لــن تكــون الدولــة الفلســطينية كاملــة الســيادة‬ ‫بــل ه ــي عبــارة عــن إدارة محليــة غايتهــا تأمــن احلــدود اإلســرائيلية‬ ‫التــي فشــلت إســرائيل يف حتقيقهــا‪ .‬أمــا الــدور العربــي املطلــوب‬ ‫فســوف ينحصــر يف توفيــر املــوارد املطلوبــة للســلطة الفلســطينية‬ ‫ودفــع فاتــورة اخلــراب الــذي تســببت بــه آلــة احلــرب اإلســرائيلية‪.‬‬ ‫إن جهــود الواليــات املتحــدة املنصبــة عل ــى الدعــوة إل ــى قيــام الدولتــن‬ ‫ليــس أساســها حــل القضيــة الفلســطينية بــل ألنهــا تســعى إلــى‬ ‫حتقيــق التطبيــع بــن الــدول العربيــة وخصوصــاً اململكــة العربيــة‬ ‫الســعودية التــي تصــر علــى الوصــول إلــى ذلــك الشــرط للتطبيــع‬ ‫وألن تطبيــع العالقــات بــن الــدول العربيــة وإســرائيل يعتبــر نقطــة‬ ‫أساســية يف ســبيل حتقيــق التصــورات األمريكيــة للخارطــة السياســية‬ ‫للمنطقــة‪.‬‬

‫بعض المقترحات للمسؤولين وصناع القرار‪:‬‬

‫¦القضيــة اجلوهريــة يف املبــادرة العربيــة هــي شــمولية عمليــة‬ ‫الســام جلميــع القضايــا العالقــة يف املنطقــة ومــن ذلــك وضــع‬ ‫تصــور شــامل لألمــن اإلقليم ــي‪ .‬لذلــك البــد أن يشــمل احلديــث‬ ‫طبيعــة دور القــوى اإلقليميــة وخصوصـاً إيــران وتركيــا باإلضافــة‬ ‫إلــى تصــور الواليــات املتحــدة وإســرائيل لــدور اجلماعــات‬ ‫املســلحة العابــرة للحــدود‪.‬‬ ‫¦نتائــج احلــرب يف غــزة وســقوط نظريــة األمــن اإلســرائيلية‬ ‫وفشــل املقاربــة األمريكيــة جتــاه القضيــة الفلســطينية خاصــة‬ ‫واملنطقــة عامــة حتتــم علــى الــدول العربيــة إعــادة النظــر يف‬ ‫العديــد مــن املواقــف الت ــي اتخذتهــا ســابقاً الت ــي كان أساســها‬ ‫املراهنــة عل ــى التوجهــات األمريكيــة‪ .‬إن رغبــة الواليــات املتحــدة‬

‫اليــوم القائمــة عل ــى دفــع الــدول العربيــة للقيــام بــدور أكبــر يف‬ ‫القضيــة رمبــا تشــكل فرصــة لــدول املنطقــة إلعــادة النظــر يف‬ ‫املواقــف الســابقة واتخــاذ بدائــل جديــدة حتافــظ بهــا علــى‬ ‫املصالــح العربيــة األساســية ويف مقدمتهــا األمــن والســام‬ ‫والتنميــة اإلقليميــة ولعــل مــن أول تلــك القضايــا القطيعــة‬ ‫مــع الفصائــل الفلســطينية والــذي فتــح األبــواب مشــرعة أمــام‬ ‫النفــوذ اإليرانــي للتمــدد يف العديــد مــن الــدول‪.‬‬ ‫¦عــدم االهتمــام باخلالفــات اإلسرائيلية‪-‬اإلســرائيلية‪ :‬األوضــاع‬ ‫السياســية يف إســرائيل ســيئة للغايــة وه ــي مرشــحة لك ــي تــزداد‬ ‫ســوءاً عنــد أول بــوادر وقــف القتــال وظهــور صــور أكثــر وضوحـاً‬ ‫عــن ســوء أداء القيــادة السياســية اإلســرائيلية واخلســائر الت ــي‬ ‫تكبدتهــا إســرائيل الت ــي ه ــي أكبــر بكثيــر مــن املعلن (على ســبيل‬ ‫املثــال فقــد نشــرت صحيفــة هاآرتــس حتقيقــاً اســتقصائياً‬ ‫أثبتــت فيــه أن عــدد اجلرح ــى مــن اجلنــود اإلســرائيليني أكثــر‬ ‫مــن ضعــف األعــداد التــي أعلنتهــا احلكومــة)‪ .‬لكــن يف نهايــة‬ ‫األمــر عل ــى إســرائيل أن تتخــذ موقفـاً واضحـاً مــن العمليــة وأن‬ ‫حتــدد املــدى الــذي ســوف تســير بــه للوصــول إل ــى اتفــاق ومــا‬ ‫يهــم دول املنطقــة هــو الــرأي الــذي يحملــه مــن يجلــس علــى‬ ‫الطاولــة وليــس مــا ينشــر يف وســائل التواصــل االجتماع ــي‪.‬‬ ‫¦عــدم االنشــغال باخلالفــات األمريكية‪-‬اإلســرائيلية فالبعــض‬ ‫منهــا رمبــا يكــون الغايــة منــه خلــط األوراق وتبــادل أدوار ال‬ ‫غيــر ألن املبــدأ األساســي هنــا هــو وحــدة املوقــف األمريكــي‪-‬‬ ‫اإلســرائيلي بغــض النظــر عن املواقــف الفردية وألن اخلالفات إن‬ ‫وجــدت فه ــي يف التفاصيــل وال متــس اجلوهــر ولذلــك فاملطلــوب‬ ‫تقــدمي تصــور أمريكي‪-‬إســرائيلي مــن املبــادرة يكــون أساسـاً ألي‬ ‫تفــاوض بغــض النظــر عــن االختــاف املزعــوم بينهمــا‪.‬‬ ‫¦عل ــى دول املنطقــة أن تتذكــر أن العبــرة باملســميات ال باألســماء‬ ‫ولذلــك يجــب التركيــز علــى الغايــة النهائيــة وهــي حتقيــق‬ ‫الســلم العــادل والشــامل يف املنطقــة‪ .‬وألن الشــياطني تكمــن‬ ‫يف التفاصيــل يجــب التأكــد مــن أن املعــروض يشــكل فرصــة‬ ‫لتحقيــق املبــادرة العربيــة كمــا كانــت متصــورة عنــد عرضهــا قبــل‬ ‫عقديــن مــن الزمــن وليســت عمليــة متريــر ســيناريوهات معينــة‬ ‫وتغليفهــا بغطــاء املبــادرة العربيــة وه ــي ال متــت لهــا بصلــة‪.‬‬

‫*سفري العراق األسبق لدى اليابان واململكة العربية السعودية‬


‫‪58‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫ثالثـــة أســـباب تجعـــل إســـرائيل ترفـــض مبـــادرة الســـام‪ :‬رفضهـــا‬ ‫للح ــدود ـ طبيع ــة التركيب ــة الحاكم ــة ـ عقب ــة استش ــراء المس ــتوطنات‬ ‫عل ــى اســتمرار متســك الــدول العربيــة بدعــم املبــادرة‪ .‬إذا فمــا الــذي‬ ‫تســتطيع الــدول العربيــة أن تقــوم بــه إلحيائهــا؟ واجلــواب هــو ليــس‬ ‫الكثيــر اآلن‪ .‬لذلــك فــإن الــرد عل ــى بعــض األفــكار الت ــي يتــم طرحهــا‬ ‫مثــل إعــادة طــرح املبــادرة أو الدعــوة إل ــى مؤمتــر دول ــي للســام وغيــر‬ ‫ذلــك مؤجلــة إل ــى أن حتســم الواليــات املتحــدة وإســرائيل أمرهمــا جتــاه‬ ‫املبــادرة مــن خــال اإلعــان عــن رغبــة حقيقــة يف إيجــاد حــل شــامل‬ ‫وعــادل وإل ــى أن يحصــل ذلــك فــإن جميــع األفــكار واملشــاريع ه ــي مــن‬ ‫بــاب شــراء الوقــت للســماح إلســرائيل بتمريــر مشــروعها يف التطهيــر‬ ‫العرق ــي‪.‬‬

‫فرص نجاح المبادرة‬

‫إن جنــاح املبــادرة بالتصــور الشــامل الــذي طرحته القمة العربية ســوف‬ ‫يتطلــب حــدوث معجــزات عديــدة عل ــى التوال ــي منهــا قيــام الواليــات‬ ‫املتحــدة بإعــادة صياغــة دورهــا يف املنطقــة والتفكيــر اجلــدي بأهميــة‬ ‫األمــن والســام فيهــا وأهميــة ذلــك بالنســبة ملصاحلهــا الكبيــرة‬

‫الت ــي أهملتهــا خــال العقــود األخيــرة‪ .‬األمــر أيض ـاً يتطلــب تغييــر‬ ‫القناعــات يف إســرائيل بفشــل سياســات اليمــن اإلســرائيلي القائمــة‬ ‫علــى التطهيــر العرقــي والوصــول إلــى نتيجــة أن هــذه السياســات‬ ‫تضــر بإســرائيل أكثــر مــن ضررهــا بالضحايــا ألن الــدول إمنــا تقــوم‬ ‫بالعــدل والدولــة الت ــي تضح ــي بقيمهــا يف ســبيل البقــاء ســوف تخســر‬ ‫اإلثنــن مع ـاً‪ .‬فهــل تتمكــن الواليــات املتحــدة مــن قيــادة عمليــة تغييــر‬ ‫سياس ــي يف إســرائيل يهــوي بتحالــف نتنياهــو وأحــزاب اليمــن ويأت ــي‬ ‫مبنظومــة سياســية أقــدر عل ــى التجــاوب مــع التصــورات واملبــادرات‬ ‫األمريكيــة؟ كذلــك فــإن إعــادة احليــاة إلــى املبــادرة يتطلــب دوراً‬ ‫عربي ـاً فاع ـ ً‬ ‫ا يف القضيــة الفلســطينية فهــل الــدول العربيــة املنهكــة‬ ‫بالصراعــات الت ــي أشــعلتها إســرائيل وأمريــكا يف املنطقــة قــادرة عل ــى‬ ‫القيــام بهــذا الــدور خصوص ـاً بعــد الدمــار الكبيــر الــذي أحدثتــه آلــة‬ ‫احلــرب اإلســرائيلية يف األراض ــي الفلســطينية؟‬ ‫إذا ســلمنا بهــذه الصعوبــات التــي تقــف أمــام املبــادرة والتــي يبــدو‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫موقــف جــريء يف قضيــة حساســة مثــل هــذه‪.‬‬ ‫¦ضعــف وانقســام الــدور العرب ــي يف واشــنطن واملنظمــات الدوليــة‬ ‫الــذي يعــود الســبب األول فيــه إل ــى غيــاب اجلهــد االســتراتيجي‬ ‫يف املقاربــة العربيــة وكذلــك جنــاح اجلهــود األمريكيــة يف تقليــص‬ ‫الــدور العرب ــي يف القضيــة الفلســطينية‪.‬‬

‫الموقف يف إسرائيل من أكبر العقبات التي تقف أمام المبادرة‬

‫قــد يعتقــد البعــض أن الدعــوة إل ــى تبن ــي قيــام الدولــة الفلســطينية‬ ‫بالنســبة لإلســرائيليني فكــرة جديــدة وهــذا أبعــد مــا يكــون عــن‬ ‫الصــواب فقــد نشــرت صحيفــة نظــرت «هاآرتــس” يف شــهر أغســطس‬ ‫املاض ــي تقريــراً أشــارت فيــه إل ــى أن رئيســة الــوزراء الســابقة جولــدا‬ ‫مائيــر نظــرت يف إمكانيــة تشــكيل دولــة فلســطينية إلــى جانــب‬ ‫إســرائيل بعــد ثــاث ســنوات مــن حــرب «األيــام الســتة”‪ .‬فــإذا كانــت‬ ‫مثــل هــذه القناعــات موجــودة عنــد العديــد مــن القــادة اإلســرائيليني‬ ‫فمــا الــذي يحــول دون حتقيــق رؤيــة حــل الدولتــن‪:‬‬ ‫¦رفــض إســرائيل االعتــراف باحلــدود‪ :‬كان املوقــف اإلســرائيلي‬ ‫املتشــدد مــن القضيــة الفلســطينية عامــة وحــل الدولتــن خاصــة‬ ‫ومــا يــزال مــن أكبــر العقبــات التــي تقــف أمــام أي تقــدم يف‬ ‫هــذا املجــال‪ .‬هــذا املوقــف املتصلــب تقــف وراءه العديــد مــن‬ ‫العوامــل منهــا مــا هــو مبدئــي ومنهــا مــا هــو تكتيكــي ولعــل‬ ‫مــن أهــم القضايــا املبدئيــة هــو أن قبــول الفكــرة ســوف يــؤدي‬ ‫بإســرائيل إل ــى اإلقــرار بحــدود دوليــة وه ــي الت ــي كانــت قائمــة‬ ‫قبــل حــرب ‪1967‬م‪ .‬هــذه املســألة شــائكة ويف غايــة التعقيــد‬ ‫وحتظ ــى مبعارضــة شــديدة مــن األحــزاب الدينيــة ألن ذلــك مــن‬ ‫شــأنه أن يقــوض الروايــة الدينيــة التــي اســتخدمت يف تبريــر‬ ‫قيــام إســرائيل مــن خــال وصفهــا بأنهــا أرض امليعــاد‪ .‬ذلــك‬ ‫أن الوعــد الــذي جــاء يف الكتــب املقدســة ينــص عل ــى أن أرض‬ ‫إســرائيل هــي مــن الفــرات إلــى النيــل فكيــف تلتــزم إســرائيل‬ ‫بــأي حــدود أخــرى؟‬ ‫¦العامــل السياس ــي‪ :‬التشــكيلة احلكوميــة القائمــة لــن توافق على‬ ‫أي مبــادرة للســام مهمــا كانــت طبيعتهــا فه ــي لــن تقبــل بغيــر‬ ‫ترحيــل ســكان غــزة إل ــى ســيناء أو أي مــكان يف العالــم وكذلــك‬ ‫ترحيــل عــرب الداخــل وســكان الضفــة إل ــى األردن ألن إســرائيل‬ ‫ال مــكان فيهــا مــن وجهــة نظرهــم لغيــر اليهــود‪ .‬احلــرب يف غــزة‬ ‫وســوء أداء القيــادة السياســية يف إســرائيل وضعــت رئيــس الــوزراء‬ ‫نتنياهــو يف موقــف ليــس فيــه أي مجــال للمنــاورة فهــو البــد‬ ‫أن يســتجيب ألهــواء األحــزاب الدينيــة املتشــددة ألنهــا متســك‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫‪57‬‬

‫ملف العدد‬

‫بخناقــه مــن خــال األصــوات التــي متتلكهــا يف الكنيســت‬ ‫حيــث يكف ــي انســحاب واحــد منهــا والتصويــت بحجــب الثقــة‬ ‫عــن احلكومــة لتهــوي بهــا وعندهــا ســيكون عرضــة للتحقيقــات‬ ‫التــي ستكشــف اخفاقاتــه الكبيــرة وتنهــي حياتــه السياســية‬ ‫عل ــى األقــل ولذلــك رأينــاه يتخنــدق وراء التخويــف مــن مبــادرة‬ ‫حــل الدولتــن لتوحيــد املعارضــة وراءه والتلويــح بأنــه الوحيــد‬ ‫القــادر عل ــى التصــدي للضغــوط األمريكيــة‪.‬‬ ‫¦االســتيطان‪ :‬العقبــة األخــرى التــي تقــف أمــام أي مبــادرة‬ ‫جــادة هــي األمــر الواقــع الــذي فرضتــه إســرائيل مــن خــال‬ ‫التوســع االســتيطاني يف األراض ــي احملتلــة والــذي كان مبوافقــة‬ ‫الواليــات املتحــدة ورضاهــا التــام ودعمــه عل ــى الرغــم مــن بعــض‬ ‫التصريحــات الفارغــة التــي صــدرت هنــا أو هنــاك ولعــل مــن‬ ‫أكبــر األدلــة عل ــى املوقــف األمريك ــي أن أغلــب تلــك املســتوطنات‬ ‫بنيــت بأمــوال متبرعــن أمريــكان وهــي تبرعــات معفــاة مــن‬ ‫الضرائــب األمريكيــة‪.‬‬ ‫¦تعــود بدايــة «االســتيطان يف الضفــة الغربية مــع االحتــال‬ ‫اإلســرائيلي عــام ‪1967‬م‪ ،‬حيــث مت تعديــل املنظومــات‬ ‫القانونيــة‪ ،‬عبــر اعتمــاد توليفــة مــن األوامــر العســكرية غيــر‬ ‫القانونيــة‪ ،‬الت ــي تش ـ ّرع مصــادرة أراض ــي الفلســطينيني العامــة‬ ‫واخلاصة واالســتيالء عليهــا‪ ،‬بغــرض اســتخدامها لبنــاء‬ ‫املســتوطنات واخلدمــات اخلاصــة بهــا واألغــراض االســتيطانية‪.‬‬ ‫واعتمــدت جميــع احلكومــات اإلســرائيلية املتعاقبــة سياســة بنــاء‬ ‫املســتوطنات وتوســيعها يف الضفــة الغربيــة‪ ،‬وتقــدمي احلوافــز‬ ‫والتســهيالت لتشــجيع هجــرة اإلســرائيليني إليهــا‪ .‬وبعــد أن كانت‬ ‫الضفــة الغربيــة خاليــة متا ًمــا مــن املســتوطنات عــام ‪1967‬م‪ ،‬بلــغ‬ ‫عددهــا هنــاك مــع بدايــة عــام ‪2023‬م‪ ،‬نحــو ‪ 176‬مســتوطنة و‪186‬‬ ‫بــؤرة اســتيطانية‪ ،‬يســكنها ‪ 726‬أل ًفــا و‪ 427‬مســتوطنًا”‪.‬‬ ‫¦ضعف الكيان الفلسطيني‪.‬‬ ‫¦ضعف الدور العربي يف القضية الفلسطينية‪.‬‬

‫المطلوب إلحياء المبادرة‬

‫كمــا ذكرنــا أعــاه فــإن املبــادرة مت إقرارهــا يف القمــة العربيــة قبــل‬ ‫أكثــر مــن عشــرين عامـاً وه ــي العــرض الوحيــد املوجــود عل ــى الطاولــة‬ ‫مــن اجلانــب العرب ــي منــذ ذلــك احلــن وقــد وافقــت عليهــا الســلطة‬ ‫وجميــع الفصائــل الفلســطينية وال تــكاد تعقــد قمــة عربيــة إال وتأت ــي‬ ‫بالتأكيــد عليهــا بوصفهــا الســبيل الوحيــد حلــل الصــراع وقــد أكــد‬ ‫البيــان اخلتام ــي للقمــة العربيــة الت ــي عقــدت يف جــدة قبــل أشــهر‬

‫عىل العرب عدم االنشــغال بالخالفات األمريكية‪-‬اإلســرائيلية فهي لخلط‬ ‫األوراق وتب ــادل أدوار واألس ــاس ه ــو وح ــدة موق ــف واش ــنطن وت ــل أبي ــب‬


‫‪56‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫جه ــود أمري ــكا لقي ــام الدولتي ــن لي ــس لح ــل القضي ــة الفلس ــطينية‬ ‫بــل للتطبيــع بيــن الــدول العربيــة وإســرائيل لتحقيــق تصــورات واشــنطن‬ ‫تأسســت خصوص ـاً يف العقــود الثالثــة األخيــرة عل ــى أســاس أن أمــن‬ ‫إســرائيل هــو املصلحــة الوحيــدة لهــا يف املنطقــة‪ .‬هــذا املوقــف أفــرز‬ ‫العديــد مــن السياســات ومنهــا‪:‬‬ ‫¦تضخيــم الــدور اإليران ــي واجلماعــات املرتبطــة بهــا عل ــى حســاب‬ ‫الــدول العربية الســنية‪.‬‬ ‫¦التحالــف مــع األقليــات الدينيــة والعرقيــة عل ــى حســاب األغلبيــة‬ ‫يف دول املنطقــة‪.‬‬ ‫¦إضعــاف دور احلكومــات عل ــى حســاب اجلماعــات الت ــي متثــل‬ ‫األقليــات العرقيــة والطائفيــة وحت ــى املســلحة منهــا واملوســومة‬ ‫باإلرهــاب‪.‬‬ ‫¦إهمــال العالقــات االقتصاديــة والسياســية والثقافيــة مــع دول‬ ‫املنطقــة باســتثناء العالقــات األمنيــة ألنهــا مهمــة لضمــان تفــوق‬ ‫إســرائيل العســكري‪.‬‬ ‫¦تبن ــي املواقــف والسياســات اإلســرائيلية مــن دون أدن ــى مراعــاة‬ ‫لواقعيــة تلــك السياســات وآثارهــا البعيــدة علــى املصالــح‬ ‫األمريكيــة يف املنطقــة وموقفهــا الدولــي‪.‬‬ ‫إن النظــرة الواقعيــة للــدور األمريك ــي يف املنطقــة يجــب أن تنطلــق مــن‬ ‫نقطــة أساســية وه ــي أن الواليــات املتحــدة بســبب تبنيهــا للمواقــف‬ ‫اإلســرائيلية بصــورة تامــة قــد قضــت عل ــى دورهــا كوســيط يف عمليــة‬ ‫الســام‪ .‬هــذه املســألة مهمــة جــداً بغــض النظــر عــن طبيعــة العالقــة‬ ‫مــع الواليــات املتحــدة وه ــي ليســت دعــوة لعــدم التعامــل معهــا يف هــذه‬ ‫القضيــة بــل العك ــس فه ــي دعــوة لتقريــر احلقائــق لك ــي تكــون البدايــة‬ ‫أقــرب للنجــاح مــن ســابقاتها‪.‬‬ ‫ثاني ًا‪-‬صعوبــة إحــداث تغييــر يف املوقــف األمريك ــي‪ :‬ليــس مــن الصعــب‬ ‫الوصــول إلــى نتيجــة أن السياســة األمريكيــة جتــاه املنطقــة عامــة‬ ‫والقضيــة الفلســطينية خاصــة لــم تكــن صائبــة ليــس ألنهــا أضــرت‬ ‫مبصالــح دول املنطقــة وقــد حصــل ذلــك بالفعــل بــل ألنهــا أضــرت‬ ‫باملصالــح األمريكيــة يف املنطقــة ومكانتهــا العامليــة‪ .‬لكــن األصعــب‬ ‫مــن ذلــك ســيكون إحــداث تغييــر يف دفــة املقاربــة األمريكيــة بنــا ًء عل ــى‬ ‫تلــك املعطيــات وهــذا مــن أعقــد األمــور إذا مــا أخذنــا بنظــر االعتبــار‬ ‫العوامــل الت ــي تقيــد حركــة احلكومــة األمريكيــة وخصوص ـاً احلاليــة‬ ‫يف مواقفهــا مــن القضيــة والت ــي مــن أهمهــا مايل ــي‪:‬‬ ‫¦أن األحــداث تزامنــت مــع حملة االنتخابات الرئاســية التي ســوف‬ ‫جتــري يف نوفمبــر القــادم وألن القاعــدة تقــول أن السياســات‬ ‫تدخــل يف مرحلــة خمــود يف ســنة االنتخابــات لكونهــا فتــرة‬

‫ترقــب وانتظــار لنتائجهــا أوالً وألن جهــود اإلدارة تتركــز علــى‬ ‫االنتخابــات وليــس أي شــيء غيرهــا خصوصــاً عندمــا يكــون‬ ‫الرئيــس أحــد املرشــحني‪ ،‬باإلضافــة إل ــى أن املعارضــة تســتغل‬ ‫العمليــة السياســية ومناكفــة احلكومــة كوســيلة انتخابيــة‬ ‫ولذلــك تخلــو هــذه الفتــرات مــن أيــة مبــادرات كبيــرة خوف ـاً مــن‬ ‫تأثيرهــا علــى االنتخابــات ومواقــف أصحــاب األمــوال الذيــن‬ ‫ميتلكــون الــرأي احلاســم يف توجيههــا مــن خــال دعــم أو حجــب‬ ‫الدعــم عــن املرشــحني‪.‬‬ ‫¦قوة اللوبي اإلسرائيلي يف واشنطن‪.‬‬ ‫¦األثــر الكبيــر لليمــن املســيحي يف أمريــكا وخارجهــا والــذي‬ ‫يؤمــن بــأن قيــام إســرائيل ميهــد لظهــور املســيح والــذي يشــكل‬ ‫قــوة انتخابيــة منظمــة‪.‬‬ ‫¦االنقســام الداخل ــي األمريك ــي‪ :‬هنــاك انقســام حــاد غيــر مســبوق‬ ‫يف املجتمــع األمريكــي وقــد بــرز هــذا االنقســام يف مواطــن‬ ‫عديــدة هــددت األمــن والســلم الداخليــن ووصلــت لدرجــة تهديــد‬ ‫النظــام السياســي القائــم وذلــك مــن خــال قيــام مجاميــع‬ ‫منظمــة مبهاجمــة مبنــى الكونغــرس األمريكــي أثنــاء جلســة‬ ‫املصادقــة عل ــى نتائــج االنتخابــات الرئاســية الســابقة يف محاولة‬ ‫للتأثيــر عل ــى املشــرعني مــن خــال التهديــد بالقتــل يف ســبيل‬ ‫تغييــر نتيجــة االنتخابــات‪ .‬هــذه احلادثــة ليــس لهــا ســابقة‬ ‫ســوى احلــرب األهليــة التــي هــددت أمريــكا بالتقســيم بــن‬ ‫قــوى الشــمال واجلنــوب ومــن الالفــت أن التعديــل الدســتوري‬ ‫الــذي أفرزتــه تلــك احلــرب وهــو مــادة الدســتور الت ــي متنــع مــن‬ ‫شــارك يف محاولــة االنفصــال مــن تولــي أي منصــب فيدرالــي‬ ‫هــي التــي اســتخدمتها احملكمــة العليــا يف واليــة كولــورادو يف‬ ‫منــع ترشــيح ترامــب للرئاســة‪ .‬هــذا االنقســام أدى إلــى شــلل‬ ‫واضــح يف العمليــة السياســية وعــدم التقــاء األطــراف عل ــى أي‬ ‫ش ــيء وأوصــل التعصــب احلزب ــي إل ــى أعل ــى درجــات الســلطة‬ ‫وأفــرز أمريــن مهمــن بالنســبة أليــة مبــادرة خارجيــة جــادة والت ــي‬ ‫حتتــاج أوالً إل ــى إجمــاع األطــراف األمريكيــة عليهــا ألنهــا يجــب‬ ‫أال تكــون عرضــة للصراعــات احلزبيــة‪ ،‬كمــا حصــل لالتفــاق‬ ‫النــووي مــع إيــران الــذي حتمســت لــه وأقرتــه إدارة أوبامــا‪ ,‬لكــن‬ ‫إدارة ترامــب ســارعت إل ــى االنســحاب منــه وثان ًيــا هــذا االنقســام‬ ‫جعــل املوقــف مــن احلــرب يف فلســطني وتصــورات احللــول‬ ‫لهــا موضــع مزايــدات حزبيــة بــن املترشــحني للرئاســة دفعــت‬ ‫بأغلبيــة املرشــحني إل ــى التســابق يف دعــم املوقــف اإلســرائيلي‬ ‫لذلــك ســوف يكــون مــن الصعــب علــى اإلدارة احلاليــة اتخــاذ‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫‪55‬‬

‫ملف العدد‬

‫إعادة طرح "المبادرة" بين الرغبة العربية والرفض اإلسرائيلي والغموض األمريكي‬

‫دور أمريكا ينطلق من تبنيها مواقف إسرائيل‬ ‫بصورة تامة ما قضى عىل دورها كوسيط للسالم‬ ‫تعتبــر احلــرب يف غــزة مــن األحــداث احملوريــة الت ــي غيــرت مجــرى األمــور يف املنطقــة ورمبــا العالــم‪ ،‬صحيــح أنهــا التــزال‬ ‫مشــتعلة ولــم نشــهد نهايتهــا بعــد‪ ،‬لكنهــا ومنــذ اليــوم األول أفــرزت نتائــج كبيــرة بغــض النظــر عمــا ســيأتي فيمــا بعــد ولعــل‬ ‫مــن أهــم نتائجهــا تهــاوي نظريــة األمــن اإلســرائيلية القائمــة عل ــى فــرض الســام مــن خــال القــوة املفرطــة وفشــل املقاربــة‬ ‫األمريكيــة القائمــة عل ــى دعــم إســرائيل يف كل مــا قامــت وتقــوم بــه لقناعتهــا بــأن العــرب لــن يكــون لهــم خيــار إال االنصيــاع‪،‬‬ ‫لذلــك ميكننــا القــول بــأن نتيجــة احلــرب األول ــى ه ــي أنهــا أعــادت الصــراع إل ــى املربــع األول الــذي رفضتــه إســرائيل وجتاهلتــه‬ ‫الواليــات املتحــدة لعقــود طويلــة أال وهــو أهميــة إيجــاد احلــل العــادل للقضيــة الفلســطينية الــذي يلب ــي طموحــات الشــعب‬ ‫الفلســطيني يف إقامــة دولــة ذات ســيادة عل ــى األراض ــي احملتلــة عاصمتهــا القــدس الشــريف‪ .‬هــذه القضيــة ســعت لهــا الــدول‬ ‫العربيــة قبــل أكثــر مــن عقديــن مــن الزمــن مــن خــال املبــادرة العربيــة‪ ،‬لكــن احلــرب يف غــزة أعادتهــا إل ــى الواجهــة‪ ،‬وفتحــت‬ ‫أعــن اإلدارة األمريكيــة وكذلــك بعــض السياســيني اإلســرائيليني إليهــا بوصفهــا الطريــق األســلم حلــل القضيــة ليــس مــن بــاب‬ ‫االســتجابة حلقــوق الفلســطينيني بــل لقناعتهــم أن الطريــق الــذي ســلكته إســرائيل بدعــم غيــر محــدود مــن الواليــات املتحــدة‬ ‫ليــس يف صاحلهــا عل ــى املــدى البعيــد ولذلــك بــدأ احلديــث عــن البدائــل ومنهــا املبــادرة‪ ،‬فمــا ه ــي املبــادرة العربيــة؟‬

‫د‪ .‬غامن علوان اجلميلي‬

‫وماه ــي حظوظهــا يف النجــاح هــذه املــرة‪ ،‬وهــل اإلدارة األمريكيــة جــادة‬ ‫أو قــادرة عل ــى فرضهــا ووضــع إســرائيل أمــام األمــر الواقــع؟ هــذا مــا‬ ‫نحــاول اإلجابــة عليــه يف الســطور القادمــة‪.‬‬

‫المبادرة العربية للسالم‬

‫مبــادرة تهــدف للســام الشــامل بــن الــدول العربيــة وإســرائيل تقدمــت‬ ‫بهــا اململكــة العربيــة الســعودية ممثلــة بالراحــل امللــك عبــد اهلل بــن‬ ‫عبــد العزيــز‪ ،‬الــذي كان حينهــا ولي ـاً للعهــد‪ ،‬وأقرتهــا القمــة العربيــة‬ ‫الت ــي انعقــدت يف بيــروت عــام ‪2002‬م‪ ،‬نصــت املبــادرة عل ــى مــا يل ــي‪:‬‬ ‫¦إقامة دولة فلسطينية معترف بها دولياً على حدود ‪1967‬م‪.‬‬ ‫¦انسحاب إسرائيل من هضبة اجلوالن‪.‬‬ ‫¦عودة الالجئني الفلسطينيني‪.‬‬ ‫¦مقابــل ذلــك تقــوم الــدول العربيــة باالعتــراف بإســرائيل وتطبيــع‬ ‫العالقــات معهــا‪.‬‬

‫القــت املبــادرة الت ــي تأسســت عل ــى قاعــدة األرض مقابــل الســام قبــوالً‬ ‫عربي ـاً واســعاً خصوص ـاً أنهــا جــاءت مــن اململكــة العربيــة الســعودية‬ ‫لكنهــا واجهــت رفضـاً قاطعـاً مــن إســرائيل الت ــي فضلــت اســتراتيجية‬ ‫أخــرى تبناهــا اليمــن اإلســرائيلي قائمــة علــى إحــداث فوضــى يف‬ ‫املنطقــة ودفعهــا للقبــول مببــادرة “الســام مقابــل الســام” أي عــدم‬ ‫االنســحاب مــن األراض ــي احملتلــة‪ .‬لذلــك لــم حتقــق املبــادرة العربيــة‬ ‫التقــدم املطلــوب علــى أرض الواقــع نتيجــة الرفــض اإلســرائيلي‬ ‫واإلهمــال األمريك ــي‪.‬‬

‫الغموض سيد الموقف األمريكي‬

‫هنــاك بعــض النقــاط األساســية التــي ميكــن أن تســاعد يف فهــم‬ ‫الســلوك األمريك ــي مــن األحــداث عامــة واحلــرب يف غــزة ومــا ســيكون‬ ‫بعــد احلــرب نذكــر منهــا‪:‬‬ ‫أوالً‪-‬البــد مــن اإلقــرار بخطــأ املقاربــة األمريكيــة جتــاه املنطقــة الت ــي‬


‫‪54‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫وصفت إدارة ريغان مبادرة قمة فاس بـ "خطوة إيجابية" ووصفت‬ ‫إس ــرائيل اس ــتعداد الس ــعودية لالعت ــراف به ــا تط ــو ًرا إيجاب ًي ــا ج ــ ًدا‬ ‫إعــادة بنــاء مــا دمرتــه إســرائيل ثــم اخلــوض مــرة أخــرى يف دوامــة‬ ‫العنــف والدمــار‪ .‬يف هــذه األثنــاء‪ ،‬تركــز إدارة بايــدن جهودهــا حال ًيــا‬ ‫عل ــى إقنــاع إســرائيل بالقبــول بفكــرة عــودة الســلطة الفلســطينية إل ــى‬ ‫غــزة بعــد توقــف القتــال‪ .‬ويعتــرف املســؤولون األمريكيــون بــأن هنــاك‬ ‫رغبــة ضئيلــة بــن اإلســرائيليني ملناقشــة إقامــة دولــة فلســطينية‬ ‫نظـ ًرا الســتمرار حالــة الغضــب واحلــزن الــذي يعتريهــم لكنهــم يقولــون‬ ‫إن بايــدن ملتــزم مبتابعــة االقتــراح علــى املــدى الطويــل‪ .‬ويف أوائــل‬ ‫ديســمبر‪ ،‬قــال الرئيــس بايــدن أن حكومــة نتنياهــو بحاجــة إلــى‬ ‫التغييــر قبــل أن يكــون هنــاك تقــدم جــدي نحــو حــل الدولتــن‪ .‬ويصف‬ ‫بعــض الدميقراطيــن يف الكونغــرس‪ ،‬مثــل الســناتور كريســتوفر كونــز‪،‬‬ ‫نتنياهــو بأنــه «شــريك صعــب للغايــة» ‪.‬‬ ‫ويف نوفمبــر املاض ــي‪ ،‬ســلط وزيــر اخلارجيــة األمريك ــي أنتون ــي بلينكــن‬ ‫الضــوء عل ــى املوضوعــات األساســية املُتضمنــة يف الرؤيــة األمريكيــة‬ ‫مــن أجــل التوصــل إل ــى تســوية سياســية بعــد توقــف القتــال يف غــزة‪.‬‬ ‫تشــمل هــذه املوضوعــات عــدم التهجيــر القســري للفلســطينيني مــن‬ ‫قطــاع غــزة‪ ،‬وعــدم اســتخدام القطــاع كمنصــة لشــن هجمــات عنيفــة‪،‬‬ ‫إل ــى جانــب عــدم إعــادة احتــال إســرائيل لغــزة بعــد انتهــاء الصــراع‪،‬‬ ‫وأال يتــم فــرض حصــار علــى القطــاع أو تقليــص أراضيــه‪ .‬وأضــاف‬ ‫بلينكــن أن الطريــق نحــو الســام يجــب أن يشــمل أصــوات الشــعب‬ ‫الفلســطيني والتعبيــر عــن تطلعاتــه يف قلــب ا ُ‬ ‫حلكــم مــا بعــد انتهــاء‬ ‫األزمــة يف غــزة‪ .‬كمــا يجــب أن يشــمل حك ًما بقيادة فلســطينية واحتا ًدا‬ ‫لقطــاع غــزة مــع الضفــة الغربيــة حتــت قيــادة الســلطة الفلســطينية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ســبياًل لتمكــن اإلســرائيليني‬ ‫وأخيــ ًرا‪ ،‬يجــب أن يتضمــن أي اتفــاق‬ ‫والفلســطينيني مــن العيــش جن ًبــا إل ــى جنــب يف دول خاصــة بهــم‪ ،‬مــع‬ ‫التمتــع مبعاييــر متســاوية مــن األمــن‪ ،‬واحلريــات‪ ،‬والفــرص‪ ،‬والكرامــة‪.‬‬ ‫ورمبــا تكــون هنــاك حاجــة إلــى معايشــة فتــرة انتقاليــة يف نهايــة‬ ‫الصــراع ليتمكــن اإلســرائيليون والفلســطينيون وغيرهــم مــن العــرب‬ ‫مــن التفــاوض عل ــى مثــل هــذه التســوية السياســية‪ .‬تتشــابه الرؤيــة‬ ‫األمريكيــة للســام الدائــم مــع مــا يدعــو إليــه القــادة العــرب‪ .‬حيــث‬ ‫صــرح وزيــر اخلارجيــة الســعودي األميــر فيصــل بــن فرحــان‪ ،‬يف أكتوبــر‬ ‫املاضــي‪ ،‬بأنــه مــن املهــم التوصــل إلــى حــل ســلمي يســاعد علــى‬ ‫حتريــر غــزة مــن دوامــة العنــف املتكــررة‪ ،‬ويضــع ح ـدًا إلراقــة الدمــاء‪،‬‬ ‫ويقيــم ســا ًما عــاد ًاًل وشـ ً‬ ‫ـاماًل ومســتدا ًما‪.‬‬

‫اآلفاق المستقبلية‬

‫يُذكرنــا التاريــخ بــأن احلــروب ال تــدوم إل ــى األبــد‪ ،‬وعليــه‪ ،‬فــإن القتــل‬ ‫املأســاوي آلالف الفلســطينيني يف غــزة ينبغــي أال مينــع املســؤولني‬

‫يف العالــم العربــي وإســرائيل والواليــات املتحــدة وبقيــة العالــم مــن‬ ‫صياغــة رؤيــة لســام واســع وشــامل يف الشــرق األوســط‪ .‬وتظــل‬ ‫مبــادرة الســام العربيــة يف عام ــي ‪ 1981‬و‪2002‬م‪ ،‬اخليــار األكثــر قابليــة‬ ‫للتطبيــق إلنهــاء األعمــال العدائيــة الت ــي اســتمرت عقــو ًدا بــن العــرب‬ ‫واإلســرائيليني‪ .‬سيســتغرق األمــر بعــض الوقــت لتقييــم نتائــج احلــرب‬ ‫املســتمرة يف غــزة بدقــة‪ .‬ومــع ذلــك‪ ،‬تؤكــد احلملــة العســكرية واجلهــود‬ ‫الدبلوماســية عل ــى بعــض االجتاهــات االســتراتيجية الناشــئة‪:‬‬ ‫أو ًاًل‪ ،‬بالنظــر إل ــى العالقــات الوثيقــة الت ــي جتمــع بــن الواليــات املتحــدة‬ ‫والعديــد مــن الــدول العربيــة الرائــدة‪ ،‬متتلــك واشــنطن القــدرة والنفــوذ‬ ‫علــى املســاهمة يف إجــراء مفاوضــات دبلوماســية جديــة مــن أجــل‬ ‫ســد الفجــوة بــن كافــة األطــراف وتســهيل التوصــل إل ــى توافــق بشــأن‬ ‫ســام دائــم‪ .‬ثان ًيــا‪ ،‬إن دعــم إدارة بايــدن الراســخ إلســرائيل يحتــم‬ ‫ضــرورة عمــل الــدول العربيــة علــى اســتغالل نفوذهــا االقتصــادي‪،‬‬ ‫والدبلوماســي‪ ،‬واألمنــي مــن أجــل الضغــط علــى اإلدارة األمريكيــة‪،‬‬ ‫والكونغــرس‪ ،‬والشــعب األمريك ــي التخــاذ نهــج أكثــر إنصا ًفــا‪ ،‬وفه ًمــا‬ ‫أفضــل واســتجابة لرؤيــة العــرب بشــأن ســام شــامل وعــادل‪ .‬ثال ًثــا‪،‬‬ ‫منــذ أن بــدأت احلــرب يف غــزة‪ ،‬أعــرب اآلالف مــن الشــباب األمريكيــن‬ ‫داخــل كافــة اجلامعــات تقري ًبــا عــن معارضتهــم القويــة لالحتــال‬ ‫اإلســرائيلي لألراض ــي الفلســطينية مطالبــن تطبيــق حــل الدولتــن‪.‬‬ ‫واضحــا علــى مســتوى الــرأي العــام‬ ‫وهــو مــا يشــكل تغييــ ًرا كبيــ ًرا‬ ‫ً‬ ‫األمريك ــي جتــاه الصــراع العرب ــي ‪-‬اإلســرائيلي‪ .‬راب ًعــا‪ ،‬عل ــى الرغــم مــن‬ ‫العداء الشــديد والقتل املأســاوي آلالف الفلســطينيني‪ ،‬فهناك حقيقة‬ ‫وجــود أكثــر مــن ‪ 9‬ماليــن إســرائيلي وأكثــر مــن ‪ 7‬ماليــن فلســطيني‪،‬‬ ‫عليهــم أن يجــدوا طريقــة لقبــول بعضهــم البعــض والعيــش يف ســام‬ ‫خامســا‪ ،‬تتمتــع إســرائيل بقــدرات عســكرية‬ ‫مــع بعضهــم البعــض‪.‬‬ ‫ً‬ ‫كبيــرة واقتصــاد قــوي ُومتنام ــي‪ .‬ومــع ذلــك‪ ،‬لــن تتمتــع إســرائيل أب ـدًا‬ ‫بالســام مــا لــم يقبلــه جيرانهــا‪ .‬إن التوصــل إل ــى تســوية تفاوضيــة‬ ‫تقــوم علــى أســاس إقامــة دولــة فلســطينية عاصمتهــا القــدس‪،‬‬ ‫وانســحاب إســرائيل مــن األراض ــي العربيــة احملتلــة‪ ،‬وإيجــاد حــل عــادل‬ ‫لالجئــن الفلســطينيني‪ُ ،‬مُيهــد الطريــق لســام عربــي ‪-‬إســرائيلي‪،‬‬ ‫ويُحقــق االســتقرار السياس ــي واالزدهــار االقتصــادي للشــرق األوســط‬ ‫بأســره‪ ،‬بــل وبقيــة العالــم‪.‬‬

‫*أستاذ مبركز الرشق األدىن وجنوب آسيا للدراسات االسرتاتيجية بجامعة الدفاع‬ ‫الوطني بواشنطن العاصمة‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫وطــأة نظــام دائــم مــن العنــف املُنظــم وعــدم املســاواة‪.‬‬

‫الواليات المتحدة وسالم عربي‪-‬إسرائييل شامل‬

‫خــال العقــود القليلــة املاضيــة‪ ،‬اســتثمرت اإلدارات األمريكيــة‪-‬‬ ‫جمهوريــة كانــت أو دميقراطيــة ‪-‬بشــكل مكثــف يف جهــود التوصــل‬ ‫إل ــى ســام بــن الفلســطينيني واإلســرائيليني‪ .‬ودعــا القــادة األمريكيــون‬ ‫مــرا ًرا إلقامــة حــل الدولتــن واعتبــار القــدس عاصمــة مشــتركة‬ ‫لفلســطني وإســرائيل‪ .‬كمــا حثــت اإلدارة األمريكيــة تــل أبيــب علــى‬ ‫وقــف بنــاء املســتوطنات الت ــي تعتبرهــا غيــر شــرعية‪ .‬ظلــت هــذه ه ــي‬ ‫السياســة األمريكيــة يف عهــد الرؤســاء األمريكيــن جيمــي كارتــر‪،‬‬ ‫وجــورج بــوش األب واالبــن‪ ،‬وبيــل كلينتــون‪ ،‬والرئيــس بــاراك أوبامــا‪.‬‬ ‫إال أن إدارة الرئيــس األمريك ــي الســابق دونالــد ترامــب اعترفــت بــأن‬ ‫القــدس عاصمــة إســرائيل‪ ،‬وتعامــل الرئيــس اجلمهــوري‪ ،‬بشــكل أو‬ ‫بآخــر‪ ،‬مــع القضيــة الفلســطينية باعتبارهــا ذات أولويــة منخفضــة‪.‬‬ ‫ومنــذ اعتــاء الرئيــس جــون بايــدن كرس ــي الرئاســة األمريكيــة‪ ،‬قبــل ‪3‬‬ ‫ســنوات‪ ،‬ســار عل ــى نهــج ســلفه دون أن يبــذل ســوى القليــل مــن اجلهــد‬ ‫يف ســبيل معاجلــة الصــراع الفلســطيني ‪-‬اإلســرائيلي‪ .‬تغيــرت هــذه‬ ‫الديناميــات اآلن حتــت ضغــط احلــرب الدائــرة يف قطــاع غــزة‪ ،‬ليُــدرك‬ ‫بايــدن وكبــار مستشــاريه أنــه ال مجــال لســام أو اســتقرار يف الشــرق‬ ‫األوســط دون تســوية القضيــة الفلســطينية‪.‬‬

‫منــذ أواخــر ديســمبر ‪2023‬م‪ ،‬بــدأ الرئيــس جــون بايــدن يُحــذر‬ ‫إســرائيل مــن إنهــا يف طريقهــا خلســارة الدعــم العاملــي بســبب‬ ‫قصفهــا العشــوائي للمدنيــن‪ .‬لــم يكــن هــذا التحذيــر بــأي شــكل مــن‬ ‫األشــكال مؤشــرا عل ــى أنــه ثمــة قطيعــة وشــيكة بــن واشــنطن وتــل‬ ‫أبيــب‪ ،‬لكنــه حت ًمــا يُشــير إلــى تنامــي خيبــة األمــل األمريكيــة إزاء‬ ‫الســلوك اإلســرائيلي يف ظــل تصاعــد وتيــرة هجماتهــا وأعــداد القتل ــى‬ ‫بــن صفــوف املدنيــن الفلســطينيني‪ .‬يف حــن يطلــق الكثيــرون داخــل‬ ‫واشــنطن عل ــى اســتراتيجية بايــدن جتــاه رئيــس الــوزراء اإلســرائيلي‬ ‫بنيامــن نتنياهــو بسياســة «عنــاق الدببة»‪-‬مبعنــى أن يدعمــه هــو‬ ‫وســائر مســؤولي احلكومــة اإلســرائيلية يف العلــن‪ ،‬بينمــا يحذرهــم‬ ‫ســ ًرا مــن التمــادي فيمــا يفعلونــه‪ .‬ويســتدل كبــار مســؤولي اإلدارة‬ ‫األمريكيــة عل ــى هــذا مــن خــال اإلشــارة إل ــى عــدة نتائــج مبــا يف ذلــك‬ ‫التوصــل ألول اتفــاق ممــدد لوقــف إلطــاق النــار خــال شــهر نوفمبــر‬ ‫املاض ــي والــذي أســفر عــن إطــاق ســراح ‪ 105‬مــن الرهائــن‪ ،‬وتوصيــل‬ ‫مســاعدات إنســانية إل ــى قطــاع غــزة‪ ،‬فضـ ً‬ ‫ا عــن امتنــاع إســرائيل عــن‬ ‫فتــح جبهــة مواجهــة ثانيــة ضــد حــزب اهلل يف جنــوب لبنــان‪.‬‬ ‫أمــا عــن الوضــع عل ــى األرض داخــل قطــاع غــزة فإنــه مغايــر متا ًمــا‪ ،‬يف‬ ‫ظــل حالــة اخلــراب والدمــار‪ ،‬وســقوط عشــرات اآلالف مــن الضحايــا‪،‬‬ ‫فض ـ ً‬ ‫ا عــن تدميــر أكثــر مــن نصــف املبان ــي والقضــاء عل ــى أحيــاء‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫‪53‬‬

‫ملف العدد‬

‫بأكملهــا‪ .‬نتيجــة لذلــك‪ ،‬بــدأ بعــض مــن كبــار مســاعدي الرئيــس بايدن‬ ‫ذرعــا بسياســاته الت ــي مــن وجهــة نظرهــم‬ ‫يف الكوجنــرس يضيقــون ً‬ ‫فشــلت يف ممارســة ضغــط كاف علــى حكومــة نتنياهــو مــن أجــل‬ ‫إعــادة النظــر يف أســاليبها‪ ،‬ودعــا كبــار النــواب الدميقراطيــن يف‬ ‫مجل ــس الشــيوخ إل ــى نهــج أكثــر صرامــة جتــاه إســرائيل أو « التوقــف‬ ‫عــن نهــج الشــيك عل ــى بيــاض» كمــا قــال الســيناتور بيرن ــي ســاندرز‪.‬‬ ‫علــى املــدى البعيــد‪ ،‬تصــر الواليــات املتحــدة علــى عــدم رغبتهــا يف‬ ‫احتــال إســرائيل لقطــاع غــزة وأنهــا قــد تفضــل إعــادة إحيــاء محادثات‬ ‫الســام املتوقفــة منــذ أمــد بعيــد بشــأن التوصــل حلــل الدولتــن مــع‬ ‫الســلطة الفلســطينية‪ .‬بينمــا يختلــف الوضــع داخــل إســرائيل الت ــي‬ ‫ليســت لديهــا رغبــة كبيــرة للقبــول بحــل الدولتــن يف ظــل مقاومــة‬ ‫كبيــرة عبــر مختلــف قطاعــات احلكومــة اإلســرائيلية وغالبيــة األحزاب‬ ‫السياســية‪ ،‬هــو مــا قــد يتطلــب حتـو ًاًل كبيـ ًرا يف اخلطــاب السياس ــي‪.‬‬ ‫مــن جانبهــم ال يعتقــد املســؤولون األمريكيــون أن اتبــاع نهــج أكثــر بــرودة‬ ‫أو حت ــى أكثــر عدوانيــة جتــاه إســرائيل ‪-‬مثــل ذلــك الــذي تبنــاه بــاراك‬ ‫أوبامــا خــال الســنوات الت ــي قضاهــا يف البيــت األبيــض ‪-‬سيُســاعد‬ ‫بالضــرورة يف إحــداث تغييــر يف موقــف إســرائيل وقــد يأت ــي بنتائــج‬ ‫عكســية يف الواقــع‪ .‬ويقــول مســؤولو إدارة بايــدن أنــه يف حــن أن لديهــم‬ ‫بعــض التأثيــر عل ــى إســرائيل‪ ،‬فــإن فكــرة أنهــم ميلــون عل ــى إســرائيل‬ ‫شــروط حملتهــا العســكرية أو إخبارهــا مت ــى تتوقــف مبالــغ فيهــا‪.‬‬ ‫يف الســياق ذاتــه‪ ،‬أدى رد فعــل الرئيــس جــون بايــدن جتــاه احلــرب‬ ‫يف غــزة إلــى انقســام داخــل احلــزب الدميقراطــي‪ ،‬وإثــارة غضــب‬ ‫ً‬ ‫مفرطــا يف‬ ‫بعــض منتقديــه الذيــن يعتقــدون بــأن البيــت األبيــض كان‬ ‫التســامح مــع األفعــال اإلســرائيلية‪ .‬لكــن ميكــن القــول إن املعارضــة‬ ‫األكثــر حــدة جــاءت مــن داخــل احلكومــة األمريكيــة‪ ،‬حيــث أعربــت‬ ‫مجموعــات مــن العاملــن داخــل البيــت األبيــض ووزارة اخلارجيــة‬ ‫ووكاالت أخــرى عــن معارضتهــا لسياســة بايــدن جتــاه إســرائيل‪ .‬كمــا‬ ‫تتهــم هــذه املجموعــات اإلدارة األمريكيــة بتســهيل مقتــل العديــد مــن‬ ‫املدنيــن األبريــاء‪ .‬ليــس هنــاك شــك يف أن بايــدن قــدم دع ًمــا راسـ ً‬ ‫ـخا‬ ‫للحملــة العســكرية اإلســرائيلية يف غــزة حت ــى عندمــا واجهــت الدولــة‬ ‫اليهوديــة إدانــة دوليــة‪ .‬ولكــن كجــزء مــن هــذا الدعــم‪ ،‬أصــر بايــدن‬ ‫مــرا ًرا وتكــرا ًرا علــى أن الســلطة الفلســطينية يجــب أن حتكــم غــزة‬ ‫بعــد القضــاء عل ــى حمــاس‪ ،‬وأنــه يجــب يف يــوم مــن األيــام إنشــاء دولــة‬ ‫فلســطينية تضــم الضفــة الغربيــة وقطــاع غــزة‪.‬‬ ‫مــن ناحيــة أخــرى‪ ،‬تســبب موقــف نتنياهــو املتشــدد يف تعقيــد اجلهــود‬ ‫األمريكيــة بشــأن إقنــاع الزعمــاء العــرب باملســاعدة بإعــادة بنــاء قطــاع‬ ‫غــزة واإلشــراف عل ــى عمليــة االنتقــال السياس ــي بعــد احلــرب‪ .‬وخــال‬ ‫اللقــاءات الت ــي جمعتهــم بكبــار املســؤولني بــإدارة بايــدن‪ ،‬أكــد القــادة‬ ‫العــرب عــدم عزمهــم املســاعدة يف بنــاء القطــاع دون احلصــول عل ــى‬ ‫وعــد بإقامــة دولــة فلســطينية يف املســتقبل القريــب‪ .‬فــا جــدوى مــن‬


‫‪52‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫‪https://arabic.cnn.com/middle-east/article/2020/08/20/saudi-israel-2002-arab-peace-initiative‬‬

‫عرضــت المبــادرة العربيــة إقامــة الــسالم الكامــل والتطبيــع وأقرهــا‬ ‫الزعم ــاء الع ــرب يف القم ــة الرابع ــة عش ــرة يف بي ــروت م ــارس ‪2002‬‬ ‫أراضيهــم‪ .‬يف املقابــل‪ ،‬ذهبــت مبــادرة امللــك عبــد اهلل خطــوة أبعــد مــن‬ ‫مبــادرة امللــك فهــد‪ ،‬وبــدال مــن مجــرد االعتــراف بوجــود دولــة يهوديــة‬ ‫يف منطقــة الشــرق األوســط‪ ،‬عــرض امللــك عبــد اهلل عل ــى إســرائيل‬ ‫إقامــة ســام كامــل‪ ،‬مبــا يف ذلــك التطبيــع السياس ــي‪ ،‬واالقتصــادي‪،‬‬ ‫والثقــايف‪ .‬وقــد نوقشــت املبــادرة وأقرهــا الزعمــاء العــرب اآلخــرون يف‬ ‫قمتهــم الرابعــة عشــرة الت ــي عقــدت يف بيــروت يف مــارس ‪2002‬م‪.‬‬ ‫عل ــى الصعيــد األمريك ــي‪ ،‬لــم تكــن إدارة الرئيــس األمريك ــي األســبق‬ ‫جــورج بــوش مســرعة يف القبــول باملبــادرة الســعودية‪ .‬ويبــدو أن حــذر‬ ‫اإلدارة األمريكيــة كان ناب ًعــا بشــكل جزئ ــي مــن إصــرار الرئيــس بــوش‬ ‫علــى أال ينتهــي بــه املطــاف إلــى حيــث انتهــى األمــر بســلفه بيــل‬ ‫كلينتــون‪ ،‬مــع حتــول اآلمــال الكبيــرة يف الســام فجــأة إلــى موجــة‬ ‫ً‬ ‫افتراضــا واســع النطــاق‬ ‫مــن العنــف‪ .‬عــاوة عل ــى ذلــك‪ ،‬كان هنــاك‬ ‫بــأن اإلدارة األمريكيــة كانــت راغبــة يف إزاحــة الصــراع الفلســطيني‪-‬‬ ‫اإلســرائيلي إل ــى خانــة األمــور املؤجلــة بينمــا تــوازن خياراتهــا لإلطاحــة‬ ‫بنظــام الرئيــس العراقــي الراحــل صــدام حســن‪ .‬وبعــد فتــرة مــن‬ ‫التذبــذب‪ ،‬قــررت واشــنطن أن املبــادرة الســعودية لديهــا إمكانيــة إلنهــاء‬

‫دوامــة العنــف‪ ،‬وعليــه أثنــت عل ــى العاهــل الســعودي امللــك عبــد اهلل‬ ‫بــن عبــد العزيــز وحثــت الزعمــاء اآلخريــن عل ــى البنــاء عل ــى املبــادرة‬ ‫مــن أجــل التوصــل إل ــى ســام يف الشــرق األوســط‪.‬‬ ‫لســوء احلــظ‪ ،‬لــم يتــم تنفيــذ املبــادرة بــل وشــهدت املنطقــة خــال‬ ‫العقديــن التاليــن العديــد مــن املواجهــات العســكرية بــن الكيــان‬ ‫اإلســرائيلي والشــعب الفلســطيني يف قطــاع غــزة والضفــة الغربيــة‬ ‫باإلضافــة إلــى حــرب ‪ 34‬يو ًمــا ضــد جماعــة حــزب اهلل اللبنانــي‪.‬‬ ‫وتُبــن احلــرب اإلســرائيلية علــى قطــاع غــزة اآلن أن وقــف إطــاق‬ ‫النــار بشــكل مؤقــت قــد مينــع القتــال لبعــض الوقــت لكنــه ال يجلــب‬ ‫ســا ًما‪ .‬فــإن حتقيــق االســتقرار اإلقليم ــي والســام العامل ــي يتطلــب‬ ‫جهــو ًدا صادقــة مــن قبــل كافــة األطــراف مــن أجــل التوصــل إلجمــاع‬ ‫حــول ســام دائــم إلــى جانــب البنــود املدرجــة يف مبــادرة الســام‬ ‫واضحــا وضــوح الشــمس‬ ‫العربيــة (‪2002-1981‬م)‪ .‬الش ــيء الــذي بــات‬ ‫ً‬ ‫بعــد هجمــات حمــاس يف ‪ 7‬أكتوبــر هــو أن إســرائيل لــن توفــر األمــن‬ ‫ملواطنيهــا مــن خــال التحكــم يف مصيــر املاليــن مــن أبنــاء الشــعب‬ ‫الفلســطيني الذيــن ُجــردوا مــن حقوقهــم وحرياتهــم ليعيشــوا حتــت‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫‪51‬‬

‫ملف العدد‬

‫لن تستقر إسرائيل إال بسالم يقبله جيرانها قائم على الحل الشامل‬

‫مبادرة السالم العربية الخيار األكثر قابلية‬ ‫للتطبيق إلنهاء العداء بين العرب وإسرائيل‬ ‫منــذ أن بــدأت إســرائيل حربهــا يف غــزة‪ُ ،‬قتــل آالف الفلســطينيني‪ ،‬وجــرح عشــرات اآلالف‪ ،‬وأجبــر مئــات اآلالف عل ــى مغــادرة‬ ‫منازلهــم املدمــرة‪ .‬ويف هــذا الســياق‪ ،‬كثفــت الــدول العربيــة واإلســامية جهودهــا الدبلوماســية إلنهــاء القتــال ووقــف معانــاة‬ ‫الشــعب الفلســطيني يف غــزة‪ .‬وكحــال جميــع احلــروب‪ ،‬لــن تــدوم احلــرب عل ــى قطــاع غــزة وســتصل إل ــى نهايتهــا عنــد مرحلــة‬ ‫مــا‪ .‬إال أن مســتوى الدمــار الــذي ال ميكــن تصــوره والعــدد غيــر املســبوق مــن الضحايــا يعن ــي أنــه ال ميكــن الســماح لــدورة‬ ‫العنــف هــذه بالتكــرار وينبغ ــي بنــاء توافــق يف اآلراء لقبــول ســام دائــم وعــادل بــن اإلســرائيليني والفلســطينيني والعالــم العرب ــي‬ ‫األوســع‪ .‬ويطلــق العديــد مــن احملللــن السياســيني والدبلوماســيني مــن جميــع أنحــاء العالــم عل ــى هــذه االحتماليــة مســمى‬ ‫«اليــوم التال ــي»‪ ،‬أي الترتيبــات السياســية الت ــي ســتحدث عندمــا يتوقــف القتــال‪ .‬ومــن أجــل توضيــح مــا ســيبدو عليــه هــذا‬ ‫«اليــوم التال ــي» وكيفيــة اإلعــداد لســام دائــم وشــامل‪ ،‬مــن املهــم أن ننظــر إل ــى الــوراء وأن نتذكــر اجلهــود اجلــادة إلنهــاء الصــراع‬ ‫العرب ــي‪ /‬اإلســرائيلي ووضــع خارطــة طريــق للتعايــش الســلمي‪.‬‬

‫أ‪.‬د‪ .‬جودت بهجت‬

‫مبادرة السالم العربية‬

‫شــهد العالــم العرب ــي حالــة واســعة مــن االنقســام واالســتقطاب بعــد‬ ‫زيــارة الرئيــس املصــري األســبق أنــور الســادات إل ــى تــل أبيــب يف عــام‬ ‫‪1977‬م‪ ،‬وتوقيعــه علــى معاهــدة الســام املصرية‪-‬اإلســرائيلية بعــد‬ ‫ذلــك بعامــن‪ .‬ومــن أجــل إنهــاء هــذا االســتقطاب واســتعادة االســتقرار‬ ‫اإلقليم ــي‪ ،‬صــاغ قــادة اململكــة العربيــة الســعودية رؤيتهــم اخلاصــة مــن‬ ‫أجــل ســام شــامل يف منطقــة الشــرق األوســط‪ ،‬والتــي مت اإلعــان‬ ‫عنهــا يف عــام ‪1981‬م‪ ،‬فيمــا يُعــرف بـ ـــ “مبــادرة امللــك فهــد للســام»‪.‬‬ ‫تتألــف مبــادرة الســام الســعودية مــن ثمان ــي نقــاط متهــد الطريــق‬ ‫أمــام إقامــة ســام عــادل مــن بينهــا؛ مطالبــة إســرائيل باالنســحاب‬ ‫مــن األراض ــي العربيــة احملتلــة منــذ عــام ‪1967‬م‪ ،‬وإزالــة املســتوطنات‪.‬‬ ‫كمــا طالبــت بإقامــة دولــة فلســطينية مســتقلة عاصمتهــا القــدس‬ ‫وضمــان حــق الالجئــن الفلســطينيني يف العــودة إلــى ديارهــم أو‬ ‫تعويضهــم‪ .‬فيمــا كان اجلــزء األكثــر إثــارة لالنتبــاه هــو االعتــراف‬ ‫الضمن ــي بالكيــان اإلســرائيلي مــن خــال التأكيــد عل ــى أحقيــة كافــة‬ ‫دول املنطقــة يف العيــش بســام‪.‬‬

‫تباينــت ردود األفعــال الدوليــة واإلقليميــة جتــاه مبــادرة الســام‬ ‫الســعودية مــن دولــة إل ــى أخــرى حيــث وصفــت مــن قبــل إدارة الرئيــس‬ ‫األمريك ــي األســبق رونالــد ريغــان بأنهــا «خطــوة إيجابيــة»‪ .‬فيمــا أقــر‬ ‫القــادة اإلســرائيليون بــأن االســتعداد الســعودي لالعتــراف بإســرائيل‬ ‫يجــب أن ينظــر إليــه عل ــى أنــه تطــور إيجاب ــي‪ .‬ومــع ذلــك‪ ،‬رفضــت‬ ‫تــل أبيــب االقتــراح دون إعطــاء تفاصيــل‪ .‬ويبــدو أن إقامــة دولــة‬ ‫فلســطينية مســتقلة عاصمتهــا القــدس‪ ،‬واالنســحاب اإلســرائيلي‬ ‫مــن جميــع األراضــي العربيــة احملتلــة يف حــرب عــام ‪1967‬م‪ ،‬وحــق‬ ‫العــودة ملاليــن الالجئــن الفلســطينيني‪ ،‬كانــت شـ ً‬ ‫ـروطا لــم يســتطع‬ ‫القــادة اإلســرائيليون استســاغتها‪ .‬وبعــد مــرور عقديــن‪ ،‬أطلــق العاهــل‬ ‫الســعودي الراحــل امللــك عبــد اهلل بــن عبــد العزيــز ‪-‬الــذي كان حينهــا‬ ‫وليــا للعهــد قبــل أن يصبــح ملـ ًكا ‪-‬مبادرتــه اخلاصــة مــن أجــل حتقيــق‬ ‫ســام شــامل يف املنطقــة‪ .‬تتشــابه املبــادرة مــع مبــادرة امللــك فهــد يف‬ ‫مطالبــة إســرائيل باالنســحاب الكامــل مــن األراض ــي العربيــة احملتلــة‬ ‫منــذ حــرب ‪1967‬م‪ ،‬مبــا يف ذلــك االنســحاب الكامــل مــن هضبــة‬ ‫اجلــوالن الســورية وباق ــي األجــزاء ُ‬ ‫احُملتلــة مــن جنــوب لبنــان‪ ،‬وإقامــة‬ ‫دولــة فلســطينية مســتقلة يف الضفــة الغربيــة وقطــاع غــزة عاصمتهــا‬ ‫القــدس‪ ،‬وتأكيــد حــق الالجئــن الفلســطينيني يف العــودة إلــى‬


‫‪50‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫خرجت قمة الرياض المشتركة بــ ‪ 31‬قرا ًرا بعثت إشارات إيجابية‬ ‫ورؤي ــة متف ــق عليه ــا لوق ــف قت ــل األبري ــاء وجرائ ــم الح ــرب يف غ ــزة‬ ‫القــدس‪ .‬وقــد اعتمــد نتنياهــو املبــدأ االســتعماري القــدمي وهــو «فــرق‬ ‫تســد» وهدفــه نــزع الشــرعية عــن الســلطة الفلســطينية يف الضفــة‬ ‫الغربيــة‪ ،‬وإقامــة ســلطة موازيــة يف قطــاع غــزة إثــر انشــقاق حركــة‬ ‫حمــاس عــام ‪2007‬م‪ ،‬وتشــكيل حكومتهــا يف غــزة ليؤكــد غيــاب‬ ‫املفــاوض الفلســطيني ممــا يتيــح لــه بنــاء مســتوطنات جديدة وتوســيع‬ ‫املســتوطنات القائمــة وخنــق طموحــات الفلســطينيني وقــرارات األمم‬ ‫املتحــدة يف إقامــة دولــة فلســطينية مســتقلة‪.‬‬ ‫ويف هــذا الســياق نشــير إل ــى “خرائــط املســتوطنات اإلســرائيلية الت ــي‬ ‫صدمــت أوبامــا” وهــو عنــوان حتقيــق نشــرته صحيفــة “نيويوركــر”‬ ‫األمريكيــة يف عــام ‪2018‬م‪ ،‬مرف ًقــا باخلرائــط‪ ،‬كشــف فيــه فرانــك‬ ‫لوينشــتاين مبعــوث الرئيــس األمريكــي بــاراك أوبامــا اخلــاص‬ ‫للمشــاركة يف املفاوضــات اإلســرائيلية الفلســطينية عــن خرائــط لــم‬ ‫يكــن األمــن اإلســرائيلي صــرح بهــا تبــن أن املســتوطنات املخطــط‬ ‫إلنشــائها حتتــل حوالــي ‪ %80‬مــن مســاحة الضفــة الغربيــة وأن‬ ‫املناطــق املأهولــة بالفلســطينيني معزولــة عــن بعضهــا بصــورة ال‬ ‫ميكــن معهــا أن تقــوم دولــة فلســطينية‪ .‬ويقــول لوينشــتاين أنــه حمــل‬ ‫اخلرائــط إل ــى وزيــر اخلارجيــة جــون كيــري بعد أن أكدت االســتخبارات‬ ‫األمريكيــة صحتهــا‪ ،‬التقــى كيــري بانتظــام مــع أوبامــا يف املكتــب‬ ‫البيضــاوي وخــال أحــد تلــك االجتماعــات وضــع كيــري اخلرائــط‬ ‫واحــدة تلــو األخــرى‪ ،‬حت ــى يتمكــن الرئيــس ومستشــاروه مــن دراســتها‪.‬‬ ‫وذكــر بــن رودس أحــد مستشــاري أوبامــا األطــول خدمــة‪ ،‬أن الرئيــس‬ ‫صــدم لرؤيــة مــدى «منهجيــة» اإلســرائيليني يف عــزل املراكــز الســكانية‬ ‫الفلســطينية بعضهــا عــن بعــض‪ .‬ولــم يعــرض لوينتشــتاين اخلرائــط‬ ‫عل ــى اإلســرائيليني‪ ،‬لكنــه أطلعهــم عل ــى النتائــج الرئيســية الت ــي مت‬ ‫دمجهــا يف خطابــات كيــري وغيرهــا مــن الوثائــق‪ ،‬وقــال لوينتشــاين «أن‬ ‫اإلســرائيليني لــم يطعنــوا أب ـدًا يف هــذه النتائــج»‪.‬‬ ‫وينتهــي التقريــر إلــى التأكيــد إلــى أن الرئيــس أوبامــا‪ ،‬وبســبب‬ ‫انزعاجــه مــن الســلوك اإلســرائيلي قــرر الغيــاب عــن التصويــت عل ــى‬ ‫قــرار مجل ــس األمــن الــذي يديــن املســتوطنات‪ ،‬ممــا ميهــد الطريــق‬ ‫إلقــراره‪ ،‬وكان هــذا آخــر حتــد ألوبامــا ضــد نتنياهــو قبــل أن يتول ــى‬ ‫دونالــد ترامــب منصبــه ويضــع سياســات أكثــر قب ـو ًاًل للمســتوطنني»‪.‬‬ ‫وقــد منحــت احلــرب يف غــزة حكومــة إســرائيل فرصــة جديــدة للقضاء‬ ‫عل ــى مشــروع حــل الدولتــن‪ ،‬فأوكلــت إل ــى وزيــر املاليــة ســمويتريتس‪،‬‬ ‫أبــرز املتعصبــن فيهــا مســؤولية اإلدارة املدنيــة اإلســرائيلية يف الضفــة‬ ‫الغربيــة‪ ،‬وهــو بــدوره كلــف أحــد أعضــاء حزبــه «اجلمهوريــة الدينيــة»‬ ‫برئاســة مــا أســماه «جلنــة يهــودا والســامرة” وهــو مــا أدى إل ــى طفــرة‬

‫غيــر مســبوقة يف مشــاريع االســتيطان ‪ ،‬كمــا أعلنــت “حركــة الســام‬ ‫اآلن اإلســرائيلية” وقالــت املنظمــة إن إســرائيل منــذ ينايــر املاضــي‬ ‫اندفعــت إل ــى بنــاء ‪ 12855‬وحــدة ســكنية للمســتوطنني ق ــي الضفــة‬ ‫الغربيــة‪ ،‬وهــو أعل ــى رقــم تســجله املنظمــة منــذ عــام ‪2012‬م‪ .‬ومنــذ‬ ‫بدايــة احلــرب يف غــزة تقــول املنظمــة اإلســرائيلية أن املســتوطنني‬ ‫أعــادوا إنشــاء أكثــر مــن عشــر بــؤر اســتيطانية‪ ،‬وشــقوا مــا يزيــد عل ــى‬ ‫ـارعا جدي ـدًا وأن تلــك الشــوارع تتيــح اســتيالءهم عل ــى مناطــق‬ ‫‪ 18‬شـ ً‬ ‫واســعة النطــاق عل ــى طــول مســار الطريــق‪ .‬ويف الســياق نفســه تذكــر‬ ‫األمم املتحــدة أن نحــو ‪ 700‬ألــف مســتوطن يقيمــون يف ‪ 279‬مســتوطنة‬ ‫يف أنحــاء الضفــة الغربيــة والقــدس الشــرقية‪ ،‬بينمــا يعيــش أكثــر مــن‬ ‫ثالثــة ماليــن فلســطيني يف املنطقــة نفســها حتــت احلكــم العســكري‬ ‫اإلســرائيلي‪ .‬وهــذا مــا يكشــف أن مبــادرة الســام العربيــة‪ ،‬ك ــي تتحــول‬ ‫إل ــى واقــع‪ ،‬حتتــاج إل ــى رعايــة دوليــة باتــت ممكنــة بــل وحتميــة بعــد‬ ‫أن حتولــت أرض فلســطني إل ــى كــرة مــن لهــب تتقاذفهــا الطموحــات‬ ‫اإلقليميــة والعصبيــات العرقيــة والدينيــة واملذهبيــة‪.‬‬

‫مؤتمر السالم أو مدريد (‪)2‬‬

‫إن احلــرب يف غــزة عل ــى اختــاف املواقــف واآلراء شــعب ًيا ودول ًيــا منهــا‪،‬‬ ‫تــكاد تتفــق عل ــى إدانــة الفظائــع وحــق الشــعب الفلســطيني يف دولــة‬ ‫مزدهــرة وقابلــة للحيــاة‪ ،‬ولعــل الزيــارات املكوكيــة لوزيــر اخلارجيــة‬ ‫األمريك ــي ومبعوث ــي الرئيــس بايــدن للمنطقــة إحــدى العالمــات الت ــي‬ ‫تعيدنــا إل ــى مؤمتــر الســام ‪ ،‬وقــد عقــد عقــب حــرب حتريــر الكويــت‬ ‫وســبقنه ثمان ــي جــوالت قــام بهــا وزيــر اخلارجيــة األمريك ــي جيمــس‬ ‫بيكــر يف املنطقــة‪ ،‬ثــم تتويجهــا يف عــام ‪1991‬م‪ ،‬بانعقــاد مؤمتــر مدريــد‬ ‫للســام وقــد وجهــت الدعــوة إليــه كل مــن الواليــات املتحــدة‪ ،‬واالحتــاد‬ ‫الســوفيتي م ًعــا‪ ،‬ووصفــه الوزيــر اإلســرائيلي عضــو الكنيســت ســاب ًقا‬ ‫يوس ــي بيلــن ‪ ،‬يف احتفــال أقامتــه االمم املتحــدة يف الذكــرى الثالثــن‬ ‫للمؤمتر بأنه « كان معجزة‪ ،‬فقد أدى إلى اتفاقية أوســلو عام ‪1993‬م‪،‬‬ ‫بــن منظمــة التحريــر وإســرائيل‪ ،‬وإل ــى اتفاقيــة الســام مــع األردن عــام‬ ‫‪1997‬م”‪ .‬ويف الوضــع احلال ــي فــإن دخــول الصــن مــع روســيا والواليــات‬ ‫املتحــدة‪ ،‬وكلهــا يتفــق عل ــى حــل الدولتــن‪ ،‬فــإن املؤمتــر ســوف يتخــذ‬ ‫زخ ًمــا أقــوى‪ ،‬خاصــة إذا كان للمؤمتــر فرصــة فــرض احللــول وبجــدول‬ ‫زمن ــي محــدد وهــو مــا افتقــر اليــه مؤمتــر مدريــد‪.‬‬ ‫‪* .‬نائب املدير التنفيذي السابق للشؤون اإلدارية ـ جامعة السوربون سابًقًا ـ‬ ‫أبو ظبي‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫‪49‬‬

‫ملف العدد‬

‫االنش ــقاق الفلس ــطيني تح ــت أي ه ــدف ال يخ ــدم القضي ــة وه ــو ما‬ ‫أثبتت ــه التج ــارب المري ــرة وم ــا يج ــري يف غ ــزة الي ــوم أحد ه ــذه النتائج‬ ‫هــذا املجــال إعــادة التأكيــد عل ــى أن حركــة املقاومــة الفلســطينية منــذ‬ ‫نشــأتها ه ــي حركــة حتريــر وطنيــة وحركــة مقاومــة قوميــة عربيــة ال‬ ‫طائفيــة وال مذهبيــة‪.‬‬ ‫أمــا التحــدي الثالــث فهــو اخلــروج القهــري أو الطوعــي عــن قيــادة‬ ‫منظمــة التحريــر الفلســطينية التــي اعترفــت بهــا القمــم العربيــة‪،‬‬ ‫باعتبارهــا املمثــل الشــرعي الوحيــد للشــعب الفلســطيني‪ ،‬وكذلــك‬ ‫إســرائيل ومثلهــا األمم املتحــدة‪ .‬إن التنــوع داخــل الوحــدة هــو دليــل‬ ‫صحــة وعافيــة ســواء للــدول أو حــركات التحريــر‪ ،‬ولكــن االنشــقاق‬ ‫حتــت أي هــدف أو مســمى ال يخــدم القضيــة‪ ،‬وهــو مــا أثبتتــه‬ ‫التجــارب املريــرة ومــا يجــري يف غــزة اليــوم ويف الضفــة الغربيــة هــو‬ ‫أحــد التجليــات املريــرة‪.‬‬

‫الواقع والمأمول‬

‫يختصــر الناطــق باســم اجليــش اإلســرائيلي املســتقبل املنظــور ملأســاة‬ ‫غــزة بعبــارة واحــدة «إن عــام‪2024‬م‪ ،‬هــو عــام احلــرب» وهــو مــا تؤكــده‬ ‫تصريحــا‬ ‫احلكومــة اليمينيــة املتطرفــة بقيــادة بنيامــن نتنياهــو‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وتلميحــا‪ .‬لكــن املجتمــع الدول ــي‪ ،‬والــدول الكبــرى تــرى أن لــكل حــرب‬ ‫ً‬ ‫بدايــة ونهايــة‪ ،‬وبالتال ــي فإنهــا تطــرح مجموعــة مــن احللــول العاجلــة‬ ‫واآلجلــة لهــذه احلــرب الدمويــة‪ ،‬وكل هــذه احللــول تلتق ــي عنــد نقطــة‬ ‫واحــدة‪ ،‬هــي أنــه ال ميكــن فصــل مســتقبل الشــعب يف غــزة عــن‬ ‫مســتقبل الشــعب الفلســطيني يف الضفــة الغربيــة احملتلــة‪ .‬ومــن بــن‬ ‫احللــول املطروحــة حال ًيــا هــو وضــع غــزة حتــت الوصايــة الدوليــة‪ ،‬وكان‬ ‫ســبق للرئيــس محمــود عبــاس أن طلــب يف عــام ‪2014‬م‪ ،‬أن تشــمل‬ ‫الوصايــة الدوليــة الضفــة الغربيــة وغــزة‪ .‬أمــا احملاميــة الت ــي شــاركت‬ ‫يف املفاوضــات حــول وضــع غــزة يف العــام ‪2005‬م‪ ،‬ديانــا بوتــو فتــرى‬ ‫أن احلــل القريــب هــو أن مينــح الفلســطينيون حــق تقريــر املصيــر‬ ‫وتكتــب يف «نيويــورك تاميــز “ إن مســتقبل غــزة مثــل مســتقبل الضفــة‬ ‫الغربيــة متــروك للفلســطينيني أن يقــرروا «إنهــم يريــدون احلريــة»‪ .‬كمــا‬ ‫أن أحــد احللــول اآلنيــة املطروحــة هــو أن تقــوم األمم املتحــدة بــدور‬ ‫رئيس ــي يف مرحلــة انتقاليــة تتول ــى فيهــا تصريــف الشــؤون اإلداريــة‬ ‫يف القطــاع مبســاعدة دول اجلــوار العربيــة يف القيــام بــدور أمنــي‪.‬‬ ‫إجماعــا عامل ًيــا عل ــى ضــرورة انســحاب‬ ‫ويف كل احلــاالت فــإن هنــاك‬ ‫ً‬ ‫جيــش االحتــال مــن غــزة ووضــع حــل شــامل وعــادل ودائــم للقضيــة‬ ‫الفلســطينية‪.‬‬ ‫أمــا عل ــى املســتوى العرب ــي واإلســامي فــإن هــذه احللــول تبــدأ مــن‬

‫مبــادرة الســام العربيــة والت ــي أقرتهــا القمــة العربيــة الرابعــة عشــر‬ ‫يف بيــروت عــام ‪2005‬م‪ ،‬وه ــي تســتوحى يف معظــم بنودهــا مــن املذكــرة‬ ‫الت ــي قدمتهــا الســعودية إل ــى قمــة فــاس عــام ‪1982‬م‪ ،‬مــع تعديــات‬ ‫أضيفــت إليهــا نتيجــة لسياســة إســرائيل التوســعية‪.‬‬ ‫وتؤكــد املبــادرة عل ــى «اعتبــار النــزاع العرب ــي ‪-‬اإلســرائيلي منته ًيــا” ‪،‬‬ ‫والدخــول يف اتفاقيــة ســام بينهــا وبــن إســرائيل مــع حتقيــق األمــن‬ ‫جلميــع دول املنطقــة‪ ،‬وإنشــاء عالقــات طبيعيــة مــع إســرائيل يف إطــار‬ ‫الســام الشــامل وضمــان رفــض كل أشــكال التوطــن الفلســطيني‬ ‫الــذي يتناف ــى والوضــع اخلــاص يف البلــدان العربيــة املضيفــة‪.‬‬ ‫ويف أول خطــاب لــه أمــام اجلمعيــة العامــة لــأمم املتحــدة جــدد امللــك‬ ‫ســلمان بــن عبــد العزيــز الدعــوة إل ــى اعتمــاد مبــادرة الســام العربيــة‬ ‫كأســاس حــل شــامل وعــادل يضمــن قيــام دولة مســتقلة للفلســطينيني‬ ‫وعاصمتهــا القــدس‪ .‬وقــد جــاءت مبــادرة الســام العربيــة اســتجابة‬ ‫لقــرار منظمــة التحريــر الفلســطينية يف عــام ‪1988‬م‪ ،‬باعتمــاد حــل‬ ‫الدولتــن وحــق العــودة لالجئــن الفلســطينيني الســتعادة أراضيهــم‬ ‫احملتلــة يف فلســطني وعاصمتهــا القــدس الشــرقية‪ .‬واليــوم وبعــد أن‬ ‫مض ــى ‪ 19‬عا ًمــا عل ــى طــرح هــذا املشــروع العرب ــي للســام جنــد أن تــل‬ ‫أبيــب متض ــي يف االجتــاه املعاك ــس‪.‬‬ ‫فرئيــس احلكومــة اإلســرائيلي بنيامــن نتنياهــو ‪ ،‬يصــرح معلنًــا «‬ ‫أنــا الوحيــد الــذي ســأمنع قيــام دولــة فلســطينية يف غــزة ويهــودا‬ ‫والســامرة” ويرفــق القــول بالفعــل فتطحــن آلتــه العســكرية البشــر‬ ‫واحلجــر يف قطــاع غــزة‪ ،‬ويطلــق أحقــاد املســتوطنني املتطرفــن بعــد‬ ‫حتويلهــم إل ــى ميليشــيا مســلحة مدعومــة بجيــش الدفــاع اإلســرائيلي‬ ‫يف الضفــة الغربيــة احملتلــة‪ ،‬بينمــا يتنــاوب وزراؤه عل ــى الدعــوة إل ــى‬ ‫التهجيــر القســري أو الطوع ــي نتيجــة التجويــع والقصــف العشــوائي‬ ‫للمدنيــن يف غــزة‪ ،‬ويقــر الكنيســت اإلســرائيلي تعديــل قانــون «حــق‬ ‫املواطنــة» مبــا يســمح بنــزع الهويــة اإلســرائيلية عــن العــرب يف‬ ‫إســرائيل‪ ،‬وطردهــم خــارج الدولــة العبريــة‪ ،‬وهــذه السياســة ليســت‬ ‫جديــدة فقــد اعتمدهــا نتنياهــو منــذ اغتيــال رئيــس الــوزراء إســحاق‬ ‫رابــن عل ــى يــد متطــرف ميين ــي عــام ‪1995‬م‪ ،‬وصعــود حــزب الليكــود‬ ‫الــذي بــدأ تدريج ًيــا بإلغــاء «اتفاقيــة أســلو ‪ 1‬و ‪ »2‬وقــد وقعهــا كل مــن‬ ‫إســحاق رابــن وشــمعون بيريــز وياســر عرفــات‪ ،‬وتقضــي باعتــراف‬ ‫إســرائيل مبنظمــة التحريــر الفلســطينية باعتبارهــا ممث ـ ً‬ ‫ا للشــعب‬ ‫الفلســطيني‪ ،‬ومتابعــة املفاوضــات بــن الطرفــن وفــق القوانــن‬ ‫‪ 242‬و‪ 338‬مبــا يضمــن قيــام دولــة فلســطينية مســتقلة وعاصمتهــا‬


‫‪48‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫نشــأت (فتــح) يف الكويــت بقيــادة عرفــات وخليــل الوزيــر ومــن قطــر‬ ‫النج ــار وع ــدوان وعب ــاس وم ــن الس ــعودية حم ــود وأب ــو ك ــرش والمزي ــن‬ ‫مؤمتــر مدريــد للســام عــام ‪1991‬م‪ ،‬ويف قمــة الدوحــة عــام ‪2013‬م‪ ،‬مت‬ ‫إنشــاء صنــدوق دعــم القــدس مبجهــود ومســاهمة خليجيــة‪.‬‬

‫تواجــه املبــادرة العربيــة للســام حتديــات صعبــة‪ ،‬أبرزهــا التطــرف‬ ‫الدينــي واالغتيــال القومــي وغيــاب القيــادة الفلســطينية املوحــدة‪.‬‬ ‫يف التحــدي األول تزعــم الســيدة دانييــا ويــز وقــد ولــدت يف تــل أبيــب‬ ‫عــام ‪1943‬م‪ ،‬وه ــي مــن أبــرز قيــادات حركــة املســتوطنني‪« :‬إن حــدود‬ ‫الدولــة اليهوديــة ه ــي مــن الفــرات يف الشــرق إل ــى النيــل يف اجلنــوب‬ ‫الغرب ــي» وتضيــف يف حــوار مــع مجلــة نيويوركــر األمريكيــة «إذا قــرر‬ ‫شــخص مــا اختــراع ديــن جديــد اليــوم‪ ،‬فمــن ســوف يضــع القواعــد؟‬ ‫إنهــا األمــة األول ــى الت ــي حصلــت عل ــى الكلمــة مــن اهلل والوعــد مــن‬ ‫اهلل‪ .‬اآلخــرون الذيــن يتبعــون املســيحية واإلســام ميكــن أن يعيشــوا‬ ‫يف أي مــكان يف العالــم‪ ،‬لقــد جــاؤوا بعدنــا‪ ،‬فلمــاذا يف إســرائيل؟”‬ ‫وتؤكــد يف نهايــة اللقــاء أن حركــة املســتوطنني “تبــذل جهودهــا للعــودة‬ ‫إل ــى غــزة وبنــاء املســتوطنات»‪ .‬ويســتكمل رئيــس الــوزراء اإلســرائيلي‬ ‫بنيامــن نتنياهــو هــذا الوعــد الســماوي فيكشــف جلنــوده وســط‬ ‫الدمــار يف غــزة «نحــن مــن أبــاد العماليــق‪...‬اآلن اذهــب واضــرب‬ ‫ا وامــرأة‪ ،‬طفـ ً‬ ‫عماليــق وال تعــف عنهــم بــل اقتــل رجـ ً‬ ‫ا ورضي ًعــا‪ ،‬بقـ ًرا‬ ‫وغن ًمــا جم ـ ً‬ ‫ا وحمــا ًرا»‪.‬‬

‫وقــد شــهدت املرحلــة جهــو ًدا ومبــادرات سياســية وإنســانية دعمــا‬ ‫للقضيــة الفلســطينية بشــكل عــام وأهــل غــزة بشــكل خــاص‪ .‬وشــملت‬ ‫وخصوصــا داخــل مجل ــس‬ ‫اجلهــود دعــم فلســطني يف احملافــل الدوليــة‬ ‫ً‬ ‫األمــن الدول ــي وتقــدمي مســاعدات إنســانية لدعمهــا عل ــى مــدار العــام‪،‬‬ ‫وبلغــت تلــك اجلهــود ذروتهــا عقــب التصعيــد اإلســرائيلي بقطــاع غــزة‬ ‫بعــد ‪ 7‬أكتوبــر املاض ــي‪ ،‬مــن خــال املباحثــات واالتصــاالت مــع قــادة‬ ‫ومســؤولي دول العالــم لبحــث جهــود التهدئــة والدعــوة للحفــاظ عل ــى‬ ‫أرواح املدنيــن وتوفيــر احلمايــة لهــم‪ .‬ولــم تتــوان الــدول األعضــاء عــن‬ ‫تقــدمي املســاعدات اإلنســانية للشــعب الفلســطيني مــن خــال مــا‬ ‫تقدمــه احلكومــات واملؤسســات اخليريــة مــن مســاعدات إنســانية‬ ‫لتخفيــف املعانــاة عــن الشــعب الفلســطيني احملاصــر يف قطــاع غــزة‪.‬‬ ‫كمــا ســارعت دول املجل ــس لفتــح ممــرات إنســانية لنقــل املســاعدات‬ ‫الطبيــة واإلغاثيــة إلــى القطــاع دون عوائــق‪ ،‬وقامــت دولــة اإلمــارات‬ ‫بإجنــاز املرحلــة األول ــى ألنبــوب امليــاه العذبــة مــن احلــدود املصريــة إل ــى‬ ‫رفــح ليــروي ‪ 150‬ألــف نســمة يف غــزة‪ .‬كمــا ان دولــة قطــر باإلضافــة‬ ‫ال ــى مســاعداتها املاليــة حلكومــة حمــاس يف غــزة‪ ،‬لعبــت دو ًرا بــارزًا يف‬ ‫صفقــة تبــادل األســرى بــن حمــاس وإســرائيل‪.‬‬

‫وقبــل أن يســتأثر «الكيــان الصهيون ــي مبملكــة الســماء وحــده تتصــدى‬ ‫اجلمهوريــة اإلســامية يف إيــران املدعومــة بآيــات اهلل‪ ،‬فتعلــن علــى‬ ‫لســان قائــد فيلــق القــدس يف احلــرس الثــوري إســماعيل قاآن ــي» إن‬ ‫محــور املقاومــة بقيــادة إيــران سيســتمر بالعمــل يف لبنــان وســوريا‬ ‫والعــراق واليمــن وفلســطني حتــى ظهــور اإلمــام الغائــب وتشــكيل‬ ‫حكومتــه»‪ .‬وهكــذا تتولــى الغيبيــات اتخــاذ القــرارات تاركــة ألهــل‬ ‫األرض شــغف املــوت والدمــار يف حــروب يحكمهــا القتــل ال العقــل‬ ‫حت ــى نهايــة الزمــان‪.‬‬

‫ومنــذ العــدوان اإلســرائيلي علــى قطــاع غــزة‪ ،‬جــددت دول املجلــس‬ ‫مبادراتهــا الدبلوماســية‪ ،‬واتخــذت موقفــا حازمــا ضــد حــرب اإلبــادة‬ ‫الت ــي تقــوم بهــا اســرائيل يف قطــاع غــزة وعملــت بنشــاط عل ــى إشــراك‬ ‫املجتمــع الدولــي‪ ،‬وإدانــة مــا تعتبــره عمليــات بربريــة غيــر مبــررة‬ ‫مــن جانــب إســرائيل‪ ،‬ودعــت إلــى وقــف فــوري لألعمــال العدائيــة‪.‬‬ ‫ففــي الــدورة ال ـــ ‪ 44‬للمجلــس األعلــى ملجلــس التعــاون‪ ،‬أكــدت دول‬ ‫املجل ــس عل ــى أهميــة تنســيق العمــل الدول ــي املشــترك الرام ــي لوقــف‬ ‫العمليــات العســكرية يف غــزة‪ ،‬ودعــت إلــى ضــرورة اعتمــاد الســام‬ ‫العــادل والشــامل يف الشــرق األوســط والــذي لــن يتحقــق إال بقيــام‬ ‫الدولــة الفلســطينية املســتقلة‪ ،‬القابلــة للحيــاة‪ ،‬وعاصمتهــا القــدس‪،‬‬ ‫واالنســحاب اإلســرائيلي مــن اجلــوالن العربــي الســوري احملتــل إلــى‬ ‫خــط الرابــع مــن يونيــو مــن عــام ‪1967‬م‪ ،‬ومــن مــزارع شــبعا يف جنــوب‬ ‫لبنــان‪.‬‬

‫‪-‬حتديات املبادرة العربية‬

‫أمــا التحــدي الثان ــي فهــو محاولــة ســلب القضيــة الفلســطينية مــن‬ ‫هويتهــا القوميــة وحتويلهــا إل ــى مســتوطنة فارســية تخــدم مصالــح‬ ‫اإلمبراطوريــة ولعــل التصريــح الــذي أطلقــه الناطــق باســم احلــرس‬ ‫الثــوري اجلنــرال رمضــان الشــريف يكشــف عــن هــذا الطمــوح اإليران ــي‪،‬‬ ‫عندمــا أكــد أن عمليــة طوفــان األقص ــى جــاءت ر ًدا عل ــى مقتــل قائــد‬ ‫فيلــق القــدس يف احلــرس الثــوري قاســم ســليماني بغــارة أمريكيــة يف‬ ‫العــراق‪ .‬ومثلــه هــدد اجلنــرال محمــد رضــا نقــدي بإقفــال املمــرات‬ ‫البحريــة يف البحــر األحمــر وص ـو ًاًل إل ــى مضيــق جبــل طــارق وعبــو ًرا‬ ‫مــن البحــر املتوســط‪ ،‬وهــو مــا جنــح احلوثيــون يف تنفيــذه يف البحــر‬ ‫األحمــر‪ ،‬وبالطبــع اســتثنى اجلنــرال مضيــق هرمــز ك ــي تبق ــى إيــران‬ ‫بعيــدة عــن املســرح وال تتــورط يف «وحــدة الســاحات»‪ .‬ومــن املهــم يف‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫‪47‬‬

‫ملف العدد‬

‫تأييــد الصيــن مــع روســيا وأمريكا لحل الدولتيــن يجعل المؤتمر الدويل‬ ‫للســام يتخــذ زخ ًمــا أقــوى ويعــد فرصــة لفــرض الحلــول وفق جــدول زمني‬ ‫مجلــس الــوزراء‪ ،‬وذلــك لبحــث تطــورات العــدوان اإلســرائيلي علــى‬ ‫قطــاع غــزة‪ .‬وشــارك يف القمــة ‪ 57‬مــن قيــادات الــدول العربيــة‬ ‫واإلســامية‪ .‬وخرجــت القمــة مبجموعــة مــن القــرارات والتوصيــات‬ ‫اإليجابيــة الت ــي بلــغ عددهــا ‪ 31‬قــراراً والت ــي بعثــت بإشــارات إيجابيــة‬ ‫عل ــى أن هنــاك رؤيــة متفــق عليهــا مــن تلــك الــدول لوقــف قتــل األبرياء‪،‬‬ ‫وطالــب البيــان اخلتام ــي بإنهــاء العــدوان اإلســرائيلي عل ــى غــزة‪ ،‬ووقف‬ ‫جرائــم احلــرب واملجــازر البربريــة والوحشــية وغيــر اإلنســانية‪ ،‬الت ــي‬ ‫يرتكبهــا االحتــال‪ ،‬وأدان جرائــم االحتــال ضــد الشــعب الفلســطيني‪،‬‬ ‫مبــا يف ذلــك يف الضفــة الغربيــة والقــدس الشــرقية‪ .‬وطالــب بإنهــاء‬ ‫احلصــار عل ــى غــزة ودخــول قوافــل املســاعدات اإلنســانية‪ ،‬مــن غــذاء‬ ‫ودواء ووقود‪ ،‬ودعــا مجلــس األمــن باتخــاذ «قــرار حاســم وملــزم»‬ ‫يفــرض وقــف العــدوان‪ .‬وبالرغــم مــن أن مجل ــس األمــن عقــد ثــاث‬ ‫جلســات إلقــرار “وقــف عاجــل وملــزم ودائــم لألعمــال العدائيــة “إال‬ ‫أن الواليــات املتحــدة اســتخدمت حــق «الفيتــو» مرتــن لتعديلــه‪.‬‬

‫مساعدات الدول اخلليجية‬‫يعــود اهتمــام شــعوب ودول اخلليــج العربــي بالقضيــة الفلســطينية‬ ‫إل ــى مــا قبــل نكبــة فلســطني عــام ‪1948‬م‪ ،‬حيــث اســتجابت الــدول‬ ‫لنــداءات الشــعب الفلســطيني ضــد املجــازر ومحــاوالت االحتــال‪،‬‬ ‫والهيمنــة الت ــي تقــوم بهــا العصابــات الصهيونيــة يف فلســطني آنــذاك‪،‬‬ ‫وقــد تزايــد هــذا االهتمــام مــع اجلولــة الت ــي قــام بهــا مفت ــي فلســطني‬ ‫احلــاج أمــن احلســيني يف ثالثينيــات القــرن املاضــي‪ ،‬والــذي قــام‬ ‫بزيــارة للكويــت شــهدت اهتما ًمــا رســم ًيا وشــعب ًيا كبيــ ًرا‪ ،‬متثــل يف‬

‫احلجــم الكبيــر مــن التبرعــات الت ــي قدمــت رغــم شــح املــوارد يف تلــك‬ ‫واضحــا وبــارزًا مــع انطــاق‬ ‫الفتــرة ‪ .‬وقــد اتخــذت العالقــة مســا ًرا‬ ‫ً‬ ‫الثــورة الفلســطينية الكبــرى عــام ‪1936‬م‪ ،‬وإعــان الفلســطينيني‬ ‫احتجاجــا‬ ‫ألحــد أكبــر االضرابــات السياســية يف القــرن املنصــرم‪،‬‬ ‫ً‬ ‫عل ــى الهجــرة اليهوديــة وسياســة شــراء األراض ــي‪ .‬ويف قمــة اخلرطــوم‬ ‫عــام ‪1967‬م‪ ،‬قامــت كل مــن الســعودية والكويــت بتقــدمي مســاعدات‬ ‫ماليــة كبيــرة ملنظمــة التحريــر الفلســطينية ودول املواجهــة إلســرائيل‪.‬‬ ‫واســتمر الدعــم اخلليجــي لفلســطني وقضيتهــا مال ًيــا ودبلوماســ ًيا‬ ‫بعد النكبــة‪ ،‬ففــي ‪ 16‬أكتوبــر ‪1973‬م‪ ،‬وأثنــاء اشــتعال احلــرب بــن‬ ‫ســوريا ومصــر وإســرائيل‪ ،‬قــررت دول اخلليــج خفــض اإلنتــاج مــن‬ ‫النفــط‪ ،‬وفرضــت حظــ ًرا علــى شــحنات النفــط اخلــام إلــى الغــرب‬ ‫خاصــة الواليــات املتحــدة وهولنــدا‪.‬‬ ‫ومنــذ تأســيس مجلــس التعــاون يف ‪ 25‬مايــو ‪1981‬م‪ ،‬وهــو ينتهــج‬ ‫مواقــف واضحــة وثابتــة جتــاه القضيــة الفلســطينية وعمليــة الســام‬ ‫لدعــم حقــوق الشــعب الفلســطيني‪ ،‬ورفــض واســتنكار السياســات‬ ‫واإلجــراءات العدائيــة ضــده‪ ،‬وبــذل املســاعي واجلهــود إليجــاد حــل‬ ‫عــادل وشــامل ودائــم للصــراع العرب ــي اإلســرائيلي‪ .‬وقــد رحــب املجل ــس‬ ‫«بخارطــة الطريــق»‪ ،‬التــي تنــص علــى إنهــاء االحتــال اإلســرائيلي‪،‬‬ ‫والتوصــل إلــى إقامــة دولــة فلســطينية‪ ،‬وتنفيــذ االلتزامــات التــي‬ ‫بنيــت علــى أســاس مؤمتــر مدريــد‪ ،‬ومبــدأ األرض مقابــل الســام‪،‬‬ ‫وقــرارات الشــرعية الدوليــة‪ .‬وعل ــى هامــش هــذه اجلهــود‪ ،‬فقــد تقدمــت‬ ‫الســعودية مببادرتــن إليجــاد حــل لهــذا النــزاع يف العــام ‪1981‬م‪ ،‬والحقـاً‬ ‫يف العــام ‪2002‬م‪ ،‬كمــا شــاركت دول املجل ــس‪ ،‬ممثلــة باألمــن العــام‪ ،‬يف‬


‫‪46‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫جهود دول الخليج إلحياء عملية السالم في الشرق األوسط‬

‫محاولة سلب القضية الفلسطينية من هويتها‬ ‫وتحويلهالمستوطنةفارسيةمنتحدياتالسالم‬ ‫يف ينايــر املاض ــي صــدر عــن األمم املتحــدة تقريــر يؤكــد « إن عــدد النزاعــات الدمويــة يف أنحــاء العالــم هــو يف أعل ــى مســتوى‬ ‫لــه منــذ نهايــة احلــرب العامليــة الثانيــة»‪ ،‬وبعــد مــرور ثالثــة أشــهر عل ــى احلــرب عل ــى غــزة أكــدت األمم املتحــدة « أن غــزة‬ ‫أصبحــت مكا ًنــا للمــوت واليــأس»‪ .‬ومــا يجــري عل ــى أرض فلســطني اليــوم مــن مجــازر بدافــع الثــأر وفائــض احلقــد‪ ،‬وقــد انطلــق‬ ‫مــن عقالــه‪ ،‬لــم يعــد يخــص أهــل فلســطني وحدهــا‪ ،‬بــل شــملت ارتداداتهــا دول وشــعوب كــرة األرض بأســرها‪ ،‬وتهــدد مؤسســات‬ ‫أقيمــت لبنــاء الســام مثــل منظمــة األمم املتحــدة ومجل ــس األمــن ومحكمــة العــدل الدوليــة بإلغــاء دورهــا‪ .‬واملمــرات البحريــة‬ ‫الدوليــة بإقفالهــا‪ ،‬وبينمــا املتطرفــون واملتعصبــون قوم ًيــا ودين ًيــا يتناثــرون دمــاء األبريــاء يف غابــات القتــل فــإن صــوت العقــل ال‬ ‫يغيــب عــن دول اخلليــج العربيــة وقادتهــا يف ســعيهم الراســخ‪ ،‬بعيـدًا عــن صخــب البالغــات‪ ،‬ملتابعــة املســيرة نحــو عالــم يســتلهم‬ ‫ســعادة اإلنســان عل ــى األرض مــن دون أن يبتعــد عــن حكمــة الســماء‪.‬‬

‫د‪ .‬فاطمة الشامسي‬

‫الجهود لحل القضية الفلسطينية‬

‫مــن املفيــد بدايــة أن نســتعيد محطــات العالقــة التاريخيــة التي ربطت‬ ‫دول اخلليــج العرب ــي بالقضيــة الفلســطينية‪ .‬ومــن أبــرز هــذه احملطــات‬ ‫هــو أن حركــة التحريــر الفلســطينية (فتــح) نشــأت يف الكويــت بقيــادة‬ ‫ياســر عرفــات وخليــل الوزيــر (أبــو جهــاد)‪ ،‬وكانــا يعمــان بالكويــت‪،‬‬ ‫وفيهــا قامــا بإطــاق نشــرة «فلســطيننا»‪ .‬ثــم انضــم إليهمــا يوســف‬ ‫النجــار وكمــال عــدوان ومحمــود عبــاس وكانــوا يعملــون يف قطــر‪ ،‬ثــم‬ ‫عبــد الفتــاح حمــود (أبــو صــاح) وصبح ــي أبــو كــرش وســعيد املزيــن‬ ‫وكانــوا يعملــون يف اململكــة العربيــة الســعودية‪ .‬هــذا يف نشــأة حركــة‬ ‫فتــح الت ــي شــكلت العمــود الفقــري للمقاومــة الفلســطينية عل ــى مــدى‬ ‫عقــود‪.‬‬ ‫أمــا عل ــى الصعيــد الدبلوماس ــي فكانــت «مبــادرة فــاس» وهــذه املبــادرة‬ ‫الت ــي قدمهــا األميــر فهــد بــن عبــد العزيــز‪ ،‬وكان ول ًيــا للعهــد يف ‪-21‬‬ ‫‪1981-11‬م‪ ،‬وتضمنــت إعــان املبــادئ املقترحــة كأســاس حلــل عــادل‬ ‫وشــامل للقضيــة الفلســطينية‪ ،‬وتأكيــد حــق دول املنطقــة يف العيــش‬ ‫بســام‪ .‬وقــد مت رفــع تلــك املذكــرة إل ــى القمــة العربيــة الت ــي قامــت‬ ‫بتأجيلهــا بعــد أن عقــدت جلســة واحــدة‪ ،‬ثم يف ســبتمبر العــام ‪1982‬م‪،‬‬ ‫مت اعتمادهــا يف مشــروع الســام العرب ــي مــع إســرائيل وأبــرز مقرراتهــا‪:‬‬

‫¦إعــان إســرائيل بدايــة‪ ،‬أن الســام العــادل هــو خيارهــا‬ ‫االســتراتيجي‪.‬‬ ‫¦انســحاب إســرائيل مــن جميــع األراضــي التــي احتلتهــا عــام‬ ‫‪1976‬م‪.‬‬ ‫¦إزالة جميع املستعمرات يف األراضي احملتلة بعد العام ‪1976‬م‪.‬‬ ‫¦قيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس‪.‬‬ ‫¦تأكيد حق الشعب الفلسطيني يف تقرير مصيره‪.‬‬ ‫¦وضــع وتنفيــذ مبــادئ وضمانــات الســام بــن جميــع دول املنطقة‬ ‫مبــا فيهــا الدولــة الفلســطينية املســتقلة بواســطة مجل ــس األمــن‬ ‫الدولي‪.‬‬ ‫¦التوصــل إل ــى حــل عــادل ملشــكلة الالجئــن الفلســطينيني يتفــق‬ ‫عليــه وفقــا لقــرار اجلمعيــة العامــة لــأمم املتحــدة رقــم ‪194‬م‪.‬‬ ‫القمة العربية ‪ /‬اإلسالمية‬‫بدعــوة مــن امللــك ســلمان بــن عبــد العزيــز ُعقــدت القمــة العربيــة‬ ‫اإلســامية كقمــة طارئــة مشــتركة بــن دول جامعــة الــدول العربيــة‬ ‫ودول منظمــة التعــاون اإلســامي يف ‪ 11‬نوفمبــر ‪2023‬م‪ ،‬مبدينــة‬ ‫الرياض برئاســة األميــر محمــد بــن ســلمان ولــي العهــد ورئيــس‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫‪45‬‬

‫ملف العدد‬

‫أصعـــب المعوقـــات تعنـــت إســـرائيل ورفضهـــا عـــودة الالجئيـــن‬ ‫الفلســطينيين فيمــا تشــرع األبــواب للمســتوطنين من كل جهــات األرض‬ ‫¦حيــث أن فكــرة الرئيــس املصــري عبــد الفتــاح السيســي‬ ‫تتضمــن أن تكــون الدولــة الفلســطينية منزوعــة الســاح‬ ‫وأيض ـاً هنــاك ضمانــات بقــوات ســواء هــذه القــوات مــن الناتــو‬ ‫(حلــف شــمال األطلس ــي) أو قــوات مــن األمم املتحــدة أو قــوات‬ ‫عربيــة أو أمريكيــة‪ ،‬حت ــى نحقــق األمــن لكلتــا الدولتــن‪ ،‬الدولــة‬ ‫الفلســطينية الوليــدة والدولــة اإلســرائيلية‪.‬‬ ‫¦وقــد زاد مــن زخــم ما طرحة الرئيس السيس ــي الرد الفلســطيني‬ ‫والــرد اإلســرائيلي‪ ،‬وهنــا نتذكــر أنــه يف عــام ‪2018‬م‪ ،‬أكــد الرئيــس‬ ‫الفلســطيني محمــود عبــاس أن دولــة فلســطني املســتقبلية‬ ‫يجــب أن تكــون «منزوعــة الســاح»‪ .‬ويف الوقــت نفســه‪ ،‬أصــدرت‬ ‫حركــة فتــح بيا ًنــا توضيح ًيــا تشــير فيــه إل ــى أن الهــدف احلال ــي‬ ‫هــو إقامــة دولــة فلســطينية مســتقلة عل ــى حــدود عــام ‪1967‬م‪،‬‬ ‫دون املشــاركة يف ســباق تســليح‪ .‬ويف عــام ‪2014‬م‪ ،‬صــرح عبــاس‬ ‫ً‬ ‫جيشــا‪ ،‬بــل ســتكون لديهــا‬ ‫بــأن الدولــة الفلســطينية لــن متتلــك‬ ‫شــرطة فقــط‪ ،‬وســتكون «منزوعــة الســاح»‪.‬‬ ‫ويف ‪2020‬م‪ ،‬عــادت فكــرة دولــة منزوعــة الســاح يف إطــار «صفقــة‬ ‫القــرن» املقترحــة مــن الرئيــس األمريكــي الســابق دونالــد ترامــب‪.‬‬ ‫أعلــن رئيــس الــوزراء الفلســطيني محمــد أشــتية عــن تقــدمي مقتــرح‬ ‫فلســطيني يشــير إل ــى دولــة فلســطينية مســتقلة ومنزوعــة الســاح‬ ‫إل ــى الرباعيــة الدوليــة‪ .‬وعل ــى الرغــم مــن أن هــذه الفكــرة قــد تلقــت‬ ‫دع ًمــا مــن بعــض األطــراف الدوليــة‪ ،‬إال أنهــا ال تلق ــى قبـو ًاًل كبيـ ًرا بــن‬ ‫الفصائــل الفلســطينية‪ ،‬خاصــة «حمــاس»‪.‬‬ ‫علــى اجلانــب اإلســرائيلي‪ ،‬كانــت فكــرة دولــة فلســطينية منزوعــة‬ ‫الســاح مطل ًبــا إســرائيل ًيا منــذ عــام ‪1993‬م‪ .‬ويف ‪2009‬م‪ ،‬أكــد نتنياهــو‬

‫اســتعداده لقبــول دولــة فلســطينية منزوعــة الســاح‪ ،‬شــريطة أال‬ ‫متتلــك قــوة عســكرية وتعتــرف بإســرائيل كدولــة قوميــة للشــعب‬ ‫اليهــودي‪ .‬ومــع ذلــك‪ ،‬تغيــرت األمــور وأصبحــت معقــدة‪ ،‬وأكــد نتنياهــو‬ ‫يف وقــت الحــق أن هــذه ليســت سياســة احلكومــة احلاليــة‪.‬‬ ‫ويف ‪2021‬م‪ ،‬رفضــت إســرائيل فكــرة «منزوعــة الســاح» يف قطــاع غــزة‬ ‫بســبب هــروب حمــاس مــن االتفاقــات الســابقة‪ .‬ويف مقابــل ذلــك‪،‬‬ ‫أشــار نتنياهــو إلــى أن هنــاك خطــة لتحقيــق أهدافهــا مــن خــال‬ ‫احلــرب ضــد حمــاس‪ ،‬مســتبعدًا احتــال أو حكــم غــزة ومؤكــدًا أن‬ ‫حمــاس يجــب أن تختفــي وتصبــح املنطقــة «منزوعــة الســاح»‪.‬‬ ‫تبنــى امللــوك واألمــراء والرؤســاء العــرب املبــادرة العربيــة ‪2002‬م‪،‬‬ ‫وتعاهــدوا عل ــى التقيــد مبــا جــاء فيهــا‪ ،‬ومت تســويقها وســط الــرأي‬ ‫تنــص علــى االســتمرار‬ ‫العــام العربــي علــى أســاس أنهــا مبــادرة‬ ‫ُّ‬ ‫يف فــرض املقاطعــة علــى إســرائيل‪ ،‬وعــدم التطبيــع معهــا‪ ،‬حتــى‬ ‫القبــول بإنشــاء الدولــة الفلســطينية بعاصمتهــا القــدس الشــرقية‪،‬‬ ‫واالنســحاب مــن األراضــي العربيــة احملتلــة ســنة ‪1967‬م‪ ،‬واالنصيــاع‬ ‫لقــرارات الشــرعية الدوليــة‪.‬‬ ‫ورســم ًيا لــم تتخــل الــدول العربيــة عــن املبــادرة رغــم جمودهــا ورغــم‬ ‫اتهــام البعــض أن أول مســمار يف نعشــها كان التطبيــع اخلليج ــي ثــم‬ ‫تبعــات طوفــان األقص ــى‪ ،‬واحلقيقــة أنهــا موجــودة وغيــر موجــودة‬

‫*أستاذ العلوم السياسية ـ جامعة الكويت ـ محلل سيايس وعسكري‬


‫‪44‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫العربيــة للســام ســيكون لــه تأثيــر قــوى عل ــى الــدول العربيــة‬ ‫األخــرى مــن الناحيتــن السياســية واألدبيــة مع ـاً‪ ،‬خصوص ـاً يف‬ ‫ظــل وجــود التجــاوزات اإلســرائيلية وخرقهــا للمواثيــق الدوليــة‬ ‫والقوانــن واألعــراف‪ ،‬وإصرارهــا عل ــى اجلرائــم املفتوحــة الت ــي‬ ‫تشــكل جرائــم حــرب‪ .‬كمــا أن املبــادرة ليســت قائمــة حت ــى يؤثــر‬ ‫انســحاب دولــة عربيــة منهــا مــن عدمــه‪ ،‬و البعــض اعتبــروا‬ ‫االنســحاب نهايــة حلقبــة وبدايــة لعصــر آخــر فاملبــادرة‬ ‫العربيــة ليســت إال حبــراً علــى ورق‪ ،‬هــى كيــان قضــت عليــه‬ ‫اجلرائــم الصهيونيــة املتتاليــة منــذ ســنوات‪ ،‬ودقــت مســامير يف‬ ‫نعشــه‪ ،‬فكيــف لهــذا الكيــان أن يفيــق‪ ،‬كمــا أن هنــاك مــن يــرى‬ ‫أن املبــادرات قدمــت غيــر مــرة وف ــى كل مــرة تقابلهــا إســرائيل‬ ‫بتعنــت وكبريــاء‪ ،‬لــذا فكلمــا قدمــت مبــادرات عربيــة تصاحبهــا‬ ‫تنــازالت فــا بــد أن يقابلهــا غطرســة ورفــض إســرائيلى وإصــرار‬ ‫علــى اإلجــرام‪ ،‬فوفقــاً لتلــك املعادلــة تصبــح أى تنــازالت فــى‬ ‫غيرصالــح القضيــة الفلســطينية‪ .‬لكــن ال بــد مــن التنويــه إل ــى‬ ‫أن االنســحاب مــن قبــل دول محــدودة لــن يكــون ذا تأثيــر قــوى‬ ‫خاصــة يف ظــل األوضــاع الراهنــة واجلبــروت اإلســرائيلي إمنــا ال‬ ‫بــد أن يصحبــه حتــرك دبلوماس ــي عال ــي املســتوى إلقنــاع بقيــة‬ ‫العــرب‪.‬‬

‫التفكير خارج صندوق بنود المبادرة العربية‬

‫إن مخاطــر اإلهمــال الدولــي للقضيــة الفلســطينية لســنوات هــي‬ ‫املتســببة فيمــا يجــري مــن صــراع دمــوي‪ ،‬اليــوم‪ ،‬وجتاهــل احلــل املمكــن‬ ‫للصــراع يف الشــرق األوســط؛ وجــذر املعوقــات كمــا يــراه البعــض هــو‬ ‫حــل الدولتــن‪.‬‬ ‫¦حت ــى أن فكــرة «إســراطني» الدولــة الواحــدة للشــعبني‪ ،‬كمــا دعــا‬ ‫إليهــا معمــر القــذايف‪ ،‬وإن كانــت ليســت حــ ً‬ ‫ا واقعيــاً وغيــر‬ ‫مقبــول يف ظــل املنــاخ العنصــري والكــره ورفــض التعايــش مــن‬ ‫الطرفــن‪ ،‬ممــا يؤكــد أن احلــل الواقع ــي الدولــة الواحــدة‪ .‬حت ــى‬ ‫فكــرة «إســراطني» قــد تبــدو مقبولــة مقارنــة برفــض الصهاينــة‬ ‫حلــل الدولتــن‪ ،‬متمســكة بــأن إســرائيل دولــة «يهوديــة»‪ ،‬عل ــى‬ ‫الرغــم مــن أن الواقــع عل ــى األرض يقــول إنــه ليــس جميــع َمــن‬ ‫يف إســرائيل ويحمــل جنســيتها مــن اليهــود‪ ،‬فهنــاك اليهــود‬ ‫واملســلمون‪ ،‬وحتــى املُلحــدون والبوذيــون‪ ،‬يحملــون جنســية‬ ‫إســرائيل‪ ،‬وهــم ليســوا بقلّــة مقارنــة باليهــود‪ ،‬وبالتالــي فــإن‬ ‫مســألة يهوديــة إســرائيل‪ ،‬كمــا يُصــ ّر حــزب «الليكــود»‪ ،‬هــي‬ ‫ضــرب مــن اخليــال‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫¦ وعل ــى الرغــم مــن إعــان قيــام الدولــة الفلســطينية يف عــام‬ ‫‪1988‬م‪ ،‬يف اجلزائــر‪ ،‬فإنــه مــع التســويف اإلســرائيلي واملماطلــة‬ ‫وتفتيــت املفاوضــات وإغراقهــا يف مســتنقع التفاصيــل‪ ،‬بقــي‬ ‫إعــان دولــة فلســطني منــذ عــام ‪1988‬م‪ ،‬دون أي اعتــراف‬ ‫دولــي‪ ،‬كمــا أن إســرائيل لــم تتوقــف عــن اســتقطاع مــا تب ّق ــى‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مــن أراض ــي فلســطني وبنــاء املســتوطنات الت ــي التهمــت أجــزاء‬ ‫كبيــرة مــن الضفــة الغربيــة ومحيــط غــزة‪ ،‬ممــا قلّــص املســافات‬ ‫الت ــي مــن املمكــن أن جتمــع أي تواصــل جغــرايف بــن األراض ــي‬ ‫الفلســطينية القابلــة إلقامــة دولــة فلســطينية بوصفهــا حــ ً‬ ‫ا‬ ‫للســام‪.‬‬ ‫¦مطلــب عــودة إســرائيلية إل ــى خطــوط ‪1967‬م‪ ،‬حلــم عرب ــي بــن‬ ‫الشــعوب حيــث إنــه ال يوجــد زعيــم عرب ــي يعتقــد أن إســرائيل‬ ‫بالفعــل ســتعود إلــى خطــوط ‪1967‬م‪ ،‬حقــاً‪ ،‬ويــرى البعــض أن‬ ‫املقصــود هــو احلصــول علــى أرض بديلــة مبســاحة مشــابهة‪.‬‬ ‫مبعنــى أنــه إذا ضمــت إســرائيل أرضــاً غربــي جــدار الفصــل‪،‬‬ ‫نحــو ‪ 5‬يف املئــة مــن أراض ــي الضفــة‪ ،‬تعط ــى للفلســطينيني أرض‬ ‫أخــرى يف منطقــة “يهــودا” أو يف غــزة‪.‬‬ ‫¦مــن التحــركات الت ــي قــد تبــدو تفكيــر خــارج الصنــدوق‪ ،‬هــو دعــم‬ ‫عرب ــي إلســقاط املناوئــن للمبــادرة مــن الصهاينــة حيــث يتوقــع‬ ‫أنصــار حــل الدولتــن أن يــؤدي ســقوط نتنياهــو بعــد احلــرب‬ ‫إلــى إزاحــة القوميــن واحملافظــن املتطرفــن مــن الســلطة‪،‬‬ ‫والذيــن ال ميكنهــم التواصــل الب ّنــاء مــع املبــادرة‬ ‫¦إن أفضــل وقــت لتغييــر بنــود املبــادرة وعرضهــا عل ــى العالــم هــو‬ ‫اآلن يف ظــل عــودة القضيــة الفلســطينية إل ــى األضــواء بشــدة؛‬ ‫بفعــل حــرب إســرائيلية مدمــرة شــنها جيــش االحتــال علــى‬ ‫غــزة وانتشــار املشــاعر اإلســرائيلية املعاديــة للفلســطينيني مــن‬ ‫خــال الدعــوة إل ــى توزيــع ســكان غــزة عل ــى دول العالــم»‪.‬‬ ‫¦كان ميكــن اســتغالل جولــة قمــة الريــاض وجلنــة املتابعــة الت ــي‬ ‫أجراهــا وفــد وزاري عرب ــي وإســامي يف عواصــم الــدول دائمــة‬ ‫العضويــة يف مجلــس األمــن الدولــي‪ ،‬وبدأهــا يف بكــن التــي‬ ‫تتول ــى الرئاســة الدوريــة للمجل ــس يف نوفمبــر ‪2023‬م؛ حيــث إن‬ ‫إحــدى الطــرق لتحديــث مبــادرة الســام العربيــة ه ــي إدراج خطــة‬ ‫معــاد صياغتهــا يف قــرار ملجلــس األمــن‪ ،‬وســيجد األعضــاء‬ ‫الدائمــون صعوبــة يف االعتــراض علــى اعتمــاد مبــادرة تعكــس‬ ‫املبــادئ الت ــي أقروهــا جمي ًعــا‪.‬‬ ‫¦ كمــا أن مــن أوضــح أشــكال التفكيــر خــارج صنــدوق حــول‬ ‫املبــادرة العربيــة‪ ،‬الطــرق العمليــة التــي اســتنبطها الرئيــس‬ ‫املصــري عبــد الفتــاح السيس ــي مــن أن فكــرة إحيــاء مســار حــل‬ ‫الدولتــن اســتنفذت علــى مــدار ‪ 30‬ســنة ولــم حتقــق الكثيــر‪،‬‬ ‫ملقيـاً اللــوم عل ــى إســرائيل يف تعطيــل هــذا املســار‪ .‬حيــث أشــار‬ ‫الرئيــس السيســي إلــى أن األفــق السياســي حلــل القضيــة‬ ‫الفلســطينية ال يصــل إل ــى حتقيــق املأمــول‪ ،‬معر ًبــا عــن احلاجــة‬ ‫إل ــى حتــرك مختلــف يتضمــن االعتــراف بالدولــة الفلســطينية‬ ‫وإدخالهــا األمم املتحــدة‪ .‬وأكــد أن العمــل بهــذا االجتــاه يعك ــس‬ ‫مســؤولية املجتمــع الدول ــي يف حتقيــق الســام وضــرورة التحــرك‬ ‫بشــكل جــاد لتحقيــق احلــل الدائــم والعــادل للصــراع‪.‬‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫‪43‬‬

‫ملف العدد‬

‫ل ــم تتخ ــل ال ــدول العربي ــة ع ــن المب ــادرة رغ ــم جموده ــا ورغ ــم اته ــام‬ ‫البعــض أن أول مســمار يف نعشــها كان التطبيــع ثم تبعــات طوفان األقصى‬ ‫املبــادرة إل ــى اللغــة الت ــي صيغــت بهــا لتبديــد حجــة الصهاينــة‬ ‫بــأن هنــاك حاجــة إل ــى مزيــد مــن املفاوضــات‪ .‬لتخفيــف لهجتهــا‬ ‫فهــي مثقلــة باإلمــاءات لــن يتمكــن الفلســطينيون وال العــرب‬ ‫وال الصهاينــة مــن التوصــل إل ــى حــل ‪ .‬وكــرر الصهاينــة رفضهــم‬ ‫جلــب العــرب االقتــراح مــن عــام ‪2002‬م‪ ،‬قائلــن أمــا اقبلــوا أو‬ ‫ارفضــوا‪ ،‬فقالــوا نرفــض‪ ،‬رغــم عــدم انكارهــم انهــا «فكــرة عامــة‬ ‫… جيــدة» وأنــه بإمــكان املبــادرة العربيــة أن تكــون «ذات صلــة‬ ‫شــرط إلغــاء بعــض مطالبهــا»‪.‬‬ ‫¦ أهميــة حتديــث املبــادرة العربيــة مع األخذ يف االعتبار التغييرات‬ ‫الت ــي طــرأت يف املنطقــة خــال الســنوات األخيــرة‪ .‬فقــد تغيــرت‬ ‫أعــداد املســتوطنني وأعــداد الالجئــن الفلســطينيني؛ فكيــف‬ ‫يتــم االنســحاب اإلســرائيلي‪ .‬وهنــاك نحــو ‪ 700‬ألــف مســتوطن‬ ‫يعيشــون اآلن يف الضفــة الغربيــة والقــدس الشــرقية‪ ،‬واملفتــرض‬ ‫أن يكونــا محــور أي دولــة فلســطينية باملســتقبل‪ ،‬ويتواصــل بنــاء‬ ‫املســتوطنات بســرعة‪.‬‬

‫قابلية وجدوى االنسحاب من المبادرة العربية‬

‫¦بــدأت احلكومــة اإلســرائيلية برئاســة بنيامــن نتنياهــو يف‬ ‫تســويق مفهــوم «الســام بــدون الفلســطينيني» باعتبارهــا‬ ‫اســتراتيجية جديــدة‪ ،‬وذلــك اســتنا ًدا إلــى تصريحــات ســاخرة‬ ‫أطلقهــا نتنياهــو‪ ،‬حيــث ظـ ّـن نتنياهــو أنــه قــد ابتكــر خطــة ذكيــة‬ ‫تقــوم عل ــى جتاهــل النــزاع مــع الفلســطينيني وحتقيــق اتفاقيــات‬ ‫ســام مــع دول عربيــة مختلفــة‪ .‬وقــد َ‬ ‫فاخــر بتســمية هذه اخلطة‬ ‫«الســام مقابــل الســام»‪ ،‬كبديــل عــن الشــعار الســابق الــذي كان‬ ‫يتنــاول الصــراع مــع الشــعب الفلســطيني بصيغــة «األرض مقابــل‬ ‫الســام»‪ .‬وكأنــه يقــول» إذا فيكــم شر؛فلســنا قليل ــي شــر «‬ ‫¦مقابــل ذلــك لــم يخــل معســكر الســام يف العالــم العرب ــي مــن‬ ‫التراجــع‪ ،‬خاصــة بعدمــا كانــت اجلهــود الســلمية تكتســب قــوة‬ ‫وتأثيــ ًرا‪ ،‬وكانــت قــد أثمــرت عــن حتــوالت جوهريــة يف هــذه‬ ‫املنطقــة الت ــي اعتبــرت عــاد ًة مكا ًنــا للصــراع‪ .‬ويف ظــل تصاعــد‬ ‫األعمــال العدوانيــة الصهيونيــة العســكرية يف قطــاع غــزة بعــد‬ ‫طوفــان األقص ــى‪ ،‬وتصاعــد التوتــر يف الضفــة الغربيــة‪ ،‬وارتــكاب‬ ‫الكيــان الصهيون ــي جلرائــم حــرب ضد الشــعب الفلســطيني دون‬ ‫مراعــاة‪ ،‬وتبنيــه لسياســات التهجيــر القســري واإلبــادة العرقيــة‪،‬‬ ‫يف هــذا الســياق قــد تتكــرر أصــوات الدعــوة لالنســحاب مــن‬ ‫املبــادرة أو الدعــوة لســحبها فقــد بقيــت طوي ـ ً‬ ‫ا عل ــى الطاولــة‬ ‫واجلانــب الصهيون ــي لــم يــرد عليهــا رســم ًيا‪.‬‬ ‫¦نشــير إل ــى أنــه مــع ارتفــاع املــزاج العرب ــي املتبــرم مــن تصرفــات‬

‫الصهاينــة جــددت مثــ ً‬ ‫ا كتــل سياســية يف الكويــت‪ ،‬مــن‬ ‫بينهــا املنبــر الدميوقراط ــي‪ ،‬وهــو قوم ــي النزعــة جــدد الدعــوة‬ ‫لالنســحاب الرســمي الكويت ــي مــن مبــادرة الســام العربيــة لعــام‬ ‫‪2002‬م‪ .‬وجــاء هــذا الطلــب نتيجــة لعــدم وجــود تقــدم واقعــي‬ ‫عل ــى األرض يف حتقيــق أهــداف املبــادرة‪ ،‬ولتنازلهــا عــن األراض ــي‬ ‫الفلســطينية احملتلــة‪ ،‬ونشــير هنــا إلــى أنــه قــد ســبق ذلــك‬ ‫طلــب باالنســحاب الكويت ــي مــن املبــادرة العربيــة يف ‪2010‬م‪ ،‬بعــد‬ ‫اعتــراض وقتــل مــن كان عل ــى قافلــة احلريــة لفــك حصــار غــزة‪،‬‬ ‫وجــاء طلــب االنســحاب عبــر البرملــان كنهايــة حلقبــة االســتكانة‬ ‫وبدايــة لعصــر القــوة‪ .‬ونشــير إلــى أن املجلــس لــم يجبــر‬ ‫احلكومــة علــى املوافقــة‪ ،‬إمنــا جــاء ذلــك وفقــاً لرغبتهــا ولــم‬ ‫تبــد أي مالحظــة‪ ،‬حتــى أن ناطقهــا الرســمي قــال ســنتفاعل‬ ‫بإيجابيــة مــع هــذا امللــف‪.‬‬ ‫¦وقــد كشــفت مصادرعــدة أن اجلزائــر كانــت قبــل فتــرة يف مــزاج‬ ‫لإلعــان عــن انســحابها مــن مبــادرة الســام العربيــة‪ ،‬التــي‬ ‫قدمتهــا اجلامعــة العربيــة ســنة ‪2002‬م‪ ،‬مبقتــرح أساســه األرض‬ ‫مقابــل الســام‪ ،‬ألن اجلزائــر وصلــت إل ــى قناعــة أن إســرائيل ال‬ ‫تؤمــن بحــل الدولتــن‪ ،‬ال ســيما بعــد محاولتهــا تهجيــر أهــل غــزة‬ ‫إل ــى مصــر لتصفيــة القضيــة الفلســطينية‪.‬‬ ‫¦كمــا أن تونــس قــد تتخــذ القــرار نفســه بالتنســيق مــع جارتهــا‬ ‫اجلزائــر‪ ،‬وقــد تنضــم دول عربيــة أخــرى فيمــا يشــبه انســحاباً‬ ‫جماعي ـاً مــن املبــادرة‪ ،‬رداً عل ــى اإلبــادة اجلماعيــة الت ــي ترتكــب‬ ‫ضــد الفلســطينيني يف غــزة أمــام مــرأى العالــم‪.‬‬ ‫¦انســحاب الكويــت واجلزائــر وتونــس مــن مبــادرة الســام‪ ،‬قــد ال‬ ‫يعن ــي بالضــرورة أنــه موجــه للريــاض رغــم إن اجلزائــر رفضــت‬ ‫املشــاركة يف القمــة التــي اســتضافتها مصــر‪ ،‬الســبت ‪21‬‬ ‫أكتوبــر‪2023‬م‪ ،‬بالعاصمــة اإلداريــة اجلديــدة بحضــور ‪ 30‬دولــة‬ ‫ومنظمــات دوليــة إقليميــة‪.‬‬ ‫¦وكمــا قيــل زادت موجــة التطبيــع العرب ــي مــن قناعــة دول عربيــة‬ ‫غيــر مطبعــة أن املبــادرة العربيــة للســام جتاوزهــا الزمــن‪ ،‬ولــم‬ ‫تعــد أغلــب الــدول العربيــة ملتزمــة بهــا إال يف خطاباتهــا‪ ،‬حيــث‪،‬‬ ‫ووفق ـاً للمبــادرة‪ ،‬فــإن التطبيــع ســيكون آلي ـاً مبجــرد قيــام دولــة‬ ‫فلســطني علــى حــدود ‪1967‬م‪ ،‬عاصمتهــا القــدس الشــرقية‬ ‫واعتــراف إســرائيل بهــا‪ .‬رغــم أن مــا يحــدث اليــوم هــو تطبيــع‬ ‫دون حصــول الفلســطينيني عل ــى حقوقهــم؛ مــا يعن ــي تصفيــة‬ ‫القضيــة الفلســطينية تدريجي ـاً‪.‬‬ ‫¦ كمــا نشــير هنــا إلــى أن قــرارات االنســحاب مــن املبــادرة‬


‫‪42‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫دولة فلسطينية منزوعة السالح كانت مطل بً ا إسرائيل يً ا ثم تراجع عنها نتنياهو‬

‫اآلنأفضلوقتإلعادةطرح"المبادرة"وعرضها‬ ‫عىل العالم مع التصعيد اإلسرائييل يف غزة‬ ‫لقــد صــار مــن شــبه املتفــق عليــه أن احلــل الوحيــد ألزمــة االحتــال الصهيون ــي لفلســطني هــو احلــل السياس ــي‪ ،‬واحلــل‬ ‫السياس ــي الوحيــد املطــروح هــو املبــادرة العربيــة؛ فكيــف يقبــل املنطــق السياس ــي أن هنــاك قضيــة شــائكة وليــس لهــا إال‬ ‫مخــرج وحيــد؛ ويف تقديرنــا ان عــدم جنــاح املبــادرة العربيــة يعن ــي قصورهــا أمــام املعوقــات ممــا يجعلنــا أمــام طــرق متناقضــة‪:‬‬ ‫إمــا إعــادة صياغتهــا وردم اجلوانــب الهشــة فيهــا؛ أو تذليــل املعوقــات مبــا فيهــا مــا تضعــه إســرائيل‪ ،‬لكــن يبق ــى حــل ثالــث مــن‬ ‫خصوصــا أن املبــادرة قــد أطلقهــا العاهــل الســعودي الراحــل امللــك عبــد اهلل بــن عبــد العزيــز‪ ،‬ـ يرحمــه اهلل ـ‬ ‫خــارج الصنــدوق‬ ‫ً‬ ‫يف «قمــة بيــروت» عــام ‪2002‬م‪ ،‬عندمــا كان حينهــا ول ًيــا للعهــد‪ ،‬ولــم تنجــح طــوال عقديــن‪.‬‬

‫د‪ .‬ظافر العجمي‬

‫¦فما هو جوهر املبادرة العربية؟‬ ‫¦وما معوقات املبادرة العربية؟‬ ‫¦وما قابلية االنسحاب من املبادرة العربية؟‬ ‫¦التفكير خارج صندوق بنود املبادرة العربية؟‬

‫جوهر المبادرة العربية‬

‫بحســب نــص املبــادرة‪ ،‬طالبــت الــدول العربيــة إســرائيل إعــادة النظــر‬ ‫يف سياســاتها‪ ،‬وأن جتنــح للســلم‪ ،‬معلنــة يف ثناياهــا أن الســام العــادل‬ ‫هــو خيارهــا االســتراتيجي ً‬ ‫أيضــا‪ .‬واالنســحاب الكامــل مــن األراض ــي‬ ‫العربيــة احملتلــة مبــا يف ذلــك اجلــوالن الســوري وحتــى خــط الرابــع‬ ‫مــن يونيــو ‪1967‬م‪ ،‬واألراض ــي الت ــي مــا زالــت محتلــة يف جنــوب لبنــان‪.‬‬ ‫والتوصــل إل ــى حــل عــادل ملشــكلة الالجئــن الفلســطينيني يتفــق عليــه‬ ‫وف ًقــا لقــرار اجلمعيــة العامــة لــأمم املتحــدة رقــم ‪ ،194‬وقبــول قيــام‬ ‫دولــة فلســطينية مســتقلة ذات ســيادة علــى األراضــي الفلســطينية‬ ‫احملتلــة منــذ الرابــع مــن يونيــو يف الضفــة الغربيــة وقطــاع غــزة وتكــون‬ ‫عاصمتهــا القــدس الشــرقية‪.‬‬ ‫ومقابــل ذلــك عرضــت الــدول العربيــة اعتبــار النــزاع العربــي ‪/‬‬ ‫اإلســرائيلي منته ًيــا‪ ،‬والدخــول يف اتفاقيــة ســام بينهــا وبــن إســرائيل‬ ‫مــع حتقيــق األمــن جلميــع دول املنطقــة‪ ،‬وإنشــاء عالقــات طبيعيــة مــع‬ ‫إســرائيل يف إطــار هــذا الســام الشــامل‪ .‬وضمــان رفــض كل أشــكال‬

‫التوطــن الفلســطيني الــذي يتنافــى والوضــع اخلــاص يف البلــدان‬ ‫العربيــة املضيفــة‬

‫معوقات المبادرة العربية‬

‫¦ غيــر املقترحــات لــم ميــارس ضغــط عرب ــي قــادر عل ــى إرغــام‬ ‫إســرائيل علــى اجللــوس إلــى طاولــة املفاوضــات واســتنباط‬ ‫التغييــرات السياســية التــي مــن شــأنها أن جتعــل املبــادرة‬ ‫قابلــة للتطبيــق بالرغــم مــن كثــرة الــدول العربيــة املطبعــة‬ ‫ووجــود طريــق إل ــى تــل أبيــب بــدون وســيط ثالــث‪ ،‬بــل وحت ــى‬ ‫لــو كانــت الواليــات املتحــدة‪ ،‬القــوة الت ــي يحتمــل أن تكــون قــادرة‬ ‫عل ــى الضغــط عل ــى إســرائيل‪ ،‬مســتعدة بالفعــل للضغــط عل ــى‬ ‫إســرائيل‪ ،‬فــإن ذلــك ســيتطلب تغييـ ًرا يف طريقــة تعامــل العــرب‬ ‫مبرونــة أقــل جتــاه واشــنطن‪ ،‬حيــث لــم يذكــر أن ضغطــت الــدول‬ ‫العربيــة واإلســامية عل ــى وشــانطن بنفــس القــوة الت ــي مارســتها‬ ‫يف حــرب ‪1973‬م‪.‬‬ ‫¦أقســى أنــواع املعوقــات هــو التعنــت الصهيونــي ورفــض تــل‬ ‫أبيــب قبــول عــدد كبيــر مــن الالجئــن الفلســطينيني ألنــه‬ ‫يتجــاوز اخلطــوط احلمــراء اإلســرائيلية‪ ،‬فيمــا تشــرع األبــواب‬ ‫للمســتوطنني مــن كل جهــات األرض‪.‬‬ ‫¦ مــن املعوقــات رفــض تــل أبيــب وعــدم اســتجابة مــن خــط‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫‪41‬‬

‫ملف العدد‬

‫القيـــادة السياســـية لحمـــاس يف قطـــر تقـــوم بـــدور الوســـيط‬ ‫ومقترحــات لصفقــات هدنــة لكــن القــرار يف يــد الجنــاح العســكري بغــزة‬ ‫إنهــا حــرب غامضــة يف األهــداف وغيــر معروفــة نتائجهــا ألن هنــاك‬ ‫كثيــر مــن التســاؤالت حــول مــا جــرى يــوم الســابع مــن أكتوبــر‪ ،‬ســواء‬ ‫فيمــا يتعلــق بهــدف حمــاس مــن اقتحــام غــاف غــزة‪ ،‬هــل هــو‬ ‫حتريــر أســرى أو وقــف العــدوان يف القــدس والضفــة أو أن العمليــة‬ ‫خطــوة نحــو حتريــر فلســطني؟ أم أن مــا جــرى يــوم ‪ 7‬أكتوبــر خــرج‬ ‫عــن كل التوقعــات وفلتــت األمــور مــن يــد حمــاس‪ ،‬أم أن هنــاك مــا‬ ‫هــو خفــي وستكشــفه األيــام؟ ‪ ...‬أيضــا هنــاك غمــوض والتبــاس‬ ‫يف هــدف الكيــان الصهيون ــي مــن إعــان احلــرب بــل أيض ـاً هنــاك‬ ‫شــكوك حــول دور لنتنياهــو فيمــا جــرى يف الســابع مــن أكتوبــر‪ ،‬فــإن‬ ‫كان هــدف الكيــان القضــاء عل ــى قيــادة حمــاس فهــذه موجــودة يف‬ ‫قطــر ويســتطيع اســتهدافها كمــا اســتهدف العــاروري يف لبنــان أو‬ ‫خطــف الطائــرة الت ــي يســتعملونها يف تنقالتهــم الدائمــة بــن الدوحــة‬ ‫والقاهــرة ولــه ســوابق يف ذلــك‪ ،‬وإن كان هدفــه حتريــر أســراه فــإن‬ ‫قصفــه العشــوائي يفنــد ذلــك حيــث ال يعيــر اهتمام ـاً لهــم ومســتعد‬ ‫للتضحيــة بهــم مــن أجــل أهــداف اســتراتيجية أكبــر‪ ،‬أم يهــدف لفصــل‬ ‫الشــمال عــن اجلنــوب ودفــع النــاس حتــت القصــف للهجــرة جلنــوب‬ ‫القطــاع متهيـدًا لترحيلهــم لســيناء‪ ،‬وهنــاك تصريحــات لقــادة صهاينــة‬ ‫عــن تهجيرهــم لســيناء أو لقبــرص والتواصــل مــع دول عــدة الســتيعاب‬ ‫أهال ــي غــزة كمــا أن مخطــط دولــة غــزة املوســعة باجتــاه ســيناء مطروح‬ ‫منــذ ســنوات عنــد املخططــن االســتراتيجيني اإلســرائيليني وســبق أن‬

‫حتــدث عنــه مستشــار أمن ــي إســرائيلي كبيــر وهــو أيغــورا أيالنــد؟ أم‬ ‫يهــدف نتنياهــو إلقامــة منطقــة أمنيــة عازلــة يكــون كل شــمال قطــاع‬ ‫غــزة مبــا فيــه مدينــة غــزة جــز ًءا منــه؟ كل ذلــك يزيد املشــهد تعقيداً‪.‬‬ ‫لألســف عندمــا تكتــب أو تتحــدث بعقالنيــة وواقعيــة بعيــداً عــن‬ ‫الشــعارات واأليديولوجيــات والعواطــف اجلياشــة واحلســابات احلزبيــة‬ ‫الضيقــة ســتجد كثيريــن يقــدرون مــا تكتب ويتقبلون االنتقــادات‪ ،‬ولكن‬ ‫يف نفــس الوقــت ســتفتح عل ــى نفســك نــار جهنــم مــن بعــض مكونــات‬ ‫الطبقــة السياســية بــكل أطيافهــا يف غــزة والضفــة عندمــا تكشــف‬ ‫ضعفهــم وحالــة التيــه التــي يعيشــونها وغيــاب الرؤيــة واســتغاللهم‬ ‫جمي ًعــا معانــاة الشــعب يف القطــاع حملاولــة احلفــاظ عل ــى مصاحلهــم‬ ‫الســلطوية وزعــم كل منهــم أنــه ميثــل الشــعب واألحــق بحكــم غــزة بعــد‬ ‫احلــرب‪ ،‬ونكــرر مــا ســبق أن كتبنــاه قبــل أشــهر (هــل تســتحق ســلطة‬ ‫يف غــزة كل هــذا الثمــن) ومــا نخشــاه يف هــذا الســياق أن يكــون كيــان‬ ‫غــزة هــو دولــة حــل الدولتــن وصــراع فلســطيني داخلــي علــى مــن‬ ‫يحكمهــا ‪.‬‬

‫*وزير فلسطيني سابق ـ أستاذ جامعي يف غزة‬


‫‪40‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫ال يس ــتطيع الكي ــان اليه ــودي الصهيون ــي الزع ــم أن ــه انتص ــر وال‬ ‫تس ــتطيع حرك ــة حم ــاس وفصائ ــل المقاوم ــة الق ــول بأنه ــا انتص ــرت‬ ‫النــار ووقــف احلــرب عل ــى غــزة فاحلــرب والصــراع سيســتمران بــن‬ ‫الفلســطينيني واإلســرائيليني يف غــزة والضفــة والقــدس وخارجهمــا‬ ‫بــل سيشــتد أوزار احلــرب والصــراع بعــد مــا جــرى يف غــزة ألن مــا‬ ‫جــرى أضفــى علــى الصــراع بعــداً دينيــاً وثقافيــاً واجتماعيــاً وولــد‬ ‫أحقــاداً لــن تــزول قريب ـاً‪.‬‬ ‫بعــد أكثــر مــن مائــة يــوم ال يســتطيع الكيــان اليهــودي الصهيونــي‬ ‫الزعــم أنــه انتصــر وال تســتطيع حركــة حمــاس وفصائــل املقاومــة‬ ‫القــول بأنهــا انتصــرت‪ ،‬والنصــر هنــا يعنــي حتقيــق األهــداف‬ ‫االســتراتيجية لــكل منهمــا وه ــي أهــداف مبهمــة عنــد كليهمــا‪ ،‬وهنــاك‬ ‫فــرق بــن االنتصــار يف جولــة أو معركــة يف احلــرب واالنتصــار مبعن ــى‬ ‫إخضــاع الطــرف الثانــي واستســامه‪.‬‬ ‫ميكــن للعــدو أن يتحــدث عــن إجنــازات حققهــا كتدميــره ‪ %80‬مــن‬ ‫املســاكن وتخريــب البنيــة التحتيــة واملــدارس واملستشــفيات وقتــل‬ ‫حوال ــي ‪ 25‬ألــف و‪ 8‬آالف مفقــود و‪ 60‬ألــف جريح فلســطيني وإضعاف‬ ‫القــدرات العســكرية حلمــاس وجتويــع الشــعب الــخ‪ ،‬ولكنــه ال يســتطيع‬ ‫الزعــم بأنــه حقــق أهدافــه الت ــي أعلنهــا يف بدايــة هــذه اجلولــة مــن‬ ‫احلرب‪ ،‬إطالق ســراح أســراه عند حماس وإضعاف قدراتها العســكرية‬ ‫والقضــاء عل ــى قياداتهــا ويف اعتقادنــا أنهــا أهــداف دعائيــة وإلرضــاء‬

‫الشــارع اليهــودي املتعطــش لالنتقــام وهنــاك أهــداف غيــر معلنــة‪،‬‬ ‫حتــى وإن حقــق األهــداف املعلنــة فهــذا ال يعنــي أنــه انتصــر علــى‬ ‫الشــعب الفلســطيني باملفهــوم االســتراتيجي لالنتصــار‪ ،‬ألن حمــاس‬ ‫ليســت وحدهــا املقاومــة وليســت الشــعب الفلســطيني وإن كانــت‬ ‫جــزءاً مــن كليهمــا‪ ،‬وهــذه اإلجنــازات املزعومــة ال تســاوي شــيئاً أمــام‬ ‫اإلهانــة الت ــي تعــرض لهــا الكيــان عل ــى يــد املقاومــن واهتــزاز صورتــه‬ ‫أمــام العالــم وانكشــافه ككيــان إرهاب ــي ميــارس اإلبــادة اجلماعيــة ضــد‬ ‫شــعب فلســطني ‪،‬وبالتال ــي فقــدان التميــز الــذي كانــت إســرائيل تخــدع‬ ‫بــه العالــم بأنهــا دولــة دميقراطيــة تســعى للســام وأن اليهــود وحدهــم‬ ‫تعرضــوا للهلوكوســت‪ ،‬وخصوصـاً أن محكمــة العــدل الدوليــة تســعى‬ ‫التهــام إســرائيل مبمارســة (اإلبــادة اجلماعيــة)‪.‬‬ ‫أيض ـاً ميكــن حلركــة حمــاس أن تتحــدث عــن إجنــازات كاقتحامهــا‬ ‫احلــدود يف الســابع مــن أكتوبــر وقتلهــا واختطافهــا لعشــرات اجلنــود‬ ‫واملدنيــن وصمودهــا يف احلــرب ملائــة يــوم وإيقاعهــا اخلســائر يف‬ ‫صفــوف العــدو وأنهــا اســتطاعت حتريــك الــرأي العــام لصالــح‬ ‫القضيــة الفلســطينية ‪ ...‬ولكــن حت ــى لــو متكنــت مــن إطــاق ســراح‬ ‫أســرى مــن ســجون االحتــال فــإن أي حديــث لهــا عــن االنتصــار بعــد‬ ‫احلــرب ســيكون بعيــداً عــن الواقــع‪.‬‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫‪39‬‬

‫ملف العدد‬

‫سنستمر في طرق جدران العقل‬

‫حرب غزة غامضة األهداف وغير معروفة‬ ‫النتائج وال يستطع أي طرف ادعاء االنتصار‬ ‫احلــرب املعممــة عل ــى كل الشــعب الفلســطيني وخصوص ـاً جرائــم اإلبــادة اجلماعيــة يف غــزة‪ ،‬وصمــود الشــعب ومــا يعانيــه‬ ‫القطــاع مــن أوضــاع مأســاوية غيــر مســبوقة يف التاريــخ املعاصــر‪ ،‬وصمــود املقاتلــن الت ــي أثبتــت أن الكيــان الصهيون ــي مــا كان‬ ‫لــه أن يســتمر دون دعــم وحمايــة واشــنطن والغــرب‪ ...‬كل ذلــك يبــرر أيــة كتابــة أو حديــث عــن عظمــة الشــعب وصمــوده وعــن‬ ‫اإلجــرام الصهيون ــي بــل يعتبــر احلديــث والكتابــة بهــذه القضايــا واجــب وطن ــي وقوم ــي وإســامي وأمم ــي حت ــى وإن كان ذلــك‬ ‫يف ســياق أضعــف اإلميــان‪.‬‬

‫أ‪.‬د‪ .‬إبراهيم إبراش‬

‫لكــن يف نفــس الوقــت وحتــى ال جترفنــا العواطــف بعيــدًا ونتــرك‬ ‫لآلخريــن حتديــد مســتقبل قضيتنــا الوطنيــة ومســتقبل قطــاع غــزة‬ ‫وميــرروا علينــا مفاهيــم ومصطلحــات وتصــورات لوقــف العــدوان‬ ‫ومســتقبل غــزة تشــتت انتباهنــا وتعيشــنا يف حالــة تيــه وفقــدان‬ ‫البوصلــة‪ ،‬يجــب التعال ــي عل ــى اجلــراح وكبــح العواطــف وإعمــال العقــل‬ ‫يف كل مــا يجــري وتطبيــق (فقــه األولويــات)‪ ،‬ويف احلالــة الراهنــة فــإن‬ ‫األولويــة ه ــي كيفيــة وقــف العــدوان وإنقــاذ مــا تبق ــى مــن قطــاع غــزة‬ ‫شــعباً وأرضــاً وإفشــال مخطــط التهجيــر‪ ،‬دون أن يكــون يف ذلــك‬ ‫أي مســاس بشــرعية املقاومــة أو تراج ًعــا عــن األهــداف الوطنيــة‬ ‫االســتراتيجية كتحريــر فلســطني وحتريــر كامــل األســرى يف ســجون‬ ‫االحتــال ووقــف االســتيطان ومــا يتعــرض لــه املســجد األقص ــى مــن‬ ‫انتهــاكات‪ ،‬فهــذه أمــور ميكنهــا التأجيــل يف هــذه املرحلــة‪ ،‬ووقــف‬ ‫العــدوان وتثبيــت الشــعب عل ــى األرض وتعزيــز صمــوده يبق ــي القضيــة‬ ‫الوطنيــة حيــة ويفتــح آفا ًقــا لتســوية سياســية عادلــة توظــف حالــة‬ ‫التفاعــل اإليجابــي الدولــي مــع فلســطني ‪.‬‬ ‫كثيــر مــن التغطيــة اإلعالميــة العربيــة وكتابــات احملللــن السياســيني‬ ‫وخصوصــاً خــارج قطــاع غــزة يغلــب عليهــا اخلطــاب العاطفــي‬ ‫واالنفعال ــي دون طــرح رؤيــة عقالنيــة واقعيــة لكيفيــة وقــف العــدوان‬ ‫ومرحلــة مــا بعــده‪ ،‬بــل يعتبــر البعــض أن احلديــث يف هــذه األمــور اآلن‬ ‫يعتبــر خذال ًنــا للمقاومــة وتشــكيكا بقدرتهــا عل ــى االنتصــار وحســم‬

‫املعركــة لصاحلهــا! حتــى الطبقــة السياســية يف املنظمــة فهــي وإن‬ ‫كانــت تديــن العــدوان وتطالــب بوقفــه وترفــض التعاط ــي مــع املوقــف‬ ‫األمريكــي إال أنهــا تفتقــر لرؤيــة عمليــة ملرحلــة مــا بعــد احلــرب‬ ‫ومتــرددة ومتخوفــة مــن حتمــل مســؤولية القطــاع وحدهــا دون توافــق‬ ‫عرب ــي ودول ــي وموافقــة حركــة حمــاس الت ــي مــا تــزال تســيطر عل ــى‬ ‫ً‬ ‫أيضــا القيــادة السياســية حلركــة حمــاس يف‬ ‫أجــزاء مــن القطــاع‪،‬‬ ‫قطــر تقــوم بــدور الوســيط وتقــدم مقترحــات لصفقــات هدنــة ولكــن‬ ‫القــرار النهائ ــي يبق ــى يف يــد اجلنــاح العســكري يف غــزة‪ ،‬ويف جميــع‬ ‫احلــاالت ال توجــد رؤيــة أو موقــف وطنــي مشــترك وال يســأل أحــد‬ ‫الشــعب الفلســطيني يف غــزة عــن رأيــه ســواء يف مجريــات احلــرب‬ ‫أو مــا بعدهــا‪ ،‬ويف كل مقترحــات وقــف العــدوان ال أحــد يأخــذ يف‬ ‫االعتبــار أو يحســب حســاب عشــرات آالف الشــهداء وأضعافهــم مــن‬ ‫اجلرح ــى ومــا تعــرض لــه القطــاع مــن تدميــر شــامل!‬ ‫أكثــر مــن مائــة يــوم مــرت علــى احلــرب العدوانيــة وال يبــدو يف‬ ‫األفــق نهايــة لهــا وال أحــد يعــرف مــاذا يريــد نتنياهــو‪ ،‬حت ــى التوصــل‬ ‫لصفقــات تبــادل أســرى ال يعن ــي نهايــة احلــرب الت ــي يريــد نتنياهــو أن‬ ‫تطــول إل ــى حــن تنفيــذ مــا يخطــط لــه‪ .‬وقــد ســبق أن كتبنــا بــأن هــذه‬ ‫مجــرد جولــة مــن حــرب ممتــدة منــذ ‪1948‬م‪ ،‬ولــم يقطعهــا إال ســنوات‬ ‫معــدودة (‪2000-1994‬م) بعــد توقيــع اتفــاق أوســلو ســادت فيهــا حالــة‬ ‫أال حــرب وأال ســلم‪ ،‬وبالتالــي حتــى لــو أعلــن العــدو وقــف إطــاق‬


‫‪38‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫الدع ــم من ــذ الثمانين ــات أتس ــم بالواقعي ــة وب ــدأت المملك ــة تتخ ــذ‬ ‫الدبلوماســـية كأداة لتحقيـــق آمـــال وتطلعـــات الشـــعب الفلســـطيني‬ ‫وبــن ســموه وبشــكل واضــح ال لبــس فيــه أن «موقــف اململكــة الثابــت‬ ‫والراســخ هــو أن ال ســبيل لتحقيــق األمــن واالســتقرار يف فلســطني مــن‬ ‫نيــل حقوقــه املشــروعة وإقامــة دولــة فلســطينية عل ــى حــدود ‪1967‬م»‪.‬‬ ‫كمــا شــدد علــى رفــض اململكــة القاطــع ألي تهجيــر للفلســطينيني‬ ‫مــن غــزه‪.‬‬ ‫وعندمــا اشــتدت الضغــوط األمريكيــة عل ــى اململكــة لتطبيــع عالقاتهــا‬ ‫مــع إســرائيل كان رد ســمو ولــي العهــد بــأن القضيــة الفلســطينية‬ ‫جــزء هــام جــداً مــن هــذه العمليــة‪ :‬فف ــي مقابلــة مــع فوك ــس نيــوز يف‬ ‫ســبتمبر ‪2023‬م‪( ،‬قبيــل أحــداث غــزة) قــال ســموه‪« :‬بالنســبة لنــا فــإن‬ ‫القضيــة الفلســطينية مهمــة للغايــة‪ .‬ويجــب الوصــول حلــل بشــأنها»‪.‬‬ ‫هــذا املوقــف‪ ،‬مت تأكيــده يف تصريحــات وإجــراءات وزارة اخلارجيــة‬ ‫الدبلوماســية‪ .‬فف ــي اجتمــاع حــول حالــة حقــوق اإلنســان يف فلســطني‬ ‫واإلعــان العاملــي حلقــوق اإلنســان يف جنيــف شــدد ســمو زيــر‬ ‫اخلارجيــة الســعودي عل ــى أن «للفلســطينيني احلــق يف حيــاة كرميــة‬ ‫واحلــق يف األمــان واحلــق يف املــأوى املناســب واحلــق يف احلصــول‬ ‫عل ــى الضروريــات األساســية‪ .‬وفــوق كل ش ــيء لديهــم احلــق يف تقريــر‬ ‫املصيــر‪ .‬يف الوقــت احلالــي تنتهــك كل هــذه احلقــوق»‪.‬‬ ‫وأكــدت هــذا املوقــف ســمو الســفيرة الســعودية لــدى الواليــات املتحــدة‪.‬‬ ‫فف ــي مقابلــة لهــا مــع شــبكة ‪ CNN‬يــوم ‪ 17‬ينايــر املاض ــي أوضحــت‬ ‫ســموها أن «الطريــق الوحيــد الزدهــار الشــرق األوســط هــو الوحــدة‪.‬‬ ‫وازدهــاره االقتصــادي‪ .‬وأن تكــون منطقــة متوازنــة ومســتقرة»‪ .‬وبينــت‬ ‫بوضــوح أن حتقيــق األمــن والســام والرفاهيــة يتحقــق مــن خــال‬ ‫الدولــة الفلســطينية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫مجــااًل للشــك أن الدعــم املتواصــل‬ ‫ممــا ســبق يتبــن مبــا ال يــدع‬ ‫لقضيــة فلســطني مــن قبــل اململكــة ملــدة تقــارب القــرن مــن الزمــان لــم‬ ‫تكــن سياســة موســمية أو قــرار قابــل للتغييــر‪ ،‬وإمنــا مبــدأ راســخ ابتــدأ‬ ‫منــذ عهــد امللــك املؤســس ومــا يــزال قائم ـاً إل ــى اآلن‪.‬‬ ‫هــذا املوقــف ومــع اســتمراريته‪ ،‬كان دائمــاً معتــدالً يقــوم علــى‬ ‫العقالنيــة املتطــورة مــع التغيــرات يف النظــام الدول ــي واإلقليم ــي‪ ،‬دون‬ ‫التخل ــي عــن الثوابــت‪ .‬فاملبــادرات الســعودية الت ــي منــذ العقــد الثامــن‬ ‫مــن القــرن املاض ــي والت ــي قامــت عل ــى أســاس حــل الدولتــن‪ ،‬كانــت‬ ‫عقالنيــة واســتجابة للتغيــرات الدوليــة واإلقليميــة‪ .‬ولكــن دعــم الشــعب‬ ‫الفلســطيني املــادي واملعنــوي بق ــي قائم ـاً والثوابــت لــم تتغيــر عل ــى‬

‫مــر الســنني والظــروف‪ .‬فبقــي حــق الشــعب الفلســطيني يف دولتــه‬ ‫املســتقلة وعروبــة القــدس أحــد أهــم ركائــز سياســة اململكــة العربيــة‬ ‫الســعودية الشــرق أوســطية‪ .‬فبالتال ــي ال يقصــد باالعتــدال التكيــف‬ ‫مــع الظــروف اإلقليميــة والدوليــة ولكــن تعن ــي محاولــة احلصــول عل ــى‬ ‫أكبــر كــم مــن احلقــوق يف ظــل املتغيــرات واملســتجدات عل ــى الســاحتني‬ ‫اإلقليميــة والدوليــة‪ .‬وكلمــا كانــت املواقــف معتدلــة كلمــا كانــت أكثــر‬ ‫مصداقيــة ومعبــرة عــن حقيقــة السياســة لدولــة ثابتــة يف اإلقليــم‬ ‫وتــزداد مكانتهــا العامليــة يوم ـاً بعــد يــوم‪.‬‬ ‫لــم تكــن مواقــف اململكــة العربية الســعودية جتاه القضية الفلســطينية‬ ‫موجهــة نحــو اجلماهيــر ولــم تســعى اململكــة يومــاً للحصــول علــى‬ ‫الشــعبية والتصفيــق ألي موقــف‪ .‬ففــي بدايــة ســتينيات القــرن‬ ‫املاضــي عندمــا كانــت الشــعبوية القوميــة هــي الســائدة واإلذاعــات‬ ‫العربيــة كانــت تــروج لهــذه السياســة أو تلــك‪ ،‬كانــت اململكــة تعمــل‬ ‫بصمــت ودون اجلهــر مــن القــول‪ .‬وبعــد الثــورة يف إيــران عــام ‪1979‬م‪،‬‬ ‫ازدادت الشــعبوية والتــي أصبحــت حتمــل طابعــاً إســامياً وكذلــك‬ ‫كانــت وســائل اإلعــام تــروج لهــذه السياســة أو تلــك‪ ،‬كانــت اململكــة مــع‬ ‫أنهــا األكثــر متثي ـ ً‬ ‫ا لإلســام والعروبــة تعمــل بصمــت‪ .‬هــذا الصمــت‬ ‫أكســبها مــع الوقــت املصداقيــة احلقيقيــة‪ .‬ومــع توســع دور اململكــة‬ ‫اإلقليمــي والدولــي الــذي مت بهــدوء‪ ،‬أصبحــت سياســات اململكــة‬ ‫وثوابتهــا تعبــر عــن حقيقتهــا دون أي ترويــج أو جتميــل أو صخــب‬ ‫إعالمــي‪.‬‬ ‫كمــا لــم تســع اململكــة للحصــول عل ــى الثنــاء والتثمــن مــن أي جهــة‪،‬‬ ‫وإمنــا كانــت تعمــل ضمــن ثوابــت راســخة قائمــة عل ــى إميــان ثابــت‬ ‫بصحــة وعقالنيــة وأخالقيــة مواقفهــا‪.‬‬ ‫فف ــي كلمــة خلــادم احلرمــن الشــريفني امللــك ســلمان بــن عبــد العزيــز‬ ‫ـ ـــ حفظــه اهلل ـ قبــل أكثــر مــن ثالثــن عامـاً وكان حينهــا رئيسـاً للجنــة‬ ‫الشــعبية ملســاعدة الشــعب الفلســطيني أن الســعودية «لــم تتخــذ يومـاً‬ ‫مــن األيــام موقف ـاً مؤيــداً وداعم ـاً للقضيــة الفلســطينية مــن أجــل أن‬ ‫يأتيهــا الشــكر والتثمــن مــن أي كان عل ــى هــذه املواقــف املبدئيــة‪ ،‬ألن‬ ‫القضيــة الفلســطينية بالنســبة للمملكــة ليســت مجــرد قضيــة دوليــة‬ ‫عابــرة‪ ،‬وإمنــا ه ــي بالفعــل قضيتهــا األساســية واملركزيــة»‪.‬‬ ‫*أستاذ العلوم السياسية بجامعة نايف ـ الرياض ـ اململكة العربية السعودية‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫‪37‬‬

‫ملف العدد‬

‫ح ــق الش ــعب الفلس ــطيني يف دولت ــه المس ــتقلة وعروب ــة الق ــدس‬ ‫أح ــد أه ــم ركائ ــز سياس ــة المملك ــة العربي ــة الس ــعودية الش ــرق أوس ــطية‬ ‫ويف ينايــر عــام ‪2020‬م‪ ،‬ويف رد فعلهــا عل ــى خطــة الرئيــس األمريك ــي‬ ‫ترمــب للســام‪ ،‬أعلنــت وزارة اخلارجيــة الســعودية تأكيــد اململكــة عل ــى‬ ‫« دعمهــا لكافــة اجلهــود الراميــة للوصــول إلــى حــل عــادل وشــامل‬ ‫للقضيــة الفلســطينية»‪.‬‬ ‫ويف اتصــال هاتفــي مــع الرئيــس ترامــب أعــرب امللــك ســلمان عــن‬ ‫حــرص اململكــة «علــى الوصــول إلــى حــل دائــم وعــادل للقضيــة‬ ‫الفلســطينية مــن منطلــق املبــادرة العربيــة للســام»‪.‬‬

‫كمــا أن ســمو ول ــي العهــد األميــر محمــد بــن ســلمان ـ يحفظــه اهلل ـ‬ ‫أضــاف إل ــى تلــك املواقــف الســابق ذكرهــا يف ترســيخ ثوابــت اململكــة‬ ‫جتــاه القضيــة الفلســطينية‪ .‬فقــد أكــد ســموه يف كلمــة ألقاهــا خــال‬ ‫قمــة دول البريكــس االفتراضيــة يف نوفمبــر ‪2023‬م‪ ،‬أن «الســعودية‬ ‫تطالــب بإطــاق عمليــة جــادة وشــاملة حلــل القضيــة الفلســطينية»‪.‬‬ ‫كمــا أن اململكــة ترفــض مــا يجــري يف قطــاع غــزه مــن «جرائــم وحشــية‬ ‫يف حــق املدنيــن واألبريــاء واملنشــآت الصحيــة ودور العبــادة» مطالب ـاً‬ ‫بجهــد دولــي جماعــي لوقــف تدهــور األوضــاع اإلنســانية يف غــزه‪.‬‬


‫‪36‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫عــادت اململكــة العربيــة الســعودية يف العــام ‪2002‬م‪ ،‬وقدمــت مبــادرة‬ ‫جديــدة ســميت مببــادرة األميــر عبــد اهلل والــذي كان وليــاً للعهــد‬ ‫آنــذاك وتبنتهــا جامعــة الــدول العربيــة حيــث ســميت مببــادرة الســام‬ ‫العربيــة وكانــت متطــورة عــن ســابقتها بوضوحهــا يف التطــرق إلــى‬ ‫إســرائيل كدولــة ســتحصل عل ــى نتائــج إيجابيــة يف حــال وافقــت عل ــى‬ ‫املبــادرة الت ــي نصــت عل ــى‪:‬‬ ‫انطالق ـاً مــن اقتنــاع الــدول العربيــة بــأن احلــل العســكري للنــزاع لــم‬ ‫يحقــق الســام أو األمــن ألي مــن األطــراف‬ ‫¦يطلــب مــن إســرائيل إعــادة النظــر يف سياســاتها‪ ،‬وأن جتنــح‬ ‫للســلم معلنــة أن الســام العــادل هــو خيارهــا االســتراتيجي‬ ‫أيضــاً‪.‬‬ ‫كما يطلب من إسرائيل‪:‬‬ ‫‪1.‬االنســحاب الكامــل مــن األراضــي العربيــة احملتلــة مبــا يف‬ ‫ذلــك اجلــوالن الســوري وحت ــى حــدود الرابــع مــن يونيــو ‪1967‬م‪،‬‬ ‫باإلضافــة إلــى األراضــي التــي مــا زالــت محتلــة يف جنــوب لبنــان‪.‬‬ ‫‪2.‬التوصــل إل ــى حــل عــادل ملشــكلة الالجئــن يتفــق عليــه وفق ـاً‬ ‫لقــرار اجلمعيــة العامــة لــأمم للمتحــدة رقــم ‪.194‬‬ ‫‪3.‬قبــول قيــام دولــة فلســطينية ذات ســيادة عل ــى األراض ــي احملتلــة‬ ‫منــذ الرابــع مــن يونيــو حزيــران ‪1967‬م‪ ،‬وتكــون عاصمتهــا‬ ‫القــدس الشــرقية‪.‬‬ ‫مقابل ذلك تقوم الدول العربية بــ‪:‬‬ ‫‪1.‬اعتبــار الصــراع العربــي اإلســرائيلي منته ًيــا‪ ،‬والدخــول يف‬ ‫اتفاقيــة ســام بينهــا وبــن إســرائيل مــع حتقيــق األمــن لكافــة‬ ‫دول املنطقــة‪.‬‬ ‫‪2.‬إنشــاء عالقــات طبيعيــة مــع إســرائيل يف إطــار هــذا الســام‬ ‫الشــامل‪.‬‬ ‫كمــا نصــت املبــادرة إلــى رفــض كل أشــكال التوطــن للفلســطينيني‬ ‫يف دول اللجــوء وكمــا تدعــو إســرائيل واملجتمــع الــدول لقبــول املبــادرة‬ ‫ودعمهــا والعمــل عل ــى تنفيذهــا‪.‬‬ ‫هــذه املبــادرة القــت دعمــاً عربيــاً واســعاً‪ ،‬وحتــى منظمــة التحريــر‬ ‫بكافــة أطيافهــا قبلتهــا‪ .‬ويف مؤمتــر القمــة العربيــة يف الريــاض عــام‬ ‫‪2007‬م‪ ،‬كان هنــاك تأييــد واســع للمبــادرة‪ .‬وكان هنــاك تأييــد واســع‬ ‫بــن الفلســطينيني للمبــادرة فأظهــر اســتطالع للــرأي أن ‪ % 72‬مــن‬ ‫الفلســطينيني يؤيــدون املبــادرة‪ .‬وحتــى حكومــة إســرائيل برئاســة‬ ‫أساســا جيـدًا للتفــاوض يف حــال‬ ‫ايهــود أوملــرت رأت أن املبــادرة تشــكل‬ ‫ً‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫تعديــل بنــد الالجئــن‪.‬‬ ‫ويف عهــد امللــك عبــد اهلل بــن عبــد العزيــز ـ رحمــه اهلل ـ ازداد اجلهــد‬ ‫الدبلوماس ــي اجتــاه املســاهمة يف حــل القضيــة الفلســطينية‪ .‬ورافــق‬ ‫ذلــك أيض ـاً حــث الــدول العربيــة واإلســامية للمســاهمة يف احلفــاظ‬ ‫علــى بقــاء القضيــة الفلســطينية حيــة مــن خــال الدعــم املــادي‬ ‫واملعنــوي للفلســطينيني يف الضفــة الغربيــة وغــزة ودعــم صمودهــم‬ ‫عل ــى أرضهــم‪ .‬فف ــي قمــة القاهــرة أكتوبــر عــام ‪2000‬م‪ ،‬بــن امللــك عبــد‬ ‫اهلل كيــف يكــون االعتــدال يف املواقــف دون التخل ــي عــن الثوابــت حيــث‬ ‫قــال‪« :‬إن اخليــار أمامنــا هــو خيــار صعــب ودقيــق وهــو خيــار الوقــوف‬ ‫بثبــات وصمــود متمســكني مببادئنــا وحقوقنــا املشــروعة ‪ ..‬إنــه خيــار‬ ‫االســتقاللية يف العمــل»‪ .‬كمــا أكــد ـ رحمــه اهلل ـ عل ــى عروبــة القــدس‬ ‫حيــث قــال إن «القــدس الشــرقية قضيــة عربيــة غيــر قابلــة للتنــازل أو‬ ‫املســاومة‪ .‬وربــط أي عالقــة مــع إســرائيل بإحــراز تقــدم حقيق ــي عل ــى‬ ‫مســارات عمليــة للســام‪.‬‬ ‫والحق ـاً يف العــام ‪2004‬م‪ ،‬حمــل امللــك عبــد اهلل رحمــه اهلل القضيــة‬ ‫الفلســطينية يف جوالتــه اخلارجيــة إلــى الواليــات املتحــدة وأوروبــا‬ ‫وآســيا مبينــاً بــكل وضــوح رفــض اململكــة ألي إجــراءات تــؤدي إلــى‬ ‫تهويــد مدينــة القــدس مــن خــال تغييــر مالمحهــا أو توســيع ســلطات‬ ‫بلديتهــا واالســتيالء عل ــى املزيــد مــن األراض ــي منهــا‪.‬‬ ‫ويف عهــد خــادم احلرمــن الشــريفني امللــك ســلمان بــن عبــد العزي ـزـ‬ ‫يحفظــه اهلل ـ اســتمر هــذا الدعــم وتواصــل بنفــس الوتيــرة مــع‬ ‫احلفــاظ علــى االعتــدال يف اخلطــاب والنهــج‪ .‬ففــي خطابــه أمــام‬ ‫اجلمعيــة العامــة لــأمم املتحــدة يف دورتهــا الـ ـــ ‪ 75‬يف ســبتمبر مــن‬ ‫العــام ‪2020‬م‪ ،‬قــال امللــك ســلمان “إن الســام يف الشــرق األوســط هــو‬ ‫خيارنــا االســتراتيجي‪ ،‬وواجبنــا أال ندخــر جهــداً للعمــل نحــو حتقيــق‬ ‫االســتقرار واالزدهــار والتعايــش بــن شــعوب املنطقــة كافــة‪ .‬وبــن أن‬ ‫اململكــة تدعــم جميــع اجلهــود الراميــة إل ــى الدفــع بعمليــة الســام»‪.‬‬ ‫ولــدى افتتاحــه للقمــة اإلســامية الت ــي عقــدت يف الريــاض يف يونيــو‬ ‫‪2019‬م‪ ،‬قــال امللــك ســلمان بــن عبــد العزيــز ـ يحفظــه اهلل ـ إن القضيــة‬ ‫الفلســطينية «متثــل الركيــزة األساســية ألعمــال منظمــة التعــاون‬ ‫اإلســامي‪ ،‬وه ــي محــور اهتمامنــا حت ــى يحصــل الشــعب الفلســطيني‬ ‫الشــقيق عل ــى كافــة حقوقــه املشــروعة والت ــي كفلتهــا قــرارات الشــرعية‬ ‫الدوليــة ومبــادرة الســام العربيــة» كمــا أكــد رفــض اململكــة القاطــع‬ ‫ألي إجــراءات متــس الوضــع التاريخ ــي والقانون ــي للقــدس الشــريف‪.‬‬

‫دعــم المملكــة لقضيــة فلســطين متواصــل لقــرن ولــم يكــن سياســة‬ ‫موس ــمية وإنم ــا مب ــدأ راس ــخ من ــذ عه ــد المل ــك المؤس ــس وحت ــى اآلن‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫‪35‬‬

‫ملف العدد‬

‫‪ 3‬ســـمات لمواقـــف الســـعودية تجـــاه القضيـــة الفلســـطينية‬ ‫بعي ـ ـ ًدا ع ــن الش ــعبوية والرغب ــة يف الثن ــاء م ــع واقعي ــة الط ــرح‬ ‫عــام ‪ 1964‬م‪ ،‬أعلنــت اململكــة العربيــة الســعودية اعترافهــا مبنظمــة‬ ‫التحريــر الفلســطينية‪ .‬ويف عهــد امللــك فيصــل بــن عبــد العزيــز ـ‬ ‫رحمــه اهلل ـ ســاهمت اململكــة يف إبــراز منظمــة التحريــر الفلســطينية‬ ‫يف احملافــل الدوليــة واإلقليميــة واإلســامية‪ .‬وقــد مت تقــدمي الدعــم‬ ‫املــادي لهــا حيــث قدمــت اململكــة خمســة ماليــن جنيــه اســترليني‬ ‫لتكويــن الكتائــب الت ــي بــدأت لتحريــر فلســطني‪ .‬فيمــا بعــد ويف حــرب‬ ‫‪1973‬م‪ ،‬قامــت اململكــة بقطــع النفــط عــن الــدول الغربيــة الداعمــة‬ ‫إلســرائيل يف عدوانهــا عل ــى العالــم العرب ــي‪ .‬وســاهمت بشــكل كبيــر‬ ‫يف تلــك احلــرب ســواء يف تقــدمي الدعــم املــادي أو املعنــوي لــكل مــن‬ ‫مصــر وســوريا أو مــن خــال املشــاركة الفعليــة يف القتــال علــى‬ ‫اجلبهــة الســورية‪ .‬والحقــاً يف عهــد امللــك خالــد بــن عبــد العزيــز ـ‬ ‫رحمــه اهلل ـ ـــ وعندمــا اجتــاح اجليــش اإلســرائيلي لبنــان عــام ‪1982‬م‪،‬‬ ‫أمــر امللــك بتزويــد املقاتلــن الفلســطينيني بالســاح مــن مخــازن‬ ‫احلــرس الوطن ــي‪ .‬واســتمر الدعــم بشــكل متواصــل مــن أجــل حتقيــق‬ ‫آمــال الشــعب الفلســطيني بتحقيــق دولتــه املســتقلة علــى أرضــه‪.‬‬ ‫هــذا الدعــم الــذي بــدأ منــذ ثمانينــات القــرن العشــرين بــدأ يتســم‬ ‫باالعتــدال والواقعيــة يف الطــرح‪ .‬وبــدأت اململكــة تتخــذ مــن الســبل‬ ‫الدبلوماســية كأدوات لتحقيــق آمــال وتطلعــات الشــعب الفلســطيني‬ ‫يف احلريــة واالســتقالل‪ .‬وأخــذت اململكــة علــى عاتقهــا حمــل هــذه‬ ‫اآلمــال والتطلعــات إل ــى كافــة احملافــل اإلقليميــة والدوليــة‪.‬‬

‫االعتدال‬

‫منــذ بدابــة الثمانينــات بــدأت اململكــة تبــرز كقــوة إقليميــة ذات تأثيــر‬ ‫عاملــي‪ ،‬فاململكــة كمركــز ومؤســس ملنظمــة العمــل اإلســامي ودولــة‬ ‫ذات ثقــل ضمــن الــدول العربيــة ومؤســس رئيــس يف منظمــة أوبــك‪،‬‬ ‫أصبحــت الدولــة األكثــر تأثيــراً يف منطقــة الشــرق األوســط‪ .‬مــن‬ ‫هــذا املوقــع‪ ،‬بــدأت اململكــة تســعى إلــى تقــدمي مشــاريع ومبــادرات‬ ‫تهــدف إلــى حتقيــق حــل عــادل للقضيــة الفلســطينية ويف نفــس‬ ‫الوقــت تعط ــي إســرائيل الفرصــة بــأن تكــون دولــة مقبولــة يف منطقــة‬ ‫الشــرق األوســط تســتطيع العيــش بســام مــع باقــي دول املنطقــة‪.‬‬ ‫فف ــي أغســطس مــن عــام ‪1981‬م‪ ،‬قــدم األميــر فهــد بــن عبــد العزيــز‪،‬‬ ‫وكان ولي ـاً للعهــد آنــذاك‪ ،‬مبــادرة شــاملة حلــل القضيــة الفلســطينية‬ ‫تكونــت مــن ثمانيــة مبــادئ‪:‬‬

‫¦انســحاب إســرائيل مــن جميــع األراضــي التــي احتلتهــا عــام‬ ‫‪1967‬م‪ ،‬مبــا فيهــا القــدس العربيــة‪.‬‬ ‫¦إزالــة املســتعمرات الت ــي أقامتهــا إســرائيل يف األراض ــي العربيــة‬ ‫بعــد العــام ‪1967‬م‪.‬‬ ‫¦تأكيــد حــق الشــعب الفلســطيني يف العــودة‪ ،‬وتعويــض مــن ال‬ ‫يرغــب بالعــودة‪.‬‬ ‫¦ضمــان حريــة العبــادة وممارســة الشــعائر الدينيــة جلميــع‬ ‫األديــان يف األماكــن املقدســة‪.‬‬ ‫¦تخضــع الضفــة الغربيــة وقطــاع غــزة لفتــرة انتقاليــة حتــت‬ ‫إشــراف األمم املتحــدة ملــدة ال تزيــد عــن بضعــة أشــهر‪.‬‬ ‫¦قيام الدولة الفلسطينية املستقلة بعاصمتها القدس‪.‬‬ ‫¦تأكيد حق دول املنطقة يف العيش بسالم‪.‬‬ ‫¦تقــوم األمم املتحــدة أو بعــض الــدول األعضــاء فيهــا بضمــان‬ ‫تنفيــذ تلــك املبــادئ‪.‬‬ ‫لقــد كانــت هــذه املبــادرة أول محاولــة حقيقيــة إليجــاد حــل عــادل‬ ‫وشــامل وواقع ــي للقضيــة الفلســطينية يضمــن حقــوق جميــع الفرقــاء‬ ‫بالعيــش بأمــن وســام ويفســح املجــال لتحقيــق تعايــش ســلمي‬ ‫للجميــع‪ .‬إال أن املبــادرة جوبهــت برفــض مــن إســرائيل وعــدد مــن‬ ‫الــدول العربيــة وجــزء مــن كــوادر منظمــة التحريــر الفلســطينية ومــن‬ ‫منطلــق الرغبــة بتحقيــق توافــق عرب ــي حــول القضيــة الفلســطينية‪،‬‬ ‫أعلنــت اململكــة يف القمــة العربيــة يف املغــرب يف نوفمبــر مــن نفــس‬ ‫العــام ســحب املبــادرة وأعلنــت «أنهــا عل ــى اســتعداد ألن تقبــل أي بديــل‬ ‫يجمــع عليــه العــرب»‪.‬‬ ‫بعــد ذلــك مــر عقديــن مــن الصراعــات العربية‪-‬العربيــة واختــاف يف‬ ‫وجهــات النظــر‪ ،‬اســتطاعت إســرائيل إل ــى جــر منظمــة التحريــر إل ــى‬ ‫توقيــع اتفــاق منفــرد يف أوســلو عــام ‪ 1994‬م‪ ،‬لــم يحقــق للفلســطينيني‬ ‫ســوى ســلطة ضعيفــة يف أجــزاء مــن الضفــة الغربيــة دون أي ســيادة‬ ‫أو اســتقالل‪ .‬ومــع ذلــك قبلــت الســعودية مبــا كان خيــار الشــعب‬ ‫الفلســطيني ولــو أنــه لــم يحقــق شــي ًئا بأمــل تطويــر ذلــك اخليــار إل ــى‬ ‫اتفــاق شــامل ونهائ ــي‪ ،‬ولكــن ذلــك لــم يحصــل‪.‬‬

‫الملـــك ســـلمان بـــن عبـــد العزيـــز اســـتمر يف الدعـــم وتواصـــل‬ ‫بنفـــس الوتيـــرة مـــع الحفـــاظ عىل االعتـــدال يف الخطـــاب والنهـــج‬


‫‪34‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫األمير محمد بن ســلمان نقل ثوابت اململكة تجاه القضية الفلســطينية إلى العالم‬

‫مواقف السعودية تجاه القضية‬ ‫الفلسطينية‪ :‬استمرارية واعتدال ومصداقية‬

‫إن ممــا ال شــك فيــه أن القضيــة الفلســطينية واحتــال إســرائيل ألراض عربيــة‪ ،‬شــكلت واحــدة مــن أكثــر القضايــا تعقيــداً‬ ‫منــذ احلــرب العامليــة الثانيــة وإل ــى اآلن‪ .‬وأصبحــت القضيــة املركزيــة األول ــى بالنســبة للــدول العربيــة وشــعوبها‪ .‬وقــد خصصــت‬ ‫الــدول العربيــة جــز ًءا ها ًمــا مــن جهودهــا الدبلوماســية واملاديــة والعســكرية حلــل وخدمــة هــذه القضيــة‪ .‬ويف مقدمــة هــذه الدول‬ ‫كانــت اململكــة العربيــة الســعودية الت ــي ســاهمت بــدور فعــال ومتواصــل يف هــذه القضيــة‪ .‬هــذا الــدور الــذي بــدأ منــذ ثالثينيــات‬ ‫القــرن املاض ــي يف عهــد امللــك املؤســس عبــد العزيــز بــن عبــد الرحمــن الفيصــل آل ســعود ـ ـــ طيــب اهلل ثــراه ـ دعــم مــادي‬ ‫ومعنــوي وسياس ــي للفلســطينيني بهــدف حتقيــق أمانيهــم باحلريــة واالســتقالل واالســتقرار‪ ،‬وال يــزال هــذا الدعــم قائمـاً إل ــى‬ ‫اليــوم ولــم ينقطــع يومـاً رغــم جســامة األحــداث الت ــي مــرت عل ــى اململكــة والعالــم العرب ــي خــال نفــس الفتــرة‪.‬‬

‫د‪ .‬غالب اخلالدي‬

‫متيــزت مواقــف اململكــة العربيــة الســعودية جتاه القضية الفلســطينية‬ ‫بثــاث ســمات شــكلت يف مجملهــا األســس التــي قامــت عليهــا‬ ‫سياســة اململكــة العربيــة الســعودية جتــاه الصــراع العرب ــي اإلســرائيلي‬ ‫بشــكل عــام والقضيــة الفلســطينية بشــكل خــاص‪ .‬وهــذه الســمات‬ ‫هــي‪ :‬االســتمرارية واالعتــدال واملصداقيــة البعيــدة عــن الشــعبوية‬ ‫ولكــن واقعيــة يف الطــرح واملمارســة‪ .‬فعنــد طــرح مواقــف اململكــة ســواء‬ ‫السياســية منهــا أو الدبلوماســية أو املاديــة‪.‬‬ ‫إن مواقــف اململكــة جتــاه القضيــة الفلســطينية بــدأت تتبلــور منــذ‬ ‫عــام ‪1936‬م‪ ،‬عندمــا قامــت الثــورة الفلســطينية الكبــرى ضــد ســلطات‬ ‫االنتــداب البريطانــي وسياســاته يف فلســطني‪ .‬فقــد كانــت تلــك‬ ‫الســلطات تشــجع وتســاعد املســتوطنني الصهاينة يف االســتيالء على‬ ‫األراضــي الفلســطينية وطــرد أصحابهــا منهــا‪ .‬يف تلــك الفتــرة أمــر‬ ‫امللــك عبــد العزيــز ـ رحمــه اهلل ـ ـــ وزراءه يف اخلارجيــة واملاليــة بإرســال‬ ‫مســاعدات ومعونــات للشــعب الفلســطيني‪ .‬ويف الوقــت نفســه مت‬ ‫التواصــل مــع احلكومــة البريطانيــة إلعــادة النظــر يف مواقفهــا وإدارتهــا‬ ‫لفلســطني القائمــة علــى توفيــر الدعــم واملســاعدة للمســتوطنني‬ ‫الصهاينــة عل ــى حســاب ســكان األرض مــن الفلســطينيني‪ .‬وكان امللــك‬

‫عبــد العزيــز ـ رحمــه اهلل ـ ـــ حازم ـاً يف هــذا املوقــف‪ ،‬حيــث رفــض كل‬ ‫اإلغــراءات البريطانيــة للتخل ــي عــن دعمــه للفلســطينيني‪ .‬فقــد رفــض‬ ‫عرضـاً مــن البريطان ــي جــون فيلب ــي بــأن حتصــل اململكــة عل ــى معونــة‬ ‫بقيمــة ‪ 250‬مليــون ريــال باإلضافــة إلــى اســتقالل كافــة اإلمــارات‬ ‫العربيــة عــدى عــدن مقابــل تغييــر سياســته جتــاه فلســطني‪.‬‬ ‫ومنــذ ذلــك الوقــت إل ــى اآلن لــم تتغيــر مواقــف اململكــة يف الوقــوف إلى‬ ‫جانــب الشــعب الفلســطيني يف حتقيــق آمالــه يف االســتقالل وتقريــر‬ ‫املصيــر‪ .‬فف ــي فتــرة مــا بعــد احلــرب العامليــة الثانيــة ويف مراســاته‬ ‫مــع الرئيــس األمريكــي روزفلــت‪ ،‬بــن امللــك عبــد العزيــز أهميــة‬ ‫حقــوق الشــعب الفلســطيني ورفــض فكــرة االســتيطان الصهيون ــي يف‬ ‫فلســطني وكان ـ ـــ رحمــه اهلل ـ ـــ يعتقــد اعتقــاداً راســخاً أن موقفــه نابــع‬ ‫مــن إميانــه العميــق بعدالــة هــذا املوقــف وجــزء مــن حرصــه علــى‬ ‫عروبــة فلســطني وعدالــة القضيــة الفلســطينية‪ .‬واســتمر هــذا املوقــف‬ ‫يف كل الفتــرات الالحقــة‪.‬‬ ‫ففــي عهــد امللــك ســعود بــن عبــد العزيــز ـ رحمــه اهلل ـ ـــ تكونــت‬ ‫اللجــان الشــعبية ملســاعدة الشــعب الفلســطيني‪ .‬ويف ســبتمبر‪ /‬أيلــول‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫‪33‬‬

‫ملف العدد‬

‫إسرائيل أحالت معظم المبادرات لدائرة النسيان لكن لم تستطع‬ ‫فعل ذلك مع المبادرة العربية لديناميكيتها وواقعيتها واإلجماع عليها‬ ‫الفلســطينية‪ ،‬فإنــه يتوقــع تزايــد النزعــة العنصريــة يف إســرائيل‪،‬‬ ‫ال ســيما بعــد أحــداث الســابع مــن أكتوبــر‪ ،‬حيــث ارتفعــت أصــوات‬ ‫املتشــددين وباتــت هــي األعلــى‪ ،‬وهــو مــا يتجلــى يف تصريحــات‬ ‫العديــد مــن مســؤولي حكومــة االحتــال الت ــي أكــدوا فيهــا أن احلــرب‬ ‫يف غــزة قــد متتــد إل ــى عــام وأكثــر‪.‬‬

‫لحظة الحقيقة‬ ‫العالــم يقــف اآلن أمــام مفتــرق طــرق حقيق ــي‪ ،‬وعليــه إذا أراد الســام‬ ‫والقضــاء عل ــى مسـ ّببات اإلرهــاب أن يرغــم دولــة االحتــال عل ــى قبــول‬ ‫املبــادرة واالنخــراط يف جهــود حقيقيــة وبحســن نيــة للوصــول إلــى‬ ‫الســام املســتدام‪ .‬أمــا تقــدمي الدعــم الكامــل للمعتــدي املغتصــب‬ ‫فســوف يضــع املنطقــة والعالــم برمتــه عل ــى فوهــة بــركان‪.‬‬ ‫لذلــك كلــه‪ ،‬فــإن العالــم بحاجــة إلــى حتــرك ســريع يحــرك بركــة‬ ‫الســكون‪ ،‬وعلــى الــدول الكبــرى ذات العضويــة الدائمــة يف مجلــس‬ ‫األمــن الدول ــي أن تتحل ــى مبســؤولياتها األخالقيــة يف إنصــاف الشــعب‬ ‫الفلســطيني مــن هــذا الظلــم الصهيون ــي القاهــر‪ ،‬ومتكينــه بعــد هــذه‬ ‫العقــود مــن التشــرد واملعانــاة‪ ،‬مــن حقوقــه املشــروعة يف أرضــه والعمــل‬

‫عل ــى قيــام دولتــه املســتقلة‪ .‬ولتحقيــق هــذه الغايــة فإنــه ال بــد مــن‬ ‫دراســة خطــط عمــل ملموســة إلعــادة تعبئــة الشــركاء اإلقليميــن‬ ‫والدوليــن إلعــادة االلتــزام بجهودهــم لدعــم اســتئناف عمليــة‬ ‫الســام عل ــى أســاس مبــادرة الســام العربيــة وقــرارات األمم املتحــدة‬ ‫ومرجعيــات الســام الدوليــة‪.‬‬ ‫اآلن فــإن هنــاك مســؤولية تاريخيــة عل ــى الدول الكبــرى وذات العضوية‬ ‫الدائمــة يف مجل ــس األمــن الدول ــي ‪-‬إذا مــا أرادت لتلــك املســاعي أن‬ ‫تؤت ــي أكلهــا وأن يتحقــق الســام يف العالــم أن تقــوم بخطــوة عمليــة‪،‬‬ ‫وموقــف أكثــر قــوة يــردع حكومــة نتنياهــو اليمينيــة املتطرفــة‪ ،‬ويكبــح‬ ‫جماحهــا‪ ،‬ويوقــف ممارســاتها املتهــورة الت ــي تدفــع العالــم بأســره نحــو‬ ‫مزيــد مــن التوتــر‪ .‬فــا مجــال حلســابات سياســية خاصــة أو مزايدات‪،‬‬ ‫أو بحــث عــن مكاســب آنيــة‪ ،‬فمــا أجنــزه املجتمــع الدول ــي بالقضــاء‬ ‫عل ــى شــبح الدواعــش وقــرب نهايــة كابوســهم تهــدده تلــك التصرفــات‬ ‫غيــر املســؤولة‪ ،‬فه ــي متنــح قــوى اإلرهــاب فرصــة العــودة إل ــى املســرح‬ ‫مــن جديــد‪ ،‬بشــكل قــد يكــون أكثــر دمويــة وأشــد بشــاعة‪.‬‬ ‫* عضو مجلس الشورى ـ عضو لجنة الصداقة األوروبية باملجلس ـ اململكة‬ ‫العربية السعودية‬


‫‪32‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫وضعية القدس‬ ‫ورغــم محــاوالت دولــة االحتــال اإلســرائيلي مــرا ًرا وتكــرا ًرا إفــراغ‬ ‫القضيــة الفلســطينية مــن مضمونهــا‪ ،‬عبــر خطــط الضــم املختلفــة‪،‬‬ ‫أو إحــداث تغييــر عل ــى األرض يف وضــع مدينــة القــدس‪ ،‬ســواء بصــورة‬ ‫منفــردة أو عبــر مقترحــات تقدمهــا الــدول الداعمــة لهــا‪ ،‬إال أن املوقــف‬ ‫العرب ــي ظــل موح ـدًا جتــاه هــذه القضيــة املصيريــة‪ ،‬وأكــدت جامعــة‬ ‫الــدول العربيــة وكافــة الــدول املنضويــة حتتهــا أن مثــل هــذه املؤامــرات‬ ‫تعتبــر «جرميــة حــرب» وأن هــذه اخلطــط‪ ،‬مرفوضــة جملــة وتفصيـ ً‬ ‫ا‪،‬‬ ‫جزئي ـاً أو كلي ـاً‪ ،‬يف احلــال أو يف املســتقبل‪.‬‬ ‫ولــم تخــل أي مــن القمــم العربيــة أو اإلســامية الت ــي عقــدت خــال‬ ‫العقــود الســابقة مــن إدانــة ورفــض املمارســات واالنتهــاكات التــي‬ ‫تســتهدف الفلســطينيني يف أرواحهــم وممتلكاتهــم ووجودهــم كافــة‪،‬‬ ‫مؤكــدة علــى أهميــة تكثيــف اجلهــود للتوصــل إلــى تســوية شــاملة‬ ‫وعادلــة للقضيــة الفلســطينية‪ ،‬وإيجــاد أفــق حقيقــي لتحقيــق‬ ‫الســام علــى أســاس حــل الدولتــن وفقــاً للمرجعيــات الدوليــة‬ ‫وعل ــى رأســها مبــادرة الســام العربيــة ومبــادئ القانــون الدول ــي مبــا‬ ‫يضمــن إقامــة الدولــة الفلســطينية املســتقلة ذات الســيادة عل ــى كافــة‬ ‫األراض ــي احملتلــة‪ ،‬إضافــة إل ــى دعــوة املجتمــع الدول ــي إل ــى االضطــاع‬ ‫مبســؤولياته إلنهــاء االحتــال‪ ،‬ووقــف االعتــداءات واالنتهــاكات املتكــررة‬ ‫الت ــي مــن شــأنها عرقلــة مســارات احللــول السياســية وتقويــض جهــود‬ ‫الســام الدوليــة ‪.‬‬

‫أفكار شاذة‬ ‫لكــن دولــة العــدوان اإلســرائيلي اســتمرأت التمــادي يف انتهاكاتهــا الت ــي‬ ‫تتعــارض مــع كافــة القوانــن واملعاهــدات الدوليــة‪ ،‬وأعلنــت مبنتهــى‬ ‫الصلــف رفضهــا إلقامــة دولــة فلســطينية مســتقلة‪ .‬ومضــت أكثــر مــن‬ ‫ذلــك لإلفصــاح بــكل جــرأة أنهــا تريــد إقامــة دولــة يهوديــة عنصريــة‬ ‫ـعب بأكملــه‪ .‬كمــا طالبــت يف مــرات كثيــرة‬ ‫خالصــة‪ ،‬وعل ــى حســاب شـ ٍ‬ ‫بإعــادة توطــن الفلســطينيني يف غــزة أو األردن‪ .‬كمــا اقتــرح بعــض‬ ‫قادتهــا االســتيالء عل ــى كامــل األرض ــي العربيــة‪ ،‬مــع «الســماح» بإقامــة‬ ‫«كانتونــات» فلســطينية متناثــرة يف الضفــة الغربيــة وغــزة‪ ،‬يقيــم فيهــا‬ ‫الفلســطينيون دون رابــط قوم ــي ووطن ــي واحــد‪ ،‬وبحيــث يســمح لــكل‬ ‫«كانتــون» مبمارســة احلكــم احملل ــى عل ــى أرضــه‪.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫هــذا احلــل الــذي ال يصــدر إال عــن عقــول مريضــة مهووســة رفضــه‬ ‫الفلســطينيون والعــرب بصــورة قاطعــة‪ ،‬كمــا عارضتــه كافــة الــدول‬ ‫واملؤسســات واملنظمــات الدوليــة ملــا ينطــوي عليــه مــن اعتــداء ســافر‬ ‫علــى حقــوق أقــرت بهــا األمم املتحــدة‪ ،‬لكــن هــذا الرفــض العاملــي‬ ‫الواســع لــم تقابلــه تــل أبيــب مبوضوعيــة ألن قادتهــا ال زالــوا يؤمنــون‬ ‫بــأن لهــم احلــق يف االســتيالء عل ــى أراض ــي اآلخريــن اســتنا ًدا إل ــى لغــة‬ ‫القــوة وفــرض سياســة األمــر الواقــع‪.‬‬ ‫فاحلكومــات اإلســرائيلية املتعاقبــة أدمنــت التســويف والتالعــب‬ ‫بأحاديــث الســام‪ ،‬أمــ ً‬ ‫ا يف كســب املزيــد مــن الوقــت مبــا يضمــن‬ ‫لهــا قضــم مــا تبق ــى مــن األراض ــي الفلســطين ّية‪ ،‬وحت ــى تصبــح قصــة‬ ‫أي محتــوى ومعنــى‪ ،‬ال ســيما‬ ‫إقامــة دولــة فلســطين ّية مفرغــ ًة مــن ّ‬ ‫احلكومــة اليمينيــة املتطــرف التــي يقودهــا بنيامــن نتنياهــو التــي‬ ‫ِ‬ ‫القض ّيــة الفلســطي ِن ّية‪ ،‬عبــر‬ ‫تعلــن بــدون مــواراة عزمهــا عل ــى تصفيــة‬ ‫تفريــغ فلســطني مــن شــعبها‪ ،‬تــارة عبــر إزاحــة الفلســطين ّيني يف غــزة‬ ‫نحــو شــبه جزيــرة ســيناء‪ ،‬وتــارة أخــرى مــن خــال التفكيــر املؤكــد يف‬ ‫مــا اصطلــح عل ــى تســميته ب ـــ «ترانســفير» لســكان الضفــة الغر ِبيــة‬ ‫باجتــاه األردن‪.‬‬

‫أصوات عاقلة‬ ‫تفجــر األحــداث يف غــزة والضفــة الغربيــة‪ ،‬عــاد احلديــث مــرة‬ ‫اآلن ومــع ّ‬ ‫أخــرى عــن املبــادرة العربيــة بوصفهــا احلــل األمثــل الــذي يضــع ح ـدًا‬ ‫لهــذه املشــكلة الت ــي ظلــت تــؤرق العالــم منــذ ‪ 75‬عا ًمــا‪ ،‬فقــد ظلــت‬ ‫إســرائيل تــراوغ طيلــة هــذه الفتــرة وترفــض االنصيــاع إلــى صــوت‬ ‫العقــل‪.‬‬ ‫حت ــى داخــل إســرائيل نفســها هنــاك شــخصيات كثيــرة بــارزة ومؤثــرة‬ ‫بــدأت تدعــو إلعــادة النظــر يف املبــادرة واملوافقــة عليهــا‪ ،‬مثــل الوزيــر‬ ‫الســابق مائيــر شــتريت الــذي كتــب خــال األســبوع املاضــي مقــاال‬ ‫يف صحيفــة «معاريــف» قــال فيــه «مــا مــن حلــول ســحر ّية لتحقيــق‬ ‫الســام واالســتقرار يف املنطقــة‪ ،‬لكــن هنــاك حــل ممكــن للخــروج مــن‬ ‫املــأزق احلال ــي وهــو املبــادرة العربيــة‪ ،‬فإســرائيل ال يفيدهــا البقــاء إل ــى‬ ‫األبــد عل ــى حــد الســيف‪ ،‬فيمــا االعتمــاد عل ــى دعــم مطلــق وال نهائ ــي‬ ‫أمريك ــي ملواقفهــا املتعنتــة يبق ــى مــن قبيــل احللــم غيــر الواقع ــي»‪.‬‬ ‫وعل ــى الرغــم مــن وجــود هــذه األصــوات العاقلــة‪ ،‬يتوجــب االنتبــاه إل ــى‬ ‫أنــه يف ظــل هــذا الوضــع الشــائك واجلمــود الــذي تواجهــه األزمــة‬

‫إجماع عربي وإسالمي تدعمه الكثير من القوى الدولية عىل أن المبادرة‬ ‫العربية هي الخطة المقبولة الوحيدة يف الوقت الحايل من كافة األطراف‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫‪31‬‬

‫ملف العدد‬

‫الموقف السعودي ظل متمي ًزا يف توحيد الصفوف وجمع كلمة‬ ‫الفلسطينيين عىل موقف واحد وحماية القدس المحتلة ومقدساتها‬ ‫املســتوطنات عل ــى األراض ــي الفلســطينية‪ ،‬ودعمــت مــا ورد يف قــرار‬ ‫مجلــس األمــن ‪ 2334‬الــذي أكــد أن إنشــاء تــل أبيــب للمســتوطنات‬ ‫عل ــى األراض ــي الفلســطينية يشــكل انتهــاكاً صارخـاً مبوجــب القانــون‬ ‫الدول ــي‪ ،‬وعقبــة أمــام حتقيــق الســام الدائــم والشــامل‪.‬‬ ‫وتقدي ـ ًرا للظــروف االقتصاديــة الت ــي ميــر بهــا الشــعب الفلســطيني‬ ‫نتيجــة مجموعــة مــن التحديــات االقتصاديــة واالجتماعيــة التــي‬ ‫تتزايــد بســبب ســنوات طويلــة مــن االحتــال اإلســرائيلي املجحــف‪،‬‬ ‫فــإن اململكــة – إضافــة إل ــى دعمهــا السياس ــي املســتمر ‪ -‬لــم تتأخــر‬ ‫عــن تقــدمي املســاعدات اإلنســانية واإلغاثيــة للشــعب الفلســطيني‪،‬‬ ‫حيــث ســاهمت عل ــى مــدى ســنوات االحتــال الطويلــة بتقــدمي الدعــم‬ ‫املــادي والعين ــي‪ ،‬وتعــد مــن أكبــر الــدول املانحــة لوكالــة (األونــروا) مــن‬ ‫خــال االتفاقيــات املو ّقعــة مــع مركــز امللــك ســلمان لإلغاثــة واألعمــال‬ ‫اإلنســانية‪ ،‬والصنــدوق الســعودي للتنميــة‪ ،‬حيــث ينبــع ذلــك مــن‬ ‫اإلميــان بأهميــة هــذه القضيــة‪ ،‬ودفاعــاً عــن حقــوق الفلســطينيني‬ ‫يف العيــش الكــرمي‪.‬‬ ‫وكانــت كلمــات امللــك عبــد اهلل – رحمــه اهلل – التاريخيــة مبثابــة‬ ‫بوصلــة حلــل املشــكلة حينمــا قــال مبنتهــى الوضــوح خــال قمــة‬ ‫بيــروت «حــان الوقــت إلســرائيل كــي تراهــن علــى الســام بعــد أن‬ ‫راهنــت عل ــى احلــرب طــوال العقــود املاضيــة‪ ،‬إن عل ــى اإلســرائيليني أن‬ ‫يفهمــوا أنــه لــن يتحقــق الســام طاملــا اســتمرت بالدهــم يف احتــال‬ ‫األراض ــي العربيــة‪ .‬أمــا إذا اختــارت إســرائيل إرجــاع األراض ــي العربيــة‬ ‫احملتلــة ألصحابهــا‪ ،‬فإنهــا تع ّبــر بذلــك عــن رغبتهــا يف ســام حقيق ــي‪،‬‬ ‫وحــن ذلــك ميكــن للشــعب اإلســرائيلي أن يعيــش يف أمــن بــن شــعوب‬ ‫املنطقــة»‪.‬‬

‫كلمات مضيئة‬ ‫وآخــر املواقــف الســعودية املؤيــدة للفلســطينيني هــي كلمــات ولــي‬ ‫العهــد األميــر محمــد بــن ســلمان – حفظــه اهلل – خــال القمــة‬ ‫العربيــة اإلســامية التــي عقــدت يف نوفمبــر املاضــي بالســعودية‬ ‫والت ــي كانــت مبثابــة قــرع لناقــوس اخلطــر عندمــا قــال «نحــن أمــام‬ ‫كارثــة إنســانية تشــهد عل ــى فشــل مجل ــس األمــن واملجتمــع الدول ــى‬ ‫يف وضــع حــد لالنتهــاكات اإلســرائيلية الصارخــة للقوانــن واألعــراف‬ ‫الدوليــة والقانــون الدولــى وتبرهــن علــى ازدواجيــة املعاييــر وتهــدد‬ ‫األمــن واالســتقرار العامل ــى ممــا يتطلــب جه ـدًا جماع ًيــا فعـ ً‬ ‫ـااًل لوضــع‬ ‫حــد لهــذا الوضــع املؤســف‪ ،‬وفــك احلصــار وإدخــال املســاعدات‪،‬‬ ‫وتؤكــد اململكــة رفضهــا القاطــع للحصــار والتهجيــر وحتمــل ســلطات‬

‫االحتــال مســؤولية اجلرائــم املرتكبــة»‪.‬‬ ‫كمــا أكــد البيــان اخلتام ــي للقمــة جتديــد التأكيــد عل ــى ثبــات املوقــف‬ ‫العربــي باســتحالة حتقيــق الســام اإلقليمــي بتجــاوز القضيــة‬ ‫الفلســطينية أو محــاوالت جتاهــل حقــوق الشــعب الفلســطيني‪ ،‬وأن‬ ‫مبــادرة الســام العربيــة مت ّثــل مرجعيــة أساســية‪ .‬كمــا ح ّمــل إســرائيل‬ ‫مســؤولية اســتمرار الصــراع وتفاقمــه نتيجــة عدوانهــا علــى حقــوق‬ ‫الشــعب الفلســطيني واملقدســات اإلســامية واملســيحية‪ ،‬وسياســاتها‬ ‫وممارســاتها املمنهجــة وخطواتهــا األحاديــة الالشــرعية الت ــي تكــرس‬ ‫االحتــال وتخــرق القانــون الدولــي‪ ،‬وحتــول دون حتقيــق الســام‬ ‫العــادل والشــامل‪.‬‬

‫تبرير اإلرهاب‬ ‫هــذه الكلمــات الواضحــة تؤكــد بجــاء أن العــرب لــن يكتفــوا مبشــاهدة‬ ‫إســرائيل وهــي ترتكــب كل هــذه اجلرائــم والفظائــع‪ ،‬وأن الصبــر‬ ‫العرب ــي عل ــى جتــاوزات االحتــال وانتهاكاتــه املتكــررة للقانــون الدول ــي‬ ‫قــد شــارف عل ــى النفــاذ‪ ،‬وقــد آن للمجتمــع الدول ــي أن يصحــح هــذه‬ ‫األوضــاع وأن يلــزم إســرائيل بوقــف تعدياتهــا‪.‬‬ ‫الالفــت يف االجتمــاع أن معظــم الــوزراء العــرب أشــاروا يف كلماتهــم‬ ‫إلــى أن مــا تقــوم بــه تــل أبيــب مــن انتهــاكات بحــق الفلســطينيني‪،‬‬ ‫ومصــادرة أراضيهــم‪ ،‬وقتــل أبنائهــم‪ ،‬وهــدم منازلهــم ومصــادرة األمــل‬ ‫مــن قلوبهــم يعــد هــو احملــرك األكبــر للكيانــات اإلرهابيــة‪ ،‬ومينحهــا‬ ‫مبــررات البقــاء‪ ،‬وميدهــا باملتطرفــن‪ ،‬حيــث تســتغل تلــك التنظيمــات‬ ‫الصعــاب الت ــي يعيشــها الفلســطينيون‪ ،‬ومــا يواجهونــه مــن اعتــداءات‬ ‫عل ــى أيــدي جنــود االحتــال لتجنيــد املتطرفــن مــن الشــباب املســلم‪،‬‬ ‫وذلــك باســتغالل مشــاهد الدمــاء العربيــة وهــي تســيل علــى أرض‬ ‫فلســطني‪ ،‬وتتمكــن بذلــك مــن التغريــر بالبســطاء‪ ،‬فتجندهــم يف‬ ‫صفوفهــا‪ ،‬بذريعــة أن مــا يقومــون بــه مــن أعمــال إرهابيــة يصــب يف‬ ‫خدمــة اإلســام واملســلمني‪.‬‬ ‫ونتيجــة لتكامــل املبــادرة العربيــة فقــد وصفهــا الكثيــر مــن املراقبــن‬ ‫الدوليــن وخبــراء السياســة بأنهــا كانــت فرصــة ذهبيــة ســانحة‬ ‫لتحقيــق الســام وإنهــاء هــذا التوتــر‪ ،‬فالقضيــة الفلســطينية كمــا‬ ‫هــو معلــوم ه ــي قضيــة العــرب واملســلمني املركزيــة‪ ،‬والت ــي لــن يعــرف‬ ‫العالــم طري ًقــا نحــو االســتقرار واألمــن والســام إال بعــد وضــع حلــول‬ ‫لهــا‪ .‬لذلــك ســارعت كثيــر مــن الــدول الغربيــة إلــى إعــان دعمهــا‬ ‫السياســي والدبلوماســي للحــل العربــي‪.‬‬


‫‪30‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫دفاع المملكة عن القضية الفلسطينية ثابت منذ عهد المؤسس الملك‬ ‫عبد العزيز وهو ما أعلنه األمير محمد بن سلمان خالل القمة العربية اإلسالمية‬ ‫لتحقيــق األمــن جلميــع دول املنطقــة‪ ،‬وإنشــاء عالقــات طبيعيــة يف‬ ‫إطــار هــذا الســام الشــامل مبــا مي ّكــن الــدول العربيــة وإســرائيل مــن‬ ‫العيــش يف ســام جن ًبــا إل ــى جنــب‪ ،‬ويوفــر لألجيــال القادمــة مسـ ً‬ ‫ـتقباًل‬ ‫آم ًنــا يســوده الرخــاء واالســتقرار‪.‬‬

‫التميز السعودي‬ ‫ورغــم أن الــدول العربيــة كافــة جتمــع علــى هــذه املواقــف القويــة‬ ‫الواضحــة‪ ،‬إال أن املوقــف الســعودي ظــل متمي ـزًا‪ ،‬مــن حيــث توحيــد‬ ‫الصفــوف‪ ،‬والعمــل علــى جمــع كلمــة الفلســطينيني علــى موقــف‬ ‫واحــد‪ ،‬والتشــديد علــى مواصلــة اجلهــود الراميــة حلمايــة مدينــة‬ ‫القــدس احملتلــة ومقدســاتها يف وجــه املســاعي املدانــة لالحتــال‬ ‫لتغييــر دميغرافيتهــا وهويتهــا والوضــع التاريخــي والقانونــي القائــم‬ ‫فيهــا‪.‬‬ ‫وأكــدت الســعودية مــرا ًرا وتكــرا ًرا ويف كافــة املناســبات‪ ،‬أنــه ال ميكــن‬ ‫حتقيــق الســلم واألمــن واالســتقرار للشــعب الفلســطيني مالــم يتــم‬ ‫حصولــه علــى حقوقــه املشــروعة بالعيــش علــى أرضــه مبــا يحقــق‬

‫آمالــه وطموحاتــه‪ ،‬انطالقــاً مــن مبــادئ ميثــاق األمم املتحــدة التــي‬ ‫تُعن ــى يف األســاس بتحقيــق األمــن والســلم الدوليــن‪ ،‬وقمــع أعمــال‬ ‫العــدوان ومنــع األســباب الت ــي تهــدد الســلم وإزالتهــا‪ ،‬وتؤكــد يف ذات‬ ‫الوقــت عل ــى احتــرام مبــدأ املســاواة يف احلقــوق بــن الشــعوب‪ ،‬وبــأن‬ ‫يكــون لــكل منهــا حــق تقريــر مصيرهــا‪.‬‬

‫ركيزة أساسية‬ ‫كمــا لــم تتــوان الســعودية يف الدفــاع عــن القضيــة الفلســطينية منــذ‬ ‫عهــد املؤســس امللــك عبــد العزيــز بــن عبــد الرحمــن ‪-‬رحمــه اهلل‬ ‫وحت ــى يومنــا هــذا‪ ،‬حيــث ال تــزال هــذه القضيــة عل ــى رأس القضايــا‬‫التــي تدعمهــا اململكــة يف سياســتها اخلارجيــة‪ .‬وال يــزال املوقــف‬ ‫الســعودي ثابت ـاً يف الدفــاع عــن حقــوق الفلســطينيني املشــروعة‪ ،‬ويف‬ ‫التمســك مببــادرة الســام العربيــة الت ــي جــاءت كركيــزة مهمــة تدعــم‬ ‫إنهــاء الصــراع العربي‪-‬اإلســرائيلي وتع ـزّز فــرص إحــال الســام بــن‬ ‫جميــع األطــراف‪.‬‬ ‫وش ـ ّددت كذلــك عل ــى أهميــة توقــف االحتــال اإلســرائيلي عــن بنــاء‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫‪29‬‬

‫ملف العدد‬

‫مبادرة السالم العربية ‪ ..‬نافذة األمل وسط الظالم‬

‫اعتراف عالمي بأهمية وواقعية المبادرة‬ ‫العربية للسالم إلنهاء مأساة ‪ 75‬عا ًم ا‬ ‫رغــم مــرور ‪ 22‬عا ًمــا عل ــى مبــادرة الســام العربيــة الت ــي طرحهــا امللــك عبــد اهلل بــن عبــد العزيــز – رحمــه اهلل ‪ -‬خــال‬ ‫أعمــال مؤمتــر القمــة العربيــة الــذي عقــد يف بيــروت عــام ‪2002‬م‪ ،‬ال زالــت آفــاق الســام مســدودة‪ ،‬وال زالــت اجلهــود الت ــي‬ ‫تهــدف إليجــاد حــل جــذري ألزمــة الشــرق األوســط تــراوح مكانهــا بســبب التعنــت الــذي تبديــه احلكومــات اإلســرائيلية املتعاقبــة‬ ‫الت ــي أدمنــت االلتفــاف عل ــى املبــادرات املتع ـ َددة لتحقيــق الســام وتع ّمــدت إفشــالها‪ ،‬وواصلــت خططهــا االســتعمارية الراميــة‬ ‫لالســتيالء علــى كامــل فلســطني عبــر االســتيطان وغيــره‪ ،‬وحرمــان الشــعب العربــي مــن حقوقــه املشــروعة التــي أقرتهــا‬ ‫املنظمــات الدوليــة واعتــرف بهــا العالــم أجمــع‪.‬‬

‫د‪ .‬هادي بن علي اليامي‬

‫ومــع أن دولــة االحتــال اإلســرائيلي اســتطاعت تقري ًبــا أن حتيــل‬ ‫معظــم تلــك املبــادرات إلــى دائــرة النســيان بتجاهلهــا املســتمر‪ ،‬إال‬ ‫أنهــا لــم تســتطع فعــل ذلــك مــع املبــادرة العربيــة ألســباب متع ـ ّددة يف‬ ‫مقدمتهــا الديناميكيــة الكبيــرة الت ــي تتحل ــى بهــا‪ ،‬ومقاربتهــا للواقــع‪،‬‬ ‫واإلجمــاع الكبيــر الــذي حظيــت بــه مــن كافــة الــدول العربيــة وســائر‬ ‫الــدول احملبــة للســام والت ــي تتمســك بفرضهــا عل ــى تــل أبيــب رغــم‬ ‫تعنتهــا واســتقوائها بالــدول الت ــي تدعمهــا‪.‬‬ ‫لذلــك فــإن هنــاك إجمــاع عرب ــي وإســامي كامــل‪ ،‬تدعمــه الكثيــر مــن‬ ‫القــوى الدوليــة عل ــى أن خطــة الســام الت ــي تضمنتهــا املبــادرة العربيــة‬ ‫ه ــي اخلطــة املقبولــة الوحيــدة يف الوقــت احلال ــي مــن كافــة األطــراف‬ ‫واملؤهلــة لتحقيــق االســتقرار والوصــول إل ــى ســام دائــم وعــادل وشــامل‬ ‫بــن العــرب وإســرائيل‪.‬‬ ‫ويقــوم الرفــض اإلســرائيلي للمبــادرة عل ــى رغبتهــا يف االســتيالء عل ــى‬ ‫األراضــي العربيــة احملتلــة ومصــادرة حــق الفلســطينيني يف إقامــة‬ ‫دولتهــم املســتقلة‪ ،‬اعتمــا ًدا علــى مبــدأ القــوة‪ ،‬والدليــل هــو أن هــذا‬ ‫الكيــان الغاصــب لــم يتقــدم منــذ عــام ‪1948‬م‪ ،‬بــأي مبــادرة إلنهــاء‬ ‫النــزاع‪ ،‬ولــم يتجــاوب مــع جميــع اجلهــود الدوليــة املبذولة‪ ،‬وهي ليســت‬ ‫سياســة حكوميــة فقــط‪ ،‬بــل إن كثيــرا مــن األحــزاب اإلســرائيلية جتنــح‬

‫للتشــدد وتطــرح برامــج دعائيــة متطرفــة قبيــل االنتخابــات الســتمالة‬ ‫الناخبــن وكســب أصواتهــم‪ ،‬وهــو مــا يشــير إلــى أن التطــرف هــو‬ ‫توجــه عــام لديهــم‪.‬‬

‫مزايا المبادرة‬

‫مــن أبــرز مزايــا مبــادرة الســام العربية ذات البنود الســبعة أنها حتفظ‬ ‫حقــوق جميــع األطــراف‪ ،‬وتضمــن انتهــاء النــزاع العرب ــي اإلســرائيلي‬ ‫إلــى األبــد‪ ،‬وإنشــاء دولــة فلســطينية مســتقلة ومعتــرف بهــا دوليــاً‬ ‫علــى حــدود عــام ‪1967‬م‪ ،‬وعاصمتهــا القــدس الشــرقية‪ ،‬والتوصــل‬ ‫حلــل عــادل ملشــكلة الالجئــن الفلســطينيني‪ ،‬يتــم االتفــاق عليــه وفقـاً‬ ‫لقــرار اجلمعيــة العامــة لــأمم املتحــدة رقــم ‪ ،194‬واالنســحاب مــن‬ ‫هضبــة اجلــوالن‪ ،‬وكل األراض ــي الت ــي احتلتهــا إســرائيل عــام ‪1967‬م‪،‬‬ ‫ومــا بعــده‪ ،‬وضمــان رفــض كل أشــكال التوطــن الفلســطيني الــذي‬ ‫يتناف ــى والوضــع اخلــاص يف البلــدان العربيــة املضيفــة‪ .‬كمــا تطالــب‬ ‫املبــادرة دولــة االحتــال بإعــادة النظــر يف سياســاتها‪ ،‬وأن جتنــح‬ ‫للســام العــادل الــذي هــو خيارهــا االســتراتيجي ً‬ ‫أيضــا‪.‬‬ ‫ويف مقابــل هــذه املطالبــات املشــروعة ســيقوم اجلانــب العرب ــي باعتبــار‬ ‫النــزاع مــع إســرائيل منته ًيــا‪ ،‬وعقــد اتفاقيــة ســام بــن اجلانبــن‬


‫‪28‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫لاللتفاف عىل الحلول السلمية طالبت إسرائيل بتوطين الفلسطينيين‬ ‫يف األردن و" كانتونــات" فلســطينية متناثــرة يف الضفــة وغــزة‬ ‫الظلــم الصهيون ــي القاهــر‪ ،‬ومتكينــه‪ ،‬بعــد هــذه العقــود مــن التشــرد‬ ‫واملعانــاة‪ ،‬مــن احلصــول علــى احلــد األدنــى مــن حقوقــه املشــروعة‬ ‫يف أرضــه‪ ،‬والــذي يتمثــل – بصفــة رئيســية ‪-‬يف أحــد وضعــن‪:‬‬ ‫أمــا “حــل الدولتــن”‪ ،‬وقيــام دولــة فلســطينية مســتقلة بعاصمتهــا‬ ‫القــدس الشــرقية عل ــى كامــل األراض ــي الت ــي احتلتهــا إســرائيل عــام‬ ‫‪1967‬م‪ ،‬وأمــا إقامــة دولــة دميقراطيــة واحــدة ‪ ...‬يعيــش فيهــا الشــعبان‬ ‫اإلســرائيلي والفلســطيني كمواطنــن متســاوي احلقــوق والواجبــات‪.‬‬ ‫أمــا احللــول «الترقيعيــة» فلــن تكــون حلــوالً‪ .‬وال يجــب أن تشــكل‬ ‫املســتوطنات اإلســرائيلية عقبــة مقصــودة‪ ،‬ألن هــذه املســتوطنات غيــر‬ ‫مشــروعة أص ـ ً‬ ‫ا‪ .‬والعدالــة املجــردة تقتض ــي أن تعط ــى منشــآت هــذه‬ ‫املســتوطنات للجانــب الفلســطيني‪ ،‬كجــزء مــن تعويضــه عمــا مض ــى‪.‬‬ ‫وتظــل األنظــار متجهــة إل ــى أمريــكا ودول الغــرب املتنفــذ األخــرى‪،‬‬ ‫التــي لديهــا مفاتيــح حــل هــذه املأســاة ‪ ...‬والتــي رمبــا تــدرك اآلن‬

‫أن إســراعها يف وضــع حــل ينه ــي هــذه املأســاة لــن يكــون العتبــارات‬ ‫إنســانية وخيريــة وحســب‪ ،‬بــل ولإلســهام يف اســتتباب األمــن والســلم‬ ‫اإلقليميــن والدوليــن‪ ،‬ومبــا يصــب يف نهايــة األمــر يف مصلحــة‬ ‫الغــرب‪ ،‬وكل العالــم‪.‬‬ ‫وكمــا هــو معــروف‪ ،‬فــإن أمريــكا تلعــب الــدور الرئيــس يف هــذه القضيــة‬ ‫‪ /‬املأســاة ‪ ...‬بســبب كونهــا الدولــة العظم ــى األول ــى حال ًيــا‪ ،‬والداعــم‬ ‫األكبــر للكيــان الصهيون ــي‪ .‬بــل إن العالقــة األمريكيــة – اإلســرائيلية‬ ‫جتــاوزت الدعــم والتأييــد إلــى التحالــف الفعلــي الوثيــق‪ .‬وهــذا‬ ‫الدعــم األمريك ــي املطلــق واألعم ــى وضــع إســرائيل فــوق كل القوانــن‬ ‫واألعــراف الدوليــة‪ ،‬وأطلــق يدهــا ‪ ...‬لتعمــل مــا تشــاء‪ ،‬دون حســيب‬ ‫أو رقيــب يحاســبها‪ ،‬ويعاقبهــا‪ .‬كمــا جعــل أميــركا شــري ًكا كام ـ ً‬ ‫ا يف‬ ‫العــدوان الصهيون ــي عل ــى فلســطني‪ ،‬واألمــة العربيــة‪.‬‬ ‫*أستاذ العلوم السياسية‪ ،‬عضو مجلس الشورى السعودي سابقًا‪.‬‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫‪27‬‬

‫ملف العدد‬

‫المقاطعــة "الورقــة" األخيــرة واألكثــر حس ـ ًما يف يــد العــرب والتفريــط‬ ‫فيهــا يجعــل إســرائيل تتمــادى يف غيهــا وتحصــل عــى مــا تريــد دون مقابــل‬ ‫كل مــن‪ :‬مصــر وفلســطني (الســلطة الفلســطينية) ورمبــا األردن‪ ،‬فــإن‬ ‫عل ــى بقيــة الــدول العربيــة واإلســامية أن تقطــع كل صلــة لهــا بالكيــان‬ ‫الصهيون ــي‪ ،‬حت ــى يقبــل مســتحقات الســام شــبه العــادل‪ .‬مــن هنــا‪،‬‬ ‫تصبــح إقامــة صــات – ناهيــك عــن عالقــات – مــن قبــل أي طــرف‬ ‫عرب ــي مــع إســرائيل‪ ،‬قبــل رضــوخ األخيــرة ملتطلبــات الســام‪ ،‬متاجــرة‬ ‫باحلقــوق العربيــة‪ ،‬وتنــازالً‪ ،‬ال مبــرر شــريف لــه ‪ ...‬بــل جرميــة يف‬ ‫حــق األمــة‪ ،‬واألمــن والســام احلقيقيــن‪ ،‬يف املنطقــة ‪ ...‬خاصــة إذا‬ ‫اســتذكرنا أن اخلطــر الصهيون ــي يهــدد كل األمــة‪ ،‬وال تقتصــر أطماعــه‬ ‫عل ــى فلســطني وحســب‪.‬‬ ‫وإن مــن يقــدم عل ــى هكــذا حتــرك (مــن الدول العربية واإلســامية)‬ ‫إمنــا يشــارك الكيــان الصهيونــي يف جرمــه‪ ،‬يف حــق الفلســطينيني‬ ‫والعــرب‪ ،‬وفــى حــق مبــادئ احلريــة والعدالــة واملســاواة‪ .‬ويتضاعــف‬ ‫هــذا اجلــرم عندمــا يبــرر مــن يقــدم عل ــى هــذه اخلطــوة – مــن العــرب‬

‫واملســلمني ‪-‬حتركــه هــذا‪ ،‬بأنــه «خلدمــة القضيــة الفلســطينية»‪....‬‬ ‫فهــذا يعتبــر أســخف «مبــرر» موجــود اآلن عل ــى الســاحة السياســية‪.‬‬ ‫إذ كيــف حتســب اخليانــة الكبــرى للقضيــة بأنهــا «خدمــة» لهــا ؟!!‬ ‫ويقتصــر «التطبيــع» العرب ــي مــع إســرائيل‪ ،‬عل ــى العالقــات احلكوميــة‪.‬‬ ‫أمــا معظــم الشــعوب العربيــة‪ ،‬فيبــدو أن مــن املســتحيل «قبولهــا»‬ ‫بالكيــان الصهيون ــي‪ ،‬كمــا هــو‪ .‬فهــل يشــرع العــرب بالفعــل‪ ،‬وبجديــة‬ ‫وصــدق‪ ،‬يف هــذه املرحلــة البائســة مــن تاريخهــم‪ ،‬يف القيــام مبــا‬ ‫ً‬ ‫حفظــا لألمــة‪،‬‬ ‫يقتضيــه «أضعــف اإلميــان»‪ ،‬دون خــوف أو وجــل ‪....‬‬ ‫وحمايــة ألنفســهم‪ ،‬وأجيالهــم القادمــة ؟! مــا زالــت األمــة بخيــر‪ ،‬ومــا‬ ‫زالــت قــادرة عل ــى مقاطعة‪/‬مكافحــة أبشــع صــور الظلــم والعــدوان يف‬ ‫هــذا العصــر‪.‬‬ ‫****‬ ‫ومــا زال الشــعب الفلســطيني يتطلــع نحــو األطــراف النزيهــة يف‬ ‫املجتمــع الدولــي‪ ،‬راج ًيــا منهــا حتمــل مســؤولية إنصافــه مــن هــذا‬


‫‪26‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫عملــت الحكومــات اإلســرائيلية المتعاقبــة عــى االلتفــاف عــى‬ ‫مبــادرات الســام وإنهــاء مأســاة الشــعب الفلســطيني وواصلــت تمييعهــا‬ ‫الضفــة الغربيــة‪ ،‬وأعملــت فيهــا – كالعــادة – قتــا يف أبنــاء الشــعب‬ ‫الفلســطيني األعــزل‪ ،‬وتدمي ـ ًرا ملــا تبق ــى لديهــم مــن منشــآت ومرافــق‬ ‫ومنــازل (مذبحــة جنــن) ‪....‬يف اســتهزاء صــارخ بهــذه املبــادرة‪ ،‬وبــكل‬ ‫القيــم والشــيم اإلنســانية النبيلــة‪.‬‬ ‫وبالطبــع‪ ،‬فــإن هــذا الكيــان الصهيونــي «يســتقوى» بأســياده‬ ‫املســتعمرين الغربيــن ‪ ....‬وهــؤالء يســتعذبون هــذا الظلــم‪ ،‬ويدعمونــه‪.‬‬ ‫وهــم الذيــن يهيمنــون – مــع األســف – عل ــى معظــم السياســة الدوليــة‬ ‫الراهنــة‪ ،‬غال ًبــا بأهــداف بشــعة‪ ،‬وهمجيــة‪ .‬ولقــد وضــح أن هــذا‬ ‫الكيــان الصهيون ــي الغاصــب‪ ،‬والغــرب املناصــر لــه‪ ،‬ال يفهــم إال لغــة‬ ‫واحــدة‪ ،‬ه ــي لغــة «القــوة «‪ ،‬بــكل معانيهــا وعناصرهــا‪ .‬لذلــك‪ ،‬فإنــه‬ ‫ال يعــرف قيــم التســامح واملســاملة والنوايــا احلســنة‪ ،‬واحللــول الوســط‪،‬‬ ‫ناهيــك عــن مبــادئ احلريــة والعدالــة واملســاواة‪ ،‬لــكل البشــر‪ .‬واإل مــا‬ ‫معن ــى هــذه املذابــح الت ــي يرتكبهــا‪ ،‬عل ــى مــدار األيــام‪ ،‬وبإصــرار عجيب‬ ‫عل ــى القتــل والتدميــر‪ ،‬وإبــادة أكبــر عــدد ممكــن مــن الفلســطينيني؟!‬ ‫****‬ ‫وهــذه اخلصيصــة بــدأ يتجاهلهــا بعــض العــرب‪ ،‬إمــا عــن قصد‪ ،‬أو‬ ‫خبــث‪ ،‬ومــآرب آنيــة خاصــة‪ ،‬أو غبــاء‪ .‬فــإن ســلمنا بــأن مبــادرة الســام‬ ‫العربيــة ه ــي أقص ــى مــا ميكــن للعــرب أن يقدمونــه ‪ .....‬مقابــل تنــازل‬ ‫عــن حقوقهــم يف أغلــب فلســطني‪ ،‬وأنهــا ‪-‬أي هــذه املبــادرة ‪-‬متثــل‬ ‫احلــد األدنــى (الــذي ال مبــرر للمســاومة عليــه‪ ،‬وال يجــوز إنقاصــه‬ ‫أكثــر) إن اتفــق عل ــى ذلــك‪ ،‬فــإن الكــرة تكــون قــد أصبحــت يف ملعــب‬ ‫الصهاينــة وأنصارهــم ‪ ...‬إن أرادوا ســاماً (مقب ـو ًاًل) فالبــاب مفتــوح‪،‬‬ ‫وإن لــم يريــدوا ذلــك – كمــا تشــير الدالئــل – فليشــهد العالــم أن‬ ‫ذلــك الكيــان يدفــع الطــرف اآلخــر – دف ًعــا – نحــو املقاومــة املشــروعة‬ ‫ألطماعــه‪ ،‬وبــكل الطــرق املمكنــة‪.‬‬ ‫الواقــع يؤكــد أن‪ :‬إســرائيل لــن تقبــل هــذه املبــادرة العربيــة‬ ‫الكرميــة‪ ،‬أو غيرهــا‪ ،‬إال إذا أجبــرت علــى ذلــك – بشــتى طــرق‬ ‫املقاومــة املمكنــة‪ .‬أمــا إن لــم جتبــر‪ ،‬فإنهــا ســتعود إلــى أســاليب‪:‬‬ ‫تاجــر البندقيــة‪ ،‬وكوهــن‪ ،‬وشــارون ونتنياهــو‪ ،‬وغيرهــم‪ ،‬املعروفــة‪ .‬وال‬ ‫ميكــن أن نتوقــع ممــن أنشــأوا إســرائيل أن يضغطــوا عليهــا ك ــي تقبــل‬ ‫إرادة معظــم العالــم‪ ،‬وقانونــه الدول ــي‪ .‬إن «احلــل» مــع هــذا التحــدي‬ ‫املصيــري – بالنســبة للعــرب – يكمــن يف‪ :‬اســتخدام مــا تبق ــى بيــد‬ ‫العــرب مــن “أوراق” أو – مبعن ــى آخــر – يف “القــوة “‪ ،‬بــكل معانيهــا‪،‬‬ ‫وليــس يف القــوة العســكرية وحســب‪ .‬وتتوفــر معظــم عناصــر القــوة‬ ‫هــذه للعالــم العرب ــي‪ ،‬ومبقاديــر ال بــاس بهــا‪ ...‬وال ينقــص معظــم دولــه‬ ‫إال “السياســات” احلكيمــة‪ ،‬واإلدارات الرشــيدة املخلصــة ‪ ...‬التــي‬

‫تعمــل عل ــى خدمــة الصالــح العــام‪ ،‬واســتغالل وتنميــة قــدرات الــدول‪،‬‬ ‫ألقص ــى حــد ممكــن‪ ،‬ثــم االحتــاد (أو التضامــن) ‪ ....‬لتحقيــق األهــداف‬ ‫اجلماعيــة العليــا‪.‬‬ ‫****‬ ‫وف ــى الواقــع الراهــن‪ ،‬ال ميكــن زحزحــة إســرائيل عــن تعنتهــا‪،‬‬ ‫وفــرض احلــل العــادل‪ ،‬الــذي تتضمنــه مبــادرة الســام العربيــة‬ ‫والدوليــة‪ ،‬إال عبــر الضغــط الدولــي‪ ،‬ومــا ميكــن اعتبــاره «أضعــف‬ ‫اإلميــان « ‪ ...‬مــن ضغــط سياس ــي عرب ــي عل ــى الكيــان الصهيون ــي‪،‬‬ ‫مــن ناحيتــن‪ ،‬همــا‪:‬‬ ‫‪- 1‬دعــم املقاومــة املدنيــة الفلســطينية ضــد إســرائيل‪ ،‬بأنواعهــا‬ ‫الســلمية املعروفــة والت ــي أثبــت التاريــخ السياس ــي جناعتهــا ‪ ....‬عل ــى‬ ‫يــد كثيــر مــن القــادة السياســيني‪ ،‬أمثــال‪ :‬مهامتــا غانــدي‪ ،‬مارتــن لوثــر‬ ‫كينــج‪ ،‬نيلســون مانديــا ‪ ...‬الــخ‪.‬‬ ‫‪- 2‬املقاطعــة العربيــة اجلــادة واحلازمــة ‪ ...‬وتنفيــذ قــرارات القمــم‬ ‫العربيــة بعــدم “تطبيــع” أي دولــة عربيــة العالقــات مــع إســرائيل إال‬ ‫بعــد اســتجابة األخيــرة ملتطلبــات الســام املعروفــة‪ ،‬واملتفــق عليهــا‬ ‫دوليــا‪.‬‬ ‫وال جــدال‪ ،‬أن املقاطعــة العربيــة اجلــادة والشــاملة إلســرائيل ه ــي‬ ‫(أو هكــذا يفتــرض) مــن أمض ــى األســلحة ضــد هــذا الكيــان اإلجرام ــي‪،‬‬ ‫وضــد عربدتــه املســتفزة للمشــاعر اإلنســانية اخليــرة‪ .‬ثــم‪ :‬مــاذا‬ ‫سيســتفيد “املطبعــون” مــن إســرائيل‪ ،‬غيــر إغضــاب شــعوبهم‪،‬‬ ‫وتســويد تاريخهــم ؟!‬ ‫إن مــن املســتوجب اآلن أن يتعهــد كل العــرب باملقاطعــة الكاملــة‬ ‫إلســرائيل‪ ،‬ومــن يدعمهــا‪ ،‬مــا لــم تســتجب ملطالــب الســام العــادل‬ ‫واملقبــول ‪ ....‬الت ــي جــاءت بهــا مبــادرة الســام العربيــة ‪ ...‬وه ــي املبــادرة‬ ‫املعتمــدة أصــا عل ــى نصــوص معروفــة للشــرعية الدوليــة‪ ،‬ممثلــة يف‬ ‫قــرارات «األمم املتحــدة «‪ ،‬وغيرهــا‪ .‬هــذه املقاطعــة ه ــي الت ــي ســترغم‬ ‫إســرائيل علــى قبــول هــذه املبــادرة ‪ ....‬ومــن ثــم اجلنــوح للســلم‪،‬‬ ‫وإنهــاء هــذا الصــراع‪ ،‬وقيــام الســام املنشــود‪ .‬واجلديــة فيهــا ســتدفع‬ ‫املجتمــع الدولــي للعمــل علــى التدخــل إلنهــاء هــذا العــدوان‪ .‬أمــا‬ ‫التهــاون العرب ــي فســيؤدى إل ــى العك ــس‪ .‬إن املقاطعــة ه ــي “الورقــة”‬ ‫األخيــرة واألكثــر حســماً‪ ،‬يف يــد العــرب‪ ،‬جتــاه العــدوان الصهيون ــي‪.‬‬ ‫وإن فــرط العــرب فيهــا‪ ،‬فلــن تقــدم إســرائيل شــيئاً‪ ،‬بــل ســتتمادى يف‬ ‫غيهــا‪ ،‬وتوســعها‪ ،‬وحتصــل عل ــى مــا تريــد دون مقابــل‪.‬‬ ‫****‬ ‫وإذا اســتثنينا من املقاطعة (مرحلياً‪ ،‬وألســباب سياســية واضحة)‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫‪25‬‬

‫ملف العدد‬

‫إس ــرائيل ترف ــض" ح ــل الدولتي ــن" و "ح ــل الدول ــة الواح ــدة " يعيش‬ ‫فيهــا اليهــود والعــرب كمواطنيــن متســاوي الحقــوق والواجبــات‬ ‫العالــم‪ ،‬تدعــو حلــل هــذا الصــراع‪ ،‬والــذي هــو أص ـ ً‬ ‫ا عــدوان صــارخ‬ ‫علــى الفلســطينيني والعــرب‪ ،‬بإقامــة دولــة فلســطينية مســتقلة‬ ‫علــى األراضــي املذكــورة‪ ،‬بجانــب إســرائيل‪ ،‬وحــل مشــكلة الالجئــن‬ ‫الفلســطينيني حــ ً‬ ‫ا عــادالً‪ ،‬وإبــرام معاهــدة ســام دائــم بــن العــرب‬ ‫وإســرائيل‪ .‬وهــذا مــا أكــدت عليــه مــا يســمى ب ـــ “اللجنــة الرباعيــة‬ ‫الدوليــة» (املنحــازة إلســرائيل) الت ــي شــكلت‪ ،‬مــن قبــل مجل ــس األمــن‪،‬‬ ‫للمســاهمة يف حــل هــذا الصــراع ‪...‬‬ ‫****‬ ‫ولكــن‪ ،‬مــاذا تريــد إســرائيل؟! ترفــض إســرائيل‪ ،‬وبخاصــة‬ ‫اليمــن اإلســرائيلي‪ ،‬بشــدة‪ ،‬مبــادرة الســام العربيــة‪ ،‬وكذلــك «حــل‬ ‫الدولتــن» األمميــة‪ .‬فهــي ترفــض بقــوة إقامــة دولــة فلســطينية‬ ‫بجانــب إســرائيل‪ .‬لذلــك‪ ،‬تعلــن مــرا ًرا وتكــرا ًرا‪ ،‬وبوقاحــة منقطعــة‬ ‫النظيــر‪ ،‬رفضهــا للمبادرتــن ‪ ...‬الن كل منهمــا تســتوجب قيــام دولــة‬ ‫فلســطينية مســتقلة‪ ،‬جن ًبــا إلــى جنــب مــع إســرائيل‪ .‬ورغــم بقــاء‬ ‫هاتــن املبادرتــن‪ ،‬وجناتهمــا مــن اخلبــث الصهيون ــي‪ ،‬إال أن كل منهمــا‬ ‫تتعــرض‪ ،‬مــن حــن آلخــر‪ ،‬لضغوطــات‪ ،‬ومحــاوالت محمومــة لتغييــر‬ ‫جوهــر كل منهمــا‪ .‬ومــع ذلــك‪ ،‬تبقــى املبادرتــان‪ ،‬املتشــابهتان ألكبــر‬ ‫حــد‪ ،‬مطروحتــان يف الســاحتني اإلقليميــة والعامليــة ‪ ...‬كحــل شــبه‬ ‫عــادل لهــذه املأســاة‪ ،‬الناجمــة عــن عــدوان صهيون ــي شــرس‪ ،‬وغيــر‬ ‫مســبوق‪.‬‬ ‫****‬ ‫لقــد عملــت احلكومــات اإلســرائيلية املتعاقبــة عل ــى االلتفــاف عل ــى‬ ‫املبــادرات العديــدة الراميــة لوضــع حــل ســلمى‪ ،‬ونهايــة ملأســاة الشــعب‬ ‫الفلســطيني‪ ،‬وواصلــت الســعي لتمييعهــا ‪ ...‬واملضــي قد ًمــا يف‬ ‫خططهــا الراميــة لالســتيالء عل ــى كامــل فلســطني‪ ،‬عبــر االســتيطان‬ ‫وغيــره‪ ،‬وحرمــان الشــعب الفلســطيني مــن حقوقــه يف وطنــه‪ .‬وأتبعــت‬ ‫أســلوب املماطلــة الصهيونيــة املعــروف‪ ،‬لكســب الوقــت‪ ،‬ومــن ثــم وأد‬ ‫تلــك املبــادرات‪.‬‬ ‫وبينمــا تتمســك القيــادة الفلســطينية يف رام اهلل ب ـــ «حــل الدولتــن»‪،‬‬ ‫فــإن هــذه القيــادة أعلنــت مؤخ ـ ًرا وصراحــة‪ ،‬أنهــا ال متانــع يف قبــول‬ ‫«حــل الدولــة الواحــدة» ‪ ...‬شــريطة أن تكــون هنــاك مســاواة بــن كل‬ ‫مواطنيهــا‪ ،‬ســواءُ كانــوا يهــو ًدا أو فلســطينيني‪ .‬ولكــن إســرائيل ترفــض‬ ‫بشــدة حــل الدولــة الواحــدة املســاوية فيمــا بــن مواطنيهــا يف احلقــوق‬ ‫والواجبــات ‪ ...‬ممــا يؤكــد “عنصريــة” إســرائيل‪ ،‬وإصرارهــا علــى‬ ‫أن تكــون دولــة لليهــود فقــط ‪ ...‬ال يســمح فيهــا لغيــر الصهاينــة‬ ‫باإلقامــة‪ ،‬إال رمبــا كمواطنــن مــن الدرجــة الدنيــا‪ .‬وكل ذلــك يكشــف‬ ‫وجــه إســرائيل القبيــح‪ ،‬ويؤكــد عدوانيتهــا‪ ،‬وعنصريتهــا املقيتــة‪.‬‬

‫إســرائيل ترفــض‪ ،‬إذن‪« ،‬حــل الدولتــن»‪ ،‬ســواء العرب ــي أو األمم ــي‪،‬‬ ‫لرفضهــا قيــام دولــة فلســطينية مســتقلة‪ ،‬يعيــش فيهــا الشــعب‬ ‫الفلســطيني الــذي شــرد‪ ،‬واحتلــت أرضــه‪ .‬كمــا ترفــض «حــل الدولــة‬ ‫الواحــدة « التــي يعيــش فيهــا اليهــود والعــرب كمواطنــن متســاوي‬ ‫احلقــوق والواجبــات‪ ...‬ألنهــا تريــد إقامــة دولــة يهوديــة عنصريــة‬ ‫خالصــة‪ ،‬وعلــى حســاب شــعب بأكملــه‪.‬‬ ‫****‬ ‫ولاللتفــاف علــى هــذه املبــادرات واحللــول الســلمية املقترحــة‪،‬‬ ‫طالبــت إســرائيل بتوطــن الفلســطينيني يف األردن‪ .‬كمــا قدمــت حـ ً‬ ‫ا‬ ‫‪ ...‬يتمثــل يف‪ :‬احتفــاظ إســرائيل بكامــل فلســطني‪ً ،‬‬ ‫أرضــا وســكا ًنا ‪...‬‬ ‫مــع إقامــة « كانتونــات» (تســميها « إمــارات «) فلســطينية متناثــرة‬ ‫يف الضفــة الغربيــة وغــزة‪ ،‬يقيــم الفلســطينيون يف كل منهــا ‪ ...‬دون‬ ‫رابــط قوم ــي ووطن ــي واحــد ‪ ...‬وبحيــث يســمح لــكل كانتــون مبمارســة‬ ‫احلكــم احملل ــى عل ــى أرضــه ‪...‬؟!‬ ‫وهــذا «احلــل» يذكــر بدولــة «جنــوب إفريقيــا» العنصرية ســيئة الذكر‪.‬‬ ‫وه ــي الدولــة الهالكــة الت ــي اندثــرت‪ ،‬وزالــت إل ــى غيــر رجعــة ‪ ...‬حتــت‬ ‫أقــدام املقاومــة اإلفريقيــة والدوليــة النزيهــة لهــا‪ .‬والفلســطينيون‪،‬‬ ‫والغالبيــة الســاحقة مــن العــرب‪ ،‬ترفــض – بالطبــع – حــل الدولــة ذات‬ ‫الكانتونــات العنصريــة‪ .‬والعجيــب أن إســرائيل ال تخجــل مــن اقتــراح‬ ‫هــذا احلــل‪ ،‬الــذي ينــم عــن عدوانيــة حاقــدة وعنصريــة باليــة‪ ،‬وإصــرار‬ ‫مقيــت عل ــى عــدم إعطــاء الفلســطينيني حقوقهــم املشــروعة‪ ،‬أو احلــد‬ ‫األدن ــى مــن هــذه احلقــوق‪ ،‬الت ــي ســلبتها إســرائيل بــكل وقاحــة‪.‬‬ ‫يبق ــى عل ــى األطــراف النزيهــة يف املجتمــع الدولي مســؤولية إنصاف‬ ‫الشــعب الفلســطيني مــن هــذا الظلــم الصهيونــي القاهــر‪ ،‬ومتكــن‬ ‫الشــعب الفلســطيني‪ ،‬بعــد هــذه العقــود مــن التشــرد واملعانــاة‪ ،‬مــن‬ ‫احلصــول عل ــى احلــد األدن ــى مــن حقوقــه املشــروعة يف أرضــه‪ ،‬والــذي‬ ‫يتمثــل يف أحــد وضعــن‪ :‬إمــا «حــل الدولتــن»‪ ،‬وقيــام دولــة فلســطينية‬ ‫مســتقلة بعاصمتهــا القــدس الشــرقية علــى كامــل األراضــي التــي‬ ‫احتلتهــا إســرائيل عــام ‪1967‬م‪ ،‬وامــا إقامــة دولــة دميقراطيــة واحــدة ‪...‬‬ ‫يعيــش فيهــا الشــعبان اإلســرائيلي والفلســطيني كمواطنــن متســاوي‬ ‫احلقــوق والواجبــات‪.‬‬ ‫****‬ ‫تعتبــر مبــادرة الســام العربيــة‪ ،‬يف منتهــى التســامح واملســاملة‬ ‫والواقعيــة‪ .‬وقــد اعتبرهــا كذلــك كل املنصفــن يف العالــم‪ ،‬مبــن فيهــم‬ ‫بعــض اليهــود واملتصهينــن‪ .‬ورغــم هــذا‪ ،‬فقــد رفضتهــا حكومــة‬ ‫إســرائيل يف اليــوم التالــي لصدورهــا ‪ ...‬وقبــل أن يجــف احلبــر‬ ‫الــذي كتبــت بــه‪ .‬ولــم تكتــف بالرفــض‪ ،‬بــل اجتاحــت قواتهــا‪ ،‬عندئــذ‪،‬‬


‫‪24‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مبادرة السالم العربية‪ :‬السالم مع من يرفض السالم‪...‬؟!‬

‫"المقاطعة" ترغم إسرائيل عىل قبول المبادرة‬ ‫العربية وقيام السالم المنشود‬ ‫رغــم مــرور أكثــر مــن ثالثــة أربــاع القــرن‪ ،‬عل ــى العــدوان الصهيون ــي عل ــى فلســطني‪ ،‬واألمــة العربيــة‪ ،‬ومــا جنــم عــن هــذا‬ ‫العــدوان مــن صــراع دام‪ ،‬إال أن الكيــان الصهيون ــي لــم يقــدم بــادرة ســام واحــدة‪ .‬فقــد ثبــت أن إســرائيل ال تريــد الســام‪ ،‬مــع‬ ‫الفلســطينيني والعــرب‪ ،‬بــل تريــد االستســام ملشــروعها االستيطاني‪-‬االســتعماري‪ .‬منــذ قيــام إســرائيل يف عــام ‪1948‬م‪ ،‬طرحــت‬ ‫العشــرات مــن مبــادرات «الســام» حلــل هــذه املعضلــة‪ ،‬وإنهــاء مأســاة الشــعب الفلســطيني‪ ،‬الت ــي جنمــت عــن قيــام إســرائيل‪،‬‬ ‫وانــدالع الصــراع الفلســطيني – الصهيون ــي‪ ،‬والصــراع العرب ــي – اإلســرائيلي‪ .‬وقــد عملــت احلكومــات اإلســرائيلية املتعاقبــة‬ ‫عل ــى االلتفــاف عل ــى كل هــذه املبــادرات‪ ،‬والســعي لتمييعهــا ‪ ...‬واملض ــي قد ًمــا يف خططهــا الراميــة لالســتيالء عل ــى كامــل‬ ‫فلســطني‪ ،‬عبــر االســتيطان وغيــره‪ ،‬وحرمــان الشــعب الفلســطيني مــن حقوقــه يف وطنــه‪ .‬وهنــاك مبــادرات تظاهــرت إســرائيل‬ ‫بقبولهــا ‪ ...‬ثــم أتبعــت أســلوب املماطلــة الصهيونيــة املعــروف‪ ،‬لكســب الوقــت‪ ،‬ومــن ثــم وأد تلــك املبــادرات‪.‬‬

‫أ ‪ .‬د‪ .‬صدقة يحيى فاضل‬

‫ولكــن‪ ،‬هنــاك مبــادرات دوليــة لــم تســتطع إســرائيل وأدهــا‬ ‫كغيرهــا‪ ،‬رغــم أنهــا أعلنــت رفضهــا لهــا مــرا ًرا وتكــرا ًرا‪ ،‬ورغــم قبــول‬ ‫الفلســطينيني والعــرب بهــا‪ .‬ولكــن قــوى نزيهــة يف املجتمــع الدولــي‬ ‫حتــرص عل ــى دعمهــا‪ ،‬وحتــاول فرضهــا عل ــى إســرائيل‪ ،‬الت ــي تســتقوى‬ ‫بداعميهــا‪ ،‬وف ــى مقدمتهــم أمريــكا‪ ،‬لرفضهــا واســتبعادها‪ .‬وأهــم هــذه‬ ‫املبــادرات (املتشــابهة) مبادرتــي «الســام العربيــة»‪ ،‬واملبــادرة الدوليــة‬ ‫«األمميــة» الت ــي تســمى ب ـــ «حــل الدولتــن»‪.‬‬ ‫****‬ ‫بالنســبة ملبــادرة الســام العربيــة‪ ،‬فقــد أقرهــا مؤمتــر القمــة‬ ‫العربيــة‪ ،‬املنعقــد يف بيــروت ســنة ‪2002‬م‪ ،‬وأصلهــا مبــادرة ســعودية‪.‬‬ ‫وهــي تهــدف إلــى‪ :‬إنشــاء دولــة فلســطينية مســتقلة ومعتــرف بهــا‬ ‫دول ًيــا عل ــى حــدود ســنة ‪1967‬م‪ .‬وتتضمــن‪ :‬التوصــل إل ــى حــل عــادل‬ ‫ملشــكلة الالجئــن الفلســطينيني‪ ،‬يتفــق عليــه وف ًقــا لقــرار اجلمعيــة‬ ‫العامــة لــأمم املتحــدة رقــم ‪ ،194‬ورفــض كل أشــكال التوطــن‬ ‫الفلســطيني الــذي يتنافــى والوضــع اخلــاص يف البلــدان العربيــة‬ ‫املضيفــة‪ ،‬واالنســحاب مــن هضبــة اجلــوالن‪ ،‬وكل األراضــي التــي‬ ‫احتلتهــا إســرائيل عــام ‪1967‬م‪ ،‬ومــا بعــده‪ .‬وذلــك مقابــل اعتــراف‬

‫الــدول العربيــة بإســرائيل‪ ،‬وتطبيــع العالقــات معهــا‪ ،‬وإنهــاء الصــراع‬ ‫العربــي – اإلســرائيلي‪.‬‬ ‫****‬ ‫أمــا “حــل الدولتــن”‪ ،‬فهــو مشــابه ملضمــون مبــادرة الســام‬ ‫العربيــة‪ .‬ويهــدف إلقامــة دولتــن‪ ،‬بــدال مــن دولــة واحــدة عل ــى أرض‬ ‫فلســطني التاريخيــة‪ ،‬همــا‪ :‬دولــة فلســطني ودولــة إســرائيل‪ .‬وهــو‬ ‫مســتمد مــن قــرار مجلــس األمــن الدولــي رقــم ‪ 242‬لعــام ‪1967‬م‪.‬‬ ‫وأعتمــد كمرجعيــة للمفاوضــات الشــهيرة التــي جــرت يف أوســلو‬ ‫عــام ‪1993‬م‪ ،‬بــن منظمــة التحريــر الفلســطينية وإســرائيل‪ ،‬والتــي‬ ‫متخــض عنهــا االعتــراف املتبــادل بــن هذيــن الطرفــن‪ .‬إنــه يعن ــى‪:‬‬ ‫إقامــة دولــة فلســطينية مســتقلة ضمــن حــدود ‪1967‬م‪ ،‬أي عل ــى مــا‬ ‫يعــادل ‪ %23‬مــن أرض فلســطني‪ .‬وهنــاك شــبه إجمــاع دول ــي بــأن عل ــى‬ ‫إســرائيل إنهــاء احتاللهــا للضفــة الغربيــة وقطــاع غــزة‪ ،‬وقبــول قيــام‬ ‫دولــة فلســطني عل ــى هــذه األراض ــي الت ــي تعتبــر – دول ًيــا – محتلــة‬ ‫مــن قبــل إســرائيل‪.‬‬ ‫****‬ ‫ومــن ذلــك‪ ،‬نــرى أن معظــم الفلســطينيني والعــرب‪ ،‬ومعظــم دول‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫‪23‬‬

‫ملف العدد‬

‫إســـرائيل تتحـــدى الجميـــع وتتحـــدى حلفاءهـــا والقانـــون الـــدويل واألمـــم‬ ‫المتحــدة بالتــايل فــإن ضحايــا حــرب غــزة ليســوا فقــط مــن الفلســطينيين األبريــاء‬ ‫فاحلــل البديــل لصــراع الدولتــن هــو إقامــة الدولــة الواحــدة التــي‬ ‫ســتنتهي بالفصــل العنصــري الــذي لــن يقبــل بــه املجتمــع الدول ــي‪.‬‬

‫فبــدون الســام‪ ،‬لــن تنخفــض اخلســائر الفادحة وســتزداد االحتياجات‬ ‫اإلنســانية‪ ،‬فمــن املمكــن أن يكــون االســتثمار يف بُعــد الســام أمــ ًرا‬ ‫بالــغ األهميــة بالنســبة ملعاجلــة الدوافــع املعقــدة واملتعــددة األســباب‬ ‫واملتغيــرة باســتمرار للعنــف‪ ،‬وتعزيــز املســتوى احملل ــي ملصــادر القــدرة‬ ‫علــى الصمــود للتصــدي للنــزوح القســري‪ .‬مثــل هــذا االســتثمار يف‬ ‫الســام ميكــن أن يخفــض الصراعــات الت ــي قــد تــؤدي إل ــى املزيــد مــن‬ ‫األزمــات املزمنــة ويوفــر املزيــد مــن احللــول لألزمــات طويلــة املــدى‪ .‬ومــع‬ ‫ذلــك‪ ،‬فــإن ضمــان التأثيــر اإليجاب ــي عل ــى الســام لهــذه االســتثمارات‬ ‫يتطلــب اســتيعاب حقيق ــي حلساســية الصــراع‪.‬‬

‫ومــن الثابــت يف العالقــات الدوليــة أن نشــر الســام واألمــن العامليــن‬ ‫هــو مبــدأ مترســخ ويحتــاج دائمــاً للدعــم‪ ،‬املتمثــل يف حشــد الــدول‬ ‫واملنظمــات الدوليــة واإلقليميــة بهــدف حصــر التهديــدات املشــتركة‬ ‫الت ــي تتجــاوز حدودهــا مبــادئ القانــون الدول ــي األساســية‪ ،‬ومــن جهــة‬ ‫أخــرى تعزيــز التعــاون بــن املنظمــات الدوليــة واإلقليميــة للعمــل عل ــى‬ ‫دعــم أي جهــود لعمليــة ســام مســتدامة التأثيــر عل ــى النطــاق احملل ــي‬ ‫والعامل ــي‪ .‬وبالتال ــي فــإن أهــم ســبل تنفيــذ املبــادرة‪ ،‬ه ــي حشــد الدعــم‬ ‫الدول ــي مــن أجــل حتقيــق أهدافهــا عل ــى أرض الواقــع للوصــول إل ــى‬ ‫حــل الدولتــن‪ ،‬وهــذا قــد يكــون نقطــة حتــول حقيقيــة يف مصيــر هــذا‬ ‫الصــراع املمتــد منــذ عقــود‪.‬‬

‫فالســام اإلقليمــي يشــمل الســام لــكل مــن اإلســرائيليني‬ ‫والفلســطينيني وإقامــة دولــة فلســطينية‪ ،‬ألن أمــن منطقــة الشــرق‬ ‫األوســط يتطلــب اإلســراع يف إيجــاد حــل عــادل وشــامل للقضيــة‪ ،‬يُبن ــى‬ ‫عل ــى أســاس قــرارات الشــرعية الدوليــة ومبــادرة الســام العربيــة‪ ،‬مبــا‬ ‫يكفــل حــق الشــعب الفلســطيني يف إقامــة دولتــه املســتقلة علــى‬ ‫حــدود عــام ‪ 1967‬وعاصمتهــا القــدس الشــرقية‪.‬‬

‫وأصبــح التحــرك الســريع إلعــادة إحيــاء مبــادرة الســام هــو احلــل‬ ‫األمثل بعــد وقــف إطــاق النــار‪ ،‬ألن املبــادرة العربيــة للســام متثل‬ ‫فكــرة سياســية جوهريــة نــادى بهــا الكثيــر مــن العــرب وتزايــدت‬ ‫الدعــوات إل ــى شــكل الدولــة الفلســطينية وحدودهــا وهنــاك العديــد‬ ‫مــن األفــكار الت ــي ميكــن مناقشــتها‪ ،‬ولكــن التعنــت كان مــن اجلانــب‬ ‫اإلســرائيلي‪.‬‬

‫*األمني العام املساعد ـ رئيس قطاع الشؤون السياسية والدولية ـ جامعة‬ ‫الدول العربية‬


‫‪22‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫أمن الشرق األوسط يتطلب حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية‬

‫حشد الدعم الدويل أهم الطرق لتنفيذ المبادرة‬ ‫العربية للسالم وتحقيق أهدافها‬ ‫مــع اســتمرار العــدوان اإلســرائيلي الدمــوي عل ــى غــزة وقتلهــا مــا يقــارب ‪ 25‬ألــف فلســطيني‪ ،‬بينهــم حوال ــي ‪ 10‬آالف طفــل‪،‬‬ ‫منــذ بــدء القصــف اإلســرائيلي عل ــى غــزة يف الســابع مــن أكتوبــر املاض ــي إضافــة إل ــى التســبب يف نــزوح مليو ًنــا و‪ 850‬ألــف‬ ‫فلســطيني مــن منازلهــم ومناطــق ســكنهم يف قطــاع غــزة دون توفــر أي ملجــأ آمــن لهــم‪ ،‬وتســببت الغــارات اإلســرائيلية يف‬ ‫تدميــر ‪ 62‬ألفــا و‪ 990‬وحــدة ســكنية كل ًيــا و ‪ 172‬ألفــا و‪ 55‬وحــدة ســكنية جزئ ًيــا وهــو أمــر يوضــح أن إســرائيل تتحدى اجلميع‪،‬‬ ‫وتتحــدى حلفاءهــا‪ ،‬والقانــون الدول ــي‪ ،‬واألمم املتحــدة بالتال ــي فــإن ضحايــا هــذه احلــرب ليســوا فقــط مــن الفلســطينيني‬ ‫األبريــاء الذيــن يقتلــون‪ ،‬بــل مــن بــن ضحايــا هــذه احلــرب مصداقيــة القانــون الدول ــي‪ ،‬والعمــل اجلماع ــي املتعــدد األطــراف‬ ‫والقيــم اإلنســانية واإلميــان بالســام‪ .‬وميثــل ذلــك سلســلة مــن االعتــداءات اإلســرائيلية عل ــى الشــعب الفلســطيني منــذ عــام‬ ‫‪١٩٤٨‬م‪ ،‬نتيجــة احتــال أراض ــي عربيــة ولــدت صــراع أصبــح صــراع القــرن‪.‬‬

‫السفير‪ .‬د‪ .‬خالد املنزالوي‬

‫يشــكل االحتــال اإلســرائيلي لألراض ــي الفلســطينية بــؤرة صــراع دائــم‬ ‫يف الشــرق األوســط‪ ،‬تعانــي منهــا الشــعوب العربيــة وأصبــح هــذا‬ ‫الصــراع يؤثــر عل ــى املجتمــع الدول ــي ككل وليــس فقــط عل ــى الشــرق‬ ‫األوســط‪ ،‬لذلــك وجــب التحــرك اجلماعــي والســريع إلنهــاء هــذا‬ ‫الصــراع وإيجــاد حــل لــه‪ .‬أخــذاً يف االعتبــار وجــود تناقــض ملحــوظ‬ ‫بالوع ــي الدول ــي للقضيــة الفلســطينية‪ ،‬وهــذا التناقــض يشــعل فتيــل‬ ‫الصــراع الفلســطيني اإلســرائيلي احلال ــي‪ .‬ومــن أجــل خفــض دائــرة‬ ‫الصــراع وجــب التحــرك نحــو تنفيــذ خطــط ســام فعليــة وبالتعــاون‬ ‫مــع املجتمــع الدول ــي وجميــع أطرافــه‪.‬‬

‫وال شــك أن وقــف إطــاق النــار يف غــزة ودخــول املســاعدات هــو‬ ‫املطلــب اآلمــن‪ .‬ومــن ثــم فــإن التفكيــر الســليم‪ ،‬يقتضــي العمــل‬ ‫وبأســرع وقــت ممكــن علــى حتقيــق حــل الدولتــن وف ًقــا جلوهــر‬ ‫املبــادرة العربيــة‪ ،‬مبقوماتٍ هــا املعروفــة‪ ،‬و ُمحدداتٍ هــا الت ــي اتُفــق عليهــا‬ ‫منــذ أكثــر من عشــرين عام ـاً‪ ،‬واألهــم مــن ذلــك أن يحظ ــى باإلجمــاع‬ ‫العامل ــي‪ ،‬وذلــك ُمُيثــل جوهــر مبــادرة الســام العربيــة يف إنهــاء االحتالل‬ ‫واحلصــار واالســتيطان ومــن ثــم قيــام دولــة فلســطينية عاصمتهــا‬ ‫القــدس ألنــه الســبيل الوحيــد لتأمــن األمــن والســام واالســتقرار يف‬ ‫املنطقــة‪.‬‬

‫ميــر مــع‬ ‫ولــن يكــون ذلــك بــدون وقــف إطــاق النــار‪ .‬ألن كل يــوم ُ‬ ‫ـام مســتدام‬ ‫اســتمرار العــدوان اإلســرائيلي عل ــى غــزة يبعدنــا عــن سـ ٍ‬ ‫يف املســتقبل‪ ،‬فهذا القتــل والتدميــر باجلملــة مــن ناحيــة‪ ،‬والعقــاب‬ ‫اجلماع ــي الــذي ميارســه االحتــال اإلســرائيلي مــن ناحيــة أخــرى يــزرع‬ ‫الكراهيــة والغضــب يف فلســطني والشــرق األوســط يف الفتــرة القادمــة‬ ‫وســيترك جراح ـاً مفتوحــة لــن تندمــل بســهولة‪.‬‬

‫وتب ّن ــي هــذه املبــادرة يف الوقــت احلاضــر أصبــح ضــرورة قصــوى يف‬ ‫ظــل اســتمرار االنتهــاكات اإلنســانية التــي متارســها إســرائيل علــى‬ ‫الشــعب الفلســطيني‪ .‬فمما ال شــك فيــه أن احلــل العســكري للنــزاع‬ ‫لــم يحقــق الســام أو األمــن ألي مــن األطراف‪ .‬ومبــا أن العالــم يجنــح‬ ‫للحــل الســلمي لهــذا الصــراع‪ ،‬فوجــب مطالبــة حكومــة االحتــال‬ ‫اإلســرائيلي إعــادة النظــر يف سياســاتها ألن ثمــة إجمــاع عاملــي أن‬ ‫الســام العــادل هــو اخليــار االســتراتيجي واإلنســاني الوحيــد اآلن‪.‬‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫االقتصــادي يبق ــى الثابــت يف سياســة إســرائيل هــو الســير قدمــا نحــو‬ ‫إجنــاز مشــروع إســرائيل الكبــرى بحدودهــا الواســعة‪.‬‬

‫ثال ًثــا‪ :‬مظاهــر انتهــاك إســرائيل لقواعــد القانون الدويل اإلنســاني‬ ‫يف حــرب غزة‬

‫جــاءت احلــرب التــي شــنتها إســرائيل علــى غــزة حتــت مظلــة‬ ‫اســتهداف «حمــاس»‪ ،‬ويف إطــار الدفــاع عــن نفســها ر ًّدا عل ــى هجــوم ‪7‬‬ ‫حملــة بالعديــد مــن االنتهــاكات للقواعــد األساســية للقانــون‬ ‫أكتوبــر‪ُ ،‬م َّ‬ ‫الدول ــي‪ ،‬الت ــي مــن أبرزهــا التال ــي‪ :‬عــدم التــزام االحتــال اإلســرائيلي‬ ‫بالتمييــز بــن املدنيــن واملقاتلــن‪ ،‬والتعقــد بإحلــاق الضــرر باملدنيــن‬ ‫وممتلكاتهــم‪ ،‬كذلــك ممارســة التجويــع اجلماعــي لكافــة ســكان‬ ‫القطــاع واســتهداف الصحفيــن والطواقــم الطبيــة والتعنــت يف وصــول‬ ‫املســاعدات اإلنســانية للقطــاع وغيرهــم مــن االنتهــاكات الت ــي تثبــت‬ ‫أن إســرائيل دائ ًمــا مــا تتنصــل مــن القانــون الدول ــي وتعامــل مــن قبــل‬ ‫املجتمــع الدول ــي كالطفــل املدلــل الــذي ال يحاســب عل ــى أفعالــه أبـدًا‪،‬‬ ‫كذلــك ال تلتــزم بــأي معاهــدة ســام وال تأخــذ معاهــدات إبراهــام يف‬ ‫اعتبارهــا مطل ًقــا‪.‬‬ ‫ختاما‬ ‫ً‬ ‫مــن خــال مــا مت عرضــه ســلفا نســتنتج أن إســرائيل كيــان ال يريــد‬ ‫الســام مطل ًقــا عل ــى عك ــس مــا تــروج إليــه االقترابــات الغربيــة‪ ،‬وقــد‬

‫قضية العدد‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫‪21‬‬

‫عكســت املســاعي العربيــة للســام التعنــت اإلســرائيلي حيالهــا عل ــى‬ ‫مــدار التاريــخ السياس ــي انطال ًقــا مــن مبــادرة الســام العربيــة الت ــي‬ ‫انطلقــت مببــدأ (األرض مقابــل الســام) إل ــى اتفاقيــات إبراهــام الت ــي‬ ‫اختلفــت عــن ســابقتها بشــكل مطلــق وجــاءت مببــدأ (الســام مقابــل‬ ‫الســام)‪ .‬وبنــاء عل ــى ذلــك‪ ،‬فإســرائيل تلعــب معادلــة صفريــة تريــد‬ ‫مــن خاللهــا حتقيــق الســام ولكــن على حســاب القضية الفلســطينية‬ ‫بتصفيتهــا جذر ًيــا وحتقيــق حلــم إســرائيل الكبــرى والشــرق األوســط‬ ‫اجلديــد الــذي ســبق وأعلنهــم نتنياهــو يف خطابــة امــام اجلمعيــة‬ ‫العامــة لــأمم املتحــدة‪ ،‬ويف ذلــك داللــة أن إســرائيل ال تؤمــن بش ــيء‬ ‫عــدا الهيمنــة عل ــى كل ش ــيء‪ .‬وأن اتفاقيــات إبراهــام مــا ه ــي إال حبــر‬ ‫علــى ورق فيمــا يخــص الســام يف املنطقــة بشــكل عــام والقضيــة‬ ‫الفلســطينية بشــكل خــاص‪ ،‬كذلــك أن اســتراتيجية إســرائيل تتمثــل‬ ‫يف رفــض الســام مــع ادعائهــا عكــس ذلــك‪ ،‬واســتراتيجية العــرب‬ ‫البحــث عــن الســام مــن دون أي ادعــاء يناقــض ذلــك‪ ،‬واســتراتيجية‬ ‫املجتمــع الدول ــي تتمثــل يف التراخ ــي أمــام التعنــت اإلســرائيلي‪ ،‬وعــدم‬ ‫ردعهــا بشــكل ال يجعلهــا فقــط تتنصــل مــن القانــون الدول ــي بــل تعلــو‬ ‫فوقــه‬

‫*وزير خارجية جمهورية مرص العربية األسبق‬


‫‪20‬‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫قضية العدد‬

‫عربيــة‪ ،‬فيمــا لــم تشــمل اخلريطــة أي ذكــر لوجــود دولــة فلســطينية‪،‬‬ ‫حيــث طغــى اللــون األزرق الــذي حمــل كلمــة إســرائيل‪ ،‬علــى‬ ‫خريطــة الضفــة الغربيــة احملتلــة كاملــة‪ ،‬مبــا فيهــا قطــاع غــزة‪.‬‬ ‫وســبق هــذا احلــدث حادثــة مماثلــة أثــارت جــدالً كبيـ ًرا حيــث عــرض‬ ‫وزيــر ماليــة احلكومــة اإلســرائيلية بتســلئيل ســموتريتش‪ ،‬خــال‬ ‫مؤمتــر عقــد بباري ــس يف مــارس املاض ــي‪ ،‬مــا أســماه خريطــة «حــدود‬ ‫إســرائيل الكبــرى» والت ــي لــم تضــم األراض ــي الفلســطينية فقــط‪ ،‬بــل‬ ‫أجــزاء ً‬ ‫مصرحــا بأنــه «ال يوجــد ش ــيء‬ ‫أيضــا مــن األردن ولبنــان وســوريا‪،‬‬ ‫ً‬ ‫اســمه الشــعب الفلســطيني‪ ،‬وهــو اختــراع وهم ــي لــم يتجــاوز عمــره ال ـــ‬ ‫‪ 100‬ســنة»‪ ،‬داع ًيــا الفلســطينيني إل ــى الكــف عــن املقاومــة واالستســام‬ ‫إلســرائيل‬ ‫وقــد أثــار هــذا األمــر غض ًبــا حــا ًدا عل ــى املســتويني الشــعبي والرســمي‬ ‫حيــث احتجــت األردن واســتدعت الســفير اإلســرائيلي لديهــا‪ ،‬كمــا‬ ‫نشرت وزارة اخلارجية األردنية بيانا أكدت فيه أنها تدين التصريحات‬ ‫العنصريــة واحملرضــة واملتطرفــة للوزيــر اإلســرائيلي ضــد الشــعب‪.‬‬ ‫ويف ضــوء هــذه املعطيــات فهنــاك العديــد مــن الــدالالت الت ــي تشــير‬ ‫إل ــى أن إســرائيل حتــاول اســتغالل هجــوم ‪ 7‬أكتوبــر يف حتقيــق حلــم‬ ‫‪:‬دولــة إســرائيل الكبــرى حيــث‬ ‫مــن أجــل تغييــر اخلريطــة وبنــاء خريطــة جديــدة يف الشــرق األوســط‪،‬‬ ‫لــن يكــون الســلم هــو الوضــع املناســب لتنفيــذ هــذا املشــروع‪ ،‬وإمنــا‬ ‫احلــروب الت ــي خاضتهــا إســرائيل والت ــي ســتخوضها يف املســتقبل هي‬ ‫الت ــي ســتوفر الظــروف املناســبة لتطبيــق هــذه الطموحــات فاحلــروب‬ ‫تســمح لهــا بنقــل الســكان وترحيلهــم وإجــراء تغييــرات دميغرافيــة‬ ‫تتوســع مــن خاللهــا أكثــر فأكثــر‪ . .‬ولذلــك منــذ اشــتعال الصــراع يف‬ ‫الســابع مــن أكتوبــر‪ ،‬حثــت إســرائيل ســكان شــمال غــزة إل ــى النــزوح‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫نحــو اجلنــوب‪ ،‬وكأن إســرائيل قــد بــدأت مبخطــط التوســع الــذي‬ ‫تســعى إليــه‪ ،‬وهــذا مــا أكــده وزيــر خارجيتهــا إيل ــي كوهــن‪ ،‬الــذي قــال‬ ‫إن «حجــم غــزة بعــد احلــرب لــن يعــود كمــا كان قبلهــا”‪.‬‬ ‫كمــا شــرعت إســرائيل يف تنفيــذ خطتهــا مــن خــال الســعي لضــم‬ ‫مناطــق يف الضفــة الغربيــة‪ ،‬متهي ـدًا البتالعهــا كاملــة وضمهــا إليهــا‪،‬‬ ‫مــن خــال تكــرار ســيناريو غــزة بإنشــاء العديــد مــن املســتوطنات يف‬ ‫غــاف الضفــة‪.‬‬ ‫‪ .‬ويف حــال حتقــق إلســرائيل نصـ ًرا ســاح ًقا واســتطاعت احتــال غــزة‬ ‫مــرة أخــرى وإنهــاء وجــود املقاومــة ونــزع ســاحها‪ ،‬فــإن ذلــك ســيعني‬ ‫تســليم غــزة للســلطة الفلســطينية علــى الغالــب‪ ،‬والعمــل بشــكل‬ ‫متســارع عل ــى تنفيــذ بنــود صفقــة القــرن بالقــوة وبفــرض األمــر الواقــع‬ ‫وذلــك بضــم غــور األردن واملســتوطنات اإلســرائيلية يف الضفــة الغربيــة‬ ‫الت ــي تســتحوذ عل ــى أكثــر مــن ‪ %43‬مــن أراض ــي الضفــة إلســرائيل‬ ‫وإقامــة حكــم ذات ــي فلســطيني بكنتونــات جغرافيــة غيــر متصلــة مــع‬ ‫العمــل عل ــى البــدء بسياســة التهجيــر الناعــم‪ ،‬ومــن هنــا يتحقــق حلــم‬ ‫إســرائيل الكبــرى ويبــدأ عهــد الشــرق األوســط اجلديــد الــذي حتــدث‬ ‫عنــه نتنياهــو‪.‬‬ ‫وبالتال ــي‪ :‬يجــب إدراك أن خريطــة نتنياهــو املعلنــة‪ ،‬وحديث وزير املالية‬ ‫بتســلئيل ســموتريتش‪ ،‬ودعــوات النــزوح املتكــررة منــذ بــدأ احلــرب عل ــى‬ ‫غــزة‪ ،‬مــا هــي إال مؤشــرات واضحــة وصريحــة أن إســرائيل ترفــض‬ ‫فكــرة وجــود شــعب فلســطيني أو دولــة فلســطينية‪ ،‬وأن احلديــث عــن‬ ‫عمليــة الســام وحــل الدولتــن مــا هــو إال نــوع مــن املراوغــة واإللهــاء‬ ‫حتــى يتحقــق هــذا املشــروع‪ ،‬ومهمــا تباينــت الســبل بــن اســتعمال‬ ‫القــوة واالســتيطان والتهجيــر‪ ،‬وبــن تبن ــى سياســة املفاوضــات واإلغــراء‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫قضية العدد‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫‪19‬‬

‫األمم المتحدة‪ :‬يعيش ‪ 700‬ألف مستوطن ً يف الضفة الغربية والقدس‬ ‫الشرقية وهي مناطق تشكل محور الدولة الفلسطينية المستقبلية‬ ‫كال الطرفــن حــول املقابــل الــذي مت تقدميــه للدخــول يف هــذه‬ ‫االتفاقيــة‪ ،‬فاإلمــارات أكــدت بــأن إســرائيل تعهــدت بوقــف ضــم‬ ‫األراضي الفلســطينية يف الضفــة الغربيــة وغــور األردن إل ــى األراض ــي‬ ‫الت ــي حتتلهــا إســرائيل‪ ،‬بينمــا صـ ّرح نتنياهو بأنه لــم يعط اإلمارات أي‬ ‫التزام بوقف ضم الضفة وأن الضم ال زال قائ ًما‪ ،‬وأن إسرائيل وافقت‬ ‫فقــط عل ــى تعليــق الضــم بشــكل مرحل ــي‪ .‬وأتــت خديعــة نتنياهــو هــذه‬ ‫إلقــرار معادلــة جديــدة يف الصــراع العرب ــي ‪ /‬الفلســطيني حتــل محــل‬ ‫األرض مقابل الســام‪ ،‬وهي معادلة الســام من أجل الســام وحســب‪.‬‬

‫تعنت الجانب اإلسرائييل حيال اتفاقيات إبراهام‬

‫كان هنــاك آمــال بــأن القضيــة الفلســطينية ســتصل إلــى مرحلــة‬ ‫مــن التقــدم عقــب اتفاقيــات إبراهــام‪ ،‬كذلــك بالنســبة لوضــع‬ ‫الفلســطينيني ســواء يف الضفــة الغربيــة وقطــاع غــزة‪ ،‬ولكــن مــا حــدث‬ ‫بعــد االتفاقيــات كان مخيــب للوعــود وأثبــت أن الســام مــع إســرائيل‬ ‫مــا هــو إال حبــر علــى ورق‪ ،‬ووضــع الــدول املطبعــة يف مــأزق كبيــر‬ ‫أمــام احلشــود العربيــة وأثبتــت أن إســرائيل ال تريــد ســام ولكــن‬ ‫مــا تريــده هــو تصفيــة القضيــة الفلســطينية بأكملهــا وحتقيــق‬ ‫عبــارة ( شــعب بــا أرض ألرض بــا شــعب)‪ ،‬ولــم يكــن الســابع مــن‬ ‫أكتوبــر هــو بدايــة لتلــك االنتهــاكات الت ــي ارتكبتهــا إســرائيل يف حــق‬ ‫الفلســطينيني‪ ،‬فعقــب إبــرام االتفاقيــات ارتكبــت إســرائيل ســلوكيات‬ ‫عدوانيــة إزاء الفلســطينيني بجانــب خطابــه أمــام اجلمعيــة العامــة‬ ‫لــأمم املتحــدة يف ســبتمبر ‪2022‬م‪ ،‬وجــاءت حــرب غــزة لتؤكــد حقيقــة‬ ‫أن اتفاقيــات إبراهــام مــا ه ــي إال حبــر عل ــى ورق وأن إســرائيل كيــان‬ ‫ال يســعى للســام مطل ًقــا ســواء بالنســبة لالنتهــاك املطلــق للقانــون‬ ‫الدول ــي وقصــف املدنيــن واملبان ــي احملرمــة دول ًيــا مــن القصــف مثــل‬ ‫املستشــفيات واملدارس وبالنســبة للتعنت الشــديد لوصول املســاعدات‬ ‫اإلنســانية إل ــى القطــاع‪.‬‬

‫أو ًاًل‪ :‬االنتهــاكات اإلســرائيلية عــى الضفــة الغربيــة وقطــاع غــزة‬ ‫قبــل الســابع مــن أكتوبــر‬

‫ اقتحامات القدس واملسجد األقصى‪:‬‬‫زادت اقتحامــات قــوات االحتــال لباحــات احلــرم واعتدائهــا علــى‬ ‫املرابطــن واملرابطــات بالضــرب والســحل مــرا ًرا وتكــرا ًرا‪ ،‬بجانــب منــع‬ ‫األهال ــي مــن الوصــول إل ــى املســجد األقص ــى وأداء الصــاة فيــه‪ ،‬يف‬ ‫املقابــل يتــم إفســاح املجــال للجماعــات اليهوديــة لتدنيــس املســجد‬ ‫األقص ــى باالقتحامــات اليوميــة وأداء الطقــوس والصلــوات التلموديــة‬ ‫والنفــخ بالبــوق‪ ،‬مــع عــدم إخفــاء نواياهــم بإقامــة الهيــكل املزعــوم مــن‬

‫خــال املمارســات الهادفــة إل ــى هــدم األقص ــى وإقامــة الهيــكل عليــه‬ ‫باإلضافــة إل ــى ذلــك‪ ،‬يســتمر االحتــال يف مهاجمــة األهال ــي يف أحيــاء‬ ‫القــدس واالســتيالء عل ــى بيوتهــم وعقاراتهــم‪.‬‬ ‫زيادة أعداد األسرى الفلسطينيني يف السجون اإلسرائيلية‬‫عقــب التطبيــع لــم تتوقــف ســلطات االحتــال عــن االحتجــاز غيــر‬ ‫املبــرر للفلســطينيني بــل توغلــت يف تلــك السياســة‪ ،‬وباتــت حتتجــز‬ ‫اآلالف مــن األســرى‪ ،‬ومتــارس ضدهــم أبشــع أســاليب القهــر والتعذيــب‬ ‫واإلذالل‪ ،‬وقــد قض ــى املئــات منهــم عشــرين عا ًمــا وأكثــر يف الســجون‪.‬‬ ‫باإلضافــة إل ــى ذلــك‪ ،‬يُعان ــي العشــرات مــن األســرى واألســيرات مــن‬ ‫ظــروف صحيــة صعبــة‪ ،‬ممــا أدى إلــى وفــاة الكثيــر منهــم نتيجــة‬ ‫لإلهمــال الطب ــي والقتــل البط ــيء املتعمــد‪.‬‬ ‫ـ استمرار اقتحامات مدن الضفة الغربية‬ ‫قيــام ســلطات قــوات االحتــال بشــكل متكــرر باقتحــام املــدن والقــرى‬ ‫والبلــدات عل ــى امتــداد الضفــة الغربيــة‪ ،‬مــع قيامهــا مبداهمــة املنــازل‬ ‫والقيــام بعمليــات قتــل وإصابــة واعتقــال لســكانها‪ ،‬وقــد مت تســجيل‬ ‫املئــات مــن الشــهداء واجلرح ــى جــراء تلــك االقتحامــات لهــذا العــام‪.‬‬ ‫ مصادرة األراضي‬‫لــم تتوقــف ســلطات االحتــال عــن التوســع االســتيطاني بالضفــة‬ ‫الغربيــة‪ ،‬وقامــت مبصــادرة اآلالف مــن الدومنــات وطــرد األهال ــي مــن‬ ‫بيوتهــم وأراضيهــم بهــدف بنــاء املزيــد مــن املســتوطنات‪ ،‬مــع حمايــة‬ ‫املســتوطنني‪.‬‬ ‫ استمرار حصار قطاع غزة‬‫اســتمرار جرميــة االحتــال اإلســرائيلي بفــرض حصــاره عل ــى قطــاع‬ ‫غــزة‪.‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬خطاب نتنياهو أمام الجمعية العامة لألمم المتحدة‬ ‫يف كلمتــه أمــام اجلمعيــة العامــة لــأمم املتحــدة يف دورتهــا ال ـــ ‪،78‬‬ ‫والتــي عقــدت يف ســبتمبر ‪2023‬م‪ ،‬أعلــن رئيــس الــوزراء اإلســرائيلي‬ ‫بنيامــن نتنياهــو عــن خريطــة الشــرق األوســط اجلديــد‪ ،‬والتــي‬ ‫شــملت مناطــق مغطــاة باللــون األخضــر وهــي للــدول التــي أوضــح‬ ‫نتنياهــو أنهــا تربطهــا اتفاقــات ســام مــع إســرائيل أو تخــوض‬ ‫مفاوضــات إلبــرام اتفاقــات ســام مــع إســرائيل‪ ،‬وهــي عــدة دول‬


‫‪18‬‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫قضية العدد‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫العــدوان اإلســرائييل عــى غــزة وارتكابهــا أبشــع الجرائــم كشــف أنهــا ال‬ ‫تريــد الســام بــل تطمــح لتصفيــة القضيــة الفلســطينية بشــكل نهائــي‬ ‫مظاهر التعنت اإلسرائييل حيال مبادرة السالم العربية‬

‫تفاعــل القــادة والسياســيون اإلســرائيليون بأســاليب متنوعــة جتــاه‬ ‫مبــادرة الســام العربيــة منــذ تقدميهــا ألول مــرة؛ حيــث رفــض‬ ‫أرييــل شــارون‪ ،‬رئيــس الــوزراء اإلســرائيلي حينــذاك‪ ،‬االقتــراح بشــكل‬ ‫قاطــع‪ ،‬فاعتبــر أنــه مبوجــب املبــادرة يتطلــب مــن إســرائيل اســتيعاب‬ ‫عــدد كبيــر مــن الالجئــن الفلســطينيني بشــكل يتجــاوز «اخلطــوط‬ ‫احلمراء» اإلسرائيلية‪.‬‬ ‫باملثــل‪ ،‬رفــض شــيمون بيريــز‪ ،‬نائــب رئيــس الــوزراء اإلســرائيلي يف ذلــك‬ ‫الوقــت‪ ،‬املبــادرة وأعلــن أن هنــاك حاجــة إل ــى مزيــد مــن املفاوضــات‪.‬‬ ‫ويف الســياق نفســه‪ ،‬قــال شــيمون بيريــز لإلذاعــة اإلســرائيلية‪« :‬هنــاك‬ ‫طريقــة واحــدة فقــط للتغلــب علــى خالفاتنــا وهــي املفاوضــات»‪،‬‬ ‫وف ًقــا لصحيفــة “تلغــراف”‪ .‬وأضــاف أن “باإلمــاءات لــن يتمكــن‬ ‫الفلســطينيون وال العــرب وال نحــن مــن التوصــل إل ــى حــل”‪.‬‬ ‫ووف ًقــا ملعهــد الشــرق األوســط‪ ،‬وصــف إيهــود أوملــرت‪ ،‬رئيــس‬ ‫الــوزراء اإلســرائيلي الســابق‪ ،‬املبــادرة بأنهــا «تغييــر ثــوري»‪ ،‬مــع‬ ‫رفضــه للجوانــب املتعلقــة بعــودة الالجئــن‪ .‬يف املقابــل‪ ،‬تباينــت آراء‬ ‫بنيامــن نتانياهــو عل ــى مــر الســنني‪ ،‬حيــث رفــض اخلطــة يف عــام‬ ‫‪2007‬م‪ ،‬ووصفهــا بأنهــا «فكــرة عامــة جيــدة» يف عــام ‪2016‬م‪ ،‬ولكنــه‬ ‫رفضهــا بعــد ذلــك مــرة أخــرى كأســاس للمفاوضــات يف عــام ‪2018‬م‪.‬‬ ‫ويف عــام ‪2016‬م‪ ،‬أعلــن رئيــس الــوزراء اإلســرائيلي‪ ،‬بنيامــن نتانياهــو‪،‬‬ ‫أنــه يف حــال قدمــت الــدول العربيــة االقتــراح مــن عــام ‪2002‬م‪ ،‬مــع‬ ‫حتديــد خيــارات «قبــول» أو «رفــض»‪ ،‬ســتكون إســرائيل عل ــى اســتعداد‬ ‫”للرفــض‪ ،‬وف ًقــا لصحيفــة «هآرتــس‬ ‫وأكــد نتانياهــو أن املبــادرة العربيــة حتتــوي علــى جوانــب إيجابيــة‪،‬‬ ‫ولكنــه أشــار إلــى أهميــة حتديثهــا ملواكبــة التطــورات يف املنطقــة‬ ‫خــال الســنوات األخيــرة‪ .‬وأضــاف نتانياهــو أن املبــادرة العربيــة‬ ‫قــد تكــون «مالئمــة شــريطة تعديــل بعــض مطالبهــا»‪ ،‬خاصــة فيمــا‬ ‫يتعلــق باالنســحاب اإلســرائيلي وقضيــة الالجئــن الفلســطينيني‪.‬‬ ‫ووف ًقــا ألرقــام األمم املتحــدة‪ ،‬يعيــش حوال ــي ‪ 700‬ألــف مســتوطن حال ًيــا‬ ‫يف مختلــف مناطــق الضفــة الغربيــة والقــدس الشــرقية‪ ،‬وه ــي املناطــق‬ ‫املتوقــع أن تشــكل محــور أي دولــة فلســطينية يف املســتقبل‪ .‬ويشــير‬ ‫تقريــر وكالــة «رويتــرز» إلــى اســتمرار ســريع يف بنــاء املســتوطنات‪.‬‬ ‫وتقــدر عــدد الفلســطينيني الذيــن يعيشــون يف الضفــة الغربيــة بنحــو‬ ‫‪ 3.2.‬مليــون‪ ،‬بينمــا يســكن غــزة حوال ــي ‪ 2.2‬مليــون فلســطيني‬

‫ثان ً​ًيا‪ :‬اتفاقيات إبراهام (السالم مقابل السالم)‬

‫شــكلت اتفاقيــات إبراهــام نقطــة انقــاب تاريخيــة ثالثــة يف العالقــات‬ ‫بــن إســرائيل والعالــم العرب ــي منــذ عــام ‪1948‬م‪ .‬فف ــي املــرة األول ــى‪،‬‬ ‫كان «االعتــراف بالوجــود» هــو شــريطة الســام‪ ،‬ورغــم ذلــك رفضــت‬ ‫الــدول العربيــة االعتــراف بإســرائيل‪ ،‬ممــا أدى إل ــى توســع إســرائيل يف‬ ‫حروبهــا وتوغلهــا االســتيطاني‪ .‬وبالنســبة للمرحلــة الثانيــة‪ ،‬اعتمــدت‬ ‫احلكومــة اإلســرائيلية مبــدأ «األرض مقابــل الســام» بعــد حــرب يونيــو‬ ‫‪1967‬م‪ ،‬حيــث كان الســام يعن ــي االعتــراف وإقامــة عالقــات طبيعيــة‬ ‫مــع كل دولــة مــن جيرانهــا‪ .‬وجتلــى تنفيــذ هــذا املبــدأ يف معاهــدة‬ ‫الســام بــن مصــر وإســرائيل يف عــام ‪1979‬م‪ ،‬واآلن‪ ،‬مــع اتفاقيــات‬ ‫إبراهــام‪ ،‬متثــل نقلــة جديــدة حيــث مت جتــاوز «األرض مقابــل الســام»‬ ‫باتخــاذ مبــدأ «الســام مقابــل الســام»‪ ،‬ممــا أتــاح إلســرائيل حتقيــق‬ ‫التطبيــع دون التنــازل عــن أي جــزء ممــا احتلتــه مــن أراض‪.‬‬ ‫ومتثــل اتفاقيــات إبراهــام إجنــازًا كبي ـ ًرا إلســرائيل‪ ،‬حيــث لــم تقتصــر‬ ‫علــى موافقــة اإلمــارات والبحريــن واملغــرب والســودان علــى تطبيــع‬ ‫العالقــات مــع إســرائيل‪ ،‬بــل ً‬ ‫أيضــا جســدت مبــدأ «الســام مقابــل‬ ‫الســام»‪ .‬متكنــت إســرائيل مــن خــال هــذه االتفاقيــات مــن جتنــب‬ ‫تقــدمي تنــازالت ملموســة مقابــل التطبيــع مــع دول عربيــة‪ .‬ويف يونيــو‬ ‫‪2021‬م‪ ،‬أشــار رئيــس الــوزراء اإلســرائيلي بنيامــن نتنياهــو إلــى أن‬ ‫اتفاقيــات إبراهــام أتاحــت إلســرائيل االنتقــال مــن «معادلــة األرض‬ ‫مقابــل الســام» إلــى مبــدأ «الســام مقابــل الســام»‪ ،‬الســام مــع‬ ‫الفلســطينيني وفــق نظريــة نتنياهــو ميكــن أن يتحقــق كثمــرة للتعــاون‬ ‫ً‬ ‫بديــا‬ ‫العربــي ‪ /‬اإلســرائيلي وإعــادة وضــع العربــة خلــف احلصــان‬ ‫عــن النظريــة الســائدة والت ــي تضــع حــل القضيــة الفلســطينية شــرطاً‬ ‫للســام مــع الــدول العربيــة‪ .‬مــع تأكيــد عــدم فقــدان أي جــزء مــن‬ ‫األرض‪.‬‬ ‫باإلضافــة إلــى االعتبــارات االســتراتيجية التــي دفعــت دول اخلليــج‬ ‫لالنضمــام إلــى اتفاقيــات إبراهــام‪ ،‬فقــد متثــل هــذه االتفاقيــات‬ ‫انتصــا ًرا اســتراتيج ًيا إلســرائيل‪ ،‬ممــا ســاعدها عل ــى تشــكيل مشــهد‬ ‫سياســي عربــي‪ /‬إســرائيلي يُســهل التعامــل مــع بقيــة دول مجلــس‬ ‫التعــاون اخلليج ــي‪ ،‬وهــو هدفهــا الدبلوماس ــي األساس ــي‪ .‬قــد يكــون‬ ‫احلفــاظ عل ــى هــذه االتفاقيــات عل ــى قيــد احليــاة محاولــة لتخفيــف‬ ‫بعــض الضغــوط السياســية الداخليــة‪ ،‬ناجتــة عــن مشــروع اإلصالحات‬ ‫القضائيــة الــذي قدمــه االئتــاف احلاكــم مــن اليمــن‪.‬‬ ‫اجلــدل اآلخــر حــول هــذه املعاهــدات‪ ،‬كان حــول تضــارب تصريحــات‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫قضية العدد‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫‪17‬‬

‫اســتراتيجية العــرب الــسالم ‪ ..‬واســتراتيجية المجتمــع الــدويل التراخــي‬ ‫أمــام تعنــت إســرائيل مــا يجعلهــا تتنصــل مــن القانــون الــدويل وتعلــو فوقــه‬ ‫إلــى إعــادة النظــر يف سياســتها‪ ،‬مح ًّثــا إياهــا علــى اتخــاذ موقــف‬ ‫إيجاب ــي نحــو الســام‪ ،‬معل ًنــا أن اتخــاذ الســام العــادل يشــكل خيــا ًرا‬ ‫اســتراتيج ًيا للطــرف اإلســرائيلي‪ ،‬وذلــك وف ًقــا ملــا جــاء يف املبــادرة‪.‬‬ ‫‪:‬أهم نصوص املبادرة‬ ‫‪ -١‬االلتزام بحل الدولتني‬ ‫حتقيــق الســام واســتقرار املنطقــة وإقامــة دولــة فلســطينية مســتقلة‬ ‫ذات ســيادة عل ــى األراض ــي الفلســطينية الت ــي احتلــت يف عــام ‪1967‬م‪،‬‬ ‫وعاصمتهــا القــدس الشــرقية‪.‬‬ ‫‪-٢‬حق الالجئني الفلسطينيني‬ ‫حل عادل ملشكلة الالجئني الفلسطينيني مبوجب قرار اجلمعية‬ ‫العامة لألمم املتحدة رقم ‪194‬‬ ‫‪ -٣‬االنسحاب اإلسرائيلي‬ ‫انســحاب إســرائيل مــن األراضــي العربيــة احملتلــة‪ ،‬مبــا يف ذلــك‬ ‫اجلــوالن الســوري احملتــل واألراضــي احملتلــة يف جنــوب لبنــان‪.‬‬ ‫‪ -٤‬العالقات العربية‪-‬اإلسرائيلية‬

‫إقامــة عالقــات ســلمية وعادلــة بــن جميــع الــدول العربيــة وإســرائيل‬ ‫عل ــى أســاس مبــادئ ميثــاق األمم املتحــدة وقــرارات الشــرعية الدوليــة‪.‬‬ ‫يف حــال امتثــال إســرائيل لتلــك املطالــب‪ ،‬يعتبــر النــزاع العربــي‬ ‫اإلســرائيلي منته ًيــا‪ ،‬وتدخــل الــدول العربيــة يف اتفاقيــة ســام شــاملة‬ ‫مــع ضمــان الســام جلميــع دول املنطقــة‪.‬‬ ‫يف هــذا الســياق‪ ،‬تقــوم الــدول العربيــة بإقامــة «عالقــات طبيعيــة مــع‬ ‫إســرائيل» يف إطــار هــذا الســام الشــامل‪ ،‬وتكفــل رفــض أي توطــن‬ ‫فلســطيني يف البلــدان العربيــة املضيفــة‪.‬‬ ‫وعنــد حتقيــق هــذه الشــروط‪ ،‬يدعــو مجل ــس جامعــة الــدول العربيــة‬ ‫«حكومــة إســرائيل واإلســرائيليني جمي ًعــا لقبــول املبــادرة بهــدف حماية‬ ‫فــرص الســام وجتنــب األجيــال القادمــة لويــات النــزاع‪.‬‬ ‫وتختــم اجلامعــة املبــادرة بتأكيــد أن هــذا «ميكــن الــدول العربيــة‬ ‫وإســرائيل مــن العيــش ســو ًيا يف ســام‪ ،‬ويوفــر لألجيــال القادمــة‬ ‫ً‬ ‫مســتقباًل آمنًــا ملي ًئــا بالرخــاء واالســتقرار»‪.‬‬


‫‪16‬‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫قضية العدد‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫إسرائيل لم تقدم مشروع سالم في تاريخها ولم تقبل مناقشة المبادرات العربية‬

‫اتفاقيات إبراهام قايضت السالم بالسالم‬ ‫وحرب غزة لبداية تحقيق حلم إسرائيل الكبرى‬ ‫جــاءت احلــرب عل ــى غــزة لتثبــت إن القضيــة الفلســطينية بكافــة مكوناتهــا ه ــي القضيــة األم لــكل العــرب وجوهــر الصــراع‬ ‫يف املنطقــة‪ ،‬وأن حلهــا بشــكل عــادل هــو أحــد املفاتيــح الرئيســية الســتقرار اإلقليــم وبــدوره سيشــكل واق ًعــا جدي ـدًا للشــرق‬ ‫األوســط‪.‬‬ ‫وأســقطت احلــرب ً‬ ‫أيضــا املزاعــم الغربيــة بتطلــع إســرائيل الدائــم للســام؛ وعكســت التصــرف العدوانــي إلســرائيل‬ ‫وارتكابهــا ألبشــع اجلرائــم البشــعة الــذي يشــير إلــى أنهــا ال تريــد الســام بقــدر مــا تطمــح إلــى تصفيــة القضيــة‬ ‫الفلســطينية بشــكل نهائــي‪ .‬ورغــم التنــازالت الكبيــرة واملرونــة الفائقــة التــي أظهرتهــا الــدول العربيــة واملفاوضــون‬ ‫الفلســطينيون مــع إســرائيل خــال عمليــة الســام علــى مــدار التاريــخ‪ ،‬إال أن التعنــت اإلســرائيلي لــم يتغيــر ولــم‬ ‫تقــدم إســرائيل أي تنــازالت بــل اســتمرت يف سياســات االســتيطان وتهويــد األراضــي الفلســطينية وفــرض سياســة‬ ‫األمــر الواقــع ولــم يقابــل ذلــك إال باملزيــد مــن املرونــة والتنــازل مــن اجلانــب العربــي‪ ،‬واجلديــر بالذكــر أن إســرائيل لــم‬ ‫تتقــدم بــأي مشــروع ســام واحــد يف تاريخهــا ولــم تقبــل حتــى مناقشــة مشــاريع الســام التــي اقترحهــا العــرب‪.‬‬ ‫ويف خضــم تلــك الورقــة ســيتم تســليط الضــوء علــى الرغبــة العربيــة املســتمرة يف الــسالم انط ً‬ ‫الًقــا مــن املبــادرة العربيــة‬

‫السفير‪ .‬محمد العرابي‬

‫للــسالم ( األرض مقابــل الــسالم) ووصاًلا إلــى اتفاقيــات إبراهــام (‬ ‫الــسالم مقابــل الــسالم) ومــا يقابلهــا مــن تعنــت ورفــض إســرائيلي‬ ‫‪.‬وزيــادة يف االنتهــاكات اجلســيمة الالإنســانية يف حــق الفلســطينيني‬

‫أواًلا ‪ :‬مبــادرة الــسالم العربيــة (األرض مقابــل الــسالم)‬

‫كل املعاهــدات بــن مصــر وإســرائيل وبــن إســرائيل واألردن وبينهــا‬ ‫وبــن منظمــة التحريــر الفلســطينية اســتندت إل ــى مبــدأ األرض مقابل‬ ‫الســام واالعتــراف بالوجــود وفــق القــرار ‪ ،242‬وترتــب عليهــا انســحاب‬ ‫قــوات االحتــال اإلســرائيلي وإعــادة انتشــار قواتــه يف حالــة أوســلو‬ ‫ومتكــن الشــعب الفلســطيني مــن إقامــة ســلطة يف جــزء مــن أراضيــه‪.‬‬ ‫وطيلــة العقــود الت ــي تلــت عــام ‪1967‬م‪ ،‬ظــل مبــدأ األرض مقابل الســام‬ ‫هــو احلاكــم ألى مشــروعات تســوية ســلمية للصــراع‪ ،‬إل ــى أن أصبــح‬ ‫هــذا املبــدأ‪ ،‬أي األرض مقابــل الســام‪ ،‬ميثــل أســاس املبــادرة العربيــة‬ ‫للســام التــي أطلقهــا امللــك الســعودي الراحــل‪ ،‬عبــد اهلل بــن عبــد‬ ‫العزيز‪ ،‬إبان «قمة بيروت» حينما كان ول ًيا للعهد‪ .‬وتركزت تلك املبادرة‬

‫عل ــى إقامــة دولــة فلســطينية ذات ســيادة‪ ،‬وعــودة الالجئــن‪ ،‬فضـ ًـا‬ ‫عــن انســحاب إســرائيل مــن األراض ــي احملتلــة‪ ،‬مبــا يف ذلــك هضبــة‬ ‫اجلــوالن‪ ،‬مقابــل حتقيــق ســام شــامل دائــم بــن العــرب وإســرائيل‪.‬‬ ‫وجــاء ذلــك نتيجــة القتنــاع الــدول العربيــة بــأن احلــل العســكري للنــزاع‬ ‫ألي مــن األطــراف‪ ،‬وهــذا تغييــر‬ ‫لــم يــؤد إل ــى حتقيــق الســام أو األمــان ٍ‬ ‫يتنافــى مــع مــا حــدث يف ‪1967‬م‪ ،‬حيــث اجتمــع القــادة العــرب يف‬ ‫الســودان لتحديــد موقفهــم الرســمي الــذي أُصبــح معرو ًفــا بإعــان‬ ‫«الــاءات الثــاث للخرطــوم»‪ :‬ال ســام مــع إســرائيل‪ ،‬ال اعتــراف‬ ‫بإســرائيل‪ ،‬ال مفاوضــات مــع إســرائيل‪ .‬ومــع ذلــك‪ ،‬قامــت «مبــادرة‬ ‫الســام العربيــة» بتحــول هــام عــن هــذا الرفــض املطلــق‪ ،‬حيــث‬ ‫اعتمــدت موق ًفــا يُشــترط حتقيــق حقــوق سياســية محــددة مقابــل‬ ‫إقامــة عالقــات مــع إســرائيل‪ .‬كمــا يهــدف هذا االقتــراح يف جوهره إلى‬ ‫تشــجيع اإلســرائيليني عل ــى تقــدمي تنــازالت يف القضيــة الفلســطينية‬ ‫مــن خــال اســتغالل رغبتهــم يف تطبيــع عالقاتهــم مــع دول املنطقــة‪.‬‬ ‫وبنــا ًء علــى ذلــك املنظــور‪ ،‬دعــا مجلــس اجلامعــة العربيــة إســرائيل‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫اجلانــب العربــي‪ ،‬كنــا نبحــث عــن مخــرج‪ ،‬فالهجمــة شرســة علينــا‬ ‫باعتبارنــا إرهابيــن أو علــى األقــل منتجــن لهــم‪ ،‬وذلــك يف أعقــاب‬ ‫أحــداث ‪ 11‬ســبتمبر ‪ ،‬فــكان ال بــد مــن االنتقــال مــن خانــة الدفــاع دون‬ ‫تقــدمي تنــازالت مؤملــة أو مــع تنــازالت متبادلــة ‪ .‬وكان األميــر (امللــك)‬ ‫عبــد اهلل بــن عبــد العزيــز هــو وحــده صاحــب املكانــة الت ــي تؤهلــه‬ ‫لطــرح املبــادرة العربيــة دون مزايــدة مــن آخريــن «‪ ،‬وحظيــت املبــادرة‬ ‫باإلجمــاع العرب ــي ورفضتهــا إســرائيل وكان رئيــس الــوزراء آنــذاك أريــل‬ ‫شــارون ومازالــت ترفضهــا إســرائيل حت ــى اآلن‪.‬‬ ‫كان الكاتــب األمريك ــي تومــاس فريدمــان قــد أشــاد بهــا واطلــع عليهــا‬ ‫قبــل طرحهــا وقــال يف مقابلــة صحفيــة مــع عاصــم الشــيدي « لكن ــي‬ ‫مــا زلــت أعتبرهــا أفضــل إطــار حت ــى اآلن لتحقيــق الســام يف الشــرق‬ ‫األوســط “‪ ،‬ولــم ترفضهــا إســرائيل فقــط‪ ،‬بــل رفضتهــا الواليــات‬ ‫املتحــدة‪ ،‬فاملبــادرة تقــوم عل ــى األرض مقابــل الســام ولكــن إســرائيل‬ ‫تطــرح الســام مقابــل الســام‪ ،‬وتفضــل إســرائيل العالقــات الثنائيــة‬ ‫مــع الــدول العربيــة وتتجنــب التعامــل مــع أي إجمــاع عرب ــي‪ ،‬ودخلــت‬ ‫بعــض الــدول العربيــة عل ــى خــط التطبيــع متجــاوزة املبــادرة العربيــة‬ ‫التــي أكــدت علــى األمــن اجلماعــي مقابــل االنســحاب اإلســرائيلي‬ ‫وقيــام الدولــة الفلســطينية وتصــر الســعودية علــى تنفيــذ املبــادرة‬ ‫العربيــة ولــن تكــون لهــا عالقــات أوتطبيــع إال بعــد موافقــة إســرائيل‬ ‫عل ــى تنفيــذ املبــادرة كأســاس للســام‪ ،‬ولذلــك نــرى أن إســرائيل منــذ‬ ‫إنشــائها عــام ‪1948‬م‪ ،‬وه ــي ترفــض جميــع مبــادرات التطبيــع وتؤكــد‬ ‫عل ــى متســكها باملشــروع الصهيون ــي التوســع‪ ،‬االســتيطان‪ ،‬الضــم ‪.‬‬

‫الموقف الدويل واإلقليمي‪ :‬تحوالت تخدم القضايا العربية‬

‫تتبن ــى الواليــات املتحــدة الدولــة األول ــى يف العالــم املشــروع الصهيون ــي‪،‬‬ ‫كل الرؤســاء منــذ ترومــان حت ــى بايــدن يؤكــدون بالقــول والفعــل حمايــة‬ ‫إســرائيل وتزويدهــا بالســاح واألمــوال ومتدهــا باجلســر اجلــوي كمــا‬ ‫حــدث يف حــرب أكتوبــر ‪1973‬م‪ ،‬أو يف طوفــان األقصــى حال ًيــا‪ .‬إن‬ ‫السياســة اخلارجيــة األمريكيــة‪ ،‬سياســة إدارة األزمــات وليــس حلهــا‪،‬‬ ‫تتحــرك عنــد أزمــة تهــدد مصاحلهــا فقــط‪ ،‬وحتمــي إســرائيل يف‬ ‫مجل ــس األمــن الدول ــي بحــق الفيتــو ‪ ،‬أمــا روســيا وحت ــى يف العهــد‬ ‫الســوفيتي تســتفيد مــن اســتمرار الصــراع وليســت يف مكانــة حتــدي‬ ‫الواليــات املتحــدة وأنهــا تــرى وجــود إســرائيل يف مصلحتهــا وقــد أشــار‬ ‫املستشــرق الروســي الكســي فاســيليف مستشــار غورباتشــوف يف‬ ‫شــؤون الشــرق األوســط يف كتابــه السياســة الروســية ‪ :‬أنــه يف حالــة‬ ‫تهديــد وجــود إســرائيل ســتكون القــوات الروســية ســباقة حلمايتهــا‪،‬‬ ‫ويظهــر ذلــك مــن التنســيق الروســي ‪ /‬اإلســرائيلي يف ســوريا‪،‬‬ ‫فالغــارات اإلســرائيلية تتــم بالتنســيق مــع القــوات الروســية‪ ،‬أمــا‬ ‫املوقــف األوروب ــي فهــو يســير يف الفلــك األمريك ــي ويقــدم املســاعدات‬ ‫للســلطة الفلســطينية‪ ،‬ولكن ال يســتطيع فرض سياســة معينة عليها‬

‫دراسة العدد‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫‪15‬‬

‫النقســام االحتــاد األوروبــي فدولــة مثــل أملانيــا وبريطانيــا وفرنســا‬ ‫تأييــد مطلــق إلســرائيل وشــريان دعــم سياس ــي ومال ــي لهــا وتســتمر‬ ‫يف ذلــك إال إذا شــعرت بتهديــد مصاحلهــا‪ ،‬أمــا أســبانيا وبلجيــكا‬ ‫وبعــض الــدول األوروبيــة األخــرى فه ــي مؤيــدة للحقــوق الفلســطينية‬ ‫وظهــر مــن سياســتها يف إدانــة اإلبــادة اجلماعيــة‪.‬‬ ‫إن شــعوب العالــم اآلن ترفــض اإلبــادة اجلماعيــة وتدينهــا كمــا يظهــر‬ ‫مــن املظاهــرات الت ــي تشــهدها مــدن العالــم يف شــماله وجنوبــه وشــرقه‬ ‫وغربــه‪ ،‬ويحتــاج األمــر إل ــى إعــادة تفعيــل النظام العربي ورســم سياســة‬ ‫عربيــة موحــدة تبن ــي عل ــى مــا حتقــق مــن إجنــاز لطوفــان األقص ــى‬ ‫وكمــا قــال األميــر ترك ــي الفيصــل إن طوفــان األقص ــى أنه ــى اســطورة‬ ‫اجليــش الــذي ال يقهــر‪ ،‬ونقــل القضيــة الفلســطينية إلــى مكانتهــا‬ ‫قضيــة شــعب مشــرد مــن وطنــه ويحتــاج إل ــى حقوقــه ‪ .‬ثــم ثبــت زيــف‬ ‫الدميقراطيــة الغربيــة وإزدواجيــة املعاييــر وكشــف زيــف متثــال احلريــة‬ ‫األمريكــي وأنهــى اســطوانة إســرائيل كدولــة دميقراطيــة وحيــدة يف‬ ‫الشــرق األوســط وأثبــت أمــام الــرأي العــام العامل ــي أنهــا دولــة اإلبــادة‬ ‫اجلماعيــة والفصــل العنصــري‪.‬‬ ‫إن موقــف دولــة جنــوب إفريقيــا يف تقــدمي شــكوى حملكمــة العــدل‬ ‫الدوليــة ضــد إســرائيل باقترافهــا جرائــم حــرب وإبــادة جماعيــة‬ ‫مبــادرة سياســية مهمــة يبن ــى عليهــا‪ ،‬وبالتعــاون مــع دول عــدم االنحياز‬ ‫يشــكل قــوة مهمــة لدعــم احلقــوق العربيــة‪ ،‬كمــا أن توحيــد الفصائــل‬ ‫الفســطينية وقيــادة جديــدة تنه ــي كل التنســيق مــع إســرائيل وخاصــة‬ ‫التنســيق األمنــي ومتابعــة التطــورات الداخليــة اإلســرائيلية التــي‬ ‫تشــهد انقســا ًما حــا ًدا وقــد تشــهد تغييــرات عل ــى مســتوى القيــادات‬ ‫السياســية والعســكرية بســبب فشــلها يف مواجهــة طوفــان األقص ــى‪،‬‬ ‫وه ــي يف حالــة ضعــف وانتهيــار نفس ــي‪ .‬إن القــوة ه ــي األســاس يف‬ ‫العالقــات الدوليــة والــدول اإلســامية والعربيــة متلــك جميــع مــوارد‬ ‫القــوة لتفــرض دورهــا يف العالــم‪ ،‬يف ظــل مــا يعانيــة النظام الرأســمالي‬ ‫مــن تدهــور‪ ،‬ومحاولــة جــادة لتغييــر النظــام الدول ــي للتعدديــة القطبية‪،‬‬ ‫فعــدد كبيــر مــن الــدول العربيــة واإلســامية محوريــة ولهــا مكانتهــا‬ ‫يف حالــة تضامنهــا للدفــاع عــن قضاياهــا بعــد فشــل كل محــاوالت‬ ‫الســام لعــدو يرفــض الســام وميــارس اإلبــادة اجلماعيــة والتطهيــر‬ ‫العرق ــي‪.‬‬

‫*أستاذ العلوم السياسية بجامعتي امللك عبد العزيز والحسني بن طالل سابقاً‬


‫‪14‬‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫دراسة العدد‬

‫ثمانيــة نقــاط أهمهــا الدعــوة النســحاب إســرائيل مــن األراضــي‬ ‫احملتلــة عــام ‪1967‬م‪ ،‬وقيــام دولــة فلســطينية عاصمتهــا القــدس وإزالــة‬ ‫املســتعمرات الت ــي أقيمــت يف األراض ــي العربيــة احملتلــة وتأكيــد حــق‬ ‫الشــعب الفلســطيني يف العــودة وتعويــض مــن ال يرغــب “ ولكــن هــذه‬ ‫املبــادرة مت عرضهــا يف القمــة العربيــة الثانيــة لفــاس ســبتمبر ‪1982‬م‪،‬‬ ‫ومت اإلجمــاع العرب ــي عليهــا‪ ،‬ولكــن بعــد اجتيــاح إســرائيل إل ــى جنــوب‬ ‫لبنــان ودخولهــا بيــروت وخــروج املنظمــة الفلســطينية مــن لبنــان‪ ،‬وكان‬ ‫الكســندر هيــج أثنــاء زيارتــه أعط ــى إســرائيل الضــوء للقيــام بحملــة‬ ‫عســكرية عل ــى جنــوب لبنــان ملســافة ‪ 40‬كيلــو متـ ًرا ولكنهــا جتــاوزت‬ ‫الحتــال بيــروت وبالطبــع كان لهــا تأييــد مــن حــزب الكتائــب وخاصــة‬ ‫رئيســا إل ــى لبنــان ولكــن مت اغتيالــه‪.‬‬ ‫بشــير اجلميــل الــذي عــن‬ ‫ً‬ ‫ويف ظــل الظــروف السياســية الت ــي أعقبــت احتــال بيــروت ومجــازر‬ ‫صبــرا وشــتيال طرحــت مبــادرة بريجنيــف الزعيــم الســوفيتي كمشــروع‬ ‫للســام يف الشــرق األوســط ‪ 15‬ســبتمبر ‪1982‬م‪ ،‬وركــزت املبــادرة‬ ‫علــى حــق الشــعب الفلســطيني علــى تقريــر مصيــره وإقامــة دولــة‬ ‫فلســطينية يف الضفــة والقطــاع وعاصمتهــا القــدس الشــرقية وإنهــاء‬ ‫حالــة احلــرب‪ ،‬ولكــن إســرائيل رفضتهــا ولكــن الــدول العربيــة قبلتهــا‪،‬‬ ‫وطــرح الرئيــس ريغــان مبادرتــه يف األول مــن ســبتمبر ‪1982‬م‪ ،‬وعل ــى‬ ‫كل رفضت إســرائيل كل املبادرات السياســية واســتمرت يف مشــروعها‬ ‫الصهيونــي حتــى أنهــا الحقــت منظمــة التحريــر يف تونــس عندمــا‬ ‫قامــت الطائــرات اإلســرائيلية بغــارة اســتهدفت مقــر املنظمــة فيهــا‬ ‫واغتالــت القائــد خليــل الوزيــر (أبــو جهــاد) يف تونــس‪ .‬وعــادت املبــادرة‬ ‫الســعودية مــرة أخــرى عــام ‪2002‬م‪ ،‬يف قمــة بيــروت‪.‬‬

‫‪ 1993‬وغياب عرفات‬ ‫أوسلو‪1993‬‬ ‫االنتفاضات الفلسطينية واتفاق أوسلو‬

‫إن اســتمرار االحتــال اإلســرائيلي وتدهــور األوضــاع االقتصاديــة يف‬ ‫األراض ــي احملتلــة واســتمرار االعتقــاالت والقتــل للمدنيــن واالضطهــاد‬ ‫وغيــاب األفــق السياســي كانــت االنتفاضــة الفلســطينية األولــى‬ ‫ديســمبر ‪1987‬م‪ ،‬وكان عصيا ًنــا مدن ًيــا وجــد اجليــش اإلســرائيلي أمــام‬ ‫مقاومــة النســاء واألطفــال والشــيوخ وهــو جيــش ليــس مع ـدًا ملواجهــة‬ ‫هــذا العصيــان وتأزمــت األوضــاع حت ــى داخــل إســرائيل نفســها‪ ،‬ويف‬ ‫‪ 15‬نوفمبــر أعلــن الرئيــس عرفــات قيــام الدولــة الفلســطينية مــن‬ ‫اجلزائــر ولكنــه أشــار إل ــى قــرار التقســيم (‪1947 ) 181‬م‪ ،‬واحترامــه‬ ‫الشــرعية الدوليــة‪ ،‬وه ــي قفــزة لألمــام أنــه عل ــى اســتعداد لالعتــراف‬ ‫بإســرائيل‪ ،‬ولكــن األحــداث تطــورت بالغــزو العراق ــي للكويــت يف الثان ــي‬ ‫مــن أغســطس ‪1990‬م‪ ،‬وهــي كارثــة بــكل املقاييــس االســتراتيجية‬ ‫يعيــش العالــم العرب ــي تبعاتهــا حت ــى اآلن‪ ،‬واســتغلت الواليــات املتحــدة‬ ‫الفرصــة لتحقيــق أهدافهــا االســتراتيجية الت ــي كانــت تلهــث خلفهــا‬ ‫لســنوات‪ ،‬يف وقــت كان فيــه االحتــاد الســوفيتي ينهــار ‪ ،‬لذلــك أخــذ‬ ‫بــوش يدعــو لنظــام عاملــي جديــد وللتدخــل العســكري‪ ،‬كان بــوش‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫االب بحاجــة لدعــم عرب ــي ووعــد بالتحــرك السياس ــي عل ــى املســار‬ ‫الفلســطيني اإلســرائيلي‪ ،‬فأرســلت كل مــن مصــر وســوريا واملغــرب‬ ‫قواتهــم ال ــى حفــر الباطــن‪ ،‬كان هــدف بــوش األب البتــرول العراق ــي‬ ‫والقواعــد العســكرية وتدميــر القــوة العســكرية العراقيــة‪ ،‬وبالفعــل‬ ‫عقــد مؤمتــر مدريــد يف أكتوبــر ‪1991‬م‪ ،‬ورفضــت إســرائيل احلضــور‬ ‫يف حالــة حضــور ممثلــن عــن منظمــة التحريــر الفلســطينية ولكــن‬ ‫حضــر اجلانــب الفلســطيني ضمــن الوفــد األردن ــي وقبلــت إســرائيل‬ ‫احلضــور مقابــل عشــرة مليــارات دوالر مــن الواليــات املتحــدة وعلــق‬ ‫إســحق شــامير رئيس وزراء إســرائيل ســاخرا ســنتفاوض ملدة عشــرين‬ ‫عا ًمــا يعنــي املراوغــة النــه ال يريــد حــ ً‬ ‫ا سياســ ًيا يــؤدي النســحاب‬ ‫إســرائيل واســتمرت املفاوضــات الثنائيــة والتعدديــة ولكــن إســرائيل‬ ‫لــم تكــن جــادة يف كل هــذه املفاوضــات‪ ،‬وإمنــا ملخاطبــة الــرأي العــام‬ ‫الدولــي‪ ،‬وبعــد أن شــعرت املنظمــة بأنهــا يف أضعــف حاالتهــا ويف‬ ‫حالــة عزلــة مــع االنقســام العرب ــي‪ ،‬دخلــت يف مفاوضــات ســرية مــع‬ ‫إســرائيل أدت إلــى اتفــاق أوســلو ســبتمبر ‪1993‬م‪ ،‬وكان محمــود‬ ‫عبــاس رئيــس الفريــق الفلســطيني‪ ،‬وكانــت إســرائيل تريــد ســلطة‬ ‫فلســطينية تتولــى ضبــط الشــارع الفلســطيني ووقــف االنتفاضــة‬ ‫الفلســطينية ودخلــت املنظمــة يف مفاوضــات معقــدة ومت اغتيــال‬ ‫إســحق رابــن بســبب توقيــع االتفــاق ورغــم عــودة رجــال الســلطة‬ ‫وعل ــى رأســها عرفــات إل ــى غــزة وأريحــا ثــم اســتقر مقــام الســلطة يف‬ ‫مدينــة رام اهلل ولكــن جميــع حتــركات الســلطة تتــم بــإذن إســرائيلي‬ ‫وبســبب فشــل املفاوضــات ودخــول املســتوطنني املتكــرر للمســجد‬ ‫األقصــى وتزعــم شــارون لدخــول املســجد يف عــام ‪2000‬م‪ ،‬كانــت‬ ‫االنتفاضــة الفلســطينية الثانيــة وحاصــرت إســرائيل الرئيــس عرفــات‬ ‫يف املقاطعــة مركــز إقامتــه وتريــد التخلــص منــه‪ ،‬وحــدث ‪ 11‬ســبتمبر‬ ‫‪2001‬م‪ ،‬فحصــرت الواليــات املتحــدة‪ ،‬إدارة بــوش االبــن كل جهودهــا‬ ‫حملاربــة اإلرهــاب والتخطيــط الحتــال العــراق‪ ،‬وكان احملافظــن‬ ‫اجلــدد احمليطــن ببــوش االبــن يدفعــوا بــكل قــوة لالحتــال حتــت‬ ‫شــعارات األســلحة الكيماويــة وحقــوق اإلنســان وكلهــا شــعارات مزيفــة‬ ‫ويف ظــل هــذه الظــروف وتراجــع القضيــة الفلســطينية طرحــت املبــادرة‬ ‫العربيــة ‪2002‬م‪ ،‬محاولــة عربيــة حلــل الصــراع ألن إســرائيل رفضــت كل‬ ‫احملــاوالت واملبــادرات والقــرارات الدوليــة ‪.‬‬

‫السعودية والمبادرة العربية واإلجماع العربي‬

‫وصلــت املفاوضــات الفلســطينية ‪ /‬اإلســرائيلية يف كامــب ديفيــد بــن‬ ‫الرئيــس ياســر عرفــات وإيهــود بــاراك رئيــس وزراء إســرائيل آنــذاك‬ ‫إلــى الفشــل‪ ،‬والســبب الرفــض اإلســرائيلي للمطالــب الفلســطينية‬ ‫ويف ظــل تعقيــدات الوضــع الدول ــي واإلقليم ــي طــرح امللــك عبــد اهلل‬ ‫(ول ــي العهــد آنــذاك) املبــادرة الســعودية الت ــي كانــت طرحــت يف قمــة‬ ‫فــاس ‪1982‬م‪ ،‬ويصــف األمــن العــام الســابق للجامعــة العربيــة عمــرو‬ ‫موس ــى يف كتابــه ســنوات اجلامعــة ظــروف طــرح املبــادرة بقولــه « عل ــى‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫دراسة العدد‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫‪13‬‬

‫‪https://ar.wikipedia.org/‬‬

‫قــدم وايزمــان خريطــة الدولــة اليهوديــة لمؤتمــر باريــس‬ ‫عــام ‪ 1919‬وكان نهــر الليطانــي وشــرق األردن ضمــن حدودهــا‬ ‫بنقــل القضيــة الفلســطينية مــن صــراع عرب ــي إســرائيلي إل ــى صــراع‬ ‫عرب ــي ‪ /‬عرب ــي فمــع زيــارة الســادات حتقــق حلــم كيســنجر فانقســم‬ ‫الصــف العربــي ونقــل مقــر اجلامعــة العربيــة إلــى تونــس وأصبــح‬ ‫املوقــف العربــي ضعي ًفــا وأكثــر تعقيــدًا وانشــغلت واشــنطن بالثــورة‬ ‫اإليرانيــة ‪1979‬م‪ ،‬والتدخــل الســوفيتي يف أفغانســتان ديســمبر ‪1979‬م‪،‬‬ ‫ولذلــك لــم يحــدث تقد ًمــا يف القضيــة الفلســطينية وأصبــح الرئيــس‬ ‫كارتــر مشــغوالً بأزمــة الرهائــن واالنتخابــات األمريكيــة لــدورة ثانيــة‪.‬‬ ‫وفــاز الرئيــس ريغــان يف االنتخابــات الرئاســية ‪1981‬م‪ ،‬وكان مــن‬ ‫املؤيديــن إلســرائيل ولذلــك أصبــح التفكيــر اإلســرائيلي القضــاء عل ــى‬ ‫الوجــود الفلســطيني يف جنــوب لبنــان حيــث انتقــل نشــاط منظمــة‬ ‫التحريــر الفلســطينية بعــد أزمــة األردن ‪1970‬م‪ ،‬إل ــى جنــوب لبنــان‪،‬‬ ‫وقامــت إســرائيل يف عــام ‪1978‬م‪ ،‬بعمليــة الليطان ــي البعــاد مقاتل ــي‬ ‫املنظمــة عــن احلــدود والســيطرة علــى ميــاه الليطانــي التــي كانــت‬ ‫هد ًفــا إلســرائيل منــذ مؤمتــر ‪1919‬م‪ ،‬عندمــا قــدم وايزمــان خريطــة‬ ‫الصهيونيــة للدولــة اليهوديــة ملؤمتــر الصلــح يف باري ــس فــكان نهــر‬ ‫الليطانــي ضمــن حــدود الدولــة ومنطقــة شــرق األردن غــرب ســكة‬ ‫احلديــد احلجازيــة ؟‬ ‫وقامــت إســرائيل خــال عمليــة الليطانــي بإنشــاء احلــزام األمنــي‬ ‫يف اجلنــوب اللبنانــي لتضمــن الســيطرة الكاملــة عليــه وشــجعت‬ ‫الضابــط باجليــش اللبنان ــي ســعد حــداد بالتمردعل ــى قيادتــه وأصبــح‬ ‫حتــت ســيطرة وتوجيــه اجليــش اإلســرائيلي ويف عــام ‪1982‬م‪ ،‬أثنــاء‬ ‫عمليــة « ســام اجلليــل» الت ــي شــنتها إســرائيل عل ــى لبنــان كان ســعد‬ ‫حــداد مؤي ـدًا ومشــار ًكا يف الغــزو اإلســرائيلي عل ــى وطنــه؟‬

‫‪ :1982‬الملك فهد وبريجنيف وريغان‬ ‫مبادرات سياسية ‪:1982‬‬

‫جــاءت إدارة أمريكيــة جديــدة تنتمــي لليمــن الليبرالــي برئاســة‬ ‫ريغــان واحلــرب اإليرانيــة –العراقيــة مشــتعلة واالنقســام العربــي‬ ‫ويف أبريــل ‪1981‬م‪ ،‬زار وزيــر اخلارجيــة األمريكيــة آنــذاك ألكســندر‬ ‫هيــج وهــو جنــرال أمريك ــي ســبق أن عمــل قائـدًا لقــوات حلــف الناتــو‬ ‫يف أوروبــا‪ ،‬وهــو مــن املؤيديــن إلســرائيل وتفوقهــا العســكري وصــرح‬ ‫أثنــاء زيارتــه املنطقــة بقولــه “إن النــزاع العرب ــي ‪ /‬اإلســرائيلي يجعــل‬ ‫بعضــاً مــن أوثــق أصدقائنــا منقســمني علــى أنفســهم‪ .‬واملصالــح‬ ‫األمريكيــة يف الشــرق األوســط ال ميكــن حمايتهــا إال باســتراتيجية‬ ‫ال تغفــل تعقيــدات املنطقــة وال التهديــد بتدخــل خارج ــي ‪ ..‬فــإذا كان‬ ‫أصدقاؤنا العرب علــى اســتعداد أكبــر لركــوب املخاطــر مــن أجــل‬ ‫الســام مــع اإلســرائيليني فــإن التعــاون يف مجــال األمــن ســيكون‬ ‫ســه ً‬ ‫ال” ‪ ،‬ويف ظــل اجلمــود السياس ــي وحكومــة ليكــود بزعامــة بيغــن‬ ‫ووزيــر الدفــاع شــارون كان ال بــد مــن مبــادرة جريئــة لتحريــك الوضــع‬ ‫السياس ــي ولذلــك طرحــت الســعودية مــا عرفــت مببــادة امللــك فهــد‬ ‫وكان آنــذاك ول ًيــا للعهــد يف أغســطس وقدمــت للقمــة العربيــة يف‬ ‫فــاس نوفمبــر ‪1981‬م‪ ،‬ولكــن لــم يتــم االتفــاق العرب ــي عليهــا واضطــرت‬ ‫الســعودية لســحب املبــادرة وقــال الناطــق الرســمي « نظــراً إلميــان‬ ‫اململكــة التــام بــأن أي اســتراتيجية عربيــة يجــب أن حتظ ــى بالتأييــد‬ ‫اجلماع ــي لك ــي تســتطيع دفــع املوقــف العرب ــي إل ــى األمــام‪ ،‬فقــد قــام‬ ‫الوفــد الســعودي بســحب املشــروع مؤكــداً ملؤمتــر القمــة أن اململكــة‬ ‫العربيــة الســعودية عل ــى اســتعداد تــام ألن تقبــل أي بديــل يجمــع عليــه‬ ‫العــرب” ‪ ،‬ورفضــت إســرائيل املبــادرة مباشــرة يف بيان لــوزارة اخلارجية‬ ‫اإلســرائيلية جــاء فيــه “إن إســرائيل تــرى يف االقتــراح الســعودي خطــة‬ ‫لتدميرهــا عل ــى مراحــل» وإن بنــود املبــادرة كانــت إيجابيــة تضمنــت‬


‫‪12‬‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫دراسة العدد‬

‫الضغــط األمريكــي الرئيــس أيزنهــاور‪ ،‬انســحبت إســرائيل ولكنهــا‬ ‫بقيــت تفكــر يف تنفيــذ خطتهــا‪ ،‬ودخلــت يف الصراعــات السياســية يف‬ ‫لبنــان والعــراق بدعــم األكــراد والعالقــة مــع املوارنــة خاصــة أن للحركــة‬ ‫الصهيونيــة عالقــة مــع حــزب الكتائــب قبــل قيــام الدولــة‪ ،‬وكان بــن‬ ‫غوريــون يقــول أن عل ــى إســرائيل أن تكــون ضمــن املعادلــة الداخليــة‬ ‫يف كل دولــة عربيــة مــن خــال دعــم األقليــات أو جتنيــد العمــاء‬ ‫أو شــبكات التجســس إلثــارة االضطرابــات لتنفيــذ التوســع ‪ ،‬فكانــت‬ ‫فضيحــة ال فــون يف مصــر ‪1954‬م‪ ،‬بقيــام اليهــود بتفجيــرات املراكــز‬ ‫البريطانيــة واألمريكيــة يف مصــر مــن أجــل توتــر العالقــات املصريــة‬ ‫مــع كل مــن واشــنطن ولنــدن وكان االنقــاب العســكري يف العــراق‬ ‫وإعــان اجلمهوريــة يف يوليــو ‪1958‬م‪ ،‬وكانــت االضطرابــات يف لبنــان‬ ‫بــن التيــار القوم ــي الناصــري والرئيــس كميــل شــمعون الــذي كانــت‬ ‫بريطانيــا قــد جندتــه لصاحلهــا كمــا قامــت إســرائيل بتحويــل ميــاه‬ ‫نهــر األردن مــن أجــل توفيــر ميــاه لالســتيطان وعملــت إســرائيل عل ــى‬ ‫تهجيــر يهــود العــراق واملغــرب‪ ،‬ولذلــك لــم يكــن الســام مــع العــرب يف‬ ‫قامــوس إســرائيل بــل هــو لالســتهالل للــرأي العــام الدول ــي‪ ،‬وكانــت‬ ‫حتضــر حلــرب ‪1967‬م‪ ،‬قبــل ســنوات للســيطرة عل ــى فلســطني كاملــة‬ ‫وســيناء واجلــوالن وجنــوب لبنــان‪ ،‬واســتغلت االنقالبــات يف ســوريا‬ ‫والصــراع بــن العســكريني فنجحــت يف زرع أيل ــي كوهــن (حتــت مســمى‬ ‫كامــل أمــن ثابــت ) كمهاجــر ســوري يف األرجنتــن عــاد ‪1962‬م‪ ،‬ليخــدم‬ ‫بــاده وتغلغــل يف عالقــات بالضبــاط وزياراتــه جلبهــة اجلــوالن حت ــى‬ ‫مت اكتشــافه ديســمبر ‪1965‬م‪ ،‬ويعتبــر مــن أخطــر اجلواســيس يف دولــة‬ ‫عربيــة لوصولــه ألعلــى املســتويات واملعلومــات اخلطيــرة اســتفادت‬ ‫منهــا إســرائيل يف التخطيــط حلــرب ‪1967‬م‪ .‬ويؤكــد جــي الرون‬ ‫‪ Laron‬يف كتابــه عــن حــرب الســادس مــن يونيــو ‪2018( 67‬م) ‪ ،‬أن‬ ‫بــن غوريــون كان يخطــط للتوســع اإلســرائيلي ويف أغســطس ‪1950‬م‪،‬‬ ‫مت مناقشــة خطــة عســكرية للحــدود اجلديــدة ويف اجتمــاع هيئــة‬ ‫األركان اإلســرائيلية ‪1963‬م‪ ،‬الحــظ رئيــس الــوزراء ليفــي أشــكول‬ ‫أن املؤسســة العســكرية تعــد للهجــوم للتوســع ومت مناقشــة اخلطــة‬ ‫الســابقة ومت إعــداد اجليــش للهجــوم يف الوقــت الــذي كانــت اجليــوش‬ ‫العربيــة يف حالــة دفــاع ويف صراعــات سياســية عل ــى الســلطة‪ ،‬وأخذت‬ ‫إســرائيل تنتظــر الفرصــة املناســبة للتوســع فاســتغلت احلــرب البــاردة‬ ‫العربيــة وتــورط اجليــش املصــري يف اليمــن وتول ــى الرئيــس جونســون‬ ‫رئاســة الواليــات املتحــدة بعــد اغتيــال الرئيــس كنيــدي‪ ،‬وكان جونســون‬ ‫مؤيــدًا إلســرائيل بقــوة وأعطاهــا الضــوء األخضــر للهجــوم‪ ،‬ولذلــك‬ ‫حســب مــا يقولــه الرون افتعلــت إســرائيل األزمــة يف مايــو ‪1967‬م‪،‬‬ ‫فســربت إســرائيل ألحــد العمــاء املزدوجــن لالســتخبارات الســوفيتية‬ ‫أن إســرائيل حتشــد علــى احلــدود الســورية بســبب العمليــات‬ ‫الفدائيــة منهــا‪ ،‬وكانــت هنــاك اتفاقيــة دفــاع مشــترك بــن ســوريا‬ ‫ومصــر وكان الهــدف جــر مصــر متهيــدًا لضربــة عســكرية‪ ،‬وتــأزم‬ ‫الوضــع السياســي ودخلــت القــوات املصريــة إلــى ســيناء ولــم تكــن‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫نيــة األنظمــة العربيــة الدخــول يف حــرب مــع إســرائيل ولذلــك اســتغلت‬ ‫إســرائيل الفرصــة بالهجــوم الكاســح أوال عل ــى اجلبهــة املصريــة ثــم‬ ‫احتلــت الضفــة الغربيــة والقــدس ثــم احتلــت اجلــوالن‪ ،‬وحققــت مــا‬ ‫كانــت تخطــط لــه باحتــال فلســطني كاملــة والقــدس والوصــول لقنــاة‬ ‫الســويس واجلــوالن‪ ،‬ورفضــت إســرائيل فيمــا بعــد قــرار مجل ــس األمــن‬ ‫الدول ــي ‪ 242‬الــذي قبلتــه مصــر واألردن وهــو يعن ــي اعتــراف بإســرائيل‬ ‫يف حــدود الهدنــة ‪1948‬م‪ ،‬ولكــن ليــس هــدف إســرائيل االنســحاب‬ ‫علم ـاً بــأن الــدول العربيــة تبنــت الســام كاســتراتيجية لديهــا‪ ،‬وكان‬ ‫إنشــاء منظمــة التحريــر الفلســطينية ‪1964‬م‪ ،‬الهــدف الرئيــس هــو‬ ‫وجــود كيــان فلســطيني يتفــاوض مــع إســرائيل ولذلــك كان الدعــم‬ ‫العرب ــي يف حــدود وكان يتــم حتجيــم العمــل الفدائ ــي واملنظمــة عندمــا‬ ‫تتجــاوز احلــدود السياســة وطرحــت واشــنطن مبــادرة وزيــر خارجيــة‬ ‫الواليــات املتحــدة روجــر ديســمبر ‪1969‬م‪،‬والت ــي تنــص عل ــى االنســحاب‬ ‫اإلســرائيلي واملفاوضــات بــن الطرفــن ولكــن إســرائيل رفضتهــا وطــرح‬ ‫روجــر خطتــه الثانيــة لوقــف إطــاق النــار ووافقــت مصــر عليهــا ثــم‬ ‫وافقــت إســرائيل وكانــت حــرب االســتنزاف مســتمرة منــذ ‪1968‬م‪ ،‬ولكن‬ ‫بقيــت إســرائيل ترفــض االنســحاب مــن األراض ــي احملتلــة حت ــى وصــل‬ ‫األمــر ‪ ،‬إل ــى ضــرورة عمليــة عســكرية فكانــت حــرب ‪ 6‬أكتوبــر ‪1973‬م‪،‬‬ ‫فــكان عبــور اجليــش املصــري وتقــدم اجليــش الســوري يف اجلــوالن‬ ‫واســتعمال ســاح البتــرول ألول مــرة يف املعركــة بأمــر مــن امللــك فيصــل‬ ‫بــن عبدالعزيــز وصــدر قــرار مجل ــس األمــن الدول ــي ‪ 338‬والــذي ينــص‬ ‫علــى االنســحاب اإلســرائيلي مــن األراضــي العربيــة والتأكيــد علــى‬ ‫قــرار ‪ 242‬وقــام هنــري كيســنجر وزيــر اخلارجيــة آنــذاك بدبلوماســيته‬ ‫املكوكيــة لفــك االشــتباك بــن اجليــش املصــري واإلســرائيلي وكانــت‬ ‫مفاوضــات الكيلــو ‪ 101‬والت ــي تبعتهــا حتــوالت سياســية عربيــة ولكــن‬ ‫املوقــف اإلســرائيلي منــذ ‪1948‬م‪ ،‬كان ثابتًــا علــى حتقيــق املجــال‬ ‫احليــوي اإلســرائيلي وعــدم االنســحاب مــن األراض ــي احملتلــة‪.‬‬

‫اتفاقية كامب ديفيد أهداف إسرائيلية وانقسام عربي‬

‫قدمــت الــدول العربيــة تنــازالت يف ســبيل حتقيــق الســام بقبولهــم‬ ‫قــرار ‪ 242‬و‪ 338‬ولكــن إســرائيل ازدادت متســ ًكا باألراضــي احملتلــة‬ ‫ومــع فــوز حــزب ليكــود يف انتخابــات الكنيســت ‪1977‬م‪ ،‬أصبــح اليمــن‬ ‫رئيســا للــوزاء واألشــد متســكاً‬ ‫اإلســرائيلي بزعامــة مناحــم بيغــن‬ ‫ً‬ ‫باملشــروع الصهيونــي‪ ،‬ويف نفــس الوقــت كان الرئيــس كارتــر يتولــى‬ ‫رئاســة الواليــات املتحــدة وبغــض النظــر عــن ظــروف زيــارة الرئيــس‬ ‫الســادات للقــدس نوفمبــر ‪1977‬م‪ ،‬كان الهــدف االســتراتيجي مــن‬ ‫دخــول إســرائيل يف اتفاقيــة ســام مــع مصــر هــو إخــراج أكبــر دولــة‬ ‫عربيــة مــن الصــراع العرب ــي اإلســرائيلي وه ــي الدولــة الت ــي خاضــت‬ ‫ً‬ ‫وجيشــا‬ ‫أربعــة حــروب مــع إســرائيل ومتلــك أكبــر قــوة عربيــة ســكا ًنا‬ ‫وكمــا يتــردد يف الدوائــر الغربيــة ال حــرب بــدون مصــر وال ســام‬ ‫بــدون ســوريا‪ ،‬وكان هنــري كيســنجر يف دبلوماســيته املكوكيــة يــردد‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫دراسة العدد‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫‪11‬‬

‫تصــر الســعودية عــى تنفيــذ المبــادرة العربيــة ولــن "تطبــع"‬ ‫إال بعــد موافقــة إســرائيل عــى تنفيــذ المبــادرة كأســاس للســام‬ ‫ولذلــك ال نســتغرب‪ ،‬أن هــرع زعمــاء الــدول األوروبيــة والواليــات املتحــدة‬ ‫إلســرائيل بعــد هجــوم املقاومــة الفلســطينية يف الســابع مــن أكتوبــر‬ ‫‪2023‬م‪ ،‬خلوفهــم علــى انهيــار املشــروع الصهيونــي بعــد االنتصــار‬ ‫املفاجــئ للمقاومــة ونهايــة أســطورة اجليــش الــذي ال يقهــر وظهــر‬ ‫ترهــل املؤسســات اإلســرائيلية وضعفهــا واخلالفــات السياســية الت ــي‬ ‫تعصــف بهــا‪.‬‬

‫‪ :1948‬جيوش لم تهزم ولكن نخبة سياسية هزمت‬ ‫‪:1948‬‬

‫يــروي أكــرم زعيتــر يف يومياتــه العاشــر مــن أبريــل ‪1951‬م‪ ،‬أن صحف ًيــا‬ ‫عراق ًيــا ســأل ســاطع احلصــري كيــف غلبــت ســبع دول أمــام إســرائيل‬ ‫فأجابــه لقــد غلبــت ألنهــا ســبع دول؟ وكان جوابـاً يف صميــم احلقيقــة‪،‬‬ ‫ويقول هيثم الكيالني يف كتابه “ االســتراتيجيات العســكرية للحروب‬ ‫العربيــة –اإلســرائياية ‪ »1988-1948‬أن املســؤولني السياســيني العــرب‬ ‫عاجلــوا شــؤون قضيــة فلســطني‪ ،‬ومنهــا احلــرب ـ ببعــض اخلفــة‬ ‫وضعــف املســؤولية واالتكاليــة‪ .‬فلــم يكونــوا قــط عل ــى قــدر التحــدي‬ ‫نصبــوا علــى جيوشــهم قيــادة عامــة مقرهــا‬ ‫الــذي يوجههــم‪ ،‬فقــد ً‬ ‫يف عمــان‪ ،‬ولــم يعطوهــا الصالحيــات والســلطات الت ــي تخــص هــذه‬ ‫القيــادة‪ ،‬ولــم تكــن حائــزة ثقــة بعــض احلكومــات‪ ،‬إضافــة إل ــى أنهــا‬ ‫لــم تكــن أه ـ ً‬ ‫ا لهــذا املســتوى الرفيــع مــن القيــادة العســكرية العامــة‬ ‫«‪ ،‬فالقيــادة البريطانيــة الت ــي يرأســها اجلنــرال غلــوب تنفــذ السياســة‬ ‫البريطانيــة يف فلســطني التــي تنفــذ قــرار التقســيم‪ ،‬وكان قائــدًا‬ ‫للجيــش األردن ــي‪ ،‬ولــذا بقيــت القيــادة املوحــدة إســمية‪ .‬باالضافــة إل ــى‬ ‫اخلالفــات السياســية وعــدم الثقــة بــن القيــادات السياســية العربيــة‬ ‫نفســها وخضوعهــا لنفــوذ الــدول املســتعمرة‪.‬‬ ‫كانــت النخبــة السياســية احلاكمــة يف مصــر والعــراق وســوريا ولبنــان‬ ‫تــدور يف الفلــك البريطان ــي يف ظــل التناف ــس البريطان ــي‪ /‬الفرنس ــي‬ ‫وصــراع االســتخبارات والصفقــات وجتنيــد عمــاء لهمــا‪ ،‬ويذكــر املــؤرخ‬ ‫اإلســرائيلي مائيــر زاميــر يف كتابــه ‪The Secret Anglo-‬‬ ‫‪ )2015(French War in the Middle East‬والــذي‬ ‫اعتمــد فيــه عل ــى الوثائــق البريطانيــة والفرنســية‪ ،‬أن بريطانيــا ســعت‬ ‫إلخــراج فرنســا مــن ســوريا ولبنــان عن طريــق جذب النخبة السياســية‬ ‫فيهمــا إليهــا بالتهديــد والترغيــب باألمــوال واملناصــب فــكان شــكري‬ ‫القوتلــي وريــاض الصلــح وجميــل مــردم ضمــن النفــوذ البريطانــي‪،‬‬ ‫وكان جميــل مــردم الــذي تول ــى رئاســة احلكومــة الســورية‪ ،‬ويف عهــده‬ ‫‪1939‬م‪ ،‬تخل ــى عــن لــواء االســكندرونة لتركيــا بضغــط مــن فرنســا الت ــي‬ ‫اكتشــفت ارتباطــه ببريطانيــا فأصبــح عميـ ً‬ ‫ا مزدوجـاً وارتبــط مــردم‬

‫بالوكالــة اليهوديــة عــن طريــق االســتخبارات الفرنســية وكان الياهــو‬ ‫ساســون (يهــودي مــن أصــل ســوري) املكلــف مــن بــن غوريــون للتعــاون‬ ‫مــع باري ــس لالتصــال مــع جميــل مــردم‪ ،‬الــذي قــدم معلومــات حساســة‬ ‫البــن غوريــون عندمــا كان ســفي ًرا لســوريا يف مصــر ومندوبهــا للجامعة‬ ‫العربيــة الت ــي تأسســت آنــذاك ‪1945‬م‪ ،‬وكان ينقــل خطــط بريطانيــا‬ ‫للشــرق األوســط واملوقــف العرب ــي يف اجلامعــة‪ ،‬ومهمــا يكــن فعندمــا‬ ‫أعلنــت إســرائيل‪ ،‬حاربــت اجليــوش العربيــة ببســالة ووصــل اجليــش‬ ‫املصــري إلــى مشــارف تــل أبيــب ودخــل اجليــش األردنــي إلــى اللــد‬ ‫والرملــة وكان اجلنــرال كلــوب مهت ًمــا بخــط التقســيم ‪1947‬م‪ ،‬ويف‬ ‫ظــل تقــدم اجليــوش العربيــة فرضــت الهدنــة األول ــى وعندمــا أســتئنف‬ ‫القتــال بعــد عــدة أيــام تغيــرت املعادلــة لتدفــق األســلحة واملتطوعــن‬ ‫بدعــم الــدول الغربيــة لليهــود ودخلــت احلــرب يف دوامــة الصفقــات‬ ‫السياســية وتقدمــت إســرائيل خــارج خطــة التقســيم واحتلــت مناطــق‬ ‫جديــدة وكانــت الهدنــة الثانيــة بــن الــدول العربيــة وإســرائيل يف هدنــة‬ ‫رودوس ‪1949‬م‪ ،‬الت ــي اســتمرت ‪.‬‬

‫االنقالبات العسكرية واالختراق األجنبي والعدوان اإلسرائييل‬

‫بعــد إعــان الدولــة أخــذت إســرائيل يف التوســع واحتلــت أم الرشــراش‬ ‫( إيــات حال ًيــا ‪1949‬م)‪ ،‬وأخــذت تفكــر يف مشــروعها الصهيونــي‬ ‫الكبيــر وأخــذت تعتمــد عل ــى الواليــات املتحــدة ألن املشــروع الصهيون ــي‬ ‫منــذ بدايتــه يعتمــد علــى دولــة كبــرى لتنفيــذه وحمايتــه فارتبطــت‬ ‫مــع بريطانيــا الت ــي تبنــت املشــروع ومــع تراجــع بريطانيــا بعــد احلــرب‬ ‫العامليــة الثانيــة دخلــت الواليــات املتحــدة بقــوة لدعــم إســرائيل لقــوة‬ ‫ونفــوذ اللوبــي الصهيونــي‪ ،‬وشــجعت الواليــات املتحــدة االنقالبــات‬ ‫العســكرية يف الشــرق األوســط لتعزيــز نفوذهــا وإليجــاد نخبــة جديــدة‬ ‫يف احلكــم بعيــدًا عــن النخبــة املواليــة لبريطانيــا وفرنســا وخلدمــة‬ ‫إســرائيل ً‬ ‫أيضــا وإلدخــال املنطقــة يف الصــراع الداخل ــي عل ــى الســلطة‪،‬‬ ‫فهندســت االســتخبارات األمريكيــة (‪ )CIA‬انقــاب حســني الزعيــم‬ ‫يف ســوريا مــارس ‪1949‬م‪ ،‬وحســب الوثائــق الن ــي كشــفت ويف دراســة‬ ‫آيف شــليم فــإن الزعيــم عــرض علــى بــن غوريــون توطــن الالجئــن‬ ‫الفلســطينيني يف ســوريا وعقــد اتفاقيــة ســام مــع إســرائيل ولكــن‬ ‫بــن غوريــون رفــض العــرض واملثيــر للدهشــة أن انقــاب الزعيــم كان‬ ‫حتــت شــعار حتريــر فلســطني وســقط الزعيــم بانقــاب يف أغســطس‬ ‫مــن نفــس العــام وتتابعــت االنقالبــات العســكرية يف ســوريا صــراع‬ ‫اســتخباراتي أمريك ــي بريطان ــي‪.‬‬ ‫شــاركت إســرائيل يف العــدوان الثالثــي علــى مصــر عــام ‪1956‬م‪،‬‬ ‫باالشــتراك مــع فرنســا وبريطانيــا وملــا فشــل العــدوان وبســبب‬


‫‪10‬‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫دراسة العدد‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫الرغبة العربية وغياب الموقف الدولي والرفض اإلسرائيلي للسالم‬

‫أمريكا تدير األزمات لحماية إسرائيل وروسيا‬ ‫تستفيد من وجود الدولة العبرية‬ ‫إن إســرائيل مشــروع اســتعماري ألهــداف اســتراتيجية يف املنطقــة العربيــة واإلســامية مت اإلعــداد لــه ألكثــر مــن قرنــن‬ ‫لتجميــع اليهــود يف فلســطني حتــت شــعار « العــودة ألرض امليعــاد « وهــذا قبــل إعــان احلركــة الصهيونيــة ‪1897‬م‪ ،‬عندمــا‬ ‫عقــد املؤمتــر الصهيون ــي األول يف مدينــة بــال بسويســرا‪ ،‬وعندهــا قــال هرتــزل ســتقام الدولــة اليهوديــة خــال خمســة أعــوام‬ ‫أو خمســن عام ـاً‪ ،‬األول ــى يف حالــة إقنــاع الســلطان العثمان ــي بالســماح لليهــود للهجــرة إل ــى فلســطني والثانيــة يعن ــي العمــل‬ ‫خــال خمســن عا ًمــا بتنفيــذ املشــروع بعــد إســقاط الدولــة العثمانيــة والتعــاون مــع الــدول االســتعمارية الغربيــة وخاصــة‬ ‫لتنفيــذ املشــروع‪.‬‬

‫أ‪.‬د‪ .‬أحمد سليم البرصان‬

‫أعلــن نابليــون أثنــاء حملتــه علــى مصــر ‪1798‬م‪ ،‬يف بيــان لــه علــى‬ ‫تشــجيع توطــن اليهــود يف فلســطني علــى اعتبــار أن الوجــود‬ ‫اليهــودي يخــدم املصالــح الفرنســية‪ ،‬وبعــد فشــل حملــة نابليــون‪ ،‬تبنــت‬ ‫بريطانيــا الفكــرة فقامــت يف عــام ‪1838‬م‪ ،‬بافتتــاح أول قنصليــة لهــا يف‬ ‫القــدس وأعلنــت أن مــن أهدافهــا احلمايــة الكاملــة لليهــود املقيمني يف‬ ‫فلســطني‪ ،‬ويف رســالة رجــل املــال اليهــودي البريطان ــي اللــورد روتشــيلد‬ ‫إلــى وزيــر اخلارجيــة باملرســتون يف مــارس ‪1840‬م” إننــا لــو نظرنــا‬ ‫إل ــى خريطــة هــذه البقعــة مــن األرض فســوف جنــد أن فلســطني ه ــي‬ ‫اجلســر الــذي يوصــل بــن مصــر والعــرب يف آســيا ‪..‬واحلــل الوحيــد‬ ‫هــو زرع قــوة مختلفــة علــى هــذا اجلســر يف هــذه البوابــة‪ ،‬لتكــون‬ ‫مبنزلــة حاجــز مينــع اخلطــر العربــي ويحــول دونــه»‪ ،‬واملالحــظ أنــه‬ ‫قــراءة تاريخيــة لألهميــة االســتراتيجية لترابــط بــاد الشــام ومصــر‬ ‫فاحلــروب الصليبيــة والتتــار كانــت هزميتهمــا يف وحــدة املنطقــة مــن‬ ‫صــاح الديــن إل ــى الســلطان قطــز‪.‬‬ ‫كان وزيــر اخلارجيــة البريطانيــة آنــذاك اللــورد باملرســتون مــن أشــد‬ ‫املتحمســن لتوطــن اليهــود وكتــب إلــى الســفير البريطانــي يف‬ ‫إســتنبول رســالة يف ‪ 11‬أغســطس ‪1840‬م‪ ،‬بحــث الســلطان العثمان ــي‬ ‫بالســمع لليهــود بالتوطــن خلدمــة املصالــح البريطانيــة‪ ،‬وأن تكــون‬ ‫فاصـ ً‬ ‫ا بــن محمــد عل ــى باشــا يف مصــر وطموحاتــه ولكــن باملرســتون‬

‫لــم ينجــح يف دعوتــه بإقنــاع الســلطان العثمانــي‪ ،‬ولكــن اســتمرت‬ ‫بريطانيــا يف املشــروع الصهيونــي وبعــد احلــرب العامليــة األولــى‬ ‫أصــدرت وعــد بلفــور ‪ 1917‬م‪ ،‬وحصلــت عل ــى االنتــداب البريطان ــي يف‬ ‫فلســطني ‪1920‬م‪ ،‬واتبعــت سياســة تنفيــذ إقامــة الدولــة اليهوديــة وكان‬ ‫أول منــدوب ســامي بريطانــي يف فلسطســن هــو هربــرت صموئيــل‬ ‫صهيون ــي متحمــس لتنفيــذ املشــروع حت ــى مت إعــان الدولــة اليهوديــة‬ ‫عــام ‪1948‬م‪ ،‬بعــد أن وفــرت بريطانيــا كل الوســائل للمشــروع مــن‬ ‫سياســة بنــاء االســتيطان وقيــام املنظمــات الصهيونيــة املســلحة‬ ‫وبنــاء البنيــة التحيــة واســتعمال اللغــة العبريــة إل ــى جانــب العربيــة‬ ‫واالجنليزيــة وبنــاء اجلامعــة العبريــة يف القــدس ‪1925‬م‪ ،‬وعندمــا‬ ‫انســحبت ‪1948‬م‪ ،‬ســلمت املواقــع العســكرية واألســلحة الت ــي لديهــا‬ ‫إلــى املنظمــات اليهوديــة‪ ،‬وبعــد احلــرب العامليــة الثانيــة وإعــان‬ ‫قــرار التقســيم ‪ 181‬يف نوفمبــر ‪1947‬م‪ ،‬تولــت الواليــات املتحــدة‬ ‫تبن ــي رعايــة املشــروع الصهيون ــي وكانــت الواليــات املتحــدة أول دولــة‬ ‫تعتــرف بإســرائيل رغــم حتذيــر املؤسســات األمريكيــة للرئيــس ترومــان‬ ‫مــن خطــورة هــذا االعتــراف‪ ،‬حيــث اعترضــت اخلارجيــة واملؤسســة‬ ‫العســكرية واالســتخبارات بــأن املنطقــة لــن تســتقر إذا مت االعتــراف‬ ‫بإســرائيل كدولــة يف الشــرق األوســط وهــذا مــا زال يتأكــد منــذ قيامهــا‬ ‫والشــرق األوســط يف دوامــة عــدم االســتقرار بســببها‪.‬‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫متابعات خليجية‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫‪9‬‬

‫الــدور الخليجــي يف القضايــا النوعيــة‪ :‬تحــركات ناجحــة لموازنــة‬ ‫تداعيــات ملفــات األمــن الغذائــي والطاقــة والتغيــرات المناخيــة‬ ‫وهــو مــا أهلهــا ألن حتتــل املرتبــة العاشــرة عامليــاً واألولــى إقليميــاً‬ ‫يف قــوة التأثيــر‪ ،‬وفــق مؤشــر القــوة الناعمــة العاملــي لعــام ‪2022‬م‪،‬‬ ‫لتعــزز مكانتهــا ‪-‬مــن حيــث التأثيــر اإليجاب ــي ‪-‬كواحــدة مــن أكبــر دول‬ ‫املنطقــة والعالــم‪.‬‬ ‫تأسيســا علــى مــا ســبق ‪ ..‬يبــدو أن األدوار اخلليجيــة يف رهانــات‬ ‫ً‬ ‫متباينــة إقليم ًيــا ودول ًيــا اســتنا ًدا إل ــى زخــم التفاعــات ذات األولويــة‪،‬‬ ‫وتشــابكها عل ــى عــدد مــن املســتويات السياســية واألمنيــة واالقتصادية‬ ‫والتنمويــة‪ ،‬فضــ ً‬ ‫ا عــن ارتداداتهــا احليويــة علــى الداخــل الوطنــي‬ ‫واإلقليــم العرب ــي ككل‪ .‬عل ــى نحــو مــا قــد يُعيــد صياغــة تلــك األدوار‪،‬‬

‫وعمــق تأثيرهــا‪ ،‬ليبقــى الرهــان الرئيســي متمثــ ً‬ ‫ا يف مــدى تــوازن‬ ‫التموضــع اخلليج ــي خارج ًيــا عل ــى خارطــة إدارة األزمــات وتفاعالتهــا‬ ‫بالشــرق األوســط‪ ،‬وااللتــزام بالتعهــدات الوطنيــة التنمويــة والسياســية‬ ‫واألمنيــة بالداخــل‪.‬‬

‫* متخصصة يف العالقات الدولية واألمن اإلقليمي‬


‫‪8‬‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫متابعات خليجية‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫أعــادت المبــادرات الخليجيــة إلدارة أزمــة غــزة تعريــف "دور ومكانــة‬ ‫دول الخليــج" وامتزجــت فيهــا التصريحــات والخطــوات الفاعلــة‬ ‫والقوميــة لــدول املنطقــة‪ ،‬وحتقيــق التــوازن بــن املصالــح الوطنيــة‬ ‫وااللتزامــات الدوليــة‪ ،‬وذلــك اســتنا ًدا إلــى ثــاث محــددات‪:‬‬ ‫العقلية البراغماتية الوطنية حلكام دول اخلليج‪ ،‬خاصة‪ :‬السعودية‬ ‫واإلمــارات وقطــر‪ ،‬والت ــي جتــاوزت طبيعــة العالقــات الســابقة وانتهــاج‬ ‫سياســة نوعيــة غيــر تقليديــة‪.‬‬ ‫القــراءة الصحيحــة حلالــة الســيولة واالرتبــاك يف النظــام الدولــي‪،‬‬ ‫والتغيــر مبوازيــن القــوى واالنتقــال مــن عصــر األحاديــة األمريكيــة‬ ‫بالنظــام العاملــي إلــى التعدديــة وصعــود قــوى ال ميكــن جتاهــل‬ ‫تأثيراتهــا مثــل الصــن وروســيا والهنــد‪ ،‬باإلضافــة إل ــى ظهــور تكتــات‬ ‫جديــدة ذات ثقــل مثــل البريكــس ومجموعــة شــنغهاي‪.‬‬ ‫إدراك حــكام دول اخلليــج أن التفاعــات النوعيــة القائمــة تفــرض‬ ‫أهميــة «اإلصــاح الشــامل» علــى كافــة أوجــه احليويــة االجتماعيــة‬ ‫واالقتصاديــة والتنمويــة والسياســية واألمنيــة‪.‬‬

‫خطوات تعزيزية‪:‬‬

‫مــع تنام ــى حجــم التهديــدات التقليديــة وغيــر التقليديــة لــدول اخلليج‬ ‫العرب ــي ف ــى‪2024‬م‪ ،‬أصبــح هنــاك احلاجــة إلعــادة النظــر فيمــا يُعــرف‬ ‫ب ـــ «مظلــة األمــان»‪ ،‬وهــو مــا يدفــع نحــو التحــرك خللــق وتعزيــز‬ ‫مقاربــات أكثــر اســتقاللية‪ ،‬وأكتــر فاعليــة‪ .‬وهــو مــا يؤســس لعــدد مــن‬ ‫اخلطــوات التعزيزيــة‪ ،‬أبرزهــا‪:‬‬ ‫تعزيــز متطل بــات األمــن اجلماع ــي‪ :‬تُبنــى تلــك النقطــة علــى‬ ‫اســتراتيجية «األمــن الدفاع ــي املشــترك»‪ ،‬وه ــي تلــك اخلطــوات ذات‬ ‫املرجعيــة بالنظــر إلــى قــرار دول اخلليــج تشــكيل «قــوة عســكرية‬ ‫مشــتركة»‪ ،‬والت ــي أعلــن عنهــا يف الريــاض عــام ‪2019‬م‪ ،‬إذ يحمــل هــذا‬ ‫اإلعــان داللــة هامــة ذات ثقــل نوعــي‪ ،‬أال وهــي «العمــل والتنســيق‬ ‫املشــترك»‪ ،‬إذ ال ميكــن جتنــب انعكاســات أي اضطرابــات قائمــة أو‬ ‫ُمحتملــة إال بالتنســيق املشــترك الــذي مــن شــأنه احليلولــة دون تفاقــم‬ ‫التهديــدات – ســواء الداخليــة أو اخلارجيــة ‪-‬الت ــي تطــال نظــام األمــن‬ ‫اجلماعــي اخلليجــي‪.‬‬

‫تنويــع الش ــراكات والتحالفــات‪ :‬تفــرض التحــوالت واألزمــات السياســية‬ ‫واالقتصاديــة القائمــة بالنظــام العاملــي وانعكاســاتها املتباينــة علــى‬ ‫األقاليــم الفرعيــة‪ ،‬التحــرك نحــو توســيع دوائر الشــراكات والتحالفات‪،‬‬ ‫دون إغفــال األدوار اخلليجيــة املتميــزة مــع حلفائهــا التقليديــن عبــر‬ ‫مجلــس التعــاون اخلليجــي وجامعــة الــدول العربيــة‪ .‬إذ مــن املُرجــح‬ ‫تعزيــز مســارات االســتدارة والتوســع نحــو تنويــع الشــراكات مــع القــوى‬ ‫الصاعــدة مثــل الصــن والهنــد وروســيا ودول أمريــكا الالتينيــة‪ ،‬فضـ ً‬ ‫ا‬ ‫عــن الكتلــة األوروبيــة مبــا يخــدم مصالــح دول اخلليــج واملنطقة العربية‬ ‫ككل‪ ،‬ال ســيما يف ظــل اســتمرار حالــة عــدم االســتقرار أو عــدم اليقــن‬ ‫مــن جهــة‪ ،‬وعــدم وجــود ترتيبــات أمنيــة وسياســية واقتصاديــة دائمــة‬ ‫مــن جهــة أخــرى‪ ،‬إذ تفــرض التطــورات القائمــة أن يكــون هنــاك تــوازن‬ ‫مــرن عل ــى كافــة مســتويات العالقــات الثنائيــة واملتعــددة‪.‬‬ ‫تعزيــز األمــن ال ســيبراني‪ :‬تفــرض التطــورات املتســارعة بنمــط‬ ‫التهديــدات غيــر التقليديــة احلاجــة إل ــى التركيــز عل ــى تعزيــز مجــال‬ ‫الفضــاء اإللكترونــي‪ ،‬وتطويــر اللوائــح واالســتراتيجيات الوطنيــة يف‬ ‫مجــال حمايــة األنظمــة واملعلومــات الت ــي تعتمــد بشــكل كبيــر عل ــى‬ ‫التقنيــات الرقميــة املتقدمــة‪ .‬وتعزيــز العمــل اخلليج ــي املشــترك يف‬ ‫األمــن الســيبراني عبــر إنشــاء مركــز لألمــن الســيبراني لــدول مجل ــس‬ ‫التعــاون اخلليجــي‪ ،‬بحيــث يقــوم بتقــدمي رؤيــة واضحــة لتحديــد‬ ‫التهديــدات الســيبرانية وتعزيــز ســبل مواجهتهــا خليج ًيــا‪.‬‬ ‫تعظيــم أصــول وأمنــاط القــوة الناع مــة‪ :‬تتعلق تلك النقطة بالتحركات‬ ‫املؤسســاتية لتعزيــز فرضيــة «جاذبيــة النمــوذج»‪ ،‬ودعــم أمنــاط القــوة‬ ‫الناعمــة للدولــة الوطنيــة‪ ،‬فعل ــى ســبيل املثــال‪ :‬أطلقــت دولــة اإلمــارات‬ ‫العربيــة املتحــدة «اســتراتيجية القــوة الناعمــة لدولــة اإلمــارات» عــام‬ ‫‪2017‬م‪ ،‬وذلــك ضمــن أعمــال االجتماعــات الســنوية حلكومــة دولــة‬ ‫اإلمــارات‪ ،‬فض ـ ً‬ ‫ا عــن إنشــاء مجل ــس حتــت مســمى «مجل ــس القــوة‬ ‫الناعمــة لدولــة اإلمــارات العربيــة املتحــدة»‪ ،‬باإلضافــة إلــى جناعــة‬ ‫إدارتهــا ملعــرض «آيدك ــس – ‪ »2023‬ومؤمتــر األطــراف ‪ .cop28‬لتكــون‬ ‫بذلــك أول دولــة يف العالــم تنتقــل مبفهــوم القــوة الناعمــة مــن اإلطــار‬ ‫املفاهيمــي النظــري إلــى اإلطــار التطبيقــي والتخطيــط واملأسســة‪.‬‬

‫تبنــت دول الخليــج ً‬ ‫موقفــا محاي ـ ًدا مــن األزمــة األوكرانيــة وتمســكت‬ ‫بالقانــون الــدويل وميثــاق األمــم المتحــدة واحتــرام ســيادة الــدول‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫متابعات خليجية‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫‪7‬‬

‫صياغــة األدوار الخليجيــة بمــا يتفــق مــع رؤيــة القــادة عىل المســتويين‬ ‫الــداخيل وتموضــع األجنــدة الخليجيــة عىل خريطــة التفــاعالت الخارجيــة‬ ‫السياســي‪ ،‬وعــدم التدخــل يف شــؤونها الداخليــة‪ ،‬وعــدم اســتخدام‬ ‫القــوة أو التهديــد بهــا‪ .‬فضــ ً‬ ‫ا عــن التحــركات نحــو تغليــب لغــة‬ ‫احلــوار‪ ،‬وتســوية النــزاع مــن خــال املفاوضــات‪ .‬فعل ــى ســبيل املثــال‪:‬‬ ‫جنحــت اململكــة العربيــة الســعودية واإلمــارات العربيــة املتحــدة يف دور‬ ‫الوســاطة كمحاولــة الحتــواء تداعيــات األزمــة القائمــة‪ ،‬فضــ ً‬ ‫ا عــن‬ ‫دعــم كافــة اجلهــود لتســهيل تصديــر احلبــوب وكافــة املــواد الغذائيــة‬ ‫واإلنســانية مــن أوكرانيــا للمســاهمة يف توفيــر األمــن الغذائ ــي للــدول‬ ‫املتضــررة‪.‬‬ ‫الــدور اخلليج ــي يف الت عــايف مــن جائحــة كورونــا‪ :‬جنحــت دول اخلليــج‬ ‫العربــي يف تعزيــز حتركاتهــا نحــو مواجهــه اجلائحــة علــى كافــة‬ ‫املســتويات الوطنيــة واإلقليميــة‪ ،‬فضــ ً‬ ‫ا عــن دعــم جهــود املجابهــة‬ ‫عامل ًيــا‪ .‬فعل ــى ســبيل املثــال‪ :‬لــم تقتصــر دولــة اإلمــارات العربيــة املتحدة‬ ‫عل ــى التحــرك إلجنــاز متطلبــات احتــواء اجلائحــة بالداخــل الوطن ــي‬ ‫فقــط‪ ،‬بــل بــادرت إل ــى تقــدمي املســاعدات اإلنســانية خــارج حدودهــا‬ ‫الوطنيــة‪ ،‬مثــل‪ :‬حتريــك قوافــل اإلغاثــة اإلماراتيــة واخلليجيــة لتصــل‬ ‫إل ــى العديــد مــن الــدول‪ ،‬وه ــي مواقــف أشــادت بهــا جميــع املنظمــات‬ ‫اإلنســانية والصحيــة وعل ــى رأســها منظمــة الصحــة العامليــة‪ ،‬كذلــك‬ ‫إنشــاء مدينــة «اإلمــارات اإلنســانية»‪ ،‬وتقــدمي املســاعدات إل ــى اليمــن‬ ‫وعــدد مــن الــدول الفقيــرة واألكثــر هشاشــة‪.‬‬ ‫الــدور اخلليج ــي يف موازنــة القضايــا النوع يــة‪ :‬يتعلــق بالتحــركات‬ ‫اخلليجيــة ملوازنــة تداعيــات عــدد مــن امللفــات النوعيــة غيــر التقليدية‪،‬‬ ‫وفــى مقدمتهــا األمــن الغذائــي‪ ،‬وملــف الطاقــة‪ ،‬وملــف التغيــرات‬ ‫املناخيــة وحتــدى «احليــاد املناخ ــي»‪ .‬فعل ــى ســبيل املثــال‪ :‬أعلنــت دولــة‬ ‫اإلمــارات العربيــة املتحــدة والواليــات املتحــدة األمريكيــة‪ ،‬يف نوفمبــر‬ ‫‪2022‬م‪ ،‬عــن شــراكتهما االســتراتيجية الســتثمار ‪ 100‬مليــار دوالر يف‬ ‫مشــروعات الطاقــة النظيفــة لتبلــغ طاقتهــا اإلنتاجيــة ‪ 100‬جيجــاوات‬ ‫يف كل مــن دولــة اإلمــارات والواليــات املتحــدة ومختلــف أنحــاء العالــم‬ ‫بحلــول عــام ‪2035‬م‪ ،‬فضــ ً‬ ‫ا عــن اســتضافة دولــة اإلمــارات العربيــة‬ ‫املتحــدة ملؤمتــر الــدول األطــراف يف اتفاقيــة األمم املتحــدة اإلطاريــة‬ ‫لتغيــر املنــاخ “‪ ”COP28‬يف ‪2023‬م‪ ،‬دون إغفــال حتــركات اململكــة‬ ‫العربية الســعودية – عبر الوســاطة الصينية ‪ -‬الســتئناف العالقات‬ ‫الدبلوماســية مــع اجلانــب اإليران ــي‪ ،‬يف خطــوة تصنــف كإحــدى أهــم‬ ‫اخلطــوات الناجعــة نحــو تهدئــة األوضــاع وإعــادة النظــر نحــو تقييــم‬ ‫أطــر االســتقرار والتعــاون األمن ــي والتنمــوي باملنطقــة‪.‬‬

‫فرص ُمحتملة‪:‬‬

‫يأتــي عــام ‪2024‬م‪ ،‬ليعيــد صياغــة األدوار اخلليجيــة بإقليــم الشــرق‬ ‫األوســط والنظــام الدول ــي ككل‪ ،‬وذلــك مبــا يتفــق مــع رؤيــة القــادة عل ــى‬ ‫مســتويني‪ ،‬األول‪ :‬داخل ــي يتعلــق بتلبيــة احتياجــات شــعوبهم التنمويــة‬ ‫عبــر اســتثمار اإلمكانيــات املتاحــة وتفعيــل شــراكات إقليميــة ودوليــة‬ ‫ناجحــة‪ ،‬والثانــي‪ :‬خارجــي عبــر التحــرك نحــو متوضــع أجنــدة دول‬ ‫اخلليــج العرب ــي عل ــى خريطــة التفاعــات اإلقليميــة والدوليــة‪ ،‬وذلــك‬ ‫انطال ًقــا مــن عــدد مــن احملــددات‪:‬‬ ‫دوليــا ‪ -‬جاذبيــة النمــوذج اخلليج ــي‪ :‬إذ أصبــح ينظــر الغــرب إلــى‬ ‫ً‬ ‫الكتلــة اخلليجيــة علــى عــدد مــن املســتويات‪ ،‬حيــث‪ ،‬اقتصاد ًيــا‪:‬‬ ‫التعويــل علــى منطقــة اخلليــج يف حــل أزمــة الطاقــة الدوليــة يف‬ ‫أعقــاب تطــورات احلــرب الروســية األوكرانيــة وهــو مــا انعك ــس عل ــى‬ ‫العديــد مــن الزيــارات األمريكيــة واألملانيــة والبريطانيــة‪ ،‬باإلضافــة‬ ‫إل ــى القمــم الدوليــة مــع الكتلــة اخلليجيــة‪ ،‬وسياس ـ ًيا‪ :‬رهــان القــوى‬ ‫الدوليــة عل ــى إدارة منطقــة اخلليــج لالرتــدادات اخلاصــة باالتفاقيــات‬ ‫اإلبراهيميــة عل ــى كافــة املســتويات االقتصاديــة والسياســية واألمنيــة‪،‬‬ ‫واختبــار انعكاســاتها علــى توطئــة العديــد مــن امللفــات العالقــة‬ ‫باملنطقــة‪ ،‬وف ــى مقدمتهــا «القضيــة الفلســطينية» ومســتقبل عمليــة‬ ‫التســوية السياســية وحــل الدولتــن‪.‬‬ ‫إقليم ًيــا ‪-‬مقاربــة مؤسســية جديــدة‪ :‬تُبنــى علــى فرضيــة إعــادة‬ ‫ترتيــب البيــت اخلليج ــي ضمــن بنــاء توافق ــي قائــم عل ــى تفاهمــات‬ ‫مشــتركة حــول وحــدة األهــداف ودرء التهديــدات‪ ،‬ومحاولــة رأب الصــدع‬ ‫مــع القــوى الصاعــدة خاصــة تركيــا‪ ،‬وإعــادة احلــوار مــع طهــران كإحــدى‬ ‫أوراق املرابحــة خللــق مســاحات مشــتركة لضمــان اســتقرار اإلقليــم‬ ‫يف حــال مت إقــرار االتفــاق النــووي اإليرانــي وهــو مــا أفــرز االتفــاق‬ ‫«الســعودي – اإليرانــي» الســتئناف العالقــات الدبلوماســية فيمــا‬ ‫بينهــم‪ ،‬فض ـ ً‬ ‫ا عــن التوســع يف خرائــط حلفائهــا واســتقطاب فواعــل‬ ‫جــدد مثــل الهنــد والصــن‪.‬‬ ‫وطنيــا – التك يــف مــع املتغيــرات اإلقليميــة والدول يــة‪ :‬تتعلــق‬ ‫ً‬ ‫باالســتعداد املــرن ملرحلــة «مــا بعــد النفــط»‪ ،‬وذلــك عبــر التحــرك‬ ‫وف ًقــا لعــدد مــن املســارات االقتصاديــة باملقــام األول‪ ،‬أبرزهــا‪ :‬تنويــع‬ ‫مصــادر الدخــل‪ ،‬وتوســيع القاعــدة اإلنتاجيــة عبــر أدوات إنتــاج‬ ‫جديــدة مثــل االســتثمار يف القطــاع التكنولوج ــي والتجــارة اإللكترونيــة‬ ‫وتنويــع سالســل االســتثمارات اخلارجيــة واألجنبيــة املباشــرة يف ضــوء‬ ‫اســتقاللية القــرار اخلليج ــي القائــم عل ــى حمايــة املصالــح الوطنيــة‬


‫‪6‬‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫متابعات خليجية‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫فرص وتحديات األدوار الخليجية في الشرق األوسط‬

‫الرهان الخليجي عىل توازن إدارة األزمات‬ ‫الخارجية وااللتزام بالتعهدات الوطنية‬ ‫تواجــه مختلــف األقاليــم الفرعيــة بالنظــام العاملــي ‪ -‬ومــن بينهــم منطقــة اخلليــج العربــي‪ -‬حتديــات متباينــة تبــدو غيــر‬ ‫مســبوقة‪ ،‬تتزامــن مــع تطــورات إقليميــة ودوليــة متســارعة‪ ،‬يف ظــل االنعكاســات املتباينــة للهجمــات اإلســرائيلية عل ــى قطــاع‬ ‫غــزة‪ ،‬والتطــورات املتالحقــة للحــرب الروســية ‪ /‬األوكرانيــة عل ــى مختلــف املجــاالت احليويــة سياسـ ًيا واقتصاد ًيــا عامل ًيــا‪ ،‬وتباطــؤ‬ ‫أمنــاط التعــايف االقتصــادي جــراء جائحــة كورونــا ومتحوراتهــا‪ ،‬فضـ ً‬ ‫ا عمــا تشــهد املنطقــة مــن حتــوالت هامــة يف العديــد مــن‬ ‫امللفــات ســواء حالــة التحالفــات أو تلــك الت ــي تتعلــق مبســارات التســوية السياســية وإقــرار خطــط الســام بــدول االضطــراب‪،‬‬ ‫وكذلــك اختبــار فرضيــة التفاهمــات الســعودية ‪ /‬اإليرانيــة وانعكاســاتها املباشــرة عل ــى التوطئــة األمنيــة والتنمويــة باملنطقــة‪،‬‬ ‫فض ـ ً‬ ‫ا عــن تزايــد الشــكوك حــول مــدى االلتــزام األمريك ــي بأمــن املنطقــة العربيــة مــع حتــول اهتمــام واشــنطن إل ــى منطقــة‬ ‫اإلنــدو‪ -‬باســيفيك لتعزيــز املواجهــة أو التناف ــس مــع الصــن‪ ،‬وعــدم التوصــل بعــد إل ــى حــل للملــف النــووي اإليران ــي يتوافــق‬ ‫مــع مختلــف األطــراف اإلقليميــة‪ ،‬فض ـ ً‬ ‫ا عــن اســتمرار حالــة عــدم اليقــن يف عــدد مــن دول اجلــوار اإلقليم ــي‪ ،‬وإعــادة إنتــاج‬ ‫خرائــط التحــرك للفواعــل مــن دون الــدول والتنظيمــات اإلرهابيــة واملتطرفــة مثــل تنظيــم القاعــدة وداعــش‪.‬‬

‫د‪ .‬إميان زهران‬

‫إذ أن تلــك التحديــات قــد تدفــع بإعــادة بلــورة األدوار اخلليجيــة وف ًقــا‬ ‫لعــدد مــن املســارات السياســية واالقتصاديــة واألمنيــة‪ ،‬واختبارهــا‬ ‫عل ــى النحــو التال ــي‪:‬‬

‫تحركات قائمة‪:‬‬

‫خــال الفتــرة املاضيــة‪ ،‬مت اختبــار جناعــة األدوار اخلليجيــة يف عــدد‬ ‫مــن امللفــات ذات التشــابكات اإلقليميــة والدوليــة‪ ،‬وذلــك عل ــى النحــو‬ ‫التال ــي‪:‬‬ ‫الــدور اخلليج ــي يف الص ــراع الفل س ــطيني – اإلســرائيلي‪ :‬تباينــت‬ ‫املبــادرات الدبلوماســية خليج ًيــا يف إدارة األزمــة القائمــة عل ــى نحــو‬ ‫مــا يُعيــد تعريــف «الــدور واملكانــة لــدول اخلليــج» والــذي امتــزج مــا‬ ‫بــن التصريحــات املنــددة‪ ،‬وأخــرى املُعتدلــة‪ ،‬وصــوالً إل ــى أدوار وســاطة‬ ‫فعليــة وخطــوات سياســية ودبلوماســية فاعلــة إلقــرار الهدنــة واالنتقال‬ ‫ملســارات التفــاوض واحلــل‪ .‬فعلــى ســبيل املثــال‪ :‬عقــدت اململكــة‬

‫العربيــة الســعودية «القمــة العربيــة ‪ /‬اإلســامية املشــتركة» يف ‪11‬‬ ‫نوفمبــر‪2023‬م‪ ،‬حيــث دعــت هــذه القمــة لوقــف العمليــات العســكرية‬ ‫يف غــزة بشــكل فــوري إل ــى جانــب دعــوة احملكمــة اجلنائيــة الدوليــة‬ ‫للتحقيــق يف «جرائــم احلــرب» الت ــي ترتكبهــا إســرائيل‪ .‬باإلضافــة إل ــى‬ ‫دور الوســاطة القطــري بجانــب القاهــرة يف إدارة ملــف الرهائــن لــدى‬ ‫كل مــن حركــة املقاومــة حمــاس وحكومــة تــل أبيــب‪ ،‬وإقــرار الهدنــة‬ ‫بــن الطرفــن واســتثمار مــا ميكــن البنــاء عليــه يف االنتقــال ملرحلــة‬ ‫املفاوضــات واحلــل الشــامل والعــادل نحــو حــل الدولتــن وف ًقــا حلــدود‬ ‫‪1967‬م‪ ،‬اســتنا ًدا للتصــورات العربيــة إلنهــاء الصــراع‪.‬‬ ‫الــدور اخلليج ــي يف األزمــة الروســية ‪ /‬األوكرانيــة‪ :‬تبنــت دول اخلليــج‬ ‫العرب ــي موقف ـاً محايــداً مــن األزمــة الروســية األوكرانيــة عبــر بيانــات‬ ‫مجلــس التعــاون اخلليجــي والتــي انتهــت إلــى التمســك مببــادئ‬ ‫القانــون الدول ــي وميثــاق األمم املتحــدة‪ ،‬واحلفــاظ عل ــى النظــام الدولي‬ ‫القائــم علــى احتــرام ســيادة الــدول وســامة أراضيهــا واســتقاللها‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫بــن إســرائيل و جيرانهــا العــرب وإقامــة تطبيــع كامــل مــع جميــع‬ ‫الــدول العربيــة مقابــل تطبيــق قــرارات األمم املتحــدة الســابق صدورهــا‬ ‫بشــأن النــزاع العرب ــي ‪ /‬اإلســرائيلي بعــد عــام ‪1967‬م‪ ،‬فدعــت املبــادرة‬ ‫النســحاب إســرائيل مــن األراض ــي العربيــة احملتلــة عــام ‪1967‬م‪ ،‬وإقامــة‬ ‫الدولــة الفلســطينية عل ــى حــدود ‪ 4‬يونيــو ‪1967‬م‪ ،‬وعاصمتهــا القــدس‬ ‫الشــرقية‪ ،‬واالتفــاق عل ــى حــل مشــكلة الالجئــن‪ ،‬لكــن إســرائيل ترفض‬ ‫ذلــك كلــه دون مبــررات أو تقــدمي بدائــل‪ ،‬ســوى الرغبــة يف الهيمنــة‬ ‫والتوســع وحتقيــق أحالمهــا ومــا تطلــق عليــه إســرائيل الكبــرى دون‬ ‫احتــرام حقــوق اآلخريــن يف العيــش املشــترك والتعامــل مبــا ال يظهــر‬ ‫رغبتهــا يف إنهــاء الصــراع الــذي جــاء عل ــى حســاب التنميــة وأدى إل ــى‬ ‫حــروب وســباق تســلح‪.‬‬ ‫ويف إطــار اجلهــود الســعودية إلنهــاء احلــرب علــى قطــاع غــزة‪،‬‬ ‫والســتئناف الســام‪ ،‬دعــا خــادم احلرمــن الشــريفني امللــك ســلمان‬ ‫بــن عبــد العزيــز ـ يحفظــه اهلل ـ إل ــى عقــد قمــة عربيــة ‪ /‬إســامية‬ ‫طارئــة بالريــاض يف نوفمبــر املاض ــي‪ ،‬وترأســها صاحــب الســمو امللك ــي‬ ‫األميــر محمــد بــن ســلمان ول ــي العهــد ورئيــس مجل ــس الــوزراء‪ ،‬ودعــت‬ ‫إل ــى إيقــاف حــرب غــزة فــو ًرا وإدخــال املســاعدات ثــم اســتئناف مســيرة‬ ‫الســام‪ ،‬كمــا أوفــدت رئاســة القمــة جلنــة وزاريــة رفيعــة املســتوى‬ ‫برئاســة ســمو وزيــر خارجيــة اململكــة األميــر فيصــل بــن فرحــان آل‬ ‫ســعود إلــى الــدول الكبــرى واألمم املتحــدة لشــرح مطالــب الــدول‬ ‫العربيــة واإلســامية يف إنهــاء احلــرب وحتقيــق الســام‪.‬‬ ‫وعل ــى ضــوء هــذه اجلهــود املســتمرة للســعودية وشــقيقاتها مــن الــدول‬ ‫العربيــة واإلســامية‪ ،‬املطلــوب مــن املجتمــع الدول ــي والــدول الراعيــة‬ ‫للســام يف هــذه اللحظــة الفارقــة أن تتوحــد اجلهــود وتتكاتــف‬ ‫إلنهــاء احلــرب اإلســرائيلية علــى قطــاع غــزة كخطــوة أولــى ملحــة‪،‬‬ ‫ثــم إدخــال املســاعدات اإلغاثيــة‪ ،‬والبــدء يف إعــادة إعمــار غــزة وعــودة‬ ‫الالجئــن إل ــى منازلهــم وبالتــوازي يتــم البــدء فــو ًرا يف التفــاوض حــول‬ ‫عمليــة ســام جــادة ووفــق أجنــدة واضحــة‪ ،‬وهــذه األجنــدة وفرتهــا‬ ‫املبــادرة العربيــة للســام الت ــي ســبق وارتضتهــا جميــع األطــراف مبــا‬ ‫فيهــا أطــراف مــن إســرائيل نفســها وعل ــى األطــراف الدوليــة إقنــاع‬ ‫اليمــن اإلســرائيلي املتطــرف بقبــول الســام والتخلــي عــن أحــام‬ ‫الهيمنــة والتوســع وفكــرة اقتــاع الشــعب الفلســطيني مــن أرضــه‬ ‫وابتــاع األراض ــي العربيــة األخــرى ومنهــا اجلــوالن الســورية واألراض ــي‬ ‫اللبنانيــة‪ ،‬واملعادلــة واضحــة لتحقيــق ذلــك وهــي الرغبــة العربيــة‬ ‫الصادقــة يف العيــش املشــترك بســام للشــعبني الفلســطيني‬

‫العــدد‬ ‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫‪5‬‬

‫واإلســرائيلي‪ ،‬ويف وجــود آمــن إلســرائيل بعــد أن تعتــرف باحلقــوق‬ ‫العربيــة وإعــادة األراض ــي العربيــة احملتلــة إل ــى أصحابهــا والتخل ــي عــن‬ ‫األطمــاع واألحــام الت ــي لــن تتحقــق يف ظــل وجــود شــعوب عربيــة عل ــى‬ ‫أراضيهــا قبــل الصــراع العرب ــي ‪ /‬اإلســرائيلي بــآالف الســنني ووســط‬ ‫ثبــات احلقــوق التاريخيــة العربيــة الت ــي ال تقبــل املســاومة حتــت أي‬ ‫ظــرف مــن الظــروف‪.‬‬ ‫وعلــى إســرائيل أن تتخلــى عــن رغبتهــا يف احلصــول علــى الســام‬ ‫مقابــل الســام دون التنــازل عــن األراضــي العربيــة احملتلــة عــام‬ ‫‪1967‬م‪ ،‬ودون قيــام الدولــة الفلســطينية عل ــى احلــدود الت ــي أســلفنا‬ ‫توضيحهــا‪ ،‬وغيــر ذلــك يظــل إهــدا ًرا للوقــت والفــرص وحتقيــق العربدة‬ ‫اإلســرائيلية الت ــي تنشــر املزيــد مــن الكراهيــة والعــداءات بــن الشــعوب‬ ‫‪ ،‬وعلــى إســرائيل أن تعلــم أن منطــق القــوة ال يســتطيع تثبيــت‬ ‫إســرائيل واحلفــاظ عل ــى أمنهــا مهمــا كانــت متتلــك مــن أدوات القــوة‬ ‫الغاشــمة ووســائل اإلبــادة‪ ،‬ودرس حــرب غــزة خيــر دليــل‪ ،‬فرغــم اآللــة‬ ‫العســكرية الغاشــمة لقــوات االحتــال وتشــريد مــا تبق ــى مــن شــعب‬ ‫غــزة توجــد مقاومــة فلســطينية ومتســك الفلســطينيني بالبقــاء عل ــى‬ ‫أراضيهــم‪ ،‬كمــا أن متســك إســرائيل بخيــار القــوة فقــط ســوف يــؤدي‬ ‫إل ــى خــروج احلــرب عــن الســيطرة وتوســع رقعتهــا ودخــول جماعــات‬ ‫ودول خارجيــة يف تغذيــة الصــراع‪ ،‬وكذلــك زيــادة موجــات اإلرهــاب الت ــي‬ ‫تســتهدف اســتقرار املنطقــة بكاملهــا مبــا فيهــا إســرائيل ومصالــح‬ ‫الــدول الكبــرى‪ ،‬وإن مــا يحــدث مــن مخاطــر وحتديــات أمنيــة يف البحر‬ ‫األحمــر والقــرن اإلفريق ــي مــا هــو إال واحــدة مــن نتــاج هــذه احلــرب‪،‬‬ ‫وقــد يتســع انتشــار هــذه التبعــات وانتقالهــا إلــى مناطــق أخــرى‬ ‫واســتهداف مصالــح دول أخــرى‪ ،‬خاصــة يف ظــل الصــراع الدولــي‬ ‫علــى تشــكيل النظــام العاملــي اجلديــد ‪ ،‬ورغبــة العديــد مــن الــدول‬ ‫الطامحــة إل ــى إيجــاد مناطــق نفــوذ لهــا خــارج حدودهــا وال ســيما يف‬ ‫منطقــة الشــرق األوســط‪.‬‬ ‫نتمن ــى أن تصغ ــي الــدول الكبــرى وتســتجيب إســرائيل ألهميــة إنهــاء‬ ‫حــرب غــزة والتعامــل بجديــة مــع مبــادرة الســام العربيــة وعقــد مؤمتــر‬ ‫دول ــي للســام مبشــاركة األطــراف الدوليــة الفاعلــة خاصــة أن معظــم‬ ‫دول العالــم ترحــب بفكــرة هــذا املؤمتــر املأمــول لوضــع نهايــة للصــراع‬ ‫وبــدء الســام‪.‬‬

‫*رئيس مركز الخليج لألبحاث‬


‫حول الخليج‬ ‫‪4‬‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫افـتتــاحــية ال ـعـدد‬

‫متطلبات السالم والتعنت اإلسرائييل‬

‫د‪ .‬عبد العزيز بن عثمان بن صقر‬

‫‪4‬‬ ‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫تقــف دول مجل ــس التعــاون اخلليج ــي ومعهــا الــدول العربيــة يف حلظــة‬ ‫فارقــة للبحــث عــن احللــول إليقــاف احلــرب اإلســرائيلية عل ــى قطاع غزة‬ ‫واألراض ــي الفلســطينية الت ــي اشــتعلت منــذ الســابع مــن أكتوبــر املاض ــي‬ ‫ومازالــت مســتعرة ‪ ،‬وراح ضحيتهــا اآلالف مــن الفلســطينيني معظمهــم‬ ‫مــن األطفــال والنســاء والشــيوخ مــن املدنيــن العــزل يف حــرب خــارج‬ ‫األعــراف والتقاليــد العســكرية والقانونيــة تســتهدف قصــف دور العبــادة‬ ‫للمســلمني واملســيحيني واملستشــفيات واملــدارس ودور اإليــواء الدوليــة‬ ‫الت ــي تشــرف عليهــا األمم املتحــدة مــع قطــع كافــة أشــكال املســاعدات‬ ‫اإلغاثية اإلنســانية للشــعب الفلســطيني على مرأى ومســمع من العالم‪،‬‬ ‫ويف ظــل عجــز أو فشــل العالــم يف إيقــاف هــذه احلــرب أو إيجــاد املخــرج‬ ‫املناســب الــذي ميهــد األرض للســام‪ ،‬ذلــك التمهيــد املطلــوب وبســرعة‬ ‫هــو الــذي مهــدت لــه املبــادرات العربيــة للســام وحتدي ـدًا مــا تقدمــت‬ ‫بــه اململكــة العربيــة الســعودية الت ــي استشــعرت أهميــة الســام جلميــع‬ ‫األطــراف املعنيــة يف الشــرق األوســط بشــأن القضيــة الفلســطينية‬ ‫الت ــي حتولــت عل ــى مــدار ســنوات طويلــة إل ــى مخلــب قــط لقــوى دوليــة‬ ‫وإقليميــة للمســاومة وحتقيــق مكاســب ألطــراف كثيــرة ليــس مــن بينهــا‬ ‫الطــرف األساســي وهــو الشــعب الفلســطيني الــذي يتعــرض لإلبــادة‬ ‫والقتــل والتشــريد بينمــا تظــل هــذه األطــراف تتحــن الفــرص للمقايضــة‬ ‫عل ــى حســاب الشــعب املتضــرر صاحــب القضيــة‪.‬‬ ‫واستشــعا ًرا بخطــورة القضيــة الفلســطينية وتداعياتهــا ومــا تلقــي‬ ‫بــه مــن عــدم اســتقرار يف املنطقــة برمتهــا ‪ ،‬تقدمــت اململكــة العربيــة‬ ‫الســعودية مببادرتــي فــاس عامــي ‪1981‬و ‪1982‬م‪ ،‬لتحقيــق الســام‬ ‫والتعامــل الواقعــي مــع القضيــة الفلســطينية ومبــا يضمــن حقــوق‬ ‫جميــع األطــراف عبــر ســام شــامل ودائــم وعــادل‪ ،‬وانتظــرت اململكــة‬ ‫ســنوات لتــرى كيــف تتعامــل إســرائيل مــع مبادرتــي فــاس‪ ،‬وعندمــا‬ ‫يئســت مــن التعامــل اإلســرائيلي‪ ،‬وفشــل املجتمــع الدول ــي يف الضغــط‬ ‫عل ــى إســرائيل‪ ،‬تقدمــت باملبــادرة العربيــة للســام الت ــي وجــدت قب ـو ًاًل‬ ‫إجماعــا غيــر مســبوق يف القمــة العربيــة الت ــي‬ ‫عرب ًيــا ألول مــرة‪ ،‬ووجــدت‬ ‫ً‬ ‫اســتضافتها بيــروت عــام ‪2002‬م‪ ،‬هــذه املبــادرة الت ــي تعاملــت بواقعيــة‬ ‫شــديدة حلــل النــزاع برمتــه يف املنطقــة وقدمــت حل ـو ًاًل لســام شــامل‬


‫ملف العدد‬ ‫السفري‪ .‬د‪ .‬خالد املنزالوي‬ ‫أ ‪ .‬د‪ .‬صدقة يحيى فاضل‬ ‫د‪ .‬هادي بن عيل اليامي‬ ‫د‪ .‬غالب الخالدي‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬إبراهيم إبراش‬ ‫د‪ .‬ظافر العجمي‬ ‫د‪ .‬فاطمة الشاميس‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬جودت بهجت‬ ‫د‪ .‬غانم علوان الجمييل‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬نورهان الشيخ‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬وانغ قوانغدا‬ ‫د‪ .‬نوريكو سوزويك‬ ‫د‪ .‬الصادق الفقيه‬ ‫د‪ .‬محمود السامسريي‬ ‫د‪ .‬ن ‪ .‬جاناردهان‬ ‫جان‪-‬لو سمعان‬ ‫د‪ .‬خديجة عرفة‬ ‫د‪ .‬خلود محمد الدعجة‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬محمد البنا‬ ‫د‪ .‬حاتم العبد‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬مصطفى صايج‬ ‫أ‪.‬د ‪ .‬سمري صالحة‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬حسن الحاج عيل أحمد‬ ‫د‪ .‬هالة إبراهيم أحمد رمضان‬ ‫د‪ .‬كريستيان كوخ‬

‫الرأي‬

‫‪22‬‬ ‫‪24www.araa.sa‬‬ ‫‪29‬‬ ‫‪34‬‬ ‫‪39‬‬ ‫‪42‬‬ ‫‪46‬‬ ‫‪51‬‬ ‫‪55‬‬ ‫‪60‬‬ ‫‪65‬‬ ‫‪71‬‬ ‫‪76‬‬ ‫‪81‬‬ ‫‪87‬‬ ‫‪91‬‬ ‫‪96‬‬ ‫‪101‬‬ ‫‪106‬‬ ‫‪112‬‬ ‫‪117‬‬ ‫‪122‬‬ ‫‪128‬‬ ‫‪133‬‬ ‫‪136‬‬

‫‪140‬‬

‫تزايد اإلنتاج المعريف يف السعودية لوضوح‬ ‫حقوق المؤلف وترجمة عدد ‪ 42‬دورية للعربية‬ ‫د‪ .‬خالد عزب‬

‫إصدارات‬

‫‪144‬‬

‫السياسات التنموية‬ ‫مقدمة حول القضايا والمسائل العالمية‬ ‫آراء حول الخليج‪ :‬جدة‬

‫وقفة‬

‫هذا العدد‬ ‫العــددــن مجلــة (آراء حــول الخليــج) والــذي‬ ‫يف هــذا العــدد الماثــل بيــن أيــدي القــراء م‬ ‫‪194‬‬ ‫والصــادر يف األول مــن فبرايــر‬ ‫ـة‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫للمجل‬ ‫يحمــل رقــم (‪ )194‬مــن سلســلة اإلصــدار الشــهري‬ ‫فبرايـــــــر ‪3 2024‬‬ ‫(‪ ،)2024‬يطــرح قضيــة مهمــة لمنطقــة الخليــج والعالــم كلــه‪ ،‬وهــي قضيــة (إعــادة‬ ‫تقييــم المبــادرة العربيــة ‪ /‬الســعودية لتســوية القضيــة الفلســطينية‪ :‬المعضلــة‬ ‫والحــل) وجــاءت دراســات ومقــاالت العــدد‪ ،‬توضــح أهميــة العــودة إىل مبــادرة الــسالم‬ ‫العربيــة التــي تقدمــت بهــا المملكــة العربيــة الســعودية وقبلتهــا وأجمعــت عليهــا‬ ‫الــدول العربيــة يف اجتمــاع القمــة العربيــة يف بيــروت عــام ‪2002‬م‪ ،‬والتــي مازالــت‬ ‫تتمســك بهــا الــدول العربيــة لحــل القضيــة الفلســطينية‪ ،‬بــل وإنهــاء الصــراع العربــي ‪/‬‬ ‫اإلســرائييل ‪ ،‬وقــد وجــدت هــذه المبــادرة ترحي�بـًا واسـ ً​ًعا يف مختلــف أرجــاء العالــم‪ ،‬بــل‬ ‫وجــدت قبـواًلا مــن جانــب المعتدليــن اإلســرائيليين الراغبيــن يف العيــش بــسالم وســط‬ ‫محيطهــم العربــي‪ ،‬وقــد زاد اهتمــام العالــم بإعــادة طــرح المبــادرة العربيــة للــسالم بعــد‬ ‫انفجــار األوضــاع يف األراضــي الفلســطينية بعــد الهجــوم اإلســرائييل الكاســح عىل قطــاع‬ ‫غــزة منــذ ‪ 7‬أكتوبــر الماضــي ومــازال حتــى اآلن وخلــف عشــرات اآلالف مــن القــتىل‬ ‫والجرحــى الفلســطينيين األبريــاء يف حــرب غاشــمة تســتهدف الوجــود الفلســطيني‬ ‫بالكامــل بالقتــل والتهجيــر القســري‪.‬‬ ‫رأت دراســات ومقــاالت العــدد أن المبــادرة العربيــة والتــي تــم طرحهــا منــذ أكثــر من‬ ‫‪ 20‬عا�م ـًا مازالــت صالحــة للعــرض مــرة أخــرى عىل العالــم والعمــل بهــا كونهــا منســجمة‬ ‫تما�م ـًا مــع القــرارات الدوليــة الصــادرة عــن مجلــس األمــن الــدويل بشــأن الصــراع العربــي‬ ‫‪ /‬اإلســرائييل برمتــه‪ ،‬و ترمــي هــذه المبــادرة يف حــال قبولهــا إىل سالم شــامل بيــن‬ ‫الــدول العربيــة وإســرائيل‪ ،‬وتضمــن تطبيــع عربــي كامــل وشــامل مــع إســرائيل‪ ،‬كمــا‬ ‫أن مطالــب المبــادرة العربيــة للــسالم تطــرح حلــواًلا مقبولــة وتحــق مطالــب جميــع‬ ‫األطــراف‪ ،‬فهــي ال تطالــب إســرائيل إال بالــجالء عــن األراضــي العربيــة المحتلــة يف ‪5‬‬ ‫يونيــو عــام ‪1967‬م‪ ،‬وإقامــة الدولــة الفلســطينية عىل حــدود الرابــع مــن يونيــو عــام‬ ‫‪1967‬م‪ ،‬وعاصمتهــا القــدس الشــرقية وإيجــاد حــل يتــم االتفــاق عليــه بشــأن الالجئيــن‬ ‫الفلســطينيين مقابــل التطبيــع العربــي الكامــل بيــن جميــع الــدول العربيــة وإســرائيل‪.‬‬ ‫ولقــد عــاد العالــم إىل المبــادرة العربيــة للــسالم بعــد تفجــر أحــداث غــزة منــذ الســابع‬ ‫مــن أكتوبــر الماضــي يف حــرب ظالمــة ضــد الفلســطينيين األبريــاء مــن المدنييــن‬ ‫واألطفــال وكبــار الســن والنســاء يف مشــهد ال يعتــرف بالقوانيــن الدوليــة أو مواثيــق‬ ‫الحــرب وال مــع نصــوص مبــادئ األمــم المتحــدة ومجلــس األمــن الــدويل‪ ،‬يف ظــل غــض‬ ‫طــرف غربــي وأمريكــي مفجــع عــن هــذه الحــرب والمطالبــة بإيقافهــا‪ ،‬بــل دعم إســرائيل‬ ‫العلنــي والســافر بينمــا العــرب قدمــوا ومازالــوا يقدمــون مبــادرات الــسالم ويقترحــون‬ ‫الحلــول الســلمية إلنهــاء مأســاة العصــر‪.‬‬ ‫ويف هــذا العــدد مــن مجلــة (آراء حــول الخليــج) الــذي يزخــر بمقــاالت لباحثيــن‬ ‫ومســؤولين وأكاديمييــن مــن مختلــف دول العالــم يعكــس وجهــة نظــر هــؤالء جمي�ع ـًا‬ ‫يف الوقــوف إىل جانــب إعــادة طــرح مبــادرة الــسالم العربيــة التــي تحمــل أفضــل الحلــول‬ ‫المرضيــة لجميــع أطــراف النــزاع يف منطقــة الشــرق األوســط وإلنهــاء مأســاة بــدأت‬ ‫منــذ منتصــف أربعينيــات القــرن الماضــي ومــا زالــت تنــزف د�م ـًا يقطــر مــن أجســاد‬ ‫أطفــال ونســاء وشــيوخ أبريــاء ليــس لهــم ذنــب ســوى أنهــم تواجــدوا عىل األراضــي‬ ‫الفلســطينية وخاصــة يف قطــاع غــزة ‪ ..‬فهــل يتحــرك العالــم وخاصــة القــوى العظمــى‬ ‫والغــرب إىل تبنــي المبــادرة العربيــة إلحيــاء الــسالم وحقــن دم األبريــاء؟؟‬

‫محاور العدد المقبل‬ ‫‪145‬‬

‫جرائم إسرائيل ُتُوقظ ضمير العالم‬ ‫جمال أمين ه ّ​ّمام‬ ‫اإلسهامات‬ ‫٭ ترحــب مجلــة «آراء حــول اخلليــج» بإســهامات الكتــاب والباحثــن يف الشــؤون اخلليجيــة يف‬ ‫املجــاالت السياســية واالقتصاديــة واالجتماعيــة والدفاعيــة واألمنيــة‪.‬‬ ‫٭ المجلة غير ملتزمة بإعادة أي مادة تتلقاها للنشر‪.‬‬ ‫٭ جميع حقوق الترجمة والنشر محفوظة لمركز الخليج لألبحاث‪.‬‬ ‫٭ ال يســمح بإعــادة نشــر المــواد المنشــورة فــي المجلــة دون الحصــول علــى إذن خطــي مســبق مــن‬ ‫مركــز الخليــج لألبحــاث‪.‬‬ ‫٭ آراء الكتاب تعبر عن أصحابها وال تعبر بالضرورة عن اتجاهات يتبناها مركز الخليج أو مجلة آراء‪.‬‬

‫‪ )195‬مــن سلســلة إصــدارات المجلــة والــذي ســيصدر بمشــيئة‬ ‫يتنــاول العــدد المقبــل رقــم ((‪)195‬‬ ‫‪2024‬م) يف الملــف الرئيســي (أمــن الممــر المالحــي‬ ‫اللــه تعــاىل مطلــع شــهر مــارس المقبــل ((‪2024‬م)‬ ‫يف البحــر األحمــر والقــرن اإلفريقــي‪ :‬المســؤولية الدوليــة واإلقليميــة) وتضــع المجلــة شــروط‬ ‫الكتابــة والتــي تتمثــل فيمــا ييل‪:‬‬ ‫ــ ال ٌ​ٌيلتفت للمقاالت التي تصل المجلة دون تنسيق مسبق ودون تحديد محور المقال‪.‬‬ ‫ــ االلتزام بإرسال المقاالت والدراسات يف موعد أقصاه العشرين من كل شهر‪.‬‬ ‫ــــ ال يزيــد عــدد الكلمــات عــن ‪ 2500‬كلمــة للمقــال‪ ،‬ولــن يتــم التعامــل مــع المقــاالت التــي‬ ‫تتــجاوز ــعدد الكلــمات المــحدد‬ ‫ــ المجلة غير ملزمة بنشر كل ما يصلها من مقاالت‪.‬‬ ‫ــــ مراعــاة الكتابــة بلغــة عربيــة ســليمة وليــس باللهجــات المحليــة‪ ،‬مــع االهتمــام بالجــودة ولــن‬ ‫يلتــفت للمــقاالت الــتي ال تلــتزم بالــجودة‪ ،‬والمنقوــلة ــمن مواــقع االنترــنت‪.‬‬ ‫ــ المقاالت تعبر عن رأي كاتبها وليست بالضرورة تعبر عن رأي المجلة‪.‬‬ ‫ـــ احترام ثوابت المجتمع والمعتقدات الدينية واألخالقيات العامة‬


‫افتتاحية العدد‬ ‫متطلبات السالم والتعنت اإلسرائييل‬ ‫‪www.araa.sa‬‬ ‫عثمان بن صقر‬ ‫د‪ .‬عبد العزيز بن‬

‫العــدد ‪194‬‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫‪2‬‬

‫‪4‬‬

‫مجلة شهرية تصدر عن‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬ ‫تعنى بالشؤون اخلليجية‬

‫متابعات خليجية‬ ‫فرص وتحديات األدوار الخليجية يف الشرق األوسط‬ ‫د‪ .‬إميان زهران‬

‫‪6‬‬

‫رئيس التحرير‬

‫د‪ .‬عبد العزيز بن عثمان بن صقر‬ ‫مدير التحرير‬

‫جمال أمني همام‬

‫دراسة العدد‬ ‫سكرتير التحرير‬

‫الرغبة العربية وغياب الموقف الدويل‬ ‫والرفض اإلسرائييل للسالم‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬أحمد سليم الربصان‬

‫سليمان مارديني‬ ‫التصميم الفني‬

‫هند منصور احلازمي‬

‫‪10‬‬

‫قضية العدد‬

‫‪16‬‬

‫إس ــرائيل ل ــم تق ــدم مش ــروع سالم يف تاريخه ــا ول ــم تقب ــل مناقش ــة‬ ‫المب ــادرات العربي ــة‬ ‫السفري‪ .‬محمد العرايب‬

‫الهيئة االستشارية‬

‫أ‪.‬د‪ .‬صالح بن محمد اخلثالن‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬باقر سلمان النجار‬ ‫د‪ .‬فاطمة الشامسي‬ ‫د‪ .‬هيله حمد املكيمي‬ ‫د‪ .‬عهود بنت سعيد البلوشي‬ ‫د‪ .‬خالد اجلابر‬ ‫اإلعالنات واملراسالت‬ ‫لإلعالن يف املجلة ميكن االتصال بقسم اإلعالن والتسويق على العنوان التالي‪:‬‬ ‫البريد االلكتروني‪info@araa.sa :‬‬ ‫توجه جميع املراسالت إلى مجلة «آراء حول اخلليج» على العنوان التالي‪:‬‬ ‫‪ 1٩‬شارع راية االحتاد‬ ‫ص‪.‬ب‪ ١٠٥٠١ .‬جدة ‪ ٢١٤٤٣‬اململكة العربية السعودية‬ ‫هاتف‪+٩٦٦ ١٢ ٦٥١١٩٩٩:‬‬ ‫فاكس‪+٩٦٦ ١٢ ٦٥٣١٣٧٥ :‬‬ ‫البريد اإللكتروني‪info@araa.sa :‬‬ ‫رقم اإليداع ‪8509/1443‬‬

‫‪ISSN: 1658-9262‬‬

‫العدد (‪)22‬‬

‫ثمن النسخة‬

‫االشتراك السنوي‬

‫اململكة العربية السعودية‪ ٣٥ :‬ري ـ ــا ًال‬ ‫درهما‬ ‫اإلمارات العربية املتحدة‪٣٥ :‬‬ ‫ً‬ ‫‪ ٣٫٥‬دينا ًرا‬ ‫مملكة البحرين‪:‬‬ ‫‪ ٣٥‬ري ـ ـ ــا ًال‬ ‫دولة قطر‪:‬‬ ‫‪ ٣٫٥‬دينا ًرا‬ ‫دولة الكويت‪:‬‬ ‫‪ ٣٫٥‬ري ـ ـ ــا ًال‬ ‫سلطنة عمان‪:‬‬ ‫‪ ٤٫٥‬ديـنــا ًرا‬ ‫األردن‪:‬‬

‫الدول العربية‪:‬‬ ‫الدول األوروبية‪:‬‬ ‫بقية دول العالم‪:‬‬

‫‪ ١٠٠‬دوال ًرا‬ ‫‪ ١١٠‬دوال ًرا‬ ‫‪ ١٢٠‬دوال ًرا‬

‫يرسل طلب االشتراك إلى عنوان املجلة‬ ‫مــع حوالــة مصرفيــة أو شــيك بقيمــة‬ ‫االشــتراك باســم مركز اخلليج لألبحاث‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫‪194‬‬ ‫العــدد ‪193‬‬ ‫ينايــــــــر‬ ‫فبرايـــــــر ‪2024‬‬

‫‪1‬‬



‫العــــــدد ‪194‬‬ ‫فبرايــــــــــر ‪2024‬‬

‫ملف العدد‬

‫إعادة تقييم المبادرة العربية للسالم‪ :‬المعضلة والحل‬ ‫▀ لـــن تســـتقر إســـرائيل إال بـــسالم يقبلـــه جيرانهـــا وهـــو مـــا تطرحـــه المبـــادرة العربيـــة‬ ‫▀ نجـــاح المبـــادرة العربيـــة للـــسالم يتطلـــب إطـــاًرًا دول ي�ـــا وضمانـــات ملزمـــة إلســـرائيل‬ ‫▀ إســـرائيل تســـتخدم نظريـــة الالءات الســـت وسالم التجزئـــة والمفاوضـــات الفرديـــة‬ ‫▀ شـــرطان للـــسالم‪ :‬حكومـــة إســـرائيلية بـــدون اليميـــن وإصالح الســـلطة الفلســـطينية‬


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.