الأدب يعالج قضايا أطفال الشوارع بقلم د/ طارق رضوان مصر

Page 1

‫األدب يعــالــج قضـــايـــا أطفــال الشـــوارع‪ ,,‬بقـــــــــــــلم ‪ :‬د‪ .‬طــارق رضــــوان ‪ ,,‬مجـــــــلة‬ ‫غـــــــرام اليــاســـــــــــمين‬ ‫نشرت بواسطة ‪:‬رئيس مجلس االدارة في مقال ‪ 15‬يوليو‪0 392016,‬‬ ‫األدب يعــالــج قضـــايـــا أطفــال الشـــوارع‬ ‫بقلـــم د‪ .‬طــارق رضــــوان‬ ‫زادت أزمة ظاهرة أطفال الشوارع مع زيادة الكثافة السكانية‪ ،‬ولعل ثورات الربيع العربي زادت‬ ‫من انفجار تلك الظاهرة‪ ،‬اتخذ أدباء الغرب والعرب من هذه الظاهرة مادة ثرية ألعمالهم األدبية‪،‬‬ ‫مؤكدين أن هناك عالقة وطيدة ال تنقطع بين األدب والمجتمع‪.‬‬ ‫أطفال شوارع لندن‬ ‫الكاتب اإلنجليزي تشارلز ديكنز‪ ،‬يعد من أوائل الكتاب الذين رصدوا هذه الظاهرة‪ ،‬ولفتوا األنظار‬ ‫إليها‪ ،‬في عام ‪ 1837‬بدأ ديكنز كتابة رواية أوليفر تويست‪ ،‬وهي أول رواية يصور فيها ديكنز‬ ‫الشرور االجتماعية والظروف الرهيبة في المالجئ واإلصالحيات‪ ،‬والرواية تصور عالم لندن‬ ‫اإلجرامي الخفي على نحو حي‪ ،‬موضحا كيف يدخل أطفال الشوارع بسهولة بالغة عالم الجريمة‬ ‫تحت تأثير الكبار الذين يستغلونهم لمصلحتهم الشخصية‪.‬‬ ‫“ذاكرة شرير” والعالقة بين التسول والتسكع‬ ‫وما كتبه الروائي السوداني منصور الصويم عن أطفال الشوارع في رواية “ذاكرة شرير”‪ ،‬ومرثية‬ ‫أطفال الشوارع للشاعر المغربي بن يونس ماجن بعنوان “هم اآلن يكنسون الرذاذ”‪ ،‬فهو يرى‬


‫التسول والتسكع توأمين يسكنان بذاكرة الشوارع‪ ،‬أما الفقر والجهل فهما رفيقان في العوز والعتمة‪.‬‬ ‫وفي رواية “تغريد البجعة” لألديب سعيد مكاوي‪ ،‬ورواية “مواقيت الصمت” لألديب خليل‬ ‫الجيزاوي‪ ،‬يتعرف القارئ‪ ،‬على مالمح أولئك المهمشين المنسيين من أبناء الفقر والصمت‪ .‬وتعليقا‬ ‫على ذلك قال الكاتب مكاوي سعيد‪ :‬إن تناول األدب لظاهرة أطفال الشوارع‪ ،‬محدود للغاية‪ ،‬سوى‬ ‫روايتي ” تغريدة البجعة‪ ،‬أبو الوفا المصري”‪ ،‬ثم ظهرت في التسعينيات أعمال ليست مؤثرة‪.‬‬ ‫واستنكر سعيد التناول اإلعالمي سواء تليفزيون أو صحافة‪ ،‬لظاهرة أطفال الشوارع‪ ،‬ووصفها‬ ‫بـ”المتخلفة”‪ ،‬والتي تنتمي للثقافة الضحلة‪ ،‬مشيرا أنها صورة نمطية لم تحتك بهذه الفئة‪ .‬وأوضح أن‬ ‫هناك فرقا بين أطفال الشوارع والباعة الجائلين‪ ،‬فاألوائل غالبا ما ال يعملون‪ ،‬وطالب من يتناول‬ ‫هذه القضية باالحتكاك وفهم الظاهرة كما يجب قبل تناولها والكتابة عنها‪.‬‬ ‫“زقاق المدق”‪ ..‬وانتشار الظاهرة‬ ‫فيما قال الكاتب حلمي النمنم‪ :‬إن ظاهرة أطفال الشوارع ليست جديدة‪ ،‬على المجتمع أو األدب‪ ،‬فهي‬ ‫موجودة منذ أواخر القرن التاسع عشر‪ ،‬لكنها زادت في األيام األخير مع الكثافة السكانية‪ .‬وأشار‬ ‫النمنم أن معظم الروايات التي تناولت قضايا اجتماعية‪ ،‬تطرقت إلى ظاهرة أطفال الشوارع‪،‬‬ ‫وأشهرها رواية ” زقاق المدق”‪ ،‬لألديب الراحل نجيب محفوظ‪ .‬وأضاف ال يمكن أن تدور أحداث‬ ‫رواية بأكملها حول ظاهرة أطفال الشوارع‪ ،‬فهو شئ صعب أدبيا‪ ،‬وإذا كان فال يمكن أن نطلق على‬ ‫هذا العمل رواية‪.‬‬ ‫ظل ملف أطفال الشوارع وصمة عار متوارثة فى جبين الحكومات المتتالية سواء قبل الثورة أو‬ ‫بعدها وما من حكومة تم تشكيلها على مدار العقود األربعة الماضية‪ ،‬إال وتعهدت بأن تولى هؤالء‬ ‫األطفال رعاية خاصة غير أن تلك التعهدات ذهبت أدراج الرياح فى الغالب‪.‬‬ ‫أن هؤالء األطفال تم استغاللهم سياسيا ً من قبل جماعة اإلخوان اإلرهابية فى كثير من األحداث‪،‬‬ ‫ويتم استغاللهم باستمرار جنائيا ً فى كثير من الجرائم‪ ،‬ومن ثم أصبح لزاما ً على الحكومة إيجاد حل‬ ‫لهذا التحدى الكبير الذى يهدد أمن مصر وأمانها‬ ‫هؤالء األطفال ليسوا مجرمين بالفطرة ولكن الظروف دفعتهم إلى ذلك فمعظمهم من الفقراء الذين ال‬ ‫يجدون قوت يومهم‪ ،‬يتعرضون فى الشارع إلى كل أشكال العنف واالستغالل‪ ،‬سواء استغالل‬ ‫جسدى أو مادى‪ ،‬وطوال األعوام الماضية وهذه الظاهرة تتنامى باستمرار حتى أصبحت كابوسا ً‬ ‫يؤرق المجتمع المصرى يوما ً بعد يوم‪ ،‬وإن اختلفت التقارير فى تحديد حجم الظاهرة‪ ،‬فالهيئة العامة‬ ‫لحماية الطفل ذكرت فى أحد تقاريرها أن حجم هذه الظاهرة يصل إلى ‪ 2‬مليون طفل‪ ،‬إال أن وزارة‬ ‫التضامن االجتماعى جاءت بإحصائية جديدة فى تقريرها األخيرة مشيرة إلى أن حجم الظاهرة هو‬ ‫ستة عشر ألف فقط‬ ‫لقد تعرض المجتمع الموريتاني التقليدي المحافظ لهزات عنيفة ناتجة عن عقود من الجفاف‬ ‫والتصحر أدت إلى هجرة ريفية كبيرة نحو مدن فتية لم تستعد الستقبال أمواج المهاجرين الجدد‬ ‫الذين لم يتعودا سكنى المدن ولم يتأقلموا مع شروط المدينة‪ ،‬وهو ما أنعكس على النواحي‬ ‫االجتماعية فتزايدت معدالت الطالق وتكاثرت نسب التفكك األسري وتناقص التكافل االجتماعي‬ ‫القبلي التقليدي‪.‬‬ ‫كان األطفال الضحية األولى لكل تلك التطورات ففقدوا الحنان والعطف واضطر كثير منهم ‪-‬بعد أن‬ ‫وجد نفسه خارج مظلة العائلة وتوجيهها‪ -‬إلى السرقة‪ ،‬واستغلت بعض العصابات اإلجرامية الوضع‬ ‫فأوقعت العديد من األطفال في شراك المخدرات لتستغلهم في السرقة وغيرها من األنشطة‬ ‫سلم من تلك العصابات إلى سوء التغذية ليصبح فريسة لألمراض‪.‬‬ ‫اإلجرامية‪ ،‬فيما تعرض من َ‬ ‫أسباب للظاهرة فيما يلي‪:‬‬ ‫‪1-‬أسباب اقتصادية ‪ :‬الحالة االقتصادية للبالد‪ ،‬بعد موجات الجفاف المتالحقة ومع تبني سياسة‬


‫لبرالية ال تعير كثير اهتمام لمجانية الخدمات الضرورية‬ ‫‪2‬أسباب اجتماعية‪ :‬في المجتمع الموريتاني الذي تنتشر فيه ظاهرة الطالق بشكل كبير دون وازع‬‫قانوني‬ ‫‪3‬أسباب ثقافية‪ :‬شكلت ظروف الحياة في المدن وانتشار محالت الفيديو ودور السينما التي تبث‬‫أفالم العنف والخالعة دون رقابة وانتشار الصحف والمجالت الغربية اإلباحية‬ ‫جينكات” عنف وسجون ومخدرات‬ ‫الفئة األخطر من بين أطفال الشوارع في نواكشوط هي فئة من المراهقين عرفوا باسم “جينكات”‬ ‫وهم عصابات من المراهقين يتحمل كل شخص منهم التزامات خاصة تجاه بقية أعضاء العصابة‪،‬‬ ‫يتزعمهم أقواهم وأكثرهم احترافا في عالم اإلجرام وغالبا ما يكون مسلحا بالسالح األبيض‪،‬‬ ‫يتميزون بأنواع خاصة من حالقة الرؤوس منها ما يسمونه ‪ ZOULOU‬ومنها ‪GACSONE‬‬ ‫لهم مشيتهم الخاصة غير المستقيمة و يستخدم بعضهم نظارات سوداء‪ ،‬مثلهم في الحياة نجوم السينما‬ ‫والموسيقى من أمثال “رامبو” ‪ ،‬و”بريسلي”‪ ،‬و”دراماندرا”‪ ،‬و”مايكل جاكسون”‪ ،‬يتميزون بانحاللهم‬ ‫الخلقي وتوجهاتهم اإلجرامية‬ ‫أسوأ أسرة خير من أفضل مركز إيواء‬ ‫قبل عشر سنوات لم يكن يعمل في مجال أطفال الشوارع سوى منظمة “كاريتاس” المسيحية‬ ‫بالتعاون مع وزارة الصحة والشؤون االجتماعية الموريتانية أما اآلن فقد تزايدت الجهات المهتمة‬ ‫بالظاهرة مع استفحالها‪ ،‬ومن بين الجهات المهتمة جمعية “صلة الرحم”‪ ،‬ومنظمة “أرض الرجال”‬ ‫ومعهد “مريم جلو لألطفال” وجمعية “األطفال والتنمية في موريتانيا”‪ ،‬وغيرها من الجمعيات غير‬ ‫الحكومية‪.‬‬ ‫كما أن السلطات الرسمية أصبحت أكثر اهتماما بالظاهرة وانعكس ذلك جليا في تعاونها الجيد مع‬ ‫المنظمات غير الحكومية في هذا المجال‪ ،‬ومع ذلك فإن إمكانات هذه المنظمات ال تزال دون‬ ‫المستوى بكثير‬ ‫تجارب دولية‬ ‫ولما كانت ظاهرة أطفال الشوارع واحدة من الظواهر المرتبطة بالمجتمعات النامية والفقيرة‪ ،‬فقد‬ ‫عانت منها كثير من دول العالم ومنها البرازيل التى قامت فى نهاية القرن الماضى باتباع برنامج‬ ‫لمدة ‪ 5‬سنوات للتعامل مع ظاهرة أطفال الشوارع‪ ،‬تم من خالله تقديم الحماية االجتماعية األساسية‬ ‫لألسرة‪ ،‬واألفراد فى حاالت الفقر الشديد‪ ،‬واألسرة التى تعانى من التفكك األسرى‪ ،‬وتم توفير‬ ‫المساكن والمشروعات الصغيرة لهم‪ ،‬باإلضافة إلى توفير مدربين مؤهلين للتعامل مع هؤالء‬ ‫األطفال‪ ،‬وتوفير نظام صحى وتعليمى جيد لهم‪.‬‬ ‫كما تنفذ دولة كمبوديا مشروعا ً آخر وذلك بفتح مطاعم يعمل فيها أطفال الشوارع وبذلك وفرت‬ ‫الحكومة مصدر دخل ثابتا ً لهؤالء األطفال وأسرهم‪.‬‬ ‫هذه التجارب وغيرها البد أن تكون هى المثال الذى يحتذى به فى معالجة قضية أطفال الشوارع‬ ‫ومن ثم البد من أن تتبنى الحكومة المصرية مشروعا ً متكامالً إلعادة إدماج هؤالء األطفال فى‬ ‫المجتمع مرة أخرى‪ ،‬باإلضافة إلى توفير مصدر دخل ثابت لهم وألسرهم‬ ‫التجربة المصرية‬ ‫فى بداية القرن التاسع عشر‪ ،‬وبعد تولى محمد على حكم مصر عام ‪ ،1805‬وبعدما استتب له حكم‬ ‫مصر‪ ،‬وقضى على كل معارضيه من إنجليز ومماليك وزعماء الشعب‪ ،‬تفرغ لبناء مصر الحديثة‪،‬‬ ‫وكان التعليم هو قوام نهضته‪ ،‬ومن ثم أرسل رجاله يجوبون شوارع مصر بحثا ً عن األطفال‬ ‫لتعليمهم‪ ،‬ورغم أن ظاهرة أطفال الشوارع لم تكن منتشرة وقتها‪ ،‬إال أنه جمع عددا ً من أطفال األسر‬ ‫الفقيرة‪ ،‬ومن نبغ منهم تم إلحاقه بالتعليم ومنهم من سافر فى البعثات التى أرسلها محمد على إلى‬


‫أوروبا وعلى رأس هؤالء رفاعة الطهطاوى ومن كان منهم محدود الذكاء تم تعليمه حرفة‪ ،‬وعلى‬ ‫أيدى هؤالء قامت نهضة مصر الصناعية فى القرن التاسع عشر‪ ،‬واليوم ومع تنامى حجم الظاهرة‬ ‫وتحولها إلى كارثة تهدد أمن مصر سواء جنائيا ً أو سياسياً‪ ،‬أصبح البد من تبنى تجربة مشابهة‬ ‫للقضاء على هذه الظاهرة‬ ‫يجــب إصدار قرار جمهورى لتفعيل صندوق رعاية األمومة والطفولة المنصوص عليه فى قانون‬ ‫الطفل‪ ،‬وتفعيل دور لجان الجماعة الفرعية المنصوص عليها فى قانون الطفل أيضا ً لرصد أطفال‬ ‫الشوارع داخل نطاق كل قسم شرطة‪ ،‬وإجراء دراسة حالة لكل طفل على حدة لتحديد أسباب خروج‬ ‫هذا الطفل للشارع‪ ،‬خاصة أن حوالى ‪ ٪80‬من هؤالء األطفال ينتمون ألسر موجودة ولكنهم‬ ‫تركوها وخرجوا إلى الشارع‪ ،‬مع ضرورة تأهيل هؤالء األطفال سلوكيا ً وتربويا ً قبل إعادة دمجهم‬ ‫فى محيط األسرة‪ ،‬مع متابعة حالة الطفل بعد عودته إلى أسرته حتى ال يخرج للشارع مرة أخرى‪،‬‬ ‫أما األطفال الذين ليس لهم أسر ويمثلون ‪ ٪20‬من حجم الظاهرة‪ ،‬فيمكن إيواؤهم داخل دور رعاية‬ ‫يتم اإلشراف عليها من قبل خبراء متخصصين على أن تتبنى هذا الدور مشروعات تعليمية وإنتاجية‬ ‫يعمل فيها هؤالء األطفال‪ ،‬وتكون وزارة التضامن االجتماعى هى المسئولة عن اإلشراف على هذا‬ ‫الدور سواء كانت تابعة لها مباشرة أو تابعة لجمعيات أهلية‪.‬‬ ‫لقد لخصت اإلخصائية االجتماعية “زينب سيال ” هذه األسباب في معرض ردها عن سؤال عن‬ ‫أسباب هذه الظاهرة قائلة ‪”:‬األسباب هي الفقر‪ ،‬الطالق المتفشي بدون رادع‪ ،‬نقص رقابة اآلباء‬ ‫وعدم تحمل بعضهم للمسؤولية األسرية‪ ،‬عدم توفر النوادي الرياضية واألنشطة الثقافية الخاصة‬ ‫باألطفال والمراهقين‪ ،‬إضافة إلى الدور السلبي لنوادي الفيديو‪ ،‬وتدني المستوى التعليمي‪ ،‬وغياب‬ ‫المسؤولية بين المعلمين… إنني أدعو كل العقالء إلى االنتباه إلى ما يعانيه رجال المستقبل من‬ ‫أخطار ينبغي الشروع من اآلن في محاربتها‪ ،‬إن المتجول في شوارع نواكشوط لَيرى الكثير من‬ ‫المشاهد التي يجهش لها الفؤاد‪”.‬‬



Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.