Henri Zoghaib في رحاب الأَخَوَين رحباني- هنري زغيب

Page 1





‫بطاقة مكتبية‬ ‫الكتاب ‪ :‬يف رحاب األخوين رحباين‬ ‫املؤلف ‪ :‬هنري زغيب‬ ‫نرش مشرتك ‪ :‬درغام‬ ‫املوضوع ‪ :‬فصول بيوغرافية‬ ‫اللغة ‪ :‬عربية‬ ‫عدد الصفحات‪ 350 :‬صفحة‬ ‫القياس ‪ 26 ×21  :‬سنتم‬ ‫رقم الكتاب يف النظام الرقمي الدويل‪ :‬درغام ‪ISBN 978-9953-579-90-0‬‬ ‫الطبعة ا ُألوىل‪ - 2001  : ‬مؤسسة جوزف د‪ .‬الرعيدي للطباعة ‪ -‬سلسلة ‪‬منارات من لبنان‪ - ‬رقم ‪.5‬‬ ‫الطبعة الثانية‪ - 2011  :‬الجامعة األمريكية للعلوم والتكنولوجيا ‪-‬سلسلة املنشورات الجامعية‬ ‫الطبعة الثالثة‪ – 2015  :‬منشورات درغام‬ ‫© الحقوق محفوظة‬ ‫منشورات درغام‬ ‫الربيد اإللكرتوين‪info@dergham.com :‬‬ ‫املوقع اإللكرتوين‪www.dergham.com :‬‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬

‫جلسات حوا ٍر متتالي ٌة مع منصور الرحباين (صيف ‪)1993‬‬ ‫ب‬ ‫صوص هذا الكتا ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُن ُ‬ ‫ت منها عىل مثاين حلقات يف مجلة ‪‬الوسط‪( ‬لندن)‬ ‫َن َش ْر ُت مختارا ٍ‬ ‫من العدد ‪ )1993/11/15( 94‬إىل العدد ‪.)1994/1/3( 101‬‬ ‫ب َن ُّـصها الكامل‪.‬‬ ‫يف هذا الكتا ِ‬


‫يَتمي ًة‪ ،‬دُون َ ِ‬ ‫ك‪ ،‬كانت ِإطالل ُته األ ُوىل‬ ‫وها اـثـلثَتُـ ُه‬ ‫ِبرــغب ِـتكـ ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫مسائك !‬ ‫تَـص ُدر حتت‬ ‫ـمتـــ ُه‬ ‫فاـمشَـحي ي ُ َ‬ ‫واـبرِـكــهيا‪.‬‬


‫من هنري زغيب‬ ‫ِشـعـر‬ ‫‪ :‬طبعة أُ ولى ‪ ،1986‬طبعة ثانية ‪( 2002‬بيروت)‬ ‫ ‬ ‫ ِإيقاعات‬ ‫ترجمها الى ِاإلنكليزية عدنان حيدر ومايكل بــيرد‬ ‫ ‬ ‫قصائد ُح ّب في الزمن الممنوع‬ ‫ ‬ ‫ُ‬ ‫عره َ‬ ‫‪ُ :‬مـختارات من ِش ِ‬ ‫       طبعة أُ ولى‪ :‬واشنطن ‪ ،1991‬طبعة ثانية‪ :‬بيروت ‪2005‬‬ ‫‪ :‬طبعة أُ ولى‪ :‬واشنطن ‪ ،1993‬طبعة ثانية‪ :‬بيروت ‪2004‬‬ ‫ ‬ ‫السـقوط والغفران‬ ‫ سمفونيا ُّ‬ ‫أُ‬ ‫‪ :‬طبعة ولى‪ :‬واشنطن ‪ ،1994‬طبعة ثانية‪ :‬بيروت ‪2004‬‬ ‫ ‬ ‫والريح‬ ‫ من حوار البحر ِّ‬ ‫‪ :‬بـيروت ‪2001‬‬ ‫ ‬ ‫ َأن ِت‪ْ ...‬ول َت ْن َت ِه الدنيا‬ ‫‪ :‬بـيروت ‪2005‬‬ ‫ك ‬ ‫جه ِ ‬ ‫ تقاسيم على ِإيقاع َو ِ‬ ‫‪ :‬بـيروت ‪2006‬‬ ‫ ‬ ‫نصة‬ ‫ ِم َّ‬ ‫‪ :‬بـيروت ‪2010‬‬ ‫ ‬ ‫ ربيع الصيف الهندي‬ ‫‪ :‬بـيروت ‪2012‬‬ ‫ ‬ ‫ على رمال الشاطئ الممنوع‬ ‫نـثـر‬ ‫‪ :‬بـيروت ‪1981‬‬ ‫ت ‬ ‫واإل َل َه ُة َأن ِ ‬ ‫ َألنني المعبد ِ‬ ‫‪ :‬بـيروت (طبعة أُ ولى ‪ ،1998‬طبعة ثانية ‪)2005‬‬ ‫ ‬ ‫ صديق ُة البحر‬ ‫‪ :‬بــيروت ‪2003‬‬ ‫ميميات ‬ ‫ َح ّ‬ ‫‪ :‬في ‪ 4‬لغات (العربية‪ِ ،‬اإلنكليزية‪ ،‬الفرنسية‪َ ،‬‬ ‫األلمانية)‬ ‫ميميات ‬ ‫ َح ّ‬ ‫       منشورات جامعة سيراكيوز ‪ -‬نيويورك ‪2008‬‬ ‫‪ :‬بـيروت ‪2010‬‬ ‫ ‬ ‫ ُنقطة على الحرف‬ ‫‪ :‬بـيروت ‪2011‬‬ ‫ ‬ ‫غات اللغة‬ ‫ ُل ُ‬ ‫ ‬ ‫قرأ من لبنان‬ ‫ َأ ُ‬ ‫ ‬ ‫ الضيع ُة اللبنانية بأَ قالم ُأدبائها‬ ‫النحل ‬ ‫ في رحاب َاأل َخ َوين رحباني‪...‬‬ ‫ُ‬ ‫طريق َّ‬ ‫ تنسيق وتقديم المجموعة المسرحية‬ ‫ ‬ ‫خوين رحباني‬ ‫الكاملة َلأل َ‬ ‫ ‬ ‫ سعيد عقل ِإن حكى‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫واألمكنة‬ ‫ جبران‪..‬‬ ‫شواهد الناس َ‬ ‫ُ‬ ‫اني‪...‬متناثرا كــريش العصافير ‬ ‫قب‬ ‫ً‬ ‫ نـزار ّ‬ ‫الذكرى ِإلى الذاكرة ‬ ‫من‬ ‫شبكة‬ ‫بو‬ ‫أ‬ ‫ِّ‬ ‫ الياس َ‬

‫سيرة َوأنطولوجيا‬ ‫القصة اللبنانية [في جزءين] ‪ -‬بيروت ‪1980‬‬ ‫‪ :‬أُ نطولوجيا‬ ‫َّ‬ ‫‪ :‬بـيروت ‪1982‬‬ ‫‪ :‬بـيروت (طبعة أُ ولى ‪ - 2001‬ثانية ‪ - 2011‬ثالثة ‪)2015‬‬ ‫جزءا] ‪ -‬بـيروت ‪2005‬‬ ‫‪ً 20[ :‬‬ ‫‪ :‬بـيروت (طبعة أُ ولى ‪ - 2010‬ثانية ‪ - 2012‬ثالثة ‪ - 2013‬رابعة ‪)2015‬‬ ‫ترجمت ُه إلى الفرنسية سنة ‪.2014‬‬ ‫ت‬ ‫ُ‬ ‫صدر ْ‬ ‫َ‬ ‫‪ :‬بـيروت ‪( 2012‬طبعة أُ ولى‪ :‬آذار ‪ -‬طبعة ثانية‪ :‬حزيران)‬ ‫‪ :‬بـيروت ‪2013‬‬ ‫‪ :‬بـيروت ‪2014‬‬


‫مقدمة الطبعة الثالثة‬ ‫ّ‬

‫َ‬ ‫وء على الطريق‬ ‫ض ٌ‬ ‫هذا ليس كتا ًبا عن سرية األخوين رحباين باملعنى البيوغرايف التقليدي‪.‬‬ ‫الثري‪ ،‬أو ً‬ ‫عرمها ً‬ ‫حتليال ألعامهلام‪ ،‬أو دراس ًة ِّ‬ ‫لفنهام‬ ‫كامال وتراثهام‬ ‫ّ‬ ‫وليس َن ْش ًرا ِلش ِ‬ ‫ً‬ ‫إسقاطا ً‬ ‫دقيقا ملنعطفات سريهتام عىل نتاجهام الفني‪.‬‬ ‫الكتايب واللحني‪ ،‬أو‬ ‫ت‬ ‫أكادمييا ذا‬ ‫توثيقي جيع ُل ُه‬ ‫منهج‬ ‫َ‬ ‫مراجع ومصاد َر ومالحقَ وإحاال ٍ‬ ‫وليس فيه ٌ‬ ‫ً‬ ‫ٌّ‬ ‫واش أو مالحظات‪.‬‬ ‫إىل‬ ‫َ‬ ‫هوامش أو َح ٍ‬ ‫هذه‪ ،‬بكل بساطة‪ ،‬حتي ٌة ّمنا لألخوين رحباين‪ ،‬نحن الذين ُ‬ ‫نشأوا عىل ترا ِثهام‪،‬‬ ‫طالع من ح ْل ِمهام‪.‬‬ ‫وأحبوا عىل كلامهتام‪ ،‬وحلموا‬ ‫ُّ‬ ‫ٍ‬ ‫بوطن ٍ‬ ‫مجيل ٍ‬ ‫املتشعب الذي ال حيوطه‬ ‫الطويل‬ ‫الواسع‬ ‫األخوين رحباين‬ ‫ِّ‬ ‫ضوء عىل طريق َ‬ ‫هذا ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ت إبداعي ٍة‪ ،‬ضئيل ٍة إمنا مثمرة‪ ،‬قليل ٍة إمنا خمتزنة بالكثري‬ ‫جم َّلدٌ واحدٌ لإلضاءة عىل سنوا ٍ‬ ‫مبدع أغنى الرشق ِشع ًرا ً‬ ‫ومرسحا وجتديدً ا‪ ،‬أدّ ى‬ ‫ً‬ ‫وحلنا وميلوديا وموسيقى‬ ‫من ً‬ ‫جنى ٍ‬ ‫صوت‬ ‫الرائع الذي مح َل ُه إىل أطراف الدنيا حتى صار‬ ‫الصوت‬ ‫معظم ُه‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫االستثنائي ُ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫فريوز هو العنوان‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫عنوان واحد‪ ،‬فللعمل الرحباين عنوانان‪ :‬اسمه‪،‬‬ ‫فني عاد ًة‬ ‫وإذا لكلِّ‬ ‫عمل ٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫وصوت فريوز‪.‬‬



‫مقدمة الطبعة الثالثة‬ ‫ّ‬

‫لصدور هذا الكتاب قصة‪.‬‬ ‫ب عن‬ ‫ب َّ‬ ‫إيل الصديق النقيب جوزف د‪ .‬الرعيدي يف وضع كتا ٍ‬ ‫ذات يوم ِرغ َ‬ ‫لكن كتا ًبا من هذا النوع‪ ،‬باملعيار‬ ‫األخوين رحباين‪ ،‬لع ْل ِم ِه بقريب منهام سري ًة ً‬ ‫ونتاجا‪ّ .‬‬ ‫َ‬ ‫الغزير‬ ‫ت من العمل والتنقيب لإلحاط ِة مبعظم النتاج الرحباين‬ ‫األكادميي‪ ،‬يتط َّلب سنوا ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ونصوصا‬ ‫وبرامج إذاعي ًة‬ ‫ت سينامئي ًة‬ ‫ً‬ ‫شع ًرا وأغني ًة‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ت تلڤزيوني ًة وسيناريوا ٍ‬ ‫ومرسحا وحلقا ٍ‬ ‫ذهلُ من غزارة‪.‬‬ ‫ونصوصا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ونصوصا ُت ِ‬ ‫دت يف ّ‬ ‫نوستاجلي ٍة متتالي ٍة‬ ‫ت‬ ‫غري أنني‪ ،‬لتلبية الطلب العزيز عيلّ ‪ ،‬عُ ُ‬ ‫ملفايت إىل لقاءا ٍ‬ ‫َّ‬ ‫كنت فرتَ َت ِئ ٍذ ال َأزالُ يف‬ ‫جلست خالهلا إىل الصديق منصور الرحباين (صيف ‪ُ .)١٩٩٣‬‬ ‫ُ‬ ‫راس ُلها‬ ‫إيل جملة ‪‬الوسط‪ ‬يف لندن ُ‬ ‫املنأى املؤقت (بحرية الليمون ‪ -‬فلوريدا) و َر ِغ َبت َّ‬ ‫(كنت ُأ ِ‬ ‫جئت َ‬ ‫صيف ٍئذ هلذه الغاية‬ ‫من الواليات املتحدة) أن َأ ُكتب أضواء عىل األخوين رحباين‪ُ .‬‬ ‫ت قدمي ًة كانت تنساب من‬ ‫إىل لبنان‪ ،‬و ُر ُ‬ ‫حت أسجِّ ل ملنصور‪ ،‬يف سويعات صفاءٍ ‪ ،‬ذكريا ٍ‬ ‫عينيه قبل صو ِته‪ ،‬وأحيا ًنا من دموعه قبل كلامته (يف ُّ‬ ‫ت عن عايص‪ ،‬وخاص ًة‬ ‫تذك ِر ِه حمطا ٍ‬ ‫حادث َة انفجار دماغه ومرحلته األخرية)‪ .‬كان مرا ًرا يغالب اإلجهاش ُّ‬ ‫بالتذكر‪ ،‬ويروي حياته‬ ‫مع عايص يف َو ْحدَ َن ٍة مدهشة‪ ،‬فلم ينسب إليه ً‬ ‫عمال تف َّرد به دون عايص‪.‬‬ ‫معظم ما سجَّ ُلت ُه بصوت منصور‬ ‫ت‬ ‫كتب ُ‬ ‫َ‬ ‫بعد رجوعي إىل الواليات املتحدة‪ْ ،‬‬ ‫النصوص‬ ‫ت‬ ‫يف بيته (أنطلياس)‪،‬‬ ‫وزودْ ُ‬ ‫ومعظم ما َّدو ُنته خالل تلك اجللسات‪َّ ،‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُبص َو ٍر َمج ْع ُتها من العائلة الرحبانية ووثائق من َأرشيڤي َوأرشيڤ بعض األصدقاء‪،‬‬ ‫َ‬ ‫مثان من العدد ‪ )١٩٩٣/١١/١٥( ٩٤‬إىل العدد ‪١٠١‬‬ ‫ونش ْر ُتها يف ‪‬الوسط‪ ‬عىل حلقا ٍ‬ ‫ت ٍ‬ ‫املتداول‬ ‫ت منها‬ ‫دت إليها‪َّ ،‬نقحْ ُتها‪ ،‬حذ ْف ُ‬ ‫(‪ ،)١٩٩٤/١/٣‬كانت مخرية لوضع الكتاب‪ .‬عُ ُ‬ ‫َ‬ ‫وأضفت إليها الكثري مما َّدو ُنت ُه ومل َأ ُنش ْره‪ ،‬وتفاصيلَ أخرى كانت يف دفاتري ومذكرايت‬ ‫ُ‬ ‫الشخصية‪ ،‬فكان القسم البيوغرايف من هذا الكتاب غري ُمدَّ ٍع إحاط ًة كاملة بالسرية‬ ‫إلقاء أضواء رئيسة ذات عناوين كربى عىل تلك السرية الغنية باإلبداع‪.‬‬ ‫الرحبانية‪ ،‬بل َ‬ ‫بيوغرافيا‪ ،‬عند غياب عايص‪ ،‬ألن هدفه‪ ،‬حتديدً ا‪ ،‬عايص‬ ‫يتو ّقف الكتاب‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ومنصور‪ .‬لذلك‪ ،‬ال كالم فيه عىل منصور يف مرحلة ما بعد عايص (مع غزير ما أنتج‬ ‫‪11‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫لعلّ أقرب صورة لـ‪‬األخوين رحباين‪ ‬يف دأهبام الدقيق‪ ،‬ما ورد يف قصيدهتام‬ ‫‪‬طريق النحل‪:‬‬

‫طرـيـــق النـحــــلـ الطا ِـيــرْ‬ ‫بيـصــيــــر‬ ‫ُ‬ ‫يـــرس دوا ِي ـــ ـــ ــرْ‬ ‫مـــــن فــــــوق الـــ ْقـــصـــور‬ ‫أعــــــى ْمـــــــن ِ الـــ ْقـــصـــور‬ ‫أعىل من ِقـبَب العايل عميكتُب ْسطور‪...‬‬

‫ـفــــــوق ال ـضَّ ـ ْو املكسور‬ ‫يــك ـ ُتــب َع اهلــــوا ْســطــور‬

‫أما ملاذا التامهي مع ‪‬طريق النحل‪ ‬بالذات‪َ ،‬فـ َـأِل ّن‪:‬‬ ‫وإنتاجا‪ْ :‬‬ ‫َ‬ ‫بدأب‬ ‫ً‬ ‫عنهام سري ًة‬ ‫أ)‬ ‫عنوان هذه القصيدة بني األصدق يف التعبري ُ‬ ‫النحل عىل اجلودة َ‬ ‫وس َع‬ ‫والتأ ّني والد ّقة والصرب واملثابرة واملواصلة والطنني الدائم ْ‬ ‫ت ك ِّله ال بني الوقت والوقت‪ ،‬حتى َ‬ ‫قرص العسل‪.‬‬ ‫ينضج‪ُ ،‬قبل ًة بعد قبل ٍة‪،‬‬ ‫الوق ِ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫متواصال ال إىل‬ ‫وهكذا أعامل األخوين رحباين‪ :‬نضجَ ت دُ رب ًة بعد دُ رب ٍة‪ ،‬جهدً ا‬ ‫والرائع‬ ‫الطيب الشه ِد‬ ‫تكو َن‪ ،‬عَ َم ًال بعد عمل‪ ،‬هذا الرتاثُ اهلائل‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫اسرتاحة‪ ،‬حتى َّ‬ ‫ف بأن َ‬ ‫املذاق‪ ،‬والذي‪ ،‬يف ما سوى ربع قرن‪ ،‬مل َ‬ ‫مأل املرشق واملغرب‪ ،‬بل أعطى‬ ‫يكت ِ‬ ‫الرشق هوي ًة موسيقي ًة جديدة‪.‬‬ ‫ب) طريقَ النحل هو ا َألعىل بني مجيع الطرق‪ ،‬ال يتحدَّ د مبساحة أرضية‪ ،‬وال‬ ‫طول وعرض‪ ،‬بل له األفق الواسع‪ ،‬واملدى الرحب‪ ،‬واألثري‬ ‫بخطوط مرسوم ٍة ذا ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ت ٍ‬ ‫الالمتناهي‪َ ،‬‬ ‫ب فيه سوى النجم الساطع‪.‬‬ ‫كوك ُ‬ ‫والف َلك الالحمدود‪ ،‬وا َجل َلدُ الذي ال ُي ِ‬ ‫استثنائي لنتاج عبقري استثنائي مل يكن ً‬ ‫ممكنا أن‬ ‫وهكذا تراثُ األخوين رحباين‪َ :‬ج َلدٌ‬ ‫ٌّ‬ ‫ّيتسع له سوى طريق النحل‪ ،‬فكيف وهذا الطريق َ‬ ‫سيدة غنائنا فريوز‪،‬‬ ‫مط َّر ٌز بخامة ّ‬ ‫ت الفريد الالتفسري له‪ ،‬طار إىل أقايص الدنيا يربط العا َمل من َأقصاه إىل َأقصاه‬ ‫الصو ِ‬ ‫بآهة اجلامل‪ ،‬فكان عومل ًة من لبنان قبل أن تكون العوملة!‬ ‫∂‬ ‫‪10‬‬


‫مقدمة الطبعة الثالثة‬ ‫ّ‬

‫بيوغرافيا‪ِ :‬من املبدعني َمن ال تكون سري ُتهم عىل ارتباط وثيق بنتاجهم‪.‬‬ ‫ً‬ ‫مع األخوين رحباين‪ ،‬األمر خمتلف‪ :‬سري ُتهام‪ ،‬وخاصة تلك اآلتي ُة من الطفولة‬ ‫والباقي ُة معهام منذ املطالع‪ ،‬ضالع ٌة يف ثنايا أعامهلام‪ :‬يف شخصي ٍة هنا‪ ،‬أو ذكرى هناك‪،‬‬ ‫رمز هنالك‪ .‬من هنا َّأن يف صفحات هذا الكتاب من سريهتام ما ميكن‬ ‫غمز أو ٍ‬ ‫أو ٍ‬ ‫يضم‬ ‫مفاتيح عن الفن الرحباين شعر ًيا‬ ‫أن يكون للدارسني‬ ‫َ‬ ‫وفنيا‪ ،‬مبا ُّ‬ ‫تقنيا ً‬ ‫وموسيقيا‪ً ،‬‬ ‫ً‬ ‫ت يف حياهتام‪ ،‬وكلِّ ما‬ ‫ت‬ ‫وأخبار‬ ‫رسار‬ ‫وأشخاص وشخصيا ٍ‬ ‫وكواليس وخلفيا ٍ‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫من َأ ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫َومن كان ذا تأثري مبارش‪ ،‬أو غري مبارش‪ ،‬عىل ما ورد يف أعامهلام‪.‬‬ ‫∂‬

‫ِشعر ًيا‪ :‬يقدِّ م هذا الكتاب باق ًة ‪ -‬جم َّرد باق ٍة صغرية ‪ -‬من القصائد الرحبانية‪،‬‬ ‫أو احلوارات الشعرية‪ ،‬وال يدَّ عي االنتقاء األنطولوجي املو َّثق‪ .‬إن هي َّإال آللئ قليلة‬ ‫من هذا البحر الشعري الرحباين الواسع‪ ،‬لإلشارة الوميضة إىل البنية الشعرية الدقيقة‬ ‫نسيج شعري‬ ‫عام َّي ُه والفصيح‪ .‬فقصيد ُتهام ذات‬ ‫يف كتابة األخوين رحباين الشع َر‪ِّ :‬‬ ‫ٍ‬ ‫متامسك‪ ،‬وهيكلية متينة‪ ،‬وهندس ٍة دقيقة يف التقطيع واألوزان والقوايف (وأحيا ًنا باعتامد‬ ‫للعجُ ز يف البيت الواحد) وترتيب‬ ‫للصدْ ر غري ُأخرى َ‬ ‫ف َ‬ ‫صعوب ٍة مقصود ٍة كااللتزام بقوا ٍ‬ ‫مدور ُأخرى‪ .‬ذلك أهنام‪ ،‬يف موسيقامها‬ ‫عمودي مر ًة أو ‪‬تفعياليتٍّ ‪ّ ‬‬ ‫ٍّ‬ ‫ا َألبيات يف التزام ٍ‬ ‫يستسهال قصيد ًة‪ ،‬ومل‬ ‫ابن الصعوبة‪ ،‬فلم‬ ‫الفن الكبري هو ُ‬ ‫كام يف شعرمها‪ ،‬عرفا أن َّ‬ ‫ِ‬ ‫ير َت ِجال ًنصا‪ ،‬ومل يستهينا بحوار‪ .‬ك ُّله مدروس‪ ،‬مد َّقق‪ ،‬مشغولٌ حتت جمهرمها الصعب‬ ‫املتط ِّلب الصارم‪.‬‬ ‫وما نقوله عن شكل القصيدة الرحبانية‪ ،‬نقوله عن املضمون كذلك‪ :‬عاجلا مجي ــع‬ ‫املواضيع فكتبا يف خمتلف األنواع واستخدما هلا خمتلف األوزان وا َألشكال الشعرية‪.‬‬ ‫كتبا القصيدة الغز ََّلية الرقيقة‪ ،‬والقصيدة الوجدانية العميقة‪ ،‬والقصيدة الوطنية الوثيقة‪،‬‬ ‫نتاج ُهام مبا خياله ِّ‬ ‫املتلقي‬ ‫بالطواعية والسالسة ذاهتام يف العامية كام يف الفصحى‪ .‬وجاء ُ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫املنهال عىل خشونة املادة ا َأل َّولية حتى‬ ‫وسهال‪ ،‬فيام هو ابن النحت املضني‬ ‫بسيطا‬ ‫ِ‬ ‫‪13‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫منصور من أعامل بعد ‪ ،)١٩٨٧‬وال كالم فيه عىل فريوز منفصل ًة (مع كل ما قدَّ مته‬ ‫بعد تو ُّقفها عن العمل مع عايص ومنصور عند مرسحية ‪‬پرتا‪ ‬عام ‪ ،)١٩٧٨‬وال عىل‬ ‫ً‬ ‫ت َّمميز ٍة يف أعامل عايص ومنصور)‪.‬‬ ‫الياس‬ ‫منفصال (رغم ما كان له من إسهاما ٍ‬ ‫واضح وحمَدَّ د‪ :‬سرية عايص ومنصور كام رواها منصور منذ‬ ‫اهلدف من الكتاب‬ ‫ٌ‬ ‫الطفولة حتى غياب عايص صباح السبت ‪ 21‬حزيران ‪.1986‬‬ ‫لكن الوفاء ملنصور اقتىض‪ ،‬وهذه الطبعة الثالثة من الكتاب تصدر بعد غيابه‪ ،‬أن‬ ‫أكتب ً‬ ‫ملحقا للكتاب حتي ًة له‪ ،‬هو الذي‪ ،‬هنار مأتم عايص‪ ،‬إذ كنا عىل باب الرضيح‪،‬‬ ‫تذكرت هذه‬ ‫ا ّتكأ عىل كتفي ومهس يل‪ :‬اآلن تدفنون مع عايص نصف منصور‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫قلت‪ ... :‬واليوم اكتمل الغياب‬ ‫العبارة بعد ‪ 23‬سنة‪ ،‬ونحن نودع منصور‪ ،‬وإخالني ُ‬ ‫برحيل منصور إىل عايص‪.‬‬ ‫∂‬

‫ً‬ ‫هنري زغيب ّ‬ ‫لتحيا) مع عاصي ومنصور (كازينو لبنان‪)1980/3/26 -‬‬ ‫(أيام كان ُم‬ ‫‪12‬‬


‫مقدمة الطبعة الثالثة‬ ‫ّ‬

‫ليست هــذه‪ً ،‬إذا‪ ،‬أنطولوجي ــا‪ ،‬بل ركيز ٌة ألنطولوجي ــا الحقة ال بــدَّ أن ْتأيت‪.‬‬ ‫خير ٍة ملن ْ‬ ‫يوما فيدخل إىل الشعر الرحباين الواسع‬ ‫سيأيت ً‬ ‫إهنا إضاءات عىل مخــري ٍة ِّ‬ ‫كما ً‬ ‫وكيفا وكنو ًزا ومجاالت‪.‬‬ ‫يد ُر ُس ُه ًّ‬ ‫مفتاحا للدخول‪،‬‬ ‫ب هذا الكتاب أن يكون دعو ًة إىل رحاب العا َلم الرحباين‪ً ،‬‬ ‫حس ُ‬ ‫ْ‬ ‫إبداعي َث ِر ٍّي ما زال‬ ‫بستان‬ ‫ضوءا عىل الطريق ملن يرغب يف اكتشاف الطريق إىل‬ ‫ً‬ ‫ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫يوم ينكشف ك ُّله للناس‪ ،‬أمامهم‪ ،‬يف متناوهلم‪،‬‬ ‫هناء َتنا َ‬ ‫ٌ‬ ‫ردح منه ٌ‬ ‫كثري يف الظل‪ ،‬ويا َ‬ ‫عاليا بانتساهبم ال إىل لبنان اللبناين وحسب‪ ،‬بل‪ ،‬باملستوى‬ ‫كي يكون هلم أن يباهوا ً‬ ‫احلضاري األنيق نفسه‪ ،‬إىل‪ ...‬لبنان الرحباين‪.‬‬

‫ ‬

‫‪15‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫ـال طويل ٌة مضني ٌة‬ ‫َلتنتهي ماد ًة ِّلين ًة مصقول ًة سلس ًة ناعم ًة ومنسابة‪ ،‬تشهد عىل ذلك لي ٍ‬ ‫من العمل املرهق كانا ميضياهنا يف الكتابة والتنقيح وإعادة الكتابة والقراءة ألقرب‬ ‫دائما‬ ‫املق ّربني‪ ،‬حتى خيرج النص مبا يرىض عنه عايص ومنصور‪ ،‬املتط ِّلبان املتشدِّ دان ً‬ ‫يف إنتاج األفضل واألرقى واألمجل‪.‬‬ ‫وهذا ما غنمناه نحن‪ ،‬املتلقني‪ ،‬إر ًثا شعر ًيا ثر ًّيا سيبقى زادً ا لنا من مدرس ٍة‬ ‫ألجيال آتي ٍة كثرية‪.‬‬ ‫ت ُترا ًثا‬ ‫خالد ٍة أنتجَ ْ‬ ‫ٍ‬ ‫∂‬

‫تشكيليا‪َّ :‬‬ ‫ألن القسم األكرب من قصائد هذا الكتاب هو باللبنانية‪ ،‬ح َر ْصنا‬ ‫ً‬ ‫أواسطها‬ ‫وحسب‪ ،‬بل يف‬ ‫أواخر الكلامت‬ ‫عىل التشكيل شبه الكامل‪ ،‬ال يف‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫صمتا‪ ،‬كي َ‬ ‫لفظها َجه ًرا أو قراء ِتها ً‬ ‫تبلغ القصيد ُة القار َئ كام هي‬ ‫أحيا ًنا‪ ،‬لسالمة ِ‬ ‫سماعَ ها من األغاين أو احلوارات‪ ،‬ألن كثريين لن َّ‬ ‫يتلقفوها‬ ‫باللبنانية‪ ،‬أو كام اعتاد َ‬ ‫َبأ ُعي ِنهم القارئة بل بآذاهنم (كام حفظوها ملحَّ َن ًة)‪ ،‬أو بذاكرهتم اجلامعية (البرصية أو‬ ‫املشهدية)‪.‬‬ ‫تقطيعا ينساب‬ ‫فاعتمدْ نا هلا‬ ‫أما طريق ُة كتابة القصيدة عىل مساحة الصفحات‪،‬‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ت مع تتايل القوايف َو َت َن ُّو ِعها‪ ،‬لكي َّ‬ ‫س القصيد ُة‬ ‫ت مع البيت الشعري‪ ،‬وم ّرا ٍ‬ ‫مرا ٍ‬ ‫تتنف َ‬ ‫س بي ِتها املضمون ُّـي قبل الشكيل‪.‬‬ ‫عىل مساحة البياض مبا ُيميل معناها‪ ،‬أو َن َف ُ‬ ‫∂‬

‫أكادمييا‪ ،‬وال‬ ‫بيوغرافيا‬ ‫قلت يف مطلع هذه املقدمة َّإن هذا ليس كتا ًبا‬ ‫لكلِّ هذا ُ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫هام ثالثٌ هلا خرباؤُ ها‪ ،‬وال‬ ‫ْنش ًرا الرتاثَ الرحباين‪ ،‬وال نقدً ا‬ ‫وحتليال أعام َل ُهام‪ .‬هذه َم ُّ‬ ‫بدَّ أن يقوم بينهم من يتولون إحداها أو َثال َث َتها ذات يوم ٍ ْنأمل َّأال يطول‪ .‬ومتى‬ ‫سيأيت هذا اليوم ُ‬ ‫الكتاب مخري ًة ُو ْثقى تضاف إىل َج ِّي ِد ما سبقه يف السياق‬ ‫يكون هذا‬ ‫ُ‬ ‫الرحباين نفسه‪.‬‬ ‫‪14‬‬


‫وط ّليت َع بعلبك‬ ‫بعد عشرين ِسنِ ه‪...‬‬



‫تلك الليلة‪ ١٤ :‬آب ‪١٩٩٨‬‬ ‫طالعا من ليل بعلبك‬ ‫‪ ...‬وأَشرق فجر فيروز‬ ‫ً‬

‫بعد غياب ِّنيف وعقدين عن أدراج بعلبك (‪ ،)١٩٧٤‬عاد صوت فريوز يصدح‬ ‫مجيل أعاد لبنان الذي كان‪ ،‬واستعاد أنقى‬ ‫بني اهلياكل‪ ،‬فيشقّ عتمة الليل إىل ٍ‬ ‫نور ٍ‬ ‫ورسم ل َ‬ ‫حارص ْته الغيوم السود لكنها‬ ‫لوطن‬ ‫َ‬ ‫الذكريات‪َ ،‬‬ ‫ـلبنان بعد احلرب صور ًة مرشق ًة ٍ‬ ‫تستطع أن تلغيه‪ ،‬وحني تبدَّ دت الغيوم عاد إىل هبائه وتراثه ورسالته الفنية الثقافية‬ ‫مل ِ‬ ‫التارخيية‪ ،‬وعاد إليه‪ ...‬صوت فريوز‪.‬‬ ‫عامئذ (بني ‪ ١٤‬و‪ ٢٣‬آب ‪ )١٩٩٨‬استقب َلت أدراج هيكل جوپتري يف بعلبك العمل‬ ‫ٍ‬ ‫ييضء ‪‬الليايل اللبنانية‪ ‬يف مهرجانات بعلبك‪.‬‬ ‫الرحباين الذي لسنوا ٍ‬ ‫ت (منذ ‪ )١٩٥٧‬كان ُ‬ ‫والعمل‪ :‬ثالثة مقتطفات من األعامل الرحبانية َّتو َجها صوت فريوز الذي عاد‬ ‫إىل حمبيه بكامل زهوه ومجاله وخامته الفريدة‪.‬‬ ‫معظمها يف مهرجانات بعلبك‪ ،‬مل تعد ً‬ ‫أعامال فنية‬ ‫وأعامل األخوين رحباين‪ ،‬املقدَّ م‬ ‫ُ‬ ‫متر كل عام وتذهب إىل خزانة احلفظ‪ ،‬بل أصبحت ظاهرة فنية متميزة‪َّ ،‬غيرت يف‬ ‫مسار املوسيقى الرشقية وكلامت أغانيها‪ ،‬وك َّرست املرسحية الغنائية (وهي غري األوپرا‬ ‫واألوپريت) قطع ًة فني ًة متكامل ًة تلبس احلوارات التمثيلية والغنائية‪ ،‬وتلبس املوسيقى‬



‫وط ّليت َع بعلبك بعد عشرين ِسنِ ه‪...‬‬

‫املنــذورة لالستشهــاد‪ :‬أبوه سقط عىل البوابة‪ ،‬وهو ً‬ ‫أيضا‪ ،‬وابنته ‪‬غر ِبه‪ ‬التي جاءت‬ ‫كي خت ّلص األرض وأهل ا َألرض‪.‬‬ ‫يعتربها النقاد من أضخم األعامل املوسيقية والغنائية التي ظهرت حتى زمنها‪.‬‬ ‫‪ )٣‬ناطورة المفاتيح (مهرجانات بعلبك ‪ :)١٩٧٢‬شعب بكامله هياجر من‬ ‫أرضه‪ .‬ألول مرة هياجر الشعب عوض أن يرحل احلاكم الظامل‪ .‬ال يبقى يف البيوت‬ ‫شعبا‪ ،‬صارت هي الرعية‪ ،‬إذا رحلت يصبح‬ ‫ُ‬ ‫غري ‪‬زاد اخلري‪ ‬التي صارت مبفردها ً‬ ‫حاكما عىل خياالت الشجر والبيوت‪ .‬يقرر احلاكم أن يرضيها‪ ،‬إذ ال ميكن أن‬ ‫احلاكم ً‬ ‫يكون ٌ‬ ‫ملك وال رعية‪ ،‬فينصاعُ هلا‪ ،‬ويطلق املساجني‪ ،‬ويعيد إىل الناس حقوقهم فيعود‬ ‫الشعب إىل أرضه بعدما عاد إليها العدل والسالم‪.‬‬ ‫مرسحية غنية باحلوارات الوطنية الالهبة واملوسيقى املتنوعة الغنية‪ ،‬اعتربها النقاد‬ ‫وفنيا يف تاريخ الفن املعارص‪.‬‬ ‫تقنيا ً‬ ‫حمط ًة مفصلي ًة من األعامل الالفتة ً‬ ‫∑‬

‫بتلك األنطولوجيا الرحبانية‪ ،‬عادت فريوز رائعة إىل ليل بعلبك‪َ ،‬فأضاءته بصوهتا‬ ‫ّ‬ ‫اخلالق وحضورها اآلرس‪ ،‬وعاد األخوان رحباين مبوسيقامها وحواراهتام وشعرمها العايل‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ليايل تارخيي ًة رائع ًة فعاد إىل جمده السابق‪.‬‬ ‫وتأ َّلق املرسح الرحباين َ‬ ‫َ‬ ‫للبنان‬ ‫عرسا جديدً ا‬ ‫فريوز يف بعلبك‪ ،‬تلك السنة الرحبانية (‪ ،)١٩٩٨‬قدَّ َمت ً‬ ‫العائ ِد من ليل احلروب إىل فجر السالم‪.‬‬

‫‪21‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫ت الراقصة‪ ،‬وجييء صوت فريوز‬ ‫التصويرية واألحلان‪ ،‬وتلبس املشاهدَ التمثيلي َة واللوحا ِ‬ ‫االستثنائي الساحر‪ ،‬فيحملها إىل عامل من احللم واجلامل يكاد ال حيوطه وصف‪.‬‬ ‫ورسخاه‬ ‫هذا هو اجلديد الذي‪ ،‬منذ مطلع اخلمسينات‪ ،‬طلع به األخوان رحباين‪ّ ،‬‬ ‫يف الذاكرة اجلامعية جديدً ا مستم ًرا‪ ،‬أخذ الناس ينتظرونه من بعلبك إىل بعلبك‪،‬‬ ‫من عام إىل عام‪ ،‬من مرسحية إىل أخرى‪ ،‬حتى إذا انتهت ‪‬الليايل اللبنانية‪ ‬يف‬ ‫ت َت َت َردَّ د يف بيوهتم وسهراهتم‬ ‫مهرجانات بعلبك‪ ،‬مل َت ْن َت ِه من ذاكرة الناس‪ ،‬بل َب َقي ْ‬ ‫ت متثيلي ًة وغنائي ًة‪ ،‬ترافقهم منذ ليايل بعلبك إىل كل الليايل يف كل‬ ‫ت وحوارا ٍ‬ ‫أغنيا ٍ‬ ‫مكان من العامل‪.‬‬ ‫عاما‪ ،‬بعد مرسحية‬ ‫هبــذا املناخ الرحباين َّ‬ ‫املوحد (وك ــان تف َّر َق قبل عرشين ً‬ ‫طاغ لغياب عايص‬ ‫اجتم َعت العائلة الرحبانية من جديد‬ ‫‪‬پرتا‪َ ،)١٩٧٨ -‬‬ ‫ٍ‬ ‫(بحضور ٍ‬ ‫الكبري)‪ ،‬فصدَ حت فريوز‪ ،‬وأرشف منصور عىل الربنامج‪ ،‬وقاد الياس األوركسرتا‪،‬‬ ‫وشارك زياد يف أحلانه‪ ،‬وكانت رميا مساعدة املخرج (اإليطايل دانيييل آبادو)‪ ،‬وشاهد‬ ‫عامئذ ثالثة مقتطفات رحبانية‪:‬‬ ‫مجهو ُر بعلبك‬ ‫ٍ‬ ‫‪ )١‬جسر القمر (من مهرجانات بعلبك ‪ :)١٩٦٢‬رصاع عىل املياه بني ضيعتني‬ ‫(‪‬جرس القمر‪ ‬و‪‬القاطع‪ )‬خ َلق َت َو ُّت ًرا وانقسامات ومشاكل‪ .‬وحني تبلغ األزمة‬ ‫حدَّ ها األقىص‪ ،‬تصل الصبية املسحورة (صبية جرس القمر) فتحلُّ األمر ببساطة‪:‬‬ ‫عىل اجلرس كن ٌز مرصود‪ ،‬من جيده حيلّ املشكلة‪ .‬يبحث اجلميع عن الكنز‪ ،‬فإذا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ضيعه بينها وبني‬ ‫الضيعتني‬ ‫هو السالم واملحبة بني أهايل‬ ‫املتخاصمت ْين‪ :‬كل َ‬ ‫قلب‪ ،‬مهام تع َّرض للخطر‪ ،‬ما بينهدم‬ ‫بيشدّ ْ‬ ‫قلب ِ‬ ‫الدين جرس القمر‪ .‬وطاملا فيها ْ‬ ‫جرس القمر‪.‬‬ ‫ويعترب النقاد أن ‪‬جرس القمر‪ ‬هي من مطالع املرسح الغنائي يف لبنان والرشق‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫‪ )٢‬جبال‬ ‫الصوان (مهرجانات بعلبك ‪ :)١٩٦٨‬ملحمة املواطنني الذين قرروا‬ ‫أن ميوتوا من أجل وطنهم‪ .‬وهو قدَ ر األبطال التارخييني الذين يسقطون شهداء عىل‬ ‫بوابة الوطن‪ ،‬ألجل إنقاذ شعبهم من احلكام الفاتكني املتسلطني‪ ،‬كسليلة ‪‬مدلج‪‬‬ ‫‪20‬‬


‫وط ّليت َع بعلبك بعد عشرين ِسنِ ه‪...‬‬

‫منذ املطالع هتف سعيد عقل‪ :‬هذه سفري ُتنا إىل النجوم‪ ،‬وقال نزار قباين‪:‬‬ ‫‪‬قصيديت‪ ،‬بصوهتا‪ ،‬اكتست ح َّلة أخرى من الشعر‪.‬‬ ‫الصبي ُة اخلجولُ التي سمعها حليم الرومي ذات يوم يف ‪‬اإلذاعة اللبنانية‪ ،‬واستدعاها‬ ‫َّ‬ ‫ساهم العينني‪ ،‬وقال هلا‪ :‬يا بنتي‪،‬‬ ‫شاب ناحلٌ‬ ‫َ‬ ‫ذات يوم ٍ آخر إىل مكتبه وكان فيه ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ُأع ِّر ُف ِك بالعازف وامللحِّ ن عايص الرحباين‪ ،‬تد َّريب معه وسيعطي ِك من أحلانه‪ ،‬هل كانت‬ ‫العبقري ُّ‬ ‫َ‬ ‫وموهبتها اخلارقة؟‬ ‫الفذ سيوصل صو َتها النادر‬ ‫حتدُ س إىل أين هذا‬ ‫ُّ‬ ‫وتتزوج هناد حداد (فريوز) من عايص الرحباين‪ .‬يقول منصور‪ :‬جاءت فريوز‬ ‫ّ‬ ‫ذات احلضور اآلرس والصوت ْ‬ ‫فانضمت إلينا‪ .‬أصبحنا ثالثة‪ .‬وراح صو ُتها‬ ‫املفرد‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ب يف الوعْ ِي سامعه األفكار التي حيم ُلها‪.‬‬ ‫ويرس ُ‬ ‫خيرتق احلواج َز العاطفية‪ِّ ،‬‬ ‫ت سفينة‪ُ .‬‬ ‫بعضها شاطئ‪ .‬بعضها منارة‪.‬‬ ‫يقول أنيس احلاج‪ :‬بعض األصوا ِ‬ ‫والشاطئ واملنارة‪ .‬هو ِّ‬ ‫الشع ُر واملوسيقى والصوت‪،‬‬ ‫وصوت فريوز هو السفين ُة‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫و‪...‬األكثر‪ ‬من الشعر واملوسيقى والصوت‪.‬‬ ‫روح َك قبل أن َي َت َق َّط َر يف سمعك‪.‬‬ ‫الصوت الذي ترش ُب ُه ُ‬ ‫بىل‪ ...‬وأبعدُ أبعد‪ :‬إنه‬ ‫ُ‬ ‫إنه الصوت الذي صار اليوم‪ ...‬عنوا ًنا آخر للوطن‪.‬‬ ‫∑‬ ‫عاصي ومنصور‪...‬‬

‫اسما َ‬ ‫ألخ َـوين‪ .‬صارا ظاهرة‪ .‬ولع َّلهام منذ ظهرا‪ ،‬قبل ِّنيف ونصف قرن‪،‬‬ ‫مل يعودا ً‬ ‫ترسخ جذعها الطالع من جذور األصيل القديم‪َّ ،‬‬ ‫موشحَ ًة‬ ‫بدءا ظاهر ًة مميز ًة راحت ِّ‬ ‫غري حمدودة‪.‬‬ ‫احلس والذوق‪ ،‬ومن الفن نظرة إىل اإلنسان َ‬ ‫بقال ٍ‬ ‫أنيق أخذ من العرص َّ‬ ‫ب ٍ‬ ‫منذ املطالع يف أنطلياس حيث ُو ِلدا (عايص ‪ ،١٩٢٣‬ومنصور ‪ ،)١٩٢٥‬كانا‬ ‫الشعراء‬ ‫تطو َر حتى بات مدرس ًة يف التأليف والتلحني تأ َّثر هبا‬ ‫‪‬لو ًنا َآخ َر‪ ‬يف الفن‪َّ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫وامللحنون يف لبنان والعامل العريب‪.‬‬ ‫‪23‬‬


‫الزمن الرحباني‬

‫كتبت لكتاب ‪‬مهرجانات بعلبك الدولية‪( ‬املهرجان‬ ‫احتفاء باحلدَ ث الرحباين‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫‪ ٢١‬للعام ‪ )١٩٩٨‬النص التايل (من صفحة ‪ ١١٨‬إىل صفحة ‪ )١٢٩‬حول العمل وأعالمه‪:‬‬ ‫فريوز‬

‫ليل طويل‪ ،‬فترشق الشمس من سكون‬ ‫يعودُ صو ُتها إىل أدراج بعلبك بعد ٍ‬ ‫األعمدة واهلياكل‪.‬‬ ‫الصوت الذي َ‬ ‫يأتيك من كل مكان‪ ،‬فتحار أين تستقبله فيك‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫الصوت الذي تنسى معه َ‬ ‫تفوتك حلظ ٌة مما هو‪.‬‬ ‫أنك أنت‪ ،‬كي ال‬ ‫ُ‬ ‫الصوت الذي ظلَّ ينضح شع ًرا حتى باتت سيد ُته ‪‬شاعرة الصوت‪ .‬إنه‬ ‫ُ‬ ‫اليوم‪ ،‬يف عرصنا‪ٌ ،‬‬ ‫عنوان آخر للوطن‪ .‬لألوطان‪ ،‬عاد ًة‪ ،‬اسم واحد‪ ،‬أو رمبا تعريفات‪.‬‬ ‫نحن؟ نخترص‪ .‬نقول‪ :‬لبنان‪ ،‬فيجيب السامع‪ :‬يعني وطن فريوز‪!‬‬ ‫ونيف‪ ،‬جاءت ُ‪‬م َتـ َّـو َجة‪ ،‬كام يقول منصور‬ ‫منذ إطاللتها األوىل‪ ،‬قبل نصف قرن ِّ‬ ‫الرحباين‪ .‬ويضيف‪ :‬عدا مجال صوهتا وموهبتها اخلارقة‪ ،‬هي ظاهر ٌة ال تتكرر‪ :‬فصو ُتها‬ ‫َّمميز‪ ،‬وإطالق ُة صو ِتها َّمميزة‪ ،‬وكلُّ ما جاء يف هذا الصوت من خوارق‪ ،‬وما خلف هذا‬ ‫صقل وجتارب خضع هلا‪ ،‬جعل منه رمزًا من رموز هذا العرص‪ ،‬تأ َّثر به‬ ‫الصوت من ٍ‬ ‫الشعراء يف لبنان والعامل العريب‪ ،‬ألنه مل يكن جمرد صوت وحسب‪.‬‬ ‫الناس وحتى‬ ‫ُ‬


‫وط ّليت َع بعلبك بعد عشرين ِسنِ ه‪...‬‬

‫س‬ ‫وضع أغنيات باللبنانية‪ ،‬وبالفصحى العربية‪ ،‬وبالفرنسية واإلنكليزية‪َ ،‬فأ َّس َ‬ ‫وجوها املتميز‪َّ .‬‬ ‫وغنى له‬ ‫موج َة أغني ٍة لبناني ٍة غربي ًة نالت جوائ َز عاملي ًة لنقاوة أدائها ِّ‬ ‫فنانون أجانب كذلك‪.‬‬ ‫خبري‬ ‫تقني تسجيالت‪ٌ ،‬‬ ‫إنه مفردٌ بصيغة مجع‪ :‬قائدُ أوركسرتا‪ ،‬مو ِّزعٌ موسيقي‪ُّ ،‬‬ ‫مرسحي ً‬ ‫وتلحينا‪ُ ،‬‬ ‫ً‬ ‫مؤلف موسيقى كالسيكية وموسيقى تصويرية‬ ‫تأليفا‬ ‫منتج‬ ‫موسيقي‪ٌ ،‬‬ ‫ٌّ‬ ‫وصاحب أنجح األحلان اإلعالنية‬ ‫معا‪،‬‬ ‫وكالسيكي‬ ‫شعبي‬ ‫ملحن‬ ‫وغريب ً‬ ‫ورشقي ٌّ‬ ‫لألفالم‪ٌ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫ٌّ‬ ‫ٌّ‬ ‫ٌّ‬ ‫يف الرشق‪.‬‬ ‫وبقيت أحلا ُن ُه‬ ‫شارك شقيقيه عايص ومنصور يف براجمهام املرسحية والتلڤزيونية‪َ ،‬‬ ‫خمرتقة‪ ،‬وبينها ٌ‬ ‫ت كذلك الذاكر َة اجلامعية‪.‬‬ ‫أحلان ناجح ٌة لفريوز دخ َل ْ‬ ‫مغاير ًة ِ‬ ‫الياس الرحباين‪ ،‬ثلثُ قرن من الزمن الرحباين املغاير‪ ،‬مل خيرج عن املدار الرحباين‬ ‫وتنوعً ا وغزار َة عطاء‪.‬‬ ‫نجما مميزًا فيه ً‬ ‫بقي ً‬ ‫نتاجا ُّ‬ ‫مستوى أصال ٍة مبدعة‪ ،‬لكنه َ‬

‫‪25‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫وتف َّردَ ت هلام نكه ٌة خاصة‪ ،‬ناضح ُة املالمح‪ ،‬من الفولكلور اللبناين والرتاث العريب‬ ‫رشقيا متجذ ًرا يف احلضارات‪ .‬وأعادا‬ ‫واإلسالمي واملاروين والبيزنطي واألرمني‪ ،‬إر ًثا ً‬ ‫إحياء املوشحات األندلسية‪ ،‬والقصيدة الغنائية‪ ،‬فدخلت إىل قلوب الشيب والشباب‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫شخصيتهام الفنية َّمميزة‪ ،‬فجاء كل ما أبدعاه َّمميزًا وجديدً ا‪ .‬وضعا هارمونيا‬ ‫كانت‬ ‫وتوزيعا ًّآليا لألرباع الصوتية التي كانت غري قابلة للتوزيع‪ ،‬فأضافا إىل ّفنهام‬ ‫خاص ًة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫مذا ًقا ً‬ ‫مجيال َ‬ ‫سائغ االقتبال والسامع‪ .‬وحني ّأسسا املرسح الغنائي (وهو غري األوپرا‬ ‫واألوپريت‪ ،‬بل نوعٌ جديد مبتكر)‪ ،‬ط ّرزاه بغراب ٍة وشاعري ٍة‪َّ ،‬‬ ‫ووظفاه يف خدمة اإلنسان‬ ‫وطن مثايل رسامه مرصودً ا عىل‬ ‫املعارص ً‬ ‫مهوما وشجو ًنا ً‬ ‫وسعيا إىل الفرح والسعادة‪ ،‬يف ٍ‬ ‫احلق واخلري واجلامل‪.‬‬ ‫موسيقى متفرد ًة‪،‬‬ ‫ت متثيلي ًة وغنائية‪،‬‬ ‫ومل َ‬ ‫ت‪ ،‬لوحا ٍ‬ ‫دفق وعطاء‪ :‬أغنيا ٍ‬ ‫ً‬ ‫يتعبا من ٍ‬ ‫ت احللقات التلڤزيونية‪،‬‬ ‫ت احلفالت يف لبنان والعامل‪ ،‬عرشا ِ‬ ‫ت غنائي ًة‪ ،‬مئا ِ‬ ‫مرسحيا ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫ترسيخ ملدرسة رحباني ٍة غزت الرشق قلو ًبا وترا ًثا‬ ‫أفالما سينامئية‪ ،...‬ويف مجيعها‬ ‫ً‬ ‫وذاكر ًة مجاعية‪.‬‬ ‫ومنذ ‪ ،١٩٥٥‬عام زواج عايص من هناد حداد‪ ،‬ح ّلت عىل األخوين نعمة الصوت‬ ‫ت فريوز الذي َّتوج الثالوث الرحباين (عايص‪/‬منصور‪/‬فريوز) طوالَ‬ ‫الفريد اآلرس‪ ،‬صو ِ‬ ‫ف عام قبله‪ ،‬وقد يكون ً‬ ‫خمتلفا عام سيجيء‪.‬‬ ‫قرن من الزمن اللبناين اجلاميل‪ ،‬خمتل ٍ‬ ‫نصف ٍ‬ ‫إنه ‪‬الزمن الرحباين‪ ،‬نحته َ‬ ‫غري عادية‪ ،‬وجاء‬ ‫األخوان عايص ومنصور ظاهر ًة َ‬ ‫العادي هو اآلخر ظاهر ًة يف ذاته مح َلت الزمن الرحباين إىل آخر‬ ‫غري‬ ‫ُ‬ ‫ِّ‬ ‫صوت فريو َز ُ‬ ‫الدنيا‪.‬‬ ‫‪ ...‬والياس‬

‫يؤسس مع شقيقيه (للفارق يف السن) لكنه واصل‬ ‫هو الرحباين الثالث الذي مل ِّ‬ ‫معهام َ‬ ‫واخت َّط لنفسه هنجً ا َّمميزًا مجع املناخ اللبناين إىل الرشقي إىل األجنبي املعارص‬ ‫ُ‬ ‫ومواهب جديدة‪ ،‬وبات مبوهبته ونتاجه الغزير املتنوع مدرس ًة‬ ‫واحلديث‪ ،‬فأطلق أصوا ًتا‬ ‫َ‬ ‫مستقل ًة خاص ًة متعدد َة العطاءات والنتاج‪.‬‬ ‫‪24‬‬


‫وط ّليت َع بعلبك بعد عشرين ِسنِ ه‪...‬‬

‫فريوز‪:‬‬

‫وطلّيت َع بعلبك بـعد عــرني ِسنِـه‬ ‫ت يـ ِـدلّــي‬ ‫إســـأل إذا شــافَــك حــدا َ‬ ‫ال تقول مَـنَّك هون‪ ،‬بـعدو َع ادلراج‬ ‫ـال‪ ...‬وبعدا طايرَه فيك ادلين‬ ‫خــيـ َ‬

‫كالما‬ ‫ويف ختام تلك السهرة الرحبانية‪ ،‬كانت هذه ا ُألغنية ملنصور الرحباين ً‬ ‫ً‬ ‫وحلنا‪ ،‬اسرتجعت فيها فريوز تار ًخيا من املجد عىل أدراج هياكل بعلبك‪:‬‬

‫آخــر مَ ـــــرَّه غَـ َّنـ ْيـ ِـتـ َّـ ـــــك‪...‬‬ ‫والــــيــــوم رجــعـــــا الــتــقــيـــــا‬ ‫كـنـــــــــتمت َّوجابألـخـضــــرـ‬

‫ـكـــــــــ ّنــــا ابلـــصـــيـــف‬ ‫َصــــيــــف‬ ‫وادلين‬ ‫ـــر‬ ‫خـــــــرين لـــيـــش مـــغَ َّ‬ ‫ِّ‬

‫خبين‬ ‫وـيــــــــــن سحرك؟ وني زهرك؟ ِّ‬ ‫وني ا ْل كانوا حراش صنوبر؟‬ ‫شو قوكل؟ صاروا ذكرى؟‬ ‫ما فيه أتعس من إن َّك تقعد تت َذكَّر‬ ‫أاـن ـبــــــدـي عَ ِّمر وطـنـــــــي‬ ‫مت ْلا بَ ّدي‬ ‫وجِّــــي َع هالهســــــلـ الواسع‬ ‫والمسا حَ ّدي‬ ‫أان ـبــــــدـي وطـنــــــي يـكــــــون‬ ‫متل السيف املسنون‬ ‫ِبــدـير اإلـيـــــــــــاـم ا ْل جاـيـــي‬ ‫وابحلريِّه مسكون‬

‫‪27‬‬


‫‪ ...‬وطليت َع بعل َبك بعد عشرين ِسنِ ه‬ ‫َّ‬ ‫حارضا عىل‬ ‫الرحبانية‪ ،‬مل يكن‬ ‫ألن عايص الغائب سنة ‪ 1998‬عن لقاء العائلة‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫يستحض َره ِشع ًرا‪ ،‬فكانت هذه األبيات من‬ ‫رأسها كالعادة‪ ،‬أبى منصور َّإال أن‬ ‫ِ‬ ‫حضور ْ‬ ‫َ‬ ‫العمل‪َ ،‬‬ ‫تأل َألت دموعُ هم‬ ‫استحض َر عايص إىل عيون‬ ‫صوت فريوز الذي‬ ‫خت َمها‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫نجوما حاني ًة يف ليل بعلبك‪:‬‬ ‫النوستاجلي ُة ً‬ ‫َّ‬

‫قــال القمر‪ :‬اي حـــ ـوِةْ الهسل ارجَـعــي‬ ‫ـــن الــغــزل‪ ،‬والــلــيــل يش إنـــو ويع‬ ‫جَ ّ‬ ‫الهسر رح ـفـوت انم‬ ‫تعبان من طــول َ‬ ‫وبـــدلْ ـــا إطــلــع أان‪ ...‬إنــــي اطــلــي‬ ‫وقالت المشس‪ ..‬وتلج َع العايل نَقي‬ ‫اي حــلــوِ ْة ا ْل بتقول لـــأرض‪ْ :‬اشَــقــي‬ ‫كــرمـ ِ‬ ‫ـال متنَّيت حيمكين كسوف‬ ‫إرشق أان‪ ...‬إنـــي ارشقــي‬ ‫وبــدلْ ــا ُ‬


‫قصة األخوين رحباني‬ ‫ّ‬ ‫كما رواها منصور‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫ـيــــاـ وطـنــــــي ـيــــــاـ حبيـبــــي‬ ‫اي ِّمهي األكرب‬ ‫ـيــــاـ وطـنــــــي ـيــــــاـ حبيـبــــي‬ ‫أنض‬ ‫رح ترجع َ‬ ‫سي َتك لبنان األخرض‬ ‫أان ّيل َ َّ‬ ‫قــالــوا حكينا َع وطــن جايي ووَعَــــــــــــــــ ْدان الــــنــــاس‬ ‫قصقصنا ورق الـــرّوا ِيـــه عـــــمـــــلـــــنـــــا ُهـــــن انس‬ ‫عــمــيــبــي فــــي ويـــســـأل وطــــــن الـــعـــيـــنـــن األول‬ ‫حــبــيــي‪ ...‬وان ْـــطـــرين ليل ِّيه رح يــوىع الزهر ا ْل ما ْبيِ ْد َبل‬ ‫حنـــنـــا األرض الــعــتــيــقَــه حنـــنـــا رصان مـــطـــارحـــنـــا‬ ‫منحل‬ ‫حننا‪ ...‬حننا‪ ...‬وما ْ‬ ‫أنــــــر‬ ‫وـيــــا وطــــــــي اـي حبيـبي رَح تـــــرجـــــع‬ ‫َ‬ ‫سي َتك لبنان األخرض‬ ‫أان ّيل َ‬ ‫َّ‬ ‫حليانـــه ادلن ْ ِيـه ِ‬ ‫ِ‬ ‫حليانـه ْبلـبـــنان األخـضر‬

‫‪28‬‬


‫فوار أنطلياس‬ ‫تلك الطفولة الغريبة على ّ‬

‫بنور مغاير‬ ‫منذ ما يزيد عن نصف قرن‪ ،‬بدأ نجمان يف لبنان يسطعان‬ ‫ٍ‬ ‫عىل الفن اللبناين‪ .‬بدا كأنهما جاءا عكس التيار‪ .‬وما هي حتى طبعا‬ ‫ً ُّ‬ ‫َ‬ ‫ممكنا أي كالم ٍ عىل الفن يف‬ ‫مسرية الفن يف لبنان‪ ،‬حتى مل يعد‬ ‫ببصماتهما‬ ‫لبنان والعامل العريب من دون التوقف عند عاصي ومنصور الرحباين‪.‬‬ ‫إنها حكاية ثالثة أجيال‪ :‬جيل رافق صعودهما‪ ،‬وجيل عاش عىل‬ ‫روائعهما‪ ،‬وجيل جديد يستمع اليوم إليهما بذاكر ٍة بيضاء‪.‬‬

‫حكايتنا‪ ،‬عايص وأنا‪ ،‬قصة َ‬ ‫شقيقني كأهنام توأمان‪ ،‬ربيا يف ظلّ األسئلة الكبرية‪،‬‬ ‫وطرحا األسئلة الكثرية‪ ،‬وقاال بالكلمة والنوطة ما اعتقدا أنه بعض اجلواب‪ .‬لكنهام‬ ‫أي جواب‪.‬‬ ‫مل يقطفا أبدً ا َّ‬ ‫إهنا حكاية طفولة غريبة ترعرعت بني حفايف هنر الفوار وشجر احلور والصفصاف‬ ‫ووعر اجلبال والصخور ومغاور أنطلياس التارخيية‪ ...‬حكاية الفقر واحلرمان حتى‬ ‫الوجع املر‪ ،‬والبكاء الصامت الذي ينتهي دموعً ا حافية عىل أطراف خمدة ممزقة فوق‬ ‫فراش عتيق‪.‬‬ ‫حكايتنا‪ ،‬عايص وأنا‪ ،‬جمموع ُة لوحات طفول ٍة بريئ ٍة كانت تشتهي ما ال تطاله‬ ‫العني‪ ،‬وحتلم مبا ال تطاله اليقظة‪ ،‬وتكرب عىل أخبار عنرتة والقبضايات وكرايس الزبائن‬ ‫أنغام ُبزُق القبضاي ‪‬شيخ الشباب‪ ‬أبو عايص‪.‬‬ ‫يف مطعم الفوار ترتدَّ د بعد رحيلهم َ‬



‫قصة األخوين رحباني كما رواها منصور‬ ‫ّ‬

‫شيخ الشباب ‪‬أبو عاصي‪‬‬

‫البيت الذي ولد فيه عاصي (‪ )1923‬ومنصور (‪ )1925‬يف أنطلياس‬

‫أميا‪ ،‬لكنه يعرف من أرسار احلياة أكثر مما ُتع ِّلم املدارس‪ .‬فهو من‬ ‫كان والدي ًّ‬ ‫جيل ريب عىل مخرية الربكة وراحة البال‪ .‬وكانت له يف ‪‬مقهى الفوار‪ ‬أمرباطوري ٌة‬ ‫الطياح‬ ‫خاصة يديرها بطبعه املشاكس الذي ال هيادن يف أمور األخالق (بعد حياة ّ‬ ‫التي عاشها‪ ،‬تاب إىل االستقامة)‪ .‬لذلك كتب إعال َنني عىل مدخل املقهى ضد‬ ‫‪‬املرج ّو من ضيوفنا الكرام أن تكون أساليب‬ ‫ُ‬ ‫متاما‪ .‬األول بالعربية يقول‪:‬‬ ‫مصلحته ً‬ ‫رسورهم مقرونة باحلشمة ومكارم األخالق‪ ،‬وأن حيرصوا من الرشاب أن ال يو ِّرطهم‬ ‫مبا خيل باآلداب‪ .‬ممنوع كل يشء ضد اآلداب‪ .‬ممنوع عىل الرجل أن جيلس قرب‬ ‫زوجته بل قبالتها‪ .‬ممنوع أن ِّ‬ ‫يلقمها بيده‪ .‬ممنوعة كل حركة غري عادية‪ .‬وإذا خالف‬ ‫أحدٌ هذه القوانني لقي ما ال حيب‪ .‬اإلمضاء‪ّ :‬‬ ‫حنا عايص الرحباين‪ .‬واإلعالن اآلخر‬ ‫بالفرنسية‪ ،‬نظ ًرا لوجود جيش أجنبي يف املنطقة‪ ،‬كان يقول‪ :‬ممنوع كل لفتة وكل‬ ‫اجلنسني‪.‬‬ ‫نظرة خمالف ٍة اآلداب‪ .‬ممنوع رقص َ‬ ‫‪33‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫يف ظلّ والدنا ّ‬ ‫معا‪ ،‬نشأنا وكربنا‪،‬‬ ‫حنا عايص الرحباين‪ ،‬الشخصية الغريبة والقريبة ً‬ ‫عايص وأنا‪.‬‬ ‫و‪‬أبو عايص‪ ‬من حي ‪‬عني السنديانة‪ ‬يف الشوير‪ .‬ينتمي يف أصل جدوده إىل‬ ‫قرية رحبة يف عكار‪ .‬هاجر والداه إىل مرص إبان موجة اهلجرة اللبنانية إثر أحداث ‪١٨٦٠‬‬ ‫هر ًبا من جور العثامنيني‪ُ .‬و ِلد يف طنطا‪َّ ،‬‬ ‫ويتذكر أن والدته كانت سنة ثورة عرايب باشا‬ ‫ً‬ ‫مشتغال لدى نسيبه الصائغ‬ ‫(‪ .)١٨٨٢‬عاد فتى إىل بريوت‪ ،‬وسكن يف حي الرميل‪،‬‬ ‫صحاب ‪‬حمالت‬ ‫ديب عايص (ما زال أبناؤه وأحفاده حتى اليوم يتعاطون املهنة‪َ ،‬أ‬ ‫َ‬ ‫عايص للمجوهرات‪ ‬يف بريوت)‪ .‬كان حنا يطمح أن يكون ً‬ ‫صائغا حمرت ًفا‪ .‬لكنها مهنة‬ ‫عهدئذ‪ ،‬كانت تدُ ُّر ً‬ ‫ماال أوفر‪ :‬مهنة‬ ‫مل تكن تد ُّر عليه كام يرغب‪ ،‬فيام مهن ٌة أخرى شائع ٌة‬ ‫ٍ‬ ‫القبضايات‪ .‬لذا كان يقبض أجرته األسبوعية‪ ،‬ويذهب مع بعض ُق َّطاع الطرق إىل‬ ‫مبغانم أكثر‪ .‬وشخصية‬ ‫‪‬الطياحني‪( ‬الطائحني) فيعود َ‬ ‫ضهر البيدر أو وادي ال َّل ِّبيش مع َّ‬ ‫‪‬القبضاي‪ ‬ترددت ً‬ ‫الحقا يف غري واحد من أعاملنا (منها ‪‬أبو أمحد‪ ‬يف فيلم ‪‬سفر‬ ‫ت وخناج َر ِومدى‬ ‫برلك‪ ،‬والقبضايات يف مرسحية ‪‬لولو‪ .)‬وكان ً‬ ‫دائما حيمل مسدسا ٍ‬ ‫نار مع العثامنيني‪ ،‬حتى‬ ‫َوأسلح ًة خمتلفة‪ .‬وغري م ّرة كانت له يف بريوت‬ ‫ُ‬ ‫جوالت إطالق ٍ‬ ‫غيابيا فلم يعد أمامه سوى الفرار من والية بريوت‪ .‬يف ذلك‬ ‫حكموا عليه باإلعدام ً‬ ‫العهد‪ ،‬أيام املترصفية‪ ،‬مل يكن القانون العثامين يطال والية جبل لبنان التي تبدأ حدودها‬ ‫ً‬ ‫حكم ذايت ذو حصانة وامتياز‪ ،‬حتميه سبع‬ ‫شامال عند هنر بريوت‪ .‬كان يف جبل لبنان ٌ‬ ‫دول ويديره مترصف ال خيضع حلكم والية بريوت‪.‬‬ ‫وصل والدي إىل أنطلياس واستق َّر فيها‪َّ ،‬مت ً‬ ‫خذا من بقع ٍة عىل فوار أنطلياس‬ ‫مقهى جعله ملتقى الفارين من حكم اإلعدام العثامين وجور العثامنيني‪ .‬من أولئك‬ ‫ً‬ ‫‪‬القبضايات‪ :‬الياس احللبي‪ ،‬غنـ ــدور زريق‪ ،‬احلاج عبد السالم فرغل‪ ،‬أمحد اجلاك‪،‬‬ ‫زبائن‬ ‫(سماه ‪‬مقهى فوار أنطلياس‪)‬‬ ‫ُ‬ ‫أبو راشد دوغ ــان‪ ...‬وكان يقصد املقهى ّ‬ ‫كثريون من بريوت وجبل لبنان‪ ،‬يشدُّ هم إليه ٌ‬ ‫وطرب يف الداخل‬ ‫أمان يف اخلارج‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫‪‬عىل رنني بزق حنا عايص‪.‬‬ ‫‪32‬‬


‫قصة األخوين رحباني كما رواها منصور‬ ‫ّ‬

‫َ‬ ‫وبشقيقتيهما إلهام وناديا‬ ‫يف صالون بيت أم عاصي‪ :‬عاصي ومنصور يحيطان بها‬

‫شخصية قوية جدً ا‪ ،‬وتوافق والدي عىل رصامته يف التشدُّ د بأمور األخالق‪ ،‬حتى‬ ‫أخالقيا‪ .‬وهذه‬ ‫أهنا كانت حتمل العصا وتساعده يف طرد الزبائن املشاغبني‬ ‫ً‬ ‫الشخصية ظه َرت ً‬ ‫الحقا يف ‪‬يعيش يعيش‪( ‬ستي التي كانت ترضب زوجها‬ ‫‪‬جدي بو ديب‪ .)‬وهي كانت امرأة قروية فولكلورية من عينطورة بقيت ذكراها‬ ‫يف آثارنا ً‬ ‫الحقا فذكرناها يف ‪‬ميس الريم‪( ‬أغنية ‪‬ستي من كحلون‪ ،)‬ويف إحدى‬ ‫أغنيات ‪‬قصيدة حب‪:‬‬

‫ـه ـ َّا ه ـ َّا ـي ــا ـتــراب عينطورَه‬ ‫ـفيي زورا‬ ‫ستـي ـمنـ فوق لو ّ‬

‫اي ملفى الــغــم وســطــوح العيد‬ ‫راحــت َع العيد والعيد بعيد‬

‫اجلو العام يف املقهى‪ ،‬ويف البيت‪ ،‬حني ولد عايص يف ‪ ٤‬أيار ‪١٩٢٣‬‬ ‫هكذا كان ّ‬ ‫(وس ّميت منصور‬ ‫(وس ّم َي هكذا عىل اسم جدي أليب)‬ ‫ُ‬ ‫وولدت أنا يف ‪ ١٧‬آذار ‪ُ ١٩٢٥‬‬ ‫ُ‬ ‫عىل اسم جد أيب)‪ .‬وكانت والد ُتنا يف بيت عتيق ولدَ ت فيه كذلك شقيقتي سلوى‬ ‫‪35‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫ُ‬ ‫عاصي ومنصور يحيطان بأ ّم عاصي عىل مدخل بيتها يف أنطلياس‬

‫ونظ ًرا هلذا القانون ‪‬الرحباين‪ ‬الصارم املتشدد املتصلب‪ ،‬كان الكثريون من أبناء‬ ‫صباحا مطمئنني إليهم وإىل‬ ‫ً‬ ‫بريوت املحافظني يرسلون عائالهتم إىل ‪‬مقهى الفوار‪‬‬ ‫محاية حنا عايص‪َّ ،‬ثم يلحقون هبم بعد الظهر فيجدون كل عائلة لوحدها‪ ،‬يفصل‬ ‫بينها وبني العائالت الباقية حصري ع ّلقه حنا عايص بشكل حاجز حيجب بني العائلة‬ ‫واألخرى‪ .‬وأحيا ًنا كان يزور املقهى ضباط فرنسيون مصحوبني بسيدات أو آنسات‪،‬‬ ‫حني يبدر منهم ما خيلُّ بقوانني املقهى‪ ،‬يشهر حنا عايص مسدسه ويطرد الضابط‬ ‫مهام عال شأنه‪.‬‬ ‫هذا اجلو ‪‬العنرتي‪ ‬كان يعجب الرواد واجلالس‪ ،‬ومنهم‪ :‬اجلن عيل‪ُّ ،‬زكور‬ ‫حجال‪ ،‬حميي الدين بعيون (وهذا األخري أهدى والدي بز ًقا ً‬ ‫مجيال ظل حيتفظ به‬ ‫ً‬ ‫طويال)‪.‬‬ ‫وكان بلغ األربعني حني تع ّرف بفتاة من أنطلياس تدعى سعدى صعب‪،‬‬ ‫تزوجها وسكنت معها والد ُتها غيتا بعقليني صعب‪ .‬وكانت جديت غيتا ذات‬ ‫َّ‬ ‫‪34‬‬


‫قصة األخوين رحباني كما رواها منصور‬ ‫ّ‬

‫ً‬ ‫(الحقا زوجة املحامي عبداهلل اخلوري ابن األخطل الصغري‪ ،‬ووالدة املوسيقي العاملي‬ ‫اليوم بشارة اخلوري)‪ .‬وكان ذاك البيت ألمي سعدى ور َثته عن أبيها وتعيش فيه‬ ‫مع والدهتا غيتا‪ .‬لكننا رسعان ما انتقلنا إىل بيت آخر‪ ،‬ولد فيه شقيقي الياس‬ ‫ً‬ ‫(الحقا زوجة املحامي والوزير الياس حنا)‪ ،‬وكانت شقيقتي‬ ‫وشقيقتي الصغرى إهلام‬ ‫كتبت ً‬ ‫الوسطى ناديا ولدَ ت يف منـزل آخر يف بكفيا‪ .‬وحول هذا ُّ‬ ‫الحقا قطعة‬ ‫التنقل‬ ‫ُ‬ ‫كثريا‪َّ .‬‬ ‫سكنا بيو ًتا ليست ببيوت‪ .‬هذه هي‬ ‫‪‬ترشدْ نا يف منازل البؤس ً‬ ‫جاء فيها‪َّ :‬‬ ‫طفولتنا‪ ،‬إخويت وأنا‪.‬‬ ‫يف طفولتنا األوىل كانت أحوالنا مرتاحة‪ .‬كان ‪‬مقهى الفوار‪ ‬يف عز شهرته‪،‬‬ ‫وفريا‪ .‬ومع أن أيب ذواق ُة فن‪ ،‬كان ينهانا عن تع ُّلم املوسيقى‪،‬‬ ‫والزبائن كثريين‪ ،‬واخلري ً‬ ‫هيتم بدراستنا قدْ َر اهتاممه‬ ‫ويغضب إذا قار ْبنا البزق وحاولنا العزف عليه‪ .‬ومل يكن ُّ‬ ‫بصحتنا‪ .‬لذلك يف منتصف الربيع كان ُي ْقلع عن إرسالنا إىل املدرسة‪ ،‬ويبقينا حوله‬ ‫يف ‪‬مقهى الفوار‪ ،‬وال يتيح لنا االختالط بسائر األوالد خو ًفا علينا من عادات سيئة‬ ‫نكتسبها أو أفكار سيئة نلتقطها‪.‬‬ ‫عىل أن األفكار بدأت تتو َّلد فينا باك ًرا جدً ا‪ ،‬عايص وأنا‪ .‬كنا شديدي االلتصاق‬ ‫واحدنا إىل اآلخر‪ ،‬كأننا توأمان‪ ،‬مع أنه يكربين بسنتني ّإال شه ًرا واحـ ــدً ا‪ .‬مل نك ــن‬ ‫ِ‬ ‫نفرتق‪ .‬مل نكــن ننفصل‪ .‬وناد ًرا مــا ُنو ِد َي علينـ ــا يف طفولتنـا منفص َلني‪ .‬لذلك‪ ،‬منذ‬ ‫معا‪ً .‬‬ ‫ليال‬ ‫دائما ً‬ ‫تلك األيام األوىل‪ ،‬دَ َر ْجنا نسمع تسمية ‪‬عايص ومنصور‪ .‬كنا ً‬ ‫معا‪ً .‬‬ ‫معا‪ .‬وهكذا أمضينا حياتنا يف ما بعد‪.‬‬ ‫هنا ًرا ً‬ ‫نترسق النظر عىل الزبائن‪ .‬جاءتنا‬ ‫يف املقهى كنا نجلس يف ع ِّل َّية فوق املدخل‪ّ ،‬‬ ‫باك ًرا أفكا ٌر غريب ٌة بعضها جريء لتلك السن‪ .‬كان عايص خيرتع أخبا ًرا كي يس ِّليني‪.‬‬ ‫دائما غريبة‪ .‬ناسها غريبو األطباع واألطوار‪ .‬ال يكربون وال يشيخون‪.‬‬ ‫وكانت أخبا ُر ُه ً‬ ‫مهادن ليس فيه رش‪ .‬منذ طفولته كان عايص‬ ‫ب طي ٍ‬ ‫خيلق يل عا ًملا من شع ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ب مسامل ٍ‬ ‫ودائما خيلق يل عوا َمل جديدة‬ ‫ناسا تسودُ بينهم عدال ٌة وحمبة‪ً .‬‬ ‫مبدعً ا مبتك ًرا‪ .‬خيلق ً‬ ‫وقصصا جديدة‪ .‬مل أكن أعرف من أين يأيت مببتكراهتا َوأشخاصها‪ .‬كنت أصغي‬ ‫ً‬ ‫‪37‬‬


‫ً‬ ‫عاصي طفال (‪ 1925‬سنة مولد منصور)‬

‫عاصي ومنصور يف طفولتهما (أنطلياس)‬

‫عاصي ومنصور وشقيقتهما سلوى (أنطلياس ‪)1930‬‬


‫قصة األخوين رحباني كما رواها منصور‬ ‫ّ‬

‫ك ُم‬ ‫لو كان قليب مـعي ما‬ ‫غري ُ‬ ‫ُ‬ ‫اخرتت َ‬ ‫رضــيــت ســـوامك يف اهلـــوى بَـــ َدال‬ ‫وال‬ ‫ُ‬ ‫راـغــب ـفــي ـمــنـ يعذّـبــه‬ ‫لكـنـه‬ ‫ٌ‬ ‫لـــومـــا وال عـــذَال‬ ‫ولــيــس يــقــبــل ال ً‬

‫وإكراما لتلك الذكريات‪ ،‬أدخلنا ً‬ ‫الحقا هذين البيتني يف لوحة موشحات‪ .‬كان‬ ‫ً‬ ‫أبو عايص حيب شعر عنرتة‪ .‬ومع أنه ُأ ّم ّي‪ ،‬كان يروي قصائد كاملة من عنرتة لشدة‬ ‫يوما طنجر ًة من املقهى ليشرتي هبا ديوان عنرتة بتحقيق‬ ‫إعجابه به‪ ،‬حتى أنه باع ً‬ ‫ابرهيم اليازجي‪.‬‬ ‫كان الفوار ً‬ ‫حماطا بأحراج كثيفة وأودية خميفة‪ ،‬تزداد رهب ًة يف الليايل بأشجارها‬ ‫العالية كلام سطع عليها ضوء القمر‪ .‬من هنا ما قلناه ً‬ ‫الحقا يف ‪‬صح النوم‪:‬‬

‫ـعــمــــــــطـــــــــــع الـــــمــر‬ ‫ـعــمــــــــطــــــ ـــــع الـــــمــر‬ ‫عميـقـطـــع وادي ورا وادي‬

‫والــــغــــم الـــــبـــــارد يــطــلــع‬ ‫ِ‬ ‫والـــنـــجـــمـــه صـــوبـــو تــمــع‬ ‫ّ‬ ‫وعـــى راســـو الشجر الــراكــع‬

‫أصوات حيوانات غريبة تزيد من عزلتنا التي‪ ،‬وسط‬ ‫وكانت تتناهى إلينا يف الليايل‬ ‫ُ‬ ‫أصوات الضباع والذئاب‪ ،‬ختلق لنا‪ ،‬عايص وأنا‪ ،‬عوامل جديدة‪ ،‬بعيدة‪ ،‬مبهمة‪ ،‬فتزداد‬ ‫معها األسئلة ويبتعد اجلواب‪ .‬كنا نلتصق واحدنا باآلخر بني اخلوف والطمأنينة‪:‬‬ ‫ضوءا َ‬ ‫وخدَ ًما وعُ َّم ًاال‬ ‫اخلوف من هذه احليوانات‪ ،‬وطمأنينة أهنا لن تبلغنا ألن عندنا ً‬ ‫يف املقهى‪ ،‬وهذه احليوانات ختاف الضوء كام خيافه بعض األرشار‪ .‬وهذا ما ظهر ً‬ ‫الحقا‬ ‫يف أوپريت ‪‬الليل والقنديل‪ ‬حيث هولو خياف الضوء ويريد أن يكرس القنديل الكبري‬ ‫عىل كتف الشري لكي تغرق الضيعة يف العتمة‪.‬‬ ‫كانت حتدث أحيا ًنا مشادَّ ات ومعارك باأليدي واملعاول‪ ،‬خال ًفا عىل توزع‬ ‫مياه هنر الفوار التي كانت تنـزل إىل السهل فتسقي القرى املجاورة (جل الديب‪،‬‬ ‫‪39‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫يفسر‬ ‫إليه‪ .‬أصدِّ قه‪ .‬تكرب يف رأيس األسئلة‪ ،‬وتتزايد يف خميلتي الوجوه‪ .‬وهذا ما ِّ‬ ‫ً‬ ‫الحقا كثر َة الشخصيات التي حفل هبا مرسحنا‪ ،‬وهي تتأرجح بني مجيع أنواع الناس‬ ‫وطبقاهتم وأطباعهم وميوهلم وكاراكترياهتم‪.‬‬ ‫يف تلك الطفولة األوىل‪ ،‬من تلك العلية‪ ،‬كنا نستمع يف املقهى من البوق‬ ‫(الفونوغراف) أغنيات الشيخ سيد درويش وعبد الوهاب وأم كلثوم وأبو العال حممد‬ ‫ومتسنا بشعور‬ ‫والشيخ أمني حسنني‪َّ ،‬‬ ‫فتتلون طفولتنا بأجواء موسيقية َتدخل ذاكرتنا ُّ‬ ‫تفسريا له يف تلك األيام الطرية‪.‬‬ ‫لذيذ مل نكن نحسن‬ ‫ً‬ ‫حني يتفرق الزبائن آخر الليل‪ ،‬كان أبو عايص جيلس لوحده أو مع أحد أصدقائه‪،‬‬ ‫أنغاما شجية تطربنا‪ ،‬عىل نور قنديل كبري (لوكس) يتدىل من‬ ‫ويروح يعزف عىل البزق ً‬ ‫السقف‪ ،‬له إطار كبري يفيض النور من حتته إىل دائرة معينة حول املقهى‪َّ ،‬ثم يغرق كل‬ ‫يشء خارجها يف العتمة الكربى‪ .‬كانت أسئلتنا تبدأ من حدود تلك العتمة‪ :‬ما الذي‬ ‫هناك؟ ماذا جيري خلف حدود الضوء؟ وهذا ما ظهر ً‬ ‫الحقا يف ّ‬ ‫مغناة ‪‬جرس القمر‪:‬‬

‫بدان نعرف رس اإلشيا‬ ‫ـمــعــنــــــى اإلشيــــــــــــاـ‬ ‫ـشــــو الـلـــــــي خمـبـــــاـ‬ ‫شو اليل هبالعمتِه بريفرف؟‬ ‫ـبــــدــنـــــاـ ـنـعــــــــرف‬ ‫ت نعرف‪...‬‬ ‫حننا جينا َ‬ ‫بدان نعرف ملا منغفى مني اليل بيوىع‬ ‫وبيصير يد ِّبك ِ‬ ‫بدعسه مَ ّـنا ممسوعَه‬ ‫ـبــــــدـنـــــاـ ـنـعــــــرـف‬ ‫ت نعرف‪.‬‬ ‫حننا جينا َ‬

‫صامتني‪ُ ،‬نصغي إىل أبينا ّ‬ ‫كنا نجلس‪ ،‬عايص وأنا‪َ ،‬‬ ‫يغني بصوته اجلهوري‪ .‬ومن‬ ‫تلك السهرات‪ ،‬حفظنا ً‬ ‫غالبا يردده‪:‬‬ ‫مواال لعنرتة كان ً‬ ‫‪38‬‬


‫قصة األخوين رحباني كما رواها منصور‬ ‫ّ‬

‫أحيا ًنا كنت أتظاهر بالذهاب إىل املدرسة‪ ،‬لكنني فور دخول األوالد إىل الصف‪،‬‬ ‫خارجا أهرول إىل جذع شجرة كبرية قرب البيت‪ ،‬أختبئ فيه من الصباح‬ ‫كنت أقفل ً‬ ‫ُ‬ ‫فأنام إىل الظهر‪ ،‬وأعود إىل البيت مع عايص الذي مل يكن ييش يب لكثرة ما كان‬ ‫ومواظبا عىل َأ َن َفة وكربياء‪ .‬ويوم سألته املعلمة عام يطمح أن‬ ‫حيبني‪ .‬كان جمتهدً ا‬ ‫ً‬ ‫يكون حني يكرب‪ ،‬كان جوابه الفوري‪ :‬سأكون ً‬ ‫صائغا كام كان أيب‪ .‬أما أنا فأجبت‪:‬‬ ‫كنت سوريايل التفكري منذ طفولتي‪ ،‬وغري منطقي‪ .‬كنت‬ ‫ً‬ ‫‪‬سأكون‬ ‫متساحا أو حرباء‪ُ .‬‬ ‫حا ًملا باستمرار ً‬ ‫ورافضا كل واقع‪.‬‬ ‫بعد مدرسة راهبات العائلة املقدسة‪ ،‬نق َلنا والدُ نا إىل مدرسة أخرى أسسها يف‬ ‫أنطلياس فريد أبو فاضل‪ ،‬وهو أستاذنا الفعيل األول‪ .‬كان فيها جدار خشبي كبري‬ ‫يكتب عليه الشبان عواطفهم نحو من حيبون‪ ،‬فكنت أقف عنده أقرأها‪ ،‬وأشعر مبا‬ ‫مل أكن عهدئذ أستطيع تفسريه‪ .‬كنت أهرب من الدرس إىل اجلدار‪ .‬املهم كان َّأال‬ ‫أدرس‪.‬‬ ‫يف السنة األخرية من ‪‬مقهى الفوار‪ )١٩٣٣( ‬كان بعض زوار أيب‪ ،‬ممن يعجبهم‬ ‫جو املقهى الصارم‪ ،‬يكتبون له قصائد ويع ِّلقوهنا عىل مدخل املقهى‪ .‬من تلك‪ ،‬أذكر‪:‬‬

‫نـبع اجلنان ونزهة األبـصـاـر‬ ‫فاضت بساحـته املياه وـغرّدت‬ ‫جتري املـياه عىل احلىص وخريرها‬ ‫قد شاهبت عايص محاـةَ ِ‬ ‫بنبعها‬ ‫َ‬

‫ــت رؤيهتا‪ ،‬ففي الفوار‬ ‫إن رُ ْم َ‬ ‫طــــرب عــى األشــجــار‬ ‫أطـــيـــاره ً‬ ‫يف الصوت حييك نغمة الغيتار‬ ‫ـهــا عـــاص ٍ عــى األرشار‬ ‫ورئــيـ ُ‬

‫وهي عىل ما أذكر لعبدالقادر ُّ‬ ‫الط َّبجي‪ .‬وكنا‪ ،‬عايص وأنا‪ ،‬نحفظ تلك ‪‬املعلقات‪‬‬ ‫التي عىل باب مقهى الفوار‪ ،‬فبقيت نغمتها الشعرية واملوسيقية يف آذاننا َ‬ ‫وأخذ ْتنا منذ‬ ‫تلك األيام األوىل صوب القصائد‪.‬‬ ‫هكذا كانت سنواتنا األوىل عىل فوار أنطلياس‪ :‬طفولة باهرة يف ظل والد حنون‬ ‫جرحتها يف الليايل وجوه ناس غرباء‪ ،‬ينبثقون‬ ‫لكنه شديد املراس‪ .‬نشأنا يف عزلة َ‬ ‫‪41‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫ضبيه‪ ،)...،‬وكان املزارعون خيتلفون عىل ِّ‬ ‫أحق َّية حتويل املياه إىل بساتينهم‪،‬‬ ‫أنطلياس‪ّ ،‬‬ ‫فيبلغون املقهى بوجوههم الكاحلة ذات الشوارب‪ ،‬بثياهبم الطويلة وغنابيزهم القامتة‬ ‫يتجمعون حول املقهى ضمن الضوء‪ ،‬يتجادلون عىل أولوية توزيع‬ ‫وطرابيشهم‪ .‬كانوا َّ‬ ‫املياه‪ ،‬وحيتكمون إىل أبو عايص الذي حياول أن يصلح بينهم‪ .‬وهذا ما ظهر ً‬ ‫الحقا يف‬ ‫شخصية ‪‬شيخ املشايخ‪ ‬الذي أصلح بني األهايل (مغناة ‪‬جرس القمر‪.)‬‬ ‫ًإذا‪ ،‬منذ تلك األيام األوىل بدأت جتيء إىل تفكرينا األفكار املاورائية‪ ،‬األسئلة‬ ‫الكبرية‪ ،‬التساؤالت التي تتط َّلع إىل فوق‪ ،‬إىل األعىل‪ ،‬إىل رس الوجود‪ :‬كيف؟ ملاذا؟‬ ‫إىل أين؟ َمن؟ ما؟‪. ...‬‬ ‫يف تلك األجواء بدأ الناس يتنبهون إلينا‪ ،‬ويقولون عن عايص ‪‬سيكون شاع ًرا‪‬‬ ‫وعني ‪‬سيكون طائحً ا‪ .‬ذلك أن عايص كان ً‬ ‫ناعما ً‬ ‫لطيفا فائق التهذيب‪ ،‬فيام‬ ‫نحيال ً‬ ‫كنت أطول منه وأضخم‪ ،‬شديد السمنة‪ً ،‬‬ ‫فاشال يف املدرسة‪ ،‬ناجحً ا يف العنرتيات‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫وغالبا ما كنت أهرب من املدرسة فور وصويل إليها‪ .‬مل يكن يف طفولتي ما يدلُّ عىل‬ ‫ً‬ ‫أنني ‪‬مرشوع شاعر أو فنان‪ .‬حتى األوالد كانوا َّ‬ ‫يتجنبون معارشيت واالختالط يب يف‬ ‫دائما يفوقني ذكاء وحكمة‪.‬‬ ‫اللعب‪ ،‬وإن فعلَ بعضهم‬ ‫فمرغما كرمى لعايص الذي كان ً‬ ‫ً‬ ‫أحيا ًنا كانت أمي توصلني إىل املدرسة (راهبات العائلة املقدسة‪ -‬أنطلياس) كي‬ ‫بقيت‪ ،‬كنت أنتظر‬ ‫دائما أجد حيلة ألهرب‪ .‬وإذا ُ‬ ‫تأمن بقائي يف الصف‪ ،‬لكنني ُ‬ ‫كنت ً‬ ‫مرور سيارات الشحن الكبرية (بريلييه) عىل طريق أنطلياس حمملة بأكياس الرتابة‬ ‫طالبا اخلروج للتفرج عليها‪ .‬وحني متطر‪ ،‬كانت‬ ‫(اإلسمنت) من معمل شكا‪ ،‬فأبكي ً‬ ‫طالبا أن‬ ‫املياه تدلف من حتت باب الصف‪ ،‬فأخاف أن جيتاحنا الطوفان‪ ،‬وأروح أبكي ً‬ ‫أرى أخي عايص‪ ،‬وأظل أبكي حتى تأخذين املعلمة إىل غرفة الصف األخرى حيث‬ ‫عايص‪ ،‬فأطمئن إىل أنني لن أموت لوحدي‪ ،‬وأعود إىل القاعة‪ .‬مل يكن يستهويني‬ ‫يف الصف ّإال صوت رفاقي يلقون قصائد اإلستظهار‪ .‬مل أكن أدري ملاذا كان الشعر‬ ‫ْيأخذين إىل البعيد‪ ،‬فأسيح من نافذة الغرفة إىل بعيد جمهول لذيذ مل أكن أملك له‬ ‫تفسريا يف ذلك الوقت‪.‬‬ ‫ً‬ ‫‪40‬‬


‫قصة األخوين رحباني كما رواها منصور‬ ‫ّ‬

‫يف ‪‬املنيبيع‪ ،‬وكنا كربنا كفاية‪ْ ،‬‬ ‫بدأنا نخدم الزبائن عىل الطاوالت‪ .‬هناك تعلمنا‬ ‫الصيد ورافقنا الصيادين‪ .‬ويف ذاك اإلطار (املنيبيع‪ ،‬ضهور الشوير‪ ،‬بكفيا‪ ،‬شويا‪ ،‬الزغرين‪،‬‬ ‫مشيا‪ ،‬أو نرافق ستي غيتا‪ .‬ومن ناس تلك‬ ‫املياسه‪ ،‬محاليا) كنا‪ ،‬عايص وأنا‪ ،‬نتجول ً‬ ‫املنطقة الذين بقيت وجوههم وأسامؤُ هم يف بالنا‪ ،‬ولدَ ت يف ما بعد شخصيات سبع‬ ‫وخمول وبو فارس والست زم ّرد وسائر شخصيات اسكتشاتنا الضيعوية‪.‬‬ ‫يف تلك الفرتة‪ ،‬كنا بدأنا نقرأ الشعر القديم ونحفظ منه ما نفهمه‪ .‬وساعدنا‬ ‫ذلك ً‬ ‫الحقا عىل انتهاج أوزان خاصة بنا تتناسب وموسيقانا‪ ،‬مما حدا بيوسف اخلال‬ ‫ذات يوم ٍ أن يطلب منا الذهاب إىل ‪‬مخيس شعر‪ ‬كي نرشح للحارضين كيف نؤقلم‬ ‫أوزا ًنا خاصة ألغانينا‪.‬‬ ‫رمبا تأ ُّث ًرا بتلك القصائد التي حفظناها يف تلك احلقبة‪ ،‬بدأ عايص ينظم قصائد‬ ‫طويلة بإمضاء ْ‪‬ك ُرو ْبش حريش‪ ‬ويقرأها عيلَّ كي يس ّليني‪ .‬كام كتب قصائد شعبية‬ ‫من نوع الق ّراديات املضحكة الطريفة‪ .‬منها‪:‬‬

‫لــو بــتــــــــوف الــكــرُّوىس‬ ‫الكوىس خَــي الباتنـجـــاـن‬

‫عــلــهــا بــيــتــدحــرج كــوىس‬ ‫ويــــن لك فــــروخ اجلـــان؟‬ ‫ُ‬

‫دوما إىل األفكار الشعبية والفن الشعبي‪.‬‬ ‫ومنذ تلك املطالع األوىل‪ ،‬كان عايص ينحو ً‬ ‫وكان هذا عاملنا‪ ،‬تشاركنا أحيا ًنا شقيقتنا سلوى التي عانت الكثري من ‪‬شيطناتنا‪.‬‬ ‫ما زاد يف اجتاه عايص يومها واجتاهي إىل الفن الشعبي وأزجاله‪ ،‬أن ستي غيتا‬ ‫بدأت حترضنا عىل قول الزجل وحفظه‪ .‬عند املساء يف ليايل ‪‬املنيبيع‪ ‬املقمرة‪ ،‬كان‬ ‫جيلس أيب وحوله أمي سعدى وجديت غيتا ونحن حوهلم‪ ،‬ويغني ونردد بعده‪ :‬ملا‬ ‫حين إليك فؤادي‪ ،‬يا لور ُح ُّبك‪ ،‬زوروين كل َس َنه م َّره‪‬‬ ‫بدا يتثنى‪ ،‬يا من ُّ‬ ‫وأغنيات قدمية كثرية تناولناها يف ما بعد‪ ،‬عايص وأنا‪ ،‬وأعدنا توزيعها من جديد‬ ‫وشاعت‪ .‬وأذكر أننا‪ ،‬حني أطلقنا ‪‬زوروين كل َس َنه م َّره‪ ‬للشيخ سيد درويش‪،‬‬ ‫فوجئ أوالده (وخاصة ابنه حممد البحر) أن هذه األغنية هي له‪ ،‬ومل يعرفوا ذلك ّإال‬ ‫‪43‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫من العتمة ويغيبون‪ ،‬تاركني خلفهم عواء الذئاب يرتدَّ د يف األودية‪ ،‬وطف َلني ينامان‬ ‫ومرسحا‬ ‫ً‬ ‫عىل خرير املياه‪ ،‬طفولتهام مشحونة بصور غرائبية تفج ّرت يف ما بعد شع ًرا‬ ‫وموسيقى‪.‬‬ ‫ذات يوم من ‪ ١٩٣٣‬قرر أبو عايص بيع املقهى واالنتقال إىل اجلبل‪ ،‬فباع ‪‬فوار‬ ‫أنطلياس‪( ‬اشرتَ اه َمن سيصبح والد زوجتي يف ما بعد)‪ .‬وكاد أن يشرتي مبال‬ ‫املقهى شاحنتني كبريتني للنقل البعيد‪ ،‬لكنه عدل عن ذلك حني أخربه أحد أصدقائه‬ ‫عن مقهى صيفي قرب ضهور الشوير يف منطقة الينابيع (شويا‪ -‬من حيث هو ً‬ ‫أصال)‬ ‫فهرع إىل استثامره‪ .‬وسامه فو ًرا ‪‬مقهى ال ْـم َن ْي ِب ْيع‪.‬‬ ‫كنت يف نحو التاسعة‪ ،‬وعايص يف احلادية عرشة‪ ،‬وبتنا نفهم املظاهر أكثر‪ .‬كنا‬ ‫نقصد ذلك املصيف منذ أوائل الربيع‪ ،‬ويعمد أبو عايص إىل تسقيف املقهى بشجر‬ ‫الوزال واخلنشار‪ .‬وكان قرب املقهى نبع ماء‪ ،‬وجدار صخري كتب عليه الرواد‬ ‫أسامءهم وتواريخ جلوسهم يف املقهى‪ .‬كنت آنس إىل قراءة ما عىل اجلدار‪ ،‬فتشغلني‬ ‫فكر ُة كيف يتجمد الزمان يف تلك الكتابات وما حوهلا من أسامء وعناوين وعواطف‪.‬‬ ‫كانت أيام ‪‬املنيبيع‪ ‬مرحلة عزلة تامة‪ :‬نجلس‪ ،‬عايص وأنا‪ ،‬نتأمل كل ما‬ ‫حولنا‪ .‬كأننا جئنا من التأمل‪ .‬كنا نتأمل النمل ساعات طويلة‪ .‬نتأمل أشعة‬ ‫الشمس كيف تنسحب عن الصخور عند املغيب‪ ،‬ونراقب حتُّوالت النور بني الظل‬ ‫الرمادي وامحرار األشعة األخرية‪ .‬هناك كان جلرياننا مقالع‪ ،‬فنتابع املكارين يأتون إليها‪،‬‬ ‫ويصعدون هبا إىل ضهور الشوير‪ .‬هناك ً‬ ‫أيضا قطفنا العنب‬ ‫حيملون بغاهلم باحلجارة‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫من الكروم مع الناس‪ِ .‬سحنا يف كروم التني‪ .‬كانت ستي غيتا تشرتي عنـزات كي‬ ‫تستخرج منها اجلبنة واللبنة يف املقهى‪ ،‬فأذهب أنا وأرعى العنـزات وأخالط املعازة‬ ‫( ُرعاة املعزى)‪ ،‬وأذكر منهم اثنني رشيكني‪ :‬ضاهر وديب (ظهر هذان اإلسامن ً‬ ‫الحقا‬ ‫لبست ً‬ ‫الحقا شخصية‬ ‫يف أعاملنا) وأتعلم منهام لغة املاعز وكيف يساق القطيع‪ .‬وحني‬ ‫ُ‬ ‫املعاز الذي استأجرنا منه القطيع بأنني‬ ‫املعاز‪( ‬يف فيلم ‪‬بنت احلارس‪ )‬فوجئ َّ‬ ‫‪‬بشري ّ‬ ‫بشكل ‪‬حمرتف‪.‬‬ ‫أسوق املاعز‬ ‫ٍ‬ ‫‪42‬‬


‫عاصي عىل الكمان‬ ‫أمام البيت يف أنطلياس‬

‫عاصي عىل العود‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫مكنية عىل الكمان‪،‬‬ ‫خليل‬ ‫وتوفيق الباشا عىل الفيولونسيل‬ ‫(وست هول‪)1948 -‬‬

‫عاصي والكمنجة‪،‬‬ ‫رفيقته األوىل‬ ‫‪45‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫وأخوات هلا لسيد درويش (‪‬طلعت يا حمىل نورها‪ ،)...‬كانت رائج ًة يف‬ ‫منا‪ .‬فهي‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫منطقتنا أكثر مما يف مرص‪ ،‬ونحن ربينا عليها يف طفولتنا‪ ،‬وكانت تقال ببطء تطريبي‪،‬‬ ‫عكس ما عدنا‪ ،‬عايص وأنا‪ ،‬فوزعناها به ً‬ ‫الحقا يف إيقاع أرسع‪.‬‬ ‫يف تلك العزلة املنفردة اغتنينا بقراءة كتب الطبيعة‪ ،‬واغتنينا مبشاعر الناس‪،‬‬ ‫ت يف تلك الليايل‬ ‫لكثرة ما اختلطنا بالقرويني ولوفرة ما أخربتنا ستي غيتا حكايا ٍ‬ ‫القمرية اهلنيئة‪ ،‬وشدَّ دت علينا بحفظ األشعار واألزجال والق َّراديات واألساطري‬ ‫والقصص الشعبية‪ .‬وصحيح أن ستي من عينطورة (إحدى أعىل قرى املتن)‪ ،‬لكنها‬ ‫نشأت يف سهل البقاع وتعرف فولكلور املتن وفولكلور البقاع‪ ،‬ولدهيا فكرة عن سائر‬ ‫الفولكلوريات‪ ،‬وحتفظ الكثري من األزجال‪ .‬ومع أهنا ُأ ِّم َّية‪ ،‬كانت ترجتل وحت ِّرضنا عىل‬ ‫خمي َلتنا بأطياف كثرية من‬ ‫ت عن اجلن والرصد‪ِّ ،‬‬ ‫االرجتال‪ .‬وكانت ختربنا حكايا ٍ‬ ‫وتلون ِّ‬ ‫تلك الطفولة (ظه َر منها ً‬ ‫مثال‪ ،‬يف ما بعد‪ ،‬مشهد ‪‬املندل‪ ‬يف ‪‬جرس القمر‪ .)‬وكانت‬ ‫دوما تتمحور حول الوعر واملقالع وأجواء طبعت مناخات أعاملنا ً‬ ‫الحقا‪.‬‬ ‫أخبارها ً‬ ‫ويف ‪‬املنيبيع‪ ‬جرت حادثة الكامن مع عايص‪ .‬فذات يوم من صيف ‪١٩٣٨‬‬ ‫وجد عايص ورقة عرش لريات عىل أرض املقهى‪ .‬أخذها لوالدي فزجره وقال‪ :‬هذه‬ ‫هلا أصحاب‪ .‬نع ِّلقها هنا عىل احلبل حتى يعود صاحبها فيسرتدَّ ها‪ .‬وبقيت الورقة‬ ‫ت أحد ليأخذها‪ .‬عندها أخذها عايص‪ ،‬نسخها عىل‬ ‫ترتعش يف اهلواء ً‬ ‫أياما ومل يأ ِ‬ ‫ورقة كيس‪ ،‬ع َّلق النسخة عىل احلبل من جديد‪ ،‬وأخذ األصلية ونزل إىل بريوت‬ ‫فاشرتى كام ًنا ً‬ ‫فيلما‬ ‫عتيقا بسبع لريات ونصف كي يتعلم العزف عليه‪ ،‬وبالبقية شاهد ً‬ ‫سينامئيا مع صديق له‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مهما يف حياة عايص التأليفية واملوسيقية‪ ،‬شهدت‬ ‫كانت تلك املرحلة‬ ‫منعطفا ً‬ ‫بدايات كتاباته عندما نزلنا آخر ذاك الصيف إىل أنطلياس من جديد‪ ،‬وكان أيب‬ ‫اشرتى دكا ًنا فيها لعمله الشتوي‪.‬‬ ‫مبواهب‬ ‫فنافس ُت ُه‬ ‫َ‬ ‫يف ذلك الترشين‪ ،‬تفتحت مواهب عايص ‪‬الصحافية‪ ،‬واستفزين ْ‬ ‫‪‬صحافية‪ ‬مقابلة‪.‬‬ ‫‪44‬‬


‫قصة األخوين رحباني كما رواها منصور‬ ‫ّ‬

‫ويكتبها كلها بقلم الكوبيا (الرصاص) بخط يده عىل دفرت مدريس (قياس‬ ‫ت أدبي ًة ونقدً ا ومشاهدَ مرسحي ًة وخواط َر وجداني ًة‬ ‫‪ ،)١٩/١٥‬وتتضمن شع ًرا ومقاال ٍ‬ ‫ومسلسالت بالفصحى وبالعامية‪ .‬وحني ‪‬يصدر العدد‪ ‬آخر األسبوع‪ ،‬كان يدور‬ ‫يف الضيعة عىل سهرات األصدقاء وجلساهتم اخلاصة‪ ،‬يقرأ موادها عليهم بصوته‬ ‫اجلهوري ونربته التمثيلية‪ .‬وصباح االثنني يعود ليبدأ بالعدد التايل‪ .‬كان يكتب‬ ‫افتتاحياته بتوقيع ‪‬حريش‪ ،‬ويكتب باقي املقاالت بأسامء مستعارة ومهية‪ :‬يوسف‬ ‫بركات‪ ،‬أنيس احلايك‪ ،‬أبو عبيدة‪ ،‬واخرتع مراسلني لـ‪‬احلرشاية‪ ‬يف عدة مناطق‬ ‫(كمراسل هلا يف الزغرين ّزودها مرة مبقابلة مع األمرباطور الزغريني موسى‬ ‫ٍ‬ ‫روحانا)‪.‬‬ ‫من قصائده الساخرة‪ً ،‬‬ ‫مثال‪ ،‬يف ‪‬احلرشاية‪ ،‬وكانت املنطقة تعيش أجواء احلرب‪:‬‬

‫ـقــدـ ـجــــاـء اللـيــل‪ ...‬وظملاـتـــــه‬ ‫ال بـيــت يـضــوي بـقـندـيــل‬ ‫وبرصت بنوـمـــــي حبيـبــــة قلـبي‬ ‫ُ‬ ‫ـجاـءت ختطــر مشيـ ً عـنــدـي‬ ‫شقلب ُتـــاـ‬ ‫فرضبتـاـ ك ّفــ ً‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫برمَت برـمَت برـمَت برـمَت‬

‫غــمــرت أشــجــار الساحات‬ ‫خــو ًفــا مــن رضب الــغــارات‬ ‫قــد رضبـــت يل ســامــات‬ ‫ويه مــن أحـــى الــســتــات‬ ‫دحــرجــهــا بـــدون كملات‬ ‫شبقَت خلف الكنباايت‬

‫ومن قصائده التي ذاعت عىل ألسنة الشباب يف الضيعة‪ ،‬قصيدة نظمها لنادي‬ ‫أنطلياس‪ ،‬جاء فيها‪:‬‬

‫اآلداب‬ ‫ـيـــــــــاـ روـض ـــــة‬ ‫ْ‬ ‫الطــــــالب‬ ‫وقـبــلــــــــــة‬ ‫ْ‬ ‫ـزدان‬ ‫ـيــــاـ‬ ‫معـهــــدا ـي ـــ ـ ْ‬ ‫ً‬ ‫اإلميـــــــــاـن‬ ‫شـعــــــاـره‬ ‫ْ‬ ‫األوطـــــــاـن‬ ‫حمـبـــــــــة‬ ‫ْ‬

‫وهبــــــجــــــة الــــــنــــــادي‬ ‫اي أهيـــــــــا الــــــنــــــادي‬ ‫مـــــــبـــــــداه‬ ‫ابلـــــــعـــــــم‬ ‫ُ‬ ‫يــــــــرعــــــــاه‬ ‫واهلل‬ ‫ُ‬ ‫مـــــــــــــــزاايه‬ ‫أهبــــــــــــى‬ ‫ُ‬ ‫‪47‬‬


‫المسرحيات األولى‪:‬‬ ‫فشل ف ّني ينتهي بضرب عصي‬ ‫وهرب في بساتين الليمون‬

‫بعد طفولة اتسمت بالغرابة بين مقهى فوار أنطلياس ومقهى المنيبيع‬ ‫وحكايات من َ‬ ‫الجدة مألى باألساطري الشعبية‪ ،‬كرب عاصي ومنصور الرحباين‬ ‫َ‬ ‫إىل ّ‬ ‫فتوة أخذت تشهد مطالع الخطوات األوىل يف الكتابة والموسيقى‪ .‬وهي‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫وشهدت‬ ‫تأثري كبري عىل موسيقاهما‪،‬‬ ‫راهب كان له‬ ‫شحنها بالنضج‬ ‫مطالع‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬ ‫يتبل َو ُر ٌ‬ ‫الحقا‬ ‫ميل إىل الخشبة لديهما‪َ ،‬سط َع‬ ‫تمثيليات يف أنطلياس بدأ معها‬ ‫ً‬ ‫أعماال مسرحية وغنائية‪.‬‬

‫يف أنطلياس‪ ،‬بني ّدكان ‪‬أبو عايص‪ ‬والبيت‪ ،‬بدأت مواهب عايص الكتابية تتفتح‪.‬‬ ‫البداية يف جملة ‪‬الرياض‪ ‬املدرسية (كان يصدرها أستاذنا فريد أبو فاضل الذي‬ ‫انتقلنا إىل مدرسته بعد مدرسة راهبات العائلة املقدّ سة وقبل انتقالنا ً‬ ‫الحقا إىل‬ ‫مدرسة كامل مكرزل)‪.‬‬ ‫لكن عايص أراد أن يستقل مبغامرته اخلاصة‪ ،‬يف ‪‬مؤسسة صحافية‪ ‬أنشأها‬ ‫َّ‬ ‫عام ‪ :١٩٣٨‬احلرشاية ‪ -‬جملة أسبوعية فكرية اجتامعية فنية‪ .‬كان حي ِّررها وحده‪،‬‬


‫قصة األخوين رحباني كما رواها منصور‬ ‫ّ‬

‫بتع ُّلم الرتتيل‪ ،‬كان‬ ‫ويف نرب ٍة وسطى بني اخلشونة والنعومة‪ .‬وحني بدأت الفرقة َ‬ ‫عايص يأيت معي‪ ،‬ويقف قرب اهلارمونيوم عند الباب يراقب‪ ،‬ويف قلبه حرسة أنه‬ ‫ال يتعلم معنا‪.‬‬ ‫يتغيب أحيا ًنا عن ‪‬الدرس‪ ‬بسبب واجباته املهنية يف مدرسة‬ ‫كان يتأمل حني َّ‬ ‫ً‬ ‫تلميذا قبل الظهر و‪‬أستاذ‪ ‬الصفوف االبتدائية بعد الظهر‪.‬‬ ‫فريد أبو فاضل‪:‬‬ ‫يوما يرشح نظرية ‪‬التيرتاكورد‪ُ ( ‬بعد موسيقي)‬ ‫وصدف أن كان بونا بولس ً‬ ‫وعايص كالعادة ٌ‬ ‫واقف عىل الباب يصغي بانتباه‪ .‬وحني فرغ بونا بولس من الرشح‬ ‫أراد أن ميتحن مدى استيعابنا فسأل‪ :‬من يستطيع أن يعيد يل رشح النظرية؟‪‬‬ ‫وانتظر يدً ا ترتفع أمامه بيننا‪ ،‬فلم يرتفع سوى صوت جاءه من اخللف‪ ،‬عند الباب‪،‬‬ ‫يقول‪ :‬أنا أعرفها يا بونا بولس‪ .‬وكان ذلك صوت عايص‪ .‬فوجئ الكاهن‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫الواقف بعيدً ا التقط النظرية بذكاء نا ِب ٍه‪ ،‬فدعاه إليه‬ ‫واستغرب أن يكون هذا الفتى‬ ‫ب به‬ ‫عج َ‬ ‫وقال‪ :‬إذا استعدت رشح النظرية سأعلمك املوسيقى‪ .‬ورشحها عايص‪ُ ،‬فأ ِ‬ ‫الكاهن‪ ،‬ومن يومها بدأ يعلمنا املوسيقى‪ .‬رأى فينا متايزًا عن سائر الرفاق يف اجلوقة‪،‬‬ ‫فانفرد ِّ‬ ‫يلقننا (عايص وأنا) أصول املوسيقى عىل األرغن والپيانو‪.‬‬ ‫هكذا اكتشفنا عامل املوسيقى‪ .‬كأمنا كنا ننتظر با ًبا ينفتح كي هنرع إليه‪ .‬وهذا‬ ‫ما حصل‪ ،‬حتى أننا مل نعد نذهب إىل َّ‬ ‫الدكان ملساعدة أبينا‪ ،‬وال عدنا نذهب إىل‬ ‫البيت يف الساعات املعتادة‪ .‬كان وقتنا كله مبهو ًرا باملوسيقى يف كنيسة مار الياس‬ ‫(التي شهدت اجتامع عامية أنطلياس‪ ،‬كام ظهر ً‬ ‫الحقا يف مرسحيتي ‪‬صيف ‪.)٨٤٠‬‬ ‫ولكثرة ما كنا نعزف املوسيقى عىل األرغن والپيانو يف الكنيسة‪ ،‬ذهب من ييش بنا‬ ‫إىل أبينا ً‬ ‫قائال له‪ :‬و َلداك عايص ومنصور‪ ،‬يا أبا عايص‪َ ،‬ح َّوال كنيسة مار الياس إىل‬ ‫تياترو‪ .‬وكان أيب متد ِّي ًنا فهرع إىل الكنيسة وانتشلنا من ذاك العامل السحري وأعادَ نا‬ ‫إىل الدكان‪ .‬لكننا يف اليوم التايل عدنا خلسة إىل بونا بولس الذي ذهب إىل أيب‬ ‫وطيب له خاطره َّ‬ ‫بأن ما نقوم به هو من صميم الدين وال ييسء إليه‪َ .‬فه ِن َئ أبو‬ ‫َّ‬ ‫عايص إىل كالم الـ‪‬بونا‪.‬‬ ‫‪49‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫فـهــــو الــضــيــا الفـتـــاـن‬ ‫اآلداب‬ ‫ـيـــــــاـ روـض ـــ ـــــة‬ ‫ْ‬

‫والـــــــراشـــــــ ُد اهلـــــــادي‬ ‫اي أهيـــــــــا الــــــنــــــادي‬

‫ٌ‬ ‫يوما‬ ‫وكان يف ‪‬احلرشاية‪‬‬ ‫مكان لألخبار احلربية‪ ،‬ومنها ما هامجني به عايص ً‬ ‫بأسلوب ساخر‪ :‬هامجت طائرات الربغش ط َّراد منصور الرايس يف ميناء التخت‪،‬‬ ‫فأمطرته بوابل من قنابل املالريا وأغرقته غر ًقا شديدً ا‪.‬‬ ‫ويبدو أن ذاك التحرش يب استفزين يومها‪ ،‬وأثار غرييت بعدما رحت أملس‬ ‫اهتامم الرفاق كل أسبوع ّ‬ ‫فعمدت إىل‬ ‫بتلقف ‪‬العدد اجلديد‪ ‬من جملة عايص‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫‪‬تأسيس‪ ‬صحيفة منافسة لصحيفته و‪‬أصدرت‪ ‬جملة ‪‬األغاين‪ ‬التي رحت‪ ،‬مث َله‪،‬‬ ‫ت األدبي َة واملشاهد املرسحية‪،‬‬ ‫ُأ َض ِّمنها األخبا َر‬ ‫والقصص املتسلسلة والشع َر واملقاال ِ‬ ‫َ‬ ‫رواجا ً‬ ‫اشرتكت مبجلة ‪‬املكشوف‪ ‬للشيخ فؤاد‬ ‫مماثال جملة عايص‪ .‬وكنت وقتها‬ ‫فالقت ً‬ ‫ُ‬ ‫فقرأت طاغور‬ ‫وأدمنت الكتب يف تلك الفرتة‬ ‫حبيش من أجل زيادة ِّاطالعي األديب‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫وقت كنت أحفظ فيه‬ ‫ودوستويفسكي‬ ‫ونصوصا من األدب العريب القديم‪ ،‬حتى جاء ٌ‬ ‫ً‬ ‫غيبا عرشات األبيات اجلاهلية واألموية والعباسية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫خارج دائرة هذا ‪‬النجاح‪ ‬الصحايف‪ ،‬ألنه مل يكن يؤمن بأن هذه األعامل‬ ‫بقي أيب َ‬ ‫‪‬تطعم خبزًا‪ ‬يف املستقبل‪ ،‬إضافة إىل أن كلَّ شعر غري شعر عنرتة مل يكن يستهويه‪.‬‬ ‫ت نسمعه إياها أحيا ًنا تعلمناها‬ ‫وكان ً‬ ‫دائما ينهانا عن البزق‪ ،‬لكنه يعجب من رندحا ٍ‬ ‫قاسيا‪.‬‬ ‫خفية عنه‪ .‬كان حنو ًنا بقدْ رما كان ً‬ ‫لكن اهلل قدَّ ر لنا ّأال تبقى حماوال ُتنا املوسيقية ِّ‬ ‫متعثرة‪َ ،‬ف َو َه َبنا نعمة كربى ح ّلت‬ ‫علين ـ ــا يف أنطلياس‪ ،‬وكانت ذات منعطف مهـ ــم جدً ا حلياتن ــا الفني ـ ــة يف ما بعد‪.‬‬ ‫يف خريف ‪ ١٩٣٨‬وصل إىل دير مار الياس‪/‬أنطلياس األب بولس األشقر‬ ‫األنطوين‪ ،‬مؤ ّلف موسيقي ضليع (‪ )١٩٥٢ -١٨٨٢‬معروف بأنه حيثام حيلّ يؤ ِّلف‬ ‫جوقة يروح يدرهبا عىل املوسيقى والرتاتيل‪ .‬مجع نف ًرا من شباب أنطلياس كنت أنا‬ ‫‪‬يرجل‪،‬‬ ‫واحدً ا بينهم (مع َّأن صويت كان عاد ًيا)‪ .‬ومل يأخذ عايص ألن صوته بدأ ِّ‬ ‫‪48‬‬


‫قصة األخوين رحباني كما رواها منصور‬ ‫ّ‬

‫عاصي عىل الكمنجة ومنصور عىل البزق يف إحدى الحفالت الغنائية‬

‫ودائما‪ ،‬بأن بعض الفضل يف هذه الظاهرة يعود إىل بونا بولس‬ ‫ونشهد اليوم‪ً ،‬‬ ‫األشقر‪ .‬وحني أقيمت له حفلة إحياء ذكراه يف قاعة سينام كاپيتول (بريوت‪-‬‬ ‫‪ )١٩٦٣/٠٣/٣١‬ألقى عايص كلمة وفاءٍ جاء فيها‪ :‬يوم م ّر بونا بولس يف ضيعتنا‬ ‫أنطلياس‪َ ،‬ندَ هنا من طفولتنا التائهة‪ ،‬وع َّلمنا املوسيقى‪ .‬وكنا يومها نجهل ما املوسيقى‪.‬‬ ‫أخربنا عن الفن ما كنا نجهله‪ّ .‬‬ ‫ولقننا الدخول إىل وديان النفس واألماكن العميقة يف‬ ‫َ‬ ‫الضمري‪ .‬ع َّل َمنا النوطة والنظريات املوسيقية واألحلان الرشقية‪ ،‬ولكنه مع هذه مجيعها‬ ‫ع َّل َمنا السهر عىل الكلمة واللحن‪ ،‬وأشار إىل أننا أمام أبواب الفن نبقى تالميذ‪،‬‬ ‫وأن الفرحة الكربى هي فرحة اإلنسان بوالدة اجلامل‪ .‬مرة ُ‬ ‫سألته‪ :‬يا بونا بولس‪،‬‬ ‫ع َّل ْم َتنا كل هذه السنوات ومل تأخذ منا شي ًئا‪ .‬كيف نكافئك؟‪ ‬أجاب بلهجته الرضية‪:‬‬ ‫أكملتام الرسالة‪ُ .‬‬ ‫ُ‬ ‫أكتبا أغاينَ وازرعوا قلوب الناس شع ًرا وقصائد‬ ‫‪‬تكافئانني إذا‬ ‫وموسيقى وأحلا ًنا‪.‬‬ ‫هذه العبارة من بونا بولس معلمنا األول‪ ،‬ظ ّلت تراودنا‪ ،‬عايص وأنا‪ ،‬طوال‬ ‫مسريتنا الفنية‪.‬‬ ‫‪51‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫عاصي ومنصور يف إحدى مسرحيات أنطلياس‬

‫التحول الكبري يف حياتنا املوسيقية‪ .‬ع َّلمنا بونا بولس املقامات الرشقية‬ ‫وبدأ ّ‬ ‫واألنغام العربية وكتابة النوطة‪َّ ،‬‬ ‫واطلعنا يف مكتبته عىل مراجع موسيقية نادرة‬ ‫(‪‬الرسالة الشهابية يف قواعد أحلان املوسيقى العربية‪ ‬للدكتور ميخائيل مشاقة‪ ،‬كتاب‬ ‫فتعمقنا يف املوسيقى الرشقية‪ .‬وبقينا‬ ‫والك ْندي)‪ ،‬قرأناها ّ‬ ‫كامل اخللعي‪ ،‬كتب الفارايب ِ‬ ‫ندرس عليه يف فرتات متقاربة ومتباعدة طوال ست سنوات‪ .‬وكي نرد له الوفاء‪،‬‬ ‫معا‪ ،‬عايص وأنا‪ ،‬مقطوعة ملناسبة عيده‪ .‬بعدها‬ ‫كانت أول قطعة من تأليفنا وتلحيننا ً‬ ‫صار يركن إلينا يف تلحني بعض املزامري‪ .‬ويف تلك الفرتة كان عايص يلحن لوحده‬ ‫قطعا أو مزامري‪ ،‬وأنا ُأ َلحِّ ُن لوحدي‪ .‬كانت لنا مقطوعات منفصلة‪ .‬مل نكن‪ ،‬يف تلك‬ ‫ً‬ ‫األثناء‪ ،‬بدأنا أعاملنا بتوقيع ‪‬األخوين رحباين‪.‬‬ ‫‪‬جدُ د‪ ‬يف هنجنا ومنحانا التأليفي‬ ‫منذ تلك الفرتة الحظ بونا بولس أننا ُ‬ ‫والتلحيني‪ .‬ومع أننا كنا متأثرين يف طفولتنا وصبانا بأغاين عبد الوهاب (كنا أحيا ًنا‬ ‫ت في ِه راديو فنستمع إىل‬ ‫نسري مسافة نصف ساعة من أنطلياس كي نجلس حتت بي ٍ‬ ‫أغاين عبد الوهاب)‪ّ ،‬إال أننا حني بدأنا التأليف والتلحني بدأنا ال نشبه أحدً ا‪ .‬جاء‬ ‫عطاؤنا‪ ،‬منذ البدايات‪ ،‬مميزًا ومغاي ًرا‪.‬‬ ‫‪50‬‬


‫قصة األخوين رحباني كما رواها منصور‬ ‫ّ‬

‫مرة أخرى كنا ّمنثل ‪‬يوسف بك كرم‪ ‬يف ساحة أنطلياس‪ .‬وكان يف الضيعة‬ ‫ٌ‬ ‫شبان شيوعيون ضد هذه املرسحية‪ .‬فلام شهر يوسف بك كرم سيفه هجم الشبان‬ ‫عىل املرسح حاملني العيص والقضبان‪ ،‬فهربنا عن املرسح وهرعنا إىل بساتني الليمون‬ ‫املجاورة فيام تتمزق ثياب التمثيل وتعلق عىل جذوع األشجار وأغصاهنا‪ .‬وكان‬ ‫نصيبي بضع رضبات عىل رأيس وظهري من أولئك الشبان الغاضبني‪.‬‬ ‫ذات يوم كنا نازلني من الدكان ففوجئنا مبظاهرة للشيوعيني تسري صوب‬ ‫ساحة أنطلياس‪َ .‬ندَ َه َنا بعض الشبان للسري يف املظاهرة ففعلنا‪ .‬صاروا يرددون‬ ‫هتاف‪:‬‬

‫فليحي ـح ـــــزب العمــاـل‬ ‫َ‬ ‫ملــــــاـ و ّلـــــع غليوـنــــــــو‬

‫ورب احلــــريِّــــه ســتــالــن‬ ‫دخـــــانـــــو غـــطـــى بـــرلـــن‬

‫(وهو ما عاد فرتدد ً‬ ‫الحقا يف مرسحيتي ‪‬الوصية‪ .)‬وعلم أبو عايص بأمرنا‬ ‫َ‬ ‫وأخذنا إىل الدكان حيث أجربنا عىل‬ ‫وسحَ َبنا من بني عنارصها‬ ‫فلحق باملظاهرة َ‬ ‫الركوع طوال املساء كي ال نعود إىل االختالط مبظاهرات حزبية‪ .‬ومشاهد املظاهرات‬ ‫تلك‪ ،‬بقيت يف بالنا وترددت يف أكثر من مرسحية ً‬ ‫الحقا (منها ‪‬يعيش يعيش‪‬‬ ‫و‪‬ميس الريم‪.)‬‬ ‫يف تلك األثناء حاولنا تلحني األوپرا‪ .‬جئنا مبرسحية ‪‬النعامن الثالث ملك‬ ‫فحولناها شع ًرا و َلحَّ َّناها كاملة‪ ،‬وغنيناها بأصواتنا‬ ‫احلرية‪( ‬كتبها نث ًرا فريد أبو فاضل) َّ‬ ‫موسيقيا‬ ‫الناشزة‪ .‬عايص كان ‪‬النعامن الثالث‪ ‬وأنا لعبت ‪‬حنظلة الطائي‪ .‬واستعرنا‬ ‫ً‬ ‫واحدً ا من اإلذاعة اللبنانية ال يقرأ النوطة وال تد َّرب معنا حتى مرة واحدة‪ .‬قال لنا‪:‬‬ ‫مناسبا‪ .‬فكان غناؤنا نشا ًزا‪،‬‬ ‫‪‬أنتم ابدأوا الغناء‪ ،‬وأنا أرافقكام عىل الكامن كام أرى‬ ‫ً‬ ‫وعزفه أكثر نشا ًزا‪ .‬وزاد يف بؤس املرسحية َّأن عايص‪ ،‬وهو قام ً‬ ‫أيضا مبهمة اإلخراج‪،‬‬ ‫ارتأى أن حيفر حفرة يف وسط املرسح ينـزل فيها أحد املمثلني (أسعد الزمول)‬ ‫حيا‪ .‬وكان عىل املمثلني أن ُيهيلوا فوقه‬ ‫املفروض أن يتم به تنفيذ احلكم باملوت ً‬ ‫‪53‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫من املوسيقى كان ال بد أن ننتقل إىل الكلمة‪.‬‬ ‫يف تلك األثناء كان لنا صديق (يوسف لويس أبو جودة) يكتب مرسحيات‬ ‫باملحكية اللبنانية‪ ،‬واسكتشات صغرية نقوم بتمثيلها يف املدرسة أو يف ساحة دير‬ ‫مار الياس ملناسبات خاصة‪ .‬وكان صاحب املدرسة نفسه‪ ،‬األستاذ فريد أبو جودة‪،‬‬ ‫وغالبا ما‬ ‫مرسحي َتي ‪‬أرينب بنت اسحق‪ ‬و‪‬النعامن الثالث ملك احلرية‪.‬‬ ‫كتب‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫كان يؤخذ عايص للتمثيل‪ ،‬ال أنا‪ ،‬بسبب ضخامة جسمي وعدم لياقته للتمثيل‪،‬‬ ‫فأبقى عىل احلياد ويف قلبي غصة وحرسة‪ .‬وشارك عايص مر ًة بتمثيل مرسحية‬ ‫‪‬وفاء السموأل‪ ‬يف بكفيا حيث درسنا ذات شتاءٍ يف مدرسة راهبات القلبني‬ ‫األقدسني‪.‬‬ ‫منذ تلك الفرتة أخذ احلنني يب يكرب إىل هذا العامل اجلميل الغريب‪ :‬املرسح‪.‬‬ ‫تدرجييا‪ ،‬مع مرسحيات أنطلياس‪ ،‬بدأ املعنيون يأخذونني ألدوار صغرية كرمى‬ ‫ً‬ ‫لعايص‪ .‬وأخذت جتري لنا حوادث طريفة يف تلك البدايات األنطلياسية‪ ،‬منها ما‬ ‫بشكل أو بآخر يف أعاملنا املرسحية ً‬ ‫الحقا‪ ،‬ومنها ما بقي يف الذاكرة‪ ،‬لكنها‬ ‫دخل‬ ‫ٍ‬ ‫مجيعها أ ّثرت عىل مسريتنا يف ما بعد‪.‬‬ ‫من تلك الذكريات ً‬ ‫جالسا‬ ‫مثال‪ُ :‬‬ ‫كنت ذات يوم أمثل دو ًرا ثانو ًيا يف مرسحية‪ً ،‬‬ ‫فوق صندوقة خشبية عند طرف املرسح القائم عىل ركيزتني فقط‪ ،‬وأخشابه فاضت‬ ‫نحو مرتني من كل صوب عن الركيزتني‪ .‬كان من املفروض أن ُندخل محا ًرا إىل‬ ‫املرسح‪ .‬وحني فعلنا وشاهد الناس احلامر عىل طرف املرسح‪ ،‬أخذوا يصفقون بشدة‬ ‫ويضحكون مقهقهني فجفل احلامر وحرن‪ ،‬معاندً ا الصعود إىل خشبة املرسح‪ .‬رصخ‬ ‫اجلمهور للممثلني‪ :‬شدوا بذنبه‪ ‬ففعلوا فأخذ يرفس‪ .‬رصخ اجلمهور‪ :‬امحلوه‪‬‬ ‫فحملوه عىل األكف وهو يستمر يف رفسه وهنيقه‪ ،‬ودخلوا به املرسح يف هرج وفوىض‪،‬‬ ‫فزلقت من أول املرسح إىل آخره‬ ‫ففقد املرسح توازنه فوق الركيزتني حتته وهوى‬ ‫ُ‬ ‫ووقعت مع من وقعوا يف بستان الليمون‪ .‬وكانت تلك جتربتي املرسحية األوىل‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫انتهت بضامدات عىل جروحي‪.‬‬ ‫‪52‬‬


‫قصة األخوين رحباني كما رواها منصور‬ ‫ّ‬

‫منذ بداياته مع املرسح الواقعي الطبيعي‪ .‬كان املفروض أن جييء ابني قسطنطني‬ ‫(عايص) كي يقتلني الرتكايب خيانة عظمى ضد الوطن بإدخايل األعداء إىل أراضيه‪.‬‬ ‫بدأت املبارزة‪ .‬وبسبب جهيل أمور العد واحلساب أخطأت العد وصار سيفي يلوح‬ ‫يف اهلواء بدون طائل وسط ضحك اجلمهور ورصخاته ً‬ ‫قائال لعايص‪ :‬اقت ْله‪ .‬اقت ْله‪ .‬إنه‬ ‫فانبطحت ً‬ ‫أرضا عىل‬ ‫خائن‪ .‬عندها شك عايص السيف يف صدري عىل أنه يقتلني‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫أنني مت‪ .‬ورصخ عايص حسب احلوار‪ :‬أشعلوا النار‪ .‬أضيئوا املشاعل وليستفق‬ ‫وهيبوا للدفاع عن الوطن‪ .‬وكنا أعددنا بضعة أكياس ورقية خلف املرسح‬ ‫املواطنون ّ‬ ‫إلهيام الناس بأضواء املشاعل‪ .‬ولكن النار غدرت بالكومپارس وامتدت إىل ديكور‬ ‫املرسح (وهو ً‬ ‫سمعت رصاخ اجلمهور‪:‬‬ ‫أيضا من األكياس) فأخذ املرسح يشتعل‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ورحت أساعد املمثلني‬ ‫فقفزت مذعو ًرا‬ ‫‪‬حريق‪ .‬حريق‪ .‬احرتق املرسح باملمثلني‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ضاحكا‪ :‬قام امليت‪ .‬قام امليت‪َّ .‬ثم عدت‬ ‫يف إطفاء النار وسط صياح اجلمهور‬ ‫ومت من جديد‪ .‬عندها ألقوا القبض عىل قسطنطني العتباره ً‬ ‫خائنا‬ ‫إىل انبطاحي ُّ‬ ‫وقاتل أبيه وأقاموا ً‬ ‫متثاال ألبيه ميشال‪ .‬كان عيلَّ ‪ ،‬بصفتي ميشال برانكومري‪ ،‬أن‬ ‫أقوم جمددً ا بدور التمثال شاه ًرا سيفي طوال كامل الفصل األخري‪ ،‬وهو يستغرق ‪٤٥‬‬ ‫أتصنم طوال الفصل ال أؤيت ً‬ ‫لزاما عيلَّ أن ّ‬ ‫هتيأت‬ ‫حراكا‪ .‬ولشدة ما‬ ‫ُ‬ ‫دقيقة‪ .‬لذا كان ً‬ ‫متكنت من السيطرة حتى عىل حركة عيني‪ .‬وكنت أسمع‬ ‫خالل فرتة التمرينات‬ ‫ُ‬ ‫َأصوات أصدقائي بني اجلمهور يرددون‪ :‬هل هذا منصور أم أنه متثال حقيقي؟‪.‬‬ ‫وحياولون إضحاكي فال َأضحك‪ .‬يرشقونني من حتت بحىص صغرية فال أحترك‪ .‬ذلك‬ ‫ً‬ ‫قاسيا يف إرصاره‪،‬‬ ‫أن عايص‪ ،‬وكان‬ ‫مكبلٌ عىل َ‬ ‫قدمي متثال أبيه‪ ،‬كان ً‬ ‫مفروضا أنه َّ‬ ‫كمخرج‪ ،‬عىل طبيعية متثيل الدور‪ .‬ومل يكن يتهاون ً‬ ‫مطلقا باألمور الفنية‪.‬‬ ‫يف تلك األثناء‪ ،‬وسط كل ذاك اهلرج الضاحك والتسلوي يف مرسحيات أنطلياس‬ ‫وما كان حيصل لنا من طرائف‪ ،‬كانت حياتنا يف البيت بدأت تصاب باهلموم‪ :‬العائلة‬ ‫كربت (كنا أصبحنا ستة‪ :‬عايص وأنا وسلوى وناديا والياس وإهلام)‪ .‬مقهى ‪‬املنيبيع‪‬‬ ‫مل يعد منتجً ا بسبب كارثة ح َّلت علينا يف آخر صيف ‪ ١٩٤٣‬حني جاء طوفان هائل‬ ‫‪55‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫َ‬ ‫مفتوحتني‪ ،‬فأخذ من‬ ‫الرتاب‪ .‬وحني فعلوا دخل الرتاب يف عينيه‪ ،‬وكانتا ال تزاالن‬ ‫حتت املرسح يكيل الشتائم والرصاخ للحفلة وللمرسحيات ولعايص الرحباين ومن‬ ‫و ّرطه يف هذه الورطة‪ ،‬وفرطت احلفلة وتف َّرق املشاهدون ضاحكني فيام املفروض أهنم‬ ‫جاؤوا يشاهدون ْمأساة تارخيية‪.‬‬ ‫ومن ُّ‬ ‫الط َرف ً‬ ‫أيضا‪ :‬مرسحية كتبها يوسف لويس أبو جودة لعب فيها عايص دور‬ ‫شاب ْيقبل عىل الزواج‪ ،‬وأنا لعبت دور أبيه‪ .‬احتجنا إىل فتاة تلعب دور العروس‪.‬‬ ‫أقنعنا إحدى الصبايا ْأن تقوم بالدور‪ ،‬وقلنا لوالدهيا َّإن دو َرها هو ْأن تلقي خطا ًبا‪.‬‬ ‫حتسبا ألي تغيري يف الدور املرسوم‪ .‬وكان املفروض‪،‬‬ ‫جاء أهلها حاملني العيص‬ ‫ً‬ ‫بحسب الدور‪ ،‬أن يقتل عايص قطة يؤتى هبا إىل املرسح داللة عىل ‪‬رجولة‪ ‬العريس‬ ‫ً‬ ‫حفاظا عىل‬ ‫يوم العرس‪ .‬يطلب العريس من الفتاة الذهاب إىل املدينة فرتفض‪،‬‬ ‫يرص فرتفض‪ ،‬ويعود إىل ِإرصاره َف َي َت َف َّوه بعبارة‬ ‫عفتها وكرامتها‪ .‬لكن العريس (عايص) ّ‬ ‫تلميحية نابية ويأخذ بالقطة ويرضهبا بشدة عىل أرض املرسح للتأثري ‪‬الرجويل‪ ‬عىل‬ ‫وج َعت وأخذت تتيه جمنونة عىل املرسح يف كل اجتاه إىل أن‬ ‫عروسه‪ .‬لكن القطة ِ‬ ‫قفزت صوب اجلمهور ووقعت يف حضن املطران املهيب الذي كانت احلفلة حتت‬ ‫رعايته‪ .‬وأخذت القطة‪ ،‬من شدة أملها‪ ،‬تثأر بتخديش حلية املطران حتى سال من‬ ‫طالبا اهلرب َه َل ًعا فانقشعت عنه هيب ُة املطران‪ .‬وما هي حتى هجم‬ ‫ذقنه الدم وقفز ً‬ ‫علينا أهل الفتاة فتفرق املمثلون وهربنا‪ ،‬عايص وأنا‪ ،‬خلف املرسح بني بساتني‬ ‫الليمون‪ ،‬وانتهت املرسحية بفوىض راعبة توزعت بني الضحك واخلوف‪.‬‬ ‫يف مناسبة أخرى كنا منثل مرسحية ‪‬يف سبيل التاج‪ ‬إلدمون روستان (ترمجة‬ ‫حليم دموس)‪ .‬كان املرسح من أكياس ورق مموهة‪ .‬لعبت أنا دور ميشال برانكومري‬ ‫ولعب عايص دور ابني قسطنطني‪ .‬واستعدادً ا للدور جئنا بكتاب عن املبارزة‬ ‫متاما كيف تتم تلك‪ .‬وإذا هبا عملية حسابية دقيقة تستلزم حفظ‬ ‫بالسيف كي نتعلم ً‬ ‫الرضبات و َردَّ ها يف حذاق ٍة كي ال يصاب أحد املبارزين برضبة ختطئ فتجرحه‪ .‬وهي‬ ‫عملية مبنية عىل العد وعىل اتفاق مسبق كي ْتأيت املبارزة طبيعية‪ .‬وعايص كان‬ ‫‪54‬‬


‫عاصي للبوليس‪ ،‬وأنا للشرطة‬

‫بعد ‪‬نجاحات‪ ‬أنطلياس المسرحية‪ ،‬كان ال بد للشابين عاصي ومنصور‬ ‫ً‬ ‫انسجاما مع قول ‪‬أبو عاصي‪ ‬إن‬ ‫الرحباين من أن ينخرطا يف وظيفة ُتعيل‪،‬‬ ‫ً‬ ‫خبزا‪ .‬هكذا صار عاصي بوليس بلدية أنطلياس‪ ،‬وصار‬ ‫‪‬الفن ال يطعم‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫قضائيا يف بريوت‪ .‬وكما يف المسرح‪ ،‬كذلك يف السلك‪،‬‬ ‫شرطيا‬ ‫منصور‬ ‫جرت ٍّ‬ ‫لكل منهما مفارقات وأحداث طريفة‪ .‬عىل أن ثوب ‪‬موظف الدولة‪ ‬مل‬ ‫يمنعهما من مواصلة مسريتهما الفنية صوب االحرتاف‪.‬‬

‫عام ‪ ،١٩٣٩‬وكان عايص ال يزال يف السادسة عرشة‪ُ ،‬‬ ‫اضط َّر إىل البحث عن‬ ‫عمد إىل تكبري سنه كي حيق له التقدم من امتحان الوظيفة‪ .‬وهكذا تم قبوله‬ ‫عمل‪َ .‬‬ ‫مازحا بأن معه السلطتني‬ ‫يف بلدية أنطلياس بصفة بوليس وأمني رس‪ .‬وكان يتباهى ً‬ ‫علما به‪ ،‬والبوليس‬ ‫الترشيعية والتنفيذية ً‬ ‫معا‪ :‬أمني الرس يسن القانون أو ْيأخذ ً‬ ‫ِّ‬ ‫ت إليه ً‬ ‫أيضا ‪‬مسؤوليات‪ ‬أخرى بينها ‪‬مكافحة الكالب والقطط‬ ‫ينفذه‪ .‬كام ُأس ِندَ ْ‬ ‫الشاردة وما شابه ذلك من قضايا البلدية‪.‬‬ ‫اضطررت أنا ً‬ ‫فعمدت‬ ‫أيضا إىل االنخراط يف سلك الوظيفة‬ ‫بعد سنتني‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫مت من امتحان دخول إىل سلك الرشطة القضائية يف‬ ‫كذلك إىل تكبري سني‪ ،‬وتقدَّ ُ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وبدينا‪ .‬كان الطول‬ ‫سمينا‬ ‫بريوت‪ .‬سقطت يف الفحص اجلسامين مع أنني كنت‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫جرف املقهى والع ِّلية والعرزال‪ ،‬فهربنا إىل دير مار الياس شويا نبيت فيه‪ ،‬ريثام نجمع من‬ ‫املقهى أثاثنا الباقي‪ ،‬وما اختبأ فيه من عقارب وبقايا طيور ترشينية غريبة بدأت حتوم‬ ‫حول املقهى املدمر (مشاهد مؤملة بقيت يف خيالنا لوقت طويل)‪ .‬الدكان يف أنطلياس‬ ‫مل يعد مثم ًرا وال عاد يفي مبتطلبات العائلة‪ .‬كان ال بدّ من االتكال عىل عايص وعيلّ‬ ‫بوظيفة تدعم ً‬ ‫قليال معاش البيت‪.‬‬ ‫م َّر عام ‪ً ١٩٤٤‬‬ ‫ثقيال علينا هبموم اقتصادية مل ِّ‬ ‫ختفف من وطأهتا تسلياتنا املرسحية‬ ‫فعامئذ‪ ،‬قرر األصدقاء يف‬ ‫يف أنطلياس بل زادهتا حادثة أليمة َأصابتنا يف أواخره‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫أنطلياس أن يكرمونا‪ ،‬عايص وأنا‪ ،‬ملا أضفينا عىل بلدتنا من نشاط مرسحي وثقايف‪،‬‬ ‫فصمموا عىل إحياء حفلة تكرميية لنا ليلة عيد امليالد يف ‪ ٢٤‬كانون األول ‪ .١٩٤٤‬راحوا‬ ‫يتهيأون ورحنا ‪‬نتهيأ لقطف مثار نجاحنا‪ ،‬غري َ‬ ‫مدركني أن القدر كان لنا باملرصاد‬ ‫تشاء ْمنا بعده طوال حياتنا من كل احتفال تكرميي‪ :‬مات‬ ‫ليلتها بالذات‪َ ،‬و َفجَ َعنا مبا َ‬ ‫أبو عايص‪.‬‬

‫‪56‬‬


‫قصة األخوين رحباني كما رواها منصور‬ ‫ّ‬

‫ً‬ ‫(بوليسا)‬ ‫عاصي‪ ،‬منصور‬ ‫وعبداهلل الخوري (صهرهما زوج شقيقتهما سلوى)‬

‫منصور الفخور بثياب البوليس العديل‬

‫صورة عائلية أمام البيت يف أنطلياس‬ ‫(نحو ‪ :)1945‬منصور يف ثياب‬ ‫ً‬ ‫البوليس (األول إىل اليمين وقوفا)‪،‬‬ ‫أمامه شقيقتاه ناديا وسلوى وأمامهما‬ ‫أم عاصي‪ .‬عىل األرض من اليمين‪:‬‬ ‫عاصي‪ ،‬الياس وإلهام (بعد عام عىل‬ ‫غياب أبو عاصي)‪.‬‬ ‫‪59‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫املطلوب ‪ ١٧٠‬سنتم وكان طويل ‪ ١٧٩‬فأسقطوين‪ .‬عندها ْ‬ ‫ت إىل إدوار أبو جودة‬ ‫جلأ ُ‬ ‫(أمني رس إدارة البوليس) فتوسط يل عند أحد النافذين وذهبت بعد يومني ألجد‬ ‫كنت‪ ،‬وأنا يف مطلع حيايت الوظيفية ومل أكمل‬ ‫وغالبا ما ُ‬ ‫اسمي بني الناجحني‪ً .‬‬ ‫السادسة ْ‬ ‫عشرة‪ ،‬أسمع الناس يتهامسون من حويل‪ :‬هالبوليس أجرودي‪( ‬حليق‬ ‫الوجه)‪.‬‬ ‫كان عايص‪ ،‬إىل وظيفته هنا ًرا يف البلدية‪ ،‬يشتغل ً‬ ‫َ‬ ‫عازف كامن يف بعض‬ ‫ليال‬ ‫عضو فرقة موسيقية تعزف ملطربني‬ ‫املقاهي (أبر ُزها ‪‬مقهى سعادة‪ ‬عىل الدورة) َ‬ ‫س العزف عىل إدوار جهشان (بات يف ما بعد‬ ‫ومطربات تلك احلقبة‪ .‬وكان دَ َر َ‬ ‫ث يف فرقتنا املوسيقية)‪ ،‬والتحقَ بال َـ‪‬أ ْلبا‪( ‬األكادميية اللبنانية‬ ‫كامن ثال ٍ‬ ‫عازف ٍ‬ ‫غنائيا يف ‪‬ميسا سوليمنيس‪‬‬ ‫للفنون اجلميلة) ً‬ ‫عضوا يف الكورس وأدى مر ًة دو ًرا ً‬ ‫لبيتهوڤن‪.‬‬ ‫وأسمعنا‬ ‫أطلعنا عىل فن األوپرا‪،‬‬ ‫َ‬ ‫يف تلك احلقبة كان ‪‬بونا بولس األشقر‪َ ‬‬ ‫يوس َع مداركنا فزاذ شغفنا باملوسيقى‪ .‬ومن حسن احلظ أن‬ ‫أوپريتات شهرية كي ِّ‬ ‫رئيس بلدية أنطلياس عهدذاك (وديع الشاميل) كان حيب املوسيقى ويعزف الكامن‬ ‫فكنا نعقد يف بيته سهرات عزف وغناء‪ .‬عىل أنه‪ ،‬حني األمر يتعلق بالبلدية‪ ،‬كان‬ ‫ينقلب ً‬ ‫بخيال مقتصدً ا حتى التقتري‪ .‬فذات يوم ٍ اختذت البلدية قرا ًرا بقتل الكالب‬ ‫املسعورة الشاردة خلطرها عىل الضيعة‪ ،‬فوافق عايص أمني الرس وكان عىل عايص‬ ‫املهمة‪ .‬لكن رئيس البلدية مل يسمح له سوى بخرطوشة واحدة‪.‬‬ ‫البوليس أن ينفذ ّ‬ ‫ذهب عايص‪ ،‬وهو خياف من إطالق النار‪ ،‬وتراكم حوله األوالد متربعني بإرشاده إىل‬ ‫مكان كلب مسعور‪ .‬كثر حوله اهلياج والرصاخ فأطل الكلب فجأة ورصخ األوالد‪:‬‬ ‫‪‬ها هو الكلب‪ ‬فارتعد عايص من منظره وأطلق النار بدون تصويب فأخطأه وأصاب‬ ‫بقرة يف البعيد َف َنفقت وهجم عليه أصحاهبا فهرب يف بساتني الليمون‪ .‬وإذا بتلك‬ ‫احلادثة تك ِّلف البلدية ً‬ ‫تأنيبا وحسم معاش لسوء‬ ‫ماليا ً‬ ‫كبريا‪ ،‬وتكلف عايص ً‬ ‫تعويضا ً‬ ‫استعامله سالح البلدية‪.‬‬ ‫‪58‬‬


‫قصة األخوين رحباني كما رواها منصور‬ ‫ّ‬

‫أي بيت‪ ،‬ويف الداخل زنزانات صغرية متالصقة حدَّ بعضها البعض‪ .‬كان ينتابني‬ ‫مت تسلية التنويم املغنطييس أمارسها عىل املوقوفني‪ ،‬فيومهني بعضهم‬ ‫الضجر فتع ّل ُ‬ ‫بأنه ينام ويطيل نومه فأرتعد ألنني مل أعد أعرف كيف أوقظهم‪ .‬وكان مر ًة بني‬ ‫ٌ‬ ‫فرنيس‬ ‫موقوف‬ ‫إيطاليان‪ ،‬ممنوعٌ عىل واحدمها أن خيتلط باآلخر‪ .‬وكان كذلك‬ ‫املوقوفني ّ‬ ‫ٌّ‬ ‫ُ‬ ‫عازف هارمونيكا (يف مقاهي الزيتونة) فريوح يعزف ونغني كلنا معه‪ ،‬أنا والسجناء‪.‬‬ ‫َّثم اتضح ً‬ ‫الحقا أنه جاسوس أملاين (أخربين اللواء سامي اخلطيب‪ ،‬يف ما بعد‪َّ ،‬أن‬ ‫احللفاء أعدموه يف حديقة السفارة الربيطانية وقد حتولت إىل مطعم كنا نتناول فيه‬ ‫العشاء ليلتها)‪ .‬وكان بني املوقوفني كذلك سياسيون سوريون (بينهم شقيق حسني‬ ‫الزعيم) وبحَّ ارة من أرواد (متهمون بالتعامل مع األملان) ونقيب املحامني العراقيني‬ ‫هبجت زينل‪ .‬كنت أفتح الزنزانات ً‬ ‫ليال عىل بعضها البعض فيختلط املوقوفون ببعضهم‬ ‫البعض ويغنون معي ويتبادلون املعلومات ويض ِّللون التحقيق‪ ،‬ومل أكن أهتم ملا جيري‬ ‫وال عالقة يل مبا جيب أن تكون عليه مسؤوليايت‪ .‬ولو ان ً‬ ‫مفتشا دخل علينا ذات‬ ‫ليلة لكان أحالني فو ًرا إىل املحاكمة والطرد من الوظيفة‪ .‬وكان ً‬ ‫ممكنا أن يقتلني‬ ‫املوقوفون وهيربوا‪ ،‬لسهولة فتح الباب ذي املزالج العادي‪ .‬كان عيلَّ أن أكتب تقري ًرا‬ ‫مزو ًرا‬ ‫(بالفرنسية) كل ساعة عام جيري معي يف النظارة فكنت أضع كل ساعة تقري ًرا َّ‬ ‫صحيح سوى توقيعي‪ :‬الرشطي العديل منصور الرحباين‪.‬‬ ‫ليس فيه‬ ‫ٌ‬ ‫ذات يوم كنت ً‬ ‫استوج َبت امتطائي دراجة نارية‪ .‬ومل أكن أحسن‬ ‫َ‬ ‫مكلفا مبهم ٍة‬ ‫عشوائيا صادفت تلة بني الرمول التي كانت حميطة‬ ‫قيادهتا‪ .‬بعد أن انطلقت هبا‬ ‫ً‬ ‫باملكان (وبريوت كانت يف معظمها ً‬ ‫وانقلبت‬ ‫فاصطدمت بالتلة‬ ‫رموال تلك األيام)‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫فهرعت إىل إهالة الرمل عليها حتى‬ ‫يب وبدأ يقطر منها البنـزين َّثم ّهبت فيها النار‬ ‫ُ‬ ‫مهزوما مستعدً ا لعقوبة الوظيفة‪.‬‬ ‫فعدت أج ُّرها إىل املخفر‬ ‫انطفأت‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫من طريف ما أذكر ً‬ ‫پوتيون‬ ‫أيضا‪ :‬ليلة ‪ ١٠‬ترشين الثاين ‪ ١٩٤٣‬جاء الليوتنان ُّ‬ ‫ت صغري ًة‬ ‫(رئييس املبارش يف األمن العام الفرنيس) وو َّزع علينا يف النظارة بندقيا ٍ‬ ‫‪‬استعدوا‪ .‬الليلة سيجري حدث مهم‪ .‬ومل أكن أحسن التصويب وال‬ ‫صدئة وقال‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫‪61‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫مرة أخرى‪ ،‬طلب منه رئيس البلدية أن يذهب فيقتل محا ًرا أجرب يشكل‬ ‫خط ًرا عىل الصحة العامة‪ .‬وكان عايص ال حيب قتل احليوانات‪ .‬أخذ معه ً‬ ‫عامال‬ ‫ورضبا احلامر بالرفش عدة رضبات حتى سقط‪َّ .‬‬ ‫ظناه مات فدفناه يف الرمل عىل‬ ‫الشاطئ وقفال عائدَ ين‪ .‬وما هي حتى وجداه دا ًّبا وراءمها ينفض عنه ما علق به‬ ‫من رمل فهرع عايص جمددً ا إىل اهلرب خو ًفا من انتقام احلامر‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ت غنائي ًة‬ ‫كان اهلرب ْدأب عايص يف البلدية‪ .‬هيرب طوال الشهر‬ ‫مالحقا حفال ٍ‬ ‫كانت تدر عليه نقودً ا‪ .‬وكان رئيس البلدية يعلم ببعضها ويغض النظر ألنه حيب‬ ‫املوسيقى لكنه يعود فيهرب من عايص أواخر الشهر هتر ًبا من دفع معاشه الشهري‪.‬‬ ‫بقيت يف بال عايص وبايل‪ ،‬ظه َرت ً‬ ‫الحقا‬ ‫ذكريات طريفة كثرية من َأيام البلدية َ‬ ‫يف الكثري من أعاملنا عرب شخصيات الشاويش (كام يف ‪‬بياع اخلواتم‪ ،)‬وعرب أخبار‬ ‫البلدية ورئيس البلدية (كام يف ‪‬املحطة‪ )‬حتى أن عايص نفسه لعب شخصية رئيس‬ ‫البلدية يف فيلمنا ‪‬بنت احلارس‪.‬‬ ‫احتياط يف الرشطة العدلية القضائية‪ ،‬وأجزم أنني‬ ‫عنرص‬ ‫ٍ‬ ‫أما أنا فدخلت الوظيفة َ‬ ‫كنت أفشل وأسوأ رشطي عرفته اجلمهورية اللبنانية يف تارخيها‪.‬‬ ‫مل أستطع التأقلم مع جو املخفر وال النوم عىل فراشه‪ .‬كنت أهرب ً‬ ‫ليال وأعود‬ ‫إىل بيتنا يف أنطلياس ألنام عىل فرايش‪َّ .‬‬ ‫تنقلت بني خمافر عديدة‪ .‬وحدث أن أصبح‬ ‫رئيس الرشطة القضائية وباتت جتمعنا به قرابة عائلية (زوجتي ً‬ ‫الحقا‬ ‫إدوار أبو جودة‬ ‫َ‬ ‫تريز هي ابنة أخيه)‪ ،‬فنقلني إىل األمن العام الفرنيس وس َّل َمني مسؤولية النظارة مع‬ ‫رفيقني يل‪ :‬نعوم السبع ويوسف بعلبكي‪ .‬كانت مهمتي مراقبة املوقوفني السياسيني‪:‬‬ ‫أربعا وعرشين‪ .‬وكان قلبي ينفطر عىل هؤالء ألن‬ ‫أداوم اثنتي عرشة ساعة وأرتاح ً‬ ‫ضيقة‪،‬‬ ‫النظارة (يف طابق أريض من مبنى عادي يف حملة الصنائع) كانت زنزانة ِّ‬ ‫مسموحا للموقوفني فيها التحرك وال التدخني وال احلالقة‪ .‬وكان طعامهم‬ ‫ً‬ ‫وليس‬ ‫بائسا‪ .‬كنت صغري السن يومها ّ‬ ‫(إال يف أوراقي الثبوتية املزورة) ومل أكن أقدّ ر عواقب‬ ‫ً‬ ‫حمص َنة‪ ،‬مفتاحها عادي كمفتاح‬ ‫إمهايل‪ .‬كان مكتبي عىل مدخل غرفة عادية غري َّ‬ ‫‪60‬‬


‫قصة األخوين رحباني كما رواها منصور‬ ‫ّ‬

‫وأرشح رموزها وأرسارها‪ .‬ومن أجل‬ ‫السهرات عند الصبايا ُأط ِل ُع ُه َّن عىل كل ما فيها‬ ‫ُ‬ ‫استحصلت عىل تقرير طبي ‪‬يزعم‪ ‬أنني ال أستطيع‬ ‫تلك السهرات عند الصبايا‬ ‫ُ‬ ‫انتعال اجلزمة العسكرية‪ ،‬وذلك كي َأبقى بحذائي العادي األنيق مستعدً ا للهرب إىل‬ ‫السهرات واحلفالت املوسيقية التي أعزف فيها‪.‬‬ ‫دائما عىل جدل دائم مع الفرنسيني‪ ،‬ولو ضد مصلحتي‪،‬‬ ‫عىل أي حال ُ‬ ‫كنت ً‬ ‫كنت أرفض احتالهلم (ولو حتت ستار االنتداب)‪.‬‬ ‫ألنني ُ‬ ‫التقيت أحد املسنني يف‬ ‫قلت إىل كركول (خمفر) اجلميزة‪ .‬وهناك‬ ‫ُ‬ ‫بعد ذلك ُن ُ‬ ‫ً‬ ‫مدهوشا‪ :‬أنت‬ ‫إيل عىل أنني الـ‪‬أفندي اجلديد‪ ‬يف املخفر قال‬ ‫احلي‪ ،‬حني تع ّرف ّ‬ ‫ابن حنا عايص؟ من هنا أبوك أقفل كركول اجلميزة باملسدس‪ .‬ظلّ يطلق النار عىل‬ ‫الدرك فيه حتى هربوا وفرغ الكركول‪.‬‬ ‫يف تلك الفرتة جرت حادثة زحف بعض املواطنني عىل الپرملان الستبدال العلم‬ ‫اللبناين بالعلم الفرنيس‪ ،‬ويومها أطلق النائب نعيم مغبغب النار عىل من كان يستبدل‬ ‫العلم فأرداه‪ .‬ووسط تلك املظاهرة الصاخبة التي كان مطلو ًبا منا أن نتصدى هلا‪،‬‬ ‫فوجئت بوالدي بني املتظاهرين جاء ً‬ ‫هليفا يسأل عني خوف أن تتطور املظاهرة إىل‬ ‫ُ‬ ‫بحنان وهو‬ ‫معركة بالرصاص وأنا بني اجلمع‪ .‬وال أزال أذكر كيف يومها عانقني‬ ‫ٍ‬ ‫دامع العينني‪.‬‬ ‫ويف فرتة كركول اجلميزة حدث أن تفشى داء السحايا الدماغية الذي يفرض‬ ‫احلجْ ر عىل املرىض‪َّ .‬عينوين أن أحجر عىل بيت عند البحر‪ ،‬فلم أمتثل خلويف من‬ ‫الليل والبحر وبقيت يف املخفر‪ .‬وحدث أن جاء مفتش فنمت يف رسير زميل يل‬ ‫عيت أنني هو‪َّ ،‬‬ ‫وأن منصور الرحباين ذهب لتنفيذ احلجْ ر عىل‬ ‫(بشارة عساف) وادَّ ُ‬ ‫البحر فانقضت احليلة‪.‬‬ ‫وذات ليلة‪ ،‬يف املخفر نفسه‪ ،‬كان املفروض أن أكون يف نوبة حراسة طوال‬ ‫وذهبت إىل سينام روكيس حيث كانت فرقة‬ ‫فهربت من خلف سور احلديقة‬ ‫الليل‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫واملفوض‬ ‫سمفونية تعزف حفلة واحدة يف بريوت‪ .‬لدى عوديت فوجئت باملعاون َّ‬ ‫‪63‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫ُ‬ ‫ً‬ ‫استبدلت ُه بقطعة خشب‬ ‫مفرتضا أن أمحله‬ ‫إطالق النار‪ ،‬حتى أن املسدس الذي كان‬ ‫كنت أدُ ُّسها يف البيت اجللدي كي أوهم رؤسائي أنني أمحل مسديس‪ .‬ووضع‬ ‫سنغاليا ال يفهم عيلَّ وال أفهم عليه‪ .‬يف تلك الليلة خطف‬ ‫پوتيون يف ترصيف جند ًيا‬ ‫ً‬ ‫الرئيسني بشارة اخلوري ورياض الصلح إىل مكان جمهول‪ .‬وجاءين صديق‬ ‫الفرنسيون َ‬ ‫ً‬ ‫متعامال مع األمن العام الفرنيس فهمس يل أنه هو الذي قاد السيارة إىل قلعة‬ ‫كان‬ ‫راشيا حيث َّتم اعتقال املوقوفني‪ .‬مل يكن أحدٌ يف بريوت يعرف شي ًئا عن مصري‬ ‫فهرعت ً‬ ‫ليال إىل منـزل إدوار أبو جودة (وكان من أركان الكتلة‬ ‫الرئيس املخطوف‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫الدستورية التي يرئسها الشيخ بشارة اخلوري) وقلت له إن الرئيس وصحبه موجودون‬ ‫رأيت پوتيون مييش يف الشارع‬ ‫يف قلعة راشيا فتح َّر َك عىل الفور‪ .‬بعد عرشة أيام ُ‬ ‫ً‬ ‫فعلمت أن الفرنسيني ُغلبوا عىل أمرهم َّ‬ ‫وأن الرئيس وصحبه‬ ‫متدروشا بثياب عتيقة‬ ‫ُ‬ ‫يومئذ (‪ ٢٢‬ترشين الثاين ‪ )١٩٤٣‬مبظاهرات‬ ‫باتوا طليقني‪ .‬وبالفعل اشتعلت بريوت‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫حتسبا ألي هجوم علينا‪ ،‬لكنني تركت‬ ‫فحم َلنا پوتيون جمددً ا‬ ‫االبتهاج َّ‬ ‫بنادق عتيق ًة ً‬ ‫جانبا ورحت أهتف مع املتظاهرين‪.‬‬ ‫البندقية ً‬ ‫وصلت من أنطلياس إىل دوام وظيفتي يف النظارة ففوجئت بني‬ ‫بعد أيام‬ ‫ُ‬ ‫مضمد اليد‪ .‬رصخت به‪ :‬شيخ پيار‪َ ،‬مل‬ ‫اجلميل ّ‬ ‫املوقوفني اجلدد بالشيخ پيار ّ‬ ‫قلت‪ :‬أنا منصور ابن حنا عايص من أنطلياس‪.‬‬ ‫أنت هنا؟‪ ‬قال‪َ :‬من أنت؟‪ُ ‬‬ ‫رساحنا ّ‬ ‫فقال‪ :‬أبو عايص! ُ‬ ‫وإال‬ ‫پوتيون أن ُيطلق َ‬ ‫عرفته‪ .‬قل لرئيسك الليوتنان‬ ‫ُّ‬ ‫قمت بجولة يف الزنزانات‬ ‫پوتيون‬ ‫سيواجه مشكلة كبرية‪ .‬وقبل أن أخرج إىل‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫فوجدت يف إحداها الياس ربايب ويف أخرى فؤاد صوايا (كان حمافظ اجلنوب)‬ ‫الباقية‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫وطويال بعدها‬ ‫وفهمت أن معرك ًة حصلت بني الفرنسيني والشيخ پيار وأعوانه‪.‬‬ ‫‪‬حمبوسا يف قاووش منصور‬ ‫ظلَّ الشيخ پيار يذكر يف جلساته اخلاصة أنه كان‬ ‫ً‬ ‫الرحباين‪.‬‬ ‫من مرحلة األمن العام الفرنيس ً‬ ‫أيضا أن الضباط كانوا يعطونني ‪‬شيفرة‪‬‬ ‫أخب ـ ُئها يف جيبي وأذهب يف‬ ‫احللفاء الرسية كي ُأحر َقها ُوأت ِل َف ما فيها‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫فكنت ِّ‬ ‫‪62‬‬


‫قصة األخوين رحباني كما رواها منصور‬ ‫ّ‬

‫يف خريف ‪ ١٩٤٣‬قررنا مع بعض شباب الضيعة إنشاء نا ٍد ثقايف ريايض لتنظيم‬ ‫احلفالت واملحارضات والنشاطات الرياضية‪ .‬كان رئيسه ميشال خطار أبو جودة‬ ‫(عم زوجتي تريز يف ما بعد‪ ،‬وهو غري الصحايف املعروف)‪ .‬وفيام نائب الرئيس يتبدّ ل‬ ‫وكنت أنا رئيس اللجنة الرياضية‪.‬‬ ‫دائما عايص‬ ‫ُ‬ ‫من شخص إىل آخر كان أمني الرس ً‬ ‫بدأنا نشاطاتنا بإحياء املواسم االجتامعية والدينية (عيد الرببارة‪ ،‬حفالت‬ ‫مهتمني بالنادي وينتظرون نشاطاتنا ملا جاءت‬ ‫اللعازر‪ ،)...،‬وبات أهلُ أنطلياس ِّ‬ ‫فريق من شباب الضيعة‬ ‫به من جديد‪ .‬كنا ندعوهم إىل حفالت نغني فيها مع ٍ‬ ‫بدائيا‪ .‬إمنا من تلك احلفالت بالذات‪ ،‬نشأت‬ ‫ونعزف البزق والكامن‪ ،‬وكان عزفنا ً‬ ‫نوا ُة ما سيكون أسلوب األخوين رحباين يف ما بعد‪ .‬بدأ اجتاهنا (عكس ما كان‬ ‫سائدً ا) إىل وضع أغنية قصرية ال تتعدى الدقائق الثالث‪ .‬كان عندنا هذا امليل‬ ‫منذ البدء ملا كان يزعجُ نا طول أغنيات ذلك الزمان مبواضيعها و ُنواحها وتطويالهتا‬ ‫جممعة‬ ‫بشكل‬ ‫فرتتئذ‬ ‫وتكراراهتا‪ .‬كنا نشعر (رمبا‬ ‫الواع) أن كهربة اجلامل وحدة َّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫َّ‬ ‫هتب إليك‬ ‫مكثفة ال جيوز التفريط هبا كي ال تضيع‪ ،‬كام حني تفتح قارورة عطر ُّ‬ ‫شمة العطر حلظة ثم متيض‪ ،‬وكام عبري الوردة يفوح حلظ ًة رسيع ًة ومييض‪ ،‬وكلام‬ ‫عليك َش َّم العبري‪ .‬أردنا أن نقطف كمية اجلامل َّ‬ ‫ت َ‬ ‫املكثفة فاخترصناها‬ ‫ت أفسدْ َ‬ ‫أط ْل َ‬ ‫متاما كام يف الفاكهة‪ :‬كمي ُة‬ ‫ت تأثري‪ ،‬بدون رشح وتطويل‪ً .‬‬ ‫يف أغني ٍة قصري ٍة ذا ِ‬ ‫ّ‬ ‫تركت شجرة الدراق من دون ري تثمر أقل‬ ‫السكر يف الشجرة هي نفسها‪ ،‬فإذا‬ ‫َ‬ ‫كثريا َوأ ْ‬ ‫لكنها حتوي كلَّ كمية السكر‪ ،‬بينام إذا َ‬ ‫ت عليها أسمد ًة وموادَّ‬ ‫ضف َ‬ ‫رويتها ً‬ ‫كيامئي ًة تثمر أكثر وتتو َّزع كمي ُة السكر فيها عىل هذا األكثر فتصبح احلبة َأقلَّ ُس َّك ًرا‬ ‫وأضعف مذا ًقا‪.‬‬ ‫َّتنبهنا‪ ،‬عايص وأنا‪ ،‬منذ املطالع إىل هذا األمر‪ ،‬واعتمدنا وحدة األغنية القصرية‬ ‫أغان‬ ‫واللغة السلسة واللحن املغاير‪ .‬يف أعامل النادي‪ ،‬تلك الفرتة‪ْ ،‬‬ ‫أطلعنا سلسل َة ٍ‬ ‫تفتح‬ ‫قصري ٍة َت َم َّك َن ْ‬ ‫ت‪ ،‬من ساحة أنطلياس‪ ،‬أن تغزو مرص والرشق يف ما بعد‪ ،‬وأن َ‬ ‫وموسيقيا‪.‬‬ ‫ت به شعر ًيا‬ ‫فيه موج ًة جديد ًة َأ َّث َر ْ‬ ‫ً‬ ‫‪65‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫ساه َرين ينتظرانني‪ .‬لكن األمر انقىض عىل خري ألهنام كانا صديقني يل ويعرفان ولعي‬ ‫باملوسيقى‪.‬‬ ‫مراقبا للمطاحن يف بريوت كي ال ميزج الطحّ انون القمح‬ ‫ذات فرتة َّعينوين ً‬ ‫اجلديد بقمح قديم أو خيلطوه باملاء فيزيد وزنه‪ .‬كنت أصل إىل مطحنة بامبوكجيان‬ ‫ويكون الطحان َه َّي َأ يل ً‬ ‫وثريا فأنام عليه فيام التزوير مشتغل‪ ،‬وال أعود أكمل‬ ‫فراشا ً‬ ‫إىل الباقيتني‪ :‬مطحنة بقاليان ومطحنة الرباج‪.‬‬ ‫ً‬ ‫مسؤوال عن القلم العديل وتوزيع األحكام‬ ‫وحني أصبحت (عام ‪)١٩٤٨‬‬ ‫للتنفيذ (كان رئييس عيل عالء الدين‪ ،‬عم الفنان شوشو يف ما بعد) حدث أن‬ ‫َّ‬ ‫دشن الرئيس بشارة اخلوري قرص األونسكو‪ .‬وكان الشيوعيون ضد املرشوع‬ ‫وتظاهروا فتم اعتقاهلم وجيء هبم إىل القلم العديل‪ .‬وحني كانوا جمتمعني حويل‬ ‫أخذت أدندن ً‬ ‫حلنا جاءين فجأ ًة فاعتقد املوقوفون يف الزاوية البعيدة‬ ‫وأنا عىل الباب‬ ‫ُ‬ ‫أين أدندن النشيد الشيوعي‪ .‬وما هي حتى بدأ أحدُ هم ّ‬ ‫ثان فثالث‬ ‫يغني وتاله ٍ‬ ‫وأخذوا يغنون معتقدين أن رفاقهم عند الباب يعطوهنم إشارة بنشيد الشيوعيني‬ ‫حلن رويس قديم)‪:‬‬ ‫(وهو من كلامت قبالن مكرزل عىل ٍ‬

‫وطين ـيــاـ مطـلـــــع اجلمـــاـل ِ‬ ‫وطـنــــي ابلضيــــم ال نباـلــــي‬

‫وطـــــي اي مـــــرح األابةْ‬ ‫شـأْنــنــا أن نسحق الطغاةْ‬

‫ً‬ ‫صارخا هبم‪ :‬شو جايبينيل ستالني عىل‬ ‫ركض املفتشون وهرع رئيس الدائرة‬ ‫الدايره؟ اخرسوا‪ .‬وأمر الرشطة فاهنالوا عليهم بالرضب وكان كل ذلك بسببي‪.‬‬ ‫ت آثار هذه املرحلة‬ ‫وبقي ْ‬ ‫هكذا كنت أفشل ‪‬أفندي‪ ‬يف اجلمهورية اللبنانية‪َ .‬‬ ‫يف أعاملنا خالل شخصيات الشاويش والكركول والبوليس واملخفر حفلت هبا ً‬ ‫الحقا‬ ‫مرسحياتنا وحواراتنا الغنائية‪.‬‬ ‫يلون تلك الفرتة يف ‪‬سلك الوظيفة‪ :‬اهنامكنا باألعامل الفنية يف‬ ‫عىل أن ما كان ِّ‬ ‫نادي أنطلياس‪.‬‬ ‫‪64‬‬


‫قصة األخوين رحباني كما رواها منصور‬ ‫ّ‬

‫عاصي وتوفيق الباشا يف ّ‬ ‫فوار أنطلياس‬

‫ت ّ‬ ‫ميل‬ ‫ح ْلـــو ا ْل وَرَد َع الـعــــــني َ‬ ‫رشفـنــــاـ‪‬‬ ‫ش ّد العزميِــــه وقال‪ِّ  :‬‬

‫عاصي يف إحدى جلسات التدريب‬

‫أمســر كحيل العني مـ ّـى وراح‬ ‫ِق ْل ْتلو‪ :‬مــــروح‪ ...‬ابألفـــراح‪‬‬

‫يف هذه احلقبة بالذات بدأنا مرحل ًة ميكن اعتبا ُرها نوا َة ما سيكون يف ما بعد‪:‬‬ ‫املرسحية الغنائية‪ .‬ففي النادي كنا نقدّ م حفال ِتنا ً‬ ‫أعامال نكتبها ونلحِّ نها ّ‬ ‫ومنثل فيها‬ ‫ت غنائي ًة من نحو عرشين دقيقة ذات موضوع واحد وحوارات غنائية‬ ‫ونغني‪ ،‬لوحا ٍ‬ ‫وأغنيات قصرية‪ ،‬يف قصة واحدة كاملة املعاجلة الدرامية‪ .‬من تلك األعامل‪ :‬عذارى‬ ‫الغدير‪ ،‬عرس يف ضوء القمر‪( ‬قصة كاملة يف ‪ ٢٠‬دقيقة عن خطف العروس)‪،‬‬ ‫‪‬تاجر حرب‪( ‬لوحة واحدة من ‪ ١٥‬دقيقة)‪ .‬ومن األغنيات التي أطلقناها فرت َت ٍئذ‬ ‫‪67‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫عاصي ومنصور يف مطالع الشباب‬

‫ت عبيق ًة بعبري‬ ‫ب اإليقاع َ‬ ‫مطم ِئ ِّنه ِفجئنا نحمل نسام ٍ‬ ‫زمن رتي ِ‬ ‫كان ذلك يف ٍ‬ ‫ً‬ ‫رصاخا جديدً ا جيب أن هيدم‬ ‫زهر الليمون يف أنطلياس‪ ،‬وشعرنا‪ ،‬عايص وأنا‪ ،‬أن‬ ‫مغاير كلَّ ما هو‬ ‫ذات عطاءٍ‬ ‫األمناط السائدة فكانت بداياتنا‪ ،‬منذ نادي أنطلياس‪َ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫مألوف‪ .‬ومنـ ــذ حماوالتنا التأليفيـ ــة األوىل تلك‪ ،‬كانت عيوننــا تتجه إىل املرسح من‬ ‫اجتهت عيو ُننا إىل هذا الفن املعقد‪ .‬جئنا م ـ ــن خمزون طفولتنا‬ ‫دون أن ندري ملاذا َ‬ ‫سمعنا‬ ‫ـال‬ ‫ت السهر‪ْ ،‬‬ ‫وفرسان سكنوا الذاكرة الشعبي ــة وحكايا ِ‬ ‫املمتلئة بأخبـ ــار أبط ـ ـ ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫والحقا‬ ‫معظمها من جدَّ تنا غيت ــا التي مح َلت لنا خمزون تراث وعادات فولكلورية‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َّحل َّنا قصائدَ ومواويلَ كثري ًة ال نعرف حتى اليوم َمن َكت َبها‪ ،‬وكنا سمعناها يف‬ ‫حكايات جدتنا‪ .‬ومنها‪:‬‬ ‫‪66‬‬


‫قصة األخوين رحباني كما رواها منصور‬ ‫ّ‬

‫ذات ليلة جئنا بشخص يدعى الدكتور سعيد ليقوم بأعامل سحرية وهبلوانية‬ ‫فأقنعت الرجلَ بعد احلفلة أن يرتك أغراضه يف‬ ‫وتنويم مغناطييس‪ .‬أدهشني األمر‬ ‫ُ‬ ‫عدت إىل تلك‬ ‫غرفة من النادي لليوم التايل وال خوف عليها‪ .‬وبعد منتصف الليل‬ ‫ُ‬ ‫اكتشفت الرس وراء ألعابه السحرية التي أدهشت‬ ‫وفتشت كل أغراضه حتى‬ ‫الغرفة‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫اجلمهور تلك الليلة الفائتة‪.‬‬ ‫انطال ًقا من نجاحاتنا يف نادي أنطلياس‪ ،‬ق َّررنا تكوين فرقة فنية جوالة َوأخذنا‬ ‫نقدِّ م أعاملنا بعد عرضها يف نادي أنطلياس مضافة إليها أعامل جديدة‪ .‬ورحنا نجول‬ ‫تكو َن لنا مجهو ٌر بدأ‬ ‫بفرقتنا عىل القرى والدساكر املجاورة نقيم فيها احلفالت‪ ،‬حتى َّ‬ ‫يعرفنا ويتابع أعاملنا وينتظرها‪ .‬كان الناس تواقني إليها كأمنا كانوا ينتظرون جديدً ا‪.‬‬ ‫شجعنا اجلمهور‬ ‫ونحن منذ املطالع بدأنا مغايرين‪ :‬لغ ًة شعري ًة وموسيقى وأحلا ًنا‪ .‬لذا َ‬ ‫وتعاطف معنا‪ .‬وانطلقت منذ تلك الفرتة ‪‬فرقة والد الرحباين‪.‬‬ ‫أخذت تتكاثر حفالتنا يف املناطق‪ .‬ومل ختلُ هذه‪ ،‬كام مرسحياتنا األوىل‪ ،‬من‬ ‫مشاكل طريفة‪ .‬فمرة كنا نقدّ م حفلة غنائية يف فالوغا‪ ،‬وانتهى برناجمُنا املقرر فطلب‬ ‫اجلمهور اسكتش ‪‬سبع وخمول وبو فارس‪ ‬فرفضنا بحجة انتصاف الليل َ‬ ‫وتأ ُّخر الوقت‬ ‫لعودتنا إىل أنطلياس‪ .‬اجتمع علينا اجلمهور فاهنال علينا رض ًبا‪ .‬قدمنا شكوى فحكم‬ ‫لنا القايض بثالمثئة ومخسني لرية كانت تساوي املبلغ الذي تقاضيناه عىل حفلتنا‪،‬‬ ‫مزدوجا ولو عىل حساب بعض اللكامت والعيص‪.‬‬ ‫ً‬ ‫فكان ربحنا‬ ‫بدأنا نشتهر منذ تلك احلفالت اجلوالة إىل جانب حفالت ‪‬مقهى سعادة‪ ‬عىل‬ ‫وكازين وات النصف الثاين‬ ‫الدورة و‪‬مقهى منصور‪ ‬عىل الزيتونة ومعظم مقاهي‬ ‫ُ‬ ‫من األربعينات‪ .‬كنا نعزف‪ :‬عايص عىل الكمنجة‪ ،‬وأنا عىل البزق (مع أنني عازف‬ ‫سيئ)‪ .‬وبدأنا نأخذ معنا َ‬ ‫شقيقنا األصغر الياس ي ُردُّ يف الكورس ويقوم مبونولوجات‬ ‫ّ‬ ‫صغرية طريفة نكتبها له‪ ،‬منها ً‬ ‫إنت يا خاي إنو الداعي قبضاي‪ ‬وكان‬ ‫مثال‪ :‬بتعرف َ‬ ‫ضارب إيقاع جيدً ا منذ طفولته‪ .‬كام غنت معنا يف حفالت تلك الفرتة مطربتان‬ ‫َ‬ ‫ناشئتان يومها‪ :‬نزهة يونس‪ ،‬و‪‬التكتوكة‪( ‬شقيقة امللحن جورج يزبك)‪ .‬ويف تلك‬ ‫‪69‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫وشاعت ً‬ ‫الحقا‪ :‬سلمى‪ّ ،‬‬ ‫‪‬مشي معي نالقي القمر‪ ،‬نحنا دجاجات احلب‪،‬‬ ‫‪‬عدنا رأيناها‪ ،‬ط ّلي من الطا َقه‪ْ ...‬ان كنتي مشتا َقه‪ ،‬ومنها‪:‬‬

‫رَأَيناـهـــــــــــاـ‬ ‫عُدـنــــــاـ‬ ‫عيناـهـــــــــــاـ‬ ‫تـقــــــــول‬ ‫ـمـــــــــاـ ـك ـــ ــان أحالها‬

‫ِ‬ ‫أشـــــــــواق‬ ‫يف يـــــــوم‬ ‫ِ‬ ‫ابق‬ ‫إن اهلــــــــــوى‬ ‫عـــــــــــدان رأيــــــنــــــاهــــــا‬

‫وأعاملٌ كثري ٌة سواها َ‬ ‫انتق َلت معنا إىل حفال ِتنا اجلوالة فإىل اإلذاعة َّثم صدرت‬ ‫مسجَّ َل ًة عىل أسطوانات وراجت‪ ،‬وبعضها ال يزال رائجً ا حتى اليوم‪ ،‬ويعود يف‬ ‫جذوره األوىل إىل مطالعنا يف نادي أنطلياس‪ ،‬تلك التي ميكن اعتبارها مخري َة الظاهرة‬ ‫ومرسحا ً‬ ‫ت نواة أعامل غنائية وموسيقية‬ ‫وحلنا‬ ‫ً‬ ‫الرحبانية أغني ًة‬ ‫وكالم أغنية‪َ ،‬مح َل ْ‬ ‫َ‬ ‫ستنترش يف ما بعد‪.‬‬ ‫بصبي ٍة جديدة يف خطواهتا‬ ‫كنا نستعني للغناء بشقيقتنا سلوى‪ .‬ومر ًة جئنا ّ‬ ‫ت جئنا مبطربة كانت بدأت‬ ‫األوىل‪ ،‬هي التي ستصبح يف ما بعد سمرية توفيق‪ .‬وم ّرا ٍ‬ ‫تشتهر يومها‪ :‬هناد مشعالين‪ ،‬وأحيا ًنا كنا نستعني بشباب أنطلياس وصباياها‪.‬‬ ‫يف النادي ْ‬ ‫وطنيا برعاية رئيس اجلمهورية‪ .‬كنا‬ ‫أنشأنا ‪‬عيد الليمون‪ ‬وجعلناه ً‬ ‫ويتضمن معارض من كل لبنان زراعية وصناعية وفنية‪ ،‬وحمارضات‪،‬‬ ‫نقدّ مه عدة أيام‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫وجعلنا فيه إذاع ًة حملية نبثّ منها أناشيدَ وأغاينَ ُ‬ ‫ونتوج‬ ‫وخ َط ًبا‪ .‬وكنا نعطي جوائز ِّ‬ ‫اليوم األخري بعروض (منها عرض اجليوش التي تعاقبت عىل املرور بلبنان من أول‬ ‫التاريخ حتى اليوم)‪ ،‬واستعراضات ومواكب تشرتك فيها فرق كشاف لبنان وكشاف‬ ‫اجل َّراح وفرق موسيقية‪ .‬ومن أجل هذا العيد السنوي كتبنا نشيدً ا ّ‬ ‫وحلناه‪ ،‬يقول‬ ‫مطلعه‪:‬‬

‫ـيـــــاـ الــي جاـيي تتـفــــرـج‬ ‫ـمــــــنـ لميوانـتــــــــاـ حتـ َّوج‬ ‫‪68‬‬

‫أنـــــطـــــلـــــيـــــاس‬ ‫َع‬ ‫يش عـــــــر كــــيــــاس‬


‫قصة األخوين رحباني كما رواها منصور‬ ‫ّ‬

‫منصور مع الشاعر قبالن مكرزل‬

‫عاصي ومنصور يتذكران طفولتهما يف ّ‬ ‫فوار أنطلياس‬

‫ويف حادثة عىل الزيتونة‪ :‬كانت بريوت متوترة‪ ،‬ومجيع رجال الرشطة واألمن‬ ‫انتظرت‬ ‫كبري قام به يومها موظفو وعامل السكك احلديدية‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫حمجوزين تصد ًيا إلرضا ٍ‬ ‫ب ٍ‬ ‫وهربت إىل مقهى الزيتونة (وكان معي أخي الياس الرحباين وهناد‬ ‫حتى أول الليل‬ ‫ُ‬ ‫وألصقت شاربني ومهيني ولبست نظارات من دون‬ ‫لبست ثيا ًبا روسية‬ ‫مشعالين)‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫زجاج وصعدت إىل املرسح أعزف‪ .‬وكنت أسمع ليلتها ً‬ ‫ضباطا من رؤسائي يف األمن‬ ‫العام منطربني باحلفلة يقولون‪ :‬هذا العازف عىل البزق كم يشبه منصور الرحباين‬ ‫تعمد أحد الضباط (مصطفى كنعاين‪ ،‬املفتش‬ ‫لكن منصور بدون شاربني‪ .‬ليلتها َّ‬ ‫معا أيام األمن العام الفرنيس) أن ينتظرين بعد احلفلة‪ ،‬فـ‪‬ضبطني‪‬‬ ‫يف التحري وكنا ً‬ ‫خارجا من الكواليس بدون الشاربني والنظارات‪ .‬هلعت لرؤيته فقال‪ :‬مل أنتظرك‬ ‫ً‬ ‫انتظرت فقط حتى أتأكد من أنك منصور‪ .‬لن أخرب عنك فأنا‬ ‫ألضبطك َوأيش بك‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫منرصف إىل الفن دون الوظيفة‪ ،‬ومستقبلك أن‬ ‫أعرف هوايتك الفنية وأعرف أنك‬ ‫تكون ابن الفن ال ابن احلكومة‪.‬‬ ‫رشطيا سي ًئا ودائم اهلرب‪ .‬أهرب من‬ ‫هكذا كانت حيايت يف الوظيفة‪ .‬كنت‬ ‫ً‬ ‫متباهيا‬ ‫الوظيفة إىل العزف أو الغناء أو احلفالت أو حتى كي أسهر عند الصبايا‬ ‫ً‬ ‫‪71‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫مكنية وابن شقيقته عازف التشيلو توفيق الباشا‬ ‫املرحلة التقينا بعازف الكامن خليل ّ‬ ‫وملحن ناشئ يومها‪ :‬زكي ناصيف‪.‬‬ ‫ذات ليلة كنت أعزف البزق مع إنصاف منري وهي تغني ‪‬سلوا قلبي‪َ ‬‬ ‫فغف ْوت‪.‬‬ ‫ت سوداء لتمويه شكيل‪ ،‬كوين يف الرشطة‬ ‫لكن اجلمهور مل ينتبه ألين كنت أضع نظارا ٍ‬ ‫وال حيق يل العمل وأنا ‪‬ابن حكومة‪.‬‬ ‫ومن أحداث تلك الفرتة ً‬ ‫أيضا‪ :‬كان ‪‬مقهى سعادة‪ ‬تعاقد مع مطربة تدعى‬ ‫فاعتذرت ألنني‪،‬‬ ‫إيل أن أعزف معها عىل الكامن يف فرقتها املوسيقية‬ ‫ُ‬ ‫ت َّ‬ ‫ورغب ْ‬ ‫هنوند‪َ .‬‬ ‫وأنا يف سلك الوظيفة‪ ،‬ال أجتارس عىل املراهنة بالعزف ً‬ ‫فعزفت ليلتها‪،‬‬ ‫أرصت‬ ‫ُ‬ ‫علنا‪َّ .‬‬ ‫وجاء من هيمس يل  ‪ -‬وأنا عىل املرسح ‪َّ -‬‬ ‫  أن معاو ًنا يف الرشطة (منصور شليطا)‬ ‫حتايلت عليه بوضع الكامن أمام وجهي‬ ‫عينيا أخالف قانون الوظيفة‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫وصل ليضبطني ً‬ ‫فال يراين لكنه استدار من الطرف اآلخر للمرسح ووقعت ُ‬ ‫عينه عىل عيني َف َت َوعَّ دين‬ ‫وصلت إىل املخفر فقيل يل‪ :‬أمحد بك يريد أن يراك‪( ‬أمحد‬ ‫بيده‪ .‬يف اليوم التايل‬ ‫ُ‬ ‫بك منيمنة رئيس الرشطة القضائية)‪ .‬وما دخلت عليه حتى انفجر يب‪ :‬يا منصور‪،‬‬ ‫عيب تكون ابن صديقي واخي حنا عايص وتغني عىل املسارح‪ .‬والدك كان يطلق‬ ‫النار عىل الناس فريعبهم‪ ،‬وأنت اليوم تطرهبم؟ أنت مهمتك أن تدهم الناس ِّ‬ ‫وتنظم‬ ‫فيهم خمالفات وحمارض ضبط وتفرض النظام‪ ،‬فكيف تعزف هلم وتغني كي يطربوا‬ ‫فيخرجوا عن النظام؟‪ .‬وانقىض األمر يومها بأن متنى عيلَّ ‪ ،‬كرمى لذكرى املرحوم‬ ‫والدي صديقه‪ّ ،‬أال أعود ثانية إىل هذه املخالفات‪.‬‬ ‫بعدها بأسابيع كنت يف أحد مقاهي عاليه أعزف البزق وراء راقصة تدعى‬ ‫‪‬كواكب‪ .‬فجأ ًة دخل املبنى أمحد بك ُيجري ً‬ ‫هاتفيا بالرشطة ألن سيارته‬ ‫اتصاال ً‬ ‫انقطعت يف طلعة عاليه‪ .‬وجاء من هيمس يل بأن أمحد بك وصل فظننت أنه جاء‬ ‫وهرعت قافزًا عن املرسح فعلقَ البزُق بطرف فستان الراقصة‪.‬‬ ‫هلعت‬ ‫حيرض احلفلة‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫وأكملت هريب ال ألوي عىل ما حصل‬ ‫أخذت هي تشدُّ وأنا أشدُّ حتى امنزق فستاهنا‬ ‫ُ‬ ‫أنقذت املوقف قبل أن يدري يب أمحد بك منيمنة‪.‬‬ ‫حتى‬ ‫ُ‬ ‫‪70‬‬


‫فيروز ومطالع الشهرة‬

‫بعد إخفاق عاصي ومنصور الرحباين يف سلك الوظيفة‪ ،‬ونجاحهما يف‬ ‫أعمال غنائية وموسيقية ومسرحية بدأت يف ساحة الضيعة وتطورت مع نادي‬ ‫أنطلياس وانطلقت إىل الحفالت يف المقاهي والقرى والمصايف‪ ،‬انفتحت‬ ‫ٌ‬ ‫فرصة أخرى دفعت‬ ‫فرصة مهمة أمام عاصي لدخول اإلذاعة اللبنانية‪َ ،‬ت َل ْتها‬ ‫منصور ً‬ ‫أيضا إىل ترك بزة البوليس العديل واالنصراف ً‬ ‫كليا إىل أعمال بدأت‬ ‫تظهر بتوقيع‪ :‬األخوين رحباين‪.‬‬

‫من الصدف التي ُت ِّغير عاد ًة يف جمرى حياة كاملة‪ ،‬أن حرض إحدى حفالتنا‬ ‫يف نادي أنطلياس (عام ‪ )١٩٤٥‬صديقٌ محيم للوالد يدعى إيليا أبو الروس‪ .‬عند‬ ‫هناية احلفلة‪ ،‬وفيام هو ُي َه ِّنــئنا‪ ،‬قال‪ :‬جيب ّأال َت َبقيا حمصو َرين يف أنطلياس وبحفالتكام‬ ‫املتفرقة يف القرى‪ .‬جيب أن تصال أرسعَ إىل أكرب عدد من الناس‪ .‬والطريقة الوحيدة‬ ‫هي اإلذاعة‪ .‬وملا مل نكن نعرف أحدً ا يف اإلذاعة (مركزها عهدذاك يف الرساي‬ ‫أرس َلنا إىل صديق له فيها يدعى ميشال خياط‪.‬‬ ‫القديم) َ‬ ‫ب لوننا اجلديد ودعانا إىل اللقاء بلجنة خمتصة يف‬ ‫التقينا خياط بعد َأيام‪َ ،‬أح َّ‬ ‫اإلذاعة كي تستمع إىل أعاملنا‪ .‬وأمام أعضاء تلك اللجنة (ميشال خياط‪ ،‬نقوال‬ ‫ا َمل ِّني‪ ،‬حليم الرومي‪ ،‬جورج فرح‪ )... ،‬قدَّ منا بعض أعاملنا (‪‬سمراء مها‪ ،‬يا‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫ببزيت العسكرية‪ .‬وكم كان حيدث أن أقرأ هلن قصائد أكون ُ‬ ‫كتبتها عىل مقلب حمارض‬ ‫ً‬ ‫مفروضا أن آخذها للتنفيذ‪.‬‬ ‫األحكام التي كان‬ ‫كل ما كان حيدث لعايص ويل خالل تلك الفرتة (يف النادي والبلدية والرشطة‪،‬‬ ‫بني جدٍّ وهزل وهرب ومغامرات) كان ِّهيي ُئ عايص لدخول االحرتاف الفني برتكه‬ ‫البلدية‪ ،‬وكان هييئني لاللتحاق بخطوته االحرتافية بعد دخوله امليدان الفني بفضل‬ ‫صدف ٍة فتحت أمامه فرص ًة مهمة‪ :‬اإلذاعة اللبنانية‪.‬‬ ‫عاصي ومنصور والحلم البعيد‬

‫‪72‬‬


‫قصة األخوين رحباني كما رواها منصور‬ ‫ّ‬

‫منصور يف إذاعة ‪‬الشرق األدنى‪)1956( ‬‬

‫عاصي يف إذاعة ‪‬الشرق األدنى‪)1956( ‬‬

‫‪75‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫ساحر العينني‪ ،‬زورق احلب لنا‪ )... ،‬ففوجئوا ُبأغنيات ال تكاد تبدأ حتى‬ ‫فرتتئذ معتاد ًة عىل أعامل مرصية طويلة‪،‬‬ ‫تنتهي‪ ،‬يف حني كانت اإلذاعة اللبنانية‬ ‫ٍ‬ ‫أعامل من نقوال ا َمل ِّني وحييى اللبابيدي وعمر الزعني‬ ‫أو بدوية متوسطة‪ ،‬وبعض ٍ‬ ‫وخالد أبو النرص وسامي الصيداوي وفيلمون وهبي وسواهم‪ .‬كان ميشال خياط‬ ‫كبريا لنا َف َق ِب َل ْتنا اللجنة عىل مضض وأتاحت لنا تقديم بعض األعامل من‬ ‫ً‬ ‫داعما ً‬ ‫حني إىل آخر‪.‬‬ ‫كانت معظم أعاملنا مكتوب ًة للكورس‪ .‬مل تكن لدينا مغنية سولو يف ذاك احلني‬ ‫ُ‬ ‫فاضطررنا جمددً ا إىل االستعانة بشقيقتنا سلوى وسميناها ‪‬املطربة نجوى‪ .‬مل يكن‬ ‫ً‬ ‫صوهتا خار ًقا لكنه كان ً‬ ‫ومعتدال مييل إىل اجلامل‪ .‬بدأنا نقدّ م أغانينا مبارشة‬ ‫مقبوال‬ ‫عىل اهلواء قبل عهد التســجيــالت‪ .‬ومـن الـ ُّـط َرف أننا‪ً ،‬‬ ‫مثال‪ ،‬عند تقديم أغنيتنا‪:‬‬

‫ـب ـــ ـــ ــرد ـبــــــرـد ـبــــــــرد‬ ‫الـنــــــاـرات‬ ‫قرّـبـــــــــــي‬

‫شـــــي وبـــــــــرق ورعـــــد‬ ‫قـــــــرّبـــــــهـــــــن بـــعـــد‬

‫ت صوتية ِل ُن ِوه َم هببوب اهلواء‪.‬‬ ‫كنا ننفخ َبأفواهنا حول امليكروفون كمؤثرا ٍ‬ ‫وتكلمت باسمهم فتجاوبوا‬ ‫أغان المست عواطف الناس‬ ‫َ‬ ‫وبعدها قدَّ منا جمموع َة ٍ‬ ‫معنا برسعة‪ .‬كانت األحلان طالع ًة من هذه األرض‪ ،‬وجئنا مبحتوى شعري ذي‬ ‫أغراض خمتلفة‪ .‬يف ذلك الوقت كان الغناء الشائع حيمل الكثري من الكلامت الذائبة‬ ‫َّ‬ ‫املعطرة (البنفسج‪ ،‬الياسمني‪ ،‬العواذل‪ ،‬الوصال) وكالم دائم عن احلرمان وعبارات‬ ‫رقيقة رسيعة العطب‪ .‬وكانت أقرص أغنية تبلغ عرشين دقيقة‪ ،‬فجئنا نحن بوحدة‬ ‫الدقائق الثالث والكالم املغاير وحتى باللفظ املغاير ً‬ ‫(مثال كنا نلفظ ‪َ ‬ل ْيل‪ ‬بفتح‬ ‫الالم وتسكني الياء فيام كان الشائع املرصي بكرس الالم) وجئنا مبفردات الوعر‬ ‫والصخر والشوك وسواها‪ .‬كان الكثريون يرفضون الغناء معنا حتى يف الكورس‬ ‫ألن كلامتنا ‪‬قاسية جبلية‪ .‬كام كان املوسيقيون يشيحون عن عزف أغنياتنا خلروج‬ ‫ُج َملها املوسيقية عن مألوف ما كانوا يعزفون‪.‬‬ ‫‪74‬‬


‫قصة األخوين رحباني كما رواها منصور‬ ‫ّ‬

‫توفيق ّ‬ ‫دروسا يف التحليل املوسيقي (حتليل‬ ‫سكر من پاريس فطلبنا منه أن يعطينا ً‬ ‫دروسا يف املوسيقى الرشقية‬ ‫السوناتات والسمفونيات) مقابلَ ما أعطيناه نحن‬ ‫ً‬ ‫واألرباع الصوتية‪.‬‬ ‫فرتتئذ بأغنياتنا وموسيقانا وسكتشاتنا‪ .‬وكان فؤاد قاسم‬ ‫تتوسع‬ ‫ٍ‬ ‫بدأت شهرتنا ّ‬ ‫ً‬ ‫فرصا أوسع للعمل وأركا ًنا إضافية‬ ‫مؤمنا هبا يشجِّ عنا عىل الغناء باللبنانية ويعطينا ً‬ ‫ت أعاملٌ جديدة مثل ُ‬ ‫‪‬شداة الوادي‪ ،‬ملى وملياء‪ ،‬عروس‬ ‫نلحنها‪ .‬هكذا و ِلدَ ْ‬ ‫ٌ‬ ‫وأركان سواها كان عايص مضط ًّرا إىل تلحينها كي ترصف له اإلذاعة معاشه‬ ‫املواسم‪،‬‬ ‫َ‬ ‫(اكتش َف‪ ،‬بعد نحو عام‪َّ ،‬أن أمني صندوق‬ ‫آخر الشهر كـ‪‬ملحن‪/‬مؤلف أركان‪‬‬ ‫قسما من معاشه ويعطيه الباقي وهو ال يدري)‪ .‬بدأ املستمعون‬ ‫اإلذاعة كان خيتلس ً‬ ‫يتابعون أعاملنا‪ ،‬بدليل ما ملسناه من ازدياد الطلب عىل حفالتنا يف القرى واملدن‬ ‫واملصايف‪.‬‬ ‫ً‬ ‫تلك الفرتة ً‬ ‫صبي ٌة َت ِردُ‬ ‫لقاء‬ ‫مفصال سيغري حياة عايص‪ .‬كانت َّ‬ ‫أيضا شهدت ً‬ ‫اإلذاعة ِّ‬ ‫غناءها املنفرد‬ ‫لتغني األناشيد مع فرقة فليفل‪ .‬وذات يوم ٍ َ‬ ‫سمع حليم الرومي َ‬ ‫ً‬ ‫عظيما‪ .‬استدعى عايص إىل مكتبه وقال‬ ‫مستقبال‬ ‫كثريا ورأى فيها‬ ‫ً‬ ‫فأعجبه صوهتا ً‬ ‫ذات صوت خارق‪ .‬أرى أن تتعاون‬ ‫له‪ :‬عندنا صبية جديدة اسمها هناد حدّ اد‪ُ ،‬‬ ‫اسم ْين َف ِّن َّي ْين‪ :‬فريوز‪‬‬ ‫معها يف أركا ِنك‪ .‬وهكذا كان‪َ .‬خ َّي َرها حليم الرومي بني َ‬ ‫أو ‪‬شهرزاد‪ ،‬فاختارت األول‪ .‬ومن يومها (‪َ )١٩٤٩‬‬ ‫بدأت العالقة املهنية بني عايص‬ ‫وهناد‪ ،‬وأول أغنية َّحلنها هلا كانت ‪‬حبذا يا غروب‪( ‬شعر قبالن مكرزل)‪ .‬ومل تكن‬ ‫َس َب َق ْتها إىل الشهرة من اإلذاعة سوى صباح ونجاح سالم وسعاد حممد‪.‬‬ ‫ذات‬ ‫متوجني منذ اإلطاللة األوىل‪ .‬هكذا جاءت فريوز ُ‬ ‫من الناس من جييئون َّ‬ ‫انضمت إلينا‪َ .‬أصبحنا ثالثة‪ .‬راح صوهتُ ا خيرتق احلواجز العاطفية‬ ‫الصوت املتف ِّرد‪َّ .‬‬ ‫وأخذ يف الوعي سامعيه ُيريس األفكار التي حيملها‪ .‬كانت فريوز هي َ‬ ‫املنتظ َرة الكتامل‬ ‫إجيابيا يف ما بعد‬ ‫رس ً‬ ‫املسرية الرحبانية وانطالقها إىل أبعد‪ ،‬وسينعكس حضورها اآل ُ‬ ‫عىل حركتنا املرسحية‪.‬‬ ‫‪77‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫هكذا َق ِب َلنا اجلمهور و َر َف َضنا العاملون يف احلقل املوسيقي والغنائي‪.‬‬ ‫يواجهنا كل‬ ‫وسط هذه الصعوبة بدأنا‪ .‬والوعر الذي حتدثنا عنه يف أغانينا كان ُ‬ ‫يوم من املعنيني يف اإلذاعة وأعضاء الفرقة املوسيقية والكورس‪ ،‬حتى أمضينا السنوات‬ ‫ت أوصلتنا إىل حافة فقدان األمل من إمكان املواصلة‬ ‫الثالث األوىل حمفوف ًة بصعوبا ٍ‬ ‫مجيل جديد‪.‬‬ ‫وتقديم ما كنا نزخر به من ٍ‬ ‫يف تلك الفرتة الرمادية من مقاربة اليأس تس َّلم مديرية الربامج يف اإلذاعة اللبنانية‬ ‫مثق ٌف منفتح‪ ،‬كان ً‬ ‫(‪ )١٩٤٨‬مسؤولٌ يدعى فؤاد قاسم‪ :‬واع َّ‬ ‫نائبا‬ ‫مهيأ ليكون وزي ًرا أو ً‬ ‫ٍ‬ ‫حيدوه وأرضوه مبنصب مدير الربامج يف اإلذاعة‬ ‫لكنه من رعيل رياض الصلح لذا َّ‬ ‫اللبنانية‪ .‬حني استمع إىل أعاملنا‪ ،‬فور استالمه منصبه‪ ،‬أعجبه أننا نغني باللبنانية‬ ‫ض عليه أن يوظفه يف اإلذاعة‬ ‫وسط ذاك املد املرصي‬ ‫ٍ‬ ‫عهدئذ‪ ،‬فاستدعى عايص وعَ َر َ‬ ‫َ‬ ‫عازف كامن وملحِّ ـ ًـنا‪ .‬ق ِبلَ عايص الوظيفة وظلَّ يزاوج بينها وبني وظيفته األخرى‬ ‫هنائيا لينرصف إىل‬ ‫ونيف‪ ،‬حتى استقال من البلدية ً‬ ‫(يف بلدية أنطلياس) فرتة سنة ّ‬ ‫َ‬ ‫كامن وملحِّ ن أركان (الركن جمموعة من أربع أغنيات)‪.‬‬ ‫وظيفته يف اإلذاعة‬ ‫عازف ٍ‬ ‫فكنت أهني دوامي يف الرشطة‪ ،‬وعوض أن أعود إىل أنطلياس أتوجه‬ ‫أما أنا‬ ‫ُ‬ ‫إىل اإلذاعة عند عايص أشاركه يف تلك األركان‪ .‬من يومها بدأنا بتوقيع ‪‬األخوين‬ ‫رحباين‪ .‬وألننا منذ البدايات كنا نشعر َّ‬ ‫بأن وحدة الفن ليست يف األغنية بل يف ما‬ ‫هو أوسع‪ ،‬اعتمدنا اللوحات (السكتشات) الغنائية (‪‬جريان البحر‪ً ‬‬ ‫مثال‪ ،‬و‪‬راجعون‪‬‬ ‫بلغنا ً‬ ‫يف ما بعد) حتى ْ‬ ‫الحقا املرسحيات الغنائية الكربى‪.‬‬ ‫أحسست بدخولنا ً‬ ‫فعال عا َمل االحرتاف شعرت َّأن ما تع َّلمناه مع بونا‬ ‫حني‬ ‫ُ‬ ‫يزودنا مبادة لالحرتاف‪.‬‬ ‫بولس األشقر ال يكفينا َّإال عىل مستوى اهلواية فقط وال ِّ‬ ‫فضل‬ ‫فاقرتحت عىل عايص أن نأخذ ً‬ ‫دروسا يف التأليف املوسيقي لدى أستا ٍذ ذي ٍ‬ ‫ً‬ ‫أستاذا يف‬ ‫روبيار (كان‬ ‫س من املوسيقيني اللبنانيني‪ ،‬هو برتران َّ‬ ‫عىل جيل ِّ‬ ‫مؤس ٍ‬ ‫األكادميية اللبنانية للفنون اجلميلة حيث درس عايص)‪ .‬درسنا معه نحو تسع سنوات‬ ‫وأقنعنا صديقنا توفيق الباشا بأخذ دروس معنا ففعل‪ .‬يف تلك احلقبة عاد‬ ‫متواصلة ْ‬ ‫‪76‬‬


‫قصة األخوين رحباني كما رواها منصور‬ ‫ّ‬

‫ُ‬ ‫‪‬زورق‬ ‫بعض منها (خاصة‬ ‫بعد نحو ثالث سنوات من شيوع أغانينا تناهى‬ ‫ٌ‬ ‫احلب لنا‪ ‬و‪‬برد برد‪ )‬إىل مسمع صربي الرشيف (رئيس القسم املوسيقي يف‬ ‫ِّ‬ ‫‪‬إذاعة الرشق األدنى‪ ‬من قربص) ومدير تلك اإلذاعة حممد الغصني‪ .‬طلب األخري‬ ‫من صربي أن يسافر إىل بريوت التي ‪‬يبدو َّأن فيها ظاهر ًة فني ًة جديد ًة تستحق‬ ‫االهتامم‪ .‬جاء صربي فالتقيناه وأسمعناه ً‬ ‫سمعها بعد‪ُ .‬ذ ِهل وسألنا‪:‬‬ ‫أعامال مل يكن َ‬ ‫‪‬أين درستام املوسيقى؟ يف إسپانيا؟‪ ‬فأجبناه أننا ‪‬مل نسافر أبدً ا خارج لبنان بل درسنا‬ ‫يف بريوت عىل بونا بولس األشقر‪ ،‬ونواصل اليوم عىل برتران روبيار‪.‬‬ ‫تعاو ٍن مع صربي الرشيف استم َّر حتى‬ ‫اللقاء‬ ‫ً‬ ‫حاسما ألنه أ َّر َخ بدء ُ‬ ‫كان ذاك ُ‬ ‫ب َل َغ أهم مرحلة مر هبا األخوان رحباين‪ .‬ومل َينت ِه ذاك اللقاء َّإال بعدما و ّقع صربي‬ ‫معنا اتفا ًقا عىل وضع جمموعة من األغاين ِّ‬ ‫ننفذها يف بريوت ويأخذها ليذيعها من‬ ‫‪‬حمطة الرشق األدنى لإلذاعة العربية‪ ‬وكانت تديرها وزارة اخلارجية الربيطانية كرشكة‬ ‫مستقلة تذيع برامج وأغنيات و‪‬مت ِّرر‪ ‬سياستها يف نرشات األخبار‪.‬‬ ‫هنا أريد أن أشهدَ للتاريخ َّأن لصربي الرشيف‪ ،‬هذا الرجل املبدع‪ً ،‬‬ ‫عظيما‬ ‫فضال ً‬ ‫عىل املوسيقى اللبنانية‪ .‬وهو ً‬ ‫كثريا مع رفاقه لنقل مكاتب اإلذاعة وميزانيتها‬ ‫الحقا جاهد ً‬ ‫الضخمة إىل بريوت لقناعته بإمكان حتقيق أعامل فنية مهمة انطال ًقا من لبنان‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وفعال‪ ،‬بعد نقل مكاتب اإلذاعة إىل بريوت‪ ،‬احتضننا‪ :‬عايص َوأنا وتوفيق الباشا‬ ‫موسيقيا‪ .‬يف تلك‬ ‫وزكي ناصيف وعبدالغني شعبان وتوفيق سكر وش َّلة من املثقفني‬ ‫ً‬ ‫الفرتة صدر فصلٌ من أوپرا إذاعية عنواهنا ‪‬دنبو اجلبار‪ ‬غناها بأصوات كالسيكية‬ ‫كلٌّ من عايص وخليل مكنية وعبد الغني شعبان‪ .‬يومها اشتهرنا بـ‪‬فرقة اخلمسة‪‬‬ ‫(عايص‪ ،‬منصور‪ ،‬زكي ناصيف‪ ،‬توفيق الباشا‪ ،‬توفيق سكر) وقمنا بالنهضة الفنية التي‬ ‫ا ّتسم هبا لبنان‪ .‬كنا نعقد اجتامعات دورية وندعو الناس إىل إسامعهم أعاملنا اجلديدة‪،‬‬ ‫‪‬إسق العطاش‪ ‬وقصيدة ‪‬ولد‬ ‫عايص وأنا‪ ،‬وتوفيق الباشا الذي كان أصدر موشح‬ ‫ِ‬ ‫اهلدى‪ ،‬وزكي ناصيف الذي َّحلن حوارية ‪‬هو وهي‪ ‬وغناها مع فريوز‪ .‬وكان زكي‬ ‫وتوفيق منذ مطالعهام يعطيان أحلا ًنا رائعة‪.‬‬ ‫‪79‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫فريوز يف مطلع صباها بعد زواجها من عاصي‬ ‫(بعلبك‪)1957 -‬‬

‫يف ‪‬اإلذاعة اللبنانية‪ ‬من اليمين‪ :‬حافظ تقي الدين‪ ،‬عاصي‪،‬‬ ‫محمد عيل فتوح‪ ،‬زكريا أحمد‪ ،‬خالد أبو النصر وميشال خياط‬

‫الطريف يف َأمر تلك الفرتة َّأن عايص كان عاز ًفا سي ًئا يف فرقة اإلذاعة‪ .‬وأكث ُر‬ ‫الذين كانوا رؤساءه وينهرونه ويأمرونه ويرصخون يف وجهه الئمني متذمرين من‬ ‫الس ِّيئ أمسوا ً‬ ‫الحقا عازفني ثانويني أمامه لدى قيادته األوركسرتا‪ ،‬أو مردِّ دين‬ ‫عزفه َّ‬ ‫عاديني يف كورس ‪‬الفرقة الشعبية اللبنانية‪ ‬التي ّ‬ ‫شكلناها يف ما بعد‪.‬‬ ‫أخذ عايص يد ِّرب فريوز‪َ ،‬وأ َخ َذت هي تتأقلم بحسها املرهف اخلارق ا ُمل ْق َت ِبل ا ِملطواع‪،‬‬ ‫وتطلُّ بأنواع جديد ٍة َّغنتها وكنا ً‬ ‫سابقا أعطينا َ‬ ‫ت ُأخرى (شقيقتنا سلوى‪،‬‬ ‫بعضها إىل أصوا ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫كروان‪ ،‬حنان‪ ،)...،‬منها ‪‬شداة الوادي‪ ،‬زورق احلب لنا‪ ،‬سلمى‪ ،‬هذه الربى‬ ‫واجلنان‪ ،‬عذارى الغدير‪ ،‬هل ترى تعرف يوال‪ ،‬سمراء مها‪ ،‬هيفا والديب‪،‬‬ ‫بشكل مذهل‪:‬‬ ‫‪‬جريان البحر‪ ،‬وأغنية ‪‬عتاب‪ ‬التي َس َرت يف الناس‬ ‫ٍ‬

‫ِ‬ ‫ت ـمن العتاب‬ ‫يئس ْ‬ ‫حاجه تعاتبين ْ‬

‫من كرتِما محَّل ْتين هالقلب داب‬

‫وكانت هذه األغنية ركيزة أساسية يف ازدياد شهرة فريوز واألخوين رحباين‪.‬‬ ‫‪78‬‬


‫عاصي ومنصور (يف الصف الثاين) والياس يف يسار الصف الخلفي‬

‫‪81‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫عاصي ومنصور‬ ‫يف إحدى الزيارات الخاصة‬

‫ّ‬ ‫مكنية‬ ‫عاصي وزكي ناصيف وخليل‬

‫رفاق العمر‪ :‬عاصي ومنصور وفيلمون وهبي‬

‫‪80‬‬


‫قصة األخوين رحباني كما رواها منصور‬ ‫ّ‬

‫فريوز بين الكورس يف ‪‬اإلذاعة اللبنانية‪‬‬ ‫مع إدواردو بيانكو (أحد كبار مشاهري التانغو)‬ ‫عاصي عىل البزق وفريوز تغني‬

‫عاجلنا األحلان الفولكلورية كام هي ثم زدنا جديدً ا عىل الفولكلور كي نق ِّربه‬ ‫أكثر من متناول العرص‪ ،‬فوضعنا أغاين مستوحاة من الفولكلور يف إطار ‪‬الرسم‬ ‫ف‪ ...‬ويف‬ ‫(‪‬أحبك يف‬ ‫امليلودي الفولكلوري‪ .‬ووضعنا أغاين حرة‬ ‫صمتي الوار ِ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫ف‪ .)‬كام أتينا بأغنيات عاملية شائعة (التانغو ً‬ ‫مثال) صدرت فرتت ِئ ٍذ‬ ‫رفة اهلدُ ب اخلائ ِ‬ ‫حرجا من وضعها كذلك‬ ‫يف پاريس (بالفرنسية) ويف روما (باإليطالية) فلم نجد ً‬ ‫بالعربية (‪‬ماروشكا‪ ،‬ڤريدي لونا‪ .)...،‬وبلغ اندفاع صربي الرشيف صوب‬ ‫آنئذ) فعزف مقطوعاته الشائعة‬ ‫هذه الظاهرة أن أتى بإدواردو بيانكو (ملك التانغو ٍ‬ ‫وغنتها فريوز بالعربية‪ .‬كام قدمنا موجة األغاين املرتمجة الراقصة (منها ً‬ ‫مثال ‪‬جوين‬ ‫‪83‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫يف تلك الفرتة و ّقعنا‪ ،‬عايص وفريوز وأنا‪ ،‬عقدً ا لعدة سنوات مع صربي‬ ‫شعرت بأن أعاملنا إلذاعة الرشق األدنى تتخذ‬ ‫الرشيف عىل إنتاج عدد من األعامل‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫طابعا ً‬ ‫واحرتافيا‪ .‬وملا كان عقدي مع صربي الرشيف يبلغ ‪ ٧٥٠‬لرية‬ ‫إنتاجيا‬ ‫مكثفا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مت استقالتي (‪ )١٩٥٣‬من سلك الوظيفة‬ ‫شهر ًيا (ومعايش يف الرشطة ‪ ٢٠٠‬لرية) قدّ ُ‬ ‫وانرصفت مع عايص إىل األعامل الفنية‪.‬‬ ‫برامج إذاعية (كنا قدمنا بعضها عىل املرسح يف نادي أنطلياس)‪:‬‬ ‫رحنا ننتج‬ ‫َ‬ ‫أغان فولكلورية (‪‬بو فارس عندو جني ِنه‪ )...،‬وسكتشات ‪‬بو فارس وسبع وخمول‪‬‬ ‫ٍ‬ ‫(اشرتك فيها عايص وأنا وفيلمون وهبي ونرصي شمس الدين وسعاد هاشم وعفيف‬ ‫جتوز‪( ‬فريوز ووديع الصايف)‪،‬‬ ‫رضوان)‪ ،‬روكز َخ َطب‪( ‬فريوز ووديع الصايف) ‪‬روكز َّ‬ ‫‪‬املوسم األزرق‪( ‬صباح وعايص)‪ ،‬جريان البحر‪( ‬فريوز والكورس)‪ ،‬عروس‬ ‫املواسم‪( ‬فريوز ووديع الصايف)‪ .‬كنا نأيت باألحلان الشعبية الفولكلورية املعروفة‬ ‫نطور يف‬ ‫فننسجها يف قصة ونطلقها بأصوات فريوز وصباح ووديع الصايف‪ .‬وأخذنا ِّ‬ ‫ت كالمي ًة‬ ‫املألوف مبساعدة صربي وآرائه‪ .‬كام أخذنا أغاين الفولكلور وزدنا عليها فقرا ٍ‬ ‫ت حلني ًة جديدة‪ ،‬شاعت حتى َل َي ّ‬ ‫ظنها الناس اليوم من صلب الفولكلور القديم‬ ‫وتنويعا ٍ‬ ‫بينام هي من زيادتنا نحن‪ .‬منها ً‬ ‫مثال يف أغنية ‪‬هيك مشق الزعرو َره‪ ‬هذا املقطع‬ ‫كالما ومجلة موسيقية مغايرة عن اللحن األصيل‪:‬‬ ‫الذي أضفناه ً‬

‫والـــلـــــــل الـــعـــاطـــي رسارو‬ ‫نـــزلـــوا بــضــيــعــتــنــا خـــ ـــ ــارو‬

‫ومــــــــ ْضــــــــوي دارو‬ ‫ودلــــــــــــــــوان عـــلـــيـــك‬

‫اهليبه‪‬‬ ‫أو كنا نضع‬ ‫ً‬ ‫‪‬رسما ميلود ًّيا‪ ‬يشبه الفولكلور كام يف أغنية ‪‬يا غز ِّيل يا بو َ‬ ‫التي زدنا عليها مجلة موسيقية تقول ‪‬أوف يا با‪ ‬وهي من تلحيننا ومل تكن موجودة‬ ‫ً‬ ‫أصال يف تلك األغنية الشعبية‪ .‬ووضعنا أغاين شعبية من تلحيننا ألننا منذ تلك الفرتة‬ ‫كنا نعي مسؤولية أن نجعل األغنية اللبنانية ِسدً ا أمام املدِّ الغنائي الغريب الذي كان‬ ‫يتدفق عىل لبنان‪ .‬كان علينا أن نعالج العديد من ألوان املوسيقى والغناء كي نوسع‬ ‫ريـپـريتوار األغنية اللبنانية األصيلة‪.‬‬ ‫‪82‬‬


‫قصة األخوين رحباني كما رواها منصور‬ ‫ّ‬

‫عاصي وفريوز يف نزهة صيد‬

‫فريوز وعاصي وصالح أبو زيد‬ ‫يف اإلذاعة (األردن)‬

‫خضنــا ً‬ ‫أيضا ميدان القصيدة املغ ّـناة‪ .‬ومتشيـ ـًا مع مبدإنا الفنــي وضعنا الـ‪‬ميني‬ ‫وغالبا ذات قافية‬ ‫قصيدة‪ .‬فبعدما كانت القصائد العربية املغناة (عمودية طويلة‪ً ،‬‬ ‫املنيس عاد‬ ‫واحدة) تستغرق نصف ساعة أو أكثر‪ ،‬جئنا بقصائد قصرية (‪‬ما للهوى‬ ‫ّ‬ ‫‪‬مللمت ذكرى لقاء األمس باهلدُ ب‪ )...،‬ال تتعدى الدقائق اخلمس أو‬ ‫يزور‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫الست عىل األكثر‪.‬‬ ‫مجيع تلك التنويعات كانت ً‬ ‫مهما ومفيدً ا جدً ا لصوت فريوز‪ .‬كانت‬ ‫مترينا ً‬ ‫مطواعة فيها مجيعها بشكل فريد فإذا بصوهتا األعجويب يؤدي مجيع تلك األنواع يف‬ ‫طواعية مذهلة‪.‬‬ ‫‪85‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫عاصي ومنصور والياس يف مشهد طريف‬ ‫(اىل اليسار الصحايف جورج ابراهيم الخوري)‬

‫عاصي ومنصور وصربي الشريف‬

‫غيتار‪َّ ‬غن ْتها فريوز مبرافقة منري بشري عىل العود) ومل ندَّ ِع أهنا من تأليفنا بل كنا‬ ‫نو ّقعها ‪‬إعداد األخوين رحباين‪ّ .‬ثم بدأنا بتأليف األغاين الراقصة (‪‬بعدنا‪ ،‬عند‬ ‫محاها‪ ،‬بلديت‪ ،)...،‬حتى أننا وضعنا موسيقى جاز (‪‬هاي يا ِإم العني الكحال‪،‬‬ ‫ً‬ ‫صديقا له كتب‬ ‫صحافيا‬ ‫وواجهنا محلة عنيفة حتى أن أحد املوسيقيني ح َّرض‬ ‫‪)...‬‬ ‫ْ‬ ‫ً‬ ‫يطلب ‪‬حماكمة األخوين رحباين ألهنام متواطئان مع اإلنكليز لتسليمهم واحة الربميي‪‬‬ ‫(مشكلة كانت بني اإلنكليز والسعوديني عىل تلك الواحة يف اجلزيرة العربية)‪.‬‬ ‫التفتنا ً‬ ‫أيضا إىل املوشحات بعدما كانت مرص أ َمخدهتا ومل يعد أحد يغنيها يف‬ ‫وتنويعا‬ ‫ترسيعا‬ ‫العامل العريب‪ .‬جئنا مبوشحات كنا حفظناها من طفولتنا فأعدنا توزيعها‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وتعديال ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وتسجيال بأوركسرتا كبرية‪ ،‬منها ‪‬ملا بدا َّ‬ ‫يتثنى‪( ‬األرجح أن‬ ‫بسيطا يف الكلامت‬ ‫ملحنه يدعى سليم النجار‪ ،‬وضعه يف مرص منذ نحو َ‬ ‫مئتي عام)‪ ،‬بالذي أسكر من‬ ‫عذب اللمى‪( ‬من نغم البيات زدنا عليه مقاطع ووزعناه بأرباع الصوت وكان يقال إن‬ ‫توزيعه بربع الصوت مستحيل)‪ ،‬زوروين كل َ‬ ‫حب ِك‪ .‬وحني أطلقنا‬ ‫سنه َم َّره‪ ،‬يا لو ُر ُّ‬ ‫صاحب ْتها موج ُة محاس ٍة هلا غري عادية يف الناس ويف الصحافة (وكذلك‬ ‫تلك املوشحات‬ ‫َ‬ ‫حني غنيناها عىل مرسح دمشق ً‬ ‫ف بإعداد املوشحات وإعادة إطالقها‬ ‫الحقا)‪ .‬ومل نكت ِ‬ ‫كالما ً‬ ‫وحلنا‪.‬‬ ‫يف العامل العريب بل وضعنا نحن موشحات جديدة ً‬ ‫‪84‬‬


‫بطاقة عرس عاصي وفريوز‬

‫عرس عاصي وفريوز‪ ...‬ومنصور اإلشبين‬ ‫عاصي وفريوز بعد العرس‬ ‫إىل أوتيل شتورا پارك‬

‫‪87‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫وضع‬ ‫هذه املعاجلة الواسعة ملواضيع كثرية متنوعة جاءت من وعْ ِينا مسؤولي َة‬ ‫ِ‬ ‫ركيز ٍة قوي ٍة متين ٍة لألغنية اللبنانية‪ .‬عاجلنا خمتلف األلوان الغنائية‪ .‬فتح لنا صربي‬ ‫كبريا يف ‪‬إذاعة الرشق األدنى‪ ‬ليس أق َّل ُه ْتأمني فرقة موسيقية‬ ‫الرشيف رصيدً ا تنفيذ ًيا ً‬ ‫كربى (من نحو أربعني عاز ًفا بني كمنجات ونحاسيات وخشبيات) مجعت أشهر‬ ‫عازيف منطقة ‪‬الزيتونة‪ ‬بكازينواهتا ومالهيها التي بلغت أيامها نحو العرشين ويف‬ ‫مجيعها عازفون أجانب مهرة‪ .‬هكذا ّ‬ ‫متكنا من حتقيق كل تلك اإلنجازات عىل املستوى‬ ‫األفضل‪.‬‬ ‫ب كبري تنسج‬ ‫وسط تلك املرحلة الفنية املعجوقة باإلنتاج الغزير‪ ،‬كانت قص ُة ح ٍ‬ ‫ت إىل األهل‬ ‫خيوطها بني األستاذ (عايص) وتلميذته (هناد)‪ .‬وما هي حتى وص َل ْ‬ ‫َ‬ ‫متقابلت ْين قرأوا عىل صفح ِتها‬ ‫والوسط الفني بطاق ُة دعو ٍة من صفحتني‬ ‫واألصدقاء َ‬ ‫اليمنى‪ :‬سعدى أرملة حنا عايص الرحباين تترشف بدعوتكم حلضور حفلة زفاف‬ ‫ولدها عايص عىل اآلنسة هناد حداد‪ ،‬وعىل الصفحة اليرسى‪ :‬وديع حداد وعقيلته‬ ‫يترشفان بدعوتكم حلضور حفلة زفاف كرميتهام هناد عىل السيد عايص الرحباين‪...‬‬ ‫وذلك يف الساعة الرابعة من بعد ظهر األحد ‪ ١٩٥٥/١/٢٣‬يف سيدة كنيسة البشارة‬ ‫للروم األرثوذكس ‪ -‬حي الفرنيني (بريوت)‪.‬‬ ‫عمل من إذاعة ‪‬صوت العرب‪ ‬يف القاهرة‪ .‬فذهبنا‪،‬‬ ‫بعد الزواج جاءت دعو ُة َ‬ ‫عايص وفريوز وأنا وصربي الرشيف وزوجته‪ ،‬وهناك التقينا أمحد سعيد وو ّقعنا‬ ‫وبرامج طوال ستة أشهر‪ .‬يف تلك الفرتة وضعنا‬ ‫أغان وأناشيدَ‬ ‫َ‬ ‫عىل عق ٍد لتنفيذ ٍ‬ ‫ً‬ ‫وأعامال أخرى (بعضها من شعر هارون هاشم رشيد ومريس مجيل‬ ‫‪‬النهر العظيم‪‬‬ ‫عزيز)‪ .‬وذات يوم قال يل أمحد سعيد‪ :‬إذا و َّفرنا لكام طائر ًة عسكري ًة إىل غزة‬ ‫كثريا‬ ‫هل تذهبان لتسمعا األغاين الفلسطينية هناك؟‪ ‬وألننا كنا نخاف الطائرات ً‬ ‫واح‬ ‫طلبنا منه استحضار التسجيالت إىل القاهرة َفف َعل‪ .‬استمعنا إليها فإذا فيها ُن ٌ‬ ‫واستجداء وشكوى‪ .‬قلنا له‪ :‬قضية فلسطني ال ُتعا َلج هكذا‪ .‬ال يسرتدُّ فلسطني‬ ‫ٌ‬ ‫ّإال الفلسطينيون‪ .‬ال ابن القاهرة ميوت عن القدس وال ابن بريوت وال ابن دمشق‪.‬‬ ‫‪86‬‬


‫قصة األخوين رحباني كما رواها منصور‬ ‫ّ‬

‫وضم َّناها استنهاض مهم الفلسطينيني‬ ‫ولتثبيت مقول ِتنا وضعنا مغناة ‪‬راجعون‪‬‬ ‫َّ‬ ‫ً‬ ‫(الحقا أعدنا تسجيلها‬ ‫املرشدين‪ ،‬وسجلناها بأصوات فريوز وكارم حممود والكورس‬ ‫َّ‬ ‫يف بريوت مع فريوز وميشال بريدي)‪ .‬وعنها قال لنا يف بريوت الصحايف الكبري‬ ‫ميشال أبو جودة‪ :‬أنتام مؤسسا العمل الفدائي‪ .‬ذلك أننا كنا من يومها (‪)١٩٥٥‬‬ ‫بحتمية العودة من اخلارج إىل الداخل‪ ،‬ولن يكون التحرير ّإال من داخل‬ ‫نؤمن‬ ‫َّ‬ ‫أرض فلسطني ببقع ٍة مقاتل ٍة‪ ،‬ولو صغرية‪ ،‬تكون هي املنطلق (عدنا إىل هذه الفكرة‬ ‫ً‬ ‫الحقا يف ‪‬جبال الصوان‪ ‬حني قلنا‪ :‬اليل بيقاتلوا من َب ّرا بيض ُّلوا َب ّرا‪ .‬املصدر‬ ‫ُج ّوا‪.)‬‬ ‫ذات مساءٍ ‪ ،‬يف القاهرة ويف سهرة خاصة‪ ،‬قال لنا توفيق احلكيم والدكتور‬ ‫حسني فوزي‪ :‬بأعاملكام أنقذمتا الرتاثَ العريب الكالسيكي من البالدة‪ .‬وهناك‬ ‫ً‬ ‫أيضا جاء ملحنون مرصيون اجتمعوا بنا وانتقلت إليهم عدوى أغانينا القصرية‬ ‫‪‬بح َّبك؟ ما بعرف‪.)...‬‬ ‫وكلامتنا اللبنانية‬ ‫(‪‬شباك‪ ،‬مشوار‪ِ ،‬‬ ‫َّ‬ ‫عُ دنا بعد ستة أشهر ومعنا نتائج فنية وشخصية‪ :‬أعاملٌ كبرية بقيت يف إذاعة‬ ‫القاهرة‪ ،‬جننيٌ يف أحشاء فريوز (هو بك ُرها زياد الذي حب َلت به يف أرض الكنانة)‪،‬‬ ‫وقصة حب ُ‬ ‫عشتها أنا مع حسناء يونانية تدعى جويل كانت مديرة پنسيون الزمالك‬ ‫حيث نزلنا طوال تلك الفرتة‪.‬‬ ‫كانت فرتة ‪‬إذاعة الرشق األدنى‪ ‬غنية جدً ا ومثمرة جدً ا‪ .‬وهي أول إذاعة‬ ‫دخل إليها اإلعالن التجاري‪ .‬كنا‪ ،‬عايص وأنا‪ ،‬أول من وضع اإلعالن عند فتح‬ ‫الدائرة التجارية‪ ،‬وهو يقول‪:‬‬

‫ْفيــــــــــه مــروع جدـيــــــد‬ ‫ومنـحـــ ّط بـجـيـبتـنـــــــــــــاـ‬

‫مـــــرحب فـــيـــه َع ا ِهل ِ‬ ‫ـــيـــنـــه‬ ‫‪ ١٠٠‬جـــنـــيـــه اســتــرلــيــي‬

‫‪89‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫عرس منصور و تريز أبو جودة (‪)1957/7/7‬‬

‫‪88‬‬


‫قصة األخوين رحباني كما رواها منصور‬ ‫ّ‬

‫عاصي وفريوز وكريمة صربي الشريف أمام األهرام‬

‫عاصي ومنصور وصربي الشريف يف رحلة صيد‬

‫عاصي وفريوز يف ّأول زواجهما‪:‬‬ ‫بداية المشوار المبدع الطويل‬

‫‪91‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫كالما ً‬ ‫وحلنا‪ ،‬وكان ّلرباد ‪‬كروسيل‪ ‬جاء فيه‪:‬‬ ‫ووضعنا نحن أولَ‬ ‫إعالن ً‬ ‫ٍ‬

‫كروسـلــــــــــي كروسـلـــــــي بــــــــــــراد كـــــروســـــي‬ ‫يـــرقـــصـــي‬ ‫ابدلار‪...‬‬ ‫واقـــــــــــف‬

‫وباعرتاف صاحب الرشكة أنه باع نحو مخسمئة براد بفضل ذاك اإلعالن الذي‬ ‫راج عىل ألسنة الناس‪.‬‬ ‫يف تلك الفرتة اقرتح علينا فيلمون وهبي أن يأخذنا إىل إذاعة دمشق وأن يع ِّرفنا‬ ‫وحيب كل جديد‪( ‬حتى أنه استورد‬ ‫إىل مديرها أمحد عسة الذي كان ‪‬متطو ًرا‬ ‫ُّ‬ ‫آالت أوركسرتا سمفونية ماركة ‪‬پرتوڤ‪ ‬أرغم مجيع عازيف اإلذاعة أن يتعلموا عليها‬ ‫خصيصا)‪ .‬لقاؤنا األول به (عايص وفريوز وأنا) كان سي ًئا ألننا‬ ‫مع مدربني جاء هبم‬ ‫ً‬ ‫أسمعناه أغنيات قدمية‪ .‬مل يقتنع بنا‪َّ .‬ثم عدنا فر ّتبنا لقاء معه آخر أسمعناه فيه‬ ‫ً‬ ‫أعامال جديدة ّتبناها فو ًرا ووضع إمكانات اإلذاعة يف ترصفنا‪ .‬وأشهد اليوم أن هلذا‬ ‫الرجل ً‬ ‫كبريا علينا َّ‬ ‫عهدئذ كانت قوية البث‪ ،‬وكل ما يذاع‬ ‫ألن إذاعة دمشق‬ ‫ٍ‬ ‫فضال ً‬ ‫منها يشيع‪ .‬هكذا‪ ،‬بني مؤيد متحمس ومناهض متشدد‪ ،‬شاعت من دمشق أعاملنا‬ ‫اجلديدة‪ :‬األسوار‪( ‬برنامج ضخم مبشاركة أوركسرتا ضخمة)‪ ،‬مشوار‪( ‬شعر سعيد‬ ‫عقل)‪ ،‬ب َردى‪ ‬و‪‬وداد‪( ‬شعر األخطل الصغري)‪ ،‬من ُن ْع َم َيا ِت ِك يل‪( ‬شعر بدوي‬ ‫اجلبل الذي أذهله صوت فريوز فتع َّرف بنا وأعطانا من شعره)‪ ،‬نحنا والقمر جريان‪‬‬ ‫معا)‪،‬‬ ‫(بصوت فريوز وحدها بعدما كانت صدرت قبلذاك بصوت فريوز وحنان ً‬ ‫وبرامج كثرية (كـ‪‬احلصاد‪ ‬و‪‬السالح‪ ‬و‪‬النرص لإلنتاج‪ )‬وأغنية ‪‬عتاب‪( ‬سبقَ أن‬ ‫صدرت من إذاعة بريوت التي كانت ضعيفة البث) فشاعت من إذاعة دمشق التي‬ ‫ّ‬ ‫شعبيا وصداقات غالية ستحتل كل مساحة العمر‪.‬‬ ‫شك َلت لنا مجهو ًرا ً‬ ‫واسعا ورصيدً ا ً‬ ‫كنا نذهب إىل دمشق مرة كل أسبوع أو كل أسبوعني‪ ،‬نحمل ً‬ ‫أعامال جديدة‬ ‫(نتقاىض مقابل كل أغنية ‪ ٢٥‬لرية عن الكالم و‪ ٢٥‬لرية عن اللحن) نسجلها ونعود‬ ‫إىل ورشة عملنا املكثف يف ‪‬إذاعة الرشق األدنى‪.‬‬ ‫‪90‬‬


‫وجاء زمن المهـرجانات‬ ‫‪...‬‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫كانت مسرحيات الضيعة يف نادي أنطلياس مدخال لعاصي ومنصور‬ ‫الرحباين إىل اإلذاعة اللبنانية فإذاعة الشرق األدنى فإذاعة دمشق‪ .‬ومن‬ ‫ً‬ ‫حاسما يف انطالق أعمالهما‬ ‫النجاح يف اإلذاعات انتقال إىل قطاع آخر سيكون‬ ‫الكربى‪ :‬المهرجانات السنوية يف بعلبك واألرز ودمشق وقصر الپيكادييل‪.‬‬

‫وتوسع شهرتنا وانتظار اجلمهور أعام َلنا اجلديدة‪َّ ،‬فكرنا‪،‬‬ ‫بعد تكاثر أعاملنا اإلذاعية ُّ‬ ‫عايص وأنا‪ ،‬بإقامة حفالت عىل مستوى أوسع وتنظيم أعاملنا اإلدارية يف هيكلية‬ ‫تكون مؤسسة أو أي إطار آخر طلبنا من صربي الرشيف أن يديره إضافة إىل وظيفته‬ ‫مدير ‪‬رشكة التسجيالت اللبنانية‪.‬‬ ‫وكانت الصدفة‪ ،‬يف تلك الفرتة بالذات‪ ،‬أن نستدعى يف ربيع ‪ ١٩٥٧‬لالجتامع‬ ‫حتئذ مقترصة عىل عروض أجنبية‬ ‫بلجنة مهرجانات بعلبك‪ .‬كانت تلك املهرجانات ٍ‬ ‫(مرسح وباليه وأوپرا) تقدِّ مها فرق عاملية‪ .‬يف تلك السنة قررت السيدة زلفا شمعون‬ ‫ليايل لبنانية‪.‬‬ ‫أن ُتدخل إىل املهرجانات َ‬ ‫التصور‬ ‫ت ّ‬ ‫غري واضحا ِ‬ ‫اجتمعنا يف مكتب حبيب أبو شهال بسيدات اللجنة ُوك َّن َ‬ ‫ملا َ‬ ‫ت أهنا ستكون‬ ‫يرغ ْب َن يف تقدميه بل غري‬ ‫ِّ‬ ‫ت لفكرة الليايل اللبنانية‪ُ ،‬مو ِقنا ٍ‬ ‫متحمسا ٍ‬ ‫أضعف شأ ًنا من الليايل األجنبية ذات الفرق العاملية‪ .‬غري أهنن رضخن لفكرة السيدة‬ ‫األوىل وحرضن االجتامع‪.‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫بقينا يف هذه األخرية من ‪ ١٩٥٣‬إىل ‪ ١٩٥٦‬حتى االعتداء الثالثي عىل مرص‪،‬‬ ‫حني َ‬ ‫أسفرت اإلذاعة عن وجهها احلقيقي وأخذت تذيع البالغات احلربية للحلفاء‬ ‫الثالثة ضد مرص فقررنا أن نوقف التعامل معها‪ .‬كان عقدنا معها ميتدُّ حتى عام‬ ‫‪ ١٩٦٠‬فأرصرنا عىل التوقف ألهنا إذاعة معادية العرب‪ .‬عدنا إىل جذورنا كأوالد‬ ‫حنا عايص فقررنا أن مننع بالقوة الدخول إليها‪ .‬اجتمعنا بالفنانني الذين استقطبتهم‬ ‫اإلذاعة فوافقوا عىل مقاطعتها‪ ،‬وبينهم توفيق الباشا وزكي ناصيف وصربي الرشيف‬ ‫وفريق الفلسطينيني فيها‪ ،‬فكان أن توقفت اإلذاعة وأقفلت مكاتبها‪ .‬قدمنا شكوى‬ ‫بواسطة حمامينا (صهرنا عبداهلل اخلوري) فنلنا تعويضنا الكامل حتى ‪ ١٩٦٠‬رغم أننا‬ ‫أربعا قبل انتهاء مهلة العقد‪.‬‬ ‫أوقفنا التعامل معها سنوات ً‬ ‫مع توقف اإلذاعة (‪ )١٩٥٦‬تأسست ‪‬رشكة التسجيالت اللبنانية‪( ‬الرك) بتمويل‬ ‫وديع بولس (مؤسس ‪‬ستديو بعلبك‪ ‬يف ما بعد) وحلول صربي الرشيف مدي ـ ـ ًرا‪،‬‬ ‫فو َّقعنا عقودً ا إلنتاج أعم ـ ـ ــال فنية سجلناها يف الستوديو نفسه الذي شهد تسجيل‬ ‫أعاملنا إلذاعة الرشق األدنى (صالة سينام الفرير عىل حملة الداعوق) وراحت تلك‬ ‫الرشكة تبيع أعاملنا إلذاعات الدول العربية‪.‬‬ ‫يف تلك الفرتة بالذات‪ ،‬بعد ميكروفونات إذاعة بريوت وإذاعة دمشق وتسجيالت‬ ‫إذاعة الرشق األدنى‪ ،‬كانت خيوط القدر تنسج لنا الفرصة الكربى التي نقلت أعاملنا‬ ‫إىل احرتاف فني آخر‪ :‬املرسح‪.‬‬

‫‪92‬‬


‫قصة األخوين رحباني كما رواها منصور‬ ‫ّ‬

‫اللبنانية األوىل زلفا شمعون‬ ‫ّ‬ ‫تتوسط فريوز وعاصي يف قصر بيت الدين‬ ‫عاصي ورفيق الطريق برج ڤازليان‬ ‫مخرج مسرحية ‪‬لولو‪‬‬

‫اللبنانية األوىل زلفا شمعون ّ‬ ‫تتوسط عن يمينها‪:‬‬ ‫حسانة فتح اهلل داعوق‪ ،‬محيي الدين سالم‪،‬‬ ‫منصور الرحباين‪ ،‬وعن يسارها‪ :‬صربي الشريف‬ ‫وغربيال ّ‬ ‫مفرج‬

‫عاصي يعزف عىل البزق يف سهرة خاصة‬ ‫لدى سعيد فريحة‬

‫‪95‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫عاصي ومنصور يف افتتاح ‪‬يعيش يعيش‪‬‬ ‫بين خالد عيتاين والياس متى (الپيكادييل ‪)1970‬‬ ‫عاصي وكامل التلمساين‬ ‫يف مكتب األخوين الرحباين‬

‫عاصي وفريوز وتوفيق الباشا وفيلمون وهبي‬ ‫يف عشاء سعيد فريحة‬

‫‪94‬‬

‫سعيد عقل رفيق العمر‪،‬‬ ‫مع عاصي وفريوز يف إحدى السهرات‬


‫قصة األخوين رحباني كما رواها منصور‬ ‫ّ‬

‫ّ‬ ‫فريوز تغني ‪‬لبنان يا أخضر حلو‪،‬‬ ‫ّأول أغنية لها يف مهرجانات بعلبك‬ ‫(صيف ‪)1957‬‬

‫ّ‬ ‫عاصي ومنصور وفريوز مع الشاعر المصري مأمون الشناوي‬ ‫(مصر‪)1966 -‬‬

‫أخذنا بضعة أيام ووضعنا برناجمًا منوعً ا بعنوان ‪‬أيام احلصاد‪ ‬يصل َ‬ ‫بعضه‬ ‫ببعض ٌ‬ ‫عليه َّن عايص التنظيم‬ ‫خيط جامع‪ .‬عدنا إىل االجتامع بالسيدات وف َر َ‬ ‫ض ِ‬ ‫ٍ‬ ‫التايل‪ :‬فريوز للغناء‪ ،‬صربي الرشيف لإلخراج‪ .‬وقبل أن هيلعن من كثرة املصاريف‬ ‫أردف عايص‪ :‬تو ِّقع فريوز عقدً ا بلرية لبنانية واحدة‪ ،‬وصربي الرشيف عقدً ا باملبلغ‬ ‫نفسه‪َّ .‬ثم أردف‪ :‬حممد شامل وحميي الدين سالم مسؤوالن إداريان‪ .‬توفيق‬ ‫الباشا قائد أوركسرتا‪ .‬نزار ميقايت معاون صربي الرشيف يف اإلخراج‪ .‬زكي ناصيف‬ ‫للمشاركة يف التأليف والتلحني‪ .‬مروان ووديعة جرار للرقص‪.‬‬ ‫يتم االتصال بنا ً‬ ‫الحقا‪ .‬وبالفعل‪ ،‬بعد أيام‬ ‫انتهى ذاك االجتامع الثاين عىل أن ّ‬ ‫ُ‬ ‫استدعينا إىل القرص اجلمهوري يف القنطاري واجتمعنا برئيس اجلمهورية كميل‬ ‫شمعون الذي بادرنا بقوله‪ :‬وافقنا عىل حفلتكم‪ِّ .‬نفذوها ونحن ُن َن ْي ِش ُن ُك ْم أو‬ ‫وساما‪ ،‬واألخرية‪ :‬أي نقيض عليكم)‪.‬‬ ‫ُن َن ْي ِش ُن ُك ْم‪( ‬األوىل‪ :‬أي نعلق لكم نيشا ًنا‪ ،‬أي ً‬ ‫‪97‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫ّ‬ ‫يتوسط عن يساره فريوز‪،‬‬ ‫الرئيس كميل شمعون‪ ،‬يف قصر بيت الدين‪،‬‬ ‫خليل الهربي‪ ،‬مروان جرار‪ ،‬محمد شامل‪ ،‬وعن يمينه وديعة جرار‪ ،‬صربي‬ ‫الشريف‪ ،‬توفيق الباشا ومحيي الدين سالم بعد مهرجان بعلبك ‪1957‬‬

‫ْ‬ ‫بدأ َن بتحذيرنا من التطويل التطريبي العريب الذي ‪‬ينفر منه مجهورنا بعدما‬ ‫اعتاد األعامل األجنبية يف بعلبك‪َ .‬ط ْم َأ َّن ُاه َّن إىل َّأن التطويل ليس من مبادئنا الفنية‪،‬‬ ‫ينتظ ْر َن خمططنا لتلك ‪‬الليايل‪َّ ‬‬ ‫حيك ْم َن ً‬ ‫وأال ُ‬ ‫وس َأ ْل ُ‬ ‫سلفا عليها بنظرة منفوقية‬ ‫ناه َّن أن ِ‬ ‫َ‬ ‫مرتفعة‪َ .‬‬ ‫ْ‬ ‫فرصخن استهجا ًنا‪:‬‬ ‫سأ ْلننا‪ :‬من سيغني يف حفلتكم؟‪ ‬فقلنا هلن‪ :‬فريوز‪.‬‬ ‫أهنن ال يعرفن‬ ‫‪‬أبدً ا‪ .‬ال‪ .‬ستغني وتطيل وتنوح وتروح متزق املنديل يف يدها‪ .‬ففهمنا َّ‬ ‫أحرض َنه ً‬ ‫فريوز وال ما ّ‬ ‫سلفا‪ :‬عايص ومنصور الرحباين‬ ‫ترتيبا‬ ‫تغنيه فريوز‪ .‬ثم‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫فرضن علينا ً‬ ‫للكتابة والتلحني‪ ،‬توفيق الباشا لقيادة األوركسرتا‪ ،‬حميي الدين سالم وحممد شامل‬ ‫لإلخراج واإلرشاف الفني‪ .‬فاعتذرنا عن القبول هبذا التقسيم وقلنا هلن إن هذا األمر‬ ‫يعنينا نحن ويتخطى إطارهن‪ ،‬وإن التنظيم نضعه نحن ونعرضه عليهن‪ .‬وطلبنا مهلة‬ ‫لوضع اخلطوط العريضة للسيناريو ثم نجتمع ثانية‪ْ .‬‬ ‫وافق َن عىل مضض وانتهى االجتامع‬ ‫منه َّن ترى أهنا هي عىل صواب وكل ما عداها عىل خطأ‪.‬‬ ‫بنظ َر ٍة متعالي ٍة ُ‬ ‫‪96‬‬


‫قصة األخوين رحباني كما رواها منصور‬ ‫ّ‬

‫ّ‬ ‫الصوان‪)‬‬ ‫فريوز يف بعلبك (‪‬جبال‬ ‫منصور وفريوز وآرام خاتشادوريان‬ ‫عاصي ومنصور يف مطالع مهرجانات بعلبك‬ ‫عاصي ومنصور وعبداهلل األخطل‬ ‫يف قلعة بعلبك‬

‫‪99‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫يف ليلة االفتتاح مل ُتكن واحد ٌة من سيدات اللجنة تعرف ماذا سيدور يف احلفلة‪.‬‬ ‫ت شارك هبا زكي ناصيف مبقطوعات (منها ‪‬طلوا حبابنا طلوا‪‬‬ ‫وكانت هذه منوعا ٍ‬ ‫و‪‬صبحْ نا بفجر العيد‪ ،)‬وقاد أوركسرتاها توفيق الباشا‪ .‬يف مستهل اللوحة األوىل‬ ‫َّ‬ ‫عمدَ املخرج صربي الرشيف إىل وضع فريوز عىل قاعدة عمود وس ّلط عليها األضواء‬ ‫َ‬ ‫من أسفل العمود ومن زوايا خمتلفة‪ ،‬فظهرت للجمهور كأهنا طائرة يف اهلواء فيام تغني‬ ‫‪‬لبنان يا أخرض حلو عَ تالل‪ .‬كان املشهد األول ً‬ ‫صاعقا عىل اجلمهور الذي اشتعل له‬ ‫ً‬ ‫تصفيقا يف موجة كانت بني التأثر والبكاء والغبطة‪ .‬ودارت األمسية كلها أمام مجهور‬ ‫متجاوب جدً ا‪ .‬قدمنا احلفلة‪ ،‬كام املقرر‪ ،‬لليلتني فقط (كل ليلة نحو مخسة آالف مشاهد‬ ‫جاؤوا يعاينون ما سيقدم لبنان بني العروض األجنبية)‪ .‬وصدرت الصحافة بتعليقات‬ ‫احلب رسيع العطب‪ ،‬وكانت‬ ‫فقب َلنا كان ُّ‬ ‫ِّ‬ ‫مرشفة أسعدنا أهنا كانت واعية ما نقوم به‪ْ .‬‬ ‫أدوات الشعر الغنائي بائسة‪ .‬جئنا نحن فعدنا إىل الينابيع‪ ،‬ألن الفن احلقيقي هو رصاخ‬ ‫ً‬ ‫‪‬حزينا‪ ‬بينام يف أودية لبنان كانت ترتدد‬ ‫األعامق‪ْ .‬قب َلنا كان الغناء يف املنطقة العربية‬ ‫أصداء املواويل والعتابا وأبو الزلف وامليجانا‪ .‬كنا واعني أن تأسيس موسيقى لبنانية‬ ‫الغناء معنا ً‬ ‫حامال من التقاليد أصالتها‪ ،‬ومن العرص تطوره‪،‬‬ ‫هاجس حتلم به أرضنا فجاء ُ‬ ‫ٌ‬ ‫ومن الرسعة كثافتها‪ ،‬ومن اجلامل الكهربة الوجيزة‪.‬‬ ‫ركزت الصحافة اللبنانية عىل رضورة تكرار هذه الليايل اللبنانية يف مهرجانات‬ ‫ت يف العام التايل (‪ )١٩٥٨‬بسبب األحداث التي شهدها‬ ‫بعلبك‪ .‬لكن املهرجانات ُأ ْل ِغ َي ْ‬ ‫لبنان‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫عام ‪ُ ١٩٥٩‬‬ ‫فاستقبلتنا سيداهتا‬ ‫استدعينا من جديد إىل جلنة مهرجانات بعلبك‪،‬‬ ‫مبنطق آخر ونظرة أخرى‪ .‬جئن إىل االجتامع كي يسمعن ماذا عندنا ال لكي يفرضن‬ ‫أي مرشوع‪.‬‬ ‫علينا َّ‬ ‫هكذا َّهيأنا برناجمًا من فصلني‪ :‬األول ألصدقائنا حممد حمسن‪ ،‬زكي ناصيف‪ ،‬توفيق‬ ‫الباشا‪ ،‬قدَّموا أغاين مجيلة وأحلا ًنا مجيلة‪ ،‬وقاد األوركسرتا توفيق الباشا‪ .‬والفصل اآلخر وضعناه‬ ‫نحن بعنوان ‪‬حماكمة‪( ‬مع فريوز ووديع الصايف)‪ ،‬يروي قصة رسقة عنـزة وما استتبع ذلك‬ ‫من أحداث طريفة ومفارقات جرت للعنـزة عىل خشبة املرسح خالل تقديم العرض‪.‬‬ ‫‪98‬‬


‫قصة األخوين رحباني كما رواها منصور‬ ‫ّ‬

‫من الربوشور‪ ... :‬وتفاصيل المشاهد‬ ‫‪101‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫بروشور مهرجان الفن الشعبي اللبناين – ‪1957‬‬ ‫‪100‬‬


‫قصة األخوين رحباني كما رواها منصور‬ ‫ّ‬

‫عسة فقال‬ ‫وذات مساءٍ ‪ ،‬يف إحدى املناسبات الرسمية‪ ،‬التقى البارودي أمحد ّ‬ ‫‪‬لساك يا أمحد بدَّ ك تضل تذيعلنا هاللون الرحباين‬ ‫البارودي بلهجة متعالية‪َّ :‬‬ ‫عسة‬ ‫الدخيل؟ مش ناوي تتوب بقى وترجع ملدرستنا األصي َله؟‪ .‬ففتق ألمحد ّ‬ ‫أن جييب بحنكة الدپلومايس ال بعنرتية الزعيم السيايس فقال فو ًرا‪ :‬معك حق يا‬ ‫َ‬ ‫ألخربك‬ ‫فخري بك‪ .‬كانت تلك غلطة‪ ،‬وأنا كنت أنتظر حلظ ًة كهذه أراك فيها‬ ‫أنني عثرت عىل فتاة دمشقية رائع ِة الصوت‪ ،‬هي أفضل من حيْيي املوشح واملوال‬ ‫والدور القديم واللون الرتاثي الذي حتبه ونحبه كلنا‪ .‬أحب أن تستمع إليها‬ ‫لتعطيني رأيك فيها‪.‬‬ ‫عسة أن يدير مهندس‬ ‫يف اليوم التايل وصلَ فخري البارودي إىل اإلذاعة فطلب ّ‬ ‫الصوت األغنية املطلوبة (وكان طلب منه تسجيل صوت البارودي عند هناية األغنية)‪،‬‬ ‫فكان رشيط ‪‬إىل راعية‪:‬‬

‫سوـقـي القطيع إىل املــرايع‬ ‫مســــــــــراء‪ ...‬ـيــــاـ أنـشـــودة‬

‫وامــــي إىل خـــر الــبــقــاع‬ ‫الـــغـــاابت اي حـــم املـــرايع‬

‫عاليا‪ :‬إي هادا‬ ‫كان البارودي هيز رأسه طر ًبا طوال األغنية حتى إذا انتهت هتف ً‬ ‫صوت‪ ،‬وهادا غنا‪ ،‬وهادا طرب‪ ،‬وهادي رحية الشام عرب التاريخ‪ .‬مش متل هاديك‬ ‫فريوز اليل جنابك حامل صوهتا وداير فيها وبتذيعها كل يوم من إذاعتنا بالشام‪.‬‬ ‫عسة‪ :‬يا فخري بك‪ ،‬شك ًرا لرأيك‪ .‬وألفتك إىل أن ْرأ َ‬ ‫يك هذا‬ ‫وبكل هدوءٍ قال ّ‬ ‫‪‬طبعا‪ .‬وأنا أعني ما أقول‪ .‬فابتسم‬ ‫سجّ لناه بصوتك وسنحتفظ به‪ .‬قال البارودي‪ً :‬‬ ‫عسة وقال‪ :‬هذا الصوت الذي أعجَ َبك‪ ،‬يا فخري بك‪ ،‬هو نفسه صوت فريوز الذي‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫أحببتها هي لعايص ومنصور الرحباين‬ ‫يزعجك وتثور عليه‪ .‬وهذه املوسيقى التي‬ ‫عسة‪ :‬نعم‪.‬‬ ‫اللذين جتد موسيقامها دخيلة‪ُ .‬ذ ِهل البارودي‪ :‬شو هاحلكي؟‪ ،‬فقال ّ‬ ‫ت محلتك علينا وعىل اإلذاعة وعىل فريوز واألخوين‬ ‫هذه هي احلقيقة‪ .‬وإذا واص ْل َ‬ ‫رحباين فسوف أذيع ْرأ َيك اليوم عىل الناس من اإلذاعة‪.‬‬ ‫‪103‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫ومن طريف تلك الصيفية أن تلك العنـزة سببت مفارقات أخرى حتى خارج‬ ‫ُ‬ ‫اشرتيتها من أحد جرود عينطورة وأنا يف طريقي إىل بعلبك‬ ‫كنت‬ ‫املرسح‪ .‬فبعدما ُ‬ ‫ُ‬ ‫ووضعتها يف صندوق سياريت (اجلديدة يومها ‪‬أوپل كاپيتان‪ )‬وأخذ ُتها إىل القلعة‪،‬‬ ‫ظ َّلت رائحتها الكرهي ُة يف سياريت ال تزول‪ ،‬حتى مل يعد أحد يرىض بالركوب فيها‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫أشه ًرا بعدها‪ ،‬بقيت الرائحة الكرهية يف‬ ‫ورغم املعاجلة‬ ‫باملنظفات ومزيالت الروائح ُ‬ ‫السيارة حتى ُ‬ ‫ررت يف النهاية إىل بيعها بأسف شديد ألهنا كانت أول سيارة‬ ‫اضط ُ‬ ‫جديدة أشرتهيا يف حيايت‪.‬‬ ‫بشكل الفت وصدرت عنها أغان ال‬ ‫ذلك الصيف نجحت ‪‬الليايل اللبنانية‪‬‬ ‫ٍ‬ ‫تزال مشهورة حتى اليوم (‪‬يا قمر أنا وا ّياك‪ ،‬ما فيه حدا‪ ،‬أنا وهالبري‪ ،‬يا تالل‬ ‫صنوبر ضيعتنا‪.)...،‬‬ ‫يف هذه الفرتة كانت أعاملنا تذاع من إذاعة دمشق إىل كل العامل العريب وتثري‬ ‫ً‬ ‫جدال كعادهتا يف أول املطالع‪ ،‬خاصة تلك الضجة التي أقامها املجمع العلمي‬ ‫نشوه اللغة العربية‪ ،‬وتلك التي قامت يف جملس‬ ‫العريب يف دمشق باهتامنا أننا ِّ‬ ‫حينا‪ ‬وما رافقها من‬ ‫النواب السوري حول كلامتنا يف أغنية ‪‬سنرجع ً‬ ‫يوما إىل ِّ‬ ‫موقف النائب والزعيم السوري فخري البارودي إزاءها‪ .‬وقصة ذلك َّأن البارودي‬ ‫ِّ‬ ‫الع عميق عىل الرتاث الغنائي العريب عامة واملوشحات بنوع خاص‪.‬‬ ‫كان ذا اط ٍ‬ ‫حينا‪ )‬مل ُن ِطل املد اللحني عىل‬ ‫وكان اعرتاضه أننا (يف أغنية ‪‬سنرجع ً‬ ‫يوما إىل ِّ‬ ‫حرف األلف يف كلمة ‪‬هنالك‪( ‬هنالك عند التالل تاللٌ تنام وتصحو عىل‬ ‫وتاليا اللغة العربية‪ .‬أثار املوضوع يف‬ ‫عهدنا‪ .)‬وادعى أننا ّ‬ ‫نشوه اللفظ العريب ً‬ ‫سكت البارودي عىل مضض‪ ،‬لكنه‬ ‫جملس النواب لكن أكثرية النواب انترصوا لنا‪.‬‬ ‫َ‬ ‫عسة (مدير اإلذاعة) أنه يذيع‬ ‫أخذ يف جمالسه اخلاصة والعامة يغمز من قناة أمحد ّ‬ ‫أغاين ‪‬املدرسة الرحبانية اهلجينة التي تفسد الطرب األصيل وتعتدي عىل مدرسة‬ ‫اللون القديم‪ ،‬بصوت املطربة فريوز التي ال تصلح ّإال لتلك األغاين اهلجينة‪.‬‬ ‫‪102‬‬


‫قصة األخوين رحباني كما رواها منصور‬ ‫ّ‬

‫عطرـت السال ْم‬ ‫سائليـنـي ـحني‬ ‫ُ‬ ‫وأـنـاـ ـلــو رـحت أستريض الشذا‬ ‫فحني وصلت فريوز إىل بيت‪:‬‬

‫أمويُّون فإن ُض ْق ِ‬ ‫ت هبـــم‬

‫واعتل اخلزا ْم‬ ‫كيف غار الورد‬ ‫َّ‬ ‫النثىن لبنان عــطـ ًـرا‪ ...‬اي شآ ْم‬ ‫أحلــقــوا ادلنــيــا ببستان هشا ْم‬

‫ّهبت عاصفة غري عادية من التصفيق‪ .‬كانت سوريا يومها عىل وحدة مع مرص‪،‬‬ ‫قائال‪ :‬بدو يصري انقالب بالشام‪ً .‬‬ ‫إيل فيلمون وهبي يف الكواليس ً‬ ‫وفعال‪،‬‬ ‫فالتفت َّ‬ ‫والحقا روى لنا َّ‬ ‫ً‬ ‫مط ِل ٌع َّأن‬ ‫بعد فرت ٍة‪ ،‬حصل انقالب أهنى الوحدة بني البلدين‪.‬‬ ‫فتنشحن‬ ‫الضابط الكبري الذي قام باالنقالب كان جيتمع برفاقه ويسمعون ‪‬سائليني‪‬‬ ‫ِ‬ ‫بحب سوريا مستقل ًة عن مرص‪ ،‬حتى كان االنقالب‪.‬‬ ‫نفوسهم ِّ‬ ‫بشكل مؤ ِّثر‪ .‬كنا نسمع‬ ‫متاما‪ .‬جتاوب اجلمهور معنا‬ ‫جتربة دمشق كانت مغايرة ً‬ ‫ٍ‬ ‫ف ِّ‬ ‫التلقي يشجِّ ع الفنان‬ ‫عاليا خالل الغناء من مجهور ّذواق ٍة رهي ِ‬ ‫تصاعُ دَ اآلهات ً‬ ‫دفعا أكثر‪ ،‬ما جيعل يف فننا الرشقي أصداء من احلضارة اإلغريقية حني كان‬ ‫بإعطائه ً‬ ‫الفن مشاركة ال تف ُّر ًجا‪.‬‬ ‫مفصال ً‬ ‫ً‬ ‫فاعال يف استدعائنا إىل إعداد املهرجانات يف‬ ‫ذاك الصيف (‪ )١٩٥٩‬كان‬ ‫السنوات التالية‪.‬‬ ‫عام ‪ ١٩٦٠‬وقع فتور بيننا وبني أصدقائنا توفيق الباشا وزكي ناصيف واآلخرين‪،‬‬ ‫فقاموا هم بتقديم مهرجانات ‪‬األنوار‪ ،‬فيام قدَّ منا نحن يف بعلبك مرسحية ‪‬موسم‬ ‫العز‪( ‬مع صباح ووديع الصايف ونرصي شمس الدين)‪ .‬كان معنا عىل املرسح سبعة‬ ‫موسيقيني (بعدما عام ‪ ١٩٥٩‬كانت الفرقة أمام املرسح يف بقعة منخفضة خاصة)‪.‬‬ ‫عامئذ حتدد إطار املرسحية‬ ‫ليال كانت مجيعها حاشدة‪ .‬ومع هذا العمل‬ ‫ٍ‬ ‫قدَّ منا َ‬ ‫سبع ٍ‬ ‫الغنائية الرحبانية‪ :‬قصة واحدة يف فصلني‪ ،‬الشكل الذي تبلور حتى أخذ شكله‬ ‫النهائي يف أعاملنا الالحقة‪.‬‬ ‫‪105‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫املتحمسني ملوسيقانا وأغانينا‬ ‫ومنذ تلك احلادثة بات فخري البارودي من أشد‬ ‫ّ‬ ‫وصوت فريوز‪ ،‬وكانت رصخات آهاته ترتدد نافرة من بني اجلمهور خالل حفالتنا‬ ‫الدمشقية الالحقة‪.‬‬ ‫متوجني به من نجاح يف بعلبك‪،‬‬ ‫وسط هذه الضجة معنا وضدَّ نا‪ ،‬ووسط ما كنا َّ‬ ‫جاءنا الصديق هشام أبو ظهر (من كبار صحافيي ‪‬الصياد‪ ‬يومها) َ‬ ‫يسأ ُلنا أن نرافقه‬ ‫للتعرف مبدير معرض دمشق الدويل فيصل الدااليت ففعلنا‪ .‬وهناك عرض علينا‬ ‫الدااليت أن نقدِّ م ً‬ ‫عمال الفتتاح ظاهرة جديدة يف سوريا‪ :‬معرض دمشق الدويل‪.‬‬ ‫يومها عُ دنا من دمشق ويف جيبنا عقد مببارشة التحضري فهيأنا برناجمًا منوعً ا فور‬ ‫انتهائنا من تقديم مهرجانات بعلبك‪.‬‬ ‫ليلة االفتتاح (كام كتبت الصحافة السورية َغدا َتها) ارتفع الستار يف دمشق ألول‬ ‫مرة عىل مرسح يضم فرقة ضخمة بلباس أندليس‪ .‬وما هي حتى خرج صوت‬ ‫مسجَّ ل (كان صويت)‪:‬‬

‫الغـيـث مهى‬ ‫الغـيـث إذا‬ ‫ـجاـدك‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ـلــم يـكــن وصـ ُـك إ ّال حُ ُلاـ‬

‫اي زمــان الوصل يف األندل ِ‬ ‫س‬ ‫يف الكرى أو خلسة املختل ِ‬ ‫س‬

‫بعدها انطلقت الفرقة مبوشح ‪‬ملا بدا يتثنى‪َ ‬‬ ‫وتأ َّلقَ فيه ً‬ ‫مجاال صوت فريوز‬ ‫ً‬ ‫تصفيقا نحو ثالث دقائق وقو ًفا والدمع ينحدر من عيون الدمشقيني‬ ‫فانفج َرت القاعة‬ ‫مغي ًبا يف النسيان‪ .‬وبني أشد املتحمسني‬ ‫الذين شعروا أننا نعيد إليهم ترا ًثا هلم كان َّ‬ ‫ليلتها يف الصف األول من اجلمهور كان الزعيم فخري البارودي‪.‬‬ ‫من األغنيات التي قدَّ مناها يف دمشق عامئذ‪ :‬يا قمر أنا وياك‪ ،‬ما فيه حدا‪‬‬ ‫وسوامها‪ ،‬إىل لوحات كاملة من املوشحات األندلسية‪ .‬استقبلنا اجلمهور الدمشقي‬ ‫بحفاوة رائعة‪ ،‬وحضنتنا الصحافة السورية‬ ‫مرشف‪.‬‬ ‫بشكل محايس ّ‬ ‫ٍ‬ ‫عىل أنني ال ميكنني‪ ،‬حتى هذه اللحظة‪ ،‬أن أنسى ما فعلته يف الناس ليلتها‬ ‫قصيد ُة ‪‬سائليني‪ ‬لسعيد عقل افتتحنا هبا الربنامج‪:‬‬ ‫‪104‬‬


‫قصة األخوين رحباني كما رواها منصور‬ ‫ّ‬

‫‪‬البعلبكيه‪ .‬وحني قرأناها لسيدات جلنة مهرجانات بعلبك‬ ‫عام ‪ ١٩٦١‬قدَّ منا‬ ‫ِّ‬ ‫اعرتض َن َّ‬ ‫ْ‬ ‫بأن ‪‬هذا ليس من الفولكلور‪ ،‬ونحن نريد الفولكلور اللبناين بالرقص والدبكة‬ ‫والرشوال وما إليها‪ .‬فأجاب عايص بأن امليثولوجيات فولكلور وهو با ٍد يف اللوحة‬ ‫ً‬ ‫مذهال ألهنا كانت‬ ‫األوىل ‪‬رحيل اآلهلة‪ .‬وحني قدَّ مناها يف بعلبك كان التجاوب‬ ‫قطعة جديدة بكتابتها املوسيقية وتوزيعها املوسيقي املبتكر الضخم‪ .‬وحني قدَّ مناها‬ ‫خارج لبنان وجدَ ها ّ‬ ‫النقاد متف ِّردة يف نوعها‪ .‬وخالل رحلتنا إىل الربازيل التقينا يف‬ ‫الطائرة الناقد األملاين شتوكن سميث الذي كان يف بعلبك وحرض ‪‬رحيل اآلهلة‪‬‬ ‫وكتب عنها نقدً ا يف أملانيا بأهنا من األعامل العاملية‪ .‬وقال عنها ناقد برازييل إهنا ‪‬قطعة‬ ‫شبهها ناقد إنكليزي بأعامل‬ ‫رائعة تنتمي إىل احلداثة وحتتفظ باإلنسانية‪ ،‬ويف لندن ّ‬ ‫‪‬إيلغار‪ .‬وال يزال الناس يسمعوهنا حتى اليوم وجيدون فيها جديدً ا‪.‬‬ ‫عام ‪ ،١٩٦٢‬بعد ‪‬جرس القمر‪ ‬يف بعلبك ودمشق‪ ،‬قدَّ منا عىل مرسح سينام‬ ‫الكاپيتول مغناة ‪‬عودة العسكر‪ ‬رصخة لبنانية من األعامق للجيش اللبناين والدفاع‬ ‫ت لشحن النفوس بالروح‬ ‫عن الوطن‪ ،‬وال تزال حتى اليوم تذاع كاملة أو مقاطع أغنيا ٍ‬ ‫الوطنية اللبنانية‪ .‬وتتالت أعاملنا املهرجانية الكربى‪.‬‬ ‫عام ‪ ١٩٦٣‬قدَّ منا عىل مرسح كازينو لبنان مغناة ‪‬الليل والقنديل‪ ‬فكان نجاحها‬ ‫كبريا ملا جاءت به من خياالت شحنت رؤية املشاهد بعوامل جديدة‪ .‬وأخذت براجمنا‬ ‫ً‬ ‫تلقائيا يف بعلبك ودمشق‪ .‬أحيا ًنا نقدّ م الربنامج نفسه يف املكا َنني‪،‬‬ ‫السنوية تتواىل ً‬ ‫خاصا‪.‬‬ ‫وأحيا ًنا نعطي يف دمشق برناجمًا منوعً ا ً‬ ‫يف دمشق درجنا عىل عادة أن نقدِّ م يف مطلع كل برنامج حتي ًة إىل دمشق‪.‬‬ ‫فبعد ‪‬سائليني‪ ‬لسعيد عقل‪ ،‬قدَّ منا ‪‬شآم يا السيف مل يغب‪( ‬لسعيد عقل)‪ ،‬و‪‬لقد‬ ‫كتبنا وأرسلنا املراسيال‪( ‬لنـزار قباين)‪ ،‬ووضعنا نحن ‪‬طالت نوى‪ ‬و‪‬يا شام عاد‬ ‫الصيف‪ ‬و‪‬محلت بريوت يف قلبي ويف نغمي‪.‬‬ ‫واستم َّرت مهرجانات بعلبك تقطف مجهو ًرا متزايدً ا‪ :‬جرس القمر‪ ،‬دواليب‬ ‫اهلوا‪ ،‬أيام فخر الدين‪ ،‬جبال الصوان‪ ،‬ناطورة املفاتيح‪ ،‬قصيدة حب‪... ،‬‬ ‫‪107‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫من الربوشور‪ :‬المشرتكون يف مهرجان ‪1959‬‬ ‫‪106‬‬


‫قصة األخوين رحباني كما رواها منصور‬ ‫ّ‬

‫منصور يقود األوركسرتا يف الپيكادييل‬

‫عاصي و منصور يف لحظة إصغاء‬

‫ّ‬ ‫الثالثي المبدع يف لحظة اسرتخاء‬ ‫يف الپيكادييل‪ :‬عاصي يقود‪ ،‬الياس يعزف‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ووراءهما سعيد عقل‪ ،‬نجيب حنكش وجمهور المحبين‬ ‫‪109‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫عاصي و منصور‬ ‫بين فريوز‬ ‫وشقيقتهما سلوى‬

‫يخاصرانها يف لحظة َم َرح‬

‫ّ‬ ‫عاصي يقود‪ ،‬وفريوز تغني (كازينو لبنان‪ -‬الليل والقنديل‪)1963 ‬‬

‫‪108‬‬


‫قصة األخوين رحباني كما رواها منصور‬ ‫ّ‬

‫عاصي يقود األوركسرتا يف أغنية‬ ‫‪‬بحبك يا لبنان‪( ‬دمشق ‪)1976‬‬

‫عاصي يقود األوركسرتا (دمشق)‬

‫ّ‬ ‫عاصي يقود‪ ،‬وفريوز تتألق ملكة ‪‬پرتا‪‬‬ ‫(الپيكادييل ‪)1978‬‬

‫‪111‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫عام ‪ ،١٩٦٤‬وكانت بعلبك تستعدُّ ملهرجاناهتا بـ‪‬فرقة األنوار‪ ،‬اتصل بنا مسؤولون‬ ‫عن مهرجانات األرز يطلبون منا تقديم برنامج عىل غرار مهرجاناتنا األخرى‪ ،‬فاتفقنا‬ ‫‪‬بياع اخلواتم‪ ‬التي كانت جتربة جديدة بتقديم مرسحية َّ‬ ‫مغناة ك ّلها‬ ‫معهم وقدَّ منا ّ‬ ‫من أوهلا إىل آخرها‪ُ .‬‬ ‫وأذكر أن اجلمهور بلغ عرشة آالف نسمة يف الليلة األوىل‬ ‫وأحدعرش ًألفا يف الليلة التالية‪ ،‬وكانت تلك ظاهرة فريدة‪.‬‬ ‫عام ‪ ،١٩٦٥‬وبعد ‪‬دواليب اهلوا‪ ‬مع صباح يف بعلبك‪ ،‬قدَّ منا ريسيتال أغنيات‬ ‫كبريا وحلق بنا الناس من‬ ‫مع فريوز وكورس يف قرص بيت الدين‪ ،‬فلقيت ً‬ ‫نجاحا ً‬ ‫بعلبك إىل بيت الدين‪.‬‬ ‫هذا االزدياد يف مجهورنا ونجاحنا فرض علينا مزيدً ا من التعب والعمل لتلبية‬ ‫دعوات باتت تأتينا من كلّ صوب‪ .‬كان علينا أن نعمل أكثر‪ .‬أن نكتب ونلحن‬ ‫ونوزع يف ‪‬ورشة‪ ‬عمل كان صربي الرشيف يتوىل إدارهتا الفنية وكنا‪ ،‬عايص وأنا‪،‬‬ ‫ننرصف إىل تغذيتها باملادة الشعرية واللحنية‪.‬‬ ‫عام ‪ ١٩٦٧‬عرض علينا األخوان عيتاين تقديم عمل للخريف والشتاء كل عام‬ ‫عىل مرسح قرص الپيكادييل‪ .‬فكنا هنيئ برناجمًا يف الصيف لبعلبك أو األرز‪ ،‬وبرناجمًا‬ ‫آخر لدمشق‪ ،‬ثم مرسحي ًة لبريوت عىل مرسح الپيكادييل تستم ُّر أشه ًرا حتى خيل‬ ‫أسهما (!!!) يف صالة الپيكادييل‪ .‬كانت تلك املرحلة انطال ًقا من‬ ‫للبعض أننا منلك ً‬ ‫‪‬هالة وامللك‪ ‬التي تألقت فيها فريوز ممثلة من طراز فريد فأضافت إىل موهبتها الغنائية‬ ‫اخلارقة موهبة التمثيل املذهل‪.‬‬ ‫يتحول إىل ورشة عمل متواصلة‪.‬‬ ‫مكتبنا َّ‬ ‫كل هذا احلشد من األعامل جعل َ‬ ‫عال من بناية أبتور (بدارو) نكتب‬ ‫كنا (عام ‪ )١٩٦٣‬استأجرنا ً‬ ‫مكتبا يف طابق ٍ‬ ‫فيها ونلحن‪ .‬لكنه ضاق علينا بعد تأليف ‪‬الفرقة الشعبية اللبنانية‪( ‬توىل صربي‬ ‫الرشيف إدارة شؤوهنا إىل جانب توليه اإلخراج يف أعاملنا املرسحية واإلرشاف‬ ‫الفني عىل األعامل التلڤزيونية)‪ .‬بعد ذاك نقلنا إىل مكتب آخر يف حرش الكفوري‬ ‫(بدارو)‪.‬‬ ‫‪110‬‬


‫قصة األخوين رحباني كما رواها منصور‬ ‫ّ‬

‫وثال ًثا‪ ،‬ونقرأ ونعيد الكتابة حتى تنتهي املرسحية وليس معرو ًفا َمن كتب ماذا‪ .‬وهذا‬ ‫معا‪ .‬جيلس أحدنا عىل الپيانو‬ ‫الكالم يصح كذلك عىل املوسيقى‪ .‬أحيا ًنا كنا نلحِّ ن ً‬ ‫ويسمع اآلخر ً‬ ‫مناقشا أو مبد ًيا رأيه‪ .‬أحيا ًنا كنا نختلف حول كلمة أو مجلة موسيقية‬ ‫يوما أو يومني حتى نصل إىل حل‪ ،‬أو نستشري أحد األصدقاء يف‬ ‫فنوقف العمل ً‬ ‫األمر فنأخذ برأيه (من طريف ما أذكر هنا أننا‪ ،‬يف مطالعنا‪ ،‬حني كنا نختلف عىل‬ ‫أمر فني‪ ،‬تتدخل ستي غيتا فتحسم األمر صارخة يف وجهي‪ :‬أسكت واله‪ .‬أخوك‬ ‫دائما عىل حق‪.)‬‬ ‫أكرب منك‪ ،‬وهو ً‬ ‫كان تلحيننا ً‬ ‫إمجاال يتم بكتابة النوطة ال بعزفها ألننا حني ُنلحِّ ن عز ًفا رمبا تأخذنا‬ ‫أصابعنا إىل نغمة ال ُنريدها ُفنصبح أرسى هذه النغمة اجلديدة‪ .‬لذا كنا نلحن كتاب ًة‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ونجرب النغمة عىل الپيانو أحيا ًنا‪ .‬وهي طريقة اكتسبناها من برتران روبيار الذي‪،‬‬ ‫درسنا عليه تسع سنوات متواصلة‪ ،‬ظلَّ يأيت إىل املكتب ويعطينا فيه الدروس‪.‬‬ ‫بعد ِ‬ ‫سمعه أعاملنا فيعرتف بأننا تطورنا أكثر من حجم الدروس التي أعطانا إياها‪،‬‬ ‫كنا ُن ِ‬ ‫س كالسيكي (كان جمرد عازف أرغن لدى الكبوشيني وأستاذ الرياضيات‬ ‫ألنه مد ِّر ٌ‬ ‫لدى راهبات اليسوعية) وكنا نحن ابتعدنا صوب األعامل اإلبداعية‪.‬‬ ‫هذه األعامل التي أطلقناها وراء ميكروفونات اإلذاعات وعىل خشبات املسارح‪،‬‬ ‫شعرنا‪ ،‬عايص وأنا‪َّ ،‬أن الوقت حان كي نطلقها ونطلق جديدً ا سواها أمام عدسة‬ ‫الكامريا‪.‬‬

‫‪113‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫عىل أن املكتب مل يكن املكان الوحيد للعمل واإلنتاج‪ .‬كنا أحيا ًنا نكتب يف‬ ‫حتول خالل احلرب (منذ ‪ )١٩٧٥‬إىل‬ ‫بيت عايص أو بيت إم عايص (أنطلياس) وهو َّ‬ ‫مكتب دائم حني كان يتعذر علينا الوصول إىل بدارو‪ .‬فعم ُلنا التأليفي والتلحيني مل‬ ‫يكن ذا قاعدة معينة يف الوضع‪ .‬ناد ًرا ما وضعنا ً‬ ‫معا (‪‬عودة العسكر‪‬‬ ‫عمال كتبناه ً‬ ‫ً‬ ‫مثال)‪ .‬كنا نلجأ إىل هذه الطريقة حني يدمهنا الوقت أو نكون عىل عجلة من أمرنا‪.‬‬ ‫يف األغاين قد حيدث أن يكتب عايص أغنية ويلحنها ويوزعها َّثم يسمعني إياها‬ ‫فنتناقش هبا‪ .‬أو أقوم أنا بالتأليف والتلحني والتوزيع ُوأسم ــعه العمل فيوافق عليـ ـ ــه‬ ‫أو يقرتح تعدي ـ ــالت‪ .‬وقد حيدث أن يكتب هـو القصيدة وأ ِّحل َنها أنا‪ ،‬أو أكتب أنا‬ ‫القصيدة وهـو يلحِّ نها‪ ،‬ثم نوزع بحسب انشغالنا يف العمل‪ .‬مل تكن لذلك قاعدة‪.‬‬ ‫دائما يصدر باسم ‪‬األخوين رحباين‪.‬‬ ‫لكن التوقيع ك ــان ً‬ ‫يف املرسحيات كنا نجتمع لنوجد املوضوع أو نتفق عىل أسامء الشخصيات‬ ‫(نحرص عىل إجياد أسامء قابلة للحياة تقف عىل أرض الواقع بدون أية رموز أو‬ ‫معا كي‬ ‫لنطور فكرة كنا تناقشنا هبا يكون أحدنا أوجدها‪ .‬نجلس ً‬ ‫دالالت) أو ِّ‬ ‫نوجد ما نسميه املناخ العام َّثم نطور اخلطوط العريضة واملسار الدرامي‪ ،‬ونحرص‬ ‫عىل وضع املشاهدين يف جو املرسحية من الدقائق اخلمس األوىل‪ .‬كنا نعرف أننا‪،‬‬ ‫إن مل نربح مجهورنا يف هذه الدقائق اخلمس األوىل‪ ،‬فلن نستطيع أن منسكه حتى‬ ‫آخر املرسحية‪ .‬ثم يبدأ أحدنا يكتب اجلزء األول فيام اآلخر يكتب اجلزء التايل‪َّ ،‬ثم‬ ‫نتبادل قراءة ما كتبنا فأعود أنا ُ‬ ‫وأكتب القسم الذي كتبه عايص فيام هو‪ ،‬من وجهة‬ ‫نظره‪ ،‬يعيد كتابة القسم الذي كتبته أنا‪ .‬وأحيا ًنا يقلب أو يلغي‪ .‬وأحيا ًنا يتغري كل‬ ‫التصميم الذي نكون وضعناه ألن كتابة املرسح احلقيقية أن تتبع األشخاص من‬ ‫تتغير مواقفهم وتتعدّ ل اجتاهاهتم‪ .‬كنا نعي‬ ‫جراء األحداث التي جتري هلم فرتوح َّ‬ ‫َ‬ ‫استقالليته‪ ،‬وهو ليس جمرد ناقل لكالم املؤلف‪ .‬وغري‬ ‫بأن للشخص عىل املرسح‬ ‫مرة َّغيرنا اخلامتة عام كنا صممناها ألن مسار املرسحية كله يكون تغري‪ .‬هكذا كنا‬ ‫معا نعيد الكتابة مرة واثنتني‬ ‫نتبادل ما كتب أحدنا ونعدِّ ل حتى نجلس يف النهاية ً‬ ‫‪112‬‬


‫قصة األخوين رحباني كما رواها منصور‬ ‫ّ‬

‫الياس إىل الپيانو وعاصي ّ‬ ‫يدرب‬ ‫عاصي يدرب وهدى حداد تغني‬

‫ّ‬ ‫منصور يوقع عىل عقد مع نادر األتاسي‬ ‫وبدا عاصي وصهره (زوج شقيقته إلهام)‬ ‫ً‬ ‫الحقا) الياس حنا‬ ‫المحامي (والوزير‬

‫ّ‬ ‫منصور (‪‬مخول‪ )‬وفيلمون وهبي (‪‬سبع‪)‬‬ ‫يف فيلم ّ‬ ‫‪‬بياع الخواتم‪‬‬

‫‪115‬‬


‫بين كاميرا التلڤزيون وكاميرا السينما ‪:‬‬ ‫طرائف وحكايات‬

‫بعد نجاحات عاصي ومنصور الرحباين يف مسرحيات نادي أنطلياس‬ ‫التي أدت بهما إىل اإلذاعات ومسارح المهرجانات الكربى يف بعلبك ودمشق‬ ‫والپيكادييل وسواها‪ ،‬انتقل نشاطهما إىل ميدان آخر‪ :‬كامريات التلڤزيون‬ ‫ُ‬ ‫عشرات الربامج والمسلسالت‪ ،‬ويف‬ ‫والسينما‪ ،‬فكان لهما عىل الشاشة الصغرية‬ ‫السينما ثالثة أفالم‪.‬‬

‫بعد ْأن كان يف لبنان حمطة تلڤزيونية واحدة‪ :‬رشكة التلڤزيون اللبنانية‪‬‬ ‫ت عام ‪ ١٩٦٢‬حمطة‬ ‫(تأسست عام ‪ ١٩٥٩‬يف تلة اخلياط‪ -‬بريوت)‪َ ،‬تأ َّس َس ْ‬ ‫جديدة‪ :‬رشكة تلڤزيون لبنان واملرشق‪( ‬احلازمية)‪ .‬وبدا الناس مشدودين‬ ‫بربامج جديد ٍة قوية (باألبيض‬ ‫إعالمها‬ ‫إىل هذه املحطة اجلديدة َي ِعدُ ُهم‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫واألسود يومها)‪.‬‬ ‫يف تلك الفرتة اتصل بنا الصديق جان أبو جودة (رئيس جملس إدارة ‪‬تلڤزيون‬ ‫لبنان واملرشق‪ )‬فاجتمعنا به‪ ،‬عايص وأنا‪ ،‬وطلب منا إعداد حلقة تلڤزيونية خاصة‬ ‫لبثها يوم افتتاح املحطة اجلديدة‪.‬‬


‫قصة األخوين رحباني كما رواها منصور‬ ‫ّ‬

‫كثريا للتلڤزيون‪ .‬اشتغلنا‬ ‫وقدمنا برامج أخرى للتلڤزيون األردين‪ .‬لكننا مل نتحمس ً‬ ‫له باقتصاد مدروس كي ال تستهلكنا الشاشة الصغرية‪ .‬بعد ذلك َأ َشحْ نا عن االشتغال‬ ‫للتلڤزيون ألننا نؤمن أن هذا الفن (املرسح‪ ،‬التلڤزيون‪ ،‬السينام) يتم‪ ،‬كي ينجح‪ ،‬بجهود‬ ‫ننفذ ً‬ ‫عدد كبري من الناس ال كام كان ً‬ ‫ضحال كلام جئنا ِّ‬ ‫عمال‪ .‬حني تكون شاع ًرا تكتب‬ ‫كنت‬ ‫قصيدة وتلقيها يف حلقة أو تنرشها فتكون القصيدة وص َلت إىل بعض غايتها‪ .‬وإذا َ‬ ‫رساما ترسم لوحتك وتعرضها فتصل إىل بعض غايتها‪ .‬يف الغناء حتتاج مقطوعا ُتك‬ ‫ً‬ ‫للصوت يؤدي‪ ،‬واملوسيقيني يعزفون‪ ،‬والستوديو للتسجيل‪ ،‬وكذلك التلڤزيون والسينام‬ ‫حيتاجان إىل خمرج وممثلني وتقنيني‪ .‬لذا ال يقوم عمل تلڤزيوين كبري ّإال بجهود جماميع‬ ‫تتضافر إلنتاجه‪ ،‬وهذا يتطلب ميزانيات ضخمة َقلَّ يف التلڤزيونات العربية من لديه‬ ‫استعداد تقدميها لعمل ضخم فيه التخطي والعظمة‪َ .‬‬ ‫معظ ُمها يستقرب الربح الرسيع‬ ‫وينفذ ً‬ ‫ِّ‬ ‫أعامال وضيعة ال عمر هلا‪ .‬يتم تصوير ساع ٍة تلڤزيونية كاملة يف يوم أو يومني بينام‬ ‫يوما ً‬ ‫كامال الستخراج لقطة أو لقطتني من بضع دقائق‪ .‬التلڤزيون يلزمه‬ ‫الغرب يستغرق ً‬ ‫َك َر ٌم لتنفيذ الديكور واملوسيقى والتمثيل واإلخراج واملؤثرات املرافقة كي خيرج االنتاج‬ ‫كبريا‪ .‬وإذا كانت التلڤزيونات العربية تطمح إىل أعامل راقية جيب أن تسخو عىل اإلنتاج‬ ‫ً‬ ‫وهي‪ ،‬لو شاءت‪ ،‬قادرة عىل ذلك‪.‬‬ ‫هكذا قررنا أال نعود نعمل للتلڤزيون‪ .‬فلحلقة املنوعات ميزانية ضخمة لتنفيذها‬ ‫أي تلڤزيون مستعدً ا لرصف ميزانية هبذا احلجم‪.‬‬ ‫باملستوى املطلوب ومل يكن ُّ‬ ‫دائما عىل اتفاق خفي‬ ‫هذا املنحى تنبهنا له من أول الطريق‪ ،‬عايص وأنا‪ :‬كنا ً‬ ‫غري معلن مع مجهورنا َّأال نقدّ م له ّإال ما ينتظر منا‪ .‬هو يثق بنا ونحن نقدِّ م له ما‬ ‫بأعامل يقبلها ألنه يثق بنا‪ .‬من هنا جعلناه يقبل ً‬ ‫مثال عبارة ‪‬الزمان اليل‬ ‫يرضيه‬ ‫ٍ‬ ‫بياكل كلس احليطان‪( ‬مشهد ‪‬هناية زنوبيا‪ ‬يف مهرجان معرض دمشق الدويل‪ ،‬وهو‬ ‫يف اللوحة األخرية‪ ٢٠ -‬دقيقة ‪ -‬من مرسحية مل نكتبها كاملة اسمها ‪‬زنوبيا‪ .)‬ذلك‬ ‫أننا نعترب املشاهد أو املستمع َّ‬ ‫خال ًقا آخر‪ ،‬يتلقى العمل ويتفاعل معه‪ .‬لذا حني يثق‬ ‫بك وبإنتاجك‪ ،‬يقبل منك كل ما تقدّ مه له‪.‬‬ ‫‪117‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫كانت رشوط التلڤزيون دون توقعاتنا فأرص عايص عىل رشوطنا وكادت َّ‬ ‫تتعث ُر‬ ‫املفاوضات‪ .‬قال له أبو جودة‪ :‬أنت تفاوض بدپلوماسية فائقة يا عايص‪ .‬كان جيب‬ ‫سفريا ِّمتثل لبنان يف اخلارج‪ .‬فأجاب عايص‪ :‬أنا سفري شعبي إىل الفن‪،‬‬ ‫أن تكون ً‬ ‫ختيب ظن شعبي بنا وهو اعتاد علينا‬ ‫ودپلوماسيتي هي يف تنفيذ أعامل جيدة ال ِّ‬ ‫نقدم له ً‬ ‫رداء ِتها بسبب ضعف اإلمكانات‪ .‬أمام هذا اجلواب‬ ‫أعامال ال تعتذر عن َ‬ ‫رضخ جملس اإلدارة لرشوط عايص فوضعنا أوپريت ‪‬حكاية اإلسوا َره‪ ،‬جتربتنا األوىل‬ ‫مع تقطيع السيناريو التلڤزيوين‪ .‬وهي نجحَ ت ملا جاءت به من مناخ جديد عىل‬ ‫الربامج التلڤزيونية عهدذاك‪.‬‬ ‫يلح علينا بإعداد برامج أخرى كنا نعتذ ُر عن‬ ‫أخذ ‪‬تلڤزيون لبنان واملرشق‪ّ ‬‬ ‫َ‬ ‫نحرتق بكثرة الظهور عىل الشاشة الصغرية التي تستهلك برسعة‪،‬‬ ‫متنبه ْين َأ َّال‬ ‫تلبيتها َ‬ ‫وأن َنبقى عىل أعاملنا املرسحية التي يقصدها الناس إىل املرسح عوض أن تذهب‬ ‫هي إىل بيوهتم بالسهولة التي عاد ًة تقتل الفن‪.‬‬ ‫كليا‪ .‬كنا‪ ،‬يف فرتات متباعدة‪ِّ ،‬هني ُئ برناجمًا‬ ‫لكننا مل ُن ِش ْح عن الشاشة الصغرية ً‬ ‫تلڤزيونيا تكون له أصداء كبرية وتكتب عنه الصحافة ً‬ ‫وحيبه الناس ويطلبون‬ ‫طويال ُّ‬ ‫ً‬ ‫إعادة بثه‪ .‬كان من قدَ ِرنا أن تتناولَ الصحاف ُة كل عمل لنا‪ ،‬حتى يف التلڤزيون‪،‬‬ ‫فيكتب عنه النقاد واملوسيقيون والعارفون بأمور الفن والثقافة‪.‬‬ ‫قدَّ ْمنا للتلڤزيون برامج منوعات غنائية نجمتها فريوز‪ ،‬منها‪ :‬دفاتر الليل‪،‬‬ ‫‪‬ليايل السعد‪ ،‬ضيعة األغاين‪ ،‬القدس يف البال‪ ،‬وبرامج ميالدية وأخرى‬ ‫للفصح‪.‬‬ ‫ً‬ ‫متثيليا أعددناه مبساعدة‬ ‫خارج نجومية فريوز طلب منا التلڤزيون‬ ‫مسلسال ً‬ ‫مستشارنا الفني ألمور السيناريو كامل التلمساين‪ .‬قدَّ منا مسلسل ‪ِ ‬ق ْس ِمه ْو َنصيب‪‬‬ ‫ً‬ ‫ومسلسال آخر بعنوان ‪‬من يوم ليوم‪( ‬بطولة هدى ووحيد‬ ‫(من بطولة هدى)‪،‬‬ ‫جالل)‪ .‬وهذا األخري اشرتته تلڤزيونات عربية عدة واشتهر كأحد أمجل املسلسالت‬ ‫الغنائية التي فيها التشويق الپولييس والعقدة الغريبة‪.‬‬ ‫‪116‬‬


‫قصة األخوين رحباني كما رواها منصور‬ ‫ّ‬

‫ّ‬ ‫منصور (‪‬مخول‪ )‬وإييل شويري (‪‬عيد‪)‬‬ ‫يف فيلم ّ‬ ‫‪‬بياع الخواتم‪)1965( ‬‬

‫‪119‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫هكذا َق ِبل منا اجلمهور انتقا َلنا من املرسح إىل التلڤزيون َّثم إىل السينام‪.‬‬ ‫ذات يوم‪ ،‬يف جلسة خاصة مع صديق العمر رجا الشوربجي‪ ،‬قال‪ :‬ملاذا‬ ‫مقومات العمل الناجح‪ :‬البطلة‪ ،‬التلحني‪،‬‬ ‫ال تلجون ميدان السينام؟ عندكم مجيع ِّ‬ ‫السيناريو‪ ...‬والفرقة الشعبية جاهزة‪ .‬ملاذا ال تأخذون إحدى مرسحياتكم‪ ،‬ومجيعها‬ ‫ناجحة وأحبها اجلمهور‪ ،‬فتحولوهنا إىل فيلم سينامئي؟‪.‬‬ ‫ملعت الفكرة يف رأس عايص فاقتنع‪ .‬وعقدنا يف املكتب جلسة مع مستشارنا‬ ‫كامل التلمساين (وهو خمرج طليعي ورسام مرصي غادر مرص ألسباب سياسية فبات‬ ‫مستشار مكتبنا وشاركنا يف ورشة عملنا التلڤزيوين)‪ .‬حتمس كامل كذلك لفكرة‬ ‫دخولنا عامل السينام بتحويل أحد أعاملنا املرسحية إىل الشاشة‪.‬‬ ‫يف هذه الفرتة بالذات جاء إىل لبنان املخرج يوسف شاهني‪ .‬اجتمعنا به‬ ‫وعرضنا عليه الفكرة فاقتنع هبا‪ .‬ونجحنا يف مسعانا لدى السلطات الرسمية باسرتداد‬ ‫نفوس يف زحلة ترقى إىل جدّ ه ألبيه من آل احلاج‬ ‫هويته اللبنانية (له جذو ٌر وقيدُ‬ ‫ٍ‬ ‫سينامئيا فاستحسن األمر‪ ،‬وعَ َّرفنا‬ ‫فيلما‬ ‫شاهني)‪ .‬فاحتناه بأمر إنتاج إحدى مرسحياتنا ً‬ ‫ً‬ ‫إىل منتج سينامئي معروف عهدذاك‪ :‬املهندس نادر األتايس‪.‬‬ ‫‪‬بياع اخلواتم‪ ‬إىل الشاشة فوافق‬ ‫حني ا َّتفقنا عىل املبد ِإ العام ّفكرنا بنقل مرسحية ّ‬ ‫أحبها ووجدها فريدة من نوعها يف السينام‪ .‬اتفقنا أن نبقيها قطعة‬ ‫يوسف شاهني ألنه َّ‬ ‫غنائية كام كانت عىل املرسح‪َ .‬‬ ‫وض َع يوسف شاهني ميزانية العمل َف َب َل َغت ‪ ٢٢٠‬ألف‬ ‫لرية لبنانية‪ .‬كنا‪ ،‬عايص وفريوز وأنا وصربي الرشيف‪ ،‬رشكاء يف اإلنتاج مقابل أتعابنا‪،‬‬ ‫والتمويل من نادر األتايس‪ .‬أتينا من اخلارج بفريق تقنيني وفنيني (مدير إضاءة‪ ،‬مدير‬ ‫مصور‪ ،‬ماكياج‪ ،‬مؤثرات صوتية)‪ .‬عىل أن حساب حقل يوسف شاهني مل‬ ‫تصوير‪ِّ ،‬‬ ‫يطابق حساب بيدر التنفيذ فإذا بامليزانية تصل إىل ‪ ٦٠٠‬ألف لرية‪ .‬لكن الفيلم خرج‬ ‫سليما‪ ،‬وصورته اجلاملية جيدة‪ .‬صحيح ّأن نتائجه املادية كانت علينا عند حدود الكارثة‬ ‫ً‬ ‫لكن نتائجه الفنية أرضت طموحاتنا عهدذاك‪ .‬وهو لعب يف صاالت كثرية واستشهد‬ ‫َّ‬ ‫به ّ‬ ‫النقاد ّ‬ ‫والكتاب واملعنيون بأمر السينام وبأعامل يوسف شاهني‪.‬‬ ‫‪118‬‬


‫قصة األخوين رحباني كما رواها منصور‬ ‫ّ‬

‫ً‬ ‫منصور ممثال ووراءه ليىل كرم‬ ‫يف فيلم ‪‬سفر برلك‪)1967( ‬‬

‫يف مغامرات عاطفية‪ .‬عندها أوقفنا العمل يف الفيلم ودفعنا له أتعابه وأعَ دناه إىل‬ ‫فرنسا‪.‬‬ ‫عام ‪ ١٩٦٦‬وصل إىل بريوت املخرج هنري بركات‪ .‬اجتمعنا به وقرأنا له السيناريو‬ ‫فأعجبه‪ .‬وهذه املرة ً‬ ‫أيضا (كام مع يوسف شاهني) نجحنا مع املسؤولني اللبنانيني‬ ‫باسرتداد جنسيته اللبنانية (بعدما تبينت له جذور جلدوده يف شتورة)‪َ .‬‬ ‫اشتغ ْلنا معه‬ ‫ً‬ ‫قليال عىل السيناريو‪ ،‬وطلبنا منه أن يضع ميزانية الفيلم وأخربناه ضاحكني عام حصل‬ ‫‪121‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫من النوادر التي رافقت تصوير ‪‬بياع اخلواتم‪َ :‬ب َل َغنا خالل التصوير َّأن كامريا‬ ‫جديدة (‪‬دو ّلي‪ )‬وص َلت إىل بريوت‪ ،‬وبني إمكانا ِتها أن جيلس عليها املخرج فتصعد‬ ‫به وهتبط وتتحرك عىل عجالت صغرية ما خيلق سهولة التقاط املشهد من عدة زوايا يف‬ ‫داخليا‬ ‫دفعة واحدة‪ .‬طلب يوسف شاهني أن نجيء هبا إىل الستديو (وكان التصوير كله ً‬ ‫طلب استئجا َرها للقط ٍة‬ ‫بناء الديكور ِ‬ ‫كام ًال)‪ .‬وبعدما كان َ‬ ‫يف الستديو العرصي حيث َّتم ُ‬ ‫من عرش دقائق (بسبب ارتفاع َ‬ ‫كلف ِتها) مل يعد يتخىل عنها‪ ،‬وأكمل تصوير لقطات الفيلم‬ ‫كنت يف آخر يوم التصوير َ‬ ‫مرتاحا‪ :‬كم‬ ‫ً‬ ‫أسأ ُل ُه إذ أراه مته ِّل ًال‬ ‫الباقية كلها هبا‪ .‬وكلام ُ‬ ‫جييبني‪ :‬عرش ثوان أو مخس عرشة‪ .‬ذلك أنه كان‬ ‫َّ‬ ‫صورنا اليوم من أصل الفيلم‪‬؟ ُ‬ ‫ً‬ ‫ويصور لقطات كثرية ليبقي منها عىل جزء جيد قليل‪ .‬استغرق تصوير‬ ‫دقيقا يف املونتاج ِّ‬ ‫الفيلم نحو اثني عرش أسبوعً ا أقفلنا املكتب خالهلا ألنني كنت أمثل يف الفيلم دور‬ ‫‪‬خمول‪ ‬أمام فيلمون وهبه بدَ ور ‪‬سبع‪( ‬مرة أخرى‪ :‬هذه عودة إىل طفولتنا وقصص‬ ‫الز ًما يوسف شاهني‪ ،‬مبسؤولية‬ ‫سبع وخمول اآلتية من تلك األيام)‪ ،‬بينام عايص كان ُم ِ‬ ‫أن يقاتل اجلميع‪ ،‬مبا فيهم املخرج‪ ،‬حتى يتحقق له ما يريد‪.‬‬ ‫وصحافيا فرغبنا يف إعادة التجربة بقصة جديدة‬ ‫شعبيا‬ ‫ً‬ ‫نجح ‪‬بياع اخلواتم‪ً ‬‬ ‫وضعنا ‪‬سفر برلك‪( ‬عبارة عثامنية تعني النفي إىل‬ ‫َن َض ُعها‬ ‫خصيصا للسينام‪ .‬هكذا ْ‬ ‫ً‬ ‫مكان جمهول)‪ .‬كتبنا السيناريو (بإسهام ٍ من كامل التلمساين) وعَ َقدنا الصفقة كام‬ ‫يف ‪‬بياع اخلواتم‪ :‬إنتاج نادر األتايس ومشاركتنا نحن (عايص‪ ،‬فريوز‪ ،‬أنا وصربي‬ ‫الرشيف) يف اإلنتاج بعملنا وأتعابنا‪ .‬جئنا له ً‬ ‫أوال مبخرج فرنيس (برنار فاريل)‬ ‫يوما بعد يوم وأسبوعً ا بعد أسبوع بحجة‬ ‫ومعه فريق تقني فرنيس‪ .‬فأخذ يطوي ً‬ ‫البحث عن أماكن تصوير‪ .‬كان املطلوب إجياد قرية لبنانية منوذجية تكون متطربش ًة‬ ‫بسطوح القرميد‪ ،‬ويف بيوهتا قناطر قدمية وحجارة أصلية من أيام احلرب العاملية‬ ‫مقيما عىل حسا ِبنا يف فندق ‪‬كورال بيتش‪‬‬ ‫األوىل‪ .‬أمىض فاريل شهرين يفتش‪ً ،‬‬ ‫يرض‬ ‫مع فريقه التقني‪ .‬أرسلناه إىل بيت شباب ألهنا منوذجية هلذا الغرض فلم َ‬ ‫هبا‪ .‬واكتشفنا يف هناية األمر أنه ُيميض هناره ال يف البحث عن أمكنة التصوير بل‬ ‫‪120‬‬


‫قصة األخوين رحباني كما رواها منصور‬ ‫ّ‬

‫عاصي وفريوز والمخرج يوسف شاهين والمنتج نادر األتاسي‬ ‫خالل تصوير فيلم ّ‬ ‫‪‬بياع الخواتم‪)1965( ‬‬

‫منصور يف دور بشري ّ‬ ‫المعاز وإييل صنيفر‬ ‫يف فيلم ‪‬بنت الحارس‪‬‬ ‫عاصي يف دور رئيس‬ ‫البلدية بين سمري شمص‪،‬‬ ‫عيل دياب‪ ،‬الياس رزق‪،‬‬ ‫محمود مبسوط (فهمان)‬ ‫وفوزي كيايل (يف فيلم‬ ‫‪‬بنت الحارس‪)1968 -‬‬

‫‪123‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫لنا مع يوسف شاهني‪ .‬لكن ميزانية بركات جاءت دقيقة جدً ا فلم َ‬ ‫تتخ َّط عند هناية‬ ‫الرقم املوضوع ّإال بنسب ٍة مئوي ٍة ضئيل ٍة هي اهلامش املتاح لكل ميزانية‪.‬‬ ‫الفيلم ِ َ‬ ‫تضييعا للخارطة مكانني للتصوير‪:‬‬ ‫وكان يف القصة قرية ‪‬عني اجلوز‪ ‬فحدَّ دنا‬ ‫ً‬ ‫بيت شباب يف املتن ودوما يف البرتون‪ .‬وناد ًرا ما استطاع املشاهدون التمييز َّأن‬ ‫ضيعتني خمت َ‬ ‫مصورة يف َ‬ ‫ـلفتني‪ .‬وأذكر أن صاحب الفندق يف دوما كان يسحب‬ ‫القصة َّ‬ ‫عمن غفوا ُليريض هبا من مل يكونوا غفوا بعد‪.‬‬ ‫البطانيات َّ‬ ‫صغريا ونفذته يف يوم واحد‪ ،‬وكان التلحني انتهى‬ ‫كان دوري يف الفيلم‬ ‫ً‬ ‫والكتابة انتهت ومل يعد عندي عمل أقوم به فكنت أثناء التصوير أبقى يف املكتب‬ ‫ألتابع أعاملنا وأنرصف إىل حتضري مرسحيتنا التالية‪ :‬أيام فخر الدين‪ ،‬بينام كان‬ ‫عايص مضط ًرا أن يبقى يف التصوير ألنه‪ ،‬كعادته‪ ،‬يريد أن ُيرشف عىل كل يشء‪،‬‬ ‫كبريا (‪‬أبو أمحد‪ ،‬وفيه ْاس َت َعاد الكثري من شخصية أبو‬ ‫وألن له يف الفيلم دو ًرا ً‬ ‫عايص)‪.‬‬ ‫احتجاجا لدى السلطات يف كل‬ ‫ً‬ ‫لكن السفارة الرتكية قدَّ مت‬ ‫كثريا َّ‬ ‫نجح الفيلم ً‬ ‫بلد لعب فيه (بعد بريوت‪ :‬تونس‪ ،‬العراق‪ ،‬األردن‪ ،‬وسواها) بحجة أن الفيلم ضدّ ها‬ ‫مع أننا يف احلوار كنا نستعمل كلمة ‪‬العثامنيني‪ ‬ال األتراك ألن دولة العثامنيني انتهت‬ ‫مع جميء الدولة الرتكية‪ .‬يف بريوت لعب الفيلم ً‬ ‫طويال ويف عدد من املناطق اللبنانية‪.‬‬ ‫وقررنا فو ًرا أن نقطف مثرة هذا النجاح فوضعنا قصة ‪‬بنت احلارس‪ ‬واشتغلنا عىل‬ ‫السيناريو مع كامل التلمساين وجئنا جمددً ا باملخرج هنري بركات وكان اإلنتاج ً‬ ‫أيضا‬ ‫ً‬ ‫وأيضا لنادر األتايس‪.‬‬ ‫يف ‪‬بنت احلارس‪ ‬لعب عايص دور رئيس البلدية‪ ،‬مستعيدً ا حنينه إىل تلك‬ ‫األيام العتيقة حني كان مضط ًرا إىل مالحقة الكالب والقطط واحلمري بأمر من رئيس‬ ‫دائما حنني إىل تلك األيام األوىل‪ ،‬أيام البؤس والوظيفة‪.‬‬ ‫بلدية أنطلياس‪ .‬كان عنده ً‬ ‫أما أنا فلعبت دور بشري املعاز مستعيدً ا كذلك أيام طفولتي يف اجلرود مع ستي غيتا‬ ‫أيام كنت أذهب معها إىل الرباري واحلقول‪.‬‬ ‫‪122‬‬


‫قصة األخوين رحباني كما رواها منصور‬ ‫ّ‬

‫نحن بل أصدقاء لنا مجعوا بعض قصائدنا وأصدروها مع رسوم أدهم اسامعيل يف‬ ‫ب (‪ ١٤٤‬صفحة) حوى ‪ ٧٧‬قصيدة كانت راجت بصوت فريوز وسواها‪.‬‬ ‫كتا ٍ‬ ‫بعض تلك القصائد موضوعٌ شع ًرا َّثم لبسه اللحن‪ ،‬وبعضها اآلخر موضوع عىل‬ ‫قياس حلن موجود ً‬ ‫سلفا‪ ،‬أو راج يف الغرب فوضعنا له كلامت عربية تتناسب وإيقاعه‬ ‫الغريب‪ .‬من هذا املثال قصيدة ‪‬ماروشكا‪:‬‬

‫مـــــــــاروشـــــــــكـــــــــا مـــــــــاروشـــــــــكـــــــــا‬ ‫يف الـغــاـب احلزـيــــــــــــن ـهــــــــــــــ َّا تــمـــ ـــ ـــــن‬ ‫أـجــــــــــــــــــــــراس احلــــــــنـــــــــــني‬ ‫ـتــــــــــــــــدـوي ابرتـيـــــــــاـح لـــيـــس إ ّال الـــــرـيـــــاح‪...‬‬ ‫وصدرت يف ذاك الكتاب مقدم ٌة للنارش جاء فيها‪ :‬ليس الغناء بحاجة إىل من‬ ‫يقدّ مه للناس بعد أن أطلّ عليهم من وراء كل مذياع ووجد سبيله القريب إىل كل‬ ‫ت ‪‬دار الرواد‪ ‬تقديم األغاين بقدْ ِرما قصدت تقديم الشعر‪ ،‬مفاخر ًة‬ ‫قلب‪ .‬وما َق َصدَ ْ‬ ‫موسيقي ْـين مبدعَ ني‪.‬‬ ‫بأن تقدِّ م األخوين رحباين كشاع َرين بعدما عرفهام القراء‬ ‫َّ‬ ‫هكذا اكتملت دورة البث اجلامهريي للنتاج الرحباين‪ .‬ومنذ أواخر الستينات‬ ‫أخذت تصدر الدراسات النقدية واالنطباعية ْ‬ ‫والتأرخيية ملا بات يسمى يف ما بعد‪:‬‬ ‫‪‬مدرسة األخوين رحباين‪.‬‬ ‫هذا التيار الذي اشتهر يف الناس امتد عرصه الذهبي من مطلع الستينات إىل‬ ‫منتصف السبعينات حني انكرس باحلرب يف لبنان‪.‬‬ ‫مخس عرشة سن ًة كنا خالهلا مسيطرين عىل الفن يف املنطقة‪ .‬من خاللنا‬ ‫انترشت اللغة املحكية اللبنانية يف العامل العريب‪ .‬انتهجنا خط ًة ُتؤْ من بأن للمرسح لغة‬ ‫خاصة غري اليومية املحكية العادية‪ ،‬هي اللغة البيضاء‪ :‬انتقينا أمجل ما يف املناطق‬ ‫ذات معا َمل َّ‬ ‫تتمتع بجميع اخلصائص اللبنانية ومع ذلك‬ ‫ونسجْ نا لغ ًة مرسحي ًة َ‬ ‫اللبنانية َ‬ ‫مفهومة يف كل العامل العريب‪.‬‬ ‫‪125‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫دائما‬ ‫من طرائف التصوير يف هذا الفيلم (واملعروف عن عايص كرمه الزائد) أنه ً‬ ‫نصور يف َالق ِّطني (قرية يف كرسوان قرب‬ ‫كان عىل خالف مع املنتج‪.‬‬ ‫َ‬ ‫فذات يوم ٍ كنا ِّ‬ ‫غزير‪ ،‬مشهورة باملطاعم)‪ .‬وكانت العادة أن يؤتى يف أثناء التصوير بسندويشات‬ ‫توفريا ألن عددهم كبري‪ .‬كان الفريق من نحو سبعني فدعاهم عايص‬ ‫للفريق الكامل ً‬ ‫نصور يف منطقة‬ ‫ً‬ ‫مجيعا إىل املطعم عىل حساب اإلنتاج‪ .‬وصدف أن كنا يف اليوم التايل ِّ‬ ‫عاما‪ ،‬واسرتجاعً ا لنوستاجليا‬ ‫فوار أنطلياس (حيث كان مقهى أبو عايص قبل ثالثني ً‬ ‫تلك األيام)‪ ،‬وحني جاء وقت الطعام واالسرتاحة دعا عايص الفريق كله إىل الغداء‬ ‫يف أحد مطاعم الفوار عىل حساب اإلنتاج كذلك‪.‬‬ ‫مستفهما هبلع‪:‬‬ ‫كان نادر األتايس يعرف َك َرم عايص‪ .‬فاتصل يب إىل املكتب‬ ‫ً‬ ‫‪‬وين كان التصوير مبارح؟‪ ‬فقلت له‪ :‬يف َالق ِّطني‪ .‬قال‪ :‬ووين كان الغدا؟‪‬‬ ‫فقلت‪ :‬يف أحد مطاعم َالق ِّطني‪ .‬قال‪ :‬ووين كان التصوير اليوم؟‪ ‬فقلت‪ :‬يف نبع‬ ‫قلت‪ :‬يف مطعم الفوار‪ .‬فرصخ نادر‬ ‫فوار أنطلياس‪ .‬قال‪ :‬ووين تغدّ ى الفريق؟‪ُ ‬‬ ‫بلغته الشامية الطريفة‪ :‬إيه شو هاد؟ ما بيصري يتصور هالفيلم إال مبناطق املطاعم‬ ‫معا وكان نادر‬ ‫فضحكنا ً‬ ‫واملقاهي؟ واهلل العظيم رح يكون حسايب مع عايص عسري‪ِ .‬‬ ‫حيرص أن يقول إنه ليس ً‬ ‫بخيال وال مقرتً ا لكنه‪ ...‬حريص‪.‬‬ ‫َ‬ ‫كسابقيه‪ .‬برع يف تصوير الواقع اللبناين وخرجت‬ ‫ظهر فيلم ‪‬بنت احلارس‪ ‬مو َّف ًقا‬ ‫تقنيا ألننا َ‬ ‫است َع َّنا له‪ ،‬كعادتنا‪ ،‬بتقنيني أجانب و ّمحضناه يف‬ ‫فيه مجالية كثرية ونجح ً‬ ‫لندن‪.‬‬ ‫مع ‪‬بنت احلارس‪ ‬أمتمنا الدورة التي معها دخلنا إىل الرتاث اللبناين من خمتلف‬ ‫أبوابه‪ :‬املرسح‪ ،‬اإلذاعة‪ ،‬التلڤزيون والسينام‪ .‬وانترش تراثنا املوسيقي والغنائي واحلواري‬ ‫يف الناس عرب تلك الوسائل فراج وبقي يف قلوهبم‪ .‬ولعلّ َ‬ ‫تلك كانت أرسع وأبعد‬ ‫من الكتاب يف إيصال نتاجنا مع أن بعض أعاملنا املرسحية صادر ٌة يف كتب مستقلة‪.‬‬ ‫خصيصا يف كتاب سوى جمموعة شعرية قدمية‪ :‬سمراء‬ ‫ليس لنا عملٌ مطبوعٌ‬ ‫ً‬ ‫مها‪( ‬صد َرت عام ‪ ١٩٥٢‬يف دمشق عن ‪‬دار الرواد‪ -‬املطبعة اهلاشمية)‪ .‬ومل ُنصد ْر ُه‬ ‫‪124‬‬


‫قصة األخوين رحباني كما رواها منصور‬ ‫ّ‬

‫املرتمجة (وهذه كانت أكرب اختبار‪ :‬كنا نأيت بقطع صعبة جدً ا إيطالية أو إسپانية أو‬ ‫فرنسية فتغنيها مجيعها برباعة فائقة)‪ .‬مل يبقَ نوعٌ من األغاين‪ ،‬رشقي أو غريب أو‬ ‫موشحات أو قصائد‪ ،‬وكثريها غاية يف الصعوبة‪ّ ،‬إال غناها صوهتا الفريد بعد ِغنى‬ ‫التجارب التي م ّر هبا‪ .‬نحن استفدنا خربة مع األوركسرتا‪ ،‬وفريوز استفادت خربة‬ ‫صوتية‪ .‬أوركسرتات بكاملها كانت تأيت خلدمة صوهتا‪ .‬أعامل كاملة أيام ‪‬إذاعة‬ ‫الرشق األدنى‪ ‬كنا نسجلها وال تعجبنا‪ ،‬فنلغيها ونعيد تسجيلها من جديد‪ .‬ولصربي‬ ‫الرشيف هنا فضل كبري‪.‬‬ ‫هذا هو املرشوع الثقايف الضخم الذي جئنا به‪ ،‬فجاء الغناء الرحباين مغاي ًرا كل‬ ‫ما كان موجودً ا يف الرشق (حتى يف أوروپا ِق َط ُعنا خمتلفة عن املألوف املوجود)‪.‬‬ ‫وهكذا رمبا تسمع اليوم صو ًتا فتستغرق بعض دقيقة لتعرفه‪ ،‬بينام حني تسمع فريوز‬ ‫تقول فو ًرا‪ :‬هذه فريوز‪ ،‬وتسمع اللحن الرحباين فتقول‪ :‬هذا حلن رحباين‪.‬‬ ‫قلت إن فريوز‪ ،‬إضافة إىل مجال صوهتا وموهبتها اخلارقة‪ ،‬ظاهر ٌة ال تتكرر‪:‬‬ ‫هلذا ُ‬ ‫صوهتا مميز‪ ،‬إطالقة صوهتا مميز‪ ،‬الكالم الذي محلته جاء جديدً ا (حتى تأ َّثر به شعراء‬ ‫يف العامل العريب سواء بالشكل أو باملفردات)‪ ،‬األحلان مميزة‪ ،‬التوزيع املوسيقي مميز‬ ‫(توزيع ربع الصوت ً‬ ‫مثال)‪ ...،‬كل ما جاء يف هذا الصوت من خوارق‪ ،‬وما خلف‬ ‫هذا الصوت من جتارب وصقل‪ ،‬جعل منه رمزًا من رموز هذا العرص‪ ،‬تأثر به الناس‪،‬‬ ‫وكتب له الشعراء وانفعلوا به ألنه مل يكن‪ ...‬جمرد صوت وحسب‪.‬‬ ‫من األساس جئنا جدُ دً ا‪ْ .‬‬ ‫ت‬ ‫بدأنا جدُ دً ا‪ .‬اليوم يقال إننا ‪‬مدرسة‪ .‬نحن مل نأ ِ‬ ‫مبناهج وقواعد‪ .‬نحن كتبنا هكذا ألننا هكذا شعرنا‪.‬‬ ‫ت بدستور وقوانني‪ .‬كل ما كان أن‬ ‫ويقال اليوم إننا أسسنا لوطن‪ .‬نحن مل نأ ِ‬ ‫الناس وجدوا يف أعاملنا جذو ًرا لوطن منشود‪.‬‬ ‫نحن أوجدنا بالفطرة عا ًملا نسجناه من حمبة الناس حولنا‪ .‬كنا حماطني يف‬ ‫بكبار مبدعني‪ ،‬ويف طريقنا التقينا كبا ًرا مبدعني‪ ،‬وحني سنرتك القلم‪ ،‬الريشة‬ ‫مطالعنا ٍ‬ ‫آثارنا كبا ٌر مبدعون‪.‬‬ ‫والوتر‪ ،‬سيبقى حول ِ‬ ‫‪127‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫عام َّي ِتها يف العامل‬ ‫سباقة إىل نرش ِّ‬ ‫يف أغانينا انتهجنا اخلط نفسه‪ .‬كانت مرص َّ‬ ‫العريب العتقا ِدها أن اللغة الفصحى يف الفن ال تصل إىل الناس‪ .‬جئنا نحن فأثبتنا‬ ‫العكس‪ :‬كتبنا قصائد فصحى كثري ًة بلغت أطراف العامل العريب وما زالت يف الناس‬ ‫ب‪،‬‬ ‫يوما‪ ،‬زهرة املدائن‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫حتى اليوم (‪‬سنرجع ً‬ ‫‪‬مللمت ذكرى لقاء األمس با ُهلدُ ِ‬ ‫‪‬كتبت إليك من عتبي‪ )‬ووضعنا‬ ‫‪‬أنا يا عصفورة الشجن مثل عيني ِك بال وطن‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫أحلا ًنا لقصائد من سعيد عقل واألخطل الصغري ونزار قباين وبدوي اجلبل وبولس‬ ‫سالمة ورفيق خوري وعنرتة وجرير وعمر بن أيب ربيعة ومجيعها انترشت‪.‬‬ ‫وعي ومعرفة حتى جعلنا له هذه‬ ‫كل هذا مل يأ ِ‬ ‫ت صدفة‪ .‬اشتغلناه بكل ٍ‬ ‫متاما‪ ،‬عايص وأنا‪ ،‬أين نحن وإىل أين جيب أن نصل‪ .‬كانت‬ ‫اخلصائص‪ .‬كنا واعني ً‬ ‫خطواتنا مجيعها واعية ومقصودة‪.‬‬ ‫منذ البدء عرفنا أن صوت فريوز َّمميز‪ .‬لذا أخذنا مجاله الطبيعي اخلارق‪ ،‬وتف ُّردَ ها‬ ‫وحضو َرها املذهل‪ ،‬واشتغلنا بخصائص يف صوهتا خمتلفة عن أصوات اآلخرين‪.‬‬ ‫صوت فريوز ليس صو ًتا وحسب‪ ،‬إنه ظاهرة متكاملة ال تتكرر‪ .‬فأنت تستمع مع‬ ‫لفظ انصقل‬ ‫صوت فريوز إىل كالم وحلن مجيل‪ ،‬إىل أداء لدهيا تبلور مع األيام‪ ،‬وإىل ٍ‬ ‫جيدً ا مبخارج احلروف‪ .‬فريوز يف مطالعها مل تبدأ وحدها‪ .‬بدأت مع عايص ومنصور‬ ‫وصربي الرشيف يف ليايل التعب والتامرين والصقل‪ْ .‬‬ ‫بدأنا مؤمنني باخلط الذي كنا‬ ‫املميز واللحن املغاير‪ ،‬ومبادئ ثابتة‪:‬‬ ‫نشتغل فيه‪ :‬إطالقة الصوت املميز‪ ،‬كتابة الشعر َّ‬ ‫ال ّ‬ ‫نغني األشخاص بل األوطان والشعوب‪ .‬وناد ًرا ما عَ َر َف الناس هيئة أركان كانت‬ ‫ختطط خلف صوت فريوز كي ال يظل صو ًتا وحسب‪ .‬تأثروا بصوهتا فكان ً‬ ‫فاعال‬ ‫وموج ًها إياهم‪ .‬هكذا‪ ،‬بجامل صوهتا اخلارق واملواضيع التي َمح َلها هذا الصوت‪،‬‬ ‫فيهم ِّ‬ ‫صارت فريوز قضي ًة وطني ًة عام ًة ِّ‬ ‫تغني مهوم اإلنسان‪.‬‬ ‫واالختبارات التي خضع هلا صوت فريوز كانت ً‬ ‫فعال أعجوبية‪ ،‬ال ميكن أن‬ ‫حتتملها فنانة غري فريوز‪ .‬تنقلت من صعوبة إىل أخرى‪ّ :‬غنت القطع الكالسيكية‪،‬‬ ‫ّغنت القطع الشعبية‪ّ ،‬غنت املوشحات واملواويل‪ّ ،‬غنت أغاين األطفال‪ّ ،‬غنت القطع‬ ‫‪126‬‬


‫كبار في مسيرتنا‬

‫ٌ‬ ‫كبار كانوا ذوي تأثري عىل‬ ‫أحاط باألخوين رحباين‪ ،‬منذ مطالعهما‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫عرف ْ‬ ‫ً‬ ‫كبارا يف‬ ‫ت‬ ‫فنية‬ ‫مسرية‬ ‫خطهما الفني‪ .‬بهم انفعال‪ ،‬ومعهم نسجا‬ ‫َ‬ ‫كثريين ممن صاروا‪ ،‬يف ما بعد‪،‬‬ ‫طريقها‪ ،‬كما كان لها بدورها أن تؤثر يف‬ ‫ً‬ ‫كبارا عىل طريق الفن‪.‬‬

‫سعيد عقل‬ ‫كنت يف مطلع العرشين من عمري‪ ،‬وأنا ذاك الرشطي العديل البسيط يف‬ ‫ُ‬ ‫متوجها ذات مساء إىل ساحة الربج يف بريوت الستقلَّ سيارة تعيدين إىل‬ ‫بريوت‪،‬‬ ‫ً‬ ‫معا حويل يشريون إىل مكان قريب ويتهامسون‪:‬‬ ‫البيت يف أنطلياس‪ ،‬حني رأيت َج ً‬ ‫التفت فإذا يب أمام شاب طويل يسري مبشيته العنفوانية املهيبة‬ ‫‪‬هذا سعيد عقل‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫توقفت أتأمل الشاعر الذي تتحدث عنه كل بريوت‪ ،‬وكان‬ ‫الصبوح املرشقة‪.‬‬ ‫وطلعته‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫كتابه ‪‬قدموس‪ ‬يومها شاغل الناس‪ .‬ومل أصعد إىل السيارة ّإال بعدما غاب عني‬ ‫الشاعر الذي كانت قامته األدبية بدأت تسيطر عىل بريوت األدب والشعر مبحافلها‬ ‫وأوساطها وصحافتها‪.‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫عاصي ومنصور وفريوز‬ ‫عىل المطار لدى العودة‬ ‫من الواليات المتحدة (‪)1971‬‬

‫عاصي وفريوز ووديع الصايف‬ ‫عىل أرض مطار بريوت‬ ‫عائدين من رحلة فنية (‪)1970‬‬

‫‪128‬‬


‫قصة األخوين رحباني كما رواها منصور‬ ‫ّ‬

‫ّ‬ ‫بعد تسلم عاصي ومنصور وسام األرز من رتبة فارس‪ ،‬من اليمين‪:‬‬ ‫سعيد عقل‪ ،‬العماد جان نجيم (قائد الجيش)‪ ،‬النائب سليم لحود‪،‬‬ ‫عاصي‪ ،‬رئيس الحكومة سامي الصلح‪ ،‬منصور‪ ،‬وداد جان نجيم‬ ‫(ابنة األخطل الصغري)‬

‫منصور وسعيد عقل‪:‬‬ ‫الصداقة اإلبداعية‬ ‫ّ‬ ‫متسل ً‬ ‫ما‬ ‫عاصي‬ ‫جائزة سعيد عقل‬ ‫(نقابة الصحافة)‬

‫‪131‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫يف تلك الفرتة كنت أقرأ شعره وأتصور بكل غرور أنني أستطيع أن أكتب أفضلَ‬ ‫واعيا أرسار تركيبته اجلديدة ولغته الشعرية ولفتة اجلملة لديه‪.‬‬ ‫منه‪ .‬مل أكن‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫عهدئذ‪ً ،‬‬ ‫كنت يومها أكتب شع ًرا وال أ َت َن َّب ُه ألمهية النسيج الشعري‪ ،‬أالحق الصورة وال أهتم‬ ‫لرتكيب العبارة املؤدية إىل تلك الصورة‪ .‬هكذا كانت مرحلتنا‪ ،‬عايص وأنا‪ ،‬قبل أن‬ ‫نتعرف إىل سعيد عقل‪.‬‬ ‫ذات يوم‪ ،‬وكنا انطلقنا بأعاملنا مع فريوز وبدأت أغانينا ُتذاع‪ ،‬طلب منا‬ ‫صهرنا (زوج شقيتنا سلوى) املحامي عبداهلل اخلوري أن يع ّرفنا إىل سعيد عقل‪،‬‬ ‫وكان عىل عالقة به عرب والده األخطل الصغري‪ .‬ويف زحلة‪ ،‬يف مدرسة مار‬ ‫أسمعناه شع ًرا وبعض‬ ‫افرام التي كان ميلكها سعيد عقل ويديرها‪ ،‬تعرفنا إليه‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫موسيقى‪ .‬خرجنا من عنده بانطباع عميق‪ .‬تلك الزيارة قلبت مفاهيمنا للشعر‪.‬‬ ‫ومنذ تلك الفرتة بدأت عالقتنا به وثيقة‪ ،‬وطيدة‪ ،‬مبنية عىل الوفاء واالحرتام‪ ،‬ومل‬ ‫كالما ً‬ ‫نبيال فينا‪ ،‬أبر ُز ُه قو ُله إن ‪‬حلن ‪‬شال‪ ‬هو‬ ‫نعد ننفصل أبدً ا‪ .‬وقال بعدها ً‬ ‫ُ‬ ‫سمعته بصوت فريوز وحلن عايص ومنصور‪،‬‬ ‫من أروع ما سمعته يف حيايت‪ .‬حني‬ ‫أحببت القصيدة أكثر مما كنت أحبها من شعري قبل التلحني‪ .‬صداقتي مع‬ ‫ُ‬ ‫أحبني‬ ‫عايص ومنصور ُأباهي هبا‪ .‬مل َي ُش ْبها ً‬ ‫يوما شائبة‪ .‬وحني أفاخر بأن وطني َّ‬ ‫وأحبني فيه كبار‪ ،‬أعني يف طليعتهم عايص ومنصور الرحباين‪( ‬سعيد عقل‬ ‫َّ‬ ‫إن حكى‪ ،‬احللقة العارشة‪ ،‬جملة ‪‬الوسط‪ ،‬العدد ‪ ٦٧‬تاريخ ‪ -،١٩٩٣/٥/١٠‬ص‬ ‫‪ .)٦٦‬و ِإذا كنت هنا أرد إليه الوفاء باسم عايص وباسمي‪ ،‬فإن عيلَّ ً‬ ‫أيضا أن‬ ‫أبوس جبينه عىل قوله يب‪ ... :‬اليوم بعد غياب عايص‪ ،‬منصور ال يقلّ عن‬ ‫عايص عبقرية وإبداعً ا‪ .‬أرفض التمييز وال أرىض باالنسياق إىل تعظيم الغائب‬ ‫عىل حساب األحياء‪ .‬منصور شاعر كبري وموسيقي كبري‪( ‬الوسط‪ -‬العدد نفسه‬ ‫والصفحة نفسها)‪.‬‬ ‫منع َط ًفا مصري ًيا‬ ‫هذا الكالم أعيده إىل ‪‬معلمنا‪ ‬باجلزم نفسه‪ :‬كان سعيد عقل َ‬ ‫يف مسريتنا الفنية ويف حياتنا الشخصية‪.‬‬ ‫‪130‬‬


‫قصة األخوين رحباني كما رواها منصور‬ ‫ّ‬

‫العبارة من سعيد عقل‪ .‬وما كان ملسرية األخوين رحباين أن تكون ما كانت عليه‬ ‫لوال دخول سعيد عقل إليها‪.‬‬ ‫محمد عبدالوهاب‬ ‫يف طفولتنا‪ ،‬عايص وأنا‪ ،‬كنا نصغي إىل أغنياته وأدواره القدمية من فونوغراف‬ ‫‪‬أبو عايص‪ ‬يف ‪‬مقهى الفوار‪ .‬وذات صيف يف بحرصاف (قرب بكفيا) كان مقهى‬ ‫يبعد عنا نحو مخسمئة مرت‪ ،‬يضع صاحبه طوال النهار أسطوانة ‪‬يا جارة الوادي‪ ‬من‬ ‫خيبئ لنا القدر مع‬ ‫فونوغراف كبري‪ .‬فكنا نصغي إليها وتشدُّ نا دون أن ندري ماذا ِّ‬ ‫املوسيقى‪ .‬ومع تنامي اهتاممنا باملوسيقى ً‬ ‫الحقا كنا نسري من أنطلياس مسافة نصف‬ ‫ساعة كي نصل إىل بيت كان فيه جهاز راديو‪ ،‬وننتظر كي نستمع إىل أغنيات عبد‬ ‫الوهاب القدمية (‪‬اجلندول‪ ،‬يا جارة الوادي‪.)...،‬‬ ‫يوم جاء صهرنا عبداهلل اخلوري يقرتح تعريفنا إىل عبد الوهاب‪.‬‬ ‫لذا كنا سعداء َ‬ ‫األول معه يف فندق ‪‬عاليه‪ ‬الكبري‪ .‬مل يكن يعرف أعاملنا َفأسمعناه‬ ‫كان اللقاء َّ‬ ‫بعضها‪ .‬بدا فو ًرا شديد اإلعجاب والتقط منها املعامل التي قالت جديدً ا‪ .‬خرجنا من‬ ‫تلك اجللسة األوىل شاع َرين أننا بتنا صديقني له‪.‬‬ ‫بعد ذاك توالت الزيارات املتبادلة بيننا وبينه‪ .‬كنا كلام ذهبنا إىل مرص يستضيفنا‬ ‫يف منـزله‪ ،‬وكلام وصل إىل بريوت (بالباخرة ً‬ ‫إمجاال ألنه خياف ركوب الطائرة‪ ،‬وهي‬ ‫مستفرسا بلهف ٍة عن‬ ‫عاد ٌة أخذها عىل األرجح من أمحد شوقي) كان يتصل بنا‬ ‫ً‬ ‫جديدنا الفني يريد سامعه فنجتمع وندعوه إىل بيوتنا ومكتبنا‪ .‬وغري مرة قال لنا يف‬ ‫حضور مجع من الصحافيني والفنانني‪ :‬بدون عايص ومنصور ما كان أمكن الفن‬ ‫اللبناين أن يكون باملستوى الذي هو عليه‪.‬‬ ‫ذات يوم‪ ،‬بعدما ترسخت صداقتنا معه‪ ،‬كان عندنا يف املكتب يستمع إىل‬ ‫جديدنا‪ .‬عرضنا عليه إعادة تسجيل أغنياته القدمية بصوت فريوز التي هلا عنده مكانة‬ ‫‪133‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫عضوا‬ ‫عىل الصعيد الشخيص كان سعيد عقل ًأخا‬ ‫حقيقيا لنا‪ .‬دخل َبيتنا وصار ً‬ ‫ً‬ ‫عظيما‪ .‬ذات يوم من ‪ ١٩٥٤‬صحبه عايص‬ ‫يف العائلة‪ .‬كانت أم عايص ّ‬ ‫تكن له تقدي ًرا ً‬ ‫غري‬ ‫ب ُ‬ ‫إىل بيت فريوز يف حي البطركية‪ .‬حني خرجا قال له‪ :‬يا عايص‪ ،‬بينكام ُح ٌّ‬ ‫عادي‪ .‬جيب أن تتزوج هذه الفتاة‪ .‬كانت تلك العبارة‪ ،‬يف رأي عايص‪ ،‬ذات أثر كبري‬ ‫يف تعجيل زواجه من هناد حداد‪ .‬ويف ما بعد سيكتب سعيد عقل عن عالقتنا بفريوز‪:‬‬ ‫‪‬كان عايص ومنصور يسأالن غري صديق هلام عن رأيه يف حت َُّمل هذه أو تلك من األغاين‬ ‫أياما من ضنى يف إطالعها أعجوبة‬ ‫ُس ُم َّو صوت فريوز‪ .‬وغري مرة قيل لقصيدة رصفا ً‬ ‫الصوت ُّ‬ ‫ت ً‬ ‫الط ْر َفة‪ .‬كان عندمها‬ ‫أهال كفاي ًة ألن يغني ِك‬ ‫ُ‬ ‫ت‪ ،‬أيتها الطرفة‪ ،‬لس ِ‬ ‫صغرية‪ :‬أن ِ‬ ‫مرشح ألن تطلقه فريوز إىل الناس‪ّ ،‬إال َّ‬ ‫ويتحتم عليه أن‬ ‫إحساس بأنه ما من بيت مجيل‬ ‫ٍ‬ ‫يرفع عينيه إىل السامء‪ .‬كان ذلك ً‬ ‫ً‬ ‫مفروضا حتى عىل الغزَل‪ ،‬وحتى عىل القصة‬ ‫رشطا‬ ‫اسمها لبنان‪.‬‬ ‫املأسوية‪ ،‬وحتى عىل َّالت َو ُّله بالصخرة املع َّلقة بالنجم‪ ،‬والتي ُ‬ ‫بدءا بـ‪‬مشوار‪ ‬وبعض‬ ‫عىل الصعيد اإلبداعي وضعنا أحلا ًنا للكثري من قصائده‪ً ،‬‬ ‫قصائد ‪‬يارا‪ ،‬إىل قصائد فصحى هي من أمجل الشعر عىل اإلطالق‪ .‬وكان لسعيد‬ ‫عر َّي ْين خمتلفني (كان أحيا ًنا‬ ‫عقل تأثريه الكبري عىل شعرنا‪ .‬صحيح أننا من أسلو َبني ِش ِ‬ ‫ُ‬ ‫يلومنا عىل عبارات وردت يف قصائدنا ُ‬ ‫حوار مرسحي) لكننا‬ ‫تكون َف َر َض ْتها‬ ‫ظروف ٍ‬ ‫تعلمنا عليه أمو ًرا كثرية‪ :‬اللغة الشعرية‪ ،‬اللعب بالعبارات والكلامت‪ ،‬كيفية كتابة‬ ‫ف وما أصوهلا للتعويض عن القوايف‪ ،‬النظرة اجلاملية إىل األمور‪،‬‬ ‫قصيدة بدون قوا ٍ‬ ‫ت طويل ًة (يف البيت أو يف‬ ‫وسواها مما استفدنا هبا من سعيد عقل‪َ .‬ص َر َف ساعا ٍ‬ ‫مكتبنا يف حرش الكفوري‪ -‬بدارو) يف‬ ‫املكتب‪ -‬وكان يسكن يف البناية املالصق ِة َ‬ ‫إفهامنا األصول والقواعد والتكنيك‪ .‬مل خيرج شع ُرنا َ‬ ‫متأث ًرا بشعره لكنه خرج غا ًمنا من‬ ‫تقنيته العميقة ومن تضلعه بقواعد اللغة التي ميلكها واحدً ا بني قالئل يف هذا العرص‪.‬‬ ‫حني كتبنا ‪‬جرس القمر‪ ‬طلبنا منه أن يط ِّرزها بعبارة منه فكتب‪ :‬كل ضيعه‬ ‫بينها وبني الدين جرس القمر‪ .‬وطاملا فيها قلب بيشدّ قلب‪ ،‬مهام تعرض للخطر‬ ‫ما بينهدم جرس القمر‪ .‬وحني خرجت املرسحية يف كتاب‪ ،‬صدّ رنا الكتاب هبذه‬ ‫‪132‬‬


‫قصة األخوين رحباني كما رواها منصور‬ ‫ّ‬

‫يوما بأية شائبة‪ .‬بقينا عىل صداقة وطيدة‬ ‫عىل أن عالقتنا بعبد الوهاب مل تتأثر ً‬ ‫معاي‪،‬‬ ‫مل تتزعزع‪ .‬وأذكر أن عبد الوهاب كتب يف مكتبنا (بدارو) نشيد ‪‬طوملا أميل َ‬ ‫إيدي سالح‪ ‬و َّحلنه من نغمة الصبا وطلب مني أن أوزعَ ه وأضع له نحاسيات‬ ‫ِو ْف َّ‬ ‫عت له النشيد حسب رغبته وسجَّ له‬ ‫يف نغمة الصبا كام فعلنا يف ‪‬فخر الدين‪ .‬وو َّز ُ‬ ‫يف ستديو بعلبك‪.‬‬ ‫ومن طرائف ما جرى معنا وإياه‪ ،‬وهو عىل ما اشتهر به من وسوسة‪ ،‬أننا كنا‬ ‫يوما يف بيت عايص وفريوز‪ .‬الحظناه بني الفينة واألخرى يأخذ كوبه‬ ‫عىل الغداء ً‬ ‫هتتموش‬ ‫ويذهب إىل املطبخ ليعود ممتل ًئا باملاء‪ .‬عرضنا عليه أن نخدمه فقال‪ :‬ما ّ‬ ‫الحظت أنه كان ميأل كوبه من ماء اخلزان وهو يعتقد أهنا‬ ‫ِب َّي‪ .‬وعندما تكرر ذلك‬ ‫ُ‬ ‫ووقعت يف حرية‪ :‬هل ُأخربه أم َأسكت؟ وماذا إذا‬ ‫هذه هي املياه الصاحلة للرشب‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫خاصا لشدة حرصه‬ ‫طعاما ً‬ ‫ما أصابه انزعاج من مياه اخلزان‪ ،‬هو الذي ال يأكل ّإال ً‬ ‫ُ‬ ‫صارحت ُه باحلقيقة فرصخ مذعو ًرا‪ :‬يا خرب!!!‪ ‬وذهب من‬ ‫عىل صحته؟ بعد الغداء‪،‬‬ ‫بيت عايص مبارشة إىل املستشفى فاستدعى جلنة أطباء طوال أربع وعرشين ساعة‬ ‫يراقبونه وهو ُم َه ْلوس مبا سيحدث له‪ .‬وأكد يل أحد أولئك األطباء أنه مل يصب بأي‬ ‫انزعاج‪ ،‬وأين لو مل أخربه باحلقيقة ملا كان شعر بيشء‪.‬‬ ‫مدعوا عندي عىل العشاء فنادى زوجتي‪ :‬يا ست تريز‪،‬‬ ‫ومرة أخرى كان‬ ‫ً‬ ‫اميه خاصة من دون زيت ومن دون ملح ومن دون بصل‬ ‫تعملييل لو سمح ِ‬ ‫ت َب َ‬ ‫ومن دون ثوم ومن دون قيل‪ .‬فأجابته‪ :‬حارض يا أستاذ‪ .‬صحنك خاص‪ .‬وإذا‬ ‫هبا ِّهتي ُئ العشاء للجميع‪َّ ،‬ثم ُت ْف ِردُ منه ً‬ ‫صحنا تقدمه إىل عبد الوهاب عىل أنه صحنه‬ ‫اخلاص حسب طلبه‪ .‬فأكل وه ِن َئ وشكرها عىل هذا الصحن املميز‪ .‬وبعد العشاء‬ ‫ست يل تريز َّ‬ ‫خصيصا بل فصلته لوحده عن سائر‬ ‫بأن ذاك الصحن مل ُتحَ ِّض ْر ُه‬ ‫ً‬ ‫َه َم ْ‬ ‫البامياء التي أعدَّ هتا للجميع‪.‬‬ ‫كانت جلساتنا معه غني ًة باملتعة واخلربة‪ .‬وكان ذا شخصية قوية‪ً ،‬‬ ‫متأنقا جدً ا‬ ‫ً‬ ‫ومتألقا جدً ا وناضجً ا جدً ا وله جتارب عظيمة‪ .‬وهو الوحيد ذو الفضل األكرب عىل‬ ‫الغناء واملوسيقى يف الرشق‪.‬‬ ‫‪135‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫خاصة‪ ،‬وكان سمع كيف و َّزعنا بصوهتا ‪‬طلعت يا حمىل نورها‪ ‬و‪‬زوروين كلّ َ‬ ‫سنه‬ ‫رحب بالفكرة وبدأنا بذاك التعاون مع أغنية ‪‬جارة‬ ‫م َّره‪ ‬لسيد درويش وأحبهام‪َّ .‬‬ ‫الوادي‪ ‬و َّزعْ ناها (مل تكن موزعة أيام غناها هو) وأدخ ْلنا إليها توزيع ربع الصوت‪ ،‬ما‬ ‫كثريا بصوت فريوز‪ .‬ثم أتبعناها بـ‪‬خايف أقول‬ ‫فاجأ عبد الوهاب وأدهشه وأحبها ً‬ ‫اليل ْف قلبي‪ .‬وكان يسعد جدً ا بالتوزيع الذي وضعناه ألغانيه‪ .‬مل يكن يسمع‬ ‫توزيعنا قبل التسجيل لكنه كان أحيا ًنا يقرأه يف النوطة‪ ،‬وأحيا ًنا يسمع بعض نتائجه‬ ‫عىل اآلالت‪.‬‬ ‫مرة كان يف بريوت ِّهيي ُئ أحلا ًنا ألحد أفالم عبد احلليم حافظ‪ .‬طلب منا‬ ‫كتابة أغنية بالعامية املرصية لعبد احلليم فكتبنا ‪‬يض القناديل‪ ،‬و َّحلنها يف فندق‬ ‫السان جورج حيث كان ً‬ ‫نازال وو ّزعناها له‪ .‬وحني نجحت جتربة تلحينه كلام ِتنا‪،‬‬ ‫ً‬ ‫والحقا طلبنا منه أن يلحن‬ ‫حيبها‪ ،‬أعطيناه ‪‬سهار بعد سهار‪ ‬لصوت فريوز‪،‬‬ ‫وكان ُّ‬ ‫قصيدة ‪‬م َّر يب يا واعدً ا َوعَ دَ ا‪ ‬لسعيد عقل‪ ،‬فافتتحت هبا فريوز مهرجان معرض‬ ‫دمشق الدويل‪َّ .‬ثم َّحلن لفريوز قصيدة جربان ‪‬سكن الليل‪ .‬وهلذه قصة أو َق َع ْتنا‬ ‫يف ُل ْبس‪َّ :‬هتيأ للبعض‪َ ،‬‬ ‫خط ًأ‪ ،‬أننا ‪‬شاغبنا‪ ‬عىل عبد الوهاب عند صدور ‪‬سكن‬ ‫الليل‪ ‬بإصدارنا ‪‬زهرة املدائن‪ .‬والواقع أننا‪ ،‬خالل حتضرياتنا حفلة منوعات عام‬ ‫‪ ١٩٦٩‬ملهرجانات األرز‪ ،‬وكنا أهنينا قبل فرتة تسجيل ‪‬زهرة املدائن‪ ،‬طلب مني‬ ‫عايص بنباهته املعتادة أن ُأسمع عبد الوهاب ‪‬زهرة املدائن‪ .‬فقال بعدما سمعها‪:‬‬ ‫حاجه جديده‪ ،‬فيها ِع ْلم‪ .‬ويف األرز اقترصت أكثر الربوڤات عىل‬ ‫‪‬ما فيهاش َ‬ ‫‪‬سكن الليل‪ .‬وليلة املهرجان َّغنت فريوز ‪‬سكن الليل‪ ‬و‪‬زهرة املدائن‪ ‬فتجاوب‬ ‫بشكل واضح‪ ،‬ما حدا باألصدقاء سعيد فرحية وسليم‬ ‫اجلمهور مع ‪‬زهرة املدائن‪‬‬ ‫ٍ‬ ‫اللوزي وجورج جرداق إىل أن ينتحوا بنا يف االسرتاحة ويلومونا عىل هذا ‪‬الكمني‪‬‬ ‫نصبناه لعبد الوهاب بوضع ‪‬زهرة املدائن‪ ‬و‪‬سكن الليل‪ ‬يف الربنامج نفسه‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وعبثا أقنعناهم بأن ا ُألوىل موضوع ٌة قبل األخرى َّ‬ ‫وأن عبد الوهاب نفسه استمع‬ ‫إليها فلم يقتنعوا‪.‬‬ ‫‪134‬‬


‫قصة األخوين رحباني كما رواها منصور‬ ‫ّ‬

‫دائما ينقل إلينا ارتياحه وإعجابه‬ ‫عىل الپيانو بوغوس جالليان)‪ .‬وكان صهرنا عبد اهلل ً‬ ‫حني نلحِّ ن له إحدى قصائده‪.‬‬ ‫يف إحدى المآدب‪ :‬فريوز وإىل جانبها‬ ‫فيلمون وهبي وتريز زوجة منصور‬

‫عاصي ومنصور وشادية‬ ‫يف جلسة تمرين (‪)1968‬‬

‫عاصي ومنصور وفريوز‬ ‫يف حفلة استقبال لدى السفري الفرنسي‬ ‫‪137‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫كان مؤمتر ‪َّ ١٩٣٢‬‬ ‫حظر استعامل اهلارموين يف املوسيقى العربية وأية آالت غري‬ ‫الوتريات (القانون والعود‪ .)...،‬فأدار عبد الوهاب ظهره لكل هذا األمر وأنشأ‬ ‫لنفسه أمرباطوري ًة استعمل فيها اآلالت األوروپية والنحاسيات واخلشبيات بطريقة‬ ‫واسعة‪ ،‬أكان هو املو ّزع أم سواه‪ ،‬لكن تلك اآلالت استعملت يف قطعه‪ .‬وعبد‬ ‫الوهاب هو الفنان الوحيد الذي مل يصدر ً‬ ‫عمال ّإال شاع‪ .‬إنه سيد اجلملة املوسيقية‬ ‫واللفظ العريب‪ .‬كان يعرف ماذا يريد وكيف يريده‪ ،‬ألنه ذو اطالع مذهل‪.‬‬ ‫مل نكن نتدخل بأحلانه لفريوز ّإال حني يسألنا رأينا‪ .‬أحيا ًنا كان يعدِّ ل يف مفصل‬ ‫وفقا القتناعه ْ‬ ‫موسيقي أو مجلة ميلودية ً‬ ‫برأ ٍي ُ‬ ‫يكون َس َأ َلنا إياه‪ .‬وكلام زار بريوت‪،‬‬ ‫وقتا ً‬ ‫وغالبا ما مييض فيها ً‬ ‫طويال‪ ،‬كان يزورنا يف املكتب ُفنسمعه أحلا ًنا لنا جديدة‬ ‫ً‬ ‫قبل صدورها‪ ،‬ونأخذ برأيه ونفيد من خربته الفريدة‪.‬‬ ‫األخطل الصغير‬ ‫كانت ُ‬ ‫عالقتنا به ودية وعائلية‪ .‬كنا نعرف عنه من قبل حني يشار إليه عىل أنه‬ ‫‪‬شاعر العرب األكرب‪ .‬بعد زواج شقيق ِتنا سلوى من ابنه عبداهلل أخذنا نرتدد عليه‪.‬‬ ‫كتبا مهدا ًة إليه بخط أصحاهبا‪ ،‬منهم جربان (زميله يف معهد‬ ‫كنت أرى يف مكتبته ً‬ ‫كتب يل‪:‬‬ ‫احلكمة) وخليل مطران وطه حسني وأمحد شوقي‪ .‬وعىل نسخة ديوانه َ‬ ‫َ‬ ‫طريف‬ ‫‪‬إىل منصور الشاعر الذي ُأ ِحب‪ .‬كان شخصية طريفة جدً ا‪َ :‬م ِر ًحا‪ ،‬ساخ ًرا‪،‬‬ ‫كثريا ما ترددنا عليه ُنسمعه شعرنا‬ ‫يغش‪ً .‬‬ ‫حيب لعب الورق للذ ٍة واحدة‪ :‬أن ّ‬ ‫املعرش‪ُّ ،‬‬ ‫فيحبه‪ .‬وباك ًرا بدأنا بتلحني قصائد له‪ :‬يا ربى ال ترتكي وردً ا وال تنيس أقاحا‪،‬‬ ‫‪‬بريوت هل ذرفت عيونك دمع ًة ّإال َّ‬ ‫املغرم‪ ،‬ب َردى هل اخللد الذي‬ ‫ترشفها فؤادي ُ‬ ‫وعدوا به‪ ،‬يا قطعة من كبدي‪ ،‬يا عاقد احلاجبني‪ ،‬يبكي ويضحك ال حز ًنا‬ ‫وال فرحا‪ ،‬قد أتاك يعتذر‪ ،‬وسواها‪ .‬وحني تنادى كبار الشعراء إىل مبايعته أمري‬ ‫الشعراء (قرص األونسكو‪ ،‬بريوت ‪ )١٩٦١/٦/٤‬غنت فريوز قصيد َتني من شعره (رافقها‬ ‫‪136‬‬


‫قصة األخوين رحباني كما رواها منصور‬ ‫ّ‬

‫يبقى فيلمون وهبي‪ ،‬بشخصية ‪‬سبع‪ ‬وشخصه هو كإنسان كبري‪ ،‬حمطة كبرية‬ ‫أغان كثرية يف أعاملنا‪ ،‬كتبناها و َّحلنها هو‬ ‫يف مسريتنا الفنية‪ .‬وله فضل كبري يف نجاح ٍ‬ ‫وغنتها فريوز‪ ،‬وهي بني أنجح أغانيها عىل اإلطالق‪.‬‬ ‫وديع الصافي‬ ‫باك ًرا جدً ا تعرفنا عىل وديع قبل دخولنا امليدان الفني‪ .‬كنا مجيعنا هوا ًة‪ ،‬ووديع‬ ‫ضبيه ملتحق بفرقة أنصار اجليش‪ .‬كان ً‬ ‫وسيما ويعزف عىل العود‪ .‬تع َّرفنا‬ ‫نحيال ً‬ ‫يف ّ‬ ‫أسمعنا من تلحينه‪ :‬يا مرسل النغم‬ ‫به وكنا نعقد ثالثتنا جلسات عدة‪ .‬أول ما‬ ‫َ‬ ‫الشجون‪َ .‬و َل َف َتنا يف صوته مجال نادر‪َ .‬‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫توثقت الصداقة‬ ‫جت يف قلبي‬ ‫احلنون‪َّ ...‬هي َ‬ ‫بيننا‪ .‬وكان كل يوم َأ َحد خيدم القداس يف مدينة أو قرية جماورة (بيت شباب‪،‬‬ ‫سريا عىل األقدام كي نستمع إىل خدمته القداس‬ ‫بكفيا‪ ،)...،‬فنغدو باك ًرا عايص وأنا ً‬ ‫اللومه‪.)‬‬ ‫بذاك الصوت الرائع‪َّ .‬ثم بدأ يشتهر (خاصة من إذاعة دمشق بأغنية ‪‬عَ َ‬ ‫أغان لنا غناها أيام إذاعة الرشق األدنى‪ ،‬منها‪ :‬أهون‬ ‫ويف ما بعد بدأ التعاون بيننا يف ٍ‬ ‫عليي يدمعو عيوين وال يدمعو عيونك‪ ‬وسواها‪ .‬وأعطيناه من أغاين التانغو ألننا كنا‬ ‫نريد أن نطلق جمموعة كبرية من تلك األغاين الراقصة‪ ،‬ومل يكن ً‬ ‫ممكنا أن خترج مجيعها‬ ‫بصوت فريوز‪ ،‬فو َّزعناها عىل وديع وصباح ونجاح سالم وسواهم‪ .‬وتعاو َّنا معه يف‬ ‫السكتشات اإلذاعية مع فريوز ومع صباح‪ ،‬إىل أن َّتوجنا تعاوننا بأوپريت ‪‬موسم العز‪‬‬ ‫ً‬ ‫والحقا يف ‪‬قصيدة حب‪( ‬بعلبك ‪.)١٩٧٣‬‬ ‫مع صباح (بعلبك ‪)١٩٦٠‬‬ ‫صباح‬ ‫هي ً‬ ‫أيضا ركن أسايس من مطالع مسريتنا‪ .‬بدأ تعاوننا يف األيام األوىل من‬ ‫اإلذاعة اللبنانية‪َّ .‬غنت لنا ً‬ ‫أعامال كثرية يف خمتلف املراحل التي انطلقنا هبا منذ‬ ‫مطالعنا‪ .‬ومن أنجح األعامل التي قدمتها معنا صباح‪ :‬املوسم األزرق‪( ‬مع عايص)‪،‬‬ ‫‪139‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫فيلمون وهبي‬ ‫معرفتنا به تعود إىل وقت سحيق‪ .‬كنا ذات يوم‪ ،‬عايص وأنا‪ ،‬عىل باب دكان‬ ‫أبو عايص يف أنطلياس فدخل شاب ليشرتي علبة سجائر‪ .‬فهمنا من حواره مع أيب‬ ‫وقتا ً‬ ‫بأنه مطرب وملحن‪ .‬ثم غاب عنا ً‬ ‫طويال مل نعد نعرف فيه شي ًئا عنه إىل أن رصنا‬ ‫نلتقي به يف أروقة اإلذاعة اللبنانية ونالحظ عنده ما نسمع عن روحه املرحة وحبه‬ ‫النكات والسخرية‪ .‬يف تلك الفرتة كنا ِّهني ُئ لتسجيل سلسلة سكتشات ‪‬سبع وخمول‬ ‫بقيت معنا منذ الطفولة أيام كنا نرى هذه النامذج‬ ‫وبو فارس‪ ‬وهي الشخصيات التي َ‬ ‫يف حميط املنيبيع‪ ،‬شويا‪ ،‬عني املياسة‪ ،‬محاليا‪ ،‬عني اخلروبة‪ ،‬الزغرين‪ ...،‬وبقيت يف بالنا‬ ‫حتى خرجت ً‬ ‫الحقا يف شخصيات سبع وخمول وبو فارس‪.‬‬ ‫ذات يوم كنا نستعد لتسجيل أول سكتش لنا‪ :‬بارود اهربوا‪ .‬كنت أمثل شخصية‬ ‫خمول‪ ،‬وعايص شخصية بو فارس‪ .‬وأعطينا شخصية سبع لشاب كان يغني معنا يف‬ ‫مرتاحا ألدائه التمثييل ألن شخصية سبع كانت مميزة وطريفة وتتطلب‬ ‫الكورس ومل أكن ً‬ ‫أصال ليس ً‬ ‫طواعي ًة يف التمثيل مل تكن موجودة لدى ذاك الشاب الذي ً‬ ‫ممثال حمرت ًفا بل‬ ‫مغني كورس‪ .‬يوم التسجيل شاءت صدف ٌة‪ ،‬هي فرص ٌة تارخيي ٌة را َف َق ْتنا طوال مسريتنا‬ ‫الفنية‪ ،‬أن ميرض ذاك الشاب ويتغيب عن اإلذاعة‪ .‬فتقت فجأة فكر ٌة يف بال عايص‬ ‫َ‬ ‫فسأ َلني‪ :‬شو ْرأيك نج ّرب فيلمون للدور؟‪ .‬وهكذا كان‪ .‬وإذا مبوهبة كوميدية مذهلة‬ ‫تنفتح أمامنا مع فيلمون خالل التمرين عىل شخصية ‪‬سبع‪ ‬التي‪ ،‬من شخصية فيلمون‬ ‫نفسه‪َ ،‬‬ ‫أخذت تتبلور عندنا شخصية ‪‬سبع‪ ‬أكثر فأكثر‪ .‬ومنذ ذلك احلني بدأنا مع فيلمون‬ ‫فنيا ً‬ ‫ً‬ ‫سكتشا) ثم نقلنا تينك‬ ‫طويال انطلق من سكتشات ‪‬سبع وخمول‪( ‬مخسة عرش‬ ‫تعاو ًنا ً‬ ‫الشخصيتني معنا إىل املرسح والتلڤزيون والسينام والكثري من أعاملنا الفنية الالحقة‪.‬‬ ‫وأشهد أن شخصية ‪‬سبع‪ ‬انزرعت يف شخصية فيلمون حتى اختلطت الشخصيتان‪،‬‬ ‫فذاب فيلمون نفسه بشخصية ‪‬سبع‪ ‬حتى يف حياته الشخصية والعامة‪ .‬وم ّرات كثرية‬ ‫كان ينسى نفسه يف املجتمع فيبقى ‪‬سبع‪ ‬حتى خارج التمثيل‪ ،‬وعاش يف هذه‬ ‫الشخصية طوال حياته‪.‬‬ ‫‪138‬‬


‫قصة األخوين رحباني كما رواها منصور‬ ‫ّ‬

‫عاصي يصافح نجيب علم الدين و بينهما نجيب حنكش‬

‫عايص وأنا‪ ،‬فقال‪ :‬خذا كل شعري واعطياين قصيدتكام ‪‬مللمت ذكرى لقاء األمس‬ ‫خصوصا البيت الذي يقول‪:‬‬ ‫ب‪ ....‬وهو يقصد‬ ‫ً‬ ‫باهلد ِ‬

‫‪‬نسيت من يده أن أسترد َّ يدي‬ ‫ُ‬

‫ِ‬ ‫اهلدب‪‬‬ ‫طال السالم وطالت رفة‬

‫نزار قباني‬ ‫ركن كبري آخر يف حياتنا الفنية‪ّ .‬حل ّنا له‪ :‬ال تسألوين ما اسمه حبيبي‪ ،‬يروون‬ ‫يف ضيعتنا‪ ‬و‪‬لقد كتبنا وأرسلنا املراسيال‪( ‬افتتاح أحد مهرجانات معرض دمشق‬ ‫حيب‬ ‫الدويل)‪ .‬تع َّرفنا به يف دمشق ومجعتنا به عالقة من أنبل الصداقات‪ .‬كان ُّ‬ ‫‪141‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫أغان (‪‬عَ الندّ ا‪ ،‬جيب املجوز يا عبود‪ )...،‬ثم قدمنا معها ‪‬موسم العز‪‬‬ ‫وجمموعة ٍ‬ ‫(بعلبك ‪ ،)١٩٦٠‬و‪‬دواليب اهلوا‪( ‬بعلبك ‪.)١٩٦٥‬‬ ‫نصري شمس الدين‬ ‫عضوا عاد ًيا يف‬ ‫تعود عالقتنا به إىل أيام ‪‬إذاعة الرشق األدنى‪ ‬حني بدأ معنا ً‬ ‫الكورس (عىل غرار كثريين دخلوا معنا يف الكورس ثم شقوا طريقهم فنانني كبا ًرا)‪.‬‬ ‫حني َ‬ ‫اكتشفنا موهبته األكيدة أعطيناه مقاطع سولو‪ .‬ثم بدأنا سكتشات ‪‬سبع وخمول‬ ‫وبو فارس‪ ‬فأسندنا إليه دور ‪‬نرصي بو در َب ِّكه‪ .‬وراح يبـرع يف أداء األدوار فتدَ َّر َج‬ ‫عنرصا‬ ‫معنا من السولو إىل السكتشات إىل األغاين حتى ختصص يف مرسحنا وبات‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ركنا يف مسريتنا الفنية‪ .‬كان يتمتع بكفاءات فنية نادرة ال ُت َع َّوض‪ ،‬أبرزها غناؤُ ه‬ ‫عىل املرسح بعظمة َ‬ ‫وهيبة‪ ،‬أمام أوركسرتا تعزف نوطات أخرى يفرضها التوزيع‪ ،‬فيام‬ ‫ً‬ ‫مسلطنا بثبات وثقة‪ ،‬ال يضيع بينام الكثريون يضيعون يف موقف‬ ‫هو يستمر يف غنائه‬ ‫صعب كهذا‪.‬‬ ‫نجيب حنـكش‬ ‫معا إىل أن غنى أمامنا ذات‬ ‫كان حمور صداقة كبرية مع سعيد فرحية‪ .‬كنا نسهر ً‬ ‫وغن‪ ‬جلربان‪ ،‬وكان أصدرها يف الربازيل عىل أسطوانات بصوته‪.‬‬ ‫ليلة ‪‬أعطني الناي ّ‬ ‫ّتبنيناها َّ‬ ‫وغن ْتها فريوز فانطلقت واحدة من أنجح أغانيها‪.‬‬ ‫عمر أبو ريشة‬ ‫كنا نجلس إليه ُنسمعه شعرنا ونصغي إىل شعره‪ .‬ومن أكثر اللحظات َتأ ُّث ًرا‬ ‫يف حيايت‪ :‬يوم انتهى عرض أحد مهرجانات معرض دمشق الدويل جاء ِّهينئنا‪،‬‬ ‫‪140‬‬


‫قصة األخوين رحباني كما رواها منصور‬ ‫ّ‬

‫عاصي ّ‬ ‫يدرب ملحم بركات وإييل شويري‬ ‫(‪‬فخر الدين‪)1966 ‬‬

‫عاصي ومنصور وفريوز‬ ‫يستقبلون مرياي ماتيو‬ ‫إىل جانبها طوروس سريانوسيان‬ ‫(يف بيت عاصي وفريوز ‪ -‬تموز ‪)1974‬‬

‫‪143‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫عايص ً‬ ‫‪‬ويوم‪ ،‬بعد ألف سنة‪ ،‬سيع ّلمون يف مدارسنا‬ ‫عميقا‪ .‬ويف ذكراه األوىل كتب‪َ :‬‬ ‫َأسامء اجلبال يف لبنان‪ ،‬سيكون عايص الرحباين أعىل وأهم جبل يف أطلس لبنان‪.‬‬ ‫جورج شحادة‬ ‫كنا‪ ،‬عايص وأنا‪ ،‬نذهب إليه نقرأ له ما نكتبه أو جييء إىل مكتبنا فيصغي إىل‬ ‫كثريا يف بناء اهليكلية املرسحية ونوع اللغة التي نكتب هبا‪.‬‬ ‫أعاملنا بكل انتباه‪ .‬أفادنا ً‬ ‫ع ّلمنا مبدأ التضاد (اهلبوط من أقىص الرومانسية إىل أدنى الواقع)‪ .‬كان ّ‬ ‫حيذرنا من‬ ‫االسرتسال يف اللغة الوردية املعطرة الزائدة العذوبة‪َّ .‬نب َهنا إىل استعامل اللغة القاسية‬ ‫مقطع يعجبه‪ ،‬يروح يقفز يف صالون‬ ‫مرات‪ .‬حني كنا أحيا ًنا نقرأ له يف منـزله ومير‬ ‫ٌ‬ ‫فرحا ويعلق عىل صدرينا أوسمة ومهية بكل طفولية رائعة‪ ،‬حتى إذا م ّر مقطع‬ ‫بيته ً‬ ‫آخر ال يعجبه يغضب ‪‬وينزع‪ ‬عن صدْ َرينا تلك ‪‬األوسمة‪.‬‬ ‫ميشال طراد‬ ‫صديق كبري عىل الصعيد الشخيص مع أنه ال حيب شعرنا‪ .‬كنا نعقد معه جلسات‬ ‫ً‬ ‫مسؤوال يف القلعة) لكنه ال يبقى ليحرض احلفلة‬ ‫طويلة أيام مهرجانات بعلبك (وكان هو‬ ‫قطعا كثرية‪ ،‬منها‪:‬‬ ‫خوف ّأال يعجبه العمل‪ .‬مل يكن يستوعب الكتابة املرسحية‪ّ .‬حل ّنا له ً‬ ‫‪‬جلنار‪ِ  ،‬بكوخنا يا ابني‪ ،‬كم بنفسجه‪ ،‬رح ح ّلفك بالغصن يا عصفور‪.‬‬ ‫أحباب‬ ‫كان مكتبنا (حرش الكفوري‪ -‬بدارو) ورشة عمل مستمرة‪ ،‬خلية فنانني‪ ،‬ومقر‬ ‫‪‬الفرقة الشعبية اللبنانية‪ ‬التي كان صربي الرشيف (إىل جانب إدارته املكتب) يدير‬ ‫شؤوهنا‪ ،‬هي التي قيل فيها إهنا أكرب فرقة فنية خاصة أنشأها أفراد‪ .‬من الطبيعي ًإذا‬ ‫‪142‬‬


‫قصة األخوين رحباني كما رواها منصور‬ ‫ّ‬

‫عاصي منصور والياس يف ستوديو األخري‬

‫وكنا ْ‬ ‫بدأنا‪ ،‬منذ مطلع السبعينات‪ ،‬نتهيأ للقيام مبرحلة منتجة كربى ترتكز عىل‬ ‫معا‪ :‬عايص ومنصور والياس‪ ،‬لوال أن القدر كان لنا باملرصاد َفص َع َق ْتنا مأساة‬ ‫ثالثتنا ً‬ ‫فاجعة َح َّلت علينا عام ‪ :١٩٧٢‬انفجَ َر دماغ عايص‪.‬‬ ‫‪145‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫تلقائيا مستشارين‬ ‫أن يكون املكتب ملتقى مبدعني كبار‪ ،‬نسأهلم ً‬ ‫دائما ويصبحون ً‬ ‫لنـا دائمني‪ :‬سعيد عقل‪ ،‬جورج شحادة‪ ،‬عبداهلل األخطل‪ ،‬جورج سكاف‪ ،‬كامل‬ ‫التلمساين‪ ،‬رفيق خوري‪ ،‬أنيس احلاج‪ ،‬طالل حيدر‪ ،‬وآخرين كنا نقرأ هلم أعاملنا‪،‬‬ ‫نأخذ ْرأهيم يف الفكرة والنص واحلوار‪ ،‬وما إذا كانت بعض التعابري تليق ً‬ ‫مثال أن‬ ‫حيملها صوت فريوز‪.‬‬ ‫الياس الرحباني‬ ‫لن أقفل فصل الكبار يف مسريتنا الفنية من األصدقاء‪ ،‬دون أن أختم بالكالم‬ ‫عىل كبري من أهل البيت‪ :‬الياس الرحباين‪.‬‬ ‫تويف الوالد أبو عايص وكان الياس ً‬ ‫طفال فتعهدناه عايص وأنا‪ .‬منذ صغره‬ ‫وناهبا فأخذنا نصحبه معنا إىل حفالتنا عىل الدورة ويف بعض القرى‪.‬‬ ‫ذكيا ً‬ ‫كان ً‬ ‫كنا نكتب له مونولوجات صغرية‪ :‬بتعرف إنت يا خاي‪ ،‬إنو الداعي قبضاي‪،‬‬ ‫ً‬ ‫تصفيقا لكونه‬ ‫أو ‪‬يا اهلل شو عندا قرايب‪ ،‬فيؤدهيا الياس يف شكل مرح يقطف‬ ‫ً‬ ‫والحقا صار ضارب إيقاع (يعزف الطبلة) يف‬ ‫أصغر مونولوجيست ارتقى املرسح‪.‬‬ ‫ب املوسيقى‪ .‬حني شب أخذ يوازن‬ ‫حفالتنا‪ .‬هكذا نشأ يف الوسط الفني َوأ َح َّ‬ ‫بني دروسه (يف فرير اجلميزة) ودروس الپيانو عىل ميشال بورجو حتى بلغ درج ًة‬ ‫مهمة يف العزف طاحمًا أن يغدو عازف پيانو للكونرشتوات‪ .‬لكن أ ًملا أصابه يف‬ ‫إهبامه حال دون مواصلته دروس العزف َ‬ ‫املتقدِّ مة‪ .‬ولعلَّ ذلك من حسن احلظ‬ ‫حتول من العزف اىل ْ‬ ‫التأليف املوسيقي والتلحني وبات من كبار امللحنني يف‬ ‫ألنه َّ‬ ‫دروس ُه يف الكونرسڤتوار وعىل برتران روبيار‪ .‬كنا‬ ‫لبنان والرشق العريب‪َّ .‬ثم أكمل َ‬ ‫ينضم إلينا فنصبح ‪‬اإلخوة‬ ‫ً‬ ‫دائما ُنفرد له أغاينَ وفواصل يلحنها يف مجيع أعاملنا‪ .‬مل َّ‬ ‫رحباين‪ ،‬بسبب فارق العمر بيننا‪ ،‬ألنه حني بدأ كنا نحن قطعنا ً‬ ‫شوطا بعيدً ا‪،‬‬ ‫فأخذ يو ّقع باسمه منفردً ا‪.‬‬ ‫‪144‬‬


‫قصة األخوين رحباني كما رواها منصور‬ ‫ّ‬

‫غرفته يكتب‪ ،‬وأنا يف غرفتي أكتب‪ ،‬وليس معنا سوى خليل تابت (أحد أعضاء‬ ‫الفرقة الشعبية)‪ .‬دخل عايص إىل غرفتي ً‬ ‫قائال‪ :‬انتهت احللقة ‪ .١٤‬كنت‬ ‫ففوجئت بأنه أهناها هبذه الرسعة العجيبة‪ .‬قمنا‬ ‫أعرف أنه بدأها ذاك الصباح‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫إىل الصالون وتناولنا غداء ً‬ ‫خفيفا (سندويش شاورما يتناسب وما كنا نزاوله من‬ ‫رجييم)‪ .‬عدت إىل غرفتي وعاد عايص إىل غرفته‪ .‬فجأة دخل عيلَّ خليل ه ِل ًعا‪:‬‬ ‫بحر من النوطات‬ ‫عاصي أمام ٍ‬

‫‪147‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫مرتين‬ ‫عاصي الذي غاب َّ‬ ‫األخوان رحباين وصال إىل ذروة ّ‬ ‫مر بها َ‬ ‫بعد النجاحات التي َّ‬ ‫قل أن بلغها‬ ‫قبلهما فنان يف قلوب الناس أو يف الريپريتوار الذي أوجداه خالل مسرية فنية‬ ‫أذهلت الجميع بزخم نتاجها وتنوعه‪ .‬لكن الفرح مل يكتمل ألن القدر اللئيم‬ ‫ّ‬ ‫أصاب الدوح الرحباين الذي َّلون بعطائه لبنان والشرق والعامل‪ :‬غاب عاصي‬ ‫َّ‬ ‫مرتين‪.‬‬

‫هنار األربعاء ‪ ٢٧‬أيلول ‪ ١٩٧٢‬كان عايص يف املكتب‪ .‬يكتب‪ ،‬كعادته‪ ،‬يف رسعة‬ ‫وعمق‪ .‬ينسى نفسه حني يكتب‪ .‬ينسى الوقت واملكان‪ .‬يغيب يف الشخصيات‬ ‫أمامه‪ ،‬حياورها‪ ،‬حيركها‪ ،‬يتفاعل منها‪ ،‬هبا‪ ،‬معها‪ .‬كانت هذه ميزة لديه مهام‬ ‫كتب‪ .‬من هنا أنه شاعر درامي يتميز عن سواه من الشعراء الرومانسيني فقط‬ ‫بأنه امتلك الكتابة املرسحية‪ .‬هو ليس جمرد شاعر أغنية‪ ،‬وليس شاع ًرا وحسب‪.‬‬ ‫إنه شاعر درامي‪ :‬ما يريد قوله يقوله بجملة متوترة‪ ،‬يشحنها بكل ما يود قوله‪،‬‬ ‫دائما‬ ‫فتخدم أغراض املرسح من دون أن ينساق مع غنائيته أو رومانسيته‪ .‬هو ً‬ ‫يف خدمة أغراض املرسح والعمل املرسحي‪ ،‬ولو ابتعدت به هذه األغراض أحيا ًنا‬ ‫قلت إنه من أكرب الشعراء الدراميني‪.‬‬ ‫عن مجاليا الشعر‪ .‬هلذا ُ‬ ‫كنا قدَّ ْمنا‪َ ،‬‬ ‫صيف ٍئذ‪ ،‬ناطورة املفاتيح‪ ‬يف بعلبك‪ ،‬وبدأنا نكتب املسلسل‬ ‫التلڤزيوين ‪‬من يوم ليوم‪ .‬وذاك اليوم (األربعاء ‪ )١٩٧٢/٩/٢٧‬كان عايص يف‬ ‫‪146‬‬


‫قصة األخوين رحباني كما رواها منصور‬ ‫ّ‬

‫جدوى من العملية‪ .‬لعلهم خافوا من املخاطرة بالعملية فقالوا إن األفضل تركه ألنه‬ ‫تدرجييا ولن يعيش ً‬ ‫طويال‪ .‬وحده الدكتور فريد أبو جودة قاوم هذه الفكرة‬ ‫سينطفئ‬ ‫ً‬ ‫وأرشفت عىل عنايته طوال عمره‪ .‬لن أرىض بأن ينطفئ هبذه‬ ‫وقال‪ :‬عايص أنا ر َّبيته‬ ‫ُ‬ ‫السهولة املجانية‪.‬‬ ‫وأرص عبداهلل اخلوري (صهرنا) بأن نجري لعايص‬ ‫عقدنا اجتامعً ا مع فريوز‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫معنا الصحايف الصديق جورج ابرهيم اخلوري (رئيس‬ ‫العملية مهام كانت النتائج‪ .‬وكان َ‬ ‫طبيبا‬ ‫حترير ‪‬الشبكة‪ ‬يومها) فوضع كل االتصاالت الدولية يف ترصفنا كي نستدعي ً‬ ‫ُ‬ ‫صديقنا الدكتور جدعون حماسب فقال لفريوز إنه يقرتح‬ ‫انضم إلينا‬ ‫من اخلارج‪ .‬ثم ّ‬ ‫سهل لنا جورج‬ ‫اإلتصال بأستاذه وصديقه الپروفسور الفرنيس العاملي كلود غرو‪َّ .‬‬ ‫ابرهيم اخلوري أمر اإلتصال فكلمه الدكتور حماسب وفهم منه أنه ذاهب إىل الواليات‬ ‫املتحدة كي يؤسس َ‬ ‫هناك مركزًا جلراحة أعصاب الدماغ‪ .‬وحني أرص حماسب وافق‬ ‫غرو عىل املجيء إىل بريوت (كانت له ابنة فيها) فريى ابنته و ُيجري العملية ثم يعود‬ ‫إىل الواليات املتحدة‪.‬‬ ‫يف هذه األثناء كان األطباء يف العناية الفائقة أجروا لعايص عملية الرتاخيوتوميا‬ ‫(فتح القصبة اهلوائية) ليساعدوه عىل التنفس خو ًفا عليه من االختناق بسبب توقف‬ ‫الدماغ ووقوعه يف الغيبوبة التامة‪.‬‬ ‫وما هبط الليل علينا‪ ،‬ذاك األربعاء احلزين‪ ،‬حتى كان مستشفى رزق مز ّن ًرا‬ ‫بحزام برشي مذهل من مئات الذين حارصوا املستشفى يستفرسون عن حالة‬ ‫عايص‪ .‬ويف ساعة متأخرة من الليل َّ‬ ‫اجلمهوري‬ ‫القرص‬ ‫رن اهلاتف فإذا عىل اخلط‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫السوري ومندوب يستفرس باسم الرئيس حافظ األسد عن حالة عايص‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫صباح اخلميس صدرت الصحف وعىل صدر صفحاهتا األوىل‪ :‬انفجر دماغ‬ ‫عايص الرحباين‪ ،‬عايص الرحباين يصاب بانفجار مفاجئ يف الدماغ‪ ،‬قلوبنا‬ ‫مع عايص الرحباين‪ ،‬عايص الرحباين ضحية العبقرية والتضحية واإلجهاد‪...،‬‬ ‫الناس ذهولٌ وذع ٌر وتقاطروا باآلالف عىل مستشفى رزق وأخذت‬ ‫فأصاب‬ ‫َ‬ ‫‪149‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫‪‬أستاذ منصور‪ ،‬األستاذ عايص يطلبك فو ًرا‪ .‬هرعت إىل غرفته فبادرين‪ :‬رأيس‪،‬‬ ‫بدء اهنيار‬ ‫يا منصور‪ .‬رأيس يؤملني‬ ‫بشكل غري طبيعي‪ .‬تبادر فو ًرا إىل ذهني أنه ُ‬ ‫ٍ‬ ‫منهك‪ .‬سألته أن يوقف الكتابة ويرتاح فقال‪ :‬سأخرج وأميش ً‬ ‫قليال‪.‬‬ ‫أو تعب ِ‬ ‫ونزل إىل باح ٍة أمام املكتب مظ َّل َل ٍة َبأشجار صنوبر‪ .‬لكنه عاد بعد أقل من مخس‬ ‫دقائق‪ .‬سألته إذا هدأ ا َأل َلم فقال‪ :‬بل زاد‪ .‬لنطلب الدكتور ألفرد شعراوي‪.‬‬ ‫قلت له‪ :‬أطلبه أنت‪ ‬كي أخترب قدرته عىل ذلك ّ‬ ‫وإال فهو يكون عىل حافة اهنيار‬ ‫طلبت الدكتور‬ ‫أعصاب‪ .‬وبالفعل الحظت أنه خيطئ يف طلب الرتقيم‪ .‬عندها‬ ‫ُ‬ ‫شعراوي وقلت له إن عايص ُمصاب بصداع كبري ومل حيسن طلب رقم اهلاتف‪.‬‬ ‫أدرك خطورة األمر وقال‪ :‬جئ به اآلن فو ًرا‪ُ .‬‬ ‫أنزلته‪ ،‬خليل وأنا‪ ،‬إىل السيارة‬ ‫كثريا لكنني‬ ‫كالما ال ترا ُبط فيه‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫وذهبت به‪ .‬يف الطريق بدأ هيذي ويقول ً‬ ‫خفت ً‬ ‫انتبهت إىل َّأن عايص‬ ‫مل أظهر له ذلك‪ .‬وحني وصلنا أمام عيادة الدكتور شعراوي‬ ‫ُ‬ ‫مل يعرف كيف ينـزل من السيارة‪ .‬أخذ ميد رأسه ً‬ ‫أوال وال يعرف كيف خيرج كي‬ ‫يرتجل‪ .‬هرع أصحاب املحالت عن الرصيف ومحلوه معي إىل العيادة فيام أخذ‬ ‫ّ‬ ‫يتقيأ ثم غاب عن الوعي‪ .‬يف العيادة خطط له الدكتور شعراوي وبادَ َرين‪َ :‬‬ ‫‪‬خ َللٌ‬ ‫ما‪ ،‬حيصل يف الدماغ‪ .‬استدعى فو ًرا جلنة أطباء‪ :‬فؤاد حداد (أعصاب)‪ ،‬فؤاد‬ ‫جربان (قلب)‪ ،‬عبد الرمحن اللبان (نفساين)‪ ،‬واجتمعوا فقرروا نقل عايص برسعة‬ ‫إىل املستشفى لشكهم أن يكون يف الدماغ نزيف قوي‪.‬‬ ‫هرعنا إىل مستشفى رزق‪ .‬أدخلوا عايص إىل غرفة العناية الفائقة ثم خرجوا‬ ‫قاس‪ :‬نزف قوي يف اجلهة اليرسى من الدماغ (هي عاد ًة املنطق ُة املع َّرض ُة‬ ‫منها ِب َخ َب ٍر ٍ‬ ‫للنـزف)‪ .‬كان ال بدّ من إطالع فريوز عىل األمر وكانت يومها مريضة يف املستشفى‬ ‫نفسه‪ .‬إضافة إىل األطباء املذكورين جاء رياض خليفة وكامل رفقة وفريد صوما‬ ‫رسيعا ليخرجوا َبخ َب ٍر‬ ‫أبو جودة (طبيب العائلة الذي يرافقنا منذ شبابنا)‪ .‬اجتمعوا ً‬ ‫أقسى‪ :‬ال أمل‪ .‬حجم االنفجار أكرب من إمكان معاجلته‪ .‬وإذا عاش عايص سيعيش‬ ‫من دون وعي‪ .‬ومع أهنم من أقرب األصدقاء إلينا وإىل عايص َأ َفتوا مجيعهم بال‬ ‫‪148‬‬


‫قصة األخوين رحباني كما رواها منصور‬ ‫ّ‬

‫عاصي بعدما تعاىف من الحادثة األوىل‬

‫وتدرجييا بدأ يستعيد وعيه‪ّ .‬ثم سمح األطباء بعودته إىل البيت فأخذناه‪ ،‬ومشى‬ ‫ً‬ ‫متعث ًرا ببعضها‪ .‬ثم عاد إىل احلركة شبه الطبيعية مع بقاء ُ‬ ‫خطواته األوىل ّ‬ ‫تلعثم ٍ عنده‬ ‫بسيط يف الكالم‪ .‬فكان إذا أراد أن يركز يتلعثم كي جيد الكلمة املناسبة‪ .‬لكنه حني‬ ‫يغضب يتكلم بطالقة‪ ،‬إذ يف حاالت الغضب تسيطر الغريزة ال الطبيعة املكتسبة‬ ‫ذات اللغة املكتسبة‪.‬‬ ‫أخذ عايص يتامثل للشفاء تباعً ا ويستعيد وعيه والنطق‪ .‬لكن الفتحة التي‬ ‫ورما بثر ًيا أخذ يضايقه يف التنفس‪.‬‬ ‫أحدثها األطباء يف قصبته اهلوائية أحدثت له ً‬ ‫َ‬ ‫تقلصا يف القصبة اهلوائية قد‬ ‫أجرينا الفحوصات الطبية الالزمة‬ ‫خوف أن يكون ذاك ً‬ ‫يؤ ّثر عىل تنفسه‪ .‬وإذا باألمر يستوجب عملية خطرية ال يقوم هبا ّإال طبيب أمريكي‬ ‫يدعى هرمس غريلو يف بوسطن‪ .‬وال ميكن التأكد من ذاك الو َرم ّإال بالربونكوسكوپ‬ ‫‪151‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫االتصاالت تتد ّفق عىل املستشفى من لبنان واخلارج حزينني إلصابة فناهنم العظيم‬ ‫الطيب هبذه الكارثة‪.‬‬ ‫واجتمع إىل األطباء والعائلة‪ :‬فريوز‪،‬‬ ‫مساء اخلميس وصلَ كلود غرو إىل بريوت‬ ‫َ‬ ‫أنا‪ ،‬الياس‪ُ ،‬صهرانا املحامي عبداهلل اخلوري واملحامي الياس حنا‪ .‬تردَّ د األطباء أمامه‬ ‫معتربا َّأن عدم‬ ‫يف النصح بإجراء العملية فقال هلم إنه يتحمل املسؤولية وجيرهيا‬ ‫ً‬ ‫إجرائها يعرض عايص للخطر بينام يف إجرائها أمل بالنجاح‪ .‬وطمأننا إىل أهنا عملية‬ ‫صباح اليوم التايل‪.‬‬ ‫غري مستعصية وسيجرهيا يف الثامنة‬ ‫َ‬ ‫صباح اجلمعة صدرت الصحف اللبنانية حاملة يف صفحاهتا األوىل مانشيت‪:‬‬ ‫‪‬عملية جراحية لعايص الرحباين صباح اليوم‪ ،‬وبقي التد ُّفق عىل املستشفى طوال‬ ‫ذاك اليوم‪ ،‬والناس صامتون‪ ،‬دامعون‪ ،‬يص ّلون يف أعامقهم‪ .‬استغرقت العملية ثالثة‬ ‫أرباع الساعة وخرج منها غرو وطمأننا إىل أن عايص سيستعيد وعيه خالل مدة‬ ‫قصرية‪ .‬أذاع املستشفى نرشة طبية عن حالته ِّ‬ ‫مؤكدً ا َّأن عايص قد يعود إىل التلحني‬ ‫لكنه ال ميكن أن يعود إىل الكتابة بسبب منطقة الدماغ املصابة‪.‬‬ ‫صباح السبت صدرت الصحف حتمل عنوان‪ :‬كرب دماغ عايص الرحباين‬ ‫أنقذ حياته‪ ،‬الكتشاف األطباء أن حجم دماغ عايص كان أكرب من دماغ الرجل‬ ‫العادي‪.‬‬ ‫يف ذاك اليوم فوجئنا مبدير القرص اجلمهوري السوري يصل مصحو ًبا مبحامينا يف‬ ‫ً‬ ‫وحامال مبلغ‬ ‫دمشق نجاة قصاب حسن‪ ،‬مندو ًبا من الرئيس السوري حافظ األسد‪،‬‬ ‫فضل‬ ‫مخسني ألف لرية لبنانية (مبلغ كبري يف ذاك الوقت) فكانت تلك اللفتة بادرة ٍ‬ ‫كبري من الرئيس السوري نحفظها له‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫بعد أسابيع قليلة بدأ عايص يفتح عينيه‪ ،‬ينظر إلينا ويتفوه بكلامت ال ترابط‬ ‫بينها‪ :‬جمرد ‪‬فونيامت‪ ‬عالقة يف ذاكرته‪ .‬كنت أنظر إىل عينيه فأرامها َ‬ ‫عيني نرس‪،‬‬ ‫وأقول‪ :‬عايص بدأ يرجع إلينا‪.‬‬ ‫‪150‬‬


‫قصة األخوين رحباني كما رواها منصور‬ ‫ّ‬

‫الغرضوف من جراء إزاحة فتحة القصبة اهلوائية يف بريوت بضع مليمرتات عن ُ‬ ‫حيثام‬ ‫جيب أن تكون‪ .‬وحكم فريس بعمليتني جراحيتني‪ :‬أوىل الستئصال البثرة واألخرى‬ ‫جتميلية يف احللق يقوم هبا الپروفسور لوپريغان‪ .‬كانت األوىل سهلة وانتهت برسعة‪،‬‬ ‫لكن األخرى تطلبت أن يبقى عايص ممددً ا يف رسيره عرشة أيام وعىل رأسه كتاب‬ ‫كي ال يتزحزح لتنجح العملية التجميلية فال يتعرض ً‬ ‫الحقا ألية مضاعفات‪.‬‬ ‫ألعمل عىل مرسحية ‪‬املحطة‪( ‬كنا أهنينا كتابتها ا ُألوىل)‪.‬‬ ‫عدنا إىل بريوت َ‬ ‫وبدأت التلحني وطلبت من زياد أن يلحن قطعة فيها نشرتك هبا‬ ‫أعدت كتابتها‬ ‫ُ‬ ‫ونرفعها حتية إىل عايص‪ .‬قال يل زياد إن عنده موسيقى ألغنية‬ ‫مجيعا‪ :‬فريوز وأنا وزياد ُ‬ ‫ً‬ ‫ال كالم هلا بعد‪ .‬سمعت اللحن فأعجبني ووضعت ِل َلحْ ن زياد كلامت ‪‬سألوين‬ ‫الناس‪( ‬والناس يظنون أن الكالم كان موضوعً ا ثم َلحَّ َن ُه زياد)‪.‬‬ ‫كنت طلبت من عايص أن يلحِّ ن معي يف ‪‬املحطة‪( ‬كان حينئذ‬ ‫خالل التحضري ُ‬ ‫عاد يعزف عىل البزق ويكتب النوطة) وكان أول حلن وضعه بعد مرضه‪ :‬ليايل‬ ‫الشامل احلزي ِنه‪ ‬ثم وضع أحلا ًنا أخرى‪ ،‬ووضع زياد مقدمة الفصل الثاين‪.‬‬ ‫كان الپروفسور غرو حذرين من تعريض عايص لصدمات نفسية أو عاطفية قد‬ ‫تؤ ّثر عىل صحته ودماغه من جديد‪ .‬لذا افتتحنا املرسحية من دون عايص‪ .‬وبعد‬ ‫أيام جاءين الدكتور عبد الرمحن اللبان وقال يل‪ :‬غدً ا سأجيء بعايص إىل املرسح‬ ‫وسأبقى معه‪ .‬خفت من اخلطوة فأكد يل أنه هو املسؤول‪ .‬ومساء اليوم التايل‬ ‫وضع ساعة الضغط يف زند عايص ودخل معه‪ .‬وما شاهد الناس عايص ً‬ ‫داخال إىل‬ ‫الصالة حتى هبوا يف عاصفة من التصفيق ال حتدُ ثُ ّإال للملوك‪ .‬وكان اللبان طوال‬ ‫املرسحية يتفقد ضغط عايص من حني إىل آخر فيجده ال يتأثر‪.‬‬ ‫مجعنا عايص يف الكواليس‪ :‬فريوز وزياد وأنا‪ ،‬مع ِّل ًقا عىل‬ ‫عند انتهاء املرسحية َ‬ ‫ً‬ ‫صارخا فينا بنبله الشهم‪ :‬انتظرتم حتى أمرض لكي تستجدوا‬ ‫أغنية ‪‬سألوين الناس‪‬‬ ‫حبه العظيم لفريوز وزياد ويل جعله‬ ‫تصفيق الناس باسمي أهيا االنتهازيون؟‪ .‬لكن ّ‬ ‫ال يوقف األغنية من املرسحية‪ ،‬خاصة بعدما شهد ما فعلت يف الناس‪ .‬عندها ّ‬ ‫أيقنا‬ ‫‪153‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫(‪‬كاشف القصبات‪ :‬جهاز مزود بضوء خاص يتم إدخاله يف جوف القصبة اهلوائية‬ ‫للكشف عنها)‪ .‬وملا مل يكن األمر مضمو ًنا يف بريوت‪ ،‬وفيام كنا نستعد للسفر إىل‬ ‫أمريكا‪َ ،‬نصحَ نا الصديق الدكتور بشري سعادة باملرور إىل مستشفى ماري لنلونغ يف‬ ‫پاريس (من حيث خت َّرج) ولقاء أستاذه هناك جورج فريس فيكشف عىل عايص‪،‬‬ ‫وهكذا كان‪ .‬سافرنا إىل پاريس‪ :‬فريوز وأنا وشقيقتنا إهلام وزوجها املحامي الياس‬ ‫حنا‪ ،‬ومعنا طبيب خمتص بالقصبة اهلوائية (جورج توما) وطبيبة خمتصة بالبنج (مي‬ ‫أنطاكي) خو ًفا من أية مضاعفات يف اجلو‪ .‬ولدى وصولنا إىل املطار كانت تنتظرنا‬ ‫من املستشفى سيارة إسعاف رفض عايص أن يستق َّلها ُم ِص ًرا عىل الذهاب يف السيارة‬ ‫ذهبت أنا يف سيارة اإلسعاف منبطحً ا عىل ذاك الرسير األبيض وسط‬ ‫العادية‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ضحك اجلميع‪ ،‬وحني وصلت إىل املسشفى هجم عيلَّ املمرضون بذاك الرسير عىل‬ ‫العجالت فأخذت أولولُ أنني لست املريض َّ‬ ‫وأن املريض احلقيقي يصل خلفي يف‬ ‫سيارة التاكيس‪ .‬هناك التقينا بالدكتور جورج فريس (بات يف ما بعد نقيب أطباء‬ ‫فرنسا)‪ .‬قبل أن يقرر إجراء العملية (كان يرعبنا إجراؤها خوف املضاعفات) أراد أن‬ ‫يستكشف الوضع بالربونكوسكوپ‪ .‬سألناه عن مدى نجاح الكشف بالربونكوسكوپ‬ ‫فقال إنه ليس أكيدً ا وقد ْ‬ ‫َّ‬ ‫فيتحتم‬ ‫تط ِبقُ القصبة اهلوائية عىل اجلهاز خالل الكشف‬ ‫عندها إجراء العملية‪ .‬سألته‪ :‬هل جتري العملية ألخيك لو كان لك أن تفعل؟‪‬‬ ‫أجاب‪ :‬ال‪ .‬فقلت‪ :‬وأنا لن أرىض بأن ُتجرى ألخي‪ .‬ال أثق يف هذا املوضوع ّإال‬ ‫معا منذ أسبوع يف مؤمتر وعُ دنا من بوسطن‬ ‫بالپروفسور هرمس غريلو‪ .‬فقال‪ :‬كنا ً‬ ‫قبل أيام‪ .‬فقلت له‪ :‬ال أقبل ّإال أن تسأله رأيه‪ .‬استهجن‪َ ،‬أ َن َف ًة‪ ،‬أن يستشري‬ ‫أمريكيا يف شأن طبي‪ .‬يف هذه األثناء كانت تتدفق االتصاالت‬ ‫طبيبا‬ ‫طبيب‬ ‫ٌ‬ ‫ً‬ ‫فرنيس ً‬ ‫ٌّ‬ ‫عىل املستشفى تطمئن إىل حالة عايص‪ ،‬أبرزها من الرئيس السوري حافظ األسد‬ ‫والعاهل األردين امللك حسني‪ .‬أمام هذا الضغط اضطر الپروفسور فريس أن يتصل‬ ‫مت مع غريلو فطمأنني إىل أن الربونكوسكوپيا ليست خطرة‪ .‬عندها‬ ‫ببوسطن‪ ،‬وتك ّل ُ‬ ‫وافقت فأدخلوا اجلهاز واكتشفوا أن ليس يف األمر سوى بثرة صغرية عىل عظمة‬ ‫ُ‬ ‫‪152‬‬


‫قصة األخوين رحباني كما رواها منصور‬ ‫ّ‬

‫حاولنا أن نجعله يستعيد الكتابة لكن صربه ينفد برسعة‪ .‬كان عليه أن يتعلم‬ ‫األبجدية من جديد وربط األحرف والكلامت كأي تلميذ يف الصف االبتدائي األول‪.‬‬ ‫قال يل‪ :‬أنا رصت أتكلم وال أكتب‪ .‬أتكلم وغريي يكتب‪ .‬رصت متل سقراط‬ ‫وأرسطو‪ .‬أريد أن أكون مثلهام‪ .‬ما عادت يل ملكة عىل الصرب والكتابة‪ .‬كان يقرأ‬ ‫الفتات عىل الطريق أو يتعب فو ًرا فريمي اجلريدة من يده‪َ .‬ف َقدَ حس الرتكيز لكنه‬ ‫ظلَّ َجلودً ا عىل التأليف‪ ،‬متيض ساعات طويلة يف املكتب وهو مييل عيلّ ًنصا شعر ًيا‬ ‫مرسحيا أو ميلوديا موسيقية تدندن يف باله العبقري‪.‬‬ ‫أو حوا ًرا‬ ‫ً‬ ‫عدنا إىل إيقاعنا السابق يف العمل حتى كنت يف حلظات كثرية أنسى أن عايص‬ ‫أصيب يف دماغه‪ .‬تلك الغزارة يف اإلنتاج كانت جتعل الكثريين يظنون أننا ال ننام‪ ،‬ال‬ ‫نرتاح‪ ،‬ال وقت لدينا ّإال للتأليف‪ .‬وهذه معادلة خاطئة‪ .‬كنا نؤلف بسهولة فائقة‪ .‬مل نكن‬ ‫ياما نتجادل حوله‪ ،‬كالنا‬ ‫ت كنا نكتب العمل و َنبقى َأ ً‬ ‫نعمل ً‬ ‫دائما باإليقاع نفسه‪ .‬مرا ٍ‬ ‫ت ألصدقائنا‪ .‬أحيا ًنا كان‬ ‫ت يف ما بيننا‪ ،‬ومرا ٍ‬ ‫أو مع فريق ‪‬املستشارين‪ .‬كنا نقرأه مرا ٍ‬ ‫عايص ينتهي من الكتابة أو تلحني احلصة التي نتفق أن يقوم هبا وال يعود إىل البحث‬ ‫إيل حتى أنتهي من حصتي‪ .‬وإذا اتفق أن أسأله أم ًرا‬ ‫يف العمل ثانية‪ .‬يرتكني وال يعود َّ‬ ‫كان ينهرين ِبحدة‪ :‬أنا انتهيت من حصتي وأريد أن أرتاح‪ .‬مل نكن‪ ،‬كام يتخيل الناس‪،‬‬ ‫نعمل ليل هنار بدون قاعدة وال توقف‪ .‬كان عايص يؤمن بنظرية أن اإلبداع يأيت يف‬ ‫ذبذبات من اخلارج‪ ،‬وللفنان قدر ٌة أكثر من سواه عىل التقاطها‪ .‬األفكار تأيت من عامل‬ ‫آخر‪ .‬يلتقطها الفنان يف حالة إبداع‪َّ .‬ثم ينتهي تدفق األفكار فيعود الفنان إنسا ًنا عاد ًيا‪.‬‬ ‫كان عايص يؤمن بنظرية َّالت َذ ُّكر مثل سقراط‪ .‬أي أن التعلم ليس سوى التذكر‪.‬‬ ‫كنا َّ‬ ‫منظمني جدً ا يف حاالت اإلنتاج الفني‪ ،‬وكسولني جدً ا بعد كل عمل‪ .‬مرات‬ ‫منيض شه ًرا أو شهرين ال نكتب كلمة وال نضع نوطة واحدة بل ُنميض أوقاتنا مع أصدقائنا‬ ‫يف املكتب أو يف السهرات أو املآدب‪ .‬وحني حيدث أن نكتب كنا نكتب برسعة‪ ،‬ونلحِّ ن‬ ‫برسعة‪ ،‬وصربي الرشيف ِّ‬ ‫ينفذ برسعة‪ .‬كان عندنا فريق إداريني يعمل برسعة يف ‪‬الفرقة‬ ‫الشعبية اللبنانية‪ .‬وعايص كعادته‪ ،‬بحضوره القوي وشخصيته الطاغية‪َّ ،‬‬ ‫يتدخل برشاسة‬ ‫وعنف يف كل صغرية وكبرية ألنه‪ ،‬كعادته ً‬ ‫أيضا‪ ،‬كان دائم التوق إىل الكامل‪.‬‬ ‫‪155‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫‪‬پرتا‪ )1978( ‬آخر عمل لألخوين مع فريوز‬

‫ليليا عىل املرسح حتى عاد يقود األوركسرتا‬ ‫أن أعصابه أقوى من خوفنا‪ ،‬وأخذ يرتدد ً‬ ‫يف الپيكادييل‪.‬‬ ‫بعدها استعاد ‪‬صالحياته‪ ‬مجيعها يف املكتب‪ ،‬وعاد ينـزل معي كل يوم‪ ،‬وأدعه‬ ‫والحظت َّأن الذي‬ ‫يشعر أنه كالعادة هو اآلمر الناهي‪ ،‬وأنه السيد املطلق كام كان‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫فار َق ُه‪ :‬الضابط الرادع‪ .‬كان يضحك بدون ضوابط ويشتم ويأكل وحيزن ويغضب‬ ‫ويتكارم ويدفع ويسخو من دون ضوابط‪.‬‬ ‫عاد إىل منطه يف التلحني‪ .‬ضعفت عنده َم َلكة الصرب فلم يعد يكتب مجيع‬ ‫غالبا يندهني ألنفذ له ً‬ ‫حلنا يدندنه يل وأنا أكتبه‪ .‬وعاد يشاركني يف‬ ‫األحلان بل كان ً‬ ‫فيغير ويستبدل ويضيف ويقول يل بالضبط ماذا‬ ‫كتابة النصوص‪ .‬أنا أكتب وأقرأ له ِّ‬ ‫يريد وأنا ُأ َن ِّفذ‪ً .‬‬ ‫مثال أغنية َّ‬ ‫‪‬سكروا الشوارع‪ ‬هي يف معظمها من كلامته وحلنه‪ ،‬لكنه‬ ‫كان يقول يل ماذا يريد وكيف‪ ،‬وأنا أكتب الكلامت أو اللحن‪.‬‬ ‫وكذلك األمر يف مرسحية ‪‬پرتا‪ .‬كنا يف األردن نتفاوض يف وضع مرسحيـة‬ ‫ملناسبة الذكرى اخلامسة والعرشين جللـوس العاهل األردين‪ .‬يف التاكيس إىل أحد‬ ‫االجتامعات سأ ْلنا السائق‪ :‬من أين أنت؟‪ ‬فقال‪ :‬أنا من زهرة اجلنوب‪ .‬استفهم‬ ‫عايص‪ :‬وأين زهرة اجلنوب؟‪ ‬قال‪ :‬پرتا‪ .‬عندها َف َت َقت الفكرة يف بال عايص‬ ‫أن نكتب العمل عن پرتا‪ ،‬ونسجنا له تلك احلكاية يف تركيبها مع اإلسقاطات‬ ‫التارخيية‪.‬‬ ‫‪154‬‬


‫قصة األخوين رحباني كما رواها منصور‬ ‫ّ‬

‫‪157‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫‪ 4‬صور من جلسة عمل يف بيت أم عاصي‬

‫‪156‬‬


‫قصة األخوين رحباني كما رواها منصور‬ ‫ّ‬

‫ً‬ ‫مسجال‬ ‫عملتها فيي؟ افتكرتني مش رح إنتبه؟‪ ‬عندها‪ ،‬مطم ِئ ًّنا إىل ّأن العمل بات‬ ‫وال جمال لتغيري يشء فيه‪ ،‬أخربته القصة كلها‪ .‬والقصة أنني كتبت قصيد ًة إىل سيدة‬ ‫ُ‬ ‫أستلطفها وأعرف أهنا ستكون بني احلضور يف بعلبك‬ ‫من تلة اخلياط يف بريوت‪ ،‬كنت‬ ‫فشئت أن أحييها ببيتني من تلك القصيدة‪ ،‬ومنها‪:‬‬

‫واـي تةل اخلياط يل فيك جنم ٌة‬

‫ِ‬ ‫كثيب‬ ‫منك‬ ‫وفــوق تــال الــرمــل‬ ‫ُ‬ ‫يــمــرين حــب علـيــــه إىل املــدى‬ ‫ـب‬ ‫ـــالـــي قــريـ ُ‬ ‫وبــيــت الــقــســاة الـــ َّص ِ َّ‬ ‫إذا كاـن ذنيب أن حُبك سيــدي‬ ‫ذنــــوب‬ ‫فـــل لـــيـــايل الــعــاشــقــن‬ ‫ُ‬ ‫أـتـــوب إىل رـب ـــــي‪ ...‬وإين ملــــرة‬ ‫أتـــوب‬ ‫يــســاحمــي ريب‪ ...‬إلــيــك‬ ‫ُ‬

‫مل يغب عن عايص حدسه العبقري حتى بعد إصابته‪ .‬فعام ‪ ١٩٧٥‬اتفقنا مع جلنة‬ ‫مهرجانات بعلبك عىل تقديم ‪‬زمان إليسا‪ .‬ثم وقعت أحداث ‪ ١٣‬نيسان ‪ ١٩٧٥‬وما‬ ‫تالها فأحس عايص بأن العمل لن يتم فأوقف الكتابة‪ .‬واستحق لنا القسط األول‬ ‫من املبلغ املتفق عليه فقال يل‪ :‬قل ل َّلجنة إننا لن نقبض القسط ألن املرسحية لن‬ ‫لدهين تأكيدً ا من رئيس اجلمهورية بأن‬ ‫خيربننا أن‬ ‫تتم‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫اتصلت بنا سيدات اللجنة ْ‬ ‫لكن املرسحية‬ ‫املهرجانات قائمة فأجاب عايص‪َ  :‬ب ِّل ْغ َن حتيايت إىل فخامة الرئيس‪َّ ،‬‬ ‫صيفئذ ومل تتم املرسحية وتو ّق َفت‬ ‫لن حتصل‪ .‬وبالفعل‪ :‬انفجر الوضع يف لبنان‬ ‫ٍ‬ ‫عاما‪.‬‬ ‫املهرجانات بعدها عرشين ً‬ ‫يتحسر عىل عجزنا عن تنفيذ مرسحيات كنا بدأنا‬ ‫هبذا احلدس العجيب كان َّ‬ ‫بكتابتها‪ :‬املخفر ‪ ،١٠١‬جريس خرض‪ ،‬قصب من هنر سري‪ ،‬مشاع قم َره‪ ،‬إيام‬ ‫التانغو‪ ،‬قبطان املركب الورق‪...،‬‬ ‫‪159‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫هبذه الطريقة استطعنا أن ننتج هذا األسطول من األعامل الفنية واإلنجازات‪:‬‬ ‫نحو مخسة آالف أغنية‪ ،‬أربعمئة سكتش غنائي‪ ،‬ثالثة أفالم طويلة‪ ،‬عرشات الربامج‬ ‫واحللقات التلڤزيونية واإلذاعية‪ ،‬مخس وعرشون مرسحية‪ ،‬جوالت فنية ولوحات‬ ‫عمليا إهنا ال تو َّزع‪،‬‬ ‫وبرامج يف خمتلف أنحاء العامل‪ ،‬توزيع األرباع الصوتية التي قيل ً‬ ‫تغيري مسار الشعر واملوسيقى يف العامل العريب‪ ،‬تعميم استعامل األوركسرتا يف الرشق‬ ‫كمحتوى درامي‪....،‬‬ ‫كنا رسيعني جدً ا يف اخللق‪ .‬عىل أن عايص كان أرسع مني بكثري‪ .‬وضع الكتابة‬ ‫األوىل لـ‪‬جبال الصوان‪ ‬كلها بثالثة أيام (‪ .)١٩٦٨‬ثم تناقشنا هبا ووضعنا كتابتها‬ ‫دائما‬ ‫الثانية فالثالثة إىل أن صاغها هو بكتابتها الرابعة األخرية‪ .‬كانت الصياغة األخرية ً‬ ‫بخط عايص‪.‬‬ ‫هذا اإليقاع مل يعد إليه بعد مرضه‪ .‬لكنه مل يفقد احلس العبقري الذي كان‬ ‫لديه طوال حياته‪.‬‬ ‫ذات يوم‪ ،‬وكنا ِّهني ُئ ‪‬قصيدة حب‪ ‬لبعلبك (‪ )١٩٧٤‬طلب مني أن أقوم باختيار‬ ‫موشحات قدمية ّ‬ ‫أخذت أقرأها‬ ‫تغنيها فريوز ووديع الصايف‪ .‬اخرتت له أبيا ًتا متنوعة‬ ‫ُ‬ ‫‪‬بروحي تلك األرض‪‬‬ ‫له وهو يصغي كعادته بعد مرضه‪ :‬يده وراء أذنه‪ .‬قرأت له‬ ‫َ‬ ‫الص َّمة القشريي (شاعر جاهيل سبق مرحلة املوشحات) فوافق‪ .‬وقرأت من أيب‬ ‫من ُ‬ ‫غزاال يف كثيب‪( ‬هي ً‬ ‫ب‪ ‬و‪‬يا ً‬ ‫وغيرهتا بـ‪‬يا‬ ‫ّنواس ‪‬حامل اهلوى ِتع ُ‬ ‫قضيبا‪ّ ‬‬ ‫أصال ‪‬يا ً‬ ‫ً‬ ‫ت وافق عليها مجيعها‪ ،‬حتى‬ ‫وأكملت كل ما‬ ‫غزاال‪ )‬فوافق كذلك‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫اخرتت من أبيا ٍ‬ ‫سيدي‪ ‬فعبس عايص وقال‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫وصلت إىل بيتني مط َل ُع ُهام‪ :‬إذا كان ذنبي أن ُح َّب ِك ِّ‬ ‫‪‬ملن هذان البيتان؟‪ ‬فقلت له‪ :‬للراعي النمريي‪ .‬فقال‪ :‬هذا الراعي النمريي أكثر‬ ‫فكتمت بسمة‬ ‫هؤالء الشعراء نضار ًة‪ .‬أأنت متأكد منه؟‪ ‬وأغرق عينيه يف وجهي‬ ‫ُ‬ ‫عميقة وقلت‪ :‬نعم‪ .‬فوافق عليهام لكنني أحسسته‪ ،‬بحسه الفطري املدهش‪ ،‬مل‬ ‫يقتنع‪ .‬ليلة تقديم احلفلة يف بعلبك أخذ برنامج احلفلة بني يديه َّ‬ ‫يتصفحه‪ ،‬حتى وصل‬ ‫إىل ذينك البيتني فوجد التوقيع حتتهام‪ :‬األخوان رحباين‪ .‬ناداين ثائ ًرا‪ :‬منصور؟‬ ‫‪158‬‬


‫قصة األخوين رحباني كما رواها منصور‬ ‫ّ‬

‫حني أقفلنا عليه ذاك الباب األسود يف مقربة تلة الغوارنة يف أنطلياس‪ ،‬تركناه‬ ‫لوحده يغادرنا ويطلُّ عىل الدنيا الثانية التي كان يتحدث عنها يف سنواته األخرية‪.‬‬ ‫هناك‪ ،‬عند تلك التلة‪ ،‬تركناه وحيدً ا مستوحدً ا‪ ،‬وليس يدري أنه سكن قلوب الناس‪.‬‬ ‫يف أربعني عايص وضعت الدولة بالطة تذكارية عىل بيت أم عايص الذي كتبنا‬ ‫فيه معظم أعاملنا‪ .‬ويف الذكرى الثانية لغياب عايص كان معول اهلدم جيرف البيت‬ ‫لكن معول الزمان نفسه لن يستطيع هدم صورة عايص الذي‬ ‫معا‪َّ .‬‬ ‫وبالطة الدولة ً‬ ‫غاب ليصبح ضمري الذاكرة اجلامعية‪.‬‬ ‫غاب عايص الذي أنا اسمه اآلخر وهو جزء مني‪ ،‬فأخذ معه كل عايص وبعض‬ ‫منصور‪.‬‬ ‫أصدرت كتابني أهديتهام إىل عايص‪ :‬أسافر‬ ‫وعن البعض الباقي من منصور‬ ‫ُ‬ ‫وحدي ً‬ ‫ملكا‪ ‬و‪‬أنا الغريب اآلخر‪ ،‬وأنتجت مرسحية ‪‬صيف ‪ ٨٤٠‬حتية إىل عايص‪،‬‬ ‫‪‬الوص ِّيه‪ ‬التي رافقني فيها خيالُ عايص يف كل كلمة وكل نوطة‪.‬‬ ‫و َت َل ْتها مرسحية ِ‬ ‫هكذا اليوم َأنا‪ :‬وحيدً ا أتوغل يف العمر‪ً ،‬‬ ‫حامال اسمي ومشعل عايص‪.‬‬ ‫وسوف أظل أعطي ولن أستقيل‪ ،‬حتى أسقط أنا عىل احللبة فريتفع اسم عايص‬ ‫ومنصور يف أعامل األخوين رحباين‪ ،‬وحيمل املشعل ويكمل الطريق!‬ ‫عاصي والنظرة األخرية‬ ‫يف آخر جلسة ّ‬ ‫عامة له‬ ‫ّ‬ ‫‪‬الحلبي‪‬‬ ‫(مطعم‬ ‫أنطلياس)‬

‫‪161‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫وهبذا احلدس ً‬ ‫أيضا كان يعاند ما ال يراه صا ًحلا هليبة فريوز‪ ،‬كام حني رفض‬ ‫طلب الرئيس كميل شمعون عام ‪ ١٩٥٧‬تقديم حفلة يف القرص اجلمهوري (القنطاري)‬ ‫ملناسبة زيارة شاه إيران إىل لبنان‪ .‬كان جواب عايص‪ :‬فريوز ال تغني يف البيوت‪،‬‬ ‫حتى ولو كان هذا البيت القرص اجلمهوري‪.‬‬ ‫وعام ‪ ١٩٦٥‬رغب إلينا الرئيس شارل حلو أن نحيي حفلة عىل مرسح كازينو‬ ‫لبنان ملناسبة زيارة احلبيب بو رقيبة إىل لبنان‪ .‬بدأنا التحضري ثم فوجئنا مبن جاء‬ ‫يقول إن احلفلة ُ‬ ‫ستنقل إىل مرسح أوتيل فينيسيا حيث سيتعشى الرئيسان‪ .‬حسم‬ ‫عايص األمر بكلمة‪ :‬هذا ليس َج ّو فريوز‪ .‬وألغى احلفلة‪.‬‬ ‫وعام ‪ ١٩٧٦‬كنا يف القاهرة نقدّ م حفالتنا‪ ،‬وصادف وجود الرئيس اللبناين الياس‬ ‫رسكيس هناك حلضور مؤمتر امللوك والرؤساء العرب‪ .‬أحب الرئيس اللبناين أن حييي‬ ‫حفلة لبنانية يدعو إليها امللوك والرؤساء‪ ،‬واتفقنا عىل أن يكون ذلك عىل مرسح‬ ‫األندلس (يف اهلواء الطلق)‪ .‬قبيل موعد احلفلة جاءنا من يبلغنا بأن أوامر صدرت‬ ‫من الرئيس السادات أن تقام احلفلة يف فندق اهليلتون املقفل ألسباب أمنية‪ .‬كان‬ ‫جواب عايص‪ :‬األوامر تعطى للعسكر ال للفن‪ .‬يف قاعة اهليلتون ال نعطي صورة‬ ‫صحيحة عن الفن اللبناين‪ .‬ب ِّلغوا سيادة الرئيس أننا ألغينا احلفلة‪.‬‬ ‫هبذا العناد نفسه ظل عايص جياهد يف العطاء‪ .‬عام ‪ ١٩٨٠‬قدَّ منا ‪‬املؤام َره مستم َّره‪‬‬ ‫عىل مرسح صالة السفراء يف كازينو لبنان‪ ،‬وعام ‪ ١٩٨٤‬الربيع السابع‪ ‬عىل مرسح‬ ‫جورج اخلامس ‪ -‬أدونيس‪.‬‬ ‫بعد تلك الفرتة بدأت حالة عايص تسوء‪ .‬وبدأت حاالت غيبوبته تغالبه‪ .‬ومن‬ ‫الص ِفري‪ ...‬والبحر ما لو صوت‪...‬‬ ‫آخر ما كان يردد‪ :‬افتحيل‪ ...‬افتحيل‪َ ...‬ق َت ْلني َّ‬ ‫دخيلك افتحيل‪ .‬وكانت تلك آخ َر كلام ِت ِه الواعية‪ .‬بعدها أخذت تزيد غيبوبته‪.‬‬ ‫صباح السبت ‪ ،١٩٨٦/٦/٢١‬انطفأ عايص‪ ،‬أخي ورفيق العمر‪.‬‬ ‫غاب للمرة الثانية واألخرية‪ً ،‬‬ ‫وطنا َّ‬ ‫آخذا معه ً‬ ‫ظنه كثريون سقط يف احلرب لكنه‬ ‫باقيا يف ضمري الناس‪.‬‬ ‫مل يسقط ألنه مل يتحقق بعد‪ ،‬وما زال ً‬ ‫‪160‬‬


‫قصة األخوين رحباني كما رواها منصور‬ ‫ّ‬

‫الحلقة ‪ 14‬من مسلسل ‪‬من يوم ليوم‪ ‬آخر ما كتب عاصي بخطه‬ ‫‪163‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫صفحة بخط عاصي من ‪‬جبال الصوان‪‬‬ ‫‪162‬‬


‫منصور بعد عاصي‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫‪164‬‬


‫وحد ُه‪ ،‬وسافر ملك ًا‬ ‫كم َل‬ ‫َ‬ ‫‪ ...‬أَ َ‬

‫فيام كان شباب أنطلياس ُيدخلون نعش عايص ِإىل الرضيح عىل تلك الت ّلة‬ ‫عرص الثلثاء ‪ 24‬حزيران ‪( 1986‬وكان َ‬ ‫انطفأ صباح السبت ‪ 21‬حزيران)‪ ،‬ا ّت َكأ‬ ‫احلزينة‪َ ،‬‬ ‫منصور عىل ك ِتفي ومتتم‪َ  :‬تد ُفنون معه اليوم نصف منصور‪.‬‬ ‫سيكملُ منصور بعد عايص‬ ‫َتــردَّ ْ‬ ‫دت يب‪َ ،‬أيام ًا بعدَ ها‪ ،‬تلك العبارة‪ .‬كيف ُ‬ ‫بــ‪‬نصف منصور‪‬؟‬ ‫طيلة جلسايت ِإليه (صيف ‪ُ )1993‬أحاوره عن سريهتام َوأعامهلام كي َأكتب هذا‬ ‫جزت‪ .‬كانت ‪‬نا‪‬‬ ‫الكتاب‪ ،‬مل يلفظ مر ًة واحد ًة كلمة‬ ‫نت‪َ ‬أو َ‪‬أ ْن ُ‬ ‫‪‬كتبت‪َ ،‬أو ‪َ ‬لـحَّ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫املثنى دائ ًام يف حديثه‪ .‬وغري مر ٍة َنسب ِإىل عايص نص ًا َأو حلن ًا َأو ِإنجاز ًا‪.‬‬ ‫َأهو النبلُ َأم الوفاء؟‬ ‫ٌ‬ ‫ص‬ ‫ِكالمها مع ًا‪ .‬هذا رجلٌ‬ ‫مسكون بشقيقه حتى َالو َله‪َ .‬وأكثر من مر ٍة َغ َّ‬ ‫َوأجهش وهو حيدِّ ثني عن َأيام عايص ا َألخرية يف املستشفى‪َ ،‬كأننا ودّ عناه َأمس َأو‬ ‫ت عىل غيابه‪.‬‬ ‫َأ ّول من َأمس‪ ،‬ونحن بعد سبع سنوا ٍ‬ ‫السكنى يف هالة شقيقه‪ ،‬كانت ُتطل ابتسامته املش ِفقة حينام تصاعدت‬ ‫من تلك ُ‬ ‫َأصداء عن َأعامل لعايص وحده ولو بتوقيع ا َألخوين‪َ ،‬أو عن ضعف العمل الرحباين‬ ‫بعد غياب عايص‪َ ،‬أو عن دور عايص منفرد ًا يف النتاج الرحباين‪.‬‬


‫ُ‬ ‫المط َلق لـعاصي‪.‬‬ ‫وفاؤه ُ‬ ‫َف ْل َت ْخ َرس النيات الس ِّيـئـة‬


‫وط ّليت َع بعلبك بعد عشرين ِسنِ ه‪...‬‬

‫النسيج ْ‬ ‫خصائص‬ ‫لكن‬ ‫مع َأعامل منصور بقي‬ ‫ليفي املتنيُ ‪ ،‬نص ًا وميلوديا‪ّ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫التأ ُّ‬ ‫طورت العمل من ْاملألوف الرحباين العايل ِإىل هوية‬ ‫جديد ًة بدَ ت يف مرسحه َّ‬ ‫‪‬منصور َّيــة‪ ‬عالية‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ما عاد الرتكيز عىل البطل الرحباين (ا ُألنثوي غالب ًا مع فريوز) بل تو ّزع عىل‬ ‫َأكثر من حضور ‪َ ‬ب َط ِلـ ّـي‪ ،‬حتى َ‬ ‫بلغ البطلَ الرجلَ يف بعض َأعامله (املتنبي‪ ،‬املسيح‪،‬‬ ‫جربان‪ ،‬سقراط‪ ،)... ،‬وبطولة نسائية واحدة (‪‬زنوبيا‪ ،)‬وبدا مرسحه ضالع ًا يف‬ ‫الدخول ِإىل التفاصيل ِاإلنسانية َبأعامل شعرية َوأدبية وبيوغرافية يالمس بعضها‬ ‫ا َألسئلة الفلسفية‪.‬‬ ‫غنمت‬ ‫ا َّتسمت َأعامله بالرتكيز الكورايل وا ُألوركسرتايل الضخم واملشهدية التي َ‬ ‫من تقنيات العرص‪ ،‬ومن مشاركة َأبنائه الثالثة (مروان ِلإلخراج‪ ،‬غدي ُوأسامة‬ ‫عمل ً‬ ‫كامال يف تفاصيل التنفيذ الفني‬ ‫غنمت‪ ،‬ب ِإرشافه‪ ،‬فريقَ‬ ‫للتلحني والتوزيع) كام َ‬ ‫ٍ‬ ‫والتقني‪.‬‬ ‫تلك النزعة الكورالية قدمية يف كتابة منصور‪ ،‬خصوص ًا يف النصوص الوطنية‬ ‫والبطولية التي ينترص فيها الشعب‪ ،‬بشخصي ٍة من الشعب‪ ،‬عىل ُظ ْلم احلاكم اجلائر‬ ‫فينهزم‪ .‬يف مرسحيته القدمية ‪‬عىل صخور لبنان‪ ،1950( ‬صد َرت سنة ‪ 2009‬يف‬ ‫جمموعته الشعرية ‪‬ا ُألوىل القصائد‪ )‬ينهزم امللك فيدعو جيشه لالنسحاب واهلرب‪:‬‬

‫لك ن ـر ِ‬ ‫ملــــح شعباً اثئـــــر ًا هـــا هــنــا عـــى ّ‬ ‫يف مضــر األَايم أ َ ُ‬ ‫ب ن ُ ُسور ِ‬ ‫ع ِّج ِل ا َخلطْو أَهيا اجليش واهرُب‬ ‫ِإهنــم م ْقبلون ِس َ‬ ‫صوبك فامسع كيف تعلو َبشائر التحرير ِ‬ ‫عربوا يف الزمان‬ ‫َ‬ ‫اي رنني اـل َمطارق ال ّصلب َس ِّج ْل جمـ َد يــويم ِإىل انهتاء العصور ِ‬ ‫ِ‬ ‫نـــداء النفري ِ‬ ‫ق ُ ــل لــصــوت النفري هيتف ابجلــيــش فمنيض عــى‬

‫الصخري َأمام بنت الشعب ‪‬سرييل‪ ،‬وعاد‬ ‫وينهزم امللك عند مم ّر هنر الكلب‬ ‫ّ‬ ‫املشهد فظهر الحق ًا (بعد ‪ 19‬سنة) يف هيكلية املرسحية الرحبانية ‪‬جبال الصوان‪‬‬ ‫‪169‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫ابتسام ٌة كانت ُتضمر حلم استمرار عايص يف َأعامل منصور الذي‪ ،‬سنة ‪ 1987‬عند‬ ‫ِإطالق ُأوىل مرسحياته بتوقيعه وحده (‪‬صيف ‪َ ،)840‬أبى ِإ ّال َأن ُيهدهيا ‪ِ ‬إىل عايص‪.‬‬ ‫ذات ُأمسي ٍة ربيعي ٍة من ‪ ،1977‬كنا ُش ّل ًة من ا َألصدقاء عىل رشفة بيت منصور‬ ‫نصغي ِإليه ُ‬ ‫يقرأ علينا مرسحية ‪‬ﭘ ــرتا‪ ‬قبل البدء بالتامرين عليها‪ .‬وعند االنرصاف‬ ‫َ‬ ‫سألني َأن َأصحب عايص ِإىل بيته فوجد ُتها فرص ًة َأختيل فيها بعايص ُوأحادثه‪ .‬قبيل‬ ‫وصولنا ِإىل البيت (وهو عىل مقربة ضئيلة من بيت منصور يف أنطلياس) َ‬ ‫سألني‬ ‫عايص َأن ُنكمل املشوار اللييلّ صوب بكفيا يف تلك الليلة املقمرة‪َ ،‬فو ِس َعت فرصتي‬ ‫بالتحدث ِإليه‪ .‬ويف الطريق حانت مني َأكثر من لفت ٍة ِإىل عبار ٍة من مرسحي ٍة َأو‬ ‫لقطة شعرية يف قصيدة َأو فاصل ٍة مجيلة يف حلن‪ُ ،‬فيبادرين عايص‪ :‬هيدا صاحبك‬ ‫باعتزاز كثري‪.‬‬ ‫منصور‪ .‬كان يقوهلا‬ ‫ٍ‬ ‫كنت ُأبدي له فرحي من كلمة َأو عبارة َأو حلن‬ ‫وا َألمر ذاته مع منصور‪ :‬مرار ًا ُ‬ ‫فيقاطعني‪ :‬مش َأنا‪ .‬هيدا املع ّلم‪( ‬ويقصد عايص)‪.‬‬ ‫هذا التبادُ ل يف نسبة اللمعة املبدعة إىل اآلخر‪ ،‬سم ٌة فريدة يف سرية ا َألخوين‬ ‫َي ْصغر عندها من حياول نسبة َأ ّي فاصلة ِإىل َأح ِدمها دون اآلخر‪ ،‬مها اللذان رفضا‬ ‫موحد ًا‪َ ... :‬‬ ‫عىل حياهتام ِإ ّال البوح بالعمل ً‬ ‫لألخوين رحباين‪.‬‬ ‫حامال توقيع ًا واحد ًا َّ‬ ‫∂‬

‫َأنتج ‪‬ا َأل َخوان‪ ‬مع ًا نحو ‪ 43‬سنة (‪َ ،)1986-1943‬وأنتج منصور وحده نحو ‪23‬‬ ‫سنة (‪ ،)2009-1986‬ومنذ َص ْع َقة عايص الصحية تو ّلى وحده طيلة ‪ 14‬سنة (‪-1972‬‬ ‫‪ )1986‬مسؤُ ولية ا َألعامل الرحبانية املشرتكة رغم حضور عبقرية عايص‪.‬‬ ‫ظهر عىل ‪ 25‬مرسحية‪ ،‬وثالثة َأفالم‪ ،‬وكتابني (‪‬سمراء مها‪‬‬ ‫توقيع ‪‬ا َألخوين‪َ ‬‬ ‫و‪‬قصائد ّ‬ ‫مغناة‪ ،)‬وعرشات احللقات التلـﭭـزيونية ومئات ا َألغاين مفرد ًة َأو يف لوحات‬ ‫توقيع منصور وحده عىل ‪ 12‬مرسحية‪ ،‬ومخسة كتب شعر ًا ونثر ًا‪،‬‬ ‫غنائية‪ ،‬وظهر ُ‬ ‫وعرشات احللقات التلـﭭـزيونية وا ُألغنيات‪ ،‬وعمل موسيقي كبري‪ :‬القداس املاروين‪.‬‬ ‫‪168‬‬


‫وط ّليت َع بعلبك بعد عشرين ِسنِ ه‪...‬‬

‫س ُط َلعة‪ ،‬ساعدَ ه عند صعقة عايص الصحية‬ ‫ذاك الطبع اجللود يف تؤَ دَ ٍة ذا ِ‬ ‫ت َن َف ٍ‬ ‫عىل َأن يتوىل مواصلة ‪‬احلالة الرحبانية‪ ‬ليبقى عايص حارض ًا يف كل عمل‪ .‬كان‬ ‫ت كثري ٍة خصوص ًا حني َأخذ عايص يستعيد بعض صفائه العبقري‬ ‫ُي ْشركه يف استشارا ٍ‬ ‫وعاد ِإىل التلحني ولو بدون الكتابة امليلودية‪ .‬وهذا ما دعا سعيد عقل‪ ،‬حني منح‬ ‫نائيته التي مل تنفصم يف َأعامل‬ ‫منصور جائزته الشهرية‪َ ،‬أن ُيشيدَ بدَ ور منصور و ُث ّ‬ ‫خوين‪ ‬بعد مرض عايص‪ :‬املحطة‪ ،‬لولو‪ ،‬ميس الريم‪ ،‬ﭘــرتا‪ ،‬قصيدة‬ ‫‪‬ا َأل َ‬ ‫ينفذ َأ ً‬ ‫حب‪ ... ،‬وا َألعامل التلـﭭـزيونية‪ .‬وكان منصور ُيضمر َأن ِّ‬ ‫عامال َ‬ ‫وضع تصاميمها‬ ‫ليسا‪ ،‬املخفر ‪َ  ،101‬ق َصب من هنر سري‪ ،‬جريس خرض‪،‬‬ ‫مع عايص (‪‬زمان ِإ ّ‬ ‫لكن حالة عايص َأعاقته‬ ‫‪‬مشاع َق َمرة‪ِ  ،‬إيام التانغو‪ ،‬قبطان املركب الورق‪ّ )... ،‬‬ ‫بعم َلني مع‬ ‫عن ذلك فاكتفى‪ ،‬بعد انفصال فريوز عن الثالوث الرحباين (‪َ ،)1979‬‬ ‫عايص‪ :‬الربيع السابع‪ ‬و‪‬املؤامرة مستمرة‪.‬‬ ‫ت منفرد ًة (‪‬بتض ّلك‬ ‫محل منصور ِاإلرث الرحباين وواص َله ُبأسلوبه اخلاص‪ُ ،‬أغنيا ٍ‬ ‫‪‬ص َور ُص َور‪َ )... ،‬أو َأ ً‬ ‫عامال مرسحية‪ ،‬فاستم ّر ِاإلرثُ متجدِّ د ًا‬ ‫سيفي مهام صار‪ُ ،‬‬ ‫طار َ‬ ‫ت من التاريخ يف عامية أنطلياس (‪‬صيف‬ ‫بدأ باسرتجاع صفحا ٍ‬ ‫بـبصامته يف ِإ ٍ‬ ‫ًّ‬ ‫مستهال معها توزيع البطولة فال تقترص عىل معادلة البطل ا َأل ّول‪ ،‬وباعتامد‬ ‫‪)840‬‬ ‫ّ‬ ‫بفرح‬ ‫مشهدية املجاميع‪ ،‬فشهد الوسط الفني ِإطاللة رحبانية جديدة تلقاها اجلميع ٍ‬ ‫عكسه يقلقهم‪ .‬النسيج ْ‬ ‫تطورت ِإىل‬ ‫التأليفي ظلّ عىل متانته‪ ،‬واحلبكة امليلودية َّ‬ ‫كان ُ‬ ‫مجاليا جديدة‪.‬‬ ‫حيز ًا َأكرب‪ ،‬فكان‬ ‫يف مرسح منصور مل يعد التمثيل ثانوي ًا بل بات هدف ًا اختذ ّ‬ ‫رضوري ًا اعتامدُ ممثلني حمرتفني َ‬ ‫وتطورها الدرامي‬ ‫لألدوار املنسوجة يف دقة الشخصية ُّ‬ ‫فتوازى يف مرسحه التمثيل والغناء والرقص واجلامل املشهدي‪.‬‬ ‫يف ْ‬ ‫التأليف املوسيقي (‪‬القداس املاروين‪ )‬برزت لديه ْتقنية معقدة وصعبة‬ ‫َأبرزت مهارته يف كتابة املوسيقى الدرامية‪ ،‬ويف َأقلمة الشعر للدراما (‪‬املتنبي‪،)‬‬ ‫ويف استلهام التاريخ ِإلبراز رصاع الرشق والغرب (‪‬ملوك الطوائف‪ ،)‬ويف استلهام‬ ‫‪171‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫(‪ )1969‬حني ينهزم القائد فاتك املتس ِّلط َأمام ثورة الشعب بشخص ‪‬غربة بنت‬ ‫لكن شعبها مل يتقهقر‪ ،‬فدعا جيشه ِإىل‬ ‫مدلج‪ ‬التي َأرداها احلاكم عىل البوابة ّ‬ ‫االنسحاب واهلرب من ‪‬جبال الصوان‪ ‬وانترص الشعب مبقاومته وصموده‪.‬‬ ‫َيقوى زخم الشعر يف َأعامل منصور‪ ،‬وسابق ًا كان عايص يدعوه ِإىل َأن ِّ‬ ‫‪‬خيفف‪‬‬ ‫أحيا ًنا من تكثيف الشعر يف النص املرسحي َأو الغنائي‪ ،‬فيام كان منصور َأحيان ًا َ‬ ‫يسأل‬ ‫عايص َأن يزيد ً‬ ‫قليال من التكثيف الشعري‪.‬‬ ‫غريها لصوت سواها‪َ ،‬وأعلن من ُأوىل‬ ‫كان منصور يؤْ من َأ ّن الكتاب َة لصوت فريوز ُ‬ ‫جلسايت ِإليه (لوضع هذا الكتاب) َأهنا ‪‬منذ ِإطاللتها ا ُألوىل جاءت ُم َتـ َّـو َجة‪ .‬فعدا‬ ‫مجال صوهتا وموهبتها اخلارقة‪ ،‬هي ظاهر ٌة ال تتك ّرر‪ :‬صو ُتها َّمميز‪ِ ،‬إطالق ُة صو ِتها َّمميزة‪،‬‬ ‫صقل وجتارب خضع هلا‪،‬‬ ‫وكلُّ ما جاء يف هذا الصوت من خوارق ويف ما خ ْلفه من ٍ‬ ‫الشعراء يف لبنان والعامل‬ ‫جعل منه رمز ًا من رموز هذا العرص َتأ َّثر به الناس وحتى‬ ‫ُ‬ ‫العريب َألنه مل يكن جم َّرد صوت وحسب‪.‬‬ ‫سوى َأ ّن‬ ‫سقط منصور يف املجهول‪ .‬استلّ‬ ‫انسحاب ذاك ‪‬الصوت اخلارق‪ ‬مل ُي ِ‬ ‫َ‬ ‫عبقريته ْ‬ ‫ت ُأخرى‬ ‫التأليفية‪ ،‬نص ًا وميلودي ًا‪ِ ،‬إىل اجتاهات خمتلفة جع َلت مرسحه ذا صفا ٍ‬ ‫وهيكلية ُأخرى وسياسة فنية ُأخرى تصاعدت هبا َأعامله ِإىل َرحابات مغايرة‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫منضبط يف ا ُألصول الكالسيكية ِشعري ًا وهارموني ًا‪ .‬من داخلها يبني‬ ‫منصور‬ ‫هيكلية عمله‪ .‬وهو منذ مطالعه حيب عمل املجاميع عىل املرسح واملواضيع الكبرية‬ ‫هدوء طبعه‬ ‫امليثولوجية َأو الوطنية‪ .‬يف كتاباته َأبعاد كوسمية ُت ِّميز َّنصه‪ .‬من هنا‬ ‫ُ‬ ‫العميق غري الرسيع االنفعال‪ .‬وهو قار ٌئ ِهن ٌم َج ُلود‪ ،‬يتبحّ ر كثري ًا يف الفكر والفلسفة‬ ‫وا َألدب العاملي والشعر القديم والتاريخ والالهوت‪ .‬ومرار ًا كان َ‬ ‫يسألني عن مراجع‬ ‫هلذه املواضيع‪ ،‬سواء حني يكون يف هتيئة عمل جديد (حيب دائ ًام توثيق ّنصه مبراجع‬ ‫ومصادر ُوثقى) َأو حتى بدون حالة ْ‬ ‫التأليف‪ .‬القراء ُة عنده جزء رئيس من ساعات‬ ‫ِإخالده ِإىل االسرتاحة‪ .‬لذا ّيتسم نصه َبتأ ُّن ٍق يف قاموسه ابتعدَ عن عفوية َ‬ ‫نشأته‬ ‫الريفية‪َ .‬أناقة ظهرت الفت ًة يف توزيعاته املوسيقية الواضحة النقاء الكتابة ا ُألوركسرتالية‪.‬‬ ‫‪170‬‬


‫وط ّليت َع بعلبك بعد عشرين ِسنِ ه‪...‬‬

‫خارج من املستشفى صدَ مني سؤَ ال َل َّـج يب‪ :‬كيف ميكن َأن يرحل‬ ‫َوأنا‬ ‫ٌ‬ ‫منصور‪‬؟‬ ‫تذكرت عنوان كتابه ُ‪‬أسافر وحدي َم ِلك ًا‪ ،‬وما جاء يف مقطوعته السابعة‪ :‬يف‬ ‫ُ‬ ‫ضوئي يسطع يف الزرقة‪ُ ،‬أسافر وحدي َم ِلك ًا‪.‬‬ ‫رصاخ‬ ‫ظلّ‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫صباح الثلثاء ‪ 13‬كانون الثاين‪ ،‬تو ّقف قلبه‪.‬‬ ‫‪9:27‬‬ ‫َ‬ ‫وفيام كان النعش الذي ‪‬من َ‬ ‫باب ذاك‬ ‫خشب ديكور املرسحيات‪َ ‬يدخل َ‬ ‫الرضيح ذاته الذي َ‬ ‫تذكرت قولته يل عن َأخيه‪ :‬تد ُفنون‬ ‫دخله عايص قبل ‪ 23‬سنة‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫نصف منصور‪.‬‬ ‫معه اليوم‬ ‫ّ‬ ‫كئ عىل ك ِتفي هذه امل ّرة‪.‬‬ ‫لكنه مل َّيت ْ‬ ‫َأقفل الباب ا َألخري وسافر عند عايص بدون رفاق‪.‬‬ ‫سا َف َر وحده‪َ ...‬م ِلك ًا‪.‬‬

‫‪173‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫من ضحّ ى بحياته من َأجل َأفكاره (‪‬سقراط‪ ،)‬ويف َ‬ ‫جرأة اعتامد َ‬ ‫املباش َرة (‪‬آخر‬ ‫يوم‪ )‬بعدما كانت َ‬ ‫املباشرة غائبة عن املرسح الرحباين‪ .‬واسرتاح منصور عىل هواه‬ ‫يف اسرتجاع املناخ ا َألديب (‪‬جربان والنبي‪ ،)‬ويف صوابية رؤْ ياه السياسية احلادسة‬ ‫ْ‬ ‫(‪‬حكم الرعيان‪ ،)‬ويف جتديد احلقبات التارخيية نابض ًة يف مناخ العرص (‪‬زنوبيا‪،‬‬ ‫‪‬عودة الفينيق‪ ،)‬وهي َأعامل اكتسبت فيها الديكورات واملالبس والسينوغرافيا‬ ‫املشهدية ُبعد ًا باهر ًا ( ِإخراج مروان الرحباين) ومناخ ًا موسيقي ًا حديث ًا (مشاركة‬ ‫ُأسامة الرحباين يف ْ‬ ‫التأليف املوسيقي والتوزيع ا ُألوركسرتايل)‪ ،‬و َن َفس ًا َن ِضر ًا (مشاركة‬ ‫غان‪ ،‬ويف التلحني ْ‬ ‫والتأليف املوسيقي‬ ‫غدي الرحباين يف الكتابة‪ ،‬حوارا ٍ‬ ‫ت وكلامت َأ ٍ‬ ‫و ِإدارة ِاإلنتاج)‪.‬‬ ‫بقي منصور ينتج حتى آخر َأيامه‪ .‬كان دوم ًا حمرور القلب والقلم‪ .‬ورغم انحالل‬ ‫صحته تدرجيي ًا كان يرفض االستسالم‪ :‬يكتب ويلحّ ن ويرتك لفرسانه الثالثة التنفيذ‪.‬‬ ‫َضؤُ لت عافيته فلم يستطع السفر ِإىل دُ يب حلضور ‪‬زنوبيا‪ )2007( ‬لكنه حرض التامرين‬ ‫ا ُألوىل ذات ليلة عىل مرسح مهرجانات جبيل‪َ .‬وأنجز ‪‬عودة الفينيق‪ )2008( ‬ومل‬ ‫يشاهدها عىل املرسح بل عىل شاشة صغرية َأمامه من غرفته يف كواليس مرسح‬ ‫جبيل‪.‬‬ ‫ليلة السبت ‪ 20‬كانون ا َألول ‪ 2008‬دعاين ِإىل عشاءٍ كنت فيه وحدي معه‪.‬‬ ‫كان َ‬ ‫ليلتها عىل قلق‪َ ،‬وم ـ َّر يف حديثه مرار ًا ِذ ْكر الرحيل‪ .‬هل كان حيدس َأ ّن ذاك‬ ‫سيكون العشاء ا َألخري بيننا؟‬ ‫عافي ُته فدخل املستشفى عىل عجَ ل‪َ .‬‬ ‫قلمه‬ ‫ترك عىل طاولته َ‬ ‫بعد َأيام تضاء َلت َ‬ ‫َوأوراق ًا عليها تدوينات ّ‬ ‫بخط مرجتف ال يشبه خطه اجلميل يف زمان العافية‪ .‬يف‬ ‫الطريق ِإىل املستشفى مهس البنه غدي‪ :‬ميكن هاملره ما ِإرجع ع البيت‪ .‬ما بدي‬ ‫تابوت عادي‪ .‬بتعملويل تابوت من َ‬ ‫خشب ديكور املرسحيات‪.‬‬ ‫مساء اجلمعة ‪ 9‬كانون الثاين ‪ُ 2009‬زر ُته يف املستشفى‪ُ .‬‬ ‫عافيته تضاءلت َأكثر‪.‬‬ ‫غادر ُته واعد ًا َأن َأزوره يف مطلع ا ُألسبوع‪.‬‬ ‫‪172‬‬


‫وط ّليت َع بعلبك بعد عشرين ِسنِ ه‪...‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬


‫نصوص رحبانية‪:‬‬ ‫مسرحيات ومشاهد مغ َّناة‬



‫غابة الضوء‬

‫مسرحيـة ِشعرية غري منشورة يف ثالثة فصول كتبهـا األخـوان رحباين‬ ‫ّ‬ ‫وقدماها يف الـ‪‬جونيور كو ِل ْد ْج‪ ‬سنة ‪ ١٩٤٥‬بدعوة من المديرة ماري صربي‪.‬‬

‫وبني َمن قام بأدوارها‪:‬‬ ‫( َر َّيان)‬ ‫هشام نشابة ‬ ‫عايص الرحباين (أنكيدو)‬ ‫ملياء كيالين (ميناسيا)‬ ‫ناهدة فضيل الدجاين (ضياء)‬ ‫إخراج‪ :‬عايص الرحباين‬

‫‪L L‬‬

‫‪L L‬‬

‫‪L L‬‬

‫‪L L‬‬

‫‪L L‬‬



‫نصوص رحبانية‪ :‬مسرحيات ومشاهد مغناة‬

‫ت َب َش ْر‬ ‫ت من‬ ‫فتى ِصر ِ‬ ‫ت َّقبل ِ‬ ‫األوىل ‪ :‬إن أن ِ‬ ‫األرض ً‬ ‫ِ‬ ‫مع فتا ِت ِه‪ ...‬ها قد َظ َه ْر‬ ‫ب‬ ‫احلطاب ْ‬ ‫ُ‬ ‫الثاني ة ‪ :‬ها َق َّر َ‬ ‫الجميع ‪َ :‬لن ْخ َت ِب ْـئ ورا الشجَ ـ ْر َلن ْخ َت ِب ْئ ورا الشجَ ْر‬ ‫(يدخل حطاب مع فتاة)‬

‫ ‬ ‫أخت عمري‬ ‫الحطاب ‪ :‬إىل احلقل يا َ‬ ‫ ‬ ‫‪ :‬أميضـي اجلمي ُـع ونبقى؟‬ ‫َأسما ‬

‫ْ‬ ‫احلاطبون‬ ‫هلمي مىض‬ ‫حرام إذا ال ْ‬ ‫نكون‬ ‫ٌ‬

‫(يمر حطابون يف نهاية المسرح)‬

‫ب ‪ :‬وسوف نزيـح الـدوالْ ‬ ‫الحطا ‬ ‫‪ :‬أنقطعهـا؟؟؟ ما يقـالْ ‬ ‫أسما ‬

‫يبست يف ا ُحل ْ‬ ‫زون‬ ‫فقد َ‬ ‫ْ‬ ‫الشاربون‬ ‫إذا عرف‬

‫(يخرجان)‬ ‫(يدخل َر َّيان وشرياز)‬

‫ـرح ّفت ْـان ‬ ‫شريا ز ‪ :‬مط ٌ‬ ‫ ما اسمه‪َ ،‬ر َّيان؟‬ ‫غاب ُة الضوءِ‬ ‫ ‬ ‫‪:‬‬ ‫َر َّيا ن‬ ‫شريا ز ‪ :‬ساحر ٌة‪َ ،‬ر َّي ُان‪ ،‬هذي الغاب ُة النشوى اخلضي َله‬ ‫أنسامها هانئ ٌة‪ ...‬أفياؤُ ها حريى ظلي َله‬ ‫ ‬ ‫ُ‬ ‫البيضاء كم تبدو مجي َله‬ ‫ وهذه الزنبق ُة‬ ‫ُ‬ ‫ هلا شذ ًا يقودين دوم ًا إىل هذي اخلمي َله‬

‫ساحـ ُر الضـوءِ‬

‫(يخرجان)‬ ‫ً‬ ‫(تدخل نهاد منادية)‬

‫نهاد ‬

‫سعا د‬

‫ ‬ ‫‪ :‬سعادُ يا سعادْ‬ ‫ت يا هناد؟‬ ‫‪( :‬تدخل) َأ َأن ِ‬

‫قد ذهب الكلُّ إىل التاللْ‬ ‫‪181‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫الفصل األول‬

‫(مشهد غابة‪ ،‬بعض أشجار يمكن االختباء خلفها‪.‬‬ ‫عىل جانب المسرح زنبقة كبرية‪ .‬آلهات يرقصن)‬

‫ ‬ ‫ت ‪ :‬إهنيض إهنيض يا ذرى‬ ‫اآللها ‬ ‫ ‬ ‫ يا مدائن الورى‬ ‫ ‬ ‫ يا سفوح الزهر األبيض‬ ‫ ‬ ‫ يا حقول البيلسان الريض‬ ‫ ‬ ‫آهلات السحَ ْر‬ ‫ إننا‬ ‫ُ‬ ‫ ‬ ‫ نوقظ اهلاجعنيْ‬ ‫ ‬ ‫ يا خيوط السحَ ِر ْاملب ِك ِر‬ ‫ ‬ ‫املثم ِر‬ ‫ يا روايب‬ ‫الشجر ِ‬ ‫ِ‬

‫وانفيض عن ِك ثوب الكرى‬ ‫يا مدارج القرى‬ ‫ِإهنيض‬ ‫ِإهنيض‬ ‫والص َور‬ ‫موحيات الرؤى ُّ‬ ‫ُ‬ ‫يف هدوء احلننيْ‬ ‫ِّنوري‬ ‫ِّ‬ ‫زهري‬

‫ُ‬ ‫(يسمع غناء من الخارج)‬

‫حلن‬ ‫ِإلهة ‬ ‫‪ :‬إهنا أصداء ِ‬ ‫حطاب‬ ‫ِإلهة ثاني ة ‪ :‬مقبلٌ‬ ‫ْ‬ ‫قرب حسناء يغني‬ ‫ثالثة ‬ ‫‪َ :‬‬ ‫األو ىل ‪ :‬قاصدان الغاب‬ ‫الجمي ع ‪َ :‬‬ ‫ ‬ ‫لنخت ِب ْئ ورا الشجر‬ ‫ ‬ ‫الثاني ة ‪ :‬أيقظهـم نشيدنـا‬ ‫طاب‬ ‫الثالثة ‪ :‬أودُّ لو ُأ َق ِّبلُ ا َحل َ‬ ‫أخت َ‬ ‫احلذ ْر‬ ‫الجمي ع ‪ :‬يا ُ‬ ‫‪180‬‬

‫ُ‬ ‫للبرش‬ ‫ولننظـ َر َّن‬ ‫ْ‬ ‫وها ُه ْم ُز َم ٌر ُز َم ْر‬


‫نصوص رحبانية‪ :‬مسرحيات ومشاهد مغناة‬

‫الهمس ‪ :‬ميناسيـا ِإهلـ ُة الضي ْـاء ‬ ‫اآللهات ‪ :‬ميناسيا ِإهلـ ُة الضي ْـاء ‬ ‫ ‬ ‫والصفاء‬ ‫ فانسكب اجلاملُ‬ ‫ْ‬ ‫ت األل ْ‬ ‫ ‬ ‫ـوان‬ ‫ فان َ‬ ‫ـداحـ ِ‬ ‫ ‬ ‫ هـا أقبلـت ميناسيـا‬

‫الغناء‬ ‫ميناسيا موحي ُة ْ‬ ‫ت عينيهـا‬ ‫قـد فتحَ ْ‬ ‫ـت ُهدْ َبيهـا‬ ‫وح َّر َك ْ‬ ‫ْ‬ ‫الوديان‬ ‫ُت َو ِّش ُـح‬ ‫تل ِّـون الروابيـا‬

‫(تتغري األلوان وتدخل ميناسيا)‬

‫ميناسي ا ‪ :‬هل ُ‬ ‫الناس؟‬ ‫أيقظت َّن‬ ‫ْ‬ ‫ ‬ ‫اآللهات ‪:‬‬ ‫ ‬ ‫األقواس‬ ‫‪ :‬رسنا حتت‬ ‫ِإلهة ‬ ‫ْ‬

‫َّ‬ ‫ذه ْبنا نجواهم‬ ‫ُطفنا يف دنياهم‬

‫(تدخل ِإلهة)‬

‫ِاإللهة ‪ :‬ميناسيا‪ِ ،‬اإلل ُه أنكيدو َح َض ْر‬ ‫البرش؟‬ ‫ميناسي ا ‪ :‬هل عاد من رحلته بني ْ‬ ‫ِاإلله ة ‪ :‬أجلْ هو يرتاح يف ظل الشج ْر‬ ‫نسمع أخبا َر السف ْر‬ ‫ت كي‬ ‫َ‬ ‫ميناسيا ‪ :‬ف ْليأ ِ‬ ‫ ‬ ‫ِاإلله ة ‪( :‬تنادي) أنكيدو تعالْ‬

‫من حتت الظاللْ‬

‫(تتغري األنوار ويدخل أنكيدو)‬

‫اآلهلات‬ ‫سالم أنكيدو عىل‬ ‫ْ‬ ‫أنكيدو ‪ُ :‬‬ ‫ت ‪ :‬منا َ‬ ‫الرتحيب أنكيدو‬ ‫لك‬ ‫اآللها ‬ ‫ُ‬ ‫تعبدها الغيدُ‬ ‫ لطلع ٍة ُ‬ ‫الرابيات‬ ‫الضوء عىل‬ ‫ واكبها‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ميناسيا ‪ :‬كيف وجدت األرض أنكيدو؟‬ ‫ وكيف أهلوها املعاميدُ ؟‬ ‫‪183‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫ ‬ ‫‪:‬‬ ‫نهاد ‬ ‫ ‬ ‫احلبيب‬ ‫سعا د ‪ :‬هذا املكان‬ ‫ْ‬ ‫ أخال َّأن ْ‬ ‫ ‬ ‫عيون‬ ‫ ‬ ‫‪ :‬لقد رووا يا سعادْ‬ ‫نهاد ‬ ‫ ‬ ‫آهلات‬ ‫ تسكنها‬ ‫ْ‬ ‫اآلهلات‬ ‫سعاد ‪ :‬ليتني أبرص‬ ‫ْ‬ ‫‪ :‬إن ما تطلبني حمالْ ‬ ‫نهاد ‬ ‫ وصدى شوقنا للجاملْ‬ ‫ ‬ ‫السالل‬ ‫ْ‬ ‫ هيا امحيل معي‬

‫ولنحمل الساللْ‬ ‫هيا بنا‬ ‫ِ‬ ‫فيه ٌ‬ ‫عجيب‬ ‫رفيف‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫السكون‬ ‫تنظ ُر خلف‬ ‫بأن هذي الوهادْ‬ ‫ساحرات‬ ‫مثل الضحى‬ ‫ْ‬ ‫اهلائامت‬ ‫هن أظال ُلنا‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ولننطلقْ إىل التاللْ‬

‫(تخرجان)‬ ‫(يدخل فالحون وفالحات)‬

‫ ‬ ‫الجمي ع ‪ :‬هيا إىل احلقولْ‬ ‫ ‬ ‫ إن الفجر يقولْ‬ ‫ ‬ ‫ ّهي ْأنا املعاوال‬ ‫ ‬ ‫ أعددنا املناجال‬

‫هيا إىل احلقولْ‬ ‫هيا إىل احلقولْ‬ ‫غني يا ُتلولْ‬ ‫موجي يا سهولْ‬

‫(يخرجون)‬ ‫(تظهر اآللهات من مخابئهن)‬

‫ت َ‬ ‫جباه ُهم‬ ‫ِإله ة‬ ‫‪ :‬هل رأي ِ‬ ‫ ‬ ‫‪:‬‬ ‫ثانية ‬ ‫ت هتا َف ُهم‬ ‫ِإلهة ‬ ‫‪ :‬هل سمع ِ‬ ‫ ‬ ‫‪:‬‬ ‫ثانية ‬ ‫ْ‬ ‫ ‬ ‫ساحرون‬ ‫الجمي ع ‪ :‬إهنم‬ ‫(ي َ‬ ‫ُ‬ ‫سمع همس بعيد)‬ ‫‪182‬‬

‫شموس الربى‬ ‫لوح ْتها‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫الطيبا‬ ‫ينشدون اجلنى ِّ‬ ‫ْ‬ ‫يعملون‬ ‫عندما‬


‫نصوص رحبانية‪ :‬مسرحيات ومشاهد مغناة‬

‫ٌ‬ ‫ـهر‬ ‫احلب‬ ‫أنكيد و ‪ُّ :‬‬ ‫مشتاق إىل الط ِ‬ ‫الطهر‪ ...‬إىل الطـه ِـر‬ ‫اآللها ‬ ‫ت ‪ :‬إىل ِ‬ ‫ُت َو ِّشـي مبسم احلسن ْـاء‬ ‫البيضاء ‬ ‫ إىل العاطفة‬ ‫ْ‬ ‫الفجر‬ ‫ بأحىل من ندى‬ ‫ِ‬ ‫الرفيعه‬ ‫الطبيعه ‬ ‫‪ :‬ميناسيا ِإهل ُة‬ ‫ِإلهة ‬ ‫حامل ُة الرغائب َ‬ ‫َ‬ ‫ربيعه‬ ‫ ‬ ‫ ميناسيا َّهيا أخلقيه طهر ًا‬ ‫هوى َ‬ ‫ينث ُر يف كل ً‬ ‫ت ‪( :‬يلتفتن إىل الزنبقة)‬ ‫اآللها ‬ ‫ إجعيل َ‬ ‫غاد ًة ساح َره‬ ‫ ‬ ‫الزنبقه‬ ‫ حلوة َ‬ ‫َغ َّض ًة طاه َره‬ ‫ ‬ ‫شيقه‬ ‫ميناسي ا ‪( :‬تلتفت إىل الزنبقة)‬ ‫أي غ ٍد أن تولدي أسطور َة الطهر الن ِد ْي‬ ‫ ُّ‬ ‫ أن تذهبي للناس يف صفائ ِك املخ َّل ِد‬ ‫َ‬ ‫قص ِد‬ ‫ أن جتعيل‬ ‫األشواق تسمو عن وضيع ا َمل َ‬ ‫احلب ً‬ ‫نبيال يف مجيل املوع ِد‬ ‫ وحتفظي َّ‬ ‫ت ‪ُ :‬‬ ‫نش ْد َن ويرقصن حول الزنبقة)‬ ‫اآللها ‬ ‫(ي ِ‬ ‫ إهنيض اهنيض َ‬ ‫واطلعي غادة مرش َقه‬ ‫ ‬ ‫زنبقه‬ ‫والزواهـي املنى‬ ‫ ‬ ‫ حتملني السنا‬ ‫ِإهنضـي‬ ‫ زهو َة الزنبق األبيض ‬ ‫ِإهنضـي‬ ‫ ‬ ‫الرض ْي‬ ‫ب ِ‬ ‫ باهلوى املستحَ ِّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫أوراق الزنبقة‪ ،‬وتظهر فتاة)‬ ‫(هنا تتساقط‬ ‫(تقرتب َ‬ ‫وتض ُع َ‬ ‫ُ‬ ‫يدها عىل الفتاة)‬

‫ميناسي ا ‪ :‬‬ ‫ ‬ ‫الضياء‬ ‫وليمإل‬ ‫ ِإهنيض‪...‬‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ ‬ ‫جاء‬ ‫ َ‬ ‫قلب ِك بال َّر ْ‬

‫عينيـ ِك بالبه ْـاء‬ ‫الصفاء‬ ‫ِإهنيض رسول َة‬ ‫ْ‬ ‫‪185‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫ ‬ ‫احلسن‬ ‫األرض يا فائقة‬ ‫أنكيدو ‪ :‬‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ ‬ ‫ هنارها األلوان والنعمى‬ ‫ميناسي ا ‪َ :‬‬ ‫أحببتها؟‬ ‫ ‬ ‫أنكيد و ‪ :‬أحببت أيام ًا‬ ‫ وكدت أنسى َم ْن أنا فيها‬ ‫ ‬ ‫ميناسيا ‪:‬‬ ‫أنكيد و ‪ُ :‬‬ ‫ ‬ ‫عشقتها لو مل يكن فيها‬ ‫الناس؟‬ ‫ميناسي ا ‪ :‬وكيف حال‬ ‫ِ‬ ‫ٌ‬ ‫ ‬ ‫قطعان‬ ‫أنكيد و ‪ :‬‬ ‫العدل؟‬ ‫ميناسي ا ‪ :‬وكيف حال‬ ‫ِ‬ ‫ ‬ ‫أوهام‬ ‫أنكيدو ‪ :‬‬ ‫ٌ‬ ‫اخلري؟‬ ‫ميناسي ا ‪ :‬وكيف حال ِ‬ ‫ٌ‬ ‫ ‬ ‫منبوذ‬ ‫أنكيد و ‪ :‬‬ ‫احلب؟‬ ‫ميناسي ا ‪ :‬وكيف حال ِّ‬ ‫ ‬ ‫جياش‬ ‫أنكيد و ‪ :‬‬ ‫ٌ‬ ‫ ُ‬ ‫ ‬ ‫تنق ُص ُه عاطف ٌة مثىل‬ ‫السحر ْي!!!‬ ‫احلب ذاك َالن َسم‬ ‫ميناسي ا ‪ُّ :‬‬ ‫ِ‬ ‫ ‬ ‫عطر‬ ‫أنكيدو ‪ُ :‬‬ ‫يفيع يف الدنيا بال ِ‬ ‫ميناسي ا ‪ :‬شجيت أنكيدو وما تدري‬ ‫ احلب ما ينقصه سح ٌر‬ ‫ ‬ ‫أنكيد و ‪:‬‬ ‫احلسن؟‬ ‫ميناسي ا ‪ :‬‬ ‫ُ‬ ‫ ‬ ‫احلس َن موفو ٌر‬ ‫أنكيد و ‪ :‬إن ْ‬ ‫ميناسي ا ‪ :‬إذن فام للحب أن يشكو؟‬ ‫‪184‬‬

‫مجيل ٌة كأهنا العيدُ‬ ‫ُ‬ ‫األحلان والعودُ‬ ‫وليلها‬ ‫تقاس َم ْتها الدو ُر والغيدُ‬ ‫َ‬ ‫عشقت األرض أنكيدو؟‬ ‫ترى‬ ‫َ‬ ‫للرش ٌ‬ ‫أعوان ومتجيدُ‬ ‫ِّ‬ ‫إمياهنم باحلق مفقودُ‬ ‫يسخر منها البح ُر والبيدُ‬ ‫واملال بني الناس معبودُ‬ ‫األشواق عربيـدُ‬ ‫مر َّن ُح‬ ‫ِ‬ ‫ينقصـه صف ٌـو وختليـدُ‬ ‫كزهـرة تذبل يف َق ْف ِر‬ ‫السحر‬ ‫بل غاي ٌة أسمى من‬ ‫ِ‬ ‫والس ْم ِر‬ ‫عىل وجوه البيض ُّ‬


‫نصوص رحبانية‪ :‬مسرحيات ومشاهد مغناة‬

‫ ‬ ‫ت الطريقْ‬ ‫ميناسي ا ‪ :‬إذا ضلل ِ‬ ‫سميها؟‬ ‫أنكيدو ‪ :‬وما ُأ ِّ‬ ‫ضياء ‬ ‫ميناسيا ‪ِّ :‬‬ ‫سمها ْ‬ ‫ ر َّفت أمانيها‬ ‫ ‬ ‫ضياء‬ ‫اآللها ‬ ‫ت ‪ِ :‬إ ُ‬ ‫سمها ْ‬ ‫ ‬ ‫إسمها ساح ٌر‬ ‫ ‬ ‫ُ‬ ‫ ‬ ‫ ِإذهبي ِإذهبي‬ ‫ ‬ ‫ واخطري‬ ‫ ‬ ‫ يا ند َّي َة ا ُملنى‬ ‫ ‬ ‫ب‬ ‫ للفؤاد‬ ‫الظامئ َ‬ ‫املتع ِ‬ ‫ِ‬ ‫ ‬ ‫ب‬ ‫ ‬ ‫الطي ِ‬ ‫باألريج الطاهر ِّ‬ ‫ِ‬

‫يا حلويت املرش َقه‬ ‫بالصفاء‬ ‫فهي‬ ‫ْ‬ ‫ضياء‬ ‫ِإسمها ْ‬ ‫النداء‬ ‫ُ‬ ‫هانئ ْ‬ ‫ضياء‬ ‫يا ْ‬ ‫الرجاء‬ ‫يف دروب‬ ‫ْ‬ ‫يا خضيل َة السنا‬ ‫ِإذهبي‬ ‫ِإذهبي‬

‫‪ -‬ستارة ‪-‬‬

‫‪187‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫(تنهض الفتاة)‬

‫الفتا ة ‪ :‬من أنا؟‬ ‫ت صدى الطهر ُهنا‬ ‫ميناسي ا ‪ :‬أن ِ‬ ‫الفتا ة ‪ :‬وما أنا؟‬ ‫حللو من أحالمنا‬ ‫ميناسي ا ‪َ :‬أ ُ‬ ‫مورق‬ ‫روض‬ ‫غريب‬ ‫الفتاة ‪ :‬سح ٌر‬ ‫الرونق‪ ...‬وظلُّ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫فجر ِنق ْي‬ ‫ وكلُّ ما حويل بلون الصحو يف ٍ‬ ‫شوق مغ َل ِق‬ ‫ غريب ٌة حريى عىل أبواب ٍ‬ ‫املفرق؟‬ ‫ فأين أميض؟ كيف أميض عند هذا ِ‬ ‫مرشق‬ ‫ب‬ ‫ميناسيا ‪ :‬متضنيَ ‪ ،‬يا حلو ُة‪،‬‬ ‫لألرض بقل ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫املحر ِق‬ ‫ متشني بني الناس يف عصف الرغاب ِ‬ ‫طاهر‪َ ...‬‬ ‫مطلق‬ ‫مجال‬ ‫ خيالَ ح ٍ‬ ‫طيف ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ب ٍ‬ ‫ب فاحذري أن تغرقي‬ ‫ واألرض بح ٌر من رغا ٍ‬ ‫الشي ِق‬ ‫اآللهات ‪ِ :‬إنطلقي ِإنطلقي‪ ...‬إىل اجلميل ِّ‬ ‫الزنبق‬ ‫ب بلون‬ ‫ ووشحي‬ ‫َ‬ ‫األحالم وا ُحل َّ‬ ‫ِ‬ ‫وأنت يا أنكيدو‬ ‫ميناسيا ‪َ :‬‬ ‫ْ‬ ‫العسري‬ ‫يف العامل‬ ‫ ‬ ‫املسري‬ ‫ ‬ ‫ْ‬ ‫رافقها يف ْ‬ ‫ حيث اهلوى رشودُ‬ ‫بأهنـا للطه ِـر‬ ‫ ‬ ‫أنكيدو ‪ :‬وإن تناست يوم ًا‬ ‫واجتذبتهـا النعمـى‬ ‫ ‬ ‫بالرش‬ ‫ وغرقت ِّ‬ ‫ميناسي ا ‪ :‬تعيدُ ها للحقولْ‬ ‫َ‬ ‫ زنبق ًة َ‬ ‫العاصفه‬ ‫تلفحها‬ ‫راجفه ‬ ‫ ويعرتهيا الذبولْ‬ ‫الفتا ة ‪ :‬يعيدين َ‬ ‫إىل السكون العميقْ‬ ‫ ‬ ‫زنبقه‬ ‫‪186‬‬


‫نصوص رحبانية‪ :‬مسرحيات ومشاهد مغناة‬

‫باهلل والنـدى‬ ‫حبنا‬ ‫هنديه َّ‬

‫ ‬ ‫منشدا‬ ‫ قد م ّر ِ‬ ‫ ‬ ‫ فإن أتى غدا‬ ‫ع ‪( :‬يصعقون)‬ ‫الجمي ‬ ‫الغناء؟‬ ‫ ‬ ‫ضياء‬ ‫َر َّيان ‬ ‫مل تشرتك يف ْ‬ ‫‪ :‬شرياز أين ْ‬ ‫شريا ز ‪ :‬رأيتها سا َمهه‬ ‫‪ :‬م ّرت بنا وا َمجه‬ ‫نها د‬ ‫يتبع كالظل ُخطاها‬ ‫ ‬ ‫سعا د ‪ :‬وكان أنكيدو وراها‬ ‫األمرية ‪ :‬أنكيدو؟!‬ ‫يف وجهه ٌ‬ ‫‪ٌ :‬‬ ‫غريب‬ ‫شوق‬ ‫ ‬ ‫عجيب‬ ‫خملوق‬ ‫َر َّيان ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫شريا ز ‪ :‬لفتاته حتمل عُ نفا‬ ‫‪ :‬لكنه يفيض ُلطفا‬ ‫ندي م‬ ‫وأين مييض؟ لست أدري‬ ‫ ‬ ‫‪ :‬من أين أنكيدو‪ ،‬لعمري؟‬ ‫َر َّيان ‬ ‫ضياء؟‬ ‫ ‬ ‫جاء‬ ‫مالزم ًا ْ‬ ‫ َمن ُمخربي ِمن أين ْ‬ ‫نسيبها؟‬ ‫ ‬ ‫ُ‬ ‫نسيبها‬ ‫شرياز ‪ :‬ليس َ‬ ‫حبيبها؟‬ ‫ندي م‬ ‫‪ُ :‬‬ ‫حبيبها‬ ‫األمري ة ‪ :‬ليس َ‬ ‫شرياز ‪ :‬تقول ِإن َّأمها ْ‬ ‫أوصته أن ُيعنى هبا‬ ‫َ‬ ‫ب ُ‬ ‫ب‬ ‫حديثـ ُه‬ ‫مستعذ ُ‬ ‫طي ُ‬ ‫األمرية ‪ :‬أنكيدو ٌ‬ ‫قلب ِّ‬ ‫ يف وجهه صفو الينـابيع التي ال َ‬ ‫ب‬ ‫تنض ُ‬ ‫ب‬ ‫َر َّيان ‬ ‫‪ :‬لكنام أمرييت أعام ُلـ ُه ُتستغـ َر ُ‬ ‫يطرب‬ ‫ نطرب ل َّلحن‪...‬ول َّلحـن هو ال‬ ‫ُ‬ ‫ب‬ ‫يرش ُ‬ ‫ ونرشب اخلمر ويبقى صاحي ًا ال َ‬ ‫ُ‬ ‫يضطرب‬ ‫حدثته عن اهلوى ِفخ ْل ُته‬ ‫ ‬ ‫ُ‬ ‫‪189‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫الفصل الثاني‬

‫(مشهد ردهة‪ ...‬قوم يسمرون)‬

‫ ‬ ‫الجمي ع ‪ :‬يا ليلُ ِس ْر بنا‬ ‫ ‬ ‫ للهوى عم ُرنا‬ ‫ يا ليل رس بنا‬ ‫ ‬ ‫طمحت من لييلَ باألمج ِـل‬ ‫األمرية ‪ :‬‬ ‫ُ‬ ‫ ‬ ‫ بالصحب باجلريان نلهو مع ًا‬ ‫ ‬ ‫ـب أنغامـه‬ ‫ َمن منشدٌ للحُ ِّ‬ ‫ ‬ ‫‪ :‬أنوا ُر‪ ...‬أنوا ُر‬ ‫ندي م‬ ‫ ‬ ‫ صو ُت ِك أوتا ُر‬ ‫‪ :‬وما ِّ‬ ‫أغنيكم؟‬ ‫أنوار ‬ ‫احلب أنوا ُر‬ ‫الجمي ع ‪ُّ :‬‬ ‫يف َح ِّينا‬ ‫‪ :‬إن م ّر اهلوى ‬ ‫أنوار ‬ ‫يرنو لنـا‬ ‫ ‬ ‫ ملاج ّالنوى‬ ‫ فام ُترى هندي ِه؟‬ ‫الجمي ع ‪ :‬ورودَ نا‬ ‫‪ :‬وما ترى نعطي ِه؟‬ ‫أنوار ‬ ‫الجمي ع ‪ :‬قلو َبنا‬ ‫ ‬ ‫وحيا‬ ‫أنوار ‬ ‫‪ :‬أمس م َّر َّ‬ ‫ ‬ ‫فتيا‬ ‫ كان حلو ًا ّ‬ ‫‪188‬‬

‫يف زورق املنى‬ ‫شدونا‬ ‫للمنى ُ‬ ‫بالضوء يزهو يف سام منزيل‬ ‫عىل نثري الو ْرد واملخم ِـل‬ ‫ُت ْفدَ ين يـا أنـوا ُر أن تفعلـي‬ ‫تاهت ب ِك الدا ُر‬ ‫َلحْ ُن ِك أزها ُر‬

‫املحيـا‬ ‫ُ‬ ‫فاتن ّ‬ ‫ورنـا َّإليـا‬


‫نصوص رحبانية‪ :‬مسرحيات ومشاهد مغناة‬

‫ ‬ ‫ت‬ ‫األمري ة ‪َّ :‬إن ما َر َو ْي َ‬ ‫ ‬ ‫غري ما أرى‬ ‫ يراك ظني َ‬ ‫ ‬ ‫احلب إن دعا‬ ‫ ‬ ‫أتستجيب َّ‬ ‫ُ‬ ‫ أنكيدو‪ ،‬هل يب رعش ٌة ترى؟‬ ‫ ‬ ‫أنكيدو ‪:‬‬

‫أسطور ٌة ترمي هبا الفضولْ‬ ‫رائع الفصولْ‬ ‫َأل َ‬ ‫نت نج ٌـم ُ‬ ‫قلب‪ ...‬فال يدركه الذبولْ ؟‬ ‫بل خو ُف ِك املجهولُ قبل الوصولْ‬

‫(يخرج)‬

‫األمرية ‬

‫‪ :‬هلل ما أغر َب ُه ‬

‫أعجب ُه!‬ ‫قلبا وما َ‬ ‫ً‬

‫(تخرج من جهة ثانية)‬ ‫(تدخل ضياء)‬

‫ضيا ء‬

‫َ‬ ‫ ‬ ‫خال‬ ‫‪َّ :‬إن‬ ‫املكان ِ‬

‫فلينطلقْ خيايل‬

‫(يدخل َر َّيان)‬

‫ضياء‬ ‫َر َّيان ‬ ‫‪ُ :‬‬ ‫ضيا ء ‪َ :‬من؟‬ ‫‪ :‬ال جتزعي‬ ‫َر َّيان ‬ ‫نت‪َ ،‬ر َّي ُان‪ ،‬معي؟‬ ‫ضيا ء ‪َ :‬أ َأ َ‬ ‫ملوضع‬ ‫موضع‬ ‫فتشت عن ِك حائر ًا مـن‬ ‫‪ :‬‬ ‫َر َّيان ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ وصوتك الرفراف أحىل مهسة يف مسمعي‬ ‫سامء حبي يا مدى تط ُّلعي‬ ‫ضيا ء ‪َ :‬ر َّي ُان يا َ‬ ‫ حتبني؟‬ ‫‪ :‬حب ًا إذا أومـأ‪َّ ...‬‬ ‫حنت َأضلعي‬ ‫َر َّيان ‬ ‫طي ِع‬ ‫ زنابق ثلجية غ ْرقـى بلون ّ‬ ‫بخور اهليكل املشـ َّر ِع‬ ‫ ‬ ‫ُ‬ ‫وفوح أعرا ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫‪191‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫ وضاع يف أعامقه ٌ‬ ‫كوكب‬ ‫لون وغاص‬ ‫ُ‬ ‫هيرب‬ ‫صفاء ُ‬ ‫ والح يل يف غور عينيه ٌ‬ ‫ب‬ ‫شريا ز ‪َ :‬ر َّيان َص ْه‪ ...‬إخاله‬ ‫ُ‬ ‫يسمعنا ويق ُر ُ‬ ‫(يربز أنكيدو)‬

‫أنكيد و‬ ‫األمري ة‬ ‫أنكيدو ‬ ‫األمري ة‬ ‫أنكيد و‬ ‫األمرية ‬ ‫َر َّيان ‬ ‫أنكيد و‬ ‫شرياز ‬ ‫أنوار ‬ ‫نهاد ‬ ‫نديم ‬

‫‪ :‬من دعاين؟‬ ‫‪ :‬جئت أنكيدو؟‬ ‫‪ :‬قد كان السمي َ‬ ‫اآلن ترديدُ‬ ‫‪ :‬ههنا؟‬ ‫‪ :‬ال تنكري هذا‬ ‫‪ :‬ومتى أنكرت أنكيدو؟‬ ‫كنت َ‬ ‫اآلن؟‬ ‫‪ :‬أين َ‬ ‫ ‬ ‫ضياء‬ ‫‪ :‬مع ْ‬ ‫ ‬ ‫‪ :‬ساحر أن يطلقَ الغناء‬ ‫َ‬ ‫ ‬ ‫احلديقه‬ ‫‪ :‬هيا بنا صوب‬ ‫ ‬ ‫‪ :‬ونسمع اللحن الرفيقا‬ ‫‪ :‬ونكرع اخلمر َ‬ ‫العتيقه ‬

‫السامء‬ ‫نراقب األنجم يف‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫والفضاء‬ ‫الليل‬ ‫يف عراءِ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫نشدو أغانينا الطليقـه‬ ‫مع النسيمـات َ‬ ‫الرقيقه‬ ‫عىل أناغيم املوسيقى‬

‫(يخرجون وتبقى األمرية مع أنكيدو)‬

‫أنت؟ أال تقولْ ‬ ‫األمرية ‪ :‬أنكيدو َمن َ‬ ‫ ‬ ‫تدعوك رغب ٌة‬ ‫أنكيد و ‪ :‬أنا؟ وهل‬ ‫ِ‬ ‫ أنا من الناس‪ ...‬ويل َ ‬ ‫هناك‬ ‫ ‬ ‫األضواء سطحُ ها‬ ‫ ُيحجّ م‬ ‫َ‬ ‫األمري ة ‪ :‬أنكيدو‪...‬‬ ‫أنكيد و ‪ :‬ماذا؟‬ ‫‪190‬‬

‫إىل متى‪ ...‬وحرييت تطولْ ؟‬ ‫أن تطلبي لعاملي الدخـولْ ؟‬ ‫طاحون ٌة تبسم للحقولْ‬ ‫وخلفها تنطلق السهولْ‬


‫نصوص رحبانية‪ :‬مسرحيات ومشاهد مغناة‬

‫ ‬ ‫العذر ْي‬ ‫َر َّيان ‬ ‫‪ُ :‬‬ ‫ضياء نادانا اهلوى ِ‬ ‫ ‬ ‫ضياء‪ ،‬أن نبني‬ ‫ أحبب ِ‬ ‫ت‪ ،‬يا ُ‬ ‫ ‬ ‫ت أن نرسم دنيانـا‬ ‫ و ُت ْق ِ‬ ‫ ‬ ‫حبنا فوق الظن أحلان‬ ‫ ُّ‬ ‫يدر؟‬ ‫ ‬ ‫فليدر أنكيدو‪ ...‬وإن ِ‬ ‫ِ‬ ‫الدهر!‬ ‫ضياء ‪ :‬فقد َتني عىل مدى‬ ‫ِ‬ ‫رس ِك؟‬ ‫َر َّيان ‬ ‫ضياء‪ ،‬ما ّ‬ ‫ضياء‪ ،‬من يكون أنكيدو؟ ُ‬ ‫‪ُ :‬‬ ‫رسي‬ ‫ ‬ ‫ضياء ‪:‬‬ ‫دَ عْ ّ‬ ‫كأنني أدري‪...‬‬ ‫ ‬ ‫ت يا ريب؟‬ ‫َر َّيان ‬ ‫‪ :‬أين أنا؟ من أن ِ‬ ‫ضياء ‪ :‬تدري؟!‬ ‫ضياء‪ ،‬غابة الضوءِ اخلضي َله؟‬ ‫َر َّيان ‬ ‫‪ :‬هل تعرفني‪ ،‬يا ُ‬ ‫ هناك يف األفياء يف طيب الشجريات الظلي َله‬ ‫ زنبقة ند َّي ٌة كانت عىل الدرب مجي َله‬ ‫شذاك مالئ تلك اخلمي َله‬ ‫ هلا شذا مثل‬ ‫ِ‬ ‫النسيامت علي َله‬ ‫ضيا ء ‪ :‬بالروح ذياك احلمى حيث‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫أشواق آالمي الطوي َله‬ ‫ شجَ َيتني واستيقظت‬ ‫الصفاء‬ ‫حامل ًة رغد‬ ‫ ‬ ‫ضياء‬ ‫َر َّيان ‬ ‫ْ‬ ‫‪ :‬جئت إلينا يا ْ‬ ‫املساء‬ ‫غامض ٌة مثل‬ ‫ ‬ ‫ مجيلة كالفجر‪ ...‬بل‬ ‫ْ‬ ‫سامء‬ ‫ ولست أدري من تكونني‪ ...‬ومن ِّ‬ ‫أي ْ‬ ‫ضياء‬ ‫ ‬ ‫ تعبت لن أسأل شيئ ًا‬ ‫فوداع ًا يا ْ‬

‫اهلجر؟‬ ‫ف ِل ْم متيلني ِإىل ِ‬ ‫الفجر‬ ‫عرش ًا لنا عىل رؤى‬ ‫ِ‬ ‫بالزهر‬ ‫بالطيب‪ ،‬باأللوان‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫وباجله ِر‬ ‫بالرس‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫أهواك ِّ‬

‫(يخرج)‬

‫ ‬ ‫ضيا ء ‪َ :‬ر َّي ُان‪ ،‬يا َر َّي ُان‬ ‫ وصو ُت ُه ّ‬ ‫ ‬ ‫الفت ُان‬

‫خطاه‬ ‫ت‬ ‫ُ‬ ‫قد َب ُعدَ ْ‬ ‫أراه‬ ‫َر َّي ُان‪ ،‬ال ُ‬ ‫‪193‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫ قبلك ما كان اهلوى عندي سوى ُّمتت ِـع‬ ‫ قبلك مل أسمع صدى العطاء يف ُّ‬ ‫التمن ِـع‬ ‫طه َر ْتني أدمعي‬ ‫ضياء حتى َّ‬ ‫ لكنني بكيت يا ُ‬ ‫موجع‬ ‫أنت‪ ،‬لو تدرك ما يب من حنني‬ ‫ضياء ‪ :‬يا َ‬ ‫ِ‬ ‫املوقع‬ ‫ من هلفة إىل اللقا يف غري هذا ِ‬ ‫ممرع‬ ‫ من رغبة إىل التغني يف ٍ‬ ‫مكان ِ‬ ‫ شوقي إىل الرحيل ُ‬ ‫امللو ِع‬ ‫شوق الطائر َّ‬ ‫ضياء‪ ،‬ماذا تلفظني؟ َأ ِبالرحيل حتلمنيْ ؟‬ ‫َر َّيان ‬ ‫‪ُ :‬‬ ‫احلاسدين‬ ‫ت يا ر ّي ُان أخشى نظرات‬ ‫ْ‬ ‫ضيا ء ‪ :‬قد ِب ُّ‬ ‫ أال تراهم حولنا يف كل صوب جائعنيْ ؟‬ ‫خاف أن ُي َ‬ ‫ َأ ُ‬ ‫احلب‬ ‫عرف َّعنا ُّ‬ ‫كيف جتزعنيْ‬ ‫ ‬ ‫‪:‬‬ ‫َر َّيان ‬ ‫وحبنا حكاي ٌة ندية عىل السننيْ‬ ‫ ‬ ‫ُّ‬ ‫املنشدين؟‬ ‫وحبنا أنشود ٌة عىل شفاه‬ ‫ ‬ ‫ْ‬ ‫ُّ‬ ‫حذار يا َر َّي ُان أن يدروا بنا‪...‬‬ ‫ضيا ء ‪ِ :‬‬ ‫هل ختجلنيْ ؟‬ ‫ ‬ ‫‪:‬‬ ‫َر َّيان ‬ ‫شجون وحننيْ‬ ‫ضياء ‪ :‬أواه لو تدرك ما يب من‬ ‫ٍ‬ ‫ورغب ٌة ال تستق ّر‬ ‫ضياء‪ ،‬يف قلبك ِس ّر ‬ ‫َر َّيا ن‬ ‫‪ُ :‬‬ ‫طيب ُ‬ ‫وط ْه ْر‬ ‫ ‬ ‫ َف ِل ْم خت َّبنيَ هوانا‬ ‫وبوحه ٌ‬ ‫نراه؟‬ ‫ ‬ ‫ضياء ‪ :‬إن جاء أنكيدو‬ ‫فهل ُ‬ ‫ضياء؟‬ ‫َر َّيان ‬ ‫‪ :‬هتوينه ُ‬ ‫أخشاه‬ ‫بل‬ ‫ ‬ ‫ضياء ‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫حب ِك؟‬ ‫َر َّيان ‬ ‫‪ :‬ختشني أن يدري بنا فينسى َّ‬ ‫أهواه‬ ‫ضيا ء ‪ :‬ال‪ ...‬بل أنت من ُ‬ ‫‪192‬‬


‫نصوص رحبانية‪ :‬مسرحيات ومشاهد مغناة‬

‫ ‬ ‫ضياء ‪ :‬لو كان هذا احلب إمث ًا ملا‬ ‫ ‬ ‫ لو كان إمث ًا ما دعاين إىل‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫كأسا)‬ ‫(يدخل نديم حامال‬

‫املزه ِر‬ ‫ظ َّل َلني بفيئه ِ‬ ‫ب َخ ِّي ِر‬ ‫نبيل واه ٍ‬ ‫كلِّ ٍ‬ ‫تنسجان املنى‬ ‫واسكري واطريب‬

‫ ‬ ‫‪ :‬أنتام ههنا‬ ‫ندي م‬ ‫ ‬ ‫ إذهبي وارشيب‬ ‫ضياء ‪ :‬يا صاح ال أرشب مخرا‬ ‫وأنت؟‬ ‫ندي م‬ ‫‪َ :‬‬ ‫أنكيد و ‪ :‬لن أختال ُس ْكرا‬ ‫رسا‬ ‫ ‬ ‫‪ :‬أراك ال ترشب جهرا‬ ‫ندي م‬ ‫وتنسف الكاسات ّ‬ ‫ضعفاء‬ ‫أنكيد و ‪ :‬الناس حقا‬ ‫ْ‬ ‫مجيعهم؟‬ ‫ضيا ء ‪ُ :‬‬ ‫السواء‬ ‫أنكيد و ‪ :‬عىل‬ ‫ْ‬ ‫ندي م‬ ‫اهلناء‬ ‫‪ :‬ال حتتق ْر مشاع َر الذين يبغون ْ‬ ‫وارتواء‬ ‫شهوات‬ ‫هناء الناس ّإال‬ ‫ٌ‬ ‫ْ‬ ‫أنكيدو ‪ :‬وما ُ‬ ‫َ‬ ‫ووفاء‬ ‫ضياء ‪ :‬لكن يف قلوهبم‬ ‫خري ْ‬ ‫طيوف ٍ‬ ‫السامء‬ ‫ت‬ ‫ ‬ ‫وحبهم‪ ،‬إن يصدقوا‪ ،‬ظلُّ التفاتا ِ‬ ‫ُّ‬ ‫ْ‬ ‫واكتفاء‬ ‫ب الناس جوعٌ‬ ‫ت‪َ ...‬فحُ ُّ‬ ‫أنكيدو ‪ :‬خمدوع ٌة أن ِ‬ ‫ْ‬ ‫ َ‬ ‫وانطواء‬ ‫ْ‬ ‫وض ُعفهم يقودهم لكل عتم ٍ‬ ‫‪ً :‬‬ ‫أبرياء‬ ‫تشمت هبم‬ ‫مهال وال‬ ‫نديم ‬ ‫ْ‬ ‫فالناس ٌ‬ ‫قوم ْ‬ ‫ُ‬ ‫الصفاء‬ ‫رضهم أن خيمروا واخلم ُر مفتاح‬ ‫ ما ّ‬ ‫ْ‬ ‫وماء‬ ‫نفيس من طني ْ‬ ‫ أنا إذا َأصحو أرى َ‬ ‫وغناء‬ ‫ب‬ ‫ وحينام أسك ُر‪ ،‬أغدو من رشا ٍ‬ ‫ْ‬ ‫هباء‬ ‫أنكيد و ‪ :‬رغاهبم وضيع ٌة وكل دنياهم ْ‬ ‫وازدراء‬ ‫احتقار‬ ‫من‬ ‫ يا هول ما أخفي هلم َ‬ ‫ْ‬ ‫ٍ‬ ‫‪195‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫(يدخل أنكيدو)‬

‫ضياء!‬ ‫أنكيد و ‪ُ :‬‬ ‫ضياء ‪ :‬أنكيدو!‬ ‫النداء؟‬ ‫أنكيد و ‪ :‬ملن هذا ْ‬ ‫ضيا ء ‪َ :‬ر َّي ُان م ّر صدف ًة‬ ‫لقاء‬ ‫أنكيدو ‪ :‬ال‪ ...‬بل ْ‬ ‫ضيا ء ‪ :‬صداق ٌة بريئ ٌة‬ ‫براء‬ ‫أنكيد و ‪ :‬منها الصداقات ْ‬ ‫البكاء‬ ‫ ويف ندا صوتك ما يشبه أطراف‬ ‫ْ‬ ‫ألصدقاء‬ ‫وغ َّن ٌة وجيع ٌة ما ُصعدت‬ ‫ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ضياء‪ ،‬ال خيفى اهلوى َ‬ ‫جاء‬ ‫ ‬ ‫فخ ِّبريني كيف ْ‬ ‫ُ‬ ‫ضيا ء ‪ :‬أحببت‪ ،‬يا أنكيدو‪َ ،‬ر َّيانا‬ ‫أنكيد و ‪ :‬حبب ِت ِه؟‬ ‫ُ‬ ‫والشوق نادانا‬ ‫ضيا ء ‪ :‬‬ ‫ت يف األرض إنسانا‬ ‫ ‬ ‫أنكيد و ‪ :‬ما كان ظني زهرة الوادي‬ ‫عش َق ْ‬ ‫أن ِ‬ ‫ت وأغصانا‬ ‫ ‬ ‫احلب أنكيـدو‬ ‫ُ‬ ‫يلوح جنا ٍ‬ ‫ضياء ‪ :‬لكن هذا َّ‬ ‫ضياء‪ ،‬اذكري‬ ‫ضياء‪ ،‬من كن ِ‬ ‫ت؟ ُ‬ ‫أنكيدو ‪ُ :‬‬ ‫األخرض‬ ‫ضيا ء ‪ :‬زنبق ًة يف املنحنى‬ ‫ِ‬ ‫ت؟ وما حتملني؟‬ ‫أنكيدو ‪ :‬واآلن من أن ِ‬ ‫الطاهر‬ ‫ضيا ء ‪ :‬رسال َة احلب الويفْ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫نداء اهلوى؟‬ ‫أنكيدو ‪ :‬‬ ‫فكيف َّلبي ِ‬ ‫ت َ‬ ‫يت ً‬ ‫ظال الح يف خاطري‬ ‫ضياء ‪َّ :‬لب ُ‬ ‫ ودعو ًة ضوئي ًة َ‬ ‫الربي‬ ‫احللو‬ ‫أومأ ْ‬ ‫ِّ‬ ‫الندي ِ‬ ‫ت بصفوها ِ‬ ‫هوى َن ِّي ِر‬ ‫الغوى ما كان في ِك من ً‬ ‫ت واجتاحت ُ‬ ‫غيوم ِ‬ ‫خط ْئ ِ‬ ‫أنكيدو ‪ِ :‬‬ ‫تشعري‬ ‫ت‬ ‫ ‬ ‫ يا زهرة كان هلا لوهنا‬ ‫بالوحل ومل ُ‬ ‫غر ْق ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪194‬‬


‫نصوص رحبانية‪ :‬مسرحيات ومشاهد مغناة‬

‫ضياء‪،‬‬ ‫شرياز ‪ :‬وإن أراد أن يوافيك‪ْ ،‬‬ ‫اللقاء‬ ‫ضيا ء ‪ :‬قويل له يف غابة الضوء ْ‬ ‫هلل كم أنت َ‬ ‫شرياز ‪ :‬ختفني آالم ًا َ‬ ‫حزينه‬ ‫ ‬ ‫دفينه‬ ‫ْ‬ ‫رس َي العميقْ‬ ‫ ‬ ‫ضيا ء ‪ :‬شرياز إين أضيقْ‬ ‫بثقل ِّ‬ ‫عىل عراء الطريقْ‬ ‫ ‬ ‫للرصاخ‬ ‫ يب رغبة‬ ‫ِ‬ ‫مع النسيم الطليقْ‬ ‫ ‬ ‫ أودُّ لوال َأضي ُـع‬ ‫وأنطوي ال أفيق!‬ ‫ ‬ ‫ متى حيلُّ اخلريف‬ ‫‪ -‬ستارة ‪-‬‬

‫‪197‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫‪ :‬يا صاح قد ْ‬ ‫باء‬ ‫نديم ‬ ‫أمعن َ‬ ‫ت ِك ْبر ًا وشموخ ًا و ِإ ْ‬ ‫ ً‬ ‫الشقاء‬ ‫مهال فقد تسقط يوم ًا بني أحضان‬ ‫ْ‬ ‫(يخرج نديم)‬

‫ُ‬ ‫ ‬ ‫سكران يف األوحال يلهو‬ ‫أنكيد و ‪ :‬‬ ‫ ‬ ‫ وليس َر َّيان الذي‬ ‫ضيا ء ‪َ :‬ر َّي ُان ٌ‬ ‫ ‬ ‫حبيب‬ ‫فتان‬ ‫ْ‬ ‫ٌ‬ ‫ ‬ ‫عجيب‬ ‫صدق‬ ‫ يف وجهه‬ ‫ْ‬ ‫أنكيدو ‪ :‬ال تذكري َر َّي َان بعد ْ‬ ‫ ‬ ‫اآلن‬ ‫ ‬ ‫احلب إذ يومي‬ ‫ضياء ‪ :‬أنكيدو إن َّ‬ ‫ت يف ضعف ِك‬ ‫أنكيدو ‪ :‬أرسف ِ‬ ‫ْ‬ ‫ ‬ ‫تشمخ‬ ‫ضياء ‪ :‬ال‬ ‫أنكيدو ‪ :‬أحب‪ ،‬هل يدعو اهلوى قلبي ‬ ‫ ‬ ‫ضياء‪ ،‬يا خمدوع ًة‪ ،‬عودي‬ ‫ ‬ ‫ُ‬

‫الكاسات عن ُه‬ ‫حتدِّ ث‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫هتوينه أفضلَ من ُه‬ ‫وقد حنا قلبي إلي ِه‬ ‫تقس علي ِه‬ ‫أنكيدو‪ ،‬ال ُ‬ ‫ْ‬ ‫النشوان‬ ‫وابتعدي عن حبه‬ ‫ْ‬ ‫واإلميان‬ ‫خيلق فينا العزم‬ ‫ْ‬ ‫األزمان‬ ‫أحببت يف‬ ‫فرمبا‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫النسيان!‬ ‫وبعدُ تطويني يد‬ ‫هواك واسحقي ما ْ‬ ‫كان‬ ‫وانيس ِ‬

‫(يخرج وتدخل شرياز)‬

‫ ‬ ‫ضياء‪ ،‬ما هذي الدموعْ ؟‬ ‫شرياز ‪ُ :‬‬ ‫ ‬ ‫ضياء‪ ،‬يا صديقتي‪،‬‬ ‫ ‬ ‫ُ‬ ‫ ‬ ‫راجعه‬ ‫ضيا ء ‪ :‬شرياز‪ ،‬إين َ‬ ‫َ‬ ‫ ‬ ‫مرابع‬ ‫ هناك يف ٍ‬ ‫ ‬ ‫شريا ز ‪ :‬لن ترحيل عن أرضنا‬ ‫ ‬ ‫ت خيالٌ طاه ٌر‬ ‫ أن ِ‬ ‫ب‬ ‫ضياء ‪ :‬أختاه ال بدَّ من الذها ِ‬ ‫ ‬ ‫شريا ز ‪:‬‬ ‫ ‬ ‫ب‬ ‫ضيا ء ‪ :‬قويل له عادت إىل اهلضا ِ‬ ‫‪196‬‬

‫ب الولوعْ ؟‬ ‫أهي ندى القل ِ‬ ‫طي الضلوعْ‬ ‫ُبوحي مبا َّ‬ ‫إىل ربوعي الوادعَ ه‬ ‫الالمعه‬ ‫بني السواقي‬ ‫َ‬ ‫وترتكينا وحدنا‬ ‫م َّر حبيب ًا بيننا‬ ‫وإن أتى َر َّي ُان‪ ،‬ما أقولْ ؟‬ ‫لغابة الضوء ورا احلقولْ‬


‫نصوص رحبانية‪ :‬مسرحيات ومشاهد مغناة‬

‫ضيا ء ‪ :‬والذي ينطوي‪َ ،‬أ ُي َ‬ ‫ ‬ ‫ذك ُر يومـ ًا‬ ‫ ‬ ‫أنكيد و ‪ :‬ال‪ ...‬ف َر َّيان من عنيت‪ ،‬سينسى‬ ‫ ‬ ‫ضيا ء ‪ :‬كيف ينسى؟ حق ًا تراه سينسى؟‬ ‫الروض ‬ ‫ضياء‪ ،‬يا أندى مـن‬ ‫أنكيدو ‪ُ :‬‬ ‫ِ‬ ‫ٌ‬ ‫ ‬ ‫أشواق‬ ‫ يف فـيء أهدابـ ِك‬ ‫ ‬ ‫ وشع ُرك التائـ ُه أرسابـ ًا‬ ‫ت‪ ...‬وبـي شوق ‬ ‫ شهيـة أن ِ‬ ‫ ‬ ‫ضياء ‪ :‬ماذا يقول اإلل ُه؟‬ ‫ ‬ ‫شفتاه‬ ‫ت به‬ ‫ُ‬ ‫أنكيدو ‪ :‬ز ّل ْ‬ ‫أنت إل ٌه‬ ‫ضيا ء ‪ :‬أنكيدو‪َ ،‬‬ ‫ ‬ ‫أنكيد و ‪:‬‬ ‫ضيا ء ‪ :‬أنكيدو‬ ‫أنكيد و ‪ :‬حا َر اشتياق ًا‬ ‫ضيا ء ‪ :‬أنكيدو‬ ‫ ‬ ‫أنكيدو ‪:‬‬ ‫ ‬ ‫عبء‬ ‫ هذي ا ُأللوه ُة ٌ‬ ‫ إين أريد انعتاق ًا‬ ‫ ‬ ‫ضياء ‪:‬‬ ‫احلب؟ أال تعرفنيْ ؟‬ ‫ضياء‪ ،‬ما ُّ‬ ‫أنكيدو ‪ُ :‬‬ ‫ ‬ ‫ضياء ‪:‬‬ ‫أنكيدو ‪ :‬هذا َهوى األطفال يا غادتـي ‬ ‫ ‬ ‫السك ُر‪ ...‬يف عمقه‬ ‫ ما احلب إال ُّ‬ ‫ ‬ ‫احلب‪ ،‬يا غادة‪ ،‬أن نرمتي‬ ‫ ‬ ‫ُّ‬ ‫ ‬ ‫ضياء‪ ،‬هيـا‪ ،‬لي ُلنـا ظامـ ٌئ‬ ‫ ‬ ‫ُ‬

‫ب؟‬ ‫شجو ٍة أو عتا ِ‬ ‫يف غناءٍ أو َ‬ ‫ب‬ ‫بني هزج الكؤوس واألحبا ِ‬ ‫إيه أنكيدو‪ِ ،‬ل ْم تزيد عذايب؟‬ ‫األرض‬ ‫يا فتن ًة متيش عىل‬ ‫ِ‬ ‫الومض‬ ‫ولفت ٌة جمهولة‬ ‫ِ‬ ‫ض‬ ‫حينو عىل مجالك َالب ِّ‬ ‫الغض‬ ‫املمتع‬ ‫الشهي‬ ‫إىل‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِ‬ ‫عراه؟‬ ‫وأي يشء ُ‬ ‫ُّ‬ ‫هبواه‬ ‫وباحتا ُ‬ ‫قد مات يفَّ ِاإلل ُه‬

‫مناه‬ ‫ضجَّ ت ُ‬ ‫كتفاه‬ ‫ناءت به ُ‬ ‫خطاه‬ ‫أنكيدو ض َّلت‬ ‫ُ‬ ‫هو ِّ‬ ‫التمني والغنا واحلننيْ‬ ‫هذا هوى َّ‬ ‫واحلائرين‬ ‫السذ ِج‬ ‫ْ‬ ‫تلوح الشهو ُة للشاربنيْ‬ ‫ّ‬ ‫يف لي ِل ِه املحموم‪ ،‬هل تسمعنيْ ؟‬ ‫فلننطلقْ يف موكب العاشقنيْ‬ ‫‪199‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫الفصل الثالث‬

‫(المشهد‪ :‬غابة الضوء)‬

‫أتيت ‬ ‫ضيا ء ‪( :‬داخلة) غاب َة الضوءِ قد ْ‬ ‫ ليس َّإالي والصدى ‬

‫ارمتيت‬ ‫وعىل َأرضك‬ ‫ْ‬ ‫حكيت‬ ‫حيط ُم الصمت إن‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬

‫(تلتفت)‬

‫جئت َر َّي ُان؟‬

‫ يف طريق احلمى خيالٌ يرودُ ‬ ‫ً‬ ‫أنكيد و ‪ :‬‬ ‫(داخال) بل أتى أنكيدو‬ ‫أنت؟‬ ‫ضيا ء ‪َ :‬‬ ‫ب‬ ‫ ‬ ‫أنكيد و ‪ :‬مل حتلمي إذن مبجيئي‬ ‫يا فتا َة الشذا َ‬ ‫وبنت اهلضا ِ‬ ‫ب‬ ‫ضياء‪ ،‬عيني ِك صويب فأرى فيهام‬ ‫َ‬ ‫حطام الرغا ِ‬ ‫ ِإرفعي‪ ،‬يا ُ‬ ‫ُ‬ ‫احلزين ملء الروايب‬ ‫واخلريف‬ ‫ضيا ء ‪ :‬غاب ُة الضوء قد رجعت إليها ‬ ‫ُ‬ ‫أنكيد و ‪ :‬أنظري‪ :‬هل ترين يف الغاب زهر ًا؟‬ ‫ب‬ ‫ ‬ ‫ضياء ‪:‬‬ ‫َذ ُبلَ الزهر َّ‬ ‫وامحى يف الضبا ِ‬ ‫البيض؟‬ ‫الزنابق‬ ‫أنكيد و ‪ :‬أين عط ُر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫هن رفاقي‪...‬‬ ‫ضيا ء ‪ :‬ها ّ‬ ‫ب‬ ‫ ‬ ‫أنكيد و ‪:‬‬ ‫َ‬ ‫رجعن بعض ترا ِ‬ ‫ُ‬ ‫ب‬ ‫غابر‪،‬‬ ‫ ‬ ‫ربيع‬ ‫واخلريف يف كل غا ِ‬ ‫ ليس ِ‬ ‫ٍ‬ ‫إالك زهرة من ٍ‬ ‫ َأ َوتدرين ما الذبولُ ؟ أجيبي‬ ‫ب؟‬ ‫ ‬ ‫ضياء ‪:‬‬ ‫كيف مييش الغناء يف األعشا ِ‬ ‫أنكيد و ‪ٌ :‬‬ ‫ظمأ يلفح الع َ‬ ‫ب‬ ‫ ‬ ‫ـروق‪ ،‬ونـا ٌر‬ ‫ختنق اللون يف ندى األهدا ِ‬ ‫ب‬ ‫ ‬ ‫وانطواء ال ينتهي وعـراء‬ ‫ ‬ ‫من مجيع األعراف واألطيا ِ‬ ‫ٌ‬ ‫‪198‬‬


‫نصوص رحبانية‪ :‬مسرحيات ومشاهد مغناة‬

‫ ‬ ‫للحب مل‬ ‫فاستسلمت‬ ‫ ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫ ُ‬ ‫ ‬ ‫عرفت‬ ‫أنظ ْر إليها هل‬ ‫َ‬ ‫ضياء‪...‬‬ ‫َر َّيان ‬ ‫‪ُ :‬‬ ‫ضيا ء ‪ :‬يا َر َّي ْان‬ ‫ذكرت ْ‬ ‫اآلن‬ ‫‪ :‬إين‬ ‫َر َّيان ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫النديان‬ ‫الفتان وعط َر ِك‬ ‫ أر َجي ِك‬ ‫ضيا ء ‪َ :‬ر َّي ُان‪ُ ،‬أغفر يل‬ ‫ْ‬ ‫الغفران‬ ‫‪ :‬ال تذكري‬ ‫َر َّيان ‬ ‫ْ‬ ‫والتحنان‬ ‫ فإنني َأوىل بالصفح‬ ‫ ‬ ‫كنت هتواها‬ ‫أنكيد و ‪ :‬إن َ‬ ‫َر َّيا ن‬ ‫ ‬ ‫‪َّ :‬إن الذي هيوى‬ ‫ ‬ ‫ضياء ال حتيا‬ ‫أنكيدو ‪ُ :‬‬ ‫ ‬ ‫‪ :‬وإن هنا حبا‬ ‫َر َّيا ن‬ ‫ ‬ ‫أنكيد و ‪ُ :‬أعيدها للحقولْ‬ ‫َ‬ ‫العاصفه‬ ‫ تلفحها‬ ‫ ويعرتهيا الذبولْ‬ ‫ْ‬ ‫السكون؟!‬ ‫‪ :‬تعيدها إىل‬ ‫َر َّيان ‬ ‫ْ‬ ‫الفتون‬ ‫أنكيد و ‪ :‬وميحي هذا‬ ‫ ‬ ‫الغض‬ ‫ضيا ء ‪ :‬وعندما الربيع‬ ‫ُّ‬ ‫ ‬ ‫ضياء يا زنبقتي‬ ‫َر َّيان ‬ ‫‪ُ :‬‬ ‫ إن تذبيل‪ ،‬فهل ُترى ‬ ‫ُ‬ ‫هواه ‬ ‫سيحطم‬ ‫ ‬ ‫القلب ُ‬ ‫ُ‬ ‫ ألجل أن َ‬ ‫ ‬ ‫تبقي‪ ،‬وأن‬

‫ترعَ املشيئات النبي َله‬ ‫َ‬ ‫اآلن من هذي الظلي َله؟‬

‫ْ‬ ‫النسيان‬ ‫فحاو ِل‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫السلوان‬ ‫ال يعرف‬ ‫ْ‬ ‫واألشجان‬ ‫للحب‬ ‫ْ‬ ‫احلريان؟‬ ‫فؤادُ ها‬ ‫زنبقة َ‬ ‫واجفه‬

‫يأيت‪ ...‬ال ْ‬ ‫أكون‬ ‫يا زهر َة الغاب اخلجو َله‬ ‫تعيش أحالمي العلي َله؟‬ ‫ب ميو َله‬ ‫ينثر ا ُحل ُّ‬ ‫حتيي لياليك الطوي َله‬

‫(يخرج)‬ ‫‪201‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫ساذج ‬ ‫حب مـن فتـى‬ ‫ضياء ‪ :‬بالروح ٌّ‬ ‫ٍ‬ ‫ ‬ ‫وبئس حـب مـن إلـ ٍه هـوى‬ ‫ ‬ ‫َ‬

‫يسمو إىل معنى الصفاء الضننيْ ؟‬ ‫وضاع يف أودية اخلاطئنيْ !‬

‫(يدخل َر َّيان)‬

‫‪ :‬أنكيدو‪...‬‬ ‫َر َّيان ‬ ‫أنكيد و ‪َ :‬من؟‬ ‫ضيا ء ‪َ :‬ر َّيان؟‬ ‫ ‬ ‫أنكيدو ‪:‬‬ ‫ ‬ ‫ هل جئت تستجدي‬ ‫ ‬ ‫ـئت ألقاها‬ ‫َر َّيان ‬ ‫‪ :‬بل ج ُ‬ ‫ ‬ ‫وجئت كي أحمو‬ ‫ ‬ ‫ُ‬ ‫أنكيدو ‪ :‬حتبها؟‬ ‫ ‬ ‫‪:‬‬ ‫َر َّيان ‬ ‫ ‬ ‫حب‬ ‫ حبي هلا ُّ‬ ‫ ‬ ‫عجيب كيف هتواها‬ ‫أنكيدو ‪ :‬‬ ‫ٌ‬ ‫ ‬ ‫ وال تعرف أهليها‬ ‫ ‬ ‫‪ :‬كفاين أنني أدري‬ ‫َر َّيان ‬ ‫ ‬ ‫ وحسبي أنني ألقى‬ ‫ ‬ ‫أنكيدو ‪ :‬هنا عىل ا َألعشاب يف‬ ‫ُ‬ ‫تذك ُر ما كان هنا؟‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫‪:‬‬ ‫َر َّيان ‬ ‫أنكيد و ‪ :‬وأين راحت؟‬ ‫ ‬ ‫‪:‬‬ ‫َر َّيان ‬ ‫ ‬ ‫آهلات‬ ‫أنكيدو ‪ :‬بل جعلتها‬ ‫ُ‬ ‫ ‬ ‫ وأرسلت لألرض رم َز‬ ‫‪200‬‬

‫العاشق الوهلان‪...‬‬ ‫ْ‬ ‫الفتان؟‬ ‫مجاهلا‬ ‫ِّ‬ ‫ْ‬ ‫واألحلان‬ ‫ب‬ ‫بالطي ِ‬ ‫ْ‬ ‫األشجان‬ ‫من قلبها‬ ‫ْ‬ ‫لألغصان‬ ‫األطيار‬ ‫حب‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫لأللوان‬ ‫راش‬ ‫َالف ِ‬ ‫وال تدري خفاياها‬ ‫وال من كان يرعاها‬ ‫مبا حتمل عيناها‬ ‫حمياها‬ ‫سامئي يف َّ‬ ‫طيب الشجريات الظلي َله‬ ‫زنبق ٌة نشوى خضي َله‬ ‫رمبا َألب َسها ا َحل ُّر ذبو َله‬ ‫عذراء مجي َله‬ ‫الغاب‬ ‫َ‬ ‫الطهر عربون الفضي َله‬


‫نصوص رحبانية‪ :‬مسرحيات ومشاهد مغناة‬

‫ ‬ ‫أنكيدو ‪ :‬كانت معي حيث أميض‬ ‫ ‬ ‫ ويف سام مقلتيها‬ ‫ أحببتها‪ ...‬ال أبايل ‬ ‫ ‬ ‫رصت حق ًا‬ ‫ميناسيا ‪ :‬أنكيدو هل‬ ‫َ‬ ‫ ‬ ‫ وهل ترى األرض هدَّ ت‬ ‫ ‬ ‫أي نعيم‬ ‫أنكيدو ‪ :‬األرض ُّ‬ ‫ ‬ ‫ وأهلها يعرفون‬ ‫ ‬ ‫ميناسيا ‪ :‬لكنهم يدفعون‬ ‫ ‬ ‫ ويف نعيم هواهم‬ ‫أنكيدو ‪ِّ :‬‬ ‫ ‬ ‫أفضل العمر فيها‬ ‫ ‬ ‫ عىل اخللود جفاف ًا‬ ‫ميناسي ا ‪ :‬أنكيدو يا نج ًام هوى ‬ ‫ ‬ ‫ قد سقطت عنك القوى‬ ‫فقدت كل قو ٍة‬ ‫أنكيدو ‪ :‬‬ ‫ُ‬ ‫وقوة األلوه ِة‬ ‫ميناسي ا ‪ّ :‬‬ ‫ ‬ ‫ وذاك ما حيجب عنك‬ ‫ فاذهب رشيد ًا تائه ًا ‬ ‫ ‬ ‫ واشقَ كام يشقون‬ ‫ ‬ ‫ وابحث بأحياء القرى‬ ‫ ‬ ‫أنكيدو ‪ :‬إين غدوت اآلن‬ ‫ ‬ ‫ يصارع األيام‬ ‫ ‬ ‫ وها ضياء العفة‬ ‫ ‬ ‫ فهل ترى تزه ُر‬ ‫ميناسي ا ‪ :‬ضياء لن ْ‬ ‫ ‬ ‫هتواك‬

‫فتيا‬ ‫سحر ًا عجيب ًا ّ‬ ‫شهيا‬ ‫ملحت عمر ًا ّ‬ ‫الشقيا‬ ‫ورصت هذا ّ‬ ‫شجيا‬ ‫قلب ًا وجيع ًا ّ‬ ‫إميانك ُالع ُلو ّيا؟‬ ‫غنيا‬ ‫ميوج خصب ًا ّ‬ ‫احليا‬ ‫احلب الطليق ّ‬ ‫َ‬ ‫سخيا‬ ‫األمثان دمع ًا ّ‬ ‫فشيا‬ ‫شي ًا ّ‬ ‫يفنون ّ‬ ‫هنيا‬ ‫مييض قصري ًا ّ‬ ‫أزليا‬ ‫حم ّرق ًا ّ‬ ‫وحارض ًا حلو ًا عَ َب ْر‬ ‫البرش‬ ‫ش مثل ْ‬ ‫وع ْ‬ ‫فاذهب ِ‬ ‫األرض مهد اللذ ِة‬ ‫َ‬ ‫من حرية حلري ِة‬ ‫من أجل اهلوى واللقم ِة‬ ‫عن ملج ٍإ أو خيم ِة‬ ‫إنسان ًا طليق الرغب ِة‬ ‫يسعى للهنا‪ ،‬للبهج ِة‬ ‫احلسناء كل ُبغيتي‬ ‫يف فؤادها حمبتي؟‬ ‫ْ‬ ‫الوهلان‬ ‫وقلبها‬ ‫‪203‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫ضيا ء‬

‫‪ :‬‬

‫(تقرتب من أنكيدو)‬

‫الرغاب‬ ‫عَ ِّرين من مجيع‬ ‫ ‬ ‫للرتاب‬ ‫ ُردَّ ين ُردَّ ين‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫العذاب‬ ‫ما اهلنا‪ ،‬ما الشقا‪ ،‬ما‬ ‫ ‬ ‫ ُردَّ ين زهرة ال تعي‬ ‫ْ‬ ‫الضباب‬ ‫تائه ًا يف حنايا‬ ‫ ‬ ‫القلب برع ًام‬ ‫أرجع‬ ‫ ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫الذئاب‬ ‫ال خياف عواء‬ ‫ ‬ ‫ ال مييل لصوت الطيور‬ ‫ْ‬ ‫العقاب؟‬ ‫ال تقل أين‪ ...‬أين‬ ‫ ‬ ‫ أهياذا الضمري األثيم‬ ‫ْ‬ ‫الرتاب‬ ‫ُردَّ ين لضمري‬ ‫ ‬ ‫ رد يل سيد القلب أو‬ ‫ْ‬ ‫عارية الوجو ِد‬ ‫ ‬ ‫أنكيد و ‪ :‬أقسمت أن تعودي‬ ‫يف صمتك الشدي ِد‬ ‫ ‬ ‫ تفنني يف برود‬ ‫أقسمت أن تعودي‬ ‫ ‬ ‫أقسمت أن تعودي‬ ‫ ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫(تدخل ميناسيا وآلهات)‬

‫ميناسي ا ‪ :‬أنكيدو‪ ،‬ما لضياء؟‬ ‫أنكيدو ‪ :‬أعيدها َ‬ ‫زنبقه‬ ‫ ألهنا َ‬ ‫عاشقه‬ ‫بالصفاء‬ ‫ عابث ٌة‬ ‫ْ‬ ‫يضري؟‬ ‫ميناسي ا ‪ :‬إن عشقت ما ُ‬ ‫ واحلب ليس ضاللْ‬ ‫املنري‬ ‫ ‬ ‫اجلامل‬ ‫ْ‬ ‫ فهو اكتاملُ‬ ‫وهو الطريق ُ‬ ‫هتوى فتى برش ّيا‬ ‫ ‬ ‫أنكيد و ‪ :‬رسولة الطهر هذي‬ ‫النقيا‬ ‫ ‬ ‫ضياء كانت لتحيي‬ ‫َّ‬ ‫احلب اجلميلَ ّ‬ ‫ميناسيا ‪ُ :‬‬ ‫البكيا‬ ‫ ‬ ‫أنكيدو ‪ :‬تذوب شوق ًا وعطف ًا‬ ‫تشدو الغناء ّ‬ ‫سيا‬ ‫ ‬ ‫ يا ضعفها وهي حتكي‬ ‫غرامها ا َأل َن ّ‬ ‫ذاك اإلله القو ّيا‬ ‫ ‬ ‫باق‬ ‫ميناسي ا ‪َ :‬‬ ‫وأنت؟ هل أنت ٍ‬ ‫أرى ً‬ ‫َ‬ ‫خفيا‬ ‫وجهك‪ ،‬إين ‬ ‫ يف ظل‬ ‫ضالال ّ‬ ‫‪202‬‬


‫نصوص رحبانية‪ :‬مسرحيات ومشاهد مغناة‬

‫ ‬ ‫ تظلل املتعبنيْ‬ ‫ ‬ ‫ وحتضن العاشقنيْ‬ ‫ ‬ ‫ت ‪ :‬ميناسيا‬ ‫اآللها ‬ ‫ ‬ ‫ ميناسيا‬ ‫أنكيدو ‪ :‬وسوف تفيء الزهو ْر ‬ ‫ َوأمحي صغار الطيو ْر ‬ ‫ْ‬ ‫ ‬ ‫األمان‬ ‫ميناسيا ‪ :‬تودُّ‬ ‫ تريد هدوء ًا ‬ ‫ ‬ ‫ ِإذهب إىل املنحد ْر‬ ‫ ‬ ‫ وحني يبدو القم ْر‬ ‫ ‬ ‫ت ‪ :‬وحني يبدو القم ْر‬ ‫اآللها ‬ ‫ ‬ ‫ وحني يبدو القم ْر‬

‫بدون جزاء‬ ‫هناء؟‬ ‫بكلِّ ْ‬ ‫املحبه‬ ‫قد عاد أنكيدو إىل َّ‬ ‫قلبه‬ ‫أمن َ‬ ‫بكل ٍ‬ ‫فظ ِّليل ِ‬ ‫ظاليل الوار َفه‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫العاصفه‬ ‫من غصبة‬ ‫ْ‬ ‫احلنان‬ ‫وصفو‬ ‫َ‬ ‫وتبغي مكان؟‬ ‫للغابة النشوا َنه‬ ‫ُتحال سنديا َنه‬ ‫ُيحال سنديا َنه‬ ‫ُيحال سنديا َنه‬

‫(يخرج أنكيدو ثم يعلو القمر)‬

‫ ‬ ‫ت ‪ :‬أنكيدو قد مىض‬ ‫اآللها ‬ ‫ ‬ ‫ وصار سنديان ًة‬ ‫ ‬ ‫والعذاب‬ ‫ أنكيدو‬ ‫ْ‬ ‫ ‬ ‫ قد صار سنديان ًة‬ ‫ ‬ ‫حب‬ ‫ميناسي ا ‪ :‬وصار للناس ٌّ‬ ‫ ‬ ‫حب‬ ‫ وصار للناس ٌّ‬ ‫ ‬ ‫ضياء‬ ‫ ه ُلمي يا ْ‬ ‫ فهو سيأيت ْ‬ ‫ ‬ ‫اآلن‬ ‫ ‬ ‫اهلضاب‬ ‫ يا سائر‬ ‫ْ‬ ‫ ‬ ‫الغاب‬ ‫ ويا عذارى‬ ‫ْ‬

‫وضاع وانقىض‬ ‫يف مطلق الفضا‬ ‫الرتاب‬ ‫جذعان يف‬ ‫ْ‬ ‫ُّ‬ ‫الضباب‬ ‫يلفها‬ ‫ْ‬ ‫الصفاء‬ ‫مرنم‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫السامء‬ ‫ُت ِظ ُّل ُه‬ ‫ْ‬ ‫وانتظري َر َّي ْان‬ ‫واهلناء‬ ‫باللحن‬ ‫ْ‬ ‫الزهر‬ ‫ويا ربى ِ‬ ‫للطهر‬ ‫لن‬ ‫ه ِّل َ‬ ‫ِ‬ ‫‪205‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫ هيفو إىل َر َّي ْان‬ ‫ْ‬ ‫ذكراك‬ ‫ َفلـت ْـم َح من‬ ‫ ‬ ‫أنكيدو ‪ :‬مرتعش األحالم واألماين‬ ‫ ‬ ‫هتو َر َّيان‪ ،‬وال هتواين‬ ‫ ِل َـم َ‬ ‫ميناسي ا ‪َ :‬‬ ‫ ‬ ‫ذات‬ ‫حبك جوعُ ْ‬ ‫ ‬ ‫التفات‬ ‫ وحبه‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ ‬ ‫اشتياق‬ ‫حبك‬ ‫ يف ّ‬ ‫ْ‬ ‫ ‬ ‫انطالق‬ ‫ وحبه‬ ‫ ‬ ‫املحبه‬ ‫ وأمجل َّ‬ ‫ ‬ ‫رغبه‬ ‫ ال يعرتهيا َ‬ ‫ ‬ ‫املحبه‬ ‫اآللهات ‪ :‬وأمجل َّ‬ ‫ ‬ ‫رغبه‬ ‫ ال يعرتهيا َ‬ ‫ ‬ ‫ميناسي ا ‪ :‬واآلن يا أنكيدو‬ ‫ ‬ ‫واسع بأن تالقي‬ ‫ ‬ ‫َ‬ ‫ ‬ ‫عار من القوى‬ ‫أنكيدو ‪ٍ :‬‬ ‫ ‬ ‫نعيمه انطوى‬ ‫ ‬ ‫ُ‬ ‫ ‬ ‫هواه‬ ‫ يتبعه ُ‬ ‫ ‬ ‫خطاه‬ ‫ تائه ٌة‬ ‫ُ‬ ‫ يا ليته حيالْ ‬ ‫ ً‬ ‫ ‬ ‫الظالل‬ ‫ْ‬ ‫ظال من‬ ‫ ميناسيا‪ ،‬هل يل بأن ْ‬ ‫ ‬ ‫أكون‬ ‫ْ‬ ‫ ‬ ‫والغصون‬ ‫الظالل‬ ‫ رحيب َة‬ ‫ِ‬ ‫‪204‬‬

‫َ‬ ‫فيض قلبي‬ ‫أسأل والشجون ُ‬ ‫ما ُ‬ ‫وحبي؟‬ ‫حبه ّ‬ ‫الفرق بني ّ‬ ‫ٌ‬ ‫عطاء‬ ‫أخذ بال ْ‬ ‫والسخاء‬ ‫بالوهب‬ ‫ْ‬ ‫ميعن يف الضاللْ‬ ‫للخري واجلاملْ‬ ‫حمب ٌة كام َله‬ ‫واهب ٌة شام َله‬ ‫حمب ٌة كام َله‬ ‫واهب ٌة شام َله‬ ‫ِإذهب إىل دُ ْ‬ ‫نياك‬ ‫يف األرض َمن ْ‬ ‫هيواك‬ ‫الرجاء‬ ‫عار من‬ ‫ْ‬ ‫ٍ‬ ‫الشتاء‬ ‫َو َل َّف ُه‬ ‫ْ‬ ‫وجيهل املف ّر‬ ‫وليس من مق ّر‬ ‫الطيور‬ ‫طري ًا من‬ ‫ِ‬ ‫شعور‬ ‫ذات ًا بال‬ ‫ِ‬ ‫يف السفح سنديا َنه‬ ‫هادئ ًة َو ْسنا َنه‬


‫حكاية اإلسوا َره‬

‫‪ :‬‬

‫َّ‬ ‫(عبتغني)‬

‫عليا ‬ ‫ُ‬ ‫ بعدَ ك ُ‬ ‫ْ‬ ‫حكايتنا؟‬ ‫بتذكر‬ ‫ ‬ ‫الدوار؟‬ ‫بتذكر يا وطى ّ‬ ‫ ‬ ‫باإليام كانوا زغار‬ ‫ َو ْلدَ ين‬ ‫ي ْلفوا عَ جريتنا‬ ‫ْ‬ ‫عَ هالطريق‪ْ ...‬و َف ّي‬ ‫ ‬ ‫كوت‬ ‫وس ْ‬ ‫ يبقوا جيوا قبل الضهر ْ‬ ‫يلعبوا باملـ َّي‬ ‫ ‬ ‫بيوت‬ ‫ ‬ ‫يعمرو حدّ القنا ِيه ْ‬ ‫ّ‬ ‫من شوك احلقا ِله‬ ‫ وخلف السياج اليل إلو داير ‬ ‫ يض ّلوا ُّ‬ ‫وحا ِل ُتن حا ِله‬ ‫ ‬ ‫يغنوا‪ ...‬وشعرهن طاير‬ ‫وحجار بإيدَ ي ْه‬ ‫ ‬ ‫ وشو يقعدوا ساكتني عَ ُب ْك َرا‬ ‫وهيي عيو َنا ع َليه‬ ‫ ‬ ‫ نازل ْي َز ِّي ْح عَ كعب سج َره‬ ‫ونسيوا جريتنا‬ ‫ ‬ ‫ َهالزغار ف ّلوا‪ ،‬وصاروا كبار‬ ‫وحدَ ك حكايتنا‬ ‫ ‬ ‫الدوار‬ ‫ وحدك بتذكر يا وطى ّ‬ ‫َ‬ ‫إسمك؟‬ ‫الختياره ‪ :‬صو ِتك حلو يا بنتي‪ .‬شو ِ‬ ‫‪ :‬إسمي عليا‪.‬‬ ‫عليا ‬ ‫َ‬ ‫الختياره ‪ْ :‬س ِم ْع ِتك أنا وجايي من كرم العاليل‪ ،‬صو ِتك َّ‬ ‫خفف عني تعب الطريق‪.‬‬ ‫‪ :‬الك ْرم بعيد‪َ ،‬‬ ‫ت إمحال ِّعنك‪.‬‬ ‫عليا ‬ ‫الس ِله تقي ِله‪ ،‬اعطيني َ‬ ‫وه َّ‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫القلوب‬ ‫ت ‪ :‬هتليل أيتها‬ ‫اآللها ‬ ‫ْ‬ ‫املخمل‬ ‫ ويا دروب‬ ‫ِ‬ ‫ هت َّليل هت َّليل‬ ‫الطيوب‬ ‫ متاييل أيتها‬ ‫ْ‬ ‫ ‬ ‫جبل‬ ‫ يف سفح كل ٍ‬ ‫ ‬ ‫حب‬ ‫ ها صار يف األرض ٌّ‬ ‫ ‬ ‫حب‬ ‫ ها صار يف األرض ٌّ‬ ‫ ‬ ‫النضريه‬ ‫ت الزنبقة‬ ‫َ‬ ‫ أينع ِ‬ ‫ ‬ ‫كثريه‬ ‫ وأزه َر ْ‬ ‫ت زنابقٌ َ‬ ‫ ‬ ‫ َّمتوجي َّمتوجي‬ ‫ ‬ ‫املبتهج‬ ‫ وغاب ِك‬ ‫ِ‬ ‫ ‬ ‫حب‬ ‫ ها صار يف األرض ٌّ‬ ‫ ‬ ‫حب‬ ‫ ها صار يف األرض ٌّ‬

‫متاييل متاييل‬ ‫الصفاء‬ ‫مر ّنم‬ ‫ْ‬ ‫السامء‬ ‫ُت ِظ ُّل ُه‬ ‫ْ‬ ‫اجلباه‬ ‫وانسكب الطه ُر عىل ْ‬ ‫َ‬ ‫شفاه‬ ‫حلن عىل ْ‬ ‫أعواهنا ٌ‬ ‫الزنبق‬ ‫يا زهرات‬ ‫ِ‬ ‫املنطلق‬ ‫يف سحرك‬ ‫ِ‬ ‫الصفاء‬ ‫مر ّنم‬ ‫ْ‬ ‫السامء‬ ‫ُت ِظ ُّل ُه‬ ‫ْ‬

‫‪ -‬ستارة النهاية ‪-‬‬

‫‪206‬‬


‫نصوص رحبانية‪ :‬مسرحيات ومشاهد مغناة‬

‫ ‬ ‫عبد و ‪َ :‬هيدي الس ِله س ّلة عليا‬ ‫الصباي ا ‪ :‬عشقا ِنه َهالعني ْو َف َّيا ‬ ‫ ‬ ‫عبد و ‪ :‬ومنسأهلا وين كان بعدا‬ ‫ ‬ ‫الصبايا ‪ :‬دامي ًا هيك بتبقى وحدا‬ ‫ِّ‬ ‫صبيه ‪ : ١‬أنا بقول عمتتغ ّرب‬ ‫ِّ‬ ‫ ‬ ‫صبيه ‪: ٢‬‬ ‫النبعه ‬ ‫عبدو ‪ :‬أنا بقول هون َ‬ ‫بتتخبر؟‬ ‫الصبايا ‪ :‬قو َلك فيه َّقصه َّ‬ ‫ ‬ ‫عبد و ‪:‬‬ ‫ت حيرض‬ ‫الصباي ا ‪ :‬ال تلوموا الغايب َ‬ ‫ ‬ ‫عبدو ‪:‬‬ ‫‪ :‬شو عمبتقولوا؟‬ ‫علي ا‬ ‫ ‬ ‫الصبايا ‪:‬‬ ‫‪ِ :‬بكروم اللولو‬ ‫عليا ‬ ‫ ‬ ‫الصباي ا ‪:‬‬ ‫‪ :‬إسوا َره حلوين حجارا‬ ‫عليا ‬ ‫الصباي ا ‪ :‬كيف جبتي هاإلسوا َره؟‬ ‫ ‬ ‫‪َ :‬ه ْي من كرم العاليل‬ ‫عليا ‬ ‫ ‬ ‫الصبايا ‪ :‬ه ّلق‪ ...‬كرم العاليل‬ ‫‪( :‬بتغني)‬ ‫عليا ‬ ‫ ‬ ‫ يا َكرم العاليل‬ ‫ ‬ ‫ ويا ِحلو يا غايل‬

‫عنقودَ ك لنا‬ ‫بحبك أنا‬ ‫شو ّ‬

‫ ‬ ‫ عَ النهر َالتقينا‬ ‫ و ْت َركنا َ‬ ‫ ‬ ‫عينينا‬

‫وما ِقلنا ْلحَ دا‬ ‫ِتحكي عَ اهلدا‬

‫لكن عليا وين؟‬ ‫وما بتقعد عَ َالعني‬ ‫ما عمرا ُ‬ ‫بتق ّر‬ ‫الرس‬ ‫مدري شو َه ّ‬ ‫أنا بقول راحت ترشب‬ ‫بدا ترشب هوين أقرب‬ ‫هادا يش معروف‬ ‫ت ترجع منشوف‬ ‫َ‬ ‫وين كنتي؟‬ ‫شو جبتي؟‬ ‫اليل عْ ناقيدو جواهر‬ ‫يسوي أساور؟‬ ‫صار ّ‬

‫‪209‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫َ‬ ‫الختيار ه ‪ :‬ما بدّ ي ّ‬ ‫عذ ِبك‪ ،‬صار البيت قريب‪.‬‬ ‫‪ :‬خ ّليني ساع ِدك‪.‬‬ ‫عليا ‬ ‫َ‬ ‫(بتغ ِّني)‬ ‫ ‬ ‫ِّ‬ ‫بيذكرين ْب َبيت ستي‬ ‫ ‬ ‫ بي ِتك يا ستي اخلتيا َره‬ ‫والد ْن ِيه عمبتشتي‬ ‫ ‬ ‫ تبقى ترندحيل أشعارا‬ ‫ْعتق الباب َ‬ ‫وهاحليطان‬ ‫ ‬ ‫ يوك وف ْرشات وديوان‬ ‫يا ستي اخلتيا َره‬ ‫ ‬ ‫دارك متل دارا‬ ‫ ِ‬ ‫احللوه‬ ‫ ‬ ‫ تبقى ْت َق ِّعدين وحتكييل‬ ‫حكايات ا ِجل ّن ِ‬ ‫َّ‬ ‫قهوه‬ ‫ختبييل ‬ ‫ و ْزبيب وجو ْز ّ‬ ‫وأعمال ركو ْة ِ‬ ‫و ْب َش ِّوحال ْبإيدي‬ ‫ ‬ ‫ ستي اليوم بعي ِده‬ ‫يا ستي اخلتيا َره‬ ‫ ‬ ‫ مشتا َقه َألخبارا‬ ‫عَ تالل الشمس وحتكي‬ ‫ ‬ ‫ ميكن عمتسقي جنينتها‬ ‫وعم ِت ّ‬ ‫تذكرين وتبكي‬ ‫ ‬ ‫ ْل َص ِب ِّيه غريي حكايتها‬ ‫ِبكيت َّ‬ ‫وذكرتيني‬ ‫ ‬ ‫ وملن حاكيتيني‬ ‫ ْب ِّ‬ ‫يا ستي اخلتيا َره‬ ‫ ‬ ‫ستي و ْبدُ َّوارا‬ ‫َ‬ ‫العزوبيه‪َ .‬‬ ‫عتيقه‪ ،‬بس ميكن‬ ‫خمبايتها من إيام‬ ‫ِّ‬ ‫الختياره ‪ :‬يا بنتي‪ ،‬هيدي إسوا َره‪َّ .‬‬ ‫دهب‪ .‬كان عندي إسوارتني‪ِ :‬وح ِده ْه ِد ْيتها‪ ،‬و ِب ْق ِيت ِوح ِده‪ْ .‬بقدِّ ملك‬ ‫ياها هد ِّيه‪.‬‬ ‫‪ :‬أل يا ّ‬ ‫ستي‪...‬‬ ‫عليا ‬ ‫َ‬ ‫الختيار ه ‪ :‬برتدِّ ييل هد ّيتي؟ خدي ا ْل ِب ِس َيا‪ .‬و ُبك َرا تعي اسهري عندي‪ ،‬صو ِتك‬ ‫َ‬ ‫بيف ِّرحني‪.‬‬ ‫علي ا‬ ‫‪ :‬ممنو ِنه كتري‪.‬‬ ‫∂‬

‫‪208‬‬


‫نصوص رحبانية‪ :‬مسرحيات ومشاهد مغناة‬

‫سبع ‬ ‫َس َ‬ ‫مريه ‬ ‫سب ع‬ ‫َس َ‬ ‫مري ه‬ ‫سبع ‬ ‫َس َ‬ ‫مري ه‬ ‫سب ع‬ ‫َس َ‬ ‫مري ه‬ ‫سبع ‬ ‫َس َ‬ ‫مري ه‬ ‫سبع ‬

‫َس َ‬ ‫مري ه‬ ‫سبع ‬ ‫َس َ‬ ‫مري ه‬ ‫سبع ‬ ‫َس َ‬ ‫مري ه‬ ‫سب ع‬ ‫َس َ‬ ‫مري ه‬

‫ت نام و ْل ِبست ّلو تيابو‪ .‬البقينيل َهه؟ ومدري كيف بس‬ ‫عمي‪ ،‬خ َّليتو َ‬ ‫‪ :‬يا ّ‬ ‫مشيت ِف ُين‪ ،‬ما عدت أعرف حدا‪ .‬أنا ّ‬ ‫متثقف‪ .‬دخ ِلك‪ ،‬مش تقالن‬ ‫لساين شوي ْب ِّلغ ُتكن؟‬ ‫‪ :‬بعدَ ك عَ حالتك‪ .‬شو جاب َلك خا َلك؟‬ ‫‪ :‬جابيل َهالناضور‪ .‬ليكي‪ ،‬ليكي‪ ،‬كيف بع ّلقو برقبتي‪ .‬ليكي‪ .‬بقشع ف ِيه‬ ‫ْلضهر البحر‪ .‬حلو َهه؟ حلو؟‬ ‫‪ :‬وشو كامن؟‬ ‫جيوزين‪.‬‬ ‫‪ :‬بشا َره ْل َهالعندو بنات‪ :‬قال بدو ِّ‬ ‫‪ :‬وشفت َّلك يش بنت حالل؟‬ ‫الضيعه‪.‬‬ ‫‪ِ :‬شفت كل بنات‬ ‫َ‬ ‫‪ :‬رحت زر ُتن؟‬ ‫علين َهبالناضور‪.‬‬ ‫‪ :‬أل‪ ،‬نورضت ُ‬ ‫‪ :‬يا لطيف ما أشطرك‪.‬‬ ‫بحبن‪ ،‬ويصريوا‬ ‫عمي؟ أنا بدي روح لعند البنات‪َ ،‬‬ ‫‪ :‬شو َك ِّ‬ ‫ت يشتلقوا إ ّني ّ‬ ‫يعيروين؟ ي ّلي بتعجبني‪ّ ،‬‬ ‫بحط َهالناضور و ِب ْسحَ با لعندي‪ ،‬وبقعد أنا‬ ‫ّ‬ ‫وياها‪ :‬عَ الطريق‪ ،‬عَ السطح‪ ،‬بغمزا ْ‬ ‫وبضحكال‪ ،‬من دومنا تشتلق‪ .‬وبال‬ ‫عم ْت َنقي‬ ‫مجي ِل ْة َّإما‪ ،‬وبال مجي ِلتا ِه ْي كامن‪ِ .‬هه‪ِ ،‬هه‪ ،‬إن ِتي‪...‬إن ِتي كن ِتي ْ‬ ‫عدس‪.‬‬ ‫‪َ :‬‬ ‫عليي؟‬ ‫نوضرت ّ‬ ‫‪ :‬من شو عرفتي؟‬ ‫التنوضر عَ الناس ممنوع‪ُ .‬بكرا بفرجيك‪ :‬بدي ّ‬ ‫‪ُ :‬‬ ‫سكر الشباك‪.‬‬ ‫مفتوحه‪.‬‬ ‫َ‬ ‫‪َ :‬س ْكريه‪ .‬شبابيك اهلل‬ ‫‪ :‬إنت قاعد تنورض لبعيد‪ ،‬ومش عارف حدّ ك شو عَ مبيصري‪.‬‬ ‫‪ :‬شو عمبيصري؟‬ ‫‪ :‬كنت ْب َخ ّب َرك‪ ،‬بس بخاف حتكي‪.‬‬ ‫‪211‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫ ‬ ‫ َس َّمعني َحكي‬ ‫ ‬ ‫وطلعيل ال ِبكي‬ ‫ ِ‬

‫و َق ّلي‪ :‬شو ِبكي؟‬ ‫يا ِد ّلي من ِكرت اهلنا‬

‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬

‫ ‬ ‫عَ الدرب الطوي ِله‬ ‫ ‬ ‫و ِبـإيدو ِومييل‬ ‫ ‬ ‫رت ْبال َوعي‬ ‫ِص ْ‬ ‫ ‬ ‫ارجعي‬ ‫ويش ِيق ّلي َ‬

‫ودّ اين اهلوى‬ ‫ت ِنميش َسوا‬ ‫َ‬ ‫يش ِيق ّلي َتعي‬ ‫والدين ِعر ِفت شو ِبنا‬

‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬

‫ ‬ ‫واعدين حبيـبي‬ ‫ ‬ ‫بإسوا َره َغري ِبه‬ ‫ ‬ ‫واعدنـي ب َـق َمر‬ ‫ِ‬ ‫ ‬ ‫وباعتيل َخرب‬ ‫ِ‬

‫ِل ْم َبدّ و ِيجي‬ ‫وعَ ْقد ْب َن ْف َسجي‬ ‫وبشو ِّية ُص َور‬ ‫املوسم عَ ا َجلـنى‬ ‫بيق ّلي ِ‬ ‫ِ‬

‫َس َ‬ ‫مري ه‬ ‫عبد و‬ ‫َس َ‬ ‫مريه ‬ ‫عبدو ‬

‫‪ :‬شو قو َلك يا عبدو؟‬ ‫عم ُ‬ ‫نشغل بالنا عَ الفايض‪ .‬مش رح تقول‪.‬‬ ‫‪ْ :‬‬ ‫ت أعرف‪.‬‬ ‫‪ :‬أنا مش رح إقدر نام َ‬ ‫‪ :‬إذا عرفتي ِتبقي َخ ْبرينا‪.‬‬

‫(موسيقى)‬

‫َس َ‬ ‫مري ه‬ ‫سب ع‬ ‫َس َ‬ ‫مريه ‬ ‫سب ع‬ ‫َس َ‬ ‫مريه ‬ ‫‪210‬‬

‫‪ :‬سبع َو َّال ْأل؟‬ ‫‪ِ :‬شه! مني؟‬ ‫سمريه‪...‬‬ ‫‪ :‬ولو َكسبع؟ أنا َ‬ ‫مريه‪ ،‬يا أهال‪ ،‬يا أهال‪ ،‬يا أهال‪ .‬ال تواخذيني ما عرف ِت ْك‪ ،‬خايل إجا‬ ‫‪َ :‬س َ‬ ‫من أمريكا‪.‬‬ ‫مغير ّ‬ ‫حال َسك‪ ،‬وما بقى تعرف الناس‪.‬‬ ‫‪ :‬من هيك ّ‬


‫نصوص رحبانية‪ :‬مسرحيات ومشاهد مغناة‬

‫َس َ‬ ‫مري ه ‪ :‬مني؟‬ ‫الصباي ا ‪ :‬مني؟‬ ‫‪ :‬مش عارفني‪...‬‬ ‫سبع ‬ ‫وكيف ما عرفنا فيها؟‬ ‫ ‬ ‫بالرس‬ ‫الصباي ا ‪ :‬بتصري َّ‬ ‫القصه ّ‬ ‫القصه وحيكيها‬ ‫ ‬ ‫‪ :‬ما حدا غريي رح يعرف‬ ‫سب ع‬ ‫َه َّ‬ ‫روحوا ف ّلوا بدنا ْننام‬ ‫ ‬ ‫بو مرع ي ‪ :‬ق ّل ْقتونا يا مجاعَ ه‬ ‫قلقان ّ‬ ‫تغطى بحرام‬ ‫ ‬ ‫طول بالك يا بو مرعي‬ ‫الصبايا ‪ِّ :‬‬ ‫كركركركر عَ الطرقات؟‬ ‫ ‬ ‫هالقصه اليل خلتكن‬ ‫بو مرع ي ‪ :‬شو َّ‬ ‫َّقصه ْم ِت َّال ِيه الساحات‬ ‫ ‬ ‫وحاجه ْت َبر ِبر‬ ‫حاجه حتكي‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫الصبايا ‪ِ :‬‬ ‫هالقصه ا ْلـ عَ مبتدور؟‬ ‫الناطو ر ‪ :‬شو َّ‬ ‫عليا عملت ست بدور‬ ‫ ‬ ‫الصبايا ‪:‬‬ ‫َوم َّنك عارف يا ناطور‬ ‫ ‬ ‫حلوه‬ ‫ هديوها إسوا َره ِ‬ ‫إنتو شو بدكن بالناس؟‬ ‫ ‬ ‫الناطور ‪ :‬بيهدوها هيدوها‪ ،‬إنتو‬ ‫الصباي ا ‪ :‬هديوها بس مش عمتحكي‬ ‫الناطور ‪ :‬تعي اسمعي ك ّـإم الياس‬ ‫س ‪ :‬هديوها ومش عمتحكي؟‬ ‫إم اليا ‬ ‫الناطور ‪ :‬شفتي شفتي يا ام الياس؟‬ ‫روحوا نسأل بو شاهني‬ ‫ ‬ ‫الصبايا ‪ِ :‬يه ِيه ِيه‪َ ،‬ل ْه َل ْه َل ْه‬ ‫اللي ِله بدي أعرف مني‬ ‫ ‬ ‫‪ :‬وأنا اللي ِله مش رح إغفا‬ ‫سب ع‬ ‫سوار ْة عليا من مني‬ ‫الجم ع ‪ :‬الزم نعرف‪ ،‬الزم نعرف‪ِ :‬إ ِ‬ ‫مضوى‪ِ .‬يه‪ :‬بعدا‬ ‫سبع ‬ ‫شباكن َّ‬ ‫‪ :‬الزم نعرف‪ ...‬أنا اليل رح أعرف‪َ ...‬هه! َّ‬ ‫سهرا ِنه‪ ،‬قولكن ناط َره حدا؟‬ ‫َ‬ ‫(بتغ ِّني)‬ ‫‪ :‬‬ ‫عليا ‬ ‫يوم اليل التقينا سوا‬ ‫ يا َمحىل ليايل اهلوى ‬ ‫‪213‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫‪ :‬أنا؟ أنا بري الغميق‪ ،‬ان َك ّنو َهاحليط بيحكي أنا بحكي‪.‬‬ ‫سبع ‬ ‫َس َ‬ ‫ور ْج ِعت معا إسوا َره‪.‬‬ ‫مري ه ‪ :‬عليا مدري وين راحت‪ِ ،‬‬ ‫‪ِ :‬شه!!! وما ُ‬ ‫سألتوها َمن ْين؟‬ ‫سبع ‬ ‫َس َ‬ ‫مري ه ‪ :‬قالت من كرم العاليل‪.‬‬ ‫الصياغني‪.‬‬ ‫سبع ‬ ‫‪ :‬إ ِيه‪ ،‬إ ِيه‪ ،‬كرم العاليل سوق َّ‬ ‫َس َ‬ ‫مريه ‪ :‬بدّ ك تعرفيل َمن ْين جا ِبتا‪.‬‬ ‫‪ :‬تكرم عيو ِنك‪ْ .‬م َن ْـين جا ِبتا؟ ْم َن ْـين جا ِبتا؟ ْم َن ْـين جا ِبتا؟ اسمعي‪ ،‬اسمعي‬ ‫سبع ‬ ‫ت ق ِّلك‪ّ :‬غن ِّي ْة ‪‬كرم العاليل‪ ‬شو بتقول بآخرا؟‬ ‫َ‬ ‫َس َ‬ ‫مري ه ‪ :‬واعدين حبيـبي ِل ْم َبـدّ و ِيجي‬ ‫ ْب ِإسوا َره َغريبـِه وعَ قد َبن ْف َسجي‬ ‫‪ :‬إ ِيه‪َ ،‬ه ْه‪ ،‬كيف ما َ‬ ‫اشتلقتوا‪ ،‬كيف؟ َهيدي حبيبا جابال ياها‪َ .‬ي ّال‪...‬‬ ‫سبع ‬ ‫ت ِّ‬ ‫ْ‬ ‫نشط ْبال إسام من الدفرت‪ .‬عليا‪ ...‬عليـا‪...‬‬ ‫هيدي‬ ‫ت‪َ ،‬‬ ‫انخط ِب ْ‬ ‫بحـرف السني‪ ...‬بحرف السني‪ ...‬عليـا‪ُ .‬أوه َهه َش َّط ْبناها‪.‬‬ ‫َس َ‬ ‫مريه ‪ :‬مني قو َلك؟‬ ‫‪ :‬أنا ا ْلـ َبدّ ي أعرف‪ .‬أنا ا ْلـ َبدّ ي أعرف‪ .‬هيك؟ بتنخطب عليا قدامنا‬ ‫سب ع‬ ‫لواحد غريب؟ عَ مني قاعدين ْن َنورض ْب َهالشمس؟ وين كنتوا؟ ما حدا‬ ‫عرفو؟ وال شافو؟ شو‪ ...‬البس قبع األخفى؟ ُ‬ ‫وينكن عنو؟‬ ‫نحنا هون قبالكن‬ ‫ ‬ ‫سمعونا‬ ‫الصبايا ‪ :‬شو عمتحكوا؟ ّ‬ ‫وان شاهلل عَ قبالكن‬ ‫ ‬ ‫‪ :‬عليا انخطبت ِب َهالليله‬ ‫سب ع‬ ‫الصبايا ‪ :‬عليا ْ‬ ‫وما بتقول ْسرارا‬ ‫ ‬ ‫انخط ِبت‪ ،‬يا شيطا ِنه‬ ‫انخط ِبت‪ ...‬ما ْ‬ ‫‪ْ :‬‬ ‫انخط ِبت‪ ...‬ما عْ ِرفنا‪ِ ،‬هدْ يوها إسوا َره‪...‬‬ ‫سب ع‬ ‫َس َ‬ ‫مريه ‪ :‬إسوا َره؟‬ ‫حلوه‪...‬‬ ‫الصباي ا ‪ :‬إسوا َره ِ‬ ‫‪ْ :‬ب ِترهج و ْب ِتلمع و ْب ُتضوي‪...‬‬ ‫سبع ‬ ‫‪212‬‬


‫نصوص رحبانية‪ :‬مسرحيات ومشاهد مغناة‬

‫العب‪ : ١‬شاش باش‬ ‫وس ْه‬ ‫العب‪ : ٢‬بنج ِ‬ ‫العب ‪ِ : ١‬سه َودو‬ ‫قهوه‪ ...‬إنت ْبترشب؟ جيب‬ ‫قهوه‪ ،‬ا ْت َن ْين ِ‬ ‫قهوه ِ‬ ‫العب ‪ : ٢‬وهيدي دشش‪ِ ...‬‬ ‫تال ِته‪...‬‬ ‫الصباي ا ‪ :‬بدنا برغل‪ ،‬بدنا زيت‪ ،‬بدنا خس‪ ،‬بدنا نعنع‪ ،‬بدنا بصل‪ ،‬بدنا هبار‪،‬‬ ‫وبندو َره‪ ،‬وبدنا ملح وشوي ْة ورق عريش‪...‬‬ ‫عبد و ‪ :‬يا عمي َّدوختوين‪ ،‬روقوا شو ِّيه يا عيوين‪.‬‬ ‫اخلسات؟ ِدبالنني البقدونسات‪ ،‬وما بتسوى البندورات‪،‬‬ ‫الصبايا ‪َ :‬كعبدو شو َه ّ‬ ‫ِشه‪ ،‬شوفو شو َهالبصالت‪...‬‬ ‫هودي ه ّلق مقطوفني‬ ‫عبد و ‪ :‬هاي هاي يا حلوين ‬ ‫ شو ّقصتكن؟ قولويل‪.‬‬ ‫الصبايا ‪ :‬بدنا نعمل تبو ِله‬ ‫ت تساوي شعرا‬ ‫ مبارح رحنا عَ بكرا ‬ ‫وراحت َ‬ ‫عزم ْتنا لعندا‬ ‫ ‬ ‫ وتالقينا بسعدى‬ ‫قامت ِ‬ ‫ِو ْب َو ْص ِل ْة بنت املختار‬ ‫ طلعنا وقعدنا بالدار ‬ ‫قالت ما بتجي وحدا‬ ‫ ‬ ‫ عَ زَمناهم َل ِع ّنا‬ ‫قلنالن أهال وسهال‪.‬‬ ‫ ‬ ‫خيا‬ ‫ ما بتجي غري مع ّ‬ ‫ وخيا‪ ،‬بتعرف َشب منيح‪...‬‬ ‫ِّ‬ ‫حاجه حتكي‪...‬‬ ‫صبيه ‪ :‬بس ويل ِ‬ ‫الصباي ا ‪ :‬قلنا شو ِم َنض ِّي ْف ُهن؟ قالو بدنا تبو ِله‪ ،‬والتبو ِله بدّ ا ْاغراض‪ْ ،‬‬ ‫واالغراض عند‬ ‫عبدو‪ ،‬وعبدو قاعد بالدّ كان‪ ،‬والدكان بعيد شوي‪ ...‬ركضنا وص ْلنا‬ ‫تعبانني‪ ...‬تعبانني و َبدْ نا ْاغراض‪ ...‬بدنا برغل‪ ،‬بدنا زيت‪ ،‬بدنا‬ ‫خس‪ ،‬بدنا نعنع‪ ،‬بدنا بصل‪ ،‬بدنا هبار‪ ،‬وبندو َره‪ ...‬وبدنا ملح وشوية‬ ‫ورق عريش‪...‬‬ ‫‪215‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫ ‬ ‫واخليمه عَ العايل عَ العايل‬ ‫ ‬ ‫ِ‬

‫كان رح ِب َ‬ ‫يط ِّيرها اهلوا‬

‫ ‬ ‫عمرها‬ ‫خيمه اليل َّ‬ ‫ يا ِ‬ ‫ ‬ ‫ بالشجر عَ دايرها‬

‫بالبنفسج ز َّن ْرها‬ ‫ع َّلق مراجيح الغوى‬

‫ ‬ ‫ يا هاك الصبح ّملا‬ ‫ ‬ ‫ عناقيد ا ْلـ عىل َّإما‬

‫خصلة الشعر ّملا‬ ‫تقول تقول الكرم استوى‬

‫ ‬ ‫ منديل القصب ش ْلتو‬ ‫ ما فيه لو دوا سألتو ‬

‫ْم ِن جروح اهلوى غزلتو‬ ‫جاوبني‪ :‬ما فيه لو دوا‬ ‫يوم اليل التقينا سوا‬ ‫بيطيرها اهلوا‬ ‫كان رح ِّ‬

‫ ‬ ‫ يا حمىل ليايل اهلوى‬ ‫ ‬ ‫واخليمه عَ العايل عَ العايل‬ ‫ ‬ ‫ِ‬ ‫َس َ‬ ‫مريه ‪ :‬شو يا سبع؟‬ ‫س‪ْ ...‬اس َهروا‪ ،‬ما تناموا‪ ،‬الحقوا‪ ،‬رح أعرفلكن مينو‪ .‬بس عَ‬ ‫سب ع‬ ‫‪ِ :‬ه ْ‬ ‫السكت‪ .‬ياي‪ ...‬مدري شو طلعيل بالناضور‪ ...‬شبح َك ِبري‪ ،‬وبس‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫شلتو اختفى‪َ ...‬ها ‪ِ ...‬هه‪ ...‬مني الزمل؟‬ ‫بو مرع ي ‪ :‬سبع‪ ،‬شو عمتعمل هون؟‬ ‫بالقضيه؟‬ ‫‪ :‬بو مرعي‪ ،‬بو مرعي‪ ،‬عَ احلساب مش مهتم‬ ‫سبع ‬ ‫ِّ‬ ‫بو مرع ي ‪ :‬أنا ناطر ُالغرب‪.‬‬ ‫‪ :‬وأنا ناط ُرن‪.‬‬ ‫سب ع‬ ‫ت ننام‪ ...‬وبكرا منشوف‪.‬‬ ‫بو مرع ي ‪ :‬بس ما مرق حدا‪ ،‬روح َ‬ ‫غواصه‬ ‫سب ع‬ ‫‪ :‬لوين بدو يروح؟ وين بدو خيتفي؟ اشتغل الناضور‪ .‬احسبو َ‬ ‫بضهر البحر‪ ،‬بدي أعرف مني ِّهوي‪ّ .‬يال‪ ،‬اشتغل الناضور‪...‬‬ ‫∂‬ ‫‪214‬‬


‫نصوص رحبانية‪ :‬مسرحيات ومشاهد مغناة‬

‫‪ :‬يش عميميش‬ ‫سب ع‬ ‫وبينزل بدرب‬ ‫ ‬ ‫ وبيطلع بدرب‬ ‫ت وصلنا عَ الكوع‬ ‫ مشيت خلفو طلوع ‬ ‫َ‬ ‫الجمع ‪ :‬وبعدين شو عاد صار؟ َخ ِّبرنا يا سبع ْو َك ِّمل‪ ...‬بعدين شو عاد صار؟‬ ‫بعدين شو عاد صار؟‬ ‫سب ع‬ ‫ويتسمع‬ ‫‪ :‬و ّقف هيك وصار يتط َّلع عىل بيت عليا‬ ‫ّ‬ ‫الجمع ‪ :‬صار يتط ّلع‪ ،‬صار يتط ّلع عىل بيت عليا ويتسمع؟‬ ‫ويتسمع‬ ‫الصبايا ‪ :‬عىل بيت عليا‬ ‫ّ‬ ‫ويتسمع‬ ‫الشباب ‪ :‬عىل بيت عليا‬ ‫ّ‬ ‫الجمع ‪ :‬بعدين شو عاد صار؟ َخ ِّبرنا يا سبع ْو َك ِّمل‪ ...‬بعدين شو عاد صار؟‬ ‫بعدين شو عاد صار؟‬ ‫احلي‬ ‫سبع ‬ ‫‪ :‬بس أنا رصخت عليه هرب خلف دراج ّ‬ ‫ِّ‬ ‫قطيعه َض ّوي‬ ‫صبيه ‪ :‬وما عرفتو؟ َ‬ ‫‪ :‬اللي ِله رح أعرف مني ِّهوي‬ ‫سب ع‬ ‫اللي ِله رح يعرف مني ِّهوي‬ ‫القوه ‬ ‫الجمع ‪ :‬سبع الكارس ِب َه ِّ‬ ‫‪ :‬اللي ِله رح أعرف مني ِّهوي‬ ‫سب ع‬ ‫الجمع ‪ :‬اللي ِله رح يعرف مني ِّهوي‬ ‫‪ :‬اللي ِله رح أعرف مني ِّهوي‬ ‫سب ع‬ ‫ب ِيك‬ ‫العب ‪َ : ١‬ه ّ‬ ‫العب‪ِ : ٢‬إ ّكبري‪...‬‬ ‫∂‬ ‫ِّ‬ ‫الصبيه ‪ :‬عر ْفت؟‬ ‫الختيا ر ‪ :‬باإلسوا َره؟‬ ‫ِّ‬ ‫الصبي ه ‪ :‬إ ِيه‪.‬‬ ‫‪217‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫عبد و ‪ :‬روقوا روقوا يا عيوين‪َ ،‬ن ّقوا بس افرقوين‪...‬‬ ‫ إيه‪ ...‬شو بتؤمر يا بو مرعي؟‬ ‫بو مرع ي ‪ :‬بدي زيت‪ ،‬وفحم‪ ،‬وحلم‪...‬‬ ‫كمل يا بو مرعي‬ ‫عبد و ‪ :‬غريو‪ِّ ،‬‬ ‫وج َّره‪ ،‬وشف َره‪...‬‬ ‫بو مرع ي ‪ :‬بدي ِقدْ ِره‪َ ،‬‬ ‫عبدو ‪ :‬غريو فيه يش يا بو مرعي؟‬ ‫بو مرع ي ‪ :‬بدي لوح قزاز‪ ،‬وكاز‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫ويش َك َركر خيطان‬ ‫ ‬ ‫صبي ه ‪ :‬يا عبدو بدي َب ْك َره‬ ‫ضويتي الدكان‬ ‫عبدو ‪ :‬تكرم عي ِنك يا شقرا ‬ ‫َّ‬ ‫ِّ‬ ‫ت إكتب مكتوب‬ ‫ ‬ ‫صبيه ‪ :‬وبدي ور َقه ودَ وا ِيه‬ ‫َ‬ ‫قل ِبك رح بيدوب‬ ‫ ‬ ‫عبد و ‪ :‬عارف كل الروا ِيه‬ ‫العب‪ : ١‬شاش باش‬ ‫العب ‪ : ٢‬دو ِي ْك‬ ‫بترشب؟ جيب تال ِته‪...‬‬ ‫القهوه؟ إنت َ‬ ‫قهوه‪ ...‬وين ِ‬ ‫قهوه‪ِ ...‬‬ ‫العب ‪ِ : ١‬‬ ‫‪ :‬مرحبا يا شباب‪.‬‬ ‫سب ع‬ ‫الجمع ‪ :‬أهال وسهال بسبع‪.‬‬ ‫‪ :‬عرفتوا يش يا شباب؟‬ ‫سبع ‬ ‫خبرنا يا سبع‪.‬‬ ‫الجمع ‪ِّ :‬‬ ‫‪ :‬مبارح هبالليل‪..‬‬ ‫سبع ‬ ‫الجمع ‪ :‬إ ِيه!!‬ ‫‪ :‬كنت واقف هيك‪..‬‬ ‫سبع ‬ ‫الجمع ‪ :‬إ ِيه!!‬ ‫‪ :‬شفت يش ها َمليل ليك ليك ليك‬ ‫سب ع‬ ‫الجمع ‪ :‬شو ِّهوي هاليش؟‬ ‫‪216‬‬


‫نصوص رحبانية‪ :‬مسرحيات ومشاهد مغناة‬

‫فرفطلنا الورقات وعْ رينا سوا‬ ‫ ‬ ‫ يا شجرة اإليام َّغيرنا اهلوى‬ ‫مهب اهلوا متلك أنا شج َره عىل مفرق طريق‬ ‫ يا ناط َره وح ِدك عىل ّ‬ ‫السكت‪َ ،...‬هه‪ ،‬فاتت عند اخلتيا َره‪،‬‬ ‫سبع ‬ ‫‪ :‬إنتوا ما تتحركوا‪ ...‬احلقوين عَ َّ‬ ‫جوا‪.‬‬ ‫أنا رح عربش عَ الشباك وأعرفلكن شو في ْه ّ‬ ‫َ‬ ‫الختيار ه ‪ :‬أهال ْب َعليا جيتي؟‬ ‫‪ :‬وجبت ّلك تني وزبيب‪.‬‬ ‫علي ا‬ ‫َ‬ ‫حطين حد القنديل‪.‬‬ ‫الختيار ه ‪ :‬س ِّلم د ّيا ِتك‪ُ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫‪( :‬بتغني)‬ ‫عليا ‬ ‫ يا ريت‬ ‫إنت وأنا بالبيت‬ ‫ ‬ ‫َ‬ ‫ يش بيت أبعد بيت‬ ‫ ممحي ورا حدود العتم والريح‬ ‫ والتلج نازل بالدين جتريح‬ ‫تضيع طريقك ما تعود تفل‬ ‫ ‬ ‫ِّ‬ ‫ وتضل حدي تضل‬ ‫ ويزهر ويد َبل ألف موسم فل‬ ‫ وتضل حدي تضل‬ ‫ وما يضل بالقنديل نقطة زيت‬ ‫ يا ريت‪...‬‬ ‫َ‬ ‫الختيار ه ‪ :‬صو ِتك يا عليا‪ْ ،‬ب ِيزرع الفرح هبالبيت‪.‬‬ ‫عايشه وح ِدك يا ستي؟‬ ‫عليا ‬ ‫‪ِ :‬‬ ‫َ‬ ‫عايشه أنا ومزهر ِّيه وتكا ِّيه واحلكا ِيه‪.‬‬ ‫الختيار ه ‪ :‬ال يا بنتي‪ِ ،‬‬ ‫‪ :‬احكييل احلكا ِيه‪.‬‬ ‫عليا ‬ ‫‪219‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫وإنتي زعال ِنه؟‬ ‫الختيا ر ‪ِ :‬‬ ‫ِّ‬ ‫مغي َره‪ .‬مش عار ِفه شو ِبني‪ .‬وبقول‪ :‬ليش َل َعليا‬ ‫حاسه إ ّني ّ‬ ‫الصبي ه ‪ :‬أل‪ ،‬بس ِّ‬ ‫مش ِإيل‪ ،‬أو َل ِوح ِده تان ِيه؟‬ ‫الختيار ‪ :‬ألنو اإلسوا َره اختارت إيد عليا‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫حلوه؟‬ ‫الصبي ه ‪ :‬وأنا‪ ،‬إيدي مش ِ‬ ‫حلوه‪ ،‬وف ِيه ِإال إسوا َره‪.‬‬ ‫الختيار ‪ِ :‬‬ ‫ِّ‬ ‫الصبي ه ‪ :‬وأ ْميتى بتجي و ِب ْل ِبسا؟‬ ‫يلب ِسك‬ ‫الختيا ر ‪ :‬اليوم عَ ليا‪ ،‬ميكن بكرا إن ِتي‪ .‬ما زا ِلك مدَّ يتي إي ِدك‪ ،‬بدو حدا ّ‬ ‫ياها‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫الصبيه ‪ :‬قولك ِّ‬ ‫عمفتش عَ إسواريت؟‬ ‫ت تالقيا‪.‬‬ ‫الختيا ر ‪ :‬و ِق ْلقا ِنه َ‬ ‫ِّ‬ ‫الصبيه ‪ :‬مش عن ِغ ِريه‪ ،‬بس عليا ليش ما بتقول َمنني؟‬ ‫عايشه معو‪ ،‬ألنو الرس إنسان تاين‪ ،‬ميكن إذا‬ ‫رسا لعليا‪ .‬خ ِّليا ِ‬ ‫الختيا ر ‪ :‬هيدا ّ‬ ‫ُ‬ ‫بعينيكن‬ ‫حكيت بيضيع‪ ،‬وبتنكرس َهاملزهر ِّيه اليل هيي احلكا ِيه‪ ،‬وحتى‬ ‫إنتو برتجع عليا شخص عادي‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫الصبيه ‪ :‬يعني إذا عرفنا‪ ،‬منرجع عَ بيوتنا؟‬ ‫الختيا ر ‪ :‬وبتبطلوا تسهروا مع احلكايات اليل دارت عَ اإلسوا َره‪ .‬ميكن إسوارة‬ ‫عليا ما تكون يش‪ ،‬بس َّنبهتكن إنو دَ ْي ُكن بعدُ ن فاضيني‪.‬‬ ‫‪( :‬بتغني)‬ ‫عليا ‬ ‫ هونيك فيه شج َره ورا النبع الغميق حمفور يل صو َره عىل كعبا العتيق‬ ‫وتغي ِرت فينا الدين وبعدا الصو َره ناط َره حد الطريق‬ ‫ وضاع اهلوى َّ‬ ‫بفي غصوهنا قلبي بك ي‬ ‫ وم َّره ّ‬ ‫ وق ِفه وتطليعات وشو ِّية حكي ‬ ‫‪218‬‬

‫ورجعتلنا حكاية الشال الليلكي‬ ‫وعصفورة ا ْلـ عَ النهر ما عندا رفيق‬


‫نصوص رحبانية‪ :‬مسرحيات ومشاهد مغناة‬

‫ّ‬ ‫زهر ْة‬ ‫منفتش عَ هاملشوار‪ ،‬واحلـب بيس ّلموه الكبـار للزغـار‪َ ،‬‬ ‫ت يضل ِ‬ ‫املشعشعه طـول السنني‪ ،‬واإلسوا َره ّ‬ ‫تتنقل من إيد إليـد‪ .‬مش‬ ‫الزهور‬ ‫َ‬ ‫َهيـك يا سبع؟ فوت سهار إنت ورفقاتك‪.‬‬ ‫الصبايا ‪ :‬سعي ِده‬ ‫‪ :‬يسعد ُ‬ ‫مساكن‬ ‫علي ا‬ ‫الشباب ‪ :‬سعي ِده‬ ‫‪ :‬يسعد ُ‬ ‫مساكن‬ ‫علي ا‬ ‫ومي ْة سعي ِده‬ ‫الجمع ‪ :‬سعي ِده ّ‬ ‫‪ :‬يا ألف يسعد ُ‬ ‫مساكن ‬ ‫علي ا‬ ‫ْفيه بنت حمتا َره‬ ‫ ‬ ‫في الرما ِنه‬ ‫ كان ِب ّ‬ ‫وال تبوح ِب ْسرارا‬ ‫ وتضل متل التعبا ِنه ‬ ‫ وكان فيه بلبل عاشقها حيكيال حكا ِيه‬ ‫وتق ّلو جايي‬ ‫ بزهور يبقى يراشقها ‬ ‫وتعقد زنا َرا‬ ‫ ‬ ‫ وتنطر باحلا َره‬ ‫ وما تعرف شو ْفي ْه عَ باال‬ ‫عَ باال إسوا َره‬ ‫ ‬ ‫الجم ع ‪:‬‬ ‫بكينا وغنينا‬ ‫حبينا ‬ ‫عليا ‬ ‫‪ِّ :‬بكري َّ‬ ‫يا ضو عينينا‬ ‫ ‬ ‫ قول دخلك قول‬ ‫يا ساكن ِبدارنا‬ ‫ ‬ ‫ يا حلو يا جارنا‬ ‫شو بيحىل فيها السهر‬ ‫ ‬ ‫ دارنا دار القمر‬ ‫يا ساكن بدارنا‬ ‫ ‬ ‫ يا جارنا‬ ‫يا جارنا‬ ‫ ‬ ‫ يا حلو‬ ‫للمواعيد‬ ‫ ‬ ‫البنيات‬ ‫ ضحكوا ّ‬ ‫بالعناقيد‬ ‫ ‬ ‫الفيات‬ ‫ وامتلوا ّ‬ ‫‪221‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫َ‬ ‫الختيار ه‬ ‫الختيا ر‬ ‫َ‬ ‫الختيار ه‬ ‫الختيار ‬ ‫َ‬ ‫الختيار ه‬ ‫الختيار ‬ ‫َ‬ ‫الختياره ‬

‫الختيار ‬ ‫َ‬ ‫الختياره ‬ ‫الختيار ‬ ‫َ‬ ‫الختياره ‬ ‫الختيار ‬ ‫َ‬ ‫الختيار ه‬ ‫الختيا ر‬ ‫َ‬ ‫الختيار ه‬

‫‪220‬‬

‫‪ :‬من زمان‪ ،‬كنت ناط َره ع باب‪َ .‬‬ ‫وهوين يوم‪ ،‬مرق وأخدين من إيدي‪،‬‬ ‫وجابني عَ هالبيت‪ .‬يبقى يدوس عَ الصخـور‪ ،‬ويتنقـل باحلقا ِله‪ ،‬ويزرع‬ ‫الصليـخ‪ ،‬ويط ِّلع السجـر العايل بأرض العار ِيه‪.‬‬ ‫الوعـر‪ ،‬ويسقي ّ‬ ‫‪ :‬كانت األرض هباك اإليام َ‬ ‫الصغريه تدلف‬ ‫العتيقه بدها إيدَ ين‪ ،‬والبيوت‬ ‫ِ‬ ‫ِّ‬ ‫بالشتي‪.‬‬ ‫‪ :‬احدُ ل السطح‪ ،‬ق َّرب ترشين‪.‬‬ ‫وخيا‪ ،‬رجعوا؟‬ ‫‪ :‬والبنت ّ‬ ‫‪ :‬رجعوا‪َ ،‬يحِّ ِّني عمبيدرسوا‪.‬‬ ‫‪ :‬بكرا بيتعلموا وبيرتكونا‪.‬‬ ‫‪ :‬بدا ُ‬ ‫يكبروا‪ ،‬ويعيشوا‪ّ ،‬‬ ‫ويفتشوا‪،‬‬ ‫طريقن ِّ‬ ‫تبعدُ ن ّعنا‪ ،‬وما فينا نو ِّق ُفن‪ .‬بدُّ ن َ‬ ‫وحيبوا‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫حيبوا غرينا‪ ،‬ويرتكوا البيت‪.‬‬ ‫حيبوا‪ُّ ،‬‬ ‫‪ :‬بدُّ ن ّ‬ ‫‪ :‬أنا وإنت مبسو ِّيه من املسو ّيات‪ ،‬تركنا َبيتني كانوا حيبونا‪.‬‬ ‫نحمين‬ ‫‪ :‬صحيح‪ ،‬أهلل َم ُعن‪ ،‬رح إحدل السطح‪ ،‬وإزرع ُلن األرض‪َ ،‬‬ ‫ت ُ‬ ‫يروجوا صوب‬ ‫من العاص ِفه‪ ،‬ويصريو يقدرو يفتشو عن احلب‪ .‬خ ّل ُين ّ‬ ‫ُ‬ ‫علين رفقا ُتن‪.‬‬ ‫اال ْبواب ا ْلـ‬ ‫ناطرينن ُ‬ ‫‪ :‬فايق كيف الصبي ِلقي بيتو اجلديد؟ ويومها جابلنا لبيتنا العتيق مزهر ِّيه‪.‬‬ ‫التكا ِيه‪ِّ ،‬‬ ‫‪ :‬والبنت‪ ،‬بس خلصت ّ‬ ‫حطتا عَ الديوان‪ ،‬وقالت أنا راحيَه‪،‬‬ ‫ِوم ِس ْكها بإيدو‪.‬‬ ‫‪ :‬كان فيه ناس كتري يوما‪ ،‬والطاوالت عمرا ِنه‪ ،‬والغناين متال ِّيه الدِّ ين‪.‬‬ ‫مسكها من إيدا َ‬ ‫وأخدَ ا عَ بيتا اجلديد‪.‬‬ ‫‪ :‬إ ِيه‪ِ ،‬‬ ‫رسب اخلتيار‪،‬‬ ‫‪َ :‬بعدا التكا ِّيه عَ الديوان‪ ،‬وبعـدا املزهر ِّيه‪ .‬غابت الشمس‪ ،‬و َّ‬ ‫بيحبوا‪ ،‬و ْبيحسدوا‪،‬‬ ‫وصار في ْه عَ احليط صو َره‪ ،‬والناس بعدُ ن ناس‪ّ ،‬‬ ‫وبيغاروا‪ ،‬وهالبيت ما عـاش في ْه إال احلب‪ .‬وهيـك يـا بنتي‪ :‬كلنا‬


‫َز ُنـو ْبـيـا‬

‫ب ‪ :‬زنوبيا‪ ...‬زنوبيا‪ ...‬اسمعي يا زنوبيا‪ ،‬اسمعي يا زنوبيا‪ ،‬اسمعي‪.‬‬ ‫الشع ‬ ‫الشباب ‪ :‬أبواق الرومان عمتعلن هناية ِتدمر‪.‬‬ ‫حاص ِر ِتك روما‪ ...‬واستشهـدوا أبطا ِلك‪...‬‬ ‫الصباي ا ‪ِ :‬تدمر‪ ،‬يا نجمة املشارق‪َ ..‬‬ ‫ َل َب ْصرى عمينسمع نحي ِبك‪ ،‬يا طفلة املاملك‪...‬‬ ‫ب ‪ :‬اهريب يا زنوبيا‪ ،‬اهريب يا زنوبيا‪.‬‬ ‫الشع ‬ ‫الصباي ا ‪ْ :‬ب َف ِّية َالعواميد‬ ‫ب ‪ :‬اه ُريب‬ ‫الشبا ‬ ‫الس ّري‬ ‫الصبايا ‪ :‬باملمر ِ‬ ‫ب ‪ :‬اه ُريب‬ ‫الشبا ‬ ‫الصباي ا ‪ :‬بتياب الدراويش‬ ‫ب ‪ :‬اه ُريب‪...‬‬ ‫الشبا ‬ ‫الشعب ‪َ :‬وال ْت ِذ ِّلك روما‪ ...‬زنوبيا اهريب‪.‬‬ ‫زنوبي ا ‪ْ :‬أل‪ ...‬إذا أنا ُب ْه ُرب‪ ،‬األرض ما بتهرب‪.‬‬ ‫الصباي ا ‪ :‬كل يش عميهرب‪:‬‬ ‫اململكه السعي ِده‪ ،‬طفلة املاملك‪َ ،‬ه َر ِبت من إيدَ ْينا‪.‬‬ ‫ ‬ ‫ِ‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫ ‬ ‫ هاحلكي إللنا‬ ‫ ‬ ‫ والرسار ْسرارنا‬ ‫ ‬ ‫وصلوا النحالت‬ ‫ َّ‬ ‫ ‬ ‫ قصة احللوات‬ ‫ ‬ ‫الصبيه‬ ‫ بتقول ِّ‬ ‫ ‬ ‫ مشوا َرك مشوارنا‬ ‫ ‬ ‫‪ِ :‬بع ِدت السهر ِّيه‬ ‫عليا ‬ ‫ القونا القونا ‬ ‫الجمع ‪ :‬القونا القونا ‬ ‫ ‬ ‫ هباللي ِله ازرعونا‬ ‫علي ا‬ ‫ ‬ ‫‪ :‬والدين عشقا ِنه‬ ‫ ‬ ‫ واهلوى عميضحك‬ ‫ ‬ ‫نجمه وقمر ط ُّلوا‬ ‫الجمع ‪ِ :‬‬ ‫ ‬ ‫ يشكيال وتقلو‬ ‫ ‬ ‫‪ :‬وعَ ميحال مشوارنا‬ ‫عليا ‬ ‫ ‬ ‫ يا حب نطرنا كتري‬ ‫ ‬ ‫ حكايتنا حكا ِيه‬ ‫ ‬ ‫ والعمر ساعَ ه‬ ‫ ‬ ‫ والنجوم بعي ِده‬ ‫ ‬ ‫الجمع ‪ :‬سعي ِده سعي ِده‬ ‫ ‬ ‫‪ :‬والسف َره طوي ِله‬ ‫علي ا‬ ‫َ‬ ‫ ‬ ‫رشيطه زرقا‬ ‫الجمع ‪ :‬حطي‬ ‫ ‬ ‫‪ :‬واحلب البدايه‬ ‫عليا ‬ ‫ وبيخلصوا السهريات ‬ ‫‪222‬‬

‫والزعل زعلنا‬ ‫يا جارنا‬ ‫للنواطري‬ ‫واملشاوير‬ ‫ليليه‬ ‫للقمر ِّ‬ ‫يا جارنا‬ ‫الغنيه‬ ‫وح ْل ِيت ِّ‬ ‫عَ َالق ْمر ِّيه‬ ‫ّ‬ ‫متشوا واحلقونا‬ ‫غنيه‬ ‫يش ِّ‬ ‫والنجمه سهرا ِنه‬ ‫ِ‬ ‫عَ التعبا ِنه‬ ‫هبالربيع ِيغ ُّلوا‬ ‫ال تنساين‬ ‫ونحكي نحكي ْسرارنا‬ ‫يا مشوار املشاوير‬ ‫مضوا ِيه‬ ‫والدين ّ‬ ‫ِ‬ ‫والزعل إشاعَ ه‬ ‫والر َفقه سعي ِده‬ ‫ِ‬ ‫يا حكايات جدي ِده‬ ‫والقصه طوي ِله‬ ‫َّ‬ ‫شعرك تشكي ِله‬ ‫ِب ِ‬ ‫واحلب النها ِيه‬ ‫وما بتخلص احلكا ِيه‬


‫نصوص رحبانية‪ :‬مسرحيات ومشاهد مغناة‬

‫ إلكن سام وهو ِّيه‬ ‫ واليل سكن احلر ِّيه‬ ‫ يوم‪ ...‬هنار‬ ‫ ما بقى تقدر روما تسلب منو احلر ِّيه‪.‬‬ ‫ كاسك يا موت‪...‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ورليان ْ‬ ‫س)‬ ‫(بيوصل األمرباطور أ‬

‫س األمرباطور‪.‬‬ ‫ُالشعب ‪ُ :‬أورليا ُن ْ‬ ‫ُ‬ ‫س ‪ :‬زنوبيا‪ ،‬ما إ ِلك مه َرب من روما حتى باملوت‪.‬‬ ‫ورليان ‬ ‫أ‬ ‫وسيطر ْة روما‪.‬‬ ‫س‪ ،‬أنا ُبر ُفض روما‬ ‫ُزنوبي ا ‪ُ :‬أورليا ُن ْ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ورليانس ‪ :‬إنتي َمت َّرديت‪.‬‬ ‫أ‬ ‫زنوبيا ‪ :‬نحنا عَ ْم ِن ْتحَ ّرر‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫مصريك؟‬ ‫ورليانس ‪ :‬وعار ِفه‬ ‫أ‬ ‫ِ‬ ‫مكب ِله باحلديد‪.‬‬ ‫زنوبيا ‪ :‬عار ِفه مصريي‪ِ :‬بساحات روما َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ورليانس ‪ :‬متيش بالشوارع‬ ‫أ‬ ‫أسريه‬ ‫ مغلو ِبه َ‬ ‫ ويتف َّرجوا الناس‬ ‫األسريه‪.‬‬ ‫امللكه‬ ‫َ‬ ‫ عَ ِ‬ ‫زنوبي ا ‪ :‬إليل بدو يصري‬ ‫ ما عاد ْي ِه ّم‬ ‫ أنا ِلعبت الدور‬ ‫ والدور ا ْمل ِه ّم‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫أ‬ ‫س ‪ :‬ال ختدعي الناس‬ ‫ورليان ‬ ‫ صارحي الناس‬ ‫ قولي ُلن انكرسيت‪ ...‬انكرسيت‪....‬انكرسيت‪.‬‬ ‫‪225‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫ت زنوبيا‪ِ ،‬ب ْن ِيت حضا َره‪ ،‬ثارت عىل روما‪...‬‬ ‫قايد ‬ ‫‪ :‬مخس سنني َح َك ِم ْ‬ ‫رسيعه يا مخس سنني‪.‬‬ ‫ مخس سنني‪ ،‬يا غف ِله َ‬ ‫زنوبي ا ‪ :‬مخس سنني‪ِ ...‬م ّية س ِنه‪ ...‬بيم ّروا متل الطري‪،‬‬ ‫ بياكلهن الزمان‪...‬‬ ‫ الزمان اليل بياكل كلس احليطان‬ ‫ بس اليل ْب ِي ْبقى‬ ‫َ‬ ‫الرصخه ِب ِو ّج الظلم‪.‬‬ ‫ اليل وحدو ْب ِي ْبقى‪ :‬رشف الوق ِفه‪،‬‬ ‫الصبايا ‪ :‬اهندم الربج‪ ،‬انكرس السور‪،‬‬ ‫امللكه متل األطفال اليل ِبدُ ن يتخاطفوا اللع ِبه‪.‬‬ ‫ العسكر هاجم صوب ِ‬ ‫ب ‪ :‬اهريب يا زنوبيا‪ ...‬اهريب يا زنوبيا‪...‬‬ ‫الشع ‬ ‫زنوبيا ‪ :‬وإنتو؟؟؟‬ ‫الشعب ‪ :‬نحنا منبقى‪ ...‬نحنا عشب األرض‬ ‫بتكسر الورد العايل‬ ‫ والعاص ِفه بتمرق فوق‪ّ ،‬‬ ‫ الور ِده إنتي‪ ...‬والعاص ِفه جايـي تاخ ِدك إنتي‪...‬‬ ‫اململكه النبي ِله‬ ‫ملك ْة‬ ‫ِ‬ ‫زنوبيا ‪ :‬أنا زنوبيا‪ِ ،‬‬ ‫ ألجل احلر ِّيه بختار املوت‪ ...‬اعطوين كاس املوت‪.‬‬ ‫العظيمه رفضت الظلم‪ ،‬واختارت املوت‪ ،‬اختارت النسيان‪.‬‬ ‫امللكه‬ ‫ِ‬ ‫الشعب ‪ِ :‬‬ ‫الصبايا ‪َ :‬ودّ عوا زنوبيا ِبموسم الدمع‪ِ ،‬بصوت الفرح‪ِ ،‬ب َو َرق الرمان‪.‬‬ ‫زهرة البطو ِله‬ ‫زنوبيا ‪ :‬يا موت‪ ،‬يا ِ‬ ‫املحبه اخلجو ِله‬ ‫وعطية ِّ‬ ‫ يا تاج احلياة‪ّ ،‬‬ ‫ يا موت‪َ ،‬هدّ يني ِبإيدي‬ ‫مفروشه بالنوم ْوسعي ِده‪.‬‬ ‫ خدين عَ طرقات‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ ويا أهايل تدمر‬ ‫ مخس سنني من العمر‬ ‫ عشتوها أحرار‬ ‫‪224‬‬


‫نصوص رحبانية‪ :‬مسرحيات ومشاهد مغناة‬

‫س عجّ ل‬ ‫ ُأورليا ُن ْ‬ ‫ خدين عىل روما‬ ‫َ‬ ‫الرصخه‬ ‫ت‬ ‫ ِع ْل ِي ْ‬ ‫ ِك ْب ِرت عىل املوت‬ ‫س‪،‬‬ ‫ ال عسكرك‪ُ ،‬أورليا ُن ْ‬ ‫ وال ِّقوة روما‬ ‫ وال كل روما بالدهر‪،‬‬ ‫ ِب ْت َس ّكت هالصوت‪.‬‬ ‫ ‬ ‫الشعب ‪ :‬تتهدَّ ْم أجسادنا‬ ‫تتبدّ د إيامنا ‬ ‫ َ‬ ‫ ‬ ‫ إذا مننسى زنوبيا‬ ‫ زنوبيا‪ ،‬زنوبيا‪ ،‬زنوبيا‪.‬‬

‫حيصدها السيف احلاصد‬ ‫ينهبها الوقت الراصد‬ ‫أو رصخة زنوبيا‬

‫‪227‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫س‪ :‬اإلنكسار بيمىض واإلنتصار بيمىض‬ ‫زنوبي ا ‪ُ :‬أورليا ُن ْ‬ ‫ وبكرا باإليام‪:‬‬ ‫انكرست‬ ‫ تدمر اليل‬ ‫ِ‬ ‫انترصت‬ ‫ وروما اليل‬ ‫ِ‬ ‫ ْت َن ْي ِن ْت ُه ْن حجار‬ ‫ وإنت وأنا‪ :‬متثا َلني ْبساحة اآلثار‪.‬‬ ‫لكن ِبكل زمان ومكان‬ ‫ ‬ ‫ْ‬ ‫ بدّ ا تطلع روما تطغي وتظ ُلم‬ ‫ وبدّ ا تطلع تدمر ترفض الظلم‬ ‫ وبآخر اآلخر‪ ،‬بسهول الزمان‪،‬‬ ‫ بتنترص تدمر‬ ‫ تدمر احلر ِّيه‬ ‫َ‬ ‫الرصخه اليل ْبقلب اإلنسان‪.‬‬ ‫ تدمر‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ورليانس ‪َ :‬ك ّبلوا زنوبيا‪َ ...‬ك ّبلوا زنوبيا‪ ...‬خدوها عىل روما‪.‬‬ ‫أ‬ ‫حيصدها السيف احلاصد‬ ‫ ‬ ‫الشعب ‪ :‬تتهدَّ م أجسادنا‪...‬‬ ‫ينهبها الوقت الراصد‬ ‫ ‬ ‫ تتبدَّ د إيامنا‪...‬‬ ‫أو رصخة زنوبيا‬ ‫ ‬ ‫ إذا مننسى زنوبيا‬ ‫ زنوبيا‪ ،‬زنوبيا‪ ،‬زنوبيا‪.‬‬ ‫زنوبيا ‪َ :‬ل ّوحوا ِبإيديكن‪َ ...‬ودّ عوا زنوبيا‬ ‫ قولوا ُّ‬ ‫يكملوا األشعار‬ ‫للش َعرا ّ‬ ‫للثوار يض ّلهن ّثوار‬ ‫ قولوا ّ‬ ‫اململكه تدمر انتهت من األرض‬ ‫ ‬ ‫ِ‬ ‫ صارت بالقلوب‪ ...‬صارت باملدار‬ ‫َ‬ ‫الرصخه وصارت النار‪.‬‬ ‫ صارت‬ ‫‪226‬‬


‫نصوص رحبانية‪ :‬مسرحيات ومشاهد مغناة‬

‫ ‬ ‫البال دنيا‬ ‫ يف ِ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ يف البالْ‬ ‫ ‬ ‫ وليل َة ال مجالْ‬ ‫ ‬ ‫ العدل زالْ‬ ‫ ‬ ‫البال‬ ‫الصباي ا ‪ :‬ومل تزل يف ْ‬ ‫ نا ُر التالل‬ ‫فريو ز ‪ :‬من َ‬ ‫أنتم‬ ‫هناك ْ‬ ‫رياح بالدي‬ ‫ ‬ ‫ُ‬ ‫سمعت َ‬ ‫ ‬ ‫وبوح الشوادي‬ ‫ ‬ ‫َ‬ ‫أنتم‬ ‫ من هناك ْ‬ ‫ ملحت ظالل سامئي ‬ ‫ ولون هنائي ‬ ‫ ‬ ‫ بالدي‪ ...‬مي ُّر عليها‬ ‫ ‬ ‫ بالدي‪ ...‬أعدين إليها‬ ‫ وهناك ُ‬ ‫يلث ْم ‬ ‫ ‬ ‫وأحلم‬ ‫ أنام‬ ‫ْ‬ ‫المجموعة ‪َ :‬‬ ‫الصمت عىل الطرقا ِ ‬ ‫ت‬ ‫طاف‬ ‫ُ‬ ‫ ‬ ‫ت‬ ‫ حلَّ الليلُ عىل الفلوا ِ‬ ‫ ‬ ‫ ال مأوى‬ ‫ هل نرقدُ يف الساحات؟‬ ‫ ‬ ‫بيت‬ ‫ ال ٌ‬ ‫وسدً ى متيض الساعات‬ ‫ ُ‬

‫الشمس‬ ‫ترا ُبها‬ ‫ُ‬ ‫والقدس‬ ‫احلب‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫ُرغم املحالْ‬ ‫فارقها اجلاملْ‬ ‫َو ْاس َودَّ ُ‬ ‫لون الظاللْ‬ ‫َ‬ ‫شوق البالْ‬

‫غنائكم‬ ‫يف‬ ‫ْ‬ ‫جباهكم‬ ‫يف‬ ‫ْ‬ ‫الوجيع‬ ‫مع الفجر حلني‬ ‫ْ‬ ‫ربيع‬ ‫ولو زهر ًة يا ْ‬ ‫جباه الروايب‬ ‫رشاعي َ‬ ‫وفوق ترايب‬ ‫ظالم‬ ‫وصا َر ْ‬ ‫فأين ننام؟‬ ‫ال مثوى‬ ‫صوت‬ ‫ال‬ ‫ٌ‬ ‫‪229‬‬


‫ـعـون‬ ‫ِ‬ ‫راج ُ‬

‫ ‬ ‫أنت من ديارنا من شذاها‬ ‫الشبا ‬ ‫ب ‪َ :‬‬ ‫الصبايا ‪ً :‬‬ ‫ ‬ ‫أرض رؤاها‬ ‫حامال َ‬ ‫عبري ٍ‬ ‫ ‬ ‫أنت من حقولنا يا رسولُ‬ ‫الشباب ‪َ :‬‬ ‫الصباي ا ‪ :‬كيف حالُ بيتنا؟ هل تقولُ ؟ ‬ ‫ ‬ ‫‪ :‬يا غريب الديا ْر‬ ‫شا ‬ ‫ب‬ ‫ ‬ ‫ ضلّ فينا املزار‬ ‫ ‬ ‫نسيم‬ ‫الشباب ‪َ :‬‬ ‫أنت من بال ِدنا يا ُ‬ ‫المجموعة ‪ً :‬‬ ‫ ‬ ‫هييم‬ ‫حامال َ‬ ‫أرض ُ‬ ‫مهوم ٍ‬ ‫ ‬ ‫منشدين‬ ‫فريو ز ‪ :‬يا‬ ‫َ‬ ‫ ‬ ‫ يا هائمنيَ‬ ‫ ‬ ‫ غناؤكم هاج دموعي‬ ‫ ‬ ‫اخلصيبه‬ ‫المجموعة ‪ :‬نحن من األرض‬ ‫َ‬ ‫ ‬ ‫الصباي ا ‪ :‬يا هل ُترى بعد الليايل‬ ‫ ‬ ‫فريو ز ‪ :‬يف البال حتيا‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ يف البالْ‬

‫نسيم الليل ختط ُر‬ ‫يا َ‬ ‫يف حنني القلب يزه ُر‬ ‫من ربوع اخلري عندنا‬ ‫أنت مثلنا؟‬ ‫أم‬ ‫هجرت َ‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫نسيم ا َجلنو ِ‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫غدا َة اهلبو ِ‬ ‫يا عبري ًا َ‬ ‫يقطع املدى‬ ‫أه ُلها يف األرض ُش َّردا‬ ‫ب‬ ‫للغرو ِ‬ ‫ب‬ ‫يف الدرو ِ‬ ‫أدمى حنيني وولوعي‬ ‫السليبه‬ ‫نحن من الدار‬ ‫َ‬ ‫احلبيبه؟‬ ‫نجيئـها تلك َ‬ ‫الس ْم ُر‬ ‫درو ُبها ُ‬ ‫سطوحها ا ُحلم ُر‬ ‫ُ‬ ‫زه ُر التاللْ‬


‫نصوص رحبانية‪ :‬مسرحيات ومشاهد مغناة‬

‫حتت كلِّ ُشر َف ْه‬ ‫عند كلِّ عَ َ‬ ‫طف ْه‬ ‫الظالم‬ ‫ّهبوا من‬ ‫ْ‬

‫ ‬ ‫نائمني‬ ‫َ‬ ‫ يا‬ ‫ ‬ ‫ساهرين‬ ‫ يا‬ ‫َ‬ ‫ ‬ ‫اخليام‬ ‫ ُه ّبوا من ْ‬ ‫َ‬ ‫السالم‬ ‫حصون‬ ‫لنبني‬ ‫ ‬ ‫ْ‬ ‫ميوت فيها‬ ‫ ‬ ‫ ديا ُرنا َمن يفتدهيا‬ ‫غرينا ُ‬ ‫َمن ُ‬ ‫وور ِد ُرباها‬ ‫ ‬ ‫ فدً ى حلامها‬ ‫ِفدى كل حب ٍة من ثراها‬ ‫ ‬ ‫المجموعة ‪ :‬بالدي‬ ‫ْ‬ ‫الغاصبون‬ ‫َأ َذ َّل ِك‬ ‫ زمان ًا طويال ‬ ‫ بالدي‬ ‫ْ‬ ‫راجعون‬ ‫فإننا‬ ‫ ‬ ‫ ِأط ِّلي َقليال‬ ‫فريوز ‪ :‬يا بالدي‬ ‫ْ‬ ‫الغاصبون‬ ‫َأ َذ َّل ِك‬ ‫ زمان ًا طويال ‬ ‫ يا بالدي ‬ ‫ْ‬ ‫راجعون‬ ‫فإننا‬ ‫ ‬ ‫ ِأط ِّلي قليال‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫احلصون‬ ‫يف غفلة‬ ‫ ‬ ‫السكون‬ ‫الشباب ‪ :‬يف هدأة‬ ‫ْ‬ ‫هيتفون‬ ‫ أصحابنا عىل الطريق الرحب ‬ ‫الصباي ا ‪ :‬يف األمطا ْر‬ ‫ْ‬ ‫راجعون‬ ‫ب ‪ :‬‬ ‫الشبا ‬ ‫الصباي ا ‪ :‬يف اإلعصا ْر‬ ‫ْ‬ ‫راجعون‬ ‫ب ‪ :‬‬ ‫الشبا ‬ ‫ ‬ ‫الرياح‬ ‫الشموس‪ ...‬يف‬ ‫المجموعة ‪ :‬يف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫راجعون راجعون راجعون‬ ‫ ‬ ‫البطاح‬ ‫احلقول‪ ...‬يف‬ ‫ يف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫باإلميان‬ ‫الصباي ا ‪ :‬‬ ‫‪231‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫ُ‬ ‫ ‬ ‫وذقنا الليل‬ ‫ ‬ ‫ ذقنا ا َهلولَ‬ ‫ ‬ ‫واشتد‬ ‫ّ‬ ‫طغى‬ ‫ ‬ ‫ إن الربدَ‬ ‫حطام؟‬ ‫ورشاع اخلري‬ ‫ ‬ ‫ننام؟‬ ‫ْ‬ ‫فريوز ‪ :‬هل ْ‬ ‫ظالم؟‬ ‫ ‬ ‫ننام؟‬ ‫ودروب احلق ْ‬ ‫ هل ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ ُ‬ ‫يسك ُنه غريب؟‬ ‫ْ ‬ ‫احلبيب‬ ‫وبيتنا‬ ‫اخليام‬ ‫ ونحن الجئون يف ْ‬ ‫ننام؟‬ ‫ هل ْ‬ ‫ننام‬ ‫المجموعة ‪ :‬لن ْ‬ ‫وظالم‬ ‫فريوز ‪ :‬والكون أسى‬ ‫ْ‬ ‫ننام‬ ‫المجموعة ‪ :‬لن ْ‬ ‫سالم‬ ‫سيعم‬ ‫األرض ْ‬ ‫َ‬ ‫فريوز ‪ُّ :‬‬ ‫سالم‬ ‫سالم‪ْ ...‬‬ ‫المجموعة ‪ْ :‬‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫نطوف‬ ‫مع الدُّ جى‬ ‫ ‬ ‫الصفوف‬ ‫فريوز ‪ :‬هيا إىل‬ ‫النيام‬ ‫ عىل اخليام ِ نوقظ ْ‬ ‫يثور نشيدْ‬ ‫ ‬ ‫ت‬ ‫ ‬ ‫ت‬ ‫من الفلوا ِ‬ ‫المجموعة ‪ :‬يف الليال ِ‬ ‫َصداه ُيعيدْ‬ ‫ ‬ ‫األمطار‬ ‫ويف‬ ‫ ‬ ‫اإلعصار‬ ‫ يف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ننام‬ ‫ لن ْ‬ ‫حطام‬ ‫فريوز ‪ :‬ورشاعُ اخلري‬ ‫ْ‬ ‫ننام‬ ‫المجموعة ‪ :‬لن ْ‬ ‫ظالم‬ ‫فريو ز ‪ :‬‬ ‫ودروب احلق ْ‬ ‫ُ‬ ‫ وقوف ًا‪ ...‬وقوف ًا‬ ‫المجموعة ‪ :‬وقوف ًا‪ ...‬وقوف ًا‬ ‫ْ‬ ‫املرشدون‬ ‫أهيا‬ ‫ ‬ ‫فريوز ‪ :‬وقوف ًا‬ ‫ْ‬ ‫تسمعون؟‬ ‫يا ُترى هل‬ ‫ ‬ ‫ وقوف ًا‬ ‫طعام‬ ‫بدون ْ‬ ‫ِ‬ ‫ننام؟‬ ‫فأين ْ‬

‫‪230‬‬


‫عودة العسكر‬

‫(ساحه َّ‬ ‫َ‬ ‫قدام بيت لبناين كبري‪ .‬صبايا البسين طراطري عىل ُ‬ ‫مصطبه‬ ‫روسن‪ ،‬قاعدين َع‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫والش َ‬ ‫لحه ِب ِإيدا)‪.‬‬ ‫عمتطلع لبعيد‪،‬‬ ‫واقفه‬ ‫قدام باب‪َ ،‬عميخ ّيطوا شلحات‪ِ .‬وحدِه ِمنن ِ‬

‫ ‬ ‫شلح ْة احلرير‬ ‫الصبايا ‪ِ :‬‬ ‫ ‬ ‫شلح ْة احلرير‬ ‫ ِ‬ ‫ ‬ ‫ يا حكاية جبلنا‬ ‫ ‬ ‫ لكل بطل من جيشنا‬ ‫ ‬ ‫فريوز ‪ :‬شلحة احلرير‬ ‫ ‬ ‫ ْو َحدّ مواقد نارنا‬ ‫ ‬ ‫اإلمات‬ ‫ من شوق ّ‬ ‫ ‬ ‫ ومن ضحكات والدنا‬ ‫ ‬ ‫الصباي ا ‪ :‬خ ّلينا نعجِّ ل‬ ‫ ‬ ‫ وتفيي بيارقهن‬ ‫ نحنا خ َّلصنا ‬ ‫ ‬ ‫ كلّ بطل شلحَ ه‬ ‫ ‬ ‫ نجال اضحكي يا نجال‬

‫الصبيه‬ ‫من إيد ِّ‬ ‫غنيه‬ ‫يا جواحن ِّ‬ ‫وهدايا مغازلنا‬ ‫من جيش احلر ِّيه‬ ‫يا مشغو ِله‬ ‫مغزو ِله‬ ‫البنيات‬ ‫وس َهر َّ‬ ‫َ‬ ‫هنيه‬ ‫غفوه ِّ‬ ‫بيش ِ‬ ‫ه َّلق بيط ّلوا‬ ‫عَ اجلبل ك ُّلو‬ ‫احللوه‬ ‫الشلحات ِ‬ ‫احللوه‬ ‫من إيد ِ‬ ‫ليش صفنا ِنه يا نجال؟‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫ْ‬ ‫راجعون‬ ‫ب ‪ :‬‬ ‫الشبا ‬ ‫ْ‬ ‫لإلوطان‬ ‫الصبايا ‪ :‬‬ ‫ْ‬ ‫راجعون‬ ‫ب ‪ :‬‬ ‫الشبا ‬ ‫ ‬ ‫والظالل‬ ‫الرمال‬ ‫المجموعة ‪ :‬يف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫والتالل ‬ ‫ب‬ ‫ يف الشعا ِ‬ ‫ِ‬

‫‪232‬‬

‫راجعون راجعون راجعون‬


‫نصوص رحبانية‪ :‬مسرحيات ومشاهد مغناة‬

‫ ‬ ‫ وصار السيف يقارع سيف‬ ‫ ‬ ‫ حفظنا حدود رفعنا بنود‬ ‫ وراح هنار وطل هنار ‬ ‫ ‬ ‫الجمع ‪ :‬إ ْيه يا عبدُ و احكي يا عبدُ و‬ ‫ ‬ ‫الصباي ا ‪ :‬طرقات السواحل‬ ‫ ‬ ‫ ومن اجلبل نازل‬ ‫َ‬ ‫ وبحور‬ ‫ ‬ ‫الغميقه‬ ‫األرزه َ‬ ‫ ‬ ‫العتيقه‬ ‫ ْو عَ ِ‬ ‫ ‬ ‫ وجيشنا اليل راجع‬ ‫ ‬ ‫ صوب اجلبل طالع‬ ‫وبنيه حليا ِنه ‬ ‫ ِّ‬ ‫ ‬ ‫ ِبحاال سكرا ِنه‬ ‫ ‬ ‫ ط ِّلت عَ املفارق‬ ‫ ‬ ‫وتع ِّلي البيارق‬ ‫ َ‬

‫ويسكر جمد ويسكرنا‬ ‫وعلوات األرز ْذ َكرنا‬ ‫ْب َنرصو القاطع َّبشرنا‬ ‫اهلل ْمحَ ِّيي عسكرنا‬ ‫بالغار مز َّي ِنه‬ ‫عجْ ق َ‬ ‫مغ ِّطي الد ِني‬ ‫تتموج باحلال‬ ‫َّ‬ ‫تت ُلج ورد وصال‬ ‫وحدا‬ ‫ليل وخيل ِ‬ ‫يتمشى عَ اهلدا‬ ‫ترقص ِب َهاملدى‬ ‫وما تسأل عَ حدا‬ ‫سيوف اليل عَ متلمع‬ ‫تغزل جمد وتشقع‬

‫(بيفوتوا العسكر َع ضرب الطبول والغنا)‬

‫ ‬ ‫العسكر ‪ :‬ه ِّلي عَ الريح‬ ‫ ‬ ‫ ع ّز وتلويح‬ ‫الصباي ا ‪ :‬إلنا املالعب‬ ‫العسك ر ‪ :‬إلنا‬ ‫الصباي ا ‪ :‬وقهر املصاعب‬ ‫العسك ر ‪ :‬إلنا‬ ‫ ‬ ‫تسمعنا‬ ‫الصبايا ‪ :‬عَ غناين املجد َّ‬ ‫ ‬ ‫العسك ر ‪ :‬وبإسمو رحنا ورجعنا‬

‫يا رايتنا َالع ِّليه‬ ‫اللبنانيه‬ ‫أرزتنا‬ ‫ِّ‬ ‫ِ‬

‫جتمعنا‬ ‫ْو عَ درب احلق َّ‬ ‫والريح تصيح‬ ‫‪235‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫ ‬ ‫‪ :‬قلبي دايب عَ سامل‬ ‫نجال ‬ ‫ ‬ ‫الصباي ا ‪ :‬ال ختايف عَ سامل‬ ‫ ‬ ‫ َهالـ عَ ْمل ِع ْة سيفو‬ ‫ ‬ ‫ هاليل خيال حصانو‬ ‫ ‬ ‫ سامل هاحلامل عَ جبينو العز‬ ‫ وبقلبو األرز ‬

‫يا ريب تردّ و سامل‬ ‫عَ هالشب األسمر‬ ‫بتتكسر‬ ‫النجامت‬ ‫َّ‬ ‫ْم ِن ْخوايب الدهر بيسكر‬ ‫وعَ مبيقود العسكر‬

‫(بينسمع أصوات ِحدا وترويد من بعيد‪ .‬الصبايا بيجمدوا وبيصغوا‪ ،‬وبيفوت ُ‬ ‫عبدو)‬

‫‪ :‬شو يا عبدُ و؟‬ ‫ ‪-‬‬ ‫‪ :‬إ ْيه يا عبدُ و؟‬ ‫ ‪-‬‬ ‫‪ :‬وين صار العسكر يا عبدُ و؟‬ ‫ ‪-‬‬ ‫ُ‬ ‫بالساحه‬ ‫َ‬ ‫عبدو ‪ :‬‬ ‫ت وصلوا؟‬ ‫ ‪-‬‬ ‫‪ :‬ه َّلق َ‬ ‫ُ‬ ‫عبد و ‪ :‬إ ْيه ه ّلق‪ ...‬بعدُ ن يش ط ّلوا‬ ‫‪ :‬شو أخبا ُرن؟‬ ‫ ‪-‬‬ ‫‪ :‬كيف أحوا ُلن؟‬ ‫ ‬‫ُ‬ ‫عبد و ‪ُ :‬‬ ‫القاهن اجلبل ك ُّلو‬ ‫ ‬ ‫الجمع ‪ْ :‬ص َبرنا واهلل َص َّبرنا‬ ‫ إ ْيه يا عبدُ و‬ ‫ ‬ ‫ احكي يا عبدُ و‬ ‫ُ‬ ‫ ‬ ‫عبد و ‪ :‬كان الليل سنابك خيل‬ ‫ ‬ ‫الجم ع ‪ :‬إ ْيه يا عبدُ و احكي يا عبدُ و‬ ‫ُ‬ ‫ ‬ ‫عبدو ‪ :‬أرض غبار وهني كتار‬ ‫ ‬ ‫الجم ع ‪ :‬إ ْيه يا عبدُ و احكي يا عبدُ و‬ ‫ُ‬ ‫ ‬ ‫عبدو ‪ :‬كنا قالل وبس رجال‬ ‫‪234‬‬

‫وبالنرص القاطع برشنا‬ ‫اهلل ْمحَ ِّيي عسكرنا‬ ‫ركبنا عَ اخليل وطرنا‬ ‫اهلل ْمحَ ِّيي عسكرنا‬ ‫تشاورنا وتد َّبرنا‬ ‫اهلل ْمحَ ِّيي عسكرنا‬ ‫قالل ْو عَ األعدا كرتنا‬


‫نصوص رحبانية‪ :‬مسرحيات ومشاهد مغناة‬

‫‪ :‬وسامل؟ ما شفنا سامل‪.‬‬ ‫ ‪-‬‬ ‫‪ :‬سامل‪َ ،‬و ْي ُن ِّوي سامل؟‬ ‫ ‬‫القصه مش عَ م ِبرتدّ وا‪ ،‬يا الـْ كنتو تردّ وا؟‬ ‫ شو َّ‬ ‫ َو ْي ُن ِّوي سامل ُ‬ ‫قايدكن؟ َو ْي ُن ِّوي سامل؟ َو ْي ُن ِّوي سامل؟‬ ‫‪ :‬مش راجع؟‬ ‫نجال ‬ ‫‪ :‬ال مش راجع‪.‬‬ ‫ ‪-‬‬ ‫‪ :‬عَ طول؟‬ ‫ ‪-‬‬ ‫‪ :‬إ ْيه عَ طول‬ ‫ ‪-‬‬ ‫ْو عَ تالل الزهر‬ ‫ ‬ ‫تسمر بالدهر‬ ‫ َّ‬ ‫ْو عَ مبيدافع‬ ‫ ‬ ‫مرشع سيفو ِبإيدو‬ ‫ ِّ‬ ‫احللوه‬ ‫نجال ‬ ‫‪َّ :‬‬ ‫حي ْكنا الشلحات ِ‬ ‫ وسامل كان حيبا زرقا‬ ‫ ك ُّلن أخدوا‪ِ ،‬لبسوا‪ِ ،‬د ْف ُيوا‬ ‫ َ‬ ‫وهالشلحَ ه َو ْحدا رح تبقى‬ ‫فريوز ‪ :‬ال ختايف‪ ...‬سامل غفيان‪ ...‬مش بردان‬ ‫ نايم عَ ت ِّله ‬ ‫وناطر زهر اللوز بنيسان‬ ‫ ‬ ‫ بتضل تص ّلي‬ ‫َّ‬ ‫ومغطى ْبعلم لبنان‬ ‫ بقلبو اإلميان ‬ ‫ِب ْت َش ِّمس الد ِني‬ ‫ ‬ ‫ بتت ُلج الدين‬ ‫ت ختلص الد ِني‬ ‫ ‬ ‫بحبك‬ ‫َ‬ ‫ ويا لبنان َّ‬ ‫غنيه‬ ‫ ‬ ‫عينيي‬ ‫وبق َّلك ِّ‬ ‫بخبيك ْب ِّ‬ ‫ ِّ‬ ‫وشمسك احلر ِّيه‬ ‫ ‬ ‫املحبه‬ ‫َ‬ ‫ تلجك ِّ‬ ‫ ‬ ‫ وطني يا حكا ِيه‬ ‫ ‬ ‫بحبك‬ ‫ ليش هالقد ّ‬

‫مضوا ِيه‬ ‫بالع ّز ّ‬ ‫يا غاي ْة الغا ِيه‬ ‫‪237‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫ ‬ ‫ ه ِّلي عَ الريح‬ ‫ ‬ ‫ ع ّز وتلويح‬ ‫فريوز ‪ :‬يا حبي الراجع أهال ‬ ‫ ‬ ‫ صارت سامنا أحىل‬ ‫ يا حبي الراجع أهال ‬ ‫ شفتك والدن ِيه قبايل ‬ ‫ يا تلج اتلج عَ العايل ‬

‫يا رايتنا َالع ِل ِّيه‬ ‫اللبنانيه‬ ‫أرزتنا‬ ‫ِّ‬ ‫يا غايل وغايل أهال‬ ‫وجبال الـْ عنا أعىل‬ ‫يا حبي الراجع أهال‬ ‫وإيام ْت ِع ّن عَ بايل‬ ‫ويا أرز العايل تعىل‬

‫(الصبايا بيصريوا ّ‬ ‫يفرقوا هدايا َع العسكر)‬

‫مشالح عكار ِّيه‬ ‫ّينيه‬ ‫خناجر جز ِّ‬ ‫وخوايب زحالو ِّيه‬ ‫ُ‬ ‫قيمتكن‬ ‫قيمتنا مش‬ ‫َلحَ دّ القلمون‬ ‫وزهر الليمون‬ ‫كتب جمدا القد ِميه‬ ‫قيمتنا مش قيمتكن‬

‫ ‬ ‫الصبايا ‪ :‬حرير من الزوق‬ ‫ ‬ ‫ عسل من َميفوق‬ ‫ ‬ ‫ ّتفاح اجلرد العايل‬ ‫ ‬ ‫ َه ْي هدايانا ِإ ُلكن‬ ‫ ‬ ‫فريوز ‪ :‬من صور لصيدا‬ ‫ ‬ ‫ حكايات الشواطي‬ ‫العظيمه ‬ ‫ ومن بريوت‬ ‫ِ‬ ‫ ‬ ‫ َهي هدايانا إلكن‬ ‫‪ :‬سعدى عَ متسأل عَ أنور‬ ‫ ‬‫‪ :‬حيو قاعد مع هالعسكر‬ ‫ ‪-‬‬ ‫‪ :‬ودياب اجلردي؟‬ ‫ ‪-‬‬ ‫بالساحه‪ ،‬هوي ورفقاتو عَ ميسكر‬ ‫َ‬ ‫‪ :‬‬ ‫ ‬‫‪ :‬نعامن مهنا؟‬ ‫ ‪-‬‬ ‫‪ :‬موجود‬ ‫ ‪-‬‬ ‫‪َّ :‬‬ ‫خطار الوادي؟‬ ‫ ‬‫‪ :‬موجود‬ ‫ ‪-‬‬ ‫‪236‬‬


‫المصالحة‬

‫صالح‬

‫ ‬ ‫ ‪ :‬يا شيخ نرصي‬ ‫الكورس‬ ‫نصري ‪ :‬أنا ما بصالح‬ ‫وإنت يا بوصالح‬ ‫الكورس‬ ‫ ‪َ :‬‬ ‫وديع ‪ :‬وأنا ما بصالح‬ ‫العداوه‬ ‫وما خلصت‬ ‫ ‬ ‫ ‪ :‬خلصت اإليام‬ ‫شخص‬ ‫ِ‬ ‫ رح بيصريو عرشين س ِنه‬ ‫الكورس‬ ‫ ‪ :‬بدنا نعرف ليش؟‬ ‫نصري ‪ّ :‬هوي بلش‬ ‫وديع ‪ّ :‬هوي بلش‬ ‫ ‪ :‬كيف؟ كيف؟‬ ‫الكورس‬ ‫صيفيه‬ ‫ ‬ ‫وديع ‪ :‬زمان زمان‬ ‫ِب َلي ِله ِّ‬ ‫صبيه‬ ‫ كان احلال وكان ‬ ‫فيه َّبنيه ِّ‬ ‫ إسام جور ِيه‬ ‫عليي‬ ‫ ‬ ‫ ِج ّن عليها‬ ‫و ْت ِـج ّن ّ‬ ‫وحبينا جور ِّيه‬ ‫ ّ‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫ ‪-‬‬ ‫ ‪-‬‬ ‫ ‬‫ ‪-‬‬

‫‪238‬‬

‫غنيه‬ ‫أل َّنك ِّ‬ ‫وشمسك احلر ِّيه‬

‫ ‬ ‫عينيي‬ ‫بحبك يا ِّ‬ ‫ ّ‬ ‫ ‬ ‫املحبه‬ ‫ تلجك ِّ‬ ‫ومعمر‬ ‫‪ :‬وتض ّلك عايل َّ‬ ‫‪ :‬وتض َّلك لبنان األخرض‬ ‫‪ :‬شعبك ك ُّلو‬ ‫ جيشك ك ُّلو‬ ‫‪ :‬عَ حدودَ ك يوقافوا عسكر‬ ‫ ‬ ‫ معاىف يا عسكر لبنان‬ ‫ ‬ ‫ وتتغاوى أرزة لبنان‬ ‫ ‬ ‫ يا خرضا تر ُقص عَ ْمطلّ‬ ‫ ‬ ‫تضل‬ ‫ ‬ ‫شمسك هاملضو ِّيه ّ‬ ‫ِ‬ ‫ ‬ ‫ معاىف يا عسكر لبنان‬

‫املسميه‬ ‫يا بو زنود‬ ‫ِّ‬ ‫فوق جبال احلر ِّيه‬ ‫بحكايات العز ِهتل‬ ‫هبالدين مضو ِّيه‬ ‫املسميه‬ ‫يا بو زنود‬ ‫ِّ‬

‫ ‬ ‫برجك عيد‬ ‫ َ‬ ‫ ‬ ‫ تسلم إيد‬

‫بالبيارق طاير‬ ‫ع ّلت هالعامير‬

‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬

‫خذين وطري ‬ ‫ ‬ ‫جمد كبري‬ ‫ ‬ ‫خري كتري‬ ‫ ‬ ‫ونواطري‬

‫العليه‬ ‫عَ جبال ِّ‬ ‫بعينيي‬ ‫عمشوفو ّ‬ ‫غنيه‬ ‫ومواسم ّ‬ ‫عَ الداير عَ الداير‬

‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬

‫ ‬ ‫خيال‬ ‫يا ّ‬ ‫ ‬ ‫بني جبال‬ ‫ ‬ ‫صوت ْرجال‬ ‫ّ‬ ‫ ‬ ‫والشالل‬

‫يلعب ع احلفا ‬ ‫يف‬ ‫فيها الدهر غايف‬ ‫بيق ّلك عوايف‬ ‫هيدر بالبشاير‬


‫نصوص رحبانية‪ :‬مسرحيات ومشاهد مغناة‬

‫نصري ‪ :‬مازال هيك بدّ ا تعلق‬ ‫ما بقى رح صالح‬ ‫ ‬ ‫ أنا اللي ِله وحدي‬ ‫القيني يا صالح‬ ‫ ‬ ‫وديع ‪ :‬أوف أوف َف ّو ُقوين يا خايل َف ّو ُقوين‬ ‫ساحه‬ ‫وكلّ َ‬ ‫َ‬ ‫ِب‬ ‫والفصاح ه‬ ‫َ‬ ‫املع َّنى‬ ‫نصري ‪ :‬أنا ِس ْيد َ‬ ‫العليه ِ‬ ‫هالساحه ِّ‬ ‫املساحه‬ ‫َ‬ ‫ وس ْيفي ْب ِي ْم َسح ا َألعْ دا ِبـحدّ و مت ْلام ْب ِت ْم ِسح األرض‬ ‫َ‬ ‫راكعه تسقي حصاين‬ ‫وديع ‪ :‬رماين الدهر با ْل ِـمت َلك رماين وفوارس َ‬ ‫ إنت وبنت أختك والسلي ِله وبدي ُ‬ ‫متلكن َس َبعه متاين‬ ‫واحد ‪ِ :‬إ ِجت بنت ِإختو‬ ‫ت قول احلكي ِبصوت عايل‬ ‫ ‬ ‫فريوز ‪ :‬يا بوصالح أنا جايي حلايل‬ ‫َ‬ ‫ خايل وإنت شغلتكن َ‬ ‫ك ّلام بتسهروا بيحصل ْقتا ِله‬ ‫ ‬ ‫غميقه‬ ‫ُ‬ ‫أبطال املعارك واملعايل‬ ‫ ‬ ‫احسبكن متل فرسان الليايل‬ ‫ ‬ ‫عَ بايل َن ِّفذ ا ْلـ طالع عَ بايل‬ ‫ ‬ ‫ والزير وأبوزيد اهلاليل‬ ‫إنت وخايل‬ ‫ ‬ ‫ت صالح‬ ‫وبدّ ي َب ْاو َسك َ‬ ‫ يا بوصالح أنا جايي َ‬ ‫ت ّ‬ ‫ ‪ :‬أهال ِّ‬ ‫نغني الفجر ْبعيد‬ ‫ ‬ ‫بحنه وباملواعيد‬ ‫الكورس‬ ‫اقعدي َ‬ ‫تزهر ِّ‬ ‫حنه يا ِّ‬ ‫ ِّ‬ ‫جنه وخي َلق عيد‬ ‫ ‬ ‫حنه اطلبي وامتني‬ ‫يال يا بوصالح‬ ‫ ‬ ‫فريوز ‪ :‬يال يا خايل‬ ‫وخلينا نصالح‬ ‫ ‬ ‫ تباوسوا كرمايل‬ ‫وديع ‪ :‬عَ رايس وعيوين‬ ‫ إنتي بتموين‬ ‫بعطر جديد‬ ‫ ‬ ‫ يا زه َره مسكو ِنه‬ ‫ت ّ‬ ‫ ‪ :‬أهال ِّ‬ ‫نغني الفجر بعيد‬ ‫ ‬ ‫بحنه وباملواعيد‬ ‫الكورس‬ ‫اقعدي َ‬ ‫تزهر ِّ‬ ‫حنه يا ِّ‬ ‫ ِّ‬ ‫جنه وخي َلق عيد‬ ‫ ‬ ‫حنه اطلبي وامتني‬ ‫‪241‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫كان احلال وكان‬ ‫كان احلال وكان‬ ‫مش مظبوط‬ ‫ْتـحَ ْر َك ِشت ّفيي‬

‫ ‬ ‫ ‪ :‬زمان زمان‬ ‫الكورس‬ ‫ ‬ ‫وديع ‪ :‬زمان زمان‬ ‫ ‬ ‫نصري ‪ :‬مش مظبوط‬ ‫ جور ِّيه اليل ّهيي ‬ ‫والنتيجه شو؟‬ ‫ ‪ :‬‬ ‫الكورس‬ ‫ِ‬ ‫وديع ونصري ‪ :‬هر ِبت خطي ِفه مع سعد الفران‬ ‫ ‪ :‬هر ِبت خطي ِفه مع سعد الفران؟‬ ‫الكورس‬ ‫ِّ‬ ‫صبيه ‪ :‬شو؟‬ ‫ي ‪ :‬مع سعد الفران‬ ‫وديع ونصر ‬ ‫ميكن بعدا بتتذكرين‬ ‫ ‬ ‫نصري ‪ :‬مش مصدِّ ق بترتكني‬ ‫ ّهال عَ إيامك يا جور ِّيه‬ ‫وطالمه عىل التنور‬ ‫ ‬ ‫وديع ‪ :‬كانت تعم ّلي مناقيش‬ ‫ِ‬ ‫ ّهال عَ خبزاتك يا جور ِّيه‬ ‫ماحدا عَ املايض يكون ندمان‬ ‫ ‬ ‫ ‪ :‬أهلل نجاكن من جور ِّيه‬ ‫الكورس‬ ‫واليل ِع ِلق سعد الفران‬ ‫ ‬ ‫ ال ْتـجَ وزتو وال ْت َع ّترتو‬ ‫ُ‬ ‫ ‪ :‬وتصاحلتوا وتباوستوا؟!‬ ‫أحدهم‬ ‫وديع ونصري ‪ :‬ورجعنا تزاعلنا‬ ‫ ‪ :‬ليش؟ ليش؟ قولوا ليش؟‬ ‫الكورس‬ ‫وديع ‪ :‬رصنا نغني وصار يغني‬ ‫بتقول ْم َـخ ِّمس َم ْردود‬ ‫ وب ْـيـجيب معو بنت إختو ‬ ‫وإنت ِب ْتجيب ْوالد ْأخ َتك‬ ‫نصري ‪َ :‬‬ ‫نحنا منجي حتى ْنردُّ و‬ ‫ ‬ ‫ ‪ :‬خايل بينسى‬ ‫والد أختو‬ ‫تغنو ْت َن ُ‬ ‫ت ُّ‬ ‫ينتكن ضدّ و‬ ‫إنت بتجيب بنت أختك ‬ ‫َ‬ ‫ َ‬ ‫‪240‬‬


‫نصوص رحبانية‪ :‬مسرحيات ومشاهد مغناة‬

‫بنفسجه‬ ‫كل يوم ِب ْرمي‬ ‫ ‬ ‫وديع ‪ :‬عَ ْبوا ِب ُكن‬ ‫ِ‬ ‫وصر ِلك س ِنه ْب ِت ْت َف َّرجي‬ ‫ ‬ ‫ َص ْريل س ِنه‬ ‫َ‬ ‫ و ْبـحَ ِّي ُكن ِمدري أنا مدري الطريق‬ ‫ ْبدوخ و ْبشوفا عَ مـرتوح وجتي‬ ‫ ‪ْ :‬بدوخ و ْبشوفا عَ مـرتوح وجتي‬ ‫الكورس‬ ‫مودِّ ِعك‬ ‫نصري ‪ :‬يوم اليل سافريت وكنت عَ َ‬ ‫إقشعك‬ ‫ ومشيت ال إقشع حدا وال ِ‬ ‫ إيدي عَ صدري إسأل ْوما فيه جواب‬ ‫معك‬ ‫ راجع معي وإال بقي قلبي ِ‬ ‫معك‬ ‫الكورس‬ ‫ ‪ :‬راجع معي وإال بقي قلبي ِ‬ ‫فريوز ‪ِ :‬د ّقيت ِد ّقيت وإيد ّيي ْتـجَ ّرحو‬ ‫ُ‬ ‫وقنديلكن سهران ليش ما بتفتحو؟‬ ‫ ‬ ‫ مدري أنا ما عدت أعرف بابكن‬ ‫ مدري نقل باب ا ْلـ ِل ُك ْن من مطرحو‬ ‫ ‪ :‬مدري نقل باب ا ْلـ ِل ُك ْن من مطرحو‬ ‫الكورس‬ ‫نصري ‪َ :‬غ ّنينا رقصنا وسهرنا‬ ‫والناطر بعدو ناطرنا‬ ‫ ‬ ‫الغنيه طرنا‬ ‫ عَ جناح ِّ‬ ‫ ‬ ‫عليه‬ ‫الكورس‬ ‫ ‪ :‬عَ َّل ْينا ِم ِّية ِّ‬ ‫املنسيه‬ ‫ ْ‬ ‫وح َصدنا ُّ‬ ‫الص َور من ال َـم ِّيه و ْنجوم السهل ِّ‬ ‫وديع ‪ :‬بعيوين ُح ِّبك بعيوين‬ ‫بعيوين وطني بعيوين‬ ‫ ‬ ‫ يا سهول الريح املجنو ِنه‬ ‫ ‬ ‫وبعدْ نا‬ ‫العشب‬ ‫ ‪َّ :‬غنينا كتري َّ‬ ‫ويا بلدنا العايل يا َبلدنا‬ ‫ ‬ ‫ باحلب وبالليل ْش َردْ نا‬ ‫‪243‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫ ‬ ‫فريوز ‪ :‬باب البوا ِبه ْببا َب ْين‬ ‫ ‬ ‫ عَ البوا ِبه فيه عَ بدَ ين‬ ‫ ‬ ‫ ‪ :‬باب البوا ِبه ْببا َب ْين‬ ‫الكورس‬ ‫ ‬ ‫ عَ البوا ِبه فيه عَ بدَ ين‬ ‫ ‬ ‫وشباكني ودار‬ ‫حلوه ّ‬ ‫فريوز ‪ِ :‬‬ ‫نغمه ونار وعُ َّوادَ ْين‬ ‫ ِ‬ ‫ ‬ ‫غمه ونار‬ ‫ عُ َّوادَ ْين و َن ِ‬ ‫ ‬ ‫ ‪ :‬باب البوا ِبه ْببا َب ْين‬ ‫الكورس‬ ‫ ‬ ‫ عَ البوا ِبه فيه عَ بدَ ين‬ ‫حلوه اليل ري ِفك ّ‬ ‫رف ‬ ‫وديع ‪ :‬ويا ِ‬ ‫ دَ ّف َوك ّف وردّ ادَ ين‬ ‫ ‬ ‫ ردّ ادَ ين ودَ ّف َوك ّف‬ ‫ ‬ ‫ ‪ :‬باب البوا ِبه ْببا َب ْين‬ ‫الكورس‬ ‫ ‬ ‫ عَ البوا ِبه يف عَ بدَ ين‬ ‫فريوز ‪ :‬صحرا وقا ِف ْل َتني َ‬ ‫ ‬ ‫وخ ْيل‬ ‫وحدّ ادَ ين‬ ‫ َفحْ م و َليل ِ‬ ‫ ‬ ‫ ِحدّ ادَ ين و َفحْ م و َليل‬ ‫ ‬ ‫ ‪ :‬باب البوا ِبه ْببا َب ْين‬ ‫الكورس‬ ‫ ‬ ‫ عَ البوا ِبه فيه عَ بدَ ين‬ ‫ ‬ ‫وصبري‬ ‫نصري ‪َ :‬خ ْوخ ّ‬ ‫ورمان ّ‬ ‫ ِج ْفت َ‬ ‫وصيادَ ين‬ ‫وط ْير ّ‬ ‫ ‬ ‫وج ْفت ْو َطري‬ ‫ ّ‬ ‫صيادَ ين ِ‬ ‫ ‬ ‫ ‪ :‬باب البوا ِبه ْببا َب ْين‬ ‫الكورس‬ ‫ ‬ ‫ عَ البوا ِبه فيه عَ بدَ ين‬ ‫‪242‬‬

‫ْقفو ِله ومفاتيح جداد‬ ‫الليل وعنرت بن شداد‬ ‫ْقفو ِله ومفاتيح جداد‬ ‫الليل وعنرت بن شداد‬ ‫العاشق غط العاشق طار‬ ‫ونغمه وعُ َّواد‬ ‫ونا َرين ِ‬ ‫ْقفو ِله ومفاتيح جداد‬ ‫الليل وعنرت بن شداد‬ ‫بتميش وخل ِفك مايش ّ‬ ‫الصف‬ ‫َّ‬ ‫وكفني ودَ ّف وردّ اد‬ ‫ْقفو ِله ومفاتيح جداد‬ ‫الليل وعنرت بن شداد‬ ‫ْ‬ ‫النجمه َميل‬ ‫العت ِمه َميل ِ‬ ‫وحدّ اد‬ ‫ولي َلني و َفحْ م ِ‬ ‫ْقفو ِله ومفاتيح جداد‬ ‫الليل وعنرت بن شداد‬ ‫َوم ّس ُيكن يا أهل اخلري‬ ‫وص ّياد‬ ‫وج ْفت ِ‬ ‫ْو َط ْي َرين ِ‬ ‫ْقفو ِله ومفاتيح جداد‬ ‫الليل وعنرت بن شداد‬


‫نصوص رحبانية‪ :‬مسرحيات ومشاهد مغناة‬

‫ ‬ ‫ ‪ :‬خ ْلصو غنانينا‬ ‫الكورس‬ ‫ ‬ ‫فريوز ‪ :‬البحر مسافر‬ ‫ ‬ ‫ ‪ :‬خ ْلصو غنانينا‬ ‫الكورس‬ ‫ ‬ ‫وديع ‪ :‬لي ِله طوي ِله‬ ‫ ‬ ‫ إذا العتم َخ ّيم‬ ‫الكل ‪ :‬أوف يا يا أوف‬

‫ض ّلي اذكرينا‬ ‫ناطر عَ الـمينا‬ ‫ض ّلي اذكرينا‬ ‫رح ِله طوي ِله‬ ‫نو َرك بيهدينا‬

‫‪245‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫فريوز ‪ :‬حبيبي ندهني ا ْف َتحويل الطريق‬ ‫ب العتيق‬ ‫ ‬ ‫يا وطني حبيبي يا دَ َه ِ‬ ‫ يا ْبواب الرشق املرفوعَ ه‬ ‫ِبـجْ ناح َالغ ِيمه َمزروعَ ه‬ ‫ ‬ ‫ جمد اإل ّيام‬ ‫وعىل صوت احلر ِّيه بيوعى‬ ‫ ‬ ‫دراجك نام‬ ‫ عَ ِ‬ ‫ ‪ :‬جمد اإل ّيام‬ ‫الكورس‬ ‫وعىل صوت احلر ِّيه بيوعى‬ ‫ ‬ ‫دراجك نام‬ ‫ عَ ِ‬ ‫فريوز ‪َ :‬ه ّال َه ّال يا تراب عينطو َر ه‬ ‫لوفيي زورا ‬ ‫ ستي من فوق ّ‬ ‫ ‪َ :‬ه ّال َه ّال يا تراب عينطو َره ‬ ‫الكورس‬ ‫لوفيي زورا ‬ ‫ ستي من فوق ّ‬ ‫وديع ‪َ :‬ه ّال َه ّال يا تراب عينطو َره ‬ ‫لوفيي زورا ‬ ‫ ستي من فوق ّ‬ ‫ ‬ ‫فريوز ‪َ :‬ه ّال َه ّال يا دار حمبويب‬ ‫ ُص َورنا فوق عَ َالف ّي مكتو ِبه ‬ ‫وديع ‪ :‬يا َصيف جديد ‬ ‫ وأنا ناطر يا عنب األشقر ‬ ‫غنيه ‬ ‫فريوز ‪َ :‬ب َيتك هالليل والليل ِّ‬ ‫ يا حبيبي ال تعتب عليي ‬ ‫نصري ‪ :‬راحت مواعيد ‬ ‫ بدي روح زو َرك يا حبيبي ‬ ‫‪244‬‬

‫يا ملفى الغيم وسطوح العيد‬ ‫راحت عَ العيد والعيد ْبعيد‬ ‫يا ملفى الغيم وسطوح العيد‬ ‫راحت عَ العيد والعيد ْبعيد‬ ‫يا ملفى الغيم وسطوح العيد‬ ‫راحت عَ العيد والعيد ْبعيد‬ ‫ناطرنا الصيف عَ باب الدار‬ ‫والع ْمر ْخبار‬ ‫مكتوبه ْخبار ُ‬ ‫ب جديد‬ ‫يا ُح ّ‬ ‫ت تصري نبيد‬ ‫َ‬ ‫و ْبوا َبك غيم والزي ِنه فوق‬ ‫جايبني َصو َبك َط ْير ّ‬ ‫الشوق‬ ‫ورج ِعت مواعيد‬ ‫ْ‬ ‫وناطرين العيد‬


‫نصوص رحبانية‪ :‬مسرحيات ومشاهد مغناة‬

‫ وميىض الشهر‬ ‫ وبعد الشهر‬ ‫ بتتذكرين قبل الضهر ‬ ‫الكورس ‪َ :‬ل ْونا الزّهر‬ ‫ ْم َب ّكي ّالنهر‬ ‫ ‬ ‫ من َالق ْهر‬ ‫فريوز ‪َ :‬ل ْونا الزَّهر‬ ‫ ْم ّفتح َز ْهر‬ ‫ وشعرا دَ ْهر‬ ‫ ْم َبدِّ د دَ ْهر‬ ‫ ومعها َم ْهر‬ ‫ ا ْت َن ْع َشر ُم ْهر ‬ ‫‪ :‬فيه ور ِده عَ سياج النوم‬ ‫وديع ‬ ‫ غرقا ِنه صحَّ اها اللوم‬ ‫ عُ طرا فاح بأول يوم ‬ ‫الكورس ‪َ :‬ل ْونا الزّهر‬ ‫ ْم َب ّكي ّالنهر‬ ‫ ‬ ‫ من َالق ْهر‬ ‫حلوه َ‬ ‫ ‬ ‫هبالف ّي‬ ‫فريوز ‪َ :‬ق ّلي فيه ِ‬ ‫ ْك َت ْب ِت ّال إسام عَ ال َـم ّي‬ ‫ ‬ ‫احلي‬ ‫اجلريه ْو َس ّـمى ّ‬ ‫ سـَمـّى ِ‬ ‫الكورس ‪َ :‬ل ْونا الزّهر‬ ‫ ْم َب ّكي ّالنهر‬ ‫ ‬ ‫ من َالق ْهر‬

‫وبعد الضهر بتنساين‬ ‫ومش دريا ِنه‬

‫َوأصا ِيل َس ْب َعه ْتـام ِنه‬ ‫ا ْنقطفت باليوم التاين‬ ‫ومش دريا ِنه‬ ‫ْو َلوال ْشو ّيه َس ّـماين‬ ‫ومش دريا ِنه‬ ‫‪247‬‬


‫ب‬ ‫سهرة ُح ّ‬

‫ت َغ ْيم ْب َن ْف َس ِجي‬ ‫ ‬ ‫فريوز ‪ِ :‬ت ْبقى َب َلدْ نا با َحل َمام ْم َس َّي ِجه‬ ‫و ِي ْضحَ ك عَ َه َ‬ ‫الع ْلوا ِ‬ ‫ْيصري اهلوى عَ ْبوا ُبن ْيروح وجيي‬ ‫ ‬ ‫ب اهلوا‬ ‫ و َل ّما عىل ْب َن ّيا ِتها ْي ِه ّ‬ ‫ْيصري اهلوى عَ بوابن ْيروح وجيي‬ ‫ ‬ ‫‪:‬‬ ‫الكل ‬ ‫ى وإبقى أنا والليل ِن ْـميش عَ ا َهلدا‬ ‫‪ :‬و ِتبقى َب َلدْ نا ِت ْضحَ ك ْبـهاك املد ‬ ‫ودي ع‬ ‫ت ْلعندْ ُهن ُتوصال ما ْي ُشو َفك حدا‬ ‫ ْي ِق ّلي أنا َرح عَ ِّتم الد ْن ِيه عَ َل ْي ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ت ْلعن ِد ُهن ُتوصال ما ْي ُشو َفك حدا‬ ‫ ‬ ‫‪:‬‬ ‫الك ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ ‬ ‫‪ :‬ور ِد ْة عَ ْين الصوا ِنه‬ ‫وديع ‬ ‫ َل ْونا الزّهر‬ ‫ ْم َب ّكي ّالنهر‬ ‫ ‬ ‫ من َالق ْهر‬ ‫الكورس ‪َ :‬ل ْونا الزّهر‬ ‫ ْم َب ّكي ّالنهر‬ ‫ ‬ ‫ من َالق ْهر‬ ‫‪َ :‬ل ْونا الزّهر‬ ‫وديع ‬ ‫ مبكي النهر‬

‫ما شاهلل شو حليا ِنه‬ ‫ومش دريا ِنه‬ ‫ومش دريا ِنه‬


‫نصوص رحبانية‪ :‬مسرحيات ومشاهد مغناة‬

‫ ‬ ‫ وتبقى ور ِده تنام‬ ‫ ‬ ‫نت اليل كنت تقول‬ ‫ ْو ِإ َ‬ ‫ ‬ ‫ عصفورة أيلول‬ ‫‪ :‬هيدا كان‪ ...‬من زمان‬ ‫وديع ‬ ‫ ‬ ‫فريوز ‪ :‬و َل ّما عبدو ْت َط َّلع بور ِده‬ ‫‪ :‬أنا‪...‬‬ ‫وديع ‬ ‫الكنزه ‬ ‫فريوز ‪ :‬و َل ّـما َب َر ِد ْ‬ ‫ت مني َش َلح ِ‬ ‫‪ :‬أنا‪...‬‬ ‫وديع ‬ ‫ ‬ ‫فريوز ‪ :‬ومني كان َبدو ِيرمي حالو‬ ‫ ‬ ‫‪ :‬أنا‪ ...‬أنا‪...‬‬ ‫وديع ‬ ‫ ‬ ‫ عَ َسطح البلد ِّيه‬ ‫ ‬ ‫عليي‬ ‫ كانت ِ‬ ‫راحت ِّ‬ ‫ ‬ ‫الكورس ‪ :‬عَ َسطح البلد ِّيه‬ ‫ كرمال كرمال ور ِده اجلور ِّيه‬ ‫ ‬ ‫‪ :‬كانت ِب ْك ِيت ْش َو ِّيه‬ ‫وديع ‬ ‫ ‬ ‫ لو ما َك ِّبر عقاليت‬ ‫ ‬ ‫الكورس ‪ :‬عَ َسطح البلد ِّيه‬ ‫ كرمال كرمال ور ِده اجلور ِّيه‬ ‫ ‬ ‫فريوز ‪ْ :‬ويا َهاك َالق َمر ِّيه‬ ‫ ‬ ‫ َبع ِدك َّقصه َمكتو ِبه‬ ‫ ‬ ‫الكورس ‪ :‬عَ َسطح البلد ِّيه‬ ‫ كرمال كرمال ور ِده اجلور ِّيه‬

‫السهر‬ ‫شباك َ‬ ‫عَ ّ‬ ‫وردة َالورد‬ ‫زهرة َالبرد‬ ‫مني هجم عَ عبدو؟‬ ‫و َل َّب ْسها َلور ِده؟‬ ‫عَ ن َسطح َالبلد ِّيه‬ ‫كرمال ور ِده اجلور ِّيه؟‬ ‫لو ما يتهدُّ وا ِّفيي‬ ‫عَ َس ْطح البلد ِّيه‬ ‫كرمال ور ِده اجلور ِّيه‬ ‫عشيه‬ ‫و ِن ْس ِي ْتني من ِّ‬ ‫عَ َس ْطح البلد ِّيه‬ ‫كرمال ور ِده اجلور ِّيه‬ ‫سيه‬ ‫املنسيه ومش ِم ْن ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫عَ َس ْطح البلد ِّيه‬ ‫كرمال ور ِده اجلور ِّيه‬ ‫‪249‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫الكورس ‪ :‬مني اليل َف َتح ال َّردِّ ه؟‬ ‫‪ :‬أنا اليل ْف َتحْ ت ال َّردِّ ه‬ ‫وديع ‬ ‫فريو ز ‪ :‬وليش ال َّردِّ ه عَ ور ِده؟‬ ‫بالصد ِفه ِق ّلنا ور ِده‬ ‫وديع ‬ ‫‪ّ :‬‬ ‫توصل ور ِده‬ ‫ت َ‬ ‫الكورس ‪ِ :‬ق ْر ِب ْ‬ ‫توصل‬ ‫فريوز ‪ :‬إيه ِق ْر ِبت َ‬ ‫‪ :‬مني؟‬ ‫وديع ‬ ‫فريوز ‪َ :‬ور ِده‬ ‫السه َره‬ ‫ودي ع‬ ‫‪ :‬ا ْنتزعت ّ‬ ‫قلبك؟‬ ‫فريوز ‪ :‬هاحلكي من َ‬ ‫ ‬ ‫‪ :‬إيه من َقلبي‬ ‫وديع ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫فريوز ‪ :‬و ُلوه شو هالقسا‬ ‫ ‬ ‫‪:‬‬ ‫وديع ‬ ‫ ‬ ‫ ومطرح ما بتكون‬ ‫ أنا ما بكون‬ ‫ ‬ ‫فريو ز ‪ :‬يا خسارة احلب‬ ‫ هت ُرب اإليام ‬ ‫ِّ‬ ‫ ‬ ‫وتبطل ور ِده تكون‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫احلسون‬ ‫ ِّغن ِّي ِة ّ‬ ‫‪ :‬هيدا كان‪ ...‬من زمان‬ ‫وديع ‬ ‫ ‬ ‫فريو ز ‪ :‬يا أسف الليل‬ ‫‪248‬‬

‫توصل من َهون‬ ‫ور ِده ْب َ‬ ‫وأنا ِب ْف ِر ْكها من َهون‬ ‫مزاع ْلها؟‬ ‫بعدك ِ‬ ‫مزاع ْلها‬ ‫عَ طول ِ‬ ‫مزاع ْلها‬ ‫عَ ُالعمر ِ‬ ‫األمل‬ ‫يا خجلة َ‬ ‫ختلص بال أمل‬ ‫راية الربج‬ ‫نجمة التلج‬ ‫السهر‬ ‫ِم ِضي وقت َ‬


‫نصوص رحبانية‪ :‬مسرحيات ومشاهد مغناة‬

‫عن حال ّ‬ ‫العشاقني‬ ‫بيض ّلوا مشتاقني‬ ‫ما بتهدا نار اهلوى‬ ‫اليل بيحب ما بينسى‬ ‫عَ ُالبعد القلب بيقسى‬ ‫ال هي زعال ِنه وال يش‬ ‫السه َره ْو ِبـميش‬ ‫برتُ ك َّ‬

‫ ‬ ‫فريوز ‪ :‬بيقولوا بالقصا ِيد‬ ‫ َشو ُقن َ‬ ‫ ‬ ‫بيض ّلو زا ِيد‬ ‫ ‬ ‫ إال ما يتالقوا سوا‬ ‫ بيقولوا بكتب اهلوى ‬ ‫‪ :‬بيقولوا بكتب اهلوى ‬ ‫ودي ع‬ ‫فريوز ‪ :‬هلق ور ِده جايي ِت ْس َهر ‬ ‫‪ :‬إذا ور ِده ِإ ِجت ِت ْس َهر ‬ ‫وديع ‬ ‫فريوز ‪ :‬ما بيصري تروح‬ ‫‪ :‬رح روح‬ ‫وديع ‬ ‫ت ور ِده‬ ‫الكورس ‪ِ :‬إ ِج ْ‬ ‫‪َ :‬سعي ِده َسعي ِده‬ ‫ور ِد ه‬ ‫الكورس ‪َ :‬أ ْهال ْبور ِده‬ ‫‪ :‬سهر ِّيه َسعي ِده‬ ‫ور ِد ه‬ ‫الكورس ‪ :‬ا ْقعدي يا ور ِده‬ ‫‪ :‬ما بيسوى روح ه ّلق كرمال املوجودين‬ ‫وديع ‬ ‫الكورس ‪ :‬كيف حا ِلك يا ور ِده؟‬ ‫‪ْ :‬مليحَ ه‬ ‫ور ِد ه‬ ‫‪ :‬ولوووه َصوتا شو َحنون‬ ‫ودي ع‬ ‫الكورس ‪ :‬ليش واقف؟ ا ْق ُعد‬ ‫‪ :‬إيه ا ْق ُعد‬ ‫ور ِد ه‬ ‫‪ِ :‬إيه ْم ِن ْق ُعد‬ ‫وديع ‬ ‫ب‬ ‫الك ‬ ‫ل‬ ‫والسه َره‪َ ...‬س ْه ِر ِة ا ُحل ّ‬ ‫‪َّ :‬‬ ‫ ‬ ‫فريوز ‪ :‬دار الدوري عَ الدا ِير‬ ‫ ‬ ‫هالقصه ودا ِير‬ ‫ حامل َّ‬

‫ت الدار‬ ‫يا ِس ّ‬ ‫داير ِمندار‬ ‫‪251‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫فريوز ‪ْ :‬ت َذ َّكر‬ ‫‪ :‬أووف‬ ‫وديع ‬ ‫الكورس ‪ْ :‬ت َذ َّكر‬ ‫‪ :‬أووف‬ ‫وديع ‬ ‫ ِك ِبر العنقود ‬ ‫ ‬ ‫ وبعدُ ن عمـيبكوا بقلبي‬ ‫الكورس ‪ِ :‬ك ِبر العنقود ‬ ‫ ‬ ‫ وبعدُ ن عميبكوا بقلبي‬ ‫‪ّ :‬كنا نتالقى‬ ‫وديع ‬ ‫ تبقى مشتا َقه‬ ‫ و َل ْف ِته ح ّرا َقه ‬ ‫الكورس ‪ِ :‬ك ِبر العنقود ‬ ‫ ‬ ‫ وبعدُ ن عميبكوا بقلبي‬ ‫‪ :‬ونبقى ِن ْت َخ ّبا‬ ‫وديع ‬ ‫األح ّبا‬ ‫ ْب َليل ِ‬ ‫ ‬ ‫ ِمدْ ري يا قلبا‬ ‫الكورس ‪ِ :‬ك ِبر العنقود ‬ ‫ ‬ ‫ وبعدُ ن عميبكوا بقلبي‬ ‫ودي ع‬ ‫ ‬ ‫‪ :‬أنا وياها تزاع ْلنا‬ ‫ ‬ ‫الكورس ‪ :‬ليش ْتزاعلتوا‬ ‫‪ :‬مدري كيف تزاع ْلنا‬ ‫وديع ‬ ‫ ‬ ‫فريو ز ‪ :‬مش فايق ليش‬ ‫‪ :‬فايق إنو تزاع ْلنا‬ ‫ودي ع‬ ‫فريوز ‪ :‬بيقولوا ْب ِك ُتب اهلوى ‬ ‫‪ :‬بيقولوا ْب ِك ُتب اهلوى ‬ ‫وديع ‬ ‫‪250‬‬

‫وخ َلص العنقود‬ ‫السود‬ ‫عينيها ُّ‬ ‫وخ َلص العنقود‬ ‫السود‬ ‫عينيها ُّ‬ ‫بالدّ مع ْتجود‬ ‫وخ َلص العنقود‬ ‫السود‬ ‫عينيها ُّ‬ ‫ِبشو َم ْوعود‬ ‫وخ َلص العنقود‬ ‫السود‬ ‫عينيها ُّ‬ ‫مدري كيف تزاع ْلنا‬ ‫وعىل شو؟‬ ‫وعىل شو؟‬ ‫ب ما بينسى‬ ‫اليل ِ‬ ‫بيح ّ‬ ‫عَ ُالبعد القلب بيقسى‬


‫نصوص رحبانية‪ :‬مسرحيات ومشاهد مغناة‬

‫ت الدار‬ ‫يا ِس ّ‬ ‫داير ِمندار‬ ‫وخ ْص ِرك َم ُ‬ ‫َ‬ ‫مشوق‬ ‫ِش ّم ْو ال ْتدوق‬ ‫ِش ّم ْو ال ْتدوق‬ ‫ِو ْتقويل ُر ْوق‬

‫ ‬ ‫الكورس ‪ :‬دار الدوري عَ الدا ِير‬ ‫ ‬ ‫هالقصه ودا ِير‬ ‫ حامل َّ‬ ‫اجلريه ‬ ‫وديع ‬ ‫‪ :‬يا فراش ْة هاك ِ‬ ‫ ‬ ‫ ْب َق ِّرب َصو ِبك ِب ْتطريي‬ ‫ ‬ ‫‪ْ :‬ب َق ِّرب َصو ِبك ِب ْتطريي‬ ‫الكل ‬ ‫الغريه ‬ ‫ودي ع‬ ‫‪ :‬ال تلوميني عَ ِ‬ ‫زغريه‬ ‫ ما فيه عاشق يا ِ‬ ‫ عَ قالتو ْكبار‬ ‫ت الدار‬ ‫ ‬ ‫‪ :‬دار الدوري عَ الدا ِير‬ ‫الكل ‬ ‫يا ِس ّ‬ ‫داير ِمندار‬ ‫ ‬ ‫هالقصه ودا ِير‬ ‫ حامل َّ‬ ‫فريوز ‪ :‬كانوا ْزغار ْوعُ ُم ْر ُهن َبعدو َط ِري‬ ‫ال ِمني ِع ِرف ِب َـه ُّمن ْوال ِمني ِد ِري‬ ‫ ‬ ‫ت ِت ْل َعب َم ِعك‬ ‫ ْي ِق َّال ْبـجيب ال ِّريح َ‬ ‫ت ِت ْك َبري‬ ‫ ‬ ‫ْو ِب ْك ُتب عْ يو ِنك عَ الشتي َ‬ ‫وص ّبي‬ ‫وديع ‬ ‫‪ :‬كان ياما كان فيه ِب ْنت َ‬ ‫ت ِت َل َعبي‬ ‫ ‬ ‫ْي ِق ّال ْب َع ِّم ْر ِلك َقرص َ‬ ‫ ودار الزّمان ْو َب ْعد فيه َك ْو ِم ْة ْحجار‬ ‫ْت َص ِّرخ يا ِإ ّيام الز َّغر ال ت ْـهريب‬ ‫ ‬ ‫فريو ز ‪ْ :‬وط ّل ْيت عَ َح ُّين َبعد َغ ْي ِب ِة ِس ِنه‬ ‫ْل َق ْيت الدّ ِني ِم ْت َغ ّي َره ْبهاك الدّ ِني‬ ‫ ‬ ‫ ِم ْتل َالغريب ْم َرقت ِقدّ ام ْالبواب‬ ‫ما حدا ِم ْن ُهن َس َألني شو ِب ِني!‬ ‫ ‬ ‫َس ِّه ْرنا‬ ‫ ‬ ‫الكورس ‪ :‬يابا أوف َس ِّه ْرنا‬ ‫َس ِّه ْرنا‬ ‫ ‬ ‫ يا ليل األ ْز َرق‬ ‫َس ِّف ْرنا‬ ‫ ‬ ‫النجمه‬ ‫ َوعَ ْحدود ِ‬ ‫‪253‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫‪252‬‬

‫ ‬ ‫الكورس ‪ :‬دار الدوري عَ الدا ِير‬ ‫ ‬ ‫هالقصه ودا ِير‬ ‫ حامل َّ‬

‫ت الدار‬ ‫يا ِس ّ‬ ‫داير ِمندار‬

‫ ‬ ‫فريوز ‪ :‬طا ِير من فوق ْسهي ِله‬ ‫ ‬ ‫ ْي َر ْف ِرف من َمي ِله ْل َم ْي ِله‬ ‫ ‬ ‫الكورس ‪ْ :‬ي َر ْف ِرف من َمي ِله ْل َم ْي ِله‬ ‫ ‬ ‫فريوز ‪َ :‬طلّ الليل ويا وييل‬ ‫ ‬ ‫ صار الليل ْبـهاللي ِله‬ ‫ ‬ ‫الكورس ‪ :‬دار الدوري عَ الدا ِير‬ ‫ ‬ ‫هالقصه ودا ِير‬ ‫ حامل َّ‬ ‫ ‬ ‫‪َ :‬ق ْلبي صا ِير َمـجْ نو ِنك‬ ‫وديع ‬ ‫ ‬ ‫ ال ْت َق ِّسي ع َل ّيي ظنو ِنك‬ ‫ ‬ ‫الكورس ‪ :‬ال ْت َق ِّسي ع ّل ّيي ظنو ِنك‬ ‫ ‬ ‫حلوه َي ّلي ْب ُصو ِنك‬ ‫ودي ع‬ ‫‪ :‬يا ِ‬ ‫ ْان ضحكوا هبالليل عْ يو ِنك‬ ‫ ِبيصري ْنهار‬ ‫ ‬ ‫الكورس ‪ :‬دار الدوري عَ الدا ِير‬ ‫ ‬ ‫هالقصه ودا ِير‬ ‫ حامل َّ‬ ‫ ‬ ‫فريوز ‪َ :‬و َّصي ِت َّلك ُت ْق ُطفيل‬ ‫ ْاس َودّ َ‬ ‫ ‬ ‫وص ْفيل‬ ‫الك ْرم ْو َم ُ‬ ‫الكورس ‪ْ :‬اس َودّ َ‬ ‫ ‬ ‫وص ْفيل‬ ‫الك ْرم ْو َم ُ‬ ‫ ‬ ‫فريوز ‪ِ :‬خدْ ين وطري ْبيش َغ ْف ِله‬ ‫ َخ ِّليني ْب َق ْل َبك ْ‬ ‫طف ِله‬ ‫ وخلينا ْزغار‬

‫َر ّف ْحساسني‬ ‫ْي َن ْق ِود ياسمني‬ ‫ْي َن ْق ِود ياسمني‬ ‫شاف احللوين‬ ‫ِي ْع َشق و ْيغار‬ ‫ت الدار‬ ‫يا ِس ّ‬ ‫داير ِمندار‬ ‫ناطر عَ العني‬ ‫ما يل َق ْل َبني‬ ‫ما يل َق ْل َبني‬ ‫ِبر ْيف العني‬ ‫ت الدار‬ ‫يا ِس ّ‬ ‫داير ِمندار‬ ‫َأ ّول عَ نقود‬ ‫عْ ناقيد السود‬ ‫عْ ناقيد السود‬ ‫والدنيي ْبرود‬ ‫ِّ‬


‫نصوص رحبانية‪ :‬مسرحيات ومشاهد مغناة‬

‫ ‬ ‫الغ ِّن ّيه الـْ عَ م ِت ْز َرع‬ ‫ صاروا ِ‬ ‫ صارو َالب ْيدر‬ ‫ ‬ ‫ صارو ال َـم ْصدَ ر‬ ‫فريوز ‪ْ :‬وعَ ِّم ْرها‪...‬‬ ‫الكورس ‪ :‬عَ ِّم ْرها‪...‬‬ ‫واعد‬ ‫وديع ‬ ‫‪ِ :‬ب ِإ ْيدَ ْين ْت َع ِّلي ِب َس ِ‬ ‫املارد‬ ‫ ِبال َـمجْ د ْو ِب َالق ْصد ِ‬ ‫ عَ ِّم ْرها‬ ‫ ِت ْضحَ ك بيا ِد ْرها‬ ‫الكورس ‪ :‬عَ ِّم ْرها‪...‬‬ ‫فريوز ‪ِ :‬بجَ وا ِنح بيضا ِب َـمحَ ِّبه‬ ‫ ِب َق ْمح ِي ْك َبر َح ِّبه َح ِّبه‬ ‫ عَ ِّمرها‪...‬‬ ‫قناط ْرها‬ ‫ ْو َز ِّين ِ‬ ‫ ‬ ‫الكورس ‪ :‬عَ ِّم ْرها‪...‬‬ ‫الص ْل ِبه‬ ‫ودي ع‬ ‫‪ :‬عَ َأساس احليطان ّ‬ ‫ عَ َالع ْت ِبه ِب ْتسا ِند عَ ْت ِبه‬ ‫ عَ ِّم ْرها‪...‬‬ ‫ ْو َن ِّسم يا َشجَ ْرها‬ ‫الكورس ‪ :‬عَ ِّم ْرها‪...‬‬ ‫فريوز ‪ْ :‬بيوت ْمضوا ِيه ْو َمقصو ِده‬ ‫ عىل إسم ّالن ْع ِمه َم ْرصو ِده‬ ‫ عَ ِّم ْرها‪...‬‬ ‫ َ‬ ‫وض ِّوي يا َق َم ْرها‬

‫ِباأل ْرض َالع ْطشا ِنه ِت ْز َرع‬ ‫ِّ‬ ‫والشمس اليل عَ ُمت ْط َلع‬

‫‪255‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫ ‬ ‫‪ :‬يابا أوف َم ْر ِجحْ نا‬ ‫وديع ‬ ‫ ‬ ‫احللوه‬ ‫ يا بيت ِ‬ ‫ ‬ ‫ وعىل إيام الشوق‬ ‫ ‬ ‫الكورس ‪ :‬يابا أوف ِب ِع َين ِّيي‬ ‫املنسيه‬ ‫ يا َقصص ُالع ْمر ِّ‬ ‫ وعَ َت ِبك عَ م ِي ْبكي َ‬ ‫بعين ِّيي‬ ‫فريوز ‪ :‬يابا أوف عَ مـتومي ‬ ‫ ‬ ‫ يا بيوت ْب َز ْن َبق‬ ‫ ‬ ‫ عَ العايل سطوحك‬ ‫‪ :‬إنتي من َوين؟‬ ‫وديع ‬ ‫فريوز ‪ :‬أنا من بلد الشبابيك‬ ‫ ‬ ‫املجروحه با ُحلب‬ ‫َ‬ ‫ ‬ ‫وإنت من َوين؟‬ ‫ ‬ ‫َ‬ ‫ ‬ ‫‪ :‬أنا من بلد احلكايات‬ ‫وديع ‬ ‫ ‬ ‫املحكيه عَ املجد‬ ‫ ‬ ‫ِّ‬ ‫فريوز ‪َ :‬م َرقوا مبارح عَ العايل؟‬ ‫‪ :‬مرقوا فوق الليايل‬ ‫وديع ‬ ‫ ‬ ‫فريوز ‪ :‬كانت ِإيدَ ْي ُهن َم ْـمدو ِده‬ ‫ ‬ ‫ َص ْوب اإل ّيام ال َـمشهو ِده‬ ‫ كانت عَ ْو ُج ُوهن َم ْكتو ِبه‬ ‫ َأسامي َأ ْه ُلن َمكتو ِبه‬ ‫ َأعْ ام ُرن‬ ‫ ‬ ‫ ِضحْ كات ْزغا ُرن‬ ‫ ‬ ‫‪ :‬كانت َأ ْصوا ُتن َم ْسموعَ ه‬ ‫وديع ‬ ‫ ‬ ‫ و ِإ ْيدَ ْي ُهن َس ْـمرا َم ْرفوعَ ه‬ ‫‪254‬‬

‫َم ْر ِجحْ نا‬ ‫َم ْر ِجحْ نا‬ ‫ْاش َلحْ نا‬ ‫ِب ِع َين ِّيي‬ ‫عَ مـتومي‬ ‫َم ُرس ِومه‬ ‫عَ مـتومي‬ ‫املفتوحه عَ الصد ِفه‬ ‫َ‬ ‫الـمب ِن ِّيه عَ ِاإل ْل ِفه‬ ‫وعيو ُنن عَ م ِت ْت َط َّلع‬ ‫يـِمشو وال ّرا ِيه ِت ْل َمع‬

‫وال ِّريح ْتروح و ِت ْر َجع‬ ‫ِم ْتل ِّ‬ ‫الشالل اهلا ِدر‬ ‫ُتـحْ ُصد َق ْمح البيا ِدر‬


‫من شعر‬ ‫األخوين رحباني‬

‫‪257‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫الكورس ‬ ‫فريوز ‬ ‫الكورس ‬ ‫فريوز ‬ ‫الكورس ‬ ‫فريوز ‬ ‫الكورس ‬ ‫ودي ع‬ ‫الكورس ‬ ‫وديع ‬ ‫الكورس ‬ ‫وديع ‬ ‫فريوز ‬ ‫الكورس ‬ ‫فريوز ‬ ‫الكورس ‬ ‫فريوز ‬ ‫الكل ‬

‫‪256‬‬

‫‪ :‬عَ ِّم ْرها‪...‬‬ ‫واعد ‬ ‫‪ِ :‬ب َس ِ‬ ‫‪ :‬عَ ِّم ْرها‪...‬‬ ‫‪ِ :‬ب ِإ ْيدَ ين‬ ‫‪ :‬عَ ِّم ْرها‪...‬‬ ‫ ‬ ‫حبه‬ ‫‪ِ :‬ب َـم ِّ‬ ‫‪ :‬عَ ِّم ْرها‪...‬‬ ‫واعد ‬ ‫‪ِ :‬ب َس ِ‬ ‫‪ :‬عَ ِّم ْرها‪...‬‬ ‫‪ِ :‬ب ِإ ْيدَ ين‬ ‫‪ :‬عَ ِّم ْرها‪...‬‬ ‫ ‬ ‫حبه‬ ‫‪ِ :‬ب َـم ِّ‬ ‫‪ :‬عَ ِّم ْرها‪...‬‬ ‫واعد ‬ ‫‪ِ :‬ب َس ِ‬ ‫‪ :‬عَ ِّم ْرها‪...‬‬ ‫‪ِ :‬ب ِإ ْيدَ ين‬ ‫‪ :‬عَ ِّم ْرها‪...‬‬ ‫ ‬ ‫حبه‬ ‫‪ِ :‬ب َـم ِّ‬

‫ف َالع ْين‬ ‫ْو ْاس ِقيها ْب ِر ْي ِ‬

‫ف َالع ْين‬ ‫ْو ْاس ِقيها ْب ِر ْي ِ‬

‫ف َالع ْين‬ ‫ْو ْاس ِقيها ْب ِر ْي ِ‬


‫من شعر األخوين رحباني‬

‫بصوات البالبل‬ ‫راجع ْ‬ ‫مـــســـ َّورْ‬ ‫بـــِّــك ـصـــار ـبـــرج َ‬ ‫ـب وبـــ ّدو يــرـجــع يغـلب‬ ‫غ ـلَـ ْ‬ ‫ــــوات الــبــاـبــل‬ ‫راـجــــع بـــ ْ‬ ‫ساـكن َع طــراف املـعاول‬

‫واـقـــف َع ـبـــواب القناطر‬ ‫إـيـــــدو عَــــمــــزرع الــبـــــادر‬

‫ســـاـكـــن خـــــف املــعـــــى‬ ‫ـبــن الــريــف وـبـــن الـعني‬ ‫ســـاـكـــن تـــــت الـــــــوزه‬ ‫وبــن السيـف وبـــــن احل ـ ّد‬ ‫راجـــــع بـــزنـــود الـــفـــوارس‬ ‫كتب املــدارس‬ ‫طالل مــن ُ‬

‫بتتخب‬ ‫صـــار الــقــ َّصــه الـــي‬ ‫ّ‬ ‫راح وبـــــ ّدو يـــرجـــع أكــر‬

‫راجــــع بــغــنــاين احلــصــادني‬ ‫ســاكــن بــفــراريــع احلطابني‬

‫جـــايي مــع هــبــات األشــعــار‬ ‫ُصــــ َورُو مــضــويِّــه بــصــدر ادلار‬ ‫ِ‬ ‫والــنــمــه‬ ‫وبــــن الـــــغـــــزَّارَه‬ ‫ِ‬ ‫وخــلــف حــــروف الــكــمــه‬ ‫ِ‬ ‫الــزيــتــونــه والــســبـ ِـه‬ ‫وحــــ ّد‬ ‫ِ‬ ‫الــنــبــه‬ ‫وحتـــــت عـــيـــون‬

‫راجـــــــع بـــــــإايم الـــعـــيـــاد‬ ‫وبــــ ّدو خيــلــق بقصص الـــوالد‬

‫‪259‬‬



‫من شعر األخوين رحباني‬

‫الشعب َلـ فخر الدين‬

‫وـعـــــــد الـــــــــرف والـــــــطـــــــاـعـــــــه‬ ‫قـــداـمـــك مــنــوـقــف بـــطـــاعَـــه وتـــقـــديـــر‬ ‫ســيــوفـــــا منحنهياـ ل َـــســـيـــفـــك اي مــر‬ ‫الــعــتــيــق‬ ‫مــنــحـــــف بــرفـــــا ابألرز‬ ‫مبـــجـــداـن ا ْل جــــاـيــــي ابلـــعـــز الــــي كــان‬ ‫وْ ْبـــــل‬ ‫حبة ـتراب مـــن أرض لــبــنــان‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ابلـــكـــرامـــه‬ ‫وبـــــــق اإلنـــــــان يــمــتــع‬ ‫ويعيش بأمان‬ ‫وـكــل الــي بيرتاـجع ولك الــــي بــيــخــون‬ ‫بيكون ملعون‬ ‫ِيـ ْــ ـ َبــس مـتل التيـنه الــــي وحـــــدا ابجلـــرد‬ ‫اليل حارقها ابلربد‬ ‫حيزن متل الرسو‬ ‫يبيك متل الصفصاف‬ ‫متل الغميِه السودا‬ ‫اليل ممسِّرها البغض‬ ‫تشت َع قربو ادلين‬ ‫وال ّ‬ ‫وترشدلو ترابو الرحي‬ ‫من هلّق ل َِم ِّية سنِه‬ ‫ت ختلص ادلين‬ ‫وْ َ‬ ‫‪261‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫ضوى الهوى قناديلو‬ ‫ّ‬

‫ضـــــ ّوى اهلـــــــوى قــنــاديـــــو‬ ‫كـــــب الــهــر مــواويـــــو‬

‫وطـــلـــع الــقــمــر وتــشــ ّوقــنــا‬ ‫ورق الــشــجــر رح يسبقنا‬

‫ـاب اي ورد الــعــتــب املــايــل‬ ‫ورد الـــــي مــاـيــل َع غــــ ُ‬ ‫كـتبوا الرساـيل عـلى اببُــن تـــركـــوا ورق الــرســايــل‬ ‫ورصان سوا‬ ‫نهسر سوا‬ ‫وميحي اهلوا‬ ‫تعب اهلوى‬ ‫ونبعت للحلو نشكيلو‬ ‫ويبعتلنا مراسيلو‬

‫أـخـــــدوا ادلفـــاـتـــر بــإيــدـيـــــن وانــــكــــتَــــبــــوا ابدلفــــاتــــر‬ ‫واحلـــــب مــســاـفــر بعينهينـ والـــعـــمـــر رشاع ْمــســافــر‬ ‫ويبقى احليك‬ ‫جيرّ احليك‬ ‫نهشق عىل حدود البيك‬ ‫وديلو قصص‬ ‫وديلو‬ ‫عن اهلوى واحكيلو‬ ‫‪260‬‬


‫من شعر األخوين رحباني‬

‫دار الدوري‬ ‫دار اـلدوري َع ادلاـير‬ ‫حـــاـمـــل هــالــقــ َّصــه وداـيــــر‬

‫ســيــه‬ ‫طـــايـــر مـــن فــــوق ْ‬ ‫َ‬ ‫يــرفــرف مــن مَ ِ‬ ‫ــيــه َملــيـ ِـه‬ ‫طـــل الـــلـــيـــل‪ ...‬واي ويــي‬ ‫صــــــار الـــلـــيـــل هبــالــلــيــه‬

‫وصـــيـــتـــ َّــــك تــقــطــفـــــي‬ ‫ْاســــ َودّ الـــــرم ومــوصــوفْــي‬ ‫خــدـنــي وطـــــر بـــي غفلِه‬ ‫وخــلــيـــــي بــقــلــبــك طــفـــِــه‬ ‫ِ‬ ‫جمــنــونــك‬ ‫قـــلـــي صـــايـــر‬ ‫عـــلـــي ظــنــونــك‬ ‫تـــقـــي‬ ‫ال‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫اي حـــلـــوه يـــي ْبــصــونــك‬ ‫ان ضحكوا هبالليل ِ‬ ‫عيونك‬

‫ِ‬ ‫فــــراشــــ ْة هــــاك اجلــــرِه‬ ‫اـي‬ ‫ْبــقَــرِّب صــو ِبــك بتصيرـي‬ ‫ال تــلــومــيـــــي َع الـــــــرِه‬ ‫مــا فــ ْيــه عــاشــق اي زغـــــرِه‬

‫ـيـــــــــا ـســـــــــت ادلار‬ ‫دايـــــــــــــــر مــــــنــــــدار‬

‫حــــســــاســــيــــن‬ ‫رف‬ ‫ْيـــــــ َنـــــــ ْقـــــــوِد ايمســــن‬ ‫شـــــــــــاف احلــــــلــــــوني‬ ‫يـــــعـــــشـــــق ويـــــغـــــار‬

‫ـعـــــــــــــــــــــــود‬ ‫أوّل‬ ‫عــــنــــاقــــيــــد الـــــســـــود‬ ‫وادلنـــــــــ ِيـــــــــه بـــــــرود‬ ‫وخـــــلـــــيـــــنـــــا زغــــــــار‬

‫انطـــــــــر َع الـــــ َعـــــن‬ ‫قــــلــــبــــن‬ ‫مــــــــا يل‬ ‫َ‬ ‫بــــــــريــــــــف الـــــعـــــن‬ ‫بـــــيـــــصـــــيـــــر ْنـــــــــار‬ ‫خـــــــــــرِك ممــــشــــوق‬ ‫ـشـــــــــــم وال تــــــدوق‬ ‫ّ‬ ‫وتــــــــقــــــــويل روق‬ ‫عــــــقــــــاتــــــو كــــبــــار‬ ‫‪263‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫شو بيبقى من الروا ِيه‬ ‫شـــو بــيــبـــــى ـمـــن الـــروا ِيـــه شـــو بــيــبــقــى مـــن الــشــجــر‬ ‫شــو بيبـقى ـمــن الـــــوارع شــــو بــيــبــقــى مــــن الــهــر‬ ‫شو بيبقى من الليل‬ ‫من احلب من احليك‬ ‫من الضحك من البيك‬ ‫شو بيبقى اي حبييب‬ ‫بــيــبـــــى قـــصـــص زغـــــــرِه‬ ‫عــــمــــبــــتــــردهــــا الـــــرحي‬ ‫ّ‬ ‫شـــو بــيــبــقــى ـمـــن املــاـهــي مـــــن رصــــيــــف الــقــمــر‬ ‫ـمـــن الـــــــاس الــــي حَـــــوا مـــن الـــلـــوعَـــه مـــن الــضــجــر‬ ‫شو بيبقى من البحر‬ ‫من الصيف من ا ْل مىض‬ ‫من احلزن من الرىض‬ ‫شو بيبقى اي حبييب‬ ‫بــيــبـــــى قـــــــص زـغـــــرِه‬ ‫عــــمــــبــــتــــردهــــا الـــــرحي‬ ‫ّ‬ ‫ـمـــع قــصــص الــــرحي غــرّبـــــي‬ ‫َع شـــطـــوط الــعــمــر غــرّبــي‬ ‫اـكـتـبـني‬ ‫واـكـتـبـني‬ ‫َع الــــــــورق اكــتــبــي‬ ‫َع احلـــــزن وْ َع الــزـهــر‬ ‫َع الــصــيــف وْ َع الــبــحــر‬ ‫َع الــشـــــر وْ َع الضـجر وْ َع السفر اكتبين‪ ...‬اكتبين‬

‫‪262‬‬


‫من شعر األخوين رحباني‬

‫َع البال يا عصفورة النهرين‬ ‫َع الـــــال اي عــصــفــورةْ الهنرَـين‬ ‫صاريل َع هاملفرق ـتالت َّايم‬

‫اي مــل ـ ّو ِنــه اي مــكـ ّحـ ِـه العينني‬ ‫وما كنت إستهدي َع ِ‬ ‫بيتك وني‬

‫صـــــارـلـــــي ـتــــــات َّايم ومــــا كــنــت أعـــــرف انم‬ ‫حـفرت خيايل المشس َع املـفرق ورف احلساسين ا ْل ِإجــا تفرَّق‬ ‫وماـ ِ‬ ‫كنتإستهدي َعبيـتكوني ال ْبــارة الفوقا وال ْبــارة التحتا‬ ‫وَال َع الـعـين‬ ‫ختمني ِ‬ ‫بيتك صار ريف العني؟‬ ‫اي عصفورِةْ الهنرني‬

‫‪265‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫رجعت في المساء‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫رجـــــــــت ـفــــي املـــســـاءْ‬ ‫حــــقــــوـلــــك الـــــمـــــاءْ‬ ‫أاـن نـــــــــــت وجـــــــي‬ ‫ســــــافَــــــر َ ِ‬ ‫ت الـــبـــــــارْ‬ ‫واـنــــــــــت كــــالــــهــــا ْر‬ ‫َ‬ ‫والــــرـيــــح تــبـــــي تــبــي‬

‫كـــالـــقـــمـــر ُ‬ ‫املــــهــــاجــــرْ‬ ‫َ‬ ‫حــــصــــانــــك الــــبــــيــــادرْ‬ ‫تـــــركـــــ ُتـــــ ُه يـــســـافـــرْ‬ ‫ِ‬ ‫تـــــأخـــــذ الــســفــيــ َنــه‬ ‫مل‬ ‫تــــــرق يف املـــديـــ َنـــه‬ ‫ِ‬ ‫الـــســـاحـــة احلــزيــ َنــه‬ ‫يف‬

‫أعرف اي حبييب‬ ‫مائل‬ ‫أنك ٌ‬ ‫ظل ْ‬ ‫وأن أايمك ال تقميْ‬ ‫وكاملدى تَب ُع ُد مث تبع ْد‬ ‫أعرف اي حبييب‬ ‫وحتت سقف الليل واملطرْ‬ ‫والعنارص‬ ‫وحبضور اخلوف واألمساء‬ ‫ْ‬ ‫الكون‬ ‫ولك ما ال امسَ هل يف‬ ‫ْ‬ ‫ِّ‬ ‫كل‬ ‫أعلن حيب َ‬ ‫واحتادي حبزن عينيك‬ ‫وأرض الزهر يف بالدي‬ ‫ويزنل املساء‪...‬‬

‫‪264‬‬


‫من شعر األخوين رحباني‬

‫أهلل معك يا هوانا‬ ‫مــــــفــــــارقــــــنــــــا‬ ‫أهلل مـــــــك اـي هـــــوااـن اي‬ ‫حـــــم اهلـــــــوى اي هـــوااـن وتـــــــــــــــارقـــــــــــــــا‬ ‫ّ‬ ‫واـي أـهـــــــــل الــــهــــر‬ ‫يــــــــــــــي نـــــــطـــــــروان‬ ‫بكرا إذا اـنــذكــروا الع ّشاق ضــــــلّــــــوا تــــــذكَّــــــروان‬ ‫ّ‬ ‫نبقى ســوى وصــوتَــك ابللـيل‬ ‫يــــقــــي وأان عــمــبِــمــع‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪‬حبــبــك حــى نـــــوم اللـيل‬ ‫وجنــــمــــه تــــو َقــــ ْع‪‬‬ ‫جنـــمـــه‬ ‫ِّ‬ ‫ِ‬ ‫وخــــــلَــــــص ا ُحلـــــــــب وســـكـــتـــت الـــكـــمـــه‬ ‫ـــــــــر اـلــــــــب ومــــــا و َقـــــــع وال ِ‬ ‫جنــمــه‬ ‫وتــــس ّ‬ ‫َ‬ ‫مـــــا اـتري الـــــــــام بــــيــــضــــلّــــو كـــــــا ْم‬ ‫وـكـــــل ـشــــي بــيــــــــص حــــــــــى األحــــــــــــــــا ْم‬ ‫واإلاـيم بمتـحي ّإي ْم‬ ‫أهلل مـعك اـي هوااـن‬

‫‪267‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫نجمة الكتب‬ ‫إلـيك من عَتَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫كتـبت‬ ‫ُ‬ ‫رســــائـــــ ُــــ ُه‪ ،‬مـــــــازلُـــ ُه‬ ‫ِ‬ ‫إلـــــــك عــنــد اللـيل‬ ‫يـــــود‬ ‫ـحــال ادلار‬ ‫يساـئل كيف‬ ‫ُ‬ ‫وميــســح دمـــــــ ًة ســبــقـ ْــ ِ‬ ‫ـك‬ ‫أعــطــيــت ـهــــذا الــلــيــل‬ ‫أاـن‬ ‫ُ‬ ‫ــت جنـــومَـــ ُه كتـباً‬ ‫جــعــ ْـ ُ‬

‫‪266‬‬

‫ـــع ِ‬ ‫ق تَ ِ‬ ‫رســــــاةل َ عـــاشـــ ٍ‬ ‫ـــب‬ ‫ِ‬ ‫ســبــب‬ ‫يـــعـــ ِّمـــرهـــا بــــا‬ ‫ِ‬ ‫الــقــصــب‬ ‫حـــن تَـــــــــأَو ُّ ِه‬ ‫كــيــف مـــطـــار ُح الــلـ ِـعــب‬ ‫رُغــــــم متَــــنُّــــع اهلــــــ ُد ِ‬ ‫ب‬ ‫أمســـــــايئ وهـــــاجـــــر َ يب‬ ‫ـــك جنــمــة الــكــتـ ِ‬ ‫رمســـ ُت ِ‬ ‫ـب‬


‫من شعر األخوين رحباني‬

‫أمس انتهينا‬ ‫كنا وال كاان‬ ‫أمــس انهتيـنا فــا ّ‬ ‫النعاس عىل ماضيك وارحتلَت‬ ‫طاف ُ‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫ابتسامات مب ّل ًةل‬ ‫الـــوداع‬ ‫ـان‬ ‫كـ‬ ‫َ‬ ‫ـكل ثروتـنا‬ ‫حىت اهلــدااـي وكانت‬ ‫َّ‬ ‫عبيق الضوع‪ ،‬حمرـمة‬ ‫رشي ـطُ َشع ٍر‬ ‫ُ‬ ‫أســمـ ُـهــا لــــراـيح األرض حتملُهاـ‬ ‫اـي رح ًةل يف مدى النسيان موجـع ًة‬

‫صاحب ِ‬ ‫ـل الوعد نسياان‬ ‫اي‬ ‫الوعد َخـ ِّ‬ ‫َ‬ ‫حدائق العمر بكياً‪ ...‬فاهدإ اآلان‬ ‫ُ‬ ‫ابدلمـــع حــيـ ًنــا وابلــتــذكــار أحــيــاان‬ ‫ـل الـــــوداع‪ ...‬نسيناها هــداايان‬ ‫لــيـ َ‬ ‫وجنــم ـ ٌة سقطَت مــن غصن لقياان‬ ‫حني اهلبوب‪ ،‬فال أدركْ ــت شطآان‬ ‫ما كان أغىن اهلــوى‪ ،‬عهنا‪ ،‬وأغناان‬

‫‪269‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫عصفورة الشجن‬ ‫أان اـي عـــصـــفـــورةَ الــشـــــن‬ ‫يب كــم ــا ابلــطـــــل تــر ُق ـ ُه‬ ‫ـرح‬ ‫واغـــــــراب يب‪ ،‬وـبــي فـ ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫سـكن‬ ‫أرض‪ ...‬وال‬ ‫ٌ‬ ‫أاـن ال ٌ‬ ‫راجــــ ٌع ـمــن صـــوب ٍ‬ ‫أغنـية‬ ‫صـــوت ـــا يــبـــــي فــأمحـــ ـ ُه‬ ‫ُ‬ ‫حملا‬ ‫مــن حــــدود األمــــس اي ً‬ ‫عشت ـبه‬ ‫ـت‪،‬‬ ‫أي وـهم أـنـ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬

‫‪268‬‬

‫مــثــل عــيــنــيـ ِ‬ ‫ـك بـــا وطـــن ِ‬ ‫ُ‬ ‫الـــوســـن ِ‬ ‫أول الــلــيــل يـــد‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫كـــارحتـــال الــبــحــر ابلــســفـن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ـكــي‬ ‫أان‬ ‫عــيــنــاك مهـــا َسـ َ‬ ‫اي زمــــاانً ضــــا َع يف الــزمــن ِ‬ ‫بــن زهـــر الــصــمــت والــوهــن ِ‬ ‫ــصــن ِ‬ ‫زارين طــــ ًرا عـــى غُ ُ‬ ‫كن ِ‬ ‫كنت يف البال ومل تَ ُ‬ ‫َ‬


‫من شعر األخوين رحباني‬

‫هموم الحب‬ ‫ـل‬ ‫اـي مهـــــو َم ا ُحل‬ ‫ــــب‪ ،‬اـي ُقـ َـبـ ُ‬ ‫ِّ‬ ‫زـمـــن‬ ‫كــمــا قــلـــــا َصـــفـــا‬ ‫ٌ‬ ‫ـب‪ ،‬كـيف لـنا‬ ‫أهي ـــذا الــقــلـ ُ‬ ‫أـيــــدوم احلـــــب؟ تسأَلـني‬ ‫ـمــا‬ ‫ّ‬ ‫أيـــظـــل الــــــروض مــبــتـ ً‬ ‫وأاـن ال عـــم َ ـلـــي‪ ،‬وغَـــدي‬ ‫ِ‬ ‫هـــات يل عــم ــري فأَج َعهل‬ ‫الـــبـــــــد‪ ،‬أغــنــي ـ ٌة‬ ‫أاـن‪ ،‬ـيــــوم ُ‬

‫ِ‬ ‫الــشــوق تغ َت ِس ُل‬ ‫يف حبـــار‬ ‫تشتعل‬ ‫ـــت كــالــرحي‬ ‫رجـــ َع ْ‬ ‫ُ‬ ‫ـل؟‬ ‫ب مــن خــطــوه املــلـ ُ‬ ‫هــــر َ ٌ‬ ‫ـل‬ ‫حُــلــو ٌة جُــ َّن ْ‬ ‫ـس ـ ُبـ ُ‬ ‫ــت هبــا الـ ُ‬ ‫واخلــجــل‬ ‫ويـــطـــول الـــبـــو ُح‬ ‫ُ‬ ‫ـــل‬ ‫َّ‬ ‫لك يــــوم ابت يُـــرجتَ ُ‬ ‫ينتقل‬ ‫طـــائـــر ًا يف األرض‬ ‫ُ‬ ‫وتــرحتــل‬ ‫تـــأخـــ ُذ ادلنــــيــــا‪...‬‬ ‫ُ‬

‫‪271‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫يا حلو شو بخاف‬ ‫ــك‬ ‫اي حــلــو شـــو خبـــاف إين َضــ ّيــ َع ْ‬ ‫الــعــتــيــق‬ ‫متــــــرق عــــى اجلــــــر‬ ‫ْ‬ ‫ـبـــهـــالـــطـــريـــق‬ ‫وتـــضـــيـــع مـــــي‬ ‫ْ‬ ‫ـك‬ ‫لـــوني ؟ ال تــقـ ّـي وال اتخـــدين م ـ َعـ ْ‬ ‫اي حــلــو شـــو خبــــاف إين إســـأكل‬ ‫كـــــــ ّنـــــــو بـــــعـــــد بـــتـــحـــبـــي‬ ‫قـــــــد الـــــبـــــحـــــر قـــــــد ادلين‬ ‫وبــفــزع لتضجر مــن ســـؤايل وز ّعـــك‬ ‫اي حــلــو شـــو خبــــاف‪ِ ،‬‬ ‫لــيــه عــاصـ ِـفــه‬ ‫جنــــم‬ ‫خيــــطــــر َع َابل يش‬ ‫ْ‬ ‫وتـــــــقـــــــوم ِمتـــــــي هبــــالــــعــــم ْ‬ ‫وأنــطــر أان َع الـــبـــاب‪ ...‬أنــطــر خايفه‬ ‫ـــت ومــا شف َتك فيا‬ ‫ســاعَــه إذا مَـــرْ ِق ْ‬ ‫ــــــــره‬ ‫شــــو بــــشــــوف حـــــايل زغَ‬ ‫َّ َ‬ ‫وحــــــــــدي‪َ ْ ...‬بــــــــوين قـــنـــطـــرَه‬ ‫ويـ ِ‬ ‫ـحــيــا‬ ‫وْ َع ادلين يــزل ضــبــاب‪ْ ِ ...‬‬ ‫بإصبعك‬ ‫اعــمــلــي مــتــل خـــامت د َهـــب‬ ‫ْ‬ ‫ـــك‬ ‫اتــــركْ ــــي حــاكــيــك وإمســـ َع ْ‬ ‫ـــك‬ ‫خــــــدين عــــى‬ ‫قـــلـــبـــك مـــ َع ْ‬ ‫ْ‬ ‫ك‪...‬‬ ‫دخـ َـك‪ْ ،‬بــاف‪ْ ،‬باف إين َض ّي َع ْ‬ ‫‪270‬‬


‫من شعر األخوين رحباني‬

‫إنسى؟ كيف؟‬ ‫إنىس ؟ كيف ؟‬ ‫واخلمس َت ْع َش سنِه‬ ‫كـــــــــــت هبـــــادلـنـــــي ومـــــا كـــنـــت هبــــادلين‬ ‫وتـــصـــ ِّيـــــــف وتــشــ ّتـــــي بِـــــــــــــــــدوين ادلين‬ ‫إنـــــــــــــــــــــــــــــــى؟ إذا بـــــــــــــدر إنـــــى‬ ‫إنىس؟ كيف؟‬ ‫الهسر‬ ‫واحلبس وإايم َ‬ ‫مشتا َقه للق َمر‬ ‫وخلف الطا َقه القمر‬ ‫ال سأل عين يوم‪ ،‬وال ودّى خرب‬ ‫وينىس‪ ...‬متل اللك بينىس‬ ‫حــــبــــســــتــــوـنــــي إنـــــــو‬ ‫ورصخ‪ :‬أان بَــــرِيِّــــه‪‬‬ ‫ِّ‬ ‫تـــركـــتـــوـنـــي ورحـــــــــوا‬ ‫َع لـــيـــل وْ َع هســـرِيِّـــه‬ ‫ومـــــا قـــلـــــــوا فـــ ْيـــه انس ال ْعـــــيـــــاد وال حـــريِّـــه‬ ‫وبرد‪ ...‬وما إقدر إغفا‬ ‫وص ِّور َع هاحليطان‬ ‫مشس كبريِه هبالليل‬ ‫ت إدفا‬ ‫وإقعد ح ّدا َ‬

‫‪273‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫هوه َع المفرق‬ ‫ف ْيه َق ِ‬ ‫ق فـــ ْيـــه مــــو َق ِ‬ ‫ــــده وفـــ ْيـــه انر‬ ‫فـــــه َقـــــــوِه َع املـــفـــرَ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ابألرسار‬ ‫نـــبـــــــى أاـن وحــبــيـــــي نـــــفـــــرهشـــــا‬ ‫ِج‬ ‫ــــت لْــقـــــت فـ ْـه ــا عــــ ّشــــاق اتــــنــــن زغــــار‬ ‫ـــــ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫مـــقـــاعـــ ْداـن‬ ‫قـــــَــــدوا عـــــى‬ ‫سقــــــــوا مـــ ّنـــا املـــشـــوار‬ ‫َ​َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اـي ورق األصـــــــــر‬ ‫عــمــنــكــر‬ ‫عـــمـــنـــكـــر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الــــطــــرـقــــات الــبـــــوت‬ ‫عــمــتــكــر‬ ‫عـــمـــتـــكـــر‬ ‫ـبـتـخـلص‬ ‫غــــرك اي وطــي‬ ‫ادلـني ومـــا فــ ْيــه‬ ‫َ‬ ‫زغي‬ ‫ّ‬ ‫بتضل طفل ّ‬ ‫مـــــــل الـــهـــــــم الـــراـجـــع مـــــن ســــفــــر الــــزمــــان‬ ‫َقــــطَــــ ْـــــت الـــــــــوارع مــــا ضــحــكــي إنـــســـان‬ ‫ـكـــل صــحــاـبــي كـــــروا‬ ‫وتـــــغـــــر الــــــي كـــان‬ ‫ّ‬ ‫صـــــــاروا الـــعـــمـــر املــــايض صـــــاروا دهـــب الــنــســيــان‬

‫‪272‬‬


‫من شعر األخوين رحباني‬

‫يا دا َره دوري فينا‬ ‫ّ‬ ‫اـي دارَه دوري فــيـــــا‬ ‫ضـــــــي دوري فــيــنــا‬ ‫ت يــنـــــوا‬ ‫أســامــه ــن ونـــــنـــــى أســـامـــيـــنـــا‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫اـي دارَه دوري دوري‬ ‫مــــــوعــــــدان َع الـــعـــيـــد‬ ‫ت يــكـــــر اـلـــــدوري وحيــــــمــــــرّ الـــقـــرمـــيـــد‬ ‫َ‬ ‫واـي هـــالـــصـــبـــح الـــنـــاطـــر ا ْل قــــاعــــد ابلـــقـــنـــاطـــر‬ ‫حنـنا ه ّلق جيـنا‬ ‫حــــبــــيـــــــــي والــــلـــــــــل راحــــــــوا بـــبـــحـــر الــلــيــل‬ ‫ونسيوـني َع امليـنا‬ ‫ت نـــتـــخــــَّـــا مـــــن درب األعــــمــــار‬ ‫تـــــــــا َ‬ ‫وإذا هـــــــي كـــــــروا وحنــــنــــا بـــقـــيـــنـــا زغـــــار‬ ‫ِ‬ ‫كـــرتـــوا إنــتــو؟‬ ‫وســــألــــواـن وـيـــــن كــنـــــو ولــيــش مــا‬ ‫منقلُّن نسيـنا‬ ‫والـــــــــي اـندى الـــــــاس‬ ‫ت يــــكــــروا الـــنـــاس‬ ‫َ‬ ‫راح‪ ...‬ونـسي يناديـنا‬

‫‪275‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫إيماني ساطع‬ ‫ـيي‬ ‫مَـــــهـــــمـــــا تـــــأخَّـــــر ـجا‬ ‫مـــــــــا بـــيـــضـــيـــــــع الـــــــــــــــي جــــــــايي‬ ‫ِ‬ ‫بيوصل‬ ‫َع غفله َ‬ ‫ـمن قلب الضو‬ ‫ـمن خلف الغمي‬ ‫ومـــــا حـــــدا بــيـــــرف ه َ الـــــــــي جـــــايي‬ ‫كـيف يبـقى ـجاـيي‬

‫إميــــــاـنــــــي ســـاطـــــــع اي حبــــــــر الــــلــــيــــل‬ ‫إميــــــاـنــــــي الـــمـــــــس املــــــــــدى والــــلــــيــــل‬ ‫مـــا‬ ‫بــيــتــكــر إميــاـنــي وال بــيــتــ َعــب إميــــاين‬ ‫ّ‬ ‫إـنت الـلي ماـ بتنساـني‬ ‫َ‬ ‫أاـن‬ ‫إميـــــــاـنـــــــي الــــــفــــــرح الــــوســــيــــع‬ ‫ـمـــن خــلــف الــعــواصــف جــــــــــــايي ربـــــيـــــع‬ ‫إذا ِ‬ ‫كـــــــرِت أحــزاـنــي ونــســيــي الــعــمــر الــتــاين‬ ‫إـنت الـلي ماـ بتنساـني‬ ‫َ‬

‫‪274‬‬


‫من شعر األخوين رحباني‬

‫مـعـ َّنـى‬ ‫َ‬ ‫كــاـنــوا زغـــار وعــمــر ُهــن بــعــدو طرـي‬ ‫ال مــن عــرف ِ َب ـ ُّمــن وال مــن دري‬ ‫ِ‬ ‫ت تلعب مـعك‬ ‫يق ّال ْبـيب الــرحي َ‬ ‫وبِكتُب ِ‬ ‫ت تكربي‬ ‫عيونك َع الشيت َ‬ ‫وكاـن اي ما كاـن ف ْيه بنت وصيب‬ ‫يــقــ ّا بـــعـــ ِّم ِ‬ ‫ت تلعيب‬ ‫ـــرل قـــر َ‬ ‫ودار الزماـن وبعد ف ْيه كومة حجار‬ ‫تـــــرخ اي إايم الــــزغَــــر ال هتــريب‬ ‫ّ‬ ‫تبقى بـــداـن تضحك هبـــاك املــدى‬ ‫وإبـــقـــى أان والــلــيــل منـــي َع اهلـــدا‬ ‫ِّ‬ ‫عـــم ادلّنـــ ِيـــه علـيك‬ ‫يــقــي أاـن رح ّ‬ ‫ت لعندهن توصال ما يشوفك حدا‬ ‫َ‬ ‫َع بوابـكن لك يــوم بِــرْيم بنفس ِجه‬ ‫صار يل سنِه‪ ،‬وصـ ِ‬ ‫ـارل سنِه بتتفريج‬ ‫كن ـمدري أان مدري الطرـيق‬ ‫وب ِّي ُ‬ ‫َْ‬ ‫بـــــروح وبـــشـــوفـــا عـــمـــروح وجتــي‬ ‫دقَّــيــت‪ ...‬دقَّــيــت‪ ...‬وإيدـيي جترّـحوا‬ ‫وقنديلكن هسران‪ ...‬ليش ما بتفتحوا؟‬ ‫ُ‬ ‫ـمــدري أان ما عــدت أـعــرف اببكن‬ ‫ِ‬ ‫كن من مطرحو‬ ‫مدري نقل ابب ا ْل ل ُ‬ ‫‪277‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫شادي‬ ‫من زمان‪ ،‬أان وزغريِه‬ ‫كان ف ْيه صيب جيي من احلراش‬ ‫إلعب أان وااي ْه‬ ‫كان إمسو شادي‪.‬‬ ‫أان وشادي غنَّينا سوا‬ ‫لعبنا عىل التلج‪ ،‬ركضنا ابهلوا‬ ‫كتبنا َع احلجار قصص زغار‬ ‫ول َّوحنا اهلوا‬ ‫ويوم من اإلايم‪ ،‬و ِ ِلعت ادلين‬ ‫انس ضد انس علقوا هبادلين‬ ‫وصار القتال يقرّب َع التالل‬ ‫وادلين دين‪...‬‬ ‫ِوعل ِْقت َع طراف الوادي‬ ‫شادي ركض يتفرّج‬ ‫خفت‪ ،‬ورصت إندهلو‪:‬‬ ‫‪‬وينك راحي اي شادي‪‬؟‬ ‫إندهلو وما يمسعين‬ ‫ويب َعد ْيب َعد ابلوادي‬ ‫ْ‬ ‫ومن يومهتا ما عدت شفتو‬ ‫ضاع شادي‪...‬‬ ‫والتلج إجا وراح التلج‬ ‫عرشني مرَّه إجا وراح التلج‬ ‫وأان رصت إكرب‬ ‫زغي‬ ‫وشادي بعدو َّ‬ ‫عميلعب ع التلج‪.‬‬ ‫‪276‬‬


‫من شعر األخوين رحباني‬

‫أنا َلـحـبـيـبـي‬ ‫أاـن‬ ‫َلـــــــــــــــــــي وحــــبــــيـــــــــي إيل‬ ‫اـي عــــصـــــــــورَه بــيــضــا ال بــــقــــى تـــســـأيل‬ ‫ال يــــعـــــَــــب ـحــــدا وال يـــــزعـــــل حــــدا‬ ‫أاـن حلبييب وحبييب إيل‬ ‫ِّ‬ ‫ـحـــبـــيـــــــي نـــد ْهـــــــي‬ ‫قـــــي الـــشـــتـــــــي راح‬ ‫ِ‬ ‫الـــمـــامـــه‬ ‫ر ِ ْجـــــــــت‬ ‫زهـــــــــــر الــــتــــفــــاح‬ ‫ّ‬ ‫ـعـلى‬ ‫أاـن‬ ‫اـبيب الــــنــــدي والـــصـــبـــاح‬ ‫ِ‬ ‫وحيل‬ ‫وبـــعـــــــونَـــك ربــيـــــي ـن َّور‬ ‫أاـن َلبييب وحبييب إيل‬ ‫ـنــــ َدـهـــــــــي حــبــيـــــي جـــيـــت ْبــــــا ســــؤال‬ ‫رسقـــــــي مـــــن راحـــــــة الـــبـــال‬ ‫ـمــــن نـــوـمـــي َ‬ ‫أاـن عـــــــــى درـبــــــو ودربـــــــو َع اجلـــمـــال‬ ‫اـي مشـــــــس املـــحــــِّـــه حـــايـــتـــــــا اغــــــزِيل‬ ‫أاـن َلبييب وحبييب إيل‬

‫‪279‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫شجرة الميالد‬ ‫زغـيرِه‬ ‫قصيرِه‬

‫زغــــرِه الــقــ َّصــه‪ ،‬وإنــتــو زغــار‬ ‫ان شاهلل تصيروا كبار‬ ‫وبكرا ْ‬

‫ـبــ ّدي َخـ ِّـركُــن ق َّصه‬ ‫منحـكي وبتصيرـ ِ‬ ‫الليل‬ ‫لــيــة عـــــد ‪ ...‬ـفـــرح ـجديد واألطفال ا ْنـ َوعــدوا ابلطفل السعيد‬ ‫ِْ‬ ‫ـــز َ َّي الشجرَه لمليالد السعيد‬ ‫ـب‪ ،‬وْز ِ ْيـــَــات وتِ ْ‬ ‫ِغـ ِّنـــــات‪ ،‬لِــــ ْ‬ ‫وكاـن فـيه وْالد ِن ْسيِت األعـياد‬ ‫ِن ْسيِت ْتـــزُورُن بليةلْ امليالد‬ ‫ت يزينوا شجرة امليالد‬ ‫بَــ ْي ُ‬ ‫ــن ْبــعـــــد‪ ،‬والـــقـــرْش بعـيد وما عن ُدن َ‬ ‫كت ادلين‬ ‫صــاروا يص ّلوا‪ ،‬يركـعوا يص ّلوا وميكن صـ ُ‬ ‫ـات َب ِّ‬ ‫وكاـن ف ْيه ـبرّا ـعـندن شـجرَه شــجــرَه عــمــرا يش مــ ِّيــة سنِه‬ ‫رف عصافري مل َّون حـلو كتري وبـــدو يبِيت ومــا بقى بكري‬ ‫وف ْيه ّ‬ ‫غط هبالشجرَه صارت صفرا ومحرا وطلوا االوالد وتزيَّنِت الشجرَه‬ ‫وفرـحوا كـتري ِ‬ ‫ابلزينه ا ْل بِ ْتطـري وصـــاروا يغنوا‪ ،‬ويغنوا العصافري‬ ‫وـنـــزِل العـيد‪ ،‬عـيَّــد مـ ُعــن العـيد ومن َع بكرا س ّلوا وطاروا العصافري‬ ‫ـــه زغـــــرِه زغـــرِه الــقــ َّصــه‪ ...‬وإنــتــو زغــار‬ ‫َّ‬ ‫خــــرانكُــــن قــ َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ان شاهلل تصيروا كبار‬ ‫ْحكيـنا وصــارت الليله قصيرـه وبكرا ْ‬ ‫ان شاهلل تـصـيروا كـبار‬ ‫وبـكرا ْ‬

‫‪278‬‬


‫من شعر األخوين رحباني‬

‫بيقولوا زغ ّير بلدي‬ ‫ي‬ ‫ـبــــــــــــــولــــوا زـغـــــَّــــر ـبـلد‬ ‫ي‬ ‫واـبـلــــغـــــــــب مــــســــ ّور ـبـلد‬ ‫ِ‬ ‫واملــــحــــبــــه غــضــب‬ ‫الـــــــــــرامـــــه غــضــب ‬ ‫ِّ‬ ‫والغضب األحىل بدلي‬

‫وـبـــــــــــــــــولـــــوا ـقــــال ونـــــــــــــون ـقــــال‬ ‫بدلان خري ومجال‬ ‫بــــيـــــــــولــــوا يـــــــوـلـــوا وشـــــــو مه ّ يـــقـــولـــوا‬ ‫شويِّ ْة صخر وتْالل‬ ‫الندي ـيـــــــــــــا بـــــــــــدي‬ ‫اي صخرة الفجر‬ ‫وقطرـ ِ ّ‬ ‫ِ‬ ‫اي طفل مت َّوج َع املعركه غدي ـيـــــــــــــا بـــــــــــدي‬ ‫اي زْ ِغري وابحلق كبري وما بيعتدي ـيـــــــــــا بـــــــــــــدي‬

‫‪281‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫نحنا والقمر جيران‬ ‫حنـنا والقمر جريان‬ ‫بــيـــــو ـخـــــف تاللـنا بــيــطــلــع مـــن قــبــالــنــا‬ ‫يمسـع األـلـحان‬

‫حننا والقمر جـيران‬ ‫ـعـــــارف مــواعــيــداـن واترك بــقــرمــيــدان‬ ‫أمجلـ األـلوان‬ ‫ِ‬ ‫مع الـنهدات‬ ‫بِلـيل اهلـنا ‬ ‫اـ هسران مـعو ‬ ‫ايم‬ ‫مطلعو شحنا اهلوى ـغوى حاكايت‬ ‫وايماـ عىل‬ ‫َ​َ‬ ‫حننا والقمرـ جريان‬ ‫ملــــا ط ــــل وْزا ْراـن‬ ‫َع قـــــــاطـــر دا ْران‬ ‫ررشش املرـجان‬

‫‪280‬‬


‫من شعر األخوين رحباني‬

‫بيضوي َع الناس‬ ‫القمر‬ ‫ّ‬ ‫القمر بيض ّوي َع الـناس‬ ‫َع ـمـــزارع األرض الـناس‬ ‫عـــــا حــَــر‬ ‫ـنــحـــــا مـــا ّ‬ ‫إـنــــت وأاـن اـي حبيـبي‬ ‫القمرـ بـــــزور الطرقات‬ ‫ــريت‬ ‫ـبــيـــ ـ ّوي َ‬ ‫ابلــه ّ‬ ‫الــه ــر‬ ‫حنـــــا‬ ‫ّ‬ ‫مــنـــــب َ‬ ‫إـنــــت وأاـن اـي حبيـبي‬

‫والــــنــــاس ـبــيــتــقــاـتــلــوا‬ ‫َع حـــجـــار بــيــتــقــاـتــلــوا‬ ‫ال ْمـــــــزارِع وال س ـ َجــر‬ ‫بيك ّفـينا ضـــ ّو الــقـ َمــر‬ ‫لك ادلـنـــي‬ ‫بــي ـ َشــعــشــع ّ‬ ‫َع الــفــقــر وْ َع اـلـــــي‬ ‫الس َفر‬ ‫وْ َع درب الليل ّ‬ ‫ويــرافــــــــا ضـــ ّو الــق ـ َمــر‬

‫قالويل البالبل صبح ِّيه‬ ‫هــــاحلـــــــــول وـســـــاع وادلين‬

‫بـــــــســـاع‬

‫ن ّيال اليل بريجَع عش ِّيه‬ ‫وْ َع‬ ‫ـكـــل الـــــواب ـبـــــتــاقــى بــصــحــاب‬ ‫ّ‬ ‫تعا اـي حبـيـبي‬ ‫ـمـــع طَــــــــر الــغـــــاب نــقــ ُعــد َع َه ــالــبــاب‬ ‫غرـيب وغرـي ِبه‬

‫‪283‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫فايق يا هوى‬ ‫فـــــاـيـــــق اـي ـهــــوى ملْ كـــــ ّنـــــا ـســــوا‬ ‫هســــرـنــــي ووصـــــــفـــــــويل دوا‬ ‫وادلـمــــــــــع ّ‬ ‫اتري ادلوا حبك وف ّتش َع ادلوا‬ ‫فـــاـيـــق ّمل ـــــا راـحـــــوا أهـــالـــيـــنـــا ـمـــشـــوار‬ ‫تــــركــــواـن وراـحـــــــوا قـــــالـــــوا‪ :‬والد زغــــار‬ ‫ودارت فــيـــــا اـلــــدار وحنــــنــــا والد زغـــــار‬ ‫واهلـــــــــــوى ـجــ ّمــعـــــا وفـــــرّقـــــنـــــا اـلــــهــــوى‬ ‫طـــــــر املـــــــا جــاـيــي مـــــن ســــفــــر طـــويـــل‬ ‫وعـــــــى ابب الـــهـــرَه تــــبــــي املــــــواويــــــل‬ ‫نـــطـــــــي الـــقـــنـــادـيـــل وتــــبــــي املـــــواويـــــل‬ ‫ونـــهـــر عــــى الــعــمـــــه تْـــ َنـــ ْي ِ‬ ‫ـــنـــتْـــــــا ســـوا‬ ‫فايق َع هسرَه وكان ِف ْيه ليل ونِدي والــنــار ع َ ْمــتغفى حبضن املــو َقـ ِـده‬ ‫والعتوـبه مسافرَه ومــا ِف ْيه ـكالم ال ِه ِ‬ ‫قلبك وَال قلـبي ِهدي‬ ‫ــدي‬ ‫َ‬ ‫ك ِيت غصون الورد َع ِ‬ ‫كتف السياج‬ ‫وانم احلــي والــنــاس واهنـــ ّد الــراج وتِ ْ‬ ‫ـل القمر َع ضيعتو وف ّلوا اـلــدراج‬ ‫ِوق َّل بقَش بكـير وتق ّلي اقـعدي‬ ‫وفـ ّ‬

‫‪282‬‬


‫من شعر األخوين رحباني‬

‫ْب ِح َّب ْ‬ ‫ـك يا لبنان‬ ‫ــــك اي ـلـــــنــان‬ ‫ْ ِبـــــَّ ْ‬ ‫بـــمـــاـلـــك جبــنــوـبــك‬ ‫بـــتـــــــأل شــــو بـــــي؟‬ ‫ــــك اـي ـلـــــنــان‬ ‫ْ ِبـــــَّ ْ‬ ‫عـــــدك ـبــــدي ِإبـــــى‬ ‫إتـــــــــــذَّب وإـشـــــــى‬ ‫إـنـــت بترتكـني‬ ‫وإذا‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ادلنـــــه بــرجــع كــذبــه‬ ‫ــــك‬ ‫بـــفـــــــرك ْ ِبـــــَّ ْ‬ ‫أاـن قــلـــــي َع إـيـــدي‬ ‫والـــــهـــــرَه َع ابـبـــك‬ ‫ــــك اـي لـــــنــان‬ ‫ْ ِبـــــَّ ْ‬ ‫ســـألـــوـنـــي شــــو صــاـيــر‬ ‫مـــــزروعَـــــه َع ادلاـيـــــر‬ ‫قــــلــــــــــُّــــن بـــــــداـن‬ ‫ـلـــــــنـــان الـــكـــراـمـــه‬ ‫كيفما كنت ْ ِببَّك‬ ‫وإذا حنـــــــا تــفــرَّـقــنــا‬ ‫وحــــِّـــه ـمـــن تــراـبــك‬ ‫ــــك اـي لـــــنــان‬ ‫ْ ِبـــــَّ ْ‬

‫ِ‬ ‫ـــــك‬ ‫ْ‬ ‫اي وطــــــي ِْبـــــبَّ‬ ‫ـــــك‬ ‫ْ‬ ‫بــــهــــك ْبـــــبَّ‬ ‫وشــــــو الــــــي مــــا بــي‬ ‫وطـــــــــــــــــي‬ ‫اي‬ ‫ويـــغـــــــبـــوا الـــغــــَّـــاب‬ ‫واي مـــــى الـــعـــذاب‬ ‫اي أـغـــــى األحــــبــــاب‬ ‫واتج األرض تـــراب‬ ‫ــــك‬ ‫وبـــــــــزّك ْ ِبــــبَّ ْ‬ ‫لَـــيـــنـــســـاين قــلــبــك‬ ‫أغـــــــى مـــــن ِ‬ ‫ـســـــــه‬ ‫وطـــــــــــــي‬ ‫اي‬ ‫بـــــبـــــدي الـــعـــــــد‬ ‫انر وبَــــــــوارـيــــــــد‬ ‫عـــمـــيـــخـــلـــق جـــديـــد‬ ‫والـــشـــعـــب الــعــنــيــد‬ ‫ــــك‬ ‫جبـــنـــونـــك ْ ِبــــبَّ ْ‬ ‫بـــيـــجـــ ّمـــعـــنـــا ـحــبــك‬ ‫بــــكــــنــــوز ادلـنــــــي‬ ‫وطـــــــــــــي‬ ‫اي‬ ‫‪285‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫أقـول لـطـفـلتي‬ ‫أـقــــــــــــول لـــطـــفـــلـــــــي‬ ‫ومصـــــــــــــت اـلــــرـبــــى‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ـره‬ ‫نــصــ ّـــي‪ ...‬فــأـنــت صــــ َ‬

‫إذا اـلــــلــــيــــل بَـــــــردُ‬ ‫ىب ال تُــــــَـــــ ُّد‬ ‫رُ ً‬ ‫وإن الصغار‪...‬‬ ‫َّ‬ ‫صالتُم ال تُردّ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫أَال‬ ‫جــــئــــت نَــــهــــرْ‬ ‫وس‬ ‫ّ‬ ‫ولــــــــــــو ٌز ُ‬ ‫ــــــك ِــــــرْ‬ ‫وإن الغناءَ‪ّ ...‬‬ ‫أقرص‬ ‫ّ‬ ‫خيل انتظارَك ْ‬

‫أـقــــــــــــــول جلـــــارـتـــــي‬ ‫ُ‬ ‫فــــــعـــــــــــــدي تـــــــن‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫نــغـــــي‪ ...‬فــأـنــت وحـــ ـ َده‬ ‫ّ‬ ‫عـــــــــــــــدي ـبـــــــت‬ ‫صــــغـــــــــرَه‬ ‫وأرض‬ ‫ٌ‬ ‫ـفأاـن‬ ‫األمـــــــان‬ ‫اآلن يــســكــنــنــي‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫األرض ِ‬ ‫ال أبـــــــــــــــ ُع أرـضـــــــي بِـــــــذَهـــــــب‬ ‫نان‬ ‫تراب بالدي تراب ا ِجل ْ‬ ‫الزمان‬ ‫ِوف ْيه ينام‬ ‫ْ‬ ‫رصت وحـــــدي‬ ‫أـقـــــــــــــول لـــبـــيـــتـــــــا إذا‬ ‫ُ‬ ‫ــــــــت لـــــــــال بـــــثـــــــــــجٍ وـبـــــــــــــردِ‬ ‫ْ‬ ‫وهـــــــــَّ‬ ‫ْ‬ ‫ليايل وبييت انرُ‬ ‫ومييض الشتاء‪ ...‬رفيقاً َ كغابة وردِ‬

‫‪284‬‬


‫من شعر األخوين رحباني‬

‫بكرا إنت وجايي‬ ‫بـــــرا‬ ‫ِّزي الــــــرحي‬ ‫إنــــت وجــاـيــي رح‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫خــــي الـــمـــس مـــرا ِيـــه والــــكــــنــــار يــصــيــح‬ ‫ِّ‬ ‫و ِّمجـــــــــــــــــــع اـنس‬ ‫وعــــــــــــي ـقـــــــواس‬ ‫لك شارع َض ّوي حاك ِيه‬ ‫و ِب ّ‬ ‫إنت وجايي‬ ‫بكرا َ‬ ‫اـي ـحـبـيـبي‬ ‫بـــــرا‬ ‫إنـــت ومـــارق رَح َصــــــــ ِّور ْبــــــراج‬ ‫َ‬ ‫وإرـســــــــم الـــبـــــــارق‬ ‫ادلراج‬ ‫روس‬ ‫َع‬ ‫وـصـــــــــوت الـــــــــــد‬ ‫ـيـــــــــــــرن بـــــــيـــد‬ ‫ّ‬ ‫املفارق‬ ‫والشجر يبيك َع َ‬ ‫إنت ومارق‬ ‫بكرا َ‬ ‫اـي ـحـبـيـبي‬ ‫رايـــــَــــك مــنــصــوـبــه وادلهـــــــب مـــزانَـــك‬ ‫اعـــمـــلـــــــي ل َــــُّـــو ِبـــه وامحـــلـــي َع حــصــانَــك‬ ‫وابلـــســـاحَـــه الــكــبـــ ـرِه‬ ‫ـــــي‬ ‫ْت َ‬ ‫ْ‬ ‫ـــــــ ِـــــــَــــــرْ ِف ّ‬ ‫ـــــــــي‬ ‫وعـــــ ِّــــــق الـــــــــــرِه عــــــى عــــــــــ َ ّ‬ ‫بـــــرا‬ ‫إـنــــت وطــالِــل بــــركــــض بــاـقــيــك‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫وســـطـــــــوح املـــــــازل كـــــــ ّا شــ َبــاـبــيــك‬ ‫ِ‬ ‫ِـتد ّل‬ ‫وإـنت‬ ‫ـتــــــــــد ّل‬ ‫عـــــــلـــــــي‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ابلسنابل‬ ‫ومتسحـلي جَبيين‬ ‫ْ‬ ‫إنت وطالل‬ ‫بكرا َ‬ ‫اـي ـحـبـيـبي‬ ‫‪287‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫إذا كان ذنبي‬ ‫ِ‬ ‫حبك س ّيدـي‬ ‫أن‬ ‫إذا كاـن ذنيب ّ‬ ‫ذنـــوب‬ ‫ن‬ ‫فـــ ُّ‬ ‫ل لـــــايل الــعــاشــقــ َ‬ ‫ُ‬ ‫رب وإـنــــي ـلــمــرةٍ‬ ‫أـتــــوب إىل ّ‬ ‫ِ‬ ‫أتـــوب‬ ‫إـلـــيـــك‬ ‫رب‪:‬‬ ‫يــســاحمــي ّ‬ ‫ُ‬

‫‪286‬‬


‫من شعر األخوين رحباني‬

‫بقطفلك بس‬ ‫ـبـقطــفـلك ـبس‬ ‫هـــاـلـــمـــرَّه ـبس‬ ‫َع ـبـكرا ـبس‬ ‫يش زـهــــرَه مح ــرا‬ ‫وال ـبدي يش بـعد‬ ‫بييت بيصير وـعد‬ ‫اـي وـيـــل عـيوـني‬ ‫مـتل املجـنوـنه‬ ‫ـبـقطــفـلك ـبس‬ ‫هـــاـلـــمـــرَّه ـبس‬ ‫َع ـبـكرا ـبس‬ ‫يش زـهــــرَه مح ــرا‬ ‫ـل هشرـ‬ ‫ِ ْبـــمَ وبــضـ ّ‬ ‫بيطلعيل ـقول شعر‬ ‫َكر ـمرَّه‬ ‫ـبـتذ ّ‬ ‫و ِبــه ــاك الهسرـَه‬ ‫ـبـقطــفـلك ـبس‬ ‫هـــاـلـــمـــرَّه ـبس‬ ‫َع ـبـكرا ـبس‬ ‫يش زـهــــرَه مح ــرا‬

‫هـــــاـلـــــمـــــرَّه‬ ‫ـبـكرا‬ ‫َع‬ ‫زـهرَه‬ ‫ـشي‬ ‫ـبس‬ ‫و‬ ‫دارـيك‬ ‫إ ّال‬ ‫ّملـــا حباكـيك‬ ‫بتندهل‬ ‫كيف َ‬ ‫وبــتــصــيــر تقكل‬ ‫هـــــاـلـــــمـــــرَّه‬ ‫ـبـكرا‬ ‫َع‬ ‫زـهرَه‬ ‫ـشي‬ ‫ـبس‬ ‫و‬ ‫ابـلـــــي مــشــغــول‬ ‫ومــا بــعــرف قول‬ ‫هســــران ِبــخــمَــه‬ ‫و ْش َو ْش َتك كملِه‬ ‫هـــــاـلـــــمـــــرَّه‬ ‫ـبـكرا‬ ‫َع‬ ‫زـهرَه‬ ‫ـشي‬ ‫ـبس‬ ‫و‬ ‫‪289‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫ِبكرم اللولو‬ ‫سل‬ ‫ـكــرْم اللولو ِفـ ْــــه ِّ‬ ‫ِبـ َ‬ ‫ِ‬ ‫خصل‬ ‫وحبييب ِمستْحيل‬

‫مــلــيـ ِ‬ ‫ـانــه عـــــاقــيــدا ُســـودْ‬ ‫وفكري إرسِقــلــو عنقودْ‬

‫ِ‬ ‫خبت ِ‬ ‫صيغهتاـ‬ ‫ف ْيه ِحلوِه ّ‬ ‫وبــكــرا بِــلــي ـةْ خطْ ِبهتاـ‬ ‫ِ‬ ‫والــــزيـــــــــه بـــــاـلــي‬ ‫والـــقـــــــب الــغــاـلــي‬

‫واهلـــــــــــوى انطــــرهــــا‬ ‫بــتــلــبــس أســــاورهــــا‬ ‫َع الـــشـــ ّبـــاك الــعــايل‬ ‫َع ْجــبــيــنــا مــعــقــودْ‬

‫حبه‬ ‫َقطْف العـنب حَ ِّبه ِّ‬ ‫إحكيل ـعن حُ ّب‬ ‫بَ ّدي‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫رـيشه‬ ‫رـيـشه ـفوق‬ ‫ِ‬ ‫وْ َع َســطــح ال ـ َعــرـيــشــه‬

‫‪288‬‬

‫الـــنـــاطـــور مــقــابــي ــَــك‬ ‫ِ‬ ‫وفــزعــانــه إحكيل َك‬ ‫ِ‬ ‫ابلريشه‬ ‫رَح إكــتــبـ َـك‬ ‫ـقــــ َم ــــرِيِّــــه و ْبـــــــرود‬


‫من شعر األخوين رحباني‬

‫ش ّتي يا دنـي‬ ‫ِ‬ ‫ت يزـيد‬ ‫ـــــــــا‬ ‫شــي اي دن ـ ِـــه َ‬ ‫ّ‬ ‫مــــوســــنــــا و ِـي ْ‬ ‫م وزَرع جدـيد‬ ‫ْبــــَـــ ْــــلـــتـــنـــا ِيــعــا‬ ‫تِــدفُــق َ ّ‬ ‫خلّيـلي عيـنك َع ادلار‬ ‫َع ســيــاج الـــي لكّـــو زرار‬ ‫بُـــــرا الشتويِّه بـتروح وـمــــــــاقــى بِـــــُــــ ّوار‬ ‫ِيـلى ـعـيد‬ ‫وِيـضوي عـيد‬ ‫ونِزرَع ون ِْل ّ ـعـناقيد‬ ‫وانــطُــرين وال تبقى ِتف ّل وترتكين وَحدي َع ِ‬ ‫مط ّل‬ ‫َ ّج ِ‬ ‫ــك ِحـــرج زـهــور ايمســـن ومــ َنــتــور ِ‬ ‫ـــل‬ ‫ــعــت ّ‬ ‫وف ّ‬ ‫زَـهرَه بإـيد‬ ‫وـقـلب بإـيد‬ ‫واي خويف القيك ْبعيد‬ ‫ْب ِ‬ ‫وانــطُــرين حبــقــول الرـيح‬ ‫ــدن ْــ ِيــه عــنــاقــيــدا تْـــاوحي‬ ‫ــبــك ِ ْتـــرحي‬ ‫َخ ّبيـني ْبـ َفـ ّيــة عي َنـيك جَـــرّحـــي حُ ّ‬ ‫ـقول وزـيد‬ ‫وغ َ ّني وعـيد‬ ‫ونِزرع هاأل َرض مواعيد‬

‫‪291‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫يا حجل صنين‬ ‫اـي حـجل صنني ابلعاليل‬ ‫خـــِّــرْ احلــلــوني عــى ـحايل‬ ‫املـــــــي‬ ‫اـي حـــــــل َع ّ‬ ‫اـلـــــــي‬ ‫زور هـــــاك‬ ‫ّ‬ ‫ـفــي‬ ‫وجـــــــب خــصـــــة ّ‬ ‫وازرعـــــهـــــا َع املـــــي‬ ‫اي حــــجــــل وانــــــــزال‬ ‫ســـــابـــــق اخلـــــ ّيـــــال‬ ‫وان اان َع الـــبـــال‬ ‫قــــلّــــو رصت خــيــال‬ ‫مـــطـــل‬ ‫بــــيــــهُــــن ع‬ ‫ّ‬ ‫بـــهـــل‬ ‫ع ادلين‬ ‫ّ‬ ‫فـــــل‬ ‫اان بـــــــــدي‬ ‫ّ‬ ‫وانـــــت وحـــــدك ضل‬ ‫اي حـجل صنني ابلعاليل‬ ‫خــر احللوـين عــى حايل‬ ‫ّ‬

‫‪290‬‬

‫اي حــجــل صــنــن ابجلــبــل‬ ‫خــــر احلـــلـــوني اي حجل‬ ‫ِّ‬ ‫إنـــــــــــت وراـيـــــــــح‬ ‫َ‬ ‫راـيح‬ ‫راـيح‬ ‫َع اـلـــــــــــواـنـــــح‬ ‫ـيـــــــــــــــا حـــــ ــــل‬ ‫اـلـــــبـــــيـــــادر‬ ‫َع‬ ‫إنــــــــــت وطـــــايـــــر‬ ‫حُـــــــــــــي خـــــاطـــــر‬ ‫ـيــــــــــــــا حـــــجـــــل‬ ‫هـــــــــاك الــــقــــاطــــع‬ ‫ـبــــــــــــانب واســـــــــع‬ ‫صـــــــــــــوب راجــــــــع‬ ‫ُ‬ ‫ـيــــــــــــــا حـــــجـــــل‬ ‫اي حــجــل صــنــن ابجلــبــل‬ ‫خــــر احلـــلـــوني اي حجل‬ ‫ّ‬


‫من شعر األخوين رحباني‬

‫هيال يا واسع‬ ‫هـــــــــا اـي واـســــــع هــــيــــا هــــيــــا هــيــا‬ ‫مـــركـــــــك راـجـــــع هــــيــــا هــــيــــا هــيــا‬ ‫ِ‬ ‫لـــيـــه‬ ‫بـــــــمــــَـــك ـلــيـــ َــه وعـــبـــســـتـــك‬ ‫َ‬ ‫هيال هيال هيال‬ ‫ســــافَــــر بــلــيــة رـيـــح ودار ادلفَّـــــه جــنــوـبـ ِيــه‬ ‫حـــــت عــلــــ ِـه الــرـيــح‬ ‫وصــل عىل املينا الغجر ِيه‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫ـلـــيـــه‬ ‫وانــــقـــــَــــت ـلــيـــ َــه وأرش َقــــــــــــت‬ ‫َ‬ ‫هيال هيال هيال‬ ‫شــــ ّد الـــــــــراع وـســـــر بدل احلبايب ما يه ِ‬ ‫بعيده‬ ‫ِ‬ ‫سعـيده‬ ‫بـــِّــر وـقــــول اـي كبري وتبقى سفر ّيتنا‬ ‫ـلــــيــــه‬ ‫والــــســـــــــد ـلـــيــــ َـــه واهلــــــــــــــوى‬ ‫َ‬ ‫هيال هيال هيال‬

‫‪293‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫نسم علينا الهوا‬ ‫َّ‬ ‫نـــســـم عــلــيـــــا اهلـــــــوا مـــن مـــفـــرق الـــــوادي‬ ‫َّ‬ ‫اي ـهــــوا دـخــــل اهلـــــوى خـــــدين عــــى بــــادي‬ ‫ّ‬ ‫اـي ـهوا اـي ـهوا‬ ‫يــــــي طــــايــــر ابهلـــــوا‬ ‫ِ‬ ‫ـــــــــــه مــــــــــــــورَه طــــــا َقــــــه وصـــــــــورَه‬ ‫ف ْ‬ ‫خدين لعندن اي هوا‬ ‫ِ‬ ‫ـفــــزعــــانــــه اـي قــلــي إكـــــــر ِـبــ َهــالــغــربِــه‬ ‫ومــــا تــعــرفــي ـبـــادي خـــــدين عــــى بــــادي‬ ‫شـــو بـــــــا؟ شـــو بِـــــا؟ اي حــبــيــي شــــو بِـــنـــا؟‬ ‫ِ‬ ‫ـكـــــــــــو‬ ‫ـــــــــا‬ ‫ّ‬ ‫وكـــــــــا ـتـــــــــــ ّــــــوا ع ّ‬ ‫وافرتقنا ‪ ...‬شو بنا؟‬ ‫وبـــــدا الــمــس بتبـكي‬ ‫َع الـــبـــاب ومــــا حتيك‬ ‫وحيـــــي ـهـــــوا ـبــــادي ـخـــدـنـــي عـــى ـبـــادي‬

‫‪292‬‬


‫من شعر األخوين رحباني‬

‫يا طير‬ ‫اي طــير اي طاير عىل طراف ادلين‬ ‫ـلو فيك حتـكي للحـبايب شو بِين‬ ‫اـي طاير وآخذ مـعك لون الشـجر ما عــاد ِف ْيه إ ّال النطرَه والضجر‬ ‫وملب ِ‬ ‫أنطر بعني المشس َع برد احلـجر‬ ‫كه وإيد الفراق ـتـه ّدين‬ ‫ّ‬

‫وحـياة ريـشاتَك وإايـمــي ـسوا‬ ‫ان ك َّنك لعندن راحي وجن اهلوى‬

‫وحياة زهر الشوك وهبوب اهلوا‬ ‫خدين وْلَنُّو يش دقيقَه و‪...‬ردّين‬

‫‪295‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫فايق عليي‬ ‫ـفاـيق علـيي؟‬ ‫ِ‬ ‫حننا اليل ك ّنا هباك الع ِّليِّه‬ ‫نبقى نقعد ابلقناطر وقت الشتويِّه‬ ‫ـفاـيق علـيي؟‬ ‫ـمـــن زمـــــان وزمــــان حنــنــا كـــ ّنـــا جـــــران‬ ‫تــبـــــوا تـــــــوا لــــ ّــــا نـــقـــعـــد ســــــوا ونــمــى‬ ‫ونـــــــ ّور َع احلــيــط ــان ون ْـــقـــك اي شــيــطــان‬ ‫و ّقـعت املزـهريِّه‬ ‫ـفاـيق علـيي؟‬ ‫بـــ ّعـــدتـــــــا الــطــرـيــق عـــن طــريــق العـتيق‬ ‫وـمــدري كـيف التقيـنا صـ ِ‬ ‫ـدفــه وضحكوا عينينا‬ ‫وضحكت عىل احليطاـن‬ ‫ُصـــــــ َوران مـــن زمـــان‬ ‫صيب انطر صب ِّيه‬ ‫فاـيق علـيي؟؟‬

‫‪294‬‬


‫من شعر األخوين رحباني‬

‫جايبلي سالم‬ ‫ح ا ْل لِـنا‬ ‫َب ّ‬ ‫ب َع َ ّ‬ ‫كـير طَ ّلـ ا ُحل ّ‬ ‫هاـلبنات جم ّمـعني‬ ‫ك ّنا وكاـنوا َ‬

‫جــــايــــبـــــــــي ـســــام‬ ‫جــــايــــبـــــــــي سَــــــام‬ ‫نــــ ّـــــض ـجــنــاـحــاـتــو‬ ‫ومـــــل الــــي بــريــشــاـتــو‬ ‫قَـــ ّــــي َع الـــرّ ّمـــاـنـــه‬ ‫وبـــــيــوـنــو ادل ّب ِ‬ ‫ــــانــــه‬ ‫شـــو َقـــ ّــــي شـــو ق ـ ّـــي‬ ‫ّ‬ ‫تــطـــــي‬ ‫مــــا ـبـــــــ ِّدك‬ ‫وَدّيـــــــــــو يش ورـقــــه‬ ‫وامـــرقـــيـــــــك مـــرقَـــه‬ ‫وـكـــل لــيـــِــه عش ِّيـه‬ ‫ـقــــ ّوي الـــضـــ ّو شــويِّــه‬ ‫بـــيـــعـــرفـــهـــا عـــاـمـــه‬ ‫ابلـــس ِ‬ ‫ـــامـــه‬ ‫وتـــقـــوـمـــي ّ‬

‫حامل مَعو عتوبِه وحيك ودمع و َهنا‬ ‫َيِّي وماـ َبع ِرف ليش ن ّقاين أان‬

‫عــــصــــفــــور اجلــــنــــاني‬ ‫ِمـــــن عـــنـــد ا َحلــــنــــاني‬ ‫َع شــــ ّبــــاك ادلّار‬ ‫خمـــــــي رسار رسار‬ ‫ّ‬ ‫ِغــطّــيــت وحــاكــاين‬ ‫ِشـــ ْفـــت اهلَــــــوى ابني‬ ‫عــتــبــان اـلــمــحــبــوب‬ ‫ا ْبــ ّعــتــيــلــو مـــــتــوب‬ ‫عــلــهــا كــتــيــ ِبــه زرقـــا‬ ‫مــطــرح مَـــ ّنـــو ســاكــن‬ ‫ِ‬ ‫قـــنـــديـــك ضــــ ّوـيــــ ْه‬ ‫وارجــــــــــي وطّـــــــــــ ْه‬ ‫ّ‬ ‫ت تــنــايم‬ ‫وبــيــصــي َ‬ ‫ويـــبـــقـــى قـــلـــ ِبـــك الني‬

‫‪297‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫بـعـلـبـك‬ ‫بعلـبك أان مش َعه عىل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ســيــاجــك‬ ‫دراجــك وردِه عــــى‬ ‫أاـن ِ‬ ‫نقطـة زيت ِ‬ ‫برساجك‬ ‫بعلبك اي قـ ّصــة ِعـــزّ علياـنه وابلــــــبــــــال ِحـــلـــيـــاـنـــه‬ ‫َ‬ ‫اي مع َّمرَه بقلوب وغناين‬ ‫ـهــــــون حنـــــــا هَـــــون ل َــــــــــ َوني بَــــــــدان نـــــروح‬ ‫اـي ـقـــــــب اـي مــشــ ّب ــ‬ ‫ك حبــــــجــــــارة بـــعـــلــــَـــك‬ ‫َع اـلدـهرْ‬ ‫َع سنني العمرْ‬ ‫ـهـــــــون حنـــــــــا ـهــــون و َضـــــــ ّو الـــقـــمـــر مَــشــلــوح‬ ‫َع أهـــلـــــــا احلـــــــوـيـــن‬ ‫َع بــــيــــوت غـــرقـــاـنـــن‬ ‫اـبلعطرـْ‬ ‫بغماـر الزهرْ‬ ‫ـهــــــــون رح ـنــبـــــى نــــــــــــــد وـنــــــــــــــى‬ ‫نــزرع السـجرَه وحَـــ ّدا الغ ّنـيِّه ولـــدين حنــي حــا ِيــه ِإهل ـ ِّيــه‬ ‫ـهــرات ِم ِ‬ ‫مس ِّيه‬ ‫وبعلبك هبــادلّـهــر مـضويِّه وْ ِ َع إمسها الـ ّ‬ ‫بعلبك أان مش َعه عىل ِ‬ ‫دراجــك ورده عــــى ســيــا ِجــك‬ ‫أان نقطة زَيت برساجك‬

‫‪296‬‬


‫من شعر األخوين رحباني‬

‫وعدي إ َلك‬ ‫وَعدي َإل‪ :‬وعد الصوت غ ّن َيل‬ ‫ّ‬ ‫وخل ادلين تغ ّن َيل‬ ‫ونَ َدروين َإل‬ ‫مني ّمحلين السيف ّ‬ ‫وقل‪ :‬ق ّدمي ْه‬ ‫ت إحيك‬ ‫وشو ّقل ابيل َ‬ ‫ت‬ ‫ميكن لو َس َ‬ ‫ك ّ‬ ‫ميكن لو ما إحيك‬ ‫ِ‬ ‫كنت هلّق ِفلّيت‬ ‫كنت هلّق ابلبيت‬ ‫اـي إـمــــــي ال تـــــطــري ـق ّدام‬ ‫اـلب ُ ّوا ِـبه‬ ‫ِ‬ ‫ومـــــك ِـبــرتـــــب اـلـــدار ال حتـــســـبـــــــي حــســاـبــي‬ ‫ِ‬ ‫واـي َخـــطـــــــــــي‬ ‫صـــالـــ ْح ال تُـــنـــطُـــرين ـبــ َهــالــهــرَه‬ ‫بـــــــــأي َس ــــــــرَه‬ ‫وال بِـــــهـــــرِةْ بُـــــــرا وال‬ ‫َّ‬ ‫أان كتبوـني َع وَرَق الـنار أان ّمحـــلـــوين مهــــوم كــتــار‬ ‫والزم إمــي ابلض َيـع الـغرْب من بيت ل َبيت ومن دَرب لَ رب‬ ‫واـي صــــاـلــــح خــطــــــــي حــــــــــاايت الــــلــــيــــايل‬ ‫ــــطــــن بِـــبـــايل‬ ‫وفـــســـاـتـــــــن اـلـــــــرس ا ْل خــــ ّي‬ ‫ُ‬ ‫ـخــــدهُــــن‬ ‫وـعــطـــــــــــن لـــــــي بـــــنـــــ َّيـــــه اتين‬ ‫ُ‬ ‫ـتـــــــــدر تـــســـــــد مــعــه ــا وانــــســــاين وال تــنــســاين‬ ‫أـنــــــــــــــــــــا إـلــــــــــو لــــلــــواقــــف ابلــــزمــــان‬ ‫ لجد لبنان‬ ‫حياـتي ومَوـتي‬ ‫بـن ُدر صوـتي ‬ ‫َ‬ ‫‪299‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫ال ه ّ‬ ‫ه ّ‬ ‫ال يا تراب عـينـطو َره‬ ‫ه َ ّال ـه ّال اي ـتراب عينطـورَه اي مَلفى الغمي وسطوح العيد‬ ‫ِ‬ ‫ِس ّت ـمن فوق ل َو ّفيي زورا‬ ‫راحت َع العيد والعيد بعيد‬ ‫َهـــ ّا َهـــ ّا اـي دار حمبوـبي انطران الصيف َع ابب ادلّار‬ ‫ُص َوراـن فوق َع الغمي مكتوـبه مكتو ِـبه خبار والعمر خبار‬ ‫حــــــــب جـــديـــد‬ ‫اـي صـــيـــــــف ـجــدـيــد اي‬ ‫ّ‬ ‫ت تصير ـنبيد‬ ‫وأاـن انطر اي عنب األشقر َ‬ ‫بَيتَك هاللـيل واللـيل ـغ ّنـيه وسطوحَك غمي ِ‬ ‫والزينه فَوق‬ ‫اـي ـحـبـيـبي ال تعـتب عَ ّلي جايبـني صو َبك طري ال ّشوق‬ ‫ِ‬ ‫راـحـــــــت مَـــواعـــــــد‬ ‫رجـــــعـــــت مـــواعـــيـــد‬ ‫ـب ّدي روح زورك اي حبيـبي وانطر للعيد‬

‫‪298‬‬


‫من شعر األخوين رحباني‬

‫يا بيـّاع الخواتم‬ ‫اي ب ّياع اخلوامت‬ ‫ابملـــــومس الـــــــي جــاـيــي‬ ‫ِجــبــي م ـ َعــك يش خــامت‬ ‫اي ب ّياع اخلوامت‬ ‫رَح ِيــركـــــي حبيـبي احــبِــســي ـحـــــيــي خبــامت‬ ‫َقـــــ ّــــــي انـــطـــريـــــــي بِـــــرجَـــــع بــصــيــفــ ِّيــه‬ ‫ِ‬ ‫وال تـــســـأـلـــــــــــي‬ ‫ــــيــــك هــــديِّــــه‬ ‫خمــــب‬ ‫ّ‬ ‫وـمـــن مَ ِ‬ ‫ــديـــــه لْ ــديـ ِـنــه يـــودّي يــقــول‪ :‬انطُريين‬ ‫وعَــمــبـــــروح املـــــوامس وبـــإيـــدي مــا فــيــه خــامت‬ ‫ِ‬ ‫حَيَّد‬ ‫بــعــيــده‬ ‫ـعـلـيـنا ودار ا ْل لــنــا‬ ‫ِ‬ ‫وحـــكـــــــوا ـعـيـنـيـنا وتــــطَــــلّــــع ـبـــإـيـــدي‬ ‫اـي‬ ‫بـــــــــاع املـــحــــِّـــه إصــ َحــا تــنــســايل ِالعل ِبه‬ ‫ّ‬ ‫ِ ْبـــنـــاقـــــــد ا َحلـــمـــاـيـــم‬ ‫دخـــــك ودّيــــــي خــامت‬ ‫َ‬

‫‪301‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫بدو القمر‬ ‫حبيبي ّ‬ ‫حبيـبي بَ ـ ّدو الق َمرـ والـــقـــمـــر ْبـــــيــد‬ ‫والـــمـــا عــالـــــه مــا بــتــطــاال اإليــد‬ ‫ِطل ْع‬ ‫علي الناس‬ ‫ت عىل السطح دَلّـــوا ّ‬ ‫ــــروا احلـــرّاس‬ ‫قاـلوا ِمدري شو هباـ و َخ ّ‬ ‫قلتلّن بَ ّدي الق َمر‬ ‫قاـلوا القمر غاـلي حَ ّقوا عَــر ليايل‬ ‫عَرش ليايل َسر‬ ‫ِ‬ ‫و ِإـلــي عَرش لـيايل‬ ‫هسرانه‬ ‫َع السطح‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وحـــاـســـه حبــاـلــي‬ ‫ونعسانه‬ ‫تعباـنه‬ ‫خــايـــــه ـل اـنم ويــــــزَل الــقــمــر‬ ‫ويالقيين غاف ِيه‬ ‫ّ‬ ‫وتــرـقــو جارتـنا‬ ‫يــــي مــزاعـ ِـلــتــنــا‬ ‫ِ‬ ‫ــــبــــا حبييب‬ ‫وتعطـي ْه َلبيـبي وحي ّ‬ ‫وأان صير غَري ِـبه‬

‫‪300‬‬


‫من شعر األخوين رحباني‬

‫يا قمر أنا و ِايّاك‬ ‫اي قمر أان و ِ ّايك‬ ‫ُصح ِبه من زَغَــراـن‬ ‫ِحــبَّــيــنــا قــمــرْان‬ ‫وايك‬ ‫ِوعشنا أان ّ‬ ‫وايك‬ ‫وايما أان ّ‬ ‫ل َـــــــــ َّو َّن َســــااـن وِزرعــــنــــا هـــواان‬ ‫اي قمر أان و ِ ّايك‬ ‫َخطَر اهلوى َع العني‬ ‫واحلـــــــو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اـنطـــراـن‬ ‫قناطران‬ ‫ِضحكوا‬ ‫ابلورد َع اـل َم ْيل َْي‬ ‫واحليك حيك و َع البال ق َصص اهلوى تنقال‬ ‫َخطَر اهلوى ابدلّار‬ ‫ُبكرا ادلِين بتوىع‬ ‫قــالــولـــــا أوـعـــا‬ ‫َع رسار مَ ّنا رسار‬ ‫ق َصص وق َصص تنـقال‬ ‫ِحمل وْلِفي َع البال‬

‫‪303‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫يا ساكن العالي‬ ‫ِ‬ ‫اـي‬ ‫ُـــــــل مــــن الـــعـــايل‬ ‫ســـاكـــن الــعــاـلــي ط‬ ‫ّ‬ ‫ـعــــــــــَــــك عــلــــــــا عــــــى أراضــــيـــــــــنــــا‬ ‫جع إـخوِتنا وأهاـلينا‬ ‫رَ ّ‬ ‫ِ‬ ‫الـــواســـ ْع‬ ‫هــالــه ــ ْل‬ ‫ـمــن‬ ‫املداف ْع‬ ‫ِاملمحي ب َصوت َ‬ ‫َ‬ ‫إيديَنا مرفوعَه َصو َبك‬ ‫ِمـــــل الــشـــــر الــعــاري الـــي ِ‬ ‫ســاجــد ابلـــــراري‬ ‫اي رب ! اي ِ‬ ‫ساكن العايل‬ ‫ـات بيوتـنا مـ ِـنــنـ َدهـ َـك حتمي بيوتنا‬ ‫عَـــن عــتــــ ْ‬ ‫ترصخ َع اب َبك‬ ‫عينينا ّ‬ ‫ِ‬ ‫كـــعـــــــا هبــالــلـــــاـلــي صان دَمـــــع الــلــيــايل‬ ‫رَ َ‬ ‫ِ‬ ‫ايساكن العايل‬ ‫رب!‬ ‫اي ّ‬ ‫ِ‬ ‫ـــــا بـــــوت سطوـحا‬ ‫ِعـــلِّـــ ِّيـــه ورا عــلِّــ ِّيــه‬ ‫ع ّ‬ ‫ولـــلـــحـــرّيِّـــه‬ ‫ـبــــواهبــــا مــفــتــوحَــه لــلــمــس‬ ‫ُ‬ ‫ُـــــــل مــــن الـــعـــايل‬ ‫اـي ســـاـكـــن الــعــاـلــي ط‬ ‫ّ‬ ‫وطَــــــــــِّــــر ا َحلــــمــــام‬ ‫اإليم‬ ‫َع طـــــــراف‬ ‫ّ‬ ‫وقَـــــــــــــــ ِّد ْراـن نـــــــام‬ ‫َع إيــــــــ َدني الـــســـام‬

‫‪302‬‬


‫من شعر األخوين رحباني‬

‫ي َّ‬ ‫ال ْتنام ريما‬ ‫يَــــــــ ّا تـــــــــام رميــــا‬ ‫يَـــــ َّا ِ‬ ‫ـــب الـــــا‬ ‫تــــ ّ‬ ‫ـيـــــ َّا جتـــهـــا الـــعـــوايف‬ ‫ـي َّال ـتـنام ـي َّال ـتـنام‬ ‫روح اـي َحـــام ال تص ّدق‬ ‫رـيــمــا رـيــمــا ِ‬ ‫احلــنــ َدقَّــه‬ ‫ِ‬ ‫ـبيبوسك‬ ‫حبك‬ ‫والـــــي ّ‬ ‫بـــــــــاع الـــعـــ َنـــب‬ ‫اـي‬ ‫ّ‬ ‫إلـمي‬ ‫ـقوـلوا‬ ‫َخـــطَـــفـــوـنـــي الـــغَــــَـــر‬ ‫الــتــشــتـــــه والــتــشــتـ ِ‬ ‫ــــه‬ ‫ِ‬ ‫ــــب اهلـــــوا‬ ‫وكـــ ّم ـــا ه َ ّ‬ ‫هــــاي هــــاي هاـليـنا‬ ‫ت ن َغـسل تـــــاب رمياـ‬ ‫َ‬

‫يَـــــــ َّا جيـــهـــا الـــنـــوم‬ ‫ـــــب الـــ ّصـــوم‬ ‫يَـــــ َّا ِحت‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ـــــــل يــــــوم بـــيـــوم‬ ‫ك‬ ‫ّ‬ ‫الدْ َ ْبــــــا طَـــــر ا َحلــمــام‬ ‫ت تنام‬ ‫بِض َحك َع رميــا َ‬ ‫َشــعــ ِرك أشــقَــر ومــ َـ ّقــى‬ ‫الــي ِ‬ ‫بغضك شــو بيرت ّقى‬ ‫ِ‬ ‫والــــــــــــَــــــــــــِّـــــه‬ ‫ــــــي‬ ‫َــــــب ّ‬ ‫قـــــــولـــــــوا ل َ‬ ‫مــن تَ ــت خمية جمدل ِّيه‬ ‫واخلـــوخ حتــت ِامل ِ‬ ‫مششه‬ ‫القــطُــف ل َــرميــا ِمـمْـ ِ‬ ‫ـشــه‬ ‫ـلك ِنك عريينا‬ ‫دِستِك‬ ‫ْ‬ ‫ونِــنــر ُهــن َع الياـسمينا‬

‫‪305‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫يا شمس المساكين‬ ‫بـــيـــــــي أاـن بــــــَــك ومـــــــــا إيل حـــــدا‬ ‫ـمــن ِ‬ ‫كــرمــا انديــتَــك و ِ ِســــــــــــــع املـــــــدى‬ ‫نَـــطـــرتَـــك َع ابـبـــي وْ َع ِ‬ ‫ــــل الــبــواب‬ ‫ك ّ‬ ‫َع مشـــــ ِ‬ ‫كــتــبــتــ ّـــك عــذاـبــي‬ ‫س الــغــيــاب‬ ‫ـرك ال تنساين‬ ‫ال ِتــمــلـــــي ال تنساـني ما إيل غـ َ‬ ‫بدلي صارت منفى‬ ‫الربيِّه‬ ‫طرقايت ـغطّاها‬ ‫الـشوك واألعشاب ّ‬ ‫ِ‬ ‫يطل عل َّي‬ ‫ابعتيل ِـبهالليل من عندك حدا ّ‬ ‫ال هتـ ِـمــــــــي ال تنساـني اي َشــــس املــســاـكــن‬ ‫ـمن أرض اخلوف ْم ِن ْن َدهكل اي مشـــس املــســاـكــن‬ ‫ـمـــن إـي ّم املــظـــــوـمــن مــن لــفــتــات املــوعــودني‬ ‫َـــــــي‬ ‫عَم ِبن َ‬ ‫ْدهل خ ّلي يـض ّوي صـــــوتَـــــك ِعــــ ّ‬ ‫ــــــــِّـــه‬ ‫أاـن َع ال ـ َوعــد و َقلـبي طاير صــــوبَــــك غ ّ‬ ‫ِ‬ ‫ســــاعــــ ْدين‬ ‫أان زَـهــــرَه ـمــن زهـــورَك ابركْ ـــــــي‬ ‫ابـلــــ َّدـمــــع بـــزرَعْـــــــي ابلــــفــــرح بــتــحــصــدين‬ ‫ـعــــدل ـفـــاض عــَـ ّــــي كــــرَمَــــك ضـــــ ّواين‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫إذا كــ ّـــن نــــــــوـنــي وحــــ َدك مــا بتنساين‬ ‫اندـيــــَـــك ـمـــن حــزـنــي‬ ‫ْعــــرِفــــت إنّـــــك ميع‬ ‫كــــــي‬ ‫اوســـــــي اـي ـمـــطـــارِح واي أرض ار َ‬ ‫َ‬ ‫‪304‬‬


‫من شعر األخوين رحباني‬

‫ال تجي اليوم‬ ‫ال ِتـــــــــــــي الـــــــــــوم‬ ‫ِ‬ ‫اـلـــزـيـــــــه‬ ‫مـــــش ـلـــــــا‬ ‫حنـــــا لـــــا و رَق اخل ــرـيــف‬ ‫وأاـن‬ ‫إـنت‬ ‫وـغـير‬ ‫َ‬

‫بُـكرا‬ ‫ِتـجي‬ ‫وَال‬ ‫ِ‬ ‫وبَـــــــــــارق اـلــم ــدـيـــــه‬ ‫ا ْـل عمبيد ّهب مراكب الرصيف‬ ‫اي ـحـــــــــــي مــــا ِلـــــا‬

‫ال ـتـــــــــــي الـــــــــــوم وَال تـــــــــي ُبــــكــــرا‬ ‫ـخــــوـفــــي لـــَــــــَــ ّــــــي ابلـــعـــيـــد ومــــــا تــقــشــعــي‬ ‫تـــــا ملـــا بـــيـــــــ َده احلـــــن مــــومس الـــنـــاس املــنــس ـ ّيــن‬ ‫إـنت املدى‬ ‫َ‬ ‫ـقــــــــــــــك مــــــا ـحــــدا وبــــــعــــــدك مــــــا حــــدا‬ ‫اـي حبيـبي‬ ‫إـنــــت وجـــاـيـــي اـي حبيـبي ال تِـــــــــــي ابلـــمـــس‬ ‫َ‬ ‫ـبـيلحَقَك خـيال َك‬ ‫تعا ابلضبابِه‬ ‫تعا َبال خيال‬ ‫أاـن ـخـيال َك‬

‫‪307‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫إنت حبيبي‬ ‫ال َ‬ ‫إـنـــــــت حــبــــــــي‬ ‫ال‬ ‫َ‬ ‫قــ ّصــتــــــــا الــغــرـيــ ِـــه‬ ‫ِ‬ ‫وصت ع ـ ّنــك غري ِبه‬ ‫مـــــــــــارِح تــاقــيـــــا‬ ‫بَـــــــــرْدْ وْحَـــواـلـــــــنـــا‬ ‫ــــــ َور‬ ‫خــــزّقـــــــــا الـــــ ّ‬ ‫رِدّتـــــــــــو مَــاتــيـــــو‬ ‫ِ‬ ‫ـكــل مـ ِـن طــوي رشاعو‬ ‫وـضاـعوا‬ ‫وَلَ ـين‬ ‫ـبـــــــدا‬ ‫ـتـــفـــارَـقـــــــا َ‬ ‫ـبـــخـــاطـــرِك َص ـ ّلــيـــــي‬

‫‪306‬‬

‫وال ربــــيــــنــــا ســــوا‬ ‫شــــلّــــعــــهــــا اـلــــهــــوا‬ ‫انــــســــاين اي حــبــيــي‬ ‫ْقـــــعـــــدان َع حَـــجـــر‬ ‫ِ‬ ‫عــــــراـينــــــه الـــ َشـــجـــر‬ ‫وـمـــحـــيـــنـــا الـــقَـــمـــر‬ ‫مَـــاتـــيـــي‬ ‫وردّ َل‬ ‫هبـــاـلـــمـــدى‬ ‫وراح‬ ‫َع جـــــر الــــ َصــــدى‬ ‫هَدا‬ ‫وادلـني‬ ‫تِـــســـ َعـــد اي حــبــيـــــي‬


‫من شعر األخوين رحباني‬

‫فيه حدا‬ ‫ما ْ‬ ‫ما ـفي ْه حدا ال تنديه ما في ْه ـحدا عَــم وطــريــق وطــر طــايــر َع اهل ــدا‬ ‫ولكن صاروا َصدى؟‬ ‫مس ّ‬ ‫ولكن‪ ،‬شو َق ُ‬ ‫كر والعشب غطـى اـلدراج شو َق ُ‬ ‫اببُن َ‬ ‫وماـ فـي ْه ـحدا‬ ‫مَع مني بَـ ّدك تِرجيع ب َعمت الطرـيق ال ِ‬ ‫شاعل انرُن وال عندك ْرفيق‬ ‫اي ريــت ُض ّوـينا القَندـيل العتـيق ابلقنطرَه ِ‬ ‫ميكن حدا كان اهتدى‬ ‫وماـ فـي ْه ـحدا‬ ‫اـي قــلــب ِآخــــراـت مـــــك ت ّعبتـني شو ابك دخكل رصت هيك؟وشو بين؟‬ ‫اي رَيــتــي شــجــرَه عــى مط ّلـ ادلِين وجــراـنــهــا غـير المسا وغـير املــدى‬ ‫وماـ فـي ْه ـحدا‬

‫‪309‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫لملمت ذكرى‬ ‫ُ‬ ‫ململت ذكرى ِ‬ ‫لقاء األمس ابهل ُد ِ‬ ‫ب‬ ‫ٍ ُ‬ ‫ـغمرـُين‬ ‫أي ـ ٍد تُ ـلَ ـ ِّو ُح ـمن غـيب وتَ ُ‬ ‫مــا للعصافري ِ تَــدنــو ـثــم ـتسألـني‬ ‫وـفــضــول ـفــي تلَفُّ ِتهاـ‬ ‫رفــوفُــه ــا‬ ‫ٌ‬

‫والـــــن شـــارد ٌة‬ ‫حـــــرى أان اي أان‬ ‫ُ‬ ‫ابتمست هل؟‬ ‫ـواه؟ من قال ّإن ما‬ ‫ُ‬ ‫أهـ ُ‬ ‫نسيت من يـ ِـد ِه أن أـسـترد َّ يَدي‬ ‫ُ‬ ‫حـــرى أاـن اي أاـن أهنــــ ُّد ـمـتعـب ًة‬ ‫أ ُهــ َو اهلَـــوى؟ اي هال إن جــاء زاِئــران‬

‫‪308‬‬

‫حت أحضنها يف ِ‬ ‫ِ‬ ‫اخلاف ِ‬ ‫التعب‬ ‫ق‬ ‫و رُ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ابلشبِ‬ ‫ابدلفء‪ ،‬ابلضوء‪ ،‬ابألقمارِ‪ُ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫أمهلت شعر ِ‬ ‫ِ‬ ‫القصب‬ ‫ك‬ ‫راحت ِعقدةُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫العتب‬ ‫تُثـير ُ يب حنوها بعضاً من‬ ‫وأضحك يف ِ‬ ‫ِ‬ ‫سبب‬ ‫سي بال‬ ‫أبيك‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ـوق إىل اهلـ ِ‬ ‫ـرب‬ ‫دَان فعانَقَـني شـ ٌ‬ ‫َ‬ ‫وطالت ر ّف ـ ُة اهلـ ِ‬ ‫ـدب‬ ‫طال َ‬ ‫السال ُم ِ ْ ِ ُ‬ ‫ِ‬ ‫خلف الستائر يف إعياء مُرـتقب‬ ‫َ‬ ‫ْسكبِ‬ ‫خي عىل ال ُش ّباك وان ِ‬ ‫اي عطر ُ ّ‬


‫من شعر األخوين رحباني‬

‫ساعدني يا نبع الينابيع‬ ‫ســاعــدـنــي اـي نــبــع الينابـيع‬ ‫ـجـيت‬ ‫وِدّـيـتـني‬ ‫ْ‬ ‫ـــــــك حـكـيت‬ ‫ـعـــن حُ ِ ّ‬ ‫وحبقول بتطـري‬ ‫العصافري بتلعب‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫الـــس‬ ‫ـــعـــــــده ـغــــِّــــِّـــه مــــن عــي ـ َنــيــك‬ ‫الــــرا ْعـــــــــه َ‬ ‫ِ‬ ‫وا َحلـــــــــــــورَه‬ ‫الـــوحـــــــده عَــمـــــــــــطــلّــع عــلَــيــك‬ ‫الـــــــبـــاب‬ ‫ـــــــــــن‬ ‫ْ‬ ‫الـــــــــاس اـلـــمـــوعـــودـيـــن ضـــ ّي ِ ُ‬ ‫الـــــــــواب‬ ‫وـعـــــــون اـلــمــقـــــورـيــن هســــراـنــــه َع‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِمـــن غـــــــرَك أاـن‬ ‫وحـــــده خــدين بــإيــدي واج ـ َعــلــي أان‬ ‫ـــــة اـلـــمـــوـعـــودـيـــن قـــــــديـــل الــتـــــبــاـنـــــن‬ ‫قــــ ّ‬ ‫ِ‬ ‫املهدومه‬ ‫وـفــوق البـيوت‬ ‫ـن‬ ‫َضـــــ ّوي فَــجــر الــنــاطــرـيـ ْ‬ ‫حرب الر ِ ِ‬ ‫ساله‬ ‫والع بباـلي‬ ‫ِحرب ِ‬ ‫الرسال‬ ‫ِ‬ ‫أمانه بِباـلي‬ ‫اـي نَـــــــــع الـــيـــــــابـــــــع اـي ســـــ ِّي ـــــد اـلــــعــــطــــااـي‬ ‫ـساـعدـني‬ ‫اي س ـ ّيــد الــعــطــااي‪ ...‬ساعدين‬ ‫َقــــطَــــعــــت الـــلـــيـــايل‬ ‫كـــــــرَمـــــــك بـــبـــايل‬ ‫و َ‬ ‫ِ‬ ‫بكري‬ ‫والميامه بترشب من نب َعك ّ‬

‫‪311‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫مسيكن بالخير‬ ‫ِّ‬

‫الصبيه‪:‬‬ ‫ِّ‬

‫مسيكن ابخلري ماـ تــردّوا املسا‬ ‫مسيـكي ابخلــير‬ ‫اجلو َقه‪ّ :‬‬ ‫الصبيه‪:‬‬ ‫ِّ‬ ‫ِ‬ ‫الــلــيـــــه بــيــطـــــع الــقــم ــر والــــكــــز بــيــطــلــع مــعــو‬ ‫ضــيــعــكــن‬ ‫ومل ـــــن بــيــظـــــر الــكـــــز رح تـــغـــى‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫كــــــن‬ ‫وتـــتـــــــ ّون ـعـــــادكُــن وبـــيـــفـــرحـــوا والد ُ‬ ‫وبــيــصــيــر يـــــــزل الــقــم ــر‬ ‫ـكــن‬ ‫يـــغـــي ويـــهـــر مــعـ ُ‬ ‫ّ‬ ‫اجلو َقه‪ :‬الليلِه رح يظـهر الكـنز‬ ‫وَيـنو الكـنز؟ وَيـنو الكـنز؟‬

‫الصبيه‪:‬‬ ‫ِّ‬

‫ـكــل واـحــــد يــنــبــش حَـــ ّدو‬

‫اجلو َقه‪:‬‬

‫كيف مننبش؟ كيف مننبش؟‬

‫الصبيه‪:‬‬ ‫ِّ‬

‫ـشــــــــوا يــلـــــي بــإيــديــُــن‬ ‫ِمــلــيــاـنــه هـــــاألرض مــعــاول‬ ‫اـي شـــيـــــــخ املـــشـــاـيـــخ‬ ‫ـصــــوت املـــــــول أحـــــى‬ ‫والــــرىض أحـــى ـمــن الــزـعــل‬ ‫اـي شـــيـــــــخ املـــشـــاـيـــخ‬

‫‪310‬‬

‫مسيكن ابخلــر‬ ‫واملــســا هلل ّ‬

‫ميــكــن يــلــقــي الــكــز عندو‬

‫حنــنــا مــا ِفــ ْيــه مــعــنــا مــعــاول‬

‫حــوالــيــكــن‬ ‫وتْـــطَـــلّـــعـــوا‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫عليكن‬ ‫والـــكـــز بــيــظــر‬ ‫ُ‬ ‫ــــــك هــالــكــمِــه‬ ‫رح ِق ّ‬ ‫مـــــن رنـــــــن الـــســـيـــف‬ ‫والــــســــام كـــز الــكــنــوز‬ ‫إنــــــت ا ْل بــتــخــلّــصــي‬


‫من شعر األخوين رحباني‬

‫َع إسمك غ ّنيت‬ ‫ك غـ ّـــــــت‬ ‫َع إمس ـــــ‬ ‫غـــي‬ ‫َع إمســـــك رح‬ ‫ّ‬ ‫كـــــــت وصــلـــــت والــــمــــا تـــمـــع مــي‬ ‫رَ َ‬ ‫ـــت وْـص ـلَّ ـ ْيــت‬ ‫َع تــاـلــك َع جباـلك ر َ‬ ‫كـــ ْع ْ‬ ‫هــــوين الـــمـــا قــريـــــه بــتــمَــعــنــا اي حــبــيــي‬ ‫َع ابـبــــي اتّــكـــــت‬ ‫َع ابب الـــلـــيـــايل‬ ‫عَــــلَـــــــــي طـــ ّــــــــت مـــن بـــرجـــك الــعــايل‬ ‫َع تــاـلــك َع جباـلك ركـــعـــت وصــلــيــت‬ ‫ـهــــون الـــمـــا قــرـي ـ ِبــه بــتــمــعــنــا اي حــبــيــي‬ ‫لهسوكل اليل بتنبت سناـبل ورجــــــــــال وهــــيــــالك‬ ‫لْغاابتَك املــزروعَــه بالـبل وزهـــــــــور ومَـــــعـــــاول‬ ‫ِ‬ ‫لــضــيــاعـــــا‬ ‫كـــعـــت وص ـ ّلــيــت‬ ‫اخلــجــولــه رَ َ‬ ‫ِ‬ ‫لـــــــــــا لــلــطــفــولــه ركـــعـــت وصــلّــيــت‬ ‫لــســيـــــوـفــك الــبــطـ ِ‬ ‫ـولــه وعـــيـــونـــك يــنــدهــويل‬ ‫ـهــــون الـــمـــا قــريـــــه بــتــمــعــنــا اي حــبــيــي‬ ‫مبــــــــ َدك احـ َمــــــــت بـــــرا َبـــــك ا َجلــــــــِّـــه‬ ‫ك ـغــــــــت‬ ‫َع إمس ـــــ‬ ‫َع إمســـــك رح غــي‬ ‫وإمحل بإيدي كاسك املليان‬ ‫وإرفـعو لـفوق‬ ‫لفوق لفوق‬ ‫َ َلطرح اليل بيو َقف الزمان‬ ‫وإسكر بإمسك جمد اي لبنان‬ ‫‪313‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫سهار‬ ‫ْ‬ ‫ْس ـــــــار بـــــــد ْس ـــار‬ ‫ت حيــــــرِز املـــشـــوار‬ ‫َ‬ ‫كـتار؟ ـهو زُ ّوار‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وبـــــــفـــ ّــــوا‬ ‫ـشــــــ َوي‬ ‫ِوعــــ ّنــــا ا َحلـــــا كــلّــو‬ ‫وعـــــــــا الـــقـــمـــر ابدلار وَرد وحَـــــي وأشـــعـــار‬ ‫ّ‬ ‫ـبس ـسهاـر‬ ‫ق الناس حننا فيك‬ ‫بيتَك بعيد وْل َ ْيل‪ ...‬ما َخبلّـيك تِرجَع أحَ ّ‬ ‫رَح فَــــ ّـــــح ـبـــواـبـــي وإنـــــــ َده عـــى صــحــايب‬ ‫ِوقـــــ ّــــــن قـــمـــراـن زار وتِـــتـــلـــج ادلنـــيـــه خــبــار‬ ‫ـبس ـسهاـر‬ ‫اـلوالد‬ ‫والـــــــــوم ـمـــــن بــيـــــام ـغـير‬ ‫بــ ِيــغـــــوا وـبـــروـحـــوا يــــ َـــمـــــــ ْمـــــــوا أعـــيـــاد‬ ‫مـــا دام إ ّنــــك َهـــون اي ِحـــم مــلــوى الــكــون‬ ‫شـــو‬ ‫ـهــــم لـــــل وطـــار و ِيـــنــــَـــص الــ ُعــمــر هنــار‬ ‫ّ‬ ‫ـبس ـسهاـر‬

‫‪312‬‬


‫من شعر األخوين رحباني‬

‫خدني‬ ‫خــدين عىل تَ ّالـتهاـ ِ‬ ‫اـلحلوـين‬ ‫انساين عىل ْحفايف ِالعنب والتني‬

‫ـبــواب العتيقَه عمـتل ّوحـلي‬ ‫وِعـيون َع شبابيك تِندهـلي‬ ‫وإمــي عىل طرـقات ِمنس ِّيـه‬ ‫تــســمّ عــَـ ّـي‬ ‫أنــطُــر يش إـيـــد َ‬ ‫خدـني ازرَعـــي بــأ ْرض لـبنان‬ ‫إفتح الباب وبَ ـ ّوس احليطاـن‬

‫ربتنا‬ ‫ِخــدين عىل األرض الــي ّ‬ ‫اشلَحين عىل تــراابت ضيعـتنا‬ ‫وصوت الهنورَه ين َده ِالغ ّياب‬ ‫صحاب عم ِبـتقول حننا صحاب‬ ‫ِبدني ْة غياب ورَ ْح ْيبِ ْيت الطـير‬ ‫يش صوت عمبيقول‪ :‬مَسا اخلري‬ ‫اـبلــبــيــت يَــ ّـــي ِ‬ ‫انطـــر ال ــَـ ِّـه‬ ‫وإركع حتت أحىل َسا ّ‬ ‫وصل‬

‫‪315‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫شايف البحر‬ ‫ِ‬ ‫شايف البحر شو كبـير؟‬ ‫ـــك‬ ‫كـــــر الــبــحــر ْ ِبـــبَّ ْ‬ ‫ِ‬ ‫شايف المسا شو ْب ِ‬ ‫عـيده؟‬ ‫ـــك‬ ‫ُبـــعـــد الـــمـــا ْبـــبَّ ْ‬ ‫ِ‬ ‫كــر البحر ُوبــعــد المساـ‬ ‫ـك‬ ‫ـك اي حبييب ْ ِبــبَّـ ْ‬ ‫ْ ِبــبَّـ ْ‬ ‫نَــــــطَــــــرتَــــــك أاـن نــــــدهــــــ َتــــــك أان‬ ‫رَمس َتك عىل املشاوير‬ ‫ـــــــــم الـــعـــمـــر اي دَمـــــــــع الـــــزَهـــــر‬ ‫اـي ه َ‬ ‫ّ‬ ‫اي موامس العصافري‬ ‫مــــا أوـســــــع الـــغـــا ِبـــه وِســــــع الـــغـــابِـــه قــلــي‬ ‫اـي مــــصــــ ّور َع ابـبـــي ومــــــصــــــ ّور بــقــلـــــي‬ ‫نــــطــــرتَــــك ِســنـــــه واي طُـــــــول الـــســـنِـــه‬ ‫وإسأل شجر اجلوز‬ ‫شــــوـفــــك ابلــصـــــو جـــــايي مــــن الــصــحــو‬ ‫وضايع ب َورق اللوز‬ ‫مــــا أزغَـــــــر ادلمــــَـــه أان دمـــ َعـــه بـــ َدر َبـــك‬ ‫بَــــــ ّدي إـنــــــ ُدر مش ــَــه وِختـــلّـــيـــــــي ِحـــبَّـــك‬

‫‪314‬‬


‫من شعر األخوين رحباني‬

‫عـتـاب‬ ‫ِ‬ ‫يئست من العـتاب‬ ‫حاجه تعاتِبـني ْ‬ ‫حــا ِجــه تعاتبـني وإذا ـبـــ ّدك ـتــروح‬ ‫ِ‬ ‫الطفول ع هَــواك‬ ‫عَ ّلت قلـبي من‬ ‫هشد ما ِ‬ ‫كت مــرَّه ِ‬ ‫لـسواك‬ ‫ضح ْ‬ ‫واهلل بيِ َ‬ ‫عــايـ ِ‬ ‫ــــه ـبــعــيـ ِـده عــن لــيــايل الصـفا‬ ‫اي هل تُرى مش هيك بيكون ال َوفا؟‬ ‫ِإن كان غريِه ها ِجلدال وهالشكوك‬ ‫وان كان غري ْحباب عَمـبي َعملّـوك‬ ‫كــ ّم ــا عــمــزـيــد ِب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ــك وْـلـــوع‬ ‫ــحــبَّ ْ‬ ‫املضين فيه رُـجوع‬ ‫حبك ُ‬ ‫واي ريت عَن ّ‬ ‫وَـيـــن بِــتــاقــي ِمـــــل قلـبي ـقـلوب‬ ‫ِوق ّديش عن حُ ّبك ِقلت ُبكرا بـتوب‬

‫ومــن ِ‬ ‫داب‬ ‫كرتما َ ّحل ْتين هاجلسم‬ ‫ْ‬ ‫روح وأان قلـبي تــ َعــ َّود َع الــعــذاب‬ ‫ت هالعني إ ّال َع ِحــاك‬ ‫ومــا تطل ِّع ْ‬ ‫ولــيــش ِبــت ـ َضـ ّـك تْف ّتحيل بــواب؟‬ ‫عيشة جَــفــا وحبـــي مــع الــنــاس جبفا‬ ‫وكيف بيكون الوفا؟ اعطيين جَواب‬ ‫أضنيتـني بيكفي بقى يِــرحَــم أبوك‬ ‫اهلل ـيــبــارِلكَــك اي وِلــفــي هباحلباب‬

‫كـــ ّمـــا بـــزيـــد بــ َعــيـــــي ادلّمـــــوع‬ ‫رَح ِتــــرُب اإلايم ِويُــــرّ الشباب‬ ‫ـرل ذنوب‬ ‫شو صــار‬ ‫صافيل وغــافـ َ‬ ‫َ‬ ‫ما تِبت اي وِلفي وال هالقَلب َتب‬

‫‪317‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫الحلوه‬ ‫عروستنا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫نـــيـــســـانـــه حـــلـــوِه‬ ‫عـــروســـتـــــــا احلـــــــوِه اي‬ ‫اـي‬ ‫لَ ار‬ ‫دار‬ ‫ـمـشوار ـمن‬ ‫اـي حـلوِه‬ ‫تــتــبــارَك حـــــار البيت وتـــتـــبـــارَك الــ َعــ ْتــ ِـــه‬ ‫ِ‬ ‫واخلــــواب نبيد وزـيــت وتـــفـــيـــض املـــحــــِّـــه‬ ‫ــــر كـــــوين ورد وعــنــر‬ ‫كـــوين قــمــح وسـ ّ‬ ‫وقــــنــــدـيــــل اـلـــــــزوار الـــــي مــــتــــ َّوج ابلـــغـــار‬ ‫اـي حـلوِه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ومتل الكذبِه ِ‬ ‫كـــروا زهـــور البساتـين‬ ‫كربيت‬ ‫ِ‬ ‫َـــعـــريـــــــك ِص ِت‬ ‫وحــلــيــي بـــن احلــلــوـيــن ول‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫َع احلـــــب تــاقــــــــوا وعُــــمــــرت قــصــة بيتو‬ ‫اـلـهوا‬ ‫ودار‬ ‫ل َدار‬ ‫دار‬ ‫دار ـمن‬ ‫اـي حـلوِه‬

‫‪316‬‬


‫من شعر األخوين رحباني‬

‫وطى الد ّوار‬ ‫كر اـي وطى ادلوَّار؟‬ ‫بعدك بتذ ُ‬ ‫ودلني ابإلايم كــاـنــوا زـغــار‬

‫وسكوت‬ ‫يبقوا جيوا قبل الضره ْ‬ ‫يعمرـوا ـحــد القنا ِيه بـيوت‬

‫وخلف السياـج الــي إلــو داير‬ ‫يضلّوا يغـنوا‪ ،‬شـعرهن طاـير‬

‫وشو يعقدوا ساكتني َع بـكرا‬ ‫ـزي َع كعب شـجرَه‬ ‫اـنزل يـ ِّ‬ ‫هالزـغار فلُّوا وصـــاروا كـبار‬ ‫وحــدك بتذكر اـي وطى ادلوَّار‬

‫بــــتــــذكــــر حـــايـــتـــنـــا؟‬ ‫يــــلــــفــــوا َع جـــرتـــنـــا‬

‫ف‬ ‫َع هـــالـــطـــريـــق وْ َ ّ‬ ‫ابـلـــــمـــــي‬ ‫ـيــــلــــعــــبــــوا‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫احلــــقــــال‬ ‫مـــــن شــــــوك‬ ‫وحــــــالـــــــــــــن حــــــــالِ‬ ‫وحـــــــجـــــــار بــــإـيــــد ِيــــه‬ ‫وهـــــــي عــــيــــوان عـــلـــ ْيـــه‬ ‫نـــــســـــيـــــوا جـــــــرتـــنـــا‬ ‫وحـــــــــــدك حـــايـــتـــنـــا‬

‫‪319‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫بكتب إسمك يا حبيبي‬ ‫بكتب إمسك اـي حبييب‬ ‫َع احلــــــور الــعـــــيــق‬ ‫بتكتب إمســي اـي حبييب‬ ‫َع رمـــــل الــطــرـيــق‬ ‫وبـــــرا بتش ّتـي ادلـنــي‬ ‫َع الــقــصــص املــجــرّحَــه‬ ‫بيبقى إمســـك اـي حبييب وإمســـــــــي ـبــيــمـــــحــا‬ ‫حبـــــي عــنــك اـي حبييب ألهـــــــــــايل اـلــــحــــي‬ ‫اـلـــمـــــــي‬ ‫بتحـكي عــي اـي حبييب لـــنـــــــعـــة‬ ‫ّ‬ ‫ومل ــــــا بـــــــــدور الــهــر حتـــت قــنــاديــل املــســا‬ ‫ّ‬ ‫بـــــــتـــى‬ ‫بيحكوا عنك اـي حبييب وأاـن‬ ‫وهدـيتـني وردِه‬ ‫ِ‬ ‫املخده‬ ‫زرعـتا َع‬ ‫فرجيـتا لصحايب خـبيتا ـبكتاـبي ‬ ‫هدـيـتك مزهريِّه‬ ‫ت ضــاعــت اهلــديِّــه‬ ‫ال كنت تدارهيا وال تعتـني فـيها َ‬ ‫وبـــــــقـــ ّــــي بــتــحــبـــــي مــــا بـــتـــعـــرف قــديــش‬ ‫مـــا زاـلـــــك بتحبـني لــيــش دخــــك لــيــش؟‬ ‫بكتب إمسك اـي حبييب‬ ‫َع اـلـــحـــور الــعــتــيــق‬ ‫بتكتب إمســي اـي حبييب‬ ‫َع رمـــــل الــطــرـيــق‬ ‫وبـــــرا بتش ّتـي ادلـنــي‬ ‫َع الــقــصــص املــجــرّحَــه‬ ‫بيبقى إمس ـــ‬ ‫ك اي حبييب وإمســـــــــي ـبــيــمـــــحــا‬

‫‪318‬‬


‫من شعر األخوين رحباني‬

‫َي ِّمي ما بعرف كيف حاكاني‬ ‫ِ‬ ‫حـــــرانــه‬ ‫َيِّــي مــا بعرف كيف حاكاين وكـــنـــت حـــد الـــعـــن‬ ‫تركتو بقصدي روح ـبــدي روح ومــــدري شــو حـــ ّد الــعــن خــاين‬ ‫َيِّـي ماـ بعرف كـيف‬

‫حيــــي وحيـــــي ورصت امســعــلــو واحلــــي كــيــف كـــان طايعلو‬ ‫صـــــاروا الـــزانـبـــق حــــداـن يــــــــوا ولـــو ضـــل كـــان الـــــورد خــبــاين‬ ‫َيِّـي ماـ بعرف كـيف‬

‫وغابت المشس وخ ْفت واحت ّديت وما عدت َع درب ا ْل لنا استهديت‬ ‫ما وعيت كيف ركضت صوب البيت قــلـــــي ـيـــدق وـكـــــت فــزـعـ ِ‬ ‫ـانــه‬ ‫َيِّـي ماـ بعرف كـيف‬ ‫ِ‬ ‫مـــــــارح َبــ َعــتــي‬ ‫حمـــرمـــه ـهــديِّــه رس وعــــطــــر أبــــيــــض وـغـــنـــ ِّيـــه‬ ‫ومـــــل الـــي زاـغــــوا هـــــك عينيي‬ ‫وحـــســـيـــت يش ابلـــبـــال بــاين‬ ‫َّ‬ ‫َيِّـي ماـ بعرف كـيف‬

‫‪321‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫س ّتي الختيا َره‬ ‫ســـي اخلــتـــــارَه‬ ‫بــيـ ِـتــك اـي ّ‬ ‫تــبــقــى تــرنــدحـــــي أشـــــارا‬ ‫ـيـــوك وفــرشــات ودـيـــوان‬ ‫دارا‬ ‫ـمـتل‬ ‫دارك‬

‫تــبــقــى تــق ـ ّعــدـنــي وحتكيـلي‬ ‫وزْبـــــــب وـجــــوز ختبيـلي‬ ‫ِ‬ ‫بــعـــــده‬ ‫ســـ ّتـــــــي الـــــــــوم‬ ‫مــــشــــتــــاقَــــه ألخـــــــــارا‬

‫عمتسـقي ْجنينهتاـ‬ ‫ميــكــن‬ ‫ْ‬ ‫لْ ـ َصــب ـ ِّيــه ـغـــــري حاكيهتاـ‬ ‫ِ‬ ‫ول ـــــــن ـحــاـكــــــــــــــي‬ ‫ِّ‬ ‫ْب ِ‬ ‫ـــــــــــ ّــــــي وـبــــــــــزوارا‬

‫‪320‬‬

‫بــيــذكــرين ْبــبــيــت سـ ّـي‬ ‫عــمـــــبــتــشــي‬ ‫وادلنـــــيـــــه‬ ‫ّ‬

‫عتق الــبــاب وهاحليطان‬ ‫ســـتـــــــي اخلـــــــــيــــارَه‬ ‫اـي‬ ‫ّ‬ ‫حــــــاايت اجلـــــن احلـــلـــوِه‬ ‫وأعــــمــــ ّا ركـــــوة قــهــوِه‬

‫و ْبـــــشـــــ ِّوحـــــا بـــإيـــدي‬ ‫ســـــــي اخلــــتــــيــــارَه‬ ‫اي‬ ‫ّ‬ ‫َع تــــال الـــمـــس وحتــي‬ ‫وعــمـــــتــتــذكَّــرين وتــبــي‬ ‫ِ‬ ‫بـــكـــ ْيـــت وذكَّـــرتـــيـــي‬ ‫ســـــــي اخلــــتــــيــــارَه‬ ‫اي‬ ‫ّ‬


‫من شعر األخوين رحباني‬

‫الصوان»‬ ‫من «جبال‬ ‫ّ‬ ‫فا ِتك ‬ ‫غرب ه‬ ‫ِ‬ ‫القاي د‬ ‫ديبو ‬

‫ك‬ ‫فا ِت ‬

‫غرب ه‬ ‫ِ‬ ‫فا ِتك ‬

‫غربه ‬ ‫ِ‬

‫راجعه تعميل؟‬ ‫‪ :‬شو َ‬ ‫راجعه خ ِّلص األرض‬ ‫‪َ :‬‬ ‫‪ :‬جدِّ ك إسمو الكارس‬ ‫ رضبة سيفو ِهتد الصخر‬ ‫ وانتهى عَ البوا ِبه‬ ‫‪ِّ :‬بيك قيدوم اجلبال‬ ‫ كان بإيدو يلوي احلديد‬ ‫العم ِله‬ ‫نقشة ِ‬ ‫ وميسح ِ‬ ‫ وانتهى عَ البوا ِبه‬ ‫‪ :‬وإنتي يا طف ِله ِر ْب ِيت باهلرب‬ ‫زهر ْة الضعف‬ ‫ يا ِ‬ ‫ يا أتعس من عشب احليط‬ ‫راجعه تعميل؟‬ ‫ شو َ‬ ‫راجعه خ ّلص األرض‬ ‫‪َ :‬‬ ‫‪ :‬كيف‪ ،‬وإنتي وحدك؟‬ ‫ وين رجالك؟‬ ‫القوه اليل شعرا أبيض‬ ‫ وين خيل ِّ‬ ‫ والسيوف اليل هيي احلق؟‬ ‫‪ :‬ق ّلي بيي قبلام ميوت‪ :‬احلق ما بيموت‬ ‫حبة القمح‬ ‫ أنا نقطة الشتي ‪ ...‬أنا ِّ‬ ‫ جايي إنزرع بأريض‬ ‫ بصدور الناس اليل هون‬ ‫ وبكرا َز ِرعْ نا بيطلع‬ ‫‪323‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫وطني‬ ‫وطــي اـي جـبل الــغــم األزرق‬ ‫اـي بـــــوت ا ْلـــــ ـبيـحـبواـن‬ ‫زغــــــر ووســــــع ادلـنــــي‬ ‫اـي‬ ‫َّ‬

‫وطــي اي قمر الندي والزنبق‬ ‫اي تـــــراب الــــي ـســـَـــــوان‬ ‫وطـــــــــــــــــــــــي‬ ‫اـي‬

‫وطـــــــــــــــــــــــــــــي اي دهــب الزمان الضايع‬ ‫وطـــــــــــــــــــــــــــــي مــن بــرق القصايد طالع‬ ‫اان عىل اببك ِ‬ ‫قصيده‬ ‫كتبهتا الرحي ِ‬ ‫العنيده‬ ‫أان حجره‬ ‫أان سوسنِه‬ ‫اي وطين‬ ‫جـــــــراـنـــي ابلــقـــــطــرَه ـتذ ـكر و ـني‬ ‫وـبـــــاـبـــــل الـــقـــمـــرَه ـيــــــنــــــد ـهــــــــو ـنـــي‬ ‫ـشـــــــــر أراضـــــي ـــــ‬ ‫ك ســـواـعـــد أـهـــي شــ َّجــروا‬ ‫وحـــــــــار حـــــافـــــك وجــوه جــدودي ا ْل ع َّمروا‬ ‫وـعـــــــاـشـــــــوا فـــــك ـمـــــن ـمــــــِّـــــ ْة ـســـنِـــه‬ ‫اـلدـني‬ ‫أول‬ ‫وـمـــــن أـلـــــف ســنِـــــه وـمن‬ ‫وطـــــــــــــــــــــــــــــي وحـياـتك وـحياة املح ِبه‬ ‫ـشو‬ ‫ـبـني عــم ـ ِإكــر وتــكــر بقليب‬ ‫وإايم الـــي جـــايي جاـيي فــهــا الـــمـــس خمــبــا ِيــه‬ ‫إنت الـقوي إنت الغـني وإنــــت ادلين اي وطــي‬

‫‪322‬‬


‫من شعر األخوين رحباني‬

‫ُ‬ ‫رجعني‬ ‫وحزنكن َّ‬ ‫ ‬ ‫ لوحيل من الغيم‬ ‫َّ‬ ‫ حاكاين من الصيف‬ ‫ ندهني من متوز‬ ‫ من ذل اإلنتظار باملدن الغري ِبه‬ ‫ وكانت أصواتكن تندهيل‪...‬‬

‫‪325‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫هدتكن اإلشاعات‬ ‫ّ‬

‫‪ :‬هدّ تكن اإلشاعات؟‬ ‫غرب ه‬ ‫ِ‬ ‫المجموعة ‪ :‬فاجأتنا يا غر ِبه‪.‬‬ ‫ ‪ّ :‬ملا ودّ عتوا اليأس‪ ،‬ولفحتكن ريح العزّ‪ ،‬صوت عيادكن خزّق سمعهن‪...‬‬ ‫غرب ه‬ ‫ِ‬ ‫فرح معاولكن باألرض َّبش ُرهن هبدم براجن‪َ ...‬ح ّبوا يردّ وكن عَ اليأس‪.‬‬ ‫المجموعه ‪ :‬عمبيقولوا بدن يعتقلوا ناس كتري‪.‬‬ ‫حبوسه تساع كل الناس‬ ‫غرب ه‬ ‫‪ :‬ال ختافو‪ ...‬ما فيه ِ‬ ‫ِ‬ ‫منكمل‪.‬‬ ‫ بيعتقلو كتري‪ ،‬بيبقى كتري‪ ،‬وباليل بيبقو رح ّ‬ ‫عمروها ال ّلي بقيوا‬ ‫ ‬ ‫ غمـر الطوفـان األرض‬ ‫رجعوها ال ّلي بقيوا‬ ‫ّ‬ ‫ ‬ ‫ هدمـت احلـروب املـدن‬ ‫ح ّرروهن ي ّلي بقيوا‬ ‫ ‬ ‫ استعبـدوا الظ ّـالم الناس‬ ‫نكمل املشوار‬ ‫ بدنا ّ‬ ‫منكمل ب ّلي بقيوا‪.‬‬ ‫ ْكتار؟ ْقالل؟ ْنكون‪ ...‬شو هم؟!!!‪ّ ...‬‬ ‫غرب ه‬ ‫‪ :‬يا هالناس يا أهيل ‪...‬‬ ‫ِ‬ ‫ أنا وباألرض الغري ِبه‬ ‫ مهومكن كانت توص ّلي‬ ‫يرصخيل‬ ‫ بكي والدكن بالليل كان ِّ‬ ‫ أنا وباألرض الغري ِبه‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫حزنكن َح َف ْظني‬ ‫ ‬ ‫حزنكن ِر ِبي معي‬ ‫ ‬ ‫َك َّبرين‬ ‫ ‬ ‫ حرسني‬ ‫‪324‬‬


‫من شعر األخوين رحباني‬

‫غربه ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫رج ‬ ‫غرب ه‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫رج ‬ ‫غربه ‬ ‫ِ‬

‫سعد ‬ ‫غرب ه‬ ‫ِ‬ ‫الكل ‬ ‫غرب ه‬ ‫ِ‬ ‫مجيل ه‬ ‫غر ِبه ‬ ‫الكل ‬

‫‪ :‬اليل بيحاربوا من برا بيضلوا برا‪ .‬املصدر ُج ّوا‪.‬‬ ‫‪ :‬كيف بدنا نقاتل وأملنا بالنرص ضعيف؟ عسكرو ع العايل‪ ،‬حمتل‬ ‫العاليل‪.‬‬ ‫‪ :‬بعد فيه بقلوبكن خوف‪ .‬ملا بيوقع القتال بني اتنني‪ ،‬واحد بدو خياف‪،‬‬ ‫واليل بيخاف بينغلب‪ .‬ليلة مقتل مدلج‪ ،‬خفتوا؟‬ ‫‪ :‬باآلخر‪ ،‬إيه‪ :‬خفنا‪.‬‬ ‫‪ :‬وانغلبتوا‪ ...‬لو ما خفتوا كان فاتك خاف‪ .‬سعد‪ ،‬هباك اللي ِله‪ ،‬هوي‬ ‫البوا ِبه‪ ،‬والسيف قبال عيونو‪ ،‬خاف؟‬ ‫وبيي ع ّ‬ ‫‪ :‬أل‪ ،‬ما خاف‪ .‬ما عرف اخلوف‪.‬‬ ‫‪َ :‬ألنو قرر ميوت‪ .‬هون الندر‪ :‬نقرر منوت أو ْأل‪.‬‬ ‫‪ :‬غر ِبه‪ ،‬مق ِّررين منوت‪ .‬بس يكون فيه متن‪.‬‬ ‫‪ :‬اليل مايش صوب املوت‪ ،‬بيغلبو‪ ،‬وبريبحو‪ .‬هيدي آخر م َّره منحكي‬ ‫فيها‪ .‬وقت احلكي راح‪ .‬إجا الوقت التاين‪.‬‬ ‫‪ :‬وفاتك‪ ،‬يا غر ِبه‪ ،‬رح بتقابليه وح ِدك؟‬ ‫‪ :‬وحدي‪ .‬روحوا استعدوا‪ .‬وإذا ما عدنا َ‬ ‫التقينا‪ ،‬قلبي معكن‪.‬‬ ‫‪ :‬حمروسه يا غر ِبه‪َّ .‬نضفنا السالح‪ .‬رح نسهر كل الليل‪ ،‬نحنا واهلدير‪،‬‬ ‫هدير اليل جايي واليل رح يكون‪ .‬ألجل احلر ِّيه‪ ،‬ملحو اإلها ِنه‪ ،‬لغسل‬ ‫الشام ِته‪ ،‬وألجل البيوت‪ ،‬وتراب البيوت‪ ،‬قررنا منوت‪ .‬وحمروسه يا غر ِبه‪.‬‬

‫‪327‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫غر ِبه والشعب‬

‫ل‬ ‫الك ‬ ‫غرب ه‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫رج ‬ ‫غربه ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫رج ‬ ‫غربه ‬ ‫ِ‬ ‫ت‬ ‫بن ‬ ‫غربه ‬ ‫ِ‬ ‫رجل‬ ‫غربه ‬ ‫ِ‬

‫رجل‬ ‫غرب ه‬ ‫ِ‬

‫رجل ‬ ‫‪326‬‬

‫بتقابليه‬ ‫‪ :‬أل‪ ...‬ال تقويل رح‬ ‫ْ‬ ‫‪ :‬بدي إحكي معكن‪.‬‬ ‫‪ :‬شو بتفتكري بيصري؟‬ ‫‪ :‬اليل بدو يصري‪.‬‬ ‫‪ :‬ويرجع القتال من جديد‪...‬‬ ‫‪ :‬حرقتنا شمس الذل‪ ،‬والدنا زهر القهر‪ ،‬جمدنا صار حكا ِيه‪،‬‬ ‫ واليل ترشدوا عيوهنن علينا‪.‬‬ ‫‪ :‬اليل ترشدوا‪ ،‬لقيوا ناس يآووهن‪ ،‬وصاروا ضيوف‪.‬‬ ‫‪ :‬اليل مطرود َم ُّنو ضيف‪ ،‬حامل حزنو معو‪،‬‬ ‫ وحامل احلزن بيهربوا منو الناس بيخافوا يعدهين‬ ‫تا ين ‪ :‬اإلنسان بيعيش وينام كان‪.‬‬ ‫‪ :‬بيعيش لكن كيف‪:‬‬ ‫ بيضلوا يسألوك‪ :‬إنت شو إسمك‪ ،‬بتقلن إسمي فالن‪ ،‬ما فيك تكون‬ ‫بال إسم‪ .‬وبيضلوا يسألوك إنت منني‪ ،‬بدك تقول منني‪ ،‬ما فيك تكون‬ ‫مش من مطرح‪ .‬إذا فيك تعيش بال اسم‪ ،‬فيك تعيش بال وطن‪.‬‬ ‫تالت‪ :‬الوطن‪ ،‬البطو ِله‪ ،‬األرض‪ ،‬مش أغىل من احلياة‪.‬‬ ‫‪ :‬الوطن‪ ،‬البطو ِله‪ ،‬األرض‪ ،‬مش أغىل من احلياة‪ ..‬صحيح‪ .‬بس الشام ِته‬ ‫أصعب من املوت‪.‬‬ ‫‪ :‬قبلام نقاتل‪ ،‬خلينا نبعت رسل عىل بالد حوب وسهول الفيدار‪ .‬هونيك‬ ‫فيه ناس من أهالينا‪ ،‬خليهن جيوا حياربوا معنا من برا‪.‬‬


‫من شعر األخوين رحباني‬

‫ِ‬ ‫الغريبه‬ ‫النسمه‬ ‫ندهتني‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الــنــمــه الــغــري ـ ِبــه‬ ‫نــدهــتــي‬ ‫الــســ َفــر‬ ‫ولــفــحــتـــــي رحي َّ‬ ‫عـــمـــــــــــمـــي اجلــــبــــال وـتــــــــــــــد اـلـــــكـــــروم‬ ‫والـــــــــــــــــوت هتـــاجـــر فـــرح الــرحــيــل غــمــر ادلين‬ ‫ِ‬ ‫مليانه ـعشاق‬ ‫َع شــطــوط الــبــحــور الــبــعــيـ ِـده مــراـكــب‬ ‫وإيــــدني الــصــبــــ ِّيــه تقطُف زهــر احلــب مــن مــوج البحور‬ ‫والبيادر راـك َضه بسنابل القمح‬ ‫قرَّب مومس احلصاد وقرَّب ملتقاان‬ ‫ورق اـل ـــ ـ َحــور عـــمـــبـــيـــلـــ ِّوح‬ ‫أرض الـسنداين عـــمـــبـــتـــلـــ ِّوح‬ ‫عيـنـين األحــبَّــه عـــمـــبـــتـــلـــ ِّوح‬ ‫ِ‬ ‫واصــــــــه‬ ‫انطرين ع روس اجلبال أان‬ ‫ِ‬ ‫واـصل لعـندك‬ ‫علّق عىل صدرك جنمة احلب الغري ِبه‬

‫‪329‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫يا دارة العاللي‬ ‫اي دارة الــــعــــايل‬ ‫َع جـــهـــة الـــلـــيـــايل‬ ‫اي بــنــ ِّيــ ْة ا ْل َع الــفــرس‬ ‫يـــنـــ َده عــلــيــك احلـــرس‬ ‫انطـــــــوران الـــــي غـــدي‬ ‫قــلــبــو حـــي َع اهلـــوى‬ ‫اي مــــــزنَّــــــرَه ابخلـــطـــر‬ ‫َع بـــيـــادرك والــشــجــر‬ ‫أهـــــل الــــوفــــا ـمـــَّــلــوا‬ ‫اي َخـــر دا ِيــــب ِغـــ َوى‬ ‫مــن فـــوق راس اجلبل‬ ‫و َشــعــر الــصــب ـ ِّيــه ْانــــ َدل‬ ‫طــــاب الــــرَّنــــن وغــي‬ ‫والــي ان ْك َتب َع الْ َجد‬

‫‪328‬‬

‫اي مــــســــ َّورَه اـبلــغــضــب‬ ‫ْإسك ُضوي وان ْكتب‬ ‫ِ‬ ‫ْــــشــــه ابحلـــى‬ ‫ومـــــَــــن‬ ‫ْ‬ ‫ال ـتــــجــــريح ابحلــــا‬ ‫َع الــكــرم قبل الندي‬ ‫واهــــــ َزّ نَــــر الــقــصــب‬ ‫صــــوب الـــمـــا تــل ـفَّــي‬ ‫يـــرـبـــى هـــديـــر الــشــي‬ ‫َع بــيــوتِــك الـــي ِعــلــوا‬ ‫تَ ـــت احلـــي والــعــتــب‬ ‫طـــلـــوا وَعــــيــــد ِ‬ ‫وحـــــدا‬ ‫را ِيـــــه َع و ِ ّج املـــدى‬ ‫وصــــوب الــبــشــايِــر ِع ِــي‬ ‫َ‬ ‫ـبــل ســيــف ان ْكتب‬


‫من شعر األخوين رحباني‬

‫جسر العودة‬ ‫جرس العودَه‬ ‫ِ‬ ‫مس ْيتك جرس العودَه‬ ‫جرس‬ ‫األحزان أان َّ‬ ‫اي َ‬ ‫ت‬ ‫املأساةُ ارتف َع ْ‬ ‫ت‬ ‫املأساةُ اتس َع ْ‬ ‫ت‬ ‫وَ ِس َع ْ‬ ‫ت‬ ‫َسطَ َع ْ‬ ‫ت ح َّد ال َّصل ِ‬ ‫ْب‬ ‫َبلَغَ ْ‬ ‫نيب صلبوا الليةل شعيب‬ ‫من صلبوا ّ‬ ‫لك ٍّ‬ ‫يهنض‬ ‫العاثر ُ ْ‬ ‫النازح ِ‬ ‫يرج ْع‬ ‫يعودون‬ ‫واملنتظرون‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ورشيد اخلمية ِ‬ ‫يرج ْع‬ ‫ِ‬ ‫أبيض‬ ‫وبليةل عمت ٍ ْ‬ ‫كاأل ُوىل لمليالدْ‬ ‫مألى بغموض اآليت‬ ‫وبفرح األعيادْ‬ ‫يأيت من مصت األشجارْ‬ ‫العرشني‬ ‫طفل يف سن‬ ‫ٌ‬ ‫ْ‬ ‫حيتفل اليوم مبيالد ْهِ‬ ‫برشاش‬ ‫عيَّده العيد‬ ‫ْ‬ ‫فمىض يتصيَّ ُد ويقميْ‬ ‫وأجداد ْهِ‬ ‫يف أرض أبيه‬ ‫األطفال‬ ‫آالف‬ ‫ْ‬ ‫يدخل ُ‬

‫مَن كربُوا الليةلَ يف اخلار ْج‬ ‫عادوا كالبحر من اخلار ْج‬ ‫ِ‬ ‫أرج ُع يف العمتة معمه‬ ‫نرحل‬ ‫ونقاتل ال ْ‬ ‫نصم ُد ُ‬ ‫يرحل‬ ‫ونقميُ كشجر ٍ ال ْ‬ ‫الزيتون‬ ‫تقفون كشجر‬ ‫ْ‬ ‫تقميون‬ ‫كجذوع الزمن‬ ‫ْ‬ ‫كالزهرةِ‬ ‫كالصخرةِ‬ ‫تقميون‬ ‫يف أرض ادلار‬ ‫ْ‬ ‫وساليم لمك‬ ‫املحتل‪،‬‬ ‫اي أهل األرض َّ‬ ‫ني‬ ‫اي مزنرع ْ‬ ‫مبنازلمك‬ ‫قليب معمك‬ ‫وساليم لمك‬ ‫ني‬ ‫واملج ُد ألبطال ٍ آت ْ‬ ‫العرشني‬ ‫الليةلَ قد بلغوا‬ ‫ْ‬ ‫المشس‬ ‫هلم ُ‬ ‫ُ‬ ‫القدس‬ ‫هلم ُ‬ ‫ُ‬ ‫والنرص‬ ‫ُ‬ ‫ني‬ ‫ُ‬ ‫وساحات فلسط ْ‬

‫‪331‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫زهرة المدائن‬ ‫ِ‬ ‫ألجكل اي مدين َة الصالةْ‬ ‫أ ُ َص ّل‬ ‫ِ ِ‬ ‫املساكن‬ ‫ألجل اي هب ّي َة‬ ‫ْ‬ ‫اي زهرَةَ املدا ْنئ‬ ‫ُدس‬ ‫اي ق ُ‬ ‫اي مدين َة الصالةْ‬ ‫أ ُ َص ّل‬ ‫عُ ُيونُنا ِ‬ ‫لك يَو ْم‬ ‫إليك تَرحَ ُل ّ‬ ‫تَدو رُ يف ِ‬ ‫أروقة املعاب ِ ْد‬ ‫الكنائس القدمي ْه‬ ‫عانق‬ ‫تُ ُ‬ ‫َ‬ ‫زن‬ ‫و ُت َس ُح ا ُحل َ‬ ‫عن املساج ْد‬ ‫اي ليةلَ اإلرساءْ‬ ‫رب مَن مَرّوا‬ ‫اي دَ َ‬ ‫إىل المساءْ‬ ‫عُيونُنا ِ‬ ‫لك يَو ْم‬ ‫إليك ترحَ ُل ّ‬ ‫وإنّين ّ‬ ‫أصل‬ ‫∂‬

‫الطفل يف املغارَه‬ ‫ُ‬ ‫وأ ُ ّمِه مرمي ْ‬ ‫يبكيان‬ ‫وجهان‬ ‫ْ‬ ‫‪330‬‬

‫ِبِيادِ ِ‬ ‫الرهبة ٍ‬ ‫شدوا؟‬ ‫آت‬ ‫ألج ِل مَن تَ َ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫منازل‬ ‫ألج ِل أطفال ٍ بال ْ‬ ‫وكوجه اهلل الغامرْ‬ ‫آت ٍ‬ ‫آت ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ألج ِل من داف َع‬ ‫آت‬ ‫املداخل‬ ‫واس ُتهش َد يف‬ ‫ابب مدينتنا‬ ‫ْ‬ ‫ل َن يُق َفل ُ‬ ‫فأان ذاهب ٌة أل ّ‬ ‫واس ُتهشِ َد السال ْم‬ ‫ُصل‬ ‫يف وطن ِ السال ْم‬ ‫األبواب‬ ‫سأدق عىل‬ ‫ُّ‬ ‫ْ‬ ‫املداخل‬ ‫العدل عىل‬ ‫األبواب‬ ‫وسأفتحها‬ ‫ْ‬ ‫وسقطَ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ت مدين ُة القدس ِ‬ ‫األردن‬ ‫ني ه َو ْ‬ ‫ّ‬ ‫ح َ‬ ‫وستغس ُل اي هنر َ‬ ‫ٍ‬ ‫احلب‬ ‫تراج َع‬ ‫وجهي مبياه قدسيَّه‬ ‫ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ويف قلوب ادلُنيا‬ ‫األردن‬ ‫ّ‬ ‫وستمحو اي هنر َ‬ ‫استوط َن ِ‬ ‫احلرب‬ ‫ت‬ ‫آاثرَ القَ َدم اهل َمجيَّه‬ ‫ُ‬ ‫الغضب الساط ُع ٍ‬ ‫الطفل يف املغارَه‬ ‫آت‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫جبيادِ ِ‬ ‫الرهبة آتٍ‬ ‫وأم ُه مرمي‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يبكيان‬ ‫وجهان‬ ‫وسيزه ُم وج َه الق َّوه‬ ‫ْ‬ ‫وإنّين أ ُ ّ‬ ‫صل‬ ‫البيت ل َنا‬ ‫ُ‬ ‫∂‬ ‫والقدس لنا‬ ‫ُ‬ ‫الغضب الساط ُع ٍ‬ ‫آت وبأيدينا س ُنعي ُد هباءَ القُدس ِ‬ ‫ُ‬ ‫وأان ّ‬ ‫إميان‬ ‫بأيدينا للقدس ِ سال ٌم‬ ‫كل ْ‬ ‫الغضب الساط ُع ٍ‬ ‫آت ٍ‬ ‫آت ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫آت‬ ‫آت‪...‬‬ ‫ُ‬ ‫األحزان‬ ‫سأمر ُّ عىل‬ ‫ْ‬ ‫لك طريق ٍ‬ ‫آت‬ ‫من ّ‬


‫كلمة عاصي الرحباني‬ ‫في ذكرى األب بولس األشقر‬ ‫صالة سينما كابيتول – ‪ 31‬آذار ‪1963‬‬

‫أبونا بولس األشقر‪ ،‬كان من الزارعني ا ُأل َول‪ .‬طلّ بكري عَ حقلة املوسيقى‬ ‫بلبنان‪ ،‬يوم اليل كان اجلنى فيا قليل‪ .‬ز َرع‪ ،‬و ِت ِعب‪ ،‬وما ترك احلقله ّإال بعدما ِشع ِلت‬ ‫بالزهر والعطر‪ .‬ومش هيك بس‪ :‬قبلام يروح‪ ،‬جاب َش ّغيله جداد‪ ،‬عطاهن بدار‪،‬‬ ‫وجين العطر أكرت وأكرت‪.‬‬ ‫وودّ اهن عَ حقول تانيه‪ ،‬ت تكرت مواسم احلال‪ّ ،‬‬ ‫َلحَّ ن بإخالص‪ :‬من هون كان فنان‪ .‬ووصلت أحلانو لقلوب الناس‪ :‬من هون‬ ‫كان عظيم‪ .‬والوصول للقلب مش ّهين‪ :‬ميكن توصل آلخر الدين‪ ،‬وما تقدر تقطع‬ ‫هاملسافه الزغريه لقلب جارك‪.‬‬ ‫‪333‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫ُ‬ ‫الحزن واالنتظا ْر‬ ‫أحترف‬ ‫َ‬ ‫احلزن واالنتظا ْر‬ ‫أحرتف‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫أرتقب اآليت وال يأيت‬ ‫زانبق الوقتِ‬ ‫تب َّددَ ْ‬ ‫ت ُ‬ ‫احلزن واالنتظا ْر‬ ‫أحرتف‬ ‫عرشون عاماً وأان‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫عربت من بوابة ادلمو ْع‬ ‫ُ‬ ‫إىل صقيع المشس والربدِ‬ ‫ال أهل يل‬ ‫يف خمييت وحدي‬ ‫احلنني والرجو ْع‬ ‫عرشون عاماً وأان يسك ُنين ُ‬ ‫كبت يف اخلار ْج‬ ‫ُ‬ ‫آخرني‬ ‫ُ‬ ‫بنيت أه ًال ْ‬ ‫كالشجر ِ اس َت ْن َب ُّتُم فوقفوا أمايم‬ ‫ظل عىل األرض ِ‬ ‫صار هلم ٌّ‬ ‫ومن جدي ٍد رضبَتْنا موج ُة البغ ِ‬ ‫ض‬ ‫وها أان أستوطن الفرا ْغ‬ ‫ني‬ ‫ش ُ‬ ‫أهيل مرّت ْ‬ ‫دت عن َ‬ ‫ُ ِّ‬ ‫ني‬ ‫ُ‬ ‫سكنت يف الغياب مرَّتَ ْ‬ ‫أريض ببايل‬ ‫احلزن واالنتظا ْر‬ ‫أحرتف‬ ‫وأان‬ ‫َ‬ ‫ُ‬

‫‪332‬‬


‫كلمة عاصي الرحباني في ذكرى األب بولس األشقر‬

‫م ّرات باملسويات‪ ،‬نشوفو ضاهر من الكنيسه مبشلحو األسود وط ّلتو البيضا‬ ‫وجو سعاده ما بتنوصف‪ ،‬وبإيدو ورقه وقلم‪ .‬نعرف وقتا إ ّنو ّحلن‬ ‫الرضيه‪ ،‬وعىل ّ‬ ‫ّ‬ ‫قطعه جديده‪.‬‬ ‫قلنالو م ّره‪ :‬يا بونا بولس‪ ،‬ع ّلمتنا كلّ هالسنني‪ ،‬وما أخدت ّمنا يش‪ .‬كيف‬ ‫بتكملو الرساله‪ .‬أ ّلفو غناين‬ ‫وشع بالفرح‪ ،‬وقال‪ :‬بتكافوين إذا ّ‬ ‫بدنا نكافيك‪‬؟ ضحك‪ّ ،‬‬ ‫للناس‪ .‬وال تنسو املدارس‪ .‬دامي ًا ع ّلمو الغنا باملدارس‪ .‬بس أصحا تاخدو منن يش‪.‬‬ ‫متلام قبضت منكن بتقبضو منن‪ :‬جمان ًا أخذتم وجمان ًا أعطوا‪.‬‬ ‫و َب ْيعدنا الزمان‪ .‬نحنا غرقنا هبموم الدين‪ ،‬وضلّ بونا بولس هوي والكنايس‬ ‫خبرنا راهب جايي من دير مار روكز‪ ،‬إ ّنو بونا بولس‬ ‫واجلوقات‪ .‬وبيوم من األيام‪ّ ،‬‬ ‫ِم ِرض‪ ،‬ومنعو احلكيم عن كل حركه‪ .‬بس هوي ما كان ميتنع عن التلحني‪ .‬قال‬ ‫بدّ و خي ّلص املزامري قبلام يفلّ ‪.‬‬ ‫بضبيه‪ ،‬كان فيه جوقه جديده خلص تدريبا‬ ‫و ّملا فلّ عن هاألرض من دير عوكر ّ‬ ‫‪‬ينبت‬ ‫من يومني‪ .‬وكانت اجلوقه عمرتت ّلو هوي ورايح مزمور من املزامري اليل ّحلنها‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫الصدّ يق‪ ،‬وكثرة السالم‪ ،‬إىل أن يضمحلّ القمر‪.‬‬ ‫يف أيامه ِ‬

‫‪335‬‬


‫أحلان بونا بولس بتنبع من مناخ بالدو‪ .‬أخدت من الثقافه ومن الرتاث ومن‬ ‫تعبر عن مشاعر ناس بالدنا‬ ‫الطقوس‪ ،‬وشحنها بإحساسو اخلاص‪ ،‬ت صارت ّ‬ ‫وشوقهن لتمجيد احلق واجلامل واملحبه‪ ،‬وتط ّلعت العيون أكرت صوب السام‪.‬‬ ‫النغمه أخت الكلمه‪ :‬هيدي حقيقة ّ‬ ‫الغن ّيه‪ .‬منسمع م ّرات أحلان‪ ،‬ضايعه فيا‬ ‫صوتيه مش ّ‬ ‫مبحال‪ ،‬يا لعدم شعور امللحّ ن بتتابع املعنى‬ ‫معامل الكلمه‪ ،‬يا إلمتدادات ّ‬ ‫وروحية اللفظ‪ .‬وقال بونا بولس‪ :‬الزم الكلمه اليل ّهيي ِشعر حلو‪ ،‬توصل لغايتا‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫البيحبو‬ ‫رشيكني‪ ،‬ليش ما بيطلو ع الناس متل الصحاب‬ ‫وما زاال ّهيي واللحن‬ ‫ّ‬ ‫بعضن‪ :‬متساويني؟ وهيدي من ميزاتو‪ :‬كان يعطي الكالم وجود أغنى‪ .‬دخل‬ ‫جلوات التعبري‪ ،‬استوعب‪ ،‬وعاش‪ ،‬وتفاعل مع املعنى‪ .‬من هيك أحلانو بتكون م ّرات‬ ‫ّ‬ ‫بالقوه والعظمه‬ ‫يرصخ‪ ،‬وم ّرات‬ ‫بتضج نفسو ّ‬ ‫ّ‬ ‫حنونه بتج ّرح‪ ،‬ومرات بيخ ّلي احلزن ّ‬ ‫وبريق مرات‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫بريق ت يوصل ع‬ ‫وبالفرح‪ ،‬وبيع ّلي الصوت ت يصري متل اهلدير‪،‬‬ ‫حدود الطمأنينه‪.‬‬ ‫السنني اليل عاشا بونا بولس‪ ،‬كانت َغ ِن ّيه بالشغل والتعب والرىض‪ّ .‬حلن كلّ‬ ‫شعبيه‪ّ ،‬‬ ‫وألف‬ ‫املزامري‪ّ .‬حلن أناشيد وتراتيل وقداسات‪ .‬مجع األحلان الرسيانيه وأحلان ّ‬ ‫موسيقيه كتريه‪ .‬بالنهارات‪ ،‬باملسو ّيات‪ ،‬يضلّ هوي واألرمونيوم والورقه والقلم‪.‬‬ ‫كتب‬ ‫ّ‬ ‫وابيض شعرو وصار متل التلج‪.‬‬ ‫يكتب‪ .‬وضلّ يكتب ت كرب‬ ‫ّ‬ ‫ويفهام‪ .‬وبس‬ ‫يطول بالو عليا‪ّ ،‬‬ ‫كان مطرح ما يروح‪ ،‬ير ّبي جوقه‪ .‬يع ّلام الرتتيل‪ّ .‬‬ ‫الض َيع اليل زارا‪ ،‬و ع كلّ ت ّله من‬ ‫تر ّيش اجلوقه‪ ،‬ينقل ملطرح تاين‪ .‬زرع الصال بكل ِ‬ ‫ت صارت العياد عياد أكرت‪.‬‬ ‫تالل لبنان‪َ ،‬‬ ‫و ّملا مرق بونا بولس بضيعتنا أنطلياس‪ ،‬ندهلنا من طفولتنا التاهيه‪ ،‬وع ّلمنا‬ ‫الفن‪ ،‬عن الدخول‬ ‫وخبرنا عن ّ‬ ‫املوسيقى‪ .‬يوما‪ّ ،‬كنا نجهل شو املوسيقى‪ .‬ندهنا ّ‬ ‫لوديان النفس‪ ،‬للمطارح العميقه بالضمري الكبري‪ .‬ع ّلمنا النوطه‪ ،‬والنظريات املوسيقيه‪،‬‬ ‫الرشقيه‪ ،‬ع ّلمنا السهر ع الكلمه‪ .‬ع ّلمنا إ ّنو قدّ ام بواب الفن منضلّ تالميذ‪.‬‬ ‫واألحلان‬ ‫ّ‬ ‫أهم يش تع ّلمناه من بونا بولس‪ ،‬هوي فرح اإلنسان بوالدة اجلامل‪.‬‬ ‫بس ّ‬ ‫‪334‬‬


‫كلمة منصور الرحباني‬ ‫في احتفال تكريم شقيقه الياس الرحباني‬ ‫صالة مسرح شاتو تريانو ‪1998-3-30‬‬

‫مساكن َالف ِقر ً‬ ‫طويال‬ ‫تنزّهنا يف‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫سكنا بيوت ًا ليست ببيوت‬ ‫ِت َ‬ ‫ُ‬ ‫طفولتنا‪ ،‬إخويت وأنا‬ ‫لك‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫الزمان بطيئ ًا‪ ،‬فالتعاسة ُسلحفاة‬ ‫وكان‬ ‫يتك ُئ عىل حاف ِة انتظارات ِه‪،‬‬ ‫والصغري الياس ِ‬ ‫ُ‬ ‫اللهو‪ ،‬ولفت ٌة يف ا ِحلرمان‪،‬‬ ‫لفت ٌة يف ِ‬ ‫َ‬ ‫فالف ْق ُر ُي ْت ٌم آخر‪...‬‬ ‫كنت أخرتعُ له ُل َعب ًا‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫أنسج جلفني ِه ُنعاس ًا من حكايات‬ ‫ده بنزه ٍة عىل حفايف األقني ِة املائية‬ ‫فأع ُ‬ ‫وأحتالُ عليه كلَ صباح ِ‬ ‫ويشتمني‬ ‫لتنتهي يف مدرس ِة الراهبات‪ ،‬فيبكي‪ ،‬يثور‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫فاألخ الياس هو واحدٌ من أفرا ِد القبيل ِة الرحبانية‬ ‫يوما عىل عالق ٍة جيد ٍة مع املدرسة‪...‬‬ ‫التي مل تكن ً‬ ‫وظلَّ يتكاسلُ حتى صا َر عَ ْبقري ًا‪...‬‬ ‫صغري األمس‪...‬‬ ‫يا َ‬ ‫‪337‬‬


336


‫كلمة منصور الرحباني‬

‫َي ْقطفها العاب ُر ومييض‪،‬‬ ‫ال هو يبا ِد ُلها ِعرفان اجلميل‪،‬‬ ‫وال هي تنتظ ُر منه لفت َة ُشكر‪.‬‬ ‫بدأت الكتاب َة عنك‪،‬‬ ‫لكنني اليوم‪ ،‬عندما‬ ‫ُ‬ ‫الك َبر‪...‬‬ ‫مت ّرد قلمي وامتشقَ ِ‬ ‫أخويت َ‬ ‫لك‬ ‫فاسمح يل أن أتناسى ّ‬ ‫ْ‬ ‫أشلح ُج َّب َة التواضع‬ ‫أن َ‬ ‫علن أهيا السيدُ الكبري‪،‬‬ ‫فاحلقيق ُة أن ُت َ‬ ‫َ‬ ‫ت والتاريخ‪.‬‬ ‫وإين‬ ‫أحييك عىل امتدا ِد الصو ِ‬

‫‪339‬‬


‫ُ‬ ‫نخطف َك من ُرقا ِد َك اللييلّ ‪،‬‬ ‫كثري ًا ما ُك ّنا‬ ‫ّ‬ ‫احلفالت‪،‬‬ ‫لتغني َم َعنا يف‬ ‫ْ‬ ‫وكان ُي ّ‬ ‫عذ ُبني صو َت َك املبحوح اآليت من طفول ٍة مكسورة‪.‬‬ ‫اليومي والرضوري‪،‬‬ ‫تأمني‬ ‫ّكنا‪ ،‬و َت ْع ُذرين اليوم‪ ،‬نصارع من أجل‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫لكن الذي مل تكن َت ْع ِرف ُه‪،‬‬ ‫نحن‪،‬‬ ‫أنت وال ُ‬ ‫ال َ‬ ‫حني ُك ّنا نلهو بأفكار وأنغام ٍ ال سابقَ هلا‪،‬‬ ‫إمنا ُك ّنا نحن األخوة املجهولني‪،‬‬ ‫سيجتاح هذا الرشق‪...‬‬ ‫نؤسس َز َمن ًا فني ًا جديد ًا‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫يا رجلَ اليوم‬ ‫َ‬ ‫أنت‬ ‫والينبوعُ الذي هو َ‬ ‫أربعون سن ًة ُ‬ ‫الثلج والزُرقة‪...‬‬ ‫يفيض‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫كشمس عالق ٍة بني ِ‬ ‫فأصبحت ً‬ ‫أسكره التنوع ‪...‬‬ ‫حقال‬ ‫أزهرت‬ ‫أنغام َك‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫وأرسلت إىل الشهر ِة كثريين‪...‬‬ ‫َ‬ ‫وأنت جتوه ُر عطاءا ِت َك‬ ‫أربعون سن ًة َ‬ ‫أصبح العا ُمل َم ْلعب ًا َ‬ ‫فارس النغم‪،‬‬ ‫لك يا‬ ‫حتى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫نتزع ًا جوائزَها األوىل‬ ‫فوقفت عىل‬ ‫َ‬ ‫مسارح دُ َو ِل احلضار ِة ُم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫تاج لبنان‪...‬‬ ‫لتضف َرها َ‬ ‫آللئ يف ِ‬ ‫ويا أخي‪...‬‬ ‫ُ‬ ‫أحب املديح‪،‬‬ ‫تعرف أنني ال ُ‬ ‫فرح العطاءِ هو املكافأة‬ ‫وأن َ‬ ‫نضجت‪،‬‬ ‫متام ًا كشجر ٍة مثارها‬ ‫ْ‬ ‫‪338‬‬


‫رحبانوغرافيا‬ ‫‪١ ٩٥٧‬‬ ‫‪ ١٩٥٩‬‬ ‫‪ ١٩٦٠‬‬ ‫‪ ١٩٦١‬‬ ‫‪ ١٩٦٢‬‬ ‫‪ ١٩٦2‬‬ ‫‪ ١٩٦٣‬‬ ‫‪ ١٩٦٤‬‬ ‫‪ ١٩٦٥‬‬ ‫‪ ١٩٦٦‬‬ ‫‪ ١٩٦٧‬‬ ‫‪ ١٩٦٨‬‬ ‫‪ ١٩٦٩‬‬ ‫‪ ١٩٧٠‬‬ ‫‪ ١٩٧0‬‬ ‫‪ ١٩٧1‬‬ ‫‪ ١٩٧٢‬‬ ‫‪ ١٩٧٣‬‬ ‫‪ ١٩٧٣‬‬ ‫‪ ١٩٧٤‬‬

‫‪ :‬مهرجان الفن الشعبي اللبناين‪ -‬إيام احلصاد‪( ‬بعلبك)‪.‬‬ ‫‪‬حماكمه‪( ‬بعلبك)‪.‬‬ ‫‪ :‬مهرجان الفن الشعبي اللبناين‪-‬‬ ‫َ‬ ‫‪ :‬موسم العز‪( ‬بعلبك)‪.‬‬ ‫ ‪‬البعلبكيه‪( ‬بعلبك)‪.‬‬ ‫‪:‬‬ ‫ِّ‬ ‫‪ :‬جرس القمر‪( ‬بعلبك‪ -‬دمشق)‪.‬‬ ‫‪ :‬يوم الوفاء‪ - ‬ثالثة فصول‪ ،‬أحدُ ها ‪‬عودة العسكر‪( ‬مرسح سينام كاپيتول)‪.‬‬ ‫‪ :‬الليل والقنديل‪( ‬دمشق‪ -‬كازينو لبنان)‪.‬‬ ‫‪ :‬بياع اخلواتم‪( ‬األرز‪ -‬دمشق)‪.‬‬ ‫‪ :‬دواليب اهلوا‪( ‬بعلبك)‪.‬‬ ‫‪ :‬إيام فخر الدين‪( ‬بعلبك)‪.‬‬ ‫‪ :‬هالة وامللك‪( ‬الپيكادييل‪ -‬األرز‪ -‬دمشق)‪.‬‬ ‫‪ :‬الشخص‪( ‬دمشق) و ‪( ١٩٦9‬الپيكادييل)‪.‬‬ ‫الصوان‪( ‬بعلبك‪ -‬دمشق)‪.‬‬ ‫‪ :‬جبال ّ‬ ‫‪ :‬يعيش يعيش‪( ‬الپيكادييل)‪.‬‬ ‫‪ :‬صح النوم‪( ‬دمشق‪ -‬الپيكادييل)‪.‬‬ ‫‪ :‬ناس من ورق‪( ‬دمشق) و ‪( 1972‬الپيكادييل)‪.‬‬ ‫‪ :‬ناطورة املفاتيح‪( ‬بعلبك‪ -‬دمشق)‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫ ‪‬املحطه‪( ‬الپيكادييل‪ -‬دمشق)‪.‬‬ ‫‪:‬‬ ‫‪ :‬قصيدة حب‪( ‬بعلبك)‪.‬‬ ‫‪ :‬لولو‪( ‬الپيكادييل‪ -‬دمشق)‪.‬‬ ‫‪341‬‬


‫عن األخوين رحباني‬ ‫‪)١‬جوزف أيب ضاهر‪ :‬األخوان رحباين‪ -‬هوامش من سرية ذاتية‪.‬‬ ‫‪ )٢‬جوزف عبيد‪ :‬الصالة يف أغاين فريوز‪.‬‬ ‫‪ )٣‬نبيل أبو مراد‪ :‬األخوان رحباين‪ :‬احلياة واملرسح‪.‬‬ ‫‪ )٤‬نبيل كرم‪ :‬أطروحة جامعية عن املرسح الرحباين‪.‬‬ ‫الصوان‪‬‬ ‫‪ )٥‬منى بولس احلو ّيك‪:‬اهلل‪ ،‬األرض‪ ،‬احلبيب يف ‪‬الليل والقنديل‪ ‬و‪‬جبال ّ‬ ‫‪ )٦‬غازي أبو عقل‪ :‬قضية احلرية يف املرسح الغنائي الرحباين‪.‬‬ ‫‪ )٧‬مروان وغدي رحباين‪ :‬حلظات هاربة‪( ‬حلقة تلڤزيونية)‪.‬‬ ‫‪ )٨‬هنري زغيب‪ :‬وردة بيضاء عىل قرب عايص‪( ‬حلقة تلڤزيونية)‪.‬‬ ‫‪ )٩‬هنري زغيب‪ :‬نقطة عىل احلرف‪( ‬حلقة تلڤزيونية)‪.‬‬ ‫تلڤزيونية)‪.‬‬ ‫‪ )١٠‬جوزف أيب ضاهر وجوزف بو ّنصار‪ :‬كبارنا‪ :‬عايص الرحباين‪( - ‬حلقة‬ ‫ّ‬ ‫وح‪:‬مجاليات اإلبداع الرحباين‬ ‫‪ )11‬ممفيد َم ّس‬ ‫ّ‬ ‫‪ )12‬ميساء قرعان‪ :‬سوسيولوجيا الفن املرسحي لدى األخوين رحباين‬ ‫دويل يف جامعة الوح القدس ‪ -‬الكسليك‬ ‫‪ )13‬مدرسة األخوين رحباين‪ :‬مؤمتر ّ‬ ‫‪ ...‬وعرشات األطروحات اجلامعية والدراسات يف لبنان وسوريا ومرص وبعض الدول‬ ‫العربية‪ ،‬إضافة إىل مئات املقاالت النقدية والتحليلية واملتابعات يف الصحافة اللبنانية خاصة‬ ‫والعربية عامة‪.‬‬

‫‪340‬‬


‫منصور بعد غياب عاصي‬

‫المسرح‪:‬‬ ‫‪ : ١٩٨7‬صيف ‪( ٨٤٠‬كازينو لبنان ‪ -‬الپيكاديليل ‪ -‬طرابلس ‪ -‬مهرجانات بيت‬ ‫الدين ‪ -‬زحلة ‪ -‬دمشق ‪ -‬مهرجان جرش عامن ‪ -‬تونس‪ :‬قرطاج‪ ،‬محامات ‪-‬‬ ‫استعادة يف حلة جديدة مهرجانات بيبلوس الدولية ‪ ٢٠٠٩‬وكازينو لبنان)‪.‬‬ ‫ ‪‬الوصية‪( ‬مرسح جورج اخلامس ‪ -‬الپيكاديليل ‪ -‬دمشق ‪ -‬جرش ‪ -‬دُ يب)‪.‬‬ ‫‪: ١٩٩٤‬‬ ‫ّ‬ ‫‪ : ١٩٩٨‬آخر إيام سقراط‪( ‬كازينو لبنان ‪ -‬دار األوپرا القاهرة ‪ -‬أبو ظبي)‪.‬‬ ‫‪ ... : ٢٠٠٠‬وقام يف اليوم الثالث‪( ‬كازينو لبنان)‪.‬‬ ‫الطيب املتنبي‪( ‬ديب ‪ -‬بعلبك ‪ -‬دمشق ‪ -‬الفوروم دو بريوت ‪ -‬عامن)‪.‬‬ ‫‪ : ٢٠٠١‬أبو ّ‬ ‫‪ : ٢٠٠٣‬ملوك الطوائف‪( ‬كازينو لبنان ‪ -‬استعادة بحلة جديدة يف قطر ‪.)٢٠١٠‬‬ ‫‪ : ٢٠٠٤‬آخر يوم‪( ‬كازينو لبنان) عن روميو وجولييت‪.‬‬ ‫‪ : ٢٠٠٤‬حكم الرعيان‪( ‬مهرجانات بيت الدين ‪ -‬دار دمشق ‪ -‬حلب ‪ -‬الفوروم دو‬ ‫بريوت ‪ -‬قطر)‪.‬‬ ‫‪ : ٢٠٠٥‬جربان والنبي‪( ‬مهرجانات بيبلوس الدولية ‪ -‬كازينو لبنان)‪.‬‬ ‫‪ : ٢٠٠٧‬زنوبيا‪( ‬ديب ‪ -‬مهرجانات بيبلوس الدولية ‪ -‬الفوروم دو بريوت)‪.‬‬ ‫‪ : ٢٠٠٨‬عودة الفينيق‪( ‬مهرجانات بيبلوس الدولية ‪ -‬كازينو لبنان ‪.)2009‬‬ ‫الموسيقى‪:‬‬ ‫‪ : ٢٠٠٠‬القداس املاروين‪( ‬كنيسة مار الياس ‪ -‬أنطلياس)‬ ‫– ‪ :‬جمموعة كبرية من األغاين واألحلان واملؤ ّلفات املوسيقية‪.‬‬ ‫‪343‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫‪١ ٩٧٥‬‬ ‫‪ ١٩٧٦‬‬ ‫‪ ١٩٧٧‬‬ ‫‪ ١٩٨٠‬‬ ‫‪ ١٩٨2‬‬

‫‪ :‬ميس الريم‪( ‬الپيكادييل‪ -‬دمشق)‪.‬‬ ‫‪ :‬منوعات‪( ‬دمشق‪ -‬عامن‪ -‬بغداد‪ -‬القاهرة)‪.‬‬ ‫‪ :‬پرتا‪( ‬عامن‪ -‬دمشق) و ‪( ١٩٧٨‬الپيكادييل‪ -‬كازينو لبنان)‪.‬‬ ‫ ‪‬املؤامره مستم َره‪( ‬كازينو لبنان)‪.‬‬ ‫‪َ :‬‬ ‫‪ :‬الربيع السابع‪( ‬مرسح جورج اخلامس)‪.‬‬

‫‪ ...‬لوحات مرسحية ومنوعات خالل رحالت خارج لبنان عىل مسارح العامل‪.‬‬

‫سينما‬ ‫‪ : ١٩٦٥‬بياع اخلواتم‪.‬‬ ‫‪ : ١٩٦7‬سفر برلك‪.‬‬ ‫‪ : ١٩٦8‬بنت احلارس‪.‬‬ ‫ومئات احللقات التلڤزيونية واإلذاعية من برامج ومسلسالت ومنوعات ومتثيليات‬ ‫وسكتشات موزعة يف لبنان والدول العربية بأصوات عرشات املطربني واملطربات‪.‬‬

‫‪342‬‬


‫وفـــــاء‬

‫ال َأختم الصفحة ا َألخرية قبل حتي ِة وفاءٍ ِإىل‪:‬‬ ‫إيل موادَّ الطبعة ا ُألوىل هلذا الكتاب‪.‬‬ ‫النقيب جوزف د‪ .‬الرعيدي عىل ِإسدائه ّ‬ ‫َ‬ ‫الصديقني غدي ُوأسامة منصور الرحباين عىل ما َأمدَّ اين به من ُص َور ووثائق‬ ‫لعايص ومنصور‪.‬‬ ‫الصديق ِإييل أيب خليل عىل العددَ ين ا َأل َّولني (‪ 1957‬و‪ )1959‬من برنامج‬ ‫مهرجانات بعلبك الدولية‪.‬‬ ‫الزميل حممود زيـباوي عىل مراجع ٍة مد ِّق َـقة يف حمفوظاته الرحبانية اخلاصة‪.‬‬

‫‪L‬‬

‫‪L‬‬

‫‪L‬‬

‫‪L‬‬

‫‪L‬‬

‫‪L‬‬

‫‪L‬‬

‫‪L‬‬

‫‪345‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫التلڤزيون‪:‬‬ ‫‪ : ١٩٨٨‬منصور الرحباين يقرأ‪ ٣١ ‬حلقة من أبرز الشعراء العرب بإلقائه‪.‬‬ ‫‪ّ : ١٩٩٧‬‬ ‫منوعات غنائية‪.‬‬ ‫ ‪‬حمطات‪ ١٣ ‬حلقة ّ‬ ‫ّ‬ ‫الشعر‪:‬‬ ‫‪‬أنا الغريب اآلخر‪ ‬‬ ‫ ‬ ‫‪‬أسافر وحدي ملك ًا‪‬‬ ‫‪َ ‬بحّ ار ّ‬ ‫ ‬ ‫الشتي‪‬‬ ‫ ‬ ‫‪‬القصور املائية‪‬‬ ‫‪‬قصائد ّ‬ ‫ ‬ ‫مغناة لألخوين رحباين‪‬‬ ‫ ‬ ‫‪‬ا ُألوىل القصائد‪‬‬

‫طبعة ثانية ‪٢٠٠٨‬‬ ‫طبعة ثانية ‪٢٠٠٨‬‬ ‫‪٢٠٠٨‬‬ ‫‪٢٠٠٨‬‬ ‫‪٢٠٠٨‬‬ ‫‪٢٠٠٩‬‬

‫الفن ّ‬ ‫والشعر واملوسيقى يف دول عربية ومقاالت فنية عن جتربة‬ ‫ُمحارضات عن ّ‬ ‫الرحابنة‪.‬‬ ‫مرسحيات َمخطوطة كثرية‪.‬‬ ‫ويف التحضري موسيقي ًا‪ :‬القيامة‪( ‬عمل ليتورجي بيزنطي)‪ ،‬وعمل موسيقي‬ ‫من الرتاث اإلسالمي‪.‬‬ ‫صدرت عنه دراسات وأبحاث عدة يف جامعات عربية وعاملية ْ‬ ‫تناولته شاعر ًا‬ ‫ومؤ ّلف ًا موسيقي ًا ومرسحي ًا‪.‬‬

‫‪L‬‬

‫‪L‬‬

‫‪L‬‬

‫‪L‬‬

‫‪L‬‬

‫‪L‬‬

‫‪L‬‬

‫‪L‬‬

‫غاب منصور صباح الثالثاء ‪ 12‬كانون الثاين ‪.2009‬‬

‫‪344‬‬


‫المحتويات‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ضوء عىل الطريق ‪9 . ...................................................................‬‬ ‫المقدمة‪:‬‬ ‫‪َّ ...‬‬ ‫وطل ْي ْ‬ ‫ت َع َ‬ ‫بعلبك بعد عشرين ِس ِنه ‪17 . ..................................................‬‬ ‫‪١‬لك الليلة‪ ١٤ :‬آب ‪19 . ................................................................... ١٩٩٨‬‬ ‫الزمن الرحباين‪22 . ..................................................................................‬‬ ‫بعلبك ‪26 .......................................................................‬‬ ‫‪ ...‬وط ّل ْيت عَ َ‬ ‫قصة األخوين رحباين كما رواها منصور ‪29 ...................................................‬‬ ‫تلك الطفولة الغريبة ‪٣1 . ...........................................................................‬‬ ‫املرسحيات األوىل ‪46 . ..............................................................................‬‬ ‫عايص للبوليس‪ ،‬وأنا للرشطة ‪57 . .............................................................‬‬ ‫فريوز ومطالع الشهرة ‪73 . .........................................................................‬‬ ‫‪ ...‬وجاء زمن املهرجانات ‪93 . ................................................................‬‬ ‫بني كامريا التلڤزيون وكامريا السينام ‪ :‬طرائف وحكايات ‪114 ...........................‬‬ ‫كبار يف مسري ِتنا‪١29 .................................................................................‬‬ ‫عايص الذي غاب مرتني ‪١46 ....................................................................‬‬ ‫منصور بعد عاصي ‪165 ................................................................................‬‬ ‫السيـئـة ‪166 .........................................‬‬ ‫وفاؤُ ه ا ُملط َلق لـعايص‪َ .‬ف ْل َت ْخ َرس النيات ِّ‬ ‫كملَ وحدَ ُه‪ ،‬وسافر ملك ًا ‪167 ...........................................................‬‬ ‫‪َ ...‬أ َ‬ ‫ّ‬ ‫من‬ ‫مسرحيات األخوين رحباين ‪١77 ....................................................‬‬ ‫غاب ُة الضوء ‪179 ......................................................................................‬‬ ‫حكاية اإلسوا َره ‪207 ..................................................................................‬‬ ‫‪347‬‬



‫المحتويات‬

‫َّ‬ ‫معنى ‪٢٧7 ...............................................................................................‬‬ ‫شجرة امليالد ‪٢٧8 ...................................................................................‬‬ ‫أنا َلحبيبي ‪٢٧9 ........................................................................................‬‬ ‫نحنا والقمر جريان ‪٢80 ............................................................................‬‬ ‫زغير بلدي ‪٢81 ..............................................................................‬‬ ‫بيقولو ّ‬ ‫فايق يا هوى ‪٢٨2 ...................................................................................‬‬ ‫بيضوي ع الناس ‪٢٨3 .......................................................................‬‬ ‫القمر ّ‬ ‫أقول لطفلتي ‪٢٨4 .....................................................................................‬‬ ‫بحبك يا لبنان ‪٢٨5 .................................................................................‬‬ ‫ّ‬ ‫إذا كان ذنبي ‪٢٨6 ..................................................................................‬‬ ‫إنت وجايي ‪٢٨7 ...............................................................................‬‬ ‫بكرا َ‬ ‫بكرم اللولو ‪٢٨8 .......................................................................................‬‬ ‫بقطفلك بس‪٢٨9 .....................................................................................‬‬ ‫يا حجل صنني ‪٢90 .................................................................................‬‬ ‫ّ‬ ‫شتي يا دين ‪٢91 ......................................................................................‬‬ ‫َّنسم علينا اهلوا ‪٢٩2 ..................................................................................‬‬ ‫هيال يا واسع ‪٢٩3 ....................................................................................‬‬ ‫فايق عليي ‪٢٩4 ........................................................................................‬‬ ‫ياطري‪٢٩5 ................................................................................................‬‬ ‫بعلبك ‪٢٩6 ............................................................................................‬‬ ‫جايبيل سالم‪٢٩7 .....................................................................................‬‬ ‫ّهال ّهال يا تراب عينطو َره ‪٢٩8 ...................................................................‬‬ ‫وعدي إ َلك ‪٢٩9 .......................................................................................‬‬ ‫حبيبي بدّ و القمر ‪300 ...............................................................................‬‬ ‫‪349‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫زنوبيا ‪223 ..............................................................................................‬‬ ‫راجعون ‪228 ..........................................................................................‬‬ ‫عودة العسكر ‪٢33 ..................................................................................‬‬ ‫املصاحلة ‪239 ............................................................................................‬‬ ‫ب‪246 ........................................................................................‬‬ ‫سهرة ُح ّ‬ ‫من شعر األخوين رحباين ‪٢٥7 ......................................................................‬‬ ‫راجع بصوات البالبل ‪259 .........................................................................‬‬ ‫ضوى اهلوى قناديلو‪260 ............................................................................‬‬ ‫الشعب َلـ فخر الدين‪٢61 ..........................................................................‬‬ ‫شو بيبقي من الروا ِيه ‪٢٦2 ........................................................................‬‬ ‫دار الدوري ‪٢٦3 .....................................................................................‬‬ ‫رجعت يف املساء ‪٢٦4 ...............................................................................‬‬ ‫َ‬ ‫عَ البال يا عصفورة النهرين ‪265 ................................................................‬‬ ‫نجمة الكتب ‪٢٦6 .....................................................................................‬‬ ‫معك يا هوانا‪٢٦7 ...............................................................................‬‬ ‫اهلل َ‬ ‫عصفورة الشجن ‪٢٦8 ...............................................................................‬‬ ‫أمس انتهينا ‪٢٦9 ....................................................................................‬‬ ‫ياحلو شو بخاف‪٢70 ................................................................................‬‬ ‫مهوم احلب ‪٢71 ......................................................................................‬‬ ‫قهوه عَ املفرق ‪٢٧2 .............................................................................‬‬ ‫ْفيه ِ‬ ‫إنسى؟ كيف؟ ‪٢٧3 ...................................................................................‬‬ ‫إمياين ساطع ‪٢٧4 ......................................................................................‬‬ ‫ياداره دوري فينا ‪٢٧5 ..............................................................................‬‬ ‫شادي ‪٢٧6 ............................................................................................‬‬ ‫‪348‬‬


‫المحتويات‬

‫هدّ تكن اإلشاعات ‪324 ..............................................................................‬‬ ‫غر ِبه والشعب ‪326 ...................................................................................‬‬ ‫يا دارة العاليل‪328 ...................................................................................‬‬ ‫ندهتني‬ ‫النسمه الغري ِبه ‪329 .......................................................................‬‬ ‫ِ‬ ‫زهرة املدائن ‪330 ......................................................................................‬‬ ‫جرس العودة ‪331 ......................................................................................‬‬ ‫ُ‬ ‫أحرتف َ‬ ‫احلزن واالنتظا ْر ‪332 .......................................................................‬‬ ‫كلمة عاصي الرحباين يف ذكرى األب بولس األشقر‪333 ................................................‬‬ ‫كلمة منصور الرحباين يف الحتفال تكريم شقيقه الياس الرحباين ‪337 .......................‬‬ ‫عن األخوين رحباين ‪341 .................................................................................‬‬ ‫رحبانوغرافيا ‪343 ..........................................................................................‬‬ ‫سينما ‪345 ..................................................................................................‬‬ ‫منصور بعد غياب عاصي ‪347 .........................................................................‬‬ ‫وفاء ‪351 .....................................................................................................‬‬

‫‪351‬‬


‫في رحاب َ‬ ‫األخوين رحباني‬

‫يا ّبياع اخلواتم ‪301 ...................................................................................‬‬ ‫يا ساكن العايل ‪302 ..................................................................................‬‬ ‫يا قمر أنا ِوا ّياك ‪303 ................................................................................‬‬ ‫يا شمس املساكني ‪304 ............................................................................‬‬ ‫ّيال تنام رميا ‪305 ......................................................................................‬‬ ‫إنت حبيبي‪306 ...................................................................................‬‬ ‫ال َ‬ ‫ال جتي اليوم ‪٣٠7 .....................................................................................‬‬ ‫مللمت ذكرى ‪308 ....................................................................................‬‬ ‫ُ‬ ‫ما ْفيه حدا ‪309 .......................................................................................‬‬ ‫مسيكن باخلري ‪٣10 ...................................................................................‬‬ ‫ِّ‬ ‫ساعدين يا نبع الينابيع ‪٣11 ........................................................................‬‬ ‫سهار‪٣١2 ................................................................................................‬‬ ‫إسمك ّغنيت ‪٣١3 ................................................................................‬‬ ‫عَ َ‬ ‫شايف البحر‪٣١4 ......................................................................................‬‬ ‫خدين‪٣١5 ...............................................................................................‬‬ ‫احللوه ‪٣١6 ..................................................................................‬‬ ‫عروستنا ِ‬ ‫عتاب‪٣١7 ...............................................................................................‬‬ ‫ِب ُكتب إسمك يا حبيبي ‪٣١8 ......................................................................‬‬ ‫الدوار ‪٣١9 ......................................................................................‬‬ ‫وطى َّ‬ ‫ّ‬ ‫ستي اخلتيا َره‪٣20 .....................................................................................‬‬ ‫ّميي ما بعرف كيف حاكاين ‪٣21 .................................................................‬‬ ‫وطني ‪٣٢2 ..............................................................................................‬‬ ‫الصوان ‪٣٢3 .....................................................................‬‬ ‫مشهد من جبال ّ‬ ‫الصوان‪323 ............................................................................‬‬ ‫من ‪‬جبال ّ‬ ‫‪350‬‬


̷˂ˤɽ4̄̂ 4̏˹ʁ˞˶̍̑ˋ̂ʁ4̎̉˴̆̂ˆˊ4̏̈ˆˋ˗ʋ4̇̐̍˚̔ʁ4 ʃ̳ ˞̑ˡ4ʂˆˏ̀̂ʁ4ʁ˝̋4 ̳ ̳ ̶ 4́̑̃˘ˎ 4̘ʝ 4ɸʟ˞˒̂ʁ 4ˆ̆̌ˑʁ˞ˎʝ 4ˆ̆̋˞˴ ̵ ̳ ̵ ˤ̵ 4˞̳ ˥̷ ̳̈ 4̘ʝ 4ɸʟ˜̑̃˽ˏ̂ʁ ̶ ̶ ˆ̆̌ˎ˞̑ˡ4 ʑˆ˽ˡ ɿ4ʝ ̏ˊˆˏ̀̂ʁ4ˆ̆̌ ̉˹4̳ ɽ̳ ̳ ̳ ̏̉˘̃̂ʁʝ4 ̳ ̵ ̵ ɽ4ɸ ̀ ˌˡʁʋʉ4ʝɽ4ɸˆ̆̌̂ˆ̆˳ ̶ ̶ B̏̉˺̂ʁ4ˆ̆̌˔ˆˏ̈4̎̃˳ ̶ ʋʉˆ˨̅ʝ 4˲˔ʁ˞̅ 4ʁʊ 4ˆ̑̆̐ʉˆ˿ ɽ̳ 4̴̊ ̃˴˕̐ 4̏˽̑ˑ̍ˎ 4˓̌̉̅ 4̊̑˹ 4ˠ̑̂ ̴ ̳ ̱ ̳ ̻ ̼ Bʄˆ˱˗͏̅4ʝɽ4̳ ʎ ɿ4̵ ʄ̲ ̘ˆ˗ɿʝ4 ̵ ˻˗͏̅ʝ ̳ ̲ ʁ̍˗4ʝ ̳ ɽ4̳ ˣ̅ʁ̍̋4̎̂ ̳ ̊ʕ̴ ˏʕ̴ ˋʕ̷ ˏʕ̳ ʕ˿̳ 4̇̐˝̂ʁ4̇˘̈4ˆ̉̅4ɸ̏̈ˆˋ˗ʋ4̇̐̍˚̂̕4̰ˌ̑˘ˎ4ɸˌ˭ˆˢˊ4́̀ˊ4ɸ ̶ ̴˂˥̳̈ ̲́ ̑̆˔4̇˭̍ˊ4ʁ̍ ̆̃ ˎˆ̆̃̀ˊ4ʁ̍ʕ ʕ̉ʕ̾ ʕ ˷ʕ̳ ˎʝ4ɸˆ̆̌ ˑʁ˞ˎ4̎̃˳4ʁʝ ̳ ̵ ̵ ̳ ̲ ̴ ˗ʝ4ɸˆ̆̌ Bˆ̵̆̌̆ ̃ʕ̷ ˗4̇̅4 ˲̂ˆ˭ ̴ ̲ 4̵́ ̐̍ˮ̂ʁ 4˲ˡʁ̍̂ʁ 4̏̈ˆˋ˗ʋ 4̇̐̍˚̔ʁ 4˻̐˞˭ 4̎̃˳ 4ʁɻ̍˪ 4̊ʕ̴ ˏʕ̴ ˋʕ̷ ˏʕ̳ ʕ˿̳ ̳ ̵ ̰ 4ɸˌ̑˳ʁ˜ˊ ɿ4̵ ʄ̲ ʁ̍̉ˡ4̎̃˳4ʃɻˆ˪̗̂4 ˜̱ ̃˕̅4̊ ̴˭̍˘̐4̘4ɸˉ ˴˥ˏ̆̂ʁ ̲ ̾ ̵ ˜˗ʁʝ4 ̱ ̀ ̳ 4ʓ˜ˋ̅ 4̎̉˔ 4ɸʃ˞̆˒ʕ̷ ̴̅ 4ˆ̆̈ɿ̵ 4ˌ̃̑ˈ˪ ̲ ̲ ̰ 4̇̅ 4ʁ˞̑˒˿ ̰ 4ˌ̈˟ˏ˛̅ 4ˆ̆̈ɿ̵ 4ˌ̃̑̃˼ ̲ 4ɸʁ˜̐˜˕ˎʝ4ˆ ˗˞ˢ̅ʝ4̎ ˽̑ˡ̍̅ʝ4ˆ̐ʉ̍̃̑̅ʝ4ˆ ̉˘̂ʝ4ʁ ˞˴ ˶̷ ɽ̳ ̰ ̵ ʗ˞˥̂ʁ4̎̉ ̳ ̰ ̰ ̰ ̰ ˤ4 ʖʁ˞˭ɽ4̎̂ ˲ˇʁ˞̂ʁ4 ̏ˇˆʕ ̴̊ ̆˱˴̅4ʞ ʉ̶ ɽ̳ ̳ ɿ4̵ ̴̊ ̃ʕ̳ ̆ʕ̳ ˗4ʟ˝̂ʁ4 ̴ ̳ ̴ ̳ ̿ ̉ʕ˒ʕˏˡ̘ʁ4ʄ̍˨̂ʁ4 Bʛʁ̍̉˴̂ʁ4̍̋4ʌʝ˞̑˹4ʄ̍˧4ʋˆ˧4̎ˏ˗4ˆ̑̈˜̂ʁ ̴ ʛˆ̈ʁ̍̉˳ 4̏ʕ̶ ̈ˆˋ˗˞̂ʁ 4́̆˴̃​̃˹ 4ɸ˜˗ʁʝ 4ʛʁ̍̉˳ 4̏̉˹ ̱ ̀ 4ʁʊɿʝ̵ ̽ 4̲́ ̆˳ 4́̀̂ Bʌʝ˞̑˹4ʄ̍˧ʝ4ɸ̊ ̆ˡʁ ̴ ̴ <ˌ̅˜˽̆̂ʁ4̇̅= ̶

ˉ̑˶ʌ4ʟ˞̉̋ ͑̑͒̔͋͘{ ̗͈̒̑ʾ{ ̧̼̭̑ ˂ ˂ ˇ {ʺ͎̑ʬ {̼͗͌ʘ{{ʙ ˘˖˗˖ {ʗˀ̥͕͒͋ʢ {͚̱́͋ʢ {̻͚̓ʬʘ { ̧̮̽͋ʢ ˆ {͂͘ {͓̗͎̑̓͋̌ {ʦ ˅ ̥̠ ˄ ˄ʞ ˅ ˘˖˗˘ {ʗʴ͖͒͏​͏͋ʢ{̶̮̎̑͋ʢ {̧̛͒͋ʢʾ{̧̽ ̮͋ʢ{ ˇ ˆ ͍˅ ̺˅ ˅͑{ì{̀͌͋̕ʢ{ʥ̑̀ ˅ ˅͋ʘ{ʙ ˘˖˗˖ {ʗʷ̧̡͋ʢ{̼͗͌{̷͆͑̕ʘ{ ̧̛͒͋ʢ{͂͘ʾ ˅ {ʗ͉͎͒̕͝ʢʾ{ʮ̑͒͋ʢ{̥͔ʢ͖̭{ì{ʼʢ̧̝̔{͚̣͊͌{ʼʢ̧̝̔ʘ{ʙ ˘˖˗˗ {ʗʴʢ̥̓͟ʢʾ{ʺ͖̰ ͝ʢ{͚͐̓ ˅ {̧̬͙ʶ͈ {ʢ̧̘͎̑͒̚ { ͑̑̔͘ͅ ˁ ˇ {ʬʢ̨͑ʘ {ʙ ˘˖˗˘ {ʗ͉̠͗ {ʼʠ {̼͊͆ {̥͚̪̽ʘ {ʙ ˘˖˗˘) ˘˖˗˚){ʗʤ̧͈ʢ ˇ̦͋ʢ{͗͋ʠ{ʿ̧͈ ˇ̦͋ʢ{͎͐{͉̔̕˄ ̭{͖ ˄ ̓˅ ˄ʞ{ʮ͚̑͋ʢʘ{ʙ ˘˖˗˙ {ʗ̧͚̱͂̑̽͋ʢ ˆ


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.