Mirrors of Heritage No. 14 هنري زغيب العدد 14 من مرايا التراث

Page 1

Mirrors of Heritage ٢٠٢١ ‫ صيف‬/‫العدد الرابع عشر – ربيع‬

‫َم َل ّف العدد‬

َ ‫قلب بيروت‬ ‫قلب‬ َ ‫المرف ِإ‬ ُ ‫ ال‬...‫انفجر‬ ُ

‫ التاريخ‬ ُ‫كلمة‬ ‫ لبنان‬:‫تُ ْو ْي ْنبي‬ • ‫ سنة‬163 ‫بيروت قبل‬ • ‫دوما ْلؤلؤَ ةُ الجبل حارسةُ ذاكرته‬ ُ •

٢٠٢١ ‫العدد الرابع عشر – ربيع‬

Mirrors of Heritage Issue No. 14 – Spring 2021

Issue No. 14 – Spring / Summer 2021

Special section The dramatic blast of August 4th, 2020 • Mikhael

Naymi: Message to Lebanese • The First 100 Years of Educating Girls  in the Middle East


‫ـمية ُم َـح َّك َمة َتصدر مرتين في السنة‬ ‫َأكادي ّ‬ ‫َي ُ‬ ‫نش ُرها‬ ‫مركز التراث اللبناني‬ ‫في‬ ‫َ‬ ‫الجامعة اللبنانية األميركية ‪LAU‬‬ ‫رئيس التحرير ال ُ‬ ‫ـمسؤول‪ /‬مديـر الـمركـز‬ ‫هنري زغيب‬ ‫ميــة‬ ‫الهـيـئَ ـة ِ‬ ‫العــلْ َّ‬ ‫َ‬ ‫العائلة)‪:‬‬ ‫الدكاتــرة‬ ‫األساتذةُ َّ‬ ‫اسم ِ‬ ‫(ترتيبا َأ ً‬ ‫ً‬ ‫بجديا ِب ْ‬ ‫ناديا اسكندراني | جامعة بيروت العربية | رئيسة قسم اللغة الفرنسية وآدابها‬ ‫سامي بارودي | الجامعة اللبنانية َ‬ ‫الدولية‬ ‫األميركية | ُ أستاذ العلوم السياسية والعالقات ُ‬ ‫رمزي بعلبكي | الجامعة َ‬ ‫كرسي الدراسات العربية‬ ‫األميركية | ُ أستاذ‬ ‫ّ‬ ‫كاتيا جنيناتي | الجامعة اللبنانية َ‬ ‫األميركية | عميدة ُكلية اآلداب والعلوم‬

‫واإلسالمية‬ ‫َأ َ‬ ‫هيف سنو | جامعة القديس يوسف | ُأستاذ الدراسات العربية ِ‬ ‫پـول طبر | الجامعة اللبنانية َ‬ ‫األميركية | ُأستاذ العلوم االجتماعية‬ ‫الروح القدس ‪ -‬الكسليك‬ ‫َأنطوان ّ‬ ‫قسيس | جامعة ّ‬ ‫َ‬ ‫واإلعالم‬ ‫كلوديا كوزمان | الجامعة اللبنانية األميركية | ُأستاذة مساعدة في الصحافة ِ‬ ‫اإلدارة والتحرير‬ ‫ِ‬

‫مركز التراث اللبناني ‪ -‬الجامعة اللبنانية َ‬ ‫األميركية ‪ -‬قريطم ‪ -‬بيروت‬ ‫(المقسم ‪)1600‬‬ ‫هاتف‪+ 961 1 78 64 64 :‬‬ ‫ّ‬ ‫ص ب‪ 13 - 5053 :‬بيروت ‪ -‬لبنان‬ ‫‪clh@lau.edu.lb‬‬

‫‪www.lau.edu.lb/centers-institutes/clh‬‬

‫مجلة مرايا التراث‬ ‫تصميم و إخراج‬

‫‪Facebook: Mirrors of heritage‬‬

‫‪STRATCOM –LAU‬‬


‫العدد الرابع عشر ‪ -‬ربيع‪ /‬صيف ‪٢٠٢١‬‬

‫‪3‬‬

‫ُأولى الــ‪‬مرايا‪ - ‬هنري زغيب‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫قلب بيروت‬ ‫قلب‬ ‫تحرسنا ِب ُحبها‬ ‫المرف ِإ َ‬ ‫انفجر‪ ...‬ال ُ‬ ‫نجمة بيروت‪ُ :‬‬ ‫ُ‬

‫‪٨‬‬ ‫‪33‬‬ ‫‪39‬‬ ‫‪50‬‬

‫التاريخي‬ ‫تراثنا‬ ‫ّ‬

‫نبيل شحادة‪ :‬بيروت قبل ‪ 361‬سنة في كتاب ‪‬سنتان في سوريا‪‬‬ ‫كثير ما لم ُيتَ ْح لغيري‬ ‫نقوال زيادة‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫عرفت عنها َ‬ ‫ُ‬ ‫‪‬كلمة‪ ‬التاريخ‬ ‫آرنولد ُت ْونْ بي‪ :‬لبنان‪:‬‬ ‫كاميرا كامل جابر‪ :‬شمع‪ ‬واحة نابضة بالتاريخ في قلب جبل عامل‬

‫ف العدد‬ ‫َم َل ّ‬

‫‪2‬‬ ‫هنري زغـيب‬

‫‪62‬‬ ‫‪70‬‬ ‫‪86‬‬

‫قلب بيروت‬ ‫قلب‬ ‫َ‬ ‫انفجر‪ ...‬ال ُ‬ ‫ُ‬ ‫المرف ِإ َ‬

‫نص وكاميرا أنطوان لحود‪َ :‬أعدنا هيكل البيوت‪ .‬متى ُنعيد روحها؟‬ ‫أسامة الكالّ ب‪ ... :‬وسنُ عيدها ْلؤ َلؤ ًة كما كانت‬ ‫بريشاتهم كي ال ننسى‬

‫‪96‬‬

‫الصحافي‬ ‫ترا ُثنا‬ ‫ّ‬ ‫مسعود ضاهر‬

‫عددا من جريدة ‪‬جبل عامل‪1912–1911 ‬‬ ‫‪ً 44‬‬

‫البعد االجتماعي والثقافي في واحتنا اللبنانية العريقة‬ ‫رسمت ُ‬ ‫َ‬

‫‪112‬‬ ‫‪135‬‬ ‫‪145‬‬

‫ري‬ ‫الح َ‬ ‫ض ّ‬ ‫ترا ُثنا َ‬

‫ُ‬ ‫حارسة ذاكرته‬ ‫وما ْلؤ َلؤةُ الجبل‬ ‫عبود‪ُ :‬د َ‬ ‫مازن ُّ‬

‫‪Educational Heritage‬‬ ‫‪Dr. Marwan Iskandar‬‬ ‫‪The First 100 Years of Educating Girls in the Middle East‬‬

‫‪Literary Heritage‬‬ ‫‪Maya Georr‬‬ ‫‪NAIMY TO THE LEBANESE: Beautify Your Souls, As Your Country Is Beautiful‬‬

‫الغالف‪ُ :‬ص َو ٌر شاهدةٌ على زلزال ‪ 4‬آب ‪2020‬‬


‫ُأولى الـ ‪‬مرايا‪‬‬

‫حبها نجم ُة بيروت‬ ‫تحرُسنا ِب ُ‬

‫قلب بيروت‬ ‫جر‪ ...‬ال‬ ‫قلب المر َفإِ انف َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫هنري زغيب‬ ‫رئيس التحرير‬

‫ً‬ ‫بعد من لبنان‪.‬‬ ‫يومها كان‬ ‫ترددت َأصداؤُ ه َأ َ‬ ‫زلزاال َّ‬ ‫مشهدا َأپوكالـي ـپ ـتـ ًّـيا َكأنه ‪‬قيام الساعة‪.‬‬ ‫يومها كان‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫جزاء منها في البحر‪.‬‬ ‫ضربت بيروت‬ ‫في التاريخ َأ َّن‬ ‫عدةً‬ ‫زالزل َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫فانخسفَ ت َأ ُ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫مرفأ بيروت‬ ‫زلزال ضرب‬ ‫عصرا‪،‬‬ ‫الثلثاء ‪ 4‬آب ‪ ،2020‬الساعة ‪6:07‬‬ ‫ً‬ ‫جزاء منها في النار‪.‬‬ ‫فانخسفَ ت َأ ُ‬ ‫خسائر تلك الزالزل لكننا نعرف‪ ،‬وستعرف َ‬ ‫األجيال‬ ‫ال نعرف بالضبط‬ ‫َ‬ ‫اآلتية‪ ،‬ما كانت خسائر زلزال العصر‪.‬‬ ‫البكاء‪.‬‬ ‫المحروق‬ ‫مشهد المرفَ ِإ‬ ‫ُ‬ ‫الفاجع َأ ُ‬ ‫ُ‬ ‫قرب ِإلى الدمع الحافي منه ِإلى ُ‬ ‫ِ‬ ‫تعبر‪.‬‬ ‫كالم َيصف‪ ،‬ال فجيعة ِّ‬ ‫ال َ‬ ‫ُ‬ ‫بابا ِإلى‬ ‫رمادا ما بقي‪.‬‬ ‫دمارا ما حصل‪ .‬ليس ً‬ ‫المرفأ الذي كان ً‬ ‫ليس ً‬ ‫المنطقة‪ ،‬صار منطقة بال باب‪.‬‬ ‫رض تشقَّ قَ ت في‬ ‫ومن‬ ‫العصف كما َأ ٌ‬ ‫المرفإ ِإلى واجهة المدينة‪َ :‬خ ْل َخ َلها ْ‬ ‫ِ‬ ‫مشردون‪ ،‬وكانت‬ ‫هيولى نهاية الكون‪ .‬وكان ضحايا‪ ،‬وكان مصابون‪ ،‬وكان‬ ‫َّ‬


‫‪4‬‬ ‫هنري زغـيب‬

‫رج‬ ‫تراث‬ ‫بيوت لم تَ ُعد بيوتً ا‪َ ،‬وأبنيةٌ لم َي ُعد فيها بناء‪ ،‬وكان ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌّ‬ ‫مزهو َبأ َلقه من َأ ِ‬ ‫التاريخ َض َر َبه َ‬ ‫وحشي‪.‬‬ ‫حقد‬ ‫التش ُّوه في ْ‬ ‫ّ‬ ‫جديدا ما نُ َو ِّصف‪َ .‬‬ ‫قيل فيه الكثير‪ ،‬وال ِإعادة‪.‬‬ ‫ليس‬ ‫ً‬ ‫اإلدارة‪.‬‬ ‫اإلرادة‪ ،‬والرفض في ِ‬ ‫يبقى َأن نفرض َوأن نرفض‪ :‬الفرض في ِ‬ ‫ُ‬ ‫خطأ‬ ‫اإلدارة‬ ‫اإلرادة‪َ ،‬أ َّن ما انفجر كان َ‬ ‫قلب المرفَ ِإ التاريخي‪ .‬ومن ِ‬ ‫من ِ‬ ‫ما قيل ُ‬ ‫انفج َرت‪.‬‬ ‫وص ِّور َأ َّن بيروت َ‬ ‫وكتِ َب ُ‬ ‫شعرا ْ‬ ‫ونث ًرا‪،‬‬ ‫وندبها‪،‬‬ ‫لم َ‬ ‫قلم ما ناح على بيروت‪ ،‬وبكاها ورثاها َ‬ ‫ً‬ ‫يبق ٌ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫احترقت بيروت‪،‬‬ ‫فالما ووثائق‪َ ،‬كأنما انتهت بيروت‪َ ،‬أو‬ ‫أ‬ ‫غنيات‪،‬‬ ‫وأ‬ ‫موسيقى‬ ‫ً‬ ‫َأو‪ ...‬ماتت بيروت‪.‬‬ ‫ال‪َ .‬أ ًبدا‪ .‬هذا مرفوض‪.‬‬ ‫انكسر ْ‬ ‫ضل ٌع في صدرها لكنها لم تَ ُم ْت‪ .‬بيروت‬ ‫بيروت لم تَ ُمت‪ .‬بيروت َ‬ ‫قلبها لكنه لم يتوقَّ ف عن نبض‪ .‬بيروت َّ‬ ‫تهشم بعض وجهها لكن ْقل َبها‬ ‫َ‬ ‫ارتعد ُ‬ ‫لم ينثلم‪.‬‬ ‫بيروت َأقوى من َأن تموت‪.‬‬ ‫ً‬ ‫حورية‬ ‫فنشبت من قلب المياه‬ ‫انخسفَ ت‪ ،‬لكنها عادت‬ ‫مرارا في التاريخ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َأجمل‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫مرفأها بعد حين‪ ،‬وتُ ــداوى ُبث ٌور في وجهها‬ ‫يضا‪ ،‬يعود‬ ‫وهــذه المرة َأ ً‬ ‫َ‬ ‫ووهجها ِإلى األناقة‪.‬‬ ‫وجهها‬ ‫َوأثالم‪ ،‬ويعود ُ‬ ‫ُ‬ ‫وتهدمت ُبيوت‪ .‬فكيف والمدينةُ‬ ‫ال تسقط مدينةٌ ِإذا سقطت منها جدران َّ‬ ‫عروس المتوسط ولؤْ لؤَ ةُ الشرق!‬ ‫بيروت‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫بناء لبنان من ِّ‬ ‫كل لبنان‪َ ،‬ألنها مدينة كل لبنان‪،‬‬ ‫َأبناؤُ ها هرعوا ِإليها‪َ ،‬وأ ُ‬ ‫األم‪ُ ،‬‬ ‫َألنها المدينةُ ُ‬ ‫واأل ُّم يهرع َأبناؤها ِإليها من حيثما يكونون‪.‬‬ ‫بيروت ُ‬ ‫بيروت الخالدة‪ ،‬بيروت عاصمةُ الجمال‪،‬‬ ‫األم‪،‬‬ ‫بيروت‪،‬‬ ‫هكذا‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫تنطفئ فيها الحياة من الفجر ِإلى الفجر‪.‬‬ ‫ابنةُ الحياة التي ال‬ ‫ُ‬ ‫وسوف تعود‪ .‬ال ِإلى الحياةِ فالحياةُ فيها لم تتوقَّ ف‪ ،‬بل ِإلى َ‬ ‫األ َلق َألن‬ ‫َ‬ ‫والجرح يندمل َألن البلسم في شرايين َأهلها وسكانها‪.‬‬ ‫انجرح‪،‬‬ ‫األ َلق فيها‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫عشية الذكرى ُ‬ ‫صدر هذا العدد من ‪‬مرايا التراث‪‬‬ ‫األولى للزلزال‪َ ،‬ي ُ‬ ‫ً‬ ‫قلب بيروت‪.‬‬ ‫حامال في قلبه َ‬ ‫* * *‬ ‫ُ‬ ‫خصص ‪‬ملف العدد‪ ‬لهذه الذكرى السنوية األولى‬ ‫كان‬ ‫طبيعيا َأن تُ ِّ‬ ‫ًّ‬ ‫(صيف ‪ – 2020‬صيف ‪.)2021‬‬


‫حبها نجم ُة بيروت‪:‬‬ ‫تحرُسنا ِب ُ‬ ‫‪5‬‬

‫مدير المركز‪ /‬رئيس التحرير‬

‫(قد َمتْ هما لــ ‪‬مرايا‬ ‫* اللوحتان مع هذه االفتتاحية‪ :‬مشاهد من وحي الزلزال بريشة توم يونغ َّ‬ ‫ُ‬ ‫جمعية ‪‬تراثنا بيروت‪)‬‬ ‫التراث‪‬‬

‫قلب بيروت‬ ‫جر‪ ...‬ال‬ ‫قلب المر َفإِ انف َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬

‫تراث في وجه‬ ‫ومن الطبيعي َأن تستذكر ‪‬مرايا التراث‪ ‬ما انجرح من ٍ‬ ‫بيروت‪ ،‬وكيف يعود ُ‬ ‫تراثها ِإلى وجهها كما كان‪.‬‬ ‫دوبها تصبح ذكريات‪ ،‬وتُ كمل حياتَ ها بيروت‪َ ،‬ألنها‬ ‫الجراح تندمل‪ ،‬نُ ُ‬ ‫مرصودة على الحياة‪.‬‬ ‫يحجبها الغيم العابر وتعود ْأل َألتُ ها بعد عبور الغيم‪ ،‬هكذا‬ ‫وكما‬ ‫النجوم ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫قُ‬ ‫ونُ‬ ‫وتحر ُسنا‪،‬‬ ‫الجلد‪ ،‬عود فنَ َنعم بسعادة الهناءة‬ ‫سي ُعبر‬ ‫الغيم األسود من َّبة َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫بح ِّبها الكبير‪ ،‬نجمةُ بيروت‪.‬‬ ‫ُ‬


‫ُ‬ ‫شروط النشر في مجلة ‪‬مرايا التراث‪‬‬ ‫ً‬ ‫وهيئة ْ‬ ‫علمية‪َ ،‬أن تلفت الباحثين ِإلى‬ ‫هم مجلة ‪‬مرايا التراث‪ِ ،‬إدارةً‬ ‫َي ُّ‬ ‫التالي‪:‬‬ ‫ً‬ ‫مرس ٍل للنشر‬ ‫غير‬ ‫رسل َأ‬ ‫‪َ .1‬أن يكون‬ ‫ُ‬ ‫صيال في بابه‪َ ،‬‬ ‫البحث ُ‬ ‫منشور َأو َ‬ ‫الم َ‬ ‫ٍ‬ ‫في مجلة ُأخرى‪.‬‬

‫العلمية‬ ‫ـتعارف عليها فــي المجالت‬ ‫المنهجية‬ ‫‪ .2‬اعتماد‬ ‫ّ‬ ‫الم َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫العلمية ُ‬ ‫ُ‬ ‫الم ّ‬ ‫حكمة‪ :‬التوثيق في كتابة الحواشي واألص ــول والمصادر والمراجع‬ ‫ُ‬ ‫العلمية‪.‬‬ ‫رات‬ ‫ختص‬ ‫والم‬ ‫ُ َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫المسنَ دة‬ ‫‪ .3‬عدم‬ ‫ُّ‬ ‫واإلسقاطات غير ُ‬ ‫التهجم الشخصي ِوإلماحات األدلجة ِ‬ ‫في مقاربات البحث‪.‬‬

‫‪6‬‬

‫‪ .4‬جميع َ‬ ‫الم َق َّدمة ِإلى المجلة تَ خضع لتحكيم اللجنة العلمية‪،‬‬ ‫األبحاث ُ‬ ‫وقد تستعين ِإدارة المجلة عند الحاجة بهيئة اختصاصيين تبقى َأسماء‬ ‫الع ْرف َ‬ ‫األكاديمي‪.‬‬ ‫طي الكتمان وفق ُ‬ ‫َأعضائها ّ‬

‫هنري زغـيب‬

‫‪ُ .5‬يرسل الباحث مع نصه َّ‬ ‫بحثه‬ ‫بغير لغة ِ‬ ‫ملخ ًصا عنه في نحو ‪ 200‬كلمة ِ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫بحاثها في‬ ‫تفضيال َأو بالفرنسية)‬ ‫(باإلنكليزية‬ ‫تسهيال َلفهرسة المجلة وأ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫البيبليوغرافيا العالمية‪.‬‬ ‫َ‬ ‫شروط‬ ‫‪ .6‬تحتفظ ِإدارة المجلة ِب َح ّق النشر َأو برفض َأ ِّي بحث ال يستوفي‬ ‫النشر َأعاله‪.‬‬

‫اآلراء ال ــواردةَ في َ‬ ‫ُ‬ ‫األبحاث‬ ‫العلمية‬ ‫واللجنة‬ ‫‪ .7‬ال تتبنى ِإدارةُ المجلة‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫المنشورة‪ ،‬وتبقى هذه على ُ‬ ‫ولية ُكـتّ ابها‪.‬‬ ‫مسؤ ّ‬

‫‪َ .8‬يحصل ُّ‬ ‫نسخة‬ ‫صدوره‪ ،‬وعلى‬ ‫كل‬ ‫باحث على ثالث ُن َسخ من العدد عند ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِإلكترونية من بحثه‪.‬‬

‫‪ .9‬تَ ُ‬ ‫ُ‬ ‫تعاون الباحثين في احترام شروط‬ ‫العلمية‬ ‫واللجنة‬ ‫شكر ِإدارةُ المجلة‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫حفاظا على المستوى ْ‬ ‫وخدمة لنصاعة‬ ‫العلمي في نهج الجامعة‪،‬‬ ‫النشر‪،‬‬ ‫التراثية في لبنان‪.‬‬ ‫الذاكرة‬ ‫ّ‬

‫نصوصهم باسم رئيس التحرير على هذا العنوان‪:‬‬ ‫‪ُ .10‬يرسل الباحثون‬ ‫َ‬ ‫مجلة ‪‬مرايا التراث‪ – ‬مركز التراث اللبناني‬ ‫الجامعة اللبنانية األميركية – قريطم – بيروت‬ ‫لكترونيا على عنوان ‪‬مركز التراث اللبناني‪clh@lau.edu.lb :‬‬ ‫َأو ِإ‬ ‫ًّ‬


‫التاريخي‬ ‫تراثنا‬ ‫ّ‬ ‫بيروت قبل ‪ 163‬سنة في كتاب ‪‬سنتان في سوريا‪‬‬ ‫بيروت في ذاكرة نقوال زيادة‬

‫كثير ما لم ُيتَ ْح لغيري‬ ‫ُ‬ ‫عرفت عنها َ‬

‫ُ‬ ‫‪‬كلمة‪ ‬التاريخ‬ ‫آرنولد تُ ْو ْنبي‪ :‬لبنان‪:‬‬ ‫‪‬شمع‪ ‬القلعة والمزار‬ ‫واحة نابضة بالتاريخ في قلب جبل عامل‬


‫التاريخي‬ ‫تراثنا‬ ‫ّ‬

‫بيروت قبل ‪ 163‬سنة‬ ‫في كتاب «سنتان في سوريا»‬ ‫قراءة وتلخيص نبيل شحادة‬

‫مصرفي إيرلندي ودبلوماسي وكاتب في‬ ‫جيمس لويس فارلي‬ ‫ٌّ‬ ‫باكرا بالسياسة‬ ‫ُشؤون الشرق‪ُ .‬ولد في َد ْبلِ ن (‪ 9‬أيلول ‪)1823‬‬ ‫واهتم ً‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫التركية‪ ،‬حتى إذا خسرت روسيا حرب القُ رم أمام تركيا وتم توقيع‬ ‫نشاء ‪‬البنك العثماني‪‬‬ ‫معاهدة السلم في باريس سنة ‪ ،1856‬تم ِإ ُ‬ ‫بجهود ْ‬ ‫وعين فارلي رئيس المحاسبة لدى فرع‬ ‫اإلنكليز‪َّ ،‬‬ ‫الرأسماليين ِ‬ ‫مساهما في ْتأسيسه‪ .‬وسنة ‪ 1860‬تم ْنق ُله‬ ‫البنك في بيروت وكان‬ ‫ً‬ ‫عاما لدى المركز الرئيس في اسطنبول‪.‬‬ ‫مديرا ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ومكافأة‬ ‫وتحديدا تركيا‪.‬‬ ‫وكتب في قضايا الشرق‬ ‫له كتابات ُ‬ ‫ً‬ ‫إياه على والئه للسلطنة العثمانية تم تعيينه في آذار ‪ 1870‬قنصل‬ ‫السلطان وبقي في هذا المنصب حتى ‪ ،1884‬حين‬ ‫بريستول لدى ُ‬ ‫غادر إلى لندن وبقي فيها حتى وفاته في ‪ 12‬تشرين الثاني ‪.1885‬‬ ‫كتاب ُه ‪‬سنتان في سوريا‪464 – 1858( ‬‬ ‫من مؤلفاته الكثيرة ُ‬ ‫صفحة) وضعه إبان إقامته سنتين في بيروت بين ‪ 1856‬و‪.1858‬‬ ‫نبيل شحادة‪ ،‬العضو في جمعية‬ ‫‪‬تراثنا بيروت‪َ ‬‬ ‫ولخصه‬ ‫قرأ الكتاب َّ‬ ‫مقتطفً ا منه َأجزاء رئيسة‪.‬‬ ‫‪‬مرايا التراث‪ُ ‬‬ ‫تنشر التلخيص‬ ‫شاكرةً لصاحبه َ‬ ‫عمله الدؤُ وب‪ ،‬وشاكرةً‬ ‫سهيل منيمنة‪ ،‬رئيس الجمعية‪،‬‬ ‫َ‬ ‫الص َور المنشورة مع‬ ‫لتوفيره‬ ‫مجموعة ُ‬ ‫هذا النص‪.‬‬


‫تمهيد‬

‫بيروت قبل ‪ 163‬سنة‬

‫بيروت سنة ‪ 1857‬بريشة األميركية ماريا هارييت ماتيس‬

‫‪9‬‬

‫في كتاب «سنتان في سوريا»‬

‫منذ نشأة جيمس لويس فارلي‪ ،‬استهواه الشرق بما فيه من سحر‬ ‫ووضع كتابه في بيروت ‪‬درة الشرق وياقوتة‬ ‫وغرابة‪ ،‬حتى تحققت له زيارته ْ‬ ‫وخصوصا إلى العاملين في‬ ‫شواطئه‪َ .‬أهداه ‪‬إلى األصدقاء في الوطن‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وتحديدا‬ ‫القطاع التجاري‪ ،‬ودعاهم للحضور إلى هذا الركن من العالم‪،‬‬ ‫ً‬ ‫بيروت لما فيها من ‪‬فرص عمل ناجحة وتحقيق أرباح وجمع ثروات‪.‬‬ ‫وتعرف إلى ما فيها‪،‬‬ ‫خصص لها ً‬ ‫قسما ً‬ ‫لذا ّ‬ ‫كبيرا من الكتاب‪ ،‬فهو عاينها َّ‬ ‫مختبرا معلومات ضرورية للسائح‪ ،‬وتفاصيل عن مظاهر الحياة فيها‪:‬‬ ‫ً‬ ‫المناخ والتجارة واألسواق والطرقات وتطورها‪ ،‬والفنادق والنزهات في‬ ‫جنوبيها‪ ،‬والحياة االجتماعية‬ ‫شوارعها وعلى شواطئها وفي غابة الصنوبر‬ ‫َّ‬ ‫فترتئذ‪.‬‬ ‫والتقاليد والعادات‬ ‫ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫فصول عن زيارات فارلي ورحالته إلى مناطق أخرى في‬ ‫في الكتاب‬ ‫َ‬ ‫لبنان وسوريا وفلسطين‪ .‬لكنني أقتصر في ترجمتي وتحليلي على ما ورد‬ ‫وسميت هذا الفصل‪ :‬سنتان في بيروت‪ .‬إنها رحلة‬ ‫عن مدينتنا بيروت‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ساحرة نغوص معها في الزمن الماضي‪ ،‬مستكشفين َج َمال بيروت وروعة‬ ‫وصف فيها انفعاالته‬ ‫مشاهدها‪ ،‬بما كان لفارلي من تمتعه بكتابة أنيقة ّ‬ ‫وأحاسيسه بشفافية وشاعرية مع مشاعر روحانية عند الوقوف أمام‬ ‫الطبيعة وعظمتها‪.‬‬


‫بيروت من البحر‬

‫‪10‬‬ ‫نبيل شحادة‬

‫مهد للوصول إليها بعبارة‪:‬‬ ‫وصل فارلي إلى بيروت سنة ‪ .1856‬وكان ّ‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫‪‬قلة من الناس يعرفون عن بيروت‪ ،‬وهي مكان ينضح جماال خال ًبا ال‬ ‫يتفوق على كل ما عداه في األهمية التجارية‪ .‬ونقل‬ ‫مثيل له في سوريا‪َّ ،‬‬ ‫جياشة حتى‬ ‫دهشة الواصلين إلى بحر بيروت‪ ،‬أمام مناظر خالبة ومشاعر ّ‬ ‫تأث ًرا‪ :‬جميلةٌ بيروت‪ِّ ،‬‬ ‫ليصرخ الواحد منهم ُّ‬ ‫ويعلل جمالها الذي ‪‬ليس‬ ‫َ‬ ‫ومشع بألوان مشرقة تجعل‬ ‫مغمورا بألف معنى عميق‬ ‫فقط‬ ‫شريط ذاكرةٍ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫منها أرقى مناطق األرض‪ ،‬بل باإلقامة داخل أسوارها‪ ،‬حيث الواقع يضاهي‬ ‫ً‬ ‫الص َور التي قد تخطر على بال‪.‬‬ ‫أكثر ُ‬ ‫خياال َ‬ ‫يسجل فارلي لقطات سريعة‬ ‫ثم ّ‬ ‫مؤثرة عن جمال بيروت الساحر‬ ‫ومحيطها‪ :‬مشهد رائع أمام الجبل‬ ‫َّ‬ ‫وشالالت ذات‬ ‫بطياته المخملية‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫خيوط فضية‪ ،‬وقمم تعلوها الثلوج‪،‬‬ ‫وعند شواطئ ذهبية وحدائق غنية‬ ‫تمتد وراء أسوارها الشاهقة‪ ،‬وقرى‬ ‫ذات هواء منعش ومشاهد رومانسية‬ ‫وحظائر دود القز‪ ،‬وبحر أرجواني‬ ‫تزين‬ ‫وسماء وردية ومناظر ّ‬ ‫عدة ّ‬ ‫المنارة نهاية القرن التاسع عشر‬ ‫بيروت القديمة بكل هذا المجد‪.‬‬ ‫بيروت قبيل الشاطئ‬ ‫يمضي ُمطلقً ا ً‬ ‫منظرا أكثر‬ ‫باقة من الصور المتألقة‪ :‬ال مكان تجد فيه‬ ‫ً‬ ‫روعة مما تراه العين فيما نقترب من بيروت‪ .‬ومن حيث أنت في البحر ترى‬ ‫تلمع تحت ضوء الشمس‪ ،‬تحيط بها خطوط‬ ‫قمم جبل لبنان مرتفعة عالية‪ُ ،‬‬ ‫كأن جزيرة خرافية تطفو في‬ ‫عريضة من التالل المتماوجة‪ ،‬فيبدو المشهد ّ‬ ‫السماء (‪ .)...‬عادةً ‪ ،‬لدى االقتراب من شواطئ معظم البلدان‪ ،‬لن تجد ما‬ ‫رائعا يستحيل أن تتخيله أو‬ ‫مشهدا‬ ‫يستحق رؤيته‪ .‬أما هنا فترى‬ ‫ً‬ ‫طبيعيا ً‬ ‫ًّ‬ ‫تعثر على شبيه له في مكان آخر‪ .‬وإذ تقترب السفينة من الساحل ّيتسع‬ ‫المشهد ويكشف عن سحره‪ ،‬فإذا البيوت تتناثر فوق سهل يمتد بين البحر‬ ‫ً‬ ‫متألقة تحت أشعة الشمس وسط أشجار تحيط بها‪ ،‬ويأتيك‬ ‫والجبل‪،‬‬ ‫ً‬ ‫محمال بروائح بساتين البرتقال‪ .‬ها أنت في خليج بيروت‪،‬‬ ‫البر‬ ‫النسيم من ّ‬


‫نتوء جبلي طويل في البحر‪ ،‬وفي البعيد أبراج المدينة ومآذنها‪ ،‬وخلفها‬ ‫قمة جبل صنين مغطاة بالثلوج‪.‬‬

‫بيروت قبل ‪ 163‬سنة‬

‫شاطىء الزيتونة سنة ‪1860‬‬ ‫بعدسة البارون ناو‪،‬‬ ‫المصور الرسمي لحملة‬ ‫الجيش الفرنسي تلك السنة‬

‫‪11‬‬

‫وكسائر رحالة أجانب فَ تَ نَ ْتهم بيروت وموقعها الجغرافي الفريد‪ ،‬يتابع‬ ‫تمتد‬ ‫فارلي ‪:‬تستحق بيروت أن تكون عاصمة هذا البلد الجميل‪ ،‬فهي ُّ‬ ‫ً‬ ‫نزوال إلى الشاطئ‪ ،‬وتنزل عبر منحدر لطيف ٍّ‬ ‫لتل ساحر‪ ،‬رأسها في الغيوم‪،‬‬ ‫تتكئ برشاقة على وسادة من‬ ‫قدماها في مياه البحر‪ ،‬كأنها سلطانة ساحرة ُ‬ ‫المخمل األخضر‪ ،‬تتأمل األمواج في ال مباالة وكسل حالم‪.‬‬ ‫ويواصل شغفه بالمدينة‪ :‬شرفات بيروت مليئة بالزهور‪ ،‬وبيوتها‬ ‫–‪ ‬بأقواسها النحيفة وسقوفها المسطحة‪ – ‬تعلوها ُكوى من الحجر أو‬ ‫درابزينات من الخشب‪ ،‬بساتين التوت األبيض منتشرة حولها‪ ،‬أشجار‬ ‫النخيل باسقة نحو السماء‪ ،‬الجدران ذات ألوان حية باألحمر أو األزرق‪،‬‬ ‫مآذن مساجدها‪ ،‬جو هادئ مشرق تحت سماء صافية مفتوحة‪ُّ ،‬‬ ‫وكل هذا‬ ‫في لوحة كبيرة جذابة‪.‬‬

‫في كتاب «سنتان في سوريا»‬

‫شاطىء منطقة المدور‬ ‫نحو ‪1856‬‬


‫من االٔشرفية باتجاه المرفا ٔ نهاية القرن التاسع عشر‬

‫مناخ مثالي‪ :‬ال أَوبئة في بيروت‬

‫‪12‬‬ ‫نبيل شحادة‬

‫فمناخها ‪‬أفضل‬ ‫منح فارلي مناخ بيروت أهمية تفوق غيرها من المدن‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫مما في أماكن يرتادها عادة المرضى والناقهون ذوو المزاج الواهن كجنوب‬ ‫فرنسا وإيطاليا‪ ،‬أوذوو األمراض الرئوية‪ .‬فلمناخ بيروت مزايا مهمة يصعب‬ ‫العثور عليها في مكان آخر‪.‬‬ ‫وتعرفه إلى أوروبيين مقيمين فيها‬ ‫وطوال إقامة فارلي في بيروت‬ ‫ُّ‬ ‫مرضية واحدة‪.‬‬ ‫وكثيرين من أبناء العائالت البيروتية‪ ،‬لم يسمع ‪‬عن حالة َ‬ ‫فليس في البالد أمراض وبائية من ربو والتهاب ُ‬ ‫الشعب الهوائية واضطرابات‬ ‫أخ ُذ احتياطات بسيطة لتجنُّ ب البرد‬ ‫رئوية مجهولة المصدر‪ .‬إنما‬ ‫ضروري ْ‬ ‫ٌّ‬ ‫ً‬ ‫حفاظا على الصحة‪.‬‬ ‫خصوصا ‪‬لمن يعانون من‬ ‫ومن أهداف التشديد على مناخ بيروت‪،‬‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫رجال األعمال األوروبيين للمجيء إلى بيروت‪ ،‬ومزاولة‬ ‫إقناعه‬ ‫ذات الرئة‪‬‬ ‫ُ‬ ‫التجارة في أجواء مثالية تريحهم من تقلبات المناخ األوروبي وعواصفه‬ ‫بردا‬ ‫دائما‬ ‫ٍ‬ ‫صاف معتدل‪ ،‬ال يخضع لتقلبات مفاجئة ً‬ ‫وأمطاره ورياحه‪ :‬الجو ً‬ ‫ً‬ ‫شكال من ذات الرئة إذ ال رياح عاتية هنا‪.‬‬ ‫أو حرارة‪ .‬فهو مالئم َمن يعانون‬ ‫رأيه في مناخ بيروت بكالم علمي من الطبيب وليام روبرت‬ ‫ويؤيد فارلي َ‬ ‫َ‬ ‫مدن‬ ‫مناخات‬ ‫عن‬ ‫مة‬ ‫قي‬ ‫تفاصيل‬ ‫ر‬ ‫ونش‬ ‫‪،1838‬‬ ‫سنة‬ ‫بيروت‬ ‫وايلد الذي زار‬ ‫ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫ساحلية متوسطية‪ ،‬فينقل عنه‪ :‬توفّ ر بيروت تسهيالت شتى للمرضى‬ ‫المسافرين‪ُ ،‬‬ ‫فتهي ُئ لهم إقامة شتوية‬ ‫ولأل َسر الراغبة في زيارة سوريا‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫متغي ٌر أقل مما في الجزائر أو اإلسكندرية‪.‬‬ ‫ممتعة وصحية‪ .‬مناخها معتدل‪ِّ ،‬‬ ‫تغير درجة الحرارة‪ .‬وفي المدينة مقيمون‬ ‫وتُ سهم الجبال حولها في ُّ‬ ‫واصل مستمر ومباشر مع إنكلترا عبر السفن التجارية أو‬ ‫أوروبيون‪ ،‬وتَ ُ‬ ‫قوارب بخارية حكومية تأتي مرة في الشهر‪َّ .‬أما مع مصر فالتواصل يومي‪.‬‬


‫تطور وعمران حديث بدأت المدينة‬ ‫َّ‬ ‫سج َل فارلي ما رآه في بيروت من ُّ‬ ‫توسع األعمال وزيادة األنشطة التجارية المحلية واإلقليمية‬ ‫ُ‬ ‫تشهد ُه مع ُّ‬ ‫والعالمية‪ :‬خالل إقامتي َّ‬ ‫أقل من عامين في بيروت‪ُ ،‬ا َ‬ ‫نشئت شوارع جديدة‪،‬‬ ‫مقاه جديدة ُوز ِّو َدت‪،‬‬ ‫ُوبنيت عمارات كبيرة في ناحية رأس بيروت‪ُ ،‬‬ ‫وافتتحت ٍ‬ ‫فهمت‪ ،‬بطاوالت البلياردو الجيدة‪.‬‬ ‫كما‬ ‫ُ‬ ‫فترتئذ ورشة تطوير وإعمار ضخمة نقَ لت‬ ‫وينقل صورة عن بيروت‬ ‫ٍ‬ ‫المدينة من بلدة بسيطة هامشية على شاطئ البحر‪ ،‬إلى حاضرة عامرة‬ ‫دمت مجموعة بيوت قديمة قريبة من فندق‬ ‫ونقطة جذب تجارية رائدة‪ُ :‬‬ ‫‪‬ه َ‬ ‫‪ ،Belle Vue‬ونشبت مكانَ ها شقق رائعة تُ ستخدم مكاتب تجارية يشغل‬ ‫بعضها تجار إنكليز‪ .‬وخارج المدينة أعمال البناء متواصلة‪ ،‬منها قصر‬ ‫أميري ألحد أغنياء أسرة بسترس‪ ،‬ومنزل آخر رائع جميل آلل مشاقة‬ ‫صممه مهندس أوروبي‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ُوي ِلمح فارلي إلى تطور اجتماعي مثير نتج عن االنفتاح على األوروبيين‪،‬‬ ‫بدءا بقناصل سكنوا بيروت ممثلين بالدهم أو وافدين إليها ّ‬ ‫مؤثرين في‬ ‫ً‬ ‫سريعا يكتسبون األذواق واآلراء األوروبية‪،‬‬ ‫بدأوا‬ ‫األصليون‬ ‫‪‬السكان‬ ‫أهلها‪:‬‬ ‫ً‬

‫‪13‬‬

‫في كتاب «سنتان في سوريا»‬

‫تتطور‬ ‫بيروت‬ ‫ُّ‬

‫بيروت قبل ‪ 163‬سنة‬

‫مقد ًما‬ ‫ويتوسع فارلي في شرح مناخ بيروت وتقلباته على مدار السنة‪ِّ ،‬‬ ‫علوا وبرودة‪ :‬مناخ‬ ‫خيارات ممتعة للهروب من حر صيفها إلى أماكن أكثر ًّ‬ ‫تشرين األول وتشرين الثاني وكانون األول قريب من مناخ أيار وحزيران‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أحيانا‪ ،‬ويقوى في كانون‬ ‫العواصف البحرية قليلة‪ ،‬المطر الخفيف يتساقط‬ ‫الثاني وشباط فتجري سيول ال نراها في إنكلترا‪ .‬ومع ذلك يبقى الهواء‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫طويال‪ .‬أما في آذار ونيسان وأيار‬ ‫ونادرا ما تنحجب السماء الزرقاء‬ ‫دافئا‪،‬‬ ‫ً‬ ‫سحرا‬ ‫وحزيران فترتفع درجات الحرارة‪ ،‬والشهران األخيران هما األكثر‬ ‫ً‬ ‫في طبيعة يبللها مطر خفيف فتبدو مشرقة بهيجة حيوية ويتجدد العشب‬ ‫الصبار على الطرقات‪ ،‬وتتفتح زهور‬ ‫األخضر والزمردي مرة أخرى‪ُ ،‬ويزهر‬ ‫ّ‬ ‫أشهر تموز وآب وأيلول أكثر دفئاً‬ ‫حمل الهواء بعطرها‪ُ .‬‬ ‫أشجار البرتقال وتُ ّ‬ ‫مالذً‬ ‫يوفّ‬ ‫مثاليا قد تبحث‬ ‫ا‬ ‫لبنان‬ ‫جبل‬ ‫ر‬ ‫ذلك‬ ‫ومع‬ ‫إنكلترا‪،‬‬ ‫من أي شهر في‬ ‫ًّ‬ ‫عنه‪ .‬وفيما يبقى كثيرون من اإلنكليز والفرنسيين في بيروت خالل الصيف‪،‬‬ ‫يرسل معظمهم زوجاتهم وأطفالهم إلى بيت مري أو برمانا أو شمالن‪ .‬بيت‬ ‫مري تبعد نحو ساعتين عن بيروت‪ ،‬برمانا نحو ساعتين ونصف‪ ،‬وشمالن‬ ‫ومناخها يشبه مناخ الصيف اإلنكليزي الرائع‪ ،‬والجو‬ ‫نحو خمس ساعات‬ ‫ُ‬ ‫أكثر برودة‪.‬‬


‫وتجار أثرياء زاروا أوروبا فتخلوا عن أزيائهم الشرقية ُ‬ ‫وبدأوا بارتداء الثياب‬ ‫األوروبية‪ ،‬وأخذت المنازل َّ‬ ‫وفق أسلوب باريس ولندن‪.‬‬ ‫تؤثث ْ‬

‫نهر بيروت نحو ‪1900‬‬

‫‪14‬‬

‫ميناء بيروت‬

‫نبيل شحادة‬

‫يذكر فارلي دور ميناء بيروت بوابةِ التواصل األهم مع العالم ومفتاح‬ ‫التطور االقتصادي‪ :‬تشير دالئل إلى الزيادة السريعة في التجارة في‬ ‫ست سفن‬ ‫بيروت خالل السنوات القليلة الماضية‪ .‬أخذت تدخل‬ ‫ميناءها ُّ‬ ‫َ‬ ‫عاما لم يكن بين‬ ‫سبع في وقت واحد‪ ،‬فيما قبل خمسة عشر ً‬ ‫بخارية أو ٌ‬ ‫بيروت وأوروبا أي خط بحري على اإلطالق‪ .‬فالبريد اآلن يغادر من لندن‬ ‫إلى بيروت كل يوم جمعة عن طريق مرسيليا‪ ،‬وتعمل البواخر اإلنكليزية‬ ‫بانتظام بين بيروت وليفربول‪.‬‬ ‫ملب ًية طلبات األجانب‬ ‫ِّ‬ ‫ويعدد ُّ‬ ‫تنوع البضائع والسلع الواصلة إلى بيروت ّ‬ ‫فيها وحاجاتهم‪ :‬قبل بضع سنوات كانت الواردات تقتصر على سلع ُمنتجة‬ ‫في مانشستر‪َّ ،‬‬ ‫تدريجيا محل حرير كانت ترتديه هنا جميع فئات‬ ‫حلت‬ ‫ًّ‬ ‫السكان‪ .‬وأصبحت الواردات متنوعة‪ ،‬فال شيء يطلبه األوروبيون ّ‬ ‫إال ويمكن‬ ‫الحصول عليه في األسواق‪ .‬وكعادة المواد المستوردة التي ترتفع أثمانها‪،‬‬ ‫ً‬ ‫سعرا أعلى لسلع يرغب‬ ‫ينبه فارلي إلى أن األجنبي في بيروت يدفع‬ ‫أحيانا ً‬ ‫ً‬ ‫مجانيا لمؤسسة في بيروت يرتاح األجانب إلى التعامل‬ ‫إعالنا‬ ‫بها‪ .‬ويقدم‬ ‫ًّ‬ ‫معها‪ :‬قد يضطر األجنبي إلى دفع مبلغ أعلى من قيمة ما يرغب فيه‪،‬‬ ‫نجار‪.‬‬ ‫تثبت سعر كل سلعة‪ ،‬كالتي يديرها مستر ّ‬ ‫إنما ال تزال هنا مؤسسات ّ‬ ‫جي ًدا ويمارس عمله على هذا‬ ‫اإلنكليزية‬ ‫يتحدث‬ ‫ومع أنه من سكان بيروت‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫جيدا‪.‬‬ ‫عموما ويحقق‬ ‫فيرضي عمالءه‬ ‫نجاحا ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫المبدإ ُ‬ ‫ِ‬


‫مرفا ٔ بيروت ‪ 1860‬للمصور‬

‫‪Bonfils‬‬

‫بيروت ‪ 1860‬للمصور الفرنسي بونفيس وتبدو القلعة البحرية‬ ‫وفي المقدمة خان المالحة‬

‫‪15‬‬

‫في كتاب «سنتان في سوريا»‬

‫التطور واالزدهار في المدينة‪ :‬بيروت ميناء‬ ‫يواصل فارلي تفصيله‬ ‫َ‬ ‫دمشق‪ ،‬والوحيدة اآلمنة والمالئمة في المنطقة الممتدة من اإلسكندرية‬ ‫حالتها‬ ‫إلى اسكندرون‪ .‬وهي قريبة يبلغُ ها بسهولةٍ سكان كل سوريا‪ .‬من هنا ُ‬ ‫والتزايد المستمر في تجارتها وثروتها‪ ،‬كأنها مدينة جديدة‬ ‫المزدهرة‬ ‫ُ‬ ‫أخيرا من تحت األنقاض كطائر الفينيق يثب من تحت الرماد‪.‬‬ ‫نهضت‬ ‫ً‬ ‫تخيل المدينة ُم ِـج ّدة مكافحة من أجل البقاء‬ ‫تأخذنا عبارات فارلي إلى ُّ‬ ‫َ‬ ‫‪‬دخلت وسائل وأجهزة الحضارة‬ ‫والتطور المستمر ومواكبة كل جديد‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫وعبدت الشوارع‪ ،‬وأقيمت مستودعات فسيحة‪ ،‬وأكد‬ ‫األوروبية إلى بيروت‪ّ ،‬‬ ‫سريعا خالل السنوات‬ ‫ت‬ ‫تم‬ ‫كبيرة‬ ‫تحسينات‬ ‫أن‬ ‫هنا‬ ‫لي تجار إنكليز مقيمون‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫العشر الماضية‪ ،‬على نطاق واسع‪ ،‬وحتى من زاروا المدينة سابقً ا سيجدون‬ ‫صعوبة في التعرف عليها بشكلها الحالي‪.‬‬ ‫ً‬ ‫كتابه‬ ‫نشيطا‬ ‫مسو ًقا‬ ‫ً‬ ‫كان فارلي ِّ‬ ‫وناجحا لبيروت‪ .‬أراد لمعارفه َ‬ ‫ومن وصل ُ‬ ‫لهم من اإلنكليز أن ُ‬ ‫يقرأوا أفكاره ومعلوماته‪ ،‬محفزً ا إياهم للمجيء إلى بيروت‬ ‫والسكن فيها وإنشاء الشركات وممارسة التجارة واألعمال على أنواعها‪.‬‬

‫بيروت قبل ‪ 163‬سنة‬

‫مالمح أوروبية في بيروت‬


‫جادة االفرنسيين نحو ‪1890‬‬

‫وذهب‬ ‫أسواق بيروت‪ :‬دكاكين ومتاجر ‬ ‫َ‬

‫‪16‬‬ ‫نبيل شحادة‬

‫ً‬ ‫مبتكرا‬ ‫فصال ألسواق بيروت‪ .‬وصفَ ها ُبأسلوب رومنسي‬ ‫خصص فارلي‬ ‫ً‬ ‫حية‪ :‬هي أقل ً‬ ‫شأنا من أسواق اسطنبول أو القاهرة‬ ‫له‬ ‫ً‬ ‫صورا جميلة ّ‬ ‫ُ‬ ‫تستحق الزيارة ورؤْ ية حشود متنوعة تمألها‪ .‬وهي‬ ‫أو دمشق‪ .‬مع ذلك‬ ‫ُّ‬ ‫دائما َبمن‬ ‫أسواق ذوات قناطر ومسقوفة توفّ ر مالذً ا للمتنزهين‪ ،‬وهي مليئة ً‬ ‫التنزه فيها‪.‬‬ ‫يحضرون لقضاء أعمالهم أو االسترخاء أو ُّ‬ ‫‪‬سيصدم الغريب لصغر هذه المحالت‬ ‫وعن الدكاكين وأصحابها كتَ ب‪ُ :‬‬ ‫التجارية‪ ،‬لكن فائدتها ْأن ُيمكن التجار العرب أن يتناولوا أي سلعة يطلبها‬ ‫ّ‬ ‫التخلي عن ليون التبغ‪ ،‬رفيقهم الذي ال ينفصل عنهم‪.‬‬ ‫عمالؤُ هم دون‬ ‫وأسواق بيروت ال تزدهر وال يكتمل تألقها دون متاجر صاغة الذهب‬ ‫االهتمام‪ِّ ،‬‬ ‫مرغ ًبا لزيارة هذه‬ ‫مشوقة ومثيرةٌ‬ ‫َ‬ ‫والفضة‪ ،‬وصفها فارلي بأنها ّ‬ ‫األسواق ومراقبة صاغة يعملون على تصنيع وزركشة الفضة وأساور ذهب‬ ‫وضجيجا في‬ ‫تعوض زحمة‬ ‫تشتهر بها بيروت‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫معتبرا أن الزيارة ‪‬جائزة‪ّ ‬‬ ‫األسواق وخاصة في أوقات الصباح‪.‬‬ ‫ويتبسط في وصف الفت‪ :‬البسطات هنا مرتّ بة بدقة‪ ،‬ويمكن‬ ‫شراء كمية فاكهة لذيذة بمبلغ زهيد‪ ،‬ال سيما المشمش بنكهته الرائعة‪،‬‬ ‫ومشروبات َّ‬ ‫ُ‬ ‫وأفضلها‬ ‫مثلجة لذيذة من عصير الليمون أو العنب أو الرمان‪،‬‬ ‫ستخرج عن طريق‬ ‫تلك المصنوعة من بتالت الورد والبنفسج المحفوظة تُ‬ ‫َ‬ ‫هرس الزهور ْ‬ ‫الخ َضر من كل نوع‪:‬‬ ‫وغل ِيها بالسكر‪ .‬وفي مكان آخر‪ :‬تكثر ُ‬ ‫البازالء والخس والبصل والخيار‪ ،‬وكلها فخمة لنضارتها ورائحتها‪ ،‬وفيما‬ ‫َ‬ ‫رسل حلب إلى هنا الفستق‬ ‫البرتقال‬ ‫تورد الحدائق المحلية‬ ‫والحامض‪ ،‬تُ ِ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫رسل دمشق الخوخ والكرز والدراق‬ ‫رسل يافا البطيخ اللذيذ‪ ،‬وتُ ِ‬ ‫الشهير‪ ،‬وتُ ِ‬ ‫والمشمش من أفضل األنواع‪.‬‬


‫بيروت قبل ‪ 163‬سنة‬

‫سوق العطارين في قلب بيروت‬

‫حالق في الهواء الطلق في ٔاسواق بيروت نحو ‪1890‬‬

‫تجار مركنتيليون‪ 3 :‬أيام مفاوضات لشراء سلعة‬

‫ً‬ ‫وخططا وخبرات‬ ‫الصفقات ذات القيمة األعلى‪ ،‬تحتاج استراتيجيات‬ ‫عالية إلبرامها‪ :‬ال قيمة للوقت هنا‪ ،‬والحال مختلف عن لندن‪ .‬هنا قد‬ ‫أرسلت المترجم لشراء سلعةٍ فعاد يخبرني‬ ‫أياما‪ .‬مرةً‬ ‫ُ‬ ‫يستغرق إتمام صفقةٍ ً‬

‫‪17‬‬

‫في كتاب «سنتان في سوريا»‬

‫ويضيف بكل ُحب‪ :‬باختصار‪:‬‬ ‫هنا كل شيء موجود بوفرة لتلبية‬ ‫طلباتنا المادية‪ ،‬ولتهدئة حواسنا‪،‬‬ ‫ولسحر خيالنا‪ .‬هنا يصبح الوجود‬ ‫متعة‪ ،‬وما عليك ِإ َّال أن تعيش هنا‬ ‫وينو ُه إلى أن‬ ‫سعيدا‪.‬‬ ‫لتكون‬ ‫ً‬ ‫ِّ‬ ‫الشراء في هذه األسواق يتطلب‬ ‫صالبة في التعامل مع التجار‬ ‫وعدم القبول بأول سعر ُيعرض‬ ‫عليك‪ :‬عادةً يطلب التاجر ضعف‬ ‫السعر‪ ،‬ومن األفضل أن تعرض‬ ‫عليه نحو ثلث ما طلبه‪ ،‬فيفهم‬ ‫مرادك دون شعور باإلهانة فيبدأ‬ ‫تدريجيا حتى‬ ‫بتخفيض السعر‬ ‫ً‬ ‫بلوغ سعر يرضي الطرفين‪ ،‬وتُ َبرم‬ ‫الصفقة‪.‬‬


‫‪18‬‬

‫عن سعرها فقط دون الشراء‪ .‬وعند سؤالي عن السبب أجابني‪ :‬ننتظر‬ ‫ً‬ ‫وفعال‪ ،‬في اليوم الثاني ذهب الترجمان‬ ‫حتى الغد فيكون السعر أرخص‪.‬‬ ‫يشتر ألنه ينتظر أن يحصل على سعر أفضل‪ .‬في اليوم الثالث‬ ‫وعاد ولم‬ ‫ِ‬ ‫متظاهرا بأنه مشغول‬ ‫البائع‪،‬‬ ‫يلتقي‬ ‫أن‬ ‫دون‬ ‫المحل‬ ‫أمام‬ ‫بهدوء‬ ‫ومر‬ ‫ً‬ ‫ذهب ّ‬ ‫عارضا عليه لسان النرجيلة‪ .‬أخذا‬ ‫بأمر آخر‪ ،‬فاستوقفه البائع وناداه‬ ‫ً‬ ‫صعودا إلى جبهتيهما‪،‬‬ ‫يتحدثان بلباقة‪ ،‬ويمرران أصابعهم إلى شفاههم ثم‬ ‫ً‬ ‫عرضيا عن موضوع بعيد عما يجول في خاطرهما‪ .‬ومع تدخين‬ ‫وتحدثا‬ ‫ّ‬ ‫ًّ‬ ‫تجددت المفاوضات األصلية حول السلعة‪،‬‬ ‫النرجيلة وشرب القهوة‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫أخيرا إلى سعر مقبول‪.‬‬ ‫وتوصال‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫هكذا إذً ا‪ :‬ثالثة أيام استغرقت عملية شراء سلعةٍ ‪ ،‬دليل هدوء كان‬ ‫داع للسرعة‪ .‬إن لم تُ َبرم الصفقة اليوم تتم‬ ‫ً‬ ‫سائدا‪ .‬فال عجلة في شيء وال ٍ‬ ‫غدا‪ .‬ويتذكر فارلي‪ :‬المفاوضات الستئجار البيت الذي أسكنه‪ ،‬أخذت‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫كامال قبل موعد وصولي‪ ،‬وكانت‬ ‫شهر‬ ‫عليه‪،‬‬ ‫فاوض‬ ‫الذي‬ ‫الصديق‬ ‫وقت‬ ‫من‬ ‫ً‬ ‫اللقاءات شبه يومية مع صاحب البيت‪ ،‬عدا فناجين القهوة وال النراجيل‬ ‫قبل بلوغ االتفاق النهائي‪.‬‬

‫نبيل شحادة‬

‫أطباء وأدوية‪ :‬صحة مضمونة‬ ‫كتاب فارلي‪ :‬رحلة ممتعة ذات كثير من التفاصيل والمعلومات‪،‬‬ ‫هكذا ُ‬ ‫منها موضوعا الصحة والطب في المدينة‪ ،‬وهو العالِ م بما كان يؤرق‬ ‫المسافرين إلى الشرق آنذاك ويشغل بالهم‪ .‬وقبله كان كتيب ‪‬دليل الشرق‪‬‬ ‫أنواعا كثيرة من األدوية‪،‬‬ ‫(لندن ‪ )1840‬ينصح المسافر بأن يأخذ معه‬ ‫ً‬ ‫وصفها بأنها ‪‬كميات تساعد في تخزين صيدليةٍ ‪ ،‬إضافة إلى ضمادات‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫محال‬ ‫وجص الصق‪ ،‬وإبر‪ ،‬ومضخة معدة‪ ،‬وكل ما يمكن العثور عليه في‬ ‫األدوية‪ .،‬بينما في بيروت يختلف الوضع إذ يمكن المريض ‪‬الحصول على‬ ‫عينت الدكتور سوكيه‪،‬‬ ‫أفضل استشارة طبية بسهولة‪ ،‬إذ الحكومة الفرنسية ّ‬ ‫المقيم في بيروت منذ سنوات‪ ،‬ويحظى باحترام اإلنكليز والفرنسيين‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وجراحية‪،‬‬ ‫طبية‬ ‫وكذلك الدكتور سميث الذي يتمتع بسمعةٍ طيبةٍ مهارةً‬ ‫وكذلك الكيميائي الممتاز في بيروت السيد كروال‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ويحذر فارلي من أمر مهم‪ :‬بينما يميل البعض في إنكلترا إلى إساءة‬ ‫استخدام األدوية أو إلى اجراء التجارب‪ ،‬يستحيل ذلك في سوريا من دون‬ ‫مضرا استخدام أدوية‬ ‫عواقب‪ )...( ‬ولسبب ال أستطيع أن أشرحه‪ ،‬بدا‬ ‫ًّ‬ ‫ً‬ ‫أحيانا في‬ ‫مصنوعة من مكونات قوية‪ ،‬لذا يتم وصف الكينا هنا‪ ،‬المفيد‬ ‫ِّ‬ ‫المتقطعة (تنتج عن أمراض معدية)‪ ،‬وكذلك مسحوق ُدوفر (كان‬ ‫الحمى‬


‫طبيعة بيروت الحالمة الهادئة‬

‫‪19‬‬

‫في كتاب «سنتان في سوريا»‬

‫يمنح فارلي إقامته في بيروت معاني نفسية وروحانية استنبطها من‬ ‫صحيا‬ ‫معتبرا أن ما في بيروت ذو فوائد كثيرة‬ ‫وسط طبيعة مغايرة‪،‬‬ ‫ًّ‬ ‫ً‬ ‫وجوده ْ‬ ‫ونفسيا‪ :‬بين أكبر فوائد للمقيم في بيروت‪ :‬ممارسة تمارين يومية دائمة‬ ‫ًّ‬ ‫فنتزية‪ :‬في الصباح الباكر‪ ،‬عندما‬ ‫مشاهد‬ ‫ويسرد‬ ‫الطلق‪.‬‬ ‫الهواء‬ ‫في‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫ومنشط‬ ‫تبدأ الطيور تغنّ ي‪ ،‬يحلو التنزه في غابة الصنوبر‪ ،‬وهو أمر صحي‬ ‫باردا‪ ،‬والزهور المنتعشة بقطرات‬ ‫إذ تكون حرارة الشمس معتدلة‪ ،‬والهواء ً‬ ‫ومساء‪ ،‬قبل غروب الشمس بنحو ساعتين‪،‬‬ ‫الندى تطلق عطورها الفاتنة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫يالقيك نسيم بارد يهب من الغرب على الرمال‪ ،‬يدعوك إلى ركوب حصانك‬ ‫أو العدو بسرعة‪.‬‬ ‫وعدا غابة الصنوبر (حرج بيروت) يقترح بعد‪ :‬روعة وجمال المناخ‬ ‫دائما إلى الهواء الطلق‪ ،‬وعندما ال تمشي أو تركب الخيل‪،‬‬ ‫هنا يجذبك ً‬ ‫يمكنك الجلوس عند شرفة مكشوفة مطلة على الجبال‪ ،‬أو على الشاطئ‬ ‫حيث حفافي الصخور الساكنة في حلم خيالي هادئ ولذيذ مع هدير خافت‬ ‫لموج البحر‪.‬‬ ‫ً‬ ‫جميال بين الطبيعة والروح‪،‬‬ ‫تالز ًما‬ ‫وفي مسحة روحانية يعقد فارلي ُ‬ ‫يتفق وما ْ‬ ‫يوما في دراسة لجامعة كنساس األميركية‪َّ ،‬بينت أن من‬ ‫قرأتُ ُه ً‬ ‫يقضون أوقاتً ا طويلة في أحضان الطبيعة مستمتعين بجمالها‪ ،‬ترتفع لديهم‬ ‫مستويات القدرة على رؤية األمور أفضل وينجحون في فهم المشاكل وابتكار‬ ‫تماما‪ ،‬وفي السكينة والمشاهد‬ ‫الحلول‪ .‬هوذا فارلي يشرح‪ :‬هنا ستهدأ ً‬ ‫المحببة أمامك ستنسى صراعات الحياة‪ .‬وفكرك الذي ال يتوقف عن‬

‫بيروت قبل ‪ 163‬سنة‬

‫تقريبا صيدلية كاملة لبيروت‪،‬‬ ‫ومركبا من األفيون)‪ ،‬ويشكالن‬ ‫مشهورا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ويبدو أن الصحة العامة رغم المعاناة تحسنت نتيجة لذلك وال قلق من أي‬ ‫ألم مع التطور في مهنة الطب‪.‬‬ ‫أيضا‬ ‫ويشير فارلي إلى مستشفى لراهبات المحبة في بيروت‪ :‬لديهن ً‬ ‫مؤخرا مبنى‬ ‫مستشفى للمرضى الفقراء‪ ،‬فيه حمامات كبيرة‪ .‬كما أقمن‬ ‫ً‬ ‫كبيرا ً‬ ‫مخصصا لغرباء يصابون باألمراض أثناء وجودهم في بيروت‪،‬‬ ‫هادئا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫أبدا بغربتهم‪.‬‬ ‫وبفضل خدمة األ َخوات المتفانيات ال يشعرون ً‬ ‫كليا ‪‬بعد إقامة‬ ‫ويرى فارلي أن كثيرين يستعيدون نشاطهم وصحتهم ًّ‬ ‫قصيرة في هذا المناخ البهيج‪ ‬لكنه ينصح بالحذر و‪‬تجنُّ ب البرودة بعد‬ ‫ولبس الفانيال في جميع المواسم‪.‬‬ ‫ممارسة التمارين‪ْ ،‬‬


‫هدوء الطبيعة حولك‬ ‫العمل سيكف هنا عن رغبات الطموح التافه‪ُ ،‬ويدخل‬ ‫َ‬ ‫إلى روحك‪ ،‬وستشعر كم سطحيةٌ وقديمةٌ‬ ‫وغير مربحةٍ رغبات وتطلعات‬ ‫ُ‬ ‫عبثية تقودك إلى هذا السباق الشرس في الحياة‪ .‬ويكمل‪ :‬الهدف الذي‬ ‫كان يبدو لك ًّ‬ ‫مغطى بالزهور ويجذبك إلى بذل مجهود متواصل‪ ،‬يظهر‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫فخمة ستتالشى هنا وتصبح‬ ‫وذابال‪ ،‬والجائزة التي بدت لك‬ ‫عاريا‬ ‫لك هنا ً‬ ‫تافهة (‪ )...‬هنا‪ ،‬وأنت محاط بهذه المشاهد‪ ،‬يغيب العالم من قلبك‬ ‫وترى حضور اهلل في كل مكان‪ ،‬يخاطبك بجالل القمم على هذه الجبال‬ ‫المحملة بالعطور‬ ‫العظيمة المغطاة بالثلوج األبدية‪ ،‬وبالنسمات الناعمة‬ ‫ّ‬ ‫تأتي األصوات المنبعثة من أبواب الجنة‪ ...‬وإذا نظرت إلى األمر بشوق‪،‬‬ ‫وقارنت بين متع األرض وملذاتها‪ ،‬ستتذكر قول الشاعر إن ‪‬دقيقة واحدة‬ ‫في الجنة تساوي كل هذا‪.‬‬ ‫غابة الصنوبر‪ :‬أجمل نزهة في حياتي‬ ‫‪20‬‬ ‫نبيل شحادة‬

‫يذكر فارلي أن غابة الصنوبر في بيروت ُسميت باسم األمير فخر‬ ‫معتبرا إياها ‪‬المكان المفضل لِ تَ نَ ُّزه األوروبيين والسكان المحليين‪.‬‬ ‫الدين‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫مبتذ ًال‪ ،‬لذا يقصدها كبار‬ ‫مكانا‬ ‫أبدا‬ ‫ويضيف أن غابة الصنوبر لم تكن ً‬ ‫ممثلي ومندوبي الدول‪ ،‬وسيدات وآنسات كثيرات من األجانب‪ ،‬إضافة إلى‬ ‫أهالي المدينة يأتون اليها لتمضية الوقت واالستمتاع بطبيعتها ومناظرها‬ ‫ومناخها‪ .‬فـ ‪‬السكان اإلنكليز والفرنسيون يأتون على ظهور الخيول بعد‬ ‫الظهر إلى غابة الصنوبر التي تشبه تماما منتزه ‪‬روتن رو‪ ‬في لندن‪،‬‬ ‫وتأتي زوجة القنصل العام النمساوي على حمارها األبيض الجميل‪ ،‬وممثل‬ ‫قواص‪ ،‬ويأتي القنصل العام اإلنكليزي‪ ،‬مع ابنته‬ ‫روسيا وزوجته يسبقهما ّ‬ ‫اللطيفة‪ ،‬بأناقته الكاملة كمثال الرجل اإلنكليزي النموذجي‪ ،‬وبحكم رتبته‬ ‫عرف دون ظن أو تخمين‪.‬‬ ‫ومكانته ُي َ‬ ‫ّ‬ ‫يعلل فارلي اندفاع الناس إلى هذه الغابة بمختلف جنسياتهم ومراتبهم‬ ‫ومستوياتهم االجتماعية‪: :‬ال عجب أن يأتي الجميع إلى هذا المكان وهو‬ ‫أجمل نزهة مسائية رأيتها في حياتي‪ .‬هنا يمكنك أن ترى أكثر األشياء‬ ‫شارحا‪ :‬على مسافة بعيدة تبدو‬ ‫سحرا‪ .‬ويتبسط‬ ‫تنوعا‪ ،‬وأكثر المناظر‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫سلسلة تالل مذهبة بأشعة الشمس‪ ،‬ويبدو سطح البحر األزرق الداكن‬ ‫شفافً ا وكأنه سماء مقلوبة‪ ،‬وتبدو كتل الجبال بقممها البيضاء ذات الرؤوس‬ ‫الثلجية تشير إلى السماوات‪ ،‬جوانبها مغطاة بالغابات الكثيفة‪ ،‬وقربك‬ ‫يلتمع النهر ويتعرج بين مساحات طبيعية غنية متنوعة تنتشر فيها أكواخ‬ ‫نصف مدفونة في أشجار البرتقال وكروم العنب‪.‬‬


‫‪21‬‬

‫في كتاب «سنتان في سوريا»‬

‫صحيفة وأعمال مصرفية ُمربِحة‬ ‫وفي كتاب فارلي ْأن ‪‬في األول من كانون الثاني هذا العام (‪) 1858‬‬ ‫صدر أول عدد من أول صحيفة بالعربية في سوريا‪ :‬حديقة األخبار‪،‬‬ ‫محررها شاب ُيدعى خليل الخوري‪ ،‬من مواليد‬ ‫واضحا‪،‬‬ ‫نجاحا‬ ‫وحققت‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫بيروت‪ ،‬وله سمعة كبيرة كشاعر‪.‬‬ ‫ويكشف فارلي أهمية نالتها بيروت على المستوى االقتصادي‪ ،‬فيذكر‬ ‫شركة مصرفية إنكليزية‪ ،‬قد ال تكون مصرفً ا بل مجموعة مقرضين ُيدينون‬ ‫فرعا‬ ‫بفوائد محددة وضمانات معينة‪ :‬فتَ َحت شركة مصرفية إنكليزية ً‬ ‫بعد لمصرفين أو‬ ‫صغيرا ال يكفي احتياجات المدينة‪ .‬فثمة مجال واسع ُ‬ ‫ً‬ ‫ثالثة‪ .‬وعوض أن يتسببوا بالضرر في ما بينهم‪ ،‬يتسنى لهم بناء عالقات‬ ‫تؤمنها لهم إدارات مناسبة وماهرة‪.‬‬ ‫مثمرة ومتبادلة ّ‬ ‫وروج لدور بيروت‬ ‫وح َّث فارلي على االستثمار في القطاع المصرفي‪َّ ،‬‬ ‫َ‬ ‫الحقً‬ ‫كبيرا‪ :‬فيما ال تملك دمشق وحلب‬ ‫ا‬ ‫نمو‬ ‫ا‬ ‫سيشهد‬ ‫الذي‬ ‫المالي‬ ‫ً‬ ‫ًّ‬ ‫مؤسسات لخدمات مصرفية‪ ،‬إذا بإنشاء بنك إنكليزي في بيروت‪ ،‬مع فروع‬ ‫جدا‪ ،‬وتتحقَّ ق في الوقت نفسه فوائد‬ ‫له في المدن‪ ،‬سيحقق‬ ‫أرباحا كبيرة ً‬ ‫ً‬ ‫مهمة للتجارة والتبادل التجاري في البالد‪ .‬ويشرح في فقرات أخرى‬ ‫ُ‬ ‫‪‬معدل الفوائد على القروض‬ ‫تفاصيل األعمال المالية وطريقتها ونِ َس ِبها‪:‬‬ ‫سنويا‪ ،‬بينما في األسواق‬ ‫يوما تبلغ نحو ‪%16‬‬ ‫لمدة تشغيل نحو تسعين ً‬ ‫ًّ‬ ‫سنويا‪ ،‬مع‬ ‫يفرض الصرافون المحليون أو المصرفيون بين ‪ %24‬و‪%36‬‬ ‫ًّ‬ ‫ضمانات من األراضي أو المنازل أو البضائع أو الحلى الذهبية‪.‬‬ ‫مهما‪ ،‬فيرى في المنطقة ثروات‬ ‫اقتصاديا‬ ‫موضوعا‬ ‫ويثير فارلي‬ ‫ً‬ ‫ًّ‬ ‫ًّ‬ ‫وماليا ًّ‬ ‫كبيرة متراكمة إنما غير منتجة‪ ،‬وال يملك السكان المحليون ثقافة االستثمار‬ ‫وتحقيق األرباح‪ّ ،‬‬ ‫ويعلق‪ :‬ثروات كبيرة متراكمة هنا في المدن‪ ،‬إنما الثروة‬

‫بيروت قبل ‪ 163‬سنة‬

‫وأثناء نزهته في تلك البقعة الساحرة من بيروت‪ ،‬يصف أنشطة يمارسها‬ ‫أهل المدينة وسكانها المحليون‪ :‬يمتلىء المشهد بلوحات غريبة ووقائع‬ ‫من الحياة الشرقية‪ :‬أتراك يدخنون غاليينهم أمام مقهى تحت شجرة‬ ‫َّ‬ ‫مظللة‪ ،‬أو يؤدون صالة المساء‪ ،‬وفرسان عرب يمارسون لعبة الجريد‬ ‫(رماح) على خيولهم في امتحان كفاءاتهم‪ ،‬ونساء على ظهور الخيول‪،‬‬ ‫محملة‬ ‫وجوههن مغطاة ُ‬ ‫الجمال ّ‬ ‫بح ُجب بيضاء‪ ،‬وبين األشجار تطل قوافل ِ‬ ‫ببضائع وفيرة‪ ،‬تتحرك متمايلة ببطء‪ .‬وفوق المشهد على األرض‪ ،‬مدى‬ ‫أزرق شاسع صاف‪ ،‬وجو نقي بهيج ورحيب‪.‬‬


‫ليست رأس مال‪ ،‬والذهب غير منتج بل ال قيمة له ألن جوهر الثروة يأتي‬ ‫من القدرة على تأمين االحتياجات وتلبية رغبات الناس ال من القدرة على‬ ‫ستخدم الثروة لغرض التكاثر تصبح مفيدة‬ ‫التراكم‪ .‬وهو يرى ْأن عندما تُ‬ ‫َ‬ ‫قدر كبير من الثروة لكن رأس المال قليل‪.‬‬ ‫رأس مال‪ ،‬و‪‬في سوريا ْ‬ ‫وتصبح َ‬ ‫بيروت األمن واألمان وسهرات رومنس َّية‬

‫‪22‬‬ ‫نبيل شحادة‬

‫يتطرق فارلي إلى األمان في بيروت منتصف القرن التاسع عشر‪:‬‬ ‫تماما في بيروت‪ ،‬فال ْقتل وال سطو وال غيرهما‬ ‫‪‬الحياة والممتلكات آمنة ً‬ ‫من جرائم مألوفة في مدن أوروبية‪ .‬تسافر في جميع أنحاء هذا الجزء من‬ ‫سوريا دون حماية ودون أن تتعرض ألي خطر أو مضايقة‪ .‬ويستشهد‪:‬‬ ‫‪‬التقيت سيدة شابة في فندق ‪ – Belle Vue‬رأس بيروت‪ .‬اسمها اآلنسة‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫أحيانا‬ ‫واضطرت‬ ‫واح من فلسطين وسوريا بمفردها‪،‬‬ ‫كوب‪ ،‬سافرت إلى نَ ٍ‬ ‫دائما‬ ‫إلى خدمات دليل سياحي‪ .‬والتقت مجموعات سياح استقبلوها‬ ‫ً‬ ‫نادرا ما ألتقي بأمثالهم ظرفً ا ولطفً ا ّ‬ ‫العا على‬ ‫واط ً‬ ‫بسرور‪ .‬وهي ممن ً‬ ‫سياحيا أوصى به القنصل‬ ‫مرشدا‬ ‫شؤون السفر‪ .‬استأجرت في بيروت‬ ‫ً‬ ‫ًّ‬ ‫اإلنكليزي‪ ،‬وقامت برحلة أسبوع إلى بعلبك‪ ،‬وكما في كل مكان القت الكثير‬ ‫من إشارات المجاملة واالحترام‪ .‬ويكمل من تجربته الشخصية كأجنبي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫منزال‬ ‫استأجرت‬ ‫سلوكا وأعرافً ا‪ :‬في صيف ‪1857‬‬ ‫وسط بيئة مغايرةٍ‬ ‫ُ‬ ‫يعيش ْ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫محاطا بأشجار التوت‪ ،‬على أطراف منطقة رملية تسمى‬ ‫منعزال‬ ‫صغيرا‬ ‫ً‬ ‫بعيدا عن أي مسكن أوروبي الطابع‪ .‬كان حصاني يبقى‬ ‫الصحراء الصغيرة‪ً ،‬‬ ‫ً‬ ‫مربوطا أمام البيت طول الليل في الهواء الطلق‪ ،‬ويؤوب خادمي عباس‬ ‫مساء إلى بيته وعائلته‪ ،‬فأنام بمفردي في أمان أكثر مما أكون عليه في‬ ‫ً‬ ‫ضواحي لندن‪ .‬بعدها صرف سائسه من الخدمة‪ :‬وبقيت بمفردي دون‬ ‫أي مخاوف‪ ،‬وفي أمان كامل‪ .‬وعن األمان واألمن في بيروت‪ :‬ذهبت على‬ ‫حصاني غير مرة تحت ضوء القمر من بيروت إلى نهر الكلب‪ ،‬ومن بيروت‬ ‫إلى الجبال حتى بيت مري‪ ،‬مع خوف وخطر ّ‬ ‫أقل مما لو كنت أسير في‬ ‫تسوق مشهور في لندن)‪.‬‬ ‫شارع ريجنت (شارع ّ‬ ‫ويحدث عن سهراته ولقاءاته‪ :‬بين أجمل ذكرياتي عن تلك النزهات‬ ‫الساحرة تحت النجوم‪ ،‬عودتي إلى المنزل بعد سهرة مع أصدقاء مضيافين‬ ‫حظيت بمعرفتهم‪ ...‬فمجتمع بيروت‪ ،‬مع أنه محدود‪ ،‬لطيف للغاية‪،‬‬ ‫والفرنسيون هنا كثيرون‪ ،‬ولسيداتهم أمسية كل أسبوع لحفالت االستقبال‪،‬‬ ‫ممتعا في الكالم والغناء والرقص‪ ،‬بينما المسنُّ ون يجدون في‬ ‫ويمر الوقت‬ ‫ً‬ ‫فيتنافس َن في الذكاء‬ ‫ورق اللعب تسلية صامتة رصينة‪ ...‬أما السيدات‬ ‫ْ‬


‫بيت بيروتي جميل وحديقة وأشجار برتقال‬

‫‪23‬‬

‫في كتاب «سنتان في سوريا»‬

‫راق وجميل ُأ ِع َّد‬ ‫عن وصوله إلى بيروت واستقراره في بيت بيروتي ٍ‬ ‫له مع زمالئه في العمل‪ :‬بيتنا هنا هو األعلى واألكثر بروزً ا في بيروت‪،‬‬ ‫عند مكان رائع‪ ،‬يمكن من نوافذه وعن سطحه المنبسط أن أرى المناظر‬ ‫الساحرة للبحر والجبل‪ ،‬وشرفته العليا تطل على المنازل األخرى في‬ ‫التعرف‬ ‫الحي‪ .‬وألن الباحات مفتوحة ومكشوفة على جميع الغرف‪ ،‬يمكن‬ ‫ُّ‬ ‫ّ‬ ‫على التنسيق الداخلي لبيوت السوريين‪.‬‬ ‫ويروي بعض ما يراه في بيوت جيرانه‪ ،‬مع أن هذا من المنكرات وسوء‬ ‫نتهك‪ :‬كنا نرى السيدات في بيوتهن‬ ‫األخالق‪ ،‬إذ للبيوت حرماتها التي ال تُ َ‬ ‫بدون حجاب‪ّ ،‬‬ ‫إال عند الخروج إلى الشوارع‪ .‬كان من جهة منزل مسلم‪ ،‬ومن‬ ‫جهة أخرى منزل مسيحي مكشوف بالكامل‪ ،‬وأمامنا منزل تاجر يوناني ثري‬ ‫كنا نرى بناته الجميالت يتمتعن بنسيم المساء البارد على الشرفة المسقوفة‪.‬‬ ‫مسن) فــ ‪‬يختلف عن َأ ّي بيت في‬ ‫أما بيته (كان يشغله رجل تركي‬ ‫ٌّ‬ ‫أوروبا‪ .‬ويصف أقسامه وغرفه والتصاميم الفنية والزركشات الملون‬ ‫في الجدران والسقوف‪ :‬هو وسط حديقة جميلة غنية بأشجار برتقال‬ ‫يمكنني قطف ثمارها الذهبية بمجرد مد يدي من نافذة غرفة الجلوس‪.‬‬ ‫وفي الحديقة حوض تسبح فيه سمكات ذهبية وأخرى فضية في هدوء‬ ‫أيضا‬ ‫وطمأنينة‪ ،‬وتتدفق اليه المياه من جدول دائم الجريان‪ .‬وفي الحديقة ً‬ ‫طيرا يحط‬ ‫غزاالن جميالن‪ ،‬وخنزير بري صغير ال يؤذي بل قد يلتهم ً‬ ‫ُ‬ ‫مقوس‪ ،‬ذو أدراج تؤدي إلى فناء كبير مفتوح‬ ‫قربه‪.‬‬ ‫المدخل ممر ضيق ّ‬ ‫مرصوف بالرخام‪ ،‬حوله غرف الجلوس الرئيسة‪ ،‬فوقها غرف النوم‪ .‬وعند‬ ‫الطرف الشمالي طابق آخر يتكون من غرفتين كبيرتين وراقيتين‪ .‬المطبخ‬ ‫وقسم الخدم في الطابق األرضي‪ ،‬وغرف الطابق األول مخصصة للسيدات‬

‫بيروت قبل ‪ 163‬سنة‬

‫والجمال واإلنجازات (يذكر األحرف األولى من بعض أسمائهن)‪ ،‬ومنهن من‬ ‫يملكن أصواتً ا ساحرة‪ ،‬ويفرضن االحترام بأخالقهن الجذابة وفضائلهن‬ ‫الوطنية‪ .‬وعدا الفرنسيين‪ ،‬يذكر فارلي أن ‪‬اإلنكليز هنا ليسوا كثيرين‪:‬‬ ‫القنصل العام وأسرته‪ ،‬ونائب القنصل وضابط متقاعد من رتبة عالية تزوج‬ ‫جدا في سوريا بنزاهته واستقامته في‬ ‫واستقر هنا‪ ،‬والسيد بالك المشهور ًّ‬ ‫وريدل المحافظين على الصفات الشريفة‬ ‫العمل التجاري‪ ،‬والسيدان هيلد ّ‬ ‫للتجار اإلنكليز باللباقة وحسن الضيافة‪ ،‬وثمة أربعة أو خمسة تجار آخرون‬ ‫مع أسرهم وموظفيهم‪ ،‬وسيدة تدير مدرسة تمهيدية لألطفال‪ ،‬وطبيب‬ ‫اسمه الدكتور سميث‪ ،‬يقيم في بيروت‪.‬‬


‫‪24‬‬ ‫نبيل شحادة‬

‫ومزينة بإتقان‪ .‬وكان زميلي في غرفة يستخدمها للرسم‪ ،‬عالية حتى نحو‬ ‫قدما‪ ،‬تطل نوافذها على جزء من الحديقة‪ ،‬ومن الجهة األخرى‬ ‫عشرين ً‬ ‫أيضا خزائن‪ ،‬وفي‬ ‫مزينة بنقوش جميلة من خشب األرز الذي منه ً‬ ‫جدران ّ‬ ‫الطرف الغربي مضجع‪ ،‬ويفصل الغرفة عن الجزء السفلي للبيت درابزين‬ ‫أنيق من خشب األرز المنحوت بإتقان‪ .‬إلى هذا المضجع ّ‬ ‫سلم يؤدي إلى‬ ‫شرفة تطل على الغرفة محمية بدرابزين‪ ،‬استخدمها شاغلوها السابقون‬ ‫نهارا‪ .‬وفي الطرف الشرقي من الغرفة شرفة مماثلة‬ ‫لتخزين فراشهم ً‬ ‫تتطابق مع األخرى إنما دون ساللم تؤدي إليها‪ .‬والعوارض المكشوفة‬ ‫أيضا من خشب األرز كبقية الخشبيات في الغرف‬ ‫لهذه الغرفة‪ ،‬مصنوعة ً‬ ‫األخرى‪ .‬غرفة الجلوس أكثر قسم مريح‪ .‬على جدرانها رسوم ورود‪ ،‬تطل‬ ‫نوافذها على الحديقة‪ ،‬وإلى اليسار مضجع كالذي في الغرفة األخرى‬ ‫حجما‪ ،‬نقوشه الخشبية مطلية باأللوان وليست من خشب‬ ‫إنما أصغر‬ ‫ً‬ ‫األرز‪ .‬على الجانب الغربي تطل النوافذ على الحديقة‪ ،‬وعلى الجانب‬ ‫مزودة بخزائن‪ ،‬تفصل بين نوافذها رسوم جميلة لزهور‬ ‫اآلخر جدران ّ‬ ‫كأنها طبيعية‪ .‬وفي السقف رسوم ورود وزهور‪ ،‬وحول الغرفة وبمحاذاة‬ ‫إفريزها آيات من القرآن بالعربية‪ .‬لكن األكثر بهجة في البيت‪ :‬ديوان في‬ ‫الطرف الشمالي له نوافذ ُّ‬ ‫وشرقيها على البحر‬ ‫غربيها على الحديقة‪،‬‬ ‫يطل‬ ‫ُّ‬ ‫ُّ‬ ‫معا‪ُ .‬ز ّينت جدران هذه الغرفة من جميع النواحي بأعمال خشبية‬ ‫والجبال ً‬ ‫ّ‬ ‫تشكل كوى مطلية بذوق‪ ،‬تضع فيها السيدات األدوات الزجاجية واألكواب‬ ‫اتكاء على الطريقة‬ ‫الفضية وغيرها من التحف المتنوعة‪ .‬تعلمت الجلوس‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫التركية‪ِّ ،‬‬ ‫مفتكرا بمسافة‬ ‫متأمال المشهد الجميل أمامي‪،‬‬ ‫مدخنً ا النرجيلة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫متخي ًال يوم أرى حولي وجوههم السعيدة‪ .‬وإلى جانب‬ ‫تفصلني عن أحبتي‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫الديوان غرفة صغيرة يستخدمها زميلي للدراسة‪ ،‬وأخرى للطعام في‬ ‫يحضر الخادم‬ ‫الطقس البارد‪ ،‬ومقابل الفناء الخارجي غرفة المؤن وفيها‬ ‫ّ‬ ‫القهوة‪ .‬غرف النوم كبيرة وواسعة‪ُ ،‬‬ ‫أبلغها على درج خارجي يكمل إلى شرفة‬ ‫مفتوحة أتسلق منها إلى السطح وهو أعلى سقف للمنزل‪ .‬ويحيط بهذه‬ ‫الشرفة درابزينات قوية من الخشب المطلي باألخضر‪ ،‬تُ شرف على منظر‬ ‫اتساعا‪ .‬إلى الغرب منطقة ْرأس بيروت هادئة وسط الرمال‪ ،‬إلى‬ ‫أكثر‬ ‫ً‬ ‫متالزة‬ ‫الشرق يرتفع جبل لبنان بعظمة مهيبة‪ ،‬إلى الجنوب مجموعة بيوت‬ ‫ّ‬ ‫بيضاء الجدران وسط بساتين التوت والحدائق‪ ،‬تمتد إلى مسافة بعيدة‬ ‫بسكون سفن‬ ‫حتى غابة الصنوبر‪ .‬وأمامي ينام البحر األبيض تنتشر فيه‬ ‫ٍ‬ ‫شراعية وبخارية‪ ،‬تتصاعد من بعضها َألْ سنةُ البخار فتبدو كأنها بقع سوداء‬ ‫على امتداد األزرق الواسع‪.‬‬


‫رأْس بيروت وكياسة البيارتة وشمس الغروب‬

‫بيروت قبل ‪ 163‬سنة‬

‫زوجان بيروتيان في لباسهما التقليدي‬

‫‪25‬‬

‫في كتاب «سنتان في سوريا»‬

‫ويتبسط فارلي في مشاهداته على طول شاطئ ْرأس بيروت‪ :‬كل‬ ‫شيء هنا يتناقض وما اعتدناه في أوروبا‪ :‬موارنة وأرمن ودروز وأتراك‬ ‫ويونان وعرب وبدو متجولون بأزيائهم الجميلة وعيونهم الرجراجة‪ .‬صور‬ ‫وسط األسواق‪ ،‬في‬ ‫غريبة وروايات عن الحياة في الشرق تطالعني ً‬ ‫يوميا ْ‬ ‫مشهد متغير دائم‪ .‬التباين األكبر هنا هو في المناخ‪ :‬فيما أيلول لندن‬ ‫وج ٌّو‬ ‫رطوبة وضباب وأبخرة خانقة نحاسية‪ ،‬أيلول بيروت سماء زرقاء َ‬ ‫صاف وأشعة شمس ساطعة‪ .‬هنا تتنوع عوامل الجذب‪ ،‬لكن أهمها سحرها‬ ‫ٍ‬ ‫العظيم‪ :‬الشمس التي لن ترى مثلها إذا لم تزر الشرق‪ .‬هنا تنعكس على‬ ‫كل شيء وتشعر بها ويمتلئ بها قلبك‪ .‬أما العتمة فكما شفق الفجر في أي‬ ‫ً‬ ‫إشراقا‬ ‫تتغير‪ ،‬وكل شعور وتفكير يصبحان أكثر‬ ‫مكان آخر‪ .‬هنا أحاسيسك ّ‬ ‫سحر‬ ‫وبهجة‪.‬و كل اهتمام وقلق يحاصرانك يضمحالن من قلبك كما ْ‬ ‫يرفعك لتحلق فوق األرض وتتنفس هواء الجنان‪ .‬ومن األمور المحببة هنا‪:‬‬ ‫غربي المدينة‪ ،‬على طول شاطئ البحر‪ ،‬حيث رأس بيروت‪.‬‬ ‫المشي صوب‬ ‫ّ‬ ‫عند مرورك بالمقاهي المختلفة‪ ،‬ترى أزياء الناس الخالبة وتراقب كياسة‬ ‫سلوكهم يحتسون قهوتهم ويدخنون تبغً ا ذا رائحة عطرة منتَ ًجا في جبيل‪.‬‬ ‫خارجا على العشب‪،‬‬ ‫منهم من يبقى داخل المقهى‪ ،‬ومنهم من يضطجع‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫المطلة‬ ‫أو يجلس عند الصخور‬ ‫على البحر‪ .‬مجموعات طريفة في‬ ‫كل المكان ذات تنوع وجمال‪ .‬بعد‬ ‫مرورا بمقبرة‬ ‫القنصلية الفرنسية‪،‬‬ ‫ً‬ ‫للمسلمين إلى جهة اليمين‪ ،‬حوض‬ ‫بناء السفن‪ ،‬يعمل فيه خبراء في‬ ‫صناعة السفن المزدهرة هنا‪،‬‬ ‫وتزود بيروت التجارة البحرية‬ ‫ّ‬ ‫بسفنها‪ .‬فالبحارة يرون السفينة‬ ‫‪‬عروس البحر‪ ‬ويجب أن تنتقل‬ ‫إلى ذراعي البحر نقية وطاهرة‪ ،‬لذا‬ ‫عندما يكتمل صنع السفينة وتصبح‬ ‫ً‬ ‫ليال‬ ‫جاهزة لالنطالق‪ ،‬يراقبونها‬ ‫نهارا كي ّ‬ ‫يسلموها نقية بال عيب‬ ‫ً‬ ‫إلى عريسها القوي‪ :‬البحر‪ .‬وفي‬ ‫االتجاه ذاته المقبرة الفرنسية‪ ،‬بينها‬


‫‪26‬‬ ‫نبيل شحادة‬

‫لشيخ‪ ،‬قربه‬ ‫وبين البحر قبر قديم‬ ‫ٍ‬ ‫شجرة عليها قنديل يحرس القبر‬ ‫بنوره المرتجف‪ .‬وإلى األمام ميناء‬ ‫طبيعي صغير محمي بالصخور‪،‬‬ ‫يحمي فيه البحارة العرب مراكبهم‬ ‫في الطقس العاصف‪ .‬وعند زاوية‬ ‫الشاطئ مقهى ‪ ،De Belle Vue‬يمكن‬ ‫منه التمتع بأكثر المناظر الممتعة‬ ‫للمدينة والجبال‪ .‬فليس عند الغروب‬ ‫يتفوق على جمال المنظر‪ :‬إلى‬ ‫ما ّ‬ ‫الغرب تصبح السماء صفيحة من‬ ‫ِّ‬ ‫تسلط بريقها‬ ‫الذهب المصقول‪،‬‬ ‫على مياه البحر إلى مسافة أميال‬ ‫فتعكسها كالمرآة‪ .‬إلى الشرق‪ ،‬ترمي‬ ‫الشمس الهابطة بعض شعاع ضوئها‬ ‫على بيوت بيروت البيضاء وخلفها سيدة بيروتية نهاية القرن التاسع عشر‬ ‫الجبال تتغير ألوانها باستمرار‪ ،‬تارة‬ ‫خضراء زاهية وأخرى أرجوانية‪ ،‬وفي لحظة واحدة تظهر الوديان العميقة‬ ‫عبر الظالل الغامضة‪ ،‬وتنتصب األديرة من تضاريس واضحة في صورة ال‬ ‫يمكن أن يتصورها رسام‪.‬‬ ‫الحمام‬ ‫الروشة‪ ..‬جزيرة َ‬ ‫متلويا يردي‬ ‫ومرورا بفندق ‪ Hôtel de Belle Vue‬يستمر المسار ضيقً ا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫إلى شاطئ صخري حيث الفاخورة (بئر مياه عذبة) لتصبح المنطقة أوسع‬ ‫ّ‬ ‫رائعا حتى أقصى نقطة في الممر الصخري‪ .‬في هذا‬ ‫فتشكل‬ ‫َّ‬ ‫متنز ًها ً‬ ‫الجزء من الشاطئ أماكن قليلة للسباحة بسبب طبيعته الصخرية ووجود‬ ‫أسماك القرش‪ .‬إنما بعد اجتياز مصنع الفخار تنزل األرض المرتفعة إلى‬ ‫رائعا للسباحة ّ‬ ‫حافة الماء‪ ،‬وقد تجد ً‬ ‫شكلته الطبيعة وأحاطته‬ ‫مكانا‬ ‫صغيرا ً‬ ‫ً‬ ‫بصخور مرتفعة تبعد عنك أنظار الفضوليين ويحميه رصيف صخور متجه‬ ‫نحو البحر تتكسر عليه األمواج وتمأل الحوض الطبيعي الصغي مع الحفاظ‬ ‫على مسافة مقبولة من الزائرين الفضوليين‪ .‬وهو حوض صغير عميق لكنه‬ ‫غالبا أستمتع برفاهية حمام الصباح‪ .‬في‬ ‫صاف يمكن رؤية قاعه‪ ،‬وفيه ً‬ ‫أقصى راس بيروت يرتفع الجرف مائتي قدم فوق مستوى البحر‪ .‬وعلى نحو‬


‫بيروت قبل ‪ 163‬سنة‬

‫قدما تبرز صخرة ضخمة‪ ،‬تسمى ‪‬جزيرة الحمام‪ ‬ترتفع قمتها‬ ‫خمسين ً‬ ‫قدما‬ ‫الهائلة في عظمة موحشة‪ ،‬يخترقها كهف طبيعي واسع بارتفاع ثالثين ً‬ ‫ً‬ ‫جدا‪،‬‬ ‫على األقل‪ ،‬تندفع فيه األمواج‬ ‫أحيانا بعنف صاخب‪ .‬وهو مكان جميل ًّ‬ ‫غالبا ما أمشي هنا‬ ‫الهادئة‪.‬‬ ‫وعظمته‬ ‫بهائه‬ ‫في‬ ‫خاصة عندما تغرب الشمس‬ ‫ً‬ ‫مع زميلي في العمل والسفر إلى الهند‪ ،‬فنجلس على الجرف ننظر باتجاه‬ ‫قصصا عن حوادث‬ ‫مدينتَ ي صيدا وصور التاريخيتين‪ ،‬وأصغي إليه يروي‬ ‫ً‬ ‫من حياة المخيم في الهند‪ .‬يتنوع التنزه بشكل ممتع خالل العودة إلى البيت‬ ‫عبر الرمال والممرات المتعرجة‪ ،‬ثم الخروج عند سفح التل أسفل الثكنات‪،‬‬ ‫ودخول المدينة عن طريق البوابة قبالة القنصلية اإلنكليزية‪.‬‬

‫‪27‬‬

‫بسول‬ ‫الكتاب وفندق ُّ‬ ‫بيروت السياحة‪ :‬نادي ِ‬

‫استعرض فارلي معلومات إضافية عن تكاليف الحياة في بيروت‪ ،‬الفتً ا‬ ‫أبناء بالده إلى جاذبية المدينة وإمكان العيش فيها والعمل في التجارة‪.‬‬ ‫فيروي ْأن في تشرين األول ‪ُ 1856‬أ َ‬ ‫للكتاب بدعم من مقيمين‬ ‫نشئ ناد ِ‬ ‫إنكليز وآخرين فرنسيين‪ ،‬فيه منشورات وكتب باللغات األجنبية‪ :‬تصل‬ ‫بانتظام من لندن مجالت شهرية رئيسة ونشرات فصلية‪ .‬وعندما تتوفر‬ ‫األموال يحق لكل عضو طلب أي كتاب جديد إلضافته إلى المكتبة‪ ،‬شرط‬ ‫َّ‬ ‫أال تتجاوز كلفته نصف جنيه‪ .‬وعندما يقرأ المشتركون في النادي جميع‬ ‫ُّ‬ ‫بمزاد تذهب عائداته إلى صندوق االشتراك‬ ‫التخلص منها‬ ‫الكتب‪ ،‬يتم‬ ‫ٍ‬ ‫لشراء كتب جديدة‪.‬‬

‫في كتاب «سنتان في سوريا»‬

‫الكاتدراي ٔية المارونية على شارع االٔمير بشير‬ ‫في وسط بيروت نهاية القرن التاسع عشر‬


‫‪28‬‬ ‫نبيل شحادة‬

‫وينتقل إلى حديث الفنادق في بيروت‪ ،‬وهو موضوع يهم كل مسافر أو‬ ‫رحالة‪ :‬كالهما اسمه ‪ ،Hôtel de Belle Vue‬األول داخل المدينة يرتاده‬ ‫عموما‪ ،‬واآلخر غير بعيد على شاطئ رأس بيروت يملكه نقوال‬ ‫الفرنسيون‬ ‫ً‬ ‫بسول‪ ،‬مواطن محترم ويفخر بالدعم الذي يتلقاه من َ‬ ‫األميركين واإلنكليز‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫مترجما مع الروائي والرحالة اإليرلندي إليوت‬ ‫كان‬ ‫إذ‬ ‫اإلنكليزية‬ ‫يتقن‬ ‫وهو‬ ‫ً‬ ‫واربيتون‪ .‬وهذا الفندق هو األفضل واألنظف في سوريا‪ ،‬برغم وسائل‬ ‫راحة اعتاد عليها المسافر اإلنكليزي‪ .‬رسوم اإلقامة فيه ‪ 10‬فرنكات في‬ ‫اليوم‪ ،‬تشمل كل شيء عدا النبيذ‪ .‬ويمكن إجراء ترتيبات لإلقامة الشهرية‬ ‫برسوم أقل‪ .‬موقع الفندق جميل‪ ،‬يطل مباشرة على البحر‪ .‬ومن شرفته إلى‬ ‫بعيدا عن مشهد المدينة وخليج سان جورج‪ ،‬منظر يفوق السحر‬ ‫اليمين‪ً ،‬‬ ‫ً‬ ‫مثيال‪.‬‬ ‫لم َأر له‬ ‫ومن جمال إطاللة الفندق يذكر فارلي إيجارات البيوت في بيروت‪:‬‬ ‫سنويا ويمكن بسهولة شراء‬ ‫‪‬تتراوح من ثالثة آالف إلى ستة آالف قرش‬ ‫ً‬ ‫وأمنت له األثاث‪ ،‬يمكن‬ ‫بيتا‬ ‫أثاث من النوع العادي‪ .‬ومتى استأجرت‬ ‫ّ‬ ‫توظيف من يخدم‪ .‬فأجور الخدم هي للطاهي الجيد ‪ً 250‬‬ ‫قرشا في الشهر‪،‬‬ ‫وللسائس – والمصريون هم األفضل – ‪ً 150‬‬ ‫شهريا‪ .‬وألن فارلي‬ ‫قرشا‬ ‫ً‬ ‫يتوجه بكتابه إلى طبقة اجتماعية متطلباتها مختلفة يوصي عائالت تود‬ ‫اإلقامة في بيروت بإحضار الطاهي‬ ‫وخادمة المنزل من بالدها‪ .‬وبعد‬ ‫البيت واألثاث والخدم‪ ،‬يذكر وسيلة‬ ‫النقل‪ :‬يمكن شراء حصان جيد‬ ‫بما بين ‪ 1000‬و‪ 1500‬قرش‪ ،‬فيما‬ ‫تكلفة حصان واحد في اصطبالت‬ ‫ً‬ ‫قرشا في‬ ‫بيترليني هي ‪250‬‬ ‫جدا‬ ‫الشهر‪ .‬وألن الشعير رخيص ً‬ ‫هنا‪ُ ،‬يمكن االحتفاظ بخيلين في‬ ‫اصطبل واحد مقابل ‪ 300‬قرش‬ ‫شهريا‪ ،‬وبينما استئجار حصان‬ ‫ً‬ ‫واحد من بيترليني يكلف وحده‬ ‫‪ 300‬قرش في الشهر‪ ،‬أو ‪ً 15‬‬ ‫قرشا‬ ‫في اليوم‪.‬‬ ‫يتضح من عرض فارلي أن‬ ‫الحياة سهلة لمن يرغب في السكن‬ ‫في بيروت‪ ،‬فيوضح‪ :‬ضروريات السقا في بيروت نحو ‪1890‬‬


‫الحياة رخيصة في سوريا‪ .‬والعائالت المتوسطة ال ترحل إلى بيروت‪ ،‬وهي‬ ‫فئة موجودة بكثرة‪ ،‬وبما بين ‪ 4000‬أو ‪ 5000‬جنيه يمكن أن تقضي حياتها‬ ‫هنا ً‬ ‫بدال من محاولة عبثية لتلبية حاجاتها وإضاعة طاقاتها في صراع‬ ‫غير مثمر لمواكبة المظاهر في إنكلترا‪ ...‬في سوريا قد ال يعيش هؤالء‬ ‫األشخاص بسهولة وراحة فحسب‪ ،‬بل يوفرون مبالغ كبيرة كل عام‪.‬‬

‫‪29‬‬

‫في كتاب «سنتان في سوريا»‬

‫عاين فارلي مجموعة طقوس في بيروت‪ ،‬منها مراسم عرس‪ :‬مثيرةٌ‬ ‫تقريبا‪.‬‬ ‫اهتمام شخص غريب يراها مختلفة عن عادات الناس في كل شيء‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫أياما في منزل‬ ‫وهو رافق صديقً ا إلى أمسية سبقت احتفاالت زفاف تستمر ً‬ ‫ذكورا ً‬ ‫وإناثا‪،‬‬ ‫األب‪ :‬دخلنا فإذا الغرف مزدحمة بأقارب العريس والعروس ً‬ ‫وإلى الجدران أرائك خفيضة (تعرف بـ ‪‬الديوان‪ )‬جلس عليها الضيوف‪.‬‬ ‫جلست العروس فقادونا‬ ‫وعلى أريكة مرتفعة في أقصى الطرف قبالة الباب َ‬ ‫للجلوس على مقعد بجانبها‪ .‬ويشرح فارلي طريقة تحية الحاضرين عند‬ ‫المرور بينهم‪ :‬فيما نقترب من مكان جلوسنا كنا نحيي الحاضرين بوضع‬ ‫اليد اليمنى على القلب‪ ،‬ثم على الشفتين فالجبهة‪ .‬أما العروس فال‬ ‫يسمح لها بالكالم واألكل خالل االحتفاالت‪ :‬حتى بعد الزواج ُيفرض‬ ‫على العروس صمت لمدة شهر‪ ،‬وقد يتساهل البعض فيسمح لها بالتحدث‬ ‫الخدم يقدمون الحلويات والفواكه مع‬ ‫إلى زوجها من حين آلخر‪ .‬وكان‬ ‫َ‬ ‫تقليديا‬ ‫عاما‪ ،‬ترتدي ًّزيا‬ ‫القهوة‪ .‬والعروس كانت جميلة ذات أربعة عشر ً‬ ‫ًّ‬ ‫مزينً ا باأللماس‬ ‫من سترة مخملية مزركشة بالذهب الوفير‪ ،‬وكان شعرها ّ‬ ‫واألحجار الكريمة والزهور الطبيعية‪ .‬وفيما كان الضيوف الهين بالرقص‬ ‫والغناء‪ ،‬جلست العروس‪ ،‬رأسها مائل وعيناها ثابتان في األرض‪ .‬وكان‬ ‫عزف للموسيقى على آلة وترية تنتج أصواتً ا كالقيثارة (ربما يقصد العود)‪،‬‬ ‫وكان الموسيقيون يجلسون في زاوية‪ ،‬بينما يستمر الضيوف بالتصفيق‬ ‫والغناء كأنهم فرقة واحدة‪ .‬ووصف كيف النساء كن يعزفن من وقت آلخر‬ ‫جدا وجامحة للغاية‪ ،‬على موسيقى‬ ‫على مزامير‪ ،‬بطريقة ‪‬بدت لي غريبة ً‬ ‫همجية وفيما الرجال يرقصون بطريقة بارعة ورشيقة‪ ،‬والنساء يتناوبن‬ ‫مستأجرات لتأدية الرقص وإطالق الزغاريد‬ ‫تبين لي أنهن‬ ‫َ‬ ‫على الرقص‪ّ ،‬‬ ‫فيما الموسيقى صاخبة وسط جوقة المغنين والتصفيق وعزف النساء على‬ ‫المزامير ولمعان الذهب واأللماس وسط دخان كثيف يتصاعد من الغاليين‬ ‫واالراكيل‪ ،‬ما جعلني أتخيل أنني في حفلة ترفيه من قصص ‪‬ألف ليلة‬ ‫وليلة‪ ‬العربية‪.‬‬

‫بيروت قبل ‪ 163‬سنة‬

‫عرس في بيروت‪ :‬عروس بنت ‪14‬‬


‫وعدا صخب االحتفال يسرد فارلي طقوس الزواج إذ تسبقه خطبة‬ ‫ستة أشهر ملزمة للطرفين‪ .‬ليس للفتاة رأي في هذا األمر‪ ،‬وإذا رغب‬ ‫أحد الطرفين في إنهاء الخطبة‪ ،‬يدفع مبلغً ا يسمى المهر‪ .‬ويتابع فارلي‬ ‫انتقال العروس إلى بيت زوجها‪ ،‬وهو يوم يحظى بأهمية كبيرة‪ ،‬يصاحبه‬ ‫كليا بحجاب من الشاش‬ ‫ضجيج كبير‬ ‫وشكليات كثيرة‪ :‬العروس مغطاة ًّ‬ ‫ّ‬ ‫األحمر‪ ،‬يسبقها موكب كبير يتقدمه رجال يحملون على خيولهم مهرها‬ ‫ً‬ ‫أحيانا في‬ ‫وأمتعة متنوعة‪ ،‬وآخرون يتباهون بعصي بيضاء طويلة‪ ،‬يتبارون‬ ‫معركة وهمية‪ ،‬بينما يؤدي مهرج في الموكب حركات ّ‬ ‫تسلي الحاضرين‬ ‫والمارة‪ .‬ويروي فارلي أن هذه المواكب تتحرك عادة في المساء فتتوهج‬ ‫مشاعل نحاسية مشتعلة بقطن منقوع بالزيت‪ ،‬وتصدح أصوات الطبول‬ ‫والصنوج وزغاريد النساء‪ ،‬فيما العروس تمشي تحت مظلة يحملها أربعة‬ ‫رجال‪ ،‬ترافقها فتيات عازبات إلى بيت زوجها‪.‬‬ ‫‪30‬‬

‫نساء حرائر كما في أوروبا بل أكثر سعادة‬

‫نبيل شحادة‬

‫ويتوقف فارلي عند أوضاع النساء في الشرق آنذاك‪ :‬يخطئ من يظن‬ ‫مقيدات الحرية‪ .‬على‬ ‫أن النساء في الشرق يتعرضن لمعاملة سيئة أو انهن ّ‬ ‫العكس‪ :‬هن حرائر في منازلهن كسيدات أوروبا‪ ،‬بل ُه َّن أكثر سعادة‪.‬‬ ‫يضر بالصحة والسعادة‪ ،‬ويصبح‬ ‫غالبا‬ ‫ويفاجئ برأيه أن ‪‬تعليم اإلناث‬ ‫ً‬ ‫ُّ‬ ‫بعيدا عن كل ما هو مفيد‪ ،‬ما يجعلهن ينسين‬ ‫هدفهن إنجازات سطحية ً‬ ‫الواقع ويهملن كل ما هو أساسي‪ ،‬وال ينظرن إال إلى المظاهر والتصنّ ع‬ ‫والزيف‪ ،‬فيعشن لآلخرين ال ألزواجهن وأطفالهن‪ ...‬صحيح أن عقيدة‬ ‫وأن على الزوجات‬ ‫تفوق الرجل على المرأة بهبة من اهلل‪َّ ،‬‬ ‫اإلسالم تعلن ّ‬ ‫الطاعة والمحافظة على أسرار أزواجهن‪ ،‬لكن سلطة الزوج ليست مطلقة‪،‬‬ ‫حدودا لها لضمان سالم األسرة‪ .‬وشرح فارلي ذلك بما‬ ‫إذ وضع النبي‬ ‫ً‬ ‫﴿ و ِإ ْن ِخفْ ُت ْم‬ ‫ُيفهم من نصه اإلنكليزي أنه يعني ما فهمه من اآلية الكريمة‪َ :‬‬ ‫الحا‬ ‫ِشقَ َاق َب ْينِ ِه َما فَ ْاب َع ُثوا َح َك ًما ِم ْن َأ ْهلِ هِ َو َح َك ًما ِم ْن َأ ْهلِ َها ِإ ْن ُي ِر َيدا ِإ ْص ً‬ ‫الل ُه َب ْينَ ُه َما ِإ َّن َّ‬ ‫ُي َوفِّ ِق َّ‬ ‫الل َه َك َان َعلِ ًيما َخ ِب ًيرا ﴾ (اآلية ‪ 35‬من سورة النساء)‪.‬‬ ‫ثم يسرد فارلي الطالق وحدوده وتبعاته وأنه إحدى سلطات الرجل‪ ،‬وال‬ ‫جدا‪ِّ ،‬‬ ‫معلقً ا على تعدد الزوجات واصفً ا إياه بــ ‪‬شر‬ ‫ينكر أن حاالته نادرة ًّ‬ ‫دائما بزوجة واحدة‪.‬‬ ‫اجتماعي عظيم‪‬‬ ‫مشيرا إلى أن اإلسالم ينصح ً‬ ‫ً‬


‫عيد الفطر في بيروت‪ :‬ثالثة أيام من الفرح‬

‫مرورا بالمقهى في الساحة‬ ‫وصف نزهة في شوارع بيروت‪،‬‬ ‫في الكتاب‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫الكبيرة قبالة بوابة يعقوب‪ :‬حشد متسكعين يشربون القهوة ويدخنون‪.‬‬ ‫منهم تحت مظلة‪ ،‬ومنهم يجلسون على مقاعد خشبية صغيرة وسط‬ ‫الرمال‪ ،‬خيولهم بجانبهم أو مقيدة على مسافة منهم‪ ،‬واألوالد يتدحرجون‬ ‫على الرمال‪ ،‬قافلة إبل محملة بسلع مختلفة تتجه إلى األسواق‪ ،‬أو بقطع‬ ‫خشبية ضخمة تنقلها إلى حوض السفن‪ .‬الحمير والبغال‪ ،‬وسيلة النقل‬ ‫محملة بحجارة للبناء‪ ...‬عند أعلى التل ثكنات‪ ،‬وهو أفضل‬ ‫في الشرق‪،‬‬ ‫ّ‬

‫بيروت قبل ‪ 163‬سنة‬

‫نزهة في شوارع بيروت‬

‫‪31‬‬

‫في كتاب «سنتان في سوريا»‬

‫ً‬ ‫بدءا من عيد الفطر‪،‬‬ ‫خصص فارلي‬ ‫فصال الحتفاالت في بيروت ً‬ ‫ذاكرا أن المدينة في هذا العيد تكون لثالثة أيام مليئة بالحيوية‪ :‬مآذن‬ ‫ً‬ ‫المساجد تضيئها األنوار ً‬ ‫ليال‪ ،‬طلقات المفرقعات النارية تطلق في كل‬ ‫لحظة في الهواء‪ ،‬وطلقات األسلحة النارية تختلط بأصوات الطبول‬ ‫وهتافات الناس‪ ،‬تمتلئ المقاهي‪ ،‬وفي بعضها حكواتيون يروون للحضور‬ ‫قصصا من ‪‬ألف ليلة وليلة‪ ‬فيما يقومون ويقعدون ممثلين روايتهم‬ ‫ً‬ ‫بإيماءات مناسبة وطبقات صوتية مختلفة‪ .‬وفي مكان آخر يمر رجال‬ ‫شبه عراة يسترون عوراتهم‪ ،‬وأجسامهم مدهونة بالزيت للتفاخر بالقوة‪.‬‬ ‫بعضا‬ ‫ال مكان للبراعة هنا بل محاوالت مضحكة ومستمرة لرمي بعضهم ً‬ ‫على األرض‪ ،‬ومن ثم التنافس في شد الحبل‪ ،‬ويحصل الفائز على‬ ‫تبرعات نقدية من المتفرجين‪ .‬ويسرد فارلي احتفالين أوروبيين مهمين‬ ‫ونادرين في المدينة‪ :‬األول في مأدبة يستقبل بها القنصل اإلنكليزي‬ ‫مواطنيه المقيمين اإلنكليز ‪‬ال يمكن وصف ما فيها من ذوق وأناقة‪،‬‬ ‫وضيافة حقيقية رشيقة وساحرة‪ ،‬واآلخر حفلة راقصة كبيرة أقامها‬ ‫ممثل األمبراطور الفرنسي في بيت القنصل الفرنسي دعا اليها ضباط‬ ‫ومساء‬ ‫الفرقاطة الفرنسية والميناء‪ ،‬في قاعة كبرى مألى باإلعالم‪،‬‬ ‫ً‬ ‫كليا‬ ‫عزفت فرقة السفينة موسيقى أوروبية‪ .‬كان بيت القنصل العام‬ ‫مضاء ًّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫أحيانا في الفناء لتسلية حشد‬ ‫بمصابيح متنوعة‪ ،‬واأللعاب النارية تُ طلق‬ ‫ورائعا‪.‬‬ ‫جامحا‬ ‫من العرب متجمعين في الخارج‪ ...‬مشهد ُيرى من الشرفة‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫في الداخل أزياء الضباط البحريين واألزياء المحلية للقائمقام (الحاكم‬ ‫المسيحي لجبل لبنان) وحاشيته‪ ،‬واأللبسة الرسمية الغنية والمتنوعة‬ ‫للقناصل‪ ،‬وجمال وأناقة مالبس النساء‪ ،‬وبريق ألماس ترتديه النساء‬ ‫السوريات‪ ،‬شكلت صورة للحياة الشرقية يندر رؤيتها‪.‬‬


‫‪32‬‬ ‫نبيل شحادة‬

‫موقع في بيروت ألجمل منظر يطل على المدينة وبعدها خليج سان جورج‬ ‫بعيدا حتى نهر الكلب‪.‬‬ ‫والرمال الصفراء الممتدة ً‬ ‫ومن النزهة في شوارع بيروت ينتقل فارلي إلى تمضية وقته بين‬ ‫ً‬ ‫سهلة إقامةٌ في بيروت لمن هو مولع باإلثارة‪،‬‬ ‫العمل والبيت‪ :‬ليست‬ ‫حين المسارح والحفالت الموسيقية والراقصة وما شابهها من أنشطة‬ ‫االستجمام ضرورية في حياته‪ .‬فهذه كلها غير موجودة هنا ّ‬ ‫عر ًضا‪.‬‬ ‫إال َ‬ ‫عموما عند الخامسة أو السادسة حين‬ ‫أسلوب حياتنا هنا بسيط‪ :‬نستيقظ‬ ‫ً‬ ‫ُيحضر لنا الخادم القهوة أو الشوكوالتة‪ .‬يفتح البنك في التاسعة‪ ،‬وعند‬ ‫منتصف النهار ال يعود عمل تجاري للتعامل‪ ،‬نتناول اإلفطار في الثانية‬ ‫عصرا‪ ،‬نذهب ساعة أو ساعتين إلى غابة‬ ‫عشرة‪ .‬يغلق البنك عند الرابعة‬ ‫ً‬ ‫الصنوبر‪ ،‬نعود عند الساعة السادسة والنصف لتناول العشاء في الفناء‬ ‫ومساء يزورنا تجار إنكليز أو فرنسيون‪ ،‬أو نزورهم في بيوتهم‪،‬‬ ‫المكشوف‪.‬‬ ‫ً‬ ‫مساء ليست باهظة ألن النرجيلة والقهوة هما المصروف‬ ‫وتكلفة الترفيه‬ ‫ً‬ ‫الوحيد‪ .‬ويتذكر فارلي سكنه في بيته ألول مرة حين اضطر إلى التصرف‬ ‫وفق عادات المدينة ودعوة الجيران القريبين والمهمين‪ :‬هنا قد تبقى‬ ‫ْ‬ ‫وفق آداب‬ ‫شهرا في بيتك‪ ،‬وجارك يتجاهل وجودك إذا لم تزره ْ‬ ‫اثني عشر ً‬ ‫اللياقة هنا‪ .‬ففي العادة يدعو الساكن الجديد جيرانَ ه إلى زيارته‪ ،‬فإذا ردوا‬ ‫بزيارة مماثلة‪ ،‬هذا يعني بدء عالقة جيدة‪ّ ،‬‬ ‫وإال فجارك غير مرتاح لك‬ ‫وال يرغب في معرفتك‪ ،‬ويتطلب األمر عناية ولباقة للقيام بهذه الزيارات‬ ‫كي ال تضر بمشاعر أحد‪ ،‬ألن الذين لم تشملهم قائمة الدعوة سيشعرون‬ ‫باإلهانة‪ .‬ويرى فارلي أن هذه الدعوات المتبادلة تمنح الوافدين الجدد‬ ‫فرصة المعرفة الشخصية مع اآلخرين من جهة‪ ،‬وتمنح السكان المحليين‬ ‫فرصة اختيار من سيواصلون عالقاتهم معهم‪.‬‬ ‫مع السالمة‬ ‫معتذرا ممن رافقوه في رحلته‬ ‫يختم فارلي كتابه بفصل ‪‬مع السالمة‪‬‬ ‫ً‬ ‫مضطر إلى مغادرة بيروت لمتابعة قضايا تتعلق‬ ‫إلى أماكن خالبة‪ ،‬فهو‬ ‫ٌّ‬ ‫وتاليا لن يمكنه بعدها أن يكون‬ ‫اسطنبول‪،‬‬ ‫في‬ ‫العثماني‬ ‫بوظيفته لدى البنك‬ ‫ً‬ ‫مرشدا لهم إذا زاروا هذه البالد وأرادوا مشاهدة ما فيها من روعة وجمال‪.‬‬ ‫ً‬


‫التاريخي‬ ‫تراثنا‬ ‫ّ‬

‫بيروت في ذاكرة نقوال زيادة‬

‫عرفت عنها كثير َ ما لم يُت َ ْح لغيري‬ ‫ُ‬ ‫نقوال زيادة‬

‫َي ِس ُم ُه العارفون الخبراء بــ ‪‬شيخ المؤرخين العرب‪ .‬سوى أنه‬ ‫يعلو على كل لقب ويتخطى الرتبة األكاديمية‪.‬‬ ‫متوهجا بها‬ ‫نقوال زيادة (‪ )2006–1907‬ذاكرة تاريخية نادرة‪ ،‬ظل‬ ‫ً‬ ‫حتى وهو يدنو إلى خطوتَ ين من المئة‪.‬‬ ‫جزءا بعناية ولديه رائد وباسم)‬ ‫وفي موسوعة أعماله الكاملة (‪ً 20‬‬ ‫مرجعا غير عادي من مؤرخ غير عادي‪.‬كما صدر‬ ‫ما يبقى لألجيال‬ ‫ً‬ ‫كتابه البيوغرافي ‪‬أيامي‪ ‬في جزءين كبيرين نسج فيهما سيرته‬ ‫بتفاصيل مذهلة الدقة والوثائق‪.‬‬ ‫‪‬مرايا التراث‪ ‬دخلت إلى ذاكرته الحية في الجزء السادس عشر‬ ‫‪‬لبنانيات‪ ‬من موسوعته‬ ‫الكاملة‪ ،‬وقطفت منه ذكريات‬ ‫عن لبنان منذ زيارته األولى‬ ‫مع صديقه درويش المقدادي‬ ‫(‪ )1961–1899‬حتى تقاعده‬ ‫من التدريس في الجامعة‬ ‫األميركية‪.‬‬

‫ً‬ ‫أستاذا في الجامعة األميركية‬

‫موسوعيين‬ ‫جزءين‬ ‫َّ‬ ‫سيرته الذاتية في َ‬


‫‪34‬‬

‫ألول مرة إلى سنة ‪.1925‬‬ ‫تعود صلتي بلبنان ّ‬ ‫قمت‪ ،‬مع أستاذي وصديقي درويش المقدادي‪ ،‬برحلة‬ ‫في تلك السنة ُ‬ ‫على القدمين َ‬ ‫بدأ ْت في صفد (شمال فلسطين) وانتهت بأنطاكية التي‬ ‫جزءا من سوريا‪.‬‬ ‫كانت‬ ‫ً‬ ‫رسميا يومها ً‬ ‫كان طريقُ نا على النحو التالي‪ :‬صفد‪ ،‬منطقة الحولة‪ ،‬بانياس‪َ ،‬ج َّباتا‬ ‫الزيت‪ ،‬قمة جبل ّ‬ ‫عماطور‪ ،‬بعقلين‪ ،‬دير‬ ‫الشيخ‪ِ ،‬ش ْبعا‪ ،‬صيدا‪ِ ،‬ج ّزين‪ّ ،‬‬ ‫القمر‪ ،‬بيروت (مع زيارة لجبيل)‪ ،‬صوفر‪ ،‬ضهور الشوير‪ ،‬صنين‪ ،‬العاقورة‪،‬‬ ‫َح ْصرون َوب ْزعون‪ ،‬األرز‪ ،‬طرابلس‪ ،‬تل كلخ‪ ،‬قلعة الحصن‪ ،‬صافيتا‪ ،‬جبلة‪،‬‬ ‫بحرا إلى أنطاكية‪ ،‬فالعودة من‬ ‫الالذقية (‪ 4‬أيام في جبال النُّ‬ ‫ّ‬ ‫صيرية) ثم ً‬ ‫ّ‬ ‫أنطاكية عن طريق حلب‪ ،‬حماة‪ ،‬حمص‪ ،‬بعلبك‪ ،‬زحلة‪ ،‬دمشق‪ ،‬القاهرة‬ ‫بالسيارة والقطار‪.‬‬ ‫َ‬ ‫وألن‬ ‫ألبين مدى ما تغلغلنا يومها‬ ‫داخل البالد‪ّ ،‬‬ ‫ذكرت محطات الطريق ّ‬ ‫التنقُّ ل كان على القدمين‪ ،‬كان التصاقُ نا أقوى باألرض وما فيها‪.‬‬

‫نقوال زيادة‬

‫‪ ...‬وبعد عشر سنوات‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ثانية من راشيا‪،‬‬ ‫وتسلقت جبل الشيخ‬ ‫ثانية سنة ‪.1935‬‬ ‫زرت لبنان‬ ‫وصعدت إلى القرنة السوداء (أو ظهر القضيب) أعلى نقطة من بالد الشام‬ ‫في شمال لبنان‪.‬‬ ‫ً‬ ‫منطبعة في ذهني‪ .‬فأنا ال أذكر شبعا‬ ‫هاتان الزيارتان ال تزال آثارهما‬ ‫ّ‬ ‫األيام) إال وأتذكر نزولنا‬ ‫كثيرا في هذه ّ‬ ‫أو أسمع باسمها (واالسم يسمع ً‬ ‫إليها ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫عامة‬ ‫معرفة‬ ‫الطريق‬ ‫ليال من قمة جبل الشيخ‪ .‬كان الدليل يعرف‬ ‫َ‬ ‫لكن تفاصيل الحجارة وما يحيط بنا ليست مما يدخل في‬ ‫ولم يخطئه‪ّ ،‬‬ ‫علمه‪ .‬لذا‪ ،‬لما وصلنا ً‬ ‫مكانا قبل شبعا‪ ،‬عوى كلب فاستشهد درويش بالبيت‬ ‫القائل‪:‬‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫الكلب فاستأنست بالكلب إذ عوى‬ ‫عوى‬ ‫وصــوت إنســان فكــدت أطيــر‪.‬‬

‫أتأمل العقود التي مرت على زيارتي الثانية لجبل الشيخ‪ ،‬ال أزال‬ ‫وإذ ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫الليلة المقمرة التي‬ ‫أذكر العتابا والميجانا والدلعونا التي غناها دليلنا تلك‬ ‫تسلقنا فيها الجبل نحو قمته‪.‬‬ ‫أماكن كثيرة من لبنان رأيتها بعد ذلك مرات‪ ،‬لكن تلك الهنيهات األولى‬ ‫ُ‬ ‫ال يزال منها ‪‬لقلبي تَ َلفُّ ت وخفْ ُق‪( ‬كما جاء في قصيدة أحمد شوقي‬ ‫أرق‪.)‬‬ ‫‪‬سالم من صبات بردى ُّ‬ ‫ٌ‬


‫في رحاب بيروت‬

‫أحب بيروت لمئة‬ ‫لذا أقول إن بيروت ولبنان واللبنانيين أعجوبةٌ ‪ ،‬وإني ّ‬ ‫أعد أكثر من عشرة أسباب‪.‬‬ ‫سبب وسبب‪ ،‬وإن كنت ال أستطيع أن ّ‬ ‫شيء‪ ،‬قد يأتي من أول‬ ‫مكان أو‬ ‫وعندي أن الحب‪ ،‬حب شخص أو‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫تحب)‬ ‫نظرة‪ ،‬لكنه إن لم ُيتَ ح له عنصر المعرفة الحقيقية (بمن تحب وما ُّ‬ ‫فإنه ُي َتلف بعد مدة‪ .‬قد ّ‬ ‫عنصرا‬ ‫يجمد فيفقد‬ ‫يتخثر‬ ‫ً‬ ‫ويحمض فيؤذي‪ ،‬وقد َ‬ ‫ّ‬ ‫أساسيا من وجوده‪ ،‬وقد ترتفع فيه درجة الحرارة عن المعرفة الحقيقية‬ ‫ً‬ ‫المتحابان إلى وضع ليس فيه ُّ‬ ‫تخثر وال جمود‬ ‫يصل‬ ‫وقد‬ ‫حرق‪،‬‬ ‫في‬ ‫المفقودة‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫وضع يتلخص في موقف العناد‪ .‬ومثل‬ ‫وال ارتفاع في درجة الحرارة لكنه ْ‬ ‫هذا الموقف ُيجهد ُويضني وتكون النتيجة الفناء‪ ،‬ال فناء المحب في‬ ‫والتشبت‬ ‫محبوبه على طريقة الصوفية بل الفناء الناتج عن جهد الخصومة‬ ‫ُّ‬ ‫(صحيحا كان الموقف أم خطأ) واإلعياء ثم االرتماء‪.‬‬ ‫بالموقف‬ ‫ً‬

‫ُ‬ ‫عرفت عنها كثير َ‬

‫بيروت األعجوبية‬

‫‪35‬‬

‫ما لم يُت َ ْح لغيري‬

‫سنة ‪ 1949‬التحقت بهيئة التدريس‬ ‫في دائرة التاريخ لدى الجامعة األميركية‬ ‫في بيروت‪ ،‬وظللت فيها حتى ‪1973‬‬ ‫غني عني بسبب بلوغي السن‬ ‫حين ُ‬ ‫است َ‬ ‫تستغن عني ولم‬ ‫القانونية‪ .‬لكن بيروت لم‬ ‫ِ‬ ‫ستغن عنها وال ألي سبب!‬ ‫َأ ِ‬ ‫َمن لم يعش في بيروت مدة تكفي‬ ‫والتأسف لما أصابها‬ ‫لالستمتاع بالمدينة‬ ‫ُّ‬ ‫ً‬ ‫منصرفا إلى التأليف‬ ‫متقاعدا من التدريس‬ ‫ً‬ ‫عمق المحبة‬ ‫في ما بعد‪ ،‬ال يمكنه أن يدرك ْ‬ ‫التي أشعر بها نحو هذه المدينة‪ .‬بيروت أعجوبة في دنيا العرب‪ ،‬كما‬ ‫أيضا‪ .‬ولن أحاول هنا تفسير هذه الظاهرة‪ ،‬ولن‬ ‫لبنان واللبنانيون أعجوبة ً‬ ‫أحس به إليماني باجتماع عناصر‬ ‫أحاول وصفَ ها‪ ،‬بل‬ ‫َ‬ ‫وصف الشعور الذي ّ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ستحمر‬ ‫كثيرة‬ ‫ا‬ ‫عيون‬ ‫أن‬ ‫ا‬ ‫مدرك‬ ‫الموقف‪،‬‬ ‫بتقرير‬ ‫هنا‬ ‫أكتفي‬ ‫األعجوبة هنا‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫ستز َو ُّر عندما يمر بها هذا القول‪ .‬ولكنني‪ ،‬وإن ليس يبدو في‬ ‫وأخرى ْ‬ ‫ً‬ ‫وقلبا‬ ‫كالمي وتصرفي أنني أحتضن في أعماقي نفْ ًسا ثائرة‬ ‫وعقال متحفزً ا ً‬ ‫ً‬ ‫معينة وأعلن عنها بدون ضجة وصخب‪،‬‬ ‫خفاقا‪ ،‬أعرف أنني أؤمن بأمور َّ‬ ‫وأدافع عنها بدون إعالن‪ ،‬وأقف عندها بدون أن أحيد عن الخط الذي‬ ‫اخترتُ ه لنفسي‪.‬‬


‫هكذا أحببت بيروت‬

‫‪36‬‬ ‫نقوال زيادة‬

‫قرأت‪ ،‬قبل سنوات كثيرة طويلة‪ ،‬قول األمبراطور‬ ‫حبي لبيروت بدأ َل ّما‬ ‫ُ‬ ‫ولهلم (وليام) األول قيصر ألمانيا‪ :‬بيروت درة في تاج آل عثمان‪َ ،‬‬ ‫وق ِو َي‬ ‫حين زرت بيروت ألول مرة ثالثة أيام مع درويش المقدادي (‪ ،)1925‬ونما‬ ‫وقو َي (ال في زيارتين بعد ذلك ولكن) إنما حين جئت إلى بيروت‬ ‫وترعرع ِ‬ ‫تدريجا عبر أربعين‬ ‫مستجيرا فأجارتني كما أجارت غيري‪ .‬وهذا الحب قوي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫جربت أن أعرف بيروت الحقيقية وبيروت المظاهر‪.‬‬ ‫سنة ونيف‪ ،‬ألنني‬ ‫ُ‬ ‫أيسر على المرء أن يتعرف إليها عندما يقيم مثل هذه‬ ‫بيروت المظاهر‬ ‫ُ‬ ‫المدة فيها‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫أذكر‪ ،‬لما سكنّ ا في شارع جاندارك (‪ ،)1950‬كيف كنا في السنوات‬ ‫صباحا إلى أصحاب البساتين من جيراننا لنشتري بعض‬ ‫األولى نذهب‬ ‫ً‬ ‫تدريجا‬ ‫الخضر والبقول ‪‬من الحقلة‪ .‬ورافقت اختفاء هذه البساتين‬ ‫أنواع‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫تختف ‪‬الحقلة‪‬‬ ‫في الخمسينات ثم بالجملة وبسرعة في الستينات‪ .‬ولم‬ ‫ِ‬ ‫حينا فحسب بل اختفت من جهات كثيرة‪ .‬وفي أكثر الحاالت قامت‬ ‫من ّ‬ ‫مبان ضخمة‪.‬‬ ‫مكانها ٍ‬ ‫رسميا صدر ّ‬ ‫بأال تقام أية أبنية بعد الطريق (الكورنيش)‬ ‫قرارا‬ ‫ً‬ ‫وأذكر أن ً‬ ‫ً‬ ‫ومكان فسحةٍ للعين والجسم‪.‬‬ ‫طبيعيا جميال‬ ‫لجهة البحر‪ ،‬كي يظل الشاطئ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫لكن نفوذ شخص لدى بعض الحكام سمح له أن ينشئ مقهى تحت الطريق‪،‬‬ ‫تقريبا)‪.‬‬ ‫فكرت السبحة وأفسد الشاطئ في بيروت (وفي كل لبنان‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫موها الجميل‬ ‫ُ‬ ‫عاينت نُ َّ‬

‫وأذكر أنني في ‪ 1949‬و‪ 1950‬كنت أذهب إلى‬ ‫باب إدريس كي أشتري قطعة من اللحم للروستو أو‬ ‫للبفتك‪ ،‬وبعد وقت قصير فتح تقال وشريكاه (شارع‬ ‫الحمراء) سوبرماركت من نوع ممتاز‪ ،‬وكانت أصناف‬ ‫اللحوم تباع فيه على ما يشتهي الزبون‪ ،‬والتقطيع كان‬ ‫وافرنجيا‪.‬‬ ‫بلديا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وأذكر مظاهرات كان الطالب يقومون بها في‬ ‫الخمسينات‪ ،‬تنطلق من نواحي الجامعة االميركية‪،‬‬ ‫مع طالب من المدارس المختلفة يتجمعون هناك‬ ‫في وقت مبكر‪ ،‬ثم يبدأون في االتجاه المعين لهم‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫المبكرة تلك التي انطلقت سنة‬ ‫ومن المظاهرات‬

‫في أواخر حياته‪:‬‬ ‫وراءه لوحة عنه بريشة وجيه نحلة‬


‫سلطان المغرب محمد بن يوسف عن‬ ‫احتجاجا على عزل الفرنسيين‬ ‫‪1953‬‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫العرش‪ .‬وأذكر ْأن بعد إنشاء الجامعة اللبنانية أصبح هناك مركزان النطالق‬ ‫التظاهرات‪ ،‬ثم جاءت جامعة بيروت العربية كي تعطي المتظاهرين مركزً ا‬ ‫ً‬ ‫ثالثا لالنطالق‪.‬‬ ‫بيروت الثقافة واألكاديميا‬

‫تدفَّ ق المال على لبنان من الخليج في الدرجة األولى‪ً ،‬‬ ‫أوال ألن لبنانيين‬ ‫كثيرين أفادوا من مجاالت األعمال المالية والتجارية (وهي إحدى مهن‬ ‫وثانيا ألن كثيرين ممن كانوا يعملون في‬ ‫الساحل اللبناني بشكل خاص)‪،‬‬ ‫ً‬ ‫خصوصا‪ ،‬كانوا َيقضون بعض عطلهم في‬ ‫الخليج‪ ،‬ومن الفلسطينيين‬ ‫ً‬ ‫لبنان‪ً ،‬‬ ‫ومستر ِوحين‬ ‫متنزهين‬ ‫وثالثا ألن أهل الخليج أعجبهم لبنان فقصدوه ّ‬ ‫ْ‬ ‫ومصطافين‪ ،‬وكثيرون بينهم َبنَ وا بيوتً ا فخمة (يصر الناس على تسميتها‬ ‫‪‬قصورا‪ )‬في جبال لبنان األوسط!‬ ‫ً‬

‫ُ‬ ‫عرفت عنها كثير َ‬

‫سكناها‬ ‫كانوا يستطيبون ُ‬

‫‪37‬‬

‫ما لم يُت َ ْح لغيري‬

‫وأذكر من بيروت الستينات أن المناسبات الثقافية التي يشهدها رأس‬ ‫بيروت كانت ً‬ ‫ثالثا ونصف المناسبة في اليوم الواحد بين محاضرات وندوات‬ ‫ومعارض فنية وأمسيات موسيقية وتمثيليات‪ .‬كانت الجامعة األميركية وكلية‬ ‫بيروت للبنات (كلية بيروت الجامعية الحقً ا ثم الجامعة اللبنانية األميركية‬ ‫اليوم) والمجلس الثقافي البريطاني ومعهد غوته األلماني والمركزان‬ ‫الثقافيان اإليطالي واإلسباني والملحقية الثقافية في السفارة السوفيتية‪،‬‬ ‫بشكل من األشكال‪ .‬كان‬ ‫تعمل جميعها جاهدة لدعم الثقافة والفن واألدب‬ ‫ٍ‬ ‫الراغب في نواحي التثقف على اختالفها يجد ضالّ ته في رأس بيروت‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫والروشة‬ ‫وكلنا –‪ ‬ممن عرف بيروت‬ ‫ً‬ ‫ظاهرا‪ – ‬يذكر مقاهي الحمراء ّ‬ ‫ومطعم فيصل ومقهى أنكل سام (مقابل الجامعة األميركية)‪ ،‬ويذكر أن‬ ‫مقاه للجلوس واحتساء فنجان من القهوة أو الشاي أو‬ ‫هذه لم تكن مجرد ٍ‬ ‫كوب من البيرة فحسب‪ ،‬بل كان بعضها‪ ،‬إن لم تكن كلها‪ ،‬شبه أندية أدبية‬ ‫أو فنية تتحلق فيها ‪‬العصافير ذات الريش المتشابه‪ ‬حول موائد صغيرة‬ ‫يتحدثون‪ ،‬أو يزقزقون‪ ،‬في شؤون األدب والسياسة والفن‪ .‬وتلك الجلسات‪،‬‬ ‫كما في الهورس شو والدولتشي فيتا‪ ،‬كم أوحت لشاعر بقصيدة قد ينظمها‬ ‫مصابا بالزكام فيصيب‬ ‫منثورا‪ ،‬إال إذا كان‬ ‫هباء‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫فتفيد‪ ،‬أو يعطسها فتذهب ً‬ ‫سواه بأذى‪.‬‬


‫‪38‬‬

‫النص في هذا العدد‬ ‫‪‬لبنانيات‪ ‬الجزء الذي منه ُّ‬

‫نقوال زيادة‬

‫الكتاب العرب من أهل البلد وغيره‪ ،‬هرعوا إلى بيروت‬ ‫كثيرون بين ّ‬ ‫لنشر كتبهم‪ ،‬ألسباب كثيرة‪ ،‬فأصبحت بيروت مدينة النشر األولى في دنيا‬ ‫صحيحا من حيث‬ ‫صحيحا بمعنى الكمية لكنه كان‬ ‫العرب‪ .‬قد ال يكون هذا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫فن إخراج الكتاب‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫هذا كله كان يسير إلى األمام‪ ،‬بخطى حثيثة‪ ،‬إلى أن جاءت سنة ‪1975‬‬ ‫فبدأت بيروت ً‬ ‫أوال ولبنان بعدها ‪‬مسيرة العذاب الطويلة‪( ‬ال نزال فيها‬ ‫كثيرا من النصب والخوف‬ ‫اليوم وأنا أكتب سنة ‪ .)1990‬ولقيت‪ ،‬كما غيري‪ً ،‬‬ ‫والتعب والنزول إلى المالجئ وانقطاع الماء والكهرباء وحتى الخبز‪ .‬ولعل‬ ‫جدا مما أصاب غيري‪.‬‬ ‫ما أصابني أقل بكثير ً‬ ‫‪ ...‬ولم أترك بيروت‬ ‫أحبها وألنني‬ ‫كان بإمكاني أن أترك بيروت لكنني بقيت فيها‪ ،‬ألنني ّ‬ ‫عرفت عن بيروت الكثير مما لم ُيتَ ح لغيري ألنه لم‬ ‫أشعر أن بيروت تحبني‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫عن به‪ ،‬وأحسب أن بيروت عرفَ ت عني الكثير من موقفي أنا منها‪ .‬من هنا‬ ‫ُي َ‬ ‫تماما‬ ‫جاء هذا الحب‪ .‬وحب بيروت لم يكن أقل في قلبي من حب لبنان‪ً .‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وشعبا‬ ‫وآثارا وثقافة‬ ‫وسهوال‬ ‫وهضابا‬ ‫جباال‬ ‫كما أحب لبنان ألنني أعرفه‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وأساس حبي معرفتي الحقيقيةُ لهذا البلد وعاصمتِ ه‪.‬‬ ‫وشعبيا‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ُ‬


‫التاريخي‬ ‫تراثنا‬ ‫ّ‬

‫آرنولد ت ُ ْو ْنبي‪:‬‬ ‫لبنان‪« :‬كلم ُة» التاريخ‬

‫مساء َ‬ ‫األربعاء ‪َ 8‬أيار ‪ 1957‬كان منبر ‪‬الندوة اللبنانية‪ ‬على‬ ‫َ‬ ‫موعد استثنائي مع َع َلم استثنائي‪ :‬المؤَ ِّرخ البريطاني الكبير َأرنولْ د‬ ‫تُ ْو ْي ْنبي في محاضرة بعنوان‪ :‬لبنان كلمةُ التاريخ‪ ‬جال فيها على‬ ‫ُسطوع لبنان ‪‬منذ فجر الحضارة‪ .‬وكانت تلك ‪‬محطة ساطعة‪ ‬في‬ ‫المحاضر‬ ‫تاريخ ‪‬الندوة‪ ‬كما قال مؤَ ِّس ُسها ميشال َأسمر في تقديمه‬ ‫َ‬ ‫عادي‪.‬‬ ‫العالمي الذي احتفَ ت به بيروت يومها ضيفً ا غير‬ ‫ّ‬ ‫صدر النص في سلسلة ‪‬محاضرات الندوة‪( ‬السنة الحادية‬ ‫ْ‬ ‫عشرة‪ ،‬العدد السادس‪ ،‬حزيران ‪ ،7591‬ص ‪ِ 522‬إلى ‪.)532‬‬ ‫ترجمت هذا النص ِإلى العربية‪،‬‬ ‫‪‬مرايا التراث‪‬‬ ‫وتنشر ُه شاكرةً‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫بالنشر‪ ،‬وللدكتور‬ ‫السيدة رينه َأسمر هربوز َس َماحها‬ ‫البنة المؤَ سس‬ ‫ِّ‬ ‫الفرنسي َ‬ ‫األصلي‪.‬‬ ‫النص‬ ‫َأمين الياس ْتأمينَ ه َّ‬ ‫َّ‬ ‫ً‬ ‫فجأة من الصحراء‬ ‫ثلوج لبنان كأَنما طلعت‬ ‫‪َّ .1‬‬ ‫اب هذا الموضوع‪ ،‬يأخذني في رحلة استعادية كاملة إلى التاريخ‬ ‫جذ ٌ‬ ‫منذ فجر الحضارة‪.‬‬ ‫َ‬ ‫المصطلح‪:‬‬ ‫‪ .2‬أبدأ بتحديد‬ ‫‪ )2‬أ‪ :‬لبنان‪ ،‬بالمعنى الجغرافي‪ ،‬ليس مجرد مصطلح تاريخي بل تعبير‬ ‫لموقع جغرافي طبيعي‪ :‬معالمه الطبيعية َأساس ثروته البشرية‪ .‬البحر‪،‬‬ ‫الجبال‪ُ ،‬‬ ‫الثلوج‪ ،‬الغابات‪ ،‬مالمح مادية ال تدهش سكان الضفة األخرى من‬ ‫المتوسط‪ .‬فالظواهر الطبيعية ذاتها موجودة في اليونان وإيطاليا والمغرب‬ ‫وخصوصا سكان‬ ‫وكاتالونيا وپروڤانس‪ ،‬بينما لدى سكان مصر والعراق‬ ‫ً‬ ‫أعجوبيا‪.‬‬ ‫استثنائي يكاد يكون‬ ‫شبه الجزيرة العربية‪ ،‬لبنان بلد‬ ‫ًّ‬ ‫ٌّ‬


‫‪40‬‬

‫في الميثولوجيا السومرية قصة صراع يقوده غلغامش ورفيقه ضد‬ ‫وحش الغابة بين ضباب بالد بعيدة في الشمال الغربي‪ .‬هذه البالد الساحرة‬ ‫قد ال تكون لبنان بل ربما منطقة جبال َ‬ ‫األمانوس‪ .‬ففي كل المنطقة الجبلية‬ ‫اب في نظر جيرانها ً‬ ‫سحري َّ‬ ‫وجنوبا‪.‬‬ ‫شرقا‬ ‫طابع‬ ‫السورية‬ ‫ٌّ‬ ‫ً‬ ‫جذ ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫أحسسته بي في ‪17‬‬ ‫شعورا‬ ‫وهنا أتذكر‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫آذار الماضي من هذه السنة‪ ،‬عند المسافة‬ ‫األخيرة لرحلتي من َكراتْ شي إلى بيروت‪،‬‬ ‫ثلوج جبال لبنان‬ ‫لدى رؤيتي من الطائرة َ‬ ‫الشرقية كأنها طلعت فجأةً من الصحراء‪.‬‬ ‫البناة‬ ‫غابات لبنان كانت ً‬ ‫دوما مرنى كبار ُ‬ ‫في العالم القديم‪ :‬الفراعنة‪ ،‬األشوريين‪،‬‬ ‫األخمينيين‪ .‬ولبنان اليوم ملجأ من الحر‬ ‫القاسي لمن اغتنوا باستثمار النفط في‬ ‫العراق والخليج وغالل مصر‪.‬‬ ‫أرنولد تُ ْو ْينْ بي (‪)1975 – 1889‬‬

‫كلمة لبنان في معناها اإلنساني‬ ‫أيضا ‪‬كلمة‪ ‬التاريخ حين نأخذ كلمة ‪‬لبنان‪ ‬في‬ ‫‪ 2‬ب‪ :‬لكن لبنان ً‬ ‫معناها اإلنساني‪ .‬فلبنان‪ ،‬في هذا المعنى‪ ،‬حصيلةُ ما أنشأه َمن سكنوه‬ ‫عبر العصور‪.‬‬ ‫توس ًعا في المعنى الذي تعنيه محاضرتي اليوم‪ُ ،‬‬ ‫سأ ِّ‬ ‫تاريخ‬ ‫سل ُم أن‬ ‫َ‬ ‫‪ُّ .3‬‬ ‫البشري َّ‬ ‫شكل وحدة اجتماعية وثقافية منذ جذور الحضارة حتى‬ ‫لبنان‬ ‫َّ‬ ‫اليوم‪.‬‬ ‫طبعا‪ ،‬هذه ال ُـم َس َّلمة قد ال تؤاتي الحقيقة التاريخية‪ .‬فاللبنانيون‬ ‫ً‬ ‫اليوم ليسوا أحفاد الفينيقيين بالمعنى المباشر‪ .‬فالفينيقيون كانوا بحارة‬ ‫راسخين على الشاطئ‪ُ ،‬سكناهم الجزيرة ال الجبل‪ ،‬كما في صور وأرواد‬ ‫وليلِ ِيبه (‪ :Lilybée‬قاعدة بحرية أسستها مملكة قرطاجة الفينيقية في‬ ‫حاليا مدينة مرساال في جزيرة صقلية‬ ‫منتصف األلف األول ق م‪ .‬وهي‬ ‫ًّ‬ ‫ّ‬ ‫اإليطالية) وما شابهها من مدن بحرية‪ .‬وهم لم يضموا الجبل إليهم إال في‬ ‫مرحلة الحقة من التاريخ الفينيقي‪ .‬بينما اللبنانيون اليوم‪ ،‬على العكس‪،‬‬ ‫أبناء جبال لم ينجحوا قبل ‪ّ ،1920‬‬ ‫عابرا‪ ،‬في أن يضموا إلى مساحاتهم‬ ‫إال ً‬ ‫ً‬ ‫ومدنا ساحلية‪.‬‬ ‫موانئ‬


‫فينيقيا في والية بيروت‬

‫‪ .4‬إذً ا موقع لبنان الطبيعي عنصر أساس في نموه البشري‪ .‬الخارطة‬ ‫ِّ‬ ‫مضللة‪ ،‬فهي تمثل لبنان صلة وصل بين بحر وقارة بينما‬ ‫االصطالحية‬ ‫الواقع أن منطقة لبنان الخلفية ليست قارة بل برزخ‪ .‬فقبالة البحر المسمى‬ ‫ً‬ ‫متوسطا‪ ،‬مدى واسع جاف من ُسهوب أكبر وصحارى أوسع‪ ،‬تمتد من بادية‬ ‫الوسطى حتى الحدود الغربية للهند والصين‪.‬‬ ‫الشام وسهوب إيران وآسيا ُ‬ ‫ويمتد لبنان على الشاطئ المتوسطي للبرزخ السوري‪ .‬لكن الضفة المقابلة‪،‬‬ ‫أيضا مرافئُ ها‪ :‬فقبالة كيليكيا وپوزيــييدون وراس‬ ‫الضفة الصحراوية‪ ،‬لها ً‬ ‫شمرا وأرواد وبيروت وصيدون وصور وعكا وحيفا‪ ،‬ثمة حلب وحماة‬ ‫وحمص ودمشق ُوبصرى‪ ،‬تتقابل فيها موانئ البحر ومرافئ الصحراء في‬ ‫صفين متوازيين يدير كل منها ظهره لآلخر‪.‬‬ ‫والنشاط االقتصادي اللبناني اليوم َيفيض عن البرزخ السوري في‬ ‫أيضا‪ .‬وواضحةٌ شساعة‬ ‫االتجاهين‪ :‬ال نحو الغرب فقط بل نحو الشرق ً‬ ‫األمبراطورية االستعمارية اللبنانية بامتدادها نحو الغرب‪ ،‬فحيثما شعت‬ ‫الحضارة الغربية انتشر التجار اللبنانيون‪ :‬في مصر وأوروپا الغربية‬ ‫َ‬ ‫واألميركتين ُوأستراليا‪ .‬ومنذ نشوء المنطقة النفطية‬ ‫وأفريقيا الغربية‬ ‫ً‬ ‫حديثا في العراق وفي الجهة العربية من الخليج الفارسي‪ ،‬نرى رجال‬ ‫األعمال اللبنانيين وسعوا امتدادهم ً‬ ‫شرقا إلى جميع الدول العربية‪ .‬وكان‬

‫‪41‬‬

‫لبنان‪« :‬كلم ُة» التاريخ‬

‫موقع لبنان عنصر نُ ُم ّوه البشري‬

‫آرنولد ت ُ ْو ْنبي‪:‬‬

‫على الخارطة اإلدارية للسلطنة العثمانية بين ‪ 1860‬والحرب العالمية‬ ‫األولى‪ ،‬كانت فينيقيا القديمة محصورةً في والية بيروت ال والية لبنانية‬ ‫وطاقات‬ ‫عادات‬ ‫مستقلة‪ .‬مع أن ما يجمع بين فينيقيي األمس ولبنانيي اليوم‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫الملجإ الطبيعي –‪ ‬البحر للقدامى والجبل للمعاصرين‪– ‬‬ ‫مهمة‪ :‬أفادوا من‬ ‫ِ‬ ‫لمزاولة األعمال التجارية‪ ،‬أقاموا أمبراطورية اقتصادية في الغرب‪ ،‬أسسوا‬ ‫سالالت تجار لدى معظم العالم الغربي في زمانهم‪.‬‬ ‫الشاعر اإلنكليزي وليم ووردسوورث‪ ،‬في احتفائه بالمقاومة األوروپية‬ ‫ضد الهيمنة الناپوليونية‪ ،‬تغنَّ ى بأن الحرية تُ َ‬ ‫طلب من صوتين‪ :‬صوت الجبل‬ ‫وصوت البحر‪ .‬وكان ُي ْل ِمح إلى المقاومة السويسرية واإلنكليزية‪ .‬في لبنان‪،‬‬ ‫معا‪ .‬هكذا‬ ‫الصوتان يتحدان‪ :‬تاريخ لبنان هو تاريخ الجبليين والبحارة ً‬ ‫ُ‬ ‫أخل ُص إلى القول إننا‪ ،‬بتأكيدنا على وحدة التاريخ الفينيقي واللبناني‪،‬‬ ‫نبقى أمينين للحقيقة التاريخية في عناوينها الكبرى‪.‬‬


‫الغرب لدى الدول العربية النفطية أنهم‪:‬‬ ‫من صالح اللبنانيين في منافستهم‬ ‫َ‬ ‫–‪ ‬يتكلمون اللغة ذاتها مع زبائنهم العرب في الشرق‪.‬‬ ‫–‪ ‬يعرفون تقاليد جيرانهم العرب‪.‬‬ ‫–‪ ‬جيرانهم العرب ال يخشونهم‪.‬‬ ‫ويغنم لبنان من كونه ليس قوة عسكرية عظمى‪ ،‬ما ّ‬ ‫يمكنه من أن يكون‬ ‫قوة اقتصادية كبرى‪.‬‬ ‫أمبراطورية لبنان االقتصادية‬

‫‪42‬‬

‫وأمبراطورية لبنان االقتصادية المزدوجة اليوم ظاهرة استثنائية‪.‬‬ ‫فاألمبراطورية اللبنانية في الغرب ظاهرة عادية‪ :‬في معظم حقبات التاريخ‬ ‫غربا حتى مضيق جبل طارق وبلغَ ت ضفاف‬ ‫امتدت التجارة اللبنانية ً‬ ‫المحيط األطلسي‪ ،‬فيما أمبراطورية المدى الجاف في السهوب بقيت‬ ‫في أيدي سكان منطقة البرزخ السوري الصحراوية‪ .‬ففي األلف الثاني‬ ‫قبل المسيح‪ ،‬فيما الفينيقيون انصرفوا إلى التجارة البحرية مع مصر‬ ‫وبحر إيجه‪ ،‬كانت التجارة في السهوب بين أيدي أنسبائهم األموريين‪ .‬ومن‬ ‫فينيقيا‪ ،‬وأبرز أبناء‬ ‫تاجرا‬ ‫سياسيا‬ ‫أسس أول ساللة في بابل كان‬ ‫ًّ‬ ‫ًّ‬ ‫أموريا ال ً‬ ‫ًّ‬ ‫تلك الساللة‪ :‬حمورابي‪ .‬كان‬ ‫األموريون على نسب قربى مع‬ ‫َ‬ ‫الشعبان يتكلمان‬ ‫الفينيقيين‪:‬‬ ‫اللغة الكنعانية ذاتها‪ ،‬إنما في‬ ‫األلف األخير قبل المسيح لم‬ ‫يكن المستولون على المرافئ‬ ‫الصحراوية السورية كنعانيين ألن‬ ‫األموريين حل مكانهم اآلراميون‬ ‫الكانوا يتكلمون لغة سامية‬ ‫مميزة يكتبونها بنسخة معدلة‬ ‫من األبجدية الفينيقية‪ .‬فاللغة‬ ‫واألبجدية اآلراميتان انتشرتا‬ ‫واسعا حتى منغوليا ومنشوريا‪.‬‬ ‫ً‬ ‫والكتابات التي في پكين من‬ ‫زمن المنشوريين كانت في ثالث‬ ‫لغات‪ :‬المنشورية والمنغولية غالف العدد الخاص من ‪‬محاضرات الندوة‪‬‬


‫‪ 350‬سنة من عهد لبنان الذهبي‬

‫‪43‬‬

‫لبنان‪« :‬كلم ُة» التاريخ‬

‫‪ .5‬ولبنان؟ متى كان عهده الذهبي في التاريخ؟ في رأيي أن عهده‬ ‫امتد طيلة ‪ 350‬سنة‪ ،‬بعد الغزوة الكبرى في العقد األول من‬ ‫الذهبي‬ ‫َّ‬ ‫القرن الثاني عشر قبل الميالد حتى الغزوة الكبرى األولى للقوة األشورية‬ ‫العسكرية على البرزخ السوري خالل العقد الخامس من القرن التاسع قبل‬ ‫الميالد‪ .‬تلك القرون المجيدة شهدت اكتشافات واستعمارات فينيقية في‬ ‫الحوض الغربي للمتوسط‪ .‬وفي غمار هذا العمل التمديني كان الفينيقيون‬ ‫سبقوا اليونان‪ ،‬برغم العاملين الجغرافي والعددي اللذين نعم بهما اليونان‬ ‫في المنافسة اليونانية الفينيقية للهيمنة على المتوسط‪.‬‬ ‫أسياد ضفة البرزخ‬ ‫تلك الفترة القصيرة التي كان فيها الفينيقيون‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫أيضا‬ ‫السوري المتوسطية وحققوا خاللها إنجازات عبقرية‬ ‫فعال‪ ،‬كانت ً‬ ‫في التي نسميها اليوم ‪‬الشرق األوسط‪ ‬فترة ‪‬سلطة فراغ‪( ‬العبارة التي‬ ‫أخيرا في تصريح تاريخي)‪ .‬فاألمبراطورية‬ ‫استخدمها الرئيس أيزنهاور‬ ‫ً‬ ‫المصرية الجديدة واألمبراطورية الحثية اقتَ تَ َلتَ ا في سلسلة حروب قاسية‬ ‫ِّ‬ ‫تذكر بالحرب الكبرى الفارسية الرومانية التي فتحت الطريق للفاتحين‬ ‫العرب المسلمين‪ .‬وفي مطلع القرن الثاني عشر قبل الميالد َّ‬ ‫تمكن زحف‬ ‫المنهكة‬ ‫بربري من األمبراطورية الحثية وكاد يمحو مصر كذلك‪ .‬فمصر‪،‬‬ ‫َ‬ ‫بمقاومتها البطولية‪ ،‬وقعت تحت نير البرابرة الليبيين‪ ،‬وبابل وقعت تحت‬ ‫فترتئذ في حالة إنهاك‬ ‫نير البرابرة القوصيين‪ .‬وألن مصر وبابل كانتا‬ ‫ٍ‬ ‫تهتما بالكنعانيين واآلراميين فأفاد هؤالء من ذاك الوضع‬ ‫وإعياء‪ ،‬لم‬ ‫َّ‬ ‫يتنامون باستقاللية تامة‪.‬‬ ‫وأخذوا َ‬ ‫واليوم ينعم لبنان بازدهار فريد استثنائي في عصره يجسد مقولة‬ ‫الرئيس أيزنهاور‪ ،‬إذ ينعم بـ ‪‬سلطة فراغ‪ ‬في الشرق األوسط‪ ،‬ويبدو أن‬

‫آرنولد ت ُ ْو ْنبي‪:‬‬

‫والصينية‪ .‬والصيغتان المنشورية والمنغولية مكتوبتان بالسريانية وهي‬ ‫كانت أحدث الكتابات اآلرامية‪.‬‬ ‫هكذا البرزخ السوري امتدت أمبراطوريته التجارية والثقافية حتى‬ ‫المحيط األطلسي من جهة والمحيط الهادئ من جهة أخرى‪ .‬لكن هذا‬ ‫مشتر ًكا‪ ،‬بين أسياد الموانئ المنفتحة على المتوسط ممن‬ ‫االمتداد كان‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫شرقا كانت‬ ‫غربا‪ ،‬فيما المنطقة الخلفية‬ ‫استولوا على المنطقة الخلفية ً‬ ‫مسرح نشاط أسياد المرافق الصحراوية في دمشق وحلب وحماة وحمص‬ ‫ُوبصرى‪.‬‬


‫استثنائيا لمصالح أهل‬ ‫مؤات‬ ‫هذا النظام السياسي في ‪‬سلطة الفراغ‪‬‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫البرزخ السوري التجارية‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫والحكم إبان ‪‬سلطة الفراغ‪ ‬في الشرق األوسط كان في الماضي ًّ‬ ‫هشا‬ ‫ً‬ ‫فورا ذاك الفراغ الناجم عن انهيار األمبراطوريتين‬ ‫وزائال‪ :‬مأل األشوريون ً‬ ‫الحثية والمصرية‪ ،‬والرومان مألوا الفراغ الناجم عن انهيار قوى المقدونيين‬ ‫والسلوقيين والبطالسة‪.‬‬ ‫لبنان يغ َنم من «سلطة الفراغ»‬

‫‪44‬‬

‫الحسم َّأن انسحاب فرنسا‬ ‫على ضوء تلك التجارب التاريخية‪ ،‬يمكننا‬ ‫ْ‬ ‫مؤخ ًرا سيؤدي إلى نشوب قوى جديدة تمأل الفراغ‪ .‬وكان الرئيس‬ ‫وإنكلترا َّ‬ ‫مصيبا في حدسه أن ‪‬سلطة الفراغ‪ ‬ستمألها وصاية أميركية أو‬ ‫أيزنهاور‬ ‫ً‬ ‫روسية‪ ،‬أو تقتسمان النفوذ والتأثير على هذه المنطقة كما اقتسمتها فرنسا‬ ‫وإنكلترا بعد الحرب العالمية األولى‪ .‬وهذه‪ ،‬لشعوب الشرق األوسط‪ ،‬حالة‬ ‫يطبقوا المثل اإلنكليزي‪:‬‬ ‫مقلقة‪ .‬لذا أنصح رجال األعمال اللبنانيين أن ِّ‬ ‫ُ‬ ‫‪‬عليكم بالقش طالما الشمس ساطعة‪ ،‬أي ‪‬احتجوا طالما الشمس‬ ‫مشرقة‪ ،‬فـ ‪‬سلطة الفراغ‪ ‬الحالية فترة فُ ضلى كي يستفيدوا منها‪ ،‬وهم‬ ‫ً‬ ‫فعال يستفيدون‪.‬‬ ‫ً‬ ‫إجماال َّ‬ ‫عرف ‪‬سلطة الفراغ‪ .‬فهذا البلد‬ ‫‪ .6‬البرزخ السوري‬ ‫قل أن َ‬ ‫وعسكريا‪ .‬ويصعب‬ ‫ا‬ ‫سياسي‬ ‫ضعيف‬ ‫أنه‬ ‫مه‬ ‫من‬ ‫ا‪،‬‬ ‫وثقافي‬ ‫اقتصاديا‬ ‫القوي‬ ‫شؤْ‬ ‫ًّ‬ ‫ًّ‬ ‫ًّ‬ ‫ًّ‬ ‫على دولة محلية تشمل سوريا كلها‪ ،‬بالمعنى الجغرافي األوسع للكلمة‪ ،‬أن‬ ‫تنافس جيرانها مصر وتركيا والعراق وهي دول تشكل قواعد متينة تصد‬ ‫يوما وحدة سياسية‬ ‫المحاوالت االستعمارية‪ .‬وسوريا الكبرى لم تشكل ً‬ ‫مستقلة‪ .‬والوحدة السياسية في البرزخ السوري لم تتحقق َّ‬ ‫إال حين وضعت‬ ‫أمبراطورية قوية تحت النير مجموع دول المنطقة‪ .‬وإبان حكم ‪‬سلطة‬ ‫الفراغ‪ ،‬وهي فترة نادرة‪َّ ،‬فت َت البرزخ السوري إلى فسيفساء دول صغيرة‬ ‫متنافرة‪ ،‬كما يظهر في خارطتها السياسية الحالية‪.‬‬ ‫لبنان منذ فجر الحضارة‬ ‫معا في دروب التاريخ لنكتشف تجارب لبنان إبان الحكم‬ ‫ِ‬ ‫فلنسر ً‬ ‫‪‬عاديا‪ ‬في البرزخ السوري‪.‬‬ ‫االستعماري المعتبر‬ ‫ًّ‬ ‫‪ .7‬منذ فجر الحضارة حتى أول القرن الثاني عشر قبل الميالد‪ ،‬كان‬ ‫ً‬ ‫فترتئذ كانت‬ ‫أحيانا سيئة أخرى‪.‬‬ ‫غالبا‪ ،‬في حماية مصرية‪ ،‬جيدة‬ ‫ٍ‬ ‫لبنان‪ً ،‬‬


‫آرنولد ت ُ ْو ْنبي‪:‬‬ ‫‪45‬‬

‫لبنان‪« :‬كلم ُة» التاريخ‬

‫العالقات بين مصر ولبنان محصورة‬ ‫في بيبلوس‪ ،‬والتبادالت التجارية بين‬ ‫بيبلوس ومصر كانت مثمرة للطرفين‪.‬‬ ‫قائما بين مصر‬ ‫لكن التفاهم الكان‬ ‫ً‬ ‫ودول المتوسط في البرزخ السوري لم‬ ‫يحل دون أن ُ‬ ‫مدن فينيقيا الثقافةُ‬ ‫تبلغ َ‬ ‫ُ‬ ‫األكادية آتية من بالد ما بين النهرين‪.‬‬ ‫وأفاد سكان البرزخ من تينك الثقافتين أرنولد تُ ْو ْينْ بي يلقي محاضرته‬ ‫على منبر ‪‬الندوة اللبنانية‪‬‬ ‫معا في العالم القديم‪ .‬لم‬ ‫الكبريين ً‬ ‫ّ‬ ‫أي تصادم عسكري بين القوتين األكادية والمصرية‪ ،‬إال في القرن‬ ‫ُ‬ ‫يحدث ُّ‬ ‫الرابع عشر قبل الميالد حين بات البرزخ السوري للمرة األولى ميدان‬ ‫الع ْظ َم َي ْين‪ :‬المصرية والحثية‪.‬‬ ‫صراع بين القوتين‬ ‫األجنبيتَ ين ُ‬ ‫َّ‬ ‫‪ .8‬بعد البطش األشوري الذي أنهى العهد الذهبي للفترة بين العام ‪1200‬‬ ‫والعام ‪ 850‬قبل الميالد‪ ،‬عرفت فينيقيا السالم تحت ُح ْكم األمبراطورية‬ ‫أخف وطأةً ‪ .‬وبعد انطالق المقاومة اإلغريقية ضد‬ ‫نيرها َّ‬ ‫الفارسية التي كان ُ‬ ‫مصالح وثيقةٍ ‪.‬‬ ‫عالقات‬ ‫االستعمار الفارسي ارتبط الفرس والفينيقيون في‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫فإبان الحكم األشوري الذي أنهك المدن الفينيقية دون ضفاف بحر إيجه‪،‬‬ ‫أفاد اإلغريق من احتضار صور وصيدون ُليفيدوا من الصراع اإلغريقي‬ ‫الفينيقي على أمبراطورية المتوسط‪ .‬وبدعم األمبراطورية الفارسية انفتح‬ ‫وهميا ألن اإلغريق استقووا على‬ ‫للفينيقيين مجال الثأر‪ ،‬لكنه كان ْثأ ًرا‬ ‫ًّ‬ ‫معا‪ .‬وبعدما فشلت محاولة الفرس في غزو‬ ‫القوة الفارسية والفينيقية ً‬ ‫معر ً‬ ‫ضة على الجبهة البحرية بين‬ ‫الفينيقية‬ ‫المدن‬ ‫اليونان األوروبية‪ُ ،‬وجدت‬ ‫َّ‬ ‫أضر بالتجارة الفينيقية‬ ‫األمبراطورية الفارسية واألمبراطورية األثينية‪ ،‬ما َّ‬ ‫كما كانت زمن الحكم األشوري‪ .‬والفينيقيون‪ ،‬حلفاء الفرس‪ ،‬لم يكونوا‬ ‫تجاريا من امتداد األمبراطورية الفارسية نحو الشرق حتى‬ ‫يستفيدون‬ ‫ًّ‬ ‫وديان السند ونهر ْ‬ ‫آراكس‪ ،‬ألن جيرانهم اآلراميين سيطروا على المغانم‬ ‫التجارية والثقافية عند المرافق الصحراوية في البرزخ السوري‪ ،‬وأكملوا‬ ‫إلى مغانم اقتصادية داخل آسيا َّأدت بأحفادهم حتى سور الصين العظيم‬ ‫وما بعده‪ .‬من هنا أن التي سادت في الشرق كانت األبجدية اآلرامية ال‬ ‫الكنعانية‪.‬‬ ‫نجاحا ّ‬ ‫إال السياسي‪،‬‬ ‫إذً ا‪ ،‬إبان الحكم الفارسي لم تحقق المدن الفينيقية‬ ‫ً‬ ‫ألن السلطات الفارسية أمدت مدن صيدون وأرواد بـ ‪‬أمبراطوريات‪ ‬مصغَّ رة‬ ‫سياسيا حتى بعد سقوط األمبراطورية الفارسية واستمرت هكذا‬ ‫ازدهرت‬ ‫ًّ‬ ‫حتى زمن األمبراطورية الرومانية‪.‬‬


‫سطوع الفينيقيين في العهد الروماني‬ ‫ُ‬

‫‪46‬‬

‫‪ .9‬في زمن األمبراطورية الرومانية‪ ،‬كما في زمن األمبراطورية الفارسية‪،‬‬ ‫من أفاد من التجارة بين المتوسط وآسيا لم يكن الفينيقيون بل العرب‬ ‫أسياد پترا وبعدهم أسياد تدمر أحفاد اآلراميين في الجهة الصحراوية‬ ‫من البرزخ السوري‪ .‬وفي الفترة ذاتها‪ْ ،‬‬ ‫عك َس الوضع االقتصادي الفينيقي‬ ‫ْ‬ ‫السلم الروماني للفينيقيين تجارة مزدهرة مع‬ ‫إبان الفترة الفارسية‪ ،‬أتاح‬ ‫ً‬ ‫كامال‪ .‬ففي العهد الروماني نجح الفينيقيون‪ ،‬وعلى‬ ‫حوض المتوسط‬ ‫ْ‬ ‫حساب اإلغريق‪ ،‬في أن يستعيدوا ما كانوا خسروه إبان الحكم األشوري‪.‬‬ ‫وطيلة زمن الرومان تنامى االزدهار االقتصادي في فينيقيا وسوريا كلها‪.‬‬ ‫وفي القرن السادس للميالد‪ ،‬كانت سوريا –‪ ‬بالمعنى الجغرافي األوسع‬ ‫للكلمة‪ – ‬تسيطر على الحياة االقتصادية في العالم المتوسطي‪ ،‬وحتى في‬ ‫بالد الغال حافظ التجار السوريون على حضورهم حتى بعد زوال الفترة‬ ‫الغالية إبان ْ‬ ‫الميروڤنجي‪.‬‬ ‫الحكم‬ ‫الرومانية‪ ،‬وتوزعوا في المدن‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫مهما‪ :‬أعطوا العهد‬ ‫دورا‬ ‫إبان العهد الروماني لعب السوريون ً‬ ‫سياسيا ً‬ ‫ًّ‬ ‫أباطرة وأمبراطورات منذ نهاية القرن الميالدي الثاني‪ .‬لكنهم لم يكونوا‬ ‫شرقي البرزخ السوري‪ :‬ساللة‬ ‫من أصول فينيقية بل من مرافق صحراوية‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ساويروس جاءت من حمص‪ ،‬وفيليپوس العربي من مدينة ش ْهبا عند تخوم‬ ‫جبل الدروز‪ُ ،‬وأذَ ينَ ة وزنوبيا من تدمر‪.‬‬ ‫الحكم ُ‬ ‫ْ‬ ‫‪ْ .10‬‬ ‫كالحكم الميروڤنجي في بالد الغال‪ ،‬كان‬ ‫األموي في سوريا‪،‬‬ ‫في الواقع هو ْ‬ ‫الحكم الروماني إنما في إدارة جديدة‪ .‬وفي رأيي أن األمويين‬ ‫أبناء ثقافة أربعة آالف سنة في سوريا ذات الشكل‬ ‫واعون كونَ هم‬ ‫ورثةٌ ُ‬ ‫َ‬ ‫األحدث للحكم الهيليني‪ .‬وبلغ االزدهار السياسي قمته على عهد األمويين‬ ‫مصح ًحا تدمر ‪‬الشرقية‪‬‬ ‫منذ بدأ مع الرومان‪ ،‬وبعدهم فرض حضوره‬ ‫ِّ‬ ‫والقبائل الغسانية‪ .‬وفي تلك الحقبة من التاريخ السوري –‪ ‬عهد كانت‬ ‫سوريا حاضرةَ أمبراطورية تمتد حتى جبال تيان شان (في آسيا الوسطى)‬ ‫التضاد في ثروات‬ ‫من جهة‪ ،‬وجبال الپيرينيه من الجهة األخرى‪ – ‬ازداد‬ ‫ُّ‬ ‫البرزخ السوري بين شاطئه المتوسطي وداخله الصحراوي‪ .‬وباتت المرافق‬ ‫مقار عامة للجند الذين‬ ‫الصحراوية –‪ ‬دمشق‪ ،‬حمص‪ ،‬حماة‪ ،‬قنَّ سرين‪َّ – ‬‬ ‫عسكريا‪ ،‬بينما الموانئ المتوسطية‪ ،‬منذ الفتح‬ ‫دعموا تفوق ساللة الخلفاء‬ ‫ًّ‬ ‫العربي‪ ،‬خسرت مخارجها نحو الغرب‪ .‬فالضفة المتوسطية للبرزخ السوري‬ ‫باتت جبهة عسكرية متقدمة بين األمبراطورية األموية واألمبراطورية‬ ‫غز َو القسطنطينية الرومانية‪.‬‬ ‫الرومانية منذ فشل المحاولتين األمويتين ْ‬ ‫عرفت ُه في القرن الخامس‬ ‫جدت فينيقيا في موقف مؤلم كالذي‬ ‫ْ‬ ‫هكذا ُو َ‬


‫لبنان في العهد الصليبي‬

‫‪47‬‬

‫لبنان‪« :‬كلم ُة» التاريخ‬

‫كارثيا على البرزخ السوري‪ :‬مع قيام دول أنشأها‬ ‫‪ .11‬العهد الصليبي كان ًّ‬ ‫الصليبيون‪ ،‬كانت الموانئ المتوسطية في البرزخ السوري على تحارب مع‬ ‫المرافق الصحراوية‪ ،‬كما تشهد معالِ ُم تمتد من الشمال إلى الجنوب على‬ ‫طول الجبال العلوية وجبال لبنان‪ .‬وفي الحرب بين الضفتين‪ ،‬ازهرت‬ ‫الضفة الصحراوية من البرزخ على حساب الضفة المتوسطية‪ .‬فالقسم‬ ‫أراض شاسعة خصيبة وشبكة عالقات سهلة‪ .‬لذا‪،‬‬ ‫الشرقي من البرزخ ذو‬ ‫ٍ‬ ‫حين كانت حلب وحماة وحمص ودمشق تحارب أنطاكيا والالذقية وطرابلس‬ ‫طبيعيا أن تغْ َنم المرافق الصحراوية‪.‬‬ ‫وبيروت وصور‪ ،‬كان‬ ‫ًّ‬ ‫‪ .12‬على عهد السلطنة العثمانية غنم البرزخ السوري من عودة الوحدة‬ ‫بقوة السالح العثماني‪ .‬في القرن الثامن عشر انهار ما‬ ‫السياسية المشرقية ّ‬ ‫َ‬ ‫كان الباشوات العثمانيون فرضوه من ْ‬ ‫ملجأ أقليات‬ ‫سلم ونظام‪ ،‬فبات لبنان‬ ‫دينية –‪ ‬مارونية‪ ،‬درزية‪ ،‬أرثوذكسية‪ ،‬شيعية‪ – ‬لم تعرف الحكومة المركزية‬ ‫العثمانية أن تحافظ عليها‪ .‬وكانت تلك األقليات نخبوية‪ ،‬أعطت لبنان‬ ‫أناسا ِج ِّد ِّيين ناشطين أذكياء‪ ،‬وفي تلك الفترة غنم لبنان من استقالل اتخذ‬ ‫ً‬ ‫شكله الناجز مع نهاية االنتداب الفرنسي‪ .‬وغنمت النهضةُ في مصر وتركيا‬ ‫مع أوائل القرن التاسع عشر من لبنان وسائر مرافق البرزخ الصحراوية‪.‬‬ ‫كانت مصر الحديثة مرنى اللبنانيين والسوريين‪ ،‬وكان الزدهار التجارة بين‬ ‫دول السلطنة العثمانية والغرب أن يفتح ً‬ ‫آفاقا تجارية واسعة لسكان البرزخ‬ ‫السوري‪ ،‬منها دور الحمصيين في مدينة ساو پاولو البرازيلية‪.‬‬ ‫‪‬تحرر‪ ‬الشعوب العربية من النير العثماني غداة الحرب‬ ‫‪ .13‬ما سمي‬ ‫ُّ‬ ‫العالمية األولى‪ ،‬كان لتلك الشعوب سعادة ملتبسة‪ .‬ففي أوج الحكم‬ ‫العثماني كانت معظم الدول العربية‪ ،‬عدا المغرب‪ ،‬تحت حكم الپاديشاه‪.‬‬

‫آرنولد ت ُ ْو ْنبي‪:‬‬

‫قبل الميالد بعد فشل محاولة األمبراطور الفارسي َأ َ‬ ‫غز َو القسم‬ ‫رتحش ْشتا ْ‬ ‫األوروپـي من اليونان‪.‬‬ ‫صحيح أن السوريين‪ ،‬حتى في القرنين السابع والثامن الميالديين‪،‬‬ ‫ظلوا على حضور ساطع في حياة الغرب –‪ ‬ففي ذينك القرنين بلغ‬ ‫باباوان سوريان سدة الكرسي الرسولي في روما‪ – ‬لكنهم كانوا في الغرب‬ ‫الجئين غرباء عن بالدهم ال يمكنهم الرجوع إليها‪ .‬كان مصيرهم كمصير‬ ‫الفلسطينيين الذين ُ‬ ‫لجأوا إلى لبنان وسوريا منذ نشوء دولة إسرائيل في‬ ‫فلسطين‪.‬‬


‫‪48‬‬

‫وقبل الحرب األولى ‪1918–1914‬‬ ‫ً‬ ‫هبة ثمينة‬ ‫كانت تلك الوحدة‬ ‫من العثمانيين للعرب في القسم‬ ‫اآلسيوي من العالم العربي الواسع‪.‬‬ ‫لكن من نتائج تلك الحرب خسارةَ‬ ‫َّ‬ ‫هذه الوحدة التي ّ‬ ‫ْ‬ ‫الحكم‬ ‫وطدها‬ ‫العثماني‪ .‬بعد الحرب انقسم العالم‬ ‫العربي اآلسيوي منطقتين بين‬ ‫إنكلترا وفرنسا‪ ،‬وفي كل منطقة‬ ‫منهما أنشأ المنتدبون الغربيون‬ ‫عدة‪ :‬في المنطقة‬ ‫‪‬دو ًال‪ ‬عربية ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫اإلنكليزية‪ ،‬فلسطين‪ ،‬فتحوا الباب على غالف مجلة ‪‬تايم‪ ‬األسبوعية األميركية‬ ‫واسعا لليهود‪ .‬وأمسى العالم (عدد ‪ 17‬آذار ‪)1947‬‬ ‫ً‬ ‫أراض صغيرة معزولة واحدتها عن األخرى‬ ‫فسيفساء‬ ‫اآلسيوي‬ ‫العربي‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫دخ َل عنصر دخيل طارئ في منطقةٍ‬ ‫بحدود اصطالحية‪ .‬وفي الوقت ذاته ُأ ِ‬ ‫أساسيا من التراث العربي‪.‬‬ ‫جزءا‬ ‫ًّ‬ ‫كانت زمن العثمانيين ً‬ ‫انفتاح لبنان العالمي‬ ‫‪ .14‬زوال السيطرة اإلنكليزية والفرنسية على الدول العربية اآلسيوية‬ ‫بعد الحرب العالمية الثانية كانت ً‬ ‫واسعا على‬ ‫كبيرا فتح للبنان أفقً ا‬ ‫ً‬ ‫حدثا ً‬ ‫المستوى الدولي‪ .‬فانحسار تلك السيطرة اإلنكليزية الفرنسية خلق ‪‬سلطة‬ ‫ً‬ ‫طويال في‬ ‫اقتصاديا‪ .‬لكن ‪‬سلطات الفراغ‪ ‬ال تدوم‬ ‫فراغ‪ ‬أفاد منها لبنان‬ ‫ً‬ ‫البطالسة‬ ‫البرزخ السوري‪ ،‬وكما‬ ‫ُ‬ ‫ذكرت آنفً ا‪ :‬الفراغ الذي أحدثه انهيار قوى ْ‬ ‫سريعا ازدهار األمبراطورية الرومانية‪ .‬والفراغ‬ ‫الشرق‬ ‫والسلوقيين مأله في‬ ‫ً‬ ‫سريعا اقتسام‬ ‫الذي أحدثه انحسار القوى الفرنسية واإلنكليزية قد يمأله‬ ‫ً‬ ‫جديد للعالم العربي بين القوتين األميركية والروسية‪.‬‬ ‫حاليا ساحة صراع بين أميركا وروسيا القتسام حدود‬ ‫الدول العربية‬ ‫ً‬ ‫الع ْظ َم َي ْين‪ .‬فهل هذه الحدود تالمس‬ ‫األمبراطوريتين‬ ‫هاتين‬ ‫المشرق بين‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫شماال تركيا وإيران؟ أم تالمس التخوم بين الصليبيين والمسلمين؟ هذه‬ ‫مسألة جوهرية لمستقبل لبنان‪ .‬إذا الحدود األميركية الروسية توقفت‬ ‫ً‬ ‫شماال عند إيران وتركيا يكون هذا من صالح لبنان إذ تنضوي الدول‬ ‫العربية تحت الراية األميركية‪ ،‬بينما إذا الحدود األميركية الروسية‬ ‫توقفت عند قمة جبال لبنان الشرقية‪ ،‬ستواجه الجمهورية اللبنانية خطر‬


‫اقتسام تلك الحدود مع دولة إسرائيل‪ .‬ولبنان‪ ،‬كما إسرائيل‪ ،‬ال يعيش‬ ‫ً‬ ‫شرقا‪ .‬في هذه الحالة‪،‬‬ ‫إذا استمر في حالة عدائية دائمة مع جيرانه‬ ‫على الدبلوماسية اللبنانية ْبذ ُل نشاط كبير في عقد عالقات صداقة مع‬ ‫والسودان‪ .‬وهذه السياسة‪،‬‬ ‫دول عربية بعيدة كالمملكة العربية السعودية ُ‬ ‫مع صالحها‪ ،‬ال ُّ‬ ‫تحل مشكلة رئيسة هي عالقة لبنان بجارته المباشرة‬ ‫تحولت عدائية سيختنق لبنان ألنه‬ ‫سوريا‪ .‬وإذا العالقات اللبنانية السورية َّ‬ ‫ال يستطيع أن يعيش وهو رأس حربة ألمبراطورية أميركية تواجه منطقة‬ ‫خلفية يسيطر عليها الروس‪.‬‬

‫حصرا لــ ‪‬مرايا التراث‪‬‬ ‫© حقوق الترجمة محفوظة‬ ‫ً‬

‫‪49‬‬

‫لبنان‪« :‬كلم ُة» التاريخ‬

‫جهدا فائقً ا ليمنع انقسام العالم‬ ‫في هذه الحالة‪ ،‬على لبنان أن يبذل ً‬ ‫العربي بهذا الشكل الكارثي‪ .‬فالتأثير الروسي في سوريا ومصر يستحيل‬ ‫إبعاده بدون حل للمشكلة الفلسطينية‪ .‬وطالما أميركا ال تفرض هذا الحل‪،‬‬ ‫فالشعوب العربية جارة إسرائيل مباشرةً ستبقى تبحث عن الدعم لدى‬ ‫روسيا‪ .‬وحدها أميركا تستطيع فرض ٍّ‬ ‫حل للقضية الفلسطينية ألنها وحدها‬ ‫تستطيع الضغط على حكام إسرائيل‪.‬‬ ‫كيف إقناع األميركيين أن يهتموا بهذه المشكلة الشائكة؟ إنه لبنان‪،‬‬ ‫بحكم عالقة صداقته الثنائية بين أميركا والدول العربية‪ ،‬في الوضع‬ ‫الخاص المؤاتي لدفع الحكومة األميركية إلى تعديل موقفها من القضية‬ ‫الفلسطينية‪ .‬وهذه‪ ،‬في رأيي‪ ،‬مهمة قصوى للدبلوماسية اللبنانية‪ ،‬على‬ ‫نجاحها أو فشلها‪ ،‬يقف مصير لبنان بين الموت والحياة‪.‬‬

‫آرنولد ت ُ ْو ْنبي‪:‬‬

‫مهمة خاصة للدبلوماسية اللبنانية‬


‫التاريخي‬ ‫تراثنا‬ ‫ّ‬

‫«شمع» القلعة والمزار‬ ‫واحة نابضة بالتاريخ في قلب جبل عامل‬ ‫كاميرا كامل جابر‬ ‫نص ‪‬مرايا التراث‪‬‬ ‫هي بلدة هانئة في واحة هادئة ذات تضاريس طبيعية جميلة‪.‬‬ ‫تستريح بلدة ‪‬شمع‪ ‬في قلب جبل عامل‪ ،‬عند الحدود الجنوبية مع‬ ‫ً‬ ‫فلسطين المحتلة‪ُ ،‬م َّ‬ ‫شماال على مدينتنا العريقة ُص ْور‪،‬‬ ‫طل ًة‬ ‫مزهوةً‬ ‫َّ‬ ‫بمقام النبي شمع في حمى قلعة تاريخية الفتة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫مستعينة‬ ‫‪‬مرايا التراث‪ ‬تضيء على البلدة ومقامها وقلعتها‪،‬‬ ‫الفنان الفوتوغرافي كامل جابر‪.‬‬ ‫قدمها للمجلة‬ ‫ُ‬ ‫بص َور حديثة َّ‬ ‫ُ‬ ‫جنوبا‪ ،‬وعن ُصور ‪ 18‬كلم‪ .‬ترتفع عن‬ ‫تَ ُبعد شمع عن بيروت ‪ 106‬كلم‬ ‫ً‬ ‫مربع‪ ،‬سكانها ‪ 1500‬نسمة‪،‬‬ ‫مترا‪ ،‬مساحتها نحو ‪ 4،10‬كلم ّ‬ ‫البحر ‪ً 430‬‬ ‫وخصوصا البرازيل‪.‬‬ ‫ولها مغتربون في أوروبا وأفريقيا وأميركا الالتينية‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫شرقا‪ ،‬وبحر‬ ‫شماال‪ ،‬وطير حرفا‬ ‫وهي بين بلدة المنصوري ومجدل ُزون‬ ‫غربا‪.‬‬ ‫ُص ْور ً‬ ‫السمع‪ ،‬وينتسب اسم البلدة إلى ضريح النبي‬ ‫‪‬شمع‪ ‬في اآلرامية هي‬ ‫َ‬ ‫شمعون الصفا بتخفيف اسم صاحب المقام‪ .‬وفي التواتر أن شمعون الصفا‬ ‫اسمها َ‬ ‫‪‬كفَ ر شمع‪ Caphar Shama ‬في كتاب‬ ‫ُ‬ ‫أحد تالمذة المسيح‪ .‬ورد ُ‬ ‫المؤرخ الفرنسي جوزف دوالڤيل‬ ‫لورو ‪Joseph DeLaVille Le‬‬ ‫‪ )1911–1855( Roulx‬عن‬ ‫‪‬فرنسا في الشرق في القرن‬ ‫الرابع عشر‪( ‬باريس ‪ ،)1886‬إذ‬ ‫َ‬ ‫ذكر البلدة في االتفاقية المنعقدة‬ ‫بين مارغريت سيدة ُص ْور‬ ‫ّ‬ ‫المطلة على بحر صور‬ ‫وقالوون حاكم مصر سنة ‪ .1285‬بلدة شمع‬


‫قلعة شمع‬

‫«شمع» القلعة والمزار‬ ‫‪51‬‬

‫واحة نابضة بالتاريخ في قلب جبل عامل‬

‫بناها الصليبيون سنة‬ ‫محصنً ا‬ ‫موقعا‬ ‫‪1116‬‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫يشرف على طريق القدس‪.‬‬ ‫وفي القرن الثالث عشر‬ ‫ّ‬ ‫احتلها المماليك‪ ،‬ولم ُتعد‬ ‫مهمة‪،‬‬ ‫عسكرية‬ ‫مكانة‬ ‫لها‬ ‫ّ‬ ‫حتى القرن الثامن عشر القلعة في رسم يعود الى ‪1881‬‬ ‫حين امتلكها آل الصغير (من ّ‬ ‫عسكريا‬ ‫موقعا‬ ‫حكام جبل عامل) فأعادوها‬ ‫ً‬ ‫ًّ‬ ‫وسكنيا إذ رمموها فظهر معظم أجزائها‪.‬‬ ‫ًّ‬ ‫تربض القلعة على سلسلة جبال تنتهي برأس األبيض في أقصى الجنوب‬ ‫وتشرف على مدينة صور وسهولها‪ .‬بناؤُ ها من حجارة صخرية قديمة‪،‬‬ ‫متدرج‬ ‫ساوق ّ‬ ‫أسوارها الداخلية توازي تلك الخارجية‪ .‬فَ نَ اؤُ ها الشرقي ذو تَ ُ‬ ‫جميل‪ ،‬بعض أبوابها من الرخام األنيق األبيض واألسود‪ .‬عند طرف حصنها‬ ‫نافذةٌ بقنطرتين (مندلون) ذات قبتين قوطيتين من الهندسة العربية‪ .‬وفي‬ ‫الجزار‪.‬‬ ‫جزءا من بوابة عكا أيام أحمد باشا ّ‬ ‫التاريخ أن حجارتها كانت ً‬ ‫َ‬ ‫جدار يعلو‬ ‫العلوية منها‬ ‫في القسم الظاهر من القلعة طبقتان‪َ ،‬يقسم‬ ‫ٌ‬ ‫غربا‪ ،‬وتحته بهو يفضي عند زاويته‬ ‫نحو عشرة أمتار يطل على البحر ً‬ ‫قائما‪ ،‬طوله نحو‬ ‫الشمالية الغربية بفجوة في الجدار إلى قبو كبير ما زال ً‬ ‫مترا من الغرب نحو الشرق‪ ،‬عرضه نحو أربعة أمتار‪ ،‬بارتفاع‬ ‫عشرين ً‬ ‫ثالثة أمتار‪ ،‬في جداره الشمالي نوافذ لإلنارة والرماية‪ .‬ويتصل من مدخله‬ ‫الشرقي األساسي بقبو آخر من الشمال نحو الجنوب بعقود كانت تفصل‬ ‫بينهما غرفة مستقلة تهدمت جدرانها‪.‬‬ ‫(شمالي‬ ‫كانت األبنية داخل أسوار القلعة أربعة أجزاء متباينة‪ :‬الحصن‬ ‫ّ‬ ‫شرقي القلعة)‪ ،‬المعصرة‪ ،‬القرية‪ ،‬مقام النبي ‪‬شمعون الصفا‪ ‬الذي منح‬ ‫ّ‬ ‫اسمه للموقع األثري‪ .‬كان للقلعة حضور عسكري وسياسي مع سائر قالع‬ ‫جنوبية أخرى كالشقيف وتبنين‪ .‬وحين احتلت إسرائيل جنوبي الليطاني‬ ‫كبيرا في ُبنية القلعة‬ ‫ضررا‬ ‫عسكريا ألحق‬ ‫حو ْلتها مركزً ا‬ ‫ًّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫سنة ‪َّ ،1978‬‬ ‫وأثرها التاريخي‪ ،‬فتهدم القسم األعلى من األسوار بما كان على الحصن‬ ‫الخارجي من شرفات الرماية وآبار وأقبية لجمع المياه‪ .‬وهو بين حصون‬ ‫المسيحية في صور ّ‬ ‫وطبريا حتى وادي األردن‪.‬‬ ‫وعكا‬ ‫كانت تحمي الممالك‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫كان هذا الحصن يجتذب السياح والزوار إلى أقبيته الطويلة ذات الجمال‬ ‫سفلي ُتها إسطبل‪ ،‬الوسطى للمؤن‪ ،‬والعليا‬ ‫الهندسي‪ ،‬وكان من ثالث طبقات‪:‬‬ ‫َّ‬


‫مبني داخل أسوار القلعة‬ ‫سكن الحاكم‪ .‬يحمل المبنى تسمية ‪‬الحصن‪ ‬ألنّ ه ّ‬ ‫تراتيجي ًة‪ .‬فالجزء الشمالي يشرف على السهل المحيط‬ ‫في الجهة األكثر ْس‬ ‫ّ‬ ‫المؤدية إلى فلسطين‪ .‬وألن موقع‬ ‫الساحلية‬ ‫الطريق‬ ‫وعلى‬ ‫بمدينة صور‬ ‫ّ‬ ‫الجنوب في‬ ‫األول‬ ‫اجتياحهم‬ ‫القلعة ْستراتيجي‪ ،‬احتلها اإلسرائيليون (عند‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫تسهيال‬ ‫وشوهوا بناءها‪ ،‬وسنة ‪ 1990‬أزالوا بوابتها الرئيسة‬ ‫العام ‪َّ )1978‬‬ ‫‪1‬‬ ‫َ‬ ‫آلياتهم‬ ‫العسكرية ‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫دخول ّ‬

‫‪52‬‬

‫منظر آخر للبلدة‬

‫بقيت القلعة تحت االحتالل اإلسرائيلي من ‪ 1978‬حتى تحرير الجنوب عام‬ ‫‪ 11‬‬ ‫َ‬ ‫دراسات إلعادة تأهيلها لكن‬ ‫الثقافة‬ ‫وزارة‬ ‫في‬ ‫لآلثار‬ ‫العامة‬ ‫المديرية‬ ‫زت‬ ‫جه‬ ‫‪.2000‬‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫وخصوصا األبراج على أطرافها‬ ‫دمر معظمها‪،‬‬ ‫ً‬ ‫القصف اإلسرائيلي في حرب تموز ‪ّ 2006‬‬ ‫العامة‬ ‫المديرية‬ ‫وباحاتها الداخلية والخارجية‪ ،‬والمقام الديني في جوارها‪ .‬أعادت‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫بهبة من دولة قطر‪ ،‬فأدرجت القلعة على الئحة الجرد‬ ‫ترميمها‬ ‫لآلثار‬ ‫ً‬ ‫مجددا عام ‪ٍ 2007‬‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ورفعت الحجارة المتناثرة بعد ترقيمها وإعادة بناء‬ ‫للموقع‬ ‫حماية‬ ‫ط‬ ‫مخط‬ ‫وأنشأت‬ ‫العام‬ ‫َ‬ ‫الجدران الرئيسة واألبراج من جميع الجهات‪ .‬كانت الكتيبة االيطالية العاملة في إطار‬ ‫‪‬اليونيفيل‪ ‬بدأت تأهيل الباحة الخارجية كي تتكامل مع ترميم داخل القلعة ِب ِـهبة ‪700‬‬ ‫ألف يورو من الحكومة اإليطالية إلى الحكومة اللبنانية في سياق ‪‬برنامج التراث الثقافي‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ومديرية‬ ‫الوكالة اإليطالية للتعاون اإلنمائي‬ ‫والتنمية الحضرية‪ .‬تضافرت على الترميم‬ ‫اآلثار ومجلس االنماء واإلعمار في أعمال ْيؤ َمل االنتهاء منها سنة ‪ 2022‬حين تستعيد‬ ‫السلطات اللبنانية الموقع لتتولى إدارته‪ .‬وفي ‪ 2‬حزيران ‪ 2021‬أعيد افتتاح القلعة في‬ ‫رسمي‪.‬‬ ‫احتفال‬ ‫ّ‬


‫مقام النبي شمعون الصفا‬

‫‪53‬‬

‫واحة نابضة بالتاريخ في قلب جبل عامل‬

‫يعرف ّ‬ ‫السيد المسيح‬ ‫سكان شمع والجوار صاحب المقام بأنّ ه رسول‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫بالصفا‪( ‬مولود في العام ‪ 10‬ق‪.‬م‪.).‬‬ ‫‪‬شمعون بن حمون بن ّ‬ ‫عامة‪ ،‬الملقّ ب ّ‬ ‫النبي عمران‬ ‫النبي سليمان بن داود‪ .‬أمه هي أخت‬ ‫يعود نسب والده إلى‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫السيدة مريم العذراء‪.‬‬ ‫والد ّ‬ ‫ّ‬ ‫أسبق من القلعة‪ .‬كان عند الحافّ ة‬ ‫التاريخية ّأن المقام‬ ‫وتؤكد المصادر‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫يتألّ‬ ‫ّ‬ ‫الغربية للتل الذي عليه القلعة‪ ،‬ف من طبقتين قبل إقامة‬ ‫الشمالية‬ ‫ّ‬ ‫الترميم سنة ‪2000‬‬ ‫فلية‪ .‬وخالل عملية ّ‬ ‫الس ّ‬ ‫األسوار التي طمرت الطبقة ُ‬ ‫دخول‬ ‫أي قبل‬ ‫ّتم العثور على حجر مئذنة الجامع‬ ‫المؤرخ بتاريخ ‪ 490‬هـ‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫المشرفة على منطقة صور‪.‬‬ ‫الصليبيين القرى‬ ‫ّ‬ ‫حجرية ضخمة‪،‬‬ ‫وفي المزار رواق خارجي ذو ثالثة عقود تحملها أعمدة‬ ‫ّ‬ ‫مربعة ذات عقود متداخلة‪ ،‬فوق ضريح‬ ‫ومنه مدخل أول يفضي الى غرفة ّ‬ ‫خشبي‪ .‬وإلى الجهة الشرقية منها غرفتان‪،‬‬ ‫النّ بي الذي يعلوه قفص‬ ‫ّ‬ ‫ـ ‪‬أم النبي‪.‬‬ ‫إحداهما تعرف ب ّ‬ ‫صخري للماء من‬ ‫حجري ينزل إلى صهريج‬ ‫وعند زاويته الشرقية درج‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫كميات ضخمة من مياه االمطار‪ّ ،‬‬ ‫تشكل قدرته مدى‬ ‫عقد كبير يستوعب ّ‬ ‫استيعاب آالف الزوار والسياح‪.‬‬ ‫في الصفحات التالية لقطات للقلعة قبل الترميم وخالله وبعده‪:‬‬

‫«شمع» القلعة والمزار‬

‫حيوية‪ ،‬يزوره آالف المؤمنين‬ ‫مقام ‪‬شمعون الصفا‪ ‬أكثر أقسام القلعة‬ ‫ّ‬ ‫سنويا للعبادة وتقديم نذوره‪ ،‬ويضفي عليها قيمة معنوية ورمزية‪ .‬وكان ذا‬ ‫ًّ‬ ‫بنيت‬ ‫وعندما‬ ‫والشرقية‪.‬‬ ‫الغربية‬ ‫الناحية‬ ‫من‬ ‫والحالية‬ ‫السفلى‪،‬‬ ‫طبقتين‪:‬‬ ‫َ‬ ‫مرت الطبقة السفلى من الناحية الغربية ولم‬ ‫القلعة ُوأقيمت األسوار‪ُ ،‬ط َ‬ ‫شرقي المقام‪،‬‬ ‫ظاهرا للعيان إال المقام الحالي‪ .‬وفي غرفة الديوان‪،‬‬ ‫ُيعد‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫نافذتان في حائطها الغربي‪ ،‬على حجر فوق النافذة الشمالية بيتان‪:‬‬ ‫َ َ ً‬ ‫ُ َ‬ ‫َّ‬ ‫ً‬ ‫رصــة‬ ‫دار ال طـ َـرق الــردى لـ ِـك ع‬ ‫يــا‬ ‫يومــا وال حــل الهــوان ثــر ِاك‬ ‫ُْ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫يــاك‬ ‫بالســعد إ‬ ‫والقبــال تــم تيمنــا بجــوار شــمعون الصفــا بن ِ‬


‫قبل الترميم‬

‫‪54‬‬


‫«شمع» القلعة والمزار‬

‫‪55‬‬


56


‫إبّان عمليات الترميم‬

‫«شمع» القلعة والمزار‬ ‫‪57‬‬


‫بعد الترميم‬

‫‪58‬‬


‫«شمع» القلعة والمزار‬

‫‪59‬‬

‫واحة نابضة بالتاريخ في قلب جبل عامل‬


60


‫قلب بيروت‬ ‫قلب‬ ‫َ‬ ‫انفجر‪ ...‬ال ُ‬ ‫ُ‬ ‫المرف ِإ َ‬

‫انفجر‪...‬‬ ‫قلب‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫المرف ِإ َ‬ ‫قلب بيروت‬ ‫ال ُ‬ ‫َأعدنا هيكل البيوت‪ .‬متى ُنعيد روحها؟‬ ‫نص وكاميرا أنطوان لحود‬ ‫‪ ...‬وسنُ عيدها ْلؤ َلؤ ًة كما كانت‬ ‫بريشاتهم كي ال ننسى‬

‫أسامة الكالّ ب‬


‫قلب بيروت‬ ‫قلب‬ ‫َ‬ ‫انفجر‪ ...‬ال ُ‬ ‫ُ‬ ‫المرف ِإ َ‬

‫أَعدنا هيكل البيوت‪ .‬متى نُعيد روحها؟‬

‫‪1‬‬

‫نص وكاميرا أنطوان لحود‬ ‫عصر ‪ 4‬آب ‪ :٢٠٢٠‬انفجار هائل في العنبر رقم ‪ ١٢‬من‬ ‫الساعة ‪ْ 6:07‬‬ ‫مرفإ بيروت‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫جدا على بيروت وأهاليها‪ :‬أكثر من ‪٢٠٠‬‬ ‫ا‬ ‫قاسي‬ ‫المدمر‬ ‫االنفجار‬ ‫كان‬ ‫ً ً‬ ‫ّ‬ ‫ضحية و‪ ٦‬آالف جريح‪ ،‬فوضى عارمة‪ ،‬والتدمير طال مستشفيات المنطقة‪.‬‬ ‫هذا اإلجرام أطاح تراث مدينة مخططة منذ أكثر من ‪ ١٠٠‬عام‪ ،‬منذ‬ ‫أواخر العهد العثماني فاالنتداب الفرنسي‪ ،‬مكسوة بالقرميد ‪‬الفرنجي‬ ‫برنجي‪ ‬ومشهورة بطابع الــ ‪‬ثالث قناطر‪.‬‬ ‫شرفات تلك األحياء البيروتية (الجميزة‪ ،‬المدور‪ ،‬مار مخايل‪ ،‬سرسق‪،‬‬ ‫‪ )...‬كانت ذات فترة (‪ )1910–1890‬واجهة جديدة على الطابع العمراني‬ ‫التقليدي بإطاللتها من القناطر مستريحة على زفور حجرية‪ .‬كانت ّ‬ ‫تشكل‬ ‫تعبر عن التحرر من القيود العثمانية‪ ،‬وعن طريقة التواصل‬ ‫ظاهرة هندسية ِّ‬ ‫مع المجتمع البيروتي‪.‬‬ ‫وتهدم‬ ‫باالنفجار تطاير القرميد عن المنازل‪ ،‬كما الزجاج والنوافذ‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫أكثر من ‪ ٨٠٠‬منزل في تلك الــدائــرة التي تواجه المرفأ‪ .‬ذلــك أن تلك‬ ‫حجرا فوق حجر‪ ،‬وطبقاتها العليا ذات سقوف مرتفعة نحو‬ ‫المنازل مبنية‬ ‫ً‬ ‫‪ ٥‬أمتار ما ّأثر في هبوط بعضها‪.‬‬ ‫غداة االنفجار هرع المواطنون من جميع المناطق إلى منطقة االنفجار‬ ‫لمساعدة األهــالــي وإزال ــة ال ــردم‪ ،‬كما تقاطرت جمعيات أهلية لتأمين‬ ‫المساعدات‪.‬‬ ‫مسح وإجراءات‬ ‫ْ‬

‫هندسيا‪ :‬تولَّ ت مديرية اآلثــار‪ ،‬تنسيقً ا مع منظمة اليونسكو‪ ،‬دعوة‬ ‫ًّ‬ ‫مهندسين متخصصين بالترميم إلــى تشكيل خلية ط ــوارئ (ك ـنـ ُـت بين‬ ‫‪ 11‬‬

‫مرمم‪ ،‬أستاذ في الجامعة اللبنانية األميركية ‪.LAU‬‬ ‫مهندس معمار ِّ‬


‫بعد االنفجار شهدت بيروت الجريحة زيارات دعم دولية‪:‬‬ ‫–‪ ‬الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والتقى األهالي وزار المرفأ‪.‬‬ ‫–‪ ‬المديرة العامة لليونسكو أودري أزوالي واجتمعت بالمهندسين‬ ‫المرممين والـمــديــر الـعــام لــآثــار المهندس سركيس خــوري (في‬ ‫قصر إيفون سرسق المتهدم وكان أيقونة هندسية في بيروت وعلى‬

‫أَعدنا هيكل البيوت‪.‬‬

‫زيارات دولية‬

‫‪63‬‬

‫متى نُعيد روحها؟‬

‫سم ْتها )‪ (Beirut Built Heritage Rescue = BBHR‬إنقاذ تراث‬ ‫أعضائها) َّ‬ ‫ً‬ ‫المتضررة‪ ،‬وصنَّ فَ ْتها‬ ‫مسحا كامال لألبنية التراثية‬ ‫بيروت المبني‪ ،‬أجرت‬ ‫ً‬ ‫ِّ‬ ‫ثالث فئات‪:‬‬ ‫‪ .1‬ضرر كامل‪.‬‬ ‫‪ .2‬ضرر كبير بحاجة لتدعيم سريع‬ ‫‪ .3‬ضرر جزئي بحاجة لترميم‬ ‫بعد اجتماعات مع نقيب المهندسين جاد تابت والقيمين اإلداريين على‬ ‫فورا بالطلب إلى‪:‬‬ ‫المدينة‪ ،‬تحركنا ً‬ ‫‪ .1‬المدير العام للتنظيم المدني‪ ،‬المهندس الياس طويل‪ ،‬وضع المنطقة‬ ‫تحت الدرس‪ْ ،‬‬ ‫لوقف التراخيص في المنطقة‪.‬‬ ‫منع معامالت البيع والشراء‪،‬‬ ‫‪ .2‬محافظ بيروت القاضي مروان عبود ْ‬ ‫الكتاب بالعدل‪.‬‬ ‫حتى لدى َّ‬ ‫‪ .3‬رئيس بلدية بيروت المهندس جمال عيتاني اإلسهام في حفظ األمن‬ ‫بمساعدة الشرطة البلدية‪ ،‬ألن سرقة المنازل المهدومة انتشرت‬ ‫في تلك الناحية‪.‬‬ ‫خصوصا القريبة من الطرقات‬ ‫بدأت مرحلة تدعيم المنازل المهدمة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫العامة‪ ،‬بمساعدة شركات مقاولين كبرى‪ ،‬وبإشراف المديرية العامة لآلثار‬ ‫واليونسكو والمجلس الدولي للمواقع واآلثــار (‪ ،)ICOMOS‬مع تسقيف‬ ‫المنازل بمواد خفيفة لحمايتها من العوامل الطبيعية والمطر (ألنها فقدت‬ ‫القرميد) مع ترميز ثكنات القرميد الخشبية‪.‬‬ ‫خشبية‬ ‫أبــرز أسـبــاب هبوط المنازل التراثية باالنفجار‪ :‬أرضياتها‬ ‫ّ‬ ‫تزعزعت فسقطت‪.‬‬ ‫خشبية‬ ‫وشمل التدعيم‪ ،‬مع السقوف‪ ،‬الشبابيك الخارجية بجسور‬ ‫ّ‬ ‫لصد مياه المطر عنها‪.‬‬ ‫وإغالقها بشوادر‬ ‫ّ‬


‫المتوسط)‪ .‬وجالت في بيروت وأعلنت أنها ستقوم بحملة لدعم‬ ‫بيروت‪ ،‬وخاصة مدارسها المتضررة‪ ،‬وشكرت من ساهموا وساعدوا‬ ‫على إنهاض بيروت من تحت الركام‪.‬‬ ‫وتم‬ ‫–‪ ‬السفير األلماني في لبنان أنــدراس كندل لدعم منازل ُرممت ّ‬ ‫تدعيمها بتمويل كامل من الدولة األلمانية (‪ ٥٠٠‬ألف يورو)‪.‬‬ ‫ً‬ ‫تراثيا من اختيار األونسكو بإشراف مديرية‬ ‫منزال‬ ‫–‪ ‬ترميم وتدعيم ‪١٢‬‬ ‫ً‬ ‫عملت عليهما طيلة شهرين في‬ ‫كنت‬ ‫ُ‬ ‫اآلثــار‪ ،‬وتـ ّـم اختيار عقارين ُ‬ ‫وترميما‪.‬‬ ‫تدعيما‬ ‫المدور‬ ‫منطقة‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫من الجسد إلى الروح‬

‫‪64‬‬ ‫نص وكاميرا أنطوان لحود‬

‫تلك بيروت خالية أحياء منها في منازل تراثية لم يعد فيها سوى دعائم‪،‬‬ ‫تغطيها شوادر وألواح تنَ ك‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫حيا‪ .‬لكن بيروت اليوم تعاني‪ ،‬وبين‬ ‫يعلمنا الترميم كيف نُ بقي تراثنا ًّ‬ ‫قريبا‪ ،‬ألنهم غير قادرين على ترميم منازلهم‪ ،‬وألن‬ ‫سكانها َمن لن يعودوا ً‬ ‫الــدولــة عاجزة عن أخــذ الـمـبــادرة‪ ،‬وألن المساعدات محصورة بالغذاء‬ ‫ً‬ ‫أحيانا‪ ،‬وألن المجتمع األوروبي لن يعطي مساعدات قبل تشكيل الحكومة‪،‬‬ ‫وألن شركات التأمين ال تدفع قبل صدور نتائج التحقيق‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أحيانا بعض السكان فيما كنا نعمل‪ .‬كانوا يــزورون بيوتهم‪،‬‬ ‫التقينا‬ ‫صو ًرا يمسحون عنها الغبار‪ .‬وذات يوم‪ ،‬خالل عمليات الترميم‪،‬‬ ‫يلملمون َ‬ ‫هالني َأني لم أستطع أن أمسح الدمع من عيني عجوز فَ قَ َد شريكة حياته‬ ‫في ذاك المنزل الذي لم تبارحه منذ سنين‪.‬‬ ‫ودعمنا بعض بيوت بيروت الجريحة‪ ،‬لكننا ننتظر‬ ‫صحيح أننا رممنا ّ‬ ‫أن نرمم روح تلك البيوت كما كانت قبل االنفجار‪ ،‬إلعادة الحياة إليها بعد‬ ‫الترميم‪.‬‬

‫قبل‪...‬‬

‫‪...‬وبعد‬


‫متى نُعيد روحها؟‬

‫قبل‪...‬‬

‫‪...‬وبعد‬

‫أَعدنا هيكل البيوت‪.‬‬

‫‪...‬وبعد‬ ‫قبل‪...‬‬

‫‪65‬‬


‫قبل‪...‬‬

‫‪66‬‬ ‫نص وكاميرا أنطوان لحود‬

‫‪...‬وبعد‬

‫قصر إيفون سرسق قبل‪...‬‬

‫‪...‬وبعد‬


‫أَعدنا هيكل البيوت‪.‬‬

‫َّ‬ ‫والمهددة بالسقوط‬ ‫المهشمة ‪...‬‬ ‫األهراءات‬ ‫َّ‬

‫‪67‬‬

‫متى نُعيد روحها؟‬

‫قبل‪...‬‬

‫‪...‬وبعد‬


‫بعد لحظات من االنفجار‬

‫‪68‬‬ ‫نص وكاميرا أنطوان لحود‬

‫شارعا من بيروت‬ ‫كان‬ ‫ً‬ ‫قوس الغمام يضيء باألمل‬

‫تدعيم الفتحات الخارجية بجسور خشبية‬ ‫وتسكيرها بشوادر‬

‫الدمار من فوق‬


‫أَعدنا هيكل البيوت‪.‬‬

‫الرئيس الفرنسي زار المنطقة وأهاليها‬

‫‪69‬‬

‫متى نُعيد روحها؟‬

‫المديرة العامة لليونسكو‬

‫جولتُ نا مع السفير األلماني‬

‫السفير األلماني يستفسر منا عن بعض التفاصيل‬


‫قلب بيروت‬ ‫قلب‬ ‫َ‬ ‫انفجر‪ ...‬ال ُ‬ ‫ُ‬ ‫المرف ِإ َ‬

‫‪ ...‬وسنُعيدها ْ‬ ‫لؤل َؤ ًة كما كانت‬ ‫أسامة ّ‬ ‫الكلب‬

‫‪1‬‬

‫الرابع من آب ‪ ،2020‬اهتزت العاصمة بيروت بانفجار هائل قتل من‬ ‫مرفإها‪،‬‬ ‫وشرد من ناسها‪ ،‬ودمر منها بيوتً ا وأحياء‪ ،‬أفرغ أهراءات‬ ‫أهلها ّ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫جرحا هيهات‬ ‫وهشم دورها االقتصادي كميناء للشرق‪ ،‬وأحدث في قلبها‬ ‫ً‬ ‫أن يندمل‪.‬‬ ‫غــداة االنفجار انكشف هــول الكارثة على تــراث المدينة المعماري‬ ‫وخصوصا ما فيها من كنوز‬ ‫المرتبط وثيقً ا بتاريخها وذاكرتها الجماعية‪،‬‬ ‫ً‬ ‫تراثية فريدة تعود إلى الحقبة العثمانية وسنوات االنتداب الفرنسي وبداية‬ ‫وحربا محلية‪ ،‬ونجا منها‬ ‫فترة االستقالل‪ .‬فهي عاصرت حربين عالميتين‬ ‫ً‬ ‫ومن نجا‪.‬‬ ‫ما َ‬ ‫الصحوة على الكارثة‬ ‫والمدور والجميزة ومار‬ ‫المدمرة تمحورت في أحياء الرميل‬ ‫التجمعات‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫مخايل والسراسقة والكرنتينا‪ ،‬وهي مناطق سكنية احتضنت مع أهلها من‬ ‫جاؤوا إلى العاصمة في بداية ازدهارها االقتصادي‪ ،‬ومنهم األرمن الناجون‬ ‫من المجزرة‪ .‬ومنذ سنة ‪ 2000‬كانت تلك المنطقة لؤلؤة األنشطة الفنية‬ ‫وسياحيا ممتازً ا‪.‬‬ ‫رياديا‬ ‫موقعا‬ ‫والثقافية‪ ،‬ما جعلها‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫أوقعت أكثر من ‪ 200‬ضحية و‪ 6000‬جريح و‪ 300‬ألف ّ‬ ‫مشرد‪،‬‬ ‫الكارثة َ‬ ‫وقدر البنك الدولي قيمة الخسائر المباشرة وغير المباشرة الناتجة بنحو‬ ‫ّ‬ ‫‪1.5‬مليار دوالر أميركي‪ .‬لذا تشكلت في المديرية العامة لآلثار خلية‬ ‫أزمة تضع خطة عمل عاجلة إلنقاذ التراث المعماري والثقافي المتبقي‬ ‫المدمر منه‪ ،‬وكان ذلك بالشراكة مع األونسكو ومبادرتها‪BACH ،‬‬ ‫واستعادة‬ ‫ّ‬ ‫)‪ ،(Beirut Assist Cultural Heritage‬ومنظمات إكروم‪ ،‬إيكوموس‪ ،‬الدرع‬ ‫حاليا‬ ‫‪ 11‬مهندسة معمارية مختصة في ترميم المباني التراثية واألوابد االثرية‪.‬‬ ‫ًّ‬ ‫مرممة ّ‬ ‫كشافة في قسم األبنية التراثية لدى المديرية العامة لآلثار في وزارة‬ ‫مهندسة ِّ‬ ‫الثقافة‪.‬‬


‫التقرير‬ ‫حدد المناطق‬ ‫خبيرا في التراث‬ ‫وبعد خمسة أيام أصدر ‪40‬‬ ‫تقريرا ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫المتضررة وأهميتها التراثية ووضعها الحالي‪ ،‬ورسم خطة إلنجاز مسح‬ ‫األبنية وتشخيص أضرارها وطرق معالجة األضرار لتقدير كلفتها وخطة‬ ‫تنفيذها‪.‬‬ ‫في الشق االجتماعي‪-‬االقتصادي تّ م التعاون مع جمعيتي ‪APPEAL‬‬ ‫و ‪ ،BEMA‬إلحصاء األضرار واالحتياجات في هذا القطاع لتأمين استقراره‬ ‫واستمراريته‪.‬‬ ‫تضرر من االنفجار‪ ،‬بينها‬ ‫نتيجة المسح أظهرت أن نحو ‪ 600‬مبنى تراثي َّ‬ ‫‪ 45‬بحاجة إلى تدعيم عاجل‪ ،‬و‪ 100‬بحاجة إلى حماية قبل هطول االمطار‪.‬‬ ‫وتبين امتداد‬ ‫وفــاق التقدير األولــي للخسائر ‪ 300‬مليون دوالر أميركي‪ّ .‬‬ ‫المنطقة المصابة‪ :‬من مار مخايل والجميزة والكرنتينا إلى الجعيتاوي ومار‬ ‫نقوال والصيفي ومناطق في الباشورة وزقاق البالط والمصيطبة والمزرعة‬ ‫ً‬ ‫تدرج األضرار بين هذه المناطق)‪.‬‬ ‫(ربطا خارطة تظهر ُّ‬ ‫المسح والت َب ّني‬

‫تراوحت إصابات المباني بين فقدان واجهاتها ذات القناطر الثالث‬ ‫(قبالة المرفإ مباشرة) وانهيارها الجزئي أو الكامل‪ .‬وهكذا كانت األولوية‬ ‫لتدعيم المباني وتغطيتها لرفع الخطر عنها وعن السالمة العامة‪ ،‬ثم مرحلة‬ ‫ترميم الواجهات إلعادة الطابع العام التراثي في الشوارع‪ ،‬وتبقى المرحلة‬ ‫األخيرة الحفاظ على العناصر الداخلية التراثية من خالل ترميمها وفقً ا‬ ‫لألصول (سقوفيات البغدادي على سبيل المثال)‪.‬‬ ‫تعوض لتراثنا الـمــادي وغير‬ ‫دمــار هــذه المباني واألحـيــاء خسارة ال ّ‬ ‫المادي‪ ،‬وتهديد لتركيبة اجتماعية متنوعة ومنفتحة ومتطورة وآمنة‪ .‬من‬ ‫تصور لمستقبل بيروت بالحفاظ عليها وعلى‬ ‫هنا األولــويــة هي مقاربة‬ ‫ّ‬ ‫أصالتها الهندسية ونسيجها االجتماعي‪.‬‬

‫‪ ...‬وسنُعيدها ْ‬ ‫لؤل َؤ ًة كما كانت‬

‫األزرق )‪ ،(Blue shield‬أليف‪ ،‬متحف اللوفر‪ ،‬مفوضية االمم المتحدة‬ ‫َّ‬ ‫لالجئين ‪ ،UNHCR‬و ‪ ،ITALIAN CORPORATION‬والمعهد الفرنسي‬ ‫للشرق األدنى ‪ ،IFPO‬والمعهد العالي الفرنسي لألعمال ‪ ،ESA‬ومجموعة‬ ‫مهندسين مختصين خريجي مركز الترميم في الجامعة اللبنانية ‪BBHR‬‬ ‫‪ ،2020‬وجمعية ‪ ،APSAD‬ومنظمات ومبادرات عالمية ومحلية أخرى‪.‬‬

‫‪71‬‬


‫‪72‬‬

‫حيال الوضع االقتصادي المتردي‪ ،‬والقطاعات الحيوية المتوقفة عن‬ ‫العمل‪ّ ،‬‬ ‫والشح في التمويل الخارجي والداخلي‪ ،‬إضافة إلى جائحة كورونا‬ ‫التي أوقفت لفترةٍ أعمال الترميم في المناطق المنكوبة‪ ،‬واستحالة سكان‬ ‫البيوت ترميمها‪ ،‬أطلقت المديرية العامة لآلثار حملة ‪‬تَ َب َّن بيتً ا‪“Adopt ‬‬ ‫”‪ a House‬لحث األفراد والجمعيات على تمويل ترميم منزل أو مجموعة‬ ‫تراثية إلعادة إحياء تراث بيروت واقتصادها الثقافي‪.‬‬ ‫أفرادا‬ ‫أنوه بروح التعاون والمساعدة لدى شباب لبنان‬ ‫ً‬ ‫وال أختم دون أن ِّ‬ ‫وجـمـعـيــات مــن مختلف المناطق‪،‬‬ ‫ت ـقــاطــروا ف ـبـ ُّـثــوا األمـ ــل فــي قلوب‬ ‫الحمية‬ ‫ونفوس المتضررين‪ ،‬وزرعوا‬ ‫ّ‬ ‫عـنــد الـعــامـلـيــن عـلــى االرض على‬ ‫السواء‪ .‬إنهم نموذج شباب لبنان‪،‬‬ ‫الوريث الشرعي لتراثه الذي نسعى‬ ‫جــاهــديــن للحفاظ عليه والتوعية‬ ‫على أهميته لهم ولألجيال المقبلة‪.‬‬

‫أسامة الكلّاب‬ ‫خارطة تظهر موقع االنفجار وتدرج المناطق المتضررة‬


‫‪2020/08/5‬‬

‫‪ ...‬وسنُعيدها ْ‬ ‫لؤل َؤ ًة كما كانت‬

‫‪73‬‬


‫‪74‬‬ ‫أسامة الكلّاب‬ ‫خارطة االبنية التراثية المتضررة‬


‫‪ ...‬وسنُعيدها ْ‬ ‫لؤل َؤ ًة كما كانت‬

‫‪75‬‬


‫انماط االضرار في االبنية التراثية‬ Triple arcades and openings

.1

Missing columns of the triple arcades

‫أسامة الكلّاب‬

76

Missing the whole elevation of the triple arcades

Missing windows

Out-of-plane deformation of walls beneath attic.

Walls in the ground floor Walls in a floor different from the ground floor

.2


ْ ‫ وسنُعيدها‬... ‫لؤل َؤ ًة كما كانت‬

Walls bowing

.3

Missing peripheral walls and remaining .4 cantilever walls beneath the attic.

77

In plane cracks with limited crack width < 2 cm .5


Excessive deflection of the ceilings, or broken beams .6

Partially or quasi-totally damaged

.7

‫أسامة الكلّاب‬

Attic

78


.8

ْ ‫ وسنُعيدها‬... ‫لؤل َؤ ًة كما كانت‬

Locally collapsed building with an unstable attic condition

79 Nearly totally collapsed structure with a high risk .9 if strengthening action will be conducted


‫مسح لتكنات القرميد التراثية المتضررة‬

‫‪An urgent salvage issue of protection before the rain season fall 2020‬‬

‫‪80‬‬

‫السقوف التراثية المتضررة‬

‫أسامة الكلّاب‬


‫‪ ...‬وسنُعيدها ْ‬ ‫لؤل َؤ ًة كما كانت‬

‫مسح وتوثيق المباني المتضررة من االنفجار بتقنية االبعاد الثالث‬

‫‪81‬‬

‫مبنَ َيان على شارع ارمينيا‬

‫قصر سرسق‬


Image-based 3D documentation of art-works

Ortho-rectification of the Baghdadi Ceiling in RM-2_356

‫أسامة الكلّاب‬

82

Ortho-rectification of the Baghdadi Ceiling in AC_726


‫المرحلة االولى‪ :‬مرحلة التدعيم‬

‫‪ ...‬وسنُعيدها ْ‬ ‫لؤل َؤ ًة كما كانت‬

‫‪83‬‬


‫‪84‬‬

‫أسامة الكلّاب‬


‫‪ ...‬وسنُعيدها ْ‬ ‫لؤل َؤ ًة كما كانت‬

‫‪85‬‬


‫قلب بيروت‬ ‫قلب‬ ‫َ‬ ‫انفجر‪ ...‬ال ُ‬ ‫ُ‬ ‫المرف ِإ َ‬

‫بريشاتهم كي ال ننسى‬

‫ُ‬ ‫المرفإ ترك بصماته على البيوت واالقتصاد والسياحة والتراث‪،‬‬ ‫زلزال‬ ‫ِ‬ ‫أيضا على ريشات الفنانين‪.‬‬ ‫لكنه ترك بصماته ً‬ ‫رمم‪ ،‬واالقتصاد سيعود إلى سالمته بعد حين‪،‬‬ ‫وإذا كانت البيوت ُ‬ ‫ست َّ‬ ‫والسياحة ترجع إلى نبضها بعد انحسار الغيم األسود‪ ،‬والتراث سيستعيد‬ ‫مضم ًدا ببراعة الخبراء‪ ،‬فال َّبد أن يمر الزمن على الكارثة‪ ،‬وتبدأ‬ ‫وجهه‬ ‫َّ‬ ‫عاما بعد عام‪.‬‬ ‫الذكرى باالنحسار ً‬ ‫ما الذي يبقى؟‬ ‫سب َب ْتها الكارثة في لوحاتهم‪،‬‬ ‫تبقى ما َّ‬ ‫سج َل ْته ريشات الفنانين من صدمةٍ َّ‬ ‫باق في ذاكرة الوطن‬ ‫وهو‬ ‫له‪،‬‬ ‫عمر‬ ‫ال‬ ‫فالفن‬ ‫الزمن‪.‬‬ ‫مر‬ ‫على‬ ‫ستظل شاهدةً‬ ‫ٍ‬ ‫الشاهد والشهادة‪.‬‬ ‫المرفإ الرهيبة‪،‬‬ ‫تخصصه لكارثة‬ ‫‪‬مرايا التراث‪ ،‬في هذا الملف الذي ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫صد َم ْتهم الكارثة‪ ،‬وتشكر ‪‬جمعية‬ ‫تنشر‬ ‫أحزانا َطفَ ت على ريشات فنانين َ‬ ‫ورئيسها سهيل منيمنة بمعظم هذه‬ ‫مؤسسها‬ ‫تراثنا بيروت‪ ‬التي وافانا‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫الصور من محفوظات الجمعية التي كان لها دور رئيس في اإلسهام بإعادة‬ ‫َ‬ ‫‪1‬‬ ‫النبض إلى ذاك القلب من قلب بيروت ‪.‬‬

‫‪ 11‬كان ُيمكن أن ننشر عناوين اللوحات كما َ‬ ‫وصلتْ نا‪ ،‬لكن وجع اللوحات واحد‪ ،‬مهما‬ ‫تعد َدت العناوين‪.‬‬ ‫َّ‬


‫بريشاتهم كي ال ننسى‬

‫أنطوان مطر‬

‫‪87‬‬


‫‪88‬‬ ‫شوقي دالل‬


‫بريشاتهم كي ال ننسى‬

‫‪89‬‬

‫جوزف أبي ضاهر‬


‫‪90‬‬

‫لميا َّلبان جمول‬


‫بريشاتهم كي ال ننسى‬

‫نبيل سعد‬

‫‪91‬‬


‫‪92‬‬ ‫توم يونغ‬


‫بريشاتهم كي ال ننسى‬

‫جوزف خوري (برونزية)‬

‫جمال قضماني‬

‫‪93‬‬



‫اليونسكو‪:‬‬

‫الصحافي‬ ‫ترا ُثنا‬ ‫ّ‬

‫‪95‬‬

‫عددا من جريدة ‪‬جبل عامل‪1912–1911 ‬‬ ‫‪ً 44‬‬

‫البعد االجتماعي والثقافي في واحتنا اللبنانية العريقة‬ ‫رسمت ُ‬ ‫َ‬

‫هذا هو التراث غير المادي‬

‫مسعود ضاهر‬


‫الصحافي‬ ‫ترا ُثنا‬ ‫ّ‬

‫عددا من جريدة « جبل عامل» ‪1911-1912‬‬ ‫‪44‬‬ ‫ً‬

‫رسمت البُعد االجتماعي والثقافي‬ ‫َ‬ ‫في واحتنا اللبنانية العريقة‬ ‫مسعود ضاهر‬ ‫بعد إعالن الدستور العثماني الجديد (‪ )1908‬صدرت صحف ومجالت‬ ‫عدة في جبل عامل وغيره من المناطق المجاورة‪ .‬ففي العام ‪–1911‬‬ ‫‪ 1912‬صدرت ست صحف ثم ُأغلقت بعد عام واحد على صدورها وهي‪:‬‬ ‫‪‬المرج‪ ،‬العلم‪ ،‬االتفاق‪ ،‬األدب‪ ،‬جبل عامل‪ ،‬القوة‪ ،‬ثم ُأغلقت‬ ‫ثالث صحف بعد ‪ 10‬سنوات على صدورها‪ ،‬واستمرت سبع صحف في‬ ‫الصدور بين ‪ 11‬إلى ‪ 50‬سنة‪ .‬وحدها مجلة ‪‬العرفان‪ ‬استمرت ألكثر من‬ ‫‪ 75‬سنة‪( .‬ناتوت ص ‪.)98‬‬ ‫ارتبط صدور الصحف واستمراريتها في جبل عامل باألوضاع السياسية‬ ‫واالقتصادية واألمنية والتربوية واالجتماعية وغيرها‪ .‬لكن عدم إقبال‬ ‫ست منها بعد‬ ‫دورا َأ‬ ‫ساسيا في إغالق ٍّ‬ ‫العامليين على االشتراك فيها لعب ً‬ ‫ًّ‬ ‫ً‬ ‫حد‬ ‫نشرات‬ ‫عام واحد على صدورها‬ ‫ٍ‬ ‫دورية تُ طبع وتُ وزع على نطاق ضيق‪َّ .‬‬ ‫من انتشارها أكثر من عامل‪ :‬أوضاع ناشرها المالية المتعثرة‪ ،‬عدم ُبلوغها‬ ‫المشتركين‪ ،‬إشاحة هؤالء عن دفع االشتراك‪ ،‬عدم حماسة المغتربين‬ ‫جدا‪.‬‬ ‫لدعمها‪ ،‬لذا اقتصرت قراءتها على مجموعة ثقافية ودينية محدودة ًّ‬ ‫الخط الوطني التحرُّري‬ ‫صدر‬ ‫واجهت تلك الصحف مشكالت طباعة وتمويل وتسويق‪ .‬كانت تَ ُ‬ ‫فكثيرا ما كان يكتب مقاالت عدة في العدد‬ ‫بجهود صاحبها الشخصية‪،‬‬ ‫ً‬ ‫الواحد بأسماء مختلفة لكنها واضحة الداللة‪ .‬كانت الصعوبات كبيرة‪،‬‬ ‫وتحريريا‪ ،‬واألمية منتشرة على نطاق واسع‪ ،‬واألوضاع االقتصادية‬ ‫ماديا‬ ‫ًّ‬ ‫ًّ‬ ‫مأزومة في جبل عامل وباقي المناطق الجنوبية‪ .‬وهذا‪ ،‬إلى مشكلتين‬ ‫ْتقنيتين‪ :‬صعوبة الطباعة وصعوبة التسويق‪ .‬فليس من هيئة تحرير‬ ‫فيد من مواد إعالمية‬ ‫ومراسلين وموزعين ثابتون‪ .‬كانت الصحف الجديدة تُ ُ‬ ‫توزعها وكاالت األنباء‪ ،‬فتعيد نشرها ً‬ ‫َّ‬ ‫ومجالت أخرى‪.‬‬ ‫نقال عن صحف‬ ‫وكان ناشرها يعلل النفس بدعم المغتربين الستمرارية صدورها‪ ،‬حتى أن‬


‫في سيرة مؤسسها الشيخ أحمد عارف الزين أنه ولد في قرية شحور‬ ‫الجنوبية عام ‪ .1881‬ومنهم من يرفع سن والدته إلى أواخر ‪ 1882‬أو مطلع‬ ‫التقويمين الهجري والميالدي‪.‬‬ ‫‪ 1883‬بسبب عدم الدقة في التحديد بين‬ ‫َ‬ ‫كان في الحادية عشرة حين َ‬ ‫واستقرت فيها‪َّ .‬‬ ‫تعلم‬ ‫صيدا‬ ‫إلى‬ ‫انتقلت أسرته‬ ‫َّ‬ ‫في مدارس النبطية ً‬ ‫دروسا خصوصية في الفرنسية والعثمانية‬ ‫أوال ثم تلقَّ ى‬ ‫ً‬ ‫والفارسية‪ .‬بدأ في سن مبكرة بنشر مقاالته في ‪‬حديقة األخبار‪ ‬و‪‬ثمرات‬ ‫الفنون‪ ‬و‪‬االتحاد العثماني‪ .‬وفي شباط ‪ 1909‬أصدر العدد األول من‬ ‫‪‬مجلة العرفان‪ ‬في صيدا وكان يطبعها في مطابع بيروت‪ .‬في العام‬ ‫‪ 1911‬أنشأ مطبعة ‪‬العرفان‪ ‬في صيدا فاشتهرت بجودة طباعتها‪ .‬وفي‬ ‫‪ 28‬كانون األول ‪ 1911‬أصدر العدد األول من جريدة ‪‬جبل عامل‪ .‬لكنه‪،‬‬ ‫مفص ًلة في‬ ‫بعد صعوبات كبيرة على مختلف الصعد‪ ،‬أوقفها ألسباب ذكرها َّ‬ ‫عددها األخير (الرابع واألربعين)‪ .‬وحيال معاناته مع السياسة الطورانية‬ ‫ِّ‬ ‫والترقي‪ ‬ضد العرب‪،‬‬ ‫والتتريك المتشددة تبناها قادة ‪‬جمعية االتحاد‬

‫عددا من جريدة « جبل عامل» ‪ 1912-1911‬‬ ‫‪44‬‬ ‫ً‬

‫سيرة ناشر َّ‬ ‫مثقف‬

‫‪97‬‬

‫رسمت البُعد االجتماعي والثقافي‬ ‫َ‬

‫رصع صدر صفحتها األولى بشعار ‪‬رسول بين الوطن والمهجر‪‬‬ ‫منهم َمن َّ‬ ‫(ناتوت ص ‪.)98‬‬ ‫غالبا بــ ‪‬الخط الوطني التحرري والقومي‬ ‫التزمت الصحف الجديدة ً‬ ‫العربي الجامع‪ .‬من هنا كتب أمين الريحاني يمتدح ألفرد أبو سمرا ودور‬ ‫جريدته ‪‬القلم الصريح‪ ‬بأنها ‪‬لسان حال لبنان العربي والعرب‪ .‬وخير‬ ‫الجزاء كرامة تعود إلى لبنان الوطن‬ ‫األخوة العربية‪‬‬ ‫وبصيره تُ ريه الخير في‬ ‫َّ‬ ‫(ناتوت ص ‪ .)98‬إال أنها كانت تتحاشى‬ ‫الصدام المباشر مع السلطات المحلية‬ ‫المرتبطة بالسلطنة العثمانية‪ .‬ومنهم‬ ‫من أغدق المديح للسلطنة العثمانية دون‬ ‫أن ينجو من العقاب أو السجن أو تنجو‬ ‫جريدته من اإلغالق‪.‬‬ ‫في هذه الدراسة ْثب ٌت بالمواضيع‬ ‫الهامة التي تناولتها ‪‬جبل عامل‪ ‬بكثير‬ ‫من الدقة والموضوعية‪ ،‬حتى شكلت‬ ‫مادة غنية لدراسات تاريخية وتراثية‬ ‫وعلمية موسعة عبر أبوابها الثابتة‪.‬‬ ‫العدد األول‪ :‬فاتحة الجريدة‪‬‬


‫‪98‬‬ ‫مسعود ضاهر‬

‫َ‬ ‫جذريا آراؤه ومواقفه من العثمانيين‪،‬‬ ‫تبدلت‬ ‫ًّ‬ ‫وشارك في جمعيات سرية طالبت باستقالل‬ ‫الدول العربية عن السلطنة العثمانية‪ ،‬منها‬ ‫‪‬جمعية العهد‪ ،‬جمعية اإلصالح‪ ،‬جمعية‬ ‫الشبيبة العربية‪ .‬وكان من مؤيدي مقررات‬ ‫باريس لعام ‪ ،1913‬وسيق إلى الديوان العرفي‬ ‫بتهمة تأليف جمعية ‪‬فتاة العروبة‪ ‬مع عبد‬ ‫الشيخ أحمد عارف الزين‬ ‫في أواخر أيامه‬ ‫الكريم الخليل ومحمد حيدر‪.‬‬ ‫‪‬عاملي‪ ‬مناضل ترعرع‬ ‫إذَ ْن تشير هذه السيرة الذاتية إلى مثقف‬ ‫ّ‬ ‫في صيدا وكانت له عالقات وثيقة مع بيروت‪ .‬تعلم لغات عدة‪ ،‬ومارس‬ ‫العمل الصحافي في أكثر من جريدة‪ ،‬وكانت له ميول إصالحية بارزة على‬ ‫ً‬ ‫بادية في مقاالته النقدية‬ ‫مختلف الصعد‪ .‬كانت حماسةُ الشاب المثقف‬ ‫الالذعة ضد القوى السياسية والثقافية والدينية السائدة آنذاك في جبل‬ ‫عامل فتحالفت ضده أو تخلت عنه وعن جريدته فأوقفها بعد أقل من عام‬ ‫على إصدارها‪ .‬وهو فنَّ د بوضوح ساطع األسباب الحقيقية التي أجبرته‬ ‫على إيقاف ُصدور ‪‬جبل عامل‪ ‬في عددها األخير دون أن يتخلى عن‬ ‫دورا بارزً ا في تاريخ الصحافة‬ ‫أصدار مجلته الرائدة ‪‬العرفان‪ ‬التي لعبت ً‬ ‫الجنوبية واللبنانية والعربية‪.‬‬ ‫السمات األساسية لصحيفة «جبل عامل» ‪1912-1911‬‬ ‫صدرت ‪‬جبل عامل‪ ‬لسنة واحدة فقط بثماني صفحات‪ .‬وتضمنت‬ ‫افتتاحية العدد األول منها أبرز األهداف المتوخاة من إصدارها على‬ ‫الشكل التالي‪:‬‬ ‫ ‪1.‬التعريف بالجريدة‬ ‫‪‬هذه صحيفة أسبوعية تعنى بنشر أخبار وأحوال وأمور وشؤون‬ ‫ومصالح ومنافع جبل عامل خاصة‪ ،‬وسائر البالد‪ ،‬وعلى األخص البالد‬ ‫السورية والعثمانية عامة‪ .‬فال بدع إذا مألت أكثر أعمدتها في ما يعود‬ ‫على الجبل في النجاح‪.‬‬ ‫ ‪2.‬خطة الجريدة ومبدأها‬ ‫ً‬ ‫متغيرا وإنما تقول بالحق في كل‬ ‫ومبدأ‬ ‫‪‬ال تتبع الجريدة خطة ملتوية‬ ‫ً‬ ‫حال وتنطق بالصدق ولو أدى بها إلى االضمحالل‪ :‬عليك بالصدق ولو أنه‬ ‫أحرقك الصدق بنار الوعيد‪.‬‬


‫ ‪ً 4.‬‬ ‫بحثا عن المشترك الواعي والمؤمن بدور الصحافة في التغيير اإليجابي‬ ‫بنى الناشر أحالمه على المشتركين المؤمنين بدور الجريدة في نشر‬ ‫ْ‬ ‫العلم والثقافة ومحاربة الجهل واألمية والفساد والتخلف في جبل عامل‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ٌ‬ ‫خجال أو لترويج‬ ‫مشترك ما‪ ،‬مراعاة أو‬ ‫‪‬ال نريد أن يشترك بجريدتنا‬ ‫آرائه وأفكاره‪ ،‬فإنَّ ا ال نراعي في المنام خليال‪ ،‬وال تجد األغراض والمآرب‬ ‫إلى صحيفتنا سبيال‪ .‬وإنما نريد أن يشترك المشترك لينتفع بالجريدة أو‬ ‫ينشط القائم بها ليدفع االشتراك عن رغبة خالصة ألنه مقابل نفع ينتفع‪.‬‬

‫العدد الثالث‪ُ :‬‬ ‫األ ّم ّية في جبل عامل‬

‫العدد الرابع‪ُ :‬و ُعورة ُ‬ ‫الط ُرق‪ ،‬صعوبة المواصالت‬

‫‪99‬‬

‫رسمت البُعد االجتماعي والثقافي‬ ‫َ‬

‫ ‪5.‬الدفاع عن مصالح العامليين‬ ‫لخص الناشر الهدف الرئيس من إصدار جريدة ‪‬جبل عامل‪ ‬هكذا‪:‬‬ ‫َّ‬ ‫‪‬مبدأ جريدتنا السعي الحثيث والبحث المتواصل في كل ما يؤول إلى خير‬ ‫وزراعيا‪ .‬لذلك ال يكاد‬ ‫وتجاريا‬ ‫واقتصاديا‬ ‫وأدبيا‬ ‫علميا‬ ‫جبل عامل خاصة‬ ‫ًّ‬ ‫ًّ‬ ‫ًّ‬ ‫ًّ‬ ‫ًّ‬ ‫يخلو عدد من أعداد الجريدة من البحث في ذلك‪ .‬وسوف نستعمل الوسائط‬ ‫السنية بما يطلب منها في إصالحه وذلك‬ ‫الفعالة بحول اهلل لدى الحكومة َ‬ ‫مع الحكام في الوالية واألقضية‪.‬‬

‫عددا من جريدة « جبل عامل» ‪ 1912-1911‬‬ ‫‪44‬‬ ‫ً‬

‫ ‪3.‬هيئة تحريرها‬ ‫ً‬ ‫فضال‬ ‫‪‬إخترنا للكتابة والتحرير والترجمة فئة من أرقى طبقات األمة‬ ‫عن مؤازرينا في سوريا والعراق من العلماء واألدباء والكتاب والشعراء‬ ‫مما ال يتيسر لجريدة عربية غير جريدتنا كائنة ما كانت‪ .‬وسوف يكشف‬ ‫االمتحان ما ندعيه للعيان‪.‬‬


‫‪100‬‬ ‫مسعود ضاهر‬

‫ ‪6.‬جبل عامل‪ ‬منبر مفتوح لمشاركة المثقفين وبخاصة العامليين منهم‬ ‫في خطة أحمد عارف الزين يمتد جبل عامل إلى أبعد من حدوده‬ ‫الجغرافية الراهنة ليصل إلى السويداء ومناطق أخرى‪ ،‬كما جاء في‬ ‫‪‬ترحب ‪‬جبل عامل‪ ‬في كتابة ّكتاب وشعر شعراء‬ ‫إفتتاحية العدد األول‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫العامليين بنوع خاص ُلنري من‬ ‫يجهل هذا الجبل ّأن في السويداء‬ ‫رجاال‪ ،‬وفي عقوة السباق أبطاال‪،‬‬ ‫وأن الجبل كان وما زال منارة الذكاء‬ ‫واأللمعية وموطن العلم واألدب‬ ‫ومكان أصحاب السليقة المعتدلة‬ ‫والنابغين‪ .‬ولو تسنى له ما تسنى‬ ‫لغيره من البلدان الراقية من إنشاء‬ ‫المدارس والمكاتب وتعميم التعليم‬ ‫ُورقي الزراعة التي عليها مداره‬ ‫وإيجاد المصانع وسائر الموارد‬ ‫االقتصادية والفنية وتعبيد الطرق‬ ‫وتسهيل المواصالت‪ ،‬لكان من العدد السابع‪ :‬النهضة الفكرية في جبل عامل‬ ‫خير بالد اهلل الواسعة‪....‬‬ ‫ ‪7.‬الجمع بين مذاهب العامليين واللبنانيين المتنافرة‬ ‫‪‬نحن نَ علم أن بين المذاهب المختلفة ً‬ ‫ً‬ ‫وبقية من‬ ‫شيئا من سوء التفاهم‬ ‫التعصب المضر‪ .‬فسوف نسعى ِب َحول اهلل في إزالة ذلك بتدبيج المقاالت‬ ‫خصوصا‬ ‫التي تحث على اإلتفاق واإلتحاد بين جميع أهل المذاهب‪،‬‬ ‫ً‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬ونبرهن بحجة قاطعة بأن جميعها تحث على الوفاق وتنهى عن‬ ‫الخالف والشقاق‪....‬‬ ‫كتب ناشر الجريدة أحمد عارف الزين بأسماء عدة أبرزها‪ :‬الحر‬ ‫العاملي‪ ،‬بهاء الدين العاملي‪ ،‬وغيرها من األسماء المستعارة‪ .‬وشكلت‬ ‫ثقافيا بالغ األهمية حول أوضاع جبل عامل الجغرافية‬ ‫مصدرا‬ ‫افتتاحياته‬ ‫ً‬ ‫ًّ‬ ‫واإلجتماعية والتربوية والثقافية واالقتصادية والدينية والسياسية وفوائد‬ ‫هجرة الجنوبيين ومضارها‪ ،‬والتبدالت السياسية في السلطنة العثمانية‬ ‫أفردت مكانة خاصة للتعريف بتلك‬ ‫والدول األوروبية‪ ،‬وكثير غيرها‪ .‬لذا‬ ‫ُ‬ ‫المواضيع‪.‬‬


‫ ) أاألوضاع االقتصادية واالجتماعية والثقافية والدينية في جبل عامل‪:‬‬ ‫وأبرز موضوعاتها‪:‬‬ ‫جبل عامل‪ :‬موقعه وحدوده ومجمل أحواله (العدد األول ص‪.)2 ‬‬ ‫ُوعورة طرقه وصعوبة المواصالت فيه ومشروع السكة الحديدية (العدد‬ ‫الرابع ص ‪ .)1‬جبل عامل والزراعة فيه (األعداد ‪ 8‬ص‪ ،2 ‬و‪ 9‬ص‪ ،2 ‬و‪10‬‬

‫‪101‬‬

‫رسمت البُعد االجتماعي والثقافي‬ ‫َ‬

‫وغالبا ما ركزت‬ ‫حملت أبواب ‪‬جبل عامل‪ ‬الثابتة عناوين بارزة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫افتتاحياتها على دراسة أوضاع جبل عامل االقتصادية واالجتماعية والتربوية‬ ‫والثقافية المتردية‪ ،‬مع استكمال الموضوع ذاته في أعداد متالحقة أو‬ ‫متباعدة‪ .‬ومن األبواب الثابتة‪ :‬قطرات األقالم‪ ،‬الشعر االجتماعي‪ ،‬الحقيقة‬ ‫المرة أو القلم الواعظ‪ ،‬القلم المفكر‪ ،‬القلم المصور‪ ،‬قطرات األقالم‪،‬‬ ‫أدبيات‪ ،‬قصائد شعرية عاملية وعربية‪ ،‬فكاهات‪ ،‬مداعبات‪ ،‬حوادث شؤون‬ ‫محلية‪ ،‬أهم األخبار‪ ،‬رحالت إلى دول عربية‪ ،‬إعالنات‪ ،‬ترجمات‪ ،‬كتب‬ ‫وجرائد ومطبوعات‪ ،‬أهم البرقيات‪ ،‬فوائد أو نصائح صحية‪ ،‬أحوالنا‬ ‫الحاضرة أو الماضي والحال واالستقبال‪ ،‬تعريف ببعض المدن اللبنانية‪،‬‬ ‫زراعة الدخان‪ ،‬من وراء البحار‪ ،‬مقاالت عن إصالح التعليم وعن دور‬ ‫الشباب ودور الفتيات‪... ،‬‬ ‫هنا لوحة غنية لبعض العناوين البارزة ومكان نشرها في أعداد الجريدة‬ ‫خالل العام الوحيد من صدورها‪ .‬وهي تبرز أثر تلك الموضوعات النقدية‬ ‫سلبا على ناشرها وتحويله إلى المحاكمة وسجنه ألكثر من شهر وتوقُّ ف‬ ‫ً‬ ‫الجريدة بين ‪ 2‬أيار و‪ 13‬حزيران ‪ .1912‬وبعد عودته إلى الحرية كتب‬ ‫نقدا‬ ‫ضمنها ً‬ ‫مقدمة نارية في افتتاحية العدد ‪ 20‬بعنوان‪ :‬العود أحمد‪َّ ‬‬ ‫الذعا للواشين والفاسدين وأصحاب النفوذ والحاسدين من كتَ بة الصحف‬ ‫ً‬ ‫األخرى ورجال الدين المتزمتين والمتحزبين الجهلة‪ .‬وجاهر بانحيازها إلى‬ ‫السلطنة العثمانية ودعوة رجالها إلى تطبيق القانون األساسي أو الدستور‪.‬‬ ‫وخصص الصفحة الثانية للحديث عن ‪‬السجن‪.‬‬ ‫رائعا من موضوعات‬ ‫كما ً‬ ‫تضمنت ‪‬جبل عامل‪ ‬في عامها األول (واألخير) ًّ‬ ‫ً‬ ‫أحيانا تجاه السلبيات المتراكمة والسائدة‬ ‫نقدية ُك َتبت بأسلوب بالغ القسوة‬ ‫في الجبل إبان تلك المرحلة‪ ،‬ما أثار عليه نقمة رجال الدين والسياسة‬ ‫والصحافة المناوئة لخطها السياسي والثقافي واإلصالحي‪.‬‬ ‫كبيرين‪:‬‬ ‫تبلورت العناوين الكبرى فيها ضمن‬ ‫َ‬ ‫محورين َ‬

‫عددا من جريدة « جبل عامل» ‪ 1912-1911‬‬ ‫‪44‬‬ ‫ً‬

‫خطتها اإلصالحية وعمق موضوعاتها‬ ‫االجتماعية والثقافية المنجزة‬


‫‪102‬‬ ‫مسعود ضاهر‬

‫ص‪ ،2 ‬و‪ 13‬ص‪1 ‬و‪ ،2‬و‪ 15‬ص‪ ،2 ‬و‪ 18‬ص‪ ،2 ‬و‪ 20‬ص‪ ،4 ‬و‪ 23‬ص‪1 ‬و‪،2‬‬ ‫و‪ 24‬ص‪1 ‬و‪ ،2‬و‪ 26‬ص‪2 ‬و‪ .)3‬زراعته وصناعته وضرر المهاجرة منه‬ ‫واألمية فيه بقلم بهاء الدين العاملي‬ ‫(العدد الثاني ص‪ .)1 ‬جبل عامل‬ ‫ّ‬ ‫(األعداد ‪ 3‬ص‪ ،1 ‬و‪ 4‬ص‪ ،2 ‬و‪ 6‬ص‪1 ‬و‪ ،2‬و‪ 8‬ص‪ ،1 ‬و‪ 12‬ص‪ ،1 ‬و‪15‬‬ ‫ص‪ .)1 ‬سوء إدارته وإهمال الحكومة أمره ومعيشة أهله اإلتكالية (العدد‬ ‫الخامس ص‪ .)1 ‬جبل عامل‪ :‬صحيفة من تاريخه العلمي (األعداد ‪2‬‬ ‫ص‪2 ‬و‪ ،3‬و‪ 3‬ص‪ ،4–3 ‬و‪ 4‬ص‪2 ‬و‪ .)3‬جبل عامل والنهضة الفكرية فيه‬ ‫(العدد السابع ص‪1 ‬و‪ .)2‬جبل عامل واإلصالح (العدد السابع ص‪2 ‬و‪.)3‬‬ ‫جبل عامل واالنتخاب فيه واألحزاب في مجلس النواب (العددان ‪ 9‬ص‪1 ‬‬ ‫و‪ 16‬ص‪2 ‬و‪ .)3‬جبل عامل والتربية والتعليم فيه (العدد ‪ 22‬ص‪ .)1 ‬جبل‬ ‫عامل ونقص التربية فيه (العدد ‪ 11‬ص‪ .)1 ‬جبل عامل والتربية الدينية‬ ‫فيه (العدد ‪ 9‬ص‪1 ‬و‪ .)2‬عيد الفطر السعيد‪ :‬رسائل إلى المسلمين (العدد‬ ‫‪ 33‬ص‪ .)1 ‬جبل عامل واألخالق (العددان ‪ 21‬ص‪ ،1 ‬و‪ 31‬ص‪ .)1 ‬جبل‬ ‫عامل في مواسم الزيارة‪ :‬الدعوة للحفاظ على مكارم األخالق في جبل‬ ‫عامل (العددان ‪ 25‬ص‪ ،1 ‬و‪ 28‬ص‪ .)1 ‬إلى التعليم الديني أيها العامليون‬ ‫(األعداد ‪ 30‬ص‪ ،2 ‬و‪ 31‬ص‪ ،2 ‬و‪ 32‬ص‪ ،3 ‬و‪ 34‬ص‪ .)3 ‬العود أحمد بعد‬ ‫تعطيل مؤقت (العدد العشرون ص‪1 ‬و‪ .)2‬هجرة العامليين (األعداد ‪36‬‬ ‫ص‪ 2 ‬و‪ 37‬ص‪ ،2 ‬والعدد ‪ 38‬ص‪ ،2 ‬و‪ 39‬ص‪ ،2 ‬و ‪ 40‬ص‪ .)2 ‬أضرار‬ ‫ـهاجرة (العدد ‪ 42‬ص‪ .)3 ‬المهاجر (العدد ‪ 44‬ص‪.)4 ‬‬ ‫ال ُـم َ‬ ‫ ) باألوضاع اإلقليمية والدولية‪:‬‬ ‫وأبرز عناوينها‪:‬‬ ‫جنايات المدنية الغربية على الشرق والغرب (العدد ‪ 6‬ص‪.)4–2 ‬‬ ‫الطليان في بيروت (العدد ‪ 10‬ص‪ .)1 ‬الحرب الطرابلسية (العدد ‪10‬‬ ‫ص‪ .)4 ‬االستعمار الروسي وتقسيم إيران (العدد ‪ 10‬ص‪2 ‬و‪ .)3‬ألمانيا‬ ‫ومجلسها النيابي (العدد ‪ 10‬ص‪ .)34 ‬الحرب في طرابلس الغرب‬ ‫(العدد ‪ 11‬ص‪ .)3–2 ‬المشروطية في العثمانية (العدد ‪ 14‬ص‪.)1 ‬‬ ‫كيف يهتضمون الدستور أو النشء الجديد (العدد ‪16‬ص‪1 ‬و‪ .)2‬موقف‬ ‫إيران الحالي (العدد ‪ 17‬ص‪ .)4 ‬الثورة الدستورية َور ّد الفعل (العدد‬ ‫‪ 17‬ص‪ .)1 ‬نحن العثمانيين (العدد ‪ 17‬ص‪ .)3 ‬خطاب السلطان في‬ ‫افتتاح مجلس النواب‪ ،‬سياستنا الداخلية والخارجية (العدد ‪18‬ص‪.)1 ‬‬ ‫قانون الصحافة العثماني (العدد ‪19‬ص‪ .)3 ‬النفوذ الفرنساوي في‬ ‫سوريا (العدد ‪21‬ص‪ .)2 ‬العثمانية بين المعاهدات والمؤتمرات (األعداد‬ ‫‪ 22‬ص‪ ،2 ‬و‪ 23‬ص‪ 2 ‬و‪ ،3‬و‪ 24‬ص‪ ،3–2 ‬و‪ 25‬ص‪2 ‬و‪ .)3‬حول الوزارة‬


‫عددا من جريدة « جبل عامل» ‪ 1912-1911‬‬ ‫‪44‬‬ ‫ً‬ ‫‪103‬‬

‫رسمت البُعد االجتماعي والثقافي‬ ‫َ‬

‫(العثمانية) الجديدة (العدد ‪ 26‬ص‪ .)1 ‬العدل أساس الملك (العددان‬ ‫‪ 26‬ص‪ 1 ‬و‪ 29‬ص‪ .)1 ‬الوزارة العثمانية السابقة والالحقة (العدد ‪28‬‬ ‫ص‪ .)2 ‬فضل العرب على العلم (العدد ‪ 30‬ص‪6 ‬و‪ .)7‬األحزاب السياسية‬ ‫في العثمانية (العدد ‪ 30‬ص‪ .)1 ‬حول االنتخابات (العثمانية) العتيدة‬ ‫والجديدة (العدد ‪ 30‬ص‪ .)3 ‬مخاوف االنتخاب (العدد ‪ 30‬ص‪ .)4 ‬حول‬ ‫االنتخاب الجديد (العدد ‪ 31‬ص‪ .)2 ‬الشرق والغرب‪ :‬حالتهما الحاضرة‬ ‫واعجبوا‪:‬عن شؤون السلطنة العثمانية‬ ‫والغابرة (العدد ‪ 31‬ص‪ .)4 ‬إقرأوا ْ‬ ‫(العدد ‪ 32‬ص‪ .)1 ‬أال هكذا فلتكن الرجال‪ ،‬عن السياسة اإلتحادية العدد‪،‬‬ ‫‪ 34‬ص‪ .)1 ‬الميول الحزبية والشعب العثماني (العدد ‪ 35‬ص‪ .)1 ‬حول‬ ‫الصلح (العدد ‪ 36‬ص‪ .)1 ‬إلى الحرب إلى الحرب (العدد ‪ 37‬ص‪.)1 ‬‬ ‫ماذا يراد بنا نحن غافلون (العدد ‪ 38‬ص‪ .)1 ‬العامليون والحرب (العدد‬ ‫‪ 38‬ص‪ .)4 ‬المسلم وحقوق األمم واألفراد (العدد ‪ 38‬ص‪ .)3 ‬الدولة‬ ‫العثمانية ودويالت البلقان (العدد ‪ 39‬ص‪ .)3 ‬أيها العثمانيون أيها‬ ‫المسلمون (العدد ‪ 39‬ص‪ .)1 ‬يا هلل للمسلمين (العدد ‪ 40‬ص‪ .)1 ‬الغرب‬ ‫يحارب الشرق (العدد‪ 41‬ص‪ .)2 ‬المنشور السلطاني باستقالل طرابلس‬ ‫الغرب (العدد ‪ 41‬ص‪ .)4 ‬ماذا بعد الحرب؟ (العدد ‪ 41‬ص‪ .)1 ‬من الحرب‬ ‫إلى الحرب وبعد حرب الطليان والبلقان‪ ،‬وروسيا والنمسا والحرب (العدد‬ ‫‪ 43‬ص‪ .)1 ‬نحن وأوروبا (العدد ‪ 43‬ص‪َّ .)2 ‬إنا معشر العثمانيين (العدد‬ ‫‪ 43‬ص‪ .)3 ‬المؤتمر العتيد وموقف العثمانيين منه (العدد ‪ 44‬ص‪.)1 ‬‬ ‫َ‬ ‫السياسة العثمانية واعتباره السلطنة خط الدفاع‬ ‫رغم مديح الناشر‬ ‫األول ضد المخططات الغربية للسيطرة على‬ ‫المنطقة العربية‪ ،‬لم ْين ُج من غضب ممثلي‬ ‫شهرا‬ ‫السلطنة في بيروت‪ ،‬فحاكموه وسجنوه ً‬ ‫ونصف الشهر‪ ،‬واحتَ جبت ‪‬جبل عامل‪‬‬ ‫ولم ينجح في إعادة إصدارها وسط غضب‬ ‫متزايد عليه من السياسيين ورجال الدين في‬ ‫جبل عامل‪ .‬ذاك الضغط السياسي والديني‬ ‫تزامن مع أزمة مالية حادة عانت منها‪ ،‬وضعف‬ ‫الجباية‪ ،‬وضآلة دعم المهاجرين العامليين‬ ‫نهائيا دون أن يهجر‬ ‫إياها‪ ،‬فأعلن توقفها‬ ‫ًّ‬ ‫العدد األول من ‪‬العرفان‪– ‬‬ ‫العمل الصحافي بل استمر في إصدار مجلة‬ ‫شباط ‪1909‬‬ ‫‪‬العرفان‪.‬‬


‫«جبل عامل»‪ُ :‬درُوس من تجربتها‬

‫‪104‬‬ ‫مسعود ضاهر‬

‫توقفت ‪‬جبل عامل‪ ‬مع العدد ‪44‬‬ ‫(‪ 12‬كانون األول ‪ ،)1912‬وفيه مقالة‬ ‫هامة ألحمد عارف الزين على صفحتها‬ ‫الثالثة‪ :‬خاتمة السنة األولى أو ختام‬ ‫صدور الجريدة‪ ‬شرح فيها الصعوبات‬ ‫المالية والثقافية والتربوية والسياسية‬ ‫التي واجهتها ‪‬جبل عامل‪ ،‬وأشار إلى‬ ‫شهرا ونصف الشهر بسبب‬ ‫سجن ناشرها ً‬ ‫‪‬انحيازه إلى الخط الوطني التحرري‬ ‫الشيخ أحمد عارف الزين إبان إصداره‬ ‫والقومي العربي الجامع‪ .‬وأبرز ما ‪‬جبل عامل‪‬‬ ‫ً‬ ‫حوال‬ ‫مقالته‪ :‬صدرت جريدتنا هذه‬ ‫ً‬ ‫العرفي في بيروت‬ ‫كامال ما عدا شهر ونصف شهر عطلها به الديوان ُ‬ ‫وسعاية ووشاية‪ ،‬وهي سائرة على خطتها التي‬ ‫ال لجرم وجناية بل لغاية ِ‬ ‫رسمتها لنفسها‪ ،‬غير هيابة من جائر ظالم أو حاكم غاشم أو جاهل بصفة‬ ‫عالم ‪ .‬وكانت مادتها بفضل مؤازريها ومناصريها أغزر مادة حتى شهد‬ ‫لها كل ذي نصفة ووجدان بالرقي والتقدم والتفوق على أكثر الصحف‬ ‫التي شاخت وكهلت مع أنها لم تزل في بدء طفولتها ونعومة أظفارها‪ .‬قد‬ ‫يستغرب الكثيرون من توقيف جريدة ‪‬جبل عامل‪ ‬اآلن مع أنه لم يمض‬ ‫على صدورها غير عام واحد‪ ،‬ولم تكن مدة‬ ‫توجب اليأس واإلحجام‪ .‬لكن إذا ُعلِ َم السبب‬ ‫َب ُطل العجب‪ .‬كنا منذ نشأنا وترعرعنا نميل‬ ‫إلى الكتابة بالصحف‪ .‬وقد أسعفنا الحظ‬ ‫فأنشأنا مجلة ‪‬العرفان‪ ‬تصدر في كل‬ ‫بثمان وأربعين صفحة من حجم صغير‪.‬‬ ‫شهر‬ ‫ٍ‬ ‫طبعناها في مطابع ببيروت وحصل لها من‬ ‫اإلقبال ما لم نكن ننتظره‪ .‬ثم كان ما كان‬ ‫من تلك الضجة الهائلة التي أثارها بعضهم‬ ‫علينا لمحاضرة حملوها على غير المراد‬ ‫وتقولوا علينا ما شاءوا‪ .‬وما إن ظهرت جريدة‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫‪‬جبل عامل‪ ‬حتى كثر معاكسوها واشتد‬ ‫مشاكسوها متكئين على حجج أوهن من بيت‬ ‫العدد التاسع‪ :‬األحزاب في مجلس النواب العنكبوت‪ .‬وأبى بعض المتعصبين إال نسبتنا‬


‫ثماني معوقات‬

‫‪105‬‬

‫رسمت البُعد االجتماعي والثقافي‬ ‫َ‬

‫أمور عدة منها‪:‬‬ ‫َّ‬ ‫لكن ما جعلنا نعاف الصحافة ٌ‬ ‫عوضا وليس لدينا‬ ‫أولُ ها‪ :‬متابعة الخسارة المادية مما ال نجد عنها‬ ‫ً‬ ‫ثروة تتحملها‪.‬‬ ‫يبق‬ ‫ثانيها‪ :‬استغراق وقتنا كله في االشتغال بالجريدة والمجلة بحيث لم َ‬ ‫لدينا فرصة إلتمام العلوم التي ابتدأنا بتحصيلها واالختصاص بعلم منها‬ ‫وإتقان اللغات التي أصبح لدينا إلمام بها‪.‬‬ ‫استعداد بني قومنا َ‬ ‫وتأ ُّهلِ هم لهذه األعمال التي ال يفقهون‬ ‫ثالثها‪ :‬عدم‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫فقدها‪.‬‬ ‫بعد‬ ‫إال‬ ‫ف‬ ‫عر‬ ‫ال‬ ‫النعمة‬ ‫لكن‬ ‫ا‪.‬‬ ‫وزن‬ ‫لها‬ ‫يقيمون‬ ‫لها قيمة وال‬ ‫ْ‬ ‫تُ َ‬ ‫فهم‬ ‫رابعها‪ :‬عدم اعتياد القوم على قول الصدق والمجاهرة بالحق‪ُ .‬‬ ‫يتألمون من االنتقاد الصحيح أشد التألم‪ ،‬ويريدون من الصحافي أن يكون‬ ‫متذبذبا صغير النفس منافقً ا‪.‬‬ ‫ً‬ ‫خامسها وأهمها‪ :‬عدم تحصيل قيمة اإلشتراك إال بشق النفس وقد‬ ‫مثلك ْ‬ ‫محتقرا ْ‬ ‫مثل‬ ‫جمل وتكون‬ ‫ال يحصل ً‬ ‫ً‬ ‫أيضا‪ .‬فكأنك تطالبه بضريبة أو َ‬ ‫المتسول‪.‬‬ ‫وكثيرا ما‬ ‫عتمد عليهم ُوي َوثق بهم‪،‬‬ ‫ً‬ ‫تيسر وكالء مؤتمنين ُي َ‬ ‫سادسها‪ :‬عدم ُّ‬ ‫يفوقون على المشتركين بالمماطلة واستحالل أكل الحقوق‪.‬‬ ‫سابعها‪ :‬عدم َتي ُّسر إيصال الجريدة للمشتركين في أغلب األحايين‪.‬‬ ‫فإن الكثيرين يشكون من عدم الوصول وهم بنفْ س جبل عامل‪ ،‬ألن بعض‬ ‫الوكالء يضع الجريدة في دكانه وال يهتم بتوزيعها كما حصل لنا مع الوكيل‬ ‫في بنت جبيل وغيره‪.‬‬ ‫عدم انتظام إدارة البريد واختاللُ ها‪ .‬فإن المهاجرين في أفريقيا‬ ‫ثامنها‪ُ :‬‬ ‫وحمية وبدأوا بمساعدة الجريدة ْ‬ ‫ونشرها‪ ،‬غير أن‬ ‫وأميركا أظهروا غيرة‬ ‫َّ‬ ‫غالبا ما دعاهم إلى اإلحجام‪.‬‬ ‫عدم وصولها إليهم ً‬ ‫هذه أهم األمور التي دعتنا اآلن إلى ترك الصحافة بتاتً ا‪ ،‬ولم ُ‬ ‫يك قيامنا‬ ‫بما قمنا به َّ‬ ‫جسا لنبض األمة‪ .‬ولئن أسفنا على ترك الصحافة فإنَّ ا‬ ‫إال ًّ‬

‫عددا من جريدة « جبل عامل» ‪ 1912-1911‬‬ ‫‪44‬‬ ‫ً‬

‫للتعصب‪ .‬نحن لم نكن نعبأ بهذه السفسطة بل قلنا كلمتنا ومشينا‪ُ .‬‬ ‫فكثر‬ ‫أضدادنا من المتنفذين والمأمورين وأقيمت علينا الدعاوى‪ُ ،‬وأ ِخذنا إلى‬ ‫ظهيرا‬ ‫شهرا ونصف الشهر ولم نَ َر من بني قومنا‬ ‫ً‬ ‫وس ِجنَّ ا ً‬ ‫الديوان العرفي‪ُ ،‬‬ ‫نصيرا فلم نعبأ‪.‬‬ ‫أو‬ ‫ً‬


‫نأسف جد األسف على قطع الصلة بيننا وبين َّثلة من أدباء العراق وغيرهم‬ ‫في سائر اآلفاق‪ ،‬وإن كانت المودة محفوظة وفضلهم ال ُينسى مدى الدهر‪.‬‬ ‫لقطع الصلة التي لم ُ‬ ‫جدا ْ‬ ‫يطل عليها األمد بيننا وبين إخواننا‬ ‫كما إنَّ ا نأسف ًّ‬ ‫الص ْوريين‬ ‫المهاجرين الذين أبدوا كل غيرة وحمية‪ ،‬ونخص بالذكر منهم ُ‬ ‫ً‬ ‫وغرورا باحتجاب جريدة‬ ‫جهال‬ ‫الموجودين في أفريقيا‪ .‬وال يظنَّ َّن الفرحون‬ ‫ً‬ ‫‪‬جبل عامل‪ ‬ومجلة ‪‬العرفان‪ ‬أن هذا القلم الذي نخط به قد ُك ِسر‪َّ .‬‬ ‫كال‪،‬‬ ‫وإنما كنا نكتب في جريدة ومجلة فأصبحنا نكتب في عدة جرائد ومجالت‬ ‫حجم عن انتقاد من ُي ِض ُّرون‬ ‫خدمة لوطننا وأمتنا بما نستطيع‪ .‬كما أننا ال نُ ِ‬ ‫فسادا‪( ....‬العدد ‪ 44‬ص ‪)3‬‬ ‫باألمة والبالد ويعيثون في األرض‬ ‫ً‬

‫‪106‬‬ ‫مسعود ضاهر‬

‫شعار ‪‬العرفان‪:‬‬ ‫‪‬حب الوطن من اإليمان‪‬‬ ‫ُ‬

‫‪‬العرفان‪ – ‬اليوبيل المئوي (‪)2009 – 1909‬‬

‫مالحظات ختامية‬ ‫تطور الواقع الجنوبي بشتى وجوهه السياسية‬ ‫عكست ‪‬جبل عامل‪ُّ ‬‬ ‫واالقتصادية واالجتماعية والثقافية والفنية‪َ .‬وو َضعت في رأس أهدافها‪:‬‬ ‫العجمة األجنبية‪،‬‬ ‫تنشيط الحياة الفكرية‪ ،‬تنقية اللغة العربية من الشوائب أو ُ‬ ‫شحذ القرائح وإبراز عدد من الوجوه األدبية والصحفية التي لمعت في‬ ‫ْ‬ ‫عالم الصحافة اللبنانية‪ ،‬الكشف عن معطيات الفكر والتراث الجنوبي في‬ ‫وعكست السمات األساسية للشعب العاملي في‬ ‫محاولة للمحافظة عليها‪،‬‬ ‫َ‬ ‫فشكلت ً‬ ‫وقوته وثورته وركوده‪َّ ،‬‬ ‫وقوميا‪ ،‬وباتت‬ ‫إنسانيا‬ ‫ضخما‪،‬‬ ‫إرثا‬ ‫ً‬ ‫ًّ‬ ‫ًّ‬ ‫ضعفه ّ‬ ‫ّ‬ ‫سجل لشتى تيارات الجنوبيين وهواجسهم (ناتوت‪ ،‬ص ‪.)99‬‬ ‫بمثابة‬ ‫شابا دون الثالثين‪ ،‬تميزت‬ ‫ُ‬ ‫مواقف المثقَّ ف أحمد عارف الزين‪ ،‬يوم كان ًّ‬ ‫بكثير من الحدة في معالجة مشكالت جبل عامل الداخلية‪ ،‬وفي تحليل‬


‫ •هالل ناتوت‪ :‬صحافة جنوب لبنان‪ :‬دراسة في مادة الصحافة‬ ‫المتخصصة‪ .‬دار خضر‪ ،‬بيروت ‪ .1990‬وفي الكتاب ثالثة مالحق‬ ‫هامة‪:‬‬ ‫ الملحق األول‪ :‬صحافة الجنوب منذ مطلع القرن العشرين باللغة‬ ‫العربية ‪ .1980–1909‬صدر منها ‪ 21‬جريدة وأربع وكاالت أنباء‪ .‬أبرز‬ ‫الصحف‪ :‬األوائل‪ ،)1912–1909( ‬المرج‪ ،‬العرفان‪ ،‬العلم‪ ،‬االتفاق‪،‬‬ ‫األدب‪ ،‬جبل عامل‪ ،‬القوة‪.‬‬

‫عددا من جريدة « جبل عامل» ‪ 1912-1911‬‬ ‫‪44‬‬ ‫ً‬

‫مكتبة البحث‬

‫‪107‬‬

‫رسمت البُعد االجتماعي والثقافي‬ ‫َ‬

‫سياسات السلطنة العثمانية وإيران والدول األوروبية قبيل الحرب العالمية‬ ‫ورسم صورة واقعية لكنها مأساوية لألوضاع المتردية في جبل‬ ‫األولى‪َ .‬‬ ‫ً‬ ‫أحيانا لبعض‬ ‫التودد‬ ‫ودينيا‪ .‬ورغم‬ ‫واجتماعيا‬ ‫وثقافيا‬ ‫اقتصاديا‬ ‫عامل‬ ‫ُّ‬ ‫ًّ‬ ‫ًّ‬ ‫ًّ‬ ‫ًّ‬ ‫المتنفذين السياسيين في جبل عامل فإن انتقاداته الالذعة أثارت عليه‬ ‫نقمة المتنفذين السياسيين ورجال الدين في جبل عامل‪.‬‬ ‫ورصدت مواقف‬ ‫تضمنت افتتاحياته معلومات غنية ًّ‬ ‫جدا عن جبل عامل‪َ ،‬‬ ‫سياسية وتربوية واجتماعية بالغة الداللة‪ ،‬إضافة إلى مقاالت علمية نقدية‬ ‫وأخرى تضمنت برامج جريئة إلصالح التعليم والتركيز على دور الشباب‬ ‫والفتيات في التغيير االجتماعي في جبل عامل‪ .‬وهو َ‬ ‫تعاطف مع السياسة‬ ‫ونوه بالثقافة‬ ‫العثمانية بشكل كبير‪ ،‬ومع مواقف إيران تجاه العالم العربي‪َّ .‬‬ ‫هجوما عاصفً ا ضد السياسة االستعمارية‬ ‫التحررية الغربية لكنه شن‬ ‫ً‬ ‫األوروبية تجاه شعوب الشرق وبخاصة فرنسا وبريطانيا وروسيا وإيطاليا‬ ‫تفهم لسياسة ألمانيا المتعاونة مع السلطنة العثمانية‪.‬‬ ‫مع ُّ‬ ‫مع أن تأثير صحيفة ‪‬جبل عامل‪ ‬بقي ضمن نخبة ثقافية وأدبية‬ ‫المنجزة فيها ِّ‬ ‫ودينية محدودة‪ ،‬إال أن المادة ْ‬ ‫تشكل ركيزة صلبة‬ ‫العلمية‬ ‫َ‬ ‫ألكثر من عمل أكاديمي موثق عن جبل عامل وجنوب لبنان بعاداته وتقاليده‬ ‫وإنتاجه الزراعي وتراثه ْ‬ ‫العلمي والثقافي‪ .‬صحيح أن سرعة إغالقها كان‬ ‫ألسباب ذاتية واقتصادية وأمنية‪ ،‬لكن التزامها بالخط ‪‬الوطني التحرري‬ ‫والقومي العربي الجامع‪ ،‬جعل منها صحيفة طليعية‪ .‬وهي عكست‬ ‫تطور األوضاع في جبل عامل من مختلف جوانبه السياسية واالقتصادية‬ ‫واالجتماعية والثقافية والفنية عبر مقاالت نقدية هامة‪ .‬وفتحت صفحاتها‬ ‫للكتاب الشباب من جبل عامل ولمجموعة أدباء وشعراء عرب ساهموا في‬ ‫ّ‬ ‫الكشف عن تراث مشترك بين العامليين وسكان المناطق المجاورة‪.‬‬


‫ الملحق الثاني‪ :‬صحافة الجنوبيين باللغات األجنبية ‪ 14‬صحيفة في‬ ‫لبنان و‪ 5‬في المهجر‪.‬‬ ‫ الملحق الثالث‪ :‬صحافة الجنوبيين في الوطن والمهجر ‪:1978–1886‬‬ ‫شارك الجنوبيون في إصدار أو العمل في ‪ 64‬جريدة في القاهرة أو‬ ‫المغرب أو اإلسكندرية أو بيروت أو دمشق أو القسطنطينية أو بغداد‬ ‫أو بيونس أيرس أو باريس (صفحات ‪.)96–90‬‬

‫‪108‬‬ ‫مسعود ضاهر‬

‫أمدني‬ ‫ •جريدة ‪‬جبل عامل‪ .‬شكر خاص للباحث علي مزرعاني الذي َّ‬ ‫بأعدادها المصورة‪.‬‬ ‫ أعداد ‪‬جبل عامل‪ ‬من ‪ 28‬كانون األول ‪ 1911‬حتى ‪ 12‬كانون األول‬ ‫‪.1912‬‬ ‫العدد األول‪ 28 :‬كانون األول ‪1911‬‬ ‫الثاني‪ 4 :‬كانون الثاني ‪( 1912‬ورد َ‬ ‫خط ًأ ‪)1911‬‬ ‫الثالث‪ 11 :‬كانون الثاني ‪1912‬‬ ‫الرابع‪ 18 :‬كانون الثاني ‪1912‬‬ ‫الخامس‪ 25 :‬كانون الثاني ‪1912‬‬ ‫السادس‪ 1 :‬شباط ‪1912‬‬ ‫السابع‪ 8 :‬شباط ‪1912‬‬ ‫الثامن‪ 15 :‬شباط ‪1912‬‬ ‫التاسع‪ 22 :‬شباط ‪1912‬‬ ‫العاشر‪ 29 :‬شباط ‪1912‬‬ ‫الحادي عشر‪ 7 :‬آذار ‪1912‬‬ ‫الثاني عشر‪ 14 :‬آذار ‪1912‬‬ ‫الثالث عشر‪ 21 :‬آذار ‪1912‬‬ ‫الرابع عشر‪ 28 :‬آذار ‪1912‬‬ ‫الخامس عشر‪ 4 :‬نيسان ‪1912‬‬ ‫السادس عشر‪ 11 :‬نيسان ‪1912‬‬ ‫السابع عشر‪ 18 :‬نيسان ‪1912‬‬ ‫الثامن عشر‪ 25 :‬نيسان ‪1912‬‬ ‫التاسع عشر‪ 2 :‬أيار ‪( 1912‬خطأ في العنوان بين السنة الهجرية‬ ‫والسنة الميالدية)‬


‫عددا من جريدة « جبل عامل» ‪ 1912-1911‬‬ ‫‪44‬‬ ‫ً‬ ‫‪109‬‬

‫رسمت البُعد االجتماعي والثقافي‬ ‫َ‬

‫تعطيل مؤقت‬ ‫العشرون‪ 13 :‬حزيران ‪1912‬‬ ‫العدد ‪ 20 :21‬حزيران ‪1912‬‬ ‫العدد ‪ 27 :22‬حزيران ‪1912‬‬ ‫العدد ‪ 4 :23‬تموز ‪1912‬‬ ‫العدد ‪ 11 :24‬تموز ‪1912‬‬ ‫العدد ‪ 18 :25‬تموز ‪1912‬‬ ‫العدد ‪ 25 :26‬تموز ‪1912‬‬ ‫العدد ‪ 1 :27‬آب ‪1912‬‬ ‫العدد ‪ 8 :28‬آب ‪1912‬‬ ‫العدد ‪ 15 :29‬آب ‪1912‬‬ ‫العدد ‪ 22 :30‬آب ‪1912‬‬ ‫العدد ‪ 29 :31‬آب ‪1912‬‬ ‫العدد ‪ 5 :32‬أيلول ‪1912‬‬ ‫العدد ‪ 12 :33‬أيلول ‪1912‬‬ ‫العدد ‪ 26 :34‬أيلول ‪َ 1912‬‬ ‫(تأ َّخر في الصدور)‬ ‫العدد ‪ 5 :35‬تشرين األول ‪1912‬‬ ‫العدد ‪ 10 :36‬تشرين األول ‪1912‬‬ ‫العدد ‪ 17 :37‬تشرين األول ‪1912‬‬ ‫العدد ‪ 24 :38‬تشرين األول ‪1912‬‬ ‫العدد ‪ 31 :39‬تشرين األول ‪1912‬‬ ‫العدد ‪ 7 :40‬تشرين الثاني ‪1912‬‬ ‫العدد ‪ 14 :41‬تشرين الثاني ‪1912‬‬ ‫العدد ‪ 28 :42‬تشرين الثاني ‪( 1912‬عدم انتظام)‬ ‫العدد ‪ 5 :43‬كانون األول ‪1912‬‬ ‫العدد ‪ 12 :44‬كانون األول ‪ :1912‬خاتمة السنة األولى أو ختام صدور‬ ‫الجريدة (ص ‪)2‬‬


‫‪110‬‬ ‫مسعود ضاهر‬


‫عددا من جريدة « جبل عامل» ‪ 1912-1911‬‬ ‫‪44‬‬ ‫ً‬

‫ري‬ ‫الح َ‬ ‫ض ّ‬ ‫ترا ُثنا َ‬

‫‪111‬‬

‫رسمت البُعد االجتماعي والثقافي‬ ‫َ‬

‫عبود‬ ‫مازن ُّ‬ ‫ُ‬ ‫حارسة ذاكرته‬ ‫وما ْلؤ َلؤةُ الجبل‬ ‫ُد َ‬


‫المادي‬ ‫ترا ُثنا غير‬ ‫ّ‬

‫ُدو َما ْ‬ ‫لؤل َؤ ُة الجبل حارس ُة ذاكرته‬

‫عبود‬ ‫مازن ّ‬

‫كثيرا ما‬ ‫تاريخ‬ ‫في ذاكرة كل بلدة لبنانية‬ ‫ُ‬ ‫أعالم ومعالم وعالمات‪ً ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫تسطيره أبناؤها كي يبقى من جيل إلى جيل‬ ‫رددنا ضرورة أن يتولى‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫إرث األمس وهدية اآلتي اعتزازً ا ِّ‬ ‫كارا‪.‬‬ ‫واذ ً‬ ‫لس ُطوع هذا‬ ‫‪‬مرايا التراث‪ ‬الناذرةُ صفحاتِ ها‪ً ،‬‬ ‫عددا بعد عدد‪ُ ،‬‬ ‫وما الهانئة‬ ‫التاريخ في الذاكرة‪ ،‬تفتح هنا صفحة مشرقة من بلدة ُد َ‬ ‫عبود‬ ‫في واحدة من أجمل واحات لبنان‪ ،‬كتَ َبها لنا ُ‬ ‫ابنها الباحث مازن ُّ‬ ‫وسعه في كتاب صدر سنة ‪ 2007‬عن‬ ‫في نص َّزو َده‬ ‫بصور نادرة‪ ،‬وكان َّ‬ ‫ٍ‬ ‫منشورات وزارة السياحة اللبنانية‪.‬‬ ‫لوحة لبنانية زاهية‬ ‫شمالي سلسلة جبال لبنان الغربية‪،‬‬ ‫هي بلدة مشرقية‪ ،‬في بالد البترون‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫عند حافة وادي نهر الجوز الموازي وادي قاديشا‪ .‬كانت عاصمة الناحية‬ ‫الجردية في جبل لبنان القديم (أقضية الهرمل وجبيل والبترون والجبة)‬ ‫و‪‬نواة لبنان الحديث‪( ‬كمال الصليبي)‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫وقصبات في المنطقة‪ ،‬بعدما ازدهرت مدن‬ ‫مدن‬ ‫ٍ‬ ‫تقلص دورها كسائر ٍ‬ ‫الساحل َّ‬ ‫سلبا على القصبات الداخلية‪ ،‬فأضحت‬ ‫وأثرت الثورة الصناعية ً‬ ‫ً‬ ‫وح َر َم ْتها ما أعطتها إياه بين القرن‬ ‫الجغرافيا ثقال على هذه القصبة َ‬ ‫السادس عشر ومطلع القرن العشرين‪.‬‬ ‫ترتفع البلدة عن البحر نحو ‪ 1000‬متر‪ .‬سكانها ‪ 4000‬صيفً ا ونحو‬ ‫وما فريدة ومحيط غني متنوع‪ ،‬في موقع‬ ‫شتاء يعيشون وسط طبيعة ُد َ‬ ‫‪ً 2000‬‬ ‫متميز وسط صخور فغري وقرى تنورين وغابة أرزها وجبالها ومجمل قرى‬ ‫ً‬ ‫متناغمة‬ ‫المحيط (كفرحلدا وبيت شالال ونيحا وكفور العربي وحردين)‬ ‫ً‬ ‫جماال‪ .‬وهي تطل على‬ ‫ومجاورةً جبل المكمل‪ ،‬ما يزيد البندر ومحيطه‬


‫ُدو َما في العصور القديمة‬

‫استعملت‬ ‫يشير المؤرخون وعلماء اآلثار إلى مواقع في الجبال اللبنانية ُ‬ ‫محطات لنقل شجر األرز المقطوع من غابات جبال لبنان إلى السواحل‬ ‫ٍ‬ ‫وما‬ ‫ً‬ ‫تمهيدا لشحنه إلى بلدان أرسى معها الفينيقيون عالقات تجارية‪ُ .‬‬ ‫ود َ‬ ‫جنوبا وأرز تنورين شماال‪ً،‬‬ ‫وقرى المحيط تتموضع بين غابتَ ي أرز جاج‬ ‫ً‬ ‫وهما ّ‬ ‫جزءا من بقايا غابة أرز لبنان القديمة على مجمل السلسلة‬ ‫شكلتا ً‬ ‫الغربية‪ .‬والقلعة المواجهةُ البحر على جبل مار يعقوب قد تكون بداية‬ ‫واصل بين قطاع األرز وتجار السواحل الفينيقية لتأمين‬ ‫محطة مراقبة وتَ ُ‬ ‫تجارة أخشاب األرز اللبناني إلى العالم القديم‪.‬‬

‫المدرسة القديمة‪:‬‬ ‫وما‬ ‫من َأقدم تراث ُد َ‬

‫ُدو َما ْ‬ ‫لؤل َؤ ُة الجبل حارس ُة ذاكرته ‬

‫‪‬بساتين العصي‪ ‬حيث عاش سكان في التاريخ القديم‪ ،‬وأثمرت حضارة‬ ‫مدنية في أعالي جبال لبنان‪ ،‬وشكلت حاجة ماسة للجوار‪.‬‬ ‫ً‬ ‫جميال وقصبة مميزة ذات خصوصية فريدة‪،‬‬ ‫بندرا‬ ‫هكذا تبدو ُد َ‬ ‫وما ً‬ ‫وما‪ ‬ال لعدد سكانها‬ ‫جمالها في بساطتها‪ .‬يطيب للبعض تسميتها ‪‬مدينة ُد َ‬ ‫أدوارا اقتصادية واجتماعية‬ ‫لمدنية مجتمعها وموقعها الجغرافي ترجم‬ ‫بل‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ولبعدها عن‬ ‫عشر‪،‬‬ ‫التاسع‬ ‫القرن‬ ‫من‬ ‫اآلخر‬ ‫النصف‬ ‫في‬ ‫هامة‬ ‫وسياسية‬ ‫ُ‬ ‫وما ال‬ ‫د‬ ‫ور‬ ‫ساحات الحروب ما أتاح لها تلبية حاجات البالد الصناعية‪َ .‬‬ ‫ود ُ َ‬ ‫يتعارض مع تاريخها لذا استثمر أهلها في العادات والحفاظ على التراث‬ ‫ستقطب محبي السياحة البيئية والثقافية‪.‬‬ ‫المعماري ومحيطها الطبيعي ال ُـم‬ ‫ِ‬

‫‪113‬‬


‫في العهدين اليوناني والروماني‬

‫‪114‬‬

‫وجود معابد ومنشآت ُوبنى تحتية قديمة في القصبة ومحيطها‪ ،‬يؤَ ِّكد‬ ‫وما القديمة‬ ‫وما في العهدين اليوناني والروماني‪ .‬وكانت أديار ُد َ‬ ‫ازدهار ُد َ‬ ‫معابد استحالت كنائس مع نهاية القرن الرابع وخالل القرنين الخامس‬ ‫َ‬ ‫وما كنيسة صغيرة على اسم‬ ‫والسادس‪ .‬واستحال معبد إسكالبيوس في ُد َ‬ ‫القديس ضومط مجاورةٍ مبنى المسرح والمدرسة المسكوبيين‪ .‬ومازال‬ ‫وما الرئيسة‪ .‬واستحال‬ ‫ناووس كاستور كاهن المعبد‬ ‫جاثما وسط ساحة ُد َ‬ ‫ً‬ ‫معبد إله الزراعة والمطر الى كنيسة القديس شليطا شفيع الزراعة‬ ‫عموما‬ ‫والمزارعين‪.‬من هنا ّأن الناحية الجردية لبالد جبيل والبترون‬ ‫ً‬ ‫خصوصا‪ ،‬في غناها بالمعابد منذ العهود القديمة‪،‬‬ ‫ومحيط نهر الجوز‬ ‫ً‬ ‫مؤشر وجود مجموعات بشرية عاشت في جبال لبنان‪ ،‬أنتجت حضارة في‬ ‫األزمنة الغابرة‪ .‬ووادي نهر الجوز يتكامل مع وادي قاديشا في احتضان‬ ‫أديارا يصعب الوصول اليها‬ ‫األقليات والرهبان‪ ،‬بدليل مغاور استحالت‬ ‫ً‬ ‫الواديين طريق تاريخية‬ ‫كمحبسة مار يعقوب في تنورين التحتا‪ .‬وبين‬ ‫َ‬ ‫(‪‬طريق الفرس‪ )‬كان يسلكها بطاركة موارنة‪ ،‬أضحت الحقً ا طريق الجبة‪.‬‬

‫مازن عبُّود‬

‫اإلسالم‬ ‫مع الفتح اإلسالمي بالد الشام وفينيقيا الساحلية هجر عدد من‬ ‫ً‬ ‫محافظة‬ ‫عائالت حوران والمدن الشامية والساحل الفينيقي إلى جبل لبنان‬ ‫على أنماط معيشتهم وإرثهم الحضاري االجتماعي المسيحي‪ .‬وشكل‬ ‫وما واستقرت فيها فأضحت أساس‬ ‫الغساسنة معظم عائالت جاءت إلى ُد َ‬ ‫تكوين عدد من عائالتها الحالية‪ .‬ونتجت عن الفتح االسالمي هجرات‬ ‫مجموعات رهبانية إلى وادي قاديشا ووادي نهر الجوز فازدهرت فيهما‬ ‫قائما في‬ ‫الحياة الرهبانية وظهرت أديار ومناسك وصوامع ما زال بعضها ً‬ ‫الصخور شواهد من تلك االزمنة‪ .‬من هنا سمي وادي نهر الجوز ‪‬وادي‬ ‫األديار‪.‬‬ ‫اإلفرنج‬ ‫ً‬ ‫شرخا في العالقات بين المجموعات‬ ‫وصول اإلفرنج الى الشرق أحدث‬ ‫المشرقية والفرق والكنائس المختلفة‪ ،‬وأساؤوا إلى عالقات المجموعات‬ ‫المسيحية بالمسلمين‪ .‬وصلوا إلى المشرق بهدف ظاهري (تحرير األراضي‬ ‫المقدسة من الغرباء وتأمين طريق الحجاج من أوروبا إلى القدس) لكنهم‬


‫ُ‬ ‫كنيسة في دير مار يوحنا‬ ‫سقف‬ ‫ٍ‬

‫المماليك‬ ‫سلبيا على مسيحيي المشرق‪ ،‬بممارستهم ردةَ فعل على‬ ‫كان وصولهم‬ ‫ًّ‬ ‫تعرض له المسلمون في أزمنة اإلفرنج‪ ،‬وتعاملوا مع الكنائس كبقايا‬ ‫ما َّ‬ ‫وانتهكت‬ ‫أزمنة الفترة الصليبية فحصلت مجازر شديدة على المسيحيين‪ُ ،‬‬ ‫وما عائقا لهجمات المماليك برغم‬ ‫حرمة أديار واغتيل رهبان‪ .‬ولم تشكل ُد َ‬ ‫صعوبة تضاريسها وبعدها النسبي عن السواحل‪.‬‬ ‫العثمانيون‬ ‫َأوكلوا إلى آل حمادة إدارة بالد جبيل والبترون وجباية الضرائب‪ ،‬فقامت‬ ‫انتفاضات على ممارساتهم الظالمة‪ .‬وواقعة القشالق ظاهرة سيئة في‬ ‫التاريخ‪ .‬و‪‬القشالق‪ ‬كلمة تركية تعني جيش اإلشتاء كان يرسله العثمانيون‬ ‫فيقيم عناصره بين السكان‬ ‫إلى مناطق وأقاليم تمتنع عن دفع الضرائب ُ‬ ‫فسادا حتى دفع الضريبة‪.‬‬ ‫ويعبثون َبأمالكهم‬ ‫ً‬ ‫وما قصة‪ :‬في شهر الحصاد أقدم حكام المنطقة‬ ‫وللقشالق في ُد َ‬ ‫وما للمرة السابعة في تاريخها‬ ‫(مندوبو األتراك العثمانيين) على حرق ُد َ‬ ‫(قد يكون آل حمادة قاموا بالعملية) ْإثر مكمن نفَّ ذه األهالي بقائد فرقة‬ ‫عي جامعو الضرائب الى عشاء‬ ‫جمع الضرائب وجنوده األربعين‪ .‬ويقال ْأن ُد َ‬ ‫عند شيخ القرية بعد إلحاح رئيس الفرقة على طلب فتاة لم يشأ والدها‬ ‫ود ِفنت‬ ‫تزويجها له‪ .‬وكانت تلك الوليمة للقضاء على الجند ورئيسهم‪ُ .‬‬

‫ُدو َما ْ‬ ‫لؤل َؤ ُة الجبل حارس ُة ذاكرته ‬

‫هدموا دور عبادة مسيحية محلية‬ ‫ومسلمة‪ّ ،‬‬ ‫فعكرت انتهاكاتهم عالقة‬ ‫عيش دقيقة بين المجموعات‬ ‫واألقليات الدينية في المشرق‪ .‬لكن‬ ‫هذه الحمالت أرست قنوات تواصل‬ ‫بين المشرق والمغرب عبر ارتباط‬ ‫مجموعات دينية كالموارنة بروما‪،‬‬ ‫وهي ارتباطات أغنت التجربة‬ ‫اللبنانية وأضحت ُأسس عالقات‬ ‫َ‬ ‫ومرتكز‬ ‫لبنان بأوروبا وشعوبها‪،‬‬ ‫مقومات أداء لبنان جسر تواصل‬ ‫بين الشرق والغرب‪.‬‬

‫‪115‬‬


‫الخيول حية في جورة ‪‬وهدة‪ ‬قرب الجبل العالي بـ ‪‬فغري‪( ‬مزرعة جبلية‬ ‫وما الجغرافي) ال يزال حتى اليوم اسمها ‪‬جوار الخيل‪ ‬أي‬ ‫في نطاق ُد َ‬ ‫ود ِف َن الجنود في دهاليز (قرب منزل آل عبود اليوم) ما زال‬ ‫الخيول‪،‬‬ ‫وهدة‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫مقفال بحائط يعرف اليوم بحائط القشلق أو حائط النكبة‪ .‬وكانت‬ ‫مدخلها‬ ‫قيام سكان‬ ‫تلك الحادثة مطلع المقاومة ضد السلطنة ومندوبيها‪،‬‬ ‫وسابقَ ًة َ‬ ‫ِ‬ ‫في مناطق الواليات العثمانية بتحدي سلطة األستانة وقتل جنود ارتبطوا‬ ‫بالدولة العثمانية‪ .‬بعد تلك الحادثة وقعت نكبة كبيرة أدت إلى حرق وسبي‬ ‫أهالي البلدة وتهجير سكانها وانضمام بعض رجاالتهم إلى جيش فخر‬ ‫الدين المعني الثاني حاربوا في معركة عنجر‪ .‬ثم عاد قسم منهم وأعاد‬ ‫تشييد البلدة المنكوبة والمهجورة‪.‬‬ ‫البندر المزدهر‬ ‫‪116‬‬ ‫مازن عبُّود‬

‫وما في القرن الثامن عشر وبلغت عهدها الذهبي مع القرن‬ ‫تطورت ُد َ‬ ‫التاسع عشر بازدهار الصناعة والتجارة بفضل موقعها الجغرافي على‬ ‫طريق القوافل من وإلى الداخل الشامي‬ ‫والساحل الفينيقي‪ ،‬فأضحت البلدة حاجة‬ ‫لمحيط راح يتوسع حتى قرن العز‬ ‫تجارية‬ ‫ٍ‬ ‫ليعود فينحسر مع المقلب الثاني للقرن‬ ‫العشرين‪.‬‬ ‫وما القديمة‪:‬‬ ‫كانت الزراعة أساس نشأة ُد َ‬ ‫وجود الحد األدنى من المقومات الزراعية‬ ‫وما‬ ‫(التربة‪ ،‬والقليل من المياه) َّأمن ُلد َ‬ ‫أساسيا‪ .‬لكن الحد األدنى من المياه‬ ‫عنصرا‬ ‫ًّ‬ ‫ً‬ ‫وتطور المحلة‬ ‫تطور القطاع الزراعي‬ ‫ُّ‬ ‫أعاق ُّ‬ ‫فتحول اعتماد أهل البلدة إلى قطاعات‬ ‫قديما‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫أخرى كالتجارة والصناعة‪ .‬وما زالت الزراعة‬ ‫في البلدة (غير مروية) لندرة الموارد المائية‪.‬‬ ‫هجرة عائالت من بعلبك وطبشار‬ ‫وغيرهما من مدن الداخل أثرت في تطور‬ ‫التجارة والصناعة‪ ،‬إذ جلب النازحون إلى‬ ‫وأفكارا‬ ‫البلدة طرائق عيش وإنتاج جديدة‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫شكلت استثمارات بشرية ومالية إلنتاج‬ ‫ٌ‬ ‫خصوبة‪َ ...‬ألوان‪ ...‬زُ ُهور‬ ‫وما‬ ‫حاجات سكان الجبل‪ ،‬ونشأت حركة نزوح من َأرض ُد َ‬


‫ُدو َما ْ‬ ‫لؤل َؤ ُة الجبل حارس ُة ذاكرته ‬

‫الشوير إلى البندر المتنامي بسبب الحاجة إلى طاقات بشرية لسد الحاجات‬ ‫التنموية للقصبة الناشئة فازهر التطور العمراني واالجتماعي والثقافي‬ ‫والسياسي في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين‪ .‬وظهرت‬ ‫المدارس والمسرح والبلدية والجمعيات واألحزاب والتيارات السياسية‪،‬‬ ‫وتألقت القصبة الجبلية مع بدايات القرن التاسع عشر‪ ،‬وذاع صيتها في‬ ‫أنحاء االمارة اللبنانية والمحيط‪.‬‬

‫‪117‬‬

‫‪‬سكة الشام‪ ‬طريق القوافل التجارية‬

‫ظهور السوق‬ ‫ضرورة وجود السوق عائدةٌ إلى موقع‬ ‫ً‬ ‫متوسطة بين الداخل والساحل على‬ ‫وما‬ ‫ُد َ‬ ‫‪‬سكة الشام‪ ‬القديمة (كانت تسلكها‬ ‫القوافل التجارية والحمالت الحربية)‪.‬‬ ‫والسوق أساس البندر في تلك المنطقة‬ ‫الوعرة من جبل لبنان‪ .‬استضاف السوق‬ ‫ً‬ ‫أوال مصانع الحدادين‪ .‬ومع تطوره‬ ‫تطورت حركة اقتصادية أنعشت البلدة‬ ‫وما‬ ‫فأضحت ُ‬ ‫وما البندر‪ ‬بعد أن كانت ُد َ‬ ‫‪‬د َ‬ ‫الصغيرة‪ .‬وبدأ السوق يتطور مع بدايات‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫محال الحدادة‬ ‫وتكاثر‬ ‫القرن السابع عشر‬ ‫السوق َأساس البندر‬


‫ُّ‬ ‫محال حياكة النسيج وصباغة الحرير‪ .‬وعرف‬ ‫في القرن الثامن عشر ومعها‬ ‫عهده الذهبي في القرن التاسع عشر حين ازدادت مؤسساته فضاق بها‬ ‫عشوائيا خارج الحوائط‪.‬‬ ‫المكان وأخذت تنمو‬ ‫ًّ‬ ‫ظهور اإلدارات‬

‫‪118‬‬ ‫مازن عبُّود‬

‫فوسع السوق َّ‬ ‫سنة ‪َّ 1881‬‬ ‫ونظمه َ‬ ‫بشق‬ ‫تشكل ‪‬الكوميسيون‪ ‬البلدي َّ‬ ‫ووضع تصميم توجيهي ُم ْل ِزم‪ .‬ومع تنامي الحركة في السوق‬ ‫شوارع جديدة ْ‬ ‫ً‬ ‫وما والناحية‬ ‫د‬ ‫لناحية‬ ‫عنها‬ ‫ممثال‬ ‫العثمانية‬ ‫السلطنة‬ ‫والبندر خصصت‬ ‫ُ َ‬ ‫الجردية لبالد جبيل والبترون‪ .‬وكان مدير الناحية من وجهاء الموارنة في‬ ‫وما وقرى المحيط‪ .‬ثم ُأنشئ‬ ‫تنورين المارونية‬ ‫ً‬ ‫عموما‪ ،‬مع آخرين معه من ُد َ‬ ‫سجن وثكنة الدرك‪ .‬وكان السوق يضم دوائر الناحية‪ ،‬وما زال يضم منها‬ ‫دار المحكمة والمخفر والسجن والبريد وغرفة الهاتف ومأمورية النفوس‪.‬‬ ‫مكتب البريد والبرق َّ‬ ‫البريد إلى قرى‬ ‫تقلص دوره اليوم‪ .‬كان ينقل‬ ‫َ‬ ‫المنطقة َّ‬ ‫بناء على فحص ميداني‪ :‬التسابق‬ ‫موظفُ ون َج ُل ُ‬ ‫ودون على المشي ً‬ ‫مع البغال لمسافة معينة وفترة زمنية محددة‪.‬‬ ‫كانت دار مديرية الناحية في قلب السوق‪ ،‬كما إسطبل الدولة‪ .‬أما‬ ‫المحكمة فظهرت مع بداية القرن العشرين عند اتّ باع فصل السلطات في‬ ‫آخر فترة المتصرفية‪ ،‬فما عاد مدير الناحية يبت في النزاعات ويصدر‬ ‫األحكام القضائية بل ُيعنى فقط في الشؤون االدارية للناحية‪.‬‬ ‫فترتئذ‪ ،‬وكان ذا أزقة كزقاق‬ ‫كان السوق عصب عيش القصبة النامية‬ ‫ٍ‬ ‫القردحجية وزقاق النجارين وزقاق الحدادين وزقاق الكندرجية وزقاق‬ ‫ضم لوكندة السوق (لوكندة السنترال) ومسرح ‪1885‬‬ ‫المقاهي الذي ّ‬ ‫المسكوبي المدرسي في مبنى المدرسة االبتدائية‪.‬‬ ‫َ‬ ‫وشكلت بوابة الشام (بوابة القمح)‬ ‫شمالي السوق كان خان بيت هاشم‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫مدخله إلى الشرق‪ ،‬فيما بوابة الملح والكاز منفذه إلى الساحل ووالية‬ ‫طرابلس‪.‬‬ ‫فه ِدم‬ ‫خسر السوق َأقدم أجزائه في الثالثينات مع األسفلت واإلسمنت‪ُ ،‬‬ ‫حاليا بساحة ‪.Digne-les-Bains‬‬ ‫قلبه لولوج الشاحنات وباتت ساحته تعرف ًّ‬ ‫بوابات السوق‬ ‫كانت للسوق خمس بوابات‪ ،‬كل واحدة لمنطقة من بالد البترون وجبيل‬ ‫َ‬ ‫موازنة حراس‬ ‫والهرمل وبعلبك وطرابلس وعكار‪ .‬رصد الكوميسيون البلدي‬


‫المرحلة الذهبية لسوق البندر‬ ‫عرف السوق عزه إبان حكم ابراهيم باشا‪ .‬تطورت صناعة األسلحة‬ ‫عموما‪ ،‬فأضحى لكل مواطن عمل‪ ،‬حتى العميان بتحريك‬ ‫خصوصا والحديد‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫المنافخ إلشعال نار المسابك (من هنا مثل ‪‬مثل عميان المسابك‪ .)‬وراح‬ ‫وما لحاجاتهم حتى راج مثل ‪‬متل العاوز مشوار َع‬ ‫الناس يقصدون سوق ُد َ‬ ‫وما‪.‬‬ ‫ُد َ‬ ‫وما‬ ‫حمل ِإلى ُد َ‬ ‫كان الحديد يستخرج من جبال ترتج المجاورة‪ُ ،‬وي َ‬ ‫لصناعة البنادق والسيوف والمسامير واألدوات الزراعية‪.‬‬ ‫مع غروب القرن التاسع عشر وحلول القرن العشرين‪ ،‬ضم السوق‬ ‫توازيا مع مؤسسات مجتمع‬ ‫ومقاهي‬ ‫مسرحا ومكتبة عامة ودار سينما‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫مدني محلي غير ربحية كالمدارس والجمعيات‪ .‬وكانت المقاهي ذات ألوان‬ ‫وما تمايزها الحضاري‪ .‬ومع الرخاء االقتصادي‬ ‫سياسية وثقافية أعطت ُد َ‬ ‫النسبي ازدهرت التربية فنشأت مدارس في القرن التاسع عشر‪ ،‬أهمها‬ ‫(درس فيها عيسى اسكندر المعلوف فترة طويلة)‪.‬‬ ‫مدرسة مار يوحنا ُد َ‬ ‫وما َّ‬ ‫غير ربحية مع النصف اآلخر‬ ‫بدأ المجتمع المدني يتجسد‬ ‫ٍ‬ ‫مؤسسات َ‬ ‫َّ‬ ‫من القرن التاسع عشر فظهرت مدارس ونظم الكوميسيون البلدي اقتصاد‬ ‫ِّ‬ ‫مشك ًال حركة اجتماعية‬ ‫البندر الناشط‪ ،‬وازدهر االقتصاد‬ ‫السوق وضبط‬ ‫َ‬ ‫وما ومحيطها‪.‬‬ ‫وسياسية ناشطة في ُد َ‬ ‫تأسيس الكوميسيون‬ ‫عددا‬ ‫وما‪ ‬أن ً‬ ‫عن األب قسطنطين الباشا المخلصي في كتابه ‪‬تاريخ ُد َ‬ ‫وما توجهوا إلى مقام المتصرفية بطلب إلنشاء الكوميسيون‬ ‫من سادة ُد َ‬ ‫البلدي‪ ،‬فتم ذلك بمرسوم المتصرف رستم باشا بناء على قرار مجلس‬ ‫اإلدارة الكبير لمتصرفية جبل لبنان لــ ‪‬تنظيم الحركة االقتصادية في‬ ‫القصبة العامرة‪ ،‬كسائر المدن الكبرى في السلطنة‪ .‬وتم تعيين ابن تنورين‬

‫ُدو َما ْ‬ ‫لؤل َؤ ُة الجبل حارس ُة ذاكرته ‬

‫لسوق البندر ّكلفهم جباية ضريبة القبان (رسوم على البضائع الداخلة إلى‬ ‫السوق وفق وزنها)‪.‬‬ ‫ازدحاما‬ ‫كانت البوابتان الشمالية والجنوبية (بوابتا القمح والملح) األكثر‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫بالبضائع والمكارية‪َّ ،‬‬ ‫الداخل الشامي‬ ‫جزءا من سكة الشام الرابطةِ‬ ‫وشكلتا ً‬ ‫مرورا بجبل لبنان‪ ،‬ولها فضل إنتاج حضارة في منطقة‬ ‫بالساحل الفينيقي‬ ‫ً‬ ‫وعرة من جبل لبنان التاريخي‪.‬‬

‫‪119‬‬


‫الشيخ أنطوان بك طربيه (مدير الناحية الجردية لبالد جبيل والبترون)‬ ‫وما‪ .‬ثم خلفه جرجس بك الخوري حتى‬ ‫رئيسا ألول كوميسيون بلدي في ُد َ‬ ‫ً‬ ‫‪ 1906‬عند تنظيم أول انتخابات بلدية فصلت رئاسة البلدية عن مديرية‬ ‫الناحية‪.‬‬ ‫الجمعيات‬

‫‪120‬‬ ‫مازن عبُّود‬

‫نشوء الكوميسيون أدى إلى ظهور جمعيات كـ ‪‬جمعية السيدة‪ ‬وبعدها‬ ‫ومانية‪‬‬ ‫ومانية‪ )1905( ‬و‪‬جمعية فتاة الوطن ُ‬ ‫‪‬جمعية حياة الوطن ُ‬ ‫الد َ‬ ‫الد َ‬ ‫الباقية حتى اليوم‪ .‬أسسها المعلم داوود بشير وترأسه فترة طويلة‪.‬‬ ‫وهي نشأت وليدة العالقات الروسية المشرقية‪ ،‬وارتبطت منذ نشأتها‬ ‫وما فواكبتها في أعمال الخير ونشر العلم عبر‬ ‫بالكنيسة األرثوذكسية في ُد َ‬ ‫إدارة المدرسة المسكوبية‪ ،‬وقامت بأعمال اإلغاثة في الحرب الكبرى‪.‬‬ ‫ثم ترأسها ميشال خير فأسس مكتبة عامة في النصف األول من القرن‬ ‫وما‪ .‬وساهمت الجمعية بأنشطة‬ ‫العشرين وأطلق فكرة إنشاء فندق في ُد َ‬ ‫وما المدرسي (تأسس مع ‪‬جمعية‬ ‫ثقافية تربوية ترفيهية وأدارت مسرح ُد َ‬ ‫السيدة‪ ‬في أواخر القرن التاسع عشر)‪.‬‬ ‫نادي ُدو َما‬

‫تأسس ألن جمعية ‪‬شبان الحضارة‪( ‬آخر العقد الثاني من القرن‬ ‫العشرين) لم تنل العلم والخبر من سلطات االنتداب‪ .‬ترقى فكرة تأسيسه‬ ‫سنة ‪ 1943‬إلى نقوال خير وعقيلته ميليا مالك لكن النادي بقي بدون‬ ‫وما نالت العلم‬ ‫علم وخبر حتى ‪ .1957‬وهو أول نواة غير طائفية في ُد َ‬ ‫وما من جميع العائالت الروحية‪ّ ،‬‬ ‫ونظم أنشطة‬ ‫والخبر‪ ،‬فجمع شبان ُد َ‬ ‫طوال الستينات وبدايات السبعينات من نخب البلدة‪ .‬وعاود النادي نشاطه‬ ‫الساطع نحو ‪ ،1986‬وترأسته السيدة حياة شلهوب فأنشأت مع فريق‬ ‫وما وإعادتها إلى الخارطة السياحية اللبنانية‪:‬‬ ‫دينامي أنشطة لتسويق ُد َ‬ ‫وما البندر‬ ‫تأسيس مهرجان السينما الطالبية (‪ ،)1994‬إنشاء مهرجان ُد َ‬ ‫والجوار (‪ ،)1997‬إحياء أنشطة الميالد (‪... )1994‬‬ ‫االغتراب‬ ‫وما برحيل‬ ‫مع النصف اآلخر من القرن التاسع عشر بدأت الهجرة من ُد َ‬ ‫عائالت كانت تعتاش من إنتاج األسلحة واالتجار بها‪ ،‬إثر تعثر صناعة‬


‫ُدو َما ْ‬ ‫لؤل َؤ ُة الجبل حارس ُة ذاكرته ‬

‫األسلحة بقرار المتصرف ومجلسه إقفال مصانع السالح في جبل لبنان‬ ‫ْ‬ ‫وما فروع‬ ‫وحظر االتجار بها‪ ،‬تجنُّ ًبا ِفتَ نً ا كما في ‪ .1860‬ونشأت لجمعيات ُد َ‬ ‫ُ‬ ‫فعلت تواصل المقيمين بمغتربين دعموا بلدتهم األم إلرساء‬ ‫في األميركتين ّ‬ ‫المشاريع التنموية‪ .‬وتزامنت طريق األسفلت (‪ )1905‬مع حركة إعمارية‬ ‫ناشطة‪ ،‬وأطلت السيارة في العشرينات وأدخلت الكهرباء في األربعينات‪.‬‬

‫‪121‬‬ ‫َأ َّول سيارة َ‬ ‫وما‬ ‫دخلت ُد َ‬

‫طريق األَسفلت‬ ‫شمالي‬ ‫وما على فتح طريق عريض‬ ‫مع تلك‬ ‫التغيرات ِ‬ ‫عمل أهالي ُد َ‬ ‫ُّ‬ ‫َّ‬ ‫البلدة‪ ،‬فباعوا مشاعاتهم وجبالهم وبدأوا يشقُّ ون طريق ‪ 30‬كلم إلى أميون‪.‬‬ ‫وحيال معارضة البطريركية المارونية التجأوا إلى قنصل روسيا العظمى في‬ ‫بيروت إلقناعه المتصرف والبطريرك بذلك‪ .‬بدأ شق الطريق سنة ‪1900‬‬ ‫ُ‬ ‫مفتتحا الطريق بأول سيارة ُ‬ ‫وما‪ .‬وأخذ‬ ‫وما سنة ‪1905‬‬ ‫وزار‬ ‫ً‬ ‫تبلغ ُد َ‬ ‫القنصل ُد َ‬ ‫أهل الناحية يستأجرون منازل في البندر ً‬ ‫صباحا‬ ‫ليال ويكملون بالسيارة‬ ‫ً‬ ‫إلى مدن الساحل‪ .‬وظهرت اللوكندات إلقامة أرستقراطيي قرى الناحية‪،‬‬ ‫أبرزها ‪‬لوكندة السنترال‪( ‬لوكندة نجيب‪ ،)‬وكانت البغال واألحصنة‬ ‫تُ ترك في الخانات لالهتمام بها واستعادتها للعودة إلى قرى الناحية‪.‬‬ ‫الحرب العظمى‬ ‫وجرادا وأوبئة وارتفع سعر الطحين‬ ‫جاءت الحرب الكونية بالويالت موتً ا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وهنيئا لمن كان يمكنه بلوغ البقاع البتياع القمح‪.‬‬ ‫ذهبا)‬ ‫(الكيلو بثالثة دنانير ً‬


‫وما) أنها المرحلة األكثر‬ ‫وعن المعلم شفيق ُ‬ ‫وماني (تاجر من سوق ُد َ‬ ‫الد َ‬ ‫ً‬ ‫اقتصاديا‬ ‫راج َع القصبة‬ ‫وما‪ ،‬سببت الهجرةَ‬ ‫ًّ‬ ‫َ‬ ‫ظالمية في تاريخ ُد َ‬ ‫والنزوح وتَ ُ‬ ‫بسبب تداعيات الثورة الصناعية على الحركة االقتصادية في البندر وسائر‬ ‫القصبات‪.‬‬ ‫في دولة لبنان الكبير‬

‫‪122‬‬

‫ومانيون من اإلذاعة نبأ إعالن دولة لبنان الكبير في األول‬ ‫تلقى ُ‬ ‫الد َ‬ ‫من أيلول ‪ 1920‬بتعجب وفرح وترقب‪ ،‬وضجة سياسية واجتماعية ألن في‬ ‫القصبة تيارات سياسية متضاربة بين التيارين اللبناني والقومي العربي‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أنماطا جديدة في التعاطي اإلداري والسياسي‪.‬‬ ‫وأوجدت الجمهورية الناشئة‬ ‫كانت دولة لبنان الكبير هدية كبرى للموارنة وبطريركهم الحويك الذي كان‬ ‫وما إلى حلتا البترون بعد‬ ‫يفخر بأصول عائلته من آل شلهوب (غادرت ُد َ‬ ‫ً‬ ‫أحيانا يوقّ ع ‪‬البطريرك الحويك شلهوب‪.‬‬ ‫حادثة القشالق)‪ ،‬وكان‬

‫مازن عبُّود‬

‫أواخر أيام العز‬

‫ً‬ ‫طويال مركز إشعاع فكري وثقافي وسياسي وتنموي‪ ،‬نشطت‬ ‫وما‬ ‫كانت ُد َ‬ ‫فيها الحركة االجتماعية ضمن مؤسسات المجتمع المدني‪ .‬وكان السوق‬ ‫فتطور الحس االجتماعي‬ ‫محطة اللقاء والتفاعل بين مختلف المناطق‬ ‫َّ‬ ‫لدى أهل المحلة وأضفى السوق ثقافة االنفتاح والتفاعل على أهل البندر‬ ‫مساعدا نهضة األنشطة التجارية‪ .‬وبين أهم مؤسسات المجتمع المدني‬ ‫ً‬ ‫األهلية التي واكبت السوق‪ :‬الجمعيات والمدارس والمسرح والسينما‬ ‫والجمعيات والمقاهي‪.‬‬ ‫المسرح‬ ‫رائدا في الشرق بتمثيل أهل البلدة طوال أيام السنة حتى اشتهروا‬ ‫كان ً‬ ‫بخفة دمهم وقلة جديتهم‪ .‬ودرجت عادة تقديم مسرحية جديدة كل سنة‪.‬‬ ‫السينما‬ ‫وما ‪‬سينما فؤاد‪ .‬ومن الطرائف‬ ‫منذ مطلع القرن العشرين نشأت في ُد َ‬ ‫خارجا عند رؤيتهم أحصنة بيضاء‬ ‫أن مشاهدي أول عرض سينمائي هرعوا‬ ‫ً‬


‫المقاهي‬ ‫وما منتديات اجتماعية منذ القرن التاسع عشر‪،‬‬ ‫شكلت المقاهي في ُد َ‬ ‫محبو السياسة‬ ‫وكان لها‪ ،‬إلى الترفيه‪ ،‬دور سياسي إذ كان يقصدها‬ ‫ُّ‬ ‫مقاه َي ترفيهية للعب‬ ‫يتحاورون على خرخرات االراكيل‪ .‬وضمت البلدة‬ ‫ِ‬ ‫الورق‪ ،‬ومطعم إسكالبيوس للمعلم طانيوس غانم وكان شبيه عبد الوهاب‬ ‫فكان يقصد المطعم َمن يريدون التعرف بصورة طبق األصل للفنان محمد‬ ‫عبد الوهاب‪.‬‬ ‫االصطياف‬ ‫لالصطياف أثر في تعزيز المناخ االجتماعي في القصبة‪ .‬كان‬ ‫لبنانيا لبعض هجراتهم‬ ‫المصطافون يتوافدون من مصر التي شكلت هدفً ا‬ ‫ًّ‬ ‫في نهاية القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين‪ ،‬ما دفع صحافيين‬ ‫مصريين لكتابة تحقيقات صدر بعضها في جريدة ‪‬المقطم‪ .‬وأقبل‬ ‫المصطافون من طرابلس والميناء فأكسبوا أهل البندر خبرات اضافية‬ ‫أغنت تجربتهم االجتماعية‪.‬‬ ‫الشجرة الدهرية جارةُ عين الماء‬

‫ُدو َما ْ‬ ‫لؤل َؤ ُة الجبل حارس ُة ذاكرته ‬

‫تتدافع من الشاشة صوبهم‪ .‬و‪‬سينما فؤاد‪ ‬اليوم باتت كارا للنجارة بعدما‬ ‫ً‬ ‫وحديثا باتت‬ ‫اختفى روادها وفرغت القصبة من اهلها ومرتادي سوقها‪.‬‬ ‫وما مقصد مخرجي األفالم يؤمونها ً‬ ‫بحثا عن الجمال والتراث واألصالة‬ ‫ُد َ‬ ‫لتصوير نتاجهم‪.‬‬ ‫وكانت في البلدة مكتبة عامة (‪‬مكتبة خير‪ )‬منذ أربعينات القرن‬ ‫وما ثم اختفى أثرها مع‬ ‫العشرين‪ ،‬راحت تتناقص َّ‬ ‫فقدمها صاحبها لنادي ُد َ‬ ‫سنوات الحرب األخيرة‪.‬‬

‫‪123‬‬


‫الب َركة‬ ‫حكايات ُد َ‬ ‫ومانية عتيقة من زمان َ‬

‫‪124‬‬

‫ومانية كصالبة َأهلها‬ ‫مهابة الطبيعة ُ‬ ‫الد َ‬

‫وما بالرياضة َّ‬ ‫فنظمت مباريات المصارعة الحرة والكباش‬ ‫واهتمت ُد َ‬ ‫وعراك الديوك‪ .‬واشتهر شرطي البلدية الياس عيسي الذي كان ينازل‬ ‫إدمون الزعني في المصارعة‪.‬‬

‫مازن عبُّود‬

‫المنفيون السياسيون‬ ‫وما البندر اعتمدتها سلطات االنتداب منفى زعماء‬ ‫مع تعاظم دور ُد َ‬ ‫خصوصا لوجود طريق األسفلت‬ ‫سياسيين مشرقيين في لبنان وسوريا‪،‬‬ ‫ً‬ ‫الوحيد يربطها بالساحل ولتوفُّ ر مقومات العيش الكريم فيها‪ُ ،‬وبعدها عن‬ ‫مراكز صنع القرار في المشرق‪.‬‬ ‫وما خالل فترة وجود منفيين (‪)1928–1922‬‬ ‫تنامى التيار العروبي في ُد َ‬ ‫وما على‬ ‫كانوا زعماء سوريين ولبنانيين أبعدتهم سلطات االنتداب إلى ُد َ‬ ‫دفعات‪ :1922 .‬سليم علي سالم‪ ،‬سليم حسن طيارة‪ ،‬حسن محيي الدين‬ ‫القاضي‪ ،‬صالح الدين عثمان بيهم‪ :1926 .‬سعد اهلل الجابري‪ ،‬فوزي‬ ‫العزي‪ ،‬بدر الدين صفوي‪ ،‬أديب الصفدي‪ .‬وأشار مؤرخون إلى أن المنفيين‬ ‫مسودة دستور سوريا األول خالل منفاهم في القصبة‪-‬‬ ‫أعدوا‬ ‫السوريين ُّ‬ ‫َّ‬ ‫متسعا من الوقت للكتابة والتفكير‪.‬‬ ‫المنفى ِإذ وجدوا‬ ‫ً‬ ‫وعن الصحافي سليم نصار أن الرئيس سليمان فرنجية التقى عقيلته‬ ‫وما أيام كانت تستقبل المصطافين الشماليين والطرابلسيين‬ ‫إيريس في ُد َ‬ ‫والمصريين‪.‬‬ ‫وما معقل الهاربين من العدالة اتخذوا جبالها مأوى في‬ ‫وكانت جبال ُد َ‬ ‫نضالهم ضد الفرنسيين واالبتعاد عن قبضة السلطة‪.‬‬


‫الحرب العالمية الثانية‬

‫ُدو َما اليوم‬

‫ً‬ ‫تنفيذا‬ ‫وما‬ ‫قدمت بعثة إرفد في عهد الرئيس شهاب خطة لتعزيز دور ُد َ‬ ‫وما وافتتاح دوائر حكومية‪،‬‬ ‫مبدأ الالمركزية اإلدارية‪ .‬فتم تشييد مهنية ُد َ‬ ‫إنما بقيت الصعوبة في غياب الطرق والمواصالت‪ ،‬وهو ما يجري اليوم‬ ‫لتوسيع الطريق لربط الجرد بالساحل‪.‬‬ ‫العمارة في ُدو َما‬

‫تقليديا تشد هواة فن العمارة اللبناني‬ ‫لبنانيا‬ ‫طابعا‬ ‫هذه البلدة المتمايزة ً‬ ‫ًّ‬ ‫ًّ‬ ‫ً‬ ‫واحة نموذجية لتصوير أفالمهم‪.‬‬ ‫وسينمائيين وجدوها‬ ‫وما القرميدية بدأت تظهر منذ القرن الثامن عشر‪ ،‬وتنامت‬ ‫بيوت ُد َ‬ ‫بين أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين‪ .‬وأول بيت اعتَ َمر‬

‫وما‬ ‫القرميد ُق َّبعة البيوت في ُد َ‬

‫ُدو َما ْ‬ ‫لؤل َؤ ُة الجبل حارس ُة ذاكرته ‬

‫أدت الحرب العالمية الثانية إلى قطع مجمل غابات الصنوبر في‬ ‫وما لالستخدام العسكري‪ ،‬ما سبب كارثة بيئية في البلدة التي تفاخرت‬ ‫ُد َ‬ ‫وما‬ ‫بصنوبرها‪ّ .‬‬ ‫وقزمت تلك الحرب دور البندر التاريخي فتراجعت في ُد َ‬ ‫خصوصا منذ انطالقة الثورة الصناعية إذ‬ ‫أدوارها اإلدارية والسياسية‬ ‫ً‬ ‫راحت المدن الساحلية تزدهر على حساب مدن الداخل ومدن األقاليم التي‬ ‫تأثرت فيها مناخاتها االجتماعية والثقافية واالقتصادية‪.‬‬

‫‪125‬‬


‫العمارة التراثية َ‬ ‫ُ‬ ‫وما‬ ‫األنيقة‬ ‫عالمة ُد َ‬

‫‪126‬‬ ‫مازن عبُّود‬

‫القرميد هو القائم قرب كنيسة سيدة النجاة‪:‬‬ ‫صغير من طابقين وغرفتين‪ ،‬كل طابق من‬ ‫غرفة وحيدة‪.‬‬ ‫طرب َش ْت‬ ‫ثم عرفت البلدة نهضة عمرانية َ‬ ‫بيوتها بالقرميد‪ ،‬تشهد على نجاح المغتربين‬ ‫في حيث هم‪ .‬وهي مصممة وفق النمط‬ ‫وش ٌ‬ ‫درج‪ ،‬قنطرة‪ُ ،‬‬ ‫رفة تنتظر الزُ َّوار‬ ‫ٌ‬ ‫اإليطالي وقواعد البناء المشرقية‪ :‬شبابيك‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫دخول الشمس والهواء‪ .‬نوافذ غرف النوم موجهة‬ ‫تسهيال‬ ‫عالية ومشرعة‬ ‫صوب القبلة لجلب الهواء في أيام الصيف الحار ولياليه‪ .‬تصميم شبابيك‬ ‫المطابخ وفق اتجاهات الريح لتصريف روائح الطعام عن سائر أقسام‬ ‫ً‬ ‫حفاظا على الصحة‬ ‫المنزل‪ .‬سقوف المنازل عالية (نحو خمسة أمتار)‬ ‫العامة في موسم التدفئة الشتوية بالوسائل التقليدية‪ .‬وتزدان سقوف كثيرة‬ ‫وص َور تاريخية تحدد هوية سكان العمارة وانتماءاتهم السياسية‬ ‫برسوم ُ‬ ‫وما محجة معنيين بفن العمارة يأتون للتعرف على‬ ‫والطائفية‪ .‬كل هذا جعل ُد َ‬ ‫خصائص عمارة بلدة لبنانية فريدة تضم نحو ‪ 300‬بيت لبناني مميز ببنائه‪.‬‬ ‫مؤهالت سياحية‬

‫بهي يؤول إلى غروب‪.‬‬ ‫ظلت ُد َ‬ ‫وما‪ ،‬وبعض قصبات لبنان‪ ،‬تشهد ألمس ٍّ‬ ‫وروادها محبو الطبيعة أو محبو اكتشاف التاريخ والعيش في كنف لبنان‬ ‫الحقيقي‪.‬‬ ‫وما في حضن الجبل ورعايته‬ ‫ُد َ‬ ‫وما القديمة وسوقها‬ ‫بيوت ُد َ‬ ‫التاريخي وكنائسها ومحيطها‬ ‫الطبيعي مقومات سياحية راسخة‪.‬‬ ‫ويقوم مجلس اإلنماء واإلعمار‬ ‫وما‬ ‫بتوسيع الطريق الساحلي ُد َ‬ ‫– البترون للتخفيف من وعورة‬


‫الفندق وأماكن الضيافة‬ ‫وما فندق يتميز‬ ‫في ُد َ‬ ‫بموقعه الفريد في قلب‬ ‫غابة الصنوبر‪ ،‬يشرف على‬ ‫الجبال المحيطة به وعلى‬ ‫حي السوق والكنائس عند‬ ‫مقلب جبل عصوال بموازاة‬ ‫ساعة السيدة هديةِ مغتربين‬ ‫من أميركا في مطلع القرن‬ ‫العشرين إلفادة المزارعين‬ ‫عراقة َ‬ ‫وما‬ ‫األثاث في ُب ُيوت ُد َ‬ ‫في حقولهم بالوقت‪ .‬ويقوم‬ ‫وما باستضافة طالب ومجموعات سياحية على حافة جبل‬ ‫دير مار يعقوب ُد َ‬ ‫وما وعلى غابة زيتونها في مكان بعيد عن الناس‬ ‫مار يعقوب المشرف على ُد َ‬ ‫وفي قلب الطبيعة‪.‬‬ ‫بيت العجزة‬ ‫وما اليوم على أميال من مستشفى تنورين‪ ،‬وفيها ‪‬بيت للعجزة‪ ‬نشأ‬ ‫ُد َ‬ ‫ً‬ ‫ومانية‪ ،‬وبمواكبة‬ ‫خيرين وأركان ‪‬جمعية فتاة الوطن ُ‬ ‫حديثا بمسعى ِّ‬ ‫الد َ‬ ‫مباشرة من رئيس البلدية السابق حنا أيوب‪.‬‬ ‫مراجع‬ ‫ارتكزت في هذا النص إلى قصص من التراث الشعبي‪ ،‬وكتاب األب‬ ‫ُ‬ ‫وما‪ ،‬وكتاب ‪‬دواني القطوف في‬ ‫د‬ ‫‪‬تاريخ‬ ‫المخلصي‬ ‫الباشا‬ ‫قسطنطين‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫تاريخ بني المعلوف‪ ‬للمؤرخ عيسى اسكندر المعلوف‪ ،‬وإلى تقارير وكتابات‬ ‫شقيقي القاضي مروان عبود (اليوم محافظ بيروت)‪.‬‬

‫ُدو َما ْ‬ ‫لؤل َؤ ُة الجبل حارس ُة ذاكرته ‬

‫وما ومحيطها من متغيرات العصر‪.‬‬ ‫طرقها التي لها بالمقابل فضل حفْ ظ ُد َ‬ ‫نسبيا عن هجمة الباطون‪َ ،‬أضفت أسماء وأحداثاً‬ ‫وما الوادعة البعيدة‬ ‫ُ‬ ‫ود َ‬ ‫ًّ‬ ‫وتنو ًعا وهي اليوم تستقطب السياح‬ ‫ى‬ ‫فازدادت‬ ‫وتاريخها‬ ‫ذاكرتها‬ ‫إلى‬ ‫غنً‬ ‫ُّ‬ ‫وعربا يفضلون السياحة البيئية‬ ‫األوروبيين واألميركيين ومثقفين لبنانيين‬ ‫ً‬ ‫والثقافية على السياحة التقليدية‪.‬‬

‫‪127‬‬


book. The reflections of Dr. Qassim Ghani are too harsh, and one can hear echoes today of still lingering differences and rivalries between Lebanese politicians trained in French schools and universities with those trained in American-style institutions. After this brief summary of the establishment and development of what would later become American Junior College for Women (AJCW), discussion will turn now to events and ideas that were critical in the pushing the institution into its subsequent stage as Beirut College for Women. Though the book roughly follows chronological order, greater emphasis is placed on certain key moments in LAU’s evolution, necessitating turning back or jumping forward in time.

Marwan Iskandar

128


in the Middle East

was no declaration of war by the US against Turkey, however; and AUB, its professors, staff, and students received enough food for a near-comfortable existence.

The First 100 Years of Educating Girls

129

It is useful to explain the unique Turkish attitude towards AUB in World War I in greater detail. The Turkish authorities closed the Jesuit University in 1914, as Turkey was fighting with Germany against the French and British at the time. As the Jesuit University was considered the property of the enemy French state, it was confiscated and closed. As a result of the closure of the Jesuit University four Iranian medical students needed to continue their studies at AUB which at the time was the only university with an active medical school. They were accepted after completing intensive English-language courses. One of these students, Qassim Ghani, later spoke of the dedication of AUB in helping him continue his education. His enrollment at the AUB medical school was facilitated by the grandchild of Cornelius Van Dyke, who had established the medical school in the 19th century. In his memoires, Ghani wrote: “I learnt a lot at the school of the Jesuits. They had a well thought-out curriculum…I studied long hours (to make up for the gaps in my knowledge) …French literature, French history, psychology and astronomy were all new subjects that had been unknown to me in Tehran. In addition to these, those disciplines that were a preparation for medicine like botany, zoology, general life sciences, physics and chemistry were also new to me and aroused my appetite (for learning). Soon I caught the attention of the class and the teachers, for I was a talaba in the true sense of the word.”2 Along with his friends, Ghani visited well-known summer getaways in the Lebanese mountains, such as Sofar, Bhamdoun, and Aley. His impressions were not flattering and reflect FrancoAmerican tensions.”

American Junior College for Women Challenges posed by the French authorities from 1920 until 1943, and their impact on the development of the American Junior College for Women (AJCW), are examined later in the

2) Quotation from Distant Relations: Iran & Lebanon in the Last 500 years, edited by H.E Chehabi.


it moved again to what is now LAU’s Beirut campus. There is no doubt that AUB’s initiative—as well as the American Presbyterian Mission in the US—were encouraged by the outlook of President Woodrow Wilson, the 28th president of the United States from 1913 to 1921. He was an academic and former president of Princeton University from 1902 to 1910, in addition to being a Democrat, free thinker, and a staunch Presbyterian. President Wilson was instrumental in the creation of the League of Nations, an international initiative intended to encourage nations to settle their differences through negotiations, rather than resorting to war. Unfortunately, the US Senate did not share President Wilson’s enthusiasm, and the US did not join the League of Nations. By contrast, he was able to encourage the spread of American missionary schools abroad, including AUB and the American Junior College, which grew out of the American School for Girls.

The Presbyterian missionary zeal of the early 1920s played an important role in the university’s history. Other influences came from the French Jesuits, who established schools for girls and boys starting in the 1830s, in addition to Muslim initiatives that started in 1878/79, when the first schools, for girls and then boys, were launched. Also, in 1924, Rashid Baydoun established the Amlia School for Shiites by securing funds from the émigré community in Africa. But the path to more and better education for the region was not so linear. American missionary schools faced serious disruptions in the 1840s, when a factional war erupted, followed by the massacres of 1860, which brought about a new form of administration to Mount Lebanon involving the British, French, and Russians to protect sectarian interests. Sunni Muslims remained under the protection of the Ottomans until after World War I. During World War I, famine spread throughout the country, leading to the death of 100,000 Lebanese—one-third of the total population at the time. Only AUB was spared this disaster, as Turkish authorities did not wish to antagonize the Americans, despite the fact that Turkey was an ally of Germany in the war. The Americans declared war on Germany in 1917 after German submarines torpedoed and sank American merchant ships. There

130 Marwan Iskandar

The Presbyterian mission


in the Middle East

History, and a history of the Masonic movement. Many other books followed about the history of Egypt, Britain, and Greece, among others. Al-Ahram, the most successful Arab newspaper of the early twenties and thirties, was founded by Lebanese from the Takla family. May Ziade, the Lebanese poet and writer who corresponded with Kahlil Gibran, also flourished in Cairo.

The First 100 Years of Educating Girls

131

1926 AJC first graduates: Saniyya Habboub, Munira Barbir, Armenouchi Magirdichian, with AJCW’s first principal (President) Frances Irwin.

Beginning of higher education for Arab women In 1921, the American University of Beirut (AUB) accepted women into its schools of medicine, dentistry, and pharmacy. In fall 1924: a new and separate class at the college level was created by the American School for Girls with the enrollment of eight students. This was the beginning of the American Junior College for Women. Most importantly, it was truly the beginning of higher education for Arab women. Also in 1924, with some encouragement from the American University of Beirut (AUB) administration, the school was turned into a junior college, offering Sophomore diplomas (akin to Associate degrees) that allowed graduates to continue on to AUB for a Bachelor’s degree without an entrance exam or to enroll in the medical school there. Three young women graduated from the AJC in 1926: Saniyah Haboub, Armenouchi Magirdichian, and Munira Barbir. The first two became well-known medical doctors—Haboub in Beirut and Magirdichian in Homs. In 1927, this program became known as the American Junior College for Women (AJCW) and was relocated to Ras Beirut. Six years later,


women catalyzed debate over women’s issues in the Arab World. In 1920, World War I ended and the Treaty of Versailles was signed, bringing about the League of Nations. Former Ottoman controlled territories, which included Iraq, Jordan, Palestine, Syria, and Lebanon, were entrusted as colonies to the British and French. It was only then that it was possible to reopen the American School for Girls, which had again been closed due to international and regional conflict.

Cairo, the cultural hub In the early 1920s, Cairo was the cultural hub of the Arab world. Lebanese authors, publishers, theater producers, and intellectuals living there helped facilitate the spread of nationalism and women’s liberation. Lebanese intellectuals and writers were attracted to Cairo, which at the time, was the Arab world’s most liberal city—culturally and socially. A Lebanese named Girgi Zeidan became very famous for establishing a cultural and historical review named Al-Hilal. In addition to Arabic, English, and French, he learned Hebrew and Syriac. His foray into book publishing included a book, Egypt’s Modern

132 Marwan Iskandar

The commemorative plates (1835)


in the Middle East

a Mutasarrif, who had to be a Christian Turkish citizen. Muslim affairs remained under the control of Istanbul.

The First 100 Years of Educating Girls

133

ASG had to close its doors when the 1860 troubles erupted. The United States, not yet 100 years in existence, had no role in the concessions of 1860, which were granted by the Ottomans to Britain, France, and Russia. Soon after the 1860 closure, ASG was reopened under the name of the Beirut Female Seminary. It went through some difficult times—including occasionally shutting down—before reverting to its original name in 1868, and soon becoming a popular school for girls which included secondary education. Over the decades, it became known as the best female boarding school in the region and attracted an increasing number of students.

The first public calls for woman’s liberation Still education for girls and women was not the norm. The first public calls for woman’s liberation in the region emanated from a well-known jurist and nationalist figure in Egypt, Qassim Amin. Born in Alexandria in 1865, by the end of the 19th century, Amin was an eminent judge. He finished law school at 17, and was one of only thirty-seven students to receive a government scholarship to study at the University of Montpellier in France. In Tahrir Al Mara’a (The Liberation of Women, 1899), Amin called for the education of women, the elimination of early marriage, the discarding of the veil, and overcoming the subordination of women to men—something he considered a major cause of Egypt’s weakness. He believed that Egyptian women were the backbone of a strong nationalistic people, and therefore their roles in society should change drastically to better the Egyptian nation. He believed that education for women should be given the priority commensurate with their critical influence in family development. Amin was an Egyptian philosopher, reformer, judge, member of Egypt’s aristocratic class, and a central figure of al-Nahda (“renaissance”). He was one of the founders of the Egyptian national movement and Cairo University. Though unique in the strength of his advocacy for women, he was joined by close friends Mohamad Abdu and Saad Zaghloul, both eminent figures with respect to women’s rights and the nationalist movement. Led by Amin, their advocacy of greater rights for


school was originally founded to provide education to the young women of conservative Middle Eastern societies. These women were the real ambassadors of the spirit of education, tolerance, and care for the weak—all objectives of the early founding missionaries.

History An engraved stone in Beirut’s city center reads: “Site of the first edifice built in the Turkish empire for a girls school,” which refers to the American School for Girls (ASG), established in Beirut in 1835 by American Presbyterian missionaries, Sarah Huntington Smith and her husband Elias Smith. ASG represented an important shift in women’s education in the Middle East.

In 1860, violence broke out between Druze Muslims and Maronite Christians in the Lebanese mountains. The bloodletting only ended after the intervention of the world’s major powers at the time: the French sided with the Maronites, the British backed the Druze, and Russia came in on the side of the Greek Orthodox Christians. The Ottoman authorities, who had for centuries granted a degree of autonomy to Lebanese leaders, primarily Druze, were forced to make concessions to the three powers and entrusted supervision of Mount Lebanon’s affairs to an overseer,

134 Marwan Iskandar

ASG quickly began to achieve its desired impact. The following story provides a wonderful example. Close to the home of the Smith family lived Rahil Atta. She was educated by Sarah Huntington Smith in English and religious studies and eventually attracted the attention of Boutros Boustani whose 200th birth anniversary was officially celebrated in Lebanon on May 1, 2019. Boutros Boustani is referred to as the Teacher of the Arabic Language and a man of distinguished intellect who called for tolerance between religious groups. He was also a Maronite who became a Protestant. In 1843 he married Rahil. Together, Boutros and Rahil were very active in promoting their religious beliefs and in supporting education. They had nine children and their first born—a girl—was named Sarah. Rahil translated children’s books from English to Arabic for use in the Protestant College in Obey where Boutros taught. She also established a school for girls in Hasbaya where she instructed students in the English language as well as religion.


Educational Heritage

The First 100 Years of Educating Girls in the Middle East

Dr. Marwan Iskandar

This is1 a brief summary of the evolution of the American School for Girls (ASG), established in 1835, to its transformation into the American Junior College for Women (BCW) in 1920s. Subsequent chapters narrate the further development of the institution into a university college and then into the dynamic, co-ed university of today. This brief history of the institution lays out the role of the regional and international upheavals that so impacted Lebanon, its people, and the communities of displaced Middle Eastern nationals forced out of their countries by changes of regime and political ideology. The institution survived due to the extraordinary efforts and support of a number of American missionary leaders, in addition to the growing interest and generosity of Lebanese and Arab donors as well as interaction with leading universities abroad. The present history draws on the work of senior staff at the Riyad Nassar Library on the Beirut Campus. Reviews of the cultural and political climate in Lebanon and the region from the 1920s and 1930s complement the picture. In addition, the achievements of many distinguished alumna from BCW are briefly described, as the

The book cover

1) The first chapter of his book “From College to University – The meteoric rise of LAU”, published in 2020 by Hachette Antoine.


IN HONOR OF MIKHAIL NAIMY The Mikhail Naimy Festival was launched with an exhibition of his works on Sunday, May 7. It ended on Sunday, May 14 with the final performance of “Mikhail Naimy”, a play staged at the Gulbenkian Theater of the Beirut University College (LAU today). In between, a large number of cultural activities revolving around the works and life of Naimy was organized. The idea of the festival – the first in Lebanese history to honor a contemporary Lebanese man of letters – came from President Elias Sarkis, who put it to the government of Prime Minister Selim Hoss in 1977. The government adopted the plan and entrusted the task of organizing the festival to a special committee of leading Lebanese officials and educators. The man Lebanon honored last week was born in Baskinta, North Metn, in 1889. He studied in a Russian-founded school in his hometown from 1899 till 1902, when he received a scholarship from the Imperial Russian Association for Palestine to study at the Russian teachers’ college in Nazareth.

In 1918, soon after he became editor of Al-Funoun, he was drafted by the U.S. Army and sent to the French-German front. One year later, he became one of the U.S. soldiers who were enrolled in French universities pending the final pull-out of the American Army. He joined the University of Rennes, where he studied French literature and history. He returned to New York the same year. One year later, he and his fellow authors, including Gibran, formed a literary association aimed, as Naimy put it in an editorial, at shaking Arabic literature out of its torpor and into the 20th century. In 1931, he was the only one of Gibran’s friends who sat by his bedside at the St.Vincent Hospital in New York during the great author’s six-hour struggle with death – a struggle which Gibran lost. In 1932, Naimy returned to Baskinta, Lebanon and devoted himself to the literary career which he had started when he joined the Russian seminary. His first literary work – written in Russian in 1910 – was a poem entitled The Frozen River. His latest is Min Wahi Al-Maseeh, a book published in 1974 presenting the author’s conception of Jesus Christ. Between the Russian River and the Baskinta Jesus was an outpouring of rich thought which took the form of poems, short stories, novels, plays, articles, essays – many of them translated into several languages, all of them proclaiming Naimy one of the 20th century’s literary and philosophical giants.

136 Maya Georr

Another scholarship in 1906 took him to Southern Russia, where he studied at a theological seminary. He returned to Lebanon five years later and almost immediately left for the United States, where he enrolled in the literature and law schools of Washington University, Seattle. He graduated in 1916 with a B.A. and an LLB, and went to New York, where he met a group of writers who were contributing articles to an Arabic-language magazine, Al-Funoun (The Arts). Best known among his new acquaintances was Gibran Khalil Gibran.


So the East has given up all these values, has exchanged its prophets for false idols? “At present, unfortunately, that is the case.”

Beautify Your Souls...

Are your afraid of death?

Naimy to The Lebanese:

137

“Well, to be honest with you and with myself, believing as I do that I’m immortal and every human being is immortal, I shall have no fear of death. Yet it is only human to feel a certain sorrow at having to leave behind so many people that you love and so many people who love you. “I do think of death and I’m preparing myself for it. But I cannot say that I shall face it with a smiling face. It shall be hard on me to leave so many loving people behind. In fact, I’m more afraid for them than I’m afraid for myself, because they’ll miss a loving soul. Children will miss a loving uncle, will miss a grandfather…”

May 14, 1978, at the Presidential palace: the State of Lebanon standing in front of Naymi seated. From left to right: PM Selim Hoss, President Sarkis, Minister (of education) Assaad Rizk, Michel Asmar (director of the Cénacle Libanais) photo: An.Nahar.

And the world will miss a great man. Mikhail Naimy, are you old at eighty-nine? “It is impossible to reach the age that I have reached without feeling the weight of the years. I can’t run today as I used to run.” So this weight is only physical. It is heavy on your shoulders but you managed to keep it out of your heart. “No, in my heart I accept it gladly and I try my best to make the weight of years lighter by occupying my mind and my soul with other things that are not part of the needs of the physical body.”


So it is a tyrannical one. “It is a tyrannical civilization. It has brought Man many things to facilitate his living on the earth – transportation, accommodations, central heating, telephone, telegram, radio, television, wonderful things. But there is no heart behind them, no human sympathy, no human understanding, no love. And anything devoid of love is worthless.” Mikhail Naimy once insisted that the historic role of the East is to rekindle the flame of the Spirit in a tired West. Has the East betrayed its mission?

“We are not yearning only for good clothing, for good food, for good transportation. We are yearning for liberation; our souls must be liberated. We want to be reunited with our origin. We don’t want to be ruled and governed by our passions. We want to free ourselves from our own instincts. We want to go back to our divine origin.”

Pierre Sadek’s caricature in An.Nahar

138 Maya Georr

“To a great extent it has. The East is more materialistic today than the West. It is an outstanding fact that the East has been the land of prophets. The West produced not a single prophet. But there is something for you to consider, something to think about: that the East has lately betrayed its mission. The onslaught of western civilization has been so great that the East has made it its aim, its purpose, to catch up with this civilization, to absorb it all, thinking that it is the utmost of human perfection. Therefore, it has betrayed its original mission, the mission to dig deep into the human heart and the human soul and to know what man is yearning for.


Beautify Your Souls...

thinks the same way of the Moslem. They never stop to take stock of themselves, they never stop to ask themselves if God really needs them. If God was afraid of me he would know how to protect himself. He doesn’t need another human to protect himself against me.

Naimy to The Lebanese:

139

“That is very regrettable and I’m sorry to say that people have not yet been able to take themselves out of the clutches of such misconceptions and feelings.” But do you see any hope? Do you think that this could be overcome, and people could come back to their faith, to their conscience? “Don’t forget that people are not all on the same level. A small minority may come to understand, may be able to live in peace, but the majority of people need much time, much more experience, much more education to reach that level. It is like a caravan; some are at the head and some are at the end. But the masses of people are always slow to understand and slow to follow. And what makes it worse is that the leaders of those masses exploit the ignorance of the masses to their advantage – for political advantages, for commercial advantages – and that is a pity. Instead of trying to raise them, they try to exploit them, President Sarkis decorating Mikhail to keep them ignorant.” Naymi (May 14, 1978) Your first experience with modern civilization in New York made you seek refuge in your village, close to your earth. What about those who are still trapped within the vicious circle; is there an exit? The modern man in general, is he doomed? “Modern civilization has actually brought about what may be called miracles. “Unfortunately it is a civilization ruled by reason, by mind only. The heart is left outside. It is a heartless civilization. Otherwise it would have been perfect. If it had only a bit of a heart.”


Monday Morning’s cover: week of May 15–21, 1978. Vol. VII No. 308. Pp. 25,26,27.

“If the people who live in this small country would only see the beauty of their land, the beauty of their mountains and valleys, of their sky and sea, they would try at least to model their life after that beauty. They’d do nothing to mar that beauty, nothing to mar the human relationships between them. They should feel like one family, like brothers and sisters. They should always be thankful to God that they were born in a country like this. They should try at least to beautify their souls as their country is beautiful. “I wrote an article once in Arabic about the relation between the land and its inhabitants. I was amazed that the gulf is deep between the beauty of the Lebanese mountains and the inhabitants of those mountains. They quarrel, they feel the cleavage among them, a cleavage of religious grounds, which is the most foolish form. It makes a person have fear or no faith in the other person because he doesn’t belong to the same community or to the same creed. “People here seem to regard themselves as protectors of God. They’re also jealous. They want their conception of God to prevail, as though they were greater than God. “God needs no advocates, but people here insist on making themselves his advocates. They insist on making themselves soldiers in the army of God in order to protect God. A Moslem thinks that a Christian misunderstands God and the Christian

140 Maya Georr

people that inhabit the country. This relation I cannot see in Lebanon.


So Your mysticism is in fact liberation. “It is liberation.”

Beautify Your Souls...

Your sense of belonging – what do you owe it to?

Naimy to The Lebanese:

141

“So long as we live in physical bodies, so long must we have a sense of belonging. There is a certain definite relationship between our physical bodies and the physical environment in which we live. “In my case, I was born in the upper reaches of Lebanon – beautiful countryside, marvelous scenery that changes with every twinkling of the eye. Those things left a deep impression on my soul as a child. Therefore when I was forced to leave my original nest, I always carried with me a longing to come back to that place. “The first time I had to leave Baskinta, my birthplace, was when I went to Nazareth in Palestine. Although the language was the same, the surroundings were more or less close to each other, yet I’ve always longed to come back to Baskinta, to Mount Sannine, to the cliffs and valleys that I love, to the birds that used to inhabit those places. (Unfortunately we are becoming birdless today, because of so many hunters who have no compunction in destroying beautiful nature. We have become too poor in birds today). “That sense of belonging I carried with me whenever I went. From Nazareth I went to Russia, where I stayed for five years. From Russia I went to the United States, where I stayed for twenty years. And yet wherever I went I carried the pictures and the aroma of those mountains where I was born.” Speaking of Lebanon, we have heard enough of politicians and I think that people are tired of that. They want something different, something real. What have you got to say? “In the case of Lebanon. I don’t think I can ever express my feeling towards this small country. Lebanon to me is more than mountains, more than valleys, is more than a sea. It is a beautiful picture. It is an embodiment of beauty to me, an embodiment of peace. “I’m always at a loss to understand why there is no affinity between Lebanon and the people who live in Lebanon. To me there must be a close relation between the country and the


So that brings us close to Karl Jaspers when he says, “The most profound thing we have to say to one another cannot quite be said”. “This is absolutely true.” The man and the writer in you: are they in harmony or conflict?

With faith and lucidity you revealed the yearning of the concrete and temporal for the absolute and eternal. What is this yearning? Where does it come from? Where does it lead? “We all have our yearnings. But those yearnings cannot be the same with all people, because people do not live on the same level, neither intellectually nor spiritually nor physically. Therefore our yearnings are different. Some yearn to accumulate wealth, others yearn to have power over others, and then there is a small minority of people who yearn for the absolute. They yearn for absolute liberation, from the body, the senses, and everything that binds man to a certain environment, to a certain spot, to a certain definite time. “Man is timeless and spaceless. Man, as I said in my Book of Mirdad, is a god in swaddling bands. He’s on his way to absolute freedom, absolute knowledge. But the difference between people is that some see that goal and others don’t see it. It is the goal that you set for yourself that makes you different from me. Your goal, as I said, may be to accumulate wealth, to have power over others, to reap as many of the joys of existence as possible. My goal may be to be liberated from all desires, except one desire, to become Godlike, to return to my origin, to be one with God.”

142 Maya Georr

“Happily they live in perfect harmony. The man is that conglomerate existence that tries to express itself. We express ourselves in many ways: we move, we act, we talk. But when we recall our words we call that writing. When we talk to each other we are writing, but we do not imprison words. Writing is a sort of imprisonment. You give the word a form and it is definite. It is a means of communication. Fortunately, you can talk to a person face to face, but you can’t talk to a person thousands of miles away. Through the word you can communicate with all the living humanity, or at least with people who are able to read what you write, or are interested in reading what your write. And the man and writer in me live in harmony.”


Beautify Your Souls...

Is it an act of choice? Do you choose to be one with God?

Naimy to The Lebanese:

143

“Freedom cannot be associated with ignorance. The ignorant cannot be free. The all-knowing alone can be free. As we are at present, we are ruled more than we rule ourselves. We are led by instinct which we share with the lower creatures, with animals and plants. But our destiny is to overcome instinct, to free ourselves from the rules of instinct, from the despotism of instinct. That’s why I insist on yearning. I say man is always yearning to liberate himself from whole conditions and circumstances that bind his will. “Our trouble is that we are conditioned by time and space, and yet when we start to ask what time is we don’t know what it is. We cannot imagine anything without beginnings and ends. But time is beginningless and endless, and space is beginningless and endless. Therefore, most of our troubles grow out of our ignorance, or impotence to face time as a Stamps on the festival’s occasion continuity. We insist on fractioning time, we insist on fractioning space, and time, as I said, as well as space, is beginning-less and endless. It is only when we liberate ourselves from that false notion of beginnings and ends that we become conscious of ourselves as divine beings existing forever or passing through many experiences in order to realize our divinity.” Great literature is always autobiographical. Is that particularly true of your works? “That is true to a large extent. When we write we reveal parts of ourselves. The writer who can put his entire soul, his entire life in a book has not yet been born. We only make attempts, we only reveal sides of ourselves. When we reach perfect knowledge, we would not need words. We’d stop talking. We’d stop writing.”


Mikhail Naimy, you have journeyed through your literature to the farthest reaches of human nature. What can you say now about the journey and the destination? “Human life is a journey, but life itself is a static force that has no beginning and no end. We become conscious of life as we come into the world and experience physically, through our senses, the world about us. We journey from infancy to maturity. The infant man has a beginning in time, but we cannot trace that beginning, and he has an end in time, but we cannot see that end. All we can do at present is to go on and to seek to regain the absolute in us; to reach our final destination, which is nothing short of absolute knowledge and absolute freedom.

“As we proceed from God, we proceed as infant gods. When we reach the end of the journey we become gods uncontained in time or in space. First page of the interview by Maya Georr

“This is in short the human journey as I see it.”

Philosophy and literature are often born out of a paradox: to have a closer look at man one must get further away from men. Have you experienced the paradox? “Life is not a paradox. It is true that we must somehow get away from ourselves in order to understand ourselves. In other words, we must take ourselves out of our immediate surroundings in order to be able to view the world as a unit. “We are conditioned now by time and space. As we grow, time will appear as a continuity in our life with no stops and no caravanserais on the way. And the destiny of man is to grow from the infant god to full Godhood. In other words, to grow from conditioned circumstances to where existence is beginningless and endless.”

144 Maya Georr

“In other words, only when we know all things and are able to dominate all things can we say that we have reached the end of our journey.


Literary Heritage

NAIMY TO THE LEBANESE: Beautify Your Souls, As Your Country Is Beautiful Maya Georr

In a conversation with Monday Morning  , the great Lebanese philosopher wonders why the people of Lebanon think God needs their protection. 1

Mikhail Naimy, the internationally acclaimed author-poetphilosopher whom Lebanon has just honored in a pioneering festival of cultural events, has this to say about Lebanon: “I’m always at a loss to understand why there is no affinity between Lebanon and the people who live in Lebanon. To me there must be a close relation between the country and the people who inhabit the country. This relation I cannot see in Lebanon. “If the people who live in this small country would only see the beauty of their land… they would try at least to modulate their life after that beauty. They’d do nothing to mar that beauty, nothing to mar the human relationships between them… They should try to beautify their souls as their country is beautiful… “People here seem to regard themselves as protectors of God. They’re also jealous. They want their conception of God to prevail, as though they were greater than God. God needs no advocates, but people here insist on making themselves his advocates…” Mikhail Naimy, 89, made these and other observations about Lebanon’s present crisis and future prospects in a conversation last week with Monday Morning’s Maya Georr, who probed into the great thinker’s mind in an effort to give our readers a glimpse of the essence of Naimy 1978. The conversation went as follows:

1) Monday Morning, week of May 15–21, 1978. Vol. VII No. 308. Pp. 25,26,27.


‫صدر في ‪‬مرايا التراث‪‬‬ ‫العدد األول‪ :‬خريف ‪/  2014‬شتا ء ‪٢٠١٥‬‬

‫* تراثنا اللبناني‪ :‬معالم وعالمات‬ ‫•حسان حالق‪ :‬بلدية بيروت المحروسة في العهد العثماني‬ ‫•يوسف الحوراني‪ :‬حرمون جبل التجلي ونيسا مغارة أدونيس‬ ‫•ابرهيم كوكباني‪ :‬بعلبك مدينة الشمس ُاللغز الذي لم ُيعد لغزً ا‬

‫* ملف العدد‪ :‬التراث اللبناني الشفوي بين المروي والمحكي والموسيقي‬ ‫المروي‬ ‫•عبداللطيف فاخوري‪ :‬بيروت‪ ...‬إحكي لنا من تراثك‬ ‫ّ‬ ‫•جوزف أبي ضاهر‪ :‬الزجل اللبناني من البدايات – شعر الحياة اليومية‬ ‫والتراث‬ ‫•كفاح فاخوري‪ :‬من فصول الحياة الموسيقية في لبنان‬ ‫•محمود زيباوي‪ :‬التراث الفولكلوري الشعبي كما تناوله األخوان رحباني‬ ‫•ناصر مخول‪ :‬اآلالت الموسيقية التراثية‪ :‬تصنيعها والعزف عليها‬ ‫•بديع الحاج‪Le chant traditionnel au Liban :‬‬

‫* إرثنا التراثي‪ :‬تشريعات ومعايير‬ ‫•حنا العميل‪ :‬التراث الثقافي غير المادي‪ :‬تحديات المحافظة عليه‬ ‫•نسيب حطيط‪ :‬أسباب التلف والدمار في المصادر التراثية‬ ‫•محمد ناصر‪ :‬دور التشريعات في حفظ التراث وحمايته‬


‫العدد الثاني‪ :‬ربيع‪ /‬صيف ‪2015‬‬

‫والد َولي‬ ‫عدد خاص في موضوع‪ :‬لبنان في األرشيف الوطني ُ‬ ‫* لبنان في األرشيف المحلي‬ ‫•أحمد حطيط‪ :‬لبنان في أرشيف الحروب الصليبية‬ ‫•الياس القطار‪ :‬أرشيف لبنان في العهد المملوكي‬ ‫•أنطوان القسيس‪ :‬لبنان في الزمن الفينيقي‬ ‫•بطرس لبكي‪ :‬حرير لبنان في األرشيف المحلي واألجنبي‬ ‫•جوزف أبو نهرا‪ :‬لبنان في أرشيف األديار ‬ ‫•حسان حالق‪ :‬لبنان في أرشيف بيروت‬ ‫•رياض غنام‪ :‬لبنان في األرشيف األهلي‬ ‫•عبداهلل المالح‪ :‬لبنان في أرشيف المتصرفية‬ ‫•عمر عبدالسالم تدمري‪ :‬لبنان في األرشيف اإلسالمي‬

‫* لبنان في األرشيف األجنبي‬ ‫الحكيم‪ :‬لبنان في األرشيف الفرنسي‬ ‫•أنطوان‬ ‫ّ‬ ‫•عباس أبو صالح‪ :‬لبنان الخمسينات في األرشيف األميركي‬ ‫•عبداللطيف الحارس‪ :‬لبنان في األرشيف البريطاني‬ ‫•كرم رزق‪ :‬لبنان في األرشيف النمساوي‬ ‫•مسعود ضاهر‪ :‬لبنان في األرشيف األميركي‬


‫العدد الثالث‪ :‬خريف ‪/ 2015‬شتاء ‪2016‬‬

‫العمراني‬ ‫* تراثنا‬ ‫ّ‬ ‫•نسيب حطيط‪ :‬ال ـتــراث الـعـمــرانــي فــي ب ـيــروت بين ال ـهــدم والتنمية‬ ‫المستدامة‬ ‫•مي عبود أبي عقل‪ُ :‬‬ ‫تراث لبنان باالندثار‪ُ ...‬م َه َّدد‬ ‫مج َّمد‬ ‫ُ‬ ‫وقانون حمايته في مجلس النواب‪َ ...‬‬ ‫•أنطوان فشفش‪ :‬تطور األشكال العمرانية والمدنية في بيروت منذ نهاية‬ ‫القرن التاسع عشر‬

‫في‬ ‫* ملف العدد‪ :‬تراثنا ِ‬ ‫الح َر ّ‬ ‫ـعبية‪ ...‬قبل َأن تَ ـزُ ول‬ ‫•عبداللطيف فاخوري‪ :‬تقاليد ش َّ‬

‫التاريخي‬ ‫* تراثنا‬ ‫ّ‬ ‫والتبعية في‬ ‫الحيز الجغرافي اللبناني بين التمايز‬ ‫•جــورج شلهوب‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫العهدين األموي والعباسي‬ ‫•مسعود ضاهر‪ :‬المسألة الطائفية في لبنان‪ :‬المسار التاريخي واآلفاق‬ ‫المستقبلية‬ ‫•مــروان أبي فاضل‪ :‬جبل الكرمل‪ :‬صراع بين النبي الياس وكهنة بعـل‬ ‫ُصــور الفينيقي‬


‫العدد الرابع‪ :‬ربيع ‪ /‬صيف ‪٢٠١٦‬‬

‫المادي‬ ‫* تراثنا غير‬ ‫ّ‬ ‫•وجيه فانوس‪ :‬الشخصية التراثية المدينية في الوجدان الشعبي البيروتي‬ ‫المادي‬ ‫* تراثنا‬ ‫ّ‬ ‫المادية في لبنان‬ ‫•رجا لبكي‪ :‬مدخل إلى دراسة الحضارة‬ ‫ّ‬

‫الصحافي‬ ‫* ملف العدد‪ :‬تراثنا‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫يائها‬ ‫•جوزف أبي ضاهر‪ :‬الصحافة اللبنانية من أ ِل ِفها إلى ِ‬

‫* لبنان على أقالم الرحالة (‪)١‬‬ ‫• َأحمد َ‬ ‫األندلسيين في العصور الوسطى‬ ‫حطيط‪ :‬لبنان في كتابات الرحالة‬ ‫ّ‬

‫* تراثنا العائلي‬ ‫•أنطوان مسرة‪ :‬التربية على التراث من الشعار والحنين إلى السلوك في‬ ‫الحياة اليومية‬ ‫‪* Liban: patrimoine historique et touristique‬‬

‫‪• Hareth Boustani: Deir el-Qamar: patrimoine architectural et‬‬ ‫‪urbain‬‬

‫‪• Abdel-Raouf Sinno: The journey of the German emperor‬‬ ‫‪William II to Bilâd ash-Shâm in 1898‬‬


‫العدد الخامس‪ :‬خريف ‪/ ٢٠١٦‬شتاء ‪2017‬‬

‫المادي‬ ‫* تراثنا‬ ‫ّ‬ ‫لبناني َأثري وتاريخي في عكار‬ ‫•أنيس شعيا‪َ :‬م ْع َل ٌم‬ ‫ٌّ‬ ‫المادية‬ ‫الدينية في الحضارة‬ ‫•سوالنج الحلو‪ :‬موقع األوقاف‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫الشعبي‬ ‫* ملف العدد‪ :‬تراثنا‬ ‫ّ‬ ‫•عبداللطيف فاخوري‪ :‬بيروت أيام زمان‪ :‬الطب وطب األسنان والصيدلة‬

‫الديني‬ ‫* تراثنا‬ ‫ّ‬ ‫•عمر عبدالسالم تدمري‪ :‬جامع طينال الحاجب في طرابلس‬

‫* لبنان على أقالم الرحالة (‪)2‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫•بيار مكرزل‪ :‬لبنان في رحلة المستشرق البلجيكي أنسيلمي أدورنو‬ ‫‪* Notre patrimoine religieux‬‬ ‫‪• Antoine Fischfisch: Église Mar Zakhia  –  Ajaltoun‬‬ ‫‪entre revitalisation et restauration‬‬ ‫‪• Paul Zgheib: L’art Syriaque : les paradigmes de l’existence‬‬

‫‪* Notre patrimoine historico-archéologique‬‬ ‫‪• Jeanine Abdul Massih: La carrière archéologique de Baalbek‬‬ ‫‪dévoile son secret‬‬


‫العدد السادس‪ :‬ربيع ‪ /‬صيف ‪٢٠١٧‬‬

‫المادي‬ ‫* تراثنا‬ ‫ّ‬ ‫موحدة‬ ‫•مروان أبي فاضل‪ :‬صيدا وصور في العصر الحديدي (مملكة ّ‬ ‫أم مملكتان؟)‬ ‫الشعبي‬ ‫* َم َل ّف العدد‪ :‬تراثنا‬ ‫ّ‬ ‫•علي شعيب‪ :‬الزعامة الشعبية في جنوب لبنان َ(أحمد َ‬ ‫نموذجا)‬ ‫األسعد‬ ‫ً‬

‫* لبنان على أقالم الرحالة (‪)٣‬‬ ‫• َأحـمـد ح َـطـيـط‪ :‬لبنان وبالد الشام َأ ّي َام حروب الفرنج في الشرق من‬ ‫جبير َ‬ ‫األندلسي (‪ 581–578‬هـ‪1185–1183/‬م)‬ ‫خالل رحلة ابن َ‬

‫التاريخي‬ ‫* تراثنا‬ ‫ّ‬ ‫•ليندا رزق‪ :‬ظاهرة رائدة في الشرق العربي‪ :‬التعليم العالي في لبنان‪:‬‬ ‫نشأته‪ ،‬منطلقاته‬ ‫‪* Notre patrimoine historique‬‬

‫‪• Dr Ibrahim Kaoukabani: Les stèles de Nahr el Kalb‬‬


‫العدد السابع‪ :‬خريف ‪/ 2017‬شتاء ‪٢٠١٨‬‬

‫المادي‬ ‫* تراثنا‬ ‫ّ‬ ‫قديما) حاضرة فينيقية منسية‬ ‫الص َر َفـنْ ـد (صربتا ً‬ ‫•د‪ .‬عصام علي خليفة‪َ :‬‬ ‫بين التاريخ والتقاليد‬ ‫•د‪ .‬صوالنج موريس الحلو‪ :‬معاصر الزيتون ومطاحن الحبوب في قضاء‬ ‫العثماني‬ ‫الشوف ّإبان الحكم‬ ‫ّ‬

‫بهية من تاريخ لبنان المعاصر‬ ‫* َم َل ّف العدد‪ :‬صفحة ّ‬ ‫•وسام اللحام‪ :‬لبنان في طوابعه ُ‬ ‫األولــى‪ :‬منذ ِإعالن دولة لبنان الكبير‬ ‫حتى االستقالل‬

‫المادي‬ ‫* تراثنا غير‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫اللبنانية‬ ‫المسألة‬ ‫العثمانية على‬ ‫•د‪ .‬مسعود ضاهر‪َ :‬أ َثــر التنظيمات‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫(‪)1860 – 1835‬‬ ‫•د‪ .‬جورج شلهوب‪َ :‬أضواء على الجذور التاريخية للكيان اللبناني‬ ‫•د‪َ .‬أمين الياس‪ :‬التجديد في منظومة الفكر العربي (المعلم بطرس‬ ‫نموذجا)‬ ‫البستاني‬ ‫ً‬

‫* مراسالت‬ ‫•أ‪.‬د‪ .‬عمر عبدالسالم تدمري‪ :‬بعلبك‪ ...‬ال ستة أعمدة بل ثمانية!‬


‫العدد الثامن‪ :‬ربيع‪/‬صيف ‪٢٠١٨‬‬

‫التاريخي‬ ‫* تراثنا‬ ‫ّ‬ ‫نصار‪ :‬الياس ديب مطر (‪ّ )1910–1857‬أول محاولة لكتابة‬ ‫•د‪ .‬أندريه ّ‬ ‫الوطني‬ ‫التاريخ‬ ‫ّ‬ ‫•د‪ .‬بيار مكرزل‪ :‬القبطان الفرنسي توسان ّ‬ ‫أالر (‪ُ )Toussaint Allard‬م ْن ُ‬ ‫قذ‬ ‫َ‬ ‫األمير بشير سنة ‪1822‬‬

‫* َملَ ّف العدد‪ :‬تقاليدنا َ‬ ‫واألعراف‬ ‫‪‬الخضر‪ ‬بين‬ ‫•مروان أبي فاضل‪ :‬بيروت ‪‬عيد النهر‪ ،‬مار جرجس‪ُ ،‬‬ ‫َ‬ ‫األساطير والكنائس والمساجد‬ ‫المادي‬ ‫* تراثنا‬ ‫ّ‬ ‫•ميشال حالق‪ :‬عكار المنسية في أقصى الشمال‬ ‫* مهن ِح َر ِف ّية تقليدية‬ ‫•د‪ .‬رجاء يوسف لبكي‪َ :‬‬ ‫الع َرق‬ ‫‪‬ش ْيل‪َ ‬‬ ‫‪* Notre patrimoine matériel‬‬ ‫‪• Eddy Choueiry: Liban sur Rail‬‬


‫العدد التاسع‪ :‬خريف ‪/ ٢٠١٨‬شتاء ‪٢٠١٩‬‬

‫األدبي‬ ‫* تراثنا‬ ‫ّ‬ ‫•د‪.‬إلـهــام كــاّ ب البساط‪ :‬اللبنانية عفيفة كــرم ‪‬غــادة عمشيت‪ ‬رائــدة‬ ‫الرواية في َ‬ ‫األدب العـربي‬ ‫‪/‬االجتماعي في َأعمال َأنيس‬ ‫التاريخي‬ ‫•د‪ .‬إيلي حليحل‪ :‬ذاكرةُ تُ راثنا‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫فريحة‬ ‫* َملَ ّف العدد‪ :‬نافذة على نجمة بيروت‬ ‫•عبد الفتاح خطاب‪ :‬زاوية حنين من ذاكرة بيروت‪ :‬مقهى الحاج داود‪‬‬ ‫شاع ُر َ‬ ‫ـاشـق َب ْـي ُـروت‬ ‫الزعنِّ ي ِ‬ ‫الشعـب وع ِ‬ ‫•د‪ .‬وجيه فانوس‪ :‬عمر ّ‬ ‫•عبد اللطيف فاخوري‪ :‬الهندسة المعمارية في بيروت‬ ‫التاريخي‬ ‫* تراثنا‬ ‫ّ‬ ‫الوطنية‬ ‫•د‪ .‬ليندا رزق‪ :‬حميد فرنجية‪ :‬رجل االستقالل والمواقف‬ ‫ّ‬ ‫•د‪ .‬ديانا بشارة جحا‪ :‬يوسف الحويك رائد النحت في لبنان‬


‫العدد العاشر‪ :‬ربيع‪/‬صيف ‪٢٠١٩‬‬

‫المادي‬ ‫* تراثنا غير‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫تربية لجيل الغـد‬ ‫مسره‪ :‬تراث لبنان القيمي ثقافة من أمس‬ ‫•أنطوان ّ‬ ‫المادي‬ ‫* تراثنا‬ ‫ّ‬ ‫رث من بالدنا ِإلى كل بالد‬ ‫•د‪ .‬كمال ديب‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫المذاق اللبناني ِإ ٌ‬ ‫•د‪ .‬رجاء يوسف لبكي‪َ :‬‬ ‫الك ْـلس‬ ‫وس َـمر في انتظار ِ‬ ‫األتُّ ون‪َ ...‬س َهر َ‬ ‫* َملَ ّف العدد‪ :‬بعلبك كما كانت‪ ...‬بيروت لو تكون‬ ‫• َّ‬ ‫مخططات هيكل جو�يتر‪ -‬بعلبك في كتاب ‪‬المهرجان‪‬‬

‫‪* Notre patrimoine musical‬‬ ‫‪• P. Badih El Hajj: Le chant syriaque maronite‬‬ ‫‪et le chant traditionnel libanais‬‬

‫‪* Historical / Educational Heritage‬‬ ‫‪• Halide Edib: Memoirs of Halide Edib‬‬


‫زمن لبنان الكبير‪ :‬عدد خاص باألول من أيلول ‪٢٠١٩‬‬

‫•لبنان الكبير‪ :‬التقسيمات اإلدارية واسترجاع األقضية األربعة‬ ‫•الجنرال غورو في ِإعالن ‪‬لبنان الكبير‪‬‬ ‫• َح َ‬ ‫ول البطريرك الحويك في ‪‬اليوم الكبير‪‬‬ ‫•النشيد الوطني في َ‬ ‫األ َّول من َأيلول‬

‫•ميشال ُّزكور في افتتاحية ‪‬المعرض‪:‬‬ ‫َ‬ ‫‪‬أول َأيلول ُي ِّ‬ ‫ـمثل الفكرةَ السامية‪ :‬لبنان ِبـحدوده الطبيعية‪‬‬ ‫•الشيخ بشارة الخوري قبل ربع قرن من رئاسته‬

‫•عنبرة سالم الخالدي‪ ... :‬ال يا سيدتي‪ ،‬سنكون عديدين‬ ‫لخدمة وطننا ال لخدمة فرنسا االنتداب‪‬‬ ‫•رسالة كليمنصو ِإلى البطريرك الحويك‬ ‫•المطران مبارك إلى البطريك الحويك‪:‬‬ ‫الجميل مندوبان ِإلى غبطتكم‬ ‫ِإميل ِإ ّده ويوسف‬ ‫ّ‬ ‫•وسام اللحام‪َ :‬‬ ‫األول من َأيلول‪ُ ...‬وأولى الخطوات الرسمية‬

‫الم ْط َلق‬ ‫•بطريرك ‪‬لبنان الكبير‪ :‬لن نرضى ِإ َّال باستقاللِ هِ‬ ‫ِّ‬ ‫التام ُ‬ ‫دود ِه َ‬ ‫األصلية‪‬‬ ‫وباستعادةِ ُح ِ‬


‫العدد الحادي عشر‪ :‬خريف ‪/ ٢٠١٩‬شتاء ‪٢٠٢٠‬‬

‫التاريخي‬ ‫* تراثنا‬ ‫ّ‬ ‫عل ٌم من بيروت َّ‬ ‫غطى َّ‬ ‫•عبدالستار الالز‪َ :‬‬ ‫كل لبنان‬ ‫•وسام اللحام‪ :‬من البنك السوري (‪ )1919‬إلى مصرف لبنان (‪)1964‬‬ ‫مدننا على العملة الورقية‬ ‫ُصور‪ ،‬الصرفنْ د‪ ،‬صيدا‪ :‬مطالع ُ‬ ‫ً‬ ‫وزيتونا لمواسم الخير‬ ‫قمحا‬ ‫•د‪ .‬صوالنج موريس الحلو‪ :‬تراث الخير ً‬

‫* َملَ ّف العدد‪ :‬زمن لبنان الكبير‬ ‫•‪‬بعد اعتراف فرنسا بضرورة استقاللنا سنة ‪ 1860‬لن أرضى بعد ستين‬ ‫سنة أن يُمَسّ َوي ُ‬ ‫حك َمنا الغير‪‬‬ ‫•هيام جورج مالّ ط‪ :‬ال‪ ‬النضمام جبل لبنان ِإلى سوريا ‪‬ال‪ ‬النضمام‬ ‫الليطاني وحرمون ِإلى فلسطين‬ ‫ٌ‬ ‫وفاعل وموجود‬ ‫حي‬ ‫•كمال ديب‪ :‬لبنان ٌ‬ ‫كيان ٌّ‬ ‫القضائي‬ ‫* تراثنا‬ ‫ّ‬ ‫وما‬ ‫•د‪ .‬كابي طانيوس شاهين‪ :‬مدخل ْتأريخي لمحكمة ُد َ‬

‫‪* Notre patrimoine historique‬‬ ‫‪• Antoine Kassis: Le Liban chez François de Pagès‬‬


‫العدد الثاني عشر‪ :‬ربيع ‪  /‬صيف ‪2020‬‬

‫الثقافي‬ ‫* تراثنا‬ ‫ّ‬ ‫حسان َّ‬ ‫عناصر ُنهوض‬ ‫حالق‪َ :‬أوقاف المسلمين والمسيحيين‬ ‫•أ‪.‬د‪َّ .‬‬ ‫ُ‬ ‫بالمجتمع اللبناني‬ ‫•وسام اللحام‪ :‬لبنان في ‪‬كتُ ب الدليل‪ ‬القديمة لؤلؤة سياحة‬

‫* َملَ ّف العدد‪ :‬زمن لبنان الكبير‬ ‫•مسعود ضاهر‪ :‬البطريرك الحويك لجمال باشا‪ :‬طائفتي هي لبنان‪،‬‬ ‫والمسلمون؟ جميعهم لبنانيون‪‬‬ ‫الجميل‪ :‬دور ‪‬االتحاد اللبناني‪ ‬في ِإعالن ‪‬دولة لبنان‬ ‫•د‪ .‬برجيس فارس‬ ‫ِّ‬ ‫الكبير‪‬‬

‫واإلقتصادي‬ ‫التربوي‬ ‫* تراثنا‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫•د‪ .‬ميشال جحا‪ٌ :‬‬ ‫مر ُه ‪ 170‬سنة (‪)2020 – 1850‬‬ ‫تراث‬ ‫ٌّ‬ ‫تربوي ُع ُ‬ ‫•عبداللطيف فاخوري‪ :‬األَسواقُ القديمة ذاكرةُ بيروت وهي تنهض ِإلى الحياة‬

‫‪* Patrimoine littéraire‬‬

‫‪• Liliane Buccianti-Barakat: Patrie rêvée dans la peinture‬‬ ‫‪de Gibran‬‬

‫‪* Mahjar Heritage‬‬ ‫‪• Linda K. Jacobs: The Antecedents of Al-Rabitah Al-Qalamiyah‬‬ ‫‪in New York City‬‬


‫العدد الثالث عشر‪ :‬خريف ‪ / ٢٠٢٠‬شتاء ‪٢٠٢١‬‬

‫الثقافي‬ ‫* تراثنا‬ ‫ّ‬ ‫‪‬د ْو َلنَ ة‪ ‬السياسة‪:‬‬ ‫مسرة‪ :‬في سبيل َ‬ ‫•أنطوان ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫تراثية َخالصية تُ عيد اللبنانيين إلى لبنان‬ ‫صدمة‬ ‫•د‪ .‬عبد الرؤوف سنّ و‪ :‬طرابلس‪ :‬فيحاء التراث منارة لبنانية فريدة‬ ‫على خصر المتوسط‬

‫ُ‬ ‫الع َم َرين بين ِإرث الريشة ُوتراث القلم‬ ‫* َملَ ّف العدد‪:‬‬ ‫بيروت ُ‬ ‫ُ‬ ‫بريشة من نور‬ ‫مائيات‬ ‫•سهيل منيمنة‪ُ :‬ع َمر أنسي‪:‬‬ ‫ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫بقلم من نار‬ ‫•د‪ .‬وجيه فانوس‪ُ :‬ع َمر فاخوري‪:‬‬ ‫ٌ‬ ‫كلمات ٍ‬

‫* ُ‬ ‫ً‬ ‫وحديثا‬ ‫قديما‬ ‫الحضاري‪:‬‬ ‫تراثنا‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫•ميشال حالق‪ :‬تلك الصخور الناطقة في منجز‬ ‫•أمين الياس‪ :‬الندوة اللبنانية‪ )1984–1946( ‬كنز ساطع من تراث لبنان‬ ‫‪* Natural Heritage‬‬ ‫‪• Sibelle Maksoud, Khaled Taleb & Dany Azar: New Early‬‬ ‫‪Barremian Fossiliferous Amber Outcrop from North Lebanon‬‬

‫‪* Historical Heritage‬‬ ‫‪• Alia Fares: Building A Domus Worthy of the Gods‬‬


Mirrors of Heritage Refereed journal published twice a year by The Center for Lebanese Heritage (CLH) at The Lebanese American University (LAU)

Henri Zoghaib – Editor

Issue No. 14 – Spring / Summer 2021

Literary heritage: Mikhael Naymi: Message to Lebanese Educational heritage: The First 100 Years of Educating Girls in the Middle East Local heritage: Douma, a gem in the Lebanese mountain Journalistic heritage: Jabal ‘Amel newspaper 1911–1912 Historical heritage: Beirut back in 1856, Beirut in the memory of Nicholas Ziadeh, Lebanon as seen by Arnold Toynbee Special section: The dramatic blast of August 4th, 2020

Center for Lebanese Heritage Lebanese American University, Kraytem, Beirut – Lebanon Phone: +961.1.78 64 64 (ext: 1600) P.O. Box: 5053 13 Beirut – Lebanon email: clh@lau.edu.lb www.lau.edu.lb/centers-institutes/clh Design and layout by STRATCOM – LAU Cover: Bloody memories of August 4th, 2020


Mirrors of Heritage ٢٠٢١ ‫ صيف‬/‫العدد الرابع عشر – ربيع‬

‫َم َل ّف العدد‬

َ ‫قلب بيروت‬ ‫قلب‬ َ ‫المرف ِإ‬ ُ ‫ ال‬...‫انفجر‬ ُ

‫ التاريخ‬ ُ‫كلمة‬ ‫ لبنان‬:‫تُ ْو ْي ْنبي‬ • ‫ سنة‬163 ‫بيروت قبل‬ • ‫دوما ْلؤلؤَ ةُ الجبل حارسةُ ذاكرته‬ ُ •

٢٠٢١ ‫العدد الرابع عشر – ربيع‬

Mirrors of Heritage Issue No. 14 – Spring 2021

Issue No. 14 – Spring / Summer 2021

Special section The dramatic blast of August 4th, 2020 • Mikhael

Naymi: Message to Lebanese • The First 100 Years of Educating Girls  in the Middle East


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.