No.(361) - Monday 5 November , 2012
العدد ( - )361االثنني 5ت�شرين الثاين 2012
املقاالت التي تن�شر ال متثل ر�أي اجلريدة .بل تعرب عن �آراء كتابها
عن ال�شبيبي والبنك املركزي! اللغم الذي ظل غري موقوت �أنفجر على نحو مفاجئ حني �صدرت مذكرة �إلقاء القب�ض بحق حمافظ البنك املركزي الدكتور �سنان ال�شبيبي ،فمنذ �أكرث من عام تردّ د عن وجود خالفات بني رئي�س الوزراء نوري املالكي والدكتور ّ ولعل اعتذار ال�شبيبي ال�شبيبي ،لإعتذار الأخري عن قبول طلب لإقرا�ض احلكومة مببلغ خم�سة مليارات دوالر. جراء ت�أثر �سعر ال�صرف للدينار يعود �إىل ا�ستقاللية البنك املركزي وقانونه اخلا�ص .و�أ�شيع �أن قرار الإحالة جاء ّ العراقي على خلفية �سوء �إدارة �أو ف�ساد ،علم ًا ب�أن العملة العراقية مل ت�شهد �أية تغيريات دراماتيكية منذ العام 2004وحلد الآن ،با�ستثناء الفرتة الأخرية. عبد احل�سني �شعبان وتردّد �أي�ض ًا ،وهو ما نقله يل �أحد �أقطاب العملية ال�سيا�سية� ،أن قرار الإقالة بحق ال�شبيبي كان قد اتخذ قبل ب�ضعة �شهور، ونتيجة و�ساطات وتدخالت �أطراف و�شخ�صيات غري قليلة مت �إلغاءه �أو ت�أجيل تنفيذه ،وعندما �سافر ال�شبيبي يف زيارة ر�سمية �إىل اليابان �صدرت مذكرة االعتقال بح ّقه ،خ�صو�ص ًا و�أن املو�ضوع جاء على ل�سان بع�ض النواب يف الربملان� ،إ�ضافة �إىل ما تناوله الإعالم. �إن �صدور مذكرة االعتقال و�سحب اليد من الوظيفة ،وال�شبيبي خارج العراق ،ي�ضع �أكرث من �س�ؤال حول التوقيت الذي كثري ًا ما تك ّرر مثلما ح�صل بالن�سبة لطارق الها�شمي نائب رئي�س اجلمهورية ،وذلك على خلفية اتهامه باالرهاب وبحق عدد من الوزراء وامل�س�ؤولني الآخرين ،الأمر الذي يعطي انطباع ًا باال�ستهداف والتبييت ورمبا االنتقام .ولعل ذلك يتج ّلى من املق�صد والداللة ،خ�صو�ص ًا م�شكلة البنك املركزي ال تتعلق ب�شخ�صية والإعالم بطبيعة احلال �سي�ؤثر على �سلطة عندما يكون امل�س�ؤول خارج العراق ،فهل �سنان ال�شبيبي امل�ستقلة �أو �إدائه ال�شخ�صي الق�ضاء ،لأنه قد ي�صدر �أحكامه قبل دفع �أو مهنيته �أو كفاءته ،بل تتعلق بعموم العملية الق�ضية �إىل ال�سلطة الق�ضائية ،وذلك وفق ًا يعني الإ�شارة �إليه بعدم العودة؟ لتوجهات حكومية وامتثا ًال مع ما تريده وبغ�ض النظر عن االتهام ومدى �صدقيته ال�سيا�سية وعالقات الفرقاء وطرق التفكري ّ ّ �أو عدمها ،ف�إن املتهمني الذين يتم اتهامهم ال ال�سائدة والوعي القانوين عموم ًا ،ال�سيما ال�سلطة التنفيذية �أحيان ًا .و�سي�ؤدي مثل هذا يعودون �إىل العراق ليواجهوا الأمر ،لأنهم بني الوظيفة العامة وال�ش�أن ال�سيا�سي �أو الأمر حتى و�إن ذهبت الق�ضية �إىل الق�ضاء� ،إىل جميع ًا "يتفقون" وهو �أمر يثري اال�ستغراب ،ال�شخ�صي .قد تكون ثمة �أخطاء �أو نواق�ص تع ّر�ض الق�ضاة �إىل �ضغوط نف�سية ومعنوية على �أن الق�ضاء غري م�ستقل ،و�أنه م�سي�س� ،أو حتى ف�ساد وقع فيه البنك املركزي مبا ومعلوماتية قد تكون م�شوهة �أو ملتب�سة، و�أن التهمة كيدية ،و�أن ت�آمر ًا قد مت ن�سجه فيها حمافظه ،ولي�س بال�ضرورة عن �سوء �ست�ؤثر على قرارهم وبالتايل �ستلحق ال�ضرر على نحو بارع للإيقاع بهم ،وامل�س�ألة تتكرر ق�صد ،وقد يكون �سوء �إدارة ،حتى و�إن حت ّمل مببادئ العدالة وباملتهم بالدرجة الأ�سا�سية ،ال ويح ّد من دوره وا�ستقالله ،وهناك �أمثلة يف كل م ّرة ،يف حني �أنهم مل ينب�سوا ببنت امل�س�ؤولية القانونية ،لكن طريقة املعاجلة ال �سيما �إذا كان بريئ ًا ،وحتى لو متت تربئته ف�إن كثرية يف احلا�ضر واملا�ضي على ذلك ،حيث �شفة قبل ذلك .وقد ت�شمل قوائم االتهام يف ينبغي �أن تت�سم بالت�شهري والإ�ساءة و�إ�صدار �ضرر ًا معنوي ًا �سيلحق به وب�سمعته .وتزداد لعبت ال�ضغوط والآراء امل�سبقة دورها امل�ستقبل بع�ض ال�ساكتني اليوم الذين من الأحكام حتى قبل التحقيق بالق�ضية وحتى امل�س�ألة خطوة عندما تكون ال�سلطة االعالمية ،ال�سلبي يف الت�أثري على العدالة ،خ�صو�ص ًا �إذا يتم ّ غ�ض الطرف عنهم �أو �أنهم ابتعدوا عن قبل �أن يتقرر ما �إذا كان الأمر ي�ستحق الذهاب "�صاحبة اجلاللة" ،قوية وم�ؤثرة ،ال �س ّيما �إذا ما �شعر القا�ضي خ�شية من ال�سلطة التنفيذية، دائرة ال�ضوء ،حيث تردّد �أن مفو�ضية النزاهة �إىل الق�ضاء ،وهو اجلهة الوحيدة التي من كانت �سلبية ،بحيث يخ�شاها الق�ضاء ،الذي �أو تهديد ًا ،وقد كان اغتيال عدد من الق�ضاة بحوزتها ملفات �أكرث من � 1000شخ�صية حقها ومن واجبها النظر يف مثل هذه الق�ضايا �سيكون موقفه �ضعيف ًا ،خ�صو�ص ًا �إذا ما �أدرك يف العراق واحد ًا من �أ�سباب اختالل بع�ض ر�سمية م�س�ؤولة متهمة بالف�ساد ،مبا فيها 15التي ت�صله وترفع �إليه. �أن وراء حملة الت�شهري ،االعالم الر�سمي ومن الأحكام ،ف�ض ًال عن تداخالته االجتماعية. وزير ًا �سابق ًا وعدد من النواب وع�شرات من ويف الكثري من احلاالت و�صلت الق�ضية �إىل ورائه احلكومة. ّ ولعل احلديث عن املعايري الدولية للمحاكمة االعالم قبل �أن ت�صل �إىل اجلهة ذات العالقة ،هكذا يتم الت�أثري على قرار الق�ضاء م�سبق ًا العادلة تتطلب وجود ق�ضاء م�ستقل ،فهذا وكالء الوزراء واملدراء العامني.
الأخري هو املعيار احلقيقي للنظم الدميقراطية واحرتام حقوق الإن�سان ،تلك التي تتطلب جمتمعات ح ّرة و�أفراد قادرين على مراقبة نزاهة الق�ضاء .وح�سب مونت�سكيو وكتابه " روح ال�شرائع" فاحلرية تنعدم �إنْ مل يكن الق�ضاء م�ستق ًال ومنف�ص ًال عن �سلطة الت�شريع (الربملان)� ،أما �إذا متاهت ال�سلطة الق�ضائية مع ال�سلطة التنفيذية �أو خ�ضعت لها ف�سيكون القا�ضي �إما طاغي ًا �أو منفذ ًا لأوامر متنفذين وطغاة يتدخلون يف �ش�ؤون الق�ضاء وي�ؤثرون على �أحكامه. وذهبت املادة ( )11من الإعالن العاملي حلقوق الإن�سان لت�أكيد املبد�أ القانوين "املتهم بريء حتى تثبت �إدانته" يف " حمكمة علنية" مع توفري �ضمانات الدفاع عن النف�س ،يف حني �أن الإعالن العاملي ال�ستقالل الق�ضاء ال�صادر يف العام 1983عن م�ؤمتر مونرتيال (كندا) �أ ّكد على " حرية القا�ضي يف الف�صل يف الدعوى دون حت ّيز �أو ت�أثري �أو اخل�ضوع لأية �ضغوط �أو �إغراءات "...وهو ما �أ ّكده �إعالن ميالنو (�إيطاليا) لعام 1985الذي �أق ّرته اجلمعية العامة للأمم املتحدة ،وم�ؤمتر منع اجلرمية املنعقد يف العام 1990بخ�صو�ص مبادئ الأمم املتحدة ب�ش�أن املحامني ومثلما هناك حقوق للمتهم خالل املحاكمة ،فهناك حقوق ت�سبق املحاكمة و�أخرى تعقبها. �إن املتابع لل�ش�أن ال�سيا�سي العراقي ،ال�سيما للمواقف احلادّة واملفاجئة للعديد من القوى والأ�شخا�ص يدرك حقيقة �أن ما ح�صل لل�شبيبي ،قد يطال غريه ،طاملا كانت الثقة �ضعيفة وال�شفافية ّ ه�شة وامل�ساءلة م�ؤجلة، والأكرث من ذلك غياب معايري احلكم والتقومي يف �إطار م�س�ؤولية الدولة ،ومن جهة �أخرى فالأمر قد يتكرر طاملا �سكت الآخرون ع ّما يجري ،يف حني �إن امل�س�ألة تتعلق بنظام �إدارة الدولة ككل ،وهو ال يتعلق بامتيازات لهذه الكتلة �أو تلك �أو لهذا ال�شخ�ص �أو ذاك ،فقد جرى التدخل بعدد من الهيئات امل�ستقلة ،مثل مفو�ضية االنتخابات ،ومفو�ضية النزاهة، وغريها دون و�ضع حد لذلك با�ستثناء بع�ض االعرتا�ضات التي تتعلق باحل�ص�ص والن�سب الطائفية والإثنية. ولأن ال�شبيبي خبري اقت�صادي م�ستقل ف�إن فر�صه يف الدفاع �ستكون �أ�ضعف من غريه، ولأن احلملة التي ا�ستهدفته قبل التحقيق كانت وا�سعة وخطرية ف�إن ق�ضيته ينبغي �أن تتحول �إىل ق�ضية ر�أي عام� ،إذ �أن ما ح�صل فيها كان �أقرب �إىل عمل الأحزاب ال�س ّرية واحلركات والأنظمة ال�شمولية ،حني يختلف �أحد معها فتنزل عليه معاول الت�شهري والإ�ساءة بهدف االنتقام ،وقد كان النظام
ر�أي
11
ال�سابق بارع ًا يف ذلك. لقد عرفت ال�شبيبي يف ال�ستينيات من القرن املا�ضي ،يوم تزاملنا يف جامعة بغداد "كلية االقت�صاد والعلوم ال�سيا�سية" ،وكان ي�سبقني ب�صف واحد ،وعندما تخ ّرج قبلي ب�سنة عينّ "�أ�ستاذ ًا معيد ًا" لأنه كان الأول على دفعته، و�أتذ ّكر �أننا دعوناه مل�شاركتنا يف �سفرة خا�صة باحتاد الطلبة �إىل �سدّة الهندية ،وكان هدفها انقاذ �إثنني من الذين هربوا من �سجن احللة ( )1967حيث مت حفر نفق لتهريب ال�سجناء ال�سيا�سيني ،وعندما انحرفت ال�سيارة يف طريق خا�ص وغري مبلط ا�ستغرب ،وحينها هم�سنا ب�أذنه وقبل �صعود "الرفيقني" ب�أن هذا عمل �إن�ساين مبن انقطعت به ال�سبل، ويف موقع عالوي احل ّلة �أفرغنا ال�سيارة من الركاب ،وبقينا فيها خم�سة �أ�شخا�ص �أتذكر منهم �سامي مهدي الها�شمي (الذي اغتيل يف العام � )1968أي بعد عام واحد من التاريخ املذكور ،و�سليم الربيعي� ،إ�ضافة �إىل ال�شخ�صني الآخرين ،و�أحدهما هو �شقيق �سامي الها�شمي(�سعدون الها�شمي) الذي كان حمكوم ًا ملدة 20عام ًا (كان قد ق�ضى منها نحو �ستة �سنوات قبل هروبه) وال�شخ�ص الثاين الذي ن�سيت ا�سمه و�أنا ،واختفى الها�شمي يف منطقة الزوية يف بغداد لعدة �أيام ،ثم �أخذ يزورنا غري �آبه مبا قد يح�صل له ولنا، وبعد نحو عام غادر العراق و�أ�صبح �أحد قادة املقاومة الفل�سطينية الحق ًا. �أكمل ال�شبيبي درا�سته يف بريطانيا ونال �شهادة الدكتوراه يف االقت�صاد ،ثم عمل يف الأمم املتحدة يف جنيف ،و�شارك مع �أديب اجلادر ومهدي احلافظ يف مناق�شات ما �سمي باللجنة اال�ست�شارية ،كما ح�ضر م�ؤمتر �صالح الدين يف العام ،1992ومعه �شقيقه �أكرم ال�شبيبي �أي�ض ًا ،وكان قد و�صل �إىل كرد�ستان عرب طهران. �أقول ذلك الآن لأن الكثري من الأ�صوات حاولت الإ�ساءة �إليه ،م�ستغلة عدم وجود جماعة �سيا�سية تدافع عنه ،م�شككة مبهنيته وتاريخه ،علم ًا ب�أنه جنل ال�شخ�صية الوطنية والعلمية الكبرية ال�شيخ حممد ر�ضا ال�شبيبي وقد قدمت عائلته للأدب والثقافة والوطنية العراقية �شخ�صيات المعة ،كما �أن �شقيقه �أ�سعد ال�شبيبي اختفى ق�سري ًا يف ظل النظام ال�سابق وقيل �أنه متت ت�صفيته مطلع الثمانينيات. ّ لعل الق�صد من هذه املرافعة لي�س الدفاع عن ال�شبيبي ،و�إمنا �إجالء مالب�سات �إقالة حمافظ البنك املركزي ،وذلك دفاع ًا عن احلقيقة وعن النزاهة والعدالة ،ال �س ّيما و�أنها ق�ضية ر�أي عام ينبغي �أن يكون له دوره الذي ي�ست�أهله! باحث ومفكر عربي
الأغلبية ال�سيا�سية ..بني �أزمة املفهوم وعبثية النوايا حينما يتعلق الأمر باحلديث عن عملية ت�شكيل ال�سلطة ف�إن الدميقراطية التي تتبعها الن�سبة املطلقة من دول العامل هي دميقراطية الأغلبية ال�سيا�سية� .إال �أن عددا قليال جدا من الدول كانت تبنت دميقراطيات من النوع الذي �أطلق عليه بالتوافقية ,و�أبرز هذه الدول بطبيعة احلال هي العراق.. جعفر املظفر ومن الأكيد �أن هذه الدميقراطية مل تهبط من فراغ ,و�إمنا جاءت كتعبري عن ,وخلدمة معارك لها عالقة بتق�سيم ال�سلطة على �أ�سا�س تكويني /طائفي ديني �أو قومي /ولذلك حر�ص القائمون على هذه الدميقراطية �أن ت�أتي �صيغ تف�سريها ومناهجها و�آلياتها مبا يخدم هذا الهدف وبالإجتاه الذي الذي يقلل من �إمكانات ن�شوء �أي عامل �أو ظرف يتهددها .فالد�ستور واللوائح واملناهج والآليات والثقافة ال�سيا�سية والإجتماعية قد �صيغت �أو ُف ِ ّعلت بالإجتاه الذي يحفط لهذه الدميقراطية فاعليتها يف عملية توزيع ال�سلطة على �أ�سا�س حما�ص�صاتي ال على �أ�سا�س امل�ضمون احلقيقي للمواطنة املتح�ضرة. �إن ذلك يف�سر ب�سهولة م�أزق العراق احلايل على م�ستويات عدة ,فبينما جتري ال�صراعات واملناف�سات يف البلدان الدميقراطية الأخرى على ا�سا�س �أف�ضلية الربامج الإقت�صادية والإجتماعية واخلدماتية وق�ضايا البيئة و�أف�ضلية ال�سيا�سات اخلارجية .وبينما ُتراقب مديات تنفيذ هذه الربامج بعد الإنتخابات لكي حُتدد من جديد الأف�ضليات التي ميكن �أن تدور حولها التناف�سات اجلديدة ,ف�إن الدميقراطية العراقية وفق �أنظمتها ولوائحها التي تنظم الإنتخابات وت�شكيل القوائم و�إختيار الفائزين, واملدعومة من قبل ثقافة �إنتخابية مفعلة ب�سياقات طائفية علنية ,لي�ست معنية مطلقا بتوفري قواعد للتناف�س كما هي احلال يف البلدان الدميقراطية الأخرى ,و�إمنا هي معنية �أ�سا�سا بت�شغيل ال�شحن الطائفي مب�ستويات عدة وب�أ�شكال خمتلفة لكي يكون ب�إمكانها �أن توفر �ضمانات الفوز .وبطبيعة
احلال ف�إن �سيناريوهات كهذه ال ت�ؤدي �إىل تعميق التخلف كنتيجة و�إمنا ت�سعى �أي�ضا لإيجاده ك�إ�شرتاطات. �إن احلل الالئق دون �أدنى �شك هو ذلك الذي يعتمد على دميقراطية الأغلبية ال�سيا�سية التي يفرت�ض �أنها �ستكون ال�سبيل نحو اخلروج من هذا امل�أزق التاريخي ,غري �أن العراقيني الذين جرى التالعب مب�صري بالدهم ومب�ستقبل �أطفالهم وبح�صانة عقولهم وثرواتهم ,مثلما جرى الإ�ستخفاف بحياتهم و�أمنهم غري جمربين مطلقا على الت�صديق بوجود نوايا طيبة تقف خلف هذه الدعوات ملجرد �أن مت تداولها ,وهم الآن قد يكونوا
معر�ضني �إىل عملية خلط �أوراق جديدة لي�س الهدف منها مطلقا اخلروج من امل�أزق الطائفي وبركة اجلاهلية وجحيم الف�ساد التي تف�شى كالوباء و�إمنا �سيكون هدفها هو ح�سم م�س�ألة ال�سلطة ل�صالح فئة واحدة و�شخ�ص بعينه دون �أن ميتد مفهوم الأغلبية لينال من نظام كان قد مت بناءه كليا على �أ�س�س طائفية وعرقية وب�إجتاهات تتناق�ض �أ�صال مع مفهوم الأغلبية ال�سيا�سية. �إن من احلق �أن نكون يائ�سني من هذه ( الدميقراطية :التوافقية املحا�ص�صاتية ال�شراكية ) التي مكنت الفا�سدين واجلهلة من الإم�ساك بزمام الأمور ,ولذلك فحينما
تطرح م�شاريع من نوع الأغلبية ال�سيا�سية ف�إن �إ�ستعدادنا للرتحيب بها هو �إ�ستعداد يفوق اخليال ,وكذلك �سيكون �إ�ستعدادنا لتقبل فكرة الرجل القوي الذي يقود البلد من خالل هذه الأغلبية �إىل بر الأمان ,ولن يكون مهما عندنا �إ�سم الرجل �أو عائديته الدينية �أو الطائفية والقومية ,و�إمنا �سينال حمبتنا كل من ي�ستحقها ب�شروط علمه ووطنيته. و�إذا ما كان �صحيحا معرفة القول من قائله ف�سيكون من ال�صعوبة حقا �أن ن�صدق بحكاية �إ�سمها الأغلبية ال�سيا�سية ملجرد �أنها و�صلت �إىل �أ�سماعنا ,بل ان علينا �أن نتجاوز دور عري�س الغفلة الذي بتنا نلعبه
برباعة متناهية ,و�أن نقوم بفح�ص م�صداقية هذا امل�شروع اجلديد وذلك على �ضوء قدرة �أ�صحابه للإجابة على ب�ضعة �أ�سئلة م�شروعة, ويف مقدمتها ملاذا هذا امل�شروع الآن وعلى يد من �سوف يتحقق. فنحن نعلم �أن هناك �أزمة ظلت قائمة منذ الإنتخابات الأخرية وحتى هذه اللحظة, وقيل لنا بعد م�شاحنات الإ�ستجواب �أن �إجتماعات التحالف الوطني قد �إنتهت �إىل و�ضع ديباحة �إ�صالح من نقاط جتاوزت ال�سبعني ,وظل �سيا�سيو التحالف يتحدثون عن هذه الديباجة املعجزة ليل نهار ,و�أن ب�إمكاننا �أن نح�صي �أكرث من �ألف ت�صريح تناولت مناقب هذه الديباجة ,ولكن �سرعان ما ظهر �أن �أحد �أهداف تلك الإجتماعات هو �إمت�صا�ص العا�صفة التي خلقتها م�س�ألة الإ�ستجواب لي�س �أكرث ,ومبا جعلنا نتيقن �أن حكومتنا الر�شيدة ال ت�ستطيع مطلقا العي�ش و�سط ظرف طبيعي لأن من �ش�أن ذلك �أن يرفع عقرية املناداة بحلول وبرامج من �شانها ان تنقذ البلد من �أزمته واملواطن من م�شاكله, ولذلك �ستبقى فل�سفة الأزمة هي فل�سفة النظام احلايل ,و�سيظل ذلك يعرب عن عدم قدرة هذا النظام على تقدمي حلول باتت مطلوبة ب�شدة, ويف بع�ض الأحيان عن عدم احلاجة �إليها ب�سبب حتول البلد برمته �إىل مزرعة حللب الأبقار و�إىل �ساحة خدمات خلفية جلريان مطاردين ومبغو�ضني من قبل �شعوبهم. ومعرفة القول من القائل �سوف تقودنا �إىل حقيقة �أن القائلني مب�شروع الأغلبية يف يومنا احلايل قد �سبق لهم �أن نادوا به ثم �سرعان ما تخلوا عنه ,ولنتذكر كيف �أن املالكي كان ي�صرح ليل نهار م�ؤكدا على �إلتزامه مب�شروع الأغلبية ال�سيا�سية حينما تخيل �أن نتيجة الإنتخابات �ستكون ل�صاحله, ولكن حينما مل ت�أتي النتائج على املرام ف�إنه �سرعان ما �إ�ستدار ,بدفع ذاتي او ب�ضغوط �إيرانية ,للتخلي عن م�شروعه ذاك ملتزما مرة �أخرى مب�شروع الأغلبية الطائفية .لقد كان واجبا حينها التحالف مع العراقية لقيام حكومة الأغلبية ال�سيا�سية غري ان الفيتو الإيراين على قيام ذلك التحالف هو الذي �إنت�صر بالنهاية ليعيد الع�صفور مرة �أخرى �إىل القف�ص الطائفي. �إال �أن ذلك لن يكون ب�إمكانه وحده ان يف�سر
ق�صة الرتاجع ,فال�ضغوط اخلارجية ال تنفع وحدها لتف�سري ذلك الرتاجع اخلائب ,و�إمنا هو الإ�ستعداد الذاتي الذي هي�أ لإحت�ضانه, فالأحزاب ذات الفقه ال�سيا�سي الدينوطائفي لن ت�ؤمن باية �صيغة قد ت�ضع البلد على طريق غري طريق الطائفية لأن ذلك يتناق�ض حتما مع فقهها ال�سيا�سي وعقيدتها الإجتماعية, و�سوف تلجا �أحزاب �أو جبهات كهذه لكي ياتي ثوب الأغلبية ال�سيا�سية مبقا�سات طائفية ,وهكذا �سنكون �إهتدينا �إىل �صيغة جديدة ملفهوم الأغلبية ال�سيا�سية الذي ميكن ان ن�سميه بالأغلبية ال�سياطائفية . �إن النظام العراقي احلايل هو نظام مت�أزم بطبيعته ,لكن حينما نتحدث عن �أ�شباه احللول ,ونطمع يف تلطيف الق�ضاء ال رده ,فال بد وان نن�صح بالذهاب �إىل الأمام حلل الأزمات بدال من الإلتفاف وال�سري على الطرق اخللفية الوعرة ,و�سوف لن يكون �صعبا �أن نرى �أن م�شروع الأغلبية ال�سيا�سية اجلديد �سيكون مفرخا لأزمات جديدة �سيكون �أب�سطها خلق الإحرتابات بني الف�صائل ال�سيا�سية ,ويف داخلها ,من �أجل احل�صول على الأ�صوات الكافية لتمرير هذا امل�شروع الذي ال يخطط له من واقع الإميان به كحل و�إمنا من واقع كونه بوابة لأزمة جديدة لنظام ال ميكن له ان يعي�ش خارج الأزمات. �إن م�شروع الأغلبية ال�سيا�سية يجب �أن ال يكون م�شروعا تكتيكيا لتجاوز �أزمة, �أو حالة يتم اللجوء لها �إ�ستثناء لتجاوز �ضغوطات مرحلية من خالل التعامل مع �إنعكا�ساتها و�إفرازاتها على ال�سطح ,ولذا فلي�س �صحيحا �أن يجري التعامل مبفهوم الأغلبية ال�سيا�سية مبعزل عن كونه ثقافة �سيا�سية بنيوية يجب ان يبد�أ العمل بها من حتت �إىل فوق� ,إذ ال قيمة لأغلبية �سيا�سية يجري ت�شكيلها من �سيا�سيني مل ي�صلوا �إىل مواقعهم �إال من خالل نظام �إنتخابي وثقافة �سيا�سية و�إجتماعية تتقاطعان �أ�صال معها, فهذه الأخرية� ,أي الأغلبية ال�سيا�سية ,تتطلب تغيريا حقيقيا يف طبيعة النظام الإنتحابي ويف طبيعة الأحزاب ذاتها التي يجب �أن تخرج بداية من فقهها الطائفي �إىل فقه وطني يبحث عن �أن�صاره يف الب�صرة واملو�صل يف ذات اللحظة التي يبحث فيها عنهم يف ال�سليمانية وكركوك و�صالح الدين.