alnaspaper no.361

Page 6

‫‪No.(361) - Monday 5 November , 2012‬‬

‫العدد (‪ - )361‬االثنني ‪ 5‬ت�شرين الثاين ‪2012‬‬

‫املقاالت التي تن�شر ال متثل ر�أي اجلريدة‪ .‬بل تعرب عن �آراء كتابها‬

‫عن ال�شبيبي والبنك املركزي!‬ ‫اللغم الذي ظل غري موقوت �أنفجر على نحو مفاجئ حني �صدرت مذكرة �إلقاء القب�ض بحق حمافظ البنك املركزي‬ ‫الدكتور �سنان ال�شبيبي‪ ،‬فمنذ �أكرث من عام تردّ د عن وجود خالفات بني رئي�س الوزراء نوري املالكي والدكتور‬ ‫ّ‬ ‫ولعل اعتذار ال�شبيبي‬ ‫ال�شبيبي‪ ،‬لإعتذار الأخري عن قبول طلب لإقرا�ض احلكومة مببلغ خم�سة مليارات دوالر‪.‬‬ ‫جراء ت�أثر �سعر ال�صرف للدينار‬ ‫يعود �إىل ا�ستقاللية البنك املركزي وقانونه اخلا�ص‪ .‬و�أ�شيع �أن قرار الإحالة جاء ّ‬ ‫العراقي على خلفية �سوء �إدارة �أو ف�ساد‪ ،‬علم ًا ب�أن العملة العراقية مل ت�شهد �أية تغيريات دراماتيكية منذ العام‬ ‫‪ 2004‬وحلد الآن‪ ،‬با�ستثناء الفرتة الأخرية‪.‬‬ ‫عبد احل�سني �شعبان‬ ‫وتردّد �أي�ض ًا‪ ،‬وهو ما نقله يل �أحد �أقطاب‬ ‫العملية ال�سيا�سية‪� ،‬أن قرار الإقالة بحق‬ ‫ال�شبيبي كان قد اتخذ قبل ب�ضعة �شهور‪،‬‬ ‫ونتيجة و�ساطات وتدخالت �أطراف‬ ‫و�شخ�صيات غري قليلة مت �إلغاءه �أو ت�أجيل‬ ‫تنفيذه‪ ،‬وعندما �سافر ال�شبيبي يف زيارة‬ ‫ر�سمية �إىل اليابان �صدرت مذكرة االعتقال‬ ‫بح ّقه‪ ،‬خ�صو�ص ًا و�أن املو�ضوع جاء على‬ ‫ل�سان بع�ض النواب يف الربملان‪� ،‬إ�ضافة �إىل‬ ‫ما تناوله الإعالم‪.‬‬ ‫�إن �صدور مذكرة االعتقال و�سحب اليد من‬ ‫الوظيفة‪ ،‬وال�شبيبي خارج العراق‪ ،‬ي�ضع �أكرث‬ ‫من �س�ؤال حول التوقيت الذي كثري ًا ما تك ّرر‬ ‫مثلما ح�صل بالن�سبة لطارق الها�شمي نائب‬ ‫رئي�س اجلمهورية‪ ،‬وذلك على خلفية اتهامه‬ ‫باالرهاب وبحق عدد من الوزراء وامل�س�ؤولني‬ ‫الآخرين‪ ،‬الأمر الذي يعطي انطباع ًا‬ ‫باال�ستهداف والتبييت ورمبا االنتقام‪ .‬ولعل‬ ‫ذلك يتج ّلى من املق�صد والداللة‪ ،‬خ�صو�ص ًا م�شكلة البنك املركزي ال تتعلق ب�شخ�صية والإعالم بطبيعة احلال �سي�ؤثر على �سلطة‬ ‫عندما يكون امل�س�ؤول خارج العراق‪ ،‬فهل �سنان ال�شبيبي امل�ستقلة �أو �إدائه ال�شخ�صي الق�ضاء‪ ،‬لأنه قد ي�صدر �أحكامه قبل دفع‬ ‫�أو مهنيته �أو كفاءته‪ ،‬بل تتعلق بعموم العملية الق�ضية �إىل ال�سلطة الق�ضائية‪ ،‬وذلك وفق ًا‬ ‫يعني الإ�شارة �إليه بعدم العودة؟‬ ‫لتوجهات حكومية وامتثا ًال مع ما تريده‬ ‫وبغ�ض النظر عن االتهام ومدى �صدقيته ال�سيا�سية وعالقات الفرقاء وطرق التفكري‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫�أو عدمها‪ ،‬ف�إن املتهمني الذين يتم اتهامهم ال ال�سائدة والوعي القانوين عموم ًا‪ ،‬ال�سيما ال�سلطة التنفيذية �أحيان ًا‪ .‬و�سي�ؤدي مثل هذا‬ ‫يعودون �إىل العراق ليواجهوا الأمر‪ ،‬لأنهم بني الوظيفة العامة وال�ش�أن ال�سيا�سي �أو الأمر حتى و�إن ذهبت الق�ضية �إىل الق�ضاء‪� ،‬إىل‬ ‫جميع ًا "يتفقون" وهو �أمر يثري اال�ستغراب‪ ،‬ال�شخ�صي‪ .‬قد تكون ثمة �أخطاء �أو نواق�ص تع ّر�ض الق�ضاة �إىل �ضغوط نف�سية ومعنوية‬ ‫على �أن الق�ضاء غري م�ستقل‪ ،‬و�أنه م�سي�س‪� ،‬أو حتى ف�ساد وقع فيه البنك املركزي مبا ومعلوماتية قد تكون م�شوهة �أو ملتب�سة‪،‬‬ ‫و�أن التهمة كيدية‪ ،‬و�أن ت�آمر ًا قد مت ن�سجه فيها حمافظه‪ ،‬ولي�س بال�ضرورة عن �سوء �ست�ؤثر على قرارهم وبالتايل �ستلحق ال�ضرر‬ ‫على نحو بارع للإيقاع بهم‪ ،‬وامل�س�ألة تتكرر ق�صد‪ ،‬وقد يكون �سوء �إدارة‪ ،‬حتى و�إن حت ّمل مببادئ العدالة وباملتهم بالدرجة الأ�سا�سية‪ ،‬ال ويح ّد من دوره وا�ستقالله‪ ،‬وهناك �أمثلة‬ ‫يف كل م ّرة‪ ،‬يف حني �أنهم مل ينب�سوا ببنت امل�س�ؤولية القانونية‪ ،‬لكن طريقة املعاجلة ال �سيما �إذا كان بريئ ًا‪ ،‬وحتى لو متت تربئته ف�إن كثرية يف احلا�ضر واملا�ضي على ذلك‪ ،‬حيث‬ ‫�شفة قبل ذلك‪ .‬وقد ت�شمل قوائم االتهام يف ينبغي �أن تت�سم بالت�شهري والإ�ساءة و�إ�صدار �ضرر ًا معنوي ًا �سيلحق به وب�سمعته‪ .‬وتزداد لعبت ال�ضغوط والآراء امل�سبقة دورها‬ ‫امل�ستقبل بع�ض ال�ساكتني اليوم الذين من الأحكام حتى قبل التحقيق بالق�ضية وحتى امل�س�ألة خطوة عندما تكون ال�سلطة االعالمية‪ ،‬ال�سلبي يف الت�أثري على العدالة‪ ،‬خ�صو�ص ًا �إذا‬ ‫يتم ّ‬ ‫غ�ض الطرف عنهم �أو �أنهم ابتعدوا عن قبل �أن يتقرر ما �إذا كان الأمر ي�ستحق الذهاب "�صاحبة اجلاللة"‪ ،‬قوية وم�ؤثرة‪ ،‬ال �س ّيما �إذا ما �شعر القا�ضي خ�شية من ال�سلطة التنفيذية‪،‬‬ ‫دائرة ال�ضوء‪ ،‬حيث تردّد �أن مفو�ضية النزاهة �إىل الق�ضاء‪ ،‬وهو اجلهة الوحيدة التي من كانت �سلبية‪ ،‬بحيث يخ�شاها الق�ضاء‪ ،‬الذي �أو تهديد ًا‪ ،‬وقد كان اغتيال عدد من الق�ضاة‬ ‫بحوزتها ملفات �أكرث من ‪� 1000‬شخ�صية حقها ومن واجبها النظر يف مثل هذه الق�ضايا �سيكون موقفه �ضعيف ًا‪ ،‬خ�صو�ص ًا �إذا ما �أدرك يف العراق واحد ًا من �أ�سباب اختالل بع�ض‬ ‫ر�سمية م�س�ؤولة متهمة بالف�ساد‪ ،‬مبا فيها ‪ 15‬التي ت�صله وترفع �إليه‪.‬‬ ‫�أن وراء حملة الت�شهري‪ ،‬االعالم الر�سمي ومن الأحكام‪ ،‬ف�ض ًال عن تداخالته االجتماعية‪.‬‬ ‫وزير ًا �سابق ًا وعدد من النواب وع�شرات من ويف الكثري من احلاالت و�صلت الق�ضية �إىل ورائه احلكومة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ولعل احلديث عن املعايري الدولية للمحاكمة‬ ‫االعالم قبل �أن ت�صل �إىل اجلهة ذات العالقة‪ ،‬هكذا يتم الت�أثري على قرار الق�ضاء م�سبق ًا العادلة تتطلب وجود ق�ضاء م�ستقل‪ ،‬فهذا‬ ‫وكالء الوزراء واملدراء العامني‪.‬‬

‫الأخري هو املعيار احلقيقي للنظم الدميقراطية‬ ‫واحرتام حقوق الإن�سان‪ ،‬تلك التي تتطلب‬ ‫جمتمعات ح ّرة و�أفراد قادرين على مراقبة‬ ‫نزاهة الق�ضاء‪ .‬وح�سب مونت�سكيو وكتابه‬ ‫" روح ال�شرائع" فاحلرية تنعدم �إنْ مل يكن‬ ‫الق�ضاء م�ستق ًال ومنف�ص ًال عن �سلطة الت�شريع‬ ‫(الربملان)‪� ،‬أما �إذا متاهت ال�سلطة الق�ضائية‬ ‫مع ال�سلطة التنفيذية �أو خ�ضعت لها ف�سيكون‬ ‫القا�ضي �إما طاغي ًا �أو منفذ ًا لأوامر متنفذين‬ ‫وطغاة يتدخلون يف �ش�ؤون الق�ضاء وي�ؤثرون‬ ‫على �أحكامه‪.‬‬ ‫وذهبت املادة (‪ )11‬من الإعالن العاملي حلقوق‬ ‫الإن�سان لت�أكيد املبد�أ القانوين "املتهم بريء‬ ‫حتى تثبت �إدانته" يف " حمكمة علنية" مع‬ ‫توفري �ضمانات الدفاع عن النف�س‪ ،‬يف حني �أن‬ ‫الإعالن العاملي ال�ستقالل الق�ضاء ال�صادر يف‬ ‫العام ‪ 1983‬عن م�ؤمتر مونرتيال (كندا) �أ ّكد‬ ‫على " حرية القا�ضي يف الف�صل يف الدعوى‬ ‫دون حت ّيز �أو ت�أثري �أو اخل�ضوع لأية �ضغوط‬ ‫�أو �إغراءات‪ "...‬وهو ما �أ ّكده �إعالن ميالنو‬ ‫(�إيطاليا) لعام ‪ 1985‬الذي �أق ّرته اجلمعية‬ ‫العامة للأمم املتحدة‪ ،‬وم�ؤمتر منع اجلرمية‬ ‫املنعقد يف العام ‪ 1990‬بخ�صو�ص مبادئ‬ ‫الأمم املتحدة ب�ش�أن املحامني ومثلما هناك‬ ‫حقوق للمتهم خالل املحاكمة‪ ،‬فهناك حقوق‬ ‫ت�سبق املحاكمة و�أخرى تعقبها‪.‬‬ ‫�إن املتابع لل�ش�أن ال�سيا�سي العراقي‪ ،‬ال�سيما‬ ‫للمواقف احلادّة واملفاجئة للعديد من القوى‬ ‫والأ�شخا�ص يدرك حقيقة �أن ما ح�صل‬ ‫لل�شبيبي‪ ،‬قد يطال غريه‪ ،‬طاملا كانت الثقة‬ ‫�ضعيفة وال�شفافية ّ‬ ‫ه�شة وامل�ساءلة م�ؤجلة‪،‬‬ ‫والأكرث من ذلك غياب معايري احلكم والتقومي‬ ‫يف �إطار م�س�ؤولية الدولة‪ ،‬ومن جهة �أخرى‬ ‫فالأمر قد يتكرر طاملا �سكت الآخرون ع ّما‬ ‫يجري‪ ،‬يف حني �إن امل�س�ألة تتعلق بنظام �إدارة‬ ‫الدولة ككل‪ ،‬وهو ال يتعلق بامتيازات لهذه‬ ‫الكتلة �أو تلك �أو لهذا ال�شخ�ص �أو ذاك‪ ،‬فقد‬ ‫جرى التدخل بعدد من الهيئات امل�ستقلة‪ ،‬مثل‬ ‫مفو�ضية االنتخابات‪ ،‬ومفو�ضية النزاهة‪،‬‬ ‫وغريها دون و�ضع حد لذلك با�ستثناء بع�ض‬ ‫االعرتا�ضات التي تتعلق باحل�ص�ص والن�سب‬ ‫الطائفية والإثنية‪.‬‬ ‫ولأن ال�شبيبي خبري اقت�صادي م�ستقل ف�إن‬ ‫فر�صه يف الدفاع �ستكون �أ�ضعف من غريه‪،‬‬ ‫ولأن احلملة التي ا�ستهدفته قبل التحقيق‬ ‫كانت وا�سعة وخطرية ف�إن ق�ضيته ينبغي‬ ‫�أن تتحول �إىل ق�ضية ر�أي عام‪� ،‬إذ �أن ما‬ ‫ح�صل فيها كان �أقرب �إىل عمل الأحزاب‬ ‫ال�س ّرية واحلركات والأنظمة ال�شمولية‪ ،‬حني‬ ‫يختلف �أحد معها فتنزل عليه معاول الت�شهري‬ ‫والإ�ساءة بهدف االنتقام‪ ،‬وقد كان النظام‬

‫ر�أي‬

‫‪11‬‬

‫ال�سابق بارع ًا يف ذلك‪.‬‬ ‫لقد عرفت ال�شبيبي يف ال�ستينيات من القرن‬ ‫املا�ضي‪ ،‬يوم تزاملنا يف جامعة بغداد "كلية‬ ‫االقت�صاد والعلوم ال�سيا�سية"‪ ،‬وكان ي�سبقني‬ ‫ب�صف واحد‪ ،‬وعندما تخ ّرج قبلي ب�سنة عينّ‬ ‫"�أ�ستاذ ًا معيد ًا" لأنه كان الأول على دفعته‪،‬‬ ‫و�أتذ ّكر �أننا دعوناه مل�شاركتنا يف �سفرة خا�صة‬ ‫باحتاد الطلبة �إىل �سدّة الهندية‪ ،‬وكان هدفها‬ ‫انقاذ �إثنني من الذين هربوا من �سجن احللة‬ ‫(‪ )1967‬حيث مت حفر نفق لتهريب ال�سجناء‬ ‫ال�سيا�سيني‪ ،‬وعندما انحرفت ال�سيارة يف‬ ‫طريق خا�ص وغري مبلط ا�ستغرب‪ ،‬وحينها‬ ‫هم�سنا ب�أذنه وقبل �صعود "الرفيقني" ب�أن‬ ‫هذا عمل �إن�ساين مبن انقطعت به ال�سبل‪،‬‬ ‫ويف موقع عالوي احل ّلة �أفرغنا ال�سيارة‬ ‫من الركاب‪ ،‬وبقينا فيها خم�سة �أ�شخا�ص‬ ‫�أتذكر منهم �سامي مهدي الها�شمي (الذي‬ ‫اغتيل يف العام ‪� )1968‬أي بعد عام واحد‬ ‫من التاريخ املذكور‪ ،‬و�سليم الربيعي‪� ،‬إ�ضافة‬ ‫�إىل ال�شخ�صني الآخرين‪ ،‬و�أحدهما هو �شقيق‬ ‫�سامي الها�شمي(�سعدون الها�شمي) الذي كان‬ ‫حمكوم ًا ملدة ‪ 20‬عام ًا (كان قد ق�ضى منها نحو‬ ‫�ستة �سنوات قبل هروبه) وال�شخ�ص الثاين‬ ‫الذي ن�سيت ا�سمه و�أنا‪ ،‬واختفى الها�شمي‬ ‫يف منطقة الزوية يف بغداد لعدة �أيام‪ ،‬ثم‬ ‫�أخذ يزورنا غري �آبه مبا قد يح�صل له ولنا‪،‬‬ ‫وبعد نحو عام غادر العراق و�أ�صبح �أحد قادة‬ ‫املقاومة الفل�سطينية الحق ًا‪.‬‬ ‫�أكمل ال�شبيبي درا�سته يف بريطانيا ونال‬ ‫�شهادة الدكتوراه يف االقت�صاد‪ ،‬ثم عمل يف‬ ‫الأمم املتحدة يف جنيف‪ ،‬و�شارك مع �أديب‬ ‫اجلادر ومهدي احلافظ يف مناق�شات ما �سمي‬ ‫باللجنة اال�ست�شارية‪ ،‬كما ح�ضر م�ؤمتر �صالح‬ ‫الدين يف العام ‪ ،1992‬ومعه �شقيقه �أكرم‬ ‫ال�شبيبي �أي�ض ًا‪ ،‬وكان قد و�صل �إىل كرد�ستان‬ ‫عرب طهران‪.‬‬ ‫�أقول ذلك الآن لأن الكثري من الأ�صوات‬ ‫حاولت الإ�ساءة �إليه‪ ،‬م�ستغلة عدم وجود‬ ‫جماعة �سيا�سية تدافع عنه‪ ،‬م�شككة مبهنيته‬ ‫وتاريخه‪ ،‬علم ًا ب�أنه جنل ال�شخ�صية الوطنية‬ ‫والعلمية الكبرية ال�شيخ حممد ر�ضا ال�شبيبي‬ ‫وقد قدمت عائلته للأدب والثقافة والوطنية‬ ‫العراقية �شخ�صيات المعة‪ ،‬كما �أن �شقيقه �أ�سعد‬ ‫ال�شبيبي اختفى ق�سري ًا يف ظل النظام ال�سابق‬ ‫وقيل �أنه متت ت�صفيته مطلع الثمانينيات‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫لعل الق�صد من هذه املرافعة لي�س الدفاع عن‬ ‫ال�شبيبي‪ ،‬و�إمنا �إجالء مالب�سات �إقالة حمافظ‬ ‫البنك املركزي‪ ،‬وذلك دفاع ًا عن احلقيقة وعن‬ ‫النزاهة والعدالة‪ ،‬ال �س ّيما و�أنها ق�ضية ر�أي‬ ‫عام ينبغي �أن يكون له دوره الذي ي�ست�أهله!‬ ‫باحث ومفكر عربي‬

‫الأغلبية ال�سيا�سية‪ ..‬بني �أزمة املفهوم وعبثية النوايا‬ ‫حينما يتعلق الأمر باحلديث عن عملية ت�شكيل ال�سلطة ف�إن الدميقراطية التي تتبعها الن�سبة املطلقة من دول‬ ‫العامل هي دميقراطية الأغلبية ال�سيا�سية‪� .‬إال �أن عددا قليال جدا من الدول كانت تبنت دميقراطيات من النوع‬ ‫الذي �أطلق عليه بالتوافقية‪ ,‬و�أبرز هذه الدول بطبيعة احلال هي العراق‪..‬‬ ‫جعفر املظفر‬ ‫ومن الأكيد �أن هذه الدميقراطية مل تهبط‬ ‫من فراغ‪ ,‬و�إمنا جاءت كتعبري عن‪ ,‬وخلدمة‬ ‫معارك لها عالقة بتق�سيم ال�سلطة على �أ�سا�س‬ ‫تكويني‪ /‬طائفي ديني �أو قومي‪ /‬ولذلك‬ ‫حر�ص القائمون على هذه الدميقراطية �أن‬ ‫ت�أتي �صيغ تف�سريها ومناهجها و�آلياتها‬ ‫مبا يخدم هذا الهدف وبالإجتاه الذي الذي‬ ‫يقلل من �إمكانات ن�شوء �أي عامل �أو ظرف‬ ‫يتهددها‪ .‬فالد�ستور واللوائح واملناهج‬ ‫والآليات والثقافة ال�سيا�سية والإجتماعية‬ ‫قد �صيغت �أو ُف ِ ّعلت بالإجتاه الذي يحفط‬ ‫لهذه الدميقراطية فاعليتها يف عملية‬ ‫توزيع ال�سلطة على �أ�سا�س حما�ص�صاتي‬ ‫ال على �أ�سا�س امل�ضمون احلقيقي للمواطنة‬ ‫املتح�ضرة‪.‬‬ ‫�إن ذلك يف�سر ب�سهولة م�أزق العراق احلايل‬ ‫على م�ستويات عدة‪ ,‬فبينما جتري ال�صراعات‬ ‫واملناف�سات يف البلدان الدميقراطية الأخرى‬ ‫على ا�سا�س �أف�ضلية الربامج الإقت�صادية‬ ‫والإجتماعية واخلدماتية وق�ضايا البيئة‬ ‫و�أف�ضلية ال�سيا�سات اخلارجية‪ .‬وبينما‬ ‫ُتراقب مديات تنفيذ هذه الربامج بعد‬ ‫الإنتخابات لكي حُتدد من جديد الأف�ضليات‬ ‫التي ميكن �أن تدور حولها التناف�سات‬ ‫اجلديدة‪ ,‬ف�إن الدميقراطية العراقية وفق‬ ‫�أنظمتها ولوائحها التي تنظم الإنتخابات‬ ‫وت�شكيل القوائم و�إختيار الفائزين‪,‬‬ ‫واملدعومة من قبل ثقافة �إنتخابية مفعلة‬ ‫ب�سياقات طائفية علنية‪ ,‬لي�ست معنية مطلقا‬ ‫بتوفري قواعد للتناف�س كما هي احلال يف‬ ‫البلدان الدميقراطية الأخرى‪ ,‬و�إمنا هي‬ ‫معنية �أ�سا�سا بت�شغيل ال�شحن الطائفي‬ ‫مب�ستويات عدة وب�أ�شكال خمتلفة لكي يكون‬ ‫ب�إمكانها �أن توفر �ضمانات الفوز‪ .‬وبطبيعة‬

‫احلال ف�إن �سيناريوهات كهذه ال ت�ؤدي �إىل‬ ‫تعميق التخلف كنتيجة و�إمنا ت�سعى �أي�ضا‬ ‫لإيجاده ك�إ�شرتاطات‪.‬‬ ‫�إن احلل الالئق دون �أدنى �شك هو ذلك الذي‬ ‫يعتمد على دميقراطية الأغلبية ال�سيا�سية‬ ‫التي يفرت�ض �أنها �ستكون ال�سبيل نحو‬ ‫اخلروج من هذا امل�أزق التاريخي‪ ,‬غري �أن‬ ‫العراقيني الذين جرى التالعب مب�صري‬ ‫بالدهم ومب�ستقبل �أطفالهم وبح�صانة عقولهم‬ ‫وثرواتهم‪ ,‬مثلما جرى الإ�ستخفاف بحياتهم‬ ‫و�أمنهم غري جمربين مطلقا على الت�صديق‬ ‫بوجود نوايا طيبة تقف خلف هذه الدعوات‬ ‫ملجرد �أن مت تداولها‪ ,‬وهم الآن قد يكونوا‬

‫معر�ضني �إىل عملية خلط �أوراق جديدة‬ ‫لي�س الهدف منها مطلقا اخلروج من امل�أزق‬ ‫الطائفي وبركة اجلاهلية وجحيم الف�ساد‬ ‫التي تف�شى كالوباء و�إمنا �سيكون هدفها‬ ‫هو ح�سم م�س�ألة ال�سلطة ل�صالح فئة واحدة‬ ‫و�شخ�ص بعينه دون �أن ميتد مفهوم الأغلبية‬ ‫لينال من نظام كان قد مت بناءه كليا على‬ ‫�أ�س�س طائفية وعرقية وب�إجتاهات تتناق�ض‬ ‫�أ�صال مع مفهوم الأغلبية ال�سيا�سية‪.‬‬ ‫�إن من احلق �أن نكون يائ�سني من هذه (‬ ‫الدميقراطية‪ :‬التوافقية املحا�ص�صاتية‬ ‫ال�شراكية ) التي مكنت الفا�سدين واجلهلة‬ ‫من الإم�ساك بزمام الأمور‪ ,‬ولذلك فحينما‬

‫تطرح م�شاريع من نوع الأغلبية ال�سيا�سية‬ ‫ف�إن �إ�ستعدادنا للرتحيب بها هو �إ�ستعداد‬ ‫يفوق اخليال‪ ,‬وكذلك �سيكون �إ�ستعدادنا‬ ‫لتقبل فكرة الرجل القوي الذي يقود البلد من‬ ‫خالل هذه الأغلبية �إىل بر الأمان‪ ,‬ولن يكون‬ ‫مهما عندنا �إ�سم الرجل �أو عائديته الدينية �أو‬ ‫الطائفية والقومية‪ ,‬و�إمنا �سينال حمبتنا كل‬ ‫من ي�ستحقها ب�شروط علمه ووطنيته‪.‬‬ ‫و�إذا ما كان �صحيحا معرفة القول من قائله‬ ‫ف�سيكون من ال�صعوبة حقا �أن ن�صدق‬ ‫بحكاية �إ�سمها الأغلبية ال�سيا�سية ملجرد‬ ‫�أنها و�صلت �إىل �أ�سماعنا‪ ,‬بل ان علينا �أن‬ ‫نتجاوز دور عري�س الغفلة الذي بتنا نلعبه‬

‫برباعة متناهية‪ ,‬و�أن نقوم بفح�ص م�صداقية‬ ‫هذا امل�شروع اجلديد وذلك على �ضوء قدرة‬ ‫�أ�صحابه للإجابة على ب�ضعة �أ�سئلة م�شروعة‪,‬‬ ‫ويف مقدمتها ملاذا هذا امل�شروع الآن وعلى يد‬ ‫من �سوف يتحقق‪.‬‬ ‫فنحن نعلم �أن هناك �أزمة ظلت قائمة منذ‬ ‫الإنتخابات الأخرية وحتى هذه اللحظة‪,‬‬ ‫وقيل لنا بعد م�شاحنات الإ�ستجواب �أن‬ ‫�إجتماعات التحالف الوطني قد �إنتهت �إىل‬ ‫و�ضع ديباحة �إ�صالح من نقاط جتاوزت‬ ‫ال�سبعني‪ ,‬وظل �سيا�سيو التحالف يتحدثون‬ ‫عن هذه الديباجة املعجزة ليل نهار‪ ,‬و�أن‬ ‫ب�إمكاننا �أن نح�صي �أكرث من �ألف ت�صريح‬ ‫تناولت مناقب هذه الديباجة‪ ,‬ولكن �سرعان‬ ‫ما ظهر �أن �أحد �أهداف تلك الإجتماعات هو‬ ‫�إمت�صا�ص العا�صفة التي خلقتها م�س�ألة‬ ‫الإ�ستجواب لي�س �أكرث‪ ,‬ومبا جعلنا نتيقن �أن‬ ‫حكومتنا الر�شيدة ال ت�ستطيع مطلقا العي�ش‬ ‫و�سط ظرف طبيعي لأن من �ش�أن ذلك �أن يرفع‬ ‫عقرية املناداة بحلول وبرامج من �شانها ان‬ ‫تنقذ البلد من �أزمته واملواطن من م�شاكله‪,‬‬ ‫ولذلك �ستبقى فل�سفة الأزمة هي فل�سفة النظام‬ ‫احلايل‪ ,‬و�سيظل ذلك يعرب عن عدم قدرة هذا‬ ‫النظام على تقدمي حلول باتت مطلوبة ب�شدة‪,‬‬ ‫ويف بع�ض الأحيان عن عدم احلاجة �إليها‬ ‫ب�سبب حتول البلد برمته �إىل مزرعة حللب‬ ‫الأبقار و�إىل �ساحة خدمات خلفية جلريان‬ ‫مطاردين ومبغو�ضني من قبل �شعوبهم‪.‬‬ ‫ومعرفة القول من القائل �سوف تقودنا‬ ‫�إىل حقيقة �أن القائلني مب�شروع الأغلبية‬ ‫يف يومنا احلايل قد �سبق لهم �أن نادوا به‬ ‫ثم �سرعان ما تخلوا عنه‪ ,‬ولنتذكر كيف‬ ‫�أن املالكي كان ي�صرح ليل نهار م�ؤكدا على‬ ‫�إلتزامه مب�شروع الأغلبية ال�سيا�سية حينما‬ ‫تخيل �أن نتيجة الإنتخابات �ستكون ل�صاحله‪,‬‬ ‫ولكن حينما مل ت�أتي النتائج على املرام ف�إنه‬ ‫�سرعان ما �إ�ستدار‪ ,‬بدفع ذاتي او ب�ضغوط‬ ‫�إيرانية‪ ,‬للتخلي عن م�شروعه ذاك ملتزما‬ ‫مرة �أخرى مب�شروع الأغلبية الطائفية‪ .‬لقد‬ ‫كان واجبا حينها التحالف مع العراقية لقيام‬ ‫حكومة الأغلبية ال�سيا�سية غري ان الفيتو‬ ‫الإيراين على قيام ذلك التحالف هو الذي‬ ‫�إنت�صر بالنهاية ليعيد الع�صفور مرة �أخرى‬ ‫�إىل القف�ص الطائفي‪.‬‬ ‫�إال �أن ذلك لن يكون ب�إمكانه وحده ان يف�سر‬

‫ق�صة الرتاجع‪ ,‬فال�ضغوط اخلارجية ال تنفع‬ ‫وحدها لتف�سري ذلك الرتاجع اخلائب‪ ,‬و�إمنا‬ ‫هو الإ�ستعداد الذاتي الذي هي�أ لإحت�ضانه‪,‬‬ ‫فالأحزاب ذات الفقه ال�سيا�سي الدينوطائفي‬ ‫لن ت�ؤمن باية �صيغة قد ت�ضع البلد على طريق‬ ‫غري طريق الطائفية لأن ذلك يتناق�ض حتما‬ ‫مع فقهها ال�سيا�سي وعقيدتها الإجتماعية‪,‬‬ ‫و�سوف تلجا �أحزاب �أو جبهات كهذه لكي‬ ‫ياتي ثوب الأغلبية ال�سيا�سية مبقا�سات‬ ‫طائفية‪ ,‬وهكذا �سنكون �إهتدينا �إىل �صيغة‬ ‫جديدة ملفهوم الأغلبية ال�سيا�سية الذي ميكن‬ ‫ان ن�سميه بالأغلبية ال�سياطائفية ‪.‬‬ ‫�إن النظام العراقي احلايل هو نظام مت�أزم‬ ‫بطبيعته‪ ,‬لكن حينما نتحدث عن �أ�شباه‬ ‫احللول‪ ,‬ونطمع يف تلطيف الق�ضاء ال رده‬ ‫‪ ,‬فال بد وان نن�صح بالذهاب �إىل الأمام حلل‬ ‫الأزمات بدال من الإلتفاف وال�سري على الطرق‬ ‫اخللفية الوعرة‪ ,‬و�سوف لن يكون �صعبا �أن‬ ‫نرى �أن م�شروع الأغلبية ال�سيا�سية اجلديد‬ ‫�سيكون مفرخا لأزمات جديدة �سيكون‬ ‫�أب�سطها خلق الإحرتابات بني الف�صائل‬ ‫ال�سيا�سية‪ ,‬ويف داخلها‪ ,‬من �أجل احل�صول‬ ‫على الأ�صوات الكافية لتمرير هذا امل�شروع‬ ‫الذي ال يخطط له من واقع الإميان به كحل‬ ‫و�إمنا من واقع كونه بوابة لأزمة جديدة‬ ‫لنظام ال ميكن له ان يعي�ش خارج الأزمات‪.‬‬ ‫�إن م�شروع الأغلبية ال�سيا�سية يجب �أن‬ ‫ال يكون م�شروعا تكتيكيا لتجاوز �أزمة‪,‬‬ ‫�أو حالة يتم اللجوء لها �إ�ستثناء لتجاوز‬ ‫�ضغوطات مرحلية من خالل التعامل مع‬ ‫�إنعكا�ساتها و�إفرازاتها على ال�سطح‪ ,‬ولذا‬ ‫فلي�س �صحيحا �أن يجري التعامل مبفهوم‬ ‫الأغلبية ال�سيا�سية مبعزل عن كونه ثقافة‬ ‫�سيا�سية بنيوية يجب ان يبد�أ العمل بها من‬ ‫حتت �إىل فوق‪� ,‬إذ ال قيمة لأغلبية �سيا�سية‬ ‫يجري ت�شكيلها من �سيا�سيني مل ي�صلوا �إىل‬ ‫مواقعهم �إال من خالل نظام �إنتخابي وثقافة‬ ‫�سيا�سية و�إجتماعية تتقاطعان �أ�صال معها‪,‬‬ ‫فهذه الأخرية‪� ,‬أي الأغلبية ال�سيا�سية‪ ,‬تتطلب‬ ‫تغيريا حقيقيا يف طبيعة النظام الإنتحابي‬ ‫ويف طبيعة الأحزاب ذاتها التي يجب �أن‬ ‫تخرج بداية من فقهها الطائفي �إىل فقه وطني‬ ‫يبحث عن �أن�صاره يف الب�صرة واملو�صل‬ ‫يف ذات اللحظة التي يبحث فيها عنهم يف‬ ‫ال�سليمانية وكركوك و�صالح الدين‪.‬‬


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.