alnaspaper no.102

Page 5

‫‪8‬‬

‫‪No.(102) - Sunday 25, September, 2011‬‬

‫العدد (‪ - )102‬األحد ‪ 25‬ايلول ‪2011‬‬

‫ثقـافـة‬

‫وج��ه��ة ال��ث��ق��اف��ة ال���ع���راق���ي���ة‪ ...‬إل����ى أي���ن؟‬ ‫تباينت المواقف ‪ ،‬واختلفت الرؤى حول الواقع الثقافي العراقي الراهن ‪ ،‬بعضهم يراه راكدا ‪ ،‬ويجتهد في‬ ‫توضيح أسباب هذا الركود ‪ ،‬وبعضهم اآلخر متفائل لدرجة كبيرة حيث يرى الثقافة العراقية قد سارت على‬ ‫سكة الصواب والتطور من خالل وفرة المطبوعات ونشاط االتحادات والمراكز التي انتشرت في عموم العراق ‪،‬‬ ‫والتي تعنى بالثقافة والمثقف ‪ .‬تقويم الواقع الثقافي العراقي ‪ ،‬وضعناه بين أيدي نخبة من المثقفين والفنانين‬ ‫واألدباء ‪ ،‬فكانت إجاباتهم متباينة من خالل هذا االستطالع ‪.‬‬ ‫استطالع أجراه ‪ :‬محمد جابر أحمد‬ ‫يج�ب�روا ال�سلطة على االع�ت�راف بهم ‪ .‬عليهم‬ ‫�أن ي�ؤ�س�سوا لثقافة ر�صينة ‪ ،‬ايجابية تعرتف‬ ‫باحلوار وتبادل الر�أي ‪ .‬وت�أخذ بالر�أي الذي‬ ‫يخدم اجلميع ‪.‬‬

‫شريف هزاع ‪ /‬كاتب مسرحي ‪:‬‬

‫ �أج ��د �أن الثقاف ��ة العراقي ��ة انق�سم ��ت �إىل‬‫ق�سم�ي�ن هما ثقاف ��ة اجلنوب وثقاف ��ة ال�شمال‬ ‫با�ستثن ��اء العا�صمة بغداد و�إقلي ��م كرد�ستان‬ ‫ال ��ذي المي ��ت ب�صل ��ة م ��ن قري ��ب �أو بعي ��د‬ ‫لواق ��ع الثقافة العراقية لأن ل ��ه �أجندة قومية‬ ‫و�سيا�سي ��ة معروف ��ة ‪ ،‬واقع الثقاف ��ة العراقية‬ ‫الي ��وم انتق ��ل من �سيا�س ��ة القطبي ��ة الواحدة‬ ‫الت ��ي كان يقوده ��ا البع ��ث ( املنح ��ل ) اىل‬ ‫�سيا�س ��ة �صن ��ع �أقط ��اب عل ��ى ح�س ��اب هوي ��ة‬ ‫الآخري ��ن وانتماءاته ��م العرقي ��ة والثقافي ��ة‬ ‫والفكرية ‪ ...‬الخ‬ ‫وعلي ��ه �أق�ت�رح تفعي ��ل اجلان ��ب الرتب ��وي‬ ‫الت�أ�سي�س ��ي وف ��ق �آلي ��ة املواطن ��ة ولي� ��س‬ ‫املحا�ص�ص ��ة واملذه ��ب والقومي ��ة ‪ ،‬ت�أ�سي� ��س‬ ‫انتلجن�سي ��ا عراقية تنتم ��ي اىل هوية العراق‬ ‫ولي� ��س الهويات التي اتخذت طابع الهوايات‬ ‫‪ ،‬اجل ��ذر احلقيق ��ي للمثق ��ف ان يك ��ون ح ��ر ًا‬ ‫وقلم ��ه �إن�ساني ��ا يت�س ��م بالنب ��ل الأخالق ��ي‬ ‫والعاملي ��ة ولي�س يف قوقعة مهما كانت كبرية‬ ‫�أو �صغرية ‪.‬‬

‫جبار موسى ال يحيى ‪ /‬اعالمي ‪:‬‬

‫ب�شري حاجم‬

‫حسين عيال ‪ /‬روائي ‪:‬‬

‫ لق ��د انته ��ى نظام ديكتات ��وري مقيت ‪ ،‬وبد�أ‬‫نظ ��ام �آخ ��ر ‪ ،‬مل تتبلور طبيعته بع ��د ‪ ..‬وهذا‬ ‫املوقع خلق هام�ش ًا للحري ��ة حفز الثقافة لكي‬ ‫تتح ��رك وتو�س ��ع م�شهده ��ا ‪ ،‬ذل ��ك م ��ا نلم�سه‬ ‫م ��ن خ�ل�ال ال�صفح ��ات الثقافية الت ��ي ت�صدر‬ ‫�ضم ��ن اجلرائ ��د الت ��ي ت�صدر كل ي ��وم ‪ ،‬ومن‬ ‫خ�ل�ال الربام ��ج الثقافي ��ة يف الف�ضائي ��ات ‪،‬‬ ‫وم ��ن خ�ل�ال الن ��دوات الثقافية الت ��ي ن�شطت‬

‫مو�سى الها�شمي‬

‫يف املنتدي ��ات م ��ن جدي ��د ‪� ،‬إننا ن�شه ��د حراك ًا‬ ‫ثقافي� � ًا حقيقي ًا فع ًال ‪ ،‬وتل ��ك حال جيدة ن�سبي ًا‬ ‫‪ .‬افتقد العراقيون طيلة حكمهم اال يف فرتات‬

‫�شريف هزاع‬

‫ق�ص�ي�رة ‪ ،‬الثقاف ��ة احلقيقي ��ة ‪ ،‬فالثقاف ��ة التي‬ ‫ميكن �أن ن�ؤرخ لها يف تلك الفرتة ‪ ،‬امنا كانت‬ ‫ثقافة �أحادية ‪ ،‬تق ��وم على العنف والإق�صاء ‪،‬‬ ‫ومن ث ��م حتولت يف �سني النظ ��ام البائد اىل‬ ‫ثقاف ��ة تق ��وم عل ��ى ال�سم�سرة والعه ��ر ‪ ،‬ثقافة‬ ‫التهت ��م بالبن ��اء ‪ ،‬لي� ��س لن ��ا عه ��د �إذ ًا بثقاف ��ة‬ ‫ايجابي ��ة تق ��وم على احل ��وار وتب ��ادل الر�أي‬ ‫‪ ،‬وم ��ن ثم قب ��ول الآخ ��ر ‪ ...‬علين ��ا اذ ًا ونحن‬ ‫نعي� ��ش ن�سم ��ة احلرية الت ��ي �أعقب ��ت �سقوط‬ ‫النظ ��ام �أن ن�سع ��ى لت�أ�سي� ��س ثقاف ��ة جديدة ‪.‬‬ ‫ثقافة التقوم على العنف ‪ ،‬ثقافة متار�س نقد ًا‬ ‫بن ��ا ًء ت�ش ��رف من خالل ��ه على البن ��اء اجلديد‬ ‫لدول ��ة تقوم عل ��ى امل�ؤ�س�سات احل ��رة ‪ .‬ولكن‬ ‫الواقع ان ال�سيا�سي�ي�ن الآن التهمهم الثقافة ‪.‬‬ ‫الذي يهمه ��م هو �إدامة حكمهم ب ��كل الو�سائل‬ ‫الإعالمي ��ة والدعائي ��ة ‪� .‬إذ ًا عل ��ى املثقف�ي�ن �أن‬ ‫ين�ضم ��وا اىل منظم ��ات مدني ��ة فاعل ��ة لك ��ي‬

‫((أوراق من شجرة الذاكرة))‬

‫ّ‬

‫هاشم الطعان‪ ..‬الشاعر الذي كان‬ ‫يحلم بالغد السعيد‬

‫عودة البطاط‬

‫فتى يافع ًا ‪ ،‬امتلئ حيوية ون�شاط ًا‬ ‫ع ��ام ‪ 1962 – 1961‬كنت ً‬ ‫‪ ،‬و�أت ��وق �أن �أكون فرع ًا مثمر ًا يف �شج ��رة بلدي احلبيب بعد‬ ‫ث ��ورة ‪ 14‬مت ��وز ‪ .‬يف ال�ص ��ف الث ��اين متو�سط ��ة اجلمهورية‬ ‫للبنني – كنت �أخرج يف ال�ساحة كل يوم خمي�س القي ق�صيدة‬ ‫حما�سية ل�شاعر من �شعراء العرب الكبار ‪ ،‬وكان يناوبني يف‬ ‫ذل ��ك زميلي ال�شاعر �سعد البدران ‪ .‬يف بداية الدوام الر�سمي‬ ‫ل�سنة ‪ 1962‬ر�أينا مدر�س ًا جديد ًا يقف يف �ساحة املدر�سة �أمام‬ ‫�صف م ��ن طالب ال�صف الثالث ‪ ،‬وقبل ب ��دء اال�ستعداد و�إلقاء‬ ‫ٍ‬ ‫ق�صي ��دة ي ��وم اخلمي� ��س كاملعت ��اد يف ال�سنة املا�ضي ��ة ‪ ،‬خرج‬ ‫الأ�ست ��اذ اجلدي ��د و وقف ب�ي�ن ال�صف ��وف املحت�ش ��دة ‪ ،‬حيّانا‬ ‫جميع� � ًا ثم �ألق ��ى علينا كلم ��ة مقت�ضبة ‪ ،‬حيث ق ��ال ‪ :‬ا�سمحوا‬ ‫يل �أن �أحييك ��م �أعزائي الطلبة به ��ذه الباقة التي اقتطفتها من‬ ‫ب�ساتني �أم الربيعني ابت�سم كابت�سام الربيع ثم قال ‪:‬‬ ‫�أعزائي هيئة التدري�س ‪� ..‬أبنائي الطلبة ‪:‬‬ ‫هل ر�أت عيناك �شعبي‬ ‫يوم �أرق�صنا ال�شعارات‬ ‫وعانقنا املدينة‬ ‫كان متوز على باب املدينة‬ ‫واقف ًا على باب املدينة‬ ‫واقف ًا يف برد رب‬ ‫حام ًال قيثار حب‬ ‫كان �شعبي واحلياة‬ ‫�شامخ القامة مرفوع اجلباه‬ ‫كان متوز الإله‬ ‫تتلظى مقلتاه‬ ‫بلهيب من ر�ؤاه‬ ‫�صفق ح�شد الط�ل�اب ‪ ،‬وملّا نظرت اىل عيني املتكلم ر�أيت عدة‬ ‫دمعات ترتقرق فيهما ‪.‬‬ ‫خ ��رج مدير املدر�سة ارجت ��ل كلمة �شكر فيه ��ا املدر�س اجلديد‬ ‫وقدم ��ه لنا قائ�ل ً�ا ‪ :‬هذا الأ�ست ��اذ ها�شم الطع ��ان ‪� ،‬أ�ستاذ اللغة‬ ‫العربي ��ة ‪ ،‬جاءن ��ا من مدينة �أم الربيعني ف�أه�ل ً�ا و�سه ًال به بني‬ ‫�أخوته و�أبنائه ‪.‬‬ ‫قل ��ت ل�صاحبي �سعد الب ��دران ‪� :‬أمتنى �أن يك ��ون مدر�سنا هذا‬ ‫الأ�ست ��اذ ‪ ،‬ف�أط ��رح علي ��ه ما �أكتب م ��ن �شعر لعل ��ه يهديني اىل‬ ‫ال�صواب ؟‬ ‫و دخلن ��ا ال�صف ��وف وانتظرن ��ا �أ�ستاذنا القدمي ‪ ،‬فل ��م ي�أت ‪..‬‬ ‫انطل ��ق �ص ��وت الطالب يف هرج ومرج داخ ��ل ال�صف ‪ ،‬و�صل‬ ‫ال�صوت اىل الإدارة ‪� ،‬سرعان ما جاء املدير ‪ ،‬وقف عند الباب‬ ‫هدد وتوعد ثم قال ‪ :‬انتظروا �أ�ستاذكم اجلديد ‪.‬‬ ‫امتلأ قلبي فرح ًا ‪ ،‬حتى خلت �أين ارق�ص من �شدة الفرح ‪.‬‬ ‫دخ ��ل الأ�ستاذ ها�ش ��م ‪ ،‬وقفنا ال�ستقباله ‪ ،‬رح ��ب بنا �أجل�سنا ‪،‬‬ ‫�س ��اد �صمت ‪ ،‬ثم بد�أ يف القط ��ار الأول للطلبة املحاذي للباب‪،‬‬ ‫وراح ي�س� ��أل ع ��ن �أ�س ��م كل واح ��د م ��ن الطالب ‪ ،‬وال ��ذي لفت‬ ‫انتباهي هو ما كان يطرحه على كل طالب �سائ ًال عن هوايته‪.‬‬ ‫ومل ��ا و�ص ��ل ا ّ‬ ‫يل �س�ألني كما �س� ��أل �أقراين وملّا قل ��ت له ‪� :‬أحب‬ ‫ال�شعر والق�صة ‪ ،‬كما �أهوى الريا�ضة ‪.‬‬ ‫�س�ألني والدك �أو والدتك �أو �أي واح ٍد من �أهلك ينظم ال�شعر؟‬ ‫قلت ‪ :‬عمي ‪� ..‬شاعر كبري ‪.‬‬ ‫ربت على كتفي وم�ضى ‪.‬‬ ‫يف اليوم الثاين جاء ‪ ،‬وملّا دخل ال�صف ناداين ‪:‬‬ ‫تع ��ال يا �شاعرنا البط ��ل ‪ ..‬تقدمت �إليه ‪ ،‬م ّد يده ا ّ‬ ‫يل �صافحني‬ ‫بحرارة ‪ ،‬ثم قدم يل كتاب ًا ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫خذ هذا ديواين الأول ((غدا نح�صد))‪.‬‬ ‫م ��ا �أدري كي ��ف �أ�صف م�شاع ��ري حينه ��ا فلم �أمتال ��ك نف�سي ‪،‬‬ ‫�أخذت يده لأقبلها ‪� ،‬سحب يده مني وقال ‪:‬‬ ‫ماذا دهاك ؟ �إياك �أن تفعل هذا‪� ..‬أنا زميلكم ‪.‬‬ ‫و�أذكر انه وجهنا يف يوم يقول‪� :‬إذا �أردمت �أن تكونوا �أدباء �أو‬ ‫�شعراء كبارا فعليكم بقراءة (نهج البالغة) للإمام علي!!‬ ‫وكان ه ��ذا الق ��ول ذكرين بق ��ول الإم ��ام علي لوال ��د الفرزدق‬ ‫ال�شاع ��ر الب�صري حينما جاء به وال ��ده اىل الإمام بعد واقعة‬

‫اجلم ��ل وقال للإم ��ام ‪� :‬سيدي �أن هذا الفت ��ى ابني وانه يقول‬ ‫ال�شعر ‪.‬‬ ‫فقال له علي ‪� ( :‬أقرئه القر�آن ) ‪.‬‬ ‫وكان يطل ��ب من ��ا �أن نحف ��ظ كل �أ�سبوع بع�ض ًا م ��ن كالم نهج‬ ‫البالغة ‪ ،‬وها �أنا مازلت �أحفظ بع�ض ًا مما قر�أت ‪.‬‬ ‫و�أذك ��ر انه كان ي�شجعن ��ي طالب ًا مني �أن �أكت ��ب و�أقر�أ كثريا ‪ً،‬‬ ‫كم ��ا �أه ��دى يل ديوان املتنب ��ي وديوان عبد الوه ��اب البياتي‬ ‫وديوان جميل بثينة ‪.‬‬ ‫ولد ال�شاعر ها�شم الطعان يف مدينة املو�صل عام ‪. 1931‬‬ ‫�أ�صدر جمموعة �شعرية بعنوان ( حلظات قلقة عام ‪. ) 1954‬‬ ‫�أ�سه ��م يف جمموع ��ة �شعري ��ة بعن ��وان ( ق�صائد غ�ي�ر �صاحلة‬ ‫للن�شر ) �سنة ‪. 1956‬‬ ‫ومازلت �أحتفظ بهذا الديوان ‪.‬‬ ‫ومن ق�صائده ‪:‬‬ ‫الغجر خارج ال�سور ‪.‬‬ ‫وعلى باب املدينة‬ ‫وقف احلار�س �س�أمان ينادي‬ ‫وامل�ساء يتململ‬ ‫كان يف الأفق وراء ال�سور �أ�ضغاث قمر‬ ‫وغالالت غبار‬ ‫وخيام باليات ‪ ..‬وغجر‬ ‫ولقد كانوا زمر‬ ‫تت�سول‬ ‫يف النهار‬ ‫كان يف الأفق م�ساء‬ ‫وقمر‬ ‫يتململ‬ ‫ولقد كنا �سفارا‬ ‫كم ر�أينا احلار�س ال�س�أمان يقتات ال�ضجر‬ ‫وقال ق�صيدة الل�صو�ص ‪:‬‬ ‫�أنا �أدري انهم �آتون يا �شوقي ال�سليب‬ ‫رمبا جا�ؤوا مع الليل كما ي�أتي الل�صو�ص‬ ‫فا�ستفاق الدرب مذعور ًا على اخلطو املريبي‬ ‫انني يف غرفتي رهن ارتقاب‬ ‫وبع ��د ف ��راق طوي ��ل علم ��ت ان ا�ست ��اذي ال�شاع ��ر ح�صل على‬ ‫الدكتوراه خارج الوطن وله م�ؤلفات رائعة كثرية وقد �أ�صدر‬ ‫عن دار احلافظ يف بريوت ثالثة دواوين �شعر ‪.‬‬

‫ تتعر� ��ض الثقافة واملثقف ��ون اىل التهمي�ش‬‫واملحا�ص ��رة م ��ن كل النواح ��ي املادي ��ة‬ ‫واملعنوي ��ة والتدخ ��ل ال�ساف ��ر احلكوم ��ي يف‬ ‫�ش�ؤونه ��ا وجتمي ��د �أم ��وال املنظم ��ات ( منها‬ ‫احت ��اد الأدب ��اء ) ‪ ،‬وعدم وج ��ود قانون يوفر‬ ‫للمثقف�ي�ن حقوقه ��م ويرف ��ع عنه ��م املعان ��اة ‪،‬‬ ‫ف�ض ًال ع ��ن دع ��م امل�ؤ�س�سات الثقافي ��ة و�إعادة‬ ‫بنائه ��ا وم�ساعدة الكت ��اب وامل�ؤلفني يف طبع‬ ‫نتاجاته ��م ‪ ،‬فاحلكوم ��ات املتعاقبة مل تعرتف‬ ‫بالثقافة ومل تكرم رموزها ‪ ،‬و�أدخلت وزارتهم‬ ‫يف املحا�ص�ص ��ة ‪ ...‬وان الثقاف ��ة يف الع ��راق‬ ‫�ضيق ��ت عليها احلكوم ��ات املتعاقبة واحلالية‬ ‫و�سع ��ت لتهمي�شها و�إلغ ��اء دورها ‪ ...‬فواجب‬ ‫املثقفني االحت ��اد والوحدة الوطنية وتنا�سي‬ ‫اخلالف ��ات ب�أنواعه ��ا وال�ضغ ��ط امل�ستمر بكل‬ ‫الو�سائ ��ل امل�شروع ��ة لإجباره ��م عل ��ى �س ��ن‬ ‫قان ��ون يحم ��ي الثقاف ��ة واملثقف�ي�ن ويعطيهم‬ ‫دور ًا �أ�سا�سي� � ًا يف احلياة ال�سيا�سية الوطنية‬ ‫ويخت ��ار منه ��م وزي ��ر للثقاف ��ة كم ��ا جرى يف‬ ‫�إقليم كرد�ستان‪ .‬وبن ��اء م�ؤ�س�ساتهم املتنوعة‬ ‫وحمارب ��ة الأف ��كار املتخلف ��ة واملتحج ��رة‬ ‫والتوا�ص ��ل مع مثقفي الع ��امل وعقد الندوات‬ ‫واملهرجانات يف املنا�سبات املتنوعة وتكرمي‬ ‫املبدعني املوتى والأحي ��اء‪ ،‬واملطالبة بن�صب‬ ‫متاثي ��ل للمبدع�ي�ن م ��ن الأوائ ��ل البارزي ��ن‬ ‫وتخ�صي� ��ص حماي ��ة مالي ��ة له ��م ولعوائله ��م‬

‫واالهتم ��ام بنت ��اج املبدع ‪ ..‬املهم ��وم بق�ضايا‬ ‫ال�شعب ومعاناته ‪.‬‬

‫موسى الهاشمي ‪ /‬قاص وروائي ‪:‬‬

‫ م ��ن وجهة نظري ان املثقف هو الذي ميتلك‬‫ر�ؤي ��ة �سديدة ل ��كل جوانب احلي ��اة ويت�صف‬ ‫باالتزان والعقالنية والعدالة وي�ؤمن بتطور‬ ‫احلي ��اة ومنوه ��ا ‪ ،‬وي�ؤم ��ن ان ال�ت�راث بح ��ر‬ ‫زاخر ت�ستقي ال�شع ��وب منه الدرو�س والعرب‬ ‫وير�س ��م للأجي ��ال ح�ض ��ارة حية فاعل ��ة وغد ًا‬ ‫م�شرق� � ًا ولي� ��س ال�ت�راث هدف� � ًا بذات ��ه يقت�صر‬ ‫علي ��ه الن�شاط الإن�س ��اين وال يتجاوزه اىل ما‬ ‫ه ��و �أف�ضل ‪ .‬على �ضوء ما تقدم �أنا �أكذب حني‬ ‫�أزع ��م �أن لدينا ثقافة ‪ ،‬و�أك ��ذب حني �أ�شري �إىل‬ ‫امل�ستقبل القريب بتفا�ؤل ‪ ،‬و�أكذب حني �أعتقد‬ ‫�إنن ��ا و�ضعن ��ا قدمنا على الطري ��ق ال�صحيح ‪.‬‬ ‫ان املثقف اليط ��ور واليبدل ‪ .‬ومن رفع معول‬ ‫الهدم والتخريب مل�ؤ�س�ساتنا الثقافية ال ميكن‬ ‫ت�سميته باملثقف ‪.‬‬

‫عدنان مهدي الموسوي ‪ /‬اعالمي ‪:‬‬

‫�أن ��ا �أج ��د �أن ح ��ال الثقاف ��ة العراقي ��ة ه ��ي يف‬ ‫ح�س ��رة الأمل املن�شود والطموح البعيد املنال‬ ‫فاملثق ��ف ي�شته ��ي ويتمن ��ى ولك ��ن املعوق ��ات‬ ‫املحيطة به كثرية و�صعبة وتعرقل اخلطوات‬ ‫الت ��ي ين ��وي الأف ��راد او اجلماع ��ات االق ��دام‬

‫عليه ��ا ‪ ،‬ويرتبط الأمر بعموم حالة البلد التي‬

‫ودعم �صرف املراجع الأدبية ‪.‬‬

‫واجلماع ��ة وبالت ��ايل فامل�ؤث ��رات ق�سرية تكاد‬ ‫تق ��رب الإحب ��اط للمثق ��ف �أك�ث�ر م ��ن الطموح‬ ‫لك ��ن املتحم�سني للمنح ��ى الثقايف موجودون‬ ‫‪ .‬ان الت�أث�ي�ر ال�سلب ��ي الكب�ي�ر للحال ��ة الأمنية‬ ‫وال�سيا�سي ��ة واملعي�شي ��ة واخلدمي ��ة عل ��ى‬ ‫املثق ��ف ي ��زداد كلم ��ا ازدادت احلال ��ة �س ��وء ًا ‪،‬‬ ‫فاحلال ��ة الأمنية غ�ي�ر املن�ضبط ��ة حتول دون‬ ‫لقاء املثقفني واحلالة ال�سيا�سية الركيكة جتر‬ ‫املجتم ��ع اىل ا�ضطراب و�شب ��ه فو�ضى وكذلك‬ ‫املعي�ش ��ة فعندما تكون �أج ��رة التك�سي ( ‪) 15‬‬ ‫�أل ��ف دينار �سينكم�ش املثقف عن ال�سعي وراء‬ ‫اللقاءات والتباحث والندوات وعندما يدخل‬ ‫ال ��دار يف احلر القائظ ويج ��د املاء والكهرباء‬ ‫مقطوعني ال ماء لل�شرب او للأ�ستحمام فكيف‬ ‫�ستك ��ون حالت ��ه وكيف �سيلع ��ب دوره ؟ ‪ .‬لكن‬ ‫املنه ��ج الثقايف موج ��ود يف �أف ��كار الكثريين‬ ‫واين �أج ��د ان الأم ��ل معق ��ود بهم ��ة املثق ��ف‬ ‫نف�س ��ه و�سعي ��ه وحتفي ��ز بع�ضه ��م لبع�ضه ��م‬ ‫الآخر لتذليل ما ميك ��ن من �صعوبات ‪ ،‬وكذلك‬ ‫ب� ��إرادات اجلمعي ��ات واملنتدي ��ات الثقافي ��ة‬ ‫وكذل ��ك ال�صح ��ف واملج�ل�ات ‪ .‬ويع ��ول �أي�ض ًا‬ ‫عل ��ى وزارة الثقاف ��ة لدع ��م املطبوع ��ات مادي ًا‬

‫الثقافة يف اللغة هي احلذق – ح�سن التهذيب‬ ‫– مبعن ��ى تقومي القوى العقلية على طريقة‬ ‫متوازي ��ة وتهذي ��ب ال�شخ�صي ��ة الإن�ساني ��ة‬ ‫وال�س�ي�ر بها اىل �أق�صى درجات الكمال املمكن‬ ‫‪� .‬إذ ًا ماذا نتوقع ان تكون عليه الثقافة يف بلد‬ ‫�أكرث م ��ن ن�ص ��ف �سكانه يعي�ش ��ون حتت خط‬ ‫الفقر واغلب النا�س يعاين من فقدان اخلدمات‬ ‫الأ�سا�سي ��ة والأم ��ن ‪ .‬واالنق�سام ��ات االثني ��ة‬ ‫والطائفي ��ة والع�شائري ��ة ؟ كم م ��ن العراقيني‬ ‫يفهم ��ون معن ��ى االن�ص ��ات اىل الآخري ��ن‬ ‫والتح ��اور معه ��م حت ��ى ل ��و كان ( االخرين )‬ ‫خمالف�ي�ن لهم يف الر�أي ‪� .‬أرى �أن املثقفني الآن‬ ‫قلة �صغ�ي�رة وك�أنهم يف عامل �آخر ‪ .‬وم�ستقبل‬ ‫الثقاف ��ة مظلم عل ��ى املدى القري ��ب يراوح يف‬ ‫مكانه ولكني متفائل على املدى البعيد ‪ .‬و�أنا‬ ‫�أنظر اىل الثقافة كنظرتي للخدمات الأ�سا�سية‬ ‫يف البل ��د ‪ .‬كيف يتط ��ور �أداء املثقفني وهم مل‬ ‫يح�صل ��وا عل ��ى احل ��د الأدن ��ى م ��ن متطلبات‬ ‫احلي ��اة املريح ��ة ؟ والتط ��ور يك ��ون ب�صورة‬ ‫تلقائي ��ة وال اعتق ��د ان هنالك اي مقرتح عملي‬ ‫ميك ��ن �أن يطوره ال حكوم ��ي وال من منظمات‬ ‫املجتمع املدين واالحتادات ‪.‬‬

‫ت ��كاد حت ��ول دون ت�أدية ال ��دور ال�ل�ازم للفرد د‪ .‬أكرم صادق حسن ‪:‬‬

‫اشجار عارية‬

‫عدنان عباس سلطان‬ ‫تلوح ل��ه ع�بر ال�ن��اف��ذة‪ ،‬اخل�ط��وط املتطاولة اىل‬ ‫الف�ضاء ال�شفيف‪ ،‬فيما تبدو له الت�شققات املطبوعة‬ ‫على املمر تنزاح وتقع يف نهر ا�سود م�ستطيل ‪،‬‬ ‫ك�أنها تقع يف هوة القرار لها‪.‬‬ ‫خ� ��زان امل� � ��اء‪ ..‬ا�� �س ��رة م �ه �م �ل��ة‪� � ..‬ص �ن��ادي��ق من‬ ‫الكارتون‪ ..‬عربة او�ساخ ر�آها بانتظار ان ي�سقط‬ ‫عليها بندول الزمن ‪ ،‬فيحيلها اىل ال�ع��دم‪ ،‬حتى‬ ‫النجوم ال�صغرية الراع�شة التي تبدو له من وراء‬ ‫الغاللة ال�ضبابية‪ ،‬هي بطور اال�ضمحالل‪.‬‬ ‫هو اي�ضا يعي�ش يف الف�سحة االخرية من الوقت‪..‬‬ ‫وق��ت يت�سرب يف االي��ام وال�ساعات‪ ..‬قطعة من‬ ‫الثلج تت�صاغر ب�شكل �سريع ‪.‬‬ ‫نه�ض من جل�سته امام ال�شباك ‪ ،‬ودار على الغرف‬ ‫املت�ضافرة بالوح�شة يتطلع فيها اىل �شيء ال يعلمه‬ ‫متاما‪ ،‬رمبا عن الذكريات اخلبيئة يف زواياها ‪.‬‬ ‫والتي كانت بحميمية ال ين�ساها ابدا ‪ .‬كيف فرطت‬ ‫تلك الغرف باحليوات التي كانت متل�ؤها ؟‪ .‬وكيف‬ ‫وجد نف�سه وحيدا معزوال عن العامل املحتدم ؟‪.‬‬ ‫�صار �شيئا اهمله الزمن‪ .‬االوالد كل يف خارطة‬ ‫تخ�صه ورفيقته رح�ل��ت مل تخلف وراءه ��ا غري‬ ‫الذكريات يف حلظة انت�شرت فيها رائحة الديتول‬ ‫واملعقمات ‪.‬‬ ‫ال�ساعة املعلقة على احلائط ‪ ،‬فقدت حراكها منذ‬ ‫زم��ن‪ ،‬والغبار ع ّتم على عقاربها ‪ ،‬وه��ي بذاتها‬ ‫تغور يف قربها ال�غ�ب��اري روي ��دا روي ��دا اىل ان‬ ‫تتوارى متاما‪ .‬فقد تبدو له يف قابل الزمن جمرد‬ ‫دائرة من الغبار تلت�صق يف جدار له لون الرتاب‪.‬‬ ‫العناكب فر�شت بيئتها على االغرا�ض املن�ضودة‬

‫فوق املحمل‪ .‬ف�صار املحمل مع االغرا�ض واالفر�شة‬ ‫املنتظمة فوقه كيانا واحدا‪ .‬اختفى احلد الفا�صل‬ ‫بني التكوينات ‪ .‬الغرف كلها ات�صلت مع بع�ضها‬ ‫‪ .‬وفقدت متايزها ‪ .‬ك�أنها ماتت يف حلظة واحدة‬ ‫‪ ،‬وارت�سم لون املوت عليها ‪ .‬وخيم ال�صمت حتى‬ ‫يف هوائها وغبارها املرت�سب ‪.‬‬ ‫االواين املكد�سة‪ ،‬والطباخ‪ ،‬واخلالط ‪ ،‬ومعدات‬ ‫ال �ط �ب��خ امل�ع�ل�ق��ة ‪ ،‬واالر� �ض �ي��ة ال �ت��ي ت �ك�ثر فيها‬ ‫ال�ت�ح��دب��ات كلها تنبئ بال�شيخوخة ‪ .‬ب��ل تنبئ‬ ‫باملوت البطيء ‪ .‬موت يتكرر عليها كل نهار وكل‬ ‫ليل ‪ .‬فيت�ساءل يف �سره وهو يطفئ انوارها‪:‬‬ ‫هل كان امل��وت البطيء مير به كما مير على تلك‬ ‫اال�شياء؟‪.‬‬ ‫عندما عاد اىل مكانه املظلم ‪ ،‬ر�أى من خالل كتائب‬ ‫ال�شباك الطولية ا�شجار احلديقة قد غرقت يف‬ ‫ال �ظ�لام ‪ ،‬ال��ذي مت��دد ب���ص��ورة وا��س�ع��ة ‪ .‬وظلت‬ ‫اغ�صانها العارية ‪ ،‬توحي با�ستغاثة �صامتة ‪ .‬كانها‬ ‫ا�صابع طويلة متظافرة تت�شبث بالفراغ ‪ .‬ملقية‬ ‫بظاللها الباهتة على ار�ض املمر ‪ .‬مثل ت�صدعات‬ ‫تنهار تباعا يف جوف النهر امل�ستطيل لظل ال�سياج‬ ‫‪ .‬ظ��ل للحظات طويلة يتامل املنظر ك��أن��ه يدقق‬ ‫ب�شيء ما ويف حلظة من زمنه ذاك ‪ .‬ترك مكانه‬ ‫وتوجه اىل احلديقة ‪ .‬ك��ان القمر قد ن ��أى بعيدا‬ ‫اىل ما وراء ال�سياج حتفه هالة باهتة ‪ .‬تاركا‬ ‫اياه يف وحدته املوح�شة ‪ ،‬يت�أمل االغ�صان التي‬ ‫غرقت يف ذلك اليم العميق ‪ .‬وهي تنفتح ثم تطبق‬ ‫على الفراغ ‪ ،‬اختلطت عليه اال�شياء اكانت اغ�صان‬ ‫احلديقة العارية ام انها �صورة اخرى انبثقت من‬ ‫خميلته ‪ ،‬لكنه متاكد بان تلك اال�صابع يعرفها ‪ ،‬او‬

‫انها ت��راءت له يف يوم ما ‪ .‬لكنها وكما يدرك يف‬ ‫تلك اللحظة بانها بني االغ�صان املت�شابكة ‪.‬‬ ‫ا�صابع ت�ستنجد وال مغيث ‪ .‬ا�صابع تق�صده دون‬ ‫غريه ‪ .‬كانت ا�صابع حماطة بهالة بي�ضاء ‪ ،‬او من‬ ‫�شيء له لون البيا�ض ‪ .‬عندما القى بج�سده هناك‬ ‫ا�ستطاع ان مي�سكها ويح�س بحرارتها ‪ .‬وهي‬ ‫بدورها ت�شبثت به ‪ .‬اعت�صرها ك�أنه ي�ستلها من مي‬ ‫حقيقي ‪ ،‬حاول ب�شدة ‪ .‬ثم راى بانه ي�سحب ذراعا‬ ‫ب�شرية بي�ضاء بلون احلليب ‪ .‬ذراع طيعة لقب�ضته‬ ‫‪ .‬تن�ضغط بنعومة بني ا�صابعه مثل خممل ‪ .‬لكنها‬ ‫�سرعان م��ا اخ��ذت ت�برد ب�سرعة رهيبة ‪ .‬اذهله‬ ‫ارتخا�ؤها وا�ستكانتها يف قب�ضته املت�شنجة ‪ .‬ك�أن‬ ‫ال رغبة لها بالنجاة ‪ ،‬ا�ست�سلمت مل�صريها دون ان‬ ‫ترعى رغبته يف موا�صلة املحاولة ‪ .‬اراد ان يحثها‬ ‫ان تنت�صر على ا�ستكانتها املفاجئة ‪ ،‬لكن الكلمات‬ ‫مل تغادر �شفتيه ‪ ،‬ظلت الكلمات مرهونة يف قلبه مل‬ ‫تغادره ابدا ‪ .‬رغم انه بذل جهدا كبريا لينطقها ‪.‬‬ ‫ظلت �شفتاه مطبقتان وخداه يرجتفان ‪ ،‬وملا يئ�س‬ ‫من ذلك حاول ان يحثها من خالل نظراته ‪ ،‬فلعل‬ ‫الر�سالة العاجلة ت�صل‪ .‬وتت�آزر الرغبتان لي�شكال‬ ‫طوق جناة من هذه الكارثة الرهيبة ‪ .‬ورغم كل‬ ‫هذه امل�ساعي ‪ ،‬اح�س بان اال�صابع بل الذراع كلها‬ ‫قد خذلته وخدعته ‪ ،‬ومل ت�ستمر على ما اوحت به‬ ‫اليه ‪ .‬لكن الذي ارجتاه ومل يحدث �آنذاك ‪ ،‬مل يثن‬ ‫عزمه عن املوا�صلة ‪ .‬وبذل كل جهد ممكن ‪ .‬الخراج‬ ‫تلك اال�صابع ‪ ،‬رغم انك�ساره واح�سا�سه بالهزمية‬ ‫واخل��ذالن ‪ .‬ظل م�ستمرا يحث اال�صابع املتهالكة‬ ‫ب�ضغطات كفه القوية ‪ ،‬وان كانت باردة ‪ .‬لي�ستلها‬ ‫من هناك ‪ .‬لوال ان قوة ما اليعرف ماهيتها ‪ ،‬قد‬

‫ازاحته وفكت ا�شتباك قب�ضته بق�سوة ‪ .‬وحررت‬ ‫اال�صابع املرتخية ‪ .‬فوجد نف�سه يف ظلمة اخرى‬ ‫اك�ثر عتمة ‪ .‬فاخذ يبحلق يف ال�ظ�لام لعله يجد‬ ‫طريقا اىل و�ضعه القدمي ‪ .‬وينقذ تلك اال�صابع‬ ‫التي �ضاعت عليه يف متاهة ال�سواد ‪.‬‬ ‫لكنه الآن غري ما كان ُه يف ذلك اليوم البعيد لن يثني‬ ‫عزمه وخز االغ�صان الياب�سة التي حتيط به الآن‪،‬‬ ‫وهو يتلم�س فيما بينها لعله يعرث على ظالته ‪ .‬فال‬ ‫يهمه ما ا�صابه من اجلروح والكدمات ‪ ،‬وال تهمه‬ ‫الآالم التي �سوف يالقيها ‪ ،‬طاملا ان��ه متاكد من‬ ‫انها قريبة ‪ ،‬وي�ستطيع ان يعرث عليها ‪ .‬البد انها‬ ‫على م�سافة ي�سرية ‪ ،‬فقط عليه ان يحاول دقيقة‬ ‫اخ��رى دقيقتان ‪ .‬فالنهر اال�سود لن يجرفها اىل‬ ‫هوته بال�سرعة التي يتوقعها ‪ .‬ظل يتخبط ميينا‬ ‫و�شماال ‪ ،‬وا�صابعه مت�سك اال�شياء ثم تفلتها ‪ ،‬كان‬ ‫را�سه يرتطم بجذوع اال�شجار ‪ ،‬ومالب�سه تتعلق‬ ‫بخطافات النواتئ البارزة لالغ�صان املك�سورة ‪.‬‬ ‫وقبل ان ي�صيبه الوهن من ان يجد ذلك امللم�س‬ ‫املخملي ال��ذي يبحث عنه ‪ ،‬انغرزت ا�صابعه يف‬ ‫طني احلديقة ‪ ،‬واح�س بلزوجته ونعومته الباردة‬ ‫‪ .‬كانت رائحة الديتول قد مالت خيا�شيمه‪� .‬ضيق‬ ‫اجفانه من �شدة بيا�ض الردهة وهو يتجول بني‬ ‫اال�سرة املتقاربة ‪ .‬فجاة امتدت نحوه اال�صابع‬ ‫ذاتها! انبثقت من بيا�ض ال�سرير‪ ،‬حينما ام�سك‬ ‫بها ‪ ،‬كاد ي�صرخ فرحا ! لقد جنح اخريا ‪ ،‬لن يفلتها‬ ‫بعد الآن امام اية قوة يف االر�ض ‪ .‬ثم فتح عينيه‬ ‫وه��و ع��ازم ان ي��رب��ح اجل��ول��ة مهما كلف االم��ر‪،‬‬ ‫ف�صدمته ال�شم�س امل�شرقة وهو ممدد بني اال�شجار‬ ‫العارية ‪.‬‬

‫ّ‬

‫ص�������رخ�������ة ت�����ح�����ت ن�����ص�����ب ال�����ح�����ري�����ة‬ ‫جعفر صادق المكصوصي‬ ‫�ص ��وت �آذان املغ ��رب مي�ل��أ احل ��ي‬ ‫البغ ��دادي لي�ضبط �إيق ��اع املواكب‬ ‫الزاحف ��ة نحو البي ��وت كما ي�ضبط‬ ‫�إيقاع املو�سيق ��ى الع�سكرية م�سري‬ ‫اجلن ��ود يف مواك ��ب اال�ستعرا�ض‬ ‫الع�سك ��ري يب ��ث �ص ��وت الآذان‬ ‫�سح ��ره الإله ��ي يف قل ��وب امل ��ارة‬ ‫‪,‬وي�سيط ��ر عل ��ى �أذهانه ��م ‪ ،‬ب ��د�أت‬ ‫الأ�ضواء تنري البيوت‪.‬‬ ‫�سم ��ع عبدالل ��ه �ص ��وت الآذان‬ ‫وفا�ض ��ت عين ��اه بالدم ��وع �شع ��ر‬ ‫ب� ��أن تلك اللحظة �أك�ث�ر من منا�سبة‬ ‫لي�شك ��و حال ��ه وم ��ا �آل �ألي ��ه �إىل‬ ‫الباري عز وجل ‪.‬‬ ‫ح�ي�ن دخ ��ل يف غرفت ��ه �شخ�ص ��ت‬ ‫عين ��اه نح ��و �شهادت ��ه اجلامعي ��ة‬ ‫الت ��ي لواله ��ا قد يك ��ون ن�س ��ي انه‬ ‫يحم ��ل �شه ��ادة ماج�ست�ي�ر ‪ ،‬تذك ��ر‬ ‫تل ��ك ال�سنني الت ��ي كان فيها يجتهد‬ ‫للح�ص ��ول عل ��ى ال�شه ��ادة وكي ��ف‬ ‫كان ميني نف�س ��ه ويعدها ب�أنه بعد‬ ‫كل التعب واملجه ��ود �ست�أتي �ساعة‬ ‫ال�سعد والهناء لكن واح�سرتاه الن‬ ‫ال�شهادة مل تلبي طموحه و�أ�صبحت‬ ‫جمرد لوحة جتمل اجلدار‪.‬‬ ‫نظ ��ر �إىل يديه اللتني كانتا ناعمتي‬ ‫امللم�س �أما �أالن فهي �أ�شبه ما تكون‬ ‫بالأر� ��ض العط�ش ��ى الت ��ي ر�سم ��ت‬ ‫مالمح الظم�أ على حمياها ‪.‬‬ ‫م ��اذا يفعل ؟ لق ��د ط ��رق كل �أبواب‬ ‫ال ��وزارات ومل يج ��د وظيف ��ة ومل‬ ‫يح�صد �سوى الوعود ‪.‬‬

‫غدا �سيقول كلمته يجب �أن ي�سمعه‬ ‫احد �أين �سيقولها؟‬ ‫نعم لقد ق ��رر �أن يتكلم حتت ن�صب‬ ‫احلرية ‪.‬‬ ‫روح ��ه مفعم ��ة بالأم ��ل مليئ ��ة‬ ‫بالطم ��وح عين ��اه ال ت ��رى �س ��وى‬ ‫ال�س ��راب لق ��د م ��ل انتظ ��ار حتقيق‬ ‫الأمنيات ‪.‬‬ ‫ذه ��ب الأم� ��س طاوي ��ا �صفح ��ة من‬ ‫عمرنا وح�ضر اليوم كحمامة عادت‬ ‫�إىل �صغاره ��ا خالي ��ة الوفا� ��ض‪،‬‬ ‫ال�صغ ��ار تنظ ��ر �إىل منق ��ار �أمه ��ا‬ ‫ب ��كل امل ر�سمت مبناقريه ��ا زوايا‬ ‫هند�سي ��ة طالبة ما ي�سد رمقها دون‬ ‫جدوى ‪.‬‬ ‫�أم ��ا �أن ��ت �أيه ��ا الغد املجه ��ول ماذا‬ ‫تخب ��ئ لن ��ا ‪ ،‬ه ��ل جعبت ��ك م�ل��أى‬ ‫باحللول �أم حتم ��ل الأيام العجاف‬ ‫‪.‬‬ ‫اخ ��ذ عبدالل ��ه ي ��ردد م ��ع نف�سه بت‬ ‫ا�شع ��ر بالغربة يف كل م ��كان حتى‬ ‫يف بيت ��ي ‪ ،‬مت ��ى تغ�س ��ل وجوهنا‬ ‫يف نور ال�شم�س يف كل يوم ا�صنع‬ ‫يل �أم�ل�ا جديدا ‪� ،‬أ�سري نحوه لكني‬ ‫�أتفاج� ��أ ب�أكذوبة كربى و�صرح من‬ ‫وه ��م ‪ ،‬لق ��د �أن �أوان �أن افعل �شيئا‬ ‫حي ��ال ب�ؤ�سي و�شقائ ��ي ‪ ،‬نظر �إىل‬ ‫الوج ��وه ح ��اول قراءته ��ا ‪ ،‬وجوه‬ ‫�أ�شقاها الزم ��ان و�أتعبتها تفا�صيل‬ ‫احلياة و�أثرت بها تقلبات و�أحوال‬ ‫البالد ‪.‬‬ ‫جذبت عينيه تلك املر�أة التي حتمل‬ ‫�ص ��ورة ولديه ��ا اللذي ��ن اختطفهم‬ ‫الإرهاب ومل تعرث عليهما ‪.‬‬

‫رج ��ل اثر فيه ح ��ر ال�صيف القا�سي‬ ‫ال ��ذي مل يق � َ�و عل ��ى ر�ؤي ��ة �أبنائ ��ه‬ ‫يكاب ��رون الأمر مبع ��زل عن الطاقة‬ ‫الكهربائية ج ��اء يطالب باخلدمات‬ ‫‪ ،‬بع�ض الوجوه تبدو انتهازية من‬

‫الطراز الأول جاءت ترفع �شعارات‬ ‫مروج ��ة �إىل �أح ��زاب وكيان ��ات‬ ‫و�أ�سم ��اء وحت ��اول �أن تن ��ال م ��ن‬ ‫�شخو� ��ص وطني ��ة �أرادت �أن تر�سم‬ ‫�ضو�ضاء لتحقيق م�آرب ‪.‬‬

‫�ش ��اب ي�شكو حاله بع ��د �أن طرد من‬ ‫وظيفت ��ه وبقي ب�ل�ا عم ��ل وعائلته‬ ‫دون معي ��ل‪ .‬كانت العيون تتحدث‬ ‫�أكرث من الأل�سنة تلك املر�أة الأرملة‬ ‫ال تق ��وى ه ��ي و�أبنا�ؤه ��ا ال�صغ ��ار‬ ‫على تلبية متطلب ��ات احلياة فتارة‬ ‫ت�ص ��ب ن�ي�ران غ�ضبها عل ��ى القتلة‬ ‫الذي ��ن �سلبوا رب العائل ��ة حياته ‪،‬‬ ‫وت ��ارة �أخرى ت�صب نريان غ�ضبها‬ ‫على احلكومة التي يجب �أن يكون‬ ‫لها دور كبري يف رعاية �أبنائها ‪.‬‬ ‫�أما ذلك الرجل فقد ملت نف�سه ر�ؤية‬ ‫الب�ل�اد تدمر من قب ��ل الوافدين من‬ ‫خل ��ف احلدود وهو ي ��ردد باالرادة‬ ‫والإخال� ��ص وحت ��ت مظل ��ة الأمان‬ ‫تبنى الأوطان ‪.‬‬ ‫�ص ��ورة اجلن ��دي وه ��و يحط ��م‬ ‫ق�ضبان ال�سجن تتفاعل مع �أ�صوات‬ ‫احل�شود ي�ستذكر عبدالله كل هموم‬ ‫الوط ��ن غرب ��ة املواط ��ن يف ب�ل�اده‬ ‫وخارجها ‪ ،‬لق ��د ملت املالئكة ر�ؤية‬ ‫ال�شياط�ي�ن تب ��ث الف�س ��اد وت�سخر‬ ‫م ��ن العباد ‪.‬هل يطل ��ع الفجر فوق‬ ‫ن�صب احلرية ؟‬ ‫حت ��ت ه ��ذا الن�ص ��ب ارادات تطلب‬ ‫االزده ��ار و�أرواح ا�شتاق ��ت اىل‬ ‫النقاء بعيدا ع ��ن الدخان والعي�ش‬ ‫بعز وكرامة ‪.‬‬ ‫�س ��ار عبدالل ��ه مع �أم ��واج احل�شود‬ ‫حتت الن�ص ��ب وهو ي�سمع �ضجيج‬ ‫�أ�صواته ��م ف�إذا �صرخ ��ة مدوية من‬ ‫�أعماق ��ه يطلقه ��ا لتعرب ع ��ن كل �أمله‬ ‫وح�سرته ‪�...‬أريد احلياة ‪� ....‬أريد‬ ‫احلياة‬


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.