No. (62) - Monday 25, July, 2011
العدد ( - )62األثنين 25تموز 2011
والعالم
5
ّ لماذا تستقتل إيران على حماية األسد؟!
عقوبات دولية سرية على دمشق شبيهة بعقوبات األمم المتحدة على بغداد حزمة معونات مالية ونفطية إيرانية لفك "حبل الحصار االقتصادي" الغربي من حول نظام دمشق
خاص بـــــ �أوردت ت�ق��اري��ر خ��ا��ص��ة ،علمت بها جملة فورين بول�صي �أن طهران تدر�س تقدمي حزمة معونات اقت�صادية �إىل �سوريا تبلغ 5.8مليار دوالر �إىل جانب تقدمي �إمدادات يومية تبلغ 290,000برميل من النفط لل�شهر القادم .ويجد الربوفي�سور �أندرو تابلر ،م�ؤلف كتاب �سي�صدر قريب ًا ،حتت عنوان: (يف عرين الأ�سد :رواية �شاهد عيان على ال�صدام بني وا�شنطن و�سوريا) ،ان من ح�سن حظ الغرب والواليات املتحدة� ،أن ال متتلك �إيران التي تواجه �ضائقة مالية ،املوارد الكافية لإنقاذ الأ�سد �إىل ما ال نهاية �إذا قامت الواليات املتحدة بتنظيم اجلهود الغربية لإ�صابة �سوريا يف نقطة �ضعفها ،وحتديد ًا عائداتها من الطاقة. وي�ؤكد املحلل ال�سيا�سي قوله :كلما طالت فرتة ترنح نظام الأ�سد� ،أ�صبحت �سوريا �أكرث عنف ًا ودموية. ومن ثم تربط ال�شعب ال�سوري والواليات املتحدة واملجتمع الدويل م�صلحة م�شرتكة تدعو �إىل قيام فرتة انتقالية ق�صرية قدر الإمكان ،ح�سب تعبريه. وللم�ساعدة على �إن �ه��اء �سفك ال��دم��اء والتعجيل برحيل نظام الأ�سد ،ينبغي على وا�شنطن �أن تكون �أي�ض ًا �أكرث ق�سوة مع نظام الأ�سد. وتنتج �سوريا نحو 390,000برميل من النفط يومي ًا --وه��ذا معدل منخف�ض عما كانت تنتجه يف عام 1996حيث بلغ الإنتاج حينها 600,000 برميل يومي ًا ،ونحو 6مليارات مكعبة من الغاز ��س�ن��وي� ًا .وت �� �ص �دّر ��س��وري��ا م��ن ذل��ك الإن �ت��اج نحو 148,000برميل يومي ًا من اخلام الثقيل واحلام�ض "�سويدي" ،حيث ت ��ؤول العائدات مبا�شرة �إىل ال��دول��ة� ،أم��ا الغاز فيجري ا�ستهالكه ب�أجمعه على امل�ستوى الداخلي .ووفق تقديرات "�صندوق النقد الدويل" واحلكومة الأمريكية ،متثل مبيعات النفط نحو ثلث عائدات الدولة ،حيث ت�أتي الن�سبة املتبقية ب�شكل متزايد من �ضرائب املوظفني يف ال�شركات والقطاع العام. �إال �أن االحتجاجات �أ�صابت االقت�صاد ال�سوري وعملته بقوة ،وهي –كما يرى الربوفي�سور تابلر- م�س�ألة حقيقية ،لأن املتوقع �أن تخف�ض �إي��رادات ال�ضرائب ب�شكل كبري .وبالتايل ،فمن املرجح �أن ت�صبح �سوريا معتمدة ب�صورة متزايدة على عائدات النفط .وه��ذا ب��دوره �سيحد من ق��درة النظام على متويل �أجهزته الأمنية واجلي�ش (وهما الهيئتان الرئي�ستان امل�س�ؤولتان عن القمع) ،واحلفاظ على دع��م ال���س��وق (ع�ل��ى �سبيل امل �ث��ال ،ل��وق��ود الديزل وال�ب�ن��زي��ن) ،و� �س��داد ر� �س��وم �شبكات املح�سوبية
واشنطن تسابق طهران في تنشيف "البنك المركزي السوري" من آخر احتياطيات العملة الصعبة احليوية للنظام. ويقول �إن تراجع العائدات �سوف يُرغم النظام �إىل اللجوء �إىل املزيد من الإنفاق ل�سد العجز .وميكنه �أن يقرت�ض مقابل احتياطياته البالغة 17مليار دوالر يف "م�صرف �سوريا املركزي" ،لكن �سيكون ذلك ب�صفة �أ�سا�سية عن طريق طباعة النقود ،مما ي��ؤدي �إىل حدوث ت�ضخم ي�ضعف اللرية ال�سورية والثقة يف النظام امل�صريف .وب�إمكان النظام �أن يقرت�ض �أكرث من امل�صارف اململوكة للدولة والقطاع اخل��ا���ص ،وال�ت��ي ت�ضع فيها نخبة رج��ال الأعمال يف دم�شق وح�ل��ب م��دخ��رات�ه��ا .لكن م��ع ا�ستمرار ت�صاعد التظاهرات وتزايد تكلفة التعامل مع نظام الأ�سد ب�شكل كبري ،فمن املرجح �أن ي�سحب التجار ورج��ال الأع�م��ال ال�سوريون ودائعهم� .إن �أي � ًا من ال�سيناريوهني �سيقو�ض �شريان احلياة االقت�صادية للنظام وي�ساعد على حتفيز ان�شقاقات النخبة ،التي هي عن�صر هام يف تطوير نظام �سيا�سي جديد. و�أك� ��د اخل �ب�ير ال���س�ي��ا��س��ي �أن ال ��والي ��ات املتحدة وح�ل�ف��اءه��ا الغربيني ق��د مي��ار��س��ون ط��رق � ًا عديدة و"�إنهاكية" لزيادة ال�ضغط على �سوريا ،ومنها: �أو ًال :ال�ضغط على م�شرتي النفط اخلام ال�سوري� ،إذ �ستحاول �إدارة �أوباما �أن حتفز امل�شرتين الرئي�سني للنفط ال���س��وري -ال���ش��رك��ات يف �أمل��ان�ي��ا و�إيطاليا وفرن�سا وه��ول �ن��دا -م��ن �أج��ل ال�ت��وق��ف ع��ن �شراء النفط الذي يبيعه النظام .ويُباع النفط ال�سوري يف ال �� �س��وق ال �ف��وري��ة وم ��ن خ�ل�ال ع �ق��ود طويلة الأجل ب�سعر يقل بنحو 10دوالرات عن �سعر خام برنت .وميكن �إلغاء هذه العقود �إذا فر�ض االحتاد الأوروب ��ي عقوبات على بيع النفط ال�سوري يف
�أوروب��ا .وبالنظر �إىل موقف �أوروب��ا القوي ب�ش�أن حقوق الإن�سان وامل�سار الدموي للقمع حتى الآن، فمن املحتمل �أن يزداد الدعم التخاذ �إجراء من هذا القبيل. ومع ذلك –يقول الربوفي�سور تابلر -فقد �أوردت التقارير �أن البع�ض يف �أوروب��ا قلق من �أن �إيقاف �شحنات النفط قد ميثل نوع ًا من العقاب اجلماعي مب��ا مي��اث��ل ع�ق��وب��ات الأمم امل�ت�ح��دة النفطية على ال�ع��راق يف عهد �صدام ح�سني .ورغ��م �أن املقارنة تنطوي على بع�ض املع�ضالت� ،إال �أن العقوبات العراقية ن�ش�أت من واقع قرار جمل�س الأمن الدويل، وهو الذي مل يُنظر بعد حتى الآن يف حالة �سوريا، ومن املهم الإ�شارة �إىل �أن عائدات النفط يف العراق كانت متثل ن�سبة �أعلى بكثري من النقد الأجنبي وعائدات امليزانية .ويف حني ال ي��زال ال�سوريون يعتمدون على القطاع العام للتوظيف والإعانات، �إال �أن العديد من ال�سوريني قد �شغلوا ب�شكل متزايد �أعما ًال يف القطاع اخلا�ص -بنظام الدوام الكامل �أو اجلزئي -للوفاء باحتياجاتهم .ومبعنى �آخر ،ف�إن فر�ض عقوبات على النفط ال�سوري �سوف ي�ؤثر على متويل النظام �أكرث بكثري من ت�أثريه على ال�شعب. وي�ستطيع النظام ال�سوري –يتابع تابلر تقريره املن�شور يف جملة ف��وري��ن بول�صي� -أن ي�شحن نفطه اخل ��ام الثقيل �إىل ال���ص�ين وال �ه �ن��د ،اللتني م�صاف مت �إعدادها بحيث ت�ستطيع معاجلة لديهما ٍ النفط ال�سوري اخلام واحلام�ض .لكن القيام بذلك �سوف يزيد من تكلفة ال�شحن ب�شكل كبري ،ال�سيما �أن حمطات النفط ال�سورية ال ت�ستطيع ا�ستيعاب ن��اق�لات ال�ن�ف��ط ال�ضخمة ال �ت��ي جت�ع��ل ال�شحنات
مل�سافات طويلة �أكرث ربحية بكثري. ثاني ًا :ال�ضغط على �شركات النفط الأجنبية يف �سوريا لت�صفية ا�ستثماراتها ،ف�إدارة �أوباما ،جنب ًا �إىل جنب مع االحتاد الأوروبي ،ت�ستطيع �أن ت�ضغطا على �شركات الطاقة الغربية متعددة اجلن�سيات العاملة يف جمال الطاقة يف �سوريا ،مثل "رويال دات�ش �شيل" ،و"توتال" ،و�شركة "نافتا INA الكرواتية" و"بيرتو كندا" --لت�صفية ا�ستثماراتها يف ��س��وري��ا .والأه ��م م��ن ذل��ك ،يجب على الإدارة الأمريكية �أن تطلب من بريطانيا �إيقاف عمليات "جالف ��س��ان��دز برتوليوم" ،ال�شركة ال�ت��ي كان مقرها يف هيو�سنت وانتقلت �إىل بريطانيا يف عام 2008لكي تتجنب العقوبات الأمريكية املفرو�ضة على اب��ن خ��ال ب�شار الأ� �س��د وال���ش��ري��ك التجاري ال�سوري ل�شركة "جالف �ساندز" ،رامي خملوف. وامل�ي��زة التي ينطوي عليها ه��ذا املنهج –بح�سب تقرير املجلة-هي خروج ال�شركات الغربية متعددة اجلن�سيات والتكنولوجيا الغربية من البالد ،تلك التكنولوجيا الأكرث فعالية يف زيادة الإنتاج املميز للخام ال�سويدي ال�سوري والقيام ب�أعمال تنقيب جديدة� .إال �أن الأمر �سي�ستغرق بع�ض الوقت لكي ت�ستطيع هذه ال�شركات ت�صفية ا�ستثماراتها ،ويكاد يكون من امل�ؤكد �أن تقوم �شركات غري غربية عاملة يف �سوريا باال�ستيالء على عملياتها ،مبا فيها "�شركة النفط والغاز الطبيعي" الهندية و"�شركة النفط الوطنية ال�صينية" و�شركة "تاتنيفت" الرو�سية. ثالث ًا :عرقلة �آليات �سداد ر�سوم ناقالت النفط ،ذلك �أن "امل�صرف التجاري ال�سوري" اململوك للدولة هو امل�س�ؤول �إىل درجة كبرية عن معاجلة مبيعات
النفط ال�سورية ،وهو امل�صرف الأكرب يف �سوريا من حيث الأ�صول .ويف عام ،2004فر�ضت وا�شنطن عقوبات على "امل�صرف التجاري ال�سوري" ب�سبب الإج� ��راءات غ�ير الكافية ملكافحة غ�سل الأم ��وال، مما �أرغم امل�صرف على �إغالق ح�سابات املرا�سالت اخلا�صة به يف الواليات املتحدة .وقد قامت العديد من امل�صارف الأوروب�ي��ة �أي�ض ًا ب�إغالق ح�ساباتها للمرا�سالت م��ع ه��ذا "امل�صرف" حلماية �أنف�سها من انتهاكات العقوبات الأمريكية املحتملة ،لكن هناك ع��دد ًا من امل�صارف الأوروب�ي��ة التي مل تفعل ذل��ك .و�إذا ا�ستطاعت �إدارة �أوب��ام��ا ال�ضغط على االحت��اد الأوروب��ي لفر�ض عقوبات على "امل�صرف التجاري ال�سوري" � --أو جم��رد �إق�ن��اع م�صارف �أوروب�ي��ة فردية ب��أن توقف مبا�شرة تعامالتها مع هذا "امل�صرف" --فقد تغلق الطريق فعلي ًا �أمام قيام النظام بتحويل النفط �إىل �أم��وال نقدية .ويعتقد اخلبري ال�سيا�سي لفورين بول�صي� ،أن ميزة هذا املنهج تتمثل يف �إمكانية تطبيقه ب�سرعة ن�سبية. راب�ع� ًا :فر�ض عقوبات على الناقالت التي حتمل ال�ن�ف��ط ال �� �س��وري ،وك��ان��ت ال ��والي ��ات امل �ت �ح��دة قد ا�ستهدفت يف امل��ا��ض��ي� ،سفن ال�شحن ك�ج��زء من ت�شديد العقوبات على خ�صومها. خام�س ًا :ال�ضغط على بلدان ال�شرق الأو��س��ط من �أجل حجب دعم النفط والأموال النفطية ،وغالب ًا ما تلج�أ �سوريا �إىل حلفائها الإقليميني للح�صول على النفط اخلام �أو املنتجات املكررة �أو التربعات عندما تكون يف حمنة ،ويروي اخلبري ال�سيا�سي تابلر �أن �أب��رز ه ��ؤالء احللفاء هم العراق واململكة العربية ال�سعودية والإم� ��ارات العربية املتحدة و�إي ��ران. فعلى �سبيل امل �ث��ال ،يف ال���س�ن��وات ال �ت��ي �سبقت الغزو الأمريكي للعراق خالفت �سوريا العقوبات التي فر�ضتها الأمم املتحدة على ال�ع��راق يف عهد �صدام ح�سني �إىل حد ا�سترياد 200,000برميل يومي ًا ،ح�صلت عليها ب�سعر خمف�ض للغاية (وقد دُفع مقابلها يف ح�سابات عدي وق�صي ح�سني لدى امل�صرف التجاري ال�سوري) .ويف الت�سعينيات من القرن املا�ضي ،ا�ستثمرت اململكة العربية ال�سعودية �أي�ض ًا �أموال النفط يف �سوريا للم�ساعدة على �إنقاذ
النظام ،وهي جهود ا�ستولت عليها �إيران وقطر يف ال�سنوات الأخرية. ويف وجه حملة القمع املتزايدة من جانب النظام –ي�ؤكد الربوفي�سور تابلر� -ستحاول الواليات املتحدة �إقناع بغداد والريا�ض والدوحة باالمتناع عن دعم الأ�سد .كما ينبغي عليها ال�ضغط على م�صر والأردن لقطع �إم��دادات الغاز من خالل "خط الغاز العربي" ،ال��ذي ينتهي يف �سوريا .وتتمثل ميزة هذه التحركات يف ت�ضييق خيارات دعم النظام� .أما جانبها ال�سلبي ف�إنها بالطبع قد تدفع الأ�سد ب�شكل �أك�بر �إىل �أح�ضان ط�ه��ران ،التي تتمتع وا�شنطن بنفوذ �ضئيل عليها ،يف حني توجد ل�سوريا بالفعل عالقات قوية معها. و�أخري ًا :ا�ستهداف املنتجات امل�ستوردة من الديزل والبنزين امل �ك��رر ،فمنذ �أرب ��ع ��س�ن��وات� ،أ�صبحت �سوريا م�ستورد ًا خال�ص ًا للنفط� ،أي قبل �سنوات من تقديرات القطاع .فامل�صفيان اللذان متلكهما الدولة ال ي�ستطيعان معاجلة النفط اخلام املحلي الثقيل يف �سوريا لإنتاج ما يكفي من وقود الديزل والبنزين للوفاء بالطلب املحلي املتزايد ب�شكل �سريع .وهكذا، ف ��إن ال��دي��زل هو كعب �أخيل (�أو نقطة �ضعف) يف �سوريا .فكل �شيء ب��دء ًا من م�ضخات الري وحتى الأف� ��ران املنزلية وال���ش��اح�ن��ات ي�ستخدم الديزل املدعوم ب�شكل كبري من قبل الدولة. ويف غ �� �ض��ون ذل ��ك –يتابع خ �ب�ير جم �ل��ة فورين بول�صي حديثه -تعتمد الطبقات العليا واملتو�سطة يف �سوريا ب�شكل �أكرب على البنزين ،لتزويد الوقود ل�سياراتها .و�إذا ما ُ�سحبت هذه الواردات من الوقود املكرر ف�سي�ؤدي ذلك �إىل غ�ضب ال�شعب .و�أو�ضح �أن ا�ستهداف الوقود هو �أداة ثقيلة وتعترب ب�شكل عام "خيار ًا نووي ًا" .فهو �أ�سلوب ينبغي عدم ا�ستخدامه �إال يف اللحظات احلرجة ،ال�سيما رد ًا على وقوع جم��زرة م��ا .ف� ��إذا م��ا ا�ستخدم ب�صورة �أ� �س��رع من الالزم ،فقد ينتهي الأمر با�ستهداف ال�شعب ال�سوري ككل ،الأمر الذي ي�صب يف م�صلحة النظام عن طريق �إلقاء اللوم على "التدخل الأجنبي" الأمريكي ،وهو ما فعلته �سوريا قبل �أ�سبوعني رد ًا على الزيارة الليلية التي قام بها ال�سفري الأمريكي روبرت فورد �إىل ح�م��اه وك�ل�م��ات وزي ��رة اخل��ارج�ي��ة الأمريكية هيالري كلينتون حول الأ�سد يف الأ�سبوع املا�ضي. وح�ت��ى الآن –يقول ت��اب�ل��ر -ع�ّبررّ بع�ض احللفاء الأوروب �ي�ين عن "الإرهاق من العقوبات" نتيجة جهود وا�شنطن ال�سابقة لفر�ض �إجراءات على �إيران من �أجل تغيري �سلوكها ،وهي عملية حققت حتى الآن نتائج متباينة .وعلى مدى ال�شهور القليلة املا�ضية، ف��ر��ض��ت ال��والي��ات امل�ت�ح��دة واالحت� ��اد الأوروب� ��ي عقوبات على عدد من م�س�ؤويل النظام والتابعني له امل�س�ؤولني عن القمع .ورغم �أن هذه التدابري مفيدة، �إال �أنها لن تذهب �إىل حد بعيد ملعاجلة متويل النظام ب�شكل �إجمايل.
ع����������رش م������ه������دد ب������ـ"م������خ������اط������ر م����ج����ه����ول����ة"
ّ قانون جديد في السعودية لـ"مكافحة اإلرهاب" يحرم "المعارضة السياسية" ويعدها جريمة بقلم :باتريك كوكبرن �صاغت ال�سلطات ال�سعودية ،ت�شريع ًا جديد ًا مل�ك��اف�ح��ة الإره� � ��اب ،ي�ج�ع��ل م��ن املعار�ضة ال�سيا�سية "جرمية جنائية" ،وميكـّن هذا القانون حكومة اململكة ،ل�سجن �أي �شخ�ص، ي�شكك يف نزاهة امللك� ،أو ويل عهده ،ملدة ال تقل عن � 10سنوات. وح�صلت منظمة العفو الدولية على ن�سخة "مه ّربة خارج �أرا�ضي اململكة" من م�سوّ دة ال �ت �� �ش��ري��ع اجل ��دي ��د ،ت�ك���ش��ف �أن تعريف "اجلرائم الإرهابية" مب��وج��ب القانون اجلديد املقرتح ،وا�سع جد ًا ،و�إىل امل�ستوى ال��ذي ميكـّن فيه ال�سلطات ال�سعودية من اع�ت�ق��ال �أي �شخ�ص ،ب��ذري�ع��ة واح ��دة من االت�ه��ام��ات وا�سعة النطاق ال�ت��ي ت�ضمنها م�شروع القانون ،مثل "ي�شكل خطورة على اململكة� ،أو يفكك الوحدة الوطنية لل�شعب ال�سعودي� ،أو ي�سيء �إىل �سمعة الدولة، وينال من مكانتها" .وهلم ج ّرا!. وم�شروع هذا الت�شريع القا�سي ج��د ًا ،لهو دليل على الإح�سا�س العميق للملك عبدالله بن عبد العزيز بالتهديد ،وال�شعور القاهر للعائلة املالكة يف ال�سعودية بالذعر من "خماطر جمهولة" �آتية ،رمبا تكون ب�سبب احلركة العربية امل�ؤيدة ملوجة الدميقراطية يف �إط��ار م��ا ي�سمى "الربيع العربي"� ،أو ب�سبب ظهور احلكم ال�شيعي يف العراق، منذ �سنة 2003يف �أعقاب الغزو الأمريكي لهذا البلد املجاور ،وذي احل��دود الوا�سعة املفتوحة مع اململكة� ،إ�ضافة �إىل االنهيارات امل �ت �ت��ال �ي��ة يف الأو� � �ض� ��اع ال �ع��رب �ي��ة خالل الو�ضع الراهن ،ال�سيما يف اليمن و�سوريا وليبيا ،وما جرى يف ال�سودان ،وقبلها يف البحرين� ،أو يف تون�س ،وم�صر ،وغريها
من دول العامل العربي. وامل�شهد ال�ع��ام الآن يف ال�سعودية ،يُظهر ب�ج�لاء "�شيخوخة" ح�ك��ام اململكة جميع ًا تقريب ًا ،واختفاء بع�ض �أ�صدقائهم القدامى، �أو وق��وع �آخ��ري��ن حت��ت ال�ضغوط املحلية والدولية� ،إ�ضافة �إىل ظهور املناف�سني اجلدد لقوى نا�شئة �أو قدمية يف املنطقة .ولي�س من الع�سري ،فهم القلق ال�سعودي من عملية التغيري يف م�صر ،ون�شوبها يف �سوريا، �إ��ض��اف��ة �إىل ال��وج��ود الإق�ل�ي�م��ي الإي ��راين، وبروز حكم �شيعي يف العراق ،يكاد يهيمن على ال�سلطة الكاملة يف البلد. وم��ن امل�ع��روف �أن ال�سعوديني ق��د �شعروا بـ"�صدمة" ك�ب�يرة ،بعد ال�سقوط ال�سريع ل�ن�ظ��ام ال��رئ�ي����س امل���ص��ري ال���س��اب��ق حممد ح�سني م �ب��ارك ،وف�شل ال��والي��ات املتحدة يف تقدمي الدعم له� ،أو �إنقاذه من "املحنة ال�سلطوية" ال�ت��ي م � ّر بها على ال��رغ��م من حتالفه مع الغرب ،والواليات املتحدة على وجه اخل�صو�ص ،وركونه �إىل "احلماية" الدائمة التي كان ي�أمل �أن تتوفـّر له ،متام ًا كما كان احلكام ال�سعوديون ،مييلون �إىل ت�صديق �أنهم "حمميون ب�شكل مطلق"� ،إال � ّأن ما ج��رى يف م�صر ،وقبلها يف تون�س، زل ��زل تلك القناعة ال�ق��دمي��ة ،و�أج �ه��ز على منطق ال��رك��ون للدعة ،واال��س�ترخ��اء ،مهما جرى من حولهم!. واليمن التي تقع يف جنوب �شبه اجلزيرة العربية ،اندفعت –بعد ان��دالع التفجرات فيها ،وا�ستمرار ال�صراع بني النا�س و�سلطة علي عبدالله �صالح -نحو الت�أرجح عند حافة احل��رب الأهلية .ولعل �شعور ال�سعوديني باخلوف املبكر من هذه التطورات ،جعلهم يدفعون بقواتهم الع�سكرية للم�شاركة يف �سحق احلركة ال�شعبية امل�ؤيدة للدميقراطية يف البحرين التي تقطنها الأغلبية ال�شيعية.
وك��ان��ت ال�سلطات ال�سعودية ،قلقة ب�شكل خا�ص من �أن االحتجاجات العلنية للأغلبية ال�شيعية يف البحرين ،ميكن �أن تنت�شر من �أرا�ضيها �إىل ال�سكان ال�شيعة يف املحافظة ال�شرقية م��ن اململكة العربية ال�سعودية.
وب��الإ� �ض��اف��ة �إىل ذل ��ك ،ك��ان ح �ك��ام اململكة دائ�م� ًا "�شكوكيني" و�إىل درج��ة �إ�صابتهم مبا ميكن ت�سميته بـ"البارانويا ال�سيا�سية" من م�ؤامرة تدبّرها �إي��ران ال�شيعية ،بهدف �إ�سقاط املمالك ال�سُ ّنية يف اخلليج العربي.
ول �ق��د متكنت منظمة ال�ع�ف��و ال��دول �ي��ة من احل���ص��ول على ن�سخ م��ن م���ش��روع قانون العقوبات جل��رائ��م الإره� ��اب� ،أو متويله، والذي حتتاج احلكومة ال�سعودية متريره. وي�ج��ري حالي ًا فح�صه ودرا��س�ت��ه م��ن قبل
نسخة ّ "مهربة " لمسودة القانون تكشف نية السلطات السعودية العتقال أي شخص والحكم بسجنه وإعدامه
جلنة حكومية �أمنية يف ال�سعودية. ويف هذا الإطار ،يقول فيليب لوثر ،نائب مدير منظمة العفو الدولية ل�ش�ؤون ال�شرق الأو� �س��ط و��ش�م��ال �إف��ري�ق�ي��ا�" :إن م�شروع القانون ه��ذا ،ي�شكل تهديد ًا خطري ًا حلرية التعبري يف اململكة با�سم منع الإرهاب". و�أ�ضاف قوله�" :إذا ما ُم ّرر م�شروع امل�سودة القانونية امل�شار �إليه ،ف�إنه ميهد الطريق ل�سحق �أعمال احتجاجية �أ�صغر ،حتى و�إن ك��ان��ت �سلمية ،ذل��ك لأن�ه��ا �ستو�صف حتم ًا بالإرهاب". وحقوق املعتقلني –والتي مل تكن ُتراعي يف اململكة العربية ال�سعودية م��ن قبل- �س ُتـلغى على نحو �أكيد وب�شكل م��ؤث��ر� ،إذ ميكن احتجاز امل�شتبه بهم ملدة 120يوم ًا، �أو �أك�ثر� ،إذا ما �أ�صدرت املحكمة املخت�صة �أحكام ًا بهذا ال�ش�أن ،ا�ستناد ًا �إىل ن�صو�ص القانون املنوي ت�شريعه يف غ�ضون الفرتة املقبلة. والقانون املقرتح ،يعطي �أي�ض ًا لل�سلطات ال �� �س �ع��ودي��ة ،ح ��ق االح��ت��ج��از التع�سفي ل�شخ�ص ما لنحو �سنة �أو �أكرث ،ولي�س هناك ح��ق للمحتجز باال�ستئناف� ،أو احل��ق يف تكليف حمام للدفاع عنه� .أما التعذيب فلي�س حم�ظ��ور ًا مبوجب ه��ذا ال�ق��ان��ون .وعقوبة الإع���دام ميكن �أن ُتطبق �ضد �أي �شخ�ص يحمل ال�سالح �ضد الدولة. ويف �إ� �ش��ارة �إىل حقيقة ه��ذه املعلومات التي ك�شفتها منظمة العفو ال��دول�ي��ة� ،أكد م�س�ؤولون �سعوديون �أن م�سودة امل�شروع "�أ�صلية"ّ . لكن ما نـُقل عن ه�ؤالء امل�س�ؤولني قولهم �إن هذه امل�سودة مازالت قابلة للتعديل. ل�ك��ن م �� �ص��ادر �أخ� ��رى ت��زع��م �أن ال�سلطات ال�سعودية عازمة فع ًال على ت�شريع م�سودة القانون اجل��دي��د ب��امل��واد التي وردت فيه، و� ّأن التعديالت �ستكون طفيفة ،ولي�س من
امل�ستبعد �أن ال تجُ رى �أية تغيريات جوهرية على م�شروع القانون ال��ذي �سي�صدر حتت الفتة حماربة الإرهاب. �إن ال �ق��ان��ون اجل��دي��د تع�سّ في �إىل درج��ة ت��ر��س�ي�خ��ه امل �م��ار� �س��ات امل ��وج ��ودة حالي ًا والتي يحاكم مبوجبه ،نحو 5,000متهم بالإرهاب� ،أو الذين يُ�شك بانتمائهم �إليه� ،أو �أولئك الذين حوكموا فع ًال .وخ�لال ال�سنة احلالية وحدها جرى �إعدام � 33شخ�ص ًا يف اململكة .وعلى الرغم من �أن م�سودة القانون موجهة �أ�ص ًال �ضد "الإرهاب" ،ف�إن ال�سلطات ال�سعودية جنحت �إىل حد كبري يف �سحق القاعدة� ،أو يف طرد تنظيماتها �إىل خارج اململكة. �إن معظم ق��ادة تنظيم القاعدة –ممن بقوا على قيد احلياة -موجودون الآن يف اليمن ك�ج��زء م��ن تنظيم �شبه اجل��زي��رة العربية للقاعدة التي ت�ضم نحو 300ع�ضو ،وفق ًا مل �� �س ��ؤول�ين مي �ن �ي�ين .ول �ي ����س م��ن امل��رجّ ��ح �أن ت �ط��ال ن���ص��و���ص ال �ق��ان��ون اجل��دي��د يف ال�سعودية �أحد ًا من ه�ؤالء. � ّإن �شرا�سة احلملة القمعية ال�ت��ي دعمت �أ� �س��رة "�آل خليفة" امل��ال�ك��ة يف البحرين، بعد االحتجاجات ال�شعبية والتظاهرات ال�سلمية التي جرت يف �شهري �شباط و�آذار، لهي امل��ؤ��ش��ر ال �ق��ويّ على ج��دي��ة املخاوف ال�سعودية ،وخ�شية اململكة م��ن �أنْ متتد املعار�ضة ال�شارعية �إىل �أرا��ض�ي�ه��ا .ومن الوا�ضح ج��د ًا ل��دى مراقبي التطورات يف ال�سعودية� ،أن م�شروع القانون اجلديد، ميكن �أن يف�سّ ر على �أنه "�ضربة ا�ستباقية" �ضد �أي طلب للتغيري يف امل�ستقبل. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ خ�ب�ير �سيا�سي يف � �ش ��ؤون ال�شرق الأو� �س��ط يكتب يف �صحيفة الإندبندنت الربيطانية.