مجلة الجوبة 73

Page 1

‫ ¦محور خاص‪ :‬الفلسفة عبر التاريخ‪.‬‬ ‫ ¦الشاعرة هند النزاري قراءات‬ ‫وحوار‪.‬‬ ‫ ¦نصوص أدبية‪.‬‬

‫ ¦مواجهات‪ :‬الشاعر أحمد القيسي؛‬ ‫الشاعرة األمريكية لويز غلوك؛‬ ‫األديب تيسير أبو عودة؛‬ ‫ الكاتب جاك أتالي‪.‬‬

‫علماء آثار ‪:‬‬ ‫موقع الجمل بمدينة سكاكا أقدم موقع نحت في العالم‬

‫‪73‬‬


‫برنامـج نشر الدراسات واإلبداعـات األدبية والفكرية ودعم البحوث والرسائل‬ ‫العلمية يف مركز عبدالرحمن السديري الثقايف‬ ‫‪ 1-‬نشر الدراسات واإلبداعات األدبية والفكرية‬

‫يهتم بالدراسات‪ ،‬واإلبداعات األدبية‪ ،‬ويهدف إلى إخراج أعمال متميزة‪ ،‬وتشجيع حركة‬ ‫اإلبداع األدبي واإلنتاج الفكري وإثرائها بكل ما هو أصيل ومميز‪.‬‬ ‫ويشمل النشر أعمال التأليف والترجمة والتحقيق والتحرير‪.‬‬ ‫مجاالت النشر‪:‬‬ ‫أ ‪ -‬الدراسات التي تتناول منطقة الجوف ومحافظة الغاط في أي مجال من المجاالت‪.‬‬ ‫ب‪ -‬اإلبداعات األدبية والفكرية بأجناسها المختلفة (وفقاً لما هو مب ّين في البند «‪ »٨‬من شروط النشر)‪.‬‬ ‫ج ‪ -‬الدراسات األخرى غير المتعلقة بمنطقة الجوف ومحافظة الغاط (وفقاً لما هو مب ّين في البند «‪ »٨‬من‬ ‫شروط النشر)‪.‬‬ ‫شروطه‪:‬‬ ‫‪ -١‬أن تتسم الدراسات والبحوث بالموضوعية واألصالة والعمق‪ ،‬وأن تكون موثقة طبقاً للمنهجية العلمية‪.‬‬ ‫‪ -٢‬أن تُكتب المادة بلغة سليمة‪.‬‬ ‫‪ -٣‬أن يُرفق أصل العمل إذا كان مترجماً‪ ،‬وأن يتم الحصول على موافقة صاحب الحق‪.‬‬ ‫‪ -٤‬أن تُق ّدم المادة مطبوعة باستخدام الحاسوب على ورق (‪ )A4‬ويرفق بها قرص ممغنط‪.‬‬ ‫‪ -٥‬أن تكون الصور الفوتوغرافية واللوحات واألشكال التوضيحية المرفقة بالمادة جيدة ومناسبة‬ ‫للنشر‪.‬‬ ‫‪ -٦‬إذا كان العمل إبداعاً أدبياً فيجب أن يتّسم بالتم ّيز الفني وأن يكون مكتوباً بلغة عربية‬ ‫فصيحة‪.‬‬ ‫‪ -٧‬أن يكون حجم المادة ‪ -‬وفقاً للشكل الذي ستصدر فيه ‪ -‬على النحو اآلتي‪:‬‬ ‫ الكتب‪ :‬ال تقل عن مئة صفحة بالمقاس المذكور‪.‬‬‫ البحوث التي تنشر ضمن مجالت محكمة يصدرها المركز‪ :‬تخضع لقواعد النشر في‬‫تلك المجالت‪.‬‬ ‫ الكتيبات‪ :‬ال تزيد على مئة صفحة‪( .‬تحتوي الصفحة على «‪ »250‬كلمة تقريباً)‪.‬‬‫‪ -٨‬فيما يتعلق بالبند (ب) من مجاالت النشر‪ ،‬فيشمل األعمال المقدمة من أبناء وبنات‬ ‫منطقة الجوف‪ ،‬إضافة إلى المقيمين فيها لمدة ال تقل عن عام‪ ،‬أما ما يتعلق بالبند (ج)‬ ‫فيشترط أن يكون الكاتب من أبناء أو بنات المنطقة فقط‪.‬‬ ‫‪ -٩‬يمنح المركز صاحب العمل الفكري نسخاً مجانية من العمل بعد إصداره‪ ،‬إضافة إلى‬ ‫مكافأة مالية مناسبة‪.‬‬ ‫‪ -١٠‬تخضع المواد المقدمة للتحكيم‪.‬‬


‫‪ -2‬دعم البحوث والرسائل العلمية‬

‫يهتم بدعم مشاريع البحوث والرسائل العلمية والدراسات املتعلقة مبنطقة اجلوف‬ ‫ومحافظة الغاط‪ ،‬ويهدف إلى تشجيع الباحثني على طرق أبواب علمية بحثية جديدة يف‬ ‫معاجلاتها وأفكارها‪.‬‬ ‫(أ) الشروط العامة‪:‬‬ ‫‪ -١‬يشمل الدعم املالي البحوث األكادميية والرسائل العلمية املقدمة إلى اجلامعات‬ ‫واملراكز البحثية والعلمية‪ ،‬كما يشمل البحوث الفردية‪ ،‬وتلك املرتبطة مبؤسسات غير‬ ‫أكادميية‪.‬‬ ‫‪ -٢‬يجب أن يكون موضوع البحث أو الرسالة متعل ًقا مبنطقة اجلوف ومحافظة الغاط‪.‬‬ ‫‪ -٣‬يجب أن يكون موضوع البحث أو الرسالة جدي ًدا يف فكرته ومعاجلته‪.‬‬ ‫‪ -٤‬أن ال يتقدم الباحث أو الدارس مبشروع بحث قد فرغ منه‪.‬‬ ‫‪ -٥‬يقدم الباحث طل ًبا للدعم مرف ًقا به خطة البحث‪.‬‬ ‫‪ -٦‬تخضع مقترحات املشاريع إلى تقومي علمي‪.‬‬ ‫‪ -٧‬للمركز حق حتديد السقف األدنى واألعلى للتمويل‪.‬‬ ‫‪ -٨‬ال يحق للباحث بعد املوافقة على التمويل إجراء تعديالت جذرية تؤدي إلى تغيير‬ ‫وجهة املوضوع إال بعد الرجوع للمركز‪.‬‬ ‫‪ -٩‬يقدم الباحث نسخة من السيرة الذاتية‪.‬‬ ‫(ب) الشروط اخلاصة بالبحوث‪:‬‬ ‫‪ -١‬يلتزم الباحث بكل ما جاء يف الشروط العامة (البند «أ»)‪.‬‬ ‫‪ -٢‬يشمل املقترح ما يلي‪:‬‬ ‫ توصيف مشروع البحث‪ ،‬ويشمل موضوع البحث وأهدافه‪ ،‬خطة العمل ومراحله‪،‬‬‫واملدة املطلوبة إلجناز العمل‪.‬‬ ‫ ميزانية تفصيلية متوافقة مع متطلبات املشروع‪ ،‬تشمل األجهزة واملستلزمات‬‫املطلوبة‪ ،‬مصاريف السفر والتنقل والسكن واإلعاشة‪ ،‬املشاركني يف البحث من‬ ‫طالب ومساعدين وفنيني‪ ،‬مصاريف إدخال البيانات ومعاجلة املعلومات والطباعة‪.‬‬ ‫ حتديد ما إذا كان البحث مدعو ًما كذلك من جهة أخرى‪.‬‬‫(ج) الشروط اخلاصة بالرسائل العلمية‪:‬‬ ‫إضافة لكل ما ورد يف الشروط اخلاصة بالبحوث (البند «ب») يلتزم الباحث مبا يلي‪:‬‬ ‫‪ -١‬أن يكون موضوع الرسالة وخطتها قد أق ّرا من اجلهة األكادميية‪ ،‬ويرفق ما يثبت ذلك‪.‬‬ ‫‪ -٢‬أن يُق ّدم توصية من املشرف على الرسالة عن مدى مالءمة خطة العمل‪.‬‬ ‫الجـوف ‪ 42421‬ص‪ .‬ب ‪ 458‬‬ ‫الغـــــــاط ‪ 11914‬ص‪.‬ب ‪ 63‬‬ ‫الرياض ‪ 11614‬ص‪ .‬ب ‪ 94781‬‬

‫هاتف‪ 014 6245992 :‬فاكس‪014 6247780 :‬‬ ‫هاتف‪ 016 4422497 :‬فاكس‪016 4421307 :‬‬ ‫هاتف‪ 011 4999946 :‬جوال‪055 3308853 :‬‬

‫‪info@alsudairy.org.sa‬‬ ‫‪www.alsudairy.org.sa‬‬


‫مجلس إدارة مؤسسة عبدالرحمن السديري‬

‫رئيسً ا‬ ‫فيصل بن عبدالرحمن السديري ‬ ‫عضوًا‬ ‫سلطان بن عبدالرحمن السديري ‬ ‫د‪ .‬زياد بن عبدالرحمن السديري العضو المنتدب‬ ‫عضوًا‬ ‫عبدالعزيز بن عبدالرحمن السديري ‬ ‫عضوًا‬ ‫د‪ .‬سلمان بن عبدالرحمن السديري ‬ ‫عضوًا‬ ‫د‪ .‬عبدالواحد بن خالد الحميد ‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬خليل بن إبراهيم المعيقل ‬ ‫عضوًا‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬مشاعل بنت عبدالمحسن السديري عضوًا‬ ‫سلمان بن عبدالمحسن بن محمد السديري عضوًا‬ ‫طارق بن زياد بن عبدالرحمن السديري عضوًا‬ ‫سلطان بن فيصل بن عبدالرحمن السديري عضوًا‬

‫ملف ثقايف ربع سنوي يصدر عن‬ ‫مركز عبدالرحمن السديري الثقافي‬ ‫هيئة النشر ودعم األبحاث‬

‫رئيسً ا‬ ‫د‪ .‬عبدالواحد بن خالد الحميد ‬ ‫عضوًا‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬خليل بن إبراهيم المعيقل ‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬مشاعل بنت عبدالمحسن السدير ي عضوًا‬ ‫عضوًا‬ ‫د‪ .‬علي دبكل العنزي ‬ ‫عضوًا‬ ‫محمد بن أحمد الراشد ‬ ‫أسرة التحرير‬

‫قواعد النشر‬

‫إبراهيم بن موسى احلميد ‬ ‫محررا‬ ‫ ‬ ‫محمود الرمحي‬ ‫ً‬ ‫محررا‬ ‫ ‬ ‫محمد صوانة‬ ‫ً‬ ‫اإلخراج الفني‪ :‬خالد الدعاس‬

‫املشرف العام‬

‫‬‪ -1‭‬أن‬ ‪‭‬تكون‬ ‪‭‬املادة‬ ‪‭‬أصيلة‬ ‪.‭‬‬ ‫‪ ‭‬-2‬لم‬ ‪‭‬يسبق‬ ‪‭‬نشرها‬ ‪‭‬ورق ًيا‬ ‪‭‬أو‬ ‪‭‬رقم ًيا‬‪‭.‬‬ ‫‪ ‭‬-3‬تراعي‬ ‪‭‬اجلدية‬ ‪‭‬واملوضوعية‬‪‭.‬‬ ‫‬‪ -4‭‬تخضع‬ ‪‭‬املواد‬ ‪‭‬للمراجعة‬ ‪‭‬والتحكيم‬ ‪‭‬قبل‬ ‪‭‬نشرها‬‪‭.‬‬ ‫‬‪ -5‭‬ترتيب‬ ‪‭‬املواد‬ ‪‭‬يف‬ ‪‭‬العدد‬ ‪‭‬يخضع‬ ‪‭‬العتبارات‬ ‪‭‬فنية‬‪‭.‬‬ ‫‬‪ -6‭‬ترحب‬ ‪‭‬اجلوبة‬ ‪‭‬بإسهامات‬ ‪‭‬املبدعني‬ ‪‭‬والباحثني‪‭‬‬ ‫‬والكتّاب‪‭ ‬،‬على‬ ‪‭‬أن‬ ‪‭‬تكون‬ ‪‭‬املادة‬ ‪‭‬باللغة‬ ‪‭‬العربية‬‪‭.‬‬

‫هاتف‪)+966()14(6263455 :‬‬ ‫املراســــــالت‪ :‬‬ ‫فاكس‪)+966()14(6247780 :‬‬ ‫ ‬ ‫ص‪ .‬ب ‪ 458‬سكاكا اجلـوف ‪ -‬اململكة العربية السعودية‬ ‫‪www.alsudairy.org.sa‬‬ ‫‪aljoubahmag@alsudairy.org.sa‬‬ ‫ردمد ‪ISSN 1319 - 2566‬‬

‫سعر النسخة ‪ 8‬رياالت ‪ -‬تطلب من الشركة الوطنية للتوزيع‬ ‫ريال واملؤسسات ‪ً 60‬‬ ‫االشتراك السنوي لألفراد ‪ً 50‬‬ ‫ريال‬

‫‮«‬اجلوبة‬‪‭‬‮»‬ من‬‪‭‬األسماء‬‪‭‬التي‬‪‭‬كانت‬‪‭‬تُطلق‬‪‭‬على‬‪‭‬منطقة‬‪‭‬اجلوف‬‪‭‬ساب ًقا‬‪‭.‬‬

‫املقاالت املنشورة ال تعبر بالضرورة عن رأي املجلة والناشر‪.‬‬

‫يُعنى املركز بالثقافة من خالل مكتباته العامة يف اجلوف والغاط‪ ،‬ويقيم املناشط املنبرية الثقافية‪،‬‬ ‫برنامجا للنشر ودعم األبحاث والدراسات‪ ،‬يخدم الباحثني واملؤلفني‪ ،‬وتصدر عنه مجلة‬ ‫ويتبنّى‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫(أدوماتو) املتخصصة بآثار الوطن العربي‪ ،‬ومجلة (اجلوبة) الثقافية‪ ،‬ويضم املركز كل من‪( :‬دار‬ ‫العلوم) مبدينة سكاكا‪ ،‬و(دار الرحمانية) مبحافظة الغاط‪ ،‬ويف كل منهما قسم للرجال وآخر‬ ‫للنساء‪ .‬ويتم متويل املركز من مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية‪.‬‬

‫‪0553308853‬‬

‫‪1385‬‬

‫‪Alsudairy‬‬


)‫م‬٢٠٢١( ‫هـ‬١٤٤٣ ‫ خريف‬- ٧٣ ‫العدد‬

....................................................................................... ‫االفتتاحية‬ .......................................................................... ‫ الفلسفة عبر التاريخ‬:‫محور خاص‬ .......................... ‫ كاهنة عباس‬- ‫متى يتحقق التّنوير في الثقافة العربية اإلسالمية؟‬ ..............................................‫ إسكندر داغر‬- ‫الفلسفة التراجيديّة وشيستوف‬ :‫ ترجمــة‬- ‫ ليــف شيســتوف عــن دوستوفســكي‬:‫دوستوفســكي والوعــي المشــترك فــي الفلســفة‬ ١٣ .‫محمود الميشرافي‬ ١٥ .........................................................‫ آمال جبور‬.‫ د‬- ‫الفلسفة عبر التاريخ‬ ٢٠ ....................................‫ محمد العامري‬- ‫األسئلة الكبيرة في الفلسفة اإلسالمية‬ ٢٣ ...................................... ‫ ضرار بني ياسين‬- ‫جدليّة العالقة بين الفلسفة والعلم‬ ٢٧ .................................................... ‫ راشد الذيب‬- ‫الفلسفة بين الواقع والعلم‬ ٢٩ .........................................................‫ أيمن حسن‬- ‫فلسفة الكتابة الشّ ذريّة‬ ٣٢ .............................‫ هناء بنت علي البواب‬.‫ د‬- ‫ بين الخير والشر‬..‫الفلسفة والحياة‬ ٣٤ ...............................................‫ ليلى التلمساني‬- ‫الفلسفة من الحياة إلى الفن‬ 36 ..........................................................‫ مونية فارس‬:‫ ترجمه‬- ‫السعادة اإلجبارية‬ 40 ............... ‫ محمود قنديل‬- ‫ هند النزاري‬..‫ ألمي» لـ‬..‫ قراءة في ديوان «أردتُ أن أقول‬:‫دراسات ونقد‬ ٤٥ ...............................................‫ هويدا صالح‬.‫ د‬- »‫رؤية العالم في ديوان «بلقع‬ ‫جماليــات االنزيــاح قــراءة فــي ديــوان «أردت أن أقــول ألمــي» لشــاعرة المدينــة هنــد النــزاري‬ 51 ...‫ سميرة بنت ضيف اهلل الكناني الزهراني‬.‫ د‬٥٧ ............................................‫ المحرر الثقافي‬:‫ حاورها‬- ‫الشاعرة هند النزاري‬ 61 ............ ‫ خلف سرحان القرشي‬- ‫ثيمّة الظ ّل في قصص (محمد مدخلي) القصيرة جدًا‬ 66 .............................................. ‫ عبدالكريم بن محمد النملة‬- ‫ عودة ألم‬:‫نصوص‬ 67 ......................................................‫ دينا بدر عالء الدين‬- ‫رِ باط طاقة الورد‬ 68 ..................................................................... ‫ طاهر الزارعي‬- ‫العريش‬ 70 ........................................................................‫ هشام بن الشاوي‬- ‫نصوص قصيرة‬ 71 .................................................................. ‫ هيفاء الجبري‬- ‫صالة النور‬ 72 ......................................................................‫‏مالك الخالدي‬- ‫ارتحال‬ 73 ...................................................... ‫ حامد أبوطلعة‬- ..‫َم ْعزُو َف ُة ال َّنهْرِ المَالِح‬ 74 .............................................................. ‫ نورة آل بهيكل‬- ‫النّضا ُل نِضالي‬ 76 ...........................................................................‫النزاري‬ 8 ‫ هند‬- ‫ َغ َر ْق‬L’HISTOIRE Des dons pour Proust et pour Saint-Samson de la 78 ................................................................. ‫ رشيد سوسان‬- ‫ وَه ُج الشِّ فاء‬semaine 79 .................................................................. ‫ فريد النمر‬- ‫ذاكرة محترقة‬ EN MARGE Littéraire 80 ........................................................................‫منى حسن‬ - ‫قصيدتان‬ 81 .................................................. ‫ نادية أحمد محمد محمود‬-EXCLUSIF ‫قارئة الفنجان‬ Seizième femme 82 ......................................................... ‫‏جمانة سليم الطراونة‬récompensée - ‫‏أمير الحنايا‬ par le prix Nobel, la poétesse 83 ..................................................‫ علي بن حسين الصميلي‬- ‫عينيك‬ ‫البحر في‬ américaine, en 84 ........................................................ ‫ أحمد نمر الخطيب‬-inconnue ‫المومياء‬ ‫أحالم‬ France, se confie à l’occasion Bio EXPRESS 86 ...................................................................... ‫الالوندي‬de‫أحمد‬ - ‫العُزلة‬ la traduction de deux de ses 87 .................................................................. ‫فيصل المفلح‬ ‫لينا‬recueils. - ‫توربان‬ 88 ...........................................................‫‏إبراهيم بن يحيى جعفري‬-‫؟‬..‫‏أين الجيد‬ 89 .......‫ ترجمة عبدالرحيم نورالدين‬،‫ كيرين القايم‬:‫ حاورها‬-‫ الشاعرة األمريكية لويز غلوك‬:‫مواجهات‬ 92 ........................................................‫ محمد نجيم‬:‫ حاوره‬- ‫تيسير أبو عودة‬ 95 ................................................‫ عمر بوقاسم‬:‫ حاوره‬- ‫الشاعر أحمد القيسي‬ 102 ..................... ‫ فيصل أبو الطفيل‬.‫ د‬:‫ ترجمة‬- ‫بول بومبير‬-‫ جون‬:‫ حاوره‬- ‫جاك أتالي‬ 106 ..............................................‫ محجوب محمد آدم‬.‫ د‬.‫ أ‬- ‫ كنت في الغاط‬:‫نوافذ‬ 109 ........................................... ‫ محمد علي حسن الجفري‬- ‫في مديح الحطب‬ 113 ........................................ ‫ محمد عبدالرزاق القشعمي‬- ‫ حصة إبراهيم المنيف‬Louise Glück : « L’écriture est ١١٨ ................. ‫علماء يعلنون أن موقع الجمل بمدينة سكاكا أقدم موقع نحت في العالم‬ un tunnel dont on ne s’évade pas » ١٢٥ .......................................... ‫ صفية الجفري‬- ‫ قلبا مكسورًا؟‬..‫ كيف تصلح‬:‫قراءات‬ â 129 ............................................................... ‫ رائد العيد‬- !‫في مديح العادي‬ 132 .....................‫ عبدالواحد بن خالد الحميد‬.‫ د‬- ‫ قص ٌة يجب أن تروى‬..‫خالصة األيام‬ - )2021 ‫ يونيــو‬- ‫ النشــاط الثقافــي لمركــز عبدالرحمــن الســديري الثقافــي (ينايــر‬:‫تقاريــر‬ 136 .......................................................................‫محمد صالح أبو عمر‬ ١٤٤ .....................................‫ صالح القرشي‬- ‫ بين بورخيس وساباتو‬:‫الصفحة األخيرة‬

06......................... ‫الفلسفة عبر التاريخ‬

57............................. 57 .............................

jeudi 11 mars 2021 LE FIGARO

L’ACQUISITION PAR LA BNF D’UNE ÉDITION ORIGINALE DE PROUST ET UN DON DE L’ÉCRIVAIN KEN FOLLETT POUR UNE CATHÉDRALE BRETONNE. DEUX BELLES HISTOIRES.

Il y a trois mois de cela, la BnF fit savoir qu’elle lançait une souscription littéraire afin d’acquérir l’édition originale de Du côté de chez Swann. Dans cet exemplaire de 1913 figure une dédicace exceptionnelle. Écrivant à son amie Marie Scheikévitch,

Proust y dévoile une partie de la suite d’À la recherche du temps perdu, en résumant le cycle d’Albertine qu’il va développer dans deux des six volumes à venir. Grâce à 1 751 donateurs, âgés de 19 à 98 ans, 350 000 € ont été réunis. Cette dédicace

sera numérisée et accessible librement sur Gallica avant d’être présentée lors de l’exposition que la BnF consacrera à Proust à l’automne 2022. Autre belle histoire : celle de l’anglais Ken Follett. L’auteur des Piliers de la Terre va reverser à la Fondation

du patrimoine les droits d’auteur de son récit en hommage à Notre-Dame de Paris, incendiée le 15 avril 2019. Les 148 000 € serviront à la restauration et la sécurisation de la cathédrale Saint-Samson de Dol-deBretagne. BRUNO CORTY

‫الشاعرة هند النزاري‬

1943

Louise Glück naît à New York, mais grandit à Long Island.

1961

L

KERENN ELKAÏM

E SILENCE ponctue la puissance de sa poésie et de sa personnalité. Louise Glück vit habituellement dans sa bulle du Vermont, mais l’attribution du Nobel l’a mise en lumière. Même si cette reconnaissance l’honore, elle préfère rester dans sa tanière. Cette femme pudique accorde très peu d’entretiens, aussi est-ce un privilège de lui parler. Sa voix douce et intimidée met du temps avant de se livrer. Elle n’aime pas s’épancher sur le sens de ses poèmes, mais privilégie l’essence de son travail, qui puise dans ses entrailles. Si elle écrit avec minutie, l’auteur regrette de passer la majorité de sa vie sans remplir la page blanche. À ce jour, il n’existe qu’une dizaine de textes publiés en un demisiècle. Les Éditions Gallimard nous font découvrir deux titres, en version bilingue, histoire de percevoir la magistralité de son art. Plus de vingt ans distinguent ces recueils, or ils font preuve d’une même intemporalité, ancrée dans l’universel et la « poésie de l’existence. »

LE FIGARO. - Vous qui rêviez de « vivre après votre mort », percevez-vous le prix Nobel comme un gage d’éternité ? Louise GLÜCK. - J’avoue que c’était une énorme surprise. Comment imaginer qu’il allait sacrer une femme blanche, américaine, poétesse de surcroît, dont le travail ne traite absolument pas de politique ? Notre pays semblait si ingrat, depuis les années Trump, que cela me semblait improbable. Il s’agit d’un grand honneur, mais je n’ai éprouvé aucune joie car ça complique ma vie. Étant retirée, je n’aime pas incarner une figure publique. Cette immense reconnaissance signifie toutefois que mon travail sera préservé pour un temps.

Si « nous les artistes, nous ne sommes que des enfants à nos jeux », en quoi l’enfance vous a-t-elle façonnée ? Oh ciel ! Tous les narrateurs de mes livres sont un morceau de moi. L’enfance est si importante, qu’elle s’avère fondatrice pour la plupart des écrivains. Mon travail est ancré en elle, mais il m’est difficile d’en parler car tous les témoins de cette époque sont morts. Pas évident d’interroger l’enfant en moi… Je sais juste que j’étais une jolie petite fille, qui voulait contrôler sa vie. Anxieuse et tyrannique, j’étais mal dans ma peau. Adolescente, je me sentais si différente des autres. Ayant appris à lire et à écrire très tôt, je rêvais de devenir écrivain.

Préférant ne pas s’éterniser dans ses études, elle se concentre sur l’écriture et l’enseignement universitaire (Yale).

1993

Prix Pulitzer de poésie pour L’Iris sauvage.

89............................. 89 .............................

2014

National Book Award pour Nuit de foi et de vertu.

2020

113e Prix Nobel de littérature.

L’IRIS SAUVAGE De Louise Glück, traduit de l’anglais (États-Unis) par Marie Olivier, Gallimard, 160 p., 17 €. En librairie le 18 mars.

NUIT DE FOI ET DE VERTU De Louise Glück, traduit de l’anglais (États-Unis) par Romain Benini, Gallimard, 160 p., 17 €. En librairie le 18 mars.

‫الشاعرة األمريكية‬ ‫لويز غلوك‬

une mère – si exigeante – une grand-mère aimante et six cousines. Née en 1943, j’ai grandi au sein d’une famille juive de la classe moyenne. La lecture d’Anne Frank m’a beaucoup émue, mais je n’étais pas consciente de la Shoah, puisque mes parents étaient installés en Amérique. Le judaïsme ne comptait pas vraiment. On me dit que mes poèmes sont d’inspiration biblique, je dirais plutôt qu’ils sont habités par des êtres célestes nourris de mythologie grecque.

gisse. La plupart du temps, je n’écris pas… Quelle angoisse ! Mes poèmes représentent une revanche envers les pertes, la malchance, les circonstances douloureuses et les injustices de ma vie. La magie de l’écriture m’offre ainsi une certaine rédemption

Le Covid s’apparente-t-il à « quelque chose qui vient au monde, sans y avoir été invité, provoquant le désordre » ? Vous voyez une actualité dans cet ancien poème, mais ce qui est récurrent, c’est ce phénomène de perturbation et d’interruption. Il apparaît à la fois dans nos existences collectives et individuelles. Le Covid représente une expérience vertigineuse dans ma vie. Avant, je pouvais me sentir changée par celle-ci, mais le monde environnant demeurait intact. Il m’était donc possible d’y retourner, alors que là, il a disparu et me manque terriblement. En cette ère de pandémie déroutante, j’ai néanmoins réussi à finir un nouveau recueil. Un miracle !

NOTRE AVIS

Le paysage de Louise Glück comprend plusieurs visages. La faune humaine et la flore font partie du décor. Ils nourrissent le corps de ses textes courts et percutants, au parfum de mystère. Les saisons de la nature et de la vie s’unissent subtilement, dans L’Iris sauvage. Un jardin d’Éden dans lequel poussent les arbres, les plantes, les fleurs et les êtres, qui viennent s’y poser. Son époux, John, son fils Noah (sommelier et amateur de vins français dans la vraie vie) ou sa famille originelle y font de brèves apparitions. Rêveuse, la narratrice aime observer « les premières pousses, comme des ailes déchirant la terre »… Elle apprécie « la beauté sans concession », même si certaines peines sont passées par là. La poétesse en parle sans pathos, en semant de petits cailloux nous indiquant le chemin de son existence. « Je ne m’attendais pas à survivre… » Or la traversée porte visiblement ses fruits poétiques. Plus crépusculaire, Nuit de foi et de vertu témoigne de son lot de drames, de deuils et de désillusions. Glück les esquisse sans les détailler, à travers une écriture pure, accessible à tous. À nous de deviner « les reliques de l’enfance » ou « les triomphes de la vieillesse ». Un rébus qui pourrait être perçu comme un roman fragmenté, dans lequel chaque lecteur est invité à imaginer sa propre histoire. ■ K. E.

106............................. 106

Vous écrivez qu’« au bout de ma douleur, il y avait une porte. » Quelle porte s’est ouverte en vous en prenant la plume ? Aucune, l’écriture s’apparente à une douleur, un tunnel dont on ne s’évade point. Si elle est essentielle à ma vie, elle me torture quand je n’écris pas. Elle transcende néanmoins mon existence. La lecture m’a aidée à trouver ma voie, la poésie en est l’extension. Mon univers littéraire paraissait tellement plus vivifiant que la vraie vie. Je me suis sentie si longtemps aliénée. Un camp musical, à l’adolescence, m’a révélé qu’il existait des gens comme moi. À savoir des artistes qui avaient une passion ou un don. Soudain, ma vie intime a vu éclore un champ des possibles.

Se retrouve-t-elle au cœur de la nature, qui nourrit « le monde de votre imagination » ? La poésie n’incarne pas un jardin. Le monde naturel constitue cependant une source importante de vie, de survie et de renouveau. Je trouve cette renaissance inspirante. L’hiver n’est que désolation, mais quand le printemps revient, on est ébloui. Ce retour à la vie donne de l’espoir aux humains car cela signifie que nous aussi, on peut se renouveler. Qu’y a-t-il d’autre à explorer que la vie et la mort ? Au sein de ce vaste puzzle, chacun de mes livres représente un univers en soi. Autre source nourrissante : l’enseignement. J’aime profondément ce métier car il m’apporte des échanges réciproques avec de jeunes gens doués. N’est-ce pas merveilleux d’apprendre tant de choses d’eux ?

‫كنت في الغــــــاط‬ Si « les êtres humains doivent apprendre à aimer le silence et les ténèbres », comment trouvez-vous la lumière ? Dire que cette phrase a été écrite il y a trente ans (rires). Dans ce poème, je scrute plusieurs êtres célestes. L’un apprécie l’obscurité, l’autre préfère la lumière et le plaisir. J’aime célébrer les gens ou la nature. Évidemment, je ne désire pas mourir. Comme tous les écrivains, je cultive le fantasme de laisser une trace derrière moi. J’espère que le Nobel et les traductions y contribueront, or peut-être que ce sont les virus qui nous survivront. Impossible de choisir un mot me définissant, mais j’aime profondément mon nom, Glück, qui signifie bonheur. ■

.‫ أحد الصخور بمدينة سكاكا التي عثر على نحت مجسم للجمال عليها‬:‫الغالف‬ En quoi la famille est-elle au cœur de votre œuvre ? Qui dit enfance dit famille. Certaines relations (comme la figure maternelle) s’avèrent cruciales car elles font écho à notre vie d’adulte. Ma lignée matriarcale comprenait

Le silence semble omniprésent entre ces pages, écrivez-vous contre lui ? Je ne dirais pas cela, même s’il occupe une grande place dans mes poèmes. Inutile de les expliquer, ils se suffisent à eux-mêmes. Quand le langage est présent en moi, j’attends qu’une phrase sur-

Restez-vous libre grâce à l’écriture ? Personne n’est libre, surtout en ces temps de Covid. J’aimerais pourtant l’être… Quand j’écris, je me sens l’exploratrice de lieux, où je n’ai jamais été avant. Cela m’apporte une illusion de bonheur, or si je n’écris pas, je souffre. L’écriture est une échappatoire à la vie. Elle nous confronte aux limites de nous-mêmes, mais au final, elle m’est cruciale.

DANIEL EBERSOLE/REUTERS

PROPOS RECUEILLIS PAR

A

٤ ٦ ٧ ١٠

‫الـمحتويــــات‬


‫■ إبراهيم بن موسى احلميد‬

‫أعطى تعدّد المناهج للفلسفة متانتها‪ ،‬ووهبها ذلك والدة أفكار جديدة مستمرة تعكس وعي‬ ‫اإلنسان بوجوده ودوره في عالم متغير ومستمر‪ ..‬وكما يقول راسل "الرجل الذي ليس فيه مسحة من‬ ‫فلسفة‪ ،‬يعيش حياته رهينًا لألحكام المسبقة "‪.‬‬ ‫وقد كانت الفلسفة إحدى مسارات الثورات العلمية والمعرفية التي أدت إلى بروز الحضارة‬ ‫الغربية وتفوقها؛ فقد تغلغلت في تلك األمم مانحة للعقل أهميته ومرجعيته‪ ،‬وقدّمت الكثير لإلنسانية‬ ‫حين طرحت األسئلة الوجودية والحياتية‪ ،‬وكل ما يتعلق باإلنسان والوجود والحضارة والتقدّم؛ ما‬ ‫أعطى الكثير لمعاني الحياة‪ ،‬للوصول إلى صناعة الحياة التي يحلم بها اإلنسان‪ ،‬والتواؤم مع الواقع‬ ‫أو التمرّد عليه‪.‬‬ ‫الجوانب المضيئة في طرح األسئلة كبيرة؛ منها ما يستطيع الدخول بال استئذان إلى ثقافتنا‬ ‫وحياتنا اليومية‪ ،‬ومنها ما يكرّس أهمية إيجاد العقل المبدع الذي يكسر تكريس وجود المعرفة‬ ‫وصناعتها على أمم بعينها‪ .‬وقد بقيت أم ٌم كبيرة ومنها األمة العربية‪ ،‬أسيرة مكبّلة للواقع المعيش‪،‬‬ ‫ال تستطيع تجاوز عتمة التخلف التي غيّبت التحديث والنهوض‪.‬‬ ‫لقد جاءت الفلسفة وسيلة استطاعت من خاللها المجتمعات الغربية القفز على واقعها مع‬ ‫اشتداد عود الثورة الصناعية من التفكير وطرح األسئلة الوجودية‪ ،‬وكانت وسيلة إلعطاء العقل مكانته‬ ‫التي يستحقها‪.‬‬ ‫وهنا‪ ،‬نجد أن الفلسفة محقة فيما أفضت إليه من تعزيز القيمة الحقيقية للفكر اإلنساني‪ ،‬كما‬ ‫كان يشير ديكارت إلى أهمية إيجاد معرفة واضحة تبين أسباب الحياة والدافعية وأهمية التحرك‬ ‫وترك الكسل‪.‬‬ ‫ولذلك‪ ،‬كان التفكير الح ّر القادر على إعادة النظر في األفكار السائدة إحدى وسائل التطوير‬

‫‪4‬‬

‫العدد ‪73‬‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫افتتاحية‬


‫والتعليم الذي يمكن أن تقوم به المؤسسات التعليمية بقدرتها على نقل المعرفة واستيعابها‪.‬‬ ‫لقد جاءت مضامين الفلسفة ومفاهيمها مهمة للوصول إلى اليقين بالوصول إلى التقدم المنشود‬ ‫من خالل الشكّ واألسئلة‪ ،‬حتى نستطيع الوصول إلى إيجاد أجيال عربية معدة علميًا وعمليًا للوصول‬ ‫إلى مصاف الدول المتقدمة‪.‬‬ ‫وكما تقول آمال جبور‪ :‬إن اإلنتاج الذي قدّمه الفكر الفلسفي عبر التاريخ مرتبط بوعي اإلنسان‬ ‫محاول دائمًا طرح أسئلته الفلسفية حول تطور وجوده ككائن اجتماعي فاعل ومغير‬ ‫ً‬ ‫وتطور أفكاره‪...‬‬ ‫في حركة التاريخ؛ ألن وجوده في النهاية أمر محدد ومؤقت‪ .‬وكما يقول نايجل واربورتون‪ :‬إن أحد‬ ‫جوانب الفلسفة تأمّل الفرد في موته المحتوم‪ ،‬وبهذا المفهوم تصبح الفلسفة محركًا أساسً ا للفرد‬ ‫والمجتمع لتغيير الواقع ومحاولة ترك بصمة‪.‬‬ ‫نجد إجابات عديدة في الصفحات اآلتية حول األسئلة الكبيرة في الفلسفة اإلسالمية ومرجعيتها‬ ‫الدينية‪ ،‬وتطورها ما بين ابن رشد والغزالي‪ ،‬ومعارضة الفلسفة‪ ،‬وحركة نقد الفلسفة‪ ،‬وريادية ابن‬ ‫تيمية في ذلك‪ ،‬وأسئلة التنوير ومتى يتحقق؟ وهل هناك مكانة للعقل المبدع الخالق الذي يطرح‬ ‫وصول إلى األصول التاريخية‬ ‫ً‬ ‫السؤال في ثقافتنا‪ ..‬ومن الفلسفة التراجيدية والتعصب والعقالنية‬ ‫للفلسفة‪ ،‬والسياقات االجتماعية والثقافية والسياسية والفكرية‪ ،‬وجدلية العالقة بين الفلسفة والعلم‬ ‫منطلقا من أن "الفلسفة أم العلوم"؛ إذ تربّعت الفلسفة على عرش المعرفة‪ ..‬ونستشرف الوعي‬ ‫المشترك في الفلسفة مع دوستوفسكي‪ ،‬وفلسفة الكتابة الشذرية‪ ،‬والفلسفة والحياة بين الخير‬ ‫والشر‪ ،‬والفلسفة من الحياة إلى الفن‪.‬‬ ‫يقول رينيه ديكارت‪" :‬أنا أفكر‪ ..‬إذا أنا موجود"! ويقول نايجل واربورتون في الفيلسوف الجديد‪:‬‬ ‫"يمكن استيعاب حياتك فقط حين تكون على استعداد للتفكير في موتك "‪ ..‬وذلك ال يتناقض مع قول‬ ‫سينكا‪" :‬الحياة طويلة‪ ،‬إن عرفت كيف تستخدمها"!‬

‫افتتاحية‬

‫‪ 73‬العدد‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪5‬‬


‫الفلسفة‬ ‫عبر التاريخ‬

‫تفسيري‪ ،‬يتضمن جميع العمليات الخاصة‬ ‫ّ‬ ‫فكري تأمليّ‬ ‫ّ‬ ‫الفلسفة هي منهج‬ ‫بالعقل التي تبحث في أسباب وجــود األمــور‪ ،‬وكذلك جوانب الحياة المتنوعة؛‬ ‫منها البشرية والطبيعية‪ ،‬التي تقوم بدراسة كافة األمور المادية‪ ،‬وبالتحديد ما‬ ‫وراء تلك األمــور؛ بمعنى العالم بشقيه المعنوي والمادي‪ .‬وكلّ منا يرى لنفسه‬ ‫متوحد مع ذاته‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫فلسفته الخاصة التي يسعى من خلفها لبناء تفكير منهجي‬ ‫تابع مع مجتمعه ومن حوله‪.‬‬ ‫كما أن الفلسفة تسعى إلى تقديم التفسيرات الواضحة المنطقية الكلية التي‬ ‫تعمل على البرهنة‪ ،‬إذ إن الفيلسوف أرسطو يقول‪( :‬إن الفلسفة هي من ضمن‬ ‫العلوم النظرية للمبادئ‪ ،‬وأولى األسباب‪ ،‬وكذلك هي العلوم الكلية التي تحتوي‬ ‫على علوم أخرى وتعلوها)‪.‬‬ ‫شكلت الفلسفة ‪-‬لما تتضمنه مــن العديد مــن القضايا منها‪ ،‬االجتماعية‬ ‫خاصا‪.‬‬ ‫والحضارية واألخالقية‪ -‬محورًا ً‬ ‫لذلك‪ ،‬فــإنّ الفلسفة مشروع شخصي للغاية‪ ،‬فالباعث على دراســة الفلسفة‬ ‫ بخالف دراسة وسائل التواصل‪ ،‬أو إدارة األعمال أو الهندسة‪ ،‬على سبيل المثال‪-‬‬‫ليس رغبة عارمة في نيل شهرة أو حيازة ثروة‪ ،‬أو حتى في أن تكون مفيدً ا‪ ،‬بقدر‬ ‫تاما وكامال‪ .‬كما أن‬ ‫ما هي رغبة في أن يفهم المرء نفسه والكون من حوله فهمً ا ًّ‬ ‫فُ رصة أن يفسح المرء مجاال للفلسفة في حياته‪ ،‬هي تعبير عن ترف وامتياز‪ ،‬لكن‬ ‫هذا ال يعني أنه ثمّ ة مف ّر من إلحاح األسئلة الفلسفية‪.‬‬

‫‪6‬‬

‫العدد ‪73‬‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫محور خاص‬


‫ّ‬ ‫يتحق ُ‬ ‫متى‬ ‫ق التّنوير ُ‬

‫في الثقافة العربية اإلسالمية؟‬ ‫■ كاهنة عباس*‬

‫إذا أردن ــا التفكير فــي الفلسفة ال ـيــوم‪ ،‬فعلينا أن نــأخــذ بعين االعـتـبــار هــذه الحقيقة‬ ‫التاريخية‪ :‬أنَّ ظهورها وتطورها لــم يكن لــه المكانة نفسها‪ ،‬وال الـصـيــرورة ذاتـهــا فــي كل‬ ‫الثقافات وكل العصور‪.‬‬ ‫من الصعب تعريف الفلسفة؛ لتباين آراء الفالسفة واتجاهاتهم؛ لكن بالرجوع إلى‬ ‫المعنى االشتقاقي لكلمة الفلسفة )‪ (philosophie‬لدى اليونان‪ ،‬يمكن القول‪ ،‬إنها متكونة‬ ‫من لفظتين فيلو (‪ )Philo‬وتعني المحبة‪ ،‬وصوفيا (‪ )Sophia‬وتعني الحكمة‪ ،‬فيكون معناها‪:‬‬ ‫محبة الحكمة‪.‬‬ ‫لقد عرفت الفلسفة مسارًا تاريخيًا في‬ ‫الغرب‪ ،‬أدّى إلى ظهور ثورات علمية ومعرفية؛‬ ‫العتمادها على البحث الفكري وتساؤل‬ ‫الفالسفة المستمر حول ماهية‬ ‫اإلنسان وحقيقة العالم من‬ ‫ح ــول ــه‪ ،‬بــكــل مــظــاهــره‬ ‫وتحوالته وتاريخه‪.‬‬ ‫وخــال نشأتها‪،‬‬ ‫اهــتــمــت الفلسفة‬ ‫بــطــبــيــعــة ال ــع ــال ــم‬ ‫وم ـ ــك ـ ــون ـ ــات ـ ــه‪ ،‬ثــم‬ ‫تــش ـ ّعــبــت مــواضــيــع‬ ‫بحثها لتشمل معرفة‬ ‫اإلن ـ ــس ـ ــان ل ــن ــف ــس ــه‪ ،‬ثــم‬ ‫معرفته لحقيقة الــوجــود‪ ،‬إلى‬ ‫أن أسهمت تدريجيًا ‪-‬رغم ما عرفته من‬ ‫انتكاسات‪ -‬في نشأة العلوم الصحيحة‪ ،‬ثم‬ ‫العلوم اإلنسانية‪ .‬لعل مقولة رينيه ديكارت‬

‫محور خاص‬

‫الفيلسوف الفرنسي الــذي عاش في القرن‬ ‫السابع عشر ميالدي‪ ،‬تعبّر أحسن تعبير عن‬ ‫مظاهر ذلــك التطور في مرحلة ما من‬ ‫تاريخها‪ ،‬حين كتب في مقدمة‬ ‫كــتــابــه م ــب ــادئ الفلسفة‬ ‫يــقــول‪« :‬إن الفلسفة‬ ‫ب ـ ــأس ـ ــره ـ ــا أش ــب ــه‬ ‫بــشــجــرة جــذورهــا‬ ‫الــمــيــتــافــيــزيــقــا‪،‬‬ ‫وجذعها الفيزيقا‪،‬‬ ‫والــــــفــــــروع ال ــت ــي‬ ‫تــــخــــرج مـــــن هـــذا‬ ‫الجذع هي كل العلوم‬ ‫األخــــــرى‪ ،‬ال ــت ــي تنتهي‬ ‫إلــى ثالثة علوم رئيسة هي‪:‬‬ ‫الطب‪ ،‬الميكانيكا‪ ،‬واألخالق‪ ،‬وأعني‬ ‫األخ ــاق األرف ــع واألكــمــل‪ ،‬والــتــي لما كانت‬ ‫تفترض معرفة تامة بالعلوم األخ ــرى‪ ،‬فقد‬ ‫‪ 73‬العدد‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪7‬‬


‫بلغت المرتبة األخيرة من الحكمة»(‪.)١‬‬

‫مدى حضورها واستفاقتها وكيفية االستفادة‬ ‫منها؛ فما يعوز مجتمعات «العالم العربي» عن‬ ‫التطور إنما هو إهمالها لدور العقل اإلنساني‪،‬‬ ‫بــحــرمــان ال ــف ــرد م ــن ك ــل اســتــقــالــيــة عن‬ ‫المؤسسات األخــرى‪ ،‬مثل‪ :‬العائلة‪ ،‬والدولة‪،‬‬ ‫والطائفة‪ ،‬والقبيلة‪ ،‬أي عدم تمتعه بحي ٍّز من‬ ‫الحرية تجاه السلطة في جميع أوجهها‪.‬‬

‫والغاية من عرض هذه البسطة المقتضبة‬ ‫جدا لتطور الفلسفة‪ ،‬إنما هو التوصل إلى‬ ‫اخــتــاف مــســارهــا الــتــاريــخــي فــي الثقافة‬ ‫العربية اإلسالمية‪ ،‬والتعرّض لركودها طيلة‬ ‫قرون‪ ،‬رغم الدور الذي اضطلعت به في تأويل‬ ‫الفلسفة اليونانية وإثرائها نظريًا وثقافيًا‪ ،‬بل‬ ‫وحتى تجاوزها في بعض األحيان‪ ،‬إال إن ذلك‬ ‫لم يمنعها من الخمود على امتداد قرون‪ ،‬إلى‬ ‫حد االضمحالل‪ ،‬وفقدانها لكل دور تاريخي‬ ‫أو ثقافي يذكر‪.‬‬

‫يعد التفكير الحر‪ ،‬القادر على إعادة النظر‬ ‫في القيم السائدة «تفلسفًا»‪ ،‬أي صنفًا من‬ ‫صنوف التفكير الفاقد لكل جدوى أو فائدة‪،‬‬ ‫من وجهة نظر اجتماعية؛ ألسباب عديدة‪،‬‬ ‫ثقافية جديدةٍ‬ ‫ٍ‬ ‫قيم‬ ‫من بينها‪ :‬عجزه عن إنتاج ٍ‬ ‫أو علوم‪ ،‬وعــدم قدرته على إنتاج المعرفة‪،‬‬ ‫وبالتالي الــثــروة‪ ،‬دون السهو عــن األسباب‬ ‫الــتــاريــخــيــة الــتــي تــعــده ضــر ًبــا مــن ضــروب‬ ‫الزندقة‪ ،‬على أساس تعارضه الجوهري مع‬ ‫الدين‪ .‬لذلك‪ ،‬تبقى مؤسسة التعليم المجال‬ ‫الوحيد لممارسة التفكير الفلسفي‪ ،‬وبخاصة‬ ‫أنها مجبولة على اتباع مناهج التدريس التي‬ ‫غالبًا ما تعتمد النقل والتأويل والتفسير لما‬ ‫ألفه الفالسفة السابقون‪ ،‬دون القدرة على‬ ‫خلق مفاهيم فلسفية جديدة‪ ،‬أو إنتاج فكر‬ ‫مجدّد ومستقل؛ ما أدى إلــى ارتــبــاط صفة‬ ‫الفيلسوف اجتماعيًا بصفة المدرس‪ ،‬بوصفها‬ ‫وظيفة هدفها نقل المعرفة واستيعابها دون‬ ‫تفكيكها وال إنتاجها‪.‬‬

‫أدّى ذلك التطور إلى اكتساح العلوم لجانب‬ ‫كبير من موضوعات البحث الفلسفي‪ ،‬لدقة‬ ‫مناهجه ومــا حققه من نتائج؛ األمــر الذي‬ ‫قلّص من مجالها‪ ،‬وجعلها تنفصل عن العلم‪،‬‬ ‫لتكتفي بنقده وإعـــادة النظر فــي مناهجه‬ ‫ونتائجه ونظرياته‪ ،‬حتّى ذهب بعض المفكّرين‬ ‫والــســؤال المطروح الــيــوم‪ :‬ما هي مكانة‬ ‫إلى القول بنهايتها‪ ،‬لفقدانها الجزء األكبر من‬ ‫الفلسفة في مجتمعاتنا اليوم؟‬ ‫مجال تخصصها‪.‬‬

‫أما عن مكانة الفلسفة في الغرب‪ ،‬فقد‬ ‫اســتــطــاعــت التغلغل اجــتــمــاعـ ًيــا وسياسيًا‬ ‫واقتصاديًا؛ نظرًا للدور األساس الذي منحته‬ ‫للعقل‪ ،‬بوصفه المرجع واألساس‪ ،‬مع ما ترتب‬ ‫عن ذلــك من أزمــات ومــراجــعــات‪ ،‬يجعلنا ال‬ ‫نتناول موضوع الفلسفة اليوم في مجتمعات‬ ‫العالم العربي من الزاوية نفسها؛ والسبب في‬ ‫جدل في‬ ‫ذلك‪ ،‬أن تلك المكانة ما تزال مح ّل ٍ‬ ‫ثقافتنا العربية اإلسالمية التي لم تفرز علومًا‪،‬‬ ‫وصفوة القول‪ ،‬أن ال مكانة للعقل المبدع‬ ‫ولم تنتج ثورات‪ ،‬بعد أن اضمحلت؛ لذلك‪ ،‬ال‬ ‫يمكن الحديث عــن أزمــة الفلسفة‪ ،‬بــل عن الخالق الذي يطرح السؤال في ثقافتنا‪ ،‬إذ‬

‫‪8‬‬

‫العدد ‪73‬‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫محور خاص‬


‫يقتصر دوره على نقل المعرفة واستهالكها‪.‬‬ ‫لذلك‪ ،‬ال بُدَّ من إعادة االعتبار للفلسفة من‬ ‫منطلق جديد يتجاوز التدريس األكاديمي‬ ‫فعل تــحــرر ًيــا‪ ،‬منتجً ا‬ ‫وحـ ــدوده‪ ،‬كــي يصبح ً‬ ‫للمعرفة‪ ،‬قــادرًا على تغيير عالقتنا بالعالم؛‬ ‫ولكي تتحقق هذه الغايات‪ ،‬فال بُ ّد من توافر‬ ‫ش ــروط عــديــدة‪ ،‬أهــمــهــا‪ :‬أن ينفصل «فعل‬ ‫التفلسف» عن النصوص الدينية؛ إذ ما يزال‬ ‫االتــجــاه الفكري الغالب باختالف مناهجه‬ ‫وأدواتــــه النقدية وخلفياته األيديولوجية‬ ‫والــفــكــريــة مــنــذ عــصــر مــا سُ ــمِّــيَ بالنهضة‬ ‫العربية؛ أي منذ الــقــرن التاسع عشر إلى‬ ‫اليوم‪ ،‬يعد أن تجاوز العالم العربي لتخلفه‬ ‫االقتصادي وتبعيته للغرب‪ ،‬هو مرتبط في‬ ‫حقيقة األمر‪ ،‬بإعادة قراءة النصوص الدينية‬ ‫قراءة تاريخية موضوعية‪ ،‬بما مفاده ضمنيًا‪،‬‬ ‫أن الفكر لن يتحرر إال بالرجوع إلى النص‬ ‫الديني باقتصاره على فهمه وتأويله إليجاد‬ ‫منافذ التحرر والتطور والتقدم‪.‬‬

‫كان قد انبثق عن الشعوب التي عرفت تلك‬ ‫الموجة‪ ،‬في غياب مرجعية نابعة من ثقافتها‬ ‫وتاريخها‪ ،‬حتى تمكّنها من التأسيس لمجتمع‬ ‫يقبل باالختالف والتعددية على كل األصعدة؛‬ ‫أي لمجتمع قادر على إرساء نظام ديمقراطي‪،‬‬ ‫وهــو ما أدى إلــى دمــار وانهيار بعض الــدول‬ ‫التي اجتاحتها تلك الموجة؛ ألنها لم تفلح‬ ‫في التخلص من نظرتها الشمولية للسلطة‬ ‫وارتباطها بالدين‪ ،‬رغم توق شعوبها الشديد‬ ‫للحرية؛ فلم تفرز هذه الثورات حراكًا ثقافيًا‬ ‫وال اجــتــمــاعـ ًيــا يــطــرح عــلــى نفسه سؤالين‬ ‫أساسيين‪ ،‬هما‪ :‬ما الذي نريد تحقيقه؟ وما‬ ‫هو المستقبل الذي نصبو إليه؟‬ ‫كما وصفت الثورة التونسية ‪-‬على سبيل‬ ‫المثال‪ -‬من قبل النخبة واإلعالم‪ ،‬بأنها عفويّة‬ ‫وسلميّة فاقدة لكل أساس أيديولوجي‪ ،‬وعُدَّ‬ ‫فعل‬ ‫انتحار "محمد البوعزيزي" حرقًا بالنار‪ً ،‬‬ ‫دقيق وموضوعيّ‬ ‫تشخيص ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ثوريًا تحرريًا‪ ،‬دون‬ ‫لــلــوضــع‪ ،‬ودون أن تــأخــذ تلك الــقــراءة في‬ ‫الــحــســبــان تــأثــيــرهــا ســيــاس ـ ًيــا واجــتــمــاعـ ًيــا‬ ‫واقتصاديًا على المجتمع؛ والسبب في ذلك‬ ‫مــن وجهة نظرنا‪ -‬يعود إلــى غياب الفكر‬‫العقالني!‬

‫فعل‬ ‫لذلك‪ ،‬ال بُ ّد من أن يصبح التفلسف ً‬ ‫مستقل بذاته‪ ،‬ليعيد طرح كبريات المسائل‬ ‫ً‬ ‫من وجهة نظره‪ ،‬أن يتمتع بحريته الكاملة‪ ،‬وأن‬ ‫يكتشف إمكاناته‪ ،‬التي ما يزال يجهلها إلى‬ ‫حد اآلن في ثقافتنا‪ ،‬وأال نتبنّى مقولة نهاية‬ ‫لذلك‪ ،‬فنحن نحتاج إلى َر ِّد االعتبار إلى فعل‬ ‫الفلسفة وتأزمها لتعلقها بتاريخ الفلسفة في التفلسف لقدرته على ترسيخ الفكر التنويريّ‬ ‫الغرب‪ ،‬كما ذكرنا آنفًا‪.‬‬ ‫في الثقافة العربية اإلسالمية وتطويره؛ ألنه‬ ‫فقد كشفت ث ــورات مــا سُ ـ ِّمــيَ بـــ «الربيع ‪-‬من وجهة نظرنا‪ -‬الكفيل بجعلنا ننخرط في‬ ‫العربي» أ ّن مطلب الحرية‪ ،‬على سبيل المثال‪ ،‬حركة التاريخ اإلنساني‪.‬‬ ‫* كاتبة ‪ -‬تونس‪.‬‬ ‫(‪ )١‬ريني ديكارت‪« ،‬مبادئ الفلسفة»‪ ،‬ترجمة عثمان أمين‪ ،1970،‬مكتبة النهضة المصرية‪ ،‬ص ‪.71-72‬‬

‫محور خاص‬

‫‪ 73‬العدد‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪9‬‬


‫الفلسف ُة التراجيدي ّ ُة وشيستوف‬ ‫■ إسكندر داغر*‬

‫قد ال تكون هناك عالقة ألي شعب في العالم‪ ،‬بأحد كتّابه‪ ،‬مثل عالقة الروس بكاتبهم‬ ‫تخطى دوستويفسكي‪ ،‬على م ّر العصور‪ ،‬رم َز أن يكون مجرّد‬ ‫الكبير "دوستويفسكي"‪ .‬لقد ّ‬ ‫كاتب؛ إذ لديه الكثير من المريدين والتالميذ والمحبيّن‪ ،‬ليتحول إلى رمزٍ مطلق‪ ،‬أي إلى‬ ‫«ضمير» حقيقي‪ ،‬عرف كيف يصوغ رؤية ورؤيــا جعلتاه يقف منفردًا‪ ،‬في روسيا‪ ،‬على قمّ ة‬ ‫الكتابة والفكر‪ ،‬وحتى الفلسفة بمعناها الضيّق والخاص (وهي «فلسفة التراجيديا»‪ ،‬مثلما‬ ‫نحتها وعبّر عنها‪ ،‬الفيلسوف الروسي الكبير‪ ،‬ليون شيستوف)‪.‬‬ ‫فكاتب «الجريمة والعقاب»‪ ،‬هو كذلك «كبير‬ ‫فالسفة» الــروس‪ ،‬في العصر الحديث‪ ،‬وفق‬ ‫ما يعده العديد من المفكرين والكتّاب وحتى‬ ‫الفالسفة (الــروس) أنفسهم‪ .‬قد ال يضاهيه‬ ‫في هذه المنزلة‪ ،‬سوى ليون تولستوي‪ ،‬وإن‬ ‫كــان صاحب «الحرب والسلم»‪ ،‬كما العديد‬ ‫غيرها من الكتب الرائعة‪ ،‬يقف في مرتبة أق ّل‬ ‫بقليل من نظيره وابن بلده‪ .‬دوستويفسكي هو‬ ‫ٍ‬ ‫«الكاتب المطلق»‪ ،‬الذي ما يزال إلى اليوم‪،‬‬ ‫يُمثل حالة خــاصــة‪ ،‬ليس فــي الـــ «روســيــا»‬ ‫وحدها‪ ،‬بل ربما في كثير من ثقافات العالم‪.‬‬ ‫تمهيدي في الكالم هنا‪ ،‬ليس لمحاولة‬ ‫قــراءة دوستويفسكي‪ ،‬بل هي جملة وصل‪،‬‬ ‫ليحط بي المطاف عند كلمة فقط عن ليون‬ ‫ّ‬ ‫شيستوف‪ ،‬الفلسفي‪ ،‬حول مقاله هذا‪ ،‬الذي‬ ‫كتبه في العام ‪1922‬م‪ .‬وإذا كنت أشير إلى‬ ‫سنة الكتابة‪ ،‬فلكي أؤكد على المرحلة التي‬ ‫جاء فيها هذا النص‪ .‬إذ بعد الثورة البلشفية‪،‬‬ ‫غادر شيستوف روسيا‪ ،‬ليقيم فترة قصيرة في‬ ‫سويسرا‪ ،‬قبل أن يستقر في العام ‪1921‬م‪،‬‬

‫‪10‬‬

‫العدد ‪73‬‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫في فرنسا التي بقي فيها حتى وفاته عام‬ ‫‪1938‬م‪ .‬ففي هذه المرحلة األخيرة من عمره‪،‬‬ ‫أي المرحلة الفرنسية‪ ،‬تطوّر فكر شيستوف‪،‬‬ ‫بــاألحــرى انتقل مـ ّمــا كــان يسميه «فلسفة‬ ‫التراجيديا» (كما جــاءت أعماله عن نيتشه‬ ‫وشكسبير ودوستويفسكي وغــيــرهــم) إلى‬ ‫نقده القوي والعميق للعقالنية والبديهيات‬ ‫المتعارف عليها‪ ،‬ومن ثَمَّ‪ ،‬نقده للعلم والمنطق‬ ‫الحس اإلنساني ‪-‬‬ ‫ّ‬ ‫ اللذين يجد أنهما دمّرا‬‫في سبيل العودة‪ ،‬إلى روحانية ما‪ ،‬قد تكون‬ ‫دينية‪ ،‬وفــق بعضهم‪ ،‬لكن فــي العمق‪ ،‬هي‬ ‫هذه الوجودية التي اكتشفها عند كيركغارد‪،‬‬ ‫الفيلسوف الدانماركي‪.‬‬ ‫اكــتــشــاف شــيــســتــوف لــــــ كــيــركــغــارد جــاء‬ ‫بفضل الفيلسوف األلماني إدموند هوسرل‪،‬‬ ‫الذي التقى به وطلب منه أن يقرأه‪ .‬وبرغم‬ ‫اختالف فكر الرجلين‪ ،‬في تلك الفترة‪ ،‬إال‬ ‫إن صــداقـ ًة قوية نشأت بينهما‪ ،‬لدرجة أن‬ ‫هوسرل صرح الحقًا «إنه الرجل الذي تجرأ‬ ‫على كتابة أعنف نقد وُجِّ ــه إليّ يوما‪ .‬وهذا‬

‫محور خاص‬


‫هو سبب صداقتنا»! وبدوره وجد شيستوف‪،‬‬ ‫ـاف وجهات النظر الفكرية‪ ،‬ال يمنع‬ ‫أن خـ َ‬ ‫هذه الصداقة‪ ،‬والشاهد نصه األخير «تحيّة‬ ‫إلى فيلسوف عظيم» الذي كتبه بُعيد رحيل‬ ‫قليلة من‬ ‫ٍ‬ ‫هــوســرل‪ ،‬ال ــذي جــاء قبل أشــهـ ٍـر‬ ‫رحيل شيستوف نفسه‪ ،‬في العام ‪1938‬م‪.‬‬ ‫وال ب ّد أن نشير كذلك‪ ،‬أن الفضل في معرفة‬ ‫الفرنسيين‪ ،‬وبالتالي‪ ،‬معرفة بعض األوروبيين‪،‬‬ ‫بفلسفة «الظواهراتية» (الفينومينولوجيا)‬ ‫ كما تبدّت في مشروع هوسرل الفلسفي ‪-‬‬‫يعود إلى شيستوف نفسه‪ ،‬الذي عرّف عنها‬ ‫في العديد من المجالت الفلسفية الفرنسية‪،‬‬ ‫في تلك الحقبة‪ .‬ولم يبق األمر مجرد تعريف‪،‬‬ ‫إذ وقع تحت تأثير الفينومينولوجيا الكثير‬ ‫من الفالسفة والمفكرين‪ ،‬لع ّل أبرزهم في‬ ‫ُخف‬ ‫تلك الفترة جان‪-‬بول سارتر‪ ،‬الذي لم ي ِ‬ ‫بــدوره تأثير شيستوف عليه‪ ،‬وامتنانه لفتح‬ ‫طريق الفلسفة «الظواهراتية» أمامه‪( .‬قد‬ ‫تطول الالئحة فيما لو أردنا أن نعدّد أسماء‬ ‫من وقعوا تحت تأثير «وجودية» شيستوف في‬ ‫تلك المرحلة)‪.‬‬ ‫مــن هــذه النقطة «الــوجــوديــة»‪ ،‬ومــن هذا‬ ‫البحث عن سبيل إلى عودةٍ ما لحالة روحانية‪،‬‬ ‫ناقدة للعقالنية والبديهيات‪ ،‬علينا أن نقرأ‬ ‫نــص شيستوف حــول دوستويفسكي الــذي‬ ‫يعيد قراءته بمفهوم آخر‪ ،‬ليُظهر مدى تقدّم‬ ‫الكاتب الروسيّ في طرح األسئلة الوجودية‬ ‫المضادة للبديهيات العقالنية‪ .‬ومن ثَمَّ‪ ،‬يفتح‬ ‫شيستوف طريقًا متفردًا في استنطاق صاحب‬ ‫رائعة «اإلخوة كرامازوف»‪ ،‬ليشير إلى «حياة‬ ‫أخ ــرى»‪ ،‬ربما حــاول منطق ذاك العصر أن‬ ‫يتناساها‪ ،‬أو باألحرى أن يدفع بها إلى «خارج‬ ‫خشبة المسرح»‪ .‬لكن علينا‪ ،‬بين ذلك كلّه‪،‬‬

‫محور خاص‬

‫أن نتبيّن أمرًا على درجة كبيرة من األهمية‪:‬‬ ‫محاولة شيستوف في أن يتماهى مع «سيرة»‬ ‫دوستويفسكي‪ .‬فالمقارنة بين «التراجيديات»‬ ‫هنا‪ ،‬ولو بشكل غير فاضح‪ ،‬بمعنى محاولة‬ ‫إخفائها‪ ،‬ليست ســوى رغبة شيستوف في‬ ‫الحديث عن ذاك «الحادث التراجيدي الذي‬ ‫تــع ـرّض لــه‪ ،‬بــخــاف الــمــرض ال ــذي أصابه‬ ‫في مطلع حياته»‪ .‬ما هذا الحادث؟ ال أحد‬ ‫استطاع تحديد ذلك‪ ،‬أو اكتشافه‪ ،‬على الرغم‬ ‫من أن الجميع يعرفون وجوده‪.‬‬ ‫إخــفــاء السيرة الــذاتــيــة‪ ،‬هــي مــن األمــور‬ ‫«المكروهة» في الفلسفة‪ ،‬إ ْن جاز التعبير‪.‬‬ ‫حاول الجميع تجنّبها‪ .‬ربما من «فتح الطريق»‬ ‫وبشكل‬ ‫ٍ‬ ‫أمام هذا النوع من التساؤل الفلسفي‪،‬‬ ‫مُعمّق وحقيقي‪ ،‬قد يكون الفيلسوف الفرنسي‬ ‫جــورج غــوســدورف فــي كتابه (‪MÉMOIRE‬‬ ‫‪ )ET PERSONNE‬بجزأيه «‪LA MÉMOIRE‬‬ ‫‪ 73‬العدد‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪11‬‬


‫الفيلسوف الروسي‪ :‬وضع العقل مقابل الروح‬ ‫في مواجهة مستمرة‪.‬‬

‫‪ »CONCRÈTE‬و«‪DIALECTIQUE DE LA‬‬

‫أثينا تمثل العقالنية‪ ،‬بينما كانت «أورشليم»‬ ‫تمثل الروحانية (الدينية)‪ .‬هو الصراع األبدي‬ ‫الذي ما يزال مستمرًا إلى أيامنا هذه‪ ،‬وإن‬ ‫كان اتخذ وجهًا عنيفًا في العقود الماضية‪.‬‬ ‫لقد انحاز شيستوف إلــى هــذه الروحانية‪،‬‬ ‫لكن بالتأكيد لم ينحز إلى التعصب األعمى‬ ‫الــذي نــراه عند بعض الحركات الدينية في‬ ‫حقبتنا هذه‪ .‬كان اإلنسان هدفه األسمى‪ ،‬هذا‬ ‫اإلنسان الذي سحقته العقالنية والبديهيات؛‬ ‫لــــذا‪ ،‬يــأتــي هـ ــذا الــنــص لــيــذ ّكــرنــا ببعض‬ ‫«البديهيات»‪ :‬حق اإلنسان في أن يقف على‬ ‫نقيض مع «العقالنية»‪ ،‬ليبحث في داخله عن‬ ‫ٍ‬ ‫أسباب وجوده‪.‬‬

‫هذه القراءة‪ ،‬ليست في الواقع‪ ،‬إال التمهيد‬ ‫ليصل شيستوف عبرها إلى مشروعه األكبر‪،‬‬ ‫مثلما تــب ـدّى فــي كــتــابــه «أثــيــنــا وأورشــلــيــم»‬ ‫(آخ ــر كتبه‪ ،‬وقــد صــدر قبل وفــاتــه بأشهر‬ ‫قليلة)‪ .‬العنوان وحده‪ ،‬يضع أمامنا‪ ،‬ك ّل رغبة‬

‫كلمة أخيرة‪ :‬نجد الكلمة التي صـدّر بها‬ ‫بوريس دو شليتزير (كاتب ومترجم روسي‬ ‫ـال في‬ ‫وصــديــق شــيــســتــوف) حــيــن نــشــر مــقـ ً‬ ‫«المجلة الفرنسية الجديدة» العام ‪1922‬م‪،‬‬ ‫وهــي تلك التي كــان يشرف عليها فــي تلك‬ ‫الفترة‪ ،‬أندريه جيد‪ ،‬وقد جاء (النص) ضمن‬ ‫ملف خاص بـ دوستويفسكي‪ .‬لذا‪ ،‬حين يقول‬ ‫دو شليتزير‪ :‬إن شيستوف «شخص مجهول‬ ‫في فرنسا» علينا أن نضع الجملة في سياقها‬ ‫التاريخي‪ .‬كذلك نجد‪ ،‬في آخر الكِ تاب‪ ،‬بعض‬ ‫نقاط االستدالل حول سيرة شيستوف وأبرز‬ ‫المحطات التي م ّر بها‪ ،‬وهي مقالة قصيرة‪،‬‬ ‫مترجمة عن موقع (‪ ،)meletout.net‬الصفحة‬ ‫الخاصة بــ شيستوف‪.‬‬

‫‪ ،»MÉMOIRE‬وذلــك في خمسينيات القرن‬ ‫الماضي‪ .‬في أي حال‪ ،‬من هذا االستنطاق‪،‬‬ ‫ثمة تــأويــات‪ ،‬كــان شيستوف بــارعً ــا فيها‪،‬‬ ‫لدرجة أ ّن صديقه‪ ،‬الفيلسوف الروسي اآلخر‪،‬‬ ‫أيضا في‬ ‫نيقوالي برديائيف‪ ،‬والــذي عــاش ً‬ ‫فرنسا‪ ،‬بعد ثورة أكتوبر الروسية‪ ،‬غالبًا ما كان‬ ‫يقول له إن دوستويفسكي لم يقل كذا‪« ،‬وإنك‬ ‫تأخذه إلى أمكنة لم يكن يتطرق إليها» (وفق‬ ‫ما يرويه بنجامان فوندان في كتابه «لقاءات‬ ‫مع ليون شيستوف»)‪.‬‬

‫ * كاتب ‪ -‬لبنان‪.‬‬

‫‪12‬‬

‫العدد ‪73‬‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫محور خاص‬


‫دوستوفسكي‬ ‫والوعي المشترك في الفلسفة‬ ‫ُ‬ ‫ليف شيستوف عن دوستوفسكي‬ ‫■ ترجمها عن الفرنسية محمود امليشرايف*‬

‫ُعطيَ‬ ‫كــان دوستويفسكي يــرى الحياة بعينيّ مــؤرخ‪ ،‬أي بعينين طبيعيتين‪ .‬لكن حين أ ِ‬ ‫عينين أخريتين‪ ،‬رأى شيئًا آخر‪ .‬لم يكن «القبو» أبدً ا‪ ،‬هذا العش البائس‪ ،‬حيث جعل الكاتب‬ ‫أيضا وحدته‪ .‬بل على العكس ‪ -‬وعلينا أن نردد ذلك بطريقة‬ ‫بطله يعيش فيه‪ ،‬مثلما لم يكن ً‬ ‫دائمة ‪ -‬يبحث دوستويفسكي عن الوحدة لكي يهرب‪ ،‬لكي يحاول أن يهرب من «القبو» (من‬ ‫«كهف» أفالطون) الذي يجب على الجميع أن يعيشوا فيه‪ ،‬الذي يعده الجميع بمثابة العالم‬ ‫الواقعي الوحيد‪ ،‬بمثابة العالم الوحيد الممكن‪ ،‬بمعنى أنــه العالم الــذي برهنه العقل‪.‬‬ ‫هذا أيضا ما نالحظه عند رهبان العصور الوسطى‪ .‬كانوا يكرهون أكثر من أي شيء آخر‬ ‫هذا التوازن العقلي الذي يظهر بالنسبة إلى العقل بمثابة هدف الحياة األعلى على هذه‬ ‫األرض‪ .‬لم يكن هدف التزهد أن نهزم الجسد‪ ،‬مثلما نعتقد بشكل عام‪ .‬كان هدف الرهبان‬ ‫والمتزهدين‪ ،‬وقبل أي شيء آخر‪ ،‬أن ينزعوا أنفسهم من هذا «الوجود الكلّي» (الذي يتحدث‬ ‫عنه رجل القبو عند دوستويفسكي‪ ،‬ينزعون أنفسهم من هذا الوعي المشترك الذي تطلق‬ ‫عليه الكلمات المدرسية والفلسفية عبارة «الوعي بشكل عام»‪ .‬لقد حدد إينياس دو لويوال‬ ‫(‪ )Ignace De Loyola‬القاعدة األساس لـ ـ «التمارين الروحية» (‪ )spiritualia Exercitia‬بهذا‬ ‫معزول ومتوحدً ا‪ ،‬كلما كان متكيفً ا في البحث عن الخالق‪ ،‬سيده‬ ‫ً‬ ‫الشكل‪« :‬كلما وجد نفسه‬ ‫وفهمه»‪Quanto se magis reperit anima segregatam et solitariam, tant aptiorem se ipsam( .‬‬ ‫‪.)reddit ad quaerendum intelligendumque Creatorem et Dominum suum‬‬ ‫الــوعــي الــمــشــتــرك‪ ،‬هــو الــعــدو الرئيس‬ ‫لــدوستويفسكي‪ .‬كان سبق ألرسطو أن أعلن أن‬ ‫اإلنسان الذي ليس بحاجة إلى أحد‪ ،‬سيصبح‬ ‫إلهًا أو حيوانًا متوحشً ا‪ .‬دوستويفسكي أيضا‪،‬‬ ‫مثله مثل القديسين الــذيــن كــانــوا ينقذون‬ ‫غامضا‬ ‫ً‬ ‫أرواحهم‪ ،‬سمع ‪ -‬بدون توقف ‪ -‬صوتًا‬

‫محور خاص‬

‫يهمس لــه‪« :‬لــتــجــرؤ على ذل ــك! ابــحــث عن‬ ‫الصحراء‪ ،‬عن الوحدة‪ .‬ستكون فيها حيوانًا‬ ‫متوحشً ا أو إلهًا‪ .‬ال شيء مؤك ٌد مسبقًا‪ :‬تخلَّ‬ ‫قبل عن الوعي المشترك‪ ،‬وسنرى بعد ذلك؛‬ ‫ً‬ ‫أو باألحرى‪ ،‬سيكون األمر أسوأ‪ :‬إن رفضت‬ ‫ه ــذا الــوعــي‪ ،‬ســتــتــحــول‪ ،‬فــي الــبــدايــة‪ ،‬إلــى‬ ‫‪ 73‬العدد‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪13‬‬


‫حشرة‪ ،‬والحقًا‪ ،‬بعد وقت‪ ،‬متى؟ ال أحد يعلم‬ ‫ سيحدث التحول األخير»‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فهذا‬‫االنمساخ األخير‪ ،‬ليس مؤكدًا‪ .‬في الواقع‪،‬‬ ‫ليس من البداهة أنه يمكن لإلنسان أن يتحول‬ ‫حيوان متوحش‪ ،‬ولكن أليس معطى له أن‬ ‫ٍ‬ ‫إلى‬ ‫يصبح إلهًا؟ ثمة تجربة عمرها آالف السنين‬ ‫موجودة هنا‪ ،‬وتؤكد لنا أن البشر تحوّلوا في‬ ‫أغلب األحيان إلى حيوانات متوحشة‪ .‬لكن لم‬ ‫نجد لغاية اآلن أي آلهة بينهم‪ .‬اقرؤوا اعتراف‬ ‫هــذا الرجل التحت أرضــي؛ في كـ ّل صفحة‬ ‫يروي لنا نظرته الخاصة لألمور‪ ،‬وهي غير‬ ‫معقولة تقريبًا‪.‬‬ ‫«في الحقيقة‪ ،‬أنت تعرف ما الذي أحتاجه‪:‬‬ ‫أن تذهبوا جميعًا إلى الجحيم‪ ،‬هذا ما أحتاجه‬ ‫فعل‪ .‬أحتاج إلى طمأنينتي‪ .‬لكن‪ ..‬هل تعلم‬ ‫ً‬ ‫بأنه لكيال أشعر بــاالنــزعــاج‪ ،‬سأبيع الكون‬ ‫بأسره على الفور مقابل كوبيك واحد! ليهلك‬ ‫العالم بأسره أم أال أشرب الشاي؟ سأقول‪:‬‬ ‫ليهلك العالم بأسره ما دمت أشرب الشاي‪.‬‬ ‫هل تعرف ذلك أم ال؟ حسنًا‪ ،‬أنا أ ُعرف بأنني‬ ‫شخص وغد‪ ،‬بائس‪ ،‬كسول‪ ،‬أناني»!‬ ‫وفي الصفحة الالحقة‪ ،‬نجد من جديد‪:‬‬ ‫«أنــا أكثر الــديــدان حقارة‪ ،‬واألكثر سخافة‪،‬‬ ‫واألكثر تفاهة‪ ،‬واألكثر حسدًا‪ ،‬واألكثر غبا ًء‬ ‫على وجه األرض»!‬ ‫الــكــتــاب مــلــيء بــاعــتــرافــات مماثلة‪ .‬لكن‬ ‫لتقرؤوا كتب اعترافات القديسين الكبار؛ كلهم‬ ‫يعدون أنفسهم بمثابة الكائنات األفظع (دائما‬ ‫يستعملون أفعل التفضيل)‪ ،‬األبشع‪ ،‬األضعف‪،‬‬

‫األحمق من جميع المخلوقات‪ .‬ليس مر ّد ذلك‬ ‫ـراط في التواضع؛ بل كانوا يجدون‬ ‫إلــى إف ـ ٍ‬ ‫أنفسهم حـ ًّقــا على هــذه الشاكلة‪ .‬القديس‬ ‫بــرنــار‪ ،‬القديسة تــريــزا‪ ،‬كانا مثل غيرهما‪،‬‬ ‫يرتعبون من أنفسهم‪.‬‬ ‫لدينا كل األسباب التي تدفعنا إلى االعتقاد‬ ‫بأنه حين كــان دوستويفسكي يصف قبوه‪،‬‬ ‫كان ال يعرف الكثير عن كتب القديسين‪ .‬لم‬ ‫يشعر بدعم أي سلطة له‪ ،‬وال في أي تقليد‪.‬‬ ‫كــان يتصرف على مسؤوليته ليبدو له بأنه‬ ‫الوحيد‪ ،‬منذ أن وُجد العالم‪ ،‬الذي رأى هذه‬ ‫األشياء الخارقة‪« .‬أنا وحيد‪ ،‬وهم كذلك كلهم‬ ‫أيضا!» صرخ برعب‪ .‬نزع نفسه من الوعي‬ ‫المشترك‪ ،‬رمى بنفسه خارج العالم الواقعي‬ ‫مؤسس بالضبط على‬ ‫ٌ‬ ‫الوحيد‪ ،‬حيث إن الواقع‬ ‫هذا الوعي المشترك ‪ -‬ألنّ‪ ،‬هل من قاعدة‬ ‫أخرى يمكن للواقع أن يتأسس عليها؟ ‪ -‬يبدو‬ ‫دوستويفسكي مُعلَّقًا بين السماء واألرض‪ .‬لقد‬ ‫اختفت األرض من تحت أقدامه ولم ينجح في‬ ‫أن يعرف إن كان هو الموت‪ ،‬أو أعجوبة الوالدة‬ ‫الثانية‪.‬‬ ‫كان القدماء يقولون إن اآللهة يختلفون عن‬ ‫البشر في أنَّ أقدامهم ال تلمس األرض أبدًا‪،‬‬ ‫وبأنهم لم يكونوا بحاجة إلى دعم‪ ،‬إلى يابسة‪.‬‬ ‫لكنهم آلهة‪ ،‬آلهة قديمة‪ ،‬كائنًا ميثولوجيًا‪.‬‬ ‫ويعرف دوستويفسكي جيدًا‪ ،‬مثله مثل غيره‪،‬‬ ‫وأفضل من غيره‪ ،‬أن اآللهة القديمة ‪ -‬كما‬ ‫اإللــه الجديد ‪ -‬منبوذة من قبل العقل إلى‬ ‫خارج حدود التجربة‪ ،‬وأنها ليست سوى أفكار‬ ‫صافية‪.‬‬

‫ * كاتب ‪ -‬المغرب‪.‬‬ ‫ (نُشرت هذه المقالة في مجلة «‪ ،»La Nouvelle Revue Française‬المجلد ‪ ،XVIII‬من العام ‪1922‬م)‪ .‬كاتبها الروسي‪.‬‬

‫‪14‬‬

‫العدد ‪73‬‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫محور خاص‬


‫الفلسف ُة عبر التاريخ‬ ‫■ د‪ .‬آمال جبور*‬

‫عند الـحــديــث عــن الفلسفة‪ ،‬ال بــد أن نـطــرح الـتـســاؤالت الـتــي هــي أس ــاس هــذا الحقل‬ ‫المعرفيّ ‪ ،‬وبما أن التاريخ سيّد هذه الحقول؛ فإن عنوان مقالنا يحيلنا لطرح سؤال‪ :‬ما هي‬ ‫األصول التاريخية للفلسفة؟‬ ‫وقبل السير عبر العصور في تاريخ الفلسفة وفكرها‪ ،‬دعونا نؤكد هنا على أمرين‪:‬‬ ‫األول‪ :‬يــركــز عــلــى أهــمــيــة الــســيــاقــات‬ ‫االجتماعية والثقافية والسياسية والفكرية‬ ‫ألي حقل معرفي‪ ،‬عبر ســيــرورة تاريخية‬ ‫تحولت بها المجتمعات اإلنسانية من الحالة‬ ‫الطبيعية إلى ما هي عليه اآلن‪ ،‬نتيجة تطور‬ ‫وعــي اإلنــســان وتفاعله المستمر بعالمه‬ ‫ومحيطه‪ ،‬الــذي يحثّه دومًــا على الدهشة‬ ‫وطرح السؤال‪ ،‬باحثًا عن حقائق الموجودات؛‬ ‫فازدحمت معارفه وخبراته‪ ،‬مكوّنة اتجاهات‬ ‫متعددة‪ ،‬يختلف ويتفق معها‪ ،‬ويبدّلها في‬ ‫أحيان كثيرة‪ ،‬مع نمو وعيه ومعرفته‪.‬‬ ‫ٍ‬

‫التاريخ وتطور أحداثه وأفكاره ومفاهيمه إلى‬ ‫األمام وبخط مستقيم»(‪ )١‬يحيلنا بالضرورة‬ ‫لإلشارة بــأن تطور الفكر التاريخي وطرح‬ ‫أفكار فالسفته جاء نتيجة تأثرهم بالشروط‬ ‫الموضوعية لتحوّل مجتمعاتهم بأفكارها‬ ‫ومفاهيمها الفلسفية منذ نشأت جذورها‬ ‫في الفلسفة اليونانية القديمة عند اإلغريق‬ ‫منذ القرن ‪ ١٦‬ق‪ .‬م‪ ،.‬والتي يعود لها الفضل‬ ‫بانتشال البشرية من سطوة األسطورة والفكر‬ ‫الغيبي‪ ،‬إلــى عالم العقل المتسائل‪ ،‬وربط‬ ‫التراكمات المعرفية إلى وقتنا الحاضر‪.‬‬

‫فاتباع المنهج التاريخي «الذي يؤمن بسير‬

‫والفلسفة «بنت المدن اإلغريقية» كما يتفق‬ ‫عليها المؤرخون‪ ،‬إحــدى العلوم التي مرّت‬ ‫مواضيعها بتطورات تاريخية‪ ،‬بــدأت بطرح‬ ‫أسئلة عديدة حول الخالق والعالم واإلنسان‪،‬‬ ‫إلــى أن أصبحت مواضيعها أوس ــع وأكثر‬ ‫تعقيدًا‪ ،‬ليتخذ تاريخها اتجاهين مختلفين‬ ‫منذ نشأته هما‪ :‬التفكير الميتافيزيقي‪،‬‬ ‫والتفكير العلمي‪ ،‬على الــتــوالــي؛ ف ــاألول‪،‬‬ ‫يبحث في عالم الجوهر والمثل‪ ،‬ويتصف‬ ‫بأنه منهج عقلي وروحي؛ واآلخر يبحث في‬ ‫عالم المادة والتجربة‪ ،‬ويتصف بأنه منهج‬

‫والثاني‪ :‬أال يأخذنا البحث هنا فقط بتناول‬ ‫المراحل الزمنية للفلسفة وفالسفتها‪ ،‬والتي‬ ‫يمكن االطالع عليها من مرجعيات مختلفة‪،‬‬ ‫وال يسعفنا هــذا البحث الغور بتفاصيلها‪،‬‬ ‫بقدر تأكيدنا على أهمية تطور تاريخ الفكر‬ ‫الفلسفي ومفاهيمه وتــيــاراتــه واتجاهاته‪،‬‬ ‫بالتزامن مع تطور الوعي البشري‪ ،‬الذي أقدح‬ ‫العقل تنويرًا‪ ،‬وانعكس على شتى الميادين‬ ‫العلمية والثقافية والسياسية واالجتماعية‬ ‫والمعلوماتية الحديثة‪.‬‬

‫محور خاص‬

‫‪ 73‬العدد‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪15‬‬


‫حسيّ وموضوعيّ ‪ ،‬وعليهما بُني تاريخ تطور‬ ‫الفلسفة ومدارسها واتجاهاتها‪.‬‬

‫وال يدلّ هذا النقد على ضحالة أي منهج‬ ‫كما قلنا‪ ،‬بــقــدر مــا يــؤكــد لنا أن المناهج‬ ‫الفلسفية ال تنتهي‪ ،‬بل إن كل فكرة تخضع‬ ‫للنقد لتولِّد فكر ًة جديد ًة مطور ًة مفاهيمها‬ ‫ـول للفلسفتين الهيجلية‬ ‫واتجاهاتها‪ ،‬وص ـ ً‬ ‫تنف إحداهما األخــرى‪،‬‬ ‫والماركسية‪ ،‬فلم ٍ‬ ‫ولم يمنع وجود الهيجلية الفلسفة الماركسية‬ ‫لتصبح أســلــوب حــيــاة بــعــض المجتمعات‬ ‫اإلنسانية‪.‬‬

‫أستاذه‪ ،‬أفالطون‪ ،‬فنزل بالفلسفة من عالم‬ ‫المثل إلــى عالم الــمــادة‪ ،‬ومــع ذلــك ما تزال‬ ‫الفلسفة األفالطونية إحــدى دعائم الفكر‬ ‫الفلسفيّ ولــم تتأثر أهميتها بنقد تابعي‬ ‫الفلسفة األرسطوطاليسية‪.‬‬

‫إن تاريخ الفلسفة منذ بداياته الميتافيزيقية‬ ‫كانت حافلة باألفكار والمفاهيم التي تعرضت‬ ‫للرفض أكثر من القبول‪ ،‬فكان النقد سببًا‬ ‫أساسً ا في إثــراء المعرفة‪ ،‬وظهور اإلبــداع‬ ‫الفلسفي فــي فــتــرات زمنية تنويرية‪ ،‬كان‬ ‫لها أثر في تحوّل العقل اإلنساني من عقل‬ ‫مستسلم قائم على الخرافات واألساطير‪،‬‬ ‫إلى عقل مشتعل بالدهشة والسؤال؛ ليبحث‬ ‫حقائق وأســرار عالمه المحيط القائم على‬ ‫التغير وليس الثبات‪.‬‬

‫وب ــذل ــك‪ ،‬لــيــس بــوســعــنــا االط ـ ــاع على‬ ‫الفلسفة في القرن الواحد والعشرين‪ ،‬وما‬ ‫قدّمته لنا من طرق تفكير‪ ،‬إال بالرجوع إلى‬ ‫نشأة الفلسفة كرواية متسلسلة الحلقات‪،‬‬ ‫ال مجموعة آراء منعزلة أو متفرقة؛ وهنا‪،‬‬ ‫يستدعينا سؤال‪ :‬هل المنهج التاريخي يسمح‬ ‫لنا أن نتصور نشأة الفكر الفلسفي كرواية‬ ‫وإذا بدأنا بتتبع تاريخ الفلسفة‪ ،‬فإن أغلب‬ ‫مفككة وخارجة عن إطار منظم ال ترابط بين‬ ‫المؤرخين والباحثين يتفقون على أن اإلغريق‬ ‫مكوناته الفكرية والزمانية؟‬ ‫وبالتأكيد‪ ،‬فإن اإلجابة عن هذا السؤال هم أصحاب البذور األولــى للفلسفة‪ ،‬التي‬ ‫تأتـي بالنفي؛ فتاريخ نشأة الفلسفة وفكرها ولدت في القرن السادس عشر قبل الميالد‬ ‫بدأ بمراحل متسلسلة وعلى ما سبقه؛ ففي على ضفاف بحر إيجه‪ ،‬مستفيدين بما أتاحت‬ ‫الفلسفة اليونانية القديمة‪ ،‬تقوم فلسفة لهم بعض الحضارات السابقة كالمصرية‬ ‫ســقــراط الــذاتــيــة ك ــردّة فعل على المادية والهندية والصينية‪ ،‬إال إن اإلغريق أنتجوا‬ ‫والنفعية السوفسطائية‪ ،‬فيما جاء أفالطون فلسفة جديدة ومتينة‪ ،‬غيّبت تدخل القوى‬ ‫محدثًا عن حوارات معلمه‪ ،‬سقراط‪ ،‬واضعًا الخارقة واألســاطــيــر فــي تفسير الظواهر‬ ‫أسس تفكيرها‪ ،‬ليأتي أرسطو ناقدًا لفلسفة الطبيعية‪ ،‬لتعطي العقل مكانته في فلسفتها‪.‬‬

‫وما ينطبق على فلسفة اليونان القديمة‬ ‫ينطبق على فلسفة العصور الوسطى؛ فجاء‬ ‫األكويني ناقدًا لفلسفة أوغسطين الروحية‪،‬‬ ‫مهتمًا األكويني بمتابعة وتوصيل فكر أرسطو‬ ‫المادي إلى أوروبا‪ ،‬والذي أثّر في كل من لوك‪،‬‬ ‫فالفلسفة عبر تاريخها‪ ،‬تؤكد عالمية‬ ‫وباركلي‪ ،‬وهيوم‪ ،‬أصحاب المنهج الحسيّ ‪،‬‬ ‫الذي جاء ردة فعل للمنهج العقلي‪ ،‬فنادى به الفكر اإلنــســانــي الــمــشــتــرك‪ ،‬بتفاعله مع‬ ‫مثل‪ ،‬تطورت‬ ‫ديكارت وسبينوزا‪ ،‬ولبنيتيز‪ ،‬متأثرين بفلسفة أحــداث زمنه؛ فالبراغماتية‪ً ،‬‬ ‫على يد كل من "بيريس" و"جيمس" و"ديوي"‬ ‫أفالطون‪.‬‬

‫‪16‬‬

‫العدد ‪73‬‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫محور خاص‬


‫نتيجة التقدم اآللي في أمريكا‪ ،‬فيما وجدت‬ ‫الوجودية مكانًا لها في فكر سارتر‪ ،‬نتيجة‬ ‫األوضــاع التي مرت بها فرنسا في الحرب‬ ‫العالمية الثانية‪.‬‬ ‫وهــذا التاريخ المشترك بدأ قبل القرن‬ ‫الــســادس عشر قبل الميالد عند اليونان‬ ‫بمرحلة سميت ما قبل سقراط وبعده‪ ،‬ولها‬ ‫بدايتان‪ :‬مبكرة يغلب عليها التفكير المادي‪،‬‬ ‫وتتمثل بالفلسفة األيونية‪ ،‬فالفيثاغورية‪ ،‬ثم‬ ‫الهيراقليطية‪ ،‬ومتأخرة يغلب عليها التفكير‬ ‫العقلي‪ ،‬كالفلسفة اإليــلــيــة‪ ،‬باحثتين عن‬ ‫حقيقة العالم الخارجي وأصل الكون؛ ليطلق‬ ‫سقراط بعدها شــرارة العقل في المعرفة‬ ‫حــول اإلنــســان والــــذات‪ ،‬مــع تــزامــن ظهور‬ ‫السوفسطائيين الماديين في هذه الحقبة؛‬ ‫فكانت حلقة وصــل بين مرحلتين‪ ،‬ما قبل‬ ‫سقراطـ‪ ،‬وسقراط‪.‬‬ ‫ومــع أفــكــار ســقــراط ومــحــاوراتــه ولــدت‬ ‫الفلسفة األفالطونية بفكرها الميتافيزيقي‬ ‫فــي مــعــرفــة الحقيقةـ ومــتــأثــرة بالحتمية‬ ‫السقراطية العقلية‪ ،‬ليجد أفالطون طريقًا‬ ‫ألفــكــاره باتباع المنهج الــحــواري الجدلي‪،‬‬ ‫لتؤكد فلسفته بمقدرة العقل اإلنساني في‬ ‫الوصول للحقيقة المطلقة‪ ،‬واضعًا نظرية‬ ‫المثل حول المعرفة لتميز «ما هو حقيقي‬ ‫ليس في العالم المحسوس‪ ،‬بل في العالم‬ ‫(‪)٢‬‬ ‫العقلي»‬

‫ابن رشد‬

‫وتابعت الفلسفة حضورها في العصور‬ ‫الــوســطــى األولـــى مــع الــقــديــس أوغسطين‬ ‫الـــذي تــأثــر بالهلنستينية واألفــاطــونــيــة‬ ‫الجديدة بفكرها الالهوتي الميتافيزيقي‪،‬‬ ‫لندخل بالثانية مع فالسفة العرب‪ :‬الكندي‪،‬‬ ‫والفارابي‪ ،‬وابن سينا‪ ،‬والغزالي‪ ،‬وابن رشد‪،‬‬ ‫الذين أدخلوا العنصر األرسطوطاليسيا عن‬ ‫طريق ترجمة فلسفة أرسطو والتعليق عليها‪،‬‬ ‫مُسهمين في تغيير اتجاه الفكر األوروبــي‬ ‫من ميتافيزيقي إلى تجريبي‪ .‬وانتهت هذه‬ ‫المرحلة مع القديس توما اإلكويني واضعًا‬ ‫بداية التمييز بين الفلسفة والالهوت‪.‬‬

‫ولم يتوقف تاريخ الفلسفة بآراء سقراط‬ ‫وأفــاطــون وأرســطــو بعدهما‪ ،‬بــل تطورت‬ ‫لــتــأتــي مــرحــلــة مــا بــعــد س ــق ــراط‪ ،‬متمثلة‬ ‫لتبدأ بعدها النهضة بحركتها اإلصالحية‬ ‫بالفلسفة الهلنستية بمراحلها الــثــاثــة‪ :‬الفكرية والثقافية والعلمية فــي إيطاليا‪،‬‬ ‫الرواقية واألبيقورية‪ ،‬والشكية‪ ،‬فاألفالطونية وبمثاليتها اإلنــســانــيــة فــي الــقــرن الــرابــع‬ ‫المحدثة‪.‬‬ ‫عشرـ فانتشرت في الشمال األوروبــي‪ ،‬في‬

‫محور خاص‬

‫‪ 73‬العدد‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪17‬‬


‫ابن سينا‬

‫إنجلترا وفرنسا بطابعها اإلصالحي الديني‬ ‫واألخــاقــي‪ ،‬والعالم المادي بــدل الروحي‪،‬‬ ‫حتى القرن السادس عشر‪ ،‬فتميزت النهضة‬ ‫بــحــركــة واســعــة لمكتشفيها ومخترعيها‬ ‫ومفكريها أمثال‪ :‬بيكون وميكافيللي وهوبز‪،‬‬ ‫فجاء التنوير وفالسفته في القرن الثامن‬ ‫ً‬ ‫فكانت فترة ثراء علمي أكثر منها‬ ‫(‪)٣‬‬ ‫تحصيل عشر «الذين أنــاروا وما يزالون ينيرونا»‬ ‫فلسفيًا‪.‬‬ ‫كــمــحــاولــة لتطوير مــا ســمــاه «هــيــوم» علم‬ ‫ويجب التأكيد هنا أن عصر النهضة لم اإلنسان‪ ،‬بما هو ردّة فعل لفلسفة العصور‬ ‫يكن ضد المبادئ الدينية كما يراه بعضهم‪ ،‬الوسطى؛ فتميز بالمعرفة العلمية المختلفة‬ ‫بقدر ما أكد على مبدأين للمعرفة‪ ،‬أولهما والمتشعبة‪ ،‬واكتشاف القوانين التي تحدد‬ ‫من التعاليم الدينية واإليحاء اإللهي‪ ،‬والثاني سلوك اإلنسان‪ ،‬ومن أهم فالسفتها‪ :‬روسو‬ ‫مــن الــمــقــدرة الــفــكــريــة لــإنــســان؛ لتبقى وبنثام‪.‬‬ ‫تاريخ تستند على ما قبلها‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫الفلسفة عبر‬ ‫وبـدأ مع التنوير تدفق ظهور الفلسفات‬ ‫فبنيت النهضة على فلسفة أرسطو وتفكيره وتطورها‪ ،‬فسجل التاريخ الفلسفي نقطة‬ ‫التجريبي‪ ،‬مبتعدة ً‬ ‫قليل عن فلسفة أفالطون مــضــيــئــة ف ــي هـ ــذا الــعــصــر م ــع الفلسفة‬ ‫وتفكيره الميتافيزيقي‪.‬‬ ‫لمنهج‬ ‫ٍ‬ ‫الكانطية لـ«عمانوئيل كانط» مؤسسً ا‬ ‫فقامت األولى على العقل‪ ،‬وعكست التفكير‬ ‫الميتافيزيقي لفالسفتها‪ :‬ديكارت‪ ،‬وسبينوزا‬ ‫واليبنتز‪ ،‬فيما تطورت الحسيّة بتفكيرها‬ ‫العلمي من خالل‪ :‬لوك‪ ،‬وباركلي‪ ،‬وهيوم‪.‬‬

‫ومــع النهضة وبــدايــة العصر الحديث‪،‬‬ ‫استمر الصراع بين التفكيرين الميتافيزيقي‬ ‫والعلمي مُفضيًا إلى تطور الفكر الفلسفي‬ ‫بظهور الفلسفة العقلية والفلسفة الحسيّة‪،‬‬

‫‪18‬‬

‫العدد ‪73‬‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫فلسفيٍّ شــامـ ٍـل قــائـ ٍـم على الميتافيزيقيا‬ ‫العقلية لالبيتنيز والتجربة الحسيّة لهيوم‪،‬‬ ‫ليأتـي بفلسفته النقدية الخاصة معبرًا‬ ‫عنها فــي كتابيه «نــقــد الــعــقــل الــخــالــص»‬

‫محور خاص‬


‫و«البروليجومنيا»‪ ،‬بـ «أن الفلسفة ليست‬ ‫مذهبًا في هوية‪ ،‬بل هي نشاط وحركة طرد‬ ‫وتنافر»(‪!)٤‬‬ ‫فنتج عن الكانطية في العصور الحديثة‬ ‫الفلسفة المثالية التي استندت إلى مبادئ‬ ‫ميتافيزيقية تفسر الحقيقة من خالل الروح‬ ‫والــعــقــل‪ ،‬ومــتــأثــرة فــي فلسفة الــمــثــل عند‬ ‫أفالطون‪ ،‬فوجدت انتشارها في ألمانيا على‬ ‫يد كل من فيتشيه وشلينج وهيجل‪ ،‬لتتطور مع‬ ‫هيجل أكبر فلسفة مثالية سيطرت على العالم‬ ‫لمدة قرن تقريبًا‪.‬‬ ‫ومــع نقد هيجل للكانطية خــال القرن‬ ‫التاسع عشر‪ ،‬انتشرت الفلسفة الهيجلية‪،‬‬ ‫متخذًا مسار تاريخ الفلسفة بعدها ظهورًا‬ ‫لــفــلــســفــات مــعــارضــة م ــن م ــادي ــة ووضــعــيــة‬ ‫وتحليلية في أوروبا‪ ،‬وبراجماتية في أمريكا‪،‬‬ ‫ليصبح الصراع بين التفكيرين الميتافيزيقي‬ ‫والعلمي مستمرًا إلى اآلن‪.‬‬ ‫ومما سبق‪ ،‬نرى أن الفلسفة بتاريخها تسير‬ ‫في تطور وخط مستقيم إلى األمام بين ظهور‬ ‫الفلسفات ونقدها والبناء عليها‪ ،‬ليتابع هذا‬ ‫التطور مساره في القرن التاسع عشر بظهور‬ ‫الفلسفة المادية التي جاءت ناقدة للفلسفة‬ ‫الهيجلية الروحية والمثالية؛ منتجة الماركسية‬ ‫والمادية الجدلية‪ ،‬والتي انقسمت األولى فيما‬ ‫بعد إلى اشتراكية وشيوعية‪.‬‬

‫ومع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن‬ ‫العشرين ظهرت الحركات الفلسفية المعاصرة‪،‬‬ ‫بعضا منها للمحدودية المتاحة لنا في‬ ‫نذكر ً‬ ‫البحث‪ ،‬كالظاهرات والوجودية والتحليلية‬ ‫واللغوية والوضعية في أوروبا‪ ،‬والبراجماتية‬ ‫في أمريكا‪ ،‬ومــن أهــم فالسفة هــذا العصر‬ ‫هــســرل‪ ،‬وكيركيجارد‪ ،‬وهــايــدجــر‪ ،‬وســارتــر‪،‬‬ ‫وبــيــرس وجــيــمــس‪ ،‬وديـ ــوي‪ ،‬وفينشجنتاين‪،‬‬ ‫مــتــمــيــزة فــلــســفــة هـــذا الــعــصــر بتفكيرين‬ ‫متناقضين‪ ،‬وبتعدد مناهجه الفلسفية‪ ،‬وهذا‬ ‫التعدد أعطى للفلسفة متانتها ووالدة أفكار‬ ‫جديدة مستمرة‪ ،‬تعكس وعي اإلنسان بوجوده‬ ‫ووعية ودوره في عالم متغير مستمر‪.‬‬ ‫إن اإلنــتــاج الــذي قدمه الفكر الفلسفي‬ ‫عبرالتاريخ مرتبط بوعي اإلنــســان وتطور‬ ‫أفكاره‪ ،‬والذي ينطلق من محاوالته المستمرة‬ ‫في الــوصــول للحقيقة‪ ،‬وعــدم اكتفاء العقل‬ ‫اإلنساني بالمعرفة بأشكالها الميافيزيقية‬ ‫والعقلية والحسية واإلدراكــيــة كافة‪ ،‬وحبه‬ ‫محاول دائمًا طرح‬ ‫ً‬ ‫وشغفه للتعمق بعالمه‪،‬‬ ‫أسئلته الفلسفية حــول تطور وجــوده ككائن‬ ‫اجتماعي فاعل ومغيّر في حركة التاريخ‪ ،‬منتجً ا‬ ‫طويل من الخبرات واألفكار‬ ‫ً‬ ‫بذلك تاريخً ا‬ ‫والعلوم والفلسفات التي هي باألساس منتج‬ ‫إنساني تراكمي‪ ،‬ومتاح للبشرية عبر تاريخ‬ ‫عصورها‪.‬‬

‫* كاتبة ‪ -‬األردن‪.‬‬ ‫(‪ )١‬جبور‪ ،‬آمال‪ ،‬تاريخانية العروي أداة نقدية لتحديث المجتمعات العربية‪،‬ط‪2019 ،1‬م‪ ،‬األهلية للنشر‪،‬‬ ‫األردن‬ ‫(‪ )٢‬صايغ‪ ،‬نوال‪ ،‬الفكر الفلسفي نحو فلسفة توازن بين الفكر الفلسفي والتفكير العلمي‪ ،‬ط‪ ،1‬اوتاوا‪2013،‬م‬ ‫(‪ )٣‬برينتون‪ ،‬كارين‪ ،‬تشكيل العقل الحديث‪ ،‬ترجمة شوقي جمال‪ ،‬عالم المعرفة‪1978 ،‬م‬ ‫(‪ )٤‬هربرت ماركيوز‪ ،‬نظرية الوجود عن هيجل أساس الفلسفة التاريخية‪ ،‬ترجمة إبراهيم فتحي‪ ،‬ط‪،1‬‬ ‫‪2018‬م‪.‬‬ ‫(‪ )٥‬رايت‪ ،‬وليم كلي‪ ،‬تاريخ الفلسفة الحديث‪ ،‬ترجمة محمود سيد أحمد‪ ،‬ط‪ 2003 ،3‬م‪.‬‬

‫محور خاص‬

‫‪ 73‬العدد‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪19‬‬


‫األسئل ُة الكبير ُة في الفلسفة اإلسالميِّة‬ ‫■ محمد العامري*‬

‫ال بد من التسليم إلى حد كبير بأن مصادر الفلسفة اإلسالمية كانت مبنية على الفكر‬ ‫الديني بوصفه المتن في طرائق التساؤل وإطالق العقل فيما يخص الجانب الفلسفي‪،‬‬ ‫تحديدً ا األفكار المبنية على تفسير القرآن الكريم‪ ،‬وال ننفي ما أثارته الفلسفة اليونانية‬ ‫لدى الفلسفة اإلسالمية وب ّز السؤال األكبر والمتضمن التوفيق بين الدين والعقل الذي‬ ‫جسدته الفلسفة اليونانية‪ ،‬وهذا ينطلي على الفلسفة الهندية والفارسية كذلك‪.‬‬ ‫تعد الفلسفة اإلسالمية تط ّورًا في السؤال‬ ‫الفلسفي الكبير المنتمي للتقاليد اإلسالمية‬ ‫للفلسفة والتي ترادفها كلمة «حكمة»‪ ،‬إذ‬ ‫جرى تناول مصطلحين فيما يخص المعنى‬ ‫لمصطلح فلسفة مبني على قيمة اللغة‬ ‫العربية وأمداء تأويلها وهو «فلسفة»‪ ،‬والذي‬ ‫يؤشر على الفلسفة‪ ،‬والمنطق‪ ،‬والرياضيات‪،‬‬ ‫والفيزياء‪ ،‬وعلم الكالم؛ والهدف منه إثبات‬ ‫بالحجج العقلية‪.‬‬ ‫العقائد الدينية المشفوعة ِ‬ ‫ونــذكــر مــا أشـــار إلــيــه الــكــنــدي بقوله‪:‬‬ ‫«إنــهــا علم األشــيــاء بحقائقها بقدر طاقة‬ ‫اإلنــســان؛ ألن غــرض الفيلسوف في علمه‬ ‫إصــابــة الــحــق‪ ،‬وفــي عمله العمل بالحق»‪.‬‬ ‫بدأت الفلسفة اإلسالميّة علمًا يتمنطق حول‬ ‫الحُ جَّ ة والعقيدة بما يخص العقل وتجلياته‬ ‫في طبائع السؤال المعرفي الديني‪ ،‬إذ بدأت‬ ‫الفلسفة اإلسالمية مع «يعقوب بن إسحاق‬ ‫الــكــنــدي» فــي الــقــرن الــثــانــي مــن التقويم‬ ‫اإلســامــي بــحــدود (أوائـ ــل الــقــرن التاسع‬ ‫الــمــيــادي)‪ ،‬وص ــوال البــن رشــد فــي القرن‬

‫‪20‬‬

‫العدد ‪73‬‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫السادس الهجري (أواخر القرن الثاني عشر‬ ‫الميالدي)‪ ،‬وتزامن ذلك مع العصر الذهبيّ‬ ‫لإلسالم‪ .‬وبعد وفاة ابن رشد ظهرت مدرسة‬ ‫فلسفية تدعى بالمدرسة المشّ ائيّة العربية‪،‬‬ ‫وق ــد درج الــبــاحــثــون فــي تــاريــخ الفلسفة‬ ‫ال سيما اإلســام ـ ّيــة عــلــى الــتــع ـرّض لهذه‬ ‫الــمــدارس العلميّة‪ .‬وقــد اتضحت الفروق‬ ‫بين هذه المدارس بشكل أكثر كلّما ترسّ خت‬ ‫فلسف ٌة جديدةٌ وكثر مناصروها ومحاربوها‪،‬‬ ‫مّا ساعد على البحث والتنقيح إلثبات ميزات‬ ‫الفلسفة البديلة‪ ،‬وكشف عيوب الفلسفة‬ ‫المناوئة‪ .‬ومن أبرز تلك المدارس‪ :‬الفلسفة‬ ‫المشّ ائيّة‪ ،‬الفلسفة اإلشــراق ـ ّيــة‪ ،‬وفلسفة‬ ‫الحكمة المتعالية‪.‬‬ ‫استطاعت الفلسفة اإلسالمية أن تحفر‬ ‫في ذاكرة الشعوب الشرقية واألوربية كذلك‪،‬‬ ‫وكــان للفلسفة اإلســامـ ّيــة تأثير كبير في‬ ‫أوروبــا المسيحيّة‪ ،‬وجــاء ذلــك عبر ترجمة‬ ‫النصوص الفلسفية العربية اإلسالمية إلى‬ ‫اللغة الالتينية‪ ،‬وأسهمت في حدوث تحوّل‬

‫محور خاص‬


‫في معظم صنوف الفلسفة الالتينية إ ّبــان‬ ‫العصور الوسطى تحديدًا ما يختص بالفلسفة‬ ‫الطبيعية‪ ،‬وعلم النفس‪ ،‬والميتافيزيقيا‪.‬‬ ‫استمرّت تأثيرات الفلسفة اإلسالميّة في‬ ‫البلدان الشرقيّة اإلسالميّة‪ ،‬وال سيما الدولة‬ ‫الصفويّة الفارسيّة‪ ،‬واالمبراطورية العثمانيّة‪،‬‬ ‫والمغوليّة‪ ،‬إذ واصلت العديد من مدارس‬ ‫الفلسفة ازدهــارهــا‪ :‬السينوية (نسب ًة إلى‬ ‫ابن سينا)‪ ،‬والرشدية (نسب ًة إلى ابن رشد)‪،‬‬ ‫والفلسفة اإلشراقيّة‪ ،‬والفلسفة الصوفيّة‪،‬‬ ‫وفلسفة الحكمة المتعالية‪ ،‬وفلسفة أصفهان‪،‬‬ ‫وك ــان البــن خــلــدون فــي مقدمته الشهيرة‬ ‫إسهامات عميقة في فلسفة التاريخ‪ ،‬وزاد‬ ‫االهــتــمــام بالفلسفة اإلســامــيــة فــي فترة‬ ‫اليقظة العربية في أواخــر القرن التاسع‬ ‫عشر وبدايات القرن العشرين‪.‬‬ ‫لم تبق الفلسفة حبيسة في إطار محدد‪،‬‬ ‫بل تطورت مفاهيمها كأي علم يتغذى من‬ ‫أسئلة جديدة ومجادالت حول مواضيع شتى‬ ‫تنتظم في سياقات األسئلة الكبرى‪ ،‬ويجدر‬ ‫اإلشارة إلى تغيّر النظر إلى مفهوم الفلسفة‬ ‫تبعا لتنوع األجوبة عن سؤال «ما الفلسفة؟»‬ ‫هــذا الــســؤال الــذي عــاد ليظهر فــي سياق‬ ‫التحوالت الفكرية الفلسفية وظهور مصطلح‬ ‫جديد «فلسفة الفلسفة» أو فقه الفلسفة‪،‬‬ ‫كما يسميه الدكتور طه عبدالرحمن‪ ،‬وله‬ ‫كــتــاب فــي ذل ــك‪ ،‬ون ــرى إل ــى تميز المنهج‬ ‫الفلسفي اإلسالمي عن تصنيفات الفلسفة‬ ‫الــقــديــمــة وأخـ ــرى ج ــدي ــدة‪ ،‬إذ إن األول ــى‬ ‫فلسفة فــي الــوجــود‪ ،‬والثانية فلسفة في‬ ‫الــمــعــرفــة‪ ،‬ف ــإن االتــجــاه اإلســامــي يتميز‬ ‫بفلسفة في المعرفة‪ ،‬وبخاصة إذا نظرنا‬

‫محور خاص‬

‫ابن خلدون‬

‫إلى علوم المناظرة العقدية (مناهج الكالم‪،‬‬ ‫مناهج أهــل الــحــديــث‪ ).‬وعــلــوم الحديث‪،‬‬ ‫وأصــول الفقه‪ ،‬ومناهج التفسير‪ ،‬وغيرها‬ ‫من المعارف التي تهتم بتدشين المناهج‬ ‫إلى جانب دراسة المضامين‪ ،‬اعتمادًا على‬ ‫المصدرين‪ :‬المنقول الصحيح‪ ،‬والمعقول‬ ‫الصريح‪ ،‬أو الوحي والعالم‪ ،‬والذي عبّر عنه‬ ‫الدكتور جعفر شيخ إدري ــس‪« ،‬بوحي اهلل‪،‬‬ ‫وخلق اهلل»‪ ،‬وفلسفة المعرفة التي سارت في‬ ‫مسارات الفيلسوف المسلم هي جزء عضوي‬ ‫الحجاج الذي يواجه من يحاول الطعن‬ ‫من ِ‬ ‫في حقائق ويقينيات اإلسالم‪ ،‬علمًا أن هناك‬ ‫فريقًا من الفالسفة المسلمين الذين اتخذوا‬ ‫مــن الــتــصــورات األرســطــيــة واألفــاطــونــيــة‬ ‫مرجعية لهم‪ ،‬بما هي متوافقة مع نصوص‬ ‫اإلســام وروحــهــا‪ ،‬فحاولوا ردم الــهـوّة بين‬ ‫‪ 73‬العدد‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪21‬‬


‫الــتــصــور الــســائــد للخالق‪ ،‬وبــيــن المفهوم‬ ‫اإلسالمي هلل؛ منطلقين بصورة أساس‪ ،‬من‬ ‫أن القوانين الكونية ثابتة وناشئة من إرادة‬ ‫اهلل‪.‬‬ ‫تطورت الفلسفة اإلسالمية من مرحلة‬ ‫ألخ ــرى مــن خ ــال دراسـ ــة الــمــســائــل التي‬ ‫ينحصر إثباتها باألدلة العقلية في معرفة‬ ‫اهلل وإثبات الخالق‪ .‬بلغ هذا التيار الفلسفي‬ ‫منعطفًا بالغ األهمية على يد ابن رشد من‬ ‫خــال اعتماده مبدأ الفكر الحر‪ ،‬وتحكيم‬ ‫العقل على أساس المشاهدة والتجربة‪.‬‬ ‫فكان للغزالي السبق فــي التوفيق بين‬ ‫المنطق والعلوم اإلسالمية‪ ،‬مبينًا أن أساليب‬ ‫المنطق اليوناني يمكن أن تكون محايدة‬ ‫ومفصولة عــن الــتــصــورات الميتافيزيقية‬ ‫اليونانية‪ .‬وتوسّ ع الغزاليّ في شرح المنطق‪،‬‬ ‫واســتــخــدمــه فــي علم أص ــول الــفــقــه؛ لكنه‬ ‫في المقابل شنّ هجومًا عنيفًا على الرؤى‬ ‫الفلسفية للفالسفة المسلمين المشّ ائين‬ ‫في كتاب تهافت الفالسفة‪ ،‬ر ّد عليه الحقًا‬ ‫ابــن رشــد فــي كــتــاب تهافت التهافت‪ ،‬في‬ ‫سياقات هذا المشهد كان هناك دومًا اتجاه‬ ‫يرفض الخوض فيما يخص مسائل البحث‬ ‫فــي اإللــهــيــات وطبيعة الخالق والمخلوق‪،‬‬ ‫واالكــتــفــاء بــمــا ورد فــي نــصــوص الكتاب‬ ‫والسنة‪ ،‬هــذا التيار الــذي يعرف بـــ «أهــل‬ ‫الحديث»‪ ،‬والذي يُنسب له معظم مَن عَ مِ ل‬ ‫بالفقه اإلسالمي واالجتهاد‪ .‬مقابل ذلك كان‬ ‫هناك بعض التيارات اإلسالمية التي تؤمن‬ ‫بأنه «ال يوجد فالسفة لإلسالم»‪ ،‬وال يصح‬

‫إطــاق هــذه العبارة‪ ،‬فــاإلســام له علماؤه‬ ‫الذين يتبعون الكتاب والسنة‪ ،‬أما مَن اشتغل‬ ‫الضالل»‪ ،‬وفي‬ ‫بالفلسفة فهو من المبتدعة ُّ‬ ‫مرحلة متأخرة من الحضارة اإلسالمية‪،‬‬ ‫ظهرت حركة نقدية للفلسفة أهم أعالمها‪:‬‬ ‫ابن تيمية الذي يعد في الكثير من األحيان‬ ‫أنه معارض تام للفلسفة‪ ،‬لكن ردوده على‬ ‫أساليب المنطق اليوناني ومحاولته تبيان‬ ‫عالقته بالتصورات الميتافيزيقية (عكس‬ ‫ما أراد الغزالي توضيحه) وذلك في كتابه‬ ‫(الرد على المنطقيين)‪ ،‬وال ننكر محاوالت‬ ‫الكندي «نصرة العقل» ضد أفكار الهرمسية‬ ‫واألفالطونية المحدثة‪ ،‬لذلك كتب «الــرد‬ ‫على المنانية والمثنوية» رافضا النظرية‬ ‫الهرمسية واألفــاطــونــيــة المحدثة والتي‬ ‫تذهب إلى وجود جملة من العقول السماوية‬ ‫(وهــي الطريقة التي تجعل بها الهرمسية‬ ‫وسائط بين العقل الكلي أو العقل العاشر‬ ‫الفعال واإلنسان)‪ ،‬وهي متن نظرية الفيض‬ ‫التي تجعل معرفة اإلنسان قابلة للحصول‬ ‫عن طريق الفيض أو الغنوص‪.‬‬ ‫لذلك‪ ،‬ميّز الكندي «علم الرسل» الذي‬ ‫يحدث عن طريق الوحي (الوسيلة الوحيدة‬ ‫بين اهلل واإلنسان) و«علم سائر البشر» الذي‬ ‫ال يحدث إال عن طريق البحث واالستدالل‬ ‫واالستنتاج‪ ،‬وعبّر الكندي عن ذلك بقوله‪:‬‬ ‫«اهللُ هو العلّ ُة األولى التي ال علّة لها‪ ،‬الفاعلة‬ ‫التي ال فاعل لها‪ ،‬المتممة التي ال متمم لها‪،‬‬ ‫الــمــؤيــس الــكــل عــن ليس والمصير بعضه‬ ‫لبعض سببًا وعلة»‪.‬‬

‫ * كاتب ‪ -‬األردن‪.‬‬

‫‪22‬‬

‫العدد ‪73‬‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫محور خاص‬


‫الفلسفة والعلم‬ ‫العالقة بين‬ ‫جدليَّ ُة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫■ ضرار بني ياسني*‬

‫وس ِمت بها الفلسفة ِطوال‬ ‫«الفلسفة ُأ ّم العلوم» جميعها‪ ،‬تلك هي الصفة المؤكدة التي ُ‬ ‫تاريخها المديد‪ ،‬وهــي ذات الصفة التي حَ يَّزت الفلسفة في وضعية المُ تربع على عرش‬ ‫لقرون طويلةٍ‬ ‫ٍ‬ ‫المعرفة كلها‪ .‬فقد أمكن لها أن تجمع بين جنباتها جميع المعارف والعلوم‬ ‫مضت‪ ،‬سبقت استقالل العلوم تدريجيًا عنها‪ ،‬وأن تتخذ لنفسها قطاعات تخصصية دقيقة‪،‬‬ ‫َّسيما العلوم الدقيقة منها‪ ،‬أو التجريبية التي حصل لها ثورات علمية غير مسبوقة‪ ،‬وذلك‬ ‫منذ القرن السابع عشر وإلى اليوم‪.‬‬ ‫وم ــن مــنــظــور تــاريــخــي وأبستمولوجي‪،‬‬ ‫لم يكن ثمة استقالل بين الفلسفة والعلم‪،‬‬ ‫إ ْذ إن العالقة الموضوعية بينهما والتي‬ ‫تتعدى مجرد العالقة التاريخية‪ ،‬د ّلــت في‬ ‫حقل المعرفة على أنــه كــان ينظر إليهما‬ ‫بوصفهما علمًا واحدًا عند الفالسفة‪ ،‬بدءًا‬ ‫من أساطين الفلسفة اليونانية‪ ،‬أفالطون‬ ‫وأرسطو‪ ،‬وأنه كان ينظر إليهما كذلك بأنهما‬ ‫يَهدِ فان إلــى غاية واحــدة هي البحث عن‬ ‫الحقيقة واكتشافها‪ ،‬خدمة لإلنسان وازدهار‬ ‫الوضع البشري في جميع مستوياته؛ ولذا‪،‬‬ ‫فهما ‪-‬من هذه الزاوية من النظر‪ -‬يُعبِّران‬ ‫عن تاريخ تطور العقل اإلنساني في جانبيه‬ ‫النظري والتطبيقي‪.‬‬ ‫والباحث في تاريخ كل من الفلسفة والعلم‬ ‫يجد أن الشروط المنطقية بل الموضوعية‬ ‫وفرّت شروط االرتباط الوثيق بين الفلسفة‬ ‫والعلم‪ ،‬وال أدلَّ على ذلك من تقرير حقيقة‬ ‫أنَّ مُعظم العلوم الفرعية والمعارف البشرية‬

‫محور خاص‬

‫عــامّــة ان ــدرج ــت فــي خــضــم االشــتــغــاالت‬ ‫الفلسفية‪ ،‬عندما كان الفيلسوف في نطاق‬ ‫تفكيره وتــســاؤالتــه يقوم بوظيفة العلماء‪،‬‬ ‫سيّما في المسائل المتعلقة بالطبيعة والعالم‬ ‫واإلن ــس ــان والــنــفــس والــســيــاســة واألخ ــاق‬ ‫والجمال‪.‬‬ ‫وهــكــذا‪ ،‬ف ــإن ِصــلــة األم‪ ،‬أي الفلسفة‬ ‫بأبنائها سائر العلوم الطبيعية واإلنسانية‬ ‫والــريــاضــيــة وثيقة جـــدًا‪ ،‬واســتــمــرت هذه‬ ‫العالقة الموضوعية االرتباطية قائمة إلى‬ ‫أن استطاع كل علم الحقًا أن يؤسس منهجه‬ ‫الــخــاص‪ ،‬وأن تــكــون لــه أهــدافــه وفــروضــه‬ ‫ووظائفه التي يسعى إلى تحقيقها؛ عندئذ‪،‬‬ ‫تم تجاوز نسق التفكير الفلسفي الكالسيكي‬ ‫الذي نظر دائمًا إلى العلوم بوصفها فرعً ا من‬ ‫الفلسفة‪ ،‬أو أنها وليدة شرعية لالشتغاالت‬ ‫العقلية الفلسفية‪ .‬وكان ذلك إيذانًا بعصر‬ ‫استقالل العلم عن الفلسفة‪ ،‬مع ما رافق‬ ‫هــذا االســتــقــال مــن مخاضات وهــواجــس‬ ‫‪ 73‬العدد‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪23‬‬


‫وصراعات على ضفتي الفلسفة والعلم معًا؛ النوعية‪ ،‬لكن من دون أن يؤدي ذلك االستقالل‬ ‫إذ لم يتحقق هذا االستقالل إ ّال بعد تحوالت إلى االنفصال الكامل أو القطعية الكبرى بين‬ ‫الفلسفة والعلم‪ ،‬كما يزعم أصحاب النزعة‬ ‫ونضاالت وثورات معرفية كبرى‪.‬‬ ‫الوضعية من ذوي األيديولوجيا العلمانوية‪.‬‬ ‫كان لالعتبارات التاريخية واألبستمولوجية‬ ‫من المعلوم أن التقدم في التفكير العلمي‬ ‫دور مهم في رسم وشيجة التالزم بين الفلسفة‬ ‫والعلم‪ ،‬إذ إنهما يعكسان معًا في الوقت ذاته الحديث أفضى إلى تقدم في العلم‪ ،‬الذي‬ ‫جهود األمم وتجاربها‪ ،‬في بحثها عن هويتها نشط فــي الــتــطــور والــتــوســع فــي فتوحاته‬ ‫مقابل هوية عالم األشياء‪ ،‬وإدراك تمايزها المعرفية‪ ،‬وبشكل مستمر خــال القرنين‬ ‫عن الطبيعة‪ ،‬وكذلك في بحثها عن ماهية السادس عشر والسابع عشر‪ ،‬وكانت أولى‬ ‫الحقيقة بين هاتين الهويتين‪ ،‬عبر ظهورات خطواته الخجولة في االستقالل على يد‬ ‫الرواد األول في البحث العلمي‪ ،‬ممن جمعوا‬ ‫الوعي وتجليّات العقل في العالم‪.‬‬ ‫بين صفتي الفيلسوف والعالم‪ ،‬من أمثال‬ ‫وألن الــفــلــســفــة ام ــت ــدت إلـــى الــحــقــول‬ ‫فرانسيس بيكون وغاليليو ونيوتن وكبلر‬ ‫والميادين المعرفية العديدة‪ ،‬وذلك بالنظر‬ ‫وغــيــرهــم‪ ،‬الــذيــن فــكــروا وبحثوا بوصفهم‬ ‫إل ــى طبيعتها الــتــســاؤلــيــة‪ ،‬وموضوعاتها‬ ‫فالسفة إلى جانب تبنيهم مناهجهم العلمية‬ ‫وقضاياها ومشكالتها وأنواعها‪ ،‬فهي أسهمت الخاصة بالتفكير العلمي الجديد‪ ،‬وشرعوا‬ ‫دائمًا في تطوير سائر المعارف والعلوم التي يدرسون الظواهر الطبيعية مستندين إلى‬ ‫نشأت قديمًا‪ ،‬وقدمت كثيرًا من العلوم التي اإلجرائيات الصحيحة‪ ،‬من مالحظة وتجربة‬ ‫أغنت وساعدت في إثراء الحضارة البشرية واستعمال األجــهــزة واآلالت التي تمكنهم‬ ‫بشكل ع ــام‪ .‬ومــن الطبيعي أن ينظر في من إجــراء التجارب وتفسير هذه الظواهر‬ ‫تلك األثناء إلى الفالسفة بوصفهم علماء‪ ،‬الطبيعية وفهمها‪.‬‬ ‫عالم حاضرًا أمام الفكر‬ ‫إذ لم يكن مفهوم ٍ‬ ‫عند هــذا الـ ُمــنـ َعــر َج التكويني الجديد‬ ‫اإلنساني بعد‪.‬‬ ‫ألُصوليات المعرفة العلمية‪ ،‬بدأ مصطلح‬ ‫من المحتم أن ما تحقق معرفيًا في تاريخ العلم بدالالته المنهجية الحديثة وحيز عالمه‬ ‫المعرفة اإلنسانية على مستوى تطور العلوم وموضوعاته بالظهور واالنــزيــاح التدريجي‬ ‫وتقدمها أدى إلى أن تخسر الفلسفة نفوذها ع ــن ك ــل م ــن الــمــيــتــافــيــزيــقــا‪ ،‬والــفــلــســفــة‪،‬‬ ‫وهيمنتها على العلوم‪ ،‬من دون االعتبار أن ووظائفهما وأسئلتهما الكالسيكية‪ .‬وأخذ‬ ‫هذا الخُ سْ رَان قد سلب الفلسفة وظيفتها‪ ،‬فالسفة التجريب والطبيعة التفكير بطبيعة‬ ‫فــأخــذت العلوم تبعًا لذلك تشق طريقها العلم وموضوعاته ومناهجه بصورة مختلفة‪،‬‬ ‫االستقاللي وتنفرد بموضوعاتها الخاصة‪ ،‬وس ــار كــل علم تخصصي يبحث ظــواهــره‬ ‫وتستقيم أصولها وفروعها على مذاهبها وموضوعاته بعيدًا عن التجريد والتأمالت‬

‫‪24‬‬

‫العدد ‪73‬‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫محور خاص‬


‫العقلية الصرفة‪ ،‬كما كان هو حال نظريات‬ ‫أرسطو وفالسفة القرون الوسطى‪.‬‬ ‫أصبح العلم يستند في مبادئه وأسسه‬ ‫إلــى التجريب الدقيق والــفــروض العلمية‬ ‫والــتــفــســيــرات السببية لجميع الــظــواهــر‬ ‫والحوادث في العالم‪ ،‬وهنا برزت االختالفات‬ ‫بين العلم والفلسفة موضوعً ا ومنهجً ا وطبيعة‬ ‫مشكالت‪ ،‬وصعد العلم وتقدم على قاعدة‬ ‫غاليليو‬ ‫التراكمية‪ ،‬ما أدّى بالنتيجة إلى استقالل‬ ‫العلوم بفروعها المختلفة‪ .‬ومــع فتوحات‬ ‫العالم المطرّدة‪ ،‬وصل استقالل العلوم عن الوجود ُمبّرأ من النقائص والعيوب‪ ،‬سيما في‬ ‫تطبيقاته القاسية على اإلنسان والطبيعة‪.‬‬ ‫الفلسفة مُنتهاه البعيد في القرون التالية‪.‬‬ ‫وإذا فحصنا العالقة الجدلية بين الفلسفة‬ ‫يمكن مالحظة أنه في الثلث األخير من‬ ‫الــقــرن التاسع عشر حصل بين الفلسفة والعلم من منظور الوضعية الضيق‪ ،‬فإننا‬ ‫والعلم شيء من الجفاء والخصومة‪ ،‬أحيانًا‪ ،‬نواجه مأزقًا حقيقيًا تجاه النظرة األُحادية‬ ‫فقد غلبت في ذلك القرن الروح الماديّة على لتفكيك إشكالية التمييز بينهما‪ .‬ومــع أن‬ ‫العلماء‪ ،‬وساد نوع من الخطاب الرغبي من الموقف الوضعي متمسك بمقوالته الخاصة‬ ‫قبل دُعــاة الوضعية الصلبة أو المتعصبة‪ ،‬باالختالف بين الفلسفة والعلم‪ ،‬لكن ينبغي‬ ‫خطاب يُصر على تغيير طبيعة الفلسفة على الذهاب إلى تحليل طبيعة االختالف وفق‬ ‫نحو يتوافق كلّيًا مع العلم وقواعده ومناهجه نظرة أوســع تتجاوز ما سكت عنه أنصار‬ ‫ومُسلماته‪ .‬وهذا الخطاب يتسم باالختزالية‪ ،‬الوضعية الضيقة‪ ،‬وهي مدى اختالف هذه‬ ‫ب ــل يــســعــى ألن يــتــوقــف ع ــن االع ــت ــراف األص ــول المميزة للعلم عــن الفلسفة من‬ ‫بالفلسفة‪ ،‬ومــن أنــه إذا كــان ثمة دور بقي غير أن يعني ذلك حتمية النزاع أو الصراع‬ ‫للفلسفة‪ ،‬فلن يكون هذا الدور مَشْ روُعً ا ّإل بينهما‪.‬‬ ‫إذا أصبحت الفلسفة «فلسفة علمية»‪ ،‬وهذه‬ ‫فضل‬ ‫ً‬ ‫النظرة الدونيّة أو االختزالية للفلسفة‬ ‫عن كونها نزعة متطرفة تصدر من اتجاهات‬ ‫علموية وضعية تعبّر عن اعــتــراف خجول‬ ‫لنوع من مشروعية ضعيفة للفلسفة‪ ،‬فإنها‬ ‫متأثرة بنزعة تمجيدية تصنيميّة تقديسية‬ ‫للعلم‪ ،‬وكأن العلم سادن الحقيقة الكلية في‬

‫محور خاص‬

‫ال يمكن أن نجحد حقيقة أن العلم اليوم‬ ‫يفرض نفسه على مُجمل نشاطات الحياة‬ ‫وحقولها الواسعة وأن السيطرة العلمية‬ ‫الظاهرة تُع ّد الصفة المميزة لعصرنا‪ ،‬بيد‬ ‫أن المشاكل العويصة التي ترافق التقدم‬ ‫العلمي وتطبيقات العلم من شأنها أن تعيد‬ ‫مشروعية استحضار أو استدعاء خطاب‬ ‫‪ 73‬العدد‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪25‬‬


‫العودة المجددة للفلسفة والتفكير الفلسفي‪،‬‬ ‫وهو ما يحدث اليوم في الفضاءات الفكرية‬ ‫والثقافية األوروبــيــة والغربية عمومًا‪ ،‬مع‬ ‫تنامي نزعة التطرف في العلم وتطبيقاته‪،‬‬ ‫وذلــك على أســاس إع ــادة موضعه وإدراج‬ ‫عالقة إيجابية مثمرة بين الفلسفة والعلم‪،‬‬ ‫تقوم على نوع من التشاركية التي تعني ضرورة‬ ‫صناعة معادلة (التقنية اإليجابية واألَنَسنة‬ ‫الــواعــدة)‪ ،‬مــن أجــل مستقبل الكينونتين‪،‬‬ ‫كينونة اإلنسان وكينونة الطبيعة وحفظهما‬ ‫من اآلثــار المدمرة لبعض تطبيقات العلم‬ ‫التي لم تعد تنظر إلى العلم في ذاته بقدر‬ ‫نظرتها إلى العلم في مصالحة الضيقة‪.‬‬ ‫ومــع االعــتــراف بالتمايزات بين العلم‬ ‫والفلسفة فــي الــطــرائــق والمنهج وطبيعة‬ ‫االختصاص فــي الحقول المعرفية‪ ،‬فإنه‬ ‫ال سبيل إلى نكران أنهما يُعدّان مصدرَين‬ ‫أساسيَين للمعرفة‪ .‬من هنا‪ ،‬فإن اإلشــادة‬ ‫العقلية تقتضي القول بأن مساحات االتصال‬ ‫واالنفصال بينهما حاصلة‪ ،‬من غير أن يعني‬ ‫ذل ــك القطيعة بينهما‪ ،‬وم ــن أبـ ــواب هــذا‬ ‫االتصال‪ ،‬حقيقة أن تطور كل منهما يعتمد‬ ‫على تطور اآلخر وهذه الخالصة الجدلية‬ ‫بــاتــت الــيــوم فــي وضعية اعــتــراف متبادل‬ ‫عوضا عن اإلقصاء المتبادل‪.‬‬ ‫ً‬ ‫كما أن طبيعة الحقول المعرفية التي‬ ‫ترتادها الفلسفة وكذلك العلم من التشابك‬ ‫والتعقيد الــذي يفوق ادعــاء أي طرف دون‬ ‫طرف إمكانية التصدي للمشاكل المعرفية‬

‫والوجودية التي يعيشها العالم اليوم‪ ،‬بل إن‬ ‫هذه المشاكل تقتضي مسألة إيجاد حلول‬ ‫لها من حيث التكامل بين الفلسفة والعلم‪،‬‬ ‫أي بناء عالقة تشاركيّة تكاملية؛ فالفلسفة‬ ‫محتاجة اليوم للعلم الــذي تصنع فتوحاته‬ ‫العظمية تساؤالت فلسفية جديدة‪ ،‬مثلما أن‬ ‫العلم محتاج إلى الفلسفة في تحديد أ ُطره‬ ‫النظرية والبراديغمات الخاصة بنماذجه‬ ‫العلمية اإلرشادية ومعضالته التي تتجاوز‬ ‫اإلجرائيات المنهجية اإلمبريقية والبحوث‬ ‫التجريبية‪ ،‬وتحتاج إلى أسئلة فلسفية صرفة‪.‬‬ ‫إن االســتــقــال المعترف بــه الــيــوم بين‬ ‫العلم والفلسفة ال يعني تعارضهما‪ ،‬بل إن كل‬ ‫حقل منهما يتبادل النمو والتطور المعرفي‬ ‫باالستفادة من نتائجهما وأبحاثهما‪ ،‬ذلك ألن‬ ‫كل من التفكيرين الفلسفي والعلمي يصدران‬ ‫عن العقل المتأصل في الطبيعة البشرية‪.‬‬ ‫نخلص إل ــى الــقــول ب ــأن واق ــع العالقة‬ ‫االرتــبــاطــيــة بين الفلسفة والعلم بما هي‬ ‫عالقة موضوعية تتعدى العالقة التاريخية‪،‬‬ ‫ال يمكن أن تشير إلى اعتبار فكرة الضرورة‬ ‫فــي العالقة التكاملية فكرة اعتباطية أو‬ ‫تَحكميّة تضر بالعلم ومساراته كما يزعم‬ ‫بعض أصحاب النزعة العلموية المتطرفة‪ ،‬أو‬ ‫الذين ينظرون إلى العلم نظرة تقديسية فوق‬ ‫تاريخية وأنــه بــريءٌ من أخطائه ومن سوء‬ ‫تطبيقاته‪ ،‬ويصرون على القول بأن الفلسفة‬ ‫معرقلة للمسار التقدمي للعلم!‬

‫ * كاتب ‪ -‬األردن‪.‬‬

‫‪26‬‬

‫العدد ‪73‬‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫محور خاص‬


‫الواقع والعلم‬ ‫الفلسف ُة بين‬ ‫ِ‬ ‫■ راشد الذيب*‬

‫ما الــذي حدث للفلسفة في عصر الفوضى والعلوم؟ ال ُبــدّ أن العلم المزاحم لجميع‬ ‫َّص مساحات التفكير لدى اإلنسان الذكيّ ‪ ،‬بعد أن كانت الفلسفة مرادفة‬ ‫أنواع الذكاء قد قل َ‬ ‫للحكمة في معظم العلوم؛ ومنذ نظريات إسحاق نيوتن وعمله المشهور «المبادئ الرياضية‬ ‫للفلسفة الطبيعية»‪ ،‬إضــافــة إلــى أح ــداث الـحــرب العالمية الثانية‪ ،‬شهدت الشعوب بعد‬ ‫الحرب أن الوظيفة أهم بكثير من الفلسفة‪ ،‬لكونها احتكرت العلوم الطبيعية بنواحيها‬ ‫الفيزيائية المادية غير البشرية على األرض وحتى الكون‪ ،‬وبكل ظواهرها‪ ،‬ومن ثَمَّ لم يعد‬ ‫فلسفي كما كان سابقً ا‪ ،‬حين كانت الفيزياء أو األحياء أو حتى علم‬ ‫ٌّ‬ ‫للفلسفة اليوم فضاءٌ‬ ‫النفس واالجتماع تُولَد كضلع للتأمل الفلسفي‪.‬‬ ‫االتــصــاالت الــتــي أدخــلــت البشرية عصرًا‬ ‫جديدًا‪ ،‬أصبح يعرف بالعصر الرقمي‪ .‬وهذا‬ ‫األمــر يدفع إلــى التساؤل‪ :‬ما دور ومكانة‬ ‫الفلسفة في هذا العصر الــذي خطت فيه‬ ‫البشرية خطوات كبيرة نحو عصر علمي‬ ‫وتكنولوجي جديد‪ ،‬بدأت تأثيراته تظهر في‬ ‫العالم بأسره‪ ،‬ويصعب التنبؤ بجميع نتائجه‬ ‫وتداعياته؟ وهــل بقي للفلسفة وســط هذا‬ ‫خاص بها‪ ،‬يمكنها أن‬ ‫مجال ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫الزخم العلمي أيّ‬ ‫تهتم به؟ أم إنَّ حالها ومآلها باتا محصورين‬ ‫في االجترار العقيم لقضايا عتيقة؟‬

‫من هنا‪ ،‬يشير الفيلسوف األلماني الشهير‬ ‫«إيمانويل كنط» إلى سمة فريدة تم ِيّز العقل‬ ‫البشري‪ ،‬وهي سعيه الدائم في البحث عن‬ ‫إجابات ألسئلة يستحيل اإلجابة عنها‪ .‬ومع‬ ‫يكف عن طرح‬ ‫علمه بهذه االستحالة‪ ،‬فإنه ال ّ ُ‬ ‫السمة‬ ‫تلك التساؤالت‪ .‬ورأى أن هذه هي ِ ّ‬ ‫تشكّل قوام الفلسفة‪ .‬ونلمس‬ ‫الفريدة التي ِ‬ ‫هنا كيف أدرك «كنط» أنَّ طبيعة الفلسفة‬ ‫هي أقرب إلى طرح األسئلة منها إلى تقديم‬ ‫اإلجابات‪ ،‬ولكن ليس معنى هذا أنَّ الفلسفة‬ ‫تعجز عن تقديم اإلجــابــات وطــرح الحلول‬ ‫تقدّمها الفلسفة‬ ‫دائمًا‪ ،‬بل إن اإلجابات التي ِ‬ ‫كيف تــقــدر الفلسفة على الــواقــع وهي‬ ‫تحرّض على مزيد من التساؤل‪ ،‬أو تشحذ لــم تغير نفسها‪ ،‬ولــم تــحــاول تغيير الــذات‬ ‫في أذهاننا َمل َ َك َة التساؤل والتفكير‪.‬‬ ‫الطامحة للتغيير الجذري؟ ومتى يتم اعتماد‬ ‫وعالم اليوم المثقل باإلنجازات العلمية الفعل الجماعي الموحد في التغيير واالنتقال‬ ‫الكبيرة‪ ،‬من غــزو الفضاء إلــى البيولوجيا من االنطواء الفردي إلى الوحدة التاريخية‬ ‫الدقيقة إلى اكتشاف الخريطة الجينية وثورة للقوى المناضلة على الصعيد االجتماعي؟‬

‫محور خاص‬

‫‪ 73‬العدد‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪27‬‬


‫وم ــن ه ــذا المنطلق ط ــرح فيلسوفنا‪ ،‬استبدا ٌل في رؤيــة اإلنسان للعالم القديم‪،‬‬ ‫جورجين هيرماس‪ ،‬نظرية فلسفية جديدة وتَبنّي رؤية جديدة لعين الذات والعالم الذي‬ ‫للعالقات اإلنسانية فــي ظــل هــذه الــثــورة يسكنه‪ ،‬وإصرار على المشاركة في صناعة‬ ‫قدر‬ ‫الرقمية‪ ،‬تقوم على أساس تحقيق أكبر ٍ‬ ‫المستقبل‪ ،‬والــتــوجــه التشاركي نحو بناء‬ ‫من التفاهم المتبادل بين األفراد والجماعات‪،‬‬ ‫من أجل تحقيق أكبر قدر من المواءمة بين العالم الجديد‪ ،‬والتخلي الطوعي عن سلبيات‬ ‫هذه الثورة الرقمية وثقافات الشعوب‪ ،‬وذلك الماضي وأمــراضــه‪ ،‬وكــل أشكال االنغالق‬ ‫ٍ‬ ‫نقاش‬ ‫ٍ‬ ‫بفتح‬ ‫وحوار يؤديان إلى آفاق جديدة والتعصب والتسلح بالفكر اإليجابي‪ ،‬وإرادة‬ ‫لتساؤالت فلسفية جــديــدة‪ ،‬تتطلب أجوبة العيش المشترك‪ ،‬ومقاومة االرتداد والتبعية‬ ‫عنها‪ .‬والفلسفة بأوسع معانيها هي وحدها‬ ‫والتخلّف‪ ،‬وإبداع شكل جديد للحياة والتغلب‬ ‫القادرة على طرح النقاش والحوار‪ ،‬وتبادل‬ ‫على الحتمية‪.‬‬ ‫اآلراء حولها‪ .‬وكلما تم َكّنت هــذه الــثــورة‬ ‫جديد لإلنسان‪ ،‬ازداد‬ ‫ٍ‬ ‫أفق‬ ‫الرقمية من فتح ٍ‬ ‫فلذلك‪ ،‬ال يقتصر التغيير على الوعي‬ ‫ِ‬ ‫اإللحاح على الفلسفة باألسئلة‬ ‫المتعدّدة‪ ،‬كي والثقافة والبنية الفوقية والقوانين‪ ،‬وإنما‬ ‫تساعدنا على استعادة التوازن‪ ،‬واسترجاع‬ ‫يشمل وضع العمال والنساء والفئات الهشة‪،‬‬ ‫التناسق في رؤية اإلنسان لعالمه المعاصر‪.‬‬ ‫والــقــضــاء عــلــى الــتــفــاوت بــيــن الــطــبــقــات‪،‬‬ ‫هــل نعتقد الــيــوم أن مــهــمــة الفلسفة‬ ‫وتــكــريــس الــمــســاواة‪ ،‬واجــتــثــاث الفقر من‬ ‫تهدف إلــى تغيير المجتمع؟ الحقيقة أنها‬ ‫جذوره‪ ،‬واحترام الكرامة‪ .‬وليس الوعي هو‬ ‫وجــدت لــذلــك‪ ،‬وإال مــا فــائــدة الحكمة في‬ ‫حياة اإلنــســان‪ ،‬وكما نــرى أنها أثــرت حتمًا الــذي يحدد مصير اإلنــســان‪ ،‬بل الظروف‬ ‫بعد قراءتنا للتاريخ اإلنساني الطويل‪ ،‬إنها المادية هــي التي تحدد الــوعــي‪ ،‬وبالتالي‬ ‫غيرت‪ ،‬وإن كان التغيير بطيئًا‪ ،‬والسبب أن ف ــإنّ الــوعــيَ نــتــاج اجتماعي‪ ،‬ولــكــن المرء‬ ‫إمكاناتها الملموسة والفعالة تتطلب التركيز‪ ،‬عن طريق تحويل البراكسيس الفردي إلى‬ ‫إضافة إلى مواجهتها األفكار األخرى التي لم‬ ‫براكسيس جماعي‪ ،‬وبالعمل الخالّق‪ ،‬يمكنه‬ ‫تنسجم معها؛ لذا‪ ،‬ومنذ أن خرجت الحكمة‬ ‫أن يسيطر على محيطه الطبيعي‪ ،‬ويكتسب‬ ‫أو الفلسفة إلــى الوجود وهــي تظهر بأنها‬ ‫تخص أف ــرادًا قالئل‪ ،‬وبطبيعة الحال فإن اإلرادة الفعلية على األشياء ويقدر على تغيير‬ ‫الحكمة إنتاجها قليل‪ ،‬وتأخذ زمنًا ممتدًا كي أحــوالــه‪ .‬لكن لماذا يرتبط تغيير األوضــاع‬ ‫تأتي بنتيجة مؤثرة‪.‬‬ ‫المادية للعالم دائما باستبدال التصورات‬ ‫الالفت للنظر أن التغيير الفعلي يسبقه القديمة له بتصورات ذهنية جديدة؟‬ ‫* كاتب ‪ -‬السودان‪.‬‬

‫‪28‬‬

‫العدد ‪73‬‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫محور خاص‬


‫الكتابة ّ‬ ‫الشذريّة‬ ‫فلسف ُة‬ ‫ِ‬ ‫■ أمين حسن*‬

‫هيرقليطس‪-‬أبيقور‪-‬ماركوس أوريليوس‪« -‬الموراليست»‪ ،‬أو كتّاب األخالق الفرنسيّين في‬ ‫الشكل‬ ‫السابع عشر‪-‬نيتشه‪-‬سيوران‪ :‬يُمْ كِ نُ االنطالق من هذه األسماء لقراءة هذا ّ‬ ‫القرن ّ‬ ‫الالّمعهود في الكتابة‪ ،‬لفهم قيمته الفكريّة والفلسفيّة الّتي فرضت نفسها على النّسق‬ ‫والنّظم والمدارس الفلسفيّة منذ زمن هيرقليطس المسمّ ى بالفلسفة الماقبل سقراطيّة‬ ‫السادس قبل الميالد)‪ ،‬وصوال إلى ما بعد الحداثة (النّصف الثّاني من‬ ‫أو األتوميّة (القرن ّ‬ ‫القرن العشرين)‪.‬‬ ‫لكن ال تخلو مسألة هذا الجنس في الكتابة من (‪2011‬م)‪ ،‬ص‪.)760 .‬‬ ‫التّعقيدات‪ ،‬أوّلها ما يقوله أحد روّادها المعاصرين‬ ‫الصغير أفقًا جديدًا‬ ‫يَ ْفتَ ُح لنا هذا المقطع ّ‬ ‫الرّوماني األصل إيميل سيوران (‪1995-1911‬م) لقراءة أعمال الفالسفة الكبار؛ بمعنى أ ّن فلسفة‬ ‫الّذي كتب أه ّم أعماله بالفرنسيّة‪ .‬يقول سيوران‪ :‬الكتابة الشّ ذريّة تُمكّننا من إلقاء أضواء جديدة‬ ‫«يَدِ ي ُن أبيقور وهيرقليطس بالكثير‪ ،‬ألنّهما لم على النّصوص الّتي وصلتنا‪ ،‬والّتي ال يجوز أحيانًا‬ ‫يبقيا على قيد الحياة إ ّال على شكل شــذرات أن نتعامل معها بطريقة نسقيّة متكاملة األسس‬ ‫فقط‪ .‬يستح ُّق الفيلسوف أن يكمّله تالميذه‪ ،‬وإن والبناء‪ .‬فالشّ ذرة من هنا إعادة تقييم لشموليّة‬ ‫جاءوا بعد ألفي عام‪ .‬تتمثّل مهّمتهم في تخيّل ما بعض الفلسفات والــمــدارس الّتي تحوّلت في‬ ‫تحتويه األجــزاء المفقودة‪ ،‬وملء الفجوات على ح ّد ذاتها إلى دغمائيّات‪ .‬وهذا بالفعل ما نجده‬ ‫النّحو الذي يَ َر ْونَ ُه مناسبًا‪«( ».‬الكراريس ‪ -1957‬عند الفيلسوف واإلمبراطور الرّوماني ماركوس‬ ‫‪1972‬م»‪ ،‬منشورات غاليمار‪1995 ،‬م‪ ،‬ص‪ .)630.‬أوريليوس (‪121-180‬م) من خالل كتاب «تأمّالت‬ ‫يعني ذلك أ ّن بعض األعمال لم تُكتب على‬ ‫هذه الشّ اكلة‪ ،‬بل صارت كذلك ألسباب تاريخيّة‬ ‫معقّدة‪ ،‬وهذا ما يقوله سيوران في شذرة أخرى‬ ‫يتحدّثُ فيها بهذه الطّ ريقة عن أبيقور‪« :‬يا لها‬ ‫من خيبة أمل أ ّن أبيقور‪ ،‬الحكيم‪ ،‬الّذي أحتاجه‬ ‫بشدّة‪ ،‬كتب أكثر من ثالثمائة مصنّف‪ .‬ويا له‬ ‫من ارتياح أنّهم ضاعوا جميعا!» («عن مساوئ‬ ‫ال ـ ــوالدة» (‪1973‬م)‪ ،‬فــي «األع ــم ــال الكاملة»‬

‫محور خاص‬

‫مــن أجــل نفسي» ا ّل ــذي جــاء فــي شكل شــذريّ‬ ‫محض‪ ،‬أي أ ّن أفكار وتأمّالت الفيلسوف انطالقًا‬ ‫من قراءاته‪ ،‬ومن خالل ممارسته السّ لطة‪ ،‬وجدت‬ ‫الصبغة المثلى للتّعبير‬ ‫في هذا الشّ كل البرقيّ ّ‬ ‫النص‬ ‫عن نفسها‪ .‬يُمكننا استقراء ذلك من هذا ّ‬ ‫ا ّلــذي يجمع بين شاهد لإلمبراطور الفيلسوف‬ ‫وتعليق للفيلسوف المعاصر‪:‬‬ ‫«ك ّل ما يحدثُ لنا عــاديّ ومتوقّع مثل الورد‬ ‫‪ 73‬العدد‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪29‬‬


‫الصيف‪ .‬هكذا هو‬ ‫في الرّبيع‪ ،‬أو الحصاد في ّ‬ ‫لنا المرض والــمــوت واالفــتــراء الّــذي يُمزّقنا»‬ ‫(ماركوس أوريليوس)‪.‬‬ ‫نظرة عميقة مــن خــال وضــع االفــتــراء في‬ ‫التّسلسل الهرميّ لألوبئة مباشرة بعد المرض‬ ‫والـــمـــوت‪( »...‬س ــي ــوران‪« ،‬الــكــراريــس ‪-1957‬‬ ‫‪1972‬م»‪ ،‬ص‪.)194 .‬‬ ‫هنا تكمن ضــراوة هذا الجنس في الكتابة‪:‬‬ ‫شــذرة تحمل قــراءة ونظرة للعالم فحكما تُعلّ ُق‬ ‫عليها شذرة أخرى تذهب بها أبعد في الزّمان‬ ‫والــمــكــان‪ .‬وه ــذا مــا يُــدو ّنــه ســيــوران فــي أحد‬ ‫كراريسه في شهر مارس ‪1963‬م‪ ،‬قبل أن يعيد‬ ‫بلورته على شكل هــذه الــشّ ــذرة في كتاب «عن‬ ‫مساوئ الوالدة» سنة ‪1973‬م‪:‬‬ ‫المقطع األصــلــي‪« :‬قــــرأتُ عــنــد فيلسوف‬ ‫من القرن التّاسع عشر أ ّن الروشفوكو مُحقٌّ‬ ‫بخصوص الماضي‪ ،‬لكنّ «أحكامه» لن تنطبق‬ ‫على رجل المستقبل!»‬ ‫المقطع النّهائي‪« :‬أق ـ ّر فيلسوف من القرن‬ ‫الماضي في أسخف براءته أ ّن الروشفوكو كان‬ ‫سيدحض‬ ‫ُ‬ ‫على حقّ عن الماضي‪ ،‬لكنّ المستقبل‬ ‫قوله‪ .‬فكرة التقدّم تسيء حقّا إلى العقل‪.‬‬

‫أ ّمـ ــا بــخــصــوص فــرانــســوا دو الروشــفــوكــو‬ ‫(‪1680-1613‬م)‪ ،‬وهو مع بليز باسكال وجون‬ ‫دوال برويير أحد أه ّم «الموراليست»‪ ،‬أو كتّاب‬ ‫األخــاق الفرنسيّين في القرن السّ ابع عشر‪،‬‬ ‫فيمكننا اعتبار تطوّر اللّغة والثّقافة الفرنسيّة‬ ‫الّتي وصلت إلى ما يُسمّى بالعهد الكالسيكي‪،‬‬ ‫خاصة مع ثقافة‬ ‫أي شيء ما مثل العهد الذّهبي‪ّ ،‬‬ ‫والصالونات األدبيّة والفكريّة‬ ‫ّ‬ ‫البالط من جهة‪،‬‬ ‫من جهة أخــرى‪ ،‬سنحت إلــى هــذا الجنس من‬ ‫التّبلور‪ ،‬حتّى إنّه في ح ّد ذاته صار حجر زاوية‬ ‫لكتابة المسرحيّات والرّوايات كما يتجلّى ذلك‬ ‫في رائعة «األميرة دو كليف») ‪1678‬م) الّتي لعب‬ ‫الروشفوكو دورًا كبيرًا في كتابتها إلــى جانب‬ ‫صاحبتها السيّدة دوال فاييت‪.‬‬ ‫في أحد حواراته الشائقة‪ ،‬يروي سيوران كيف‬ ‫شرع في تقليص نصوصه ‪ -‬بعد صــدور كتابه‬ ‫األوّل «رسالة في التّحلّل» (‪1949‬م) ‪ ،-‬إذ يقول‪:‬‬ ‫«يجبُ أن نفهم أ ّن كتابة األقوال المأثورة بسيطة‬ ‫للغاية‪ :‬تُلبّي دعوة عشاء‪ ،‬سيّدة تقول شيئًا غبيّا‪،‬‬ ‫هذا يُلهمك للتّفكير‪ ،‬تعو ُد إلى المنزل‪ ،‬تكتبه‪.‬‬ ‫هــذا تقريبًا ما يحصل‪ .‬أو في منتصف اللّيل‬ ‫لديك إلهام‪ ،‬بداية عبارة‪ ،‬في السّ اعة الثّالثة‬ ‫صباحً ا تكتب هذه الصيغة‪ .‬وأخيرًا يُصب ُح كتابًا‪.‬‬ ‫هذا ليس أمرًا ج ّديّا‪ .‬ال يمكنك أن تكون أستاذًا‬ ‫جامعيّا من خالل كتابة الشّ ذرات‪ .‬ال‪ ،‬ليس هذا‬ ‫ممكنًا‪ .‬لكنّي أعـ ُّد أ ّن في حضارة االنحطاط‪،‬‬ ‫هذا النّوع من األشياء جيّد ج ـدَّا‪«( ».‬حــوار مع‬ ‫ليّو جيلّي»‪ ،‬الحوارات‪ ،‬باريس‪ ،‬غاليمار‪1995 ،‬م‪،‬‬ ‫ص‪).78.‬‬

‫نلحظُ الفرق بين ما كتبه سيوران في كراريس‬ ‫عمله‪ ،‬وما قرّر نشره بعد التمعّن وإعادة الكتابة‪،‬‬ ‫يخص هذا‬ ‫ّ‬ ‫وهو في ح ّد ذاته فنّ ال يستهان به‬ ‫يخص الشّ عر بسبب‬ ‫ّ‬ ‫الجنس مــن الكتابة كما‬ ‫القيمة الّتي تحملها ك ّل كلمة وعبارة‪ ،‬أو كما يقول‬ ‫سيوران نفسه في أوّل كتاب من نوع الشّ ذرات‬ ‫ه ــذا ه ــو الــفــكــر األخ ــاق ــي ا ّل ـ ــذي يــنــدرج‬ ‫شكل ومضمونًا سيوران كأنموذج للفكر‬ ‫ً‬ ‫تــحــت عــنــوان «قــيــاســات ال ــم ــرارة» نــشــره سنة ضمنه‬ ‫‪1952‬م‪« :‬أحل ُم بعالم نموت فيه من أجل فاصلة»‪ .‬األخالقي الكالسيكيّ ا ّلــذي تطوّر في فرنسا‪،‬‬

‫‪30‬‬

‫العدد ‪73‬‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫محور خاص‬


‫عشر‪ ،‬هم‪ :‬جون الفون‪ ،‬وإيريك تُوريت‪ ،‬ولويس‬ ‫فان دالفت الّذي يعد «الكتّاب األخالقيّين بمنزلة‬ ‫علماء إنسان قبل زمنهم»‪ .‬يبدو ذلــك صريحً ا‬ ‫الصلة الّتي تربط بين هــؤالء ونيتشه‬ ‫إن قارنّا ّ‬ ‫الّذي من خالل قراءاته لهم حاول االبتعاد عن‬ ‫النسقيّة األنثروبولوجيّة الّتي جاءت بقلم مُواطنه‬ ‫إيمانويل كانط (‪1804-1724‬م)‪ .‬ربّما يطول‬ ‫شرح األمر هنا‪ ،‬لكن يُمكننا تلخيص هذه العالقة‬ ‫عبر النّقاط الثّالثة التّالية‪« :‬الرّجل الشّ ريف»‬ ‫والذّوق الرّفيع؛ العالقة بين األفراد في المجتمع؛‬ ‫ومسألة التّفاعل الّتي تعتبر ضاربة في الحداثة‪،‬‬ ‫إذ إ ّنــهــا تفتح لنا األفــق لــقــراءة أنثروبولوجيّة‬ ‫حد سواء‪.‬‬ ‫ونفسيّة واجتماعيّة‪ ،‬على ٍ ّ‬

‫وعرف رواجً ــا كبيرًا في كامل أنحاء أوروبــا إلى‬ ‫حــدود نهاية القرن التّاسع عشر مع أحد أه ّم‬ ‫الفالسفة فريد ريــش نيتشه (‪1900-1844‬م)‬ ‫الّــذي يعده الباحث والجامعي روب ــارت بيبّين‬ ‫أحد الفالسفة األخالقيّين الفرنسيّين‪ .‬يُمكننا‬ ‫معاينة ذلك من خالل كتاب «إنسانيّ مفرط في‬ ‫اإلنسانيّة» المتكوّن من جزأين (‪1878‬م)‪ ،‬الّذي‬ ‫أهــداه الفيلسوف األلماني إلــى الــاّذع فولتير‬ ‫بمناسبة مئويّة وفاته‪ .‬ففي الشّ ذرة السّ ادسة‬ ‫والثّالثين‪ ،‬الّتي جاءت تحت عنوان «اعتراض»‪،‬‬ ‫يكتب نيتشه ما يلي‪« :‬يُشب ُه الروشفوكو واألساتذة‬ ‫الفرنسيّين في الدّراسات النّفسيّة الرّماة الّذين‬ ‫يُصوّبون ج ّيدًا ويُخْ فُو َن في الظّ الم‪ - ،‬لكن في‬ ‫ظلمة الطّ بيعة البشريّة‪ .‬تُثي ُر مهارتهم الدّهشة‪،‬‬ ‫لكن المتفرّج الذي يسترشد بحبّ البشر وليس‬ ‫وهكذا‪ ،‬يُمكننا أن نقول إ ّن فلسفة الكتابة‬ ‫بروح العلم‪ ،‬سينتهي به األمر إلى لعن هذا الفنّ الشّ ذريّة تطرح تساؤالت عديدة عن مواضيع‬ ‫ُ‬ ‫ا ّلــذي يبدو أ ّنــه‬ ‫يغرس في النّفوس الميل إلى أوس ــع وأكــبــر مــن مسألة الــشّ ــكــل فــي الكتابة‬ ‫التّقزيم والشّ ك في البشر»‪.‬‬ ‫واألجناس األدبيّة واألنماط الفكريّة واألنسقة‬ ‫آثــرنــا تــرجــمــة الــمــقــطــع إل ــى ال ـ ّنــهــايــة أل ّن الفلسفيّة‪ .‬المسألة كما يقول عنها سيوران في‬ ‫الجملة األخيرة تعكس بالنّسبة لنا قيمة الفكر آخر شذرة من آخر كتاب أصدره (‪1987‬م) تحت‬ ‫الشّ ذريّ بصفة عامّة‪ ،‬والمقدرة النّيتشويّة على عنوان شائق ورهيب في الوقت نفسه‪« :‬اعترافات‬ ‫النّقد والـ ّتــجــاوز بصفة خـ ّ‬ ‫ـاصــة‪ ،‬فبالرّغم من ولعنات»‪« :‬بعد ك ّل شــيء‪ ،‬لم أضيّع وقتي‪ ،‬لقد‬ ‫إعجابه بفالسفة األخــاق الفرنسيّين يُحاول اهتززتُ كثيرًا‪ ،‬مثل أيّ شخص آخــر‪ ،‬في هذا‬ ‫نيتشه الذّهاب قدمًا‪ ،‬بمعنى أنّه ال يتوقّف على‬ ‫الكون المنحرف‪».‬‬ ‫اإلعجاب أو التّقليد‪ ،‬بل يُحاو ُل أن يُعطي لكتابته‬ ‫أليس هذا ما يلزمنا هذه األيّام‪ ،‬أيّام الجائحة‬ ‫ونظرته األخالقيّة بُْــعـدَا علميّا جديدًا بفضل‬ ‫االكتشافات الّتي وصل إليها العلم خالل القرنين والحجر الصحّ ي والعزلة الفرديّة والجماعيّة‬ ‫الثّامن والتّاسع عشر‪ .‬هنا‪ ،‬يمكننا الحديث عن على ح ّد سّ واء‪ :‬بعض الشّ ذرات اليوميّة كجرعات‬ ‫«أنثروبولوجيا» حقيقيّة كما عبّر عن ذلك ثالثة دواء للتّفكير والتحرّك وربّما الكتابة فتكريس‬ ‫من أه ّم الباحثين في تاريخ أدب القرن السّ ابع ثقافة الحياة في نهاية األمر‪.‬‬ ‫ * كاتب ‪ -‬تونس‪.‬‬

‫محور خاص‬

‫‪ 73‬العدد‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪31‬‬


‫الفلسف ُة والحيا ُة‪ ..‬بين الخي ِر والشر ِّ‬ ‫■ د‪ .‬هناء بنت علي البواب*‬

‫فــي دراس ــة علم األخ ــاق‪ ،‬يوجد أكثر مــن اتـجــاه عــام فــي الجانبين القديم والحديث‪،‬‬ ‫فالتصور اليوناني يدور محوره حول «السعادة»‪ ،‬وكان الحكماء والشعراء يرون أنها تنحصر‬ ‫في اللذة الحسية‪ ،‬أما الفالسفة فيرونها في اللذة العقلية‪.‬‬ ‫وفي المفهوم الديني‪ ،‬األخــاق في الدنيا طريق إلى السعادة في اآلخــرة‪ .‬وفي العصر‬ ‫أيضا‪ ،‬منها ما يدور مركزه حول «التجربة»‪ ،‬أو «الواجب»‪ ،‬أو‬ ‫الحديث هناك أكثر من تصور ً‬ ‫«المنفعة»‪ ،‬أو «التطور»‪ .‬وهكذ‪،‬ا تنوّعت وتشعّ بت التصورات األخالقية‪.‬‬ ‫فــحــيــن بـ ــدأت الفلسفة الخلقية وفــق‬

‫منظورها العقالني المتناسق فكرًا وروحً ا‬ ‫على يــد ســقــراط‪ ،‬فقد أظهر أن األحكام‬

‫األخالقية هي بنية تتابعية متواصلة وفق‬

‫نظام عقلي ثابت يرتبط بعضه ببعض ليشكل‬

‫تسلسل في المراتب يكتشفه العقل وحده‪،‬‬ ‫ً‬

‫وليست مجموعة متوالية‪ ،‬كيفما اتفق األمر‪.‬‬ ‫ولقد اهتم سقراط بدراسة الحد الكلي‬

‫والماهية المشتركة لإلنسان أو الطبائع‬ ‫العامة لألشياء‪ ،‬وبذلك وضع الساف األول‬ ‫في تشييد علم األخالق‪.‬‬

‫فالعلم الذي يراه سقراط‪ ،‬يبتدئ بتحديد‬

‫المعاني وإقامة التصورات من خالل عملية‬ ‫االستقراء واالنتقال من الجزئي إلى الكلي؛‬

‫وبــذلــك‪ ،‬وضــع لــأخــاق نــظــا ًمــا متماسك‬ ‫األجــــزاء‪ ،‬وراســـخ الــبــنــيــان‪ .‬فــالــمــوجــودات‬

‫الذهنية هي الموجودات الحقيقية‪ ،‬وبما أن‬

‫‪32‬‬

‫العدد ‪73‬‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫الوجود العقلي أسمى من الوجود الحسيّ ‪،‬‬ ‫إذًا فإن الحياة الحقيقية هي الحياة التي‬ ‫تستضيء بنور العقل‪ .‬وعلى هــذا المبدأ‪،‬‬ ‫يعد السلوك األخــاقــي هــو ذلــك السلوك‬ ‫الــذي يعتمد على المعرفة والتفكير‪ ،‬وأن‬ ‫الفضيلة تتضمن معنى العلم‪ ،‬والعلم يقوم‬ ‫على الفضيلة‪.‬‬ ‫لذلك‪ ،‬متى ما علمنا أن هذا خي ٌر أردناه‪،‬‬ ‫ومتى أردنــاه فعلناه‪ ،‬إذ كل منا إنما يطلب‬ ‫الخير لنفسه‪ ،‬والخير إنما يكون بتوافق‬ ‫اإلرادة والعقل‪ .‬أي إن إنجاز الخير يتحقق‬ ‫بالعمل وفق العلم والمعرفة‪ .‬ومن هنا‪ ،‬ال‬ ‫يرتكب اإلنسان فعل الشر بمحض اختياره‪،‬‬ ‫وال يرغب فيه حين يعلم علمًا يقينيًا واضحً ا‬ ‫ما هو الخير‪ .‬وعندما يجنح اإلنسان لفعل‬ ‫الشر‪ ،‬فهو إنما يجنح له بسبب جهله به‪ ،‬فكل‬ ‫الشرور ناتجة من الجهل‪ ،‬وجميع الخيرات‬ ‫مبعثها العلم‪ .‬ومــع ذلــك‪ ،‬بمقدور اإلنسان‬

‫محور خاص‬


‫أن يتعلم الــصــدق والــعــدل والشجاعة وما‬ ‫إليها‪ ،‬ومن الممكن تعويده على فعل الخير‬ ‫باطالعه على نتائج األعمال الحسنة‪ ،‬وال‬ ‫عالج للشرير أفضل من تعليمه نتائج سوء‬ ‫أفعاله التي ارتكبها‪.‬‬ ‫أما أفالطون‪ ،‬فقد اهتم باألخالق جراء‬ ‫تــأثــره بأستاذه ســقــراط‪ ،‬وكتب محاوراته‬ ‫األخالقية على غراره‪ ،‬وذلك في تقديم مبدأ‬ ‫العقل والقانون على بقية مبادئ الغريزة‬ ‫والمنفعة والــلــذة والطبيعة‪ .‬ففي محاورة‬ ‫«ب ــروت ــاغ ــوراس» يــنــص أفــاطــون عــلــى أن‬ ‫القانون ليس كما يعتقد السوفسطائيون‪،‬‬ ‫بأنه اتفاق بين طرفين متساويين‪ ،‬بل رابطة‬ ‫عضوية متينة بين الفرد والدولة‪ ،‬مثل رابطة‬ ‫العضو بالجسد‪.‬‬ ‫وبــحــســب رأي أف ــاط ــون‪ ،‬ف ــإن الحياة‬ ‫المثالية تعتمد على مدى إحاطة صاحبها‬ ‫من الفلسفة‪ ،‬وعلى قدرته في تثمين األشياء‪.‬‬ ‫إذ كلما تفوّق فيه نداء العقل والفلسفة على‬ ‫مــبــدأ البطش والــلــذة‪ ،‬ارتــفــع وســمــا حتى‬ ‫يبلغ السعادة القصوى‪ .‬لذلك‪ ،‬في محاورة‬ ‫«فــيــدون» يصف الخير‪ ،‬بأنه الخالص من‬ ‫الجسد واستئصال الشهوات والقضاء على‬ ‫الحياة الحسية؛ إذ «بالتأكيد يمكن للروح أن‬ ‫تنعكس عندما تكون خالية من كل المشتتات‬ ‫مثل السمع أو البصر أو األلــم أو المتعة‬ ‫من أي نوع‪ .‬بمعنى عندما تتجاهل الجسد‬ ‫وتصبح مستقلة قدر اإلمكان‪ ،‬وتتجنب جميع‬

‫سقراط‬

‫االتــصــاالت الجسدية واالرتــبــاطــات بقدر‬

‫اإلمكان وبقدر ما تستطيع في بحثها عن‬ ‫الواقع»‪.‬‬

‫وإذا كان السوفسطائيون ينكرون قانون‬

‫األخالق ألن الضعفاء أوجدوه لحمايتهم‪ ،‬وأن‬ ‫الفضيلة تعني اللذة‪ ،‬ويحق لإلنسان أن يعمل‬ ‫ما يراه لذيذًا‪ ،‬فإن أفالطون يرد عليهم‪ ،‬بأن‬ ‫هــذا القول يجعل الحق نسبيًا‪ ،‬والفضيلة‬

‫شخصية‪ ،‬واألخالق بال قانون؛ وهذا منتهى‬ ‫الجهل‪ ،‬إضافة إلى أنه ال يفرق بين الخير‬

‫والشر؛ ما ينفي عنهما حقيقة ذاتية ثابتة‪،‬‬ ‫فيؤدي إلى هدم األخالق والمجتمع‪ ،‬ويقضي‬

‫على اإلنسان واإلنسانية‪.‬‬

‫* كاتبة ‪ -‬األردن‪.‬‬

‫محور خاص‬

‫‪ 73‬العدد‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪33‬‬


‫الفن‬ ‫الحياة إلى‬ ‫الفلسف ُة من‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫■ ليلى التلمساني*‬

‫إن األصل في الفلسفة ‪-‬كما يقول أرسطو‪ -‬هي الدهشة التي جعلت اإلنسان يتفلسف‬ ‫ويطرح السؤال بحثًا في ألغاز الطبيعة والوجود‪ .‬هدف اإلنسان الحقيقة ومعرفة ما وراء‬ ‫األشياء والموجودات‪ ،‬في تفسير الطبيعة بعللها وأسبابها بعيدً ا عن األسطورة وبطوالت‬ ‫اآللهة‪ ،‬وكل ما هو نتاجٌ للخيال‪ ،‬وما ال يستسيغه العقل وال يقبله في تأويل األشياء‪.‬‬ ‫م ــن عــالــم الــمــيــتــوس‪ ،‬وســــرد الــقــصــص‪،‬‬ ‫ومغامرات اآللهة في الثقافة اليونانية‪ ،‬إلى‬ ‫هيمنة اللوغوس والبحث عن الحقيقة‪ ،‬كانت‬ ‫البداية عظيمة‪ ،‬كما يشير لذلك هايدغر في‬ ‫انبثاق فكر من اإلنسان والطبيعة؛ فك ٌر ينتشل‬ ‫التفكير من براثن التفكير األسطوري‪ ،‬ويقدم‬ ‫عصارة التفكير اإلنساني في خدمة اللوغوس‪.‬‬ ‫حاجة الناس للتفلسف‪ ،‬تعني قدرة الفلسفة‬ ‫في إزالــة الغموض عن العالم‪ ،‬وطرح األسئلة‬ ‫الفلسفية عن مجمل القضايا الشائكة‪ ،‬تلك‬ ‫التي تندرج ضمن ما هو ميتافيزيقي‪ ،‬وتلك‬ ‫التي تُعبّر عن صميم الحياة الخاصة بالمعاناة‬ ‫واأللم والسعادة ورغبات اإلنسان‪ .‬ال شيء يبقى‬ ‫يقينيا‪ ،‬وال بديل عن التفكير النقدي والتسليم‬ ‫بحق العقل في التساؤل وإثــارة الممكن‪ ،‬في‬ ‫غموضا وتعقيدًا كما في تحليل رأي‬ ‫ً‬ ‫عالم يزداد‬ ‫إدغار موران للفكر المركب‪ ،‬وأسئلته القلقة عن‬ ‫عالم اليوم‪ ،‬في ظل أوهام اإلنسان وأحالمه‪.‬‬ ‫ثقافة االختزال والتبسيط نالت اليوم من‬ ‫التفكير جــهـدًا‪ ،‬ولــم يعد يقوى على مجاراة‬ ‫الحياة وإيقاع الزمن‪ ،‬والفكر المركب تراجع‬ ‫أمام فكر تبسيطي‪ ،‬أو لنقل فكر تقني يهيمن‬

‫‪34‬‬

‫العدد ‪73‬‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫عليه دعاة التقنية وأصحاب التخصص‪ ،‬فكر‬ ‫ينتهي الغتراب اإلنسان‪ ،‬وتكريس أنماط من‬ ‫السلوك يهتم باالستهالك والتنميط؛ وبالتالي‪،‬‬ ‫تــخــاطــب الفلسفة اإلنــســان فــي ذاتـــه ألجــل‬ ‫الغوص والفحص على الطريقة السقراطية‪،‬‬ ‫أو على الطريقة الديكارتية‪ ،‬أو استلهام آليات‬ ‫الفكر الفلسفي المعاصر في الحفر والتفكيك‬ ‫والخلخلة‪ ،‬ما يعني أن ال يقين نهائيًا وال بداهة‬ ‫فوق النقد والتحري!‬ ‫إذا أردنــا أن نستوعب خصوصية الفلسفة‬ ‫التطبيقية‪ ،‬كان علينا أن نميز بين أمرَين‪ :‬إتقان‬ ‫فنّ الحياة‪ ،‬واكتساب خبرتها‪.‬‬ ‫عقد أســتــا ُذ الفلسفة األخالقية األلماني‬ ‫الشهير ويلهِ لم شميت (‪)Wilhelm Schmidt‬‬ ‫مــعــظــم كــتــابــاتــه عــلــى فــلــســفــة فـ ــنّ الــحــيــاة‬ ‫(‪ .)Lebenskunst‬فــأكــبّ يشجّ ع الــنــاس على‬ ‫اغتنام فرصة الوجود الفردي الوحيد المتاح‬ ‫لك ّل إنسان‪ ،‬من أجل االستمتاع بك ّل لطائف‬ ‫االختبارات الحياتية‪ .‬ال ب ّد هنا من المقارنة‬ ‫بين مسعى الفنّ الحياتي والــتــزام التفلسف‬ ‫الحياتي‪ .‬تُطلعنا المقارنة بين فلسفة فنّ الحياة‬ ‫وفلسفة خبرة الحياة على خصائص ك ّل مسعًى‬

‫محور خاص‬


‫على حدة‪ .‬إذ تضع فلسف ُة فنِّ الحياة السعادةَ‬ ‫في مقام الصدارة؛ في حين أ ّن فلسفة خبرة‬ ‫الحياة تجتهد لكي تجعل اإلنسان يستحقّ مثل‬ ‫هذه السعادة‪ .‬ففيلسوف فنّ الحياة ينحت حياته‬ ‫نحتًا‪ ،‬في حين أ ّن فيلسوف خبرة الحياة يتمرّس‬ ‫ّس المناضل المستحقّ ‪ .‬األوّل‬ ‫بحياته تــم ـر َ‬ ‫عرض اإلنسان الواثق المتيقّن في‬ ‫َ‬ ‫يَعرض ذاتَه‬ ‫عمق وجدانه؛ أمّا الثاني فيضطلع بمسؤولية ما‬ ‫هو حقٌّ وصائبٌ ومالئمٌ‪ .‬األوّل متحرّكٌ ‪ ،‬منفعلٌ‪،‬‬ ‫مخلص‪ ،‬مواظبٌ ‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫متوثّبٌ ‪ ،‬أمّا الثاني فمستقيمٌ‪،‬‬ ‫يهب األوّل حياتَه معنًى من المعاني؛ في حين‬ ‫ينجز الثاني المعنى ويحقّقه في معترك الحياة‪.‬‬ ‫ففلسفة فــنّ الحياة تبحث عن متعة الحياة‪،‬‬ ‫أمّا فلسفة خبرة الحياة فتجتهد في معالجة‬ ‫اإلنسان ومداواته من آثار الحياة الزائفة‪ ،‬ومن‬ ‫تفاهتها ونفاد طاقتها‪ .‬تهرب فلسفة فنّ الحياة‬ ‫من الظالل فتبحث عن النور‪ ،‬أمّا فلسفة خبرة‬ ‫الحياة‪ ،‬فتتجنّب النور الخافت‪ ،‬ولكنّها ترضى‬ ‫بتعاقب النور والظالل في حياة اإلنسان‪ .‬وإذا‬ ‫كان فنّا ُن الحياة يعتقد أنّه يجيب جوابًا واضحً ا‬ ‫عن ســؤال الحياة؛ فــإ ّن خبير الحياة يستثير‬ ‫السؤا َل الذي جوابُه الحياةُ عينُها!‬ ‫الفلسفة فن للعيش وفن للجدال والنقاش‪،‬‬ ‫وهي تجربة حية في صميم الوجود اإلنساني‪،‬‬ ‫وعــاقــة اإلن ــس ــان بــاألشــيــاء واآلخ ـ ــر‪ .‬يحيا‬ ‫هــذا اإلنسان وســط العالمات والــرمــوز‪ ،‬وفي‬ ‫كثافة الــدالالت والمعنى‪ ،‬ويفقد معنى الحياة‬ ‫عندما يصاب ويختزل بوصفه أداة في اإلنتاج‬ ‫ووسيلة لالستهالك في واقع المجتمع الحالي‪،‬‬ ‫ومهمة التفكير الفلسفي في رؤى الفالسفة‬

‫تعني خلق إنسان بمواصفات الحكيم الهادف‬ ‫للعيش بالطريقة التي ترسمها الفلسفة بعيدًا‬ ‫عن القولبة‪ ،‬وبالقرب من الحرية‪ ،‬وفي وسط‬ ‫المواجهة‪ ،‬وأحيانا يمكن للعدمية أن تفيدنا في‬ ‫مجابهة حياة التصنع والتطفل والروتين اليومي‪،‬‬ ‫عندما نتمكن من تجاوز الوجود المزيف رغم‬ ‫وج ــوده فــي وســط اجتماعي مشحون ذهنيًا‬ ‫ووجدانيًا بسمات الرتابة واالستهالك‪ ،‬عالم‬ ‫القيم الجماعية والتقاليد المكبلة للفرد والقيم‬ ‫الفردانية‪.‬‬ ‫ال بــد مــن ال ــع ــودة للفلسفة للتعبير عن‬ ‫الممكن‪ ،‬وإقــامــة مجتمعات بــأقــل األض ــرار‬ ‫الــتــي تنشر الــوعــي الصحيح وتفند الوعي‬ ‫المزيف‪ ،‬في تنامي ظواهر اجتماعية‪ ،‬والتخلف‬ ‫الفكري‪ ،‬وسيطرة التقنية في الحياة‪ ،‬وصعود‬ ‫التقني والبيروقراطي‪ ،‬وأصحاب االمتيازات‬ ‫واستفحال نظام التفاهة‪ ،‬وتحويل العالم إلى‬ ‫مسرح للهو والترفيه‪ ،‬في تشجيع االستثمارات‬ ‫في الفن والرياضة على حساب برامج التنمية‪.‬‬ ‫ويبقى الــســؤال مه ّمًا لماذا نحتاج للفلسفة؟‬ ‫ولماذا نتفلسف؟‬ ‫حاجتنا للفلسفة والتفلسف ضــروريــة في‬ ‫إزال ــة الــغــشــاوة عــن الفكر وتنمية الملكات‪،‬‬ ‫وتعديل السلوك الهمجي‪ ،‬حتى يستوي اإلنسان‬ ‫حضاريًا؛ ألن الفلسفة في تعاريفها تبقى عِ لْمًا‬ ‫دقيقًا‪ ،‬وعلمًا كليًا‪ ،‬والفيلسوف طبيب حضارة‪،‬‬ ‫وعندما تسود الحكمة فــي العالم تسترشد‬ ‫السياسة بــالــرؤيــة الصائبة‪ ،‬وينعم المثقف‬ ‫والزعيم بالفكر الرشيد في القيادة والزعامة‬ ‫للتنظيمات والمؤسسات‪.‬‬

‫* كاتبة ‪ -‬مصر‪.‬‬

‫محور خاص‬

‫‪ 73‬العدد‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪35‬‬


‫ة اإلجباريّة*‬ ‫السعاد ُ‬ ‫■ ترجمه‪ :‬مونية فارس**‬

‫«الهابيقراطية»‪ :‬كيف تمكنت صناعة السعادة من إحكام قبضتها على مصائرنا‪.‬‬ ‫ريمي باوان‪Rémy Pawin :‬‬

‫يقوم كل من إدغار كابانا ‪ Edgar Cabanas‬وإيفا إلوز ‪ Eva Illouz‬في هذا البحث بانتقاد «علوم‬ ‫تسخر نفسها لخدمة األيديولوجية النيوليبرالية‪ .‬إذ ال تكتفي هذه «العلوم»‬ ‫السعادة» التي ّ‬ ‫بدعوة الناس إلى التنازل عن مطالب التغيير السياسي‪ ،‬ولكنها تقودهم كذلك إلى الشعور‬ ‫بالذنب‪ ،‬إن لم يكن في مقدورهم االستجابة إلمالءاتها‪.‬‬ ‫يسعى هذا المؤلَّف ذو النزعة الفوكالدية «المتباينة والغامضة وغير الحاسمة بل‬ ‫(نسبة لميشيل فوكو) لتوجيه النقد «لعلوم والمتناقضة» (ص‪ ،)45 .‬فقد استطاعت‬ ‫السعادة» التي سرعان ما تحولت إلى قوة هذه التخصصات أن ترسخ فكرة مفادها‬ ‫ناعمة وأداة للتحكم في العقول واألجساد أن السعادة سلعة موضوعية وقابلة للقياس‪،‬‬ ‫خدمة لإليديولوجية النيوليبرالية‪ .‬ويتضح من خالل ما يسمى باستبيانات «الرفاهية‬ ‫ه ــذا الــتــوجــه فــي الــمــؤلــف مــنــذ الــعــنــوان الــذاتــيــة» إل ــى الــحــد ال ــذي أصــبــحــت معه‬ ‫الفرعي‪ « :‬كيف تمكنت صناعة السعادة من «السعادة واحدة من البوصالت االقتصادية‬ ‫إحكام قبضتها على مصائرنا؟»‪ .‬وهو يعرض‬ ‫والسياسية واألخالقية الرئيسة لمجتمعاتنا‬ ‫منذ السطور األول ــى الــهــدف الــذي يسعى‬ ‫النيوليبرالية (ص‪.)٦٤ .‬‬ ‫المؤلفان لبلوغه‪ :‬أن يبرزا ما تنطوي عليه‬ ‫قــد يــبــدو ه ــذا االســتــنــتــاج مــفــاجـ ًئــا في‬ ‫«علوم السعادة» المزعومة من الخطر ومن‬ ‫السياق الفرنسي‪ ،‬لكثرة مــا بسط النمو‬ ‫الالجدوى‪.‬‬ ‫ومؤشره الرئيس الناتج المحلي اإلجمالي‬ ‫ويقع الكتاب فــي خمسة فصول كتبت‬ ‫كلها بلغة واضحة وبأسلوب جزل‪ .‬يسترجع هيمنته على األخــبــار التلفزيونية وعلى‬ ‫الفصل األول تاريخ التخصصات الرئيسة السياسات العامة هناك‪ .‬إذ يتم االعتماد‬ ‫في «علم السعادة» ‪ -‬علم النفس اإليجابي على استبيانات الرفاه الشخصي بانتظام‪،‬‬ ‫واقــتــصــاد الــســعــادة ‪ -‬مــع التركيز بشكل ويتم تقديمها كحقائق علمية مثبتة‪ -‬وهي‬ ‫أســاس على علَمَين بــارزيــن كانا سباقين ليست كذلك‪ -‬كما يتم توظيفها بشكل فعال‬ ‫إلــى التنبؤ بها‪ ،‬وهــمــا‪ :‬مــارتــن سيليجمان لتبرير وضع العالم كما هو عليه‪ ،‬ولرفض كل‬ ‫وريتشارد اليارد‪ .‬إذ على الرغم من نتائجها محاوالت تغيير النظام القائم‪.‬‬

‫‪36‬‬

‫العدد ‪73‬‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫محور خاص‬


‫يــتــنــاول الــفــصــل الــثــانــي مــحــتــوى هــذه‬

‫وبالمثل‪ ،‬فــإن التغييرات الطارئة على‬ ‫تنظيم المقاولة‪ ،‬والتي تمثل خلق وظيفة‬ ‫جديدة «لمسئول السعادة ‪Chief Happiness‬‬ ‫‪« Officer‬مثال أبرز مظاهرها‪ ،‬ال تعدو كونها‬ ‫تغييرات تجميلية‪ .‬والخطاب الــذي يمتدح‬ ‫االستقاللية والمرونة ويحث عليهما «يشجع‬ ‫في الحقيقة موظفي المقاولة ومعاونيها على‬ ‫أن يحولوا الرقابة التي يمارسها صاحب‬ ‫العمل عليهم إلــى رقابة ذاتية يمارسونها‬ ‫بانتظام (ص‪ ،)132 .‬بما في ذلــك صغار‬ ‫الموظفين من ذوي المهام الدنيا‪ .‬وتجني‬ ‫المقاولة وكــبــار مُسَ يّريها فــوائــد واضحة‬ ‫وفورية من هذه التغييرات‪ ،‬غير أن نفعها‬ ‫يظل أقل وضوحً ا لدى الموظف الذي أصبح‬ ‫مسئول عن التناقضات التنظيمية والتوترات‬ ‫ً‬ ‫االجتماعية‪.‬‬

‫التغيير االجتماعي السياسي‪ ،‬وانــزواء كل‬

‫يستعرض الفصل التالي صفات المواطن‬ ‫السعيد‪ ،‬وفق ما جــاءت به علوم السعادة‪،‬‬ ‫ليفنّد بشكل منهجي اإلمــاءات التي تحث‬ ‫على «إدارة الــفــرد لــعــواطــفــه»‪ .‬يبني علم‬ ‫مثال نموذجيًا لمواطن يعمل كمُسَ يّر‬ ‫السعادة ً‬ ‫لنفسه‪ .‬عبارة عن «‪ psytoyen‬مواطن‪-‬طبيب‬ ‫نفسي»‪ ،‬تتلخص أهــم صفاته في «اإلدارة‬ ‫العاطفية الذاتية واألصالة وتحقيق الذات»‬ ‫(‪.)155‬‬

‫التخصصات ليُظهِ ر كيف أن الفرد السعيد‬ ‫الــذي تقترحه أنموذجً ا يتوافق تمامًا مع‬

‫المثالية النيوليبرالية؛ إذ يقترح منظرو علم‬

‫النفس اإليجابي «صيغة للسعادة» تفيد بأن‬ ‫ســعــادة كــل واح ــد منا تتوقف بنسبة ‪%50‬‬

‫على الجينات‪ ،‬و‪ ٪40‬على العوامل النفسية‬

‫المرتبطة أساسً ا بنظرة الفرد إلى حياته‪،‬‬ ‫و‪ ٪10‬فقط على «ظــروف العيش والعوامل‬

‫الخارجية األخ ــرى» (ص ‪ .)83‬أي إن كل‬

‫شخص مسئول عن سعادته التي ال يضطلع‬ ‫الظرف االجتماعي بأي دور في تحديدها‪.‬‬ ‫وتبدو هــذه المعادلة «المشكوك ج ـدًا في‬

‫صحتها» (ص ‪ )83‬وكــأنــهــا مستمدة من‬ ‫اإليديولوجية النيوليبرالية‪ ،‬كما أنها تحمل‬ ‫دعــوة خفية إلــى التخلّي عن أي رغبة في‬

‫فرد في «قلعته الداخلية» لكي يجد مفاتيح‬

‫رفاهيته بنفسه‪.‬‬

‫يتناول الفصل الثالث مسألة العمل‪ ،‬إذ‬

‫مقنع أن السعي‬ ‫ٍ‬ ‫نحو‬ ‫يبين المؤلفان على ٍ‬ ‫الزائف إلى تحقيق رفاهية الموظفين ليس‬

‫س ــوى شــكــل جــديــد مــن أشــكــال الهيمنة‪.‬‬ ‫وهكذا‪ ،‬يتم استخدام علماء النفس في كثير‬

‫من األحيان ليعملوا على تقبل المأجورين‬

‫لسياسات التسريح بسهولة‪ ،‬وللرفع من‬ ‫فــبــحــســب زعـــــم هــــــؤالء الــمــصــلــحــيــن‬ ‫إنتاجيتهم‪ ،‬أو لتوظيفهم باالعتماد على األخالقيين الــجــدد الــذيــن ينكرون وجــود‬ ‫«اإليجابية التي تنبع من شخصيتهم» عوض عمليات نفسية غير واعية‪« ،‬يتساوى جميع‬ ‫االحتكام إلى مهاراتهم التقنية (ص‪ .)128 .‬األفراد من حيث توافرهم على آلية نفسية‬

‫محور خاص‬

‫‪ 73‬العدد‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪37‬‬


‫أو عضلة داخــلــيــة تتيح لــهــم أن يــسـ ّيــروا‬ ‫أنفسهم بشكل كامل»؛ لذلك‪ ،‬فهم يحثون‬ ‫على «اكتساب هذه المهارات وتطويرها من‬ ‫أجــل التحكم في الــذات بشكل جيد» (ص‬ ‫‪.)156‬‬

‫في إطار خطاب علمي ال يخلو من خطورة‪.‬‬ ‫أنــه أداة جــديــدة للتحكم بمصائر الناس‬ ‫وحملهم على الطاعة‪ .‬ويشكّل إذًا ملف ادّعاء‬ ‫متسق وجيد المبنى‪ .‬ولقد جاء في الوقت‬ ‫المناسب إلعطاء وجهة نظر مضادة حول‬ ‫خطاب أصبح اآلن مهيمنًا‪ .‬وربــمــا يفسر‬ ‫نجاحه في فرنسا بالمقاومة التي جوبهت‬ ‫بها إيديولوجية السعادة في هذا البلد‪ ،‬أقوى‬ ‫مما عليه األمــر في أي منطقة أخــرى من‬ ‫مناطق العالم الغربي‪.‬‬

‫إلى تفاقم آالم أولئك الذين يعانون نوعا من‬ ‫العقوبة المزدوجة؛ ألنهم ال يعانون فقط من‬ ‫عدم شعورهم بالسعادة‪ ،‬بل يشعرون كذلك‬ ‫بالذنب جراء ذلك‪.‬‬

‫صحيح أن علم النفس اإليجابي ال يعدو‬ ‫في كثير من األحيان أن يكون إعــادة إنتاج‬ ‫للطرق القديمة والــمــتــجــاوزة فــي اإليحاء‬ ‫والتنويم المغناطيسي الذاتيين‪ ،‬لكن نفسية‬ ‫الكائن البشري تتسم قبل كل شيء بالمرونة‪.‬‬ ‫وال شــك أنــه يفترض بنا أن نستغل بعض‬ ‫القدرات النفسية التي تبقى إلى اآلن غير‬ ‫معروفة لدينا‪ ،‬وه ــذا ال يعني بالضرورة‬

‫يصف الفصل األخير عواقب وضع السعادة‬ ‫في أعلى سلم القيم‪ ،‬ويؤكد أن «أنصار علم‬ ‫النفس اإليجابي لم يكتفوا بتوصيف السعادة‬ ‫من وجهة نظرهم‪ :‬بل حددوا معنىً وحيدًا‬ ‫وحصريًا للحياة المثالية» (‪ .)224‬وبذلك‪،‬‬ ‫فقد قاموا بتصنيف العواطف إلى فئتين‪:‬‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬هناك نقاط عديدة تستحق أن‬ ‫اإليجابية‪ ،‬والسلبية‪ ،‬وحــثــوا الــنــاس على تناقش في هذا الكتاب‪ .‬فالمؤلفان يشيران‬ ‫التخلص نهائيًا من العواطف السلبية‪.‬‬ ‫منذ البداية إلــى أن بحثهما هو من العلم‬ ‫يوضح مؤلفا الكتاب من جهتهما أن هذا بمنزلة الخيال العلمي من االبتكار‪ :‬إذ يعمل‬ ‫األمــر ليس فقط مستحيال (فلن يستطيع االثنان على فتح برامج بحثية‪ ،‬ويمكن للصدى‬ ‫علم النفس اإليــجــابــي وضــع ح ـ ّد للمرض الذي خلّفه تلقي هذا الكتاب أن يسهم في‬ ‫والــمــوت على سبيل الــمــثــال)‪ ،‬ولكنه يمثل إطالق برنامج من هذا النوع‪ .‬ولتحقيق ذلك‪،‬‬ ‫ـضــا شيئًا غير مــرغــوب فيه‪ ،‬وذلــك ألن سيكون من المستحسن إجراء دراسة أكثر‬ ‫أيـ ً‬ ‫المشاعر السلبية يمكن أن تكون لها نتائج تعمقًا حول هؤالء «المبشرين بعلم السعادة»‪،‬‬ ‫إيجابية في بعض األحيان‪ .‬لكن األدهى من الذين يعمد المؤلفان سريعًا إلى تشبيههم‬ ‫ذلك أن بناء نموذج مثالي للفرد السعيد يؤدي بمشعوذين ال يتوقون لغير الربح السريع‪.‬‬

‫وفـــي الــخــتــام‪ ،‬يــخــلــص الــمــؤلــفــان إلــى‬ ‫االعتقاد بأن علم السعادة لن يمنحنا أبدًا‬ ‫مفاتيح السعادة‪ ،‬ألن كل ما يفعله هو إعادة‬ ‫إنتاج قواعد الحكمة التقليدية التي يصهرها‬

‫‪38‬‬

‫العدد ‪73‬‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫محور خاص‬


‫التخلي عن كل رغبة في التغيير االجتماعي‬ ‫والــســيــاســي‪ :‬ف ــأن تستند عــلــوم الــســعــادة‬ ‫فــي مجملها ضــمــنـ ًيــا إل ــى اإليــديــولــوجــيــة‬ ‫النيوليبرالية ال يعني أنه يجب أن نرفضها‬ ‫كليًا‪ ،‬ألننا بذلك نترك للنيوليبرالية فرصة‬ ‫إحداث التغيير السياسي الذي تصبو إليه‪.‬‬ ‫أخيرًا‪ ،‬تتمثل نقطة الضعف الكبرى لهذا‬ ‫المؤلَّف في القيم التي يَفتَرض أنها يجب أن‬ ‫توجه البحث والعمل‪ .‬إذ تتضمن المقدمة ما‬ ‫يلي‪« :‬يظل العدل والمعرفة‪ ،‬وليس السعادة‪،‬‬ ‫الهدف األخالقي الثوري في حياتنا»؛ إنه‪،‬‬ ‫إذًا‪ ،‬خيار شبه ديني هذا الذي يتحكم في‬ ‫مشروع المؤلِّفين بكامله‪.‬‬

‫‪Edgar Cabanas, Eva Illouz, Happycratie. Comment‬‬ ‫‪l’industrie du bonheur a pris le contrôle de nos vies,‬‬ ‫‪Paris, Premier Parallèle, 2018, 270 p.‬‬

‫لكن هذه الحكمة القديمة تستدعي اآلن يفترض أن تشكل غاية في حد ذاتها‪ ،‬فهذا‬ ‫مشكل قيميًا ال يحل إال عن طريق‬ ‫ً‬ ‫إعادة النظر فيها‪ .‬فمن الطبيعي أن العدالة يطرح‬ ‫االجتماعية يجب أن تــســود؛ لكن تحقيق الديمقراطية‪ .‬فكما يدعونا المؤلفان إلى‬ ‫السعادة ال يعني بــالــضــرورة القضاء على عدم الخضوع لألحكام السائدة‪ ،‬ورغبة منا‬ ‫المساواة‪ .‬وبالتالي فمن يجعلون من البحث في خلق التوازن المطلوب‪ ،‬يجب علينا أن‬ ‫الــفــردي عن السعادة إعــاء لمثل األنانية نذكر بهذه األبيات للشاعرة آنا نواي ‪Anna‬‬ ‫والــحــيــف‪ ،‬ومــن يسعون صــراحــة لمنع أي ‪Noailles‬‬ ‫إمكانية للبحث في هذا المجال‪ ،‬يحتاجون ال تحفظوا من العلم سوى‬ ‫بشكل مؤكد إلى تقديم المزيد من الحجج ما يلزمكم لتحقيق السعادة‬ ‫إلقناعنا بوجاهة موقفهم‪.‬‬ ‫فمهما اتسعت مداركنا‬

‫أمــا فيما يخص مسألة المعرفة التي ال بد أن يحدها الموت يوما‬ ‫ * عنوا ُن المقال األصلي‪Bonheur obligatoire :‬‬ ‫‪.https://laviedesidees.fr/Bonheur-obligatoire.html‬‬ ‫ ‬

‫** مترجمة ‪ -‬المغرب‪.‬‬ ‫ ‬

‫محور خاص‬

‫‪ 73‬العدد‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪39‬‬


‫قراء ٌة في ديوان‬

‫«أردت أن أقول‪ ..‬ألمي»‬ ‫ُ‬ ‫لـ‪ ..‬هند النزاري‬

‫■ محمود قنديل*‬

‫الحرفية قد بلغت شأوًا بعيدً ا؛ إال إنه ظل مُ ْخلِ ًصا‬ ‫«على الرُ غم من أن مهارته ُ‬ ‫للطاقة الشعرية داخ ــل قـيــود الصنعة‪ ،‬ذلــك أنــه لــم يجعل الموهبة فــي خدمة‬ ‫الصنعة‪ ،‬وإنما جعل الصنعة في خدمة الموهبة»‪.‬‬ ‫بهذه الكلمات تحدثت الناقدة اإلنكليزية «إديث سيتول» عن الشاعر العظيم‬ ‫حد بعيد على شاعرتنا العربية‪ /‬السعودية‬ ‫تي‪ .‬إس‪ .‬إليوت‪ ،‬وهو ما ينطبق إلى ٍ‬ ‫«أردت أن أق ــول‪ ..‬ألم ــي»‪ ،‬وهي‬ ‫ُ‬ ‫«هند ال ـنــزاري» فــي صياغتها لقصيدتها الطويلة‬ ‫السفْ رُ الشعري الذي حمل العنوان الفني المُ رَاوِ غ‬ ‫القصيدة الوحيدة التي ضمها ِّ‬ ‫نفسه‪.‬‬ ‫فالشاعرة حافظتْ على إيقاع النص الشاعرة بموهبة خصيبة‪ ،‬ودراية كبيرة‬

‫وموسيقاه بغير تَـ َكـلُّــف ودون ت َ‬ ‫َصنُّع‪ ،‬بفن الشعر ولُغته‪ ،‬األمر الذي مكَّنها في‬ ‫واستدعت مفردات لغوية جميلة نجحت كل المواضع من تطويع لغتها الخاصة‪،‬‬ ‫فــي تــوظــيــفــهــا بــرهــافــة لــرفــع قــواعــد ورؤاها العامرة لصالح مرادها المنشود؛‬

‫عمل إبداعي متميز يروق‬ ‫النص‪ ،‬كما نجحت في استلهام أجواء بُغية تقديم ٍ‬

‫ميتافيزيقية بهدف تقريب المسافة بين الــذائــقــة العربية أينما كــانــت وحيثما‬ ‫الطبيعة وما وراءها‪.‬‬

‫ولعل التدفق التلقائي للقصيدة بلغة‬

‫و ُِجدَت‪.‬‬

‫ولــقــد آثـــرت الــشــاعــرة وضــعــنــا في‬

‫سليمة وسديدة يؤكد على مــدى تَ َمتُّع مدارات عالمها الشعري المفعم باألضداد‬

‫‪40‬‬

‫العدد ‪73‬‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫دراسات ونقد‬


‫(القهر‪ /‬الحرية‪ ،‬اإلنغالق المجتعي‪ /‬االنفتاح‪،‬‬ ‫غياب القيم‪ /‬حضورها‪ ...‬إلخ)‪.‬‬ ‫ولعلها تبغي من وراء ذلك إماطة اللثام عن‬ ‫وجه الواقع إلظهاره على حقيقته دون زيف‬ ‫أو مساحيق‪.‬‬ ‫إنــهــا تــبــدو ف ــي ك ــل األحـ ـ ــوال مهمومة‬ ‫بإخفاقات واقعها المعيش‪ ،‬وتسعى بدأب‬ ‫إلى حث المتلقي على إزالــة هذه الترديات‬ ‫عن سماء حياته‪ ،‬لينقشع الضباب ويتمكن‬ ‫من التعاطي اإليجابي مع مشروعية أحالمه‬ ‫وطموحاته‪.‬‬ ‫وألن مبدعتنا تعشق العربية (لغة القرآن‬ ‫الكريم)‪ ،‬وتتمتع بثقافة إسالمية عريضة؛‬ ‫فقد تسلل إلــى خطابها الشعري مفردات‬ ‫(بــرزخ‪ ،‬طهور‪ ،‬ســورة‪ ،‬آيــة‪ ،‬جنة‪ ،‬روح‪ ،‬نور‪،‬‬ ‫وغيرها كثير)‪.‬‬ ‫وفي تصورنا أن التخييل لدى «هند» قد‬ ‫بلغ مبلغًا عَ ل ّيًا‪ ،‬فهي تحتفي بالصورة الفنية‬ ‫بطرائق تنأى عن التقليدية‪ ،‬وتحتفل بالمشاهد‬ ‫نازك المالئكة‪.‬‬ ‫المرئية وغير المرئية؛ إنها تستوقفنا أمام‬ ‫وإذا كان العنوان يُعَد ُمدْخَ ًل رئيسً ا للنص؛‬ ‫مشاهد تراها بعين فنانة‪ ،‬لتبين لنا قسوة‬ ‫فإننا هنا بصدد كلمات ثالث (إرادة‪ ،‬قول‪،‬‬ ‫القهر‪ ،‬ومرارة االغتراب‪ ،‬والشعور بالعزلة‪.‬‬ ‫أم)؛ واإلرادة تستلزم قــو ًة أ ًيــا كــان نوعها‪،‬‬ ‫ورغــم مالمح الــحــداثــة التي ال تخطئها‬ ‫والقول يتطلب معنى‪ ،‬واألم هي سبب الوجود‬ ‫عين قــارئ محترف أو ناقد متخصص؛ إال‬ ‫وراعية الحياة‪ ،‬وهي الحقيقة والرمز‪ ،‬وقد‬ ‫إن الشاعرة تنبهنا بكلمات قليلة إلى تمسكها‬ ‫تكون الوطن‪ ،‬لذا فقد لزم االنتماء إليها‪.‬‬ ‫بــاألصــالــة (الخليل بن أحمد الفراهيدي)‬ ‫تستهل الشاعرة قصيدتها‪:‬‬ ‫والــمــعــاصــرة (الــشــاعــرة الــعــراقــيــة «ن ــازك‬ ‫المالئكة» أول من كتب قصيدة التفعيلة)‪ ،‬كُ نَّا معً ا‬ ‫صوت على ِضفافه يُخيِّم الهُ طول‬ ‫ٌ‬ ‫فتقول‪ :‬أستأنس الخليل في بحوره‪ /‬وأستشير وكان لي‬

‫دراسات ونقد‬

‫‪ 73‬العدد‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪41‬‬


‫وكان عندي َب ْي َد ٌر من مفردات‬ ‫لصوتك النَّدي بالهُ يام‬ ‫ِ‬ ‫بأنني مدينةٌ له‬ ‫ضاع حين دارت الفصول‬ ‫بكل لحظةٍ‬ ‫ِ‬ ‫وهــو استهالل جيد لن ٍَص يبوح بالكثير‪،‬‬ ‫عانقت في أوتارها الغمام‬ ‫ُ‬ ‫ويمهد ألسباب االغــتــراب وبــواعــث العُزلة‪،‬‬

‫وهو خطاب يقدم فروض الطاعة والوالء‬ ‫ّات صلبة في بناء القصيدة‪ ،‬ويرينا‬ ‫ويضع لَ ِبن ٍ‬ ‫بغير تَحَ فُّظ اللحظة اآلنية بما يتأجج داخلها واالنتماء‪.‬‬ ‫من فورات وثورات‪.‬‬ ‫وتطمح «هند» إلى تقديم المزيد والمزيد‬

‫ومع ذلك تحرص الشاعرة بعدما ضاعت ألمها بفعل تصوير فني مرهف ينشد الصعب‬ ‫وينادي المستحيل‪:‬‬ ‫بعض من أقوالها‪:‬‬ ‫فرصتها على تأريخ ٍ‬

‫ْصتي‬ ‫وحين ضاعت فُ ر َ‬ ‫أردت قوله‬ ‫بعض ما ُ‬ ‫دونت َ‬ ‫ُ‬ ‫فربما هاتفتُ ها على مدارٍ آخر‬ ‫التقت أطيافُ نا‬ ‫ْ‬ ‫أو‬ ‫أو جاءني من عندها رسول‬

‫أهديك رُو َح غيمةٍ طَ رُ وب‬ ‫ِ‬ ‫أردت أن‬ ‫ُ‬ ‫كي تزهر الفصول‬ ‫من ترنُم الدروب‬ ‫كي يستحيل كوننا معازفً ا‬ ‫للنبض للنعيم للطيوب‬ ‫وتواصل الشاعرة التدفق الفني متكئة على‬ ‫مفهوم مأثور مفاده استحالة تَحَ وُّل الدماء إلى‬ ‫ماء‪ ،‬لكنها تقِ ر هنا أن الدماء أصبحت بالفعل‬ ‫كالماء‪ ،‬وهو ما يؤكد على انفصام العالقة بين‬ ‫اإلنسان وما ينتمي إليه‪:‬‬

‫وهــذا يــدل على انــعــدام وسيلة التواصل‬ ‫بينها وبين حبيبتها (األم‪/‬الــوطــن)‪ ،‬وتطلُّعها‬ ‫إلى مدار آخر (سماوي‪َ /‬قـدَرِ ي)‪ ،‬ربما تجد‬ ‫عنده وسيلة اتصال‪ ،‬أو من خالل رسول يأتي‬ ‫إليها برسالة تحمل لها وصايا أمها؛ فهي‬ ‫عام ًة ال تعدم األمل في اللقاء والتخاطب‪.‬‬ ‫أردت أن أقول‬ ‫ُ‬

‫وتعبر عن قوتها في مواجهة المخاوف رُغم حسرتي‬ ‫والــهــواجــس وك ــل مــا تــاقــيــه مــن أح ــداث إن الدماء أصبحت كالماء‬ ‫في عروقنا‬ ‫وخطوب‪ ،‬وتأبى االستسالم‪:‬‬ ‫ألنها منذ ا ْن َت َقل ِْت‬ ‫ساومت فيها الخوف والهواجس المجاذفة لم تعُ د‬ ‫أردت أن أقول ال للحزن‬ ‫ُ‬ ‫مرتاحة للونها‬ ‫رُغم كل ما أالقي‬ ‫وتعود لتُخاطب األم (الحاضرة‪ /‬الغائبة)‪:‬‬

‫أردت أن أقرَّ ألف مرةٍ‬ ‫ُ‬

‫‪42‬‬

‫العدد ‪73‬‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫وتتبنى القصيدة لهجة ُمتَهكِ مة في معرض‬ ‫التحدث عنَّا وعــن عَ الَمِ نا العربي بتشظيه‬ ‫السافر‪ ،‬وعــن قداسة أمكنتنا‪ ،‬وعــن توالي‬

‫دراسات ونقد‬


‫أنباء النَّكبات‪:‬‬

‫سألت عن دمائنا الموقرة‬ ‫ِ‬ ‫وكُ لَّما‬ ‫عنَّا وعن أعدائنا‬ ‫وعن جديد قُ دْ سنا المحررة‬ ‫وعن جندنا ووحدة الصفوف‬ ‫وعن أخبارنا في حربنا المظفرة‬ ‫أخفيك عن تلفازنا المذعور‬ ‫ِ‬ ‫أردت أن‬ ‫ُ‬ ‫عن صفحات أي نكبةٍ‬ ‫يسوقها موزع الصباح‬ ‫للعروبة المُ دَمَّ رَة‬ ‫وبالسخرية ذاتها والتَّهكم والمرارة تشجب‬ ‫الشاعرة الجُ بْن والبؤس الرابضين على وجوه‬ ‫عن فكرتها ويمنعها‪:‬‬ ‫قبيحة وارتها المساحيق (المكياج)‪:‬‬ ‫إنَّا ندين للذين استحدثوا المكياج بالكثير‬ ‫من أماننا‬

‫فج ْبنُنا يندس خلف كُ حلنا الجريء‬ ‫ُ‬ ‫في وداعة‬ ‫وبؤسنا يحثو وراء مسحة أنيقة‬ ‫والحمْ َر ُة المُ رْجاة فوق الوجنتين‬ ‫ُ‬ ‫تردُ م الدمع السكيب المنجرف‬

‫أردت أن أش ـكــو إل ـيـ ِـك ه ــذه ال ـ ـ ِه ـ ْنــد التي‬ ‫ُ‬ ‫تجوس في إهابي‬ ‫وهذه المرآة إذ تمارس التغابُن‬ ‫أغمضت رُوحي دُ ونها‬ ‫ُ‬ ‫وكُ لَّما‬ ‫تجسدت لي خيبتي‬ ‫واشتط بي سرابي‬ ‫وحينما أزورها‬ ‫أرى عليها صورتي‬ ‫بالرُّ غم من غيابي‬ ‫وكلما أثور من برودها‬ ‫أراك في مالمحي ترمينني بنظرةِ‬ ‫ِ‬ ‫َاب‬ ‫رقيقة العِ ت ِ‬

‫والشاعرة ِهنْد النزاري في كالمها المُحَ مَّل‬ ‫لسان عربي‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫بالهموم كأنها تتحدث باسم كلِ‬ ‫فنراها تشكو لألم‪ /‬الوطن ما آل إليه الحال‬ ‫مــن خيبات متوالية‪ ،‬وأنــهــا وكــل عربي في‬ ‫صراع مستمر بين (الهُو واألنا واألنا ال ُعل ْيا)‬ ‫وتشير شاعرتنا إلــى مواضع األلــم التي‬ ‫بحسب تعبير سيغموند فرويد‪ ،‬وأنها تعجز‬ ‫ِطيلة الوقت عن التَّخَ لُّص من هذا الصراع يعاني منها اإلنسان العربي في وقتنا الراهن‪،‬‬ ‫القاتل‪ ،‬وأنها في النهاية تخفق في االنسحاب دون أن يسعى إلى عالج الجُ رْح الغائر في‬ ‫من حلبة المصارعة‪ ،‬ألن رُوح االنتماء يُقْصيها وعيه ووجدانه‪ ،‬وكأنه استطاب العيش جوعً ا‬

‫دراسات ونقد‬

‫‪ 73‬العدد‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪43‬‬


‫قبل مرور المزيد من الوقت‪.‬‬ ‫فاالستخدام لـ (لو) هنا فني أكثر مما هو‬

‫لُغوي (امتناع الجواب المتناع الشَّ رط)‪.‬‬

‫ولنا أن نستدعي مقولة الشاعرة في صدر‬

‫ديوانها (قولوا ألمهاتكم ما تريدون قولَهُ‪...‬‬ ‫اآلن)‪ ،‬وكأنها تطلق أجراس الخطر وصافرات‬ ‫اإلنذار‪ ،‬وتحذر من ضراوة فوات األوان‪.‬‬

‫إن شاعرتنا «هند النزاري» تعرف أهمية‬

‫وغرب ًة وقهرًا وهــزائـمَ‪ ،‬فخاصمته الجُ رأة‪،‬‬

‫وطالته الحرائق‪:‬‬

‫وضعت ذات ُجرأة دروعي‬ ‫ُ‬ ‫لو أنني‬ ‫نثرت في كف الحنين أحرفي‬ ‫ُ‬ ‫وغربتي‬ ‫وجوعي‬ ‫ُ‬ ‫الصمت‬ ‫ِ‬ ‫لهاث‬ ‫غفلت في ِ‬ ‫ُ‬ ‫لو ما‬ ‫عن ترتيلة الهجوع‬ ‫أطلقت قيد لهفتي‬ ‫ُ‬ ‫لو أنني‬ ‫انهمرت خلف كل غُ َّصةٍ‬ ‫ُ‬ ‫لو‬ ‫سخيةِ الدموعِ‬ ‫سبقت (لو)‬ ‫ُ‬ ‫لو أنني‬ ‫بخطوةٍ جريئة‬ ‫لما استحالت أحرفي حرائقً ا‬ ‫تقتص طول العمر‬ ‫من ضلوعي‬

‫الخطاب الشعري ومدى تأثيرة في النفس‪،‬‬

‫فهو «ديــوان العرب وعنوان األدب» كما قال‬ ‫أبو فراس الحمداني‪.‬‬

‫وربما كانت تؤمن بمقولة الناقد االنكليزي‬

‫«رتشاردز»‪ :‬الشعر أكمل وسيلة للخطاب‪.‬‬

‫وأن الشعر صنعة وإبــداع بحسب مفهوم‬

‫اإلغريق‪.‬‬

‫لقد نأت الشاعرة عبر سطور قصيدتها‬

‫عن المساحات التقليدية في الشعر العربي‪،‬‬ ‫أرضا ِب ْكرًا‪ ،‬مؤمنة‬ ‫ووطأت ب َمل َ َكتِها اإلبداعية ً‬

‫بموهبتها القادرة على التجديد والتجريب‪.‬‬

‫نص له عبقه الخاص‪ ،‬وعبيره‬ ‫إننا بصدد ٍ‬

‫المميز‪ ،‬وعِ طره المُخْ تَلِف‪ ،‬وعمقه الكاشف‬

‫عن كل إخفاقاتنا‪ ،‬وشاعرتنا ال تقصد من‬ ‫ذلــك تثبيط العزائم ودحــر الــهِ ـ َمــم‪ ،‬ولكنها‬

‫تدعونا بفنية إلى عودتنا إلى وعينا الغائب‪،‬‬

‫ولــعــل فــي تــكــرار ح ــرف (ل ــو) فــي نهاية أو عودة وعينا إلينا‪ ،‬لعلَّنا نمحو عن أوطاننا‬ ‫القصيدة استنهاض للهمم وشحذ للعزائم ضبابية المشهد‪ ،‬ومأساة اللحظة‪.‬‬ ‫ * كاتب ‪ -‬مصر‪.‬‬

‫‪44‬‬

‫العدد ‪73‬‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫دراسات ونقد‬


‫رؤية العالم‬

‫في ديوان “بلقع”‬ ‫■ د‪ .‬هويدا صالح*‬

‫الشاعر كغيره من المبدعين يتفاعل مع محيطه االجتماعي‪ ،‬يتمثل فلسفة‬ ‫ورؤية للعالم في شعره‪ ،‬يحاول أن يُعبِّر عنها وعن وعيه بالعالم‪ ،‬وطرح أسئلته على‬ ‫هذا العالم‪ ،‬وكشف المسكوت عنه في مجتمعه‪ ،‬ومساءلة هذا المجتمع وثقافته؛‬ ‫لذا‪ ،‬سوف نقارب ديوان «بلقع» للشاعرة السعودية هند النزاري‪.‬‬ ‫قبل مقاربة رؤية العالم في الديوان‪ ،‬آخرين يكتبون قصيدة العمود الشعري‬

‫أريد أن أشير إلى أن الشعر فيما بعد التي تنبني في المقام األول على اإليقاع‬ ‫الحداثة يقبل التعدد والتنوع والتجاور‪ ،‬والوزن‪ ،‬وتلتزم وحدة القافية‪.‬‬

‫فنظرية ما بعد الحداثة تسمح بهذا‬ ‫التجاور‪ ،‬فبعد مسيرة الشعر العربي‬ ‫الــتــي قــطــعــهــا ب ــداي ــة م ــن الــقــصــيــدة‬

‫الكالسيكية العمودية‪ ،‬ومرورًا بمدارس‬ ‫الــرومــانــســيــة‪ ،‬والــمــهــجــر‪ ،‬وال ــدي ــوان‪،‬‬ ‫والــشــعــر الــحــر‪ ،‬وقــصــيــدة التفعيلة‪،‬‬

‫ـول إلــى قصيدة الــنــثــر‪ ،‬مــا زال‬ ‫ووصـ ـ ً‬ ‫هناك من الشعراء من يكتب القصيدة‬

‫العمودية‪ .‬لذا بجوار شعراء وشاعرات‬

‫بــل إن الــشــاعــر نــفــســه يــكــتــب في‬ ‫الديوان الواحد أكثر من شكل شعري؛‬ ‫وهذا ما فعلته الشاعرة في الديوان‪،‬‬ ‫حيث لــم تــفــارق كالسيكية القصيدة‬ ‫في معظم النصوص‪ ،‬وإن حاولت كتابة‬ ‫بعض الــنــصــوص بسيميائية السطر‬ ‫الشعري والشعر المنثور‪.‬‬ ‫ف ــي هـــذه ال ــورق ــة ســنــقــارب رؤي ــة‬

‫يكتبون قصيدة التفعيلة والنثر‪ ،‬نجد النزاري للعالم‪ ،‬ونكشف عن الخطاب‬

‫دراسات ونقد‬

‫‪ 73‬العدد‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪45‬‬


‫الثقافي في قصائدها‪ ،‬ونرصد التعالقات‬ ‫النصية التي نهض عليها النص الشعري‪،‬‬ ‫وتجليات ومستويات التناص فيه‪.‬‬ ‫عند تأمل بعض قصائد الــديــوان نجد‬ ‫الشاعرة لم تفارق رؤيــة القدماء للعالم‪،‬‬ ‫ليس على مستوى البنية واإليــقــاع والــوزن‬ ‫والقافية فقط‪ ،‬بل على مستوى الرؤية‪ ،‬ففي‬ ‫القصيدة األولــى «وقلت لليل» نجدها ترى‬ ‫الليل مثلما رآه امرؤ القيس قبل ما يزيد عن‬ ‫ألف وخمسمائة سنة‪ ،‬فقد خاطب الليل بأنه‬ ‫ليل طويل ال يريد أن ينجلي‪ ،‬فتقول النزاري‬ ‫بعد كل هاتيك القرون‪:‬‬

‫«يا ليل ما للوقت فيك تجمدا‬ ‫ل ــزم ــت ع ـقــاربــه ال ــوق ــوف تـهـجــدا»‬

‫وتستمر فــي مخاطبة الــلــيــل وتطالبه‬ ‫أن يقول للصباح أن يشرق علّه يأتي بيوم‬ ‫جديد لتنتهي الذات الشاعرة التي تتحدث‬ ‫باسم الذات الجمعية من تيهها‪ ،‬حتى إنها‬ ‫تستخدم «نا الفاعلين» في النص مخاطبة‬ ‫الليل‪:‬‬

‫السطر الشعري فتقول‪:‬‬

‫«ما أجملني حين أراك على مرآتي‬ ‫حـيــن تـظـلــل طـيـفــي عـيـنــاك وتـغـشــى كل‬ ‫مسافاتي‬ ‫تتجول في وجهي‬ ‫«ق ــل للصباح إذا تـثــاقــل خطـ ـ ـ ــوه‬ ‫ويدي‬ ‫ع ـ ِّـج ــلْ فـلـيــس عـلـيــك أن تـ ـت ــوددا» وتنمو بين مسافاتي» (ص‪.)8‬‬ ‫أش ــرق وحـســب لننتهي مــن تيهنا‬ ‫وكما في قصيدة «الليل»‪ ،‬حاولت الشاعرة‬ ‫ونضيف لأليام يوما أربدا»(ص‪ .)3‬أن ترصد األزمــات النفسية التي تمر بها‬

‫تــازم الــشــاعــرة العمود الشعري حتى‬ ‫وإن كتبت شطرات قصيدتها على طريقة‬ ‫«التفعيلة»‪ ،‬رغــم أن اإليــقــاع الخليلي هو‬ ‫الشكل الجمالي الذي تفضله‪ ،‬إال إنها في‬ ‫قصيدة «اجعلني جميلة» تكتب بطريقة‬

‫‪46‬‬

‫العدد ‪73‬‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫الــذات الشاعرة‪ ،‬تقوم في قصيدة «لحظة‬ ‫للروح» بالغوص في الذات ورصد التحوالت‬ ‫النفسية التي تمر بها‪ ،‬مناجية الذات اإللهية‪،‬‬ ‫فيتحول الحب اإللهي بالنسبة للذات إلى‬ ‫منقذ مــن أزماتها النفسية‪ ،‬وتسيطر على‬

‫دراسات ونقد‬


‫القصيدة النثرية التي تخرجها من اإليقاع‬ ‫الذي تفضله الشاعرة‪ ،‬فتقول‪:‬‬

‫«مثل زلزال تمطى في سراديب وجودي‬ ‫هز جثماني ودوى عابرً ا عمرً ا قديم القهر‬ ‫صخري القيود‬ ‫صحو أو خدار ٍ حرّك اآلسن من روحي‬ ‫ٍ‬ ‫مثل‬ ‫جرحا كنت قد أُنسيته‬ ‫ً‬ ‫وأحيا فيَّ‬ ‫واحتال كي ينسل بي في لمح برق‪...‬‬ ‫طاف ُحـ ُّـب اهللِ أعماقي وجلّى لي نعيمي»‬ ‫(ص‪.)11‬‬ ‫في القصيدة التالية «ارحــل أيها األمــل»‬ ‫تواصل الشاعرة رصد مواجع الذات وآالمها‪،‬‬ ‫وتــغــوص أكــثــر فــي األزمـ ــات النفسية التي‬ ‫تفصلها عن العالم»‪:‬‬

‫واق ـت ـح ـم ــت ال ـع ـم ــر سـ ـه ــوً ا أيـ ـه ــا ال ــوم ــض‬ ‫المخادع‬ ‫شركً ا في الدرب‬ ‫منصوبًا‬ ‫لقلب في قفار العمر مجذول وهاجع‬ ‫جئت تبلو هدأة األيام‬ ‫تحيي نبضها‬ ‫من بعد أن أغلقت أبواب المنى الهوجاء‬ ‫سد ًّا للذرائع‬ ‫كن رحيمً ا وابتعد فالجرح غائر‪( ...‬ص‪.)15‬‬ ‫ت ــواص ــل الــشــاعــرة ال ــغ ــوص داخـ ــل روح‬ ‫ذاتها الشاعرة‪ ،‬تــرى مشاهد مواجع الــروح‬ ‫وانفصالها عن الواقع المرير‪ ،‬سعيها الدائم‬ ‫عن األمل‪:‬‬

‫وجيب تناهى إلى الصخر في غفلة؟‬ ‫ومضة من هوى تستجيش اليباب؟!‬ ‫دعوني أراها كما أشتهيها‬ ‫وأغضي قليال‬ ‫عن الممكنات‬ ‫عن المنطق الفج‬ ‫عن معطيات الحقيقة‬ ‫عن توصيات الصواب‪..‬‬ ‫أأيتها الــروح كيف احتملت الـحــدود بهذا‬ ‫المجسد‬ ‫ّ‬ ‫الكيان‬ ‫ومنك انبرت نفحة المعجزات‬ ‫وفيك تناهى الفضاء المؤبد‬ ‫وبين حناياك أسرار خلق‬ ‫وأسرار أمر‬ ‫وفيك لكل رحيل مدينة‬ ‫وفيك العصا‬ ‫وفيك يقطينة البرء» (ص‪.)19‬‬ ‫تفلت بعض النصوص مــن يــد الشاعرة‪،‬‬ ‫ال هي قد التزمت نظام التفعيلة وال النظام‬ ‫الــعــمــودي‪ ،‬وال هــي كتبت الجملة النثرية‬ ‫بجماليات قصيدة النثر التي تعتمد على‬ ‫التكثيف واالخــتــزال والدهشة والمفارقة‪،‬‬ ‫فنجد نثرية ال تقترب مــن بالغة المفردة‬ ‫الشعرية‪.‬‬ ‫رؤية العالم والتعالقات النصية‬ ‫في الديوان‬

‫رغــم انشغال الــشــاعــرة بأسئلة الــذات‬ ‫«أأمنية تـتــراءى هنالك أم فجوة في فؤاد الــشــاعــرة‪ ،‬والــغــوص داخــلــهــا‪ ،‬إال إنــهــا لم‬ ‫السراب؟‬ ‫تكن بعيدة عن اله ِّم العام والقضايا الكلية‪،‬‬

‫دراسات ونقد‬

‫‪ 73‬العدد‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪47‬‬


‫الوطنية أو القومية‪ ،‬ففي القصيدة الثانية إحدى مناطق المعارضة بحلب‪.‬‬ ‫في الديوان ترصد قصة حياة طفل سوري‬ ‫في قصيدة «أمــا بعد»‪ ،‬تتحدث بلسان‬ ‫اغتاله النظام‪ ،‬وتشير في هامش القصيدة اللغة العربية التي تنعى الناطقين بها‪ ،‬وكيف‬ ‫إلى قصته‪ ،‬فكأنها ال تكتفي بالتناص مع أنهم أهملوها‪ ،‬وهي تحمل القرآن‪ ،‬وكيف‬ ‫الواقعة السياسية لهذا الطفل‪ ،‬بل تكتب ضعف لسانهم‪ ،‬حتى صارت اللغة التي هي‬ ‫ً‬ ‫قصته نثرًا في الهامش‪ ،‬لتقيم‬ ‫تفاعل نص ّيًا أسمى اللغات أقل اللغات شأنًا بسبب ضعف‬ ‫بين القصيدة والهامش التوثيقي‪ ،‬تقول في الناطقين بها»‪:‬‬ ‫قصيدة «ابك يا عمران»‪:‬‬

‫«ابك يا عمران‬ ‫قل شيئًا‬ ‫تضجر!‬ ‫هـ ـ ـ ّز ف ـي ـنــا ال ـن ـق ـم ــة الـ ـخ ــرس ــاء والـ ـح ــزن‬ ‫المُ صبّر‬ ‫هذه النظرة هول‬ ‫سوف يبقى جاثمً ا‬ ‫وأجيال من الموتى القدامى‬ ‫ٍ‬ ‫في صحو‬ ‫هي رمزٌ للمعاناة‬ ‫وجرحٌ سرمدي‪..‬‬ ‫ل ــم ت ـكــن أول م ــن ي ــدف ــع ف ــات ــورة الـحـفــل‬ ‫السياسي‬ ‫ال ولست األول المرصود في أوراق أرشيف‬ ‫رئاسي‬ ‫غير أن اآلخرين استأنسوا دفء الرّكام‪..‬‬ ‫لتبقى اسمً ا‬ ‫بحبر القهر‬ ‫مكتوبًا‬ ‫على هامات عُ بّاد الكراسي» (ص ‪.)7‬‬

‫وقـ ـ ـف ـ ــت ل ـ ـمـ ــوكـ ــب عـ ــرس ـ ـهـ ــا تـ ـت ــأب‬ ‫من بعد ما طرب الحماة واطربوا‬

‫نظموا القوافي من زالل معينها‬ ‫والدهر يحفظ والمجامع تكتب‬ ‫وتـ ـ ـب ـ ــارت األقـ ـ ـ ــام فـ ــي تـمـجـيــدهــا‬ ‫ذا مـ ــوجـ ــز فـ ـيـ ـه ــا وه ـ ـ ـ ــذا م ـط ـنــب‬ ‫***‬

‫ال تــدفـنــونــي ف ــي غـيــاهــب جهلكم‬ ‫وم ـ ـنـ ــائـ ــري ف ـ ــي ك ـ ــل أفـ ـ ـ ـ ٍـق ت ـض ــرب‬ ‫تـسـمــو ال ـل ـغــات إذا س ـمــا أقــوام ـهــا‬ ‫وإذا تــردّوا تستكين وتصلب» (ص‪.)34‬‬

‫كما أنها تتناص مع التاريخ اإلسالمي‪،‬‬ ‫ومع شخصيات الرسل واألنبياء في قصيدة‪:‬‬ ‫«الثالث والعشرون»‪ ،‬حيث تتبع نشأة الدولة‬ ‫اإلسالمية من بدايتها حتى نشأة الدولة‬ ‫السعودية الحديثة الــتــي تحتفل بعيدها‬ ‫الوطني في يوم الثالث والعشرين من سبتمبر‬ ‫جدل‬ ‫من كل عام‪ .‬والتناص يتيح لها أن تقيم ً‬ ‫ثم تشير في نهاية القصيدة إلى أن عمّار نص ّيًا بين الشخصيات التراثية التي تتناص‬ ‫طفل ســوري كان من ضحايا هجوم مسلح معها والنص الشعري الماثل‪ ،‬تقول‪:‬‬ ‫عام ‪2016‬م شنته الحكومة السورية على «إن الثالث والعشرين يا سبتمبر‬

‫‪48‬‬

‫العدد ‪73‬‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫دراسات ونقد‬


‫شمسه أخرى‬ ‫وفي عينيه زهو يخطر‪..‬‬ ‫يا ألرض عانقت أهل السماء‬ ‫آنست (آدم) في رحلته األولى‬ ‫(صالحا)‬ ‫ً‬ ‫وواست‬ ‫من أجلها‬ ‫قد لجّ (إبراهيم يومً ا بالدعاء‬ ‫ختمت فيها الرساالت‬ ‫وأهدت للورى‬ ‫قادة رُشد‬ ‫ثم أرباب صالح واقتداء‬ ‫وملوكا عن ملوك‬ ‫بلّغوها المجد في طرفة دهر» (ص‪.)42‬‬

‫ويظل اله ُّم العام يسيطر على الديوان‪،‬‬ ‫فتقوم الشاعرة بالتناص مع لوحة «حمامة‬ ‫السالم» للفنان العالمي بيكاسو في قصيدة‬ ‫«عفوًا بيكاسو»‪ ،‬لكن حمامة السالم هنا هي‬ ‫حمامة مفخخة تلقي القنابل على األمــة‪،‬‬ ‫وال تحمل بين منقاريها أعواد الزيتون‪ ،‬إنما‬ ‫تحمل القنابل والرصاص‪:‬‬

‫«حمامة السالم‬ ‫ي ــا ك ــذب ــة تـ ـم ــردت ع ـل ــى خ ـط ــوط ال ــوه ــم‬ ‫والحقيقة‬ ‫يا صورة ما جاوزت إطارها لريشة أنيقة‬ ‫هل كان بيكاسو على علم بما اعتراك في‬ ‫سمائنا الرؤوم‬ ‫ولم تزل باريس في عطرها تعوم‬ ‫وأنت والغصن الصغير والرصاص‬ ‫في لظى سديمنا‬ ‫حـيــث الــدخــان يكنس الـحـمــام والـغـيــوم»‬ ‫(ص‪.)83‬‬

‫كما أنها تخاطب المدينة المنورة‪ ،‬وتكتب‬ ‫ألم القرى‪ ،‬وتمدح «سعود الفيصل»‪ ،‬وترصد‬ ‫بلغة أقــرب إلــى قصائد المديح التراثية‬ ‫كيف أنــه يمثل قــوة ضغط على السياسة‬ ‫العالمية‪ ،‬حتى إنها تستشهد بمقولة «كولن‬ ‫كما ال يغيب خطاب رفض اإلرهاب باسم‬ ‫باول» وزير الخارجية األمريكي األسبق‪ :‬إن‬ ‫الدين عن النصوص‪ ،‬سواء اإلرهــاب الذي‬ ‫سعود الفيصل لوبي سعودي يعادل اللوبي‬ ‫فجّ ر بُرجَ ي التجارة العالمي وجَ ل َب الخراب‬ ‫الصهيوني‪.‬‬ ‫على أمــة الــعــرب‪ ،‬أم اإلرهـ ــاب ال ــذي يتم‬ ‫وفي القصيدة التي منحت الديوان اسمه تفجيره في جزيرة العرب‪ ،‬ففي قصيدة «من‬ ‫«بلقع» تحاول أن تفسر معنى المفردة شعرًا‪ ،‬قلب المدينة» تكتب قصة اإلرهابي الذي‬ ‫فتقول‪:‬‬ ‫فجر نفسه في المدينة المنورة في يوليو‬

‫«قلت البلقع يا سائلتي‬ ‫قلب غادر األحباب‬ ‫كان لهم وطنًا‬ ‫فأقاموا‬ ‫ثم اصطحبوا النبض وغابوا»(ص‪.)54‬‬

‫دراسات ونقد‬

‫‪2016‬م‪ ،‬حيث فجر منفذ الهجوم نفسه وقت‬ ‫آذان المغرب وسط قوات الطوارئ بجوار‬ ‫المسجد النبوي الشريف‪ ،‬ولم يراع حرمة‬ ‫المكان المقدس‪ ،‬كما لم يراع حرمة الشهر‬ ‫الكريم‪ ،‬تقول‪:‬‬ ‫‪ 73‬العدد‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪49‬‬


‫اله َّم النسوي بخطاب معرفي قوي‪ ،‬كما هو‬

‫«يـجـتــاحـنــي اإلرهـ ـ ــاب يـشـعــل ن ــاره‬ ‫في مرفئي الغافي وروضي المعشب متوقع من شاعرة عربية في مجتمع ذكوري‪،‬‬ ‫من أين جئتم يا مراسيل الدجى‬ ‫والـ ـن ــور م ــن ق ـل ـبــي م ـ ــداد ال ـكــوكــب‬ ‫***‬

‫أف ــزغـ ـت ــم الـ ـشـ ـه ــر ال ـ ـ ــذي أودعـ ـت ــه‬ ‫أملي ووعد هالله لم يغرب» (ص‪)126‬‬

‫فقط في قصيدة «قصائد خائفة»‪ ،‬حاولت‬ ‫أن تــجــادل الثقافة الــذكــوريــة التي تحاكم‬ ‫المرأة الكاتبة‪ ،‬وتفتش في خطابها الشعري‬ ‫وتفرض القيود عليه»‪:‬‬

‫مرعوبة قصائد الغرام في دفاتري‬

‫كما تتناص الكاتبة مع الواقع اليومي‪،‬‬ ‫تقريبًا ال يفوتها خبر اجتماعي أو سياسي‬ ‫إال وتكتب فيه قصيدة‪ ،‬حتى خبر طفل في كل حرف هزة أرضية‬ ‫حديث الوالدة‪ ،‬قرأت عنه في الجريدة إنه وخلف كل آهة كمين‬ ‫وجد في مغسلة الموتى‪ ،‬تستنطقه وتقول‬ ‫أميتها في كل بيت مرة‬ ‫على لسانه»‪:‬‬

‫موءودة براعم الحنين‬

‫عمتم مساء أيها األموات‪ ..‬إني أعتذر‬ ‫أزعجتكم! أنا آسف‬ ‫أنا لم أخطط للقدوم أحبتي‬ ‫أنا مجهدٌ تاه عن أولى محطات السفر‬ ‫قد جئت ال أدري أكانت صدفة‬ ‫أم موعد بين احتفاالت الحياة وأبجديات‬ ‫الضجر» (ص‪.)146‬‬

‫وخوف أن يفتشوا رفاتها‬ ‫أدس ما استطعت من مبادئ اليقين‪..‬‬

‫قـ ـص ــائ ــدي ت ـخ ــاف ـه ــم ألنـ ـه ــا مـ ــن خـيـمــة‬ ‫الحريم‬ ‫وهمس عطرها جحيم‬ ‫ٌ‬ ‫ونونها عا ٌر‬ ‫ووجهها مُ خبأ وبوحها عقيم» (ص‪.)97‬‬

‫ورغم أن الكاتبة طوّفت بنا شرقًا وغربًا‬ ‫ما بين حديث مواجع النفس وفقدان األمل‪،‬‬ ‫واإلحــبــاط والــيــأس‪ ،‬والــصــداقــة والهجر‪ ،‬قصيدة «إلــى مــتــى»‪ ،‬وتكتب فــي هامشها‬ ‫والسياسة وأمة العرب‪ ،‬إال إنها لم تقارب االنتظار أثمر‪ ،‬وسُ مح للمرأة بقيادة السيارة‪.‬‬ ‫وتكتب ذات الخطاب على استحياء في‬

‫* كاتبة ‪ -‬مصر‪.‬‬ ‫(‪ )١‬تيري إيجلتون‪ :‬الماركسية والنقد األدبي ترجمة جابر عصفور‪ -‬ط‪ -2‬ص ‪.38‬‬ ‫(‪ )٢‬الطاهر لبيب‪ -‬سوسيولوجيا الثقافة ‪ -‬ص ‪.46‬‬ ‫(‪ )٣‬المرجع السابق‪،‬ص‪.45‬‬ ‫(‪ )٤‬البنيوية التكوينية والنقد األدبي ‪ -‬للمجموعة ‪ -‬ص ‪.19‬‬

‫‪50‬‬

‫العدد ‪73‬‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫دراسات ونقد‬


‫جماليات االنزياح‬ ‫ُ‬ ‫قراء ٌة في ديوان «أردت أن أقول ألمي»‬ ‫لشاعرة المدينة هند النزاري‬ ‫■ د‪ .‬سميرة بنت ضيف اهلل الكناني الزهراني*‬

‫يعد االنزياح من بين الموضوعات البارزة التي أشغلت الباحثين والدارسين‬ ‫في مجال األدب والنقد‪ ،‬على المستويين الغربي والعربي‪ ،‬فإن كان المفهوم في‬ ‫تداوله وشهرته‪ ،‬وتشكيله؛ هو مصطلح حداثي غربي؛ فإن جذوره العربية تضرب‬ ‫عميقً ا في الدراسات النقدية القديمة تحت مسميات عديدة‪ ،‬على غرار‪ :‬العدول‬ ‫واإلزاحــة واالنـحــراف والخالف وغيرها من المصطلحات التي تشير إلى معنى‬ ‫مخالفة القاعدة‪ ،‬والخروج عن الشكل المعهود‪ ،‬أو المتوقع إلى شكل مغاير غير‬ ‫متوقع‪.‬‬ ‫فاالنزياح في أساسه هو «الخروج‬ ‫المتعمد على األصول اللغوية‪ ،‬وإعادة‬ ‫بــنــائــهــا بـــصـــورة جـ ــديـ ــدة‪ ،‬م ــن أجــل‬ ‫استكشاف عوالم جديدة مليئة بالمتعة‬ ‫والغرابة والمفاجئة»(((؛ وبصورة أخرى‬ ‫مختصرة هو «انحراف الكالم عن نسقه‬ ‫المألوف‪ ..‬خاضع لمبدأ االختيار»(((‪.‬‬ ‫والــمــقــصــد م ــن كــونــه خــاضــع لمبدأ‬ ‫االختيار‪ ،‬فهذا؛ ألن الخروج عن النسق‬ ‫إلــى نسق آخــر‪ ،‬واســتــبــدال كلمة غير‬

‫دراسات ونقد‬

‫متوقعة مكان ما كان من المتوقع دالليًا‬ ‫أو تركيبيًا أن تكون هنا؛ يعود إلى مبدأ‬ ‫االخــتــيــار مــن بين الكلمات واأللــفــاظ‬ ‫والتراكيب اللغوية الممكنة‪.‬‬ ‫وتعبر فريدة مولى عن مبدأ االختيار‬ ‫بشاعرية بالغة بقولها‪« :‬عندما نحس‬ ‫بديل لشيء‬ ‫ً‬ ‫بالكلمة بما هي كلمة‪ ،‬ال‬ ‫أو تفجير االنفعال‪ ،‬عندما ال تقتصر‬ ‫الكلمات بتراكيبها ودالالتها على كونها‬ ‫عالمات مطابقة للحقيقة بل تكتسب‬ ‫‪ 73‬العدد‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪51‬‬


‫وزنها الخاص وقيمتها الــخــاصــة»(((؛ إذًا‪،‬‬ ‫فإن هذا الخروج أو االنزياح أو االنحراف‬ ‫عن القاعدة اللغوية واألصــول والضوابط‬ ‫والمتوقع والمعهود أيًا كان؛ يتم من خالل‬ ‫اختيار تمليه المشاعر والتجربة الشعورية‬ ‫التي تحكم الكاتب أو المبدع في كتاباته‬ ‫المختلفة‪ ،‬وتجعله ينظم هذا الشكل الجديد‬ ‫كونه يعبر عن حالة خاصة به؛ ليس اختيارًا‬ ‫عبثيًا إنه اختيار فيه انفجار أكبر للداللة‬ ‫والمعاني‪ ،‬وصــد ًقــا تعبيرًا يالمس جوهر‬ ‫األحاسيس التي تسكن المبدع وقت التعبير‪.‬‬ ‫ولمّا كان االنزياح يحمل كل هذه الدالالت‬ ‫اإليــحــائــيــة وال ــرم ــزي ــة‪ ،‬ويــشــبــع الــرغــبــات‬ ‫الشعورية واألحاسيس التي تئن في صدر‬ ‫الــشــاعــر؛ كــانــت تحمل إلــى جــانــب الفنية‬ ‫خالصا‪ ،‬يدعو إلى‬ ‫ً‬ ‫الجمالية؛ إبداعً ا دالليًا‬ ‫تتبُّعهِ في الكتابات والنصوص والخطابات‬ ‫األدبية‪.‬‬

‫«أردت أن أقــول ألمــي» لهند الــنــزاري وبه‬ ‫يخترق هذا الفيض الجمالي في الشعر عنونتها‪.‬‬ ‫على وجه الخصوص المشاعر‪ ،‬لما يتمتع‬ ‫والشاعرة هند النزاري ولدت في الرياض‪،‬‬ ‫به من شفافية ودقة وانسيابية؛ فكيف وإن‬ ‫ونشأت في المدينة المنورة‪ ،‬تعمل معلمة‪،‬‬ ‫كان االنزياح بُعدًا من أبعادها‪ ،‬وهذا نلمسه‬ ‫وقد حصدت المركز األول في مسابقة ملتقى‬ ‫بقوة في الشعر العربي الذي يعتمد الكثير‬ ‫من الخصائص والسمات اللغوية والتصاوير شعراء المدينة لــوزارة التعليم؛ ما يجعلها‬ ‫الجمالية البالغية والمحسّ نات البديعية‪ ،‬مستحقة لتلقيبها بشاعرة المدينة‪ ،‬وهي‬ ‫وهذا ما لمسته في ديــوان (أردت أن أقول تكتب الشعر الفصيح‪ ،‬كما تكتب النثر‪ ،‬وقد‬ ‫ألمي) للشاعرة هند النزاري‪ ،‬بعدما الحظت شاركت في العديد من األمسيات الشعرية‬ ‫الشكل الجمالي المغدق من االنــزيــاح في التي نظمت في المدينة ومكة وينبع والعيص‬ ‫ديوان الشاعرة الذي يشي بجمالية مميزة‪ ،‬وغيرها من المدن السعودية‪ ،‬كما شاركت‬ ‫ودالالت عميقة‪ ،‬ومشاعر فائضة ينبئ بها في مناسبات عدة تابعة إلدارة التعليم؛ لها‬ ‫الــعــنــوان؛ وعليه‪ ،‬آث ــرت أن أرك ــز فــي هذه ديوان مطبوع بعنوان (أشياء في جعبة بحار)‬ ‫الــقــراءة على جماليات االنــزيــاح في ديــوان وديوان (أردت أن أقول ألمي) محل الدراسة‪،‬‬

‫‪52‬‬

‫العدد ‪73‬‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫دراسات ونقد‬


‫كما لها مجموعة مقاالت ومنشورات متفرقة الديوان‪.‬‬ ‫على مواقع التواصل االجتماعي والمنتديات‬ ‫أول‪ :‬الحذف‬ ‫ً‬ ‫األدبية والثقافية‪.‬‬ ‫يــع ـرّف عبدالقاهر الجرجاني ظاهرة‬ ‫أما ديوانها (أردت أن أقول ألمي) شعر‬ ‫الحذف في اللغة بقوله‪« :‬واعــلــم أن ليس‬ ‫منساب فــي نحو مــائــة صفحة‪ ،‬مــن دون‬ ‫النظم أن تضع كالمك الوضع الذي يقتضيه‬ ‫فــواصــل أو عــنــاويــن‪ ،‬فكأننا أمــام قصيدة علم النحو‪ ،‬وتعمل على قوانينه وأصوله‪،‬‬ ‫واح ــدة‪ ،‬ومشاعر تتفجر من قلب العنوان وتعرف مناهجه التي نهجها‪ ،‬فال تزيغ عنها‪،‬‬ ‫الذي تعتلي فيه األم جوهر الشعور‪ ،‬فتجعل وتحفظ الرسوم التي رسمت لك‪ ،‬فال تبخل‬ ‫من الشعر أمنيات‪ ،‬ومن الحالة الشعورية بشيء منها»(((‪.‬‬ ‫حالة خاصة تموج بكل المشاعر والدالالت‬ ‫وفي المنظور الحداثي يعد االنزياح ركنًا‬ ‫في أرض توالت عليها التجارب‪ ،‬وخاضت‬ ‫أســاسً ــا وظــاهــرة مــن ظــواهــر االنــزيــاح في‬ ‫الكثير‪ ،‬فجاء الديوان ليعبر عن الكثير من‬ ‫الخطابات والنصوص األدبية‪ ،‬ويعرف على‬ ‫األمــور والموضوعات والتجارب في خضم‬ ‫أنه «انزياح وعدول عن المألوف‪ ...‬الحديثة‪،‬‬ ‫إطار واحد كامل متكامل‪.‬‬ ‫ويعني الــخــروج عــن أصــول اللغة وإعطاء‬ ‫وعلى الرغم من توافر جميع مستويات الكلمات أبعادًا داللية غير متوقعة»(((‪.‬‬ ‫االن ــزي ــاح الــمــعــروفــة‪ :‬تركيبية‪ ،‬وصــوتــيــة‪،‬‬ ‫وهــذا الخروج عن المألوف من الكالم‪،‬‬ ‫وداللية؛ إال إن تركيزي سيكون على الجانب‬ ‫والموضوع من قواعد اللغة والمتفق عليه ال‬ ‫الــتــركــيــبــي‪ ،‬والـ ــذي أظــهــر ق ــدرة الــشــاعــرة يأتي عبثًا‪ ،‬أو عفو الخاطر‪ ،‬يقول الجرجاني‬ ‫وتمكنها مما تكتب‪.‬‬ ‫مبرزًا ذلــك‪ ،‬ومــؤكـدًا الجماليات والفوائد‬ ‫بداية أقول‪ :‬إن االنزياح التركيبي هو ذلك‬ ‫الجانب الذي يتعلق بالقواعد النحوية‪ ،‬ونظم‬ ‫الكالم وترتيبه في الجمل‪ ،‬و«تتجلى فيه‬ ‫االنزياحات من خالل ظواهر لغوية مختلفة‪،‬‬ ‫فيحدث أن تتبادل بعض العوامل المواقع‬ ‫فيما بينها؛ كالتقديم والتأخير‪ ،‬أو حذف‬ ‫في عناصر الجملة‪ ،‬أو االلتفاف إلــى أمر‬ ‫ما»((( وغيرها من الموضوعات األخرى التي‬ ‫تتفاوت حضورًا عند الشعراء‪ ،‬لكن أكثرها‬ ‫حضورًا وداللة؛ الحذف والتقديم والتأخير‬ ‫وسأتناولها هنا؛ مبرزة الجانب الجمالي‬ ‫لالنزياح في اختيارات الشاعرة له في هذا‬

‫دراسات ونقد‬

‫العائدة من توظيفه في الكالم‪« :‬باب دقيق‬ ‫المسلك‪ ،‬لطيف الــمــأخــذ‪ ،‬عجيب األمــر‪،‬‬ ‫شبيه بالسحر فإنك تــرى به تــرك الذكر‪،‬‬ ‫أفصح من الذكر والصمت عن اإلفادة أزيد‬ ‫للفائدة‪ ،‬وتجدك أنطق ما تكون إذا لم تنطق‪،‬‬ ‫وأتم ما تكون بيانًا إذا لم تبن»(((‪.‬‬ ‫وعلى صعيد الــدراســات البنيوية‪ ،‬يعد‬ ‫الحذف من أهــم الموضوعات التي تشغل‬ ‫الباحثين في شعرية اللغة على المستوى‬ ‫البنيوي‪ ،‬ويــرى هــؤالء الباحثون أنه «عــادة‪،‬‬ ‫عالقة قبلية‪ .‬والــحــذف كعالقة اتــســاق ال‬ ‫يختلف عــن االســتــبــدال إال ِبــك ـوْن الحذف‬ ‫‪ 73‬العدد‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪53‬‬


‫استبدال بالصفر‪ ،‬أي أن العالقة االستبدالية‬ ‫ً‬ ‫تترك أثــرا‪ ،‬وأثرها هو وجود أحد عناصر‬ ‫االستبدال‪ ،‬بينما عالقة الحذف ال تخلف‬ ‫أث ـرًا؛ ولهذا‪ ،‬فــإن المستبدل يبقى مؤشرا‬ ‫يسترشد بــه الــقــارئ للبحث عــن العنصر‬ ‫المفترض‪ ،‬ما يمكنه من ملء الفراغ الذي‬ ‫يخلقه االستبدال‪ .‬بينما األمر على خالف‬ ‫هذا في الحذف‪ ،‬إذ ال يحل محل المحذوف‬ ‫أي شــيء‪ ،‬ومن ثم نجد في الجملة الثانية‬ ‫فراغا بنيويا»(((‪.‬‬

‫اعــتــذاري) فــي األســطــر الثالثة الموالية‪،‬‬ ‫وجعلت داللتها تنساب على مدار األسطر‪،‬‬ ‫جامعة بين كل هذه األمور دون فواصل بينها‪،‬‬ ‫أو تجاوز عن أي منها‪.‬‬ ‫وكذلك في قولها‪:‬‬

‫فخفت من أمر خطير‬ ‫من متاهات‬ ‫ومن غواية‬ ‫ومن يد تحوم حول طلعة بليدة‬

‫فالشاعرة استغنت عن الذكر والتكرار‬ ‫ومــن نماذج الحذف في شعر الشاعرة لجملة (خــفــت) ول ــم تــكــررهــا عــلــى مــدار‬ ‫هند النزاري قولها‪:‬‬ ‫األسطر الالحقة‪ ،‬واكتفت بالجملة األولى‬ ‫ليتكرر المعنى وينساب على ما بعده؛ وفي‬ ‫عن بؤسنا‬ ‫الذكر هنا تأكيد وإثــراء إليقاع القصيدة‪،‬‬ ‫وخوفنا‬ ‫من خالل التركيز على تكرار أصوات بعينها‬ ‫وتيهنا في لعبة الزمان‬ ‫بسرعة في النص‪.‬‬ ‫أوهمتهم بأنني األميرة السعيدة‬

‫وأن ما نعيشه قصيدة‬

‫أيضا قولها‪:‬‬ ‫ومن الحذف عندها ً‬

‫فالشاعرة حذفت حرف الجر (عن) ولم جاهدته حتى يجس النار في ظالله‬ ‫تكرره في السطر الثاني‪ ،‬ألن الداللة عليه حـتــى ي ــرى ال ـعــذاب قـيــد قبصة مجنونة‬ ‫ً‬ ‫موجودة‪ ،‬وقدمت‬ ‫عوضا عن ذلك العطف المخالب‬

‫ما بين الكلمتين‪ ،‬وكذلك حذفته في السطر‬ ‫فاألصل أن تكرر الشاعرة في مستهل‬ ‫الثالث وارتبطت األسطر الثالثة بحرف جر‬ ‫السطر الشعري الثاني الجملة الفعلية من‬ ‫واحد‪ ،‬وكان في الحذف انسيابية وانسجام الفعل والفاعل والمفعول بــه (جاهدته)‪،‬‬ ‫مميز أثرى موسيقى النص‪.‬‬ ‫فتقول‪( :‬وجاهدته حتى يرى الــعــذاب‪)...‬؛‬ ‫لكنها فضلت الحذف في هذا المقام‪ ،‬ألن‬ ‫أيضا‪:‬‬ ‫وعلى النمط السابق تقول ً‬ ‫هناك كالم موجود يدل على المحذوف‪ ،‬كما‬ ‫أردت أن أقدم اعتذاري‬ ‫أنه األنسب للوزن الشعري وللصياغة الفنية‪،‬‬ ‫عن خيبة اآلمال‬ ‫فكان الحذف أجمل وأكثر داللة من الذكر‪.‬‬

‫والعثار‬ ‫عن غاية تجاوزت مداري‬

‫فالشاعرة لم تكرر جملة (أردت أن أقدم‬

‫‪54‬‬

‫العدد ‪73‬‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫ثانيً ا‪ :‬التقديم والتأخير‬ ‫يُعد موضوع التقديم والتأخير من بين‬

‫دراسات ونقد‬


‫أهــم أبــواب النحو العربي التي تحتاج إلى‬ ‫ومن فائدة التقديم والتأخير وجماليته‬ ‫دقة ودراســة عميقة له‪ ،‬وألسبابه‪ ،‬وحاالته الجوهرية أنَّ فــي التأخير تــمــام المعنى‬ ‫التي تتباين بين الجواز والوجوب‪ ،‬وتتعدد والتشويق إلى المتأخر(‪.((1‬‬ ‫على أكثر من ركن من أركان الجملة‪ ،‬فتشمل‬ ‫ومــن أمثلة التقديم والتأخير في شعر‬ ‫المبتدأ والخبر في الجملة االسمية‪ ،‬كما النزاري قولها‪:‬‬ ‫تشمل األلفاظ التي لها حق الصدارة والجار‬ ‫لن أزال آسفة‬ ‫والــمــجــرور وال ــظ ــروف‪ ،‬كما تشمل الفعل‬ ‫على ضياع رحلة طويلة‬ ‫والفاعل في الجملة الفعلية‪ .‬وعلى ذلك يحد‬ ‫على خطى‬ ‫الجرجاني هذا الباب بقوله‪« :‬باب التقديم‬ ‫وئيدة وخائفة‬ ‫والتأخير «باب كثير الفوائد‪ ،‬ج ّم المحاسن‪،‬‬ ‫على دموع أفلتت مني‬ ‫واســع التصرف‪ ،‬بعيد في الغاية‪ ،‬ال يزال‬ ‫على تنهيدة تسربت من أضلعي‬ ‫يفت ّر لك عن بديعة‪ ،‬ويفضي بك إلى لطيفة‪،‬‬ ‫فالشاعرة تعمد إلى تقديم الجار ومتعلقه‬ ‫وال تزال ترى شعرًا يروقك مسمعه‪ ،‬ويلطف‬ ‫لديك موقعه‪ ،‬ثم تنظر فتجد سببَ أن راقك (على‪ +‬االسم المجرور) على مدى األسطر‬ ‫ولطف عــنــدك‪ ،‬أن ق ـدّم فيه شــيء‪ ،‬وح ـوّل الشعرية لتبرز ما تأسف عليه من أمــور‪،‬‬ ‫اللفظ عن مكان إلى مكان» (((‪ .‬ومن هنا فتجعل كل منها تتصدر السطر الشعري‪،‬‬ ‫فإن دراســة االنزياح ثرية الداللة والجمال لتظهر العيان‪ ،‬ويظهر مدى أسفه على ضياع‬ ‫يمس ترتيب الجملة وخسارة هذه األمور‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫في هــذا الباب الــذي‬ ‫العربية‪ ،‬ويخضع فــي جــوانــب كبيرة منه‬ ‫أيضا قولها‪:‬‬ ‫ومنه ً‬ ‫إلى االختيار الذي يفرضه المبدع لتوصيل قد كنت يومً ا خلفها‬ ‫أفكاره ودالالته ومشاعره‪.‬‬ ‫يقدم الشاعر ظرف الزمان (يوما) الذي‬ ‫ويؤكد د‪ .‬عبدالعزيز عتيق أهمية موضوع حقه التأخير على ظرف الزمان والمضاف‬ ‫التقديم والتأخير بقوله‪« :‬من المسلَّم به أن إليه (خلفها)‪ ،‬ليركز على القيمة الزمانية‬ ‫الكالم يتألف من كلمات أو أجزاء‪ ،‬وليس من لهذا المكان الذي كان أولى‪.‬‬ ‫الممكن النطق بأجزاء أي كالم دفعة واحدة‪.‬‬ ‫أخيرً ا‬ ‫من أجل ذلك‪ ،‬كان ال بد عند النطق بالكالم‬ ‫من تقديم بعضه وتأخير بعضه اآلخر‪ .‬وليس‬ ‫يمكننا القول إن الشاعرة هندا النزاري‬ ‫جمال‪ ،‬وتفيض قصائدها‬ ‫ً‬ ‫شيء من أجــزاء الكالم في حد ذاتــه أولى تتميز بقلم يفيض‬ ‫بالتقدم من اآلخــر‪ ،‬ألن جميع األلفاظ من بالمشاعر واألحاسيس المتقدة بالعاطفة‬ ‫حيث هي ألفاظ تشترك في درجة االعتبار‪ ،‬الصادقة تجاه كل األمــور من حولها‪ ،‬وكل‬ ‫هذا بعد مراعاة ما تجب له الصدارة كألفاظ مــا تعيشه فــي حياتها منذ الصغر وحتى‬ ‫اآلن‪ ،‬وتبرز األم في عنوان ديوانها كحضن‬ ‫الشرط واالستفهام»(‪.((1‬‬

‫دراسات ونقد‬

‫‪ 73‬العدد‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪55‬‬


‫واسع تبوح إليه بكل ما تشعر به بانسيابية‬ ‫وصــدق‪ ،‬ما يجعل من شعرها حالة خاصة‬ ‫من االعتراف والبوح الذي ال تحده العناوين‪،‬‬ ‫فهو ال يحتاج إلى عناوين فرعية؛ إنها حياتها‬ ‫ومشاعرها تسطرها على ال ــورق بصدق‬ ‫شفيف دون أي حواجز‪.‬‬ ‫وضمن هــذه الجماليات يبرز االنــزيــاح‬ ‫كسمة جمالية بازخة تغدق بها على معانيها‬ ‫وتفيض بها‪ ،‬ويبرز االنزياح بأنواعه المتعددة‪،‬‬ ‫وتبرز الظواهر الفنية والموضوعية مغايرة‬ ‫عن المألوف‪ ،‬خارجة عن المعهود؛ لتفاجئ‬ ‫القارئ بعالقات جديدة بين ألفاظ اللغة‪،‬‬ ‫وتقدم له المعاني مسطرة في أثواب جديدة‬ ‫غير مباشرة‪ ،‬تحتاج من الشاعر أن يعمل‬ ‫ذهنه فيها‪.‬‬

‫فيبرز التقديم والتأخير والحذف على‬ ‫الجانب التركيبي‪ ،‬ليقدم دالالت الشاعرة‬ ‫المتقدة بالمعاني التي تقترب معبرة عن‬ ‫حالتها ومشاعرها‪ ،‬وتنفخ في هــذه اللغة‬ ‫الــحــيــاة‪ ،‬وتجعل إيــقــاع القصيدة متوهجً ا‬ ‫بكل هذا الصدق العارم‪ .‬كما تتفجر الصور‬ ‫وتتجلى فــي أسمى األشــكــال عبر المجاز‬ ‫والكناية واالستعارة‪ ،‬إذ تتآلف األلفاظ في‬ ‫شكل جديد‪ ،‬وتتآزر مقدمة صــورًا جديدة‬ ‫تسمو بالمعاني وال ــدالالت بصورة مميزة‬ ‫لتقدم شعرها ومعانيها في شاعرية مفرطة‬ ‫من الجمال البديع‪ ،‬وربما يكون هذا النوع من‬ ‫االنزياح موضوع قراءة جديدة لهذا الديوان‬ ‫المميز لشاعرة ثرية هي شاعرة المدينة‬ ‫األولى‪ ،‬بال منافس‪.‬‬

‫ * باحثة دكتوراه جامعة أم القرى مبكة املكرمة‪.‬‬ ‫((( حمــد‪ ،‬عبــداهلل خضــر (‪2017‬م)‪ .‬مناهــج النقــد األدبــي‪ ،‬الســياقية والنســقية‪ ،‬دار القلــم للطباعــة والنشــر‬ ‫والتوزيــع‪ .‬بيــروت‪ -‬لبنــان‪ ،‬ص ‪.261‬‬ ‫((( الســد‪ ،‬نــور (‪2010‬م)‪ .‬األســلوبية وحتليــل اخلطــاب دراســة يف النقــد العربــي احلديــث (األســلوبية‬ ‫واألســلوب)‪ .‬دار هومــة للطباعــة والنشــر والتوزيــع‪ .‬اجلزائــر‪ ،‬ج‪/1‬ص‪.24‬‬ ‫((( انظــر‪ :‬مولــى‪ ،‬فريــدة‪2003( .‬م)‪ .‬شــعرية اخلطــاب األدبــي‪ .‬جامعــة قاصــدي مربــاح‪ .‬ورقلــة‪ ،‬امللتقــى‬ ‫الدولــي األول يف حتليــل اخلطــاب‪.13-11‬‬ ‫((( بــن زايــد‪ ،‬عمــار (‪2015‬م)‪ .‬أســلوب االنزيــاح يف ديــوان «رصــاص وزنابــق»‪ .‬رســالة ماجســتير [غيــر‬ ‫منشــورة]‪ .‬جامعــة اجليالنــي بونعامــة خميــس مليانــة‪ .‬اجلزائــر‪ ،‬ص ‪.46‬‬ ‫((( اجلرجانــي‪ ،‬عبدالقاهــر (‪2004‬م)‪ .‬دالئــل اإلعجــاز (ط‪ .)5.‬حتقيــق‪ :‬محمــود محمــد شــاكر‪ .‬مكتبــة‬ ‫اخلاجنــي‪ .‬القاهــرة‪ -‬مصــر‪ ،‬ص ‪.81‬‬ ‫أمنوذجــا‪ .‬رســالة ماجســتير‬ ‫((( هتهــات‪ ،‬نــورة (‪2017‬م)‪ .‬ظاهــرة احلــذف يف القــرآن الكــرمي ‪-‬ســورة يــس‪-‬‬ ‫ً‬ ‫[غيــر منشــورة]‪ .‬جامعــة قاصــدي مربــاح‪- .‬ورقلــة‪ -‬اجلزائــر‪ ،‬ص ‪.9‬‬ ‫((( اجلرجاني‪ ،‬عبدالقاهر‪ .‬دالئل اإلعجاز‪ ،‬ص ‪.146‬‬ ‫((( بوهــادي‪ ،‬عابــد‪2013( .‬م)‪ .‬أثــر النحــو يف متاســك النــص‪ .‬دراســات العلــوم اإلنســانية واالجتماعيــة‪40 ،‬‬ ‫(‪ ،)1‬ص ‪.60‬‬ ‫((( اجلرجاني‪ ،‬عبدالقاهر‪ .‬دالئل اإلعجاز‪ ،‬ص ‪.106‬‬ ‫(‪ ((1‬عتيــق‪ ،‬عبدالعزيــز‪( .‬د‪.‬ت)‪ .‬يف البالغــة العربيــة علــم املعانــي‪ -‬البيــان‪ -‬البديــع‪ .‬دار النهضــة العربيــة‬ ‫للطباعــة والنشــر‪ .‬بيــروت‪ -‬لبنــان‪ ،‬ص‪.133‬‬ ‫(‪ ((1‬يُنظر‪ :‬الهاشمي‪ ،‬أحمد (‪2010‬م)‪ .‬جواهر البالغة (ط‪ .)3.‬دار املعرفة‪ .‬بيروت‪ -‬لبنان‪ ،‬ص ‪.90‬‬

‫‪56‬‬

‫العدد ‪73‬‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫دراسات ونقد‬


‫الشاعرة هند النزاري‪:‬‬ ‫القراءة هي المادة الخام للكتابة‬ ‫وأكاديميات الشعر مهمة لتطوير الموهوبين‬ ‫شــاعــرة سـعــوديــة مــن الـمــديـنــة ال ـم ـنــورة‪ ،‬تفتقت فــيّ‬ ‫براعم الشعر مبكرً ا‪ ،‬بــدأت كتابة الشعر للشعر منذ‬ ‫نحو عشر سـنــوات‪ .‬وكــان الدعم العائلي لها الوقود‬ ‫ال ــذي حــرك فيها ج ــذوة الـشـعــر‪ ،‬ومــا ت ــزال تتقد به‬ ‫حتى اآلن‪ .‬وقد تميزت قصائدها بالطول والرصانة‬ ‫اللغوية وقوة اللغة‪.‬‬ ‫■ حاورها‪ :‬احملرر الثقايف‬

‫ ¦الشاعرة هند النزاري‪ ،‬بماذا تعرفين‬ ‫نفسك لقراء الجوبة؟‬ ‫ ‪ρ‬هند الــنــزاري‪ ..‬شاعرة سعودية من‬ ‫المدينة المنورة‪.‬‬

‫ ¦ك ـي ــف أص ـب ـح ــت ه ـن ــد الـ ـ ـن ـ ــزاري ه ــذه‬

‫اعتنائي بالشعر واحترامي لبالطه‪،‬‬ ‫فما أنشر مما أكتب إال الــذي أكون‬ ‫قد أشبعته مراجعة‪ ،‬وأجريت عليه‬ ‫التعديل بعد التعديل حتى أرتاح ولو‬ ‫قليل إلــى كــونــه يستحق أن يسمى‬ ‫ً‬ ‫شعرًا‬

‫الشخصية الشعرية المميزة اليوم؟‬ ‫ ¦كـيــف كــانــت ال ـبــدايــات الـشـعــريــة؟ ومــا‬ ‫ ‪ρ‬أوال‪ :‬شــكــرا جــزيــا ألنــكــم ترونني‬ ‫ه ــو تــأث ـيــر م ـح ـي ـطــك ال ـعــائ ـلــي على‬ ‫كذلك!‬ ‫موهبتك؟‬

‫ثانيا‪ :‬إن كنت قــد أصبحت مميزة ‪ρ‬تفتقت فيّ براعم الشعر مبكرًا في‬ ‫أول وأخــي ـرًا‪،‬‬ ‫بالفعل فالفضل هلل ً‬ ‫المرحلة الدراسية المتوسطة تقريبًا‪،‬‬ ‫ولكني وأدتها في أكمامها‪ ،‬وتجاهلتها‬ ‫وإن كان لي دور صغير في هذا فهو‬

‫دراسات ونقد‬

‫‪ 73‬العدد‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪57‬‬


‫تماما‪ ،‬ثم عــدت لكتابة الشعر الوظيفي‬ ‫للمناسبات والبرامج التي يتطلبها عملي‬ ‫في التعليم‪ ،‬وما بدأت كتابة الشعر للشعر‬ ‫إال منذ نحو عشر سنوات‪.‬‬ ‫أما عن الدعم العائلي‪ ،‬فهو الوقود الذي‬ ‫حرك فيّ جذوة الشعر‪ ،‬وما تزال تتقد به‬ ‫حتى اآلن‪.‬‬

‫يملكون الموهبة من األساس‪ ،‬فال تستطيع‬ ‫أكاديميات الدنيا جعلهم شعراء بالتعليم‪،‬‬ ‫وحتى لو تعلموا أساسات الوزن والقافية‪،‬‬ ‫وتعلموا ســرد األفــكــار بطريقة منظومة‪،‬‬ ‫فسوف يكتبون شعرا؛ ولكنه شعر (مغسول)‬ ‫كما أطلق بعض النقاد على النظم الذي‬ ‫يخلو من الشعر‪.‬‬

‫ ¦هــل هـنــاك تــوجـيــه أو أس ـتــاذ ك ــان لــه تأثير ¦م ــا ه ــو أث ــر نـهـمــك لـ ـق ــراءة ال ـك ـتــب وسـعــة‬ ‫االطالع عليها على كتابتك الشعرية؟‬ ‫على تفتق موهبتك الشعرية؟‬ ‫ ‪ρ‬ال‪ ،‬فــأنــا كنت أح ــرص على إخــفــاء هذه‬ ‫الموهبة على طــول مــراحــل التعليم‪ ،‬وال‬ ‫أدري لماذا!‬

‫ ‪ρ‬القراءة هي المادة الخام للكتابة؛ ليس كتابة‬ ‫الشعر بالتحديد‪ ،‬وإنما كل أنواع الكتابة‪،‬‬ ‫على مَن يريد أن يكون له شأن مع القلم أن‬ ‫يقرأ أوال ما خطته أقالم اآلخرين‪ ،‬ليقرأ‬ ‫َنس كل ما‬ ‫أضعاف أضعاف ما يكتب‪ ،‬ثم ِلي َ‬ ‫قرأه‪ ،‬ويرجع إلى ذاته ويكتب‪ ،‬وكأنه فاق ٌد‬ ‫للذاكرة‪ ،‬حتى ال يقع في فخ التقليد‪ ،‬وسوف‬ ‫يصبح كاتبًا مجيدًا كلما كان قارئًا نهمًا‪.‬‬

‫فيما بــعــد عــن كــل أحـــد‪ ،‬أم ــا الــذيــن ال‬

‫أما عن اإلطالة‪ ،‬فالذي يحدث هو أنني‬

‫إال إن الدكتور محمد العيد الخطراوي‪،‬‬ ‫رحمه اهلل‪ ،‬حين درسني مــادة العروض‪،‬‬ ‫كان يتعمدني بتوجيهات خاصة‪ ،‬فيقول‪ :‬لو‬ ‫كتبت الشعر يوما فافعلي كذا‪ ،‬وال تفعلي‬ ‫كذا؛ رغم أني لم أعرض عليه بيتًا واحدًا‪،‬‬ ‫ولم أقل له إني أستطيع كتابة بيت‪ ،‬لكن ¦تميزت قصائد هند ال ـنــزاري بالمطوالت‬ ‫والرصانة اللغوية وقوة اللغة‪ ،‬كيف وصلت‬ ‫يبدو أنه تنبأ لي بشيء من ذلك‪ ،‬وما تزال‬ ‫إل ــى ه ــذا ال ـم ـس ـتــوى ال ـعــالــي م ــن اإلبـ ــداع‬ ‫توجيهاته نصب عينيّ حتى اآلن‪.‬‬ ‫الشعري؟‬ ‫ ¦ه ــل تــريــن أن ــه يـمـكــن تـعـلــم ال ـش ـعــر؟ وهــل‬ ‫ ‪ρ‬كما قلت فــي إجــابــة على س ــؤال سابق‪،‬‬ ‫يمكن إنشاء أكاديميات لتعليمه؟‬ ‫أنا أعتني بالشعر وأحترمه‪ ،‬وربما كتبت‬ ‫ ‪ρ‬تعليمه‪ ..‬ال‪ ،‬أما تطوير الموهوب فيه فأمر‬ ‫قصيدة كاملة‪ ،‬وتركتها فترة‪ ،‬ثم عدت إليها‬ ‫ممكن‪ ،‬ولو أنشئت أكاديميات لهذا الغرض‪،‬‬ ‫فوجدتها ال تستحق أن تنضم لديوان الشعر‬ ‫فــالــمــفــتــرض فــيــهــا أن تــتــولــى أصــحــاب‬ ‫العربي المجيد‪ ،‬فلم أتــردد لحظة واحدة‬ ‫المواهب الحقيقية بالصقل والتشجيع‬ ‫في حذفها ض ّنًا بالحبر والورق الذي كانت‬ ‫والمتابعة‪ ،‬حتى يضعوا أقدامهم على أول‬ ‫ستستهلكه دون استحقاق‪.‬‬ ‫الطريق‪ ،‬وهــم ســوف يستغنون بمواهبهم‬

‫‪58‬‬

‫العدد ‪73‬‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫دراسات ونقد‬


‫أسترسل مع حالة الكتابة التي تأخذني‬ ‫دون أن أتعمد عدد األبيات‪ ،‬وال أدري إن ¦ما هي أهم األغــراض الشعرية التي ترين‬ ‫كان ذلك حسنًا أم سيئًا‪ ،‬إال إنني أستمر في‬ ‫أن الشعراء قد غفلوا عنها اليوم ؟‬ ‫فعله كلما دخلت تلك الحالة ولم أستطع أن‬ ‫ربما الهجاء! ونحمد اهلل على ذلك؛ فالشعر‬ ‫أخرج منها إال وقد سودت دفتري بخمسين‬ ‫دونه أرقى بكثير‪.‬‬ ‫أو ستين بيتًا‪ ..‬وربما أكثر‪.‬‬ ‫ ¦حدثينا عن مصادر قصائدك؟‬ ‫ ¦م ــا ه ــي أطـ ــول ق ـص ـيــدة كـتـبـتـهــا؟ وم ــا هي‬ ‫ال مصادر للقصائد يا سيدي ‪ ،‬يبدو لي‬ ‫أقصر قصيدة؟ ومامناسبتهما؟‬ ‫األمر وكأن غيمة مثقلة تتغشاك ‪ ،‬ال تدري‬ ‫ ‪ρ‬أطول قصيدة هي قصيدة (أردت أن أقول‬ ‫أي ريـ ٍـح ساقتها إليك ‪ ،‬ترعد وتبرق ثم‬ ‫ألمي)‪ ،‬وهي على تفعيلة الرجز وقد جاءت‬ ‫تهطل قطرًا فانهمارا‪ ،‬ثم ترتوي قريحتك‬ ‫في مئة واثنتي عشرة صفحة‪ ،‬تكرم نادي‬ ‫فتنبت القصيدة‪.‬‬ ‫المدينة المنورة األدبي بطباعتها في ديوان‬ ‫ ¦يرى بعضهم أن قصيدة النثر قد تكرست‬ ‫مستقل ليس فيه سوى قصيدة واحدة‪.‬‬ ‫بــديـ ًـا أك ـثــر مـنـهــا خ ـي ــارًا ‪ ،‬مــا هــي رؤيـتــك‬ ‫أما األقصر‪ ،‬فأنا ال أجيد كتابة القصائد‬ ‫لذلك؟‬ ‫القصيرة غالبا‪ ،‬ومع ذلك فقد كتبت بعض‬ ‫المقطوعات التي لم تزد عن خمسة أبيات ‪ρ‬أرجــو أن تتسامحوا معي لو قلت إنــي ال‬ ‫أعترف بشيء اسمه قصيدة النثر؛ ليتها‬ ‫أو ستة‪ ،‬وكتبت نتفة من بيتين فقط!‬ ‫ظــلــت مــقــصــورة عــلــى الــشــعــر المترجم‬ ‫ ¦هل لديك وقت مفضل لكتابة القصيدة؟‬ ‫كما كــان األمــر بــدايــة؛ ألنــه ال سبيل إلى‬ ‫ ‪ρ‬الصباح الباكر هــو أفضل وقــت للكتابة‬ ‫إلزامه بالوزن والقافية ‪ ،‬ولكن أن ننشئ‬ ‫بالنسبة لــي‪ ،‬ولكنه الوقت األفضل لكل‬ ‫قطعة نثرية بالعربية الفصحى ثم نسميها‬ ‫األعــمــال أيضا‪ ،‬ومــع ذلــك فإنه ن ــادرًا ما‬ ‫قــصــيــدة‪ ،‬فــهــذا أمـ ـ ٌر لــم أستسغه يــو ًمــا‪،‬‬ ‫يتسنى لــي أن أغتنمه للكتابة‪ ،‬فأضطر‬ ‫وليعذرني أنصار هذا التوجه‪ ،‬فهو رأيي‬ ‫غالبًا إلى الرضا بأي سانحة فراغ تخلي‬ ‫الشخصي وحسب‪..‬‬ ‫بيني وبين القلم‪.‬‬ ‫ ¦ه ــل يـضـيــف عـلـيــك ال ـتــزامــك بــالـقـصـيــدة‬ ‫ ¦كيف بدأت فكرة إصدار ديوانك األول؟‬ ‫العمودية أية أعباء؟‬ ‫ولو فكرت‪..‬‬

‫ ‪ρ‬لم تكن فكرة‪ ،‬بل كانت رغبة ناتجة عن ‪ρ‬أنا لم ألتزم بالقصيدة العمودية أبدا‪ ،‬كتبت‬ ‫فضول حول ما إذا كنت أستطيع فعال أن‬ ‫قصائد عمودية‪ ،‬وكتبت على التفعيلة‪،‬‬ ‫أصدر ديوانًا!‬ ‫وذلك ألني أترك للقصيدة اختيار الصورة‬

‫دراسات ونقد‬

‫‪ 73‬العدد‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪59‬‬


‫التي تريد أن تنتهي إليها‪ ،‬ولم يحدث أبدا‬ ‫أن بدأت الكتابة ولديَّ قرار مسبق حول ما‬ ‫أريد أن أكتبه‪ ،‬أنا أكتب وحسب‪..‬‬ ‫(ابك يا عمران) في ديوانك‬ ‫ ¦في قصيدتك ِ‬ ‫ـال بـمـشــاركــة الشعب‬ ‫ـاس عـ ـ ٍ‬ ‫(ب ـل ـقــع) إح ـس ـ ٌ‬ ‫السوري مأساته‪ ،‬كيف ترين أهمية مشاركة‬ ‫الشاعر في قضايا األمة اإلسالمية؟‬ ‫ ‪ρ‬بالتأكيد‪ ..‬اله ُّم القومي واحد‪ ،‬وآالم األمة‬ ‫العربية اإلسالمية تعصر قلوب كــل من‬ ‫ينتمي إليها‪ ،‬وكأنه يعيشها حتى وإن كان‬ ‫على الطرف اآلخــر من الكرة األرضية‪،‬‬ ‫وللشاعر بــاأللــم عالقة معقدة‪ ،‬فأجمل‬ ‫القصائد مــا كــان عــن ألــم حقيقي‪ ،‬وقد‬ ‫سأل أحدهم أعرابيًا‪ :‬ما بال المراثي أجود‬ ‫أشعاركم؟ فقال األعــرابــي‪ :‬أل ّنَــنــا نقولها‬ ‫وأكبادنا تحترق"!‬

‫تــدرك أن نورها قد انسحب من حياتك‪،‬‬ ‫فلن تبقى لك سوى ظلمات الحسرة‪ ،‬تظل‬

‫وقد كتبت عن اله ِّم السوري قصائد عديدة‪،‬‬ ‫وكــتــبــت عــن فلسطين والــيــمــن والــعــراق‬ ‫مقدمة الديوان ‪ :‬قولوا ألمهاتكم ما تريدون‬ ‫وغيرها مــن بــادنــا العربية اإلسالمية‪،‬‬ ‫قوله ‪ ..‬اآلن‪.‬‬ ‫وكأنني إحدى مواطنيها‪ ،‬وهذا ما علمني‬ ‫إياه وطني الحبيب منذ زرع في ذهني أن ¦ولـ ـم ــاذا (أردت أن أق ـ ــدم اع ـ ـتـ ــذاري ‪ -‬عن‬ ‫لدي وطنًا أكبر أحمله في قلبي‪ ،‬وأنشغل‬ ‫خيبة اآلمال والعثار) هل علينا االعتذار‬ ‫بأحداثه‪ ،‬وأتبنى قضاياه‪.‬‬ ‫ألمهاتنا؟‬ ‫ ¦في ديوان (أردت أن أقول ألمي) في عيدك‬ ‫ ‪ρ‬إذا خيبنا آمالهن‪ ،‬إذا قصرت همتنا عن‬ ‫الـمــاضــي كتبت بـضــع أغـنـيــات ‪ ،‬هــل تأخر‬ ‫األهــداف التي حددنها لنا‪ ،‬إذا لم ننجح‬ ‫البوح لألم‪ ،‬أم إنها األم التي ال تغيب مهما‬ ‫في تحقيق طموحاتهن ولم نكن على قدر‬ ‫طال الغياب؟‬ ‫تتخبط فيها ما حييت‪ ،‬لذلك كتبت في‬

‫ ‪ρ‬لألسف تأخر البوح‪ ،‬واألمهات يغبن كما‬ ‫تغيب الشموس‪ ،‬ولكن إلى غير رجعة‪ ،‬وحين‬

‫‪60‬‬

‫العدد ‪73‬‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫توقعاتهن؛ علينا أن نعتذر ‪ ،‬ألننا نكون قد‬ ‫كسرنا قلوبهن عند تخييبنا آلمالهن!‬

‫دراسات ونقد‬


‫ِّ‬ ‫الظل‬ ‫ثيم ُة‬ ‫ّ‬

‫جدا‬ ‫في قصص (محمد مدخلي) القصيرة ً‬ ‫■ خلف سرحان القرشي*‬

‫يــوظــف الـقــاص محمد مدخلي فــي بعض قصصه القصيرة ج ــدً ا موضوعة‬ ‫الظل‪ ،‬ويستدعي ما يرتبط بها من سمات فنيَّة وجماليَّة‪ ،‬مستثمرً ا كل ما‬ ‫(ثيمَّ ة) ِّ‬ ‫دالالت مختلفةٍ لهذه الثيمَّ ة‪ ،‬وما ارتبطت‬ ‫ٍ‬ ‫يسعفه في التعبير‪ ،‬ويخدم غرضه من‬ ‫معان في ِسفْ رِ المعرفة اإلنسانيَّة منذ فجر التاريخ على مستوى المعنيين‬ ‫به من ٍ‬ ‫المادي والمجازي‪.‬‬ ‫ونظرا للحضور المكثّف لهذه الثيمة في األعمال القصصية لمحمد مدخلي‪،‬‬ ‫بعضا من مالمح هذا الحضور وتجلياته‬ ‫فقد ارتأيت أن أتناول في هذا المقال‪ً ،‬‬ ‫في المجموعة القصصية‪( :‬كان له أملٌ )‪.‬‬ ‫وأبدأ بقصة (زبد)‪:‬‬ ‫نــجــد الــقــاص هــنــا يــؤنــســن الــظــلَّ‬ ‫ـصــة معه‬ ‫مــن خ ــال تــحــاور بــطــل الــقـ َّ‬ ‫«ارتــدى مالبسه في العَتمة؛ أضاء‬ ‫أول‪ ،‬وثانيًا من خالل قيام ذلك الظ ّل‬ ‫ً‬ ‫شمعة بالقرب من رقعة الشطرنج‪.‬‬ ‫بمسابقة البطل إلى الزناد يبغي قتله‪،‬‬ ‫فالظِّ ُل التابع غالبًا للجسم أو الشكل‬ ‫حاور ظلّه‪ :‬إن لم تقتلني سأقتلك‪.‬‬ ‫الفيزيائي‪ ،‬ال يرى ‪-‬ال سيما في الليل‪-‬‬ ‫لمعت بباله فكرة‪ .‬ابتسم؛ بلع ريقه؛‬ ‫عتمة وقليل‬ ‫ٍ‬ ‫َّإل عندما يكون ثمَّ ة بعض‬ ‫حـ ـرّك بــيــدقــه األسـ ــود ميمنة الملك ضوءٍ ‪ ،‬والمتحرك تبعًا لحركة صاحبه‪،‬‬ ‫األبيض‪ ،‬سَ بقه ظله إلى الزِ ناد‪.»..‬‬ ‫يخرج هنا عن طبيعته‪ ،‬ويتجاوزها‪ ،‬بل‬

‫دراسات ونقد‬

‫‪ 73‬العدد‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪61‬‬


‫كثيرًا فيهم‪ ،‬وامتلكت بذلك قوتها وسلطتها‪.‬‬ ‫هي ظال ٌل ألنَّ ال ضرورة لها‪ ،‬ولكنَّها تتلبس‬ ‫بلبوس واهــيـ ٍـة لتصبح مرتبط ًة بمعتنقيها‬ ‫ٍ‬ ‫ارت ــب ــاط األســـــاور بــالــمــعــاصــم‪ ،‬والــظــال‬ ‫باألشكال‪ ،‬فال مف ّر منها‪.‬‬ ‫يقول الناقد أيمن دراوشــة عن توظيف‬ ‫القصة‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫القاص لثيمَّ ة الظ ِّل في هذه‬

‫القاص محمد مدخلي‬

‫ويتمرد عليها‪ .‬يوحي إلينا القاص بأنَّ ذلك‬ ‫تهديد بالقتل‬ ‫ٍ‬ ‫فعل على ما تعرض له من‬ ‫ردَّة ٍ‬ ‫من صاحبه‪.‬‬ ‫ِظــا ُل الناس تقتلهم حقًا عندما تصبح‬ ‫قيودًا تح ُّد من تحركاتهم‪ ،‬وأســاو َر تمنعهم‬ ‫من التصرف كما يريدون في حدود المباح‬ ‫والمتاح‪ ،‬كما أن طموح اإلنسان قد يقتله‪،‬‬ ‫كما قال المتنبي‪:‬‬

‫«وإذا ك ـ ــان ـ ــت الـ ـ ـنـ ـ ـف ـ ــوس كـ ـ ـب ـ ــارًا‬ ‫تـ ـ ِـع ـ ـ َبـ ـ ْـت فـ ــي مُ ـ ـ ــرادِ هـ ـ ــا األج ـ ـسـ ــام»‬ ‫وما الظّ ل إال انعكاس للجسد‪ ،‬وتجلّي لما‬ ‫يحجب الضوء‪.‬‬

‫«‪ ...‬يصنع بطل القصة شخصيَ ًة وهم َّي ًة‬ ‫خليل لــه؛ وفــي الوقت‬ ‫ً‬ ‫هي ظلُّه‪ ،‬ويتخذه‬ ‫نفسه العدو‪ ،‬وقد أعلن التحدِّ ي لظلِّه في‬ ‫لعبة الشطرنج مَن يقتل ملك الخصم األول‪..‬‬ ‫أثناء اللعب الحت للبطل فرصة قتل ملك‬ ‫الظلِّ‪ ،‬فحرك بيدقه إيذانًا بالفوز‪ ..‬وهذا‬ ‫سر االبتسامة‪ ،‬لمعت في باله فكرة؛ ابتسم‪.‬‬ ‫فما كــان مــن ظلِّه إال إن سبقه إلــى زنــاد‬ ‫المسدس الموضوع على الطاولة‪« :‬حرّك‬ ‫بيدقه األسود ميمنة الملك األبيض‪ .‬سَ بقه‬ ‫ظلَّه إلى الزِ ناد‪ ،»...‬لتكون النهاية الصادمة‬ ‫مقتل البطل على يد ظله»‪.‬‬ ‫ويضيف الناقد أيمن دراوشــة‪ ...« :‬لقد‬ ‫نجح الكاتب محمد علي مدخلي في تقديم‬ ‫غاية من اإليجاز والفائدة‪،‬‬ ‫ومضة على ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫قصة‬ ‫َّ‬ ‫والمتعة الرائقة وكذلك االنسياب اللّغوي‬ ‫البسيط‪ ،‬والبراعة في تصوير الصراع بين‬ ‫البطل وظلَّه مع توافق ما يسمى بالوهم‬ ‫المرئي وتصوير الجانب اإلخفاقي في حياة‬ ‫البطل»‪.‬‬

‫وكــذلــك‪ ،‬األعـ ــراف الــجــائــرة والتقاليد‬ ‫االجتماعية البالية والشهرة الزائفة والهياط‬ ‫المقيت‪ ..‬كلُّها ظــال‪ ..‬تلقي بظاللها‪ ،‬إن‬ ‫بعض منا‪ ،‬وعندما‬ ‫صحَّ التعبير‪ ،‬على حياة ٍ‬ ‫أتفق مع ما قاله األستاذ دراوشة أعاله‪،‬‬ ‫يحاول المبتلون بها مقاومتها‪ ،‬والتخلص‬ ‫منها تدمرهم نفس ّيًا واجتماعيًا ألنّها تغلغلت وأضيف إليه التساؤل اآلتي‪:‬‬

‫‪62‬‬

‫العدد ‪73‬‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫دراسات ونقد‬


‫«أليس كثي ٌر من النّاس هم من يصنع من‬ ‫بعض العادات والتقاليد أوهامًا وأصنامًا‪،‬‬ ‫وإذا ما أرادوا التخلص منها تأبى عليهم‬ ‫ذلك‪ ،‬فيظلون مقتولين رمزيًا من قبلها؟ لعلَّ‬ ‫هذا ملم ٌح يمكن أن تــؤول داللــة الظ ِّل هنا‬ ‫باتجاهه‪ ،‬ولعل جمالية هذه القصة تكمن‬ ‫في انفتاح الداللة على جملة من التأويالت‪،‬‬ ‫متلق وطبيعة‬ ‫والتفسيرات‪ ،‬وذلك حسب كل ٍ‬ ‫تجاربه وخبراته في الحياة‪ ،‬فالظل قد يراد‬ ‫به اإلنسان نفسه‪ ،‬عدوه الذي بين جنبيه‪،‬‬ ‫وهو التقاليد البالية‪ ،‬وهو الطموح المدمر‪،‬‬ ‫إنه الصراع األبدي الذي يعيشه اإلنسان‪ ،‬وال‬ ‫انفكاك عنه‪.‬‬ ‫قصة (متبوعٌ) يأخذ الظ ُّل بُعدًا آخر بين لحظتين فارقتين هما‪ :‬العتمة والنور؛‬ ‫في َّ‬ ‫لوهلة‬ ‫ٍ‬ ‫إذ يمثل هو َّي ًة لصاحبه‪ ،‬ولكنَّها هو َّي ٌة غير فالنور يتمثل في نسيان البطل لهويَّته‬ ‫ٍ‬ ‫مرغوب فيها‪ ،‬رغم كونها قدر َّي ًة ال حول وال واستعادة حريته‪ ،‬والحرية أص ـ ٌل في بني‬ ‫قوَّة لإلنسان فيها‪.‬‬ ‫آدم‪ ،‬قال عمر بن الخطاب رضي اهلل عنه‪:‬‬

‫«نسي بُره ًة أنَّه رقيق‪ ،‬ألقى أوامره على «متى استعبدتم الناس‪ ،‬وقد ولدتهم أمهاتهم‬ ‫أحرارًا؟»؛ واللحظة الثانية هي العتمة المقيم‬ ‫ِظلّه»‪.‬‬ ‫فيها البطل جراء كونه رقيقًا؛ عبدًا مملوكًا‬ ‫القصة هنا فاق ٌد للحريَّة ينسى‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫بطل‬ ‫وفي الغالب يتناسى‪ ،‬هذه الحقيقة ال ُم َّرةِ؛ ال يقدر على اتخاذ القرار‪ .‬ويستثمر البطل‬ ‫وعي‬ ‫بوعي منه أو من غير ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ألنَّــه ال يريد اإلقـــرار بها‪ ،‬ولــهــذا يمارس لحظة النور تلك‬ ‫سلوك األحرار في إلقاء األوامر وإصدارها‪ .‬ليسترجع أصله‪/‬حريته فيلقي األوامر على‬ ‫وتأتي المفارقة من كون البطل رقيقًا‪ /‬فاقدًا ظلّه الذي هو ليس سوى عبوديته‪.‬‬ ‫للحريَّة‪ ،‬لذا ال يجد من يلقي عليه األوامر‬ ‫في قصته ( ُمنْشَ ق)؛ ابتدا ًء من العنوان‬ ‫سوى ظلّهّ!‬ ‫بقصد من طبيعة الظ ِّل األزلية‬ ‫ٍ‬ ‫يُ َغ ِّي ُر القاص‬

‫الظ ُّل الذي ‪-‬كما ذكرت آنفًا‪ -‬قلَّما يرى وهي محاكاته لصاحبه‪ ،‬ويمنحه قو ًة للتمرد‬ ‫ليل‪ ،‬بشكله الفيزيائي إال مع وجود بعض على تلك الطبيعة‪ ،‬وهكذا هو المبدع يعيد‬ ‫ً‬ ‫عتمة وقليل ضــوءٍ ‪ ،‬نراه يتجلى هنا مجازًا تشكيل األشياء وفق ما يقتضيه الفن‪:‬‬ ‫ٍ‬

‫دراسات ونقد‬

‫‪ 73‬العدد‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪63‬‬


‫«لَمَحَ تْ أنَّ ظلّها ال يحاكيها! تراجعت و َِعـ ِـصــيُّ ــهُ ــمْ يُ ــخَ ـ َّيــلُ إِ َل ـ ْي ــهِ ِم ــن ِسـ ْـحــرِ ِهــمْ أَ َّن ـ َهــا‬ ‫ٍ‬ ‫ذعرًا‪ ،‬فاصطدمت‬ ‫ـس فِ ــي َنــفْ ـ ِـســهِ ِخيفَةً مُّ ــوسَ ــى‪.‬‬ ‫بحائط‪ .‬أفاقت سليمةً‪َ ،‬تـ ْـسـ َعــى‪َ .‬ف ـأَوْجَ ـ َ‬ ‫وهو معصوب الرأس»!‬ ‫َّك أَنتَ ْالَعْ لَى‪َ .‬وأَل ِْق مَ ا فِ ي‬ ‫قُ ْلنَا َل تَخَ ْف إِ ن َ‬ ‫صنَعُ وا َكيْدُ‬ ‫صنَعُ وا إِ نَّمَ ا َ‬ ‫َف مَ ا َ‬ ‫القصة تختلف عنها ي َِمينِ َك َت ْلق ْ‬ ‫َّ‬ ‫ثيمَّ ة الظ ِّل في هذه‬ ‫احرُ حَ ي ُْث أَتَى﴾‪.‬‬ ‫الس ِ‬ ‫احرٍ و َ​َل يُ فْ لِ حُ َّ‬ ‫في القصتين السابقتين في كونه متسببًا سَ ِ‬ ‫لحدث من قِ بَلِ بطل القصة‪ ،‬بينما هو في‬ ‫ٍ‬ ‫أيضا مع المقولة الشعبية‪« :‬من‬ ‫ويتناص ً‬ ‫القصة األولــى (زبــد) يقوم بــردّة فعل تجاه الخوف‪ ..‬ماشي تحت ظ ِّل (الحيط)‪ ،‬وأخاف‬ ‫فــعــل بــطــل الــقــصــة‪ ،‬وف ــي الــقــصــة الثانية أن يطيح (الحيط) عليّ »! وما أكثر مخاوف‬ ‫(متبوعٌ) نجده هناك ساكنًا مستسلمًا بال اإلنسان ال سيما في عصرنا الحاضر‪ ،‬والتي‬ ‫إرادةٍ البتّة‪.‬‬ ‫تهدد وجــوده وهويَّته‪ ،‬كما تهدد منجزاته‬

‫بطلة القصة خافت من ظلِّها بعد أن رأته وممتلكاته‪.‬‬ ‫أو توهمت أنَّها رأتــه ال يحاكيها‪ .‬يا لبؤس‬ ‫يستدعي القاص الظلَّ في قصته المعنوَّنة‬ ‫مكونات ليعبر بها‬ ‫ٍ‬ ‫اإلنسان عندما يتملكه الخوف من كل ما بـــــ(توق) ضمن مجموعة‬ ‫حوله حتى من ظلِّه!‬ ‫عشيقة‬ ‫ٍ‬ ‫زوجة في لقاء زوجها أو‬ ‫ٍ‬ ‫عن رغبة‬ ‫وكما غَ َّي َر المبدع طبيعة الظل‪ ،‬فإنَّه غَ َّي َر في لقاء عشيقها الغائب‪ ،‬ولم يقل لنا القاص‬ ‫كذلك من النتائج الحادثة لتأتي على خالف لماذا هو غائبٌ ‪ ..‬هل هو ميتٌ أم مساف ٌر‬ ‫أم مُطَ ِل ٌق أم غير ذلك ليبقي الباب مشرعً ا‬ ‫المتوقع؛ فالبطلة اصطدمت بالحائط عند‬ ‫نصه عمقًا وقــوةً‪ ،‬من‬ ‫الحتماالت تزيد من ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫تراجعها ذعرًا‪ ،‬والنتيجة الطبيعية أن يصاب‬ ‫متلق له من‬ ‫خالل ما يضفيه عليه خيال ك ِّل ٍ‬ ‫رأسها جراء ارتطامه بالحائط‪ ،‬لكن القاص‬ ‫القصة‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫توقع‪ .‬لنتأمل أكثر في نص‬ ‫ٍ‬ ‫يخرجها سليمةً‪ ،‬ويجعل ِظلَّها هو المصاب‪.‬‬ ‫«نجمة الليل تومض عبر النافذة الصغيرة‪.‬‬ ‫وأحسب القاص من خالل هذه المفارقة‬ ‫والــشــارع يكتنفه الصمت‪ .‬شعره الفحمي‬ ‫المصطنعة يعزز أثر الخوف؛ فخوف البطَّ لة‬ ‫الطويل يسقط شعثًا على كتفيه‪ .‬تخبو شمعته‬ ‫جعلها تتوهم ابتدا ًء أنَّ ظلَّها ال يحاكيها‪،‬‬ ‫كلما زفــر تنهيدة سعاله المزمن‪ .‬بأنامل‬ ‫كما جعلها ً‬ ‫أيضا بعد أن أفاقت ترى نفسها مرتجفة تناول شريط عالجه‪ .‬بدا مستسلمًا‬ ‫سليمةً‪ ،‬وترى ظلَّها مصابًا معصوب الرأس‪ .‬لحضورها‪ ،‬حرك قدميه المنملتين‪ ،‬طوى‬ ‫وهنا يتناص القاص معنويًا مع قوله تعالى‪ :‬تحت قلبه يدين هادئتين‪ .‬لمح ظلّها بالرواق‪.‬‬ ‫﴿قَالُوا يَا مُ وسَ ى إِ مَّ ا أَن ُتل ِْقيَ وَإِ مَّ ا أَن نَّكُ ونَ حرك كرسيه للعتبة‪ .‬عانقها‪ ،‬ه ّم بتقبيلها‪..‬‬ ‫أَوَّلَ مَ ــنْ أَ ْلـ َقــى‪َ .‬قــالَ َبــلْ أَ ْلــقُ ــوا َف ــإِ ذَا ِحبَالُهُ مْ فزعت من نومها تبحث عنه‪ .‬فلم تجد سوى‬

‫‪64‬‬

‫العدد ‪73‬‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫دراسات ونقد‬


‫كرسي قابع بالركن المظلم عفّره الغبار يعلوه موفقًا في استثمار ثيمّة الظ ِّل لتخدم فنِّه؛‬ ‫بيت عنكبوت»‪.‬‬

‫(القصة القصيرة ج ـدًا) التي تعتمد على‬

‫وعلى الرغم من أنَّ قراءتي هذه معنيّة التكثيف واإليجاز‪ ،‬وثيمَّ ة الظ ِّل واحــدةٌ من‬ ‫بثيمّة الظلَّ ‪َّ ،‬أل إنَّه من الصعب تجليّة أثرها أه ِّم وأبرز الثيمات الفعَّالة والنافذِّ ة في هذا‬ ‫دالالت‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫بمعزل عــن محاولة ق ــراءة جوانب الجانب؛ نظرًا لما شُ ِحنَتْ به من‬ ‫ٍ‬ ‫الفني‬ ‫معان في المتون الدينية‬ ‫بقصد وبما أفعمت به من ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫القصة المضطربة‬ ‫ّ‬ ‫أخــرى في هذه‬

‫ونيَّة من القاص‪ .‬واالضطراب يكمن في أنَّ والفلسفية واألدب ــي ــة‪ ،‬وبــمــا تنطوي عليه‬ ‫وتقاطع مع الخبرات والمعارف‬ ‫ٍ‬ ‫تعالق‬ ‫ٍ‬ ‫القصة الرئيس قد يكون هو المرأة التي من‬ ‫َّ‬ ‫بطل‬ ‫تحلم ‪-‬يقظ َة أو منامًا‪ -‬أو تتوهم لحظات اإلنسانية‪ ،‬إلــى درجــة أنَّ العالم الصوفي‬ ‫آلخر مع ابن عطاء اهلل السكندري وهو أحد شيوخ‬ ‫ٍ‬ ‫لسبب أو‬ ‫ٍ‬ ‫ووصل لم تكتمل‬ ‫ٍ‬ ‫اتصال‬ ‫ٍ‬

‫القصة هو الرجل الصوفيَّة الكبار قال في حكمته الشهيرة‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫شريكها‪ .‬وقد يكون بطل‬ ‫نفسه الذي لم تسعفه ظروفه الصحيَّة نتيجة «األصــل في األشياء الظل»‪ ،‬كما نقل ذلك‬ ‫المرض أو العجز أو الشيخوخة ونحو ذلك عنه جمال الغيطاني في المرجع الثالث‬ ‫من إتمام لحظات االتصال تلك‪ .‬تحريكه المذكور في ذيل هذا المقال‪.‬‬ ‫إعاقة أو‬ ‫ٍ‬ ‫للكرسيِّ نحو العتبة قد ينبئ عن‬

‫إصابة يعاني منها الرجل جعلته أسير ذلك‬ ‫ٍ‬ ‫عالج‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫شريط‬ ‫َ‬ ‫الكرسي‪ ،‬يعزز ذلك أنَّ هناك‬

‫وسعال مزم ًنًا‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وتنهيد ًة‬

‫الظ ُّل حضر لمح ًة هنا‪ ،‬وبعده مباشر ًة‬

‫تخيل‪.‬‬ ‫ً‬ ‫عناق حقيق ًة أو‬ ‫ٍ‬ ‫كانت هناك لحظة‬ ‫فــهــل ك ــان ذل ــك الــعــنــاق لــلــمــرأة أم للظلِّ؟‬

‫توظيف‬ ‫ٌ‬ ‫القصة لم تفصح عن ذلك‪ ،‬لكن ثمّة‬ ‫ّ‬

‫القصة‬ ‫ّ‬ ‫إيحائيٌّ لثيمَّة الظ ِّل تتسق وغموض‬

‫واضطرابها على مستوى الشخوص والحدث‬ ‫وكــذلــك الــمــفــارقــة‪ ..‬نــاهــيــك عــن الــعــنــوان‬

‫الالفت‪.‬‬

‫أخــي ـرًا‪ ،‬إنَّ الــقــاص (مــدخــلــي) قــد كان‬

‫المراجع‬ ‫(‪( )١‬كــان له أم ـلٌ)‪ ،‬مجموعة قصص قصيرة جدًا‬ ‫للقاص السعودي (محمد علي مدخلي)‪ ،‬صدرت‬ ‫عام ‪2019‬م عن (دار السكريَّة للنشر والتوزيع)‬ ‫بالقاهرة‪.‬‬ ‫(‪ )٢‬كتاب (الــظــل أساطيره وامــتــداداتــه المعرفية‬ ‫واإلبداعية) للدكتورة فاطمة الوهيبي الطبعة‬ ‫الثانية صدر عن دار (أروقــة للدراسات)‪ ،‬عام‬ ‫‪2014‬م‪.‬‬ ‫(‪ )٣‬مقالة الغيطاني عــن كــتــاب (الــظــل أساطيره‬ ‫وامتداداته المعرفية واإلبداعية)‪ ،‬للدكتورة فاطمة‬ ‫الوهيبي‪ ،‬المشار إليه في المرجع السابق‪http:// .‬‬ ‫‪dr-fatimaalwohaibi.website/sayings‬‬

‫ * كاتب سعودي‪.‬‬

‫دراسات ونقد‬

‫‪ 73‬العدد‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪65‬‬


‫عود ُة ألم‬

‫■ عبدالكرمي بن محمد النملة*‬

‫ال تبتئس! الليل طويل موحش‪ ،‬المطر ينهمر وأص ــوات الرعد تصخب السماء وبرق‬ ‫يلوح ويغيب‪ ،‬والنهارات تتعاقب بسرعة خاطفة‪ .‬ال تنتظر‪ ،‬ألــمْ يستيقظ في قلبك شوق‬ ‫سحت على خدك الناعم‪.‬‬ ‫لطفولتك؟ حين حملك وقبّلك‪ ،‬ومسح دمعتك الصغيرة التي ّ‬ ‫ليل حالك الظالم‪ ،‬وقلب غاص في النكران‬ ‫تشعر أن روح ــك هــشّ ــة‪ ،‬هــائــمــة‪ ،‬تــريــد أن‬ ‫أربعين شهرًا أو تزيد‪ ،‬تائه في غمرات اللهو تسندها بعودتك هذه!‬ ‫والشقاء‪ ،‬الح وجهه طيفًا يتهادى في خيالك‪ ،‬منذ‬ ‫‪......................‬‬ ‫تلك الليلة البائسة!‬ ‫أنت اآلن أمام الباب‪ ،‬تسمع أصواتًا مختلفة‪،‬‬ ‫أعياك المسير‪ ،‬وأكلت الطرق قدميك‪ ،‬اآلفاق‬ ‫البعيدة تلتمع بخيوط البرق الخاطفة‪ ،‬عدت من ربما صوت إخوانك‪ ،‬أخواتك‪ ..‬ربما!‬

‫هل تاقت نفسك إلى االغتسال من أدرانــك‬ ‫العالم المشروخ‪.‬‬ ‫اآلن تؤلمك ذكرى تلك الليلة‪ ،‬تتذكّرها‪ ،‬تعود الماضية؟‬ ‫إليها بحضور كل مشاعرك‪ ،‬اآلن تعود إليه آسفًا‬ ‫‪......................‬‬ ‫منكسرًا‪ ،‬تتقدم خطوة نحو البيت ثم تقف خوفًا‬ ‫تحس أن رجليك شُ لّتا‪ ،‬ناجيت‬ ‫ّ‬ ‫أمــام الباب‪،‬‬ ‫وهيبة من لقاء مؤجل‪ ،‬تحوم حول البيت‪ ،‬يهطل‬ ‫نفسك أن هذا الوقت يكون أبي في صالة البيت‪،‬‬ ‫الحنين بين جوانحك‪ ،‬يا لبؤسك‪ ،‬اآلن‪ ،‬وبعد كل‬ ‫تطرق الباب‪ ،‬يفتح الباب أخوك الصغير‪ ،‬ال يرحّ ب‬ ‫هذه الشهور تشتاق له!‬ ‫بك‪ ،‬تسير خلفه وأنت تتفرّى من الغيظ‪ ،‬تسأل‬ ‫***‬ ‫عن وال ــدك‪ ،‬ال يجيبك‪ ،‬تدخل متد ّثرًا بخزيك‬ ‫هل سيفتح لك الباب؟‬ ‫وجفوتك وعنادك‪ ،‬يجللك الخوف الوقور‪ ،‬تراه‬ ‫‪......................‬‬ ‫جالسً ا‪ ،‬تشعر بركبتيك متخاذلتين‪ ،‬تراه مبتسمًا‪،‬‬ ‫هل سيطردك ثانية؟ تبهج‪ ،‬تلمح أنه فاغر الفم ضامر البطن‪ ،‬تقترب‬ ‫ُبل‪ ،‬تطمئن عليه‪ ،‬تسأله‪ ،‬يجيبك‬ ‫‪ ......................‬منه تغمُره ق ً‬ ‫هـ ــل ُع ـ ـ ــدتَ ت ـ ـوّا ًقـ ــا بابتسامة‪ ،‬تعيد عليه السؤال‪ ،‬يبتسم لك أكثر!‬ ‫تختلط الصور‪ ،‬كست عينيك غشاوة رقيقة من‬ ‫ـصــتــك فــي مــيــراث تــراه‬ ‫لتحصد حـ ّ‬ ‫قريبًا؟‬ ‫الدموع‪ ،‬أحاطك اليأس من كل جانب‪،‬‬ ‫‪......................‬‬ ‫ترنو بعينيك نحو شقيقك األصــغــر‪ ،‬تسأله‬ ‫ش ــيء خــفــيٌّ يــشـدّك عن والــدك! يحني رأسه بحزن ويقول لك‪ :‬فقد‬ ‫الذاكرة‪ ..‬لن يعرفك!‬ ‫إلى العودة إليه!‬ ‫ * كاتب سعودي‪.‬‬

‫‪66‬‬

‫العدد ‪73‬‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫نصوص‬


‫رِ ُ‬ ‫طاقة الورد‬ ‫باط‬ ‫ِ‬

‫■ دينا بدر عالء الدين*‬

‫آه‪ ..‬آه‪ ..‬مــا أقــسـ ِ‬ ‫ـاك أيّتها الـ ــوردة‪ ،‬لن اتّساخهما‪ ،‬وبصوتها المخمليّ نــادتْ بائع‬ ‫فكفاك ب ً‬ ‫ِ‬ ‫منك الكثير؛‬ ‫ِ‬ ‫أقطف‬ ‫َ‬ ‫ُخل‪ .‬الليلة الخُ ردةِ؛ فانصاع للجَ مال مُل ّبيًا‪ .‬وقال لعمّها‬ ‫ِ‬ ‫سأحتفي بعيد مــيــاد زوج ــي‪،‬‬ ‫وسأضعك الذي يتوسّ د َفقْره‪ :‬سأشتري ما في حوزتك‬ ‫الوضاء‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫إكليل على جبينه‬ ‫ً‬ ‫سندريل أحالمي‪ ،‬صاحبة‬ ‫ّ‬ ‫من خُ ردةٍ ومعها‬ ‫«حبيبتي» قــال‪« ،‬اقتربي أكثر‪ ،‬إنّ شذا الشَّ عر األشقر‪.‬‬ ‫رائحتك يغمرني‪ ،‬وكأنّي في زجاجة عطر‬ ‫ِ‬ ‫تناهى صوتها‬ ‫باريسيّة‪ ،‬ما هــذا؟ مَن الــذي تجرّأ‪ ،‬وجرح‬ ‫بــراءة يــديـ ِـك»؟ طبطبَ بشفتَيهِ على يديها مُناديًا‪ :‬عَ مّاه‪،‬‬ ‫بالباب صاحب‬ ‫فأثار عواصف حبّها وجنونه‪.‬‬ ‫استفا َق على ُقبُالتها النّديّة‪ ،‬وقبْل أن ال ـ ــب ـ ــي ـ ــت ي ــط ــل ــب‬

‫الصباح‪ ،‬طلب منها طاقة الــورد؛ األُجرة‪.‬‬ ‫يصافح ّ‬ ‫لتكون نفحة من روحها تزيّن مكتبه‪ .‬بحث‬ ‫ابتسم ِلــطَ ــوق نجاته‪ :‬مُبارك‬ ‫عن خيط يربط به الطاقة‪ ،‬فناولته ضاحكة‪:‬‬ ‫عليك الشّ قراءُ والخُ ردة‪.‬‬ ‫هاكَ ‪ ،‬ولكن أ َِعدْه إليّ ؛ فما يزال جديدًا‪.‬‬ ‫وبينما يَقبض الــعـ ّم ثمن صفقة‬ ‫ابتسم مستغربًا‪ :‬أبــهــذا ســأربــط طاقة‬ ‫العبوديّة‪ ،‬هــوى جسم مــن األعــلــى‪ ،‬فخرج‬ ‫الورد؟‬ ‫صوت اغتال سفَر أحالمهما‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫االثنان على‬ ‫وقبل الــغــروب لمحَ تْ صديقتها تعْتمر‬ ‫كــان جسمًا رأسُ ــه كسنابل القمح الحُ بلى‬ ‫ُقبّعة خمريّة‪ ،‬وتسير في الشارع مسرعة‪،‬‬ ‫بأرض ل ّوثَتها أفعال‬ ‫ٍ‬ ‫وهي تُطلق ابتسامة صفراء‪ ،‬أنعم َِت النظر بخيبات الحياة‪ ،‬ارتطم‬ ‫فيها‪ ،‬وكالنّسر أطبقَتْ على يدَيها قائلة‪ :‬البشر‪ ،‬توقّف قلب الشّ قراء عن النبض‪ ،‬ذاك‬ ‫عليك زوجــي‪ ،‬وطاقة الــورد‪ ،‬ولكن القلب الذي كان موبوءًا بداء النّقاء‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫مُبارك‬ ‫أعيدي إليّ رِ باط حذاء طفلي‪.‬‬ ‫حول مأدبة الغداء‪ ،‬كانت نساء الحيّ كلٌّ‬ ‫الخردةِ‬ ‫بائعُ ُ‬ ‫ينهش في الجسد المُسجَّ ى؛ علّها أَحبّت فتًى‬ ‫أطــلّــتْ مــن نــافــذتــهــا بــشَ ــعــرهــا األشــقــر وغ َرّر بها! ربّما شوهدَتْ وهي تقوم بفِ علتها!‬ ‫الــمــنــكــوش‪ ،‬تــتــأأل يــداهــا ناصعتين رغــم كأنّ ثيابها ممزّقة؟ كأنّ ؟‪ ..‬لعلّ؟‬

‫* كاتبة ‪ -‬األردن‪.‬‬

‫نصوص‬

‫‪ 73‬العدد‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪67‬‬


‫العريش‬ ‫■ طاهر الزارعي*‬

‫دليل على رجولته لم يساعده في أن يتخطى‬ ‫شاربه الكبير الذي يحتفظ به ً‬ ‫الخوف الــذي الحقه في مزرعته؛ فقبل حلول الليل بساعة واحــدة‪ ،‬كــان يسمع‬ ‫أصواتًا تصدر من «العريش» الذي أعده من سعف النخيل‪ ،‬يبتعد قليال ثم يعاود‬ ‫التفاتة خاطفة لمصدر الصوت‪.‬‬ ‫كــان يحدثّ نفسه‪ :‬بسم اهلل‪ ،‬يا اهلل تسكنهم في مساكنهم‪ .‬اتجه نحو «بّــرادة‬ ‫ال ـمــاء»‪ ،‬رفعها إلــى ح ــدود رأس ــه‪ ،‬ضغط على صنبور الـمــاء وش ــرب حتى امتألت‬ ‫معدته‪ ،‬جلس جانبًا‪ ،‬وبجانبه مخرف وكــر‪ ،‬كــان يالمس «الــدمّ ــل» الــذي نبت في‬ ‫ساقه‪ ،‬وكــاد أن ينخره‪ ،‬نصحه أصــدقــاؤه بــأن يذهب إلــى المستوصف الحكومي‬ ‫القريب من قريته؛ لكنه كان يرد عليهم‪« :‬هالمستوصف مثل الخرابة وال راح أروح‬ ‫له»‪ .‬كان يتأمل النخيل كثيرً ا‪ ،‬يعدها يوميًا‪ ،‬واحدة‪ ..‬اثنتان‪ ..‬ثالث‪ ..‬حتى يصل‬ ‫إلى المئتي نخلة‪ ،‬كان حريصا على أال تنقص من مزرعته نخلة واحدة!‬ ‫«آه يا يمة ليتك ماجبتيني»‪ ..‬يردد هذه نفسه عاريًا من جمال الحياة‪ ،‬غائبًا عن‬ ‫العبارة يوميًا‪ ،‬فالحياة التي يعيشها «أبو الفرح‪.‬‬ ‫نــاصــر» جافة وخانقة‪ ،‬كــان يقشر فقره‪،‬‬ ‫أراد أن يصعد النخلة الــمــجــاورة له‪،‬‬ ‫ويحاول أن يسدل عليه ستار الكرامة‪ ،‬ال‬ ‫ألحد رغم فاقته‪ ..‬ورغم عمره‪ ..‬أمسك بالكر والمخرف‪ ،‬تذكر أباه‪ ،‬وأحس‬ ‫يمد يده ٍ‬ ‫ورغم إعالته ألبنائه الخمسة‪ ..‬هكذا وجد برغبة عــارمــة فــي الــبــكــاء‪ ،‬لــم ينس تلك‬

‫‪68‬‬

‫العدد ‪73‬‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫نصوص‬


‫اللحظات التي أخبر فيها أن أباه صدمته سيارة‬ ‫في الحي ومات في حينه‪ .‬آه يا زمن! ردد العبارة‬ ‫مرتين‪ ،‬نهض من جلسته‪ ..‬استعد لصعود النخلة‪،‬‬ ‫صوت صادر من العريش‪ ..‬كان الصوت ضخما‬ ‫ومخيفا‪ :‬تعال‪ ..‬تعال يا بو ناصر‪ ..‬أخذ يمسح‬ ‫بعينيه المسافة بين النخلة التي ينوي صعودها‬ ‫وبين مكان الصوت‪ ،‬ارتهب من الصوت‪ ،‬الظالم‬ ‫يستعد للهبوط على مزرعته‪ ..‬تعال يا بو ناصر‪..‬‬ ‫تعال‪ ..‬دون أن يشعر‪ ،‬اجتذب لمصدر الصوت‪،‬‬ ‫خطا خطوتين‪ ..‬ثالث خطوات‪ ،‬خرج قِ ٌّط أسود‬ ‫مثل الفحم‪ ،‬ارتعد‪ ..‬تسمّر مكانه‪ ..‬تأمل القط‬ ‫طويل‪ ،‬وكان يحملق‬ ‫ً‬ ‫الذي ما يزال يصدر موا ًء‬ ‫في «أبو ناصر»‪ ،‬تذكر ما قال له أبوه ذات ليلة‪:‬‬ ‫القط األسود ال تدانيه؛ ألنه شيطان من الجن‪.‬‬ ‫أعــوذ باهلل من هالقط‪ ..‬كان يحدث نفسه‪،‬‬ ‫حــاول أن يــطــرده‪ ..‬لــم يتمكن‪ ،‬أشعل ن ــارًا في‬ ‫«سعفة يــابــســة»‪ ،‬رأى القط الــنــار وأخــذ يموء‬ ‫طــويـ ًـا‪ ُ ،‬وي َكثِّفُ نظراته لـ «أبــو ناصر» استعد‬ ‫القط للهرب‪ ..‬قلب في الهواء مرتين وصعد نخلة‬ ‫طويلة‪ .‬اتجه إليه‪« ،‬أبو ناصر» مشط بعينيه تلك‬ ‫النخلة؛ لكنه لم يلتقط له أثرًا‪.‬‬

‫خرج من العريش وذاكرته تتجشأ الخوف‪..‬‬ ‫مسح شاربه وأطلق ضحكة في السماء‪ .‬تذكر‬ ‫بعدها أن عليه أن يصعد النخلة ويخرف الرطب‪،‬‬ ‫فالليلة لديه موعد مع الجمعية الخيرية التي‬ ‫بدورها ستعطيه بعض المستلزمات الشهرية‬ ‫من الرز‪ ،‬ومعجون الطماطم‪ ،‬والسكر‪ ،‬والزيت‪،‬‬ ‫والصابون‪ ،‬كان فرحً ا بذلك‪ ،‬فبيته يكاد يكون‬ ‫خاليًا من تلك المواد‪ .‬لم يقاوم فرحته ورقص‬ ‫على أغنية سميرة توفيق‪:‬‬

‫(بين العصر والمغرب‪ ..‬مرت لمّ ة خيّالة‬ ‫مرت لمّ ة خيّالة‬ ‫وعرفت فرس وليفي‪ ..‬ألنها شقرا وميّالة‬ ‫النها شقرا وميّالة)‬ ‫ك ــان يــتــمــايــل بــجــســده وإصــبــعــه عــلــى خــده‬ ‫األيمن‪ ،‬وابتسامة كبيرة تتسلل إلى شاربه الذي‬ ‫لف الجزء األول من الكر على‬ ‫خالطه الشيب‪َّ ،‬‬ ‫ظهره‪ ،‬ولف اآلخر على النخلة‪ ،‬وعلق المخرف‬ ‫بحبل صغير في الكر‪ .‬وضع رجله األولــى على‬ ‫كرب النخلة ثم أتبعها بالثانية‪ ،‬تسلق خطوة‪..‬‬ ‫خطوتين‪ ..‬حتى وصل إلى األعلى‪ ..‬الذباب ما‬ ‫يزال يحوم على الخبز‪ ..‬األوالد جياع‪ ..‬جياع‪..‬‬ ‫المنزل يكاد يخلو من كل شيء‪ ..‬الثوب المعلق‬ ‫داخل العريش يسقط على األرض‪ ،‬ذاكــرة «أبو‬ ‫ناصر» في هذه اللحظة تتقيأ خبر موت أبيه‪،‬‬ ‫ينظر إلى أسفل‪ ،‬يعاين المسناة‪ ،‬يتحرك يمينًا‪..‬‬ ‫ينفك ح ــزام الــكــر! ينطلق صــوت الــمــؤذن من‬ ‫المسجد القريب لمزرعته‪ :‬اهلل أكبر‪ ..‬اهلل أكبر‪.‬‬

‫استراح على المسناة القريبة منه‪ ،‬تناول فنجان‬ ‫قهوة تفوح منها رائحة الهيل‪ ،‬ال يشرب القهوة إال‬ ‫في مزرعته‪ ..‬بعيدًا عن أعين الناس‪ ،‬فقد اتهموه‬ ‫ذات يوم بأن سالحه يربض كثيرًا بفعل القهوة‪،‬‬ ‫وكان يواجههم‪ :‬سالحي صناعة أمريكية ما تقدر‬ ‫القهوة تثبيطه‪ .‬اتجه إلى العريش»‪ ،‬كان ساكنًا‪..‬‬ ‫ثوبه ما يزال معلقًا‪ ..‬نعاله جانبًا‪ ..‬صرة من بذور‬ ‫يرجع القط األسود ويرمق «أبو ناصر» بنظرة‬ ‫الريحان بمحاذاة ثوبه‪ ..‬ذبابٌ يحوم حول الخبز‬ ‫الذي جلبه من البقالة المجاورة لبيته‪.‬‬ ‫طويلة!‬ ‫* كاتب سعودي‪.‬‬

‫نصوص‬

‫‪ 73‬العدد‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪69‬‬


‫نصوص قصير ٌة‬ ‫ٌ‬ ‫حنين‬

‫■ هشام بن الشاوي*‬

‫ضحكة المالئكة‬

‫عشرة أيام قضيتها‪ ،‬بعيدا عن السماء األولى‪..‬‬

‫نظرتك‪..‬‬ ‫فالح يرمي‪ ،‬كل صباح‪ ،‬بذرة أسى‪ ،‬ويمضي‬ ‫مسكون ‪ -‬مثلي‪ -‬بترقب‬ ‫ٍ‬ ‫عابئ أو‬ ‫الهيًا‪ ..‬غير ٍ‬ ‫غيمة شوق‪ ،‬تمطر شجنًا في حديقة القلب دومًا‪..‬‬ ‫وأحصد عواصف بكاء‪ ،‬زرعتها عيناك في‬ ‫حقول الدم‪ ..‬مدجّ جً ا بوحدتي!‬ ‫قراءة‬ ‫تعال مقيت‪« :‬أستاذ‪ ،‬ما هو آخر‬ ‫سألني في ٍ‬ ‫كتاب قرأته»؟‬ ‫أجبته في سخرية‪:‬‬ ‫حاليًا‪ ،‬أقرأ كتاب الحياة‪ ..‬بتمعن شديد!‬ ‫غربة‬ ‫تسايرهم‪..‬‬

‫رغــم رفــاهــيــة منتجع «قــصــر ال ــس ــراب»‪ ،‬لم‬ ‫أكن سعيدًا‪ ،‬كأنما نسيت نبض القلب في تلك‬ ‫الغرفة‪ ،‬التي نــادرًا ما تزورها الشمس‪ .‬عندما‬ ‫التقت نظراتنا‪ ،‬تزلزل كياني‪ ..‬توقفت ابنتي‪ ،‬ذات‬ ‫الشهرين‪ ،‬عن الرضاعة برهة‪ ،‬رشقتني بنظرة‬ ‫ضاحكة لم أستطع نسيانها‪..‬‬ ‫لم أحتمل ضياء تهطل في قلبي‪،‬‬

‫وجدتني على شفير النشيج‪..‬‬

‫وخجلت من مقايضة الضحكة النورانية ببكاء‬ ‫طفولي!‬ ‫شيخوخة الروح‬ ‫على طاولة الطعام‪ ،‬التفت إلي ابني‪ ،‬الذي لم‬ ‫يتجاوز ربيعه الخامس‪ ،‬قال ضاحكا بنبرة مَن‬ ‫يهتف في مظاهرة‪« :‬عندك الشيب في لحيتك»!‬

‫تــفــاجــأ بــأنــك غــيــر ق ــادر عــلــى الــتــأقــلــم مع‬ ‫شعيرات متفرقة تشهر وجودها‪ ،‬كلما تقاعست‬ ‫القطيع؛ مواهبك الفقيرة فــي مواصلة هذا عن حالقة هذا الشوك‪ .‬نهرته أمه‪ ،‬ابتسمت في‬ ‫الموت المجاني‪ ،‬بكل أكاذيبه الكبيرة ال تسعفك‪ ..‬صمت‪ ،‬ثم أجبته بود‪« :‬أعرف كيف أخفيه»‪.‬‬ ‫تلوذ بحصن صمتك السامق‪ ،‬وتتفيأ ظالل شجرة‬ ‫وهمس صوت خفي‪« :‬وماذا عن الشيب الذي‬ ‫أحزان سرمدية‪..‬‬ ‫خط الروح»؟‬ ‫سأم‬

‫رثاء مبكر‬

‫قهوة أخرى‪..‬‬ ‫منذ سنوات‪ ،‬أتساءل‪ ،‬كل شتاء‪« :‬كيف يتحمّل‬ ‫الموتى كل هذا الصقيع الشتوي؟! هل يبدون مثل‬ ‫لعلها الخامسة في هذا اليوم المتلكئ‪.‬‬ ‫أطفال يلهون تحت المطر‪ ،‬غير عابئين بمشاعر‬ ‫فــي األعــمــاق مشاعر تشبه ضباعً ا جائع ًة اآلباء؟ أم أن التراب يحتضنهم بكل حنو األصل»؟!‬ ‫تحوم حول جيفة هذا الوقت‪.‬‬ ‫طفرت من عيني دمعتان‪ ،‬لم أعرف إن كانتا‬ ‫تزفر‪« :‬متى ينتهي عمال هذا الضجر الكسول رثاءً مبكرًا لألنا‪ ،‬أم شفقةً عليها من ذلك النسيان‬ ‫من ترميم شرخ هذا اليوم في أعماقي»؟‬ ‫الذي ينتظرنا هناك‪..‬‬ ‫ * كاتب ‪ -‬المغرب‪.‬‬

‫‪70‬‬

‫العدد ‪73‬‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫نصوص‬


‫صال ُة النورِ‬ ‫ـدوت بـهــا ُصبحا‬ ‫ـك الـ َّـص ـحــارى إذ غ ـ ُ‬ ‫أت ـلـ َ‬ ‫ي ـكــادُ مَ ـس ـيــلُ ال ــرم ـ ِـل مــن وطـ ــأةِ الـ ُـخـطــا‬ ‫إذا عـ ـبـ ـ َر ال ـ ـعـ ـ ّـشـ ــاقُ لـ ــم ي ـ ـ ِـج ـ ــدوا س ــوى‬ ‫وم ــا سَ ـ َك ـن ــوا ف ــي ال ـع ـشـ ِـق غ ـي ـ َر قُ ـ ُلــوبـهــم‬ ‫بـ ـ ـك ـ ــل مـ ـ ـ ـق ـ ـ ــامٍ ثـ ـ ـ ـ ــمَّ ل ـ ـل ـ ـع ـ ـشـ ـ ِـق مـ ـهـ ـب ـ ٌـط‬ ‫ـك آي ــةٌ‬ ‫ف ـح ـي ـ ُـث وجَ ـ ـ ـ ــدتَ ال ـ ـنـ ــو َر قِ ـ ــف تـ ـل ـ َ‬ ‫روح أ َلـ ـ ـ ـ ــمَّ بـ ـه ــا الـ ـه ــوى‬ ‫تـ ـ ـب ـ ــارك ـ ــتَ م ـ ــن ٍ‬ ‫وإ ْذ ي ـ ـ ـت ـ ـ ـبـ ـ ــاهـ ـ ــى كـ ـ ـ ـ ـ ــلُّ ع ـ ـ ـبـ ـ ــد بـ ـ ـ ــر ِّبـ ـ ـ ــهِ‬ ‫يـ ـصـ ـل ــي صـ ـ ـ ــا َة الـ ـ ـن ـ ــور أنْ ال َذ عـ ـب ــد ُه‬ ‫ـك ق ــال الـ ـك ــونُ «ي ــا ط ـيــرُ سـ ِّبـحــي»‬ ‫ه ـنــالـ َ‬ ‫األرض آخـ ــذً ا‬ ‫َ‬ ‫ـدرك‬ ‫ويـ ــا ب ـح ــرُ ل ــو ل ــم تـ ـ ـ ِ‬ ‫أرض ما المبكى؟! وقد «وُ لِ َد الهدى»؟‬ ‫ويا ُ‬ ‫مُ ــحَ ــمِّ ـ ـ ُلـ ـه ــا حَ ـ ـ ــمْ ـ ـ ــدً ا ومُ ـ ـشـ ـ ِـهـ ــدُ هـ ــا تـقــى‬ ‫أرض ق ـ ــرب ـ ــانَ ش ــاك ــرٍ‬ ‫وإن ت ــذب ـح ــي يـ ــا ُ‬ ‫ـرت حـ ـ ـ ـم ـ ـ ــلَ م ـ ـح ـ ـمـ ـ ٍـد‬ ‫وإنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـك إذ آثـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫وم ـ ــا ض ـ ــرَّ إن ل ـ ــمْ َيـ ـس ـ ِـق ن ـب ـ َت ـ ِـك ه ــاط ــلٌ‬ ‫أتـ ـحـ ـت ــرقـ ـي ــنَ اآلن؟! «ال» إن رُوحَ ـ ـ ـ ـ ــهُ‬ ‫فـ ـصـ ـ ّل ــي عـ ـل ــى الـ ـمـ ـخـ ـت ــارِ ح ــيً ــا ومـ ـ ّي ــتً ــا‬ ‫نـ ـ ـب ـ ـ ٌّـي رح ـ ـ ـيـ ـ ــمٌ ج ـ ـ ــلَّ ق ـ ـ ـ ـ ــدرًا مـ ـ ــن ال ـ ـ ــورى‬ ‫ـأرض‪ُ « :‬ابـ ـسـ ـط ــي‬ ‫ور َُّب ن ـ ـبـ ــيٍّ ق ـ ـ ــال ل ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫سـ ـ ـ ــامً ـ ـ ـ ــا وب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــردً ا لـ ـ ـلـ ـ ـحـ ـ ـي ـ ــارى كـ ـ ــأ ّنـ ـ ــهُ‬ ‫وق ــد جَ ـ ــاء ِمـ ــلء ال ـق ـلـ ِـب لـلـقـلـ ِـب فــاتـ ًـحــا‬ ‫مـ ــديـ ـ ٌـن لـ ــه يـ ــا بـ ـح ــرُ يـ ــا رم ـ ـ ــلُ يـ ــا ن ــدى‬ ‫ـض مـ ـحـ ـم ـ ٍـد‬ ‫ويـ ـ ـ ـ ــا ج ـ ـ ـبـ ـ ـ ًـا آويـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتَ ف ـ ـ ـيـ ـ ـ َ‬ ‫وي ـ ــا ك ـ ـ ــونُ ب ـ ـ ــحُ ‪ ،‬مـ ــا ب ـي ــن ط ـ ـ ّيـ ـ ِـك ه ــديُ ــهُ‬ ‫وتـ ـل ــك هـ ــي األكـ ـ ـ ـ ــوانُ لـ ــو ك ـ ــان خ ـطــوهــا‬ ‫وددت ل ــو أنـنــي‬ ‫ُ‬ ‫ف ـيــا خ ـي ـ َر م ــن أض ـح ــى‬ ‫وي ـ ــا خـ ـيـ ـ َر مـ ــن أسـ ـكـ ـن ـ ُـت صـ ـ ــدري ذِ كـ ـ ـ ـ َر ُه‬ ‫ـوق يـ ـ ـم ـ ــدُّ جـ ـ ـ ـ ــذور ُه‬ ‫ُأص ـ ـ ـ ـ ّلـ ـ ـ ــي‪ ،‬وبـ ـ ـ ــي شـ ـ ـ ـ ـ ٌ‬ ‫ص ـ ـ ـ ـ ــا َة مُ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ٍّـب ك ـ ـ ـ ــان يـ ـ ـكـ ـ ـت ـ ــمُ شـ ـ ــو َقـ ـ ــهُ‬

‫‪ρ‬هيفاء اجلبري*‬

‫ومــن ذا الــذي استسقى بأقدامهِ ُجرْحا‬ ‫يُ ــحَ ــمِّ ـ ـ ُلـ ـه ــا سـ ـ ـ ـ ـ ًّرا وقـ ـ ــد ُحـ ــمِّ ـ ـ َلـ ـ ْـت ب ــوح ــا‬ ‫دم ـ ـ ـ ـ ــاءٍ ع ـ ـلـ ــى آث ـ ـ ــاره ـ ـ ــمْ آل ـ ـ ـمـ ـ ـ ْـت ش ــرح ــا‬ ‫ـوب ال ـ ـقـ ــومِ م ــا ف ــتِ ـئ ـ ْـت نــزحــا‬ ‫ف ـت ـلــك قـ ـل ـ ُ‬ ‫يـقــولُ ‪« :‬ارت ـحــلْ ‪ ،‬إن الـهــوى لغةٌ فُ صحى‬ ‫ـك اإلنـ ـس ــانُ ي ــا أي ـهــا الــمُ ــوحــى»‬ ‫ع ـلــى أنـ ـ َ‬ ‫ـروح تـ ـس ــأل ــهُ صــفْ ـحــا‬ ‫ـرب الـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫ف ـ ـ ـ ــاذتْ ب ـ ـ ـ ِّ‬ ‫بـ ــك الـ ـ ـ ـ ـر ُّ​ّب قـ ــد ب ــاه ــى م ــائِ ـ ـك ــهُ َفـ ـ ْرح ــا‬ ‫ب ــه جـ ــلّ م ــن ص ـ ّل ــى ع ـل ــى عـ ـب ــدهِ مــدحــا‬ ‫األرض م ــاثـ ـل ــةٌ ُن ـص ـحــا‬ ‫ِ‬ ‫ف ـ ـ ــدوحٌ بـ ـه ــذي‬ ‫ن ـص ـي ـ ًب ــا لـ ـه ــا آتـ ـ ـت ـ ـ ْـك ح ـك ـم ـت ـه ــا ِم ـل ـحــا‬ ‫وكـ ـ ــان دعـ ـ ـ ــاءُ األرض مـ ــن ق ـب ـل ــهِ َن ــوح ــا‬ ‫ومُ ـ ـل ــبِ ـ ُـسـ ـه ــا رفـ ــقً ـ ــا ومُ ـ ـ ْل ـ ِـح ــقُ ـ ـه ــا ُص ـل ـحــا‬ ‫لـ ـ ـ َه ـ ــا َل ـ ـ ِـك أن ال ـ ـن ـ ـج ـ ـ َم خَ ـ ـ ـ ــرَّ لـ ـ ــهُ ذِ ْب ـ ـحـ ــا‬ ‫ألن ـ ـ ـ ِـت مـ ــن األج ـ ـ ـ ـ ــرامِ أبـ ـل ــغُ ـ ـه ــا سَ ـ ْـط ـح ــا‬ ‫ف ــمَ ــهْ ـ ِـطـ ـ ُل ــهُ ي ـس ـقــي مـ ــرابِ ـ ـعـ ـ ِـك الـفـيـحــا‬ ‫لـ ـ َتـ ـبـ ـ ُل ــغُ أن الـ ـ ـن ـ ــا َر َت ـ ـنـ ــدى لـ ـه ــا َق ــدْ ح ــا‬ ‫ص ـ ـ ــاة نـ ـعـ ـي ـ ٍـم ك ـ ـنـ ـ ِـت أولـ ـ ـ ــى ب ـ ــه مَ ـ ـ ْنـ ـح ــا‬ ‫فـ ــأن ـ ـعـ ــم بـ ـ ــه رُوح ـ ـ ـ ـ ــا وأن ـ ـ ـعـ ـ ــم ب ـ ـ ــهِ رَوح ـ ـ ــا‬ ‫ـارك للجوعى» فـقــالـ ْـت ل ــهُ ‪« :‬مــرحــى»‬ ‫ث ـمـ ِ‬ ‫ـس قـ ـلـ ـب ــا ك ـ ـ ـ ـ َّـف آالم ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ ل ـف ـح ــا‬ ‫إذا م ـ ـ ـ ـ ّ‬ ‫فـ ـ ـ ُّـس ـ ـ ـ ِّل ـ ـ ـ َم مـ ـ ــن لـ ـ ـ َّب ـ ــى وسَ ـ ـ ـ ـ َّل ـ ـ ــمَ ـ ـ ــهُ َف ـت ـح ــا‬ ‫ويـ ـ ـ ــا س ـ ـن ـ ـبـ ـ ًـا أدّى م ـ ـنـ ــاسـ ــكِ ـ ــهُ َق ـم ـح ــا‬ ‫وك ـ ـنـ ــتَ َلـ ـ ــتُ ـ ـ ــروي نـ ـبـ ـ َع أقـ ـ ــدامـ ـ ــهِ سَ ـف ـحــا‬ ‫ف ـح ـيـ ُـث خَ ـ ـط ـ ْـت رجـ ـ ــا ُه ك ـن ــتَ ل ــه َلــوحــا‬ ‫ـدي آلخــذهــا المنحى‬ ‫عـلــى غـيــر ذي ه ـ ٍ‬ ‫زرع ـ ـ ـ ـ ـ ُـت ي ـ ـ ــدي ح ـ ـتـ ــى َتـ ـ ـ َفـ ـ ـ َّي ـ ــأه ـ ــا دَوح ـ ـ ــا‬ ‫فـ ـم ــا س ـ ـ ــلَّ صـ ـ ـ ــد ٌر عـ ـن ــد ذاكـ ـ ـ ـ ـ ــرهِ ُرمـ ـح ــا‬ ‫ـاش ف ــي ُتـ ــربـ ــهِ ك ــدْ ح ــا‬ ‫ل ـئ ــا يُ ـ ـ ــرى ك ــم عـ ـ ـ َ‬ ‫ول ـ ـ ـك ـ ـ ـنـ ـ ــهُ م ـ ـ ــن ف ـ ـ ـ ــرط كـ ـ ـتـ ـ ـم ـ ــان ـ ــهِ ُب ـ ـ َّـح ـ ــا‬

‫* شاعرة سعودية‪.‬‬

‫نصوص‬

‫‪ 73‬العدد‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪71‬‬


‫ارتحال‬

‫‪ρ‬‏مالك اخلالدي*‬

‫قلب ناقص‬

‫يرتحلون ويتركون قلوبنا للرماد‬ ‫نفقد أجزاءً من قلوبنا كلما سقطت نجمة‬ ‫بقلب ناقص؟!‬ ‫ٍ‬ ‫ماذا يعني أن تعيش بقية عمرك‬ ‫لقد اتسع الفقد في صدورنا‪..‬‬ ‫لغة‬

‫الفقد لغة المالمح الذابلة‬ ‫لغة تُفرغ الحياة من الدهشة‬ ‫لم يعد الشغف ملء العين‬ ‫و لم تعد األيام ذات بريق‪.‬‬ ‫لقد أفقدنا الفقد بهجة اللحظات‪.‬‬ ‫هزيمة‬

‫هزائمنا أمام الحزن انتصار‪..‬‬ ‫‏ننتصر للذكريات الشفيفة‪ ،‬للوجوه الغائبة‪.‬‬ ‫‏ننتصر لإلنسان الرهيف داخلنا‪..‬‬ ‫ُصاب بالهزيمة أمام الحزن الجليل!‬ ‫فن ُ‬ ‫قلق‬

‫هلل يعلمُ ما أُخفيهِ من ألمي‬ ‫ا ُ‬ ‫واألرق‬ ‫ِ‬ ‫األحزان‬ ‫ِ‬ ‫‏ وما بقلبي من‬ ‫ُالح ُظهُ‬ ‫خفي ال ت ِ‬ ‫ٌّ‬ ‫‏لكن جرحي‬ ‫َّ‬ ‫عين وال أشتكي إال إلى ورقي‬ ‫‏ ٌ‬ ‫ابتسامات أُبعثِ رُ ها‬ ‫ٌ‬ ‫‏للناس حولي‬ ‫ِ‬ ‫البوح ما يحلو‪ ،‬ولي قلقي‬ ‫ِ‬ ‫‏ لهمْ منَ‬ ‫غياب العيد‬

‫العيدُ عا َد ولم يعُ د أحبابي‬ ‫‏ هزموا فؤادي‪ ،‬أثقلوا أهدابي‬ ‫الصباح إذا أتى؟!‬ ‫ِ‬ ‫‏ما العيدُ ‪ ،‬ما وجهُ‬ ‫تراب‬ ‫األحباب بين ِ‬ ‫ُ‬ ‫‏ قد أصبحَ‬ ‫ * شاعرة وقاصة سعودية‪.‬‬

‫‪72‬‬

‫العدد ‪73‬‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫نصوص‬


‫ما ِلح‪..‬‬ ‫َم ْعزُو َف ُة النَّ ْه ِر ال َ‬

‫‪ρ‬حامد أبوطلعة*‬

‫ـوج ـ ـ ـ ـ ـ ــدُ ِضـ ـ ـ ــفَّ ـ ـ ـ ـ ْة‬ ‫َاك ال ـ ـ ـ ـ ـ َّنـ ـ ـ ـ ــهْ ـ ـ ـ ـ ــرِ ال ُت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ‬ ‫ـف ذ َ‬ ‫خَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْل ـ ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫إِ َّنـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ُتـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوجَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدُ ِمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْث ـ ـ ـ ـ ـ ــلُ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّنـ ـ ـ ـ ـ ـ ــارِ خَ ـ ـ ـ ـ ـ ْلـ ـ ـ ـ ـ َفـ ـ ـ ـ ـ ْه‬ ‫ـك ُخ ـ ـ ـ ـ ـ ْبـ ـ ـ ـ ــزٌ‬ ‫ي ـ ـ ـ ـ ــا أَخَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزَّ ْور َِق ف ـ ـ ـ ـ ــي َك ـ ـ ـ ـ ـ ــفِّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫ـصـ ـ ـ ـ ـ َفـ ـ ـ ـ ـ ْه‬ ‫أ َ َك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلَ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزَّ ْورَقُ َل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْ َـم ـ ـ ـ ـ ـ ــا جَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َع نِ ـ ـ ـ ـ ْ‬ ‫ـك سَ ـ ـ ـ ـ ْيـ ـ ـ ـ ٌـف‬ ‫ُوحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫ـاس ـ ـ ـ ـ ـ ـ َتـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـد ْر لـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ َّـشـ ـ ـ ـ ـو ِْق ف ـ ـ ـ ــي ر ِ‬ ‫َفـ ـ ـ ـ ـ ـ ْ‬ ‫ـش الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـو ِْق َق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدْ و ََّحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َد َصـ ـ ـ ــفَّ ـ ـ ـ ـ ْه‬ ‫إِ نَّ جَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْي ـ ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫ـاج ـ ـ ــي‬ ‫وَا ْر َفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــع الـ ـ ـ ـ ـ ـ َك ـ ـ ـ ـ ـ َّـف إِ َلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى الـ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـ ـ ْو َلـ ـ ـ ـ ــى ُتـ ـ ـ ـ َن ـ ـ ـ ِ‬ ‫ـك َكـ ـ ـ ـ ــفَّ ـ ـ ـ ـ ـ ْه‬ ‫َق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْبـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلَ أن َيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْر َفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َع ِمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـدَافـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫ـك ِس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًَّـرا‬ ‫ال َتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُل ـ ـ ـ ـ ـ ــمْ ِه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرَة م ـ ـ ـ ـ ــا يُ ـ ـ ـ ـ ـ ْبـ ـ ـ ـ ـ ِـق ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫ـك اهلل ُلـ ـ ـ ـ ْـط ـ ـ ـ ـ َف ـ ـ ـ ـ ْه‬ ‫طَ ـ ـ ـ ـ ــا َلـ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـ ــا يُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـج ـ ـ ـ ـ ـ ــرِ ي عَ ـ ـ ـ ـ ـ َل ـ ـ ـ ـ ـ ْيـ ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫ال َتـ ـ ـ ـ ــخَ ـ ـ ـ ـ ـ ْـف ِم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنْ هَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدْ أَةِ الـ ـ ـ ـ ـ َّلـ ـ ـ ـ ـ ْي ـ ـ ـ ـ ِـل سَ ـ ـ ـ ـ َي ـ ـ ـ ـأْتِ ـ ـ ـ ــي‬ ‫ـك خَ ـ ـ ـ ـ ـ ْو َفـ ـ ـ ـ ــهُ‬ ‫َب ـ ـ ـ ـ ـ ــعْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َد ُه ُص ـ ـ ـ ـ ـ ْبـ ـ ـ ـ ـ ٌـح َو َيـ ـ ـ ـ ــمْ ـ ـ ـ ـ ـ ُـحـ ـ ـ ـ ــو ِم ـ ـ ـ ـ ـ ْنـ ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫َف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــإِ ذَا م ـ ـ ـ ـ ــا قُ ـ ـ ـ ـ ـ ــمْ ـ ـ ـ ـ ـ ــتَ ظَ ـ ـ ـ ـ ـ ــمْ ـ ـ ـ ـ ـ ــآ ً َنـ ـ ـ ـ ـ ــا َفـ ـ ـ ـ ـ َت ـ ـ ـ ــمْ ـ ـ ـ ــتِ ـ ـ ـ ــمْ‬ ‫ـك ال ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ــالِ ـ ـ ـ ـ ِـح غُ ـ ـ ـ ـ ـ ْر َف ـ ـ ـ ـ ـ ْة‬ ‫وَاغْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرِ ْف ِم ـ ـ ـ ـ ـ ــنْ مَ ـ ـ ـ ـ ــائِ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫َاس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ــعْ ل ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ َّنـ ـ ـ ــاي فـ ـ ـ ـ ــي َق ـ ـ ـ ـ ـ ْلـ ـ ـ ـ ــبِ ـ ـ ـ ـ ـ ِـك َنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـز ٌْف‬ ‫و ْ‬ ‫وَعَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َل ـ ـ ـ ـ ـ ــى و َْج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـك َك ـ ـ ـ ـ ــال ـ ـ ـ ـ ــمُ ـ ـ ـ ـ ـ ْـح ـ ـ ـ ـ ــرُ ومِ َلـ ـ ـ ــهْ ـ ـ ـ ـ َف ـ ـ ـ ـ ْة‬ ‫ـك َلـ ـ ـ ـ ْـحـ ـ ـ ــنَ الـ ـ ـ ـ َه ـ ـ ــمْ ـ ـ ـ ِـس جَ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ً َرا‬ ‫قُ ـ ـ ـ ـ ـ ــلْ َلـ ـ ـ ـ ـ ــهُ دَعْ عَ ـ ـ ـ ـ ْنـ ـ ـ ـ َ‬ ‫حَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْيـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـث أَنَّ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّن ـ ـ ـ ـ ـ ــايَ ال يُ ـ ـ ـ ـ ـ ْتـ ـ ـ ـ ـ ِـقـ ـ ـ ـ ــنُ عَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْز َف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْه‬ ‫َاخـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرُ جْ‬ ‫وَامْ ـ ـ ـ ـ ــسَ ـ ـ ـ ـ ــح الـ ـ ـ ـ َّل ـ ـ ــهْ ـ ـ ـ ـ َفـ ـ ـ ـ َة ِم ـ ـ ـ ـ ـ ــنْ و َْج ـ ـ ـ ـ ــهِ ـ ـ ـ ـ ـ ِـك و ْ‬ ‫خَ ـ ـ ـ ـ ــافِ ـ ـ ـ ـ ـ ً َقـ ـ ـ ـ ــا َض ـ ـ ـ ـ ــمَّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َد ِعـ ـ ـ ـ ـ ـ ْنـ ـ ـ ـ ـ ـ َد الـ ـ ـ ـ ـ َف ـ ـ ـ ـ ْـج ـ ـ ـ ــرِ َنـ ـ ـ ـ ـ ـ ْز َفـ ـ ـ ـ ـ ـ ْه‬ ‫ـك ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـخ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرُ ومِ‬ ‫وَا ْبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــقَ فـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي َز ْورَقِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫حَ ـ ـ ــتَّ ـ ـ ــى َي ـ ـ ـ ِـج ـ ـ ــد ال ـ ـ ـ ُّـصـ ـ ـ ـ ْب ـ ـ ــحُ لِ ـ ـ ـ ـ ـ َهـ ـ ـ ـ ـذَا الـ ـ ـ ـ َّن ـ ـ ــهْ ـ ـ ــرِ ِضـ ـ ــفَّ ـ ـ ـ ْة‬ ‫ * شاعر سعودي‪.‬‬

‫نصوص‬

‫‪ 73‬العدد‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪73‬‬


‫النّ‬ ‫ُ‬ ‫ضال ِنضالي‬

‫‪ρ‬نورة آل بهيكل*‬

‫اِ رْشَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــحْ جـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـن ـ ـ ــي فـ ـ ـ ـ ــال ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــا ُة ع ـ ـ ـص ـ ـ ـيـ ـ ــةٌ‬ ‫ـال‬ ‫ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َغ اآلم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــال دون قـ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫أي تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرددٍ‬ ‫ِّ‬ ‫وابـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدأ ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي دون‬ ‫ـال‬ ‫ـك فـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي األوح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫فـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ــي ُتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــردِ يـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫ع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــش ع ـ ـ ـ ـ ـ ــال ـ ـ ـ ـ ـ ــيً ـ ـ ـ ـ ـ ــا مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدِّ دً ا بِ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ ــردٍ‬ ‫ـال‬ ‫فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي سـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ــر غ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــون ب ـ ـ ـ ـ ـ ــاألعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫فـ ـ ـ ــال ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ــرُ ُرغ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َم ال ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ــق مـ ـ ـ ـ ـ ــن م ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ــزوفـ ـ ـ ــهِ‬ ‫ـال‬ ‫يُ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــي م ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ــانـ ـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ـ ـ ـ ــون بـ ـ ـ ـ ــال ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ــرحـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫غ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو ٌر ي ـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ــوق إل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى الـ ـ ـ ـ ـ ــتَّ ـ ـ ـ ـ ـ ـغـ ـ ـ ـ ـ ــيُّ ـ ـ ـ ـ ـ ــرِ هـ ـ ـ ـ ـ ــاتِ ـ ـ ـ ـ ـ ــهِ‬ ‫ـال‬ ‫ـس ال ت ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ــي ع ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ــى األطـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ن ـ ـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ‬ ‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــارق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـت غ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات األسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــود فـ ـ ـ ـص ـ ـ ــدتـ ـ ـ ـه ـ ـ ــم‬ ‫والـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوم قـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــار َق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ ن ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ــي‬ ‫ن ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ــي عـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ــى سـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ــح الـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـق ـ ـ ــة ق ـ ـ ـ ــائ ـ ـ ـ ــمٌ‬ ‫أرس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى ج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـ ــال ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ــق فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي أدغـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي‬ ‫ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاء ي ـ ـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ـ ــري فـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي عـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــروق عـ ـ ــزي ـ ـ ـم ـ ـ ـتـ ـ ــي‬ ‫ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن أُثْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــجَ األف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َر ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي أك ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ــي‬ ‫اجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــري عـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ــى عُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـد الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــان وف ـ ـ ـك ـ ـ ـكـ ـ ــي‬ ‫ـال‬ ‫م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا كـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــان مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــودً ا إلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى اإلح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫يـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــةً ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ـ ـ ـ ــون ع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوُّ ٍن‬ ‫ـال‬ ‫لـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم ُت ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـظـ ـ ـ ـ ـ ــري ش ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـخـ ـ ـ ــا عـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ــى األش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫ارشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــح جـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـن ـ ـ ــي مـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ــك غـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــثً ـ ـ ـ ــا م ـ ـ ـ ـ ــاط ـ ـ ـ ـ ــرً ا‬ ‫ـال‬ ‫ـات واألم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـثـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫وانـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـظ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر إل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى اآلي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬

‫‪74‬‬

‫العدد ‪73‬‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫نصوص‬


‫ـك م ـ ـ ـ ـ ـ ــا تـ ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ــا ف ـ ـ ـ ـ ـ ــي األمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر إن ب ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ــدمٍ‬ ‫لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫ـوال‬ ‫أبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتَ أو بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأخ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرِ األح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫إن دق ن ـ ـ ـ ـ ـ ــاق ـ ـ ـ ـ ـ ــوس اخ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ــاق الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ـ ــون ق ـ ــم‬ ‫ـدال‬ ‫وان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ــج إل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى ال ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـغ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــر دون ج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫حـ ـ ـ ـ ـ ــاسـ ـ ـ ـ ـ ــب رداء ال ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ــس ع ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ــد لـ ـ ـ ـب ـ ـ ــاس ـ ـ ــه‬ ‫ـال‬ ‫ا ظـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلَّ ك ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـث ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫ـرض َكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًّ‬ ‫ال ت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫ال تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـث ـ ـ ـ ـ ـ ــرنَّ مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـ ــأف ـ ـ ـ ـ ـ ــف وان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـش‬ ‫ـال‬ ‫واشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر عـ ـ ـ ـ ـظـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــم الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنِّ بـ ـ ـ ـ ـ ــاإلف ـ ـ ـ ـ ـ ـضـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫ال تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـط ـ ـ ـ ـ ـ ــرنَّ كـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ــن تـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ّـط ـ ـ ـ ـ ــر سـ ـ ـ ـ ــابـ ـ ـ ـ ــقً ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫ـذال‬ ‫سـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌأ ب ـ ـ ـ ـ ـ ــرغ ـ ـ ـ ـ ـ ــم ال ـ ـ ـ ـ ـخ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــر ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي األنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫غـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِّي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو َكـ ـ ـ ـ ـ ـ ــك التـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــكُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن م ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ــأمـ ـ ـ ـ ـ ًـا‬ ‫ـال‬ ‫أنّ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــانَ مُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـغـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِّي ـ ـ ـ ـ ـ ــرٌ ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫ـاع ـ ـ ـ ـ ـ ِـل َن ـ ـ ـ ـ ــوُّ ه ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫اجـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ــل فِ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ــك ك ـ ـ ـ ـ ــال ـ ـ ـ ـ ــمُ ـ ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫ـال‬ ‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــعْ ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــةِ اإلصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاح ال ل ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫م ـ ـ ـ ـ ـ ــا فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاتَ م ـ ـ ـ ـ ـ ــن أمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر ال ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ــاةِ مـ ـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـ ـو ٌّت‬ ‫ـال‬ ‫ف ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ـخـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــر ب ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــن ي ـ ـ ـ ـ ـ ــدي ـ ـ ـ ـ ـ ــك ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم بِ ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫لـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو لـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم ي ـ ـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ـ ــن فـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ــر إال سـ ـ ـ ـ ــاعـ ـ ـ ـ ــةٌ‬ ‫ـال‬ ‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاغ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرِ ْس َف ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ َة غـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــةِ اآلمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫كـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن سـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــابـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرً ا لـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ــون واص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر وارت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـق‬ ‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــروح روحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي والـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـض ـ ـ ـ ـ ـ ــال نـ ـ ـ ـض ـ ـ ــال ـ ـ ــي‬ ‫* شاعرة سعودية‪.‬‬

‫نصوص‬

‫‪ 73‬العدد‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪75‬‬


‫َ‬ ‫غر َ ْق‬ ‫‪ρ‬هند النزاري*‬

‫ـف ا ْلـ ـ ـ ـ َي ـ ـ ـ ِـد؟‬ ‫َاجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫إِ َل ـ ـ ـ ـ ــى مَ ـ ـ ـ ــنْ مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َددْتَ ا ْلـ ـ ــحَ ـ ـ ـ ْبـ ـ ــلَ َي ـ ـ ــا ر ِ‬ ‫وَفِ ـ ـ ـ ـ ـ ــي أ َِّي عُ ـ ـ ــمْ ـ ـ ـ ٍـق َتـ ـ ـ ـ ْر َت ـ ـ ـ ِـج ـ ـ ــي طَ ـ ـ ـ ْيـ ـ ـ َفـ ـ ـ َه ـ ــا الـ ـ ـ ـ َّن ـ ـ ـ ِـدي؟‬ ‫ِه ـ ـ ـ ـ ـ ــيَ امْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َرأَةٌ ِم ـ ـ ـ ـ ـ ــنْ َب ـ ـ ـ ــعْ ـ ـ ـ ـ ِـد مَ ـ ـ ـ ـ ـ ْل ـ ـ ـ ــيُ ـ ـ ـ ــونَ سَ ـ ـ ــقْ ـ ـ ــطَ ـ ـ ــةٍ‬ ‫َت ـ ـ ـ ـ ـ َنـ ـ ـ ـ ــاهَ ـ ـ ـ ـ ـ ْـت ُخ ـ ـ ـ ــطَ ـ ـ ـ ــاهَ ـ ـ ـ ــا لِ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ َّـض ـ ـ ـ ـ َيـ ـ ـ ــاعِ ا ْل ـ ـ ــمُ ـ ـ ـ ّـخـ ـ ـ ـ َّل ـ ـ ـ ِـد‬ ‫َت ـ ـ ـ ـ ـ ـ َهـ ـ ـ ـ ـ ــاوَتْ عَ ـ ـ ـ ِـم ـ ـ ـيـ ـ ــقً ـ ـ ــا وَا ْر َت ـ ـ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـ ـ ــى َف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوْقَ ِج ـ ـ ـر ِْم ـ ـ ـ َهـ ـ ــا‬ ‫زَمَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــانٌ شَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـديـ ـ ـ ـ ـ ــدُ ا ْلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـأ ِْس َنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْز ُر ال ـ ـ ـ ـ ـ ــتَّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوَدُّ دِ‬ ‫ـس فِ ـ ـ ـ ـ ــي أ َِّي هُ ـ ـ ـ ـ ـ ــوَّ ةٍ‬ ‫ُتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرَى هَ ـ ـ ـ ـ ـ ــلْ سَ ـ ـ ـ ـ ـ ـأَ ْل ـ ـ ـ ـ ــتَ ْالَمْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫اسـ ـ ـ ـ َت ـ ـ ــعْ ـ ـ ـ ـ َل ـ ـ ــمْ ـ ـ ــتَ عَ ـ ـ ـ ـ ـ ــنْ نِ ـ ـ ـ ـ ـ َّي ـ ـ ـ ــةِ ا ْل ـ ـ ـ ـ َغـ ـ ـ ـ ِـد‬ ‫رَمَ ـ ـ ـ ـ ــاهَ ـ ـ ـ ـ ــا أَوِ ْ‬ ‫وَهَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلْ سَ ـ ـ ــا َقـ ـ ـ ـ َه ـ ـ ــا لِ ـ ـ ـ ـ ْل ـ ـ ـ ـ َقـ ـ ـ ــاعِ عَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـزْمٌ عَ ـ ـ ـ ـ َل ـ ـ ــى ا ْلـ ـ ــبِ ـ ـ ـ َلـ ـ ــى‬ ‫أَمِ ا ْل ـ ـ ـ ـ ــحَ ـ ـ ـ ـ ـ ُّـظ أَ ْلـ ـ ـ ـ ـ ـ َق ـ ـ ـ ـ ــى حَ ـ ـ ـ ـ ْبـ ـ ـ ـ َلـ ـ ـ ـ َه ـ ـ ــا عَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنْ َتـ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـ ــرُّ دِ‬ ‫ـاس َك ـ ـ ـ ــا ُن ـ ـ ـ ــوا فِ ـ ـ ـ ــي سَ ـ ـ ـ ِـف ـ ـ ـيـ ـ ـ ٍـن َفـ ـ ــسَ ـ ـ ــاهَ ـ ـ ــمُ ـ ـ ــوا‬ ‫أَ ْم الـ ـ ـ ـ ـ َّن ـ ـ ـ ـ ُ‬ ‫َفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـأَ ْو َف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى عَ ـ ـ ـ ـ َل ـ ـ ـ ـ ْي ـ ـ ـ ـ َهـ ـ ـ ــا وَقْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــعُ سَ ـ ـ ـ ـ ــهْ ـ ـ ـ ـ ـ ٍـم مُ ـ ـ ـ ـ ــسَ ـ ـ ـ ـ ــدَّ دِ‬ ‫ـوت و َ​َل ِظ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلُّ َنـ ـ ـ ـ ْبـ ـ ـ ـ َت ـ ـ ــةٍ‬ ‫َو َل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمْ َيـ ـ ـ ـ ـ ْـحـ ـ ـ ـ ــوِ هَ ـ ـ ـ ـ ــا ُحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌ‬ ‫ـان َتـ ـ ــكْ ـ ـ ـ ُبـ ـ ــو َو َت ـ ـ ــهْ ـ ـ ـ ـ َت ـ ـ ـ ِـدي‬ ‫َف ـ ـ ــطَ ـ ـ ــا َف ـ ـ ـ ْـت عَ ـ ـ ـ ـ َل ـ ـ ــى ا ْل ـ ـ ـ ِـقـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ َع ـ ـ ـ ِ‬ ‫اس ـ ـ ـ ـ َت ـ ـ ـ ـ َقـ ـ ـ ــرَّ تْ حَ ـ ـ ـ ـ ْي ـ ـ ـ ُـث أَ ْل ـ ـ ـ ـ َقـ ـ ـ ــى بِ ـ ـ ـ َهـ ـ ــا الـ ـ ـ ـ ـ ــرَّ دَى‬ ‫َو َلـ ـ ـ ــمَّ ـ ـ ـ ــا ْ‬ ‫َت ـ ـ ـ ـ ـ ـ َـاشَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـت َو َل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمْ ُت ـ ـ ـ ــفْ ـ ـ ـ ــلِ ـ ـ ـ ــحْ فُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُن ـ ـ ـ ـ ــونُ ال ـ ـ ــتَّ ـ ـ ــجَ ـ ـ ـ ـ ُّل ـ ـ ـ ِـد‬ ‫ـات حَ ـ ـ ـ ـ ْو َل ـ ـ ـ ـ َهـ ـ ـ ــا‬ ‫وَمَ ـ ـ ـ ـ ـ ــزَّ َق ـ ـ ـ ـ ـ ـ َهـ ـ ـ ـ ـ ــا َبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْر ُد ا ْل ـ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـ ــسَ ـ ـ ـ ـ ــاحَ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫َاحـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ َه ـ ـ ـ ـ ــا رَجَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َء الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتَّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـزَوُّ دِ‬ ‫َفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدَّ تْ َنـ ـ ـ ـ ـ ـو ِ‬

‫‪76‬‬

‫العدد ‪73‬‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫نصوص‬


‫ـضـ ـ ـ َه ـ ــا‬ ‫ـات الـ ـ ـ ـ َّـصـ ـ ـ ــمْ ـ ـ ـ ـ ِـت َتـ ـ ـ ـ ْـج ـ ـ ـ ـ َتـ ـ ـ ــرُّ َنـ ـ ـ ْب ـ ـ َ‬ ‫َف ـ ـ ـ ـ ِـم ـ ـ ـ ــنْ َردَهَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫ـات ا َّل ـ ـ ـ ـ َل ـ ـ ـ ـ ْيـ ـ ـ ـ ِـل َتـ ـ ـ ـ ْن ـ ـ ـ ُـض ـ ـ ــو َو َت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْر َتـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـدي‬ ‫و َِمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنْ طَ ـ ـ ـ ـ َب ـ ـ ـ ـ َقـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫ـات الـ ـ ـ ـ َّـص ـ ـ ـ ـ ْبـ ـ ـ ــرِ َت ـ ـ ـ ْـخـ ـ ـ ـ ُب ـ ـ ــو ُطـ ـ ــيُ ـ ـ ــوفُ ـ ـ ـ َهـ ـ ــا‬ ‫وَفِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي َثـ ـ ـ ـ ـ َنـ ـ ـ ـ ـ َي ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫وَمَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا حَ ـ ـ ـ ـ ْو َل ـ ـ ـ ـ َهـ ـ ـ ــا غَ ـ ـ ـ ـ ـ ْي ـ ـ ـ ــرُ ا ْل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـخـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوَاءِ ا ْلـ ـ ـ ــمُ ـ ـ ـ ـ َع ـ ـ ـ ـرْبِ ـ ـ ـ ـ ِـد‬ ‫وَيُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدْ رَجَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َهـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ال ـ ـ ـ ــتَّ ـ ـ ـ ــهْ ـ ـ ـ ــوِ ي ـ ـ ـ ــمُ فِ ـ ـ ـ ـ ـ ــي مُ ـ ـ ـ ـ ـ ــفْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َردَاتِ ـ ـ ـ ـ ـ ــهِ‬ ‫ـضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاءٍ مُ ـ ـ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـ ـ ــرَّ دِ‬ ‫لِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َت ـ ـ ـ ـ ــغْ ـ ـ ـ ـ ــدُ و مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـدَارًا ِفـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي َفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫و َِج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْئـ ـ ـ ـ ـ ــتَ ُت ـ ـ ـ ـ َنـ ـ ـ ــادِ ي ـ ـ ـ ـ َهـ ـ ـ ــا َو َق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدْ غَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــابَ َص ـ ـ ـ ـ ْو ُت ـ ـ ـ ـ َهـ ـ ـ ــا‬ ‫ـان ا ْلـ ـ ـ ـ ــمُ ـ ـ ـ ـ ــجَ ـ ـ ـ ـ ــرَّ دِ‬ ‫وَمَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ِم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنْ وُ ُجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــودٍ لِ ـ ـ ـ ـ ـ ْل ـ ـ ـ ــكِ ـ ـ ـ ـ ـ َي ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫ُت ـ ـ ــطَ ـ ـ ــالِ ـ ـ ـ ـ ُبـ ـ ـ ـ َه ـ ـ ــا بِ ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ َّـطـ ـ ـ ــفْ ـ ـ ـ ــوِ وَا ْل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوْنُ َفـ ـ ـ ـ ْو َقـ ـ ـ ـ َه ـ ـ ــا‬ ‫َوأَنْ َت ـ ـ ـ ْـج ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـ َع ْال َْشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َا َء ِم ـ ـ ـ ـ ــنْ أَ ْلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـف مَ ـ ـ ـ ـ ْر َقـ ـ ـ ـ ِـد‬ ‫َوأَنْ َتـ ـ ـ ْـس ـ ـ ـ َتـ ـ ـ ِـع ـ ـ ـي ـ ـ ـ َد الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرُّ و َح ِم ـ ـ ـ ـ ــنْ َبـ ـ ـ ــعْ ـ ـ ـ ـ ِـد هَ ـ ـ ـ ْـج ـ ـ ـ َعـ ـ ــةٍ‬ ‫ـان ا ْلـ ـ ـ ـ ــمُ ـ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـ ــدَّ دِ‬ ‫ـظ أ َْطـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاقَ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزَّ مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫َو ُت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوقِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫َك ـ ـ ـ ــثِ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــرٌ عَ ـ ـ ـ ـ َل ـ ـ ـ ـ ْي ـ ـ ـ ـ َهـ ـ ـ ــا سَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِّي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـدي مَ ـ ـ ـ ـ ـ ــا طَ ـ ـ ـ ـ َل ـ ـ ـ ـ ْب ـ ـ ـ ـ َتـ ـ ـ ــهُ‬ ‫َفـ ـ ـ ـ َبـ ـ ـ ـ ِّي ـ ـ ــنْ َلـ ـ ـ ـ َه ـ ـ ــا إِ نْ ِش ـ ـ ـ ـ ْئـ ـ ـ ــتَ ِم ـ ـ ـ ـ ــنْ أَ ْيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنَ َت ـ ـ ـ ْب ـ ـ ـ َتـ ـ ـ ِـدي‬ ‫* شاعرة سعودية‪.‬‬

‫نصوص‬

‫‪ 73‬العدد‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪77‬‬


‫ج ِّ‬ ‫الشفاء‬ ‫َوه ُ‬

‫‪ρ‬رشيد سوسان*‬

‫َصـلْـ َنـا مُ ْسرِ ِعيـنْ‬ ‫هَ ا قَدْ و َ‬

‫وَقِّ عْ هُ نـا يَا أَيُّ ها الرَّ ُجلُ ا ْلوَدِ يـعْ ‪.‬‬

‫وج ِههِ ‪،‬‬ ‫الظاللَ بِ ْ‬ ‫وَالْخَ و ُْف قَد نَشَ َر ِّ‬

‫وَقَّ عْ ُـت‪ ..‬وَقَّ عْ ـ َنـا‪ ..‬عَ لَى أَ ْوتَارِ مَ ا يُ ب ِْقـي‬

‫واج ٍل مُ تَرقّ ِب‪:‬‬ ‫فل ِ‬ ‫َو َبـدَا ك َِط ٍ‬

‫ِظـال ًَل ِمـنْ حَ ـ َيــاهْ‪.‬‬

‫مَ ـا الخَ ـط ُـب َلـوْ؟‪..‬‬

‫َاضي ا ْلعَدالَةِ وَاقِ ٌـف‪ ،‬وَعَ لَى مُ حَ يَّا ُه ُترَى‬ ‫ق ِ‬

‫مَ ــاذَا إِ ذا؟‪..‬‬

‫آثَـا ُر خَ ـو ٍْف خَ ـائِ ٍـف‪:‬‬

‫أَتُـرَى؟‪ ..‬وَهَ ـلْ ؟‪..‬‬ ‫َفأَشَ ْح ُت بِ ا ْلبَصرِ الك َِسيرِ إِ لى البِ نايَةِ قَائِ ًل‪:‬‬ ‫ْض ا ْلعَدالةِ قَـدْ نَمَ ـا‪،‬‬ ‫أخـي‪َ :‬في ُ‬ ‫ُنظ ْر ِ‬ ‫ا ُ‬ ‫َصـرُ ا ْلعَدالَةِ وَا ْر َتوَى‪.‬‬ ‫وَبِ ـهِ ا ْنتَشَ ى ق ْ‬ ‫َـاخ َرهْ‪.‬‬ ‫أخـي‪ :‬هَ ِذي البِ نـايَةُ ف ِ‬ ‫ُنظر ِ‬ ‫ا ُ‬ ‫َاخـ َرهْ‪...‬‬ ‫وَبِ هـا ا ْلعَـدا َلـةُ ز ِ‬ ‫ْصـو ٌ َد‪،‬‬ ‫َصرُ ا ْلعَـدالَةِ بَابُهُ مَ ـو ُ‬ ‫ق ْ‬ ‫السر ِِّّي َت ْبتَلِ عُ ال ُْجمُ ـوعْ ‪.‬‬ ‫وَبِ طَ ـرْفِ هَا ِّ‬ ‫يب بِ ِحكْ مَ ةٍ ‪:‬‬ ‫الطبِ ُ‬ ‫قَال ّ‬ ‫إنّا هُ نا َبيْنَ ال ُْجمـوعِ َكقَابِ ِس مُ َت َنوِّرٍ ‪،‬‬ ‫فاف النَّهرِ‬ ‫أل َنـا َم عَ لى ِض ِ‬ ‫زَار ا َ‬ ‫َـاف‪،‬‬ ‫ْض الْجَ ف ْ‬ ‫فِ ي أَر ِ‬

‫أَ ُترَى سَ تَكْ ت َِملُ ا ْلبُـنُـودْ؟‬ ‫أَيَعُ ـودُ لِ لْغُ ْص ِـن ا ْلك َِسيـرِ بَرِ يـقُ ـهُ ؟‬ ‫أَن ُِذيقُ ـهُ زَهْ ـ َر الْحَ َيـاهْ؟‬ ‫َاضي العَدالَةِ عَ ادِ ٌل في َثوْبِ هِ ‪ ،‬فِ ي و َْجهِ هِ ‪،‬‬ ‫ق ِ‬ ‫فِ ي ن ُْط ِقـهِ ‪ ،‬فِ ي سَ مْ عِ ـهِ ‪ ،‬فِ ي بَذْ لِ ـهِ ‪..‬‬ ‫َاضي ا ْلعَـدَالَةِ وَاقِ ٌف فِ ي عَ ـدْ لِ ـهِ ‪،‬‬ ‫ق ِ‬ ‫ْك األَرِ يـكَةِ دُ ونَ عَ دْ ٍل جَ الِ ٌس‪.‬‬ ‫َوأَنا عَ لى تِ ل َ‬ ‫ألوْراقَ لِ ي فِ ي عَ دْ لِ هَا مُ َت َودِّدً ا‪،‬‬ ‫وَيُ سَ ـلِّـمُ ا َ‬ ‫َاسمً ا مُ َتب َْختِ رً ا‪،‬‬ ‫َوأَ َنـا ُأوَقِّ ـعُ ب ِ‬ ‫هَ ْونًا كَمَ ـا يَهْ ـوَى األ َِميـرْ‪.‬‬ ‫***‬

‫َو َيب ُُّـث أَنْسا َم الْحَ ياةِ بِ كلِّ سَ هْ ٍـل مُ ْستَكِ يـنْ ‪.‬‬

‫َاس ِميـنْ ‪..‬‬ ‫هَ ا قَدْ خَ ر َْجنَا ب ِ‬

‫ْيان الرَّ بِ يـعْ ‪.‬‬ ‫َويَمُ دُّ أَزْها َر النُّ خاعِ بِ كُ لِّ ِشر ِ‬

‫َاسمً ا‪:‬‬ ‫وَجَ بِ ينُهُ ا ْلو ََّضاءُ َيلْمَ عُ ر ِ‬

‫يب بِ حَ ْضرَة الْجَ مْ ِع الْحَ كِ يـمْ ‪:‬‬ ‫الطبِ ُ‬ ‫قَالَ ّ‬

‫الشفاءِ ‪َ ،‬وي َْجتَبِ ي أَلَقَ الْحَ َيـاهْ‪.‬‬ ‫وَهجَ ِّ‬

‫ * شاعر ‪ -‬المغرب‪.‬‬

‫‪78‬‬

‫العدد ‪73‬‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫نصوص‬


‫ذاكرة محترقة‬

‫‪ρ‬فريد النمر*‬

‫قلبي‪..‬‬ ‫أتصطا ُد السما َء‬ ‫الشموس الماكرة‬ ‫ِ‬ ‫وامتعاضات‬ ‫ِ‬ ‫بأبجديات السكارى‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫شهية تحدو احتراقِ الذاكرة‬ ‫ٍ‬ ‫ما جمرُنا غير احترا ُق‬ ‫أسهو فتتب ُع شهقتي مق ُل الشوارعِ ‪..‬‬ ‫الخطات الحائرة‬ ‫ِ‬ ‫عابث يجلو‬ ‫ٍ‬ ‫باتساع‬ ‫ٍ‬ ‫تنث ُر الضو َء المشردِ‬ ‫حقيقة‬ ‫ٍ‬ ‫والبئ ُر عي ُن‬ ‫األمهات‬ ‫ِ‬ ‫كالذات تبحثُ عن ضياعِ‬ ‫ِ‬ ‫بلظىْ الحنايا الغائرة‪..‬‬ ‫ورصاص ُة الحبّ التي سكنتْ فؤا َد المُولعين‪..‬‬ ‫قلب آد َم غادرة‬ ‫رصاص ٌة في ِ‬ ‫فلربّما تحتا ُل في رسمِ المآذنِ من جديدِ ‪..‬‬ ‫تتسك ُع الجدرَانَ‪..‬‬ ‫تقتس ُم الفرَا َغ محاصرَة‪.‬‬ ‫المساءات التي قد رتبّت أفكارَها بحدائقِ العشقِ القديم‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫كل‬ ‫ما يزال يقطرها المنى‬ ‫لغ ًة تؤج ُل لوح َة المعنى‪..‬‬ ‫وغيمات الصهيل ِالماطرة‬ ‫ِ‬ ‫***‬ ‫ال تسأليني أين خلّفني الرمادُ‪..‬‬ ‫وما تبقى من دروبِي في المرايا القاصرة‬ ‫ويمارس األحال َم في‬ ‫ُ‬ ‫الكل يشربُ غرب ًة الوجع اللقيط‪..‬‬ ‫ألوانِ عزلةِ روحهِ ‪..‬‬ ‫كما الحكايا العابرة‪.‬‬ ‫نستنج ُد الطل َل المبرقعِ بالضجيجِ ‪..‬‬ ‫المجفف باألماني الخاسرة‬ ‫َ‬ ‫فنغاز َل الوقتَ‬ ‫الجهات توقفيْ ‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫األنفاس ما بين‬ ‫ِ‬ ‫يا غرب َة‬ ‫نحوك طائرة‬ ‫ِ‬ ‫فالري ُح‬ ‫ال تسرقي ور َق الحقيقةِ‬ ‫المستبد بفكرةٍ حمقاءِ‬ ‫ِّ‬ ‫كالرمادِ‬ ‫كسجينة متآمرة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫تغز ُل حزنهَا‬ ‫كل الحقول مشاع ٌة في هذ ِه الصحراءِ ‪..‬‬ ‫رمل تعشّ َق عصره ويد الليالي ماكرة‬ ‫يا ً‬ ‫جرس الظالمِ‬ ‫ُ‬ ‫ال شي َء يخنقنا سوى‬ ‫قابلة قديمِ يبتا ُع من وهجِ المرَايا الجائرة‪.‬‬ ‫وجر ُح ٍ‬ ‫كسرتْ على ح ّد النوَايا النافرة‬ ‫تلك المعاول لوح ٌة زيتي ٌة ِ‬ ‫فارس ْم بفرشا ِة الحقيقةِ رعش ًة‬ ‫سنابل‬ ‫ً‬ ‫تمت ّد في كل التعابيرِ ‪ ،‬الصباحِ ‪،‬‬ ‫وامنح هواك فهارسً ا‬ ‫تل ّم من أشذائها بعض البقايا العاثرة‬ ‫ * شاعر سعودي‪.‬‬

‫نصوص‬

‫‪ 73‬العدد‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪79‬‬


‫قصيدتان‬ ‫‪ρ‬منى حسن*‬

‫(‪ )٢‬مثل األطفال‬

‫ربان‬ ‫ُ‬ ‫(‪ )١‬قُ‬ ‫فر ٌح صغي ٌر لم يَمُتْ ‪..‬‬ ‫ُوب العمرِ‬ ‫مَا زَا َل يُزه ُر في ُدر ِ‬ ‫يَرس ُم بالبَقاءِ َوفَا َءهُ‬ ‫ُس ظلَّ ُه‬ ‫مس تحْ ر ُ‬ ‫والشَّ ُ‬ ‫تَرْقِ يه كُلَّ تَوهُّ ٍج‬ ‫تسقيهِ من أشواقنا دفئًا‬ ‫يحنُّ ل ُه‬ ‫ووعدًا يشتهي ْه‬ ‫فر ٌح صغي ٌر لم يمتْ‬ ‫ما زال يرقُبُ أن نضئ سَ ما َءهُ‬ ‫أن نهزِ َم األحزان كيما نلتقي ْه‬ ‫ما زال يأم ُل أن نلملم ُه‬

‫حين يُظل ُل غي ُم الدمعِ رؤاي‬

‫أتمنى لو أنسى مثل األطفا ْل‬ ‫لو أقفز عن قاطر ِة الحُ زنِ‬ ‫أفتش عن معناي‬ ‫ُ‬

‫لو أنسى وجعًا يمض ُغ قلبي‬ ‫يبت ُّز دماي‬

‫ذئب‬ ‫لو أمحو صورة ٍ‬

‫من ذاكر ِة الطفلِ المنسيِّ‬

‫بظلمةِ جبْ‬

‫غدر‬ ‫لو أمسح دمعة ٍ‬

‫عن أجفانِ القلبْ‬

‫أرم ُم قصر اآلما ْل‬

‫أتمنى صدقًا لو أنسى‬

‫وأن نبني ل ُه بقلوبنا مأوىً‬

‫مثل األطفا ْل‬

‫فر ٌح صغي ُر لم يمتْ‬

‫الموحش أرهقني‬ ‫ُ‬ ‫واللي ُل‬

‫وقد أشقاهُ تي ْه‬

‫لكنِّي عاجزةٌ من دونك يا أبتي‬

‫روف حياتَنا‬ ‫أيموتُ من نَهبُ الحُ َ‬

‫ما عميت عيناك لفقدي‬

‫كَيْ نشتريهْ؟‬

‫والعوْدُ مُحالْ‬

‫قربا َن قُربىً لل ُمنَى‬

‫وقميصي مسرو ٌق يا أبتي‬

‫ * شاعرة ‪ -‬السودان‪.‬‬

‫‪80‬‬

‫العدد ‪73‬‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫نصوص‬


‫قارئة الفنجان‬ ‫‪ρ‬نادية أحمد محمد محمود*‬

‫قـ ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ــت رأي ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ــك هـ ـ ـ ـ ـ ــا ه ـ ـنـ ــا‬

‫ت ـ ـ ـت ـ ـ ـصـ ـ ــارع ـ ـ ـيـ ـ ــن مـ ـ ـ ـ ــع الـ ـ ـ ـن ـ ـ ــوى‬

‫والـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــل حـ ـ ـ ـ ــولـ ـ ـ ـ ــك أيـ ـ ـنـ ـ ـم ـ ــا‬

‫س ـ ـ ـ ـ ــارت خ ـ ـ ـطـ ـ ــاك ق ـ ـ ــد اسـ ـ ـت ـ ــوى‬

‫وصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــراخ قـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـب ـ ـ ــك يـ ـ ـكـ ـ ـت ـ ــوى‬

‫مـ ـ ـن ـ ــه ال ـ ـ ـطـ ـ ــريـ ـ ــق كـ ـ ـم ـ ــا اكـ ـ ـت ـ ــوى‬ ‫***‬

‫أبـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ــدت ف ـ ـ ـن ـ ـ ـجـ ـ ــان ال ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ــذاب‬

‫وق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت ت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًبـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ل ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ــوى‬

‫ف ـ ـ ـن ـ ـ ـجـ ـ ــان ق ـ ـ ـهـ ـ ــوتـ ـ ــك الـ ـ ـ ـك ـ ـ ــذوب‬

‫عـ ـ ـ ـ ــن الـ ـ ـحـ ـ ـقـ ـ ـيـ ـ ـق ـ ــة قـ ـ ـ ـ ــد ه ـ ـ ــوى‬

‫أن ـ ـ ـ ــا م ـ ـ ــا عـ ـ ــرفـ ـ ــت م ـ ـ ــن ال ـ ـح ـ ـيـ ــاة‬

‫سـ ـ ـ ـ ـ ــوى ال ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ــرارة وال ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ــوى‬

‫ب ـ ـ ـعـ ـ ــض الـ ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ ــراق مـ ـعـ ـيـ ـشـ ـت ــي‬

‫والـ ـ ـبـ ـ ـع ـ ــض بـ ــال ـ ـق ـ ـلـ ــب انـ ـ ـط ـ ــوى‬ ‫***‬

‫ذاك ال ـ ـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـ ــراق هـ ـ ـ ـ ــو الـ ـ ـ ـ ــذي‬

‫م ـ ـ ـ ـ ــن مـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاء عـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـن ـ ـ ــيّ ارتـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوى‬

‫ذاك ال ـ ـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـ ــراق هـ ـ ـ ـ ــو الـ ـ ـ ـ ــذي‬

‫ف ـ ـ ـ ـ ــوق ال ـ ـ ـ ـخـ ـ ـ ــرائـ ـ ـ ــب ق ـ ـ ـ ــد عـ ـ ــوى‬

‫ذاك ال ـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ــراق هـ ـ ـ ــو الـ ـ ـ ـع ـ ـ ــراء‬

‫يـ ـ ـ ـ ـض ـ ـ ـ ــم قـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ًب ـ ـ ـ ــا ق ـ ـ ـ ـ ـ ــد غ ـ ـ ـ ــوى‬ ‫***‬

‫قـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ــت رويـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدك وان ـ ـ ـ ـظـ ـ ـ ــري‬

‫ف ـ ـ ـن ـ ـ ـجـ ـ ــان ق ـ ـ ـهـ ـ ــوتـ ـ ــك اح ـ ـ ـتـ ـ ــوى‬

‫بـ ـ ـ ـع ـ ـ ــض ال ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ــاء كـ ـ ـ ـم ـ ـ ــا أرى‬

‫خـ ـ ـل ـ ــف ال ـ ـ ـ ــدم ـ ـ ـ ــوع قـ ـ ـ ــد انـ ـ ـ ـ ــزوى‬

‫فـ ـضـ ـحـ ـك ــت م ـ ـ ــن زي ـ ـ ـ ــف ال ـ ـ ـ ــرؤى‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ــا رآه ومـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا روى‬

‫ت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًبـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ل ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ــان رأى‬

‫نـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ًـض ـ ـ ــا بـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ٍـب قـ ـ ـ ـ ــد خ ـ ـ ــوى‬

‫ * شاعرة ‪ -‬مصر‪.‬‬

‫نصوص‬

‫‪ 73‬العدد‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪81‬‬


‫‏أمير الحنايا‬ ‫‪ρ‬‏جمانة سليم الطراونة*‬

‫الجراح تسيرُ‬ ‫ِ‬ ‫‏يا مَ نْ على وَقْ ـ ِـع‬

‫ـك ج ـ ـ ّنـ ــةٌ وس ـع ـيــرُ‬ ‫ب ـي ـنــي وبـ ـيـ ـن ـ َ‬

‫‏مــا زلــتَ مُ ــذْ زمـ ٍـن تُع ّيــرُ بالهــوى‬

‫قلبيالصغي َر أفي الغرامصغيرُ ؟‬

‫تماسكي‬ ‫ُ‬ ‫ـك أنّ‬ ‫‏سـ ُأقـ ُـر بين يــديـ َ‬

‫َكـ ـ ـ ـ ـ ِـذ ٌب وأنّ ص ــابـ ـت ــي ت ــزوي ــرُ‬

‫‏و ُأق ـ ــرُ أ ّنـ ــي رغ ــم ك ــلّ فصاحتي‬

‫ـك يـخــو ُنــهُ التعبيرُ !‬ ‫طفلٌ لــديـ َ‬

‫‏تـتـســابــقُ األزه ـ ــا ُر إن صفّ فتُ ها‬

‫ـدي تطيرُ‬ ‫ـك وم ــن ي ـ ّ َ‬ ‫شــوقً ــا إل ـيـ َ‬

‫ـان إذا على‬ ‫‏وي ـعـ ُّـم أرجـ ــا َء الـمـكـ ِ‬

‫بالي خطرتَ ‪ -‬وأنتَ فيهِ ‪ -‬عبيرُ‬

‫هدوؤك! كيف من عصبيّتي‬ ‫َ‬ ‫‏طاغٍ‬

‫لــم تـنــزعــجْ أب ــدً ا وأن ــتَ أم ـيــرُ ؟!‬

‫‏واآلن ال أدري وق ــد ر ّوض ـت ـنــي‬

‫سعف خيبتي التبريرُ !‬ ‫إن كان يُ ُ‬

‫‏س ــأخ ـ ُّـر م ـغ ـش ـ ًّيــا ع ـل ــيّ إذا أتــى‬

‫يـ ــومٌ بــوج ـهــي ف ـيــه س ــوف ت ـثــو ُر‬

‫‏فــأنــا أف ـ ُّـر ِم ــنَ ال ـق ـســاوةِ مثلما‬

‫يفر ِمن الردى العصفو ُر‬ ‫‏خوفً ا ُّ‬

‫‏أب ـكــي ألج ــل ح ـمــامــةٍ م ــذع ــورةٍ‬

‫ُحـبـسـ ْـت ألنّ جـنــاحَ ـهــا مكسو ُر‬

‫‏أدري‪ :‬م ـبــالِ ـغــةٌ ب ـخــوفــي إ ّ َن ـم ــا‬

‫عنك كثيرُ‬ ‫َ‬ ‫ولهي الــذي أخفيهِ‬

‫تعتب على‬ ‫ْ‬ ‫‏وصـغـيــرةٌ ج ـ ًّـدا فــا‬

‫قـلـقــي إذً ا م ــا دم ـ ُـت أن ــتَ كبيرُ‬

‫ـضـتــا عـيـنــاي يــا قـ ـدَري ومــا‬ ‫‏ا ْبـيـ ّ‬

‫القميص إليّ ‪ -‬بعدُ ‪ -‬بشيرُ‬ ‫َ‬ ‫حملَ‬

‫ـك ط ـف ـلــةٌ بـضـفــائــرٍ‬ ‫‏وانـ ــا أم ــام ـ َ‬

‫ُحب قصيرُ‬ ‫تجري وفستاني الـ ت ُّ‬

‫ـاك كـيــف رميتني‬ ‫‏اهلل مــا أق ـس ـ َ‬

‫قلتين ضريرُ !‬ ‫ِ‬ ‫كفيف المُ‬ ‫ُ‬ ‫وأنــا‬

‫‏وأسرتني وأنا على حكم الهوى‬

‫رهْ ـ ـ ــنُ ال ـق ـي ــودِ مُ ـك ـ ّب ــلٌ م ــأس ــو ُر‬

‫‏أح ــرق ــتَ أع ـصــابــي ب ـك ـ ِ ّـل ب ــرودةٍ‬

‫م ـس ـت ـم ـت ــعً ــا وك ـ ــأ ّنـ ـ ـه ـ ـ ّ َـن بـ ـخ ــو ُر‬

‫هلل ا ّلــذي‬ ‫ُثنيك فــا ُ‬ ‫‏وغــاكَ لـنْ أ َ‬

‫ـوب خـبـيــرُ‬ ‫ول َك أمـ ــري بــال ـق ـلـ ِ‬ ‫ّ‬

‫ * شاعرة ‪ -‬األردن‪.‬‬

‫‪82‬‬

‫العدد ‪73‬‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫نصوص‬


‫عينيك‬ ‫البحر ُ في‬ ‫ِ‬

‫‪ρ‬علي بن حسني الصميلي*‬

‫ال ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ــر ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ع ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــك بـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ــة عـ ـ ـ ــاشـ ـ ـ ــق‬ ‫وش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـغـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاف عـ ـ ـ ـ ـ ــاش ـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ــة ورش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة صـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادي‬ ‫ال ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ــر ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ش ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــك ح ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ــم قـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـي ـ ـ ــدة‬ ‫ي ـ ـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـ ـ ــدو ب ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ــا الـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ــار ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدو ال ـ ـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـ ـ ــادي‬ ‫وال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوج ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ك ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــك ي ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـثـ ـ ـ ـ ــر ل ـ ـ ـ ــون ـ ـ ـ ــه‬ ‫كـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــردي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة ت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو ونـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـغ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍـم ه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادي‬ ‫وال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوج فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي كـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــك رج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــع صـ ـ ـ ـب ـ ـ ــاب ـ ـ ــة‬ ‫وأن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا بـ ـ ـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ ــك لـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ـظ ـ ـ ـ ـ ــة الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ــادي‬ ‫والـ ـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ــس تـ ـ ـ ـ ـ ــرسـ ـ ـ ـ ـ ــل مـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن أش ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ــة ل ـ ـ ــونـ ـ ـ ـه ـ ـ ــا‬ ‫ش ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ــا ع ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ــى ال ـ ـ ـ ـ ـ ـخـ ـ ـ ـ ـ ــديـ ـ ـ ـ ـ ــن ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو ًن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادي‬ ‫والـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ــس ت ـ ـ ـ ـ ـغـ ـ ـ ـ ــرب فـ ـ ـ ـ ـ ــي ش ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ــاهـ ـ ـ ــك خ ـ ـ ـل ـ ـ ـسـ ـ ــةً‬ ‫وأنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ب ـ ـ ـ ـ ـ ـث ـ ـ ـ ـ ـ ـغـ ـ ـ ـ ـ ــرك ض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوؤه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــردادي‬ ‫وال ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ــب تـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـط ـ ـ ــر فـ ـ ـ ـ ـ ــي ع ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــونـ ـ ـ ــك مـ ـ ــزن ـ ـ ـهـ ـ ــا‬ ‫وعـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ــى ال ـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــن خـ ـ ـ ـ ــريـ ـ ـ ـ ــرهـ ـ ـ ـ ــا ال ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ــادي‬ ‫واألم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا أرجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬ ‫واألغ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــةٌ لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــؤادي‬ ‫وأن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا وأن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت ت ـ ـ ـ ـ ـض ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ــا أح ـ ـ ـ ـ ــامـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫قـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ــان ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي قـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ــب وف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي األك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاد‬ ‫تـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ــاب ـ ـ ـ ــك األيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدي ك ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ــة عـ ـ ـ ـ ــاشـ ـ ـ ـ ـ ٍـق‬ ‫أو رع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــةِ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــعُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاد فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي األوراد‬ ‫وال ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ــات ع ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ــى ال ـ ـ ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـ ــاه ك ـ ـ ــأنـ ـ ـ ـه ـ ـ ــا‬ ‫أهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزوجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة ال ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـ ـ ــاق ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي الـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ــادي‬ ‫وأن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا وأن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت ج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدائ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل الـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ــي‬ ‫رقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ــت ل ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ــا األرواح ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي األعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ــاد‬ ‫وانـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا الـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ــق ب ـ ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ــي راسـ ـ ـ ـ ـ ــمً ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫خـ ـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ــات قـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ــي ك ـ ـ ـ ـ ـ ــانـ ـ ـ ـ ـ ـ ـط ـ ـ ـ ـ ـ ــاق جـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ــادي‬ ‫ * شاعر سعودي‪.‬‬

‫نصوص‬

‫‪ 73‬العدد‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪83‬‬


‫أحالم المومياء‬ ‫ُ‬ ‫‪ρ‬أحمد منر اخلطيب*‬

‫أنتظر اآلن يدي‬ ‫لنقطف آخر أحالم المومياءْ‬ ‫َ‬ ‫أجل زبانيةٍ يأتون‬ ‫من ِ‬ ‫رأيت أمامي امرأ ًة عذراءْ‬ ‫وشف‪ُ ،‬‬ ‫َّ‬ ‫خف‬ ‫بزجاج َّ‬ ‫ٍ‬ ‫أتعثّرُ‬ ‫قلت أجادِ لُها‬ ‫ُ‬ ‫الموت على باب حديقتنا‬ ‫ِ‬ ‫شهدت غزار َة هذا‬ ‫ِ‬ ‫أنت‬ ‫هل ِ‬ ‫وأنسنت الصحراءْ ؟!‬ ‫ِ‬ ‫عينيك‬ ‫ِ‬ ‫أنزلت غشاوة‬ ‫ِ‬ ‫أ ْم‬ ‫***‬

‫مطوي في هيئةِ أغنيةٍ‬ ‫ٌّ‬ ‫الشارعُ‬ ‫أنين رؤاها ولدٌ لم يعثر بعدُ على هيئتهِ‬ ‫خلف ِ‬ ‫َ‬ ‫يتستَّ رُ‬ ‫يد عابرةٍ‬ ‫ظنَّ الشار َع خل َو ٍ‬ ‫والناس يمرونَ‪ ،‬وفي نيّتهِ أنْ يلمحَ أمزج َة الشعراءْ‬ ‫ُ‬ ‫***‬

‫بالريح‪ ،‬وهيَ تطاردُ أعينَهم‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫المعرض‪ /‬كانت تتأنسنُ‬ ‫ِ‬ ‫باب‬ ‫مـرّوا من ِ‬ ‫للبائع‪ :‬هل يلزم عقدٌ لحضور القوس على‬ ‫ِ‬ ‫مرّوا‪ ،‬قال حفيدُ الشاعرِ‬ ‫شرفتها‪ ،‬أم يلزمها أسورةٌ لتعيش معي‬ ‫مرّوا من باب المعرض‪،‬‬ ‫قال ابنُ النجارِ معي أشجا ُر البلوط‪ ،‬فهل يلزمها ثمر اإليقاعِ لكي‬ ‫تختزلَ الشار َع والبابَ معً ا‬ ‫مرّوا من باب المعرض‪ ،‬قال سعيدُ بن أبيهِ‬ ‫معدودات‪ ،‬وتضجُّ الساحةُ باألطفال‬ ‫ٌ‬ ‫أيامٌ‬ ‫فقلت إذنْ ‪ ،‬نتشاورُ‪ ،‬مَ نْ يحكمُ قبضتهُ ويواري الناس عن األنواءْ‬ ‫ُ‬ ‫روح‬ ‫مرّوا‪ /‬مكتنزينَ صالبة ٍ‬ ‫أفقدها الحزنُ كثيرً ا من دهشتها‬ ‫مرّوا‪ ،‬إ ْذ لمحَ البرقَ حضوري‬

‫‪84‬‬

‫العدد ‪73‬‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫نصوص‬


‫لكنَّ الشاعر قال هنا مرّوا غرباءْ‬ ‫وترٌ لي‬ ‫ولهم جائحةُ الريح‬ ‫الحرف على ُسررٍ من ماءْ !‬ ‫ُ‬ ‫إذا َنفَقَ‬ ‫كنّا نصطادُ من البريةِ ما يشبهُ ألحان البسطاءْ !‬ ‫كذلك‬ ‫َ‬ ‫قالت‪ :‬أتعودونَ‬ ‫بسطت أذرعها الرؤيا‬ ‫ْ‬ ‫قلت‪ :‬إذا‬ ‫ُ‬ ‫الموت ‪ ،‬وتلهينا الصحراءْ !‬ ‫ُ‬ ‫يجمعنا‬ ‫دواليب األزمةِ ‪ ،‬فاجتمعوا‬ ‫ُ‬ ‫قالت‪ :‬تتفرّقُ عند ضفاف البحر‬ ‫قلت‪ :‬إذا صبروا نفقوا‪،‬همْ في األزمةِ ‪ ،‬مردوا‬ ‫ُ‬ ‫أسدلت الساعةُ عقربها‬ ‫ِ‬ ‫األحداث وقد‬ ‫ِ‬ ‫هل كان الشاعرُ معن ًَّيا بمخاض‬ ‫أم كان يشدُّ رحال قصائدهِ نحو المعلومِ من األحياءْ !‬ ‫ترجلَ عن رئةِ األشياءْ‬ ‫لسؤال الحكمةِ حين ّ‬ ‫ِ‬ ‫هل كان وف ًّيا‬ ‫أم كان يحاولُ تعر َي َة الريح‪،‬‬ ‫نستفسرُ عن خلخال الزينةِ ‪ ،‬ابنُ الصائغ‬ ‫ِ‬ ‫تعالوا‪،‬‬ ‫حت كثيرً ا معدنهُ من صدأ المعنى‬ ‫َّ‬ ‫والرملُ رفيقُ الماءْ !‬ ‫هوامش بيضاءْ‬ ‫ُ‬ ‫الصائغ طفلٌ تتكوَّ ُر خلف يديهِ‬ ‫ِ‬ ‫ابن‬ ‫هــل كــان الـشــاعــرُ معن ًَّيا بحمام الـســاحــةِ وه ـ َو يلملِ مُ آخ ـ َر مــا أدر َك ــهُ‬ ‫الحكماءْ !‬ ‫ * شاعر ‪ -‬األردن‪.‬‬

‫نصوص‬

‫‪ 73‬العدد‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪85‬‬


‫العزلة‬ ‫ُ‬ ‫في عُ زلتي‪..‬‬ ‫ال شي َء أفعلُهُ ؛‬ ‫َمت نفسيَ للفراغِ ‪،‬‬ ‫أسل ُ‬ ‫َط‪ْ :‬‬ ‫َفق ْ‬ ‫ـات األمـ ـ ـ ـ ِـس‪ ،‬لـ ـل ــتَّ ــأوي ـ ِـل‪ ،‬ل ـلـ َّـس ـ َفــرِ‬ ‫ل ــذك ــري ـ ِ‬ ‫ويل‪ ،‬وللرُّ ؤى‪.‬‬ ‫الط ِ‬ ‫َّ‬ ‫في عُ زلتي‪..‬‬ ‫ال شي َء أفعلُهُ ‪..‬‬ ‫ف ــا جَ ـ ـ ــدْ وَى إذً ا‪ِ ،‬م ــنْ طَ ـ ـ ـر ِْح أس ـئ ـلــةٍ عـلــيَّ‬ ‫ألنَّني‪..‬‬ ‫أي إجابةٍ أ ُْخرَى‪..‬‬ ‫ال أ ْنَوِ ي ت َْص ِديقَ ِّ‬ ‫تُسَ كِّ نُ ‪..‬‬ ‫ما بحَ ل ِْقي ِمنْ ألَمْ ‪.‬‬ ‫في عُ زلتي‪..‬‬ ‫ال شي َء أفعلُهُ ‪..‬‬ ‫ِسوَى ذِ كْرِ ال َع َد ْم‬ ‫وليس ِمنْ أحَ ٍد يُ لوِّحُ ‪..‬‬ ‫َ‬ ‫القريب‬ ‫ُ‬ ‫فه َو‬ ‫صاعدً ا‪،‬‬ ‫ال أراني‪ ،‬ال أرى في األفْ ِق طيرً ا ِ‬ ‫أ ْو عائِ دً ا‬ ‫الملكوت قُ لْ لي‪ :‬مَ نْ أنا؟!‬ ‫ُ‬ ‫يا أيُّ ها‬ ‫َصافيرُ الَّتي سَ َكن َْت نوافذَنا‪،‬‬ ‫أيْنَ الع َ‬ ‫وغن َّْت في ِحمَ انا‪..‬‬ ‫ِمنْ زمنْ ؟!‬ ‫َضاءلَ َضوْءُ َقلْبي‬ ‫هَ ا قَدْ ت َ‬ ‫أست َِعدُّ لِ َصمتيَ اآلتي‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫هُ نَا؛‬ ‫أ ْو قُ لْ لِ مَ و ِْع ِديَ المُ عَدِّ ‪..‬‬ ‫زن‪..‬‬ ‫الح ِ‬ ‫كما يَليقُ بشاعرٍ مُ تمر ٍِّس في ُ‬ ‫مُ نْذُ وُ ُصولِ هِ‬ ‫‪-‬أنا يا اصفرا َر ال َورْدِ ‪ -‬رهْ نُ إشارتِ ْك‬

‫‪ρ‬أحمد الالوندي*‬

‫ـوك ال ُت ـ ْبـ ِـطــئْ قِ ــطَ ــافِ ــي واختطفني‬ ‫أرج ـ ـ َ‬ ‫كالنُّ ُسورِ ‪..‬‬ ‫أنا اليتيمُ ‪،‬‬ ‫بؤس‬ ‫أنا ابنُ ٍ‬ ‫ليس ِمنْ زادٍ َلد ََّي‪ ،‬وال عَ ِشيرةَ‪ ،‬ال ِضيَاعْ‬ ‫َ‬ ‫يا أصــدقــاءُ ‪ :‬ولِ ــدْ ُت بالمَ ْنفَى وخَ ل ِْفي كُ لُّ‬ ‫ول يُ طَ اعْ ‪.‬‬ ‫مَ ْجهُ ٍ‬ ‫ُت ــرِ َك ـ ْـت َورَائِ ـ ـ ــي خَ ـ ْي ـ َبــةٌ كُ ـ ْب ـرَى وت ــاري ـ ٌـخ ِمــنَ‬ ‫ْضى‬ ‫ال َفو َ‬ ‫وأطفال ِصغَارْ‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫الس َت ـ ــا ْر‬ ‫َنزَلَ ِّ‬ ‫إنِّي المُ طَ ارَدُ أ ْينَمَ ا و َّلي ُْت و َْجهِ ي‬ ‫الص ْحراءُ َكرْهً ا‬ ‫وِ ْجهَتِ ي َّ‬ ‫مَ نْ يُ دافِ عُ عَ نْ خَ رَائِ بَ الزَمَ تْنِ ي؟!‬ ‫مَ نْ َيــرُ دُّ إلى أبي عُ مرً ا بأكملِ هِ تَسَ رَّ بَ في‬ ‫الشقاءِ ؟!‬ ‫َّ‬ ‫ِهيَ القصيد ُة آيتي‪..‬‬ ‫كأحالمي (البسيطةِ )‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫لكنَّها وئِ دَتْ‬ ‫واللَّقيطةِ ‪..‬‬ ‫مَ نْ أنا؟!‬ ‫يا مَ و ُْت ُخذْ نِ ي‬ ‫كُ نْ سَ ريعً ا‪..‬‬ ‫أنتَ تَعْ رِ ُف أنَّني مَ ا زِ ل ُْت أرْعَ نَ‬ ‫نت أفعلُ كُ ــلَّ شــيءٍ في الحياةِ على‬ ‫َقــدْ كُ ُ‬ ‫عَ جَ ل!‬ ‫مات‪..‬‬ ‫أي مُ قدِّ ٍ‬ ‫أطلِ قْ ِسهَامَ َك كُ لَّها ِمنْ دونَ ِّ‬ ‫ْ‬ ‫الختَا ْم‬ ‫ذاك ِمنْ ُح ْسنُ ِ‬ ‫َ‬ ‫في عُ زلتي‪..‬‬ ‫ال شي َء أفعلُهُ ‪ ..‬وأخشى أنْ أنامْ!‬

‫ * شاعر ‪ -‬مصر‪.‬‬

‫‪86‬‬

‫العدد ‪73‬‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫نصوص‬


‫توربان‬

‫‪ρ‬لينا فيصل املفلح*‬

‫ِمن حَ قِّ هِ مْ‬ ‫كايات‬ ‫الح ِ‬ ‫أنْ يَعرفوا كُ لَّ ِ‬ ‫تغضبي‪..‬‬ ‫وعليك أال َ‬ ‫ِ‬ ‫التي ال تنتهي‬ ‫مَ َث ًال ‪:‬‬ ‫لق‬ ‫رأس القَضايا شَ وْكةً في الحَ ِ‬ ‫عوك في ِ‬ ‫َض ِ‬ ‫إذا و َ‬ ‫ثُ ورِ ْي واكفُ ري بالمَ ذهَ ِب‬ ‫الطويلةَ‪ ،‬واخلعي ثوبَ القَصيدةِ‬ ‫المسافات ّ‬ ‫ِ‬ ‫َو َضعي‬ ‫شاعرُ أوِّبي‬ ‫زمن وقولي يا مَ ِ‬ ‫ّأويل ِمن ٍ‬ ‫عن شَ ِهيِّ ُحضورِ ها بِ بَساطةِ الت ِ‬ ‫ِمن حَ قّ هِ مْ‬ ‫والحمقُ أال تَشربي‬ ‫ُ‬ ‫كأس ِهمْ‬ ‫َبوك بِ ِ‬ ‫َسوك ويَشر َ‬ ‫يقرؤوك و يلب ِ‬ ‫ِ‬ ‫بوك و‬ ‫أنْ يَكتُ ِ‬ ‫القلب‬ ‫ِ‬ ‫األنيق َتع َّطري‪ ،‬فقصيدةٌ أخرى سَ تُ شعِ لُ ثو َر َة‬ ‫ِ‬ ‫ّيل‬ ‫ال تُفْ لِ تي ِمن قبضةِ الل ِ‬ ‫النّبيْ‬ ‫الشفاهِ المُ ّر بلْ حَ ا َز اهتمامَ ك وانْتهى‬ ‫طعم ّ‬ ‫لمْ يَنتزِ عْ ِمن ثَغرِ ِك التّعبي َر عن ِ‬ ‫َد ْو ٌر لديهِ فحاوِ لي أنْ تَكتُ بي‬ ‫فالنّطقُ‬ ‫الصبيْ‬ ‫حين يَخلَعُ ها َّ‬ ‫ِ‬ ‫الشعورِ كما البراءةِ‬ ‫ِمن حَ ل ِْق ّ‬ ‫أنت الحَ قيقةُ والمَ جازُ‪ ،‬وكلُّ مَ ن عَ بَروا ِخالل َِك أسرَفوا‪َ ..‬و َت َغ َّي َر القانونُ هلْ قَرَّ ر ِْت‬ ‫ِ‬ ‫ّأل تَلعبي؟‬ ‫رؤى؟‬ ‫ديد‪ ،‬وَهَ لْ هنالِ َك ِمن ً‬ ‫ماذا؟ على المَ عنى الجَ ِ‬ ‫بالقول‪ :‬حرفُ ِك يَنبغي أال يكونَ مُ شارِ كً ا‬ ‫ِ‬ ‫لتُ عي َد ثورت َِك المَ جيد َة طفلةً أو نكتفي‬ ‫ظامها المُ ستغر َِب‪.‬‬ ‫سقوط نِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َواع ِد‪ ،‬ال‬ ‫في حَ ملةٍ تَدعو لِ تَغْ ييرِ الق ِ‬ ‫ض أنْ‬ ‫رات الرّافضينَ َت َغ َّيرَتْ ‪ ،‬والمَ شهَدُ المَ حصو ُر في عُ ن ُِق الزّجاجةِ رافِ ٌ‬ ‫َفتَظاهُ ُ‬ ‫تَذهَ بي‬ ‫العينين في وَجهٍ‬ ‫ِ‬ ‫أكتاف الذينَ سَ يرفُ ضونَ تَمَ رُّ َد‬ ‫ِ‬ ‫الضفائرُ فوقَ‬ ‫مَ حمولَةٌ هذي ّ‬ ‫غَ بيْ‬ ‫* شاعرة ‪ -‬سوريا‪.‬‬

‫نصوص‬

‫‪ 73‬العدد‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪87‬‬


‫‏أين الجيد‪..‬؟‬ ‫‪ρ‬‏إبراهيم بن يحيى جعفري*‬

‫‏إن قلت يا شمس غار النجم والقمر‬

‫أو قلت يا بدر هذي الشمس تستعرُ‬

‫‏إذن فــأنـت صـ ـ ـبـ ــاحٌ يـ ـ ــرتـ ــدي ق ـمـرً ا‬

‫عـقدٌ عـلى الـجيد‪ ..‬أم جيدٌ به القمرُ‬

‫ـبتهجا‬ ‫‏تـنفس الـحسن مـن عـينيك م ً‬

‫وغــرد الـفـجر لـحـنًا صـاغه الـبصر‬

‫‏يـا ضـحكة العين كم أذكيت قافيتي‬

‫فـهـل بـغـيرك يـحلو الـشعر والـسهرُ‬

‫ـوت والـ ـعـ ـقــدُ فــي كـفي أسـ ــامــر ُه‬ ‫‏غـ ـفـ ـ ُ‬

‫يــا غـفـلة الـعين أيـن الـليل والـسمرُ‬

‫‏سحابة الوصل تسقي األرض واهبةً‬

‫لـهـا الـحـيا َة ولـكـن يـغضب الـحجرُ‬

‫‏ذكـرى الـليالي تـسلي الــروح مانحةً‬

‫لـهـا األمـ ـ ــان ولـكـن يـشـتكي الـنظرُ‬

‫‏يـا رقـ ــة الـ ـشــوق كُ ـ ــفّ ــي عـن مـعاتبتي‬

‫بــذرت وصـلـك لـكـن خـانـني الـمطرُ‬

‫ـشوق عـاهدني‬ ‫ـذرت قـوافي ال ِ‬ ‫‏لـمّ ـا بـ ُ‬

‫أيـن الـعهود؟ وهــذا الفعل والخبر!‬

‫‏نـ ـسـ ـيـ ــر ف ــي لـ ـجـ ــج اآلالمِ نـجـهـلها‬

‫ـوق يـلـمــع الخطر‬ ‫فــي كــل خ ـطــوة ش ـ ٍ‬

‫‏م ـ ــا ك ـنــت أشـ ـ ـعــر ب ــاألي ـ ـ ــام م ــن زم ـ ـ ٍـن‬

‫وال ـيـ ـ ـ ــوم تـتـلـ ـفـنــي األي ـ ـ ــام وال ـص ـ ـ ــو ُر‬

‫ـرحا‬ ‫‏إن الـ ــزمـ ــان بـ ـ ــدا فــي وجـ ـهـهــا ف ً‬

‫وال ـي ـ ـ ــوم وجـ ـ ـ ــه زمـ ـ ـ ــانــي كـ ـ ـ ّل ـ ــه حـ ـ ـ ــذر‬

‫فـالشمس تـشرق لـكن دون بسمتها‬

‫حـتـى ظـنـنت بــأن الـشمس تـعتذرُ!‬

‫ـجل‬ ‫‏والـبـدر يـبـدو حـزيـنًا واجـمً ا خ ً‬

‫ـوت وال أثـ ـ ـ ــرُ‬ ‫وحـ ـ ـ ــق لـ ـ ـلـ ـبـ ــدر ال صـ ـ ـ ـ ـ ٌ‬ ‫ُ‬

‫‏والـبـحـر أرسـ ـ ـ ــل أمـ ـ ــواجـ ـًـا تـعـاتـبها‬

‫يـ ــا رقـ ـ ــة الـشـ ــوق إن الـ ـمـ ــوج يـنكسرُ‬

‫ـوت والـ ـعـ ـقــدُ فــي كـفي أسـ ــامــر ُه‬ ‫‏غـ ـفـ ـ ُ‬

‫ب ـكـى الـمـسـاء فــال لـيـلٌ وال سـمـر‬

‫‏أفـق ُـت والـعـقد يـبـكي فـقد صـاحبه‬

‫ـدت أسـ ـ ــأل أيــن الـجيد يـا قـمرُ‬ ‫وعـ ـ ـ ُ‬

‫* شاعر سعودي‪.‬‬

‫‪88‬‬

‫العدد ‪73‬‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫نصوص‬


‫الشاعرة األمريكية لويز غلوك‪:‬‬ ‫ٌ‬ ‫مهرب منه»‬ ‫نفق ال‬ ‫«الكتاب ُة‬ ‫َ‬

‫‪Des dons pour Proust et pour Saint-Samson‬‬

‫‪BRUNO CORTY‬‬

‫بالنظر إلــى حصولك على جــائــزة نوبل ل ــآداب لعام‬ ‫‪٢٠٢٠‬م‪ ،‬وبما أنك كنت تحلمين «بالحياة بعد موتك»‬ ‫هل تنظرين إلى جائزة نوبل كضامن خلود؟‬ ‫أق ــر إن ـهــا كــانــت مـفــاجــأة ك ـبــرى! كـيــف لـلـمــرء أن‬ ‫يتخيل أنها ستتوج امــرأة بيضاء‪ ،‬وأمريكية‪ ،‬وفوق‬ ‫ذلك شاعرة ال يتعلق عملها بالسياسة إطالقا؟ كانت‬ ‫بالدنا تبدو جاحدة للغاية منذ سنوات حكم ترامب‪،‬‬ ‫لدرجة بدا ذلك بعيد االحتمال‪ .‬إنه شرف عظيم بالنسبة‬ ‫لي‪ ،‬لكنني لم أشعر بأي فرح؛ ألنّ في ذلك تعقيد لحياتي‪ .‬وبما‬ ‫أنني منعزلة‪ ،‬فأنا ال أحب لعب دور شخصية عامة‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فهذا االعتراف الهائل يعني أن‬ ‫عملي سيتم صونه لفترة من الوقت‪.‬‬

‫‪tu.‬‬

‫■ حوار كيرين القامي‬ ‫ترجمة عبدالرحيم نور الدين‬

‫‪Glück : « L’écriture‬‬ ‫‪est‬‬ ‫استجواب الطفل الكامن بداخلي‪..‬‬ ‫ ¦إذا كنا «نحن الفنانون مجرد أطفال‬ ‫‪nel dont on‬‬ ‫‪ne‬‬ ‫‪s’évade‬‬ ‫‪pas‬‬ ‫»‬ ‫كل ما أعرفه هو أنني كنت طفلة‬ ‫فــي أث ـنــاء ألـعــابـنــا»‪ ،‬فكيف شكلتك‬ ‫الطفولة؟‬

‫ ‪ρ‬أيتها السماء! كل رواة كتبي هم قطعة‬ ‫مني‪ .‬الطفولة مهمة جدًا لدرجة أنها‬ ‫مؤسسة بالنسبة لمعظم الكتاب‪.‬‬ ‫عملي راسخ فيها‪ ،‬لكن يصعب عليّ‬ ‫الــتــحــدث عنها‪ ،‬ألن جميع شهود‬ ‫تلك الفترة ماتوا‪ .‬ليس من السهل‬

‫مواجهات‬

‫جميلة ‪â‬أرادت التحكم في حياتها‪.‬‬ ‫كما كنت قلقة واستبدادية‪ ،‬الشيء‬ ‫الــذي جعلني غير مرتاحة لحالي‪.‬‬ ‫وفي مرحلة المراهقة‪ ،‬شعرت بأنني‬ ‫مختلفة تمامًا عن اآلخــريــن‪ .‬وبعد‬ ‫تعلمي لــلــقــراءة والكتابة فــي وقت‬ ‫مبكر جدًا‪ ،‬حلمت بأن أصبح كاتبة‪.‬‬

‫‪ 73‬العدد‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪89‬‬


‫ ¦ب ـ ـ ــأي م ـع ـن ــى تـ ــوجـ ــد األسـ ـ ـ ـ ــرة ف ـ ــي ق ـلــب‬ ‫منجزك؟‬

‫مثلي‪ ،‬أي فنانين لديهم شغف أو موهبة‪.‬‬ ‫وفجأة‪ ،‬شهدت حياتي الحميمة ازدهار‬ ‫مجال من الممكنات‪.‬‬

‫يتعلق كل حديث عن الطفولة باألسرة‪.‬‬ ‫تعد بعض العالقات (مثل صــورة األم) ¦يـبــدو الـصـمــت حــاضــرً ا فــي كــل صفحات‬ ‫كتبك‪ ،‬هل تكتبين ضده؟‬ ‫حاسمة ألنها تعكس حياتنا كبالغين‪.‬‬ ‫كــان خــط القرابة مــن جهة األم‪ ،‬يضم‬ ‫لن أقول ذلك‪ ،‬رغم أنه يشغل حيزًا كبيرًا‬ ‫إضــافــة إلــى أم ‪-‬متطلِّبة ج ــدا‪ -‬جدة‬ ‫في قصائدي التي ال تحتاج إلى شرح‪،‬‬ ‫محبة‪ ،‬وست بنات خؤولة‪ .‬ولــدت سنة‬ ‫إنــهــا تكفي ذاتــهــا‪ .‬عندما تــكــون اللغة‬ ‫‪1943‬م‪ ،‬ونشأت في عائلة يهودية من‬ ‫حاضرة بداخلي‪ ،‬أنتظر انبثاق جملة ما‪.‬‬ ‫في معظم األحيان‪ ،‬ال أكتب‪ ..‬يا له من‬ ‫الطبقة المتوسطة‪ .‬لقد تأثرت كثيرا‬ ‫قلق! تمثل قصائدي انتقامًا لما تضمنته‬ ‫بقراءة آن فرانك‪ ،‬لكنني لم أكن على علم‬ ‫حياتي من خسائر‪ ،‬وسوء حظ‪ ،‬وظروف‬ ‫بالهولوكوست‪ ،‬إذ كان والــداي يعيشان‬ ‫مؤلمة وظــلــم‪ .‬وبــهــذا الشكل يقدم لي‬ ‫فــي أمــريــكــا‪ .‬لــم يكن لليهودية حضور‬ ‫سحر الكتابة نوعً ا من الفداء‪.‬‬ ‫يذكر‪ .‬قيل لي إن قصائدي مستوحاة‬ ‫من الكتاب المقدس‪ ،‬لكني أفضل القول ¦هل يوجد في قلب الطبيعة التي تغذي‬ ‫«عالم خيالك»؟‬ ‫إنها مأهولة بكائنات سماوية تغذيها‬ ‫األساطير اليونانية‪.‬‬ ‫ ‪ρ‬ال يجسد الشعر حديقة ما‪ .‬ومع ذلك‪،‬‬ ‫فــإن الــعــالــم الطبيعي هــو مــصــدر مهم‬ ‫كتبت‪« :‬في نهاية ألمي كان هناك باب»‪.‬‬ ‫ ¦ ِ‬ ‫للحياة والبقاء والتجديد‪ .‬أرى أن هذا‬ ‫أي بــاب انفتح فيك بعد تناولك القلم‬ ‫التجدد ملهم‪ .‬ليس الشتاء سوى دمار‪،‬‬ ‫للكتابة؟‬ ‫لكن عندما يحل الربيع‪ ،‬نشعر باالنبهار‪.‬‬ ‫ ‪ρ‬لم ينفتح أي باب‪ ،‬الكتابة شبيهة باأللم‪،‬‬ ‫يمنح هــذا الــرجــوع إلــى الــحــيــاة األمــل‬ ‫وبنفق ال أحد يهرب منه‪ .‬رغم أن الكتابة‬ ‫أيضا نستطيع‬ ‫للبشر‪ ،‬ألن ذلك يعني أننا ً‬ ‫ضرورية لحياتي‪ ،‬إال إنها تعذبني عندما‬ ‫تجديد أنفسنا‪ .‬وهــل هناك شــيء آخر‬ ‫ال أكــتــب‪ .‬ومــع ذلــك فإنها تتعالى على‬ ‫جدير باالستكشاف غير الحياة والموت؟‬ ‫وج ــودي‪ .‬ساعدتني الــقــراءة فــي إيجاد‬ ‫ضمن هذا اللغز الشاسع‪ ،‬يمثل كل كتاب‬ ‫طــريــقــي‪ ،‬والــشــعــر هــو امــتــداد لــه‪ .‬بدا‬ ‫من كتبي كونًا في حد ذاته‪ .‬لدي مصدر‬ ‫عالمي األدبــي منعشً ا أكثر من الحياة‬ ‫مغذي آخر هو التدريس‪ .‬أحب كثيرًا هذه‬ ‫الحقيقية‪ .‬لقد شعرت بالغربة لفترة‬ ‫الوظيفة ألنها تتيح لي التقاسم مع شبان‬ ‫طــويــلــة‪ .‬كــشــف لــي معسكر موسيقي‪،‬‬ ‫موهوبين‪ .‬أليس من الرائع أن تتعلم منهم‬ ‫أشخاصا‬ ‫ً‬ ‫عندما كنت مراهقة‪ ،‬أن هناك‬ ‫أشياء كثيرة؟‬

‫‪90‬‬

‫العدد ‪73‬‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫مواجهات‬


‫ ¦هل تُبقين على حريتك بفضل الكتابة؟‬

jeudi 11 mars 2021 LE FIGARO

8

Des dons pour Proust et pour Saint-Samson

L’HISTOIRE

semaine de la

L’ACQUISITION PAR LA BNF D’UNE ÉDITION ORIGINALE DE PROUST ET UN DON DE L’ÉCRIVAIN KEN FOLLETT POUR UNE CATHÉDRALE BRETONNE. DEUX BELLES HISTOIRES.

EN MARGE

Littéraire

EXCLUSIF Seizième femme récompensée par le prix Nobel, la poétesse américaine, inconnue en France, se confie à l’occasion de la traduction de deux de ses recueils.

Il y a trois mois de cela, la BnF fit savoir qu’elle lançait une souscription littéraire afin d’acquérir l’édition originale de Du côté de chez Swann. Dans cet exemplaire de 1913 figure une dédicace exceptionnelle. Écrivant à son amie Marie Scheikévitch,

Proust y dévoile une partie de la suite d’À la recherche du temps perdu, en résumant le cycle d’Albertine qu’il va développer dans deux des six volumes à venir. Grâce à 1 751 donateurs, âgés de 19 à 98 ans, 350 000 € ont été réunis. Cette dédicace

sera numérisée et accessible librement sur Gallica avant d’être présentée lors de l’exposition que la BnF consacrera à Proust à l’automne 2022. Autre belle histoire : celle de l’anglais Ken Follett. L’auteur des Piliers de la Terre va reverser à la Fondation

du patrimoine les droits d’auteur de son récit en hommage à Notre-Dame de Paris, incendiée le 15 avril 2019. Les 148 000 € serviront à la restauration et la sécurisation de la cathédrale Saint-Samson de Dol-deBretagne. BRUNO CORTY

Bio EXPRESS 1943

Louise Glück naît à New York, mais grandit à Long Island.

1961

Préférant ne pas s’éterniser dans ses études, elle se concentre sur l’écriture et l’enseignement universitaire (Yale).

PROPOS RECUEILLIS PAR

E SILENCE ponctue la puissance de sa poésie et de sa personnalité. Louise Glück vit habituellement dans sa bulle du Vermont, mais l’attribution du Nobel l’a mise en lumière. Même si cette reconnaissance l’honore, elle préfère rester dans sa tanière. Cette femme pudique accorde très peu d’entretiens, aussi est-ce un privilège de lui parler. Sa voix douce et intimidée met du temps avant de se livrer. Elle n’aime pas s’épancher sur le sens de ses poèmes, mais privilégie l’essence de son travail, qui puise dans ses entrailles. Si elle écrit avec minutie, l’auteur regrette de passer la majorité de sa vie sans remplir la page blanche. À ce jour, il n’existe qu’une dizaine de textes publiés en un demisiècle. Les Éditions Gallimard nous font découvrir deux titres, en version bilingue, histoire de percevoir la magistralité de son art. Plus de vingt ans distinguent ces recueils, or ils font preuve d’une même intemporalité, ancrée dans l’universel et la « poésie de l’existence. »

LE FIGARO. - Vous qui rêviez de « vivre après votre mort », percevez-vous le prix Nobel comme un gage d’éternité ? Louise GLÜCK. - J’avoue que c’était une énorme surprise. Comment imaginer qu’il allait sacrer une femme blanche, américaine, poétesse de surcroît, dont le travail ne traite absolument pas de politique ? Notre pays semblait si ingrat, depuis les années Trump, que cela me semblait improbable. Il s’agit d’un grand honneur, mais je n’ai éprouvé aucune joie car ça complique ma vie. Étant retirée, je n’aime pas incarner une figure publique. Cette immense reconnaissance signifie toutefois que mon travail sera préservé pour un temps.

1993

Prix Pulitzer de poésie pour L’Iris sauvage.

2014

National Book Award pour Nuit de foi et de vertu.

2020

113e Prix Nobel de littérature.

DANIEL EBERSOLE/REUTERS

L

KERENN ELKAÏM

Louise Glück : « L’écriture est un tunnel dont on ne s’évade pas »

A

Si « nous les artistes, nous ne sommes que des enfants à nos jeux », en quoi l’enfance vous a-t-elle façonnée ? Oh ciel ! Tous les narrateurs de mes livres sont un morceau de moi. L’enfance est si importante, qu’elle s’avère fondatrice pour la plupart des écrivains. Mon travail est ancré en elle, mais il m’est difficile d’en parler car tous les témoins de cette époque sont morts. Pas évident d’interroger l’enfant en moi… Je sais juste que j’étais une jolie petite fille, qui voulait contrôler sa vie. Anxieuse et tyrannique, j’étais mal dans ma peau. Adolescente, je me sentais si différente des autres. Ayant appris à lire et à écrire très tôt, je rêvais de devenir écrivain. En quoi la famille est-elle au cœur de votre œuvre ? Qui dit enfance dit famille. Certaines relations (comme la figure maternelle) s’avèrent cruciales car elles font écho à notre vie d’adulte. Ma lignée matriarcale comprenait

L’IRIS SAUVAGE De Louise Glück, traduit de l’anglais (États-Unis) par Marie Olivier, Gallimard, 160 p., 17 €. En librairie le 18 mars.

NUIT DE FOI ET DE VERTU De Louise Glück, traduit de l’anglais (États-Unis) par Romain Benini, Gallimard, 160 p., 17 €. En librairie le 18 mars.

une mère – si exigeante – une grand-mère aimante et six cousines. Née en 1943, j’ai grandi au sein d’une famille juive de la classe moyenne. La lecture d’Anne Frank m’a beaucoup émue, mais je n’étais pas consciente de la Shoah, puisque mes parents étaient installés en Amérique. Le judaïsme ne comptait pas vraiment. On me dit que mes poèmes sont d’inspiration biblique, je dirais plutôt qu’ils sont habités par des êtres célestes nourris de mythologie grecque.

Vous écrivez qu’« au bout de ma douleur, il y avait une porte. » Quelle porte s’est ouverte en vous en prenant la plume ? Aucune, l’écriture s’apparente à une douleur, un tunnel dont on ne s’évade point. Si elle est essentielle à ma vie, elle me torture quand je n’écris pas. Elle transcende néanmoins mon existence. La lecture m’a aidée à trouver ma voie, la poésie en est l’extension. Mon univers littéraire paraissait tellement plus vivifiant que la vraie vie. Je me suis sentie si longtemps aliénée. Un camp musical, à l’adolescence, m’a révélé qu’il existait des gens comme moi. À savoir des artistes qui avaient une passion ou un don. Soudain, ma vie intime a vu éclore un champ des possibles. Le silence semble omniprésent entre ces pages, écrivez-vous contre lui ? Je ne dirais pas cela, même s’il occupe une grande place dans mes poèmes. Inutile de les expliquer, ils se suffisent à eux-mêmes. Quand le langage est présent en moi, j’attends qu’une phrase sur-

gisse. La plupart du temps, je n’écris pas… Quelle angoisse ! Mes poèmes représentent une revanche envers les pertes, la malchance, les circonstances douloureuses et les injustices de ma vie. La magie de l’écriture m’offre ainsi une certaine rédemption

Se retrouve-t-elle au cœur de la nature, qui nourrit « le monde de votre imagination » ? La poésie n’incarne pas un jardin. Le monde naturel constitue cependant une source importante de vie, de survie et de renouveau. Je trouve cette renaissance inspirante. L’hiver n’est que désolation, mais quand le printemps revient, on est ébloui. Ce retour à la vie donne de l’espoir aux humains car cela signifie que nous aussi, on peut se renouveler. Qu’y a-t-il d’autre à explorer que la vie et la mort ? Au sein de ce vaste puzzle, chacun de mes livres représente un univers en soi. Autre source nourrissante : l’enseignement. J’aime profondément ce métier car il m’apporte des échanges réciproques avec de jeunes gens doués. N’est-ce pas merveilleux d’apprendre tant de choses d’eux ? Restez-vous libre grâce à l’écriture ? Personne n’est libre, surtout en ces temps de Covid. J’aimerais pourtant l’être… Quand j’écris, je me sens l’exploratrice de lieux, où je n’ai jamais été avant. Cela m’apporte une illusion de bonheur, or si je n’écris pas, je souffre. L’écriture est une échappatoire à la vie. Elle nous confronte aux limites de nous-mêmes, mais au final, elle m’est cruciale.

Le Covid s’apparente-t-il à « quelque chose qui vient au monde, sans y avoir été invité, provoquant le désordre » ? Vous voyez une actualité dans cet ancien poème, mais ce qui est récurrent, c’est ce phénomène de perturbation et d’interruption. Il apparaît à la fois dans nos existences collectives et individuelles. Le Covid représente une expérience vertigineuse dans ma vie. Avant, je pouvais me sentir changée par celle-ci, mais le monde environnant demeurait intact. Il m’était donc possible d’y retourner, alors que là, il a disparu et me manque terriblement. En cette ère de pandémie déroutante, j’ai néanmoins réussi à finir un nouveau recueil. Un miracle ! Si « les êtres humains doivent apprendre à aimer le silence et les ténèbres », comment trouvez-vous la lumière ? Dire que cette phrase a été écrite il y a trente ans (rires). Dans ce poème, je scrute plusieurs êtres célestes. L’un apprécie l’obscurité, l’autre préfère la lumière et le plaisir. J’aime célébrer les gens ou la nature. Évidemment, je ne désire pas mourir. Comme tous les écrivains, je cultive le fantasme de laisser une trace derrière moi. J’espère que le Nobel et les traductions y contribueront, or peut-être que ce sont les virus qui nous survivront. Impossible de choisir un mot me définissant, mais j’aime profondément mon nom, Glück, qui signifie bonheur. ■

â NOTRE AVIS

Le paysage de Louise Glück comprend plusieurs visages. La faune humaine et la flore font partie du décor. Ils nourrissent le corps de ses textes courts et percutants, au parfum de mystère. Les saisons de la nature et de la vie s’unissent subtilement, dans L’Iris sauvage. Un jardin d’Éden dans lequel poussent les arbres, les plantes, les fleurs et les êtres, qui viennent s’y poser. Son époux, John, son fils Noah (sommelier et amateur de vins français dans la vraie vie) ou sa famille originelle y font de brèves apparitions. Rêveuse, la narratrice aime observer « les premières pousses, comme des ailes déchirant la terre »… Elle apprécie « la beauté sans concession », même si certaines peines sont passées par là. La poétesse en parle sans pathos, en semant de petits cailloux nous indiquant le chemin de son existence. « Je ne m’attendais pas à survivre… » Or la traversée porte visiblement ses fruits poétiques. Plus crépusculaire, Nuit de foi et de vertu témoigne de son lot de drames, de deuils et de désillusions. Glück les esquisse sans les détailler, à travers une écriture pure, accessible à tous. À nous de deviner « les reliques de l’enfance » ou « les triomphes de la vieillesse ». Un rébus qui pourrait être perçu comme un roman fragmenté, dans lequel chaque lecteur est invité à imaginer sa propre histoire. ■ K. E.

‫ بينما الكائن اآلخر يفضل‬،‫يقدر الظالم‬ ‫ أحب االحتفال بالناس أو‬.‫الضوء والمتعة‬ ‫ من الواضح أنني ال أرغب في‬.‫بالطبيعة‬ ‫ لدي استيهام‬،‫ مثل جميع الكُتاب‬.‫الموت‬ ‫ آمل أن يساعد‬.‫ترك بصمة بعد مماتي‬ ‫ لكن ربما أن‬،‫نوبل والترجمات في ذلك‬ .‫الفيروسات هي التي ستبقى بعد فنائنا‬ ‫ لكني‬،‫يستحيل اختيار كلمة تحدد هويتي‬ ‫ الــذي يعني‬،Glück ،‫أحب كثيرا اسمي‬ .‫السعادة‬

‫ وبخاصة في هذه‬،‫ال يوجد شخص حر‬ρ ‫ أود‬،‫ ومع ذلك‬.‫األوقات المميزة بكوفيد‬ ‫ أشعر‬،‫ عندما أكــتــب‬..‫أن أكــون كــذلــك‬ ‫كأنني مستكشفة ألماكن لم أزرهــا من‬ ‫ وعندما‬،‫قبل! يمنحني ذلك وهْ م السعادة‬ ‫ال أكتب فأنا أتألم! الكتابة مهرب من‬ ‫الحياة؛ إنها تجعلنا في مواجهة مع حدود‬ ‫ لكنها تبقى في النهاية أمرًا بالغ‬،‫أنفسنا‬ .‫األهمية بالنسبة لي‬ ،‫ ¦هل كوفيد شبيه بـ "شيء يأتي إلى العالم‬ ‫ ويحدث الفوضى"؟‬،‫دون أن يكون مدعوً ا‬ ‫أنــت تــرى "راهــنــيــة" فــي هــذه القصيدة‬ρ ‫ لــكــن مــا يــتــكــرر هــو ظــاهــرة‬،‫الــقــديــمــة‬ ‫ إنها تظهر‬.‫االضطراب واالنقطاع هذه‬ ‫ يمثل‬.‫فــي وجــودنــا الجماعي والــفــردي‬ ‫كوفيد تجربة أحــدثــت لــي دَوارًا في‬ ‫ كنت استطيع اإلحساس‬،‫حياتي! من قبل‬ ‫ لكن العالم‬،‫بتغيير هــذه األخــيــرة لــي‬ ‫ لذلك كان في‬.‫المحيط كان يظل ثابتا‬ ‫ بينما هو هنا قد‬،‫إمكاني أن أعود إليه‬ ‫ في عصر‬.‫اختفى وصرت أفتقده بشدة‬ ‫ تمكنت مع ذلك‬،‫الوباء المربك الحالي‬ !‫ إنها معجزة‬.‫من إكمال ديوان جديد‬ ‫ ¦إذا ك ــان يـجــب عـلــى «الـبـشــر أن يتعلموا‬ ‫ فكيف لك أن‬،»‫حب الصمت والدياجير‬ ‫تعثري على النور؟‬ ‫هــذه الجملة كتبت قبل ثالثين عامًا‬ρ ‫ أتفحص‬،‫ في هذه القصيدة‬.)‫(تضحك‬ ‫ كائن‬.‫العديد مــن الكائنات السماوية‬ .‫م‬2021 ‫ مارس‬11 ‫ لوفيغارو‬:‫ * المصدر‬

91

‫ العدد‬73 )‫م‬٢٠٢١( ‫ه ـ ـ‬١٤٤٣ ‫خريف‬

‫مواجهات‬


‫تيسير أبو عودة‬

‫فيروس كوفيد ‪ 19-‬يشبه فتح صندوق باندورا‬ ‫الذي ترجم كل أنواع الشرور في هذا العالم‬ ‫يقول د‪ .‬تيسير أبو عودة‪ ،‬الباحث والمترجم األردني‪،‬‬ ‫وأسـتــاذ النقد واألدب اإلنجليزي فــي حديثه مع‬ ‫(الجوبة) عما يشهده العالم من تحوّل جذري‬ ‫بفعل فيروس كورونا والعزلة التي فرضها على‬ ‫الناس‪" :‬ال أميل بطبيعتي الفلسفية لالنجرار‬ ‫وراء طوفان الكتابة المرهونة بتراجيديا الراهن‬ ‫الزمكاني‪ ،‬أو الركض وراء جاذبية السرد بوصفها‬ ‫مرآة الواقع‪ ،‬أو صورة نرجس قبل الكارثة وبعدها‪ .‬ربما‬ ‫يـكــون الــوقــت مبكرً ا لالنقضاض على س ــؤال مــا بعد كــورونــا؛‬ ‫ألنني ما أزال مشدوهً ا بتفاصيل الكارثة وسحرها الميتافيزيفي ‪ -‬حسب وصف‬ ‫ديريدا‪ ،‬وإيقاعها وتناقضات الواقع المتخيل‪ ،‬أو المتخيل الواقعي بين غرائبية‬ ‫مدينة أوهــان ومركزية مدينة نيويورك؛ ففيروس كوفيد‪ 19-‬يشبه فتح صندوق‬ ‫باندورا الذي ترجم كل أنواع الشرور في هذا العالم‪ ،‬فخرجت منه صيرورة الفقر‬ ‫والـجــوع‪ ،‬والسلطة‪ ،‬والعنصرية‪ ،‬واإلسالموفوبيا‪ ،‬والـغــريــزة المدمرة فــي صــورة‬ ‫الرأسمالية والليبرالية الجديدة‪ ،‬وبقيت في الصندوق غريزة األمل‪ ،‬التي نلوذ بها‬ ‫في المأساة والملهاة وفي النص والممكن"!‬ ‫■ حاوره‪ :‬محمد جنيم‬

‫‪92‬‬

‫العدد ‪73‬‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫مواجهات‬


‫وأضاف د‪ .‬تيسير أبو عودة قائال‪:‬‬ ‫ربما يكون ديلوز مُحقًا في زعمه أن‬ ‫الكاتب رديف وجــودي للفيسلوف في‬

‫النص الذي يحمله‬ ‫فيروس كورونا نص مبهم‬ ‫ويستغلق على الفهم المتسرع‬

‫محاوالته المتكررة لنحت المفاهيم‬ ‫وإع ــادة تأثيث معجم الواقعك؛ لكن‬ ‫الكتابة تقيم في التاريخ‪ ،‬وتسكن ضمير‬ ‫الــعــالــم الــواقــعــي والمتخيل‪ ،‬وتقدم‬ ‫الــنــص لمحاكمة أخــاقــيــة وجمالية‬ ‫أمــام مقصلة المحو والنسيان‪ .‬وهنا‬ ‫تكمن معضلتي مع قلق الكتابة قبل‬ ‫الكوروناوبعدها‪ :‬كيف للجمالي أن‬ ‫يطل على المذبحة دون التدخل في‬

‫جديد أسقط في مونولوج مسرحي‬ ‫مع ذاتــي الكاتبة‪ ،‬وأغيب رغــم أنفي‬ ‫في هيستيريا الكتابة المؤجلة‪ :‬أحدق‬ ‫طويل‪ ،‬وألــوذ بصمتي‪ ،‬ألــوذ بجهلي‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ألوذ بهشاشتي القديمة‪ ،‬وأميل لفكرة‬ ‫الــتــأمــل ف ــي حـــاضـــري‪ .‬أحــــدق في‬ ‫مستقبلي وأكتفي بوصايا الطبيعة‬ ‫العميقة ومسؤوليتي األخالقية تجاه‬

‫وظيفة المؤرخ؟‬

‫الشجيرات الصديقات خلف شباك‬

‫وكيف للشخصي أن ينأى بنفسه عن‬

‫بيتنا‪ .‬مــا أحــوجــنــا للصمت طويال‪،‬‬

‫وحل الجمعي؟‬

‫والتأمل كثيرا؛ فالنص الــذي يحمله‬

‫ ‪ρ‬وهــل كــان أي أم فورستر محقًا في‬ ‫زعمه عندما قال‪« :‬ال تثق بالراوي‪..‬‬ ‫ثق بالنص»؟ ربما تكون اإلجابة عن‬ ‫هذه األسئلة اختبارًا أخالقيًا وسرديًا‬ ‫لكل مَن يحاول الكتابة قبل كوفيد‪19-‬‬ ‫وبــعــدهــا‪ ،‬ألن العزلة القسرية التي‬ ‫فرضتها الحكومات لمقاومة انتشار‬ ‫الفيروس‪ ،‬هي تجربة درامــيــة تشبه‬

‫فــيــروس كــورونــا نــص مبهم ويستغلق‬ ‫عــلــى الــفــهــم الــمــتــســرع‪ .‬وأنـــا أنصت‬ ‫واج ـ ًمــا فــي شاشة التلفاز‪ ،‬والمذيع‬ ‫يصدح بخبر مــوت آالف اإليطاليين‬ ‫واإلسبانيين يوميًا‪ ،‬واألرق ــام تصعد‬ ‫بصورة هستيرية يومًا تلو اآلخــر في‬ ‫الواليات المتحدة وبريطانيا وإيــران‬ ‫والعالم العربي‪ ،‬أسترجع مشهد حفّار‬

‫الدخول في جحيم سوريالي لفلم من‬

‫القبور في مسرحية هاملت‪ ،‬وأتذكر‬

‫أفالم هيتشكوك‪.‬‬

‫مشهد الموت على لسان حفار القبور‪:‬‬

‫فــي كــل مــرة أح ــاول فيها كتابة نص‬

‫«جــثــث مهربة مــن فجر بعيد‪ ،‬جثث‬

‫مواجهات‬

‫‪ 73‬العدد‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪93‬‬


‫صورته الساذجة والبدهية‪ ،‬تحوّل إلى‬ ‫حــدث عالميّ زلــزل الكرة األرضية‪،‬‬ ‫وفرض على معظم دول العالم شرقًا‬ ‫وغربًا نظامًا عالميًا حتميًا جديدً ا‪ :‬في‬ ‫االقتصاد والسياسة والحياة اليومية‬ ‫واالفــتــراضــيــة أيــضــا‪ .‬ولــعــل محمود‬ ‫درويش أدرك عمق هذه التحوالت بين‬ ‫نقطة الصفر ونقطة الالمنتهى فيما‬ ‫يحدث داخل الزمن من فوضى ال نرى‬ ‫سوى آثارها المحسوسة‪ ،‬لكننا ال نعي‬ ‫كنه حقيقتها‪:‬‬ ‫أثــر الـفــراشــة ال يُ ـ ـرَى‪ ،‬أَثــر الـفــراشــة ال‬ ‫ـض يـسـتــدرج‬ ‫ي ـ ــزولُ ‪ ،‬ه ــو ج ــاذب ـ ّي ــةُ غ ــام ـ ٍ‬ ‫ضح السبيلُ ‪.‬‬ ‫المعنى ويرحلُ ‪ ،‬حين يتَّ ُ‬ ‫ال شك أننا محاصرون بعقدة التأويل‬ ‫تغسل التراب والمعاني تتدحرج بينها‪..‬‬

‫منذ بداية الحدث؛ ألننا في واقع األمر‬

‫فتحت عيوني على هذه الحشود فلم‬

‫مصابون بمرض المعنى‪ ،‬ونسعى دومًا‬

‫أنم منذ زمن بعيد»‪.‬‬ ‫ويــتــابــع د‪ .‬تيسير أب ــو عـــودة قائال‬ ‫لـ(الجوبة)‪:‬‬ ‫ربــمــا تــكــون نظرية أثــر الــفــراشــة أو‬ ‫الــفــوضــى للفيزيائي إدوارد لورينز‬

‫‪94‬‬

‫للوصول لمعبد الصورة وليس الحقيقة‪.‬‬ ‫نحاول ما استطعنا إليه سبيال تحويل‬ ‫هــذا األلــم الغامض لنصوص سردية‬ ‫على طريقة أبي العالء المعري‪ ،‬ألن‬ ‫الــبــصــيــرة ج ــاء المعنى الـــذي يجر‬ ‫اليقين برسن الشك‪ .‬لكن سؤال الكتابة‬

‫مختب ًرًا معرفيًا لخوارزميات الوباء‬

‫يتكىء على عكاز الثنائيات وما وراء‬

‫منذ الــبــدايــة؛ فــخــروج الفيروس من‬

‫الثنائيات التي تغربل الحاضر المبهم‬

‫الصين (رغــم عــدم دقــة الخبر) في‬

‫وتتنبأ بالمستقبل الممكن والمستحيل‪.‬‬

‫العدد ‪73‬‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫مواجهات‬


‫الشاعر أحمد القيسي‬ ‫الشعر العربي تعرّض في تاريخه لتغيرات جعلت المسافة‬ ‫جدا!‬ ‫بين القصيدة الحديثة والجاهلية والعباسية بعيدة ً‬ ‫يعشق التجريب‪ ،‬يسعى ألن يكون لنصه حضور‬ ‫مـتـمـيــز ف ــي ال ـســاحــة ال ـش ـعــريــة‪ .‬ال ـشــاعــر أحـمــد‬ ‫يـحـيــى ال ـق ـي ـســي‪ ،‬م ــن مــوال ـيــد ج ـ ــازان ‪1982‬م‪،‬‬ ‫أهدى المكتبة الشعرية أربع مجموعات‪ .‬منذ‬ ‫مجموعته األولى «أرتب فوضى سكوني»‪ ،‬وهو‬ ‫يلزم الـقــارئ بــأن يتوقع المفاجأة‪ !..‬وهــو من‬ ‫األسماء الشابة التي تضيء سماء قصيدة النثر‬ ‫التي تليق بعشقه ومغامراته‪ ..‬وإجابته عن سؤالي‬ ‫أن قصيدة النثر ترتبط بالذائقة األجنبية والتراث‬ ‫األجنبي‪ ،‬وليست نابعة من التراث العربي‪ .‬قال‪ ..« :‬الشعر‬ ‫العربي تعرض على امتداد تاريخه لتغيرات وتطورات جعلت المسافة بين القصيدة‬ ‫الحديثة والقصيدة الجاهلية أو العباسية بعيدة جدً ا‪ .‬فالتطور والتغير ُسنّة كونية‬ ‫ليست في الشعر وحده‪ ،‬والمتتبع لمسيرة الشعر العربي يلحظ التغيرات الطارئة‬ ‫على مالمح القصيدة فــي كــل عصر‪ ،‬وكــان أغلب المتلقين راضـيــن تمامً ا بتلك‬ ‫التغيرات التي تالئم سمات حياتهم‪ ،‬وينطبق حديثي هذا على قصيدة النثر التي‬ ‫ارتدت ثوبًا عربيًا‪ ،‬وشاركت األجناس األخرى في التعبير عن حياة العربي وهمومه‬ ‫اليومية بطريقتها‪ ،»..‬شاعرنا قال الكثير والمدهش في هذا الحوار‪..‬‬ ‫■ حاوره‪ :‬عمر بوقاسم*‬

‫التنقل من بيئة شعرية ألخرى‪!..‬‬ ‫ ¦«أرتـ ـ ـ ــب ف ــوض ــى سـ ـك ــون ــي» دار ط ــوى‬ ‫للثقافة والنشر ‪2011‬م‪ « ،‬لست هنا‪..‬‬ ‫هــل رآن ــي أح ــد؟» دار أروق ــة للترجمة‬

‫مواجهات‬

‫وال ـن ـشــر‪ -‬ال ـقــاهــرة ‪2017‬م‪« ،‬تـســريــب»‬ ‫دار مـيــاد ‪2020‬م‪« ،‬ه ــل تـتـســاءل عن‬ ‫ال ـط ــرق ــات‪ :‬ن ـصــوص ال ـعــزلــة ‪2020‬م‪،‬‬ ‫هـ ـ ــذه اإلصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدارات ل ـل ـش ــاع ــر أح ـم ــد‬ ‫‪ 73‬العدد‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪95‬‬


‫يثري التجربة ويؤثر إيجابًا على أسلوب‬ ‫الشاعر؛ ما يجعله متجددًا ال يكرر ذاته‪.‬‬

‫القيسي التي صافح بها الساحة الشعرية‬ ‫حتى اآلن‪ ،‬وهي توثّق مشوار شاعرنا‪ ،‬الذي‬ ‫يـعـتـمــد عـلــى خـلــق ال ـص ــورة الـشـعــريــة من‬ ‫األنواع األدبية بصفة عامة عابرة‬ ‫تـجــربـتــه الـمـعــاشــة وال ـخــاصــة والـتـجــريــب‬ ‫للثقافات والحدود‪!..‬‬ ‫والمغامرة‪ .‬القيسي مــاذا يقول في اتجاه‬ ‫ ¦«قصيدة النثر ترتبط بالذائقة األجنبية‬ ‫تجربته الشعرية؟‬ ‫والتراث األجنبي‪ ،‬وليست نابعة من التراث‬ ‫ ‪ρ‬يُح َم ُد لتجربتي في الكتابة أنها ال تؤمن‬ ‫العربي»‪ ،‬هذه العبارة تحمل تصور بعضهم‪.‬‬ ‫حال واحدة‪ ،‬فكان‬ ‫بالثبات واالستقرار على ٍ‬ ‫م ــاذا تـقــول‪ ،‬وأن ــت تنتمي لشعراء قصيدة‬ ‫من البديهي أن تكون بداياتي تقليدية‪،‬‬ ‫النثر؟‬ ‫تطرق أول األنواع الشعرية ظهورًا وأقدمها‪،‬‬ ‫وهي القصيدة الشطرية إلى جانب قصيدة ‪ρ‬من المؤسف أن تظل هذه النظرة مسيطرة‬ ‫على تفكير بعض المتلقين لهذه القصيدة‪،‬‬ ‫التفعيلة‪ ،‬ثــم تتجه بعد ذلــك إلــى أقــرب‬ ‫حائل بينهم وبين اكتشاف جمالياتها‬ ‫ً‬ ‫لتقف‬ ‫األشــكــال اإلبــداعــيــة إلــى قلبي وذائقتي‬ ‫وسحرها‪ ،‬فلو تأملنا األمر من زاوية أبعد‪،‬‬ ‫والمتمثلة في «قصيدة النثر»‪ ،‬فقد وجدتُ‬ ‫لرأينا أن األجناس واألنواع األدبية بصفة‬ ‫قلمي رهين هذا التيار لسنوات‪ ،‬خرجتُ‬ ‫عامة عابرة للثقافات والحدود؛ فالقصة‬ ‫منها بأربعة إصدارات هي التي ذك ْرتَها في‬ ‫القصيرة والرواية فنون غربية دون شك‪ ،‬إذ‬ ‫المقدمة‪ ،‬علمًا بأنني لم أهجر األشكال‬ ‫انتقلت إلينا بهيئتها التي ألفناها من آداب‬ ‫السابقة‪ ،‬أما هذه األيــام فقد نحوت إلى‬ ‫أخرى‪ ،‬وأصبحت منافسة للفنون العربية‪،‬‬ ‫أحدث التجارب التي بدأت تثبت حضورها‬ ‫إن لــم تحتل ال ــص ــدارة‪ .‬كــمــا أن الشعر‬ ‫في األدب العربي وهي قصيدة الهايكو‪ ،‬إلى‬ ‫العربي تعرض على امتداد تاريخه لتغيرات‬ ‫جانب كتابة الومضات الشعرية والشذرات‪.‬‬ ‫وتــطــورات جعلت المسافة بين القصيدة‬ ‫وأرى أن هذا التنقل من بيئة شعرية ألخرى‬ ‫الحديثة والقصيدة الجاهلية أو العباسية‬ ‫بعيدة ج ـدًا‪ .‬فالتطور والتغير سُ نّة كونية‬ ‫التنوّ ع التضاريسي والبيئي للمنطقة أشبه ما‬ ‫ليست في الشعر وحده‪ ،‬والمتتبع لمسيرة‬ ‫يكون بقصيدة‪ ،‬كما أن العمق التاريخي لجازان‬ ‫الشعر العربي يلحظ التغيرات الطارئة على‬ ‫منح الشعر فرصة الحضور ليكون موثقً ا لكل‬ ‫مالمح القصيدة في كل عصر‪ ،‬وكان أغلب‬ ‫المراحل والحوادث‪!..‬‬ ‫المتلقين راضين تمامًا بتلك التغيرات التي‬ ‫تالئم سمات حياتهم‪ ،‬وينطبق حديثي هذا‬ ‫الشعر العربي تعرض على امتداد تاريخه لتغيرات‬ ‫على قصيدة النثر التي ارتدت ثوبًا عربيًا‬ ‫وتطورات جعلت المسافة بين القصيدة الحديثة‬ ‫وشاركت األجناس األخرى في التعبير عن‬ ‫جدا‪!..‬‬ ‫والقصيدة الجاهلية أو العباسية بعيدة ً‬ ‫حياة العربي وهمومه اليومية بطريقتها‪.‬‬

‫‪96‬‬

‫العدد ‪73‬‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫مواجهات‬


‫وجد الشعر مكانة عزيزة في هذه‬ ‫البيئة‪!..‬‬ ‫ ¦معروف عن أبناء جــازان عامة‪ ،‬عشقهم‬ ‫لمدينتهم وطبيعتها‪ ،‬هل أسهمت مدينة‬ ‫جازان في دفعك نحو الشعر؟‬

‫‪ 2030‬يقود سفينتها صاحب السمو الملكي األمير‬ ‫محمد بن سلمان‪ ،‬فليس مستغربً ا أن نلمس من‬ ‫والة األمر هذه العناية بالثقافة والمثقفين‪..‬‬ ‫تابعت العديد من الفعاليات في تلك المرحلة وما‬ ‫زلت حتى هذه األيام أحرص على حضورها‪ ،‬وأرى‬ ‫أنها نجحت وخالفت توقعات من تنبأ بفشلها‪!..‬‬

‫ ‪ρ‬بالتأكيد‪ ،‬فالتنوع التضاريسي والبيئي‬ ‫للمنطقة أشبه ما يكون بقصيدة‪ ،‬كما‬ ‫أن العمق التاريخي لجازان منح الشعر‬ ‫بعد أعوام من الجهد ومحاولة الظهور؛‬ ‫فــرصــة الــحــضــور لــيــكــون مــو ّث ـ ًقــا لكل‬ ‫أما الثاني‪ ،‬فهي تضعه في تحدٍّ جديد‬ ‫الــمــراحــل وال ــح ــوادث‪ ،‬أضــف إلــى ذلك‬ ‫رافضا لكل نص يخرج‬ ‫ً‬ ‫مع إبداعه‪ ،‬يجعله‬ ‫التباين الثقافي بين األقاليم (الجبلية‬ ‫دون المستوى الذي ظهر به‪.‬‬ ‫والسهلية والــســاحــلــيــة) رغــم تقاربها‪،‬‬ ‫نظرة ثاقبة من القيادة‪..‬‬ ‫يلمس فيه المتأمل أبعادًا جمالية‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫والذي‬ ‫ويبصر لوحة بديعة ال تم ّل العين رؤيتها‪¦ ،‬اهتمام كبير من القيادة بجميع القطاعات‬ ‫الثقافية‪ ،‬وبرعاية مباشرة من سمو األمير‬ ‫فكل تلك‪ ..‬مؤثرات تدفع المرء لكتابة‬ ‫مـحـمــد بــن س ـل ـمــان‪ ،‬ووزيـ ــر الـثـقــافــة‪،‬سـمــو‬ ‫الشعر‪ ،‬أو قراءته على أقل تقدير؛ لذا‪،‬‬ ‫األمـ ـي ــر ب ــدر ب ــن عـ ـب ــداهلل آل سـ ـع ــود‪ ،‬كما‬ ‫ال غرابة إن وجد الشعر مكانة عزيزة في‬ ‫نلمس هذا من خالل األنشطة والفعاليات‬ ‫هذه البيئة‪.‬‬ ‫والـ ـ ـت ـ ــواص ـ ــل الـ ـمـ ـب ــاش ــر م ـ ــع ال ـم ـث ـق ـف ـيــن‬ ‫تقفز به إعالميً ا‪!..‬‬ ‫والمبدعين وحثهم على التجديد والتميز؛‬ ‫ ¦وأنا أقرأ سيرتك الذاتية هناك ما يشير‪،‬‬ ‫كيف تقرأ هذا التوجه وهذا البناء؟‬ ‫لحصدك جائزة شاعر شباب سوق عكاظ‬ ‫ ‪ρ‬نــظــرة ثاقبة مــن الــقــيــادة فــي اهتمامها‬ ‫عام ‪2009‬م‪ ،‬ما أثر حصدك لهذه الجائزة‬ ‫بقطاع الثقافة‪ ،‬فالبلدان واألمم إنما تتقدم‬ ‫على المستوى الشخصي والشعري؟‬ ‫بأفكار مثقفيها‪ ،‬وقيادتنا تدرك بحنكتها‬ ‫ ‪ρ‬بعيدًا عن القيمة المادية التي يحصدها‬ ‫مــدى أهمية هــذه القطاعات في تحقيق‬ ‫األدي ــب‪ ،‬يمكنني أن أحدثك عن أثرين‬ ‫الرؤية الطموحة للمملكة ‪ 2030‬التي يقود‬ ‫يــبــرزان جــدوى الجوائز األدبــيــة بصفة‬ ‫سفينتها صاحب السمو الملكي األمير‬ ‫عامة‪ .‬األول‪ ،‬يتجلى في تقديم الشاعر‬ ‫محمد بن سلمان‪ ،‬حفظه اهلل‪ ،‬كما تدرك‬ ‫والتعريف بــه فــي األوسـ ــاط الثقافية‪،‬‬ ‫الــدور الحقيقي للمثقف في إنجاز هذه‬ ‫فهي تقفز به إعالميًا إلى نقطة ال يمكن‬ ‫الرؤية‪ ،‬فليس مستغربًا أن نلمس من والة‬ ‫األمر هذه العناية بالثقافة والمثقفين‪.‬‬ ‫الوصول إليها في الحاالت العادية إال‬

‫مواجهات‬

‫‪ 73‬العدد‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪97‬‬


‫يغفل عنها من هم خارج أسوار‬ ‫الجامعة‪!..‬‬ ‫ ¦وأنـ ـ ــت ح ــاص ــل ع ـل ــى درجـ ـ ــة ال ـمــاج ـس ـت ـيــر‬ ‫ف ــي األدب وال ـن ـق ــد‪ ،‬و ُت ـح ـضــر لـنـيــل درج ــة‬ ‫الدكتوراه‪ ،‬هذا التوجه الثقافي األكاديمي‪،‬‬ ‫ألن يترك أثرً ا على الشاعر أحمد القيسي‬ ‫على المستوى اإلبداعي؟‬ ‫ ‪ρ‬يحسب للدراسة األكاديمية في مجاالت‬ ‫األدب والنقد أنها تنظم طريقة التلقي‬ ‫لإلبداع‪ ،‬وتعرف الدارس بنظريات األدب‬ ‫وقضاياه‪ ،‬ومدارسه ومناهجه‪ ،‬كما تسلط‬ ‫له األضواء على تجارب يغفل عنها من هم‬ ‫خــارج أســوار الجامعة‪ ،‬وتلقي له الضوء‬ ‫على خفايا داخل هذه العوالم كان يجهلها‬ ‫في السابق؛ فهي تثري رصيده الثقافي‬ ‫والمعرفي في مجالي األدب والنقد‪ .‬أما‬ ‫ ‪ρ‬كــان لفكرة (الفعاليات االفتراضية) دور‬ ‫على مستوى اإلبداع فال أظن أن للدراسة‬ ‫ملحوظ في مواجهة الفراغ في فترة العزل‬ ‫األكاديمية أثرًا يُذكر فيما يكتبه األديب‪،‬‬ ‫الــوقــائــي مــن جائحة كــورونــا‪ ،‬أب ــرزت لنا‬ ‫فثمة فــرق بين المعرفة بــاألدب وتاريخه‬ ‫قدرة القطاعات الثقافية على االستغالل‬ ‫ونقده وبين العملية اإلبداعية‪ ،‬ليس هذا‬ ‫األمــثــل للتقنية‪ ،‬وقــد تابعت العديد من‬ ‫رأي ــي أنــا فحسب‪ ،‬بــل بشهادة كثير من‬ ‫الفعاليات في تلك المرحلة وما أزال حتى‬ ‫األدباء األكاديميين‪.‬‬ ‫هذه األيــام أحــرص على حضورها‪ ،‬وأرى‬ ‫الفعاليات االفتراضية‪..‬‬ ‫أنــهــا نجحت وخــالــفــت تــوقــعــات مــن تنبأ‬ ‫ ¦هناك قبول من نقاد وشعراء ومن مثقفين‬ ‫بفشلها‪ ،‬أضف إلى ذلك أنها فتحت أفقًا‬ ‫وأيضا من الجمهور للفعاليات االفتراضية‬ ‫جديدًا إلقامة الملتقيات يوفر الجهد على‬ ‫ال ـت ــي نـظـمـتـهــا األن ــدي ــة األدبـ ـي ــة وبـعــض‬ ‫المنظمين‪ ،‬ويفتح نافذة للمهتمين من كل‬ ‫المنصات اإللكترونية‪ ،‬وأنت أحد الشعراء‬ ‫مكان لحضور هذه الفعاليات من منازلهم‬ ‫الذين خاضوا هذه التجربة االفتراضية‪،‬‬ ‫دون جهد‪ ،‬وربما الحظتَ أن اإلقبال عليها‬ ‫خالل فترة الحجر المنزلي‪ ،‬وفي رصيدك‬ ‫من الجمهور كان أكبر بكثير من المتوقع‪.‬‬ ‫عدد من المشاركات في أمسيات شعرية في‬ ‫وال أخــفــيــك إعــجــابــي بــهــذا الــنــمــط من‬ ‫مشوارك اإلبداعي على المستوى المحلي‬ ‫التنظيم‪ ،‬ولي تجربة مشاركة في إحدى‬ ‫والـخـلـيـجــي‪ ،‬مــا تقييمك ل ـهــذه التجربة‬ ‫أمسيات نادي عبقر االفتراضية‪ ،‬فاق عدد‬ ‫االفتراضية؟‬

‫‪98‬‬

‫العدد ‪73‬‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫مواجهات‬


‫الحاضرين فيها توقعاتي‪ ،‬وأتاح لألصدقاء‬ ‫من مناطق عديدة داخل المملكة وخارجها‬ ‫فرصة المتابعة‪ .‬وآمــل مــن المؤسسات‬ ‫الثقافية وغير الثقافية أن تواصل مسيرتها‬ ‫في إقامة اللقاءات وال ــدورات والندوات‬ ‫بهذا النمط التقني‪.‬‬ ‫مصطلح «العزلة»‪!..‬‬ ‫ ¦بــرأيــك‪ ،‬مــا األث ــر ال ــذي قــد تتركه جائحة‬ ‫كورونا على الخطاب اإلبداعي؟‬ ‫ ‪ρ‬يكفي أنها أضافت إلــى قواميس األدبــاء‬ ‫مصطلح (العزلة) وكل األفكار المتعلقة به‪،‬‬ ‫ووجهت موضوعات النصوص بأجناسها‬ ‫المختلفة إل ــى ه ــذا الــحــقــل اإلبــداعــي‪،‬‬ ‫فط َر َق معظم المبدعين أساليبَ تعبيرية‬ ‫كانوا أبعد ما يكونون عن الخوض فيها‪،‬‬ ‫وتعرّف كثير من المهتمين باإلبداع األدبي‬ ‫على اتجاه جديد قديم في الوقت نفسه‪،‬‬

‫الشاعر محمد خضر‬

‫وهو ما اصطُ لِح على تسميته بأدب العزلة‪،‬‬ ‫وال أظن أن الخطاب الذي اغتسل وتبلل‬ ‫داخل هذا الحقل مدة من الزمن سيجف‬ ‫سريعًا‪ ،‬بل سيبقى أثــره لسنوات قادمة‪.‬‬ ‫وأود التنويه إلى أن لي تجربة خاصة بتلك‬ ‫المرحلة‪ ،‬فقد وثقت النصوص التي كتبتها‬ ‫أيام الحجر المنزلي وضممتها في كتاب‪،‬‬ ‫أصدرته بعد ذلك تحت مسمى «هل تتساءل‬ ‫عنا الطرقات؟»‪ ،‬وهو متاح للتحميل مجانًا‬ ‫لمن أراد قراءته إلكترونيًا‪.‬‬ ‫تجربتي تحت أضواء الدارسين‪!..‬‬ ‫ ¦كيف ترى قراءة النقاد لتجربتك؟‬ ‫ ‪ρ‬في البداية‪ ،‬أود أن أعــرج إلى أمر مهم‪،‬‬ ‫وهو أنني لم أس َع في يوم من األيام لعرض‬ ‫نصوصي وكتبي على ناقد من أجل النقد‪،‬‬ ‫وإن كــنــتُ كغيري مــن األدبـــاء أطــمــح ألن‬ ‫تكون تجربتي تحت أض ــواء الــدارســيــن‪.‬‬ ‫حظي كتابي األول (أرتب فوضى سكوني)‬ ‫بدراسة علمية من قبل د‪ .‬محمد مصطفى‬

‫مواجهات‬

‫‪ 73‬العدد‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪99‬‬


‫الفكرة‪ ،‬وال يقر لــه قــرار حتى يخرجها‬ ‫بالصورة التي تليق به وبها‪.‬‬ ‫ربــمــا يفضل الــمــبــدع مــا يــســاعــده على‬ ‫الــتــركــيــز أثــنــاء الــكــتــابــة‪ ،‬كــحــرصــي على‬ ‫الجلوس في مكان هادئ بعيدًا عن الصخب‬ ‫وكل ما يشتت التركيز‪ ،‬وكذلك االستماع‬ ‫للمقطوعات الموسيقية العالمية‪ ،‬دون أن‬ ‫يكون ذلك التزاما‪.‬‬ ‫وال أنفي بما قلته فكرة الطقوس‪ ،‬فكثير‬ ‫من األدباء تحدثوا عن طقوس تخصهم‪ ،‬وال‬ ‫يجدون أنفسهم بدونها‪..‬‬ ‫يود اقتناء كتبي وال يجدها‪!..‬‬ ‫ ¦دائما هناك شكوى من الشعراء بخصوص‬ ‫حسانين‪ ،‬وكــذلــك مقالتين نقديتين من‬ ‫النشر وال ـتــوزيــع‪ !..‬هــل واج ـهــتَ مثل هذه‬ ‫الشاعرين محمد الفوز ومحمد خضر‪،‬‬ ‫المشكلة؟‬ ‫وقد كانت جميعها مشجعة لي‪ ،‬وبخاصة‬ ‫أنها كانت تجربتي األول ــى فــي الكتابة‪ρ .‬لألسف هذه هي الحقيقة المرة‪ ،‬توجهتُ‬ ‫ل ــدور النشر الــخــارجــيــة فلم أجــد كتبي‬ ‫وبــذات القدر من التشجيع حَ ِظيَ كتابي‬ ‫حــاضــرة على رفــوف مكتباتنا المحلية‪،‬‬ ‫الثاني (لست هنا‪ ..‬هل رآني أحد؟) بمقالة‬ ‫وكُنتُ أواجه حرجً ا ممن يود اقتناء كتبي‬ ‫نقدية من الدكتورة األديبة‪ /‬زكية العتيبي‪،‬‬ ‫وال يجدها‪ ،‬فالناشر الخارجي يهيئ لك‬ ‫أما بقية الكتب فلم تقع بعد تحت مشرط‬ ‫الفرصة للطباعة‪ ،‬وربما ينشر كتابك في‬ ‫النقد‪ ،‬إذ لم يمض على صدورها إال عدة‬ ‫كل مكان إال هنا‪ .‬والناشر المحلي يُعجزك‬ ‫أشهر‪ ،‬ولعلها تجد في المستقبل من يلقي‬ ‫بشروطه ومتطلباته‪ ،‬وكان يمكن للمؤسسات‬ ‫عليها الضوء‪.‬‬ ‫الثقافية أن تحمل هذا العبء عن األديب‬ ‫خاصة أنها تلقى دعمًا نظير ذلك من قبل‬ ‫المبدع يلتقط الفكرة‪!..‬‬ ‫وزارة الثقافة‪ ،‬لكن معظمها لألسف لم يقم‬ ‫ ¦ب ـع ــض الـ ـشـ ـع ــراء وال ـم ـب ــدع ـي ــن ي ـل ـتــزمــون‬ ‫بالمسؤولية كما يجب‪.‬‬ ‫بـطـقــوس معينة أث ـنــاء الـكـتــابــة‪ ،‬القيسي‬ ‫كيف ومتى يكتب؟‬ ‫متابعا للكتب التي توثق الحركة األدبية‪!..‬‬ ‫ ‪ρ‬في الحقيقة‪ ،‬أنا ال أتقيد بطقوس بعينها ¦غ ــال ـب ــا أسـ ـ ــأل ه ـ ــذا ال ـ ـسـ ــؤال ف ـه ــو ي ـضــيء‬ ‫أثناء الكتابة‪ ،‬فاإلبداع موهبة وملكة قبل‬ ‫لـ ـلـ ـق ــارئ ال ـخ ـص ــوص ـي ــة ال ـث ـق ــاف ـي ــة ل ــدى‬ ‫كل شيء‪ ،‬والكتابة إلهام؛ فالمبدع يلتقط‬ ‫ضيف «الجوبة»‪ ،..‬هل لنا أن نتعرف على‬

‫‪100‬‬

‫العدد ‪73‬‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫مواجهات‬


‫محتويات مكتبتك؟‬ ‫ ‪ρ‬ال أخفيك في البداية أنني قارئ نهم‪ ،‬فال‬ ‫عجب إن وجــدت مكتبتي ممتلئة بالكتب‬ ‫المتنوعة‪ ،‬فقد حرصت منذ البداية على‬ ‫ابتياع كتب تاريخ الشعر؛ ألنها تم ُّد القارئ‬ ‫بصور متعددة عن المجتمعات التي عاش‬ ‫فيها األدبــاء على مـ ّر العصور‪ ،‬والمكانة‬ ‫التي يحظى بها األديب في مجتمعه‪ ،‬وأبرز‬ ‫القضايا األدبية والحوادث السياسية التي‬ ‫يكون لألديب موقف فيها؛ لذلك‪ ،‬أعود إلى‬ ‫هذا الرف بين حين وآخر‪ ،‬كما ال تفوتني‬ ‫قراءة كتب األخبار األدبية بين وقت وآخر‬ ‫لما تحمله من طرافة ومتعة في الوقت‬ ‫نفسه‪ .‬وفي مجال الشعر العربي‪ ،‬كنت وما‬ ‫أزال تواقًا القتناء دواوين الشعراء بمختلف‬ ‫عصورهم‪ ،‬وأكثر ما استوقفني في الشعر‬ ‫القديم دواوي ــن الشعراء العباسيين‪ ،‬أو‬ ‫القصائد المدونة في بطون كتب األخبار أو‬ ‫كتب المصادر؛ وكانت لي وقفة في البحث‬ ‫عن شعراء مغمورين في تلك الحقبة‪ .‬أما‬ ‫النثر القديم فأكثر ما شدتني للقراءة كتب‬ ‫المقامات‪ .‬أضف إلى ذلك بعض كتب نقد‬ ‫الشعر القديم‪.‬‬ ‫في العصر الحديث‪ ،‬كنت وما أزال متابعًا‬ ‫للكتب التي توثق الحركة األدبية لكونها‬ ‫جــزءًا من تاريخ األدب‪ ،‬وكذلك حرصت‬ ‫على قــراءة أهم دواويــن الــرواد ومقاالتهم‬ ‫فــي ه ــذه الــمــرحــلــة بمختلف مــدارســهــم‬ ‫واتجاهاتهم الفكرية‪ ،‬وكذلك كنت مولعًا‬ ‫بــاالطــاع على القصص والــروايــات التي‬ ‫تمثل نشأة هذه الفنون في األدب العربي‪،‬‬ ‫وكذلك باألعمال القصصية والروائية التي‬

‫مواجهات‬

‫الشاعر أحمد يحيى القيسي‬

‫تشكل مرحلة النضج الفني لهذه الفنون‪..‬‬ ‫وال أخفيك إعجابي بالروايات العالمية‪،‬‬ ‫وحــرصــي بــيــن حــيــن وآخ ــر عــلــى البحث‬ ‫عــن تــرجــمــات مناسبة ألشــهــر األعــمــال‬ ‫العالمية‪ .‬وألنني مولع بقصيدة النثر‪ ،‬فقد‬ ‫كنت شغوفًا بقراءة المجموعات الشعرية‬ ‫ألبرز شعراء قصيدة النثر العربية من كل‬ ‫األقطار‪ ،‬ومن كل األجيال‪ ،‬وكذلك ترجمات‬ ‫قصائد ألبرز شعرائها العالميين‪.‬‬ ‫الكتب التي اقتنيتها مؤخرا تهتم بمجالين‪،‬‬ ‫األول قصيدة الهايكو بحكم اهتمامي‬ ‫هذه األيام بها‪ ،‬فاقتنيت عددًا من الكتب‬ ‫المترجمة التي تتناول خصائص هذا الفن‪،‬‬ ‫وكذلك دواويــن هايكو مترجمة لشعرائها‬ ‫الرواد اليابانيين وبعدهم األوربيون‪ ،‬إضافة‬ ‫لمن نبغوا فيها من العرب‪.‬‬ ‫أمــا المجال الــثــانــي‪ ،‬فهو علم الفلسفة‬ ‫الذي أرى أنني أهملته سابقًا‪ ،‬وتظهر بين‬ ‫حين وآخر حاجتي إليه‪ ،‬فكان له جزء في‬ ‫مكتبتي‪ ،‬وآمل أن ألم به‪ ،‬ألنه علم مهم جدا‬ ‫وله أثره في تكوين المثقف‪..‬‬ ‫‪ 73‬العدد‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪101‬‬


‫جاك أتالي‪:‬‬ ‫«ال بد من تفكيك عمالقة الفضاء الرقمي»‬ ‫في كتابه الجديد‪« :‬تاريخ وسائط اإلعالم‪:‬‬ ‫مــن إش ــارات الــدخــان‪ .‬إلــى شبكات التواصل‬ ‫االجتماعي وما بعدها»‪ ،‬الصادر عن دار فايار‬ ‫بـفــرنـســا‪ ،‬يــدعــو ج ــاك أتــالــي إل ــى إن ـهــاء دور‬ ‫عمالقة الويب‪ ،‬قبل فوات األوان‪.‬‬ ‫إن تلخيص (‪ )5000‬عــام مــن تــاريــخ وسائط‬ ‫اإلعــام في (‪ )500‬صفحة‪ ،‬هو التحدي الــذي رفعه‬ ‫عالم االقتصاد الفرنسي «جــاك أتــالــي» في كتابه الجديد‪.‬‬ ‫ثمة حقيقة مثبتة فرضت نفسها على م ِّر القرون‪ :‬هي أن السادة هم أولئك الذين‬ ‫يمتلكون المعلومات‪ .‬ويوضح أتالي‪-‬بهذا الصدد‪ -‬كيف أن الولوج إلى المعلومات‬ ‫أساسا في االستيالء على السلطة أو الحفاظ عليها‪ .‬أما في ما‬ ‫ً‬ ‫يشكل عنصرً ا‬ ‫يخص وسائط اإلعالم الحديثة‪ ،‬أي الحرة‪ ،‬فتعود جذورها إلى الرسائل السرية‬ ‫«‪ »avvisi‬التي كان تجار البندقية يبيعونها لمشتركيهم في أوروبا‪.‬‬ ‫ويتسم كتاب جاك أتالي بنظرته االستشرافية‪ .‬كما أنه يحذرنا من السلطة‬ ‫المفرطة لعمالقة الويب «الغافا»‪ ،Gafas Les‬ويقدّ م بعض االقتراحات لترويض‬ ‫هذه الوحوش الرقمية‪.‬‬ ‫■ أجرى احلوار‪ :‬جون‪-‬بول بومبير‬ ‫ترجمة‪ :‬د‪ .‬فيصل أبو الطفيل*‬

‫‪102‬‬

‫العدد ‪73‬‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫مواجهات‬


‫ ¦جون‪-‬بول بومبير‪ :‬كيف تبقي نفسك على‬ ‫اطالع بالمستجدات؟‬

‫أق ّل تأثرًا باإلمبريالية‪ ،‬والنسبية وتمايز‬ ‫الجماعات المتعددة في أمريكا‪.‬‬

‫ ‪ρ‬أعتمد فــي ذل ــك‪ ،‬وبــصــورة رئيسة على ¦هــل سنظل بحاجة إلــى الصحافيين في‬ ‫المستقبل؟‬ ‫تويتر‪ ،‬كما أنني أقرأ الكثير من الصحف‪،‬‬ ‫وأتلقى موجزًا ألخبار الصحافة كل صباح‪ρ .‬إنها وظيفة مهددة بــالــزوال‪ .‬فالتقنيات‬ ‫ ¦أم ـ ــا يـ ـ ــزال هـ ـن ــاك م ـس ـت ـق ـبــل لـلـصـحـيـفــة‬ ‫المطبوعة ورقيا؟‬

‫تتيح لكل فرد أن يصبح صحافيًا في ذاته‪،‬‬ ‫بال حدود أو سيطرة على ما هو حقيقي‪،‬‬ ‫ليتحدث فقط عن نفسه إلى المجتمعات‬ ‫الــتــي ال تملك مفاتيحها ســوى شبكات‬ ‫التواصل االجتماعي‪ .‬ومــع ذلــك‪ ،‬فنحن‬ ‫نحتاج اليوم‪ ،‬أكثر من أي وقت مضى‪ ،‬إلى‬ ‫صحافيين‪ ،‬لتحليل األمور‪ ،‬وقول الحقيقة‪،‬‬ ‫وتعقّب األخبار الكاذبة‪ ،‬ومواجهة وجهات‬ ‫النظر المتضاربة‪.‬‬

‫ ‪ρ‬ال أعتقد أنها ستظل قائمة بعد عشر سنوات‬ ‫من اآلن‪ .‬الصحف الورقية الوحيدة التي‬ ‫ستصمد لوقت ما ستكون عناوين لمجالت‬ ‫متخصصة؛ مــجــات مــوجــهــة لجمهور‬ ‫معين‪ ،‬سَ تُو ِّل ُد لديهم شعورًا باالنتماء إلى‬ ‫فئة خاصة‪ .‬وهناك وسيط إعالمي آخر‬ ‫سيستمر في التطور‪ ،‬مع أنــه كــان دائمًا‬ ‫موجودًا منذ رسائل «‪ »avvisi‬في القرن ¦أنتم تصفون شبكات التواصل االجتماعي‬ ‫بأنها آلـيــات لــوأد الديمقراطية‪ .‬هــل كان‬ ‫الــســادس عشر‪ ،‬ويتعلق األمــر بالرسائل‬ ‫الوضع أفضل سابقا‪ ،‬حينما كانت النخب‬ ‫الرقمية السرية‪ ،‬والمخصصة لعدد من‬ ‫تحتكر الخطاب العام؟‬ ‫الزبائن أو المشتركين‪ .‬والمعلومات التي‬ ‫تتضمنها تلك الرسائل سيظل لها تأثير ‪ρ‬إن شبكات الــتــواصــل االجتماعي شيء‬ ‫كبير في الــقــرارات المالية والسياسية‪.‬‬ ‫جيد‪ ،‬شريطة أن تكون قادرة على ضمان‬ ‫كما أن الطابع غير المجاني لتلك الرسائل‬ ‫قد ٍْر من األمن على مستوى الحقيقة‪ ،‬وهو‬ ‫سيتيح لــهــذه الــوســائــط االســتــمــرار دون‬ ‫ما ال يحدث اليوم‪.‬‬ ‫الحاجة إلى ماليين المشاهدات‪.‬‬ ‫ ¦ه ــل ب ــإم ـك ــان األخ ـ ـبـ ــار الـ ـك ــاذب ــة ون ـظــريــة‬ ‫ ¦أما تزال صحيفة نيويورك تايمز مرجعً ا‬ ‫المؤامرة أن تبررا ممارسة الرقابة؟‬ ‫في مجال الصحافة المكتوبة؟‬ ‫ ‪ρ‬يتوجب علينا أن نُخضع للرقابة كل ما يدخل‬ ‫ ‪ρ‬على الرغم من أن صحيفة نيويورك تايمز‬ ‫ضمن التشهير أو ينتهك الخصوصية وفقا‬ ‫تتوافر على خمسة ماليين مشترك رقمي‪،‬‬ ‫لقواعد ثابتة ديمقراطيًا‪ .‬وليس من خالل‬ ‫وهي بذلك صحيفة مربحة‪ ،‬فإنها بدأت‬ ‫األحكام التعسفية التي يمكن أن تصدر عن‬ ‫تفقد ريادتها‪ ،‬وبخاصة بسبب شعورها‬ ‫شبكة اجتماعية أو سلطة سياسية‪.‬‬ ‫بالتفوق واالنزالقات األخيرة للصحيفة‪.‬‬ ‫بإمكاننا أن نشهد في أوربــا والهند وفي ¦كيف نستطيع ترويض عمالقة الويب؟‬ ‫أمــاكــن أخ ــرى مــن الــعــالــم تــطــور طبعات ‪ρ‬أعتقد أنــه يجب أن نبدأ بسحب ملكية‬ ‫البيانات الشخصية مــن عمالقة الويب‬ ‫دولية لصحف ذات جودة ممتازة وبمحتوى‬

‫مواجهات‬

‫‪ 73‬العدد‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪103‬‬


‫مــقــابــل ف ــرض رســـوم تسمح بالحصول‬ ‫عــلــى خ ــدم ــات مــخــفــضــة‪ .‬فــعــلــى سبيل ‪ρ‬تطمح كــل شبكة مــن شبكات التواصل‬ ‫الــمــثــال‪ ،‬يمكن أن يُطلب مــن غــوغــل أن‬ ‫االجتماعي إلــى أن تحافظ على انتباه‬ ‫يقدم لمستخدميه نسخة مدفوعة األجر‬ ‫الشخص ال ــذي يــدخــل منصتها ألطــول‬ ‫عــن خدماته‪ ،‬دون إعــانــات تجارية‪ ،‬أو‬ ‫فترة ممكنة‪ ،‬بحيث يكون لديها ما يكفي‬ ‫جمع للبيانات‪ ،‬أو تعقّب من أي نوع‪ .‬ومع‬ ‫مــن الــوقــت لــجــمــع بــيــانــاتــه الشخصية‬ ‫ذلك‪ ،‬يعتقد بعضهم أن هذه المسألة لن‬ ‫واستخدامها الحـ ًقــا ألغ ــراض تسويقية‬ ‫تكون فعالة‪ ،‬إذ سيفضل المستخدمون‬ ‫مــســتــهــدفــة‪ .‬وتــســتــنــد فـ ــي ذل ـ ــك إل ــى‬ ‫االستمرار في استخدام النسخة المجانية‬ ‫خوارزميات سرية يمثّل تعقيدها أفضل‬ ‫الحالية والتخلي عن بياناتهم الشخصية‬ ‫حــصــن ضــد الــهــيــئــات التنظيمية‪ .‬ومــن‬ ‫لفائدة غوغل‪ .‬وقد ات ُِّخذَتْ خطوةٌ أولى في‬ ‫خالل اشتراط نشر هذه الخوارزميات‪،‬‬ ‫هذا االتجاه في أوروبا مع النظام األوروبي‬ ‫يمكننا إخضاعها للمراجعة‪ ،‬وذلك للحد‬ ‫العام لحماية البيانات (‪ ،)RGPD‬والذي‬ ‫من بعدها اإلدماني‪ ،‬ومن حيويتها وقدرتها‬ ‫مــن المفترض أن يــقــوم بحماية ملكية‬ ‫على توجيه المستهلكين‪ ،‬وسيكون علينا أن‬ ‫البيانات الخاصة‪ .‬ولكن لم يتم تطبيق‬ ‫نفكر‪-‬وبشكل أعمق‪ -‬في التطبيقات التي‬ ‫ذلك على اإلطالق‪ ،‬كما أن عمالقة الويب‬ ‫تسمح لكل واحد منا بالهروب من براثن‬ ‫شأنهم شأن العديد من الشركات األخرى‪،‬‬ ‫شبكات التواصل االجتماعي‪ ،‬ومن التحكم‬ ‫يراوغون هذا النظام بأريحية‪.‬‬ ‫في الكون الرقمي الخاص به‪ .‬وسيتطلب‬ ‫هذا األمر تطبيقات شخصية مزودة بقوة‬ ‫ ¦بحسب رأيكم‪ ،‬يتمثل الحل األساس لهذه‬ ‫عالية جـدًا من الذكاء االصطناعي‪ ،‬لها‬ ‫القدرة على التشويش على خوارزميات‬ ‫المنصات‪ ،‬وعلى التحرر منها‪ .‬ونحن وإن‬ ‫كنا ما نزال بعيدين عن تحقيق ذلك‪ ،‬فإن‬ ‫التهديد التكنولوجي هو ما سيؤثر حتما‬ ‫في بقاء عمالقة الويب‪.‬‬ ‫المعضلة في الخوارزميات‪.‬‬

‫ ¦ذكـ ـ ـ ــرتْ ج ــان ـي ــت ي ـل ـي ــن‪ ،‬وزيـ ـ ـ ــرة ال ـخ ــزان ــة‬ ‫األميركية الجديدة‪ ،‬أنها قد وافقت على‬ ‫فــرض ضــرائــب على عمالقة الــويــب‪ ..‬هل‬ ‫هذه خطوة أولى في االتجاه الصحيح؟‬ ‫ ‪ρ‬بطبيعة الحال‪ ،‬يجب فرض ضرائب على‬ ‫عمالقة الويب‪ ،‬ولكن لن يكون هذا كافيًا‪،‬‬ ‫طبعا ال‪ .‬يمتلك عمالقة الويب اآلن قوة‬ ‫نسبية أكبر بكثير من القوة التي كانت‬ ‫تملكها شركة ستاندرد أويل‪ ،‬أو شركة أي‬

‫‪104‬‬

‫العدد ‪73‬‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫مواجهات‬


‫تي أند تي عندما تم تفكيكهما في أيام‬ ‫قــوانــيــن مكافحة االحــتــكــار‪ .‬إذ يسيطر‬ ‫عمالقة الويب ونظراؤهم الصينيون على‬ ‫أكثر من نصف سوق اإلعالنات العالمية‪.‬‬ ‫إذ تــمــر م ــن خــالــهــم مــعــظــم األنــشــطــة‬ ‫المسلّية والــمــعــلــومــات‪ .‬علينا‪ ،‬إذًا‪ ،‬أن‬ ‫نقوم بتفكيك عمالقة الويب‪ ،‬وفصلها إلى‬ ‫كيانات مختلفة‪.‬‬ ‫ ¦ماذا عن الجانب الصيني؟‬

‫عالم االقتصاد الفرنسي «جاك أتالي»‬

‫ ‪ρ‬لقد أدرك الحزب الشيوعي الصيني أن‬ ‫عمالقة الويب الصينيين يمثلون أعدا ًء له‪¦ .‬ب ـح ـســب رأيـ ـك ــم‪ ،‬س ـت ـكــون الـ ـص ــور ثــاثـيــة‬ ‫وقد بدأ بالفعل في الح ِّد من هيمنتهم‪،‬‬ ‫األب ـ ـعـ ــاد ه ــي ال ـخ ـط ــوة ال ـت ــال ـي ــة ف ــي ه ــذا‬ ‫حتى لو كان ذلك بطريقة مخزية إلى حدٍّ‬ ‫االنـ ـفـ ـج ــار ال ـم ـع ـل ــوم ــات ــي‪ .‬أال ُيـ ـع ــدّ ذل ــك‬ ‫ما‪ ،‬بــدءًا بشركة علي بابا التي أصبحت‬ ‫خطيرً ا؟‬ ‫قوية جدا‪.‬‬ ‫ ¦من المستبعد أن يستجيب عمالقة الويب ‪ρ‬إن األمــر أشبه بكابوس مريع! فشبكات‬ ‫بكثير مما‬ ‫ٍ‬ ‫الــتــواصــل االجتماعي أهـ ـوَن‬ ‫لهذا المطلب ما لم تستخدم معهم القوة‬ ‫نحن مقبلون عليه‪ .‬وسوف تسمح الصور‬ ‫كـمــا هــو ال ـحــال فــي الـصـيــن‪ .‬ألـيـســت هــذه‬ ‫ثالثية األبعاد بأن تَحُ لَّ الروبوتات مَحَ لَّ‬ ‫معركة خاسرة منذ البداية؟‬ ‫الصحافيين‪ .‬وعــلــى شــاشــة التلفزيون‪،‬‬ ‫ ‪ρ‬إذا استمرينا على هــذا النحو‪ ،‬فــإن قوة‬ ‫سيكون بإمكاننا استبدال ُم َقدِّمِ ي البرامج‬ ‫األمم ستتضاءل أكثر فأكثر إلى أن تصير‬ ‫بالصور ثالثية األبعاد‪ .‬وسنكون قادرين‬ ‫سرابًا‪ .‬وال يمكن ألي بلد‪ ،‬ديمقراطيًا كان‬ ‫قريبًا‪ ،‬فــي غضون عشرين عــا ًمــا‪ ،‬على‬ ‫أم غير ديمقراطي‪ ،‬أن يسمح لمثل هذه‬ ‫القوى بالتعاظم دون إبداء رد فعل‪ .‬يجب‬ ‫حضور مناسبة أو حدث ما دون أن نغادر‬ ‫على األميركيين واألوروبيين أن يتحركوا‪.‬‬ ‫البيت وذل ــك باستخدام الــصــور ثالثية‬ ‫سيّما وأن الفرصة اآلن مواتية أمامهم‪.‬‬ ‫األبعاد‪ .‬ولن نعرف ما إذا كنا نحضر في‬ ‫وبهذا الصدد يظل ما تقوم به المفوضية‬ ‫حقيقية أو أننا مجرد شخصيات‬ ‫ٍ‬ ‫مناسبة‬ ‫ٍ‬ ‫كاف‪ .‬وفي ظل تحكّم عمالقة‬ ‫األوروبية غير ٍ‬ ‫في لعبة فيديو؛ ما سيمهد الطريق أمام‬ ‫الويب بزمام السلطة القانونية والمالية‪،‬‬ ‫جميع أنواع التالعبات‪ .‬وفي انتظار تحقق‬ ‫فإنهم سيعملون على تــرك األم ــور على‬ ‫هذا الخيال المطلق‪ ،‬سوف يستمر األقوياء‬ ‫حالها لمدة عشر سنوات فيما لن نتقدم‬ ‫فــي إلــهــاء اآلخ ــري ــن عــن طــريــق جعلهم‬ ‫خطوة واحــدة إلى األمــام‪ .‬ولذلك يتطلب‬ ‫يعتقدون بأنهم يوفرون لهم المعلومات‪.‬‬ ‫األمر إرادة سياسية حقيقية‪.‬‬ ‫* مصدر الترجمة‪ :‬نُشر هذا الحوار بموقع صحيفة ‪ L’Echo‬الفرنسية بتاريخ ‪.2021/01/23‬‬

‫مواجهات‬

‫‪ 73‬العدد‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪105‬‬


‫كنت في‬

‫الغــــــاط‬ ‫■ أ‪ .‬د‪ .‬محجوب محمد آدم*‬

‫عندما نزلت (الغاط) زائرً ا‪ ،‬ظننت أني أعود لقريتي في شمالي السودان‪،‬‬ ‫وأني أطلُّ على باسقات نخلها‪ ،‬وطلعها النضيد‪ ،‬وأشرف من المرتفعات التي‬ ‫تحيط بها على دورهــا ومزارعها‪ ،‬فأيقظني مضيفي وهو يجوس بي خالل‬ ‫المدينة أرتاد معالمها‪ ،‬يقول مغاضبًا‪ :‬إن أنت إال في الغاط؛ فتنبّه‪.‬‬ ‫إنــه حــرص المبهور ببهجة المدينة المدنية‪ ،‬واتـســاق معالم الحداثة‬ ‫فيها بــذوق فريد‪ ،‬هكذا يريدني أن أنظر؛ فألفت نظره إلــى عناق األصالة‬ ‫بالتجديد‪ ،‬فبينما تكللت منتزهاتها ومزارع نخيلها خضرة وسموقً ا‪ ،‬وشكلت‬ ‫واحة خضراء على سفح شاهقات تاللها التي أضفت عليها بهاءها وأناقتها‪..‬‬ ‫تردك قريتها التراثية إلى عالم أسطوري ساحر‪ ،‬ويا عجبًا ألهلها وقد أبقوا‬ ‫قديمهم بكل أصالته وعبقه! وترى القوم بكل عزتهم وإبائهم‪ ،‬بكل شموخهم!‬ ‫إنك لتندفع نحو ما أبقوه وراءهــم‪ ،‬ويحرك وجدانك‪ ،‬وما أكثر عناصرها‬ ‫الخلبة‪ ،‬ممثلة في تراثها‬ ‫ّ‬ ‫تــكــاد تتلمسهم‪ ،‬وهــم أحــيــاء دون أن الطبيعية‬

‫ينالك فيهم ارتياب! وال يعتريك حيالهم التليد‪ ،‬وأوديتها‪ ،‬ومزارعها‪ ،‬وجبالها‪،‬‬ ‫كآبة أو نفور‪.‬‬ ‫وتاللها‪ ،‬ورمالها‪ ..‬حتى إذا انحدرنا إلى‬ ‫نسعى خــال القرية معتبرين آ ًنــا‪ ،‬مركزها الثقافي‪ ،‬نرتاد مكتبة األمير‬ ‫مشهد‪ ،‬عبدالرحمن بن أحمد السديري ووقفنا‬ ‫ٍ‬ ‫ومنبهرين كثيرًا‪ ..‬نقف أمــام‬ ‫بما يستحق مــن اإلجـ ــال‪ ،‬فيدعوك على أبــهــاء المركز وطـــرازه النجدي‬ ‫غــيــره بــمــا عليه مــن روعـــة الــجــمــال‪ ،‬الفائق الروعة‪ ،‬يدعونا أمين المكتبة‬

‫وما أكثر ما يلفت نظرك في المدينة وصحبه في ترحاب‪ ..‬وما أن يكشف لنا‬

‫‪106‬‬

‫العدد ‪73‬‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫نوافذ‬


‫جزل‪ ،‬وكأني به واستخدموا غطاء الطين وجريد النخيل‬ ‫بمحبة أثرًا‪ ،‬يقودنا إلى غيره ً‬ ‫ٍ‬ ‫يعرض علينا سلعة عزيزة‪ ،‬يأخذنا من قسم واألخشاب في السقف‪ ،‬وحجر الغاط في‬ ‫إلــى آخــر يشرح لنا سر الــبــرودة الطبيعية تكسية أرضية المبنى؛ فرفعوا بذلك خواص‬ ‫التي تنساب إلى قاعة المكتبة‪ ،‬وضخامة العزل الحراري‪ ،‬وأكدوا أن األصالة العربية‬ ‫سمك حوائط بنائها‪ ،‬وسر اإلضاءة الهادئة تستحق االعتماد عليها إلبــراز شخصيتنا‬ ‫التي تنير جوانبها‪ ،‬بجانب ما أ ُعد لها من بين العالمين‪.‬‬ ‫اإلضــاءة الكهربائية الحديثة‪ ،‬وغيرها مما‬ ‫وقفنا حياله في انبهار‪.‬‬

‫إنك إن أردت أن تتخذ لك مجلسً ا في‬ ‫قاعة المكتبة فلك فيها متسع بين قاعتها‬

‫إنــهــم يلخصون كــل ذل ــك ب ــأن أب ــرز ما العامة للمطالعة‪ ،‬أو قاعتها الخاصة‪ ،‬وإن‬ ‫مستقل ومريحً ا‪،‬‬ ‫ً‬ ‫يميز مبنى دار الــرحــمــانــيــة الــتــي يلحق شئت أن توفر لنفسك جوًا‬ ‫بها المركز وجــود المبنى في بيئة ريفية وقد تنتقل منها إلى ركن تصفح اإلنترنت‪،‬‬ ‫تحيط بــه‪ ،‬فــأخــذوا بمعطيات البيئة في أو ركن الكتب والدوريات‪ ،‬أو ركن مطبوعات‬ ‫تصميم المبنى‪ ،‬واستعملوا في بنائه مواد الــمــركــز الــثــقــافــي‪ ،‬أو رك ــن المجموعات‬ ‫طبيعية‪ ،‬فأقاموا بنيانه بمكعبات التبن الخاصة‪ .‬وفي المكتبة قاعة لالجتماعات‬ ‫المحليّ وشيّدوا بها جدران أبراج التهوية‪ ،‬والدورات التدريبية المتنوعة‪.‬‬

‫نوافذ‬

‫‪ 73‬العدد‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪107‬‬


‫ولعل مكتبة منيرة بنت محمد الملحم‬ ‫للنساء ال تقل إعدادًا وبها ًء عن مكتبة األمير‬ ‫عبدالرحمن بن أحمد السديري المالصقة‬ ‫لها‪.‬‬ ‫وم ــا ك ــان اس ــم الــغــاط لتثيرني داللــتــه‬

‫اللغوية؛ فقد ذكرت المجامع أن االسم يطلق‬ ‫على المنخفض الواسع من األرض‪ ،‬ومنه‬

‫الغوط بالداللة ذاتها‪ ،‬وذكــروا أن الغُوطة‬

‫هي اسم البساتين والمياه التي حول دمشق‪.‬‬

‫ويطلق أهل مصر الغيط على الحقل‪ .‬ونقل‬ ‫لسان العرب عن أبي حنيفة أن كل ما انحدر‬ ‫في األرض فقد غاط‪ ،‬وفيه أن الغائط هو‬ ‫المطمئن من األرض الواسع‪ .‬وهذه الداللة‬ ‫متوافقة لما عليها مدينة الغاط في الطبيعة؛‬ ‫إذ تراها حين تقدم عليها واحة خضراء في‬ ‫وادي الباطن على السفوح الغربية من حافة‬ ‫جبال طويق‪ ،‬ولكن الذين عرَّفوا بالمدينة‬ ‫ذكروا أن اسم الغاط يعود إلى لغط السيل‪،‬‬ ‫وهو ضجيجه واحتدامه‪ ،‬فإذا جادها الغيث‪،‬‬ ‫وكــان غزيرًا واف ـرًا‪ ،‬اندفع سيلها مزمجرًا‬ ‫الغطً ا‪ ..‬وقد أخذوا هذا التعريف مما ذكره‬ ‫عبداهلل بن خميس في كتابه معجم اليمامة‪،‬‬ ‫مع أنه صــدَّ ر تعريفه موهنًا بقوله‪( :‬يبدو‬ ‫أنه مأخوذ من لغط السيل‪ )...‬ولم يجزم‬ ‫بتفسيره لداللة االسم‪.‬‬ ‫وبــأيٍّ أخــذت داللــة االســم فال مشاحة‪،‬‬ ‫إذ أخذت الغاط علميتها من إطالق االسم‬ ‫عليها دون تبرير‪.‬‬ ‫وحسبي منها أنها أثارتني‪..‬‬

‫* كاتب ‪ -‬السودان‪.‬‬

‫‪108‬‬

‫العدد ‪73‬‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫نوافذ‬


‫في مديح الحطب‬ ‫■ محمد علي حسن اجلفري*‬

‫هطلت األمطار على جدة ذات عام‪ ،‬وبمساعدة الريح توجهت رشات غامرة إلى‬ ‫غرفة المكتبة في منزلي القديم‪ ،‬وغسلت عددا ثمينا من مجلة «العربي» يعود إلى‬ ‫العام ‪1970‬م‪ .‬وجدت أنه ال أشعة الشمس وال القمر يمكن أن ينقذا صفحات هذا‬ ‫«العربي» الثمين النادر من التكلس لكي يعود إلى أصله القديم كما كان من قبل‪.‬‬ ‫أما أصله األساس فهو ينتسب إلى إحدى أشجار الصين‪ ،‬أو ماليزيا‪ ،‬أو الواليات‬ ‫المتحدة‪ ،‬أو المكان الذي تم منه استيراد الخشب الخام لتحويله إلى ورق‪.‬‬ ‫وإذ تــعـلّــم الــعــرب أن الــشــوكــة إذا أسحب المناديل رويدًا رويـدًا‪ .‬وقد تم‬ ‫انغرزت في الجلد ال تخرج إال بشوكة إسعاف «العربي» بحمد اهلل‪ ،‬وعاد إلى‬ ‫مثلها‪ ،‬فقد قــررت إنقاذ نسختي هذه الحياة معافى مقروءًا مريحً ا!‬ ‫من «العربي» بــورق آخــر يطهرها من‬ ‫الناس يشيدون دائما بالقلم وحق لهم‬ ‫الماء قبل أن تتيبس‪ .‬وحمدت اهلل على‬ ‫ذلك‪ ،‬غير أنهم ينسون الــورق وينسون‬ ‫اخــتــراع ورق المناديل الناعم‪ ،‬فجئت‬ ‫بركات الخشب الــذي يتحول إلى ورق‬ ‫بصندوق صغير من هذا االختراع‪ ،‬وله‬ ‫قصة خالصتها أن شركة كمبرلي التي للكتابة وللطباعة‪ .‬بل إن القلم نفسه‬ ‫تنتج هذه المناديل رفعت شعا َر (ال تضع ظل ثالثة آالف عام أو أكثر مصنوعا‬ ‫الزكام في جيبك) عام ‪1930‬م‪( .‬مجلة من الخشب‪ .‬وبالخشب هذا من أي نوع‬ ‫كان حفظت البشرية تقدمها وعلومها‬ ‫موهبة‪ /‬سبتمبر ‪2005‬م)‬ ‫وتاريخها وأدبها وشعرها ودينها والكتب‬ ‫الشاهد أنــي أخــذت أ ُقـلّــبُ األوراق‬ ‫السماوية وحديثها‪.‬‬ ‫منديل ورقيًا‬ ‫ً‬ ‫المغسولة بالماء‪ ً،‬وأضع‬ ‫لكن الــعــالــم أس ــرف فــي استهالك‬ ‫بين كل صفحة وأخــرى من «العربي»‪.‬‬ ‫وعدت إلى محبوبي بعد يومين‪ ً،‬وأخذت الـ ــورق‪ .‬جــريــدة األهـ ــرام مثال وصلت‬

‫نوافذ‬

‫‪ 73‬العدد‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪109‬‬


‫إلى طبع مليون نسخة يوميًا في يوليو عام‬ ‫‪1998‬م‪ ،‬وعندما جــاء عــام ‪ 2000‬م كانت‬ ‫تطبع مليونًا ومائتي ألف نسخة يوميا‪ .‬أما‬ ‫عكاظ فقد أخبرني الثقة األستاذ محمد بن‬ ‫عبداهلل الحسون‪ ،‬مدير عام مؤسسة عكاظ‬ ‫للصحافة والنشر األسبق‪( ،‬مــن‪ 1992‬حتى‬ ‫‪1997‬م) برسالة على الــوثــاب‪ ..‬أنها كانت‬ ‫تستهلك بين ‪ 400‬إلى ‪ 500‬طن شهريا من‬ ‫الورق‪ ..‬ولما كان عندنا في المملكة العربية‬ ‫السعودية عشر صحف يومية وعدة مجالت‬ ‫وكــثــرة كــاثــرة مــن المطبوعات الحكومية‬ ‫والــتــجــاريــة‪ ،‬وكــذلــك الــكــتــب‪ ،‬وبــخــاصــة مع‬ ‫اإلسهال الروائي‪ ،‬فيمكن القول بكل إنصاف‬ ‫إننا نستهلك في العام الواحد اآلالف وربما‬ ‫عشرات اآلالف من األطنان من الورق‪.‬‬ ‫والعالم ينتج نحو ‪ 200‬مليون طن سنويًا‬ ‫مــن الـ ــورق (مــجــلــة الــقــافــلــة ال ــص ــادرة عن‬ ‫شركة أرامــكــو السعودية يوليو‪ /‬أغسطس‬ ‫‪2013‬م)‪ ،‬وقبل ذلــك بعشر سنوات ذكرت‬ ‫(القافلة في مايو‪ -‬يونيو‪2003‬م) أن العالم‬ ‫ينتج سنويًا نحو ‪ 300‬مليون طن من الورق‬ ‫لتلبية طلب أفواه المطابع‪ ،‬ثم قالت المجلة‬ ‫إن اإلحصاءات تشير مؤخرًا إلى أن الواليات‬ ‫المتحدة بمفردها تطبع بليوني كتاب و‪25‬‬ ‫بليون صحيفة يومية سنويًا‪ .‬وهذا يعني قطع‬ ‫آالف األشجار لمواكبة الطلب العالمي على‬ ‫الورق‪.‬‬ ‫ولكن جاء الفيضان الضوئي‪،‬‬ ‫وحدث ما‬

‫‪110‬‬

‫العدد ‪73‬‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫حدث من تطور عظيم في استخدام الرقمنة‬ ‫والشابكات‪ ،‬فال نخطئ إذا قلنا إنها منحة‬ ‫ربانية للحفاظ على الــثــروة الخضراء من‬ ‫اإلسراف في استخدام لحاء الشجر إلنتاج‬ ‫الورق‪ .‬ونتيجة لذلك أصبحت األهرام تطبع‬ ‫في عام ‪2021‬م أقل من ‪ 200.000‬نسخة‬ ‫يوميًا‪ .‬ووقعت فيها المفارقة الطريفة‪ .‬إذ‬ ‫أنها كلما طبعت أقل صارت خسارتها أقل‪.‬‬ ‫وكشف السر في ذلك األستاذ عبدالمحسن‬ ‫سالمة رئيس مجلس إدارة األهرام‪ ،‬إذ كتب‬ ‫في ‪ 11‬مارس ‪2019‬م قائال إن النسخة من‬ ‫جريدة األهرام تكلف ثمانية جنيهات بينما‬ ‫تباع بجنيهين‪ .‬وقــال إنها لو بيعت بعشرة‬ ‫جنيهات فعندئذ يمكن تعويض الخسائر‪.‬‬ ‫أذكر أنني كاتب هذه السطور قد أسرفت‬ ‫من ناحيتي‪ .‬فقد كان في فناء داري شجيرة‬ ‫أخذت تكبر وتزدهر وتستجفر وتشب حتى‬ ‫تعملقت وأصبحت مصدرا للظالل والخضرة‬ ‫والجمال في الحارة واألوكسجين الشهي في‬ ‫النهار‪ .‬وذات يوم أتيت لها بعمال باكستانيين‬ ‫بثالثمائة ريــال طرحوها أرضــا ولــم يبقوا‬ ‫منها ســوى ثــاث قطع مــن الــســاق أجلس‬ ‫عليها وأتــذكــر أيامي معها‪ .‬ولــم يكن ذلك‬ ‫العمل البرمكي بال سبب‪ .‬بل أخبرني أكثر‬ ‫من نصيح أن هذه الشجرة الكبيرة على ما‬ ‫فيها من مميزات‪ ،‬فإن جذورها سوف تتمدد‬ ‫وتتمدد ولن يصمد أمامها جدار خزان الماء‬ ‫األرض ــي‪ .‬فصرت بالخيار إما‬ ‫المحافظة على جمال المنظر‬ ‫مقابل الــبــقــاء ب ــدون مــاء عدة‬ ‫أسابيع إلــى أن أتمكن مــن إصــاح‬ ‫الخزان المخروق بعشرات األلوف من‬ ‫الرياالت‪ .‬وإما قطع الشجرة‪ .‬وعلى‬ ‫عكس الفروسية في استنقاذ «العربي»‬ ‫الـ ــذي بــثــثــت قــصــتــه‪ ،‬تــمــت التضحية‬

‫نوافذ‬


‫بالشجرة الغالية العالية‪ .‬ثم جئت بشيء من النبوية ببضعة أعوام‪.‬‬ ‫الزيت المحروق فسكبته محزونا على بقية‬ ‫وأورد الــقــرآن الكريم أن سيدنا موسى‬ ‫الجذع‪ .‬وفي اليوم التالي وفدت بعض الطيور‬ ‫عليه السالم لما عــاد من ميقات‬ ‫كعادتها فانشدهت واندهشت وبكت على‬ ‫ربه ووجد قومه قد عبدوا العجل‬ ‫الــشــجــرة الــفــقــيــدة‪ .‬وق ــد جــهــدت في‬ ‫ألقى األلــواح التي فيها من كل‬ ‫تعويض هذه الشجرة بزراعة نخيل‬ ‫شــيء موعظة وتفصيال‪ .‬قال‬ ‫في المنزل‪ .‬لكن النخيل يحتاج‬ ‫بعض المفسرين إنها ألواح من‬ ‫إلــى ثــاث سنوات من التربية‬ ‫شجر الجنة وأن اهلل شاققها‪.‬‬ ‫مثله مثل الطفل!‬ ‫وقــد كــان سيدنا نــوح عليه‬ ‫ـال جدا‬ ‫إن الخشب غـ ٍ‬ ‫الـــســـام أش ــه ــر ن ــج ــار في‬ ‫ول ـ ــه دور عــظــيــم فــي‬ ‫تاريخ البشرية‪ .‬يقول بعض‬ ‫توفير الغطاء النباتي‬ ‫المفسرين أنه بنى السفينة‬ ‫لـــــأرض ال ــت ــي نعيش‬ ‫الهائلة في عشرات السنين‪.‬‬ ‫عليها‪ ،‬ولــه دور أساس‬ ‫بعضهم قال في أربعين سنة‬ ‫في منع التصحر‪ .‬وقد‬ ‫يزرع وفي أربعين سنة يجفف‬ ‫أصــــدرت وزارة البيئة‬ ‫خشب الساج‪ .‬وأوحــيَ إليه أن يجعلها‬ ‫والمياه والزراعة في المملكة عقوبات لمن‬ ‫يرتكب جناية االحتطاب الجائر‪ .‬والعقوبات على هيئة عظام صدر الطائر‪ .‬وكانت كما‬ ‫تبدأ من ألف ريال إلى عشرين مليون ريال‪ ،‬ذكر بعض المؤرخين من سبعة أدوار‪ .‬فال‬ ‫وتــشــمــل قــطــع األشــجــار والــشــجــيــرات من جرم إذا كانت سفينة نوح أكبر مركوب في‬ ‫أراضــي الغطاء النباتي والمحميات‪ .‬وقد تاريخ البشرية لإلبقاء على العنصر اإلنساني‬ ‫تصل العقوبة إلى السجن مدة عشر سنوات من الغرق‪.‬‬ ‫(جريدة البالد ‪-‬تطبيق الئحة االحتطاب‪5 -‬‬ ‫وقد عثرتُ في تركة سيدي العم عبداهلل‬ ‫رجب ‪1442‬هـ الموافق ‪ 17‬فبراير ‪2021‬م)‪.‬‬ ‫حسن الجفري‪ ،‬رحمه اهلل‪ ،‬عددًا من مجلة‬ ‫الخشب نعمة من نعم اهلل‪ .‬قــال تعالى‪ :‬الكويت يعطي فكرة عن بناء السفينة‪ .‬ولو أن‬ ‫الــذي جعل لكم مــن الشجر األخــضــر نــارا المجهود العصري ال يساوي واحدًا في األلف‬ ‫فإذا أنتم منه توقدون‪ .‬وتذكر كتب السيرة‬ ‫مقال‬ ‫ً‬ ‫من مجهود سيدنا نوح‪ .‬نشرت المجلة‬ ‫أن قــريــشً ــا لــمــا انهمكت فــي بــنــاء الكعبة‬ ‫بقلم د‪ .‬يعقوب يوسف الحجي‪ ،‬قال فيه إن‬ ‫المشرفة قبل البعثة النبوية الشريفة ما كان‬ ‫الحاج حمد الصقر كلف القالف عبداهلل بن‬ ‫أسعد منهم حينما علموا أن البحر ألقى‬ ‫على ساحل جدة سفينة محطمة‪ .‬فسارعوا راشد (والقالف هو نجار يصنع السفن) بأن‬ ‫إلى جدة‪ ،‬وكان عند السفينة النجار الرومي يصنع سفينة كبيرة من نوع البوم‪ .‬واعترض‬ ‫باقوم‪ ،‬فأخذوا األلواح منها التي تساعدهم القالف بأنه لم يسبق له أن صنع سفينة‬ ‫على بناء البيت الحرام في مكة المكرمة‪ ،‬بهذا الحجم‪ ،‬فشجعه الحاج الصقر وقال له‬ ‫واستعانوا بالنجار باقوم‪ .‬وذلك قبل البعثة عندي كمية وفيرة من األخشاب فال تتهيب‪..‬‬

‫نوافذ‬

‫‪ 73‬العدد‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪111‬‬


‫فوافق‪ .‬وجمع القالليف (النجارين) ووضعوا وشــقــادف (ه ـ ــوادج) الــنــســاء‪ .‬وف ــي البحر‬ ‫قــاعــدة ضــخــمــة مــن الــخــشــب مــن جذعي القوارب والسواعي والسفن‪.‬‬ ‫شجرتين كبيرتين تــم توصيلهما بإحكام‬ ‫وغني عن القول أن الخشب مادة للتدفئة‬ ‫حتى بلغ طولهما ‪ 77‬قدما‪ .‬ثم وُضع عمود من البرد‪ .‬سجل ذلك الذكر الحكيم في قصة‬ ‫المقدمة والمؤخرة ورُبطا بالقاعدة بإحكام‪ .‬سيدنا موسى عليه السالم عندما قال ألهله‪:‬‬ ‫وبدأت ألواح الجسد البانية للسفينة تأخذ ﴿إنــي آنست نــارا لعلي آتيكم منها بقبس أو‬ ‫وضعها الــواحــد فــوق اآلخــر وبعناية فائقة أجد على النار هدى﴾‪ .‬وقال تعالى‪﴿ :‬أفرأيتم‬ ‫حتى اكتمل بناء سبعة ألواح على كل جانب النار التي ت ــورون‪ ،‬أأنتم أنشأتم شجرتها أم‬ ‫من جانبي السفينة‪ .‬وهكذا بــدأت أضالع نحن المنشئون﴾‪.‬‬ ‫السفينة تأخذ وضعها فــوق األلـــواح حتى‬ ‫كما كان الخشب سلعة تجارية مزدهرة‪.‬‬ ‫غدت كأنها هيكل عظمي‪ .‬وبعد أربعة أشهر‬ ‫ذكر لي صديق جــداوي أن الخشب مصدر‬ ‫كانت السفينة واقفة تنتظر إنزالها إلى البحر‬ ‫معيشتهم‪ .‬ولما طلبت منه المزيد أرسل إلي‬ ‫ألول مرة وكان ذلك في عام ‪1914‬م‪( .‬مجلة‬ ‫رسالة على الوثاب الذي اشتهر على ألسنة‬ ‫الكويت‪ ،‬جمادى األولــى ‪1408‬هـــ‪ ،‬الموافق‬ ‫الناس بالواتساب‪ .‬قال فيها‪:‬‬ ‫يناير ‪1988‬م)‪.‬‬ ‫أبي يرحمه اهلل كان يتاجر في الخشب‬ ‫وبما أن الشيء بالشيء يذكر فقد كان‬ ‫القديم‪ :‬السقوف واألبواب والشبابيك‪ .‬كان‬ ‫الــســلــطــان عــبــدالــحــمــيــد الــعــثــمــانــي أشهر‬ ‫يشتري البيت أو األرض‪ ،‬يــأخــذ الخشب‬ ‫النجارين في عصرنا‪ .‬إذ إنه كانت التقاليد‬ ‫ويترك األرض أو البيت‪ .‬فالخشب كان تلك‬ ‫العثمانية تفرض على كل من يريد أن يتولى‬ ‫األيام مصدرا للثروة‪ ،‬وليس العقار‪.‬‬ ‫السلطنة ال بد له أن يتأهل في إتقان حرفة‬ ‫في الختام‪ ،‬يقول المثل الشعبي (شل على‬ ‫ما‪ ،‬وال يكون شخص مؤهال للسلطنة وهو‬ ‫بدون حرفة‪ .‬وما تزال منقوشات من عمل يد دربك حطبة)‪ .‬والحطبة هي العصا‪ .‬ومهمتها‬ ‫السلطان عبدالحميد تحتل مكانا بارزا في كما قال سيدنا موسى‪﴿ :‬هــي عصاي أتوكأ‬ ‫أحد متاحف تركيا‪ ،‬حسبما أخبرني الصديق عليها﴾‪ .‬وإذًا‪ ،‬فإن تمام المثل كما يلي‪( :‬شل‬ ‫على دربك حطبة تتوكأ عليها)‪ .‬إنها رمز القوة‬ ‫األستاذ عمر باجخيف‪.‬‬ ‫التي يمثلها الخشب في حياتنا‪ ..‬الكتاب‪،‬‬ ‫واستمرت فائدة الخشب قرونا متطاولة‬ ‫والمجلة‪ ،‬والصحيفة‪ ،‬والسفينة‪ ،‬والحنطور‪،‬‬ ‫لقط‬ ‫إلنتاج اللحاء الذي يصنع منه الورق أو ّ‬ ‫األقالم التي كان أجدادنا يكتبون بها‪ ،‬وكذلك والعمود‪ ،‬والمحراب‪ ،‬والمنبر‪ ،‬والمنضدة‪،‬‬ ‫لصناعة المحاريب في المساجد والكنائس والباب‪ ،‬والشباك‪ ،‬والسقف‪ ،‬والعصا‪.‬‬ ‫إنها الحطبة‪ ،‬وما أدراك ما الحطبة في‬ ‫والمنابر ولــأبــواب والــبــوابــات والسقوف‬ ‫والشبابيك وللركوب في البر رحال الجمال التاريخ البشري!‬ ‫ * نائب مدير مركز معلومات عكاظ سابقًا ‪ -‬ومترجم‪.‬‬

‫‪112‬‬

‫العدد ‪73‬‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫نوافذ‬


‫حصة إبراهيم المنيف‬ ‫مترجمة كتاب الرواية العربية‬ ‫وشقيقة عبدالرحمن منيف‬

‫■ محمد عبدالرزاق القشعمي*‬

‫سمعت بحصة بنت إبراهيم المنيف عندما كانت تعمل مترجمة في المستشفى‬ ‫التخصصي بالرياض عــام ‪1398‬ه ــ‪1978 -‬م‪ ،‬إضافة لتدريسها اللغة اإلنجليزية‬ ‫بكلية اآلداب بجامعة الملك سـعــود‪ .‬وبعد تعرفي بعد ذلــك بشقيقها الــروائــي‬ ‫عبدالرحمن‪ ،‬وزيــاراتــي له بمنزله بحي المزة بدمشق‪ ،‬عرفت أنها تسكن بالدور‬ ‫األول الــذي يعلو سكن شقيقها‪ ،‬ولــم يتسن لي اللقاء بها إال بعد وفــاة شقيقها‬ ‫عبدالرحمن (‪2003-1933‬م)‪ ،‬وعند عودتها للمملكة عند بداية الحرب األخيرة‬ ‫بسوريا قبل نحو عشر سنوات‪.‬‬ ‫ولعالقتي بابنًيْ أخيها عبداهلل‪ ،‬د‪.‬‬ ‫إبراهيم‪ ،‬ود‪ .‬ماجد‪ ،‬فقد عرفت منهما‬ ‫أن عمتهما حصة تسكن مع زوجها في‬ ‫شارع الجامعة‪ ،‬وكنت بصدد إعادة طبع‬ ‫كتابي (عبدالرحمن منيف في عيون‬ ‫مواطنيه)‪ ،‬فاقترحت الشاعرة الكويتية‬ ‫وابنة العم سعدية مفرح أن يقدم هذه‬ ‫الطبعة واحد من عائلة المنيف‪ ،‬فزرت‬ ‫األستاذة حصة‪ ،‬وقدمت لها نسخة من‬ ‫كتابي في طبعته السابقة عن شقيقها‬ ‫عبدالرحمن‪ ،‬وطلبت أن تقدم للطبعة‬ ‫الرابعة بمناسبة مــرور عشر سنوات‬

‫نوافذ‬

‫وفعل وبعد‬ ‫ً‬ ‫على رحيله ‪-‬يرحمه اهلل ‪-‬‬ ‫مقال بعنوان‪( :‬لوعة‬ ‫ً‬ ‫أيــام أرسلت لي‬ ‫الغياب من جــديــد)‪ ،‬افتتحته بقولها‪:‬‬ ‫«م ّر عقد من الزمن منذ غيابك‪ .‬عشر‬ ‫ســنــوات مــضــت‪ ،‬عــقــد مــن الــســنــوات‬ ‫العجاف‪ ،‬ولكنك لم تغب تمامًا‪ ،‬إذ تركت‬ ‫لنا زادًا‪ .‬فكتاباتك ستبقى بين أيدينا‪،‬‬ ‫بل بين األجيال القادمة‪ .‬لقد كتبت نعيًا‬ ‫فيمن سبقوك في الرحيل من النوابغ‬ ‫والقريبين إلى قلبك من األصدقاء في‬ ‫(لوعة الغياب)‪ .‬فهل يكفي ما كتب فيك‬ ‫حتى اآلن؟‬ ‫‪ 73‬العدد‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪113‬‬


‫هل نغبطك ألنك رحلت قبل أن تحل هذه‬ ‫األيــام الكالحة والتي تكثفت فيها كل هذه‬ ‫األوج ــاع؟ لطالما حزنت ألحوالنا منذ أن‬ ‫وعيت على هذه الدنيا‪.»..‬‬ ‫واستعرضت تاريخ العائلة ورحيل والدهم‬ ‫مــن قصيبا بالمملكة لــلــشــام‪ ،‬وتــعــرضــه‬ ‫لألمراض‪ ،‬ومشاركته لخالها محمد السليمان‬ ‫الجمعان‪ ،‬ولسيرة والدتهم نــوره وشقيقها‬ ‫عبدالرحمن وطفولته ومغامراته وبداياته‬ ‫مع القراءة‪ ،‬ثم بدايته الكتابة منذ المرحلة‬ ‫الثانوية‪ ،‬ومحاورته مع الشعر قبل أن يدخل‬ ‫عالم الرواية‪ ،‬وكتابته األولى بمجلة (المنهل)‬ ‫التي كــان يصدرها طــاب ثانوية الحسين‬ ‫بعمان‪ ،‬رغم أنه من طالب الكلية اإلسالمية‪.‬‬ ‫واختتمت مقالها بقولها‪:‬‬ ‫«‪ ...‬لعلك وجدت في عالم‬ ‫الرواية‪ ،‬إذًا‪ ،‬ما يمكنه أن‬ ‫ينير أمــامــك الطريق‪ ،‬بل‬ ‫وأمـ ــام قــرائــك‪ .‬فــلــم تكن‬ ‫من األنانية بحيث تحتكر‬ ‫هذا الطريق وذلك الضوء‬ ‫لنفسك‪ ،‬وحسنًا فعلت‪.‬‬

‫إن هــي إال كلمات قليلة ت ــراءى لــي أن‬ ‫أكتبها مــقــدمـ ًة لــهــذا الــكــتــاب ال ــذي تكرم‬ ‫األخ محمد القشعمي‪ ،‬الصديق الصدوق‬ ‫لعبدالرحمن بنشره فــي الــذكــرى الرابعة‬ ‫عشرة لغيابه عن عالمنا «حصة إبراهيم‬ ‫المنيف»‪.‬‬ ‫حرصت على أن أكتب عن األستاذة حصة‬ ‫ضمن (أعالم في الظل) بعد عشر سنوات‪،‬‬ ‫فسألت عنها معالي د‪ .‬مــاجــد المنيف‪،‬‬ ‫فعرفت أنها مــع ابنها د‪ .‬طــارق النفوري‬ ‫بجامعة الملك عــبــداهلل للعلوم والتقنية‬ ‫(كاوست) في ثول‪.‬‬

‫فــاتــصــلــت بــهــا هــاتــف ـ ًيــا‪ ،‬وبــعــد الــســام‬ ‫والترحيب‪ ،‬أحالتني البنها‬ ‫طــارق‪ ،‬وذكــرت له رغبتي‪.‬‬ ‫وبعد أيام حصلت على ما‬ ‫أرادت ذكره من المحطات‬ ‫الــمــهــمــة لــهــا ولــعــائــلــتــهــا‪:‬‬ ‫«‪ ..‬ولــدت حصة إبراهيم‬ ‫علي المنيف عــام ‪١٩٣٧‬م‬ ‫في مدينة عمان عاصمة‬ ‫مــا ك ــان يُــعــرف حــيــنــذاك‬ ‫هذا بعض ما يمكن لي‬ ‫بإمارة شرق األردن‪ ،‬وكانت‬ ‫قوله في هذه األيــام التي‬ ‫الطفلة األخيرة إلبراهيم‬ ‫نشعر بأننا نحتاج فيها‬ ‫الــمــنــيــف ون ـ ــورة سليمان‬ ‫لفكرك أكثر من أي وقت‬ ‫ال ــج ــم ــع ــان فــــي مــحــطــة‬ ‫مضى‪ .‬فهل نجد من بعد‬ ‫تــرحــالــه األخ ــي ــرة عــائ ـدًا‬ ‫مَن يجدر به أن يحمل الراية ويمضي بنا لالستقرار في المدينة المنورة‪ .‬وكان والدها‬ ‫في الطريق التي يجدر بنا أن نمضي فيها‪ ،‬قد غادر مسقط رأسه «قصيباء» مع والدته‬ ‫وتسمو على تلك التي ما نزال نسلكها حتى إلى بلدتها «عيون الجواء» بعد تفشي وباء‬ ‫اآلن؟‬ ‫الكوليرا فيها ووفاة جميع إخوته في مراحل‬

‫‪114‬‬

‫العدد ‪73‬‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫نوافذ‬


‫مختلفة من أعمارهم‪ .‬وفي سن الصبا غادر‬ ‫إبراهيم المنيف مع إحــدى القوافل‪ ،‬شأنه‬ ‫شأن الكثيرين من العقيالت‪ ،‬إلى بالد الشام‪.‬‬ ‫وكما أشــار (محمد القشعمي في كتابه‬ ‫«ترحال الطائر النبيل»)‪ ،‬بدأ إبراهيم المنيف‬ ‫تــجــارتــه فــي دمــشــق‪ ،‬وأصــبــح مــن التجار‬ ‫المرموقين‪ .‬وتــزوج «فاطمة العساف»‪ ،‬من‬ ‫العقيالت التي عاشت في منطقة دير الزور‬ ‫في سوريا‪ ،‬والتي أنجبت له ابنتين وأربعة‬ ‫أبناء‪ ،‬وتوفيت مبكرًا وكان معظم أبنائها في‬ ‫سن الطفولة‪ .‬وتــزوج بعدها أربــع زوجــات‬ ‫دمشقيات‪ ،‬أنجب اثنتان منهما ذرية‪ .‬ووفقًا‬ ‫لرواية حصة‪ ،‬فإن والدتها « نورة الجمعان»‬ ‫مــن عقيالت عيون الــجــواء المقيمات في‬ ‫بغداد‪ ،‬وكانت تربط والدها بخالها محمد‬ ‫عالقة تجارة وأعمال‪ .‬لذلك جاءت نورة إلى‬ ‫دمشق برفقة والدتها العراقية‪ ،‬سارة األمين‪،‬‬ ‫وتزوجت من إبراهيم المنيف‪ ،‬وأنجبت منه‬ ‫عبدالرحمن‪ ،‬وخديجة‪ ،‬إضافة إلى حصة‪،‬‬ ‫التي لم تبلغ بعد األربعين يومًا عندما توفي‬ ‫والــدهــا‪ ،‬وكــان عمر شقيقها آن ــذاك ثالث‬ ‫سنوات‪.‬‬

‫للجيش األردن ـ ــي حينها (هـــذا وال يــزال‬ ‫القصر قائمًا حتى اآلن‪ ،‬ويطلق عليه اسم‬ ‫بيت جلوب)‪ .‬لذلك انتقلت نورة الجمعان مع‬ ‫أطفالها الثالثة إلى منزل متواضع بغرفة‬ ‫واحــدة‪ ،‬وأخــذت تحيك الثياب لقاء مبالغ‬ ‫زهيدة لتتمكن من إعالة أسرة كانت في رغد‬ ‫من العيش وانتقلت إلى شظفه‪.‬‬

‫وبــفــضــل تــجــارتــه وثــرائــه ك ــان إبــراهــيــم‬ ‫المنيف قبيل وفاته يسكن في دار واسعة في‬ ‫«جبل عمان»‪ ،‬الذي كان حينها منطقة غير‬ ‫مأهولة‪ ،‬لذلك غدا العقيالت الساكنين في‬ ‫حي «رأس العين» حيث المياه الجارية وسوق‬ ‫الحالل‪ ،‬يتندرون بأن «ابن منيف ساكن بجبل‬ ‫تأكله الذئاب»‪ .‬ولكن‪ ،‬وبعد فترة وجيزة من‬ ‫وفاته‪ ،‬تولى الوصي على أبنائه تأجير سكن‬ ‫العائلة إلى جلوب باشا‪ ،‬القائد البريطاني‬

‫وعلى الرغم من أميتها‪ ،‬وقصر ذات اليد‪،‬‬ ‫كانت نــورة الجمعان شديدة الحرص على‬ ‫تعليم ابنها عبدالرحمن وابنتيها خديجة‬ ‫وحصة التي أدخلتها والدتها المدرسة في‬ ‫سن الخامسة بعد أن احتالت على المسؤولين‬ ‫بشأن السن‪ .‬وبعد أن أدركوا صغر سن حصة‬ ‫رفضوها؛ ما حمل أمها على تسجيلها في‬ ‫مدرسة نائية‪ .‬وعن ذكرياتها في تلك المدرسة‬ ‫تقول حصة‪ :‬إنها كانت تستيقظ من الصباح‬

‫نوافذ‬

‫الكاتب عبدالرحمن منيف‬

‫‪ 73‬العدد‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪115‬‬


‫الباكر قبل أشقائها‪ ،‬وكانت تمر بائعة حليب‬ ‫مع حمارها‪ ،‬فترجوها الوالدة الصطحابها‬ ‫معها في طريقها‪ ،‬فتسير معها حتى منتصف‬ ‫الجبل‪ ،‬لتواصل النزول من الجزء الوعر من‬ ‫الجبل‪ ،‬للوصول إلى المدرسة النائية‪ ،‬إلى‬ ‫أن تمكنت والدتها من نقلها إلى المدرسة‬ ‫األقرب إلى البيت‪.‬‬ ‫وبعد أن أكملت حصة المراحل التعليمية‬ ‫اجتازت الثانوية بتفوق‪ ،‬حيث كان ترتيبها‬ ‫الــثــانــيــة مــن بــيــن فــتــيــات األردن بضفتيه‬ ‫الشرقية والغربية‪ .‬ولم يتوقف طموح األم‬ ‫وابنتيها عند ذلــك‪ ،‬إذ ارتحلوا إلى بغداد‪،‬‬ ‫حيث كان عبدالرحمن قد سبقهما للدراسة‬ ‫في كلية الحقوق‪ .‬وبعد أن درست االقتصاد‬ ‫واالجــتــمــاع فــي جــامــعــة بــغــداد‪ ،‬اضــطــرت‬ ‫األســــرة لــانــتــقــال إل ــى دمــشــق لمواصلة‬ ‫االبنتين دراستهما الجامعية‪ ،‬وتخرجت‬ ‫أختها خديجة من جامعة دمشق في تخصص‬ ‫التاريخ وتوفيت عام ‪1965‬م بمرض عضال‪،‬‬ ‫وتخرجت حصة من الجامعة ذاتها في اللغة‬ ‫اإلنجليزية وآدابها‪ .‬وبعد وفاة والدتها وجدت‬ ‫حصة صعوبة في الحصول على وظيفة في‬ ‫سوريا بسبب جنسيتها السعودية‪ ،‬إلى أن‬ ‫قُبلت للعمل في اإلذاعــة السورية مترجم ًة‬ ‫في القسمين العربي واإلنجليزي‪ .‬وأثناء‬ ‫ذلك تزوجت من أحد زمالئها‪ ،‬ورزقت بابنة‬ ‫وولدين‪ ،‬عــادت بعدها إلى وطنها‪ ،‬وعملت‬ ‫فــي مستشفى الملك فيصل التخصصي‬ ‫في الرياض‪ ،‬مدير ًة لدائرة الترجمة تضم‬ ‫عشرة مترجمين‪ .‬تتولى ترجمة التقارير‬ ‫الطبية وكتيبات اإلرشادات الصحية العامة‬

‫‪116‬‬

‫العدد ‪73‬‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫والقوانين والعقود‪ .‬وأصبحت اإلدارة صلة‬ ‫الــوصــل بين المستشفى ومــركــز األبــحــاث‬ ‫والمجتمع‪ .‬وتــقــول حصة‪ :‬إن تلك الفترة‬ ‫كانت في غاية األهمية لها‪ ،‬وللمستشفى‪،‬‬ ‫وللقطاع الصحي في المملكة‪ .‬فقد تمكّن‬ ‫ابناها وابنتها من إكمال دراستهم الجامعية‬ ‫مــن جامعات ستانفورد وكارنيجي ميلون‬ ‫ومعهد ماسيتشوسيتس للتكنولوجيا في‬ ‫الواليات المتحدة‪ ،‬وتمكنت المستشفى من‬ ‫ترسيخ ثقافة عمل‪ ،‬وأهلت كــوادر وطنية‪،‬‬ ‫واســتــقــطــبــت ك ــف ــاءات جعلتها مــن أرقــى‬ ‫المستشفيات ومراكز األبحاث الطبية في‬ ‫المملكة والمنطقة‪ .‬وبسبب ظروفها الصحية‬ ‫اضطرت حصة للتقاعد بعد خمسة عشر‬ ‫عامًا لتمارس التدريس بشكل جزئي في‬ ‫جامعة الملك ســعــود‪ ،‬وتكتب فــي جريدة‬ ‫الرياض‪.‬‬ ‫وكان تقاعدها حافزًا لها لترجمة األعمال‬ ‫األدبية ونشرها‪ ،‬منها ترجمات لسيرة حياة‬ ‫األدبـ ــاء الـــروس وهــم تشيخوف وغــوغــول‬ ‫وديستويفسكي‪ ،‬وترجمة كتاب حول األدب‬ ‫العربي الحديث لروجر ألن‪ ،‬الذي كان يعمل‬ ‫رئيسً ا لقسم الدراسات الشرق أوسطية في‬ ‫جامعة بنسلفانيا‪ ،‬وكذلك كتاب «ديموقراطية‬ ‫القلة» للكاتب األمريكي مايكل بارينتي‪،‬‬ ‫وغيرها من الكتب والتراجم‪ .‬وتقيم حصة‬ ‫اآلن مع ابنها طارق الذي انتقل من عضوية‬ ‫هيئة تدريس جامعة الملك فهد للبترول‬ ‫والمعادن في الظهران‪ ،‬إلى هيئة التدريس‬ ‫واألبحاث في جامعة الملك عبداهلل للعلوم‬ ‫والتقنية (كاوست) في ثول»‪.‬‬

‫نوافذ‬


‫وأمامي اآلن كتاب من إصدارات المؤسسة سارة األمين‪.‬‬ ‫العربية للدراسات والنشر (الرواية العربية‬ ‫وإذ اعــتــذر شــريــكــه محمد السليمان‬ ‫مقدمة تاريخية ونقدية) تأليف‪ :‬روجر ألن‪.‬‬ ‫الجمعان عن تحمّل مسؤولية أن يكون وصيًا‬ ‫ترجمة‪ :‬حصة منيف‪،‬‬ ‫على أوالده؛ لكونه‬ ‫ط‪1986‬م‪.‬‬ ‫زوج أخ ــت ــه‪ ،‬وخ ــال‬ ‫وقـــــــــــالـــــــــــت إن‬ ‫أوالده مــنــهــا‪ ،‬ولــه‬ ‫(روجــــر ألـ ــن) أســتــاذ‬ ‫أوالد مــن غــيــرهــا‪.‬‬ ‫األدب ال ــع ــرب ــي في‬ ‫فـــحـــتـــى ال يــتــهــم‬ ‫جــامــعــة بــنــســلــفــانــيــا‬ ‫بــاالنــحــيــاز ألخــتــه‪..‬‬ ‫بـ ــواليـ ــة فــيــادلــفــيــا‬ ‫األمـ ــريـ ــكـ ــيـ ــة‪ .‬وقـــد‬ ‫أوصى إبراهيم قبيل‬ ‫أعـ ــدت قــــراءة رواي ــة‬ ‫وفاته أحد العقيالت‬ ‫عــبــدالــرحــمــن منيف‬ ‫الــمــقــيــمــيــن بــعــمــان‬ ‫(ســيــرة مدينة)‪ ،‬وهو‬ ‫الــذي أخــرج العائلة‬ ‫يــحــكــي فــيــهــا ضمن‬ ‫الكبيرة من المبنى‬ ‫مــا يحكي عــن مدينة‬ ‫الــمــســلــح الــوحــيــد‬ ‫عمان طفولته وشبابه‪،‬‬ ‫بعمان وأجّ ـ ــره على‬ ‫لـــم أجــــد فــيــهــا ذكــر‬ ‫(ك ــل ــوب ب ــاش ــا) أبــو‬ ‫لــشــقــيــقــتــيــه خــديــجــة‬ ‫حــنــيــك‪ ،‬الــمــنــدوب‬ ‫وحصة ووالــدتــه نورة‬ ‫الــســلــيــمــان الــجــمــعــان‪.‬‬ ‫البريطاني بشرقي األردن‪ ،‬واستأجر ألبناء‬ ‫وإن كــان قــد أهــدى لها آخــر رواي ــة كتبها المنيف وزوجاته بيوتًا شعبية متواضعة ‪-‬‬ ‫(أرض السواد) ‪1999‬م ً‬ ‫قائل‪« :‬إلى نورة أمي هكذا سمعت وقــرأت في كتابات متفرقة‬ ‫التي أرضعتني مع الحليب حب العراق‪.»...‬‬ ‫ وأنــا أتــســاءل أيــن ذهبت ثــروة إبراهيم‬‫ووجــدت ذكر أخيه علي منيف وهو يسابق‬ ‫المنيف‪ ،‬والتي اضطرت العائلة إلى العيش‬ ‫مجايليه فــي تطيير الــطــيــارات الــورقــيــة‬ ‫والمنافسة بين أطفال الحارات‪ .‬الذي أهدى المتواضع الــذي حمل والــدة عبدالرحمن‬ ‫لــه الــجــزء األول (التيه) مــن روايــتــه (مــدن على شــراء ماكنة خياطة لتحيك المالبس‬ ‫قائل‪« :‬إلى علي منيف‪ ..‬الذي رحل وتبيعها لتوفير معيشة أوالدها‪،‬واستمرارهم‬ ‫الملح) ً‬ ‫قبل األوان»‪ .‬كما ذكر لمرات عديدة جدته بالدراسة‪.‬‬ ‫* باحث سعودي‪.‬‬

‫نوافذ‬

‫‪ 73‬العدد‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪117‬‬


‫علماء يعلنون أن موقع الجمل بمدينة‬ ‫سكاكا أقدم موقع نحت في العالم‬ ‫أظ ـهــرت دراس ــة ق ــام بـهــا فــريــق س ـعــودي عــالـمــي مـشـتــرك نتائج‬ ‫علمية جديدة حــول تاريخ موقع الجمل بمدينة سكاكا بمنطقة‬ ‫الـ ـج ــوف‪ ،‬إذ كـشـفــت ال ــدراس ــة ال ـم ـن ـشــورة ف ــي مـجـلــة ع ـلــوم اآلث ــار‬ ‫(‪ )Journal of Archaeological Science‬أن هذا الموقع الذي يضم ‪21‬‬ ‫لجمال‪ ،‬واثنان من فصيلة‬ ‫نحتًا مجسمً ا (منها ‪ 17‬نحتًا مجسمً ا ِ‬ ‫الخيليات‪ ،‬ونحت آخر لم تتضح هويته) قد يكون من أقدم المواقع‬ ‫في العالم لنحت الحيوانات المجسّ مة بالحجم الطبيعي‪.‬‬ ‫وأشـ ــارت النتائج العلمية إلــى أن‬ ‫الموقع يعود لفترة العصر الحجري‬ ‫الحديث ما بين ‪ 5600 - 5200‬سنة‬ ‫قبل الــمــيــاد‪ ،‬ويتميز بمجموعة من‬ ‫الجمال وحيوانات من فصيلة‬ ‫مجسمات ِ‬ ‫الخيليات بالحجم الطبيعي‪ ،‬وتختلف‬ ‫في طريقة تنفيذها عن الفن الصخري‬ ‫الشائع في أنحاء المملكة‪ ،‬فهي بارزة‬ ‫بشكل كبير عن الصخرة التي نُحتت‬ ‫ٍ‬ ‫مــنــهــا ولــهــا شــكــل مــجــســم‪ ،‬وأظــهــرت‬ ‫المجسمات األثــريــة التي تــم حفرها‬ ‫بالموقع وجود صناعة حجرية مميزة‪،‬‬ ‫وكذلك بقايا عظام حيوانية‪.‬‬

‫باحثين من هيئة التراث وجامعة الملك‬ ‫ســعــود والــمــركــز الــفــرنــســي لألبحاث‬ ‫وجامعة برلين الحرة وجامعة أكسفورد‬ ‫وغيرها‪ ،‬العديد مــن الــطــرق العلمية‬ ‫بهدف معرفة تاريخ الموقع بدقة عالية‪،‬‬ ‫وذلك عبر تحليل األدوات المستخدمة‬ ‫في النحت ودراسة آثار عوامل التعرية‬ ‫والتحلل الطبيعيين‪ ،‬إضاف ًة إلى جهاز‬ ‫التحليل المشع متعدد األطياف وطريقة‬ ‫الوهج الحراري‪ ،‬إذ تُعد معرفة تاريخ‬ ‫الموقع من أكبر التحديات التي واجهها‬ ‫الفريق العلمي‪.‬‬

‫وأشارت النتائج العلمية إلى الجهود‬ ‫واستخدم الفريق العلمي المكون من الــكــبــيــرة الــتــي بُــذلــت فــي نــحــت هــذه‬

‫‪118‬‬

‫العدد ‪73‬‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫نوافذ‬


‫الحيوانات المجسمة‪ ،‬وربما عمل مجموعة‬ ‫من النحاتين على تنفيذها على مدى فترات‬ ‫زمــنــيــة مختلفة‪ ،‬وم ــن الــدالئــل عــلــى ذلــك‬ ‫اختالف تقنيات النحت المستخدمة؛ فقد‬ ‫وُج ــدت أمثلة تشير إلــى صيانة األشكال‬ ‫المنحوتة‪ ،‬وأحــيــا ًنــا القيام بنحت أجــزاء‬ ‫جديدة لتكون بديلة عن أجزاء تضررت بفعل‬ ‫عوامل الزمن‪ ،‬واستطاع الفريق تتبع خطوط‬ ‫النحت على الصخور بالرغم من تأثر بعض‬ ‫األجزاء بعوامل التعرية الطبيعية‪ ،‬ومن ناحية‬ ‫أخرى عُثر على بعض األجزاء الساقطة من‬ ‫النحت وإعادتها إلى مكانها‪.‬‬ ‫كما أظهرت نتائج الدراسة للموقع مروره‬ ‫بثالث مراحل زمنية؛ تتمثل بمرحلة تنفيذ‬ ‫أعمال النحت على مدى فترة طويلة‪ ،‬وتلتها‬ ‫مرحلة تــدل على غياب النشاط البشري‬ ‫وهجر الموقع‪ ،‬ثم مرحلة ثالثة وأخيرة بدأت‬ ‫تتضرر فيها المجسمات المنحوتة وتتساقط‬ ‫بعض أجــزائــهــا بفعل الــعــوامــل الطبيعية‪،‬‬

‫نوافذ‬

‫‪ 73‬العدد‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪119‬‬



‫نوافذ‬

‫‪ 73‬العدد‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪121‬‬


‫‪122‬‬

‫العدد ‪73‬‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫نوافذ‬


‫نوافذ‬

‫‪ 73‬العدد‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪123‬‬


‫أمير منطقة الجوف االمير فيصل بن نواف بن عبدالعزيز‬ ‫يزور موقع الجمال بمدينة سكاكا‬

‫وتنتمي الصناعة الحجرية بالموقع إلى فترة‬ ‫نهاية العصر الحجري الحديث‪ ،‬التي ال‬ ‫يمكن الجزم تمامًا بأنها معاصرة لفترة نحت‬ ‫المجسمات الحيوانية بالموقع‪.‬‬ ‫وقد تفاعلت الصحافة العالمية والعربية‬ ‫والمحلية مع االكتشاف العلمي‪ ،‬وقد كانت‬ ‫هذه بعض عناوين الصحف العربية‪:‬‬ ‫ ‬‫ ‬‫ ‬‫ ‪-‬‬ ‫ ‬‫ ‬‫ ‬‫ ‬‫‪ -‬‬

‫منحوتات الجمال الصخرية في الصحراء‬ ‫السعودية تعود ألكثر من ‪ 7000‬سنة‪.‬‬ ‫«جــمــل الــجــوف» أق ــدم مــوقــع نحت في‬ ‫العالم‪.‬‬ ‫قبائل في السعودية نحتت الصخور قبل‬ ‫‪ 8000‬عام‪.‬‬ ‫الجمل أقدم موقع نحت عالميًا‪.‬‬ ‫موقع الجمل األقدم عالميًا‪.‬‬ ‫علماء‪ :‬موقع الجمل في الجوف األقدم‬ ‫في العالم لنحت الحيوانات المجسمة‪.‬‬ ‫كشف أق ــدم نحت لحيوانات بالحجم‬ ‫الطبيعي في السعودية‪.‬‬ ‫السعودية‪ :‬قبائل نحتت الصخور بدقة‬ ‫فنية قبل ‪ 8000‬عام‪.‬‬ ‫منحوتات الجمال في السعودية تعود إلى‬ ‫‪ 7000‬سنة‪.‬‬

‫ويعزّز الكشف الجديد جعل مدينة سكاكا‬ ‫بمنطقة الجوف إحدى المناطق العالمية على‬ ‫خريطة السياحة واألثــار‪ ،‬إذ تتميز سكاكا‬ ‫بوجود آثار تعد األقدم في المملكة‪ ،‬ومنها‬ ‫أعمدة الرجاجيل‪ ،‬وقصر زعبل‪ ،‬والمنطقة‬ ‫األثرية بسكاكا‪ ،‬وبئر سيسرا‪ ،‬وغار حضرة‬ ‫النبطي‪ ،‬إضافة إلى أقــدم موقع استوطنه‬ ‫اإلنسان في آسيا بالشويحطية قرب سكاكا‪.‬‬

‫‪124‬‬

‫العدد ‪73‬‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫نوافذ‬


‫َ‬ ‫كيف تُص ِل ْح‪ ..‬قل ًبا مكسو ًرا؟‬ ‫‪ρ‬بقلم‪ :‬صفية اجلفري‬

‫تعاطف مستحق‬ ‫قبل ســنــوات طويلة تــق ـدّم شــاب لخطبة‬ ‫صديقة لي‪ ،‬ولم تطل الخطبة إال أسابيع قليلة‪،‬‬ ‫ثم تم عقد القران ليتسنى للطرفين التعرّف‬ ‫إلــى بعضهما‪ ،‬قبل أن يضمهما بيت واحــد‬ ‫وفقا للثقافة السائدة‪ .‬لقد أحبت صديقتي‬ ‫(خطيبها‪ /‬زوجها) حبًا عاصفًا‪ ،‬قالت لي‪ :‬لقد‬ ‫صادف هواه قلبًا خاليًا فتمكنا!‬

‫قال رسول هللا ‪:‬‬ ‫«مثــل المؤمنيــن فــي توادهــم‪،‬‬ ‫وتراحمهــم‪ ،‬وتعاطفهــم‪ ،‬مثــل‬ ‫الجســد إذا اشــتكى منــه عضــو‬ ‫تداعــى لــه ســائر الجســد‬ ‫بالســهر والحمــى»‪.‬‬

‫لكن األمر لم يتم‪ ،‬وبعد ستة أشهر تقريبًا‬ ‫تراجع (الخطيب‪/‬الزوج) عن إتمام الــزواج‪،‬‬ ‫وترك صديقتي تعاني ألمًا قاسيًا‪ ،‬وتدنيًا في ‪ -‬بفضل اهلل ‪ -‬أقوى‪ ،‬وأكثر إيمانًا بنفسها‪،‬‬ ‫وحماها هــذا األلــم مــن أن تكسرها عالقة‬ ‫تقدير الذات‪ ،‬وحزنًا قويًا‪.‬‬ ‫أخرى‪.‬‬ ‫كنا في مقتبل العمر‪ ،‬وكنت أواجــه هذا‬ ‫كيف تجاوزت صديقتي هذه المرحلة؟ ما‬ ‫الوجع من خالل صديقتي ألول مــرة‪ ،‬ما أنا‬ ‫ممتنة لــه أن اهلل سبحانه هــدى قلبي إلى أتــذكــره اآلن أنها أعطت لنفسها الحق في‬ ‫التعاطف الذي لم يخالطه سأ ٌم أو لوم‪ ،‬وأني الحزن‪ ،‬لم تلم نفسها‪ ،‬ولم تسمح للوم اآلخرين‬ ‫كنت أستمع إلى صديقتي وأنا أشعر أن ألمها أن ينال منها‪ ،‬أخذت وقتها في التعافي‪ ،‬وفي‬ ‫جدي ٌر باالحترام‪ ،‬لكن هذا لم يكن رد فعل كل تعلّم كيف تصوغ نظرتها العادلة لذاتها‪ ،‬ولم‬ ‫من حولها‪ ،‬لقد المها آخرون ألنها استغرقت تغرق في تحليالت خاطئة للموقف‪ ،‬كل ذلك‬ ‫في الحزن واإلحباط‪ ،‬وألن األمر كما قالوا ال ساعدها‪ ،‬مــع التعاطف الــذي تستحقه من‬ ‫يستحق كل هذا األلم‪ ،‬والوحشة‪ ،‬واالنكسار‪ .‬بعض المقربين‪.‬‬ ‫تجاوزت صديقتي محنتها‪ ،‬وخرجت منها‬

‫قراءات‬

‫تذكرت قصة صديقتي وأنــا أقــرأ األمثلة‬ ‫‪ 73‬العدد‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪125‬‬


‫شريحة واحدةٍ‬ ‫ٍ‬ ‫التي تناولها الكتاب‪ ،‬وألن األمثلة جاءت من بجمع صور ألدمغتهم‪ ،‬وإظهار‬ ‫ثقافة مختلفة‪ ،‬فقد آثرت أن أبدأ حديثي عن في كل مرة‪.‬‬ ‫بمثال من صميم ثقافتنا االجتماعية‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫الكتاب‬ ‫ثــم خضع بعدها المتطوعون إلــى جهاز‬ ‫أبدا أن المعاناة ذاتية‬ ‫ال تنس ً‬

‫يحدثنا مــؤلــف كــتــاب‪ :‬كيف تصلح قلبًا‬ ‫مكسورا؟ د‪ :.‬غاري وينش(‪ )١‬عن االنتقائية في‬ ‫ثقافة التعاطف‪ ،‬فهي توجه غالبا إلى األحزان‬ ‫المتصلة باألحداث الكبيرة في حياة الناس‪،‬‬ ‫كالموت والــطــاق‪ ،‬وبالتالي يعاني كثيرون‬ ‫معاناة قاسية‪ ،‬وال يجدون من يتعاطف معهم‬ ‫بعمق؛ ألن أحزانهم ‪-‬وفقا لثقافة التعاطف‬ ‫السائدة ‪ -‬ال تستحق أن تحدث ألمًا كبيرا‪.‬‬ ‫ويحاول الكتاب أن ينبه إلــى قصور هذه‬ ‫النظرة وعدم نضجها‪ ،‬بل وأثرها في إبطاء‬ ‫الشفاء‪ ،‬ويؤكد على أن مقياس المعاناة ليس‬ ‫ألم في‬ ‫طبيعة الحدث‪ ،‬بل مقدار ما يحدثه من ٍ‬ ‫مؤذ‬ ‫نفس صاحبه‪ ،‬والعجز عن احترام ذلك ٍ‬ ‫وقاس‪.‬‬ ‫ٍ‬

‫تحليل الخاليا الحسية العصبية‪ ،‬وهو جهاز‬ ‫ينقل الحرارة عبر جلد الساعد‪ ،‬ويستخدم‬ ‫لمعرفة المستويات المرتفعة للحرارة المزعجة‬ ‫في ذراع المتطوع في فترة ال تزيد عن سبع‬ ‫ثوان‪ .‬في البداية سببت تلك الحرارة انزعاجً ا‬ ‫خفيفًا للمتطوعين‪ ،‬لكنها ارتفعت بعد ذلك‬ ‫حتى وصلت إلى مستويات مؤلمة ‪ ،10/8‬إذ‬ ‫تشير الدرجة األخيرة إلى «مستوى ال يحتمل»‪.‬‬ ‫وعندما قارن العلماء صور الدماغ القبلية‬ ‫بالبعدية لتلك التجربة‪ ،‬وج ــدوا أن نشاط‬ ‫المناطق الدماغية للمتطوع عند التعرّض‬ ‫للتهوين من معاناة االنفصال العاطفي يتطابق‬ ‫مع التعرّض لأللم الجسدي المرتبط بارتفاع‬ ‫درجة حرارة الساعد‪.‬‬

‫يقول غاري وينش‪ :‬تخيّل أنك تقوم بعملك‪،‬‬ ‫أو دراســتــك‪ ،‬أو بعض مسؤولياتك حينما‬ ‫يقترب األلــم الــذي تعانيه من مستويات‪« :‬ال‬ ‫«مستوى ال يحتمل»‬ ‫تحتمل»‪ ،‬وإحساسك هذا ليس لبضع ثوان كما‬ ‫تعمل المعاناة الناتجة عن آالم االنفصال‬ ‫ألشهر‬ ‫ٍ‬ ‫في التجربة‪ ،‬بل هو يسكنك لوقت يمتد‬ ‫العاطفي بنظام معقد‪ ،‬وتــأثــيــرهــا يتجاوز‬ ‫أو أكثر‪.‬‬ ‫عواطفنا وتفكيرنا إلى أجسادنا‪ ،‬وأدمغتنا‪،‬‬ ‫هل م ّر أحد المقربين منك بتجربة آلمته‬ ‫ووظائفنا‪ ،‬وعالقاتنا بشكل قد ال نتوقعه‪.‬‬ ‫وشوشته‪ ،‬ولمته على عدم قدرته على التماسك‬ ‫يحدثنا الــكــتــاب عــن قــيــام إيــثــان كــروس‬ ‫ألن الحدث ال يستحق كل هذا األلم؟ إذًا‪ ،‬لعلها‬ ‫أســتــاذ علم النفس‪ -‬وزمــائــه فــي جامعة‬‫تقودك إلى التعاطف المستحق‪.‬‬ ‫ميتشغان بزيارات استقصائية لعدد ممن مرّوا‬ ‫بل هل مررت بتجربة مؤلمة لم يحترم ألمك‬ ‫بحاالت انفصال عاطفي مؤلم‪ .‬تم إخضاع‬ ‫أولــئــك المتطوعين لــجــهــاز ‪ - FMRI‬وهــو فيها بعض مَن تحبهم ولكأن ألمك وهم؟ هل‬ ‫جهاز يحوي ماسحً ا ضوئيًا يكشف المناطق لمت نفسك على حزنك؟ إذًا‪ ،‬ربما تحتاج إلى‬ ‫بشكل أكبر ما أن تتعاطف مع نفسك من جديد‪ ،‬وتدرك أنه‬ ‫ٍ‬ ‫الدماغية التي يتدفق فيها الدم‬ ‫يعني نشاطً ا أكبر ‪ -‬ثم طلب منهم التحديق في ليس من حق أحد التقليل من معاناة آخر‪ ،‬وأن‬ ‫صورة الشخص الذي كان سببًا في التهوين المعاناة مدارها إحساس المتألم ال ماهية‬ ‫من أمر االنفصال‪ ،‬فيما يقوم الماسح الضوئي الحدث المؤلم‪.‬‬

‫‪126‬‬

‫العدد ‪73‬‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫قراءات‬


‫تتبع إلكتروني‬ ‫يتحدث الكتاب عن أن االنفصال العاطفي‬ ‫المؤلم قد يحدث عند الطرف المتألم أعراضا‬ ‫انسحابية تشبه أعراض مدمني المخدرات؛‬ ‫ألن العالقة كانت تشكل له أمانًا ومؤانس ًة‬ ‫تمأل وجــدانــه‪ ،‬وبعد االنفصال يصبح قلبه‬ ‫خاويًا‪ ،‬فيسعى عقله الالواعي إلى استعادة‬ ‫المشاعر التي كانت‬ ‫سكنًا له يتتبع أخبار‬ ‫الــطــرف اآلخـ ــر في‬ ‫وسـ ــائـ ــل ال ــت ــواص ــل‬ ‫االجــتــمــاعــي بشكل‬ ‫مستمر‪ ،‬وهــي تتيح‬ ‫لــلــمــراقــب نــوعً ــا من‬ ‫«االتــصــال الــزائــف»‪،‬‬ ‫وشــكـ ًـا مــن أشــكــال‬ ‫اســتــعــادة الــذكــريــات‬ ‫ال ــت ــي تــشــتــت آالم‬ ‫االن ــف ــص ــال‪ .‬ورغ ــم‬ ‫صعوبة التخلي عن‬ ‫هــــذا ال ــس ــل ــوك إال‬ ‫إننا يجب أن ندرك‬ ‫أن ممارسته تعمّق‬ ‫ال ــج ــرح وال تشفيه‬ ‫وال ت ــس ــاع ــده على‬ ‫الشفاء‪.‬‬

‫مشاعره‪ ،‬يقول ديــف‪« :‬فــي الــواقــع‪ ،‬لم يكن‬ ‫هناك وخز ضمير ‪ -‬بسبب ردة فعله الغاضبة‬ ‫على هجرانها لــه‪ -‬أو شعور بالتوتر‪ ،‬لكن‬ ‫كانت هناك لحظة حنين واشتياق»‪ .‬فيقول له‬ ‫غاري وينش‪ :‬جرحك العاطفي لم يندمل بعد‪،‬‬ ‫ليس جرحً ا كبيرًا‪ ،‬أو أنه تصعب معالجته‪،‬‬ ‫لكن مراقبتك لها إلكترونيًا سيجعله جرحً ا‬ ‫ـضــا‬ ‫م ــت ــج ــددًا‪ .‬أنـ ــت أيـ ً‬ ‫تستغل صديقة الجامعة‬ ‫كمنفذ للهروب العاطفي‬ ‫بدل من توجيه جهدك‬ ‫ً‬ ‫نحو ح ِّل مشكالتك مع‬ ‫زوجتك‪ .‬كما أنك بشكل‬ ‫واع تــحــمــي نفسك‬ ‫ال ٍ‬ ‫بــهــذا التتبع واســتــثــارة‬ ‫الــحــنــيــن م ــن اإلصــابــة‬ ‫بــانــكــســار ج ــدي ــد من‬ ‫عالقتك الحالية‪.‬‬

‫يقول غــاري وينش‪:‬‬ ‫عندما تهم «فــجــأة» أو‬ ‫«مــصــادفــة « بالتفكير‬ ‫فــي الــشــريــك الــســابــق‬ ‫وتــقــرر البحث عنه أو‬ ‫عنها‪ ،‬فإن ذلك عاد ًة ما‬ ‫فعل على وضع‬ ‫يكون ر َّد ٍ‬ ‫ي ــح ــدث فـــي الــحــاضــر‪.‬‬ ‫والطريقة المثمرة لمعالجة مشكالتك اآلنية‬ ‫بدل‬ ‫يحكي لنا غ ــاري ويــنــش عــن ديــف الــذي هي التشاور مع الشريك‪/‬الزوج الحالي ً‬ ‫انفصلت عنه حبيبته في المرحلة الجامعية‪ ،‬من توجيه تلك المشاعر إلى شخصيات من‬ ‫وظل طوال أحد عشر عامًا يتابعها متخفيًا الماضي‪.‬‬ ‫عبر وسائل التواصل االجتماعي كلما أصيب‬ ‫آليات الشفاء‬ ‫بإحباط من زوجته‪.‬‬

‫الشفاء رحلة تتطلب الشجاعة والحزم‪،‬‬ ‫ال يرى ديف أن سلوكه مضر‪ ،‬ويصر على‬ ‫أنه ال يشعر بأي حزن دفين‪ ،‬وعندما يناقشه وكذلك المعرفة والوعي في الوقت ذاته‪ .‬وفي‬ ‫غاري في أسباب سلوكه ويغوص معه في عمق الكتاب بعض تفصيل مع األمثلة آلليات الشفاء‬

‫قراءات‬

‫‪ 73‬العدد‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪127‬‬


‫من المعاناة العاطفية‪ .‬هذه اآلليات هي‪:‬‬ ‫إلى أنفسنا من خالل قصصنا المنتهية‪ ،‬وهذا‬ ‫فهم الطريقة الــتــي يوجهنا فيها عقلنا يُصعّب علينا رحلة التواصل الــمــتــوازن مع‬ ‫المتأثر بــاأللــم نحو خــيــارات خاطئة‪ .‬وفي النفس‪.‬‬ ‫كتاب‪( :‬الشعور الجيد) للدكتور‪ :‬ديفيد دي‬ ‫إنصاف‬ ‫بيرنز منهج عــاجــي مكثف يتضمن شرح‬ ‫يؤكد الكتاب على أن التعاطف حــقٌّ لكل‬ ‫التشوهات اإلدراكية التي تضلل عقولنا‪.‬‬ ‫أثر متألم‪ ،‬وأن المعاناة مدارها إحساس صاحبها‬ ‫مكافحة الميل إلى اإلدمان لإلبقاء على ٍ‬ ‫أيضا‬ ‫ألولئك الذين فقدناهم‪ ،‬سواء عن طريق ال نوع الحدث الذي تسبب فيها‪ ،‬لكنه ً‬ ‫ذكرياتهم‪ ،‬أو مقتنياتهم‪ ،‬أو ينبّه المتألمين إلى فكرة لعلها تحتاج مزيد‬ ‫التتبع اإللكتروني تأمل‪ ،‬وهي عدم إثقال كاهل الذين يقدمون‬ ‫لهم‪.‬‬ ‫لنا الدعم‪ ،‬وعلينا تقبل أن الدعم قد يتفاوت‬ ‫بحسب أحوالهم النفسية‪ ،‬وضغوطات حياتهم‪،‬‬ ‫وال ب ّد لنا أن نستصحب فكرة أنهم يحبوننا‪،‬‬ ‫ونستمد منها األمــان والقوة لنخوض رحلتنا‬ ‫الخاصة‪ .‬رحلتك هي مسؤوليتك‪ ،‬وتحتاج إلى‬ ‫مساعدة نفسك ومساعدة اآلخرين‪ ،‬وتراعي‬ ‫اختالف نفسياتهم‪ ،‬وقدراتهم على االستيعاب‪.‬‬

‫إعـــــــــادة‬ ‫بـــــــــــنـــــــــــاء‬ ‫اح ــت ــرام ــن ــا‬ ‫لـــذاتـــنـــا مــن‬ ‫خــال ممارسة‬ ‫ال ــع ــط ــف ال ــذات ــي‬ ‫ف ــي ك ــت ــاب‪( :‬ال بطعم‬ ‫الفالمنكو) للدكتور محمد طه‬ ‫آالمنا غير المرئية‬ ‫نموذج عالجي‪ ..‬الهدف منه فهم صعوبات‬ ‫أراد د‪ .‬غ ــاري ويــنــش أن يسلط الضوء‬ ‫الــنــفــس ومــســاعــدتــهــا عــلــى الــنــضــج والنمو‬ ‫النفسي‪ .‬ومعالجته لموضوع العطف الذاتي على اآلالم غير المرئية‪ ،‬والتي ال تنال حظها‬ ‫المستحق من التعاطف‪ ،‬وقدّم تفاصيل جديرة‬ ‫مفصلة وعملية‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫بالتوقف عندها عند كالمه عن رحلة الشفاء‪.‬‬ ‫وتبنّي فــكــرة التأمل الذهني ‪ -‬التركيز‬ ‫في النشاطات الحاضرة‪ -‬لمكافحة األفكار وأظن أنه نجح في غايته من الكتاب‪.‬‬ ‫الوسواسية الناتجة عن الفقدان‪.‬‬

‫ومــعــرفــة الــفــراغــات الــتــي خلفتها حالة‬ ‫االنكسار في حياتنا‪ ،‬واتخاذ الخطوات الالزمة‬ ‫لملئها‪.‬‬ ‫وإعادة التواصل مع ذواتنا‪ ،‬والتعرّف عليها‬ ‫من جديد‪ ،‬ألن ألم الفقدان يقودنا إلى النظر‬

‫نشرت الكتاب باللغة العربية دار "صفحة‬ ‫سبعة" عام ‪1442‬هـ‪2021 /‬م بترجمة األستاذ‬ ‫متعب الشمري‪ ،‬يقع الكتاب في ‪ 138‬صفحة‬ ‫من القطع المتوسط‪ ،‬ولغته سهلة‪،‬رغم بعض‬ ‫العثرات المتعلقة بصياغة المعاني‪ ،‬والتدقيق‬ ‫اللغوي‪.‬‬

‫ * باحثة في قضايا المرأة واألسرة‪.‬‬

‫(‪ )١‬طبيب نفسي ومؤلف ومتح ّدث أمريكي بارز‪ ،‬ترجمت مؤلفاته إلى ‪ 23‬لغة‪.‬‬

‫‪128‬‬

‫العدد ‪73‬‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫قراءات‬


‫مديح العادي!‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫■ رائد العيد*‬

‫تكاد تكون قصة «الشخص الـعــادي الــذي ُولــد وعــاش ومــات عــاد ًّيــا» م ـرّت على‬ ‫كثير منكم‪ ،‬فلم يــدع المعلمون وال كتّاب تطوير الــذات فرصة إال وأوردوه ــا في‬ ‫سبيل تحفيز القراء والطالب‪ ،‬وحثّهم على التميز واإلبــداع والتفرّد‪ .‬لكن بعد‬ ‫ضغوطات العصر الحديث ورأسمالية الحياة المعاصرة‪ ،‬بــدأت الدعاوى إلى ذم‬ ‫«اإلنسان السوبرمان» ومدح اإلنسان العادي‪ ،‬ومحاولة اإلصالح بين إنسان اليوم‬ ‫والحياة العادية الرتيبة‪.‬‬ ‫من وحــي هــذا الصراع ‪-‬كما أرى‪ -‬الداخلي على أنه رواية‪ .‬يسير الكتاب‬

‫كتب أحمد الحقيل قصصه في عمله على خطّ ين يتناوبان الظهور بالترتيب‪،‬‬ ‫قبل األخير «بيت» ويكتب عمله هذا خط غير منتظمِ العنوان يحكي قصة‬ ‫«أيــام وكتب» الصادر عن دار روايــات نــاصــر وأســرتــه الصغيرة ومــلــل عمله‬ ‫ب ــاإلم ــارات (‪2021‬م)‪ ،‬والـ ــذي سبّب الحكومي وزياراته ألسرته‪ ،‬وخط آخر‬

‫تصنيفه على أنه «روايــة» في الغالف انتظ َم عنوانُه «فــي المكتبة» واختلف‬ ‫الــداخــلــي إربـــاكًـــا لــلــمــتــلــقــي‪ ،‬فــقــارئ محتواه بين مقطع وآخ ــر‪ ،‬بــدأ ‪-‬كما‬ ‫الــغــاف الــخــارجــي يتوقع كــتــا ًبــا غير قرأته‪ -‬بحكاية شغف ناصر بالكتب‪،‬‬

‫خيالي‪ ،‬يحكي قصة أيام وكتب‪ ،‬وكأننا ج ــاءت الفصول األول ــى أشــبــه بسيرة‬ ‫بانتظار سيرة قرائية للكاتب‪ ،‬خاصة قرائية لبطل الــروايــة‪ ،‬يستعرض فيها‬ ‫مــع عــنــوانــه الــفــرعــي «ع ــام أول»‪ ،‬ما منهجه القرائي المعتمد على ما أ ُحب‬ ‫زاد التوقع تأكيدًا بأنها سيرة ستمتد تسميته «انجرافات القراءة» التي تأخذ‬ ‫ألعوام‪ ،‬لكن يُفاجئ القارئ بالتصنيف الــقــارئ مــن كــتــاب آلخــر فــي ق ــراءات‬

‫قراءات‬

‫‪ 73‬العدد‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪129‬‬


‫عنقودية يصعب تتبع المنطق فيها‪ ،‬كما‬ ‫يتحدث عن بعض آرائه في األدب والحياة‪،‬‬ ‫قليل في هذا الخط حتى‬ ‫ولكن ما إن تتقدم ً‬ ‫يبدأ باالشتباك مع الخط اآلخر‪ ،‬ويستكمل‬ ‫حكايات العمل واألسرة!‬ ‫تمتين الهامش‬

‫العالمة»‪ ،‬كما أنــه ال ينح ّل إلــى المقابلة‬ ‫بين «الوضيع» و«الــراقــي» بالمعنى القيمي‬ ‫للكلمتين‪ ،‬فموضوع هــذه الكتابات أقرب‬ ‫إلى ما اعتدنا أن ندعوه «تفاهات» الحياة‬ ‫نقد عند‬ ‫اليومية‪ .‬ويشير إلى تش ّك َل اتجاهَ ٍ‬ ‫فالتر بنيامين وميشيل دوســرتــو وأمبرتو‬ ‫إيــكــو‪ ،‬ال يقتصر على‬ ‫ال ــم ــع ــان ــي كــأشــكــال‬ ‫«ســـــامـــــيـــــة»‪ ،‬وإنـــمـــا‬ ‫يتصيدها فــي «أتــفــه»‬ ‫تجلياتها‪ ،‬ويضبطها‬ ‫وهي تتولد وتعمل في‬ ‫معمعة اليومي‪ ،‬قبل أن‬ ‫تتبلور في المفهومات‬ ‫المغرقة في التجريد‪،‬‬ ‫واألشـ ــكـ ــال الــثــقــافــيــة‬ ‫«غير التافهة»‪.‬‬

‫بَـــــان بـــــارت في‬ ‫كتابه «أسطوريات»‬ ‫ال ــم ــن ــش ــور نــهــايــة‬ ‫الــخــمــســيــنــيــات من‬ ‫القرن الماضي‪« ،‬أن‬ ‫الالمعنى هو مكان‬ ‫الداللة الحق»‪ ،‬وأكّد‬ ‫أن تــولــد الــمــعــانــي‬ ‫يــمــكــن رص ـ ــده من‬ ‫خالل الوقوف عند‬ ‫ما تدعوه «الفلسفة‬ ‫نــعــود إل ــى الــروايــة‬ ‫الــعــمــومــيــة» الــتــي‬ ‫الـــتـــي يـــؤمـــن بــطــلــهــا‬ ‫تـ ــغـ ــذي طــقــوســنــا‬ ‫نــاصــر‪ ،‬أو لــعــلــه رأي‬ ‫الــيــومــيــة‪ ،‬وتــحــدد‬ ‫كــاتــبــهــا أص ــال ــة‪ ،‬بــأن‬ ‫لــبــاســنــا وح ــاق ــة‬ ‫«الـ ــحـ ــيـ ــاة ت ــك ــم ــن فــي‬ ‫شعرنا وتنظيم مطبخنا وحفالتنا‪ ،‬وتدبير‬ ‫شخصا كــان أم‬‫ً‬ ‫شؤوننا اليومية من قراءة للصحف‪ ،‬وارتياد الــعــادي‪ ،‬وأكــثــر العظيم‬ ‫للمسارح‪ ،‬وحديث عن أحوال الطقس وأخبار حــد ًثــا‪ -‬هــو نتيجة لسياق رتــيــب‪ ،‬متراكم‪،‬‬ ‫وبطيء غالبًا‪ .‬أما التجارب التي تلخص تلك‬ ‫اإلجرام والرياضة‪.‬‬ ‫النتائج الهائلة الحاسمة‪ ،‬والشخصيات التي‬ ‫يشرح عبدالسالم بــن عبدالعالي قول‬ ‫تمثلها لتصل بنا إلى استنتاجات تماثل الكون‬ ‫بــارت في «سيميولوجيا الحياة اليومية»‪،‬‬ ‫ضخامة؛ ليست سوى ذروة مختزلة‪ ،‬معرضة‬ ‫موضحً ا أن األمر ال يتعلق مطلقًا بما اعتدنا‬ ‫للهشاشة‪ ،‬وربكة التأويل‪ ،‬وفتنة التعليب»‪.‬‬ ‫تسميته «ثقافة شعبية» في مقابل «الثقافة‬

‫‪130‬‬

‫العدد ‪73‬‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫قراءات‬


‫ويُسهب في االستعراض واالستشهاد لرأيه « ُك ــن» ليست المكتوبة‪ .‬فالكالم جــاء في‬ ‫هذا بقوله‪« :‬ال يمكن أن تفهم الرسل ً‬ ‫مثل المقام األول‪ ،‬أما الكتابة فقد ظهرت بعد‬ ‫دون أن تفهم خلفيتهم االجتماعية‪.‬‬ ‫آالف السنين‪ .‬فمن الكالم انحدرت‪ ،‬وتظل‬

‫مجرم تائب وهارب من العدالة‪ ،‬ابن نجار محتاجة إلــيــه لتنتعش‪ .‬يــقــول الفيلسوف‬ ‫يهيم في األرض‪ ،‬راعــي غنم سابق ووكيل الفرنسي ميشيل تورنييه في كتابه الماتع‬ ‫أعمال زوجته‪ .‬وتستوعب كيف رفض الناس «مرآة األفكار»‪« :‬إن تاريخ األدب بأكمله عودة‬ ‫اصطفاءهم بسبب عاديتهم‪« :‬ما هو إال بشر دائمة من طرف الكتابة إلى المنبع الحيّ‬ ‫مثلكم يــأكــل مما تــأكـلــون منه ويـشــرب مما والمنعش الذي هو الكالم المنطوق‪ .‬والكاتب‬ ‫تشربون»‪ .‬بل إنك ال يمكن أن تفهم العصور العظيم هو من نُصغي إلى صوته‪ ،‬ونتعرّف‬ ‫دون أن تفهم أناسها العاديين‪ .‬ولــذا‪ ،‬فإن عليه‪ ،‬ما إن نفتح كتابًا من كتبه‪ .‬لقد نجح في‬ ‫معظم األدب العربي القديم مجيّر لرصد أن يسبك الكتابة والكالم»‪ .‬جملته األخيرة‬ ‫العادي‪ ،‬وأمهات الكتب هي لليومي‪ ،‬المتحرر وصف دقيق ألسلوب أحمد الحقيل في عمله‬ ‫من ثقل الميثولوجيا والسياسة والملحميات هذا‪ ،‬فقد أراد كتابة الكالم المنطوق كما هو‪،‬‬ ‫والدراماتيكيات والوجوديات‪ ،‬الــذي يجمع‬ ‫أن يخلّد الحياة العادية واألسلوب اليومي‬ ‫بتراكمه الفردي العادي الرتيب المتكرر تلك‬ ‫لألحاديث العابرة بين الرجل وزوجته‪ ،‬بين‬ ‫الفسيفساء الضخمة‪ .‬ولذا؛ العظيم ينشأ من‬ ‫األب وأبنائه‪ ،‬بين الموظف وزميله‪ ،‬بين المرء‬ ‫العادي وفيه»‪.‬‬ ‫وأصدقائه‪ ،‬وكذلك بين القارئ وكتبه‪ ،‬فثمة‬ ‫يتمحور السرد في الرواية حول الحياة حوارات كثيرة تحتضنها المكتبات المنزلية‪.‬‬ ‫اليومية والتفاصيل الصغيرة بالتقاطات ومــع تحذير تورنييه من أن «اإلف ــراط في‬ ‫بالغة الــدقــة وأوص ــاف بــارعــة وغــوص في‬ ‫التبعيّة إلى الكالم يظل خطرًا يهدد الكتابة‪.‬‬ ‫خفايا الشخصيات‪ ،‬دون إغــفــال مناقشة‬ ‫وإن الكتابة المفرطة في الكالم توشك أن‬ ‫بعض القضايا التي تُعد كبير ًة لدى بعض‬ ‫تنخلع وتتفكك‪ ،‬مثل الطريق التي تتشبع‬ ‫النقاد؛ كاألزمة الوجودية‪ ،‬وســؤال المعنى‪،‬‬ ‫بالماء حتى تصير غير سالكة»‪ ،‬إال إن أحمد‬ ‫واالنتحار‪.‬‬ ‫استطاع إرواء الطريق دون إشــبــاع‪ ،‬وعلى‬ ‫االنتصار للشفاهية‬ ‫النص مكتوبًا بأسلوب شفاهي‪ ،‬ال مستع َمرًا‬ ‫فــي الــبــدء كــانــت الكلمة‪ .‬كما جــاء في مــن الشفاهي‪ ،‬وعــلــى الــنــص منسابًا بين‬ ‫مفتتح إنجيل يوحنا‪ ،‬لكنها الكلمة المنطوقة الفصيح والعامي دون تكلّف!‬

‫ * كاتب سعودي‪.‬‬

‫قراءات‬

‫‪ 73‬العدد‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪131‬‬


‫خالصة األيام‪..‬‬

‫قص ٌة يجب أن تروى‬ ‫■ د‪ .‬عبدالواحد بن خالد احلميد*‬

‫فــي "خــاصــة األي ــام"‪ ،‬يــروي الــدكـتــور فهاد بــن معتاد الحمد وزيــر االتـصــاالت‬ ‫وتقنية المعلومات السعودي األسـبــق‪ ،‬بعد ت ــردد‪ ،‬مسيرته الحياتية والدراسية‬ ‫والعملية منذ والدتــه في مدينة سكاكا بمنطقة الجوف في عقد الخمسينيات‬ ‫من القرن الماضي إلى أن و َدّع الوظيفة العامة متو ًِّجا مسيرتَه بالمنصب الوزاري‬ ‫الرفيع‪.‬‬ ‫وبالرغم من المبررات التي ساقها‬ ‫لتفسير تردده في كتابة سيرته الذاتية‪،‬‬ ‫فإن تلك المبررات في النهاية لم تصمد‪،‬‬ ‫ليس فقط بسبب إلحاح كل الذين عرفوا‬ ‫مسيرته وإنما أيضا ألن مسيرته تحمل‬ ‫ثرا ًء حقيقيًا سواء في جانبها الحياتي أو‬ ‫الدراسي أو العملي؛ فهي قصة يجب أن‬ ‫سجل ألحداث ومواقف‬ ‫ً‬ ‫تروى كي تكون‬ ‫تتعلم منها األجــيــال الناشئة‪ ،‬وتتيقن‬ ‫مــن أن قــوة اإلرادة‪ ،‬ومــضــاء العزيمة‪،‬‬ ‫وتحديد األهداف‪ ،‬وتحويلها إلى خطط‬ ‫مدروسة؛ يمكن أن تحقق ما يصبو إليه‬ ‫اإلنسان من أهداف وغايات‪ ،‬مهما بدت‬ ‫فضل عن‬ ‫ً‬ ‫في وقـ ٍـت ما بعيدة المنال‪.‬‬ ‫ذلــك‪ ،‬فــإن كتب السيرة الذاتية عمومًا‬

‫‪132‬‬

‫العدد ‪73‬‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫تسهم في توثيق الكثير من المعلومات‬ ‫واألحـــداث التي تهم الــقــراء مــن جميع‬ ‫الشرائح‪ ،‬وِ فق اختصاصاتهم وتوجهاتهم‬ ‫عدد متزايد‬ ‫وميولهم‪ ،‬وتحظى باهتمام ٍ‬ ‫من القراء‪ ،‬حتى أن أدب السيرة الذاتية‬ ‫صار ينافس أدب الرواية والشعر وبعض‬ ‫الفنون األدبية األخرى‪ .‬وال شك في أن‬ ‫"خالصة األيام" تجمع بين كل ذلك‪ ،‬بما‬ ‫لكاتبها الدكتور فهاد الحمد من تجارب‬ ‫ثرية وخبرات متنوعة‪ ،‬يستمتع القارئ‬ ‫بتأملها واالســتــفــادة منها‪ ،‬وهــو يبحر‬ ‫عبر صفحات هذا الكتاب الصادر عن‬ ‫مركز عبدالرحمن السديري الثقافي في‬ ‫مائتين وثالث عشرة صفحة‪.‬‬ ‫ح ــي ــن ش ــرع ــت فـ ــي قـــــــراءة كــتــاب‬

‫قراءات‬


‫"خالصة األيــام"‪ ،‬وجدت نفسي منذ اللحظة‬ ‫سطور تنبض بالصدق‬ ‫ٍ‬ ‫األولى مشدودًا أمام‬ ‫والحرارة‪ ،‬وتعيدني إلى أزمنة قديمة ما أزال‬ ‫أح ُّن إليها وأستذكرها في كل حين؛ فالمؤلف‬ ‫هو رفيق دراستي منذ المرحلة االبتدائية‪،‬‬ ‫وهو ابن حارتي الصغيرة "الشعيب" بشمالي‬ ‫سكاكا‪ ،‬وهو صديق العمر‬ ‫الــــذي ل ــم تــنــقــطــع الصلة‬ ‫والمودة الصادقة بيننا منذ‬ ‫ـال وفــي جميع‬ ‫أن كنا أطــفـ ً‬ ‫مراحل العمر‪ ،‬رغم تقلبات‬ ‫الحياة‪ ،‬والتباعد الجغرافي‬ ‫الذي فرضته ظروف العمل‬ ‫أو ظروف الدراسة أحيانًا‪.‬‬

‫العراق والشام وفلسطين ثم يعود إلى "ديرته"‬ ‫بعد رحلة شاقة لم تحقق له ما كان يتطلع‬ ‫إليه من آمال في تحسين أحواله المعيشية‪.‬‬ ‫وفي الجوف يصطدم الفتى مجددًا بالظروف‬ ‫بالغة الصعوبة‪ ،‬لكنه يقرر أن يخرج من حارته‬ ‫القديمة ويبحث عن مستقبله كيفما يتأتى له‬ ‫ذلــك‪ ،‬وبــقــدر مــا تسمح‬ ‫به البيئة الشحيحة في‬ ‫ذلك الزمان‪ ،‬ولكن هذه‬ ‫المرة في "ديرته" وليس‬ ‫خــارجــهــا‪ .‬فــكــان كــل ما‬ ‫تمكن مــن تــدبــيــره‪ ،‬بعد‬ ‫زواج ــه‪ ،‬هــو بيت طيني‬ ‫صغير ملحق بـ"حوطة"‬ ‫ضئيل جدًا‬ ‫ً‬ ‫تضم عددًا‬ ‫مــن الــنــخــل واألشــجــار‪،‬‬ ‫وتُ ــس ــق ــى مـ ــن ســانــيــة‬ ‫متواضعة تسحب الماء‬ ‫من بئر يتنافس على نزح‬ ‫مائها عدد من الشركاء‪.‬‬ ‫ولم تكن هناك في ذلك‬ ‫الزمان مضخات لسحب الماء‪ ،‬فكانت السانية‬ ‫المتواضعة ال تفي بالحد األدنى من احتياجات‬ ‫فضل عما جلبته من شقاء ال عائد‬ ‫ً‬ ‫المزرعة‪،‬‬ ‫منه لسد حاجة األســرة الصغيرة التي بدأ‬ ‫عدد أفرادها يتزايد‪.‬‬

‫تــلــك الــعــاقــة الــوثــيــقــة‬ ‫بالمؤلف ومعرفتي المسبقة‬ ‫بمعظم ما جاء في الكتاب‬ ‫بحكم معايشتي الواقعية‬ ‫لــلــكــثــيــر م ــن أحـ ــداثـ ــه‪ ،‬لم‬ ‫تــحــرمــنــي م ــن االســتــمــتــاع‬ ‫بقراءته سطرًا سطرًا حتى‬ ‫نهايته‪ ،‬بل إنها زادت من استمتاعي به ألنها‬ ‫كما يقال أتاحت لي "رؤيــة الغابة من بعيد"‬ ‫األخ ــاذ واستعادة‬ ‫َّ‬ ‫وتأملها في شكلها الكلي‬ ‫التفاصيل الصغيرة بعد كل هذا العمر‪ ،‬تلك‬ ‫التفاصيل التي شغلنا إيقاعُها اليومي السريع‬ ‫الهادر عن الوقوف بما يكفي لتأملها واالنتباه‬ ‫في تلك البيئة أطل فهاد على الحياة‪ .‬ومنذ‬ ‫إلى تشابكاتها ومساراتها ومآالتها والخيوط البداية وجد أن عليه‪ ،‬بوصفه االبن األكبر‪،‬‬ ‫الخفية التي جمعت بينها‪.‬‬ ‫مشاركة والده ووالدته وبقية أفراد األسرة في‬ ‫يتحدث الدكتور فهاد بشفافية آسرة عن الكدح والعمل المضني‪ ،‬رغم أنه كان ما يزال‬ ‫طفل صغيرًا‪ ،‬فكان يساعد في سقي النخل‬ ‫ً‬ ‫الــبــدايــات األول ــى‪ ،‬عندما حكمت الظروف‬ ‫المعيشية الصعبة على والده اليتيم أن يرحل‪ ،‬واألشجار وبقية أعمال الحوطة‪ ،‬ويجمع بين‬ ‫وهو فتىً صغير‪ ،‬بحثًا عن لقمة العيش إلى ذلك والدراسة‪ .‬وفي تلك الفترة‪ ،‬شهدت بئر‬

‫قراءات‬

‫‪ 73‬العدد‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪133‬‬


‫المزرعة حدثًا مأساويًا أمــام أنظار الطفل‬ ‫فهاد‪ ،‬عندما سقط شقيقه الصغير في البئر‪،‬‬ ‫ولم تفلح الجهود في إنقاذ حياته؛ فظل ذلك‬ ‫الــحــادث المأساوي جرحً ا فــاغـرًا في حياة‬ ‫الوالد والوالدة وأفراد األسرة‪ ،‬ولكن لم يكن‬ ‫ثمة بديل للمزرعة التي رغم ضآلة عائدها‬ ‫وكثرة تكاليفها والجهد المضني الذي تتطلبه‬ ‫مــن جميع أف ــراد األس ــرة لــم تكن تفي حتى‬ ‫بالحد األدنى من احتياجاتهم‪ .‬وبسبب ذلك‬ ‫عانت األســرة من الــعــوز‪ ،‬لكنها ظلت دائمًا‬ ‫مرفوعة الرأس تدير حياتها بكرامة‪ ،‬بفضل‬ ‫الكفاح المستميت لألب‪ ،‬والمساندة العظيمة‬ ‫لألم‪ ،‬وتكاتف أفراد األسرة‪.‬‬ ‫سارت األمور على هذا النحو حتى تخرّج‬ ‫فهاد من المرحلة الدراسية المتوسطة‪ .‬ورغم‬ ‫تفوقه الدراسي‪ ،‬فقد اتخذ قرارًا مصيريًا بعدم‬ ‫إكمال المرحلة الثانوية‪ ،‬ليس تقاعسً ا وإنما‬ ‫لرغبته في مساعدة األســرة‪ ،‬فشد الرحال‬ ‫إلــى مدينة الــريــاض والتحق بمعهد التربية‬ ‫الفنية على أمل الحصول على مكافأة شهرية‬ ‫أثناء الدراسة‪ ،‬ثم التعيين على وظيفة معلم‬ ‫للتربية الفنية بإحدى مدارس الجوف‪ ،‬قريبًا‬ ‫من أسرته‪ .‬وفي الرياض‪ ،‬وجد الفتى الصغير‬ ‫نفسه غريبًا فــي سكن طالبي داخــلــي يعج‬ ‫بالطلبة القادمين من مختلف مناطق المملكة‪،‬‬ ‫فكان عليه أن يتأقلم مع بيئته الجديدة وأن‬ ‫يجتهد في التحصيل الدراسي‪ ،‬ويحقق الهدف‬ ‫الذي جاء من أجله‪ .‬وبالرغم من أنه لم يكن‬ ‫يميل إلى تخصص التربية الفنية وأن الرسم‬ ‫والتشكيل والفنون لم تكن من ضمن خياراته‬ ‫الدراسية الحقيقية‪ ،‬إال إنه استطاع أن يجتاز‬ ‫بنجاح السنوات الدراسية الثالث‪ ،‬ويحصل‬ ‫على الترتيب األول على طلبة دفعته؛ ولعل‬

‫‪134‬‬

‫العدد ‪73‬‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫هذا هو أحد مفاتيح شخصيته‪ ،‬وهو العمل‬ ‫بدأب لتحقيق غاية مرسومة‪ ،‬طالما أنه اتخذ‬ ‫قرارًا بالسير نحو تلك الغاية‪ ،‬وذلك بصرف‬ ‫النظر عن أي اعتبارات أو مثبطات‪.‬‬ ‫ع ــاد فــهــاد إل ــى الــجــوف وصـــار معلمًا‬ ‫للتربية الفنية فــي الــمــدرســة المتوسطة‬ ‫التي كان قد تخرج منها قبل ثالث سنوات‪،‬‬ ‫وكان بعض زمالئه القدامى ما يزالون في‬ ‫صفوف الدراسة‪ ،‬فوجد نفسه معلمًا لبعض‬ ‫وزميل لبعض أساتذته الذين كانوا‬ ‫ً‬ ‫زمالئه‬ ‫قد درَّســوه في المدرسة نفسها‪ .‬وبعودته‪،‬‬ ‫انفرجت بعض الظروف المعيشية ألسرته‪،‬‬ ‫وكــان أول ما فعله هو أن بنى ألسرته بيتًا‬ ‫بدل من بيت‬ ‫صغيرًا من الطوب اإلسمنتي ً‬ ‫الطين القديم‪ ،‬واستكمل بعض الضروريات‬ ‫التي لم تكن متاحة في البيت القديم‪ .‬لكن‬ ‫ذلك لم يُن ِْسهِ آماله الحقيقية التي تتجاوز‬ ‫الــحــصــول على وظيفة معلم وبــنــاء منزل‬ ‫ألسرته واستكمال بعض الضروريات؛ ولهذا‪،‬‬ ‫ليل‬ ‫قرر أن يستكمل دراسة المرحلة الثانوية ً‬ ‫مع االستمرار في عمله معلمًا نهارًا‪ .‬وألن‬ ‫الجوف لم يكن فيها مدرسة ثانوية ليلية‬ ‫فقد بدأ يــدرس من المنزل بجهده الذاتي‬ ‫ويــؤدي االختبارات مع الطلبة المنتظمين‬ ‫فــي الــمــدرســة إلــى أن حصل على شهادة‬ ‫إتمام دراسة المرحلة الثانوية‪ .‬وهنا‪ ،‬راودته‬ ‫األح ــام القديمة فــي استكمال الــدراســة‬ ‫الجامعية‪ ،‬ولــم يكن بوسعه تــرك وظيفته‬ ‫التي صــارت هي مصدر دخــل األســرة وال‬ ‫السفر إلــى إحــدى المدن التي توجد فيها‬ ‫جامعات فيجمع بين الدراسة والعمل! ومرة‬ ‫أخرى‪ ،‬يلتف فهاد على ظروفه‪ ،‬عندما الحت‬ ‫أمامه فرصة االنتساب إلى جامعة الملك‬

‫قراءات‬


‫عبدالعزيز بجدة طالما أن االنتظام لم يكن‬ ‫متاحً ا له بحكم ظروفه‪.‬‬ ‫مضت أرب ــع ســنــوات شــاقــة تحمّل فيها‬ ‫السفر مـــرارًا بين الــجــوف وج ــدة‪ ،‬وحصل‬ ‫بعدها على درجــة البكالوريوس في اإلدارة‬ ‫العامة بتفوق ودرجة شرف‪ .‬وبحصوله على‬ ‫الشهادة الجامعية وتَحَ سُّ ن أحــوال األســرة‪،‬‬ ‫قرر أن الرحيل قد أزف لمالحقة األحالم‬ ‫التي ما عادت مجرد أحالم‪ ،‬وإنما أصبحت‬ ‫أهــدا ًفــا حقيقية وممكنة‪ ،‬بعد أن استكمل‬ ‫تعليمه الجامعي‪.‬‬ ‫وهــنــا‪ ،‬وضــع الخريج الجامعي الجديد‬ ‫خطوته األول ــى على الطريق ال ــذي طالما‬ ‫تاقت نفسه إلى عبوره واإليغال في المضي‬ ‫فيه‪ ،‬مهما كانت الصعوبات‪ ،‬لكن الخريج‬ ‫الجامعي المتوثب وجد مرة أخرى الكثير من‬ ‫المعوقات بانتظاره‪ ،‬وفي مقدمتها المعوقات‬ ‫البيروقراطية التي منعت نقل خدماته من‬ ‫الجهة الحكومية التي كان يعمل فيها إلى جهة‬ ‫أخرى تتيح له مواصلة الدرب الذي اختاره‪،‬‬ ‫وبعد جهد جهيد ومعاناة شديدة تمكن أخيرًا‬ ‫من الحصول على موافقة وزارة المعارف‬ ‫للنقل منها إلى جهة أخرى‪ ،‬وكانت تلك الجهة‬ ‫هي معهد اإلدارة العامة بالرياض حيث تم‬ ‫تعيينه بوظيفة "مساعد مــدرب" التي تعادل‬ ‫وظيفة "معيد" بالجامعات‪ .‬وتلك كانت لحظة‬ ‫فارقة ج ـدًا في حياة فهاد‪ ،‬إذ وجــد نفسه‬ ‫بعدها في بيئة علمية ذات ثقافة مختلفة عن‬ ‫كل ما عرفه قبل ذلك‪ .‬وقد أتاح له االلتحاق‬ ‫بالمعهد أن يحصل على بعثه دراســيــة إلى‬ ‫الــواليــات المتحدة للحصول على درجَ ـتَــي‬

‫د‪ .‬فهاد معتاد الحمد ود‪ .‬عبدالواحد خالد الحميد‬

‫الماجستير والدكتوراه‪.‬‬ ‫والقصة بعد ذلك تطول‪ ،‬لكن الفتى الذي‬ ‫ولــد ونــشــأ فــي ظ ــروف بالغة الــقــســوة‪ ،‬عاد‬ ‫"دكتورًا" إلى أرض الوطن‪ ،‬وأصبح عضوًا في‬ ‫هيئة التدريب بمعهد اإلدارة العامة ومنسقًا‬ ‫لبعض قطاعاتها إلى أن صدر قرار مجلس‬ ‫ال ـ ــوزراء بتعيينه عــلــى وظــيــفــة نــائــب مدير‬ ‫عــام المعهد للبحوث والمعلومات بالمرتبة‬ ‫الــخــامــســة عــشــرة‪ ،‬ثــم عــض ـوًا فــي مجلس‬ ‫الشورى‪ ،‬ثم مساعدًا لرئيس مجلس الشورى‪،‬‬ ‫وانتهى به المطاف وزيرًا لالتصاالت وتقنية‬ ‫المعلومات‪.‬‬ ‫هكذا مضت األي ــام التي سكب الدكتور‬ ‫فهاد الحمد خالصتها في كتاب شائق أسماه‬ ‫"خالصة األيام" فكانت الخالصة ذوبَ مسيرةٍ‬ ‫ـان انتصر على ظروفه‬ ‫شاقة وحافلة إلنــسـ ٍ‬ ‫وحقق أحالمه وطموحاته‪ ،‬وهو كتابٌ يستحق‬ ‫القراءة والتأمل واالستفادة مما ورد فيه‪.‬‬

‫ * االقتصادي والكاتب‪ ،‬ونائب وزير العمل‪ ،‬وعضو مجلس الشورى‪ ،‬واألستاذ بجامعة الملك فهد للبترول‬ ‫والمعادن (سابقًا)‪.‬‬

‫قراءات‬

‫‪ 73‬العدد‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪135‬‬


‫تقرير النشاط الثقافي‬

‫(يناير ‪ -‬يونيو ‪)2021‬‬

‫في مركز عبدالرحمن السديري الثقافي‬

‫■ محمد صالح أبو عمر‬

‫وتوجه المملكة‬ ‫ّ‬ ‫ترجم مركز عبدالرحمن السديري الثقافي رؤيته‪ ،‬ورسالته‪ ،‬ورغبة قياداته‪،‬‬ ‫العربية السعودية فــي التعامل مــع مستجدات الثقافة السعودية ومتطلباتها‪ ،‬مــن أجــل تجاوز‬ ‫التحدّ يات وتحقيق التطور الثقافي‪ ،‬الــذي يُلبي احتياجات المثقفين والمثقفات السعوديين‬ ‫باختالف تخصصاتهم ومساراتهم اإلبداعية‪.‬‬

‫رقمنة النشاط الثقافي‬ ‫جــاءت «رقمنة فعاليات النشاط الثقافي» سم ًة مميزة له خالل جائحة كورونا‪ ،‬بعد‬ ‫توقف الفعاليات الثقافية الحضورية‪ ،‬وتحولها إلى الفضاء االفتراضي‪ ،‬في المحاضرات‬ ‫والملتقيات والمناشط المختلفة‪ ،‬وحرصا من المركز على استمرار تدفق الينبوع الثقافي‬ ‫من المركز وفروعه المختلفة والتي تمثل النقلة النوعية في الحراك الثقافي الوطني إحدى‬ ‫أهم مظاهر التحول التنموي والحضاري الكبير‪ ،‬الذي تشهده المملكة منذ إطالق رؤيتها‬ ‫الطموحة «المملكة ‪.»2030‬‬ ‫ومما ال شك فيه أن الثقافة الرقمية قد وسَّ عت خبرات المتعلمين‪ ،‬وأسهمت في إضافة‬ ‫موسوعة من المفاهيم والمعارف إلى عالمهم‪ ،‬فتجاوزوا بذلك الحدود الجغرافية والزمانية‬ ‫نحو ثقافة الشعوب األخرى‪ ،‬إال إنها وضعت المحاضر‪ ،‬والمدرب‪ ،‬والمعلم أمام تحدٍّ كبير‬ ‫نحو تطوير مهاراته الرقمية والتدريب المستمر عليها‪ ،‬وعلى األنظمة التقنية المختلفة‬ ‫فاعل في المنظمة التعليمية‪ .‬وأخيرًا‪ ،‬وليس آخرًا‪ ،‬ال‬ ‫ً‬ ‫والبرامج ووسائلها ليصبح عضوًا‬ ‫بد أن يملك جميع أفراد المجتمع الوعي الكافي نحو الثقافة الرقمية وكيفية توظيفها في‬ ‫مؤسساتنا الثقافية والتعليمية بما يضمن جودة التعليم والتحسين المستمر في المخرجات‪.‬‬ ‫وخالل األشهر الستة الماضية (يناير ‪ -‬يونيو ‪٢٠٢١‬م)‪ ،‬كانت أبرز المحاضرات واللقاءات‬ ‫والملتقيات في المركز على النحو اآلتي‪:‬‬

‫‪136‬‬

‫العدد ‪73‬‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫تقارير‬


‫أوال‪ :‬المحاضرات والبرامج العامة‪:‬‬ ‫النشاط‬ ‫م‬ ‫‪ 1‬محاضرة‪( :‬املهارات القيادية ورؤية ‪2030‬م‬ ‫‪ 2‬محاضرة‪( :‬اإلنتاجية الشخصية)‬

‫التاريخ‬ ‫المشاركين‬ ‫‪2021/01/10‬م‬ ‫د‪ .‬رغد صالح املبيض‬ ‫أ‪ .‬رغد الصالح املبيض‪ ،‬وأدارها ‪2021/10/10‬م‬ ‫اإلعالمي‪/‬محمد هليل الرويلي‬ ‫‪2021/1/13‬م‬ ‫أ‪ .‬نورة السهلي‬

‫‪4‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪2021/1/18‬م‬ ‫املعلم‪ :‬محمد صالح أبو عمر‬ ‫املدربة‪ :‬مشاعل العليان‪ ،‬وأدارتها ‪2021/1/20‬م‬ ‫أ‪ .‬مجد الغميز‬ ‫أ‪ .‬عبداحلكيم اخلالدي‪ ،‬رئيس قطاع ‪2021/1/25‬م‬ ‫السلوك التنظيمي ‪ -‬معهد اإلدارة العامة‪،‬‬ ‫وأدارها‪ :‬أ‪ .‬سلمان الغشم‪،‬‬

‫‪3‬‬

‫‪6‬‬

‫محاضرة‪( :‬تطوير أداء معلمات رياض‬ ‫األطفال)‪،‬‬ ‫محاضرة‪( :‬تبسيط القواعد النحوية ‪)2‬‬ ‫محاضرة‪( :‬لون حياتك) التفكير اإليجابي‬ ‫ودوره يف النجاح‪،‬‬ ‫محاضرة‪( :‬إدارة النزاعات بني األفراد)‬

‫مستشار قانوني ملجموعة سلطان للمحاماة‬

‫‪ 7‬محاضرة‪( :‬تقدير الذات وبناء شخصية االبن) د‪ .‬عبداهلل احلسني‪،‬‬ ‫‪8‬‬ ‫‪9‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪11‬‬ ‫‪12‬‬ ‫‪13‬‬ ‫‪14‬‬ ‫‪15‬‬ ‫‪16‬‬ ‫‪17‬‬ ‫‪18‬‬ ‫‪19‬‬ ‫‪20‬‬ ‫‪21‬‬ ‫‪22‬‬ ‫‪23‬‬ ‫‪24‬‬ ‫‪25‬‬

‫املشرف العام على التعليم والتدريب يف‬ ‫جمعية عيون اخليرية‬

‫برنامج حتليل رسومات األطفال‬ ‫برنامج (مبادرة الطريقة الصحيحة لتأسيس‬ ‫طفلك)‬ ‫‪2021/1/21‬م‬ ‫املدرب‪ :‬عبدالعزيز احلجوري‬ ‫برنامج (مهارات إدارية ‪)2030‬‬ ‫‪2021/2/13‬م‬ ‫أ‪ .‬محمد صالح أبو عمر‬ ‫محاضرة‪( :‬صحح أخطاءك يف الهمزات)‬ ‫‪2021/2/17‬م‬ ‫محاضرة‪( :‬أساليب تربية األطفال يف اإلسالم) أ‪ .‬نورة السهلي‪،‬‬ ‫وأدارتها‪ :‬أ‪ .‬ناهد جعفر‬ ‫‪2021/2/28‬م‬ ‫د‪ .‬خالد الظاهري‪،‬‬ ‫محاضرة‪( :‬أخالقيات القيادة التربوية)‬ ‫وأدارها‪ :‬أ‪ .‬محمد هليل‬ ‫‪2021/2/2‬م‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬زيدان كفايف‬ ‫محاضرة‪( :‬تاريخ شبه اجلزيرة العربية)‬ ‫محاضرة‪( :‬السياحة الريفية ‪-‬الغاط‬ ‫أمنوذجا) د‪ .‬سلمان بن عبدالرحمن السديري ‪2021/2/16‬م‬ ‫ً‬ ‫محاضرة‪( :‬السرطان بني إرث املاضي‬ ‫د‪ .‬عاصم منصور‪ ،‬الرئيس التنفيذي ‪2021/1/17‬م‬ ‫وحتديات احلاضر واملستقبل)‬ ‫ملركز احلسني للسرطان باألردن‬ ‫‪2021/2/3‬م‬ ‫معلمات ابتدائية الرحمانية‬ ‫برنامج‪( :‬اعرف حقك)‬ ‫‪2021/2/8‬م‬ ‫معلمات ابتدائية الرحمانية‬ ‫برنامج‪( :‬اإلدارة الذاتية الناجحة)‬ ‫‪2021/2/9‬م‬ ‫معلمات ابتدائية الرحمانية‬ ‫برنامج‪( :‬مفهوم الصحة)‬ ‫‪2021/2/10‬م‬ ‫معلمات ابتدائية الرحمانية‬ ‫برنامج‪( :‬فن االعتذار)‬ ‫‪2021/2/15‬م‬ ‫برنامج‪( :‬االستراتيجيات الصحيحة للتعلم عن بعد) معلمات ابتدائية الرحمانية‬ ‫‪2021 /2/16‬م‬ ‫برنامج‪( :‬البحث العلمي بني الصناعة واإللهام) معلمات ابتدائية الرحمانية‬ ‫‪2021/2/17‬م‬ ‫برنامج‪( :‬التنمر وكيفية التعامل معه واحلد من انتشاره) معلمات ابتدائية الرحمانية‬ ‫‪2021/2/23‬م‬ ‫معلمات ابتدائية الرحمانية‬ ‫برنامج‪ :‬الكشف املبكر لألطفال‬ ‫‪2021/2/23‬م‬ ‫محاضرة‪( :‬أطفالنا وسلوكهم املرغوب وغير املرغوب) املدربة‪ :‬فوزية احلربي‬

‫تقارير‬

‫المدربة أنوار السهيان‬ ‫أ‪ .‬جميلة الزحيفي‬

‫‪2021 1/31‬م‬ ‫‪2021/1/3‬م‬ ‫‪2021/1/21‬م‬

‫‪ 73‬العدد‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪137‬‬


‫أ‪ .‬فيصل العنزي‬

‫‪ 26‬محاضرة‪( :‬حدد مسارك)‬ ‫بالتعاون مع إدارة التدريب والتطوير بتعليم اجلوف‬ ‫‪ 27‬محاضرة‪( :‬مقومات السياحة يف منطقة اجلوف) أ‪ .‬حسني اخلليفة‪،‬‬ ‫وأدارها‪ :‬أ‪ .‬عبدالرحمن البراهيم‬ ‫سمو األمير عبداهلل بن مساعد‪،‬‬ ‫‪ 28‬محاضرة‪( :‬االستثمار الرياضي)‬ ‫وأدراها‪ :‬أ‪ .‬مريح املريح‬ ‫املستشارة‪ :‬إلهام الشريف‬ ‫‪ 29‬محاضرة‪( :‬فن اإلتكيت)‬ ‫د‪ .‬هند احلازمي‬ ‫‪ 30‬محاضرة‪( :‬التفكير الفلسفي)‬ ‫د‪ .‬حنان ونيس الربيع‬ ‫‪ 31‬محاضرة‪( :‬األمم نهج ورسالة)‬ ‫‪ 32‬محاضرة‪( :‬الذكاء االصطناعي ونظم دعم القرار) للمدرب‪ :‬د‪ .‬فهد العضياني‬ ‫أ‪ .‬محمد صالح أبو عمر‬ ‫‪ 33‬محاضرة‪( :‬صحح أخطاءك اإلمالئية ‪)2‬‬ ‫أ‪ .‬سعد خميس الشراري‬ ‫‪ 34‬محاضرة‪( :‬علمني رمضان)‬ ‫‪ 35‬محاضرة‪( :‬السوك الغذائي يف رمضان)‬ ‫األخصائية الغذائية أ‪ .‬نوف الشتيوي‬ ‫‪ 36‬محاضرة‪( :‬الصوم وأثره يف تهذيب النفس)‬ ‫الشيخ‪ :‬عبداحملسن محمد العامر‪،‬‬ ‫‪37‬‬ ‫‪38‬‬ ‫‪39‬‬ ‫‪40‬‬

‫مدير املعهد العلمي بالغاط‬

‫د‪ .‬خالد بن عمر الرديعان‪،‬‬

‫محاضرة‪( :‬وسائل التواصل االجتماعي‬ ‫والشباب)‬ ‫الكابنت‪ :‬عبداهلل الزهراني‬ ‫محاضرة‪( :‬مهارات فن العرض واإللقاء)‬ ‫د‪ .‬ملفي إبراهيم اخلنجر‬ ‫محاضرة‪( :‬هل نحن يف مواجهة «جائحة» من‬ ‫األمراض غير املعدية؟) من مدينة ملبورن بأستراليا‬ ‫محاضرة‪( :‬وقتك الف ّعال)‬ ‫أ‪ .‬فيصل العنزي‪ ،‬مدرب يف إدارة‬ ‫أستاذ علم االجتماع بجامعة امللك سعود‬

‫التدريب واالبتعاث بتعليم اجلوف‬

‫‪ 41‬محاضرة‪( :‬حتليل البيانات وأهميتها يف حياتنا أ‪ .‬عبداهلل الدوسري‬ ‫اليومية) من مدينة واشنطن األمريكية‬ ‫د‪ .‬محمد بن أحمد اجلبالي‪،‬‬ ‫‪ 42‬محاضرة‪( :‬صناعة الترجمة واملترجم)‬ ‫‪ 43‬برنامج (كيف تعد سيرتك الذاتية باحتراف)‬ ‫‪ 44‬برنامج (اإلسعافات األولية للصغار)‬ ‫‪ 45‬برنامج (التسويق واملبيعات)‬

‫مركز الترجمة ‪ -‬جامعة امللك سعود‬

‫‪2021/3/10‬م‬ ‫‪2021/3/22‬م‬ ‫‪2021/3/١٦‬م‬ ‫‪2021/3/11‬م‬ ‫‪2021/3/17‬م‬ ‫‪2021/3/21‬م‬ ‫‪2021/3/ 27‬م‬ ‫‪2021/4/7‬م‬ ‫‪2021/4/18‬م‬ ‫‪2021/4/28‬م‬ ‫‪2021/4/21‬م‬ ‫‪2021/5/25‬م‬ ‫‪2021/6/2‬م‬ ‫‪2021/6/6‬م‬ ‫‪2021/6/16‬م‬ ‫‪2021/6/27‬م‬ ‫‪2021/6/8‬م‬

‫القسم النسائي بدار الرحمانية ‪2021/6/2‬م‬ ‫بالتعاون مع مدينة الغاط الصحية ‪2021/6/9‬م‬ ‫ومستشفى األمير ناصر السديري‪.‬‬ ‫‪،15 ،14‬‬ ‫بالتعاون مع معهد اخلليج‬ ‫‪2021/06/16‬م‬

‫ثانيًا‪ :‬البرامج والفعاليات واألنشطة الموجهة لألطفال‪:‬‬ ‫م‬ ‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪138‬‬

‫النشاط‬ ‫برنامج قصة األسبوع‬ ‫برنامج إعادة التدوير‬ ‫برنامج رسمة ولون‬ ‫حلقات حتفيظ القرآن الكرمي‬ ‫برنامج (اصنعها بنفسك)‬ ‫فوازير رمضان‬

‫العدد ‪73‬‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫المشاركين‬ ‫القسم النسائي بدار الرحمانية‬ ‫القسم النسائي بدار الرحمانية‬ ‫القسم النسائي بدار الرحمانية‬ ‫القسم النسائي بدار الرحمانية‬ ‫القسم النسائي بدار الرحمانية‬ ‫القسم النسائي بدار الرحمانية‬

‫التاريخ‬ ‫متجدد أسبوعيًا‬ ‫متجدد أسبوعيًا‬ ‫متجدد أسبوعيًا‬ ‫متجدد أسبوعيًا‬ ‫متجدد أسبوعيًا‬ ‫خالل شهر رمضان‬

‫تقارير‬


‫‪7‬‬ ‫‪8‬‬ ‫‪9‬‬ ‫‪10‬‬

‫القسم النسائي بدار الرحمانية خالل شهر رمضان‬ ‫مسابقة أجمل طبق رمضاني‬ ‫القسم النسائي بدار الرحمانية خالل شهر رمضان‬ ‫مسابقة أفضل ركن استعداد رمضاني‬ ‫عبر حساب الدار بتويتر وصفحة متجدد أسبوعيًا‬ ‫مسابقة دار العلوم (القارئ املبدع)‬ ‫فيس بوك وقناة تليجرام‪.‬‬ ‫انطالق كرنفال الطفل الثقايف يف مركز عبدالرحمن السديري الثقايف مع االلتزام باإلجراءات‬ ‫االحترازية والوقائية مت خالله تنفيذ عدة أركان تعليمية ترفيهية لألطفال‪( :‬ركن املخترع الصغير‪.‬‬ ‫ركن الطني امللون‪ ،‬ركن التركيبات الورقية‪ ،‬ركن الرسم وإعداد التماثيل ثالثية اإلبعاد)‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬الدورات التدريبية والتعليمية وورش العمل والمسابقات واللقاءات والمبادرات‪:‬‬ ‫م‬ ‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪7‬‬ ‫‪8‬‬ ‫‪9‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪11‬‬ ‫‪12‬‬ ‫‪13‬‬ ‫‪14‬‬ ‫‪15‬‬ ‫‪16‬‬ ‫‪17‬‬ ‫‪18‬‬ ‫‪19‬‬ ‫‪20‬‬ ‫‪21‬‬ ‫‪22‬‬

‫المشاركين‬ ‫النشاط‬ ‫إنشاء فرصة تطوعية ملتطوعات مكتبة منيرة امللحم مشرفات مكتبة منيرة الملحم‬ ‫ملبادرة (انطالقة) عبر منصة العمل التطوعي‬ ‫‪2021/1/3‬م‬ ‫املدربة‪ :‬أنوار السهيان‬ ‫إقامة برنامج حتليل رسومات األطفال‬ ‫‪2021 /1/6-1‬م‬ ‫باملشاركة مع جلنة التنمية‬ ‫مهرجان (شتاء الغاط ومنتجو الغاط)‬ ‫االجتماعية األهلية بالغاط‬ ‫‪2021/ 1/6-1‬م‬ ‫مسابقة ثقافية يومية يف ركن املركز خالل مهرجان شتاء الغاط‬ ‫إقامة فريق رايدرز القصيم (الدرجات النارية) برنامج تكرمي لألعضاء املشاركني ‪2021/1/2‬م‬ ‫يف اجلولة من منطقة الشرقية والرياض والقصيم‬ ‫دورة (دراسة اجلدوى السوقية والتسويقية) حاضنة رياديات مركز عبدالرحمن السديري ‪2021/1/5‬م‬ ‫دورة‪( :‬ويبنار استثمري يف نفسك)‬ ‫حاضنة رياديات مركز عبدالرحمن السديري ‪2021/1/5‬م‬ ‫‪2021/1/6‬م‬ ‫املدربة‪ :‬أ‪ .‬رباب النهار‬ ‫دورة‪( :‬القراءة الذكية)‬ ‫دورة‪( :‬دراسة اجلدوى السوقية والتسويقية) حاضنة رياديات مركز عبدالرحمن السديري ‪2021/1/5‬م‬ ‫دورة‪( :‬اإلجراءات القانونية الالزمة إلنشاء مشروعك) حاضنة رياديات مركز عبدالرحمن السديري ‪2021/1/6‬م‬ ‫دورة‪( :‬صحافة األعمال الريادية)‬ ‫حاضنة رياديات مركز عبدالرحمن السديري ‪2021/1/10‬م‬ ‫دورة‪( :‬الدراسة املالية)‬ ‫حاضنة رياديات مركز عبدالرحمن السديري ‪2021/1/11‬م‬ ‫دورة‪( :‬إدارة احملتوى على الشبكات االجتماعية) حاضنة رياديات مركز عبدالرحمن السديري ‪2021/1/12‬م‬ ‫دورة‪( :‬التميز يف خدمة العمالء)‬ ‫حاضنة رياديات مركز عبدالرحمن السديري ‪2021/1/13‬م‬ ‫دورة‪( :‬املرأة واالبتكار)‬ ‫حاضنة رياديات مركز عبدالرحمن السديري ‪2021/1/13‬م‬ ‫‪2021/1/20‬‬ ‫دورة‪( :‬مهارات استخدام محرك قوقل سكولر) أ‪ .‬ميعاد الرويلي‬ ‫املهارات اإلبداعية يف رفع مستوى التحصيل أ‪ .‬أريج املطلق وأ‪ .‬منى شكري ‪2021/1/24‬م‬ ‫الدراسي للطالبات‬ ‫لقاء ملتقى القراءة رقم (‪ )38‬بدار ‪2021/1/27‬م‬ ‫عرض كتاب‪( :‬البدايات وما قيل عنها)‬ ‫الرحمانية‬ ‫تأليف‪ :‬أ‪ .‬محمد القشعمي‬ ‫‪2021/1/28‬م‬ ‫أ‪ .‬منى محمد‬ ‫دورة‪( :‬الفهم القرائي)‬ ‫استضافة إدارة املوارد البشرية لعمل املقابالت الوظيفية لبعض شركات منطقة ‪2021/2/3 ،2‬م‬ ‫اجلوف على مسرح دار العلوم‬ ‫دورة‪( :‬الدراسة املالية)‬ ‫حاضنة رياديات مركز عبدالرحمن السديري ‪2021/2/1‬م‬ ‫دورة‪( :‬التسويق الذكي)‬ ‫حاضنة رياديات مركز عبدالرحمن السديري ‪2021/2/1‬م‬

‫تقارير‬

‫التاريخ‬ ‫‪2021/1/3‬م‬

‫‪ 73‬العدد‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪139‬‬


‫‪ 23‬دورة‪( :‬بناء عالمة جتارية نسائية سعودية)‬ ‫‪ 24‬دورة‪( :‬التسويق الذكي)‬ ‫‪ 25‬دورة‪( :‬إدارة املشاريع باستخدام ‪)AGILE‬‬ ‫‪26‬‬ ‫‪27‬‬ ‫‪28‬‬ ‫‪29‬‬ ‫‪30‬‬ ‫‪31‬‬ ‫‪32‬‬ ‫‪33‬‬ ‫‪34‬‬

‫دورة‪( :‬ما الذي يتوجب على رياديي األعمال‬ ‫معرفته عن املستثمر املالئكي؟)‬ ‫دورة‪( :‬طرق متويل املشاريع الريادية)‬ ‫دورة‪( :‬حديث رياديات)‬ ‫مبادرة‪( :‬نأتي إليك)‪ ،‬زيارة األحوال املدينة‬ ‫يف سكاكا للقسم النسائي لتقدمي اخلدمات‬ ‫ملنسوبات املركز‪.‬‬ ‫دورة‪( :‬اإلجراءات القانونية إلنشاء مشروعك الريادي)‬ ‫لقاء‪( :‬املرأة واالستثمار املالئكي)‬ ‫لقاء‪( :‬عالم التجميل)‬ ‫لقاء‪( :‬تنسيق األزياء وتناغم املظهر)‬ ‫دورة‪( :‬أساسيات ومبادئ االستثمار)‬ ‫ضمن البرامج املشتركة مع جامعة اجلوف‬

‫‪ 35‬دورة‪( :‬التخطيط وإدارة مرحلة التقاعد)‬ ‫ضمن البرامج املشتركة مع جامعة اجلوف‬ ‫‪ 36‬دروة‪( :‬مهارات السكرتارية وإدارة املكاتب)‬ ‫ضمن البرامج املشتركة مع جامعة اجلوف‬ ‫‪37‬‬ ‫‪38‬‬ ‫‪39‬‬ ‫‪40‬‬ ‫‪41‬‬ ‫‪42‬‬ ‫‪43‬‬ ‫‪44‬‬ ‫‪45‬‬ ‫‪46‬‬ ‫‪47‬‬ ‫‪48‬‬ ‫‪49‬‬

‫‪140‬‬

‫حاضنة رياديات مركز عبدالرحمن السديري ‪2021/2/2‬م‬ ‫حاضنة رياديات مركز عبدالرحمن السديري ‪2021/2/2‬م‬ ‫حاضنة رياديات مركز عبدالرحمن السديري ‪-11 ،10 ،9‬‬ ‫‪2021-02‬‬ ‫حاضنة رياديات مركز عبدالرحمن السديري ‪-١٦ ،11‬‬ ‫‪2021/2/١٧‬م‬ ‫حاضنة رياديات مركز عبدالرحمن السديري ‪2021/2/16‬م‬ ‫حاضنة رياديات مركز عبدالرحمن السديري ‪2021/2/17‬م‬ ‫‪2021/2/21‬م‬ ‫تقدمها وكالة وزارة الداخلية‬ ‫لألحوال املدنية‬ ‫حاضنة رياديات مركز عبدالرحمن السديري ‪2021/2/22‬م‬ ‫حاضنة رياديات مركز عبدالرحمن السديري ‪2021/2/23‬م‬ ‫حاضنة رياديات مركز عبدالرحمن السديري ‪2021/2/23‬م‬ ‫حاضنة رياديات مركز عبدالرحمن السديري ‪2021/2/24‬م‬ ‫د‪ .‬محي الدين محمد‬ ‫‪،15‬‬ ‫‪2021/3/16‬م‬ ‫املدرب‪ :‬د‪ .‬أسامة محمد أحمد عناد ‪2021/3/23‬م‬

‫د‪ .‬محمد رشدي أحمد‬ ‫عن بعد ‪، 29‬‬ ‫‪2021/3/30‬م‬ ‫‪2021/3/1‬م‬ ‫للمدربة‪ :‬أ‪ .‬فاطمة با أسعد‬ ‫أمسية أسرية (كيف يصبح طفلي قياديا؟)‬ ‫حاضنة رياديات مركز عبدالرحمن السديري ‪2021/3/2‬م‬ ‫لقاء (الريادة النسائية يف املجاالت التقنية)‬ ‫‪2021/3/11‬م‬ ‫مبادرة‪( :‬الطريقة الصحيحة لتأسيس طفلك) أ‪ .‬جميلة الزحيفي‬ ‫حاضنة رياديات مركز عبدالرحمن السديري ‪2021/3/11‬م‬ ‫دورة‪( :‬إدارة وتنظيم املشروع الريادي)‬ ‫حاضنة رياديات مركز عبدالرحمن السديري ‪2021/3/16‬م‬ ‫مبادرة (تعريف على سوقك ‪)٢‬‬ ‫حاضنة رياديات مركز عبدالرحمن السديري ‪2021/3/17‬م‬ ‫دورة (منوذج العمل التجاري)‬ ‫حاضنة رياديات مركز عبدالرحمن السديري ‪2021/3/17‬م‬ ‫لقاء (الفرص الريادية يف مجال االزياء)‬ ‫‪2021/3/21‬م‬ ‫مبادرة‪ :‬بتحصيلي أرتقي ملادتي (األحياء‪ ،‬وعلم معلمات مدرسة الرحمانية‬ ‫البيئة)‪.‬‬ ‫حاضنة رياديات مركز عبدالرحمن السديري ‪2021/3/22‬م‬ ‫دورة‪( :‬إعداد خطة عمل مشروعك)‬ ‫دورة‪( :‬أطلقي مشروعك الريادي يف األزياء‪ ،‬حاضنة رياديات مركز عبدالرحمن السديري ‪2021/3/22‬م‬ ‫التجميل‪ ،‬املجوهرات‪ ،‬التعليم والثقافة)‬ ‫‪2021/3/23‬م‬ ‫أمسية أسرية‪( :‬مهارات التعامل بني الزوجني) املدربة‪ :‬أ‪ .‬فاطمة باسعد‪.‬‬ ‫حتت رعاية أ‪ .‬د‪ .‬مشاعل بنت عبداحملسن السديري‪ ،‬أقيم حفل تخرج حافظات ‪2021/3/23‬م‬ ‫القرآن الكرمي يف حديقة دار العلوم‬ ‫‪2021/3/30‬م‬ ‫أمسية أسرية‪( :‬فنون التعامل مع كبار السن) املدربة‪ :‬أ‪ .‬فوزية احلربي‬ ‫بالتعاون مع جمعية سوار للتنمية األسرية‬

‫العدد ‪73‬‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫تقارير‬


‫‪50‬‬ ‫‪51‬‬ ‫‪52‬‬ ‫‪53‬‬ ‫‪54‬‬ ‫‪55‬‬ ‫‪56‬‬ ‫‪57‬‬ ‫‪58‬‬ ‫‪59‬‬ ‫‪60‬‬ ‫‪61‬‬ ‫‪62‬‬ ‫‪63‬‬ ‫‪64‬‬ ‫‪65‬‬ ‫‪66‬‬ ‫‪67‬‬ ‫‪68‬‬ ‫‪69‬‬ ‫‪70‬‬

‫مناقشة كتاب‪( :‬تصريف كسيدة وفكري كرجل) ملتقى القراءة مبكتبة منيرة امللحم ‪2021/3/31‬م‬ ‫حتت رعاية أ‪ .‬د‪ .‬مشاعل عبداحملسن السديري أقيم حفل تكرمي أطفال مبادرة ‪2021/4/1‬م‬ ‫(الطريقة الصحية لتأسيس طفلك)‪.‬‬ ‫‪2021/4/5‬م‬ ‫زيارة القائمة بأعمال سفارة الواليات املتحدة األمريكية لدى اململكة مارتينا‬ ‫سترونغ‪ ،‬والوفد املرافق لها ملركز عبدالرحمن السديري الثقايف‪ ،‬حيث كان يف‬ ‫استقبالهم املدير العام‪ ،‬وقدم شرح عن املركز وأهدافه وأنشطته وبرنامج النشر‪.‬‬ ‫حاضنة رياديات مركز عبدالرحمن السديري ‪2021/4/13‬م‬ ‫دورة (كيف نبدأ يف التجارة االلكترونية)‬ ‫دورة (تأسيس املتاجر االلكترونية وتشغليها) حاضنة رياديات مركز عبدالرحمن السديري ‪2021/3/17‬م‬ ‫حاضنة رياديات مركز عبدالرحمن السديري ‪2021/4/17‬م‬ ‫دورة (إدارة اجلودة يف املشروع)‬ ‫دورة (إيجاد املوردين واالستيراد والشحن)‬ ‫حاضنة رياديات مركز عبدالرحمن السديري ‪2021/4/18‬م‬ ‫حاضنة رياديات مركز عبدالرحمن السديري ‪2021/4/20‬م‬ ‫دورة (إدارة اجلودة يف املشروع)‬ ‫حاضنة رياديات مركز عبدالرحمن السديري ‪2021/4/21‬م‬ ‫دورة‪( :‬أسرارمشاريع تطبيقات اجلوال)‬ ‫‪2021/5/2‬م‬ ‫ندوة خط التابالين (والبعد التنموي والثقايف) هيئة التراث‬ ‫لقاء (حتقيق االستقرار للمنشآت الصغيرة) حاضنة رياديات مركز عبدالرحمن السديري ‪2021/5/5‬م‬ ‫‪2021/5/20‬م‬ ‫عقد االجتماع السنوي للمجلس الثقايف بحضور سعادة مساعد املدير العام أ‪.‬‬ ‫د‪.‬مشاعل بنت عبداحملسن السديري‪ ،‬ومشرفة القسم النسائي أ‪ .‬حكيمة الرويلي‪،‬‬ ‫وعضوات املجلس‪ ،‬وذلك لعرض خطة األنشطة للعام ‪2022- 2021‬م‬ ‫اجتماع مشرفة القسم النسائي مع أمينة املكتبة وقائدة فريق السديري التطوعي‪2021/5/24 ،‬م‬ ‫وأعضاء من الفريق للتجهيز واالستعداد النطالق كرنفال الطفل الثقايف‪.‬‬ ‫‪2021/5/24‬م‬ ‫اجتماع سعادة مساعدة املدير العام أ‪ .‬د‪ .‬مشاعل السديري‪ ،‬ومشرفة القسم‬ ‫النسائي أ‪ .‬حكيمة الرويلي مع أ‪ .‬مهند الهادي ملناقشة مبادرة (أواصر)‪.‬‬ ‫‪2021/5/24‬م‬ ‫اجتماع مشرفة القسم النسائي ورئيسة الفريق الكشفي مع أعضاء الفريق‬ ‫الكشفي للتعريف بأساسيات الكشافة والتدريب على الصياحات الكشفية وآلية‬ ‫املشاركة بكرنفال الطفل الثقايف‪.‬‬ ‫حاضنة رياديات مركز عبدالرحمن السديري ‪2021/6/1‬م‬ ‫لقاء‪( :‬بزنس تو بزنس الزهور)‬ ‫لقاء‪( :‬ضبط اإلدارة املالية للمنشآت الناشئة) حاضنة رياديات مركز عبدالرحمن السديري ‪2021/6/8‬م‬ ‫لقاء‪( :‬الكشف عن وجود أرباح الشركات والتعرف حاضنة رياديات مركز عبدالرحمن السديري ‪2021/6/22‬م‬ ‫على األرباح احلقيقية واألرباح الدفترية الوهمية)‬ ‫حاضنة رياديات مركز عبدالرحمن السديري ‪2021/6/22‬م‬ ‫لقاء‪( :‬نظام العمل والعمال)‬ ‫حاضنة رياديات مركز عبدالرحمن السديري ‪2021/6/29‬م‬ ‫لقاء‪( :‬إدارة املشاريع التقنية لغير التقنني)‬ ‫لقاء‪( :‬تصحيح املسار وكشف تكاليف التشغيل اخلفية) حاضنة رياديات مركز عبدالرحمن السديري ‪2021/6/30‬م‬

‫رابعً ا‪ :‬فعاليات وبرامج وملتقيات وندوات مكتبة منيرة الملحم‪:‬‬ ‫م‬

‫النشاط‬

‫‪ 1‬عرض كتاب‪( :‬حركات التجديد يف الشعر‬ ‫السعودي املعاصر ج‪ ،1‬ج‪.)2‬‬

‫المشاركين‬ ‫ملتقى كنوز مكتبة منيرة امللحم‬

‫‪ 2‬عرض كتاب‪( :‬عمل املرأة السعودية يف وسائل اإلعالم‪ ..‬ملتقى كنوز مكتبة منيرة امللحم‬ ‫التحديات واإلجنازات)‪ ،‬وكتاب‪( :‬عيوب املنطق)‪.‬‬

‫تقارير‬

‫التاريخ‬ ‫‪٢٠٢١/١/١٠-٣‬م‬ ‫‪-١٧‬‬ ‫‪٢٠٢١/١/٢٤‬م‬

‫‪ 73‬العدد‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪141‬‬


‫‪ 3‬عرض قصص‪( :‬الثعلب املكار والكنز)‪( ،‬الذئب ملتقى القراءة اجلهرية حكايا‬ ‫عبر سناب شات املكتبة‬ ‫احملتال)‪( ،‬الشبل أرنوب)‪( ،‬األرنب النشط‬ ‫واألرنب الكسول)‪( ،‬بائع اللنب)‪( ،‬اهلل يرانا)‪،‬‬ ‫(صاحب الرائحة الطيبة)‬

‫‪،١٨ ،١١ ،٤‬‬ ‫‪٢٠٢١/١/٢٠‬م‬

‫‪ 4‬ورشة‪( :‬التثقيف املالي)‪.‬‬

‫جلنة التنمية املجتمعية النسائية ‪٢٠٢١/١/٢٠‬م‬ ‫بالرياض وبرنامج إجفند‬

‫‪ 5‬برنامج‪( :‬مفهوم الصحة)‬

‫ماي أسوسيوباني‬

‫‪٢٠٢١/١/٢٦‬م‬

‫‪ 6‬برنامج صحي‪( :‬ارفع مناعتك)‬

‫حاضنات رياديات مكتبة منيرة امللحم ‪٢٠٢١/١/١٧‬م‬

‫‪ 7‬مبادرة (نبراس املعرفة) والتي تهدف إلى دعم مشرفات مكتبة منيرة الملحم‬ ‫طالبات التعليم بتوفير مصادر التعلم وفتح‬ ‫منصة مدرستي داخل مكتبة منيرة امللحم وهي‬ ‫مستمرة طوال املوسم الدراسي‪.‬‬

‫مستمر‬

‫‪ 8‬مبادرة (انطالقة) والتي تهدف إلى مساعدة أولياء أربع متطوعات‬ ‫األمور إلى تأسيس األبناء يف القراءة الصحية‪.‬‬

‫‪٢٠٢١/١/٤‬م‬

‫‪ 9‬ورش‪( :‬الدراسة التسويقية)‪( ،‬استثمري نفسك)‪( ،‬اإلجراءات القانونية الالزمة‬ ‫إلنشاء مشروعك الريادي)‪( ،‬جلسة إرشادية)‪( ،‬إدارة احملتوى على الشبكات‬ ‫االجتماعية)‪( ،‬التميز يف خدمة األعمال)‪( ،‬الدراسة الفنية)‪.‬‬

‫خالل شهر يناير‬

‫‪ 10‬املشاركة يف مهرجان شتاء الغاط (ركن تعريفي ببرامج وأنشطة املكتبة ‪ -‬سينما‬ ‫خاصة بالطفل لعرض األفالم ذات قيم أخالقية طوال مدة املهرجان)‪.‬‬

‫‪-١٢ ،١٠-٩ ،٦-٥‬‬ ‫‪٢٠٢١/١/١٩ ،١٣‬م‬

‫‪ 11‬مسابقة القراءة والتلخيص الثالثة للفتيات‪.‬‬

‫‪٢٠٢١/١/٦-١‬م‬

‫‪ 12‬عرض كتاب‪( :‬االحتياجات املجتمعية للمرأة يف ملتقى كنوز مكتبة منيرة امللحم‬ ‫محافظة الغاط ج‪.)2‬‬

‫‪٢٠٢١/٢/٧‬م‬

‫‪ 13‬عرض كتب‪( :‬التدريب التشاركي ‪ -‬ملاذا ينفرد‬ ‫اإلنسان بالثقافة؟ ‪ -‬القطيعة يف األدلة األربعة)‪.‬‬

‫ملتقى كنوز مكتبة منيرة امللحم‬

‫‪٢٠٢١/٢/١٤‬م‬

‫‪ 14‬مبادرة‪( :‬نبراس املعرفة) والتي تهدف إلى دعم طالبات التعليم بتوفير مصادر التعلم مستمر طوال‬ ‫وفتح منصة مدرستي داخل مكتبة منيرة امللحم وهي مستمرة طوال املوسم الدراسي‪ .‬الموسم الدراسي‬ ‫‪ 15‬مبادرة‪( :‬انطالقة) والتي تهدف إلى مساعدة أولياء ‪ 4‬متطوعات‬ ‫األمور إلى تأسيس األبناء يف القراءة الصحية‬

‫مستمر لشهر‬ ‫فبراير‬

‫‪ 16‬اختبار املتسابقات يف مسابقة (القراءة والتلخيص االلكترونية الثالثة)‬

‫‪٢٠٢١/٢/٢١‬م‬

‫‪ 17‬ملتقى القراءة (‪ )21‬حضور ًيا يف قهوة زهرة‬ ‫النب مبحافظة الغاط ملتقى القراءة‬ ‫‪ 18‬برنامج‪( :‬البحث العلمي‪ ..‬خطواته وإجراءاته)‬

‫‪٢٠٢١/٣/١٤‬م‬

‫‪ 19‬برنامج‪( :‬الصحة النفسية) بالتعاون مع مركز مايو استيوباثي‬

‫‪٢٠٢١/٣/٢٨‬م‬

‫‪ 20‬برنامج‪( :‬مهارات احلوار يف الطفولة املبكرة)‬

‫‪142‬‬

‫د‪ .‬منى جابر‬

‫‪٢٠٢١/٣/٨‬م‬

‫العدد ‪73‬‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫منظمة األمم المتحدة للتربية والتعليم‬ ‫والعلم والثقافة وأكاديمية الحوار الوطني‬

‫‪٢٠٢١/٣/٢١‬م‬

‫تقارير‬


‫‪،١٥-١٤ ،١١ ،٣‬‬ ‫ناجحا)‪( ،‬منوذج العمل‬ ‫مشروعا‬ ‫‪ 21‬ورش‪( :‬أسرارمشاريع تطبيقات)‪( ،‬كيف تختارين‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫‪-٢١ ،١٨-١٧‬‬ ‫التجاري ودراسة اجلدوى)‪( ،‬إدارة العالمة التجارية اإللكترونية)‪( ،‬تأسيس املتاجر‬ ‫اإللكترونية وتشغيلها)‪( ،.‬إيجاد املوردين واالستيراد والشحن)‪( ،‬إدارة اجلودة يف املشروع) ‪٢٠٢١/٣/٢٣‬م‬ ‫‪ 22‬مبادرة‪( :‬رمضان اخلير) لتوزيع السلة الرمضانية على العمالة يف محافظة الغاط‪٢٠٢١/٤/١ .‬م‬ ‫‪ 23‬برنامج‪( :‬لنكن مسعفني) ملدة ‪ 4‬أيام‪.‬‬

‫‪٢٠٢١/٤/٥‬م‬

‫‪ 24‬مبادرة‪( :‬خذ ابتسامتك) وهي إحدى مبادرات التدريب امليداني‪.‬‬

‫‪٢٠٢١/٤/٦‬م‬

‫‪ 25‬انطالق من مبادرة سمو ولي العهد (السعودية خضراء) نفذ القسم النسائي بدار ‪٢٠٢١/٤/٦‬م‬ ‫الرحمانية مبادرة (لنجعلها خضراء) لتشجير منتزه الغاط الوطني‪.‬‬ ‫‪ 26‬برنامج‪( :‬كيف أصنع قائمة تساعدني للحفاظ بالتعاون مع ايو أوستيوباثي‬ ‫على صحتي)‬

‫‪٢٠٢١/٤/٦‬م‬

‫‪ 27‬لقاء‪( :‬حوار مع عاشق اجلبال)‬

‫د‪ .‬عبداهلل القويز‪ ،‬وأدار اللقاء‬ ‫اللواء طيار عبداهلل السعدون‬

‫‪٢٠٢١/٤/٧‬م‬

‫‪ 28‬عرض كتب‪( :‬كبر دماغك) (الدراسات‬ ‫الدبلوماسية) (العمر واإلبداع)‬

‫ملتقى كنوز مكتبة منيرة امللحم‬ ‫عبر سناب شات اخلاص باملكتبة‬

‫خالل شهر مايو‬

‫‪ 29‬عرض كتب‪( :‬فضل وآداب ليلة األقدر)‪( ،‬قلعة ملتقى القراءة اجلهرية حكايا‬ ‫اللصوص)‪( ،‬الرفق باحليوان)‪( ،‬سارق اجلزر) عبر سناب شات اخلاص باملكتبة‬

‫خالل شهر مايو‬

‫‪ 30‬ورش‪( :‬حتقيق االستقرار للمنشآت الصغيرة)‪( ،‬كيف أصنع خطة استراتيجية)‪( ،‬تخطيط ‪٢٠٢١/٥/٢٦ ،٥‬م‬ ‫احلماالت االعالنية)‪( ،‬جتارب واقعية يف البزنس)‪( ،‬ضبط اإلدارة املالية للمنشآت‬ ‫الناشئة)‪( ،‬نظام التجارة اإللكترونية)‪( ،‬امللكية الفكرية)‪( ،‬خطط ملشروعك بسهولة)‪،‬‬ ‫(تسويق)‪( ،‬نظام العمل والعمال)‪( ،‬الكشف عن وجود أرباح الشركات والتعرف على األرباح‬ ‫احلقيقية واألرباح الدفترية «الوهمية»)‪( ،‬إدارة املشاريع التقنية لغير التقنني)‪( ،‬تصحيح‬ ‫املسار وكشف تكاليف التشغيل اخلفية)‪ ،‬حاضنات رياديات مكتبة منيرة امللحم‬ ‫‪ 31‬دورة‪( :‬تأسيس اللغة اإلجنليزية) لألطفال‬

‫معهد اخلليج للنساء‬

‫‪٢٠٢١/٦/٢٠‬م‬

‫‪ 32‬برنامج‪( :‬كيف تعد سيرتك الذاتية باحتراف؟) حاضنات رياديات مكتبة منيرة امللحم ‪٢٠٢١/٦/٢٠‬م‬ ‫‪ 33‬برنامج‪( :‬اإلسعافات األولية للصغار)‬ ‫‪ 34‬برنامج‪( :‬التسويق واملبيعات) ملدة ‪ ٣‬أيام‬

‫مدينة الغاط الصحية ومستشفى ‪٢٠٢١/٦/٩‬م‬ ‫األمير ناصر السديري‬ ‫معهد اخلليج‬

‫‪٢٠٢١/٦/١٤‬م‬

‫‪ 35‬برنامج‪( :‬رحلة سياحية داخل احملافظة ألطفال نادي مكتبة منيرة امللحم الصيفي ‪٢٠٢١/٦/١٦‬م‬ ‫ومتطوعات) زار فيها األطفال متحف الغاط‬ ‫ونادي احلمادة الرياضي‬ ‫‪ 36‬برنامج سينما العائلة ومت عرض فلم (‪Dora‬‬ ‫‪.)and the lost city of gold‬‬

‫‪ 37‬برنامج‪( :‬األمن والسالمة للصغار) وتعرف‬ ‫األطفال على أهمية الدفاع املدني وكيف‬ ‫يتعامل أبطال الدفاع مع احلاالت الطارئة‬

‫نادي مكتبة منيرة امللحم الصيفي ‪٢٠٢١/٦/٢٣‬م‬ ‫الدفاع املدني‬

‫‪٢٠٢١/٦/٣٠‬م‬

‫‪ 38‬برنامج‪( :‬املهارات املفيدة التي تساعد األطفال نادي مكتبة منيرة امللحم الصيفي خالل شهر يونيو‬ ‫على ممارسة أنشطة تنموية متنوعة)‬

‫تقارير‬

‫‪ 73‬العدد‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪143‬‬


‫الـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـح ـ ـ ــة األخ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــرة‬

‫بين‬ ‫بورخيس‬ ‫وساباتو‬ ‫صالح القرشي‬

‫يجمع الصحافي األرجنتيني أورالندو بارون بين عمالقين‬ ‫هما خورخي لويس بورخيس‪ ،‬وإرنستو ساباتو في محاورات‬ ‫بوينس آيرس‪ ،‬الكتاب الذي نشرته دار شهريار بترجمة أحمد‬ ‫الويزي‪.‬‬ ‫يتحدث أورالندو بارون عنهما قائال‪ :‬حينما أنظر اليهما‬ ‫أدرك بأنهما ليسا من الجهة نفسها‪ ،‬ال أقصد الشارع أو‬ ‫الحيّ ‪ ،‬وإنما الكون‪ ،‬ليس بمستطاع بورخيس أبدًا كتابة مالك‬ ‫العتمات‪ ،‬كما أن ليس بمقدور ساباتو كذلك أن يكتب ألف‪.‬‬ ‫ولعل بارون يشير هنا بشكل ما إلى اختالفهما السياسي‬ ‫العميق‪ ،‬مما جعلهما يشترطان بداية أال تشمل هذه الحوارات‬ ‫أي خوض في السياسة‪ ،‬وهو األمر الذي يعتقد ساباتو أنه‬ ‫في غاية الصعوبة‪.‬‬ ‫يتحدثان عن األحالم‪ :‬يقول ساباتو‪ :‬يمكن في المقابل أن‬ ‫يكون الحلم كاألدب تمامًا‪ ،‬فهو أشد اقناعً ا من الواقع‪.‬‬

‫فيرد بورخيس‪ :‬إن الحلم هو شكل من أشكال‬ ‫النسيان‪ ،‬ثم يستطرد‪ :‬من دون األحالم‪ ،‬والخيال‪،‬‬ ‫سيحل بنا اليأس والجنون‪ ..‬فطور غداء عشاء‬ ‫شاي‪ ،‬ثم فطور غداء عشاء من غير طبق آخر‬ ‫فيه أحالم‪ ،‬الشك أن األمر سيكون غير محتمل‪.‬‬

‫جدًا من األدبية‪ ،‬ومن الصنعة اللغوية‪ ،‬وتعتمد‬ ‫في جوهرها على البناء اللفظي الخالص! فأي‬ ‫معنى يتحصل إذن‪ ،‬بعد نقلها إلى السينما؟ ثم إن‬ ‫لفظة «نقل» نفسها‪ ،‬تبدو في غاية من المخادعة‪.‬‬

‫يعلق بورخيس ضاحكًا‪ :‬مــا عــدا حين يتم‬ ‫وعن األدب والسينما يقول بورخيس‪ :‬اتصل‬ ‫بي أحدهم حديثًا‪ ،‬بغية تحويل قصة الميت إلى إعدادها من طرف من حاول عبثًا أن يقرأ رواية‬ ‫جويس فلم يفلح في فهمها‪.‬‬ ‫فيلم سينمائي‪.‬‬ ‫نصحت المنتجين بــعــدم احــتــرام القصة‪،‬‬ ‫وذكّرتهم بأن األدب شيء والسينما شيء آخر؛‬ ‫وأنه يتعين عليهم أال يفرطوا في التمسك بالنص‬ ‫حرفيًا‪ .‬كما ألححت على هذه النقطة بالذات‪:‬‬ ‫اعتماد القصة منطلقًا ال أقل وال أكثر‪ ،‬وترك‬ ‫المخيلة حــر ًة بعد ذلك تحلق في دنيا اإلبــداع‬ ‫يتحدثان عن الترجمة‪ ،‬وكيف أنها أحيانًا‬ ‫كيفما تشاء‪ .‬وطلبت منهم كذلك أال يشيروا إلى عبرت بشعراء ونصوص إلى أفق أوسع‪.‬‬ ‫اسمي‪ ،‬وال حتى االكتفاء بمجرد ذكر أن «هذا‬ ‫يتحدثان عن الكتابة والكتب‪ ،‬عن القصة‬ ‫الفيلم مستوحى من قصة الميت»‪.‬‬ ‫والرواية‪ ،‬والسينما والشعر‪ ،‬عن نفسيهما‪ ،‬وعن‬ ‫يعلق ساباتو‪ :‬نقل األدب إلى السينما عملية‬ ‫محفوفة بالكثير من المخاطر‪ .‬أتذكر الفيلم نوبل‪ ،‬وعــن اآلخــريــن‪ .‬مــحــاورات بوينس أيرس‬ ‫ال ــذي أنــجــز انــطــا ًقــا مــن أولــيــســس لجيمس ممتعة لمن أحب وقرأ بورخيس وساباتو‪ ،‬وأحب‬ ‫جويس‪ .‬هذه الرواية التي كتبت على درجة عالية الكتب مثلهما!‬

‫في المحاورات‪ ،‬يعترف بورخيس أنه لم يقرأ‬ ‫للروائيين من أمريكا الالتينية‪ .‬يقول‪ :‬عندما‬ ‫سأله ساباتو عن بعض األســمــاء‪ :‬أنــا في هذه‬ ‫المسألة أتمسك بجهلي الذريع!‬

‫* كاتب سعودي‪.‬‬

‫‪144‬‬

‫العدد ‪73‬‬ ‫خريف ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫الصفحة األخيرة‬


‫من إصدارات اجلوبة‬

‫¦ محور خاص ‪ :‬جدلية الوقت والكتابة‬ ‫¦ نصوص جديدة ونوافذ‬ ‫¦ رحلة الشتاء بني الدخول وحومل‬ ‫¦ مواجهات‪ :‬أحمد فضل شبلول‪،‬‬ ‫محمود خيراهلل‪ ،‬خالد عبدالكرمي احلَمْ د‪.‬‬

‫ﺑﺮﻋﺎﻳﺔ ﺳﻤﻮ وﻟﻲ اﻟﻌﻬﺪ‬

‫ﺳﻤﻮ وزﻳﺮ اﻟﻄﺎﻗﺔ ﻳﻔﺘﺘﺢ ﻣﺸﺮوع‬ ‫ﻣﺤﻄﺔ ﺳﻜﺎﻛﺎ ﻟﻠﻄﺎﻗﺔ اﻟﺸﻤﺴﻴﺔ‬

‫‪71‬‬


‫من إصدارات برنامج النشر في‬ ‫صدر حديثً ا‬


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.