75 Joba مجلة الجوبة Aljoubah

Page 1

‫¦رائدات عربيات في الفن التشكيلي‪.‬‬ ‫¦كورونا وراء ظهورنا‪.‬‬ ‫وحيدا‪.‬‬ ‫ً‬ ‫¦قراءات ‪ :‬توقف عن البقاء‬ ‫¦تنمية شخصية الطالب الجامعي‪.‬‬ ‫¦مواجهات‪.‬‬ ‫¦نصوص شعرية‪:‬‬ ‫أحـــمـــد قــــــران‪ ،‬عــمــر بــوقــاســم‪،‬‬ ‫عبدالرحمن موكلي‪ ،‬أحمد البوق‪،‬‬ ‫مـــازن الــيــحــيــا‪ ،‬مسفر الــغــامــدي‪،‬‬ ‫محمد الحرز‪ ،‬عبدالوهاب العريض‪،‬‬ ‫غسان الخنيزي‪ ،‬علي الحازمي‪.‬‬

‫القصيدة الحديثة‬ ‫في المملكة العربية السعودية‬ ‫الكتابة ‪ ..‬الوجود ‪ ..‬المعنى‬

‫‪75‬‬


‫الئحة برنامـج نشر الدراسات واإلبداعـات األدبية والفكرية ودعم‬ ‫البحوث والرسائل العلمية يف مركز عبدالرحمن السديري الثقايف‬ ‫‪ -1‬نشر الدراسات واإلبداعات األدبية والفكرية‬

‫يهتم بالدراسات‪ ،‬واإلبداعات األدبية‪ ،‬ويهدف إلى إخراج أعمال متميزة‪ ،‬وتشجيع حركة‬ ‫اإلبداع األدبي واإلنتاج الفكري وإثرائها بكل ما هو أصيل ومميز‪.‬‬ ‫ويشمل النشر أعمال التأليف والترجمة والتحقيق والتحرير‪.‬‬ ‫مجاالت النشر‪:‬‬ ‫أ ‪ -‬الدراسات التي تتناول منطقة الجوف ومحافظة الغاط في أي مجال من المجاالت‪.‬‬ ‫ب‪ -‬اإلبداعات األدبية والفكرية بأجناسها المختلفة (وفقاً لما هو مب ّين في البند «‪ »٨‬من شروط النشر)‪.‬‬ ‫ج ‪ -‬الدراسات األخرى غير المتعلقة بمنطقة الجوف ومحافظة الغاط (وفقاً لما هو مب ّين في البند «‪ »٨‬من‬ ‫شروط النشر)‪.‬‬ ‫شروطه‪:‬‬ ‫‪ -١‬أن تتسم الدراسات والبحوث بالموضوعية واألصالة والعمق‪ ،‬وأن تكون موثقة طبقاً للمنهجية العلمية‪.‬‬ ‫‪ -٢‬أن تُكتب المادة بلغة سليمة‪.‬‬ ‫‪ -٣‬أن يُرفق أصل العمل إذا كان مترجماً‪ ،‬وأن يتم الحصول على موافقة صاحب الحق‪.‬‬ ‫‪ -٤‬أن تُق ّدم المادة مطبوعة باستخدام الحاسوب على ورق (‪ )A4‬ويرفق بها قرص ممغنط‪.‬‬ ‫‪ -٥‬أن تكون الصور الفوتوغرافية واللوحات واألشكال التوضيحية المرفقة بالمادة جيدة ومناسبة‬ ‫للنشر‪.‬‬ ‫‪ -٦‬إذا كان العمل إبداعاً أدبياً فيجب أن يتّسم بالتم ّيز الفني وأن يكون مكتوباً بلغة عربية‬ ‫فصيحة‪.‬‬ ‫‪ -٧‬أن يكون حجم المادة ‪ -‬وفقاً للشكل الذي ستصدر فيه ‪ -‬على النحو اآلتي‪:‬‬ ‫ الكتب‪ :‬ال تقل عن مئة صفحة بالمقاس المذكور‪.‬‬‫ البحوث التي تنشر ضمن مجالت محكمة يصدرها المركز‪ :‬تخضع لقواعد النشر في‬‫تلك المجالت‪.‬‬ ‫ الكتيبات‪ :‬ال تزيد على مئة صفحة‪( .‬تحتوي الصفحة على «‪ »250‬كلمة تقريباً)‪.‬‬‫‪ -٨‬فيما يتعلق بالبند (ب) من مجاالت النشر‪ ،‬فيشمل األعمال المقدمة من أبناء وبنات‬ ‫منطقة الجوف‪ ،‬إضافة إلى المقيمين فيها لمدة ال تقل عن عام‪ ،‬أما ما يتعلق بالبند (ج)‬ ‫فيشترط أن يكون الكاتب من أبناء أو بنات المنطقة فقط‪.‬‬ ‫‪ -٩‬يمنح المركز صاحب العمل الفكري نسخاً مجانية من العمل بعد إصداره‪ ،‬إضافة إلى‬ ‫مكافأة مالية مناسبة‪.‬‬ ‫‪ -١٠‬تخضع المواد المقدمة للتحكيم‪.‬‬


‫‪ -2‬دعم البحوث والرسائل العلمية‬

‫يهتم بدعم مشاريع البحوث والرسائل العلمية والدراسات املتعلقة مبنطقة اجلوف‬ ‫ومحافظة الغاط‪ ،‬ويهدف إلى تشجيع الباحثني على طرق أبواب علمية بحثية جديدة يف‬ ‫معاجلاتها وأفكارها‪.‬‬ ‫(أ) الشروط العامة‪:‬‬ ‫‪ -١‬يشمل الدعم املالي البحوث األكادميية والرسائل العلمية املقدمة إلى اجلامعات‬ ‫واملراكز البحثية والعلمية‪ ،‬كما يشمل البحوث الفردية‪ ،‬وتلك املرتبطة مبؤسسات غير‬ ‫أكادميية‪.‬‬ ‫‪ -٢‬يجب أن يكون موضوع البحث أو الرسالة متعل ًقا مبنطقة اجلوف ومحافظة الغاط‪.‬‬ ‫‪ -٣‬يجب أن يكون موضوع البحث أو الرسالة جدي ًدا يف فكرته ومعاجلته‪.‬‬ ‫‪ -٤‬أال يتقدم الباحث أو الدارس مبشروع بحث قد فرغ منه‪.‬‬ ‫‪ -٥‬يقدم الباحث طل ًبا للدعم مرف ًقا به خطة البحث‪.‬‬ ‫‪ -٦‬تخضع مقترحات املشاريع إلى حتكيم علمي‪.‬‬ ‫‪ -٧‬للمركز حق حتديد السقف األدنى واألعلى للتمويل‪.‬‬ ‫‪ -٨‬ال يحق للباحث بعد املوافقة على التمويل إجراء تعديالت جذرية تؤدي إلى تغيير‬ ‫وجهة املوضوع إال بعد الرجوع للمركز‪.‬‬ ‫‪ -٩‬يقدم الباحث نسخة من السيرة الذاتية‪.‬‬ ‫(ب) الشروط اخلاصة بالبحوث‪:‬‬ ‫‪ -١‬يلتزم الباحث بكل ما جاء يف الشروط العامة (البند «أ»)‪.‬‬ ‫‪ -٢‬يشمل املقترح ما يلي‪:‬‬ ‫ توصيف مشروع البحث‪ ،‬ويشمل موضوع البحث وأهدافه‪ ،‬خطة العمل ومراحله‪،‬‬‫واملدة املطلوبة إلجناز العمل‪.‬‬ ‫ ميزانية تفصيلية متوافقة مع متطلبات املشروع‪ ،‬تشمل األجهزة واملستلزمات‬‫املطلوبة‪ ،‬مصاريف السفر والتنقل والسكن واإلعاشة‪ ،‬املشاركني يف البحث من‬ ‫طالب ومساعدين وفنيني‪ ،‬مصاريف إدخال البيانات ومعاجلة املعلومات والطباعة‪.‬‬ ‫ حتديد ما إذا كان البحث مدعو ًما كذلك من جهة أخرى‪.‬‬‫(ج) الشروط اخلاصة بالرسائل العلمية‪:‬‬ ‫إضافة لكل ما ورد يف الشروط اخلاصة بالبحوث (البند «ب») يلتزم الباحث مبا يلي‪:‬‬ ‫‪ -١‬أن يكون موضوع الرسالة وخطتها قد أق ّرا من اجلهة األكادميية‪ ،‬ويرفق ما يثبت ذلك‪.‬‬ ‫‪ -٢‬أن يُق ّدم توصية من املشرف على الرسالة عن مدى مالءمة خطة العمل‪.‬‬ ‫الجـوف ‪ 42421‬ص‪ .‬ب ‪ 458‬هاتف‪ 014 6245992 :‬فاكس‪014 6247780 :‬‬ ‫هاتف‪ 016 4422497 :‬فاكس‪016 4421307 :‬‬ ‫الغــاط ‪ 11914‬ص‪.‬ب ‪63‬‬ ‫الرياض ‪ 11614‬ص‪ .‬ب ‪ 94781‬هاتف‪ 011 4999946 :‬جوال‪055 3308853 :‬‬ ‫‪0553308853‬‬

‫‪016 4422 497‬‬

‫‪Alsudairy1385‬‬

‫‪info@alsudairy.org.sa‬‬ ‫‪www.alsudairy.org.sa‬‬

‫‪www.alsudairy.org.sa | info@alsudairy.org.sa‬‬


‫مجلس إدارة مؤسسة عبدالرحمن السديري‬

‫رئيسً ا‬ ‫فيصل بن عبدالرحمن السديري‬ ‫عضوًا‬ ‫سلطان بن عبدالرحمن السديري‬ ‫د‪ .‬زياد بن عبدالرحمن السديري العضو المنتدب‬ ‫عضوًا‬ ‫عبدالعزيز بن عبدالرحمن السديري‬ ‫عضوًا‬ ‫د‪ .‬سلمان بن عبدالرحمن السديري‬ ‫عضوًا‬ ‫د‪ .‬عبدالواحد بن خالد الحميد‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬خليل بن إبراهيم المعيقل‬ ‫عضوًا‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬مشاعل بنت عبدالمحسن السديري عضوًا‬ ‫سلمان بن عبدالمحسن بن محمد السديري عضوًا‬ ‫طارق بن زياد بن عبدالرحمن السديري عضوًا‬ ‫سلطان بن فيصل بن عبدالرحمن السديري عضوًا‬

‫ملف ثقايف ربع سنوي يصدر عن‬ ‫مركز عبدالرحمن السديري الثقافي‬ ‫هيئة النشر ودعم األبحاث‬

‫رئيسً ا‬ ‫د‪ .‬عبدالواحد بن خالد الحميد‬ ‫عضوًا‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬خليل بن إبراهيم المعيقل‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬مشاعل بنت عبدالمحسن السديري عضوًا‬ ‫عضوًا‬ ‫د‪ .‬علي دبكل العنزي‬ ‫عضوًا‬ ‫محمد بن أحمد الراشد‬ ‫أسرة التحرير‬

‫قواعد النشر‬

‫إبراهيم بن موسى احلميد‬ ‫محررا‬ ‫ ‬ ‫محمود الرمحي‬ ‫ً‬ ‫محررا‬ ‫ ‬ ‫محمد صوانة‬ ‫ً‬ ‫اإلخراج الفني‪ :‬خالد الدعاس‬

‫املشرف العام‬

‫‬‪ -1‭‬أن‬ ‪‭‬تكون‬ ‪‭‬املادة‬ ‪‭‬أصيلة‬ ‪.‭‬‬ ‫‪ ‭‬-2‬لم‬ ‪‭‬يسبق‬ ‪‭‬نشرها‬ ‪‭‬ورق ًيا‬ ‪‭‬أو‬ ‪‭‬رقم ًيا‬‪‭.‬‬ ‫‪ ‭‬-3‬تراعي‬ ‪‭‬اجلدية‬ ‪‭‬واملوضوعية‬‪‭.‬‬ ‫‬‪ -4‭‬تخضع‬ ‪‭‬املواد‬ ‪‭‬للمراجعة‬ ‪‭‬والتحكيم‬ ‪‭‬قبل‬ ‪‭‬نشرها‬‪‭.‬‬ ‫‬‪ -5‭‬ترتيب‬ ‪‭‬املواد‬ ‪‭‬يف‬ ‪‭‬العدد‬ ‪‭‬يخضع‬ ‪‭‬العتبارات‬ ‪‭‬فنية‬‪‭.‬‬ ‫‬‪ -6‭‬ترحب‬ ‪‭‬اجلوبة‬ ‪‭‬بإسهامات‬ ‪‭‬املبدعني‬ ‪‭‬والباحثني‪‭‬‬ ‫‬والكتّاب‪‭ ‬ ،‬على‬ ‪‭‬أن‬ ‪‭‬تكون‬ ‪‭‬املادة‬ ‪‭‬باللغة‬ ‪‭‬العربية‬‪‭.‬‬

‫هاتف‪)+966()14(6263455 :‬‬ ‫املراســــــالت‪:‬‬ ‫فاكس‪)+966()14(6247780 :‬‬ ‫ص‪ .‬ب ‪ 458‬سكاكا اجلـوف ‪ -‬اململكة العربية السعودية‬ ‫‪www.alsudairy.org.sa‬‬ ‫‪aljoubahmag@alsudairy.org.sa‬‬ ‫ردمد ‪ISSN 1319 - 2566‬‬

‫سعر النسخة ‪ 8‬رياالت ‪ -‬تطلب من الشركة الوطنية للتوزيع‬ ‫ريال واملؤسسات ‪ً 60‬‬ ‫االشتراك السنوي لألفراد ‪ً 50‬‬ ‫ريال‬

‫‮«‬اجلوبة‬‪‭‬‮»‬ من‬‪‭‬األسماء‬‪‭‬التي‬‪‭‬كانت‬‪‭‬تُطلق‬‪‭‬على‬‪‭‬منطقة‬‪‭‬اجلوف‬‪‭‬ساب ًقا‬‪‭.‬‬

‫املقاالت املنشورة ال تعبر بالضرورة عن رأي املجلة والناشر‪.‬‬

‫يُعنى املركز بالثقافة من خالل مكتباته العامة يف اجلوف والغاط‪ ،‬ويقيم املناشط املنبرية الثقافية‪،‬‬ ‫برنامجا للنشر ودعم األبحاث والدراسات‪ ،‬يخدم الباحثني واملؤلفني‪ ،‬وتصدر عنه مجلة‬ ‫ويتبنّى‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫(أدوماتو) املتخصصة بآثار الوطن العربي‪ ،‬ومجلة (اجلوبة) الثقافية‪ ،‬ويضم املركز كل من‪( :‬دار‬ ‫العلوم) مبدينة سكاكا‪ ،‬و(دار الرحمانية) مبحافظة الغاط‪ ،‬ويف كل منهما قسم للرجال وآخر‬ ‫للنساء‪ .‬ويتم متويل املركز من مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية‪.‬‬

‫‪0553308853‬‬

‫‪1385‬‬

‫‪Alsudairy‬‬


‫العدد ‪ - ٧٥‬ربيع ‪١٤٤٣‬هـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫‪6..........................‬‬ ‫القصيدة الحديثة في المملكة‬ ‫الكتابة‪ ....‬الوجود‪ ....‬المعنى‬

‫‪98.............................‬‬ ‫‪98‬‬ ‫‪.............................‬‬ ‫الناقد األدبي د‪ .‬محمد بن مريسي الحارثي‪:‬‬ ‫«الثقافة السعودية ثقافة كونية إلهية‬

‫الـمحتويــــات‬ ‫االفتتاحية ‪٤ .............................................................................‬‬ ‫القصيدة الحديثة في المملكة العربية السعودية‪6 ....................................‬‬ ‫اإلنصات إلى حفريات نصوص علي الدميني ‪ -‬د‪ .‬هويدا صالح ‪7 ...................‬‬ ‫التجربة الشعرية عند علي الدميني ‪ -‬محمود قنديل ‪12 ..............................‬‬ ‫علــي الدمينــي‪ ..‬الكوكــب العاشــق للوطــن الــذي مضــى لفضــاءات الحريــة ‪ -‬د‪.‬‬ ‫‪16‬‬ ‫سميرة الكناني الزهراني‪....‬‬ ‫تأويــل مــا لــم يُكْتــب للشــاعر أحمــد قـرّان الزهرانــي روح الحداثــة وصــدق المعنــى‪..‬‬ ‫‪19‬‬ ‫ليس ثمّة نهاية للشعر‪ - ..‬د‪ .‬هناء بنت علي البواب‪....‬‬ ‫الشاعر السعودي علي الحازمي رثاء للوجود ومعناه ‪ -‬محمد العامري‪23 .............‬‬ ‫عمر بوقاسم شاعر بين الوزن والنثر الحداثوي ‪ -‬د‪ .‬أحمد العماري‪27 ...............‬‬ ‫سؤا ُل األَنسنة في الشّ عر السّ عودي ‪ -‬د‪ .‬خلدون امنيعم‪29 .............................‬‬ ‫أحمد البوق‪ ...‬شاعر الموسيقى ‪ -‬د‪ .‬انتصار عشا‪32 .................................‬‬ ‫الحداثة وعتبة العنوان عند عبدالوهاب العريض ‪ -‬د‪ .‬سناء العزة ‪34 .................‬‬ ‫الصوت في القصيدة الحديثة في نصوص عبدالرحمن موكلي ‪ -‬أ‪ .‬د‪ .‬محمد البشير‪36 .......‬‬ ‫الرمزية‪ :‬الصوت الخفي الحقيقي للشاعر ‪ -‬مالك الخالدي‪38 .......................‬‬ ‫القصيدة السعودية تتخفّف من عبء الثرثرة‪ ..‬مسفر الغامدي أنموذجً ا ‪ -‬د‪ .‬مهدي العلمي‪40 ......‬‬ ‫القصيدة الحداثية السعودية بين التأثير والتأثر عند الشاعر مازن اليحيا ‪ -‬د‪ .‬فاطمة الشيد‪42 ......‬‬ ‫أحمد المال‪ :‬بين الشعر والسينما ‪ -‬أ‪ .‬د‪ .‬حسين عبدالبصير‪44 ......................‬‬ ‫الشاعر عبداهلل الصيخان‪ :‬ثنائية البداوة والوطن ‪ -‬د‪ .‬يوسف حسن العارف ‪46 .....‬‬ ‫غسان الخنيزي‪ ...‬القلبُ الذي حكى السر ‪ -‬د‪ .‬مجد الشمري ‪50 ....................‬‬ ‫تأويل ما لم يُكتب ‪ -‬أحمد قران الزهراني ‪٥٢ ..........................................‬‬ ‫خياالت‪ ..‬ليست مؤذية ‪ -‬عمر بوقاسم‪٥٤ ..............................................‬‬ ‫األشباه ‪ -‬عبدالرحمن موكلي‪٥٥ ........................................................‬‬ ‫الج َّن ُة أسْ مَى ‪ -‬أحمد إبراهيم البوق ‪٥٦ ................................................‬‬ ‫فو َر ما خطوتُ خارجا ‪ -‬مازن اليحيا ‪٥٧ ...............................................‬‬ ‫هذه األيام ‪ -‬مسفر الغامدي ‪٥٨ ........................................................‬‬ ‫اإلبرة والقاع ‪ -‬محمد الحرز ‪٦٠ ........................................................‬‬ ‫اللي ُل نشوةٌ هاربة ‪ -‬عبدالوهاب العريض ‪٦١ ...........................................‬‬ ‫القلبُ الذي حكى السر ‪ -‬غسان الخنيزي ‪٦٢ ..........................................‬‬ ‫تُلقي بحزنكَ صخر ًة في الماء ‪ -‬علي الحازمي ‪٦٥ .....................................‬‬

‫دراسات ونقد‪ :‬نِساء طُ روادة ديستوبيا كارهة للنساء ‪ -‬بسمة عالء الدين ‪٦٧ ............‬‬ ‫تمثالت صورة الرجل في الكتابة النسائية ‪ -‬د‪ .‬إيمان عبدالعزيز المخيلد‪71 .........‬‬ ‫وادي قنديل أطياف الذاكرة المستعارة ‪ -‬وحيد غانم‪78 ...............................‬‬

‫نصوص‪ :‬الـحـلـوة ‪ -‬عبداهلل محمد العبدالمحسن‪81 .....................................‬‬ ‫الفستان ‪ -‬دنيا علوي ‪88 ................................................................‬‬ ‫طفولة طارئة ‪ -‬هشام بنشاوي ‪91 ......................................................‬‬

‫‪107.............................‬‬ ‫‪107‬‬ ‫رائدات عربيات في الفن التشكيلي‬

‫‪119............................‬‬ ‫‪119‬‬ ‫‪............................‬‬ ‫كورونا وراء ظهورنا‬

‫مواجهات‪ :‬حوار مع الشاعر واألديب شعبان يوسف ‪ -‬نور سليمان‪94 ....................‬‬ ‫حوار مع الناقد األدبي د‪ .‬محمد بن مريسي الحارثي ‪ -‬عمر بوقاسم‪98 .............‬‬

‫نوافذ‪ :‬رائدات عربيات في الفن التشكيلي ‪ -‬إعداد‪ :‬صبحة بغورة‪107 ....................‬‬ ‫عبداهلل العلي النعيم مواقف وقصص ‪ -‬محمد بن عبدالرزاق القشعمي‪114 ...........‬‬ ‫كورونا وراء ظهورنا ‪ -‬محمد علي حسن الجفري ‪119 ...................................‬‬ ‫الخبــرة األكاديميــة والممارســة الثقافيــة فــي األســبوعية ‪ -‬أ‪ .‬د‪.‬عبــداهلل بــن‬ ‫‪126‬‬ ‫عبدالرحمن الحيدري ‪...‬‬ ‫في الحاجة إلى المعارك الثقافية ‪ -‬صخر المهيف‪130 .................................‬‬

‫قراءات‪ :‬توقف عن البقاء وحيدا ‪ -‬صفية الجفري ‪136 ....................................‬‬ ‫روايــة ثانويــة موســى لعقــل الضميــري‪ :‬أفــكار ومدلــوالت إنســانية ‪ -‬غــازي خيــران‬ ‫‪١٤٠‬‬ ‫الملحم‪.‬‬

‫الصفحة األخيرة‪ :‬تنمية شخصية الطالب الجامعي ‪ -‬د‪ .‬جميل الحميد ‪١٤٤ .............‬‬


‫■ إبراهيم بن موسى احلميد‬

‫يُ َعبِّر الشاعر عن الحالة اإلبداعية‪ ،‬فقوته تُ َعبِّر عن قوة اللغة والثقافة فيه‪ ،‬وهو كذلك انعكاس‬

‫منابع‪ ،‬واستمرارية تدفق ينابيعها‪ ..‬وتتخذ القصيدة‬ ‫ٍ‬ ‫لقوة الثقافة وعبقريتها المستمرة في تفجير‬ ‫أشكال متعددة وألوانًا مختلفة‪ ،‬منها ما يلتزم بالوزن العروضي‪ ،‬ومنها ما يتحرر منه‪ ،‬وقد رسّ خ‬ ‫ً‬

‫كثير من الشعراء أنفسهم في المشهد الشعري‪ ..‬منهم مَن اتخذ قصيدة النثر هوية له‪ ،‬ومنهم مَن‬ ‫التزم بالعروض أو التفعيلة مع أهمية التركيز على اللغة القادرة على نسج رؤيا الشاعر وتصوره؛ ألن‬ ‫الشكل الفني للقصيدة ليس هو ما يحكم جودة النص‪ ،‬وإنما قدرة الشاعر على االستخدام الشعري‬

‫المناسب للشكل الفني‪..‬‬

‫كثير من األحيان عبئًا على‬ ‫وإذ يبدو اإليقاع الخارجي «الوزني» في القصيدة العربية القديمة في ٍ‬

‫حركية القصيدة وديناميتها‪ ،‬كما يقول د‪ .‬محمد البشير‪ ،‬فإن اإليقاع الصوتي أو ما يصطلح عليه‬

‫أحيانا «اإليقاع الداخلي»‪ ،‬هو ما يتولى مهمة بناء التشكيل االيقاعي في قصيدة النثر‪..‬‬

‫وحين تتحدث عن الشعر السعوديّ ‪ ،‬فإن فكرة القصيدة التقليدية يجب أن تبتعد من رأسك وذهنك‬

‫تمامًا‪ ،‬وذلك ألن المشهد اختلف كل ّي ًة في العشرين سنة األخيرة‪ ،‬وتحولت القصيدة السعودية إلى‬ ‫قصيدة رشيقة تمامً‪،‬ا كما يقول د‪ .‬مهدي العلمي‪..‬‬

‫وإذا كان الشعر في المملكة يرتكز إلى مرجعيات بعيدة وعميقة بكوْن الشعر الجاهلي ينتمي‬

‫إلى الجزيرة العربية؛ فإننا نرى تراكم الفعل الشعريّ بامتداداته وتجلّياته؛ فبدت بوادر الشعر‬ ‫عدد من الرواد من أمثال‪ :‬محمد‬ ‫السعودي بإدخال السرد إلى القصيدة‪ ،‬أو بترك عمود الشعر لدى ٍ‬ ‫الثبيتي‪ ،‬وفوزية أبو خالد‪ ،‬ومحمد جبر الحربي‪ ،‬وعلي الدميني‪ ،‬وسعد الحميدين‪ ،‬وخديجة العمري‪،‬‬

‫وعبداهلل الصيخان‪ ،..‬كما يقول الباحث محمد العامري‪ ،‬فهم قد فتحوا الطريق أمام جيل قصيدة‬ ‫النثر‪ ،‬من أمثال‪ :‬أحمد المال‪ ،‬وإبراهيم الحسين‪ ،‬وغسان الخنيزي‪ ،‬ومحمد الدميني‪ ،‬وعلي العمري‪،‬‬ ‫وعبداهلل السفر‪ ،‬وحمد الفقيه‪ ،‬وأحمد كتوعة‪ ،‬وعلي الحازمي‪..‬‬

‫‪4‬‬

‫العدد ‪75‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫افتتاحية‬


‫إنَّ الحاجة إلى البوح بمكنونات النفس هي التي تملي على الشاعر أغراضه‪ ،‬وتبعث فيه الروح‬ ‫الشعرية التي تعطي للنص وللقصيدة معناهما وصداهما‪ ،‬وقد يرى بعض النقاد في القصيدة‬ ‫الحديثة شيئًا من الغموض‪ ،‬وهذا ما جعل الشاعر عبداهلل الصيخان «ال يدعو إلى الغموض الشعري‬ ‫المجاني‪ ..‬والذي يسعى لإلبهام والضبابية‪ ،‬ولكنه يوصي بالغموض الشفيف‪ ،‬الغموض الذي ال‬ ‫ينكشف إال للذي لديه بصيرة قرائية جادة‪.»..‬‬ ‫وهو ما يؤكده الشاعر أحمد قران الزهراني في نصوصه التي تتسم بالبساطة‪« ..‬ألن البساطة‬ ‫في الشعر أصعب من التعقيد‪ ..‬فمن السهل أن يكون الشاعر معقدًا في عباراته‪ ..‬لكن من الصعب‬ ‫أن يكون بسيطا‪ »..‬وهذا ما تعده د‪ .‬هناء البواب روح الحداثة وصدق المعنى‪.‬‬ ‫تحول مدهشً ا يجعل‬ ‫ً‬ ‫باستمرار‬ ‫ٍ‬ ‫يتحوّل مفهوم قصيدة النثر في كل مرحلة من مراحلها المتطورة‬ ‫وأصيل باستمرار‪ ،‬فقد نقلت الحداثة الشعرية العربية القصيدة إلى‬ ‫ً‬ ‫وفاعل‬ ‫ً‬ ‫منه مفهومًا صالحً ا‬ ‫مغاير‪ ،‬وأسهمت في تغيير الذائقة الشعرية‪ ،‬وهذا ما يؤكده د‪ .‬أحمد العماري‪..‬‬ ‫ٍ‬ ‫مناخ‬ ‫ٍ‬ ‫وفي سؤال األنسنة في الشعر السعودي‪ ،‬يج ُد د‪ .‬خلدون منيعم أن في نص الشاعر مازن اليحيا‬ ‫«فور ما خطوت خارجً ا»‪ ،‬رؤية تمجد الوجود‪ ،‬ليس بوصفه قيمة في ذاته‪ ،‬بل بقيمة موجوداته؛‬ ‫فكانت األمكنة على عمومها وتباينها‪ ..‬موجودات ال تؤثث لوجود اللوحة فحسب‪ ،‬بل تتشكل بوصفها‬ ‫نصا ناجزًا فنيًا وموضوعيًا‬ ‫صيَغًا متنوعة تبادلية وتشاركية في قيمتها‪ ..‬فهو يرى أن نص الشاعر ً‬ ‫في رؤية فلسفية ذات طابع ثقافيّ ‪.‬‬ ‫وفي قصيدة «وردة في جدار» تعرف أنك أمام شاعر يجيد العزف على األوتار‪ ،‬وهو الذي يمتلك‬ ‫لغة قصيدة النثر والموزون‪ ،‬وهو المخاطر بكل ما تحمله روحه ليكتب على جدار اسمنتي ليخرج‬ ‫روح النصوص المبعثرة كما تقول د‪ .‬انتصار عشا‪ ،‬التي تضيف‪ ،‬ونحن نقرأ الشاعر البوق‪ ..‬نعرف‬ ‫أننا أمام لغة عبرت عن حداثة مختلفة‪..‬‬

‫الشاعر علي الدميني‬ ‫إذا كان الشاعر علي الدميني ‪ -‬رحمه اهلل ‪ -‬قد وافته المنية في رمضان الماضي‪ ،‬فإنه قد ترك‬ ‫بصمته وإرثه اإلبداعي والثقافي وفكره المشع‪ ..‬كأحد أبرز الشعراء والمثقفين‪ ،‬وقد خلّدت تجربته‬ ‫الكثير من الشعر والرواية والنقد ومحبة الناس‪.‬‬ ‫وبالرغم من تعدد أشكال القصيدة واالبداع لديه‪ ،‬إال أنها جميعا تحيل إلى توقه الدائم إلى‬ ‫الحرية‪ ،‬وحبه الكبير للوطن الذي بات غراسه فيه شامخً ا بعالقاته الطيبة مع مثقفي الوطن‪ ،‬فأنتج‬ ‫أشكال من اإلبداع الذي جعل منه رمزًا ثقافيًا رفيعًا‪ ،‬فاحتضنه الوطن وصحافته األدبية وملتقياته‬ ‫ً‬ ‫الشعرية‪ ،‬وكان شاعرنا علي الدميني االسم البارز في عالم الشعر والرواية والنقد‪ ،‬حيث تعتبر‬ ‫د‪ .‬هويدا صالح أن المتأمل لتجربة الراحل الدميني يدرك ظالل تلك المقولة التي وصفته بأنه‬ ‫"خرج بالقصيدة من الشكل الكالسيكي إلى الشكل الحداثي"‪ ،‬حيث تعتبر أن الحداثة التي جلبها‬ ‫للقصيدة لم تكن على مستوى الشكل فقط‪.‬‬

‫افتتاحية‬

‫‪ 75‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫‪5‬‬


‫القصيدة الحديثة‬ ‫في المملكة العربية السعودية‬ ‫الكتابة ‪ ..‬الوجود ‪ ..‬المعنى‬

‫الحداثة كمفهوم عام‪ ،‬هي المشاركة واإلسهام في التحوّل الكبير الذي تشهده اإلنسانية‪ ،‬كما َع ّ َر َفهَا أهل‬ ‫االختصاص‪ .‬وكون مفهوم الشعر وماهيته ما تزال محل نقاش بالمحاولة الدائمة في كسر قيود التقليد‪،‬‬ ‫والذوبان في كيان التجديد الذي َت َم ّ َث َل في حداثة شعرية سائلة‪ ،‬جمعت بين الجودة والرداءة؛ فإنّ الملف‬ ‫محل للدراسة والبحث‪ ،‬وكانت‬ ‫تطلّع لعرض بعض النماذج للشعراء السعوديين الذين كانت أصواتهم ّ‬ ‫الكتابة عندهم تشكّ ل الوجود الحقيقي للقصيدة الحداثية‪ ،‬وكــان المعنى متجسّ دا في نص يجعلك‬ ‫تتوقف كثيرا أمامه‪.‬‬ ‫فالحداثة في األدب العربي‪ ،‬ما هي إال فرع من فروع الحداثة الفكرية؛ الفكر الذي استمد أبجدياته‬ ‫الحداثية من الفكر الغربي بعد الثورة الفرنسية‪ ،‬من خالل تمرّد رواد النهضة األوروبية آنذاك على كل‬ ‫المفاهيم والقيم الدينية‪ ،‬بما هي قيود جاثمة على صدر الفكر والعقل!‬ ‫في جلسة تمعن يمكن القول إن الحداثة األدبية باختصار‪ ،‬تكمن في «تذوق اإلنسان للكلمة‪ ،‬وتُخلصه‬ ‫من األيدولوجية المقيتة‪ ،‬وإخالصه للجمال المحسوس والملموس‪.‬‬ ‫فعلينا االعتراف أن قصيدة الحداثة الشعرية العربية‪ ،‬بشكل عام‪ ،‬لم تصعد إلى أبراج شعرية عاجية‬ ‫الهم‬ ‫ولم تصل إلى انفالتات الالوعي التي أسست لها النزعة السريالية‪ ،‬بل بقيت ‪-‬إلى حد كبير‪ -‬قريبة من ِ ّ‬ ‫اإلنساني‪ ،‬ولواعج الذات المجروحة‪ ،‬وانكسارات الواقع السياسي واالجتماعي والثقافي؛ هذا الهم الذي‬ ‫لم يصعد بطريقة مباشرة‪ ،‬بل كان يمثل النسغ الداخلي‪ ،‬أو األرضية التي ينهض عليها الخطاب الشعري‬ ‫الحداثي‪ ،‬وبخاصة في المملكة العربية السعودية التي سعى كثيرون من رواد الحداثة والتفجير الشكلي‬ ‫والضمني للنص أن يتمسّ كوا بروح القرابة التي بينهم وبين المتلقي‪.‬‬ ‫و ُيـعــدّ الــراحــل‪ ،‬علي الدميني‪ ،‬مــن أبــرز وجــوه شـعــراء الـحــداثــة المجددين فــي الـسـعــوديــة‪ ،‬واستمرت‬ ‫إسهاماته األدبية حتى وفاته‪ ،‬وشارك بفاعلية في تأسيس الحركة الشعرية الحديثة في السعودية‪ ،‬وهي‬ ‫التي جعلته عنوانًا بارزًا لمشروع الحداثة؛ ليعيش بسببها غريبًا كما قال «صارت السنوات تغرد في متن‬ ‫الغربة»‪ ،‬وهو الشاعر القائل‪:‬‬ ‫«ما تبقّ ى من العمر إال يسيرًا يقود يسيرًا»!‬ ‫تطل مع المرض وأنــت في الرابعة والسبعين من‬ ‫وها قد انقضى اليسير يا عليّ ‪ ،‬بعد معاناة لم ُ‬ ‫عمرك‪ .‬كان الدميني شاعرًا حقيقيًا مؤسسً ا لرمز شعري مميز في السعودية‪.‬‬ ‫تعد النماذج المطروحة مــن خــال الملف صــورة معبّرة لحركة شعرية مهمّ ة لمجموعة كبيرة في‬ ‫المملكة العربية السعودية‪.‬‬

‫‪6‬‬

‫العدد ‪75‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫محور خاص‬


‫اإلنصات إلى حفريات نصوص علي الدميني‬ ‫■ د‪ .‬هويدا صالح*‬

‫إن المتأمل لتجربة الشاعر العربي السعودي الراحل‪ ،‬علي الدميني‪ ،‬يدرك‬ ‫ظــال تلك المقولة التي وصفته بأنه «خــرج بالقصيدة السعودية مــن الشكل‬ ‫الكالسيكي إلــى الشكل الـحــداثــي»‪ ،‬والـحــداثــة الـتــي جلبها الدميني للقصيدة‬ ‫السعودية لم تكن على مستوى الشكل فقط‪ ،‬إذ يُعدُّ من رواد كتابة شعر التفعيلة‬ ‫في سبعينيات القرن الماضي‪ ،‬بل حداثة الــرؤيــة للتراث العربي الــذي استعاره‬ ‫جاعل منه مفجرً ا لشالالت المعاني وظاللها‬ ‫ً‬ ‫ليدخله فضاءات شعرية مغايرة؛‬ ‫وحــراكـهــا‪ ،‬عبر أزمـنــة ليست بــالـضــرورة «أزمـنــة بيضاء»؛ فلم يقع فــي فــخ تبجيل‬ ‫التراث وتقديسه‪ ،‬وال في فخ السخرية من التراث‪ ،‬ورفضه جملة وتفصيال؛ بل‬ ‫كان واعيًا أن المبدع الحقيقي ال يمكن له أن يتجرد من تاريخه الجمالي الواعي‬ ‫والالوعي‪ ،‬ليدخل إلى الحداثة دون عمق ورؤية؛ بل وعى الدميني أين يضع قدمه‬ ‫ما بين التراث والحداثة! وهذا الوعي جعله يجيد اإلنصات إلى الذات الجمعية‬ ‫الكامنة في الالوعي منذ قرون وقرون‪ ،‬وفي الوقت نفسه ينصت للذات اآلنية التي‬ ‫تعاني ارتباكً ا في الهوية النفسية والثقافية؛ فال هي أفــادت من تراثها‪ ،‬وال هي‬ ‫دخلت لعصرنة عولمية تناهض اإلرث الحضاري لألمم‪ .‬لــذا‪ ،‬عرف الدميني أن‬ ‫يضع قدمه بحساسية مفرطة مكّ نته مــن الــغً ـرْف مــن آبــارٍ عميقة للتراث بغية‬ ‫االشتغال الجمالي في نصه الراهن‪:‬‬ ‫م ــرورًا بالمتنبي وأبــي تمام وغيرهم من‬

‫«سأبدأ من «غسل» معجمي الجاهلي‬ ‫شعراء؛ ليطرح أسئلته على العالم «فال شيء‬ ‫وخيمتي البدوية بالضوء‬ ‫ممتلئا بالحقيقة مثل السؤال»‪.‬‬ ‫أصغي إليَّ قليال‬ ‫وأصغي إليكم كثيرا‬ ‫المعجم التراثي لم يجلبه الشاعر كحلى‬ ‫فال شيء ممتلئا بالحقيقة مثل السؤال» لفظية تساعده على تفجير ينابيع معانيه‪،‬‬

‫فها هو معجم الشاعر التراثي يحتاج إلى بل هي نصوص غائبة تسربت إلى الوعي‬ ‫قارئ يصغي إليه‪ ،‬ينصت لمسيرة ارتحال الــنــصــوص الماثلة ومــقــوالتــهــا الضمنية؛‬ ‫المعاني‪ ،‬منذ طرفة بن العبد وامرئ القيس‪ ،‬لينهض تفاعل نــصــيّ بين الــنــص الماثل‬

‫محور خاص‬

‫‪ 75‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫‪7‬‬


‫والنص الغائب؛ فالبحث في حفريات النصوص الباحثة عن مساحات الحرية والجمال والعمق‬ ‫التي أفاد فيها الشاعر من جملة من مستويات تدرك أن‪:‬‬ ‫التناص‪ ،‬ســواء كان أدبيًا أم دينيًا وتاريخيًا أم «ما تبقى من العمر إال بياض الصبايا يلوح‬ ‫شعبيًا أم أسطوريًا يمكن القارئ من اإلحاطة للطير‪،‬‬ ‫بتجربة ثرية على المستويين الجمالي والداللي‪ .‬أن اهبطي من عل‬ ‫وهــذه الــتــرددات للمعاني التراثية التي وظفها واشربي باقيات يقيني‬ ‫الشاعر في معظم دواويــنــه‪ ،‬وبخاصة‪« :‬بياض ما تبقى سوى رعشة الثوب في بدني‪،‬‬ ‫األزمــنــة» تكشف عــن عمق التجربة الشعرية واختالج األعنة فوق جوادي‪،‬‬ ‫التي تــحــررت مــن الــمــوروث الشكلي للقصيدة وكأس حنيني»‪.‬‬ ‫الكالسيكية‪ ،‬وحــفــرت عميقًا فــي السياقات‬ ‫فــي قصيدة «بـــروق الــعــامــريــة» مــن «بياض‬ ‫الثقافية التي أنتجت تلك القصيدة؛ لتحدث‬ ‫تناصا أدبـ ًيــا مــع قصيدة‬ ‫ً‬ ‫تفاعل في سياقات آنية واستشرافية؛ فهو يرتحل األزمــنــة» نجده يقيم‬ ‫ً‬ ‫المنخل اليشكري‪ ،‬الشاعر الجاهلي الذي أحب‬ ‫بالنص التراثي من الماضي للغد‪:‬‬ ‫المتجردة زوجة النعمان بن المنذر وكانت سببًا‬ ‫«لخولة أطالل‪ ،‬أجوس خاللها‪ ،‬ببرقة ثهمد فــي قتله‪ ،‬يبدأ الدميني قصيدته بشطرة من‬ ‫إذا أفردتني األرض جاوزت للغد‬ ‫قصيدة المنخل‪ ،‬ويجعلها مفتتحً ا للقصيدة‪ ،‬ثم‬ ‫أبوح بطعم الحب أقتات موعدي‬ ‫بمعان ال تفارق‬ ‫ٍ‬ ‫يواصل الحديث عن محبوبته‬ ‫أعاتب أحبابي‪ ،‬بالدي بفيئها‬ ‫كثيرًا ما طرحه شعراء الغزل في المحبوبة التي‬ ‫وأهلي وإن جاروا علي فهم يدي» (ديوان رياح كانت رمزًا أحيانًا ومحبوبة حقيقية أحيانًا أخرى‪،‬‬ ‫المواقع)‪.‬‬ ‫يقول الدميني‪:‬‬ ‫والوعي بآليات التفاعالت النصية وموجات «ال نبع في الصحراء إال وجهها يروي عشياتي‬ ‫التناص إنما يدل على وعي جمالي وفكري امتلكه ويجلو راكدات البيد في قلبي‪،‬‬ ‫شاعر صاحب رؤيــة وتجربة وقضية؛ فالشعر وال ظل سوى أغصانها تنحل‬ ‫لدى علي الدميني لم يكن مجرد جرعة جمال ما بين المدار إلى المدار»‬ ‫للترويح عن النفس أو التعبير عن ال ــذات‪ ،‬بل‬ ‫ثم يجعل الشطرة الثانية من بيت المنخل‬ ‫كان رؤية للعالم لروح شاعرة تنتقل عبر األزمنة‬ ‫لتُعبِّر عن أزمات الذات والعالم‪ ،‬بحثًا عن بياض مفتتحً ا جديدًا لجزء من ذات القصيدة الطويلة‬ ‫لألزمنة‪ ،‬ربما وجده في لحظات ارتحال المعنى حيث يقول‪:‬‬ ‫من النصوص السابقة للماثلة‪ .‬الشعر كان بالنسبة «وتحب ناقتها بعيري»‪،‬‬ ‫إليه صرخة الحرية المتمردة‪ ،‬فال يخفى على يــا تـهــامــة اطـلـقــي األع ــراف مــن كـبــد الــرمــال‪،‬‬ ‫الــقــارئ المتابع أن الشاعر كــان صاحب رؤيــة وسيّجيّ بالزار رقصتها «أحل لها المبيت على‬ ‫متحررة‪ ،‬وداعمًا للحقوق اإلنسانية‪ ،‬فتلك الروح حصيري‬

‫‪8‬‬

‫العدد ‪75‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫محور خاص‬


‫في القصيدة ذاتها نجد الشاعر يتناص مع‬ ‫النص الــمــقــدس‪ ،‬فالعاشق لليلى العامرية أو‬ ‫للمتجردة أو للمرأة الرمز‪ ،‬يسير في جنة‪ ،‬لكن‬ ‫جنته ليست عرضها السماء واألرض كما النص‬ ‫المقدس‪ ،‬إنها جنة عرضها عيونه‪ ،‬هنا يوظف‬ ‫الشاعر لغة القرآن‪ ،‬لكنه ال يتناص مع معانيه‪،‬‬ ‫إنما يتناص مع لغته فقط‪ ،‬وال يوجد شاعر تقريبا‬ ‫لم يتناص مع لغة النصوص المقدسة الثالثة‪،‬‬ ‫يقول الدميني‪:‬‬

‫«يا ساريًا في جنة عرضها‬ ‫عيني وبعض الماء في راحتي‬ ‫هب لي رمادًا خاشعً ا فأنا‬ ‫أحييه من جمري ومن رعشتي‬ ‫إني وجدت الدهر في حجرها‬ ‫غاف فأمنني على وحشتي‬ ‫ٍ‬ ‫وحرر األمشاج من غيها‬ ‫حتى تساوى الخلق في حضرتي» (ص‪.)7‬‬ ‫يــواصــل الــشــاعــر مــنــاداة الحبيبة الغائبة‬ ‫مستخدمًا ليلى العامرية التي صارت إحدى رموز‬ ‫العشق العربي‪:‬‬

‫« أيتها العامرية يا أخت يحيى‪ ،‬لك الشدو من‬ ‫عتبات الحناجر حين يصير الحنين يمامً ا‬ ‫على الكف‪ ،‬والراقصون مدائن ال تقفل الليل‬ ‫أبوابها‪ ،‬والصباح» (ص‪.)8‬‬

‫هــنــا‪ ،‬تتحول الــمــرأة إلــى رمــز عــام لضياع‬ ‫المعاني والحنين إلــى كل ما يمكن أن يفتقده‬ ‫الــشــاعــر‪ .‬ومــمــا يــرشــح‪ ،‬أن الــعــامــريــة هنا هي‬ ‫رمــز لكل أنثى حبيبة‪ .‬في المقطع التالي من‬ ‫القصيدة نفسها‪ ،‬يناجيها بأنها أخت حواء‪ ،‬وأنها‬ ‫ترمز للخير والجمال المفتقد في الحياة‪ ،‬يقول‬

‫محور خاص‬

‫علي الدميني‬

‫الدميني‪:‬‬

‫«أيتها العامرية‪،‬‬ ‫يا أخت حواء‪،‬‬ ‫رايتنا في الهجوع ورايتنا في بكاء الزمان‬ ‫يا نهارًا تنام الظهيرة تحت قناديله‬ ‫ويسيل المكان‬ ‫ي ــا مـهـفـهـفــة ال ـن ــار والـ ـن ــور‪ ،‬وال ـع ـيــن وال ـح ــور‪،‬‬ ‫والطيلسان‬ ‫بيننا طفلة ويدان‬ ‫وأغان مسوّمة برقيق الحسان»‬ ‫ثــم تتحول الــمــرأة الــرمــز إلــى رمــز للوطن‪،‬‬ ‫بعضا؛ ألن المحبوبة‬ ‫فالميادين تفضي لبعضها ً‬ ‫صارت رمزية للوطن‪:‬‬

‫«أيتها الشجرية‪ :‬نسعى لكي ال يضج القريبون‬ ‫منا‬ ‫‪ 75‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫‪9‬‬


‫وكي ال يفر البعيدون عنا‬ ‫وكي نتساوى في الخارطة‬ ‫أيتها العامرية إنا وجدنا الميادين تفضي إلى‬ ‫بعضها‬ ‫والشرايين تبحث عن نبضها‪،‬‬ ‫فرسا من دمٍ ‪،‬‬ ‫فمزجنا لها ً‬ ‫وقبابًا على الماء‬ ‫تنحلُّ فيها األباريق‬ ‫من فضة خالصة» (بياض األزمنة)‪.‬‬

‫األزمنة)‪.‬‬ ‫يواصل الدميني تفاعالته النصية‪ ،‬فيتناص‬ ‫مع شخصية أحمد الزعتر التي كتبها محمود‬ ‫درويش‪ ،‬ومن خاللها يستحضر الدميني القضية‬ ‫الفلسطينية التي استنهضت أطفال الحجارة‪:‬‬

‫«وأتيت أبحث أبحث ف السؤال عن اإلجابة‬ ‫لمن الطرائد في مدينتنا‪ ،‬ومن غسل الكرى‬ ‫عن جفن أحمد‪ ،‬واستهل به خطابه؟‬ ‫لمن الصبا يرعى منبته ويستدني العواصف‬ ‫ثم يختتم القصيدة الملحمية (بروق العامرية) في رقائقها‪،‬‬ ‫بمناجاة الذات في تناص قرآني‪ ،‬تناص مع لغة ويمنح غزة الكبرى مدائحها‪،‬‬ ‫النص المقدس‪ ،‬إذ يقول‪:‬‬ ‫وللقدس البهية عرسها القاني‪ ،‬وللدنيا رفيف‬ ‫األرض‬ ‫«لك ما تشتهي أيها الولد‬ ‫واإلنسان والوطن المحرر والكتابة؟‬ ‫أنت حل بهذا البلد‬ ‫أنت حل بهذا البلد» (بياض األزمنة)‪.‬‬ ‫ينهي قصيدته بأسئلة تكشف عن زاوية الرؤية‬

‫في قصيدة أخــرى بعنوان‪« :‬لــك‪ ..‬كما أنت» لديه‪ ،‬كيف يرى اله َّم القومي‪ ،‬كيف يرى ضياع‬ ‫يتفاعل الدميني نصيًا مــع واقــعــة تاريخية لن فلسطين‪:‬‬ ‫ينساها التاريخ‪ ،‬وهي «انتفاضة أطفال الحجارة»‪« ،‬أهذه الحسناء جنتنا التي أفنى الفلسطيني‬ ‫التي قام بها أطفال فلسطين قبل ثالثة عقود‪ ،‬عترته لتبقى‪،‬‬ ‫هنا التناص ليس ً‬ ‫تناصا لغويًا وأدبيًا‪ ،‬إنما تناص والفدائيون بهجتهم لترقى؟‬ ‫تاريخي يوظف فيه هذه االنتفاضة‪ ،‬لكي ننظر من هكذا يلقى المحب فتاته في الحبس!‬ ‫خالل القصيدة إلى رؤيته للقضايا العربية‪ ،‬وزوايا ت ــأس ــره وي ــأس ــره ــا فـيـنـفـطــر ال ـح ــدي ــد مـســرة‬ ‫الرؤية التي يرى منها هذا الحدث الفيصلي في للعشق‪ /‬أوطانا تغيم‬ ‫عمر القضية الفلسطينية‪:‬‬ ‫ودول ـ ــة ت ـب ـنــى ب ــأص ــداف الـ ـحـ ـج ــارة» (ب ـيــاض‬

‫«فاجأتك العواصم بالمقصلة‬ ‫أربكتنا الحجارة باألسئلة‬ ‫الجليل مثلثها‪،‬‬ ‫والبالد دوائرها‬ ‫والذي علّ من يأسه ظمأ‬ ‫قد رأى صبيًا يغتوي كأسه المقبلة» (بياض‬

‫‪10‬‬

‫العدد ‪75‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫األزمنة)‪.‬‬

‫كــذلــك فــي قصيدة «األش ــب ــاه» يــأتــي تناص‬ ‫تاريخي‪ ،‬إذ يوظف الشاعر حادثة مقتل عثمان‬ ‫ابــن عــفــان‪ .‬فــي هــذه القصيدة يطرح الشاعر‬ ‫كل عذاباته‪ ،‬وخلط الهم الخاص بالعام‪ ،‬يأسى‬ ‫لــســنــوات ضــيــاع األم ــة مــع ســنــوات ضــيــاع ذاتــه‬

‫محور خاص‬


‫الشاعرة‪ ،‬يحمل قصة مقتل عثمان دالالت هذا‬ ‫الضياع العام يقول‪:‬‬

‫«من سنوات‬ ‫أعد الحصى في الخطى وأبدل جلد الشوارع‬ ‫بالرمل‬ ‫أثقب في البحر نارا‬ ‫فيبتل وجهي بأشباهه القزحية‪..‬‬ ‫بين كفيّ تنحل أشباهك األزلية‬ ‫في قميصك عثمان‬ ‫في بردتيك علي‬ ‫جمالية‪ ،‬وأرسى قيمًا عميقة للجمالية الشعرية‬ ‫وف ـ ــي غ ـل ــس ال ـص ـب ــح م ـن ــك أم ـ ـيـ ــة» (ب ـي ــاض التي تجمع اإلنسانية وال تفرقها‪ ،‬رحل بعد أن بقي‬ ‫األزمنة)‪.‬‬ ‫«وحيدً ا أنا أب َد الدهرِ‬ ‫تك لي لغةٌ تتجرأ يومً ا على رسْ مِ قُ بل ْه‬ ‫وكأن الشاعر يعود بكل خيبات الذات الشاعرة‪ ،‬لم ُ‬ ‫وَه ّم الخاص والعام إلى البدء‪ ،‬المبتدأ إلى زمن وال ضحكةٌ تتراقص في خدّ طـِفْ لة‪.‬‬ ‫الفتنة الــكــبــرى الــتــي أضــاعــت األم ــة وشرخت وحيدً ا‪ ،‬بال امرأةٍ تستبيني بأوصافها‬ ‫وحدتها‬ ‫فأُجنُّ عليها‬ ‫تتشظى لشوقي إليها بال فرحٍ في الوالدة‬ ‫َّ‬ ‫كما يتناص في موضع آخر من الديوان مع بال امرأةٍ‬ ‫الشاعر المخضرم تميم بن أُبَي‪:‬‬ ‫أو جزَعٍ في المماتْ ‪.‬‬ ‫مللت الوقوفَ على طلل األمك َن ْة‬ ‫ُ‬ ‫ْش َلـ ْو أَنَّ ال َفتَى حَ جَ رٌ‬ ‫َمــا أ َْطـ َيــبَ ال َعي َ‬ ‫مللت احتفاظي بأسرارِ كمْ‬ ‫ُ‬ ‫َت ـ ْن ـ ُب ــو ال ـ ــحَ ـ ــوادِ ثُ َعـ ـ ْن ــهُ وَهْ ـ ـ ـ ـ َو َم ـ ْل ــمُ ــو ُم‬ ‫وسالالت أسالفكمْ والغبارْ»‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫فيقول الدميني‪:‬‬ ‫رح ــل مشتكيا ع ــدم اإلنــصــات إل ــى جملته‬ ‫«يا قلب» لو أن الفتى حجر» ألسبلت األصابع‬ ‫الشعرية‪ ،‬هامسً ا في آذان اإلنسانية الصماء‪:‬‬ ‫في دمي‬

‫وأت ـيــت مختضا بـمـكـنــون ال ـح ـجــارة» (بـيــاض‬ ‫األزمنة)‪.‬‬

‫لكنه يرحل تــار ًكــا إرثًــا مبدعً ا تنوّع ما بين‬ ‫الشعر والــســرد والمقاالت الثقافية والنقدية‪،‬‬ ‫رحل أو تحرر فقد ناهض كتابة ال موقف لها وال‬

‫«مثلما يحدث في الموت‬ ‫إذا غادرت للخارج‪ ،‬فاضت‬ ‫رحمة األرشيف والذكرى‬ ‫وغطت صورتي!‬ ‫!ظل الجرائد»‪.‬‬

‫* كاتبة ‪ -‬مصر‪.‬‬

‫محور خاص‬

‫‪ 75‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫‪11‬‬


‫التجرب ُة الشعريَّ ُة عند علي الدميني‬ ‫■ محمود قنديل*‬

‫ُيقَاس نجاح المبدع عامةً بسعة ثقافته‪ ،‬وعميق إدراكه‪ ،‬وقدرته على توظيف‬ ‫َم َلكَاته الخاصة لخدمة مشروعه األدبي‪ ،‬وشاعرنا الراحل العظيم «علي الدميني»‬ ‫نصوص لها مذاقها‬ ‫ٍ‬ ‫أدوات في هذا الصدد؛ بُغْ يَة صياغة‬ ‫استثمر كل ما يملكه من ٍ‬ ‫الخاص‪ ،‬وعبيرها المُ ْختَلِ ف؛ األمر الذي منح لنتاجه الشعري القدرة على عبور‬ ‫جغرافية موطنه (السعودية) إلــى سائر بقاعنا العربية‪ ،‬لـيــروق ذائـقــة المُ َتيَّم‬ ‫بحرفه المائز‪.‬‬ ‫فــي منتصف الــربــيــع ع ــام ‪1948‬م‪،‬‬ ‫استقبلت منطقة «الباحة» وليدها الجميل‪،‬‬ ‫طفل يانعًا‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ليشُ بَّ فــي الــوطــن الحبيب‬ ‫ويالحظ أهل ُه وأترابُه حُ بَّه للقراءة‪ ،‬وعشقه‬ ‫للتأمل ِلمَا يدور من حوله‪.‬‬

‫التجديد‪ ،‬والرنو إلى الحرية والحداثة في‬ ‫العالم كله‪ ،‬مثلما أراني في بالدنا واحدًا‬ ‫ممن مضوا في هذا الدرب الطويل‪ ،‬الذي‬ ‫امتد من العواد إلى حسن القرشي وغازي‬ ‫القصيبي إلى محمد العلي‪ ،‬وجيلي الذي‬ ‫أنتمي له»‪.‬‬

‫وإيقاع العصر؛ لذا فقد سعى طيلة مسيرته‬ ‫إلى تقديم نصوص ال تشبه غيرها؛ فهو‬ ‫أيضا أن المبدع الحقيقي ال ينبغي أن‬ ‫يؤمن ً‬ ‫يكون امتدادًا لغيره‪.‬‬

‫وككل الشعراء الحقيقيين‪ ،‬يرى عتمة‬ ‫الــمــشــهــد‪ ،‬ودجـ ــى األيــــام الــجــاثــمــة فــوق‬ ‫الصدور‪ ،‬ومالمح االنكسار تطل علينا من‬ ‫خلف النوافذ‪ ،‬واألحالم التي ُو ِئدَتْ لم تجد‬ ‫مَن يبكي عليها‪ ،‬وبهجتنا التليدة ضاعت في‬ ‫زحام التَّرقُّب والتَن َُّصت‪.‬‬

‫يَعبُر شاعرنا طور الطفولة إلى عتبات‬ ‫وألنه يعرف قدر الكلمة وتأثيرها؛ فقد‬ ‫مسجل خواطرَه‪،‬‬ ‫ً‬ ‫الشباب‪ ،‬فيمسك بالقلم‬ ‫ومدوِ نًا لرؤاه‪ ،‬وشيئًا فشيئًا ينضج «عليٌّ »‪ ،‬كتب إهدا ًء لصديقه الناقد السعودي الكبير‬ ‫فيكتب القصائد‪ ،‬ويرسل بها إلى الصحف «أحمد بوقري» يدعوه فيه إلــى الحفاظ‬ ‫والمجالت‪ ،‬فتشرق الصفحات بنور كلماته‪ .‬على استمرارية المعنى كنصل في األفق‬ ‫كــان يؤمن بحركة التطور اإلبــداعــي‪( ،‬أحمد‪ ..‬مانقوله اآلن واقفين‪ ..‬نرجو أن‬ ‫ويرى في التجديد ضرورة لمواكبة الحداثة يبقى مستمرًا كالنصل في األفق)!‬

‫وفي هذا الشأن‪ ،‬يقول الدميني بكل‬ ‫ثقةٍ وتــواضـ ٍـع‪« :‬إذا أتينا إلى حقل الشعر‬ ‫تحديدًا‪ ،‬فإنني أع ّد نفسي غُصنًا في شجرة‬

‫‪12‬‬

‫العدد ‪75‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫يقول علي الدميني‪« :‬يمكن لي أن افتح‬

‫محور خاص‬


‫الشباك اآلن على سنوات العمر‪ ،‬ولكن يلزمني والجغرافيا على اآلتي القريب (المستقبل)‪.‬‬ ‫فغطى الناس؟‬ ‫الكثير من الوقت‪ ،‬والكثير من العباءات السوداء طرفة هل أتى جَ ر ٌَب ّ‬ ‫ألقيم الــحــداد عليها‪ .‬أمــا اذا اضــطــررت إلى أم رحمتك صحراء البالد بدفئها في البرد؟‬ ‫اإلنصاف فأستدرك بالقول إنها لم تكن خاوية إن الــدهــر غاشية‪ ،‬ووج ــهُ الـشــارع الخلفيّ ال‬ ‫إلــى ذلــك الــحــد‪ ،‬ولكنها كانت مــأى بأجنحة يشفيك من د َِرن التفرّدِ والبداو ْة‬ ‫األحالم المنكسرة والمتع المجهضة والحكايات هذا نها ٌر أنت ترمقه‪ ،‬وهذي حارة في األرض‪.‬‬ ‫الكبرى المتكئة على كراسي ال مقاعد لها؟»‪.‬‬ ‫ويــعــيــش حــالــة مــن الــتــعــاطــف مــع «طــرفــة»‬ ‫إنه بكلماته هذه يرسم اللوحة كما هي ممهورة وكأنهما واحـــدًا‪ ،‬ال يمكن ألحدهما أن يحيا‬ ‫بإخفاقات يبصرها مُدوية‪ ،‬لعل هناك من يصغي بمعزل عن اآلخر‪ ،‬فثمَّة ترابط إذًا مع الجذور‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫إليه وينصت له‪ ،‬ويعمل على محو بُقع السَّ واد من وذي الصحراء أجمع طيرها في القلب‬ ‫التحف السماء وأشرب األيام‬ ‫كل مساحات المشهد‪.‬‬

‫أعصر منحنى األوجاع‬ ‫وفي أشهر قصائده (الخبت) يتخذ من بادية‬ ‫تفردني‬ ‫الصحراء مسرحً ا لرؤاه‪ ،‬فيقول‪:‬‬ ‫فأعشقها‬ ‫أنشدت للرعيان ثوب قصيدةٍ في البر‬ ‫وتلمسني‬ ‫عاقرني الفؤاد على النوى‬ ‫فأقربها وتنحسر العداوة‬ ‫وتباعدت نوق المدينةِ عن شياهي‬ ‫لخولة أطاللٌ ‪ ،‬أجوس زواياها‪ ،‬ببرقة ثهمد‬ ‫آخيت تشرابي األمور بنخلة‬ ‫إذا افردتني األرض جاوزت للغد‬ ‫وغرست في الصحراء زهو مناخي‬ ‫أبوح بطعم الحب أقتات موعدي‪.‬‬

‫ويبدو شاعرنا محتفيًا بالمكان متيمًا به‪،‬‬ ‫وبرغم قسوة الواقع وفظاظته‪ ،‬إال إنه ال يكمن‬ ‫ً‬ ‫ومحتفل بجذوره العربية األصيلة‪ ،‬ووفيًا لتراثه عدا ًء ألحد‪ ،‬وال يضمر كراهية لوطن‪ ،‬فما يزال‬ ‫رابضا يقيه من قيظ التشظي‪:‬‬ ‫ظل ً‬ ‫وحضارته‪ ،‬لذا نراه يستدعي إلى أجواء قصيدته في بالده ً‬ ‫«طرفة بن العبد» (الشاعر العربي‪ /‬الجاهلي‬ ‫أع ـ ــات ـ ــب أح ـ ـبـ ــابـ ــي‪ ،‬بـ ـ ـ ــادي ب ـف ـي ـئ ـهــا‬ ‫المعروف)‪ ،‬ويذكر حبيبته (خولة)‪:‬‬

‫ألق إليّ أدوية البعير فإنني‬ ‫يا ابنَ العبد ِ‬

‫وأهـ ـل ــي وان جـ ـ ــاروا ع ـل ــيّ ف ـهــم يــدي‬

‫وتتواصل روائــع شاعرنا مستعينًا بعد اهلل‬ ‫سأنسقُ األورا َم‬ ‫بمفردات بيئتنا العربية القديمة‪ ،‬وأخرى صوفية؛‬ ‫أستلُ الجراح من التفرد والزهادة‬ ‫محاوالت ناجحة‪ ،‬رغب ًة في المزج بين ما هو‬ ‫ٍ‬ ‫في‬ ‫وأض ـ ــمّ هـ ــودج خــولــة ال ـقــاســي‪ ،‬أز ّي ـ ــن وحـشــة‬ ‫َاصر‪:‬‬ ‫أصيل وما هو ُمع ِ‬

‫الممشى‬ ‫قم من الليل‪ ،‬يا البس الخيل كيما ترى‬ ‫عقد‬ ‫بِ ٍ‬ ‫أفقً ا‬ ‫أو قالدهْ‪.‬‬ ‫ناسكً ا ونهارًا طهورا‬ ‫هــو يــشــاهــد فــي الــمــاضــي عــاقــة وثيقة إن قلبي ينوس وحيدً ا وقد فارقته البواكير‬ ‫مــع الحاضر واآلن ــي‪ ،‬ومــدى مــؤثــرات التاريخ واستخلفته‬

‫محور خاص‬

‫‪ 75‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫‪13‬‬


‫ورأيت الذي لم ير األولون وال علم اآلخرون‬ ‫إذ سقيت بــوادي القرى شربةً مست العظم‬ ‫حتى اكتوى‬ ‫واغتوى القلب من غيه ما اغتوى‪.‬‬ ‫أما قصيدة «صالة الغائب» فتعلو فيها نبرة‬ ‫التشاؤم والوجع‪ ،‬بفعل واقع فرض نفسه علينا‪،‬‬ ‫ولم نفرضه نحن على ذواتنا‪ ،‬ويُطَ وُّع «الدميني»‬ ‫ونبض حي‪ ،‬ليخاطب البالد‬ ‫ٍ‬ ‫بحس فني‬ ‫الرمز ٍ‬ ‫في صــورة إمــرأة‪ /‬حبيبة‪ ،‬تربص بها األعــداء‪،‬‬ ‫مقتل‬ ‫ً‬ ‫فنالوا منها ومن قداستها؛ ليُ َمثِّل هذا‬ ‫واستشهادًا‪ ،‬لذا فقد دعا إقامة صالة الغائب‪:‬‬

‫السالم عليها‬ ‫كأن الجنازات خنجرها‪ ،‬وكأنا‬ ‫نسير إلى وحشة من دمانا‪،‬‬ ‫فمن دلَّ إبرهة الحبشي على باب «بكة»‪،‬‬ ‫من قاد أفياله في الصخور‪،‬‬ ‫وأدخل «أجناده» في البالد سوانا؟‬ ‫‪.......................‬‬ ‫األساطير‬ ‫وهو مقتلنا الئذا» بالمعاني‪،‬‬ ‫ينزف ماء الزمان على الساعة الجامد ْة‬ ‫فلتصل علينا صالة الغياب‪ ،‬وإني‬ ‫واحدة‬ ‫أؤم الجماعة‬ ‫تعب العشيّات حتى شربنا‬ ‫كانت السنوات ّ‬ ‫مرتعشا‬ ‫ً‬ ‫على ظمأٍ ‪.‬‬ ‫في‬ ‫وفي قصيدة الهودج‪ ،‬يبدو احتفاؤه بمَجمَع‬ ‫مكاني‪.‬‬

‫الــصــحــراء‪ ،‬وذلــك مــن خــال الــعــنــوان وسطور‬ ‫النص‪ ،‬كما تبدو عالقته الطيبة جلية بثقافته‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬فقد استعان بمفردات تؤكد ذلك‬ ‫األمــر‪ ،‬ليفتح أفضية الشعر كي يقول لعشاق‬ ‫حرفه ومتابعيه ودارس ــي إبــداعــه‪ :‬إن مساحة‬ ‫الشعر تتسع لكل المُحَ ِّصالت الثقافية‪ ،‬وإن‬ ‫العِ بْرة في كل األحوال تتبدى في مقدرة الشاعر‬ ‫على كيفية توظيف أدواته لخدمة النصوص‪.‬‬

‫وقصيدة «صورة جانبية» تظهر فيها الصور‬ ‫وانزياحات تهدف أول ما تهدف‬ ‫ٍ‬ ‫الفنية عبر رموز‬ ‫إلى تأجيج اللحظة الشعرية‪:‬‬

‫أذكر يوم قادتني لغرب النهرِ‬ ‫رصاصها َديْني‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫وكان‬ ‫النسيان‬ ‫ِ‬ ‫سكنت في‬ ‫ُ‬ ‫وحين‬ ‫ضاع طريقها مني‪ ،‬وغرّبني زماني‪،‬‬ ‫فاشهدوا أنني‬ ‫ظمأي أنا‪ ،‬وحصانُ هودجها حصاني‪،‬‬ ‫قد تحملت من وجد عشاقها ما تنوء به الذاريات! ها إنني أصفو؛‬

‫‪14‬‬

‫العدد ‪75‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫محور خاص‬


‫فأخرجها من التابوت‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫جرسا من الساعات!ِ‬ ‫نبضها ً‬ ‫أنحت َ‬ ‫ويؤنسن شاعرنا (الــزمــان) بعبقرية فنية‪،‬‬ ‫ليقيم ثنائية معه؛ فها هو الزمان يطيعه تارة‪،‬‬ ‫ويتمرد عليه تارة أخرى‪ ،‬وها هو يسخر منه مرةً‪،‬‬ ‫ويشاركه في كل مفردات حياته طيلة الوقت‪:‬‬

‫الزمان الذي كان لي خاشعً ا‬ ‫كان يضحك مثلي‪،‬‬ ‫ويمشي ورائي‪،‬‬ ‫والزمان الذي صرته راكعً ا‬ ‫يتقدّ مني في الزيارات‪،‬‬ ‫يلبس ثوبي‪،‬‬ ‫ويشرب كوبي‪،‬‬ ‫وحين يرى أصدقائي‪،‬‬ ‫يقبّلهم واحدً ا واحدً ا‪،‬‬ ‫ثم يلعنهم واحدً ا واحدً ا‪،‬‬ ‫ثم يبكي بكائي!‬

‫علي الدميني‬

‫وكلها تنم عن شاعر مائز‪ ،‬اختار لنفسه منذ‬ ‫سبيل مخت ِلفًا‪ ،‬ومع َّبدًا‬ ‫ً‬ ‫بداياته وحتى رحيله‬ ‫لــرؤاه الفنية‪ ،‬لم يسع إلى تقليد أحـ ٍـد‪ ،‬وال إلى‬ ‫التوكؤ على أفكار غيره‪.‬‬

‫هو في حقيقة األمر أراد أن يقدم شاعريته‬ ‫إلى الذائقة العربية بطرائق تروق القارئ في‬ ‫مفردات‬ ‫ٍ‬ ‫طويل أمام‬ ‫ً‬ ‫وكما حضر «طرفة بن العبد» في نصوص كل بقاعنا‪ ،‬ليقف المتلقي‬ ‫أيضا «ابن حزم»‪ ،‬وهو حضور اختارها بكل دقــةٍ وذك ــاء‪ ،‬ولغةٍ تمثل عربيتنا‬ ‫شاعرنا؛ حَ َض َر ً‬ ‫يؤكد على ارتباط الجذور العربية باإلسالمية الراقية‪.‬‬ ‫فــي األنــدلــس والتمسك بــهــا‪ ،‬كما يــؤكــد على‬ ‫شق مبدعنا سيرته ومسيرته األدبية وسط‬ ‫تواصل حلقات التاريخ العربي‪ /‬اإلسالمي بغير ظروف غائمة‪ ،‬ومشاهد يغلفها الضباب‪ ،‬وتخوم‬ ‫انفصام‪:‬‬ ‫تخفي وراءها المجهول‪.‬‬

‫كان « ابن حزم « يظلني بقميصه‬ ‫و رياحه‪،‬‬ ‫و ذهابه ِ في العشق متكئًا‬ ‫على ما تصنع األوصاف‪.‬‬

‫ورغــم ذلــك‪ ،‬لــم يَـ ِـحــد أح ـ ٌد مــن عــزمــه‪ ،‬ولم‬ ‫شخص على حسر المد اإلبداعي لديه‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫يسْ ِطع‬ ‫نابضا‪ ،‬وحرفه مشرقًا‪.‬‬ ‫فقد ظل قلمه ً‬

‫والدارس لشعر «علي الدميني» يتبين للوهلة‬ ‫األولــى تفرُّد عناوين دواويــنــه (ريــاح المواقع‪،‬‬ ‫بياض األزمنة‪ ،‬بأجنحتها تدق أجراس النافذة‪،‬‬ ‫خــرز الــوقــت‪ ،‬إشــراقــات رعوية لجسد الماء)‪،‬‬

‫وستظل سماء ثقافتنا العربية تنير بكواكب‬ ‫شعره الجميل‪ ،‬وسيظل اســم الــراحــل العظيم‬ ‫«علي الدميني» في الذاكرة ما بقيت الحياة على‬ ‫كوكبنا األرضي‪.‬‬

‫*‬

‫كاتب ‪ -‬مصر‪.‬‬

‫محور خاص‬

‫‪ 75‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫‪15‬‬


‫ُ‬ ‫العاشق للوطن‬ ‫الكوكب‬ ‫علي الدميني ‪..‬‬ ‫ُ‬ ‫الذي مضى لفضاءات الحريَّة‬ ‫■ د‪ .‬سميرة الكناني الزهراني*‬

‫ـس ألجــوبـتــي المعلّقة فــي هــذا ال ــوُ ُج ــودِ إجــابــة ت ــوازي الحَ قيقةٌ المُ ْطلقة‬ ‫َل ـ ْيـ َ‬ ‫لل َموْت‪..‬‬ ‫والشمْ ُس َيتْبعها القَمر؛ والحيا ُة‬ ‫َنعَم إنَّها طَ بيعةُ الحياة؛ فالنها ُر يَعْ قبه ال َّليْلُ ‪َّ ،‬‬ ‫ورأس كلِّ ذلك حَ يا ٌة‬ ‫حرٌّ و َبرْد‪ ،‬حَ ر ٌْب وسَ الم‪ ،‬سَ ائِ لٌ وبُخار‪ِ ،‬ص َّحةٌ و َمرَض‪ِ ،‬غنَى وفَقْ ر؛ ُ‬ ‫و َموْت‪.‬‬ ‫وإني ألستعير من عبارة الدميني «ما تبقّ ى من العمر إال يسيرً ا يقود يسيرً ا»‬ ‫لب ِمنْ هذه الحَ ياة أن‬ ‫لمقاربةُ فِ كْ رَة ال َموْت‪ ،‬واستحالَة استِ مْ رار الحَ يَاة‪ ،‬فمن ي َْط ْ‬ ‫السرَاب‪:‬‬ ‫يطلب الما َء من َّ‬ ‫ْ‬ ‫تَدو َم كمَنْ‬

‫غ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــرُ مُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍـد ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ِمـ ـ ـ ـ ـ ِّلـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ــي واعْ ـ ـ ـ ـ ــتِ ـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ــادي‬ ‫ـاك وال َتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرنُّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادِ ي‬ ‫َن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوْحُ ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬ ‫وشَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ــهٌ َص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـو ُْت ال ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ــيِّ إذا قِ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ‬ ‫ـوت الـ ـ ـ ـ ـ َب ـ ـ ـ ـ ْـشـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــر ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي كـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلّ نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادِ ي‬ ‫س ب ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫َ‬ ‫ـاح هَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذي قُ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ــو ُرنـ ـ ـ ـ ــا َتـ ـ ـ ـ ــمْ ـ ـ ـ ـ ــأ الـ ـ ـ ـ ـ ــرُ ْحـ ـ ـ ـ ـ ــبَ‬ ‫َص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫فـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأيـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنَ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ــقُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُبـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن عَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد ع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادِ‬ ‫خَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــفِّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـف الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـو َْط َء م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا أظ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّـن أَدِ يـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َم‬ ‫(‪)١‬‬ ‫ألرْض إ َّال ِم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنْ ه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذه األ َْج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادِ‬ ‫ا َ‬ ‫فــبــوفــاة الــدمــيــنــي تــفــقــد القصيدة‬

‫وليس الــعــزاء إال ألنفسنا‪ ..‬أنفسنا‬

‫الحداثية فــي العالم العربي‪ ،‬والخليج المسلمة بقضاء اهلل‪ ،‬لكن قــدرنــا أن‬ ‫بشكل خاص‪ -‬واحدًا من روادها الكبار نستعين بالكلمات على مقاومة الشعور‬‫الــذيــن أســهــمــوا فــي تــطــويــر الــخــطــاب بــالــاجــدوى مــن كــل ش ــيءٍ ‪ ،‬سيصل إلى‬ ‫الشعري وأتاحوا لنمط جديد من الكتابة نهايته المحتومة دائمًا؛ وإن أدركْنا أنَّ‬ ‫أن يكون(‪.)٢‬‬

‫‪16‬‬

‫العدد ‪75‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫َدم مَحْ ض‪ ،‬وال فَناء ِصرْف‪.‬‬ ‫الموتَ ليس بع ٍ‬

‫محور خاص‬


‫انطلقت روح الدميني مِ ــن أَسْ ــرِ هــا لتَف َد‬ ‫رضها السَّ مَواتُ‬ ‫إلى ربٍّ كَريم‪ ،‬يَجو ُد بجن ٍَّة عَ ُ‬ ‫واألَرْض‪ ،‬اللهم ممن قلت فيهم ﴿وسيق الذين‬ ‫ات ـقــوا رب ـهــم زمـ ــرً ا حـتــى إذا ج ــاءوه ــا وفتحت‬ ‫أبوابها وقــال لهم خزنتها ســامٌ عليكم طبتم‬ ‫فادخلوها خالدين﴾ الزمر‪.73 :‬‬ ‫ويستحيل حصر رحلة الدميني واكتشافها‬ ‫فــي ســويــعــات‪ ،‬واخــتــزال هــذا الــتــاريــخ وهــذه‬ ‫التجربة في بضع وريقات‪ ،‬فعلى الرغم من‬ ‫اختالف محطاتها الشاقّة في نهاياتها‪ ،‬غمس‬ ‫علي الدميني قامته في عبق التاريخ‪ ،‬وخرج‬ ‫جمر‬ ‫منه إلــى صخب الحاضر‪ ،‬قــافـزًا على ٍ‬ ‫مستعر تحت رماد أبيض‪.‬‬ ‫ٍ‬

‫ذلك الحد‪ ،‬ولكنها كانت مآلى بأجنحة األحالم‬ ‫المنكسرة‪ ،‬والمتع المجهضة‪ ،‬والحكايات‬ ‫الكبرى المتكئة على كراسي ال مقاعد لها»‪،‬‬ ‫وربما لهذا رفض أن تكون رحلته منتهية بأي‬ ‫خيار‪.‬‬

‫شاء اهلل لعلي الدميني أال يرحل إال بعد‬ ‫في عالم الدميني الشعري كانت ولسنوات‬ ‫ترك أثره الكبير الذي يُرى وال يزول‪ ،‬كعادته‬ ‫عديدة قصيدة التفعيلة معركته األولــى مع‬ ‫مفصل من مفاصل حياته‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫عند كل‬ ‫سجال وكتابة‪ ،‬حتى كادت‬ ‫ً‬ ‫البنية المحافظة؛‬ ‫ولم تش ّذ حياة علي الدميني عمن ارتادوا‬ ‫أن تغدو قضية التزام وتحزّب‪.‬‬ ‫درب النضال الوطني والحقوقي‪ ،‬ومسارات‬ ‫كان للدميني دوره المهم في إقامة الجسور‬ ‫النص الجديد‪ ،‬وهموم الكتابة بك ّل خياراتها‬ ‫التثاقفية مع مستجدات اإلب ــداع‪ ،‬ومــدارس‬ ‫المنحازة للتجريب والتجديد‪.‬‬ ‫النقد األدبي بين الداخل والخارج‪ ،‬إذ فتحت‬ ‫ولم يكن شاهد أدل وأصدق من خط يمينه الــصــفــحــات األدب ــي ــة فــي الــصــحــف أبــوابــهــا‬ ‫في كتابه الخالد «زمن للسجن‪ ..‬أزمنة للحرية» لفاعلية تأثيره العميق الــذي نعده تأسيسً ا‬ ‫ما يروي تفاصيل رحلته الشاقّة بين السجن لحياتنا الثقافية المعاصرة‪ ،‬وللوفاء‪ ..‬فإن‬ ‫والحرية وتسنّمه أفقها‪ ،‬فــأراد البقاء حـ ّرًا الدميني سافر رمـزًا في الثقافة من المكان‬ ‫دائمًا‪ ،‬حتى خارج أسوار القصيدة‪.‬‬ ‫ليكون عضوًا في إدارة النادي األدبي بالرياض‪،‬‬ ‫***‬ ‫عــنــوا ًنــا واس ـ ًمــا لملحق (الــمــربــد) الثقافي‪،‬‬ ‫لم تكن سنوات ُعمْر الدميني وحياته إال ومؤسسً ا لمجلة (النص الجديد) الشهيرة‪.‬‬

‫كما استدركها في قوله «إنها لم تكن خاوية إلى‬

‫محور خاص‬

‫وقــد ط ـوّف الدميني في سياقات الشعر‬ ‫‪ 75‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫‪17‬‬


‫العربي الحديث كــلــه‪ ،‬فهو كثير التجريب‪،‬‬ ‫متعدد الطرائق التعبيرية‪ ،‬منفتح في قصائده‬

‫التركيبية على األص ــوات المختلفة (الشعر‬ ‫الشعبي‪ ،‬مقاطع عمودية‪ ،‬مقاطع نثرية‪ ،‬تعابير‬ ‫انتقال متمكنًا بين البحور‪ ،‬غنائية‬ ‫ً‬ ‫يومية)‬ ‫شفافة وقدرة على هضم األفكار والشعارات‬

‫والمصطلحات السياسية وجعلها عناصر‬ ‫منسجمة مع شعرية الــنــص(‪ ،)٣‬وما أدل على‬ ‫ذلك من رائعته «الخبت»‪:‬‬

‫فمسها‪،‬‬ ‫«ال تقرب األشجار‪ ،‬غافلني الفؤاد ّ‬ ‫وهبطت‪،‬‬ ‫من عالي شيوخ قبيلتي أرعى جراحي‪..‬‬ ‫هذا بياض الخبت‪ ،‬أهمزُ مهرتي للبحر‬ ‫أرسنها إلى قلبي‪ ،‬فتجتاز المسافة‬ ‫يعقد حــوارًا معها‪ ،‬وأن يصغي إلى األصوات‬ ‫التي تتقاطع داخلها‪ ،‬وأن يستحضر النصوص‬ ‫حجرٌ على رمل المسيرة‪ ،‬هودجٌ ‪ِ ،‬حملٌ ‪،‬‬ ‫التي استدعتها والرموز التي وظفتها(‪.)٤‬‬ ‫وأغصانٌ من الرمان‪ ،‬هل تقفز؟»‬ ‫ب ــدت قــصــيــدة الــدمــيــنــي لــلــوهــلــة األول ــى‬

‫مستعصية عــلــى األف ــه ــام‪ ،‬ال تستسلم إلــى‬

‫قارئها بيسر وسماحة‪ ،‬ألنها من القصائد التي‬ ‫تقتضي من القارئ التخلي عن الفهم التقليدي‬

‫للشعر‪ ،‬كما تقتضي منه أن يبذل جهدًا تأويليًا‬

‫اكــتــشــف عــلــي الــدمــيــنــي عــالــمــه فتأمله‬ ‫ليفهمه‪ ..‬فإذا به يحبه؛ اكتشف ثراء التجربة‬ ‫اإلنسانية‪ ،‬وأدرك الشعور‪ ،‬وفهمه للمكان طاقة‬ ‫إبداعية شديدة التدفق‪ ،‬وحالة شعرية شديدة‬ ‫التفرد‪ ،‬فبلغ بعض مأمله‪.‬‬

‫كبيرًا حتى يستوعب رموزها‪ ،‬ويُدرك غامض‬ ‫رحمه اهلل رحمة واسعة‪ ..‬ال تكفيه سطور‬ ‫أقنعتها‪ ،‬وبسبب هذا‪ ،‬وجب على القارئ أن وقد كان عالَما بمفرده‪.‬‬ ‫* كاتبة سعودية‪.‬‬ ‫(‪ )1‬شرح سقط الزند ألبي العالء المعري‪ ،‬تحقيق‪ :‬مصطفى السقاف وعبدالسالم هرون وآخرون‪ ،‬إشراف‬ ‫طه حسين‪ ،‬مركز تحقيق التراث‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬الهيئة المصرية للكتاب‪1406 ،‬هـ‪ ،‬ص‪.971‬‬ ‫(‪ )2‬محمد الغزي‪ ،‬علي الدميني اجترح لغة جديدة ووسع أفق الحياة بالشعر‪ ،‬مقال منشور‪ ،‬اندبندت عريبة‪،‬‬ ‫‪2022‬م‪.‬‬ ‫(‪ )٣‬علي الدميني‪ ،‬لست وصيًا على أحد‪ ،‬التحوالت الشعرية‪ ،‬جهة الشعر‪ ،‬مقال منشور‪ ،‬بتصرف‪.‬‬ ‫(‪ )٤‬محمد الغزي‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬

‫‪18‬‬

‫العدد ‪75‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫محور خاص‬


‫ُ‬ ‫تأويل ما لم ي ُ ْ‬ ‫كتب للشاعر أحمد قرّان الزهراني‬ ‫وص ُ‬ ‫ثمة نهاية للشعر‪..‬‬ ‫دق المعنى‪ ..‬ليس ّ‬ ‫رو ُح الحداثة ِ‬ ‫■ د‪ .‬هناء بنت علي البواب*‬

‫اكتب كما لم تستطع من قبْلُ ‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫الكلمات‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫تترك حديثً ا عاب َر‬ ‫ْ‬ ‫ال‬ ‫الحروف فوارقَ المعنى‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫دعْ بين‬ ‫وع ّز ْز من حضورِ َك في الكتابة‪.‬‬ ‫الـشــاعــر ال ـس ـعــودي‪ ،‬أحـمــد قـ ـرّان الــزهــرانــي‪ ،‬مــن الــذيــن فـهـمــوا الــدافــع الـفـنــي لـضــرورة‬ ‫التحديث وأسسوا له‪ ،‬وتبنوا انطالقته الحداثوية‪ ،‬فهو ابن اللغة وصانع مفرداته الخاصة‬ ‫التي استخدم حروفها من العربية فقط‪ ،‬ولم يرتكز على غيره‪ ،‬بل كان صاحب فكرة في‬ ‫تعميق المضمون وتفعيل محتواه‪ ،‬بحيث ال يتناقض أو يتعاكس مع المضمون القومي‬ ‫واإلنساني للقصيدة العربية‪ .‬يدوّن لنا خبرته الكتابية في نصه « تأويل ما لم يكتب»‪ ،‬والذي‬ ‫يرتكز فيه على لعبة التشكيل الصادم للمتلقي‪:‬‬

‫التنصيص‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫قالت‪ :‬تركتُ ك تستبينُ عالم َة‬ ‫المعجم الحرفيِّ ؟‬ ‫ِ‬ ‫أين مكانُها في‬ ‫تقص ِد النجوى‪،‬‬ ‫ال تستخدم التأويلَ دون ُّ‬ ‫القول‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫وخلِّ الساع َة األولى لمن يهوى افتعالَ‬ ‫رت ّْب ما تراه مناسبا في صفحةِ األسماءِ ‪،‬‬ ‫أي كتابةٍ ال تحملُ السلوى فليس لر َْس ِمها الوقعُ المؤثرُ في الخريطةْ‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫حين تم ّر بنصوص الزهراني تتذكّر‬ ‫اتخذ الزهراني الشكل الشعري ساحة‬ ‫رحبة لإلبداع‪ ،‬فنجح أيما نجاح في تجديد إشكالية المتلقي‪ ،‬والتي ظهرت حين عاتب‬ ‫الشكل والمضمون معًا‪ ،‬ويكفي لنستدل أحدهم قديمًا الشاعر أبو تمام قائال‪:‬‬ ‫لماذا تقول ما ال يفهم؟‬ ‫عــلــى مــا نــذهــب إلــيــه مــن رأي أن نقرأ‬

‫تجربته الكاملة‪ ،‬إلى أن نصل إلى آخر ما‬ ‫فأجابه أبو تمام‪ :‬ولماذا ال تفهم أنت‬ ‫ما يُقال؟!‬ ‫يكتبه دون تأويل‪.‬‬

‫محور خاص‬

‫‪ 75‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫‪19‬‬


‫الحديث‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫وجهتَ بوصل َة‬ ‫ال تبالي أينما ّ‬ ‫الفعل يختصرُ المساف َة عنوةً‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫بعض‬ ‫َ‬ ‫لعلَّ‬ ‫قالت‪ :‬تنبّه حينما تكتب‪،‬‬ ‫فثمَّ الحزنُ يسكنُ فيك‪،‬‬ ‫ال تعب ْر إلى أقصى القصيدة!‬ ‫لنتأمل قليال بعض نصوص الزهراني‪ ،‬ثم‬

‫نستذكر أن بودلير أستاذ الحداثيين في كل‬ ‫مكان‪ ،‬وعميد الرمزية بعد إدغار‪ ،‬ويعد هو‬

‫الخطوة األولى للحداثة من الناحية األدبية‬ ‫على األقــل‪ ،‬وهو الذي نادى بالفوضى في‬ ‫ـس والــفــكــر واألخــــاق؛ وه ــذا مــا كان‬ ‫الــحـ ِّ‬

‫يتناسب مع طبيعة القيم السائدة في الفكر‬

‫ف ــاالرت ــق ــاء بــالــمــتــلــقــي إلـ ــى مــاهــيــة الغربي‪ ،‬ومخرجات الثورة الفكرية في ذلك‬

‫النصوص األدبية وبخاصة الشعرية منها‪ ،‬الــوقــت‪ ،‬بعيدًا عن قداسة الكنيسة‪ ،‬وهو‬

‫وتطوير ذائقته‪ ،‬ليس بالسهولة المعروفة؛ العبثي في حياته األدبية خاصة‪ ،‬نجد جزءًا‬ ‫بل يكون بإحداث ثورة فكرية‪ ،‬وبناء وعي من تلك الفوضى الحسية تتخلّق لدى القارئ‬ ‫سليم مــن خــال خلق فــضــاءات فكرية بعد انتهائه من كل نص من نصوص الشاعر‪.‬‬ ‫عديدة ومتجددة‪ ،‬تلك اللغة المصقولة‬ ‫ثم نجد إدغار يقول‪:‬‬ ‫الــتــي يستخدمها الــزهــرانــي تــعــد نــوعً ــا‬

‫ما مخففة من نافل الــقــول‪ ..‬فهو يتميز‬ ‫بالبساطة وليس بالتعقيد؛ ألن البساطة‬

‫«على األدب أن يكون كاشفً ا للجمال»‪.‬‬

‫هــنــا نــتــفــق مــعــه ونــتــبــنــى ذلـ ــك‪ ،‬ولكن‬

‫في الشعر أصعب من التعقيد؛ فمن السهل أن يقول‪« :‬وأن يكون ال عالقة له بالحق‬ ‫أن يكون الشاعر معقدًا في عباراته‪ ،‬لكن واألخ ــاق»!؟ هنا نطرح عالمة االستفهام‬ ‫من الصعب أن يكون بسيطً ا‪.‬‬

‫والتعجب؛ التفسير الوحيد لهذا تجده في‬

‫رجل مفلسً ا سلوكيًا‬ ‫ً‬ ‫مخفي تتبع سيرته‪ ،‬فقد كان‬ ‫ٌّ‬ ‫الحب‬ ‫ِّ‬ ‫قالت‪ :‬يُ ِعيبُك أنَّ صــوتَ‬ ‫واجتماعيًا‪ ،‬وانعكس ذلك على فكره وأدبه‬ ‫عن األضواءِ ‪،‬‬ ‫بشهادة المؤرخين‪.‬‬ ‫لم تعمدْ على إشهارهِ ‪،‬‬

‫نفسك‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫مكنون‬ ‫ِ‬ ‫تستنكف اإلفصا َح عن‬ ‫ُ‬ ‫وكأنّما‬

‫‪20‬‬

‫العدد ‪75‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫لــذلــك‪ ،‬تــرتــســم نــصــوص الــزهــرانــي‬

‫محور خاص‬


‫ضمن الجزء األول من مقولته‪ ،‬فنصوص تــدرك أنه يتيح للمُتلقي أن يقوم بإعادة‬ ‫الزهراني تمثّل األدب الكاشف للجمال إنتاج دالالت جديدة للنص؛ وهذا ال يأتي‬ ‫ولــإحــســاس الــمــرتــفــع‪ ،‬وهـــو الــشــاعــر للقصيدة لمجرد أنها حداثية وحسب؛ بل‬

‫الحداثي الــذي يعيد ترسيم الــواقــع من من اللغة الشاعرية التي يحرص عليها‬ ‫خالل عينيه اللتين تصوّران واقعه تصويرًا الــشــاعــر‪ ،‬كــواحــدة مــن تقنيات إبــداعــه‬

‫مغايرًا مضيفًا وخالقًا؛ وفى الوقت نفسه قبل أن تكون واحــدة من عناصر الطرح‬ ‫يحمل في قناعاته جرأة رحّ الة مغامر؛ بل الحداثي ذاته‪ ،‬لذلك هو يخلق باللغة نصه؛‬ ‫ويمكن القول‪ :‬إنّه متهور أحيانًا!‬ ‫فمن أجمل ثوابت هذه التجربة الشعرية‬ ‫لدى الشاعر الزهراني‪ ..‬أن تجربته برمتها‬ ‫ثورة واثقة للتغيير؛ والغريب فيها أنك ال‬ ‫تستطيع أن تلحظ فيها أنها تجربة طافت‬ ‫ولو على استحياء على أي تجربة شعرية‪،‬‬ ‫ظل لشاعر آخر‪ ،‬إنه يمتلك‬ ‫ولم يكن يومًا ّ‬ ‫صوتا متف ّردًا في األداء‪.‬‬

‫موغل في الحزن‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫قالت بلهجةِ‬ ‫ْ‬ ‫تنس التفاصيلَ الصغير َة في الحوارِ ‪،‬‬ ‫ال ْ‬ ‫عينيك لن تنساه إال‬ ‫َ‬ ‫فكلُّ وجــهٍ مرَّ في‬ ‫برهةً ‪،‬‬ ‫َك في الغوايةِ ‪،‬‬ ‫فاكتب شبيه َ‬ ‫ْ‬ ‫سجن خفيٍّ ‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫سير َة الشعراءِ في‬ ‫عن روائيين في المنفى‪،‬‬ ‫اللغوي‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫التغريب من مفهومهِ‬ ‫ِ‬ ‫عن‬ ‫يكترث بالبردِ ‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫بائع لم‬ ‫ٍ‬ ‫رحلةِ‬ ‫عن أنثى تساو ُر وقتَها المحمومَ‪،‬‬ ‫عن شغف الحكاية‪.‬‬

‫بل هو في حقيقة األمر يعيد الخلق ذاته‬

‫للكلمة‪ ،‬ويسبح بها لمناطق بالضرورة هي‬ ‫غير مأهولة‪ ،‬يعيد ترسيم وظيفة جديدة‬ ‫للمألوف والمعتاد منها‪ .‬هنا‪ ،‬تعرف فقط‬ ‫أنك أمام صوت شعري متمرد‪ ،‬ومتمرس‬ ‫على خلق الــروح الجديدة للنص‪ ،‬وربما‬ ‫هــذا الــذي يُفسر سـ ّر الثراء الالمحدود‬ ‫لنصوص الــزهــرانــي؛ إذ تظل اللغة على‬ ‫الــدوام وأدوات الشاعر الفاعلة ومضات‬ ‫مضيئة لتفسيرات آنية ومُستقبلية للنص‬ ‫الشعري‪ ،‬تتوالد لدى المُتلقي مع تناوب‬ ‫القراءة على النص‪.‬‬ ‫ولذلك‪ ،‬ال بد أن نعترف أن الزهراني‬ ‫ربما كان ممن يؤمنون بأن الشعر العربي‬ ‫الحديث وجد ضالته‪ ،‬بعد إرهاصات مبكرة‬ ‫شهدها النصف األول من القرن العشرين‬ ‫فــي قصيدة «الــشــعــر الــحــر»‪ ،‬أو قصيدة‬ ‫التفعيلة‪ ،‬على أيدي رواد الحداثة الشعرية‪،‬‬ ‫وربما وجد هذا الشعر فرصته األكبر في‬ ‫تنميطات القصيدة الستينية وتجاربها‬

‫وأنــت تقرأ أي جــزء من أجــزاء نصه‪ ،‬وكشوفاتها‪ ،‬سواء في إطار قصيدة التفعيلة‪،‬‬

‫محور خاص‬

‫‪ 75‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫‪21‬‬


‫أم «قصيدة النثر»‪ ،‬أم في القصيدة المدوّرة‪ ،‬عن حمّ ى الغواية‪.‬‬

‫وقصيدة النص المفتوح‪ ،‬وقصيدة البنيات‬

‫المجاورة ‪-‬بتعبير كمال أبــو ديــب‪ -‬حيث‬ ‫االنفتاح األجناسي على أنــواع وأصناف‬ ‫موضوعية وغير غنائية‪ ،‬وهي كلها كانت‬

‫تمثل هاجسً ا أو نــزوعً ــا لتحقيق لــون من‬ ‫التجريب الذي يفضي إلى بنيات وأنساق‬

‫الواضح بجالء في بنائية القصيدة عنده‬ ‫هو أن يظل المُهمش‪ ،‬واليومي والتفاصيل‬ ‫البسيطة والــعــاديــة ج ــزءًا ال يتجزأ من‬ ‫عناصر بنيتها‪.‬‬ ‫إنّ أوجــز مــا يمكن قوله فــي نصوص‬

‫وألــوان وتقنيات شعرية متجددة؛ إذ تبدأ الزهراني هو ولوعه بالتفاصيل‪ ،‬والتي‬ ‫فعل في‬ ‫رحلة الكلمات مع الزهراني وهو يواصل بنا قد تبدو بسيطة‪ ..‬ولكنها مؤثرة ً‬

‫تأويل كل ما لم يكتبه‪:‬‬

‫خدمة القصيدة‪.‬‬

‫ِ‬ ‫أكتب سوى‬ ‫ابتدأت ولم ْ‬ ‫ْ‬ ‫الرحلةُ‬ ‫تكتب‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫سطرين قالت‪ :‬تركتُ َك حين لم‬ ‫نص الروايةِ ‪،‬‬ ‫من ِّ‬ ‫فهي طقسَ ك الروحيّ ‪،‬‬ ‫الرفاق المحبطين‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫بعض أسماءِ‬ ‫ِ‬ ‫أحالمك الكبرى‪،‬‬ ‫َ‬ ‫شف من‬ ‫خذْ ما َّ‬ ‫العنوان‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫الترقيم في‬ ‫ِ‬ ‫عالمةِ‬ ‫ـك دون أن تُلقي وداعً ــا‬ ‫ـرك مـكــا َنـ َ‬ ‫وال تـتـ ْ‬ ‫العامل النفسي‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫قانون حقّ‬ ‫ِ‬ ‫تعديل على‬ ‫ٍ‬ ‫ـدي ه ــزي ـ ٍـل ال ي ـع ــي م ــا ال ـل ـغ ــزُ فــي الئقً ا بكتابةٍ أخرى‬ ‫جـ ـن ـ ٍّ‬ ‫منعطف النهاية‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫تزُ فُ َّك نحو‬ ‫اإلعالن‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫سجالت الشكاوى‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫أكتب‬ ‫ْ‬ ‫لم‬ ‫لذلك‪ ،‬ال بد من االعتراف بأن الشعر‬ ‫درس النحوِ ‪،‬‬ ‫غادرت َ‬ ‫ُ‬ ‫ذكرياتي حينما‬ ‫رؤيــا وموقف من العالم‪ ،‬وسلوك شعري‬ ‫ل ــم أكـ ـت ـ ْـب سـ ــوى م ــا ل ــم ت ـق ـ ْل ــهُ َ‬ ‫ص ــبِ ـ ّي ــةُ قبل أن يكون تقنية أو نزعة أسلوبية‪،‬‬ ‫المقهى‪،‬‬ ‫وهذا يتمثل فيما عبر عنه إليوت بمقولة‬ ‫قديم دون أن يُ لقي‬ ‫ٍ‬ ‫سوق‬ ‫غريب م ّ َر من ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫«الهروب من الذات»‪ ،‬فبعد أن ظ ّل الشعر‪،‬‬ ‫سالمً ا عابرً ا‪،‬‬ ‫وبــخــاصــة خ ــال الــمــرحــلــة الرومانسية‬ ‫بالحكْ ِم‪،‬‬ ‫قاض تلعث َم ناطقً ا ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ملتصقًا بالذات‪ ،‬بدأ يهرب منها ويتجه‬ ‫أكتب نبوءاتي الهزيلةَ‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫لم‬ ‫إلى لون من الشعر الموضوعي‪.‬‬ ‫تمثال بوذا‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫للبحث عن‬ ‫ِ‬ ‫رحلتي‬ ‫عن قواميس المرُ سكيين‪،‬‬ ‫لذلك ليس ثمة من نهاية للشعر‪.‬‬ ‫* كاتبة‪ -‬األردن‪.‬‬

‫‪22‬‬

‫العدد ‪75‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫محور خاص‬


‫الشاعر السعودي علي الحازمي‬ ‫رثاء للوجو ِد ومعنا ُه‬ ‫ٌ‬ ‫■ محمد العامري*‬

‫ينتظم األدب السعودي في سياقات ال تختلف كثيرً ا عن هواجس كتّاب العالم العربي‪،‬‬ ‫بل تتجاوزه ربما بأكثر من ذلك بكون السعودية قِ بلة المسلمين‪ ،‬وهذا يتطلب التزامات من‬ ‫شكل خاص يتماشى مع الكتاب والسنة؛ لكن الكاتب السعودي يحمل في أنفاسه هواجس‬ ‫العالم من تأثر وتأثير‪ ،‬ويعود الشعر في تلك المنطقة إلى عصر ما قبل اإلسالم وما تركوه‬ ‫واندهاشا‪.‬‬ ‫ً‬ ‫لنا من تحف شعرية ما نزال نرددها إعجابًا‬ ‫فالمملكة العربية السعودية‪ ،‬تركز على مرجعيات بعيدة وعميقة فيما يخص الشعر‬ ‫بكون الشعر «الجاهلي» ينتمي إليها زمانيًا ومكانيًا‪ ،‬بذلك نرى على تراكم الفعل الشعري‬ ‫بامتداداته وتجلياته اإلنسانية‪ ،‬إذ يعد شعر ما قبل اإلسالم من أزهى العصور في مراحل‬ ‫أدب الجزيرة العربية‪.‬‬ ‫ومـ ــع ظــهــور بـــــوادر قــصــيــدة الــنــثــر في‬ ‫الثمانينيات من القرن الفائت‪ ،‬والتي أحدثت‬ ‫خلخلة فــي مفاهيم الشعر الــذي قــام على‬ ‫الغنائية المفرطة‪ ،‬القصيدة الطربية التي‬ ‫ـوصــا تتمثل الــســرد الــشــعــري‪،‬‬ ‫واجــهــت نــصـ ً‬ ‫والقفز إلى مفاهيم المعاني والرسائل التي‬ ‫تريد إيصالها للقارئ‪ ،‬بذلك أعفيت القصيدة‬ ‫الحداثوية من مفاهيم الذم والمديح وانتصرت‬ ‫لهموم اإلنسان‪.‬‬ ‫واجهت القصيدة النثرية مواقف ليست‬ ‫بالسهلة من قبل النقاد‪ ،‬فقد وضعت في الظل‬ ‫نقديًا؛ ما أدى بشكل غير مباشر إلى تعطيلها‬ ‫مشهديًا؛ لكنها كانت تفور في هواجس كتّابها‪،‬‬ ‫بل تكاد تكون قد حُ ذِ فت من النقد األكاديمي‪،‬‬ ‫كما لو أنها أيدولوجيًا مناكفة لما هو موجود‬ ‫من غنائية شعرية طاغية‪.‬‬

‫محور خاص‬

‫فبدت بوادر الشعر السعودي الجديد إذا‬ ‫تحول باتجاه كسر عمود الشعر‬ ‫ً‬ ‫جازت التسمية‬ ‫أحيانًا‪ ،‬وأحايين أخــرى إدخــال السرد إلى‬ ‫القصيدة‪ ،‬أمثال محمد الثبيتي‪ ،‬ومحمد جبر‬ ‫الحربي‪ ،‬وعلي الدميني‪ ،‬وسعد الحميدين‪،‬‬ ‫وفوزية أبو خالد‪ ،‬وخديجة العمري‪ ،‬وعبداهلل‬ ‫الصيخان‪ ،‬كما لو أنهم فتحوا الطريق لجيل‬ ‫كان متحفزًا للولوج إلى تجريبية تمتلك حرية‬ ‫عالية في طرح قضايا الكون‪ ،‬جيل قصيدة‬ ‫النثر أمثال أحمد المال‪ ،‬وإبراهيم الحسين‪،‬‬ ‫وغسان الخنيزي‪ ،‬ومحمد الدميني‪ ،‬وعلي‬ ‫العمري‪ ،‬وحمد الفقيه‪ ،‬وأحمد كتوعة‪ ،‬وعلي‬ ‫الحازمي وغيرهم‪ ،‬وظهرت محاوالت مهمة‬ ‫الختبار قصيدة النثر من قبل عبداهلل سفر‬ ‫أسهمت في إشاعة القصيدة وامتداداتها في‬ ‫األجيال الالحقة‪ ،‬وانطوت تلك الكتابات على‬ ‫‪ 75‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫‪23‬‬


‫دهشة االنطباع والتفسير في سياق تأويلي‬ ‫أقرب إلى الذاتوية‪.‬‬ ‫ل ــم يــكــن خـ ــوض ال ــح ــداث ــة س ــه ــا‪ ،‬في‬ ‫الهواجس األولى‪ ،‬بل محاطً ا في نسق ثقافي‬ ‫يتحرك ضمن رعاية األشكال المتكلسة لشكل‬ ‫القصيدة العربية عامة‪ ،‬والسعودية بخاصة؛‬ ‫فــالــشــاعــر عــلــي الــحــازمــي‪ ،‬أصـــدر دواويـــن‬ ‫شعرية بلغات مختلفة‪ ،‬من أبرزها اإلسبانية‪،‬‬ ‫والفرنسية‪ ،‬واإلنجليزية‪ ،‬والرومانية‪ ،‬والتركية‪،‬‬ ‫والصربية‪ ،‬وفاز بجائزة أفضل شاعر دولي‬ ‫عام ‪2018‬م‪.‬‬ ‫ففي قصيدته «تُلقي بحزنكَ صخر ًة في‬ ‫الماء» عتبة لقراءة هذا الشاعر الذي يجعل‬ ‫من حزنه دوائــر متوالدة بال نهايات‪ ،‬فحين‬ ‫يلقي بصخرة حزنه في الماء سيكون الحزن‬ ‫أكبر من وجوده ليتموضع في الذات الجمعية‬ ‫ممثلة بذات الشاعر الذي يتقاطع مع العالم‬ ‫وبؤسه‪.‬‬ ‫يقول‪:‬‬

‫النبع‬ ‫ِ‬ ‫في األَربعينَ هناك قربَ‬ ‫يأخذُ كَ الحنينُ إلى ِظباءٍ‬ ‫ُ‬

‫‪24‬‬

‫العدد ‪75‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫علي الحازمي‬

‫لم تَعدْ تُصغِ ي لشدوِ كَ كلما آنستَ‬ ‫الكلمات‬ ‫ِ‬ ‫ُخطوتَها وغر َد طائرُ‬ ‫وحيد بالفؤاد‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫صن‬ ‫من غُ ٍ‬ ‫ُتل ِْقي بحزنِ َك صخر ًة في الماءِ‬ ‫تُبصرُ بد َر وجهِ َك قد تَشَ َّظى‬ ‫أوجاعهَا‬ ‫ِ‬ ‫جحيم اللحظةِ الثكلى ومن‬ ‫ِ‬ ‫من‬ ‫فهو يتمثل فلول الزمن‪ ،‬إذ تقضم األربعين‬ ‫حلمه األرعــن‪ ،‬ليدخل في حالة التفكر بما‬ ‫جاء به العمر من مواقف تتكرر في المنطق‬ ‫الوجودي للشاعر‪ ،‬كما لو أنه يتلبس المعنى‬ ‫لــوجــوده‪ ،‬ويتوهمك بالقفز على‬ ‫سحابة‪ ،‬فهو يبحث عــن قصيدة‬ ‫إنسانية تتوافق ووجـــوده المليء‬ ‫بالتناقضات الحياتية؛ فهي جملة‬ ‫شعرية خارجة من تأوهات األلم‪،‬‬ ‫وسـ ــؤال ال ــوج ــود‪ ،‬وعــنــاه البعيد‪،‬‬ ‫متجاوزة حــدود وسيطها اللغوي‪،‬‬ ‫باحثًا بذلك عــن منطقة تنسجم‬ ‫مع الذات المعاصرة بكونه محاطً ا‬

‫محور خاص‬


‫بموروث قوي من الشعرية الطربية؛‬ ‫فــســؤالــه مــتــجــاوزًا للشكل الشعري‬ ‫ونازحً ا نحو تعبيرية قوية تحك األشياء حتى‬ ‫الجص‪ .‬ويسعى الشاعر من خالل هذا النص‬ ‫الكشف عــن أزم ــان مختلفة تتصاعد نحو‬ ‫النهايات المفزعة في الوجود‪ ،‬وهذا‬ ‫األمــر هو من منجزات ما تحتمله‬ ‫القصيدة الــجــديــدة لما تمتلكه‬ ‫من حرية في التعبير عن فكرة‬ ‫معاصرة من آالم وهواجس ذاتوية‬ ‫وعامة متشابكة مع ما يشعر به العالم‬ ‫نصا كونيًا‪ ،‬فهي مكابدات الشاعر‬ ‫بوصفها ً‬ ‫الذي يُحبّر في محيط مليء بالهباء والقسوة‪.‬‬ ‫يقول في مقطع آخر‪:‬‬

‫ْك الريحُ أَوزا َر الحكايةِ مُ ذْ وقفتَ‬ ‫حَ مَّ َلت َ‬ ‫بباب أَمْ ِس َك مُ وثَقَ القدمين‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫النشيد‬ ‫ِ‬ ‫أهداب‬ ‫ِ‬ ‫ال العمرُ َير ِْجعُ صوبَ‬ ‫الفاتنات يَعُ دْ َن‬ ‫ُ‬ ‫الصبايا‬ ‫وال َ‬ ‫من شجرِ الطفولةِ نح َو حقلِ َك باسمات‪.‬‬

‫هواجس وأفكار‪.‬‬

‫لم يتخل الشاعر الحازمي عن اختباراته‬ ‫للزمن الممثل بعمر األربعين‪ ،‬ففي قصيدته‬ ‫يندب تقدم العمر السريع تجاه حياة مستقبلها‬ ‫مرهون بالغموض والــخــوف‪ ،‬فتصبح الــروح‬ ‫مسورة بهموم الدنيا وتداعياتها القاسية التي‬ ‫ندرك عبر هذا المقطع تأكيد الشاعر على‬ ‫ال تنبئ عن أمل في القادم‪..‬‬ ‫سؤال الزمن‪ ،‬وما تركه الوجود في روحه من‬ ‫يقول‪:‬‬ ‫رحلة محسومة باتجاه الكهولة‪ ،‬فلم يعد العمر‬ ‫يرجع‪ ،‬وال الصبايا كذلك‪ ،‬إذ ولّت الطفولة في في األَربعينَ ‪ ،‬وأنتَ مشدودٌ‬ ‫بداياتها الموحشة‪.‬‬ ‫الموشح‬ ‫ِ‬ ‫النايات في شَ ِال‬ ‫ِ‬ ‫إلى‬ ‫شعور متحقق للخيبات التي تعيش مع‬ ‫الشاعر في سؤاله الكوني بما يخص الوجود‬ ‫ومعناه البعيد‪.‬‬

‫الهديل يمامةً‬ ‫ِ‬ ‫ِجــدْ لمعناكَ المسافرِ في‬ ‫منسيةً ‪،‬‬ ‫الرهيف‬ ‫َ‬ ‫ُره ِق اللحنَ‬ ‫ال ت ِ‬ ‫الذكرى استدارت‬ ‫آهات من ِ‬ ‫ٍ‬ ‫بجمرِ‬ ‫كالسوار‪.‬‬ ‫روح َك ِّ‬ ‫حولَ ِ‬

‫فالشاعر الــحــازمــي يــحــرر قصيدته من‬ ‫المتطلبات التقليدية لعمود الشعر ذاهبًا‬ ‫فــالــزمــان والــمــكــان فــي الفضاء الشعري‬ ‫إلى تمجيد الفكرة والمعنى‪ ،‬والتي تعبر عن‬ ‫الخط الفكري والنفسي بما يُشغِ ل الشاعر من لدى الحازمي مرهون بإحساسه الذاتي بما‬

‫محور خاص‬

‫‪ 75‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫‪25‬‬


‫وهذا يعني أن الزمكانية الشعرية تدخل في‬ ‫مسارات المتخيل الفني والمجازي‪ ،‬من خالل‬ ‫تفعيل الرؤية الشعرية في مرموزات النص‬ ‫نفسه‪ ،‬وتكثيف الفضاء الجمالي للقصيدة‪،‬‬ ‫لتتنامى كثافتها‪ ،‬وفاعليتها التعبيرية‪ ،‬وفق‬ ‫تأثيرية فاعلة‪.‬‬

‫يقع عليه من خيبات وانكسارات متتالية‪ ،‬إذ‬ ‫وثقيل‪ ،‬ال يمكن تفاديه‬ ‫ً‬ ‫يصبح الزمن صلدًا‬ ‫إال عبر الكتابة والتعبير عنه بألم‪ ،‬وهو ما‬ ‫يقدمه فيما يخص الفكرة نازحً ا نحو جوهر‬ ‫الفكرة واختبارها بجروح التركيب القوي‪ ،‬بما‬ ‫تحمله الجملة من رؤى شعرية متحققة في‬ ‫ثنايا النص وطيّاته‪ ،‬محققًا التالحم‪ ،‬الرؤية‬ ‫يقول الحازمي‪:‬‬ ‫الزمكانية والجمالية معًا‪ ،‬إذ تتشكل اللحظة‬ ‫الذكرى‬ ‫«اآلنية» في إدراك المركب الماضوي‪ ،‬كما في األَربعين‪ َ،‬تزوركَ امرأةٌ من ِ‬ ‫تسائل‬ ‫ً‬ ‫لو أنه يرثي الوجود عبر موضوعه الشخصي فال تقسو على نَاياتِ ها مُ‬ ‫َمس نجواها البعيد‪،‬‬ ‫عن أ ِ‬ ‫الذي يتقاطع مع إنسان العصر‪.‬‬

‫الطرقات‬ ‫ِ‬ ‫في األَربعينَ ‪ ،‬اآل َن في‬ ‫اللك كلما‬ ‫لن تحتا َج أَن تطوِ ي ِظ َ‬ ‫باه ِج الدنيا لتبل َغ‬ ‫يممتَ صوبَ َم ِ‬ ‫ُك التذكرُ‬ ‫ِضفَّ ةً في التِ يهِ ‪ ،‬يسأل َ‬ ‫عن مرايا ُحل ِْم َك الباقي‬ ‫متى كنتَ ارتبكتَ‬ ‫النسيان آخ َر مَ رةٍ ؟‬ ‫ِ‬ ‫بحضرةِ‬ ‫ماضيك المسالِ َم إنْ وقفتَ‬ ‫َ‬ ‫ما َضرَّ‬ ‫التح َّي َة‬ ‫بباب طيبتِ هِ وأَلقيتَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫الءات‬ ‫ٍ‬ ‫عابرً ا مُ تخففً ا من ِع ْبءِ‬ ‫طش ال َهبَاء‪.‬‬ ‫ينيك ِمن عَ ِ‬ ‫َروَتْ عَ َ‬

‫تعالَ ُخذْ هَ ا‬ ‫السراب و ُردَّهَ ا‬ ‫ِ‬ ‫طواحين‬ ‫ِ‬ ‫من‬ ‫لربيع بهجتِ ها األثيرِ وزهرِ هِ‬ ‫ِ‬ ‫ُوحها المنسيِّ‬ ‫اهتمَّ أَن تُصغِ ي لطائرِ ر ِ‬ ‫في شَ جرِ الغياب‬ ‫كُ نْ قُ ْربَها مَطرً ا حريريًا‬ ‫ارتبكت‬ ‫ْ‬ ‫إذا‬ ‫ابتسمت‬ ‫ْ‬ ‫وكُ نْ وتَرً ا مجازيًا إذا‬ ‫وكُ نْ شغفً ا وجوديًا‬ ‫التفتت‬ ‫ْ‬ ‫إذا‬ ‫ولكن‪،‬‬ ‫حرائقها المديدةِ‬ ‫ِ‬ ‫حين تدنو من‬ ‫ال تكن غي َر الرماد‪.‬‬

‫فــبــزوغ مــفــردات تتحرك فــي رثــاء العالم‬ ‫والزمن معًا‪ ،‬منها» عبء‪ ،‬والهباء‪ ،‬والنسيان‪،‬‬ ‫ـراب‪،‬‬ ‫والــمــاضــي‪ ،‬والــظــال‪ ،‬وطــواحــيــنِ الــسـ ِ‬ ‫وال ــح ــرائ ــق ال ــم ــدي ــدة‪ ،‬والـــرمـــاد والــغــيــاب‬ ‫والذكرى» وغيرها من المفردات التي تدلنا‬ ‫على الموضوع المأسوي الــذي يتكلم عنه‬ ‫الشاعر‪ ،‬بوصفه نقطة تثوير للوجود ومعانيه‪،‬‬

‫ال يمكن تــجــاوز هــذا الــنــص المبدع في‬ ‫اخــتــبــارات الــقــصــيــدة الــســعــوديــة‪ ،‬خــاصــة‪،‬‬ ‫والقصيدة العربية‪ ،‬عامة؛ فهي من النصوص‬ ‫التي تقدم الوجود بمعناه اإلنساني المعاصر‪،‬‬ ‫ومــا يقدمه من قسوة أصبحت عــادة يومية‬ ‫لحياتنا؛ فقد حقق الشاعر رؤيــتــه للوجود‬ ‫بقسوة رومانسية باكية!‬

‫يقول‪:‬‬

‫* كاتب ‪ -‬االردن‪.‬‬

‫‪26‬‬

‫العدد ‪75‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫محور خاص‬


‫عمر بوقاسم‬ ‫شاعر بين الوزن والنثر الحداثوي‬ ‫■ د‪ .‬أحمد العماري*‬

‫لو نظرنا إلى الشعريّة العربيّة‪ ،‬وحاولنا أن نعاين مراحل تطوّرها‪ ،‬لقلنا إنّ الشعريّة‬ ‫العربيّة في زمن «قصيدة الوزن» ‪ -‬التي استمرّت متسيدة أكثر من أربعة عشر قرنًا ‪ -‬خضعت‬ ‫الشعري العربيّ بطريقة‬ ‫ّ‬ ‫وختمت على ال ــذوق‬ ‫ْ‬ ‫لنمطيّةٍ ضاغطةٍ ‪ ،‬س ــادتْ على نحوٍ كبير‪،‬‬ ‫تقديسيّة عالية اإلكراه‪.‬‬ ‫جيوش جرّار ٌة‬ ‫ٌ‬ ‫ثم ولدت «قصيدة التفعيلة» ‪-‬في هذا الحصار الرهيب الذي كانت تقوده‬ ‫مــن دفــاعــات «قصيدة ال ــوزن»‪ -‬والدة قيصريّة‪ ،‬كأنّها والد ٌة مـحـ ّرمــةٌ تــدافــع عــن خطيئتها‪،‬‬ ‫بعضا من أنفاسها‪ ،‬وتحرّرتْ أدواتُها وفعاليّاتُها في استقبال‬ ‫التقطت فيها الشعريّةُ العربيّةُ ً‬ ‫ْ‬ ‫الشعري العربيّ عن إمكانات خفيّة ما‬ ‫ّ‬ ‫وتكش َف العقلُ‬ ‫هواء جديد مُ ملّح ومُ بهّ ر على نحوٍ ما‪ّ .‬‬ ‫وطرقت‬ ‫ْ‬ ‫كان لها أن تُكتشف لوال هذه االنتفاضة الشعريّة التي أزاحت الغشاوة عن العيون‪،‬‬ ‫عال تلك األبواب الحديديّة التي أقفلها حما ُة الديار وأضاعوا مفاتيحها في معركة‬ ‫بصوت ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ال نجاة منها‪.‬‬ ‫وبين كــل ذلــك تظهر الــحــداثــة الضاربة‬ ‫بعرض الحائط كــل القوانين وكــل األوزان‬ ‫لتقول للشعر نحن هنا‪ ،‬ونحن نتمرد للكلمة‬ ‫الحقيقية‪ ،‬فيظهر الشاعر السعودي عمر‬ ‫بوقاسم فــي قصيدته الحديثة بين الــوزن‬ ‫والنثر متنبئا بوجه جديد للقصيدة الحداثية‬ ‫السعودية‪ ،‬لذلك تمكنت القصيدة الحداثية‬ ‫انتزاع الرياح العاتية اآلتية من منطقة التنوير‬ ‫المحصنة‬ ‫ّ‬ ‫الطليعيّ ‪ ،‬وانتزعتْ قداسة القلعة‬ ‫من جذورها‪ ،‬وأهلكتْ حرّاسها المدجّ جين‬ ‫باألسلحة التقليديّة القاتلة‪ ،‬وفتحت األبواب‬ ‫والنوافذ وك ّل ما هو قابل للفتح على مصاريعها‬ ‫الستقبال هواء ونكهات مختلفة‪.‬‬

‫الشمس تسقط في البحر‪،‬‬

‫محور خاص‬

‫بمعنى أن الشمس تغرب‪،‬‬ ‫وأن الظالم يخرج من تحت أوراق األشجار‬ ‫الكبيرة ذات األغصان الطويلة‪،‬‬ ‫األغ ـصــان الـتــي تتسلقها الشمس صباح‬ ‫اليوم التالي وهي مبللة بنهارها الجديد‪..،‬‬ ‫خياالت طفل‪ ،‬نعم‪،‬‬ ‫خياالت طفل‪،‬‬ ‫خياالت واضحة وليست مؤذية‪،‬‬ ‫ترافق الطفل إلى مدرسته‪،‬‬ ‫تنسيه ربطة حذائه الرياضي‪،‬‬ ‫تنسيه العالم‪،‬‬ ‫ي ـش ـطــب ال ـك ـث ـيــر م ــن ال ـج ـم ــل ال ـخــاط ـئــة‬ ‫والصحيحة المكتوبة في دفتره‪،‬‬ ‫وعند عودته من المدرسة يقف أمام البيت‬ ‫‪ 75‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫‪27‬‬


‫جزء مهم من الذائقة الشعريّة العربيّة التي‬ ‫نامتْ على وســادة واحــدة‪ ،‬ال بديل لها أكثر‬ ‫من أربعة عشر قــر ًنــا‪ ،‬من دون أن تعترض‬ ‫أو تحتجّ أو تتمرّد‪ .‬وصار الشاعر العربيّ ال‬ ‫يخجل أن يبكي ويتوسّ ل ويعبّر عن هزيمته‬ ‫وضــعــفــه وهــشــاشــتــه وخــســاراتــه الصغيرة‬ ‫والكبيرة‪ ،‬والشاعرة العربيّة هي األخرى تبكي‬ ‫على فقدان حبيبها‪ ،‬وعلى خيبتها من تجربة‬ ‫حبّ فاشلة‪ ،‬وعلى أنوثتها التي تتسرّب كالماء‬ ‫النادر من بين يديها‪ ،‬بال أيّ إحساس بالدونيّة‬ ‫والضآلة واالنحسار اإلنسانيّ ‪.‬‬

‫المهجور الذي يتوسط الطريق‪!..‬‬ ‫يتأمل الباب الخشبي والنوافذ والجدار‬ ‫وبيت عنكبوت ممزق‪،‬‬ ‫يقترب من الجدار ويضع أذنه ربما يسمع‬ ‫بقايا مــن أص ــوات الــذيــن عــاشــوا فــي هذا‬ ‫البيت‪،‬‬ ‫هناك الكثير من األصوات تسكن في جدار‬ ‫البيت المهجور‪ ،‬ولكن ال يمكن أن يسمعها‬ ‫إال ب ـخ ـيــاالتــه‪ ،‬خ ـي ــاالت واض ـح ــة وليست‬ ‫مؤذية‪..‬‬ ‫في‬ ‫البحر‬ ‫الشمس‬ ‫تسقط‪ ،‬نعم‪ ،‬الشمس تسقط في البحر‪،‬‬ ‫بمعنى أن الشمس تغرب‪.‬‬ ‫نقلت هــذه الــحــداثــة الــشــعــر ّيـ َة العرب ّي َة‬ ‫القصيدة إلى مناخ مُغاير‪ ،‬على الرغم من أنّها‬ ‫تأخرت كثيرًا جدًا‪ ،‬لكنّها وصلت أخيرًا على‬ ‫أ ّيــةِ حــال؛ وأ ْن تص َل متأخرًا خي ٌر من أن ال‬ ‫تصل أبـدًا كما يقولون‪ .‬وأسهمتْ في تغيير‬

‫لم يبق من جــذوة هــذا الــنــزاع المترامي‬ ‫األطراف سوى أ ّن قصيدة النثر في نصوصها‬ ‫النوعيّة العالية المستوى ‪ -‬على ندرتها ‪ -‬ظلّتْ‬ ‫ساطعة في سماء الشعريّة العربيّة الحديثة‪،‬‬ ‫غير مكترثة كثيرًا بمن دافع‪ ،‬ومن هاجم‪ ،‬ومن‬ ‫وقف وقفته الحائرة على منتصف السلّم‪ ،‬وقد‬ ‫أضــاع بوصلة الصعود مثلما أضــاع بوصلة‬ ‫الهبوط‪ ،‬وبقيت صورة المفهوم تتغيّر وتتحوّل‬ ‫لضمان استمراريّة حضور هــذه القصيدة‬ ‫بأعلى درجات الشعريّة والبهجة والتألّق‪.‬‬ ‫يتحوّل مفهوم قصيدة النثر في ك ّل مرحلة‬ ‫تحول‬ ‫ً‬ ‫مــن مراحلها الــمــتــطـوّرة بــاســتــمــرار‬ ‫وفاعل‬ ‫ً‬ ‫مدهشً ا يجعل منه مفهومًا صالحً ا‬ ‫بسهولة‬ ‫ٍ‬ ‫وأصيل باستمرار‪ ،‬لكنّه ال يتحوّل‬ ‫ً‬ ‫ويُــسـ ٍـر وقَــدَريّــة مفروضة مــن خــارجــه أل ّنــه‬ ‫يحتاج إلى إمكانات هائلة ال تُتاح إال للعارفين‬ ‫الضالعين المغموسين بقوّة في لُجّ ة هذا‬ ‫الفضاء المشتبك‪ ،‬حين يكون بوسعهم اقتراح‬ ‫فرضيّات التحوّل ضمن إستراتيجيّة قادرة‬ ‫على استيعاب فلسفة الفكر الشعريّ في أوج‬ ‫تموّجه وعنفوانه‪ ،‬وبحثه عن مصير جديد‪.‬‬

‫* كاتب ‪ -‬سلطنة عمان‪.‬‬

‫‪28‬‬

‫العدد ‪75‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫محور خاص‬


‫سؤال األَنسنة في ّ‬ ‫ُ‬ ‫السعودي‬ ‫الشعر ّ‬ ‫■ د‪ .‬خلدون امنيعم*‬

‫ليس من السهل الحفر في عوالم الشعر السعودي‪ ،‬وبناه وأرضياته المعرفية والفنية‬ ‫َ‬ ‫والجمالية‪ ،‬واكتناه أسئلته المتنوعة التي اندرجت في أفعال وتمظهرات متنوعة وغنية؛‬ ‫فمنذ اشـتـغــال الـشــاعــر سعد الحميدين على نصه المغاير والمختلف عــن الـســائــد في‬ ‫الستينيات وما أعقبها على مدار عقود‪ ،‬شكلت تجربته حالة اختراقية حداثيّا للتصورات‬ ‫القارة للشعرية العربية ومفهومها في السعودية والخليج عمومً ا‪ ،‬وهي تجربة أخذت على‬ ‫عاتقها «مسؤولية كتابة النص الحديث» وفق رؤية عبداهلل الغذامي‪ ،‬متوازية مع مسارات‬ ‫شعرية ناضجة وراسخة في المشهد الشعري السعودي‪ ،‬من مثل‪ :‬بدر بن عبدالمحسن‪،‬‬ ‫وغ ــازي القصيبي‪ ،‬ومحمد العلي‪ ،‬ومحمد الثبيتي وغيرهم؛ لكنّ الذائقة الشعرية في‬ ‫السعودية انفتحت على خـيــارات بنائية ومعرفية متنوعة فــي مفهوم الشعرية العربية‬ ‫ذاته‪ ،‬مع اإلحاطة التامة بمفاهيم المثاقفة ومؤثراتها؛ فكان ثمة أصوات شعرية رسخت‬ ‫نفسها في المشهد الشعري السعودي والخليجي والعربي‪ ،‬من مثل‪ :‬جاسم الصحيح‪ ،‬وزكي‬ ‫الصدير‪ ،‬وأحمد قران الزهراني وغيرهم؛ لتنفتح التجربة الشعرية على آفاق قصيدة النثر‬ ‫وعوالمها الغنية مع أحمد المال‪ ،‬وعماد العمران‪ ،‬وإيمان الطنجي‪ ،‬وسمر الشيخ‪ ،‬وهدى‬ ‫المبارك وغيرهم‪.‬‬ ‫غير أن السؤال المهيمن‪ ،‬الذي استقى وجوده‬ ‫مــن مــشــارب ثقافية وفلسفية وجمالية متنوعة‬ ‫أســهــمــت المثاقفة فــي إبـ ــرازه وتــطــويــر أدوات‬ ‫مقاربته وتلقيه‪ ،‬في التجارب الشعرية الحداثية‬ ‫في السعودية‪ ،‬تمثَّل في ســؤال األنسنة‪ ،‬بوصفه‬ ‫سؤاال شعريّا وجوديّا وكيانيّا‪ ،‬ال تمتثل التّجربة‬ ‫الشعرية لشروط انفتاحها على األنا واآلخــر إال‬ ‫باستيعابه من جهة‪ ،‬وتمثله ثقافيّا وشعريّا من‬ ‫جهة أخــرى‪ ،‬من ذلــك‪ ،‬قــراءة السؤال في تجربة‬ ‫الشّ اعر السّ عودي مــازن اليحيا‪ ،‬في مجموعتين‬ ‫شعريتين بارزتين‪« :‬شياطين»‪ ،‬و«رســام علمني»‪،‬‬ ‫لكننا سنحصر الــقــراءة فــي قصيدته « َف ـ ـ ْو َر ما‬ ‫خَ طَ وْتُ خارِ جً ا» الستجابتها لشرط األنسنة‪ :‬أنسنة‬ ‫الكائنات والــمــوجــودات‪ ،‬بوصف اإلنــســان إحدى‬

‫محور خاص‬

‫كيفيات الوجود‪ ،‬التي تجاور أنويات أخرى تقاسمه‬ ‫الوجود‪ ،‬وليس مركزها ومحورها‪ ،‬انطالقًا من كون‬ ‫قيمة وجودي اإلنسي مستمدة من تلك الموجودات‬ ‫وقيمتها‪.‬‬ ‫عتبة النص سؤال التزامن‬ ‫محمول زمنيًا لحظيًا‪،‬‬ ‫ً‬ ‫يتشكل العنوان بوصفه‬ ‫قوامه التزامن‪ :‬الظرفية الزمانية «فــور»‪ ،‬و«ما»‬ ‫المصدرية الظرفية الزمانية وفعلها «خطوت»‪،‬‬ ‫والظرفية المكانية «خــارجً ــا»؛ كما يتشكل‪ ،‬في‬ ‫دال يتجاوز‬ ‫حامل دالليًا‪ ،‬بوصفه ً‬ ‫ً‬ ‫الوقت نفسه‪،‬‬ ‫اإلبالغ واإلغراء‪ ،‬إذ ينبني العنوان على خلق مسافة‬ ‫توتر عالية ألفــق االنتظار‪ :‬ما الــذي حــدث فور‬ ‫خطوتَ خارجا؟ ثمة حدث جلل ينبئ عنه العنوان‬ ‫‪ 75‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫‪29‬‬


‫المعلق في أفق الزمن‪ :‬زمن البنية وزمن الداللة‪.‬‬ ‫إ ّن طاقة الحب للبونسيانا بوصفها إحــدى‬ ‫لك ّن العنوان يتحلّل من إهاب غموضه‪ ،‬نصيّا‪ ،‬كيفيات الــوجــود أو صيغه‪ ،‬كما اإلنــســان بذاته‪،‬‬ ‫لينكشف على فاعلين دالليين مترابطين‪ :‬اإلشراق‪ ،‬ترتبط بفعل المشي‪ ،‬وهــو فعل مشحون بداللة‬ ‫الحركة المستمرة‪ ،‬إنه فعل ينطوي في حركيته على‬ ‫واإلدهاش‪ ،‬بقوله في مفتتح النص‪:‬‬ ‫التمهّل‪ ،‬والتأمل‪ ،‬واالكتشاف‪ ،‬والحياة‪ ،‬ويقترن في‬ ‫شمسها!‬ ‫«أش َرقَت ُ‬ ‫نص الشاعر على فلسفة اللوحة‪ ،‬بقوله‪:‬‬

‫قلت‪ :‬أمشي في شارعِ العليا‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫أرسمُ‬ ‫الشبّاكَ والزجاجَ»‬ ‫وفي مقطع آخر‪،‬‬ ‫«أدهش السما َء فيَّ زرق ًة‬ ‫َ‬ ‫أدهشَ ني‪:‬‬ ‫ّاك بين يديَّ تشكّ لَ»‪.‬‬ ‫شب ٌ‬

‫تزامنت لحظة الخروج في مفتتح النص مع فعل‬ ‫اإلشــراق «أشرقت شمسها»‪ ،‬غير أن اإلحالة في‬ ‫الضمير «ها» في قوله‪« :‬شمسها» إشكالي‪ ،‬فال‬ ‫يحيل على اسم تقدمه‪ ،‬فهل يدل على أنثى بعينها‪،‬‬ ‫أم على كوكب األرض‪ ،‬أم على شجرة البونسيانا؟‬

‫«قلت‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫أمشي في شارعِ العليا‪،‬‬ ‫أرسمُ‬ ‫الشبّاكَ والزجاجَ»‪،‬‬ ‫فالمشي فــي مخيلة الشاعر محاولة جــادة‬ ‫إلعادة تشكيل الوجود رسمًا‪.‬‬ ‫ليكشفَ فع ُل المشي‪ ،‬بما هو حركة انفتاح على‬ ‫الموجودات واألمكنة‪ :‬البرج‪ ،‬والمقهى‪ ،‬والمدارس‪،‬‬ ‫والهيئة‪ ،‬وشارع أنس؛ تأنسنَها في اللغة الشعرية‬ ‫بوصفها فواعل في تشكيل صيغ الوجود وكيفياته‬ ‫وتأكيدها‪ ،‬ويقترن في الوقت ذاتــه بفعل الرسم‬ ‫(أرســم الشباك والزجاج)‪ ،‬بما هو حركة تحرير‬ ‫للمخيلة التي ترمم الوجود وتبني موازيات لونية‬ ‫ونصية له وفيه‪.‬‬

‫إن اإلحالة رغم غموضها ذاهبة نحو التأنيث‪:‬‬ ‫األرض‪ ،‬الشجرة‪ ،‬األنثى‪ ،‬غير أن سطرًا شعريًا‬ ‫يأخذ اإلحــالــة صــوب الشجرة بونسيانا‪ ،‬بقوله‬ ‫مخاطبا‪« :‬بونسيانا! بونسيانا! (أحبك‪ ،‬تمشين‬ ‫عمري مــعــي)»‪ ،‬في تشاركية فاعلة ل ــأدوار‪ ،‬إذ‬ ‫والرسم في المقطع األول نصيّا‪ ،‬يمثّل الدّال‬ ‫تمشي الشجرة بتزامن مع الشاعرِ عمرِ ه‪ ،‬ما يعمق الحاض َن لتشكّلِ المدلول ونضوجه في المقطع‬ ‫ٍ‬ ‫مشهدية األنسنة بوصف الشجرة والشاعر‬ ‫كيفيات الثاني‪:‬‬ ‫في هذا الوجود‪.‬‬ ‫خارجا من باب بيتي‪،‬‬ ‫ً‬ ‫«فو َر ما خطوتُ‬

‫أدهشَ ني‪:‬‬ ‫ّاك بين يديَّ تشكّ لَ»‪،‬‬ ‫شب ٌ‬

‫وك ــأن فعل المشي أنــفــذ مشيئة‬ ‫الــرســم فــي لــوحــة فنية تشكل فيها‬ ‫الــشــبــاك دون مــســاس مــن الشاعر‪،‬‬ ‫ليكون فعل المشي‪« :‬خطوةً‪ ،‬فخطوةً‪،‬‬ ‫ثانيةً‪ ،‬بثانيه» تعبير رمــزي لضربات‬ ‫الــفــرشــاة والــخــطــوط واأللـ ــوان؛ غير‬ ‫أن الظرفية المكانية (خارجً ا) تشكل‬

‫‪30‬‬

‫العدد ‪75‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫محور خاص‬


‫حاضنة الــداللــة وموئلها‪ ،‬حيث يكشف النّص‬ ‫(خروجَ ه) من أين بدأتَ ‪ ،‬وإلى أين تعود‪ ،‬بقوله‪:‬‬

‫«فو َر ما خطوتُ‬ ‫خارجا من باب بيتي‪/‬‬ ‫ً‬ ‫وها إنني في غرفتي بعد عودتي»‪،‬‬ ‫ليكون البيت‪ ،‬الغرفة الــرحــم‪ ،‬التي تشكلت‬ ‫فيه إحدى بذور الوجود والمعنى‪ :‬وجود اإلنسان‬ ‫ومعناه‪ ،‬وليس المشي إال حركية الكائن المقترنة‬ ‫بزمن محدد من الــوالدة إلى الموت‪ :‬بين ذهاب‬ ‫وإيــاب‪ ،‬وخــروج ودخــول‪ ،‬والمسافة بينهما‪ ،‬تلك‬ ‫المسافة الــتــي تتيح لــإنــســان فــرصــة مشاركة‬ ‫د‪ .‬غازي القصيبي‬ ‫الموجودات كياناتها في تشاركية وتبادلية‪ ،‬وتقر‬ ‫بقطعية المعنى‪ :‬للوجود صيغه التي تستمد قيمتها‬ ‫فعل المشي‪ ،‬لتتشكل الصورة السردية عبر سلسلة‬ ‫بعضا‪.‬‬ ‫من بعضها ً‬ ‫الدوال الفعلية المضارعة في فضاء محكوم برؤية‬ ‫النصي‬ ‫ّ‬ ‫األنسنة وسياقها‬ ‫إنسية وإنسية مغايرة‪ ،‬تحتفي بمفردات الخلق‪،‬‬ ‫انبنى النص‪ ،‬إذًا‪ ،‬على رؤية تمجد الوجود‪ ،‬ليس وتمجدها‪ ،‬لتكون الشجرة في الوجود صنو الشجرة‬ ‫بوصفه قيمة بذاته‪ ،‬بل بقيمة موجوداته‪ ،‬فكانت في اللوحة‪ ،‬هي الحبيبة التي يخاطبها الشاعر‪:‬‬ ‫األمكنة على عمومها وتنوعها وتباينها‪ :‬مدارس‬ ‫«(أحبك‪ ،‬أحبُّ تمشين عمري معي)‪ ،‬إنه خطاب‬ ‫ِ‬ ‫األطفال األهلية ورجل األمن‪ ،‬الشارع‪ ،‬والرصيف‪ ،‬الكائن المتفرد في محبته‪ ،‬يمنح الشجرة مجازًا‬ ‫الهيئات‪ ،‬كل أولئك مــوجــودات ال تؤثث الوجود خيار المشي معه‪ ،‬بوصفها الرفيقة والحبيبة‪،‬‬ ‫اللوحة فحسب‪ ،‬بل تتشكل بوصفها صيغًا متنوعة‪ ،‬فالرؤيا النصية متعالية في إنسانيتها‪ ،‬وتبرؤ من‬ ‫تبادلية وتشاركية في قيمتها‪ ،‬وارتــكــزت سردية ظالمية األنــســاق الثقافية المتحكمة في صوغ‬ ‫الدوال على بنية المضارعة الفعلية على مساحة الرؤى واألفكار‪.‬‬ ‫النص‪ ،‬لتؤكد هذه الثيمة األنسنة‪ ،‬من مثل‪ :‬أمشي‪،‬‬ ‫إ ّن نص الشاعر مازن اليحيا‪ ،‬نص ناجز فنيًا‬ ‫ألتف‪ ،‬سأحيَّي‪،‬‬ ‫أشف‪ ،‬أرسم‪ ،‬أدري‪ ،‬أعلم‪ ،‬أصل‪ّ ،‬‬ ‫سأمشي‪ ،‬سأقطع؛ ليكون فعل التزامن متعالقًا وموضوعيًا‪ ،‬يستضيف المفردات والمشاهدات‬ ‫واألفــعــال اليومية‪ ،‬ليس لتمرير فكرة أو معنى‪،‬‬ ‫دالليًا مع فضاء األنسنة‪.‬‬ ‫غير أن األنسنة فــي تجليها النصي العميق بل لتصبح بذاتها كيانات فاعلة في نص خصيب‪،‬‬ ‫ارتــكــزت على فاعلين دالليين‪ :‬الشجرة شجرة نسميه مــجــازًا وط ـ ًنــا‪ ،‬لكنه فــي حقيقته شع ٌر‬ ‫صاف وخالص ونقي‪ ،‬يقوم على رصيد كبير من‬ ‫ٍ‬ ‫بونسيانا‪ ،‬واللوحة من خالل دالّي‪« :‬أرس ُم الشبّاكَ‬ ‫والــزجــاجَ» و«أدهشَ ني‪ :‬شبّاكٌ بين يــديَّ تش ّكلَ»؛ المشاهدات والــمــألــوفــات واليوميات فــي رؤيــة‬ ‫فهما فاعالن ينهضان على جذر فعل واحــد‪ ،‬هو فلسفية ذات طابع ثقافي‪.‬‬ ‫* كاتب‪ -‬األردن‪.‬‬

‫محور خاص‬

‫‪ 75‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫‪31‬‬


‫شاعر ُ الموسيقى‬ ‫أحمد البوق‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫■ د‪ .‬انتصار عشا*‬

‫يختلف شاعر قصيدة النثر اختالفً ا جوهريًا كبيرً ا عن شاعر قصيدة ال ــوزن‪ ،‬وعــن شاعر‬ ‫قصيدة التفعيلة أيـ ًـضــا‪ ،‬ليس في نــوع القصيدة ‪-‬وهــو أمــر أســاس وجــوهــريّ ‪ -‬فحسب‪ ،‬بل في‬ ‫طريقة التعامل البالغة الخصوصيّة مع اللغة‪ ،‬ومع مفهوم الشعر‪ ،‬وأسلوبيّة األداء‪ ،‬وطريقة‬ ‫التعبير‪ ،‬وأفــق التشكيل‪ .‬إذ يخوض شاعر قصيدة النثر تجربة نوعيّة خطيرة‪ ،‬فاللغة التي‬ ‫يتحرّى شاعر قصيدة النثر استثمار طاقاتها هي لغة ثانية غير اللغة الشعريّة المتعارف عليها‪.‬‬ ‫ومن بين المخاطرين والمتمردين كان هذا الشاعر الذي ولد في المدينة‪ ،‬وبدأ أسفاره مع جده‬ ‫وخاله إلى الرياض‪ ،‬ثم الجامعة في جدة؛ ثم عاد إلى المدينة‪ .‬الشاعر السعودي أحمد البوق‪،‬‬ ‫وهو الشاعر الذي يمتلك اللغة الشعريّة الفخمة المشحونة بطاقات بالغيّة هائلة خرجت من‬ ‫اصطلح عليه «األغراض الشعريّة» حين يبدأ قصيدته ( الجنة أسْ مى)‪:‬‬ ‫ر َِحمِ ما ُ‬

‫وفي الفصل الثّاني دو ُر الوردة!؟‬ ‫تكتب‪،..‬‬ ‫ماذا ُ‬ ‫كي تتح َّو َل هذي الكلماتُ َفرَاشَ ا‬ ‫نقائض‬ ‫َ‬ ‫ذاك ألنَّ اهلل أو َد َع فيكَ‬ ‫يتطاي ُر من شَ فتيكَ‬ ‫الحبِّ‬ ‫تتأرجَ حُ بين ُ‬ ‫إلى ُأذُنيْها؟‬ ‫وبين الحَ ر ِْب‬ ‫ستحصدُ من حقلِ الشِّ عرِ‬ ‫ُ‬ ‫كيْف‬ ‫حرف الرَّاءِ انزلق الشِّ ع ُر‬ ‫ومن ِ‬ ‫سب َع سناب َل‬ ‫هاك طريقَ الجنَّةِ‬ ‫تُهْ دِ يها من أحببت‬ ‫وك‬ ‫محفُ وفً ا بالشَّ ِوق وبالشَّ ِ‬ ‫ْ‬ ‫الضج ُر النابتُ‬ ‫كي يتآكل هذا َّ‬ ‫فأمض حافِ ي القدمين‬ ‫ِ‬ ‫القلب وبين الرُّ وح؟‬ ‫بين ِ‬ ‫روحك حق َل ورودٍ‬ ‫حتى تتحوَّل كلَّ ُج ِ‬ ‫ذات فِ قهٍ فالج َّن ُة أسْ مى‬ ‫تشتغل هذه القصيدة على مناط َق لغويّةٍ ِ‬ ‫شعريّ محفوف باألمان والعنفوان والفخر والكبرياء من أن تدخلها بكل أناقتك الشعرِ يَّة‬ ‫باب خلْفِ يٍّ‬ ‫والبالغة والعلوّ‪ ،‬لغة تسكن في السماء وال يح ّق لها من ٍ‬

‫الهبوط على سطح األرض ألنّها تفقد بذلك شعريّتها‬ ‫فعال‪ ..‬الجنة أسْ مى‪ ،‬واللغة السامية عند الشاعر‬ ‫مختلطة بكالم العامّة‪ ،‬وأنت تتابع ما يقوله في بقية مختلفة تمامًا عن كل ما يمكن أن تتوقعه عند غيره‪،‬‬ ‫النص ذاته‪:‬‬ ‫هذه اللغة تبالغ في االرتفاع مخترق ًة طبقات السماء‬ ‫وكُت َل غيومها وزرق ـ َة هيبتها اللونيّة بأعلى درجات‬ ‫كيف على مسرح شفتيْك‬ ‫الترفّع والفصاحة والغرور‪ ،‬فأنتجتْ على مساحة‬ ‫تلعب ذاتُ الكلمةِ‬ ‫ُ‬ ‫الفصل األو ِّل دو ُر السِّ كِّ ين‬ ‫في ْ‬ ‫هائل حظي بقيمة تقديس‬ ‫شعريّة قصيرة ك ّمًا شعريًا ً‬

‫‪32‬‬

‫العدد ‪75‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫محور خاص‬


‫عبَّ حتى تدلَّى‬ ‫ثم عبَّ وطار‬ ‫َراش عليها‬ ‫م َّر ِسربُ ف ٍ‬ ‫مارس الحبَّ في ِسحرها‬ ‫َ‬ ‫الحبَّ‬ ‫مارس ُ‬ ‫َ‬ ‫بين نورٍ ونار‬ ‫َيقظ الشَّ وقَ في ق َِطرهِ‬ ‫والنَّدى أ َ‬ ‫أن يشمَّ الشَّ ذا‬ ‫ويضمَّ العَرار‬ ‫ورد ُة حاصرتها الرِّياح‬ ‫فلم تقتلِ عها‬ ‫مرعِ بة ال يمكن مقاومتها‪ ..‬ألنها قصيدة حديثة من واستطال النُّواح‬ ‫أرض صحراوية وتربية كالسيكية للتذوق الشعري‪ .‬فما زاد فيها‬ ‫طول المدارِ‬ ‫فتنتقل إلى نص آخر للشاعر بعنوان‪ :‬وردةُ في غي َر ِ‬ ‫وحبِّ الدِّ يار‬ ‫جِ دار‬ ‫ورد ُة إن أعجبتهم‬ ‫ورد ٌة في ِجدار‬ ‫فكَّ روا أن يقطعوها‬ ‫كلَّما حاصر األسمنتُ ألوانَها‬ ‫وإن هدَّ دتهم‬ ‫أوغلت في النَّهار‬ ‫أن يقتلوها‬ ‫ورد ُة في إطار‬ ‫األحوال أن يشتموها‬ ‫ِ‬ ‫أحسن‬ ‫ِ‬ ‫وفي‬ ‫من جحيمٍ‬ ‫يطلب مِ نها اعتذار!‬ ‫ُ‬ ‫ثمَّ‬ ‫وطين‬ ‫ٍ‬ ‫تعرف اآلن أنك أمــام شاعر يجيد العزف على‬ ‫وقار‬ ‫األوتار‪ ،‬وهو الذي يمتلك لغة قصيدة النثر والموزون‪،‬‬ ‫يا لهذا اإلطار‬ ‫وهو المخاطر بكل ما تحمله روحه ليكتب على جدار‬ ‫ورد ُة ظلُّها‪..‬‬ ‫اسمنتيّ ‪ ،‬ليخرج روح النصوص المبعثرة‪ ،‬ليمكث‬ ‫آه من ِظلِّها!‬ ‫الحس‬ ‫ّ‬ ‫الصوت الشعريّ على هذا النحو قريبًا من‬ ‫مستبدً ا‪ ..‬آسرًا‬ ‫حزن كثيرٍ‬ ‫البشريّ العفويّ البسيط وهو يتو ّز ُع بين ٍ‬ ‫كاسرًا للحصار‬ ‫قليل ال يكا ُد يُرى‪.‬‬ ‫وفرح ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫تحب الكالم‬ ‫ورد ُة ال ُّ‬ ‫عطرُها جارحُ‬ ‫لذلك‪ ،‬ونحن نقرأ الشاعر البوق نعرف أننا أمام‬ ‫واضحُ‬ ‫ُحسنُها ِ‬ ‫لغةٍ عبّرتْ عن حداثة مختلفة ومغايرة ال تشبه غيرها‬ ‫فاضحُ‬ ‫على الرغم من قلّـتها الشديدة‪ ،‬أل ّن المتون األصيلة‬ ‫يستخف الوقار‬ ‫ُّ‬ ‫في ك ّل زمان ومكان ال ب ّد أن تكون قليلة جدًا كي تكون‬ ‫ورد ُة يسك ُر النحلُ في سرِّها‬ ‫مثال يُحتذى‪ ،‬وطريقًا يُسلَك‪ ،‬ومنهجً ا يُعتمَد‪.‬‬ ‫ً‬ ‫* كاتبة ‪ -‬فلسطين‪.‬‬

‫محور خاص‬

‫‪ 75‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫‪33‬‬


‫الحداث ُة وعتب ُة العنوان‬ ‫عند عبدالوهاب العريض‬ ‫■ د‪ .‬سناء العزة*‬

‫تعدّ عتبة العنوان إحــدى أهم األســس التي يشتغل عليها الشاعر‪ ،‬بوصفها لغة أساس‬ ‫تحرك المسيرة الشعريّة التالية للقصيدة‪ ،‬وفي ظلّ شيوع فلسفة العنونة وتداولها على‬ ‫نقدي خصب‪ ،‬صارت عتبة العنوان هي‬ ‫ّ‬ ‫نطاق واسع بعد تحوّل موضوع العتبات إلى مجال‬ ‫النص األدبيّ الحديث بمختلف‬ ‫النقدي لكثير من الدراسات الحديثة‪ ،‬في مقاربة ّ‬ ‫ّ‬ ‫المفتتح‬ ‫أجناسه وأنــواعــه‪ ،‬وصــار المبدع بعد ذلك يولي عناية فائقة لهذه العتبة‪ ،‬ولم تعد مج ّر َد‬ ‫نصه كيفما جاء‪ ،‬وكلّما كانت هذه العتبة مضاءة على نحو‬ ‫حاصل يضع فيه عنوان ّ‬ ‫ٍ‬ ‫تحصيل‬ ‫ِ‬ ‫كاف‪ ،‬انعكس هذا إيجابيًا على عموم النص بما يعزّز طاقة التنوير اإلبداعيّ الخالق‬ ‫إبداعي ٍ‬ ‫النص األدبيّ وتفاصيله وتحوّالته‪.‬‬ ‫في أجزاء ّ‬ ‫من نص الشاعر عبدالوهاب الذي اختار عنوان شاهق في العتمة وهو الليل‪ ،‬لذلك‬ ‫له عنوانا‪ :‬اللي ُل نشوةٌ هاربة‪ ،‬يشدك ألن توصف عتبة العنوان لدى أكثر النقاد بأنّها‬ ‫نص صغير يمثّل النص الكبير‪،‬‬ ‫عبارة عن ّ‬ ‫تستمع للنشوة الهاربة وهو يقول‪:‬‬ ‫وبما أنّه يحت ّل أصغر مساحة كتابية ممكنة‬ ‫بياض يحدقُ فِ ي و َْج ِهي‬ ‫ٌ‬ ‫النص‬ ‫ّ‬ ‫كي يكون بليغًا ومع ّبرًا بقوّة عن داللة‬ ‫ويعكس انطفا َء النهارِ‬ ‫ُ‬ ‫عمومًا‪ ،‬فقد أواله الكتّاب والشعراء منهم‬ ‫للحارس اللَّيلَي بتحيةِ المساءِ‬ ‫ِ‬ ‫َهمس‬ ‫أ ُ‬ ‫خاص عناية بالغة بوصفه األساس‬ ‫ّ‬ ‫على نحو‬ ‫ريق‬ ‫الط ِ‬ ‫صف قَهوتِ ي فِ ي َّ‬ ‫أسكب نِ َ‬ ‫ُ‬ ‫النص‪ ،‬وهي لحظة التنوير الفنيّ األبرز‬ ‫ّ‬ ‫في‬ ‫الفنجان‬ ‫ِ‬ ‫كَي ال أُثْ ِقلَ عَ لى‬ ‫التي تحشد ما لديها من طاقة ضوء كي‬ ‫***‬ ‫تــكــون ب ــؤرة تركيز مشعّة داللــيًــا‪ ،‬تنتقل‬ ‫جنون‬ ‫ٍ‬ ‫ذات‬ ‫ُ‬ ‫شظاياها ويــتــوزّع إشعاعها على طبقات‬ ‫ُرج َه العَالِ ي‬ ‫أخرجت ذاكِ رَتِ ي ِمنْ ب ِ‬ ‫ُ‬ ‫ـص كاملة بحيث يبقى نــورهــا يضيء‬ ‫الــنـ ّ‬ ‫فتحت النافذ َة‬ ‫ُ‬ ‫النص وعتماته وظالله وبطاناته كلّها‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫زوايا‬ ‫هَ رَّ بْتُ هَا‬ ‫فيكمل نصه‪:‬‬

‫باح‬ ‫الص ِ‬ ‫أَو َقفَنِ ي أَنِ ينُ َّ‬ ‫شموخا‬ ‫ً‬ ‫يَشهقُ الجبلُ‬ ‫وحينَ يَصلُ إلَى قِ مَّ تِ هِ‬ ‫يفاجئك بأن النص يبدأ بالبياض بعد ِ‬

‫‪34‬‬

‫العدد ‪75‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫محور خاص‬


‫سيكتشف أنَّه كانَ وحيدً ا‬ ‫ُ‬ ‫***‬

‫صدرِ ي‬ ‫ُسعاله يثقلُ َ‬ ‫رحي‬ ‫ُالمس ُج ِ‬ ‫ُ‬ ‫وجههَا ت‬ ‫ِ‬ ‫َجاعيدُ‬ ‫ت ِ‬ ‫صباح‬ ‫ٍ‬ ‫زالت كُ لَّ‬ ‫والمطفأ ُة ال ْ‬ ‫التفاح‬ ‫ِ‬ ‫تُعلِّقُ سجائِ رَهَ ا كأزهارِ‬ ‫***‬

‫وج ِهي بينَ راح َت ْيهَا‬ ‫أخذت ْ‬ ‫ْ‬ ‫تعاويذ خبيثةٍ‬ ‫ِ‬ ‫هَ مسَ ْت بِ‬ ‫أحبك يا مالكِ ي‬ ‫َ‬ ‫وقالت‪:‬‬ ‫***‬

‫كقنديل يُ ضئُ البيتَ بِ سجادتِ هِ‬ ‫ٍ‬ ‫َّاب‬ ‫يَفْ تَرِ ُش الغي ِ‬ ‫ويُ ْشعِّ لُ فِ ي صدرِ الدَّ هشَ ةِ أُمنيةٌ‬ ‫ثم يرحل‪..‬‬ ‫***‬

‫الليلُ نشوةٌ هاربةٌ‬ ‫الحبيب‬ ‫ِ‬ ‫بينَ كَفَّ ي‬ ‫َسقط الوهْ مُ‬ ‫ي ُ‬ ‫فَيُ عانِ قُ كَأسَ هُ‬ ‫يَفرِ ُش حَ بَّاتَ َثل ِْجهِ‬ ‫ويدخل كهوف الكلمات‬ ‫***‬

‫الشتاءُ ‪..‬؟!‬ ‫زن فِ ي هَ ذا ِّ‬ ‫أي ُح ٍ‬ ‫ُّ‬ ‫بالطين؟‬ ‫ِ‬ ‫أقدامٌ ملطخةٌ‬ ‫أصدقاءٌ منْ المسبحةِ ا ْن َفر َُطوا؟‬ ‫صيف؟‬ ‫ِ‬ ‫تناثرت عَ لى الرَّ‬ ‫ْ‬ ‫وجوهٌ‬ ‫زالت تنتظرُ ؟‬ ‫أ ْم ُطفولةٌ ال ْ‬

‫عتبة عــنــوان النص كانت صــادمــة لما‬ ‫بعده‪ ،‬ولكنها دوما هي المفتاح الذي ننتظر‬ ‫مــن بعده الــدخــول لعمق النص وفكرته‪،‬‬ ‫والسيّما حين يقوم المعنى هنا بتقويض‬ ‫تراث شعري هائل‪ ،‬نهض أساسً ا على إثبات‬ ‫لغة الشاعر وقــدراتــه في نقل اإلحساس‬ ‫للمتلقي‪.‬‬ ‫لذلك‪ ،‬دومــا في القصيدة الحديثة لم‬ ‫يكن الموضوع وحده هو ما يؤسّ س للقصيدة‬ ‫ُخلص‬ ‫التي تسعى إلى تمثيل تجربة نوعيّة ت ُ‬ ‫لصاحبها وتستجيب لمقولتها‪ ،‬بل ال بدّ‬ ‫مصاحبة‬ ‫ِ‬ ‫من عناصر تشكيل وتعبير حيويّة‬ ‫تلتقط جوهر الموضوع وتمضي فيه على‬ ‫طريقة الصدمة للمتلقي‪ ،‬كي يكون بوسعها‬ ‫بناء سلسلة من الدهشة تنتشر على مساحة‬ ‫القصائد بأسلوبيّة ِحرَفيّة عارِ فة وقادرة‬ ‫على احتواء حركيّة الوجدان‪ ،‬وحساسيّة‬ ‫الرؤية‪ ،‬وأفق الفكر وإبداع الشاعر‪.‬‬

‫* كاتبة ‪ -‬مصر‪.‬‬

‫محور خاص‬

‫‪ 75‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫‪35‬‬


‫الصوت في القصيدة الحديثة‬ ‫ُ‬ ‫في نصوص عبدالرحمن موكلي‬ ‫■ أ‪ .‬د‪ .‬محمد البشير*‬

‫تشكيل إيقاعيًا ضاربًا في شعريّة الشاعر‬ ‫ً‬ ‫ال يمكن للقصيدة أن تتنازل عن «الصوت» بوصفه‬ ‫وتركيزه‪ ،‬وإذا كانت القصيدة العربية التقليديّة «قصيدة الوزن» تقوم في جزء جوهري على‬ ‫أساس من أجزاء تشكيلها على بنية الصوت‪/‬اإليقاع الخارجيّ ؛ فإنّ «قصيدة النثر» تستعين‬ ‫بنغمة صوتيّة أخرى خارج قوس البحور الشعريّة كي تؤلّف إيقاعها الصوتي األصيل‪ .‬ولكل‬ ‫قصيدة نثر نظامها اإليقاعي الخاص النابع من طبيعة تجربتها وحساسيتها‪ ،‬وال تشبه أيّة‬ ‫قصيدة أخرى على هذا النحو‪.‬‬ ‫وإذ يبدو اإليقاع الخارجيّ «الوزنيّ » في‬ ‫وم ــن ذل ــك الــنــمــط‪ ،‬الــشــاعــر الــســعــودي‬ ‫عبدالرحمن موكلي‪ ،‬صاحب الصوت المميز القصيدة العربيّة القديمة في كثير من األحيان‬ ‫عبئًا على حركيّة القصيدة وديناميتها‪ ،‬فإنّ‬ ‫في قصيدة « األشباه»‪:‬‬ ‫اإليقاع الصوتيّ أو ما يُصطلح عليه أحيانًا‬ ‫كتابي‬ ‫ّْ‬ ‫وجهك في‬ ‫َ‬ ‫رسمت‬ ‫ُ‬ ‫«اإليقاع الداخليّ »‪ ،‬هو مَن يتولّى مهمة بناء‬ ‫فتقاط َر األشبا ُه‬ ‫التشكيل اإليقاعيّ في قصيدة النثر‪ ،‬ويتحرّك‬ ‫كل‪..‬‬ ‫في أفق هذه القصيدة من دون أيّة إكراهات‬ ‫ابي‬ ‫بصورته يِ َص ّْ‬ ‫واشتراطات مسبقة؛ ألنّه ال يقوم على نظام‬ ‫‪....‬‬ ‫إيقاعي ضابط بوساطة تفعيالت منتظمة ال‬ ‫وجهك‬ ‫َ‬ ‫رسمت‬ ‫ُ‬ ‫يمكن اإلخالل بها‪ ،‬وك ّل تلك المحاوالت التي‬ ‫عذابي‬ ‫ّْ‬ ‫وكنتَ ساعتَها‬ ‫عكفت على تطوير قضية الفكرة العروضية‬ ‫كم فاضت الفرشا ُة من نورٍ‬ ‫في الزحافات والعلل‪ ،‬أو تداخل البحور‪ ،‬أو‬ ‫ال ال‪..‬‬ ‫تنويع القوافي‪ ،‬أو غيرها‪.‬‬ ‫والماء استوى بِ ّْي‬

‫رسمت وجهَك دونما ُح ُج ٍب‬ ‫ُ‬ ‫من بعدما ذهبت بك األحالمُ‬ ‫محتفل‬ ‫ً‬ ‫ونظرت في المرآةِ‬ ‫ملك؟‬ ‫هو أينا ٌ‬ ‫اب‪.‬‬ ‫الخ َض ِ‬ ‫متناسيا يَوم ِّ‬

‫‪36‬‬

‫العدد ‪75‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫في القصيدة الموسومة «األشباه» يتحرّى‬ ‫الــمــوكــلــي تــوظــيــف مجموعة منتخبة من‬ ‫األصوات الممتلئة باإليقاع االبداعي لنسج‬ ‫بنية إيقاعيّة دالليّة‪ ،‬تًحرّك الفضاء الشعريّ‬ ‫تجاه إطــاق الــصــوت‪ ،‬عــن طريق لقطات‬

‫محور خاص‬


‫شعريّة تنضوي تحت لواء ك ّل كلمة منها‪.‬‬ ‫من نص‪:‬‬

‫كن‬ ‫كن جابر الكلمات‬ ‫تغشى الليالي بنومهن‬ ‫وتغيب في سكراتهن‬ ‫وإذا جرحن فيك أغنية‬ ‫سناك‬ ‫َ‬ ‫أحلى تقاسمهم‬ ‫‪............................‬‬ ‫رضاك‬ ‫َ‬ ‫كن حبيبا للذي يَنشدْ‬ ‫َاسط قريبًا من مداك‬ ‫ب ْ‬ ‫يوما إذا ضل المجاز طريقه‬ ‫أو غاب‪..‬‬ ‫تبسط على المعنى هواك‬

‫ال ــح ــدي ــث ــة؛ ف ــي ــت ــحــوّل ال ــص ــوت‬ ‫إلـ ــى مــشــهــد ل ــه م ــرك ــز ص ـ ــوري ّ‪،‬‬ ‫ولــه ظــال إيقاعيّة‪ ،‬ويشتغل الــصــوت في‬ ‫مجال الخفاء والتجلي بين حساسيّة االنتظار‬ ‫والخروج‪.‬‬

‫يتحرّك اإليــقــاع الــشــعــريّ الــداللــيّ في‬ ‫لذلك‪ ،‬تصرخ القصيدة الحديثة بصوت‬ ‫سياق صوتين مختلفين متمايزين للقصيدة مختلف‪ ،‬ضمن حدود اللغة الشعرية الحديثة‪.‬‬

‫* كاتب ‪ -‬السودان‪.‬‬

‫محور خاص‬

‫‪ 75‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫‪37‬‬


‫الحقيقي للشاعر‬ ‫الخفي‬ ‫الصوت‬ ‫الرمزية‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫ُّ‬ ‫أنموذجا «قراءة انطباعية»‬ ‫قصيدة «اإلبرة والقاع» لمحمد الحرز‬ ‫ً‬ ‫■ مالك اخلالدي*‬

‫لم يكن ظهور الشعر الحديث انعتاقً ا من القيود الشكلية التي يفرضها القالب العمودي‬ ‫الكالسيكيّ فحسب‪ ،‬بل انعتاقً ا من سطوة القيود الثقافية واأليدولوجية واالجتماعية التي‬ ‫كانت تُحكم سيطرتها على الحراك األدبي‪ ،‬في منتصف القرن العشرين‪.‬‬ ‫لقد وجــد بعض الـشـعــراء فــي القصيدة الحديثة برمزيتها وات ـســاع فـضــاءاتـهــا مــاذًا‬ ‫لمشاعرهم المتقدة‪ ،‬وأفكارهم الجديدة‪ ،‬وانكساراتهم الخفيّة‪ .‬فسبروها وخاضوا غمارها‬ ‫دون ذاكرة مفزوعة من تابوهات النسق‪ ،‬وبجسارةٍ أسقطت أقنعة الذات النفسية‪ .‬فلقد كثُ رت‬ ‫نمطا جديدً ا لدى روّاد الشعر الحديث‪ ،‬أمثال‪ :‬نازك‬ ‫الرمزية في الشعر الحديث‪ ،‬وشكّ لت ً‬ ‫المالئكة‪ ،‬وبدر شاكر السياب‪ ،‬وأدونيس‪.‬‬ ‫فثمة تيار جنح بالرمزية نحو الغل ّو إلى القارئ إلى «االنكسار الحاد» الذي يموج‬

‫حدّ اإلبهام والغموض‪ ،‬ما جعل مـن الرّمز بالقصيدة‪ .‬فــاإلبــرة تحيلنا إلــى «األلــم»‬ ‫جــدارًا قو ًيّا عالياَ صعب االرتــقــاء‪.‬إال إن و«الـــحـــدة»‪ ،‬و«الـــقـــاع»‪ ،‬حــيــث االنــكــســار‬

‫هناك تيارًا آخر جعل من الرمز لغة خصبة والرضوخ والنهاية‪.‬‬ ‫لمعان‬ ‫ٍ‬ ‫مــواربــة‪ ،‬ذات دالالت وإيــحــاءات‬ ‫يوارب الشاعر حالة التشظي واالنكسار‬ ‫أخرى غير مباشرة‪ ،‬يرغبها الشاعر‪ .‬وهذا‬ ‫التي يمر بها برمزية عالية‪ ،‬إذ يقول‪:‬‬ ‫ما نجده لدى عديد من شعراء القصيدة‬ ‫حررت اإلبرة‬ ‫ُ‬ ‫الحديثة اآلن‪ ،‬إذ إن اللغة ذات رمزية كثيفة «‬

‫سحبت من الثقب‬ ‫ُ‬ ‫شفيفة يكسرون من خاللها كل قيودهم حين‬ ‫النفسية والثقافية واأليدولوجية‪ .‬وهذا ما آخر خيط‬ ‫نجده في قصيدة «اإلبرة والقاع» للشاعر في البكرة»‬ ‫محمد الــحــرز‪ ،‬ال ــذي يجعل مــن الرمز‬

‫االنعتاق الصعب الذي حدث للشاعر‪،‬‬

‫مسرحً ا يسرج فيه فكرته ورغبته بلغة كـــان ح ـ ــادًا ودق ــيــ ًق ــا‪ ،‬لــكــن ل ــم يــكــن من‬ ‫هادئة ومخاتلة في ٍآن واحد‪.‬‬ ‫اختياره‪ ،‬فلقد كان الخيط األخير في بكرة‬ ‫فــهــا ه ــو يــصــافــحــنــا بــعــنــوان يُــحــيــل المحاوالت‪.‬‬

‫‪38‬‬

‫العدد ‪75‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫محور خاص‬


‫«كان عليك أن ال تمكث‬ ‫قرب الضرير الذي علمك‬ ‫كيف تطرز الغياب؟‬ ‫يُحيلنا الشاعر إلى اختياره الذي عاشه‬ ‫طويل حتى تمكّن منه‪ ،‬إال أنه يعي أنه كان‬ ‫ً‬ ‫خيارًا خاطئًا‪.‬‬ ‫ثم يختم بقوله‪:‬‬ ‫ثم يقول‪:‬‬

‫«أشياء كثيرة ال تصل إلى أماكنها‪:‬‬ ‫صباحك يتكوم على العتبة‬ ‫ثم يذوب كالثلج»‬

‫«أعد الخيط إلى اإلبرة‬ ‫فالشقوق وصلت قاع حياتك»‬ ‫يُحيلنا الشاعر للحالة الميؤس منها‬ ‫التي وصــل إليها‪ ،‬فالثقوب تمكنت منه‪،‬‬ ‫وعليه أن يعيد المحاوالت حتى وإن كانت‬

‫كأنه يــريـ ُد أن يقول إن هــذا الحبيب غير صالحة أو نفدت!‬ ‫المفقود كــان مــنـ ُه ولـ ـهُ‪ ،‬لكن ليست كل‬ ‫إن كــل المعاني التي تالمس القارئ‬ ‫األشياء تصل إلى أماكنها!‬ ‫تسرّبت إليه كشعور خافت أو فكر ًة تحم ُل‬ ‫ويقول‪:‬‬

‫«ليليك يهتز‬ ‫مثل رقّ اص الساعة‬ ‫ودربك موقد صغير‬ ‫ال ترى منه سوى‬ ‫خطوط يديك»‬

‫معان تسربت إلى ذهنه عبر لغة شعرية ذات‬ ‫ٍ‬ ‫خلقة‪( .‬انكسار‪ ،‬تشظي‪ ،‬استغراق‬ ‫أوجه ّ‬ ‫في الغي‪ ،‬اهتراء مالمح‪ ،‬ارتباك‪ ،‬انكفاء)‪.‬‬ ‫كلها أحال إليها الشاعر بلغة رمزية ذات‬ ‫دالالت وأوجه كثيرة تُثري مُخيلة القارئ‪،‬‬ ‫وتوقد فيها عــددًا من االحتماالت الثريّة‬

‫في «رقاصة الساعة» و«خطوط اليد» دون غموض مستغلق‪.‬‬ ‫إشــــارات إلــى حــالــة االرتــبــاك الشديدة‬ ‫الــرمــزيــة الكثيفة فــي هــذه القصيدة‬ ‫والتوحد مع الذات واالستغراق فيها‪.‬‬ ‫الحديثة كالرداء الجميل الذي يبرز مفاتن‬ ‫وفي قوله‪:‬‬

‫الحقيقة بشكل صارخ وأنيق!‬

‫* قاصة وشاعرة وكاتبة سعودية‪.‬‬

‫محور خاص‬

‫‪ 75‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫‪39‬‬


‫القصيد ُة السعوديَّ ُة تتخ ّف ُ‬ ‫ف من ِعبء الثرثرة‪..‬‬ ‫أنموذجا‬ ‫مسفر الغامدي‬ ‫ً‬ ‫■ د‪ .‬مهدي العلمي*‬

‫حين تتحدث عن الشعر السعودي‪ ،‬فــإنّ فكرة القصيدة التقليدية يجب أن تبتعد عن‬ ‫رأسك‪ ،‬وذهنك تمامً ا؛ وذلك‪ ،‬ألن المشهد اختلف كليةً في العشرين سنة األخيرة‪ ،‬وتحولت‬ ‫القصيدة السعودية إلى قصيدة رشيقة تماما‪ .‬والرشاقة المقصودة هنا‪ ،‬هي رشاقة اللغة‬ ‫التي تنحو منحى التقشف والــزهــد في الثرثرة التي تخرج بالقصيدة من إطــار الجمال‬ ‫والشعرية العالية‪ ،‬وهو ما يقع فيه كثير من الشعراء والشاعرات لألسف‪ .‬وإضافة إلى رشاقة‬ ‫اللغة‪ ،‬هناك رشاقة المحتوى الوجودي؛ فالشاعر ال يكون شاعرً ا بالكراهية‪ ،‬وعندما يتعاضد‬ ‫اللغوي بالحياتي والــوجــودي نجد الشاعر مسفر الغامدي يتخلّص من كل ذلك بامتالء‬ ‫القصيدة‪ ،‬ورشاقة محببّة وقوية رصينة‪ ،‬فال يمكن أن نتجاوز كلماته التي يقول فيها‪:‬‬

‫أدرب نفسي على الصمت‪:‬‬ ‫أال أقول شيئا دون شعور بالذنب‬ ‫أو أستمع إلى أحد إال خائفً ا وزائغ العينين‬ ‫أال أصافح أحدً ا أو أشتاق إلى أحد‬ ‫أن أغلق األبواب والنوافذ بإحكام‬ ‫أقبض على نفسي جيدً ا‬ ‫َ‬ ‫وراء قضبان غليظة وأسوار عالية‬ ‫أن أكون سجينًا وسجانًا‪ ،‬متهمً ا وبريئا‬ ‫وأن أتخذ مسافة آمنة من الجميع‪.‬‬

‫قد تستغرق شهورًا طويلة‬ ‫ففي هذا المقطع الكثير من الشعر والمعاني‬ ‫التي يمكن متابعتها في هذا التكثيف والتقطير‬ ‫لعطر القصيدة الحقيقي‪ ،‬وهذه القصيدة بعنوان‪:‬‬ ‫« هذه األيام» يمكن أن تكون سيرة شعرية لإلنسان‪.‬‬ ‫ففي أقصى درجات التعب ومعانيه ينبثق الشعر‪،‬‬ ‫أو كما يقول الغامدي عن نفسه في نصه‪ ،‬ولكنه‬ ‫يفاجئك بأنه يبحث عن الحقد ويدرب نفسه عليه‬ ‫حين يقول في القصيدة ذاتها‪:‬‬

‫تشعر بأنه يقول كل ما تريد قوله‪ ،‬ويرسم كل أدرب نفسي على الحقد‪:‬‬ ‫ما تريد أن يكون منك أمام الناس‪ ،‬ففي النص ذاته أن أشك في اآلخرين‪ ،‬أزدريهم‪ ،‬أكرههم‪..‬‬ ‫يتحرر من كل قيود المشهد المعتم‪ ،‬ليقول‪:‬‬ ‫وبالذات أولئك األصدقاء اللعينين‬ ‫أحاول أن أكتب الشعر‪ ،‬أقرأه‪ ،‬ألقيه بصوت عال الذين كانوا ينقلون إليّ صنوفً ا من الميكروبات‬ ‫على كائنات كثيرة تحيط بي دون أن أراها‪..‬‬ ‫والفيروسات‬ ‫على األقل‪:‬‬ ‫دون أن أوبخهم على ذلك ولو لمرة واحدة‪..‬‬ ‫ألتقطه من األغاني‬ ‫وأفكر‪ :‬ماذا لو عادت الحياة إلى طبيعتها‪..‬‬ ‫ألنه لقاح مجرب ضد الكآبة‬ ‫كيف أهدم كل هذي الجدران التي بنيتها من‬ ‫وال يحتاج إلى تجارب سريرية‬ ‫حولي؟!‬

‫‪40‬‬

‫العدد ‪75‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫محور خاص‬


‫وم ــا يمكن مــاحــظــتــه فــي ه ــذه الــقــصــيــدة‪،‬‬ ‫وينطبق على الكثير من قصائد الغامدي وشعره‬ ‫ما يسمى بالمشهدية‪ ،‬والعرض البصري لعناصر‬ ‫القصيدة؛ ما يؤهلها لتكون سردًا دراميًا مترابطً ا‬ ‫منسجمًا ومتناغمًا‪ ،‬فكيف لشاعر رقيق مثله أن‬ ‫يمتلك الدربة على الحقد‪ ،‬والكراهية‪ ،‬وليس ذلك‬ ‫لألعداء‪ ،‬إنما المفاجأة أن يكون لألصدقاء هذا‬ ‫الكره‪ ،‬هنا تنبثق فكرة الحداثة الصادمة التي‬ ‫تجعلك تــخــرج عــن كــل مفهوم تقليدي تعلمناه‬ ‫وسمعناه‪ .‬فالشاعر صاحب لغة مختلفة عن غيره‪،‬‬ ‫وليس لغيره أن يكون سواه‪.‬‬

‫د‪ .‬مهدي العلمي‬

‫ونــراه في قصيدة أخــرى بعنوان‪ :‬لي ٌل يغادر‬ ‫قصيدة عالية من الشعر العربي الحديث تمثل‬ ‫المقهى‪ ...‬يقول‪:‬‬ ‫معان ال يصلها إال وقد‬ ‫طواف اإلنسان بحثًا عن ٍ‬ ‫فقد الغاية األصلية من السعي والتطواف‪ .‬ومع‬ ‫ليلٌ يمشي على الرصيف‬ ‫ذلك فإن اإلنسان الشاعر يجد وسيلة لتخفيف‬ ‫يمسك في يده رجال‬ ‫األلم وتطبيبه بالشعر وبالجمال‪.‬‬ ‫ويدخالن في مقهىً جانبي‪..‬‬

‫الرجل في آخر السهرة يتململ في مكانه‬ ‫ينهض ويجلس مرارًا‬ ‫وكأنه يريد منه أمرً ا ما‪:‬‬ ‫كأنْ يعيد له قصة حب ضائعة‬ ‫كأنْ يبقى معه لمدة أطول‬

‫ينقض الشاعر سريعا على مــفــردات اللغة‬ ‫ّ‬ ‫ويمسك بها ناصحً ا لنفسه أنه سيصل سريعًا إلى‬ ‫ما يريد‪،‬‬

‫يغادر الليل ُالمقهى وحيدً ا‬ ‫يمشي على الرصيف وظهره إلى الخلف‬ ‫يختفي رويدً ا رويدا‬ ‫تاركً ا البيوت والشوارع والناس‪..‬‬ ‫تاركا المدينة عاريةً تماما!‬ ‫يعطينا مشهدًا من العمر لذلك الرجل في عدة‬ ‫أسطر فقط‪.‬‬ ‫جيل بأكمله‬ ‫هنا تتأكد‪ ،‬وأنــت تقرأ له بــأن ً‬ ‫استطاع أن يتحرر مــن قــيــود الــوصــف الطويل‬ ‫ليختزل لنا دهرًا في أبيات!‬

‫* كاتب ‪ -‬مصر‪.‬‬

‫محور خاص‬

‫‪ 75‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫‪41‬‬


‫القصيد ُة الحداثيَّ ُة السعوديَّ ُة‬ ‫بين التأثير والتأثر ‪ ،‬عند الشاعر مازن اليحيا‬ ‫■ د‪ .‬فاطمة الشيد*‬

‫ونحن نبدأ القراءة لشاعر حداثي سعودي‪ ،‬مثل الشاعر مازن اليحيا‪ ،‬ندرك مباشرة أننا‬ ‫أمــام أنموذج جديد للشعر السعودي‪ ،‬تنقلنا عالقة شعره بالمؤثرات األجنبية إلــى حقل‬ ‫المثاقفة مباشرةً‪ .‬وتدعونا للبحث عن تمظهرات للمؤثر األجنبي‪ ،‬وملمسية نصية في‬ ‫تفحص كيفية تمثُّ ل المؤثِّر‪ ،‬والصلة الثالثية بين‬ ‫القصيدة العربية‪ .‬لكنها ال تمنع من ّ‬ ‫عناصر عملية المثاقفة كلها؛ وهي‪ :‬المؤثِّر‪ -‬عملية التأثير‪ -‬التأثر‪.‬‬

‫كنت أدري مسبقً ا بما أمرُّ ‪ ،‬وأعلمُ ‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫رصيف للراجلين والدارجين‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫سأمشي على‬ ‫على ام ـت ــدادهِ ازدرعـ ــوا «الـلـهــبَ األصـف ـرَ»‬ ‫شجرا‬ ‫بونسيانا!‬ ‫بونسيانا!‬ ‫أحب تمشين عمري معي)‬ ‫(أحبك‪ُّ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫سأقطَ عُ عن يميني بر َج «تمكين»‬ ‫يهف من شرفةِ المقهى عن يساري‬ ‫ُّ‬ ‫ّفات الباردُ‬ ‫هواءُ المكي ِ‬ ‫فمبنى هيئةِ المحاسبين‬ ‫فمدارس األطفال األهلية‬ ‫َس» أللت ََّف عائدً ا‬ ‫وقبل ما أصل «أن َ‬ ‫ســأح ـ َّيــي رجـ ــلَ األم ـ ـ ِـن ع ـنــد مـبـنــى هيئة‬ ‫العقار‬ ‫فأنا أدرى بمشواري ومشيتي‬ ‫(ألنني أمشيهِ كلَّ يومٍ في الشتاءِ والربيع)‬

‫نصا‬ ‫إذا كان األول من تلك العملية الشعرية ًّ‬ ‫أو متنًا ومستندًا ثقافيًا أو مرجعيًا مسمىً ‪،‬‬

‫فإن تمثلَّه واالتصال به يتم من خالل عملية‬ ‫وصول إلى نص جديد هو‬ ‫ً‬ ‫التأثير والمثاقفة‪،‬‬ ‫مظهر متعين وملموس للتأثير‪ ،‬أو انعكاس‬

‫نصي للتأثر‪ :‬حدوده وكيفياته‪.‬‬

‫وهذا يظهر كثيرًا عند شعراء القصيدة‬

‫الحداثية فــي المملكة العربية السعودية‬ ‫وبدل عن استقصاء المؤثر األجنبي والغربي‬ ‫ً‬ ‫خــاصــة‪ ،‬كــمــا دأبـ ــت الـــدراســـات النقدية‬

‫والمقارنية أن تحدد‪ ،‬نحاول فحص مقولة‬

‫التأثير ذاتها للعثور على الكيفيات المنجَ زة‬ ‫والممكنة فنيًا للصلة بالمؤثر‪ ،‬وهو ما يمكن‬ ‫أن نجده عند الكثير من الشعراء‪ ،‬وبخاصة‬

‫نصا‬ ‫عند شاعرنا اليحيا الذي ما إن تمسك ً‬

‫له حتى تتأكد أنه يركّز على فكرة التأثير في‬ ‫المتلقي‪ ،‬وما يتسلل من النص إلى المستمع‪.‬‬

‫من خالل هذا المقطع من نص له ترى أنه إذ إننا نالحظ‪ ،‬وهــذا ما سوف نتبينه من‬

‫‪42‬‬

‫العدد ‪75‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫محور خاص‬


‫خـــال ق ـ ــراءة نــصــوصــه وجــــود نظريتين‬

‫متقاطعتين في مسألة المؤثر‪:‬‬

‫تنطلق األولى من روح (استشراقية) تعرّف‬

‫المنجز الشعري الحديث في شعرنا العربي‬

‫محصول من تأثرنا بالغرب تمامًا؛ لذا‬ ‫ً‬ ‫بكونه‬ ‫فهو في نصوصه يبحث دومًا عن مرجعيات‬

‫غربية لألجناس واألنواع واألشكال‪ ،‬وأفراد‬ ‫أيضا‪ .‬وانسياقًا وراء‬ ‫النصوص وجزئياتها ً‬ ‫مــركــزيــة الــغــرب الثقافية وإشــعــاعــه على‬

‫المحيط والهوامش والحواشي الحافّة بمتنه‬ ‫بصورة لطيفة‪.‬‬

‫وتنطلق الثانية من أفق مضاد تمامًا ال‬

‫بالتحصن من تلك الروح االستشراقية‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫يكتفي‬

‫بل يدعو إلى ردّها‪ .‬وهذا الشيوع أو التشارك‬ ‫اإلنساني يجعل البشر يتقاسمون الهموم‬

‫ويعبّرون عنها بكيفيات مختلفة‪ ،‬دون شك‪،‬‬ ‫في الثقافة الواحدة وفي الثقافات المختلفة‪،‬‬ ‫بآلية المثاقفة ذات الصيغة الوحيدة الممكنة‬ ‫كما سنرى من خالل تجربة الشاعر المكتملة‬ ‫والتي تتضح من خالل رؤيته للعالم من حوله‪:‬‬

‫وها إنني في غرفتي‬ ‫بعد عودتي‬ ‫المعجزات‬ ‫ِ‬ ‫أفنّدُ‬ ‫خطو ًة فخطوةً‪،‬‬ ‫ثانيةً ‪ ،‬بثانيه‪.‬‬

‫إننا حين نبحث عن المقارنات بما يتعلق‬ ‫ذاتــهــا‪ ،‬والحلم والــقــلــق‪ ،‬والــخــوف واألم ــل؛‬ ‫بأخالقيات الكتابة وأعراف القراءة وميدان‬ ‫تحقيق النصوص‪ ،‬فإننا بذلك نبعد الموازنات‬ ‫المجردة المحتكمة إلــى المعيار الشعري‬ ‫ـدل عنها نركن إلــى الموازنات‬ ‫الــراســخ‪ .‬وبـ ً‬ ‫القائمة على المشترك بين النصوص‪ ،‬وفق‬ ‫الباعث اإلنساني والفني الــذي تقوم عليه‬ ‫المثاقفة‪ ،‬واألثر العام والمؤثر المقصود في‬ ‫عملية المثاقفة‪.‬‬ ‫لذلك‪ ،‬علينا أن نقبل بالنص الشعري كما‬ ‫فاضت به مشاعر اليحيا الذي يرى نفسه‬ ‫في مركزية الكون التي ال ب ّد أن ندور حولها‪.‬‬

‫* كاتبة ‪ -‬سلطنة عمان‪.‬‬

‫محور خاص‬

‫‪ 75‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫‪43‬‬


‫أحمد المال‪ :‬بين الشعر والسينما‬ ‫■ أ‪ .‬د‪ .‬حسني عبدالبصير*‬

‫أن يكون الشاعر سينمائيًا ومبدعً ا‪ ،‬فهنا تختلف قصة الشعر بأكملها‪ ،‬أحمد‬ ‫المال شاعر وسينمائي سعودي‪ ،‬ولد في األحساء عام ‪1961‬م‪ ،‬ويعد أحد رواد صناعة‬ ‫تأسيسا وإدارة (مهرجان أفالم السعودية)‬ ‫ً‬ ‫السينما في المملكة العربية السعودية‬ ‫أيضا رئيس مبادرة مركز األرشيف‬ ‫الذي انطلق في نسخته األولى عام ‪2008‬م‪ .‬وهو ً‬ ‫الوطني لألفالم في السعودية‪ .‬وهو الشاعر المتمثل في روح قصيدته التي يرسم‬ ‫فيها أغالل الكلمات المتقنة‪ ،‬والعبارات الواضحة بخفة المعنى ورشاقة الروح؛‬ ‫فهو الفنان التشكيلي الــذي يرسم لوحته بالقصيدة‪ ،‬وهــو الشاعر الــذي يضع‬ ‫كلمته في مشهد سينمائي‪ ،‬يصعب على غيره أن يكون كما يريد‪..‬‬ ‫مآلى بالمعنى‪ ،‬بل أن تنهض وتسمي‬ ‫األي ــام بــأفـعــال ترتكبها عـنــوة‪ ،‬وليس‬ ‫أس ـمــاء ورثـتـهــا‪ ،‬أو صـفــات استعرتها‬ ‫من السابقين)‪.‬‬ ‫هــنــا‪ ،‬مشهد سينمائي مــن لغة‬

‫مختلفة يصعب على كاميرة من طراز‬

‫حديث وصفها‪ ،‬أو التقاطها‪ ،‬فالشاعر‬ ‫المجيد حين وصف النهوض لألسماء‬

‫والمعاني الممتلئة بالحياة‪ ،‬فهو أمسك‬ ‫الشاعر أحمد المال‬

‫«يا له من يوم هائل»‬

‫عدسة الحياة التي تمكنت من التقاط‬ ‫مشهد معبّر في روحه ليكمل نصه‪:‬‬

‫«عليك أن تنحت ما تريد برغبة ال‬

‫(ب ـ ـ ـهـ ـ ــذه ال ـ ـ ـع ـ ـ ـبـ ـ ــارة‪ ،‬أو ب ـ ــاألح ـ ــرى‬ ‫بمعناها‪ ،‬عليك أن تنهي اليوم‪ ،‬وكل تقل مـهــارة عــن صائغ يعالج الذهب‬ ‫بالنار والمخرز‪.‬‬ ‫يوم‪...‬‬ ‫أن تنهض وتسمي األي ــام بأسماء‬

‫‪44‬‬

‫العدد ‪75‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫وال تلتفت أبــدا‪ ،‬فيداهمك الوقت‬

‫محور خاص‬


‫ويـمــرق مــن بين جنبيك كــأفـعــوان‪ ،‬إمض نواقصه‪ ،‬وزوائـــده‪ ،‬ومــن لحظات حياته‬ ‫ب ـش ـهــوة ال ـم ـش ـتــاق قـبـيــل الـ ـم ــوت‪ ،‬واف ـتــرع الــمــخــصــوصــة‪ ،‬بــمــا هــي مــوضــوع أثير‬ ‫اللحظات بشجاعة الخائف على عياله‪ ،‬للشعر‪ ،‬ومادة لصوغ أسطورتها؛ ولذلك‪،‬‬ ‫انتهبها كأنها كأسك األولــى بعد صحراء يعد صاحب ملكة مميزة حين جمع بين‬ ‫خــالـيــة‪ ،‬وتجرعها كما قــرصــان فــي بحره الفن التشكيلي والسينمائي وطوعهما في‬ ‫األخير»‪.‬‬ ‫الشعر‪.‬‬ ‫لــتــعــرف مــن خ ــال الــنــحــت أن ــه فنان‬ ‫تشكيلي يتقن ما يريد‪.‬‬

‫«قم واركل غطاء يعزل رغباتك ويرتبها‬ ‫في أدراج مؤجلة‪ ،‬هكذا يوهمك بمعطف‬

‫مــن خ ــال نــصــه تــعــرف أن الشاعر ل ـل ـب ــرد‪ ،‬ب ـم ـظ ـلــة ح ـي ــن ت ـم ـطــر وب ـم ــروح ــة‬ ‫يضرب على وتر التلقين‪ ،‬وتكوين ذاتيته الصيف‪ ،‬وكأنك خانع له‪ ،‬وال تحلم عاريا‬ ‫الشعرية‪ ،‬على السبل المفارقة للبالغة تحت مطر غــزيــر‪ ،‬أو تلعب بالنار فــي عز‬ ‫والنظم التقليديين‪ ،‬فهو شاعر حداثي الشتاء‪ ،‬أو تقضم الثلج كلما عنَّ للشمس‬ ‫بحساسية أن تدهمك‪ ..‬قل لي من علمك؟ هل سئلت‬ ‫ٍ‬ ‫يعبر عن القصيدة الحداثية‬ ‫هي خليط بين الرومانسية الملتبسة أو ي ــوم ــا إن أردت ال ـس ـبــت س ـب ـتــا أو األحـ ــد‪،‬‬ ‫المزاجية‪ ،‬وبين طرافة الــوجــود وخفته وهكذا‪»..‬‬ ‫وعبثه أحيانًا‪ .‬وإذا الشعر لديه أقرب ما‬

‫مَن علمك يا أِحمد أن الشعر هنا صورة‬

‫يكون إلى محاكاة الكائن العائش وسط القلب التي تمتلكنا‪ ،‬وتطير بنا معك حرفًا‬ ‫العالم‪ ،‬وتدوين بنيان كيانه وعالمه‪ ،‬من حرفًا‪.‬‬ ‫* كاتب ‪ -‬مصر‪.‬‬

‫محور خاص‬

‫‪ 75‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫‪45‬‬


‫الشاعر عبداهلل الصيخان‪:‬‬

‫البداوة والوطن‬ ‫ثنائي ُة‬ ‫ِ‬ ‫■ د‪ .‬يوسف حسن العارف*‬

‫‏في هذه المقالة‪ ،‬نتعرف على رمز من رموز الشعر الحداثيّ في السعودية‪ ،‬ومدى تثاقفه‬ ‫وتعالقه مع المنجز المعرفي والشعري الحداثوي‪ ،‬من خالل بعض إنجازه الشعري‪.‬‬ ‫عبداهلل الصيخان الــذي فتح عينيه على بيت عاشق لــأدب ومهتم بــه‪ ،‬كانت األمهات‬ ‫يغرسن الشعر في نفوس أطفالهن من خالل أغاني المهد وإيقاعها اآلسر الذي «يبدأ من‬ ‫قلب األم وإليه يعود»‪ ،‬فـ»األمومة والطفولة منجمان مشعان بالشعر»! كما يقول‪.‬‬ ‫الوحيدة المحلية التي تصل إلى تبوك!‬ ‫وفي مسار تثاقفي جديد‪ ،‬كان الوالد مدخله‬ ‫إلى الحياة العامة‪ ،‬واللقاء بالناس‪ ،‬وتشرب األفكار‬ ‫والصراعات والصداقات‪ ،‬وكان الشارع مسرحً ا‬ ‫لأللعاب والخصومات وتفريغ الطاقات الكامنة‪،‬‬ ‫وتنمية المهارات وتوسيع المدارك الحياتية‪.‬‬ ‫د‪ .‬يوسف حسن العارف‬

‫في تلك الطفولة‪ ،‬كان السفر من تبوك إلى‬ ‫حائل مفتاح معرفة للشعر وموسيقاه‪ ،‬ومن خالل‬ ‫صوت السائق الذي كان يتغنى بـ (الهيجنة) من‬ ‫أغــانــي حــداة القوافل والجمالة‪ ،‬وت ــرداد األب‬ ‫بصوت مسموع لهذه األصوات الغنائية‪.‬‬

‫وفي هذه المرحلة المتقدمة‪ ،‬يأتي الكتاب ‪-‬‬ ‫كمصدر تثاقفي جديد ‪ -‬وقــراءة الشعر خاصة‬ ‫لتتكون المعرفة الشعرية‪ ،‬وتتنامى الموهبة‬ ‫الفطرية ويصبح الشعر أنــيــس الــوحــدة الــذي‬ ‫يوصله إلى قناعة حياتية وثقافية قوامها «القراءة‬ ‫وقود الكتابة‪ ..‬كلما قرأت استطعت أن تحافظ‬ ‫على شعرك صافيًا رقراقًا متجددًا»‪ .‬ومع التنامي‬ ‫الحياتي والمعرفي‪ ،‬أصبح الشعر مبتغاه‪ ،‬والشعر‬ ‫ثقافته‪ ،‬والشعر كينونة تثاقف معه وعليه‪.‬‬

‫وفي السادسة من عمر الطفولة‪ ،‬كان انتقال‬ ‫األســرة إلى عمَّان األردن وعن طريق ال تسلكه‬ ‫‏والصيخان ال يدعو إلــى الغموض الشعري‬ ‫إال الشاحنات‪ ،‬فكان الطريق مثار تفكُّر وتعرُّف المجاني‪ ،‬وال ــذي يسعى لــإبــهــام والضبابية‪،‬‬ ‫رُسمت خيوطه ومعالمه في ذهنيته‪.‬‬ ‫ولكنه يوصي بالغموض الشفيف‪ ،‬الغموض الذي‬ ‫وفي تبوك ‪ -‬بعد العودة من األردن ‪ -‬بدأت ال ينكشف ‏إال للذي لديه بصيرة قرائية جادة‪،‬‬ ‫ثقافته القرائية من خالل الصحف والمجالت إن أجمل الشعر ما لم يمنحك يديه من القراءة‬ ‫ً‬ ‫التي تصل مع الشاحنات‬ ‫غامضا ‪ -‬نعم ‪ -‬وال تكن‬ ‫ً‬ ‫فضل عن الجريدة األولى! ‪ -‬كما يقول ‪ -‬كن‬

‫‪46‬‬

‫العدد ‪75‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫محور خاص‬


‫مبهمًا فالنص الشعري المبهم يتكئ على ثقافة الشعري المضيء‪ ..‬وإذا كانت معارك الشكل‬ ‫هشة ال يعطى مفاتيحه للقارئ‪ ..‬بينما النص أخذتنا في بداياتنا إلى الالمجدي في العملية‬ ‫الغامض يقوم على ثقافة أعمق ووعي أشمل!‬ ‫الشعرية إال إننا عدنا لنكتشف أن المضمون هو‬ ‫ومــن أســاســات المثاقفة المهمة لصناعة الشعر»!‬ ‫الشاعر ‪ -‬كما يقول الصيخان ‪ -‬العودة إلى النص‬ ‫ونتوقف هنا مــع إحــدى نصوص الصيخان‬ ‫القرآني كمرجعية تبني وتهذب اللغة الشعرية‪ :‬الشعرية التي شكلت حداثته وصورتها أجمل‬ ‫فــالــقــرآن الكريم «زاد بياني وبــاغــي يتثاقف تصوير وهي بعنوان‪« :‬هواجس في طقس الوطن»‪.‬‬ ‫عليه الشاعر بعد أن يستكمل أدوات ــه اللغوية‬ ‫القصيدة في ثالثة مقاطع‪ ،‬في المقطع األول‬ ‫والبالغية»‪ .‬وهنا يؤكد‪« :‬كلما وهنت لغتي‪ ،‬ذهبت‬ ‫انحاز الشاعر ‏إلى النص الشعري‪ /‬العمودي‪/‬‬ ‫إلى القرآن الكريم‪ ،‬وكلما خفت إيقاعي ذهبت إلى‬ ‫الخليلي‪ ،‬وفي هذا داللة على مثاقفة الشاعر مع‬ ‫القرآن ألستمد من سحرية اإليقاع الكامن فيه ما‬ ‫التراث التقليدي‪ /‬الكالسيكي للشعرية العربية‪،‬‬ ‫يعوض خفوتي وقلة حيلتي اللغوية»‪.‬‬ ‫مع التجديد المفرداتي وال ــدالالت اإليحائية‪.‬‬ ‫ومن مثاقفاته ‏النقدية والشعرية والمعرفية ويــقــود الــقــارئ عبر ثمانية أبــيــات عمودية في‬ ‫يصل الصيخان إلى فهم أعمق للشعر وتعاريفه حــواريــة مــع الــوطــن‪ ،‬تقوم على ثالثة معطيات‬ ‫التي يتبناها وهي مقولة قدامه بن جعفر‪ ،‬ومقولة داللية وهي‪:‬‬ ‫القيرواني بــأن الشاعر يشعر بما ال يشعر به‬ ‫ معطى التشكّي واالعــتــذار‪ ،‬ويشمل البيتين‬‫غيره‪،‬‏ويستطيع التعبير عنه‪.‬‏وهذا ما تبناه الناقد‬ ‫األولين‪.‬‬ ‫اإلنجليزي‪ /‬إليوت «إنــه الشيء الــذي تفكر فيه‬ ‫بإبداع‪ ،‬ولكنك ال تستطيع التعبير عنه بالدرجة ‪ -‬معطى األســئــلــة االســتــفــهــامــيــة الحقيقية‪/‬‬ ‫التقريرية حــول العالقة بينه وبين الوطن‪.‬‬ ‫ذاتها من اإلبداع»‪.‬‬ ‫ويشمل البيتين الثالث والرابع‪.‬‬ ‫ويسجل الصيخان دور الحداثة والتراث في‬

‫تكوينه الشعري وتثاقفاته المعرفية فيقول‪« :‬في ‪ -‬وأخيرًا‪ ،‬معطى االعتراف والتأكيد على مدى‬ ‫التجدد والتنامي في هذا الوطن‪ .‬ويشملها‬ ‫بداياتي أدارت رأسي حداثة الشعر‪ ،‬لكن وبفعل‬ ‫األبيات األربعة األخيرة‪.‬‬ ‫تراكمي وجدت أن الحداثة تتجلى أكثر في تراثنا‬

‫محور خاص‬

‫‪ 75‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫‪47‬‬


‫وه ــل ‏لـصـ ـ ـ ـ ــدرك أن يـحـنــو فيمنحني‬ ‫وس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاد ًة ح ـل ـ ـ ـ ـمــا ف ــي ق ـي ـظــه شـجـ ــر‬ ‫‏الــغــريــب هــنــا أن الــشــاعــر لــم يــضــع عالمة‬ ‫االستفهام (؟) وكــأنــه يلمح إلــى أنها تساؤالت‬ ‫شعرية ال تنتظر من القارئ إجابة وال من الوطن‬ ‫إال مــا ساقه مــن مطالب وتــبــريــرات‪ ،‬هــو يريد‬ ‫الراحة واالستراحة مما تشكَّى منه قبال‪ ،‬وهو‬ ‫يريد أن يتحول (الــوطــن) إلــى سحابة ممطرة‬ ‫غيثًا ورحمة وحنوًا وأحالمًا‪ ،‬وحماية من (قيظ)‬ ‫المعاناة بالشجر المخضر المتنامي!‬ ‫عبداهلل الصيخان‬

‫وعبر هذه المعطيات يتضح للقارئ‪ /‬الناقد أن‬ ‫الوطن بتشكالته النفسية والمعنوية والثقافية‪ ،‬ال‬ ‫بتشكالته الجغرافية أو التاريخية هي المسيطرة‬ ‫على هــذا الجزء العمودي‪ /‬البيتي من النص‪،‬‬ ‫ولكنه (وطن) ينتمي له الشاعر عندما أضافه إلى‬ ‫نفسه (يا وطني)‪.‬‬

‫ق ــد ج ـئــت م ـع ـتــذرا م ــا ف ــي ف ـمــي خبر‬ ‫رجـ ــاي أثـقـبـهــا الـتــرحـ ـ ـ ــال والـسـ ـ ـفــر‬ ‫م ـل ــت ي ـ ـ ــداي تـ ـب ــاري ــح األس ـ ـ ــى ووعـ ــت‬ ‫ع ـي ـن ـ ـ ـ ــاي قــائ ـلـ ـ ـهــا م ــا خــانـ ـ ـهــا بـصـ ـ ـ ــر‬

‫ثم يصل الشاعر ‏إلى معطى االعتراف‪ ،‬وذلك‬ ‫بالتأكيد على (وطنيته) مستخدمًا أساليب النداء‬ ‫ـازل في دمــي) ليبين للقارئ مــدى التجذر‬ ‫(يــا نـ ً‬ ‫واالنتماء والكينونة الوطنية المتغلغلة في ذات‬ ‫(نازل في دمي)‪،‬‏والقدرة على األخذ باليد‬ ‫الشاعر ً‬ ‫وجمع الشتات الــكــام‪ /‬القولي (واجــمــع شتات‬ ‫فمي) وتحويل المواجع واآلالم إلى قصائد وأنغام‪.‬‬ ‫وهو بهذه ‏االعترافات يجعل من الوطن مالذا‬ ‫للغربتين الذاتية والنفسية‪ ،‬يتأمل واحاته المأمولة‬ ‫المنتظرة‪ ،‬ويــرســم خــطً ــا موضوعاتيًا للنص‪/‬‬ ‫القصيدة بكاملها وحسب مقاطعها الثالث يظهر‬ ‫فيها ‏تقاطعاته مع (الوطن) وتأمالته الماضوية‬ ‫وعالقاته األنية وطموحاته المستقبلية‪ ،‬وهو ما‬ ‫سنعرفه في المقاطع التالية‪.‬‬

‫هــنــا‪ ،‬تــبــدو االعــتــذاريــة (قــد جئت معتذرًا)‬ ‫المشوبة بالتشكي‪ :‬الرجالن تعبت من الترحال‬ ‫والسفر‪ ،‬اليدان ملّت من تباريح األسى‪ ،‬العينان‬ ‫‏في المقطعين الثاني والثالث تبدو سمات‬ ‫عرفت ووعت قائلها!‬ ‫الحداثة وسيمائها وتشكالتها‪ ،‬إذ اختار الشاعر‬ ‫ثم تبدأ األسئلة المبدوءة بـ (هــل) ‪ -‬إحدى مفارقة النص العمودي‪ /‬الخليلي والتمرد عليه‪،‬‬ ‫أدوات االستفهام ‪ -‬وفيها االعــتــراف باالنتماء بعد أن تعاطاه في المقطع األول ليبدو المقطعان‬ ‫للوطن‪ ،‬إذ نماه لنفسه (يا وطني) وفيها المبررات وكأنهما جسران منفصالن على مستوى الشكل‬ ‫المأمولة لهذا االستفهام وكلها فــي سياقات والجنس الشعري‏لكنهما متآزران متالحمان على‬ ‫المستوى المضموني والموضوعاتي‪.‬‬ ‫إبداعية وبالغية مائزة‪:‬‬ ‫ينتمي ‏المقطع الثاني ‪ -‬وكذلك الثالث ‪ -‬إلى‬ ‫أن ج ـئــت ي ــا وط ـن ــي ه ــل ف ـيــك متسع‬ ‫كـ ــي ن ـس ـت ــري ــح وي ـه ـم ــي ف ــوق ـن ــا مـطــر النص التفعيلي والنص الحر‪ /‬النثري والكتابة‬

‫‪48‬‬

‫العدد ‪75‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫محور خاص‬


‫السطرية وهذه من مثاقفات المرحلة الحداثية البحر والوزن والقافية الهائية ثم الكافية‪:‬‬ ‫وحموالتها التجديدية‪ ،‬وانتماء الشاعر لهذه وطني واقف ويدي مشرعة‬ ‫ً‬ ‫المرحلة إرثًا‬ ‫وتواصل معرفيًا ومجايلة حداثوية‪ .‬وأنت الشهادة فيمن هلك‬

‫في هذا المقطع الثاني تبدو القرية‪ /‬البادية‬ ‫وحموالتها‪ ،‬ودالالتها ورمزيتها من خالل اللغة‬ ‫والمسميات البدوية‪ /‬القروية مثل‪( :‬الخيمة‪،‬‬ ‫الرمال‪ ،‬الشعيب‪ ،‬النشامى‪ ،،‬الراكة‪ ،‬المطاريش‪،‬‬ ‫ذهــبــوا‪ ،‬الغضي‪ ،‬الــوســم) وكــل هــذه المفردات‬ ‫الموظفة في سياق شعري حداثي تتفاعل فيما‬ ‫بينها لتعطينا داللة على تشكل (الوطن) وتخلقه‬ ‫المنتظر من هــذه األيقونة الشعبوية‪ /‬البدوية‬ ‫والتي تمثل «النشامى يعودون في الليل»‪ ..‬و«ال‬ ‫أحد غير رمل الجزيرة» و«ال نجمة يستدل بها‬ ‫في السرى غير قلب المحب» ثم ‏تبدأ الكينونة‬ ‫المندمجة في (الوطن) المأمول‪( :‬الوطن المتعالي‬ ‫بها مات األجداد‪ /‬المستبد لهفة وهوى‪ /‬المتحفز‬ ‫في الدم‪ /‬المتوزع في كل ذراتنا) واإلفصاح عن‬ ‫المطالب واآلمال‪:‬‬

‫«أعطنا بصرً ا كي نراك»‬ ‫جميل»‬ ‫ً‬ ‫«أو وردة كي تمر بنا‪ /‬فيه نلقى مساء‬ ‫«قرنفلة في عرى ثوبك األبيض»‬ ‫«خذ يدينا‪ ..‬إذا صفنا‪ ..‬وأقم يا إمام الرمال‬ ‫صالة التراويح فينا»‬ ‫«ثــم أعطنا جــذوة حية في الـفــؤاد الخلي كي‬ ‫نصطفيك»‬ ‫ليصل في ختام المقطع إلى الوطن المنتظر‬ ‫والمأمول الذي سيظل «شامخً ا كالنخيل الذي ال‬ ‫يموت‪ /‬واضحً ا كالطفولة‪ /‬كالشمس‪.»...‬‬ ‫ثــم نصل إلــى المقطع الــثــالــث‪ ،‬ال ــذي يؤكد‬ ‫حداثة النص‪ ،‬وحداثة الشاعر‪ ،‬وفيه تأكيد على‬ ‫انتمائية الشاعر للوطن‪ ،‬عبر عودته الموسيقية‬ ‫من النثرية الشعرية إلى العمودية التفعيلة‪ ،‬حيث‬

‫ثم عودة نحو االعتذارية التي بدأ بها القصيدة‪:‬‬

‫«إنني واقف خلف ظهرك‬ ‫مفتتحا وجعي باعتذار المحبين‬ ‫ً‬ ‫حين يطول النوى‪ /‬خاشعً ا في محياك‪»...‬‬ ‫مؤكدا على ثنائية البداوة التي تشكل هوية‬ ‫الشاعر‪ ،‬والوطن المنتظر‪:‬‬

‫وطنًا تتعالى به‬ ‫غيمنا إذ يجف بنا الورد‬ ‫سلوتنا في مساء التغرب‬ ‫رغيف الفقير‬ ‫فضاء البياض‬ ‫سماء لنا‬ ‫الضوء إذ يستدير الحلك‬ ‫أما الشاعر‪ ،‬فصورته اإليجابية تتبدى من هذه‬ ‫األوصاف‪:‬‬

‫واقف خلف ظهرك‬ ‫خاشعا في محياك‬ ‫القلب لك متكأ والغمام فلك!‬ ‫بــهــذه الــثــنــائــيــة الــشــاعــر‪ /‬ال ــوط ــن‪ ،‬تتنامى‬ ‫القصيدة‪ /‬النص في حداثية المعاني‪ ،‬حداثة‬ ‫التناول‪ ،‬حداثة اللغة‪ .‬وكلها دالــة ومشيرة إلى‬ ‫مثاقفات الشاعر واستكناه الجديد في معالجة‬ ‫االنتماء للوطن عبر عنوان دال ومثير‪( :‬هواجس‬ ‫في طقس الوطن)‪ ،‬حيث التأكيد على ما يمور من‬ ‫مشاعر وأحاسيس في نفس الشاعر‪ ،‬وما يتشكل‬ ‫أرضا وسكانًا حيث‬ ‫منه الوطن جغرافيًا ومناخيًا‪ً ،‬‬ ‫ماض وحاضر‬ ‫(الطقس) المتقلب المتحول بين ٍ‬ ‫ومستقبل‪.‬‬

‫* كاتب سعودي‪.‬‬

‫محور خاص‬

‫‪ 75‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫‪49‬‬


‫غسان الخنيزي‪...‬‬ ‫ُ‬ ‫السرَّ‬ ‫القلب الذي حكى ِ‬ ‫■ د‪ .‬مجد الشمري*‬

‫شاعر مختلف في مسيرته الشعرية‪ ،‬وعبر مجموعتين‪ ،‬اختار الخنيزي أن‬ ‫ينقل كلمته إلى ساحة الشعر في العام ‪1995‬م‪ ،‬أتبعها عابرً ا بقصائده ونصوصه‬ ‫إلى نافذة الشعر الحديث مرة‪ ،‬ومرة كـ «محتال» كما يصفه جمهور ذواقة القصيدة‪،‬‬ ‫بعد أن سرّب أبيات الشعر األجنبية وترجمها إلى العربية بلغة شاعرية!‬ ‫باتت الحرية هي عنوان القصيدة الجديدة‬ ‫في السعودية مع انتشار المدونات والمواقع‬ ‫اإللكترونية ووســائــل التواصل االجتماعي‪،‬‬ ‫حــيــث الــفــضــاء الــمــفــتــوح الـ ــذي ال يخضع‬ ‫للرقيب‪ ،‬والمجال الكبير لتعدّد مرجعيّات‬ ‫الكتابة؛ فتعدَّتْ الكتابَ الورقي إلى اللوحة‬ ‫الفنية‪ ،‬والصورة الفوتوغرافية‪ ،‬والموسيقى‪،‬‬ ‫والــســيــنــمــا! وم ــن هــنــا‪ ،‬تــطــورت القصيدة‬ ‫السعودية ووصلت الى رقم قياسي يصعب معه‬ ‫غسان الخنيزي‬ ‫التحليل األعمق لها؛ ألنها تمكنت من تجاوز اإلنــســان واإلنــســان إلــى عالقة مباشرة مع‬ ‫فكرة النقد التقليدي‪.‬‬ ‫الطبيعة المصطنعة‪ ،‬بعيدًا من «اآلخر»‪ ،‬ومن‬ ‫نقرأ للخنيزي في قصيدته‪« :‬القلب الذي ثــم‪ ،‬فــإن جدلية الــذات والموضوع اختزلت‬ ‫حكى السر»‪‎:‬‬ ‫إلــى ثنائية بين مــوضــوع وآخ ــر‪ ،‬ليعلن نعي‬

‫ال ـ ـخـ ــريـ ـ ُـف ك ـف ـي ــل بـ ـحـ ـس ــمِ مـ ــا بـ ـق ــيَ مــن‬ ‫التفاصيل‬ ‫‪‎‬نقصدُ ما ظ ّ َل منها على األغصانِ‬ ‫ـري بـفـ ِ ّـك اآلص ــرةِ الـتــي خلقَها انتظا ُر‬ ‫‪‎‬ح ـ ٌ‬ ‫معجزت ـِه‬ ‫‪‎‬وتـهــدئــةِ انـتـظــارنِ ــا النـحـســارٍ أخ ـيــرٍ لــورقــةٍ‬ ‫أخيرة‪.‬‬ ‫بــقــدر م ــا تــعــاظــمــت إم ــك ــان ــات الــتــقــدم‬ ‫الصناعي والتكنولوجي‪ ،‬تحولت العالقة بين‬

‫‪50‬‬

‫العدد ‪75‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫اإلنساني‪ ،‬والحميمي‪ ،‬ولتتحول الحداثة إلى‬ ‫نقيضها‪ ،‬أي إلى «ما بعد الحداثة»‪ .‬وبذلك‬ ‫تتحلل العالقات االجتماعية‪ ،‬ويفسح المجال‬ ‫للثقافات المهمشة التي تسعى إلى التعبير عن‬ ‫نفسها بالضرورة‪ ،‬وبالقوة إن لزم األمر؛ األمر‬ ‫الــذي يوجد تعددية ثقافية‪ ،‬يدعمه رفض‬ ‫ما بعد الحداثة للفصل بين الثقافة الراقية‬ ‫وثقافة الجماهير‪ ،‬وهــذا ما يظهره المبدع‬ ‫الشاعر السعودي الــذي تمكن من اختراق‬

‫محور خاص‬


‫نجمة التقليد‪ ،‬ليصل إلى عمق أكبر بكثير من قدرة‬ ‫الوعي الجمعي الذي أصبح مقلّدا لتلك الحداثة‪ ،‬إذ‬ ‫إن الفكر ما بعد الحديث ال يقبل أبدًا وضع اإلنسان‬ ‫إزاء العالم‪ ،‬بل يراه ويعيد إنتاجه في صور؛ ذلك‬ ‫ألنه ‪-‬كما يرى آالن تورين‪ -‬يضع اإلنسان في العالم‬ ‫من دون مسافة‪.‬‬ ‫ونرى في القصيدة نفسها‪:‬‬

‫‪‎‬في المُ حَ ّ َصلةِ‬ ‫بعضها‪:‬‬ ‫‪‎‬الغرف ك ُلّها تشابِ ُه َ‬ ‫ُ‬ ‫أخالط من اإلسمنت والفيزياء‬ ‫ٌ‬ ‫قوانين‬ ‫ِ‬ ‫ومعاهدات بين‬ ‫ٍ‬ ‫لخرائط‬ ‫َ‬ ‫‪‎‬كل ذلك ِطبقً ا‬ ‫ُّ‬ ‫الطبيعةِ والعناصر‬ ‫ـاف إليها َمـكــرٌ أس ــودُ‪ ،‬أو حكمةٌ زرق ــاءُ ‪ ،‬في‬ ‫‪‎‬مـضـ ٌ‬ ‫القلوب العديدةِ للكائن‬ ‫ِ‬ ‫‪«‎‬ال ـق ـل ــوبُ ال ـت ــي ح ـكــت ال ـ ـس ـ ـ َرّ»‪ ،‬وال تـ ـم ــوتُ ‪ ،‬في‬ ‫مدافنِ ـها الجدارية‪.‬‬ ‫ـرف شـهــو ُد الطبيعةِ على سَ ــحَ ــرةٍ ثــم أطـ ّبــا َء‬ ‫الـغـ ُ‬ ‫وضجةٍ عظيمة‬ ‫عال ّ‬ ‫بصوت ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫يتحدّ ثو َن‬ ‫«النبض اآلتي من قلبِ ه»‬ ‫ُ‬ ‫‪‎‬كي ال يُسمَـ َع ذلك‬ ‫ري‬ ‫الس ِ ّ‬ ‫‪‎‬كانوا قد دفنو ُه كما دفنوا آبا َء هذا الِ مزاجِ ِ‬ ‫الذي يجمعُ نا‬ ‫المذبح الذي شه َد ك ّ َل العُ هودِ التي تبادلناها‬ ‫ِ‬ ‫‪‎‬في‬ ‫يافِ عَين‪.‬‬ ‫ذهول‬ ‫َحض ٍ‬ ‫‪‎‬ثم إن عم َر الكهولةِ كا َن م َ‬ ‫‪‎‬ميع ُة الصبا لم تُفارِ قْنا‪،‬‬ ‫ـراط‬ ‫‪‎‬ش ــيء م ــن ال ـتــرقـ ِـق ق ــد وَسَ ـ َم ـن ــا ج ـ ـ ـ َرّا َء ان ـف ـ ِ‬ ‫األسئلةِ ‪ ،‬والتردّدِ ‪ ،‬والحَ يْرةِ التي سمّ يْناها‪ :‬تأمّ ل‪.‬‬ ‫لقد تمرد جيل ما بعد الحداثة على مركزية‬ ‫اإلنــســان‪ ،‬وأنــزلــوه مــن عليائه‪ ،‬لــم يعد هــو مركز‬ ‫الوجود‪ ،‬كما لم يعد هو الذي يتحكم في الموجودات‬ ‫والطبيعة حــولــه‪ .‬كما لــم يعد دور الــفــن تصوير‬

‫الطبيعة بقدر ما صار يهدف إلى االمتزاج بالحياة؛‬ ‫ومــن ثَ ـمَّ‪ ،‬تساوى اإلنــســان بالموجودات األخــرى‪،‬‬ ‫وأصبح جــزءًا من دورة الحياة اليومية‪ .‬وقد ينتج‬ ‫عن ذلك كله أن الشعر ينزل من عليائه‪ ،‬ويصير‬ ‫شكال مختلفا عن اإلحساس الجمهوري أو الكلمة‬ ‫الحماسية‪ .‬وهذه هي ميزة النص الحداثي الذي‬ ‫يبدعه الشاعر ويتقبله المتلقي‪.‬‬ ‫يبدو الخنيزي وكأنه يخبر القارئ عن مجمل‬ ‫النصوص‪ ،‬هذا الشاعر الذي يخبر ق ـرّاءه بمعنى‬

‫الشعر‪ ،‬فيقول في أحــد نصوصه‪« :‬الـشـعــر كــام‬ ‫قليل‪ ،‬يـكــون لــك متى استيقظت مــن غفوتك‪،‬‬ ‫أيها الشفاف في المنام‪ ،‬المعتم في اليقظة»‪،‬‬ ‫ثم يتبع ذلك الوصف‪« :‬هو كالم قليل يقال في‬ ‫الـتــرحــاب‪ ،‬ال ــذي تقوله أيـهــا الـنــاطــق‪ ،‬للجموع‬ ‫اآلت ـيــة مــن تــاريــخ مـخـيـلـتــك‪ ،‬للجماهير التي‬ ‫تـحـيــا فــي ال ـكــذب األب ـي ــض‪ ،‬ال ــذي تــوارث ـتــه من‬ ‫ساللتك»‪.‬‬

‫* كاتب ‪ -‬العراق‪.‬‬

‫محور خاص‬

‫‪ 75‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫‪51‬‬


‫ُ‬ ‫كتب‬ ‫تأويل ما لم ي ُ‬ ‫ْ‬ ‫‪ρ‬أحمد قران الزهراني*‬

‫‪-1-‬‬

‫اكتب كما لم تستطع من قبْلُ ‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫الكلمات‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫تترك حديثً ا عاب َر‬ ‫ْ‬ ‫ال‬ ‫الحروف فوارقَ المعنى‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫دعْ بين‬ ‫وع ّز ْز من حضورِ َك في الكتابة‪.‬‬ ‫‪-2-‬‬

‫التنصيص‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫قالت‪ :‬تركتُ ك تستبينُ عالم َة‬ ‫المعجم الحرفيِّ ؟‬ ‫ِ‬ ‫أين مكانُها في‬ ‫تقص ِد النجوى‪،‬‬ ‫ال تستخدم التأويلَ دون ُّ‬ ‫القول‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫وخلِّ الساع َة األولى لمن يهوى افتعالَ‬ ‫رت ّْب ما تراه مناسبًا في صفحةِ األسماءِ ‪،‬‬ ‫أي كتابةٍ ال تحملُ السلوى فليس لر َْس ِمها الوقعُ المؤثرُ في الخريطةْ‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫‪-3-‬‬

‫مخفي عن األضواءِ ‪،‬‬ ‫ٌّ‬ ‫الحب‬ ‫ِّ‬ ‫قالت‪ :‬يُ عِ يبُك أنَّ صوتَ‬ ‫لم تعمدْ على إشهارهِ ‪،‬‬ ‫نفسك‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫مكنون‬ ‫ِ‬ ‫تستنكف اإلفصا َح عن‬ ‫ُ‬ ‫وكأنّما‬ ‫الحديث‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫وجهتَ بوصل َة‬ ‫ال تبالي أينما ّ‬ ‫الفعل يختصرُ المساف َة عنوةً‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫بعض‬ ‫َ‬ ‫لعلَّ‬ ‫قالت‪ :‬تنبّه حينما تكتب‪،‬‬ ‫فثمَّ الحزنُ يسكنُ فيك‪،‬‬ ‫ال تعب ْر إلى أقصى القصيدة‪.‬‬ ‫‪-4 -‬‬

‫اكتب كما لم تستطعْ من قبلُ ‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫المنافح عن قضيتهِ ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ال ترتدَّ عن دورِ‬ ‫الشعري‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫المنطق‬ ‫ِ‬ ‫ُك كي تُعي َد كتاب َة األشياءِ وفقَ‬ ‫فهذا اآلن دور َ‬ ‫تكتب خيان َة وردةٍ في الظلِّ ‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫ال‬ ‫منح قُ بْلتها‪،‬‬ ‫تمارس طقسَ ها في ِ‬ ‫َ‬ ‫دعْ ها هاهنا حتى‬ ‫األلوان‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫تكتب موارب َة الفراشةِ في عالقتِ ها مع‬ ‫ْ‬ ‫وال‬ ‫واكتب عن طفولتِ َك الحميمة‪.‬‬ ‫ْ‬

‫‪52‬‬

‫العدد ‪75‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫محور خاص‬


‫‪-5-‬‬

‫موغل في الحزن‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫قالت بلهجةِ‬ ‫ْ‬ ‫تنس التفاصيلَ الصغير َة في الحوارِ ‪،‬‬ ‫ال ْ‬ ‫عينيك لن تنساه إال برهةً ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫فكلُّ وجهٍ مرَّ في‬ ‫َك في الغوايةِ ‪،‬‬ ‫فاكتب شبيه َ‬ ‫ْ‬ ‫سجن خفيٍّ ‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫سير َة الشعراءِ في‬ ‫عن روائيين في المنفى‪،‬‬ ‫اللغوي‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫التغريب من مفهومهِ‬ ‫ِ‬ ‫عن‬ ‫بائع لم يكترثْ بالبردِ ‪،‬‬ ‫رحلةِ ٍ‬ ‫عن أنثى تساو ُر وقتَها المحمومَ‪،‬‬ ‫عن شغف الحكاية‪.‬‬ ‫‪-6-‬‬

‫نص الروايةِ ‪،‬‬ ‫سطرين من ِّ‬ ‫ِ‬ ‫أكتب سوى‬ ‫الرحلةُ ابتدأتْ ولم ْ‬ ‫الرفاق المحبطين‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫بعض أسماءِ‬ ‫ِ‬ ‫العنوان‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫الترقيم في‬ ‫ِ‬ ‫عالمةِ‬ ‫العامل النفسي‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫قانون حقّ‬ ‫ِ‬ ‫تعديل على‬ ‫ٍ‬ ‫اإلعالن‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫هزيل ال يعي ما اللغزُ في‬ ‫ٍ‬ ‫جندي‬ ‫ٍّ‬ ‫سجالت الشكاوى‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫أكتب‬ ‫لم ْ‬ ‫درس النحوِ ‪،‬‬ ‫غادرت َ‬ ‫ُ‬ ‫ذكرياتي حينما‬ ‫أكتب سوى ما لم تقلْهُ َصبِ يّةُ المقهى‪،‬‬ ‫لم ْ‬ ‫قديم دون أن يُ لقي سالما عابرً ا‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫سوق‬ ‫غريب م ّ َر من ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫بالحكْ ِم‪،‬‬ ‫قاض تلعث َم ناطقً ا ُ‬ ‫ٍ‬ ‫أكتب نبوءاتي الهزيلةَ‪،‬‬ ‫لم ْ‬ ‫تمثال بوذا‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫للبحث عن‬ ‫ِ‬ ‫رحلتي‬ ‫عن قواميس المرُ سكيين‪،‬‬ ‫عن حمّ ى الغواية‪.‬‬ ‫‪-7-‬‬

‫تكتب‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫قالت‪ :‬تركتُ َك حين لم‬ ‫فهيء طقسَ ك الروحيّ ‪،‬‬ ‫أحالمك الكبرى‪،‬‬ ‫َ‬ ‫شف من‬ ‫خذْ ما َّ‬ ‫تترك مكان َ​َك دون أن تُلقي وداعً ا الئقً ا بكتابةٍ أخرى‬ ‫ْ‬ ‫وال‬ ‫منعطف النهاية‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫تزُ فُ َّك نحو‬ ‫* شاعر سعودي‪.‬‬

‫محور خاص‬

‫‪ 75‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫‪53‬‬


‫ً‬ ‫مؤذية‬ ‫خياالت‪ ..‬ليست‬ ‫ٌ‬ ‫‪ρ‬عمر بوقاسم*‬

‫الشمس تسقط في البحر‪،‬‬ ‫بمعنى أن الشمس تغرب‪،‬‬ ‫وأن الظالم يخرج من تحت أوراق األشجار الكبيرة‬ ‫ذات األغصان الطويلة‪،‬‬ ‫األغصان التي تتسلقها الشمس صباح اليوم التالي‬ ‫وهي مبللة بنهارها الجديد‪..‬‬ ‫خياالت طفل‪ ،‬نعم‪،‬‬ ‫خياالت طفل‪،‬‬ ‫خياالت واضحة وليست مؤذية‪،‬‬ ‫ترافق الطفل إلى مدرسته‪،‬‬ ‫تنسيه ربطة حذاءه الرياضي‪،‬‬ ‫تنسيه العالم‪،‬‬ ‫يشطب الكثير من الجمل الخاطئة والصحيحة المكتوبة في دفتره‪،‬‬ ‫وعند عودته من المدرسة يقف أمام البيت المهجور الذي يتوسط الطريق‪!..‬‬ ‫يتأمل الباب الخشبي والنوافذ والجدار وبيت عنكبوت ممزق‪،‬‬ ‫يقترب من الجدار ويضع أذنه ربما يسمع بقايا من أصوات الذين عاشوا قي‬ ‫هذا البيت‪،‬‬ ‫هناك الكثير من األصوات تسكن في جدار البيت المهجور ولكن ال يمكن أن‬ ‫يسمعها إال بخياالته‪ ،‬خياالت واضحة وليست مؤذية‪..‬‬ ‫في‬ ‫البحر‬ ‫الشمس‬ ‫تسقط‪ ،‬نعم‪ ،‬الشمس تسقط في البحر‪ ،‬بمعنى أن الشمس تغرب‪..‬‬ ‫* كاتب وشاعر سعودي‪.‬‬

‫‪54‬‬

‫العدد ‪75‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫محور خاص‬


‫األشباه‬ ‫‪ρ‬عبدالرحمن موكلي*‬

‫كتابي‬ ‫ّْ‬ ‫وجهك في‬ ‫َ‬ ‫رسمت‬ ‫ُ‬ ‫فتقاط َر األشباهُ‪،‬‬ ‫كلٌ ‪،‬‬ ‫ابي‬ ‫بصورته يِ َص ّْ‬ ‫‪....‬‬ ‫وجهك‬ ‫َ‬ ‫رسمت‬ ‫ُ‬ ‫عذابي‬ ‫ّْ‬ ‫وكنتَ ساعتَها‬ ‫كم فاضت الفرشا ُة من نورٍ‬ ‫ال ال‪..‬‬ ‫والماء استوى بِ ّْي‬ ‫رسمت وجهَك دونما ُح ُج ٍب‬ ‫ُ‬ ‫من بعدما ذهبت بك األحالمُ‬ ‫محتفل‬ ‫ً‬ ‫ونظرت في المرآةِ‬ ‫ملك؟‬ ‫هو أينا ٌ‬ ‫اب‬ ‫الخ َض ِ‬ ‫متناسيً ا يَوم ِّ‬ ‫‪............................‬‬ ‫وجهك‬ ‫َ‬ ‫رسمت‬ ‫ُ‬ ‫الغروب‬ ‫ِ‬ ‫ما همني ظَ لُّ‬ ‫األوقات‬ ‫ِ‬ ‫يسيل منحدرًا على‬ ‫وشى بِ ّْي‬ ‫وال َضاللَك كمْ َّ‬ ‫كن‬ ‫كن جابر الكلمات‬ ‫تغشى الليالي بنومهن‬

‫وتغيب في سكراتهن‬ ‫وإذا جرحن فيك أغنية‬ ‫أح ـ ـ ـلـ ـ ــى تـ ـق ــاسـ ـمـ ـه ــم‬ ‫سناك‬ ‫َ‬ ‫‪.................‬‬ ‫كـ ـ ــن حـ ـبـ ـيـ ـ ًب ــا ل ـل ــذي‬ ‫رضاك‬ ‫َ‬ ‫يَنشدْ‬ ‫َاسطا قريبًا من مداك‬ ‫ب ْ‬ ‫يوما إذا ضل المجاز طريقه‬ ‫أو غاب‪..‬‬ ‫تبسط على المعنى هواك‬ ‫‪.......................‬‬ ‫فدى‪ ..‬يفدى‬ ‫كن ً‬ ‫وصالة من بلغوا سماك‬ ‫هدى‪ ..‬يُ هدى‬ ‫ً‬ ‫كن عساك النور‬ ‫تسبقنا خطاك‬ ‫‪.........‬‬ ‫حجتنا‬ ‫كن مَ َّ‬ ‫إ َّال ومَ جمعُ وقتنا‬ ‫تَراك أول سعينا؟‬ ‫لو ضاعْ ‪..‬‬ ‫سنضيع يا جاب ْر معاك!‬

‫* شاعر سعودي‪.‬‬

‫محور خاص‬

‫‪ 75‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫‪55‬‬


‫مى‬ ‫الجنَّ ُة ْ‬ ‫أس َ‬

‫‪ρ‬أحمد إبراهيم البوق*‬

‫تكتب؛‬ ‫ُ‬ ‫ماذا‬ ‫الكلمات َفرَاشَ ا‬ ‫ُ‬ ‫كي تتحوَّ لَ هذي‬ ‫فتيك‬ ‫َ‬ ‫يتطايرُ من شَ‬ ‫إلى أُذُ نيْها؟‬ ‫الشعرِ‬ ‫حقل ِّ‬ ‫ستحصدُ من ِ‬ ‫ُ‬ ‫كيْف‬ ‫سب َع سنابلَ‬ ‫تُهْ ِديها من أحببت؛‬ ‫النابت‬ ‫ُ‬ ‫الضجرُ‬ ‫كي يتآكل هذا َّ‬ ‫القلب وبين الرُّ وح؟‬ ‫ِ‬ ‫بين‬ ‫كيف على مسرح شفتيْك‬ ‫ذات الكلمةِ ؛‬ ‫تلعب ُ‬ ‫ُ‬ ‫السكِّ ين‪،‬‬ ‫الفصل األو ِّل دو ُر ِّ‬ ‫ْ‬ ‫في‬ ‫وفي الفصل الثّاني دو ُر الوردة؟!‬ ‫نقائض‬ ‫َ‬ ‫فيك‬ ‫ذاك ألنَّ اهلل أو َد َع َ‬ ‫الح ِّب‪،‬‬ ‫تتأرجَ حُ بين ُ‬ ‫وبين الحَ ر ِْب‪،‬‬ ‫الشعرُ !‬ ‫حرف الرَّ اءِ انزلق ِّ‬ ‫ومن ِ‬ ‫هاك طريقَ الجنَّة‪ِ،‬‬ ‫وك‪،‬‬ ‫وبالش ِ‬ ‫َّ‬ ‫وق‬ ‫بالش ِ‬ ‫محفُ وفً ا َّ‬ ‫ْ‬ ‫فأمض حافِ ي القدمين‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫روحك حقلَ ورودٍ‬ ‫حتى تتحوَّ ل كلَّ ُج ِ‬ ‫أسمَ ی‬ ‫فالجنَّةُ ْ‬ ‫من أن تدخلها بكل أناقتك الشعرِ يَّة‬ ‫باب خل ِْفيٍّ ‪..‬‬ ‫من ٍ‬ ‫* شاعر سعودي‪.‬‬

‫‪56‬‬

‫العدد ‪75‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫محور خاص‬


‫خطوت خارجا‬ ‫فور َ ما‬ ‫ُ‬ ‫‪ρ‬مازن اليحيا*‬

‫شمسها!‬ ‫ُ‬ ‫أش َرقَت‬ ‫يبسمُ‬ ‫كأنَّ كوكبًا نحن فيهِ ِ‬ ‫قلت‪ :‬أمشي في شارعِ العليا‪ ،‬أرسمُ‬ ‫ُ‬ ‫ّاك والزجاجَ‪ ،‬عَ لّني‬ ‫الشب َ‬ ‫واضحا ومنظرا ً‬ ‫ً‬ ‫ِأش ُّف صدرًا‬ ‫ثابتً ا‪،‬‬ ‫يتغيّرُ ‪..‬‬

‫غير أنّي‪،‬‬ ‫ـارجــا‬ ‫ـوت خـ ً‬ ‫ف ــو َر مــا خـطـ ُ‬ ‫من باب بيتي‬ ‫ـش ال ـس ـم ــا َء فــيَّ‬ ‫أدهـ ـ ـ َ‬ ‫زرقةً‬ ‫أدهشَ ني‪:‬‬ ‫يدي تشكّ لَ‬ ‫ّاك بين َّ‬ ‫شب ٌ‬

‫كنت أدري مسبقً ا بما أمرُّ ‪ ،‬وأعلمُ ‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫ينشئُهُ )!‬ ‫رصيف للراجلين والدارجين‪( ،‬كأنَّ غيري‪ ،‬بلذّ ةٍ ‪ِ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫سأمشي على‬ ‫على امتدادهِ ازدرعوا «اللهبَ األصفرَ»‬ ‫شجرً ا‬ ‫حملتُ هُ ‪ ،‬بدَرفَتيهِ المشرَعَ ه‪،‬‬ ‫بونسيانا!‬ ‫بونسيانا!‬ ‫ومشيت مشواري‪..‬‬ ‫أحب تمشين عمري معي)‬ ‫(أحبك‪ُّ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫‪.......‬‬ ‫سأقطَ عُ عن يميني بر َج «تمكين»‬ ‫يهف من شرفةِ المقهى عن يساري‬ ‫ُّ‬ ‫ّفات البارد ُ‪،‬‬ ‫هواءُ المكي ِ‬ ‫فمبنى هيئةِ المحاسبين‪،‬‬ ‫فمدارس األطفال األهلية‪..‬‬ ‫َس»** أللت ََّف عائدً ا‬ ‫وقبل ما أصل «أن َ‬ ‫األمن عند مبنى هيئة العقار؛‬ ‫سأحيَّي رج َل ِ‬ ‫فأنا أدرى بمشواري ومشيتي‬ ‫(ألن ـنــي أمـشـيــهِ ك ــلَّ ي ــومٍ فــي الـشـتــاءِ‬ ‫والربيع)‬

‫‪.......‬‬ ‫‪.......‬‬ ‫وها إنني في غرفتي‬ ‫بعد عودتي‪،‬‬ ‫المعجزات؛‬ ‫ِ‬ ‫أفنّدُ‬ ‫خطوةً‪،‬‬ ‫فخطوةً‪،‬‬ ‫ثانيةً ‪ ،‬بثانيه‪.‬‬

‫* شاعر سعودي‪.‬‬ ‫** أنس‪ :‬شارع أنَس بن مالك ‪ -‬شارع شمال الرياض يقطعها من شرقيها لغربيها‪.‬‬

‫محور خاص‬

‫‪ 75‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫‪57‬‬


‫األيام‬ ‫هذه‬ ‫ُ‬ ‫‪ρ‬مسفر الغامدي*‬

‫أدرّب نفسي على الصمت‪:‬‬ ‫أال أقول شيئا دون شعور بالذنب‪،‬‬ ‫أو أستمع إلى أحد إال خائفا وزائغ العينين‪،‬‬ ‫أال أصافح أحدً ا أو أشتاق إلى أحد‪،‬‬ ‫أن أغلق األبواب والنوافذ بإحكام‪..‬‬ ‫أقبض على نفسي جيدً ا‪،‬‬ ‫َ‬ ‫وراء قضبان غليظة‪ ،‬وأسوار عالية‪..‬‬ ‫أن أكون سجينًا وسجانًا‪ ،‬متهمً ا وبريئًا‬ ‫وأن أتخذ مسافة آمنة من الجميع‪..‬‬ ‫عال‬ ‫أحاول أن أكتب الشعر‪ ،‬أقرأه‪ ،‬ألقيه بصوت ٍ‬ ‫على كائنات كثيرة تحيط بي دون أن أراها‪..‬‬ ‫على األقل‪:‬‬ ‫ألتقطه من األغاني‬ ‫ألنه لقاح مجرّب ضد الكآبة‪،‬‬ ‫وال يحتاج إلى تجارب سريرية‬ ‫قد تستغرق شهورًا طويلة‪..‬‬ ‫أدرب نفسي على الحقد‪:‬‬ ‫أن أشك في اآلخرين‪ ،‬أزدريهم‪ ،‬أكرههم!‬ ‫وبالذات أولئك األصدقاء اللعينين‪..‬‬ ‫الذين كانوا ينقلون إليّ صنوفا من الميكروبات والفيروسات‬ ‫دون أن أوبّخهم على ذلك ولو لمرة واحدة‪..‬‬ ‫وأفكر‪ :‬ماذا لو عادت الحياة إلى طبيعتها‪،‬‬ ‫كيف أهدم كل هذي الجدران التي بنيتها من حولي؟!‬

‫‪58‬‬

‫العدد ‪75‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫محور خاص‬


‫ليلٌ يغادر المقهى‪..‬‬ ‫ليلٌ يمشي على الرصيف‬ ‫رجل‬ ‫يمسك في يده ً‬ ‫ويدخالن في مقهىً جانبي‪..‬‬ ‫الرجل في آخر السهرة يتململ في مكانه‬ ‫ينهض ويجلس مرارًا‪..‬‬ ‫وكأنه يريد منه أمرً ا ما‪:‬‬ ‫كأنْ يعيد له قصة حب ضائعة‬ ‫كأنْ يبقى معه لمدة أطول‬ ‫كأنْ ‪...‬‬ ‫لكنه ال يبدو مقتنعً ا؛‬ ‫ألنه ما إن يستسلم الرجل لمقعده‪،‬‬ ‫ويبدأ صوته في الخفوت‪،‬‬ ‫حتى ينهض الليل‬ ‫يلملم أشياءه‪:‬‬ ‫قصصا لحبو األغاني‬ ‫ً‬ ‫والخيانات‬ ‫ِ‬ ‫والدسائس‬ ‫َ‬ ‫الوشايات‬ ‫ِ‬ ‫األحال َم والكوابيس‪،‬‬ ‫النجو َم البعيد َة والخافتة‪..‬‬ ‫يلملمها في حقيبة سوداء ضخمة‪،‬‬ ‫ويخرج تاركً ا الرجل خلفه‪ ،‬وقد تحول إلى رماد‪!..‬‬ ‫يغادر الليل المقهى وحيدً ا‬ ‫يمشي على الرصيف وظهره إلى الخلف‪،‬‬ ‫يختفي رويدً ا رويدً ا‬ ‫تاركً ا البيوت والشوارع والناس‪..‬‬ ‫تاركً ا المدينة عاريةً تمامً ا!‬ ‫* شاعر سعودي‪.‬‬

‫محور خاص‬

‫‪ 75‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫‪59‬‬


‫اإلبر ُة والقاع‬ ‫‪ρ‬محمد احلرز*‬

‫حررت اإلبرة‬ ‫ُ‬ ‫سحبت من الثقب‬ ‫ُ‬ ‫حين‬ ‫آخر خيط‬ ‫في البكرة‪.‬‬ ‫وجهك يبتعد‬ ‫الخطوات تتهشم‬ ‫اللمسات ترتعش‬ ‫النظرات تعوم هائجة‪..‬‬ ‫أشياء كثيرة ال تصل إلى أماكنها‪:‬‬ ‫صباحك يتكوّم على العتبة‬ ‫ثم يذوب كالثلج‬ ‫ليليك يهتز‬ ‫مثل رقّ اص الساعة‬ ‫ودربك موقد صغير‬ ‫ال ترى منه سوى‬ ‫خطوط يديك‬ ‫وأيامك الالحقة‬ ‫ضباب كثيف في الممر‬

‫وصـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـت ـ ـ ــك الـ ـ ـ ـ ــذي‬ ‫يتمدد‬ ‫ح ـ ـيـ ــن تـ ـض ــرب ــه‬ ‫بحجر‬ ‫يصبح شاهقا‬ ‫مثل جبل‬ ‫كان عليك أن تحدّ ق طويال‬ ‫في وجوه كثيرة‬ ‫انفرطت من عقدة الخيط‬ ‫قبل أن تختبئ‬ ‫في ثياب الهواء‪.‬‬ ‫كان عليك أن ال تمكث‬ ‫قرب الضرير الذي علمك‬ ‫كيف تطرز الغياب؟‬ ‫األيدي العاطلة عن الحياكة‬ ‫تقول‪:‬‬ ‫أعد الخيط إلى اإلبرة‬ ‫فالشقوق وصلت قاع حياتك‪.‬‬

‫* ناقد وشاعر سعودي‪.‬‬

‫‪60‬‬

‫العدد ‪75‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫محور خاص‬


‫ُ‬ ‫الليل نشو ٌة هاربة‬ ‫‪ρ‬عبدالوهاب العريض*‬

‫بياض يحدقُ فِ ي و َْجهِ ي‬ ‫ٌ‬ ‫ويعكس انطفا َء النهارِ‬ ‫ُ‬ ‫للحارس اللَّيلَي بتحيةِ المساءِ‬ ‫ِ‬ ‫َهمس‬ ‫أ ُ‬ ‫ريق‬ ‫الط ِ‬ ‫صف قَهوتِ ي فِ ي َّ‬ ‫أسكب نِ َ‬ ‫ُ‬ ‫الفنجان‬ ‫ِ‬ ‫كَي ال أُثْ ِقلَ عَ لى‬ ‫**‬

‫جنون‬ ‫ٍ‬ ‫ذات‬ ‫ُ‬ ‫ُرج َه االعَالِ ي‬ ‫أخرجت ذاكِ رَتِ ي ِمنْ ب ِ‬ ‫ُ‬ ‫فتحت النافذ َة‬ ‫ُ‬ ‫هَ رَّ بْتُ هَا‬ ‫باح‬ ‫الص ِ‬ ‫أَو َقفَنِ ي أَنِ ينُ َّ‬ ‫**‬

‫شموخا‬ ‫ً‬ ‫يَشهقُ الجبلُ‬ ‫وحينَ يَصلُ إلَى قِ مَّ تِ هِ‬ ‫ِ‬ ‫سيكتشف أنَّه كانَ وحيدً ا‬ ‫ُ‬ ‫**‬

‫ُسعالِ َه يثقلُ َصدرِ ي‬ ‫رحي‬ ‫ُالمس ُج ِ‬ ‫وجههَا ت ُ‬ ‫َجاعيدُ ِ‬ ‫ت ِ‬ ‫صباح‬ ‫ٍ‬ ‫زالت كُ لَّ‬ ‫والمطفأ ُة ال ْ‬ ‫التفاح‬ ‫ِ‬ ‫تُعلِّقُ سجائِ رَهَ ا كأزهارِ‬ ‫**‬

‫وجهِ ي بينَ راح َت ْيهَا‬ ‫أخذتْ ْ‬ ‫تعاويذ خبيثةٍ‬ ‫ِ‬ ‫هَ مسَ ْت بِ‬ ‫أحبك يا مالكِ ي‬ ‫َ‬ ‫وقالت‪:‬‬ ‫**‬

‫كقنديل يُ ضئُ البيتَ بِ سجادتِ هِ‬ ‫ٍ‬ ‫َّاب‬ ‫يَفْ تَرِ ُش الغي ِ‬ ‫ويُ ْشعِّ لُ فِ ي صدرِ الدَّ هشَ ةِ أُمنيةً‬ ‫ثم يرحل‪..‬‬ ‫**‬

‫الليلُ نشوةٌ هاربةٌ‬ ‫الحبيب‬ ‫ِ‬ ‫بينَ كَفَّ ي‬ ‫َسقط الوهْ مُ‬ ‫ي ُ‬ ‫فَيُ عانِ قُ كَأسَ هُ‬ ‫يَفرِ ُش حَ بَّاتَ َثل ِْجهِ‬ ‫ويدخل كهوف الكلمات‬ ‫**‬

‫الشتاءُ ؟!‬ ‫زن فِ ي هَ ذا ِّ‬ ‫أي ُح ٍ‬ ‫ُّ‬ ‫بالطين؟‬ ‫ِ‬ ‫أقدامٌ ملطخةٌ‬ ‫أصدقاءٌ منْ المسبحةِ ا ْن َفر َُطوا؟‬ ‫صيف؟‬ ‫ِ‬ ‫وجوهٌ تناثرتْ عَ لى الرَّ‬ ‫زالت تنتظرُ ؟‬ ‫أ ْم ُطفولةٌ ال ْ‬ ‫**‬

‫حزن‪..‬‬ ‫ذات ٍ‬ ‫ُ‬ ‫حَ ِملَ دُ مو َع قِ ن ِْديلَه‬ ‫وجابَ الشوارع‬ ‫بحثً ا عنْ الشيءْ‬ ‫مجهول‬ ‫ٌ‬ ‫صوت‬ ‫ٌ‬ ‫استَو َقفَهُ‬ ‫ْ‬ ‫فهرولَ‬ ‫َس بَينَ نَهْ َد ْيهَا‬ ‫اِ ْند َّ‬ ‫ي َْسكُ ُب أَنِ ينَهُ‬ ‫كأسا تلو األخرى‪..‬‬ ‫ً‬ ‫**‬

‫الشفا ُه الملتهِ بَةُ فِ ي فَمِّ ي‬ ‫أيَّتُ هَا ِّ‬ ‫أيَّتُ هَا اللَّحظَ ةُ الغافِ يَّةُ فِ ي ذاكرتِ ي‬ ‫َرحي تُعلِ نُ مَ و َتهَا‬ ‫َجاعي َد ف ِ‬ ‫دَعِّ ي ت ِ‬ ‫َالحبُّ و‬ ‫فقدْ خَ انَنِ ي العُ مْ رُ والـوَقْ ـ ُـت و ُ‬ ‫الدَّ ر ُْب‪.‬‬

‫* صحافي وشاعر سعودي‪.‬‬

‫محور خاص‬

‫‪ 75‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫‪61‬‬


‫القلب الذي حكى السر َ‬ ‫ُ‬ ‫‪ρ‬غسان اخلنيزي*‬

‫«بأثر من إدغار آالن بو وتميم بن مقبل»‬ ‫ٍ‬

‫بحسم ما بقيَ من التفاصيل‬ ‫ِ‬ ‫الخريف كفيلٌ‬ ‫ُ‬ ‫األغصان‬ ‫ِ‬ ‫ظل منها على‬ ‫‪‎‬نقصدُ ما ّ َ‬ ‫بفك اآلصرةِ التي خلقَها انتظا ُر معجزت ـِه‬ ‫‪‎‬حري ِ ّ‬ ‫ٌ‬ ‫‪‎‬وتهدئةِ انتظارنِ ا النحسارٍ أخيرٍ ‪ ،‬لورقةٍ أخيرة‪.‬‬

‫‪‎‬في المُ حَ ّ َصلة‪ِ،‬‬ ‫بعضها‪:‬‬ ‫َ‬ ‫‪‎‬الغرف ك ُلّها تشابِ هُ‬ ‫ُ‬ ‫أخالط من اإلسمنت والفيزياء‬ ‫ٌ‬ ‫قوانين الطبيعةِ والعناصر‬ ‫ِ‬ ‫ومعاهدات بين‬ ‫ٍ‬ ‫لخرائط‬ ‫َ‬ ‫‪‎‬كل ذلك ِطبقً ا‬ ‫ُّ‬ ‫القلوب العديدةِ للكائن‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫‪‎‬مضاف إليها مَ كرٌ أسودُ ‪ ،‬أو حكمةٌ زرقاءُ ‪ ،‬في‬ ‫ٌ‬ ‫تموت‪ ،‬في مدافنِ ـها الجدارية‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫القلوب التي حكت الس َرّ»‪ ،‬وال‬ ‫ُ‬ ‫‪«‎‬‬ ‫‪‎‬‬ ‫وضجةٍ‬ ‫ّ‬ ‫عال‬ ‫بصوت ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫الغرف شهودُ الطبيعةِ على سَ حَ رةٍ ثم أطبّا َء يتحدّ ثونَ‬ ‫ُ‬ ‫عظيمة‬ ‫«النبض اآلتي من قلبِ ه»‬ ‫ُ‬ ‫‪‎‬كي ال يُ سمَ ـ َع ذلك‬ ‫ري الذي يجمعُ نا‬ ‫الس ِ ّ‬ ‫مزاج ِ‬ ‫‪‎‬كانوا قد دفنو ُه كما دفنوا آبا َء هذا الِ ِ‬ ‫كل العُ هودِ التي تبادلناها يافِ عَين‪.‬‬ ‫المذبح الذي شه َد ّ َ‬ ‫ِ‬ ‫‪‎‬في‬ ‫ذهول‬ ‫ٍ‬ ‫حض‬ ‫‪‎‬ثم إن عم َر الكهولةِ كانَ مَ َ‬ ‫‪‎‬ميعةُ الصبا لم تُفارِ قْ نا‪،‬‬ ‫انفراط األسئلةِ ‪ ،‬والتردّدِ ‪ ،‬والحَ يْرةِ التي‬ ‫ِ‬ ‫الترقق قد وَسَ مَ نا جـ َرّا َء‬ ‫ِ‬ ‫‪‎‬شيء من‬ ‫سمّ يْناها‪ :‬تأمّ ل‪.‬‬ ‫‪‎‬الثواب إذً ا‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫االنخراط في الطبيعةِ‬ ‫ُ‬ ‫‪‎‬هو‬ ‫‪‎‬االنضمامُ إليها‬ ‫كحجرٍ ‪،‬‬ ‫تمثال‪ ،‬للفتى‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫أو فتى‪‎،‬أو‬

‫‪62‬‬

‫العدد ‪75‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫محور خاص‬


‫خطـ ُْف انتباهة‬

‫‪‎‬األشياءُ ك ُلّها مُ ضمَ رةٌ في انتباهةِ الفتى‬ ‫‪‎‬األشياءُ ال تُسمّ ى‪ ،‬كأن تكونَ جزير ًة ال نهتدي إليها‬ ‫تكشفُ ها‪..‬‬ ‫‪‎‬وال من أشعّ ةٍ كونيّةٍ ِ‬ ‫يض أو مردةٍ ماطرين‬ ‫لثيران بِ ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫الفورية‬ ‫ِّ‬ ‫‪‎‬لكننا ننظرُ إلى السماءِ بحثً ا عن القوةِ‬ ‫‪‎‬واألرض صفحةُ كتابةٍ ‪ ،‬خضراء‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ألي ِْدي‬ ‫‪‎‬الموجُ يمسحُ ما كتبتْهُ ا َ‬ ‫حض اتّجاهٍ لما هو ُجوّاني‬ ‫يد‪ ،‬مَ ُ‬ ‫‪‎‬خفّ ةُ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫درك الفتى أنّ السواحلَ فارغةٌ‬ ‫‪‎‬ليُ َ‬ ‫األوراق لحظ َة‬ ‫ِ‬ ‫الطريق‪ ،‬تكون عــاريــةً من‬ ‫ِ‬ ‫نتصف‬ ‫ِ‬ ‫‪‎‬والشجر َة الوحيد َة في مُ‬ ‫وصولِ ه‪.‬‬ ‫الرغبات‬ ‫ِ‬ ‫‪‎‬كان القصدُ أنْ يركِ نَ إليها في مُ ـتَـنز ٍّل من‬ ‫الصوت الذي يأتي ُصحب َة األفكارِ‬ ‫ِ‬ ‫يجلس منصتً ا إلى‬ ‫َ‬ ‫‪‎‬والنيّةُ أن‬ ‫للتعب الذي هو عُ نوانُ ما يحدُ ث‬ ‫ِ‬ ‫‪‎‬ويكونُ أحيانًا موسيقى تصويريةً‬ ‫مؤثرات صوتيةٌ لموجةٍ تمسحُ كفرشاةٍ ‪ ،‬ما ينقش على الرمال‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫‪‎‬أو‬ ‫التعط ِف باليدين‬ ‫ّ‬ ‫‪‎‬مر ًة أخرى نُطبِ قُ على‬ ‫يسقط الفتى في هُ َوّةِ ال ُل ِّج‬ ‫َ‬ ‫‪‎‬مخاف َة أن‬ ‫برسم االنتظار‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫األبد‬ ‫ِ‬ ‫‪‎‬حيث زَبانيةُ‬ ‫الحظوظ وتتشابَهُ حينَ تنصهرُ الخامةُ ‪ ،‬التي هي بشرٌ ‪ ،‬في‬ ‫ُ‬ ‫‪‎‬هكذا إذً ا تميلُ‬ ‫انتباهةٍ خاطفة‪.‬‬ ‫كل‬ ‫متوحدةٌ ‪ ،‬أو غرفةٌ لها حديقةٌ ‪ ،‬هي بحرٌ في ِ ّ‬ ‫ّ‬ ‫كأن السعادةَ‪ ،‬جزيرةٌ‬ ‫‪‎‬يقولون‪َ ّ :‬‬ ‫مرمى للنظر‬ ‫‪‎‬والفتى لمّ ا يزلْ في الحديقةِ‬ ‫كل األشياءِ التي‪ ،‬ال اس َم لها‪.‬‬ ‫ضمرُ ّ َ‬ ‫‪‎‬يُ ِ‬

‫محور خاص‬

‫‪ 75‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫‪63‬‬


‫كأنهم ماجدون‪ ،‬وأوفياء‬

‫‪‎‬في الضي ِّق من األماكن‪ ،‬بين هديرِ مراجل‬ ‫تصطك ساع َة الفيض‪..‬‬ ‫ّ‬ ‫‪‎‬وعتالت جبارة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫واتساق نجومٍ في القبة‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫حظ‪،‬‬ ‫‪‎‬سمعنا صدفةً ما بدا لنا كضربةِ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫‪‎‬ثم إننا استرقنا السمع بعدها‬ ‫‪‎‬متتبعين النجوى بين توأمين في األرحام أو هكذا ُخيّل لنا‪:‬‬ ‫‪‎‬بعض كالمٍ عما يعترش ويتدانى‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫الشجيرات الصغيرةِ ‪ ،‬التي يتدفق الماء من تحتها‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫‪‎‬وعن‬ ‫محض عطش‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ين أو يسير أو إنه‬ ‫‪‎‬وكنا‪ ،‬بفعل إلهامٍ ليس بهّ ٍ‬ ‫‪‎‬نرى أنفسنا عصافي َر‬ ‫البحث عن االرتواء‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫‪‎‬لهْ وُ ها‪ ،‬وشقاؤها‪،‬‬ ‫‪‎‬القليل منا بالكادِ تذكّر‬ ‫األصل ملعبًا لخلّين وفيين‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫الروض الظليل كان في‬ ‫َ‬ ‫‪‎‬أن‬ ‫استشف من األستار‬ ‫َّ‬ ‫‪‎‬يغمران البِ طاح بما‬ ‫والمظالت أوراقُ الشجر‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫‪‎‬حيث ِسترٌ في عراءٍ ‪،‬‬ ‫‪‎‬يدوزنان طاق َة التذكر‬ ‫‪‎‬يقوالن األشيا َء بأقل قدرٍ من التفاصيل والحدة‬ ‫‪‎‬ألنها مبهمةٌ ورحيمة‬ ‫انغراسها في الحواس‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫‪‎‬في‬ ‫‪‎‬لم يدركا أن االشيا َء التي ال نراها قد ترانا‬ ‫بحجم األثير‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫‪‎‬وأن النجوى‪ ،‬فاضحةٌ كموسيقى‬ ‫‪‎‬والعالمات كلها أنبأتنا بما سيأتي‬ ‫استكانت‬ ‫محض دربكةٍ لألقدار وقد ْ‬ ‫َ‬ ‫‪‎‬ليست‬ ‫خروجا عمّ ا في السرائر‪.‬‬ ‫ً‬ ‫‪‎‬وليست‬ ‫ألجيال ال نعرف عددها‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫اليوم ستذكرُ هُ ما أيدينا التي حملتهما‬ ‫‪‎‬واأليدي ستورق أفكارًا ‪ -‬بل فكرة واحدة‪ ،‬وعميمة‬ ‫‪‎‬تشبه التشظي الذي نسميه عيدً ا أو مهرجان‪..‬‬ ‫‪‎‬حيث نُشهر أيقونات الطمأنينة‪ ،‬وطالس َم التمني‬ ‫‪‎‬ويُ سمع وقعُ خطىً ألشباهٍ لنا يرتحلون دائمً ا‪،‬‬ ‫‪‎‬ثم إننا‬ ‫‪‎‬نعود إلى البدء‪،‬‬ ‫‪‎‬وكأننا‪ ،‬كأنهم‪ ،‬ماجدون‪ ،‬وأوفياء‪.‬‬ ‫* مترجم وشاعر سعودي‪.‬‬

‫‪64‬‬

‫العدد ‪75‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫محور خاص‬


‫َ‬ ‫ً‬ ‫صخرة في الماء‬ ‫بحزنك‬ ‫تُلقي‬ ‫‪ρ‬علي احلازمي*‬

‫الجناح‬ ‫ِ‬ ‫في األَربعينَ وأَنتَ مقصوص‬ ‫الطيران ثانيةً‬ ‫ِ‬ ‫ِّض المعنى على‬ ‫تُحر ُ‬ ‫بالفعل أَنْ تخطو‬ ‫ِ‬ ‫َّك قاد ٌر‬ ‫كأَن َ‬ ‫درب السحابةِ من جديد‬ ‫على ِ‬

‫***‬

‫يه َك‬ ‫ماض لِ تِ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ْك الريحُ أَوزا َر الحكايةِ مُ ذْ وقفتَ‬ ‫حَ مَّ َلت َ‬ ‫بباب أَمْ ِس َك مُ وثَقَ القدمين‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫النشيد‬ ‫ِ‬ ‫أهداب‬ ‫ِ‬ ‫ال العمرُ َير ِْجعُ صوبَ‬ ‫الفاتنات يَعُ دْ نَ‬ ‫ُ‬ ‫الصبايا‬ ‫وال َ‬ ‫من شجرِ الطفولةِ نح َو حقلِ َك باسمات‬

‫***‬

‫النبع‬ ‫ِ‬ ‫في األَربعينَ هناك قربَ‬ ‫يأخذُ َك الحنينُ إلى ِظباءٍ‬ ‫ُ‬ ‫ُصغي لشدوِ َك كلما آنستَ‬ ‫لم تَعدْ ت ِ‬ ‫الكلمات‬ ‫ِ‬ ‫ُخطوتَها وغر َد طائرُ‬ ‫وحيد بالفؤاد‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫صن‬ ‫من غُ ٍ‬ ‫ُتل ِْقي بحزنِ َك صخر ًة في الماءِ‬ ‫وجه َك قد تَشَ َّظى‬ ‫تُبصرُ بد َر ِ‬ ‫أوجاعهَا‬ ‫ِ‬ ‫جحيم اللحظةِ الثكلى ومن‬ ‫ِ‬ ‫من‬ ‫***‬

‫في األَربعينَ وأنتَ مشدودٌ‬ ‫الموشح‬ ‫ِ‬ ‫النايات في شَ ِال‬ ‫ِ‬ ‫إلى‬ ‫الهديل يمامةً منسيةً ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫لمعناك المسافرِ في‬ ‫َ‬ ‫ِجدْ‬ ‫الرهيف‬ ‫َ‬ ‫ُره ِق اللحنَ‬ ‫ال ت ِ‬ ‫الذكرى استدارت‬ ‫آهات من ِ‬ ‫ٍ‬ ‫بجمرِ‬ ‫كالسوار‬ ‫روح َك ِّ‬ ‫حولَ ِ‬ ‫ُك الماضي‬ ‫في األَربعينَ يخال َ‬ ‫ناك‬ ‫حدائقهِ وأَنتَ هُ َ‬ ‫ِ‬ ‫قريبًا من‬ ‫عالق‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫المخيلَةِ‬ ‫يد ِ‬ ‫في بِ ِ‬

‫محور خاص‬

‫***‬

‫‪ 75‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫‪65‬‬


‫لم تكترثْ حينَ ارتحلتَ‬ ‫بشوك أَسئلةٍ‬ ‫ِ‬ ‫التماع َك في المجازِ‬ ‫ِ‬ ‫إلى‬ ‫بعيد في ُخطى َقدَمَ يك‬ ‫يُ حدِّ قُ من ٍ‬ ‫الطرقات‬ ‫ِ‬ ‫في األَربعينَ اآلنَ في‬ ‫اللك كلما‬ ‫لن تحتا َج أَن تطوِ ي ِظ َ‬ ‫باه ِج الدنيا لتبل َغ‬ ‫يممتَ صوبَ مَ ِ‬ ‫ُك التذكرُ‬ ‫ِضفَّ ةً في التِ يهِ ‪ ،‬يسأل َ‬ ‫عن مرايا ُحل ِْم َك الباقي‬ ‫متى كنتَ ارتبكتَ‬ ‫النسيان آخ َر مَ رةٍ ؟‬ ‫ِ‬ ‫بحضرةِ‬ ‫ماضيك المسالِ َم إنْ وقفتَ‬ ‫َ‬ ‫ما َضرَّ‬ ‫التح َّي َة‬ ‫ِ‬ ‫بباب طيبتِ هِ وأَلقيتَ‬ ‫ِ‬ ‫الءات‬ ‫ٍ‬ ‫عابرً ا مُ تخففً ا من ِع ْبءِ‬ ‫طش ال َهبَاء‬ ‫ينيك ِمن عَ ِ‬ ‫َ‬ ‫َروَتْ عَ‬

‫***‬

‫***‬

‫الذكرى‬ ‫تزورك امرأةٌ من ِ‬ ‫َ‬ ‫في األَربعينَ‬ ‫تسائل‬ ‫ً‬ ‫فال تقسو على نَاياتِ ها مُ‬ ‫َمس نجواها البعيد‪،‬‬ ‫عن أ ِ‬ ‫تعالَ ُخذْ هَ ا‬ ‫السراب و ُردَّهَ ا‬ ‫ِ‬ ‫طواحين‬ ‫ِ‬ ‫من‬ ‫لربيع بهجتِ ها األثيرِ وزهرِ هِ‬ ‫ِ‬ ‫ُوحها المنسيِّ‬ ‫ُصغي لطائرِ ر ِ‬ ‫اهتمَّ أَن ت ِ‬ ‫في شَ جرِ الغياب‬ ‫كُ نْ قُ ْربَها مَ طرً ا حريريًا‬ ‫ارتبكت‬ ‫ْ‬ ‫إذا‬ ‫ابتسمت‬ ‫ْ‬ ‫وكُ نْ وتَرً ا مجازيًا إذا‬ ‫وكُ نْ شغفً ا وجوديًا‬ ‫التفتت‪..‬‬ ‫ْ‬ ‫إذا‬ ‫ولكن‪،‬‬ ‫حرائقها المديدة‪ِ،‬‬ ‫ِ‬ ‫حين تدنو من‬ ‫ال تكن غي َر الرماد !‬ ‫* شاعر سعودي‪.‬‬

‫‪66‬‬

‫العدد ‪75‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫محور خاص‬


‫ء ُ‬ ‫طروادة‬ ‫ِنسا ُ‬ ‫ديستوبيا كارهة للنساء‬ ‫■ بسمة عالء الدين*‬

‫عادت بات باركر مجددًا إلى الــوراء في التاريخ إلى األسطورة؛ لتواصل إعادة‬ ‫تقييم قصص الـمــرأة في التاريخ‪ ،‬بروايتها العميقة لحرب ط ــروادة من منظور‬ ‫ضحاياها من اإلناث بعنوان «نساء طروادة» الصادرة مؤخرً ا في أغسطس ‪2021‬م‪،‬‬ ‫السـتـكـشــاف الـفـظــائــع ح ــول ديستوبيا الكالسيكيات الـقــديـمــة‪ ،‬وســردهــا الغني‬ ‫والصريح للقصص‪ ،‬اللذين يعكسان تشابه العالم القديم مــع الـقــرن الحادي‬ ‫والـعـشــريــن؛ لـتـصــوغ اإلي ـقــاع الــزمـنــي بـيــن الشخصيات واألم ــاك ــن والتغيير إلــى‬ ‫امتدادات ترتد بين الماضي والحاضر؛ ما تجعل الحدثين كحدث واحد‪ ،‬لتربط‬ ‫باركر بين ما تعرضت له النساء في الحروب القديمة والحديثة‪.‬‬ ‫الكاتبة البريطانية الحائزة على جائزة لتنتقل من الحرب إلى ما بعدها‪.‬‬ ‫بوكر الشهيرة بثالثيتها التجديدية‪،‬‬ ‫كان إعادة كتابة لمؤامرة اإللياذة في‬ ‫والــمــرشــحــة لــجــائــزة ‪ 30,000‬جنيه‬ ‫«صمت الفتيات» من وجهة نظر الملكة‬ ‫إسترليني لروايتها «صمت الفتيات»‪،‬‬ ‫األسيرة‪ ،‬بريسيس‪ ،‬التي سقط أجامنون‬ ‫التي تحكي قصة بريسيس‪ ،‬األميرة التي‬ ‫وأخــيــل على حيازتها‪ ،‬لــم تكن المهمة‬ ‫صنعت عبدًا ألخيل‪ ،‬الرجل الذي قتل‬ ‫زوجها وإخوتها‪ ،‬كما يتم سرد األسطورة السهلة التي حددتها باركر بنفسها‪ ،‬من‬ ‫الــيــونــانــيــة ك ــأس ــط ــورة أودي ــس ــي ــوس الصعب تهميش أخيل ‪ -‬المرعب‪ ،‬صاحب‬ ‫هوميروس‪ ،‬أما هنا‪ ..‬فهي ترِ وي القصة الكاريزما العالية والمحكوم عليه بالموت‬ ‫من منظور الملكة المأسورة بريسيس‪ ،‬المبكر‪ ،‬من خالل عيون بريسيس‪.‬‬

‫دراسات ونقد‬

‫‪ 75‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫‪67‬‬


‫مع إعادة تخيّلها لتداعيات حرب طروادة‪،‬‬ ‫اتخذت بات باركر قصة عمرها ‪ 3000‬عام‬ ‫وجعلتها تبدو جديدة وعصرية‪ ،‬تم الكشف‬ ‫فيها عــن القاعدة اليونانية التي يسكنها‬ ‫مقاتلون من الرجال والنساء األسيرات‪ ،‬على‬ ‫أنها «معسكرات «لالغتصاب»‪ .‬ولكن‪ ،‬كما‬ ‫الحظت بريسيس نفسها‪« ،‬األغنية ليست‬ ‫جديدة لمجرد أن صوت المرأة يغنيها»‪.‬‬ ‫بقيت القصة واحــدة بشكل رئيس حول‬ ‫الرجال‪ ،‬لكن في هذا الجزء الثاني‪ ،‬تحررت‬ ‫باركر من التقليد الملحمي الذكوري‪ ،‬والنساء‪،‬‬ ‫كما يشير العنوان السردي المركزي للقصة‬ ‫وهي تجلب الحياة إلى شخصياتها المختلفة‪،‬‬ ‫مع التركيز على تأثير البيئة الداللية للمكان‬ ‫التي أعتادت الملحمة القديمة على تقديمة‬ ‫بصور أخرى‪ ،‬في رواية باركر الحديثة تركت‬ ‫اإللياذة وراءها‪ ،‬ووضعت أساس روايتها عن‬ ‫مجد الحرب ورثائها‪ ،‬واعتمادها على «نساء‬

‫‪68‬‬

‫العدد ‪75‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫طــروادة» بشكل أســاس‪ ،‬وال تــزال بريسيس‬ ‫الراوي‪ ،‬بالتركيز على مصادر مختلفة تمامًا‬ ‫منها مأساة يوربيديس‪ ،‬لتجعل من الحبكة‬ ‫الــروائــيــة تداعيات وتــطــورات دراماتيكية‪،‬‬ ‫بينما تنتظر النساء حتى يتم اختطافهن إلى‬ ‫اليونان‪ ،‬نــرى حياتهن كسجينات‪ ،‬ونتعرف‬ ‫على ذكرياتهن‪ :‬نهب وحرق طروادة‪ ،‬مذبحة‬ ‫مواطنيها بما فــي ذلــك األطــفــال وأسرهم‬ ‫واستعبادهم‪.‬‬ ‫كانت بــاركــر تتفحص الحطام البشري‬ ‫للحرب منذ عقود‪ ،‬في التجديد المنصوص‬ ‫عليها في جناح لــأمــراض النفسية خالل‬ ‫الحرب العالمية األولــى‪ ،‬وقالت إنها نظرت‬ ‫إلى الضرر النفسي بنظرة أعمق مما سبق‪،‬‬ ‫حتى أصبح خروجها للحيز المكاني بالعودة‬ ‫إلــى الماضي ح ـرًا ومفتوحً ا على التجريد‬ ‫شكل ومضمونًا حتى االنسالخ‬ ‫ً‬ ‫والتجديد‬ ‫إلى السرديات الكبرى للقصة‪.‬‬

‫دراسات ونقد‬


‫المؤلفة بات باركر‬

‫كشفت نساء طروادة عن الجروح المروعة‬

‫يحتل موضوع االعتداء الجنسي المرتبة‬

‫في الوجوه التي تم من خاللها تمييز الجنود الثانية فــي الــروايــة بعد االســتــرقــاق‪ ،‬لغة‬ ‫ٍ‬ ‫السابقين‪ .‬على الرغم من أنها مهتمة‬ ‫بشكل باركر في هذا الكتاب الجديد واضحة‪ ،‬فجّ ة‬

‫ٍ‬ ‫أساس في هذه الرواية الجديدة بالنساء في وحديثة‪ ،‬تُقال بوضوح وببساطة‪ ،‬مع عدم‬ ‫الجانب الخاسر‪ ،‬إال إنها على قيد الحياة وجود غموض في المفردات أو التلميح‪ ،‬تُقرأ‬ ‫ً‬ ‫أيضا بــاإلرث الــذي ينقله المنتصرون إلى هذه الرواية أحيانًا كإعادة سرد لألطفال‬ ‫أطفالهم‪.‬‬ ‫ألسطورة تُروى‪ ،‬لكن استنتاجاتها للبالغين ‪-‬‬

‫في باالس أثينا‪" :‬حارس المدن؟ هل هذه بال رحمة‪ ،‬مجردة من الجمال المعزي‪ ،‬عندما‬ ‫مزحة؟ دعونا نأمل أال تحرس هذه المدينة تتحدث الشخصيات عن الطريقة التي قام‬

‫إال بــالــدم"‪ .‬في حفل زفــاف بريسيس على بها المحاربون اليونانيون‪ ،‬باغتصاب امرأة‬ ‫ألكيمس‪ :‬مــاءة ملطخة بالسائل المنوي طروادة على المذابح لتدنيس معابد طروادة‬ ‫ملفوفة حول كتفي‪ ،‬فتات الخبز في شعري‪ ،‬من حين آلخر‪ ،‬ينهار األمر في الحمامات‪،‬‬ ‫أشعر بالغثيان‪ ،‬ورائحة الجنس على هيلين‪ ،‬تبكي بريسيس مرة واحــدة فقط‪ ،‬ليس في‬ ‫نبيل‪ ،‬كما‬ ‫ً‬ ‫وقالدة الكدمات التي أعطاها لها مينيلوس‪ :‬لحظة درامــا فاضحة أو حزنًا‬

‫ليخنقها‪.‬‬

‫دراسات ونقد‬

‫حدثت عندما أشار بريسيس إلى أن العبيد‬ ‫‪ 75‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫‪69‬‬


‫المراهقين في مجمع بيرهوس «اجتمعوا معًا الرفيع‪.‬‬ ‫كمجموعة»‪ ،‬كما لو كانوا يتحدثون عن خطة‬ ‫لــيــس مــن ال ــض ــروري أن يتطابق تتابع‬ ‫اللعب لفريق كرة السلة على حد وصفها‪ ،‬مع‬ ‫ذلك‪ ،‬فإن فظاظتها تولد طاقة من الغضب األح ــداث فــي النص الــروائــي مــع الترتيب‬ ‫الــمــألــوف التقليدي ألحــداثــهــا كما أثبتت‬ ‫لدى القاريء‪ ..‬هذه حرب‬ ‫طـــــــروادة لــيــســت فقط‬ ‫ال ـ ــدراس ـ ــات الــبــنــيــويــة‬ ‫مــجــردة مــن األســطــورة‪،‬‬ ‫لــلــنــص‪ ،‬إذ بـ ــدأت هــذه‬ ‫ولكنها ج ـ ـرّدت مــن كل‬ ‫الــروايــات كعالج خيالي‬ ‫بقايا األبطال الزائفين أو‬ ‫الغــــتــــصــــاب اإلبــــــــادة‬ ‫النبالء‪.‬‬ ‫الجماعية‪ ،‬كانت باركر‬ ‫تـــــــــيـــــــــروي ســـقـــط‬ ‫تكتب للتوعية بعشرات‬ ‫محاربوها‪ ،‬حتى أطفالها‬ ‫اآلالف من النساء الالتي‬ ‫الــذيــن لــم يــولــدوا بعد‪،‬‬ ‫ماتوا جميعًا‪ .‬ترك الجثة‬ ‫ت ــع ــرض ــن لــاغــتــصــاب‬ ‫المشوهة لملك المدينة‬ ‫خالل الصراع البوسني‪،‬‬ ‫المنهوبة‪ ،‬بــريــام‪ ،‬ملقاة‬ ‫لتتناول الزمن بمستوياته‪،‬‬ ‫على الكثبان الرملية من‬ ‫وتمثيل الــمــدة الزمنية‬ ‫قبل المعسكر اليوناني‪،‬‬ ‫ال ــت ــي عــاشــتــهــا الـ ــذات‬ ‫نتنة ومغطاة بالكامل ‪ -‬كما توصف بات‬ ‫بــاركــر بشكل مرعب منظر الجثة بـــ آالف اإلنسانية للنساء تحت وطأة االستعمار من‬ ‫الذباب يغطيها‪ ..‬مثل زغب من الشعيرات وجهة نظر الكاتبة بالنسبة لهن‪ ،‬واسترجاع‬ ‫السوداء‪.‬‬ ‫الوقائع الماضية المنقضية‪ ،‬كما بالنسبة‬ ‫يتناسب هــذا النوع من اللغة الصريحة لنساء طروادة‪ ،‬لترتبط عناصره بعامل الزمن‬ ‫والوحشية مــع النية التي تشاركها باركر‬ ‫الــذي يشكل البنية الخطية للعمل‪ ،‬لم يكن‬ ‫والــمــتــحــدث بــاســمــهــا‪ ،‬بــريــســيــس‪ ،‬إلخــبــار‬ ‫االعتداء على أجسادهن فحسب‪ ،‬بل على‬ ‫الحقائق عن العنف والعبودية دون التركيز‬ ‫على جمال دراما األزياء أو الزينة المخصصة أمتهن‪ ..‬ليشير بريسيس إلــى أن اإلغريق‬ ‫بالمرأة كما يهدينا دائمًا األسلوب األدبي «يقصدون محو شعب بأكمله»‪.‬‬ ‫* كاتبة ‪ -‬مصر‪.‬‬

‫‪70‬‬

‫العدد ‪75‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫دراسات ونقد‬


‫تمثالت صورة الرجل‬ ‫ُ‬ ‫في الكتابة النسائية‬ ‫■ د‪ .‬إميان عبدالعزيز املخيلد*‬

‫مدخل لقراءة الخطاب في الرواية‬

‫اختلف النقاد فــي تعريفهم لـلــروايــة النسوية؛ هــل هــي الــروايــة التي تكتبها‬ ‫المرأة‪ ،‬أم الرواية التي تقدم رؤية نسوية تنحاز للمرأة ولقضاياها‪ ،‬بصرف النظر‬ ‫عن كاتبها‪ ،‬ســواء أكانت امــرأة أم رجــا؟ واستمر هذا الجدل كثيرً ا إلى أن حسم‬ ‫األمر من قبل المدرسة النسوية الفرنسية التي أكدت أن األمر يتوقف على نوع‬ ‫رجل كان أم امرأة‪.‬‬ ‫الخطاب‪ ،‬بصرف النظر عن منتجه ً‬ ‫وق ــد فــن ـدّت الــنــاقــدات النسويات الرجال‪ ،‬أو حتى تكتبها بعض النساء‪ ،‬ال‬ ‫الخطاب الذكوري في الرواية‪ ،‬وكيف تفارق تلك الصور النمطية والتي تجعل‬ ‫صوّر هذا الخطاب المرأة واختصرها من المرأة موضوعا للكتابة وليست ذاتًا‬ ‫في صور نمطية مكررة؛ ال تخرج عن فاعلة‪.‬‬ ‫صورة المرأة المغوية‪ ،‬التي تجعل من‬ ‫ويحتج بعضهم على كتابات النساء‬ ‫إغواء الرجل هدفها‪ ،‬والمرأة المخادعة‬ ‫التي تحاول أن تخرج على قيم المجتمع وخطابهن الــنــســوي‪ ،‬الــذي يــحــاول أن‬ ‫من أجل اإليقاع بهذا الرجل‪ ،‬والمرأة ينتصر للمرأة‪ ،‬بأن هناك من الرجال من‬ ‫الضعيفة التابعة التي تستحق ما يقع أوقفوا مشروعهم اإلبداعي على المرأة‪،‬‬ ‫بطل لهذه المشاريع‬ ‫عليها من قهر وغبن‪ ،‬والعين الفاحصة وأن المرأة كانت ً‬ ‫والمدققة لهذه الــروايــات التي يكتبها اإلبداعية‪ ،‬ويحتجون بكتابات نزار قباني‬

‫دراسات ونقد‬

‫‪ 75‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫‪71‬‬


‫وإحسان عبدالقدوس‪ .‬من هنا‪ ،‬يمكن الرد‬ ‫عليهم أن هذين النموذجين الشهيرين اتخذا‬ ‫من المرأة موضوعً ا للكتابة‪ ،‬ولم تأت النساء‬ ‫في إبداع نزار قباني أو إحسان عبدالقدوس‬ ‫أو كل من سار على نهجهما في الكتابة من‬ ‫الكتّاب المعاصرين‪ ،‬لم تأت المرأة ذاتًا‪ ،‬إنما‬ ‫جاءت موضوعا للكتابة ليس إال‪ ،‬وكان الرجل‬ ‫يحصر هــذا الموضوع (الــمــرأة) في صور‬ ‫نمطية مهما تعددت وتنوعت؛ لتؤكد نظرته‬ ‫الذكورية لوجودها‪.‬‬ ‫لكن حينما انتقلت الــمــرأة مــن وضعية‬ ‫(الموضوع) إلــى وضعية (ال ــذات) الفاعلة‬ ‫المبدعة‪ ،‬وبدأت تمارس الكتابة‪ ،‬قامت بثورة‬ ‫عارمة ضد الصورة التي رسمها لها الرجل‪،‬‬ ‫وتجلى تمرد المرأة في الكتابة بأن جعلت‬ ‫المرأة‪ /‬الــذات هي البطل الرئيس؛ فتقوم‬ ‫باألحداث وتُ َع ُّد بؤرة وجودها‪ ،‬ومن ثم أصبح‬ ‫الــرجــل هــو الــظــل‪ ..‬صــار الــرجــل شخصية‬ ‫ثــانــويــة‪ ،‬أم ــا الــنــســاء فــجــئــن فــي نصوص‬ ‫الكاتبات فاعالت منتجات للخطاب‪.‬‬

‫الذكورية‪ ،‬وتحليل هذه الثقافة وانتقادها‬ ‫بوصفها ثقافة تهمش وتنال من وضعيتها‬ ‫االجتماعية‪ .‬ونتيجة لهيمنة الثقافة ونيلها‬ ‫من النساء وتقزيم وضعياتهن االجتماعية‬ ‫وتهميشهن‪ ..‬بدأ ينمو لدى النساء الكاتبات‬ ‫وعيًا نسويًا ضدًا لتلك الثقافة‪.‬‬

‫في قراءة رواية «أنثى العنكبوت» لقماشة‬ ‫الصورة الضد في «أنثى العنكبوت»‬ ‫العليان‪ ،‬سترصد الكاتبة التصورات الذهنية‬ ‫سأطبّق على رواية من الروايات النسوية‬ ‫عن الرجل‪ ،‬كما ترصد التصورات الذهنية‬ ‫لتستجلي صورة الرجل في كتابات النساء‪،‬‬ ‫عن الذوات األنثوية في الرواية‪.‬‬ ‫مــن ناحية‪ ،‬ومــن ناحية أخ ــرى تبحث في‬ ‫منذ العتبات األولى للنص‪ ،‬يتجادل وعي‬ ‫صورة المرأة وتصورها عن ذاتها‪ .‬حين تبدل‬ ‫الحال؛ فأصبحت المرأة تُق ِّد ُم شخصياتها الكاتبة بخصوصية الوضعية االجتماعية‬ ‫وبطالتها األنثوية في صورة إيجابية نامية للمرأة مــع الثقافة الــذكــوريــة التي تعيش‬ ‫خاصا بذواتهن فيها‪ ،‬إذ يمكن قراءة المقدمة الغيرية التي‬ ‫متطورة‪ ،‬تجعلهن يمتلكن وعيًا ً‬ ‫وبتاريخهن االجتماعي‪ ،‬وبعالقاتهن بالثقافة وضعتها دار الكفاح التي نشرت الــروايــة‬

‫‪72‬‬

‫العدد ‪75‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫دراسات ونقد‬


‫الرجل وقيوده الذكورية؛ فالرواية العربية‬ ‫المعاصرة تكشف عن مآسي النساء‪ ،‬كما‬ ‫تكشف قهر الرجال لهن‪ ،‬ودور الفكر الذكوري‬ ‫الذي يستغل وضعية المرأة الستعباد النساء‪،‬‬ ‫ودأبت الروائيات على تحليل عالقة المرأة‪،‬‬ ‫وتصبح كتابات النساء صرخة ضد ثقافة‬ ‫االستعباد التي يمارسها الرجل الذي يتبنى‬ ‫الثقافة الذكورية التي تهمش النساء‪ ،‬تصبح‬ ‫كتابات النساء صرخة من أجل الحرية‪ .‬في‬ ‫مفتتح «أنثى العنكبوت» تطرح العليان سؤال‬ ‫الكتابة ال ــذي يــؤرقــهــا‪ ،‬إنــه س ــؤال الحرية‬ ‫فتتساءل‪ :‬ما الحرية؟‬

‫لتؤكد على مناهضة الخطاب السردي الذي‬ ‫سوف تقدمه قماشة العليان لقيم المجتمع‬ ‫ال ــذك ــوري‪ ،‬بــل يصل األم ــر بالناشر (دار‬ ‫الكفاح) بأن يرى أن هذه الرواية «تحاكي‬ ‫أحــام المرأة السعودية‪ ،‬وترصد لحظات‬ ‫السعادة العفوية ت ــارة‪ ،‬ولحظات االنهيار‬ ‫تــارة أخــرى‪ ،‬إذ كــان ال بد للمرأة أن تجثو‬ ‫على ركبتيها أمــام الــرجــل‪ ،‬وبــقــدر اإلثــارة‬ ‫المضطربة التي أحاطت تفاصيل الرواية‬ ‫بأسلوب سلس وتلقائي وغير متوقع‪ ،‬فإنها‬ ‫تصلح أن تكون بوابة لدراسة الحياة اليومية‬ ‫النسائية فــي منطقة الخليج والمنطقة‬ ‫العربية» (قماشة العليان‪ ،‬أنثى العنكبوت‪،‬‬ ‫أتساءل عن معنى تلك الكلمة الساحرة‬ ‫دار الكفاح‪1431 ،‬هـ)‪.‬‬ ‫الرائعة الحارقة‪ ،‬أنا المكبّلة باألغالل وقيود‬ ‫والسؤال الذي يجب أن تجيب عنه الباحثة ال ترى‪ ،‬وقضبان تحيطني من كل الجهات‪،‬‬ ‫من خالل قراءتها لرواية «أنثى العنكبوت» هو هل الحرية هي السعادة‪ ،‬االنطالق‪ ،‬التحرر‬ ‫كيف صوّرت قماشة العليان الرجل؟ وكيف من كل شيء وأي شيء‪ ،‬أم هي حرية الرأي‪،‬‬ ‫وحرية الكلمة‪ ،‬وحرية التفكير؛ أم تراها الثورة‬ ‫صورت عالقة المرأة به؟‬ ‫إن ال ــق ــارئ لــلــروايــة الخليجية بعامة على التقاليد‪ ،‬واألحكام البالية المتوارثة من‬ ‫والــســعــوديــة بخاصة‪ ،‬يمكن لــه أن يرصد آالف السنين؟» (المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.)9‬‬

‫الصور المغرقة في السلبية‪ ،‬والتي تتنوع‬ ‫ما بين الرجل القاسي الــذي يمارس قهره‬ ‫ضد النساء دونما منطق‪ ،‬والرجل المهووس‬ ‫بالجنس الذي ال يرى في المرأة سوى جسدًا‬ ‫يُنتهك‪ ،‬والرجل الخانع الذي ال يتمكن من‬ ‫حماية أســرتــه‪ ،‬والــرجــل المقهور مــن قبل‬ ‫السلطة وال ــذي ال يتمكن مــن مواجهتها‪.‬‬ ‫وعــمــدت الــروائــيــات‪ ،‬ومنهن العليان‪ ،‬إلى‬ ‫مواجهة سلطة الرجل للهروب من قهره‪ ،‬كما‬ ‫عمدن إلى اختبار وسائل عدة لتكسير سلطة‬

‫دراسات ونقد‬

‫إنّ تحليل الخطاب السردي للمرأة الكاتبة‬ ‫يُمكِّن الــقــارئ االفتراضي من قــراءة كيف‬ ‫تــرى المرأة العالم‪ ،‬كيف تعبّر عن رؤيتها‬ ‫لهذا العالم‪ ،‬كيف تعبر عن مخاوفها وقلقها‬ ‫وهواجسها‪ ،‬كيف تعبر كذلك عن تطلعاتها‬ ‫وآمالها وطموحاتها‪ .‬وتتبع صورة الرجل في‬ ‫الرواية النسوية؛ لبيان حضور الرجل وتمثله‬ ‫في المتخيل النسوي يطرح عدة تساؤالت‬ ‫أول‬ ‫عن‪ :‬كيف نظرت الروائية‪- -‬كساردة ً‬ ‫وامرأة ثانيًا‪ -‬من خالل نصوصها المتخيلة‬ ‫‪ 75‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫‪73‬‬


‫إلــى الــرجــل؟ وهــل كتبت ذاتها من خالله؟‬ ‫هل تجلى الرجل كفاعل ذكوري في مجتمع‬ ‫سلطوي أم بقي مجرد تشكيل سرديّ يحكمه‬ ‫التخييل داخــل البنية السردية ذاتــهــا؟ إن‬ ‫قضية «صورة الرجل في المتخيل النسوي»‬ ‫تستدعي بــالــضــرورة رصــد تمثّل حضور‬ ‫الرجل في الرواية النسوية التي يمكن أن‬ ‫تتنوع ما بين‪ :‬الرجل المتسلط‪ ،‬المقهور‪،‬‬ ‫العابث‪ ،‬اإليجابي‪ ،‬الرجل الحلم‪.‬‬ ‫تفتتح قماشة العليان في «أنثى العنكبوت»‬ ‫سردها بقصة بدرية أخت الساردة أحالم‪،‬‬ ‫التي تريد الطالق من زوجها الذي يقهرها‪،‬‬ ‫لكن األب يرفض ذلك‪ ،‬بل يجبرها على أن‬ ‫تعيش رغما عنها‪« :‬أبــي كــان رده صاعقًا‬ ‫حاسمًا ومباغتًا‪ ،‬وجوده ألجم األفــواه حتى‬ ‫أنني توقفت عن بكائي‪ .‬قال بلهجته الواثقة‪:‬‬ ‫«ليس عندنا مطلقات في العائلة‪ ،‬ولن يكون‪،‬‬ ‫ستعيشين مــع زوج ــك وتتحملين معه كل‬ ‫الصعوبات‪ ،‬ثم تموتين معه‪ ،‬فبناتي الالتي‬ ‫أزوّجهن ال يعدن أبدًا إلى بيتي‪ ،‬هيا‪ ..‬هيا‬ ‫انهضي؛ لتعودي إلى زوجك‪ .‬تجمدت مالمح‬ ‫بدرية‪ ،‬وفتحت فاها أكثر من مرة‪ ،‬لكنها ال‬ ‫تنطق أبدا‪ ،‬وألن كلمة أبي ال ترد أبدا‪ ،‬فقد‬ ‫نهضت إلــى حجرتها تجمع أشياءها وهي‬ ‫تبكي‪ ،‬تبكي بحرقة وألم‪ ...‬عادت بدرية إلى‬ ‫بيت زوجها مطأطأة الــرأس ذليلة ليمارس‬ ‫عليها شتى صنوف القهر واإلهانة واإلذالل‬ ‫وسحق الكرامة» (المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.)14‬‬

‫والتي تأثرت ثقافتهم بقيم المجتمع‪ ،‬ورؤية‬ ‫الكاتبة لهذا السلوك‪ ،‬ومدى أثر هذا الكشف‬ ‫على الحدث الروائي‪ ،‬تتشوه صورة كل الرجال‬ ‫في نظر الساردة وشخصياتها النسوية‪ ،‬تقول‪:‬‬ ‫أنس ألبي موقفَه هذا‪ ،‬وال موقفه مني‬ ‫«لم َ‬ ‫بعد ذلك بشهور‪ ،‬حين تعرضت ألبشع موقف‬ ‫تتعرض له طفلة في مثل سني وظروفي‪،‬‬ ‫حينما حــاول جارنا أن يغتصبني رغــم أن‬ ‫االغتصاب لم يتم‪ ،‬والمحاولة أجهضت في‬ ‫بدايتها لعناية اهلل ورحمته‪ ،‬إال إنــه ترك‬ ‫نقطة س ــوداء فــي حياتي‪ ،‬وأثـ ـرًا ال يمحى‬ ‫على م ّر الزمن‪ ،‬اهتزت معه كل المبادئ أمام‬ ‫نظري‪ ،‬واختلت القيم واضطربت المرئيات‪،‬‬ ‫فبت أرى من خالل هذا الرجل المتوحش‬ ‫الذي يغافل زوجته؛ ليخدش براءة طفلة في‬ ‫سن ابنته أن الرجال على مختلف أعمارهم‬ ‫وألوانهم سواء في الخبث أو المكر والغدر‪،‬‬ ‫وأنه ال أمان مع رجل كائنًا من كان بدءًا بأبي‬ ‫وانتها ًء بأي رجل آخر على وجه البسيطة»!‬ ‫(المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.)14‬‬ ‫شخصية األب في النص نتيجة لقسوته‬ ‫المفرطة تسهم فــي تشويه الشخصيات‬ ‫تقصدت الكاتبة أن تكشف مدى‬ ‫نفسيًا‪ ،‬لذا ّ‬ ‫التشوه في نظرة النساء للرجال‪ ،‬ذلك التشوه‬ ‫ال ــذي تحدثه الثقافة الــذكــوريــة القاهرة‬ ‫للنساء‪.‬‬

‫توظّ ف الكاتبة عناصر النص الروائي‬ ‫وجمالياته؛ لتكشف من خاللها تصورها عن‬ ‫تــعــمــد الــكــاتــبــة إلــــى رصــــد الــمــامــح الــرجــال‪ ،‬ال تترك عنصرًا إال وأفــادت منه‬ ‫السيكولوجية ألنماط الرجال في الرواية في رسم صور وأنماط الرجال في النص‪،‬‬

‫‪74‬‬

‫العدد ‪75‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫دراسات ونقد‬


‫األمكنة الروائية تجسيدًا لهذا األثر‪ ،‬وأصبح‬ ‫تأثير المدينة على تغير تــصــورات الرجل‬ ‫ومفاهيمه أكثر تجليًا‪ ،‬فحين انتقلت أحالم‬ ‫من المدينة (الــريــاض) للعمل مدرس ًة في‬ ‫قرية من القرى البعيدة عن المدينة‪ ،‬بدأت‬ ‫تتنازعها المخاوف والهواجس من نظرة أهل‬ ‫القرى لفتيات المدينة‪ ،‬إذ تعمد الكاتبة عبر‬ ‫صوت ساردتها أحالم إلى كشف المسكوت‬ ‫عنه في النظر إلى فتيات المدينة‪ ،‬واعتبار‬ ‫هامش الحرية الضئيل الــذي يتمتعن به‬ ‫خروجً ا عن النسق القيمي للثقافة الذكورية‪:‬‬ ‫«ماذا يظن بي هذا الشاب؟ ترى هل يعتقد‬ ‫أنني فتاة مستهترة من بنات المدن الوقحات‬ ‫الخليعات الالتي يعاكسن الشباب بسهولة‬ ‫ويسر كما يشربن الماء؟ ترى هل يعتقد أنني‬ ‫فتاة الهية ضائعة تستجيب ألول رجل يطرق‬ ‫بابها؟ كال يجب إفهامه الحقيقة‪ ،‬وتعريفه‬ ‫ح ـ ًقــا مــن هــي أحـــام وم ــن هــو والــدهــا»‪.‬‬ ‫(المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.)67‬‬

‫فيصبح للرجل تأثيرًا أســاسً ــا في تشكيل‬ ‫إحساس الشخصية األنثوية نحو الزمن‪،‬‬ ‫وذلك من خالل التوقف الزمني النفسي؛ إذ‬ ‫تلون إحساسها به‪ ،‬نتيجة لعالقتها بالرجل‬ ‫غيابًا وحضورًا؛ وبذلك يتوازى وعيها بالرجل‬ ‫مع وعيها بالزمن‪ ،‬ليغدو الرجل هو الزمن‪،‬‬ ‫أي إنــه كلما كــان الرجل غائبًا عن النص‬ ‫فإن اإلحساس بالزمن يختفي‪ ،‬بعد تعرض‬ ‫الــســاردة في طفولتها لمحاولة اغتصاب‪،‬‬ ‫ال يثور األب على جارهم الــذي حــاول أن‬ ‫يغتصب ابنته‪ ،‬بل يلوم الصغيرة‪ ،‬ويتهمها‬ ‫بسوء األخــاق‪ ،‬ويضربها بعنف‪ ،‬وتقع األم‬ ‫فريسة للمرض النفسي‪ ،‬وتدخل المستشفى‪،‬‬ ‫ويتزوج األب وينتقل إلى بيت جديد تاركا‬ ‫الفتيات الصغيرات وحــيــدات يرتعبن من‬ ‫مــرور الزمن ببطء عليهن‪« :‬حينما أجتمع‬ ‫وأخوتي في إحدى الغرف ترتعد فرائصنا‬ ‫عما يمكن أن يحدث لنا في اللحظة التالية‪،‬‬ ‫وتــطــول الــلــحــظــات والــدقــائــق والــســاعــات‬ ‫والــخــوف يضخم األوه ــام وينفخها بروحه‬ ‫تمثالت الكاتبة لصورة الرجل‬ ‫ليغدو كل شيء مجسمًا مخيفًاـ فحركة الرياح‬ ‫يمكن رصد تمثالت قماشة العليان لصورة‬ ‫هــي مجموعة لــصــوص سيقتحمون علينا‬ ‫البيت‪ ،‬وشجار القطط هو رجــال ُم َقنّعون الرجل في متخيلها السردي في عدة صور‪:‬‬ ‫ابــتــدأوا يكسرون أبوابنا‪ ،‬وقطرات المطر‬ ‫ص ـ ــورة األب الــمــتــســلــط ال ـ ــذي يقهر‬ ‫هي خطوات أحــد المجرمين المسلحين» الشخصية الروائية‪ ،‬بل وكــل الشخصيات‬ ‫(المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.)17‬‬ ‫النسائية في الرواية‪ ،‬شخصية األب الذي‬ ‫للمكان جمالية ساعدت في الكشف عن قهر بدرية وألزمها أن تعود لزوجها‪ ،‬وهو‬ ‫الرجل وموقعه الثقافي واالجتماعي‪ ،‬وأثر يعلم أنه سيذيقها الــذل والــهــوان‪ ،‬هو ذاته‬ ‫الرجل على المرأة في نظرتها نحو المكان الذي قهر أحالم وهي طفلة صغيرة‪ ،‬واستمر‬ ‫إيــجــا ًبــا وســلـ ًبــا‪ ،‬وج ــاءت المدينة مــن أكثر القهر حتى حينما كــبــرت وتحصلت على‬

‫دراسات ونقد‬

‫‪ 75‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫‪75‬‬


‫شــهــادة عالية مــن الجامعة تؤهلها لتعمل‬ ‫مدرس ًة في المدارس اإلعدادية‪ ،‬ومع ذلك‬ ‫ظل يذيقها الــذل والهوان ألوانًا وأصنافًا‪،‬‬ ‫ومن خالل شخصية األب‪ ،‬تكشف الكاتبة‬ ‫المسكوت عنه في الثقافة الذكورية التي‬ ‫مـ ّكــنــت الــرجــل مــن الــســيــطــرة عــلــى أرواح‬ ‫النموذج الثاني لصور الرجال في النص‪،‬‬ ‫النساء‪" :‬وجدت أبي يتحدث في الهاتف‪ ...‬هو الزوج‪ ،‬الذي يحتل المساحة الثانية في‬ ‫بك؟"‪.‬‬ ‫سألني بحدة‪ :‬ما ِ‬ ‫قهر النساء؛ فالزوج في الرواية يأتي قاهرًا‬ ‫رويت له ما حدث لي بصوت متهدج وأنا أو أنانيًا‪ ،‬أو خائنًا! وقد ألقت العليان الضوء‬ ‫أنشج بين كل كلمة وأخــرى‪ ،‬وما إن انتهيت على مــدى الهامشية التي تعانيها الزوجة‬ ‫من روايتي حتى فوجئت بصفعته المدوية والعالقة المتوترة مع الزوج‪.‬‬ ‫في ثالثة أنماط من الرجال‪ :‬النمط األول‪،‬‬ ‫هو األب‪ ،‬الذي يعد أول رجل في حياة المرأة‬ ‫وهو النموذج التي تحدد في ضوء عالقتها‬ ‫معه تصوراتها ورؤيتها للرجل في مستقبل‬ ‫حياتها‪.‬‬

‫على صدغي‪ ،‬تلتها صفعة أخرى‪ ،‬ثم صفعات‬ ‫وصفعات وهو يدمدم بكلمات متقطعة‪:‬‬ ‫لقد انهارت األخالق‪ ،‬سوء تربية‪ ،‬البنت‬ ‫كبرت وانحرفت‪ ،‬ليس في بيتي من تكون‬ ‫ساقطة األخالق‪ ،‬جذبني صديقي األكبر من‬ ‫بين يديه بصعوبة وهو يتابع صرخاته‪:‬‬ ‫لن تخرج هذه البنت من البيت أبدا أبدا‪،‬‬ ‫سأحبسها حتى تتعلم كيف يــكــون األدب‬ ‫واألخالق‪ .‬هيا اغربي عن وجهي» (المصدر‬ ‫نفسه‪ ،‬ص‪.)15‬‬

‫بدرية أخت أحالم الكبرى تعاني من زوج‬ ‫ال يقل بشاعة وتحكمًا عن أبيها‪ ،‬ومع ذلك‬ ‫ال تتمكن من أن تنال حريتها‪ ،‬ترسم الكاتبة‬ ‫التجلي الثاني لصورة الرجل‪ ،‬الــزوج الذي‬ ‫يمثل الصورة الثانية من صور القهر الذي‬ ‫يمارس ضد النساء‪« :‬إن بدرية ليست سعيدة‬ ‫فــي زواجــهــا‪ ،‬زوجــهــا سكير وعربيد‪ ،‬دأب‬ ‫على ضربها طوال حياتها معه‪ ،‬حتى حملت‬ ‫وأجهضت‪ ،‬ثم عادت إلى بيتنا باكية طالبة‬ ‫االنفصال عن زوجها مفجرة كل ما اختزنته‬ ‫من أحزان طوال عام كامل هو عمر زواجها‪.‬‬ ‫أمي التزمت الصمت كعادتها‪ ،‬ال كلمة وال‬ ‫رأي‪ ،‬ال إحساس وال حتى تعبير عن الوجود»‬ ‫(المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.)13‬‬

‫وج ــاءت شخصية األب رمـ ـزًا للمجتمع‬ ‫الذكوري‪ ،‬رمزًا للسلطة‪ ،‬ألنه صاحب القرار‬ ‫والمرجع الذي يحدد الواجبات التي يخضع‬ ‫لها الجميع في األسرة‪ ،‬فاألب في النص ذو‬ ‫تتكرر الــصــورة السلبية لــلــزوج‪ ،‬وتتكرر‬ ‫بعد قمعي مضطهد‪ ،‬ركزت العليان في رسم المواقف التي تكشف مــدى قسوة صــورة‬ ‫مالمحه لتصور رفضها مظاهر العنف التي الرجل في الرواية‪« :‬حادثت شقيقتي الكبرى‬ ‫يمارسها اآلباء على أبنائهم‪.‬‬ ‫بدرية‪ ،‬ورجوتها أن تبيت معنا هذه الليالي‬ ‫وتتنوع تمثالت صورة الرجل في الرواية فقط‪ ،‬لكنني سمعت زوجها على الطرف‬

‫‪76‬‬

‫العدد ‪75‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫دراسات ونقد‬


‫اآلخر وهو يصرخ ويسب ويشتم» (ص‪ .)17‬يقول‪ :‬أنا ال أريد الزواج إال من واحدة فقط‬ ‫بل إن السرد يُفتتح منذ أن نجحت «أحالم» يا أبي»‪.‬‬ ‫في قتل زوجها‪ ،‬طلبًا للحرية‪ ،‬ثم تعود عبر‬ ‫صعق! هل هناك من يجرؤ‬ ‫ذُهل أبي‪ ،‬بل ُ‬ ‫الفالش باك‪ ،‬لتستجلي حياتها عبر الذاكرة على معارضته في شيء‪ ،‬أو التصدي له في‬ ‫االسترجاعية‪ ،‬تعود للحظة والدة أحالم في أي أمر من األمور؟! فوجئت بصفعة مدوية‬ ‫مستشفى األمراض العقلية‪ ،‬حيث كانت األم تردد صداها في بيتنا المفجوع من أبي على‬ ‫تحتجز هناك؛ لمرضها العقلي! ثم يتتابع صدغ أخي‪ ،‬وهو يهدر بصوته القوي‪:‬‬ ‫السرد لنعرف أن زمن القصة تقريبًا يستغرق‬ ‫ستتزوج ابنة عمك شئت ذلك أم أبيت‪ ،‬فقد‬ ‫ثالثين عامًا‪ ،‬منذ زواج أحالم وقتلها لزوجها‬ ‫اتفقت مع عمك على ذلك‪ ،‬ولن تكسر كالمي‪.‬‬ ‫ورجوعً ا بالفالش باك‪.‬‬ ‫وض ــع صــالــح ي ــده عــلــى مــكــان الصفعة‬ ‫ثم تأتي الصورة الثالثة للرجل‪ ،‬متمثلة في‬ ‫وهّ ـــم أكــثــر مــن م ــرة بفتح فــمــه؛ ليتكلم‪،‬‬ ‫صورة األخ‪ ،‬الذي يمثل في مجتمعنا العربي‬ ‫لــيــنــاقــش‪ ،‬لــيــصــرخ أو يــعــتــرض‪ ،‬لــكــنــه لم‬ ‫وجهًا آخر من أوجه العنف الذي تعاني منه‬ ‫يستطع‪ ،‬وال استطعنا نحن‪ ،‬وال أمي تفوهت‬ ‫النساء؛ فهو السلطة الثانية داخل األسرة‪،‬‬ ‫بكلمة»(المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.)21‬‬ ‫ينصب‬ ‫فيحل محل األب فــي غيابه‪ ،‬وقــد ّ‬ ‫وهكذا‪ ،‬عبّرت الكاتبة عن تمثالتها لصورة‬ ‫نفسه كثيرًا الرقيب المسؤول عن تصرفات‬ ‫أخته‪ ،‬إذ تلعب التنشئة االجتماعية دورًا الــرجــل الــتــي حملت الكثير مــن السلبية‪،‬‬ ‫مهمًا فــي تشكيل مــامــح شخصية االبــن فلم تقدم قماشة العليان في روايتها «أنثى‬ ‫سلبًا أو إيــجــا ًبــا؛ فيحق لــه فــرض سلطته العنكبوت» صــورة إيجابية واحــدة للرجل!‬ ‫على األصغر منه تأهيال لتوليه السلطة بعد للتأكيد على رؤية المجتمع النسوي للمجتمع‬ ‫ورفضا لخطاب األخير اإلقصائي‬ ‫ً‬ ‫والده‪ ،‬لكن األخ في «أنثى العنكبوت» نتيجة الذكوري‪،‬‬ ‫لسلطة األب المفرطة والمبالغة في القهر‪ ،‬للمرأة‪ ،‬سواء أكانت امرأة كاتبة ومثقفة أم‬ ‫يرسم بصورة سلبية ال حول له وال قوة‪ ،‬بل امــرأة عادية؛ فكال النموذجين يقع عليهما‬ ‫قد يتعرض للقهر مثله مثل النساء في النص‪ :‬قهر المجتمع الــذكــوري‪ ،‬وكــا النموذجين‬ ‫«أخي صالح أجبره أبي إجبارًا على الزواج عرضة الضطهاد هــذا المجتمع‪ ،‬وحينها‬ ‫من ابنة عمه رغم ارتباطه بقصة حب مع امتلكت المرأة‪ /‬الكاتبة الفرصة الحقيقية‬ ‫ابنة الجيران ووعده لها بالزواج‪ ..‬وقف أبي للتعبير عن مكنون ذاتها وكل الذوات األنثوية‬ ‫يرتجف من رأسه حتى أخمص قدميه وهو في مقاومة القهر والتهميش واإلقصاء‪.‬‬ ‫* كاتبة سعودية‪.‬‬

‫دراسات ونقد‬

‫‪ 75‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫‪77‬‬


‫وادي قنديل‬ ‫ُ‬ ‫أطياف الذاكرة المستعارة‬ ‫‪ρ‬وحيد غامن‬

‫تتلكأ ثريا لــوكــاس فــي إحــدى المقابر وريقات غيم حداد‪ ،‬هي (الناجية) والباحثة‬ ‫شــمــالــي لــبــنــان‪ ،‬يحيطها صــمــت األســى عــن ذاك ــرة وهــويــة ابتلعهما البحر الــذي‬ ‫وال ــخ ــواء‪ ،‬لنستعيد مــعــهــا‪ ،‬مــع أفــكــارهــا اختطف ذويها ولفَظها‪.‬‬ ‫المبعثرة‪ ،‬أحداثًا تنتهي في أيلول من سنة‬ ‫‪2034‬م‪ ،‬حيث تبدأ الــحــروب وال تنتهي‪،‬‬

‫إذ تكون لها حياتها الوحشية الخاصة؛‬ ‫وللمفارقة‪ ،‬هــي حــيــاة حفيظة وريــقــات‪،‬‬

‫شخصية حميمة‪.‬‬

‫هكذا تبدأ رواية (وادي قنديل) للكاتبة‬

‫نسرين أكــرم خــوري (منشورات المتوسط‬ ‫‪2017-‬م)‪.‬‬

‫ثريا لوكاس التي هي طــرف من روايــة‬

‫تشكلت‪ ،‬عبر قراءتها ألوراق غيم حداد‬

‫الــتــي دونــتــهــا عــن حياتها وحبيبها أنس‬ ‫عبدالرحيم‪ ،‬االثــنــان مــن حمص احتميا‬

‫برفقة بعض األصدقاء بسقف شاليه في‬ ‫القرية التي حملت الرواية اسمها‪ ،‬خالل‬ ‫الحرب األهلية السورية‪.‬‬

‫تحاول لوكاس مالمسة قدرها من خالل‬

‫‪78‬‬

‫العدد ‪75‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫تبدأ الرواية عند أكثر من تاريخ‪ ،‬تنفلت‬ ‫من وعي لوكاس أحيانًا‪ ،‬ثمة ضبابية تخلقها‬ ‫اللغة‪ ،‬تبدأ في ‪2011‬م خالل الكريسماس‬ ‫ رمز الحياة ‪ -‬وعبق رائحة األطعمة في‬‫مطبخ جورجيت أم غيم «في عيد القديسة‬ ‫بربارة‪ ..‬جورجيت تسلق القمح‪ ،‬ترش على‬ ‫وجهه السكر المطحون وجوز الهند‪ ،‬تزيّنه‬ ‫بالمكسّ رات وحبيبات الحلوى الملوّنة ‪ -‬ص‬ ‫‪.»-19‬‬ ‫وب ــي ــن ق ــف ــر ومـــــــوات ال ــم ــق ــب ــرة (ف ــي‬ ‫المستقبل) ونــكــهــة أف ــاوي ــه ال ــوج ــود في‬ ‫الماضي ‪ -‬الحاضر‪ ،‬وهو كرنفال يضمر‬ ‫خداعً ا وبوحً ا أخرس عن حوادث قاسية‪.‬‬ ‫تقول غيم «أخبرتكم أنني فتاة صامتة ‪ -‬ص‬ ‫‪ ،»-19‬الفتاة الصامتة ستحل المأساةُ عقدة‬ ‫لسانها فتستوي على أرجوحة يومياتها بين‬ ‫المستقبل والــمــاضــي‪ ،‬لعبة الــمــوت الــذي‬

‫دراسات ونقد‬


‫يسبق الحياة‪ ،‬ويدير دواليبها‪.‬‬

‫هي ككاتبة متخفّية‪ ،‬إنها تتخفّى من سرديّة‬

‫غيم حــداد هي محور العمل وموجّ هه‪ ،‬الــحــرب الصريحة الــقــاســيــة‪ ،‬بحواراتها‬ ‫تخلق أطيافها من ذاكرتها التي تهيم في الفضفاضة‪ ،‬تبلغها األشــيــاء واألحـــداث‬ ‫أحياء حمص‪ ،‬ودمشق العتيقة‪ ،‬والالذقية‪ ،‬والشخوص جاهزة في مبناها‪ ،‬وهو مبنى‬ ‫وال تشاركها فــي لعبة التذكر ســوى ثريا مفكك في داخلها بعدما زال االرتكان إلى‬ ‫لوكاس‪ ،‬فيما يفترض أن يكون حضورها قيمة موضوعية أو شخصية محدّ دة‪ .‬نراها‬ ‫معادل موضوعيًا‪ ،‬إال إنها معادلة تفتقر تخاطب حبيبها‪« :‬حتى أنت لم تنج مني‪،‬‬ ‫ً‬ ‫لمساحة متوازنة‪ ،‬فالجميع ترنّحه رقصة اتهيّب صدور سلوك عنك ال يالئم معايير‬ ‫اغــتــراب وانــهــيــار داخــلــي‪ ،‬انــهــيــار الــذات دقيقة وضعتها لحبيب البطلة‪ ،‬تخيل!‬ ‫تأتي أهميتك فقط من كونك حبيبي‪ ،‬كل‬ ‫والهوية واألمكنة والزمن الخاص والقيم‪.‬‬ ‫األمــور األخــرى المتعلقة بشخصك أركنها‬ ‫ب ــدءًا مــن حــادثــة اختطافها وخالصها‬ ‫فوق الرفوف مثل طقم أواني ثمينة ‪ -‬ص‬ ‫الهويّاتي‪ ،‬مسيحية ‪ -‬كاثوليكية‪ -‬سنية‪-‬‬ ‫‪« -125‬إال إن فكرتها عن الفن ال تمنحها‬ ‫شيعية‪ -‬اســم األب وتخومها المناطقية‪،‬‬ ‫مرورًا بالرحيل صحبة شلة من األصدقاء الطمأنينة ككاتبة» ربما كانت فكرة الحروب‬ ‫دك الذاكرة‪ ،‬األمر الذي حمّل‬ ‫ه ــرو ًب ــا مــن خــطــر الــحــرب األهــلــيــة إلــى قائمة على ّ‬ ‫الالذقية‪ ،‬وعبر استعادات متكرّرة تغوص في الفنون بأدواتها البسيطة عــبء النهوض‬ ‫ركام سنوات الثمانينيات من القرن الماضي بتلك الذاكرة ‪-‬ص‪ »-57‬خالصة تأمالت‬ ‫وفيما تالها‪ ،‬لتضيء مراحل من صباها تــدفــع بــهــا إل ــى نــكــران ذلـــك‪ ،‬والتشكيك‬ ‫وتجاربها وحياة المدينة وأناسها‪ ،‬حيوات بقدرتها على مواجهة الموت‪ .‬في مواجهة‬ ‫متعايشة كيفما اتفق؛ أحيانا منصهرة دون مخاوفها تعاود أعباق المطبخ‪ ،‬هذه المرّة‬ ‫رغبة‪ ،‬أو شغوفة حتى الجنون‪ ،‬دخيلة على فــي الــشــالــيــه‪ ،‬بــاالنــتــشــار‪ ،‬شحيحة مثل‬ ‫وهش في آن معًا‪ ،‬مــؤونــتــهــم المتناقصة‪ ،‬وحــاضــرة ضــد ال‬ ‫ّ‬ ‫ذاكرتها‪ ،‬حضورها صلب‬ ‫لكنها ستكون المادة الخام لما اخفقت في حسّ ية الفقدان‪.‬‬ ‫جعله خالصها فيما بعد‪.‬‬ ‫تلتقط نسرين خ ــوري ألــفــاظ اللهجة‬ ‫تــتــورط غــيــم ح ــداد فــي الــكــتــابــة ألنها السورية واختالفاتها المناطقية‪ ،‬تحاول‬ ‫بالضبط الفتاة الصامتة‪ ،‬صمت الكتابة إضــافــة نكهة حميمة وبسيطة‪ ،‬جــداالت‬ ‫وعزلتها عن الحياة تصبح معيارًا للنجاة‪ .‬االختالف في وجهات النظر حول الثورة‬ ‫تبدأ بحشر األشياء والشخوص بما فيهم ومآالتها والــحــرب األهلية‪ ،‬ثــرثــرات غيم‬ ‫حبيبها أنس عبدالرحيم ضمن معاييرها وأنس ومناكفات اآلخرين وطباعهم وميولهم‬

‫دراسات ونقد‬

‫‪ 75‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫‪79‬‬


‫ومخاوفهم‪ ،‬أنس الذي يبدو مسلوب اإلرادة‪ ،‬واألحفاد‪ ،‬وهو تبرير يقف عاجزًا ضد مجاز‬

‫لكنه مع ذلك يوفّر لها نوعً ا من االطمئنان أكبر احتوى كل شيء‪.‬‬ ‫العاطفي‪ .‬تتأمل غيم حداد عالقتها بأنس‬ ‫تنتهي الــروايــة كما بــدأت‪ ،‬ثريا لوكاس‬ ‫واآلخرين عبر منظورين‪ ،‬حضورهم الواقعي‬ ‫تبحث عــن قرينتها غيم ح ــداد‪ ،‬ذاكرتها‬ ‫المفترض في حياتها‪ ،‬وتذهّ نها ككاتبة‪،‬‬ ‫االفتراضية التي يكرّسها وجــود أنس في‬ ‫(دون إغــفــال أننا ننظر لكل شــيء بعيني‬ ‫ثريا لوكاس) وهي تنتقل بصورة مريرة بين وجدانها ‪ -‬وجدان المرأتين‪ -‬وغيابه بالتالي‬

‫المتوازيين اللّذيْن يبدو أنهما لن يلتقيا إال عن حياتها‪ ،‬عبر حبّ يائس‪ .‬يذكّرها خيال‬ ‫أنس عبدالرحيم بعضو مبتور من الجسد‬ ‫في انتحارها‪.‬‬ ‫مجد‪ ،‬إلى‬ ‫ما يزال اإلحساس به قائمًا وغي ٍ‬ ‫في سردها‪ ،‬تدفع الفجيعة بالمؤلفة الى‬ ‫بسوار إلكتروني‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫مواجهة الواقع أو محاولة وصفه وتصنيفه‪ ،‬حد أنها توثق نفسها إليه‬ ‫باستعارات وتشبيهات» أجابني بتؤدة مختصو يطبق على معصمها طوال الوقت‪ ،‬على أمل‬ ‫الدعم النفسي الذين تكاثروا في الحرب أن تلتقط إشارة لوجوده‪ ،‬لكنها تكتشف في‬ ‫كمرض غامض سريع االنتشار ‪-‬ص‪ .»-125‬النهاية أنها إشارة موت‪ ،‬فاألعضاء المبتورة‬

‫الحياة والحبّ استعارة غير مناسبة أحيانا‪ ،‬تغدو خياال ً كابوسيًا بعد حين‪.‬‬ ‫وفي مواجهة الفجيعة تحتمي اللغة بقناع‬ ‫ـضــا باستعادة غيم‬ ‫وتنتهي الــروايــة أيـ ً‬ ‫شــاعــري (أو عاطفي)‪ ،‬األلــم نفسه يكبح‬ ‫لسرديتها الخاصة فــي رســالــة انتحارها‬ ‫يأسه المتهكم من خالل التقاط تشبيهات‬ ‫المفاجئ‪ ،‬غير المبرّر‪ ..‬لكن المعقول تمامًا‪،‬‬ ‫تحيط األجساد واألشياء وتختصر وجودها‪،‬‬ ‫صور أبناء الحي‪ /‬األحياء والموتى منهم‪ ،‬المعنونة إلى حبيبها‪ ،‬استعادة عنيفة‪ ،‬تنتحر‬ ‫جثوم الكابوس متربّعا على حجارة بيوتهم لتكون هي ذاتها «الفتاة الصامتة» دون ذاكرة‬ ‫القديمة وأنقاضها‪ ،‬إشراقة شمس النهارات اآلخــريــن‪ ،‬تصبح ج ــزءًا مــن مكان شفّاف‬ ‫في صبا غيْم نفسها‪.‬‬

‫كانت تأمل بوجوده‪ ،‬وكأنها تفارق شيئًا من‬

‫الشخصيات نفسها خُ لقت فــي النص تاريخ مدينة حمص الثقيل‪ ،‬ولم يكن موتها‬ ‫ال ــروائ ــي لــكــي تــواجــه اســتــعــارة وجــودهــا لينقذها‪ ،‬فهو جزء تجمّد في الماضي وبات‬

‫وتــبـرّره‪ ،‬رائحة المطبخ والقهوة واألغاني طرفًا من مستقبل يقع خارج وعيها سترثه‬ ‫وبائع الكاسيتات والشوارع والمقابر واآلباء ثريا لوكاس‪.‬‬ ‫* روائي وقاص من العراق‪.‬‬

‫‪80‬‬

‫العدد ‪75‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫دراسات ونقد‬


‫الـحـلـوة‬ ‫■ عبداهلل محمد العبداحملسن*‬

‫انتهى معرض فرانكفورت الدولي للكتاب‪ ،‬الذي كان شعاره (مَن يقرأ ال يهزم)‬ ‫وانتهت فعالياته الثقافية‪ .‬إنها المرة األولى التي يحضر فيها باسل هذا المعرض‪،‬‬ ‫حضور ناجح بكل المعايير ألهم المعارض التي زارها حتى اآلن‪ .‬إنه ممتن ومقدر‬ ‫للجنة المعارض التي رشحته‪ ،‬فهو خير مَن تسند له مثل هذه المهمة‪ ،‬لقد ظفر‬ ‫بفرصة قيّمة كان يحلم بها‪ ،‬ليشاهد أعرق معرض كتاب في العالم‪ ،‬عمره يناهز‬ ‫خمسة قرون‪.‬‬ ‫جَ ـ ْد َو َل بدقة‪ ،‬كعادته‪ ،‬وقته ليستغل إذ تتزاحم فــوق مكتبه قوائمها‪ ،‬من‬ ‫أيام المعرض استغالال مثمرا‪ .‬حرص أبرز تلك الدور بالك ويل‪ ،‬وماكميالن‬ ‫عــلــى حــضــور نـ ــدوات ثقافية وأدبــيــة وبنجوين وغيرها‪ .‬طاف بها ليجمع ما‬ ‫وحلقات نقاش شــارك فيها مفكرون هو جديد ومهم من قوائم إصداراتها‬ ‫ومــبــدعــون مــن الــعــالــم‪ ،‬فــي مختلف التي تعنى بها المكتبة‪ .‬اختيار باسل‬ ‫المجاالت المعرفية والفكرية‪ .‬هذا ليمثل المكتبة في هذا المعرض اختيار‬ ‫المعرض ليس سوقًا يعرض عشرات مــوفــق‪ ،‬لقد اختير الــرجــل المناسب‬ ‫اآلالف من الكتب فقط‪ ،‬بل تظاهرة للمعرض المناسب‪ ،‬فهو األكــفــأ بين‬ ‫ثــقــافــيــة عــالــمــيــة رفــيــعــة الــمــســتــوى‪ .‬زمالئه لتمثيل المكتبة عامة‪ ،‬وإدارة‬ ‫المحظوظ مَن ينال فرصة لحضورها‪ .‬التزويد خاصة في مثل هذا المعرض‬ ‫زار أجنحة كبار دور النشر العالمية‪ ،‬الدولي المهم‪ ،‬بوصفه على درجة رفيعة‬ ‫وبخاصة التي تتعامل معها المكتبة‪ ،‬من الثقافة واللباقة‪ ،‬ومتمكن من اللغة‬ ‫عرفها من خالل عمله بإدارة التزويد‪ ،‬اإلنجليزية‪ ،‬وعالقته بالكتاب وهذا هو‬

‫نصوص‬

‫‪ 75‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫‪81‬‬


‫األهم‪ ،‬عالقة العارف المطلع‪ ،‬عالقة وطيدة والنظريات االجتماعية‪ ،‬تخرّج فيه رجال‬ ‫نشبت بالكتب مبكرا منذ تعلم القراءة في لهم أثر كبير على الحضارة الغربية‪.‬‬ ‫المدرسة االبتدائية‪ ،‬وتوطدت في المراحل‬ ‫متع هــذه الــجــوالت لــم تغنه عــن متعة‬ ‫الدراسية الالحقة‪ .‬يبحث عن الجيد منها التسوق التي خصص لها الــيــوم األخير‪،‬‬ ‫فــي المكتبات‪ ،‬يتلقف تلك التي تتخطى اختار من بين المجمعات التجارية سوق زيل‬ ‫الــحــدود‪ ،‬مــتــواريــة فــي شــاحــنــات الفواكه جاليري‪ ،‬جذبته إلى هذا السوق هندسته‬ ‫والخضار‪ ،‬القادمة من بالد الشام واألردن! الرائعة التي أحالته تحفة معمارية مدهشة‬ ‫والكتب هي أهم ما يحرص على إحضاره وفريدة تستحق أن تشاهد‪ .‬قصد المجمع‬ ‫كلما سافر‪.‬‬ ‫الــتــجــاري الــبــاذخ ليشتري بعض الهدايا‬

‫متعة حــضــوره التظاهرة الثقافية في‬ ‫معرض فرانكفورت للكتاب انقضت بسرعة‪،‬‬ ‫فقرر باسل أن يتبعها بجولة يزور فيها معالم‬ ‫المدينة الثقافية‪ ،‬ومرافقها السياحية‪ ،‬بدأ‬ ‫برحلة نهرية‪ ،‬رحلة استرخاء ليبدد تعب‬ ‫المعرض‪ ،‬أكملها بــزيــارة حديقة النخيل‪.‬‬ ‫وجود النخيل في غير موطنه أثار اهتمام‬ ‫ابــن النخل‪ .‬كيف تنمو شجرة الــدفء في‬ ‫المناطق الباردة‪..‬؟! وجد النخلة هنا مدللة‬ ‫محاطة برعاية وعناية أكثر مما تحظى في‬ ‫موطنها‪ ،‬شُ يّدت لها بيوت زجاجية عمالقة‬ ‫يــا لها مــن صــدفــة جميلة! صــدفــة من‬ ‫توفر لها الضوء والدفء‪.‬‬ ‫تلك التي خير من ألف ميعاد‪ ،‬كما يقال‪.‬‬ ‫اليوم التالي‪ ،‬خصصه للثقافة‪ ،‬ابتدأه لــم يتوقع ولــم يخطر لــه على بــال قــط أن‬ ‫بــزيــارة منزل الكاتب والشاعر جــوتــه‪ ،‬ثم يلتقي بالحلوة هنا في بالد الغربة‪ .‬ما أحلى‬ ‫المكتبة الوطنية‪ ،‬وقضى نحو نصف نهاره لقاء األحبة في الغربة ومن غير ميعاد! لقاء‬ ‫فــي متحف شــتــادل‪ ،‬ليشاهد روائ ــع الفن يجيش في النفس حنينا إلى مرابع الطفولة‬ ‫التشكيلي‪ ،‬الفن الذي يحظى باهتمامه‪ ،‬وله والشباب‪ ،‬لقاؤهما هنا في فرانكفورت له‬ ‫فيه أعمال قيمة‪ .‬وختم يومه بزيارة خاطفة وقــع أقــوى من اللقاء في قريتهما‪ ،‬هناك‬ ‫لمدرسة فرانكفورت‪ ،‬ذلك المعلم الثقافي‪ ،‬قلما يتبادالن نظرات هيام كالتي يتبادالنها‬ ‫الذي قرأ عن تأثيره على الثقافة والفلسفة اآلن‪ .‬أألنها هنا أشد إثارة وإغراء‪ ،‬أم ألنها‬ ‫الــتــذكــاريــة لمن يــعــزون عليه‪ .‬فــي مدخل‬ ‫المجمع قبل أن يتفرع المدخل إلى ممرات‬ ‫تصطف على جوانبها المحالت الباذخة‪،‬‬ ‫وقف يتأمل المكان‪ ،‬قبل أن يقرر بأي منها‬ ‫يبدأ جولته‪ .‬اعترضت طريقه الحلوة‪ ،‬وعلى‬ ‫الرغم من تنكرّها وظهورها في زي مختلف‬ ‫عن الذي ألفها فيه إال إنه عرفها من أول‬ ‫نظرة‪ .‬مالمحها ال تخفى عليه‪ ،‬مهما تنكّرت‬ ‫يعرفها‪ ،‬كما يعرف خطوط يــده‪ .‬كيف ال‬ ‫يعرفها وقد نشآ معا!‬

‫‪82‬‬

‫العدد ‪75‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫نصوص‬


‫هنا أكثر أناقة وتبرجً ا‪ ،‬ولها ألق أقوى من‬

‫ألقها في موطنها الجوف‪ .‬يبدو أنها تعلمت‬ ‫في الغرب كيف تتأنق! وكيف تتبرج لتبدي‬ ‫فتنتها! شدّ ته‪ ..‬فاقترب منها أكثر تسبقه‬

‫إليها ابتسامة ُو ٍّد وحنين‪ ،‬هذا ما تشي به‬

‫نــظــرات اشتهاء تسددها عيناه النهمتان‬ ‫إليها‪ ،‬إنه يكاد يأكلها بنظرات شرهة غريبة‬ ‫على باسل المهذب‪ ،‬نظرة ساهمة كأنما‬

‫سلبته لبه! دون أن يشعر تلمظت شفاهه‪،‬‬

‫وكأنه يه ّم بها‪ ،‬سال لعابه عليها‪ ،‬تشهى أن‬ ‫يعلكها كقطعة حلوى متلذذًا حتى تذوب في‬

‫فمه‪ ،‬بصراحة اشتهاها اشتهاء ال يقاوم‪،‬‬ ‫فاقترب منها منقادًا عازمًا أال يعود إلى‬

‫الفندق إال برفقتها‪ ،‬ليجدد الوصل‪ .‬لو لم‬ ‫أن يجتنيه‪ ،‬أو كانت تمرات كالعقيق األسود‬ ‫يمنعه التهذيب المعهود عنه وخلقه الرفيع ذات بريق سقطت عند عكرة النخلة‪ ،‬لم‬ ‫لمد يده ليالمس تضاريسها‪.‬‬ ‫يلتفت لها القط جائع‪.‬‬ ‫تسمّر مكانه يتأمل فتنة تجلّت له‪ ،‬وكأنه‬ ‫حــيــا الــبــائــعــة الــواقــفــة أمـ ــام كشكها‪،‬‬ ‫يرى بشائرها تلوح في عذق بجمّارة نخلة‬ ‫سامقة تتمايل فــي الـ ــوادي‪ ،‬أو تــمـرًا في‬

‫سلة بمجلس والده يقدمها مدبّسة مغمورة‬ ‫ٍ‬

‫بدبسها مــع القهوة لضيوفه‪ .‬لــو بحوزته‬ ‫ألوان وفرشاة لوقف لحظة اإللهام هذه مثل‬ ‫الفنانين العظام‪ ،‬ليبدع لها لوحة تجسد‬

‫سماتها ومعانيها وتبرز فتنتها األخاذة‪ .‬بادر‬ ‫اللتقاط صورة لها‪ ،‬وهي في هذه الوضعية‬

‫المثيرة‪ ،‬لقد استبدت الحلوة وتجبرت منذ‬ ‫شخصا وقع في حبائلها‪ .‬ما كان‬ ‫ً‬ ‫أدركت أن‬

‫سيحدث له مثل هذا لو كانت رطبًا أحمر‬ ‫يتوهج في عذق تزدان به نخلة غفل فالحها‬

‫نصوص‬

‫واستأذنها أن يلتقط صــورة لعلبة التمر‪،‬‬ ‫فهشت مرحبة وابتعدت قليال لتتيح له أن‬ ‫يصور ما يشاء‪ ،‬قد يكون في ذلك ترويجً ا‬ ‫لبضاعتها‪ ،‬راح كمصور محترف يلتقط‬ ‫الصور من زوايا مختلفة مشدوهً ا يفكر ما‬ ‫الــذي جــاء بالحلوة إلــى هنا! كيف قطعت‬ ‫الــمــســافــات مــن الــجــوف شمالي المملكة‬ ‫وحطت هنا! هل نبتت لها أجنحة لتحلق من‬ ‫وادي عجرم‪ ،‬أو وادي نفاخ؟ بعد أن أنجز‬ ‫مهمة التصوير‪ ،‬حمل برقة وحنان علبة بين‬ ‫يديه‪ ،‬وكأنه يحمل شيئًا مقدسً ا مترنمًا‬ ‫بما ترنم به شاعرها عابد الجالل متشببا‬ ‫‪ 75‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫‪83‬‬


‫بمحاسن حلوة الجوف‪:‬‬

‫لي جالك اللي يشتهـون التعـاليل‬ ‫مــن حـلــوة الـجــوبــه نقلط قــدوعــه‬ ‫أحلى من الشهد المصفى محاليل‬ ‫الذاقـ ـه ــا ال ـج ـي ـعــان يـضـيــع جــوعــه‬ ‫غمرته سعادة ال توصف‪ ،‬تفوق سعادة‬

‫حضوره معرض الكتاب‪ ،‬إن حضورها هنا‬

‫شفاف يبرز فتنتها‪ ،‬محزّمة بشريط أسود‬ ‫كأنه اصطبغ بلونها يضفي عليها مهابة‬ ‫وأناقة‪ ،‬معروضة وسط فواكه مجففة‪ ،‬وكأنها‬ ‫واسطة العقد‪ :‬مشمش تركي‪ ،‬تين إيراني‪.‬‬ ‫أط ــال النظر مــبــهــورًا فــخــورًا بحضورها‪،‬‬ ‫فقطرّت عن بعد في فمه عصارة من دبسها‬ ‫المشتهى بمذاق الشهد محفور كحليب األم‬ ‫في ذاكرته‪ ،‬ازدرد رضابًا امتأل به فمه‪.‬‬

‫أهم وأقوى لتمثيل الوطن من جناح للمكتبة‬ ‫استأذن البائعة ليأخذ علبة‪ ،‬فهشت له‬ ‫في معرض مؤقت‪ .‬كم هو سعيد برؤيتها! برأسها موافقة‪ ،‬و ّد أن يخبرها باعتزاز‬ ‫كيف ال يكون األسعد وهي بضعة منه‪ ،‬وهو وفخار‪:‬‬ ‫بضعة منها‪ .‬لقد حضر الوطن في بضع‬ ‫هذا من نخلة كالتي في فناء بيتهم تمد‬ ‫تــمــرات س ــوداء ذات بريق أخــاذ مصفوفة الظل الوارف‪ ،‬وتمأل ساللهم بالرطب‪ ،‬وفي‬ ‫في علب ذهبية أنيقة‪ ،‬مغطاة بغشاء رقيق الوادي مئات النخيل من ساللتها المبجلة‪،‬‬ ‫كان وهو صغير تنبت له أطراف مثل كائن‬ ‫خــرافــي‪ ،‬تجعله يــهــرول مــغــام ـرًا صــاعـدًا‬ ‫جذعها الشاهق المبحر في السماء دون‬ ‫سلّم‪ ،‬وبال كرّ‪ ،‬لكي يستأثر ببشائر الرطب‬ ‫الشهي‪ ،‬ذاك الذي تشهت مريم العذراء مثله‬ ‫حين فاجأها الــمــخــاض‪ ،‬وال ــذي أدهشت‬ ‫حالوته الليدي آن بلنت الرحالة اإلنجليزية‪،‬‬ ‫فــأقــرت إنــهــا تــذوقــت أشــهــر الــحــلــويــات‪،‬‬ ‫ولم تذق مثل طعم حلوة الجوف‪ .‬برشاقة‬ ‫يتنقل بين العذوق ليمأل جوفه وجيوبه‪ ،‬ثم‬ ‫يسترخي فوق ذاك السمو ليسمع ما تقوله‬ ‫الريح للنخيل‪ ،‬ويسرح ناظريه في الخضرة‬ ‫المدهشة‪ ،‬التي يمدها النخل على مرمى‬ ‫البصر‪.‬‬ ‫قلب العلبة باحثًا عن ملصق البيانات‬

‫‪84‬‬

‫العدد ‪75‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫نصوص‬


‫المتعلقة بمحتوى الحلوة لــيــزداد انتشاء‪،‬‬

‫ويقرأ على مسامع المتسوقين كمعلن ما‬ ‫تكتنزه الحلوة فيها مــن فــوائــد‪ .‬كــم نسبة‬ ‫الحديد والفركتوز والمغنسيوم والفيتامينات‬

‫واألحماض األمينية‪ .‬إنها سلة غذاء غنية‬ ‫بالعناصر الغذائية الكثيرة جعلتها وجبة‬ ‫متكاملة اعتمدت على حياة أهلها‪ .‬بضع‬

‫تــمــرات منها تقيم أود إنــســان‪ .‬إنها خير‬ ‫ما يدخر من زاد‪ ،‬إذا وجــدت ال فاقة وال‬

‫مسغبة‪ ،‬إنها اكتفاء‪ .‬راح يقرأ لعل من ضمن‬

‫البيانات نبذة عن سيرتها النبيلة‪ ،‬والبستان‬ ‫الذي جنيت من نخيله‪ ،‬والفالح الذي اعتنى‬

‫بها‪ ،‬فتش عن موطن المنشأ ليزداد فخارًا‪.‬‬

‫بقدر ما أسعده حضورها الالفت هنا آذاه‬

‫أن بريقها األخاذ هنا أشد لمعانًا من بريقها‬

‫نصوص‬

‫في موطنها‪ ،‬هل مصدره أضــواء المجّ مع؟‬ ‫أم حظيت بعناية فائقة من لدن المسوقين‬ ‫المحترفين‪ ،‬أكثر مما تحظى بها عند من‬ ‫غرسوا نخلتها وسقوها بعرقهم‪ .‬ربما ألنها‬ ‫عند أهلها عزيزة ولو كان رفة‪ ،‬لذيذة مشتهاة‬ ‫ولو غلفها الغبار‪ ،‬ال يلزمها أن تتأنق وتتبرج‬ ‫كي توقعهم في حبائلها‪ ،‬يحبونها متقشفة‬ ‫زاهـــدة‪ ،‬فهو مــثـ ًـا يهيم فيها س ــواء كانت‬ ‫في سلة من الخوص‪ ،‬أو مغلفة بالسلفان‬ ‫في متجر‪ ،‬يحبها إن قدمت مع كــأس لبن‬ ‫صرف‪ ،‬أو فنجان قهوة‪ .‬هو كأهله لها في‬ ‫قلوبهم ومجالسهم مكانة‪ .‬يتمنى أن يعرف‬ ‫قومُها قــدرهــا‪ ،‬ويعدونها كما كانوا فخرا‬ ‫أيضا‬ ‫لهم‪ ،‬يمتازون بها على اآلخرين‪ ،‬يتمنى ً‬ ‫أن يتعلموا من الغريب كيف يوظفوا فتنتها‬ ‫لترويجها‪ ،‬لو عرفوا فن التسويق لتغيرت‬ ‫‪ 75‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫‪85‬‬


‫حالهم‪ ،‬ولما كــان بينهم فقير‪ .‬ولــصـدّرت‬ ‫حلوتهم مباشرة مــن الــجــوف إلــى أســواق‬ ‫العالم‪ ،‬بدال من وسيط غير مرغوب فيه‪.‬‬ ‫تداعت في الحال صور ومشاهد لها فيها‬ ‫حضور‪ .‬صور محتشدة في ذاكرته لنتاجها‬ ‫في أطواره من طلع نضيد في األكمام‪ ،‬وهو‬ ‫مغر يتوهج حمرة‪ ،‬ثم‬ ‫خالل أخضر‪ ،‬ثم بسر ٍ‬ ‫تمر أسود كالعقيق في سلة في مجلس والده‬ ‫يقدمها لرجال من الجيرة مع القهوة التي‬ ‫تعد على شرفها بالهيل والزعفران‪ ،‬لتبقى‬ ‫رمز الكرم وحسن الضيافة‪.‬‬ ‫فكر‪ ..‬لم ال تكون الحلوة هي الهدية ألهله‬ ‫عوضا عن الشوكوالتة البلجيكية! إنها أثمن‬ ‫ً‬ ‫ما يهدى‪ .‬سيكتب على العلب بخطه الجميل‬ ‫األنيق‪ :‬تمرتكم ردت إليكم‪ .‬فجأة وقع نظره‬ ‫أسفل البيانات على ما جعل األرض تميد‬ ‫به‪ ،‬أفقده توازنه‪ ،‬صار يترنح‪ ،‬كأنما هوى‬ ‫من أعلى نخلة‪ ،‬وارتطم بصخرة صلبة من‬ ‫صخور ال ــوادي‪ .‬لم يتوقع يومًا أن تحمل‬ ‫الحلوة سمة أخــرى غير حلوة الجوف‪ ،‬لم‬ ‫يبلغه قط أنها هاجرت من موطنها األصلي‪،‬‬ ‫وتعدت حدود موطنها األصلي دون علم من‬ ‫أهلها‪ .‬سمع من عمه أبو فالح أن خالص‬ ‫األحــســاء ي ــزرع فــي كاليفورنيا‪ ،‬وقــد أكل‬ ‫منه‪ ،‬وبرحي البصرة يستنبت في استراليا‬ ‫والهند‪ .‬رمق البائعة بنظرة استغراب‪ :‬هل‬ ‫تنبت هذه في فلسطين؟‬

‫دبــلــومــاســيــة وال تــجــاريــة‪ ،‬فكيف حلوتهم‬ ‫تعبأ هناك‪ ،‬وتصدر للعالم بضاعة عليها‬ ‫اســم إسرائيل‪ .‬أضافت البائعة ما كشف‬ ‫الغموض‪ :‬متعهد أردني يوردها من السعودية‬ ‫إلسرائيل‪.‬‬ ‫اآلن زال غموض يكتنف ملصقًا قدمت‬ ‫لــه سيدة قبل ســنــوات فــي ســوق الخضار‬ ‫والفواكه القديمة بكارديف‪ ،‬تقف معها ثالث‬ ‫سيدات متشحات بالكوفية الفلسطينية‪،‬‬ ‫يوزعن ملصقا كتب عليه‪ :‬قاطعوا البضائع‬ ‫اإلسرائيلية‪ .‬أخــذ عــدة نسخ ليوزعها‪ ،‬ما‬ ‫يــزال يحتفظ بــواحــد منها‪ .‬عليها صــورة‬ ‫برتقال يافا وأفوكادو وتمرة ســوداء طويلة‬ ‫تشبه حلوة الجوف‪ ،‬لم يشغل البال حينها‪،‬‬ ‫الموقف الشريف لتلك السيدات هــو ما‬ ‫شغله حينها‪.‬‬

‫يخشى أن تكون حلوة الجوف تعرضت‬ ‫للسطو‪ ،‬كما تعرضت التبولة والحمص‬ ‫والــفــافــل الــتــي أصــبــحــت م ــن المطبخ‬ ‫والمذاق اإلسرائيلي‪ ،‬كما أصبحت الكوفية‬ ‫الفلسطينية زيًا موحدًا لمضيفات طيران‬ ‫العال‪ ،‬والدّ حة رقصة بدو شمال المملكة‬ ‫واألردن وصحراء النقب‪ ،‬والدبكة والميجانا‬ ‫الــشــامــيــة‪ ،‬وخــطــر غــصــن الــقــنــا اليمنية‪،‬‬ ‫وال ــم ــوروث الشعبي الفلسطيني لتصبح‬ ‫مسجل في اليونسكو‬ ‫ً‬ ‫موروثًا شعبيًا للكيان‬ ‫ردت البائعة‪ :‬تعلّب في إسرائيل!‬ ‫باسم السارق‪ ،‬بلغت الوقاحة أن يسطوا على‬ ‫كيف يحدث هــذا! أهلها لم يُطبّعوا مع أغاني السيدتين أم كلثوم وفيروز‪ ،‬لم يكتفوا‬ ‫الــكــيــان‪ ،‬ليس بينهم وإســرائــيــل عــاقــة ال بسرقة األلحان فقط‪ ،‬وإنما حتى الكلمات‬

‫‪86‬‬

‫العدد ‪75‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫نصوص‬


‫أوسيكثين الذي اعتذر لسليمان‪« :‬يصعب‬ ‫ترجمت للعبرية‪.‬‬ ‫لقد اشتدت حمى السطو لديهم بعد أن على نفسيتي العاطفية ان تعترف بذلك‪،‬‬ ‫أحبطهم علم اآلثار الذي علقوا عليه اآلمال‪ ،‬وأمل ان يغفر لي سليمان»‪.‬‬ ‫وأعلن عجزه ويأسه أن يعثر لهم في أرض‬ ‫وأق ّر بهذه النتيجة الموجعة عالم اآلثار‬ ‫فلسطين على أثر‪ .‬يعرف باسل هذا السطو المستقل يــونــي مــزراحــي أيــضــا بسخرية‬ ‫ليس بجديد‪ ،‬إنه ديدنهم موغل في القدم‪ ،‬الذعة‪:‬‬ ‫فــوصــايــاهــم الــعــشــر مــنــقــولــة من‬ ‫لــم أعــثــر حتى على الفتة‬ ‫كتاب الموتى الفرعوني‬ ‫مكتوب عليها «مرحبا‬ ‫في الــدور الموسوي‬ ‫بـ ــكـ ــم فـ ـ ــي قــصــر‬ ‫الثاني‪ ،‬وشريعتهم‬ ‫داود»‪.‬‬ ‫نــــقــــل حـــرفـــي‬ ‫هذا ما شهد‬ ‫كــوقــع الحافر‬ ‫بــه عــلــمــاء من‬ ‫عــلــى الــحــافــر‬ ‫أهــلــهــا‪ ،‬ينقله‬ ‫ع ـ ــن شــريــعــة‬ ‫باسل‪ ،‬بأمانة‪.‬‬ ‫حـــــمـــــورابـــــي‪،‬‬ ‫ش ــه ــادة مــو ّثــقــة‬ ‫ح ـ ــت ـ ــى ن ــج ــم ــة‬ ‫مــنــشــورة فــي كتب‬ ‫داوود رمزهم هي‬ ‫قيمة‪ ،‬ليست ادعاءات‬ ‫نجمة القائد الفرعوني‬ ‫م ــل ــف ــق ــة م ـ ــن خــصــومــهــم‬ ‫جــالــوت الــتــي تــرمــز لإلله‬ ‫المتهمين بمعاداة السامية سلفا‪ ،‬ألّفها‬ ‫آمــون‪ ،‬غنمها داوود عندما اغتال جالوت‬ ‫بــالــمــقــاع والــحــجــر‪ ،‬كــمــا ورد فــي كتبهم علماء من ذوي االختصاص منهم‪ ،‬ويدرّسون‬ ‫في أكبر جامعاتهم‪ ،‬وهي متاحة لمن يود‬ ‫المقدسة‪.‬‬ ‫باسل ال يدعي زورا وبهتانا‪ ،‬ولم يكن يوما االطالع‪ ،‬ومترجمة ألكثر من لغة‪ .‬من يريد‬ ‫فريّا‪ .‬إن ما أشار إليه تؤكده حقائق التاريخ‪ ،‬االطــاع سيدله باسل عليها للعلم‪ ،‬وأخذ‬ ‫هذا عالم اآلثار اليهودي فينكلشتاين الذي الحيطة والــحــذر‪ ،‬لحماية حــلــوة الجوف‬ ‫نقب تحت األقصى وحائط المبكى‪ ،‬وقلب والدحة رقصة بدو الشمال من االستالب‪،‬‬ ‫أرض فلسطين رأســـا عــلــى عــقــب يفجر سيحث كونه قارئا نهما ومكتبيا ملما على‬ ‫قنبلة زلزلت الكيان بأنه لم يعثر على أي القراءة مستشهدا بشعار معرض فرانكفورت‬ ‫أثر للهيكل‪ ،‬وال لقومه‪ ،‬وأيــده البروفيسور للكتاب‪ :‬من يقرأ ال يهزم‪.‬‬

‫* كاتب سعودي‪.‬‬

‫نصوص‬

‫‪ 75‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫‪87‬‬


‫الفستان‬ ‫■ دنيا علوي*‬

‫منذ سنوات وأنا أختنق تحت هذا الغطاء‪ ،‬معلقً ا إلى خشب ميت يسميه البشر‬ ‫بالشماعة‪ .‬كثيرً ا ما أشتاق لكتفي السيدة التي كنت في الماضي أرافقها وأعيش‬ ‫معها أجمل اللحظات وأبهاها‪ .‬لو أنني فقط أعرف ما الذي حلَّ بها! لو أنها تأتي‬ ‫يومً ا للبحث عني! آه كم أتمنى ذلك!‬ ‫منذ سنوات‪ ،‬وأنا قابعٌ هنا‪ ،‬في خزانة مالبس تفوح منها رائحة الكافور‪ ،‬تحيط‬ ‫بي خرقٌ ال تعرف شيئًا عن تاريخي‪ .‬ومن وقت آلخر‪ ،‬تأتي يدٌ لتسحبني من هنا‪،‬‬ ‫ويد أخرى‪ ،‬ألجد نفسي في مكان بارد‪ ،‬حيث ال تتوانى أعين‬ ‫ليد أخرى ٍ‬ ‫وتمررني ٍ‬ ‫بحشد من الــزوار الذين‬ ‫ٍ‬ ‫بعض المتطفلين عن التحديق بي‪ .‬ثم يمتلئ المكان‬ ‫يحلو لهم أن يحوموا حولي قبل أن تنطلق تعليقاتهم دون أي تحفظ‪:‬‬ ‫‪ -‬إنه الفستان‪ ،‬هل رأيته؟‬

‫شيئًا تافهًا أو صغيرًا‪ ،‬وأنا الذي لوالي‬

‫‪ -‬بالفعل‪،‬‬

‫لما اكتمل كثير األحــداث الكبرى في‬

‫وأيــا كانت اللغة‪ ،‬فــإن تعليقاتهم‬ ‫تبدأ بالطريقة نفسها دائمًا‪ ،‬دونما أي‬

‫حياة السيدة‪ ،‬مالكتي السابقة‪.‬‬ ‫أتذكر وهــج تلك الليالي بمسارح‬

‫احترام لي‪ .‬ال أعرف من الذي سمح الــعــالــم الــمــآى بــحــشــود مــن الــنــاس‬ ‫لهم بــاالقــتــراب مني هــكــذا والنطق ينظرون تجاهي أنــا وح ــدي‪ .‬أتذكر‬

‫باسمي دون أية ألقاب‪ ،‬كما لو كنت أمسيات ال تنسى‪ ،‬حين تزينت باريس‬

‫‪88‬‬

‫العدد ‪75‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫نصوص‬


‫بكامل أنوارها لي وحدي‪.‬‬

‫أمامي وحدي‪.‬‬

‫أتذكر مصابيح الفالش‬

‫أتذكر مديري محالّ‬

‫يحصى مــن ماكينات‬

‫الذين كانوا يطلبون‬

‫والكاميرات‪ ،‬وعــددًا ال‬ ‫الــتــصــويــر‪ ،‬وأت ــذك ــر‬ ‫قبل ذلــك حامليها‬ ‫الذين كانوا يلهثون‬ ‫ويــتــدافــعــون باألكتاف‬

‫الــتــنــظــيــف بــالــجــاف‬ ‫الــمــســتــحــيــل من‬

‫مــــوظــــفــــيــــهــــم‬

‫ويحصلون عليه‪،‬‬

‫فقط ألحافظ أنا على‬

‫والزنود بغية االقتراب مني‬

‫أَلَقي ورونقي‪ .‬ولم يكن‬

‫واألعـ ــنـ ــاق الــمــشــرئــبــة‪،‬‬

‫ليمنع حــصــولــي على‬

‫وحـــدي‪ .‬أتــذكــر الــزهــور‪،‬‬

‫ألي طـــارئ مهما كــان‬

‫واأليــــــــادي ال ــم ــم ــدودة‬

‫الرعاية الواجبة لي؛‬

‫ب ــم ــلء م ــا فــيــهــا إلــى‬

‫تحرص على حملي‬

‫الــمــرتــجــفــة‪ ،‬الساعية‬ ‫لمسي أنا وحدي‪..‬‬ ‫أت ــذك ــر عــبــارات‬ ‫اإلطــــــراء يطلقها‬ ‫بسخاء رجال في‬ ‫غــايــة الــوســامــة‬ ‫وال ــت ــه ــذي ــب‪ ،‬وقــد‬ ‫نــســيَ كــل منهم أو تناسى‬

‫ألن مــالــكــتــي كــانــت‬ ‫إلـــــى كــــل م ــك ــان‪،‬‬ ‫تمامًا كما يحرص‬ ‫الـــمـــلـــوك عــلــى‬ ‫أخذ أختامهم‬

‫أيــنــمــا حــلــوا‬

‫وارتحلوا‪.‬‬

‫ثم يأتي بعد ذلك كله من‬

‫ذراع المرأة الحسناء المشتبكة بذراعه‪ .‬يتكلم عني دون ذكر أي صفة من صفات‬ ‫ً‬ ‫أتــذكــر رج ـ ًـا‪،‬‬ ‫بطل شعبيًا‪ ،‬أتــذكــر هذا العظمة والشموخ الواجبة في حقي‪ ،‬وكأنه‬

‫الملهم الذي كانت ترنو إليه عيون شعب رأى أو عاش نصف ما عشت ورأيت‪ .‬كأنه‬

‫بكامله‪ ،‬ولم يكن هو ينظر إلى سواي‪ .‬هذا حضر مثلي إلى تلك المأدبات التي كان‬

‫الخطيب الفذ الذي تلهب كلماته الماليين يتحلق حولها ســادة عصرهم‪ ،‬فخورين‬

‫وتحركها كيف شاء‪ ،‬هذا المفاوض الشرس بوجودي معهم على المائدة نفسها‪ .‬أتذكر‬

‫الذي انهار أمامه الكثيرون يتسمر منبهرًا عمالقة كانوا ينحنون أمامي على الرغم من‬

‫نصوص‬

‫‪ 75‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫‪89‬‬


‫أنني لم أتخلَّ يومًا عن تواضعي وبساطتي‪ .‬فقط ألعــود إلى مرافقة السيدة ولو في‬ ‫أتذكر صيحات الموضة التي كانت تظهر جولة واحدة‪ .‬لكنني في أحد األيام‪ ،‬بينما‬ ‫وتختفي ألبقى أنا في الصدارة دائمًا‪.‬‬ ‫ـروضــا فــي قاعة كبيرة‪ ،‬سمعت‬ ‫كنت مــعـ ً‬ ‫نعم‪ ،‬لقد كانت مالكتي دائمة اإلخالص زائرتين‪ ،‬في أثناء حديثهما تنطقان اسم‬ ‫لي‪ ،‬ربما ألن حسها الريفيّ السليم علّمَها مالكتي عــدة م ــرات‪ .‬وبــعــد ذلــك تنهدت‬

‫أن قيمة الكتاب ليست في شكل غالفه!‬ ‫ذكاؤها الحاد وسرعة بديهتها كانا سالحها‬ ‫في رد التعليقات السخيفة على أصحابها‪.‬‬

‫إحداهما وقالت‪:‬‬ ‫‪ -‬نعم‪ ،‬لقد رحلت السيدة العظيمة!‬

‫أتذكر النظرات الحائرة في البداية للنقاد‬

‫ولكن أال تحتاج السيدة لفستان في‬

‫ترتديني وحــدي لتنطبع تقاطيعي بصمة‬

‫الفستان! يا لقلة التهذيب‪ ،‬كيف يجرؤون‬

‫من أنصار الزوال الجمالي‪ ،‬ثم استسالمهم المكان الــذي توجد فيه اآلن؟ وبينما أنا‬ ‫ومدحهم لي‪ ،‬بعد أن يفهموا أن أصالتي‬ ‫أح ــدث نفسي بــهــذا‪ ،‬اســتــدارت الــزائــرة‬ ‫أكثر صالبة بكثير من أية نزوة عابرة‪.‬‬ ‫األخرى وهتفت مستغربة‪:‬‬ ‫فعندما كان آخرون يتحولون على الدوام‬ ‫ أنظري‪ ،‬إنه الفستان!‬‫تناغم مع العصر‪ ،‬كانت الفنانة‬ ‫ٍ‬ ‫ليبقوا على‬ ‫خالدة في سجل الزمن‪ .‬ففي طياتي يختبئ على ذكر اسمي هكذا‪ ،‬وهم يدركون تمام‬ ‫سر األيام العظيم؛ ألن السيدة حين كانت اإلدراك أن ملحمة السيدة التي يسمونها‬ ‫ترفع ذراعيها أمام الميكروفون‪ ،‬لتبرز ما‬ ‫خفي على الناظرين مني‪ ،‬كانت في الوقت‬ ‫نفسه تكشف ألوان الحياة المختلفة‪ .‬كانت‬ ‫تعرف جيدًا أن بمقدور القلب أن يعزف‬ ‫األلحان كلها وهو يلتحف الفستان نفسه‪.‬‬ ‫وفي خزانة المالبس هذه‪ ،‬حيث أختنق‬

‫بالعظمة كانت ملحمتي أيضا؟! عيونهم‬ ‫المصوّبة نحوي قــد تشعرني بالخجل‪،‬‬ ‫ولكن ألسنتهم أبـدًا لن تقطع ما يربطني‬ ‫بالفنانة‪ .‬فليستمروا‪ ،‬إذًا‪ ،‬في الحديث عني‬ ‫بهذه الطريقة! ألنــي ال أنــدم على شيء؛‬

‫اليوم‪ ،‬أفتقد حضورها حين كانت تتأرجح وفيم يفيد الندم من عاش ألف ليلة وليلة‬ ‫بي من اليسار إلى اليمين ومن اليمين إلى على كتفي أم كلثوم ليبقى شامخً ا مهما‬ ‫اليسار‪ .‬مستعد ألجود بأغلى قطعة مني دارت عليه األيام‪.‬‬ ‫* قاصة ‪ -‬المغرب‪.‬‬

‫‪90‬‬

‫العدد ‪75‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫نصوص‬


‫طفول ٌة طارئ ٌة‬ ‫■ هشام بنشاوي*‬

‫مــا يشبه البكاء يتجدد‪ ،‬يندلع مــرة أخــرى مــن ذلــك المخبأ الـســري‪ ..‬يقلب‬ ‫أي كان‪ ،‬لتكنس بقايا ذلك الحزن‪،‬‬ ‫كيانك‪ ،‬يدفعك إلى الرغبة في الحديث مع ٍّ‬ ‫الــذي ال يريد أن يذبل‪ ،‬كأنما آثــر ذلــك الحقد القديم أن يداهم ليل طفولتك‬ ‫البهيم‪ ،‬ويحول حياتك إلى هديل نشيج صامت‪ ..‬تلك الطفولة الثكلى‪ ،‬التي ما‬ ‫تزال تسكنك في عالم جاحد‪ ،‬يتنكر للطفولة‪ ،‬و البراءة‪ ،‬والمشاعر الصادقة‪.‬‬ ‫وكمن يسوس خيول الريح‪ ،‬تغادر‬ ‫طــاولــة اعــتــدتَ الجلوس إليها‪ ،‬في‬ ‫المقهى المجاور لمقر عملك‪ ..‬ذلك‬ ‫المتجر ال ــذي تتحرر مــن أس ــره ‪-‬‬ ‫قليال‪ -‬فــي صباحات األحــد فقط‪،‬‬ ‫وقــد ألفت بساطة المكان‪ ،‬كما لو‬ ‫كان جــزءًا من ذلك الماضي البعيد‬ ‫أمــس الحاجة‬ ‫ِّ‬ ‫والبسيط‪ .‬كنت فــي‬ ‫إلى من يُنصت إليك؛ أن تذرف بين‬ ‫يديه تلك الدموع المؤجلة كلمات‪..‬‬ ‫أن تغادر قوقعة وحشتك‪ ،‬وبعد أن‬ ‫تتخلص شاحنة قلبك مــن حمولة‬ ‫األس ــى الــفــائــض‪ ،‬وتــســتــرد دموعك‬ ‫غربتها‪ ..‬تتغنى بعزلتك الفارهة‪.‬‬

‫نصوص‬

‫ينهمر حنان الشمس على جدران‬ ‫بيوت الناصية األخــرى من الشارع‪،‬‬ ‫شبه الساكن في هذا الصباح الشتوي‪،‬‬ ‫ومــن مكانك القابع في الظل‪ ،‬ترنو‬ ‫إلى قط يتمطط قرب محل البقالة‪،‬‬ ‫مستمتعًا بهدوء عطلة نهاية األسبوع‪،‬‬ ‫غير عابئ بالمشهد الصاخب عاطفة‬ ‫بالقرب منه‪ ،‬فيوقظ هذا الضجيج‬ ‫األبوي‪ ،‬الممعن في حنوه مدينة آهلة‬ ‫باألحزان في أعماقك‪.‬‬ ‫ت ــداه ــم طــفــولــة ط ــارئ ــة فــنــجــان‬ ‫قهوتك‪ ،‬وتسرق طعم البن‪ ،‬الذي ترشو‬ ‫به خاليا جسمك‪ ،‬حتى تتحايل على‬ ‫‪ 75‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫‪91‬‬


‫أبويك‪ ،‬لم تجرب ابتزاز عاطفتهما‪..‬‬ ‫كان األب يتوسل إليه‪ ،‬أشار إليه بيده أن‬ ‫يأتي‪ ،‬ووعده بأال يؤذيه‪ ،‬بينما كانت األم‬ ‫تقف مدججة بسكونها ورباطة جأشها‪ .‬لم‬ ‫تعرف لم كنت تحس أنها أكبر سنًا من‬ ‫زوجها‪ ..‬كلما رأيتها‪ .‬كانت تبدو جادة أكثر‬ ‫مما ينبغي‪ ..‬دومًا‪ ،‬بينما زوجها يمعن في‬ ‫طفولته وصخب ضحكه‪..‬‬ ‫أشـــار إلــيــه بــيــده‪ ،‬فــتــقــدم نــحــو أبــيــه‪،‬‬ ‫ونظرات األم مثل طلقات رصاص‪ .‬اقترب‬ ‫الصغير‪ ،‬طوق خصر األب بذراعيه‪ ،‬ربت‬ ‫البقال على رأس ابنه‪ ،‬ولف ذراعه اليسرى‬ ‫حول كتفه األيمن‪ ،‬وألنك بعيد‪ ،‬لم تسمع ما‬ ‫دار بين األبوين في تلك اللحظة‪ ،‬لكن خيّل‬ ‫إليك أنك رأيت الفرح يرقص في عيني‬ ‫طفل‪ ،‬لم يتجاوز ربيعه العاشر‪ .‬خمنت‬ ‫أن األم جــاءت تشتكيه إلى أبيه‪ ..‬لكنها‬ ‫بقايا نوم ما تزال تطالب به كل الخاليا‪ ..‬عادت خائبة المسعى‪ ،‬وقد خذلها األب‪،‬‬ ‫تقف الــزوجــة قبالة زوجــهــا البقال‪ ،‬ثم غادرا سوية‪ ،‬وانسحبا من المشهد‪ ،‬بعد‬ ‫أمــام دكــان بال زبائن‪ .‬تشي وقفة المرأة أن بذرا في تربة القلب المعطوب طعنة‬ ‫بغضبها‪ ،‬وهي تنادي على طفلها‪ ،‬الذي إضافية‪..‬‬ ‫لم تكن تعرف لماذا لم تــروِ يد أبيك‬ ‫آثر أن يختبئ خلف سارية مبنى مجاور‪،‬‬ ‫مبال بنداء أمه‪ .‬كنت تراه‪ ،‬وهو يطل ظمأ نبتة قلبك في شتاء طفولتك‪ ،‬وال‬ ‫غير ٍ‬ ‫برأسه‪ ،‬متابعًا المشهد في صمت‪ .‬كنت تتذكر أن نبرات صوته غازلها فرح ما‪،‬‬ ‫تــود أن تستعيد طفولتك‪ ،‬التي ما تزال حتى في األعياد‪ ،،‬فلم ترفرف عصافير‬ ‫تستوطنك‪ ،‬فتشي بالصغير‪ ،‬عبر إشارة البسمة حول شجرة وجهه العابس دومًا‪،‬‬ ‫يدك إلى مكانه المقابل لك‪ .‬لكن صوتًا لكنك تتذكر ِس َّن ُه الفضيّة في فكه العلوي‪،‬‬ ‫ما ألحَّ عليك أن تتابع الحدث في صمت‪ .‬وال تنسى حديثًا قديمًا عن سطل المالط‬ ‫تذكرت أنك لم تلعب مثل هذه اللعبة مع الحديدي‪ ،‬الــذي رمــاه جــدك ألبيك من‬

‫‪92‬‬

‫العدد ‪75‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫نصوص‬


‫ف ــوق الــســقــالــة‪ .‬ذل ــك الــســطــل ال ــذي لم‬ ‫يــتــوقــف ســقــوطــه المتتالي ف ــوق عشب‬ ‫طفولة غضة‪ .‬ها أنت تقترب من عقدك‬ ‫الخامس‪ ،‬وابنتك البكر في مثل عمر ذلك‬ ‫الفتى‪ ،‬لكن ندوب ارتطام ذلك السطل‬ ‫المتكرر لم تندمل بعد‪ ،‬فغمر صقيع‬ ‫أبــدي حــجــرات قلبك المهجورة‪،‬‬ ‫وعشت اليتم بشكل آخر!‬ ‫احــتــســيــت آخـــر قــطــرة بن‬ ‫بال طعم‪ ،‬وذهبت إلــى السوق‬ ‫القريب‪ ،‬كمن يبحث عن الحنان‬ ‫في مكان آخر‪ ،‬مكان ما على هذه‬ ‫األرض‪ .‬كنت ترغب فــي الحديث‬ ‫مع أي شخص‪ .‬وقفت خارج المحل‪،‬‬ ‫وانتظرت أن تغادر المرأة‪ ،‬التي كانت‬ ‫تتحدث مع البقال الشاب‪ ،‬الذي يسرف‬ ‫في ثرثرته مع ربــات البيوت‪ ،‬وألن تلك‬ ‫اللحظة جرفها سيل طفولة جريحة‪ ،‬ما‬ ‫تــزال تــنــزف‪ ..‬لم تــدرك كيف وال متى‬ ‫تطفلت على حــوارهــمــا‪ ،‬وأنــت مشحون‬ ‫بكل جموح الرغبة في البوح‪ ،‬وهي تتحول‬ ‫إلى مجرد كالم‪ ،‬حتى لو كان تافها‪ ،‬حتى‬ ‫تتخلص من اإلحساس بأنك وحيد‪ ،‬منبوذ‬ ‫وبال أصدقاء‪..‬‬

‫لن تطأ عتبة محله مرة أخرى‪ ،‬حاول أن‬ ‫يؤكد لك أنه كان يقصد أن يلفت انتباهك‬ ‫إلــى الوقت‪ ،‬لكي تفتح محلك التجاري‪،‬‬ ‫أشـــارت إلــيــه إنــهــا الــمــرة الــثــانــيــة‪ ،‬التي‬

‫تبضع أي ش ــيء‪ ،‬وفي يتصرف فيها معك بهذا الجفاء الغريب‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫غـــادرت‪ ،‬دون‬ ‫قلبك يهطل الــنــحــيــب‪ ،‬بــعــد أن ب ــادرت بينما ال ينتبه إلــى حيل بعض زبوناته‪،‬‬ ‫باالعتذار‪ ،‬وأنــت تصد جفاء آخــر‪ ،‬أكثر وهن يقطعن شجرة الصمت‪ ،‬ويصنعن من‬ ‫قسوة‪ ..‬اعتذرت للبقال‪ ،‬وأقسمت له أنك خشب ثرثرتهن أريكة سالمهن الداخلي‪.‬‬ ‫*‬

‫كاتب ‪ -‬المغرب‪.‬‬

‫نصوص‬

‫‪ 75‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫‪93‬‬


‫الشاعر واألديب شعبان يوسف‪:‬‬

‫هناك بعض الدول ضعفت فيها اللغة‬ ‫العربية بشكل واضح ومعيب!‬ ‫حي‪ ،‬ينمو ويتطور كما‬ ‫اللغة كائن اجتماعى ّ‬ ‫تتطور جميع الظواهر الحيّة‬ ‫كاتب‪ ،‬وشاعر‪ ،‬وناقد‪ ،‬وباحث مصري‪ ،‬ومؤسس منتدى‬ ‫«ورش ــة الــزيـتــون األدب ـي ــة» ومـجـلــة «ك ـتــابــات»‪ .‬ول ــد في‬ ‫الـســابــع مــن إبــريــل عــام ‪١٩٥٥‬م‪ ،‬نـشــر سبعة دواوي ــن‬ ‫ومسرحية‪ ،‬إضافة إلى العديد من الكتب النقدية‬ ‫رأس تحرير سلسلة «كـتــابــات جــديــدة»‪،‬‬ ‫والبحثية‪َ ،‬‬ ‫الـ ـص ــادرة ع ــن الـهـيـئــة الـمـصــريــة ال ـعــامــة لـلـكـتــاب‪،‬‬ ‫وكتب لكثير من الصحف والمجالت‪ ،‬مثل جريدة‬ ‫«التحرير» و«أخبار األدب»‪ .‬لعب دورًا بــارزًا في الكشف‬ ‫عن شعراء وكاتبات مهمشين ومجهولين‪.‬‬ ‫لدى يوسف العديد من اإلسهامات في مجال اإلنتاج اإلعالمي‪،‬‬ ‫إذ شارك في إعداد برامج تلفزيونية‪ ،‬وتقديمها‪ ،‬كـ«عصير الكتب»‪ ،‬و«سور األزبكية»‪ ،‬و«المقهى‬ ‫الثقافي»‪ ،‬هو اآلن نائب لتحرير مجلة «عالم الكتاب»‪ ،‬ويعمل على نشر كتاب جديد عنوانه‪:‬‬ ‫«الثقافة المصرية‪ ..‬سيرة أخرى»‬ ‫■ حاوره‪ :‬نور سليمان‬

‫¦هل تــرى أن اللغة العربية تأخذ مكانها‬ ‫الالئق في العالم اليوم‪ ،‬وهل تستطيع أن‬ ‫تنافس اللغات األخــرى فى ظل العولمة‬ ‫والسماوات المفتوحه؟‬ ‫‪ρ‬الــلــغــة الــعــربــيــة تــقــوى ويــشــتــد عــودهــا‪،‬‬ ‫إذا اشتد عــود اإلبــداع وتعددت طرقه‪،‬‬

‫‪94‬‬

‫العدد ‪75‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫وتنوعت جوانبه اإلنسانية‪ ،‬ولدينا تجربة‬ ‫مع الكاتب العظيم نجيب محفوظ‪ ،‬الذى‬ ‫اســتــطــاع أن يــواصــل اإلبـ ــداع أكــثــر من‬ ‫خمسين عامًا‪ ،‬أبدع وأنتج فيها روايات‬ ‫وقصصا واكبت كافة األشكال والطرق‬ ‫ً‬ ‫اإلبداعية الحديثة‪ ،‬وكــان دائمًا سبّاقًا‬ ‫ومــجــر ًبــا مــع عــدم إغــفــال سمة اإلمتاع‬

‫مواجهات‬


‫الفائقة لقارئه‪ ،‬كما أنه كان مواكبًا لألحداث‬ ‫االجتماعية والسياسية فى دقة شديدة‪ ،‬فبعدما‬ ‫فرغ من نشر روايته «بين القصرين» بأجزائها‬ ‫الثالثة في منتصف الخمسينيات‪ ،‬وتابع فيها‬ ‫تاريخ البالد من الحرب العالمية األولى حتى‬ ‫ثــورة يوليو‪ ،‬انتقل إلــى مرحلة أخــرى‪ ،‬بدأها‬ ‫بروايته «أوالد حارتنا»‪ ،‬ثم راح يستجوب الحياة‬ ‫السياسية واالجتماعية بعد ثورة يوليو‪ ،‬وهكذا‪،‬‬ ‫فعل كل ذلك دون أن يتنازل عن األبعاد الفنية‬ ‫المتطورة دائمًا‪.‬‬ ‫وعندما حــاز على جائزة نوبل عــام ‪1988‬م‪،‬‬ ‫وازدادت معدالت ترجمة روايــاتــه إلــى جميع‬ ‫اللغات الحية‪ ،‬لفت النظر إليه بقوة فى العالم‬ ‫كله‪ ،‬وبالتالى ازداد عدد التائقين لكي يتعلموا‬ ‫اللغة التي يكتب بها نجيب محفوظ‪ ،‬وأزعم أن‬ ‫موقع اللغة العربية فى العالم أصبح مختلفًا‬ ‫بعد فوز محفوظ بنوبل‪ .‬وبالطبع انفتح العالم‬ ‫على لغتنا العربية بشكل أوسع‪ ،‬للدرجة التى‬ ‫أصبحت اللغة العربية تزاحم اللغات األخرى‬ ‫بثقة أكبر من قبل ذلك‪.‬‬ ‫¦ما سبب ضعف اللغة العربية في بعض البالد‬ ‫العربية؟ من وجهة نظرك؟ وهل ضعف الدول‬ ‫وقوتها له عالقة باللغة؟‬

‫مواجهات‬

‫‪ρ‬هناك بعض الدول ضعفت فيها اللغة العربية‬ ‫بشكل واضح ومعيب في الوقت نفسه‪ ،‬وكانت‬ ‫اللغة العربية هي اللغة الثانية‪ ،‬وذلك ألسباب‬ ‫كلنا نعرفها مــن احــتــال وغــيــره حتى مطلع‬ ‫عقد الستينيات في القرن العشرين‪ ،‬وبالتالي‬ ‫كانت لغة التعبير على كافة المستويات لغة‬ ‫غير عربية‪ ،‬ورغم كافة أشكال المقاومة أثناء‬ ‫االحتالل‪ ،‬وكافة أشكال استعادة اللغة بعد طرد‬ ‫المستعمر من هذه الدول‪ ،‬إال إن اللغة العربية‬ ‫مــا تــزال عندهم فــى وضــع حــرج‪ ،‬ومــا يــزال‬ ‫هناك أدباء يكتبون إبداعهم باللغة الفرنسية‪.‬‬ ‫وغيرها!‬ ‫¦للّغة العربيّة أهم ّي ًة كبير ًة في الثّقافة والتّراث‬ ‫واألدب ال ـعــربــيّ ؛ أل ّن ـهــا ُت ـعــد جـ ــزءً ا مـهـمــا من‬ ‫الحضارة العربيّة‪ .‬كيف ترى ذلك؟‬ ‫‪ρ‬بالطبع هناك مخزون ال حصر له فى جماليات‬ ‫اللغة يكمن فــي الــتــراث األدب ــي والفلسفي‬ ‫على مدى التاريخ العربي‪ ،‬منذ امرئ القيس‬ ‫والعصر الجاهلي‪ ،‬مــرورًا بالعصر العباسي؛‬ ‫وقد تــأألت أسماء عبقرية في سماء الفكر‬ ‫واإلبداع مثل أبو الطيب المتنبي‪ ،‬وأبو العالء‬ ‫المعري‪ ،‬والــجــاحــظ‪ ،‬وأبــو ن ــواس‪ ،‬وغيرهم‪،‬‬ ‫ودائمًا ما تكون هناك مآزق فى االستفادة من‬ ‫تلك الكنوز الكامنة في التراث العربي‪ ،‬وهي‬

‫‪ 75‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫‪95‬‬


‫سوء التعليم لدى بعضهم‪ ،‬ولذا تسير عملية‬ ‫التعليم بطرق غير قويمة‪ ،‬وبالتالي ال يتم‬ ‫تدريب القارئ على قراءة التراث العربي‪ ،‬ربما‬ ‫يكون المعلّم القديم‪ ،‬والــذي كان منتشرًا في‬ ‫الكتاتيب والمدارس األولية‪ ،‬عندما كان ذلك‬ ‫المعلم ي ــدرّس النصوص بنطقها الصحيح‪،‬‬ ‫ومعانيها المراوغة‪ ،‬وبناء الجملة المنضبط‪،‬‬ ‫ومن هنا ال بد من ذلك المعلم الصبور والقادر‬ ‫على إيقاظ أسرار اللغة وكنزها‪.‬‬ ‫¦ ُتـعــد اللّغة العربيّة لغة العديد مــن الشّ عوب‬ ‫والـقـبــائــل‪ ،‬مثل ثـمــود‪ ،‬وع ــاد‪ ،‬وغـيــرهــا‪ ،‬وأسهم‬ ‫ذلك في انتشارها في الجزيرة العربيّة وبالد‬ ‫الـ ــشّ ـ ــام‪ ..‬ه ــل م ــا تـ ــزال ال ـل ـغــة ال ـعــرب ـيــة سـيــدة‬ ‫الموقف كما كانت؟‬ ‫‪ρ‬اللغة التي كانت‪ ،‬لم تعد كما كانت‪ ،‬فهناك‬ ‫أشكال من التطور الذي طرأ على المفردات‬ ‫والتركيب األسلوبي‪ ،‬والبناء عمومًا‪ ،‬فاللغة‬ ‫ككائن حي اجتماعي‪ ،‬ينمو ويتطور كما تتطور‬ ‫جميع الظواهر الحية؛ وبالتالي هناك متروكات‬ ‫من األلفاظ التي لم تعد فاعلة‪ ،‬وهى ألفاظ‬ ‫أصبحت متحفية‪ ،‬أكثر منها فاعلة‪ ،‬وبالتالي‬ ‫أصبحت ألفاظً ا تاريخية‪ ،‬ال تقوم بأي دور في‬ ‫العصر الحديث‪ ،‬وال يستطيع القارئ الحديث‬ ‫أن يستوعب‪« :‬أيطال ظبي»‪ ،‬أو «مك ٍّر مفرِّ»‪ ،‬إلى‬

‫‪96‬‬

‫العدد ‪75‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫آخر المفردات المتروكة والتي أصبحت شديدة‬ ‫الخشونة‪ ،‬ومستغلقة تمامًا‪ ،‬واستخدامها ال‬ ‫يعني سوى توقيف الزمن عند مرحلة متروكة‬ ‫تمامًا‪ ،‬ال تصلح إال للدرس التاريخي‪ .‬وجدير‬ ‫بالذكر أن األدب واإلبداع عمومًا يسهمان في‬ ‫تطوير اللغة واستخداماتها المتعددة؛ ولكن‬ ‫هناك األدب الهابط‪ ،‬الذي ال يفعل سوى تشويه‬ ‫اللغة‪ ،‬كما أن الدراما الهابطة كذلك ال تفعل‬ ‫سوى تطويع الناس لكي تلوك مفردات ركيكة‪،‬‬ ‫وبالطبع هناك معركة شرسة بين اللغة الهابطة‬ ‫واللغة الراقية‪ ،‬تحدث في المجتمعات العربية‬ ‫كــافــة‪ ،‬وآمــل أن تتدخل المؤسسات العلمية‬ ‫ومجامع اللغة لضبط أدوات ذلــك الصراع‬ ‫لصالح تطوير اللغة وعدم تشويهها‪.‬‬ ‫¦مــا هــي األس ـبــاب الـتــي تجعل الـجـيــل الحالي‬ ‫يفضل استخدام اللغات األجنبية في حديثه‬ ‫الـيــومــي‪ .‬هــل مــن ب ــاب التحضر أم أنـنــا نلقي‬ ‫اللوم على الميديا واإلعالم وغيره؟‬ ‫‪ρ‬هــنــاك رصــيــد ال نــهــايــة لــه مــن المعلومات‬ ‫والخبرات والفنون مطروحة باللغات األخرى‪،‬‬ ‫وعلى وجه الخصوص اإلنجليزية والفرنسية‪،‬‬ ‫هــذه الخبرات والمعلومات والفنون ناقصة‬ ‫بشكل فــادح فى اللغة العربية‪ ،‬وعلى سبيل‬ ‫المعلومات ما تزالت كليّات الطب والهندسة‬ ‫تستخدم اللغة اإلنجليزية فى تعليم الطالب‪،‬‬ ‫وبالطبع انتشار م ــدارس اللغات‪ ،‬والسينما‬ ‫األوروبية المتقدمة بشكل خرافي‪ ،‬تلك السينما‬ ‫التي تجذب الشباب وكل األجيال الحديثة‪ ،‬كل‬ ‫هــذه العناصر تعمل على إضعاف استخدام‬ ‫اللغة العربية بشكل واســع وسليم‪ ،‬وبالطبع‬ ‫هناك وهــم التحضر الــذى يعتقده الكثيرون‬ ‫فــي أن اســتــخــدام اللغات األوروبــيــة هــو نوع‬ ‫من الرقيّ ؛ لذا‪ ،‬ال بُ ّد من إنتاج معرفي وفني‬ ‫ومعلوماتي واسع وشائق ومؤثر باللغة العربية‬ ‫حتى يجذب الشباب وكافة األجيال القادمة‪.‬‬

‫مواجهات‬


‫بشكل عــام هي كالمرآة التي نَشعُ ر من‬ ‫ٍ‬ ‫¦اللغة‬ ‫خــالـهــا ب ـج ـرَس األل ـف ــاظ‪ ،‬و َن ـغ ـمــات التعبير‪،‬‬ ‫وص ـفـ ِـات شخصيات أصحاب‬ ‫وطــريـقــةِ األداء‪ِ ،‬‬ ‫ومالمحها‪ ،‬كيف نشرح ذلك للقارئ؟‬ ‫ِ‬ ‫اللغة‬ ‫‪ρ‬طبعا اللغة مرآة‪ ،‬ويستطيع مستخدمها ومتلقيها‬ ‫وكاتبها أن يشعروا بها جميعًا‪ ،‬عبر الفنون‬ ‫المسموعة والمرئية والمقروءة‪ ،‬فالشاعر الذى‬ ‫يلقي قصيدته بشكل جيد‪ ،‬يعمل على إشعار‬ ‫سامعه في كل فقرة بروح اللغة‪ ،‬وكذلك المعلم‪،‬‬ ‫وفنان الدراما‪ ،‬وممثل المسرح؛ كما أن الفنون‬ ‫المكتوبة مثل القصة والرواية من الممكن أن‬ ‫تفعل ذلك‪ ،‬لو كانت مكتوبة بشكل جيد‪ ،‬وبطرق‬ ‫فنية متطورة ومنضبطة‪.‬‬ ‫¦مـ ــا رأي ـ ــك فـ ــي ال ـح ـم ـل ــة الـ ـش ــرس ــة لـتـشـجـيــع‬ ‫اللهجات العامية؟ وهل لهذا تأثير على اللغة‬ ‫العربية الفصحى؟‬ ‫‪ρ‬ليست هناك حملة شرسة بالمعنى المتعارف‬ ‫عليه‪ ،‬لكن هناك توسع في استخدام اللغة‬ ‫الدارجة في الكتابة األدبية بشكل عــام‪ ،‬فى‬ ‫الشعر والمسرح على وجه الخصوص‪ ،‬وهناك‬ ‫رواي ــات كتبت كاملة باللغة الــدارجــة‪ ،‬منها‬ ‫رواية «قنطرة الذي كفر» لمصطفى مشرفة‪،‬‬ ‫وهناك لهجات وسيطة‪ ،‬تجمع بين الفصحى‬

‫مواجهات‬

‫والدارجة‪ ،‬ومن المعروف أن الشعراء صالح‬ ‫جاهين وفــؤاد حــداد وعبد الرحمن األبنودى‬ ‫وسيد حجاب وغيرهم‪ ،‬كتبوا باللغة الدارجة‪،‬‬ ‫وقوبلت نصوصهم بترحيب شــديــد‪ ،‬وبحب‬ ‫جـ ــارف‪ ،‬وك ــان عــبــدالــرحــمــن األب ــن ــودى يقيم‬ ‫أمسيات فى البالد العربية كلها‪ ،‬وكانت تلك‬ ‫األمسيات تحقق نجاحات كبيرة‪ ،‬ومن ثم ال‬ ‫توجد حرب أو حملة شرسة‪ ،‬ألن اللغة العربية‬ ‫الرسمية مــوجــودة وقائمة وفاعلة فــي كافة‬ ‫التعامالت الرسمية‪ ،‬ولن يضيرها استخدام‬ ‫اللغة الدارجة فى الشعر وخالفه‪ ،‬شرط أن‬ ‫يكون ذلك االستخدام منضبطً ا وغير منفلت‬ ‫لــدرجــة السوقية التي نلمسها فــي كثير من‬ ‫المسرحيات الهابطة‪ ،‬واألشعار الركيكة‪.‬‬ ‫كما أن هناك اللغة التى يستخدمها الناس‬ ‫في عموم حياتهم‪ ،‬وهناك اللغة التي يكتب‬ ‫بها الشعراء والمسرحيون وكـ ّتــاب الــدرامــا‪،‬‬ ‫ومــن الطبيعى أن تــكــون هــنــاك أشــكــال من‬ ‫التنافس‪ ،‬وإذا اســتــطــاع الــكـ ّتــاب والــشــعــراء‬ ‫واألدباء أن يبدعوا فنّونا وآدابًا راقية‪ ،‬نستطيع‬ ‫أن نضمن حياة لغوية راقية وقويمة‪ ،‬بعيدًا‬ ‫عــن تلك االســتــخــدامــات الــفــجــة‪ ،‬ولــذلــك ال‬ ‫توجد صراعات بين اللغة العربية الرسمية‪،‬‬ ‫واللهجات العربية الدارجة‪.‬‬

‫‪ 75‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫‪97‬‬


‫الناقد األدبي د‪ .‬محمد بن مريسي الحارثي‪:‬‬

‫«الثقاف ُة السعودية ثقافة كونيّة إلهية‬ ‫مصدرها السماء ومحركاتها االعتدال في‬ ‫النظرة البشرية إلى الحياة»‬

‫الــدك ـتــور محمد بــن مــريـســي ال ـحــارثــي‪ ،‬أسـتــاذ‬ ‫النقد األدبي في قسم الدراسات العليا بجامعة‬ ‫أم الـقــرى‪ .‬ولــد فــي قــريــة «ال ـصــور» بني الـحــارث‬ ‫ال ـتــاب ـعــة ل ـمــدي ـنــة ال ـط ــائ ــف‪ ،‬درس االب ـتــدائ ـيــة‬ ‫ب ـمــدرســة ال ـص ــور‪ ،‬درس الـمـتــوسـطــة وال ـثــانــويــة‬ ‫ب ــدار التوحيد بــالـطــائــف‪ ،‬التحق بكلية الشريعة‬ ‫اإلسالمية ‪ -‬قسم اللغة العربية‪ -‬فرع جامعة الملك‬ ‫عبدالعزيز بمكة المكرمة‪ ،‬ثم تلتها العديد من المحطات‬ ‫العملية إلى أن حصل على الدكتوراه‪ ،‬وكانت أول رسالة تُناقش في جامعات المملكة في‬ ‫اللغة العربية عامة وفي تخصص النقد خاصة‪ .‬وهو أحد أهم الــرواد في األدب والثقافة‬ ‫والفكر‪ ،‬وقد أثرى المكتبة بخمسة عشر مؤلفا‪ ،‬وله الكثير من الدراسات األدبية والنقدية‬ ‫التي تركت أث ـرًا في الساحة الثقافية محليًا وعربيًا‪ ،‬وأيـ ًـضــا الكثير من المشاركات في‬ ‫الندوات والمؤتمرات والملتقيات الثقافية محليًا وعربيًا‪.‬‬ ‫■ حاوره‪ :‬عمر بوقاسم‬

‫كدت أنسى بعض صور‪!..‬‬ ‫¦حظيت الساحة الثقافية بعدد من‬ ‫الكتب المهمة التي قدمها الدكتور‬ ‫محمد بن مريسي الحارثي‪ ،‬ومنها‬

‫‪98‬‬

‫العدد ‪75‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫«االتجاه األخالقي في النقد األدبي‬ ‫حتى نهاية القرن السابع الهجري»‪،‬‬ ‫و«ات ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ــاهـ ـ ـ ــات نـ ـ ـق ـ ــد الـ ـ ـشـ ـ ـع ـ ــر ف ــي‬ ‫الـعـصــر الـعـبــاســي األول»‪ ،‬و»جــدلـيــة‬ ‫الــواقــع والـمـتـخـ ّيــل‪ ،‬ق ــراءة فــي شعر‬

‫مواجهات‬


‫ب ــاش ــراح ـي ــل»‪ ،‬و«عـ ـم ــود ال ـش ـعــر ال ـعــربــي‪،‬‬ ‫النشأة والمفهوم»‪ ،‬و«في أصول الحداثة‬ ‫العربية»‪ ،‬و«فــي دي ــوان البالغة العربية»‬ ‫و«في ديوان الثقافة العربية» و«في ديوان‬ ‫الشعر السعودي» و«الثقافة الكونيّة في‬ ‫ال ـق ــرآن ال ـع ـظ ـيــم»‪ ..‬وغ ـيــرهــا مــن الكتب‬ ‫القيمة‪ ،‬إضــافــة إلــى عديد مــن األبحاث‬ ‫والــدراســات والمقاالت‪ ،‬وبمشوار يتجاوز‬ ‫األرب ـعــة عـقــود مــن ال ـع ـطــاء‪ ،‬هــل نحظى‬ ‫ب ـبــوح خ ــاص مـنــك ب ـشــأن ه ــذه التجربة‬ ‫الثرية؟‬ ‫‪ρ‬ذكرت بعض أسماء مؤلفاتي التي تحمل‬ ‫رؤية المثقف المنتمي‪ ،‬والباحث الجامعي‬ ‫المتنوع‪ ،‬وكأنك تعرض أمام ناظري صورًا‬ ‫أقلعت عنها وهبطت إليها وتركت أثرًا من‬ ‫ذلك في كل محطة أويت إليها‪ ،‬أو أقلعت‬ ‫منها‪ ،‬وقد كدت أنسى بعض صور تلك‬ ‫المحطات التي لم تذكرها‪.‬‬ ‫لوال ما بقي من حبال الذاكرة التي لم‬ ‫يطوها شيء من النسيان‪ ،‬أذكر من ذلك‬ ‫الذي لم يذكر هنا (عبدالعزيز الرفاعي‬ ‫أديبًا‪ ،‬والمنهج البياني في تأويل النص‪،‬‬ ‫وكــن مسلمًا ليبراليًا وال تكن لبراليًا‬ ‫مسلمًا‪ ،‬فــي دي ــوان النقد األدبـــي‪ ،‬ابن‬ ‫قتيبة ناقدًا‪ ،‬أما كتاب الثقافة الكونية‬ ‫في القرآن العظيم فهو في مرحلة الطبع‬ ‫وسيخرج قريبًا‪ ،‬بإذن اهلل)‪.‬‬ ‫وكثرة الـتأليف مما يحمل رؤيــة ثقافية‬ ‫واحدة ال يعني أفضلية الكاتب على غيره‬ ‫من أصحاب الصنعة‪ .‬فالمفيد من الثقافة‬ ‫ـرئ ما‬ ‫بعضا‪ ،‬وقيمة كل امـ ٍ‬ ‫يقوّم بعضه ً‬ ‫يُحسن‪ .‬وقد تعلّمت مصادر العلم األولية‬

‫مواجهات‬

‫قبل دخولي إلى مدرّجات الجامعة وذلك‬ ‫في مرحلة التعليم الثانوي؛ فقد عملت‬ ‫وراقًا بمكتبة المعارف بالطائف لصاحبها‬ ‫الشيخ محمد سعيد كمال‪ .‬في اإلجازات‬ ‫الصيفية وكان بينه وبين والدي ‪-‬رحمهما‬ ‫اهلل‪ -‬ألفة‪ ،‬فتعلمت طرق الوصول إلى‬ ‫معرفة الكتاب‪.‬‬ ‫فحظيت بمكافآت علمية بعضها ما يزال‬ ‫بمكتبتي‪ ،‬إضافة إلى المكافآت المالية‬ ‫الــتــي كــنــت أحــصــل عليها لــقــاء عملي‬ ‫بالمكتبة‪.‬‬ ‫وكنت أرغــب فــي حصولي على شهادة‬ ‫الــدراســة االبتدائية كــي أتــخــرج معلمًا‬ ‫بعد ثالث سنين بعد االبتدائية فرُفِ ضت‬ ‫رغبتي لصغر سني وقتها‪ .‬فوجّ هت إلى‬ ‫دار التوحيدـ فارتسمت خارطتي التعليمية‬ ‫بــمــا ال أشــتــهــي وقــتــهــا‪ ،‬ويــمــمــت صــوب‬ ‫التعليم طويل األمد‪ .‬وكان ذلك العمل ال‬ ‫يكون سابقًا على التعلم‪ ،‬فإذا أردت أن‬ ‫تعمل فتعلم‪ .‬وخريطة النجاح في العمل‬ ‫(تعلّم واعمل واحصل على المخرجات‬ ‫بما ترغب أن تكون عليه المخرجات من‬ ‫التقدم والفضل)‪.‬‬ ‫د‪ .‬محمد بن مريسي الحارثي‪:‬‬ ‫رؤية ‪ 2030‬تحمل في مشاريعها الحضارية‬ ‫تأصيل هوية الوطن وفق روابط الدين‬ ‫واللغة والقيادة‪ .‬ومشتركات العالم‬ ‫المتحضر‪ ،‬وانفتاح مشروع الثقافة الجديد‬ ‫بإنشاء وزارة مستقلة ما هو إال دليل‬ ‫الغايات الكبرى التي يهيئ لها وزير الثقافة‬ ‫طرق المسيرة الثقافية المتنوعة‪.‬‬ ‫‪ 75‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫‪99‬‬


‫بدأت الكتابة بعد تهيئة تعليمية طويلة‬ ‫امتدت من التعليم الثانوي حتى تخرّ جت‬ ‫في الجامعة سنة تسعين بعد األلف‬ ‫وثالثمئة للهجرة‪ ،‬قرأت ما له عالقة‬ ‫بمناهج التعليم من قريب أو من بعيد‪!..‬‬ ‫امتداح الجودة والحسن في عمل المرأة‬ ‫أو الرجل راجع إلى قيمة الفعل وليس إلى‬ ‫رجل كان أم امرأة‪!..‬‬ ‫شخص الفاعل ً‬ ‫والــعــمــل الــجــامــعــي ل ــم يــقــف بــنــا عند‬ ‫ح ــدود ومــشــارف التعلم‪ ،‬إن لــه سطوة‬ ‫ذاتية داخلية يشعر بها المتعلم القادر‬ ‫على تهيئة ذات ــه مــن التعلم المنهجي‬ ‫إلــى غير المنهجي‪ ،‬مما تتطلبه وجــوه‬ ‫الحياة‪ .‬وكان لمواجهة التعليم الجامعي‬ ‫المتخصص هيبة عظيمة في البحث عن‬ ‫الوسائل والغايات واالستعانة بأي شيء‬ ‫يعينك على المواجهة العلمية والعملية‪.‬‬ ‫وللعمل الجامعي عــادات وتقاليد ال بد‬ ‫من معرفتها قبل الدخول فيها‪ ،‬والعمل‬ ‫بموجبها‪ .‬والدقة في العمل ال تقتصر‬ ‫على العمل في الجامعة‪ ،‬إنه أمر مطلوب‬ ‫شــأن تمارسه جامعيًا أم غير‬ ‫ٍ‬ ‫فــي كــل‬ ‫جامعي‪.‬‬ ‫واألســتــاذ الجامعي بين الــتــزام يحركه‬ ‫لتقديم األدق واألفضل منطلقًا من ذاته‬ ‫الباحثة عن االكتمال ما أمكن بمتطلبات‬ ‫الــجــامــعــة‪ ،‬وه ــذا طــريــق الــنــجــاح‪ .‬وبين‬ ‫اإللــزام من الخارج‪ ،‬إلــزام بالتنفيذ دون‬ ‫وعي لمكامن مخرجات العمل‪ ،‬والملزم‬ ‫في المسيرة التعليمية والبحثية الجامعة‪.‬‬ ‫أرضا قطع وال ظهرًا أبقى!‬ ‫ال ً‬

‫‪100‬‬

‫العدد ‪75‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫الضابط لحركة األستاذ الجامعي‪!..‬‬ ‫¦العمل األكاديمي يتميز بالدقة وااللتزام‬ ‫العلمي‪ ،‬وحتما ال يخلو العمل األكاديمي‬ ‫من المفاجآت والتميز والخصوصية‪ ،‬د‪.‬‬ ‫محمد بن مريسي الحارثي‪ ،‬حتمً ا‪ ،‬لديه‬ ‫الكثير ليقوله في هذا االتجاه‪..‬؟‬ ‫‪ρ‬العمل الجامعي عمل مؤسساتي يتم‬ ‫وفق منظومة عمل متجانسة تذوب فيها‬ ‫الفردية وتحل محلها المجتمعية واللوائح‬ ‫اإلدارية والتعليمية هما الضابط لحركة‬ ‫األستاذ الجامعي‪ .‬وقــد مارست العمل‬ ‫اإلداري بالجامعة‪ ،‬والعمل التعليمي مدة‬ ‫ثالثة عشر عامًا‪ .‬وهــذه المدة الطويلة‬ ‫جاهدت فيها كثيرًا إلحــداث مواءمة ما‬ ‫بين المهمة العملية‪ ،‬واألخــرى العلمية‪.‬‬ ‫وأحــســب أنني نجحت إلــى حــدٍّ مــا في‬ ‫مسؤوليات تلكما المهمتين‪ .‬بمعونة من‬ ‫مجموعة من اإلداريين‪ ،‬والمتخصصين‬ ‫من منتسبي الجامعة فيما يتعلق بشبكة‬ ‫األهداف والغايات التي تنشدها الجامعة‪،‬‬ ‫ومجالسها الكثيرة القارة والطارئة‪.‬‬ ‫الحس األمين‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وكان استشعار مسؤولية‬ ‫وخــدمــة جــوانــب عظيمة مــن تطلعات‬ ‫لخدمة الوطن‪ ،‬والمحافظة على مقدراته‬ ‫الحضارية هي ديــدن األستاذ الجامعي‬ ‫تخطيطً ا‪ ،‬وإعدادًا‪ ،‬وتنفيذًا‪ .‬هذا ما نتطلع‬ ‫إليه في شخصية األستاذ الجامعي‪ .‬وال‬ ‫يمكنك أن تحقق شيئًا من هذا الثالثي‬ ‫الــذي تتمحور حوله نجاحات أي عمل‬ ‫مؤسساتي‪ .‬أما ما يواجهه األكاديمي من‬ ‫متاعب العمل‪ ،‬فهذا إحساس مشترك‬ ‫بين كل ذي عمل‪ .‬لكن النجاحات تطفئ‬

‫مواجهات‬


‫تكريم الدكتور محمد مريس الحارثي في حفل تدشين كتابه في ديوان البالغة‬

‫المتاعب‪.‬‬ ‫الخطة اإلستراتيجية الوطنيّ ة‬ ‫للثقافة‪!..‬‬ ‫¦أن ـ ــت ع ـض ــو ب ـم ـج ـلــس إدارة نـ ـ ــادي مـكــة‬ ‫ال ـث ـق ــاف ــي‪ ،‬ورئـ ـي ــس ت ـحــريــر م ـج ـلــة مكة‬ ‫ال ـث ـقــاف ـيــة‪ ،‬ال ـت ــي ت ـص ــدر ع ــن نـ ــادي مكة‬ ‫الثقافي‪ ،‬ما تقييمك للدور الذي تؤديه‬ ‫األندية األدبية بالمملكة ثقافيً ا وأدبيً ا‪،‬‬ ‫في بدايتها وحتى اآلن‪ ،‬وبخاصة ونحن‬ ‫نشهد الكثير من المتغيرات التي تعمقت‬ ‫ف ــي ال ـف ـض ــاء اإلع ـ ــام ـ ــي‪ ..‬ف ــي وســائ ـلــه‬ ‫وأدواره؟‬ ‫‪ρ‬إذا عــرفــنــا مكاننا مــن الــعــالــم عرفنا‬ ‫ـادل‬ ‫موقفنا مــن الثقافة الــتــي تعد مــعـ ً‬ ‫موضوعيًا للحياة عند كل الحضارات‪،‬‬ ‫والثقافة في المملكة العربية السعودية‬ ‫ذات جذور دينية‪ ،‬وتاريخية‪ ،‬واجتماعية‪،‬‬ ‫وقــومــيــة‪ ،‬ووطــنــيــة‪ ،‬وإنسانية‪ .‬هــذه من‬ ‫أبرز مصادر الثقافة العربية‪ ،‬وفي بحث‬

‫مواجهات‬

‫األنــديــة األدبــيــة فــي المملكة العربية‬ ‫الــســعــوديــة عــن إســتــراتــيــجــيــة ثقافية‪.‬‬ ‫وتشكيل بعض اللجان؛ كتبت تص ّورًا عن‬ ‫تلك اإلستراتيجية في اثنتين وأربعين‬ ‫صفحة‪ ،‬عنوانه (الخطة اإلستراتيجيّة‬ ‫الوطنيّة للثقافة)‪ ،‬أفكار قابلة للمناقشة‬ ‫نشرتها في كتابنا (فــي ديــوان الثقافة‬ ‫العربية)‪ .‬استوحيت فيها ما كنا نعمله في‬ ‫نادي مكة الثقافي األدبــي‪ .‬وكنت وقتها‬ ‫مندوبًا للنادي لمناقشة األفكار المقدّمة‬ ‫لتصحيح مسار النادي‪ ،‬وهل تبقى أندية‬ ‫أدبية‪ ،‬أم مراكز ثقافية‪ .‬وإبّان عملي بإدارة‬ ‫نادي مكة الثقافي األدبي عضوًا‪ ،‬رأست‬ ‫تحرير مجلة مكة الثقافية‪ .‬كنا نصدر‬ ‫منها أربعة أعداد في العام الواحد‪ .‬كانت‬ ‫مجلة علمية محكّمة يحصل الكاتب بها‬ ‫على مكافأة مالية‪ .‬وقــد اعــتــذرت عن‬ ‫مواصلة الركض بالنادي‪ ،‬والتفرّغ كل ّيًا‬ ‫إلخراج مؤلفاتي قبل فوات األوان‪.‬‬ ‫وكانت األنــديــة األدبــيــة قد أنشئت منذ‬ ‫‪ 75‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫‪101‬‬


‫أواخــــر الــقــرن ال ــراب ــع عــشــر الــهــجــري‬ ‫النــتــشــال الــثــقــافــة مــن الــتــشــتــت الــذي‬ ‫كــان يجري مــن دون روابـــط‪ ،‬ورعــايــات‬ ‫مؤسسية‪ .‬وكانت مبادرات صاحب السمو‬ ‫الملكي األمير فيصل بن فهد ‪-‬رحمهما‬ ‫اهلل‪ -‬وسيلة إنــقــاذ فاعلة فــي تأسيس‬ ‫مقرات األندية األدبية التي أدّت دورًا‬ ‫كبيرًا في نشر الثقافة بالمملكة وما تزال‬ ‫تؤدي تلك األدوار‪ ،‬وستبقى كذلك‪.‬‬ ‫العمل الجامعي عمل مؤسساتي يتم وفق‬ ‫منظومة عمل متجانسة تذوب فيها الفردية‬ ‫وتحل محلها المجتمعية واللوائح اإلدارية‪!..‬‬ ‫عرّ فتني مكتبة المعارف على بعض العلماء‬ ‫والكتّ اب‪ ،‬والمثقفين‪ .‬أمثال محمد حسن‬ ‫الساسي‪ ،‬واألستاذ علي‬ ‫عوّ اد‪ ،‬وعبد السالم ّ‬ ‫العبّ ادي‪ ،‬وعبد الحي كمال‪ .‬وكتبت بحث‬ ‫التخرج في الجامعة عن األستاذ محمّ د‬ ‫حسن عوّ اد‪!..‬‬

‫وقــد بــدأت الكتابة بعد تهيئة تعليمية‬ ‫طويلة امتدت من التعليم الثانوي حتى‬ ‫تخرّجت في الجامعة سنة تسعين بعد‬ ‫األلــف وثالثمئة للهجرة‪ ،‬قــرأت مــا له‬ ‫عالقة بمناهج التعليم من قريب أو من‬ ‫بعيد‪ ،‬وعرفتني مكتبة الــمــعــارف على‬ ‫بعض العلماء والكتّاب‪ ،‬والمثقفين‪ .‬أمثال‬ ‫محمد حسن عوّاد‪ ،‬وعبدالسالم السّ اسي‪،‬‬ ‫واألستاذ علي العبّادي‪ ،‬وعبد الحي كمال‪.‬‬ ‫وكتبت بحث التخرج في الجامعة عن‬ ‫األستاذ محمّد حسن عوّاد بعد إهدائي‬ ‫من لدنه مجموعة دراســاتــه المتوافرة‬ ‫لديه‪ .‬وبدأت أتطلع إلى الكتابة بالصحف‬ ‫المحلية على استحياء للتعرض قبل‬ ‫األوان‪ .‬وكانت االنطالقة الكتابيّة الجريئة‬ ‫بالصحف المحليّة فــي أواخـــر القرن‬ ‫الرابع عشر حين التحقت بالدراسات‬ ‫العليا العربيّة بجامعة أم القرى‪ ،‬ورسمت‬ ‫خريطة الطريق للتخصص بقسم البالغة‬ ‫والنقد‪ .‬وحصلت على درجة الماجستير‬

‫من حفل تدشين كتاب (في ديوان البالغة)‬

‫‪102‬‬

‫العدد ‪75‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫مواجهات‬


‫عــن مــوضــوع (ابــن قتيبة نــاق ـدًا)‪ ،‬وعن‬ ‫رسالة الدكتوراه (اتجاهات نقد الشعر‬ ‫في العصر العباسي األوّل)‪ .‬والرسالتان‬ ‫مطبوعتان‪ .‬وكانتا أوّل بحثين علميين في‬ ‫النقد األدبي بالمملكة العربية السعودية‬ ‫دون تخطيط للوصول إلى هذه األوّلية‪،‬‬ ‫بل توفيق من اهلل ومنّه‪ .‬وكــان موضوع‬ ‫(ابن قتيبة ناقدًا)‪ .‬عن جهود ابن قتيبة‬ ‫في كتاب الشعر والشعراء‪ .‬دون غيره من‬ ‫مؤلفات ابن قتيبة‪.‬‬ ‫أما موضوع رسالة الدكتوراه (اتجاهات‬ ‫نقد الشعر العصر العباسي األوّل) فقد‬ ‫أخذ وقتًا‪ ،‬وجهدًا كبيرين في التخطيط‪،‬‬ ‫واإلعــــداد‪ ،‬والتنفيذ‪ .‬تــأ ّلــف مــن أربعة‬ ‫أبــواب تناولت االتجاه اللغوي‪ ،‬واالتجاه‬ ‫األدب ــي‪ ،‬ثــم التوفيقي‪ ،‬والــرابــع االتجاه‬ ‫العقالني‪ .‬وامتد زمن الدراسة إلى آخر‬ ‫القرن الرابع عشر تقريبًا‪ .‬وكــان الذي‬ ‫دفعني إلى هذا الموضوع تلك اإلشــارة‬ ‫القيّمة التي أشار إليها األستاذ المرحوم‬ ‫طه إبراهيم في كتابه (تاريخ النقد األدبي‬ ‫عند العرب من العصر الجاهلي حتى‬ ‫القرن الرابع الهجري)‪ ،‬تحدّث فيها عن‬ ‫ذهنيّات عربيّة مختلفة اشتركت في تطور‬ ‫النقد األدب ــي‪ .‬اتسعت بعد ذلــك حدود‬ ‫الــرؤيــة النقدية فــي أعمالي فأخرجت‬ ‫االتجاه األخالقي في النقد حسب الرؤية‬ ‫الملتزمة بقيم االعتدال الفكري المنتمي‬ ‫يقينًا‪ .‬وبمناسبة تكريم معالي األستاذ‬ ‫عبدالعزيز الرفاعي بنادي ج ـدّة كتبت‬ ‫بهذه المناسبة (عبدالعزيز الرفاعي‬ ‫أدي ـ ًبــا)‪ ،‬وكــان الجامع النقدي العظيم‬ ‫الــذي نشرته عن (عمود الشعر العربي‬

‫مواجهات‬

‫ النشأة والمفهوم‪ .)-‬استنفد من وقتي‬‫وجهدي ثالث سنين متتالية ال يفصل بين‬ ‫أيامها يوم واحــد‪ ،‬وقد جاء فيما يقرب‬ ‫من ستمئة صفحة‪ .‬كنت أطمح أن أحقق‬ ‫فيه بعض األفكار التي تسهم في رسم‬ ‫النظرية النقدية‪،‬‬ ‫ولــم أخــرج على ما ذكــره المرزوقي في‬ ‫مقدمة الحماسة من أبواب عمود الشعر‬ ‫العربي عند العرب‪ ،‬سماه بعضهم نظرية‬ ‫النظم وهــو ليس كذلك‪ .‬ومــن القضايا‬ ‫التي تناولها أكثر مــن كتاب مــن كتبي‬ ‫(مــفــهــوم الــحــداثــة) ال ــذي أصــلــنــاه إلــى‬ ‫المعرفة القرآنية‪ .‬وكتاب (كــن مسلمًا‬ ‫ليبراليًا وال تكن ليبراليًا مسلمًا) في‬ ‫رسم طرق الحرية الفردية والجماعية‬ ‫إلى البحث في مسارات النقد واألدب من‬ ‫الوجهتين التاريخية والنقدية‪ .‬واستعمالنا‬ ‫لــفــظ (ال ــدي ــوان) مــحــل لــفــظ (الــمــلــف)‬ ‫لبعض مؤلفاتنا‪ .‬وتقديمنا بعض األفكار‬ ‫الجديدة لبعض اآلراء المبتكرة الجديدة‬ ‫كالحداثة القرآنية‪ ،‬والعوربة وغيرها‪.‬‬ ‫انفتاح مشروع الثقافة الجديد‪!..‬‬ ‫¦وزارة ال ـث ـقــافــة ب ـبــرام ـج ـهــا الـتـطــويــريــة‬ ‫وتحت مظلة رؤية ‪ 2030‬تستوعب الكثير‬ ‫مـ ــن األنـ ـشـ ـط ــة وال ـف ـع ــال ـي ــات ال ـث ـقــاف ـيــة‬ ‫ال ـت ــي ل ـه ــا دور م ـه ــم ف ــي ت ـش ـك ـيــل هــويــة‬ ‫الوطن‪ ،‬وهــذا ما أكــد عليه وزيــر الثقافة‬ ‫األم ـي ــر ب ــدر ب ــن ع ـب ــداهلل ب ــن ف ــرح ــان آل‬ ‫سعود وتوثيقا الهتمام خــادم الحرمين‬ ‫الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز‬ ‫وولي عهده محمد بن سلمان ‪ -‬حفظهما‬ ‫اهلل‪ .‬وف ــي تـصــريــح ســابــق ل ـس ـمــوه‪« :‬إنـنــا‬ ‫‪ 75‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫‪103‬‬


‫الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه اهلل‪.‬‬ ‫وولي عهده الشاب المثقف‪ ،‬وقد اختير‬ ‫من يقود سفينة الثقافة باقتدار سمو‬ ‫األمــيــر ب ــدر بــن عــبــداهلل بــن فــرحــان‪.‬‬ ‫وعلى رأس مخرجات الثقافة تحقيق‬ ‫الرؤية ‪ 2030‬التي تحمل في مشاريعها‬ ‫الــحــضــاريــة تأصيل هــويــة الــوطــن وفق‬ ‫روابط الدين واللغة والقيادة‪ .‬ومشتركات‬ ‫العالم المتحضر وانفتاح مشروع الثقافة‬ ‫الجديد بإنشاء وزارة مستقلة‪ ،‬ما هو إال‬ ‫دليل الغايات الكبرى التي يهيئ لها وزير‬ ‫الثقافة طرق المسيرة الثقافية المتنوعة‪.‬‬ ‫الثقافة السعودية ‪ ..‬ثقافة كونية‪!..‬‬ ‫سـنـعـمــل ف ــي الـ ـ ــوزارة عـلــى نـهــج تـشــاركــي‬ ‫مــع المبدع الـسـعــودي‪ ،‬فهو رأس الـمــال‪،‬‬ ‫وسنذهب بعيدً ا لخلق بيئة تدعم اإلبداع‬ ‫وتسهم في نموه‪ ،‬وسنفتح نوافذ جديدة‬ ‫ل ـل ـطــاقــة اإلب ــداعـ ـي ــة ع ـنــد ال ـس ـعــودي ـيــن‪،‬‬ ‫وستظل الثقافة السعودية نخلة سامقة‬ ‫في عالمنا»‪ .‬وأنت يا دكتور كناقد ومبدع‪،‬‬ ‫كيف تقرأ المشهد الثقافي العام الذي‬ ‫يمنحنا فضاء له خصوصية وأصالة؟‬ ‫‪ρ‬الثقافة اسم جامع لكل قول وفعل‪ ،‬وكل‬ ‫مخلوق منفوس مثقّف بما يحسن من نوع‬ ‫أو جنس ثقافي‪ .‬هذا إذا كنا نبحث عن‬ ‫الثقافة الكونية في عمومها‪ ،‬وخصوصها‪.‬‬ ‫وعلى هذا قل ما شئت‪ ،‬وافعل ما تريد‬ ‫فــأنــت مثقف‪ .‬وه ــذا الــفــضــاء العالمي‬ ‫للثقافة المعادل للحياة جعل الهم الثقافي‬ ‫ال يدانيه أوســعــهــم‪ .‬وجعل ذلــك محط‬ ‫أنظار القيادة الرشيدة‪ ،‬إذ أضحت من‬ ‫أولويات اهتمام خادم الحرمين الشريفين‬

‫‪104‬‬

‫العدد ‪75‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫¦‪ ...‬م ــن ضـمــن م ــا يـمـيــز ف ـضــاء الــدكـتــور‬ ‫مـحـمــد ب ــن مــري ـســي ال ـح ــارث ــي‪ ،‬ح ـضــوره‬ ‫المميز والكبير في الكثير من الندوات‬ ‫وال ـف ـعــال ـيــات الـثـقــافـيــة ع ـلــى الـمـسـتــوى‬ ‫المحلي والـعــربــي وه ــذا مــا يــدعــونــي أن‬ ‫أسألك‪ ،‬ما الذي يميز الساحة الثقافية‬ ‫السعودية عن الساحات األخرى؟‬ ‫‪ρ‬لكل مخلوق منفوس ثقافة‪ ،‬ولكل أمة‬ ‫ثقافة‪ .‬والثقافات تتعارض فيما بينها‪.‬‬ ‫والذي يميز الثقافة السعودية أنها ثقافة‬ ‫كونية إلهية مصدرها السماء‪ ،‬ومحركاتها‬ ‫االعتدال في النظرة البشرية إلى الحياة‪.‬‬ ‫التقليل من شأنها تقليل من شأن‬ ‫الرجل‪..‬‬ ‫¦رب ـم ــا كـ ــان ح ـض ــور ال ـ ـمـ ــرأة ي ـت ـف ــاوت من‬ ‫مجتمع آلخر‪ ،‬قد يكون أحد أسباب هذا‬ ‫التفاوت التكوين المجتمعي‪ ،‬ولكن من‬ ‫المالحظ أن حضور الـمــرأة في المنابر‬

‫مواجهات‬


‫اإلع ــام ـي ــة وال ـث ـقــاف ـيــة وم ـشــارك ـت ـهــا في‬ ‫الفعاليات في تزايد اآلن‪ ،‬ما رأيك؟‬ ‫‪ρ‬المرأة خلق بشري مكلف‪ ،‬عاقل‪ ،‬والحكمة‬ ‫من الخلق العبادة‪ .‬وهذا التكليف ال ينفرد‬ ‫بــه المذكر عــن المؤنث إال فــي حــاالت‬ ‫الرّخص العبادية التعبدية‪ .‬ودور المرأة‬ ‫في إقامة الحياة السويّة ال يحتاج إلى‬ ‫دليل لبعده عن حقائق الخلق؛ فالمرأة‬ ‫هــي األم‪ ،‬واألخ ــت‪ ،‬والبنت‪ ،‬والــزوجــة‪،‬‬ ‫والعاملة‪ ،‬وصاحبة الفعاليات االجتماعية‬ ‫الكبيرة‪ ،‬والتقليل من شأنها تقليل من‬ ‫شــأن الرجل‪ ،‬ولــن تكون في حاجة إلى‬ ‫سرد ما تؤديه المرأة في وجوب الحياة‪.‬‬ ‫واإلشــارات التي تُثار حول مكانة المرأة‬ ‫من مجتمع إلى آخر ليس لمصادرة دور‬ ‫المرأة في الحياة‪ ،‬وإنما لفروق في طبيعة‬ ‫الحياة بين المجتَمعَين‪ .‬ولو ضربت أمثلة‬ ‫حول حضور المرأة من عدمه على منابر‬ ‫الثقافة ألمكنك إعــادة النظر في بعض‬ ‫تصوراتك عن المرأة‪ ،‬فهل كل الرجال كانوا‬ ‫يحضرون منابر الثقافة؟ وهــل ارتكاب‬ ‫الخروج على السنن من فعل المرأة أو من‬ ‫فعل الرجل‪ ،‬أو منهما جميعًا؟ وهل هيأت‬ ‫العمل المناسب للمرأة والرجل على حدٍّ‬ ‫سواء؟ وهل األجود في اإلنتاجية في عمل‬ ‫الرجل دون المرأة؟ وهل‪ ..‬وهل‪..‬؟ أسئلة‬ ‫كثيرة ينبغي أن تجيب عنها قبل أن تصدر‬ ‫آراءك لتضع األمور من المرأة في مكانها‬ ‫الــصــحــيــح‪ .‬واعــلــم أن امــتــداح الــجــودة‬ ‫والحسن في عمل المرأة أو الرجل راجع‬ ‫إلى قيمة الفعل وليس إلى شخص الفاعل‬ ‫رجل كان أم امرأة‪.‬‬ ‫ً‬

‫مواجهات‬

‫من أسباب الحصول على الجوائز‪!..‬‬ ‫¦ت ـ ــم ت ـك ــري ـم ــك م ـ ــن عـ ـ ــدة ج ـ ـهـ ــات ك ـب ــرى‬ ‫«وزارة الثقافة واإلع ــام‪ ،‬اثنينية الشيخ‬ ‫ع ـبــدالـمـقـصــود خ ــوج ــة‪ ،‬جــام ـعــة األزه ــر‬ ‫ف ــي مــؤت ـمــرهــا ال ـع ـل ـمــي ال ـث ــان ــي»‪ ،‬فضال‬ ‫لحصدك لجوائز على المستوى المحلي‬ ‫وال ـعــربــي‪ ،‬وأي ـضــا مـشــاركــاتــك فــي ن ــدوات‬ ‫ومــؤت ـمــرات‪ ،‬ودورات تــدريـبـيــة‪ ،‬الـتـكــريــم‪،‬‬ ‫تـ ـق ــدي ــر م ـس ـت ـح ــق وت ــوثـ ـي ــق ل ـل ـم ـج ـهــود‬ ‫خاصا‬ ‫والتميز للكاتب‪ ،‬إضافة أن له وقعً ا ً‬ ‫في نفس الكاتب‪ ،‬د‪ .‬محمد بن مريسي‬ ‫الحارثي‪ ،‬ماذا يقول‪..‬؟‬ ‫‪ρ‬الحصول على التكريم المعنوي أو المادي‬ ‫أم ٌر مرغوب فيه من قبل المكرَّم بالفتح‪،‬‬ ‫أو المكرِّم بكسر الراء‪ .‬ويأتي على شكل‬ ‫شهادات تقدير مصحوبة أحيانًا بمكافآت‬ ‫مالية‪ .‬ومثل هذا الصنيع بال شك يزيد من‬ ‫توثيق العالقات بين المبدعين الثقافيين‬ ‫من جهة‪ ،‬وبين المانح للجائزة والحاصل‬ ‫‪ 75‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫‪105‬‬


‫عليها من جهة أخرى‪ .‬وهذه قضيّة عالميّة‬ ‫مقدّرة بقدرها‪ .‬وأنا لم أكتب بحثًا واحدًا‬ ‫متطلعًا إلى جائزة قد تأتي بعد الفراغ من‬ ‫العمل‪ ،‬وهذا ما كان من أسباب الحصول‬ ‫على الجوائز التي تشعرك بحضورك في‬ ‫المشهد الثقافي‪ .‬وتشعرك بحسن الثناء‬ ‫على ما قدمته‪ ،‬وجميل التقدير مهما كان‬ ‫مستوى التقدير ومكانه وقيمته‪ .‬ومن ال‬ ‫يشكر الــنــاس ال تجد مــن يشكره‪ .‬ومن‬ ‫ـور اجتماعية‬ ‫التكريم مــا يــأتــي فــي ص ـ ٍ‬ ‫كاإلحسان الذاتي للضيف‪ ،‬وللزائر‪ ،‬وبذل‬ ‫الــمــعــروف لمن يستحقه‪ .‬وأن ــت تعرف‬ ‫ضرب‬ ‫المثل (ال حُ َّر بــوادي عوف) فقد ُ‬ ‫المثل لمكانة عوف بن محلّم الشيباني‬ ‫مجمع اإلحسان لكل أحد‪:‬‬

‫أحسن إلى الناس تستعبد قلوبَهم‬ ‫لطالما استعبد اإلحـســان إنسانا‬ ‫يسيران جنبً ا إلى جنب‪!..‬‬ ‫¦بـ ـ ــرأيـ ـ ــك‪ ،‬مـ ـ ــا م ـ ـ ــدى مـ ـن ــافـ ـس ــة الـ ـكـ ـت ــاب‬ ‫اإللكتروني للكتاب الورقي «التقليدي»؟‬ ‫منفذ تستطيع الحصول منه على‬ ‫ٍ‬ ‫‪ρ‬أي‬ ‫إعانتك في نشر نشاطك العلمي سيكون‬ ‫قبلة االتجاه إليه لإلفادة‪ .‬وقد تطورت‬ ‫طرائق النشر في عصرنا‪ ،‬وهي تسير إلى‬ ‫زيادة تطوير كلما م ّر زمن جديد وأجيال‬ ‫جديدة‪ .‬لكن ليس كل جديد يلغي اإلفادة‬ ‫من كل قديم‪ .‬وسيبقى النشر الورقي‪،‬‬ ‫والنشر اإللكتروني يسيران جنبًا إلى‬ ‫جنب‪.‬‬ ‫ال علم لي بأسماء النوافذ‪!..‬‬ ‫¦«تويتر‪ ،‬فيس بوك‪ ،‬كيك‪ ،،‬وغيرها»‪ ،‬نوافذ‬

‫‪106‬‬

‫العدد ‪75‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫للتواصل االجتماعي المهمة والمنتشرة‬ ‫ع ـل ــى ال ـش ـب ـك ــة ال ـع ـن ـك ـب ــوت ـي ــة‪ ،‬مـ ــا م ــدى‬ ‫اهتمامك بهذه النوافذ؟‬ ‫‪ρ‬أح ــف ــادي عــلــى مــعــرفــة جــيّــدة بــنــوافــذ‬ ‫ال ــت ــواص ــل االج ــت ــم ــاع ــي اإللــكــتــرونــي‬

‫والتقليدي‪ ،‬ومعرفتي بنوافذ التواصل‬ ‫االجتماعي أميّة اليد واللسان! فال علم‬

‫لي بأسماء النوافذ‪ ،‬ووظائفها التعليمية‬

‫والعملية‪.‬‬

‫كنوز مكتبتي‪!..‬‬ ‫¦هـ ــل لـ ـلـ ـق ــارئ أن ي ـق ـت ــرب مـ ــن ع ــال ـم ــك‪،‬‬ ‫ويتعرف على محتوى مكتبتك؟‬ ‫‪ρ‬مكتبتي عامرة‪ ،‬وهلل الحمد بمجموعة‬ ‫كبيرة من المصادر والمراجع التراثية‬ ‫والجديدة‪ .‬وترتيب محتوياتها اآلن غير‬ ‫مريحة‪ ،‬وتحتاج إلى تهيئتها‪ ،‬لتعود كما‬ ‫كــانــت حــتــى ت ــؤدي دورهـ ــا كــمــا ينبغي‪.‬‬

‫وكنت قد بدأت باقتناء كنوز مكتبتي منذ‬ ‫مــراحــل الــدراســة الثانوية‪ ،‬وزرت أكبر‬

‫معارض الكتب‪ ،‬ودفعت أغلى األثمان في‬

‫موجوداتها‪.‬‬

‫«كالم في كالم»‪!..‬‬ ‫¦وماذا عن جديدك؟‬ ‫‪ρ‬الــجــديــد إعــــادة الــنــظــر فــيــمــا نــشــرت‪.‬‬ ‫واستكمال طباعة كتاب (الثقافة الكونية‬ ‫في الــقــرآن العظيم) واستكمال إعــداد‬

‫كتاب جديد عنوانه (كالم في كالم)‪.‬‬

‫مواجهات‬


‫رائدات عربيات‬ ‫التشكيلي‬ ‫في الفن‬ ‫ّ‬ ‫■ إعداد‪ :‬صبحة بغورة*‬

‫لم يكن الفن التشكيليّ العربي باألنامل الناعمة‪ ،‬حديث العهد في الساحة‬ ‫الفنية‪ ،‬وإنما يعود بروزه بشكل أكاديمي ومحترف إلى أوائل القرن الماضي بعد‬ ‫ظهور نخبة من الفنانات بالفطرة‪ ،‬عشقن اللون في صغرهن‪ ،‬فكان بمثابة حبهن‬ ‫الحقيقي‪ ،‬وتمكنّ مــن ثقل موهبتهن بالمزيد مــن الثقافة والعلم والمعرفة‪،‬‬ ‫فتملكن ناصية التعبير الفني عن جماليات الكون بعدما أدركن حقيقة الطبيعة‬ ‫وأسرار الكائنات‪ ،‬وانجذبن أكثر إلى هذا العالم وسط عاصفة ال تؤمن بالهدوء في‬ ‫عشق األلــوان‪ ،‬ووقفن في غمرة التأمل مشدوهات عن ما حولهن‪ ،‬يتلقين صدق‬ ‫وحيه وإلهامه‪ ،‬فأبدعن في استخدام الرمز وتأويلية المعاني‪ ،‬وحملت لوحاتهن‬ ‫حــوارًا للتاريخ ودعــوة لالنغماس في التأمل والتعلم بقوة األشـيــاء‪ ،‬ونجحن في‬ ‫الجمع بين فخامة الفن التشكيلي وأناقة لمسات الريشة وتألق روح الفنان‪ ،‬في‬ ‫أعمال‬ ‫ً‬ ‫أخاذة تجسد‬ ‫لوحات فنية تشرق ألوانها وتزدحم بحركات زاهية‪ ،‬وأشكال ّ‬ ‫فنية عالية الدقة‪ ،‬وفي منتهى االحترافية‪ ،‬تبرز في هندستها قوة الرسائل‪ ،‬ومهارة‬ ‫التعبير‪ ،‬ونبل المعاني‪.‬‬ ‫لقد استوحت الفنانة التشكيلية العربية برائحة الحياة والحركة الدائمة‪ ،‬يشعر‬ ‫بموهبتها صــورًا من واقعها االجتماعي الناظر إليها بعبق اللوحات يخرج من‬ ‫وبيئتها األصيلة‪ ،‬وترجمتها بمقدرة فنية الصورة ليمأل البصر باأللوان المختلطة‪،‬‬ ‫إلــى لوحات غاية في الجمال‪ ،‬مفعمة فأصبح التجول بين اللوحات الفنية يعد‬

‫نوافذ‬

‫‪ 75‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫‪107‬‬


‫بمثابة رحلة مجانية إلــى األعــمــاق‪ ،‬وكأنما‬ ‫أرادت الفنانة من خاللها الخوض بتجربتها‬ ‫اإلبداعية في اإليحاءات الداخلية عبر األلوان‬ ‫والهندسة المتناسقة‪ ،‬لتجسيد أعمال جذابة‬ ‫تخاطب الروح وتكشف عن رؤيتها الروحية‪.‬‬

‫الفنانة المصرية جاذبية سـري (‪2021 1925‬م)‬

‫لوحة حديث الحمامة‬

‫أكدت األعمال الفنية للتشكيليات العربيات‬ ‫ثــوابــت الــهــويــة واألصــالــة الــعــربــيــة‪ ،‬وأغنت‬ ‫الساحة الفنية بــمــدلــوالت ثقافية خالصة‬ ‫حفظتها من تأثيرات دعاة العولمة في الفنون‪،‬‬ ‫فحسم فنهن الهوية لصالح الثقافة الوطنية؛‬ ‫ألن لكل جماعة بشرية ثقافتها الخاصة‪،‬‬ ‫وبالتالي تأكدت مكانة الهوية الثقافية كاعتبار‬ ‫ثابت ومتحرك فــي الــوثــق نفسه‪ ،‬يمكن أن‬ ‫يتطور وينتقل بفعل الهجرات الكبيرة‪.‬‬ ‫وفيما يلي نــمــاذج لبعض رائـ ــدات الفن‬ ‫التشكيلي الالئي أثّرن في الحركة التشكيلية‬ ‫العربية والعالمية‪.‬‬ ‫التشكيلية المصرية جاذبية حسن سري‪:‬‬ ‫فنانة امتلكت حسً ا فنيًا رهيفًا‪ ،‬واغترف فنها‬ ‫موضوعاته مــن ينبوع الــتــاريــخ‪ ،‬وارت ــوى من‬ ‫الواقع المعاش‪ ،‬فعطرت ما رسمته بإحساس‬ ‫صادق من نبع فؤادها‪.‬‬

‫من أعمال الفنانة جاذبية سري‬

‫‪108‬‬

‫العدد ‪75‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫اهــتــمــت جــاذبــيــة حــســن ســـري الــفــنــانــة‬ ‫التشكيلية المصرية منذ نشأتها بحي بوالق‬ ‫الشعبي في القاهرة كثيرًا بالتأمل في طبيعة‬ ‫السلوكيات اليومية للشعب المصري‪ ،‬انطالقا‬ ‫من خصائص بيئتها الشعبية التي ترعرعت‬ ‫فيها وتأثرت بها‪ ،‬فأبرزت مالمح مجتمعها‬ ‫األصيلة في إطار فني تشكيلي مميز‪ ،‬وذلك‬ ‫بعد أن اتجهت بــدءًا من مرحلة الستينيات‬ ‫الماضية من التعبير الزخرفي إلى التعبير‬

‫نوافذ‬


‫الواقعي‪ ،‬وذلك قبل أن تبدأ في مرحلة أخرى‬ ‫مهمة من حياتها الفنية إلــى رســم الطبيعة‬ ‫وإبراز المناظر البيئية الجميلة‪ .‬حلّقت الفنانة‬ ‫بفرشاتها وألوانها األنيقة في سماء الفن‪،‬‬ ‫فسجلت بأعمالها الرائعة التي امتدت عبر‬ ‫عقود من الزمان تفاصيل الحياة المصرية التي‬ ‫تفاعلت معها بحماس على اختالف ظروفها‬ ‫السياسية واالجتماعية والثقافية‪ .‬عشقت‬ ‫التفاصيل وذابت في السالسل البشرية التي‬ ‫تموج بها األحياء الشعبية‪ ،‬فقامت برحلة بحث‬ ‫في قلب الحارة الشعبية‪ ،‬وراحت تستقي من‬ ‫ساكنيها المعرفة‪ ،‬وتتعرف من خاللهم على‬ ‫تفاصيل الــحــيــاة؛ فترسم النساء والــرجــال‬ ‫واألطفال في لوحات واقعية‪ ،‬كما أن إيمانها‬ ‫بحرية اإلنسان المقرونة بالعدالة االجتماعية‬ ‫جعلها تتفاعل مع الثورات التحررية‪ ،‬فترسم‬ ‫عن المقاومة الشعبية ودوره ــا الباسل في‬ ‫حرب بورسعيدـ وترسم عن ثورة يوليو ‪1952‬‬ ‫"أغنية الثورة"‪.‬‬

‫الفنانة الجزائرية باية محي الدين (‪1998-1931‬م)‬

‫ألوان تنبض بالحياة‬

‫وهــكــذا‪ ،‬تــواصــل عــطــاؤهــا وتفاعلها مع‬ ‫المجتمع خالل ثورة يناير ‪2011‬م وما تالها‬ ‫من موجات ثورية أدت إلــى تغيرات جذرية‬ ‫في المجتمع المصري‪ ،‬فآثرت أن تتحدث‬ ‫بإبداعاتها عن األمل المتجدد دائمًا‪..‬‬ ‫عكست في أعمالها الفنية صــوت الحياة‬ ‫بشكلها اإلنساني فأحدثت الدهشة‪ .‬تمتلك‬ ‫القدرة على رســم صــورة المشاعر وتلوينها‪،‬‬ ‫وتستوحي بموهبتها صورًا تترجمها إلى لوحات‬ ‫فنية غاية في الجمال‪ ،‬مفعمة برائحة الحياة‪.‬‬ ‫التشكيلية الـجــزائــريــة بــايــة محي الــديــن‪:‬‬ ‫واســمــهــا فــاطــمــة حـ ــداد‪ ،‬زوج ــة الموسيقار‬

‫نوافذ‬

‫صورة نادرة للفنانة باية بلباسها األمازيغي‬ ‫‪ 75‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫‪109‬‬


‫محفوظ محي الدين‪ ،‬فنانة تشكيلية جزائرية‪،‬‬ ‫عاشت يتيمة األبوين منذ والدتها‪ ،‬بدأت في‬ ‫صغرها بتشكيل تماثيل لحيوانات مختلفة‬ ‫وأخ ــرى لشخصيات مــن خيالها‪ ،‬ثــم بــدأت‬ ‫الرسم في سن ‪13‬عامًا‪ ،‬وفي أربعينيات القرن‬ ‫العشرين‪ ،‬استطاعت باية في سن ‪17‬عامًا من‬ ‫عمرها جذب انتباه كبار الفنانين في العالم‪ ،‬إذ‬ ‫قدمت رسومات باهرة األلوان‪ ،‬تخلو غالبا من‬ ‫الرجال‪ ،‬وتمتلئ بالنساء والطبيعة والحيوانات‪.‬‬

‫اهــتــم بــهــا الــنــحــات الــفــرنــســي بيريساك‬ ‫وشجعها وع ــرض رسوماتها على المؤلف‬ ‫ومنتج األفــام الشهير إيمي مايجت‪ ،‬وكان‬ ‫أن تم عرض أعمالها ألول مرة على الجمهور‬ ‫الفرنسي بباريس عام ‪1947‬م‪ ،‬واهتم بفنها‬ ‫الــفــنــان بابلو بيكاسو‪ ،‬وطــلــب منها رفقته‬ ‫لتعليمها أكثر أصــول الرسم‪ ،‬التقت الفنانة‬ ‫باية بأحد مؤسسي المدرسة التكعيبية‪..‬‬ ‫الفنان بيراك‪ ،‬ونالت أعمالها نجاحً ا كبيرًا‪،‬‬ ‫وصارت من أهم رموز السريالية في عصرها‬ ‫في عام ‪1963‬م اشترى المتحف الجزائري‬ ‫أعمالها ليتم عرضها في أكبر المناسبات‪،‬‬ ‫وواصلت باية محي الدين الرسم‪ ،‬وتم عرض‬ ‫جميع أعمالها في الجزائر وباريس والعالم‬ ‫الــعــربــي‪ ،‬والكثير منها محفوظ فــي لــوزان‬ ‫بسويسرا‪ .‬تعد الفنانة الراحلة باية محي الدين‬ ‫واحدة من أشهر الرسامين‪ ،‬واألغزر إنتاجا‪.‬‬

‫الفنانة العراقية مديحة عمر (‪2006-1908‬م)‬

‫لوحة للفنانة العراقية مديحة عمر‬

‫‪110‬‬

‫العدد ‪75‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫امتدت مسيرتها المهنية على مدى ستة‬ ‫عقود‪ ،‬وأصبحت فنانة محورية في تشكيل‬ ‫الحداثة الفنية المتميزة بشمالي إفريقيا‪،‬‬ ‫إذ مزجت في رسوماتها بين األبعاد األصيلة‬ ‫لهويتها العربية واألمازيغية وثقافتها الفرنسية‪،‬‬ ‫ويعد كبار الفنانين أعمالها الفنية بالرسومات‬ ‫ذاتية التعلم؛ ألنها فنانة فطرية لم تدخل‬ ‫المدرسة‪ ،‬إال إنها نجحت في االنفتاح على‬ ‫العالم انطالقًا من تمسكها التلقائي بالمنابع‬ ‫األصلية كمصادر تستقبل من خاللها إلهامها‬ ‫الجمالي بعد أن انفتحت بموهبتها على خيال‬ ‫المرئيات في بالدها‪ ،‬وكانت تستعيد وهي‬ ‫ترسم ذكرياتها البصرية فمثلت رسوماتها‬ ‫تعبيرًا صادقًا منها عن نفسها‪.‬‬

‫نوافذ‬


‫الفنانة الفلسطينية سامية الحلبي (‪1936‬م)‬

‫ال ـت ـش ـك ـي ـل ـي ــة الـ ـع ــراقـ ـي ــة م ــديـ ـح ــة حـســن‬ ‫تحسين‪ :‬ابتكرت الرسامة العراقية مديحة‬ ‫حسن تحسين زوجة الدبلوماسي ياسين عمر‬ ‫أسلوبها الفني الخاص باستحضار الحرف‬ ‫العربي في أعمالها الفنية‪ ،‬فأخذت الريادة‬ ‫فــي مــجــال الكشف عــن جماليات الحرف‬ ‫العربي في اللوحة‪.‬‬ ‫اشتهرت بدمج الخط مع الفن التجريدي‪،‬‬ ‫فكانت بذلك مقدمة لحركة «الــحُ ـرَف» وسمح‬ ‫ارتباطها بعمل زوجها الدبلوماسي العراقي ‪-‬‬ ‫والــذي كان يتنقل من دولة الى أخــرى‪ -‬منحها‬ ‫فرصة االط ــاع على فنون وتقاليد وثقافات‬ ‫مختلفة في الكثير من المجتمعات غير العربية‪،‬‬ ‫ومــن ضمنها الــحــركــات الفنية الحديثة في‬ ‫أوربا‪ ،‬مثل‪ :‬السريالية‪ ،‬والتكعيبية‪ ،‬والتجريدية‪،‬‬ ‫وغيرها‪ ،‬وتأثرت بها خاصة وإنها عاشت ظروف‬ ‫بــدايــة انطالقها وب ــروز اتجاهاتها الفكرية؛‬ ‫وبالتالي فقد شكلت لها مصادر عطاء وينابيع‬ ‫إبداع‪ ..‬فاندفعت النتزاع الحروف من وظيفتها‬ ‫اللغوية إلى استخدامها كعنصر جمالي‪ ،‬أو صور‬ ‫من عالم الفنتازيا واألحالم أو السريالية‪ ،‬فقد‬

‫نوافذ‬

‫جعلت أحرفها تسبح في فضاء اللوحة واكسبتها‬ ‫عمقًا روحيًا ولونيًا ورمزيًا‪ .‬تؤكد الفنانة مديحة‬ ‫أن الخط العربي لــه مــعـ ٍـان جمالية‪ ،‬وهــو في‬ ‫جــوهــره رم ــزي؛ لــذا‪ ،‬فمن الخطأ النظر اليه‬ ‫بوصفه مجرد أبعاد وأشــكــال هندسية فقط‪،‬‬ ‫وهي بذلك قد أعطت صورتين للخط العربي‪،‬‬ ‫األولــى أنــه له شخصية شكلية جمالية رائعة‪،‬‬ ‫والثانية هي صــورة صوتية مــقــروءة لها أبعاد‬ ‫رم ــزي ــة؛ وق ــد ربــطــت بــعــض األحــــرف ببعض‬ ‫الكائنات الحية‪ ،‬مثال الياء تشبه األفعى‪ ،‬والميم‬ ‫تشبه المفتاح‪ ،‬والالم تشبه السلم‪ ،‬وهكذا أعطت‬ ‫للحرف أبعادًا مجازية رمزية‪ .‬ونجحت الفنانة‬ ‫مديحة عمر في أن تحرر الحروف من صمتها‬ ‫الشكلي متأثره بالخطوط العربية المتشابكة‬ ‫على مــداخــل المساجد والــمــدارس القرآنية‬ ‫التي أوحت لها بالكثير من المعاني حين وقوع‬ ‫الحرف على اللوحة‪ ،‬وهي المعاني التي شكلت‬ ‫واقعًا تصويريًا تتخلى فيه كلماته عن وظائفها‬ ‫اللغوية لتجعله في خدمة الوظيفة الجمالية‪.‬‬ ‫لقد أسهمت الفنانة مديحة عمر ببحثها الدؤوب‬ ‫بإبراز الحرف العربي عبر الفن التشكيلي‪.‬‬ ‫كان لظهور السريالية تأثيرًا كبيرًا في إثارة‬ ‫الخيال لــدى مديحة عمر وبخاصة أعمال‬ ‫الفنان األسباني خوان ميرو‪ ،‬والفنان الفرنسي‬ ‫أندريه ماسون‪.‬‬ ‫التشكيلية الفلسطينية ســامـيــة حلبي‪:‬‬ ‫فنانة تشكيليّة وباحثة فلسطينيّة‪ /‬أمريكيّة‬ ‫تقيم في نيويورك‪ .‬تُعد أحد الرموز الرائدة‬ ‫عالميًا في الفن التجريدي وفن الديجيتال‬ ‫الــحــركــي‪ ،‬فــقــد كــانــت لــهــا تــجــارب تــعــاون‬ ‫مشتركة مع عازفين موسيقيين قامت بتحويل‬ ‫موسيقاهم إل ــى لــوحــات فــنـ ّيــة باستخدام‬ ‫‪ 75‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫‪111‬‬


‫لوحة للفنانة الفلسطينية سامية الحلبي‬

‫الحاسوب أمام الجمهور مباشرة‪.‬‬ ‫تتّسم لوحاتها بكبر حجمها وبالمربعات‬ ‫والنقاط والــدوائــر والمثلثات زاهية اللون‪،‬‬ ‫وضربات الريشة السلسة التي تجذب الناظر‬ ‫بــصــر ًيــا مــع ألـ ــوان األرج ــوان ــي والــمــرجــانــي‬ ‫والــفــيــروزي والفوشيا المشبعة؛ وتوصفت‬ ‫لوحاتها بأنها مفرحة ومتفائلة‪ ،‬تحمل أعمالها‬ ‫أحيانًا تلميحات مجازية‪ ،‬وتبرهن السمفونية‬ ‫البصرية التي تتمتّع بها أشكالها وألوانها‬ ‫على مهارتها التقنية كفنانة مزجت مغامرة‬ ‫حياتها الشخصية بقوة الخلق اإلبداعي في‬ ‫عملية االبتكار‪ ،‬كان هاجسها هو قضية شعبها‬ ‫المصيرية من خالل أكثر تقنيات التصوير‬ ‫الرقمي ديجيتال حداثة ظل إلهامها مشرقيا‬ ‫برغم أنها نشأت فنيًا بالغرب‪ ،‬مثلت تجاربها‬ ‫في الفن التفاعلي بمثابة إعالن عن انفصالها‬ ‫عن كل مفهوم تقليدي للفن‪ ،‬كما ظل موقفها‬ ‫السياسي مشحونا بطاقة غامضة تقدم‬ ‫الجمال المنتهك على الهتافات‪ ،‬لتؤكد بذلك‬ ‫أنها فنانة قضية شعب تقيم في الفن‪ ،‬إنها‬ ‫ابنة خيالها التجريدي الجامح الذي يحرك‬ ‫في أعماقها ذائقة جمالية أبقتها ميزانًا في‬

‫‪112‬‬

‫العدد ‪75‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫التعرف على الحقيقة‪ ،‬فهي ما تزال ال ترى‬ ‫مصيرها فــي المنفى األمــريــكــي إال معلقًا‬ ‫بديل‬ ‫ً‬ ‫بين طرفي معادلة لن يكون أحدهما‬ ‫عن اآلخر‪ ،‬الوطن والفن‪ ،‬القضية والجمال‪،‬‬ ‫والحقيقة أنها تعيش الفن باعتباره وطنًا‪،‬‬ ‫وتمارس صنع الجمال اعتباره قضية‪ ،‬وفي‬ ‫الحالتين تبقى فلسطين حاضرة في مفهومي‬ ‫الفن والجمال‪ .‬عندما يلتبس عليها األمر‬ ‫كونها فلسطينية تكابد هاجسها الداخلي‬ ‫حيث يمتزج فيه الحنين مع األلم‪ ،‬وهي عالمية‬ ‫من جهة أخرى بمشروعها الفني الذي أضفى‬ ‫على تجربتها الفنية نوعً ا من األلم المصحوب‬ ‫بلذة الكشف عن مفردات ذاكرتها التي تبعث‬ ‫في كل لحظة رسم‪ ،‬ترى بين األمرين نفسها‬ ‫رسولة جمال من نــوع خــاص تعيشه خياليًا‬ ‫وهــي تتلمس طــريـ ًقــا فــي الحلم إلــى وطن‬ ‫حقيقي بعد أن احتواها الفن في وطن آخر‬ ‫شمولي وشاسع كادت أن تنزلق فيه إلى الكف‬ ‫عن البحث عن وطن بديل‪.‬‬ ‫التشكيلية السعودية صفية بن زقر‪ :‬فنانة‬ ‫تشكيلية سعودية‪ ،‬ولدت في عام ‪1940‬م‪ ،‬من‬ ‫رائدات الفن التشكيلي في السعودية ومنطقة‬ ‫تهامة‪ ،‬تمتلك صفية بن زقــر دارًا في جدة‬ ‫أسستها بهدف توثيق التراث السعودي‪.‬‬ ‫المحافظة على التراث االجتماعي والفولكلور‬ ‫هو ما تميزت به الفنانة في رسوماتها كمبدأ‪،‬‬ ‫وتقدم من خــال الــدار ورش عمل لألطفال‬ ‫والكبار‪ ،‬ودورات تدريبية‪ ،‬ومحاضرات عن‬ ‫الفن التشكيلي‪ .‬لديها العديد من المؤلفات‬ ‫الفنية‪ ،‬وشاركت في نشاطات ثقافية كثيرة‪ ،‬كما‬ ‫خاصا بها مثل معرضها‬ ‫ً‬ ‫معرضا‬ ‫ً‬ ‫أنها أقامت‬ ‫الشخصي في باريس بجاليري دورون‪ ،‬وتعرض‬

‫نوافذ‬


‫يستوقف جمال المشاهد في لوحاتها‬ ‫كل متأمل في أعمالها الفنية‪ ،‬ليتأكد من‬ ‫حقيقة موهبتها في الرسم الذي ما إن يقرأ‬ ‫المرء تفاصيله حتى يــدرك أنها أقــرب ما‬ ‫تكون إلى الشعور؛ فهي فنانة ترسم الرقة‬ ‫في هدوء ودقة‪ .‬تنبهت في المراحل األولى‬ ‫لعالقتها بالفن إلى التغيير الكبير في صور‬ ‫الحياة اليومية التقليدية؛ ما حفزها على‬ ‫الفنانة السعودية صفية بن زقر‬ ‫االهتمام بتوثيق التراث عبر لوحاتها الفنية‬ ‫التي كرستها لهذا الــهــدف‪ ،‬محددة بذلك‬ ‫مسارها الفني الذي تمضيه في االغتراف‬ ‫مــن مــاضــي الــنــاس لــتــغــذي بــه حاضرهم‬ ‫ومستقبلهم‪ ،‬واختارت لهذا المسار أسلوب‬ ‫الــتــأثــيــريــة الــصــادقــة‪ ،‬إذ تُــظــهــر لوحاتها‬ ‫بتفصيل ودقة فنية الجوانب المتعددة للحياة‬ ‫االجتماعية في محيطها وبيئتها المحلية‪،‬‬ ‫وه ــذه هــي الــمــادة األســـاس لموضوعاتها‬ ‫الفنية‪ .‬وتطور في خالل ذلك أسلوبها الفني‪،‬‬ ‫لوحة للفنانة السعودية صفية بن زقر‬ ‫وتأثر بأساليب كبار الفنانين التأثيريين أو‬ ‫االنطباعيين التشكيليين‪ ،‬كما ظهر تأثير فن‬ ‫شرقي آسيا في التلوين على لوحاتها مثل‬ ‫لوحة «امرأة بدوية»‪ ،‬ولكنها نجحت تدريجيًا‬ ‫في التخلص من هذا التأثر حتى أصبح لها‬ ‫أسلوبها المستقل الذي جعلته يتناسب مع‬ ‫التراث المستوحى في لوحاتها‪ .‬وتنوع صفية‬ ‫أدواتــهــا الفنية بتنوع موضوعاتها‪ ،‬وتلجأ‬ ‫لوحة للفنانة السعودية صفية بن زقر‬ ‫إلــى الــرســوم األولــيــة السريعة مــن الصور‬ ‫أعمالها في عدة دول‪ ،‬منها‪ :‬الواليات المتحدة‪ ،‬الضوئية‪ ..‬فأثرت بلوحاتها مسار الريادة‬ ‫واليابان‪ ،‬والسويد‪ ،‬وإسبانيا‪ ،‬ولبنان‪ ،‬وإنجلترا‪ ،‬الناعمة‪ ،‬منطلقة من المحلية إلى العالمية‬ ‫وتستخدم عادة في لوحاتها الباستيل واأللوان بخطوات واثقة‪ ،‬وبمقدرة فائقة على التحكم‬ ‫في المادة الخام لتطويعه في العمل الفني‪.‬‬ ‫الزيتية واأللوان المائية‪.‬‬ ‫* كاتبة ‪ -‬الجزائر‪.‬‬

‫نوافذ‬

‫‪ 75‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫‪113‬‬


‫عبداهلل العلي النعيم‬ ‫مواقف وقصص‬ ‫■ محمد بن عبدالرزاق القشعمي*‬

‫التقيت الشيخ عبداهلل العلي النعيم‪ ،‬ألول مرة‪ ،‬في الملحقية الثقافية السعودية‬ ‫بالرباط‪ ،‬إذ صادف أن أقيم األسبوع الثقافي السعودي بالمملكة المغربية‪ ،‬وكنت‬ ‫وقتها أعمل مديرً ا لمكتب الرئاسة العامة لرعاية الشباب باألحساء‪ ،‬وشاركت‬ ‫سكرتيرً ا للوفد‪ ،‬وكان برئاسة الدكتور صالح أحمد بن ناصر؛ وكيل وزارة اإلعالم‬ ‫وقتها‪ ،‬وضمن برنامج زيارة الوفد للمؤسسات الرسمية جرى زيارة الملحق الثقافي‬ ‫محمد العبدالسالم‪ ،‬وصــادف أن كان يُعقد بالرباط المؤتمر الخامس لمنظمة‬ ‫المدن العربية مطلع عام ‪1977‬م‪ ،‬وقد شارك معالي األستاذ عبداهلل العلي النعيم‬ ‫في المؤتمر بصفته أمينًا لمدينة الرياض‪.‬‬ ‫وقد استأثر معاليه بالحديث‪ ،‬وكانت يحيى بــن جنيد عالقة و ّد واحــتــرام‪،‬‬

‫األســئــلــة واإلج ــاب ــة مــنــه عــن الــريــاض فكلفني بــمــهــمــة بــرنــامــج جــديــد هو‬ ‫ونظافتها؛ إذ كان حديث عهد في تولّي (تسجيل الــتــاريــخ الشفهي للمملكة)‬ ‫أمانتها‪ ،‬فأعجبت بحيويته ونشاطه وبــدأنــا بالتسجيل مــع كبار السن من‬ ‫وسرعة بديهته وثقته بنفسه‪.‬‬ ‫تــاريــخ ‪1415/4/20‬هــــــــ مــع األســتــاذ‬

‫وعند تقاعدي من العمل بالرئاسة الــراحــل عبدالكريم الجهيمان‪ ،‬وذلك‬ ‫تعاقدت مع مكتبة الملك فهد الوطنية‪ ،‬بــأن يُــدعــى الضيف لــزيــارة المكتبة‬

‫وكان النعيم يشغل وظيفة رئيس مجلس والتجول في أهم أجنحتها‪ ،‬ثم يتوجه‬ ‫أمنائها‪ ،‬وكانت تربطني بأمينها الدكتور إلــى االستديو ويــجــري التسجيل معه‬

‫‪114‬‬

‫العدد ‪75‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫نوافذ‬


‫األستاذ عبداهلل العلي النعيم‬

‫بالصوت والــصــورة لمدة ال تقل عن ثالث‬ ‫ساعات‪ ،‬ليحفظ ضمن مقتنيات المكتبة‪،‬‬ ‫وبعد الظهر‪ ،‬يقام حفل غداء في استراحة‬ ‫المكتبة يشارك فيه الضيف والمسؤولون‪..‬‬ ‫وهكذا‪.‬‬

‫فــقــال‪ :‬مــن ضيفك الــيــوم؟ فــأجــبــتــه‪ :‬أنــت‬ ‫ضيفي‪ ،‬فحاول االعتذار والتأجيل‪ ،‬ولكني‬ ‫أصرّيت‪ ،‬فاشترط أال يزيد اللقاء معه عن‬ ‫ساعة ونصف‪ ،‬فوعدته بذلك‪ ،‬ولكن حديثه‬ ‫أو المحطات المهمة في حياته ال تنتهي‪،‬‬ ‫فاتفقت معه على موعد جديد‪ ،‬وكل شهر‬ ‫أذكــره‪ ،‬ولم يتسنَّ لنا اللقاء إ ّال بعد عشرة‬ ‫أش ــه ــر‪ ،‬إذ صــلــيــنــا الــظــهــر وكـ ــان مسجد‬ ‫المكتبة بجوار االستديو‪ ،‬وكان أول من يقوم‬ ‫من المسجد‪ ،‬فقمت وســددت أمامه باب‬ ‫المصعد‪ ،‬وطلبتُ منه بشيء من الحدة أن يفي‬ ‫بوعده ويكمل ما بدأنا‪ ،‬فضحك وقال‪ :‬أمري‬ ‫هلل‪ ،‬وسجلت معه مثل ما سبق‪ ،‬ومع ذلك لم‬ ‫نأت على نهاية ذكرياته‪ ،‬فت ّم ذلك بلقاء ثالث‬ ‫ِ‬ ‫بعد سبعة أشهر بتاريخ ‪1420/5/18‬هـ‪.‬‬

‫أصــبــح الشيخ النعيم يتابع مــا يجري‬ ‫ويشجع باالستمرار ويقترح بعض األسماء‪،‬‬ ‫وك ــان مــوعــد حــضــوره للمكتبة يــوم األحــد‬ ‫من كل أسبوع‪ ،‬ويصادف بعد التسجيل مع‬ ‫الضيف أن أدعوه لزيارة أمين المكتبة‪ ،‬وإذا‬ ‫كان يوم األحد أدعــوه لزيارة رئيس مجلس‬ ‫األمناء‪ ،‬وكان يستبشر ويرحب بي ويسألني‪:‬‬ ‫عــســاك خــرفــتُــه؟ بــضــم ال ــت ــاء وباللهجة‬ ‫القصيمية المحببة‪ ،‬وك ــان الــحــرص على‬ ‫استقبال بعض الضيوف مثل المشايخ محمد‬ ‫قــال إنــه وُل ــد بعنيزة فــي شهر شعبان‬ ‫السبيل‪ ،‬وعبداهلل العقيل‪ ،‬والدكاترة عبداهلل‬ ‫‪1350‬هـ ـــ ديسمبر ‪1931‬م‪ ،‬وتعلم ب ُكتَّاب‬ ‫عمر نصيف‪ ،‬ومحمود طيبة‪ ،‬وتركي بن خالد‬ ‫الــدامــغ ‪-‬ضعيف اهلل‪ ،-‬ثم مدرسة صالح‬ ‫السديري وغيرهم‪.‬‬ ‫بن صالح التي تشبه الــمــدارس النظامية‪،‬‬ ‫وفي يوم ‪1419/2/23‬هــــ زرتــه صباحً ا‪ ،‬وبعد السنة الخامسة انقطع عن الدراسة‬

‫نوافذ‬

‫‪ 75‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫‪115‬‬


‫لعدم وجود سنة سادسة‪ ،‬فبدأ يدرس على‬ ‫أيدي المشايخ بالمسجد وذكر منهم‪ :‬محمد‬ ‫المطوع وعبدالرحمن العودان وعبدالرزاق‬ ‫عفيفي وعبدالرحمن بن سعدي‪ ،‬رحمهم‬ ‫اهلل‪ ،‬وكــان يساعد والــده بالبيع والــشــراء‪،‬‬ ‫فتحمّس وأخذ بضاعة إلى مكة (تمر وقرع)‬ ‫وباعها‪ ،‬ثم انتقل منها إلى الرياض‪ ،‬ثم إلى‬ ‫المنطقة الشرقية‪ ،‬فعمل في محطة بنزين‬ ‫مسؤول عن تعبئة‬ ‫ً‬ ‫لدى التاجر علي التميمي‬ ‫الــســيــارات بــالــوقــود‪ ،‬فحصل أن نــام أثناء‬ ‫العمل‪ ،‬فجاء أحدهم فعبأ سيارته وأخبر‬ ‫رئيسه ففصله عن العمل‪ ،‬فذهب إلى مقاول‬ ‫خط البترول من رأس تنورة إلى حدود األردن‬ ‫(خط التابالين)‪ ،‬فعمل في حفر مواقع م ّد‬ ‫األنابيب ووضع عالمات عليها‪ ،‬وبعد سنة‬ ‫ونصف جمع مبلغ أربعمئة ريــال‪ ،‬فعاد إلى‬ ‫عنيزة ليسلمها لوالده ويتزوج (أم علي) التي‬ ‫رافقته ألكثر من سبعين سنة رحمها اهلل‪.‬‬ ‫بعد أسبوعين من زواجه اتصل به أستاذه‬ ‫صالح بن صالح الذي أصبح يدير المدرسة‬ ‫العزيزية طالبًا منه االلتحاق بالمدرسة‬ ‫أستاذًا وليس طالبًا كما كان‪.‬‬ ‫وفي العام التالي ‪1371‬هـ افتُتِح المعهد‬ ‫العلمي‪ ،‬فالتحق بــه مــراق ـ ًبــا‪ ،‬وك ــان يُدفع‬ ‫للطالب مئتا ريال مكافأ ًة شهريّة؛ مما أغرى‬ ‫بعض طــاب المدرسة الثانوية بااللتحاق‬ ‫بالمعهد‪ ،‬فخشي أن ينقص طالب المدرسة‬ ‫الثانوية‪ ،‬فانتقل إلى المدرسة وتنقّل بين‬ ‫المدرسة والمعهد ليشجع الطالب على عدم‬ ‫ترك المدرسة‪ ،‬وأغرى بعض طلبة المعهد‬

‫‪116‬‬

‫العدد ‪75‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫بالعودة إليها‪ ،‬فشكاه مدير المعهد‪ ،‬فعاد‬ ‫وكيل لها‪ ،‬وخالل عمله‬ ‫ً‬ ‫للثانوية مدرّسً ا ثم‬ ‫أنشأ مع زمالئه ناديًا ثقاف ّيًا له كيان مستقل‪،‬‬ ‫ناد ينشأ في نجد‪ ،‬صارت تقام‬ ‫وقيل إنه أول ٍ‬ ‫به الحفالت والندوات‪ ،‬ويدعى بعض األدباء‬ ‫الستضافتهم إللقاء محاضرات‪ ،‬ونظّ م مع‬ ‫الطلبة زيــارة للرياض فالمنطقة الشرقية‪،‬‬ ‫وركبوا ألول مرة القطار‪ ،‬وجرت زيارة شركة‬ ‫(أرامكو) وزيارة أمير المنطقة األمير سعود‬ ‫بن جلوي الذي احتفى بهم وأقام لهم حفل‬ ‫غداء‪.‬‬ ‫ثم وشى به بعض المتعصبين وقالوا‪ :‬إنه‬ ‫يحمل أفــكــارًا هـدّامــة‪ ،‬فأمر الملك سعود‬ ‫بإرسال لجنة من المشايخ برئاسة محمد بن‬ ‫جبير‪ ،‬فحققوا معه وثبتت براءته‪ ،‬ومع ذلك‬ ‫وكيل للمدرسة الثانوية‬ ‫ً‬ ‫نُقل إلى جده‪ ،‬فعيّن‬ ‫النموذجية‪ ،‬وبعد سنة زار الرياض فعرض‬ ‫عليه المسؤولون أن يكون مــدي ـرًا لمعهد‬ ‫المعلمين‪ ،‬وبعد سنوات أصبح مديرًا عا ّمًا‬ ‫للتعليم في منطقة نجد ‪1378-77‬هـ‪ .‬انتقل‬ ‫بعدها للعمل أمينًا لجامعة الملك سعود‪،‬‬ ‫وكان وقتها ال يحمل إال الشهادة االبتدائية‪،‬‬ ‫فأحدثت الوزارة نظامًا لكبار موظفي الدولة‬ ‫ألخــذ شهادة المرحلة المتوسة والثانوية‬ ‫أسموه (نظام الثالث سنوات) فالتحق به‪،‬‬ ‫وكان يشترط أن يكون المتقدم قد أمضى‬ ‫خمس سنوات منذ حصوله على االبتدائية‪،‬‬ ‫وحتى اليتّهم بمجاملة من سيختبره على‬ ‫اعتباره رئيسه‪ ،‬انتقل ألداء االمتحان في‬ ‫األحساء‪ ،‬وحصل على التوجيهية‪ ،‬وبعدها‬

‫نوافذ‬


‫انتسب بكلية اآلداب في قسم التاريخ وحصل‬ ‫على شــهــادة البكالوريوس بثالث سنوات‬ ‫بمرتبة الشرف‪.‬‬

‫جنيد (الساعاتي) بتجميع الكتب واألوقاف‬ ‫والمكتبات الــخــاصــة والــعــامــة وفهرستها‬ ‫وتصنيفها حتى ينجز المبنى الجديد‪ ،‬وتولى‬ ‫الشيخ النعيم رئاسة مجلس أمنائها ألكثر من‬ ‫خمس عشرة سنة‪.‬‬

‫واص ــل دراســتــه العليا فــقــرر أن يلتحق‬ ‫بجامعة لندن‪ ،‬وعمل في الملحقية الثقافية‬ ‫أذك ــر أنــنــي سألته عند التسجيل معه‬ ‫مشرفًا على طالب الدراسات العليا بالمملكة‬ ‫المتحدة‪ ،‬وحصل على الماجستير في تاريخ (التاريخ الشفهي) عن األعمال التي يضطلع‬ ‫بها والمسؤوليات المكلف بها‪ ،‬فــرد علي‬ ‫الجزيرة العربية‪.‬‬ ‫بلهجته المحببة‪ :‬أخاف (تنحتن) يا محمد؛‬ ‫وقدم لنيل الدكتوراه‪ ،‬وعند زيارته للرياض‬ ‫يعني ال تحسدني‪ ..‬خوفًا من العين‪.‬‬ ‫أثناء أزمــة الغاز طلبوا منه تولي مسؤولية‬ ‫قــال إنــه يشرف على بعض المؤسسات‬ ‫حلّها ولو لبضعة أشهر‪ ،‬فانتقل إلى جده ومكة‬ ‫والظهران لتسهيل أمور وصول األسطوانات اإلنــســانــيــة‪ ،‬ومــنــهــا‪ :‬مــركــز األمــيــر سلمان‬ ‫وسهولة تسليمها‪ ،‬فاستعان بالجيش لنقل االجتماعي‪ ،‬وهــو جمعية خيرية‪ ،‬ورئيس‬ ‫البراميل من الظهران إلى مناطق المملكة‪ ،‬مجلس مــركــز صــالــح بــن صــالــح الثقافي‬ ‫فعيّن مديرًا عامًا للشـركة‪ ،‬وفي عام ‪1396‬هـ واالجتماعي بعنيزة‪ ،‬وإدارة المعهد العربي‬ ‫كلّف بالعمل أمينًا ألمانة مدينة الرياض‪ ،‬إلنماء المدن‪ ،‬وشركة الغاز‪ ،‬والمكتبة‪ ،‬فتجده‬ ‫واستمر بها حتى عام ‪1411‬هـ‪ ،‬وحقّق الكثير يوزع أيام األسبوع على هذه الهيئات بكل ج ّد‬ ‫من اإلنــجــازات؛ إذ فتح فروعً ا لألمانة في رغم بلوغه الثمانين من عمره المديد‪.‬‬ ‫مدينة الرياض‪ ،‬وتولت شركات متخصصة‬ ‫تحدث أثناء التسجيل عن بعض المواقف‬ ‫نظافة المدينة‪ ،‬ولعله مــن المناسب ذكر والقصص التي تــروى‪ ،‬ومنها ضربه طالب‬ ‫بعض ما سعى له وحققه بتوجيه ومــؤازرة مدرسة اليمامة الثانوية عندما كان مديرًا‬ ‫ـضــربــون‬ ‫سمو أمــيــر منطقة الــريــاض‪ ،‬وعــنــد تولي للتعليم؛ إذ ســمــع ب ــأن الطلبة ُمـ ْ‬ ‫(الملك) فهد ‪-‬رحمه اهلل‪ -‬المُلك قرر رجال ورافــضــون دخــول قاعة االمــتــحــان‪ ،‬فذهب‬ ‫األعمال بالرياض إقامة حفل بالمناسبة‪ ،‬لهم وكانوا محتجين على امتحان مادة اللغة‬ ‫وكان الملك وقتها بالمنطقة الغربية فعرضوا الفرنسية‪ ،‬فــحــاول معهم بالحسنى حتى‬ ‫عليه ذلك فاعتذر‪ ،‬وطلب تخصيص المبالغ اليعدّوا راسبين في المادة‪ ،‬وكانوا متضامنين‬ ‫المعدة للحفل لمشروع ينفع البلد‪ .‬فاستقر فيما بينهم رافضين االنصياع‪ ،‬فشعر بحرج‬ ‫ال ــرأي على أن ينشئ فــي الــريــاض مكتبة مــن الــمــوقــف فــاضــطــره إلــى رمــي مشلحه‬ ‫عامة تحولت فيما بعد إلــى مكتبة الملك وأخذ عقاله وانهال على أقرب الطلبة إليه‬ ‫فهد الــوطــنــيــة‪ ،‬فكلف الــدكــتــور يحيى بن بــالــضــرب‪ ،‬فضرب األول والــثــانــي فتدافع‬

‫نوافذ‬

‫‪ 75‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫‪117‬‬


‫المسؤول إلصــاح الخلل فــورًا‪ ،‬وكــان يتابع‬ ‫ما ينشر في الصحف من مقاالت وصور‬ ‫وكاريكاتير‪ ،‬فيصورها ويشرح عليها توجيهه‬ ‫أو تساؤله عن الموضوع ومعالجته‪.‬‬ ‫أقام مركز صالح بن صالح حفل تكريم له‬ ‫حافل‬ ‫ً‬ ‫في المركز في ‪1423/2/17‬هـ‪ .‬وكان‬ ‫بالعواطف‪ ،‬حضره أمناء دول الخليج العربي‬ ‫وغيرهم من الوزراء والمسؤولين في المملكة‬ ‫وغيرها‪ ،‬وقد وقّع الكتاب الذي أعده الدكتور‬ ‫إبــراهــيــم الــتــركــي بــعــنــوان (عــبــداهلل العلي‬ ‫النعيم‪ ..‬اإلدارة باإلرادة)‪ .‬وله لقاء أسبوعيّ‬ ‫بمنزله لالجتماع بأصدقائه وأقــاربــه مع‬ ‫مواصلته للقاءات التي تجري أسبوع ّيًا مع‬ ‫أصدقائه وزمــائــه‪ ،‬مثل لقاء الجمعة مع‬ ‫البقية إلى قاعة االختبار وانتهى األمر‪ .‬يقول الدكتور عبدالعزيز الخويطر ‪-‬رحمه اهلل‪-‬‬ ‫فجاء أحد الطلبة وقال له أنت ضربتني‪ ،‬وأنا ولقاء الخميس واالثنين مع األستاذ محمد‬ ‫أه ّم بالدخول ولست من المحرضين‪ ،‬فأخذ الفريح وغيرهما‪.‬‬ ‫قائل‪ :‬اضربني بدل ضربي‬ ‫عقاله وسلمه له ً‬ ‫أصدر مؤخرًا كتابه (بتوقيعي‪ ..‬حكايات‬ ‫لك‪ ،‬فانتهى الموقف بالضحك‪.‬‬ ‫من بقايا السيرة) وفوجئت بوصوله لمنزلي‬ ‫يــحــضــرنــي مــا قــالــه الــمــهــنــدس يوسف رغــم جائحة كــورونــا‪ ،‬وقــد أكرمني بإهداء‬ ‫نصه‪« :‬سعادة األخ العزيز الزميل‬ ‫الذكير‪ ،‬مدير فــرع األمانة بالروضة‪ ،‬قال بخطّ ه هذا ّ‬ ‫فــي مقابلة صحفية بمجلة الــيــمــامــة‪ :‬إنّ محمد عبدالرزاق القشعمي المحترم رمز‬ ‫النعيم يقول لنا ال تناموا إال بجوار النافذة‪ ،‬محبة واحــتــرام وتقدير للزمالة ولجهودك‬ ‫وأخرجوا أيديكم‪ ..‬وبمجرد إحساسكم ببدء الكبيرة في التسجيل الشفهي لشخصيات‬ ‫المطر عليكم باإلسراع إلى مواقع عملكم كــثــيــرة لحفظها فــي مكتبة الــمــلــك فهد‬ ‫الميداني!‬ ‫الــوطــنــيــة الــتــي عملنا فيها كــزمــاء فترة‬ ‫وكـــان يــذهــب لــلــحــارات ويــتــفــقــد أوجــه طويلة منذ التأسيس‪ .‬أخوكم‪ ،‬توقيع» بتاريخ‬ ‫الــقــصــور واألخ ــط ــاء‪ ،‬وفــي المكتب يرسل ‪1442/3/25‬هـ‪.‬‬

‫* كاتب سعودي‪.‬‬

‫‪118‬‬

‫العدد ‪75‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫نوافذ‬


‫كورونا وراء ظهورنا‬ ‫■ محمد علي حسن اجلفري*‬

‫قبل بضع سنوات‪ ،‬استقبل أحد رجــال القانون المعتبرين في جدة أصدقاءه‬ ‫مازحا‪ :‬ال أحب‬ ‫بعد غياب مثير لألشواق‪ ،‬وعند اللقاء كان يتجنب العناق ويقول ً‬ ‫العناق مع ذوي الشوارب‪ .‬لم يكن يدري أحد وقتئذ ما يخبئه لنا قادم األيام من‬ ‫حظر العناق‪ ،‬بل وصل األمر إلى درجة عدم المصافحة باليد‪.‬‬ ‫فقد هجمت الجائحة الكورونية المؤذنين لرفع األذان‪ ،‬ويضيفون بعد‬ ‫على الكون‪ ،‬وواجهناها داخل المملكة ندائهم «حي على الفالح» النداء (أال‬ ‫بكل اإلجــراءات الحكومية والشعبية صلُّوا في بيوتكم) وبعضهم ينادون‬ ‫والطبية الممكنة‪ .‬والتزم الماليين (أال صلوا في رحالكم)‪ ،‬ثم يقفلون‬ ‫ـال ونساء وكــبــارًا وصــغــارًا بلبس المساجد حتى يأتي اإلشعار بفتحها‪.‬‬ ‫رجـ ً‬ ‫الكمامات‪ .‬وحمل العابدون سجاداتهم‪ ،‬وكانت أطول فترة تعليق الصالة في‬ ‫فكنت ترى المصلين إذا أذن المؤذن المساجد نحو ‪ 73‬يوما حتى عدنا‬ ‫يحملون سجاجيدهم الشخصية إلى فــي ‪ 23‬يونيو ‪ 2020‬م الــمــوافــق ‪8‬‬ ‫المساجد‪ .‬ثم تفاقم الخوف‪ ،‬فمرت شوال ‪1441‬هـ‪ .‬فقضينا عيد الفطر‬ ‫علينا فترات اجتناب الصالة جماعة وكذا رمضان محجورين داخل بيوتنا‪.‬‬ ‫والتزام الصالة في البيوت‪ .‬وال يدخل وتنادى أهل األدب والثقافة بضرورة‬ ‫المساجد خالل تلك الفترات سوى العزلة‪ .‬ف «في العزلة سالمة» كما‬

‫نوافذ‬

‫‪ 75‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫‪119‬‬


‫جاء في المأثورات عن السلف الصالح‪ .‬وتحملت تكاليف باهظة لتجنب انتشار‬ ‫والــتــزم الجميع بــقــرارات حظر التجول الوباء‪ .‬ثم ذكر مثاال يدلل على كالمه أن‬

‫فــي الفترات التي قررتها المملكة‪ ،‬بل شركة الطيران األلمانية لوفتهانزا تقدر‬ ‫حتى عدم االنتقال من مدينة إلى أخرى خسائرها بسبب الجائحة بمليون يورو في‬ ‫في فترات معينة‪ .‬وأخــذ جرعات حقن الساعة الواحدة‪.‬‬ ‫المناعة األولــى‪ ،‬والثانية‪ ،‬وحتى الثالثة‪.‬‬

‫ولقد ضربت الجائحة الدول المتقدمة‬

‫ومن جاء من الخارج فعليه المكوث في أكثر من غيرها‪ .‬فقد نشأت في الصين‪.‬‬

‫فندق للحجر عدة أيام قبل أن يرجع إلى وجاءتني رسالة طريفة من قريب لي في‬ ‫منزله‪.‬‬

‫اإلمارات العربية المتحدة في ‪ 16‬نوفمبر‬

‫وحققت المملكة بحمد اهلل تقدمًا ‪ 2020‬م يقول فيها‪:‬‬ ‫عــالـ ًيــا على عــشــرات الـــدول المتضررة‬ ‫بــالــكــورونــا‪ .‬وخــســرت شــركــات الطيران‬ ‫مليارات الــريــاالت‪ .‬وقد ورد إلى جوالي‬ ‫من صديق من كينيا مقال كتبه في ألمانيا‬ ‫البروفسور حسين التوي (أستاذ بجامعة‬

‫عيد ميالد سعيد يا كورونا‬ ‫االسم الكامل‪ :‬كوفيد ‪19‬‬ ‫تاريخ الميالد ‪2019/11/17‬م‬ ‫مكان الميالد‪ :‬الصين‪.‬‬ ‫ولكن نالت الهند مــن ألواه ــا نصيب‬

‫دار ماشتات بألمانيا) قال فيه‪ :‬إن ألمانيا األسد‪ .‬وقد سألت اثنين من رجال التعليم‬ ‫رغم أنها دولة صناعية أوقفت مصانعها‪ ،‬في الهند عن الوفيات نتيجة وباء كورونا‬

‫‪120‬‬

‫العدد ‪75‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫نوافذ‬


‫فــوجــدت النتيجة واح ــدة رغــم أنهما ال‬ ‫بعضا‪ .‬ومصدرهما بال‬ ‫ً‬ ‫يعرفان بعضهما‬ ‫شــك وزارة الصحة الهندية‪ .‬وذك ــر لي‬ ‫األستاذ فضل اهلل ميرالبي وكيل جامعة دار‬ ‫السالم الهندية أن العدد اإلجمالي للموتى‬ ‫شخصا من بين ‪ 43‬مليون ممن‬ ‫ً‬ ‫‪522000‬‬ ‫أصيبوا بكورونا في داخــل الهند‪ .‬ودلل‬ ‫على كالمه بــإحــصــاءات المصابين في‬ ‫الواليات الهندية التي تعرضت للجائحة‪.‬‬ ‫وأرسل الصديق م‪ .‬مانهبالن أستاذ اللغة‬ ‫العربية بإحدى جامعات كيراال (يقال إن‬ ‫اسمها األصلي خير اهلل) الرقم نفسه‬ ‫خالل الفترة الماضية حتى إبريل ‪2022‬م‪.‬‬ ‫بدأت كورونا في المملكة فعليا في ‪7‬‬ ‫رجب ‪1441‬هـــ الموافق ‪ 2‬مارس ‪2020‬م‬ ‫حسب مصادر وزارة الصحة السعودية‬ ‫وبلغت الوفيات حتى شهر أبريل ‪2022‬‬ ‫في المملكة ‪ 9043‬وفــاة‪ .‬وفــي منتصف‬ ‫ذي القعدة ‪ 1441‬هـ قررت المملكة إيقاف‬ ‫الحج من الخارج بسبب كورونا واقتصار‬

‫وتــم منع صــاة الجنازة على الموتى‬

‫الحج على نحو ‪ 50000‬حاج من الداخل داخــل المساجد‪ ،‬بــل تكون الــصــاة في‬

‫ومع احترازات وقائية‪ .‬وقبل ذلك بشهر المقبرة المقرر الدفن فيها مع اقتصار في‬ ‫احتجت إلى مقاالت من جرائد قديمة‪ ،‬عدد المشيعين‪ .‬وتم اقتصار المدعوين في‬ ‫فذهبت إلــى مكة المكرمة لتصويرها حفالت الزواج على ‪ 50‬فردًا‪ .‬ويتفق أهل‬

‫من مكتبة الحرم المكي الشريف بحي العرس على عــدد ضيوف محدد يقرره‬ ‫النسيم بمكة‪ ،‬ولكن الحراس منعوني من أهــل العروسين‪ ،‬ضمن العدد المسموح‬

‫دخول المبنى‪ ،‬إذ إنه لم يكن من المسموح به فقط‪ .‬وال يستبعد أن بعضهم وهو في‬ ‫الدخول إال للعاملين بالمكتبة فقط‪.‬‬

‫نوافذ‬

‫غاية اإلحــراج قام بترتيب برنامج‬

‫‪zoom‬‬

‫‪ 75‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫‪121‬‬


‫لمن لم يُسمح له بالحضور شخصيًا من‬ ‫الرجال أو النساء‪ .‬وقد بلورت الجائحة‬ ‫«الحاجة أم االختراع» بال منازع‪.‬‬ ‫لكننا نستطيع القول باطمئنان إن هذه‬ ‫الجائحة رجعت القهقرى كثيرا وبخطى‬ ‫متسارعة‪ ،‬وذلك إلى درجة إلغاء التباعد‬ ‫بين المصلين في الصفوف بالمساجد في‬ ‫‪3‬شعبان‪ 1443‬هـ الموافق ‪ 6‬مارس ‪2022‬م‪.‬‬ ‫فصاروا يصلون كتفا إلى كتف كما كانوا‬ ‫في مسيرة ‪ 1400‬عام منذ أن افترض اهلل‬ ‫الصالة على المسلمين في رحلة اإلسراء‬ ‫والمعراج‪ .‬وظهر النصر المبين في توافد‬ ‫أكثر من مليوني عابد وناسك إلــى بيت‬ ‫اهلل الحرام ليلة ختم القرآن الكريم في‬ ‫‪ 28‬رمضان ‪1443‬هـــ الموافق ‪ 29‬إبريل‬ ‫‪2022‬م‪ .‬وأما في المدينة المنورة‪ ،‬فقد‬ ‫قــال لــي األســتــاذ أحمد محمود‪ ،‬رئيس‬ ‫تحرير جريدة المدينة األسبق وهو من‬ ‫أهل المدينة أن عدد العابدين والعاكفين‬ ‫بغير عد وال حد‪ ،‬وأنه ُمنِع الدخول إلى‬ ‫المسجد النبوي بعد العصر (ليلة السبت‬ ‫‪ 28‬رمــضــان ليلة خــتــم ال ــق ــرآن) ورجــع‬ ‫كثيرون إلى مساجد أخرى‪ .‬وذكر لي مدير‬ ‫مدرسة في المدينة المنورة أن جمهور‬ ‫الحاضرين فــي تلك الليلة بلغ مليوني‬ ‫مصل مع الساحات‪ .‬ولك أن تتصور هذه‬ ‫الحشود الهائلة تحتاج إلى طعام السحور‬ ‫ولــم تتوقع محالت األطعمة نصف هذا‬

‫‪122‬‬

‫العدد ‪75‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫نوافذ‬


‫الزحام فباعت كل ما لديها وبقي عشرات‬ ‫األلوف ممن لم يخطر ببالهم شدة الوطأة‬ ‫ال بد أنهم صاموا طاوين‪ .‬مثلهم مثل ابن‬ ‫كريمتي وأمه اللذين وقعا في زحام مكة‬ ‫المكرمة في العشر األواخــر من رمضان‬ ‫هذا العام فتسحرت األم على كأس فيمتو‪،‬‬ ‫لم تجد سواه‪ ،‬وتسحر ابنها على كاس ماء‬ ‫زمزم فحسب‪.‬‬ ‫ولمواجهة هــذا الوضع الكظيظ فإن‬ ‫الــدولــة أيــدهــا اهلل جندت ثمانية آالف‬ ‫فرد لتنظيم الحشود في المسجد الحرام‬ ‫وحده‪ ..‬وإال ألدى الزحام إلى فوضى قاتلة‬ ‫بين مئات األلوف‪ .‬ويحق للمملكة وقادتها‬ ‫أن يفخروا بتوفيق اهلل لهم في إدارة هذه‬ ‫الحشود بكل نجاح‪.‬‬ ‫أذكــر ذلك ألنه مفصل محوري جديد‬ ‫يجب تسجيله في عداد السنوات المتميزة‬ ‫في تاريخ المدينتين المكرمتين المنورتين‪.‬‬

‫نوافذ‬

‫‪ 75‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫‪123‬‬


‫وتبخر الرعب الذي أصاب المجتمع من وصل إليه تأثير الكورونا على األسواق‪.‬‬ ‫أي شخص يعطس‪ .‬وكنا قد عشنا زمنا إذا ولما سكنا في الفندق بالمدينة المنورة‬ ‫حلت نوبة عُطاس بأحد فإن الذين بجواره كــانــت أجـ ــرة شــقــة ذات غــرفــتــيــن ‪170‬‬ ‫يلتمسون أي عذر لالنفضاض من حوله‪ ،‬ريــاال‪ .‬فلما انجلت الغمة سافر ابني مع‬ ‫ويفرون من المزكوم «فرارك من األسد»‪ .‬والدته في ‪ 19‬رمضان ‪1443‬هـــ الموافق‬ ‫وأصـــــاب ك ــورون ــا الــتــجــارة بــالــركــود ‪2022/4/20‬م بــعــد انــجــاء الجائحة‬ ‫والــجــمــود‪ ..‬فلقد سافرت من جــدة إلى واستأجروا الغرفتين ذاتهما بما يقارب‬

‫المدينة المنورة عصر األحــد ‪ 7‬محرم ثالثة أضعاف القيمة التي دفعناها قبل‬ ‫‪1443‬هـ‪ .‬ووصلنا في نصف الطريق تقريبا ثمانية أشهر‪.‬‬ ‫إلى مطعم وجدناه بصعوبة تناولنا فيه ما‬

‫وقد أبلت وزارة الصحة السعودية‪ ،‬وكذا‬

‫تيسر مــن طعام شهي‪ .‬وعند الحساب بقية الجهات الحكومية السعودية بالء‬ ‫دفعت ورقة ‪ 500‬ريال للعامل الباكستاني حسنا في مواجهة الوباء‪ ،‬وعلى الوتيرة‬

‫فقال إنه لم ير هذه الورقة منذ سنتين نفسها س ــارت الصحافة السعودية إذ‬ ‫وليس عنده صرف!‬ ‫قامت بدور بناء في االصطفاف الوطني‬ ‫كلمة هذا العامل الباكستاني لخصت ما ضد كوفيد ‪ 19‬ومتحوالته‪.‬‬

‫‪124‬‬

‫العدد ‪75‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫نوافذ‬


‫وأسهمت مجلة «الجوبة» في أكثر من‬ ‫عدد بمناقشة سبل المناعة من جائحة‬ ‫كــورونــا‪ .‬ووقــفــت واســتــوقــفــت «الــجــوبــة»‬ ‫قراءها بشهادات ونصوص بهذا الخصوص‬ ‫في العدد ‪ 68‬الصادر في صيف ‪1441‬هـ‬ ‫(‪2020‬م)‪.‬‬ ‫وشاركت الصحافة وهي ثماني صحف‬ ‫يومية والمجالت األسبوعية والشهرية‬ ‫والفصلية فــي توعية الــنــاس بالعزلة‪،‬‬ ‫والــكــمــامــات‪ ،‬والتطعيم‪ ،‬وغير ذلــك من‬ ‫االحــتــرازات لمواجهة انتشار الفيروس‪.‬‬ ‫وقــد بلغت المواد الصحفية في وسائل‬ ‫اإلعـــام الــســعــودي مــن أخــبــار وتقارير‬ ‫وتعليقات حول كورونا ما يقدر باألالف‪..‬‬ ‫وبــعــد ان ــج ــاء الــغــمــة فــقــد حــضــرت‬ ‫الحاجة لنشر أجــواء الفرح‪ .‬فافرحوا يا‬ ‫حملة القلم‪ ،‬وزغردن يا نساءنا‪ ،‬وتفاءلوا يا‬ ‫معشر التجار فقد أصبحت الكورونا وراء‬ ‫ظهورنا‪.‬‬ ‫لقد انصرم من حياتنا زمن حزين ونحن‬ ‫آت زين‪ ..‬وليس عندي شك أن‬ ‫على أبواب ٍ‬ ‫النادل الباكستاني في المطعم على طريق‬ ‫المدينة المنورة ســوف يجري بين يديه‬ ‫الكثير من ورقات البنكنوت أم ‪ 500‬ريال‪.‬‬ ‫إن مع العسر يسرا‪ .‬إن مع العسر يسرا‪.‬‬ ‫* نائب مدير مركز معلومات عكاظ سابقا‪.‬‬ ‫مترجم‪.‬‬

‫نوافذ‬

‫‪ 75‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫‪125‬‬


‫الخبرة األكاديمية‬ ‫والممارسة الثقافية في األسبوعية‬ ‫■ أ‪ .‬د‪.‬عبداهلل بن عبدالرحمن احليدري*‬

‫تتميز بلدنا المملكة العربية السعودية بوجود‬ ‫الصالونات األدبية أو الثقافية في معظم المدن‬ ‫الكبرى‪ ،‬وغير الكبرى؛ بل نجدها في مدن صغيرة‬ ‫أو مراكز صغيرة‪ ،‬وهذه الظاهرة الفتة‪ ،‬وتدل على‬ ‫شـغـ ٍـف بــالـثـقــافــة والـمـعــرفــة فــي مجتمعنا‪ ،‬إذ لم‬ ‫تستطع الـمــؤسـســات الثقافية الرسمية أن تلبي‬ ‫رغباته كاملة‪ ،‬فكان أن ولــدت ظــاهــرة الصالونات‬ ‫الثقافية‪ ،‬أو المنتديات‪ ،‬أو المجالس‪ ،‬أو سمها ما‬ ‫ملموسا منذ عقود‬ ‫ً‬ ‫شئت‪ ،‬المهم أنها أصبحت واقعً ا‬ ‫مضت تزيد عن الستة بوالدة خميسية عبدالعزيز الرفاعي رحمه اهلل بالرياض‪،‬‬ ‫وما تالها بعد ذلك من مجالس ومنتديات‪ ،‬مثل‪ :‬اثنينية عبدالمقصود خوجة في‬ ‫جدة‪ ،‬ومجلس حمد الجاسر في الرياض‪ ،‬وثلوثية د‪ .‬محمد المشوّح في الرياض‪،‬‬ ‫ومجلس أوراف األدبي في الرياض‪ ،‬وأحدية أحمد المبارك في األحساء‪ ،‬وصالون‬ ‫ســارة الثقافي فــي الـخــرج‪ ،‬وغـيــرهــا؛ وأضـحــت هــذه األمــاكــن غير الرسمية رديفً ا‬ ‫للمؤسسات الثقافية الرسمية‪ ،‬ولها تأثيرها وحضورها الالفت‪.‬‬ ‫بل إن هناك كتبًا تصدت للتأريخ لهذه كتابه «الصالونات األدبية في المملكة‬ ‫المجالس على مستوى المملكة‪ ،‬ومنها الــعــربــيــة الــســعــوديــة‪ :‬رص ــد وتــوثــيــق»‪،‬‬ ‫ما ألفه سهم بن ضاوي الدعجاني في (‪1427‬هـ‪2006/‬م)‪ ،‬وأحمد الخاني في‬

‫‪126‬‬

‫العدد ‪75‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫نوافذ‬


‫كتابه «الصالونات األدبية في المملكة العربية‬ ‫السعودية»‪1427( ،‬هــــــ‪2006/‬م)‪ ،‬والطبعة‬ ‫الثانية عام (‪1433‬هـ ـــ‪2012/‬م)‪ ،‬وما صدر‬ ‫عن اثنينية عبدالمقصود خوجة من رصد‬ ‫لها ولألندية األدبية‪ ،‬وحمل الكتاب عنوان‬ ‫«المنتديات واألنــديــة األدبــيــة في المملكة‬ ‫العربية الــســعــوديــة»‪1430( ،‬هـــــــ‪2009/‬م)‪،‬‬ ‫إضافة إلى كتاب الدكتور عالي بن سرحان‬ ‫الــقــرشــي ال ـ ــذي اقــتــصــر عــلــى الــتــأريــخ‬ ‫للمنتديات في منطقة مكة المكرمة‪ ،‬وعنوان‬ ‫كتابه «المنتديات الثقافية في منطقة مكة‬ ‫الــمــكــرمــة»‪ ،‬وص ــدر عــن دار االنــتــشــار في‬ ‫بيروت عام ‪2021‬م‪.‬‬ ‫ومن بين هذه المجالس الراقية «أسبوعية‬ ‫األستاذ الدكتور عبدالمحسن القحطاني»‬ ‫التي انطلقت فعالياتها عام ‪1433‬هـ‪2012/‬م‬ ‫فــي مدينة ج ــدة‪ ،‬وهــي مدينة عريقة في‬ ‫الثقافة‪ ،‬ومكان له عبقه الثقافي وصيته‪،‬‬ ‫ثم إن مؤسس األسبوعية رجل يحمل خبرة‬ ‫أكاديمية طويلة في الجامعة‪ ،‬ويحمل خبرة‬ ‫واسعة في الممارسة الثقافية الرسمية ممثلة‬ ‫في إدارته الناجحة لواحد من أعرق األندية‬ ‫األدبية وأهمها وأكثرها حراكًا‪ ،‬وهو النادي‬ ‫األدبي الثقافي في جدة‪ ،‬وإضافة إلى المكان‬ ‫الذي تتوافر فيه عوامل النجاح‪ ،‬والمؤسس‬ ‫وعميد المجلس الذي يملك العلم والخبرة‬ ‫والــمــمــارســة‪ ،‬فــإن الــدكــتــور عبدالمحسن‬ ‫القحطاني شخصية لها ثقلها في الوسط‬ ‫الثقافي‪ ،‬وله عالقات واسعة جدًا بشرائح‬ ‫المثقفين‪ ،‬بل إن عــددًا منهم من تالميذه؛‬ ‫ومن هنا‪ ،‬كانت مهمته في التنظيم والترتيب‬ ‫لفعاليات األسبوعية ميسرة وسلسة ساعدته‬

‫نوافذ‬

‫على أن تنتظم المناشط وتتنوع‪ ،‬وأن تكسب‬ ‫أسماء كبيرة من كل جهات الوطن‪.‬‬ ‫وقــد رســم الدكتور القحطاني بخبرته‬ ‫األكاديمية خطة لتوثيق كل الفعاليات في‬ ‫كتب تصدر تباعً ا عن مركز ثقافي يحمل‬ ‫‪ 75‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫‪127‬‬


‫هنا غدت مجلدات األسبوعية الثمانية هذه‬ ‫مراجع يعتد بها‪ ،‬في حين أن بعض المجالس‬ ‫األدبية تراخت وتساهلت في مسألة التوثيق‪،‬‬ ‫ففقدت العديد من الفعاليات‪ ،‬ولَم تستطع‬ ‫أن تعوض ذلك‪.‬‬ ‫وقـ ــد كـ ــان ل ــي شـ ــرف الــمــشــاركــة في‬ ‫األسبوعية بمحاضرة فــي عــام ‪١٤٣٨‬ه ـــ‪/‬‬ ‫‪٢٠١٦‬م‪ ،‬وهــذا يعني أن عميد األسبوعية‬ ‫الدكتور عبدالمحسن القحطاني لم يقتصر‬ ‫على الضيوف القريبين مكانًا في جدة أو‬ ‫مكة المكرّمة أو الطائف‪ ،‬بل سعى إلى أن‬ ‫يكون هناك ضيوف ومشاركون من خارج‬ ‫منطقة مكة المكرّمة‪.‬‬

‫اسمه‪ ،‬وهو «مركز عبدالمحسن القحطاني‬ ‫للدراسات الثقافية»‪ ،‬فصدرت عن المركز‬ ‫ثمانية أجزاء وثقت فعاليات عشر سنوات‪،‬‬ ‫وفــــي نــحــو ث ــاث ــة آالف صــفــحــة‪ ،‬وهــي‬ ‫محاضرات لشخصيات المعة في المجتمع‪،‬‬ ‫ومتنوعة في تخصصاتها واهتماماتها‪ ،‬ومن‬

‫‪128‬‬

‫العدد ‪75‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫وكـــان أن طــلــب أن أخــتــار أي مــوضــوع‬ ‫مــنــاســب‪ ،‬فــاخــتــرت الــحــديــث عــن معجم‬ ‫المطبوعات العربية في المملكة العربية‬ ‫السعودية للدكتور علي جواد الطاهر‪ ،‬وعنوان‬ ‫المحاضرة بالتحديد «منجز لــم يُنصف‪:‬‬ ‫معجم المطبوعات للطاهر نموذجً ا»‪ ،‬وكانت‬ ‫سعادتي غامرة بأن قدم للمحاضرة واحد‬ ‫ممن لهم قدم راسخة في األدب وله مكانة‬ ‫في قلبي‪ ،‬وهو األستاذ محمد علي قدس‪،‬‬ ‫كما حظيت الفعالية بحضور نوعي أثرى‬ ‫المحاضرة بالتعقيب واإلضافة واالستدراك‪،‬‬ ‫وهــو مــا أفــادنــي فيما بعد حينما حوّلت‬ ‫المحاضرة إلــى كتاب عنوانه «علي جواد‬ ‫الــطــاهــر وجــهــوده فــي الــتــأريــخ ل ــأدب في‬ ‫المملكة العربية السعودية»‪ ،‬وصدر في عام‬ ‫‪١٤٤٢‬هـ‪٢٠٢٠/‬م عن دارة الملك عبدالعزيز‬ ‫في مئة وعشر صفحات‪.‬‬ ‫كما كان لهذه المحاضرة في األسبوعية‬

‫نوافذ‬


‫نصيب فــي الــتــوثــيــق‪ ،‬فــنــشــرت كــامــلــة مع‬ ‫ال ــم ــداخ ــات ف ــي ال ــج ــزء الـــســـادس من‬ ‫محاضرات األسبوعية‪.‬‬ ‫كما أن مــزايــا هــذه األســبــوعــيــة ثقافة‬ ‫مــؤســســهــا‪ ،‬ومــعــرفــتــه الــتــامــة بــضــيــوفــه‪،‬‬ ‫ومنجزاتهم‪ ،‬ومؤلفاتهم‪ ،‬وسيرهم الذاتية؛‬ ‫لذا‪ ،‬فالضيف يحظى بكلمة نوعية مركزة من‬ ‫عميد المجلس تقدمه خير تقديم للحضور‪،‬‬ ‫وتجعلهم على مسافة قريبة مــن حياته‬ ‫وأعماله واهتماماته‪.‬‬ ‫وبــعــد‪ ،‬فتعد الــصــالــونــات الثقافية في‬ ‫المملكة ظاهرة حضارية‪ ،‬وتدل على الشغف‬

‫بالثقافة والمعرفة في بلدنا الغالي‪ ،‬وهي‬ ‫رواف ــد مهمة للعمل الثقافي المؤسسي‪،‬‬ ‫وأرى أنها كيانات يجب أن نحافظ عليها‬ ‫وأن ندعمها؛ إذ هي محاضن ثقافية مهمة‪،‬‬ ‫كيان واحـ ٍـد له مجلس‬ ‫ويمكن تنظيمها في ٍ‬ ‫إدارة ينتخب من بين أصحاب الصالونات‬ ‫أنفسهم‪ ،‬وترسم لها خطة بأن تهتم باحتواء‬ ‫الــشــبــاب وتنمية مــواهــبــهــم وحفظهم من‬ ‫الــتــيــارات المتطرفة والمنحرفة‪ ،‬وتكريم‬ ‫الفاعلين في المجتمع في كل المجاالت‪ ،‬وأن‬ ‫تسعى مجتمعة إلى توثيق فعالياتها وتقريبها‬ ‫لجمهور القرّاء‪.‬‬

‫* أستاذ األدب والنقد في جامعة اإلمام محمد بن سعود اإلسالمية‪.‬‬

‫نوافذ‬

‫‪ 75‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫‪129‬‬


‫في الحاجة إلى‬ ‫المعارك الثقافية!‬ ‫■ صخر املهيف*‬

‫يعرف المغرب منذ عقود قليلة ظاهرة غريبة جدً ا تتمثل في االنتقال الهادئ‬ ‫والسلس في أطواره الثقافية أثناء تبني أشكال تعبيريّة جديدة‪ ،‬أو عند تبني تيار‬ ‫جديد من تلك التيارات التي عرفها هذا الشكل التعبيري أو ذاك‪.‬‬ ‫لقد شهدت حقبة ثمانينيات القرن‬ ‫الماضي ظهور جماعة مــن الشعراء‬ ‫الشباب‪ ،‬تخلت عن عروض الفراهيدي‬ ‫فــي كتابة القصيدة‪ ،‬فــي إطــار موجة‬ ‫معركة‬ ‫ٍ‬ ‫عارمة‪ ،‬بيد أن ذلك لم يثر أي‬ ‫بين المؤيدين والمعارضين من شأنها‬ ‫أن تغني الخزانة الثقافية المغربية‬ ‫والعربية‪ ،‬وتدفع بالسؤال المعرفي إلى‬ ‫األمام‪.‬‬ ‫لــقــد خــدمــت الــمــعــارك الـ ّثــقــافــيــة‬ ‫الــتــي عرفتها مــصــر فــي عشرينيات‬ ‫وثالثينيات الــقــرن الــمــاضــي الثقافة‬ ‫المصرية والعربية بشكل عام‪ ،‬واشتد‬

‫‪130‬‬

‫العدد ‪75‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫أوار هذه المعارك لما أصدر طه حسين‬ ‫كتابه الشهير «في األدب الجاهلي»‪ ،‬ثم‬ ‫كتب سلسلة مقاالت يدافع فيها عن‬ ‫مشروعه الثقافي التنويري ضد هجمات‬ ‫خصومه اإليديولوجيين المحافظين‪،‬‬ ‫وأهــمــهــم مصطفى ص ــادق الــرافــعــي‪،‬‬ ‫على صفحات جريدة السياسة‪ .‬وقد‬ ‫جمع طه حسين مقاالته في كتاب شيق‬ ‫عنوانه «حديث األربعاء»‪ ،‬وهو الكتاب‬ ‫ال ــذي مــا ت ــزال طبعاته تــتــوالــى حتى‬ ‫الساعة؛ ألن القضايا التي أثارها ما‬ ‫تزال رائجة‪ ،‬على الرغم من أن مياها‬ ‫كثيرة جرت تحت الجسر الثقافي منذ‬ ‫ذل ــك الــحــيــن إل ــى اآلن‪ ،‬وبــخــاصــة أن‬

‫نوافذ‬


‫معركة طه حسين مع الرافعي كانت معركة‬ ‫سياسية في العمق بين مشروعه الليبرالي‬ ‫ومشروع صــادق الرافعي التقليدي الحالم‬ ‫برجعة الــخــافــة وأمــجــادهــا ال ــذي تزامن‬ ‫تاريخيًا مع نشأة اإلسالم السياسي بالعالم‬ ‫العربي‪ ،‬وصعود اليمين المتطرف في ألمانيا‬ ‫وإيطاليا وإسبانيا‪ ،‬غير أنها معركة لبست‬ ‫ردا ًء ثقافيا بعث الدفء في أوصال الثقافة‬ ‫العربية الجامدة‪.‬‬

‫من جهة أخرى‪ ،‬لعبت المعركة الشرسة‬

‫التي خاضها أعضاء الديوان الثالثة‪ :‬المازني‬

‫والعقاد وشكري في مواجهة رمــوز حركة‬ ‫البعث الشعري الكالسيكية‪ ،‬شوقي وحافظ‬ ‫وم ــط ــران‪ ،‬دورًا مــهـ ًمــا فــي حــركــة تجديد‬

‫الشعر العربيِّ ‪ ،‬ومهَّدت لظهور الالحق من‬ ‫الــتــحــوالت الــتــي ســتــطــرأ عــلــى القصيدة‬

‫العربية بــدءًا من الشعر الرومنسي‪ ،‬مرورًا‬

‫بالقصيدة الحرة على يد فرسانها العراقيين‬ ‫الثالثة‪ :‬بلند الحيدري وبدر شاكر السيّاب‬

‫ونازك المالئكة‪ ،‬قبيل مت ِّم أربعينيات القرن‬ ‫الماضي‪ ،‬وانتها ًء بقصيدة النثر التي حمل‬

‫لواءها شعراء «مجلة شعر» التي تأسست‬ ‫سنة ‪1957‬م ببيروت‪ ،‬وبرز فيها شعراء كبار‬ ‫من أمثال أنسي الحاج وأدونــيــس ومحمد‬ ‫الماغوط‪ ،‬وهو ما بشر بميالد معركة ثقافية‬

‫بين الجديد والقديم‪ ،‬بين تيار ينتصر للتحرر‬ ‫من قيود العمود وعروض الخليل والجاهز من‬

‫مصطفى صادق الرافعي‬

‫القوالب‪ ،‬وتيار آخر تحرر من كل قيود الوزن‬

‫والقافية‪ ،‬فبحث للقصيدة عن إيقاع داخلي‬

‫يخرج بها عن التقليد‪ ،‬ومن ثم اشتعل نقاش‬ ‫فكريٌّ وأيديولوجيٌّ بين أنصار التيارين رفع‬ ‫مستوى المعرفة بالشعر إلى أعلى‪ ،‬وأسهم‬ ‫في إغناء البحث األكاديمي في الجامعة‬

‫العربية‪ ،‬على الرغم من أعطابها المختلفة‪.‬‬

‫كــانــت الــســاحــة الثقافية المغربية قد‬

‫شــهــدت بــعــض الــمــنــاوشــات فــي ستينيات‬

‫طه حسين‬

‫نوافذ‬

‫القرن الماضي حركتها حساسيات سياسية‬ ‫وأيديولوجية‪ ،‬فلبست لبوسً ا ثقافيًا كنظيرتها‬ ‫‪ 75‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫‪131‬‬


‫المشرقية‪ ،‬هذه المناوشات أغنت المشهد‬ ‫الثقافي المغربي المعاصر وهو في طفولته‬

‫بأسئلة طرحت رهانات فكرية مستجدة ال‬ ‫تنأى عن الواقع الــذي فرضها‪ ،‬ومن أمثلة‬ ‫ذلــك‪ ،‬أن األســتــاذ عبدالكريم غــاب طرح‬

‫روايته «دفنّا الماضي» في األكشاك سنة‬ ‫‪1966‬م‪ ،‬فــأســالــت مـ ــدادًا كــثــيـرًا مــن نقاد‬

‫المرحلة‪ ،‬منهم إدريس الناقوري الذي رأى‬ ‫في مضمون الرواية انتصارًا لألرستوقراطية‬

‫الفاسية بوصفها الفئة التي طردت االستعمار‬

‫عبدالكريم غالب‬

‫وقادت المغرب إلى االستقالل‪ ،‬والذي اتهم‬ ‫الروائي الراحل عبدالكريم غالب بتهميش‬

‫دور جيش التحرير المغربي المنحدر أغلب‬ ‫منتسبيه من البوادي والجبال‪ ،‬أما األديب‬

‫والديبلوماسي الراحل عبدالمجيد بن جلون‪..‬‬

‫فقد الحظ في مقال صدر له بجريدة العلم‬ ‫سنة ‪1967‬م أن صــورة الكفاح الوطنيّ في‬

‫الرواية لم يمثلها إال أفراد قالئل‪ ،‬فقد غاب‬

‫كفاح الشعب المغربي بكل طبقاته وفئاته عن‬ ‫األحداث‪ ،‬كما سجل غياب أي إشارة لكفاح‬

‫عبدالقادر المازني‬

‫المرأة المغربية ضد الفرنسيين‪.‬‬

‫مــن جهة أخ ــرى‪ ،‬أشــار أحمد اليايوري وتلخيصها طغى على تصوير األحــداث من‬ ‫فــي مقال آخــر بجريدة العلم‪ ،‬صــدر سنة داخــل األبطال‪ ،‬وكأنما اضطر الكاتب إلى‬ ‫‪1968‬م‪ ،‬إلــى أن عبدالكريم غــاب اختزل إتمام روايته في ظرف وجيز‪.‬‬

‫أحداث الفصول المتأخرة من الرواية لكونه‬

‫وقد رد األستاذ عبدالكريم غالب على‬

‫لم يتطرق إلى الحياة العامة بالمغرب إبان منتقديه أو ناقديـه بكـل أريحية في مقاالت‬

‫الحماية الفرنسية‪ ،‬وذهــب األستاذ محمد صدرت بجريدة العلم سنتي ‪ 1967‬و‪1968‬م‪،‬‬ ‫بــرادة من جانبه‪ ،‬في ملتقى أدبــاء المغرب وهي الجريدة التي كان يرأس هَ يْئ َة تحريرها‪.‬‬ ‫العربي سنة ‪1969‬م‪ ،‬إلى أن تسجيل األحداث وكان لهذا الحراك الثقافي ‪-‬إن جاز القول‪-‬‬

‫‪132‬‬

‫العدد ‪75‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫نوافذ‬


‫ال ــذي خــا مــن التجريح والتقريع صــدىً اتجاه تحصين المواقع والدفاع عنها‪ ،‬ومن‬ ‫عميقًا في المشهد الثقافي المغربي في ثم توطيد أطروحات إيديولوجية محافظة‪،‬‬ ‫السنوات الالحقة‪ ،‬حين كان النقد المغربي ما يعكس بنيات نصية تعاني شقاء الوعي‬ ‫ما يزال يحبو‪ ،‬قبل أن يتمأسس في الجامعة حسب العياشي أبو الشتاء دائمًا‪.‬‬

‫المغربية ويشتد عوده‪.‬‬

‫ولم تخل حقبة سبعينيات القرن الماضي‬

‫مــن بــعــض الــمــمــاحــكــات الــفــكــريــة‪ ،‬كانت‬

‫ساحتها المالحق الثقافية بما هي واجهة‬ ‫لــصــراع سياسي وإيديولوجي بين اليسار‬

‫والمحافظين ورموزهما الفكرية؛ وفي هذا‬ ‫مقال‬ ‫ً‬ ‫الــصــدد‪ ،‬نشر العياشي أبــو الشتاء‬

‫معنونًا بتحديث المصطلح النقدي على‬

‫ساعتئذ‬ ‫ٍ‬ ‫صفحات يومية المحرر الناطقة‬ ‫بلسان حــزب االتــحــاد االشــتــراكــي للقوات‬ ‫الشعبية في ‪ 5‬ديسمبر ‪1978‬م‪ ،‬وجاء المقال‬ ‫ردًا على الــروائــي عبدالكريم غــاب أحد‬

‫الوجوه البارزة في حزب االستقالل‪ ،‬وأحد‬ ‫أعمدة يومية العلم الناطقة باسمه‪ ،‬وردًا‬

‫على الشاعر حسن الطريبق المحسوب‬ ‫على تيار المحافظين سياسيًا وفكريًا‪ ،‬وقد‬

‫أشار العياشي أبو الشتاء إلى وظيفة اللغة‬ ‫وطبيعتها لدى غالب والطريق مشددًا على‬

‫أن المصطلح النقدي في لغة حسن الطريبق‬ ‫وعبد الكريم غالب قاصر عن إنتاج المعنى؛‬

‫ألن لغتهما لغة هدر وهذيان وأحالم كابوسية‬

‫غير ذات معنى‪ ،‬باعتبار أن نظرية االنعكاس‬ ‫اللغوي تقدم اللغة بما هي تجليات للواقع‬ ‫وعاكسة له‪ ،‬وهو ما دفع الراحل عبدالكريم‬ ‫غــاب ومحمد الطريبق إلــى تكريسها في‬

‫نوافذ‬

‫وعــلــى النقيض مــن ذل ــك‪ ،‬كــان الــراحــل‬ ‫عبدالسالم المؤذن قد رد على بعض األفكار‬ ‫الــــواردة فــي كــتــاب «نــقــد العقل الــعــربــي»‪،‬‬ ‫للمفكر المغربي الراحل محمد عابد جابري‪،‬‬ ‫في مقال ضمّنه كتابه ‪-‬إلى جانب مقاالت‬ ‫أخرى‪ -‬تحت عنوان مقاالت من بعيد‪ ،‬حيث‬ ‫انتقد النسق الناظم لألفكار ال ــواردة في‬ ‫نقد العقل العربي‪ ،‬في الشق المتعلق بنشأة‬ ‫مذاهب السنة والشيعة وبنياتهما الفكرية‪،‬‬ ‫ع ـ ــا ّدًا فــكــرتــه مــغــالــطــة منهجية اقترفها‬ ‫الجابري فــي مؤلفه الشهير‪ ،‬وكــان حر ّيًا‬ ‫بالجابري أن يــر َّد على المؤذن في مقال؛‬ ‫لتتحول المساجلة إلى قيمة فكريّة مضافة‪،‬‬ ‫إال إنه فضل الصمت على عادته مع النقود‬ ‫التي تناولت مشروعه الفكري ومنها نقد‬ ‫جورج طرابيشي‪ ،‬فضيّع بذلك على الثقافة‬ ‫المغربية والعربية فرصة ال تُعوّض‪.‬‬ ‫وفـــي الــصــدد نــفــســه شــهــدت الــســاحــة‬ ‫الثقافية‪ ،‬فــي أواســـط تسعينيات القرن‬ ‫المـاضي‪ ،‬ميالد جماعة قصصي ٍَّة أطلق عليها‬ ‫مؤسسوها اسم الكوليزيوم القصصيّ ‪ ،‬وكان‬ ‫من بين أعضائها محمد أمنصور‪ ،‬وأنيس‬ ‫الرافعي‪ ،‬وعلي الوكيلي‪ ،‬وقد أصدرت هذه‬ ‫الجماعة بياناتها في محاولة منها لتأسيس‬ ‫خطاب قصصي يجعل من التجريب ورشة‬ ‫‪ 75‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫‪133‬‬


‫صة المغربية وتبشر بتوّجه فنيٍّ‬ ‫ترقى بالقِ ّ‬

‫متساوق مع التحوالت الطارئة على الساحة‬ ‫اإلبداعية والثقافية بشكل عام‪ ،‬بيد أن هذه‬ ‫البيانات لم تلق استجابة من طرف الفاعلين‬ ‫فــي القصة المغربية ب ــردود تغني الحقل‬

‫الثقافي وتطرح ســؤال الكتابة في أبعاده‬

‫المختلفة‪ ،‬فووجهت بيانات هؤالء الشباب‬ ‫(الذين لم يعودوا شبابا اآلن) بصمت رهيب‪،‬‬

‫باستثناء رد صاغه الناقد واألديب واألستاذ‬ ‫الــحــبــيــب ال ــدائ ــم رب ــي فــي ســيــاق دع ــوات‬

‫التجديد التي نادى بها عدد من كتاب القصة‬

‫الحاملين ألسئلة جمالية جديدة‪.‬‬

‫فالديمير بروب مؤلف موروفولوجيا الحكاية‬

‫فــي الــمــقــابــل‪ ،‬كــان فــادمــيــر ب ــروب قد‬

‫ألف كتابه الشهير «مورفولوجيا الحكاية»‬ ‫‪-‬بــالــروســيــة علم تشكل الــحــكــايــة‪ ،‬ونشره‬

‫سنة ‪1928‬م‪ ،‬وهو الكتاب الذي أصبح من‬ ‫الكتب المثيرة لإلعجاب في عالم الدراسات‬ ‫الفولكلورية‪ ،‬وقــد تــرجــم إلــى اإلنجليزية‬

‫سنة ‪1958‬م ألول مــرة‪ ،‬ثم إلــى اإليطالية‬ ‫سنة ‪1966‬م‪ ،‬وإلــى لغات أخــرى كاأللمانية‬

‫والبولونية بين سنتي ‪ 1966‬و‪1968‬م‪ ،‬ولم‬ ‫يترجم إلى العربية إال في سنة ‪1986‬م على‬

‫يد األستاذ إبراهيم الخطيب اعتمادًا على‬ ‫الترجمة الفرنسية الثانية الــصــادرة سنة‬ ‫‪1970‬م‪ ،‬إذ ترك هذا المؤلف بصمة راسخة‬

‫في النقد األدب ــيِّ المعاصر في كل أنحاء‬ ‫العالم‪ ،‬وقد أثارت ترجمته اإلنجليزية انتباه‬

‫كلود ليفي ستراوس (شتراوس) عالم العرق‬

‫البنياني الشهير صاحب مؤلف «التحليل‬

‫‪134‬‬

‫العدد ‪75‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫ليفي شتراوس‬

‫البنياني لــأســطــورة» سنة ‪1955‬م‪ ،‬الــذي‬ ‫انشغل باألساطير خالفا لبروب الذي انشغل‬ ‫في مؤلفه بالخرافات والحكايات‪ ،‬وقد انبرى‬ ‫ستروس للرد على بــروب في مقال معنون‬ ‫بـــ‪« :‬البنية والشكل‪ ،‬تأمالت في مؤلف ل‬ ‫فالدمير بــروب»‪ ،‬وترجم إلى اإليطالية في‬ ‫سبيل إلحاقه بالترجمة اإليطالية لكتاب «علم‬

‫نوافذ‬


‫تشكل الحكاية»‪ ،‬وقد دعا الناشر اإليطالي‬ ‫«جُ ــلـيُــو إيــنــودي» إلــى ال ــرد على ســتــروس‪،‬‬ ‫فاستجاب بروب ورد عليه بمقال معنون بـ‪:‬‬ ‫«البنية والتاريخ في دراسة الحكاية؛ ولتكتمل‬ ‫هــذه الوليمة الثقافية‪ ،‬دعــا الناشر نفسه‬ ‫ستروس للرد على بروب فكانت الحاشية‪،‬‬ ‫وظهر للوجود كتاب كلود ليفي ستراوس‬ ‫وفالدمير ب ــروب‪« :‬مساجلة بصدد تشكل‬ ‫علم الحكاية» الذي ترجمه األستاذ محمد‬ ‫معتصم إلى العربية في طبعة أولى عن دار‬ ‫عيون المقاالت بالدار البيضاء سنة ‪1988‬م‪،‬‬ ‫ويشير محمد معتصم في توطئته للترجمة‬ ‫ـرضــا ألهم‬ ‫إلــى أن مــقــال ســتــروس قــدم عـ ً‬ ‫األفكار ال ــواردة في كتاب بــروب وناقشها‪:‬‬ ‫إما بإثباتها أو بانتقادها في إطار إشكالية‬ ‫عامة في الخالف بين البنيانية والشكالنية‪،‬‬ ‫بينما قام بروب في مقاله بالرد على ما يعده‬ ‫اتهامًا‪ ،‬معيدًا التعريف بالشكالنية‪ ،‬ولم يفته‬ ‫أن يصف نفسه بالبنياني مؤكدًا على أنه‬ ‫«يمكن لمساجلة من هذا القبيل‪ ،‬أن تنطوي‬ ‫على فــائــدة علمية عــامــة»‪ ،‬ولقد أسهمت‬ ‫هــذه المساجلة القيمة فــي تحقيق تراكم‬ ‫بترحاب‬ ‫ٍ‬ ‫في مجال السرديات‪ ،‬واستقبلت‬ ‫كبير في مختلف مناطق العالم في األوساط‬ ‫ٍ‬ ‫األكاديمية‪.‬‬

‫التيارات والمذاهب والمشارب الفكرية‪،‬‬ ‫كانت أبرزها تلك المعارك التي دارت رحاها‬ ‫بين المعتزلة وخصومهم مــن المتكلمين‬ ‫وأص ــح ــاب ال ــم ــذاه ــب‪ ،‬وبــيــن الــفــاســفــة‬ ‫والمتكلمين وبين الفالسفة أنفسهم‪ ،‬وقد‬ ‫ـال فكرية تركت بصماتها‬ ‫أثمر ذلــك أعــمـ ً‬ ‫راسخة في الفكر اإلنسانيِّ كله‪ ،‬لعل أشهرها‬ ‫رد اإلمام الغزالي على الفالسفة في كتابه‬ ‫«تهافت الفالسفة»‪ ،‬ثم رد ابــن رشــد على‬ ‫الغزالي بكتابه الشهير «تهافت التهافت»‪،‬‬ ‫الذي ترك أثرًا عميقًا في التفكير الفلسفي‬ ‫األوروبـ ـ ــي الــقــروســطــوي إل ــى حــد ظهور‬ ‫مفكرين أوروبيين يُدعَ ون بالرُّشديي َن فرض‬ ‫نفسه بقوة في الحياة الفكرية األوربية إبان‬ ‫عصر النهضة‪.‬‬

‫السؤال الذي يفرض نفسه بحدة‪ :‬لماذا‬ ‫غــابــت الــمــعــارك الثقافية عــن (مشهدنا)‬ ‫الثقافي؟ وهــل يتعلق ذلــك بغياب ثقافة‬ ‫االختالف؟ ما مــر ّد هذا الغياب إن تحقق‬ ‫فــعــا؟ لــمــاذا يتجنب الكتاب والمفكرون‬ ‫والباحثون المغاربة خوض المعارك الثقافية‬ ‫ألســبــاب ذاتــيــة؟ أه ــي العقلية المغربية‬ ‫والمزاج المغربي الذي يرى في كل مساجلة‬ ‫فكرية خصومة شخصية؟ أم أن انفراط‬ ‫عقد الــســرديــات الكبرى للقرن العشرين‬ ‫ال بد أن نشير بالمناسبة إلى أن التاريخ لصالح اإليديولوجيا االستهالكية قد أدى‬ ‫العربي اإلسالمي عرف مساجالت ومعارك مفعوله فــي الــحــقــل الــثــقــافــي وجــعــل من‬ ‫فكر َّي ًة على امــتــداده الطويل بين مختلف المهادنة شعارًا عاما يرفعه الجميع؟‬ ‫* كاتب ‪ -‬المغرب‪.‬‬

‫نوافذ‬

‫‪ 75‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫‪135‬‬


‫توقف‬ ‫عن البقاء وحيدا‬ ‫■ صفية اجلفري*‬

‫تمتلك صــداقــات قديمة ســرت معها في دروب األمــل واأللــم معً ا‪ ،‬صــداقــات ال‬ ‫حرجا في مكاشفتها بما يقلقك أو يكدرك‪ ،‬صداقات تتبادل معها حكايات‬ ‫تجد ً‬ ‫الفرح وقصص الشجن والمعاناة؛ لكنك مع هذا كله تشعر بوحدة وجودية تبعثر‬ ‫دواخلك‪ ،‬كيف يجتمع هذا وذاك؟‬

‫كــيــف يــجــتــمــع ش ــع ــورك ب ــال ــوح ــدة مع‬ ‫صداقات تثق بها وتطمئن إليها؟ ما الذي‬ ‫تفتقر إليه الروح لتسكن؟ قرأت عبارة في‬ ‫رواية «عشر نساء» للكاتبة‪ :‬مارثيال سيرانو‬ ‫كانت مفتاحً ا لما ظننته جوابًا عن سؤالي‬ ‫المرتبك‪ .‬تقول مارثيال سيرانو‪ ...« :‬فقيمة‬ ‫البشر هي في قدرتهم على االنفصال‪ ،‬على‬ ‫أن يكونوا مستقلين‪ ،‬أن ينتموا إلى أنفسهم‬ ‫وليس إلى القطيع»‪.‬‬ ‫هــل ال ــج ــواب يــتــصــل‪ ،‬إذًا‪ ،‬ب ــأن نجد‬ ‫(المعنى) الخاص بنا‪ ،‬وأن نسير في رحلة‬ ‫التحقق بــه؟ ظللت أتلمس جــوا ًبــا لسؤالي‬ ‫في قراءات متنوعة‪ ،‬وفي تجربتي الذاتية‪،‬‬ ‫فوجدت أن جزءًا من جواب سؤال الوحدة‪،‬‬ ‫واألس ــاس المتين لسكينتنا الوجودية هو‬

‫‪136‬‬

‫العدد ‪75‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫أن نعمل على عالقة واعية بأنفسنا‪ ،‬وأن‬ ‫نمتلك رؤية واضحة حيال رحلة (المعنى)‬ ‫الخاصة بنا‪ ،‬ألن رحلة الطمأنينة تبدأ من‬ ‫معرفة النفس‪ ،‬وتقبلها‪ ،‬وإعطائها حقها من‬ ‫حسن المعاملة‪ ،‬وتزكيتها‪ ،‬ثم استكشاف‬ ‫قيمها الذاتية‪ ،‬وإدراك (المعنى) الخاص‬ ‫بها‪ ،‬ثم إعادة صياغة قصصنا في ضوئه‪،‬‬ ‫ورســم طريقنا في الحياة وفقا لمنطلقاته‬ ‫ومقاصده‪.‬‬ ‫وظــلــلــت مــع اإلج ــاب ــة الــنــاقــصــة تأنس‬ ‫بسؤالي‪ ،‬وآنس بحكمتها‪ ،‬وأسير في طريق‬ ‫التعلم عن عالمي الداخلي حتى التقيت‬ ‫بكتاب‪ « :‬توقف عن البقاء وحيدًا» لكيرا‬ ‫أساتريان(‪.)١‬‬ ‫كــانــت رحلتي مــع كــتــاب‪« :‬تــوقــف عن‬

‫قراءات‬


‫البقاء وحيدًا» رحلة تتجاوز ظاهر النص إلى بأنواع األشخاص الذين تجذبهم‪ .‬هذه معلومات‬ ‫االستنباط‪ ،‬ووجدت فيه جوابًا عن سؤال الوحدة ممتازة بالنسبة لك وأنت تسعى إلى التقارب مع‬ ‫اآلخرين»‪.‬‬ ‫في تجليات متنوعة‪.‬‬ ‫تحدثت كيرا آساتريان في الفصل األخير‬ ‫من كتابها عن االقــتــراب من النفس‪ ،‬وضمنته‬ ‫كل اآلليات التي بثتها في باقي فصول الكتاب‬ ‫التي تتعلق باالقتراب من اآلخرين‪ .‬أظن أن كيرا‬ ‫أرادت أن تحفّز الخيال المتعلق بالذكاء العاطفي‬ ‫للقارئ؛ ليتبنى في عالقته بنفسه كل ما أدركه‬ ‫من معلومات تخلق عالقة جيدة مع اآلخرين‪.‬‬

‫التقارب‬ ‫تعرّف كيرا آساتريان الوحدة بأنها الحزن‬ ‫الناتج عن المسافة‪ ،‬وتقول إن كثرة األشخاص‬ ‫حولنا‪ ،‬بل وتواصلنا معهم ال يحل مشكلة المسافة‬ ‫إن لم نستطع الدخول إلى العوالم الداخلية عبر‬ ‫التقارب بركنيه‪ :‬المعرفة واالهتمام‪.‬‬ ‫لقد قدّمت مقالتي بأكثر صور الوحدة تعقيدًا؛‬ ‫صداقات ُعمُر‪ ،‬أو عالقات عائلية مستقرة تحيط‬ ‫بنا‪ ،‬ونتحدث معها وإليها عن تقلباتنا في الحياة‬ ‫في بوح تصحبه الثقة بمحبتهم لنا‪ ،‬ومع ذلك نحن‬ ‫نشعر بالوحدة تبعثر دواخلنا!‬

‫ما ذكرته كيرا آساتريان في الفصل الخامس‬ ‫عشر واألخير بعنوان‪« :‬اقترب من نفسك» يقارب‬ ‫إلــى حد كبير ما قدّمت به جوابي عن سؤال‬ ‫الــوحــدة‪ ،‬ولــعــل طريقتها فــي عكس الــجــواب‪،‬‬ ‫وابتدائها بما هو أساس لبناء عالقة جيدة مع‬ ‫هــذه الــصــورة مــن صــور الــوحــدة تبدو لنا‬ ‫اآلخرين‪ ..‬هي أقرب إلشراق المعنى في نفس‬ ‫قاسية‪ ،‬تفتقر إلى انشراح األنــس والطمأنينة‪،‬‬ ‫القارئ‪.‬‬ ‫كبير عندما‬ ‫لكن قسوتها تخف وطأتها إلى ح ٍّد ٍ‬ ‫تقول كيرا‪« :‬بالطريقة ذاتها التي تنجذب بها نبني عالقة حكيمة مع أنفسنا‪ ،‬ونتحقق بالمعنى‬ ‫بشكل طبيعي إلى صفات معينة لدى اآلخرين‪ ،‬الخاص بنا؛ أو كما عبّرت كيرا آساتريان عندما‬ ‫فمن المحتمل أن تنجذب إلى صفات معينة في «نقترب من أنفسنا»‪ ،‬وينجلي عن هذه الصورة‬ ‫نفسك‪ .‬قد تكون فخورًا بحقيقة أنك تعمل بجد كل أثر للقسوة‪ ،‬وتكتسي خضرة مبهجة عندما‬ ‫دائمًا‪ .‬قد ترغب في قدرتك على رؤية الدعابة نتعلم كــيــف تــكــون عالقتنا بــاآلخــريــن مبناها‬ ‫فــي جميع الــمــواقــف لــرؤيــة الجانب المشرق معرفة عوالمهم الداخلية مــن وجــهــة نظرهم‬ ‫من الحياة‪ .‬قد تشعر بالثقة في أن لديك قلبًا هم‪ ،‬واالهتمام الصادق والحثيث بأن يكونوا في‬ ‫عقل قادرًا‪ ...‬تمامًا كما هو الحال مع‬ ‫دافئًا أو ً‬ ‫حال طيبة بالطريقة التي تناسبهم‪ .‬تقول كيرا‬ ‫ٍ‬ ‫األشــخــاص اآلخــريــن‪ ،‬فهذه هي األشــيــاء التي آساتريان‪« :‬تتطلب العالقة الوثيقة طويلة األمد‬ ‫ترغب في معرفة المزيد عنها‪ ،‬ويجب عليك مشاركة منتظمة في فعلي المعرفة واالهتمام»‪.‬‬ ‫متابعتها‪ ..‬إن التعرّف على عوامل الجذب هذه‬ ‫املعرفة‬ ‫أيضا في خلق التقارب مع اآلخرين؛‬ ‫مفيد للغاية ً‬ ‫ألنها غالبًا الصفات نفسها التي ينجذب إليها‬ ‫فــي روايــــة‪« :‬فــديــتــك يــا لــيــلــى» ليوسف‬ ‫اآلخــرون فيك‪ .‬إن فهمها سيجعلك أكثر وعيًا السباعي‪ ،‬نجد هذا النص العميق‪« :‬دع كل امرئ‬

‫قراءات‬

‫‪ 75‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫‪137‬‬


‫يدبر أمره من وجهة نظره هو‪ ،‬إنه أدرى بمطالبه‬ ‫ومشاعره‪ ،‬وهو مسؤول عن حياته‪ ،‬وعن نتائج‬ ‫أعماله‪ ،‬وإذا كان ال بد لك من أن تدبّر أمره‪،‬‬ ‫فافهم نفسيته‪ ،‬وقدّر مشاعره‪ ،‬وليكن تدبيرك‬ ‫ما أمكن من جهة نظره‪ ،‬وبطريقة تفكيره»‪.‬‬ ‫تحدثنا كــيــرا آســاتــريــان عــن أن الغوص‬ ‫في العوالم الداخلية لمن نريد أن نقترب منه‬ ‫لنتخلص من وحدتنا ال يمكن إن لم نحاول تبني‬ ‫وجهة نظره في رؤيته لألشياء‪ ،‬وإحساسه بها‪:‬‬ ‫تقول كيرا «إنها القدرة على سرد تجربة شخص‬ ‫آخر عن العالم بكلماته الخاصة»‪ ،‬وجعل ذلك‬ ‫أساسً ا في سماعنا لحكاياته واألحداث التي يمر‬ ‫بها‪.‬‬ ‫تقول كيرا آساتريان‪« :‬تختلف طريقة المعرفة‬ ‫هذه اختالفًا جوهريًا عن الطريقة التي نعرّف بها‬ ‫الناس عادة‪ .‬نميل إلى االعتقاد إلى أننا نعرف‬ ‫شخصا ما عندما تفاعلنا معه كثيرًا وانتهينا‬ ‫ً‬ ‫بصياغة فكرة عامة حوله‪ ،‬ومن ذلك مثال‪ :‬آشلي‬ ‫دائما متأخرة‪ ..‬هذا النوع من المعرفة الكاذبة لن‬ ‫يولّد التقارب‪ ،‬إنه خطأ؛ ألن الصورة الموضوعية‬ ‫ل «كــيــف تــكــون آشــلــي» غير مــوجــودة‪ ،‬نحن ال‬ ‫نعرَف آشلي بالفعل حتى يمكننا وصف تجربتها‬ ‫من خالل تأخرها من وجهة نظرها‪ .‬غالبا ما‬ ‫تتأخر آشلي ألنها تحاول فعل الكثير من األشياء‪،‬‬ ‫إنهاء الغسيل‪ ،‬وكتابة البريد اإللكتروني العاشر‪،‬‬ ‫كل ذلك قبل الذهاب لموعدها وهي على أمل‬ ‫اللحاق بــه‪ ،‬نسختنا مــن القصة‪ :‬آشلي دائما‬ ‫متأخرة‪ ،‬ونسختها من القصة‪« :‬أحاول دائما فعل‬ ‫الكثير من األشياء»‪ .‬اهـ بتصرف يسير‪.‬‬

‫شــر ٌح بدي ٌع لعالقة الشعور بالوحدة بالتقصير‬ ‫في الرعاية واالهتمام‪ ،‬سواء كان هذا التقصير‬ ‫نتاج غفلة عن الصداقة كأولوية ضرورية أو عن‬ ‫إهمال‪ ،‬أ ّيًا كان السبب فهذا التقصير إن لم تتم‬ ‫معالجته‪ ،‬فالعالقة قد تؤول إلى أن تكون سببًا‬ ‫للوجع وقد تموت كزرع أهمل صاحبه سقياه‪.‬‬ ‫تقول األغنية‪:‬‬

‫آه يا سالم سيبنا الوقت يعدي قوام‬ ‫محسبناش اللحظة الجاية‬ ‫ده اسمه كالم عيشنا العمر نربي حمام‬ ‫بس نسينا نقوّم غيه‪.‬‬ ‫وما يهمكش عادي اسمع مني الساعة دي‬ ‫مش وقت عتاب أو لوم‬ ‫آه فيها ايه لو نرجع تاني‬ ‫وبدل ما تكون وحداني تسندني معاك وتقوم‬ ‫فاضي شوية نشرب قهوة في حتة بعيدة‬ ‫اع ــزم ـن ــي ع ـلــى نـكـتــة ج ــدي ــدة وخ ـل ــي حـســاب‬ ‫الضحكة عليا‪..‬‬ ‫تتحدث األغــنــيــة بشجن عــن األصــدقــاء‬ ‫الذين تشاركوا كل شيء‪ ،‬لكنهم نسوا أن يجعلوا‬ ‫لعالقتهم مأوى يحميها عبر الرعاية واالهتمام‪:‬‬ ‫«عشنا العمر نربي حمام‪/‬بس نسينا نقوّم غيه»‪.‬‬ ‫تنبهنا كيرا آساتريان إلى أن الرعاية هي فعل‬ ‫يشعر الطرف اآلخر بالتقدير واالحترام‪ ،‬أنت تهتم‬ ‫به بالطريقة التي تناسبه‪ ،‬والتي يحبها‪ ،‬وتهتم به‬ ‫من حيث نظرته لألمور ال من موضع استعالء‪،‬‬ ‫أنت تفكر معه وال تفكر عنه‪ ،‬أنت تقلق معه وال‬ ‫تربكه بالقلق عليه بحيث يشعر بعدم الكفاءة‪.‬‬

‫كما تنبه كيرا آساتريان إلى أن األمر ينبغي أن‬ ‫االهتمام‬ ‫ً‬ ‫يكون‬ ‫متبادل لكي تنجح العالقة‪ .‬تقول‪« :‬التقارب‬ ‫فــي أغــنــيــة‪ :‬فــاضــي شــويــة «لــحــمــزة نــمــرة؛ مبدأ بسيط‪ :‬إنــه تجربة الــوصــول إلــى العالم‬

‫‪138‬‬

‫العدد ‪75‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫قراءات‬


‫ترياق الوحدة‬

‫الداخلي لشخص آخر ‪ -‬ولديه إمكانية الوصول‬ ‫إلى عالمك‪ -‬فإنك تشاركه الشعور بالتقارب‪..‬‬ ‫وبما أن الوحدة هي في األساس حزن ناتج عن‬ ‫المسافة‪ ،‬كلما زاد وصولك إلى العالم الداخلي‬ ‫لشخص آخ ــر‪ ،‬قــ ّل شــعــورك بــالــوحــدة‪ ..‬يعمل‬ ‫التقارب كترياق للوحدة من خالل إبطال المسافة‬ ‫والحزن الذي يصاحبها»‪.‬‬

‫األخــيــرة مــن الكتاب‪« :‬نعلم مــا يفترض بنا أن‬

‫التكنولوجيا كعقبة‬

‫نحظى به في العالقات‪ :‬التواصل الجيد والثقة‬

‫قدمت لنا كيرا آساتريان في كتابها‪« :‬توقف‬ ‫عــن البقاء وحــي ـدًا» مفاهيم وقــواعــد وطرائق‬ ‫واضحة وتفصيلية ليشتفي المرء من وحدته‪،‬‬ ‫وينشئ عالقات تدفئ روحه‪ ،‬قالت في السطور‬

‫ترى كيرا آساتريان أن التكنولوجيا الشخصية والمرح واالحــتــرام والرحمة‪ ،‬لكننا ال نعرف ما‬ ‫وضعت عقبات في طريق إنشاء عالقات صحية‪ ،‬يتعيّن علينا فعله لالقتراب‪ ،‬وذلك ناتج عن الجهل‬ ‫إذ إنها تجعل التفاعل الوسيط هــو القاعدة‪ ،‬الجماعي بشأن مــا يجب علينا فعله لتحقيق‬ ‫والــصــواب أن يــكــون وسيلة مــســاعــدة ال تلغي التقارب»‪ .‬اهـ بتصرف يسير‪.‬‬ ‫اللقاءات وجهًا لوجه‪.‬‬ ‫وأظن أن كيرا آساتريان نجحت إلى حد كبير‬ ‫تؤمن كيرا آساتريان أنه ال يمكن التعرّف‬ ‫على العوالم الداخلية عبر التواصل المجتزأ‪ ،‬في هدفها من الكتاب وفقًا للثقافة التي تنتمي‬ ‫لغة الجسد بكل تفاعالتها أس ــاس‪ ،‬ذلــك أن إليها‪ ،‬والتي تتقاطع إنسانيًا في كثير من المسائل‬ ‫عملية التعرف على عوالمنا الداخلية هي عملية التي عالجتها مع ثقافتنا االجتماعية والدينية‪.‬‬ ‫مستمرة‪ ،‬وال يؤتي االهتمام ثماره إن لم نولي‬ ‫يقع الكتاب فــي ‪ 292‬صفحة مــن القطع‬ ‫التعرّف العميق المستمر أولوية في العالقات‪،‬‬ ‫ألننا نتغير بشكل حتمي‪ ،‬وهــذا التغير هو نتاج المتوسط‪ ،‬ويتميز نهجه في التأليف بالخالصات‬ ‫المركزة بعد كل فصل‪ ،‬وملحق مركز في آخر‬ ‫تغيّر خبراتنا الجسدية والعقلية والنفسية‪.‬‬ ‫تنبه كيرا آســارتــيــان أيضا إلــى أن «عقلية الكتاب‪ .‬وقد نشر بلغته األصلية في عام ‪2006‬م‪،‬‬

‫التكنولوجيا» أث ــرت فــي صياغة ثقافتنا في وقامت بترجمته إلى اللغة العربية دار ملهمون في‬ ‫التقارب‪ ،‬لقد تعودت عقولنا على سهولة الوصول عام ‪2021‬م‪.‬‬ ‫إلى ما نريد الوصول إليه تقنيًا عبر الوسائط‬ ‫بقي أن أقــول إني تمنيت أن تكون الترجمة‬ ‫الذكية‪ ،‬وطرق البحث المتقدمة‪ ،‬وبتنا نعتقد أن‬ ‫طريق تحقيق التقارب ال يحتاج إلى استكشاف أكثر جودة‪ ،‬لكن يُحمد للدار هذا االختيار الموفق‬ ‫متأنٍّ وصبور ومتأمل‪.‬‬ ‫لموضوع عمت الحاجة إليه‪.‬‬ ‫* كاتبة سعودية‪.‬‬ ‫(‪ )١‬جاء في تعريفها في غالف الكتاب‪ :‬مدربة عالقات معتمدة توفر تدريبًا فرديًا في سبيل التأقلم مع‬ ‫الحياة‪ ،‬وتدريبًا على خوض العالقات المشتركة‪ ،‬والتوسط في النزاعات‪ ،‬وتدريب األزواج‪ .‬تقيم اآلن في‬ ‫سان فرانسسيكو‪.‬‬

‫قراءات‬

‫‪ 75‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫‪139‬‬


‫رواية‬

‫ثانوية موسى‬ ‫لعقل الضميري‪:‬‬ ‫أفكار ومدلوالت إنسانية‬ ‫‪ρ‬غازي خيران امللحم‬

‫بمتابعة قرائية ال تجارى‪ ،‬واصلت بمتعة‬ ‫استثنائية عملية المطالعة واالسترسال‪،‬‬ ‫بفحوى رواي ــة األدي ــب والــقــاص‪« :‬عقل بن‬ ‫مناور الضميري»‪ .‬ذات المواضيع الجادة‬ ‫بمعظم أفــكــارهــا وواقــعــيــتــهــا‪ ،‬الــتــي صــاغ‬ ‫المؤلف فصولها القصصية‪ ،‬ونسق مقاطعها‬ ‫الحوارية‪ ،‬بظل ذلك العنوان‪ ،‬الملفت للنظر‬ ‫والفكر معًا‪« :‬ثانوية موسى»‪ ،‬موزعة على‬ ‫‪319‬ص‪ .‬وتسعة وثالثين فصال من القطع‬ ‫المتوسط‪ ،‬الصادرة‪ :‬عن مركز عبدالرحمن‬ ‫السديري الثقافي‪ ،‬في سكاكا ‪ -‬الجوف‪.‬‬

‫من أقربائه ومعارفه وأفراد محيطه‪ ،‬الذي‬ ‫ينتمي إليه ويعيش في وسطه‪ ،‬ذاك المدرس‬ ‫الــمــتــفــرد صــاحــب الــطــمــوحــات الــكــبــيــرة‬ ‫والنظريات الغوغائية الالمتناهية‪.‬‬

‫أفــكــار جمة وتــصــورات مختلفة‪ ،‬بــدأت‬ ‫تداعب مخيلته المضطربة بإلحاح منقطع‬ ‫النظير‪ ،‬التي ما إن أخذ يبوح بجزء يسير‬ ‫منها لبعض المقربين‪ ،‬حتى اصطدم بالكثير‬ ‫من المعارضة الفكرية‪ ،‬التي بدت غريبة‪ ،‬بل‬ ‫ومستهجنة بالنسبة لغيره من اآلخرين؛ إال‬ ‫إنه مع ذلك‪ ،‬ما انفك يبوح بمكنونات صدره‪،‬‬ ‫سبك الضميري مكنوناتها الــروائــيــة‪،‬‬ ‫ومــا يعتل بــه مــن آمـــال‪ ،‬ويعلنها صراحة‬ ‫وضروبها المترعة بالمواقف المتنوعة‪ ،‬التي‬ ‫أمامهم‪ ،‬بكل ثقة من قبله ودونما أدنى تردد‬ ‫تتمحور أحداثها وتتشعب مراميها‪ ،‬حول‬ ‫أو انتظار‪.‬‬ ‫شخصية ذلك المدرس الفذ حسب تصوراته‬ ‫واستمرت به الحال على هذا المنوال‪،‬‬ ‫لنفسه‪ ،‬وما كان يصبو إليه من آمــال‪ ،‬وما‬ ‫يطمح إلى تحقيقه من أهداف‪ ،‬يرى فيها من ردحً ا ال يستهان به من الزمن‪ ،‬يقلب األمور‬ ‫وجهة نظرة طبعًا‪ ،‬إنها مترعة بالنفع األكيد‪ ،‬في ذهنه على كافة وجوهها‪ ،‬مبديا امتعاضه‬ ‫الــذي سيعود على الجميع بالخير العميم‪ ،‬وتذمره من هذا الوضع الذي يعيشه‪ ،‬وأشباح‬

‫‪140‬‬

‫العدد ‪75‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫قراءات‬


‫الفقر التي يتوجس انقضاضها عليه في أي‬ ‫لحظة‪ ،‬وكأنها تحيط بشخصه مباشرة‪ ،‬على‬ ‫الرغم من دخله المادي المقبول‪ ،‬الذي يدره‬ ‫عليه محل البقالة الذي يمتلكه‪ ،‬وذلك طبعًا‬ ‫إلى جانب راتبه الشهري الذي يتقاضاه من‬ ‫عمله اآلخر‪ ،‬معلّمًا في «ثانوية موسى»‪ .‬يا‬ ‫سبحان اهلل تعالى‪ ،‬لقد صدق المثل القائل‪:‬‬ ‫«القناعة كنز ال يفنى»‪ ،‬إال إنه مع األسف‪،‬‬ ‫أين صاحبنا من هذا المثل الواقعي السليم؟‬ ‫إذ إن كــل ذلــك الخير الــذي يحيط به‪،‬‬ ‫لم يمأل عينيه الفارغتين من حطام هذه‬ ‫الدنيا‪ ،‬بمفهومه المذبذب ألساليب الحياة‬ ‫ومسيرتها‪ ،‬التي ال يمكن لها أن تكتمل حسب‬ ‫جناح آخر لها‪ ،‬كي تتوازن‬ ‫ٍ‬ ‫رؤيته‪ ،‬إال بوجود‬ ‫وتنطلق محلقة فــي فــضــاءات هــذه الدنيا‬ ‫الرحبة وتشعباتها الواسعة‪ .‬وطالما كان يردد‬ ‫بينه وبين نفسه وأثناء خلواته العديدة‪ ،‬بل‬ ‫وأحيانا على مسمع من اآلخرين‪ ،‬هذا البيت‬ ‫الشعري للمتنبي ويتمثل معانيه‪:‬‬

‫ف ــا م ـجــد لـلــدنـيــا ل ـمــن ق ــل مــالــه‬ ‫وال مال في الدنيا لمن قل مجده‬ ‫ثم يتابع «الضميري» مجريات روايته‪،‬‬ ‫عندما يأخذ بيدنا مجددًا ويذهب بنا إلى‬ ‫ربوع بطلها العتيد‪ ،‬حيث نجده مع األسف‬ ‫مستمرًا في تفكيره بذلك االتجاه نفسه‪،‬‬ ‫الــذي طالما حلم بــه وداع ــب مخيلته‪ ،‬ثم‬ ‫متأمل في وضعه‬ ‫ً‬ ‫ال يلبث مطرقًا برأسه‪،‬‬ ‫هنيهة مــن الــوقــت‪ ،‬لــيــعــود يــخــاطــب ذاتــه‬ ‫متسائال بيأس‪:‬‬

‫قراءات‬

‫لكن أنا‪ ،‬مَن أنا؟ ثم يجيب نفسه بنفسه‬ ‫وهو يحس بكتل من المرارة تنثال في حلقه‪:‬‬ ‫ما أنا إال بقايا مــدرّس وكفى‪ ،‬أيّ مستقبل‬ ‫هــذا ال ــذي ينتظرني؟ وأيّ مجد يمكنني‬ ‫الوصول إليه‪ ،‬ومطيتي الوحيدة التي ال أجد‬ ‫غيرها‪ ،‬هذه الوظيفة المتواضعة المحدودة‬ ‫المستقبل؟‬ ‫ثم يتابع مسترسال‪:‬‬ ‫نــعــم ال بــد مــن ال ــوص ــول إل ــى صاحب‬ ‫القرار‪ ،‬ذاك الذي سينصفني حتمًا عندما‬ ‫يكتشف مــهــاراتــي الثقافية‪ ،‬ويطلع على‬ ‫قدراتي االستثنائية‪ ،‬في اإلدارة وغيرها من‬ ‫النشاطات التربوية‪ ،‬التي حباني اهلل تعالى‬ ‫بها وأعدّني لإلمساك بزمامها‪ ،‬وسيتمنى‬ ‫من كل قلبه أن أوافــق على المنصب الذي‬ ‫يليق بي‪ ،‬ويعرضه عليّ ويرشحني عن قناعة‬ ‫لشغله‪..‬‬ ‫وفي سبيل تحقيق هذه اآلمال‪ ،‬التي باتت‬ ‫أشباحها تطارده‪ ،‬أينما حل وفي كل مكان‬ ‫يوجد فيه‪ ،‬وبعد تقليبه لكافة األمــور في‬ ‫ذهنه‪ ،‬واستعراض وجوهها بكل خلفياتها‪،‬‬ ‫وجد أن اقصر السبل إلى ذلك‪ ،‬هو الورقة‬ ‫والقلم وكتابة المقاالت المختلفة المرامي‬ ‫المتنوعة األهداف‪ ،‬التي بات لكثرة التكرار‬ ‫فــي تناولها‪ ،‬يجيد ممارستها لــدرجــة ما‬ ‫وحــيــاكــة نسيجها‪ ،‬بــأســلــوب مقبول مــرن‪،‬‬ ‫ونشر ما وسعه ذلك عبر الصحف اليومية‪،‬‬ ‫بأنواعها الورقية واإللكترونية‪ ،‬موضحً ا فيها‬ ‫سلبيات العمل التربوي وإيجابيته‪ ،‬وطرق‬ ‫‪ 75‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫‪141‬‬


‫معالجة صعوباته والتغلب عليها‪ ،‬وضرورة‬ ‫االهتمام بالبناء المدرسي وصيانته‪ ،‬والعمل‬ ‫على تحديثه وتطويره‪ ،‬ليليق بالحاضر للتمكن‬ ‫من مواكبة العصرنة ومسايرة هيمنتها‪ ،‬التي‬ ‫باتت تسطو وبسرعة الصوت‪ ،‬على الكثير‬ ‫من مفاصل الحياة ومسيرتها اليومية‪.‬‬

‫‪142‬‬

‫جديدة البناء والطالب والتجهيزات‪ ،‬ونحن‬ ‫على أح ّر من الجمر في انتظار إبداعاتك‪،‬‬ ‫التي وغرت بها آذاننا‪ ،‬لكثرة ترديدك إياها‬ ‫على أسماعنا‪ ،‬ودوّنــت معالمها في الكثير‬ ‫من الوسائل اإلعالمية المختلفة‪ ،‬ونحن من‬ ‫جانبنا ســوف نوفر لك الدعم والمساندة‬ ‫الكاملة‪ ،‬مع دعواتنا لك طبعًا بالتوفيق‪ ..‬هيا‬ ‫أرنا همتك وإنجازاتك‪.‬‬

‫ثم ينقلنا المؤلف بلمحات فنية سلسة‬ ‫المعاني راقية األسلوب‪ ،‬ال تخلو من الطرافة‬ ‫الحركية أحيانا‪ ،‬والمفاجآت غير المتوقعة‪،‬‬ ‫وبــاألســلــوب الجمالي ذات ــه‪ ،‬ال ــذي استهل‬ ‫به مجريات روايته‪ ،‬عبر أحداثها المكتنزة‬ ‫بشخوصها ومواقفها الجمالية‪ ،‬إلى موضع‬ ‫آخر ال يقل إثارة عن سابقاته‪ ،‬عندما تأتي‬ ‫الفرصة على غير انتظار‪ ،‬وهي تحبو على‬ ‫قدميها ويــديــهــا‪ ،‬وبشكل غير متوقع من‬ ‫جانبه‪ ،‬عندما يستدعيه مدير التعليم في‬ ‫أول مــع مجموعة من‬ ‫منطقته‪ ،‬لتكريمه ً‬ ‫المعلمين المتميزين‪ ،‬ثــم ليفاجئه عندما‬ ‫يعرض عليه دون غيره‪ ،‬االضطالع بمهمة‬ ‫إدارة إحدى المدارس‪ ،‬الكائنة بالقرب من‬ ‫حـ ّيــه‪ ،‬وقــد أحــدثــت ت ـوًا فــي بلدته‪ ،‬لدرجة‬ ‫أنه لم يترك له التفكير واإلجابة الحقًا‪ ،‬بل‬ ‫يواصل مخاطبته قائال‪:‬‬

‫ويستمر المؤلف بمفاجآته الدرامية تلك‪،‬‬ ‫التي تتمحور بمجملها تقريبًا حول شخصية‬ ‫ذاك المدرّس‪ ،‬وما يالقي أو يتعرض له من‬ ‫مواقف تُراوح بين النجاح والفشل‪ ،‬والسعادة‬ ‫والقلق‪ ،‬وكيفية التصدي لها من جانبه‪ ،‬أو‬ ‫بمساعدة مــن قبل اآلخــريــن مــن معارفه‬ ‫وزمالئه أو المسئولين عنه‪ ،‬وما يرافق كل‬ ‫ذلك من شئون إحداثية أخرى‪ ،‬قد يمر بها‬ ‫كل إنسان قيض له الكدح‪ ،‬في هذه الحياة‬ ‫الفانية وتشعباتها المختلفة‪.‬‬

‫اســـمـــع‪ ..‬هـ ــذه فــرصــتــك الــفــضــيــة بل‬ ‫قــل الــذهــبــيــة‪ ،‬لــارتــقــاء بمستوى الطلبة‬ ‫وتحقيق طموحاتك فــي تطبيق نظريات‬ ‫اإلدارة الحديثة التي طالما أقلقتنا بها‬ ‫وتشدقت بمنافعها حتى أوق ــرت آذانــنــا‪..‬‬ ‫فهذه المدرسة‪ ،‬على الرغم من أنها تقع‬ ‫في مجمع قديم من أمالك الوزارة‪ ،‬إال إنها‬

‫ويــواصــل صاحبنا عمله مــديـرًا لثانوية‬ ‫موسى العتيدة‪ ،‬رغم كل المتاعب والعقبات‪،‬‬ ‫التي باتت تعرقله أثناء القيام بعمله ذاك‪،‬‬ ‫لكن الفاجعة تصل إلــى ذروتــهــا‪ ،‬عندما‬ ‫يتعرض لمشكلة شديدة التعقيد‪ ،‬يعقبها‬ ‫إغالق قسري للثانوية‪ ،‬بشكل مفاجئ‪ ،‬على‬ ‫أثــر تشكيل فــرق طالبية‪ ،‬مهمتها مرافقة‬

‫العدد ‪75‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫هــكــذا كــان التكليف المباشر مــن قبل‬ ‫المدير العام بالمنطقة لشخص صاحبنا‬ ‫الكريم‪ ،‬في القيام بمهام إدارة هذه المدرسة‬ ‫التي تدعى‪ « :‬ثانوية موسى»‪..‬‬

‫قراءات‬


‫المختصين بالرقابة الميدانية في األسواق‬ ‫والمطاعم‪ ،‬للكشف عن المخالفات الصحية‬ ‫والنظافة وجودة الطعام وسالمته‪ ،‬الذي يعد‬ ‫ويقدم لروادها‪ ،‬من المواطنين وغيرهم من‬ ‫الزوار والمقيمين‪.‬‬

‫وهكذا وجد ذلك المدرس العتيد‪ ،‬أحالمه‬ ‫تتالشى وتميد دفعة واحــدة أمــام ناظريه‪،‬‬ ‫وتتسرب هــاويــة فــي البعد مــن بين يديه‪،‬‬ ‫ويضع ملحً ا على الجرح‪ ،‬ويرضى بالمقسوم‪،‬‬ ‫ويستقر كغيره من الناس‪ ،‬وأســوة بزمالئه‬

‫لكن على الــرغــم مــن استعمال األقنعة المعلمين‪..‬‬ ‫والمالبس الواقية والقفازات‪ ،‬إال إنه وقع‬ ‫وبهذه الجملة المقتضبة‪ ،‬ذات المدلول‬ ‫الــمــحــذور‪ ،‬وهــنــا كــان مكمن الخطر غير‬ ‫اإلنساني بامتياز ينهي األديب‪« :‬عقل بن مناور‬ ‫المنتظر‪ ،‬لدى زيارتهم لسوق اإلبل ومسالخ‬ ‫الرويلي» فصول روايته‪ « :‬ثانوية موسى» التي‬ ‫البلدية التي تهتم بكافة الذبائح‪ ،‬إذ كانت‬ ‫عشت مع صفحاتها ردحً ا جميال من الوقت‪،‬‬ ‫مشاركة ال تخلو مــن ذلــك الــضــرر‪ ،‬فوقع‬ ‫الــعــديــد مــن الــطــاب فــي ِشــراكــه‪ ،‬عندما أثناء تقليب مكنوناته المكتنزة‪ ،‬ببديع الصور‬ ‫تبين إصابة بعضهم على إثر تلك الزيارات‪ ،‬الروائية والمحاور اإلحداثية‪ ،‬التي تأخذ‬ ‫بفيروس جرثومي خطير؛ ما استدعى عزلهم بمجامع القلوب وتبهج النفوس‪..‬‬ ‫فــي إح ــدى الــمــشــافــي‪ ،‬لمراقبة أحوالهم‬ ‫على الرغم مما تحتويه هذا الرواية‪ ،‬في‬ ‫الصحية لعدة أيام‪ ،‬وقد ع َّم القلق بالنسبة بعض فصولها من استطالة في العديد من‬ ‫لألهالي‪« ،‬وثانوية موسى» تحديدًا وإدارة الحوارات‪ ،‬وتكرار بعض الجمل المتشابهة‬ ‫التعليم‪ ،‬وجهاز البلدية‪ ،‬إلــى أن قــدر اهلل‬ ‫العبارة‪ ،‬المتواترة الصور واإلشـــارات؛ ما‬ ‫تعالى شفاءهم جميعًا‪ ،‬وبدأت حالة الطالب‬ ‫جعل بعض األحــداث على الرغم من قلتها‬ ‫بالتحسن الــدائــم والمستمر؛ ما استدعى‬ ‫باهتة المحتوى‪ ،‬لــدرجــة الملل فــي بعض‬ ‫وقــف حالة الــعــزل‪ ،‬طبعًا مــع األخــذ بعين‬ ‫الحاالت‪..‬‬ ‫االعتبار‪ ،‬االستمرار باالحتياطات العالجية‬ ‫هذه بعض االقتباسات والومضات‪ ،‬من‬ ‫الالزمة‪..‬‬

‫لكن هذا األمر لم يمر بسهولة‪ ،‬بالنسبة رواية‪« :‬ثانوية موسى» التي حاولت وسعيت‪،‬‬ ‫لمدير الثانوية الذي سارع بتقديم استقالته إلقاء الضوء واالطالع على نماذج ومختارات‪،‬‬ ‫للجهات الرسمية المسئولة‪ ،‬وفــي اليوم من بعض محتوياتها العديدة‪ .‬لكن ما يزال‬ ‫التالي جاء رد مدير التعليم بعبارة واحدة هناك الكثير من فحواها‪ ،‬ما يدعو للقراءة‬ ‫ويستحق االطالع‪.‬‬ ‫ومختصرة‪ :‬لقد تم عزلك‪.‬‬ ‫* كاتب وباحث ‪ -‬سوريا‪.‬‬

‫قراءات‬

‫‪ 75‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫‪143‬‬


‫الـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـح ـ ـ ــة األخ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــرة‬

‫تنمية شخصية‬ ‫الطالب الجامعي‬ ‫د‪ .‬جميل احلميد‬

‫ك ـل ـنــا ي ـ ــدرك أن ال ـح ـي ــاة ال ـجــام ـع ـيــة تـخـتـلــف كل‬ ‫االختالف عن المجتمع المدرسي الذي اعتاد عليه‬ ‫وعايشه الطالب على مدى (‪ )12‬سنة مدرسية؛ ومنذ‬ ‫التحاقه بالجامعة يتيقن الطالب أنه انتقل لحياة‬ ‫جديدة‪ ،‬لها ما بعدها‪ ،‬ترتّب عليه مسؤوليات كبرى‬ ‫ت ـجــاه نـفـســه ومـجـتـمـعــه؛ وعـلـيــه أن يـجـعــل مــن هــذه‬ ‫الـمــرحـلــة منصة ان ـطــاق للمستقبل‪ .‬وي ـع ـوّل على‬ ‫الجامعة أن تسهم فــي بـنــاء شخصية الـطــالــب بكل‬ ‫جــوانـبـهــا وب ــدرج ــة كـبـيــرة وفــاع ـلــة شــريـطــة أن يـكــون‬ ‫منسجما متفاعال مع متطلبات حياته‪.‬‬

‫فالحياة الجامعية للطالب والطالبة تعتبر من أهم محطات العمر الخالدة‪ ،‬وذلك لطبيعة‬ ‫هذه المرحلة عمريًا وعلميًا‪ .‬فهي مرحلة النضج واالستقالل على األقل فكريًا ومصيريًا‪،‬‬ ‫مسؤول عن نفسه من حيث اختيار التخصص والمسار‬ ‫ً‬ ‫فالطالب أو الطالبة غالبًا ما يكون‬ ‫وأسلوب الحياة بشكل عام‪ .‬وهنا يكون دور الجامعة الحقيقي في مساعدة الطالب أو الطالبة‬ ‫في تشكيل هذه المرحلة ولو بالحد األدنى‪ .‬فالطالب أو الطالبة الجامعي عندما يبدأ حياته‬ ‫الجامعية يتوقع أن يعيش في بيئة نوعية تساهم في تحقيق طموحاته وأحالمه‪ ،‬وهذا في‬ ‫ظني لن يتأتى فقط من خالل المحاضرات المقررة في خطة الجامعة لكل تخصص‪ .‬بل إن‬ ‫هناك روافد لبناء الطالب الجامعي ال تقل أهمية عن المواد المقررة عليه‪ ،‬وهي األنشطة‬ ‫الثقافية المختلفة‪ .‬فمن خالل تلك البرامج الالمنهجية يستطيع الطالب تنمية مهاراته‬ ‫المختلفة‪ ،‬والتي قد تظهر بشكل واضح من خالل ممارسة ما يتاح من برامج‪ ،‬مع حرية‬ ‫اختيار تلك األنشطة المتنوعة‪.‬‬ ‫الجامعة بمواردها البشرية والمادية لديها القدرة على خلق البرامج التي تحقق بناء‬ ‫الطالب الجامعي بما يتناسب مع ظروف كل مرحلة‪ ،‬مع اإلبقاء على تنمية الجوانب األساس‬ ‫في شخصية الطالب الجامعي لكي يكون قادرًا على مواجهة المواقف المختلفة خالل حياته‪،‬‬ ‫والتعامل معها بطريقة تعكس تلك التجربة المميزة في هذه الجامعة أو تلك‪ ،‬مما يظهر‬ ‫الفرق بشكل جلي في مخرجات الجامعات على المستوى المحلي والعالمي‪.‬‬ ‫ونظرا ألهمية تمكين الطلبة من الوصول إلى حالة الرضا النفسي عن أدائهم األكاديمي‬ ‫وإحساسهم بالتناغم في عالقاتهم مع مجتمع الجامعة والبيئة الجامعية بوجه عام‪ .‬فإن على‬ ‫الجامعات تنفيذ برامج التوجيه واإلرشاد النفسي واالجتماعي المناسبة للطلبة‪ ،‬وتفعيل‬ ‫األنشطة الطالبية الهادفة لتعزيز قدراتهم‪ ،‬ومهاراتهم في حل المشكالت التي قد تواجههم؛‬ ‫فليس دور الجامعة هو التعليم وحسب؛ بل اإلسهام في بناء شخصية الطلبة ليكونوا قادرين‬ ‫على مواجهة الحياة المستقبلية بجرأة ومرونة وعقالنية‪.‬‬ ‫* الملحق الثقافي بسفارة المملكة العربية السعودية لدى دولة الكويت‪.‬‬

‫‪144‬‬

‫العدد ‪75‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٣‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢٢‬م)‬

‫الصفحة األخيرة‬


‫من إصدارات اجلوبة‬

‫¦ محور خاص ‪ :‬جدلية الوقت والكتابة‬ ‫¦ نصوص جديدة ونوافذ‬ ‫¦ رحلة الشتاء بني الدخول وحومل‬ ‫¦ مواجهات‪ :‬أحمد فضل شبلول‪،‬‬ ‫محمود خيراهلل‪ ،‬خالد عبدالكرمي احلَمْ د‪.‬‬

‫ﺑﺮﻋﺎﻳﺔ ﺳﻤﻮ وﻟﻲ اﻟﻌﻬﺪ‬

‫ﺳﻤﻮ وزﻳﺮ اﻟﻄﺎﻗﺔ ﻳﻔﺘﺘﺢ ﻣﺸﺮوع‬ ‫ﻣﺤﻄﺔ ﺳﻜﺎﻛﺎ ﻟﻠﻄﺎﻗﺔ اﻟﺸﻤﺴﻴﺔ‬

‫‪71‬‬


‫من إصدارات برنامج النشر في مركز عبدالرحمن السديري الثقافي‬

‫مركز عبدالرحمن السديري الثقايف‬ ‫اجلوف‪ :‬ص‪ .‬ب‪854 :‬‬ ‫الرياض‪ :‬ص‪.‬ب ‪ 94781‬الرياض ‪11614‬‬ ‫الغاط‪ :‬ص‪ .‬ب ‪ - 63‬دار الرحمانية‬ ‫‪info@alsudairy.org.sa‬‬ ‫‪0553308853‬‬

‫هاتف ‪014 6245992‬‬ ‫هاتف ‪011 4999946‬‬ ‫هاتف ‪016 4422497‬‬ ‫|‬

‫فاكس ‪014 6247780‬‬ ‫جــوال ‪055 3308853‬‬ ‫فاكس ‪016 4421307‬‬

‫‪www.alsudairy.org.sa‬‬

‫‪Alsudairy1385‬‬


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.