صدور العد 68 من مجلة الجوبة الثقافية : ملف خاص بعزلة كورونا وحوارات عربية وعالمية ومحور خاص

Page 1

‫¦‬ ‫¦‬ ‫¦‬ ‫¦‬ ‫¦‬ ‫¦‬

‫¦عبدالعزيز الصقعبي كاتبا وروائيا‪.‬‬ ‫¦حضور املرأة يف مجموعة عبدالرحمن‬ ‫الدرعان‪.‬‬ ‫¦جبل عرفات للروسي أحميدوف‪.‬‬ ‫اجلمال املنحوتة باجلوف شاهد على‬ ‫¦ ِ‬ ‫‪ 6000‬عام من التاريخ‪.‬‬ ‫¦نصوص سردية وشعرية‪.‬‬ ‫¦مواجهات‪ :‬الروائي سعيد سالم‬ ‫ومحمد عيد إبراهيم والهنوف‬ ‫الدغيشم وستيفن كينج‪.‬‬

‫وقفات مع الجائحة‬ ‫شهادات ونصوص في عزلة كورونا‬

‫‪68‬‬


‫برنامـج نشر الدراسات واإلبداعـات األدبية والفكرية ودعم البحوث والرسائل‬ ‫العلمية يف مركز عبدالرحمن السديري الثقايف‬ ‫‪ 1-‬نشر الدراسات واإلبداعات األدبية والفكرية‬

‫يهتم بالدراسات‪ ،‬واإلبداعات األدبية‪ ،‬ويهدف إلى إخراج أعمال متميزة‪ ،‬وتشجيع حركة‬ ‫اإلبداع األدبي واإلنتاج الفكري وإثرائها بكل ما هو أصيل ومميز‪.‬‬ ‫ويشمل النشر أعمال التأليف والترجمة والتحقيق والتحرير‪.‬‬ ‫مجاالت النشر‪:‬‬ ‫أ ‪ -‬الدراسات التي تتناول منطقة الجوف ومحافظة الغاط في أي مجال من المجاالت‪.‬‬ ‫ب‪ -‬اإلبداعات األدبية والفكرية بأجناسها المختلفة (وفقاً لما هو مب ّين في البند «‪ »٨‬من شروط النشر)‪.‬‬ ‫ج‪ -‬الدراسات األخرى غير المتعلقة بمنطقة الجوف ومحافظة الغاط (وفقاً لما هو مب ّين في البند «‪ »٨‬من‬ ‫شروط النشر)‪.‬‬ ‫شروطه‪:‬‬ ‫‪ -١‬أن تتسم الدراسات والبحوث بالموضوعية واألصالة والعمق‪ ،‬وأن تكون موثقة طبقاً للمنهجية العلمية‪.‬‬ ‫‪ -٢‬أن تُكتب المادة بلغة سليمة‪.‬‬ ‫‪ -٣‬أن يُرفق أصل العمل إذا كان مترجماً‪ ،‬وأن يتم الحصول على موافقة صاحب الحق‪.‬‬ ‫‪ -٤‬أن تُق ّدم المادة مطبوعة باستخدام الحاسوب على ورق (‪ )A4‬ويرفق بها قرص ممغنط‪.‬‬ ‫‪ -٥‬أن تكون الصور الفوتوغرافية واللوحات واألشكال التوضيحية المرفقة بالمادة جيدة ومناسبة‬ ‫للنشر‪.‬‬ ‫‪ -٦‬إذا كان العمل إبداعاً أدبياً فيجب أن يتّسم بالتم ّيز الفني وأن يكون مكتوباً بلغة عربية‬ ‫فصيحة‪.‬‬ ‫‪ -٧‬أن يكون حجم المادة ‪ -‬وفقاً للشكل الذي ستصدر فيه ‪ -‬على النحو اآلتي‪:‬‬ ‫ الكتب‪ :‬ال تقل عن مئة صفحة بالمقاس المذكور‪.‬‬‫ البحوث التي تنشر ضمن مجالت محكمة يصدرها المركز‪ :‬تخضع لقواعد النشر في‬‫تلك المجالت‪.‬‬ ‫ الكتيبات‪ :‬ال تزيد على مئة صفحة‪( .‬تحتوي الصفحة على «‪ »250‬كلمة تقريباً)‪.‬‬‫‪ -٨‬فيما يتعلق بالبند (ب) من مجاالت النشر‪ ،‬فيشمل األعمال المقدمة من أبناء وبنات‬ ‫منطقة الجوف‪ ،‬إضافة إلى المقيمين فيها لمدة ال تقل عن عام‪ ،‬أما ما يتعلق بالبند (ج)‬ ‫فيشترط أن يكون الكاتب من أبناء أو بنات المنطقة فقط‪.‬‬ ‫‪ -٩‬يمنح المركز صاحب العمل الفكري نسخاً مجانية من العمل بعد إصداره‪ ،‬إضافة إلى‬ ‫مكافأة مالية مناسبة‪.‬‬ ‫‪ -١٠‬تخضع المواد المقدمة للتحكيم‪.‬‬


‫‪ -2‬دعم البحوث والرسائل العلمية‬

‫يهتم بدعم مشاريع البحوث والرسائل العلمية والدراسات املتعلقة مبنطقة اجلوف‬ ‫ومحافظة الغاط‪ ،‬ويهدف إلى تشجيع الباحثني على طرق أبواب علمية بحثية جديدة يف‬ ‫معاجلاتها وأفكارها‪.‬‬ ‫(أ) الشروط العامة‪:‬‬ ‫‪ -١‬يشمل الدعم املالي البحوث األكادميية والرسائل العلمية املقدمة إلى اجلامعات‬ ‫واملراكز البحثية والعلمية‪ ،‬كما يشمل البحوث الفردية‪ ،‬وتلك املرتبطة مبؤسسات غير‬ ‫أكادميية‪.‬‬ ‫‪ -٢‬يجب أن يكون موضوع البحث أو الرسالة متعلقاً مبنطقة اجلوف ومحافظة الغاط‪.‬‬ ‫‪ -٣‬يجب أن يكون موضوع البحث أو الرسالة جديداً يف فكرته ومعاجلته‪.‬‬ ‫‪ -٤‬أن ال يتقدم الباحث أو الدارس مبشروع بحث قد فرغ منه‪.‬‬ ‫‪ -٥‬يقدم الباحث طلباً للدعم مرفقاً به خطة البحث‪.‬‬ ‫‪ -٦‬تخضع مقترحات املشاريع إلى تقومي علمي‪.‬‬ ‫‪ -٧‬للمركز حق حتديد السقف األدنى واألعلى للتمويل‪.‬‬ ‫‪ -٨‬ال يحق للباحث بعد املوافقة على التمويل إجراء تعديالت جذرية تؤدي إلى تغيير‬ ‫وجهة املوضوع إال بعد الرجوع للمركز‪.‬‬ ‫‪ -٩‬يقدم الباحث نسخة من السيرة الذاتية‪.‬‬ ‫(ب) الشروط اخلاصة بالبحوث‪:‬‬ ‫‪ -١‬يلتزم الباحث بكل ما جاء يف الشروط العامة (البند «أ»)‪.‬‬ ‫‪ -٢‬يشمل املقترح ما يلي‪:‬‬ ‫ توصيف مشروع البحث‪ ،‬ويشمل موضوع البحث وأهدافه‪ ،‬خطة العمل ومراحله‪،‬‬‫واملدة املطلوبة إلجناز العمل‪.‬‬ ‫ ميزانية تفصيلية متوافقة مع متطلبات املشروع‪ ،‬تشمل األجهزة واملستلزمات‬‫املطلوبة‪ ،‬مصاريف السفر والتنقل والسكن واإلعاشة‪ ،‬املشاركني يف البحث من‬ ‫طالب ومساعدين وفنيني‪ ،‬مصاريف إدخال البيانات ومعاجلة املعلومات والطباعة‪.‬‬ ‫ حتديد ما إذا كان البحث مدعوماً كذلك من جهة أخرى‪.‬‬‫(ج) الشروط اخلاصة بالرسائل العلمية‪:‬‬ ‫إضافة لكل ما ورد يف الشروط اخلاصة بالبحوث (البند «ب») يلتزم الباحث مبا يلي‪:‬‬ ‫‪ -١‬أن يكون موضوع الرسالة وخطتها قد أق ّرا من اجلهة األكادميية‪ ،‬ويرفق ما يثبت ذلك‪.‬‬ ‫‪ -٢‬أن يُق ّدم توصية من املشرف على الرسالة عن مدى مالءمة خطة العمل‪.‬‬ ‫هاتف‪ 014 6245992 :‬فاكس‪014 6247780 :‬‬ ‫الجـوف ‪ 42421‬ص‪ .‬ب ‪ 458‬‬ ‫هاتف‪ 016 4422497 :‬فاكس‪016 4421307 :‬‬ ‫الغ ـ ـ ــاط ‪ 11914‬ص‪.‬ب ‪ 63‬‬ ‫الرياض ‪ 11614‬ص‪ .‬ب ‪ 94781‬هاتف‪ 011 2015494 :‬فاكس‪011 2015498 :‬‬

‫‪info@alsudairy.org.sa‬‬ ‫‪www.alsudairy.org.sa‬‬


‫مجلس إدارة مؤسسة عبدالرحمن السديري‬

‫ملف ثقايف ربع سنوي يصدر عن‬ ‫مركز عبدالرحمن السديري الثقافي‬ ‫هيئة النشر ودعم األبحاث‬

‫رئيساً‬ ‫د‪ .‬عبدالواحد بن خالد الحميد ‬ ‫عضواً‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬خليل بن إبراهيم المعيقل ‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬مشاعل بنت عبدالمحسن السدير ي عضواً‬ ‫عضواً‬ ‫د‪ .‬علي دبكل العنزي ‬ ‫عضواً‬ ‫محمد بن أحمد الراشد ‬ ‫أسرة التحرير‬

‫إبراهيم بن موسى احلميد‬ ‫محرر ًا‬ ‫ ‬ ‫محمود الرمحي‬ ‫محرر ًا‬ ‫ ‬ ‫محمد صوانة‬ ‫اإلخراج الفني ‪ :‬خالد الدعاس‬

‫املشرف العام‬

‫هاتف‪)+966()14(6263455 :‬‬ ‫املراســــــالت‪ :‬‬ ‫فاكس‪)+966()14(6247780 :‬‬ ‫ص‪ .‬ب ‪ 458‬سكاكا اجلـوف ‪ -‬اململكة العربية السعودية‬ ‫‪www.alsudairy.org.sa‬‬ ‫‪aljoubahmag@alsudairy.org.sa‬‬

‫ردمد ‪ISSN 1319 - 2566‬‬ ‫سعر النسخة ‪ 8‬رياالت ‪ -‬تطلب من الشركة الوطنية للتوزيع‬ ‫االشتراك السنوي لألفراد ‪ 50‬ريا ًال واملؤسسات ‪ 60‬ريا ًال‬

‫رئيساً‬ ‫فيصل بن عبدالرحمن السديري ‬ ‫عضواً‬ ‫سلطان بن عبدالرحمن السديري ‬ ‫د‪ .‬زياد بن عبدالرحمن السديري العضو المنتدب‬ ‫عضواً‬ ‫عبدالعزيز بن عبدالرحمن السديري ‬ ‫عضواً‬ ‫د‪ .‬سلمان بن عبدالرحمن السديري ‬ ‫عضواً‬ ‫د‪ .‬عبدالواحد بن خالد الحميد ‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬خليل بن إبراهيم المعيقل ‬ ‫عضواً‬ ‫سلمان بن عبدالمحسن بن محمد السديري عضواً‬ ‫طارق بن زياد بن عبدالرحمن السديري عضواً‬ ‫سلطان بن فيصل بن عبدالرحمن السديري عضواً‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬مشاعل بنت عبدالمحسن السديري عضواً‬ ‫قواعد النشر‬

‫‬‪ -1‭‬أن‬ ‪‭‬تكون‬ ‪‭‬املادة‬ ‪‭‬أصيلة‬ ‪.‭‬‬ ‫‪ ‭‬-2‬لم‬ ‪‭‬يسبق‬ ‪‭‬نشرها‬ ‪‭‬ورقيا‬ً ‪‭‬أو‬ ‪‭‬رقميا‬ً‪‭.‬‬ ‫‪ ‭‬-3‬تراعي‬ ‪‭‬اجلدية‬ ‪‭‬واملوضوعية‬‪‭.‬‬ ‫‬‪ -4‭‬تخضع‬ ‪‭‬املواد‬ ‪‭‬للمراجعة‬ ‪‭‬والتحكيم‬ ‪‭‬قبل‬ ‪‭‬نشرها‬‪‭.‬‬ ‫‬‪ -5‭‬ترتيب‬ ‪‭‬املواد‬ ‪‭‬يف‬ ‪‭‬العدد‬ ‪‭‬يخضع‬ ‪‭‬العتبارات‬ ‪‭‬فنية‬‪‭.‬‬ ‫‬‪ -6‭‬ترحب‬ ‪‭‬اجلوبة‬ ‪‭‬بإسهامات‬ ‪‭‬املبدعني‬ ‪‭‬والباحثني‪‭‬‬ ‫‬والكتّاب‪‭ ‬،‬على‬ ‪‭‬أن‬ ‪‭‬تكون‬ ‪‭‬املادة‬ ‪‭‬باللغة‬ ‪‭‬العربية‬‪‭.‬‬ ‫‮«‬اجلوبة‬‪‭‬‮»‬ من‬‪‭‬األسماء‬‪‭‬التي‬‪‭‬كانت‬‪‭‬تُطلق‬‪‭‬على‬‪‭‬منطقة‬‪‭‬اجلوف‬‪‭‬سابق‬اً‪‭.‬‬

‫املقاالت املنشورة ال تعبر بالضرورة عن رأي املجلة والناشر‪.‬‬

‫يُعنى املركز بالثقافة من خالل مكتباته العامة يف اجلوف والغاط‪ ،‬ويقيم املناشط املنبرية الثقافية‪،‬‬ ‫ويتبنّى برنامجاً للنشر ودعم األبحاث والدراسات‪ ،‬يخدم الباحثني واملؤلفني‪ ،‬وتصدر عنه مجلة‬ ‫(أدوماتو) املتخصصة بآثار الوطن العربي‪ ،‬ومجلة (اجلوبة) الثقافية‪ ،‬ويضم املركز ك ً‬ ‫ال من‪( :‬دار‬ ‫العلوم) مبدينة سكاكا‪ ،‬و(دار الرحمانية) مبحافظة الغاط‪ ،‬ويف كل منهما قسم للرجال وآخر‬ ‫للنساء‪ .‬ويصرف على املركز مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية‪.‬‬

‫‪0553308853‬‬

‫‪Alsudairy1385‬‬


‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬

‫‪23.........................‬‬

‫عبدالعزيز الصقعبي‬

‫كاتبا وروائيا ومسرحيا‬

‫‪89.............................‬‬

‫حوار مع الهنوف‬ ‫الدغيشم‬

‫‪116............................‬‬

‫اكتشاف منحوتات جمال‬ ‫في منطقة سكاكا‬

‫الـمحتويــــات‬

‫االفتتاحية ‪................................................................................‬‬ ‫محور خاص‪ :‬كورونا والمتغيرات المفروضة ‪..........................................‬‬ ‫بين جائحتين‪ ..‬أُ ُذ ٌن تتد ّب ُر العزلة ‪ -‬عبداهلل السفر‪..............................‬‬ ‫نسأل اهلل أن يزيل هذه الغمة ويفرّج كرب هذه األمة ‪ -‬أحمد اللهيب ‪...........‬‬ ‫صار الزمن سائ ًال في ممرات البيت‪ - !..‬جعفر عمران‪..............................‬‬ ‫من يوميات الراحة في أيام العزل ‪ -‬عزة دياب ‪..................................‬‬ ‫كورونا والعزلة ‪ -‬خديجة إبراهيم الشهري‪.......................................‬‬ ‫عزلتي قبل كورونا وخاللها ‪ -‬عيادة خليل ‪.......................................‬‬ ‫عزلة «كورونا» ‪ -‬عبداهلل بيال‪...........................................................‬‬ ‫حبيسً ا بين جدران مكتبتي! ‪ -‬عبدالوهاب أبو زيد ‪..............................‬‬ ‫أصدقاء محيطين بي على األرفف‪ - !..‬أحمد ابراهيم البوق ‪...................‬‬ ‫العزلة بسبب كورونا‪ ،‬وما أدراني ما كورونا؟ ‪ -‬عبدالرحمن موكلي‪.............‬‬ ‫الليالي الهادئة‪ ،‬ليالي جائحة كورونا‪ - !..‬محمد خضر ‪........................‬‬ ‫دراسات ونقد‪ :‬عبدالعزيز الصقعبي‪ :‬كاتبا وروائيا ومسرحيا‪...........................‬‬ ‫الشخصية المعقدة في مجموعات الصقعبي ‪ -‬د‪ .‬سالم الراشد‪................‬‬ ‫الصقعبي في غفوة ذات ظهيرة ‪ -‬فرج مجاهد ‪..........................‬‬ ‫الصقعبي الروائي والقاص والسيناريست ‪ -‬غازي الملحم‪...............‬‬ ‫الصقعبي‪ ..‬مخرج يحرّك شخصياته كيفما يريد ‪ -‬خالد الخالد‪..........‬‬ ‫الحكواتي يفقد صوته بين عوالم الصقعبي ‪ -‬عبدالعزيز بوشردوقة‪...........‬‬ ‫الصقعبي‪ ...‬سرد ماتع السترجاع أوليات الطفولة‪ - ...‬محمد العامري ‪........‬‬ ‫صفعة المرآة‪ ..‬الكوميديا السوداء حين تضحكك وأنت تبكي ‪ -‬د‪ .‬هناء البواب‪.‬‬ ‫القاص والروائي عبدالعزيز الصقعبي ‪ -‬حاوره‪ :‬عمر بوقاسم ‪..................‬‬ ‫توظيف اللغة األجنبية في الروايات العربية‪ - ..‬سميرة الزهراني ‪..............‬‬ ‫حضور المرأة السيريالي المضيء في (رائحة الطفولة) ‪ -‬تركية العمري‪.......‬‬ ‫نصوص‪ :‬عيد مبارك ‪ -‬محمد الرياني‪................................................‬‬ ‫أيام معه ‪ -‬ربيعة المنصوري ‪.....................................................‬‬ ‫األفعى ‪ -‬عمار الجنيدي ‪.........................................................‬‬ ‫ديون ال يمكن سدادها ‪ -‬محمد صالح أبو عمر‪.................................‬‬ ‫عراف ينير حكمة الوقت ‪ -‬حليمه حريري‪.......................................‬‬ ‫أيتها الطفولة‪ ..‬هل تبصرين؟ ‪ -‬نويّر العتيبي‪....................................‬‬ ‫يلد ‪ -‬هاني قدري ‪.........................‬‬ ‫َات المِ َ‬ ‫األحْ َل ُم تُ َو َّز ُع مَجَ انًا َم َع شَ هَاد ِ‬ ‫كوفيد ‪ - 19‬ماجد سليمان‪.......................................................‬‬ ‫حوارية ‪ -‬عبد الوهاب أبو زيد ‪...................................................‬‬ ‫عطر الفالحين ‪ -‬نوره عبيري‪....................................................‬‬ ‫نبض ألقى ‪ -‬مالك الخالدي ‪..................................................‬‬ ‫ال َ‬ ‫كورونا ‪ -‬د‪ .‬عبدالهادي الصالح‪..................................................‬‬ ‫ترجمة‪ :‬جبل عرفات‪ ..‬محمد أحميدوف ‪ -‬ترجمة د‪ .‬إبراهيم إستنبولي ‪..............‬‬ ‫مواجهات‪ :‬الروائي المصري (سعيد سالم) ‪ -‬حاوره‪ :‬أحمد الالوندي‪..................‬‬ ‫الهنوف الدغيشم ‪ -‬حاورها‪ :‬عمر بوقاسم ‪......................................‬‬ ‫مع الشاعر الكبير‪ ..‬محمد عيد إبراهيم ‪ -‬حاوره‪ :‬كمال أبو النور ‪..............‬‬ ‫الكاتب األمريكي ستيفن كينج ‪ -‬حوار‪ :‬تيري غروس ‪ -‬ترجمة‪ :‬أميرة الوصيف‪.‬‬ ‫نوافذ‪ :‬ذكـريات‪ ..‬في مركز معلومات عكاظ قبل األفول ‪ -‬محمد الجفري‪.........‬‬ ‫الصمت‪ ..‬من وجهة نظر أنثروبولوجية ‪ -‬المهدي مستقيم‪......................‬‬ ‫وقفات مع جائحة كورونا ‪ -‬د‪ .‬عبدالحكيم بن خالد الحميد ‪....................‬‬ ‫اكتشاف منحوتات جمال ‪ -‬المحرر الثقافي ‪.....................................‬‬ ‫موقع الجِمال المنحوتة في مدينة سكاكا ‪ -‬حسين بن علي الخليفة ‪............‬‬ ‫أسعد عبده ‪ -‬محمد عبدالرزاق القشعمي ‪......................................‬‬ ‫عندما يمرض الشاعر ‪ -‬أحمد الفالح ‪...........................................‬‬ ‫قراءات‪.....................................................................................‬‬ ‫الصفحة األخيرة‪ :‬في ذم العزلة ‪ -‬صالح القرشي‪....................................‬‬

‫‪٤‬‬ ‫‪٦‬‬ ‫‪7‬‬ ‫‪9‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪12‬‬ ‫‪13‬‬ ‫‪14‬‬ ‫‪15‬‬ ‫‪17‬‬ ‫‪18‬‬ ‫‪20‬‬ ‫‪22‬‬ ‫‪٢٣‬‬ ‫‪٢٤‬‬ ‫‪٢٦‬‬ ‫‪٢٨‬‬ ‫‪٣٠‬‬ ‫‪٣٢‬‬ ‫‪٣٤‬‬ ‫‪٣٧‬‬ ‫‪٤٠‬‬ ‫‪٥٠‬‬ ‫‪٥٤‬‬ ‫‪57‬‬ ‫‪58‬‬ ‫‪59‬‬ ‫‪61‬‬ ‫‪65‬‬ ‫‪66‬‬ ‫‪70‬‬ ‫‪71‬‬ ‫‪72‬‬ ‫‪74‬‬ ‫‪75‬‬ ‫‪76‬‬ ‫‪٧٧‬‬ ‫‪٨١‬‬ ‫‪٨٩‬‬ ‫‪٩٣‬‬ ‫‪٩٩‬‬ ‫‪١٠٤‬‬ ‫‪١١٠‬‬ ‫‪١١٣‬‬ ‫‪١١٦‬‬ ‫‪١٢١‬‬ ‫‪١٢٤‬‬ ‫‪١٣٢‬‬ ‫‪134‬‬ ‫‪136‬‬

‫الغالف‪ :‬منحوتات الجمال بالحجم الطبيعي على جبل في مدينة سكاكا بمنطقة الجوف يعود تاريخها ألكثر من ‪ 6000‬عام‪.‬‬


‫■ إبراهيم بن موسى احلميد‬ ‫كانت الضريبة باهضه للقرية الكونية التي نعيشها! وإذا كان العالم قد بات منذ‬ ‫ال من‬ ‫سنوات يفاخر األحياء واألمــوات بأننا نعيش عصرًا لم تشهد البشرية له مثي ً‬ ‫قبل؛ من حيث سرعة التواصل‪ ،‬واالنتقال؛ بسهولة ويسر‪ ،‬فقد دفع الجميع ضريبة هذا‬ ‫العصر‪ ،‬وسقط في أول امتحان كبير وُضعت البشرية أمامه‪ ،‬وأصبحت تقف عاجزة في‬ ‫فيروس صغير‪ ،‬بات يتنقل بين مختلف األصقاع‪ ،‬عابرًا الحدود والمسافات‪ ،‬مستفيدًا من‬ ‫عصر العولمة؛ فبات جائح ًة تنتشر بين التجمعات البشرية موجهة ضربتها الكبيرة إلى‬ ‫رؤوس أقوى دول العالم‪ ،‬وقاتلة مئات اآلالف من الناس حول العالم‪ ،‬ومخلّفة الماليين‬ ‫مرضى حائرين‪.‬‬ ‫وخوفًا من اجتياح الفيروس‪ ،‬ومن أجل حماية الدول لنفسها ولمجتمعاتها من تواصل‬ ‫باتت الجائحة تتربص به وتعتصر صبره وقدرته على المقاومة في حرب لم يستعد لها‬ ‫الكثير‪ ،‬أصبح العالم اليوم يعيش عزلته االضطرارية التي عزلت ُد َولَ ُه الكبرى والصغرى‬ ‫على السواء‪ ،‬في مشهد لم يعهده عليه الناس منذ اختراع السيارة والطائرة ووسائل‬ ‫النقل السريعة‪.‬‬ ‫في األشهر األولى للجائحة‪ ،‬فوجئ العالم بحلول الخريف مبكرا‪ ،‬وتم تأجيل الربيع‪،‬‬ ‫وحلّت سطوة الحرب المعلنة في بداياتها باألخبار المفزعة القادمة من الصين‪ ،‬مهد‬ ‫الفيروس‪ ،‬وبالعدوى الكبيرة التي باتت تهب الموت أقصر طريق في إيطاليا وإسبانيا‪،‬‬ ‫الدولتين اللتين حصدت الجائحة حصادها األول فيهما‪ ،‬وفيهما كانت الصدمة األولى‬

‫‪4‬‬

‫لمواجهة الفيروس‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬


‫حـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدـة‬ ‫س ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬ ‫دراـ ـ ـ ـ ـ‬ ‫اف ـ‬ ‫ـاتـاون‬

‫في األشهر التالية‪ ،‬بات الفيروس أكثر ضراوة‪ ،‬وكاد أن يسرق فرصة النجاة‪ ،‬وكان‬ ‫سارقًا لألمل‪ ،‬وانتشرت األخبار المفزعة من الواليات األمريكية المتحدة‪ ..‬وسقوط‬ ‫نيويورك‪ ،‬تلك المدينة العظيمة‪ ،‬تحت وطأة الجائحة‪ ،‬وبات عليهم إحصاء اإلصابات‪،‬‬ ‫وع ّد الموتى الذين يسقطون يوميًا‪ ،‬وكانت فرص الحياة تتالشى شيئًا فشيئًا؛ فكلما‬ ‫اقترب الفيروس كانت المواجهة وشيك ًة مع الموت‪ ،‬ليتحول في أحيان كثيرة إلى موت‬ ‫بطيء يستنزف البشرية في أبهى تجلياتها‪.‬‬ ‫في وسائل التواصل العابر للحدود‪ ،‬بتنا نتواصل مع لُصقائنا االفتراضيين‪ ،‬والكل‬ ‫يبتعد عن أن ينوشه الفيروس بأي شاردة أو واردة‪ ،‬وكنا نحمد الولي القدير ليل نهار أن‬ ‫جنبنا تغوّل الفيروس وهذه المالمسة غير المحسوسة‪ ،‬والتي تخترق األعضاء وتضرب‬ ‫التنفس‪ ،‬وتقضي على الحياة‪.‬‬ ‫مع تقدّم األيام واألشهر‪ ،‬بات الفيروس أمرًا ال مناص منه‪ ،‬وبات الكل يتعايش مع‬ ‫عزلته المشتهاة‪ ،‬وكان على الجميع أن يتكيّف مع الوضع الجديد‪ ،‬حتى مع فتح المدن‬ ‫وبدء عودة الحياة التدريجي؛ ومع هذا‪ ،‬تبقى الجائحة حتى بعد أكثر من ستة أشهر‬ ‫خلفية لمشهد الحياة وللعزلة التي نعيشها؛ ولهذا كان محور العزلة معبرًا عن التحوالت‬ ‫وإشكاالت التعايش‪ ،‬وكيفية تكريس الكتابة‪ ،‬بما هي واحدة من وسائل مقاومة الفيروس‬ ‫والتغلب على عزلة الجائحة‪.‬‬ ‫في السياق‪ ،‬تنقشع الحروب والجوائح‪ ،‬مهما طال أمدها مخلّفة ندوبها وأحزانها؛ وفي‬ ‫الوقت ذاته تبقى اإلضافات اإلنسانية من علوم وابتكارات ومعارف وإبداع ذخيرة مقاومة‬ ‫خالدة في المدونات والكتب‪ ،‬مكونة مفرداتها ونصوصها وإبداعاتها التي أوجدتها‪.‬‬ ‫وفي انتظار انتهاء جائحة كورونا‪ ،‬بمشيئة اهلل سبحانه‪ ،‬تتعلم البشرية الكثير من‬ ‫الدروس والعبر‪ ،‬وأولها نعمة الحياة التي حباها اهلل بها في أيام الرخاء‪ ،‬غير مقدرين‬ ‫ما تستحقه من تقدير‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬

‫‪5‬‬


‫كورونا‬ ‫والمتغيرات المفروضة‬ ‫كورونا ذلك الكائن العجيب‪ ،‬قلب كيان العالم في لحظة لم تكن في الحسبان‪،‬‬ ‫فيروس تمكن من اجتياح كل منزل وحياة‪ ،‬ولم تكن متغيراته عادية‪ ،‬بل هي من‬ ‫جنح خيال حوّل األمن كله إلى سطوة الجلوس في المنزل‪ .‬فلم نعد نحن كما كنا‪،‬‬ ‫ولم تعد قدرتنا على الحياة كما نعرف‪.‬‬ ‫ليل الحظر ثقيلٌ وطويلٌ ‪ ،‬وال يوجد ما يقطعه انتقامً ا منه‪ ،‬فتتغير المفاهيم‬ ‫واألفكار واألشياء من حولنا‪ ،‬لنجد أنفسنا في دائرة الوحدة والعزلة التي تجبرنا‬ ‫على قبول اآلخر الذي ربما نهرب منه دومً ا‪ ،‬ولكننا اليوم مجبرون على وجوده في‬ ‫حياتنا وأمام أعيننا‪.‬‬ ‫هــذه المتغيرات جعلتنا فجأة ننظر للعالم من زاويــة الوحدة والـفــراغ‪ ،‬فأنت‬ ‫محكوم عليك بالسجن‪ ،‬الذنب هو عدم التعقيم المستمر طوال سنيّ عمرنا‪ ،‬وكأن‬ ‫يقتص لنفسه ولعائلته من بني البشر‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫هذا الفيروس يريد أن‬ ‫الجميع يعتقد أن الحَ ْجر قرّبنا اجتماعيًا ونفسيًا‪ ،‬ولكن األمر على العكس‬ ‫تـمــامــا؛ الحجر الصحي كــان شـعــاره (التباعد االجـتـمــاعــي) تباعدنا اجتماع ًيًا‬ ‫ونفسيا وجـســد ًيــا‪ ،‬أصبحنا كمن يـحــاول الـخــروج مــن الــزجــاجــة أو ًال ليستعين‬ ‫بالهواء ويسرقه‪.‬‬ ‫مــا مــن كــاتــب ي ــدرك أن الــوقــت سيفوته دون أن ي ــدون كــل تفاصيل حياته إال‬ ‫ويخاف فــوات اللحظة‪ ،‬نعم كتبت كثيرً ا بعنوان ( أحاسيس معقمة) فكل شيء‬ ‫حولنا معقم‪ ،‬حتى مشاعرنا أصبحت معقمة وتخلو من الفوضى التي تعودناها‪،‬‬ ‫ومــن رائـحــة األحـضــان التي نفتقدها‪ ،‬وألنـنــا مــع الـكــورونــا سمعنا أص ــوات دبيب‬ ‫النمل‪ ،‬وعرفنا مهارة الذبابة وهي تطير‪ ،‬واكتشفنا إبداع السلحفاة في تباطئها؛‬ ‫ألنها ليست متعجلة على الموت‪ ،‬كل ذلك دفعنا أن ندوّن مشاعرنا المعقمة في‬ ‫يوميات مختلفة‪.‬‬

‫‪6‬‬

‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬


‫■ عبداهلل السفر*‬

‫«كــورونــا» لــم تكن الجائحة األول ــى التي أعايشها عن‬ ‫قرب في حياتي‪.‬‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور خـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاص‬

‫ن تتدبّر ُ العزلة‬ ‫بين جائحتين‪ ..‬أ ُ ُذ ٌ‬

‫في العام ‪ ،1970‬اجتاح «وباء الكوليرا» منطقة األحساء‪.‬‬ ‫وقتها كـنـ ُـت أدرس فــي الـصــف الخامس ابـتــدائــي‪ ،‬وليس‬ ‫من مصدرٍ للمعلومات حــول هــذا الــوبــاء غير ما نسمع‪،‬‬ ‫وغير مــا يسري مــن تغيير طفيف فــي حياتنا اليومية‪.‬‬ ‫ـؤشــر األك ـبــر هــو غ ـيــاب عــمّ ــال شــركــة أرام ـك ــو وكــذلــك‬ ‫ال ـمـ ّ‬ ‫عمّ ال «القنطراز» (وهم المتعاقدون في القطاع الخاص‬ ‫بأجور منخفضة) ِمن أبناء قريتي‪ ،‬بفعل حظر الدخول‬ ‫والخروج من األحساء إال بتصريح خاص من مستشفى الملك فيصل بمدينة الهفوف‪.‬‬ ‫والخ َضر المحفوظة حضورًا دائمً ا ويوميًا في وجبات‬ ‫المؤشر الثاني حضور علب التونة ُ‬ ‫ّ‬ ‫الغداء بدي ًال عن اللحوم التي غابت طول مدة الحجر بسبب التدابير الوقائية‪ .‬سوى ذلك‪،‬‬ ‫كانت أيامنا تمضي ـ أنا ومن هم في العمر وفي صداقة الحي والمدرسة والقرابة ـ ما بين‬ ‫السباحة عصر ًا في «البحيرة»‪ ،‬وهي تجمّ ع مائي كبير بفعل مياه األمطار الغزيرة ـ الواقعة‬ ‫عند مدخل القرية‪ ،‬واللعب لي ًال في «براحة الديرة» بالقرب من منزل عمّ تي؛ ألعب قلي ًال‬ ‫ثم أنسحب إلى منزل العمّ ة حيث األهل «يتعتّمون» جزء ًا من الليل‪ ،‬وما أتمتّع به ويخيفني‬ ‫في الوقت نفسه حكايات زوج العمة التي ال تنفد عن الجن‪ .‬وفي ذلك العام انتشرَتْ بيننا‬ ‫أغنية للمطرب الصاعد «عبادي الجوهر» وأنزلناها صدً ى وواقعةً تحكي الحال‪« :‬يا مدير‬ ‫يتأخر عليّا»‪ ،‬ولم نكن ننطق «يا مدير الحجز» بل‬ ‫الحجز اقطع لي تذاكر‪ ..‬ما هي العادات ّ‬ ‫«يا راعي الحجز» وكنّا نعني المسؤول عن الحجر‪ .‬ولماذا «راعي»‪ .‬ال أعلم‪ .‬هل كان التغيير‬ ‫بأثر أغنية أخرى لعيسى بن علي‪« :‬يا راعي التاكسي شلني واكسب المعروف»!!‬ ‫‪ ..‬خمسون عاماً مضت‪ ،‬وها هي جائحة تنهمر من الشاشة بأرقام تتبدّل تباعاً فتنشر‬ ‫«كورونا» تُقبِل عاصف ًة بالعالم أجمع؛ صوتًا الهلع والرعب‪ ،‬فتنطلق التحذيرات وتتوالى‬ ‫وصـــورة‪ ..‬ووقــائــع عيانية ومعايشة يومية اإلجراءات االحترازية‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬

‫‪7‬‬


‫يهبط من جديد «الحَ جْ ر» في صورته خلخلة «التباعد االجتماعي»‪ .‬البحث عن‬ ‫الجزئية والكليّة‪.‬‬

‫رابطة تنقب جــدار العزلة‪ ..‬ث ّم تلّة‬ ‫ٍ‬ ‫ِص ٍلة؛‬

‫قليل قليل‪ ،‬كيف‬ ‫نوم ٍ‬ ‫تنتعش كلمة» الــعــزلــة»‪ ..‬وتــتــردّد ك ِلمَتا الوقت المتعاظمة مع ٍ‬ ‫«الــتــبــاعــد االجــتــمــاعــي»؛ ســيــاج ـاً يمنع أزحزحها؛ أكشطُ شيئا منها لئال تذهبَ‬ ‫أنفاسي‪.‬‬ ‫الجائحة‪.‬‬ ‫ثـ ّمــة قلق على األبــنــاء‪ ،‬رغــم التواصل‬

‫إلى جانب نزهتي المعتادة بين الكتب‬

‫اليومي وســيــل «التطمينات» ال ــذي يأتي واألفـــــام‪ ..‬والمسلسالت المتاحة عبر‬ ‫منصة «نتفليكس»‪ ،‬انفتحَ تْ أُذُني ـ وال أقول‬ ‫ّ‬ ‫أب‬ ‫منهم‪ .‬وهم بالمثل في حالة خوف على ٍ‬

‫يطفو فــوق الستين عاماً بــأمــراض زمنية عيني ـ بــشــراهـ ٍـة على بــرامــج وتطبيقات‬ ‫وأخرى طارئة تزيد سن ًة بعد سنة؛ فتنهال إلكترونية‪ ،‬منها ما لم أسمع به من قب ُل‬ ‫النصائح «والتحذيرات المشدّ دة» التي تركّز أبدًا‪ ،‬وبعضها موجود على جهازي المحمول‬ ‫على «الخروج» من المنزل (وتدقيقات أخرى وال أستخدمه‪ .‬صار يومي عامرًا بمفردات‬ ‫(زوم‪ ،‬إنــســتــغــرام‪ ،‬بــرودكــاســت‪ ،‬يوتيوب‪،‬‬ ‫من االبنة الطبيبة)‪.‬‬ ‫قــبــل الــجــائــحــة‪ ،‬ك ــان نــظــامــي الــيــومــي‬ ‫منذ ستّة أعــوام ـ ال أحيد عنه إال قليالـ‬ ‫المشي‪ ،‬بعد التاسعة صباحا‪ ،‬في «مجمّع‬ ‫الظهران» على سبيل الرياضة لمدة أربعين‬

‫ساوند كالود)‪ ..‬مفردات تعمل بمثابة نوافذ‬ ‫تعويضية؛ جــسـرًا مــعــمــورًا بـــ «االخــتــاط‬ ‫االجــتــمــاعــي»؛ هـ ــواء حــي مــتــجــدّ د يضع‬ ‫التواصل في نصابه اإلنساني‪.‬‬ ‫‪ ..‬بعد ثالثة أشهر من الحجر المنزلي‪،‬‬

‫دقيقة‪ ،‬ثم الجلوس مقدار ساعة أو أكثر في‬ ‫أحد مقاهي الشارع التجاري بحي الدوحة «انتبهتُ !!» إلى وزني (زاد عن عشرة كغم)‪.‬‬ ‫الجنوبية‪ ،‬حيث أقيم‪ ،‬وهناك ينتهي يومي انتبهتُ إلى قــراءة معدّ ل السكر في الدم؛‬ ‫خ ــارج الــمــنــزل‪ ..‬ألمــضــي بقيّة يــومــي في قراءة ال تطمئن‪ .‬وضعي الصحي ال يحتمل‬ ‫هذا الوزن وال تلك «اللخبطة»‪.‬‬ ‫عزلتي االختيارية‪.‬‬ ‫بــدأتُ في العودة تدريجيًا إلى المشي‪،‬‬

‫اآلن‪ ،‬العزلة إجبارية‪ .‬ما أعمله ليس‬ ‫طــوع ـ ّيــا‪ .‬ينبغي مــازمــة الــمــنــزل‪ .‬بهج ُة قبل المغرب بساعة‪ ،‬فــي تهوية المنزل‬ ‫العزلة تتبدّ د مع هذا الوضع القسري‪ .‬ال الصغيرة يصحبني صوتُ محمود درويش‪:‬‬ ‫بدّ من التأقلم‪ .‬إنشاء بدائل‪ .‬فتْح نوافذ‪.‬‬

‫‪8‬‬

‫* ناقد وشاعر سعودي‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬

‫«ال الرحل ُة ابتدأَتْ ‪ ،‬وال الدربُ انتهى»‪.‬‬


‫■ أحمد اللهيب*‬

‫عالقتي بالقراءة قديمةٌ ‪ ..‬وهي عاد ٌة أكثر من كونها شيئا آخر‪ ،‬ولذا لم تكن هذه األيام‬ ‫التي نقضيها في البيت بسبب انتشار (وبــاء كــورونــا) مصدر تضايق أو تذمّ ر‪ ،‬بل وجدتها‬ ‫فرصة لمزيد من القراءة ومزيد من االطــاع‪ ،‬ومصادفة هذا االلتزام بالمكوث في البيت‬ ‫مع شهر رمضان يجعل القراءة مرتبطة بالقرآن الكريم أوال‪ ،‬فعاد ًة ما أصطحب كتابًا آخر‬ ‫يبحر في جانب من جوانب هذا الكتاب العظيم‪ ،‬وكان كتاب (إعراب ثالثين آية من القرآن‬ ‫الكريم) البن خالويه‪ ،‬هو الكتاب المصاحب لقراءة القرآن‪ ،‬فأمدني هذا الكتاب بثالثين‬ ‫فائدة قدمتها في حسابي في موقع (تويتر) وعبر رسائل (الواتس)‪ .‬هذه نافذة‪.‬‬ ‫أم ــا الــنــافــذة األخـ ــرى فــإنــي أنتخب‬ ‫فــي شهر رمــضــان شــاع ـرًا يتعايش مع‬ ‫شعره لفترة زمنية طويلة‪ ،‬وكان (ديوان‬ ‫البحتري) صديقًا لــي فــي هــذا األيــام‪،‬‬ ‫أقــرأ فــي شعره وأنتخب مــن قصائده‪،‬‬ ‫وأنشر من أبياته ما تطرب له النفوس‬ ‫وتــأنــس بها األرواح‪ .‬وإذا كــان الشعر‬ ‫حاضرًا من جانب فإن النثر حاض ٌر من‬ ‫زاويــة أخــرى‪ ،‬فوجدت في (ديــوان النثر‬ ‫العربي) ألدونيس مساحة رائعة من قراءة‬ ‫النثر‪ ،‬وهو في أربعة مجلدات‪ ،‬وجدتها‬ ‫واحة خضراء تنبت من كل عصر زهورًا‬ ‫مختلف ًة وورودًا متنوعة‪ .‬وغالبًا إذا حضر‬ ‫الشعر والنثر‪ ،‬فإني أصطفي كتابًا نقديًا‬ ‫بجوارهما‪ ،‬فكان كتاب (نقد أعالم الرواة‬ ‫ الشعر العربي) للدكتور عبدالكريم‬‫محمد حسين رفيقًا أنست به في هذه‬ ‫العزلة‪ .‬كما تركت للرواية زاويــة أخرى‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور خـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاص‬

‫بداية نسأل اهلل أن يزيل هذه الغمة‬ ‫ويفرّج كرب هذه األمة‬

‫أنفذ من ورائها إلى عالم مختلف ورؤى‬ ‫متنوعة‪ ،‬فكانت رواية (شيفرة دافنتشي)‬ ‫بكل عوالمها الرمزية تنقلني إلى عالم‬ ‫جديد وكوكب فريد‪.‬‬ ‫هذه بعض الوقفات في أيــام الحجر‬ ‫الصحي‪ ،‬وفيها ما يتخللها من مشاهدات‬ ‫مرئية‪ ،‬أو تسجيالت صوتية‪ ،‬لقصص من‬ ‫التراث األدبي؛ نزجي بها الوقت‪ ،‬ونسلّي‬ ‫النفس‪.‬‬

‫ * شاعر سعودي‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬

‫‪9‬‬


‫صار الزمن سائ ً‬ ‫ال في ممرات البيت‪!..‬‬ ‫■ جعفر عمران*‬

‫ربما ساعدت اللغة الصحفية التي أمتلكها في حضوري في شبكات التواصل االجتماعي‬ ‫بشكل ملفت أيام الحجر المنزلي‪ ،‬وقد يكون بشكل «زائد»‪.‬‬ ‫اللغة الصحفية هي المناسبة للتعبير عن حاجة اإلنـســان في جميع ظــروفــه‪ ،‬وتــزداد‬ ‫تلك الحاجة في األزمــات بشكل خاص؛ لما تمتلكه من مرونة ووضوح وخفة في التعبير‪،‬‬ ‫تساعد اإلنسان على الفهم والتفسير‪ .‬وهذا تفسير عودة مشاهدة الناس بمختلف فئاتهم‬ ‫للتلفزيون سيما القنوات اإلخبارية‪ ،‬وفي السعودية تفوقت بشكل ملحوظ قناة «اإلخبارية»‪.‬‬ ‫بــعــد يــومــيــن مــن صـ ــدور قـ ــرار الحجر‬ ‫مقاالت صحفية تعبّر‬ ‫ٍ‬ ‫المنزلي‪ ،‬بدأت أكتب‬ ‫عن اللحظة الجديدة في مجتمعنا‪ ،‬أنشرها‬ ‫فــي شــبــكــات الــتــواصــل‪ ،‬وحــظــيــت بتفاعل‬ ‫مناسب‪ .‬رحــتُ أكتب مقالين في األسبوع‪،‬‬ ‫خاصة في شهر مارس‪ ،‬إضافة إلى ظهوري‬ ‫للحديث عن اإلعالم ودوره في «أزمة كورونا»‬ ‫من خالل حواريْين في صحف إلكترونية‪،‬‬ ‫وكــذلــك اســتــضــافــتــي فــي مــنــصــات ‪zoom‬‬ ‫وفــي تطبيق االنستغرام‪ ،‬كما قمتُ بإلقاء‬ ‫محاضرات عبر االنستغرام بعنوان «مهارة‬ ‫الــحــوار التلفزيوني والــصــحــفــي»‪ ،‬وأخــرى‬ ‫بــعــنــوان «صــنــاعــة الفيلم الــوثــائــقــي»‪ ،‬كما‬ ‫استضفت ُ الممثل القدير إبراهيم الحساوي‬ ‫حوار عبر االنستغرام لقي قبوالً كبيرا‪.‬‬ ‫في ٍ‬

‫‪10‬‬

‫نشر رواي ــة على الفيسبوك والــخــوف من‬ ‫ســرقــتــهــا‪ ،‬ذلـــك االخ ــت ــاف والــــــردود في‬ ‫الفيسبوك ربما ساعد في إقبال كثير من‬ ‫الشباب وأشــخــاص ال أعرفهم فــي قــراءة‬ ‫كذلك ساعد على حضوري المكثّف في الرواية على الفيسبوك‪ ،‬والتفاعل معها‪ ،‬أو‬ ‫شبكات التواصل نشري لمخطوطة روايتي طلب نسخة ‪ PDF‬لقراءتها‪.‬‬ ‫األولــى «اخــتــراع رجــل ديــن»‪ ،‬ومــا صاحبها‬ ‫تلك األح ــداث أسهمت في نشر اسمي‬ ‫مــن اخــتــاف فــي وجــهــات النظر مــع بعض أو التعريف به بين ق ـرّاء جُ ــدد‪ ،‬وفــي طلب‬ ‫األصدقاء المثقفين والكتّاب حول جدوى كتابيّ «ذاكرة المكان أنا إعالمي» من متجر‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬


‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور خـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاص‬

‫إلكتروني لبيع الكتب‪ ،‬وأظن أن مطلب كل السباق ربما لصالحها‪ ،‬أو ربما هو تعادل؛‬ ‫كاتب هو تعزيز حضوره في الساحة األدبية ولكنه تعادل من صالحنا‪.‬‬ ‫والثقافية وكسبَ قراء جدداً‪.‬‬ ‫كورونا جعلتنا نــدرك الفرق بين الوقت‬ ‫كان المبرر في نشر مخطوطة روايتي أنها وبين الزمن‪ .‬أعادتنا إلى ذاكرتنا لنشاهد‬ ‫غير مطبوعة وغير متوافرة في يد القاريء‪ ،‬حياتنا السابقة‪ ،‬أعادتنا إلى صورنا القديمة‬ ‫لكنّ القارئ موجود‪ ،‬وكان الجو العام مهيّئاً وهواياتنا وألعابنا الجماعية‪« .‬كورونا» جلست‬ ‫للقراءة‪ ،‬وبخاصة قراءة الرواية‪ ،‬وهذا أسهم بجانبنا وقالت‪ :‬ل َم هذا الركض؟ وإلى أين؟‬ ‫في انتشارها إلكترونياً وقراءتها‪ ،‬وإن كان وهذا السباق إلى متى؟ قالت لنا بالحرف‬ ‫من عدد قليل‪ ،‬إال إنها كانت فرصة جيدة‬ ‫الــواحــد‪ :‬للحياة شكل آخــر‪ ،‬الــذي سبق ال‬ ‫بالنسبة لي‪.‬‬ ‫يستحق منكم كل هذا العناء‪ .‬تفكيركم في‬ ‫عند توّفر الوقت يمكن للقارئ أن يظن اآلخر وهروبكم إلى الشارع‪ ،‬حياتكم ليست‬ ‫أنها فرصة ذهبية للقراءة بنهم أكثر وفي هناك‪.‬‬ ‫عقل أصفى‪ ،‬ولكن هل تحقّق ذلك لي في‬ ‫حياتكم أجــمــل فــي الــبــيــت‪ ،‬فيه متسع‬ ‫فترة الحجر المنزلي؟!‬ ‫ومساحة للعيش والحب والتأمل والهدوء‪.‬‬ ‫في أيام معينة وجدتُ صعوبة في استيعاب‬ ‫ما أقرأ‪ ،‬استمر هذا اإلحساس حتى توقفتُ‬ ‫عن قراءة الروايات وغيرها من الكتب! ألول‬ ‫مرة في حياتي أبتعد عن القراءة برغبة منّي‬ ‫دون شعور بالتقصير‪ .‬داخلني شعور بأنني‬ ‫في إجازة‪ ،‬وألول مرة أعرف معنى إجازة؛ أن‬ ‫أكون بال قراءة وال كتابة‪.‬‬ ‫توّف ُر الوقت جعله متكدساً مثل أرشيف‪،‬‬ ‫ال‬ ‫شاب طموح بال عمل‪ .‬صار الزمن سائ ً‬ ‫مثل ٍّ‬ ‫إلى درجة أنك تتعثر به في ممرات البيت‪ ،‬أو‬ ‫تشعر به لزجاً على جلدك‪.‬‬ ‫رحتُ أتساءل‪ :‬هل «كورونا» هزيمة لمعركة‬ ‫سابقة كنا نخوضها مع الوقت والزمن؟ كنا‬ ‫في سباق محموم ال يهدأ‪ ..‬نركض ونسابق‬ ‫الزمن لنحاول أن نحقق أهدافنا البعيدة‪،‬‬ ‫نركض خلف أحالمنا وال نقترب منها ألن‬ ‫خطواتها دائماً أســرع منا‪« .‬كورونا» أنهت‬ ‫* إعالمي وقاص سعودي‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬

‫‪11‬‬


‫من يوميات الراحة في أيام العزل‬ ‫■ عزة دياب*‬

‫مــرت الساعات األولــى ليوم الراحة في التنظيف‪ ،‬حين أخــذت كتاب حلم السلتي بين‬ ‫يدي‪ ..‬كنت متعبة ورائحة الكلور تفوح من يدي‪ ،‬وجدت العالمة على صفحة (‪ ،)57‬قررت‬ ‫نصفسجن بينتوفيل يتمثل في عدم‬ ‫البدء من البداية‪ ..‬قرأت في الصفحة األولى (أحد عذابات‬ ‫معرفة الوقت)‪ ،‬قلت في نفسي ومعرفة الوقت أيضا عذاب‪.‬‬ ‫وصــلــت إلـــى الــصــفــحــة (‪ )57‬وروجـــر صينية الفراخ بحلقات البطاطس والطماطم‬ ‫كــيــســمــنــت يــتــحــدث ع ــن ال ــس ــوط األداة ووضــعــتــهــا فــي ال ــف ــرن‪ ،‬أنــهــت نــجــاة سكة‬ ‫المستخدمة فــي تخويف ســكــان الكونغو العاشقين ووصلت إلى‪ ..‬في نصف الطريق‬ ‫ومعاقبتهم من قبل األوربيين‪ .‬ساعات النهار ووقفنا يــا قلبي‪ ،‬تــذكــرت أنــي منذ وعيت‬ ‫تتقدم‪ ،‬وعليّ إعداد العشاء‪ ،‬وضعت العالمة لذاتي وأنــا في نصف الطريق في الكتابة‬ ‫بجوار السوط وأغلقت الكتاب‪.‬‬ ‫والقراءة والوظيفة‪ ،‬أخرجني رنين الهاتف‬ ‫أشعلت الموقد ووضــعــت إنــاء الشربة‪ ،‬من الطريق‪ ،‬زوجي يتعجل العشاء‪.‬‬ ‫الجارة القريبة تطبخ هي األخــرى‪ ،‬أسمع‬ ‫بعد العشاء امتالء حوض المطبخ باألطباق‬ ‫طرطشات البطاطس فــي الــزيــت وترسل‬ ‫والمالعق واألكــواب‪ ،‬أنهيت التنظيف بهمة‬ ‫اللعنات ألوالده ــا المتحلقين حــول شاشة‬ ‫حتى أصل إلى مكاني على الكنبة بصحبة‬ ‫الــكــمــبــيــوتــر‪ ،‬وك ــل مــنــهــم يــريــد أن يحرك‬ ‫الماوس‪ ،‬يعلو صوت عراكهم تهددهم بقطع الكتاب‪ ..‬قلت أبــدأ من األول‪ ،‬مــررت على‬ ‫الــنــت‪ ،‬الــجــارة البعيدة يتطاير مــن نافذة الصفحات بسرعة أغمض عينيّ وأفتحهما‬ ‫مطبخها دخان شيّ السردين‪ ،‬يتسرب إليّ وأغمضهما‪ ..‬انتبهت على صوت ابني يطلب‬ ‫صوت نجاة الصغيرة تغني سكة العاشقين‪ ،‬مني تجهيز وجبة خفيفة قبل النوم‪ ..‬نظرت‬ ‫عندما وصلت إلى‪ :‬آه يا ألم‪ ..‬كنت غمرت في الكتاب‪ ..‬وجدت الصفحة (‪.)57‬‬ ‫* كاتبة ‪ -‬مصر‪.‬‬

‫‪12‬‬

‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬


‫■ خديجة إبراهيم الشهري*‬

‫ال شك أن فترة العزل مختلفة كلي ًا عن غيرها من األيام‪ ،‬وتشكل بداخل اإلنسان انطباع ًا‬ ‫معيناً‪ ،‬وتكسبه نمط حياة مختلفاً‪ ،‬يسعى من خالله إلى التكيّف مع الظروف المحيطة به‬ ‫والطارئة‪ ،‬المرتبطة بجائحة كورونا‪ ،‬وأسأل اهلل أن يزيح هذه الغمة عن الجميع‪..‬‬ ‫فــي عزلتي أسـعــى إلــى اسـتـغــال أكـبــر قــدر مــن وقـتــي فــي إنـجــاز األع ـمــال الـتــي تتطلب‬ ‫إنجازها بشكل سريع‪ ،‬فالوقت يمضي‪ ..‬وال بد أن نتداركه بشكل مفيد‪ .‬والقيام بااللتزامات‬ ‫والواجبات األسرية والخاصة هي من األولويات لدي‪.‬‬ ‫قــراءاتــي متنوعة مــا بين القصص والشعر وكتب‬ ‫تطوير الذات والمقاالت‪ ،‬سواء أكانت تصفحاً ورقياً أم‬ ‫من خالل النت‪ ،‬في أوقــات ما بعد الفجر‪ ،‬وقبل النوم‬ ‫بساعة‪ .‬والكتابة قليلة جداً وتوجد بعض المسودات لم‬ ‫تكتمل بعد‪..‬‬ ‫تسرقنا الحالة الشعورية كثيرًا‪ ،‬لكن أسعى دومـاً‬ ‫إلــى عــدم االن ـجــراف خلفها‪ ،‬وبـخــاصــة أخ ـبــار حــاالت‬ ‫الوفيات واإلصابات بهذا الوباء‪ ،‬وهذا محزن ومتعب بال‬ ‫شك‪ .‬ويومياتي مقسمة ما بين االهتمام بشؤون المنزل‬ ‫واالجتماع مع األســرة‪ ،‬واالطمئنان على الوالد واألهل‬ ‫واألصدقاء‪..‬‬ ‫كما أحرص على أخذ فترة استرخاء وإن كانت ربع‬ ‫ساعة فهي مهمة‪ ،‬وبها تتجدد الطاقة وتساعد على‬ ‫الهدوء النفسي‪ ..‬إلى جانب برنامج رياضي يتراوح من‬ ‫نصف ساعة إلى ساعة‪ ،‬يساعد على حرق أي سعرات‬ ‫إضافية بعد أن توقفت النوادي الرياضية والذهاب اليها‪..‬‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور خـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاص‬

‫كورونا والعزلة‬

‫بالنسبة للمشاركة في برامج التواصل‪ ،‬حرصت على‬ ‫اإلق ــال مــن حـضــوري فــي هــذه الـبــرامــج وفــي قروبات‬ ‫الواتس أب أو تويتر والفيس بوك‪ ،‬خاصة خالل الشهر‬ ‫الفضيل‪ ،‬واستخدم السناب في التواصل مع أخواتي‬ ‫الالتي يسك َّن خارج جدة لالطمئنان عليهن‪.‬‬ ‫كما أح ــرص على متابعة الـمــواقــع الرسمية ألخذ‬ ‫المعلومات من مصادرها المعتمدة كوزارة الصحة ووزارة‬ ‫الداخلية‪ .‬باإلضافة لمتابعة بعض ال ــدروس فــي تعلم‬ ‫الرسم والتصميم حين تسنح الفرصة لذلك‪ ..‬أو متابعة‬ ‫عمل خاص في المجال اإلعالمي المحبب إلى قلبي‪..‬‬ ‫ولو خصصنا لكل مهمة في حياتنا نصف ساعة إلى‬ ‫ساعة على مدار األسبوع‪ ،‬لوجدنا أننا أنجزنا الكثير على‬ ‫المستوى الشخصي والمستوى العام وخاصة‪ ‬فترة العزل‪.‬‬ ‫فاالنشغال باألمور المفيدة يساعد اإلنسان على عدم‬ ‫التذمر أو الشعور بالملل والتأقلم في كل الظروف‪ ..‬وكلنا‬ ‫أمل أن تعود األمور كما كانت سابقاً وأفضل بإذنه تعالى‪..‬‬

‫من الجميل‪ ،‬أني كنت في رحلة استجمام قبل الحظر‪،‬‬ ‫وبعد عودتنا بأسبوع طبق الحظر‪ ،‬ولم أخرج من المنزل أو‬ ‫للتسوق اال نادراً‪ ،‬وملتزمة وأسرتي بالحظر وبالتعليمات‬ ‫وبعودتنا للحياة الطبيعية‪ ،‬نحرص كل الحرص على‬ ‫الصحية واألمنية‪ ،‬والحمد هلل على الصحة والسالمة التي‬ ‫ننعم بها في وطننا بقيادة حكومتنا الرشيدة والتوجيهات العودة بحذر‪ ،‬حتى تنزاح هذا الجائحة‪ ،‬وتــزول الغمة‪،‬‬ ‫المفروضة لصالح هذا الوطن الغالي على قلوبنا جميعًا‪ .‬وننعم بالصحة والسالمة‪..‬‬ ‫* شاعرة سعودية‪.‬‬

‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬

‫‪13‬‬


‫عزلتي قبل كورونا وخاللها‬

‫■ عيادة خليل*‬

‫نعيش هــذه األي ــام عــزلــةً عالمية إجـبــاريــة بسبب فـيــروس كــورونــا‪ ،‬ولكنني أعـيــش عزلة‬ ‫اختيارية قبل كورونا‪ ،‬فالعزلة أمر مهم بالنسبة لي؛ ألنني أراها أقوى دافع للكتابة الجيدة‪،‬‬ ‫كما أنها سمة مــوجــودة في شخصيات المبدعين والعباقرة‪ ،‬فهي تعطيك الوقت الكافي‬ ‫لفهم الذات‪ ،‬وتنمي ملكة التفكر‪ ،‬وتمنحك فرصة كبيرة لتنمية مواهبك وصقلها وقراءة‬ ‫ما يفيد‪ ،‬واالستفادة من تجارب اآلخرين‪ ،‬كما تساعدك على تطوير قدراتك‪ ،‬وتنمي عقلك‪،‬‬ ‫وتفهم روحك في جو هادئ وجميل‪ ..‬بعيدً ا عن صخب الحياة والتجمعات التي تشوش على‬ ‫النفس‪ ،‬حتى تصل لدرجة االندماج النفسي‪.‬‬ ‫في عزلتي‪ ،‬أ ُقسّ م وقتي بين القراءة والكتابة‪ ،‬والشر‪ ،‬فهذه العزلة خطيرة جدًا‪ ،‬وقد تصنع‬ ‫وأترك وقتا أيضا لتوفير مستلزمات المنزل‪ .‬منك وحشً ا ينفر منه الناس‪.‬‬ ‫لكنني أقولها وبكل صــراحــة‪ :‬مهما كانت‬ ‫العزلة جميلة يبقى االجتماع أجمل‪ ..‬وله دوره‬ ‫‏أع ـ ـيـ ــش ب ـع ــزل ـت ــي صـ ـب ـ ًـح ــا ولـ ـي ـ ًـا‬ ‫في روح اإلنسان من حيث خلق ج ٍّو للسعادة‬ ‫ـس ب ـ ـ ـيـ ـ ــن األن ـ ـ ـ ـ ـ ــامِ‬ ‫كـ ـ ـ ــأنـ ـ ـ ــيَ جـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ٌ‬ ‫مع األشخاص الذين نحبهم‪ ..‬وقد قيل‪ :‬العزلة‬ ‫أمر جيدٌ‪ ،‬ولكنك تحتاج لشخص ما لتخبره بأن ‏خ ـ ـب ـ ـيـ ــرٌ بـ ـ ــالـ ـ ــذي يـ ـ ـج ـ ــري مـ ـ ـ ـ ــرارًا‬ ‫ـات ال ـ ـ ـكـ ـ ــامِ‬ ‫‏وم ـ ـ ـ ــا يـ ـخـ ـف ــى بـ ـ ـطـ ـ ـي ـ ـ ِ‬ ‫العزلة جيدة!‬ ‫كتبت عن العزلة قبل كورونا‪:‬‬

‫ما أجمل أن تجلس في مكان أنت فيه الملك! ‏فـ ـ ـه ـ ــذا غـ ـ ــاضـ ـ ـ ٌـب مـ ـ ــن قـ ـ ـ ــول هـ ــذا‬ ‫تأخذ كتابا ثم تلقيه‪ ،‬تصنع بعض األعمال على‬ ‫وه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذا ك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــارهٌ ر ّد الـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ــامِ‬ ‫الحاسوب‪ ،‬ثم تغلقه فترجع للكتاب‪ ،‬تتركهما‬

‫‏وهـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذا ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزدري أخـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاق هـ ـ ــذا‬ ‫كالهما ثم تقلب هاتفك في برامج التواصل‪،‬‬ ‫‏وهـ ـ ـ ـ ــذا فـ ـ ــاجـ ـ ــرٌ ع ـ ـنـ ــد ال ـ ـ ِـخـ ـ ـص ـ ــامِ‬ ‫وتتفاعل مع األشخاص عبر العالم االفتراضي‪.‬‬

‫ـرب‬ ‫مـ ـ ـن ـ ــاظ ـ ــرةٌ بـ ـ ــا ج ـ ـ ـ ـ ــدوى‪ ،‬وحـ ـ ـ ـ ٌ‬ ‫باختصار‪ ..‬أقــول‪ :‬العزلة جيدة إذا كانت‬ ‫ـدف ُت ـ ـ ـعـ ـ ــادُ عـ ـل ــى الـ ـ ـ ـ ــدوامِ‬ ‫ب ـ ــا هـ ـ ـ ـ ٍ‬

‫لهدف‪ ،‬والحذر كل الحذر من عزلة التشاؤم‬ ‫الــتــي تــأتــي لألشخاص السلبيين الكارهين ‏أعـ ـ ـي ـ ــش بـ ـع ــزلـ ـت ــي فـ ـلـ ـتـ ـع ــذرون ــي‬ ‫للمجتمع‪ ،‬والذين يرون العالم من نافذة الكيد‬ ‫ـصـ ـ ــدامِ‬ ‫‏لـ ـك ــي أرتـ ـ ـ ـ ـ ــا َح م ـ ــن ه ـ ــم الـ ـ ـ ّ‬ ‫* معلم وشاعر سعودي‪.‬‬

‫‪14‬‬

‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬


‫■ عبداهلل بيال*‬

‫يستيقظ العالمُ ليكتشف أنَّ مالمحه قد تغيرت بين عشيةٍ وضحاها‪ ،‬وأنّ مزاياه التي‬ ‫الموجودات قد‬ ‫ِ‬ ‫طالما فاخَ َر بها قد اختفت تماماً‪ ،‬وأنّ تلك األدوات التي يملكها للتأثير في‬ ‫العالم يوم ًا أنه يمكن أن يرتهن لسطوته وجبروته‪ ،‬أو‬ ‫ِ‬ ‫ببال‬ ‫فاعل‪ ،‬لم يخطر ِ‬ ‫بفعل ٍ‬ ‫تعطلت ِ‬ ‫َّ‬ ‫العالم ويضطره إلى عزلةٍ أبعدت‬ ‫ِ‬ ‫يقطع أواصر هذا‬ ‫بإمكان ذلك الفاعل «الفيروس» أن ِّ‬ ‫ِ‬ ‫أنَّ‬ ‫البيت الذي‬ ‫ِ‬ ‫بيت عن‬ ‫بلد عن اآلخر‪ ،‬وكل مدينةٍ عن أختها‪ ،‬وكل ٍ‬ ‫كل قارةٍ عن األخرى‪ ،‬وكل ٍ‬ ‫يجاوره‪.‬‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور خـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاص‬

‫عزلة «كورونا»‬

‫عزلة «كــورونــا» االضــطــراريــة‪ ،‬فرص ُة كونها المرآة الوحيدة القادرة على تعرية‬ ‫العالَم ليحاول اكتشاف حقيقته مرة أخرى‪ .‬دواخلنا دون حاجز من خجل أو خوف؛‬

‫حظيتُ بقراءات وعنوانات أظنها أفادتني‬ ‫ِ‬ ‫هذا العالم الذي ارتف َع بجبروته وخيالئه‬ ‫ـروس» بالغِ كثيرا‪ ،‬أذكر منها على سبيل المثال‪ :‬ملحمة‬ ‫ليطارح السماء‪ ،‬بإمكانِ «فــيـ ٍ‬ ‫الــضــآلــةِ والــدقــة أن يسقطه مــن عــرش الشاهنامة للفردوسي؛ المفكرون األحرار‬

‫كبريائه‪ ،‬ويــقـوّض كل ممتلكاته وممالكه في اإلسالم لدومينيك أورفوا؛ جنة الحيوان‬ ‫لطه حسين؛ رواية البطء لميالن كونديرا؛‬ ‫وفتوحاتهِ العلمية والمعرفية‪.‬‬ ‫الكتاب األبيض لهان كانغ؛ التفاؤل «كنديد»‬ ‫«كــورونــا» جعلني أكثر إيماناً بإمكانية‬ ‫لفولتير‪ ،‬رسالة الغفران ألبي العالء المعري‪،‬‬ ‫انمحاءِ كل الحضارات العتيدة‪ ،‬بأبسط‬ ‫وباقة من الدواوين والمجموعات الشعرية‪،‬‬ ‫األســلــحــةِ غير المتخيلة‪ .‬اســتــطــاع هذا‬ ‫القادرة على خلق عوالم موازية أكثر جماالً‬ ‫الفيروس أن يزهِّ دني في المادة ويقرّبني وإشراقاً وتفاؤالً‪.‬‬ ‫إلى عوالمِ الروحِ وملكوتات الطمأنينة‪ ،‬إنه‬ ‫جبروت اهلل‬ ‫ِ‬ ‫فرصة للتواضع اإلنساني أمام‬ ‫وقدرته المتعالية‪.‬‬

‫لم تتغير عاداتي كثيراً‪ ،‬فقد توزعت بين‬ ‫القراءة‪ ،‬والكتابة أحياناً‪ ،‬ومشاهدة التلفاز‪،‬‬ ‫ـض‬ ‫ومــحــاولــة رفــد الجسد ببعض الــتــريُّـ ِ‬

‫حــاولــت فــي هــذه العزلة االضطرارية المتاح‪ ،‬مع اقتصار الخروج من البيت على‬

‫وإن كانت العزلة هي قــدر الكاتب‪ -‬أن الضرورة الملحة‪ ،‬ومتابعة وسائل التواصل‬‫أتعرف على ذاتي أكثر من خالل القراءة‪ ،‬االجتماعي ومعرفة مستجدات األصدقاء‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬

‫‪15‬‬


‫حول العالم‪ ،‬ويُحمد لهذه الوسائل قدرتها إليهم‪ ..‬عليهم‬

‫على السفر بنا جميعاً ‪-‬كمتفاعلين معها‪-‬‬ ‫إلى العالم كله‪ ،‬متجاوزة تلك الحدود التي‬ ‫أغلقها الفيروس‪ ،‬ومفتتح ًة عهداً أجمل‬

‫ـوات‬ ‫ـوت ف ــي ال ـف ـل ـ ِ‬ ‫وقـ ــد خ ـبــأت ـهــم يـ ــدُ الـ ـم ـ ِ‬ ‫الجديبة‬

‫وأكــثــر حميمي ًة فــي الــتــواصــل اإلنساني سالمٌ عليكم‬ ‫للمواجع‬ ‫ِ‬ ‫ال ــخ ــاّ ق‪ ،‬ولــعــلَّ تــلــك الــفــعــالــيــات األدبــيــة على الحزن ينسجنا جسد ًا‬ ‫التفاعلية واألمسيات الشعرية واللقاءات يشعلنا حطب ًا للحياةِ الغريبة‪.‬‬ ‫الفكرية والنقدية الــتــي ضــجّ بها فضاء‬

‫التواصل االجتماعي‪ ،‬تكون قد أثبتت بما‬ ‫ال يدع مجاالً للشك ديمومة الكلمة وقدرتها‬ ‫عــلــى اخ ــت ــراق كــل الــحــواجــز والــزنــازيــن‬ ‫المؤقتة‪.‬‬ ‫في انتظار أن يصحو الصبا ُح على سماءٍ‬ ‫نقية من كل آثار هذا الفيروس الذي أوج َع‬ ‫ٍ‬ ‫العال َم كثيراً‪ ،‬وأسبل الكثير من الجفونِ‬ ‫ال أن‬ ‫وال ــدم ــوعِ ‪ ،‬الــتــي ال أمــلــك أمــامــهــا إ ّ‬ ‫أشاركها الحز َن والحسرةَ واألم َل وأقول‪:‬‬

‫ل ــأك ـ ِـف ال ـتــي اخــتُ ــلِ ـســت ف ـج ــأ ًة م ــن أك ـ ٍـف‬ ‫حبيب ْة‬ ‫وها هي تنأى وتنأى‪..‬‬ ‫ولكنها ما تــزالُ تلوِّح مخدوعةً باألماني‬ ‫الخصيبة‬ ‫للعيون التي شرِ قت بالدموعِ‬ ‫ِ‬ ‫وقد أسدلَت للوداعِ الجفونَ الكئيبة‬ ‫للقلوب‬ ‫ِ‬ ‫وما زال يخفقُ فيها الحنينُ ‪/‬األنينُ‬ ‫ * كاتب سعودي‪.‬‬

‫‪16‬‬

‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬


‫■ عبدالوهاب أبو زيد*‬

‫تجربتي مع أيام العزل الطويلة لم تكن سيئة‪ ،‬وإن كانت بدايتها‬ ‫صعبة جدً ا بسبب خضوعي للحجر الصحي المنزلي بعد عودتي‬ ‫من لندن‪ ،‬إذ كنت في رحلة عمل هناك‪ ،‬في ‪ 15‬مارس‪ .‬كان أصعب‬ ‫مــا فــي األمــر أنـنــي لــم أكــن ق ــادرًا على أخــذ زوجـتــي وبناتي األربــع‬ ‫باألحضان بعد غياب عنهم لمدة أسبوعين أو أكثر قليال‪ .‬وكان علي‬ ‫أن أنتظر لمدة أربعة أسابيع أخرى بعد عودتي حتى تظهر نتيجة‬ ‫المسحة التي أخذت مني في المستشفى التي أتعالج فيها‪.‬‬ ‫كنت دائم الشكوى من أن ظروف عملي تبقيني‬ ‫بعيدًا معظم األيام عن مكتبتي‪ ،‬التي هي بمثابة‬ ‫الصومعة والمختلى والمعتزل الذي أجد فيه نفسي‬ ‫برفقة الكتب التي أحبها‪ ،‬والكتّاب الذين أستهوي‬ ‫«النظر في عقولهم»‪ ،‬كما كان يقول آباؤنا‪ ،‬وها‬ ‫أنذا قد فرض عليّ أن أظل حبيسً ا بين جدران‬ ‫مكتبتي! تحقق حلمي أخيرًا‪ ،‬ولكن ليس بالصورة‬ ‫التي كنت أتمناها أو أرسمها في مخيلتي‪.‬‬ ‫في البدء‪ ،‬لم أكن قادرًا على التكيف مع حالتي‬ ‫الجديدة بسهولة‪ ،‬ولم أكن أستطيع التركيز على ما‬ ‫أقرأه‪ ،‬وكنت أتنقل من كتاب إلى آخر دون جدوى‪،‬‬ ‫غير أن ذلــك تغيّر شيئًا فشيئًا مع مــرور األيــام‪،‬‬ ‫فصرت أقضي وقتي بين القراءة والكتابة والترجمة‪،‬‬ ‫ومشاهدة بعض األفــام السينمائية أحيانًا‪ .‬صار‬ ‫الــوقــت يمر بوتيرة أس ــرع‪ ،‬فــأدركــت حينها أنني‬ ‫خرجت من دائــرة الملل وأحابيل الضجر‪ .‬عقدت‬ ‫العزم على أن أستغل الفرصة التي هبطتْ عليّ‬ ‫من حيث ال أحتسب فيما يشبه التفرغ لما أحب‪،‬‬ ‫فأنهيت مشروع ترجمة كتاب عن كتابة السيناريو‬ ‫كــان مــن المفترض أن يطبع وي ــوزع فــي مهرجان‬ ‫أفالم السعودية‪ ،‬الذي تأجل بدوره بالطبع بسبب‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور خـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاص‬

‫حبيسا بين جدران مكتبتي!‬ ‫ً‬

‫الجائحة التي شلت مفاصل الحياة وأوقفت كل شيء‬ ‫تقريبًا‪ .‬وبعد ذلك عملت على إنهاء مشروع آخر في‬ ‫أيضا كنت قد بدأته منذ سنوات وأجلته‬ ‫الترجمة ً‬ ‫كثيرًا وأهملته‪ ،‬وأعني به ترجمة مختارات موسعة‬ ‫من قصائد الشاعرة األمريكية ماري أوليفر‪ .‬وقد‬ ‫أنجزت هذا الهدف بالفعل‪ ،‬وبعد ذهاب «سكرة»‬ ‫اإلنجاز‪ ،‬خيمت عليّ «فكرة» البحث عن ناشر يتبنى‬ ‫نشر هذا الكتاب الذي أحببته واشتغلت على ترجمة‬ ‫نصوصه بــحــب‪ ،‬تمامًا كما فعلت حين ترجمت‬ ‫للشاعر األمريكي مارك ستراند في كتاب «عسل‬ ‫الغياب» الذي طُ بع في تونس‪.‬‬ ‫المشاريع الكتابية المؤجلة والمأمولة كثيرة‪،‬‬ ‫ولكن ال بد من كبح جماح بعضها ليتاح لبعضها‬ ‫اآلخر أن يتنفس ويطفو على سطح «الماء»‪ .‬ومما‬ ‫أحرص على العمل عليه حاليًا‪ ،‬نفض ما تراكم‬ ‫من غبار على قصائد كثيرة كتبتها خالل األعوام‬ ‫السبعة الماضية‪ ،‬التي تلت نشر كتابي الشعري‬ ‫الثاني عام ‪ 2013‬م «وال قبلها من نساء وال بعدها‬ ‫من أحد»‪ ،‬وهي مهمة عسيرة وليست سهلة أبدًا‪،‬‬ ‫وفــي حقيقة األمــر هي من أثقل المهمات على‬ ‫نفسي‪ ،‬ولكن ال بد مما ليس منه بد‪ ،‬كما يقولون‪.‬‬

‫ * شاعر ومترجم سعودي‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬

‫‪17‬‬


‫أصدقاء محيطين بي على األرفف‪!..‬‬ ‫■ أحمد ابراهيم البوق*‬

‫الفيروس كائن ملتبس بين الموت والحياة‪ ،‬صغير جدا‪ ،‬ال تدركه األبصار‪ ،‬ولكن فعله‬ ‫هائل ومدمر‪ ،‬وكذلك الحجر الناتج عنه‪ ،‬يتراوح ‪ -‬لرجل مثلي يتمشى آناء الليل وأطراف‬ ‫النهار بين صفحات الكتب ‪ -‬بين السعادة والتعاسة‪ ،‬فهو حجر (سعيس)! السعادة أن يكون‬ ‫حجرك في مكتبتك بين آالف األصــدقــاء من الشعراء والروائيين والمؤرخين والعلماء‬ ‫والفالسفة‪ ،‬والتعاسة أن ال تجد الوقت في زحام اجتماعات الفضاء االفتراضي أن تجلس‬ ‫إليهم وأن يؤنسوا وحدتك ويؤثثوا عوالمك الخاصة‪ .‬شــزرا يرمقني ‪ -‬الملك الضليل ‪-‬‬ ‫امــرؤ القيس من أقصى الــرف األيمن للمكتبة ومعه جمعٌ غفيرٌ من الشعراء الجاهليين‬ ‫والعذريين والصعاليك‪ ،‬وما أدراك ما الصعاليك‪ ،‬إنهم ال يألفون البيوت‪ ،‬ولهم أنفة تنأى‬ ‫بهم عن أبواب الموسرين وموائدهم وحتى عن أرفف المكتبات أحيانًا‪ ،‬وال ألبث أن أسمع‬ ‫الشنفرى يردد‪( :‬أديم مطال الجوع حتى أميته) يذكرني بجوعي للقراءة‪ ،‬ولكنني ال أضرب‬ ‫صفحا فال أنساها‪ .‬المتنبي بنرجسيته العالية ‪ -‬على الرف الثالث من المكتبة‬ ‫ً‬ ‫عنه الذكر‬ ‫ يذكرني بقوله الشهير‪( :‬وخير جليس في الزمان كتاب)‪ .‬مأساتي أنني أعرف ذلك‪ ،‬ولكنني‬‫في زمان حروبه افتراضية‪ ،‬وأع ّز مكان للفتى فيه سرج هذا األثير‪ .‬أحاول أن ألملم شتات‬ ‫االجتماعات االفتراضية بمالحظات على قصاصات متناثرة فوق المكتب وبين الكتب التي‬ ‫اخترتها للقراءة‪.‬‬ ‫في بداية الحجر‪ ،‬كنت أقضي بعض الوقت حبيبي‪.‬‬ ‫أمام شاشة التلفاز‪ ،‬أتابع نشرات األخبار‬ ‫وعـــداد الــمــوتــى الــذيــن حصدهم فيروس‬ ‫كورونا المستجد باللون األحمر ‪ -‬لون الدم‬ ‫ رغم أنه يقبض أنفاس ضحاياه دون أن‬‫تسيل منهم قطرة دم‪ ،‬وباللون األخضر أتابع‬ ‫باهتمام المتعافين منه‪ ،‬أولئك الذين كتبت‬ ‫لهم حياة جديدة‪ .‬النشرات كذلك ملتبسة‬ ‫بين التشاؤم والتفاؤل‪ ،‬ويصح أن نسميها‬

‫‪18‬‬

‫نشرات (متشائلة)! وفق رواية األديب إميل‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬

‫بعد عــشــرة أي ــام متتالية فــي الحجر‪،‬‬ ‫قررت الخروج من المنزل في وقت السماح‬ ‫بالتجول‪ ،‬ال لحاجة سوى للرغبة في التغيير‪،‬‬ ‫بعد بضع دقائق ألقت الشرطة القبض عليّ‬ ‫متلبسً ا بتجاوز حد الحي الذي أسكن فيه‪،‬‬ ‫وبالكاد أقنعتهم أنني فقط أريــد الــدوران‬ ‫بسيارتي للعودة للبيت‪ ،‬للحجر العميم!‬ ‫بعد أسابيع مــن الحجر الكامل سمح‬


‫المدينة المنورة بطبيعتها سكينة‪ ،‬وال بد يــتــوافــر عــلــى بــعــض ال ــوق ــت لــكــل ه ــؤالء‬ ‫من أن أضيف إلــى نــور الصباح وجــه أمي األصــدقــاء المحيطين بــي على األرف ــف‪،‬‬ ‫وقهوتها العربية وأطباقها اللذيذة‪ .‬كان ذلك وأصبح الليل في المكتبة ذا معنى‪ .‬وكان من‬ ‫قبل أن يدخل شهر الخير ‪ -‬شهر رمضان ‪ ،-‬قبيل المصادفة أنني كنت أقرأ كتاب القارئ‬ ‫بعده أصبحت زياراتي ألمي صائمة أيضا‪ ،‬النهم‪ ،‬ألبرتو مانغويل‪( ،‬المكتبة في الليل)‪،‬‬ ‫ألن وقــت السماح بالتجول بضع ساعات بعد أن فرغت من كتابه اآلخر المهم (فن‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور خـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاص‬

‫بالتنقل فــي المدينة فــي أوق ــات محددة‪ .‬المكثفة‪ .‬أخيرًا‪ ،‬أصبح الحجر في المكتبة‬

‫من النهار‪ .‬قمة المتعة أن أتأمل وجه أمي القراءة) والذي استشهد فيه بمقولة‪ ،‬وليم‬ ‫وأجلس إليها‪ ،‬وقمة العذاب أن ال أستطيع بليك‪( :‬اللعنة تشد العنان‪ ،‬المباركة ترخيه)‬ ‫مصافحتها أو تقبيل كــفــهــا لــضــرورات وهذا ما أرجوه من لعنة فيروس كورونا‪.‬‬ ‫التباعد‪.‬‬

‫كان ذلك طرفًا من تجربتي مع الحجر‪،‬‬

‫مع اقــتــراب رمضان من أيامه األخيرة ولكن كما يقول ألبرتو مانغويل في الكتاب‪:‬‬ ‫تعطلت األعمال المعطلة أصالً‪ .‬المهم في (لكل امرئ تجربة حياة‪ ،‬ما يفتقده معظمنا‬ ‫هذه األيام توقفت االجتماعات االفتراضية هو ملَكَة تحويلها الى تجربة أدبية)‪.‬‬

‫* باحث وشاعر سعودي‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬

‫‪19‬‬


‫العزلة بسبب كورونا‪ ،‬وما أدراني ما كورونا؟‬ ‫■ عبدالرحمن موكلي*‬

‫ال ـعــزل هــو نـظــام تـفــرضــه الـسـلـطــات عـلــى ال ـفــرد أو المجتمع‬ ‫بسبب حــرب أو كــارثــة بيئية أو مــرض ‪-‬كـمــا فــي حــال كــورونــا ‪ -‬أو‬ ‫التهيئة للقيام بعمل يتطلب تركيزً ا ذهنيًا وبدنيًا كما يحصل على‬ ‫الالعبين الذين سيشاركون في المناسبات الرياضية العالمية‪،‬‬ ‫وط ــاب الـكـلـيــات الـعـسـكــريــة والـ ـ ــدورات فــي ال ـمــراحــل األول ــى من‬ ‫عزل ال بد له من نظام عقوبة‪ ،‬وإال فال قيمة له‪.‬‬ ‫الدراسة‪ .‬وكل ٍ‬ ‫وكل عزل له إيجابيات وله سلبيات‪ ،‬تغيب وتحضر‪ ،‬بسبب عوامل العزل ومكانه ومدته‪.‬‬ ‫وعكس العزل‪ :‬نظام الخلوة‪ ،‬هو ما يفرضه‬

‫بالنسبة لي‪ ،‬تعودت على البقاء في البيت‬

‫الفرد على نفسه‪ ،‬كما حال المتصوفة للقيام وعدم الخروج‪ ،‬ولدي القدرة على المكوث‬

‫بالعبادة والتأمل‪ ،‬وما يفرضه الكتّاب من أليــام وربما ألسابيع‪ ،‬لكن هــذا التعود لم‬ ‫شعراء وروائيين وباحثين إلنجاز مشاريعهم يتحول لحالة خلوة وصفاء وقــراءة وكتابة‬

‫اإلبداعية والثقافية‪.‬‬

‫بشكل مرتب‪ ،‬فلديَّ الكثير من المشاريع‬

‫والخلوة يضع نظامها الفرد بنفسه‪ ،‬وال الكتابية حول الموروث الشعبي في جازان‪،‬‬ ‫عقوبة فيها إال الشعور بالذنب مــن قبل وهــي طــيّ الحاسب تحتاج بعض الترتيب‬ ‫والتبييض للمسودات وما حدّني عنها سوى‬ ‫الخلي بضياع وقته‪.‬‬

‫***‬ ‫وحينما نتأمل حالنا‪ ..‬نجد أننا نعيش‬

‫حال العزلة بنظامها وعقابها‪ ،‬وما نعيشه ال‬ ‫يمكن يكون خلوة‪ ،‬فالكثير منا قد ال ينجز‬ ‫عمال‪ ،‬ويقضي غالبية وقته في النوم وعلى‬ ‫مواقع التواصل االجتماعي‪ ،‬والسبب عدم‬

‫الكسل‪.‬‬

‫طبعا قرأت بعض الروايات وبعض الكتب‬ ‫الفكرية‪ ،‬صححت ديوانًا جديدًا أعده للطبع‪،‬‬ ‫نصوصا بعضها نشرته على مواقع‬ ‫ً‬ ‫وكتبت‬ ‫التواصل ((الفيس بوك ‪ /‬تويتر))‪.‬‬ ‫خروجي للتسوق قليل‪ ..‬وال أحب األسواق‬

‫قدرتنا على التكيف مع العزلة‪ ،‬وتحويلها إلى وال تستهويني‪ ،‬هوايتي الــذهــاب للمزرعة‬ ‫خلوة‪ ،‬وقلة من المبدعين الذين استفادوا من والبقاء فيها بعض الوقت‪.‬‬

‫‪20‬‬

‫العزلة كحالة خلوة وقرأوا وكتبوا‪..‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬

‫وسائل التواصل تأخذ كثيرًا من وقتي‪،‬‬


‫أشاهد مخرج سبعة لناصر القصبي وقت‬ ‫جلوسي مع العائلة بعد اإلفطار‪.‬‬ ‫نصوص العزلة‪:‬‬ ‫نص‪1:‬‬

‫كل ما دارت بكَفّ ي نجمة‬ ‫واسفهلت هذه الروح قليال‬ ‫قلت‪ :‬فلتخرج من األرض التي باركتها‬ ‫سافر للسماوات‬ ‫كي تصبح للشمس دليال‬ ‫‪....‬‬ ‫نص‪2:‬‬

‫هذه العزلة عسرا‬ ‫نصفق الباب على الباب‬ ‫نطوي مدد الروح‬ ‫وكم‪.....‬‬ ‫نبصم للوقت الذي‬ ‫ما قال‪ :‬عذرا‬ ‫‪...‬‬ ‫نص‪3 :‬‬

‫ولقد أقمت‪..‬‬ ‫كأي شيخ يحرس الصلوات‬ ‫وينام في أكنافها‬ ‫ولقد مشيت‪..‬‬

‫نص‪4:‬‬

‫ق ـلــت س ــأن ــزع ك ـمــامــات الـ ـك ــام‪ ،‬وق ـف ــازات‬ ‫المجاز‪ ،‬وسأنزل أجرد إلى شوارع اللغة‬ ‫‪...‬‬ ‫لما تذكرت النجوم المعزولة في كتابي‬ ‫استحيت على نفسي‬ ‫وعدت للنوم‬ ‫‪...‬‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور خـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاص‬

‫ً‬ ‫خصوصا الفيس وتويتر‪ ،‬للمتابعة ومعرفة كأي طفل جرّب الكلمات‬ ‫المستجدات حول العالم‪ .‬متابعتي للتلفزيون وذاب في أوصافها‬ ‫قــلــيــلــة‪ ..‬وحــتــى المسلسالت الرمضانية ‪...‬‬

‫نص‪5:‬‬

‫ينقصني‬ ‫أقرأ على الرياح فتخفض جناحيها‬ ‫ينقصني‬ ‫أمدّ بساطي للشمس لتشرب قهوتها‬ ‫ينقصني‬ ‫أتحاور مع السحابة لتمطر‬ ‫ينقصني‬ ‫اسرح بغنم الشيطان‪..‬وأصلي بالمالئكة‬ ‫ينقصني‬ ‫أخرج من خيالي المشبع بالرطوبة‪ ..‬من‬ ‫البيت المخنوق بعطن الروح‬ ‫ينقصني‬ ‫أخرج من ثيابي‬ ‫وأرن كقرش سقط على البالط‬

‫ * شاعر سعودي‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬

‫‪21‬‬


‫الليالي الهادئة‪ ،‬ليالي جائحة كورونا‪!..‬‬ ‫■ محمد خضر*‬

‫أتأمل األشياء التي كانت تنتظرنا كل يوم في الخارج‪..‬مقبض‬ ‫الباب‪ ،‬الناس الذين يشبهون دوّار الشمس‪ ،‬األغنيات التي تمر سريع ًا‬ ‫في الطرقات؛ ذكريات النادل عن المستقبل! البريد المستعجل‬ ‫الذي نفتحه بلهفة وبدون قفازات‪ ،‬وعبارة «أين ستقضي الويكند؟»‪.‬‬ ‫األشياء التي انتظرت كثير ًا وغادرت‪ ..‬أتأمل وتلوح لي أسئلة بوسع‬ ‫الحياة‪..‬‬ ‫على األرجح‪ ،‬في هذه الليالي الهادئة‪ ،‬ليالي جائحة‬ ‫كورونا والحجر الصحي‪ ،‬تصغي منتبهاً لصوت الرياح‪،‬‬ ‫لألصوات خارج المنزل‪ ،‬تلك العابرة أو الرتيبة‪ ،‬وتصغي‬ ‫لكل األشياء التي طالما كانت تذكرك بوحدتك في‬ ‫ظروف أفضل‪ ،‬ولألشياء التي لم تكن تصغي لها من قبل‪.‬‬ ‫تعلمنا من كورونا الكثير مما هو بصدد الوقت‪ ،‬تعلمنا‬ ‫منه كم من األشياء التي لم تكن ضرورية في حياتنا‪،‬‬ ‫والتي كنا نبذل لها الوقت والجهد‪ ،‬وأصبحنا بالتالي ننتبه‬ ‫لتفاصيل صغيرة في حياتنا لم نلتفت لها‪ ،‬تلك التفاصيل‬ ‫التي أصبحنا ندرك مدى أهميتها‪ ،‬عدنا لألشياء المهملة‬ ‫منذ زمن‪ ،‬تلك التفاصيل التي أظن أن األغلبية ممن هم‬ ‫في الحجر سيشعرون بها مع مرور الوقت‪ ،‬ثم سيصبح‬ ‫االهتمام بها جزءًا من حياتهم الحقاً‪ .‬وأعتقد أن الوقت‬ ‫الطويل والفراغ هما شيئان كانا يحتاجهما كثير من‬ ‫الناس‪ ،‬وفرة الوقت والفائض فيه‪ ،‬أخذت الغائبين إلى‬ ‫العودة للتواصل والمراسلة‪ ،‬وأخذت المبدعين إلى إكمال‬ ‫أعمالهم وتجاربهم اإلبداعية المعلقة أو المتوقفة منذ‬ ‫سنوات‪ ،‬وأخذت آخرين لالهتمام بالرياضة‪ ،‬أو كما يقال‬ ‫عودة المواهب المدفونة أو المكتشفة‪ ،‬وقراءة المزيد من‬ ‫الكتب‪ ،‬ومشاهدة المزيد من األفالم‪ ،‬وممارسة األلعاب‬ ‫اإللكترونية أيضا‪ ،‬وبدأ الكثيرون في القراءة والبحث عن‬ ‫تاريخ األمراض‪ ،‬والكوارث الشبيهة‪ ،‬ذلك التاريخ وتلك‬ ‫األمراض التي عانت منها البشرية دائماً‪.‬‬ ‫ * شاعر سعودي‪.‬‬

‫‪22‬‬

‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬

‫ودون أن نشعر بذلك وللوهلة األولى سنجد لغة عالمية‬ ‫في مواجهة هذه الجائحة التي تغزو العالم‪ ،‬لغة ولدت‬ ‫مع كورونا‪ ،‬باتت الكمامة والمعقم والقفازات لغة توحد‬ ‫العالم في لحظة قلق أو خوف‪ ،‬لغة إنسانية مشتركة‪ ،‬أكثر‬ ‫من اللوحات الفنية والموسيقى‪،‬وشكسبير‪،‬وصباح الخير‪،‬‏‬ ‫ومساء النور‪..‬لغة ذلك الشريط اإلخباري العالمي الذي‬ ‫يعلن كل يوم عبر شاشات التلفزيون في العالم بأسره‪ ،‬عن‬ ‫حاالت جديدة‪ ،‬أو حاالت شفيت وأخرى توفيت‪.‬‬ ‫ها نحن في أيام كورونا نلتقي كل لحظة بأشخاص‬ ‫يشبهوننا تماماً‪،‬يغلقون األبواب‪ ،‬ويلتقطون من النوافذ‬ ‫صوراً للشوارع الخالية‪..‬يشاهدون بعضهم بعضاً طوال‬ ‫الوقت على شاشة التلفزيون‪..‬وقد يصدقون اإلشاعات‬ ‫في الصباح‪ ..‬ويعرفون شيئا عن أهمية القفازات وعن‬ ‫ألغاز العدد ‪ 20‬في المساء‪..‬‬ ‫هذا العالم القرية‪ ،‬أضيق مما كنا نظن‪...‬لم يتوقع‬ ‫أحد منا أن يحدث ذلك‪ ،‬كنا نتخيله فقط مع بعض‬ ‫األفالم‪ ،‬أو نقرأه فى األدب في الروايات أو القصص‪،‬‬ ‫لكن أن نكون حقاً في المواجهة‪ ،‬لم يخطر ببال أحد‪،‬‬ ‫لذا فكل ما نفعله اليوم جديداً كلياً‪ ،‬جديداً في درجة‬ ‫االحتراز والوقاية والحذر والسالمة‪..‬‬ ‫وجديداً في التعاطي معه‪ ،‬وفي الحوار عنه‪ ،‬وفي‬ ‫إدراك جدية األمر‪ .‬وحده الظل ال يظهر أبداً أنك ترتدي‬ ‫قفازاً‪ ..‬هذه حيلته في هذه الحرب الخفية‪..‬‬


‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫عبدالعزيز الصقعبي‬

‫كاتبا وروائيا ومسرحيا‬ ‫عبدالعزيز الصقعبي شيخ في طفولته وطفل في شيخوخته! مُ بقّ ع بالحكمة‪ ،‬يبتسم للحزن كما‬ ‫يبتسم طفل لرضاعته‪ ،‬قليل على نفسه كثير على غيره‪ ،‬ينقش على جدران الماء بمنقاره المدبّب‬ ‫بزهد الصوفيين العظماء‪.‬‬ ‫فنثره دفاع ثقافي مضاد‪ ،‬استطاع بفاعلية جمالياته اإلبداعية أن ينال كل هذا االهتمام واإلعجاب‪،‬‬ ‫وربما «األسطرة»‪ .‬وقد انتبهت إلى هذه األسطرة مجلة الجوبة لتحتفي به في هذا العدد‪ ،‬لتأكيد تميّز‬ ‫نصه وحضوره‪ ،‬وتفوّقه يجب أال يسمح بأسطرته أو تحويله إلى أسطورة‪ ،‬فمثل هذا التحويل يجعله‬ ‫ويجعل تجربته عصية على الفهم والتفسير والدرس‪.‬‬ ‫ونحن بدورنا نسعى إلى كشف الروافع الجمالية والشخصية التي ساندت الكاتب في بلوغ أعلى‬ ‫القمم اإلبداعية في القصة‪ ،‬وفي تحقيق األوج من السمعة الزكية والنجومية الشاسعة‪.‬‬ ‫فهو الكاتب الذي جعل من الجندرة حوارًا ذاتيًا في قصصه‪ ،‬ومن الروح السامية إبداعً ا في نصوصه‬ ‫المسرحية‪ ،‬وهو الذي سيطر على تجميع مفردات بين سطوره‪ ،‬خاف عليها أن تختفي وتمحى مع‬ ‫الزمن‪ ،‬ومع استدراج فكرة الممحي من اللغة األكبر‪.‬‬ ‫وهو الذي بدأ كتابة القصة القصيرة مبكرًا‪ ،‬وفاز بالمركز األول للقصة القصيرة عندما كان طالبا‬ ‫في جامعة الملك سعود‪ ،‬وأصدر سبع مجموعات قصصية منذ العام ‪1983‬م‪ ،‬كانت أولها مجموعة (ال‬ ‫ليلك ليلي وال أنت أنا)‪.‬‬ ‫قاص يرفع القضية القصصية ليقول بصوت قلمه إن الكلمة الصحراوية هي ابنة األرض‪ ،‬والكاتب‬ ‫ّ‬ ‫الحقيقي هو ابن مجتمعه‪ ،‬الذي يصرف وقته في جهد مبذول للحياة‪ ،‬نكتنفها بين ثنايا الفقراء‬ ‫واألرواح المتعبة التي تعقّ دت قواعدها بين ظالل الروح والكلمة‪.‬‬ ‫الصقعبي صقرٌ يلوّح بكلمته نحو السماء‪ ،‬ليطير بنا بعيدً ا‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬

‫‪23‬‬


‫الشخصية المع ّقدة‬ ‫في مجموعات الصقعبي‬ ‫■ د‪ .‬سالم الراشد*‬

‫ال يختلف أديب عربيّ مع نفسه على أن المتنبي كاهن الشعر العربي القديم‪،‬‬ ‫الشعر الحصان الــذي سيستمر في الصهيل في الذائقة العربية‪ ،‬وذلــك لفرادةٍ‬ ‫عالية في أغلب معانيه‪ ،‬وتميّزٍ بــاذخ في براعة صياغته اللغوية‪ ،‬وغرابةٍ ممتعة‬ ‫لذيذة في جمال صوره الفنية؛ فنسبة الجودة الشعرية عنده عظيمة‪ ،‬ومن أجل‬ ‫ذلك نُظر إليه على أنه شاعر استثنائي‪.‬‬ ‫كما يتفق األدبـــاء المعاصرون مع الــنــدى عــن أوراق الــنــرجــس الجبلي‪،‬‬

‫أنفسهم على أن نزار قباني أعاد للشعر ويقضم النعناع والــزنــبــق‪ ،‬ويستطيع‬ ‫بأجنحة مــن شــاالت النساء‬ ‫ٍ‬ ‫حضوره الوجداني الجمعي‪ ،‬بعد عصور الطيران‬

‫التكلّس المملوكية األيوبية والعثمانية‪ ،‬الجميالت‪ ،‬وفي الوقت نفسه ينتشي‬ ‫فأنقذه من صنوف االعتداءات الساخرة برائحة الخبز الشعبي الطازج‪ ،‬ويترنح‬ ‫التي وقعت عليه‪ ،‬ونــالــت مــن مكانته حين يش ّم البهارات واألبازير الشرقية‪.‬‬ ‫وعظمته‪ ،‬وجعلته ركوبة سهلة للشعراء ثــم يتمشى بــيــن الــبــاعــة المتجولين‬

‫من أرباع المواهب وأنصافها ومدّعيها‪ .‬فــي األســـواق العربية ي ــردّد نداءاتهم‬ ‫وينظم حسراتهم ويدافع عن أحالمهم‬ ‫وهناك من يثبت أن للكاتب السعودي‬ ‫الــمــؤجّ ــلــة‪ ..‬فــأعــاد لــلــمــفــردة نكهتها‬ ‫فرصته وقدرته على الكتابة المميزة‬ ‫المهاجرة‪ ،‬وللصورة توهج بساطتها‪،‬‬ ‫شع ًرًا ونثرًا‪ ،‬ومن بينهم الكاتب السعودي‬ ‫وللموسيقى الشعرية عذوبتها المرحة‪.‬‬ ‫عبدالعزيز بن صالح الصقعبي‪ ،‬صاحب‬ ‫وذلك بعد أن أحيا استخدام مفردات‬ ‫الــمــجــمــوعــة الــقــصــصــيــة «أحـــاديـــث‬ ‫جميلة عربية في جذور النص القصصي‬ ‫مــســائــيــة»‪ ،‬أدبـ ــي ال ــري ــاض‪ -‬الــمــركــز‬ ‫قبل أن تموت في تربتها‪ .‬في حين منح‬ ‫الثقافي العربي‪ ،‬الطبعة األولى‪2007 ،‬م‪.‬‬ ‫فضا ًء رومانسيًا ممتعًا‪ ،‬ووثــق أصالة‬ ‫فهو يثبت في مجموعته أن النص القصة وقدرتها العالية على التعبير عن‬

‫‪24‬‬

‫نص بريّ جميل نافر يشرب نبض المراحل‪ ،‬في الوقت الذي أسس‬ ‫القصصي ّ‬

‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬


‫مــســربٌ جــمــالــيٌّ مــؤث ـ ٌر فــي مــســار النص نتحدث ونحتفل بمساء الــريــاض‪ ،‬بإهدار‬ ‫وقت للحديث عن كل شيء‪ ،‬إال نحن‪.»...‬‬ ‫القصصي في القرن العشرين‪.‬‬ ‫القاص المميز هنا‪ ،‬هو الذي يعرف كيف‬ ‫فهو يكتب في مجموعته المذكورة عن‬ ‫وصــل واحتفى بشخصياته المميزة‪ ،‬وهو‬ ‫شخصيات معقدة‪ ،‬تعتمد على اإلحساس‬ ‫القادر على استثناء كل ظــروف البيئة من‬ ‫بالنقص لدى الشخصية‪ ،‬والبحث عن اآلخر‬ ‫حوله ليكون فجأة مميزًا‪ ،‬فليس اإلبداع أن‬ ‫المثالي حتى يصل اإلحساس بالشخص إلى‬ ‫تكون عاديًا كغيرك‪ ،‬بل اإلبداع كيف تتميز‬ ‫أن هنالك من يشبهه‪ .‬وهــذه الشخصيات‬ ‫عن غيرك‪.‬‬ ‫المركبة في تعقيدها تستدعي تركيزًا مهمًا‬ ‫وهذا‪ ،‬ما يفعله القاص السعودي عامة‪،‬‬ ‫وقــدر ًة فائق ًة على التركيز واالعتماد على‬

‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫فيه للخصب الــرمــزي واألســطــوري فيها‪ ،‬في صوت واحد‪ ..‬أصبح الصوت هو صوتي‬ ‫الــذي يتسم بالهدوء وشــيء من الخشونة‪.‬‬ ‫وعلّمها معنى الحرية‪.‬‬ ‫وهكذا‪ ،‬كان لكل شخصية في مجموعته خمسة كنا بمالمح واحــدة وصــوت واحــد‪،‬‬

‫التسلسل القصصي‪ ،‬فهو يعمد إلى إسقاط والــكــاتــب الصقعبي خــاصــة‪ ..‬حين يولي‬ ‫كل تأزمات البطل على ذلك القرين المعقد للشخصية القصصية والية األهمية والقدرة‬ ‫المتعب‪ ،‬من خالل تقديم شرائح مختلفة من على تجاوز المكنون المختبئ بداخل كل‬ ‫المجتمع السعودي‪ ،‬شرائح واقعية‪ ،‬ومختلفة منا‪ ،‬ونحن نقرأ نصوصه نصرخ تارة لنقول‬ ‫إحساس ألنفسنا‪ :‬أنا هذا من يتحدث عنه ويعبر عنه‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫عن بعضها تماماً‪ ،‬ولكن يجمع بينها‬

‫البطل بالشبه‪.‬‬

‫فــالــمــرأة المضطهدة تــرى فــي قصصه‬

‫«خمسة كنا‪ ..‬نحتسي الشاي والقهوة‪ ،‬وجعها وألــمــهــا‪ ،‬والــمــرأة الحزينة تجفف‬ ‫نشرب العصير‪ ،‬نتحدث‪ ،‬نمارس في مساء دمعتها عند كلماته‪ ،‬والرجل المتمرد يقرأ‬ ‫الــريــاض متعة الــهــروب مــن نــســق الحياة نفسه بين سطور الصقعبي؛ وهــكــذا‪ ،‬هو‬ ‫الكئيب‪ .‬خمسة كنا‪ ،‬بمالمح واحدة وهموم القاص الذي بنى نفسه بين كل قارئ‪ ،‬وكل‬ ‫متمرس‪ ،‬على اإلمساك بقبضة روحه داخل‬ ‫ٍ‬ ‫واحدة‪ ،‬وتطلعات واحدة‪ ،‬كل واحد منا يتناول‬ ‫موضوعاً‪ ،‬قد يقوله أي واحد منا في أي وقت‪ ،‬كلمات قصصه‪.‬‬

‫ربما كان صديقي هو األفضل‪ ،‬شعرت بأنني‬

‫لذلك‪ ،‬حين تعود إلى الوراء قليالً‪ ،‬ستقول‬

‫محاط بمجموعة من المرايا‪ ،‬تعكس صورتي لنفسك‪ :‬أنا شخصية من شخصياته‪ ..‬ربما‬ ‫من أكثر من اتجاه‪ ،‬أصواتهم بــدأت تتحد كان يعرفني ذات يوم وكتب عني‪.‬‬ ‫ * كاتب ‪ -‬سوريا‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬

‫‪25‬‬


‫الصقعبي في غفوة ذات ظهيرة‬ ‫فضاءات سردية متقنة في براح السيرة الذاتية المبدعة‬ ‫■ فرج مجاهد*‬

‫ذكي‪ ،‬ويعرف الصدق من‬ ‫هذه حياتك‪ ،‬قدّ مها كيف تشاء‪ ،‬ولكن قبل ذلك‪ ،‬ثق أن القارئ ٌّ‬ ‫الكذب (ص‪.)17‬‬ ‫من منطلق هــذه المقولة‪ ،‬يبحر الــروائــي السعودي «عبد العزيز الصقعبي» في فضاء‬ ‫السيرة الذاتية لبطله‪ ،‬الرئيس‪« ،‬منير أبو عبداهلل االبن الذي تبناه مسعود بن عقاب‪ ،‬وجعله‬ ‫بط ًال لروايته الغنية باألحداث وأفعالها»‪ ،‬وحملت عنوا َن «غفوة ذات ظهيرة» والصادرة عن‬ ‫دار الساقي في بيروت عام ‪2018‬م‪ ،‬يروي من خاللها كلمات كتبها منير في فترات متقاطعة‬ ‫وأب اضطرا أن يتركاه‬ ‫ومتباعدة‪ ،‬لتكون غوص ًا درامي ًا في حياة منير منذ أن كان رضيع ًا أل ٍّم ٍ‬ ‫بعد أن مرضت األم واضطر أبوه للسفر من أجل عالجها‪ ،‬فاضطرا أن يتركاه عند صديقة‬ ‫أمه أم حزام‪ ،‬زوجة أبي عطية الذي احترق بيته‪ ،‬بينما كان الطفل جالس ًا على المصطبة‬ ‫خــارج البيت‪ ،‬فتصادف مــرور مسعود الرجل الطيب الــذي سرعان ما حمل الطفل وأودعــه‬ ‫عند أم حزام اليمنية التي لم تستطع أن تتحمله كثيراً‪ ،‬فأخذه مسعود وتبناه‪ ،‬ولما كان غير‬ ‫متزوج‪ ،‬وبحاجة إلى عناية خاصة‪ ..‬جعل مريم أم دحيم تعتني به إلى جانب أوالدها‪ ،‬لتبدأ‬ ‫تداعيات الطفل بين الماضي والحاضر في براح سردي مرجعي بدأه الراوي منذ أن أحال‬ ‫نفسه إلى المعاش‪ ..‬ليتفرغ لكتابة سيرة حياته بارتداد مرجعي تذكري‪ ،‬كمحاولة جيدة‬ ‫للبداية‪ ،‬والسيما أن بعض األوراق التي فرغها في الصفحات األولــى خففت حالة القلق‬ ‫التي كانت لديه‪ ،‬حتى فاجأه صوت غريب على الهاتف يقول له‪:‬‬ ‫«أيــن أنــت يا منير؟ سنوات وأنــا أبحث يقولون عنه‪:‬‬ ‫عنك‪ ،‬أنــا أعرفك‪ ،‬وأعــرف كل شئ عنك‪،‬‬

‫«ابن جنية؛ ألنه عاش في كنف رجل لم‬

‫تطلب منه أن ي ــزورك فــي شقتك فيعتذر يتزوج‪ .‬أَح ّب ُه وتعلم منه أشياء كثيرة‪ ،‬رجل‬ ‫ويقول‪ :‬المهم أنني وجدتك‪ ،‬سعيد أنا بذلك متدين‪ ،‬ملتزم بسيط‪ ،‬فجأة يصبح لديه ابن‬

‫وستسعد أكثر عندما تقابلني» (ص‪..)25‬‬

‫يعيش معه‪ ،‬من أين جاء؟ البد أن لديه زوجة‬

‫ومع ذلك يتأخر اللقاء حتى يفسح للراوي من الجن هي التي أنجبت هذا الولد(ص‪،)28‬‬

‫‪26‬‬

‫متابعة سيرة حياة بطله الــذي كــان الناس‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬

‫«أحدهم قال لي ذات مساء‪ :‬أنت مقطوع‬


‫مشكلتي هي هويتي‪ ،‬سأكبر وأغــادر هؤالء‬

‫الناس وسينتهي زمن ال رباط حقيقياً يربطني‬ ‫به (ص‪ )49‬ويبقي الراوي مع مسعود وجابر‬

‫أبو دحيم وعبدالرحمن االبن الكبير الذي‬

‫التحق بالعسكرية لتبقى أسرة جابر مكاناً‬ ‫آمناً للطفل منير (ص‪.)55‬‬

‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫أبداً مشكلة وجوده بين أولئك الناس ولكن‬

‫ليتكون من ذلك فضاء سرد روائي‪ ،‬سير‬

‫ذاتي‪ ،‬أشار إلى مبدع ينحاز إلى رواية أكثر‬

‫ما ينحاز إلى حكايته‪ ،‬وهذا ما عزز النص‬ ‫ودفعه ألن يكون منجزاً روائياً يحتاج إلى‬

‫الروائي والقاص عبدالعزيز الصقعبي‬

‫أكثر من قراءة من أكثر من مستوى‪ ..‬حتى‬

‫تظهر قيمة الرواية التي تشكل إضافة جادة‬ ‫إلى الحراك الروائي السعودي المعاصر‪.‬‬

‫من شجرة‪ ،‬أعرف أنك ترفض أن يقال عنك‬ ‫لقيط أو يتيم» (ص‪.)33‬‬

‫فالقراءة السردية لنص الكاتب ومجموعته‬

‫القصصية تجعلك تبحث عن غفوة جديدة‬

‫ويفرد الراوي مساحة من السرد ليحكي للحياة‪ ،‬فيها الكثير من الدهشة والصدمة‪.‬‬

‫من خاللها عن العم مسعود القادم من أواسط‬

‫فهو الكاتب األكثر إثــارة واألق ــدر على‬

‫نــجــد‪ ،‬ويــدخــل معه فــي تفاصيل متعددة‪ :‬انتزاع التعاطف مع شخصياته القصصية‪،‬‬ ‫شخصيته‪ ،‬عــدم زواجــه‪ ،‬قــراره العيش في ولــــه خــصــوصــيــات فــنــيــة أعــطــتــه نكهة‬ ‫الطائف‪ ،‬امتهانه للتعليم (ص‪ -)38‬عالقاته متميزة‪ ،‬إذ يمتلك قــدرة نــادرة على توفر‬ ‫الكثيرة مع كل فئات المجتمع (ص‪ )39‬حبه الحركة الداخلية للنص‪ .‬وقدرة فائقة على‬

‫للشعر النبطي‪ ..‬وفــي النهاية هــي حياته المالحظة والتقاط الموقف مــن العادي‬ ‫أرادها أن تكون هكذا مختلفة عن الجميع‪ ،‬والسائد والتسامي به‪ .‬ويمتلك قدرة أدائية‬ ‫وحيد في عالم صاخب (ص‪ )40‬يعود إلى وال ينطوي على موهبة قصصية فقط‪ ،‬بل له‬

‫منير الــذي اكتفى بدراسته للصف الثالث تجاربه النقدية والدرس األكاديمي لألعمال‬

‫المتوسط‪ .‬عاش مع مسعود دون أن يواجه السردية‪.‬‬ ‫ * كاتب ‪ -‬مصر‪.‬‬

‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬

‫‪27‬‬


‫عبدالعزيز الصقعبي‬

‫الروائي والقاص والسيناريست المسرحي‬ ‫■ غازي خيران امللحم*‬

‫كاتب روائي وقصصي متألق‪ ،‬وسيناريست مسرحي غزير اإلنتاج‪ ،‬يعد في طليعة النخبة‬ ‫الفكرية المحلية والعربية‪ ،‬ذو خصوصية متفردة بمعظم تجلياتها االبتكارية‪ ،‬من أقصوصة‬ ‫وقصة ورواي ــة ومـســرح ومقالة ونـقــد؛ يصيغ نصوصه بسالسة سهلة‪ ،‬وم ـفــردات مبسطة‪،‬‬ ‫يدبجها بتشكيالت لغوية مزركشة‪ ،‬ترقى لذوق المتلقي المثقف‪ ،‬وتتناسب ومستوى القارئ‬ ‫الـعــادي‪ ،‬تطرأ في معظمها لشرائح اجتماعية وطبقات إنسانية متعددة‪ ،‬لها اهتمامات‬ ‫متباينة واتجاهات مختلفة‪ ،‬وإلقاء الضوء على بيئاتهم‪ ،‬والولوج إلى مكنونات عوالمهم‬ ‫الحياتية‪ ،‬واإلشارة إليها من بعض جوانبها‪.‬‬

‫‪28‬‬

‫والمتتبع لمسيرته األدبية‪ ،‬يلمس عن كثب‪ ،‬أن جادة إلى جانب الحدث‪ ،‬فيهب القارئ متعة التخيل‬ ‫الروائي «عبد العزيز الصقعبي» يجد نفسه أكثر في وتوقع مجريات األحداث»‪.‬‬ ‫مضمار الكتابة ذات البناء السردي‪ ،‬من رواية وقصة‬ ‫ومثال ذلــك روايــتــه‪ ،‬التي جــاءت بعنوان «اليوم‬ ‫وأقصوصة ومسرحية وسيناريو‪ ،‬إلى جانب المقالة‪،‬‬ ‫األخير لبائع الحمام»‪ ،‬أ َّر َخ فيها «الصقعبي»‪ ،‬لطبقة‬ ‫بكل تفرعاتها وتنوع مواضيعها‪.‬‬ ‫اجتماعية معينة من الناس‪ ،‬تناول فيها حياة أسرة‬ ‫وهــو مع كل ما يتمتع به من سمات ابتكارية‪ ،‬فقيرة الحال‪ ،‬كانت تسكن في أحد اإلحياء المهمشة‪،‬‬ ‫وزخم خيالي ظاهر‪ ،‬في فضاءات اآلداب وأطيافها الواقعة على أطراف إحدى المدن‪ ،‬ورصد مجهودات‬ ‫الزاهية‪ ،‬إال إنه لم يتطرق البتة إلى أي من فنون تلك العائلة المتعبة مــاد ًيــا‪ ،‬أثناء تحرك أفرادها‬ ‫الشعر المعروفة‪ ،‬أو التقرب مــن ثنايا القصيدة فــي عملية البحث عــن لقمة الــعــيــش‪ ،‬بــدايــة من‬ ‫التقليدية الشائعة‪ ،‬والنأي التام عن مشتقاتها من‬ ‫الجد األول ومرورًا باألبناء وانتها ًء بأوالد األحفاد‪،‬‬ ‫شعر عمودي أو حر‪ ،‬أو ما يسمى بشعر التفعيلة‪ ،‬ما‬ ‫أربعة أجيال متتالية‪ ،‬ومتابعة خطواتهم عبر دروب‬ ‫خال بعض الخواطر والمنمنمات القليلة‪ ،‬التي كتبها‬ ‫الحياة‪ ،‬فكان كل واحد أو واحدة من كال الجنسين‬ ‫في وقت مبكر من حياته‪ ،‬وهي تعود للبدايات األولى‪،‬‬ ‫في شخصيات الرواية‪ ،‬يمثل أنموذجً ا متفردًا عن‬ ‫من رحلته الكتابية عبر احتكاكه بعوالمها الفنية‪ ،‬إال‬ ‫إن ذلك لم يمنعه من إبــداء رأيه بجماليات الشعر اآلخــريــن‪ ،‬بخصوصيته وأمانيه ونظرته للحاضر‬ ‫وإط ــراء ضروبه المدهشة‪ ،‬في أكثر من بحث أو وتطلعاته للمستقبل‪ ،‬كل ذلك ساقه الكاتب بأسلوب‬ ‫حواري جاد أورده على لسان أبطال روايته‪ ،‬المترعة‬ ‫دراسة‪.‬‬ ‫باألحداث والمفعمة بالمفاجآت‪.‬‬ ‫أعماله الروائية‬ ‫وللكاتب إلى جانب روايته السالفة الذكر تلك‪،‬‬ ‫الرواية بمدلولها المختصر‪ ،‬أو كما انثال تعريفها عدة أعمال روائية أخرى‪ ،‬مثل رواية‪« :‬رائحة الفحم»‪،‬‬ ‫على شفاه يراع الكاتب نفسه‪:‬‬ ‫و«طائف األنس»‪ ،‬و«مقامات نسائية»‪ ،‬و«حالة كذب»‪،‬‬ ‫«هي عبارة عن فن سردي راق‪ ،‬يقدم رؤية وثقافة و«غفوة ذات ظهيرة» وغيرها‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬


‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫المتسوقين من رجال ونساء وأطفال‪ ،‬المصحوبة بأصوات‬ ‫أعماله القصصية‬ ‫للكاتب إسهامات واسعة في ضروب القصة القصيرة‪ ،‬الباعة ولغط المشترين وضجيجهم‪.‬‬ ‫وفن األقصوصة التي هي عبارة عن قصة قصيرة جدا‪ ،‬ال‬ ‫ومن وحي تلك الرؤى والخواطر التي حفلت بها ذاكرة‬ ‫تعدو كونها بضعة سطور‪ ،‬أو لقطة ميكروسكوبية لحدث ما‪ ،‬الكاتب‪ ،‬وضع العديد من المسرحيات التي استقى مادتها‬ ‫مشهد ٍ‬ ‫أو ٍ‬ ‫وحيد يرمي من ورائه الكاتب لهدف معين‪ ،‬يروم األولية‪ ،‬من تلك األجواء التي عاشها يوما‪ ،‬مثل مسرحية‪:‬‬ ‫إيصاله إلى ذهن القارئ بأقصر مسافة ممكنة وأسلسها‪« .‬صفة فــي ال ـمــرآة» و«واح ــد صفر» و«بقايا مــن معاناة‬ ‫مثل مجموعته األقصوصية «فراغات» التي ال يعدو كونها المهرج»‪ ،‬وغيرها‪.‬‬ ‫ومضات سردية ملونة في عالم القصة القصيرة‪.‬‬ ‫ونظرا ألهمية هذه الكتابات وتميزها‪ ،‬ودعما للتأليف‬ ‫بدا الكاتب نشاطه الفعلي في هذا المجال‪ ،‬منذ العام المسرحي على المستوى المحلي‪ ،‬وتوثيقا لمسيرة المسرح‬ ‫‪1403‬ه ــ‪ ،‬حين أصــدر عدة مجموعات قصصية‪ ،‬حافلة وتاريخه في المملكة‪ ،‬أصــدرت وزارة الثقافة واإلعــام‪،‬‬ ‫بالشخوص المتعددة واألح ــداث المتباينة‪ ،‬التي ال تقل الكتاب الثالث من سلسلة نصوص مسرحية‪ ،‬وهو عبارة‬ ‫أهمية عن مدوناته اإلبداعية في ميادينه األخــرى‪ .‬التي عن أرشفة لبعض النتاج المسرحي للكاتب‪« :‬عبدالعزيز‬ ‫منها‪« :‬ال ليلك ليلي وال أنت أنا» و«الحكواتي يفقد صوته»‬ ‫الـصـقـعـبــي»‪ ،‬ال ــذي ج ــاء ب ـع ـنــوان‪« :‬صـفـعــة فــي ال ـمــرآة»‬ ‫و«ويوقد الليل أصواتهم ويمأل أسفارهم بالتعب» و«أحاديث‬ ‫ومسرحيات أخرى‪.‬‬ ‫مسائية» والقائمة تطول‪.‬‬ ‫وعرفانا بجودة هــذا العمل‪ ،‬وتأكيدا لقيمة فحواه‬ ‫وجميعها تتسم مواضيعها بمسوح إنسانية محضة‪،‬‬ ‫وتقديرا لمؤلفه‪ ،‬بادر السيد وكيل وزارة الثقافة المكلف‬ ‫تتحدث عن مشاكل الفرد ومتاعبه اليومية‪ ،‬التي عمد‬ ‫الدكتور‪« :‬عبد اهلل الجاسر»‪ ،‬بوضع تقديمٍ لهذا الكتاب‬ ‫الكاتب لمعالجتها من خــال حــواراتــه‪ ،‬وتعدد شخوصه‬ ‫القصصية‪ ،‬بطرق مختلفة عدة‪ ،‬ولفت األنظار إليها‪ ،‬للحد الدرامي‪ ،‬الذي يقع في (‪ )199‬صفحة من القطع الوسط‪،‬‬ ‫من طغيان الصورة النمطية التي تحاول ربط المجتمع واستعراض بعض نصوصه‪ ،‬واإلشــارة إلى بعض أحداثها‬ ‫المحلي بالبادية والصحراء ليس إال‪ ،‬علمًا أن السعودية وجمالياتها الحوارية‪.‬‬

‫بلد متحضر‪ ،‬ومدنه كثيرة ومتنوعة األعمال واالتجاهات‬ ‫ومن نتاجات األديب «الصقعبي» األخرى في سياق هذه‬ ‫العصرية‪.‬‬ ‫الميلودراما المسرحية‪« :‬صفعة في المرآة» و«واحد صفر»‬ ‫و»المقهى الزجاجي» و«واحد اثنان ثالثة» و«والدة متعسرة»‬ ‫أعماله المسرحية‬ ‫و«موليتوف»‪ .‬وقد مثلت هذه األعمال على مسارح محلية‬ ‫إلــى جانب الــروايــة والقصة وغيرها من النشاطات وعربية عدة‪ ،‬والقت استحسانًا جيدًا من قبل الجمهور‬ ‫الثقافية األخـ ــرى‪ ،‬الـتــي ت ـنــدرج فــي هــذا اإلطـ ــار‪ ،‬كان المشاهد والنقاد‪.‬‬ ‫«الصقعبي» ومنذ نعومة أظفاره‪ ،‬مياالً بفطرته‪ ،‬إلى األعمال‬ ‫فتلك النصوص الدرامية وغيرها‪ ،‬هيأت له طريق‬ ‫الدرامية والتأثر برؤيتها المباشرة‪ ،‬ال سيما المسرحية‬ ‫منها‪ ،‬التي كان يمارس بخياله بعضا من فصولها‪ ،‬من خالل الحصول على عدة جوائز مهمة‪ ،‬منها فوز كتابه‪« :‬القرية‬ ‫اللعب مع أقرانه من أطفال الحي الشرقي بالطائف‪ ،‬وعبر تخلع عباءتها»‪ -،‬الذي حوى بين دفتيه ثالث مسرحيات‪،‬‬ ‫شارع عكاظ الزاخر بعوالم مسرحية حية‪ ،‬كان يتحسس على درجة راقية من الطرح الحواري والفصول الدرامية‪-‬‬ ‫وجودها عن كثب‪ ،‬وتحسسه عن قرب ألبطالها من السقاة بجائزة معرض الكتاب الدولي في الرياض‪ ،‬ثم فوزه على‬ ‫وهم يطوفون بأوعية الماء‪ ،‬أثناء جلبها لبيوت األهالي‪ ،‬مجمل إنتاجه الفكري بجائزة البوكر الدولية بنسختها‬ ‫وتجار البرسيم وعربات الخضار وغيرها‪ ،‬ومجموعات العربية‪.‬‬ ‫ * باحث وكاتب سوري مقيم في السعودية‪.‬‬

‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬

‫‪29‬‬


‫الصقعبي‪....‬‬

‫مخرج يحرّك شخصياته كيفما يريد‬ ‫■ خالد اخلالد*‬

‫حين يبدأ اإلبــداع‪ ،‬تتكلم األنفاس التي تطير بك كقارئ نحو اتجاه ال تعرف غيره في‬ ‫الـحـيــاة‪ ،‬فــأنــت محكوم بين الحقيقة والـخـيــال‪ ،‬وبـيــن الكلمة واإلح ـســاس؛ فتجد نفسك‬ ‫أمام اإلبــداع في كتابة القصة القصيرة‪ ،‬الذي قدمه الكاتب السعودي «عبد العزيز صالح‬ ‫الصقعبي» في مجموعته القصصية األولــى «ال ليلك ليلى وال أنت أنــا»‪ ..‬الصادرة ضمن‬ ‫مطبوعات «نــادى الطائف األدب ــي»‪ ..‬عــرض فيها لخمس وعشرين قصة قصيرة مختلفة‬ ‫المضامين‪ ،‬بل ومختلفة الشخصيات التي تحسها من واقع اجتماعي له خصوصياته في‬ ‫بيئة بدوية عربية خالصة‪ ،‬تتمثل في عاداته الموروثة‪ ،‬التي تتأرجح بين التمسك بتلك‬ ‫العادات وبين التخلي عنها‪.‬‬

‫‪30‬‬

‫فلم تخرج القصة القصيرة في السعودية‬ ‫عن هذه المحاوالت التجريبية‪ ،‬والناظر في‬ ‫مجموعته التي ذكرتها سابقا (المجموعة‬ ‫األولــى للصقعبي)‪ ،‬يمكنه أن يالحظ تنوع‬ ‫األبــنــيــة القصصية‪ ،‬وميلها إلــى التجريب‬ ‫بحيث ال تــأخــذ نــمــطً ــا واضــحً ــا ومــحــددًا‪.‬‬ ‫وتعتمد قصصه على التقاطات سريعة مكثفة‬ ‫للحظات يومية وحياتية‪ ،‬وغالبا ما يالحظ‬ ‫فيها االعتماد على تالحق الجمل القصيرة‬ ‫الــتــي تخلو فــي بعض القصص مــن أدوات‬ ‫الربط‪ ،‬وكأنها بذلك تتفق مع حجم االنفصال‬ ‫الــذي تعيشه الشخصيات عن واقعها‪ ،‬فهي‬ ‫تائهة بين الواقع الملموس والخيال القادر‬ ‫على فعل شيء ال يمكن ألحد أن يدركه؛ فتلك‬ ‫الشخصيات المتناقضة التي يحاول الكاتب‬ ‫أن ينقلها لنا من واقع اجتماعي صعب يعيشه‬ ‫وح ــده‪ ،‬بــل تتراكم عليه كــل الــحــاالت التي‬ ‫يحاول نقلها‪ .‬بدت هذه الشخصيات نماذج‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬

‫تعيش وتمارس حياتها وسط المجتمع الذى‬ ‫وجدت فيه‪ ..‬وقد تبدو هذه النماذج عادية‬ ‫لعدم تفردها بشيء ما؛ لكن ما يميزها عن‬ ‫مثيالتها من تلك التي تشبهها في طباعها‬ ‫وتــصــرفــاتــهــا‪ ..‬وتجمع بينها سمة واح ــدة‪،‬‬ ‫كالبخل والطمع وغير ذلك من الصفات التي‬ ‫يوجد الكثير ممن يوصفون بها؛ لكن ذلك ال‬ ‫يعني أنها ال تماثلها‪ ،‬فهناك اختالف يالحظ‬ ‫بين الشخصية وغيرها ممن تشبهها في‬ ‫صفاتها وطباعها‪ ،‬وذلــك االختالف هو ما‬ ‫يبديها شخصية شاذة وسط من يحيطون بها‪.‬‬ ‫فالبخيل‪ ،‬والطماع‪ ،‬والمحب‪ ،‬والمغامر‪،‬‬ ‫الــذى يحلم بتحقيق آماله التي يتطلع إليها‬ ‫المرء في حياته‪ ،‬ومن خالل تصرفاته‪ ،‬ليصل‬ ‫إلى هدفه مهما كانت الوسيلة‪ ..‬هي الميزة‬ ‫التي كان يتحرك من خاللها بين شخصياته‪،‬‬ ‫وغير ذلــك من الشخصيات الموجودة في‬


‫ففي تلك القصة «ال ليلك ليلى وال أنت أنا»‬ ‫التي اختارها الكاتب اسمًا لمجموعته األولى‪،‬‬ ‫تبدو الفتاة الصغيرة التي تتزوج من شيخ مسن‪،‬‬ ‫شاهدت وهي طفلة حفل زفاف له‪ ،‬ولم تدر‬ ‫أنها ستكون زوجة له‪ ،‬بعد أن أصابه الضعف‬ ‫والمرض وحقق ثروة طائلة تعاونه على تناول‬ ‫الـ ــدواء ال ــذى يخفف عنه آالم الشيخوخة‪،‬‬ ‫وتخشى أن يموت عنها ويتركها وحيدة‪ ،‬لكنه‬ ‫يرحل عنها‪ ،‬وترفض الزواج من غيره حتى ال‬ ‫تكرر التجربة التي عاشتها‪ ،‬وتقرر أن تظل‬ ‫وحيدة‪ ،‬ال تريد الزواج أو االرتباط بأحد‪ ،‬ولكن‬ ‫يفكر ابن الجيران الــذى أحبها في االقتران‬ ‫بها‪ ،‬ويتوهم أنها سوف تسخر منه؛ ألنه ينظر‬ ‫ال في عمر‬ ‫إلى بقايا امرأة تزوجت قسرًا رج ً‬ ‫أبيها‪ ،‬وتوفي وأورثها األلم والحسرة على ربيع‬ ‫العمر الذى ذهب هباء وهي ال تزال شابة تنظر‬ ‫لنفسها في المرآة التي تقنعها بأنها أجمل‬ ‫فتيات الحي‪ ،‬ويتمنى أن تقبله‪ ،‬لكن كلماته‬ ‫تبقى دونما أن تتعدى داخــلــه‪ ،‬وتظل هي ال‬ ‫تشعر به‪ ،‬وتنتهي القصة بتلك الفتاة التي ال‬ ‫تعرف ليلها وال هو يتمكن منها‪.‬‬

‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫الحياة والتي ليست بغريبة على مجتمع من‬ ‫المجتمعات‪ ،‬باعتبار أنه ال توجد ثمة مثالية‬ ‫كاملة‪.‬‬

‫داخ ــل ف ــراش الـ ــروح‪ ،‬وكــل ذلــك على أســاس‬ ‫اختياره لمضامينها التي اختارها من الواقع‪،‬‬ ‫وعــرض من خاللها لبعض النماذج اإلنسانية‬ ‫وممارستها الحياتية التي تفرضها علينا القيم‬ ‫والمثل المجتمعية التي نعيشها اليوم‪ ،‬ونكره أن‬ ‫نمارسها‪ ..‬ولكننا مجبرين عليها‪ ،‬وتتسم أغلب‬ ‫موضوعاته بالواقعية التي ال ينال منها في‬ ‫شيء‪ ،‬خاصة وأنها قدمت كمحاوالت تجريبية‬ ‫من قبل الكاتب‪ ،‬وهو يحاول مليّا أن يشعرنا‬ ‫بقصر العالقة بين الشخصية والحياة‪ ،‬وارتباط‬ ‫كل شخصية بأرضها ومبادئها التي تربت عليها‪،‬‬ ‫والتي دخل بها إلى عالم القصة القصيرة‪.‬‬ ‫ثمة عالقة أكيدة بين الشخصيات وبعضها‪،‬‬ ‫بالرغم من صعوبة استيعاب هذه الحقيقة‪ ،‬لكن‬ ‫أثر هذه العالقة عليهم غير موجود‪ ،‬والسبب‬ ‫واضح من قراءتك ألي مجموعة من مجموعاته‪،‬‬ ‫وذلــك لتفرد كل منهما بعالمها الخاص بها‪،‬‬ ‫سواء من ظلت تواصل الحياة بكل تفاصيلها‪،‬‬ ‫وأخبارها‪ ،‬وعالقاتها ببعضها‪ ،‬أو تلك التي‬ ‫انتهت حياتها‪ .‬والمقصود بالشخصيات هنا هو‬ ‫المجتمع ككل بكل تفاصيله‪ ،‬والحياة التي نجبر‬ ‫عليها وليس بيدنا أن نغيرها‪ ،‬وليس شخصيات‬ ‫القصص مــنــفــردة‪ ،‬بمعنى الشخصية ومن‬ ‫حولها وما تعانيه من ظروف‪ ،‬وليس الشخصية‬ ‫والشخصية األخرى في كل القصص‪ ،‬وبمعنى‬ ‫أوضح العالقة المقصودة هي العالقة الحياتية‪،‬‬ ‫التي تربط بين الشخصية وبين الشخصيات‬ ‫التي تشاركها الواقع الذي تعيش فيه‪.‬‬

‫مــن نــظــرتــك كــقــارئ قــصــص المجموعة‪،‬‬ ‫تتمكن أن تــحــدد عــوالــم الشخصيات التي‬ ‫قدمها الكاتب من خــال مشاعر وأحاسيس‬ ‫مختلطة ببعضها بعيدًا عن االلتزام الروحاني‬ ‫بينها‪ ،‬ويتحدد أيضا النهج القصصي لديه من‬ ‫ويبقى الصقعبي هو المخرج الذي يحرك‬ ‫خالل رسم الحروف على ألسنة الشخصيات الشخصيات‪ ،‬وهــو الــذي يتالعب بها كيفما‬ ‫التي تعبر عن مكنوناتها العميقة المختبئة يريد‪.‬‬ ‫ * كاتب ‪ -‬العراق‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬

‫‪31‬‬


‫الحكواتي يفقد صوته بين عوالم‬ ‫الصقعبي القصصية النثرية‬

‫■ عبدالعزيز بوشردوقة*‬

‫يقارب الصقعبي في مجموعته (الحكواتي يفقد صوته)‪ ،‬وهي مجموعة قصصية صدرت‬ ‫ُ‬ ‫عن جمعية الثقافة والفنون بالقصيم‪1410 ،‬هـ‪ ،‬بـهذا واحد ًة من تجاربه المميّزة في القصة‬ ‫تخص الكاتب السعودي الصقعبي وحده‪ ،‬وهو القاص والناقد واألكاديميّ‬ ‫ُّ‬ ‫العربيّة الحديثة‪،‬‬ ‫والمثقف‪ ،‬الذي قدّ م للمكتبة العربيّة مؤلّفات بالغة التميّز والنوع والخصوصيّة‪.‬‬ ‫وتجربته القصصية ال تشبهُ غيرَها في التعامل مع اللغة والفكر والــرؤيــة والثقافة‪،‬‬ ‫فنّصهُ النثري يعوّلُ على مفردات الحياة بأعلى درجات كثافتها وغناها وثرائها‪ ،‬ويحتفي‬ ‫بها احتفاءً بهيجاً‪.‬‬ ‫ال‬ ‫نصه أص ً‬ ‫وقد وجدنا أنّ تجربته القصصية في والتفاعل كتابياً معها‪ .‬وبما أنّ َّ‬

‫نص على مجموعة نصوص‪ ،‬وتجربة‬ ‫هــذه المجموعة الموسومة‪« :‬الحكواتي هو ٌّ‬ ‫ا نثريًا آخ ـ َر عــلــى مــجــمــوعــة ت ــج ــارب‪ ،‬فــنــحــن نــحــاول‬ ‫يفقد صــوتــه» تــدخــل مــدخ ـ ً‬

‫نصه االنتقا َل بلعبة الكتابة إلــى طبقة أخرى‬ ‫ّف َّ‬ ‫في هذه التجربة العميقة؛ إذ يؤل ُ‬ ‫الــنــثــري هنا على أربــعــة نــصــوص ألربعة ثالثة تكو ُن المقارب ُة فيها داخ َل فضاءٍ نقديٍّ‬

‫طرق مختلفة‪ ،‬وهي تجربة كتابيّة تتفاعل متحر ٍّر تقريباً من السياقات األكاديميّة‬ ‫وتــصــاحــب وتــتــرافــق وتتماهى وتتعاضد التقليديّة‪ ،‬بحيث يكو ُن أقــربَ إلى فضاءِ‬ ‫وتــتــوازى مع تجاربه المهمة في الكتابة‪ ،‬الكتابة الحرّة التي تزاوج النقديّ بالشعريّ‬

‫تشكيل لغويٍّ يتحرّى الحساس ّي َة القائم َة‬ ‫ٍ‬ ‫نصوص وتجرب ٌة على تجاربَ ‪ ،‬في في‬ ‫ٍ‬ ‫نص على‬ ‫ٌ‬

‫قلب على جماليّات التعبير‪ ،‬بحيث تكو ُن قادر ًة‬ ‫صوغ لغويٍّ ينتز ُع الشعريَّ من ِ‬ ‫ٍ‬ ‫نظامِ‬

‫نحو بارعِ الجمال واأللفة‪.‬‬ ‫النثريّ على ٍ‬

‫على تمثيل العالقة بين المقروء والمكتوب‬

‫تجته ُد الكتاب ُة التي حَ مل َها كتابُنا عن في تركيبة مشتركة‪.‬‬

‫تجربة نصه القصصي المميز هنا‪ ،‬في أ ْن‬

‫فنحن هنا‪ ،‬نتطلع إلى مجموعة قصصية‬

‫نصه‪ ،‬يتفاع ُل فيه مختلفة كما هي‪ ،‬بحثًا عن قدرة الكاتب في‬ ‫تكو َن نصاً جديداً على ّ‬

‫صوغيّ نحسبُ ُه كتابته‪ ..‬وإذا كان للشاعر شربل داغر في‬ ‫نحو َ‬ ‫النقديّ بالشعريّ على ٍ‬

‫‪32‬‬

‫مختلفاً فــي مــقــاربــة نــصــوص قصصية هذه المجموعة وج ٌه آخر يبز ُغ هنا وهناك‬

‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬


‫المميزة‪ ،‬من حيث تعامله مع شخصيات الشعريّ العربيّ بطريقة تقديسيّة عالية‬ ‫القصة والــمــقــاربــة بين شخصية الرجل اإلكراه‪ ،‬حتّى صارت لدى المتلقّي العربيّ‬

‫والمرأة في قصصه على ٍ‬ ‫نحو ما‪ ...‬نتطّ لع نوعاً من الديانة التي تُك ّف ُر من يخ ّل بشرط‬ ‫إلــى أن يُــقــرأ كتابُنا إلــى كــل مجموعاته من شروطها‪ .‬وعملتْ آلة التخوين والتكفير‬ ‫القصصية والمسرحية م ـ ًعــا‪ ،‬ألنّ عدم والتسقيط على وضع ك ّل من يتمرّد على‬ ‫ٍ‬ ‫نص‬ ‫قراءة تجربته معاً يجعل قراءةَ ٍّ‬ ‫واحد هذه «الحقيقة» في قفص االتّهام بالخيانة‬ ‫قــراء ًة ناقصةً‪ .‬فثّمة رو ٌح متموّج ٌة توّاق ٌة‬ ‫مــتــمـرّدةٌ مــن اإللــهــام واإلدهـــاش واإلمــتــاع‬ ‫تظ ّل متلبّث ًة في نصوصه‪ ،‬وال بدّ من العودة‬ ‫إلى نصوصه كاملة الصطيادها في برّيتِها‬ ‫األصليّة وهي تنث ُر سحرَها على ما تصل ُ ُه‬

‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫ضاغطة‪ ،‬سادتْ‬ ‫ٍ‬ ‫لــإشــارة إلــى ذخيرته النقديّة والفكريّة قرناً ‪ -‬خضعت لنمطي ٍّة‬ ‫الماكثة فــي لغته الشعريّة والقصصية على نــحـ ٍـو كــاســيّ ‪ ،‬وختمتْ على الــذوق‬

‫العظمى‪.‬‬ ‫استعانتْ هــذه اآلل ـ ُة الشرس ُة بقميص‬ ‫عثمان «التراث» المقدّ س الــذي يتعرّض‪،‬‬ ‫في نظرها‪ ،‬لهجوم «الخونة»‪ ،‬و«الكفرة»‪،‬‬

‫ومساحات‪ .‬وكلّي أمل أ ْن و«المارقين» الخارجين على القانون‪ ،‬بما‬ ‫ٍ‬ ‫من أرجاءٍ وعوال َم‬ ‫تص َل بهجتي ومرحي ومتعتي وسعادتي وأنا يح ّت ُم على حرّاس الفضيلة والحَ رَم المقدّ س‬

‫أشتغل على قراءة الكتاب‪ ...‬ال أري ُد أكث َر ودعاة الحفاظ على النَسَ ب األصيل وشجرة‬ ‫العائلة التي يجب أن تكون صافية دائماً‪،‬‬ ‫حتماً‪.‬‬ ‫أن يدافعوا عن الــتــراث العربيّ ُمل َخَّ صاً‬ ‫فهو يتمكّن مــن جعل المصموت عنه‬ ‫بـ«قصيدة ال ــوزن»‪ ،‬بك ّل ما أوتــوا من قوّة‬ ‫محكيًا في نصوصه القصصية‪ ،‬إذ يجعلك‬ ‫وحماسة وإيمان‪ ،‬و«من رباط الخيل»‪ ،‬مهما‬ ‫تعيش لغة النص بصورة مختلفة مميزة‪ ،‬ما‬ ‫كلّفت التضحيات‪ .‬هــكــذا‪ ،‬بقي المشهد‬ ‫يجعلك تقارب الحياة أقرب‪.‬‬ ‫ال بالوزن والقافية في‬ ‫الشعريّ العربيّ مثق ً‬ ‫المفهومُ المتحوّ ُل لقصيدة النثر‬ ‫رهيب متجذّ ٍر‪ ،‬ال يسمح لثورة‬ ‫ٍ‬ ‫تكرار مملٍّ‬ ‫لو نظرنا إلى الشعريّة العربيّة‪ ،‬وحاولنا التخالط الحاصلة في كـ ّل أرجــاء العالم‬

‫أن نعاين مراحل تطوّرها‪ ،‬لقلنا إنّ الشعريّة أن تتسرّب إلى فضائها‪ ،‬فتوقظ فيه رغبة‬ ‫العربيّة في زمن «قصيدة الــوزن» ‪ -‬التي التغيير والتحوّل والتطوّر‪ ،‬نحو فضاء آخر‬

‫اســتــمـرّت متسيدة أكثر مــن أربــعــة عشر أكثر حريّة وأق ّل عنفاً‪.‬‬ ‫* كاتب ‪ -‬الجزائر‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬

‫‪33‬‬


‫عبدالعزيز الصقعبي‪...‬‬

‫سرد ماتع السترجاع أوليات الطفولة‬ ‫الطرية في سياقات شوكية‬

‫■ محمد العامري*‬

‫ال شك أن السرد السعودي استطاع في اآلونة األخيرة من القرن الفائت أن يحوز على‬ ‫اهتمام النقاد؛ لما يمتلكه هــذا الـســرد مــن اخـتــاف بائن فــي مناخات إنـجــازه؛ فمركبات‬ ‫المناطق السعودية متنوعة‪ ..‬لكنها تشترك فيما بينها‪ ،‬أنها مجتمعات محافظة‪ ،‬وهذا‬ ‫األمر جاء عبر مركزية الدين في السعودية‪ ،‬وتجلياته في تفاصيل المجتمع السعودي‪.‬‬ ‫هذا األمر له مؤثراته البائنة في طبيعة عبر المثل القائل وهو دارج في السعودية‬ ‫األدب الــســعــودي‪ ،‬ويــشــكــل مــحــفـزًا مهمًا «العين ال ترتفع على الحاجب»‪.‬‬ ‫للتمرد على تلك الطبائع والتقاليد‪ ،‬واللحاق‬ ‫ففي روايته «طائف األنس» سردية األلم‬ ‫بالحداثة العربية‪ ،‬تحديدًا بالد الشام ومصر‪ .‬اإلنساني بامتياز‪ ،‬تعكس ما يعانيه الكاتب‬ ‫تشكل تجربة عبدالعزيز الصقعبي منجمًا نفسه في مجتمعات مغلقة تنظر إلى الفقير‬ ‫متنوعً ا للدخول في هواجسه المسرحية بوصف الفقر قيمة دنيا‪ ،‬وهذا األمر ينعكس‬ ‫والــروائــيــة والقصصية وم ــا جــاورهــا من على المصاهرة واألصل والفصل والثراء‪.‬‬ ‫أنشطة متصلة بالثقافة‪ ،‬كالصحافة وعلم‬ ‫«طــائــف األنـــس» ســرديــة تــقــدم مقطعًا‬ ‫المكتبات الذي درسه في أمريكا‪.‬‬ ‫حساسً ا في محركات المجتمعات السعودية‪،‬‬

‫‪34‬‬

‫هــي ظــاهــرة الشغف بالكتابة والتطور فــهــو الــعــمــل الـ ــذي الق ــى مــســاحــة واســعــة‬ ‫المعرفي‪ ،‬إذ تشير سردياته إلى تسجيلية مــن الــدراســة‪ ،‬س ــواء كــانــت األكــاديــمــيــة أم‬ ‫ذكية فيما يخص الرومانسية في العالقات الصحافية‪.‬‬ ‫االجتماعية وتصنيفاتها في السرد‪ ،‬مستعينًا‬ ‫فــمــا تــقــدمــه «ال ــس ــردي ــة الــصــقــعــبــيــة»‬ ‫ببعض األمــثــلــة الشعبية الــتــي تسهم في امتداد لكثير من الكتاب الذي ينتمون إلى‬ ‫تقريب الــفــكــرة الــمــراد إيــصــالــهــا‪ ،‬تكشف طــمــوحــات الــحــريــة واالنــتــصــار لــإنــســان‪،‬‬ ‫رواياته الطبقية في المجتمع السعودي ذاته ويطغى على المسرودات كوابيس االنغالق‬ ‫وما يواجهه الحب اإلنساني من عقبات تكاد وصعوبة تفكيك هــذا العالم التي تعيش‬ ‫تكون مستحيلة‪ ،‬ونستطيع أن نتحسس ذلك فيه المجتمعات المحافظة عبر منظومة‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬


‫وبالتالي‪ ،‬ال مجال لألحالم هنا‪ ،‬إال عبر‬

‫«اشتقت إليك كثيرًا جدتي‪ .‬أنت الوحيدة‬ ‫التي تعرف أن حفيدك عبدالرحمن ال يخطئ‪،‬‬ ‫ولكن أحالمه كبيرة وتافهة ربما في الوقت‬ ‫ذاته وساذجة‪ ،‬لدرجة أنه ال يقدر أن يبوح‬ ‫بها‪ .‬تعرفين أنني غادرت الطائف ألذهب إلى‬ ‫الرياض بحثًا عن وهم‪ .‬هل أنا عبدالرحمن‬ ‫الطائفي‪ ،‬أم الشرقي‪ ،‬أم القصيمي‪ ..‬هل أنا‬ ‫ال من أهل الرياض أم أحد أبناء الشروق‬ ‫فع ً‬ ‫فى مدينة تنازعتها نجد والحجاز»‪.‬‬

‫الحنين عبر الحديث عن الماضي وعالقته‬

‫ووفقا لسرديات الطفولة المتعارف عليها‬ ‫في السرد‪ ،‬فإن الطفولة كينونة تتحرك في‬ ‫أمكنتها األول ــى فــي محاولة السترجاعها‬ ‫والقبض على لذتها األولــى‪ ،‬فهي حضانة‬ ‫قــويــة تــرضــع مــن ص ــور الــمــاضــي البعيد‬ ‫المتالكها ذاكرة محفورة في ضمير الطفل‬ ‫الذي تحول فيما بعد إلى سارد لتلك الصور‬ ‫بلغة عميقة ذات دالالت متشعبة من الناحية‬ ‫السيكلوجية والنفسية؛ بل تشكل الوجاء‬ ‫ـان جــديــدةٍ ‪ ،‬وكثير‬ ‫األه ــم فــي تحميلها مــعـ ٍ‬ ‫معان ناقدة‬ ‫ٍ‬ ‫من األحيان تكون تلك المعاني‬ ‫تشوبهًا السخرية من الحاضر «اآلن»‪.‬‬

‫التمرد ودفع الثمن القاسي تجاه المخالفات‬ ‫التي من الممكن أن تقضي على حياتك؛‬

‫لكن أبطال سرديات الصقعبي تناضل في‬ ‫سبيل ذلــك الــحــب‪ ،‬تــمــا ًمــا كما فعل أحد‬ ‫أبطال روايــاتــه وهــو «دحيم» صــورة أخرى‬

‫لقصص الذكريات التي انسحقت في الحياة‬ ‫المتسارعة‪.‬‬

‫ففي معظم سردياته‪ ،‬يذهب إلى استنطاق‬

‫بــالــجــدة ومــذكــراتــهــا الــســرديــة والسلوكية‬ ‫البسيطة‪ ،‬إذ تشكل له تلك البساطة خزّانا‬ ‫سرديًا ال ينضب‪.‬‬

‫تــبــدأ مــكــونــات الــســرد فــي الــهــرب إلى‬

‫حنينه األول بشكل رومانسي كهروب مشوب‬

‫بالحرقة واأللم القاسيين‪ ،‬متخذًا من مدينة‬ ‫الطائف مكانًا رئيسً ا لــذكــريــات الــســرد‪،‬‬

‫أحداث بين‬ ‫ٍ‬ ‫مرورًا بالرياض‪ ،‬وما جرت من‬

‫المدينتين‪.‬‬

‫فالمكان بالنسبة لــه هــو نفي لــذاتــه‪،‬‬

‫معتبرًا أن الحبيبة هي الــوطــن‪ ،‬هي التي‬

‫تصغي ألنينه وأوجاعه‪.‬‬

‫فمرابع الطفولة ومــا رافقها من صور‬

‫تــراكــمــت فــي ذات الــكــاتــب لــتــتــحــول إلــى‬

‫سيرة سردية بلسان أبطالها‪ ،‬ليعكس تلك‬ ‫الذكريات في مجموعة من سلوكيات أبطاله‬

‫فما ذهب إليه الصقعبي هو ذات الطفل‬ ‫الكبير والناضج الذي يحاول مرارًا استرجاع‬ ‫تلك المشاهد‪ ،‬التي شكلت بالنسبة إليه‬ ‫الوجاء الواقي من قسوة الحاضر وظلماته‪،‬‬ ‫فنور الطفولة يكشط تلك الظلمات لمواصلة‬ ‫الحلم‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬

‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫الوصاية والتلصصية للقبض على مخالفات ليقدم نوستالجيا خاصة بــه‪ ،‬ويقول بهذا‬ ‫الخصوص‪:‬‬ ‫القبيلة والمجتمع‪.‬‬

‫‪35‬‬


‫تبدو صور الطفل في األدبيات العربية لترفد عملية الــرويْ ‪ ،‬ونــرى إلى مخاطبات‬ ‫كأنها مساحة لبدايات محركات السرد من البطل لجدته التي استحال موتها إلى زمن‬

‫الناحية الزمكانية عبر مستويات متنوعة مفقود‪.‬‬ ‫في التناول والتعبير‪ ،‬بكون الطفولة تجربة‬ ‫حتى أن الهدية التي فكر أن يهديها إلى‬ ‫إنسانية تتحرك في فضاء الكون لتشارك بها‬ ‫تلك الصبية التي أحبها منذ صغره وهي‬ ‫الجميع‪.‬‬ ‫«الكشتبان» لم يحصل عليها من جدته‪ ،‬فقد‬ ‫تنطوي الطفولة بزمانها وأمكنتها على ماتت جدته وماتت الهدية‪ ..‬وبقي يحلم بلقاء‬ ‫الــبــدايــات الــطــازجــة الــتــي تمكث فــي بيت‬

‫الحنين الــذاتــي للكاتب‪ ،‬ويتم استرجاعها‬ ‫في السرد لدى الصقعبي كما لو أنها الزمن‬

‫المفقود‪.‬‬

‫نستطيع أن ندلل على ما سبق في مقطع‬

‫إلحــدى سردياته التي يقول فيها‪« :‬أطفال‬

‫نور‪.‬‬ ‫فمنطلقاته التعبيرية التي انحازت إلى‬ ‫شعرية السرد ورومانسيته جعلت منه ساردًا‬ ‫مغريًا للقارئ‪ ،‬ومختلفًا في تقاناته البنائية‬ ‫وأسلوبيته في الرويْ والتوصيف‪ ،‬وعمّق ذلك‬ ‫عبر طبيعة الموضوع الذي يشترك به معظم‬

‫كنا نلعب‪ ..‬البيوت الطينية الصغيرة والوحل‬ ‫والبازان‪ ،‬وهو المصدر المائي ألغلب بيوت الناس‪ ،‬وهو الحنين إلى مجريات الطفولة‬ ‫تلك المنطقة‪ ..‬كنا نفرح عندما يصطف كماض يمتلك لذته الخاصة‪ .‬ويضاف إلى‬

‫الــرجــال يرقصون الــمــجــرور‪ ..‬الــعــزاوي‪ ..‬طبيعة الكشف عــن جماليات كامنة في‬ ‫الــســامــري‪ ..‬الصهبة‪ ..‬الــخــطــوة‪ ...‬أيــه يا الشخصيات‪ ،‬وغالبا ما تنتمي لذات الكاتب‬ ‫طائف الورد أعود إليك ألكمل حكاية البحث نفسه‪ ،‬فجاءت أكثر صدقية وتأثيرًا‪ ،‬فهي‬ ‫عن زمــن مفقود‪ .‬شريطٌ متصل ال ينقطع المعادلة التي يقوم عليها السرد بين القارئ‬ ‫أبدا هي أيامي األولى‪ .‬أتذكر‪.‬‬

‫كانت االبنة الصغرى لصاحب العمارة‬

‫والنص نفسه‪.‬‬

‫يبقى الصقعبي الكائن الذي تلذذ بشغف‬

‫التي يقع بيتنا خلفها‪ .‬كنا نلعب معا في أزقة جــم فــي طرائقه التعبيرية‪ ،‬س ــوا ًء أكانت‬ ‫الحي‪ .‬كان الصبية ينعتونني بالبنية‪ .‬أراها في السرد أم المسرح‪ ،‬وصــوالً إلى طبيعة‬

‫توليني اهتمامًا خاصا فأنسى كل ما قيل»‪.‬‬

‫انشغاالته في الصحافة وعلم المكتبات؛‬

‫يكتب عبدالعزيز الصقعبي مروياته في فهو اتصل بشكل دائم بما هو ثقافي حالمًا‬

‫سياقات الشعرية السردية المؤثرة والحزينة بالتغيير‪.‬‬ ‫ * كاتب ‪ -‬األردن‪.‬‬

‫‪36‬‬

‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬


‫الكوميديا السوداء حين تضحكك وأنت تبكي‬ ‫■ د‪ .‬هناء بنت علي البواب*‬

‫هذا هو عالم المسرح الذي يطير بك من سجن األرض إلى غيوم السماء‪ ،‬هناك الخشبة‬ ‫التي تتنوع فيها وجوهنا ولكن قلوبنا واحــدة‪ ،‬نظهر كل يوم بوجه؛ ولكننا ننزل عن تلك‬ ‫الخشبة محملين بوجعنا فقط‪ ،‬بعد أن نشرنا الوجع العام والهمّ الخالص للحياة هناك‪،‬‬ ‫وتلك هي قصة الكاتب والروائي السعودي الذي ما يزال مشدود ًا إلى عالم المسرح؛ كتابًة‬ ‫ولغة وأسلوبا وفنّا‪ ،‬إنه الكاتب المسرحي (عبد العزيز الصقعبي)‪،‬‬ ‫ً‬

‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫صفعة المرآة‪..‬‬

‫وهــو الــكــاتــب الــمــبــدع ال ــذي يتحول بين أن المسرح هو أبو الفنون وأولها‪ ،‬منذ أيام‬ ‫الواقعية والسوريالية‪ ،‬يقف بين أعماله الروائية اإلغريق والرومان‪.‬‬ ‫المبكرة التي كُتبت ضمن هاجسه القصصي‬ ‫فقد استطاع الكاتب المبدع من خالل تلك‬ ‫والمسرحي‪ ،‬فجاءت الرواية تجمع بين نسقين الصفعة أن يوائم بين قدرتين مختلفتين في‬ ‫في الحياة‪ ،‬لكنها تتوارى خلف النسق الشعري الحياة‪ ،‬وقدرته على الموالفة بين عناصر‬ ‫للنص؛ فتجد نفسك كأنك أمام شاعر يصوغ فنية متعددة‪ ،‬إذ كانت المسارح هي الوسيلة‬ ‫كلماته بريشة فنان محترف‪ ،‬دون أن يؤثر ذلك الوحيدة للتعبير الفني بعد حلبات المصارعين‬ ‫على النص ويجعله هالمياً‪.‬‬ ‫والسباقات‪.‬‬ ‫إن الدارس لألدب الحديث يقف على كثير‬ ‫من المفاهيم الجديدة في إطار النقد وفي‬ ‫إطار اإلبداع‪ ،‬فهو يقف في التقسيم المذهبي‬ ‫ل ــأدب على الــمــدارس األدبــيــة مــن رمزية‬ ‫وإبــداعــيــة وانطباعية وغــيــرهــا‪ .‬وفــي إطــار‬ ‫النقد يقف على النقد الموضوعي والذاتي‬ ‫والتحليلي‪ ،‬وكثير من هذه المقاييس‪ .‬وفي‬ ‫نطاق اإلبداع على القصة‪ ،‬والمقالة‪ ،‬والرواية‪،‬‬ ‫والمسرحية‪ ،‬والشعر بفنونه وأشكاله؛ هذه‬ ‫األنواع تمثل االتجاهات الدراسية في األدب‬ ‫بشكله الــحــاضــر‪ .‬مــن هــذا المنطلق‪ ،‬يأتي‬ ‫هذا الكتاب «صفعة في المرآة» ليبين بالفعل‬

‫فقد استطاع أن ينتزع مــن نفوسنا كل‬ ‫أحاسيس الصراع أو التمزق‪ ،‬ليترك توافقاً‬ ‫رائــعـاً بين هــذا العمل وبين الوعى الذاتي‬ ‫واإلحــســاس األخــاقــي والتوافق الوجداني‬ ‫والشعور بالطمأنينة واألمــن النفسي‪ .‬ومن‬ ‫شــخــصــيــات الــمــســرحــيــة‪ :‬هــنــد‪ ،‬وحــســن؛‬ ‫شخصيتان هائمتان في عالم ال يمكننا أن‬ ‫نكتشف ذاتنا من خالله إال عن طريق المرآة‪،‬‬ ‫فــمــاذا لــو كــان الــنــاس يُسجنون فــي أجساد‬ ‫أشخاص أحياء آخرين؟ دون أن يعلموا جميعاً‬ ‫السجين والسجّ ان‪-‬؟ وماذا لو كان الجسد‬‫محبسً ا؟ وأصبحتْ غرف ُه وعنابرهُ وساحات ُه‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬

‫‪37‬‬


‫‪38‬‬

‫مجرّد جو ٍ‬ ‫ّانيات ومتاهات داخلية لشخص النص يكتشف أنها هي السجان والمسجون‬ ‫ما؟ فتلك غرفة الذاكرة‪ ،‬وتلك غرفة الهموم‪ ،‬في آن واحدة‪.‬‬ ‫وذلــك ممر األحقاد‪ ،‬وتلكم ساحة األحــام‪،‬‬ ‫إذ تستدعي طبيعة بنية الكتابة المسرحية‪،‬‬ ‫فيبدو أن نصوصنا المسرحية العائمة في‬ ‫القائمة على الحوار‪ ،‬أن يكون تلقيها مشاهدة‬ ‫فــضــاءات المشهد الثقافي دون مكان يلم‬ ‫أكثر متعة من قراءتها‪ ،‬وذلك عائد لكون قراءة‬ ‫شتاتها أو تعرض فيه‪ ،‬ستنهك وهي تبحث‬ ‫النصوص المسرحية ال يواكبها مــا يواكب‬ ‫عن خشبة خالص‪ ،‬حالمة أن يطلع فجرها‬ ‫المسرحية المجسدة على خشبة المسرح‬ ‫ويأتي اليوم الذي تتوافر فيه مسارح حياتية‬ ‫من مؤثرات صوتية وبصرية‪ ،‬تسهم في بلورة‬ ‫تلتقي مــن خاللها بجمهور تــوصــل لــه من‬ ‫فكرتها وإيصالها بشكل أسرع للمتلقي‪ ،‬فما‬ ‫خاللها رسائلها‪،‬‬ ‫بالك والعديد من نصوصنا المسرحية المحلية‬ ‫انظر مسرحية ( صفعة فــي الــمــرآة)‪ ..‬تتوسل الرمزية في خطاباتها وتوصيل العديد‬ ‫والتي تشتم خلفها ألف سؤال يوقظ فيك روح مــن رســائــلــهــا‪ ،‬مــا يضاعف جهد استيعاب‬ ‫المختنق الخائف من قضية الوحدة والسجن مدلوالتها عبر القراءة بالنسبة للقارئ النوعي‪،‬‬ ‫داخل عالم مختلف ال يعرفه ســواك‪ .‬وحده وتعذر ذلك على القارئ العادي‪.‬‬ ‫الصقعبي في هذا العمل من تمكّن أن يصنع‬ ‫إن المالحظة األولية للنص تبين أنه نص‬ ‫الحبس فــي أرواحــنــا‪ ،‬والــمــرأة بــألــف رجل‬ ‫وشخصية‪ ،‬والــحــب الــذي ندعيه ال نجده؛ يتأسس على الحوار واإلرش ــادات الروحية‪،‬‬ ‫ليس ألنه غير موجود‪ ،‬بل ألننا ال نتقنه أبدًا؛ كما تمكننا قراءة بدايته ونهايته من افتراض‬ ‫فالفرجة المسرحية (صفعة في المرآة) نمطٌ أن أحداثا تتمحور حول جدل المرأة تتقمص‬ ‫من الحوار الجواني المتحملق في ذواتنا‪ ،‬األرواح التي نبحث عنها‪ ،‬وجدلية في رجل‬ ‫والذي ندرك دومًا أننا لسنا لهذه الحياة‪ ،‬بل يسمع هسيس األصوات واألرواح من حولنا‪،‬‬ ‫ومرة تجد تلك المرآة تعزف موسيقي تغني‬ ‫نحن لغيرها‪.‬‬ ‫على أوجاعنا‪ ،‬ومرة ثالثة تتجول بيننا لتحمل‬ ‫يلجأ (الــكــاتــب) إلــى أســلــوب (المسرح‬ ‫أرواحنا بين يديها لتلقي بها على كل رصيف‬ ‫داخ ــل الــمــســرح)‪ ،‬وبحسب طريقة الكاتب‬ ‫الحياة‪.‬‬ ‫اإليطالي (لويجي بيراندللو)‪ ،‬أي‪ :‬مسرح‬ ‫وإذا كانت هذه المشاهد المسرحية قد‬ ‫الوجه والقناع‪ ،‬الحقيقة والخيال‪ ،‬الصدق‬ ‫والوهم‪ ،‬التصنع واإلخالص‪ .‬والذي يقدم من جــرت فــي فضاء مكاني‪ ،‬فــإن هــذا المكان‬ ‫خالل شخوصه وأحداث مسرحيته‪ ،‬مستعينا يشكل فــضــاء مناسبًا لــصــراع األرواح بين‬ ‫ً بسجّ ان غير محايد‪ ،‬فالمرآة سجّ ان المرأة الشخصيات‪ ،‬وخوفنا من المرآة التي تصفعنا‬ ‫التي تعيش كوارث المجتمع لتهرب منه‪ ،‬فنرى بحقائق ال ب ّد وأننا نخفيها‪ ،‬فالكل يعيش في‬ ‫المرآة تشارك في تشكيل األحداث‪ ،‬وتشتبك صــراع متزامن مع أحــداث المسرحية‪ ،‬كما‬ ‫مع الشخصيات بالحوار‪ ،‬وتقوم بعملية سرد أسهمت المشيرات الــدالــة على الزمن في‬ ‫الحدث الدرامي للنص أيضا‪ً ،‬وكل من يقرأ التعبير عن هذا الصراع؛ فالزمن بالنسبة لكل‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬


‫وقد ساعد الحوار في تمكين الشخصيات‬ ‫من التعبير عن مواقفها بشكل أسهم في تطوير‬ ‫الصراع الدرامي وتعميقه‪ ،‬وهو صراع يعكس‬ ‫تفاوت وجهات النظر بين الفئات االجتماعية‬ ‫المتأثرة بالتغييرات الروحية‪ ،‬وسيطرتها على‬ ‫اإلنسان‪ ،‬واعترافه بوجودها أو إيمانه بها‪،‬‬ ‫والفئات المحافظة المتعلقة بالحقائق أمامها‬ ‫فقط؛ وقــد انعكس هــذا الــصــراع على لغة‬ ‫النص التي اكتست طابعًا حجاجيًا‪ ،‬إذ استدل‬ ‫كل طرف على سداد موقفه باستعمال أساليب‬ ‫حجاجية ولغوية‪.‬‬ ‫وحدها (الكوميديا السوداء) التي تضحكك‬ ‫من الحزن سخرية على واقع مرير أنت تدركه‬ ‫جيدًا ولكنك تخاف من االعتراف به‪ ،‬فإذا‬ ‫نظرنا إلى مكون العبارات التي تتخلل الحوار‬ ‫المسرحي‪ ،‬وهي من السمات المميزة لهذا‬ ‫النمط اإلبــداعــي‪ ،‬فإننا نجد أنها تــرد في‬ ‫النص لتقديم معلومات عــن هــروب الــروح‬ ‫شخصا آخر ونحن ال نعي‪ ،‬وكيف لنا‬ ‫ً‬ ‫وتلبسها‬ ‫أن نقبل أن أرواحنا حبيسة آخرين‪ ،‬أو أننا‬ ‫يسكننا ما ليس لنا؟ وهذا كله الذي يدور فيه‬ ‫الــحــوار‪ ،‬والشخصيات المتحاورة وصفات‬ ‫بعضها والعالقات القائمة بينها‪ .‬وال يخفى ما‬ ‫لهذه الحوارات من أدوار متعددة تسهم في‬ ‫تخييل المشهد لدى القارئ‪ ،‬وتيسير إخراجه‬ ‫وتحويله من نص مكتوب إلى عرض مسرحي‬ ‫على الخشبة‪.‬‬

‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫من الرجل والمرأة حاضر مليء بالمتغيرات‬ ‫والتحوالت التي تفرض تغييرًا في السلوك‬ ‫والمواقف لمجابهة تحديات الهلوسة التي‬ ‫ينقلها أحدهما لآلخر‪.‬‬

‫كلنا يــخــاف الــذكــريــات الــســعــيــدة‪ ..‬هذا‬ ‫ما حاول تأكيده من خالل عبارات حوارية‪،‬‬ ‫فالبنية العاملية فــي ه ــذا الــنــص تميزت‬ ‫بالتنامي والــتــطــور‪ ،‬وذلــك مــن خــال تباين‬ ‫الرغبات‪ ..‬والتي تتجسد في العامل المساعد؛‬ ‫أي الرجل الــذي يحمل اللغة الصوفية في‬ ‫الحوار للحب‪ ،‬ولم تسكنه الروح الشريرة‪ ،‬ولم‬ ‫تخرج روحه المحبة‪ ،‬ولم يتمكن منه أحد حين‬ ‫يدلي بعبارات روحانية؛ ومن هنا‪ ،‬نشأ صراع‬ ‫درامي بين الشخصيات‪ ،‬وخاصة بين الرجل‬ ‫والسجين‪ ..‬إلى أن ظهرت مرحلة أخرى تزول‬ ‫فيها العقدة‪ ،‬وهي مرحلة تفسخ البنية الحل‪،‬‬ ‫إذ استسلمت المرآة لصفعة القدر الموجه لنا‪.‬‬ ‫من خالل الشخصيات الموظفة في هذا‬ ‫النص‪ ،‬نجدها تحمل قيمًا تعبّر عن واقع الروح‬ ‫المتعبة‪ ،‬فتتحول روح الكاتب إلــى مخلّص‬ ‫للعالم من خالل استخدامه للرموز والدالالت‬ ‫بتوظيف شخصيات إنسانية ذات أدوار محددة‬ ‫وسلوكيات وعالقات وموضوعات‪ ..‬وكل هذه‬ ‫العالمات تنبثق كمظهر للحياة اليومية‪.‬‬ ‫هكذا يكون هــذا النص المسرحي الذي‬ ‫تفانى في تقديمه الصقعبي من خالل روحه‬ ‫قد استهدف الدفاع عن المسرح ودوره الفني‪،‬‬ ‫مجس ًدًا أبعادًا وقيمًا انتقاديه بطريقة جدية‪،‬‬ ‫ومن ثم‪ ،‬فان للنص قيمة روحية جوانية تبين‬ ‫أن الفن ال يقدم فرجة‪،‬بل يقدم فائدة كذلك‪،‬‬ ‫كما أن له قيمة جمالية؛ ألنــه وظــف آليات‬ ‫الخطاب المسرحي بما تتطلبه من وضعيات‬ ‫حــواريــة وســيــاق درام ــي وص ــراع وإرشـــادات‬ ‫مسرحية‪.‬‬

‫ * أكاديمية وناقدة ‪ -‬األردن‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬

‫‪39‬‬


‫القاص والروائي عبدالعزيز الصقعبي‪:‬‬

‫كثير من كتاب الرواية ليس لديهم شغف القراءة‬ ‫ولكنهم يسعون إلى الشهرة دون أن يؤسسوا‬ ‫أنفسهم بصورة جيدة ! والكتابة موهبة أو ً‬ ‫ال‬ ‫■ حاوره‪ :‬عمر بوقاسم‬

‫الروائي والمسرحي األستاذ عبدالعزيز صالح الصقعبي من مواليد الطائف ‪1961‬م‪ ،‬بكالوريوس‬ ‫لغة عربية من جامعة الملك سعود بالرياض‪ ،‬وحاصل على درجــة الماجستير بعلم المكتبات‬ ‫والمعلومات من جامعة كالريون بنسلفانيا بالواليات المتحدة االمريكية‪ ،‬حاليا يشغل منصب‬ ‫مدير تحرير مجلة العربية الثقافية‪ ،‬قُ ــدم عــن أعماله القصصية والــروائـيــة والمسرحية عــددٌ‬ ‫من الــدراســات والبحوث األكاديمية محليًا وعربيًا إضافة إلــى الــدراســات النقدية‪ ،.‬ومــن أعماله‬ ‫القصصية والروائية‪(..‬ال ليلك ليلي وال أنت أنا ‪-‬مجموعة قصصية ‪ -‬نادي الطائف األدبي‪1403‬هـ)‪،‬‬ ‫(الحكواتي يفقد صوته ‪ -‬قصص قصيرة‪ -‬جمعية الثقافة والفنون بالقصيم ‪1410‬هـ)‪( ،‬أنت النار‬ ‫وأنا الفراشة ‪ -‬قصص قصيرة‪ -‬دار الكنوز بيروت ‪2000‬م)‪( ،‬البهو ‪ -‬قصص قصيرة‪ ،‬نادي المنطقة‬ ‫الشرقية‏‪2010‬م)‪( ،‬رائحة الفحم‪-‬رواية‪ -‬الرياض‪1408‬هـ)‪( ،‬اليوم األخير لبائع الحمام ‪ -‬رواية‪ -‬دار‬ ‫أثر ‪2012‬م)‪( ،‬غفوة ذات ظهيرة رواية دار الساقي ‪٢٠١٨‬م)‪ ،‬كما أثرى الساحة اإلبداعية بإصدارته‬ ‫المسرحية ومنها مُ ثِّل على خشبة المسرح‪(..‬صفعة في المرآة ‪ -‬مونودراما‪ -‬الطائف ‪1403‬هــ)‪،‬‬ ‫(واحــد صفر ‪ -‬مونودراما ‪ -‬الرياض‪1405‬هـ أخرجها تلفزيونياً‪ :‬سعد الفريح تحت عنوان «حلم‬ ‫الحياة»)‪( ،‬واحــد اثنان ثالثة‪ -‬مسرحية من عدة مشاهد مثلت المملكة في مهرجان خليجي)‪،‬‬ ‫(والدة متعسرة مونودراما مركز ابن صالح الثقافي عنيزة ‪2016‬م)‪( ،‬مسرحية «مولوتوف» مونودراما‬ ‫ال ـنــادي األدب ــي بــالــريــاض ‪٢٠١٧‬م)‪ .‬الـجــوبــة تستضيف صــاحــب هــذه الـسـيــرة األدي ــب عبدالعزيز‬ ‫الصقعبي في حوار يميزه بإجاباته العميقة والجريئة وبطابع خاص‪.‬‬ ‫لدي حياة‪!..‬‬ ‫الكتابة َّ‬ ‫ ¦عـ ـب ــدالـ ـع ــزي ــز ال ـص ـق ـع ـب ــي م ـ ــن األس ـ ـمـ ــاء‬ ‫ال ـ ـتـ ــي تـ ـق ــودن ــا إلـ ـ ــى ف ـ ـضـ ــاء اإلب ـ ـ ـ ـ ــداع فــي‬ ‫ثمانينيات ‪ ‬الـقــرن الـمــاضــي‪ ،‬الـفـتــرة التي‬ ‫تشكلت فيها ال ـحــداثــة‪ ،‬ووث ـقــت حضورها‬ ‫ال ـح ـق ـي ـق ــي‪ ،‬أه ـ ـ ــدى الـ ـس ــاح ــة اإلب ــداعـ ـي ــة‬ ‫ال ـم ـح ـل ـي ــة والـ ـع ــربـ ـي ــة فـ ــي عـ ـ ــام ‪1403‬هـ ـ ـ ـ ــ‪،‬‬

‫‪40‬‬

‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬

‫مجموعته القصصية «ال ليلك ليلي وال‬ ‫أنت أنا» وفي عام ‪1404‬ه ـ صدرت مسرحية‬ ‫«صفعة في المرآة»‪ ،‬ثم صدرت رواية «رائحة‬ ‫الفحم» ‪1408‬هـ ــ‪ ،‬واستمر بــإثــراء المكتبة‬ ‫العربية بــإصــدارتــه اإلبــداعـيــة بين القصة‬ ‫والرواية والمسرح‪ ،‬وكذلك حضوره القوي‬ ‫في فضاء المسرح بعديد من المسرحيات‬


‫‪ρ ρ‬مــن حــســن حــظــي‪ ،‬أن عــاقــتــي بالكتابة‬ ‫وقبل ذلــك بالقراءة لم تكن متأخرة‪ ،‬بل‬ ‫منذ بداية قدرتي على القراءة في مراحل‬ ‫دراســتــي الــمــبــكــرة‪ ،‬فقد كــان الــدعــم من‬ ‫والديّ رحمهما اهلل‪ ،‬بتوفير بعض الكتيبات‬ ‫والمجالت في المنزل ودعمي باقتناء بعض‬ ‫مجالت األطفال المتوافرة في ذلك الزمن‪،‬‬ ‫إضــافــة إلــى وج ــود بعض المدرسين في‬ ‫المراحل الدراسية المحفزة على القراءة‬ ‫والكتابة‪ .‬من جانب آخر كوني أعيش في‬ ‫مدينة الطائف‪ ،‬الثقافة والفن حاضر بها‪،‬‬ ‫تدشين المسرح الوطني‪!..‬‬ ‫من خالل المكتبات الكبيرة ومباسط الكتب‬ ‫ ¦ه ـنــاك الـكـثـيــر مــن الـمـعـطـيــات ال ـتــي تميز‬ ‫والمجالت المستعملة‪ ،‬إضافة إلى حضور‬ ‫ال ـم ـج ـت ـمــع ال ـس ـع ــودي ت ــاري ـخ ـ ًي ــا وث ـقــاف ـ ًيــا‬ ‫الــفــن مــن خــال حــفــات كــبــار الفنانين‪،‬‬ ‫ومـجـتـمـعـ ًيــا ل ـب ـنــاء ق ــاع ــدة فـنـيــة مـتـمـيــزة‪،‬‬ ‫وحضور الفن الشعبي من خالل الفلكلور‬ ‫كيف تـقــرأ مستقبل الـمـســرح الـسـعــودي‪..،‬‬ ‫المتنوع من عرضة نجدية ومجرور ومزمار‬ ‫وم ــا تقييمك لـلـمـســرح ال ـس ـعــودي مقارنة‬ ‫وعزاوي جيزاني ومراد ألهل البادية‪ ،‬تنوع‬ ‫بالساحات العربية؟‬ ‫ثقافي مــذهــل شـ ّكــل كــثــيــراً مــن ثقافتي‪،‬‬ ‫وحــرصــت أن أواصـ ــل الــمــســار بدخولي ‪ρ ρ‬اإلجابة اآلن يجب أن تختلف عن إجاباتي‬ ‫في حوارات سابقة عن المسرح في المملكة‬ ‫أوالً مدرسة دار التوحيد في المرحلتين‬ ‫العربية السعودية‪ ،‬وبكل تأكيد إجابتي‬ ‫المتوسطة والثانوية ليكون المسار األدبي‬ ‫لسؤال يطرح عليّ مثل هذا سيكون مختلفاً‬ ‫هو الطريق الوحيد الــذي أمامي‪ ،‬ألكمله‬ ‫بعد سنتين أو ثالث سنوات‪ ،‬نحن اآلن في‬ ‫بدراستي بقسم اللغة العربية بكلية اآلداب‬ ‫مرحلة الوسط‪ ،‬بين مرحلتين‪ ،‬مرحلة أتمنى‬ ‫بجامعة الملك ســعــود‪ ،‬ولــم أبتعد كثيراً‬ ‫بعد سنوات في دراستي للماجستير في‬ ‫أن تكون انتهت وأرى أنه البد أن ترصد لكل‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬

‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫الـمـمـثـلــة وم ـن ـهــا مـســرحـيــة «واح ـ ــد صـفــر»‬ ‫ومـســرحـيــة «م ـل ــوت ــوف»‪ ،‬ومـســرحـيــة «والدة‬ ‫م ـت ـع ـســرة»‪ ،‬ب ــاإلض ــاف ــة ل ـم ـمــارســة اإلخـ ــراج‬ ‫الـمـســرحــي‪ ،‬وأي ـضــا كـتــابــة م ـقــال أسـبــوعــي‬ ‫ب ـع ـن ــوان «ض ـ ـ ــوء» ث ــم «ف ـ ــراغ ـ ــات» ب ـجــريــدة‬ ‫الجزيرة‪ .‬عبدالعزيز الصقعبي‪ ،‬ماذا يقول‬ ‫تجاه هذه السيرة الغنية بتنوع فضاءاتها‪،‬‬ ‫وهــل بكل هــذه اإلصـ ــدارات أكـمــل مشروعه‬ ‫مع الكلمة؟‬

‫الواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬إذ تخصصت‬ ‫بدراسة علم المكتبات والمعلومات؛ إذًا‬ ‫فالكتاب هــو رفيقي منذ طفولتي حتى‬ ‫اآلن‪ .‬والكتابة لــديّ ليست مشروعاً يبدأ‬ ‫فــي زمــن معين وينتهي بعد االنــتــهــاء من‬ ‫إصدار كتاب‪ ،‬الكتابة لديّ حياة بدأت منذ‬ ‫محاوالتي األولــى في المدرسة وتشكلت‬ ‫بنشري في صفحات القراء في مجلة اقرأ‬ ‫وبعض الصحف‪ ،‬لتتوج بصدور مجموعتي‬ ‫األولــى عن نــادي الطائف األدب ــي‪ ..‬ألبدأ‬ ‫مسيرة النشر والتأليف التي لــن تنتهي‬ ‫بإذن اهلل إال في آخر يوم لي في الحياة‪،‬‬ ‫لذا فأنا ال أتوقف مطلقاً عن الكتابة‪ ،‬لدي‬ ‫زاويــة أسبوعية لم تنقطع إال في األعياد‬ ‫والمناسبات منذ أكثر مــن ثالثين سنة‪،‬‬ ‫ولدي شغفي الدائم بالسرد من خالل كتابة‬ ‫القصة القصيرة‪ ،‬والــروايــة والمسرحية‪،‬‬ ‫أكتب حين تلح عليّ فكرة ما‪ ،‬وأكتب لكي‬ ‫يكون يومي مختلفاً‪.‬‬

‫‪41‬‬


‫وفق التقنية الحديثة‪ ،‬وتنظيم عمل الفرق‬ ‫األهلية‪ .‬إنني متفائلٌ؛ ألن القائمين على‬ ‫وزارة الثقافة يتسمون بالشباب والحيوية‪،‬‬ ‫وأرى حرصهم على خدمة الثقافة والفن‬ ‫بالمملكة‪.‬‬

‫‪42‬‬

‫باحث عن المسرح السعودي‪ ،‬لماذا أقول‬ ‫فــي مرحلة الــوســط أو مرحلة انتقالية‪،‬‬ ‫بــســبــب اطـ ــاق هــيــئــة الــمــســرح والــفــنــون‬ ‫األدائية‪ ،‬وتدشين المسرح الوطني‪ ،‬لذا من‬ ‫الخطأ أن نقارن اآلن الحركة المسرحية‬ ‫فــي المملكة بغيرها مــن ال ــدول‪ ،‬بالذات‬ ‫الدول التي حصل المسرح على مشروعيته‬ ‫التقنية الحديثة تضيف للعرض‬ ‫منذ سنوات طويلة‪ ،‬وعموماً المرحلة األولى‬ ‫المسرحي‪!..‬‬ ‫كــان لدينا فعل مسرحي‪ ،‬بمعنى هنالك ¦وأن ـ ـ ـ ـ ــت تـ ـكـ ـث ــف ت ـ ـجـ ــرب ـ ـتـ ــك الـ ـمـ ـس ــرحـ ـي ــة‬ ‫مجموعة ممن أحب المسرح وأخلص له‪،‬‬ ‫«ال ـم ــون ــودرام ــا»‪ ،‬وه ــو فــن يعتمد لتوصيل‬ ‫أسهموا بتقديم عــروض مسرحية غالباً‬ ‫أفـ ـ ـك ـ ــاره‪ ،‬ع ـل ــى ال ـم ـم ـثــل الـ ــواحـ ــد والـ ـس ــرد‬ ‫عــن طريق مؤسسات ثقافية مــن جمعية‬ ‫وهــو مـســرح تجريبي‪ ،‬هــل تثق بــأن الـقــارئ‬ ‫الثقافة والفنون ولها النصيب األكبر‪ ،‬أو‬ ‫والجمهور لمسرحك يملك أدوات للقراءة‬ ‫األندية األدبية‪ ،‬والمؤسسات الخاصة‪ ،‬أو‬ ‫والـتــواصــل مــع مـســرحــك‪ ،‬فــي هــذا العصر‬ ‫ربما نقول الفرق األهلية‪ ،‬وحقيقة الفعل‬ ‫اإللكتروني؟‬ ‫المسرحي قائم منذ عهد الملك عبدالعزيز‬ ‫طيب اهلل ثراه‪ ،‬وإن كان بدائياً‪ ،‬مع وجود ‪ρ ρ‬في البدء‪ ،‬ليس هنالك مسرح تجريبي‪ ،‬بل‬ ‫هنالك تجارب في العمل المسرحي‪ ،‬ومن‬ ‫نــشــاط كــانــت تــقــوم بــه بــعــض الــمــدارس‬ ‫حسن حظي أن يكون لي أولوية المبادرة‬ ‫واألنــديــة‪ .‬وأنــا هنا أقــول‪ ،‬البــد أن يرصد‬ ‫في كتابة نص الممثل الواحد «مونودراما»‪،‬‬ ‫ذلك التراث المسرحي ويوثّق‪ ،‬ويكون قاعدة‬ ‫ربما السبب فــي ذلــك مشاهدتي لعرض‬ ‫قوية النطالق مسرح سعودي حديث‪.‬‬ ‫مسرحي يقوم به شخص واحد عندما كنت‬ ‫اآلن إذا كنّا نبحث عن مسرح متميز في‬ ‫أدرس في بريطانيا برنامج لغة صيفي في‬ ‫المملكة البد من أن يكون العمل قائماً‬ ‫أول سنة جامعية لي‪ ،‬والسبب الثاني هو‬ ‫على المؤسسات بعد أن كــان لسنوات‬ ‫أن نص المونودراما يعتمد على المونولوج‬ ‫وه ــذا مــوجــود فــي القصة وال ــرواي ــة‪ ،‬لذا‬ ‫طويلة قائماً على اجتهاد بعض الذين‬ ‫كتبت مونودراما «صفعة في المرآة» التي‬ ‫أحبو المسرح وأخلصوا له‪ ،‬بالطبع هيئة‬ ‫قــام بــالــدور الوحيد بها راشــد الشمراني‬ ‫المسرح والفنون األدائية‪ ،‬مطالب منها‬ ‫في عرضها األول بالطائف‪ ،‬وهي أول عمل‬ ‫إعــداد اللوائح والتنظيمات قبل تقديم‬ ‫يمثل المملكة في الخارج وقد قام بالدور‬ ‫العروض‪ ،‬وتكوين البنية التحتية الجيدة‬ ‫الوحيد بكر الشدي رحمه اهلل‪ ،‬وبحمد اهلل‬ ‫التي تخدم المسرح من تدريب لكوادر‬ ‫ال‬ ‫إن عروض أعمالي المسرحية القت تفاع ً‬ ‫العمل الــمــســرحــي‪ ،‬ضمن ذلــك إنشاء‬ ‫من الجمهور‪ ،‬وأذكــر أن مونودراما «واحد‬ ‫معهد للفنون المسرحية‪ ،‬وبناء مسارح‬ ‫صفر» والذي قام بالدور الوحيد فيها ناصر‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬


‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬ ‫القصبي‪ ،‬عرض لعدة أيام بحضور جمهور‬ ‫كبير امــتــأت بهم الــقــاعــة‪ ،‬فــي السنوات‬ ‫األخيرة لم أسوّق كثيراً ألعمالي المسرحية‪،‬‬ ‫في ظل غياب المتابعة النقدية‪!..‬‬ ‫واكتفيت بجعلها متاحة عبر كتب صادرة لي‪،‬‬ ‫لمن يرغب في تنفيذها بالطبع بعد التنسيق ¦«‪ ..‬ال أحــد يمكن أن يُلغي عــوامــل التأثير‬ ‫الذي تركته الرواية العربية‪ ،‬ولكني أرى أن‬ ‫معي‪ ،‬لذا لم تعرض لي أعمال في السنوات‬ ‫هـنــاك مــا هــو أكـبــر وأخ ـطــر وه ــو المغامرة‬ ‫األخيرة‪ .‬أعود للحديث عن المسرح ووضعه‬ ‫غير المحسوبة للكثير من الكتاب وخاصة‬ ‫فــي ه ــذا الــعــصــر الــحــديــث والـ ــذي اتسم‬ ‫جيل مــا بعد عــام ‪2000‬م‪ .‬فهو جيل يكتب‬ ‫بثورة المعلومات وأصبح النسق اإللكتروني‬ ‫دون م ــرج ـع ـي ــة واضـ ـ ـح ـ ــة‪ ،‬دفـ ـع ــه اإلعـ ـ ــام‬ ‫مؤثراً في كل المجاالت‪ ،‬فقد أصبح النص‬ ‫وشجعته دور النشر العربية الربحية أكثر‬ ‫المسرحي يصل بسهولة لكل مــن يرغب‬ ‫من اإليمان بقيمة النص الروائي‪ .‬فظهرت‬ ‫االطــاع عليه أو تنفيذه‪ ،‬التقنية الحديثة‬ ‫أعمال مستفزة يبحث أصحابها عن شهرة‬ ‫خدمت المسرح‪ ،‬وكان تأثيرها إيجابياً‪ ،‬نرى‬ ‫أكـثــر مــن تسجيل اســم أدب ــي واإلس ـهــام في‬ ‫التواصل بين المسرحيين وتبادل المعلومات‬ ‫تحسين بيئة النصوص الــروائـيــة جمالي ًا‬ ‫والتعريف بالعروض الجديدة‪ ،‬بل أكثر من‬ ‫وفكرياً»‪ ،.‬هذا ما قاله الدكتور الناقد حسن‬ ‫ذلك عرضها عبر قنواتها اإلعالمية مباشرة‬ ‫النعمي في إحدى حواراته‪.‬‬ ‫أثــنــاء الــعــرض وبــالــذات فــي المهرجانات‬ ‫وأنت أحد الروائيين السعوديين‪ ،‬هل تتفق‬ ‫الــعــربــيــة‪ ،‬بــالــطــبــع الــمــشــاهــدة فــي قاعة‬ ‫مع ما ذهب إليه الدكتور النعمي؟‬ ‫المسرح أفضل‪ ،‬ولكن على األقــل وصول‬ ‫العرض لشريحة كبيرة أغلبها ال تستطيع ‪ρ ρ‬أتفق مع الدكتور حسن بكل كلمة قالها‪،‬‬ ‫الحضور بسبب بعد المسافة؛ من جانب‬ ‫لقد وضع يده على الجرح‪ ،‬لقد اكتشفت‬ ‫آخر أرى أن التقنية الحديثة تضيف للعرض‬ ‫أن مجموعة ممن أصــدروا روايــات رجال‬ ‫ونساء قراءاتهم مــحــدودة‪ ،‬بل إن بعضهم‬ ‫المسرحي كثيراً من الواقعية واإلبهار‪ ،‬من‬ ‫خالل الشاشات الكبيرة والعروض ثالثية‬ ‫األبعاد‪ ،‬وغيرها من األمور التقنية‪.‬‬

‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬

‫‪43‬‬


‫كانت قراءاتهم تنحصر بما يصل إليهم من‬ ‫كتب إلكترونية عبر هواتفهم المحمولة‪،‬‬ ‫ربــمــا كــامــي صــعــب‪ ،‬ولــكــن لــأســف هذا‬ ‫يتضح من النصوص التي يكتبونها‪ ،‬ويتضح‬ ‫أيضاً إلى انسياق غالبية منهم إلى القصة‬ ‫القصيرة جداً‪ ،‬حقيقة لألسف كثير منهم‬ ‫ليس لديهم شغف القراءة‪ ،‬ولكنهم يسعون‬ ‫إلى الشهرة دون أن يأسسوا أنفسهم بصورة‬ ‫جيدة من خالل القراءة واكتساب الخبرة‬ ‫من خالل ممارسة الكتابة‪ .‬وقبل ذلك يجب‬ ‫الــقــســم األول راكــبــو الــمــوجــة‪ ،‬بمعنى‬ ‫أن نعرف أن الكتابة موهبة أوالً‪ ،‬والمؤلم أن‬ ‫المقلدون والــذيــن يبحثون عــن شهرة لم‬ ‫الحاسب سهل لغير الموهوبين أن يصبحوا‬ ‫يجدوها في مقاالتهم أو قصائدهم‪.‬‬ ‫كتاباً مــن خــال القص واللصق وتجميع‬ ‫القسم الــثــانــي مــن لــديــه موهبة الكتابة‬ ‫المقاطع ومن ثم نشرها‪ ،‬وال يتوقف األمر‬ ‫واإلب ــداع ولكن لم يجازفوا بكتابة النص‬ ‫على ذلك‪ ..‬ففي ظل غياب المتابعة النقدية‬ ‫الــروائــي إال في وقــت متأخر وربما مثال‬ ‫تمكن بعضهم مــن تــرويــج كتاباتهم عبر‬ ‫ذلك الصديق جبير المليحان الــذي أبدع‬ ‫وسائل التواصل االجتماعية ولْنق ْل اإلعالم‬ ‫بالقصة والرواية‪.‬‬ ‫الجديد‪ ،‬فأصبحوا من كبار الكتاب‪ ،‬أالحظ‬ ‫ذل ــك فــي مــعــارض الــكــتــب‪ ..‬وأطــلــع على‬ ‫القسم الــثــالــث وهــو الجيل ال ــذي ذكــره‬ ‫إصداراتهم فأحزن على ذلك القطيع الذي‬ ‫الــدكــتــور حسن النعمي الــذي يكتب دون‬ ‫يدفع ماالً لشراء غثاء ال يستحق القراءة‪،‬‬ ‫مرجعية وقد دفعه اإلعالم ودور النشر دون‬ ‫وبالطبع المستفيد أوال وأخيراً دور النشر‪،‬‬ ‫إيمانه بقيمة النص الروائي‪.‬‬ ‫التي ال يهمها قيمة الكاتب وجــودة العمل‬ ‫أنا ال أكتب لنفسي‪ ،‬بل للقارئ‪!..‬‬ ‫بقدر ما يهمها عدد المتابعين لذلك الكاتب‬ ‫مــجــازاً في مواقع التواصل االجتماعية‪¦ ،‬الكثير مــن ال ـقــراءات النقدية الـتــي سعت‬ ‫وبالطبع دور النشر يهمها أن تربح وتبيع‬ ‫ل ـ ـقـ ــراءة أع ـم ــال ــك ال ـق ـص ـص ـيــة وال ــروائـ ـي ــة‬ ‫الكتب ولو كانت صفحات تلك الكتب بيضاء‬ ‫والمسرحية‪ ،‬أيض ًا هناك دراس ــات وبحوث‬ ‫فارغة‪.‬‬ ‫أك ــادي ـم ـي ــة‪ ،‬م ـن ـهــا‪ :‬ال ـب ـن ــاء ال ـف ـنــي للقصة‬ ‫القصيرة عند عبدالعزيز الصقعبي بحث‬ ‫«الخيال أهم من المعرفة»‪!..‬‬ ‫للحصول على درجــة الماجستير‪ ،‬محمد‬ ‫ ¦م ــن ال ــواض ــح تــوجــه الـكـثـيــر م ــن األس ـمــاء‬ ‫ابـ ــن ص ــال ــح ال ـم ـش ــوح‪ ،‬جــام ـعــة الـقـصـيــم‪.‬‬ ‫في السعودية لكتابة الــروايــة في السنوات‬ ‫«ال ـ ــرؤي ـ ــة وال ـت ـش ـك ـي ــل ال ـف ـن ــي فـ ــي روايـ ـ ــات‬ ‫األخيرة‪ ،‬هل لهذا التوجه تفسيرٌ لديك؟‬ ‫ع ـبــدال ـعــزيــز ال ـص ـق ـع ـبــي» «دراس ـ ـ ــة نـقــديــة»‬ ‫‪ρ ρ‬لــلــروايــة سحر خــاص‪ ،‬ســواء بــالــقــراءة أو‬ ‫بحث مقدم لنيل درجة الدكتوراه في النقد‬

‫الكتابة‪ ،‬هي فعال ليست فقط ديوان العرب‬ ‫بل ديوان العالم‪ ،‬العتمادها على الخيال‪ ،‬ألم‬ ‫يقل أينشتاين «الخيال أهم من المعرفة»‪،‬‬ ‫لــذا ال نستغرب مطلقاً توجه الكثير من‬ ‫األسماء في السعودية لكتابة الرواية‪ ،‬وإذا‬ ‫استثنينا مجموعة من الكتاب والكاتبات‬ ‫كتبوا الرواية منذ سنوات وواصلوا مع طفرة‬ ‫الكتابة‪ ،‬فالبقية أعتقد أنهم ينقسمون إلى‬ ‫ثالثة أقسام‪.‬‬

‫‪44‬‬

‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬


‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫من اليمين سليمان الحماد (رحمه اهلل)‪ ،‬وعبدالعزيز الصقعبي‪،‬‬ ‫وأبو عبدالرحمن بن عقيل الظاهري‪ ،‬وعبدالكريم العودة‪ ،‬ود‪ .‬يحيى بن جنيد‬

‫األدب ــي الحديث‪ ،‬ســاري محمد الزهراني‪،‬‬ ‫جامعة الملك عبدالعزيز‪« .‬بنية الخطاب‬ ‫السردي في رواية «حالة كذب» لـ عبدالعزيز‬ ‫الـ ـصـ ـقـ ـعـ ـب ــي‪ ،‬بـ ـح ــث م ـ ـقـ ــدم ل ـن ـي ــل درج ـ ــة‬ ‫الماجستير أدب حديث ومعاصر‪ ،‬جامعة‬ ‫مـحـمــد بــوض ـيــاف ال ـج ــزائ ــر‪ ،.‬مــا تقييمك‬ ‫لهذه البحوث والدراسات النقدية؟‬ ‫‪ρ ρ‬فــي الــبــدء‪ ،‬أنــا ممنون لكل باحث وناقد‬ ‫تناول نصاً إبداعياً لي‪ ،‬بكل تأكيد أضاف‬ ‫لي الكثير‪ ،‬ووجــد فيما كتبت ما يستحق‬ ‫الوقوف عنده‪ ،‬من خالل دراسته‪ ،‬وقراءته‪.‬‬ ‫الــجــمــيــل أن هــنــالــك دراســـــات وبــحــوث‬ ‫وقراءات عن أعمالي القصصية والروائية‬ ‫والــمــســرحــيــة‪ ،‬بعضها مستقل وبعضها‬ ‫اآلخــر ضمن دراســة للمشهد الثقافي أو‬ ‫بحث عــن ظــاهــرة معينة فــي القصة أو‬ ‫الرواية‪ .‬أنا ال أكتب لنفسي‪ ،‬بل للقارئ‪ ،‬في‬ ‫أي مكان أو زمــان‪ ،‬وحين يشعر قــارئ أو‬ ‫قارئة أنه أضاف لذهنه شيئاً بعد قراءته‬

‫لنص قصير أو طويل‪ ،‬أو شعر بالمتعة‪،‬‬ ‫هنا يحق لي أن أطلق على نفسي كاتب‪،‬‬ ‫لــذا فتلك ال ــدراس ــات األكــاديــمــيــة وســام‬ ‫منحوني إي ــاه‪ ،‬افتخر بــه دائــم ـاً‪ ،‬بالطبع‬ ‫الدراسات والبحوث األكاديمية والنقدية‪،‬‬ ‫تــمــت مناقشتها فــي أروقـ ــة الــجــامــعــات‬ ‫أو نــشــرهــا فــي الــصــحــف والــمــجــات أو‬ ‫الكتب‪ ،‬لكن أيضاً مما يشعرني بالغبطة‬ ‫ما أقرأه في وسائل التواصل الحديثة من‬ ‫إشارات لقراءة نص قصصي أو روائي أو‬ ‫عبر البريد اإللكتروني‪ ،‬إذ تصلني بعض‬ ‫الرسائل من بعض القراء‪ ،‬وهنا أتمنى أن‬ ‫تزدهر الحركة النقدية في المملكة‪ ،‬ننتظر‬ ‫أســمــاء جــديــدة تأخذ على عاتقها إلقاء‬ ‫الضوء على الحركة اإلبداعية‪ ،‬كما قلت‬ ‫قبل قليل أنا استفدت من كل الدراسات‬ ‫والبحوث‪ ،‬بل أن بعض الدراسات النقدية‬ ‫بالذات في بداياتي فتحت ذهني لمجاالت‬ ‫مهمة في الكتابة‪ ،‬وحفزتني لتقديم ما هو‬ ‫أفضل‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬

‫‪45‬‬


‫هناك مبادرات جيدة‪!..‬‬ ‫ ¦ان ـت ـش ــرت ع ـلــى ال ـن ــت م ــواق ــع‪ ،‬ت ــدع ــي أنـهــا‬ ‫الحاضنة للتجارب اإلبــداعـيــة الشبابية‪،‬‬ ‫وكــأنـهــا تلزمهم بالحضور كـبــوابــة لدخول‬ ‫عالم األدب الموثق‪ ،‬هل تجد هذا االنتشار‬ ‫لمثل هذه المواقع‪ ،‬ظاهرة صحية لإلبداع؟‬ ‫‪ρ ρ‬أنا أدين لنادي الطائف األدبي والقائمين‬ ‫عليه بتشجيعي لــتــصــدر أول مجموعة‬ ‫قصصية لي عام ‪١٩٨٣‬م‪ ،‬وقد كانت األندية‬ ‫األدبية إضافة إلــى نــادي القصة منطلقاً‬ ‫لكثير مــن الكتاب والكاتبات‪ .‬اآلن نحن‬ ‫ندخل مرحلة جديدة‪ ،‬بإنشاء هيئة األدب‬ ‫والنشر والترجمة والتي أتمنى أن تنظم‬ ‫النشر بالذات لإلصدار األول‪ ،‬وقبل ذلك‬ ‫البحث عــن المواهب الكتابية تشجيعها‬ ‫وتقديم ورش الكتابة وتقوية مهاراتهم‪.‬‬ ‫أعود للسؤال‪ ،‬مع طفرة الحاسب وبرامجه‬

‫وتطبيقاته إضافة إلــى اإلعــام الجديد‪،‬‬ ‫بدأت بعض المواقع تغري كثيراً ممن يضع‬ ‫خطواته األولى في األدب بتبنيه‪ ،‬وبالطبع‬ ‫ليست كل المواقع قد تخدمهم بالذات إذا‬ ‫كانت غير معروفة أو يكون الغرض منها‬ ‫تجارياً‪ ،‬ولكن أعتقد أن هنالك مبادرات‬ ‫جيدة يحضرني اآلن مبادرة «انثيال» وهي‬ ‫حسب ما علمت وتابعت مبادرة تطوعية‪،‬‬ ‫تعنى بالكتابة اإلبداعية وتحديداً السرد‪،‬‬ ‫وقــد أص ــدرت عــدة روايـــات ومجموعات‬ ‫قصصية‪ ،‬ولمعرفة مصداقية المبادرة أو‬ ‫التطبيق البد من معرفة من يكون وراءها‪،‬‬ ‫وبالطبع انثيال أنشأها طاهر الزهراني‬ ‫وهو معروف بكتاباته القصصية والروائية‪،‬‬ ‫وأنا هنا ال أقدم دعاية لمبادرة أو تطبيق‪،‬‬ ‫ولــكــن أط ــرح أمــثــلــة عــن بــعــض الــظــواهــر‬ ‫الصحية لتشجيع اإلبــداع‪ ،‬لذا أتمنى أوالً‬ ‫على وزارة الثقافة تنظيم تلك المبادرات‬ ‫وتشجيعها‪ ،‬وثانياً ممارسة الدور الرقابي‬ ‫ليس على المضمون بل على آلية العمل‬ ‫ومعرفة مخرجاته‪.‬‬ ‫لم أكتب الشعر مطلقاً‪!..‬‬ ‫ ¦أين الشعر من اهتماماتك‪..‬؟‬

‫‪46‬‬

‫‪ρ ρ‬أحب قــراءة الشعر كثيراً‪ ،‬ولكني ال أكتب‬ ‫وال أحفظ‪ ،‬فقط أقرأ وأستمتع بالقراءة‪.‬‬ ‫وبكل تأكيد تلك القراءات تؤثر على النسق‬ ‫الــشــاعــري فــي كتاباتي الــســرديــة‪ ،‬ومنذ‬ ‫بداياتي بالكتابة‪ ،‬لم أكتب الشعر مطلقاً‪،‬‬ ‫ربما كتبت بعض الخواطر الخاصة‪ ،‬وأنا‬ ‫أعــرف أنها ليست بشعر‪ ،‬أم ـ ٌر آخــر وهو‬ ‫أن قراءة الشعر وسماعة ربما يأخذ جزءاً‬ ‫مهماً من وقتي‪ ،‬لذا فللشعر مكانة خاصة‪،‬‬ ‫ال العمودي‪،‬‬ ‫ال أتوقف عند شكل معين مث ً‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬


‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫بل أقــرأ وأتابع الشعر الحديث والقديم‪،‬‬ ‫وبالطبع قصيدة الــنــثــر‪ ،‬الــمــجــال هنا ال‬ ‫يسمح بذكر أهم األسماء‪ ،‬وبدءًا من العصر‬ ‫الجاهلي إلــى العصر الحديث‪ ،‬ألن ذلك‬ ‫سيطول‪ ،‬مــن ال يقرأ الشعر ال يستطيع‬ ‫الكتابة بصورة جيدة‪.‬‬ ‫لم أتعود على الجلوس في المقاهي‬ ‫للكتابة‪!..‬‬ ‫ ¦بعض المبدعين ‪ -‬بصفة عامة‪ -‬يلتزمون‬ ‫بطقس معين أث ـنــاء الـكـتــابــة‪ ،‬عبدالعزيز‬ ‫الصقعبي‪ ،‬كيف ومتى يكتب؟‬ ‫‪ρ ρ‬حسب نــوع الكتابة‪ ،‬فعندما أكتب مقاالً‪،‬‬ ‫فليس لــدي مشكلة في مكان الكتابة‪ ،‬أو‬ ‫وجود أشخاص حولي‪ ،‬ولكن عندما أشرع‬ ‫بكتابة نص قصصي‪ ،‬فأُفضل أن أكتب في‬ ‫مضمون أو شكل الـخـطــاب اإلب ــداع ــي‪ ،‬في‬ ‫مكان خاص‪ ،‬غالباً في مكتبتي بالبيت‪ ،‬لم‬ ‫ظ ــل ال ـت ـغ ـيــرات ال ـس ـيــاس ـيــة واالق ـت ـصــاديــة‬ ‫أتعود على الجلوس في المقاهي للكتابة‪،‬‬ ‫التي يشهدها العالم العربي في السنوات‬ ‫غالباً أفضل أن أكتب في مكتبتي الخاصة‪،‬‬ ‫األخيرة‪ ،‬برأيك ما سبب غياب األثر؟‬ ‫أمر آخر ومهم‪ ،‬هو أنني ال أحب أن يطلع‬ ‫أحد على ما أكتبه أثناء الكتابة‪ ،‬ولو كان ‪ρ ρ‬أعتقد أن الخطاب اإلبداعي يشهد بعض‬ ‫مــقــاالً‪ ،‬أري ــد أن أنتهي مــن الــنــص‪ ،‬وبعد‬ ‫التغير والتشكل الجديد‪ ،‬نالحظ االهتمام‬ ‫بشعر الــهــايــكــو‪ ،‬وحــضــور قصيدة النثر‪،‬‬ ‫ذلــك تبدأ خطوة المراجعة والــقــراءة ثم‬ ‫والتوجه للقصة القصيرة جــداً‪ ،‬ربما هذا‬ ‫يتاح للجميع‪ ،‬وحكاياتي مع كتابة النص‬ ‫من ناحية الشكل‪ ،‬أما بالنسبة للمضمون‬ ‫القصصي والروائي كثيرة‪ ،‬سبق أن تحدثت‬ ‫فالمتغيرات بالذات في السنوات األخيرة‬ ‫عنها فــي لــقــاء بــنــادي الــريــاض األدب ــي‪،‬‬ ‫متسارعة‪ ،‬ولكن ربما تكون الــروايــة هي‬ ‫وبالطبع قد تحدثت عن الحالة الكتابية‪،‬‬ ‫األكثر مواءمة لرصد التغيرات في الوطن‬ ‫وهي التي أنتقل فيها من عالمي الواقعي‬ ‫الــعــربــي‪ ،‬أنـــا ال أحـــب ال ــخ ــوض بــرصــد‬ ‫إلى عالم متخيل‪ ،‬وهذا عندما أكتب نصاً‬ ‫الروايات الصادرة في الوطن العربي على‬ ‫قصصياً أو روائياً‪ ،‬وبالذات الرواية أعيش‬ ‫الرغم أنني أحــرص على قــراءة األعمال‬ ‫مع شخصيات العمل حتى أنتهي منه‪.‬‬ ‫التي تحقق حضوراً من خالل حصولها على‬ ‫الصراع بين المدينة والقرية‪!..‬‬ ‫جوائز أو إشادة النقاد والقراء بها‪ ،‬أو ما‬ ‫أقتنيه في معارض الكتب وأرى بعد تصفح‬ ‫ ¦ل ـيــس ه ـن ــاك أثـ ــر واض ـ ــح ح ـتــى اآلن على‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬

‫‪47‬‬


‫عدة صفحات أن العمل مختلف!‬ ‫‪ρ ρ‬ولكن ألتحدث قليال عن تجربتي الكتابية‪،‬‬ ‫ففي مراحلي األول ــى الكتابية وبــالــذات‬ ‫القصص القصيرة الــتــي كتبتها يالحظ‬ ‫الحديث عن التغير الحضاري‪ ،‬الصراع بين‬ ‫المدينة والقرية‪ ،‬العالقات االجتماعية‪،‬‬ ‫بالطبع الرواية كانت أكثر جرأة‪ ،‬إذ تطرقت‬ ‫رواية رائحة الفحم بالحديث عن الطبقية‪،‬‬ ‫أما في رواية حالة كذب فقمت بالمقارنة‬ ‫بين نحن واآلخــر‪ ،‬ألنتقل في روايــة اليوم‬ ‫األخير لبائع الحمام لرصد سيرة أسرة‬ ‫فــي مــديــنــة الــريــاض وتــأثــيــر المتغيرات‬ ‫الحضارية عليها والتي من أهمها الطفرة‬ ‫مروراً بحادثة برجي التجارة العالمي‪ ،‬أما‬ ‫رواية «غفوة ذات ظهيرة» فتطرقت لكثير‬ ‫مــن المتغيرات ربــمــا مــن أهمها مرحلة‬ ‫الصحوة وتأثيرها‪ ،‬وحــال المثقف أمــام‬ ‫التغيرات‪ ،‬بالطبع من المستحيل تلخيص‬ ‫مئات الصفحات بكلمات قليلة‪ ،‬ولكن ربما‬ ‫يهمني كما يهم كل كاتب أن يكون شاهداً‬ ‫على عصره ومتغيراته‪.‬‬ ‫لكل شيء إيجابيات وسلبيات‪!..‬‬

‫‪48‬‬

‫الطباعة على اآللة الكاتبة قلّة‪ ،‬فقد كانت‬ ‫المعاناة بكتابة األعــمــال‪ ،‬بالطبع الكتابة‬ ‫باليد لها إيجابيات منها تكثيف المراجعة‬ ‫من خالل إعادة الكتابة‪ ،‬إضافة إلى متعة‬ ‫الكتابة بالقلم على الورقة‪ ،‬ولكن اآلن تعودنا‬ ‫على استخدام الحاسب وأراحنا من تكرار‬ ‫الكتابة‪ ،‬وأصبح التصحيح سهالً‪ ،‬بل هنالك‬ ‫برامج تساعد على التصحيح اإلمالئي‪،‬‬ ‫ومن خالل الشبكة العنكبوتية أصبح إرسال‬ ‫ال عبر البريد اإللكتروني‪،‬‬ ‫النصوص سه ً‬ ‫وسابقاً كنا نرسل عبر البريد حين نرغب‬ ‫أخذ رأي أحد األصدقاء أو النشر بإحدى‬ ‫الصحف‪ ،‬اآلن في لحظات يصل النص‪،‬‬ ‫بكل تأكيد الجميع يعرف ذلك‪ ،‬والحديث‬ ‫عن سلبيات وإيجابيات الحاسب والشبكة‬ ‫العنكبوتية قد يطول‪ ،‬ولكن أرى أن سهولة‬ ‫النشر وعــدم المراجعة‪ ،‬وسهولة النقل‬ ‫من مواقع وتحريفها لنشرها مــرة أخرى‬ ‫باسم آخر من سلبيات الشبكة‪ ،‬ولكن من‬ ‫اإليجابيات وصــول النص وانتشار مواقع‬ ‫الكتب اإللكترونية‪ ،‬الكالم كما قلت كثير‪.‬‬ ‫وأؤكد لكل شيء إيجابيات وسلبيات‪.‬‬ ‫سطوة المبدع بداخلي‪!..‬‬

‫ ¦ي ـت ـح ــدث ــون ك ـث ـي ــرا عـ ــن اإلض ـ ــاف ـ ــات ال ـتــي‬ ‫تضيفها الشبكة العنكبوتية وبإيجابية‪¦ ،‬ت ـعــودت أن أس ــأل ه ــذا ال ـســؤال فـهــو يضيء‬ ‫للقارئ الخصوصية الثقافية لــدى ضيف‬ ‫أليس لهذه الشبكة أي سلبية على المثقف‬ ‫«الجوبة»‪ ،.‬هل لنا أن نتعرف على محتويات‬ ‫بصفة عامة؟‬ ‫مكتبتك؟‬ ‫‪ρ ρ‬ليس فقط الشبكة العنكبوتية فقط‪ ،‬بل‬ ‫بشكل أكثر شموالً الحاسب اآللــي‪ ،‬وقبل ‪ρ ρ‬في مكتبتي المبدع غلب المتخصص‪ ،‬أنا‬ ‫حاصل على درجــة الماجستير فــي مجال‬ ‫أن أبدأ بالحديث عن إيجابيات وسلبيات‬ ‫المكتبات والمعلومات‪ ،‬ولكن لم أطبق ما‬ ‫الشبكة العنكبوتية‪ ،‬أتحدث عن إضافات‬ ‫درسته وما مارسته في عملي بمكتبة الملك‬ ‫الحاسب اآللي التي شعرنا بها نحن جيل‬ ‫فهد الوطنية على مكتبتي الخاصة‪ ،‬حيث‬ ‫الثمانينيات الميالدية وأوائل التسعينيات‪،‬‬ ‫كانت السطوة للمبدع في داخلي‪ ،‬لذا فقد‬ ‫حين لم يكن هنالك حاسب وكان من يتقن‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬


‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫أصبحت مكتبتي مقسمة تقريباً إلى ثالثة‬ ‫أقسام‪:‬‬ ‫القسم األول وهو األكبر وربما ثالثة أرباع‬ ‫ـاص بالقصة والــروايــة‪ ،‬استعنت‬ ‫المكتبة خـ ٌ‬ ‫بتنظيمها على تــوزيــع الــبــلــدان والــحــروف‬ ‫الهجائية ألسماء المؤلفين لكي أصل للكتاب‬ ‫بسهولة‪.‬‬ ‫القسم الثاني يأخذ الشعر مساحة جيدة‬ ‫ثم المسرح والفنون والنقد أيضاً والدراسات‬ ‫األدبية‪.‬‬ ‫القسم الثالث المعارف العامة‪ ،‬وهذه يدخل‬ ‫فيها الكتب الدينية والفلسفة ودراس ــات‬ ‫االجــتــمــاع وال ــدراس ــات اإلنــســانــيــة بصورة‬ ‫عامة‪ ،‬وجــزء ليس كبيراً خاصاً بالمكتبات‬ ‫والمعلومات‪ ،‬وغيرها من الكتب‪ ،‬وهنالك‬ ‫الرئيس في تكدسها وتكرارها في المكتبات‬ ‫بعض المصادر والمراجع‪ ،‬والكتب الخاصة‬ ‫الخاصة هو عدم وجود مكتبات عامة جيدة‬ ‫الــتــي اقتنيتها أثــنــاء دراســتــي الجامعية‪،‬‬ ‫في المدن واألحياء‪ ،‬لو وجدت لتوجه القراء‬ ‫وبالطبع هنالك الــدوريــات العربية‪ ،‬وأنــا‬ ‫إليها‪ ،‬ولبقي في بيتهم بعض الكتب التي قد‬ ‫شغوف بمتابعتها‪ ،‬ولألسف كان هناك كثير‬ ‫ال يستغنون عنها‪ ،‬إضافة إلى الكتب التي‬ ‫مــن الكتب والصحف والــدوريــات فقدتها‬ ‫يحملونها في حقائبهم الخاصة أثناء السفر‪،‬‬ ‫بسبب سوء التخزين وانتقالي من الطائف‬ ‫وغالباً تكون من الروايات والقصص ودواوين‬ ‫إلــى الــريــاض‪ ،‬ولكن لــم أتــوقــف عــن شــراء‬ ‫الشعر وقد نضيف إليها كتب السيرة‪.‬‬ ‫الكتب‪ ،‬وبالطبع االنفتاح الذي نعيشه اآلن‬ ‫يغري بمواصلة شــراء الكتب من المعارض‬ ‫زاوية فراغات‪..‬‬ ‫والــمــكــتــبــات‪ ،‬هنالك مالحظة أنــا أود أن‬ ‫أذكرها‪ ،‬وأن أغلب مكتبات األدبــاء بالذات ¦وماذا عن جديدك‪..‬؟‬ ‫ممن يحب ق ــراءة الــروايــات متشابهة‪ ،‬قد ‪ρ ρ‬لدي مجموعة قصصية ورواية في طريقهما‬ ‫يتفوق بعضهم بقدرته على دعــم مكتبته‪،‬‬ ‫للنشر‪ ،‬إضافة إلــى تجربتي الجديدة في‬ ‫بصورة يومية‪ ،‬ولكن وأنا أتحدث كمكتبي هنا‪،‬‬ ‫زاوي ــة فــراغــات بالمجلة الثقافية بجريدة‬ ‫تكدس المكتبات الخاصة بكتب المصادر‬ ‫الجزيرة‪ ،‬والتي أحاول أن أكتب بها المقال‬ ‫والــمــراجــع الــتــي أغلبها قــوامــيــس ودوائ ــر‬ ‫بنسق قصصي‪ ،‬إضافة إلى وجود مجموعة‬ ‫معارف ومعلومات والتي تأخذ حيزاً كبيراً في‬ ‫من النصوص المسرحية التي تنتظر مبادرة‬ ‫المكتبات الخاصة في المملكة‪ ،‬أقول السبب‬ ‫التنفيذ‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬

‫‪49‬‬


‫توظيف اللغة األجنبية في الروايات العربية‪..‬‬ ‫روايات محمد حسن علوان أنموذجا‬ ‫■ سميرة الزهراني*‬

‫شهد األدب العربي خالل الحقب الزمنية األخيرة من القرن العشرين وبدايات‬ ‫القرن الواحد والعشرين وحتى اآلن تطورات كبيرة‪ ،‬وشهدت تمازج ًا فني ًا مميز ًا ما‬ ‫بين الفنون المختلفة‪ ،‬ومن ذلك أن «عرفت الكتابة السردية العربية تنوع ًا وثراءً‬ ‫على مستوى التشكيل الفني والموضوعاتي‪ ،‬عبر تحوالت فارقة في تاريخ العالم‬ ‫العربي الحديث والمعاصر‪ ،‬اتسمت بسمة الـحــداثــة فــي مـجــاالت الفكر واألدب‪،‬‬ ‫وأدخلت النصوص السردية عوالم التجريب والبحث عن هوية للكتابة العربية‪،‬‬ ‫بالبحث في األشكال التي توائم أزمة اإلنسان العربي وتكتب رؤاه وأفكاره وقضاياه‬ ‫شك ًال ومضموناً»(((‪ .‬ومن ذلك أيض ًا أن دخلت على الكتابة السردية األدبية العربية‬ ‫خالل الفترة الماضية ظواهر مختلفة‪ ،‬غريبة عن طبيعته وبنائه الفني‪ ،‬نستقر‬ ‫منها عند ظاهرة توظيف اللغة أو المفردات األجنبية فيها‪ ،‬وذلك بدراسة الظاهرة‬ ‫في التجربة الروائية عند محمد حسن علوان‪.‬‬ ‫وال ينظر إلى ظاهرة استخدام المفردات األجنبية في الرواية العربية من زاوية‬ ‫هجومية رافضة لها‪ ،‬واعتبارها دخيلة‬ ‫أو عبثية والقول إنه ال حاجة لها؛ بل‬ ‫على العكس تــمــامـاً‪ ،‬يجب النظر في‬ ‫أنها وجدت لدوافع معينة‪ ،‬ولها غايتها‬ ‫وأهــدافــهــا فــي الــعــمــل الــفــنــي‪ ،‬وذلــك‬ ‫انطالقاً من أن «لكل عمل روائي مقصد‬ ‫وغاية يجري إلــى تحقيقها‪ ،‬ومعتمدًا‬

‫‪50‬‬

‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬

‫على ما يتـوافر لـه من مكونـات سـردية‬ ‫يكـون للمبـدع أو المؤلـف فضـل النسـج‬ ‫لخيوطهـا وقصـد الـربط لمسـارات‬ ‫تواصـلية بينـه وبـين المتلقي الذي يبدأ‬ ‫معه النص الرحلة الثانية‪ ،‬في سبيل‬ ‫رصــد المعنى وإن ــت ــاج ــه»(((‪ .‬لــذا فإن‬ ‫دراستها وتحليلها وإلقاء الضوء عليها‬


‫يتحدث الدكتور خليل عودة في دراسته‬ ‫عن األنا واآلخر في نموذج لمحمود درويش‪،‬‬ ‫عن أن العالقة التي تحكم بين البشر عموماً‬ ‫هــي عالقة «قائمة على أســاس التغاير ال‬ ‫التمازج‪ ،‬وفقاً للمصالح الذّاتية واالعتبارات‬ ‫الخاصة التي قد تقترب أو تبتعد من مصالح‬ ‫اآلخرين واعتباراتهم(((؛ بداية ذي بدء‪ ،‬للقول‬ ‫في أسباب هذه الظاهرة‪ ،‬يمكن االنطالق من‬ ‫عبارة الدكتور عــودة للقول إنه في حال تم‬ ‫تطبيق قوله على األدب أو في الرواية على‬ ‫وجه التحديد‪ ،‬قد يقود ذلك إلى فهم الدوافع‬ ‫التي أدت إلى ظهور المفردات األجنبية في‬ ‫الــروايــة العربية‪ ،‬هــذا إلــى جانب التفكير‬ ‫محمود درويش‬ ‫بجوانب أخــرى‪ ،‬مثل االنفتاح الكبير على‬ ‫الغرب‪ ،‬والتوجه المتزايد إلى القراءة في أدب‬ ‫الغرب‪ ،‬ال سيما من الكتاب الذين عاشوا في االختيار مهم جداً في النصوص األدبية‪ ،‬فهي‬ ‫بالد الغرب وعاشروا وعايشوا حياتهم بأدق تحدث إضافات بلغات أو لهجات أجنبية»(((‪.‬‬ ‫تفصيالتها‪ ،‬ما جعل تجاربهم األدبية تختلط‬ ‫يُعرّف األسلوب على أنه «اختيار عملية‬ ‫بهم أيّما اختالط‪.‬‬ ‫داخلة في جوهر العالقة بين اللغة والكالم‪،‬‬ ‫إن الدراسـات النقديـة التي تهتم بمفهـوم فإذا كانت اللغة هي النظام‪ ..‬فإن األسلوب‬ ‫رؤيـة العـالم فـي الـنص السـردي وترصده‪ ،‬هو ظاهرة كالمية فردية في الدرجة األولى‪.‬‬ ‫ترتكز علـى مسـتويين اثنـين متالحمــين ولما كــان األسلوب ينتمي إلــى الكالم أكثر‬ ‫ومتكــاملين؛ مســتوى البنيــة الســردية الذي مــن انتمائه إلــى اللغة‪ ،‬فــإن ذلــك يعني أن‬ ‫يتعلــق بالمكونــات الســردية للبنيــة النصــية‪ ،‬هناك إمكانات كثيرة لالختيار تتيحها اللغة‬ ‫مثل‪ :‬الثنائيــات الضــدية‪ ،‬التناص‪ ،‬التذكر‬ ‫للمنشئ الذي يريد أن يقدم ما يريد بأسلوب‬ ‫والوصف‪ .‬والثاني؛ البنية الداللية وتتعلق‬ ‫خاص قائم على االختيار من إمكانات اللغة‬ ‫بالبنى العميقة في النص‪ ،‬وذلك من خالل‬ ‫المتعددة»(((‪ .‬واستخدام اللغة األجنبية مثله‬ ‫ربط الوعي الفـردي للـراوي أو السـارد بالوعي‬ ‫الــجــمــاعــي وعــاقــاتــه الــســوســيــولــوجــيــة(((‪ .‬مثل استخدام اللغة العامية والتعمق في‬ ‫فيما يضع الناقد «برند شبلنر» مجموعة اللهجات المحلية فــي مــواضــع معينة من‬ ‫من المحددات تحكم عملية االختيار بين الــروايــة‪ ،‬يفرضه السياق الــروائــي‪ ،‬أو يجد‬ ‫الــمــفــردات أثــنــاء الكتابة‪ ،‬جــاء ضمنها أن فيه الكاتب فــي موضعه صــدقـاً شعورياً‪،‬‬ ‫«اختيار الرمز اللغوي‪ :‬يختار المتكلم إذا وفائدة أكبر منها في حال اكتفى باللغة األم‬ ‫كان يعرف عدة لغات‪-‬لغة أو لهجة ما‪ ،‬وهذا الفصحى‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬

‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫هي الفيصل في هذا القول‪.‬‬

‫‪51‬‬


‫…‬

‫)‪…(8‬‬

‫‪I can see it in your smile‬‬

‫‪You're all I've ever wanted،‬‬

‫‪And my arms are open wide‬‬

‫فــي الــنــص الــســابــق جـ ــاءت الــمــفــردات‬ ‫األجنبية بطريقة مبررة‪ ،‬فالبطل هنا يستذكر‬ ‫كلمات أغنية أجنبية يحبها وتعبر عن حالة‬ ‫حزينة تتالقى مع مشاعره الشخصية‪ ،‬لذا‬ ‫فهو أمــر يرتكز على مبرر قــوي‪ ،‬كما في‬ ‫المثال التالي أيضاً‪:‬‬ ‫قــرأتُ السلّم الموسيقي ولكني لم أتقنه‬ ‫تماماً‪ .‬كنتُ أتطفل على األســوار وأتطاول‬ ‫على المحاذاة المتواضعة والتدرج البطيء‪.‬‬ ‫أحــــاول مــنــذ الــشــهــريــن األول ــي ــن مــن تعلّم‬ ‫الموسيقى تقليد ياباني في مقطوعته ‪To The‬‬ ‫‪ ،One Who Knows‬أصن ُع شيئاً يشبهها بعض‬ ‫بنشاز‬ ‫ٍ‬ ‫إن استخدام اللغة األجنبية فــي النص األمسيات‪ .‬ولكني غالباً ما كنتُ أشر ُد‬ ‫قدرية‬ ‫ٍ‬ ‫الــروائــي عند علوان ال تعد ظــاهــرة‪ ،‬ولقد بطيء حزين‪ ،‬يشبه انطفاء سيجارةٍ‬ ‫وجدت فقط في بعض المواضع من روايته في صدر بطل(((‪.‬‬ ‫(سقف الكفاية)‪ ،‬وفي موضع واحد فقط في‬ ‫ويبرر كذلك دخــول المفردات األجنبية‬ ‫(القندس)‪.‬‬ ‫حينما تــصــدر الــمــفــردات األجــنــبــيــة عن‬ ‫مها‪..‬‬ ‫شخصية غربية‪ ،‬فــا تبدو أنها دخيلة أو‬ ‫عبثية‪:‬‬ ‫ أين تذهبين‪.‬‬‫‪)I have to do what I have to do( -‬‬

‫(((‬

‫قــد يــبــدو أن دخ ــول اللغة األجنبية في‬ ‫الحوار القصير السابق يمكن االستغناء عنه‪،‬‬ ‫عند بعض اآلراء‪ ،‬فيما قد يبرر له السياق‬ ‫والحالة النفسية وروده‪.‬‬ ‫وما دام صديقنا «لوينلي ريتشي»‪ ،‬يهمس‬ ‫عبر المسجّ ل بروعة في غنائه الحزين‪.‬‬ ‫‪Hello‬‬ ‫…‪Is it me you're looking for‬‬

‫‪52‬‬

‫…‬

‫‪I can see it in your eyes‬‬

‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬

‫قالت «مس تنغل» كلمتها األخيرة وانتزعت‬ ‫سدّادة الدواء لتزحلق من العلبة حب ْة واحدة‪،‬‬ ‫ثم تبتلعها بهدوء دون أن تشرب معها كأس‬ ‫ماء‪ .‬لوهلة‪ ،‬ندمتُ أني أخبرتها عن محوري‪.‬‬ ‫صــرتُ أسمي ِّك فيها بعد تلك الليلة هكذا‪،‬‬ ‫حتى أوقفتني سخرية دي ــار عندما صار‬ ‫يسم ِ‬ ‫ّيك دائماً‪.((1( Ms. Axis :‬‬

‫إن العمل األدبــي في أساسه عبارة عن‬ ‫انفعال وحساسية وتــوتــر؛ ومــن هــنــا‪ ،‬فإن‬ ‫الكاتب ينقل هذه التجربة وداللتها العميقة‬ ‫إلــى الــقــارئ عــن طريق توظيف المفردات‬


‫منذ طفولتي‪ ،‬وأنــا أبالغ في انفعاالتي‪،‬‬ ‫«مس تنغل» تسمّى هذا‪.((1(»Overacting« :‬‬

‫صـ ــديـ ــق‪ ..‬ب ــف ــوائ ــد‬

‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫الدالة على األصــوات المختلفة لنقل هذا من وراء المحيط(‪.((1‬‬ ‫اإلحساس الحي بها‪ ،‬وهذا األمر هو ما جعل‬ ‫وردت عبارة واحدة في رواية (القندس)‬ ‫اللغة أداة للخلق الفني وليست مجرد وسيلة‬ ‫لنقل األفكار والمعاني(‪ .((1‬ومن هذه العبارة باستخدام مفردة أجنبية في حوار إلكتروني‬ ‫قــد يبرر للكتاب الكثير مــن األم ــور ومنها بين البطل (غالب) ومحبوبته (غادة)‪:‬‬ ‫الكتابة باللغة األجنبية‪ ،‬فقد نرجع ذلك إلى‬ ‫«فـــأنـــا كــمــا بـــــدأت تــســمــيــنــي أخ ــي ــراً‬ ‫ثقافته التي ولّدت إحساساً أكبر بالمعنى من‬ ‫خالل النطق والتعبير عنها بلغة أخرى‪.‬‬ ‫باإلنجليزية‪:‬‬ ‫‪A friend with‬‬

‫‪.((1(»benefits‬‬

‫أشع ُر بعدم الرغبة في مثل هذا النوع من‬ ‫الكتابة كلما تذكَّرتُ «مس تنغل» وهي تُطلق‬ ‫ومن هنا‪ ،‬نجد أن توظيف اللغة األجنبية‬ ‫حكم الرتابة على قصتي البليدة‪« :‬مجرّد‬ ‫وإيــرادهــا فــي الــروايــات قــد وقــع فــي دول‬ ‫عاشق آخر»‪ ،‬قالتها باإلنجليزية لتبدو أكثر‬ ‫إحباطاً‪ ،»oh.. just another lover« :‬ال أدري أي تتحدث هذه اللغات وبــذا يقيم الروائي ما‬ ‫األساطير كانت تبحثُ عنها في ذهن القادم أسماه العروي (أحد أركان الواقعية)(‪.((1‬‬ ‫ * باحثة دكتوراه‪ ،‬جامعة أم القرى بمكة المكرمة‪.‬‬ ‫((( الســعيد عمــوري‪ :‬الكتابــة والتشــكيل األيديولوجــي فــي الروايــة العربيــة المعاصــرة‪ ،‬رســالة دكتــوراه‪،‬‬ ‫جامعــة الحــاج لخضــر‪ ،‬الجزائــر‪2013 ،‬م‪.‬‬ ‫((( زنينة كلثوم‪ :‬اإلجراءات اللسانية ورصد المعنى داخل البنية الروائية‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص‪148‬‬ ‫((( خليــل عــودة‪ :‬جدليــة العالقــة بيــن األنــا واآلخــر فــي ســيناريو جاهــز لمحمــود درويــش‪ ،‬جامعــة النجــاح‬ ‫(مــن مؤتمــر األدب منصــة للتفاعــل الحضــاري‪ -‬األردن)‪2011 ،‬م‪ .‬ص‪.1‬‬ ‫((( انظر زنينة كلثوم‪ :‬اإلجراءات اللسانية ورصد المعنى داخل البنية الروائية‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص‪150‬‬ ‫((( موسى سامح ربابعة‪ :‬األسلوبية مفاهيمها وتجلياتها‪ ،‬دار الكندي‪ ،‬ط‪ ،1‬إربد‪2003 ،‬م‪ .‬ص‪30‬‬ ‫((( المرجع السابق‪ .‬ص‪.31-30‬‬ ‫((( سقف الكفاية‪ .‬ص‪.298‬‬ ‫((( موسى سامح ربابعة‪ :‬األسلوبية مفاهيمها وتجلياتها‪ ،‬المصدر السابق‪ .‬ص‪.142‬‬ ‫((( سقف الكفاية‪ .‬ص‪.127‬‬ ‫(‪ ((1‬المصدر السابق نفسه‪ .‬ص‪.132‬‬ ‫(‪ ((1‬انظــر فــرح مهــدي صالــح‪ :‬التوظيــف اللغــوي فــي أدب مهــدي عيســى الصقــر الروائــي‪ ،‬مجلــة القادســية‬ ‫للعلــوم اإلنســانية‪ ،‬مــج‪ ،8‬ع‪2005 ،2+1‬م‪ .‬ص‪.13‬‬ ‫(‪ ((1‬سقف الكفاية‪ .‬ص‪.56‬‬ ‫(‪ ((1‬سقف الكفاية‪ .‬ص‪.102‬‬ ‫(‪ ((1‬القندس‪ .‬ص‪.85‬‬ ‫(‪ ((1‬عبــداهلل العــروي‪ ،‬اإليدلوجيــا العربيــة المعاصــرة‪ ،‬المركــز الثقافــي العربــي‪ ،‬الــدار البيضــاء‪1995‬م‪ ،‬ط‪،1‬‬ ‫ص‪.242‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬

‫‪53‬‬


‫حضور المرأة السيريالي المضيء‬ ‫في (رائحة الطفولة)* للقاص عبدالرحمن الدرعان‬ ‫■ تركية العمري**‬

‫أول الضوء‬ ‫وهنا‪..‬‬ ‫جميالت‪..‬‬ ‫باكيات‪..‬‬ ‫وسيريالية تسيل‪.‬‬ ‫إن العمل األدبــي اإلنساني هو العمل الــذي يحمل سمات التواصلية األدبية‬ ‫الفنية الدائمة‪ ،‬فيضيء كلما عبر به المتلقي‪ ،‬وهذا النوع من األعمال يطلق عليه‬ ‫النقاد األوروبيون المعاصرون أعمال (الفضائية األدبية الفاعلة)‪.‬‬ ‫وفــي مجموعة (رائــحــة الطفولة)‬ ‫للكاتب عبدالرحمن الدرعان‪ ،‬تنساب‬ ‫ـص تنبعث مــن لغة وصــور‬ ‫إلينا قــصـ ٌ‬ ‫سيريالية تناصر المرأة‪ ،‬فتخلع عليها‬ ‫أجمل الكلمات‪.‬‬ ‫لــقــد حــضــرت الـــمـــرأة بــيــن تلك‬ ‫القصص حضورًا المعًا‪ ،‬ودافئا ودامعا‪،‬‬ ‫وهذا نادر الحدوث في كتابات الرجل‪.‬‬

‫‪54‬‬

‫شاعريًا سيرياليًا مفعمًا باألساليب‬ ‫البصرية التي رافقت النساء اللواتي‬ ‫حضرن بينها‪ ،‬ســواء كــن شخصيات‬ ‫رئيسة أم ثانوية‪ ،‬وعبر هذه األساليب‬ ‫يُوجد السارد فضا ًء كتابيًا يستشعر‬ ‫وجود المرأة وكينونتها وأوجاعها‪ ،‬فمن‬ ‫هــي (الــمــرأة) فــي نصوص مجموعة‬ ‫(رائحة الطفولة)؟‬

‫ات ــخ ــذت الـــمـــرأة صـــــورًا عــديــدة‬ ‫تــقــف قــصــص مــجــمــوعــة رائــحــة‬ ‫الطفولة الثالثة عشر إبداعً ا سرديًا في المجموعة كما هي في الحياة‪،‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬


‫فــي أول قصة مــن المجموعة‪ ،‬والتي ‪-3‬المرأة‪ /‬األم الشابة‪ /‬المحرومة من‬ ‫صغيرها‬ ‫حملت اسم المجموعة (رائحة الطفولة)‪،‬‬ ‫قروي سافر إلى‬ ‫ٍ‬ ‫تتناول القصة حكاية فتىً‬ ‫في منتصف قصة (العرس) تظهر األم‬ ‫مدينة كبيرة‪ ،‬تمر به ذكريات ووجوه‪ ،‬فيتذكر الشابة التي حرموها من صغيرها‪ ،‬ولكنها‬ ‫سؤال أمه الذي يحمل قلقا عليه «ويسألني بقيت في ذاكرته وهي التي تحمل النص‬ ‫األلق الذي جعل يضمر في عينيها‪:‬‬ ‫إلى البكاء‪:‬‬ ‫ وأين ستسكن هناك؟‬‫……‬ ‫ببراءة تسألني‪ :‬ما هي الجامعة؟‬ ‫‪-2‬المرأة الشجاعة‪ /‬الخالة حصة‬ ‫المغامرة‬

‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫وتنوعت هــذه الــصــور بين األم‪ ،‬واألخــت‬ ‫يــعــرض لــنــا الــســارد فــي حــركــة النص‬ ‫الحبيبة‪ ،‬والخالة‪ ،‬وأخرى‪.‬‬ ‫السريعة حنان الخالة حصة على الصغير‪،‬‬ ‫فهي تدثره بعباءتها‪ ،‬وتعده بشراء صندل‬ ‫‪-1‬المرأة األم‪ /‬أسئلة القلق والحنان‬ ‫لقدميه الحافيتين‪.‬‬ ‫والفقد‬

‫«الح لي وجــه أمــي التي لم أكــن رأيتها‬ ‫بعد‪ .‬رسمت في زرقة هذا الصباح الصيفي‬ ‫العذب مالمحها البهية في خيالي»‪.‬‬ ‫وتظهر األم بفرح وبهجة ليصف السارد‬ ‫بحزن نظرات عينيها الحنونة لصغيرها‪:‬‬

‫«جاءني صوت أمي وهي تناديني ألول‬ ‫أما في قصة (العرس) التي تمثل معاناة‬ ‫مبتلة بدمع طفل مــحــروم مــن حنان أمه مرة»‬ ‫الــدافــئ‪ ،‬لمس الــســارد الطفل المحروم‬ ‫يتسع وجــود األم أكثر‪ ،‬ولكن الحرمان‬ ‫الــمــوجــود فــي مــعــظــم بــيــوتــنــا‪ ،‬فــالــســارد يجعله يغيب ويحضر‪:‬‬ ‫يٌظهر الــمــرأة الشجاعة «الخالة حصة»‬ ‫«واسم أمي يلتمع خطفا بين الكلمات ثم‬ ‫كما يسميها الصغير «حــصــة»‪ ،‬هي التي‬ ‫يغيب»‬ ‫قطعت المسافات‪ ،‬وتعرضت للمتاعب‪،‬‬ ‫كانت مهمتها أن تأخذ الصغير إلى أمه‪-4 ،‬المرأة‪ /‬األخت الحنونة «سمية»‬ ‫قامت حصة بتحريك النص‪ ،‬وزادت حيويته‬ ‫وتطل من قصة رائحة الطفولة األخت‬ ‫بانفعاالتها تــارة‪ ،‬وبمرحها تــارة‪ ،‬وبحنانها‬ ‫(سمية)‪ ،‬بحضورها الجميل‪ ،‬حضورها‬ ‫على الصغير تارة أخرى‪ ..‬يصفها السارد‪:‬‬ ‫الــذي يمنح الطمأنينة فــي البيت‪ ،‬وهنا‬ ‫«وهــــي ال ــم ــرأة الــتــي قــبــلــت الــتــحــدي الــســارد يفتح لغته بدالالتها على األخت‬ ‫والمجازفة»‬ ‫«وتفتحت فــي عيني وردة فــرح حقيقي‬ ‫«يا قطّ اعين األرحام‪ ..‬الولد الزم يشوف انبثقت منها غيمة فراشات أرسلتها إلى‬ ‫سمية»‪.‬‬ ‫أمه»‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬

‫‪55‬‬


‫‪-5‬الحبيبة‪ /‬الصغيرة المتوارية‬ ‫أما في نهاية قصة (ذاكرة مثخنة بالدم)‪،‬‬ ‫تحضر الحبيبة طفلة وصبية تتداخالن معا‬ ‫في القصة‪ ،‬وتحمالن تشويقًا وعاطفة تجعل‬ ‫المتلقي يعود لقراءة القصة مرة أخرى‪:‬‬ ‫«تصل إليه أسرارهن التي تمجد حالوة‬ ‫عينيها‪ ..‬ضحكتها الدافئة»‪.‬‬ ‫ويستمر حضور االثنتين فــي انسيابية‬ ‫لغوية بصرية‪« :‬هــي البنت الصغيرة التي‬ ‫كانت ذات يوم في مثل سنك»‪.‬‬ ‫‪-6‬فتيات‪ /‬نساء‬ ‫فــي الــقــصــة الــعــاشــرة مــن المجموعة‪،‬‬ ‫والمعنونة بـ(ربابة مشعان) تخرج النساء‬ ‫مضيئات في مشهدية فرح غنائية‪ ،‬فتتعالى‬ ‫اللغة األدبية‪ ،‬وكأنها شــد ٌو يصاحب عزف‬ ‫الربابة‪:‬‬

‫وأخيرا‪ ،‬نحو العالم‬

‫اتــكــأت الــمــرأة بكل حــاالتــهــا فــي قصص‬ ‫«وتغمض عينيك لتصغي إلــى أصــوات‬ ‫النساء الالئي جئن إلى بيتكم ذات ضحى مجموعة (رائــحــة الطفولة) على جماليات‬ ‫اللغة والمعنى معًا‪ ،‬فقد أحاط السارد المرأة‬ ‫ليعمرن المجلس الشرقي بالغناء»‪.‬‬ ‫بالماء‪ ،‬ورفيف أغصان‪ ،‬وزرقة صباح‪ ،‬وسماء‬ ‫‪-7‬المرأة عموما‬ ‫عصافير وأغنيات‪.‬‬ ‫نــصــل إلـــى الــقــصــة ‪ 13‬واألخـــيـــرة في‬ ‫أســتــطــيــع ال ــق ــول إن مــجــمــوعــة (رائــحــة‬ ‫الــمــجــمــوعــة‪ ،‬وه ــي قــصــة (رس ــال ــة) يحكي الطفولة) هــي مــن روائ ــع الــســرد القصصي‬ ‫الــســارد فيها حكاية امـــرأة تــواجــه قسوة لدينا‪ ،‬السرد الذي أنصف المرأة ومنحها أفقاً‬ ‫المجتمع‪ ،‬بينما تبرق جماال عبر وصف جمالياً شفيفاً كما هي في الواقع‪ ،‬هذا األفق‬ ‫السارد لها عندما شبهها ب (وردة)‪ ،‬وهنا عبر بها إلى سماء فاتنة‪ ،‬لتؤكد هذه المجموعة‬ ‫انبعث الجمال (الوردة) من الالجمال (الموت فردانيتها األدبية الفنية اإلنسانية في سردنا‬ ‫غدرًا)‪ ،‬وجدوها ساكنة تحت شاحنة «ذابلة السعودي‪ ،‬وهذه الفردانية السيريالية تصل بها‬ ‫إلى العالمية عندما يترجمها مترجم (فنان)‪.‬‬ ‫كوردة مغدورة»‪.‬‬ ‫ *‬

‫** ‬

‫‪56‬‬

‫رائحة الطفولة‪ .‬الطبعة األولى‪2000 /1421،‬م‪ ،‬مركز عبدالرحمن السديري الثقافي‪.‬‬ ‫شاعرة وقاصة ومترجمة سعودية‪.‬‬

‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬


‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوص‬

‫عيد مبارك‬ ‫■ محمد الرياني*‬

‫وضعت عينَها في عيني‪ ،‬رأيـ ُـت عينَ العيد في عينيْها‪ ،‬هنأتُها وكأنني لم أهْ نأ‬ ‫ْ‬ ‫أكملت تهانيها بياءٍ كأسوار حديقة تشتعل ف ًّال ووردا‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫بتهانيها أو أهنئ أحدا قبلها‪،‬‬ ‫تهان غير‬ ‫أخرجت من قلبي ٍ‬ ‫ِ‬ ‫أشعلت فيّ مواجع العيد‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫قلت لها يا مُ هنّئتي‪ :‬ويْحك!‬ ‫ُ‬ ‫دال مزركشا يشبه ليلة العيد‪ ،‬صباح‬ ‫رمت في أحضاني ً‬ ‫التهاني‪ ،‬لم تدَعْ ني أُكمل‪ْ ،‬‬ ‫العيد‪،‬نور العيد‪ ،‬فرحة العيد‪ ،‬يشبه األحضان التي تلتهب اشتعاال‪ ،‬قالت‪ :‬عيدٌ‬ ‫سعدت بعيدها السعيد‪ ،‬ببسمتها الرقراقة‪ ،‬بفرحتها يوم‬ ‫ُ‬ ‫سعيدٌ يا رفيق الــدرب‪،‬‬ ‫العيد‪ ،‬أتمّ ْت تهنئتها‪.‬‬ ‫جلستُ وحــولــي باقة ورد‪ ،‬استوتْ‬ ‫جالسة وحولها باقة أخرى‪.‬‬

‫في الشوارع واألزقة دون أن يرانا أحد‪،‬‬ ‫شعرتُ أن فرحة كل الناس ال تعادل‬

‫احتضنتْ وردهــا‪ ،‬احتضنتُ وردي‪ ،‬فرحتي بها‪ ،‬ابتسمنا ثم عدنا لنترك‬ ‫تــبــادلــنــا الــهــدايــا‪ ،‬تــبــادلــنــا الــتــهــانــي‪ ،‬للناس مساحة للفرحة‪.‬‬ ‫استرجعنا جمال الماضي‪ ،‬نظرنا بعيون‬ ‫أنت أروع في العيد‪.‬‬ ‫قلتُ لها‪ِ :‬‬ ‫المحبة نحو األعياد القادمة‪ ،‬تعاهدنا‬ ‫قالتْ ‪ :‬بل أنت األروع‪.‬‬ ‫على تبادل التهاني المخلصة‪.‬‬ ‫بقي العيد يكتب فرحة أزلية‪ ،‬وظللت‬

‫نهضنا ســو ًيــا وك ــل عــيــن تــريــد أن‬ ‫تخترق العين التي تقابلها‪ ،‬وضعتْ يدها أسطر في وجداني تفاصيل أيام تتألق‬ ‫في يــدي‪ ،‬خرجنا ننظر لفرحة العيد كما العيد‪.‬‬ ‫ * قاص سعودي‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬

‫‪57‬‬


‫أيام معه‬ ‫■ ربيعة املنصوري*‬

‫كنت أنصت إلى حديثها عنه باللهفة نفسها الممزوجة بالحزن‪ ،‬وكأنه رحل البارحة‪،‬‬ ‫أحسستها مشتاقة إليه كثيرً ا‪ ،‬كانت تقاوم البكاء‪ ،‬فوجودها في حفل تكريم غيابي في الكلية‬ ‫التي كان يدرس بها يجدد أزهار الغبن الذي تعيشه بعده‪...‬الكلمات متزاحمة على شفتيها‬ ‫وكأنها تحاول القبض على روحــه المفارقة‪ .‬كانت الشهادات التي قدمها في حقه زمالؤه‬ ‫تمتد إلى جسدها لتنعشه‪.‬‬ ‫مــا أعــظــم ال ــرج ــل‪ ..‬حدثتني عــن غيابها بمعين علمه الذي ال ينضب‪.‬‬ ‫المستمر عن المدينة التي كانت تجمعها به‪ ،‬وعن‬ ‫سألتني كثيرًا عن طلبته وعــن محاضراته‬ ‫إحساسها بالغربة والوحدة واأللم وهي تتنفس التي كان يلقيها‪ ،‬وعرفت أنها تقضي كل وقتها‬ ‫داخلها‪ ،‬فقد دخلتها أميرة مع فارس يجيد لغة‬ ‫في جمع مقاالته‪ ،‬وفي طبع كتاباته‪ ،‬فمتعة إكمال‬ ‫االستئناس‪ ..‬وها هو يرحل لتجد نفسها وسط‬ ‫ما بدأه كان يسعدها ويقيها شر الحزن الكبير‬ ‫وجوه‪ ،‬وقلب أمكنة لم تتعود مصاحبتها لوحدها‪.‬‬ ‫الذي سقطت فيه بعد رحيله‪...‬‬ ‫قالت وهي تقلب نظراتها في القاعة‪ ..‬أشعر‬ ‫حزنها لفراق رجل عاشت معه أياما طويلة‪،‬‬ ‫بغربة عميقة هنا‪ ،‬وحتى عندما أعود إلى حيث‬ ‫تسكن أسرتي أشعر باإلحساس نفسه‪ ،‬وكأنني خبرت فيها طيبته المختلطة بشخصيته القوية‪،‬‬ ‫أصبحت ورقــة خريف مترامية تقذفها الرياح وتمتعت بمصاحبة روحــه المرحة‪ ،‬تعلمت منه‬ ‫فــي كــل االتــجــاهــات‪ .‬غربتها الحقيقية كانت الكثير‪ ،‬وق ــرأت معه العديد مــن الكتب‪ ،‬فقد‬ ‫على مستوى الروح‪ ،‬والبيت الكبير لم يعد يسع كان عاشقًا للكلمة‪ ،‬متعبدًا في محراب العلم‪،‬‬ ‫أحزانها‪ ،‬كانت تراه في كل مكان‪ ،‬رائحته كانت منصتًا للوعة األسئلة التي تفتح أقواس البحث‬ ‫تعطر الفضاء‪ ..‬مكتبته‪ ..‬ســريــره‪ ..‬أغراضه واالنبهار‪..‬‬ ‫الــخــاصــة… وخــطــواتــه فــي الــشــرفــة حيث كان‬ ‫كنت أستمع لحديثها المترامي في دهشة‬ ‫يستمتع بسكون الليل وبرائحة الياسمين المنبعثة دون أن أقاطعها‪ ،‬فحبه كــان يسكنها ويمتزج‬ ‫من الحديقة الصغيرة لطالما حدثها عن ذلك بدمها‪ ،‬غيابه الجسدي لم يمنع روحه من معانقة‬ ‫الطائر الليلي الــذي يشدو طوي ً‬ ‫ال قبل الفجر‪ ،‬وحدتها‪ .‬وحضوره يمتد بتكريمات تشهدها لتعلن‬ ‫وكيف أن سمفونية العصافير تبتدئ بعده‪.‬‬ ‫أن ال عزاء لها إال هذه اللقاءات التي تشهد له‬ ‫كان يعلمها الكثير بعلمه الغزير‪ ،‬وكانت تنصت بالكثير من االنفرادات‪ ..‬لتنتهي إلى أن أفضل‬ ‫ألحاديثه بالكثير من الشغف‪ ،‬وهــي المعجبة أيامها تلك التي كانت معه‪.‬‬

‫ * قاصة ‪ -‬المغرب‪.‬‬

‫‪58‬‬

‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬


‫■ عمار اجلنيدي*‬

‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوص‬

‫األفعى‬ ‫رهـ ٌـط من الناس‪ ،‬تجمّ عوا حول صخرة كبيره‪ :‬يقفون تحت صهد الشمس‪ ،‬والنسمات‬ ‫التمّ وزية تلفح بلهيبها الوجوه‪ ،‬بين الحين واآلخر‪.‬‬ ‫فوقفت مع الواقفين‪ :‬كان هناك‬ ‫ُ‬ ‫منظرهم يقول‪ :‬إن شيئا ما قد حدث‪ .‬شدّ ني المنظر‪،‬‬ ‫كهلٌ يعتمر عمامة كبيرة فوق رأسه‪ ،‬يحمل فأس ًا في يده‪ ،‬ويشير باألخرى إلى شابين وقفا‬ ‫إلى يساره؛ كانا يمتشقان هراوتين كبيرتين‪ ،‬ووقف هناك طفل وامــرأة‪ ،‬بدت حانقة بعض‬ ‫الشيء‪ :‬كان ذلك واضح ًا من خالل تأفّ فها المستمر طوال الوقت‪.‬‬ ‫الك ّل ينظر للصخرة‪ ،‬بينما الكهل يصرخ‬ ‫قلت في نفسي‪« :‬إذاً‪ ،‬هم يبحثون عن‬ ‫فيهم محذّراً حيناً وآمراً حينا آخر بمحاصرة األفعى‪ .‬ولكن أيّ أفعى تلك التي يبحثون‬ ‫الصخرة‪.‬‬ ‫عنها؟ أهي رقطاء أم ذات جرس؟»‪.‬‬ ‫خائف يرتعش من الخوف‪ ،‬وكأن‬ ‫ٌ‬ ‫الطفل‬ ‫وتذكّرت شيئاً عن قصص األفاعي‪ ،‬التي‬ ‫مسّ ا ما اعتلج روحه‪.‬‬ ‫بمقدورها أن تبتلع حيوانات كبيرة بحجم‬ ‫أيضا أنها ذكيّة جداً‪ ،‬وهي‬ ‫تساءلتُ في قرارة نفسي‪« :‬عن ماذا يبحث األرنب‪ ،‬وتذكّرت ً‬ ‫هؤالء في هذا الج ّو الخانق؟ أتراهم يبحثون ال تؤذي إ ّال من يحاول االعتداء عليها‪:‬‬ ‫عن شيء ثمين؟ ال بد أنه شيء ثمين»‪.‬‬ ‫«ال بد أن ابن هذا الكهل اعتدى عليها»‪.‬‬ ‫اقــتــرب الطفل منّي وهمس فــي أذنــي‪:‬‬ ‫ق ـ ّررْتُ أن أساعدهم في عملية البحث‪،‬‬ ‫«إنهم يبحثون عن األفعى التي لدغت إبن فتقدمت نحوهم وعرضتُ المساعدة قائالً‪:‬‬ ‫هــذا الــرجــل وأش ــار إلــى الكهل‪ ،‬ثــم هربتْ لنشعل ناراً صغيرة بجانب الصخرة فتخرج‬ ‫واختبأت تحت الصخرة»‪.‬‬ ‫األفعى من رائحة الدخان‪ .‬استحسنوا الفكرة‬ ‫الكهل لم يعجبه تصرّف الطفل فصرخ في وأشعلوا ناراً؛ لكن األفعى لم تخرج‪.‬‬ ‫وجهه‪ ،‬وأمره باالبتعاد‪ .‬انصاع الطفل ألمره‪،‬‬ ‫لجأ الكهل إلى حيلة أخرى‪ ،‬لم استحسنها‪،‬‬ ‫وابتعد بضع خطوات عن مكانه‪.‬‬ ‫دس لها السم في قطعة خبز‪ ،‬ووضعها‬ ‫فقد ّ‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬

‫‪59‬‬


‫تــحــت الــصــخــرة‪ ،‬ولــكــن األفــعــى بقيت في إلى مصدرها‪ ،‬كان خلفنا يقف الشاب ذو‬ ‫مكانها‪ ،‬وكأنها ال تنوي الخروج؛ وباءت كل البدلة الرياضية وبمعيته ثالثة من الرجال‬ ‫األقوياء‪ ،‬كان ذلك واضحً ا من خالل وقفتهم‬ ‫المحاوالت إلخراجها بالفشل الذريع‪.‬‬ ‫كل ذلك يحدث بينما المرأة قد حاصرها وهيبتهم‪.‬‬ ‫قال لهم الشاب ذو البدلة الرياضية شيئاً‪.‬‬ ‫الضجر‪ ،‬وتسرّب الملل إلى شفتيها فكفّت‬ ‫نظروا إلينا بسخرية واضحة يمازجها شيء‬ ‫عن التأفّف‪.‬‬ ‫انض ّم شاب آخر إلى الركب‪ :‬يرتدي بدلة من االستهتار‪ .‬تقدّموا نحو الصخرة وأعملوا‬ ‫رياضية زرقاء‪ .‬برزت مالمح قوته من خالل أياديهم في الجزء الملتصق باألرض‪ .‬أخذوا‬ ‫ال وعندما أطلقوا‬ ‫حركاته الرشيقة المتناسقة‪ .‬تــســاءل عن نَفَساً عميقاً‪ ،‬حرّكوها قلي ً‬ ‫الخطب‪ ..‬فاقترب الطفل منه وهمس شيئا زفيراً قوياً كانت الصخرة مقلوبة على جنبها‬ ‫فــي أذن ــه‪ .‬قهقه الــشــاب بسخرية واضحة اآلخر‪.‬‬ ‫وقال‪ :‬تريدون االنتقام من األفعى‪ ،‬إذاً‪ ،‬لماذا‬ ‫تقفون هكذا‪ ،‬هيا اقلبوا الصخرة وأخرِ جوا‬ ‫األفــعــى مــن تحتها‪ .‬تململ الــشــابــان وقــال‬ ‫أحدهما في ضيق‪:‬‬ ‫«الصخرة أثقل من أن نستطيع قلبها‪،‬‬ ‫وما أدرانا أن األفعى لن تهرب إذا ما قلبنا‬ ‫الصخرة»‪.‬‬

‫ألقى الجميع بأنظارهم إلــى مــا تحت‬ ‫الصخرة فسيطرت الدهشة واإلحباط على‬ ‫الوجوه لرؤية هذا المنظر الذي لم نتوقعه‪.‬‬ ‫فقد كــان هناك جيش مــن النمل الصغير‬ ‫يعض ويلسع كل جزء من جسم األفعى وهي‬ ‫ّ‬ ‫تتلوى ببطء‪.‬‬

‫ذهل الجميع لهذا المنظر وفغروا أفواههم‬ ‫ق ْه َق َه الشاب بصوت عــال‪ ،‬تاركاً صدى دهشة وذهوالً‪.‬‬ ‫قال الكهل‪:‬‬ ‫ضحكاته تر ُّن في آذاننا‪ .‬تقدمت إلى الكهل‬ ‫وأخ ــذتُ الفأس منه‪ ،‬وب ــدأتُ أحفر حفرة‬ ‫«أمــعــنــوا النظر فــي هــذه الــلــوحــة‪ ،‬كيف‬ ‫صغيرة تحت الــصــخــرة‪ ،‬فتشجع الكهل‪ ،‬اســتــطــاع ه ــذا الــنــمــل رغ ــم صــغــر حجمه‬ ‫وأخــذ الشابان بمساعدتي بج ّد ونشاط‪ ،‬أن يفتك بهذه األفعى التي تكبره ماليين‬ ‫وكأنهما طردا شيئًا من القلق الذي سكن في المرات‪ ،‬والتي عجزنا نحن عن قتلها»‪.‬‬ ‫نفسيهما‪.‬‬ ‫غمغم الجميع باندهاش‪ ،‬بينما المرأة‬ ‫ومضت أكثر مــن ســاعــة‪ ،‬ونحن نحاول تقدمت ببطء نحو األفعى وأمسكتها بيديها‬ ‫إخراج األفعى‪ ،‬وكانت درجة الحرارة ترتفع الناعمتين ورفعتها عاليا وضربتها بقوة‬ ‫شيئا فشيئا‪ ،‬حتى أصبح الج ّو ال يطاق‪.‬‬ ‫ب ــاألرض‪ .‬صرخت بحنق وصــاحــت بصوت‬ ‫وفجأة سمعنا القهقهات من جديد‪ .‬نظرنا عال وأغمي عليها‪.‬‬ ‫ * قاص ‪ -‬األردن‪.‬‬

‫‪60‬‬

‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬


‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوص‬

‫ديون ال يمكن سدادها‬ ‫■ محمد صالح أبو عمر*‬

‫وقف المعلم يتأمل طالبه في حصته التي كانت أشبه بخلية نحل؛ جميعهم‬ ‫يؤدي العمل المنوط به في سعادة وبهجة‪ ،‬وهو يتابع ويوجه وييسر ويبتسم كثيرً ا‬ ‫ويتكلم قليالً‪ ،‬ويلمح أحيانًا كقائد فرقة موسيقية تعزف لحنًا عذبا‪ ،‬وقــد زرع‬ ‫فيهم القيادة والتعاون والروح التنافسية‪ ..‬فهو يدرك أن التدريس رسالة سامية‪،‬‬ ‫وليست وظيفة عادية‪ ،‬وال يستطيع أحد أن يقوم بهذه الرسالة إال من أخلص النية‬ ‫أجيال تحمل هَ مّ األمة وتصنع مستقبلها‪.‬‬ ‫ً‬ ‫واحتسب األجر‪ ،‬وهو يرجو أن يخرّج‬ ‫أثناء ذلك رأى بريقًا قد خفت في الحصص أدا ًء ونــشــاطً ــا‪ ،‬ولــم يبدر‬ ‫عين طالبه زيــاد‪ ،‬بعد أن كــان براقًا منه كعادته إال كل جميل من األلفاظ‬ ‫متقدًا روحً ا وحماس ًة وإبداعً ا‪ ،‬فأعاد والعبارات الجميلة‪.‬‬ ‫النظر م ــر ًة بعد أخ ــرى لعله يــدرك‬

‫إذًا مــا األم ــر؟ فالطالب فــي نظر‬

‫السبب في هذا الخفوت؛ هل الحصة المعلم هو محور العملية التعليمية‪،‬‬ ‫الــيــوم ليست كــمــا عــهــدهــا تنافسية ودوره فــي التعلم النشط دور فعال‬

‫حماسية؟ هل ب َد َر منه لفظً ا عن غير رئيس‪ ،‬وأثناء تأمالته وتساؤالته رنَّ‬ ‫قصد أحزن زيدًا‪ ،‬وهو المقرب لقلبه جرس انتهاء الحصة وبداية الفسحة‪،‬‬ ‫وقــائــد فصله وشــريــكــه فــي العملية فجمع المعلم أوراق طالبه وودعهم‬ ‫التعليمية؟‬ ‫بنظراته الحانية وابتسامته المشرقة‪،‬‬ ‫كـــا‪ ..‬كــانــت الــحــصــة مــن أفضل يبادله طالبه االبتسامة باالبتسامة‪،‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬

‫‪61‬‬


‫وإشراقة وجوههم أفضل دليل على نجاح‬

‫نفس مشكلتك‪ ،‬وبعدها نتناقش في‬

‫حصته المتميزة‪.‬‬

‫األمر‪.‬‬

‫نادى المعلم زيادًا بعد انصراف الطالب ‪ -‬كلي آذان صاغيةً‪.‬‬ ‫وسأله‪ :‬ما بك يا بني؟ لم أر بريق عينيك ‪ -‬يحكى أن شــابــا ك ــان يتهيأ للذهاب‬ ‫األخاذ أثناء الحصة! هل تشكو من شيء؟‬ ‫لمقابلة عمل‪ ،‬يلبس أفضل ثيابه أناقة‪،‬‬ ‫صحيح أنــك كنت تشارك وتجيب وتُوجّ ه‬ ‫زمــاءك كما عهدتك قــائ ـدًا‪ ،‬لك ْن ألحظ‬ ‫عليك تغيرًا‪ .‬أليس كذلك؟!‬

‫بأنه سينال هــذه الوظيفة ليهرب من‬ ‫تعليمات والــده المُسن التي ال تنتهي‪،‬‬

‫رد زياد‪ :‬بلى‪..‬هناك ما يشغل بالي ويؤرق‬

‫ويستقل في معيشته بعيدًا عن الوالد‬

‫مضجعي ويشتت انتباهي وتركيزي رغم‬

‫وأوامــره ونواهيه‪ :‬أغلق أنــوار غرفتك‪،‬‬

‫محاوالتي الجدّ ية للتغلب عليه‪،‬‬

‫ورتــب مالبسك في الخزانة‪ ،‬واحرص‬

‫معلمي هل أنت متفرغ الحصة الرابعة‬ ‫لنتحدث معًا؟‬ ‫نعم يــا بــنــي‪ .‬ســأســتــأذن معلم التربية‬ ‫البدنية‪ ..‬ونتحدث‪ ،‬إن شاء اهلل‪.‬‬ ‫جلس المعلم مع طالبه زياد في غرفة‬ ‫المصادر‪ ،‬وطلب منه أن يبوح له بما أرّقه‬ ‫وشتت تركيزه‪ ،‬فكانت المفاجأة فــي رد‬ ‫زياد‪ :‬أبي هو السبب‪.‬‬ ‫ كيف ذلك يا زياد؟ والدك رجل تربوي‬‫معروف بذوقه وعلمه‪.‬‬ ‫‪ -‬وال ــدي ال يتركني لحظة دون توجيه‪،‬‬

‫‪62‬‬

‫يتعطر بأجمل العطور‪ ،‬وهو يُمني نفسه‬

‫على غسيل أسنانك باستمرار‪ ،‬اطفىء‬ ‫مكيف الغرفة عندما تنصرف وو‪.....‬‬ ‫وذهب به خياله بعيدًا حتى استفاق على‬ ‫صوت والده‪ :‬إلى أين يا بني؟!‬ ‫ فأخبره أنه ذاهب لمقابلة عمل في شركة‬‫من كبريات الشركات بوسط المدينة‪،‬‬ ‫فقال له والــده‪ :‬انتظر‪ ..‬ودخــل الوالد‬ ‫غرفته ورجع بمبلغ من المال أعطاه البنه‬ ‫وهو يقول له‪ :‬يا بني لقد ربيتك أفضل‬ ‫ما يربي األب ابنه على مكارم األخالق‬ ‫والقيم‪ ،‬فكن يا بني صورة مشرفة لبيتك‬ ‫وأسرتك‪ ،‬وابتسم له الوالد داعيًا اهلل له‬

‫افعل وال تفعل‪ ،‬لم فعلت كــذا؟ وكيف‬

‫بالتوفيق والسداد‪.‬‬

‫فعلت ذاك؟‬

‫غــرق االبــن مــرة أخــرى فــي خياله من‬

‫ سأقص عليك قصة يا زياد لشاب عاش المال الذي أعطاه له والده وهو الذي كان‬‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬


‫دراسته‪ ،‬ومن ابتسامة والده التي نادرًا ما ج ـدًا‪ ،‬وأن مكيفات الهواء كلها تعمل في‬

‫يراها‪ ،‬وانطلق مفكرًا في كالمه‪ .‬استقل أرجاء القاعة‪ ..‬مع أنهم يجلسون في صف‬

‫سيارة أجرة أوصلته إلى برج الشركة في واحــد‪ ،‬فتذكر كلمات والــده‪ :‬أغلق مكيف‬ ‫داع؛ فتحرك ليغلق‬ ‫أفضل أحياء المدينة وأفخم شوارعها‪ ،‬الغرفة إذا لم يكن له ٍ‬ ‫وأمام البرج الشامخ‪..‬‬ ‫وعــنــدمــا هــ ّم بــالــدخــول‪ ،‬تــعــجــب‪ ..‬فلم‬

‫المكيفات التي ال يحتاجها الجالسون‪.‬‬

‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوص‬

‫يعطيه أقــل مــصــروف على مــدار سنوات وسيرته الذاتية‪ ،‬والحظ أن القاعة كبيرة‬

‫وكــان الوقت يمر سريعًا والفتى يزداد‬

‫يجد أحـدًا من موظفي االستقبال أو أمن توتره‪ ،‬وتتسارع ضربات قلبه كلما دخلت‬ ‫الــشــركــة فــي مدخلها كــالــمــعــتــاد‪ ،‬ووجــد مجموعة من المتقدمين غرفة المقابلة‬

‫طويل‪ ،‬وتدخل مجموعة أخرى‬ ‫ً‬ ‫م ــزالج الــبــاب الــزجــاجــي مــرفــوعً ــا يحتك فال يمكثون‬ ‫بطرف الباب المقابل‪ ،‬فوقف وكأنه يسمع خمس ًة خمسةً‪ ،‬وتعجب من سرعة المقابلة‬ ‫صوت والــده يرن في أذنــه‪ :‬هل تمر عليه حتى نودي على اسمه منفردًا‪ ،‬فسأله مدير‬ ‫دون أن تصلحه؟! فوقف وأرجــع المزالج المقابالت‪:‬‬

‫إلى مكانه الصحيح‪ ،‬ولما سار في مدخل ‪ -‬هل أنت جاد في الحصول على الوظيفة؟‬

‫الشركة الحظ أن أنبوب الماء الذي يروي ‪ -‬نعم‪ ،‬بكل تأكيد‪.‬‬ ‫حوض نباتات الزينة متدليًا خارج الحوض‬ ‫ هنيئا لك الوظيفة‪ ،‬وهنيئا لنا موظفنا‬‫وقطرات الماء تناثرت في الممر‪ ،‬فقال في‬ ‫الجديد! متى يمكنك أن تباشر وظيفتك؟‬ ‫نفسه‪ :‬كيف يحصل هذا في شركة كبيرة؟‬ ‫ ظن أن كالم الرجل جزء من المقابلة وال‬‫وأيــن العمال والموظفون الذين يقومون‬ ‫بد أن يتصرف بلباقة فقال‪ :‬هل قبلت‬ ‫على نظافة النباتات وتنسيقها؟ وأراد أن‬ ‫في الوظيفة دون أن تسألني األسئلة‬ ‫يتجاوزها‪ ،‬ولكن‪ ..‬كأن صوت والده يهمس‪:‬‬ ‫المعتادة؟ أو حتى تنظر في ملف التقديم‬ ‫ال تتركه هكذا‪ ..‬فرجع ووضع أنبوب الماء‬ ‫وسيرتي الذاتية؟!‬ ‫فــي موضعه‪ ،‬وأخــذ منشفة كانت بجوار‬ ‫الــحــائــط ومــســح الــمــاء ال ــذي تناثر على ‪ -‬يا بني اطلعنا على كل شيء؛ ألم ترسل‬ ‫األرض‪ ،‬ومضى في سبيله ليدخل قاعة‬ ‫كبيرة وبها عدد من المتقدمين للوظيفة‪،‬‬

‫سيرتك الذاتية على البريد اإللكتروني‬

‫للشركة؟ وحددنا لك موعدًا للمقابلة؟‬

‫ب ـيَــدِ كــل منهم ملف التقديم وشــهــاداتــه ‪ -‬نعم‪ ..‬ولكنك لم تسألنِ األسئلة المعتادة‪،‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬

‫‪63‬‬


‫فكيف قبلت في الوظيفة؟!‬

‫الوظيفة‪ ،‬فقال في نفسه‪ :‬ال بد أن أعتذر‬

‫ ابتسم المدير ولجنة المقابلة وقــال‪ :‬لــوالــدي على ســوء فهمي لتعليماته لي‪،‬‬‫بدل من طرح األسئلة على المتقدمين وأخبره أنه كان أ ًبــا مثاليًا معي ويستحق‬ ‫ً‬ ‫فيجيبون بأجمل اإلجابات النموذجية الشكر ال التأفف‪.‬‬ ‫المثالية‪ ،‬وضعنا لهم اختبارًا عمليًا وكنت‬

‫استقل الفتى سيارة أجرة راجعًا لمنزله‪،‬‬

‫أنت الوحيد الناجح فيه عندما عدلت لكنه وجد في بيته مجموعة من األقــارب‬ ‫م ــزالج الــبــاب‪ ،‬ووضــعــت أنــبــوب الماء وســمــع أصـــواتًـــا مــتــداخــل ـةً‪ ،‬وجـ ــاء عمه‬ ‫في موضعه‪ ،‬ومسحت أرضية المدخل ليستقبله وعلى وجهه مسحة حزن يعرفها‪،‬‬ ‫بالمنشفة‪ ،‬وأطفأت مكيفات الهواء التي فقد رآهــا من قبل عند وفــاة جــده العام‬ ‫تعمل دون فائدة ؛ فسلوكك اإليجابي الماضي‪ ،‬ودموعً ا تنساب‪.‬‬ ‫كان سببًا في نجاحك‪ ..‬أما المؤهالت‬

‫ما األمر يا عمي؟ ولم كل أقاربنا هنا؟!‬

‫الدراسية والــدورات التدريبية وإجــادة فأخبره بأن أباه قد فارق الدنيا وهو يدعو‬ ‫اللغات‪ ،‬فقد كانت مناسبة للوظيفة في له بالتوفيق والنجاح في حياته‪ ..‬وهنا وقف‬

‫سيرتك الذاتية‪.‬‬

‫الفتى باكيًا متندمًا على ما فرط فيه من‬

‫ مبارك لنا وجــودك بيننا‪ ،‬هل يناسبك بر والده‪.‬‬‫األحد القادم لتبدأ وظيفتك؟‬

‫‪ -‬استوقف زيــاد معلمه متأثرًا بما قص‬

‫‪ -‬يناسبني ويسعدني‪ ..‬شكرًا سيدي‪ ،‬وسلم‬

‫عليه وقال له‪ :‬لقد فهمت مغزى القصة‬

‫الشاب على لجنة المقابلة وانصرف‪..‬‬

‫وأزحت عن كاهلي هذا الفهم الخاطيء‬

‫يكاد يطير فرحاً‪.‬‬

‫لما يفعله معي والـــدي‪ ،‬فــجــزاك اهلل‬

‫خ ــرج الــشــاب يــتــســاءل كــيــف نــجــح في‬

‫خيرًا‪.‬‬

‫االختبار؟ وكيف كــان سلوكه وتعوده على ‪ -‬وجـــزاك مثله يــا ولـ ــدي‪ ..‬ونــعــم االبــن‬ ‫فعل هذه األشياء التي تربى عليها سببًا‬

‫أنــت‪ ،‬وكن على يقين أن أبــاك ال يريد‬

‫في نيله لهذه الوظيفة الرائعة‪ ،‬وأدرك أن‬

‫لك إال الخير‪ ،‬فاجتهد في دراستك‪،‬‬

‫توجيهات والده التي طالما استاء منها كانت‬

‫وبرك لوالديك سبيل نجاحك في الدنيا‬

‫هي مرشده وسببًا رئيسً ا في الحصول على‬

‫واآلخرة‪.‬‬

‫ * قاص مصري ‪ -‬معلم بمدارس الرحمانية األهلية بالجوف‪.‬‬

‫‪64‬‬

‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬


‫‪ρρ‬حليمه حريري*‬

‫أكان على الوقت أن يكون مسرعا إلى هذا الحد؟‬ ‫لينفلت كماء‬ ‫يفر بين األصابع ال يعود‬ ‫تمتصه صحراء تائهة قوافلها عطشى‬ ‫والنخل مكابرً ا‬ ‫يرسم حدود الماء‬ ‫وتضيع في لهاثه االتجاهات‬ ‫كما نحن في ازدحام ضيق نضيع‬ ‫أعين غاب سوادها في كمين‬ ‫ازدحام أقل بكثير من ٍ‬ ‫نصبته دموع تذرف على ذاكرة موحشة‬ ‫لحياة‪..‬‬ ‫مفاتيحها شهقات تفضي للضياع‬ ‫حكايتها‬ ‫ارتجال للفصول‬ ‫طالسم عراف اعتزل الوجود‬ ‫يقرؤنا في عرافة يهجس بها‬ ‫يسأل حجارة ال تعرف الجواب عن وقت عار‪،‬‬ ‫ضامئ‪،‬‬ ‫سقط في احتضار الموت متمتما‪،‬‬ ‫ال تفلح ذاكرة مفلسة حيث أتت بعد أفول الضياء‬ ‫عادت لسابق عهدها في البياض‬ ‫حيث تخلعنا الروح عن جسدها‬ ‫مهترئين‪ ،‬نحمل معنا ابتسامات جامدة على الشفتين وسؤال‪،‬‬ ‫لماذا نغادر باكرا؟‬ ‫قبل أن ندفع ألمهاتنا ثمن حليبهن‬ ‫كومة فرح‬ ‫تفك الرباط عن خصر حكاية تلبس وقتا‬ ‫ترفعه طواحين الهواء آذانا‬ ‫تلوكه الرياح‬ ‫يصلي مودعا أمسه‬ ‫والباقي منه تحت شاهدة العارفين‬ ‫وما سرقه بروميثيوس من حكمة السماء‬ ‫لينير جباال أخفت سر النبوءة‬

‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوص‬

‫عراف ينير حكمة الوقت‬

‫ * شاعرة ‪ -‬المغرب‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬

‫‪65‬‬


‫أيتها الطفولة‪ ..‬هل تبصرين؟‬ ‫نوير العتيبي*‬ ‫‪ّ ρρ‬‬

‫فائض هذا العمر‬ ‫خاو من بهجة قديمة‬ ‫أيتها الطفولة ها أنا أمامك‬ ‫لو كنت تبصرين‬ ‫محشوة باأليام ومتاهات السنين‬ ‫أقف في استدارة العمر‬ ‫كي أمضي إليك‬ ‫مجيء ال ندم‪..‬ال عتب‪..‬ال شيء سوى‬ ‫أني أحتاج أن أنبت من جديد‬ ‫في حقول الضياء‬ ‫في بساتين البراءة التي تكبرت عليها ألحيا حياة الكبار‬ ‫تعالي إلي‬ ‫ببياضك الخالد فيّ‬ ‫دعينا نعيد اللقاء األول‬ ‫خذي لهفة العمر الذي ما فتئنا نجاهد فيه‬ ‫ونتكبر على اللعب كي نُقبل في مجالس الكبار‬ ‫خذي حرائقي‬ ‫فإني خرجت من فردوسك جهال للجحيم‬ ‫يا للرزايا التي ال يغفرها الزمن المغتال‬ ‫ها أنا لو تبصرين‬ ‫أقف بذات الفضاء الذي كان يبهرنا اتساعه‬ ‫فنخاف الركض أكثر كي ال نضيع‬ ‫فيغضب الكبار‬ ‫ها نحن ضعنا اليوم ولم يفقدنا أحد‬ ‫جئت إليك مجيئ ًا يرنو لعذوبتنا األولى‬ ‫للعبة الغيم في السماء‬ ‫والضحكات التي تهطل مطرً ا نقيً ا ال بكاء‬ ‫جئت ألدس فيك فجائعي‪..‬واغتسل من األحزان‬ ‫‪66‬‬

‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬


‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬

‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوص‬

‫وأستريح بأمانك بالحلم الطفولي‬ ‫من كوابيس الزمان‬ ‫اطردي الخوف الجديد فيّ‬ ‫وهاتي خوف الطفولة من الظالم‬ ‫أترين منذ امتشقت السنين‬ ‫وممرات الذاكرة صو ٌر مأهولة بالفجيعة‪ ..‬مالحة بلون الرماد‬ ‫انظري إلي‬ ‫بقايا أمكنة لم أعد أعرف عناوينها‬ ‫وحاضر بين يدي شاحب يشيخ‬ ‫وكثير من أزمنة متيبسة‬ ‫طفولتي النقية‬ ‫يا أبهى العمر الذي ولّى‬ ‫أضيئي قناديل السؤال البريء داخلي‬ ‫أعيدي لي لذة اإلجابة المدهشة‬ ‫وصيريني تلك التي تتوضأ نورًا‪ ،‬و تزاحم ليلها بنهارات الحلم‬ ‫لم‪ ،‬ما عدت أنا هي أنا التي خرجت من بواباتك البهية؟‬ ‫مكسورة أنا‪ ..‬هل تدركين؟!‬ ‫وهذا الموت قاس‪ ..‬أظنك تعلمين‪.‬‬ ‫لو أخبرتني بصرامة الكبار‬ ‫ال تكبرين‪ ..‬ال تختزلين أفراحك‬ ‫وعودي أدراجك طفلة‬ ‫ال تفقد والدها أبدً ا‬ ‫لكنني كبرت‪ ،‬وأبي فضل المنام الطويل‪ ،‬وترك لي دربًا واسعً ا‬ ‫ال أعرف فيه كيف يكون المسير؟‬ ‫تساقطت كل األيام مالحة‬ ‫تشعل في األوردة حنين‬ ‫ها قد اختلطت الدروب‬ ‫ويقين يعيدني إليك‪..‬كي تخبرينني أنه هناك مع المالئكة التي تحبه كما تحبنا‬ ‫برفقة اإلله‪.‬‬ ‫أيتها الطفولة‬ ‫أبي‬ ‫لم يغب‪ ..‬لم يمت‪ ..‬هو في لمعة عيني لو تبصرين‬

‫‪67‬‬


‫حاضر في زمن الغياب‬ ‫ماثل في القلب‬ ‫كـ قبلة أيمم لها شوقً ا‪..‬وأبوح إليها بالدعاء‬ ‫أيتها الطفولة‬ ‫خذي فجائعي وهذا الفقد الثقيل‬ ‫ونافلة عمر ال أشتهي فيها غير المنام الطويل‬ ‫أو أعيديني إليك‬ ‫طفلة ال يرهقها السؤال‬ ‫وتكفيها سعة السماء وغيم يتساقط مطرً ا‬ ‫من فرط الضحك ال البكاء‪..‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫عزلة‪ ..‬حصار كورونا العالمي‬

‫ال سر بيننا‪ ..‬فالسر مشاع‬ ‫والخراب طالنا وتدحرجت منا الحياة‬ ‫نتقاسم وحشة األمكنة الخاشعة‪ ..‬وارتخاء اللحظات واستراحة األرض المنهكة‬ ‫ونتبادل االحتماالت‬ ‫لـ نصلي‬ ‫لإلنسان المنغمس في الكبرياء‬ ‫نصلي‬ ‫صالة طويلة‪ ..‬للحياة العادية‪..‬للمسرات الصغيرة التي تخللت أيامنا الصاخبة‬ ‫ولم ننتبه‬ ‫لــأبــواب المشرعة الـتــي أغـلـقــت‪ ..‬وال ـشــوارع الخالية إال مــن وج ــل‪ ..‬وال ـفــراغ الــذي‬ ‫ضمنا‪ ..‬دون رغبة‬ ‫وورطنا بـ الوحدة‬ ‫فمكثنا على شرفة القلب‬ ‫نستضيء الحكايات‪ ..‬ونهجس باألسئلة‬ ‫كيف يمكن للتاريخ الغريب أن يعبرنا؟‬ ‫للشظايا التي نقاومهاخلف نافذة وفضاء مستعار‬ ‫أترى يعذرنا الزمان الذي ولى؟‬ ‫ونحن نجمع إلى العمر أيام ًا ال تشبهنا‬ ‫شاحبة يعلوها القلق‬ ‫‪68‬‬

‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬


‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوص‬

‫خائفة تتدثر بالظنون وتكهنات ال تستقر‪ ..‬وفكر أنهكه السفر‬ ‫أترى يعذرنا من فرطنا فيه دون قبلة؟ دون اجتماع مضى‬ ‫في غمرة االنشغال والزحام الالهث في الشؤون الصغيرة؟‬ ‫ما بال هذا التاريخ؟‬ ‫يأخذنا في عزلة هشة ال تكف عن التمدد‬ ‫تلك التي نقاومها بال قصد‬ ‫فنفتح النوافذ على مدن الصامتين‬ ‫نقاوم المسافة‪ ..‬ونأبى تصديق الحكاية‬ ‫أترى تمضي المأساة؟‬ ‫وينتصر اإلنسان لإلنسان‬ ‫كم زمنا يكفي كي نعود؟‬ ‫لضمة الفؤاد للفؤاد‪..‬إلدارة الظهر‬ ‫للعزلة‪ ،‬وللصمت‪ ،‬وللهدوء الجبري الذي ال نشتهيه‬ ‫أترى نعود لالجتماع وتبادل العناق؟‬ ‫لنصلي‬ ‫كي ال تنفينا األرض‪ ،‬التي غرسنا فيها اهلل‪ ،‬بيقين األولياء‬ ‫أن تعود الحياة‪ ..‬ونتمتم التعاويذ على وجه النهار وفي طيات الليل‪..‬‬ ‫للبالد اآلمنة‬ ‫للحياة الهادئة‬ ‫لأليام التي تذمرنا من طولها وهجرنا فيها لذة عابرة‬ ‫معان للحب‪..‬لإلخاء‬ ‫ٍ‬ ‫سنرتوي من زمزم‪ ،‬ونسكب في القلب‬ ‫وسنعود في تصوف األنبياء‬ ‫ستعود تلك الحياة‬ ‫لكنما تاريخ سيخط في القلب وجع ًا يذكرنا بهشاشة اإلنسان‬ ‫وسيحرج فينا الكبرياء‬ ‫ونتوجس المستقبل‪ ،‬ومعان الوجود‬ ‫سترتجف فينا الطمأنينة كلما ارتخينا في األمان‬ ‫تذكرنا اللحظات‬ ‫ليكف عن الركض نحو الخراب‬ ‫لنصلي لإلله الرحيم‬ ‫أننا ما نزال نصلح للحياة‬ ‫* شاعرة سعودية‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬

‫‪69‬‬


‫الم َ‬ ‫يلد‬ ‫ات ِ‬ ‫اد ِ‬ ‫األح َل ُم ُت َوزَّ ُع َم َجا ًنا َم َع َش َه َ‬ ‫ْ‬

‫‪ρρ‬هاني قدري*‬

‫(‪)1‬‬

‫ل َْس ُت و َْح ِدى‬ ‫الطبيب ُحلْمَ هُ خَ طأ‬ ‫ُ‬ ‫ْصلَ‬ ‫اس َتأ َ‬ ‫مَ نْ ْ‬ ‫فِ ى غُ ْرفَةِ الوِ الدةِ‬ ‫(‪)2‬‬

‫َات‬ ‫فِ ى قسم الحَ َّضان ِ‬ ‫َض‬ ‫أل ْبي ِ‬ ‫طَ اف َْت عَ َل ْينَا بردَائِ ها ا َ‬ ‫هَ ِام ًسة فِ ى آذنِ نَا‬ ‫لَنْ يَمُ وْتَ أَحَ دٌ ِمنْكُ م نَاقِ ًصا ُحلْمً ا‬ ‫يلدِ‬ ‫الم َ‬ ‫َات ِ‬ ‫َاألحالمُ ُت َوزَّعُ مَ جَ انًا مَ َع شَ هَاد ِ‬ ‫ف ْ‬ ‫َف ْلي َْخ َت ْر كُ ٌّل ِمنْكُ م ُحلمً ا ي َِسعْ هُ‬ ‫َاحثة عَ نْ دُ ْبلَةٍ تَسعهُ‬ ‫إصبعهَا ب ِ‬ ‫ثُ مَّ رَاحَ ْت َتبْكِ ى و َِهى ُتهَدْ ِهدُ ْ‬ ‫َف َب َك ْينَا جَ ِميعً ا‪..‬‬ ‫(‪)3‬‬

‫أُرتِّقُ ُحل ِْمى كُ لَّ َصب ٍَاح‬ ‫َقبْلَ أَنْ أ َُخ َّط نَعْ يَه عَ لَى مَ ألٍ منِّي‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫الح ْل َم‬ ‫لَنْ أَبْر َح ُ‬ ‫حتى ي َْست َِجيْر مص َر منِّى الوَاقِ ع‬ ‫ * شاعر ‪ -‬مصر‪.‬‬

‫‪70‬‬

‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬


‫‪ρρ‬ماجد سليمان*‬

‫عُ وْدُ وا إلى بُيُ وتِ كُ مْ‬ ‫ْف َنوَافِ ِذكُ مْ‬ ‫تَحَ لَّقُ وا خَ ل َ‬ ‫أ َْصغُ وا إِ لَى وَقْ ِع أَر ُْج ِل الخَ يْل‬

‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوص‬

‫كوفيد ‪19‬‬

‫َات مَ ْوتَىً أ َْضجَ َعتْهُ مْ يَدُ ال َوبَاءْ ‪..‬‬ ‫ت ُ​ُجرُّ عَ َرب ِ‬ ‫عُ وْدُ وا إلى بُيُ وتِ كُ مْ‬ ‫د َْحرِ ُجوا العُ يُ ونَ عَ لَى ُز ْرقَةِ هَ وَاتِ ِفكُ مْ‬ ‫رَاقِ بُوا َت َو ُّر َم َفوَاتِ يركُ مْ‬ ‫الحقُ وا أَنِ ينَ العَال َِم الـمُ َتوَعِّ ْك‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫عُ وْدُ وا إلى بُيُ وتِ كُ مْ‬ ‫انظرُ وا َصائِ حَ ًا أَمَ ا َم مَ ْشفَى عَ تْيقْ ‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫ لَم َي ُـجدُ وا سَ رِ ْي َر ًا لِ زَوجَ تِ ي‬‫يب‪:‬‬ ‫َام ٍس قَرِ ْ‬ ‫ان ِْصتُ وا لِـه ِ‬ ‫ َل َدوَاءَ‪ ..‬ال َدوَاءْ ‪...‬‬‫عُ وْدُ وا إلى بُيُ وتِ كُ مْ‬ ‫أَو ِْصدُ وا غَ َضبَ األ ْبوَابَ عَ لَى القَارِ ِعينْ‬ ‫أليَّامِ العُ ْز َل ْة‬ ‫َاض قُ مْ َصانَكم َ‬ ‫َقلِّمُ وا َبي َ‬ ‫َاجمَ عُ وا دِ ف َء أَيَادِ يْكُ مْ‬ ‫و ْ‬ ‫الطيُ و ْر‬ ‫َاق ُّ‬ ‫كِ عِ ن ِ‬ ‫الطفُ وا أ ْ​ْشجَ ا َنهَا‬ ‫ِ‬ ‫حَ تَّ ى يُ ؤذَّنَ لِ لنُّ ُشورْ‪.‬‬ ‫* شاعر وكاتب سعودي‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬

‫‪71‬‬


‫حوارية‬ ‫‪ρρ‬عبد الوهاب أبو زيد*‬

‫انتظرني‬ ‫تقولُ الحبيبةُ‬ ‫طرقات السماءْ ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫في ليلةٍ ال يضيءُ بها قمرٌ‬ ‫انتظرنيَ‬ ‫الوقت‬ ‫ِ‬ ‫خار َج دائرةِ‬ ‫المكان الذي أنتَ في ْه‬ ‫ِ‬ ‫سجن‬ ‫ِ‬ ‫خار َج‬ ‫انتظرني‬ ‫كنت منذُ نعومةِ أظفارِ قلبيَ‬ ‫الحبيب الذي ُ‬ ‫ُ‬ ‫فأنتَ‬ ‫في وحشتي أصطفيهْ‪.‬‬ ‫***‬

‫تعالي‬ ‫المحب‬ ‫ُّ‬ ‫يقولُ‬ ‫شئت‪ ،‬كيف تشائينَ‬ ‫متى ِ‬ ‫لكن تعالي!‬ ‫حلم‬ ‫تعالي على ُجن ِْح ٍ‬ ‫متن غيم ْة‬ ‫تعالي على ِ‬ ‫وكوني بصحراءِ عمري التي صا َر يمطرني الرملُ‬ ‫في َصهْ ِدها اآلنَ خيمةْ‪.‬‬ ‫***‬

‫انتظرني‬ ‫رحم االنتظارِ‬ ‫كأني سأولدُ من ِ‬ ‫قلبك بي‬ ‫َ‬ ‫انكسرني ألجب َر‬ ‫اليأس‪.‬‬ ‫َ‬ ‫أمل يشبهُ‬ ‫وانتظرني على ٍ‬ ‫‪72‬‬

‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬


‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوص‬

‫طريق األملْ ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫كالطفل فوقَ‬ ‫ِ‬ ‫يأس يسيرُ ويعثرُ‬ ‫ٌ‬ ‫شوك كثيرٌ‬ ‫الدرب ٌ‬ ‫ِ‬ ‫انتظرني وإن كان في‬ ‫أقل!‬ ‫ووردٌ ّْ‬ ‫***‬

‫الخيال‬ ‫ِ‬ ‫تعالي ولو في‬ ‫تسعك الحقيقةُ‬ ‫ِ‬ ‫إذا لم‬ ‫تراب الحديقةِ‬ ‫وانبثقي ورد ًة في ِ‬ ‫(أعني حديق َة قلبيَ ) حين ينيخُ الظالمُ‬ ‫ب َك ْلكَلِ هِ فوقَ صدري‬ ‫أخاف إذا طالَ عني غياب ُِك‬ ‫ُ‬ ‫فإني‬ ‫هجر َة ماءِ البحارِ إلى ماءِ نهري‪.‬‬ ‫***‬

‫انتظرني‬ ‫الكلمات‬ ‫ِ‬ ‫زبد‬ ‫سأولدُ من ِ‬ ‫مفرادت القصيدةِ‬ ‫ِ‬ ‫ُبعث من‬ ‫وأ ُ‬ ‫أراك‬ ‫حتى تراني وحتى ْ‬ ‫تقش َر عنَيَ ما باتَ يفصلنا من ظالمٍ‬ ‫وحتى ِّ‬ ‫يداك!‬ ‫ْ‬ ‫***‬

‫أنك‪،‬‬ ‫ألعرف ِ‬ ‫َ‬ ‫تعالي‬ ‫أوقنَ أنّي‬ ‫من ينادي‪ :‬تعالي!‬ ‫من تنادي‪ :‬انتظرني!‬ ‫ * شاعر سعودي‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬

‫‪73‬‬


‫عطر الفالحين‬ ‫‪ρρ‬نوره عبيري*‬

‫وحدهم الفالحون يحرسون السنابل‬ ‫يخافون على الحقول‬ ‫يتوجهون للسماء بالدعاء‬ ‫ليهطل المطر‬ ‫بزيت من الدفء‬ ‫ويحفون المساء بإشعال قناديلهم ٍ‬ ‫ليختبئ في معاطف الليل‬ ‫سكينة من العطر‬ ‫يُ دللون جرة الماء بالبخور الطاهر‬ ‫ليُ سقى ثغرُ العصفورة أمان ًا‬ ‫يزرعون قرب الصخرةِ‬ ‫ورد ًة عند كل نهر‬ ‫يجمعون وهم يضحكون بصدقهم‬ ‫فنجانًا في سهو الحديث العابر‬ ‫قد كُ سر‬ ‫حول نوافذهم روايةً‬ ‫يعرف حكاي َة أ ٍّم صلَّت صبحها في عجل‬ ‫ُ‬ ‫للمشط الذي‬ ‫مخبوءً في مرآتها‬ ‫سر حكايةِ الثمر‬ ‫حول بيوتهم حرير النوافذ منسوجة‬ ‫بأحاديث من ُطهر‬ ‫حين يُ صلون تُصلي السنابلُ‬ ‫في قلوبهم أخضر ذاك الزهر‬ ‫ال يزرعون الشوك بالخوف حول بساتينهم‬ ‫لهم في كُ ل شمس أغنية غروب‬ ‫قد تُنادمُ نجمة بين النجوم‬ ‫بمطرٍ للسنابل منهمر‬ ‫ال يغلقون بساتينهم باألسوارِ‬ ‫بساتينهم مُ شرعة للمطر‬ ‫سنابلهم تُقبلها الرياح‬ ‫حيثما هبت‬ ‫كيفما هبت‬ ‫أبد الدهر‬ ‫يغرسون في ثغر السنبلة‬ ‫قطعة سكر‬ ‫علها تعصرُ علقم العمر‬ ‫كلما اكتمل القمر‬ ‫* شاعرة سعودية‪.‬‬

‫‪74‬‬

‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬


‫‪ρρ‬مالك اخلالدي*‬

‫يمض على وفاته سوى شهرين‪..‬‬ ‫هذا هو العيد األقسى‪ ،‬لم ِ‬ ‫لقد فقدنا وجه العيد الذي الزمنا مُ ذ رأينا الحياة‪ ،‬كيف لقلوبنا أن تتجاوز‬ ‫م ــرارة الفقد ولــوعــة الرحيل‪ ،‬وقــد فقدنا ذاك ــرة الـفــرح والنبض األحــن في‬ ‫دنيانا‪.‬‬ ‫كسرتني دمــوع أمــي‪ ،‬ونـبــتَ الــيُ ـتــمُ على وجــوه أخــواتــي وإخــوتــي‪ ،‬لقد سَ لبنا‬ ‫رحيلُك شغف الحياة!‬ ‫أبــي حبيبي‪ ..‬بــأي عـيـ ٍـد أحتفي وأن ــت العيد الـمـفـقــود‪ ،‬والـفــرحــة الغائبة‪،‬‬ ‫واالنكسار الباقي في وجوهنا جميعاً‪.‬‬ ‫فقدت جــزء ًا من قلبي ومــا أقسى أن يعيش اإلنسان‬ ‫ُ‬ ‫أبــي حبيبي‪ ..‬بفقدك‬ ‫بقلب ناقص‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫بقية عمره‬ ‫الحب أبدا‪.‬‬ ‫عليك الرحمة ولك ُ‬

‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوص‬

‫ال َ‬ ‫نبض ألقى‬

‫ـك يـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا أب ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ــي‬ ‫أت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـت أب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـث عـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ع ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫ف ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ــم أج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدْ ه ـ ـ ـ ـ ــاهُ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ــا فـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي الـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ِـت قـ ـ ـ ـن ـ ـ ــدي ـ ـ ــا‬ ‫ـك مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزونٌ م ـ ـ ـ ـ ــامـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ــهُ‬ ‫ـراشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫هـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذا فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ‬ ‫ال نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـضَ ألـ ـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ــى وال عـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ْي ـ ـ ـ ــك أو ق ـ ـ ـيـ ـ ــا‬ ‫و ذا ال ـ ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ــاغُ ع ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ــى الـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ــرك ـ ـ ـ ــى ي ـ ـ ـ ـ ـ ـضـ ـ ـ ـ ـ ــوعُ أسـ ـ ـ ــى‬ ‫فـ ـ ـ ـ ـ ــأن ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ــي ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو ُه دم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا وتـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــا‬ ‫أبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ت ـ ـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ـ ــرعـ ـ ـ ـ ـ ــتَ م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن دنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاك م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ع ـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ــزتْ‬ ‫ع ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ــه ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرواس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا أب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه ج ـ ـ ـيـ ـ ــا‬ ‫ـرج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتَ ع ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ــا ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًـا أب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد ًا‬ ‫ح ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ــى تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّ‬ ‫ـاض الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــروحُ ت ـ ـ ـب ـ ـ ـج ـ ـ ـيـ ـ ــا‬ ‫ـك فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫وف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــراشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫أب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي أري ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدك‪ ..‬ال ت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل‪ ..‬ف ـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ــي كـ ـ ـ ـب ـ ـ ــدي‬ ‫ـات تـ ـ ـ ـ ــوج ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ًا وت ـ ـ ـق ـ ـ ـت ـ ـ ـيـ ـ ــا‬ ‫ت ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـضـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــراحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ‬ ‫أبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي رح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتَ مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن الـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ل ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ــأنـ ـ ـ ــي‬ ‫ح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا فـ ـ ـ ـ ــأح ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــا أصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوغُ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ـ َد ت ـ ـ ــرتـ ـ ـ ـي ـ ـ ــا‬ ‫ـردوس م ـ ـ ـ ـ ــوع ـ ـ ـ ـ ــدُ ن ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫أب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي جـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ــةِ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــإذن الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذي ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـزّل الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرآن ت ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ــزيـ ـ ـ ــا‬ ‫ * كاتبة وقاصة وشاعرة سعودية‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬

‫‪75‬‬


‫كورونا‬ ‫‪ρρ‬د‪ .‬عبدالهادي الصالح*‬

‫وي ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ــألُ ال ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ــرءُ ف ـ ـ ــي دن ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــا ُه واعـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـاً!؟‬ ‫ـص ـ ـ ـل ـ ـ ـي ـ ـ ـنـ ـ ــا؟‬ ‫م ـ ـ ـ ــا هـ ـ ـ ـ ـ ــذه ف ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ِـك ي ـ ـ ـ ــا دن ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــا و َتـ ـ ـ ْ‬ ‫فـ ـ ـ ـ ــي حـ ـ ـجـ ـ ـمـ ـ ـه ـ ــا ال وج ـ ـ ـ ـ ـ ــا ّإل ب ـ ــرحـ ـ ـمـ ـ ـت ـ ــهِ‬ ‫ـوش ثُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّ َم ُت ـ ـق ـ ـل ـ ـي ـ ـنـ ــا‬ ‫فـ ـ ـ ـ ــي فـ ـ ـعـ ـ ـلـ ـ ـه ـ ــا ك ـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ٍ‬ ‫ـرت م ـ ـ ـ ـ ــع األ ّي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــامِ ف ـ ـع ـ ـل ـ ـ َت ـ ـهـ ــا‬ ‫وق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدْ سـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ُ‬ ‫ـرب وبـ ـ ـ ـ ــال ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــداءِ ه ـ ـ ــاديـ ـ ـ ـن ـ ـ ــا‬ ‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــإ ْذ بـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬ ‫هـ ـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـ ـ ّنـ ـ ـ ـ ــذيـ ـ ـ ـ ــرُ إذا ق ـ ـ ـل ـ ـ ـنـ ـ ــا لـ ـ ـ ـه ـ ـ ــا عـ ـ ـ ـب ـ ـ ــرتْ‬ ‫ـذاب إذا بـ ـ ـ ـغـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ًا ت ـ ـ ـنـ ـ ــادي ـ ـ ـنـ ـ ــا‬ ‫وهـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْ‬ ‫ـاب ال ـ ـ ـ ـ ـ َهـ ـ ـ ـ ــدْ ي تـ ـحـ ـمـ ـ ُلـ ـن ــا‬ ‫ه ـ ـ ــي الـ ـ ـمـ ـ ـط ـ ــاي ـ ــا لـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ِ‬ ‫ـان ح ـ ــاديـ ـ ـن ـ ــا‬ ‫و ُتـ ـ ـ ـ ـ ــرغـ ـ ـ ـ ـ ــمُ الـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ــر َء ب ـ ـ ـ ــاإليـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫والـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـق ـ ـ ــلَ خـ ـ ـ ــاطـ ـ ـ ـ ْـب وقـ ـ ـ ـ ـ ــلْ ر ّبـ ـ ـ ـ ـ ــي لـ ـ ـ ــه ُس ـ ـ ـ َنـ ـ ـ ٌـن‬ ‫وس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــةُ اهللِ لـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ــاصـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــنَ آم ـ ـ ـي ـ ـ ـنـ ـ ــا‬ ‫قـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ــوا ك ـ ـ ـ ــورون ـ ـ ـ ــا ف ـ ـ ـق ـ ـ ـلـ ـ ـ ُـت ال ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ــاب نـ ـفـ ـتـ ـح ــهُ‬ ‫وبـ ـ ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ـ ــدّ عـ ـ ـ ـ ـ ــا قـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َم مـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأمـ ـ ـ ـ ـ ـ ــومٌ وتـ ـ ــال ـ ـ ـي ـ ـ ـنـ ـ ــا‬ ‫ـس ي ـ ـ ـ ــا هـ ـ ـ ـ ـ ــذا وق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلْ أم ـ ـ ـ ـ ًـا‬ ‫فـ ـ ـ ـ ــأكـ ـ ـ ـ ــرمِ ال ـ ـ ـ ـ ّن ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ َ‬ ‫ـرب راج ـ ـ ـي ـ ـ ـنـ ـ ــا‬ ‫ر ّبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ُه إ ّن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا بـ ـ ـ ـ ــرغـ ـ ـ ـ ـ ِـم ال ـ ـ ـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫* أكاديمي وشاعر من الجوف‪ ،‬السعودية‪.‬‬

‫‪76‬‬

‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬


‫محمد أحميدوفيتش أحميدوف‬

‫*‬

‫تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬

‫جبل عرفات‬

‫■ ترجمة د‪ .‬إبراهيم إستنبولي**‬

‫شاعر وكاتب ومترجم‪ ،‬معروف في داغستان وروسـيــا وبـلــدان رابطة الــدولــة المستقلة‪،‬‬ ‫ويطلق عليه زم ــاؤه والـنـقــاد اســم «شــاعــر داغـسـتــان الــذهـبــي»‪ ،‬يكتب باللغتين الروسية‬ ‫واألفارية‪ ،‬صدر له العديد من الكتب تأليفً ا وترجمة‪ ،‬باللغات األفارية والروسية ولغات عدد‬ ‫من شعوب روسيا وبلدان رابطة الــدول المستقلة‪ .‬وهو رئيس اتحاد الكتاب في جمهورية‬ ‫داغستان‪ .‬حائز على الجائزة األدبية الكبرى في روسيا‪ ،‬والجائزة األدبية لمؤسسة رسول‬ ‫حمزاتوف الدولية‪ ،‬وجائزة الدولة في جمهورية داغستان‪ ،‬كما نال جوائز أدبية أخرى عديدة‬ ‫منها جائزة أنطون ديلفيغ «الــوفــاء للكلمة وللوطن»‪ ،‬وجائزة نيكوالي ليسكوف وجائزة‬ ‫ميخائيل ليرمنتوف وغيرها‪.‬‬ ‫العلي ينظر إلينا‪ ،‬ونحن‬ ‫َّ‬ ‫إن اهلل‬ ‫َّ‬ ‫غارقين في اآلثام والخطايا‪.‬‬ ‫سعيد أفندي الجركاوي الداغستاني‬ ‫استهالل‬

‫وأنا أصعدُ إلى جبل عرفات‪،‬‬ ‫يهدر فوق رأسي صوت السماء‪،‬‬ ‫بكلّ صرامة‪ ،‬مثل ناقوس‪،‬‬ ‫لكي تصبح كلمتي مثل الصالة‪.‬‬

‫(‪)١‬‬

‫يخفق قلبي‪ ،‬مثل ناقوس‪،‬‬ ‫سهل‬ ‫فمصيري ليس ً‬ ‫بل صعب كالمنحدر‪.‬‬ ‫وأنا أصعد إلى جبل عرفات‪،‬‬ ‫حيث يقودني الدرب نحو السماء‪.‬‬ ‫يحجب عينيَّ خوف قاتلٌ ‪.‬‬ ‫وشفتاي يابستان من العطش الشديد‪.‬‬ ‫اهلل يبصر كيف إنّا غارقون في الخطايا‪،‬‬ ‫وسوف نُحاسب عن كلِّ شيء ذات يوم‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬

‫‪77‬‬


‫محمد أحميدوف‬

‫وأنا أصعدُ إلى جبل عرفات‪.‬‬ ‫سأحلّق في أمر ما وراء السحب‪.‬‬ ‫سوف تنتظم كلماتي في قصيدة‬ ‫تتناغم مع قلبي بحرارة مثل صالة‪.‬‬ ‫الخطاء‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫أخوض مع ذاتي‪ ،‬أنا‬ ‫معركة ‪ -‬كما لو أنها صالة‬ ‫صادقة ‪ -‬مثلما تشتهي السماء‪...‬‬ ‫أنا أصعد إلى جبل عرفات‪،‬‬ ‫تنتظم أشعاري كما لو أنها صالة‪.‬‬ ‫جبل عرفات‬ ‫حتى ذاك الذي يقضي الحياة سلطانًا على العالم‪،‬‬ ‫لن يحمل معه سوى الكفن الذي يكفَّ ن به‪..‬‬ ‫سعيد أفندي الجركاوي الداغستاني‬

‫‪78‬‬

‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬

‫الشمس هنا متوهجة إلى حدِّ البياض‪.‬‬ ‫والمالبس بيضاء‪ ،‬كما لو أنها بالضبط‬ ‫كفن‪.‬‬ ‫لقد وهبت رحمة اهلل الواسعة‬ ‫سلّم النجاة للمسلمين المؤمنين‪.‬‬ ‫تـكـبـيــر ‪ -‬وت ـن ـط ـلــق الـ ـص ــاة هـ ـ ــادرة نحو‬ ‫السماء‪،‬‬ ‫لكي تزداد فيها مثل سنبلة القمح‪.‬‬ ‫وتتحد أصوات جميع المسلمين األحياء‬ ‫في صوت واحد وحيد‪.‬‬ ‫هنا‪ ،‬يدرك المرء أنَّ رفاته الفانية‬ ‫سوف تغوص في خيوط من أشباح‬ ‫دون أن تترك أدنى أثر‪.‬‬ ‫ال إله ّإل اهلل‪ ،‬واحدٌ أحدٌ !‬ ‫والحقيقة واحدة بالنسبة لجميع البشر‪.‬‬ ‫منذ قرون ودائمً ا‪ ،‬على مدار السنة‬


‫تمضي األيام‬ ‫سريعً ا في هذا العالم‪.‬‬ ‫نرجو أننا نصبح على الطريق‬ ‫المستقيم مع آخر شهقة‪.‬‬ ‫سعيد أفندي الجركاوي الداغستاني‬

‫تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬

‫تعبر أفواجٌ من الناس المصلّين‬ ‫تلك الهضبة الصخرية‬ ‫عند سفح جبل عرفات الحزين‪.‬‬ ‫الحزن هنا ينعكس في العيون‪ ..‬من دون‬ ‫كالم‪.‬‬ ‫وكـ ـ ــلُّ واحـ ـ ــد مـ ـص ــاب ف ــي ال ـ ـفـ ــؤاد ب ـجــرح‬ ‫مشترك‪.‬‬ ‫االسم عند هذه األمة ‪ -‬اهلل!‬ ‫واللقب ‪ -‬مسلم مؤمن‪.‬‬ ‫جبل عرفات بالنسبة لي ‪ -‬جبل مقدّ س‪،‬‬ ‫يجمع بين حلقات متقطعة‪.‬‬ ‫لقد كنت كريمً ا معي أثناء الصالة‪.‬‬ ‫وأنا أسجد أمامك‪.‬‬ ‫أحس بالخوف‬ ‫كل واحد هنا‪ ،‬وقد َّ‬ ‫في يوم القيامة‪ ،‬يلهج بشفتين ملتهبتين‪:‬‬ ‫«يا اهلل» ‪ -‬ويعيد للسماء اسمها‪.‬‬

‫رجاء‬

‫ال تتركني أموت على هذي األرض‬ ‫الحزينة‪ ،‬وأنا على ضالل‪.‬‬ ‫أرجوك‪ ،‬يا اهلل!‬ ‫احفظ لغتنا العزيزة ‪-‬‬ ‫ذلك النبع الوطني المقدّ س‪.‬‬ ‫أرجوك‪ ،‬يا اهلل!‬ ‫كأسا من الفضة‪،‬‬ ‫ال تهبني ً‬ ‫بل امنحني الصبر والصالح‪،‬‬ ‫أرجوك‪ ،‬يا اهلل!‬ ‫بالحب والنجاح‬ ‫ّ‬ ‫أَنعم عليَّ‬ ‫وبارك لي كتابة الشعر‪،‬‬ ‫أرجوك‪ ،‬يا اهلل!‬

‫مع رسول حمزاتوف‬

‫المسجد‪ ،‬والنبي والقرآن‪،‬‬ ‫من أجل شفاء الجراح‪،‬‬ ‫أرجوك يا اهلل!‬ ‫أَنعِ م عليَّ بموقد ال ينطفئ‪،‬‬ ‫لكي يلين قلب العدوِّ‪،‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬

‫‪79‬‬


‫كتاب من روسيا وعدد من الدول عند تمثال رسول حمزاتوف‬

‫أرجوك‪ ،‬يا اهلل!‬ ‫ال تقطع دائرة المحبة القلبية‬ ‫كيال يتأخر الصديق عن مصافحتي‪.‬‬ ‫أرجوك‪ ،‬يا اهلل!‬ ‫الظالل البيضاء‬ ‫القلب‬ ‫ُ‬ ‫يا اهلل‪ ،‬كم يأسف‬ ‫سدى!‬ ‫ً‬ ‫على تلك األيام التي مضت‬ ‫سعيد أفندي الجركاوي الداغستاني‬

‫صعدت إلى أعلى جبل عرفات‬ ‫ُ‬ ‫ورحت أتأمل معجزة السماء‪.‬‬ ‫الحجاج يطيرون‬ ‫ّ‬ ‫إذ راح الناس‬ ‫فوق الجبل مثل الغرانيق‪.‬‬ ‫وقد تذكّرتُك‪ ،‬يا رسول‪،‬‬ ‫ *‬

‫‪80‬‬

‫** ‬

‫أخي القديم والمشهور‪.‬‬ ‫إذ إنَّ جبل عرفات‬ ‫أشبه باألول المقدّ س‪.‬‬ ‫وقد التحم فوقه سرب الغرانيق‪.‬‬ ‫كان رسول حمزاتوف بحكمته النبوية‬ ‫أوّل من قال إنَّ سرب الغرانيق‬ ‫يحلّق فوق جبل عرفات المقدّ س‬ ‫كما لو أنه يقيم الصالة‪.‬‬ ‫كما لو أنهم غرانيق بيض‬ ‫تطير فوق جبل عرفات المقدّ س‬ ‫ظالل بيضاء للحجيج‬ ‫في حالة من الحزن والخشوع‪.‬‬

‫سعيد عبدالرحمن آتساييف المعروف أكثر باسم سعيد أفندي الجركاوي الداغستاني ‪2012 - 1937‬م‪،‬‬ ‫شيخ صوفي داغستاني‪ ،‬توفي أبوه وعمره سبع سنوات‪ .‬مات سعيد أفندي في ‪ 28‬أغسطس ‪2012‬م‬ ‫متأثرا بجروحه نتيجة تفجير نفذته امرأة‪ .‬وقع الهجوم في منزل سعيد في منطقة بويناكسك‪ ،‬عندما‬ ‫اقتربت امرأة منه وفجرت قنبلة معلقة في حزامها‪(.‬المترجم)‪.‬‬ ‫كاتب ومترجم ‪ -‬سوريا‪.‬‬

‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬


‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫الروائي المصري (سعيد سالم)‬

‫أعشق الكتَّاب الروس‬ ‫وال أعرف لماذا لم تترجم أعمالي!‬ ‫فــي شهر مــارس الماضي صــدرت للروائي سعيد سالم رواي ـتــان‪ ،‬هما‪« :‬صعاليك‬ ‫األنـفــوشــي» عــن الهيئة المصرية العامة للكتاب‪ ،‬و«هــذيــان» عــن دار الـمـعــارف‪ ،‬وفي‬ ‫شهر سبتمبر القادم تصدر له رواية جديدة بعنوان‪« :‬رحلة الصعود والهبوط» عن دار‬ ‫الشروق‪ .‬إنه الروائي سعيد سالم‪ ،‬الذي قال عنه نجيب محفوظ ذات يوم‪« :‬من حسن‬ ‫الحظ أنني تمكنت من قراءة «بوابة مورو» للروائي سعيد سالم‪ ،‬وأشهد بأنها جذبتني‬ ‫إلى قراءتها لسحرٍ فيها‪ ،‬وهي عمل جيد في تصويره للبيئة‪ ،‬وبما قدمته من شخوص‬ ‫حية ممثلة في الراوي األب والفتاتين‪ ،‬وأسلوبها ينبض بالحياة وبالتلقائية»‪.‬‬ ‫يوسف إدريس أيضا كتب يقول‪« :‬قرأت لسعيد سالم ثالث روايات هي‪« :‬جالمبو»‪،‬‬ ‫«بوابة مــورو»‪ ،‬و«عمالقة أكتوبر»‪ ،‬وكنت سعيدً ا جــدً ا بها‪ ،‬فسعيد سالم له استقالله‬ ‫الفني وطريقته الخاصة‪ ،‬ومدرسته في الكتابة»‪ .‬كذلك قال د‪ .‬صالح فضل‪« :‬لقد‬ ‫استطاع سعيد سالم بدأبه ومثابرته أن يستثمر ذكاءه اإلبداعي وتوقه الطليعي معً ا‪،‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬

‫‪81‬‬


‫وأن يزحف بثقة إلى صفوف كبار كتاب السرد العربي‪ ،‬وقد تنبأت له منذ مطلع الثمانينيات‬ ‫بمستقبل واعد في فن القصة لموهبته ودهائه وقدراته التشكيلية البارزة»‪.‬‬ ‫كذلك قال أنيس منصور‪« :‬في خمسينيات القرن الماضي‪ :‬انتشرت في أوروبــا مــدارس في‬ ‫القصة القصيرة‏‪..‬‏ اختالط بين القصص الواقعية والالواقعية‏‪.‬‏ ولم يكن لها لون أو اسم معين‬ ‫أو مدرسة‏‪.‬‏ وقد بالغ األدباء في االختالف‏‪.‬‏ حتى وجد األدباء أنه ليس من الضروري أن يدخل أي‬ ‫مدرسة‏‪.‬‏ وظهرت في القصص العربية نماذج منها؛ وهذا يحدث كثيرا‪ ،‬لكن القليل منها جيد‪.‬‬ ‫حتى أستاذنا توفيق الحكيم أشــار إلى ذلك في روايته‪ ،‬وهي التي ظهرت في األدب اليوناني‪،‬‬ ‫وظـهــرت أسـمــاء كثيرة مــن األدب ــاء الـجــدد‪ ،‬ومــن بين األدب المصري قصة «هــوى الخمسين»‬ ‫لألديب سعيد سالم‪ .‬وهذه القصة ظهرت سنة ‪1982‬م‪ ،‬وهي مفاجأة‪ ،‬فلم أتصور أن أديبًا مصريًا‬ ‫يالحق األدب الحديث جدا في فرنسا»‪.‬‬ ‫ولد الروائي والقاص المصري سعيد سالم في مدينة اإلسكندرية عام (‪1943‬م)‪ ،‬وهو عضو‬ ‫اتحاد كتاب مصر‪ ،‬واتحاد الكتاب العرب‪ ،‬وهيئة الفنون واآلداب‪ ،‬وأتيليه اإلسكندرية‪ .‬حصل‬ ‫على بكالوريوس الهندسة الكيميائية في كلية الهندسة جامعة اإلسكندرية عام (‪1964‬م)‪ ،‬ثم‬ ‫الماجستير في عام (‪1968‬م)‪.‬‬ ‫صدرت له مجموعة من الروايات‪ ،‬منها‪« :‬جالمبو» (‪1976‬م)‪« ،‬بوابة مورو» (‪1977‬م)‪« ،‬عمالقة‬ ‫أكـتــوبــر» (‪1979‬م)‪« ،‬آلـهــة مــن طين» (‪1985‬م)‪« ،‬عاليها أسفلها» (‪1985‬م)‪« ،‬ال ـشــرخ» (‪1988‬م)‪،‬‬ ‫«األزمنة» (‪1992‬م)‪« ،‬كف مريم» (‪2001‬م)‪« ،‬حالة مستعصية» (‪2002‬م)‪« ،‬الشيء اآلخر» (‪2004‬م)‪،‬‬ ‫«المقلب» (‪2009‬م)‪« ،‬الحب والزمن» (‪2011‬م)‪« ،‬الفصل والوصل» (‪2016‬م)‪ .‬في مجال القصة‬ ‫القصيرة له عدة إصدارات‪ ،‬من بينها‪« :‬قبلة الملكة» (‪1987‬م)‪« ،‬الموظفون» (‪1991‬م)‪« ،‬الجائزة»‬ ‫(‪1994‬م)‪« ،‬رجــل مختلف» (‪1995‬م)‪« ،‬الممنوع والمسموح» (‪2002‬م)‪« ،‬أقاصيص من السويد»‬ ‫(‪2005‬م)‪« ،‬قانون الحب» (‪2006‬م)‪« ،‬هوى الخمسين» (‪2011‬م)‪« ،‬الكشف» (‪2013‬م)‪« ،‬المعضلة‬ ‫الكبرى» (‪2015‬م)‪.‬‬ ‫من الجوائز التي حصل عليها سعيد سالم‪ :‬الجائزة األولى عن رواية «األزمنة» في مسابقة‬ ‫إحسان عبدالقدوس للرواية عام (‪1990‬م)‪ ،‬جائزة الدولة التشجيعية في القصة القصيرة عن‬ ‫مجموعة «الموظفون» عام (‪1994‬م)‪ ،‬جائزة اتحاد كتاب مصر في الرواية عام (‪2001‬م) عن رواية‬ ‫«كف مريم»‪ ،‬ثم الجائزة عام (‪2010‬م) عن رواية «المقلب»‪ .‬نال وسام الجمهورية للعلوم والفنون‬ ‫من الطبقة األولى عام (‪2013‬م)‪ ،‬وجائزة الدولة التقديرية في اآلداب عام (‪2013‬م)‪ ،‬وتم ترشيحه‬ ‫لجائزة النيل عام (‪2017‬م)‪.‬‬ ‫■ حاوره‪ :‬أحمد الالوندي‬

‫‪82‬‬

‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬


‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫ ¦رحـ ـ ـلـ ـ ـت ـ ــك م ـ ـ ــع الـ ـ ـكـ ـ ـت ـ ــاب ـ ــة ب ـ ـ ـ ـ ــدأت م ـن ــذ‬ ‫السبعينيات‪ ،‬ما الروافد التي أسهمت في‬ ‫تكوينك ونمو تجربتك؟‬

‫الطراز المعماري العريق‪ ،‬فهي تعلن عن‬ ‫المراحل الحضارية المختلفة التي مرت‬ ‫بها اإلسكندرية من فرعونية‪ ،‬ورومانية‪،‬‬ ‫ويونانية‪ ،‬وإسالمية‪.‬‬

‫‪ρ ρ‬الروافد عديدة‪ ،‬منها الموهبة وهي منحة‬ ‫عظيمة من الخالق‪ ،‬احتاجت مني إلى‬ ‫من الروافد أيضا‪ :‬طبيعة تكويني الذهني‬ ‫عمر طويل من الجهد والصبر والعمل‬ ‫كمهندس كيميائي أسهمت فــي إثــراء‬ ‫الدؤوب لصقلها ورعايتها‪ ،‬كذلك البيئة‬ ‫تجربتي الحياتية‪ ،‬ما أثر على كتاباتي‬ ‫الــســاحــلــيــة الــتــي زرعـ ــت فــي شخصي‬ ‫بالتركيز والتكثيف والتحليل والتركيب‬ ‫صفات ابن البحر؛ كسعة الصدر‪ ،‬وحب‬ ‫والتفاعل‪ ،‬وكلها عناصر مشتركة بين‬ ‫الناس؛ والشهامة‪ ،‬والمرح‪ ،‬كما دفعتني‬ ‫الهندسة الكيميائية والهندسة الروائية‪،‬‬ ‫إلــى التأمل فــي اتــســاع الــكــون وعظمة‬ ‫فضال عــن احتكاكي اليومي بالطبقة‬ ‫مدبره‪ ،‬فغرست في قلبي إيمانًا فطريًا‬ ‫العمالية الــكــادحــة‪ ،‬وطبقة الموظفين‬ ‫عــمــيــقــا‪ .‬كــمــا كــنــت أتــأمــل فــي قضايا‬ ‫الــمــطــحــونــيــن‪ ،‬وطــبــقــة رجـــال األعــمــال‬ ‫إنسانية وحياتية كبرى تفوق قدراتي‬ ‫األثرياء المتعاملين مع المؤسسة‪ .‬أضف‬ ‫العقلية‪ ،‬وأتــأمــل حــيــاة الــصــيــاديــن في‬ ‫إلى ذلك‪ :‬سفري المتكرر إلى دول أوروبية‬ ‫بحري والميناء الشرقي‪ ،‬كانت قضية‬ ‫وعربية‪ ،‬فتعرفت من خالله على طباع‬ ‫الــرزق على رأس هــذه القضايا‪ .‬فكنت‬ ‫الشعوب المختلفة وسلوكياتها‪ ،‬واالطالع‬ ‫أتجول في المناطق السياحية الشهيرة‬ ‫على أسباب تقدمها وتحضرها‪.‬‬ ‫كقلعة ڤايتباي‪ ،‬وقصر المنتزه‪ ،‬وقصر‬ ‫ ¦حدثنا عن دور المرأة في حياتك؟‬ ‫رأس الــتــيــن‪ ،‬وكــــوم الــشــقــافــة‪ ،‬وك ــوم‬ ‫الناضورة‪ ،‬وعمود الــســواري‪ ،‬والمتحف ‪ρ ρ‬ب ــدأت تــجــاربــي الــجــوهــريــة األولـ ــى في‬ ‫عالم المرأة مع أمي‪ ،‬التي كانت بمثابة‬ ‫البطلمي‪ ،‬ومنطقة المساجد بسيدي أبي‬ ‫المستودع الكوني لعاطفتي‪ ،‬إذ توفي‬ ‫العباس‪ ،‬وغيرها‪ .‬والذي كان يلفت نظري‬ ‫بصفة خــاصــة‪ :‬المباني العتيقة ذات‬ ‫أبي قبل أن أتجاوز الثانية من عمري‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬

‫‪83‬‬


‫بجمال فريد‪ ،‬وما تــزال بقاياه تشع من‬ ‫عينيها الخضراوين حتى اليوم‪.‬‬

‫هكذا نشأت مع سيدة تقوم بــدور األم‬ ‫واألب م ـ ًعــا‪ ،‬شــديــدة ال ــذك ــاء‪ ،‬حــاضــرة‬ ‫البديهة‪ ،‬قوية الشكيمة‪ ،‬نافذة البصيرة‪¦ ،‬يـقــولــون إن مــا ن ـقــرأه هــو اب ــن مــا نكتبه‪،‬‬ ‫قمة فــي التضحية‪ ،‬أيوبية فــي الصبر‬ ‫فمن من األدب ــاء حرصت على متابعته‪،‬‬ ‫والــصــمــود أم ــام مــتــاعــب الـ ــرزق وتنكر‬ ‫وما تزال تقرأ له؟‬ ‫األقــارب؛ وبالرغم من هذا‪ ،‬كانت تتمتع‬ ‫‪ρ ρ‬أنــا أعشق الكتاب الــروس بال استثناء‪،‬‬ ‫بــروح السخرية والــمــرح‪ ،‬لم تتزوج بعد‬ ‫وقد كان غرامي بمكسيم جوركي شديدًا‬ ‫وفاة زوجها‪ ،‬وهي الشابة المرغوبة ذات‬ ‫في شبابي‪ ،‬كما أنني شديد اإلعجاب‬ ‫الخمسة والعشرين ربيعا‪ ،‬إنها ما عرفت‬ ‫بنيكوس كازانتزاكيس‪ ،‬فكتاباته تشبه‬ ‫لنفسها رسالة في الحياة ســوى تربية‬ ‫كتاباتي إلى حدٍّ كبير‪ ،‬ومن المصريين‬ ‫أبنائها وتعليمهم وحراستهم من نوائب‬ ‫تربيت في الرواية على يد األستاذ نجيب‬ ‫الدنيا‪ ،‬ولقد نجحت في ذلــك‪ .‬ومثلما‬ ‫محفوظ‪ ،‬وفي القصة القصيرة على يد‬ ‫كان حضنها دافئا‪ ،‬كانت صفعاتها مؤثرة‬ ‫األستاذ يوسف إدريس‪.‬‬ ‫وكأنها ‪-‬بالفطرة‪ -‬تدرك فن اإلدارة من‬ ‫ ¦مــن وجـهــة ن ـظــرك‪ ،‬مـتــى يصبح الكاتب‬ ‫خالل الثواب والعقاب‪.‬‬ ‫عظيما؟‬ ‫أم ــا الــتــجــربــة الــثــانــيــة فــي ه ــذا العالم‬ ‫‪ρ ρ‬عندما تكون كتابته عن اإلنــســان بوجه‬ ‫الخصب‪ ،‬فكانت مع فتاتي التي أحببتها‬ ‫عام‪ ،‬بصرف النظر عن الجنس والدين‬ ‫منذ صــبــاي‪ ،‬ثــم تزوجتها فــي النهاية‪،‬‬ ‫واللغة‪ ،‬الكاتب العظيم تدعو أعماله إلى‬ ‫وأصبحت أم أوالدي ورفيقتي في الحياة‪.‬‬ ‫الحب والتسامح وعشق الدنيا وعمل‬ ‫لقد ساندتني كثيرًا في رحلتي األدبية‬ ‫الخير‪ .‬وكما يقولون «الفن إمتاع وتنوير»‪،‬‬ ‫وح ـدّة‬ ‫الشاقة‪ ،‬تتمتع بقوة الشخصية‪ِ ،‬‬ ‫فإن لم يحقق الهدفين معًا هبطت قيمته‪.‬‬ ‫الذكاء‪ ،‬وبصفات أخرى عديدة تشابهت‬ ‫ال راقيًا لتحقيق‬ ‫إنني أشاهد في الفن سبي ً‬ ‫مع صفات أمــي‪ ،‬غير أنها كانت تتمتع‬ ‫التصالح والتناغم بين اإلنسان ونفسه من‬

‫‪84‬‬

‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬


‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬ ‫جهة‪ ،‬وبينه وبين الحياة والكون وخالقه ¦الـســاحــة األدب ـيــة الـمـصــريــة كـيــف تــراهــا‪،‬‬ ‫خالصا شجيًا‬ ‫ً‬ ‫من جهة أخرى‪ ،‬أرى فيه‬ ‫وكيف تقيم الحركة النقدية فيها؟‬ ‫يصل اإلنسان باألرض والسماء في حب ‪ρ ρ‬هــي حافلة بــالـ ُكـ ّتــاب الــمــمــتــازيــن‪ ،‬لكن‬ ‫ال حدود له‪ ،‬ولقد وجدت في فن اإلبداع‬ ‫المهتمين بالنقد قلة قليلة‪ ،‬وهذه ظاهرة‬ ‫الروائي والقصصي ضالتي التي تحقق‬ ‫خطيرة تهدد الحياة األدبية‪ ،‬فمثال‪ ،‬ال‬ ‫لي كل تلك الغايات مجتمعة‪.‬‬ ‫يكفي د‪.‬صــاح فضل وحده للقيام بهذا‬

‫ ¦رغم حصولك على العديد من الجوائز‬ ‫المهمة‪ ،‬والشخصيات األدبـيــة الشهيرة‬ ‫التي كتبت عنك‪ ،‬إال أنك شبه بعيد عن‬ ‫عالم الترجمة‪ ،‬ما السبب في ذلك؟‬

‫الــدور‪ ،‬رغم أنه تولى إشهار العديد من‬ ‫أعالم القصة والشعر والرواية بالكتابة‬ ‫عن أعمالهم‪ ،‬إذ كان هو الذي يبحث عن‬ ‫هذه األعمال وال ينتظر سعي ال ُكتّاب إليه‪،‬‬ ‫أضف إلى ذلك‪ ،‬أن قراءة األعمال األدبية‬ ‫قلَّت إلى حد كبير لسببين رئيسيين هما‪:‬‬ ‫اإلنترنت وارتفاع سعر الكتاب ارتفاعً ا‬ ‫جنونيًا‪ ،‬كما أن الجرائد المهتمة بالثقافة‬ ‫واألدب قليلة جدا‪ ،‬فال يوجد سوى جريدة‬ ‫القاهرة وأخــبــار األدب‪ ،‬أمــا المجالت‬ ‫األدبــيــة‪ ،‬فمعظمها يعود مرتجعا‪ ،‬ألن‬ ‫الجمهور ال يشعر بها نظرا لسوء التوزيع‪،‬‬ ‫وانعدام الدعاية‪ ،‬وقلة المتابعة‪.‬‬

‫‪ρ ρ‬ال أعـ ــرف لــمــاذا لــم تــتــرجــم أعــمــالــي‪،‬‬ ‫ورغـــم أنــنــي أتــمــنــى ذلـــك‪ ،‬إال إنــنــي ال‬ ‫أعرف الوسيلة الطبيعية لتقديم إبداعي‬ ‫وترشيحه للترجمة‪ .‬لكن‪ ،‬دعني أقول‬ ‫لك‪ :‬إن ذلك ليس من مهمة الكاتب‪ ،‬ومن‬ ‫الغريب أن أعماالً عديد ًة قد ترجمت عن‬ ‫طريق االتــصــاالت الماهرة‪ ،‬أذكــر أنني‬ ‫التقيت ذات مرة بمترجم بإحدى الدول‬ ‫األوروبــيــة‪ ،‬كان قد زار مصر وطلب من‬ ‫أحــد كبار كتابها أن يعطيه نــمــاذج من ¦اإلسـ ـ ـكـ ـ ـن ـ ــدري ـ ــة هـ ـ ــي مـ ــدي ـ ـنـ ــة ال ـ ـتـ ــاريـ ــخ‬ ‫روايــات جديرة بالترجمة‪ ،‬فقال لي‪ :‬إن‬ ‫والمؤانسة‪ ،‬وهي عشقك األول‪ ،‬ونجدها‬ ‫الكاتب المصري لــم يقدم لــه إال كتب‬ ‫ح ــاض ــرة ب ـكــل تـفــاصـيـلـهــا ف ــي كـتــابــاتــك‪،‬‬ ‫فماذا يمثل البحر بالنسبة لك؟‬ ‫أصدقائه بصرف النظر عن المستوى‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬

‫‪85‬‬


‫‪ρ ρ‬كان البحر عشقي األكبر أنا وكل أندادي‬ ‫فــي الــزقــاق‪ ،‬فهو أول مــا ت ــراه أعيننا‬ ‫في الصباح‪ ،‬وكنا متيمين جميعًا بحبه‬ ‫منبهرين بعشقه سواء كان صافيا هادئا‬ ‫أم ثائرًا هادرًا مزمجرا‪ .‬كان أول خبراتنا‬ ‫بطبيعة الكون والحياة وتقلبهما الدائم‪،‬‬ ‫وهو الذي ترسلنا إليه أمهاتنا وبيد كل‬ ‫منا مصفاة وقرشين لنشتري السمك‬ ‫من صيادي «الجرافة» الذين يسحبون‬ ‫الشبكة إلى الشاطئ في صفين متوازيين‬ ‫بحبال مربوطة حول وسطهم‪ ،‬ونعود به‬ ‫إلــى البيت متقافزا‪ .‬ألحق ببعضه قبل‬ ‫أن يودع الحياة‪ ،‬فأضعه في حلة وأضع‬ ‫بها ملحا ألستمتع بــأســمــاك المرمار‬ ‫والبطاطة والشراغيش وهي تعوم وقد‬ ‫عادت إليها الــروح مرة ثانية‪ .‬أغرب ما‬ ‫كان يثير خيالي‪ ،‬هو نهاية حدود رؤيته‬ ‫عند انطباقه مع األفق‪ ،‬حيث قيل لي إن‬ ‫هناك مخلوقات من أجناس أخرى تعيش‬ ‫خلف هذا الخط‪ ،‬ومنهم هؤالء السواح‬ ‫الملونين الذين يسيحون في قصر رأس‬

‫الــتــيــن‪ ،‬وإن الــوصــول إلــيــهــم بالباخرة‬ ‫يستغرق أيامًا طويلة‪.‬‬ ‫على أيــة حــال‪ ،‬أستطيع أن أقــول لك‪:‬‬ ‫إن الــبــحــر هــو الــحــيــاة‪ ،‬وه ــو العنصر‬ ‫األساس في اإلسكندرية كمكان ووجود‪.‬‬ ‫لكن ولكون العمل الروائي بناء عضوي‬ ‫متكامل‪ ،‬فــإن ما لم يكن المكان يشكل‬ ‫عنصرًا جوهريا من عناصر هذا البناء‪،‬‬ ‫فإنه ال يزيد على كونه مجرد حلية كمالية‬ ‫للعمل‪ .‬وأنا حين أكتب عن اإلسكندرية‪،‬‬ ‫فليس بالضرورة أن أكتب عن شوارعها‬ ‫ومبانيها وبــحــرهــا وشــواطــئــهــا‪ ،‬ألنني‬ ‫أتــنــاول اإلنــســان فيما أكتب ســواء كان‬ ‫يقيم بزقاق في حي األنفوشي‪ ،‬أو في‬ ‫هوليود بوليفار‪ .‬إن كثيرا من أعمالي كما‬ ‫تعلم‪ ،‬ابتداء من «جالمبو» و«بوابة مورو»‬ ‫وانتهاء بـ«المقلب» و«الحب والزمن»‪ ،‬كان‬ ‫للبحر وجود مهم فيها‪ ،‬تتفاوت درجات‬ ‫حضوره تبعا ألهمية تبادله‪ ،‬ودرجة تأثيره‬ ‫في الشخوص واألحداث‪.‬‬

‫مع نجيب محفوظ‬

‫‪86‬‬

‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬


‫‪ρ ρ‬ألنني مدفوع إلى ذلك الفعل الذي يكاد‬ ‫يــكــون غــريــز ًيــا‪ ،‬والـــذي أسميه أحيانًا‬ ‫بـ«شهوة اإلبــداع»‪ ،‬وألنني لو لم أمارس‬ ‫هذا الفعل الفطري التلقائي فإنني أختل‬ ‫من داخلي‪ ،‬وتتعاكس ملكاتي‪ ،‬وتضطرب‬ ‫نفسي‪ ،‬ويدهمني اكتئاب ال تنقطع موجاته‬ ‫المتعاقبة؛ لكني في الوقت ذاتــه أشعر‬ ‫بثقة شديدة إنني أؤدي رسالة ال مبرر‬ ‫لوجودي على قيد الحياة ما لم أجتهد‬ ‫في توصيلها لعشيرتي في اإلنسانية‪.‬‬ ‫وأن ــا لست أجــهــل أن توصيل الرسالة‬ ‫مــن الكاتب لآلخرين مرتبط بأسباب‬ ‫شتى خارجة عن إرادته‪ ،‬كالنشر والنقد ¦أين أنت من السينما والدراما؟‬ ‫والجمهور القارئ‪ ،‬إال أنني حين أكتب ال‬ ‫‪ρ ρ‬بالنسبة للسينما فحظي معها سيئ‬ ‫أعبأ بسبب واحد من هذه األسباب‪.‬‬ ‫للغاية‪ ،‬فكلما اتفقت مــع مــخــرج على‬ ‫ ¦الـشـكــل ه ــو ال ــوع ــاء الـفـنــي الـ ــذي يصب‬ ‫عمل‪ ،‬تحدث ظروف تحول دون تنفيذه‪.‬‬ ‫المضمون بداخله‪ ،‬ما رؤيتك تجاه هذا؟‬ ‫مثال‪ ،‬اتفقت مع حسن اإلمام على إخراج‬ ‫«بوابة مــورو» ومات قبل أن ينفذه‪ ،‬ومع‬ ‫كامل القليوبي مرة‪ ،‬ومع هشام أبو النصر‬ ‫أخرى على «جالمبو» ولم يحدث شيء‪.‬‬ ‫ثم مع هاني الشين وتقاضيت عربونا‬ ‫عن رواية «األزمنة» ولم تنفذ‪ .‬وغيرهم‪..‬‬ ‫آخــرهــم كــانــت إيــنــاس الــدغــيــدي التي‬ ‫اشترت مني رواية «كف مريم»‪ ،‬واتفقنا‬ ‫مع رفيق الصبان على كتابة السيناريو‪،‬‬ ‫فوقعت صــدامــات عنصرية رهيبة بين‬ ‫المسلمين والمسيحيين‪ ،‬ما جعل الرقابة‬ ‫تتراجع عن موافقتها‪.‬‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫ ¦لماذا تكتب؟‬

‫‪ρ ρ‬إنني أنضم إلى هؤالء الذين ال ينظرون‬ ‫بصورة منفصلة للشكل عن المضمون‪ ،‬إذ‬ ‫إنني أرى فيهما مصهورًا متجانسً ا أذابه‬ ‫الــصــدق الفني‪ .‬ويمكنني إيــضــاح ذلك‬ ‫بطريقة اجتماعية مرة وبطريقة كيمائية‬ ‫بحكم مهنتي‪ -‬مرة أخرى‪ .‬فأما التفسير‬‫االجتماعي فهو يشبه زواج ‪-‬رجل بامرأة‬ ‫على أن يكون الصدق الفني هو المأذون‬ ‫الـ ــذي يــعــقــد عــلــيــهــمــا‪ .‬وأمـ ــا التفسير‬ ‫الكيميائي فهو أن المصهور أو المزيج‬ ‫يصعب فصله إلى مكوناته‪ ،‬على عكس‬ ‫الخليط الذي يمكن فصله إلى العنصرين‬ ‫المكونين له‪.‬‬

‫ ¦نجيب محفوظ كتب عن روايتك (بوابة‬ ‫مـ ـ ــورو)‪ ،‬وكـ ــان يــرســل إل ـيــك ع ـبــر الـبــريــد‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬

‫‪87‬‬


‫محفوظ اإلنــســان»‪ .‬من هنا‪ ،‬كــان ثناؤه‬ ‫ومدحه بمثابة مسؤولية ضخمة تقع على‬

‫عاتقي‪ ،‬إذ قررت منذ اللحظة األولى أن‬ ‫أكــون ج ــادًا‪ ،‬ومنضبطً ا‪ ،‬وأح ــرص على‬

‫تقديم الجديد الــذي يفيد الــقــارئ‪ ،‬وال‬

‫أتعجل الكتابة أو النشر‪.‬‬

‫وج ــه كلمة للقارئ العربي‪،‬‬ ‫ ¦لــو قلت لــك ّ‬ ‫ماذا تقول له؟‬ ‫‪ρ ρ‬درب أوالدك منذ طفولتهم على القراءة‪،‬‬ ‫حتى يشبوا قــارئــيــن مثقفين‪ ،‬وتنضج‬

‫شخصياتهم وتكون سوية قوية صالح ًة‬

‫لبناء المجتمع‪ ،‬فاألطفال والشباب في‬ ‫أوروبا وأمريكا تراهم في الطرقات وفي‬

‫المواصالت يقرأون الكتب‪.‬‬

‫خ ـط ــاب ــات كـتـبـهــا ب ـخــط ي ـ ــده‪ ،‬ك ـيــف كــان‬ ‫شعورك وهو يراسلك؟‬

‫‪88‬‬

‫‪ρ ρ‬كنت مــســرورًا بالطبع‪ ،‬فاألستاذ نجيب‬ ‫محفوظ شخصية استثنائية من الصعب‬ ‫أن تــتــكــرر‪ ،‬إن ــه قــبــل أي ش ــيء إنــســان‬ ‫عظيم‪ ،‬يتمتع بصفات غاية في الروعة‬ ‫والنبل والجمال‪ ،‬ناهيك عن أنــه قيمة‬ ‫وقامة أدبية عالمية ال يستهان بها‪ .‬في‬ ‫عام (‪2011‬م) صدر لي كتاب عن الهيئة‬ ‫المصرية العامة للكتاب‪ ،‬بعنوان‪« :‬نجيب‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬


‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫الهنوف الدغيشم‪:‬‬ ‫الكتابة محاولة للخالص وكل ماسعيت‬ ‫إليه هو صنع السالم بين النساء‬ ‫المتناقضات والمتشابكات داخلي!‬ ‫«فرايبورغ رقة العزلة»‪ ،‬العنوان الذي يضم في ثناياه تجربة الدكتورة الهنوف‬ ‫صالح الدغيشم‪ ،‬في غربتها بألمانيا لدراسة طب األسنان‪ ،‬بروحها اإلبداعية‪،‬‬ ‫«فرايبورغ رقة العزلة»‪ ،‬صادر عن الدار العربية للعلوم ناشرون ‪2016‬م‪ ،‬وهي حاصلة‬ ‫على الدكتوراه في االستعاضة السنية من جامعة فرايبورغ‪ -‬ألمانيا‪ ،‬وحاليا تشغل‬ ‫منصب‪ ،‬رئيسة قسم علوم طب األسنان اإلكلينيكي‪ ،‬في جامعة األميرة نورة‪ ،‬وهي‬ ‫عضو مجلس إدارة الجمعية السعودية لتعليم طب األسنان في دورتها األولــى‪،‬‬ ‫شاركت في العديد من المؤتمرات على المستوى المحلي والعربي والدولي‪ ،‬وكللت‬ ‫هذه المسيرة العلمية بالعديد من الجوائز‪ ،‬وبجريدة الجزيرة الثقافية تكتب‬ ‫زاويــة «الضفة األخــرى»‪ ،‬ترجمت كتاب «كال السعودية ليست دبــي»‪ ،‬من األلمانية‬ ‫للزوجين سيلر عن تجربة حياتهما في الرياض‪ ،‬ونشر بمجلة الفيصل ‪2017‬م‪..‬‬ ‫الجوبة تستضيف صاحبة هذه السيرة المتميزة في حوار تميزه الدكتورة الهنوف‬ ‫بإجاباتها الواضحة والجريئة‪..‬‬ ‫■ حاورها‪ :‬عمر بوقاسم‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬

‫‪89‬‬


‫محاولة للخالص‪!..‬‬

‫منحتني فرصة تأمل مسرح الحياة‪!..‬‬

‫ ¦في أدب كتابة السيرة الذاتية‪ ،‬عادة يقوم الكاتب ¦كيف أسهمت مدينة «فرايبورغ» في دفعك نحو‬ ‫كتابة «فرايبورغ رقة العزلة؟‬ ‫بتوثيق تفاصيل الحياة‪« ،‬فرايبورغ رقة العزلة»‪،‬‬ ‫ت ـجــربــة تـنـتـمــي ل ـن ــوع م ــن أن ـ ــواع أدب ال ـس ـيــرة ‪ρ ρ‬فرايبورغ‪ ،‬المدينة الصغيرة والهادئة‪ ،‬منحتني‬ ‫الذاتية‪ ،‬وبخصوصية التعبير‪ ،‬الدكتورة الهنوف‪،‬‬ ‫فرصة تأمل مسرح الــحــيــاة‪ ،‬الحياة المركبة‬ ‫بمصافحتها األول ــى لـلـقــارئ بـهــذه المجموعة‬ ‫والمتداخلة هّ يأت لي قدرة عالية من اإلدراك‬ ‫التي تحمل روح المغامرة والـجــرأة مع الكلمة‬ ‫والتأمّل‪ .‬لقد أصبحت أؤمن أنني قــادرة‪ ،‬ليس‬ ‫والفكرة‪ .‬عن هذه التجربة وخصوصيتها‪ ،‬ماذا‬ ‫فقط على تجاوز كل ما هو عاصف‪ ،‬بل وموقنة‬ ‫ستسرد الدكتورة الهنوف لنا حول هذه التجربة؟‬ ‫من كــون هــذه التجارب تزيدني قــوة لمواجهة‬

‫‪ρ ρ‬الكتابة كانت محاولة للخالص ومخرج من نمط‬ ‫حياتي لم اعتده‪ ،‬سعيت لتدوين هذه التجربة‬ ‫ألنها مستني بشكل كبير‪ ،‬أعادت ترتيب الكثير‬ ‫من الفوضى داخلي‪ ،‬وربما صنعت فوضى أخرى‬ ‫ذات نمط مغاير‪ .‬إن الصراع‪ ،‬الذي حدث لي‬ ‫داخــل مدينتي فــرايــبــورغ‪ ،‬بين واجباتي كــأم‪،‬‬ ‫وكطبيبة‪ ،‬وكأنثى‪ ،‬وكغريبة وبين المرأة الحرة‬ ‫الــتــي تسعى ألن تــكــون قــويــة ومستقلة‪ ،‬ولها‬ ‫عالمها الخاص الذي يحتويها‪ ،‬أدى إلى حالة‬ ‫من التوتر الداخلي‪ ،‬وكل ما سعيت إليه هو صنع‬ ‫السالم بين النساء المتناقضات والمتشابكات‬ ‫داخلي‪.‬‬

‫الــقــادم‪ ،‬والتغلب على هشاشتي وخيباتي‪ .‬ال‬ ‫يوجد شيء‪ ،‬إذاً‪ ،‬يمكن أن يستنزفني بعد اآلن‪،‬‬ ‫ولم يعد المجهول مخيفاً‪ .‬ربما للوهلة األولى‬ ‫ســأقــول إنــه أثــر المكان؛ لكن مــن الــذي يمنح‬ ‫المكان خصائصه وسماته إال اإلنــســان؟ لقد‬ ‫وجــدت نفسي فــي عزلة ال اختيارية‪ ،‬ولكنها‬ ‫كانت رقيقة وناعمة‪ ،‬لقد بدأت أتأمل نفسي وكل‬ ‫ما يدور حولي‪ ،‬كما أن شعوري الدائم أنني ال‬ ‫مرئية أو غير مدركة من اآلخر‪ ،‬جعلني بسهولة‬ ‫أتناغم كامرأة مع كل أشكالي وأدواري‪ ،‬أي أن‬ ‫تكون حياتي الخارجية أكثر تناغمًا مع روحي‬ ‫وتطلعاتي‪ ،‬وقــد كانت بالنسبة لــي‪ ،‬هــذه هي‬ ‫الحرية‪.‬‬

‫ولذلك‪ ،‬بحثت عن حياة شاسعة يمكن لها أن‬ ‫تحتمل كل أوجهي‪ ،‬وإشباع كل امرأة فيه‪ .‬وفي‬ ‫عزلتي كتبت‪ ،‬كتبت عني في هذه المدينة‪ ،‬عن ¦هل لديك طقوس خاصة بالكتابة؟‬ ‫المرأة التي أراها ألول مرة بهذا الوضوح‪ .‬فلم‬ ‫‪ρ ρ‬ال طقوس وال عادات في الكتابة‪ ،‬أي فكرة طارئة‬ ‫تكن الغربة طريقًا إليهم‪ ،‬كانت الطريق إلى‬ ‫أدونها‪ ،‬غالبًا بعد أن تلح في رأسي‪ ،‬أكتبها في‬ ‫نفسي‪ ،‬فقد قادتني هذه العزلة إلى اكتشاف‬ ‫أي مكان‪ ،‬أحيانًا أسجلها صوتيًا بالجوال‪ ،‬ثم‬ ‫دهــالــيــز روح ــي المعتمة‪ ،‬وكــشــف الــضــوء عن‬ ‫أعود لتدوينها وتنقيحها بشكل جيد‪.‬‬ ‫مــامــحــي الــذهــنــيــة‪ ،‬فنفضت غــبــار الضجر‬ ‫جزء من تكويني وشغفي‪!..‬‬ ‫وشاغبت الرتابة الساكنة داخلي‪ .‬لقد ركضت‬ ‫وحــيــدة داخ ــل مساحات توجّ ساتي الداخلية ¦الــدكـتــورة الـهـنــوف الــدغـيـشــم‪ ،‬رئيسة قسم علوم‬ ‫الشاسعة الخائفة من كل ما هو مجهول وغير‬ ‫طــب األس ـنــان الـســريــري بـجــامـعــة األم ـيــرة ن ــورة‪،‬‬ ‫مدرك‪ ،‬وعبثت ‪ -‬دون أن ألتفت ألحد ‪ -‬باألسئلة‬ ‫ومن الواضح اهتمامك بهذا التخصص وتوغله‬ ‫الساكنة داخلي كأنها براكين متوجّ سة‪.‬‬ ‫في روحــك من خــال مشاركاتك والجوائز التي‬ ‫أسجلها صوتيً ا بالجوال‪!..‬‬

‫‪90‬‬

‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬


‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫حصدتيها حتى اآلن‪ ،‬كيف التقت روح الكاتبة‬ ‫واألديـبــة التي تعتمد على اللغة بالطبيبة التي‬ ‫تهتم بالنظريات وبطبيعة المادة ومكوناتها؟‬ ‫‪ρ ρ‬األدب رفيقي منذ الطفولة‪ ،‬القصص والحكايات‬ ‫ومجالت ماجد كانت جــزءًا كبيرًا من طفولتي‪،‬‬ ‫القراءة والكتابة هي جــزءٌ من تكويني وشغفي‪،‬‬ ‫وكــذلــك جــزءٌ مــن حياتي اليومية‪ ،‬الــقــراءة هي‬ ‫السلوان في خضم الحياة الصاخبة‪ .‬أظــن أن‬ ‫األدب والفنون ترافق اإلنسان وتتسلل في تفاصيل‬ ‫حياته‪ ،‬أما التخصص هي دراسة وجهد لتحقيق‬ ‫أهداف عملية ومادية في الحياة‪.‬‬ ‫ونشأت على قصائد المتنبي‪!..‬‬ ‫ ¦أين الشعر من اهتماماتك؟‬ ‫‪ρ ρ‬الشعر مكون أساس في الوجدان العربي‪ ،‬ونشأت‬ ‫على قصائد المتنبي وام ــرؤ القيس‪ ،‬أمــا اآلن‬ ‫وخصوصا ما‬ ‫ً‬ ‫فترافقني قصائد محمود درويش‪،‬‬ ‫ألقاها بصوته فهي رفيقتي بالسيارة‪.‬‬

‫لبناء وطن طموح‪!..‬‬

‫ ¦حضور المرأة يتفاوت من مجتمع آلخر‪ ،‬قد يكون‬ ‫التعبير له داللته االجتماعية‪!..‬‬ ‫أحــد أسـبــاب هــذا الـتـفــاوت التكوين المجتمعي‪،‬‬ ‫ ¦«م ــا أج ـم ـل ــه»‪« ..‬ك ــام ي ـج ـنــن»‪« ..‬ي ـف ــوق الــوصــف‬ ‫ولكن من المالحظ أن حضور المرأة في المنابر‬ ‫ويــأخــذ ال ـع ـقــل»‪ ..‬ه ــذه ال ـع ـبــارات تـخــص ال ـمــرأة‬ ‫اإلعالمية والثقافية ومشاركتها فــي الفعاليات‬ ‫وطبيعتها وأقصد العاطفة عندما تعجب بشيء‬ ‫في تزايد اآلن‪ ،‬ما رأيك؟‬ ‫مــا‪ ،‬وهـنــا استحضر مقولة لــروبـيــن الك ــوف‪( :‬إن‬ ‫ال ـمــرأة تـتــردد وتـسـتـخــدم أسـلــوبـ ًا أقــل حــزمـ ًا من ‪ρ ρ‬لقد حرقت الــمــرأة السعودية المسافات التي‬ ‫ال ــرج ــل)؛ مــن هـنــا‪ُ ،‬يـسـتـغــرب حـضــور ال ـمــرأة في‬ ‫فاتتها ســابـ ًقــا‪ ،‬لتقف مــع زميلها الــرجــل لبناء‬ ‫الفضاء النقدي‪ ،.‬الدكتورة الهنوف‪ ،‬مــاذا تقول‬ ‫وطن طموح‪ ،‬ولم يكن لهذا أن يحدث لوال دعم‬ ‫في هذا االتجاه؟‬ ‫الملك سلمان حفظه اهلل ورؤية األمير محمد بن‬ ‫ولنرى ما هو رأي الرجل إذا رأى سيارة لمبرقيني‬ ‫سلمان الطموحة‪ ،‬والتي من أهدافها دعم المرأة‬ ‫أو فيراري ماذا سيقول؟ وكيف سيعبر عن دهشته؟‬ ‫السعودية‪ ،‬وتصعيد تمكينها في كل الجوانب‪.‬‬ ‫‪ρ ρ‬أعتقد أن اختيار األلفاظ في التعبير له داللته‬ ‫إن هذا التغير االجتماعي أتاح للمرأة السعودية‬ ‫االجتماعية والتربوية‪ ،‬ويرتبط حتمًا بالسياق‪،‬‬ ‫الحضور في المنابر اإلعالمية والثقافية‪ ،‬وتكون‬ ‫ولكن فعليًا حينما يكون األمر متعلقاً بعمل سواء‬ ‫جزءًا من المشهد الثقافي وتشكيله‪ ،‬حتى يبدو‬ ‫كان ثقافيًا أو غيره كالنقد فيجب أال نرى لجندر‬ ‫اآلن أن الحديث عــن حقوق الــمــرأة السعودية‬ ‫الكاتب أو الكاتبة‪ ،‬وكذلك الناقد أو الناقدة‪،‬‬ ‫تجاوزناه بكثير‪ ،‬وهلل الحمد‪.‬‬ ‫وكيف سيؤثر على العمل‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬

‫‪91‬‬


‫الملحق الثقافي بالسفارة السعودية في ألمانيا د‪ .‬عبدالرحمن بن حمد الحميضي يكرم الدكتورة الهنوف‬

‫لدي حساب‪!..‬‬ ‫ ¦«ت ــوي ـت ــر‪ ،‬ف ـيــس بـ ــوك‪ ،‬كـ ـي ــك‪ ...،‬وغ ـي ــره ــا»‪ ،‬نــوافــذ‬ ‫لـلـتــواصــل االجـتـمــاعــي الـمـهـمــة والـمـنـتـشــرة على‬ ‫الـشـبـكــة الـعـنـكـبــوتـيــة‪ ،‬م ــا م ــدى اه ـت ـمــامــك بـهــذه‬ ‫النوافذ؟‬

‫ومؤتمرات عربية ودولـيــة‪ ،‬ودورات تدريبية‪ ،‬وليس‬ ‫هناك إشارات عن مشاركاتك األدبية‪ ،‬هل أنت مقلة‬ ‫بالفعل في الحضور عن المشاركات األدبية‪..‬؟‬ ‫اهتمامي ب ــاألدب هــو اتـبــاع لشغفي‪ ،‬ولكنه ليس‬ ‫تكريساً للحضور على أي منصة‪.‬‬

‫‪ρ ρ‬لست نشطة في مواقع التواصل االجتماعي‪ ،‬لدي‬ ‫حساب فــي تويتر واالنـسـتـقــرام‪ ،‬أشعر أن تويتر‬ ‫منصة للمتابعة االجتماعية‪ ،‬أما االنستقرام للتسلية ¦وعــن جــديــدك‪ ..‬ولكن هنا أخــص جــديــدك األدبــي‬ ‫الخاص باألديبة الكاتبة الهنوف الدغيشم؟‬ ‫أكثر‪ .‬كالهما أمنحهما من وقتي ما تيسر منه‪.‬‬ ‫‪ρ ρ‬لدي عمل أرجو أن يرى النور قريبًا‪.‬‬ ‫يمنحني فرصة لرؤية العمل‪!..‬‬ ‫امتداد لمكتبة والدي‪!..‬‬ ‫ ¦هل هناك قراءات نقدية سعت لقراءة «رقة العزلة»‪،‬‬ ‫قريباً‪!..‬‬

‫‪92‬‬

‫ ¦هل للقارئ أن يتعرف على محتوى مكتبة الدكتورة‬ ‫وهل تخشين النقد؟‬ ‫الهنوف؟‬ ‫‪ρ ρ‬نعم‪ ،‬هناك قراءات نقدية ومنها كانت للناقد محمد‬ ‫العباس‪ .‬أُسعد جـدًا بالنقد فهو يمنحني فرصة ‪ρ ρ‬مكتبتي هي امتداد لمكتبة والدي‪ ،‬لقد نشأت وأنا‬ ‫أرى مكتبة عامرة بالكتب العلمية واألدبية‪ ،‬وذات‬ ‫لرؤية العمل من جوانب ربما غابت عني‪ ،‬كأن النص‬ ‫تنوع ثقافي كبير‪ ،‬وصعب علي أن أخــرج منها‪،‬‬ ‫أصبح متعددًا‪.‬‬ ‫فرفوف كتبي امتزجت مع رفــوف كتبه‪ ،‬وهــو له‬ ‫ليس تكريس للحضور‪!..‬‬ ‫التأثير األكبر في قــراءاتــي وتطوير مهارتي منذ‬ ‫ ¦وأن ــا أق ــرأ سـيــرتــك ال ــذات ـي ــة‪ ،‬ه ـنــاك م ــا يـشـيــر إلــى‬ ‫الصغر‪ .‬وإن كنت أميل إلى الكتب األدبية والشعرية‪،‬‬ ‫حصدك لجوائز علمية على المستويين المحلي‬ ‫فــإن المكتبة أوســع مــن ذلــك لتحتوي التاريخية‬ ‫والفلسفية والدينية والعلمية‪.‬‬ ‫وال ـ ــدول ـ ــي‪ ،‬ف ـض ــا ع ـل ــى ال ـم ـش ــارك ــات ف ــي نـ ــدوات‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬


‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫مع الشاعر الكبير والمترجم المصري‬ ‫محمد عيد إبراهيم‬

‫الشعر ديوان العرب أكذوبة كبرى!‬ ‫ُولــد محمد عيد إبراهيم (شــاعــر ومترجم مـصــري) فــي القاهرة عــام ‪1955‬م‪،‬‬ ‫وتخرج من كلية اإلعــام ‪ -‬جامعة القاهرة عــام ‪1978‬م‪ .‬شــارك في إصــدار مجلة‬ ‫الكتابة السوداء مع مجموعة أصــوات التي ضمت عــددًا من شعراء السبعينيات‬ ‫منهم (عبدالمقصود عبدالكريم وأحمد طــه)‪ ،‬وقــد صــدر من هــذه المجلة عدد‬ ‫واحد فقط‪ ،‬وقد أحدث دويًا في الحياة الثقافية في مصر في ذلك الوقت‪.‬‬ ‫أصدر مجموعات شعرية‪ ،‬وهي (طور الوحشة ‪ -‬قبر لينقض ‪ -‬المالك األحمر‪-‬‬ ‫مخلب الفراشة ‪ -‬خضراء اهلل ‪ -‬بكاء بكعب خشن ‪ -‬فحم التماثيل ‪ -‬السندباد‬ ‫رب على شكل طائر)‪.‬‬ ‫الكافر ‪ -‬مجنون الصنم ‪ -‬عيد النساج ‪ٌّ -‬‬ ‫أنشأ سلسلة آفاق الترجمة في هيئة قصور الثقافة‪ ،‬وقد عمل مديرً ا لتحريرها‬ ‫مــا يــزيــد على عامين‪ ،‬أص ــدر فيها (أربـعــة وخمسين عـمـاً)‪.‬وقــد تــرجــم لكل من‬ ‫(بورخيس‪ ،‬وميالن كونديرا‪ ،‬وجورج باتاي‪ ،‬وجالل الدين الرومي)‪.‬‬ ‫ق ــدَّ م كـ َتــا ًبــا مهمً ا هــو «أن ـمــاط قصيدة الـنـثــر» للشاعرين األمريكيين (بــريــان‬ ‫كليمنس وجمي دونام)‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬

‫‪93‬‬


‫ترجم للمفكر الـحــداثــي المصري األمــريـكــي إيـهــاب حسن (منعطف مــا بعد‬ ‫الحداثة)‪.‬‬ ‫والترجمة‪ ،‬كما يراها محمد عيد هي نقل النص من سياق معرفي‪ ،‬وثقافي‪،‬‬ ‫وحضاري مختلف إلى لغة جديدة‪.‬‬ ‫«الجوبة» زارت ‏الشاعر والمترجم‪ /‬محمد عيد إبراهيم رحمه اهلل واجرت هذا‬ ‫الحوار قبل وفاته يوم األحد ‪٢٠٢٠-١-٥‬م ‪:‬‬ ‫■ حاوره‪ :‬كمال أبو النور‬

‫ ¦متى بدأت العالقة بينك وبين الكتابة؟‬ ‫‪ρ ρ‬بدأت العالقة منذ المرحلة اإلعدادية‪،‬‬ ‫حين كنت أداوم في مكتبة «دير المالك»‬ ‫أسستني‬ ‫بــحــدائــق الــقــبــة‪ ،‬وهــي الــتــي َّ‬

‫بالفعل‪.‬‬

‫ ¦ماهي أول قصيدة نشرتها؟‬ ‫‪ρ ρ‬نــشــرتُ أولــى قصائدي عــن أول رجل‬ ‫صعد إلى القمر‪ ،‬وعن أول امرأة سوداء‬

‫ثارت ضد التفرقة العنصرية في أمريكا‪،‬‬

‫ونشر لي رشاد رشدي أول قصيدة في‬ ‫حياتي في مجلة عام ‪1974‬م‪.‬‬

‫ ¦مـ ــاهـ ــي خـ ـط ــوات ــك األول ـ ـ ـ ــى ل ــان ـت ـق ــال‬ ‫مــن ال ـبــدايــات إل ــى مـشــروعــك الشعري‬

‫منا ديــوا ًنــا ثــم تــوقـ َفــت‪ ،‬وســار كــل منا‬ ‫في طريقه‪ ،‬وبــدأتُ النشر والترجمة‪،‬‬ ‫وتحسستُ مشروعي الجمالي روي ـدًا‬ ‫رويـ ـدًا‪ ،‬حتى ظهرت خطوطه البيانية‬ ‫التي أسير عليها حتى اآلن‪.‬‬ ‫ ¦هل تذكر رد فعل النقاد على محاوالتك‬ ‫األولى في قصيدة النثر؟‬ ‫‪ρ ρ‬كان الطريق عدائيًا منذ البداية؛ لكنني‬ ‫قابلت ذلك بالصبر والعناد واالستمرار‬ ‫دائــمــا فــي اتــجــاهــي الــجــمــالــي شــعـرًا‬ ‫وترجمة‪ ،‬مــثــا‪ ..‬عندما قــرأ الــروائــي‬ ‫(خيري شلبي) أول ديوان لي أساء إليَّ‬ ‫وسط الجميع؛ ثم بعد ذلك غير رأيه‬ ‫تماما‪.‬‬

‫الخاص؟‬ ‫ـك لـلـتــرجـمــة م ـحــاولــة‬ ‫ ¦ه ــل كـ ــان ت ــوج ـه ـ َ‬ ‫للبحث عــن فـضــاءات أخ ــرى‪ ،‬واستلهام‬ ‫أسسوا جماعة‬ ‫‪ρ ρ‬كنتُ واح ـدًا من الذين َّ‬ ‫تجارب شعرية مغايرة؟‬ ‫أص ـ ــوات م ــع (عــبــدالــمــنــعــم رمــضــان‪،‬‬

‫‪94‬‬

‫وعبدالمقصود عبدالكريم‪ ،‬وأحمد طه‪ρ ρ ،‬كان توجهي للترجمة نوعً ا من مواجهة‬ ‫ومحمد سليمان‪ ،‬والــفــنــان التشكيلي‬ ‫ذلــك العناد الــذي تُقابل به قصيدتي؛‬ ‫ـوصــا شبيهة من‬ ‫فــرحــتُ أتــرجــم نــصـ ً‬ ‫محمود الــهــنــدي)‪ .‬أصــدرنــا فيها لكل‬

‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬


‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬ ‫األدب العالمي سواء في شكل شعري‪،‬‬ ‫أو قصصي‪ ،‬أو مــســرحــي‪ ،‬أو نقدي‪،‬‬ ‫أو روائــي؛ فعدَّ دتُ أمــام الناس‪ ،‬نوافذ ¦هــل م ــرت الـقـصـيــدة الـعــربـيــة‪ ،‬بمرحلة‬ ‫للشعر المركب المطروح في العالم‪،‬‬ ‫تغريب مضطردة؛ بسبب انفتاح شعراء‬ ‫وأن للشعر تقريبا وجهَين‪ :‬إما مركب‪،‬‬ ‫م ـث ــل (أنـ ـس ــي الـ ـح ــاج وي ــوس ــف ال ـخ ــال‬ ‫أو بسيط‪ ،‬وأحيانا ما بين بين‪.‬‬ ‫وأدونيس) وغيرهم على تجارب الشعراء‬ ‫ ¦أن ــتَ كشاعر مــن السبعينيات‪ ،‬لــم تبدأ‬ ‫الغربيين؟‬ ‫كأقرانك بالعمودي‪ ،‬وال التفعيلة‪ ،‬وإنما ‪ρ ρ‬اتهام اإلبــداع العربي بالتغريب؛ نتيجة‬ ‫ب ـ ــدأت بــال ـن ـثــر‪ ،‬ف ـهــل ل ــذل ــك أص ـ ــول في‬ ‫لتأثره باألدب الغربي‪ ،‬مسألة لها وجهان‪:‬‬ ‫التراث العربي؟‬ ‫فقد تأثر األدب الغربي أيضا باألدب‬ ‫الــتــراث الــســردي‪ ،‬مع بــدايــات قصيدة‬ ‫النثر في خمسينيات القرن العشرين‪.‬‬

‫‪ρ ρ‬أرى أن مقولة‪« :‬الشعر ديــوان العرب»‬ ‫أكــذوبــة كــبــرى؛ فــالــمــدونــات العربية‬ ‫السردية تتوافر بشكل أكبر‪ ،‬وأعلى فنية‬ ‫من الشعر العربي السائد في التراث مثل‪:‬‬ ‫كتاب النفري «المواقف والمخاطبات»‪،‬‬ ‫وكتاب ابن عربي‪ ،‬والسهرودي القتيل‪،‬‬ ‫وخطب قُس بن ساعدة‪ ،‬وابن الكاتب‪،‬‬ ‫والمدونات األندلسية‪ ،‬وكتاب ألف ليلة‪،‬‬ ‫والمالحم العربية‪ ،‬وأبــو زيــد الهاللي‬ ‫وغــيــرهــم‪ ،‬ولــذلــك‪ ،‬تــم اســتــعــادة هــذا‬

‫العربي‪ ،‬فقيل‪ :‬إن دون كيخوته كتبها‬ ‫شاعر عربي أصالً‪ ،‬وقيل‪ :‬إن الكوميديا‬ ‫اإللهية كتبها دانــتــي؛ متأثرا برسالة‬ ‫الغفران للمعري‪ ،‬وبورخيس كان يستلهم‬ ‫من القرآن‪ ،‬وألف ليلة وغيرها الكثير‪،‬‬ ‫حتى لو كانت هذه مجرد شائعات؛ إال‬ ‫إن التناص الكبير يــدل على التفاعل‬ ‫الثقافي بين الحضارتين اإلسالمية‬ ‫والغربية في العصور الوسطى‪ ،‬حتى‬ ‫إن رواي ــة «روبــنــســون كـــروزو» للروائي‬

‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬

‫‪95‬‬


‫اإلنجليزي «دانييل ديفو » تأثرت إلى‬ ‫حد كبير (بحي بن يقظان) البن طفيل‪،‬‬ ‫وتعد هــذه الــروايــة من بــدايــات األدب‬ ‫الغربي‪.‬‬ ‫وعموما‪ ،‬فإن هذا السجال الثقافي بين‬ ‫الحضارات دليل عافية ال مرضاً‪ ،‬كلنا‬ ‫بقدر حسب‬ ‫ٍ‬ ‫يأخذ من التراث العالمي‬ ‫رؤيته‪ ،‬فلم يبتدع أحد شيئا وحــده‪ ،‬بل‬ ‫ثــمــة تــنــاصــات وتــقــابــات عــديــدة في‬ ‫الشرق والغرب‪ ،‬والعرب قديمًا الحظوا‬ ‫ذلك‪ ،‬فكانوا يقولون‪( :‬وقع الحافر على‬ ‫الحافر)‪.‬‬ ‫ ¦تـتـعــرض قـصـيــدة الـنـثــر لهجمة شرسة‬ ‫مـ ــن ج ــان ــب الـ ـنـ ـق ــاد الـ ــذيـ ــن ت ـج ــاوزه ــم‬ ‫ال ــزم ــن‪ ،‬ف ـهــل ه ـن ــاك مـ ـح ــاوالت نـقــديــة‬ ‫تُأصل لقصيدة النثر؟‬ ‫‪ρ ρ‬تــعــلـ ُم أن الــقــصــيــدة الــمــوزونــة تسمح‬ ‫بــأغــراض الدعاية والمديح والتملق‪،‬‬ ‫بعكس قصيدة الــنــثــر‪ ،‬فإنها تحتفي‬ ‫باإلنسان اآلن؛ فهي قصيدة الهامش‬

‫‪96‬‬

‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬

‫والتمرد؛ إنها المشروع الحياتي الذي‬ ‫نعيشه اآلن في القرن الواحد والعشرين؛‬ ‫فــا يصح أن نكتب الشعر العمودي‬ ‫الــذي يــوازي شكل الخيمة العربية ما‬ ‫قبل اإلســام‪ ،‬نحن نتعامل مع وسائط‬ ‫االتصال الجماهيرية الغالبة التي صارت‬ ‫تضم مئات الماليين عبر العالم‪ ،‬وكانت‬ ‫البداية في نظري من كتاب لويس عوض‬ ‫(بلوتوالند) وبالذات مقدمته الصاخبة‬ ‫(حــطــمــوا عــمــود الــشــعــر)‪ ،‬وكـــان هــذا‬ ‫في األربعينيات قبل شيوع مجلة شعر‬ ‫اللبنانية بعشرين عاما‪ ،‬عموما ال تهم‬ ‫البدايات‪ ،‬لكن المهم مَن ثابر وواصل‬ ‫واســتــمــر‪ ،‬حتى ص ــارت قصيدة النثر‬ ‫هي المتن اآلن‪ ،‬وصــار شعر التفعيلة‬ ‫هو الهامش‪ ،‬صارت قصيدة النثر هي‬ ‫المجرى الواسع الذي يضم الفنون كلها‬ ‫تقريبا‪ ،‬فهي تعمل أساسً ا على تزاوج‬ ‫الــفــنــون‪ ،‬وتستخدم ثِيمة الــســرد من‬ ‫الرواية‪ ،‬وثِيمة السيناريو من السينما‪،‬‬ ‫وثِيمة الديالوج والمنولوج من المسرح‪،‬‬


‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫كما تستخدم البقع اللونية والتجريد‬ ‫والتجسيد من الفن التشكيلي؛ واألهم‬

‫من ذلك كله أن قصيدة النثر ال تلغي‬ ‫اإليقاع‪ ،‬فقد استبدلت الوزن بالترادف‬

‫والنبر والسجع وغيرها مــن كــل قيم‬ ‫وأشكال الموسيقى في الشعر العربي‪،‬‬

‫خاصة لو كان شاعر قصيدة النثر يملك‬

‫اللغة؛ فسيجد بــدائــل كثيرة لإليقاع‬ ‫أكثر من أوزان الفراهيدي‪ ،‬ولألسف‬

‫يشيع اآلن ما يشبه (عمود النثر) مقابل‬ ‫(عمود الشعر)‪ ،‬إذ يرى كثير من الشعراء‬

‫النحو العربي‪ ،‬واالستزادة من توظيف‬ ‫ع ــدد أكــبــر مــن الــمــفــردات‪ ،‬مــع طــرح‬ ‫مفهومه الخاص لرؤية الشعرية في عالم‬ ‫جديد‪ ،‬يكتبه وكأنه يكتب للمرة األولى‪،‬‬ ‫وقــد يستخدم أي شــيء فــي قصيدته‬ ‫ســــواء م ــخ ــزون شــعــبــي م ــن خــرافــات‬ ‫وأساطير‪ ،‬أو يستخدم ما يهضمه من‬ ‫الــتــراث اإلنساني بشكل عــام أو شيء‬ ‫قد يبتدعه‪ ،‬فال قانون في قصيدة النثر‬ ‫إال التجدد الدائم‪ ،‬والتطوير إلى أعلى‬ ‫دائما مع وضع تصور لصيرورة اللغة‪.‬‬

‫الجدد أن قصيدة النثر هي مجرد سرد ¦ت ــرج ـم ــة أع ـ ـمـ ــال ال ـم ـب ــدع ـي ــن أص ـح ــاب‬ ‫الجوائز والشهرة يجعل المترجم أشبه‬ ‫ظاهري سطحي للذكريات؛ يغرق في‬ ‫بفراشة حول الضوء‪ ،‬هل يمكن اعتباره‬ ‫الذاتية المريضة‪ ،‬وينحو إلــى لغة ال‬ ‫انتشارًا في غياب المضمون؟‬ ‫مالمح لها‪ ،‬وال حراشف وال أظــاف‪،‬‬ ‫على شــاعــر قصيدة النثر الحقيقي‪،‬‬

‫أن يــوازن ما بين اللغة والثقافة‪ ،‬وبين‬ ‫اللغة وهضم ما حوله واستيعابه وتمثله‬

‫والسمو به من الذاتية المحدودة إلى‬ ‫الموضوعية الواسعة‪ ،‬مع استيعابه لعَالم‬

‫‪ρ ρ‬مسألة الترجمة شائكة للغاية‪ ،‬وتحتاج‬ ‫إلى مؤسسات ضخمة للقيام بها‪ ،‬نحن‬ ‫نترجم نحو ألف كتاب في السنة في كل‬ ‫العالم العربي‪ ،‬بينما دار نشر واحــدة‬ ‫«جليمار» في فرنسا تترجم أكثر من‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬

‫‪97‬‬


‫أضعاف هذا الرقم سنويا‪ ،‬حتى الدولة‬ ‫العبرية ‪ -‬بلغة ميتة‪ -‬تترجم خمسة‬ ‫عشر ألفا في السنة‪ ،‬كما أن العرب في‬ ‫ترجماتهم يغلب عليها ترجمات أدبية‪،‬‬ ‫ونحن فــي أشــد الحاجة إلــى مسايرة‬ ‫الــعــالــم؛ لــتــرجــمــة الــعــلــم‪،‬الــمــؤســســات‬ ‫العربية تنظر إلــى المترجم على أنه‬ ‫(عتَّال الثقافة)‪ ،‬ينقل هذا التنوير من‬ ‫هناك إلى هنا‪ ،‬وال يأخذ إال الفتات من‬ ‫الغالب األعم‪ ،‬بينما في الغرب قد يعيش‬ ‫المترجم من نتاج أعماله حتى يموت‬ ‫حياة كريمة‪ ،‬أما الترجمة العكسية من‬ ‫العربية إلــى اللغات األخ ــرى فتخضع‬ ‫لمقياس غاشم‪ ،‬فالناشر األوروبي يريد‬ ‫أن يُسيَّد صــورة ســاذجــة عــن الشرق؛‬ ‫فيميل إلــى ترجمة األدب السطحي‪،‬‬ ‫وأحيانا يدفع المبدع العربي للمترجم‬

‫‪98‬‬

‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬

‫الــغــربــي؛ حتى يترجم لــه على الرغم‬ ‫من هشاشة نصه‪ ،‬ونجد أن كثيرًا مما‬ ‫يترجم لهم ال يخضعون لمقياس أدبي‬ ‫صــارم؛ وهذا مما يثير األســى‪ ،‬وهناك‬ ‫من يترجم األعــمــال الفائزة بالجوائز‬ ‫العالمية فور اإلعالن عن الجائزة‪ ،‬وال‬ ‫يعنيه جودة النص‪ ،‬فجائزة نوبل صارت‬ ‫تبتذل األدب‪ ،‬فقد حصلت صحفية‬ ‫عــلــى الــجــائــزة لــمــجــرد كــتــابــتــهــا عن‬ ‫(تشرنوبل)‪ ،‬وحصل مطرب مؤخرًا على‬ ‫الجائزة؛ ألعماله الغنائية‪ ،‬وهو ما يفقد‬ ‫مصداقية هذه الجائزة‪ ،‬وحين تتدخل‬ ‫السياسة يَضعف المقياس األدبي كما‬ ‫يحدث أحيانا في جائزة (البوكر)‪ ،‬حيث‬ ‫لبلد‬ ‫يصرون مؤخرًا على منح الجائزة ٍ‬ ‫عــربــي جــديــد كــل ع ــام‪ ،‬وهــو مــا يبعد‬ ‫المقياس الجمالي نسبيًا عن الجائزة‪.‬‬


‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫الكاتب األمريكي ستيفن كينج‬

‫ُمتحدث ًا عن وباء الكورونا العالمي‪:‬‬

‫آسف ألنك تشعر وكأنك‬ ‫عالق في احدى رواياتي!‬ ‫ستيفن كينغ‪ ،‬كاتب أمريكي يعد من أنجح الكتاب واألكثر تحقيق ًا للمبيعات‪،‬‬ ‫صنع لنفسه بكتبه الرائعة اسم ًا محترم ًا في فئات الرعب والخيال‪ ،‬وأغلب أعماله‬ ‫تم اعتمادها قصص ًا لألفالم‪ ،‬وكان آخرها فيلم ‪.IT‬‬ ‫ولــد في ‪ 21‬أيلول من العام ‪1947‬م في بورتالند في واليــة ماين‪ ،‬وعــاش طفولةً‬ ‫صعبة وظروف ًا مادية سيئة‪ ،‬وربّته أمه العازبة لوحدها‪ ،‬وشهد موت صديقه بشكل‬ ‫شنيع بحادثة قطار‪..‬‬ ‫تـخـرّج مــن جامعة ماين وعمل الحـقـ ًا كـمــدّ رس‪ ،‬وأثـنــاء عمله فــي الـتــدريــس بدأ‬ ‫يؤسس نفسه ككاتب‪.‬‬ ‫ق ــام ستيفن كينغ بنشر ع ــدة أع ـمــال لــه تـحــت اس ــم مـسـتـعــار (ري ـت ـشــارد باكمان‬ ‫(‪ ،Richard Bachman‬الطريف باألمر هو أن أعماله بهذا االســم المستعار حققت‬ ‫نجاحها عندما كشف أن ريتشارد باكمان هو ستيفن كينغ‪..‬‬ ‫كانت أول روايات الرعب التي نشرها ستيفن كينغ رواية ‪ Carrie‬التي حققت نجاح ًا‬ ‫كبيراً‪ .‬خالل السنوات التالية عُ رف ستيفن كينغ بعناوينه الالذعة الناجحة تجارياً‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬

‫‪99‬‬


‫كتب ستيفن كينغ أكثر مــن (‪ )50‬رواي ــة ومـئــات القصص القصيرة‪ ،‬وبــاع أكثر مــن (‪)350‬‬ ‫مليون نسخة من كتبه على مستوى العالم‪ ،‬تم أخذ الكثير من أعماله كقصص ألفالم الرعب‬ ‫الخيال‪ ..‬كانت جميعها أفالم ًا ناجحة‪.‬‬ ‫في روايته ‪ ،The Stand‬كتب المؤلف ستيفن كينغ عن جائحة فيروسية قضت على سكان‬ ‫العالم‪ .‬وهو يتابع اآلن ما يقوله المعجبون إن تجربة تفشي ‪ COVID-19‬تبدو وكأن الجميع‬ ‫عالق في إحدى رواياته المرعبة‪.‬‬ ‫يقول كينج «كل يوم أقرأ تعليقات القراء وأسمعهم يقولون‪ :‬نشعر وكأننا عالقون في قصة‬ ‫لستيفن كينغ‪ ،‬ورد فعلي الوحيد على ذلك «أنا آسف»‪.‬‬ ‫يقول كينغ إن وباءً مثل ‪ COVID-19‬كان ال بد أن يحدث‪ .‬رغم أنه لم تكن هناك أي شكوك‬ ‫أساسا في الحياة اليومية‪ ،‬وأنه عاج ًال أم‬ ‫في مجتمعنا على اإلطالق‪ ،‬إذ يشكل السفر عنصرً ا ً‬ ‫آجالً‪ ،‬سيكون هناك فيروس سوف يتصل بالجمهور بشكل عام‪.‬‬ ‫على الرغم من أنه تم تصنيفه ككاتب رعب‪ ،‬إال أن كينغ يقول إنه مهتم للغاية باستكشاف‬ ‫«اقتحام ما هو غير متوقع وغريب» في حياة الناس العاديين‪.‬‬ ‫تتحدث مجموعته القصصية الجديدة ‪ ،If it Bleeds‬عن «هولي جيبني»‪ ،‬وهو محقق خاص‬ ‫لديه قدرة خارقة‪ .‬ظهرت تلك الشخصية في العديد من رواياته األخــرى‪ ،‬بما في ذلك ‪The‬‬ ‫‪.Outsider‬‬ ‫يقول كينغ متحدث ًا عــن بطل مجموعته القصصية «هــولــي جييني» إن هناك أشخاص ًا‬ ‫عاديين نقابلهم في حياتنا العادية لديهم تلك القدرات الهائلة الفريدة في نوعها»‪« .‬يمكن‬ ‫للناس أن تناديني بكاتب رعب إذا أرادوا ذلك‪ ،‬وال بأس فأنا سعيد بذلك‪ .‬لكن أعتقد أنني أفعل‬ ‫الكثير‪ ،‬فأنا مهتم بِ س ّر ما نحن عليه وما نستطيع القيام به كأشخاص»‬ ‫ ■ حوار‪ :‬تيري غروس‬ ‫ ترجمة‪ :‬أميرة الوصيف‬

‫ ¦إل ــى أي م ــدى سـيـتــرك وب ــاء كــورونــا أثــره‬ ‫على أبناء الجيل الحالي؟‬ ‫‪ρ ρ‬بالنسبة لي‪ ،‬كرجل في السبعينيات من‬ ‫عمره اآلن‪ ،‬أتذكر والدتي وهي تتحدث‬ ‫عــن الــكــســاد الــكــبــيــر‪ ،‬فــقــد خــلــف هــذا‬

‫الكساد ندبة في الروح‪ ،‬تسبب في صدمة‬

‫‪100‬‬

‫ألجيال بأكملها‪ .‬بالنسبة لجائحة كورونا؛‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬

‫ال على حفيدتي ‪ -‬التي‬ ‫فأنا أرى أثرها مث ً‬ ‫لم تعد تتمكن من رؤية أصدقائها‪ ،‬يمكنهم‬ ‫االلتقاء فقط عبر برنامج سكايب من‬ ‫حين آلخر‪ .‬إنها عالقة في المنزل اآلن‪.‬‬ ‫أتخيل عندما تكبر‪ ،‬ويصبح لها أوالد‪،‬‬ ‫وتسمعهم يقولون‪« ،‬يا إلهي‪ ،‬أشعر بالملل‬ ‫الشديد‪ ،‬ال أستطيع الخروج!»‪ .‬ستقول‬


‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬ ‫ستيفن كينج في الحجر المنزلي أثناء وباء كورونا‬

‫ستيفن كينج يعمل في مكتبه الخاص‬

‫لستيفن كينج في إحدى حفالت توقيعه‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬

‫‪101‬‬


‫صورة لمكتب ستيفن كينج‬

‫لهم حفيدتي على الفور «كــان يجب أن‬ ‫تكونوا في عام ‪2020‬م‪ ،‬ألننا كنا عالقين‬ ‫في منازلنا لشهور! لم نتمكن من الخروج‬ ‫بسبب خوفنا من الجراثيم!»‬ ‫ ¦كيف توفر الكتابة هروبًا من الواقع؟‬

‫‪102‬‬

‫عمري ‪ 7‬أو ‪ 8‬سنوات ‪ -‬ما أزال أشعر‬ ‫بنفس الشعور الــذي كنت أشعر به في‬ ‫األيام األولى في الكتابة‪ ،‬وهو ما سأفعله‬ ‫لترك العالم العادي لعالمي‪ ،‬وهي تجربة‬ ‫رائعة ومبهجة‪ .‬أنــا ممتن للغاية ألنني‬ ‫قادر على الحصول على هذا الوقت من‬ ‫أجل الكتابة‪.‬‬

‫‪ρ ρ‬عــشــرون ســاعــة فــي الــيــوم‪ ،‬أعــيــش في‬ ‫الواقع نفسه الــذي يعيش فيه الجميع‪.‬‬ ‫ولكن لمدة أربع ساعات في اليوم‪ ،‬تتغير ¦هــل تفكر فــي إع ــادة كتابة رواي ـتــك التي‬ ‫تـتـحــدث عــن ال ــوب ــاء لـتـتــوافــق مــع الـعــام‬ ‫األشــيــاء‪ .‬وإذا سألتني يومًا عن كيفية‬ ‫‪2020‬م؟‬ ‫حدوث ذلك أو سبب حدوثه‪ ،‬فيجب أن‬ ‫أخبرك أنه لغز بالنسبة لي بقدر ما هو ‪ρ ρ‬بالفعل‪ ..‬فكرت فــي ذلــك‪ ،‬ثــم تــرددت؛‬ ‫ألن في روايتي التي وقعت أحداثها في‬ ‫األمر بالنسبة ألي شخص آخــر‪ ...‬وفي‬ ‫الماضي كان أبطالها يسافرون في رحلة‬ ‫جميع السنوات التي كنت أقوم فيها بذلك‬ ‫بحرية حول العالم‪ ،‬وأنا أعتقد أن هذا لن‬ ‫ منذ أن اكتشفت الموهبة عندما كان‬‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬


‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫صورة للكاتب ستيفن كينج في إحدى لقاءاته المفتوحة‬

‫يحدث أو ربما سوف يندر بسبب أجواء ¦ما هو الــدور الــذي يلعبه أدب الرعب في‬ ‫جائحة كــورونــا‪ ،‬لــذا ت ــرددت فــي إعــادة‬ ‫ال ــوق ــت الـ ــذي يـشـعــر فـيــه ال ـعــالــم بــأســره‬ ‫كتابتها هذا العام‪ ،‬ربما العام القادم‪.‬‬

‫بالخوف؟‬

‫ ¦كـ ـي ــف تـ ـتـ ـع ــام ــل م ـ ــع الـ ـ ـخ ـ ــوف والـ ـقـ ـل ــق ‪ρ ρ‬حسنًا‪ ،‬أؤمن بأن قصص الرعب هي كما‬ ‫المرتبطين بالوباء؟‬ ‫األحــام‪ ،‬أال تتفق معي في الــرأي؟ عند‬ ‫‪ρ ρ‬اإلجابة المختصرة هي أنني ال أعيش‬ ‫دخــول عالم الرعب ســواء كــان مقروءاً‬ ‫بقلقِ وخوف‪ ،‬مسألة أن أكون في المنزل‬ ‫يــو ًمــا بعد يــوم ساعدني فــي أن أحقق‬ ‫تــقــد ًمــا رائ ـ ًعــا فــي الــروايــة الــتــي أعمل‬ ‫عليها‪ ،‬أؤمن بأن الكتابة هي طريقة جيدة‬

‫لالبتعاد عن الخوف‪ .‬إنه ليس بالذعر‪.‬‬ ‫إنه ليس إرهابًا أشعر به‪ ،‬أعتقد أن معظم‬

‫الناس يشعرون‪ ،‬إنه نوع من القلق المزعج‬ ‫إذ تقول لنفسك‪ :‬يجب أن ال أخرج‪ .‬إذا‬ ‫خرجت‪ ،‬فقد أمسك بهذا الشيء أو قد‬

‫أعطيه لشخص آخر‪.‬‬

‫أو مرئياً‪ ،‬فأنت قادر على الذهاب إلى‬ ‫عالم تعرف أنه ليس حقيقيًا‪ .‬ولكن إذا‬ ‫كان الفنان جيدًا ‪-‬المخرج أو الروائي أو‬ ‫حتى الرسام‪ ،-‬فأنت قادر على تصديق‬ ‫هذا العالم‪ ،‬ألن صورته وتصويره حقيقي‬ ‫ج ـ ـدًا‪ ،‬بحيث يمكنك الــدخــول هــنــاك‪،‬‬ ‫وتصديق ما تراه‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬هناك دائمًا‬ ‫جزء من عقلك يدرك أنه ليس حقيقيًا‪،‬‬ ‫أو أنك تتعامل مع حلم‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬

‫‪103‬‬


‫ذكـريـ ـ ــات‬

‫في مركز معلومات عكاظ قبل األفول‬ ‫■ محمد علي حسن اجلفري*‬

‫لقد تعاون برنامج قوقل وفيروس الكورونا‪ ،‬وليس بينهما أي قرابة وال عمولة‬ ‫من أي نوع‪ ،‬على كظم أنفاس مركز المعلومات بمؤسسة عكاظ للصحافة والنشر‬ ‫بجدة‪ .‬ولما لم يكن هناك محكمة تحاكم هذين الغريمين‪ ،‬فقد رأيت أن أترافع‬ ‫حفظا للمودة‬ ‫ً‬ ‫عن هذا المركز الصحفي الشهير في المملكة العربية السعودية‬ ‫وحسن العهد بيني وبينه بعد أن قضيت فيه عشرين عامً ا‪.‬‬ ‫مركز معلومات عكاظ بجدة تضمه أراه يتحرك بسيارته من مكة المكرمة‪،‬‬ ‫صــاالت عامرة بالدواليب من مختلف ثم يترجل منها عند مقر الشركة العربية‬

‫األع ــراق والعمات والــخــاالت‪ .‬فهناك للطباعة والنشر بحي الثغر بجدة‪..‬‬ ‫نــســب بــيــن ورق الــكــتــب وبــيــن خشب (دارت األيــام‪ ..‬فسكنت في دار قريبة‬

‫الدواليب‪ .‬إذ يرجع نسب القبيلتين إلى من الموقع‪ ،‬وكنت أرى لوحة الشركة‬ ‫أشجار فيما بين اندونيسيا وهولندا‪.‬‬ ‫التي بقيت واضحة رغم الصدأ إلى ما‬ ‫بدأت جريدة عكاظ بذاكرة ال تخيب قبل عــام‪ ،‬حين أزيلت وعمرها ستون‬ ‫في استرجاع مخزونها الثقافي واللغوي عاما)‪ .‬وفيها يبسمل األستاذ العطار‬ ‫الواسع والعميق من ذهن صاحبها األول ويضع تصريح إنــشــاء جريدته بعناية‬

‫‪104‬‬

‫أحمد عبدالغفور عطار رحمه اهلل‪ .‬أكاد في درج المكتب ويقفل عليه‪ .‬ثم يجهز‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬


‫وأستطيع القول والشهادة هلل إن المركز‬

‫ليس مكتبة عــاديــة أو أرشــيــف محفوظات‬ ‫فحسب‪ .‬ففيه مثال قسم الشخصيات‪ .‬تتم‬

‫المتابعة عليه بالتحديث واإلضافة كل يوم‬

‫ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬

‫عدد موظفيه قبل عشرين سنة عشرين فردًا‬ ‫في تخصصات مختلفة‪.‬‬

‫مدة ربع قــرن‪ .‬من سلطان بن سلمان رائد‬ ‫الفضاء عام‪1985‬م إلى عائض القرني‪ ،‬إلى‬

‫الملك فهد بن عبدالعزيز (رحمه اهلل)‬

‫صــدام حسين‪ ،‬إلى محمد نور العب نادي‬

‫االتحاد بجدة‪ .‬وأول فرد نال الرقم (‪ )1‬بين‬

‫خزانتين واحدة للكتب وأخرى للصور‪ .‬وكان (‪ )17500‬شخصية هي الممثلة المصرية آثار‬ ‫ذل ــك ع ــام ‪1380‬ه ـ ـــ‪ ،‬حــيــن كــانــت جريدته الحكيم‪ ،‬وجاْءت المطربة السعودية السابقة‬ ‫تصدر مرة في األسبوع‪ .‬وما كان لديه مركز ابتسام لطفي رقم (‪ ،)2‬والدنيا حظوظ‪.‬‬ ‫معلومات وال حتى غرفة أرشيف‪ .‬بل مكتب‬ ‫لقد تميزت عكاظ‪ ،‬مثال‪ ،‬حين أعلن الملك‬

‫صغير أشبه بجنين خرج للتو إلى الصحراء‪ .‬فهد رحمه اهلل تعيين أسماء ستين رجال‬ ‫كمثل حُ وار خرج من بطن ناقة‪ ،‬فال يحتاج من رجــاالت المملكة لمجلس الشورى عام‬ ‫إلــى من يعلمه كيف يمشي‪ .‬وكــان األستاذ ‪1992‬م‪ .‬لم نكن نعلم من الذين سيختارهم‬ ‫يكتب الموضوعات أو األخبار أو المقاالت الملك‪ .‬فلما أعلنت وكالة األنباء السعودية‬

‫بخط يــده الجميل األنــيــق ثــم يدفعها إلى األسماء انفردت عكاظ على بقية الصحف‬ ‫المطبعة‪.‬‬ ‫ب(‪ )47‬سيرة ذاتية من أصل (‪ ،)60‬وهكذا‬ ‫وبــعــد خمس ســنــوات‪ ،‬أصبحت عكاظ يمكن القول إن مركز المعلومات يستطيع‬

‫مؤسسة بعد أن منع نظام الصحافة الملكية تلبية المعلومات بمعدل يزيد عن ‪ %70‬وهي‬ ‫الــفــرديــة‪ .‬فــظــهــرت عــكــاظ الــجــديــدة عــام نسبة عالية‪.‬‬ ‫‪1384‬هـ وقد خرج منها صاحبها‪.‬‬

‫وهــنــاك أكــثــر مــن عــشــرة آالف عــنــوان‬

‫ومــع مــرور السنين‪ ،‬شــبَّ الفتى‪ ،‬إذ كان بمكتبة المركز‪ .‬منها الموسوعة الفقهية‬

‫مــركــز المعلومات مــولــودًا أو قُــل صب ّيًا‪ ،‬فــي (‪ )45‬مــجــلـدًا الــصــادرة فــي الكويت‪،‬‬

‫فأصبح مفتول العضالت‪ .‬وذلك ضمن جهود وكتب التفسير‪ :‬ابــن كثير وأضــواء البيان‪،‬‬

‫مؤسسة عكاظ وما صرفته عليه حتى بلغ والنسفي وغيرها‪ ،‬وكتب الحديث‪ ،‬واإلعالم‪،‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬

‫‪105‬‬


‫والتاريخ‪ ،‬والسياسة‪ ،‬والفلسفة‪ ،‬والجغرافيا‪ ،‬ونصف المليون من الصور الورقية‪ .‬فإذا لم‬ ‫ومئات من كتب األدب والقصص والدواوين أصدقهم‪ ..‬فهيا عدها واحدة واحدة!‬ ‫الشعرية وبقية العلوم والفنون‪ .‬مع ذلك أذكر‬

‫وكثيرا ما تطلب عكاظ الخرائط‪ .‬وهذه‬

‫أننا حاولنا اقتناء كتاب «ليلى المريضة في مشتركة بين قسم المعلومات وبين الصور‪.‬‬ ‫العراق» لزكي مبارك‪ ..‬فلم نستطع‪ .‬كما أن‬ ‫مــثــا‪ :‬ســقــط الــمــرحــوم يــاســر عــرفــات‬ ‫بعض المعلومات ال تجدها في الكتب بل من‬ ‫الزعيم الفلسطيني بطائرته في الصحراء‬ ‫مشافهة العلماء والمفكرين وغيرهم‪ .‬وقد في منطقة اسمها «السارا» في ليبيا بالقرب‬

‫قال شيوخنا (خير العلم ما حوضر به)‪.‬‬

‫مــن ح ــدود تــشــاد والــســودان عــام ‪1992‬م‪،‬‬

‫أمــا أرشيف الصور للشخصيات‪ ،‬مهما وطلبت سعودي جازيت الشقيقة اإلنجليزية‬ ‫ال لكنها مستقلة) خريطة السارا‪.‬‬ ‫تكن مــن األمــيــر سلطان بــن سلمان رائــد (شقيقة فع ً‬ ‫الــفــضــاء إلــى الــفــنــان عبدالحليم رضــوي‪ ،‬وكان ذلك في تلك األيام محسوبًا في ورقة‬ ‫وللموضوعات من الكواكب إلى المالعب‪ ،‬امتحان النجاح‪.‬‬

‫فقد أصبح عــام ـرًا بمليون صــورة ورقية‪،‬‬

‫ومن الطرائف‪ ،‬أنه كان بالمركز موظف‬

‫(ناهيك عن الضوئية)‪ ،‬والزمالء ذكروا لي مصري‪ ،‬وآخر سوداني في أرشيف الصور‪،‬‬ ‫قبل األرشفة اإللكترونية إن لديهم مليون وكان الزميل المصري يضع خريطة «حاليب»‬ ‫على الحدود المصرية السودانية في ملف‬ ‫مــصــر‪ ..‬فيكتشف األمــر زميله السوداني‬

‫فينقلها إلى ملف السودان‪ ،‬فيعود زميله إلى‬ ‫أرشفتها في ملفات مصر‪ ،‬فلما تعب مدير‬ ‫عــام المركز وقتئذ ‪-‬الــدكــتــور عبدالجليل‬

‫طاشكندي‪ -‬منهما وضــع نسخة في ملف‬ ‫مصر‪ ،‬وأخرى في ملف السودان‪.‬‬

‫وذات يوم‪ ،‬زارت مركز المعلومات مديرة‬

‫جامعة للبنات بجدة‪ ،‬واكتشفت عندما طالعت‬ ‫ملفها أن تاريخ ميالدها متقدم بسنتين عما‬

‫تــتــصــوره‪ .‬وال تسل عــن استنكارها‪ .‬هذه‬

‫قضية القضايا بالنسبة لكثير من الستات‪.‬‬

‫صاحب السمو الملكي األمير سلطان بن سلمان‬

‫‪106‬‬

‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬

‫والست بالمناسبة عربية‪ .‬قال شاعر قديم‪:‬‬


‫ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬

‫الشاعر الفحل حسين سرحان‬

‫الشيخ عبداهلل بلخير‬

‫األستاذ رضا محمد الري‬

‫مصادر مركز المعلومات كثيرة‪.‬منها أكثر‬ ‫ب ـن ـف ـس ــي م ـ ــن أسـ ـمـ ـيـ ـه ــا ب ـسـ ـ ـ ـ ـ ـتــي‬ ‫ف ـتــرم ـق ـنــي الـ ـنـ ـح ــاة ب ـع ـي ــن مـقــت من عشرة آالف كتاب‪ .‬لكن ذلك ال يكفي‪.‬‬ ‫فذات مرة اتصل بالمركز دكتور‪ ،‬وسأل من‬ ‫وقـ ــد م ـل ـكــت ج ـه ــات ــي ال ـس ــت حـقــا‬ ‫قال‪( :‬خالف الرأي ال يفسد للود قضية)؟‬ ‫فـ ـ ـكـ ـ ـي ـ ــف ال أس ـ ـ ـم ـ ـ ـي ـ ـ ـهـ ـ ــا بـ ـسـ ـت ــي‬ ‫أليس أحمد شوقي؟‬ ‫وقد وعدناها بتصحيح السن‪ .‬والمقصود‬ ‫قلت‪ :‬بلى‪.‬‬ ‫بالتصحيح التخفيض وكفى‪.‬‬ ‫قال‪ :‬عندي ديوان الشوقيات‪ ،‬وقد بحثت‬ ‫أحيانا‪ ،‬نخطئ‪ ..‬فتحصل أمور محرجة فيه كله فلم أجد هذا البيت‪.‬‬ ‫مــريــرة فــي سخريتها بالضعف البشري‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬لكن هذا البيت ليس في الشوقيات‪.‬‬ ‫فعند وفــاة الشاعر الفحل حسين سرحان‬ ‫قال‪ :‬طيب‪ .‬أين أجده؟‬ ‫(بكسر السين) عام ‪1414‬هـ بمكة المكرمة‪،‬‬

‫اتصلت بالشيخ عبداهلل بلخير‪ .‬وقــد كان‬ ‫قلت تجده في مسرحية «مجنون ليلى»‬ ‫بلخير مسؤوالً عن اإلعالم في عهد الملك لشوقي رحمه اهلل‪.‬‬ ‫ســعــود‪ .‬المهم طلبنا حــديـ ًثــا عــن الشاعر‬ ‫قال‪ :‬هل تملي عليَّ األبيات؟‬

‫الراحل فأجاب وأجاد‪ ،‬وبحق أفاد‪ .‬ونشرنا‬

‫قلت‪ :‬أبشر‪.‬‬

‫الحديث‪ ..‬شاعر كبير يتحدث عن شاعر‬ ‫ولم يكن قوقل قد ظهر إلى الوجود بعد‪.‬‬ ‫كبير في عكاظ‪ ...‬لكن الصورة التي ظهرت‬ ‫مع الموضوع كانت لعبد اهلل بلخير المغني فأمليت ما قاله شوقي‪:‬‬

‫اإلمــاراتــي‪ .‬واتصل بنا الشيخ عبداهلل بن م ـ ـ ـ ـ ـ ــا ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذي أغـ ـ ـ ـ ـ ـض ـ ـ ـ ـ ــب م ـ ـنـ ــي‬ ‫الـ ـ ـ ـ ـظـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــات الـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ــام ـ ـ ـ ــري ـ ـ ـ ــة؟‬ ‫عمر بلخير رحمه اهلل عاتبًا‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬

‫‪107‬‬


‫أألن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي أنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ش ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ــي‬ ‫ولـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـل ـ ـ ــى أمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــويـ ــة؟‬

‫‪2004‬م‪.‬‬ ‫ولما طلب منا األستاذ رضا محمد الري‪،‬‬

‫رحمه اهلل‪ ،‬اتفاقية الــحــدود بين المملكة‬

‫خـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاف ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرأي ال‬ ‫ي ـ ـف ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد لـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ــود قـ ـضـ ـي ــة العربية السعودية وقطر المبرمة عام‪1965‬م‬ ‫المكتبة العامرة قد ال تفيد إذا لم تكن قد‬

‫طالعت أو على األقل تصفحت ما فيها‪.‬‬

‫فاألسئلة والطلبات الواردة إلينا متنوعة‪،‬‬

‫ومــن أطرفها أن أحــد المحررين الشباب‬

‫في عكاظ اتصل بالمركز مساء يوم جمعة‪،‬‬

‫فأحالوه على جوّالي‪.‬‬

‫قال‪ :‬ما اسم خازن الجنة من المالئكة؟‬ ‫قلت‪ :‬اسمه رضوان‪.‬‬ ‫قال‪ :‬رضوان ابن من؟‬ ‫قلت باسمًا‪ :‬المالئكة ليس لهم آباء‪.‬‬

‫صورناها له من المجلة المصرية للقانون‬ ‫الدولي‪ .‬وكان مركز المعلومات قد اقتناها‬ ‫من أول عدد عام ‪1945‬م في زيــارة سابقة‬

‫للقاهرة قام بها مدير المركز األسبق الدكتور‬

‫عبدالجليل طاشكندي‪.‬‬

‫لقد كــان مــركــز المعلومات يــرصــد ما‬

‫ينشر في الصحافة كل يوم من أيام السنة‪،‬‬ ‫ويتم اختيار المناسب من المواد لتصنيفها‬

‫وتبويبها ثم ترحيلها إلــى ملفاتها قبل أن‬ ‫ينتشر علم موقع قوقل‪ .‬أما بعد بروز هذا‬

‫البرنامج‪ ..‬فقد خففنا كثيرًا من االنتقاء‪،‬‬ ‫لكن المادة التاريخية بقيت ثروة يقدرها من‬

‫يضم المركز نحو ثالثين موسوعة‪ ،‬كما يحتاج إليها حق قدرها‪.‬‬ ‫يضم كبريات المجالت‪ ،‬ففي المركز مثال‬ ‫والمعلومات تتكاثر وتتراكم نثرًا وشعرًا‬ ‫مجلة العربي منذ إنشائها في عام ‪1958‬م‬ ‫وصــورًا‪ ،‬قال تعالى‪« :‬وعلمتم ما لم تعلموا‬ ‫حتى الــعــام‪1991‬م‪ .‬اشتريناها كاملة بدون‬ ‫أنتم وال آباؤكم»‪ .‬وإذ زودتنا المؤسسة بجهاز‬ ‫مقص الرقيب من أحــد الــهــواة‪ .‬ومــن ذلك‬ ‫المسح الــضــوئــي فــي ‪ 26‬صفر هـــ ‪1429‬‬ ‫قصيدة الشاعر أحمد السقاف فــي رثــاء‬ ‫الــمــوافــق ‪ 4‬م ــارس ‪2008‬م‪ ،‬فــذلــك بداية‬ ‫جمال عبدالناصر (بعنوان النسر‪ ،‬إذ لم‬ ‫يسمح الرقيب بدخول هــذه القصيدة إلى دخول المركز مرحلة الميكنة المعلوماتية‪.‬‬ ‫المملكة‪ .‬ومــوضــوعــات المجلدات األولــى أما ميكنة الصور فقد تمت قبل ذلك بكثير‪.‬‬ ‫ها هي الميكنة المنشودة ماثلة في مجال‬ ‫مــزودة بكشاف‪ .‬ومجلة المنهل (سعودية)‬

‫وهي أدبية تاريخية جغرافية ثرية‪ .‬أما مجلة التحرير‪ ،‬باستثناء اإلعالنات‪ ،‬وأصبح لدى‬ ‫السياسة الدولية المصرية فقد اقتنينا كافة المركز الوثائق األصلية الورقية والرديفة‬

‫‪108‬‬

‫أعدادها منذ نشأتها عــام‪1965‬م حتى عام الرقمية‪ .‬لم يعد األرشيف في دوالب من‬

‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬


‫مركز معلومات تفخر به مؤسسة عكاظ‪ ،‬تفاصيله لو لم تكن هناك مكتبة؟ مكتبة‬ ‫وتأتي إليه الوفود من أماكن شتى‪.‬‬ ‫فــي البيت وتعويد السكان بالمنزل على‬ ‫ولقد توفر من األسئلة الغريبة أو الطريفة‬ ‫القراءة ترفع من القيمة البشرية لإلنسان‪.‬‬ ‫أو الصعبة ما يصل إلى حجم كتاب‪ .‬كذلك‬ ‫إنها مفتاح العلوم والفنون واآلداب‪ .‬وهي‬ ‫السائل الــذي طلب المستحيل وهــو شراء‬ ‫أعداد جريدة عكاظ للسنوات األربع المقبلة تثري العقل الــذي امــتــاز بــه اإلنــســان على‬

‫ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬

‫خشب من مختلف العمات والــخــاالت‪ ..‬بل كاشف‪ .‬هل كان هذا الموضوع ينشر بكل‬

‫مــقــد ًمــا‪ .‬أو رئــيــس تــحــريــر مجلة «رؤى» المخلوقات وسخر الكون لخدمته‪ .‬ومع ذلك‬ ‫النسائية‪ ،‬المسكين الذي طلب العثور على‬ ‫قال تعالى «وما أوتيتم من العلم إال قليال»‪.‬‬ ‫حديث نبوي شريف‪ ..‬زعم أنه يدعو الزوجة‬ ‫وقال اإلمام الشافعي‪:‬‬ ‫لضرب زوجها!‬

‫لكن أجمل طلبية كانت من رجل ال يزال كـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ــا أدب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـ ــده ـ ـ ـ ـ ــر‬

‫رونــق الشباب يضيئ محياه‪ ،‬طلب صورة‬ ‫الصفحة األولـ ــى مــن عــكــاظ قــبــل ثالثين‬

‫سنة‪ ،‬صفحة واحــدة بمقاس كبير‪ .‬قلنا له‬

‫بثالثمائة ريال‪ ،‬يعني قيمة عشرة كتب‪ .‬قال‬ ‫أبشروا‪ ،‬هذه ثالثمائة ريــال‪ .‬ولما خرجت‬

‫الصفحة المنشودة ووجدنا أخبارها عادية‬

‫ليس فيها ما يستحق دفع هذا المبلغ‪ ،‬نظرت‬

‫أران ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ن ـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ــص ع ـ ـ ـق ـ ـ ـلـ ـ ــي‬ ‫وإذا‬

‫م ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬

‫ازددت‬

‫ع ـ ـ ـلـ ـ ــمً ـ ـ ــا‬

‫زادن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ع ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ــا بـ ـ ـجـ ـ ـهـ ـ ـل ـ ــي‬ ‫وفي خاتمة المطاف‪ ،‬أذكر أنه ورد إلى‬ ‫مكتبي قبل أن أتقاعد مــن عمل المركز‬

‫إليه متعجبًا‪ .‬فقال هذا هو اليوم الذي ولدت عــام ‪1432‬ه ـــ ســؤال عن قصيدة بالعربية‬

‫فيه زوجتي‪ .‬أريد أن أضع هذه الصفحة في واألردية قالها أحد إخواننا الجن‪ .‬وعجزت‬ ‫إطار وأهديها لها بمناسبة ذكرى ميالدها‪،‬‬ ‫عن اإلجابة عليه‪ ،‬إذ لم أجد تكملتها وال من‬ ‫لترى ما هي أخبار العالم وشئونه في ذلك‬ ‫قالها‪ .،‬فمن كان عنده علم عن هذه القصيدة‬ ‫اليوم‪ .‬من حــاوة روحــه‪ ،‬صعد الرجل في‬ ‫أو عن الشاعر الجني الذي قالها أثناء ذهابه‬ ‫عيني إلى السماء‪..‬‬ ‫هل هناك هدف من كل هذه الموضوعات لــلــحــج‪ ،‬فليبلغ األســتــاذ أش ــرف مصطفى‬

‫والقصص والذكريات؟ نواجه ذلك بسؤال الهندي مدير مركز معلومات عكاظ الحالي‪.‬‬ ‫* نائب مدير مركز معلومات عكاظ سابقا‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬

‫‪109‬‬


‫الصمت‬

‫من وجهة نظر أنثروبولوجية‬ ‫■ املهدي مستقيم*‬

‫باتت األنثروبولوجيا منذ أن دشــن دوركهايم دراسته الشهيرة حــول الظواهر‬ ‫الروحية‪ ،‬أكثر تهجسا باألسئلة الفلسفية التي تهم الجسد واأللــم والصمت‪..‬‬ ‫وق ــد أصـبـحــت ه ــذه الـمــوضــوعــات فــي ي ــوم ال ـنــاس ه ــذا مـثــار اهـتـمــام الـعــديــد من‬ ‫التخصصات‪ ،‬من الطب إلى سائر العلوم االجتماعية‪ ،‬هو األمر الذي يعبر عنه‬ ‫األستاذ فريد الزاهي على نحو طريف في المقدمة التي أفردها للترجمة العربية‬ ‫الـتــي خــص بها كـتــاب األنـثــروبــولــوجــي الفرنسي دافـيــد لــوبــرطــون‪ :‬الصمت لغة‬ ‫المعنى والوجود(المركز الثقافي للكتاب‪ 2019-‬م)‪:‬‬

‫‪110‬‬

‫«األن ــث ــروب ــول ــوج ــي ــا وهــــي تـــدرس الفكري بين الفلسفي واألنثروبولوجي‬ ‫الجسد والطقوس مع مارسل ماوس‪ ،‬واالجــتــمــاعــي‪ .‬وال أدل على ذلــك من‬ ‫والسوسيوبوجيا وهــي تــدرس الوجه أن عا ِلمَا كغاسطون باشالر قد بلور‬ ‫والــقــيــم م ــع زي ــم ــل‪ ،‬ل ــم تــعــد تختلف فلسفة لقضايا أنثروبولوجية كالنار‬ ‫عــن مــنــظــورات الفلسفة كما بلورها‬ ‫والــمــاء‪ ،‬لم يحللها بذلك العمق حتى‬ ‫مرلوبونتي أو ليفيناس‪ .‬فلقد كفت‬ ‫األنثروبولوجيون» (ص‪.)10:‬‬ ‫عن أن تكون محددة للمنظور الفكري‪.‬‬ ‫ولــعــل اخ ــض ــاع م ــوض ــوع الــصــمــت‬ ‫لــيــغــدو هــــذا األخـ ــيـ ــر‪ ،‬ومــــن خــال‬ ‫تقاسم الموضوعات‪ ،‬مجاال للتفاعل لمحك التحليل األنثروبولوجي إلشارة‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬


‫ت ــؤدي الــرســائــل الــتــي تــصــدر على نحو‬ ‫مستمر من قبل وسائل اإلعالم الحديثة إلى‬ ‫انقطاع مستمر لصمت الحياة‪ ،‬حيث أفل ذلك‬ ‫العالم المنذور لكالم المقربين وكذا التقدير‬ ‫الشخصي‪ ،‬وحــل محله عــالــم الحواسيب‬ ‫والهواتف الذكية‪ ،‬إذ «تُحوِّل الحداثة اإلنسان‬ ‫إلــى مكان للعبور منذور الستقبال رسالة‬ ‫المتناهية‪ .‬من المستحيل عدم الكالم‪ ،‬ومن‬ ‫المستحيل السكوت‪ ،‬إال لإلنصات‪ ...‬وقوة‬ ‫الكالم تفقد قيمتها أو تنْ َف ُّل في لزوم القول‪،‬‬ ‫وقــول كل شــيء‪ ،‬وأال يتم كتمان أي شيء‪،‬‬ ‫وأن تعم شفافية مطلقة ال تترك أي منطقة‬ ‫صمت ال تنبشها‪( ».‬ص‪.)18:‬‬ ‫إن الكم الهائل من الكالم الــذي يسيل‬ ‫من وسائل اإلعــام الحديثة يجعل الكالم‬ ‫غير مسموع‪ ،‬وتصبح رسالته خالية من‬ ‫كل قيمة‪ ،‬حيث يجد اإلنسان نفسه مرغمًا‬ ‫على اإلنصات لكالم وسط ضجيج اإلشهار‪،‬‬ ‫األمر الذي يشوش على معناه‪ ،‬ويصم األذن‪،‬‬ ‫ويجمد الحواس ويكلس اإلحساس فيتساوى‬ ‫الرديء مع المرعب والتافه مع العنيف‪ .‬لقد‬ ‫أصيبت وسائل اإلعــام بإسهال حــاد على‬ ‫مستوى الصوت والصورة‪ ،‬إذ لم تعد قادرة‬ ‫على تمالك نفسها من الثرثرة المسرفة‪ ،‬بيد‬ ‫أن «التواصل الذي ينسج باستمرار خيوطه‬ ‫في شبكة النسيج االجتماعي ال فجوة فيه‪،‬‬ ‫فهو يقدم نفسه في شكل إشــبــاع‪ ،‬وهــو ال‬

‫تــؤدي لحظات االنقطاع والصمت التي‬ ‫تعقب الكالم أثناء المحادثات إلــى تقوية‬ ‫لُحمة الحديث‪ ،‬كما تجعله ذي طابع معقول‬ ‫بالنسبة لمن ينصت إليه‪ ،‬ما يجعل الصمت‬ ‫يمتلك مكانة اعتبارية داخل المحادثة في كل‬ ‫جماعة بشرية‪ « ،‬فالعالقة بالعالم ال تنسج‬ ‫فقط في استمرارية اللغة‪ ،‬ولكن أيضا في‬ ‫لحظات تعليقها‪ ،‬وفي التأمل والخلوة‪ ،‬أي‬ ‫اللحظات العديدة التي يسكت فيها اإلنسان»‬ ‫(ص‪ )29:‬إذ «ال توجد لغة من دون لحظات‬ ‫وق ــف يحتلها الــصــمــت ويــجــعــل منها لغة‬ ‫معقولة‪( ».‬ص‪.)33:‬‬ ‫وتختلف دالالت الصمت حسب سياق‬ ‫التلفظ‪ ،‬إذ قــد يكون الصمت داللــة على‬ ‫االستبداد إذا ما تم استعماله كأداة ترهيب‬ ‫من قبل السلطة‪ .‬كما قد يكون داللــة على‬ ‫المعارضة حين يتم توظيفه كــأداة للتعبير‬ ‫عــن الــرفــض أو المقاومة فــي وضعية من‬ ‫الوضعيات‪ .‬كما قد يحيل على الموافقة‬ ‫والرضا وإلى تواطئ العشاق أو األصدقاء؛‬ ‫فالصمت مشحون بالمقاصد حين يظل‬ ‫الكالم المنتظر أخرس‪ ،‬إنه مرادف للسر إذا‬ ‫ما ظلت واقعة محجوبة خارج التحقيقات‪،‬‬ ‫وهو عالمة على الصالة حين يختلي المؤمن‬ ‫بنفسه للقاء ربه‪ .‬كما أنه أيضا إبداع‪ ،‬وإذا ما‬ ‫راهن الموسيقي على جودة معينة للصوت‪،‬‬ ‫أو حرص على توقيف عزف آلة موسيقية أو‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬

‫ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬

‫بليغة ودالة من قبل لوبروطون إلى ضرورة يــعــرف الــســكــوت كــي يــتــم ســمــاعــه‪ ،‬بحيث‬ ‫االلتفات إلــى مجموعة من الظواهر التي ينقصه الصمت الذي قد يمنحه ثقال وقوة»‬ ‫ظلت نسية منسية في الحياة االجتماعية‪( .‬ص‪.)19:‬‬

‫‪111‬‬


‫آالت عديدة‪ ،‬واقترح على األسماع شواطئ‬ ‫من الصمت كما يفعل ذلك أنطوان ويبرن‬ ‫‪ Anton Webern‬أو جــون كــاج ‪Jhon cage‬‬ ‫بطريقة مغايرة‪ .‬وهو أيضا إبداع إذا ما ترك‬ ‫الكاتب الصفحة بيضاء حيث ينتظر القارئ‬ ‫جوابا‪( »...‬ص‪.)101-100:‬‬

‫وال يخلو الصمت من تواطؤ مع الموت‬ ‫واأللـ ــم‪ ،‬بيد أن طــقــوس الــمــوت وأع ــراض‬ ‫المرض العضال وفقدان المناعة تقتضي‬ ‫تعليق الكالم‪« ،‬ثمة مستحيل للقول يحجب‬ ‫الــلــغــة ويــفــشــل ســهــولــة الــكــام؛ فــالــمــرارة‬ ‫واالنفصال والموت ال تجد الكلمات لقول‬ ‫نفسها بما يكفي من الحدة‪ ...‬يكسر األلم‬ ‫الصوت بحيث ال يمكن التعرف عليه‪ ،‬وهو‬ ‫يستدعي الصراخ والشكوى واألنين والدموع‬ ‫أو الصمت‪ ،‬وهــي حــاالت من خــور الكالم‬ ‫والــفــكــر‪ .‬األل ــم يفتح انشقاقًا بين الــذات‬ ‫ونفسها‪ .‬ومقولة «أنا هو اآلخر» تكف عن أن‬ ‫تكون صورة بالغية لتغدو عالقة بالعالم في‬ ‫كل لحظة‪ .‬والصرخة ليست أبدًا ببعيدة عن‬ ‫الصمت‪ ،‬فهما طريقان متقاربتان للحداد‬ ‫على اللغة‪ ،‬حين يــغــدو الــعــذاب ملحاحا»‬ ‫(‪.)314‬‬

‫وقـــد يــحــيــل الــصــمــت عــلــى اإلحــســاس‬ ‫بالسعادة والــهــدوء‪ ،‬في حين يقاوم بعضنا‬ ‫الخوف باالنغماس وســط ضجيج الكالم‪،‬‬ ‫خاصا‪،‬‬ ‫ً‬ ‫حيث «يقيم الصمت في العالم بعدًا‬ ‫وكثافة تغلق األشياء وتحث على عدم نسيان‬ ‫حصة النظرة الشخصية للمرء وهو يراها‪».‬‬ ‫(ص‪.)195:‬‬

‫هــكــذا‪ ،‬إذا كانت مهمة الديكتاتوريات‬ ‫الــكــبــرى تتجلى فــي نــســف ال ــك ــام‪ ..‬فــإن‬ ‫مهمة الحداثة التقنية تتجلى في إفراغه‬ ‫مــن المعنى‪ ،‬ومــن ثمة فــإنــه ال مــخــرج لنا‬ ‫سوى تشييد صرح قائم على المماهاة بين‬ ‫الصمت والكالم‪ ،‬بيد أن «استعادة المعنى‬ ‫تؤدي بالضرورة إلى استعادة الكالم‪ ،‬الذي‬ ‫يؤدي بدوره إلى استعادة الصمت‪ ...‬الصمت‬ ‫والكالم ليسا ضدين‪ ،‬فكالهما نشيطٌ ودالٌّ ‪،‬‬ ‫والخطاب ال وجــود له من دون عالقتهما‬ ‫المتبادلة‪( ».‬ص‪.)22- 20:‬‬

‫وهــنــاك بــعــض األمــــور يــكــون مــن غير‬ ‫المستحسن البوح بها‪ ،‬األمــر الــذي يجعل‬ ‫من السر سلطة في بعض األحيان‪ ،‬ذلك أن‬ ‫كل كالم «ال يعرف كيف يصون نفسه يكون‬ ‫محفوفا بمخاطر عديدة‪ .‬فهو يكون خطيرا‬ ‫بتجاوزاته بحيث يزعج من يسمعونه‪ .‬أو يمنح‬ ‫عن غير وعي للعدو األسلحة لتدمير صاحبه‪.‬‬ ‫وهو أحيانا يثير الكوارث في طريقه‪ ،‬فنحن‬ ‫ال يمكننا منح الحرية في االسترسال من‬ ‫غير تذكيره بمسؤولياته ألننا علينا تحمل‬ ‫مسؤولياتنا أمام األخرين‪( ».‬ص‪.)152:‬‬

‫كما يشكل الصمت وسيلة رئيسة لتواصل‬ ‫المؤمن مع اهلل‪ ،‬إذ غالبا ما يلجأ المؤمن‬ ‫إلى الحوار الصامت الذي يتم في الطوية‬ ‫الذاتية‪.‬‬ ‫* كاتب وباحث ‪ -‬المغرب‪.‬‬

‫‪112‬‬

‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬


‫ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬

‫وقفات مع جائحة كورونا‬ ‫■ د‪ .‬عبداحلكيم بن خالد احلميد*‬

‫الحياة الرتيبة الوادعة‪ ..‬المتشابهة في أحداثها‪ ..‬المتقاربة في تفاصيلها‪..‬‬ ‫تصنع أمام اإلنسان حاجز ًا يمنعه من التأمل والتدبر‪ ،‬وغشاوة تحول دون االتعاظ‬ ‫واالعتبار‪.‬‬ ‫وتقلب األحوال‪ ..‬وتوالي األحداث‪ ..‬تجعل المرء يمعن النظر فيما يشاهده من‬ ‫أحوال وأطوار‪ ..‬ومستجدات وتقلبات‪.‬‬ ‫ومــا نعيشه فــي هــذه الفترة‪ ،‬مــن تغيرات وأح ــداث مصاحبة لجائحة فيروس‬ ‫كورونا‪ ،‬يفرض علينا أن نقف مع أنفسنا وقفات تأمل واعتبار‪ ..‬لعلنا نخرج ببعض‬ ‫الفوائد والدروس المستفادة‪.‬‬ ‫أوَّل هــذه الــوقــفــات أن نتذكر أن إلــى الــبــطــر‪ ،‬وأن يضع الحالين في‬ ‫اإلنسان في هــذه الحياة معَّرض لما نصابيهما‪ ،‬وأن يتذكر قول اهلل تعالى‬ ‫ينفعه ويــســره‪ ،‬ولما يحزنه ويضره‪( ،‬ما أصاب من مصيبة في األرض وال‬ ‫وعليه أن يعوّد نفسه على الحالين‪ ،‬في أنفسكم إال في كتاب من قبل أن‬ ‫وأن يوقن بأنه ال الحلو دائم وال الم ّر نبرأها إن ذلك على اهلل يسير‪ ،‬لكيال‬ ‫جــاثــم؛ فــا يحزن حــزنـاً مــضــراً عند تأسوا على ما فاتكم وال تفرحوا بما‬ ‫تجرع االآلم‪ ،‬وال يفرح فرحاً يوصله آتاكم واهلل ال يحب كل مختال فخور)‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬

‫‪113‬‬


‫الوقفة الثانية‪ :‬هــذه الجائحة ليست‬ ‫موجبة لليأس واإلح ــب ــاط‪ ،‬فمهما رأينا‬ ‫وشاهدنا من فواجع وآالم تحل باألفراد‬ ‫واألســر‪ ،‬فإن الواجب علينا أن نعظم باهلل‬ ‫الرجاء‪ ..‬فاهلل عز وجل هو مقدر األمور وال‬ ‫يعجزه شيء في األرض وال في السماء‪ ،‬وهو‬ ‫القادر على رفع هذا الوباء والبالء‪ .‬وقديماً‬ ‫رأى قو ٌم الخطر محدقاً بهم عندما اجتمع‬ ‫أعداؤهم عليهم فاعتقدوا الهالك‪ ،‬وايقنوا‬ ‫بالقتل‪ ،‬لكن المؤمنين الموقنين خالفوهم‬ ‫اعتقادهم وعلقوا باهلل آمالهم فقال اهلل‬ ‫عنهم (الذين قال لهم الناس إن الناس قد‬

‫جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا ناقتي وأتوكل أم أعقلها وأتوكل؟ قال له عليه‬

‫حسبنا اهلل ونعم الوكيل فانقلبوا بنعمة الصالة والسالم‪« :‬اعقلها وتوكل»‪ ،‬فأرشده‬ ‫من اهلل وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا إلى اتخاذ السبب وعمل االحتياط كي ال‬ ‫رضوان اهلل واهلل ذو فضل عظيم)‪.‬‬ ‫تضيع الناقة‪ ،‬مع التوكل على اهلل عز وجل‬ ‫الــوقــفــة الثالثة‪ :‬أن الــدعــوة إلــى عدم في حفظها وعدم ضياعها‪.‬‬ ‫اإلحباط والخوف الزائد عن حده تجاه هذه‬

‫الوقفة الــرابــعــة‪ :‬أن هــذه األزم ــة بيَّنت‬

‫الجائحة‪ ،‬وإعظام األمل باهلل عز وجل وحسن سماحة الدين اإلسالمي‪ ،‬ومرونة األحكام‬ ‫التوكل عليه ال يعني عدم األخذ باألسباب الــفــقــهــيــة ومــنــاســبــتــهــا لمختلف األزمــنــة‬ ‫وااللتزام باالحترازات الصحية‪ ،‬فالمتوكل واألحوال والظروف‪ ،‬فاألمر بحضور الصالة‬ ‫الحق هو من يتخذ كافة االحتياطات‪ ،‬ويعمل في المساجد تحوَّل في فترة من الفترات‬

‫بجميع االحــتــرازات‪ ،‬ثم ينظر إليها بأنها إلــى األمــر بعدم إقامتها فيها‪ ،‬والحرص‬ ‫وسائل وقاية قد تحميه بإذن اهلل من هذه على تراص الصفوف فيها‪ ،‬والمحاذاة بين‬ ‫الجائحة‪ ،‬فالتوكل الحق أن نعمل باألسباب‪ ،‬المصلين تحوّل إلــى األمــر بالتباعد بين‬ ‫ثم نثق بحماية رب األرباب‪ ،‬ولهذا فإن النبي المصلين واالصــطــفــاف بــوجــود مسافات‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم عندما قال له رج ٌل بينهم‪ ،‬إلى غير ذلك من األحكام الفقهية‬

‫‪114‬‬

‫قد وفد إلى المدينة يا رسول اهلل‪ :‬أترك الكثيرة التي أفتى بها علماء اإلسالم أثناء‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬


‫وقواعد فقهية يُستند إليها في وقت النوازل‪.‬‬ ‫ومن المفاخر التي تذكر في هذا السياق‬

‫أن كلية الشريعة بجامعة أم القرى بمكة‬

‫المكرمة‪ ،‬أطلقت تطبيقاً إلكترونياً بعنوان‪:‬‬ ‫«الدليل الفقهي للتعامل مع جائحة فيروس‬

‫كــورونــا»‪ ،‬قامت عليه عــشــرون باحثة من‬ ‫باحثات الدراسات العليا في الكلية‪ ،‬جمعن‬

‫فيه ما يحتاجه الناس من مسائل فقهية‬

‫تتعلق بهذه الجائحة‪.‬‬

‫الــوقــفــة الــخــامــســة‪ :‬الــتــذكــيــر بـ ــاألوراد‬

‫اليومية من األذكار التي علمنا إياها رسول‬ ‫اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬والتي أشار فيها‬

‫إلى كونها تحصيناً ووقاية‪ ،‬بإذن اهلل‪.‬‬

‫ومن ذلك‪ ،‬قوله عليه الصالة والسالم‪:‬‬

‫«مــن نــزل منزالً فقال‪ :‬أعــوذ بكلمات اهلل‬

‫التامات من شر ما خلق‪ ،‬لم يضره شيء‬

‫حتى يرتحل من منزله»‪ ،‬وكلمة منزل عامة‬

‫تشمل كل مكان يحل فيه اإلنسان وينزل‪.‬‬

‫ومن ذلك‪ ،‬ما ورد عن عثمان بن عفان‬

‫رضي اهلل عنه أنه قال‪ :‬سمعت رسول اهلل‬

‫صلى اهلل عليه وسلم يقول‪« :‬من قال بسم‬ ‫اهلل الذي ال يضر مع اسمه شيء في األرض‬

‫فالناس يحتاجون في كل زمــان ومكان‬ ‫إلى من يصدرون عن أمره ونهيه‪ ،‬وما نراه‬ ‫اليوم من بذل وعطاء ونصح من ولي األمر‪،‬‬ ‫يُوجب على الجميع أن يتمعنوا في أمر اهلل‬ ‫عز وجل بطاعة ولي األمر‪ ،‬وأمر نبيه عليه‬ ‫الصالة والسالم بذلك ونهيه عن مخالفته‪،‬‬ ‫فوجودهم نعمة‪ ،‬ومخالفتهم نقمة ال يعود‬ ‫وبالها على المخالف بــل على المجتمع‬ ‫بأسره‪ ،‬فالتزام الناس بالتباعد‪ ،‬وأوقــات‬ ‫الحظر‪ ،‬وطرق تسيير الحياة اليومية خارج‬ ‫المنزل في الــشــوارع وأمــاكــن التجمعات‪،‬‬ ‫وتنظيم عمل الدوائر الحكومية أثناء هذه‬ ‫األزمة‪ ،‬وكافة الترتيبات الحياتية اليومية‪،‬‬ ‫لم تكن لتتم وفقاً لما يحقق السيطرة على‬ ‫تفشي هذه الجائحة لو ما يكن خلف ذلك‬ ‫كله ولي أمر يأمر فيطاع‪ ،‬ويوجه فيُسمع‪.‬‬ ‫قال عليه الصالة والسالم‪« :‬من خلع يداً من‬ ‫طاعة‪ ..‬لقي اهلل وال حجة له‪ ..‬ومن مات‬ ‫وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية»‪.‬‬

‫ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬

‫هذه الجائحة‪ ..‬استناداً إلى أصول شرعية‬

‫الوقفة السادسة‪ :‬أن هذه األزمة تُظهر‬ ‫ال عظيماً وقاعدة مهمة‬ ‫بجالء ووضوح أص ً‬ ‫يقوم عليها أمر الدين والدنيا‪ ،‬وهي وجوب‬ ‫طاعة ولي األمر والوقوف عند ما يصدر‬ ‫عنه من أوامر ونواهٍ وتوجيهات‪.‬‬

‫وال في السماء وهو السميع العليم ثالث‬ ‫هلل بمنه وكــرمــه أن يرفع هذه‬ ‫أســأل ا َ‬ ‫مرات لم تصبه فجأة بالء حتى يصبح‪ ،‬ومن الجائحة عن عالمنا بأكمله‪ ..‬وأن يحمينا‬ ‫قالها حين يصبح لم تصبه فجأة بالء حتى وأن يقينا جميعاً‪ ..‬وأن يــرأف بنا إنه هو‬ ‫الرؤوف الرحيم‪.‬‬ ‫يمسي»‪.‬‬ ‫ * باحث متخصص في الشريعة والقانون ورئيس كتابة عدل سكاكا‪ ،‬السعودية‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬

‫‪115‬‬


‫اكتشاف منحوتات جمال‬ ‫بحجمها الكامل تعود ألكثر‬ ‫من ‪ 6000‬عام بسكاكا السعودية‬ ‫■ احملرر الثقايف‬

‫حظي اكتشاف الرسوم المنحوتة البارزة لعدد من الجمال شمالي اللقايط‬ ‫بمدينة سكاكا بمنطقة الـجــوف‪ ،‬والـتــي يـعــود تاريخها إلــى مــا قبل ‪ 6000‬سنة‪،‬‬ ‫باهتمام واســع في األوســاط والمراكز البحثية العالمية المهتمة باالكتشافات‬ ‫األثرية‪ ،‬وكذلك وسائل اإلعالم العالمية والمحلية‪.‬‬ ‫وقــد نشر تقرير علمي فــي حولية‬

‫‪Antiquity‬‬

‫التابعة لجامعة كامبردج‬

‫األطـ ــال ال ــص ــادرة عــن قــطــاع اآلث ــار البريطانية‪ ،‬متطرقا لهذا الكشف في‬ ‫والمتاحف بالهيئة الــعــامــة للسياحة تقرير مفصل عن نتائج أعمال البعثة‬ ‫والتراث الوطني سابقا (وزارة السياحة) السعودية الفرنسية المشتركة في موقع‬

‫حاليا‪ ،‬بمشاركة الفريق السعودي في دومة الجندل بمنطقة الجوف‪ ،‬إذ أشار‬ ‫الجمال المنحوتة بالحجم‬ ‫البعثة‪ ،‬ال ــذي يمثله حسين بــن علي إلى عدد من ِ‬ ‫الخليفة‪ ،‬مكتشف الموقع‪ ،‬وثامر بن الطبيعي‪.‬‬ ‫عــوض المالكي‪ ،‬بالتزامن مــع مجلة‬

‫‪116‬‬

‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬

‫وأشــار التقرير إلى أن الموقع يُعد‬


‫ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬

‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬

‫‪117‬‬


‫ال جديدًا لتطور الفن الصخري العربي‪ ،‬ثالث نتوءات صخرية بمنطقة الجوف شمال‬ ‫دلي ً‬ ‫ويبدو أنه كان جاذبًا لصانعي الحجارة ذوي غربي المملكة‪.‬‬ ‫المهارات العالية‪.‬‬

‫ونقلت «الــديــلــي مــيــل» عــن عــالــم اآلثــار‬

‫وقـــد غــطــت الــصــحــف الــعــالــمــيــة خبر الفرنسي غيوم تشارلوكس قوله‪ :‬إن هذه‬ ‫االك ــت ــش ــاف‪ ..‬مــنــهــا صحيفة األنــدبــنــدت المنحوتات تختلف أيضاً عن تلك المكتشفة‬ ‫البريطانية التي كتبت‪« :‬اكتشف علماء آثار في المواقع السعودية األخرى‪.‬‬ ‫سعوديون وفرنسيون منحوتاً لجمل بالحجم‬

‫وأضاف‪« :‬بعض تماثيل موقع الجمل على‬

‫الطبيعي فــي منطقة الــجــوف بالمملكة واجهة الصخور العليا تثبت المهارات التقنية‬ ‫العربية السعودية‪ ،‬أسموه موقع الجمل» في التي ال جدال فيها‪ ،‬ويمكن اعتبار موقع الجمل‬ ‫يوم األربعاء ‪ - 14‬فبراير ‪2018 -‬م‪.‬‬

‫اآلن عرضاً رئيساً لفن الصخور السعودية‬

‫وذكرت صحيفة «الديلي ميل» البريطانية في منطقة خاصة مواتية لالكتشاف األثري»‪.‬‬ ‫ومــوقــع‬

‫‪euronews‬‬

‫أن فــريــقـاً مــن العلماء‬

‫وعثر الفريق على عدد كبير من منحوتات‬

‫فرنسي‪ -‬سعودي والذين تمكنوا من تحديد الجمال‪ ،‬قال إنها تختلف في أسلوب وجمال‬ ‫نحو اثني عشر نقشاً تمثل اإلبل‪ ،‬رجحوا أن تنفيذها عن عدد مماثل من منحوتات لجمال‬

‫المنطقة ربما كانت مكاناً للعبادة‪ ،‬أو أن اإلبل أخرى عثر عليها في الجزيرة العربية‪ ،‬وإن‬ ‫كانت تُستخدم كرموز للقوافل‪.‬‬ ‫االكتشافات الجديدة قد تسلط الضوء أكثر‬ ‫وأش ــارت الصحيفة إلــى أن باحثين في على تاريخها‪.‬‬ ‫مركز البحث العلمي الفرنسي‪ ،‬وزمالءهم من‬

‫وقــال الباحثون إن االكتشاف جديد في‬

‫الهيئة السعودية للسياحة والتراث الوطني نوعه؛ ألن المنحوتات كانت من صخور لم‬ ‫هم من يعود لهم الفضل في اكتشاف موقع يتم الحفر عليها سابقا في السعودية‪ .‬ورغم‬ ‫الجمل في عامي ‪ 2016‬و‪2017‬م‪.‬‬

‫أن الكثير من المنحوتات الجديدة تعرضت‬

‫وقالت‪ :‬عثر علماء على منحوتات لجمل للتلف بسبب التعرية واألضرار التي أحدثها‬ ‫بالحجم الطبيعي في الصحراء السعودية‪ ،‬اإلنــســان‪ ،‬فــإن بقاياها تشير إلــى وصــول‬ ‫ويعد هذا االكتشاف «غير المسبوق» لغزاً النحاتين العرب القدماء إلى مستويات عالية‬

‫‪118‬‬

‫بالنظر إلى أن نحت تلك الحيوانات تم في من الفن اإلبداعي‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬


‫ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬

‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬

‫‪119‬‬


‫أمير منطقة الجوف االمير فيصل بن نواف بن عبدالعزيز يزور موقع الجمال بمدينة سكاكا‬

‫وق ــد زار أمــيــر منطقة الــجــوف رئيس موقعاً فريداً في نوعه على مستوى العالم‬ ‫مجلس التنمية السياحية بالمنطقة‪ ،‬األمير من ناحية نوع الرسومات وحجمها التي تدل‬ ‫الجمال وحيوانات أخرى‪.‬‬ ‫فيصل بن نواف بن عبدالعزيز موقع الجمال على ِ‬ ‫المنحوتة‪ ،‬والتقى برئيس البعثة السعودية‬

‫وأكد األمير فيصل بن نواف على أهمية‬

‫الفرنسية في المسح والتنقيب لموقع ِ‬ ‫الجمال الــحــفــاظ عــلــى الــمــوقــع‪ ،‬وعــمــل مــزيــد من‬ ‫األثري شمالي مدينة سكاكا‪ ،‬جيوم شارلو‪ ،‬الــدراســات والنتائج حوله‪ ،‬كما أعــرب عن‬ ‫والــدكــتــورة مــاريــا غــانــيــان‪ ،‬وعضو الفريق شكره لصاحب المزرعة (التي تضم موقع‬ ‫مدير متحف الجوف أحمد القعيد‪ ،‬واطلع الجمال المنحوتة)‪ ،‬الفي العودة‪ ،‬على تعاونه‬ ‫على أعمال المسح والتنقيب التي يجريها مع هيئة السياحة الستالم الموقع للمحافظة‬

‫‪120‬‬

‫فريق البعثة في الموقع‪ ،‬مؤكدين أنه يع ّد عليه‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬


‫ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬

‫الجمال المنحوتة‬ ‫موقع ِ‬ ‫في مدينة سكاكا‬ ‫■ حسني بن علي اخلليفة*‬

‫تنوعت الفنون الصخرية بالجزيرة العربية وفي منطقة الجوف‪ ،‬فنجد العديد‬ ‫منها على الصخور والواجهات الصخرية منها‪ ،‬وخاصة بالقرب من موارد ومصادر‬ ‫المياه والمراعي‪ ،‬وتمثلت هــذه الفنون بأشكال حيوانية مختلفة‪ ..‬إمــا برية أو‬ ‫مستأنسة‪ ،‬وكذلك لمشاهد بشرية مختلفة‪ ،‬كما نجد مشاهد الصيد المختلفة‪.‬‬ ‫واغلب ما نشاهده بطريقة النقر‪ ،‬وأغلبها تحديدٌ للشكل الخارجي‪ ،‬وبعضها نقرٌ‬ ‫كامل الشكل‪.‬‬ ‫الجمال المُكتَشف حديثا‬ ‫أما موقع ِ‬

‫حينما زرت الموقع ألول مــرة في‬

‫الذي بصدد الحديث عنه‪ ،‬فهو يختلف مــديــنــة ســكــاكــا الحــظــت الــعــديــد من‬ ‫تــمــا ًمــا عــن بــاقــي الــفــنــون الصخرية المنحوتات المتميزة لجمال منحوتة‬ ‫األخـ ــرى‪ ..‬بــأن النحت بــارز (تجسيم بشكل بـ ــارز‪ ،‬كما أن الــمــوقــع ارت ــاده‬

‫للمنحوتة)‪ .‬وقد أضاف موقع الجمال الكثيرون ‪-‬سابقا‪ -‬فــي رحــات برية‬ ‫شــمــال شــرقــي سكاكا ث ــورة حضارية (كشتات)‪ ،‬أما في الوقت الحالي‪ ..‬فقد‬ ‫ومَعلمًا مهمَّا من معالم منطقة الجوف أصبح الموقع ‪ -‬منذ عشرات السنين‪-‬‬

‫الغنية بمواقعها الحضارية والتراثية ضــمــن حــــدود م ــزرع ــة خــاصــة ألحــد‬

‫والطبيعية‪.‬‬

‫المواطنين‪.‬‬

‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬

‫‪121‬‬


‫‪122‬‬

‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬


‫ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬ ‫عارض هذا االكتشاف في بدايته بعض وقد اختلفت أحجام منحوتات هذه الجمال‬ ‫الباحثين‪ ،‬ولكن مع اإلصــرار والمزيد من بين أحجام كبيرة وصغيرة‪ ،‬ولكنها امتازت‬ ‫البحث في الموقع نفسه ‪-‬بفضل من اهلل‪ -‬جميعها بالدقة واإلتقان‪.‬‬ ‫أصــبــح الموقع مــن أهــم الــمــواقــع الفريدة‬ ‫ويتضح من بعض المنحوتات غير المكتملة‬ ‫والمتميزة في الجزيرة العربية‪ ،‬وحظي حاليا أن طريقة النحت كانت أن يقوم النحات لهذه‬ ‫بتحديد للشكل الخارجي‪..‬‬ ‫ٍ‬ ‫باهتمام من األوساط العلمية‪ ،‬ويعمل حاليا الفنون الصخرية‬ ‫في الموقع فريق مشترك سعودي إيطالي ثم يبدا العمل‪.‬‬ ‫وفرنسي‪ ،‬ويرأس الفريق السعودي األستاذ‬ ‫ومن الجوالت بالموقع‪ ،‬لوحظ عدم العثور‬ ‫ثامر المالكي‪ ،‬والفريق اآلخر الدكتور جيوم‪.‬‬ ‫على أي كتابات ثمودية أو نبطية تتزامن مع‬ ‫توزعت المنحوتات على ثالثة مرتفعات هــذا الفن الصخري المميز‪ ،‬كما كشفت‬ ‫صخرية من الحجر الرملي‪ ،‬متجاورة بعضها الحفرية التي تمت بموقع الجمال بالجوف‬ ‫على واجهة الجبل مباشرة‪ ،‬وبعضها منحوتة عن اكتشاف أدوات حجرية تعود ألكثر من‬ ‫ومنفصلة‪ ،‬وبعضها سقط من واجهة الجبل‪ ٦٠٠٠ ،‬سنة مضت‪.‬‬ ‫* باحث آثار من الجوف‪ ،‬السعودية‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬

‫‪123‬‬


‫أسعد‬ ‫عبده‬ ‫■ محمد عبدالرزاق القشعمي*‬

‫عــرفــت الــدكـتــور أسـعــد سليمان بكر عـبــده في‬ ‫المناسبات الثقافية وفي النادي األدبي‪ ،‬ومجلس‬ ‫الدكتور عبدالرحمن الشبيلي‪ ،‬ضحوية أيام األحد‬ ‫األسبوعية ألعضاء مجلس الشورى القدماء‪ ،‬وفي‬ ‫خميسية الشيخ حمد الجاسر األسبوعية؛ بحكم‬ ‫إنــه عضو مجلس أمـنــائـهــا‪ ،‬وعـضــو هيئة تحرير‬ ‫مجلة العرب‪ ،‬وعضو اللجنة العلمية بمركز حمد‬ ‫الجاسر الثقافي‪ ،‬وغيرها‪ ،‬وهو يتمتع بروح خفيفة مرحة‪ ،‬وبقدر كبير من الود‪ ،‬ذو‬ ‫أخالق عالية‪ ،‬ال تملك إال أن تحبه من أول لقاء؛ لبساطته‪ ،‬ولطفه‪ ،‬وأدبه الجمّ ‪.‬‬

‫‪124‬‬

‫ولمجرد معرفته بعملي بمكتبة الملك‬ ‫فهد الوطنية أش ــاد بها وبــمــا تقدمه‬ ‫للمجتمع‪ ،‬فانتهزتها فــرصــة لدعوته‬ ‫لزيارتها‪ ،‬والتسجيل معه ضمن برنامج‬ ‫(الــتــاريــخ الــشــفــوي)‪ ،‬فــرحّ ــب‪ ..‬وتمت‬ ‫الزيارة صباح يوم ‪1428/4/23‬هـ‪ ،‬وعلى‬ ‫مدى ثالث ساعات‪ ،‬بدأ يروي ما تيسر‬ ‫من سيرته‪:‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬

‫ولد بالمدينة المنورة عام ‪1361‬هـ‬

‫‪1942 -‬م‪ .‬أثناء المرحلة االبتدائية‪ ،‬بدأ‬

‫يتعلم مهنة التطريز‪ ،‬وأتقنها بالمنزل‪،‬‬

‫وكان ذلك بأجر لحساب محالت تجارية‬ ‫طوال مدة دراسته االبتدائية والمتوسطة‬

‫بالمدينة‪.‬‬

‫عــمــل مــدرس ـاً فــي وزارة الــمــعــارف‬


‫مــع مواصلته الــدراســة بالمرحلة الثانوية‪،‬‬ ‫إذ حصل على المركز األول على مستوى ‪ -‬رئيس قسم الجغرافيا ‪1404 -1403‬هـ‪/‬‬ ‫المملكة في المعاهد العلمية‪.‬‬ ‫‪1984 -1982‬م‪.‬‬

‫التحق بجامعة الملك سعود‪ ،‬وحصل على ‪ -‬رئيس لجنة مرصد الزالزل الجيوفيزيائي‬ ‫المركز األول فــي جميع ســنــوات الــدراســة‬ ‫‪1410 -405‬هـ‪1990 -1986 /‬م‪.‬‬ ‫الــجــامــعــيــة‪ ،‬وكـ ــان يــعــمــل خ ــال اإلجــــازات‬ ‫ عضو مجلس الشورى لثالث دورات‪ ،‬بدءاً‬‫الصيفية ‪-‬أثناء دراسته ‪ -‬في شركة كهرباء‬ ‫من الدورة الثانية للمجلس عام ‪1418‬هـ‬ ‫المدينة‪ ،‬وفي مركز التدريب المهني‪ ،‬وفي‬ ‫ ‪1997‬م‪ ،‬حتى نهاية الدورة الرابعة عام‬‫شركة أرامكو‪ ،‬حتى حصوله على ليسانس‬ ‫‪1430‬هـى‪2009 /‬م‪.‬‬ ‫جغرافيا عام ‪1384‬هـ ‪1964‬م‪.‬‬ ‫ لــه مؤلفات وبــحــوث منشورة باللغتين‪،‬‬‫ابتُعث إلى بريطانيا‪ ،‬لدراسة الماجستير‬ ‫منها ثمانية كتب في الخرائط واألسماء‬ ‫والدكتوراه بما في ذلك تعلّم اللغة اإلنجليزية‪،‬‬ ‫الجغرافية بالمملكة‪.‬‬ ‫وأنهاها بمدة قصيرة‪ .‬فهو أول السعوديين‬ ‫ شارك في تأليف مقررات مدرسية منها‪:‬‬‫الحاصلين على الدكتوراه في الجغرافيا ‪ -‬مع‬ ‫كتب الجغرافيا للمرحلة الثانوية لــوزارة‬ ‫وجود مبتعثين سعوديين ابتعثوا قبله بثالث‬ ‫المعارف آنــذاك‪ ،‬ودراســة (وضــع القسم‬ ‫ســنــوات فــي التخصص نفسه‪ ،‬وفــي الكلية‬ ‫العلمي بالجامعة)‪.‬‬ ‫نفسها‪ -‬بحصوله على دكتوراه الفلسفة‪ ،‬قسم‬ ‫الجغرافيا‪ ،‬جامعة درم‪ ،‬انجلترا‪1389 ،‬هـ ‪ - -‬أنــشــأ مــرصــد الـ ــزالزل الجيوفيزيائي‪،‬‬ ‫وروض ــة أطــفــال أعــضــاء هيئة التدريس‬ ‫‪1969‬م‪.‬‬ ‫ومــوظــفــي الــجــامــعــة‪ ،‬وصحيفة (رســالــة‬ ‫عــاد لجامعته ل ـيُ ـدِّرس عــام ‪1389‬هـ ـــ ‪-‬‬ ‫الجامعة)‪ ،‬والجمعية الجغرافية السعودية‪.‬‬ ‫‪1969‬م‪ ،‬واستم َّر حتى رقّي إلى درجة أستاذ‬ ‫ شارك بالتدريس في مرحلتي الدكتوراه‬‫عام ‪1405‬هـ ‪1985 -‬م‪ .‬إضافة إلى عمله في‬ ‫والماجستير‪ ،‬وفي بعض لجان االمتحان‬ ‫التدريس‪ ..‬تولى مناصب إدارية متعددة‪ ،‬نذكر‬ ‫الــشــامــل لــلــدكــتــوراه‪ ،‬ومــنــاقــشــة رســائــل‬ ‫منها‪:‬‬ ‫دكتوراه وماجستير‪.‬‬ ‫ رئيس قسم اإلعــام ‪1396 - 1394‬هـــ‪/‬‬‫ قام بتحكيم إنتاج علمي للترقية إلى درجة‬‫‪1976 -1974‬م‪.‬‬ ‫أستاذ‪ ،‬وتحكيم إنتاج علمي مقدم للنشر‪.‬‬ ‫ رئيس قسم الجغرافيا ‪1398 -1397‬هـ‪/‬‬‫ بطلب من جامعة الكويت‪ ،‬ق ـدّم تقريراً‬‫‪1978 - 1977‬م‪.‬‬ ‫يتضمن تقويماً لكلية اآلداب ‪ -‬قسم‬ ‫‪ -‬أمــيــن ع ــام الــجــامــعــة ‪1401-1398‬هـــــــ‪/‬‬

‫الجغرافيا فيها‪.‬‬

‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬

‫ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬

‫‪1981 -1978‬م‪.‬‬

‫‪125‬‬


‫الشيخ حمد الجاسر‬

‫الدكتور أحمد الضبيب‬

‫األستاذ حمد القاضي‬

‫ ‪ -‬شــارك في وفــد المملكة إلــى عديد من‬ ‫مؤتمرات األمم المتحدة الدولية لتوحيد‬ ‫«‪ ...‬إنشاء جامعة ‪ -‬في أي دولة من الدول‬ ‫األسماء الجغرافية‪.‬‬ ‫ يعد حدثاً مهماً‪ ،‬وعالمة بارزة في طريق‬‫ عضو فريق خــبــراء األمــم المتحدة في رقي األمة‪ ،‬وبرهانًا واضحاً على صدق العزم‬‫األســمــاء الجغرافية منذ عــام ‪1981‬م‪ ،‬لتزويد الشباب بفكر وعلم ومهارات العصر‬ ‫الذي يعيشون فيه؛ لهذا كانت فرحتنا كبيرة‬ ‫وعضو في لجان أممية أخرى‪.‬‬ ‫ إعداد وتقديم برامج إذاعية وتلفزيونية‪ ،‬عندما أعلن خبر إنشاء جامعة (أم القرى)‪.‬‬‫ومقاالت في الصحف والمجالت‪ ،‬وإلقاء لقد أصبح بالمملكة العربية السعودية بعد‬ ‫إنشاء جامعة أم القرى سبع جامعات‪ ،‬إضافة‬ ‫محاضرات عامة في األندية األدبية‪.‬‬ ‫إلى عدد من الكليات الجامعية‪ ،‬وهي البالد‬ ‫ رئاسة العديد من الندوات والمؤتمرات التي لم يكن بها قبل خمس وعشرين سنة‬‫المحلية والعالمية وعضويتها‪.‬‬ ‫جامعة واحدة‪.»...‬‬ ‫ حصل على جائزة مكتب التربية لدول ‪ -‬قال عنه الشيح حمد الجاسر بمقال مطول‬‫الخليج العربية في العلوم االجتماعية‪.‬‬ ‫بجريدة الجزيرة في ‪ 13‬شوال ‪1418‬هـ‪:‬‬ ‫(أم القرى)‪ ،‬يقول فيها‪:‬‬

‫‪126‬‬

‫ عض ٌو فــي هيئة اإلش ــراف على المجلة‬‫العربية عــام ‪1399‬هـ ـــ ‪1979 -‬م‪ ،‬إلى‬ ‫جــانــب األس ــات ــذة‪ :‬عــبــداهلل بــن خميس‪،‬‬ ‫وعبد العزيز الــرفــاعــي‪ ،‬وحــمــود البدر‪،‬‬ ‫وحــمــد الــقــاضــي‪ .‬كتب افتتاحية العدد‬ ‫الخامس لسنتها الرابعة‪ ،‬شوال ‪1400‬هـ‬ ‫ أغسطس ‪1980‬م‪ ،‬مُرحّ باً بإنشاء جامعة‬‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬

‫«عــرفــت ه ــذا األس ــت ــاذ الــجــلــيــل معرفة‬ ‫اســتــفــادة واســتــزادة مــن علمه‪ ،‬وخلقه‪،‬‬ ‫وحــســن سمته‪ ،‬مــع انــصــرافــه الــتــام لما‬ ‫يُعنى به من شؤون العلم والمعرفة تدريساً‬ ‫وتأليفاً وتوجيهاً‪ ،‬والحفاظ على الوقت‪،‬‬ ‫وعدم االشتغال بما عدا ذلك‪ ..‬وحقاً قلت‪:‬‬ ‫إنه من مفاخر بالدنا‪ ..‬ومن أبرزها كتابه‬


‫ قال عنه معالي الدكتور أحمد الضبيب‪:‬‬‫«‪ ...‬وتوثقت عالقتي به أيام االبتعاث عندما‬ ‫كنا نلتقي معاً في ديار الغربة (بريطانيا)‬ ‫خالل الستينيات الميالدية‪ ،‬كان دارس ًــا‬ ‫جاداً موفقاً في دراسته العلمية‪ ،‬إذ أكملها‬ ‫ال أكاديمياً‬ ‫في زمن قياسي‪ ،‬ثم كان زمي ً‬ ‫متميزاً‪ ،‬عندما انضم إلى كوكبة أعضاء‬ ‫هيئة التدريس السعوديين الــرواد‪ ،‬فكان‬ ‫الــرائــد األكــاديــمــي الجغرافي السعودي‬ ‫األول‪ .‬وفي الجامعة‪ ،‬سرعان ما اصطبغ‬ ‫الدكتور أسعد عبده بصفات مدرسة رواد‬ ‫جامعة الملك سعود األكاديمية واإلدارية‪.‬‬ ‫وهي مدرسة تقوم على التأني والتثبت‪،‬‬ ‫والنزاهة العلمية واإلداريــة‪ ،‬واالنصراف‬ ‫إلى تطوير العمل األكاديمي في الجامعة‬ ‫ليضاهي أرقى الجامعات العالمية؛ وذلك‬ ‫عن طريق العطاء بال حدود‪ ،‬والزهد في‬ ‫االستعراض اإلعالمي واالكتفاء بتحقيق‬ ‫المنجز ليتحدث عن نفسه‪ .‬وهذا ما قام‬ ‫به الدكتور أسعد؛ فقد كان أستاذاً متميزاً‪،‬‬ ‫وإدارياً مخلصاً‪ .‬تحقق على يديه كثير من‬

‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬

‫ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬

‫(معجم األسماء الجغرافية المكتوبة على‬ ‫خرائط المملكة العربية السعودية)‪ .‬ولم‬ ‫أكن يوماً ما‪ ،‬في مثل هذا القول عنه أو‬ ‫عن غيره من األساتذة األجالء‪ ،‬أهدف إ ّال‬ ‫إلى إبراز ما أعتقده حقًا‪ ،‬بل أراه واجباً‬ ‫لكي نعترف للمحسن في أي جانب من‬ ‫جوانب العمل النافع بفضله‪ ،‬فال نبخسه‬ ‫حقه‪ ،‬بل ندفعه لمواصلة جده واجتهاده‪،‬‬ ‫في اتجاهه لما يقوم به في سبيل خدمة‬ ‫أمته‪ ،‬وليكون قدوة صالحة في ذلك‪.»..‬‬

‫اإلنجازات‪ .‬لقد أتيح له أن يكون رئيساً‬ ‫لقسم اإلعــام‪ ،‬فنهض به نهضة واسعة‪.‬‬ ‫وولدت على يديه صحيفة رسالة الجامعة‬ ‫التي تمخضت عن نشرة رسالة الجامعة‪،‬‬ ‫وقــد أصــدرهــا القسم بمناسبة انعقاد‬ ‫مؤتمر رسالة الجامعة سنة ‪1396‬هـــ ‪-‬‬ ‫‪1976‬م‪ ..‬وعندما عين الــدكــتــور أسعد‬ ‫أميناً عاماً لجامعة الملك سعود‪ ،‬نهض‬ ‫بمهام هــذا المنصب نهضة ملحوظة؛‬ ‫ســواء فيما يخص األمــور اإلداريــة فيها‪،‬‬ ‫أو أمور النشاطات الجامعية‪ ،‬التي تشرف‬ ‫عليها إدارته‪ ،‬وبخاصة ما يتعلق بأعضاء‬ ‫هيئة الــتــدريــس‪ ،‬أو الــطــاب؛ ومــن ذلك‬ ‫تطويره نادي أعضاء هيئة التدريس في‬ ‫الجامعة‪ ،‬وقد كان حلماً من أحالمهم‪»..‬‬ ‫وقد سمعت من أكثر من واحد‪ ،‬أن النادي‬ ‫كان ينظم كثيراً من الــدورات التدريبية‬ ‫لألمهات‪ ،‬واألطفال لمنسوبي الجامعة؛‬ ‫ســواء في التدبير المنزلي‪ ،‬أو التطريز‬ ‫أو الــطــبــخ‪ ،‬أو دروس الــتــقــويــة‪ ،‬كذلك‪،‬‬ ‫دورات تعلم الضرب على اآللــة الكاتبة‪،‬‬ ‫والــنــشــاطــات الــثــقــافــيــة المختلفة من‬ ‫ندوات‪ ،‬ومحاضرات‪ ،‬وأمسيات موسيقية‬ ‫وتمثيلية‪ ،‬وت ــم تجهيز الــنــادي إلقــامــة‬ ‫االحــتــفــاالت بــاألفــراح واألتــــراح لجميع‬ ‫منسوبي الجامعة‪ ،‬وتدريبهم ومنافساتهم‬ ‫فــي األلــعــاب الرياضية المختلفة‪ ،‬بما‬ ‫فيها األلعاب الرياضية لكمال األجسام‪،‬‬ ‫ورياضة المشي‪ ،‬ووضــع جوائز وحوافز‬ ‫لألوائل‪ ،‬وحتى تعليم خادمات المنازل من‬ ‫غير العرب للغة العربية‪ ،‬وغير ذلك كثير‪.‬‬

‫‪127‬‬


‫أ‪ .‬د‪ .‬عبداهلل يوسف الغنيم‬

‫‪128‬‬

‫الدكتور عبدالرحمن الشبيلي‬

‫الدكتور عائض الردادي‬

‫ قال األستاذ حمد القاضي عنه عندما عُين‬‫عضواً في لجنة اإلشــراف على المجلة‬ ‫الــعــربــيــة‪ ...« :‬ســمــاحــة خــلــق‪ ،‬وســامــة‬ ‫سريرة‪ ،‬وعفة لسان‪ ،‬وجميل وفاء‪ .‬ذلكم‬ ‫هو الحبيب أ‪.‬د‪ .‬أسعد بن سليمان عبده‪،‬‬ ‫أسعد اهلل فــؤاده ويمّن كتابه‪ .‬لقد كانت‬ ‫بداية عالقتي معه‪ ،‬عندما شكل معالي‬ ‫الشيخ حسن بن عبداهلل آل الشيخ هيئ ًة‬ ‫لإلشراف على تحرير (المجلة العربية)‪،‬‬ ‫وكــنــا خــمــســة‪ ،‬هــو وأنـــا مــن أعــضــائــهــا‪،‬‬ ‫وقــد رأسهما معالي األديــب عبدالعزيز‬ ‫الرفاعي‪ ..‬كل من عرف د‪ .‬أسعد‪ ،‬لمس‬ ‫هذه الخلة فيه‪ ،‬إذ لم يغرّه منصب‪ ،‬فلم‬ ‫يتكبرّ‪ ،‬أو يغره عِ لم ليترفع‪ ،‬بل بقي كما‬ ‫هو إنساناً بسيطاً‪ ،‬لطيفاً‪ ،‬متواضعاً مع‬ ‫الجميع‪.»..‬‬

‫أحد من‬ ‫صلتي الوثيقة به كلم ًة في حقّ ٍ‬ ‫الــنــاس‪ ،‬يتعامل مع زمالئه وطلبته على‬ ‫أساس من االحترام والتوقير‪ ،‬أكسبه ُو ّد‬ ‫ٍ‬ ‫الجميع وتقديرهم‪ ...‬وقد أنجز رسالته‬ ‫بنجاح‪ ..‬وفي زمن قصير‪ ،‬واألعجب في‬ ‫ذلك أنه كان األول على الثانوية العامة‬ ‫بالقسم العلمي على مستوى المملكة‬ ‫العربية السعودية‪ .‬وكانت مثابرته الدائمة‬ ‫على طلب العلم وتحقيق آماله العلمية‪،‬‬ ‫سمة مــن سماته الشخصية‪ ..‬إن هذه‬ ‫الجهود التي بذلها األستاذ الدكتور أسعد‬ ‫عبده‪ ،‬وإخضاعه تراثاً واسعاً من المعاجم‬ ‫الجغرافية للمنهج العلمي األكــاديــمــي‪،‬‬ ‫وجّ ــه كثيراً من المختصين بالجغرافيا‬ ‫إلى العناية بأسماء األماكن في المملكة‪،‬‬ ‫وتوثيقها وفقاً إلحداثياتها الجغرافية‪.»..‬‬

‫ قال معالي األستاذ الدكتور عبداهلل يوسف‬‫الغنيم‪ ،‬مدير مركز البحوث والدراسات‬ ‫الكويتية ووزيــر التعليم األسبق‪« :‬عرفته‬ ‫منذ نحو أربعين عاماً‪ ،‬عرفت فيه الخلق‬ ‫الرفيع والتواضع الجم‪ .‬لم أسمع منه رغم‬

‫ قال عنه الدكتور عبدالرحمن الشبيلي‪:‬‬‫«هذا الرجل الودود الرائع‪ ،‬الذي تكاملت‬ ‫فيه سمات الدماثة الرفيعة والسمات‬ ‫اإلنسانية‪ ،‬ليس من ملحظ يؤخذ عليه‬ ‫ســوى التقوقع واالنــطــواء العلمي! فكان‬

‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬


‫ قال الدكتور عائض الــردادي‪« :‬عرفت أ‪.‬‬‫د‪ .‬أسعد عبده عندما التحقت بإذاعة‬ ‫الــريــاض‪ ،‬فقد كــان يُعد ويقدم برنامجاً‬ ‫اذاعياً اسمه (رحلة اليوم)‪ ،‬وهو برنامج‬ ‫جغرافي يُــعـرّف فــي كــل حلقة بموضوع‬ ‫من مواضيع بالدنا‪ :‬مدينة‪ ،‬أو قرية‪ ،‬أو‬ ‫وادياً‪ ،‬أو جبالً‪ ،‬أو غيرها‪،‬‬ ‫وكـ ــانـ ــت ال ــم ــع ــل ــوم ــات‪..‬‬ ‫مــعــلــومــات علمية موثقة‬ ‫من متخصص‪ ،‬ولعله أول‬ ‫برنامج جغرافي يُعد من‬ ‫أستاذ جغرافيا متخصص‪،‬‬ ‫وكان له مستمعون كُثر‪ ،‬إذ‬ ‫كانت إذاعة الرياض تعيش‬ ‫عهدها الذهبي إذ ذاك؛‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬أبو أوس الشمسان‬ ‫قوة برامج وإذاعيين رواد‬ ‫من الداخل والخارج‪.»..‬‬ ‫ وعنه قال تلميذه األستاذ‬‫الـــــدكـــــتـــــور أبـــــــو أوس‬ ‫الــشــمــســان‪ ..« :‬يشعرنا‬ ‫أســتــاذنــا الــدكــتــور أسعد‬ ‫عــبــده حين نلقاه بلطفه‬ ‫واب ــت ــس ــام ــت ــه وح ــدي ــث ــه‬ ‫ال ــه ــادي‪ ،‬بــأنــه الــصــديــق‪،‬‬ ‫بــل األب الــحــنــون‪ ،‬وكــان‬

‫أ‪ .‬د‪ .‬عبدالعزيز الهالبي‬

‫ وقــال عنه زميله األستاذ‬‫الدكتور عبدالعزيز الهالبي‪:‬‬ ‫«‪ ..‬ما كان يلفت نظري كثيراً‬ ‫ذلــك الشاب األنــيــق‪ ،‬عندما‬ ‫يمر أساتذة الجغرافيا وهم‬ ‫نخبة من علماء الجغرافيا‬ ‫في العالم العربي‪ ،‬منهم عزة‬ ‫النص (ســوريــا)‪ ،‬ومصطفى‬ ‫زقـ ــانـ ــه (مــــصــــر)‪ ،‬وش ــاك ــر‬ ‫خصباك (الــعــراق)‪ ،‬وأحياناً‬ ‫يكون أسعد برفقتهم‪ ،‬وكثيراً‬ ‫ما كانوا يخصونه بالحديث‪،‬‬ ‫مــا يــدل على مــا يحظى به‬ ‫من مكانة لديهم‪ ،‬مثله مثل‬ ‫ك ــل ال ــط ــاب الــمــتــمــيــزيــن‪.‬‬ ‫صار أسعد معيداً‪ ،‬ثم ابتعث‬ ‫إل ــى بــريــطــانــيــا‪ .‬تقلبت بي‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬

‫ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬

‫الهادئ الرزين على وتيرة واحدة‪ ،‬الذي ال‬ ‫يتحدث إال بمكيال‪ ،‬وال يعلق إال بموجب‪،‬‬ ‫وال ينفعل إال للحق وبنبرة ناعمة‪ ،‬وال‬ ‫يداخل في أي شأن إال بالمفيد‪ ،‬أما في‬ ‫ما عدا ذلك‪ ،‬فإنه صامت‪ ،‬ال تكاد تلحظ‬ ‫له وجوداً ما لم يوجه له الحديث‪.»..‬‬

‫مــن محاسن الــصــدف أن كــانــت زوجته‬ ‫األســتــاذة الــقــديــرة آمــنــة الــعــقــاد‪ ،‬زميلة‬ ‫لنا في قسم اللغة العربية‪ ،‬علّمت فيه‬ ‫كما علّمنا‪ ،‬وتحملت أعباء إدارة القسم‬ ‫النسائي فترة من الزمن‪ ،‬وجمعتها الزمالة‬ ‫بــزوجــتــي الــدكــتــوره وســمــيــة المنصور‪،‬‬ ‫فنشأت بين أسرتينا صداقة‪ ،‬وبين أبنائنا‬ ‫زمالة وصــداقــة‪ ،‬وكانت حفالت األعياد‬ ‫تجمع هــؤالء األبناء‪ ،‬واآلن أرى الدكتور‬ ‫أيمن أسعد عبده‪ ،‬والدكتور أوس ابراهيم‬ ‫الشمسان زميلين وصديقين متعاونين‬ ‫على الخير‪ ،‬وأثر التربية الصالحة ظاهرة‬ ‫كــل الظهور على أبــنــاء هذه‬ ‫الشجرة المباركة‪.»..‬‬

‫‪129‬‬


‫الدكتور محمد المشوح‬

‫الدكتور يحيى أبو الخير‬

‫األحــوال إلى أن استقرت بي عضو هيئة‬ ‫تــدريــس بقسم الــتــاريــخ بجامعة الملك‬ ‫سعود‪ ،‬فشرفت بزمالة الدكتور أسعد مرة‬ ‫أخرى‪ ،‬وتوثقت معرفتي به أكثر عندما كنا‬ ‫عضوين في مجلس كلية اآلداب‪ ،‬هو رئيس‬ ‫قسم الجغرافيا وأنا وكيل الكلية‪ ،‬وفي كل‬ ‫مناسبات الكلية والجامعة‪ ،‬كان مثاالً في‬ ‫رجاحة عقله‪ ،‬وغزارة علمه‪ ،‬وموضوعيته‪،‬‬ ‫ولطفه وكــرم أخالقه التي تأسر كل من‬ ‫يتعامل معه‪ .‬وقد أفادت الجامعة كثيراً من‬ ‫خبرته وكفاءته‪.»..‬‬

‫‪130‬‬

‫الدكتور عبداهلل سالم الزهراني‬

‫ وقال تلميذه الدكتور يحيى أبو الخير‪..« :‬‬‫أستاذي ومعلمي الفاضل الذي منذ عرفته‬ ‫قبل نصف قــرن تقريباً وهــو لــم تغيره‬ ‫السنين وتقلبات الزمان‪ ..‬فالزاد الحقيقي‬ ‫لعالقتي باألستاذ الدكتور أسعد عبده‪،‬‬ ‫العالم الــفــذ صــاحــب الــوهــج اإلنساني‪،‬‬ ‫والــنــبــوغ األكــاديــمــي والحنكة اإلداريـ ــة‪،‬‬ ‫وقربي منه ومحبتي وإكــبــاري وتقديري‬ ‫له‪ ،‬هي الذكريات الطيبة التي أحملها له‪،‬‬ ‫والتي ما تزال يتردد صداها في جنبات‬ ‫األماكن التي جمعتني مسيرة الزمان فيها‬ ‫به‪.»..‬‬

‫ أمــا الدكتور محمد المشوح فقال عند‬‫تكريمه في ثلوثيته‪ ..« :‬الدكتور أسعد ‪ -‬وتلميذه اآلخ ــر الــدكــتــور عــبــداهلل سالم‬ ‫ســلــيــمــان ع ــب ــده‪ ،‬عــــزوف ع ــن الــجــانــب‬ ‫الزهراني الــذي اختير من كلية التربية‬ ‫اإلعالمي بشكل كبير‪ ،‬ولذلك رغم ريادته‬ ‫ليصبح معيداً في كلية اآلداب‪ ،‬ويلتقي‬ ‫وموسوعيته في هذا الجانب‪ ،‬إال إنه ال‬ ‫ألول مــرة بالدكتور أسعد‪ ،‬والــذي كلفه‬ ‫يحب أن يقدم نفسه بالشكل الذي ينبغي‬ ‫وزم ـ ــاءه الــمــعــيــديــن تــحــديــد مــكــان كل‬ ‫أن يكون عليه؛ كونه عالماً جغرافياً بلدانياً‬ ‫مسمى‪ ..‬حسب خطّ ي الطول والعرض‪،‬‬ ‫مميزاً‪ ،‬وهــذا العزوف أفــرز عدم معرفة‬ ‫وبدقة على خرائط المملكة الطبوغرافية‬ ‫كثيرين بجهوده إال من المحيط العلمي‬ ‫الــتــي أصــدرتــهــا المساحة الجيولوجية‬ ‫الجغرافي‪.»..‬‬ ‫ب ــوزارة البترول‪ .‬قــال‪ ..« :‬كــان بالنسبة‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬


‫وجرى تعريف بأهم مؤلفاته وهي‪:‬‬

‫‪ -1‬معجم األسماء الجغرافية المكتوبة على‬ ‫خرائط المملكة العربية السعودية‪.‬‬

‫ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬

‫لي عم ً‬ ‫ال ممتعاً ومفيداً بدرجة كبيرة‪ -2 ،‬فهرس كتاب صحيح األخبار عما في بالد‬ ‫وأحــســب ذلــك لغالبية الــزمــاء لتعرفنا‬ ‫العرب من اآلثار ج‪ ،1‬ج‪.2‬‬ ‫فيه على مسميات وأماكن عديدة ومعرفة‬ ‫‪ -3‬تصحيح األسماء الجغرافية المكتوبة على‬ ‫مواقعها‪ ،‬كما دفعنا للقراءة عنها‪ ،‬كان‬ ‫خرائط المملكة العربية السعودية‪.‬‬ ‫يسألنا‪ ،‬ليس كــل يــوم‪ ،‬وإنــمــا أسبوعياً‪،‬‬ ‫ويحدد لنا اجتماعاً نناقش فيه ما وصلنا ‪ -4‬معجم أسماء األماكن في المملكة العربية‬ ‫إليه‪ ،‬وما إذا كان هناك مشكالت‪ ،‬لم نكن‬ ‫السعودية المكتوبة على خريطة جزيرة‬ ‫على شاكلة واحــدة في اإلنجاز‪ ،‬فبعضنا‬ ‫العرب‪.‬‬ ‫متقدم‪ ،‬وبعضنا اآلخر متأخر‪ ،‬لكنه عندما‬ ‫كان يرى اإلِنجاز يدعو بالتوفيق‪ ،‬وال يسأل ‪ -5‬بــعــض أوجـــه االخــتــاف فــي رس ــم اســم‬ ‫المكان الواحد بحروف اللغة العربية في‬ ‫لماذا أنت متأخر يا فالن‪ ،‬بل يشكر ويثني‬ ‫على العمل‪ ،‬وبهذا األسلوب أنجزنا الكثير‪،‬‬ ‫المملكة‪.‬‬ ‫وتم نشره في كتاب ومقالة ومعجم‪.»..‬‬ ‫‪ -6‬تــرجــم لــه فــي كــتــاب (مجلس الــشــورى)‬ ‫ما سبق من شهادات أصدرها مركز حمد‬ ‫‪1422‬هـ ‪2001 -‬م السير الذاتية‪.‬‬ ‫الجاسر الثقافي في العدد ‪ 24‬من نشرته‬ ‫(جــســور) لــجــمــاد اآلخـ ــرة ‪1440‬هــــــ‪ ،‬تحت ‪ -‬ترجم له أحمد سعيد بن سلم في (موسوعة‬ ‫األدبــاء والكتاب السعوديين خــال مائة‬ ‫عنوان‪( :‬جسور تحتفي بالجغرافي األستاذ‬ ‫الدكتور أسعد عبده)‪ ،‬وقد اختتمها المهندس‬ ‫عام) ط‪ ،2‬ج‪1420 ،3‬هـ ‪1999 -‬م‪ ،‬وقالت‬ ‫معن بــن حمد الجاسر بقوله‪..« :‬ويــشــرف‬ ‫إن اسمه أسعد ابراهيم عبده‪ ،‬وهذا خطأ‬ ‫مجلس أمناء مؤسسة حمد الجاسر الثقافية‬ ‫فوالده سليمان‪.‬‬ ‫بعضوية أستاذنا الدكتور أسعد عبده‪ ،‬كما‬ ‫أنه عضو هيئة تحرير مجلة العرب‪ ،‬وكذلك ‪ -‬تــرجــم لــه فــي (مــوســوعــة الشخصيات‬ ‫السعودية) الــصــادر من مؤسسة عكاظ‬ ‫عضو اللجنة العلمية لمركز حمد الجاسر‬ ‫للصحافة والنشر‪ ،‬ط‪ ،2‬ج‪1434 ،2‬هـــ‪/‬‬ ‫الثقافي‪ ،‬فهو مرجع رئيس فيما يحال إليه من‬ ‫أبحاث ومشاريع علمية في مجال الجغرافيا‬ ‫‪2013‬م وذكرت أنه عضو اللجنة العلمية‬ ‫والخرائط والبلدانيات‪.»..‬‬ ‫بمعهد الــدراســات الدبلوماسية بــوزارة‬ ‫الخارجية ‪1404‬ه ـــ‪ ،‬عضو لجنة أسماء‬ ‫الــدول‪ ،‬فريق خبراء األمــم المتحدة في‬ ‫األسماء الجغرافيا ‪1412‬هـ ‪1991‬م‪.‬‬

‫* كاتب وباحث سعودي‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬

‫‪131‬‬


‫عندما يمرض الشاعر‬ ‫■ أحمد الفالح*‬

‫يعد الشعر بما يحمل من مضامين لغوية وشواهد فنية مدونات رسمية‪ ،‬تناولت أحوال‬ ‫العرب من النواحي الوجدانية واالجتماعية‪ ،‬وشاهد عدل على مسيرتهم الحياتية‪ ،‬وما‬ ‫تعرضوا له من أحــداث ال تخلو فصولها من بعض حــاالت الفرح أو الترح‪ .‬وكــان أكثر ما‬ ‫يزعج العربي ويقض مضجعه هو المرض‪ ،‬خاصة عندما يستفحل أمر الداء ‪ ،‬ويعز عليه‬ ‫الدواء‪ ،‬لدرجة أن بعضهم كان يفضل الصحة وسالمة الجسد على المال والزوجة ‪ ،‬وحتى‬ ‫على الولد‪ .‬قال بشار بن برد في هذا الصدد‪:‬‬

‫ووج ـ ـ ـ ـ ــهٌ ش ـ ـ ــاه ـ ـ ــدات ال ـ ـ ـحـ ـ ــزن ف ـيــه‬ ‫إني وإن كان جمع المال يعجبني‬ ‫وج ـ ـسـ ــم ك ــالـ ـخـ ـي ــال َضـ ـ ـ ـ ٍـن ن ـح ـيــل‬ ‫فليس يعدل عندي صحة الجسد‬ ‫وأثـ ـ ـب ـ ــت م ـ ــا ي ـ ـكـ ــون الـ ـ ـم ـ ــرء ي ــومً ــا‬ ‫في المال وزنٌ وفي األوالد مكرمة‬ ‫ب ـ ـ ـ ــا ش ـ ـ ـ ــك إذا ص ـ ـ ـ ــح ال ـ ــدلـ ـ ـي ـ ــل‬ ‫والسقم ينسيك ذكر المال والولد‬ ‫ومــن ش ــوارد الكلم وجــمــال النظم بهذا‬ ‫الموضوع‪ ،‬قول ابن حزم األندلسي عندما‬ ‫اعتراه عارض من المرض وحوّله إلى ظل‬ ‫رجــل‪ ،‬ويكتنفة الحزن‪ ،‬ويكابده الشهيق‪..‬‬ ‫فقال‪:‬‬

‫إال إنه أكثر ما كان يسوء المريض‪ ،‬ويؤثر‬ ‫في نفسة سلبًا عند تعرضه للمرض‪ ،‬إذا لم‬ ‫يكترث لحاله أحد ‪ ،‬أو يعوده أي من معارفه‬ ‫أو ذويه ليخفف عنه ويواسيه‪ ،‬أنشد عبداهلل‬ ‫ابن مصعب معاتبًا بعض صحبه ومحبيه‪:‬‬

‫مــالــي مــرضــت ف ـلــم ي ـعــدنــي عــائــد‬ ‫أاك ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ــه وي ـ ـ ـك ـ ـ ـش ـ ـ ـفـ ـ ــه شـ ـهـ ـي ــق‬ ‫م ـن ـك ــم ويـ ـ ـم ـ ــرض ك ـل ـب ـك ــم ف ــأع ــود‬ ‫يـ ـ ـ ــازم ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ــي وإطـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــراق ط ـ ــوي ـ ــل‬ ‫‪132‬‬

‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬


‫ومن مضاعفات المرض أحيانًا أن تكون‬ ‫الحمى‪ ،‬تلك العارضة المتلظية حرارة‪ ،‬التي‬ ‫ال يطيب لها زيــارة المريض والتغلغل في‬ ‫بدنة‪ ،‬إال مع حلول الغسق وحلكة الظالم‪،‬‬ ‫لتحرم فريستها من لذة النوم الذي هو بأمس‬ ‫الحاجة إليه‪ ،‬يقول المتنبي‪:‬‬

‫وزائ ـ ـ ـ ـ ـ ــرت ـ ـ ـ ـ ـ ــي ك ـ ـ ـ ـ ـ ــأن بـ ـ ـ ـه ـ ـ ــا حـ ـ ـي ـ ــاء‬ ‫فـ ـلـ ـي ــس تـ ـ ـ ـ ــزور إال فـ ـ ــي ال ـ ـظـ ــام‬ ‫يـضـيــق الـجـلــد ع ــن نـفـســي وعنها‬ ‫ف ـ ـ ـتـ ـ ــوس ـ ـ ـعـ ـ ــه ب ـ ـ ـ ـ ــأن ـ ـ ـ ـ ــواع الـ ـ ـسـ ـ ـق ـ ــام‬

‫لـ ـع ــزم ــك ل ـ ــم تـ ـ ــزل ذات اس ـت ـع ــار‬ ‫وكــان عنترة العبسي‪ ،‬الشاعر الجاهلي‬ ‫والفارس المشهور يرى أن من يملك قوت‬ ‫يومه‪ ،‬وهو في كامل عافيته‪،‬خي ٌر من الدنيا‬ ‫وما فيها‪ ..‬فيقول‪:‬‬

‫ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬

‫وأشَ ــد مــن مــرضــي عـلــيّ صــدودكــم‬ ‫وص ـ ـ ـ ـ ــدود ع ـ ـبـ ــدكـ ــم عـ ـ ـل ـ ــيَّ ش ــدي ــد‬

‫أحـ ـ ـ ـم ـ ـ ــاك اس ـ ـ ـت ـ ـ ـعـ ـ ــارت لـ ـ ـف ـ ــح ن ـ ــار‬

‫وإن تـ ـ ـ ـ ــدم ن ـ ـع ـ ـمـ ــة ع ـ ـل ـ ـيـ ــه ت ـج ــد‬ ‫خ ـي ــرا م ــن الـ ـم ــال ص ـحــة الـجـســد‬ ‫وم ـ ـ ـ ــا ب ـ ـمـ ــن ن ـ ـ ـ ــال ف ـ ـضـ ــل ع ــافـ ـي ــة‬ ‫وق ـ ـ ـ ـ ـ ــوت ي ـ ـ ـ ـ ــوم فـ ـ ـ ـق ـ ـ ــرٌ إل ـ ـ ـ ـ ــى أحـ ـ ــد‬ ‫وعلى الرغم من دمامة المرض وسوء‬

‫إال أن الحمى بالنسبة لـ«عماد الكاتب»‪،‬‬ ‫فاألمر يختلف‪ ،‬فالحمى ال تشن هجومها حــضــوره‪ ،‬إال إن بعضهم يجد فيه محطة‬ ‫عليه إال في وضح النهار‪ ،‬وعلى مــرآى من البد من الوقوف عندها‪ ،‬وحافزاً لالنطالق‬ ‫أهله أو ال ــزوار‪ ،‬فيتبدل لونه جــراء ذلك‪ ،‬مجدداً في عالم الصحة وورداتها الواسعة‬ ‫وينتابه الشحوب واالصفرار فيقول‪:‬‬ ‫‪،‬كالقمر الــذي يبدأ هــاال‪ ،‬ثم ينطلق بقوة‬

‫تنفضني الحمى ضحىً وعشيّةً كما انـ‬ ‫ـتفضت فــي الــدجــن قــادم ـتــا نسر ناصف‪:‬‬ ‫تذر عليَّ الورس في وضح الضحى‬ ‫ال تأسين على مــا كــان مــن مرض‬ ‫وت ـبــدلــه بــالــزع ـفــران ل ــدى العصر‬ ‫ف ــرب جـســم ب ـ ــداءٍ ق ــد ع ــرا صلحا‬

‫ليصبح بدرا‪ ،‬يقول الشاعر المصري‪:‬حفني‬

‫و«لعماد الكاتب» في هذا الموضوع أيضا‬ ‫أمــا تــرى الـبــدر يعرو جسمه سقم‬ ‫ما يقارب قصيدة المتنبي عندما يقول‪:‬‬

‫وزائـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرة لـ ـ ـ ـي ـ ـ ــس بـ ـ ـ ـه ـ ـ ــا ح ـ ـ ـيـ ـ ــاء‬ ‫ف ـ ـل ـ ـيـ ــس ت ـ ـ ـ ـ ــزور إال ف ـ ـ ــي ال ـ ـن ـ ـهـ ــار‬

‫و ينثني بــوشــاح الـحـســن متشحا‬

‫هذه بعض نفحات شعرية مختلفة‪ ،‬جادت‬ ‫بــهــا قــريــحــة بــعــض الــشــعــراء فــي مــوضــوع‬

‫أي ــا شـمــس الـمـلــوك بـقـيــت شمسا‬ ‫ت ـن ـي ــر عـ ـل ــى الـ ـمـ ـم ــال ــك وال ـ ــدي ـ ــار المرض‪ ،‬كفانا اهلل وإياكم شره‪.‬‬ ‫* مركز عبدالرحمن السديري الثقافي بالجوف‪ ،‬السعودية‪.‬‬

‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬

‫‪133‬‬


‫■ مراجعة‪ :‬رائد العيد‬

‫‪134‬‬

‫الكتاب ‪ :‬ملاذا ال يجرح احلب‬ ‫املؤلف ‪ :‬إيفا إيلوز ‪ -‬ترجمة خالد حافظي‬ ‫من تونس‬ ‫الناشر ‪ :‬دار صفحة سبعة بالسعودية‬

‫الكتاب ‪ :‬أفعال بشرية‬ ‫املؤلف ‪ :‬الكاتبة الكورية هان كانغ‪-‬ترجمة‬ ‫محمد جنيب من مصر‬ ‫الناشر ‪ :‬دار التنوير ببيروت‬

‫«لماذا ال يجرح الحب»؟ ليس مجرد سؤال عابرٍ على غالف‬ ‫كتاب‪ ،‬بل هو رحلة سنوات من البحث والقراءة والغوص في‬ ‫زمن تغيّر فيه كل شيء على يد اإلنسان المعاصر الذي حوّل كل‬ ‫ٍ‬ ‫شيء إلى آلة‪ ،‬مبررًا ذلك بشروط الحداثة المزعومة وسطوتها‬ ‫على القلب‪ .‬لقد تحول اإلنسان إلى كائن جريح يتسوّل العاطفة‬ ‫والشفقة والحنين إلى حضن دافئ وإلى لحظة حبٍّ ولو عابرة‪.‬‬ ‫والثقافة االستهالكية والرأسمالية غيرت وجه عالقاتنا بما‬ ‫يتجاوز االعتراف‪ ،‬فقد شجع االختيار من المواعدة عبر‬ ‫اإلنترنت الناس على أن يكونوا «متسوقين»‪ -‬مطالبين‪ ،‬مقارنة‬ ‫البدائل‪ ،‬ويحاولون دائمًا الحصول على صفقة أفضل‪.‬‬ ‫لك ّن الحب‪ ،‬مثله مثل كل شيء في األنظمة الليبرالية الحديثة‪،‬‬ ‫لديه مقابل مادي وسوق خاصة وضحايا بالماليين‪ .‬تُحاول إيفا‬ ‫إيلوز أن تتناول الحب من زوايا سوسيولوجيّة وفلسفية وأدبية‪،‬‬ ‫وتعتمد في بحثها على مساءلة تداعيات الحداثة واألنظمة‬ ‫الرأسمالية على عواطف اإلنسان وحياته اليومية‪ ،‬فتأخذنا في‬ ‫رحلة شيقة داخل أعماقنا‪ ،‬محاولة أن تتلمس الجرح قلي ًال‬ ‫وأن تحاو َل رتقه برقة دون أن توقظ في داخلنا آالمنا الخفيّة‬ ‫وأسئلتنا التي ال تتوقف أبدا‪.‬‬ ‫كتاب مرجعي ومهم‪ ،‬ترجم إلى أكثر من عشرين لغة‪ ،‬وما يزال‬ ‫إلى اليوم محل بحث ونقاش في األوساط األدبية واألكاديمية‬ ‫في العالم‪ .‬وهو الكتاب األول الذي يترجم للعربية ألستاذة علم‬ ‫االجتماع إيفا إيلوز‪ ،‬أعظم مفكرة في القرن الواحد والعشرين‬ ‫حسب مجلة غرينيكا‪ .‬الكتاب حائز على جائزة علم اجتماع‬ ‫العواطف ‪2014‬م ‪ ،ASA‬وتم الترحيب به باعتباره «أطلسً ا‬ ‫عاطفيًا» للقرن الحادي والعشرين‪ .‬وقالت عنه صحيفة دي‬ ‫رايت‪« :‬ال يمكن ألحد أن يناقش مسألة الحب دون الرجوع إلى‬ ‫هذا الكتاب»‪ .‬ترجمه المترجم والكاتب التونسي خالد حافظي‪،‬‬ ‫ويصدر عن دار صفحة سبعة بالسعودية‪.‬‬

‫بعد الحصول على جائزة مان بوكر الدولية عام ‪2016‬م‬ ‫لروايتها (النباتية)‪ ،‬وترشّ ح روايتها الثانية (الكتاب األبيض)‬ ‫للقائمة القصيرة لجائزة مان بوكر ‪2018‬م‪ ،‬تصدر رواية (أفعال‬ ‫بشرية) للكاتبة الكورية هان كانغ‪ ،‬بترجمة مباشرة من الكورية‬ ‫من المترجم المصري محمد نجيب ويصدر عن دار التنوير‬ ‫ببيروت‪.‬‬ ‫‏رواية عن الراحلين والباقين والعالقين بين الرحيل والبقاء‪.‬‬ ‫قصة يرويها أحياء عن أموات وأموات عن أحياء‪ .‬مرثية حزينة‬ ‫وشهادة جريئة عن انتفاضة مدينة غوانغجو الطالبية في عام‬ ‫‪1980‬م‪ ،‬والمعروفة بانتفاضة الثامن عشر من مايو‪ .‬سرد‬ ‫لتفاصيل االنتفاضة في الذكرى األربعين لها‪ ،‬والتي تُعد إحدى‬ ‫أهم الحركات الطالبية الدموية التي شهدها العالم في أعقاب‬ ‫الحرب العالمية الثانية‪.‬‬ ‫ال تقع هان كانغ في فخ السرد التاريخي الممل‪ ،‬بل تحكي‬ ‫قصصا شديدة الخصوصية‪ ،‬ولكنها عالمية في إنسانيتها‪.‬‬ ‫ً‬ ‫تواصل كانغ توجيه أسئلتها المميزة ألسلوبها في النباتية‬ ‫والكتاب األبيض عن العنف البشري‪ ،‬وعن ثقل الضمير‬ ‫وصعوبة أن تكون إنسانًا‪ ،‬وشقاء أن تكون ناجيًا‪.‬‬ ‫قيل عن الرواية في مراجعة الكتب في صحيفة النيويورك‬ ‫تايمز‪« :‬رواية تجبرك على قراءتها حتى النهاية‪ .‬موضوعها مهم‬ ‫نطاق عالمي وطريقة سردها مؤثرة بعمق‪ .‬ال تكف عن‬ ‫على ٍ‬ ‫إيالمك ومطاردتك»‪ .‬وقالت عنها «‪« :»The Guardian‬تواجهنا‬ ‫هان بأحد أهم أسئلة عصرنا‪ :‬ما اإلنسانية؟ شهادتها الجريئة‬ ‫مكان جيد للبدء منه في البحث عن إجابة»‪.‬‬

‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬


‫ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــراءات‬

‫أنماط العمارة التقليدية‬ ‫يف بلدة الغاط وتأهيلها سياحي ًا‬ ‫(دراسة حالة)‬

‫املؤلف ‪ :‬د‪ .‬لطيفة بنت فيصل بن عبدالرحمن السديري‬ ‫الناشر ‪ :‬مركز عبدالرحمن السديري الثقايف‬ ‫السنة ‪2020 :‬م‬ ‫تــزخــر المملكة الــعــربــيــة السعودية المناسبة للتعامل مع المناطق التراثية‬ ‫بمنشآت تراثية‪ ،‬يمكن توظيفها سياح ًيّا المتدهورة؛ لتأهيلها والحفاظ عليها‪،‬‬

‫وثقاف ًيّا‪ ،‬لكنها تتناقص بسبب عوامل لتشجيع المشروعات االستثمارية؛ أما‬ ‫عــديــدة منها اإلهــمــال‪ ،‬واإلزالـــة إلنشاء الفصل الثاني فاستعرضت المؤلفة فيه‬ ‫مبان حديثة مكانها‪.‬‬

‫دراســـات عالمية فــي إع ــادة التوظيف؛‬

‫ه ــذا الــكــتــاب يــمــثــل تــجــربــة عملية‪ ،‬وجاء الفصل الثالث بالدراسة التطبيقية‬

‫درســت فيه الباحثة العناصر المعمارية لتقويم المباني المعاد ترميمها وإعــادة‬ ‫لبلدة الغاط القديمة في محافظة الغاط توظيفها‪ ،‬وذلــك باختيارها بيت الملحم‬

‫بمنطقة الرياض لتكون محورًا لدراسة بالغاط القديمة كأنموذج إلعادة الترميم‬ ‫تطبيقية‪ ،‬فــي واحـ ــدة مــن مــشــروعــات والتوظيف‪ ،‬واستعراض الدور الذي يمكن‬ ‫عديدة للهيئة العامة للسياحة والتراث أن يؤديه في توجيه الحركة السياحية‬ ‫الوطني بالمملكة العربية السعودية‪.‬‬ ‫للمباني التراثية ذات العناصر المعمارية‬ ‫استعرض الفصل األول مــواد البناء الجميلة‪ ،‬التي تحظى بها مواقع متعددة‬ ‫المستعملة في القرى التراثية واألساليب في المملكة‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬

‫‪135‬‬


‫الـ ـ ـصـ ـ ـفـ ـ ـح ـ ــة األخـ ـ ـ ـي ـ ـ ــرة‬

‫في ذم العزلة‬

‫■ صالح القرشي*‬

‫(العزلة أمرٌ جيد‪ ،‬ولكنك بحاجة لشخص ما لتخبره بذلك)!‬ ‫عبارة تنسب لبلزاك‪ ،‬وال أعرف صحة هذه النسبة مطلقً ا‪ ،‬لكن العبارة تختصر ما يمكن‬ ‫أن يقال عن العزلة‪.‬‬ ‫وليس الهدف هنا الحديث عن ذلــك الشاعر‬ ‫وقــد نالت العزلة الكثير مــن إش ــادات ومديح‬ ‫األدبـ ــاء فــي الــفــتــرة األخ ــي ــرة‪ ،‬تــزامــنــا مــع العزلة العظيم‪ ،‬فهو حديث يطول‪ ..‬لكننا لن نملك ونحن‬ ‫االجــبــاريــة الــضــروريــة التي فرضتها االحــتــرازات نطالع سيرة المعري إال أن نصل إلى أنه َقـ َّل من‬ ‫يطيق تلك العزلة الموحشة أو يريدها‪.‬‬ ‫الخاصة بمقاومة وباء كورونا‪.‬‬ ‫لكن‪ ،‬يبدو لي أن العزلة المقصودة بالمديح هنا‬ ‫هي تلك العزلة النسبية أو المؤقتة التي يحتاجها‬ ‫األدي ــب مــن أجــل الــكــتــابــة‪ ،‬وه ــذه بــخــاف العزلة‬ ‫الدائمة التي هي في شكلها النهائي تمثل هروبًا من‬ ‫المجتمع والحياة‪ ،‬وتمثل حالة مرضية ال أعتقد أن‬ ‫أحدًا من األدباء يتمناها لنفسه حتى وإن أنتجت أدبًا‬ ‫عظيمًا ومهمًا كحالة رهين المحبسين المعري‪ ،‬أو‬ ‫حالة الشاعرة األمريكية إيميلي ديكنسن‪.‬‬

‫أما الشاعرة األمريكية إيميلي ديكنسون‪ ،‬وهي‬ ‫واحــدة من أهــم شعراء أمريكا في القرن التاسع‬ ‫عشر‪ ،‬فقد ماتت ولم تعلم شيئا عن الصيت الذي‬ ‫استحقته بعد ذلك‪ ،‬فهي لم تنشر خالل حياتها سوى‬ ‫ما يقارب العشر قصائد‪ ،‬ونشرتها بأسماء مستعارة‬ ‫ايضا‪ ،‬لكنهم وجدوا في غرفتها بعد وفاتها ما يزيد‬ ‫على (‪ )1700‬قصيدة!‬

‫ومن يطالع سيرة هذه الشاعرة الكبيرة‪ ،‬سيجد‬ ‫فصاحب رسالة الغفران‪ ،‬كان يعيش حالة من أنه أمام حالة مرضية واضحة‪ ،‬فقد الزمت منزلها‬ ‫التوحد والــيــأس من الحياة‪ ،‬والــنــاس قادته لتلك منذ بدايات شبابها إلى أن توفيت وهي في عمر‬ ‫(‪ )56‬عامًا‪.‬‬ ‫العزلة الرهيبة التي فرضها على نفسه‪.‬‬ ‫تــقــول فــي قــصــيــدة (الــوجــع يحمل قطعة من‬ ‫يقول المعري في إحدى رسائله إلى خاله إنه (قد‬ ‫خُ ل َق إنسيّ الوالدة‪ ،‬وحشيّ الغريزة)‪ ،‬وكان ينظر إلى الفراغ)‪ ..‬وهي من ترجمة فاطمة ناعوت‪ ،‬وموجودة‬ ‫في الموسوعة العالمية للشعر على شبكة االنترنت‪.‬‬ ‫الجسد باعتباره سجن الروح فيقول‪:‬‬

‫(األلم يحمل قطعة من الفراغ‬ ‫ا َثــةِ ِم ــنْ ُسـ ُـجــونِ ــي‬ ‫(أَرَانِ ـ ــي فِ ــي ال ـ َث ـ َ‬ ‫َف ـ ــاَ َت ـ ـ ْـسـ ـ ـأَلْ عَ ـ ـ ِـن الـ ـ َّنـ ـ َب ــأِ ال ـ َّن ــبِ ـ ْي ـ ِـث تلك التي ال يمكن تذكرها‬ ‫متى بدأ األلم؟‬ ‫ـاظـ ــرِ ي‪َ ،‬و ُل ـ ـ ـ ــزُ ومِ َب ـ ْيــتِ ــي‬ ‫لِ ـ ِـف ــقْ ـ ِـدي َنـ ـ ِ‬ ‫أو هل ثمة يوم‬ ‫َو َكو ِْن النَّفْ ِس في الجَ سَ ِد الخَ بِ ي ِْث) لم يكن فيه األلم موجودً ا)‪.‬‬

‫‪136‬‬

‫* كاتب سعودي‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬


‫من إصدارات اجلوبة‬


‫من إصدارات برنامج النشر في‬

‫صدر حديثاً‬


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.