صدور مجلة الجوبة 64 : الشاعر أحمد الملا و مواجهة مع الشاعرة الليبية (المقيمة في فرنسا) عائشة إدري

Page 1

‫ ¦عبدالعزيز مشري هجاء األسفلت‬ ‫واإلسمنت في رواية «الوسمية»‪.‬‬ ‫ ¦عبدالرحمن العكيمي ‪ ..‬بين فضاء‬ ‫المخيلة والواقع‪.‬‬ ‫ ¦الجوف تودع الشاعر والصحفي‬ ‫خالد الحميد مؤرخ شعرائها وأول‬ ‫صحفي فيها ‪.‬‬ ‫ ¦نصوص‪ :‬عبدالرحمن الدرعان‪،‬‬ ‫محمد الرياني‪ ،‬حنان بيروتي‪ ،‬‬ ‫أحمد النعمي‪ ،‬عبدالهادي الصالح‪.‬‬

‫أحمد المال ‪ ..‬بين الشعر والسينما‬ ‫التغيير االجتماعي مرتهن بنهضة ثقافية‬

‫‪64‬‬


‫برنامـج نشر الدراسات واإلبداعـات األدبية والفكرية ودعم البحوث والرسائل‬ ‫العلمية يف مركز عبدالرحمن السديري الثقايف‬ ‫‪ 1-‬نشر الدراسات واإلبداعات األدبية والفكرية‬

‫يهتم بالدراسات‪ ،‬واإلبداعات األدبية‪ ،‬ويهدف إلى إخراج أعمال متميزة‪ ،‬وتشجيع حركة‬ ‫اإلبداع األدبي واإلنتاج الفكري وإثرائها بكل ما هو أصيل ومميز‪.‬‬ ‫ويشمل النشر أعمال التأليف والترجمة والتحقيق والتحرير‪.‬‬ ‫مجاالت النشر‪:‬‬ ‫أ ‪ -‬الدراسات التي تتناول منطقة الجوف ومحافظة الغاط في أي مجال من المجاالت‪.‬‬ ‫ب‪ -‬اإلبداعات األدبية والفكرية بأجناسها المختلفة (وفقاً لما هو مب ّين في البند «‪ »٨‬من شروط النشر)‪.‬‬ ‫ج‪ -‬الدراسات األخرى غير المتعلقة بمنطقة الجوف ومحافظة الغاط (وفقاً لما هو مب ّين في البند «‪ »٨‬من‬ ‫شروط النشر)‪.‬‬ ‫شروطه‪:‬‬ ‫‪ -١‬أن تتسم الدراسات والبحوث بالموضوعية واألصالة والعمق‪ ،‬وأن تكون موثقة طبقاً للمنهجية العلمية‪.‬‬ ‫‪ -٢‬أن تُكتب المادة بلغة سليمة‪.‬‬ ‫‪ -٣‬أن يُرفق أصل العمل إذا كان مترجماً‪ ،‬وأن يتم الحصول على موافقة صاحب الحق‪.‬‬ ‫‪ -٤‬أن تُق ّدم المادة مطبوعة باستخدام الحاسوب على ورق (‪ )A4‬ويرفق بها قرص ممغنط‪.‬‬ ‫‪ -٥‬أن تكون الصور الفوتوغرافية واللوحات واألشكال التوضيحية المرفقة بالمادة جيدة ومناسبة‬ ‫للنشر‪.‬‬ ‫‪ -٦‬إذا كان العمل إبداعاً أدبياً فيجب أن يتّسم بالتم ّيز الفني وأن يكون مكتوباً بلغة عربية‬ ‫فصيحة‪.‬‬ ‫‪ -٧‬أن يكون حجم المادة ‪ -‬وفقاً للشكل الذي ستصدر فيه ‪ -‬على النحو اآلتي‪:‬‬ ‫ الكتب‪ :‬ال تقل عن مئة صفحة بالمقاس المذكور‪.‬‬‫ البحوث التي تنشر ضمن مجالت محكمة يصدرها المركز‪ :‬تخضع لقواعد النشر في‬‫تلك المجالت‪.‬‬ ‫ الكتيبات‪ :‬ال تزيد على مئة صفحة‪( .‬تحتوي الصفحة على «‪ »250‬كلمة تقريباً)‪.‬‬‫‪ -٨‬فيما يتعلق بالبند (ب) من مجاالت النشر‪ ،‬فيشمل األعمال المقدمة من أبناء وبنات‬ ‫منطقة الجوف‪ ،‬إضافة إلى المقيمين فيها لمدة ال تقل عن عام‪ ،‬أما ما يتعلق بالبند (ج)‬ ‫فيشترط أن يكون الكاتب من أبناء أو بنات المنطقة فقط‪.‬‬ ‫‪ -٩‬يمنح المركز صاحب العمل الفكري نسخاً مجانية من العمل بعد إصداره‪ ،‬إضافة إلى‬ ‫مكافأة مالية مناسبة‪.‬‬ ‫‪ -١٠‬تخضع المواد المقدمة للتحكيم‪.‬‬


‫‪ -2‬دعم البحوث والرسائل العلمية‬

‫يهتم بدعم مشاريع البحوث والرسائل العلمية والدراسات املتعلقة مبنطقة اجلوف‬ ‫ومحافظة الغاط‪ ،‬ويهدف إلى تشجيع الباحثني على طرق أبواب علمية بحثية جديدة يف‬ ‫معاجلاتها وأفكارها‪.‬‬ ‫(أ) الشروط العامة‪:‬‬ ‫‪ -١‬يشمل الدعم املالي البحوث األكادميية والرسائل العلمية املقدمة إلى اجلامعات‬ ‫واملراكز البحثية والعلمية‪ ،‬كما يشمل البحوث الفردية‪ ،‬وتلك املرتبطة مبؤسسات غير‬ ‫أكادميية‪.‬‬ ‫‪ -٢‬يجب أن يكون موضوع البحث أو الرسالة متعلقاً مبنطقة اجلوف ومحافظة الغاط‪.‬‬ ‫‪ -٣‬يجب أن يكون موضوع البحث أو الرسالة جديداً يف فكرته ومعاجلته‪.‬‬ ‫‪ -٤‬أن ال يتقدم الباحث أو الدارس مبشروع بحث قد فرغ منه‪.‬‬ ‫‪ -٥‬يقدم الباحث طلباً للدعم مرفقاً به خطة البحث‪.‬‬ ‫‪ -٦‬تخضع مقترحات املشاريع إلى تقومي علمي‪.‬‬ ‫‪ -٧‬للمركز حق حتديد السقف األدنى واألعلى للتمويل‪.‬‬ ‫‪ -٨‬ال يحق للباحث بعد املوافقة على التمويل إجراء تعديالت جذرية تؤدي إلى تغيير‬ ‫وجهة املوضوع إال بعد الرجوع للمركز‪.‬‬ ‫‪ -٩‬يقدم الباحث نسخة من السيرة الذاتية‪.‬‬ ‫(ب) الشروط اخلاصة بالبحوث‪:‬‬ ‫‪ -١‬يلتزم الباحث بكل ما جاء يف الشروط العامة (البند «أ»)‪.‬‬ ‫‪ -٢‬يشمل املقترح ما يلي‪:‬‬ ‫ توصيف مشروع البحث‪ ،‬ويشمل موضوع البحث وأهدافه‪ ،‬خطة العمل ومراحله‪،‬‬‫واملدة املطلوبة إلجناز العمل‪.‬‬ ‫ ميزانية تفصيلية متوافقة مع متطلبات املشروع‪ ،‬تشمل األجهزة واملستلزمات‬‫املطلوبة‪ ،‬مصاريف السفر والتنقل والسكن واإلعاشة‪ ،‬املشاركني يف البحث من‬ ‫طالب ومساعدين وفنيني‪ ،‬مصاريف إدخال البيانات ومعاجلة املعلومات والطباعة‪.‬‬ ‫ حتديد ما إذا كان البحث مدعوماً كذلك من جهة أخرى‪.‬‬‫(ج) الشروط اخلاصة بالرسائل العلمية‪:‬‬ ‫إضافة لكل ما ورد يف الشروط اخلاصة بالبحوث (البند «ب») يلتزم الباحث مبا يلي‪:‬‬ ‫‪ -١‬أن يكون موضوع الرسالة وخطتها قد أق ّرا من اجلهة األكادميية‪ ،‬ويرفق ما يثبت ذلك‪.‬‬ ‫‪ -٢‬أن يُق ّدم توصية من املشرف على الرسالة عن مدى مالءمة خطة العمل‪.‬‬ ‫هاتف‪ 014 6245992 :‬فاكس‪014 6247780 :‬‬ ‫الجـوف ‪ 42421‬ص‪ .‬ب ‪ 458‬‬ ‫هاتف‪ 016 4422497 :‬فاكس‪016 4421307 :‬‬ ‫الغ ـ ـ ــاط ‪ 11914‬ص‪.‬ب ‪ 63‬‬ ‫الرياض ‪ 11614‬ص‪ .‬ب ‪ 94781‬هاتف‪ 011 2015494 :‬فاكس‪011 2015498 :‬‬

‫‪info@alsudairy.org.sa‬‬ ‫‪www.alsudairy.org.sa‬‬


‫مجلس إدارة مؤسسة عبدالرحمن السديري‬

‫ملف ثقايف ربع سنوي يصدر عن‬ ‫مركز عبدالرحمن السديري الثقافي‬ ‫هيئة النشر ودعم األبحاث‬

‫رئيساً‬ ‫د‪ .‬عبدالواحد بن خالد الحميد ‬ ‫عضواً‬ ‫د‪ .‬خليل بن إبراهيم المعيقل ‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬مشاعل بنت عبدالمحسن السديري عضواً‬ ‫عضواً‬ ‫د‪ .‬علي دبكل العنزي ‬ ‫عضواً‬ ‫محمد بن أحمد الراشد ‬ ‫أسرة التحرير‬

‫إبراهيم بن موسى احلميد‬ ‫محرر ًا‬ ‫ ‬ ‫محمود الرمحي‬ ‫محرر ًا‬ ‫ ‬ ‫محمد صوانة‬ ‫اإلخراج الفني ‪ :‬خالد الدعاس‬

‫املشرف العام‬

‫هاتف‪)+966()14(6263455 :‬‬ ‫املراســــــالت‪ :‬‬ ‫فاكس‪)+966()14(6247780 :‬‬ ‫ص‪ .‬ب ‪ 458‬سكاكا اجلـوف ‪ -‬اململكة العربية السعودية‬ ‫‪www.alsudairy.org.sa‬‬ ‫‪aljoubahmag@alsudairy.org.sa‬‬

‫ردمد ‪ISSN 1319 - 2566‬‬ ‫سعر النسخة ‪ 8‬رياالت ‪ -‬تطلب من الشركة الوطنية للتوزيع‬ ‫االشتراك السنوي لألفراد ‪ 50‬ريا ًال واملؤسسات ‪ 60‬ريا ًال‬

‫فيصل بن عبدالرحمن السديري ‬

‫رئيساً‬

‫سلطان بن عبدالرحمن السديري ‬

‫عضواً‬

‫د‪ .‬زياد بن عبدالرحمن السديري العضو المنتدب‬ ‫عبدالعزيز بن عبدالرحمن السديري ‬

‫عضواً‬

‫د‪ .‬سلمان بن عبدالرحمن السديري ‬

‫عضواً‬

‫د‪ .‬عبدالواحد بن خالد الحميد ‬

‫عضواً‬

‫سلمان بن عبدالمحسن بن محمد السديري ‬

‫عضواً‬

‫طارق بن زياد بن عبدالرحمن السديري عضواً‬ ‫سلطان بن فيصل بن عبدالرحمن السدير ي عضواً‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬مشاعل بنت عبدالمحسن السديري ‬

‫عضواً‬

‫قواعد النشر‬

‫‬‪ -1‭‬أن‬ ‪‭‬تكون‬ ‪‭‬املادة‬ ‪‭‬أصيلة‬ ‪.‭‬‬ ‫‪ ‭‬-2‬لم‬ ‪‭‬يسبق‬ ‪‭‬نشرها‬ ‪‭‬ورقيا‬ً ‪‭‬أو‬ ‪‭‬رقميا‬ً‪‭.‬‬ ‫‪ ‭‬-3‬تراعي‬ ‪‭‬اجلدية‬ ‪‭‬واملوضوعية‬‪‭.‬‬ ‫‬‪ -4‭‬تخضع‬ ‪‭‬املواد‬ ‪‭‬للمراجعة‬ ‪‭‬والتحكيم‬ ‪‭‬قبل‬ ‪‭‬نشرها‬‪‭.‬‬ ‫‬‪ -5‭‬ترتيب‬ ‪‭‬املواد‬ ‪‭‬يف‬ ‪‭‬العدد‬ ‪‭‬يخضع‬ ‪‭‬العتبارات‬ ‪‭‬فنية‬‪‭.‬‬ ‫‬‪ -6‭‬ترحب‬ ‪‭‬اجلوبة‬ ‪‭‬بإسهامات‬ ‪‭‬املبدعني‬ ‪‭‬والباحثني‪‭‬‬ ‫‬والكتّاب‪‭ ‬،‬على‬ ‪‭‬أن‬ ‪‭‬تكون‬ ‪‭‬املادة‬ ‪‭‬باللغة‬ ‪‭‬العربية‬‪‭.‬‬ ‫‮«‬اجلوبة‬‪‭‬‮»‬ من‬‪‭‬األسماء‬‪‭‬التي‬‪‭‬كانت‬‪‭‬تُطلق‬‪‭‬على‬‪‭‬منطقة‬‪‭‬اجلوف‬‪‭‬سابق‬اً‪‭.‬‬

‫املقاالت املنشورة ال تعبر بالضرورة عن رأي املجلة والناشر‪.‬‬

‫يُعنى بالثقافة من خالل مكتباته العامة يف اجلوف والغاط‪ ،‬ويقيم املناشط املنبرية الثفافية‪،‬‬ ‫ويتبنّي برنامجاً للنشر ودعم األبحاث والدراسات‪ ،‬ويخدم الباحثني واملؤلفني‪ ،‬وتصدر عنه مجلة‬ ‫(أدوماتو) املتخصصة بآثار الوطن العربي‪ ،‬ومجلة (اجلوبة) الثقافية‪ ،‬ويضم املركز ك ً‬ ‫ال من‪( :‬دار‬ ‫العلوم) مبدينة سكاكا‪ ،‬و(دار الرحمانية) مبحافظة الغاط‪ ،‬ويف كل منهما قسم للرجال وآخر‬ ‫للنساء‪ .‬وتصرف على املركز مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية‪.‬‬

‫‪0553308853‬‬

‫‪Alsudairy1385‬‬

‫‪www.alsudairy.org.sa‬‬


‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫الـمحتويــــات‬ ‫االفتتاحية‪ :‬إبراهيم بن موسى الحميد ‪٤ ..........................‬‬ ‫دراسات ونقد‪ :‬أحمد المال‪ ..‬حين نتوه بين شاعريتك وسينمائيتك ‪٦ ......‬‬ ‫أحمد المال‪ ..‬العالمة الشعرية الفارقة ‪ -‬د‪.‬انتصار البحيري ‪7 .........‬‬ ‫أحمد المال‪ ..‬الشاعر الذي حفر في طبوغرافية األلم والغياب ‪ -‬محمد العامري ‪٩ ..‬‬ ‫أحمد المال‪ ..‬وأربع سنوات في ماراثون الشغف ‪ -‬عبداهلل السفر ‪١٢ ..‬‬ ‫أحمد المال‪ ..‬حقول شاسعة ‪ -‬إبراهيم الحسين‪١٤ .................‬‬ ‫الشاعر أحمد المال ‪ -‬حاوره عمر بوقاسم‪١٦ .......................‬‬ ‫أحمد المال‪ ..‬بين الشعر والسينما ‪ -‬د‪ .‬هناء بنت علي البواب ‪٢٢ ..‬‬ ‫أحمد المال‪ ..‬يرتب فتنة الحضور‪ - !..‬زكي الصدير ‪٢٥ ............‬‬ ‫أحمد المال‪ ..‬حياة تجري من مصب إلى آخر ‪ -‬محمد الحرز ‪٢٦ ..‬‬ ‫أحمد المال‪ ..‬الصديق في الليالي المعاسير ‪ -‬إبراهيم الحساوي‪٢٨ ..‬‬ ‫شطحة مع «إياك أن يموت قبلك» ‪ -‬راشد عيسى ‪٣٠ ...............‬‬ ‫شعريّة التفاصيل في ديوان «تمارين الوحش» ‪ -‬أ‪ .‬د‪ .‬عماد الضمور ‪٣٣‬‬

‫فن الديجيتال في التجربة الفنية السعودية من خالل نموذج هناء‬

‫راشد الشبلي ‪ -‬إبراهيم الحجري ‪٣٦ ..............................‬‬ ‫عبدالرحمن العكيمي بين فضاء المخيلة والواقع ‪ -‬د‪ .‬شيمة الشمري‪٤٦ ..‬‬ ‫ما وراء الشتاء إليزابيل الليندي ‪ -‬سمير أحمد الشريف ‪٥٠ ...‬‬

‫‪6..........................‬‬ ‫أحمد المال‪ ..‬حين نتوه بين‬ ‫شاعريتك وسينمائيتك‬

‫‪89.............................‬‬

‫الشاعرة‬ ‫أميرة محمد الصبياني‬

‫‪97.............................‬‬

‫الجوف تودع الشاعر‬ ‫والصحفي خالد الحميد‬ ‫لوحة الغالف‪ :‬للفنانة يسرا العلي من سكاكا‬

‫الباب» لمحمد الحرز‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫«غياب ُِك تركَ دراجت ُه الهوائ ّي َة على‬ ‫الحدس ‪ -‬عماد الدين موسى ‪.............‬‬ ‫الشاعر وكتابة ِ‬ ‫عبدالعزيز مشري في رواية «الوسمية» ‪ -‬هشام بنشاوي ‪...‬‬ ‫الحياة وإرباكاتها في "ضيوف الوجع" ‪ -‬نـــوّارة لــحـــرش‪....‬‬ ‫نصوص‪ :‬أوراق ‪ -‬عمار الجنيدي‪...................................‬‬ ‫شامة سوداء ‪ -‬عبدالرحمن الدرعان‪........................‬‬ ‫بذور المانجو ‪ -‬محمد الرياني ‪...................................‬‬ ‫ما يشبه القتل! ‪ -‬حنان بيروتي‪..............................‬‬ ‫خليلي زورا ‪ -‬أحمد المتوكل بن علي النعمي‪................‬‬ ‫سفر في متاهةِ الحزن ‪ -‬حسين صميلي‪....................‬‬ ‫جرى مدادي ‪ -‬سعاد الزحيفي ‪..............................‬‬ ‫قصة حزن ‪ -‬سما يُوسف‪....................................‬‬ ‫ِخلٌّ وخلي ٌل ‪ -‬عبدالهادي الصالح ‪.................................‬‬ ‫أنثى السحاب ‪ -‬نجاة الماجد ‪...............................‬‬ ‫كمال الحب ‪ -‬عبدالعزيز موسى الحكمي ‪...................‬‬ ‫واحة الحب ‪ -‬فرح الزهراني ‪................................‬‬ ‫مال ُذ العاشقين ‪ -‬محمد جابر مدخلي ‪......................‬‬ ‫ترجمة‪ :‬الشاشات كوسيلة تعليمية ‪ -‬د‪ .‬فيصل أبو الطُّ َفيْل‪.......‬‬ ‫مواجهات‪ :‬الشاعرة أميرة صبياني ‪ -‬حاورها‪ :‬عمر بوقاسم‪......‬‬ ‫الشاعرة الليبية عائشة المغربي ‪ -‬حاورها‪ :‬عصام أبو زيد‪.‬‬ ‫نوافذ‪ :‬الــجــوف تــودع الشاعر والصحفي خالد الحميد مــؤرخ‬ ‫شعرائها وأول صحفي فيها ‪97 .......................................‬‬ ‫الشعر العربي أكثر مما يبدو ‪ -‬أحمد البوق‪103 ......‬‬ ‫النعام في ِ‬ ‫تعريف للفنّ ‪ -‬الطاهر لكنيزي ‪107 ..............................‬‬ ‫ٌ‬ ‫الصحافة ‪ -‬د‪ .‬سليمان الحقيوي‪109 ...‬‬ ‫ذا بـوســت فيلم عن ضمير ّ‬ ‫ال فلسفة‪ ...‬وال فذلكة ‪ -‬محمد علي حسن الجفري‪113 .............‬‬ ‫يا لهوي ‪ -‬فهد عواد العوذة ‪115 .......................................‬‬ ‫نجاة خياط ‪ -‬محمد عبدالرزاق القشعمي ‪116 .......................‬‬ ‫المثقف ووزارة الثقافة ‪ -‬صالح القرشي‪124 .........................‬‬ ‫قراءات ‪125 .............................................................‬‬ ‫الصفحة األخيرة‪ :‬عبدالرحمن الشبيلي‪ ..‬كم نفتقد حضورك‬ ‫البهي! ‪ -‬د‪ .‬عبدالواحد الحميد ‪١٢٨ ..................................‬‬ ‫‪٥٣‬‬ ‫‪٥٦‬‬ ‫‪59‬‬ ‫‪64‬‬ ‫‪65‬‬ ‫‪69‬‬ ‫‪70‬‬ ‫‪72‬‬ ‫‪75‬‬ ‫‪76‬‬ ‫‪78‬‬ ‫‪79‬‬ ‫‪81‬‬ ‫‪82‬‬ ‫‪83‬‬ ‫‪84‬‬ ‫‪85‬‬ ‫‪89‬‬ ‫‪93‬‬


‫■ إبراهيم بن موسى احلميد‬

‫يقول أحد العارفين‪ :‬إن الشعراء "وحدهم يوقدون نــارًا يراها الجميع؛‬ ‫وحدهم يحملون الشموع‪ ،‬ويفتحون الكون حتى تدخل أشعة الشمس‪ ،‬ويعلموننا‬ ‫كيف نحب‪ ،‬وكيف نكون فرسانا‪ ،‬وكيف نموت إذا استوجب األمر ذلك"‪.‬‬ ‫فرضت قصيدة النثر وجودها على الساحة الثقافية‪ ،‬منذ أن نشرت الدكتورة‬ ‫فوزية أبو خالد ديوانها الشعري األول «إلى متى يختطفونك ليلة العرس» كأول‬ ‫ديوان لقصيدة النثر في المملكة‪ ،‬وتتابعت إصداراتها الشعرية بعد ذلك‪ ،‬ثم‬ ‫ظهور عدد من األصوات التي تكتب قصيدة النثر حتى ظهور ثلة من شعراء‬ ‫النثر‪ ،‬منهم‪ :‬أحمد المال‪ ،‬وعبداهلل السفر‪ ،‬وإبراهيم الحسين‪ ،‬وعلي العمري‪.‬‬ ‫"الشعر هو محرّكي األول في الحياة‪ ،‬وبالشعر ومن خالله أعيش لحظة‬ ‫بلحظة‪ ،‬وأنظر عبره إلى المستقبل‪ .‬ربما هو الشعلة التي أضاءت لي طريقي‪،‬‬ ‫يوم كانت الطريق مظلمة ومحبطة من قلة سالكيها‪ .".‬هكذا يقول الشاعر‬ ‫أحمد المال اليوم‪ ،‬وهو الذي بدأ كتابة الشعر في وقت مبكر أثناء دراسته‬ ‫الجامعية‪ ،‬عندما كتب القصيدة التقليدية والتي حظيت بتشجيع زمالئه ومن‬ ‫حوله‪ .‬ورغم أن الشعر غمره خالل وجوده في الرياض‪ ،‬إال إنه ظل مأخوذًا‬ ‫باإلحساء التي كانت تسكنه وتبدو على معالمه وأغصانه‪ .‬يبوح في قصيدة‬ ‫الغض ُة لمّا تزل خضرا َء يو َم تنادتْ إلى الماء"‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫خطها بسعفه "أغصانُنا‬ ‫وقد بدأ بعد ذلك توهّ ج أحمد المال‪ ،‬فقد برز كأحد أهم العبي قصيدة‬ ‫النثر السعودية من خالل إصداراته المتوالية‪" :‬ظل يتقصف ‪ -‬المؤسسة‬

‫‪6‬‬

‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫حـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدـة‬ ‫س ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬ ‫دراـ ـ ـ ـ ـ‬ ‫اف ـ‬ ‫ـاتـاون‬

‫العربية للدراسات والنشر‪ -‬بيروت‪1995 -‬م"؛ "خفيف ومائل كنسيان‪ -‬دار الجديد‪1997 -‬م"؛‬ ‫"سهم يهمس باسمي‪ -‬دار رياض الريس‪2005 -‬م"‪ " ،‬تمارين الوحش‪ -‬دار الغاوون‪ -‬بيروت‪-‬‬ ‫‪2001‬م"‪" ،‬كتبتنا البنات‪ -‬نادي الرياض األدبي‪2013 -‬م"؛ "الهواء طويل وقصيرة هي األرض‪-‬‬ ‫دار مدارك ونادي تبوك األدبي‪2014 -‬م"؛ "عالمة فارقة‪ -‬دار مسعى‪2014 -‬م"؛ "ما أجمل‬ ‫أخطائي‪ -‬الكويت‪2016 -‬م"؛ "إياك أن يموت قبلك" منشورات المتوسط في إيطاليا ‪2018‬م‪.‬‬ ‫أحمد المال قامة ثقافية وطنية جمعت الفنون واألدب والسينما والمسرح في رجل واحد‪،‬‬ ‫فقد كان أبرز اإلداريين والفاعلين الثقافيين في المملكة من خالل األعمال التي تقلدها في‬ ‫نادي الشرقية األدبي‪ ،‬أو جمعية الثقافة والفنون‪ ،‬كما أنها جمعت اإلداري المحنك الذي‬ ‫يقود ببراعته المعهودة المشهد الثقافي المحيط به؛ فمن مهرجان بيت الشعر استطاع‬ ‫أن يضع له بصمة مضيئة‪ ،‬والذي كرم فيه الشعراء محمد العلي وفوزية أبو خالد وعلي‬ ‫الدميني‪ ،‬إلى مهرجان األفالم السعودية والذي عده عبداهلل السفر "ضربا من الخيال ومن‬ ‫الرسم على الرمل أو الماء"‪ ،‬وكتكريم مستحق فقد فاز الشاعر بجائزة محمد الثبيتي للشعر‬ ‫عام ‪2015‬م‪.‬‬ ‫يقول الشاعر أحمد المال‪ ،‬صاحب الحضور البهي‪" :‬منذ بداياتي في أوائل الثمانينيات‪،‬‬ ‫عملت على طريقين متوازيين للتعبير عن ذاتي‪ ،‬الكتابة (الشعر على قمتها) واإلدارة الثقافية‪،‬‬ ‫بدءًا بالجامعة والصحافة الثقافية وجمعية الثقافة والفنون والنادي األدبي‪ ،‬ومنها تعلمت‬ ‫ومارست تنشيط العديد من المبادرات الثقافية والفنية‪ ،‬ولم أتوقف أو ألتفت "‪ .‬وفي‬ ‫قرار كان في محله أصدر األمير بدر بن عبداهلل بن فرحان وزير الثقافة بتعيين أحمد‬ ‫المال رئيساً لمبادرة األرشيف الوطني لألفالم‪ ،‬وسيتولى مركز األرشيف الوطني لألفالم‬ ‫مسؤولية الحفاظ على األفــام السعودية وصيانتها بوصفها مكوناً من مكونات الذاكرة‬ ‫ال إبداعياً إلنجازات صنّاع األفالم السعوديين منذ نحو ستين عاماً‪ ،‬وذلك‬ ‫الوطنية‪ ،‬وسج ً‬ ‫وفق أحدث تقنيات األرشفة المستخدمة في المراكز الدولية المشابهة‪ ،‬إذ جاء في حيثيات‬ ‫القرار "ويعد األستاذ أحمد المال من أهم القيادات في مجال صناعة األفالم السعودية‪،‬‬ ‫وقد عُرف بتأسيسه وإدارته لمهرجان "أفالم السعودية" منذ العام ‪2008‬م الذي أصبح من‬ ‫أهم المنصات السينمائية الخليجية "‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪7‬‬


‫أحمد‬ ‫المال‬ ‫حين نتوه بين شاعريتك وسينمائيتك‬ ‫كأننا نمضغ نجمة لنغفو على ظهر غيمة‬ ‫تنفلت خيوط الكلمات حين تتوه‪ ..‬كيف ستبحث عن أحمد المال الشاعر الذي‬ ‫الصورة‪،‬‬ ‫خاص ًا نحو ّ‬ ‫ُوجه اهتمام ًا ّ‬ ‫السينما ت ّ‬ ‫قفز قفزته ليصل إلى السينما!! فإنّ ّ‬ ‫الشعر اهتمامه نحو جماليّة الكلمة؛ ما يبعد المسافة بين كليهما‪ ،‬ويجعل‬ ‫ُوجهُ ّ‬ ‫وي ِّ‬ ‫ك ًّال منهما مستقالٍ بطبيعته‪ ،‬على الرّغم من اتصالهما القوي‪ ،‬في اعتمادهما مع ًا‬ ‫والصوت في‬ ‫البصري ّ‬ ‫ّ‬ ‫الصورة البصريّة والمسموعة‪ ،‬وعلى أهميّة المشهد‬ ‫على فنّ ّ‬ ‫شاهد‬ ‫الشعر‪ ،‬يتذوّق اللغة‪ ،‬وصوره األدبيّة‪ ،‬أما مُ ِ‬ ‫الموسيقى واإليقاع؛ فمتلقّ ي؛ ّ‬ ‫الصور المتحرّكة وحبكتها‪.‬‬ ‫السينما فيتذوّق إغراء ّ‬ ‫ّ‬ ‫الصلة‪ ،‬ومــن إمكان تطويرها‪ ،‬مع اإلش ــارة إلى‬ ‫لكنّ ذلــك ال يمنع من حضور ّ‬ ‫الشعوريّة‪.‬‬ ‫بالطاقة ّ‬ ‫الشعر في مدّ صورها ّ‬ ‫السينما‪ .‬في الوقت نفسه‪ ،‬قد تستفيد من ّ‬ ‫ّ‬ ‫وهذا ما تعيشه بين كلمات الشاعر الناثر الكاتب الذي يحول الكلمة إلى مشهد‬ ‫مرئي دونه لن تتمكن من االنفالت من سطوة روح أحمد‪ ،‬الذي يثقب قلبك بحبه‬ ‫من نظرته األولى التي يقول لك من خاللها‪ :‬إياك أن تموت قبلي!‬ ‫فهو الشاعر الذي حوَّ ل الكلمات إلى مشهد حركي مثل تجسيد صوت الرّيح‪،‬‬ ‫الطبيعة واألشخاص‪ ،‬ويجعلنا نشاهد لوحةً‬ ‫تجسيد لون الغروب‪ ،‬تجسيد شكل ّ‬ ‫حقيقيّة‪ ،‬على الرّغم من افتراضيّة عالمها؛ ستتأكد للحظة واحدة فقط أنك أمام‬ ‫مبدع متوازن مع ذاته‪.‬‬

‫‪8‬‬

‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫■ د‪.‬انتصار البحيري*‬

‫إنّ الوقـوف علـى ديـوان واحـد لشـاعر تمتـدّ تجربتـه إلـى نصـف‬ ‫قـرن مـن الكتابـة‪ ،‬هـو وقـوف منقـوص فـي القـراءات النقديـة؛ فأحمـد‬ ‫الملا‪ ،‬شـاعر سـعودي‪ ،‬مـن مواليـد األحسـاء السـعودية ‪1961‬م‪ .‬أصـدر‬ ‫ّ‬ ‫المجموعات الشـعرية؛ «ظل يتقصف» ‪1995‬م؛ «خفيف ومائل كنسـيان»‬ ‫‪1997‬م؛ «سهم يهمس باسمي» ‪2005‬م؛ «تمارين الوحش»‪2011 ،‬م؛ «كتبتنا‬ ‫البنـات» ‪2013‬م‪« ،‬الهـواء طويـل وقصيـر» ‪2014‬م؛ «عالمـة فارقـة» ‪2014‬م؛‬ ‫«مـا أجمـل أخطائـي» ‪2016‬م؛ وهـي مترجمـة إلـى االنجليزيـة‪ .‬أسـهم فـي‬ ‫إعـداد كتـاب مختـارات الشـعر السـعودي‪ ،‬وأنطولوجيـا الشـعر الحديـث‪،‬‬ ‫باإلضافـة إلـى كتابتـه لعـدة سـيناريوهات ومسـرحيات‪ ،‬واإلشـراف علـى‬ ‫إدارة عديد من المؤسسات والجمعيات واألقسام الثقافية‪ .‬كتب العديد‬ ‫من مقاالت الرأي الصحفية المنتظمة‪ ،‬وشارك في مهرجانات شعرية‬ ‫محليـة ودوليـة عديـدة‪ ،‬وحـاز علـى جائـزة محمـد الثبيتـي الشـعرية لعـام ‪2016‬م‪.‬‬ ‫وال يخفى على أحد أن أحمد المال الشاعر‬ ‫الــســعــودي الــحــداثــي المتمرد على حــرفــه قبل‬ ‫كتابته هو مختلف جدا‪ .‬الشاعر له تجربة عميقة‬ ‫وواعية وتحمل رؤيا جديدة للعالم‪ ،‬وهذه التجربة‬ ‫أخلصت لروح النص من جانب‪ ،‬ومن جانب أخر‬ ‫خاضت تجربة قصيدة النثر المميزة؛ هذا من‬ ‫ناحية البناء أو المعمار الشعري‪ ،‬أما من ناحية‬ ‫المضمون‪ ،‬فقد فوقع في منطقة وسطى ما بين‬ ‫القديم والحديث‪ ،‬فشعره امتداد للقصيدة العربية‬ ‫عبر مراحلها التاريخية في شيء من مضمونها‬ ‫على الــرغــم مــن مــحــاوالتــه االنــفــات منها‪ ،‬إال‬ ‫إنه دائم التمرس مع الحداثة والبحث عما يثير‬ ‫تناصه وتعامله مع‬ ‫الــقــاريء؛ ليكون ج ــادًا فــي ّ‬ ‫المفردة‪ ،‬كذلك معاصر في ابتكاره للصور الفنية‪.‬‬

‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫أحمد المال‪ ..‬العالمة الشعرية الفارقة‬

‫هذا االهتمام معروف في شعر الحداثة األميركي‬ ‫منذ بدايات القرن العشرين‪ ،‬تبقى درجة تمثُّله في‬ ‫الشعر العربي بحاجة إلى التدقيق النقدي‪ ،‬على رغم‬ ‫أننا إزاء ما يشبه «الظاهرة» في شعرنا الحديث‪.‬‬ ‫ومما يظهر في نصوصه‪ ،‬ذلك التجلي الذاتي‬ ‫تجل طيفي وشبحي‪،‬‬ ‫للمشهد‪ ،‬وهو على كل حال ٍ‬ ‫فهو ال ينشغل باستبصاره أو اكتناه بواطنه‪ ،‬ولهذا‬ ‫فقصيدته قصيدة حــيــاديــة‪ ،‬أو يمكن إحالتها‬ ‫بسهولة إلى الغرض الوصفي؛ شتَّت التسمية أم‬ ‫قرُبتْ ‪.‬‬ ‫وفي ديوان المال‪ ،‬نلمس كثيراً من مواضع هذا‬ ‫الوصف الصوري المحايد‪:‬‬

‫طفل‬ ‫(تلك العرب ُة ملقاةٌ على الرصيف‪/‬عرب ُة ٍ‬ ‫فالقاريء في ديوانه (ما أجمل أخطائي)‪ ،‬يجده مدهوسة‪/‬وعام ُل الدكان‪/‬يشطفُ ال ّد َم والزجاجَ‪/‬‬ ‫مختلفا باهتمامه بالمشهد والصورة‪ .‬ومع أن مثل من الشارع)‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪9‬‬


‫سوى استذكار لتفاصيل تلك الحياة التي مرت‪،‬‬ ‫لكننا حين ندقِّق في تلك التفاصيل المستذكرة‬ ‫نجدها متمثلة في شكل أساس في عالم الطفولة‬ ‫وأجوائها الذهبيَّة‪.‬‬ ‫فمنذ عتبات نصوصه تجد رومانسية الولهان‬ ‫المتعب من عمر مضى بين العتاب والرضى‪،‬‬ ‫فيشي عنوان القصيدة بين الشك واليقين في‬ ‫اللقاء‪ ،‬ويبقى الحلم هو حضور لألنا أو إثبات‬ ‫للذات؛ فما أجمل مطلع القصيدة الذي يأخذك‬ ‫في رومانسية عالية‪ .‬وتجد روحك في القصيدة‬ ‫ولو تأملت بشكل خارجي وشكلي للمشاهد في بين الرجاء واليأس‪ ،‬وبين الموت والحياة‪ ،‬فبعدما‬ ‫قصيدته‪ ،‬ستجدالقصائد هي التقاطات منتقاة تيأس النفس من حلم التالقي‪ ،‬ويموت الهوى‬ ‫من مشاهد متنوعة‪ ،‬كــأ ّن ثمة كاميرا محمولة‪ ،‬والشوق للحبيب‪ ،‬يبقى قلق الروح معلقا بالحلم‪.‬‬ ‫تتحرك‪ ،‬وإلى جانبها لغة تصف ما يجري‪:‬‬ ‫هذه حال العاشق المتقلب على جمر النار أو‬ ‫«يــدي ممدودةٌ إلى أغصان الطريق‪/‬ثمارها‬ ‫على شاطئ من نــار؛ فالشاعر يستعيد المكان‬ ‫يانع ٌة وفــي متناول النظر‪/‬لكنّي في عجلةٍ ‪/‬من‬ ‫والزمان الذي يحمل الصور والذكريات‪ ،‬فالمكان‬ ‫أركض إلى شجرةٍ لستُ أراها‪ /‬أسر ُع نح َو‬ ‫ُ‬ ‫أمري‪/‬‬ ‫هو الحبيب والحبيب هو المكان‪ ،‬كما كان في‬ ‫زهرةٍ ال أعرفُ اسمَها‪/‬وأم ّي ُز رائحتَها من بعيد»‪،‬‬ ‫الطلل عند شعراء العربية‪ ،‬وهذا حال المال حين‬ ‫وكأن كاميرة تسرع بك لتلتقط معك كل مشهد‬ ‫يتجرد من ذاته ألخرى تقول عنه كل ما يريد‪.‬‬ ‫يحيرك‪ ،‬ومــا أن يصفو ذهنك حتى تصل إلى‬ ‫ومما ينبغى معرفته أنــه شاعر ساخر من‬ ‫المشهد الذي يليه لتجد نفسك مكتنزا بحروفه‬ ‫األصدقاء والشعراء في أغلب نصوصه‪ .‬والمطّ لع‬ ‫وكلماته وأفكاره متالحقة متتابعة‪.‬‬ ‫إنها رؤيــة العابر المتعجِّ ل‪ ،‬مشاهد خاطفة على ديوانه «إياك أن يموت قبلك»‪ ،‬يكتشف مدى‬ ‫ال تكاد تأنس إلى استبصار داخلي‪ ،‬والمسافة عالقته الساخرة باآلخر؛ كما يكثف الشاعر خيار‬ ‫التي يخلقها المال بين حياته الشخصية‪ ،‬وما الصدام بلجوئه للسخرية من الشعراء المؤمنين‬ ‫يتشكل مــن مشاهد يومية‪ ،‬هــي تلك المسافة بما سلموا من وهْم ورثوه عن أسالفهم‪ ،‬في قصيدة‬ ‫الحرجة بين شؤونه الصغيرة الغائبة ويوميات «الــســمــاوات الــســبــع»‪ ،‬وغيرها مــن الــمــوروثــات‬ ‫اآلخرين الحافلة‪ .‬كأنها استعادة صور بعيدة في والمعتقدات التي يرطمها بشعره عرض الحائط‪،‬‬ ‫ذاكرة الشاعر‪ ،‬وأعني عالم الطفولة‪ ،‬وما الكتابة ليشكل عالمة شعرية فارقة مميزة‪.‬‬ ‫* كاتبة لبنانية مقيمة في األردن‪.‬‬

‫‪10‬‬

‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫■ محمد العامري*‬

‫شكّ لت نـصــوص الـشــاعــر الـسـعــودي أحـمــد الـمــا مـفــارقــة نــوعـيــة‪ ،‬فيما يخص‬ ‫مناكفتة لتقليدية القصيدة الشائعة في السعودية بشكل عام‪ ،‬مع األخذ بعين‬ ‫االعتبار االستثناءات هنا وهـنــاك؛ فهي مكونات لنتوء يجد نفسه في مواجهة‬ ‫معرفية لغنائية قوية وعذبة أيضا‪ ،‬أقــرب إلى مزامير إيقاعية اعتادها اإلنسان‬ ‫العربي منذ عصر ما قبل اإلسالم؛ سلطة ذات بعد تاريخي متحقق كمثال للشعر‪،‬‬ ‫وقــالــب يـتـحـوّل بـبـعــده الـتــاريـخــي إل ــى أيــدولــوجـيــا تتمترس خـلــف عـمــود الشعر‬ ‫ومتطلباته التقنية وبطلها بحور الخليل بن أحمد‪ .‬فقصائد أحمد المال هي‬ ‫حقل مــن الـشــوك تتجاوز الشكل المعتاد للشعر «عـمــود الشعر»‪ ،‬وجــاء كــدّ ه من‬ ‫يقينيتة بأن الشعر هو الشعر بصرف النظر عن اإلناء الذي يُسكب فيه‪ ،‬وقد فتح‬ ‫المجال للنقاد الختبار مثل هذه النصوص المناكفة‪ ،‬والتي شكلت حقال خصبًا‬ ‫ألسئلة الشعر ومدايات مواكبته إليقاع العصر‪.‬‬ ‫فنرى أن مستوياته وأبــعــاده المعرفية‬

‫فانمازت نصوصه بالتوتر العالي ووعورة‬ ‫الولوج إلى مركبات النص‪ ،‬بكونه نصا يتمثل‬ ‫مرجعيات فلسفية فــي مــوضــوعــة الموت‬ ‫اختبار‬ ‫ٍ‬ ‫والــذات والحب والحنين‪ ،‬فنحن في‬ ‫لنصوص شعرية تمتلك عين صقر تصطاد‬ ‫حساسية الجملة الــصــافــيــة األقـ ــرب إلــى‬ ‫تقنيات النص الصوفي باختالف الصفات‬ ‫في الموضوع والتوجه‪.‬‬

‫تعـالق معها مــن ب ــؤرات لألسى والــخــراب‪،‬‬

‫فــي هــذه العجالة ســأتــنــاول كتابه «ما‬ ‫أجمل أخطائي» كنموذج يحك جوهر الذات‬ ‫الشعرية وموقفها من العالم‪ ،‬بل هي أقرب‬ ‫إلــى مــواربــات ســيــرو ّيــة تفضح بمكوناتها‬ ‫طفولته وشبابه «وآنه»‪ ،‬وسأبدأ من مفتتحات‬ ‫الكتاب وعتباته‪ ،‬والتي تؤشر على تمجيد‬

‫قــد جــالــت فــي ذاتــيــة الشاعر الموجوعة‪،‬‬

‫كنموذج على بؤس العالم وقسواته المركبة‪،‬‬

‫المل هو مؤشر واضح‬ ‫فما رشح من شعرية ّ‬ ‫على مناخات شعرية تواكب ما يحدث للعالم؛‬

‫إذ تبدالت القيم العابرة للحدود إلى جانب‬ ‫تفاعالت الذات بوصفها عالمة تتحرك في‬

‫أفق من التحوالت اإلنسانية الصادمة‪ ،‬وما‬ ‫فأحدثت بذلك خرقا وشرخا في تصوراتنا‬

‫للبنية الكلية لماهية الشعر اآلن‪ ،‬بعيدًا‬ ‫عن الجدل الشكلي الذي أحدثته مثل هذه‬ ‫األنماط من الشعر‪ ،‬ففي كل تحوّل جمالي‬

‫يواجه متاريس الماضي‪.‬‬

‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫أحمد المال‪ ..‬الشاعر الذي حفر في‬ ‫طبوغرافية األلم والغياب‬

‫‪11‬‬


‫األخــطــاء كــعــنــوان الخــتــبــار الحقيقة عبر‬ ‫السؤال الحر‪ ،‬تمامًا كما فعل آدم في ارتكابه‬ ‫خطأ تفاحة المعرفة‪ ،‬من باب اختبار تلك‬ ‫الثمرة الرامزة لمدايات غموضها والدخول‬ ‫إلى جوفها الصطياد الرائحة‪ ،‬رائحة الرفض‬ ‫واالستلذاذ بذوق الدهشة من خالل اختبار‬ ‫جوهر األشياء للوصول إلى نسغها المكثف‪.‬‬

‫نهايات مأساوية‪ ،‬إذ تتكرر في هذا الكتاب‬ ‫مفردات الخسارة والقنوط؛ منها أتخبط‪،‬‬ ‫وممرا ضيقا‪ ،‬وغابة يابسة وعيون بال أجفان‪،‬‬ ‫أغنية‬ ‫ٍ‬ ‫نــوبــات الــســعــال‪ ،‬مــدَّ ذراعـــاً هزيلة‪،‬‬ ‫جف عض ُل النداء‪،‬‬ ‫حزينة‪ ،‬وج ٌع سُ َّر به الندم‪َّ ،‬‬ ‫بابتسامات‬ ‫ٍ‬ ‫واسو َّد دمُها؛ خ َّث َرهُ األلم‪ ،‬ملطّ خا‬ ‫جــا ّفــة‪ ،‬يخنقني الــهــواء‪ ،‬ال ـدُّخــان األس ــود‪،‬‬ ‫تجاعيد جبينك‪ ،‬القبر المهجور‪ ،‬مفتا ٌح‬ ‫رغبة‬ ‫ٍ‬ ‫مجهولٌ‪ ،‬تأكل ُ ُه الوحشة‪ ،‬شدّة الظالم‪،‬‬ ‫هَ رمَة‪ .‬فهو بذلك يشيّد بنيان الخسارات في‬ ‫معظم مناخات الكتاب‪ ،‬فاألصابع في رجفتها‬ ‫ال تجد مفتاح الضوء‪ ،‬وهــذا ما أشــار إليه‬ ‫«بول ريكور» في مسألة سيادة هوية سردية‬ ‫وتشييدها‪.‬‬

‫فــحــيــن يــســمــي الــشــاعــر أحــمــد الــمــا‬ ‫مجموعته بــ«ما أجمل أخطائي»‪ ،‬ال بد من‬ ‫قصدية داللية لهذه العتبة التي تحيلك إلى‬ ‫مكونات جسد الكتاب وتوجهاته في نبش‬ ‫المسكوت عنه أو الــمــحــرم‪ ،‬كــون الخطأ‬ ‫اقترن بالمحرم تاريخيًا‪ ،‬فتمجيد األخطاء‬ ‫هو تمجيد للسؤال الحر والبعيد‪ ،‬السؤال‬ ‫ويتابع المال امتداع خساراته عبر سردية‬ ‫المتجاوز لكل المحذورات والتابوهات‪ ،‬ففي‬ ‫هذا المقطع على سبيل المثال والذي يقول شعرية يصعب الفكاك منها لــدى القارئ‪،‬‬ ‫وذلــك لذكاء صياغاتها وتسلسلها للوصول‬ ‫فيه‪:‬‬ ‫إلى صدمة الخاتمة‪ ،‬وهذا األمر ال يتأتى إال‬ ‫ٍ‬ ‫ّط‪ ،‬عُ نو ًة بينَ‬ ‫أمسيت أتخب ُ‬ ‫ُ‬ ‫أغصان تتسلّقُ من كاتب احترف الكتابة وأوقع القارئ في‬ ‫الظالم‪،‬‬ ‫فخاخ نصوصه عبر لذة التتابع للوصول إلى‬ ‫أشيحها بذراعي بعزم ساطورٍ‬ ‫ُ‬ ‫نتيجة العاطفة وجريانها في جسد النص‪،‬‬ ‫يفتحُ مم ّر ًا ضيّق ًا في غابةٍ يابسة‪.‬‬ ‫ونرى إلى المقطع التالي بقوله‪:‬‬

‫وحل‪،‬‬ ‫تغوص قدماي في ٍ‬ ‫ُ‬ ‫أجفان تتدلَّى من السقف‬ ‫ٍ‬ ‫وعيون بال‬ ‫ٍ‬ ‫وف ــي رجـفـتـهــا ال ت ـج ــدُ أصــاب ـعــي مـفـتــا َح‬ ‫الضوء‪.‬‬

‫‪12‬‬

‫ففي هــذا المقطع الــذي ينسحب على‬ ‫طبيعة مركبات الجملة «الشعر سريدة»‪ ،‬تمثل‬ ‫مفاتيح مهمة على طبيعة المعنى الذي يبثه‬ ‫الشاعر عن ذاتيته الجمعية‪ ،‬تلك الذات التي‬ ‫تسرد نفسها في تراسل شعري يقودك إلى‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫انتبهت لهُ مبكّ ر ًا‬ ‫ُ‬ ‫ظننتُ هُ اسمي الذي‬ ‫وأوجـعـنــي ت ـك ــرا ُر ُه على وج ــوهٍ كثيرة مما‬ ‫أوهنَ ساعدي‪.‬‬ ‫عرفت أنّهُ الزمن‬ ‫ُ‬ ‫ومن ثم‬ ‫ورا َفـ َقـنــي مـثــلَ صـخــرةٍ تـتــدحــرجُ مــن قمّ ة‬ ‫حياتي‬ ‫انتبهت إلى أنّه المكان‬ ‫ُ‬ ‫والحق ًا‬ ‫ـوط‬ ‫ومـ ـج ــاز ًا يُ ـســمّ ــى الـقـبــر وه ــا ه ــو مــربـ ٌ‬ ‫بساقي‪ ،‬وتجرُّ ني صرختي إلى القاع‪.‬‬


‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫ال‬ ‫فــي هــذا المقطع‪ ،‬سعى الشاعر الم ّ‬ ‫الــحــداثــي إلـــى تــثــويــر تــقــانــاتــه الــشــعــريــة‬ ‫وإنجازه الجمالي القائم على المغايرة عبر‬ ‫إتاحة الفرصة للقارئ للدخول في تأويل‬ ‫الجملة الشعرية التي تحمل بعدًا وجوديًا‬ ‫وفلسفيًا‪ ،‬فقد جمع بين أكثر مــن مسألة‬ ‫تخص موضوعة الموت‪ ،‬منها اسمه والزمان‬ ‫والــمــكــان‪ ،‬إضــافــة إلــى الــقــنــاع األســطــوري‬ ‫بصفاته األبدية مثل القبر والقاع‪ ،‬أي المكان‬ ‫الغائر المعد للمدفونات والغياب الكامل‪ .‬وما‬ ‫يلفت االنتباه أن تلك السيروة الشعرية تحتمل‬ ‫الذات الشخصية‪ ،‬وصفات الذات الجمعية‬ ‫بمحيطها الــكــونــي‪ ،‬الــســرديــة التي أقصت‬ ‫الغنائية وانتصرت للفعل التراجيدي الدرامي؛‬ ‫ليجد في القناع األسطوري السيزيفي جزءًا‬ ‫مــن تلك الــدرامــيــة‪ ،‬درامــيــة الــغــيــاب‪ ،‬حيث‬ ‫يرافقه الزمن مثل صخرة تتدحرج من أعلى‬ ‫حياته‪ ،‬ويصدم القارئ لينكتشف أنه المكان‪،‬‬ ‫وأي مكان‪ ،‬القبر والحفرة الغائرة في التراب‪،‬‬

‫خزان الغياب والدمع‪ ،‬تراجيدية قاسية تؤشر‬ ‫إلى وعي فلسفي ووجودي لدى الشاعر في‬ ‫استخداماته المركبة لفكرة الخلق في تفتحه‬ ‫وغيابه‪.‬‬ ‫فتلك العوالم التي تسير باتجاه عوالم‬ ‫متالحمة‪ ،‬تقف فيها الـــذات على حــواف‬ ‫التخييل المستمدة من واقع الذات وانمحائها‬ ‫في رحى الكون‪ ،‬فهي ثنائية عجيبة تجمع بين‬ ‫كميرا المشهد والسرد من خزان الذاكرة‪.‬‬ ‫وخــاصــة الــقــول‪ ،‬أن كــتــاب «م ــا أجمل‬ ‫أخطائي» يمثل رثــاء مغايرًا للعالم والــذات‬ ‫معًا‪ ،‬بادئًا من قوة المفتتح الممثل بعنوان‬ ‫الكتاب‪ ،‬والــذي يشي بطبيعة توجهاته فيما‬ ‫يخص الموضوعة المتناولة في الكتاب من‬ ‫ومعان‪ ،‬وهــذا األمــر يتم بتضميد‬ ‫ٍ‬ ‫مضامين‬ ‫أيقوناته المعجمية ودالالتــهــا‪ ،‬وصــوال إلى‬ ‫الرمز والمضمون الغائر في ثنايا النص‪،‬‬ ‫طبوغرافيا لأللم‪ ،‬وتمجيداً الختبار الحياة‪.‬‬

‫ * كاتب من األردن‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪13‬‬


‫*‬

‫أحمد المال‪ ..‬وأربع سنوات‬ ‫في ماراثون الشغف‬

‫■ عبداهلل السفر**‬

‫أحمدُ المال‪..‬‬ ‫اإلداري بار َع التخطيط‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫قبل أن يكون‬ ‫اإلداري رائ َع التنفيذ‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫قبل أن يكون‬ ‫القيادي البارز الذي يعرف ما يريده تماماً‪ .‬وتمام ًا‬ ‫ُّ‬ ‫قبل أن يكون هذا وذاك؛ هو‬ ‫وحس‬ ‫ِّ‬ ‫يعرف العقبات وال يأبه لها‪ .‬الهدف أمامه وال يحيد عنه‪ ،‬عنده من الجرأة‬ ‫المغامرة العالي؛ ما يجعله ال يفرّط فيه‪ .‬ولديه من فائض الحماس والكاريزما؛‬ ‫ما يطلِ قُ عدوى العمل في مَن حوله؛ فإذا بالمكان خليّةٌ عامرة بالجهد واألفكار‬ ‫وبالنتائج الباهرة‪.‬‬ ‫يــقــود‪ ..‬لكنه عضو ضمن فريق العمل‪،‬‬ ‫يوضح‬ ‫ودائماً ما يقول ويعني ما يقول إنه كما ّ‬ ‫المثل الــدارج «عود من عرض حزمة»؛ رأياً‬ ‫ومقترحات وإنــجــازاً‪ .‬وربــمــا إش ــارة واحــدة‬ ‫ٍ‬ ‫تحمل معنى االنهماك في الشُّ غل وفي المتابعة‬ ‫حلقة من‬ ‫الدقيقة حتى إسدال الستار‪ ،‬وانتهاء ٍ‬ ‫حلقات النجاح وإعالن استمراريّته‪ .‬تراهُ في‬ ‫تلك الليلة ال يهدأ إلى كرسيّة في الصف األول‬ ‫مع ضيوفه؛ تلقاه طائفاً متفقّداً ال يستق ّر في‬ ‫ال من الراحة»‪ .‬هي‬ ‫مكان‪ ،‬وال يأخذ «فاص ً‬ ‫ٍ‬ ‫حال ٌة استثنائ ّي ٌة من الشغف والرغبة العميقة‬ ‫في مشارفة حــدود الكمال وإخ ــراج العمل‬ ‫بالصورة المرتجاة والمخطّ ط لها كيف تكون‬ ‫أمام الجمهور على المسرح‪ ،‬وبمعيار رهيف‬ ‫يحسب للحركة ميقاتها‪ ،‬وللدقيقة حسابها‪.‬‬

‫‪14‬‬

‫وربما‪ ،‬بسبب هذا الشغف االستثنائي وتلك‬ ‫الرغبة العميقة‪ ،‬نشهد هذا المدى الفارق الذي‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫يطيب لي أن أسمّيه‪« :‬التوحّ ش في النشاط»‪،‬‬ ‫والــذي تعجز عن مقاربته‪ ،‬أو الدن ّو منه إ ْن‬ ‫ّات‬ ‫عدداً أو نوعاً‪ ،‬مؤسساتٌ رسمية وبميزاني ٍ‬ ‫مليونية‪ .‬نافورة ثقافية عارمة تتدفّق بألوانها‬ ‫الزاهية غالبَ أيام األسبوع‪ ،‬وليس نادراً أن‬ ‫فعالية في الليلة نفسها‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫تصادف أكثر من‬ ‫هذا الجانب من الك ّم ال يبتعد عنه النوعي‬ ‫وال ينفكّ عنه‪ ،‬ودليلنا المهرجانات العديدة‬ ‫التي صافحت الجمهور طــوال أربــع سنوات‬ ‫هي عُمر أحمد المال اإلداري في دفّة جمعية‬ ‫الثقافة والفنون بــالــدمــام‪ .‬معه المهرجان‬ ‫يكتسي معناه الحقيقي ال مجرد لفظ وعنوان‬ ‫للمباهاة الفارغة‪ .‬وقد تابعت عن قرب واحداً‬ ‫من هذه المهرجانات؛ «مهرجان بيت الشعر»‬ ‫في دورته األولى بتكريم محمد العلي‪ ،‬والثانية‬ ‫بتكريم فــوزيــة أبــو خــالــد‪ ،‬والـ ــدورة الثالثة‬ ‫ازدهت بتكريم علي الدميني‪ .‬فالتكريم يأخذ‬


‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫صبغته الفنية واالحتفالية واألدبية والتوثيقية‬ ‫بعيداً عن الكلمات اإلنشائية الخاوية وعن‬ ‫الدرع المعهود‪ .‬كما أن المهرجان ينفتح على‬ ‫عــرس ثقافي شامل ال يحضر فيه الشعر‬ ‫وحده‪ ،‬إنما مروحة جاذبة من الطيف الثقافي‬ ‫والــمــمــارســات اإلبــداعــيــة؛ فــتــغــدو قــاعــات‬ ‫منص ٍات‬ ‫ّ‬ ‫الجمعية‪ ،‬وغرفها أثناء المهرجان‪،‬‬ ‫للفعل الجمالي والتفاعل الخالق‪ ،‬تنبعث من‬ ‫الشعر والموسيقى والغناء‪ ،‬ومــن التشكيل‬ ‫والفيديو آرت‪ ،‬ومن تلك الحميمية الطالعة تبرز عالمة مضيئة وشاهقة هي «مهرجان‬ ‫عبر توقيع الكتب‪.‬‬ ‫أفالم السعودية» الذي كان ضرباً من الخيال‬ ‫تقول الحكمة «دع مائة زهرة تتفتّح»‪ ،‬وأخال ومن الرسم على الرمل أو الماء‪ .‬أحمد عرّابٌ‬ ‫جمعية الثقافة والفنون خالل هذه السنوات ورائي‪ ،‬والصورة اآلن ال تشهد إال بذلك‪ .‬في‬ ‫األربــع هي الحقل المواتي بانفتاح الجمعية هذه السيرة أحمد ليس بالجريء المغامر‬ ‫على الملتقيات األهلية ذات االهتمامات وحسب‪ ..‬بل والمقامر‪ .‬بال بنية تحتية‪ ،‬بال‬ ‫األدبية واإلبداعية‪ ،‬بتوفير المكان واالهتمام‪ ،‬ميزانية‪ ،‬بــا ضــوء أخــضــر (وه ــذا الضوء‬ ‫وبتسليط الضوء على فعاليّاتها ومطبوعاتها‬ ‫خط تحته)! وهذه البال «البلية»‬ ‫يحتاج مائة ٍّ‬ ‫من خالل الحضور الثقافي وعبر المتابعة‬ ‫كم تغلظ ويرتفع بها السياج إذا علمنا ممانعة‬ ‫الصحفية‪ .‬ويكبر هــذا الحقل بالعديد من‬ ‫المتشددين واستنفارهم المنظّ م والمعروف‬ ‫األنــشــطــة تــحــت مــسـ ّمــى «بـــيـــت‪»...‬؛ «بيت‬ ‫للوقوف أمام هذا الفضاء الجمالي وإفشاله‪.‬‬ ‫الشعر»‪« ،‬بيت السرد»‪« ،‬بيت السينما»‪« ،‬بيت‬ ‫منتجات لدى أحمد سرديّته المثيرة عن هذه التجربة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫الكوميديا»‪ ...‬هذه الـ «بيوت» ليست‬ ‫وهميّة تُنثَر في الهواء وتُترك للريح‪ ،‬بل هي وأتمنى أن يرصدها على ال ــورق‪ ،‬يــومـاً ما‬ ‫مقترحات صلبة قابلة للتنفيذ وبأبهى صورة‪ ،‬إذا ما سمح لها مارثونه المتعدّد األقطاب‬ ‫وسجّ ل اإلنجاز لسا ٌن ال يخذل الجمعية وال بالتقاط األنفاس‪.‬‬ ‫مشروعاتها‪.‬‬ ‫هذا هو أحمد المال الصدي ُق الذي أحب‪،‬‬ ‫في سيرة أحمد المال الثقافية واإلدارية‪ ،‬هذا هو أحمد المال اإلداريُّ الذي به نفخر‪.‬‬

‫ * مع نهاية مهرجان بيت الشعر في دورته الثالثة‪ ،‬أنهى أحمد المال عمله التطوعي مديرًا إلدارة جمعية‬ ‫الثقافة والفنون بالدمام (ديسمبر ‪2013‬م ديسمبر ‪2017‬م)‪.‬‬ ‫** قاص وكاتب وناقد من السعودية‪.‬‬

‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪15‬‬


‫ٌ‬ ‫حقول شاسعة‬ ‫أحمد المال‪..‬‬

‫■ إبراهيم احلسني*‬

‫أحمد أيّها الجميل‬ ‫إنّ حقولك الشاسعة‬ ‫حقولك التي حرثتها وزرعتها بقلبك ودمك‬ ‫ّاعات وﻻ أسوار‪ ،‬فباتت معروفةً تهوي‬ ‫حقولك التي تركتها هكذا‪ ،‬مفتوحة بال فز ٍ‬ ‫وتتواصى بها‪..‬‬ ‫َ‬ ‫إليها الطيو ُر‬ ‫إنّ حقولك تلك يا أحمد‪ ،‬ستبقى محميّةً بنظرتك وﻻ سبي َل إلى حرقها‪..‬‬ ‫ستبقى محميّةً بابتسامتك الناضجة التي تقطر عسالً‪.‬‬

‫‪ ...‬أما أحمد فروحه في الليمون‬ ‫وأعضاؤه في الشجرة‬ ‫الخضرة يفتح عيونه‬ ‫في ُ‬ ‫يشف‬ ‫ّ‬ ‫الخضرة‬ ‫وفي ُ‬ ‫الخضرة يشعّ وجهه‬ ‫في ُ‬ ‫الخضرة تونع نبرته‬ ‫وفي ُ‬ ‫يقول للشجرة‪:‬‬ ‫السالم عليك يا أمي‬ ‫والسالم على جذعك وعلى أغصانك‪..‬‬ ‫والسالم عليَّ يو َم أغمغم‪،‬‬ ‫كيف هي أحوالك وأحوال ظاللك‪،‬‬ ‫جئتك من آخر قميصي‬ ‫وجدت ممرّا بين شهقتين فمرقت‬ ‫وجدت غصنك يومئ لي فخطفت‬ ‫وجدت وحدتي غافية فانسللت‬ ‫وها أنا قد وصلت إلى رائحتك‬ ‫فخذيني بقوّة‪..‬‬ ‫أنا في الليمون‪.‬‬ ‫***‬

‫‪16‬‬

‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫لك الجذع يجمع خضرته‬ ‫ولك عتمة التراب‬ ‫لك حرارة الطين تستوي فيها‪،‬‬ ‫تخطها فيه‪..‬‬ ‫ّ‬ ‫وتسوي خطوطك اﻷولى‬ ‫لك هواجسك البيضاء تتجذّ ر فيها‪،‬‬ ‫وت ـلــمّ ح ـجــرك‪ ،‬مــا يمنحك ث ـق ـ ًا ويـشــدّ‬ ‫إليك صوتك‪..‬‬ ‫ترفع ذراعا خضراء‪..‬‬ ‫وتزيح غطاءك وتشقّ سترك‪،‬‬ ‫لك ما يسأم إقامتك في الخفاء‪..‬‬ ‫ويودُّ أن يجهر بك‪،‬‬ ‫يعلنك ويعلن كلماتك‬ ‫لك الجذع ولك اﻷوراق ولك وجهك‬ ‫ولك عيونك‪..‬‬ ‫زهرتك مختبئة فيك‬ ‫زهرتك التي تربّيها وتنقّ حها‬ ‫زهرتك التي تنفطر وتُدلِ ي بها‪،‬‬


‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫أحمد المال‪ ،‬عشق الطبيعة انعكس على شاعريته‬

‫زهرتك التي ينشقّ عنها قلبك ويشهرها لك اليد التي تهز لغتك لكي تنام‪،‬‬ ‫لك الهواء يرفع أسماءك ويضيء‬

‫لك حروفك الصغيرة‪..‬‬

‫ْك مرّة‪..‬‬ ‫لك اﻷهلّة التي أضاءت‪ ،‬حَ َبت َ‬

‫ل ــك ال ـش ـجــرة ال ـتــي تـنـشــد أغـصــانـهــا في‬

‫طوت حولك ذراعيها لما وقعت عليك‪..‬‬ ‫حدّ ثتها الفراشات والنسائم‪،‬‬ ‫وح ــدّ ثـ ـتـ ـه ــا ال ـ ـظـ ــال عـ ــن ثـ ـي ــاب ــك وع ــن‬ ‫أناشيدك‪..‬‬

‫كتفيك وذراعيك‪..‬‬ ‫ولك عصافيرك‬ ‫الصفرة‬ ‫تهش ُّ‬ ‫لك من الشجرة ما يجعلها ّ‬

‫حدّ ثتها عن شقوق ثمرتك‬

‫عن أغصانها وأوراقها‬

‫التي أحدثتها فيها شدّ ة وجهك‪..‬‬

‫ول ــك منها مــا يـمــدّ الـشـجــرة عميقا في‬

‫واحتدام فمك‪..‬‬

‫مائها ويجعلها نضرة‪.‬‬

‫* شاعر من السعودية‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪17‬‬


‫في حوار مع الشاعر أحمد المال‪..‬‬ ‫في المشهد الشعري العربي‪ ،‬ثورة فنية‪ ،‬عززت تعرُّ فنا عليها وسائل التقنية الحديثة‬ ‫الشعر العربي يتحول عميقا ويتشكل في صيغة كونية‪!..‬‬ ‫المشهد الشعري في السعودية‪ ..‬طاقات ملهمة‪ ،‬ومنتج نوعي‪ ،‬وتجارب متفردة‬ ‫بعض نصوصي الشعرية تذهب إلى السينما‪ ،‬والفنون البصرية‪ ،‬بعفوية غامضة‪!..‬‬

‫سعدت كثيرا بإنجاز هــذا الحوار مع شاعر وثَّ ــق حضوره وتميزه في المشهد‬ ‫الشعري السعودي منذ بداية ثمانينيات القرن الماضي‪ ،‬الشاعر أحمد المال‪،‬‬ ‫والذي يدهشك بقصيدته التي تحمل الكثير من التفاصيل المتعلقة بحياته من‬ ‫الذاكرة واليومي المعاش‪ ،‬ومن تجربته الغنية من فضاءات عدة‪ ،‬التي أكسبته لغة‬ ‫تشبهه كثيراً؛ فنيًا وثقافيًا وإنسانيًا‪ ،‬وقدرة على أن يحاصرها بذاته الشاعرة‪« ،‬ظل‬ ‫يتقصف‪ -‬المؤسسة العربية للدراسات والنشر‪ -‬بيروت‪1995 -‬م»؛ «خفيف ومائل‬ ‫كنسيان‪ -‬دار الجديد‪1997 -‬م»؛ «سهم يهمس باسمي‪ -‬دار رياض الريس‪»،2005 -‬؛‬ ‫«تمارين الوحش‪ -‬دار الـغــاوون‪ -‬بيروت‪2001 -‬م»؛ «كتبتنا البنات‪ -‬نــادي الرياض‬ ‫األدب ــي‪2013 -‬م»؛ «ال ـهــواء طــويــل وقصيرة هــي األرض‪ -‬دار م ــدارك ون ــادي تبوك‬ ‫األدبي‪2014 -‬م»؛ «عالمة فارقة‪ -‬دار مسعى‪2014 -‬م»؛ «ما أجمل أخطائي ‪-‬الكويت‪-‬‬ ‫‪2016‬م»‪ ..‬هــذه اإلص ــدارات حتما تقودك لشاعر يؤمن بقصيدته‪ ،‬قصيدة النثر‪،‬‬ ‫بوصلة روحه ومجنونته وجنونه‪ ..‬والتي قادتنا أيضا لهذا الحوار‪..‬‬ ‫■ حاوره عمر بوقاسم‬

‫الشعر هو محركي األول في‬ ‫الحياة‪!..‬‬ ‫ ¦أحـمــد الـمــا مــن أب ــرز األس ـمــاء التي‬ ‫تقودنا إلــى عــوالــم قصيدة النثر في‬ ‫ثمانينيات ال ـقــرن الـمــاضــي‪ ،‬الفترة‬ ‫التي تشكلت فيها الحداثة الشعرية‬ ‫ووثـ ـق ــت ح ـض ــوره ــا ال ـح ـق ـي ـقــي‪ ،‬فقد‬ ‫أهـ ــدى ال ـســاحــة ال ـش ـعــريــة المحلية‬

‫‪18‬‬

‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫والعربية في عــام ‪1995‬م‪ ،‬مجموعته‬ ‫ال ـش ـع ــري ــة «ظـ ــل ي ـت ـق ـص ــف»‪ ،‬إلـ ــى أن‬ ‫قــاربــت إصــدارتــه الشعرية حتى اآلن‬ ‫الـعـشــر مـجـمــوعــات شـعــريــة‪ .‬وكــذلــك‬ ‫أثـ ــرى الـمـكـتـبــة الـعــربـيــة بـعــديــد من‬ ‫ال ـك ـت ــب‪ ،‬مـ ـث ــل‪ :‬كـ ـت ــاب «أن ـطــولــوج ـيــا‬ ‫ال ـش ـع ــر ال ـح ــدي ــث ‪ -‬وزارة ال ـث ـقــافــة‬ ‫واإلع ــام ‪2012‬م»‪ ،‬وش ــارك فــي إعــداد‬


‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫كتاب مختارات الشعر السعودي عن وزارة‬ ‫الثقافة واإلعالم ‪2012‬م‪ ،‬وحضر في فضاء‬ ‫المسرح بمسرحيته المعنونة بـ «الملقن»‪،‬‬ ‫إضــافــة لـكـتــابــة ع ــدد مــن الـسـيـنــاريــوهــات‪،‬‬ ‫فضال عن كتابة مقال أسبوعي في الرأي‬ ‫في عدد من الصحف «عكاظ‪ ،‬المسائية‪،‬‬ ‫اليوم»‪ .‬الشاعر أحمد المال‪ ،‬ماذا يقول في‬ ‫اتجاه هذه السيرة الغنية بتنوع فضاءاتها‪،‬‬ ‫وهــل بكل هــذه اإلص ــدارات أكمل مشروعه‬ ‫مع الكلمة؟‬ ‫‪ρ ρ‬ال يكتمل أي مشروع ثقافي‪ ،‬فهو مستمر‬ ‫أبدا بقدر الطاقة التي يقدمها للمتلقي‪..‬‬ ‫حتى بعد تــوقــف صــاحــب الــمــشــروع أو‬ ‫غيابه‪.‬‬ ‫ومنذ بداياتي فــي أوائ ــل الثمانينيات‪،‬‬ ‫عملت على طريقين متوازيين للتعبير عن‬ ‫ذاتي‪ ،‬الكتابة (الشعر على قمتها) واإلدارة‬ ‫الثقافية‪ ،‬ب ــدءًا بالجامعة والصحافة ‪ρ ρ‬جائزة الثبيتي وصلني خبرها وكنت في‬ ‫ليلة افتتاح مهرجان بيت الشعر ديسمبر‬ ‫الثقافية وجمعية الثقافة والفنون والنادي‬ ‫‪2015‬م‪ ،‬دورة محمد العلي‪ ،‬تلقيت اتصاال‬ ‫األدبــي‪ ،‬ومنها تعلمت ومارست تنشيط‬ ‫العديد من المبادرات الثقافية والفنية‪،‬‬ ‫من الدكتور سعيد السريحي‪ ،‬كــان يزف‬ ‫ولم أتوقف أو ألتفت‪.‬‬ ‫الخبر من اجتماع أمناء الجائزة‪ ،‬وكنت‬ ‫فــي قمة فرحي بتكريم األســتــاذ محمد‬ ‫الشعر هــو محركي األول فــي الحياة‪،‬‬ ‫العلي‪ ،‬من جهته يبارك لي الجائزة وأنا‬ ‫وبــالــشــعــر ومـــن خــالــه أعــيــش لحظة‬ ‫أبارك له فرحتنا الكبرى باألستاذ محمد‬ ‫بلحظة‪ ،‬وأنظر عبره إلى المستقبل‪.‬‬ ‫العلي‪ ،‬حتى اختلط علينا وأقفلنا المكالمة‬ ‫ربما هو الشعلة التي أضاءت لي طريقي‪،‬‬ ‫للمرة األولـــى ولــم يفهم أحــدنــا اآلخــر‪،‬‬ ‫يوم كانت الطريق مظلمة ومحبطة من‬ ‫وبعدها اتــصــل ثانية واستوعبت فــوزي‬ ‫قلة سالكيها‪.‬‬ ‫بالجائزة‪ ،‬واتفقنا على عدم اإلعالن عنها‬ ‫جائزة الشاعر محمد الثبيتي‪!..‬‬ ‫حتى ينقضي المهرجان‪ ،‬لئال يشغلني ذلك‬ ‫عن الفرح الكامل بأيام تكريم شخصية‬ ‫ ¦ف ــي عـ ــام ‪2016‬م فـ ــزت ب ـج ــائ ــزة ال ـشــاعــر‬ ‫محمد الثبيتي للشعر من نادي الطائف‬ ‫مهرجان الشعر في دورته األولى‪.‬‬ ‫األدبــي‪ ،‬ما موقع هذه الجائزة في نفس‬ ‫الشاعر أحمد المال؟‬

‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪19‬‬


‫كتمت الخبر فــي صــدري ولــم يعرف به‬ ‫سوى زوجتي ريم وصديق عزيز‪ ،‬وكانت‬ ‫الجائزة تشبه صاحبها الشاعر محمد‬ ‫في عمق تجربتي الشعرية‪!..‬‬ ‫الثبيتي‪ ،‬مخبأ في قلبي وأشعر أنــه لي‬ ‫وح ــدي‪ ،‬ولــو تحدثت عنه لــن يفهم أحد ¦كتبت الـعــديــد مــن الـسـيـنــاريــوهــات ألفــام‬ ‫قـ ـصـ ـي ــرة‪ ،‬وك ـ ــذل ـ ــك حـ ـ ـض ـ ــورك ل ـ ـعـ ــدد مــن‬ ‫عمق معنى كالمي عنه ومنزلته في قلبي‪.‬‬ ‫الـ ـمـ ـه ــرج ــان ــات ال ـس ـي ـن ـم ــائ ـي ــة‪ ..‬وقـ ـ ــد تــم‬ ‫المسرح‪« ..‬مشروع دولة»‪!..‬‬ ‫تكريمك في المهرجان السينمائي الثالث‬ ‫ ¦المسرح يغطي مساحة مــن اهتماماتك‪،‬‬ ‫ل ــدول مجلس الـتـعــاون الخليجي فــي أبو‬ ‫م ــؤل ــف مـســرحـيــة «ال ـم ـل ـق ــن»‪ ،‬ك ـمــا وسـبــق‬ ‫ظبي ‪2016‬م‪ ،‬كما أسـســت وأدرت مهرجان‬ ‫أن تــرأســت المهرجان المسرحي العاشر‬ ‫أفــام السعودية منذ دورتــه األولــى ‪2008‬م‬ ‫بالدمام عام ‪2014‬م‪ ،‬فضال عن مشاركاتك‬ ‫حـتــى دورتـ ــه الـخــامـســة ‪2019‬م‪ ،‬خـلــق هــذا‬ ‫ف ــي ع ـ ــدد م ــن ال ـل ـج ــان ال ـت ـح ـك ـي ـم ـيــة فــي‬ ‫الـتــآخــي أو الـتــوأمــة بين الشعر والمسرح‬ ‫مـســابـقــات ل ـع ــروض م ـســرح ـيــة‪ ..‬بعضهم‬ ‫والسينما‪ ،‬برغم االختالف البيئي الواضح‬ ‫يقول إن المسرح لم ولن يجد مكانًا ودورًا‬ ‫بينهم‪ ،‬حتما خصوصية تجربتك وتفردها‬ ‫ف ــي ح ـيــاة الـمـجـتـمــع ال ـعــربــي‪ ،‬ف ـهــل حــقً ــا‬ ‫لها سرها‪ ،‬أحمد المال ماذا يقول في هذا‬ ‫ه ـنــاك خـلــل ف ــي عــاقــة اإلن ـس ــان الـعــربــي‬ ‫االتجاه؟‬ ‫بالمسرح؟‬ ‫‪ρ ρ‬اشتغاالتي المباشرة مع مختلف الفنون‬ ‫‪ρ ρ‬اقــتــربــت أكــثــر مــن الــمــســرح‪ ،‬مــن خــال‬ ‫الــتــي ذكــرتــهــا وغــيــرهــا‪ ،‬أسهمت وأثــرت‬ ‫األستاذ عبدالرحمن المريخي يرحمه اهلل‪،‬‬ ‫في عمق تجربتي الشعرية؛ بل حتى على‬ ‫منتصف الثمانينيات‪ ،‬عبر كتابة نصوص‬ ‫مستوياتها األسلوبية‪ ،‬أعتقد أني كسبت‬ ‫األغاني لمسرحيته «ساق القصب»‪ ،‬وبعدها‬ ‫خبرات المونتاج السينمائي في بناء النص‬ ‫ساعدت في إخراج مسرحية «أبو الخيزران‬ ‫الشعري‪ ،‬والسرد التعبيري من المسرح‪،‬‬ ‫يختفي مؤقتا» للمخرج فــؤاد المحمدي‪،‬‬ ‫والتشكيل البصري في اللغة من الفنون‬ ‫وكتبت «الملقن» ثم رافقت المسرح إداريا‬ ‫األخرى‪ ،‬والكثير من التقنيات‪.‬‬ ‫ومنشطا‪ .‬أعتقد أن المسرح هو أكثر الفنون‬ ‫دائما أعتبر أن الشعر يكمن في كل الفنون‪،‬‬ ‫التي يناسبها توصيف «مشروع دولة» كي‬ ‫بل في كل شيء له عالقة باإلنسان‪.‬‬ ‫يتحقق؛ لهذا‪ ،‬فكل الفعل المسرحي منذ‬ ‫كثير من نصوصي الشعرية تذهب مباشرة‬ ‫البدايات حتى اليوم‪ ،‬هي اجتهادات أفراد‬ ‫إلــى السينما‪ ،‬والفنون البصرية‪ ،‬بعضها‬ ‫مبدعين‪ ،‬تحملوا مسؤوليات دولة‪ ،‬وعلينا‬ ‫يــأخــذ طريقه بعفوية غــامــضــة‪ ،‬واآلخــر‬ ‫أن نحفظ لهم حق ذاك الدور االستثنائي‪،‬‬ ‫بانتباه تنطوي فيه الصدفة الموضوعية‪،‬‬ ‫وإعادة االعتبار للمسرح بتحقيق طموحاته‬ ‫والقصدية الشعرية‪.‬‬ ‫وبنائه بطرق حديثة كما يليق باللحظة‬ ‫الــراهــنــة‪ ،‬وكــمــا يتناسب مــع طموحات‬ ‫الموجة السعودية الجديدة‪.‬‬

‫‪20‬‬

‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫ ¦لـيــس ه ـنــاك أث ــر واض ــح حـتــى اآلن على‬ ‫مضمون الخطاب اإلبداعي أو شكله‪ ،‬في‬ ‫ظــل الـتـغـيــرات الـسـيــاسـيــة واالقـتـصــاديــة‬ ‫التي يشهدها العالم العربي في السنوات‬ ‫األخيرة‪ ،‬برأيك ما سبب غياب األثر؟‬ ‫‪ρ ρ‬في قراءة محايدة لمجمل الحال الراهن‬ ‫لإلنسان العربي‪ ،‬فهو مشهد مأساوي‪،‬‬ ‫يمر عبر نفق مظلم ال توجد في آخره‬ ‫لمعة ض ــوء‪ ،‬واق ــع مقلق وال يــدل على‬ ‫أم ــل ل ــوال أن الــفــن يبتكر ض ــوءه ذاتــيــا‬ ‫حتى في أشد المراحل التاريخية عتمة‪.‬‬ ‫وفي اآلداب والفنون العربية المعاصرة‬ ‫نجد انعكاسات ذلــك؛ فالمأساة تتسيَّد‬ ‫المشهد‪ ،‬نلمحها فــي الــروايــة والشعر‬ ‫الشعر في النص أيما كان شكله‪!..‬‬ ‫والــقــصــة والسينما والــمــســرح‪ ،‬وسائر‬ ‫الفنون العربية المعاصرة‪ .‬أعتقد أنه على ¦قصيدة النثر لون أدبي‪ ،‬وليست شعرا»‪ .‬ما‬ ‫العكس‪ ..‬الواقع العربي متمثل بوضوح‬ ‫رأيك في هذه المقولة؟‬ ‫شديد في المشهد اإلبداعي‪ ،‬ومنتجه‪.‬‬ ‫لست ممن يتوقف أمام التصنيفات‪ ،‬ودائما‬ ‫ف ــي الــمــقــابــل الــعــربــي‪ ،‬نــجــد الــمــوجــة‬ ‫أعتبر أن هذه عملية إجرائية يضطر لها‬ ‫السعودية الجديدة‪ ،‬والتحوالت الكبرى‬ ‫الكائن ليدل على ما يقول‪ ،‬أجــد الشعر‬ ‫في سائر مجاالت الحياة‪ ،‬ونلمس اليقظة‬ ‫في النص أيما كان شكله‪ ،‬في الكالسيكي‬ ‫األخــيــرة لالهتمام بالثقافة والــفــنــون‪،‬‬ ‫أو النثر‪ ،‬في الشعبي والنبطي والفصيح‪،‬‬ ‫وتفتحها في الفضاء االجتماعي العام‪،‬‬ ‫أجــده في الفنون البصرية‪ ،‬الموسيقى‪،‬‬ ‫هذه من عالمات المرحلة‪ ،‬وهو يدل على‬ ‫الفنون المعاصرة والقديمة‪ ،‬في العمارة‬ ‫وعي عميق بأن أي تحوالت اقتصادية‪،‬‬ ‫والطبيعة والعلوم والفلك‪ .‬لم يسبق أن‬ ‫وتغيير اجتماعي لن يكون متوازنا دون‬ ‫تعثرت بسؤال التسمية‪.‬‬ ‫نهضة ثقافية وفــنــيــة‪ ،‬تــواكــب األفــكــار‬ ‫النيرة فــي الــوجــدان الجمعي للمجتمع‬ ‫وترسّ خها‪ .‬وكلي ثقة بأن اإلبداع الثقافي‬ ‫والفني السعودي ستتأثر بهذه التحوالت ¦هل لنا أن نتعرف على محتوى مكتبتك؟‬ ‫والتغيرات الكبرى‪.‬‬ ‫‪ρ ρ‬الكثير من كتب الشعر‪ ،‬واآلداب العربية‬

‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫قراءة محايدة‪!..‬‬

‫كهف صغير للعزلة واالتصال‪!..‬‬

‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪21‬‬


‫والمترجمة‪ ،‬إلى جانب مكتبة سينمائية‪،‬‬ ‫وأعـــمـــال فــنــيــة‪ .‬كــهــف صــغــيــر لــلــعــزلــة‬ ‫واالتــصــال‪ ،‬أذهــب إليه كلما ضاقت بي‬ ‫الحياة‪ ،‬ويحضن لحظات الفرح والمتعة‬ ‫باكتشافات المعرفة‪.‬‬ ‫الساحة الشعرية السعودية مرت‬ ‫بمراحل‪!..‬‬ ‫ ¦ش ــارك ــتَ عـ ـ ــددًا م ــن ال ـش ـع ــراء الـ ـع ــرب في‬ ‫أمـ ـسـ ـي ــات ومـ ـه ــرج ــان ــات شـ ـع ــري ــة‪ .‬ه ـنــاك‬ ‫تصنيف يقيّم الساحات الشعرية من بلد‬ ‫إل ــى آخ ــر؛ فمثال هـنــاك ش ـعــراء يصنفون‬ ‫ساحاتهم بأنها األكثر تألقا وجدية‪ ،‬كيف‬ ‫تقيم أنت الساحة الشعرية السعودية؟‬

‫‪22‬‬

‫من الوجود‪ ،‬بل وتصفيتهم معنويا والقضاء‬ ‫عليهم‪ .‬هذه فترة الثمانينيات وحتى نهاية‬ ‫التسعينيات‪ ،‬التي أصبح فيها الشاعر ً‬ ‫على جمره‪ ،‬ويتوحد مع قصيدته؛ ما عزز‬ ‫الجدية فــي الكتابة الشعرية‪ ،‬وصقلها‬ ‫لتكون قــادرة على المواجهة‪ ،‬وفي سبيل‬ ‫دفاع الشاعر عن وجوده أسهم في حماية‬ ‫التجارب الالحقة‪ ،‬وأتاح لها فناء تتحرك‬ ‫فيه لم ينتبه له حراس الصحوة النشغالهم‬ ‫بمواجهة الخطوط األمامية من الشعراء‪.‬‬ ‫وألننا في بالد واسعة وممتدة جغرافيا‪،‬‬ ‫فــإن الساحة الشعرية نجدها مختلفة‬ ‫األشكال في كل مدينة ومنطقة‪ .‬وكل من‬ ‫ينحاز إلى شكل تعبير يتوقع الغلبة له‪ ،‬في‬ ‫حين أن السعودية تزخر بتجارب عديدة‬ ‫في كل تيار شعري‪ ،‬ويمكن القول أن الدنيا‬ ‫مشاهد شعرية متنوعة‪ ،‬مختلفة‪ ،‬وثرية في‬ ‫كل منها‪ ،‬وليس مشهدًا شعريًا واحدًا‪.‬‬

‫‪ρ ρ‬الساحة الشعرية السعودية مرت بمراحل‬ ‫مــخــتــلــفــة مــنــذ بـ ــدايـ ــات ال ــح ــداث ــة في‬ ‫سبعينيات الــقــرن الماضي حتى اليوم‪.‬‬ ‫مع الرواد المؤثرين‪ :‬محمد العلي‪ ،‬فوزية‬ ‫أبــو خــالــد‪ ،‬سعد الحميدين‪ ،‬حتى جيل‬ ‫المشهد الشعري في السعودية‪!..‬‬ ‫الوسائط المتعددة مرورًا بفترة «الصحوة»‬ ‫التي شهدت صراعً ا ثقافيًا على أشده بين ¦ف ــي حـ ـ ــوار ل ــي م ــع الـ ـش ــاع ــر ع ـبــدال ـعــزيــز‬ ‫المحافظين والشعراء المجددين‪.‬‬ ‫المقالح‪ ،‬سألته عن ما قاله الشاعر سعدي‬ ‫يوسف‪ ،‬أيضا ضمن حوار لي كان معه‪ ،‬إذ‬ ‫أعتقد أن مرحلة «الصحوة» ألقت بتأثير‬ ‫قــال‪« :‬إنـنــي متحمس للعربية وشعرائها‪،‬‬ ‫ق ــوي عــلــى الــســاحــة الــشــعــريــة‪ ،‬إذ بــرز‬ ‫وأعتقد أن الشعر‪ ،‬فن يؤخذ بالجد الالزم‬ ‫فيها الــشــعــراء‪ :‬علي الدميني‪ ،‬عبداهلل‬ ‫مــن ل ــدن الـشـعــراء ال ـعــرب‪ ،‬لـكــن المقارنة‬ ‫الصيخان‪ ،‬محمد عبيد الحربي‪ ،‬غيداء‬ ‫بين شعرنا الحالي‪ ،‬وشعر األمم األخرى‪،‬‬ ‫المنفى‪ ،‬أحمد الصالح «مسافر»‪ ،‬عبداهلل‬ ‫لن تجعل كفة الميزان تميل إلى صالحنا‪.‬‬ ‫ال ــزي ــد‪ ،‬مــحــمــد جــبــر الــحــربــي‪ ،‬محمد‬ ‫نحن ال نــزال مكبلين بأغاللنا»‪ ،‬فكان رد‬ ‫الدميني‪ ،‬عبدالمحسن يــوســف‪ ،‬محمد‬ ‫المقالح‪ ...»:‬لكنني ال أتردد عن القول إن‬ ‫زايد األلمعي‪ ،‬خديجة العمري‪ ،‬ثريا قابل‪،‬‬ ‫في شعرنا المعاصر نماذج تساوي إن لم‬ ‫أشجان هــنــدي‪ ..‬وآخ ــرون أتــوا بعدهم‪..‬‬ ‫تتفوق على بعض نـمــاذج مما قــرأنــاه من‬ ‫وجدوا أنفسهم تحت وطأة هجمة عنيفة‬ ‫شعر عــالـمــي‪ ،‬وأرى أن األح ــداث الـتــي مر‬ ‫ومتواصلة تبتغي إلغاء حضورهم الشعري‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫‪ρ ρ‬في المشهد الشعري العربي‪ ،‬ثورة فنية‪،‬‬ ‫عـــززت تــعـرُفــنــا عليها وســائــل التقنية‬ ‫الحديثة‪ ،‬والشعر العربي يتحول عميقا‬ ‫ويتشكل في صيغة كونية‪ ،‬هذا مما أعرفه‬ ‫على مستوى شخصي‪ ،‬رغــم عــدم زعمي‬ ‫باطالعي على كل ما يكتب من شعر عربي‬ ‫في اللحظة الراهنة‪.‬‬

‫وجها لوجه الحساوي والمال‬

‫وقليال ما أتجرأ على إهداء كتبي‪.‬‬

‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫بها الشعراء العرب الحقيقيون قد صهرت‬ ‫أرواحـ ـه ــم وجـعـلـتـهــم يـقـتــربــون ك ـث ـيــر ًا من‬ ‫المعنى الحقيقي للشعر»‪ ..‬ما رأيك؟‬

‫هكذا أرى في التكنولوجيا الحديثة‪!..‬‬

‫ ¦ي ـت ـح ــدث ــون ك ـث ـي ــرا ع ــن اإلض ـ ــاف ـ ــات ال ـتــي‬ ‫لكني أستطيع القول ‪ -‬بقدر أكبر من الثقة‬ ‫تضيفها الشبكة العنكبوتية وبإيجابية‪،‬‬ ‫ بــأن المشهد الشعري فــي السعودية‬‫أليس لهذه الشبكة أي سلبية على الشاعر‬ ‫يترسخ بطاقات ملهمة‪ ،‬وبمنتج نوعي‪،‬‬ ‫أو المثقف بصفة عامة؟‬ ‫وتجارب متفردة عن بعضها بعضاً‪ ،‬وتغوص‬ ‫في عمق وجــدان اإلنــســان المعاصر في ‪ρ ρ‬دائما أبحث عن الجوانب اإليجابية أوال‬ ‫لحظته الكونية‪.‬‬ ‫عند تقييم أي موضوع‪ ،‬وأحاول أن أتريث‬ ‫أعتقد أن الشعر ال ينقصه أن يوصف‪:‬‬ ‫عالميًا‪ ،‬إال غياب الجسر‪ /‬الترجمة‪ ،‬فقط‪.‬‬

‫ ¦هناك الكثير من الـقــراءات النقدية التي‬ ‫سعت لقراءة قصيدة الشاعر أحمد المال‪،‬‬ ‫هل وصل الناقد لقصيدتك؟‬ ‫‪ρ ρ‬ال أدري‪ ،‬هناك من النقاد من تناول تجربتي‬ ‫الشعرية‪ ،‬وأذكــر منهم األســتــاذ الدكتور‬ ‫سعد البازعي‪ ،‬د‪ .‬سعيد السريحي‪ ،‬الناقد‬ ‫والشاعر عبداهلل السفر‪ ،‬الشاعر محمد‬ ‫الحرز‪ ،‬د‪ .‬ميساء الخواجه‪ ...‬لكني الى‬ ‫جانب سعادتي بالتفاتة الناقد لها‪ ،‬أرتبك‬ ‫فعال‪ ،‬إلى درجة االحمرار‪ ،‬أشعر أن الناقد‬ ‫يعري النص وكأنه يعنيني شخصيا‪ ،‬لم‬ ‫أستطع حتى اليوم أن أتخلى عن أن ما‬ ‫أكتبه سري الشخصي‪ .‬لهذا أتفادى النقد‪،‬‬ ‫وأرتبك أيما ارتباك حين أقرأ أمام الناس‪،‬‬

‫كثيرًا في هذه المنطقة‪ ،‬دون عجلة للقفز‬ ‫إلى الجهة المقابلة من السلبيات‪ ..‬ولو‬ ‫بيدي لما عبرت إليها‪ ..‬فالحديث عن‬ ‫الــشــيء يرسخه ويــقــويــه‪ ،‬والتفكير فيه‬ ‫طويال يطبع علينا بطبعه‪.‬‬

‫هــكــذا أرى فــي التكنولوجيا الحديثة‪،‬‬ ‫ووســائــل الميديا والشبكة اإللكترونية‪،‬‬ ‫تأثيرًا إيجابيًا في تقريب المعرفة وتسهيل‬ ‫الوصول إلى المعلومة‪ ،‬كما أنها خففت‬ ‫من الوصاية واحتكار الثقافة على فئات‬ ‫اجتماعية مــحــدودة‪ ،‬وألغت الحدود بين‬ ‫البشر‪ .‬الشعر كسائر الفنون يستفيد من‬ ‫هذه الوسائل‪ ،‬وللشاعر أن يتنبه ويواكب‬ ‫ويعيش تحوالتها بــذات الدهشة األولــى‬ ‫ولذة االكتشاف‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪23‬‬


‫أحمد المال‪ ..‬بين الشعر والسينما‬ ‫■ د‪ .‬هناء بنت علي البواب*‬

‫أحمد المال‪ ..‬وقبل البدء بتلك الحيرة التي سأكتب لك فيها أتساءل‪:‬‬ ‫ما السبب وراء هذا الجنوح الغريب إلى التقاطع العجيب الشعري السينمائي‪،‬‬ ‫أهو تقديس الشعر إلى حد تنزيهه عن فكرة الصنع البشري‪ ،‬واعتبار القصيدة‬ ‫إلهام ًا علويًا يتنزل على الشاعر حتى ليبدو هو نفسه وليد القصيدة؟‬ ‫أم أن السينما هي صورة الروح والجسد والقلب؟‬ ‫فــي الــشــعــر يــبــدأ التمييز بــيــن قصيدة‬ ‫وأخـ ــرى فــي ال ــدي ــوان نــفــســه‪ ،‬مــادامــت كل‬ ‫قصيدة قد صدرت عن خبرة اختلفت شيئًا ما‬ ‫عن غيرها‪ ،‬فنيًا‪ ،‬شعورياً‪ ،‬قصصياً‪ ،‬جمالياً‪،‬‬ ‫وغيره‪ ..‬فظهرت قصيدة النثر في السعودية‬ ‫في السبعينيات من القرن المنصرم‪ ،‬ولم‬ ‫تتوقف التجربة عن إنجاب عدد من الشعراء‬ ‫الذين سجلوا تجربتهم ضمن مجموعة من‬ ‫الــدواويــن بين فترة وأخــرى‪ ،‬بل امتدت بهم‬ ‫تربة الصحراء لتحرق كل أنفاس المرجعيات‬ ‫القديمة‪ ،‬ليثوروا مدادا‪ ،‬ويقوموا بكلمة واحدة‬ ‫متمردة قائمة حــول المشهد األدبــي الذي‬ ‫يستحيل مــاء في قمّة الحاجة؛ ألن يحتك‬ ‫الشاعر بضرع السماء‪ ،‬وفي تسعينيات القرن‬ ‫العشرين ظهر جيل آخر من الشعراء برؤى‬ ‫مختلفة وجديدة‪ ،‬كان من بينهم الشاعر أحمد‬ ‫المال الذي سرعان ما حجز مكانته المميزة‬ ‫في المشهد الشعري السعودي المعاصر‪.‬‬

‫‪24‬‬

‫صدور ديوانه األول «ظل يتقصف»‪ ،‬فهو يعلن‬ ‫في تلك اللحظة عن تجربة ستكون واحدة‬ ‫من أهم التجارب في مشهد قصيدة النثر‪،‬‬ ‫ثُم جاء ديوانه الثاني‪« :‬خفيف ومائل كنيسان»‬ ‫ليُشعرك أن ثـ ّمــة نــب ـوّة مختلفة تشير كل‬ ‫األصابع أن أحمد المال هو الموجود وحده‬ ‫على أرض صلبة‪ ،‬ربما لن تقبل بالتغيير‪ ،‬وهي‬ ‫أرض العربية والقوة والفصاحة وحدها‪ ،‬جاء‬ ‫المال ليكرس اسمه شاعراً ومبدعاً مهموما‬ ‫بالشعر ومأخوذا به‪.‬‬

‫لذلك‪ ،‬كل كتابة هي من حيث المبدأ عمل‬ ‫مرتبط بشعورنا العميق بالفشل‪ ،‬أو الشك في‬ ‫مغامرة سابقة‪ ،‬أو على األقل‪ ،‬عدم االمتالء‪،‬‬ ‫وبالتالي استمرار السؤال المحرّض‪ ،‬أو غير‬ ‫ال‬ ‫ذلك‪ ..‬مما اعتبره شعوراً بالناقص متأص ً‬ ‫في المبدع‪ ،‬وهو ما يجعله في كل مرة يضرب‬ ‫سهماً في األفــق نفسه‪ ،‬وكذلك كــان أحمد‬ ‫المال الذي اخترق حدود اإلبداع لينفلت من‬ ‫وهنا كــان اخــتــاف المشهدية الشعرية الشعر متوجها طائرًا إلى الجانب السينمائي‪،‬‬ ‫في تلك الحقبة التي ظهر نجمه المتفرّد مع الذي يظهر فيه إبداعه وقدرته على التوصيل‬

‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫بأعراف جافة كلما توغلت توحشت أكثر»‪.‬‬

‫ولــذلــك‪ ،‬أيــهــا الــمــا تــم ـرّدت على رغبة‬ ‫الــشــاعــر بــداخــلــك؛ لــتــقــوم قــائــمــة المشهد‬ ‫السينمائي التي تظهر فيها طبعة اإلبــداع‬ ‫الذّاتيّة؛ فإ ّن الشّ اعر يبدع‪ ،‬وحده‪ ،‬فالقصيدة‬ ‫تجربة ذاتيّة فرديّة‪ ،‬وإن كانت تتأث ّر بتجارب‬ ‫اآلخرين وخبراتهم وإبداعهم؛ لكنّ السينما‬ ‫عمل ّي ٌة جماعيّة‪ ،‬يشارك فيها‪ ،‬إضافة إلى‬ ‫المخرج‪ ،‬الــذي يتأسس الفيلم على رؤيته‪،‬‬ ‫القصة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫مجموع ٌة من األشخاص؛ مثل‪ :‬كاتب‬ ‫مــخــتــصــو ال ــدي ــك ــور‪ ،‬والــمــونــتــاج والــصــوت‬ ‫والتّصوير‪ ،‬ومؤلفو الموسيقى‪ ،‬والممثّلون‪،‬‬ ‫ومصممو المالبس‪ ،‬الذين لهم رؤيتهم الف ّنيّة‬ ‫الخاصة‪.‬‬ ‫ّ‬

‫الوسط الذي يعيشه‪.‬‬

‫فــحــيــن ي ــش ــرح أح ــم ــد ال ــم ــا‪ ،‬رســالــتــه‬

‫السينمائية اإلبداعية‪ ،‬حين يقول‪« :‬علينا أن‬ ‫نجهر بالفن ونرفع صوت الجمال والحب في‬ ‫خاف علينا أن‬ ‫وجه القبح والكراهية‪ ،‬لم يعد ٍ‬

‫غياب الفنون أضعف قيمنا الجميلة وأبدلها‬ ‫إذا كانت مقولة باولو كويلو‪« :‬إذا أردت‬

‫شيئاً‪ ،‬يتآمر الــكــون كله لمساعدتك على‬

‫تحقيقه»‪ ،‬حقيقة‪ ..‬فإن المال الرجل الذي‬ ‫شقّ روحــه بين شقين مهمّين وهما‪ :‬الشعر‬

‫والسينما‪ ،‬فهو مدير جمعية الثقافة والفنون‬ ‫في الدمام‪ ،‬فهو ال يكف عن مصارعة رياح‬

‫الفوضى وغبار الوجع‪ ،‬حتى يقف منتصفا في‬

‫روحنا‪ ،‬وروح الشاعر وروح السينمائي‪.‬‬

‫ولو وقفنا موقف المجابه للمال لنسأله‪:‬‬ ‫أيهما يتمرّد بداخلك الــيــوم‪ ،‬الشعر أم‬

‫السينما؟‬

‫ســيــقــول‪ :‬الــسّ ــيــنــمــا‪ ،‬أقـ ــوى تــأثــيــراً في‬

‫الحواس؛ ألنّها تخاطب الحواس مباشر ًة في‬

‫الصور الحقيقيّة والخياليّة‬ ‫عمليّة تجسيد ّ‬ ‫أمام المتلقي وأذنيه‪ ،‬وألنها تملك حرية في‬

‫الحركة؛ لكنّ الشّ عر يشكّل صوره بما تثيره‬

‫الكلمات في خيال اإلنسان‪ .‬والسّ ينما تتأثّر‬ ‫في معالجة صورها‪ ،‬والسّ يناريو‪ ،‬والموسيقى‪،‬‬ ‫والشّ خصيّة‪ ،‬والــحــوار‪ ،‬بالشّ عر‪ ،‬من خالل‬

‫طاقاته العاطفيّة الوجدانيّة العميقة‪ ،‬في‬

‫وهــنــا‪ ،‬نــجــده يكتب القصيدة لتتكشف‬ ‫له قبل غيره طبيعة العالقات الكائنة بين‬ ‫النصوص‪ .‬ولعل أخطر ما يفعله الشاعر هو‬ ‫تنظيم العالقات بين المؤتلف والمتنافر في‬ ‫شعره‪ ،‬فالنصوص ال تأتلف بيسر‪ ،‬فهي ليست‬ ‫كيانات مطيعة‪ ،‬بل يدرك كثي ٌر من الشعراء‬ ‫أنها غالباً ما تتمرد؛ لذلك تحتاج القصائد‬ ‫إلى عالقات تجاورية مبدعة ومبتكرة‪ ،‬حتى‬ ‫تستوي في الكتاب‪ .‬أي اكتشاف «الصيغة‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫الدقيق لــرؤاه المتمردة الخارجة عن حدود‬

‫بالضرورة‪ ،‬لمؤثّرات‬ ‫ّ‬ ‫حين ال يخضع الشّ اعر‪،‬‬ ‫السّ ينما‪ ،‬وقد يقتصر تأثّره على استخدام‬ ‫صــوره الشّ عريّة وتحريكها بما يشبه ترتيب‬ ‫اللقطات في المونتاج السّ ينمائيّ ؛ غير أ ّن‬ ‫الصلة بين الفنّين‪ ،‬تشت ّد في أفالم السّ ينما‬ ‫ّ‬ ‫الصورة‪،‬‬ ‫البصريّة‪ ،‬التي تلحّ على استخدام لغة ّ‬ ‫وتقلل من أهميّة الحدث والحكاية‪.‬‬

‫‪25‬‬


‫السحرية» التي تجمع بين كل هذه الكائنات‬ ‫الغريبة القائمة على التناقض واليتم‪ ..‬والتي‬ ‫نسميها قصائد‪ .‬إنه إتالف المختلف‪ ،‬وهو ما‬ ‫ال في الشعر‪.‬‬ ‫يُ َو ِّل ُد الضو َء أص ً‬ ‫هنا فقط‪ ،‬سنؤكد أن المال هرب من ذاته‬ ‫إلى ذاتــه حين هرب من الشعر للموسيقى‪،‬‬ ‫وهو بين خطوتين تنقالنه في تشكيل الصورة‬ ‫السينمائية‪ ،‬ويــكــاد الشعر يــكــون المرتكز‬ ‫الرئيس في تشكيل الصورة‪ ،‬فهذا الوسيط‬ ‫هو الذي يحدد إمكانات االستبدال والتحويل‬ ‫التي يسعى إليها المهتمون بتحويل النص‬ ‫الشعري إلى سينما؛ فعلى العكس من (شعرنة‬ ‫النص السينمائي)‪ ،‬والتي تبدو عمال إبداعيا‬ ‫يتجاوز محددات الوسيط من خالل التحايل‬ ‫عليها؛ أي أن المال يستثمر إمكانات الوسيط‬ ‫في صياغة شعرية النص‪ ،‬فإ ّن نقيض ذلك‬ ‫يبدو صعبًا‪ ،‬أي إن تحويل النص الشعري إلى‬ ‫سينما ستفضي إلى تقييد الحر‪ ،‬وتحجيمه‬ ‫تحت سطوة التقني‪ ،‬فالصورة السينمائية‬ ‫المحولة مــن ص ــورة شعرية؛ أي المنقولة‬ ‫من نص شعري ستقع تحت وطــأة التحويل‬ ‫السمعي الخيالي إلى البصري الحسي‪ ،‬وهنا‬ ‫تظهر قدرة اإلبداع السينمائي الشعري‪.‬‬ ‫بعبارة أخرى‪ ،‬إن حرية المال السينمائي‬ ‫اإلبــداعــيــة فــي التعامل مــع قسرية التقني‬ ‫والتحايل على سطوته‪ ،‬تفقد كثيرًا من إدهاشها‬ ‫وبراعتها في حال تحويلها إلى سينما لما هو‬ ‫خارج عنها‪ ،‬وهو الشعري‪ ،‬ألن حرية الشاعر‬ ‫ * أكاديمية وكاتبة وناقدة من األردن‪.‬‬

‫‪26‬‬

‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫في ذاته‪ ،‬عندما كانت له قصيدة‪ ،‬يتعامل معها‬ ‫بإطالقها وثرائها‪ ،‬عندها فقط ال تجد إال‬ ‫صياغة تعبيرية واحدة‪ ،‬هي الصورة المرئية‬ ‫المحسوسة الواجب توافر معطياتها الداللية‬ ‫وفق محددات الوسيط‪ ،‬من إضــاءة وديكور‬ ‫وطبيعة ألوان وحركة كاميرا وما إلى ذلك من‬ ‫قيود‪ ..‬ومن هنا‪ ،‬تبرز بجالء صعوبة تحويل‬ ‫النص الشعري إلى سينما بوصفها مغامرة‬ ‫إبداعية معاكسة لمفهوم اإلبداع ومفارقة له‬ ‫في أصلها‪ ،‬فإذا كان اإلبداع مشروطا بالحرية‬ ‫أصالة‪ ..‬فإن تحويل الشعر إلى نص سينمائي‬ ‫يسعى عكس هــذا التيار عندما تنطلق من‬ ‫الحر المطلق المفتوح إلــى المقيد المغلق‬ ‫األســيــر داخ ــل الطبيعة التقنية لوسيطها‬ ‫التعبيري‪.‬‬ ‫ولكن على الرغم من ذاك التجاور بين‬ ‫إبــداع وآخــر على أرض المغامرة الشعرية‬ ‫لــدى شاعر‪ ،‬فــإن كل نــوع إبــداعــي هو عمل‬ ‫فريد رغم ما له من أواصر قربى سرية مع‬ ‫القصائد األخ ــرى‪ ،‬ما أن يكتشف الشاعر‬ ‫بحدسه العميق وخبرته التلقائية وذكائه الفنّي‬ ‫وصدقه الشعوري هذه األواصر‪ ،‬أو الخيوط‬ ‫السرية الرهيفة‪ ،‬حتى تنفتح له أبواب السر‬ ‫في الصنيع الشعري وفي عالقات القصائد‬ ‫ببعضها بعضاً‪ ،‬وتلك العالقة القائمة بين‬ ‫السينما والشعر‪ ،‬وأنت وحدك يا أحمد المال‬ ‫الذي تلمس طريقاً‪ ..‬وحده يعرفها إلى عالم‬ ‫شعري هو عالمه وحده‪.‬‬


‫■ زكي الصدير*‬

‫ال يقبل أحمد المال أن يعيش مع األشياء بنصف فتنتها؛ فإما أن يعلّق أجراس الحياة‬ ‫على أقاصي المدى‪ ،‬أو أن يتركها تذهب في حالها‪ ،‬غير آسف عليها‪ ،‬أو متثاقل مع ذاكرتها؛‬ ‫فاللحظة ‪-‬بالنسبة له‪ -‬موقف وجودي يفتح األفق على الكون كله‪ ،‬فإن استشعرها متماهية‬ ‫مع جنونه فهي له‪ ،‬وإال فهي لعابر سبيل غريب ثقيل يقف في الجوار‪.‬‬ ‫فــي الــيــومــيــات الــتــي نبتكر تفاصيلها‬ ‫باختيارنا‪ ،‬أو رغماً عنا‪ ،‬ال يتعدد المال؛ فال‬ ‫يمكن أن يكون شاعراً على حدة‪ ،‬وإدارياً على‬ ‫حدة‪ ،‬أو أباً وصديقا وزوجاً على حدة‪ ،‬بل هو‬ ‫جميع ذلك في اآلن نفسه‪ ،‬لكنه يغلّب الشعر‬ ‫في كل شيء‪ ،‬فهو الشاعر في إدارته وأبوته‬ ‫وصــداقــتــه وزواجـــه وحياته وعــاقــاتــه بكل‬ ‫عمقها وبساطتها‪.‬‬ ‫هذه الشاعرية ذات المزاج العالي جعلت‬ ‫منه عصياً‪ ،‬من الصعب القبض عليه‪ ،‬أو أن‬ ‫يُدار من قبل اآلخرين‪ ،‬فهو ‪ -‬وحتى لو وقع‬ ‫تحت السلطة اإلدارية ألحدهم‪ -‬سرعان ما‬ ‫مرؤوس‬ ‫ٍ‬ ‫يتحوّل رئيسُ ه ‪-‬دون أن يشعر‪ -‬إلى‬ ‫بين يديه بعد أن يتكشّ ف له أنه أصغر بكثير‬ ‫من المشروع الــذي يديره المال‪ ،‬وأن أفقه‬ ‫مهما اتّسع‪ -‬سيظل ضيقاً إزاءه‪.‬‬‫حسب علمي‪ ،‬ال يوجد سواه ‪-‬في المشهد‬ ‫الثقافي السعودي وربما العربي كله‪-‬القادر‬ ‫على أن يقيم مهرجاناً ربما تصل ميزانيته‬ ‫ألكثر من مليون ونصف المليون ريــال دون‬ ‫أن يكون في خزينة المهرجان ريــال واحد‪.‬‬ ‫لكن المال يفعل‪ ،‬يقيم االجتماعات‪ ،‬ويشكّل‬ ‫اللجان‪ ،‬ويــوزع المسؤوليات‪ ،‬ويضع الخطة‬

‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫أحمد المال‪ ..‬يرتب فتنة الحضور‪!..‬‬

‫الزمنية بصورة تفصيلية دقيقة دون أن يكون‬ ‫فــي صــنــدوق الــمــهــرجــان قــرش واحـــد‪ .‬إنه‬ ‫الشاعر واإلداري المجنون الذي ينحت من‬ ‫المستحيل اإليمان‪ ،‬ويرتّب فتنة الحضور مع‬ ‫فريقه ‪ -‬الذي يؤمن به ويؤمن بهم‪ -‬بمعزل‬ ‫عن غياب العالم وفوضاه‪.‬‬ ‫فرد في صيغة مؤسسة‪!..‬‬ ‫َمــن يعمل مع المال يــدرك أنــه يعمل مع‬ ‫فرد في صيغة مؤسسة تؤمن بالتخصصات‬ ‫وبالفرص وباإلنسان؛ لهذا‪ ،‬فقدرها أن تنجح‬ ‫حتى ولو بدا النجاح عصياً عليها‪ .‬وهذا األمر‬ ‫أدركــه جميع مسؤولي المؤسسات الثقافية‬ ‫المدعومة من قبل وزارة الثقافة‪ ،‬وكيف وضعها‬ ‫المال في مأزق غياب الرؤية والمشروع لديها‪،‬‬ ‫إذ اكتفت بمنصاتها الكالسيكية الباردة التي‬ ‫تتعامل مع الثقافة باعتباره منبراً أخالقياً‬ ‫معيارياً‪ ،‬وعليه أن يقدّم الرسائل المفهومة‬ ‫لجمهوره وفق منطق «ما يجوز وما ال يجوز»‬ ‫دون أن يكون لــإداري المبدع حضوره في‬ ‫الثورة على المفاهيم‪ ،‬وفي صناعة الحدث‪،‬‬ ‫أو تشكيل المناخ المناسب‪ ،‬الذي يقفز على‬ ‫الجدران ليعانق بتحديه الفضاء الحر‪.‬‬

‫* شاعر من السعودية‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪27‬‬


‫أحمد المال‪ ..‬حياة تجري من مصب إلى آخر‪!..‬‬ ‫■ محمد احلرز*‬

‫إزاء شخصية مثل أحمد ال يمكنك سوى أن تسمع صخب الحياة ترتج في‬ ‫قــارورة جسده‪ ،‬وكأنها تريد أن تخرج‪ ،‬تريد أن تكسر الزجاج‪ ،‬وتعيد سبكه من‬ ‫جديد‪ .‬تلك الحياة خبرتها عن قرب‪ ،‬ليس فيما يكتبه من إبداع شعري فقط‪،‬‬ ‫بل فيما يخفيه من بريق الحياة في عينيه‪ ،‬بل في نظرته الحنونة إليك كلما‬ ‫شعر بأنك قريب منه حــد االلـتـصــاق‪ ،‬بأنك ال تقول أو تفصح عــن الكلمات‬ ‫بالقدر الذي يسبقها ضحكة أو نكتة تستعيد من خاللها تفاصيل اليوم الذي‬ ‫مررت فيه‪.‬‬

‫‪28‬‬

‫بعض األحيان اليومي ال يفصح عن شخصية الذي أعرف أن ما يكتبه دائما ما يصاب بحمى‬ ‫المرء الذي تساكنه‪ ،‬تحتاج تلسكوباً حتى تتكشف الحياة‪ ،‬ونحن أصدقاؤه دائما ما نصاب بارتفاع‬ ‫مفرداتها‪ .‬بالنسبة إلى «أبــي مالك» ليس األمر درجة الحرارة كلما قرأناه‪.‬‬ ‫كذلك‪ ،‬ليس كما يظن المرء من أول وهلة‪ ،‬في‬ ‫أحيانا ال تكفي القراءة حين تريد منها قول ما‬ ‫داخله نهر من الحب والعطف والرقة‪ ،‬ال يتوقف ال تستطيع الكتابة قوله‪ ،‬ما ال تستطيع الكلمات‬ ‫عن الجريان من مصب إلى آخر‪ ،‬في داخله شجر حــرث نفسها حتى ينكسر النصل على صخرة‬ ‫يانع لم تفرغه كتبه من ثمار سالله‪ ،‬ولم تفسد كلما المعنى‪.‬‬ ‫قطفها قارئ عابر في حقول إبداعه‪.‬‬ ‫قــدر المتميزين من البشر أن يظلوا الكلمة‬ ‫في داخله أيضا حزن تــراه مختبئا في أعمق العصية على التفسير‪ ،‬التأويل الذي يتعدد معناه‬ ‫أعماق قصائده‪ ،‬يتوارى بعيدا‪ ،‬ال يمكن لمسه‪ ،‬وال ينتهي‪ ،‬الجدار الــذي يعلو كلما حاولت اللغة‬ ‫أو إضاءته بكشاف‪ ،‬هناك عليك أن تنتبه‪ ،‬إذا ما القفز فوقه‪ ،‬الغابة التي يتساكن فيها الحيوان‬ ‫مررت بإحدى قصائده‪ ،‬إلى ما تقوله كلماته‪ ،‬إلى المفترس بجانب الحمل الوديع‪.‬‬ ‫ما تفصح عن حزنها في أقصى حاالت الفرح‪.‬‬ ‫اللحظات القصوى في التميز عند هــؤالء أن‬ ‫أحمد كائن يتنفس الحياة‪ ،‬وال يراهن على شيء يكونوا قريبين من الناس وبعيدين عنهم في الوقت‬ ‫سوى ما تقوده خطاه في دروبها الوعرة‪ ،‬سوى ما نفسه‪ ،‬بين استسالم للحب وبين الخوف عليه‪،‬‬ ‫تهمس له؛ كي يكتبها كما هي‪ ،‬كما هي حين تدخل وال أظــن أحمد المال يخرج من هذين الحدين‬ ‫وتخرج خلسة من جسده‪.‬‬ ‫كما صورته كاميرا الحياة ثم وضعتها في إطار‬ ‫ال يراهن فقط‪ ،‬بل يكسر ما انحرف من جسده بارز يراه المتميزون الذين يرفعون رؤوسهم قليال‬ ‫عنها‪ ،‬ثم يرميه في الهاوية‪ .‬أحمد هو ذاك الصديق لألعلى‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫فكرة أن تكتب عن الصداقة بإطالق شيء‪،‬‬ ‫وعن صديق ال ترى آثار قدميه بــارزة على رمل‬ ‫كلماتك شيء آخر‪.‬‬ ‫ال معنى لــأولــى حين ال تــرى حــولــك سوى‬ ‫الــضــبــاب الــكــثــيــف‪ ،‬وال تلمس س ــوى األشــيــاء‬ ‫المتشابهة في الــوزن والــطــول‪ ،‬وال تقول سوى‬ ‫ما تريد اللغة أن تقوله على لسانك عن تاريخ‬ ‫الصداقة وليس الصداقة في التاريخ‪.‬‬ ‫ال معنى لها أيضا حين ال تجد نقشا واحدا‬ ‫يضيء كهف الصداقة في حياتك‪ .‬وإن وجدت‬ ‫واحـ ـدًا بالصدفة‪ ،‬فلن تجد واحـ ـدًا مــن هــؤالء‬ ‫المضيئين يترجم لك المبهم في الرسم‪ ،‬وال من‬ ‫يفصل القول في اليد التي كتبت‪ ،‬وال من يدل على‬ ‫األحاسيس التي تجمعت فوق شكله مثل الغبار‪.‬‬ ‫أنت المشاء الوحيد في الليل الطويل للصداقة‪،‬‬ ‫ولن تبصر سوى الحلكة التي تغطي حتى أرنبة‬ ‫أنفك‪ .‬لذلك ال معنى لجلب الكلمات‪ ،‬واستدعائها‬ ‫على عجل وكأن مياه الصداقة من فرط غزارتها‬ ‫قد بدأت تتدفق من شقوق الجسد‪.‬‬ ‫وكأن ما تخشاه من ماضيك يترسب في النقش‬ ‫وال تستطيع تلك المياه جرفه إلى يديك‪ .‬على‬ ‫مهلك أيها الغزير بالمعنى‪ ،‬والبعيد عن القاع‪،‬‬ ‫والخاوي من الصدى‪ ..‬ال تسرف كثيرًا باالبتعاد‬ ‫عن حافة الحياة حين تجد حافتك في اللغة‪،‬‬ ‫فاألمر ال يتطلب سوى الرجوع أكثر من خطوتين‬ ‫كي يصطدم رأسك بالباب الكبير‪ ،‬باب العائلة‪،‬‬ ‫فتعرف حينها أنك وصلت‪ .‬لكن دون نقش ودون‬ ‫مياه وبالتالي دون صداقة‪.‬‬

‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫المشاء في الليل الطويل للصداقة‬

‫بينما كل المعنى تجده في الصديق المسرود في‬ ‫حكاياتك اليومية‪ ،‬ليس الظاهر منه‪ ،‬المبذول للناس‬ ‫جميعا‪ ،‬الذين يؤولونه على أنه السلم الذي يأخذهم‬ ‫إلى األعلى‪ ..‬بل هو الباطن الذي يحول ترابك إلى‬ ‫ذهب‪ ،‬هو العالمة المسبوقة بصرخة ال أحد يسمعها‬ ‫سواك‪ ،‬هو الواقف خلفك بمسافات ضوئية‪ .‬لكنه‬ ‫أيضا الواقف أمامك مثل شجرة تمشي بجذورها‬ ‫وأغصانها وال تحدث جلبة في مشيتها‪.‬‬ ‫هنا‪ ،‬تكمن صعوبة الفصل بين الظاهر والباطن‪،‬‬ ‫بين ما ينفتح حتى تراه المعا في يديك مثلما هو‬ ‫المــع فــي مخيلتك‪ ،‬وبــيــن مــا ينغلق على سرك‬ ‫وأفــكــارك حتى ال يكاد يشي بنسمة هــواء‪ ،‬تنبه‬ ‫الشارد على أن هناك عودة مشروطة باألحداث‬ ‫التي تؤسسها صداقتك في أكثر من اتجاه‪ :‬األول‬ ‫منها تأويل الصديق وإعطاء رمزية لهذا التأويل؛‬ ‫أي تركيب الصور والجمل والمواقف وردود األفعال‬ ‫في شريط سردي ال ينفك يتجدد في رأسك كلما‬ ‫اكتشفت الطريق إلى الجزيرة المفقودة في عالم‬ ‫مــا تسميه األصــدقــاء‪ .‬بينما اآلخ ــر منها يأتي‬ ‫على شكل تفاسير متروكة على رفوف المكتبات‪،‬‬ ‫واضحة للعيان‪ ،‬ومن دون جهد وال عناء يمكنك‬ ‫أن تجد ضالتك في صديق يلبي المعنى الكامل‬ ‫للصداقة حسب ما تمليه تلك التفاسير‪.‬‬ ‫سوف تجد نفسك أمام الصديق الذي تفسره‬ ‫الناس لك‪ ،‬وتعطيك صورته بما يتوافق ورغبتها‬ ‫ومصالحها‪ ،‬بينما أنت تمض متواطناً ومقتنعا‬ ‫بما يقولونه عن تلك الصورة‪ .‬لكن ما ال يمكن أن‬ ‫تكتشفه في مثل هذه الصورة هو ما يقبع خلفها‬ ‫من رأي يقول‪ :‬ال تمض بعيدًا عن ذاتك؛ ألن ما‬ ‫يظهر هو رأس الجبل فقط‪.‬‬

‫* ناقد وشاعر سعودي‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪29‬‬


‫أحمد المال‪ ..‬الصديق في الليالي المعاسير‬ ‫■ إبراهيم احلساوي*‬

‫كيف تختصر «أحمد المال» في سطور‪ ..‬مهما طالت‪ ،‬وهو الشاعر والسينمائي‬ ‫والفنان والمدير والمستشار الثقافي والمُ لهِ م؟‬ ‫ينبغي عليَّ أن أعترف بأن كتابتي أو شهادتي عن «أحمد المال « متعثرة ومتأثرة‬ ‫بشخصيته بعض الشيء‪ ،‬وفيها من المديح الذي ال يحبه وال يرغبه‪ .‬أقول هذا‬ ‫لمعرفتي أن «أحمد المال» وبرغم سيرته الحافلة باإلنجاز فإنه يتجنب المديح‬ ‫واأللقاب‪ « .‬المدح الزايد يضر « من مقوالت «أحمد المال «‪.‬‬ ‫ال أدري لــمــاذا تحضرني ذكــريــات بعض‬ ‫الــحــوادث التي كــان «أحمد المال» حاضرا‬ ‫فيها وشاهدا عليها‪ .‬ربما ألن بيتاً من الشعر‬ ‫النبطي للشاعر «شالح بن هــدالن» ما يزال‬ ‫عالقا في الذاكرة من سنوات‪ ،‬قبل معرفتي‬ ‫بأحمد المال وحتى كتابة هذه السطور‪:‬‬

‫الحادث عن طريق ولدي «محمد»‪ ،‬وما كان‬ ‫من «أحمد المال» إال أن غ ّي َر مسار رحلته مع‬ ‫األصدقاء‪ ..‬فكان أوّل الحاضرين والقريبين‬ ‫معي وإلى جانبي في غرفة العناية المركزة‬ ‫بمستشفى الدمام المركزي‪.‬‬

‫بقي معي إلى أن اطمأ ّن على حالتي وعلى‬ ‫أنا خويّك في الليالي المعاسير‪..‬‬ ‫استقرارها‪ .‬ظلَّ أحمد المال متواصال معي‬ ‫ّ‬ ‫وال ال ـ ـرَخَ ـ ــا كِ ـ ـ ِّل ــنْ ي ـس ــدّ بـمـكــانــي عبر الهاتف ومن خالل الزيارات الشخصية‬ ‫‪ ..‬أم هو األثر الذي تركه الشاعر «أحمد مع األصدقاء للمستشفى حتى بعد خروجي‪.‬‬ ‫المال» في مجموعته الشعرية الرائعة «إيّاك‬ ‫في (‪2018‬م) في لوس أنجلوس بأمريكا‪،‬‬ ‫أن يموت قبلك»؟‬ ‫وخالل فعالية أيام الفيلم السعودي هناك‪،‬‬ ‫المال‪ ..‬اإلنسان والصديق‪!..‬‬

‫‪30‬‬

‫في ‪2015‬م‪ ..‬تعرضت لحادث سير عندما‬ ‫كنت فــي طريقي مــن األحــســاء إلــى مطار‬ ‫الملك فهد بــالــدمــام‪ ،‬مسافرًا إلــى بيروت‬ ‫لتصوير بعض األعمال الفنية‪ .‬في اليوم نفسه‬ ‫والتوقيت ذاته‪ ،‬كان أحمد المال متوجها إلى‬ ‫البحرين برفقة بعض األصدقاء‪ .‬وصله خبر‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫أ ُصبتُ بتعب وإرهــاق‪ ،‬فقدتُ معه الوعي‪..‬‬ ‫كنت وقتها أتعالج من آالم في فقرات الرقبة‪،‬‬ ‫ومع تغيّر الجو أصبت بتلك الدوخة‪ ،‬ما شعرت‬ ‫بعدها إال بأول الموجودين معي‪ :‬أحمد المال‪،‬‬ ‫ومعه بعض األصدقاء «محمد الفرج‪ ،‬شهد‬ ‫أمين‪ ،‬محمد السلمان‪ ،‬مجتبى سعيد»‪.‬‬ ‫«إن قدماً ال تنتقي خطوها‪ ،‬ال يحق لها أن‬


‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫أحمد المال في المهرجان السينمائي‬

‫تفاخر بالطريق «أحمد المال»‪.‬‬

‫أو فني مشترك إال وكان أحمد المال سببه‪.‬‬

‫في أهـ ّم المواقف‪ ،‬في أجمل الرحالت‪ ،‬يشعلنا جميعا؛ كلما فترت لدينا الحماسة‬ ‫في أحسن الحاالت‪ ،‬في أمتع أيام العمل‪ ،‬في وخبَتْ جذوتها‪.‬‬

‫أحسن سنين العمر لـ «أحمد المال» حضوره‬ ‫المش ّع والحميم‪.‬‬

‫أناقة التعامل‪!..‬‬ ‫مــا مــن م ــرة كــنــت فــيــهــا فــي بــيــت أخــي‬

‫وصديقي «أحمد المال» إال وخرجتُ متجددا‬

‫فــي اإلدارة‪ :‬مــا مــن إدارة م ـ ـرّت عليّ‬ ‫في العمل المشترك إال وكــان أحمد المال‬ ‫مهندسها وفنانها وملهمها‪ .‬وهو المدير الذي‬ ‫ال تراه جالسا على كرسي في أول الصفوف‪.‬‬ ‫مــن حــســن حــظــي أن تــعـ ّمــقــت معرفتي‬

‫بالحياة‪ ،‬ال توجد أبواب مغلقة باألقفال في بأحمد المال في مهرجانات نوعية كان هو‬ ‫المكان الذي يسكنه أحمد المال‪ .‬حتى في مؤسسها‪ ،‬شــاهــدت فيها حــرصــه وإرادتـــه‬ ‫مكتبه اإلداري عندما كــان مــديـرًا لجمعية ووعيه وحبه للفريق الــذي يعمل معه‪ .‬يوزع‬ ‫الثقافة والفنون بالدمام‪ ..‬عادة ما يكون باب علينا االبتسامات ويعيد ابتكار الحياة‪.‬‬ ‫اإلدارة مفتوحا حتى وإن كنّا في اجتماع‪.‬‬

‫فــي االســتــشــارة‪ :‬مــا خ ــاب مــن استشار‬

‫في العمل‪ :‬ما من نجاح في عمل ثقافي «أحمد المال»‪.‬‬ ‫* فنان سعودي‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪31‬‬


‫شطحة مع «إياك أن يموت قبلك»‬ ‫■ راشد عيسى*‬

‫تعرفت إلى شعر أحمد المال في أواسط الثمانينيات‪ ،‬وكنت آنذاك محررًا في‬ ‫القسم الثقافي في جريدة الجزيرة في الرياض‪ .‬كانت نصوصه مختلفة‪ ،‬تثير‬ ‫نقاشا بين الزمالء حول نسبة تلك النصوص إلى الشعر‪ .‬فهي تخلو من موسيقى‬ ‫ً‬ ‫التفعيلة‪ ،‬وكانت قصيدة النثر ما تزال مرهوبة وغير سائدة في الذائقة المحلية‬ ‫فــي المملكة العربية السعودية بــالـصــورة الـمــرجـوّة‪ .‬كــان النقاش ينتهي غالبًا‬ ‫بالموافقة على نشرها‪ ،‬ألنها تحمل صورًا شعرية جديدة‪ ،‬والتماعات لغوية فائقة‪،‬‬ ‫وتستند إلى رؤى تأملية‪ ،‬يزاد على ذلك أن المال شاعر شاب تبشر موهبته بنبات‬ ‫شعري سيكون له شأن مستقبلي مجيد‪.‬‬

‫‪32‬‬

‫وقــد شــهــدت حقبة الثمانينيات أعظم غير الصحيحة‪.‬‬ ‫انفتاح أدبي يواكب تحوالت الحداثة الشعرية‬ ‫ومع كل ذلك‪ ،‬بقي نهر الشعر جاريًا بحذر‬ ‫العربية والعالمية‪ ،‬وكانت أسماء شعرية من‬ ‫وسرانية وصمت وألم ومثابرة على االنتصار‪.‬‬ ‫مثل‪ :‬محمد العلي وأحمد الصالح واألخوين‬ ‫فالتمعت أسماء من مثل‪ :‬أحمد المال وأشجان‬ ‫علي الدميني ومحمد الــدمــيــنــي‪ ،‬ومحمد‬ ‫هــنــدي‪ ،‬ولطيفة ق ــاري‪ ،‬وجــاســم الصحيح‪،‬‬ ‫عبيد الحربي‪ ،‬وعبداهلل الصيخان‪ ،‬ومحمد‬ ‫ومحمد يعقوب‪ ،‬وعبداللطيف يوسف‪ ،‬وأحمد‬ ‫جبر الحربي‪ ،‬وخديجة العمري‪ ،‬وعبداهلل‬ ‫قــران الــزهــرانــي‪ ،‬وزي ــاد السالم‪ ،‬وعبداهلل‬ ‫الزيد‪ ،‬وجار اهلل الحميد وسعد الحميدين‪،‬‬ ‫السفر‪ ،‬وكوكبة أخــرى مــا تــزال نشطة في‬ ‫وعبدالكريم العودة‪ ،‬ومحمد الثبيتي وغيداء‬ ‫اتجاهات أنهارها المتحمسة‪ .‬بين يدي إحدى‬ ‫المنفى‪ ،‬وفوزية أبو خالد وغيرهم وغيرهن‪...‬‬ ‫ا الــذي‬ ‫المجموعات الشعرية ألحمد الــمـ ّ‬ ‫كانت تلك األســمــاء تحمل عــبء المغامرة‬ ‫أظهر مواظبة استثنائية على كتابة النص‬ ‫والتخطي والتجريب‪ ،‬واستطاعت في وقت‬ ‫الشعري الجديد «قصيدة النثر» بإخالص‬ ‫وجيز تسجيل إضافة نوعية للمشهد الثقافي‬ ‫فني وموهبة باسلة‪.‬‬ ‫فــي المملكة‪ .‬غير أن مــوجــة كارثية حلّت‬ ‫في هــذه المجموعة الموسومة بـ «إيــاكَ‬ ‫بالمشهد الناهض حين تدخل الفكر التقليدي‬ ‫اليابس في إعاقة التنوير األدبــي الجديد‪ ،‬أن يموتَ قبلك» تشتبك ذات الشاعر بأسئلة‬ ‫وإلحاق األذى بالصيرورة الحداثية وإقصائها الوجود‪ ،‬وتصبح محورًا رئيسً ا لمعنى الحياة‪،‬‬ ‫بأساليب مؤسفة من المصادرات واالتهامات فكل قصيدة هنا هي موقف الشاعر نفسه‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫تمتاز المجموعة بشعرية المجاز العالي‬ ‫الـ ــذي يــهــنــدس الــمــفــردات بــعــفــويــة لــذيــذة‬ ‫وروحانية صافية ال أثر فيها للتعقيد الرمزي‬ ‫والمكائد المغلقة‪ ،‬لذلك تتجه معظم رؤى‬ ‫القصائد إلى اليومي ومسمياته وإلى أنسنة‬ ‫الــجــمــادات والتعامل مــع كــائــنــات الطبيعة‬ ‫بصفتها شريكًا رئيسً ا في مشهد الحياة‪:‬‬

‫«الكرسي يتمطى في ساحة مخيم مهجور‬ ‫يقف ويشير لي بنهم في كل طريق‬ ‫مهم ًال وشاغرً ا‬ ‫ظننته صدفة أوّل الطريق»‬ ‫ثمة شفافية جارحة في منادمة األشياء‪،‬‬ ‫وفي خيوط التعالق مع األصدقاء الحميمين‪،‬‬ ‫إذ ضمت المجموعة قصائد عديدة مهداة إلى‬ ‫أصدقاء الشاعر وهم في غالبيتهم شعراء أو‬ ‫أصــدقــاء المعنى والحلم‪ ..‬أسماء معروفة‬ ‫لها حضورها الجميل في المشهد الثقافي‪.‬‬ ‫وأحسب هذه اإلهداءات نوعً ا من المشاركة‬ ‫الوجدانية الخفية في البوح الالمرئي‪ .‬وذلك‬ ‫ال حين يكتب القصيدة‬ ‫أيضا على أن الم ّ‬ ‫دليل ً‬ ‫إنما يضع العالم أمامه كوليمة شهية ولكنة ال‬

‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫من تفاصيل المشاهد اليومية‪ ،‬ومن تحركات يأكل‪ ..‬بل يشفق على مكوّنات الوليمة ويتلذذ‬ ‫الحلم الخاص في فضاء الوجدان الحياتي بجوعه‪.‬‬ ‫الــعــام‪ .‬القصيدة هنا نفثة شاهقة اإليــام‬ ‫ا تخصيبه‬ ‫راق لــي فــي عموم شعر الــمـ ّ‬ ‫تضيء موقف الشاعر من الخسارات ومن‬ ‫الــنــص بــإحــاالت تاريخية خــالــدة فــي نبض‬ ‫حمولة اإلرث الجارح الــذي رمز إليه المال‬ ‫الوجدان اإلنساني‪ ،‬ألن قصيدته شاهد حيّ‬ ‫بالليل والتراث في قصيدته «طريقة ليست‬ ‫على مسيرة األلم الحياتي منذ جلجامش في‬ ‫مبتكرة» ليختمها بقوله‪« :‬ما الذي آمنّا به دون‬ ‫تعبيره عن تراجيديا األحالم الخائبة‪ ،‬يقول‪:‬‬ ‫أن نراه غير الموت»‪.‬‬

‫«هل نحن حقيقيون يا أبي‬ ‫كي نطير مثل ‪Buzz‬‬ ‫إلى الالنهائية وما بعدها‬ ‫ونقاتل األشرار؟‬ ‫لماذا يموت اإلنسان وال يعود إذن؟‬ ‫أبي‬ ‫عندما تكون نجمة في السماء‬ ‫لمن تحكي قصة جلجامش؟‬ ‫نعم سأسمعك في الليل وأنام‬ ‫فأنا أنكيدو‬ ‫وحـيــن أخ ــاف ســأذهــب إل ــى ســريــر عشتار‬ ‫حتى‬ ‫يأتي الصباح»‪.‬‬ ‫ال مــرآة ذكية تتالمح فيها‬ ‫فقصيدة الم ّ‬

‫مــأســاة اإلنــســان وغربته عبر كــل األزمــنــة‪.‬‬

‫وتتالفى فيها أنهار الحكمة وطيور الضالل‬ ‫المعرفي وصــراخــات الــبــذور المكتومة في‬

‫أرض المعنى منذ شهقة الكون األولى‪.‬‬

‫في الديوان حداثة رؤيــا وحداثة تشكيل‬

‫بنائي متدفق كما السهو المقصود‪.‬‬

‫وكما المكر البريء‪ .‬نصوص سهلة الهضم‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪33‬‬


‫لذيذة المذاق‪ ،‬كل نص يبدو مثل قطعة جاتو‬ ‫فــاخــرة يقضمها ح ــادي اإلب ــل فــي صحراء‬ ‫الدهناء وهــو يحسب أنها نجمة مطبوخة‬ ‫بالسكر والزنجبيل‪.‬‬ ‫ال مع الكلمات على أنها كائنات‬ ‫يتعامل الم ّ‬ ‫حية أو فواكه أو طيور تتشارك في مهرجان‬ ‫الــذهــول وفــي احتفالية اللوعة التي تعلنها‬ ‫القصيدة‪:‬‬

‫«انتفخت كلماتي‬ ‫أزعجت رائحتها الجيران‬ ‫والمارّة رجموا بابي بحجر الشؤم»‪.‬‬ ‫ومن الملحوظ جدًا أن الشاعر يتدفق برؤاه‬ ‫من مخزون ثقافي كبير واطالع رحيب على‬ ‫منمنمات الحضارة‪ ،‬وعلى مكامن المعرفة‬ ‫وأماكنها وتوجهاتها‪.‬‬ ‫قصائد ناعمة المغزى‪ ،‬رشيقة البناء‪،‬‬ ‫متسامية إلى الجمال المطلق وإلى مشارف‬ ‫الــحــريــة بــكــل فــضــاءاتــهــا‪ .‬ال أث ــر للصراخ‬ ‫اإليقاعي أو التراكيب الجافة‪ ،‬لكأنَّ الشاعر‬ ‫طفل يركب دراجة ويدور بين الغيوم‪ ،‬ثم يعود‬ ‫يحكي ألمه ومكتبته وقطته ما رآه على األرض‬ ‫من مشاهد تفضح لغز الحياة وتعرَّي نوايا‬ ‫الموت‪ ،‬يقول‪:‬‬

‫«مررت اليوم في مزاج ضيق‬ ‫ِسكة مسدودة‬ ‫وشرقت بالهواء‬ ‫ولم تناولني يد مفتاح الحياة»‪.‬‬ ‫ * كاتب من األردن‪.‬‬

‫‪34‬‬

‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫وأخيرًا‪ ،‬أرى أن هذا الديوان أنموذج رفيع‬

‫للشعرية المعاصرة في شفافيتها النابضة‬ ‫بأحوال األلــم اإلنساني‪ ،‬وتفاصيل الصعود‬ ‫على سُ ـلّــم الــقــصــيــدة‪ ،‬لبلوغ ســمــاء تاسعة‬ ‫مقترحة‪.‬‬

‫ال بعيد عن الضجيج اإلعــامــي‪ ،‬وال‬ ‫الم ّ‬

‫يركض خلف الكاميرات‪ ..‬لكأنه ناسك جاهليّ‬

‫عــاد للت ّو مــن دارة جلجل إلــى مقهى على‬ ‫شاطئ في الخليج العربي‪ ،‬ثم صار يصطاد‬

‫السمك ال ليأكله بل ليعلمه التكلم والحوار!‬

‫أو هو عازف قيثار حزين يعزف السعادة بين‬ ‫بيوت الشعر المتبقية في الصحراء العربية‬ ‫التي اعتادت الحزن حتى ظنته سعادة!‬


‫للشاعر السعودي أحمد المال‬ ‫■ أ‪ .‬د‪ .‬عماد عبدالوهاب الضمور*‬

‫يمتاز األدب الـسـعــودي بالغنى‪ ،‬وال ـثــراء‪ ،‬والـتـنـوّع؛ فهناك كتّاب‬ ‫كبار في الــروايــة والشعر والمسرح والقصة‪ ،‬مّ ــا يضع المتلقي أمام‬ ‫ظواهر إبداعية تستحق الدراسة‪ ،‬واستخالص كيفية تشكّ ل الحالة‬ ‫اإلبداعية‪ ،‬وتشظياتها الفنية رغم قلة الدراسات النقديّة التي تواكب‬ ‫هذا الكم الهائل من اإلنتاج اإلبداعي‪.‬‬

‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫شعريّة التفاصيل في ديوان “تمارين الوحش”‬

‫يعكس دي ــوان (تـمــاريــن الــوحــش) للشاعر الـسـعــودي أحمد الم ّال‬ ‫استمرار ًا للنهج الحداثي الذي غزا الحركة الشعريّة السعوديّة منذ‬ ‫أواخر التسعينيات من القرن الماضي‪ .‬حيث التحرر من قيود القافية‪،‬‬ ‫والوزن أحياناً؛ للتعبير عن قضايا جديدة تالمس الحياة اليومية بكلّ‬ ‫جــراءة‪ ،‬فض ًال عن النزوع إلى السرد المؤطر لتجارب ذاتية ببنى جمالية تستثمر إمكانات اللغة‪،‬‬ ‫وقدرتها على صياغة التجربة اإلنسانية في قالب معاصر‪.‬‬ ‫فأيّ تمارين تلك التي أرادهــا الشاعر‪ ،‬وأيّ‬ ‫وضعنا الشاعر من خالل‬ ‫وحــش يقوم بها؟ إذ َ‬ ‫عنوان ديوانه أمــام حالة ذهنيّة عميقة‪ ،‬تحاول‬ ‫إيجاد تأويل منطقي لتمارين الوحش‪ ،‬أو ما يبرر‬ ‫قيام الوحش بتمارينه‪ ،‬وما حقيقة داللة الوحش‬ ‫ينتظم قصائد الشاعر خيط نفسي دقيق‬ ‫المجازية؟‬ ‫يوحّ د البنى السرديّة في تصوير مشهدي مكثف‬ ‫إ ّن البحث فــي عنونة النص يتجاوز فضاء يتجه نحو الغياب‪ ،‬ويوسّ ع من إيحائية المعنى‪،‬‬ ‫النص الشعري إلى البحث في الطبيعة الشعوريّة وقدرته على االنتشار بعيداً عن قيود الواقع‪،‬‬ ‫الحسيّة إلدراك المعطى البصري‪ ،‬والوظائف وانكساراته‪ .‬كما في قصائد‪ :‬مزاج للتخريب‪ ،‬بدل‬ ‫التي يؤديها العنوان في بنية النص‪ ،‬لما يمتلكه االكتئاب‪ ،‬مُهجة‪ ،‬المنزل‪.‬‬ ‫العنوان من قــدرة إيحائية‪ ،‬وتأثير بصري في‬ ‫لــقــد دفــعــت مــجــازيــة الــعــنــوان الــشــاعــر إلــى‬ ‫المتلقي‪ ،‬يوجّ ه فعل القراءة بوصفه داالً بصر ّياً‪ ،‬مضاعفة مراوغته الداللية لعنوانات قصائده؛‬ ‫يُقلّص مساحة البياض فوق النص‪.‬‬ ‫لتكشف النصوص الشعريّة عن تفاصيل حياته‪،‬‬ ‫خلف هذه التمارين التي يقوم بها الوحش‪ ،‬وكأننا‬ ‫أمــام مشهد حكائي يشتمل الشخوص والزمان‬ ‫ال عن دالالت األثر الحركيّ الذي‬ ‫والمكان‪ ،‬فض ً‬ ‫تعكسه التمارين‪.‬‬

‫إذ يكشف عنوان الديوان عن مشهديّة بصريّة كما في قصيدته «فيلم بطيءٌ لحياة مستعملة»‬ ‫تكشف عن استتار كثير من األحداث والتفاصيل التي يفك فيها العنوان جزءاً من حصار المعنى‪،‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪35‬‬


‫ويجعله أكثر تكثيفاً وإيحا ًء(‪:)1‬‬ ‫الـ ــذات مــن خــالــهــا الــعــبــور إل ــى عــالــم أرح ــب‪،‬‬ ‫يحطني على بحركة أقل وفاعلية أكثر للذات في مغامراتها‪،‬‬ ‫الخشنُ ‪ ،‬ال الشيب ما ّ‬ ‫ِ‬ ‫التنفس‬ ‫ُ‬ ‫ونزوعها نحو الحرية‪ ،‬أسهمت في عصرنة اللغة‪،‬‬ ‫أقرب خشبةٍ قديمةِ العهدِ ‪،‬‬ ‫أقضمُ الخبزَ‪ ،‬بعدَّ ةٍ باليةٍ ‪ ،‬بنظرةٍ تسيلُ على وأنسنة األشياء لتصبح جزءاً من تفصيالت حياته‬ ‫المدهشة‪ ،‬حيث يقول(‪:)3‬‬ ‫َمه ٍَل‪.‬‬

‫ال مرآ َة لي‪ ،‬وال مارّة‪،‬‬ ‫خياالتُ برّيةٌ وفاجرةٌ‪،‬‬ ‫بُدالء كثيرون‬ ‫خياالت حلَّقت‪،‬‬ ‫يُرخون صواطيِ رَهم‪،‬‬ ‫وبوحشيّة طوَّقت كرسيّها‪،‬‬ ‫يسيحُ المكياج على سواعد تغفو‪.‬‬ ‫هالةٌ شرسةٌ ‪،‬‬ ‫إذ يبرز استثمار الشاعر لحيوية اللغة اليومية حَ بَست أقدا َم الطاوالت ِالمتربِّصةِ ‪،‬‬

‫والمألوفة؛ لتصبح جــزءاً من النسيج الشعري‪،‬‬ ‫بعدما خرج بها من سطوة االستخدام المألوف‬ ‫إلى منحى تعبيري‪ ،‬يصهر الواقع بمعاناة الذات‬ ‫ورغبتها في االنعتاق‪.‬‬ ‫ومثل هذا التمظهر الواضح لفن السينما في‬ ‫العنوان‪ ،‬نجده ينعكس على بنية النص الشعري‬ ‫ال من السرد الذي يمعن في كشف‬ ‫منتجاً ك ّمًا هائ ً‬ ‫تفصيالت المشهد وإضاءة جوانبه المختلفة‪ ،‬مّا‬ ‫جعل العنوان حاضراً بوصفه نصاً مستقالً‪ ،‬ينفتح‬ ‫على المشهد الشعري‪ ،‬يستدعي تنشيط فاعلية‬ ‫التلقي لتأويل ما لجأ إليه الشاعر من تكثيف‬ ‫للمشهد الشعري‪ ،‬كما في قصيدة «حُ لم طوي ٌل من‬ ‫لقطةٍ واحدةٍ » حيث يقول(‪:)2‬‬

‫أدخلُ النومَ‪،‬‬ ‫الصالةُ مظلمةٌ‬ ‫وممتلئةٌ عن آخرِ كرسيّ ‪،‬‬ ‫أجلس في شرفةٍ مخصصةً‬ ‫ُ‬ ‫للممثّلين‪،‬‬ ‫في عرض االفتتاح‪،‬‬ ‫تأخرِ البطلة‪.‬‬ ‫مُ تذمِّ ر ًا من ُّ‬

‫‪36‬‬

‫لع ّل ما يدعم قوة اإليحاء في رسم الشاعر‬ ‫لتفصيالت حياته هو نزوعها السردي‪ ،‬وتكثيف‬ ‫عناصر الطبيعة‪ ،‬وتبادل الحواس‪ ،‬لتعلن القصيدة‬ ‫عن والدتها‪ ،‬كما في قصيدة (مراوغة الموت)‬ ‫التي يقف فيها الشاعر عاجزاً أمام قوة الموت(‪:)4‬‬

‫أنتفض مذعور ًا‬ ‫ُ‬ ‫حين أسمعُ نداءَه الخافت‪،‬‬ ‫ودائم ًا‬ ‫أتحسّ س رقبتي‬ ‫أُفت ُِّش عن لدغةٍ‬ ‫أو نقطةِ دمٍ حمراء‪.‬‬ ‫لــذلــك فــإن الــجــانــب الــدرامــي أصــبــح جــزءاً‬ ‫واضــح ـاً مــن جمالية المشهد الــبــصــري الــذي‬ ‫يعكسه عــنــوان الــقــصــيــدة‪ ،‬وتــفــســره المشاهد‬ ‫البصريّة فيها‪ ،‬حيث تتشكّل القصيدة من عناصر‬ ‫الطبيعة والمكان‪ ،‬واألفعال ذات الداللة الحركيّة‬ ‫التي تقاوم فعل الزمن القاسي‪ ،‬كما في قصيدة‬ ‫ٍ‬ ‫(سبع‬ ‫حركات إحداهنّ مُرتَجلة)(‪:)5‬‬

‫رَمى الجميل َة في الماءِ‬ ‫قالت له‪ :‬أكرهُ َك‪،‬‬ ‫وما تلبث إيحائية العنوان(تمارين الوحش) أن فانهالَ نهرٌ ‪،‬‬ ‫تتكشف في قصيدة (وحــش البار) التي تحاول أسماكُ هُ تتقافزُ ‪،‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫وتكتنز نصوص الشاعر بعالقة حميمة بالمرأة‬ ‫ال من تفاصيله المدهشة‬ ‫التي تبدو جــزءاً جمي ً‬ ‫والمختلفة عن المجموع‪ ،‬فهي ليست امرأة عابر‪،‬‬ ‫أو طارئة عليه‪ ،‬إنما شكّلت حالة وجد اشعلت‬ ‫كيانه‪ ،‬وأمدته بروح جامحة تسمو بفعل الحياة‪،‬‬ ‫كما في قوله في القصيدة ذاتها(‪:)6‬‬

‫أحب التفاصيل‬ ‫كم ّ‬ ‫وأشمّ ها‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫أتحسّ س بحنان الوالهِ ‪،‬‬ ‫لن َي َدع َِك ت َُحطينَ قطعةً‬ ‫لط ٍف‬ ‫قبل أن يمسحَ مكانَها بِ مُ ِّ‬ ‫ينزلقُ‬ ‫وال يجرح جسد َِك‪.‬‬

‫إ ّن نزوع الشاعر السردي في قصائد الديوان‬ ‫قاده إلى االرتباط الحميم بالواقع والحياة اليومية‬ ‫التي تتسع إلى ذكر كثير من التفاصيل التي شكّلها‬ ‫برؤى حداثيّة ذات ارتباط وثيق بالقلب‪ ،‬وتعالق‬ ‫بالعقل الــذي أمعن في رصد انتقائي لتفاصيل‬ ‫مدهشة مشحونة باإليحاء وفضاء الكلمة الحالم‪.‬‬ ‫كما في قصيدته (أكــتــبُ حكايتي)‪ ،‬التي يقول‬ ‫فيها(‪:)8‬‬

‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫نحو النبعِ ‪.‬‬ ‫تخفقُ أجنحتُها ثابتةً أو بطيئةً‬ ‫الوقت‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫كي ال يعب َر‬

‫نَهِ مةٌ ُخطاي‬ ‫وطريقي ضيّق وقصير‪.‬‬

‫حطب‬ ‫ٌ‬ ‫تَتفتَّقُّ أسرار ٌه‬ ‫وتطيش‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫شراراتُه تُفرقعُ ‪،‬‬ ‫وتغيب في بئرٍ مقلوبة‪.‬‬ ‫الدخانُ‬ ‫لع ّل ممّا يُعزز من شعريّة التفاصيل في ديوان‬ ‫حبالُ ساحرٍ ينفخُ في قصبةٍ‬ ‫الشاعر هو غزارة الصور الجزئية وتتاليها بشكل‬ ‫بأصابع تُغلق ثقوبَ السماء‪.‬‬

‫يبعث على الــلــذة الفنية‪ ،‬الــتــي تنقل المشهد‬ ‫ال موهبة وتوهجاً‬ ‫لقد امتلك الشاعر أحمد الم ّ‬ ‫الشعري إلــى حالة ذهنية ذات معنى‪ ،‬كما في‬ ‫قصيدته (أقـ ّل ممّا ينبغي أو أكثر ممّا يُحتمل) وجدانياً وفــضــا ًء حالماً ورصــيــداً من تفاصيل‬ ‫حيث يقول(‪:)7‬‬ ‫حالمة ومغامرة معاً تشتبك مع عالم الشاعر‬ ‫الواقعي‪ ،‬أبرز توظيفاً واضحاً للفن السينمائي‬ ‫ال يَسَ عُ النو ُم‬ ‫بلقطاته التصويرية‪ ،‬وفضاءاته البصريّة؛ مّا‬ ‫أحالمي‪.‬‬ ‫كشف عن دفق عاطفي غزير منح قصائده اتساقاً‬ ‫أسبقُ الفجرَ‪،‬‬ ‫واختزاالً للمعنى‪ ،‬موظفاً البُعد اللغوي للمفردة‬ ‫وأُلحُّ على الندى‬ ‫بوصفها بــؤرة إيحائية‪ ،‬ومرتكزاً عالياً ألفكاره‬ ‫الشفيف‬ ‫ِ‬ ‫بالشغف‬ ‫الجامحة‪.‬‬ ‫أن يصبح مطراً‪.‬‬ ‫ * ناقد من األردن‬ ‫(‪ )١‬أحمد المالّ‪ :‬تمارين الوحش‪ ،‬منشورات الغاوون‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪2010 ،1‬م‪ ،‬ص‪.19‬‬ ‫(‪ )٣‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.56‬‬ ‫(‪ )٢‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪ .52‬‬ ‫(‪ )٥‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.85‬‬ ‫(‪ )٤‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪ .73‬‬ ‫(‪ )٧‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.108‬‬ ‫(‪ )٦‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ص ‪ 90‬ـ‪ .91‬‬ ‫(‪ )٨‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.144‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪37‬‬


‫فن الديجيتال في التجربة الفنية السعودية‬ ‫من خالل نموذج هناء راشد الشبلي‬ ‫■ إبراهيم احلجري*‬

‫‪ .1‬نظرة حول مفهوم الفن الرقمي (‪)Digital of Art‬‬

‫يعدُّ الفن الرقمي أحــدث الفنون البصرية التي ازده ــرت مــع هيمنة الشبكة‬ ‫العنكبوتية‪ ،‬وسمي هــذا الفن رقميا العتماده لغة الحاسوب العشرية الرقمية‬ ‫مرجعا‪ ،‬إذ نهل منها العديد مــن األشـكــال واالتـجــاهــات‪ ،‬ابـتــداء مــن التوقيعات‬ ‫المصغرة والمعارض؛ وانتهاء بالقرى العالمية‪ ،‬بالرغم من المضايقات الشديدة‬ ‫التي يلقاها مــن طــرف الـتـيــارات المناهضة لــه‪ ،‬فقد أصبح الفن الرقمي أحد‬ ‫االتجاهات الحديثة المتقدمة في طرح أعمال الفن‪ ،‬ويطلق على الحركة الفنية‬ ‫التشكيلية التي تستخدم تقنية الكمبيوتر والمؤثرات المتطورة لبرنامج آدوبي‬ ‫فوتوشوب ‪ Adobe Photoshop‬اإللكتروني أو غيره من برامج التصميم‪ ...‬إذ يتم‬ ‫االجتهاد على مستوى آلية التفاعل بين رؤيا الفنان الذهنية و»الرؤية» الرقمية‬ ‫على شاشة الكمبيوتر في محاولة إليجاد بُعد رابع للصورة يمكن أن يطلق عليه‬ ‫«البعد الرقمي» ‪.1»Digital Dimension‬‬ ‫وبالرغم مما حققه هذا الفن المثير‬ ‫للجدل من ميزات بشكل سريع ومطرد؛‬ ‫إال أن أولــئــك المتعصبين لألصالة‬ ‫الفنية وتقليدية األدوات‪ ،‬الــذيــن ال‬ ‫يعيرون اهتماما لهذا االتجاه‪ ،‬يمتنعون‬ ‫عن تصنيفه ضمن «الفنون اإلنسانية‬ ‫الراقية» ‪ Fine Art‬معتبرين إياه مجرد‬

‫‪38‬‬

‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫إنــتــاج آلــي ال يسهم فيه اإلنــســان إال‬ ‫بجانب يسير‪ ،‬حيث يتم تهميش الموهبة‬ ‫واألحاسيس والمهارات الحسية على‬ ‫حسب اعتقادهم‪ .‬غير أن السؤال الذي‬ ‫يقدم نفسه بإلحاح في هــذا الصدد‪،‬‬ ‫هو‪ :‬لماذا تقوم كبرى المتاحف العالمية‬ ‫باالحتفاء بهذا الفن‪ ،‬وتنظم معارض‬


‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫مستمرة للفن الرقمي أو ما يُدعى أحيانا‪،‬‬ ‫بالفن عبر اإلنترنت ‪ ،Online Art‬كما هو‬ ‫حال متاحف سان فرانسيسكو للفن الحديث‬ ‫‪ SFMOMA‬ومركز ووكــر ‪Walker Center‬‬ ‫ومتحف ويتني ‪.Whitney Museum‬‬ ‫تعددت التحديدات المفهومية لهذا الفن‪،‬‬ ‫واختلفت أحيانا‪ ،‬إلى حد التعارض‪ ،‬ويبقى من‬ ‫أهم التعريفات ما قدمه الفنان روبرت بورغر‬ ‫أستاذ فن الرسم الكمبيوتري في جامعة‬ ‫بنسلفانيا ‪ ،University of Pennsylvania‬إذ‬ ‫يقول فيه‪« :‬إنه ببساطة الفن الذي يستخدم‬ ‫الكمبيوتر كأداة»‪ .‬أما عن تاريخ هذه الحركة‬ ‫الفنية فــيــقــول‪« :‬ال يرتبط الــفــن الرقمي‬ ‫بتاريخ معين؛ بمعنى أنه باستطاعة أي فنان‬ ‫صاحب موهبة ولديه المعرفة‪ ،‬باستخدامات‬ ‫الكمبيوتر وبرنامج الفوتوشوب أن يطور‬ ‫تشكيالت ال نهائية مــن اللوحات الفنية‪،‬‬ ‫والتي تتحد فيها الــرؤيــة الفنية التخيلية‬ ‫بالقدرات التقنية العالية للكمبيوتر‪ ..‬ليحققا‬ ‫معا شطحات فنية في العمل التشكيلي لم‬ ‫تكن لتتحقق بدون توافر هذه التكنولوجيا‪.‬‬ ‫وأنا من أشد المتحمسين للفن الكمبيوتري‪،‬‬ ‫وأبذل الوقت والجهد الالزمين من أجل خلق‬ ‫لوحات وتشكيل بصري يحفز الذهن البشري‬ ‫ويثير فيه الصور واإلسقاطات»‪.‬‬ ‫لكن‪ ،‬وبالرغم من صعوبة تحديد التاريخ‬ ‫الفعلي لــبــروز ه ــذا الــفــن‪ ،‬إال إن الفنان‬ ‫األمريكي البوسكي يبقى أول مــن مــارس‬ ‫هذا الفن على الحاسوب بوعي؛ إذ حصل‬ ‫أن شــدت فرانسيس البوسكي ‪Benjamin‬‬

‫الفنانة التشكيلية هناء الشبلي‬

‫‪ ،Francis Laposky‬بمحض الصدفة‪ ،‬بعض‬ ‫أشكال الترددات على شاشات الرادار‪ .‬هذه‬ ‫الترددات ذكرته باألسلوب التجريدي للفنان‬ ‫فاسيلي كاندانسكي ‪ ،Vassily Kandinsky‬إذ‬ ‫تميزت هذه األشكال المرتسمة على الشاشة‬ ‫ببنية دائرية وهيئة حلزونية‪ ،‬وكأن يداً خفية‬ ‫ومــاهــرة قــد رسمتها ب ــإدراك حسي دقيق‬ ‫ومتناسق‪ .‬بناء على هذا التصوّر‪ ،‬فكّر الفنان‬ ‫في استعمال الحاسوب كــأداة فنية‪ ،‬نظرا‬ ‫لإلمكانية الهائلة التي تتمتع بها هذه اآللة‬ ‫حديثة العهد في ذاك الزمن‪ .‬فقد الحظ‬ ‫هذا الفنان دقة هائلة في الرسم إلى درجة‬ ‫تفوق بكثير قدرة اإلنسان‪ ،‬فقرر تطوير هذه‬ ‫القدرة وتوظيفها في مجال الفن التشكيلي‪.‬‬ ‫قام بنيامين فرانسيس البوسكي بإنجاز‬ ‫أول محاولة فــي الفن الرقمي فــي تاريخ‬ ‫الفنون البصرية مــن خــال لوحة بعنوان‬ ‫«تــردّدات» ‪ Oscillons‬كاسم لمسمى‪ ،‬يصف‬ ‫به التردّدات الضوئية التي تظهر على شاشة‬ ‫الحاسوب معلنا عن انطالق حقبة جديدة‬ ‫من الفنون وهي الحقبة الرقمية(‪.)٢‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪39‬‬


‫بعد سنة ‪1953‬م‪ ،‬تاريخ إنجاز أول عمل‬ ‫تشكيلي بــالــحــاســوب‪ ،‬تــتــالــت الــمــحــاوالت‬ ‫الــرقــمــيــة الــفــنــيــة‪ ،‬وت ــواص ــل الــســعــي إلــى‬ ‫تطوير وتخصيب هذه النوعية من األعمال‬ ‫لتستجيب إلرادة الفنانين وتقنيي الصور‬ ‫ومصممي الغرافيك وغيرهم‪ .‬فغزت البرامج‬ ‫الرقمية المختصة فــي صناعة ومعالجة‬ ‫الــصــورة ساحة الفنون الرقمية‪ ،‬وأحدثت‬ ‫برامج على غرار سلسلة األدوبــي والكورال‬ ‫نقلة مركزية في تاريخ الفنون البصرية‪،‬‬ ‫واعدة الفنان التشكيلي بمزيد القدرة على‬ ‫اإلبداع والتفنّن(‪.)٣‬‬

‫(‪Digital‬‬

‫الــفــن الرقمي أو فــن الديجتال‬ ‫‪ ،)Art‬التلوين الرقمي (‪،)Digital Painting‬‬ ‫فــن الــويــب (‪ ،)Web Art‬فــن الفوتوشوب‬ ‫(‪.)Photoshop art‬‬ ‫‪ ٣-١‬تيارات الفن الرقمي وتقنياته‪:‬‬

‫على غرار الفن التشكيلي (التصوير‪ ،‬أو‬ ‫التعبير باللون) الذي تشكلت له عبر الزمن‪،‬‬ ‫مــدارس وتــيــارات فنية‪ ،‬فــإن الفن الرقمي‬ ‫أيضاً‪ ،‬على مختلف أشكاله (رسوم خطية‪،‬‬ ‫رسوم مسطحة‪ ،‬رسوم متحركة‪ ،‬رسوم ثالثية‬ ‫األبعاد‪ )...‬أنشأ مدارس وتيارات متعددة‪.‬‬

‫ويمكن القول إن مــدارس الفن الرقمي‬ ‫وبهيمنة الحاسوب‪ ،‬وانتشار برانمه بشكل‬ ‫من حيث (التقنية) تنقسم إلى أربع مدارس‬ ‫سريع‪ ،‬تعددت استخداماته لمساعدة الفنان‬ ‫وهي‪( :‬مدرسة البيكسل‪ ،‬مدرسة المتجهات‪،‬‬ ‫على االبداع واالبتكار‪ ،‬وإمكاناته المتطورة‬ ‫مدرسة الكوالج‪ ،‬ومدرسة الدمج)(‪.)٤‬‬ ‫المتمثلة في وجــود فالتر وفــرش متعددة‪،‬‬ ‫أوال‪« :‬البيكسل» ‪pixel‬‬ ‫مع إضافة المالمس المختلفة‪ ،‬واألحاسيس‬ ‫المتنوعة‪ ،‬مثل إحساس قلم الرصاص أو‬ ‫يــعــرف البيكسل بــكــونــه كلمة أجنبية‬ ‫األحبار أو الزيت وغيرها‪ ...‬فهبّ الفنانون معناها عنصر الــصــورة الــواحــدة أو وحدة‬ ‫من مختلف الحساسيات واألجيال لالستفادة الصورة‪ .‬وهي عبارة عن مربعات صغيرة‪،‬‬ ‫مــن تقنياته وأدواتـــه ومبتكراته المتطورة وه ــذه المربعات تــكــون ع ــادة فــي الــصــور‪،‬‬ ‫والمثيرة لالهتمام!‬ ‫وغالبا ما تتعامل برامج البت ماب أو برامج‬

‫ومــهــمــا ك ــث ــرت الــــنــــداءات الــمــغــرضــة‬ ‫المعارضة للفن الرقمي ‪ ،Digital Art‬فقد‬ ‫بات له اليوم رواده‪ ،‬ومقتنوه الكثر ونقاده‬ ‫ومعارضه االفتراضية والواقعية‪ ..‬وأقيمت‬ ‫له المهرجانات والجوائز الدولية‪.‬‬ ‫‪ ٢-١‬تسميات هذا الفن‪:‬‬

‫‪40‬‬

‫لعل مــن أشهر تسميات هــذا الفن هي‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫الفوتوشوب والبينت بور وغيرها مع الصور‬ ‫أو الرسومات؛ على أســاس كونها مربعات‬ ‫صغيرة‪ ...‬فــإذا كــان عــدد المربعات كبير‪،‬‬ ‫فإن وضــوح الصورة يكون عاليا‪ ،‬وإذا كان‬ ‫عــدد المربعات قليال‪ ،‬فــإن الــصــورة تبدأ‬ ‫بفقدان مالمحها‪ ،‬وتظهر على شكل مربعات‬ ‫شفافة صغيرة كلما كبرت الصورة‪ .‬فغالبا‬ ‫ما تسمع أو ترى كلمة رزليوشن في برنامج‬


‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬ ‫اللوحة ‪ :١‬لوحة من ‪#‬الفن_الرقمي بعنوان (ينبض فقدا) من أحد أعمال معرض الفنانة هناء الشبلي الرقمي ‪#‬نبض‬ ‫باستخدام ادوات برنامج ‪#‬فوتوشوب تم اختيار األسلوب (الصفري) وهو أحد أساليب ‪ #‬الرسم_الرقمي‪ .‬تعبر‬ ‫اللوحة عن وضع األطفال بين صراع أسري يجبر األم على الرحيل‪.‬‬

‫الفوتوشوب؛ ألنها تتعامل بالبيكسل‪.‬‬

‫رســومــات بيكسلية ثالثية األبــعــاد؛ يتم‬

‫رسمها بدون استخدام برامج ‪.D3‬‬

‫ويعد فن البيكسل من الفنون التي لقيت‬ ‫رواجا كبيرا في السنوات القليلة الماضية‪ -2 ...‬غير متماثلة األبعاد (‪:)non-isométrique‬‬ ‫إذ نلفي اآلن‪ ،‬عــددا كبيرا جــدا من فناني‬ ‫رســومــات بيكسلية غير ثالثية األبعاد‬ ‫البيكسل كل يحاول جاهدا أن يطوع مجموعة‬ ‫مثل رسم شكل من األمــام أو الخلف أو‬ ‫ال من األشكال األخاذة‬ ‫من النقاط لتنتج شك ً‬ ‫الجانب‪ .‬ومــن أمثلة البيكسل مــن نوع‬ ‫التي تبهر المتلقي‪ ،‬وتحقق عددا كبيرا من‬ ‫‪.- non-isométrique‬‬ ‫الليكات ومؤشرات اإلعجاب‪ ،‬ويطور هذا‬ ‫برامج البكسل آرت‪:‬‬ ‫الفن منجزه االبــتــكــاري مــن خــال برنامج‬ ‫واحــد فقط‪ ،‬هو برنامج ‪ Paint‬الــذي تجده أ‪ .‬الفوتوشوب (‪)Adobe Photoshop‬‬ ‫في قائمة ‪ Accessoires‬من شريط البدء‪ ،‬ب‪ .‬الجرفيكس (‪)Graphics Gale‬‬ ‫وبرنامج ‪ Paint‬فقط يعمل به المعجزات‪.‬‬ ‫ج ـــ‪.‬أم أس بانت (‪ )MS Paint‬ويــوجــد مع‬ ‫ويمكن تقسيم فَنّ البيكسل (‪)Art Pixel‬‬ ‫برامج نظام التشغيل ويندوز‪.‬‬ ‫إلى مجموعتين فرعيتين هما‪:‬‬ ‫د‪ .‬جامب (‪ )GIMP‬برنامج مجاني مشابه‬ ‫للفوتوشوب‪ ،‬وله عدة إصدارات‪.‬‬ ‫‪ -1‬متماثلة األبــعــاد (‪ :)isométrique‬وهي‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪41‬‬


‫البيكسن (‪ )Pixen‬برنامج مجاني للماك البرامج المستخدمة في فن المتجهات‬ ‫‪ Mac OS X‬و‪.‬البور موتشن (‪)Pro motion‬‬ ‫(‪:)Art Victor‬‬ ‫برنامج نسخة تجريبية‪ ،‬غير أنك تستطيع‬ ‫أ‌‪ .‬برنامج إليستراتور (‪:)Adobe Illustrator‬‬ ‫من خالله‪ ،‬التحريك والتحكم بسهولة‪ ،‬بدون‬ ‫أقـ ــوى بــرنــامــج لــفــن الــفــكــتــور واألكــثــر‬ ‫االنتقال لبرنامج آخر‪ ،‬وهو خفيف الحجم‪.‬‬ ‫اختصاصاً‪.‬‬ ‫ثانياً‪ :‬المتجهات «‪»Victor‬‬ ‫ب‌‪ .‬برنامج الــكــورل درو (‪:)Corel Draw‬‬ ‫(‪)٥‬‬ ‫يعد فن المتجهات‪ ،‬أو (فن الفيكتور)‬ ‫وهــو برنامج رائــع وقــوي ومختص بفن‬ ‫كما هو متعارف عليه‪ ،‬من الفنون الرقمية‬ ‫المتجهات‪.‬‬ ‫الشهيرة‪ ،‬خاصة لعمل الزخارف والشعارات‬ ‫(لــوغــو) والــلــوحــات اإلعــانــيــة (البوستر)‪ ،‬جـ‪ .‬برنامج الفوتوشوب (‪:)Adobe Photoshop‬‬ ‫إضافة إلى إخراج كثير من األعمال الفنية‬ ‫يمكن استخدام التصميم المتجه على‬ ‫المتميزة‪.‬‬ ‫برنامج الفوتوشوب بأحد الطرق الثالث‬ ‫التالية‪:‬‬

‫يتميز فن المتجهات بوضوح ودقة أعماله؛‬ ‫ألنــه فــن قــائــم على التعامل مــع (‪ Ancor‬األولى‪ :‬استخدام أداة الباث والبن تول‪.‬‬ ‫‪ ،)Points‬فالصور فيه عالية الــجــودة‪ ،‬وال‬ ‫تتعرض للتشويه عند تكبيرها‪ ،‬بعكس الفن الثانية‪ :‬عن طريق استخدام فرش الفكتور‬ ‫بتجميعها وتكوين الشكل أو التصميم‬ ‫الذي يتعامل مع البيكسل‪ ،‬حيث كلما قمنا‬ ‫الذي نريد‪.‬‬ ‫بتكبير الصورة أكثر‪ ،‬الحظنا تشويشاً فيها‪.‬‬ ‫الثالثة‪ :‬وهي عن طريق استخدام األشكال‬ ‫‪ shaps‬فــي الــبــرنــامــج بطريقة الفرش‬ ‫نفسها‪.‬‬ ‫ثالثاً‪ :‬الكوالج‬ ‫يقصد به الفَنّ الذي يعتمد على استخدام‬ ‫أكــثــر مــن بــرنــامــج للتصميم‪ ،‬كاستخدام‬ ‫الفوتوشوب مع الكورل درو‪.‬‬ ‫رابعاً‪ :‬الدمج‬ ‫وهو فَنّ الذي يعتمد على أكثر من صورة‬ ‫إبان التصميم‪.‬‬ ‫الفنانة الشبلي مع إحدى لوحاتها‬

‫‪42‬‬

‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫وبخصوص م ــدارس الفن الرقمي؛ من‬


‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬ ‫اللوحة ‪ :٢‬لوحة من ‪#‬الفن_الرقمي بعنوان (ينبض ثقال) من أحد أعمال معرض الفنانة الرقمي ‪#‬نبض باستخدام أدوات‬ ‫برنامج ‪#‬فوتوشوب فقط‪ .‬واخترت األسلوب (الصفري) وهو أحد أساليب ‪#‬الرسم_الرقمي‪ .‬وهي تعبر عن ثقل المسؤولية‬ ‫والحمل على ‪#‬األب اخترتها لكم بمناسبة ‪#‬يوم_االب‬

‫ناحية الموضوع أو الفكرة‪ ،‬فيمكن تقسيمها ‪ -‬المدرسة الخيالية أو السريالية‪ :‬وتهتم‬ ‫إلى‪:‬‬

‫بتصميم واستحداث عناصر من الخيال‪،‬‬

‫‪ -‬الــمــدرســة الــواقــعــيــة‪ :‬وتــشــمــل طبعا‬

‫ويكون فيها تداخالت في الصور ولمسات‬

‫المحاكاة‪ ،‬بمعنى تصميم شيء موجود‬ ‫في الواقع يحاكي عناصر معروفة مثال‪:‬‬ ‫منزل‪ ،‬شجرة‪ ،‬جهاز كمبيوتر‪ .‬حيث يتم‬ ‫توظيف الصور الواقعية‪ ،‬ودمجها بطرق‬ ‫مختلفة لتمثيل الحقيقة أو جزء منها‪.‬‬

‫خيالية ليست موجودة في الواقع‪ ،‬وهي‬ ‫بــذلــك‪ ،‬تعتمد عــلــى الــفــكــر اإلبــداعــي‬ ‫واالبــتــكــار‪ ،‬وهــذه الــمــدرســة‪ ،‬كما يحب‬ ‫بعضهم تسميتها بـ(مدرسة الديجيتال)‬ ‫أو مدرسة الفن الرقمي‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪43‬‬


‫ ‪( -‬المدرسة التعبيرية)‪ :‬وهي اتجاه يتم‬ ‫فيه أخــذ عناصر وأشياء من الطبيعة‪،‬‬ ‫ثم تشويهها بتغيير ألوانها أو هيئاتها أو‬ ‫أحجامها‪ ،‬وال يقصد التشويه هنا معناه‬ ‫القدحي المحيل على التخريب والهدم‪،‬‬ ‫وتذهب هناء إلى أن الفن الرقمي «أحد‬ ‫بل نقصد به التغيير عن الوجه الحقيقي‬ ‫األساليب التي تمارس في مختلف الفنون‬ ‫لها‪.‬‬ ‫البصرية‪ ،‬ومنها الفنون التشكيلية‪ ،‬إذ تمارس‬ ‫أما من حيث تكوين العمل الرقميّ ‪ ،‬فيتبع بلغة العصر التي تقدمها التقنية الحديثة‬ ‫أحد األساليب التالية‪:‬‬ ‫فــي بــرامــج الــرســم والتصميم والتصوير‬ ‫‪ -1‬األسلوب الصفري‪ :‬يتم فيه فتح ملف الحاسوبية ذات البعدين أو الثالثة أبعاد‪،‬‬ ‫جــديــد‪ ،‬ثــم بعدها خلق العناصر دون الثابتة أو المتحركة‪ ،‬فتستبدل اللوحة‬ ‫نسخها أو قصها مــن مــكــان آخــر عبر بالشاشة والفرشاة العادية بالفأرة أو الفرشاة‬ ‫استخدام األشكال الهندسية والعضوية اإللــكــتــرونــيــة أو الــقــلــم الــضــوئــي‪ ،‬شريطة‬ ‫واأللــوان والفرش والفالتر وغيرها من أن يعبر الفنان من خاللها عن أحاسيس‬ ‫أدوات الخلق ال ـ َف ـ ّنــي فــي أحــد برامج ومشاعر متوافقة مع القيم التشكيلية»(‪.)٧‬‬ ‫التصميم‪.‬‬ ‫وتــســمــي الــشــبــلــي فــنــا رقــمــيــا «ك ـ ـ ُّل ما‬ ‫‪ -2‬األسلوب التجميعي‪ :‬يعتمد على تجميع ينتجه الفنان مــن رســوم أو تصميمات أو‬ ‫مجموعة من الصور‪ ،‬ثم إحداث عالقات معالجات فنية اعتمادا على الحاسب اآللي‬ ‫بينهما في شكل تكويني واحد‪ ،‬وهو أقرب وبــرامــجــه وبــرانــمــه وتطبيقاته الرسومية‬ ‫إلى الكوالج؛ دون إحداث تعديل جذري المتخصصة»(‪.)٨‬‬ ‫على الصور المجمّعة‪.‬‬ ‫وتؤكّد الفنانة ذاتها‪ ،‬في إطار التحديات‬ ‫‪ -3‬األســلــوب الــمــشــتــرك بــيــن الصفري‬ ‫الــتــي تعترض مستقبل الــفــن الرقمي في‬ ‫والتجميعي‪ :‬يــقــوم عــلــى جــمــع صــور‬ ‫الــعــالــم الــعــربــي‪ ،‬أن هـــذا الــفــن «يشكل‬ ‫وتــنــســيــقــهــا وتــعــديــلــهــا حــســب الــطــابــع‬ ‫استمرارا للتجارب السابقة وامتدادا للفنون‬ ‫الشخصي‪ .‬ويع ّد األسلوبان األول والثالث‬ ‫الكالسيكية وليس بديال عنها‪ ،‬مثلما أقرت‬ ‫أفضل من األسلوب الثاني‪.‬‬ ‫أن اســتــخــدام تطبيقات وبــرامــج الــرســم‬ ‫‪ .2‬الفنانة هناء راشد الشبلي وفنون الحاسوبي يأتي في صميم تطوير األداء‬ ‫الديجيتال‬ ‫الفني‪ ،‬لكنه ال يلغي جهود الفنان ومواهبه‪،‬‬ ‫ترى الفنانة السعودية هناء الشبلي(‪ )٦‬أن وليس بإمكانه ذلك‪ ،‬ما دام العقل البشري‬ ‫التعامل مع الفن الرقمي بات ضرورة ملحة‬ ‫لدى المعلم والطالب والشخص العادي على‬ ‫الــســواء‪ ،‬بــل وبــات الشكل األب ــرز لتمظهر‬ ‫الفنون الجديدة‪.‬‬

‫‪44‬‬

‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬ ‫اللوحة ‪ :٣‬من أعمال الفنانة هناء الشبلي الرقمية من معرض (نبض) بعنوان‪ :‬ينبض حرية عرضت في معرض‬ ‫‪#‬زوايا_لونية برعاية ‪#‬قسم_التربية_الفنية للبنات في ‪#‬جامعة_الملك_سعود بالرياض‪٢٠١٨ .‬م‬

‫هو الذي يحرك هذه التقنيات واألدوات»(‪.)٩‬‬

‫دهشته إزاء مشاهدها وعروضها الفنتازية‪،‬‬

‫ووضــحــت هناء أن استخدام المصممين لكنها القت في اآلن ذاتــه‪ ،‬موجات الذعة من‬ ‫النقد صــدرت عن فنانين من أصحاب الفن‬ ‫إلمكانات الحاسوب الرقمية‪ ،‬كان في البداية‪،‬‬ ‫الكالسيكي والذوق التقليدي‪.‬‬ ‫لغايات تطوير األداء المهني‪ ،‬غير أن تطور‬ ‫وت ــرى هــنــاء أن هــذه الـــردود االحتراسية‬ ‫أساليب المعالجة وبرامجها الحاسوبية أفرز فن‬ ‫التالعب بـ‪ Photoshop‬الذي القى رواجا وإقباال طبيعية ألنه ليس من اليسير على فنان أهبى‬

‫الفتين بوصفه فنا ومضمونا فكريا‪ .‬وعندما ج ــذوة عــمــره فــي بنية فكرية أكــاديــمــيــة لها‬ ‫ت ّم عرض هذه األعمال أمام الجمهور‪ ،‬أبدى خصوصيات وتقاليد وحدود أن يتقبل األمر‪،‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪45‬‬


‫اللوحة ‪ :4‬من أعمال الفنانة هناء الشبلي الرقمة‪ ،‬باستعمال األسلوب الصفري تحت عنوان‪ :‬التقوى‬ ‫المرجع‪https://twitter.com/hana_alshebli :‬‬

‫وهــو يــرى مملكته التي عمّر بها دهــرا تزول‬

‫واستناداً إلى ذلــك‪ ،‬أرجعت الفنانة سبب‬

‫وتنهار تدريجيا‪ .‬واألم ــر نفسه ينطبق على تأخر الفن الرقمي واستغراقه زمنا طويال في‬ ‫الناقد الفني الــذي لن يستسيغ رؤيــة جهازه إقناع المتلقي والنقاد الفنيين والــرأي العام‬ ‫النظري والمفهومي الــذي نفذه على أرض الفني إلى الممانعة التي يجدها لدى جمهور‬ ‫الواقع أجيا ٌل من الفنانين العمالقة‪.‬‬ ‫واتجهت سهام النقد فــي الفن الرقمي‪،‬‬ ‫حسب هناء الشبلي‪ ،‬إلى مستويين‪:‬‬ ‫ سهولة العمل فيه عكس الفن التقليدي‬‫الذي يستغرق فيه صاحبه زمنا طويال‪.‬‬

‫الفنانين التقليديين‪ ،‬وأتباعهم مــن النقاد‬ ‫السدنة الذين يستعصي عليهم تغيير نظمهم‬ ‫ومرجعياتهم!‬ ‫وتؤكد الفنانة هناء الشبلي أن الفن الرقمي‬ ‫ليس فــن أداة وتقنية‪ ،‬بــل هــو أيضا فــن ذو‬

‫قيمة استثنائية‪ ،‬يقوم على فكرة إنسانية‬

‫ ســرعــة تنفيذه عكس الــفــن الكالسيكي وخيال واسع للفنان‪ ،‬وهو ليس وليد الصدفة‬‫الذي كان يبذل فيه الفنان جهدا مضاعفا العشوائية‪ ،‬كما يروج خصوم هذا الفن‪ ،‬وأعداء‬ ‫ومــحــاوالت كثيرة قبل أن يستقيم عــوده‪ ،‬نجاحاته‪ ،‬ومــا الــحــاســوب وتطبيقاته سوى‬

‫‪46‬‬

‫ويكتمل‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫إضافات نوعية ووسائل فنية مدعمة‪ .‬وللعلم‪،‬‬


‫الكالسيكي يشابه نظيره في التصور الرقمي‪ ،‬للدهشة»(‪.)١٠‬‬ ‫والفرق الوحيد يكمن في الوسائل واألدوات‪.‬‬

‫وتــفــنــد الــفــنــانــة الشبلي االدعـ ــاء القائل‬

‫تقول في هذا الصدد «فحين يبدأ الفنان بتعارض الفن الرقمي مع اللوحة التقليدية‪،‬‬ ‫في وضع افتراضاته‪ ،‬وتحديد موضوعه الذي مــؤكــدة أن األخــيــرة مــا ت ــزال تحمل رسالة‬ ‫يريد االشتغال به وعليه‪ ،‬ويهيئ مواده وفرشاته الفنان الحية والمباشرة ولمسة فرشاته وبريق‬

‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫فإن إعداد اللوحة أو المشهد الفني في التصور الــعــاديــة إل ــى مشهد خــيــالــي غــرائــبــي مثير‬

‫الالزمة‪ ،‬وخاماته وصباغاته الضرورية للعمل‪ ،‬ضرباته اللونية بمستوياتها الفنية المتنوعة‪،‬‬ ‫يقوم الفنان الرقمي‪ ،‬على شاشة حاسوبه‪ ،‬ومــا مجال الفن الرقمي إال منعطف أداتــي‬ ‫بجمع أكبر عدد ممكن من الصور المتعلقة ووسائطي فرضه منطق العصر‪ ،‬وهو إن لم‬ ‫بموضوعه المحدد سلفا‪ ،‬ونسخها إلكترونيا‪ ،‬يضف أشياء رائعة للمكتسب الجمالي والفني‪،‬‬ ‫وطبعها على قرص مدمج‪ ،‬لتاتي‪ ،‬بعد ذلك‪ ،‬فهو لن يضرّه أبدا في شيء‪ .‬بل على العكس‬ ‫مرحلة العمل عليها عبر استخدام برنامج من ذلك‪ ،‬سيسهل من مأمورية الفنان‪ ،‬ويقدم‬ ‫الرسم المختار مثل‬

‫(‪Photoshop‬‬

‫‪ ،)Adobe‬له خدمات جليلة‪ ،‬إن هو غيّر نظرته لعالمه‬

‫مــن أجــل دمــج الــصــور وإخضاعها لعدد من الفني‪ ،‬وانفتح على مجال التقنية الذي أصبح‬ ‫المؤثرات والتلوين الباهر الذي يحول الصورة متاحا أمام الجميع‪.‬‬ ‫ * ناقد من المغرب‪.‬‬ ‫(‪ )١‬لمى عبدالرحمن الحركان‪ :‬الفن الرقمي‪ ،‬موقع جامعة الملك سعود‪ ،‬كلية التربية‪،‬‬ ‫‪ )fac.ksu.edu.sa/lalharkan/blog/24711‬نشرت بواسطة الباحث نفسه‪ ،‬بتاريخ ‪ 30‬يناير ‪2014‬م‪.‬‬ ‫(‪ )٢‬محمد الشيخاوي‪ :‬اإلبداع التشكيلي في الفنون الرقمية للفنان نور الدين الهاني‪ ،‬مقال نشر بمجلة‬ ‫«اإلمارات الثقافية» العدد ‪ 31‬بتاريخ مارس (‪2015‬م)‪ ،‬انظر الرابط‪http://arts-et-poesies.over-blog. :‬‬ ‫‪.com/2015/09/56052dbe-a4b0.html‬‬ ‫(‪ )٣‬المرجع نفسه‪.‬‬ ‫(‪ )٤‬آل قمّاش‪ ،‬قمّاش علي (‪٢٠٠٨‬م)‪ :‬تيارات الفن الرقمي وتقنياته‪http://fac.ksu.edu.sa/lalharkan/ ،‬‬ ‫‪.blog/24711‬‬ ‫(‪ )٥‬الفن الرقمي‪ ،‬موقع أكاديمية التصميم الرقمي‪ ،‬انظر الــرابــط‪https://artisticdesignacadmy. :‬‬ ‫‪ /wordpress.com/page4-2‬بدون تاريخ‪.‬‬ ‫(‪ )٦‬فنانة ‏‏‏‏‏‏‏‏تشكيلية رقمية من المملكة العربية السعودية‪ ،‬تعمل خبيرة تربوية في وزارة التعليم‪ ،‬دكتوراه‬ ‫تخصص تصميم فني‪.‬‬ ‫(‪ )٧‬خير اهلل زربان‪ ،‬جريدة المدينة‪ ،‬جدة‪ ،‬المملكة العربية السعودية (ثقافة وفن) انظر الرابط‪http:// :‬‬ ‫‪ ./www.al-madina.com/article/142441‬بتاريخ األربعاء ‪2012/03 /14‬م‪.‬‬ ‫(‪ )٨‬المرجع نفسه‪.‬‬ ‫(‪ )٩‬المرجع نفسه‪.‬‬ ‫(‪ )١٠‬المرجع نفسه‪.‬‬ ‫(‪Digital Art http://‬‬

‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪47‬‬


‫عبدالرحمن العكيمي‬ ‫بين فضاء المخيلة والواقع في «توارت بالحجاب»‬ ‫■ د‪ .‬شيمة محمد الشمري*‬

‫فضاء الواقع‪ ..‬سؤال اإلبداع‬

‫لعل السؤال األهم الذي تعرّض له الفن الروائي يتمثّل في الطرح اآلتي‪ :‬كيف‬ ‫تعرض الرواية مقولتها‪ ،‬أو وجهة نظرها؟ وإذا كان هذا السؤال يضمر تلميح ًا إلى‬ ‫التخفف من سلطة الكاتب‪ /‬الروائي‪ ،‬فإنه في الوقت ذاته يظهر نزوع ًا تحريضي ًا‬ ‫للسرد ليدخل في متاهات وأرخبيالت إبداعية غير مرتادة‪ ،‬أو على األقل ليحاول‬ ‫التأسيس ألنـمــاط غير تقليدية فــي الـســرد ال ــروائ ــي‪ .‬لقد عني الـســرد الــروائــي‬ ‫األوروبــي باإلجابة عن سؤال اإلبــداع الفني منذ القرن الثامن عشر حين اعتنت‬ ‫روايات تلك المرحلة بغاية أخالقية الفعل‪ ،‬ال بغاية أدبية اإلبداع الروائي' ولذلك‪,‬‬ ‫نلحظ أنّ فلوبير قد سبق هنري جيمس عندما دعــا إلــى تغييب الــروائــي حتى‬ ‫تتخلص الرواية من نزعة المباشرة والخطابية المزمنة‪.‬‬

‫‪48‬‬

‫ولو تأملنا المنجز الروائي العربي‬ ‫فــي اآلونـــة األخــيــرة‪ ،‬لــوجــدنــا أن مثل‬ ‫هـ ــذه الــنــبــرة الــخــطــابــيــة ق ــد ع ــادت‬ ‫للظهور‪ ،‬وإن تلونت‪ ،‬على خجل أحياناً‪،‬‬ ‫ببعض التنويعات األسلوبية‪ ،‬لكن في‬ ‫الــوقــت نفسه حــاولــت بعض الــروايــات‬ ‫بمخاتلة فنية‪ ،‬دمــج الرؤية األخالقية‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫أو الفكرية للرواية بلغة شعرية تخفف‬ ‫من برودة المقوالت الفكرية‪ ،‬وتحرّض‬ ‫المتلقي على فعل القراءة‪ ،‬وينطبق هذا‬ ‫التوصيف في كثير من جوانبه على رواية‬ ‫(توارت بالحجاب) للكاتب عبدالرحمن‬ ‫العكيمي‪ .‬فالرواية حاولت التخفف من‬ ‫عبء المقوالت التي أراد السارد إيصالها‬


‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫للمتلقين‪ ،‬بإطالق العنان للمخيلة الشعرية‬ ‫لتفعل فعلها في ضخ حموالت جمالية على‬ ‫السرد‪ ،‬من دون أن تفقد المتلقي القدرة على‬ ‫فك االشتباك بين لحظة السرد الشعري‪،‬‬ ‫ولحظة السرد الواقعي في الرواية‪ ،‬فالرواية‬ ‫ال ترهق المتلقي في الوصول إلى مقوالتها‬ ‫الفكرية بيسر متناهٍ ‪.‬‬ ‫فضاء الواقع‪ ..‬فضاء القيم المجتمعية‬ ‫ال شــكّ أن المقولة الفكرية ألي منجز‬ ‫س ــردي تتشكّل خ ــارج العمل الــروائــي‪ ،‬إذ‬ ‫تكون الفكرة مجرّدة ومشبعة بعواطف تزداد‬ ‫اشتعاالً‪ ،‬فتكون المحرض األساس للروائي‬ ‫كي يعمل على بلورتها روائياً‪ ،‬ومن ثمة‪ ،‬تصبح‬ ‫الوسيلة الفنية لألداء الروائي‪ ،‬هي العنصر‬ ‫الــحــامــل لها والــمــســاعــد على تحديدها‪،‬‬ ‫فلو نظرنا فــي الــعــنــوان المخاتل (تــوارت‬ ‫بالحجاب)‪ ،‬الذي يحاول االنحياز للشعري‬ ‫في العنونة عبر استثمار مصطلحات ذات‬ ‫ظالل صوفية‪ ،‬فإننا سنلحظ أن ذاك الجانب‬ ‫ما هو إال حامل لداللة جزئية من دالالت‬ ‫الرواية‪ ،‬ولكن إذا شرعنا باب التأويل‪ ،‬فإننا‬ ‫قد نجد في معنى الحجاب الدال على الحيرة‬ ‫والعمى‪ -‬حسب تعبير ابن عربي‪ -‬ما يجعل‬ ‫من العنوان ذا حموالت داللية عامة‪ ،‬فهو‬ ‫كل ما يحجب المطلوب عن العين‪ ،‬وبتعميم‬ ‫أفــســح هــو حــوائــل الحقيقة والــواقــع التي‬ ‫تدفع بشخصيات العمل إلى الضاللة عن‬ ‫مفاهيم المجتمع‪ ،‬وهذا ما حاولت الرواية‬ ‫إنجازه‪ ،‬فعلى الرغم مما قد يوحي به العنوان‬ ‫وتخف‪ ،‬إال أن الكشف عن‬ ‫ٍ‬ ‫أحياناً من ستر‬ ‫المسكوت عنه كان هدفاً استراتيجياً للرواية‬ ‫بصرف النظر عن نجاح الرواية في الوصل‬ ‫إليه أو ال‪.‬‬

‫حاولت الــروايــة معالجة أفكار طازجة‪،‬‬ ‫ربما بقي الحديث الصريح عنها خجوالً في‬ ‫الــروايــة الخليجية‪ ،‬لعل من أبرزها قضية‬ ‫تجييش الشباب للجهاد في العراق‪ ،‬تحت‬ ‫ذرائــع غير مقنعة‪ ،‬أو ألهــداف تسعى إليها‬ ‫كثير من الــدول التي تحاول تشويه سمعة‬ ‫اإلسـ ــام وزج ــه فــي خــانــة الــفــكــر الحامل‬ ‫لــإرهــاب‪ ،‬وهــذا مــا مثلته شخصية عمار‬ ‫في الرواية (مع شخصية الشيخ‪ /‬الداعية‬ ‫الــمــزيــف)‪ ،‬التي القــت مصيراً مفجعاً لها‬ ‫وألســرتــهــا‪ ،‬كــمــا تــقــدم لــنــا ال ــرواي ــة نمط‬ ‫الشخصية المترددة في قبول هذا النمط من‬ ‫إعمال‬ ‫ٍ‬ ‫التفكير‪ ،‬ولكنها تعود إلى صوابها بعد‬ ‫للعقل‪ ..‬وتتمثل في شخصية رائــد‪ ،‬كذلك‬ ‫تقدم لنا الرواية نمط الشخصية المعتدلة‬ ‫الــتــي تحاكم األمـــور عقلياً‪ ،‬فــا تقع في‬ ‫المحظور وتتمثل في شخصية يوسف التي‬ ‫تمثل بشكل خفي شخصية البطل المطلق‬ ‫فــي الــروايــة‪ .‬كذلك تطرح الــروايــة قضية‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪49‬‬


‫اإللحاد التي تمثلت بشخصية الكاتبة ضحى جانباً مهماً‪ ،‬يجعل من السرد أكثر منطقية‬ ‫من خالل التحول العجيب في شخصيتها من وفنية‪.‬‬ ‫حالة الكتابة المتصوفة‪ ،‬إلى حالة النقيض‬ ‫أم ــا عــلــى صعيد الشخصية الرئيسة‬ ‫تماماً‪ ،‬وهي حالة اإللحاد الذي برز خجوالً يوسف التي مثلت شخصية المثقف الواعي‪،‬‬ ‫وغــيــر مقنع فــي الــســرد؛ فعلى الــرغــم من والمعتدل‪ ،‬والصحفي الذي يواجه الفساد‪،‬‬ ‫كثير من المسوّغات والصفات التي حاول ويدافع عن قيم المجتمع األخالقية‪ ،‬فإننا‬ ‫الكاتب إلباسها لشخصية ضحى كي يبرر نجد في السرد ما يناقض تلك الصفات‪،‬‬ ‫هذا التحول‪ ،‬إال أن المتلقي يشعر أنّ في فهو في الوقت الذي يمتلك فيه القدرة على‬ ‫جعل شخصية أنــثــويــة هــي الممثلة لهذه مواجهة عيوب المجتمع بمقاالت جريئة‬ ‫المقولة‪ ،‬كان حاجة سردية أكثر منه تعبيراً وقــويــة‪ ،‬تجعل منه صحفياً مــعــروفـاً‪ ،‬نــراه‬ ‫عن الواقع‪ ،‬فكان الخيار ألن تكون الممثل عاجزاً عن الكشف عن موهبة في العزف‬ ‫لهذه المقولة‪ ،‬كي تصبح حجة دامغة للبطل وحبه للموسيقا‪ ،‬فتظهر شخصيته مستسلمة‬ ‫للتخلي عنها والــتــحـوّل إلــى حبيبة أخــرى تماماً للنسق الثقافي المجتمعي‪ ،‬وهو في‬ ‫(شخصية الصحفية األردنية أروى العلي) الوقت ذاته يسمح لنفسه بتهريب اآلثار وبيعها‬ ‫في نهاية الرواية‪.‬‬ ‫لحسابه الشخصي‪ ،‬مع محاولة تلفيق حجة‬

‫‪50‬‬

‫وفي هذا السياق‪ ،‬ال بد من اإلشارة إلى‬ ‫أنّ سيطرة مقولة الــراوي العليم (شخصية‬ ‫يــوســف) قــد جــعــل مــن التكنيك الــروائــي‬ ‫محصوراً بالصوت الواحد‪ ،‬وهذا ما أفقد‬ ‫الرواية استراتيجيات‪ ،‬كانت ستمنح الرواية‬ ‫بعداً أوســع في المعالجة الدرامية‪ ،‬وربما‬ ‫هــذا مــا يمكن أن نسجله على شخصيتي‬ ‫عمار وشخصية ضحى اللتين تمثالن مقولة‬ ‫الطرف اآلخر المناقض للهدف األخالقي‬ ‫لــلــروايــة‪ ،‬مــن خــال اعتماد تقنية الــراوي‬ ‫الــواصــف لتلك الشخصيات مــن دون أن‬ ‫يدخلنا في العوالم الداخلية والنفسية لهاتين‬ ‫الشخصيتين‪ ،‬فــإذا كان السارد ينطلق من‬ ‫أن ما يمثالنه هو مخالفة لمنطق المجتمع‪،‬‬ ‫ـرضـ ّيــة من‬ ‫الــذي يــزج فعلهما بالحالة الـ َمـ ِ‬ ‫خالل ما تشعرنا به الرواية‪ ،‬فغياب البحث‬ ‫عن مرجعيات نفسية من خالل تعبير تلك‬ ‫الشخصيات عن ذاتــهــا‪ ،‬قد أفقد الرواية‬

‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫شرعية لتسويغ فعله‪ ،‬بأنه سيوزع الثلث على‬ ‫الفقراء‪ ،‬أضف إلى ذلك تبرير عالقة الحب‬ ‫مع ضحى ثم مع أروى‪ ،‬و‪ ..‬فهي شخصية‬ ‫ذات طابع تسويغي تجد المبررات الدرامية‬ ‫لكل ما تفعله لتقنع المتلقي بصوابية الفعل؛‬ ‫من هنا‪ ،‬يمكن مالحظة سيطرة نزعة ذكورية‬ ‫سوّغها المجتمع للرجل القادر على فعل ما‬ ‫يشاء مع إيجاد ما يبرره‪ ،‬لو ظاهرياً على‬ ‫األقل‪.‬‬ ‫فضاء المخيلة‪ ..‬فضاء الشعرية‪:‬‬ ‫لعل أبــرز ما فعله الروائي عبدالرحمن‬ ‫العكيمي‪ ،‬للتخلص من زج المقوالت الفكرية‬ ‫أمــام الــقــارئ‪ ،‬هــو االنحياز للغة الشعرية‬ ‫في التعبير‪ ،‬وهــذا ما منح الرواية جمالية‬ ‫تعبيرية‪ ،‬وفــرادة أسلوبية‪ ،‬فعلى مدار ستة‬ ‫عــشــر فــص ـاً‪ ،‬ك ــان االنــحــيــاز إل ــى عنونة‬ ‫الفصول بعناوين ذات طابع شعري‪ ،‬والالفت‬ ‫في عناوين العكيمي لفصول روايــتــه‪ ،‬أنها‬


‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫اخــتــزاالت عالية الشعرية‪ ،‬تــحــاول تقديم‬ ‫مقولة شعرية موازية للمقولة الفكرية‪ ،‬ففي‬ ‫اختزاله لجماليات المكان (الشمال الغربي‬ ‫للمملكة)؛ في الفصل األول‪ ،‬نقرأ العنوان‬ ‫اآلتــي‪( :‬خذني إلى صحراء ال تخاتلها ريح‬ ‫الشمال‪ ،‬خذني إلى شجر يكتظ وال يخون‬ ‫الظالل) إن مثل هذا العنوان وسواه يحرك‬ ‫شهية التأويل‪ ،‬والتلقي الشعري لدى القارئ‪،‬‬ ‫وهو من محرضات القراءة األساس المشعرة‬ ‫بجمال الــمــكــان وبحساسيته فــي الــســرد؛‬ ‫ومن هنا‪ ،‬نقرأ تحت هذا العنوان‪ ،‬أو هذه‬ ‫العتبة النصية إذا شئنا التخلي عن تسميتها‬ ‫بالعنوان‪:‬‬

‫االنفصال عن ضحى الحبيبة‪ /‬الخطيبة‬ ‫ال‬ ‫السابقة‪ ،‬واالنتقال إلى حب جديد متمث ً‬ ‫بشخصية أروى‪ ،‬فــإن االخــتــزال في العتبة‬ ‫النصية الممهدة للفصل سيكون اختصاراً‬ ‫شعرياً مكثفاً لحالة الحب‪ ،‬وما تخلفه من‬ ‫أثر في النفس عبر انزياحات لغوية الفتة‪،‬‬ ‫فالفعل (أغتابك) على ما يحمله من داللة‬ ‫سلبية في العُرف اللغوي واالجتماعي‪ ،‬فإنه‬ ‫هنا دال على حالة مناقضة تماماً للداللة‬ ‫المألوفة‪ ،‬عندما يتحول إلى فعل حميد بلغة‬ ‫الحب‪ ،‬فيصبح داالً على حاالت االسترجاع‬ ‫والتذكر والتلفظ باسم الحبيبة وبأفعالها؛‬ ‫من هنا‪ ،‬يكتسب داللة اإلخصاب الجمالية‬ ‫الــقــادرة على تحويل يباس الــفــم‪ /‬الموت‬ ‫المعنوي في حالة غياب الحب‪ ،‬إلى حالة‬ ‫مورقة نابضة بالحياة‪.‬‬

‫(حين يأتي شتاء الشمال‪ ،‬يغتال الذبول‬ ‫مساء المدينة‪ ،‬تنطفئ بهجة الطرقات‪ ،‬تبدو‬ ‫المدينة شاحبة متعبة‪ ،‬مفرغة من بهجتها‬ ‫المعتادة‪ ،‬تنكسر نضارة األشجار التي تتوزع‬ ‫أخيراً‪ ،‬ال شك أن الروائي عبدالرحمن‬ ‫بانتظام على جنبات الشوارع‪ ،‬األشجار تبدو‬ ‫مبللة برطوبة شتوية قاسية‪ ،‬طقس بــارد العكيمي‪ ،‬حاول في روايته طرق قضايا مهمة‬ ‫يثرثر بصمت كئيب‪ ،‬طقس بــارد يحيل كل في السرد‪ ،‬تندرج في خانة المسكوت عنه‪،‬‬ ‫الــذي بات كشفه ومعالجته ضــرورة ملحة‪،‬‬ ‫شيء إلى صمت طويل)‪.‬‬ ‫وهذه ميزة للرواية‪ ،‬يضاف إلى ذلك ميزة‬ ‫إن اللغة الشعرية ذات الطابع التصويري‬ ‫أسلوبية تتمثّل في محاولة السارد تغليف‬ ‫الــذي يرفل ببالغة عالية تُدخل المتلقي‬ ‫بطريقة بصرية شفافة ورومانسية إلى عوالم المقوالت الفكرية بأسلوبية عالية وصلت‬ ‫المكان الذي يطرقه السارد بلغة القلب‪ ،‬وال إلــى ذروتــهــا عندما قــاربــت تــخــوم الشعر؛‬ ‫تخرج مجمل العتبات‪ /‬العناوين في فصول وهذا ما يجعل من منجزه السردي جديراً‬ ‫الرواية عن هذه االستراتيجية األسلوبية‪ ،‬بالقراءة‪ ،‬فمن أهم ما يحسب للرواية في‬ ‫ابتداء من اللحظات السردية األولى للرواية عصر الحداثة السردية‪ ،‬أسئلتها الكثيرة‬ ‫حتى يختم الشاعر روايته في ذروة اللحظة التي تحاول إثارتها‪ ،‬وترك األجوبة المتعددة‬ ‫الــدرامــيــة‪ ،‬فنراه في الفصل األخير يضع للحوار مع المتلقين‪ ،‬وبهذا الــحــوار تكون‬ ‫العتبة اآلتــيــة‪( :‬أغتابك حباً ألق ــاوم حالة الكتابة قد حققت هدفها التنويري‪ ،‬وبعدها‬ ‫اليباس فوق فمي)‪ ،‬فــإذا كان هذا الفصل األخــاقــي‪ ،‬مــن دون التخلي عــن شرطها‬ ‫ســيــقــدم مـــآالت الــشــخــصــيــات‪ ،‬مــن خــال الفني‪.‬‬ ‫* كاتبة وقاصة من السعودية‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪51‬‬


‫ما وراء الشتاء إليزابيل الليندي*‬

‫تعرية االغتراب‬

‫■ سمير أحمد الشريف**‬

‫الكاتبة والروائية «إيزابيل إليندي»‪ ،‬تشيلية الجنسية‪ ،‬حصلت على الجنسية‬ ‫األمريكية عــام ‪2003‬م‪ ،‬عمها الرئيس التشيلي «سـلـفــادور ألـيـنــدي» ال ــذي تولى‬ ‫الحكم بين ‪1973-1970‬م‪.‬‬ ‫اشتهرت رواياتها بالواقعية السحرية‪ ،‬تأثرا بكتاب ألف ليلة وليلة وبالكاتب‬ ‫«غابريال غارسيا ماركيز»‪ ،‬حصلت على الكثير من الجوائز األدبـيــة واألوسـمــة‪،‬‬ ‫ورُشحت أعمالها لجائزة نوبل‪.‬‬

‫‪52‬‬

‫أشهر أعمالها «بيت األرواح»‪ ،‬الرواية في تكوينها أيضا‪ ،‬انفصال والديها‪ ،‬فقد‬ ‫التي جــاءت إرهاصا لمرافقتها لجدها عاشت وأخوتها في كنف والدتها إلى عام‬ ‫حتى وفاته‪ ،‬ورواية «إبنة الحظ» ورواية ‪1935‬م‪ ،‬إلى أن ارتحلت لبوليفيا ثم إلى‬ ‫«إيفالونا»‪ ،‬وروايــة «بــاوال» التي حملت‬ ‫لبنان‪.‬‬ ‫اســم بنتها التي قضت مرضا‪ ،‬وروايــة‬ ‫فــي عـــــــام‪1973‬م‪ ،‬حــصــل االنــقــاب‬ ‫«صورة عتيقة»‪ ،‬ورواية «مدينة الوحوش»‪.‬‬ ‫الدموي على عمها «سلفادور أليندي»‬ ‫استفادت «إيزابيل» في كتاباتها من‬ ‫ترحال والدها بين كثير من البلدان‪ ،‬إذ الذي قُتل خالل اقتحام القصر الرئاسي‬ ‫عمل سفيرا‪ ،‬ما مكّنها من التعرف على التشيلي‪ ،‬وتــم نفيها نتيجة ذلــك عام‬ ‫بيئات عالمية متنوعة‪ ،‬ومما كان له أثر ‪1975‬م إلى فنزويال‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫بتوظيف الحبكة البوليسية واستغالل‬ ‫مداخلها‪ ،‬تقتحم الكاتبة العالمية «إيزابيل‬ ‫إليندي» فضاء روايتها الجديدة «مــا وراء‬ ‫الشتاء» التي اتخذت من بروكلين‪/‬نيويورك‬ ‫مسرحا لها في فترة زمنية غطّ ت العام ‪2016‬م‪،‬‬ ‫والتي بــدأت أحداثها ببداية عاصفة ثلجية‬ ‫اجتاحت نيويورك‪ ،‬عندما اصطدمت سيارة‬ ‫األستاذ الجامعي «ريتشارد بوماستير» بسيارة‬ ‫«إيفلين»‪ ،‬مربية األطفال‪ ،‬الفتاة القادمة من‬ ‫«غــواتــيــمــاال»‪ ،‬بعد أن تــعــرض قــط الدكتور‬ ‫لعارض اضطره للخروج‪ ،‬فيتم اكتشاف جثة‬ ‫لشابّة في صندوق السيارة‪ ،‬وبلجوء «ريتشارد‬ ‫بوماستير» لجارته التشيلية‪ ،‬طالبا مساعدتها‬ ‫للخروج من الــورطــة‪ ،‬تبدأ الكاتبة فك لغز‬ ‫قصتها‪ ،‬ولــضــرورات التشويق‪ ،‬تُحيك قصة‬ ‫حب بين الجارين اللذين يعمالن في جامعة‬ ‫«نيويورك»‪ ،‬ولينعطف مسار الرواية لهدفه‬ ‫الرئيس‪ :‬كشف مافيا االتــجــار بالمهاجرين‬ ‫بطريقة غير شرعية وتهريبهم في ظروف غير‬ ‫إنسانية لدخول أميركا ‪-‬الحلم‪ -‬الذي يُغري‬ ‫شباب العالم من بعيد‪ ..‬بفعل اإلعالم واألفالم‬ ‫وبهرجة الميديا‪ ،‬بينما يعيش واقعه الكاذب‪،‬‬ ‫من اضطر للهجرة وعاش ويالتها‪ ،‬إنها إحدى‬ ‫الوسائل لتعرية القبح الذي تغطيه الدعايات‪،‬‬ ‫وفي اآلن نفسه‪ ،‬تنهض الرواية بكشف حالة‬ ‫الــتــردي اإلنــســانــي ألولــئــك الــذيــن أجبرتهم‬ ‫ظــروف بالدهم القاسية على تجرع ويالت‬ ‫الغربة اإلجبارية ومكابدة ويالتها‪ ،‬ولو وجد‬ ‫المهاجر في بلدة الطارد لشبابه ولكفاءاته‬ ‫الحد األدنى من متطلبات اإلنسانية فيه لما‬ ‫فكر في الهجرة أصال‪.‬‬

‫يحاول الجاران مساعدة إيفيلين‪ ،‬المهاجرة‬ ‫بطريقة غير قانونية ‪-‬وال تمتلك أي ورقة‬ ‫رسمية‪ -‬في التخلص من السيارة ومن الجثة‪،‬‬ ‫ليبدأ كل منهما بالحديث عن نفسه وظرفه‪،‬‬ ‫حتى وقعا في حالة تفاهم نادرة وسقطا في‬ ‫شباك الحب‪.‬‬ ‫من يتابع شخصيات العمل بشكل دقيق‪،‬‬ ‫يجد أن الغربة واالغتراب القسري ما يجمعها‬ ‫جميعا‪ ،‬وهــي التي ترسم مالمح األحــداث‬ ‫وتحدد مالمح الشخصيات النفسية والفكرية‪،‬‬ ‫فاالغتراب هو دافــع الشخصيات في جميع‬ ‫تصرفاتها‪ ،‬يغرق «ريتشارد» في العمل لينسى‬ ‫مصاعب اغترابه‪ ،‬وتلوذ «إيفلين» بصمتها‬ ‫وتــجــاهــد «لــوثــيــا» بتحقيق ظـــروف أفضل‬ ‫لواقعها لتتناسى فجيعة غربتها‪ .‬من هنا‪،‬‬ ‫انطلقت الــروايــة من ثيمة الحب على تعدد‬ ‫تأويالته ومناخاته ليكون حال للفقر والحروب‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪53‬‬


‫ومصاعب االقــتــصــاد وصــراعــات السياسة‬ ‫ولعبة الكراسي‪ ،‬وما عالقة الحب المتأخرة‬ ‫بين كهلين «لوثيا وريتشارد» إال نموذج النتصار‬ ‫الــبــشــريــة إن أحــســنــت وأخــلــصــت نــوايــاهــا‪،‬‬ ‫فبالحب‪ ،‬مهما تباينت فــضــاءاتــه‪ ،‬يتحقق‬ ‫الممكن‪ ،‬فحب الجدة «كونثبثيون» لحفيدتها‬ ‫«إيفيلين» هــو ال ــذي أنقذها مــن مصيرها‬ ‫المجهول في جواتيماال وعلى الحدود بين‬ ‫المكسيك والــواليــات المتحدة‪ ،‬وك ــذا حب‬ ‫«دانيلال» ألمها هو الذي أسهم في إنقاذ ما‬ ‫تبقى من «لوثيا» ودفعها للبحث عن حياتها‬ ‫كرّة أخــرى‪ ،‬ولوال حب «ريتشارد ولوثيا» لما‬ ‫وجدت «إيفيلين» من يأخذ بيدها‪ ،‬فالحب هو‬ ‫الذي يداوي أمراضنا ويرتق تشوهاتنا وندوب‬ ‫ماضينا‪.‬‬

‫أن تكون هي األخــرى مما اختزنته الكاتبة‬ ‫في طفولتها وعاصرته في شبابها من ويالت‬ ‫كفظائع االنقالب في بلدها الذي أطاح بعمها‪،‬‬ ‫وفقدانها لوليدها في مقتبل عمره‪.‬‬ ‫الــســؤال الــذي يُــطــرح‪ :‬هــل يكون الفصل‬ ‫الخاص ب«إيفلين» يمثل بطريقة أو بأخرى‬ ‫خيوطا من سيرة المؤلفة؟‬ ‫قد يستدعي األمر مقاربة لما جاء في هذا‬ ‫الفصل ودقائق في حياة «إيزابيل إليندي»‬ ‫التي إن صح سؤالنا فهي شهادة لها بتوظيف‬ ‫مالمح من ذاتها في عمل إنسانيّ الفت‪ ،‬ولعل‬ ‫المثير أيضا في هــذا العمل‪ ،‬قــدرة الكاتبة‬ ‫على الغوص في أعماق كبار السن واستنهاض‬ ‫مشاعر الحب لديهم‪ ،‬وهم في فترة عمرية تكاد‬ ‫هذه العاطفة أن تذوب‪ ،‬فهل حُ رمت الساردة‬ ‫هذه العاطفة شابة ووجدتها في سن متأخرة‬ ‫حتى نجحت هذا النجاح المبهر في تصويرها‬ ‫والكتابة عنها وطرحها بهذا الوضوح؟‬

‫بيسر س ـرّبــت الــكــاتــبــة مفهومها للحب‬ ‫ووعيها على نتائجه والذي رأت فيه المخلّص‬ ‫الوحيد لما يواجهنا من صعوبات ويتحدانا من‬ ‫مشكالت‪ ،‬دونما تنظير ونظريات ودعايات‬ ‫تذهب أدراج الرياح‪ ،‬وهي بذلك تخالف ما‬ ‫الشكر للكاتبة التي أمتعتنا بهذا النص‬ ‫درجــت عليه الكاتبة في أعمالها السابقة‪،‬‬ ‫الذي مزج التاريخ بالواقع بالفنتازيا‪ ،‬ومكّنتنا‬ ‫والتي كرّست فيها الجانب المأسوي‪.‬‬ ‫من اإلطاللة على واقع قاس أليم مثّل للقارئ‬ ‫في روايتها الجديدة‪ ،‬وظّ فت «إليندي» تقنية‬ ‫االســتــرجــاع‪ FLASH BACK /‬وبوساطتها في لحظة ما‪ ،‬الحلم القريب‪ ،‬وبأسلوب ونكهة‬ ‫أع ــادت للمتلقي تفاصيل حــيــوات أبطالها خاصة بها‪ ،‬ملونا بالتشويق واإلثــارة‪ ،‬جمعت‬ ‫وصــنــاديــق ماضيهم وطفولتهم‪ ،‬ومــا واجــه فيه ثيمات الجريمة والموت والحب والفقد‬ ‫كل منهم من مصاعب ومضايقات‪ ،‬لنتفهم والشيخوخة وعادات وتراث الشعوب‪ ،‬والحنين‬ ‫ونُفسّ ر تصرفاتهم في األحداث الحالية‪ ،‬أما لمكان الطفولة ومــرابــع الشباب وذكــريــات‬ ‫توظيفها لمواقف الرعب والغرائبية فال تعدو األوطان التي غادرتنا‪.‬‬

‫‪54‬‬

‫* ما وراء الشتاء‪ ..‬رواية إيزابيل إليندي‪ ،‬ترجمة صالح علماني‪ ،‬دار اآلداب‪ ،‬بيروت‪2018 ،‬م‪.‬‬ ‫** كاتب من األردن‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫«غياب ِك َ‬ ‫الباب»‬ ‫الهوائي َة على‬ ‫دراجته‬ ‫ترك‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫الحدس‬ ‫لمحمد الحرز‪ :‬الشاعر وكتابة ِ‬ ‫■ عماد الدين موسى*‬

‫تكمن خصوصيّة وتـفـرّد قصيدة الشاعر السعودي محمد الحرز في كــلٍّ من‬ ‫لجملته‪ ،‬تتصف بسالستها‬ ‫نبرتها الهادئة ولغتها المُ غايرة؛ إ ْذ ثمّ ة بناءٌ مُ حكم ُ‬ ‫وكثافتها الشديدة‪ ،‬عدا عن أنها مليئة بالتضاد والمُ فارقات اللفظيّة المحبّبة‬ ‫وغايةً في اإلتقان‪ .‬بدوره‪ ،‬اإليقاع الداخليّ للكلمات‪ ،‬تلك المنتقاة بعنايةٍ ورويّة‪،‬‬ ‫يُضفي المزيد من الموسيقى العذبة إلى عوالم قصيدته‪ ،‬ويجعلها أشبه بقطعةٍ‬ ‫فنّيةٍ مُ شبعة بالمشاعر واألحاسيس‪.‬‬ ‫فــي مجموعتهِ الـ ِـشــعــر ّيــة الجديدة‬

‫«غــيــابُـ ِـك تــركَ دراجــت ـ ُه الــهــوائـ ّيـ َة على‬ ‫الباب»‪ ،‬الصادرة أخيراً عن منشورات‬ ‫ِ‬

‫المتوسط (ميالنو ‪2018‬م)‪ ،‬يمي ُل الشاعر‬

‫محمد الحرز إلى الكتابة اإلشكاليّة‪ ،‬تلك‬ ‫المثيرة للحواس الخمس للقارئ‪ ،‬الكتابة‬ ‫بوصفها الدرجة القصوى من اإلبــداع‬

‫الحقيقي‪ ،‬حيثُ نجد لديه اإللمام بكافّة‬ ‫الجوانب الفنيّة‪ ،‬سواء من جهةِ تدوينهِ‬

‫لــلــحــظــات الحميمة وح ــده ــا‪ ،‬مـ ــروراً‬

‫الوصف وتداخلها مع الفنيّات‬ ‫ِ‬ ‫بجماليّات‬

‫تشكيل بــصــريّ للعوالم‬ ‫ٍ‬ ‫األخـــرى‪ ،‬مــن‬ ‫والمُشاهد الملتقطة‪ ،‬ومــن ثـ ّم تقطيع‬ ‫القصيدة إلى مقاطع متتالية‪ ،‬حيثُ يبدأ‬ ‫الحدث بتواتر سرديّ مدروس‪ ،‬وصوالً‬ ‫إلــى الــذروة أو ما يسمّى ببؤرة التوتّر‬ ‫النهايات؛ يقول‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫واإلدهاش في‬

‫ليس لي‬ ‫«ما َ‬ ‫كان مُ ج ّر َد لُعبة صغيرة‬ ‫أهدتْنِ ي إيّاها أُمّ ي‬ ‫رفضت الذهابَ‬ ‫ُ‬ ‫حينَ‬ ‫إلى المدرسة‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪55‬‬


‫ليس لي هُ و لي‬ ‫ما َ‬ ‫فضلة!»‪.‬‬ ‫أصبحت لُعبتَهُ المُ َّ‬ ‫ُ‬ ‫عندما‬ ‫الشاعر والحدس‬ ‫تُعد تجربة محمد الحرز (مواليد البحرين‬ ‫‪1967‬م)‪ ،‬من التجارب الجميلة والمُهمّة‪،‬‬ ‫الشعريّة‪،‬‬ ‫ولها مكانتها المتميّزة على خارطة ِ‬ ‫والشعريّة العربيّة‬ ‫ِ‬ ‫ال السعوديّة فحسب‪ ،‬بل‬ ‫كذلك؛ إلى جانب شعراء سعوديّين آخرين‪،‬‬ ‫نذكر منهم‪ -‬على سبيل المثال ال الحصر‪:-‬‬ ‫عــبــداهلل الــســفــر‪ ،‬محمد الــدمــيــنــي‪ ،‬أحمد‬ ‫المال‪ ،‬علي الحازمي‪ ،‬عبدالوهاب أبو زيد‪،‬‬ ‫إبراهيم زولي‪ ،‬علي بافقيه‪ ،‬هدى ياسر‪ ،‬زكي‬ ‫الصدير‪ ،‬علي الدميني‪ ،‬أحمد العلي‪ ،‬أبرار‬ ‫سعيد‪ ،‬غسّ ان الخنيزي وغيرهم‪.‬‬

‫‪56‬‬

‫ولع ّل ما يميّز قصيدة محمد الحزر أكثر لنا عن ما يُراودُه وما يريدهُ أيضاً؛ حيثُ يقول‪:‬‬ ‫الحدس ِ‬ ‫ُ‬ ‫من غيرها‪،‬‬ ‫الشعري فيها أوالً‪ ،‬وتالياً «ال تفعلْ‬ ‫عليك فِ علُه‬ ‫َ‬ ‫يوج ُب‬ ‫طريقة الشاعر في اختيار ِه للمشهد‪ ،‬ومن ث ّم ما ال ّ‬ ‫تناوله لهذا المشهد من أكثر من جانب من ستمضي في حياتِ َك‬ ‫الصعُ و َد إلى ال ّتلّة‬ ‫الجوانب الجماليّة فيهِ ‪ .‬في قصيدة بعنوان ال أنتَ تُريدُ ُّ‬ ‫(العطش)‪ ،‬والتي تأتي في هذا االتجاه‪ ،‬ال وال النُّ زُ ولَ إلى الوادي‪.‬‬ ‫يكتفي الشاعر بالقلقِ والحير ِة وحدهما‪ ،‬البالدُ التي هي بالدُ كَ‬ ‫بل يذهبُ بعيداً وغميقاً ح ّد الغرق‪ ،‬ال في‬ ‫ستشطرُ الرغب َة‬ ‫السراب والغموض‪ ،‬وإنّما في السرد الشيّق‬ ‫بسكِّ ين‬ ‫إلى الج َه َتيْن ِ‬ ‫للحدث؛ «البوصلة»‪« ،‬الف ُم المفتوح»‪« ،‬الماء»‪،‬‬ ‫غيرِ صالحةٍ لالستعمال‬ ‫«الطريق»‪« ،‬الخيوط»‪« ،‬النافذة»‪« ،‬االنفجار»‪،‬‬ ‫سوى مرَّ ةٍ واحدة»‪.‬‬ ‫«البالد»‪« ،‬الرغبة»‪« ،‬السكّين»‪« ،‬قبل فوات‬ ‫تدوين المرئي والالمرئي‬ ‫األوان»‪ ،‬وغــيــرهــا الكثير مــن الــمــفــردات‬ ‫مجموعة «غياب ُِك تركَ دراجت ُه الهوائ ّي َة‬ ‫والعبارات التي تختصر الحالة السيكولوجيّة‬ ‫ـاب»‪ ،‬والتي جــاءتْ في مئة وستين‬ ‫للشاعر في لحظة الحدث الراهنة‪ ،‬إ ْذ يكشف على الــبـ ِ‬

‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫الشاعر محمد الحرز‬

‫صفح ًة من القطع المتوسط‪ ،‬هي اإلصدار عن الحزن والفرح‪ ،‬األمــل واأللــم‪ ،‬البشاعة‬ ‫ِ‬ ‫الشعري السادس للشاعر محمد الحرز‪ ،‬إ ْذ والجمال‪ ،‬الصعود والنزول‪ ،‬األبيض واألسود‪،‬‬ ‫سُ بق ل ُه أ ْن أصد َر المجاميع ِ‬ ‫الشعريّة التالية‪ :‬يكتب بمنتهى الرقّة والبساطة والشاعريّة‪،‬‬ ‫«رجل يشبهني» (‪1999‬م)؛ «أخف من الريش ربّما ألنّ «القصيدة‪ ،‬بحسب روبرت فروست‪،‬‬ ‫بغصة في الحلق‪ ،‬والشعور بأن شيئاً ما‬ ‫أعمق من األلم» (‪2002‬م)؛ «أسمال ال تتذكر تبدأ ّ‬ ‫دم الفريسة» (‪2009‬م)؛ «سياج أقصر من ليس على ما يرام‪ ،‬وحنين للعودة إلى البيت‪،‬‬ ‫الرغبات» (‪2013‬م)؛ «قصيدة مضيئة بمجاز ورغبة في الحب»؛ يقول‪:‬‬ ‫واحــد» (‪2014‬م)؛ و«أحمل مسدسي وأتبع‬ ‫تعرف أنّي شاعر‬ ‫ُ‬ ‫الليل» (‪2015‬م)؛ إضافة إلى مجموعة كتب «أمّ ي ال‬ ‫قط‬ ‫فكرية ودراسات نقدية‪ ،‬من أبرزها‪« :‬شعرية أبي لم يقرأ قصيد ًة لي ّ‬ ‫الكتابة والجسد» «القصيدة وتحوالت مفهوم وإذا ما رأى أحدُ إخوتي حمامةً تف ّر‬ ‫قفص كلماتي؛‬ ‫الكتابة» «الحجر والظالل‪ :‬الشعر والسرد في من ِ‬ ‫مختبر القراءة»‪ ،‬و«الهوية والذاكرة»‪.‬‬ ‫ظنّ أنها للجيران‪.‬‬ ‫في هذه المجموعةِ ؛ يكتب الشاعر الحرز‬ ‫عن كل ما هو بسيط ومُهمل في اآلنِ معاً‪،‬‬ ‫وتحديداً تلك التفاصيل اليوميّة العابرة من‬ ‫حياتنا‪ ،‬المرئيّة منها والالمرئيّة أيضاً‪ ،‬يكتب‬

‫بعد موتي‬ ‫القفص ذاتِ ه‬ ‫ِ‬ ‫ستعودُ الحمامةُ إلى‬ ‫سمعت أبي يقولُ ألُمّ ي‪:‬‬ ‫ْ‬ ‫ألنها‬ ‫كان جَ ُّده شاعراً»‪.‬‬

‫ * كاتب من سوريا‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪57‬‬


‫عبدالعزيز مشري‬ ‫هجاء األسفلت واإلسمنت!‬ ‫في رواية «الوسمية»‬ ‫■ هشام بنشاوي*‬

‫في تظهيره لرواية «الوسمية»‪ ،‬كتب عبدالعزيز الصقعبي‪« :‬هــو عوالم كثيرة‬ ‫تأسر من يعرفه‪ ..‬هو روائي متميز ومتجاوز ومقنع‪ ..‬وهو قاص ممتع وفنان شامل‪،‬‬ ‫حتى عالم الكاريكاتير أسهم فيه‪ ..‬هو كتلة من الفن‪ ،‬يقرأ كثيرا بكل الطرق‪ ،‬من‬ ‫الكتاب أو عبر مكبر للحروف والكلمات»‪..‬‬ ‫هذا ليس من قبيل المدح‪ .‬ولكن أنا أقدم دعوة لكل األجيال الجديدة بأن يكون‬ ‫ضمن أجندتهم القرائية‪ ،‬االطالع على نتاج المبدع عبدالعزيز مشري‪.‬‬ ‫إن روايــــــــات م ــث ــل «ال ــوس ــم ــي ــة»‪ ،‬من الصدق واإلخالص‪ ..‬وعالم من الفن‬ ‫و«صــالــحــة»‪ ،‬و«فـــي عــشــق حــتــى»‪ ،‬أو واإلبداع‪ ..‬وكثير من المحبة والود»‪.‬‬ ‫مجموعات قصصية كثيرة ومتميزة‬ ‫في كتابه «مكاشفات السيف والوردة»‪،‬‬ ‫منها «أســفــار ال ــس ــروي»‪ ..‬بمقارنتها يــعــتــرف األديــــب الــســعــودي الــراحــل‪،‬‬ ‫لبعض األعمال الصادرة اآلن‪ ،‬نجد أنها عبدالعزيز مشري‪ ،‬أحد رموز التجربة‬ ‫متجاوزة‪ ،‬ألن من كتبها مبدع حقيقي‪ ،‬ال األدبية الطليعية في السعودية‪ ،‬والذي‬ ‫يطمح للشهرة مطلقا بل أحب الكتابة تتسم تجربته السردية بالمغايرة والجدة‬ ‫واإلبداع‪..‬‬ ‫واألصــالــة‪ ،‬بأنه ال يجد نفسه حميميا‬

‫‪58‬‬

‫عبد العزيز مشري‪ ..‬ال بد أن تقرأه مع حياة المدينة كثيرا‪ ،‬ولــم يتعاطف‬ ‫األج ــي ــال الــجــديــدة‪ ،‬الــتــي استسهلت مع إيقاعاتها الذائبة‪ ،‬الخرسانية‪ ،‬فمنذ‬ ‫الكتابة بتوفر التقنية الحديثة‪ ..‬إنه كتلة البدايات القصصية األولى‪ ،‬والتي لم تكن‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫عبدالعزيز مشري مع بعض أصدقائه‬

‫مدركة للدوافع واألهــداف الكتابية بعمق‪..‬‬ ‫«كــانــت تلك األعــمــال ‪-‬وه ــي فــي المدينة‪،‬‬ ‫والغربة الثقافية‪ ..-‬تجعل أبطالها قرويين‬ ‫يتعاملون بالمنطق القروي والهيئة القروية‪،‬‬ ‫وقد صدمتهم مطحنة المدن الرافضة لكل‬ ‫القيم اإلنسانية البديهية والبريئة‪ ،‬لم يكونوا‬ ‫غير متفاهمين مع ذلك اإليقاع‪ ..‬بل أوجدوا‬ ‫نظاما توازنيا في تعاملهم معها ونجحوا‪..‬‬ ‫لكنهم في الدواخل ال يتعاطفون مع أشكال‬ ‫ومــن تفاصيل الحياة اليومية القاسية‪،‬‬ ‫معطياتها الجافة»‪.‬‬ ‫تــمــضــي أي ـ ــام طــويــلــة وقــاســيــة ومــحــاطــة‬ ‫في روايته «الوسمية» (دار أثر‪2018 ،‬م)‪ ،‬بالجفاف‪ ،‬وتتحول فيها آمــال الــنــاس إلى‬ ‫يحتفي مشري‪ ،‬وبشاعرية شجية‪ ،‬بتفاصيل رجاء حار يستعطف رحمة السماء‪ ،‬وتتصدق‬ ‫الحياة اليومية في قرية جنوبية‪ ،‬قبل أن النساء بمالبسهن القديمة‪ ،‬ويخرج الرجال‬ ‫يغتالها األسفلت واإلسمنت!‬ ‫حب الذرة المكنوز في بيوت مئونتهم‪ ،‬وتجعل‬ ‫في اللوحات األول ــى‪ ،‬يصف عبدالعزيز منه زوجاتهم طبيخا لذيذا بالملح والبهار‪،‬‬ ‫مشري قلق األهــالــي بسبب تأخر المطر‪ ،‬يقدمنه في الغذاء والعشاء‪.‬‬ ‫فــي االستقاء إال البنات الــمــدركــات‪ ..‬قوة‬ ‫وتصرفا»‪ ،‬بيد أن حميدة تعتبر «شباب هذا‬ ‫الزمان مدلعاً‪ ،‬ما فيه تعب وراء الدراهم‪..‬‬ ‫واحد يسافر إلى مكة‪ ..‬وواحد متعلم يشتغل‬ ‫فــي وظــيــفــة‪ ..‬يلبسون ثــيــاب بفت بيضاء‪،‬‬ ‫وعمائم نظيفة‪ ..‬ويشربون الدخان من «أبو‬ ‫بس»‪ ،‬لكنها تقتنع بأن ابنتها ستروح إلى بيت‬ ‫آخر‪ ،‬وستكون لبنتها الصغيرة حياة طيبة‪.‬‬

‫وانــتــظــارهــم الــمــتــلــهــف لــلــفــرج‪ ،‬وطــقــوس‬ ‫االستسقاء‪ ،‬وعــادات الــزواج‪ ،‬وحين تمطر‪،‬‬ ‫تغمر الفرحة قلوب الجميع‪ ،‬كبارا وصغارا‪،‬‬ ‫وتمنع حميدة األرملة ابنتها من مغادرة البيت‪،‬‬ ‫عندما جاءها خاطب من قرية «الجبل»‪ ،‬لكن‬ ‫أمها لم تمنعها من «االستقاء»‪« :‬ال يشارك‬

‫ويرى أهالي القرية‪ ،‬بعد صالة الجمعة‪ ،‬أن‬ ‫سبب الجفاف قلوب الناس الممتلئة بالحقد‬ ‫والضغينة‪ ،‬ويكتمونها‪ ،‬ويتفقون على قراءة‬ ‫«الراتب»‪ ،‬باعتباره السبيل الوحيد لتطهير‬ ‫القلوب‪ ،‬بينما يعترض بعضهم بأن «الراتب»‬ ‫ال يقرأ إال عندما يكون في القرية خائنا أو‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪59‬‬


‫مخربا لم يعترف بذنبه‪.‬‬ ‫وبــــعــــدمــــا أمــــطــــرت‪،‬‬ ‫يــعــمــلــون خــلــف ثــيــرانــهــم‪،‬‬ ‫وعند الظهيرة‪ ،‬يحين وقت‬ ‫القيلولة والغداء‪ ،‬يربطون‬ ‫ثــيــرانــهــم وحــمــيــرهــم في‬ ‫ج ــذوع الــشــجــر‪ ،‬ويتغذون‬ ‫تــحــت فــيــئــهــا‪ ،‬ويــشــربــون‬ ‫الــقــهــوة الــمــمــزوجــة بحب‬ ‫الهيل والزنجبيل‪ ،‬ويشربون‬ ‫ال ــش ــاه ــي‪ ،‬ويــجــلــس أبــو‬ ‫جـ ــمـ ــعـ ــان م ــت ــك ــئ ــا عــلــى‬ ‫مــرفــقــه‪ ،‬تــحــت الــطــلــحــة‪،‬‬ ‫للف التمباك‪ ،‬واالستمتاع‬ ‫بكيفه‪.‬‬ ‫لكن سرعان ما يكدر صفو هذه الحياة‬ ‫البسيطة‪ ،‬بعض المنغصات المستوردة‬ ‫مــن الــمــديــنــة‪ ،‬إن جــاز هــذا التعبير‪ ،‬مثل‬ ‫حادث غرق الشاب في البئر‪ ،‬بعد محاولته‬ ‫تــشــغــيــل مــحــرك ض ــخ ال ــم ــي ــاه‪ ،‬فــامــتــأت‬ ‫األرض الزراعية‪ ،‬المحيطة بالبئر‪ ،‬بالناس‬ ‫والفوضى‪ ،‬بعد انتشار الخبر المأساوي‪،‬‬ ‫وغلبت الحادثة على كل تقليد‪ ،‬جاء الشبان‪،‬‬ ‫وجاءت الشابات‪ ،‬وحتى العجائز اللواتي ال‬ ‫يخرجن إال فيما ندر‪ ،‬وجاءت أم الميت مع‬ ‫من جاء على داعي الصوت‪ ،‬ووقعت مغشيا‬ ‫عليها‪ ،‬واتفقوا على دفنه قبل غروب الشمس‪،‬‬ ‫وألن الوسمية شغلت الناس؛ فالزرع يحتاج‬ ‫إلى السقي والرعاية والمتابعة‪ ،‬وحراسته من‬ ‫الغنم التي يهملها رعاتها‪ ،‬أو تعدي الحمير‬ ‫المتسللة‪ ،‬التي تأكل الجهد وتأكل الــرزق‪،‬‬ ‫اتفقت النسوة على أن يساعدن أم الميت‪،‬‬ ‫بإحضار الماء واللقمة لها بين حين وحين‪،‬‬ ‫ * كاتب من المغرب‪.‬‬

‫‪60‬‬

‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫بــعــد م ــوت وحــيــدهــا‪،‬ألنــهــا‬ ‫عجوز تحتاج إلى مساعدة‬ ‫يومية‪ ،‬بينما اتفق الرجال‬ ‫على بيع الــمــحــرك‪ ،‬ودفــع‬ ‫ثمنه ألم صاحبه‪.‬‬ ‫ال ــح ــدث الــرئــيــس في‬ ‫الــروايــة هــو شــق الطريق‪،‬‬ ‫حيث اعتبرها الشيخ ‪ -‬في‬ ‫مشهد اســتــبــاقــي‪ -‬تقرب‬ ‫البعيد‪ ،‬وتبعد القريب‪ ،‬لكن‬ ‫جــاء الخير وقلت البركة‪،‬‬ ‫مــنــذ أن أصــبــح الــصــديــق‬ ‫ينسى صــديــقــه‪ ،‬والرحيم‬ ‫ينسى رحــيــمــه‪ ،‬والــقــريــب‬ ‫يتعادى مع قريبه‪ ،‬وأصبحت الفلوس هي‬ ‫التي تسوي الــرجــال‪ ..‬تتحكم في القريب‬ ‫والبعيد‪ ..‬خرب الزرع وقلت البركة‪ ..‬وحفت‬ ‫الدنيا‪ ..‬وأصبح الناس يحبون حنطة أمريكا‪،‬‬ ‫والشاهي السيالني‪ ،‬ويسافرون ويجيئون‪.‬‬ ‫ومن يوم صار البترول يأخذ الناس‪ ،‬وينسى‬ ‫الشباب أراضيهم وزراعتهم‪ ،‬وحــق أبائهم‬ ‫وأجــدادهــم‪ ..‬وص ــاروا يتمسخرون بالبالد‬ ‫وخيرها‪.‬‬ ‫آخر الكالم‬ ‫في حواره مع جريدة «الحياة»‪ ،‬استحضر‬ ‫الكاتب الــراحــل عبدالعزيز مشري رفقته‬ ‫مع أحد القرويين‪« ،‬حين نظر إلى الطريق‬ ‫المكسوة باألسفلت‪ ،‬قــال بحسرة‪« :‬زمــان‬ ‫كنا نموت واألرض حية… اآلن األرض تموت‬ ‫أمامنا ونحن نموت بعدها»‪ ،‬وكان صاحبي‬ ‫يشير بمرارة إلى غلبة األسفلت على العشب‬ ‫في هذا األفق الذي ينغلق علينا !!»‪.‬‬


‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫الو َجع"‬ ‫الحياة‬ ‫وإرباكاتها في "ضيوف َ‬ ‫قصائد هايكو للشاعر المصري حسين عيسى عبدالجيد‬ ‫نـــوارة لــحـــرش*‬ ‫■ ّ‬

‫يقدم الشاعر المصري‪ ،‬حسين عيسى عبدالجيد‪ ،‬في ديوانه الجديد (ضيوف‬ ‫الوجع)‪ ،‬الصادر عن دار يسطرون بمصر‪ ،‬باقة من قصائده الشعريّة المندرجة في‬ ‫فن الهايكو‪ ،‬وهو بهذا يضيف إلى مدونة شعر الهايكو في العالم العربي‪ ،‬إضافة‬ ‫بشكل الفت‪( ،‬رغم قول بعض‬ ‫ٍ‬ ‫مهمة‪ ،‬هي مدونة بدأت في اآلونة األخيرة تتشكل‬ ‫النقاد بعدم وجود الهايكو في العالم العربي)‪ ،‬وفوق هذا تحجز لها مكانا وحيزا‪،‬‬ ‫أو لنقل خارطة مُ شرقة تحت سماء الهايكو‪.‬‬ ‫وكــمــا ه ــو م ــع ــروف وشـــائـــع‪ ،‬ف ــإنّ التقاط تفاصيل العالم‪ :‬الطبيعة‪ ،‬الحياة‬

‫"الهايكو"‪ ،‬هو نوع من الشّ عر الياباني‪ ،‬والحاالت‪ ،‬وغيرها من مكنونات الكون‬ ‫يُــكــتــب بــألــفــاظ بــســيــطــة ومقتضبة‪ ،‬واإلنسان‪ .‬كما يحتاج أحيانا إلى قدرة‬

‫يــحــاول كاتبه مــن خــالــه التعبير عن على العبث والسخرية‪ ،‬وزوايــا متعدّدة‬

‫مــشــاعــر وحـ ــاالت وأحــاســيــس عميقة من الرؤية الثاقبة والمتفحصة لألمور‬

‫بأقل الكلمات‪ ،‬تكون غالبا‪ ،‬موزعة على وأكـ ــوان وســيــاقــات الــيــومــي والمعيش‬ ‫أسطر ثالثة؛ كما يتميّز بتكثيف الفكرة واإلنــســانــي وال ــواق ــع ومــكــونــاتــه‪ .‬وقــد‬ ‫واخــتــزالــهــا بــعــدد قليل مــن الكلمات‪ ،‬ازدهر الـ"هايكو" في مرحلته األولى في‬

‫ويعتمد صيغا قصيرة تحتاج كتابتها القرن ال ـــ‪17‬م‪ ،‬بفضل "ماتسيو باشو"‬ ‫إلى ذكاء كبير وبراعة لغوية وخبرة في (‪1694/1644‬م)‪ ،‬المُعلم األوّل لهذا‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪61‬‬


‫الفن‪ ،‬وهو أحد أعظم شعراء اليابان‪ ،‬وقام‬ ‫برفع سقف قصيدة الهايكو إلى أعلى مرتبة‬ ‫من مراتب الفن الرفيع‪.‬‬ ‫تكمن الفروقات واالختالفات بين قصيدة‬ ‫الهايكو التقليدية وقصيدة الهايكو المعاصرة‪،‬‬ ‫فــي التفاصيل المُحتفى بــهــا؛ فــاألولــى‪،‬‬ ‫تركز وترتكز على تفاصيل وصور الطبيعة‬ ‫والبيئة المحيطة بحالة اإلنسان‪ ،‬وتحتفي‬ ‫بها وتضيء عليها وحولها؛ والثانية‪ ،‬تتميّز‬ ‫أكثر بحاالت التأمّل الـرّوحــي وبالمشاعر‬ ‫واإلنسان‪ ،‬وبنقل األحاسيس‪ ،‬بإيجاز وبصور‬ ‫مكثفة‪ ،‬وأحيانا بحكمة ولوحة فنية تقتنص‬ ‫من الدهشة الكثير‪.‬‬ ‫والالفت والمالحظ في العالم العربي‬ ‫في السنوات األخيرة هو توجّ ه الكثير من‬ ‫الشعراء لكتابة قصائد الهايكو‪ ،‬والكثير من‬ ‫الدواوين والمجموعات الشّ عرية‪ ،‬تصدر ك ّل‬ ‫فترة في أكثر من بلد عربي لشعراء عرب‬ ‫أغلبها في شعر الهايكو‪ .‬هذا الفن الياباني‬ ‫األصل والمنبت الحساسية‪ ،‬استقطب اهتمام‬ ‫الكثير من الشعراء العرب‪ ،‬واستحوذ على‬ ‫شغفهم وعواطفهم‪ .‬فما الّذي يجعل الشاعر‬ ‫العربي يستلذ كتابة الهايكو‪ ،‬ما الّذي يجعله‬ ‫شغوفا بهذا الفن إلى الح ّد الّذي أصبحت‬ ‫فيه معظم تجاربه الشّ عرية تنتمي إليه‪:‬‬ ‫أجواءً‪ ،‬وصورا ولغة وإيحا ًء وإبحارا ورفرفة‬ ‫وتحليقا وأسلوبا‪.‬‬

‫‪62‬‬

‫القارئ الميدياوي (نسبة إلى الميديا) الّذي‬ ‫أصبح ال تستوقفه الحياة إ ّال فــي مواقع‬ ‫التواصل االجتماعي‪ ،‬حيث هناك عالمه‬ ‫وعوالمه التي أصبح كثيرا ما يستغني بها‬ ‫عن الواقع بك ّل ما فيه من تفاصيل وحيوات‬ ‫ومكونات حقيقية زاخرة باإلنسان وصخبه‬ ‫وتفاصيله‪ .‬هل هذا القارئ الميدياوي لم‬ ‫يعد يهتم بالشّ عر المسكوب في القصائد‬ ‫الطويلة والدواوين الضخمة‪ ،‬وأصبح فقط‬ ‫يكتفي بما قل ودل من فن الكالم ومن ِش ٍعر‬ ‫مسكوب فــي قصائد الهايكو والــدواويــن‬ ‫الصغيرة التي تتوزع عليها هــذه القصائد‬ ‫المسكوبة باقتضاب وبمنسوب قليل من اللّغة‬ ‫والكالم والمجاز‪ ،‬وبمنسوب أعلى من الفنية‬ ‫والدهشة؟ هل الهايكو هو معادلة الحياة‬ ‫المقتضبة في الواقع‪ ،‬المُتسعة في الخيال‬ ‫واالفتراضي؟‬

‫من جهة‪ ،‬كثيرا ما أصبح الشاعر ينتصر‬ ‫لقصائد الهايكو والومضة والشذرات‪ ،‬ومن‬ ‫جهة أخرى القارئ العربي للشّ عر (وعكس‬ ‫ما يُقال إنّه ال يحب إ ّال المطوّالت والمعلّقات‬ ‫وال يحفل بالقصائد المقتضبة)‪ ،‬فهو يذهب‬ ‫إلى قراءة هذه النماذج المختلفة من الشّ عر‬ ‫(الهايكو‪ ،‬الومضة‪ ،‬الشذرة) التي اكتسحت‬ ‫خــارطــة فــن الشّ عر العربي فــي السنوات‬ ‫القليلة األخــيــرة‪ ،‬وهــي نماذج تشترك في‬ ‫اقتصاد اللّغة وكثافة الصور وقــوة المجاز‬ ‫واالســتــعــارات‪ ،‬وأحيانا وفــرة الــوضــوح‪ .‬ما‬ ‫هل الحياة العربية ومعها (حياة الفرد يمكن القول إنّ فن الهايكو‪ ،‬قد وجد أرضا‬ ‫واإلنسان والشاعر العربي) أصبحت أضيق خصبة في تضاريس الشّ عر العربي‪ ،‬وصارت‬ ‫مــن أن تَحتمل النصوص المطولة؟ وهل له مكانة كبيرة بين أنواع الشّ عر األخرى‪ ،‬إن‬

‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫في ديوانه (ضيوف الوجع)‪ ،‬يرتكز الشاعر‬ ‫المصري حسين عيسى عبدالجيد‪ ،‬على‬ ‫أجواء الهايكو‪ ،‬ويفتتح تجربته الشّ عريّة على‬ ‫عوالم تلتقط تفاصيل الحياة والحبّ والخيبة‬ ‫واألفاق المشرعة على أمنيات قليلة‪ ،‬بكثير‬ ‫من الشّ عريّة‪ ،‬وبفنيّة ممزوجة بلذائذ من‬ ‫الــصــور التي تفاجئ الــقــارئ‪ ،‬كما لــو أنّها‬ ‫هالل أعياد من اللّغة‪ ،‬أو باقة من المفردات‬ ‫المقتضبة التي تدفعه للتحليق والرفرفة‪،‬‬ ‫والتي رغم اقتضابها تفيض منسابة بفن على‬ ‫لحظته الشعريّة‪ ،‬خالقة له أرجوحة تذهب‬ ‫به بعيدا عن مآزق اليومي التعس‪ ،‬لتوصله‬ ‫إلى ٍبر من خيال الشِّ عر والصوّر؛ فيبرأ قارئ‬ ‫النصوص من مآزق ومطبات اليومي‪ ،‬ومن‬ ‫حالة السأم التي كثيرا ما تُطبق عليه بسبب‬ ‫وتيرة الحياة المتأججة بالقلق الوجودي‬ ‫الّذي أصبح هاجسا يؤرق إنسان اليوم‪.‬‬ ‫نــصــوص الــشــاعــر حــســيــن وُفِ ــق ــت في‬ ‫اســتــخــدام لــغــة حــسـ ّيــة وبــصــر ّيــة فــي ذات‬ ‫اللحظة‪ ،‬كما وُفقت في خلق مشاهد جمالية‬ ‫رغم بساطة التراكيب أحيانا‪ .‬الهايكو عند‬ ‫الشاعر حسين‪ ،‬ابن دالالت وصور ومجازات‬ ‫وإحــاالت غنيّة بحاالت وتفاصيل إنسانية‪،‬‬ ‫وجدانية‪ ،‬وجودية‪ ،‬مُربكة أحيانا ومُرتبكة‬ ‫فــي أحــايــيــن أخ ــرى بسبب ضغط الــواقــع‬ ‫وتراكماته‪.‬‬

‫الشاعر وهو يتناول هذه الموضوعات‪/‬‬ ‫المواقف‪ .‬يريد أن يقول أنّ اإلنــســان ابن‬ ‫سياقات طبيعية عادلة ومُنصفة ومجحفة‬ ‫وجاحدة وجارحة أيضا‪ ،‬وأنّ هذا اإلنسان‬ ‫مهما وصل في حياته إلى مراتب ودرجات‪،‬‬ ‫ومهما تفاوتت وتنوعت تخبطاته في الحياة‪،‬‬ ‫إ ّال أنّه يصيبه ما يصيب ك ّل الناس‪ ،‬فأمام‬ ‫تعدّدت الموضوعات في نصوص حسين‪ ،‬الغرق‪ ،‬أمــام الموت‪ ،‬أمــام الكوارث واأللــم‪،‬‬ ‫وتــع ـدّدت مستويات اللّغة والشعريّة‪ ،‬كما يتساوى الغني والفقير‪ ،‬ويتساوى ك ّل البشر‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫لم تكن مكانته هي األوســع واألرحــب على‬ ‫اإلطالق‪.‬‬

‫تعدّدت الــرؤى وتفاوتت درجة القبض على‬ ‫الهامشيّ واليوميّ وروح الداخلي ورحابة‬ ‫الخارجي‪ .‬فمثال‪ ،‬يصف الشاعر‪ ،‬الربيع‬ ‫الــعــربــي بالفقاعات ال ــس ــوداء‪ ،‬فــي صــورة‬ ‫مــوجــزة وفيها إحــالــة تفي بحالة الخراب‬ ‫ا ّل ــذي آلــت إلــيــه ث ــورات مــا سُ ــمــيّ بالربيع‬ ‫العربي‪" :‬بالونات سوداء‪/‬تفرقع ك ّل حين‪/‬‬ ‫ربيع العرب"‪ .‬وهو مشهد صادم يصف بأقل‬ ‫الكلمات وبكثافة‪ ،‬ربيع العرب ا ّلــذي تحوّل‬ ‫إلى فقاعات سوداء وخراب يُط ُل على خراب‪.‬‬ ‫وفي مقطع آخر يُوثق شعريا للمأزق الدموي‬ ‫العربي‪" :‬كـ ّل حين‪ ،‬يمتزج باألحمر‪ ،‬الثرى‬ ‫العربي"‪ .‬هذا الثرى ا ّلــذي تنفتح مواعيده‬ ‫ومواقيته على اللون األحمر‪/‬الدم‪ .‬إذ كأنّ‬ ‫الــدم هو قدر الثرى العربي‪ ،‬قــدره األحمر‬ ‫المُمتد في ك ّل الخارطة العربية من المحيط‬ ‫إلى الخليج‪ .‬كما يعتبر في مقطع آخر أنّ‬ ‫القانون اإللهي‪ ،‬قانون عدل يتساوى أمامه‬ ‫الفقير والغني‪" :‬فــوق سطح البحر‪ ،‬تطفو‬ ‫جثتا الغني والفقير‪ ،‬قانون إلهي"‪ ،‬فال أحد‬ ‫هنا فوق الغرق‪ ،‬وال جثة أفضل من األخرى‬ ‫طفو فوق سطح البحر‪..‬‬ ‫في لحظة ٍ‬

‫‪63‬‬


‫وفي نص آخر يصف الشاعر بكثير من غير متوقعة‪ ،‬وتربكك بداياتها على نهايات‬ ‫الكثافة واأللم حال من تبيع الحليب لكنّها صادمة‪ .‬جميلة وفيها مراوغة فنيّة الفتة‬ ‫تموت في ال ــدروب بنقص في الكالسيوم‪ ،‬ومُحببة‪.‬‬ ‫صــورة مُربكة‪ ،‬أبــدع فيها الشاعر‪" :‬بنقص‬ ‫ضيوف كُثر على طاولة الهايكو‪ ،‬يتشاركون‬ ‫ٌ‬ ‫في الكالسيوم‪ /‬تموت في الــدروب‪ /‬بائعة لــذائــذ اللّغة والــصــور واإلحــــاالت‪" :‬خصر‬ ‫الحليب"‪ .‬هنا مفارقات الحياة وإرباكاتها‪ ،‬الوطن‪ ،‬الناي الحزين‪ ،‬بارود األوغاد‪ ،‬اإلناء‬ ‫فكيف لبائعة الحليب أن تموت بنقص في الفارغ‪ ،‬سوط الحياة‪ ،‬جوف الليل‪ ،‬العناق‬ ‫الكالسيوم؟ كيف لحقول خصبة ال تثمر الحار بين المنديل والدموع‪ ،‬الغرق‪ ،‬الريح‪،‬‬ ‫بالنّور واألمــل وبأغنيات تلوّح بالطمأنينة إزميل الوجع‪ ،‬الحب القديم‪ ،‬طيور الحب‪،‬‬ ‫لك ّل اآلتي‪ ،‬وللغد المركون على حافة القلق وشــوشــة الــنــســاء‪ ،‬اســم األنــثــى التي تصير‬ ‫والترقب واألح ــام المعطوبة؟ فهذه التي بمثابة توقيت وأكوان وحيوات‪ ،‬وشجرة فرح‬ ‫تموت بنقص في الكالسيوم رغم أنّها بائعة ومطر‪ ،‬وحتى يدها تصير ملعقة‪ ،‬فتنتفي‬ ‫للحليب‪ ،‬تكون ميتتها غير مُنصفة‪ ،‬ميتة حاجة اآلخر ألداة أخرى للطعام‪ ،‬فيدها تفي‬ ‫جاحدة‪ .‬يعني أنّ هناك "خلل" في منظومات بغرض الملعقة‪ ،‬كما يصير حضنها موقِ دُه‪،‬‬ ‫الحياة برمتها‪ ،‬وإ ّال لما حدث هذا الموت كما تصير أصابعه بمثابة شموع‪ ،‬فال تحتاج‬ ‫بسبب نقص الكالسيوم لبائعة الحليب‪.‬‬ ‫للضياء في الظالم‪ ،‬ألنّ أصابعه كفيلة بخلق‬ ‫حسين‪ ،‬يذهبُ إلى تحميل الرسوب في الضياء ودحر الظالم والعتمة‪."...‬‬ ‫الحياة إلــى "األخ ــرى‪- ،‬هــي‪ ،-‬شريكته في‬ ‫إنّ قصائد الهايكو عند الشاعر حسين‪،‬‬ ‫الكوكب"‪" :‬مــادة رسوبي في الحياة‪ ،‬أنـ ِـت"‪ .‬تصير حاملة لمكنونات الحياة ومشتقاتها‪،‬‬ ‫الــمــرأة ينبوع الــحــيــاة‪ ،‬فــجــأة تصبح مــادة لمكنونات المعاناة ومشتقاتها‪ ،‬بقوّة الشّ عريّ‬ ‫رسوب الشاعر‪/‬اإلنسان‪ .‬هنا مفارقة فيها الــقــابــض عــلــى الـ ُمــنــفــلــت مــن ك ــوة حــاالت‬ ‫الكثير من وجع العالقات المُربكة التي تكون إنسانية وعربية وفردية ووجدانية مختلفة‪،‬‬ ‫جحيما لآلخر‪ ،‬اآلخــر‪ :‬هــو‪ .‬واآلخــر‪ :‬هي‪ .‬هــذا االنــفــات يلتفت له الشاعر ويطوّقه‬ ‫فمثلما‪ ،‬وربّما بالقدر نفسه الّذي قد يكون باللّغة والشّ عر وكثافة الصورة أحيانا‪ .‬إنّها‬ ‫هو مادة رسوب الحياة‪ ،‬تكون هي أيضا‪.‬‬ ‫تجربة تولد من تربة التفاصيل الصغيرة‬

‫‪64‬‬

‫في نصوص حسين‪ ،‬نجد كائنات وحاالت‬ ‫كثيرة في مرتبة "الضيوف"‪ ،‬ضيوف على‬ ‫الشِّ عر والـلّــغــة‪ .‬ضيوف على وضــوح األلــم‬ ‫واإلربــاك‪ ،‬ضيوف على تقطيبة الحياة مرّة‬ ‫وعلى إشراقها ولــو بمقدار أو خجل مـرّة‪.‬‬ ‫نــصــوص تصدمك نهاياتها على بــدايــات‬

‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫ومن هوامشها الكثيرة ومن حوافها المعتمة‪.‬‬ ‫تجربة تضيء على خدوش اإلنسان وشروخه‬ ‫وكدماته‪ ،‬وعلى تناقضات العالم الداخلي‬ ‫والــخــارجــي‪ .‬قصائد تقبض فــي كــ ّل م ـرّة‬ ‫على ما يفلت من الواقع‪ ،‬وعلى ما يخرّبه‬ ‫ويزعجه‪ ،‬باللّغة‪ ،‬أوّال وأخيرا‪ .‬اللّغة العارفة‪،‬‬


‫الــشــاعــر يــفــضـ ُح أيــضــا بــال ـلّــغــة‪ ،‬ويشير‬ ‫إلــى األقنعة التي أصبحت لصيقة بالبشر‪،‬‬ ‫وأ ّن ال (بشر حقيقي) في زماننا هــذا‪ ،‬وأ ّن‬ ‫المجنون وحــده ال يرتدي أقنعة‪" :‬وحــده ال‬ ‫يرتدي قناع المجنون"‪ .‬وفي مقطع آخر‪ ،‬يرى‬ ‫أ ّن أشجار بال عناء‪" :‬كاملة األوصــاف تثمر‬ ‫بال عناء‪ ،‬أشجار الوجع"‪ .‬أمــام الوجع تثمر‬ ‫هذه التنويعات اللغوية والشّ عرية والفلسفية‪،‬‬ ‫وتفاوت مستويات النظرة لمختلف سياقات‬ ‫األفــكــار والموضوعات والــحــاالت‪ ،‬نكتشف‬ ‫قــدرة الشاعر على الخلق وعلى إيناعه في‬ ‫حضرة مرآة متشظية بشؤون الحياة واإلنسان‬ ‫والواقع‪.‬‬ ‫ومن الصور الجميلة التي حفلت بها بعض‬ ‫مقاطع الديوان‪ ،‬صــورة يقول فيها إ ّن الّذي‬ ‫يسبب أو ا ّل ــذي يرتبط بحفيف األشــجــار‪،‬‬ ‫وشوشة النساء‪ ،‬ال الريح‪" :‬حفيف األشجار‪/‬‬ ‫ال يرتبط أبدا بالريح‪ /‬وشوشة النساء"‪ .‬هي‬ ‫صورة مترقرقة ورقراقة بالنعومة وبشاعرية‬ ‫مفرطة وفائضة بالجمال‪.‬‬ ‫ما يلفت القارئ لنصوص الشاعر حسين‪،‬‬ ‫هو قدرته على خلق ألعاب فنية في صوره‬ ‫الشعريّة‪ ،‬إذ يالحظ القارئ الذكي هذه اللعبة‬ ‫وهي تتجلّى في الكثير من مقاطع الديوان‪،‬‬ ‫فبعض المقاطع تصلح ألن تُقرأ أيضا من أسفل‬ ‫إلى أعلى‪ ،‬فبعد نهاية قراءتها بشكلها العادي‪،‬‬ ‫يمكننا إعــادة قراءتها من تحت إلــى أعلى‪.‬‬ ‫وهنا تكمن براعة الشاعر حسين في إتقان‬

‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫اللّغة الضمّادة‪ ،‬اللّغة المأوى والمالذ‪.‬‬

‫لعبته الفنيّة‪ ،‬التي تجعل المقاطع قابلة للقراءة‬ ‫من األعلى لألسفل والعكس‪ ،‬وهذا ال يحدث‬ ‫عند الشعراء إ ّال نادرا‪ .‬فهذا المقطع مثال في‬ ‫صيغته األولى جاء هكذا‪" :‬بك ّل هدوء‪ /‬يمكث‬ ‫منتعال قلبي‪ /‬حبيب العمر"‪ ،‬وفــي صيغته‬ ‫الثانية‪ ،‬أيّ القراءة من األسفل لألعلى يكون‬ ‫هكذا‪" :‬حبيب العمر‪ /‬يمكثُ منتعال قلبي‪/‬‬ ‫بك ّل هدوء"‪ .‬والشيء نفسه في هذا المقطع‪:‬‬ ‫"صوب الشرق‪ /‬يتوجه دائما‪ /‬بارود األوغاد"‪.‬‬ ‫وتقابله القراءة الثانية‪" :‬بارود األوغاد‪ /‬يتوجه‬ ‫دائما‪ /‬صوب الشرق"‪ .‬والشيء نفسه في هذا‬ ‫المقطع‪" :‬بنقص في الكالسيوم‪ /‬تموت في‬ ‫الدروب‪ /‬بائعة الحليب"‪ .‬إذ يمكننا قراءته من‬ ‫تحت دون أن يختل المعنى أو تتأثر الفكرة‪:‬‬ ‫"بائعة الحليب‪ /‬تموت في الدروب‪ /‬بنقص في‬ ‫الكالسيوم"‪ .‬أيضا يمكن قراءة هذا المقطع‬ ‫قــراءة معكوسة‪" :‬فــي ملعب الحياة‪ /‬كــرة ال‬ ‫تمل ركال‪ /‬شعوب العرب"‪ ،‬إذ تصبح هكذا‪:‬‬ ‫"شعوب العرب‪ /‬كرة ال تمل ركال‪ /‬في ملعب‬ ‫الحياة"‪.‬‬ ‫مــا يمكن قــولــه فــي األخــيــر أ ّن الشاعر‬ ‫حسين عيسى عبدالجيد‪ ،‬قــدم لنا بفنية‬ ‫وإبداعية‪ ،‬مجموعة قصائد هايكو‪ ،‬حفلت‬ ‫وترقرقت بالكثير من الفن والشّ عر والخلق‪،‬‬ ‫وأ ّن تجليات الحياة وإرباكاتها كانت جليّة‬ ‫وفسيحة في هذه النصوص التي أكيد ستبهج‬ ‫القارئ وتفتح شهيته أكثر على ينابيع الهايكو‬ ‫وحدائقه وسمواته‪.‬‬

‫ * كاتبة من الجزائر‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪65‬‬


‫أوراق‬ ‫ض‬ ‫المُ عارِ ْ‬ ‫طــوال فترة سجنه؛ شَ َغلَ ُه الــســؤال عمّن كان‬ ‫يُسَ رِّبُ تفاصيل االجتماعات التي يُجريها في بيته‬ ‫للدائرة األمنية‪.‬‬ ‫شهر؛ ف ُِص َل من الحزب‪ ،‬و ُعيِّنتْ زوجتَ ُه‬ ‫بعد ٍ‬ ‫مكانَه ‪ -‬في الدائرة السياسية‪.‬‬ ‫ذوبان‬ ‫ما َل إلى عنفوان حَ َرنِها‪:‬‬ ‫ كوني سيجارتي وسأكون قهوتك‪.‬‬‫ظل يقد ُح شرا َرهُ حتى ذاب فنجانَها بين أصابعه‬ ‫الخجولة‪.‬‬ ‫رخصة‬ ‫الشاب المصاب بالشلل الرباعي‪ .‬انفرجت‬ ‫أسارير كآبته بعد زيارة أصدقائه‬ ‫ مبارك حصولك على رخصة قيادة السيارات من‬‫الفئة الثالثة‬ ‫كابوس الزعيم‬ ‫أص َد َر زعي ُم القبيلة أوامِ ـ َرهُ بإتمام اإلجراءات‬ ‫ْ‬ ‫الالزمة إلعدام شعراء قَبيلَتهِ‪.‬‬ ‫جلس في خيمته الوثيرة مزهوّا‪.‬‬ ‫هطل المطر بغزارة‪ .‬انتبه لوجود رجل مهلهل‬ ‫الثياب يقف متحفِّزا‪.‬‬ ‫ من أنت؟ وكيف دخلت إلى هنا؟‬‫ أنا شاعر صعلوك‪ ،‬وقد أمرني أمير الشعراء‬‫أن أقتلك‪.‬‬ ‫نظر إليه زعي ُم القبيلة مستهزئاً‪:‬‬ ‫ لكنك ال تحمل سالحا‪.‬‬‫ سأقتلك بقصيدة‪.‬‬‫ * قاص من األردن‪.‬‬

‫‪66‬‬

‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫■ عمار اجلنيدي*‬

‫انتفض على ُم ِّت َكئِهِ مبهوتا‪ ،‬وراح يصرخ ويطلب‬ ‫العون والمساعدة‪.‬‬ ‫صفعته راقصة القبيلَةِ على وجههِ ؛ داعية اهلل‬ ‫أن ينقذ زعي ُم القبيلة من كابوسه اليومي‪.‬‬ ‫شموخ شاعر‬ ‫أُلْقِ ي القبض على الشاعر بتهمة مناهضة نظام‬ ‫الحكم واالنضمام إلى الثورة‪ ،‬وحكِ َم عليه باإلعدام‬ ‫رمياً بالرصاص في اللحظة نفسها التي ألقي‬ ‫القبض عليه فيها‪.‬‬ ‫وبينما الجنديان يتأهّ بَان إلطــاق الرصاص‬ ‫عليه؛ راح يُلقي بأشعاره؛ شامخاً غير هيّاب من‬ ‫اإلعدام‪ ،‬وينشد بصوت رجولي واثق ثابت‪ ،‬وهما‬ ‫ينظرانه بإعجاب وهيبة‪:‬‬ ‫«ما اإلنسان دون حرية يا ماريانا‬ ‫قولي لي كيف استطيع أن أحبك إذا لم أكن حراً‬ ‫كيف أهبك قلبي إذا لم يكن ملكي‬ ‫كيف؟؟»‬ ‫انتظراه بتهيّب وإعجاب لحين إكمال قصيدته‪،‬‬ ‫دمعَا بقهر‪ ،‬ثم أطلقا الرصاص‪.‬‬ ‫التهمة‬ ‫قبيل بــدء المحاكمة؛ سلّم ُه الحاجب ورقــة‪.‬‬ ‫تمعَّن فيها جيداً‪ .‬نظر للحاجب وغمزه باليمنى‪.‬‬ ‫واثق‪:‬‬ ‫بدأ القاضي جلسة المحاكمة بصوت ٍ‬ ‫ لقد حَ كَمنا على الــشــاعــر الــمــاثــل أمامكم‪:‬‬‫باإلعدام قهراً‪.‬‬ ‫ضجّ ت جنبات المحكمة بالصراخ المُستهجَ نْ‪.‬‬ ‫نادى القاضي على الحاجب‪ .‬سأله باهتمام عن‬ ‫تهمة هذا الشاعر‪ ،‬فقال غاضباً‪:‬‬ ‫‪ -‬لقد كتب قصيدة عنوانها «كِ ْش َملِكْ »!‬


‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوص‬

‫شامة سوداء‬ ‫■ عبدالرحمن الدرعان*‬

‫«مشكلة كل قصة أننا نرويها بعد وقوع الحدث»‬

‫تشاك بوالنك‬ ‫كــانــت أم ــي تجلس كـعــادتـهــا فــي الـصـبــاح الـبــاكــر وح ـيــدة مـخـفــورة بالهواجس‬ ‫واألدويــة‪ ،‬تطوّق معصمها مسبحة عتيقة‪ ،‬هي كل ما تبقى من جواهرها‪ ..‬تكاد‬ ‫لفرط استخدامها أن تردد من خلفها التسابيح‪ .‬والخادمة تتحرك بشكل آلي‪،‬‬ ‫مثل الدمية الكهربائية‪ ،‬بصوتها الحاد تثرثر وهي تناولها الدواء‪ .‬ثم تعالج شاشة‬ ‫التلفزيون وتبحث في جهاز التحكم عن المسلسل البدوي الذي تتابعه بشغف‬ ‫كبير‪ ،‬وتضع سماعة الهاتف في أذنهاـ وتتحرك على إيقاع أغنية آسيوية يتسلل‬ ‫منها خيط موسيقى خافتة‪ ،‬يظهر من خريطة االنفعاالت على وجهها المدور‪،‬‬ ‫تتحدث عن الغياب وضــراوة األيــام واألعياد التي ال تجيء‪ ،‬والمطارات البعيدة‪،‬‬ ‫واألطفال التائهين على أرصفة الموانئ‪.‬‬ ‫صــبــحــك اهلل بــالــخــيــر؟ وأجــلــس مشهدًا صامتا‪ ،‬تقطعه بسؤالها اليومي‬ ‫قبالتها‪ ،‬ألضــع الشريط النحيل في إن كنت عثرت على أي خبر عن أخي‬ ‫موقعه على جهاز الفحص‪ ،‬وألصق الغائب‪ .‬أشعر بالدمامل تتفجر بداخلي‬ ‫القلم الــذي ينتهي باإلبرة على باطن وأفكر‪ :‬هل تشعر بدنو أجلها؟ وما هذا‬ ‫إبهامها‪ ،‬بعد وخزة سريعة‪ ..‬تنفر قطرة الــســؤال إال غــطــاء ت ــردم بــه مشاعر‬ ‫الدم بصعوبة بينما تك ّز أسنانها‪ ،‬نقوم الخوف على ابنها الذي سوف يصارع‬ ‫بذلك يوميا بحركة آلية‪ ،‬كأننا نمثل الدنيا عاريا ووحيدا‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪67‬‬


‫يعوي ذئب الحزن في أعماقها وتتنهد‪ :‬مفقودة‪ .‬ولكي أنقذها من هذه التراجيديا‬ ‫سبحان من رد يوسف إلى يعقوب‪ .‬ولكي سألتها على سبيل المزاح‪ ،‬إن كانت وقعت‬ ‫تخفي هواجسها وتــبــرر إلحاحها تعقِّب في غرام األب األرمل‪ ،‬وندت عنها ضحكة‬ ‫قائلة‪ :‬إنها رأته مجددا في منامها البارحة تحرك على أثرها جسدها بكامله‪.‬‬ ‫يلوِّح لها بسنابل القمح‪ ،‬وأسراب من الطيور‬ ‫تحوم فــوقــه‪ .‬وأكملت كالمها على سبيل‬ ‫االعــتــذار عن روايــة التفاصيل‪ :‬إن روايــة‬ ‫الحلم على الــريــق يجلب النحس والفأل‬ ‫السيء‪.‬‬ ‫وأغمضتُ عينيّ ألرى من فوهة الجب‬ ‫ســمــا ًء صغيرة‪ ،‬وصــبـ ًّيــا تمضغه الوحشة‬ ‫وينتظره السجان‪.‬‬

‫اليوم الخميس؟ سألت بصوت شاحب‪.‬‬ ‫وجــاءت إجابتي مصحوبة بإشارة نفي‪:‬‬ ‫اليوم الجمعة‪.‬‬ ‫ولم تعلق إال بقولها‪ :‬اهلل يجمعنا على‬ ‫طاعته‪.‬‬ ‫كانت تعالج مكان الــوخــزة في إبهامها‬ ‫عندما سألتني عن‪ ‬مستوى السكر‪ .. ‬بينما‬

‫ع ــادت تــحــدق فــي التلفزيون وتغمغم تصوب بصرها تجاه الشاشة‪.‬‬ ‫بكلمات غامضة‪ ،‬وأسرت بها الذكرى إلى‬

‫عوضا عن إخبارها بأن السكر تجاوز‬

‫جارتنا بتراء أم حسين قبل أن تشتتنا األيام طاقة العداد‪ ،‬داعبتها بالقول‪ :‬أنت عسل‬ ‫مع اشتعال نيران الطفرة وارتحالهم بعد يا أماه‪ .‬فنحن (هي تعلم أنني عندما أقول‬

‫وفاتها‪ .‬تنشط ذاكرة الماضي عندما ال يجد نحن‪ ..‬فإنني أعني ذوي البشرة السوداء)‬ ‫المرء له عمال سوى انتظار الموت‪.‬‬ ‫يجب أن نقيس نسبة العسل والموسيقى في‬ ‫كنت يــا مــســرور أنــت وحسين تــوأمــان دمائنا!‬ ‫تنامان على صــدري‪ ‬وتتقاسمان الحليب‬

‫وقــفــت ســورانــيــا على بعد خطوتين‪..‬‬

‫معا‪ ،‬أرسله اهلل ليكون الواحد اثنين‪ ،‬بعد أن وأصـــدرت م ــواء صغيرا بعد أن ضبطت‬ ‫نهش الخبيث صدر أمه ووضعته أمانة على مستوى الــصــوت فــي التلفزيون بالدرجة‬ ‫صدري ورحلت‪.‬‬

‫الــكــافــيــة اللــتــقــاط الصهيل الـــذي انــدلــع‬

‫وتــنــهــدت مـ ــرة أخــــرى وهـ ــي تــذكــرنــي على الشاشة‪ .‬كانت الحلقة األخــيــرة في‬ ‫بالشامة السوداء في وجهه‪ ،‬ما جعلني أفكر‪ ‬المسلسل الذي ال تفوّت متابعته في قناتها‬

‫‪68‬‬

‫ال بالبحث عــن شــخــص‪ ..‬بــل عــن شامة األثــيــرة قــد ب ــدأت بمشهد حــصــان يخرج‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫وثمة صــورة مشوّشة لشيخ أشعث الشعر الدوامة غير المرئية‪.‬‬ ‫تقترب منها الكاميرا لتظهر‪ ‬بالتدريج نقاوة‬

‫لــو حــدقــت مــن عــلــو شــاهــق عــلــى هــذا‬

‫مالمحه وخصالت شعره الزرقاء‪ ،‬يقف في المكان المربع‪ ،‬لرأيت ما يشبه صورة لغرفة‬ ‫مقدمة الخيمة واضعا راحــة يــده كمظلة العمليات‪ ،‬حيث يبتر رئــيــس الجراحين‬

‫واقية من الشمس والغبار‪ ،‬يتعقب بعينيه الجزء الفاسد من جسد المريض‪ .‬هذا‬ ‫أثر الحصان القادم‪ ،‬وفي لحظات تضيع هو ما أقوم به أيضا‪ .‬وكالطبيب أخرج من‬

‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوص‬

‫من عاصفة غبار قاتمة عائدا بال فارس‪ ،‬النوافذ المعتمة‪ ،‬وتوقفت على مقربة من‬

‫مالمحه وال يبقى سوى عينيه الذاهلتين‪ ،‬غرفة الجراحة وأتناول غدائي بشهية ال‬ ‫ويطلق من قاع حنجرته صيحة جزع‪ ‬سوداء يعتريها أي تقزز!‬ ‫ثم ‪ -‬بعد أن يتأكد من المعنى الذي تترجمه‬ ‫حركة الحصان اللولبية وهــو يــدور حول‬ ‫نفسه ‪ -‬يجثو على ركبتيه بجوار موقد النار‬

‫كان كل شيء مرتباً‪ ،‬والحشود تتدافع‪ ‬‬ ‫وتــتــجــمــع عــلــى مــحــيــط الــســاحــة بعيون‬ ‫مشدوهة‪ ،‬محدثة جلبة لم تتوقف إال عندما‬

‫ويسكب أباريق القهوة والشاي على النار‪ ،‬سمعنا طقطقة مفاصل الــبــاب الخلفي‬ ‫لتنتقل الكاميرا إلى عمق الخيمة‪ ،‬فهناك ينفتح من الداخل‪ ..‬وقد حانت التفاتة من‬ ‫امرأة تولول وتمزق شالها على أثر الصيحة‪ ،‬رجل ضئيل الجسد معصوب العينين كأنه‬ ‫وتحدِّ ق في الرجل المنكبّ على بيت النار‪ .‬يفتش عن عينيه‪ .‬بدأت والجنود المكلفون‬

‫يتوقف المشهد قليال على خيوط الرمل بالمهمة في هذه اللحظات نتبادل الحديث‬ ‫بالتزامن مع موسيقى جنائزية حزينة‪.‬‬ ‫بواسطة اإليماءات لكي ال يشعر بوجودنا‪.‬‬ ‫قبل أن أخرج الطفتها وأديت لها تحية يستخدم اإلنــســان اإليــمــاءات؛ ألنــه يدرك‬

‫عسكرية‪ ،‬بعد أن تأبطت السيف النائم في بعكس الحيوان عبء وجــوده‪ .‬وربما كانت‬ ‫هي الشيء المتبقي من الرقص الذي كان‬ ‫غمده منذ شهور‪.‬‬ ‫وج ــدت الــدوريــة تنتظرني‪ ،‬نــزت منها‬ ‫وصــلــة م ــدوي ــة‪ ،‬وانــطــلــقــنــا إلنــهــاء بعض‬

‫اللغة األولى لإلنسان قبل أن يخترع الكالم!‬

‫همس الضابط القريب من مؤخرة العربة‬

‫اإلجــراءات المعتادة‪ ،‬ثم انتقلنا لنصل إلى بكلمات مقتضبة تصاحبها إشارة غامضة‪:‬‬ ‫ساحة العدل مبكرا تحت حراسة الجنود‪ ،‬إنه يشعر بالصداع‪.‬‬ ‫وانتظرنا حتى وصلت العربة السوداء ذات‬

‫تقدم اثــنــان مــن الجنود عند الساعة‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪69‬‬


‫الواحدة بالضبط‪ ،‬الموعد الــذي ستكون من الرأس الذي اليزال يتدحرج طريا ندت‬ ‫أمي عندها تغالب النعاس وتصغي إلمام زفرة أخيرة تشبه الشخير (حسين)‪.‬‬ ‫هب‬ ‫الــحــرم وهــو يختم خطبة الجمعة‪َّ .‬‬ ‫جــنــدي ثــالــث لمساعدتهما فــي إن ــزال‬ ‫ما يشبه كتلة رخــوة من الباب الخلفي‪،‬‬ ‫يخاصرها اثنان أقل طــوال‪ ،‬ومشوا بضع‬ ‫خطوات باتجاه الموقع المخصص‪ .‬كان‬ ‫ثوبه ناصع البياض وعنقه األقل بياضا من‬ ‫جسده مكشوفا بال ياقة‪.‬‬ ‫ي ــدي م ــش ــدودة عــلــى مقبض السيف‬ ‫والصمت يشيد فوقنا قبة خرساء ويطهو‬ ‫المكان عــن آخ ــره إال مــن دبــيــب شاحب‬ ‫يجرح الصمت‪ :‬معكم بنادول؟‬

‫أهو خطأ في الكتابة‪ ،‬أفضى إلى خطأ‬ ‫في الــقــراءة انتهى بــدوره‪ ‬إلــى خطأ في‬ ‫التوقيت‪ ،‬أم هو خطأ في الشخص‪.‬‬ ‫لست متيقنا تماما؛ ألن مشكلة القصة‬ ‫أنها تروى بعد وقوع الحدث‪ .‬لكن المؤكد‬ ‫أنــنــي رأي ــت تلك الشامة الــســوداء التي‬ ‫وهبتها له أمي على الصدغ األيسر كانت‬ ‫بـــارزة‪ ،‬ربما كانت وشما أو أثــرا لجرح‬ ‫أو وحمة أو قبلة محترقة‪ ،‬ورأيــت شيئا‬ ‫يتدحرج ويرتطم بركبة امرأة وحيدة تجلس‬ ‫في وضعية التشهد األخير كزهرة األبنوس‬

‫ب ــدأت طــقــوس الحفلة بــتــاوة البيان برفقة خادمتها اآلسيوية التي كفت عن‬ ‫الــــذي حــفــظــه ال ــق ــارئ ع ــن ظــهــر قــلــب‪ ،‬المواء في الجوال‪.‬‬

‫واقتربت بخطوات النمر ألقف على مسافة‬ ‫مــدروســة‪ ،‬متأهبا وواثــقــا‪ ،‬أجــس بعينيين‬ ‫مدربتين‪ ‬فــقــرات العنق لتعيين الخط‬ ‫البياني الذي سيمر عليه بعد قليل لسان‬ ‫السيف‪ ..‬أصغي إلى الكلمات األخيرة في‬ ‫البيان في انتظار اللحظة التي تواطأنا‬

‫للحظات وجدت نفسي في مكان معتم‪،‬‬ ‫بارد‪ ،‬بينما الرأس يتدحرج‪ ،‬ال أعرف إن‬ ‫كان رأسي أم رأس حسين أو رأسا متخيال‬ ‫لشخص ثالث ما يزال ممعنا في الغياب‪.‬‬ ‫التحيات هلل‪ ،‬يــتــدحــرج‪ ،‬والــصــلــوات‪،‬‬

‫على أن تتزامن مــع الضربة الحاسمة‪ .‬يــتــدحــرج وينفجر كــالــصــنــدوق األســـود‪،‬‬

‫راسمًا والطيبات‪ .‬وفي خلفية المشهد تتناهى‬ ‫كنت على وشك أن أهوي بالسيف ِ‬ ‫قوس النهاية‪ ،‬انزلقت من شفرته ومضة إلى مسامعي جوقة أصوات مترامية قادمة‬

‫البرق‪ ،‬عندئذ تناهى إليّ اسمه في اللحظة من مكان بعيد‪« :‬ياحسين أنا عيني سهيرة‬ ‫الضائعة‪ :‬حسن بن راشد بن حسين الراوي‪ .‬ما تذوق المنام»‪.‬‬

‫‪70‬‬

‫* قاص وكاتب من السعودية‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫■ محمد الرياني*‬

‫أو ُّل لــيــلــة جــمــعــتــنــا‪ ،‬ك ــان ــتْ غــرفــة الكأس من يدها وشربته دون الحاجة‬ ‫الــصــالــون الصغيرة بـــأروع مــا تكون‪ ،‬إلى أنبوب الشرب‪.‬‬ ‫لونها األصفر الهادئ‪ ،‬الطاولة الصغيرة‬ ‫اقــتــربــتْ مني بمقعدها وأصبحنا‬ ‫الــتــي أخ ــذتْ لــون الــغــرفــة‪ ،‬المقعدان‬ ‫متجاورين‪ ،‬بدأنا نستعيد الذكريات‪،‬‬ ‫المتقابالن اللذان توشحا لون األصيل‪،‬‬ ‫قالت ذات يوم جئتَ صغيرًا وبيدك حب ٌة‬ ‫توسط الطاولة كأسان يمتآلن بعصير‬ ‫َ‬ ‫من ثمار هذا العصير‪ ،‬وكانت تشير إلى‬ ‫وقطع من الكعك الطازج‪ ،‬بينما‬ ‫ٍ‬ ‫المانجو‬ ‫الكوبين الفارغين‪ ،‬أنــا أحــب المانجو‬ ‫هي تتجمل في الغرفة المجاورة‪..‬‬ ‫وأحتفل به عندما يزورنا موسمه‪ ،‬كنتَ‬ ‫كنت أفكر في هــذا العصير؟ كيف تــأكــل ونفسي تــكــاد تــخــرج‪ ،‬قــالــوا لك‬ ‫عرفت هذه الغريبة أنني أحب المانجو‬ ‫أطعمها‪ ،‬وضــعــتَ يــدك خلف ظهرك‬ ‫أو عصيره‪ ،‬لم أشأ أن أ ُعكّر أول ليلة‬ ‫وقلت ال ال‪ ،‬ح ّــقــي‪ ..‬حـ ّقــي‪ ،‬انكسرتْ‬ ‫بسؤال ربما يكون استفزازيًا‬ ‫ٍ‬ ‫نلتقي فيها‬ ‫نفسي‪ ،‬حفظتُها لك‪.‬‬ ‫أو مثيرًا‪.‬‬ ‫كـ ــبـ ــرتُ ‪ ..‬ونــبــتــتْ عــنــدنــا أشــجــار‬ ‫حضرتْ وجلستْ في الجهة المقابلة‪،‬‬ ‫المانجو‪ ،‬أصبحنا نأكل ونعصر‪ ،‬أعرف‬ ‫كنتُ أشرب العصير البارد بشراهة عبر‬ ‫أنك تحب المانجو بشراهة‪ ،‬أردتُ أن‬ ‫األنبوب؛ بينما هي تنظر إليّ بابتسامة‬ ‫أعاقبك على طريقتي‪.‬‬ ‫س ــاح ــرة‪ ،‬وتــتــأمــل ه ــذا الـــذي يشرب‬ ‫ضــحــكــتُ وبــكــيــتُ وهـــلَّ دمــعــي من‬ ‫بشراهة دون أن يشاركه أحد في هذه‬ ‫المناسبة‪ ،‬أتممتُ شرب العصير حتى قولها‪ .‬حملتُ الكوبين إلــى الــداخــل‪،‬‬ ‫أحدثتُ صوتا في قــاع الكأس وعيني وجدت ثمرتين‪ ،‬عصرتهما ومألتُ بهما‬ ‫على الكأس اآلخــر‪ ،‬وأقــول في نفسي‪ :‬الكوبين‪ ،‬وضعتهما على الطاولة وبدأت‬ ‫لوال الحياء أللحقته بصاحبه‪.‬‬ ‫أسقيها‪ ،‬كانت تشرب وتضحك‪..‬‬

‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوص‬

‫بذور المانجو‬

‫نطق لساني وقــلــت‪ :‬ل ـ َم ل ـ ْم تشربي‬ ‫قــلــتُ لها مــعــتــذرًا‪ :‬هــذا كــأس عن‬ ‫عصيرك؟ ضحكتْ بعمق وقالت‪ :‬هنيئا‪ .‬الطفولة‪ ،‬والثاني طلبا للسماح‪ .‬وضعتْ‬ ‫هو لك‪.‬‬ ‫بنفسها أنبوبة في جهتها‪ ،‬وأنبوبة في‬ ‫عندما رأيتها بهذه الجرأة‪ ،‬تناولتُ جهتي واقتسمنا كأس االعتذار‪.‬‬ ‫ * قاص من السعودية‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪71‬‬


‫ما يشبه القتل!‬ ‫■ حنان بيروتي*‬

‫كــأنــي غــارقــة فــي نــوم ثقيل‪ ،‬لــم أم ــت‪ ،‬مستلقية على ســريــر فــي غــرفــة العناية‬ ‫وعرفت الحق ًا أنــي أصبت بجلطة دماغية‪ ،‬ولم‬ ‫ُ‬ ‫وقعت أرضــا‬ ‫ُ‬ ‫المركزة‪ ،‬أتذكر أنــي‬ ‫أفقت وبت أسمع ما يدور حولي‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫أ َر غير غباش ثم ســواد‪ ،‬ال أدري كم امتد‪ ،‬لكني‬ ‫عيناي مغلقتان ال أرى إال بطرف عيني اليمنى التي ارتـخــى جفنها عــن فــراغ‪،‬‬ ‫يتحدثون عني بصيغة الغائب‪ ،‬الطبيب يقول‪ :‬هاي بعدها ما ماتت؟!‬ ‫أمي وأبي يأتيان وهما يبكيان؛ لماذا‬ ‫ك ُّل هذا الحزن؟ حتى أختي التي جاءت‬ ‫من أمريكا أراها ترتدي مالبس جديدة‪،‬‬ ‫أين هديتي؟ لماذا لم تحضر لي هدية‬ ‫معها كما اعتادت؟‬

‫وحدي‪ ،‬أتذكر‪ ،‬أفكر بكل ما حدث معي‪،‬‬ ‫أبكي بال صوت‪ ..‬بال حركة‪ ،‬أنا مشلولة‬ ‫ونائمة‪ ،‬ال أستطيع التحرك والتعبير‪،‬‬ ‫أتــســاءل‪ :‬مــا ال ــذي حــدث كــي تقترب‬ ‫الممرضة مني وبيدها مقص‪ ،‬تسحب‬ ‫الطاقية الزرقاء الشفافة عن رأسي‪،‬‬ ‫أسمع صوتًا أنثويا بعيدا‪« :‬بكفِّيها اللي‬ ‫فيها‪ ،‬حرام»!‬

‫أنــــا عــلــى قــيــد ال ــح ــي ــاة‪ ،‬فــلــمــاذا‬ ‫يتصرفون كأني المرحومة مــع وقف‬ ‫التنفيذ؟ الممرضة تقترب مني‪ ..‬ألمح‬ ‫صوت قريب‪ :‬خسارة فيها هالشعر‪،‬‬ ‫اسمها المكتوب المعلق على صدرها‬ ‫وأسجله في ذهني‪ ،‬أفكر بأني أتألم هي ميتة ميتة!‬

‫‪72‬‬

‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوص‬

‫أســمــع صـــوت جـــ ّز ش ــع ــري‪ ،‬أبــكــي وال أستطيعه والشعور بالعطش‪ ،‬أحاول الطلب‬ ‫أستطيع الدفاع عني‪،‬عن نفسي‪ ،‬لكني أبكي من الممرضة‪ ،‬أشير لها بيدي التي أستطيع‬ ‫باختناق‪ ..‬بال صوت بعمق‪ ،‬ال أحد يسمعني‪ ،‬بالكاد تحريكها‪ :‬إني أريد ماء‪ ..‬أطلب ماء‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫يحس بي‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫ال أحد‬ ‫أحس بدمعة تسيل على لكنها تضحك بال مبرر‪ :‬ماذا تريدين‪ :‬قهوة؟‬ ‫جانب خدي حيث ثُبِّت رأسي جانبيا‪ ،‬تلقي‬ ‫«بدك نيجي نشرب قهوة معاً»؟‬ ‫بخصلة شعري األســود الفاحم الذي ربيته‬ ‫تضحك تضحك‪ ،‬لماذا تكثر من الضحك‬ ‫من عمر على األرض أمامي‪ ،‬أتخيل منظر‬ ‫المقزز؟ الضحك من طرف واحد مع آخر‬ ‫شعري المجزوز على البالط‪..‬‬ ‫يكابد األلم الجسدي والنفسي‪ ..‬أمر مؤلم‬ ‫ذاكرتي تحتفظ بنثار من مشاهد متفرقة‬ ‫يشبه القتل‪ ،‬تواصل ضحكها وأواصل ترديد‬ ‫تشكل في مجملها فسيفساء موجعة‪ ،‬أتذكر‬ ‫حــروف اسمها مــن البطاقة المعلقة على‬ ‫كيف يغسلون المريض فــي غرفة العناية‬ ‫صدرها‪ ،‬أنقشها في ذاكرتي‪ ،‬أرددهــا كيال‬ ‫المركزة بالبربيش‪ ..‬كما تنظف السيارة‬ ‫تتوه مني‪..‬‬ ‫المتسخة‪ ،‬وكيف كانوا يرشقونني بالماء‪،‬‬ ‫ك ّل شيء يتحول إلى ذكريات‪ ،‬تداعيات‬ ‫ويتركونني منقعة بالبلل المزعج‪ ،‬يلبسونني‬ ‫تتدفق لذاكرتي بعد استفاقتي من الغيبوبة‪،‬‬ ‫بخشونة كأني قطعة لحم ميتة‪!..‬‬ ‫أسمعهم يتحدثون «مين مات اليوم؟ هذا أول ما استطعت لفظه هو حرف» م ممممم‬ ‫م ــات‪ ،‬يسحبونه ويكفنونه‪ ،‬ثــم بــكــاء أهله تحول ل مماما‪ ،‬وكانت أمي التي استقالت‬ ‫وأقاربه‪ ،‬تذمر الممرضات وشكوى األطباء‪ ..‬من وظيفتها لمرافقتي‪ ،‬وواصلت رعايتي‬ ‫ال كأني عــدتُ طفلة رضيعة فــي حضانتها‪،‬‬ ‫أنام‪ ،‬ال أعــرف‪ ..‬لكن النوم يأخذني طوي ً‬ ‫طــوي ـاً؛ ألنــي عندما أستفيق أرى موضع ربما ضاعت مني تفاصيل كثيرة في تالفيف‬ ‫األســـــرّة ف ــارغ ــا‪ ،‬إنــهــم يــشــطــفــون األرض الجلطة الدماغية التي أصبت بها‪ ،‬لكن ما‬ ‫ويغيرون شراشف األسرّة لعلهم يودعون أحد ال أنساه هو تقدمي بشكوى ضد الممرضة‬ ‫رفاقي‪ ،‬الموت هو الزائر الحميم هنا‪ ،‬بعض التي جزت شعري وأســاءت معاملتي كأني‬ ‫األمكنة تفتقد فيها الدهشة فتستعيض عن جثة‪ ،‬ما أزال أذكــر محاولتها اإلنكار‪ ،‬لكن‬ ‫الرتابة بالتكرار‪ ،‬هنا يتكرر الــمــوت‪ ،‬لكن اسمها منقوش في ذاكــرتــي‪ ،‬ما أزال أذكر‬ ‫استقباله بارد‪ ،‬كأنه اعتيادي قريب ومتوقع صوتي وحروفي مثقلة بلساني الثقيل‪ ..‬وأنا‬ ‫وربما منتظر‪ ،‬ال أحد يخاف منه كأنه صديق أكــرر شــكــواي‪ ،‬ووجــه الممرضة المنصدم‬ ‫كثير الــزيــارة‪ ،‬البكاء األخ ــرس أقــصــى ما بدهشة من رأى ميتا يرجع للحياة!‬

‫ * قاصة من األردن‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪73‬‬


‫خليلي زورا‬ ‫‪ρρ‬أحمد املتوكل بن علي النعمي*‬

‫خـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ــيّ زورا ق ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ــل ط ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــول ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوى ص ـ ـ ـبـ ـ ــا‬ ‫وإن ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم أك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن يـ ـ ـ ـ ـ ـ ــومـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا لـ ـ ـ ــوج ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ــا درب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫ومُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرّا ب ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ــو ال ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ــر س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وواسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــؤادي فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ــا ألـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ــاه ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد أرهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــق ال ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ــا‬ ‫ورِ قّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد ظ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه‬ ‫يـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي دنـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاه أو يـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ــي خـ ـ ـ ـ ـ ـطـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ــا‬ ‫وال ت ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ب ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــث م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ف ـ ـ ــإنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ــي‬ ‫ألحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاج فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ــا ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــت ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه ح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدب ـ ـ ــا‬ ‫وك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــون ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواري ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــارك اهلل فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ــا‬ ‫ـدت ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه الـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـب ـ ـ ــا‬ ‫فـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ده ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرٌ ف ـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ‬ ‫وق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوال لـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن آذت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـ ــق غ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادةٌ‬ ‫أم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا زل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتَ ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذا تـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا حـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ــا؟‬ ‫أمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا زلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت مـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ــون ـ ـ ـ ــا وفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ــب ج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذوة‬ ‫وف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي الـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــس ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيء ن ـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ــوه ال ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ــى هـ ـ ـ ـب ـ ـ ــا؟‬ ‫أمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا زل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن يـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ــو إذا م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرَّ ذك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــره ـ ـ ـ ــا‬ ‫أم ال ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــب ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأس ي ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــول ل ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ــا؟‬ ‫أال لـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ــت ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ــري كـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ــف جـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادت بِ ـ ـ ـ ـ ـ ـو َْصـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫وح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادت بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ــدٍّ بـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد أن ذقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ــا ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرب ـ ـ ـ ــا؟‬ ‫وع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادت عـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ــى م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ب ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــودة‬ ‫تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــجّ بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ثـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا وتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذره ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا غـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ــا‬ ‫ك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأنـ ـ ـ ـ ـ ــي ب ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ل ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ت ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت تـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدت‬ ‫وق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد ضـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ــت ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ص ـ ـ ـ ـ ـ ــده ـ ـ ـ ـ ـ ــا ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــع ال ـ ـ ـ ــرحـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ــا‬ ‫أل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم ت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــريـ ـ ـ ـ ـ ــا أنّ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ــي ك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــان سـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ــا‬ ‫بـ ـ ـ ـخـ ـ ـ ـط ـ ـ ــو الـ ـ ـ ـ ـ ـغ ـ ـ ـ ـ ــوان ـ ـ ـ ـ ــي فـ ـ ـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ــوى يـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـم ـ ـ ــل الـ ـ ـ ــرع ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ــا؟‬ ‫‪74‬‬

‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــت لـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا قـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ــرا مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ــا ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدثـ ـ ـ ــت‬ ‫بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل ج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدار فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــؤمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ــا نـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ــا‬ ‫وق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادرت ب ـ ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدم فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي غـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــر ح ـ ـ ـكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ــة‬ ‫وذلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــك م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا أوهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى بـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ــا ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــط والـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ــا‬

‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوص‬

‫ت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدت ول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم ت ـ ـ ـ ـ ـخ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ــص ول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم ت ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ــظ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ــوى‬ ‫وق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد سـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ــت أي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــام مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوبـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا سـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ــا‬

‫أال عـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــان ـ ـ ـ ــي واعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا أن ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذي‬ ‫ظـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأن ـ ـ ـ ـ ــي أمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ــك الـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر وال ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ــا‬ ‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــإن طـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ــت مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا تـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ــي كـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ــت حـ ـ ـ ـ ـ ــاضـ ـ ـ ـ ـ ــرا‬ ‫وقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ــي لـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ت ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـغـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــه مـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ــا غ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ــى‬ ‫ومـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا خـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ــت ي ـ ـ ـ ــأتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ــي م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن الـ ـ ـ ـ ـ ـخ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوءة‬ ‫ت ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـطـ ـ ـ ـ ــع أش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاري وت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدم ـ ـ ـ ـ ـ ــي ب ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ــا الـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـب ـ ـ ــا‬ ‫وإن دم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي يـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـغـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ــي وأضـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ــي‬ ‫ح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوت ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ــا ب ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــار وق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد ع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذب ـ ـ ـ ـ ــت صـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّبـ ـ ـ ــا‬ ‫وم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـت إص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاح أم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرٍ ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدا ل ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫ول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو حـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت شـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـئ ـ ـ ـ ــا ألحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ــت لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه الـ ـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ــدب ـ ـ ـ ــا‬ ‫ومـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ذاق شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدً ا مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ــان حـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـي ـ ـ ـبـ ـ ــة‬ ‫س ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ــى غ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدً ا فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ضـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا راق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه عـ ـ ـ ـ ـ ـ ـض ـ ـ ـبـ ـ ــا‬ ‫خـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـل ـ ـ ــي م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا أشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ــى الـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ــى غـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــر سـ ـ ـ ــاعـ ـ ـ ــة‬ ‫ي ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم بـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ــا وارت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ب ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدهـ ـ ـ ـ ــا س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرب ـ ـ ــا‬ ‫واسـ ـ ـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا تـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ــرك ـ ـ ـ ـ ــان ـ ـ ـ ـ ــي فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي أس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى الـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ــب ْ‬ ‫ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ــد ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ثـ ـ ـ ـ ـ ـ ـغ ـ ـ ـ ـ ـ ــري وفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ل ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ــي سـ ـ ـكـ ـ ـب ـ ــا‬ ‫وإن كـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ــا ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم تـ ـ ـ ـ ــألـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ــا لـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذي ج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرى‬ ‫ول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم ت ـ ـ ـ ـ ــأم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا لـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ــدع فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ــي رأبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫ف ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ذا ي ـ ـ ـ ـ ــواسـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ــي ومـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ذا يـ ـ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــون لـ ـ ــي‬ ‫صـ ـ ـ ـ ــدي ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ــا س ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ــى بـ ـ ـ ـ ــال ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ــل أو ج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاوب ال ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدبـ ـ ـ ــا؟‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪75‬‬


‫يُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرِّقُ بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي إن كـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــان فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرق حـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـلـ ـ ــة‬ ‫ـرب ي ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــل م ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ــي غ ـ ـ ـ ــرب ـ ـ ـ ــا‬ ‫وإن كـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــان فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي غـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬ ‫ك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأنـ ـ ـ ـ ـ ــي وعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ــي وال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوم ول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوعـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ــي‬ ‫عـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ــى م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوج بـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم أج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاءه عـ ـ ـ ــذبـ ـ ـ ــا‬ ‫ول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم أل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــق إال مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا عـ ـ ـ ـ ـ ـ ــانـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي َفـ ـ ـ ـ ـ ـ ــغُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـ ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـت فـ ـ ــي‬ ‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــراخ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ومـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا جـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ــى الـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ــة والـ ـ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ــرب ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫وق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد كـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ــت ذا قـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــب مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاع وهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬ ‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأصـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت لـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـن ـ ـ ــاء ب ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد الـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا نـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ــا‬ ‫أن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ب ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذب ال ـ ـ ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدو ن ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ــي ومـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ــدً ا‬ ‫ول ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا ول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم أع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدم بـ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل الـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ــى خ ـ ـ ـص ـ ـ ـبـ ـ ــا‬ ‫ـال وأع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ــرٍ‬ ‫أال إنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدن ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬ ‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــإن أس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدت ض ـ ـ ـ ـ ـ ــرب ـ ـ ـ ـ ـ ــا فـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد أحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت ضـ ـ ـ ــربـ ـ ـ ــا‬ ‫وكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت ام ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر ًأ لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو ش ـ ـ ـ ـ ـ ـئـ ـ ـ ـ ـ ــت أم ـ ـ ـ ـ ـ ـض ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ــت رغ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ــي‬ ‫وع ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ــت مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن كـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذي قـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد ُرم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه عـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ــا‬ ‫وأمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــع نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ــي أن ت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذل لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬ ‫وإن ك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــان ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوق ل ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا زرتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ــا غـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ــا‬ ‫ولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن دوام الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــال أصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــب مـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـغ ـ ـ ــى‬ ‫إذا مـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ال ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ــي أوق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت فـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرى ركـ ـ ـ ـب ـ ـ ــا‬ ‫وق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد ي ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ــى الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ـ ـ ــاق بـ ـ ـ ـ ــال ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد وال ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ــى‬ ‫وق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد يـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـل ـ ـ ــك الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاري بـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ــا ال ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ــك ال ـ ـ ـص ـ ـ ـع ـ ـ ـبـ ـ ــا‬ ‫يـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــع األي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــام ذل انـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاره‬ ‫وي ـ ـ ـ ـ ـ ـغ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدو كـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ده ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــره ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــارف ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذن ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ــا‬ ‫ومـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــام ع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن دنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاه ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم ي ـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ــن م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا اشـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـه ـ ـ ــى‬ ‫وم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن جـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي م ـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ــاه ج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاءت لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه غ ـ ـ ـص ـ ـ ـبـ ـ ــا‬ ‫ف ـ ـ ـ ـ ـط ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوبـ ـ ـ ـ ــى لـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ي ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ــى زم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــان ـ ـ ـ ـ ـ ــا م ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوّعً ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫آلت يـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــق ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ــا‬ ‫وي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو ٍ‬ ‫* شاعر من السعودية‪.‬‬

‫‪76‬‬

‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫■ حسني صميلي*‬

‫‏مُ سافرٌ ‪..‬‬ ‫العيس‬ ‫ِ‬ ‫درب من‬ ‫و الجوى ٌ‬ ‫ينوءُ ثق ًال بما تحوي أحاسيسي‬

‫يا ليتَما‬ ‫ثمَ رٌ يرجو ُه من َتع ٍَب يَذروهُ‪ ..‬حَ ُّظ فؤادي‬ ‫نكوس!!‬ ‫ِ‬ ‫ِجدُّ مَ‬

‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوص‬

‫متاهة الحزن‬ ‫سفر في‬ ‫ِ‬

‫األشواق‬ ‫ِ‬ ‫حملت من رَهَ ِق‬ ‫ُ‬ ‫مسافرٌ ‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫الالت في أ ِّم‬ ‫ما عجزتْ عنهُ ال ّ َد ُ‬ ‫القواميس! ما الذي ألقا ُه في سَ فرٍ‬ ‫َنفيس!‬ ‫تضيقُ أحالمُ هُ عن كلِّ ت ِ‬ ‫ليت بهِ‬ ‫ماذا سأشرحُ عن بُعْ ٍد َص ُ‬ ‫بالدمع طو ًال‬ ‫ِ‬ ‫قاس‬ ‫يُ ُ‬ ‫عت‬ ‫وما جزِ ُ‬ ‫المقاييس؟!‬ ‫ِ‬ ‫في‬ ‫ولكنِّ الحيا َة قَسَ ْت‬ ‫مسافرٌ ‪..‬‬ ‫بعض أمتعتي‬ ‫و حنيني ُ‬ ‫الكراريس‬ ‫ِ‬ ‫أدسهُ قَلق ًا بينَ‬ ‫ُّ‬

‫َيئيس‬ ‫النفس عن ضعْ ٍف وت ِ‬ ‫َ‬ ‫تُراودُ‬ ‫الطاغي بأوردتي‬ ‫تجاس َر الوَجعُ ِّ‬ ‫ِ‬ ‫َّواميس‬ ‫ِ‬ ‫َنشدُ حَ َّ ًل في الن‬ ‫ورا َح ي ُ‬

‫متى يُ فيقُ زمانٌ عن مراوغتي‬ ‫يدو ُر بي في مَ سارٍ غي َر‬ ‫دروس!‬ ‫ِ‬ ‫مَ‬

‫ضاقت بأحرفِ ها‬ ‫ْ‬ ‫ور َُّب أسئلةٍ‬ ‫تدليس‬ ‫ِ‬ ‫ترومُ أجوبةً من غيرِ‬

‫أرخصت‬ ‫ُ‬ ‫أنا المَ لومُ بما‬ ‫من وَجَ ٍل‬ ‫نحوس!‬ ‫ِ‬ ‫قلبي أُدثِّ رُ ُه أفكا َر مَ‬

‫وال انعتاقَ‬ ‫ُلت في صبرِ ها‬ ‫يروِّي مُ هجةً َذب ْ‬ ‫األباليس‬ ‫ِ‬ ‫تتَّ قي كي َد‬

‫الحلْمُ‬ ‫ِ‬ ‫شَ رعتُ هُ الكُ برى‪ ،‬وآفتُ هُ ال َنّكرا‬ ‫وتبخيس!‬ ‫ِ‬ ‫على َكدَرٍ يَضوي‬

‫هو القضاءُ‬ ‫وال مثلَ القضاءِ رضى‬ ‫الهواجيس!‬ ‫ِ‬ ‫أذودُ عنِّي به جم َر‬

‫* شاعر من السعودية‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪77‬‬


‫جرى مدادي‬ ‫‪ρρ‬سعاد الزحيفي *‬

‫جـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرى مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدادي فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا عـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدُّ والحَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدُّ‬ ‫يـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ــدُّ غ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ــري بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـخـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر ًا وأع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدُّ‬ ‫ه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو ال ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ــي رسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــول اهلل مـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـخ ـ ـ ــرت ـ ـ ــي‬ ‫وف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـخـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر ك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن اس ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ــى ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه ج ـ ـ ـ ـ ــدُّ‬ ‫ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــروح تـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـف ـ ـ ــو وعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ــنُ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ـ ـ ــوق ت ـ ـ ـ ــذك ـ ـ ـ ــره‬ ‫وال ـ ـ ـ ـ ـ ــدم ـ ـ ـ ـ ـ ــع يـ ـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ــري ع ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ــى الـ ـ ـ ـ ـخ ـ ـ ـ ــدي ـ ـ ـ ــن يـ ـ ـشـ ـ ـت ـ ــدُّ‬ ‫ـرأت ك ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ــاب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا عـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ب ـ ـ ـ ـطـ ـ ـ ــول ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ــهِ‬ ‫وم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ‬ ‫إال وأ ّرقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدٌ ه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدُ‬ ‫ـزات ج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرت م ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ــا كـ ـ ـ ـ ــرامـ ـ ـ ـ ــتِ ـ ـ ـ ـ ــه‬ ‫م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌ‬ ‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاذا جـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالُ ولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍـد ضـ ـ ـ ـ ـ ــمّ ـ ـ ـ ـ ـ ــه ال ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ــدُ‬ ‫هلل ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــومٌ ع ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ــى الـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ب ـ ـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـ ـ ــار ُتـ ـ ـ ـ ـ ــه‬ ‫م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادُ أح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َد واأل ْب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ُر ت ـ ـ ـ ـ ــرت ـ ـ ـ ـ ــدُّ‬ ‫م ـ ـ ـ ـ ــا يـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــومُ بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدرٍ وم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا القـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـت وم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا جـ ـ ـمـ ـ ـع ـ ـ ْـت‬ ‫ـش ف ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــه ومـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـئ ـ ـ ـ ـ ـ ــرٌ ومـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ج ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ــدُ‬ ‫ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــري ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ‬ ‫و أي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن مـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن أح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍـد يـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ل ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــت عـ ـ ـ ــرص ـ ـ ـ ـ َتـ ـ ـ ــه‬ ‫األسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدُ‬ ‫ق ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ــري وجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاورنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي فـ ـ ـ ـ ـ ــي م ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ــزلـ ـ ـ ــي ْ‬ ‫ـوف ومـ ـ ـسـ ـ ـغـ ـ ـب ـ ــةٍ‬ ‫و خَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـدَقَ ال ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ــاس فـ ـ ـ ـ ــي خ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬ ‫والـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــريـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــحُ ن ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ــرٌ فـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا س ـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌـف وال ح ـ ـ ـ ــدُّ‬ ‫إ ْذ ح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّزبـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوا وي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ــودُ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـغـ ـ ـ ـ ـ ــدر ت ـ ـ ــوع ـ ـ ــده ـ ـ ــم‬ ‫و أيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدقُ مـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن أمـ ـ ـ ـ ـث ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ــم وعـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدُ‬ ‫والـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاس حـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــول رس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــول اهلل م ـ ـ ـ ــوقـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ــةٌ‬ ‫ب ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ــر مـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ــةٌ ب ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ــر تـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـت ـ ـ ــدُّ‬ ‫‪78‬‬

‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫تـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـه ـ ـ ــي الـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــنَ وف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ــور ي ـ ـ ـ ــرب ـ ـ ـ ــدُّ‬

‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوص‬

‫عُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاقُ جـ ـ ـ ـ ـ ــابـ ـ ـ ـ ـ ــر ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ص ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ــرٍ ب ـ ـ ـبـ ـ ــرم ـ ـ ـت ـ ـ ـهـ ـ ــا‬

‫فـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرقَ ال ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ــرُ ري ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا ال مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر ّد ل ـ ـهـ ــا‬ ‫و ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاتَ فـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ق ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ــره مـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ــوفـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ًا سـ ـ ـ ـع ـ ـ ــدُ‬ ‫وف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــح مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ـ ــة ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي خـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ــل مـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ــوم ـ ـ ـ ـ ــةٍ‬ ‫ف ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ــا اسـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـط ـ ـ ـ ــاع ـ ـ ـ ــوا ل ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ــا ن ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ًا وال ردُّ وا‬ ‫اهلل أك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرُ واألي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــامُ ت ـ ـ ـ ـ ــذك ـ ـ ـ ـ ــره ـ ـ ـ ـ ــم‬ ‫ـدل وال نـ ـ ـ ـ ـ ــدُّ‬ ‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ــابـ ـ ـ ـ ـ ـ ــةٌ مـ ـ ـ ـ ـ ــال ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ــم ع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌ‬ ‫وإن ف ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ــم رسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــول اهلل مـ ـ ـ ـ ــرشـ ـ ـ ـ ــدهـ ـ ـ ـ ــم‬ ‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو ٌر م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن اهلل ف ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــه ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيُ مـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـت ـ ـ ــدُّ‬ ‫ـس مـ ـ ـ ــن َص ـ ـ ـ ـ ِـح ـ ـ ـ ــبَ ال ـ ـ ـم ـ ـ ـخ ـ ـ ـتـ ـ ــا َر كـ ـ ـي ـ ــف ل ـه ــم‬ ‫يـ ـ ـ ــا ُأ ْن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫أن يـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ــروا عـ ـ ـ ـن ـ ـ ــه أو ي ـ ـ ـس ـ ـ ـلـ ـ ــو لـ ـ ـ ـه ـ ـ ــم وج ـ ـ ـ ـ ــدُ‬ ‫ل ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ــي عـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـه ـ ـ ــم وق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد وافـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـت م ـ ـ ـن ـ ـ ـ ّي ـ ـ ـتـ ـ ــه‬ ‫وا ح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرَّ دمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍـع عـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ــى ال ـ ـ ـ ـ ـخـ ـ ـ ـ ــديـ ـ ـ ـ ــن ي ـ ـ ـش ـ ـ ـتـ ـ ــدُّ‬ ‫و ل ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــس مـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن أمـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرنـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيءٌ فـ ـ ـنـ ـ ـمـ ـ ـلـ ـ ـك ـ ــه‬ ‫إال ال ـ ـ ـ ـ ــرض ـ ـ ـ ـ ــا ب ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـض ـ ـ ـ ـ ْا ال ـ ـ ـ ــرحـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ــن وال ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ــدُ‬ ‫* شاعرة من الجوف ‪ -‬السعودية‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪79‬‬


‫قصة حزن‬ ‫‪ρρ‬سما ُيوسف*‬

‫تتثاءب بـيـنَ‬ ‫ُ‬ ‫دعوت الرياح َ التي‬ ‫ُ‬ ‫جـذوعِ الـشـجـرْ‪..‬‬ ‫إلى غــرفـتي‬ ‫أتـتـني‬ ‫ـرأت لها‪ :‬ما كـتـب ُـت أخـيرً ا‬ ‫ق ُ‬ ‫(بـكـي ُـت)‬ ‫ـزن‬ ‫روي ُـت لها قصـ َة ال ُـحـ ِ‬ ‫أصـغ ْـت‬ ‫وأصـغـى السـهـ ْر‬ ‫و ُرح ُـت لـها أسـردُ الـوقـتَ‬ ‫أغـزلُ ِمـن خـي ِـطـه الـحال ِـم ال َّل ـو ِْن‬ ‫ِشـعـرً ا‬ ‫وألـع ُـب في شَ ـعـرِ ها الكستنائيِّ‬ ‫والليلُ يمضي‬ ‫وحط على مقلتيهـا‬ ‫َّ‬ ‫الـمـنـامُ‬ ‫تـرك ُـت لـهـا في فـراشي‬ ‫مـكانـًا صـغــيرً ا‬ ‫َـت‬ ‫فأغـف ْ‬ ‫وأغـفـى الـقـم ـ ْر‬ ‫ـوت الـشـجـرْ!‬ ‫وقـم ُـت دع ُ‬ ‫فـجـا َء‬ ‫بـطـيـئـًا‬ ‫يُ ـجَ ـرجـرُ ‪..‬‬ ‫ـف ُخـطـا ُه لـيـالي‬ ‫خـل َ‬ ‫الـضـجـرْ!‬ ‫ * كاتبة من السعودية‪.‬‬

‫‪80‬‬

‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوص‬

‫ٌ‬ ‫وخليل‬ ‫ِخ ٌّل‬ ‫‪ρρ‬عبدالهادي الصالح*‬

‫نـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ـ ِـت الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّ َـب ف ـ ـ ـ ـ ـ ــي ق ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ــي ن ـ ـ ـس ـ ـ ـي ـ ـ ـج ـ ـ ـ ًا‬ ‫تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّ َث ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلَ ك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّ َـل َزخ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــةٍ َت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّـد‬ ‫ـس إن ُتـ ـ ـ ــبِ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ــا‬ ‫فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ـ ــال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـت مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌ‬ ‫تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرى الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّـشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالَ ُحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــفّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـت مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ وردُ‬ ‫فـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ــنُ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ ّـب غـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّن ـ ـ ـ ـ ـ ــى إ ْذ تـ ـ ـ ـغـ ـ ـ ـ ّن ـ ـ ــى‬ ‫ووِ رْدُ‬

‫ـاب‬ ‫الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬

‫م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو ٌر‬

‫و َرص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدُ‬

‫أح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدّ ُث أم تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاري ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــحُ ال ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ــي‬ ‫ـوض مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن م ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــاهـ ـ ـ ـ ــا ولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدُ ‪..‬؟‬ ‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌ‬ ‫وتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــعُ ب ـ ـ ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـم أو تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرا ُه‬ ‫ـواق ظ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــآن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا َيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّـد‬ ‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن األشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫ومـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه ّإل ح ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ٌـب‬ ‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــع األي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــامِ نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمٌ م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه ُب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّـد‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪81‬‬


‫ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدُ تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا حـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وأس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر ًا‬ ‫وي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه دفّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا َيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــكِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّـد‬ ‫أأروي‬

‫ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــةً‬

‫لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ ّـب‬

‫ف ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ــا‬

‫ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزوغُ الـ ـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ِـس إذع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــانٌ وح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدُ ‪..‬؟‬ ‫ـرح ت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدّ ثُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــك الـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــال ـ ـ ـ ــي‬ ‫وم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنْ ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬ ‫ـال عـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ِخ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ ّـل َيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّـد‬ ‫عـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن األط ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫ع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن األنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــامِ م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا أح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى شـ ـ ـ ـ ـ ــذاهـ ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرى إص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدا َره ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ح ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا َي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرُ ُّد‬ ‫وأسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــألُ قـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ــيَ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوّاقَ ه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاّ‪..‬‬ ‫ـان ن ـ ـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ـ ــدُ ‪..‬؟‬ ‫رأى يـ ـ ـ ـ ـ ــوم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذي الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوديـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ـ ــدٌ قـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد ت ـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ــامـ ـ ـ ـ ـ ــى إ ْذ ت ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ــاهـ ـ ـ ــى‬ ‫ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــودُ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـل بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاألف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاء حـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّـد‬ ‫ون ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدٌ حـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدّ ِث ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاريـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــخَ عـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ــهُ‬ ‫فـ ـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ــهِ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالُ مـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ــه ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو َم قـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّـد‬ ‫ـضـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـت لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتَ أ ّنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‪!..‬‬ ‫وأيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــامٌ ت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّ‬ ‫ك ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ــا بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد ٌر يـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـط ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــولُ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ــلَ س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــردُ‬ ‫ـرش روحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي‬ ‫فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ــذا ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـخ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّـل ه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذا عـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ‬ ‫ـروح م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ِطـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍـب يُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّـد‪..‬؟‬ ‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ــلْ لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫ * أكاديمي وشاعر من الجوف ‪ -‬السعودية‪.‬‬

‫‪82‬‬

‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫‪ρρ‬جناة املاجد*‬

‫ـال كـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ــان ـ ــي‬ ‫أشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ِـت يـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ذاتَ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫وسـ ـ ـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ِـت فـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي خ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ــدي وف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وجـ ـ ـ ـ ـ ــدانـ ـ ـ ـ ـ ــي‬ ‫ـواك واسـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ــرتـ ـ ـن ـ ــي‬ ‫تـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـن ـ ــي ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِّ‬ ‫والـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـغ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ُـث م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ِ ّـك ك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم أح ـ ـ ـيـ ـ ــانـ ـ ــي‬ ‫ـال عـ ـ ـ ـ ـش ـ ـقـ ــتُ ـ ـهـ ــا‬ ‫يـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا روض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــةً ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوقَ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫ـاب كـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم أضـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ــان ـ ــي‬ ‫وجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ــا ُلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ــا الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـخ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ‬ ‫ـوعـ ـ ـ ـه ـ ـ ــا‬ ‫س ـ ـ ـ ـ ـ ــاقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـنـ ـ ــيَ األشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواقُ نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ َو رب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫وتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ــدّ ت م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن سـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ــرهـ ـ ـ ــا أجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ــان ـ ـ ــي‬ ‫فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـص ـ ـ ـبـ ـ ـ ُـت ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوقَ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـطـ ـ ـ ـ ـ ــودِ خـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ َة ش ـ ـ ــاع ـ ـ ــرٍ‬ ‫ـان‬ ‫يُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ــي الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـطـ ـ ـ ــو َر بـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـسـ ـ ـنـ ـ ـه ـ ــا الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ِ‬ ‫ـرت الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــديـ ـ ـ ـ َم خـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ــاره ـ ــا‬ ‫وطـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاءُ صـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫ـان‬ ‫فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي جـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـدهـ ـ ــا عـ ـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ــدٌ مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــريـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ِ‬ ‫غـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ َد األك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــارِ مُ ف ـ ـ ـ ـ ـ ــي ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــؤادي ع ـ ـش ـ ـق ـ ـهـ ــا‬ ‫ـزالن‬ ‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ُـت ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي أس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرِ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـهـ ـ ــا الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـغـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َح ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــؤادُ بِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرِ هِ لـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ــالِ ـ ـهـ ــا‬ ‫ـدران‬ ‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــإذا بـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ــا ب ـ ـ ـ ـ ـ ــاح ـ ـ ـ ـ ـ ــت إل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــغُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫ـاك فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي رغ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدان ط ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــابَ لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ــاؤنـ ـ ــا‬ ‫وهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫ـان‬ ‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي غ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــةٍ مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ـ ــوطـ ـ ــةِ األركـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫ـأرضـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــفُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلَّ والـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادي أن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َخ ب ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫ـان‬ ‫ف ـ ـ ـ ـ ــاسـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـلـ ـ ـت ـ ــهُ شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ــائِ ـ ـ ـ ـ ـ ــقُ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ِ‬ ‫ـاب إذا ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا زائ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرٌ‬ ‫أن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـث ـ ـ ـ ـ ـ ــى الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ِ‬ ‫ـان‬ ‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرت م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزُ ونَ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـل الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫ـوف ش ـ ـ ـ ــراب ـ ـ ـ ــهُ‬ ‫والـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ــلُ قـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدّ َم لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـض ـ ـ ـيـ ـ ـ ِ‬ ‫ـان‬ ‫شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ــد ًا يـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ــوقُ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـه ـ ـ ــد م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن دوعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫كُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلٌ بـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـط ـ ـ ـ ـ ــرِ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــودِ ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َح أري ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـج ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ‬ ‫ـان‬ ‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاح ـ ـ ـ ـ ـ ــةٍ م ـ ـ ـ ـ ـ ــوض ـ ـ ـ ـ ـ ــون ـ ـ ـ ـ ـ ــةٍ بِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـج ـ ـ ـ ـ ـ ــمّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫ـوب ع ـ ـش ـ ـقـ ــتُ ـ ـهـ ــا‬ ‫ـك ال ـ ـ ـخ ـ ـ ـم ـ ـ ـي ـ ـ ـلـ ـ ــةُ فـ ـ ـ ـ ــي الـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫ت ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ َ‬ ‫ول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ــا ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدوتُ ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذبِ األلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــانِ‬

‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوص‬

‫أنثى السحاب‬

‫ * شاعرة من السعودية‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪83‬‬


‫كمال الحب‪..‬‬ ‫‪ρρ‬عبدالعزيز موسى احلكمي*‬

‫جمال قبل وجهك‬ ‫ٌ‬ ‫كم يهونُ !‬ ‫وعيش دون وصلك ال يَكُ ونُ‬ ‫ٌ‬ ‫وحب في المالمح قد تجلّى‬ ‫ٌّ‬ ‫وهل تخفى اللواعجُ‬ ‫والشجونُ ؟!‬ ‫ترتّلُ عينيَ السَ كرى كتاب ًا‬ ‫روا ُه الحسنُ ‪..‬‬ ‫قسمهُ الجنونُ‬ ‫ّ‬ ‫وينشد قلبي المشتاقُ لحن ًا‬ ‫تردده البالبلُ‬ ‫والغصونُ‬ ‫مفردات‬ ‫ٌ‬ ‫سنك‬ ‫تضيعُ أمام ُح ِ‬ ‫بديها التشوّقُ‬ ‫فيُ ِ‬ ‫والفتونُ‬ ‫حرف‬ ‫ٌ‬ ‫الحب‪ ..‬حين يتو ُه‬ ‫ّ‬ ‫كمال‬ ‫فتحكيهِ الخوافقُ‬ ‫والعيونُ‬ ‫* شاعر من السعودية‪.‬‬

‫‪84‬‬

‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوص‬

‫واحة الحب‬ ‫‪ρρ‬فرح الزهراني*‬

‫‏يـ ـ ـ ـ ـ ــا واح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة ال ـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ِّـب كـ ـ ـ ـ ـ ــم أمـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ِـت أرواح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫ـرسـ ـ ـ ـ ـ ــا وأفـ ـ ـ ـ ـ ــراحـ ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫‏وكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم أق ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـت‪ ‬ال ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ــوى عـ ـ ـ ـ ـ ـ ً‬ ‫‏ك ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ِـت الـ ـ ـ ـ ـ ـ ــديـ ـ ـ ـ ـ ـ ــار ال ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ــي اعـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ــدن ـ ـ ـ ــا زيـ ـ ـ ــارت ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ــا‬ ‫وب ـ ـ ـ ـ ــابـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ــا لـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم يـ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ــن يـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ــاج مـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـت ـ ـ ــاح ـ ـ ــا‪ ‬‬ ‫يـ ـ ـ ـ ـ ــا واحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة ال ـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ِّـب هـ ـ ـ ـ ـ ــل تـ ـ ـ ـ ـ ــرعـ ـ ـ ـ ـ ــاك أف ـ ـ ـ ـ ـئـ ـ ـ ـ ــدةٌ‬ ‫‏وهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل س ـ ـ ـن ـ ـ ـب ـ ـ ـصـ ـ ــر ف ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــك ال ـ ـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـ ـ ــوق فـ ـ ـ ـ ــاحـ ـ ـ ـ ــا؟!‬ ‫‏أك ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ــا مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرَّ ط ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــر ال ـ ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ــر أط ـ ـ ـ ــربـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ــي‬ ‫‏ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوت الـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـي ـ ـ ــن ف ـ ـ ـ ـغ ـ ـ ـ ـ ّنـ ـ ـ ــى‪ ‬ف ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــك‪ ‬ص ـ ـ ـ ــدّ اح ـ ـ ـ ــا‬ ‫ورحـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ــة الـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـم ـ ـ ــس مُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ أودعْ ـ ـ ـ ـ ـ ــتُ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ــا أمـ ـ ـ ـل ـ ـ ــي‪ ‬‬ ‫‏ت ـ ـ ـ ـ ـ ــرع ـ ـ ـ ـ ـ ــاه حـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ــى يـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ــود الـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ــر‪ ‬إصـ ـ ـ ـب ـ ـ ــاح ـ ـ ــا‬ ‫‏واهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‪ ،‬إذا مـ ـ ـ ـ ــا ذك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرت الـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـم ـ ـ ــر واس ـ ـ ـت ـ ـ ـب ـ ـ ـقـ ـ ـ ْـت‬ ‫‏نـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـس ـ ـ ــي ل ـ ـ ـت ـ ـ ـس ـ ـ ـكـ ـ ــب دم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــع ال ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ــد‪ ‬أقـ ـ ـ ـ ــداحـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫‏أع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــود أنـ ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ ــث ف ـ ـ ـ ـ ـ ــي ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدر الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ـ ـ ــوى أم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًـا‬ ‫‏ي ـ ـ ـ ـ ــزي ـ ـ ـ ـ ــح عـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن خـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاطـ ـ ـ ـ ـ ـ ــري هـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًّـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا وأتـ ـ ـ ـ ـ ـ ــراحـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫‏يـ ـ ـ ــا واحـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة ال ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ِّـب أسـ ـ ـ ـق ـ ـ ــي الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــروح مـ ـ ـ ــن عـ ـط ــش‬ ‫‏وأش ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ــي ظ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ــة األعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاق‪ ‬م ـ ـ ـص ـ ـ ـبـ ـ ــاحـ ـ ــا‬ ‫ * شاعرة من السعودية‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪85‬‬


‫ُ‬ ‫مالذ العاشقين‬ ‫‪ρρ‬محمد جابر مدخلي*‬

‫ـك البواكيــا‬ ‫حَ زِ ْنـ ُـت‪ ..‬وآوتنــي إليـ َ‬

‫ـرك شــاكيا‬ ‫َو َلــمْ ألتفـ ْـت يومً ــا لغيـ َ‬

‫ـك أيقظــتَ الحنــانَ بداخلــي‬ ‫ألنـ َ‬

‫ـرك ســاقيا‬ ‫وحولــتَ غيماتــي بِ قَفْ ـ َ‬

‫فأنــتَ مــاذُ العاشــقين بليلهــمْ‬

‫ـات الزهــور الشــواذيا‬ ‫وأنــت صباحـ ُ‬

‫وأنــتَ صديقــي بــل أنيســي بخلوتــي‬

‫إذا مــا ادْ َلهــمَّ الخطـ ُـب حولــيَ جاثيــا‬

‫الشــعرُ ‪ ‬المُ خالـ ُـط فــي دمــي‬ ‫أال أيهــا ِّ‬

‫أغ ْثنــي‪ ..‬فأيــامُ الحنيــن صواديــا‬

‫ـروف قصيدتــي‬ ‫ـك واندسـ ْـت حـ ُ‬ ‫حنانيـ َ‬

‫ـاب ت ُْخفــي عذابيــا‬ ‫بِ جَ انحــةِ األوصـ ِ‬

‫ـات بيــن ســطوره‬ ‫تطاردنــي اآلهـ ُ‬

‫ـكاب الدمــوع كتابيــا‬ ‫ويســجنُ تِ ْسـ ُ‬

‫عَ ِط ْشـ ُـت وأضن ْتنــي مــن الهجــر لوعــةٌ‬

‫ألمواجــك الخجلــى مَ خَ ـر ُْت عُ بابيــا‬

‫ـس ِشــعْ رً ا لكــي أرى‬ ‫ورحـ ُـت أُمَ ِّنــي النفـ َ‬

‫ـماوات أفــكاري ت ُِجيـ ُـب نِ دائيــا‬ ‫ِ‬ ‫سـ‬

‫ِلمتــا َح فــي بيـ ِـت القصيــدةِ ع ّلنــي‬

‫ـض نفســي كــي أبــو َح بمــا بيــا‬ ‫أرى بعـ َ‬

‫فأعصــر ُه حي ًنــا بلحــن صبابتــي‬

‫ألشــد َو فــي ليــا ُه عَ ــذْ بَ لياليــا‬

‫وحي ًنــا بــدا عصيا ُنــهُ مُ َتق َِم ًصــا‬

‫جلــو َد األفاعــي كــي يُ َبـ ِ ّـد َد ذاتيــا‬

‫وتــار ًة‬

‫يَنِ ــدُّ ‪ ..‬ويبقينــي أردد مــا ليــا؟!‬

‫الصــدُ يــا حَ رْفً ــا تَغلغــلَ فــي دمــي‬ ‫لِ ـ َم َّ‬

‫ـض العواديــا؟!‬ ‫فكــمْ َقــدْ تواعدنــا نُغِ يـ ُ‬

‫َولَكِ ــنْ مــع األيــام مــادت وعودُ نــا‬

‫ليحج َبهــا عــن ناظــريَ الشــوانيا‬

‫ـورك ســلوةٌ‬ ‫أيــا شــعرُ هــل لــي فــي بحـ َ‬

‫ُتشــاركُ ني هــمَّ الليالــي الشــواظيا‬

‫فأنــت أنــا يــا مــن أكــون ومــن أنــا‬

‫ـقتك لح ًنــا ثــم جئتــك شــاديا!!‬ ‫عشـ َ‬

‫أُجاذِ ُبــهُ‬

‫نحــوي‬

‫* شاعر من السعودية‪.‬‬

‫‪86‬‬

‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫قليـ ًـا‬


‫الشاشات كوسيلة تعليمية‬ ‫هل يجب استخدامها أم تجنبها؟‬

‫تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬

‫كاترين دو كوبيه*‪:‬‬

‫■ ترجمة‪ :‬د‪ .‬فيصل أبو ُّ‬ ‫الطفَ ْيل**‬

‫من الحاسوب إلــى الهاتف النقال‪ ،‬غــزت الشاشات الحياة اليومية لألطفال‬ ‫والمراهقين‪ ،‬فهل بإمكانها أن تعود عليهم بالنفع في المنزل أو في المدرسة؟‬ ‫معطى جديدً ا في مجال التربية‪ ،‬فهي في المقام األول‬ ‫قبل أن تصبح الشاشات ً‬ ‫كلمة فضفاضة تخضع الستيهامات متكررة‪ .‬وإذ ليس بإمكاننا االستغناء عنها‬ ‫في حياتنا اليومية‪ ،‬فإن الشاشة أو الشاشات (إذا كنا نقصد بهذا الجمع التقنيات‬ ‫الرقمية وحواملها مثل‪ :‬الهاتف الذكي‪ ،‬والحاسوب‪ ،‬واللوحة اإللكترونية) تقع في‬ ‫صميم الخطابات االستقطابية‪ ،‬وذلك بمجرد أن نتساءل عن موقعها في حياة‬ ‫الناشئين‪.‬‬ ‫وهـ ــذا الــمــوقــف الــمــضــطــرب نجده‬ ‫على صعيد المؤسسات‪ :‬فتارة يحظى‬ ‫استخدام التكنولوجيات الرقمية في‬ ‫المدارس بالتشجيع‪ ،‬وتــارة يتم إهماله‬ ‫تبعا للخطط المتعاقبة التي تم إرساؤها‪.‬‬

‫وتــاحــظ إيلينا باسكيليني‬ ‫‪- Pasquinelli‬وهي باحثة في مجال العلوم‬ ‫اإلدراكية وعضوة في مؤسسة المان أال‬ ‫بات(‪ ،)١‬وأستاذة مشاركة في معهد جون‪-‬‬ ‫نيكود التابع للمدرسة العليا لألساتذة‬ ‫‪ -l’institut Jean-Nicod de l’ENS‬أنه «فيما‬ ‫التأثير في النوم وفي اللغة‬ ‫يتعلق بظهور التكنولوجيات الجديدة‪،‬‬ ‫ما يهيمن بشكل كبير خالل السنوات‬ ‫فنحن نتأرجح بين التفاؤل الالمحدود‪،‬‬ ‫وبين الخوف من خطر فقدان االنتباه‪ ،‬الــقــلــيــلــة الــمــاضــيــة ه ــو عـ ــدم الــثــقــة‪.‬‬ ‫أو خطر آخر نتخيله وهو خطر اإلدمان»‪ .‬فاستخدام الشاشات في المنزل يشكّل‬ ‫‪Elena‬‬

‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪87‬‬


‫موضوع خطاب وقائي أرسى معالمه الطبيب مع الشاشة ينبغي أن تراعى فيه التربية عند‬ ‫النفسي سيرج تيسيرون ‪ ،Serge Tisseron‬األبناء واآلباء معا‪.‬‬ ‫وروجــــت لــه ضــمــن هــيــئــات أخـ ــرى عــديــدة‬ ‫وال يخلو سياق الوقاية هذا‪ ،‬والذي تشرف‬ ‫أكاديمية الطب سنة ‪2013‬م‪ ،‬وكذلك مؤخرًا عليه بــصــورة مــشــروعــة هيئة األطــبــاء‪ ،‬من‬ ‫كل من الجمعية الفرنسية لطب األطفال ‪ la‬تداعيات على المجال المدرسي‪ .‬فبإمكان‬ ‫‪ Société française de pédiatrie‬واالتحاد‬ ‫عـــدد مــن الــمــدرســيــن ‪-‬بــمــن فيهم الجيل‬ ‫ٍ‬ ‫الوطني للجمعيات األسرية ‪ l’Union nationale‬الشاب‪ -‬أن يستوعبوا هذا الخطاب الوقائي‪.‬‬ ‫‪.)des associations familiales (Unaf‬‬ ‫ومــع ذلــك‪ ،‬تظل ممارسات المراهقين في‬

‫إن «التعرض للشاشات» بشكل مبكر ومطوّل‬ ‫يشكّل خطرًا على نمو الطفل‪ ،‬وبخاصة عند‬ ‫الفئة التي تقل أعمارها عن ثالث سنوات‪:‬‬ ‫ويشمل هــذا الخطر تأثيرًا في النوم‪ ،‬وفي‬ ‫الــتــفــاعــات االجــتــمــاعــيــة‪ ،‬واحــتــمــال تأخير‬ ‫القدرة على الكالم‪ ،‬إلخ‪ ..‬ومن بين األمور التي‬ ‫تقوم عليها الوقاية تطبيق القانون الموسوم بـ‪:‬‬ ‫«‪ »12/9/6/3‬الذي يوجّ ه اآلباء والمربين إلى‬ ‫«استخدام عقالني للشاشات» بحسب السن‪.‬‬ ‫وتستند األبحاث في هذا المجال إلى سلوك‬ ‫اآلباء الذين يرفّهون عن أنفسهم باستخدام‬ ‫الشاشات خالل الزمن الذي يتقاسمونه مع‬ ‫أبنائهم‪ .‬لقد بات من الواضح اآلن‪ ،‬أن تعاملنا‬

‫الغالب أكثر ذكــاء مما قــد نعتقده‪ ،‬خاصة‬ ‫عندما يتعلق األمر بالبحث عن معلومة ما‪.‬‬ ‫وقد خلصت آن كورديي ‪- Anne Cordier‬وهي‬ ‫أستاذة محاضرة في مجال علوم المعلومات‬ ‫واالتــصــاالت بمدينة روان ‪ ،Rouen‬ومؤلفة‬ ‫كتاب‪« :‬أن ننمو موصولين باألنترنت» ‪Grandir‬‬ ‫‪ connectés‬الصادر سنة ‪2015‬م‪ -‬في بحث‬ ‫معمق أجرته على (‪ )15‬شابًا وشابة تابعوا‬ ‫دراســتــهــم مــن السنة األول ــى بــاكــالــوريــا إلى‬ ‫الماستر‪ ،‬منذ سنة ‪2012‬م‪ ،‬خلصت هذه‬ ‫الباحثة إلى أن الويب هو مجرد قناة واحدة‬ ‫للمعلومات من بين قنوات أخرى‪ .‬وأن كثيرا‬ ‫من الشباب يستطيعون الوصول إلى محتويات‬

‫الصورة تمثل عنصراً مهماً في الشاشات اإللكترونية‬

‫‪88‬‬

‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬

‫األجهزة اللوحية وشاشات الجوال تستهلك جزءاً ملحوظا من أوقات قطاع الشباب‬

‫تنتجها الصحافة التقليدية‪ ،‬حتى ولو اقتضى‬ ‫األمر أن يطّ لعوا عليها باستخدام تطبيقات‬ ‫رقمية‪.‬‬

‫الزمن‪ ،‬فهو سيرورة طويلة األمد»‪ .‬ومع ذلك‪،‬‬ ‫يتعامل دماغنا مع الشاشات بطريقة خاصة‪:‬‬ ‫إذ يمكّننا استخدامها مــن تطوير عمليات‬ ‫إدراكــيــة جــديــدة‪ ،‬إذ يتكيّف دمــاغــنــا معها‬ ‫بطريقة أو بأخرى‪ .‬وهناك وه ـ ٌم آخــر تجاه‬ ‫العالقة الموجودة بين الشاشة والذاكرة‪ .‬وهنا‬ ‫توضح إيلينا باسكيليني أنه «تحت ذريعة أن‬ ‫ّ‬ ‫جميع المعلومات متوافرة في الويب‪ ،‬يمكننا‬ ‫أن نستغني عن الحفظ‪ .‬والــحــال أن جميع‬ ‫األبحاث تبيّن أنــه لكي يكون دماغنا قــادرًا‬ ‫على البحث عن المعلومات‪ ،‬فال بد له من أن‬ ‫يحفظ بعضها»‪.‬‬

‫ويــحــيــل ســــؤال ال ــش ــاش ــات أيــضــا على‬ ‫تأثيرها في التعلمات‪ ،‬سواء أكان هذا التأثير‬ ‫إيجابيًا أم سلبياً‪ .‬فهناك خيط رفيع يفصلنا‬ ‫عــن التفكير فــي أن الــشــاشــات قــد غيرت‬ ‫دمــاغــنــا‪ »...‬إذ لم يتغير دماغنا كثيرا منذ‬ ‫ال مايزال عاجزًا عن‬ ‫ظهور الشاشات‪ ،‬فهو مث ً‬ ‫التركيز على شيئين في آن واحــد باستثناء‬ ‫الحركات التلقائية»‪ ،‬وفق ما تنص عليه إيلينا‬ ‫باسكيليني التي اضطلعت بتنسيق الوحدة‬ ‫طرائق جديدة في التدريس‬ ‫البيداغوجية‪« :‬الشاشات‪ ،‬الدماغ‪ ،‬والطفل»‬ ‫«‪ »les écrans، le cerveau et l’enfant‬لفائدة‬ ‫تسائل التكنولوجيات الحديثة طرائق‬ ‫المدارس االبتدائية‪ .‬وفي هذا الصدد يضيف التدريس‪ .‬وتشير إيلينا باسكيليني إلــى أن‬ ‫إريك برويار ‪ Eric Bruillard‬ما يلي‪« :‬يُبنَى التعلم «الــشــاشــة هــي شــيء مــســلٍّ ‪ ،‬وبــهــذا المعنى‬ ‫انطالقا من تنوع في التجارب‪ ،‬ومن تكرار في فهي تغيّر قدرتنا على االنتباه عندما تكون‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪89‬‬


‫قريبة منا»‪ .‬فال ينبغي إذاً‪ ،‬أن نطلب منها‬ ‫كل شــيء‪ ..‬وإنما علينا أن نتساءل عن نوع‬ ‫االستخدامات التي تتيح لنا إمكانية إثــراء‬ ‫التعلم‪ :‬ففي المؤسسات المزوّدة باللوحات‬ ‫اإللكترونية أو بالسبورات الرقمية التفاعلية‬ ‫(‪ ،)TNI‬ال بد من وجود نوع من المصاحبة‪،‬‬ ‫نظرا الحتمال االلتباس الذي يمكن أن ينشأ‬ ‫بين االستخدامات المتنوعة لــأداة نفسها‪.‬‬ ‫«فاألطفال الذين يتوفرون في المنزل على‬ ‫لوحات تفاعلية إنما يستخدمونها في اللعب‪.‬‬ ‫وهو ما استدعى القيام بعمل جبار إلقناعهم‬ ‫بأن هذه اللوحات تستخدم أداة للتعلم داخل‬ ‫الفصول الدراسية»‪ ،‬وذلك حسبما تشير إليه‬ ‫ناتالي ديجاردان‪-‬بونيه ‪Nathalie Déjardin-‬‬ ‫‪ ،Bonnet‬وهي أستاذة بالسنة الثانية ابتدائي‬ ‫‪ CE1‬بمدينة الروشــيــل ‪ ،la Rochelle‬حيث‬ ‫تدمج اللوحة اإللكترونية في البيداغوجيا‬ ‫التي استلهمت أصولها من تقنيات فريني‬ ‫(‪)٢‬‬ ‫‪.Freinet‬‬ ‫وإضافة إلى ما سبق‪ ،‬فغزارة المعلومات‬ ‫على الويب يضع ضرورة انتقاء المعلومة في‬ ‫قلب القضايا البيداغوجية‪ ،‬إذ تؤكد كورديي‬

‫أنه «إذا كانت النصوص الرسمية في فرنسا‬ ‫تــدرج الوسائط الرقمية في مجال التربية‪،‬‬ ‫فــإن الممارسة العملية ال تواكب دومــا هذه‬ ‫النصوص»‪ .‬فعلى المستوى التطبيقي غالبا‬ ‫ما يُنظر إلى الرقمي من خالل سؤال األداة‬ ‫(كيف ندمج الرقمي في التربوي؟)‪ .‬وتؤكد‬ ‫ســولــيــداد غارنييه ‪ ،Soledad Garnier‬من‬ ‫جانبها‪-‬وهي أستاذة مرجع في استخدامات‬ ‫الرقمي بأكاديمية بواتييه ‪l’Académie de‬‬ ‫‪ -Poitiers‬أنــه «إذا كانت المدرسة ال تكوّن‬ ‫فــي مــجــاالت الــهــويــة الــرقــمــيــة‪ ،‬والملكية‬ ‫الفكرية‪ ،‬ومنابع المعلومات‪ ،‬فإن ذلك يهدد‬ ‫ـرخ اجتماعي جــديــد»‪ .‬وهــكــذا‪ ،‬قد‬ ‫بخل ْق شـ ٍ‬ ‫تسهم هذه األدوات الجديدة في تعزيز دور‬ ‫المدرس‪ ،‬مع االرتقاء به من دور الناقل إلى‬ ‫دور المصاحب‪ .‬وفي هذا الصدد تنبه كورديي‬ ‫إلى ما يلي‪« :‬بالنسبة للمدرسة‪ ،‬يجب تطوير‬ ‫ثقافة رقمية طيلة مراحل الدراسة‪ .‬وهذا هو‬ ‫الدور الحقيقي للمدرسين! فما يشكّل أهمية‬ ‫بالنسبة لهم‪ ،‬ليس هو مجاراة العصر‪ ،‬وإنما‬ ‫فتح فضاءات لتبادل هذه الموضوعات‪ ،‬وأن‬ ‫يعلّموا أنفسهم ويرشدوا تالمذتهم»‪.‬‬

‫* صحافية فرنسية‪ ،‬ينصب مجال دراساتها على قضايا التربية والفضاء الرقمي‪ ،‬ولها مقاالت في مجالت‬ ‫متنوعة من بينها‪.Sciences Humaines , Lesinrocks , Telerama :‬‬ ‫** كاتب ومترجم من المغرب‪ ،‬مصدر الترجمة‪Catherine De Coppet, Ecrans: Faire avec ou sans? Magazine :‬‬ ‫ ‬ ‫‪.Sciences Humaines, n° 307، octobre 2018, pp. 40-41‬‬

‫‪90‬‬

‫(‪ )١‬مؤسسة ‪ La Main à la pâte‬بفرنسا‪ ،‬وهي مختبر لألفكار والممارسات المبتكرة‪ ،‬أ ُسستْ سنة ‪2011‬م على‬ ‫يد أكاديمية العلوم والمدارس العليا لألساتذة بباريس‪ ،‬وتهدف هذه المؤسسة إلى تحسين جودة تعليم‬ ‫العلوم بالسل ْكيْن االبتدائي واإلعدادي‪(.‬المترجم)‪.‬‬ ‫(‪ )٢‬نسبة إلى سيليستان فرينيه ‪ :Celestin Freinet‬أستاذ باحث من فرنسا‪ .‬تقوم آراؤه على ضرورة انفتاح‬ ‫المدرسة على التقنيات الحديثة عن طريق التخلص من الروتين في التعليم وبعث الحياة في طرائق‬ ‫التدريس من خالل مجموعة من اإلجــراءات من بينها‪ :‬طباعة نصوص التالميذ‪ -‬والدة النص الحر‪-‬‬ ‫المراسالت بين المدارس‪-‬بيداغوجيا الشرح الزائد‪( .)...‬المترجم)‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫الشاعرة‬ ‫أميرة محمد سعيد صبياني‬ ‫المرأة تستطيع مع حفاظها على هويتها الخاصة‪ ،‬أن تُ شارك بإبداعها‬ ‫ديواني (ال تقرؤوني) كان بداية النضج الشعري لكتاباتي‪ ،‬وفي مجمله‬ ‫وقفات مع المرأة بقوتها وضعفها‪!..‬‬ ‫تكتبني القصيدة في نومي ويقظتي وفراغي وسيري في األسواق‪!..‬‬

‫الشاعرة أميرة محمد صبياني تحضر في فضاء الشعر الــذي يوثق صوتها‬ ‫باللغة التي تسكنها وتميزها‪ !..‬حتى اآلن أص ــدرت مجموعتين شعريتين «لم‬ ‫تختتم بعد لم تهدأ حواشيها»‪ ،‬و«ال تقرؤوني»‪ ،‬كما تشير الشاعرة إلــى أن ثمة‬ ‫خمس مجموعات شعرية لها تحت الطبع‪.‬‬ ‫عملت معلمة للغة العربية في بدايتها العملية‪ ،‬ثم اإلشــراف التربوي‪ ،‬ولها‬ ‫حضور مُ عِ دّ ة ومشاركة في المحافل الثقافية‪.‬‬ ‫تحضر بشخصيتها وبرأيها ودون أن تعكّ ر صفو الماء وهي تختلف‪ ..‬كما هي‬ ‫في هذا الحوار‪..‬‬ ‫■ حاورها‪ :‬عمر بوقاسم‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪91‬‬


‫الشعر‪ ،‬ثم أتركه لفترات طويلة‪ ،‬ثم أعود‬ ‫إليه‪ ،‬أصحَ بُه مرة وأتركه أخــرى‪ ،‬وهي‬ ‫بــدايــة كتاباتي الشعرية‪ ،‬وقــد جمعت‬ ‫بعضها في هذا الديوان‪ ،‬وتخلصت من‬ ‫الكثير منها؛ ذلك ألن عالقتي بالشعر‬ ‫ذلك الوقت كانت عالقة رزينة‪ ،‬فيها نوع‬ ‫من الحذر وعدم االستسالم له‪.‬‬ ‫وق ــد جمعت فــي ه ــذا ال ــدي ــوان بعض‬ ‫القصائد المتنوعة فــي موضوعاتها‬ ‫ومناسباتها‪ .‬أمــا ديــوانــي الــثــانــي‪( :‬ال‬

‫خالصة تجربتي الشعرية‪!..‬‬

‫تقرؤوني) فكان بداية النضج الشعري‬

‫ ¦«لم تختتم بعد لم تهدأ حواشيها‪ -‬دار‬

‫لكتاباتي‪ ،‬وفي مجمله وقفات مع المرأة‬

‫الفكر العربي ‪ -‬الــدمــام ‪1432 -‬هـ ــ» و«ال‬

‫بقوتها وضعفها‪ ،‬وقــد عبرت فيه عن‬

‫تـ ـق ــرؤون ــي م ــؤس ـس ــة االنـ ـتـ ـش ــار ال ـعــربــي‬

‫بعض مشاعرهن ومشاكلهن‪ ،‬وكنت أكتب‬

‫‪1438‬هـ»‪ .‬بهاتين المجموعتين صافحت‬

‫عني وعنهن‪ .‬وما سيطبع من الدواوين‬

‫ال ـ ـشـ ــاعـ ــرة أمـ ـ ـي ـ ــرة صـ ـبـ ـي ــان ــي ال ـس ــاح ــة‬

‫القادمة‪ ،‬هو ما يمثل عالقتي القوية‬

‫الشعرية‪ .‬مالمح تجربتك الشعرية بدت‬ ‫تتشكل مــن ديــوانــك األول بخصوصية‬ ‫البوح وتميزه‪ ..‬ولكن في ديوانك الثاني‬

‫بالشعر وبالشاعرية‪.‬‬ ‫الشعرُ يُ ثبت ذاته‪!..‬‬

‫«ال تقرؤوني»‪ ،‬هناك خصوصية مغايرة ¦حضور المرأة يتفاوت من مجتمع آلخر‪،‬‬ ‫ولكن من المالحظ أن حضور المرأة في‬ ‫عـلــى الـمـسـتــويــات الـمــوضــوعــي والـفـنــي‬ ‫واللغة‪ .‬هل تحدثينا عن هذه التجربة؟‬

‫المنابر اإلعالمية والثقافية ومشاركتها‬

‫‪ρ ρ‬نعم ديــوانــي األول (لــم تُخْ تَتَم بع ُد لم‬

‫في الفعاليات في تزايد اآلن‪ ،‬ما رأيك؟‬

‫تهدأ حواشيها)‪ ،‬هو خالصة المرحلة ‪ρ ρ‬المرأة تستطيع ‪ -‬في هذا العصر ‪ -‬مع‬ ‫حفاظها على هويتها الخاصة‪ ،‬أن تُشارك‬ ‫األولى من تجربتي الشعرية التي كانت‬ ‫عبر مراحل دراستي الجامعية وعملي‬

‫الطويل في مجال التدريس واإلشــراف‬

‫‪92‬‬

‫التربوي‪ ،‬وكنت في هذه المرحلة أكتب‬

‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫بــإبــداعــهــا‪ ،‬وتــوصــل كلماتها الجميلة‬ ‫لجميع األذواق بال حرج‪ .‬والشع ُر الشع ُر‬ ‫يُثبت ذاته بال شك‪.‬‬


‫ ¦يُ ـ ــاح ـ ــظ أن قـ ـصـ ـي ــدة الـ ـنـ ـث ــر ت ـت ـصــدر‬ ‫الـ ـمـ ـشـ ـه ــد ال ـ ـش ـ ـعـ ــري ف ـ ــي الـ ـكـ ـثـ ـي ــر مــن‬ ‫المحافل الثقافية في الوقت الحالي‪..‬‬ ‫ماذا تقولين؟‬

‫الكلمات والعبارات‪ ،‬وزخرفات البديع‬

‫ولكل ذوقه وتوجهه األدبي‪.‬‬ ‫وترصيعاته‪ٍ ،‬‬ ‫أغرد بالجديد من شعري‪!..‬‬

‫ ¦ما المواقع التي تتصدر مفضلة الشبكة‬

‫‪ρ ρ‬قصيدة النثر وإن كانت هي خاطرةٌ من‬

‫العنكبوتية لديك؟‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫خاطرة من نثر‪!..‬‬

‫في القالب النثري المزركش بشاعرية‬

‫نثر ربما ستنتعش أكثر‪ ،‬ويتزايد كاتبوها ‪ρ ρ‬أكثر مشاركاتي ومتابعاتي على تويتر‪.‬‬ ‫وطالبوها لسبب مــا‪ ،‬ولكنها مــا تــزا ُل‬

‫أغ ــرد بالجديد مــن شــعــري‪ ،‬وأش ــارك‬

‫عمران يف الشعر‬ ‫أميرة محمد سعيد صبياني‬

‫ـران مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرَّ ا عـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ــى تـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ــويـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ــةِ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َغ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـر َِق‬ ‫عُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫ـك الـ ـ ـ ـ ـ ُبـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ــدُ هـ ـ ـ ـ ــل ت ـ ـ ـح ـ ـ ـنـ ـ ــو عـ ـ ـ ـل ـ ـ ــى شـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـق ـ ـ ــي!؟؟‬ ‫يـ ـ ـ ـ ــا ذلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫ـوح م ـ ـ ـ ــا َب ـ ـ ـ ــرِ حَ ـ ـ ـ ــت‬ ‫ف ـ ـ ـ ــي زحـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ــةِ الـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ِـت ح ـ ـ ـتـ ـ ــى الـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫ـروف ه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـج ـ ـ ـ ـ ـ ــرِ ت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ ُّر الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزنَ ف ـ ـ ـ ـ ـ ــي أُفُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـق ـ ـ ـ ـ ـ ــي‬ ‫حــــــــــــ ُ‬ ‫آوي بـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـب ـ ـ ــي ع ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ــى م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوج ال ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ِـن عـ ـ ـل ـ ــى‬ ‫مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ــابِ ـ ـ ـ ـ ـ ــرِ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ِّـشـ ـ ـ ـ ـ ــعْ ـ ـ ـ ـ ـ ــرِ ُأهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدي ل ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ــدُ نـ ـ ـ ـ ــا أَرَقِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي‬ ‫ـوس ن ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ــي ل ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ــي أسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــري ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــحُ إل ـ ـ ـ ـ ــى‬ ‫أج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ‬ ‫رق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــائ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـق الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِّـب أو أروي ب ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ــا رَمَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي‬ ‫َضـ ـ ـ ـ ـ ـ َّي ـ ـ ـ ـ ــعْ ـ ـ ـ ـ ـ ُـت ف ـ ـ ـ ـ ــي س ـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ــرتـ ـ ـ ــي وَهَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــجَ ال ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــاةِ ولـ ـ ـ ــم‬ ‫أظ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْر بِ ـ ـ ـ ـ ِـعـ ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ـ ٍـق ولـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم ُأدْرِ ْك صـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدى َنـ ـ ـ ـ ـ ـزَقِ ـ ـ ـ ـ ــي‬ ‫ـراح يـ ـ ــدي‬ ‫ـران ف ـ ـ ـ ــي الـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـع ـ ـ ــرِ غ ـ ـ ـ ــا َب ـ ـ ـ ــا ف ـ ـ ـ ــي اج ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫عـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫ـزن فـ ـ ـ ـ ـ ــي َو َرقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي!!‬ ‫ـات ون ـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـش ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫ل ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ــذكـ ـ ـ ـ ــريـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪93‬‬


‫فــي الفعاليات‪ ،‬والتعليقات النقدية‪،‬‬ ‫وأتابع األدبــاء والنقاد العرب‪ ،‬وأشارك‬ ‫في بعض المنتديات التي تهتم باللغة‬ ‫والشعر والنقد‪ .‬وكذلك لي مشاركات‬ ‫عــلــى صــفــحــة‪ :‬الــفــيــس بــــوك أنــشــر‬ ‫بعض قصائدي‪ .‬وفــي بعض الصحف‬ ‫والمجالت والمواقع اإللكترونية‪.‬‬ ‫قيمة شعرية عالية‪!..‬‬ ‫ ¦هناك تصنيف يقيّم الساحات الشعرية‬ ‫من بلد إلــى آخــر‪ ..‬فمثال هناك شعراء‬ ‫يصنفون ساحاتهم بأنها األكـثــر تألقا‬ ‫وجـ ــديـ ــة‪ ،‬ك ـيــف تـقـيـمـيــن أنـ ــت ال ـســاحــة‬ ‫الشعرية السعودية؟‬ ‫‪ρ ρ‬التجربة السعودية‪ ،‬تتمتع بقيمة شعرية‬ ‫عالية ومــتــجــذرة فــي أعــمــاق عروبتها‬

‫األصيلة‪ ،‬على مستوى التجربة الرجولية‬ ‫أو النسائية! كيف ال؟ وقــد ترعرعت‬ ‫في قلب الجزيرة العربية مهد البالغة‬ ‫والفصاحة وفنون القول‪.‬‬

‫ستأتيه القصيدة في كل األوقات‪!..‬‬ ‫ ¦ب ـعــض ال ـش ـعــراء لــدي ـهــم ش ــرط الـمـكــان‬ ‫والــزمــن أو طقس مــا لكتابة القصيدة‪،‬‬ ‫هــل لــدى الـشــاعــرة أمـيــرة طقس لكتابة‬ ‫قصيدتها؟‬ ‫كنت في بداية التجربة أتصنع طقسً ا‬ ‫لكتابة بعض القصائد‪ ،‬ثم مع ارتباطي‬

‫‪94‬‬

‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫الشديد بالشعر‪ ،‬وتحولي للشاعرية‪،‬‬ ‫اكــتــشــفــت أن الــشــاعــر عــنــدمــا يصبح‬ ‫شاعرًا ستأتيه القصيدة في كل األوقات‬ ‫فال طقس لها وال حالة‪.‬‬ ‫واآلن تكتبني القصيدة في نومي ويقظتي‬ ‫وفراغي وازدحامي‪ ،‬وحتى عند اتصالي‬ ‫بصديقاتي أو خروجي من منزلي وسيري‬ ‫في األسواق‪.‬‬ ‫قليلة جدا‪!..‬‬ ‫ ¦هـ ـن ــاك قـ ـ ـ ــراءات ن ـق ــدي ــة س ـع ــت لـ ـق ــراءة‬ ‫قصيدة الشاعرة أمـيــرة الصبياني‪ ،‬هل‬ ‫وصل الناقد لقصيدتك؟‬ ‫‪ρ ρ‬قــــراءات قليلة ج ـ ـدًا‪ ،‬وبعضها وصــل‬ ‫وبعضها قرأ ظاهرِ ها‪.‬‬ ‫أهرب من كتب التاريخ‪!..‬‬ ‫ ¦هل لنا أن نتعرف على مكتبة الشاعرة‬ ‫أميرة الصبياني؟‬ ‫‪ρ ρ‬أحــب الــقــراءة فــي كــل علم‪ ،‬وأحــب أن‬ ‫آخذ من كل شيء بطرف (ثقافة دينية‪،‬‬ ‫لغوية‪ ،‬أدبية‪ ،‬علمية)‪ ،‬وتستهويني الكتب‬ ‫الموجهة للمرأة‪ ،‬وأهرب من كتب التاريخ‬ ‫واألحــداث والتحليالت السياسية‪ ،‬ألن‬ ‫خيالي واستيعابي يضيق عنها‪.‬‬


‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫الشاعرة الليبية‬ ‫عائشة إدريس المغربي‬ ‫ال أؤمن بالثوابت في الشعر ألنني أنطلق من الحريّ ة‬ ‫أعترف بأن الفيس بوك محرض قوي على الكتابة‬ ‫اللغة جسد الشعر لكن الشعر يمنحها الحياة‬ ‫أنقذتني الكتابة مما تعرضت له من الغدر والفقد وما واجهته في الحرب‬ ‫يموت الشعر عندما يتحوّ ل إلى آلية ميكانيكية تعمل بالذهن والعقل‬ ‫■ حاورها‪ :‬عصام أبو زيد‬

‫تــرى الشاعرة الليبية (المقيمة فــي فرنسا) عائشة إدري ــس المغربي أ ّنــه «ال‬ ‫يمكن الكتابة من خارج التجربة الشخصية»‪ ،‬وتضيف في حوار مع «الجوبة»‪« :‬ما‬ ‫أقصده بالتجربة هو التجربة الحياتية بمجموعها اإلنساني وما يملكه الشاعر‬ ‫من قــدرة على التقاط تفاصيل الحياة في داخله وحوله ومشاهدتها وقراءتها‪،‬‬ ‫وقدرته على السفر خارج الــذات وداخلها‪ .‬إنّه اللحن الذي ينطلق منذ طفولته‬ ‫حتى نهاية العمر‪ ..‬موسيقى الحياة بعنفها وسحرها وعشقها ومللها وجمالها‬ ‫وحزنها واألسى الغامر الذي يعبرنا كالموج ويتبدد على الشاطئ‪ .‬إنّ الذين يرون‬ ‫أنّ الشعر يأتي من الخيال‪ ،‬أقــول لهم إنّ الخيال ال يأتي إال من تــراب التجربة‬ ‫الحياتيّة بكلّ تفاصيلها»‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪95‬‬


‫‪96‬‬

‫وعائشة إدريــس المغربي شاعرة وكاتبة‬ ‫ليبية ص ــدرت لــهــا ســتــة دواويــــن شعرية‪،‬‬ ‫ومسرحية‪ ،‬ورواي ــة وهــي‪ :‬األشــيــاء الطيبة‬ ‫‪1986‬م‪ ،‬البوح بسر أنثاي ‪1996‬م‪ ،‬أميرة‬ ‫ال ــورق ‪1999‬م‪ ،‬صمت البنفسج ‪2007‬م‪،‬‬ ‫الحياة االفتراضية للسعادة ‪2017‬م‪ ،‬قبلة في‬ ‫طابع بريد ‪2019‬م‪ ،‬رواية «يحدث» عن دار‬ ‫أروقة في القاهرة ‪2013‬م‪ ،‬ومسرحية بعنوان‬ ‫«بائعة الزهور» ‪2014‬م عن منشورات وزارة‬ ‫الثقافة في ليبيا‪ .‬كما صدرت لها قصائد‬ ‫مترجمة إلى الفرنسية ضمن كتاب شعري‬ ‫يضم قصائد عن غزة‪ ،‬وترجمات أخرى‪.‬‬

‫وأوضــحــت المغربي «أخ ــاف حـ ًقــا من‬ ‫امتالك آلية وتقنية خاصة لكتابة الشعر‬ ‫ستتحول إلى آلة إكــراه‪ .‬هذا المستوى من‬ ‫الكتابة سأظل أتعثر في أخطائي وإنسانيتي‬ ‫بكثير من المتعة‪ .‬أرتبك أمام اللغة كثيراً‪...‬‬ ‫أشعر دائمًا برغبة في تفكيكها وكسر عظام‬ ‫قواعدها‪ .‬أشعر أنها لعبة من ألعاب الطفولة‬ ‫وعلي أن أكسرها حتى أشعر‬ ‫ّ‬ ‫التي لم أعرفها‬ ‫بمتعة األلفة معها‪ .‬وأكــدت اإلدريــســي «إن‬ ‫لغة اليومي هي األقرب إلى قلبي‪ .‬ال أحب‬ ‫الصور المعقدة والكلمات الفخمة العظيمة؛‬ ‫ألنّها جوفاء مثل طبل فارغة ومليئة بالهراء»‪.‬‬

‫تقنية الكتابة‬

‫دوافع الكتابة‬

‫وفــي ســؤال عن تقنية الكتابة وآلياتها؛‬ ‫أجابت المغربي‪« :‬كثيرًا ما يصادفني السؤال‬ ‫عن تقنية الكتابة وآلياتها وأشعر بغرابة هذا‬ ‫السؤال؛ فالقصيدة‪ ،‬ك ّل قصيدة تخلق آلياتها‬ ‫الداخلية حسب ما تتبدى الحالة الشعورية‬ ‫للحظة؛ فأحيانًا يولد الفرح من لحظة أسى‬ ‫عميقة‪ ،‬وفي لحظة أخرى تدفعني الطبيعة‬ ‫بقوة تجاه الحب‪ ،‬وربما تولد السعادة في‬ ‫النص من حزن عميق»!‬

‫وع ــن أســبــاب ودوافــــع الــكــتــابــة؛ قالت‬ ‫الــمــغــربــي‪« :‬رغ ــم سلطة الكتابة وقدرتها‬ ‫العظيمة إال أنّ أسبابها غريبة وغير مفهومة‪.‬‬ ‫الكتابة تشبه الحب‪ ،‬فكالهما ساحر ومهيمن‬ ‫وقــوي‪ ...‬لكن أسبابه مجهولة‪ .‬ليس هناك‬ ‫قواعد للكتابة؛ بل ك ّل نص يخرق القواعد‬ ‫الجمالية التي أكتبها فــي النص السابق‬ ‫وكذلك تفعل قصص الحب‪ ...‬هذا يجعلنا‬ ‫نتوقف عن الهراء الــذي يضعه النقاد عن‬ ‫كتابة الشعر واســتــخــراج ثــوابــت وتصنيف‬ ‫للشعر»‪.‬‬

‫وأضافت‪« :‬ال أحترف الكتابة أبدًا‪ ،‬وأبدأ‬ ‫كـ ّل نص جديد كأنني أكتب ألوّل م ـرّة كما‬ ‫نعيش حالة الحب بارتباكها وعفويتها ودهشة‬ ‫اكتشاف المشاعر واألحاسيس مثلما يرتبك‬ ‫الماء على الجلد كأنما يكتشف ملمسه ألوّل‬ ‫مـرّة‪ ،‬فكلمة «أحبك» ال تفقد أبـدًا صدقها‬ ‫ودهشتها‪ ،‬وال تملك قواعد مسبقة وآليات‬ ‫وتقنيات ثابتة‪ ..‬إنها هي كما النص في قلبي‬ ‫حين أكتب»‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫واستطردت المغربي «ليس مقصدي أن‬ ‫أخترق القواعد‪ ،‬لكنني ال أؤمــن بالثوابت‬ ‫في الشعر؛ ألنني أنطلق من الحريّة‪ ..‬وهى‬ ‫الشعاع األوّل للشعر والكتابة عمومًا‪ .‬فك ّل‬ ‫نص يضع قواعده الجمالية كي يخرقها في‬ ‫النص الالحق‪ ،‬وهذا ما أداوم عليه»‪.‬‬ ‫وكشفت المغربي «احتجت إلى سنوات‬


‫وأضــافــت المغربي «فــي رحــلــة حياتي‬ ‫أنقذتني الكتابة مما تعرضت له من الغدر‬ ‫والفقد وما واجهته في الحرب‪ .‬لقد انتصرت‬ ‫أخيرًا للحياة ألنني شاعرة‪ ،‬وصارت الحرب‬ ‫السخيفة مجرد لعبة أفوز في مواجهتها دون‬ ‫أن أملك جيشً ا وأسلحة‪ .‬فالشعر له القدرة‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫كثيرة من ممارسة الكتابة حتى أعرف كيف على أن يجعل الحياة القاسية محتملة؛ ألنّه‬ ‫أقابل الشعر‪ .‬كان موجودًا في قلبي طوال يكشف لنا قيمة وجمال الحياة في جانبها‬ ‫الوقت‪ ،‬كان في حياتي وتاريخي وتفاصيلي‪ .‬اآلخر‪ ...‬هذا ما جعلني أنجو من الحرب»‪.‬‬ ‫الكتابة عمومًا‪ ،‬والشعر تحديدًا‪ ،‬حين يتحوّل‬ ‫وعن تقنية السرد في كتابتها الشعرية؛‬ ‫إلــى آلية ميكانيكية تعمل بالذهن والعقل‬ ‫أوضحت المغربي «السرد مهم في تجاربي‬ ‫يــمــوت الــشــعــر‪ .‬إنّ الــقــدرة على اكتشاف‬ ‫التفاصيل الصغيرة في يومك هذا جزء مهم الشعرية؛ ألنّ عمتي اعــتــادت على ترديد‬ ‫من الكتابة حيث الذاتي أهم من الموضوع القصص على مسامعي في فترة طفولتي‪،‬‬ ‫ألنّ الموضوع إذا لم يتحوّل إلى ذاتي يفقد وعمتي هي األقرب إليّ في طفولتي من أمي‪.‬‬ ‫فقد كانت أمي سلطة قوية وجبّارة‪ ،‬وكانت‬ ‫صدقه»‪.‬‬ ‫تحكم العائلة الكبيرة وليس عائلتنا فقط‪...‬‬ ‫وتــرى المغربي «أنّ اللغة جسد الشعر‪،‬‬ ‫لكن الشعر يمنح الحياة للكالم‪ ،‬لهذا الشعر صحيح أنّها كانت تتمتع بسلطة قويّة وسط‬ ‫حر في اللعب مع اللغة واختراقها وكسر مجتمع ذكوري صارم‪ ..‬لكن ال أعلم األسباب‬ ‫التي تجعل القبيلة تمنح امرأة هذه السلطة‪.‬‬ ‫قواعدها»!‬ ‫أما أبي فقد كان األكثر حنانًا ودفئا‪ ،‬ولي معه‬ ‫الكتابة والمعاناة‬ ‫ذكريات رائعة وجميلة‪ ،‬وكانت لنا مغامرات‬ ‫وفي سؤال عن عالقة المعاناة بالكتابة؛ كثيرة‪ ...‬كان يؤمن بي ويشجعني على الكتابة‬ ‫أجابت المغربي‪« :‬أستمتع بالكتابة حتى وأنا رغم أنّه ال يجيد القراءة أو الكتابة»‪.‬‬ ‫أكتب عن األسى والحزن والحرب والفقد‪...‬‬ ‫الكتابة ال تعذبني كما يــرى بعضهم‪ .‬غاية‬ ‫اإلنسان وهدفه في كل ما يفعله هو المتعة‬ ‫المطلقة؛ لهذا ال أجد هدفًا أسمى من أن‬ ‫تقودنا الكتابة إلى السعادة واإلحساس باللذة‬ ‫والمتعة حين نكتب وحين نقرأ‪ .‬لقد احتجت‬ ‫إلى رحلة طويلة من حياتي خلف المشاكل‬ ‫حتى وصلت إلى هذه النتيجة»‪.‬‬

‫‪97‬‬


‫الشعر والقارىء‬ ‫وفي سؤال عن رؤيتها للشعر وماذا يمثل‬ ‫لــهــا؛ أجــابــت المغربي‪« :‬الشعر فــي قلبي‬ ‫مثل لحن ال ينقطع‪ .‬أعيش الشعر في ك ّل‬ ‫لحظة في حياتي‪ ،‬وكم كتبت من قصائد في‬ ‫أحالمي ونهاري وانشغاالتي‪ .‬إنّه دائمًا هنا‬ ‫يجعل الحياة محتملة ومبهجة‪ .‬أنا ال أضع‬ ‫قواعد وتعريفًا للشعر‪ .‬إنني أكتب عنه كما‬ ‫أحس عالقتي به‪ ،‬وهذا ال يلزم اآلخرين بما‬ ‫أقوله»‪.‬‬ ‫وعــن الــقــارئ ودوره؛ تــرى المغربي «أنّ‬ ‫القارئ مهم جدًا بالنسبة لي‪ ،‬لكنّه ال يحضر‬ ‫إال بعد كتابة الــنــص‪ ،‬والــثــالــوث التقليدي‬ ‫في النظريات الجمالية «النص ‪ -‬الكاتب‬ ‫ الــقــارئ» ال يعمل لــدىّ كما تتحدث هذه‬‫النظريات‪ .‬أنــا القارئ األول لنصي وآخذ‬ ‫المتعة األولــــى‪ ...‬أحــقــق لحظة االكتمال‬ ‫والنشوة‪ ،‬لكنّها لحظة صغيرة وساحرة مثل‬ ‫عمر الــوردة تنتهي بعد لحظات من الكتابة‬ ‫لتبدأ الحاجة إلى الكتابة مجددًا‪ ..‬حاجة‬ ‫ملحة ال يمكن أن تنتهي»‪.‬‬ ‫وأضافت المغربي «النص والقارئ بينهما‬ ‫عالقة تبدأ متأخرة بالنسبة لي؛ حين يخرج‬ ‫نصي من سلطتي ويبدأ رحلته الخاصة بعيدًا‬ ‫عنّي ويكوّن عالقات كثيرة ومتغيّرة من الزمن‬ ‫حتى بالنسبة لي»‪.‬‬

‫‪98‬‬

‫وعن إعادة النظر في النص الشعري بعد‬ ‫كتابته؛ قالت المغربي «إنّ أجمل لحظات‬ ‫الكتابة هــي التي تأتي فــي لحظة واحــدة‬ ‫كدقة القلب‪ .‬ال أحب إعادة الكتابة والتدقيق‬ ‫وترميم وجه القصيدة‪ .‬أحبها عارية ومنطلقة‬ ‫وعفويّة بكل عيوبها وفتنتها‪ .‬فالشعر مثل‬ ‫الحب ال يحب التكرار‪ ..‬لهذا ال يفقد سحره‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫ودهشته‪ .‬الشعر يرتبط بالموسيقى كثيرًا‪،‬‬ ‫فكالهما يــذوب فــي الــهــواء‪ ،‬وال يمكن أن‬ ‫نلمس جسده رغــم الوسائط المادية التي‬ ‫يتحقق بها»‪.‬‬ ‫حركة النشر‬ ‫وفي إجابتها عن سؤال حول واقع النشر‬ ‫في العالم العربي؛ قالت المغربي‪« :‬هناك‬ ‫عالقة مرتبكة مع النشر‪ ،‬خاصة مع وسائل‬ ‫النشر اإللكتروني بجانبها اإليجابي والسلبي؛‬ ‫فقد أصبح اللقاء بالقارئ مباشرًا وفور ّيًا‪،‬‬ ‫وأصبح الكتاب متوافرًا للجميع‪ ..‬لكن النشر‬ ‫الورقي صار ضعيفًا ومهينًا للكاتب إال ما‬ ‫رحم ربي من دور النشر‪ ،‬وليس هناك احترام‬ ‫لحقوق الكاتب من قبل الناشر حتى أصبح‬ ‫األمر فقط رغبة الكاتب في توثيق أعماله‬ ‫ال أكثر‪ ،‬وأنا أتحدث عن النشر في العالم‬ ‫العربي بالتأكيد‪ .‬وأكدت المغربي «أعترف‬ ‫بأن الفيس بوك محرض قوي على الكتابة»‪.‬‬


‫ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬

‫الجوف تودع الشاعر والصحفي‬

‫خالد الحميد‬

‫مؤرخ شعرائها وأول صحفي فيها‬ ‫■ احملرر الثقايف‬

‫بعد حياة حافلة بالخير والشعر‪ ،‬والـصــداقــات الواسعة مــع مختلف أطياف‬ ‫مجتمع منطقة الجوف والمملكة العربية السعودية‪ ،‬وبعد مسيرة شعرية حافلة‬ ‫ناهزت الثمانين عاماً‪ ،‬انتقل إلى رحمة اهلل في مدينة سكاكا ‪ -‬الجوف يوم السبت‬ ‫‪ 3‬ذي القعدة ‪1440‬هـ الموافق ‪ 6‬يوليو ‪2019‬م‪ .‬الشاعر والصحفي الجوفي خالد بن‬ ‫عقال الحميد‪.‬‬ ‫والشاعر خالد الحميد من مواليد‬

‫يُعد الشاعر الحميد أحد كبار شعراء‬

‫مدينة سكاكا بمنطقة الجوف بالمملكة منطقة الــجــوف‪ ،‬وم ــن الــرعــيــل األول‪،‬‬ ‫الــعــربــيــة الــســعــوديــة‪ ،‬ع ــام ‪1349‬هـــــ‪ ،‬وأوائــــل المتعلمين فــي جــيــلــه‪ ،‬وحفظ‬

‫تعلم بالكتاتيب على يد الشيخ فيصل القرآن الكريم‪ ،‬وأمضى شطرا من حياته‬ ‫الــمــبــارك‪ ،‬ثــم التحق بالمدرسة عند موظفا في جهات حكومية عديدة حتى‬

‫افتتاحها عام ‪1362‬هـ‪.‬‬

‫طلب إحالته إلى التقاعد عام ‪١٤٠٨‬هـ‪.‬‬

‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪99‬‬


‫وك ــان الحميد أول صحفي فــي منطقة‬ ‫الــجــوف‪ ،‬وق ــد عــمــل مــديــرا لمكتب جــريــدة‬ ‫الجزيرة لمدة (‪ )38‬عاما‪ ،‬وكان خاللها يغطي‬ ‫أخــبــار المنطقة ويكتب التقارير الصحفية‬ ‫والــمــقــاالت التي تــنــاول فيها جــوانــب الحياة‬ ‫االجتماعية واالقتصادية والتنموية والثقافية‬ ‫ومــطــالــب واحــتــيــاجــات المنطقة فــي شتى‬ ‫المجاالت‪.‬‬

‫البطاقة الصحفية لخالد الحميد‬

‫وق ــد كــتــب الــشــاعــر فــي جــمــيــع أغ ــراض‬ ‫روض ينبت الفقع فيه اكثار‬ ‫الشعر‪ ،‬وتتداول قصائده في شتى المناسبات‪ .‬في كل ٍ‬ ‫تـشــوف الــزبـيــدي بينات دحاميله‬ ‫واشــتــهــر الحميد بالشعر الــوطــنــي‪ ،‬وشعر‬ ‫العرضات والمساجالت الشعرية‪ ،‬كما اشتهر‬ ‫وتلقى أم سالم تزعج الصوت واألطيار‬ ‫الــشــاعــر بقصائده الغزلية واالجتماعية‪،‬‬ ‫على كــل غـصـ ٍـن ســاجـعــات بالبيله‬ ‫وشعر اإلخوانيات‪ ،‬والقصائد التي عبّر فيها‬ ‫عن مشاعره تجاه أصدقائه وأفــراد أسرته دارٍ ف ــا حـبـيــت بــال ـكــون مـثـلــه دار‬ ‫وجماعته‪.‬‬ ‫دارٍ رب ـي ـن ــا ف ــي م ــراب ــع مــداه ـي ـلــه‬

‫***‬ ‫ومن أبــرز قصائد الشاعر ‪-‬يرحمه اهلل‪-‬‬

‫دير ًة هل الناموس والمدح واهل الكار‬ ‫مستارثين الطيب جيل بثر جيله‬

‫قصيدة شهيرة يمدح بها منطقة الجوف‪ ،‬ومنها‪ :‬لها من قديم الوقت صيت ظهر واذكار‬ ‫سقى اهلل بالد الجوف من وابل مدرار‬

‫علم الحيا كل المخاليق تدري له‬

‫مْ ـ ِـح ـ ٍـن مْ ـ ـ ـ ٍ‬ ‫ـرن مـ ـ ــرزمٍ ض ــاف ـ ٍـي سيله كرام اللحى اللي يكرمون الخوي والجار‬ ‫علىنقرةالجوبةعلىرافلينأشغار‬

‫واد النفاخ الضيف بالعسر ياتي له‬

‫يحدّ ر على ابو أرواث لين المعيزيله ه ــواه ــا ل ــذي ــذ ومَ ـ ـ ّيـ ـه ــا ن ــاب ــع ف ـ ـوّار‬ ‫سقاها من الوسمي حقوق المطر تكرار‬

‫يسقّ ي بساتين بها الــزرع وانخيله‬

‫صباح ومساء يسقيه صادق هماليله يـقــدم نماها للمسايير والخطار‬ ‫كما قــال ابــن ســراح يا سامع قيله‬ ‫يربِّع سهلها والوعر بس خط القار‬ ‫شبيه الزوالي يوم عينك تراعي له‬ ‫‪100‬‬

‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫***‬


‫ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬ ‫حفل تكريم خالد الحميد‪ ،‬بمناسبة تقاعده بعد ‪ ٣٨‬عاماً من العمل في الصحيفة‪ ،‬ويبدو من اليمين خالد الحميد‪ ،‬خالد المالك‬ ‫رئيس تحرير الجزيرة‪ ،‬عبدالرحمن فهد الراشد مدير عام مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر‪ ،‬عبدالواحد الحميد‬

‫ومن شعر العرضات قال‪:‬‬

‫مـ ــرح ـ ـبـ ــا م ـ ــاه ـ ــل وبـ ـ ـ ــل ب ـس ـح ــاب ــه‬ ‫ع ــد م ــا ط ــب ال ــوط ــا م ــن مـطــرهــا‬ ‫م ــرحـ ـب ــا ي ـ ــا ربـ ــوع ـ ـنـ ــا م ــرحـ ـب ــا بــه‬ ‫واث ـن ــي الـ ــرده عـلــى ال ـلــي حضرها‬

‫***‬ ‫وللشاعر الحميد عدد كبير من القصائد‬

‫الوطنية ‪ ،‬مثل‪:‬‬

‫الـ ــوغـ ــى وان حـ ــل ي ــوم ــه ص ـمــدنــا‬ ‫ب ــالـ ـجـ ـم ــوع ام ـ ـطـ ــوعـ ــة ك ـ ــل ع ــاي ــل‬

‫***‬ ‫وفي قصيدة أخرى يقول‪:‬‬

‫حب الوطن صكَت عليه المحاني‬ ‫لــو زال وش ــم بـظــاهــر الـيــد مــا زال‬

‫***‬ ‫وقد تميزت قصائده بالصدق والشفافية‪،‬‬

‫نـ ـحـ ـم ــد الـ ـ ـل ـ ــي ع ـ ــزن ـ ــا فـ ـ ــي ب ـل ــدن ــا‬ ‫رب ـن ــا ال ـم ـع ـبــود م ـن ـشــي ال ـم ـخــايــل خواتيمها‪ ،‬وقد أسهب فيها في شعره‪ ،‬ومن ذلك‬ ‫قصيدة في «حفظ الود والصداقة والصديق»‬ ‫ان دعـ ـ ــا داع الـ ــوطـ ــن مـ ــا ق ـعــدنــا‬ ‫نـ ـفـ ـت ــدي ــه وخ ـ ـ ـيـ ـ ــرة ال ـ ـع ـ ـمـ ــر زايـ ـ ــل قال فيها‪:‬‬ ‫وإي ــراد النصائح فــي معظمها‪ ..‬خاصة في‬

‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪101‬‬


‫مــن هــوى قلبك تمشيك القوايم‬ ‫واعرف ان الحر ما يصيد الهاليم‬ ‫مثل ما قال الجنيدي في لحونه‬ ‫عــادتــه ضــرب الـحـبــارى فــي متونه‬ ‫وال ت ـق ـرِّب لـلـحـنــش ل ــو ك ــان نــايــم‬ ‫وال ـم ــودة مــا تـجــي غـصــب ولــزايــم‬ ‫خل عنك الجحر واللي يحفرونه‬ ‫الـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ــودة ب ـ ـ ـيـ ـ ــن شـ ـ ـكـ ـ ـل ـ ــه ولـ ـ ــونـ ـ ــه‬ ‫وال ت ـهــاون بــالـبـحــر لــو كـنــت عايم‬ ‫ص ــاح ـب ــك ل ــو حـ ــال دونـ ـ ــه خ ــراي ــم‬ ‫وال ـعــدو ال تغترك ضحكة سنونه‬ ‫يــدفـعــك حـبــه ونـفـســك لــه حنونه‬ ‫ال ـصــديــق ال ـلــي قـبــل بــال ـبــال داي ــم‬ ‫وانـ ـتـ ـب ــه بـ ــاكـ ــر لـ ـت ــوزي ــع ال ـغ ـن ــاي ــم‬ ‫ال طلب عونك تسوق الحال دونه‬ ‫نـ ــاس ك ـس ـبــانــه وبـ ــه نـ ــاس مـغـبــونــه‬ ‫الـ ـ ـص ـ ــداق ـ ــة ل ـ ــه دالالت وع ــاي ــم‬ ‫س ــاع ــةٍ تـقـتــص ب ــه ح ـتــى الـبـهــايــم‬ ‫ال ــرف ـي ــق ت ـع ــرف ح ـب ــه م ــن عـيــونــه‬ ‫تحضر الجمَ ى ومن طالت قرونه‬ ‫و َْصـ ـل ــي رب ـع ــي س ــام ــي ي ــا نـســايــم‬ ‫وقــولــي إن الـعـهــد مــا واهلل نخونه‬ ‫ال ــرك ــاي ــب دوم ل ـل ـصــاحــب هـمــايــم‬ ‫ن ــدم ــح ال ـ ـ ـ ــزالت عـ ـ َن ــه وال ـم ـه ــون ــة‬ ‫ن ـح ـش ـم ــه ون ـ ــوق ـ ــره قـ ــاعـ ــد وق ــاي ــم‬ ‫مثل ما قــال السديري في لحونه‬ ‫اف ـت ـهــم يــالـمـسـتـمــع م ـنــي نـظــايــم‬ ‫ن ــاظ ـم ـي ـن ــه ل ـل ـن ـش ــام ــا ي ـف ـه ـمــونــه‬ ‫ال ـ ـ ـمـ ـ ــازم م ـ ــا ي ـ ــوات ـ ــي ب ـ ــه ه ــزاي ــم‬ ‫اع ـمــل ال ــواج ــب وم ــن رب ــك معونه‬ ‫وال ـخــوي تلحقك بــاسـبــابــه لــوايــم‬ ‫ال ـخــوي وال ـجــار حــق إن ــك تصونه‬ ‫ومن مشى طرق المالمة والتهايم‬ ‫ات ــرك ــه ب ــال ـن ــاس ت ـل ـقــى غ ـيــر لــونــه‬ ‫اشتر الطيب إلى إنك صرت سايم‬ ‫رافـ ـ ــق الـ ـل ــي ك ــل ربـ ـع ــه ي ـمــدحــونــه‬ ‫‪102‬‬

‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫***‬ ‫وللشاعر خالد الحميد كتاب موسوعي‬ ‫بعنوان «شــعــراء مــن الــجــوف» ضــم فيه إلى‬


‫الشعراء المرموقين بمنطقة الجوف‪.‬‬ ‫وقد صدر الكتاب في منطقة الجوف عام‬ ‫‪1426‬هـ‪2005 -‬م‪ ،‬بـ (‪ )455‬صفحة‪ ،‬وتصدَّ ر‬ ‫غالفه شعر شعبي لألمير عبدالرحمن بن‬ ‫أحمد السديري‪ ،‬يقول فيه‪:‬‬

‫م ــن ي ــزور ال ـج ــوف يـلـقــى م ــا يــريــده‬ ‫وي ـ ــن م ــا ي ـل ـفــي م ـض ــاف ــات وك ــرام ــه‬ ‫عـ ــادة م ــا ه ــي عـلــى ال ــدي ــره جــديــده‬ ‫م ــدرك ـي ــن امـ ـج ــادن ــا ورث وش ـهــامــه‬ ‫واحــتــوى الكتاب على مقدمة للمؤلف‪،‬‬ ‫ثم قسمين؛ األول‪ ،‬تضمن قصائد المؤلف‬ ‫ومساجالته مــع بعض الــشــعــراء؛ والقسم‬ ‫الثاني‪ ،‬خصصه لقصائد مختارة لشعراء من‬ ‫الجوف‪ .‬ممن تميزت قصائدهم بالجودة‪ ،‬مع‬ ‫ذكر معلومات تعريفية عن كل شاعر‪.‬‬ ‫تضمن القسم األول‪ :‬قصائد المؤلف‬

‫ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬

‫جانب ديوانه وأشعاره‪ ،‬فصوال شعرية لعدد من‬

‫ومساجالته مع الشعراء ثم القسم الثاني‪:‬‬ ‫قصائد مختارة لشعراء من الجوف ومنهم‪:‬‬ ‫الشاعر األمير عبدالرحمن السديري‪ ،‬ودابس‬ ‫المرخان‪ ،‬وسهو العجاج‪ ،‬وعيد بن نعيم السهو‪،‬‬ ‫وخــالــد المسعر البليهد‪ ،‬وعــبــدالــهــادي بن‬ ‫مريزيق النصيري‪ ،‬وعيد بن عقال الخمعلي‪،‬‬ ‫وجــزع البديوي‪ ،‬ومحمد بن عطا التيماني‪،‬‬ ‫وعبيداهلل بن سليم القنيفذ‪ ،‬وخلف عيسى‬ ‫الشاعل‪ ،‬ومحمد بن طراد المعيقل‪ ،‬وغالب‬ ‫بن حطاب السراح‪ ،‬ومفضي العطية‪ ،‬وشهاب‬ ‫الجنيدي‪ ،‬وعبدالمصلح البديوي‪.‬‬ ‫يقول المؤلف في مقدمة الكتاب‪:‬‬ ‫«ظلت رغبة شديدة تلح عليَّ منذ سنوات‬ ‫طــويــلــة لجمع بــعــض أشــعــار أه ــل الــجــوف‬ ‫وتقديمها إلــى الــقــراء فــي كــتــاب‪ .‬لكنني‬ ‫بقيت طيلة السنوات الماضية مترددا في‬ ‫تنفيذ هذا المشروع‪ ،‬رغم اهتمامي بجمع‬ ‫مادته وتراكم عدد كبير من القصائد لديّ ‪.‬‬ ‫ولم تكن مشاغل الحياة وحدها هي العائق‬ ‫الذي منعني من تنفيذ هذا المشروع‪ ،‬وإنما‬ ‫كانت هناك أسباب أخــرى أهمها منهجية‬ ‫علي إتباعها في ظل‬ ‫ًّ‬ ‫االختيار التي يتعين‬ ‫تغير الواقع االجتماعي والثقافي واختالف‬ ‫المعايير والــظــروف والمعطيات‪ ،‬رغــم أن‬ ‫بعض القصائد ‪-‬من المنظور الفني البحت‬ ‫هي مما يمكن االتفاق على جودته وعلى‬‫عمق وغــزارة موهبة قائليها؛ وعلى سبيل‬ ‫المثال فإن الكثير من القصائد القديمة قد‬ ‫داخلها بعض التحريف‪ ،‬وبعضها تداخل مع‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪103‬‬


‫خالد الحميد مع فيصل بن عبدالرحمن السديري وعبدالواحد بن خالد الحميد في مجلس الشاعر بالجوف‬

‫قصائد أخرى‪ ،‬بينما تم نسب بعضها اآلخر مما هو مكتوب‪ ،‬كما أن الساحة أصبحت‬ ‫إلى أشخاص غير الذين قالوها‪ ..‬كما أن مكتظة جدا بمن ينتسب الى هذا النوع من‬

‫بعضها قــد ال يخلو مــن نــعــرات تجاوزها األدب الشعبي بصرف النظر عن مستوى‬ ‫الــواقــع الحاضر وحــتــى الــقــامــوس اللغوي عطاءاتهم‪ ..‬ولهذا لم أجد حافزا للنشر»‪ .‬‬

‫المستخدم في بعض القصائد‪ ..‬يالحظ أنه‬

‫«والحاصل‪ ،‬أن ظروفا عديدة قد أعاقت‬

‫يحتوي أحيانا على عبارات لم تعد مقبولة تنفيذ هــذا المشروع‪ ،‬لكنني تحت إلحاح‬ ‫من منظور اجتماعي معين»‪.‬‬ ‫األبناء وبعض األصدقاء قررت أخيرا تنفيذه‪،‬‬ ‫ويــضــيــف الــمــؤلــف أن «ال ــع ــدي ــد من مع تجنب كل ما قد يكون موضع اختالف‬

‫األص ــدق ــاء واإلخ ـ ــوة الــذيــن يــحــســنــون بي وخصوصا بين أهل المنطقة أنفسهم‪ .‬وقد‬

‫الظن يطلبون مني بين الحين واآلخــر أن استقر الــرأي على أن يكون التركيز على‬

‫انشر أشعاري الخاصة التي فضلت دائما قصائدي التي قلتها في مناسبات مختلفة‪..‬‬ ‫االحتفاظ بها لنفسي‪ ،‬أو ما يردده الناس في وبــذلــك يكون هــدف الحفظ والتوثيق قد‬

‫بعض المناسبات‪ ،‬وقد أحجمت عن نشرها تحقق ان شــاء اهلل‪ ،‬مــع االعــتــراف بوجود‬

‫طيلة الفترة الماضية ألسباب عديدة‪ ،‬منها مساحة لإلضافة والمراجعة فــي أعمال‬ ‫أن الشعر الشعبي كثيرا ما يتعرض للتشويه قادمة بحول اهلل سواء قمت بها أو قام بها‬

‫‪104‬‬

‫عند الطباعة والنشر؛ ألنه أدب محكي أكثر آخرون»‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬

‫النعام في ِّ‬ ‫الشعر العربي‬ ‫أكثر مما يبدو‬ ‫■ أحمد إبراهيم البوق*‬

‫االستقراء المتأني للنصوص الشعرية منذ العصر الجاهلي يثبت عكس ما‬ ‫يبدو للوهلة األولى من ندرة النعام‪ ،‬وأنه كان وافر ًا في الطبيعة في شبه الجزيرة‬ ‫الشعر فأنتجت نصوص ًا غاية في الجمال‪.‬‬ ‫العربية‪ ،‬وأن تلك الوفرة انعكست على ِ‬ ‫الشعر العربي‬ ‫وقد رصــدت في استقراء مطول (‪ )48‬مشهد ًا لتصوير النعام في ِ‬ ‫راو َح بين (‪ )25-2‬بيت ًا في كل منها وذلك لـ(‪ )26‬شاعراً‪ ،‬هذا عدا األبيات المفردة‪.‬‬ ‫إعادة توطين النعام‪!..‬‬

‫إلى بعض المحميات في المملكة‪ ،‬وهو‬

‫والنعام حالياً انحصر وجوده في القارة النعام أحمر الرقبة الموجود في شمالي‬ ‫اإلفريقية‪ ،‬وتصنفه الــدراســات العلمية وشرقي إفريقيا‪ .‬ولعل أشهر الشعراء‬ ‫الى أربعة تحت أنواع ترجع جميعها الى الذين وصفوا النعام وإن لم يكن أكثرهم‬ ‫نوع واحد‪ ،‬وإليه كان ينتمي النعام العربي كان علقمة الفحل (ت ‪603‬م) في قصيدة‬ ‫وتصنيفه ‪ Struthio Camelus syriacus‬رائعة تمتد الى ثالثة عشر بيتاً‪ ،‬ويصف‬ ‫الذي كان أصغرها حجماً‪ ،‬وقد انقرض في مطلعها ناقته‪ ،‬ويشبهها بالخاضب‪،‬‬ ‫تماماً نتيجة لضغوط الصيد وتدهور وهــو اســم خــاص بــذكــر الــنــعــام؛ ألن له‬ ‫بيئاته‪ ،‬ولكن الهيئة السعودية للحياة لون أحمر يميزه عن اإلنــاث في الرقبة‬ ‫الفطرية أعادت توطين أقرب األنواع إليه والقوائم‪ ،‬ويبدو كأنه مصبوغ بالحناء‪،‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪105‬‬


‫صورة حديثة لفرخ نعام بالمحمية‬

‫ال وص ـيْــداً سهال‪،‬‬ ‫وهــذا اللون يــزداد حمرة ودكــونــة في موسم يبت ّل بالمطر ويصبح ثقي ً‬ ‫التزاوج نتيجة للتغيرات الفسيولوجية‪:‬‬ ‫ولذلك يجفل منه‪ .‬وتأمل النعام وغذاءه يتردد‬ ‫في قصيدة لكعب بن زهير (ت ‪662‬م)‪..‬‬ ‫ـاضـ ـ ـ ٌـب ُزع ـ ـ ـ ـ ــرٌ َقـ ــوائـ ــمُ ـ ــه‬ ‫كـ ـ ـأَ َّنـ ـ ـه ـ ــا خـ ـ ـ ِ‬

‫‪106‬‬

‫ـري و َتـ ــنُّ ـ ــومُ‬ ‫أجـ ـ َن ــى ل ــه ب ــالـ ـ ِّل ــوي شَ ـ ـ ـ ٌ‬ ‫إذ يصف النعام بكبر حجمه‪ ،‬وأن لونها‬ ‫يتداخل فيه األبيض واألسود‪ ،‬وهذا لون ريش‬ ‫الخطبان يَنقُ فه‬ ‫ي َِظلُّ في الحَ نظَ ِل ُ‬ ‫وم ــا اس ـ َت ـطـ َّـف مــن ال ـ َّتــنُّ ــوم م ـخــذومُ الذكر‪ ،‬أما األنثى فلونها رمــادي‪ .‬ولكن كعب‬ ‫يصف غذا ًء آخر للنعام‪ ،‬وهو المغد واللصف‬ ‫ولم يصف أحد من الشعراء األنثى بهذا‬ ‫إضافة للشري والتنوم‪.‬‬ ‫الــلــون‪ ،‬ما يؤكد أن النعام أحمر الرقبة هو‬ ‫الــذي كان ينتشر في شبه الجزيرة العربية‪َ .‬ت ـب ــرِ ي ل ــهُ ِه ـق ـ َلــةٌ خَ ــرج ــاءُ تَحسَ بُها‬ ‫اآلل مخلولةً في قَرطَ ٍف شَ َرفَا‬ ‫في ِ‬ ‫وينتقل الشاعر من وصــف غــذاء النعام من‬ ‫الــشــري والــتــنــوم الــى وصــف طريقة غذائه‪ ،‬ظَ ـ ـ ـ ّـا ب ـ ـأَقـ ــريـ ــةِ ال ـ ـ َنـ ــفّ ـ ــاخ َي ــو َم ــهُ ـم ــا‬ ‫ووصــف حركته‪ ،‬وأن المطر هيّجة فعاد الى‬ ‫َّصفا‬ ‫ـران ُأص ــولَ الــمَ ـغـ ِـد والل َ‬ ‫َيـحـ َتـفـ ِ‬ ‫«أدحيه» وهو عش النعام حيث البيض هناك‪.‬‬ ‫والشريَ حتى إذا اخضرّت أنوفُ هُ ما‬ ‫ومالحظة خوف النعام من المطر دقيقة في‬ ‫ـوان م ــن الـ ـ َت ــنُّ ــوم ِ م ـ ــا َن ـ َق ـفــا‬ ‫ال ي ـ ــأل ـ ـ ِ‬ ‫الشعر‪ ،‬وترددت في أكثر من موضع‪ ،‬لتؤكدها‬ ‫ِ‬ ‫أما ثعلبه بن صعير‪ ..‬وهو شاعر جاهلي‬ ‫الدراسات العلمية وتفسرّها؛ ألن النعام ليس‬ ‫لديه غدد شمعية في ريشه‪ ،‬ولذلك يمكن أن قــديــم ربــمــا يــرجــع ال ــى (‪ )150‬عــام ـاً قبل‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫طَ ـ ــرِ َفـ ــت مَ ـ ــراودُ ه ـ ــا وغَ ـ ـ ـ ــرَّ َد سَ ـق ـ ُب ـهــا‬ ‫ـاض ـ ٌـب ب ــال ـ ِ ّـس ـ ِ ّـي مــر َتــعُ ــهُ‬ ‫أذاك أم خ ـ ِ‬ ‫ب ـ ـ ــاآلءِ وا َل ـ ـ ـح ـ ـ ـد َِج ال ـ ـ ـ ـ ـرِّواءِ ال ـ ـحـ ــادِ رِ‬ ‫أبـ ــو ث ــاث ـي ــنَ أم ـس ــى ف ـه ــو مـنـقـلـ ُـب‬ ‫ووصف الغذاء عند النعام داللة على عمق شَ ْخ ُت ا ْلـ ُـجـزَارَة ِ ِمثْلُ ا ْل َبي ِْت سَ ائِ رُ ُه‬ ‫التأمل وطوله ليعرف ماذا يتخير من النباتات‪.‬‬ ‫خشب‬ ‫ُ‬ ‫ـدب شــوقـ ٌـب‬ ‫ـوح خـ ـ ٌ ّ‬ ‫مــن ال ـم ـسـ ِ‬

‫ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬

‫اإلســام‪ ،‬فقد وصف غذاء النعام من «اآلء» عموماً والــنــعــام على وجــه الخصوص مثل‬ ‫وهو ثمار شجر السرح‪ ،‬وكذلك من «الحدج» «الــمــرو»‪ ،‬ليساعدها في طحن الحبوب في‬ ‫وهي ثمار الشري‪:‬‬ ‫قوانصها‪:‬‬

‫وقد تردد وصف غذاء النعام عند عديد من أَ ْلـ ـ ـ ـ ـ َه ـ ـ ـ ــا ُه آءٌ َو َت ـ ـ ـ ـ ـ ُّنـ ـ ـ ـ ــومٌ وَعُ ـ ــقْ ـ ـ ـ َب ـ ــتُ ـ ــهُ‬ ‫الشعراء‪ ،‬ومنهم لبيد بن ربيعة (ت ‪661‬م)‬ ‫من الئِ ــح المرو والمرعى له عُ ق َُب‬ ‫الذي وصف التنوم والحنظل كذلك‪:‬‬

‫أ َفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـذَاكَ أم َص ـ ـعـ ــلٌ ك ـ ـ ــأنّ ِع ـ ـ ـ َفـ ـ ــا َء ُه‬ ‫ـص ـ ـ ـ ِـان‬ ‫أوزاعُ الـ ـ ـ ـ ـ َق ـ ـ ـ ــاءٍ عـ ـ ـل ـ ــى أغ ـ ـ ـ َ‬ ‫ظـ ـ َّل ــت ت ـت ـ َّب ــع ِم ـ ــن نِ ـ ـهـ ــاءِ َصـ ـ َع ــائِ ـ ٍـد‬ ‫َب ـ ـيـ ــنَ ال ـ َّـس ـل ـي ــل َو َمـ ـ ــد َفـ ـ ــع ال ـ ـ ُّـس ـ ـ َّـا ِن‬ ‫سَ ـ َب ــد ًا مــن ال ـ َّتــنُّ ــومِ َيـخــبِ ـ ُـطــهُ الـ ّنــدى‬ ‫َو َن ـ ـ ـ ـ ـ ــوادِ ر ًا ِمـ ــن حَ ـ ـن ــظَ ـ ِـل ال ـ ُـخ ـط ـب ـ ِـان‬

‫وشخت الجزارة‪ :‬أي دقيق القوائم صغير‬ ‫الرأس‪.‬‬ ‫والخدبّ ‪ :‬الضخم‬ ‫والشوقب‪ :‬الطويل‬ ‫والخشب‪ :‬الغليظ الجاف‪.‬‬

‫وقد رصدت سبعة مشاهد وصفية للنعام‬ ‫وذكــر موضع النعام في شعر لبيد يتكرر عند ذو الرُّمة‪.‬‬ ‫أمــا نابغة بني شيبان (ت ‪743‬م) فقد‬ ‫عند الكثير من الشعراء‪ ،‬وقد رصدت (‪)116‬‬ ‫الشعر للنعام في شبه الجزيرة رصدت سبعة مواقع لوصف النعام في شعره‪،‬‬ ‫موقعاً ذكرها ِ‬ ‫العربية‪ ،‬وهــي إش ــارة مهمة لمعرفة بيئاته منها وصفه للبيض وهــو يفقس عن الفراخ‬ ‫القديمة ورس ــم ص ــورة النــتــشــاره مــن خالل والتي تسمى في النعام «رئال»‪ :‬ويشبهها وكأن‬ ‫رؤوســهــا نتفت بغراء لقلة الريش فيها بعد‬ ‫الشعر‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫أما أكثر الشعراء ذكراً ووصفاً للنعام فذو الفقس‪ ،‬وأن لها أصواتاً ال يفهمها‪ ،‬تتراطن‬ ‫الرُّمة (ت ‪735‬م)‪ ،‬الذي وصفه بشكل دقيق فيها مع أمهاتها وأبائها‪ ،‬والخفيدد هو السريع‬ ‫في قصيدة من (‪ )25‬بيتاً يقول منها يصف الخفيف من النعام‪ ،‬ويصفها كــأن اعناقها‬ ‫ذكر النعام «الخاضب»‪ ،‬وأن له ثالثين فرخاً‪ ،‬معقودة إذا ما أمالتها لحك جسمها وذلك‬ ‫ثم يسترسل في وصفه‪ ،‬وفي غذائه من ثمار لطول الرقبة‪:‬‬

‫ـال‬ ‫ـض ق ـ ــد َت ـ ـص ـ ـ َّيـ ــحَ ع ـ ــن رِ َئـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬ ‫السرح والتنوم‪ ،‬وأنه يأكل الحجارة الصغيرة‪ ،‬و َب ـ ـ ـيـ ـ ـ ٌ‬ ‫كـ ـ ـ ـ ــأنَّ رؤوسَ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ــا ُن ـ ــتِ ـ ـ ـ َف ـ ــت بِ ـ ــعِ ـ ـلـ ـ ِـك‬ ‫وهــذه مالحظة دقيقة أذ تستخدم الطيور‬

‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪107‬‬


‫ـات‬ ‫ـراطـ ـ ــنُ ‪ -‬وه ـ ــي عُ ـ ـ ـج ـ ــمٌ ‪ -‬أَمّ ـ ـ ـه ـ ـ ٍ‬ ‫ُتـ ـ ـ ِ‬ ‫وك ـ ـ ـ ـ ــلَّ ُخ ـ ـ ـف ـ ـ ـيـ ـ ــددٍ َيـ ـ ـ ـب ـ ـ ــري لِ ـ ـ ـ ُـصـ ـ ـ ِّـك‬ ‫َت ـ ـ ـقـ ـ ــولُ ‪ :‬أفـ ـ ــي سَ ـ ــوالِ ـ ـف ـ ـهـ ــا ان ــعِ ـ ـق ــادٌ‬ ‫إذا عَ ـ ــطَ ـ ـ ـ َف ـ ــت س ـ ــوالِ ـ ـ ـفـ ـ ـ َه ـ ــا بِ ـ ـحـ ـ ِّـك‬ ‫والنعام على ثقل وزنه فهو سريع الحركة‬ ‫رغــم عــدم قدرته على الطيران‪ ،‬تــراوح وزن‬ ‫الذكر بين (‪)130-100‬كغم‪ ،‬واألنثى بين (‪-90‬‬ ‫‪)100‬كغم‪ ،‬ولكن سرعته في الركض قد تصل‬ ‫الى (‪)70‬كم في الساعة‪ .‬ويمكنها أن تحافظ‬ ‫لفترة طويلة على سرعة (‪)50‬كم في الساعة‪،‬‬ ‫وهــو أكــبــر وأثــقــل الــطــيــور فــي الــعــالــم‪ .‬هذه‬ ‫الشعر كثيراً‪ .‬ومن أجمل ما ذكر‬ ‫السرعة وثّقها ِ‬ ‫فيها وصــف تأبط شــراً (ت ‪530‬م) لسرعته‬ ‫هرباً من أعدائه بسرعة النعام «نقنق» الذي‬ ‫يركض عائداً لفراخه خوفاً من المطر‪ ،‬وهو‬ ‫أســرع مــا يــكــون‪ .‬وهــو قليل الــريــش «حــص»‪،‬‬ ‫ويعني الذكر‪ ،‬وكثير الحركة « هــزروف» وأن‬ ‫ريشه «عفاءه» يطير اذا ما انطلق في الصحراء‬ ‫ومد ساقيه ركضاً‪ .‬ثم في بيت عجيب يصف‬ ‫طريقة ركض النعام بدقة‪ ،‬فهو سريع يتحرك‬ ‫بشكل متعرج‪ ،‬وكأنه يتزلج على الماء بسرعة‬ ‫وخفة‪ ..‬ولكن بقوة تسابق الجياد األصلية‪:‬‬

‫النعام العربي‬

‫الشعر أيضاً منذ العصر‬ ‫وصيد النعام وثق ُه ِ‬ ‫الجاهلي‪ ،‬وهو ال يقتصر على العصر الحديث‪،‬‬ ‫ولكن شتّان بين صيد من أجل الحياة وصيد‬ ‫لفنائها‪ .‬فهذا الحارث بن حلّزه (ت ‪580‬م)‬ ‫يصف سرعة ناقته بنعامة ذات فراخ فرّت من‬ ‫قانص قرب دخــول الليل‪ ،‬ومن وقع أقدامها‬ ‫وسرعتها يتطاير الغبار‪:‬‬

‫غَ ـي ـ َر أ ّن ــي َق ــد أس ـتــعِ ـيــنُ عَ ـ َل ــى ال ـ َهــمِّ‬ ‫ـوي ال ـ ـ ـ َّنـ ـ ــجَ ـ ـ ــاءُ‬ ‫إذَا خَ ـ ـ ـ ـ ـ َّـف ب ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ َّث ـ ـ ـ ِّ‬

‫ـرت ال َي ـنـ ُـجــو َن ــجَ ــائِ ــي نِ ـقــنِ ـ ٌـق‬ ‫َفـ ـ ـأَد َب ـ ـ ُ‬ ‫ـوف كأ َّنـ ـ ـهـ ــا ِهـ ـ ـ ـ ـقـ َلـ ـ ـ ـ ــةٌ أُمُّ‬ ‫بـ ـ ـ ـ ِـزَفُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬ ‫ُي ـ َب ــادِ ُر َفــرخَ ـيــهِ شَ ــمَ ــا ًال ودَاجَ نِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫ـال َد ِّويـ ـ ـ ـ ــةٌ سَ ـق ـ َف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاءُ‬ ‫رِ َئـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬ ‫ُوف َيـطـيــرُ ِع ـ َفــاؤُ ُه‬ ‫ـص هُ ـ ــزر ٌ‬ ‫ِم ــنَ الـ ُـحـ ِّ‬ ‫ـاص‬ ‫آ َنـ ــسَ ـ ــت َن ـ ـب ـ ـأَ ًة وأف ـ ـزَعَ ـ ـهـ ــا ال ــقُ ـ ـ َّن ـ ُ‬ ‫إذا اس ـ َت ــد َر َج الفَيفَا َو َم ــدَّ المغَابَنا‬ ‫عَ ـ ـ ـص ـ ــر ًا َو َق ـ ـ ـ ــد َد َنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا اإلم ـ ـسـ ــاءُ‬ ‫أزَجُّ ‪َ ،‬ز ُلـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوجٌ ‪ِ ،‬هـ ـ ـ ــزرِ فـ ـ ـ ـ ٌّـي‪ُ ،‬ز َفـ ـ ـ ـ ـ ــازِ ٌف‬ ‫َف ـ َت ـرَى خَ ـلـ َفـ َهــا ِم ــنَ ال ــرَّ ج ـ ِـع وَال ـ َوق ـ ِـع‬ ‫َمــنِ ـ ـ ـيـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا َك ـ ـ ــأ َّنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ إه ـ َب ــاءُ‬ ‫ـات الـ َّـص ـوَافِ ـنــا‬ ‫ِه ـ ـ ـز َِّف‪َ ،‬ي ـ ُب ــذُّ ال ـ َّن ــاجَ ـي ـ ِ‬ ‫* باحث وشاعر سعودي‪.‬‬

‫‪108‬‬

‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬

‫ٌ‬ ‫تعريف‬ ‫للفن*‬ ‫ّ‬ ‫■ الطاهر لكنيزي**‬

‫الطبيعة مثلما يَتميّز العملُ عن الفعل أو اإل ْنـجــاز عُ موما‪،‬‬ ‫يتميّز الفنّ عن ّ‬ ‫ونتاج أو حصيلة األول‪ ،‬األثر‪ ،‬عن آثار الثاني‪.‬‬ ‫في واقــع األمــر‪ ،‬يجب أن ال نُسمّ ي ف ّنًا إال ما نَتج عن ُحرّية‪ ،‬بمعنى عن إرادة‬ ‫النحل عم ًال فنّي ًا (أقراص‬ ‫ُؤسس تصرُّ فاتها على العقل‪ .‬يَطيب لنا أن نُسمّ ي عم َل ْ‬ ‫ت ّ‬ ‫لت بإتقان)‪ ،‬لكنّه ليس إ ّال قِ ياسا على ذلك؛ ألنّه عندما ننتبه إلى‬ ‫العسل التي ُشكّ ْ‬ ‫ُوجه عمل النحل‪ ،‬فإنّنا نقول على الفوْرِ ‪:‬‬ ‫خاصة من اإلدراك ت ّ‬ ‫أنّه ال وُجو َد لفكرة ّ‬ ‫إنّه إنتاجُ طبيعَتِ هم (غريزَتِ هم)‪ ،‬أمّ ا العملُ الفنّيُ فَننْسبُه إلى خالقهم‪.‬‬ ‫عندما نبحث في مسْ تنقع‪ ،‬نجدُ‪ ،‬كما النّحل)‪ ،‬من غير أن تكون هذه العلّة‪ ،‬في‬

‫يحدثُ أحيانًا‪ ،‬قطع ًة خشبي ًة منحوتةً‪ ،‬واقع األمر‪ ،‬قد أدركتْ هذا التأثير‪ .‬بَيْد‬

‫فنقول إنّ هــذا نــتــا ُج للفنٍّ وليس من أنّه عندما نُسمّي‪ ،‬بِبساطة‪ ،‬شيئًا نِتاجً ا‬ ‫الطّ بيعة؛ إنّ علّتها الفعّال َة قد فكَّرتْ‬

‫َمل فنّيِّ ‪ ،‬كي نُميّزه عن أثَر للطّ بيعة‪،‬‬ ‫لع ٍ‬

‫حصيل َة الفنِّ في ك ّل ما هو على هذه‬

‫إنّ الــفــنّ ‪ ،‬مــهــارة اإلنــســان‪ ،‬يَتميّز‬

‫ْسان‪.‬‬ ‫غاية يَدي ُن لها بها شكل ُها‪ .‬إنّنا نَرى فإنّنا نَعني بذلك دائمًا أنّه عم ُل إن ٍ‬ ‫في ٍ‬

‫الشاكلة‪ ،‬حيثُ التمثُّ ُل علّ ُة السّ بب التي كذلك عن العِ لم‪ ،‬مثلما تتميّز‪( :‬القدرةُ‬ ‫كان عليها أن تسْ بق اإلنجاز‪( ،‬حتّى عند عن المعرفةِ )‪ ،‬والكفاءةُ التطبيق ّي ُة عن‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪109‬‬


‫الــكــفــاء ِة الـ ّنــظــر ّيــة‪ ،‬والتّقني عــن النّظري‪ ،‬في إعْ الئه إلى درجة أرْقى‪ .‬أسمّي شاعرا‪،‬‬ ‫ـان يستطيع إدمــا َج‬ ‫و(المَسْ ُح مثال عن الهندسة)‪ .‬الفنُّ يجعل أسمّي مبدعا‪ ،‬كــلَّ إنــسـ ٍ‬ ‫بدرجة كافية‬ ‫ٍ‬ ‫الوعيَ أكث َر وُضوحا في طريقة مُعالجته حالتهِ الشعورية في موضوع‪،‬‬ ‫الــمــوضــوع‪ ،‬كــيْ يَــجــد فــي العمل ال ُمنْتهي تضطرّني إلى المُرور إلى هذه الحالة من‬ ‫الفكرةَ األولــى الشامل َة والغامضةَ‪ ،‬وغير الشّ عور‪ ،‬وبالتالي تُمارس عليّ نشاطا حيويّا‪.‬‬ ‫المكْبوتةِ ‪ ،‬التي تَمثّلها في عمَله‪ .‬إنّ عدم لكن هذا ال يعني أنّ كل شاعر يكون في درجة‬ ‫امْتالك مثلِ هذه الفكر ِة الشاملة‪ ،‬الغامضة من الطراز األول‪ .‬إن درجته في الكمال تعتمد‬ ‫هاز فنّي‪ ،‬على ثَــراء المُحتوى الجوّاني الذي يمْتلكه‪،‬‬ ‫ولكنها قويّة‪ ،‬وسابقة على ك ّل ِج ٍ‬ ‫فمن المستحيل أن يَنشأ أيُّ عمل شعْري؛ وبالتالي ذاك ال ــذي يــصــدر عنه خــارجــا‪،‬‬ ‫والــشّ ــعــر‪ ،‬إذا لــم أبــالــغ‪ ،‬يقتضي بالضبط وبدرجة الضرورة التي يفرضها عمله‪ .‬فكلّما‬ ‫معرف َة التعبير عن هذا الالوعي وإيصاله؛ كانت حساسيته ذاتية‪ ،‬فإنّها تكون طارئةً‪ ،‬إذ‬ ‫بعبارة أخــرى‪ ،‬أن يُـ ْد َمــج في مــوضــوع‪ .‬قد أنّ قوة الموضوعية تعْتمد على ما يُشارك‬ ‫عمل أن‬ ‫يحقُّ لنا أن نطلب من ك ِّل ٍ‬ ‫يستطيع جيّدا‪ ،‬من ليس بشاعر‪ ،‬أن يتأثّر في الفكرة‪ِ .‬‬ ‫مثل الشاعر بفكرة شعْريّة‪ ،‬ولكنّه يعْجز عن يكون مُعبّرا بك ّل ما في الكلمة من معنى‪ ،‬إذ‬ ‫إدماجها في موضوعه‪ .‬قد يعجز كذلك عن يجب أن يكون له طابعٌ‪ ،‬وإ ّال فإنّه أصغ ُر من‬ ‫عَ رْضها على الشّ كل الذي يستطيع االستئثار ال شيء‪ ،‬ولكنّ الذي يُعبّر عنه الشاعر القُحَّ ‪،‬‬ ‫يحصل هو اإلنسانيّة في ك ّل مُجملها‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫بخاصيّة الضرورة‪ .‬كما أنّه يمكن ان‬ ‫للّذي ليس شاعرًا‪ ،‬أن يُنتج كالشاعر عمال‬

‫ْص في الرجال الذين‬ ‫ال يوجد اليوم نق ٌ‬

‫عن وعْ ي بطابع الضرورة‪ ،‬غير أن عمال مثل تُقدُح ثقافتهم إلى أبعد ح ّد لكي ال يَرضوا‬ ‫هذا ال يمتح جــذورّه من الالوعي‪ ،‬كما أنّه إ ّال بما هو كام ُل االمِ تياز‪ ،‬ولكنّهم ل ْن يكونوا‬

‫ال ينتهي كذلك في الالوعي‪ ،‬وسيبقى دائما قادرين على إنتاج‪ ،‬ولو ببساطة‪ ،‬شيئا يكون‬ ‫ّ‬ ‫تآلف الالوعي‬ ‫َ‬ ‫عمال فكريّا‪ .‬إنَّ‬ ‫والتبصرِ جيّدا‪ .‬إنهم عاجزون عن اإلبداع؛ فالطريق‬ ‫يصن ُع الفنّا َن في الشعر‪.‬‬

‫الذي يؤدّي من الذات إلى الموضوع ممنوع‬

‫لــقــد تَ ــشــوّش مـ ْعــنــى الــشــعــر‪ ،‬فــي هــذه عليهم؛ والحالة هذه أن هذه الخطوة هي‬ ‫السنوات األخيرة‪ ،‬وذلــك من فـرْط الرّغبة بالضبط ما أريد من الشاعر أن يجتازها‪.‬‬ ‫* ‬

‫‪Schiller، correspondance entre Schiller et Goethe، lettre du 27 mars 1801، trad. L. Herr. Plon‬‬ ‫‪..édit. 1923‬‬

‫** كاتب من المغرب‪.‬‬

‫‪110‬‬

‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬

‫ذا بـوســـــــت‬

‫الصحافة‬ ‫فيلم عن ضمير ّ‬

‫■ د‪ .‬سليمان احلقيوي*‬

‫كثير من نجاحات ستيفن سبيلبيرغ كانت بواسطة الدراما التاريخية‪ ،‬يمكننا‬ ‫أن نذكر منها (إنقاذ الجندي رايــان) ‪1998‬م‪ ،‬و(أمستاد) ‪1997‬م‪ ،‬ولينكون ‪2012‬م‪،‬‬ ‫و(ميونخ) ‪2006‬م‪ ...‬هو يعرف دائما كيف يجد الشكل األنسب للتعبير عن القصص‬ ‫التي يختارها‪ .‬وعبر الدراما التاريخية صنع الكثير من إرثه واسمه‪ ،‬لكن ما يجعل‬ ‫جديده (ذا بوست) مختلفً ا كثير ًا عن باقي أفالم الدراما التاريخية التي قدّ مها‬ ‫قصة عن الوضع الداخلي لبلده‪ ،‬وعمله على قضية الصحافة ونضالها‬ ‫عودته إلى ّ‬ ‫من أجل الحرّية‪ ،‬هو نضال يشبه معارك الصحافة اليوم ألجل إسماع صوتها‪.‬‬ ‫الصحافة كان‬ ‫أيّ فيلم عن حرّية ّ‬

‫ســيــصــدر فــي ه ــذه الــفــتــرة ك ــان ليُعد‬ ‫تصفية حساب مع الرئيس األمريكي‬

‫دونالد ترامب‪ ،‬الــذي ال يخفي عــداءه‬ ‫لإلعالم في الكثير من المناسبات‪ ،‬وأي‬

‫فيلم كانت ستشارك فيه مريل ستريب‬

‫سيجعلنا ننتبه كــثــيــراً لــدورهــا فيه‪،‬‬

‫في حفل توزيع جوائز الغولدن غلوب‬ ‫في دورتــه الـــ‪ 74‬بقولها‪ :‬إن هناك من‬ ‫يتربص بالسينما والصحافة‪ ،‬رد آخر‬ ‫من ستريب كــان أيضا بسبب سخرية‬ ‫الرئيس األمريكي من الصحفي سيرج‬ ‫كوفاليسكي ال ــذي يعاني مــن مرض‬ ‫مزمن يضعف حركة ذراعيه‪.‬‬

‫فقد وصفها تــرامــب فــي تدوينة على‬ ‫وبالعودة إلى «ذا بوست»‪ ..‬فهو ليس‬ ‫تويتر بأنها تقدّر أكثر مما تستحق في الفيلم األوّل الذي ينبش في تحقيقات‬ ‫هوليود‪ ،‬وردّت عليه هي خالل تكريمها الــصــحــافــة الــتــي تـ ــؤدي إل ــى الكشف‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪111‬‬


‫عن قضايا كبيرة‪ ،‬فقبله بعامين فاز فيلم‬ ‫سبوتاليت (‪2015‬م) لتوماس ماكارثي بجائزة‬ ‫األوســكــار فئة أفضل فيلم‪ ،‬هو عمل أعاد‬ ‫للصحافة قيمتها من خالل تطرقه للمجهود‬ ‫ّ‬ ‫الجبار ال ــذي قــام بــه فــريــق صحفي حول‬ ‫إنجاز تقارير صحفية عن اعتداءات جنسية‬ ‫تدين الكنيسة‪ .‬الفيلم جعل كل من يمارس‬ ‫الصحافة فــي العالم يشعر بالفخر وهو‬ ‫يسترجع سنواتها المجيدة‪ .‬وال بد أيضا‪ ،‬من‬ ‫استحضار فيلم «كل رجال الرئيس» ‪1976‬م‬ ‫بما هو أحد أهم األعمال في هذا الجانب‪،‬‬ ‫القصة الحقيقية للصحفيين‬ ‫ّ‬ ‫وتناولت أحداثه‬ ‫الشهي َريْن في جريدة واشنطن بوست؛ بوب‬ ‫وود وارد وكــارل بيرنستين‪ ،‬اللذين كشفَا‬ ‫فضيحة ووتــرجــيــت‪ ،‬وكــانــا وراء استقالة‬ ‫الرئيس األمريكي ريتشارد نيكسون عام‬ ‫‪1974‬م‪ ،‬كما عرف عام ‪2014‬م صدور فيلم‬ ‫آخر مهم هو « أقتل الرسول» لمايكل كوستا‪،‬‬ ‫عــن قصة الصحفي (غ ــاري ووي ــب) الــذي‬ ‫فضح الحكومة األمريكية التي كانت تغرق‬

‫‪112‬‬

‫أحياء السود بالمخدرات وتموّل بها حروبها‬ ‫الخارجية‪ ،‬الفيلم ركز كثيرًا على إصرار ويب‬ ‫كي يكشف خيوط المؤامرة وتضحيته من‬ ‫أجل أن تصل الحقيقة إلى الناس‪.‬‬ ‫كل هذه األفالم كانت في الغالب تعرض‬ ‫إصرا َر صحفيٍّ فرد أو فريق نشر ما يفضح‬ ‫الحكومة ويدينها‪ .‬و(ذا بوست) لم يخرج عن‬ ‫قصة أثقل وزنا‪،‬‬ ‫هذه القاعدة‪ ،‬لكنّه استعاد ّ‬ ‫ولم يقف عندها فقط‪ ،‬فقد عالج بموازاتها‬ ‫قضايا أخرى عن ضمير الصحافة ومبادئها‪،‬‬ ‫وعن قوّة المرأة ومجابهتها للضغوطات‪ ،‬حتى‬ ‫وإن كانت حرية التعبير فكرته المحورية‪،‬‬ ‫فقد عبّر ضمنها عن فكرة أخــرى أعمق‪..‬‬ ‫وهي مدى قدرة الصحافة على االستمرار‬ ‫دون داعمين اقتصاديين‪ ..‬ومــدى قدرتها‬ ‫على إسماع صوتها رغم ما قد يكون فيه من‬ ‫إزعاج ألصحاب رؤوس األموال‪.‬‬ ‫يعود بنا ذا بوست إلــى أحــداث واقعية‬ ‫بداية السبعينيات‪ ،‬عندما سرّبت صحيفة‬ ‫«نيويورك تايمز» وثائق فائقة السرية تؤكد‬

‫فريق عمل صحيفة ذا بوست وهم يتابعون أصداء التقرير الذي نشرته الصحيفة في اإلعالم‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬

‫توم هانكس في دور بن برادلي مدير تحرير صحيفة ذا بوست وفريقه في العمل‬ ‫وهنا تبدو الحيرة على الجميع قبل أن تمنحهم كاي جراهام قرار النشر‬

‫كذب الحكومة األمريكية وإخفاءها حقيقة‬ ‫الهزيمة في حــرب الفيتنام‪ ،‬واستمرارها‬ ‫في الحرب عبر فترات رئاسية متتالية‪ ،‬مع‬ ‫إخفاء حقائق صادمة وتسويق فكرة النصر‬ ‫ب ــدل االع ــت ــراف بــالــهــزيــمــة‪ ،‬لــكــن القضاء‬ ‫سيصدر حكما يمنع نــيــويــورك تايمز من‬ ‫تسريب أي تقرير مشابه‪ ،‬قبل أن تخلفها‬ ‫واشنطن بوست في نشر تقارير أخرى بعد‬ ‫أن حصلت على أزيــد من (‪ )4000‬صفحة‬ ‫منها‪ ،‬فتحولت المسألة من مجرد تسابق في‬ ‫نشر هذه التقارير إلى معركة وجود وحرية‬ ‫بالنسبة لكل الصحافة األمريكية‪ .‬تــردّدت‬ ‫مــديــرة الصحيفة ك ــاي جــراهــام (ميريل‬ ‫ستريب) وريــثــة صحيفة واشنطن بوست‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪113‬‬


‫كثيرًا أن توافق على نشر الوثائق رغم ما‬ ‫كان يعنيه ذلك من قطع عالقاتها مع البيت‬ ‫األبــيــض‪ ،‬تبعت ضميرها وضــمــيــر مدير‬ ‫تحريرها بن برادلي (توم هانكس) الذي كان‬ ‫يصر على النشر مهما كانت العواقب‪ ،‬كان‬ ‫يرى أن الصحافة ستدفع ثمن الصمت في‬ ‫ذلك الوقت‪ ،‬عبر عقود قادمة إذا لم تتخذ‬ ‫خطوة النشر‪.‬‬ ‫السناريو الذي كتبه كل من (جوش سينجر)‬ ‫و(ليز هانا) يقتفي كثيرًا أثــر سبوتاليت‪،‬‬ ‫هي ربما محاولة إلعادة النجاح عن طريق‬ ‫وصفة مجربة‪ .‬صحيح أن ذا بوست متفوق‬ ‫بقصته لكن سبوتاليت قوي فنيا‪ ،‬وما جعل‬ ‫ّ‬ ‫«ذا بوست» يفقد إيقاعه أحيانا‪ ،‬هو بحثه‬ ‫الــواضــح عــن إســقــاطــات زمنية تصلح أن‬ ‫تقابل التضييق على الصحافة في الحاضر‪،‬‬ ‫ووضع الصحافة اآلن وصراعها مع ترامب‪،‬‬ ‫والفيلم أوجــد بعض المداخل لخلق هذه‬ ‫اإلسقاطات‪ ،‬لكنه أيضا وقع ‪-‬أحيانا‪ -‬في‬ ‫حــوارات ومشاهد مبتذلة عن الصحافة أو‬ ‫عن المرأة‪.‬‬ ‫يــعــود تــوم هانكس‬ ‫للعمل مــع سبيلبيرغ‬ ‫فــي خــامــس مناسبة‬ ‫تجمعهما‪ ،‬فقد حقّقا‬ ‫معا نجاحات عظيمة‬ ‫آخـ ــرهـ ــا ك ـ ــان جــســر‬ ‫الجواسيس (‪2015‬م)‪،‬‬ ‫كانا معًا خياراً موفقا‬ ‫ـص ــة مثل‬ ‫لــتــقــديــم ق ـ ّ‬

‫‪114‬‬

‫فيلم ذا بوست هو فيلم ناجح وجميل‪ ،‬لكنه‬ ‫ليس فيلما رائعًا‪ ،‬هو أحد األفالم التي كان‬ ‫ال بد أن تُقدّم يوما‪ ،‬وكان مناسبًا أن تقدّم‬ ‫اآلن‪ ،‬وبأيدي مخرج عبقري مثل سبيلبيرغ‬ ‫وطاقم كبير مثل ستريب وهانكس‪ ،‬رغم هذا‬ ‫فاإلحساس الذي ال نستطيع أن نتخلص منه‬ ‫القصة‪ ،‬وال شيء غيرها‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫أن األهم هنا هو‬ ‫القصة التي كشفت كذب رؤســاء الواليات‬ ‫ّ‬ ‫المتحدة‪ ،‬في وقت صار رئيس أمريكا هو‬ ‫من ينعت الصحافة بالكذب‪.‬‬

‫الممثلة ميريل ستريب في دور كاي جراهام تستمع إلى اقتراحات زمالئها في‬ ‫الصحيفة قبل أن تقدم على نشر أحد أهم التقارير في تاريخ الصحافة األمريكية‬

‫* كاتب وناقد سينمائي من المغرب‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫هــذه‪ ،‬هانكس في كل مــرة يقدم شخصية‬ ‫جديدة يبدي قوة كبيرة ونشاطا غير معهود‪،‬‬ ‫كما لو كان فيلمه األخير‪ ،‬أما رفيقته في‬ ‫الفيلم مريل ستريب‪ ،‬فقد وجــدت نفسها‬ ‫أحيانا وسط حوارات مصطنعة حول ضمير‬ ‫الصحافة ودوره ــا‪ ،‬حــوارات كانت مقحمة‬ ‫ولم تحقّق المطلوب أبدا‪ ،‬ستريب حتما لم‬ ‫تستطع أن تبدو حقيقة في ظل النص الذي‬ ‫سعى بشكل مكشوف إلى خلق صورة مثالية‬ ‫للصحافة دون أن ينجح في ذلك كثيرا‪.‬‬


‫ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬

‫ال فلسفة‪ ..‬وال فذلكة‬ ‫■ محمد علي حسن اجلفري*‬

‫حاولت أن أتتبعها‪ ،‬وهي تدور حول‬ ‫ُ‬ ‫تركت لنا األعراف ذخيرة من الكالم الحلو‬ ‫النعمة وإيجاب القول بنعم‪.‬‬ ‫وفي إحدى لهجات الجزيرة العربية يلتقي صديقان فيقول أحدهما‪:‬‬ ‫كيف حالك؟‬ ‫ليرد اآلخر‪ :‬الحمد هلل‪.‬‬ ‫فيسأل األول‪ :‬منعوم؟ أي هل أنت بنعمة؟‬ ‫فيقول‪ :‬منعوم‪.‬‬ ‫وفي كثير من البالد العربية اشتهرت عبارة كتر خيرك‪ .‬تنطق بالتاء‪ .‬وإذا أردنا‬ ‫الفصاحة قلنا كثر اهلل خيرك‪.‬‬ ‫لكن العبارات المتداولة ليس فيها عــلــى حــيــن أنــهــم فــي الــغــرب يكتفون‬ ‫فلسفة وال فذلكة‪ .‬فعلى وزن منعوم‪ ..‬بالقول‪ :‬أوكيه‪.‬‬ ‫سمعت مرات عديدة المرحوم األستاذ‬

‫م ــرح ــوم أبـــــوك‪ ..‬دع ـ ــاء‪ ،‬وهـــو في‬

‫عــبــداهلل خياط رئيس تحرير عكاظ الــوقــت نفسه مـــرادف لقولنا عندما‬ ‫األسبق (وهــو مكاوي)‪ ،‬إذا وافــق على نسمع شــاع ـرًا مــجــيـدًا‪ :‬صــح لسانك‪.‬‬ ‫قول قائل يقول له‪ :‬مرحوم أبوك‪ .‬وهو والمرادفات هنا كثيرة على رأسها‪ :‬نعم‪،‬‬ ‫ما يعني نعم أوافقك‪ ،‬وزيادة على ذلك صدقت‪ ،‬تمام‪ .‬أو أوكيه على لسان كثير‬ ‫أدعــو لوالدك الــذي أنجبك بالرحمة‪ .‬من الجيل الصاعد‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪115‬‬


‫وزيــر الحج واألوقـ ــاف األســبــق األستاذ الالم وربما بخطف الهاء) دليل‪ ،‬وشيء دليله‬

‫محمد عمر توفيق رحمه اهلل اشتهر بالزمة منو فيه‪.‬‬

‫يقولها في مواقف كثيرة ومختلفة‪ ،‬تراوح من‬ ‫التعبير عن الشوق إلى الموافقة على الكالم‪،‬‬ ‫إلى السخرية ممن يقول كالما فارغا‪ ،‬إلى‬ ‫التعاطف مع المحتاج أو المتورط في مشكلة‬ ‫ما‪ .‬الكلمة هي‪ :‬أوحشتنا‪.‬‬

‫األستاذ محمد فدا رحمه اهلل في طليعة‬ ‫مثقفي مــكــة الــمــكــرمــة وج ــدة قــبــل نصف‬ ‫قرن‪ .‬درس في مصر‪ .‬وكان يحب الشيشة‬ ‫(األرجيلة) حبا جما‪ .‬لكنه انفرد عن كافة‬ ‫الــمــرادفــات اإليجايبة الــمــتــداولــة ببصمة‬

‫ويقال إن الملك فيصل قال‪ :‬ليت عندنا تعبيرية خاصة به فيما يتعلق بالشيشة‪ .‬كان‬ ‫عشرة من مثل محمد عمر توفيق‪.‬‬ ‫يقول‪ :‬من جرَّك وجرَّك أخاه ج َّر َك ُه اهللُ من‬ ‫(الجراك مادة تستخدم في‬ ‫وإذا ت ــورط إنــســان فــي مــوقــف مــا لدى ِج ـرَاكْ الجنة! ِ‬ ‫منطقة في جنوب الجزيرة العربية‪ ،‬فعندهم األرجيلة)‪.‬‬

‫تعبير جميل يلطف الجو ويرقق الجفاف‪.‬‬ ‫وهو مرادف للقول أنا ممنون لك‪ .‬أو شكرًا‬ ‫حبيبي‪ .‬أو بيَّض اهلل وجهك‪ .‬ذلك هو‪ :‬أنا‬ ‫فدى لك! وهو مرادف أيضا للتعبير النبوي‬ ‫الشهير‪ :‬ال فض فوك‪.‬‬ ‫أمــا التعبير الشائع في عموم الجزيرة‬ ‫الــعــربــيــة بــاديــة وحــاضــرة فــهــو‪ :‬اهلل اهلل!‬ ‫وبــعــضــهــم ينطقونه ه ــاهلل هـ ــاهلل! ويــقــال‬

‫والشيء بالشيء يذكر‪ ،‬فقد كــان الفدا‬ ‫له لطائف أخرى بديعة تقترب من الفلسفة‬ ‫والفذلكة دون أن تقع فيها‪ .‬منها قوله‪ :‬يدخل‬ ‫الزوج إلى غرفة النوم وكأنه أسد‪ ،‬ثم يخرج‬ ‫وكأنه خروف!‬ ‫بقي أن نسأل‪ :‬ما معنى فذلكة؟‬ ‫يقال إنــه تعبير منحوت مثل الحمدلة‬

‫للموافقة األكيدة مع ظالل من الثناء على والبسملة‪ .‬مثله مثل المفاقلة‪ ،‬ويعني إذا‬ ‫قلتم كذا‪ ..‬فنحن نقول كذا‪ .‬آخر ما اطلعت‬ ‫المتكلم‪.‬‬ ‫عليه أن فذلكة هي منحوتة من قولنا «فذلِكَ‬ ‫لكن ماذا إذا احتدم النقاش؟ وبلغ الموقف‬ ‫أنَّ »‪ .‬ها نحن أوشكنا أن نصل للفلسفة‪ .‬حتى‬ ‫من ارتباك المتجادلين درجة ال يحتمل معها‬ ‫أننا نسينا أهم عبارة وأقرب عبارة في هذا‬ ‫نعم كما ال يحتمل ال‪ .‬المثقفون من أهل مكة‬ ‫لهم تعبير طريف في هــذه الحال‪ .‬فيقول الوادي وهي‪:‬‬ ‫قائلهم بصوت مرتفع‪ :‬شيء يبغا له (بضم‬

‫جزاكم اهلل خيرًا!‬

‫* مترجم ونائب مدير مركز معلومات مؤسسة عكاظ سابقا‪.‬‬

‫‪116‬‬

‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫■ فهد عواد العوذة*‬

‫إس ــود‪ ..‬يــا ْنـهــار أزرق)‪ ..‬كــل هــذه التعابير مــن اخـتــراع الشعب‬ ‫(يــا ْنـهــار أبـيــض‪ ..‬يــا ْنـهــار ْ‬ ‫المصري الشقيق‪ ،‬وهي مجانية لكل من أراد أن ينتقد األيام بال مسبة أو شتيمة‪..‬‬

‫ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬

‫يا لهوي‪..‬‬

‫بداية‪ ..‬لدينا النهار األبيض‪ ،‬والذي يستخدم للتعقيب على األخبار البيضاء‪ ،‬وهو قليل‬ ‫االستخدام إال عند الساسة والمسؤولين‪ ،‬والذين يستخدمونه حتى في وصف أيام الحرب‪..‬‬ ‫ولدينا النهار األســود واألزرق‪ ،‬وكالهما ركبتها تغير كل ذلك‪.‬‬ ‫يستخدم للتعقيب على األخــبــار السيئة‪..‬‬ ‫كتب اهلل لها ‪ -‬في الغالب ‪ -‬أن تدعك‬ ‫وال أدري حقيقة ما الفرق بين اليوم األسود في صباك تتقلّب من أبيض إلــى أبيض‪..‬‬ ‫والــيــوم األزرق‪ ،‬ولكن لعل للمسألة عالقة حتى إذا بلغت الثالثين ابتسمت لك ابتسامة‬ ‫بعمى األلــوان‪ ..‬وعلى كل حال فهذا النهار ساخرة‪ ..‬فإذا بلغت األربعين بدأت تلحسك‬ ‫الكحلي يستخدم بكثرة عند أهــل اللهو كما تلحس العنز مكعب الملح‪ ..‬فإذا أصبحت‬ ‫والترفيه‪ ..‬فهو لون أيامهم االفتراضي‪ ،‬إال بالخمسين أخذت تقرمشك على هون كأنها‬ ‫إذا كانوا على لهوهم جاثمين‪..‬‬ ‫األرض ــة وكــأنــك الخشبة‪ ..‬فــإذا أصبحتَ‬ ‫وهــنــاك ل ــون رابـ ــع اخــتــرعــتــه السينما بالستين كــشــرت لــك عــن أنيابها وأخــذت‬ ‫وأسمته النهار البمبي ‪ -‬أي الزهري ‪ -‬وهذا تنهشك نهش الضباع للجيف‪..‬‬ ‫النهار هو مثل كل أمور السينما ال يمت إلى‬ ‫فإذا بلغت السبعين ستكتشف انه لم يبق‬ ‫الواقع بصلة‪ ،‬لكن الطبقة المخملية تحاول منك إال هيكل عظمي ملفوف بمشم ٍّع اسمه‬ ‫أن تلصق نفسها بــه وتجعله يــبــدو وكأنه الجلد‪ ..‬وحينها ستبحث في مفرداتك القليلة‬ ‫نهارها االفتراضي‪ ،‬حتى وإن كانت وصفات ‪ -‬التي أبقى عليها الزهايمر ‪ -‬عن مفردة‬ ‫المهدئات ومضادات االكتئاب تقول عكس تصف حالك‪ ،‬فال تجد غير (يا لهوي) وهي‬ ‫ذلك‪..‬‬ ‫اإلصــدار المصري من "يا ويلي"‪ ..‬فتولول‬ ‫عنيفة هي األيام حتى في لونها األبيض‪،‬‬ ‫لكنك ال تشعر بعنفها حتى تركبها‪ ..‬فكأنها‬ ‫أمواج البحر التي تبدو لك جميلة وأنت تقف‬ ‫على الشاطئ تنظر إليها وتتأملها‪ ..‬فإذا‬

‫على حالك بعض الوقت ثم باقي الولولة‬ ‫ستكمله وأنت في قبرك‪ ..‬حيث ستبدأ أولى‬ ‫محطات حياتك الحقيقية التي خُ لقت من‬ ‫أجلها‪ ..‬‬

‫* شاعر وقاص من السعودية‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪117‬‬


‫نجاة خياط‬

‫ُ‬ ‫القصيرة في المملكة‬ ‫القصة‬ ‫رائدة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫■ محمد عبدالرزاق القشعمي*‬

‫ول ــدت نـجــاة سليم إبــراهـيــم خـيــاط فــي مكة المكرمة عــام ‪1945‬م‪ -‬هـكــذا ذكر‬ ‫الدكتور عالي القرشي في ترجمته لها (قاموس األدب العربي الحديث)(‪ - )1‬رغم‬ ‫(‪)٢‬‬ ‫أنه ذكر في ترجمتها بـ (قاموس األدب واألدباء في المملكة العربية السعودية)‬ ‫أن اسمها‪ :‬نجاة عمر خياط‪ ،‬ولدت بمكة المكرمة ‪1363‬هـ‪1943 /‬م‪ ،‬وقبله ذكر في‬ ‫(معجم الكتاب والمؤلفين في المملكة العربية السعودية)(‪ )٣‬أن اسمها نجاة عمر‬ ‫خياط ‪1363‬هـ‪1944 /‬م وأنها من مواليد جدة‪.‬‬ ‫وبــهــذا أخــذ د‪ .‬محمد العوين في‬ ‫(صــورة المرأة في القصة السعودية)‬ ‫إذ ذكر في نهاية الجزء الثاني‪ :‬فهرس‬ ‫المصادر والمراجع ص‪ 1689‬أن اسمها‪:‬‬ ‫نجاة عمر خياط‪.‬‬

‫ مــخــاض الصمت‪ -‬مــرة أخ ــرى بعد‬‫نحو نصف قرن عام ‪1433‬هـ‪2012 /‬م‬ ‫باسم (مخاض الصمت واألقنعة) بعد‬ ‫إضافة قصص جديدة‪ ،‬نشرتها مؤسسة‬ ‫األع ــم ــال الــثــقــافــيــة لــأســتــاذ محمد‬ ‫المنقري‪.‬‬

‫والصحيح أن اسمها الحقيقي‪ :‬نجاة‬ ‫ال عن ابنتها‬ ‫سليم إبراهيم خياط‪ ،‬نق ً‬ ‫ومما قال د‪ .‬عالي سرحان القرشي‬ ‫الدكتورة أماني جعفر الــغــازي‪ ،‬والتي في ترجمته لنجاة خياط في (قاموس‬ ‫تولت إعادة طبع مجموعتها القصصية األدب العربي الحديث) و(قاموس األدب‬

‫‪118‬‬

‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫ف ــازت نــجــاة خــيــاط بالمركز األول في‬ ‫مسابقة القصة القصيرة التي نظمها نادي‬ ‫المدينة األدبي عام ‪1993‬م‪.‬‬ ‫وقد اختيرت رائدة للقصة القصيرة في‬ ‫(موسوعة األدب العربي السعودي الحديث‪..‬‬ ‫نصوص مختارة ودراسات)(‪.)٤‬‬

‫ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬

‫واألدباء في المملكة العربية السعودية)‪..« :‬‬ ‫وتلقت تعليمها األوَّلــي في بيروت‪ ،‬ودرست‬ ‫في مدرسة الفتاة األهلية بمكة المكرمة‪،‬‬ ‫ثم أخذت ثقافتها تنمو باالطالع والتثقيف‬ ‫الــذاتــي‪ ..‬أصــدرت نجاة خياط مجموعتها‬ ‫القصصية (مخاض الصمت) عام ‪1966‬م‪.‬‬ ‫وقــد حفظ هــذا اإلصـ ــدار المبكر مكاناً‬ ‫متقدماً للكاتبة فــي ري ــادة هــذا الفن في‬ ‫المملكة العربية السعودية من قبل المرأة‪.‬‬ ‫وك ــان لها بــاب فــي جــريــدة الــبــاد بعنوان‬ ‫(حــديــث الــقــنــديــل)‪ .‬وتحفل قصص نجاة‬ ‫بأشواق الحب‪ ،‬وجمال الوفاء‪ .‬جاءت القصة‬ ‫األولى في المجموعة بـ(قلب الشاعر) طويلة‪،‬‬ ‫تأخذ حيزاً ينيف على ثالثين صفحة‪ ،‬وهذا‬ ‫يوضح حال البدايات القصصية التي تكونت‬ ‫مــن رحــم الحكاية‪ ،‬ولــم تنفصل عــن شكل‬ ‫الرواية‪ ،‬وتظهر المرأة في قصص المجموعة‬ ‫بقيم الوفاء والصبر على االنتظار‪ ،‬والشوق‬ ‫للحبيب»‪.‬‬

‫غيره يتبلور تدريجياً لدى جيل الستينيات‬ ‫الذي أفاد من جهود الجيل السابق‪ »..‬وقال‪:‬‬ ‫«‪ ..‬ولعل أجلى مؤشرات هذا الوعي الجديد‬ ‫وأقواها تمثل في ظاهرة صدور (مجموعات‬ ‫قصصية) إلبراهيم الناصر‪ ،‬وغالب حمزة‬ ‫أبو الفرج‪ ،‬وسعد الــبــواردي‪ ،‬وعبدالرحمن‬ ‫الشاعر‪ ،‬وعبداهلل جفري‪ ،‬ولقمان يونس‪،‬‬ ‫وعبداهلل سعيد جمعان‪ ،‬وسباعي عثمان‪،‬‬ ‫ونجاة خياط‪ ،‬وربما غيرهم من كتاب هذه‬ ‫المرحلة‪ ،»..‬وقال في الهامش‪« :‬يعتبر نشر‬ ‫الــمــجــمــوعــات القصصية فــي الستينيات‬ ‫الــمــؤشــر األهـ ــم عــلــى تــكــريــس ه ــذا الفن‬ ‫في أدبنا‪ ،‬وبغض النظر عن القيمة الفنية‬ ‫لهذه المجموعات (الرائدة) بمعنى تاريخي‬ ‫خاص‪ ،»..‬واختار لنجاة خياط من مجموعتها‬ ‫(مخاض الصمت) قصة (ستشرق الشمس‬ ‫يوماً) من ص ‪ 333‬إلى ص‪.339‬‬ ‫وتــنــاول االســتــاذ عبدالرحيم األحمدي‬ ‫دراسة المجموعة ‪ -‬مخاض الصمت‪ -‬ضمن‬ ‫دراسة منهجية قدمت استكماالً لمتطلبات‬ ‫درجـــة الماجستير فــي قــســم الــدراســات‬ ‫االجتماعية‪ ،‬كلية اآلداب‪ ،‬بجامعة الملك‬ ‫سعود بعنوان‪( :‬االتجاهات االجتماعية في‬ ‫القصة القصيرة المعاصرة فــي المملكة‬ ‫العربية السعودية) في الفترة من ‪-1371‬‬ ‫‪1400‬هـ‪1980 -1951 /‬م‪.‬‬

‫و ُعدّت نجاة خياط من مرحلة التجديد‪،‬‬ ‫تــنــاول األحــمــدي بعض قصصها ومنها‬ ‫فهي المرأة الوحيدة بين (‪ )23‬كاتباً اختير‬ ‫لهم نــمــاذج قصصية وقـــال‪« :‬ب ــدأ الوعي قصة (لو كنت ولــداً) قائالً‪ :‬إنها من أشد‬ ‫بخصوصية القصة كجنس أدبي مختلف عن القصص إلحاحاً حول طلب المساواة‪ ،‬فهي‬

‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪119‬‬


‫تبحث عن عضوية في المجتمع تعطيها حق‬ ‫المشاركة في أنشطته‪.‬‬ ‫وقال‪ ..« :‬وربما عدت نجاة خياط كاتبة‬ ‫حــادة فــي معالجتها‪ ،‬ربما أكسبتها الثقة‬ ‫في النفس‪ ،‬والثقافة الواسعة‪ ،‬والتجربة‬ ‫المعرفية‪ ،‬هذه اللغة في الخطاب والتعبير‬ ‫عن معاناة في مجتمع محلي لم يألف رقابة‬ ‫حــادّة تعطّ ل التفكير والثقة في اإلنسان‪،‬‬ ‫وتخضعه للشك والحيرة في أمــره‪ .»..‬كما‬ ‫تناول قصة (مجرد حلم) وقصة (ستشرق‬ ‫الشمس يوماً)‪.‬‬ ‫وقــال د‪ .‬علي جــواد الطاهر في (معجم‬ ‫المطبوعات الــعــربــيــة‪ ..‬المملكة العربية‬ ‫السعودية)(‪« :)٥‬نجاة خياط آنسة من شبه‬ ‫الجزيرة العربية» في مبتدأ العقد الثالث‬ ‫من عمرها‪ ..‬ولدت في جدة ونالت تحصيلها‬ ‫االبتدائي في بيروت ثم أخذت تنمّي ثقافتها‬ ‫بــالــمــطــالــعــة‪ ..‬اتــجــهــت إل ــى كــتــابــة القصة‬ ‫الحديثة وأسهمت في نشـر بعض المقاالت‬ ‫االجتماعية في صحف المملكة‪ ..‬وشاركت‪..‬‬ ‫في مجاالت اإلذاعة»‪.‬‬

‫‪120‬‬

‫ا ع ــن ج ــري ــدة الــمــديــنــة ‪:‬‬ ‫وقــــال نــق ـ ً‬ ‫«أهــدانــا االستاذ محمد حسن عــواد كتاب‬ ‫(الــشــجــرة ذات السياج الشوكي لألستاذ‬ ‫رشاد سروجي‪ ..‬وكتاب (مخاض الصمت)‪..‬‬ ‫وهــذان الكتابان قام بطبعهما مكتب الفكر‬ ‫للنشر والتوزيع الذي أسسه األساتذة محمد‬ ‫حسن عــواد وعابد مغربي وأمين ساعاتي‬ ‫لخدمة األدب‪.»..‬‬ ‫(‪)٦‬‬

‫وفــي كــام للمؤلفة ‪ -‬يظهر أنــه خالل‬ ‫مقابلة ‪ -‬نشر في جريدة عكاظ(‪ :)٧‬قالت‪:‬‬ ‫كتبت أول قصة‪ ..‬وعمري ال يتجاوز (‪)12‬‬ ‫سنة‪ ،‬وكانت طويلة‪ ..‬ومنذ بداية ‪1383‬هـــ‬ ‫ب ــدأت كتابة القصة بــشــيء مــن التركيز‪،‬‬ ‫فنشـر أكثرها في جريدة البالد طوال ثالثة‬ ‫أعوام‪.»..‬‬

‫وقال عن مجموعتها (مخاض الصمت)‪:‬‬ ‫«هي باكورة الكاتبة‪ ،‬وباكورة القصة النسائية‬ ‫في المملكة‪ ،‬وقال إن ثريا قابل في تقديمها‬ ‫للمجموعة قــالــت‪ ..« :‬وه ــا هــي إحــدى‬ ‫مواليد الثواني تحبو‪ ..‬تشق سجف الظالم‬ ‫وتنطلق من تحت خبائه فتاة من صحرائنا‬ ‫الالمتناهية‪ ..‬لكن الوليدة ما تزال تحبو في‬ ‫وقال د‪ .‬محمد العوين في (صورة المرأة‬ ‫(‪)8‬‬ ‫عزم وثقة تشد بنيانها لتقوى‪.»..‬‬ ‫في القصة السعودية) »‪ ..‬ومجيء (مخاض‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫« أبي‪:‬‬

‫المهم أن (مخاض الصمت) فاتحة لمرحلة‬ ‫كتابية جديدة في أدب القصة الذي يكتبه‬ ‫يا من علمتني كيف أصمت‪ ،‬حينما يكون‬ ‫الرجل والــذي تكتبه المرأة على السواء‪ ..‬الضجيج تافهاً‪.‬‬ ‫ومع ذلك كله يمكن ع ّد (نجاة خياط) الرائدة‬ ‫بتواضع‬ ‫الحقيقية للقصة القصيرة رغم توقفها؛ وما‬ ‫أهدي إليك مخاض صمتي‪.‬‬ ‫أعنيه هنا أن (نجاة خياط) اختصرت في‬ ‫نجاة»‪.‬‬ ‫مجموعتها (مخاض الصمت) مراحل القصة‬ ‫القصيرة‪ ،‬وعبرت بها بحر التيارات التقليدية‬ ‫ثمة صمت مقصود‪ ،‬صمت غير قهري‪،‬‬ ‫البائدة ووضعتها على مشارف الحداثة»‪.‬‬ ‫بــل اخــتــيــاري‪ ،‬الصمت عــن الــكــام ظاهرة‬ ‫وفــي محاضرة ألقتها د‪ .‬سهام صالح ثقافية‪ ،‬أو مخترع ثقافي على نحو ما يصفه‬ ‫العبودي بالصالون النسائي ‪ -‬النادي الثقافي د‪ .‬عبداهلل الغذامي‪..‬‬ ‫األدبي بجدة(‪ )9‬قالت‪:‬‬ ‫«‪ ..‬وتجربة األستاذة‬ ‫نــــجــــاه خــــيــــاط فــي‬ ‫اإلنـ ــتـ ــاج الــقــصــصـــــي‬ ‫ليست تجربة عابرة‪،‬‬ ‫ل ــق ــد كـــانـــت تــجــربــة‬ ‫ذات أثـــــر مــــــزدوج‪:‬‬ ‫أدبــي وتاريخي‪ ..‬هذا‬ ‫هــو الــتــاريــخ‪ ،‬تاريخنا‬ ‫الثقافي المكتوب الذي‬ ‫يــقــول لــنــا‪ :‬إن هناك‬ ‫مــر َّة أولــى لكل شيء‪،‬‬ ‫الــبــدايــات ال تتكرر‪،‬‬

‫تحفل قصص نجاة خياط بأشواق‬ ‫الحب‪ ،‬وجمال الوفاء‬ ‫فازت بالمركز األول في مسابقة‬ ‫القصة القصيرة التي نظمها نادي‬ ‫المدينة األدبي عام ‪1993‬م‬ ‫عبدالرحيم األحمدي‪ :‬قصة‬ ‫(لو كنت ولداً) من أشد القصص‬ ‫إلحاح ًا حول طلب المساواة‬ ‫(مخاض الصمت)‪ :‬هي أول‬ ‫مجموعة قصصية تكتبها‬ ‫امرأة في تاريخ الحركة األدبية‬ ‫السعودية‬

‫وقالت‪ :‬وتقابلنا بعد‬ ‫اإلهـــــداء (الــمــقــدمــة)‬ ‫التي كتبتها رائدة أخرى‬ ‫من رائــدات األدب في‬ ‫الــســعــوديــة‪ ،‬ربــمــا هي‬ ‫مصادفة تاريخية أن‬ ‫تكتب الشاعرة الكبيرة‬ ‫ثريا قابل (صاحبة أول‬ ‫ديوان شعر تكتبه امرأة‬ ‫في المملكة) (األوزان‬ ‫الــبــاكــيــة) مقدمة أول‬ ‫مــجــمــوعــة قصصية‬ ‫تكتبها امرأة في تاريخ‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬

‫الصمت) في عام ‪1385‬هـ مجيء مبكر جداً‪،‬‬ ‫إذ لم يبدأ تعليم المرأة بصورة رسمية إال عام‬ ‫‪1380‬هـــ‪ ،‬وربما كانت نجاة من المتعلمات‬ ‫خارج البالد‪ ،‬وربما كان تعليمها تقليدياً في‬ ‫كتاتيب النساء‪.‬‬

‫ولذا فهي تبقى بدايات إلى األبد‪ ،»..‬وقالت‪:‬‬ ‫«‪ ..‬ينكشف عــنــوان المجموعة (مخاض‬ ‫الصمت) عبر اإلهداء الخاص الموجَّ ه إلى‬ ‫األب‪ ،‬األب الفاعل في وعي اإلبنة نجاة التي‬ ‫تخاطبه في نص اإلهداء بقولها‪:‬‬

‫‪121‬‬


‫الحركة األدبية السعودية‪..‬‬ ‫وقالت‪ :‬في الطبعة الثانية تُقابلنا مقدمة‬ ‫مختلفة‪ ،‬مقدمة تكتبها اإلبنة‪ ،‬وصوت اإلبنة‬ ‫امتداداً‪ ،‬وتجاوزاً لحالة الصمت إلى القول‬ ‫بل إلى الفعل‪ ،‬إذ تُبعث النصوص من جديد‪،‬‬ ‫تستعيد وهجها في زمن آخر‪ ،‬وتترك بصمة‬ ‫جديدة في دنيا الكتابة‪.‬‬

‫أمــانــي جعفر الــغــازي ‪ -‬أســتــاذة الــتــاريــخ‬ ‫بجامعة الملك عبدالعزيز‪ ،‬والتي أمدتنا‬ ‫بسيرة مختصرة لوالدتها ‪ -‬نجاة خياط‪-‬‬ ‫كما كتبتها قائلة‪« :‬ولــدت في أواخــر صيف‬ ‫عام ‪1367‬هـ‪1947/‬م‪ ،‬كنت الطفلة الوحيدة‬ ‫ألسرتي بعد أن اختار اهلل إخوتي الثالثة‬ ‫فائقة‪ ،‬وزكي‪ ،‬ومحمد فوزي‪ ،‬في أول عام من‬ ‫عمرهما كنت الثانية بين إخوتي‪.‬‬

‫وق ــال ــت ف ــي حــــوار صــحــفــي ســابــق أن‬ ‫قــضــيــت ج ـ ــزءاً م ــن طــفــولــتــي ف ــي مكة‬ ‫أول قصة كتبتها بعد أن تشكلت قراءتها‬ ‫(وتحطمت األغ ــال)‪ ..‬ففي القصة رصد المكرمة مكان عمل والدي في وزارة المالية‪.‬‬ ‫تلقيت دراس ــت ــي االبــتــدائــيــة فــي مكة‬ ‫لظاهرة الرقيق التي كانت منتشرة فيما‬ ‫مضى‪ ..‬وتحتفل القصة عبر حبكة صاعدة بمدرسة لتعليم الفتاة «الفتاة األهلية»‪ ،‬وكانت‬ ‫بقرار إلغاء الرقيق‪ ،‬بتحطم األغالل‪ ،‬والقصة هذه المدرسة إحدى مدرستين للبنات بمكة‬ ‫التي تأتي منشورة بجريدة البالد بعد أقل بها عدة فصول من أولى ابتدائي إلى سادسة‬ ‫ابتدائي‪ ،‬لكن المدارس األخرى كانت كتاتيب‬ ‫من عام على القرار‪..‬‬ ‫وتختتم المحاضرة بقولها‪ ..« :‬أتوقف تتلقى فيها البنات قراءة القرآن والحروف‬ ‫أخيراً عن ملمح جوهري في تجربة الكاتبة‪ :‬األبجدية فقط‪ ،‬من ضمنها ُكتّاب السيدة‬ ‫ملمح اللغة الحيّة‪ ،‬المتمكنة‪ ،‬تمتلك الكاتبة صبرية‪ ،‬وقد درست في بداية تعليمي القرآن‬ ‫معجماً لــغــويـاً ثـــراً‪ ،‬وتمتلك ق ــدرة هائلة الكريم ومــبــادئ الكتابة لمدة قصيرة‪ ،‬ثم‬ ‫على تشكيل اللغة‪ ،‬وتطويعها عبر الصور‪ ،‬انتقلت لمدرسة الفتاة األهلية‪ ،‬ويجدر بي أن‬ ‫والــمــجــازات‪ ،‬واالنــزيــاحــات‪ ،‬والتشكيالت أذكر مؤسِّ سة المدرسة وصاحبتها السيدة‬ ‫الفريدة‪ .‬إن امتالك ناصية البيان هو القدم صالحة حسن رحمها اهلل؛ وهــي جاوية‬ ‫الثانية التي يمشي عليها كاتب القصة‪ ..‬األصل‪ ،‬جزاها اهلل خيراً‪.‬‬

‫كانت مدرستها هي بداية مرحلة تطور‬ ‫والتجربة القصصية عند الكاتبة تجربة‬ ‫متميزة‪ :‬حبكة قصصية مسكوبة في قوالب م ــدارس تعليم الــفــتــاة‪ ،‬قــدمــت فيها العلم‬ ‫لغوية فريدة‪ ،‬تجربة تمنح البدايات رسوخها للكثير من بنات مكة المكرمة‪.‬‬ ‫الالزم‪ ،‬واستحقاقها للريادة»‪.‬‬ ‫عند انــتــهــاء دراســتــي االبــتــدائــيــة مرت‬

‫‪122‬‬

‫وفــي اتــصــال ومتابعة بالصديق محمد بنا فترة تحوّل خطيرة في حياتي زلزلت‬ ‫المنقري بجدة الذي اتصل بدوره بالدكتورة طفولتي وعبثت بأمنها وسعادتها‪ ،‬وقطعت‬

‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫ولكن والــدي رحمه اهلل فتح لي أبــواب الذي بصفة خاصة تهزني شاعريته ورقيه‬ ‫ال من الكتب في الكتابة‪ ،‬أما األدب الروسي فهو رائع جداً‬ ‫المعرفة‪ ،‬حيث وفر لي كماً هائ ً‬ ‫العلمية واألدبية والثقافية حتى كتب الشعر وقريب لألحاسيس اإلنسانية‪ ..‬حقاً إن أدب‬ ‫والــفــلــك والــقــصــص المترجمة مــن الكتب القصة هو تاريخ حيّ للشعوب والمجتمعات‪.‬‬ ‫والمجالت التي لم تكن تتوافر لغيري في‬ ‫مــن أدبــائــنــا الــعــرب‪ :‬يــوســف السباعي‪،‬‬ ‫ذلك الزمن‪.‬‬ ‫ونجيب محفوظ‪ ،‬وإحــســان عبدالقدوس‪،‬‬

‫ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬

‫عليَّ دراستي اإلعدادية‪ ،‬فقد أصيبت والدتي مــثــل الــبــؤســاء لــفــكــتــور هــيــجــو‪ ،‬وقــصــص‬ ‫بمرض استوجب سفرها إلى خارج المملكة أندريه مورو‪ ،‬وجان جاك روسو‪ ،‬باإلضافة‬ ‫للعالج‪.‬‬ ‫لمسرحيات فولتير الساخرة وستيفان زفايج‪،‬‬

‫حينما بدأت الكتابة في الصحف‪ ،‬كتبت إضافة الى عدد من الشاعرات العربيات‬ ‫قصصاً قصيرة‪ ،‬وأذكــر أن صحيفة البالد أمثال نازك المالئكة‪ ،‬وفدوى طوقان‪.‬‬ ‫السعودية أول صحيفة نشرت لــي‪ ،‬وكانت‬

‫ومن أدباء بالدي الحبيبة األستاذ محمد‬

‫قصة قصيرة نوعاً ما بثالث حلقات اسمها حسن عواد عميد األدب السعودي‪ ،‬والشاعر‬ ‫(تحطمت األغالل)‪ ،‬كان عنواناً بارزاً لموقف محمد حسن فقي‪ ،‬والشاعر حمزة شحاتة‪،‬‬

‫جديد تقفه الفتيات في وطني‪.‬‬

‫وهــؤالء جميعا منحوني أمتع شعور حينما‬

‫وكــنــت أســتــنــد عــلــى والـ ــدي رحــمــه اهلل قرأت لهم‪ ..‬وأثَّروا في تكويني األدبي لفترة‬ ‫بتشجيعه ومــؤازرتــه‪ ،‬فلم أبالي بالمواقف من الفترات‪.‬‬ ‫الصعبة التي كانت المرأة في بداية انفتاحها‬

‫ولكن المحرك األول ورائــي‪ ،‬والــذي كان‬

‫عــلــى الــكــتــابــة فــي الــصــحــف مــن استنكار له أعظم األثر في حياتي‪ ،‬هو والدي سليم‬ ‫وإشــاعــات‪ ..‬بقيت أكتب عشرات القصص خياط رحمه اهلل‪ ،‬الــذي كــان موته بمثابة‬ ‫القصيرة والــمــقــاالت بصفحة الــمــرأة في صدمة اقتلعت كــل طموحي ومشاعري‪..‬‬ ‫عكاظ‪ ،‬بإشراف ثريا قابل الشاعرة المبدعة‪ ،‬وشلت يدي وفكري على أن أكتب بالغزارة‬

‫وكنا اإلثنتين في بداية عهد جديد للكتابة السابقة نفسها‪.‬‬

‫النسائية في الصحف السعودية‪.‬‬

‫وأمي «آمنة علي» كان لها الدور الكبير في‬

‫كان لدي عامود اسمه (حديث القنديل) حياتي؛ األلم الذي غلف شبابها وشجاعتها‬ ‫أكــتــبــه أســبــوعــي ـاً فــي عــكــاظ‪ .‬فــي بــدايــة وحبها للحياة‪ ..‬منحني كل ذلك قوة وأمالً‪،‬‬

‫حياتي تأثرت بأدب المنفلوطي الرومانسي وزرع في قلبي القدرة على مواجهة المصاعب‬ ‫وماجدولين‪ ،‬وبالقصص المترجمة العالمية واألمل في غد أجمل للمرأة في مجتمعي‪.‬‬

‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪123‬‬


‫كتبت كثيراً من المقاالت في الصحف المرأة اليوم التي لم تسمعه‪ ،‬ولم يمر بها ما‬

‫الــســعــوديــة واللبنانية‪ ،‬وفــي مجلة البيت مر بالمرأة قبل خمسين عاماً وأكثر‪ ،‬وهي‬

‫السعيد التي تصدر في بيروت‪.‬‬

‫أنها من آالف الصور التي اضطهدت فيها‬

‫ربــمــا تميزت بعض قصصي بالرمزية المرأة في مجتمعنا العربي في السابق‪ ،‬وكان‬ ‫والــحــوار الداخلي؛ فهي لوحات من بعض الظالم يلفها‪ ،‬والبد للنور أن يتسلل إلى قلب‬ ‫الــصــور التي تحدث فــي الحياة والــتــي قد اإلنسان‪ ..‬ليمأله أمالً‪..‬‬

‫تواجه أي إنسان منا‪.‬‬

‫األمل في الحياة الطبيعية الكريمة التي‬

‫«ستشرق الشمس يــومـاً» كتبتها صيف كرمها وحفظ حقوقها ديننا الحنيف‪..‬‬

‫‪1385‬هـ‪1965/‬م في بيروت ضمن مجموعة‬

‫والبد للشمس أن تشرق يوماً على ظالم‬

‫«مــخــاض الــصــمــت» مــا بين عــام ‪1384‬ه ـــ العالم فتمأله محبة وسالماً‪..‬‬ ‫‪1385‬هـ ‪1964/‬م‪1965-‬م تقريباً‪.‬‬ ‫كتابتي للقصة بـــدأت فــي ســن مبكرة‬ ‫هذه القصة بالذات أثــارت وقتها جدالً‬ ‫نــوع ـاً مــا‪ ،‬إذ كنت فــي الثالثة عشـرة من‬ ‫كبيراً‪ ،‬فكثيرون حاربوني‪ ،‬وكثيرون وقفوا‬ ‫عــمــري‪ ،‬كتبت روايـــة طويلة تصلح قصة‬ ‫إلى جانبي وشجعوني‪ ،‬ومن ضمنهم عميد‬ ‫لفيلم سينمائي؛ ألنها مشحونة باألحداث‬ ‫األدب الــســعــودي األس ــت ــاذ مــحــمــد حسن‬ ‫واالتصاالت العنيفة‪.‬‬ ‫عواد‪ ،‬والصحفي الالمع محمد عبدالواحد‪،‬‬ ‫ربما تمثل شحن العواطف والرومانسية‬ ‫رحمهما اهلل جميعاً‪ ،‬وجزى اهلل خير الجزاء‬ ‫كل من وقف معي وآزرني ودافع عني‪.‬‬

‫ستشرق الشمس يوماً‪ ..‬هي أمل وضعته‬

‫في قصة قصيرة‪ ،‬وهي إحدى الصور التي‬

‫كــان يزخر بها مجتمعي فــي حياة زوجية‬

‫في بداية الشباب‪ ..‬ولم يصدق من قرأها‬

‫أنني أنا مَن كتبها‪ ،‬إذ قالوا إنك نقلتيها من‬ ‫إحدى القصص التي تمأل مكتبة والدك‪.‬‬ ‫بعدها كتبت قصة طويلة تقع أحداثها في‬

‫غير متكافئة‪ ..‬حملت فيها المرأة الجزء لبنان‪ ..‬وفي الرواية الثالثة أحسست بالملل‬ ‫التعس دون أن تحتج أو تدافع عن كرامتها من التطويل ولم أكملها‪ ..‬طبعاً هذه الروايات‬

‫وإنسانيتها المسحوقة فــي بــيــوت كثيرة لم تنشر إنما كانت بداية عهدي بالكتابة‪.‬‬ ‫تجد هذه المرأة تنتظر النور واالنعتاق من‬

‫الظالم‪ ..‬ولكن من يعلم بها!‬

‫‪124‬‬

‫ولــم أكــن أبالي بالمواقف الصعبة التي‬ ‫كانت تقابل المرأة في بداية انفتاحها على‬

‫أمــا األص ــوات التي نسمعها اليوم فهي الكتابة في الصحف من استنكار وإشاعات‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫ولكن لم أنشر أ ّيًا منها والقليل من أصدقائي في قلبها‪.‬‬ ‫يعرف ذلك‪.‬‬

‫تنقلت مع زوجها الــذي عمل ملحقاً في‬

‫نشر كتابي «مــخــاض الصمت» الطبعة سفارة المملكة العربية السعودية في دمشق‪،‬‬ ‫األولــى عــام ‪1385‬هــــــ‪1966/‬م‪ ،‬أثــنــاءه كنت لمدة أربع سنوات‪ ،‬وعاصرت القاصة نجاة‬ ‫في لبنان أ ُراجــع مسودات الكتاب‪ ،‬وغبت خياط حرب رمضان وأهوالها وحصارها‪ ،‬إذ‬

‫ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬

‫كتبت كثيراً من النثر واألبيات الشعرية‪ ،‬حادث أليم‪ .‬وقد ترك رحيله جرحاً ال يندمل‬

‫عــن الــســاحــة األدبــيــة بسبب عــمــل زوجــي دمرت الطائرات اإلسرائيلية معظم البيوت‬

‫وتنقالته المتعددة‪ ،‬ثم أعدتُ إصدار الكتاب المجارة لمسكنهم في شارع أبو رمانه‪.‬‬ ‫في طبعته الثانية ‪1433‬هـ‪2012/‬م‪ ،‬وأضفت‬

‫عليها مجموعتي القصصية «األقنعة» التي‬ ‫كانت إلى ذلك الوقت حبيسة األدراج‪.‬‬ ‫حياتي الخاصة‬ ‫تزوجت من ابن عمتها عام ‪1389‬هـ‪1969/‬م‬ ‫ولها من األبناء ثالثة‪ :‬م‪ .‬نهلة الغازي وهي من‬

‫ثــم ارتــحــلــت مــعــه إل ــى أثــيــنــا عــنــد نقله‬ ‫سكـرتيراً أول في سفارة المملكة في اليونان‬ ‫لمدة سبع سنوات‪ ،‬وبعدها إلى القاهرة لمدة‬ ‫خمس سنوات‪ .‬ثم إلى غانا قائماً باألعمال‬ ‫هناك لمدة أربــع سنوات‪ ،‬لتستقر األســرة‬ ‫خاللها فــي أرض الــوطــن‪ ،‬بسبب دراســة‬

‫مواليد بيروت‪ ،‬ود‪ .‬أماني الغازي من مواليد األبناء في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة‪.‬‬ ‫جده‪ ،‬وتعمل في جامعة الملك عبدالعزيز‪،‬‬

‫تعكف نجاة خياط اآلن على تسجيل‬

‫قسم التاريخ‪ ،‬واالبن الثالث سليم الغازي من ذكرياتها الخاصة عــن أسرتها فــي كتاب‬ ‫مواليد أثينا في اليونان‪ ،‬كان مهندسً ا في خــاص ستخصصه لألصدقاء فقط وليس‬ ‫الحرس الوطني‪ ،‬توفي في عز شبابه إثر للنشر العام‪.‬‬ ‫* كاتب من السعودية‪.‬‬ ‫(‪ )1‬إشراف د‪ .‬حمدي السكوت ط‪2015 ،2‬م القاهرة‪ :‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪ ،‬ص‪.817‬‬ ‫(‪ )2‬ط‪ ،1‬ج‪ ،1‬الرياض‪ :‬دارة الملك عبدالعزيز ‪1434‬هـ‪2013 /‬م‪ ،‬ص‪.512‬‬ ‫(‪ )3‬ط‪1413 ،2‬هـ‪1993 /‬م الرياض‪ :‬الدائرة لإلعالم المحدودة‪ ،‬ص‪.54‬‬ ‫(‪ )٤‬ط‪ 1‬مج‪ 4‬القصة القصيرة‪ ..‬إعداد الدكتور معجب الزهراني‪ .‬ص‪ 27-26‬و‪.339 - 333‬‬ ‫(‪ )5‬ط‪ ،1‬ج‪1985 2‬م‪.‬‬ ‫(‪ 7 )6‬شعبان ‪1386‬هـ‪ 20 /‬نوفمبر ‪1966‬م‪.‬‬ ‫(‪1387/9/13 )7‬هـ صفحة أدب (كل خميس)‪.‬‬ ‫(‪ )8‬ط‪ ،1‬ج‪ ،1‬الرياض ‪ -‬مكتبة الملك عبدالعزيز العامة ‪1423‬هـ ‪2002‬م‪.‬‬ ‫(‪ )9‬يوم السبت ‪1434/6/24‬هـ ‪2013/5/4 /‬م ونشـرت مع غيرها في كتاب (شرفات ورقية) بالرياض‪ :‬دار‬ ‫المفردات للنشر ط‪1439 ،1‬هـ‪2018 /‬م‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪125‬‬


‫المثقف ووزارة الثقافة‬ ‫■ صالح القرشي*‬

‫كثيرا ما أجد بعض الكتاب والمثقفين‪ ،‬وبعد كل دعوة توجهها وزارة الثقافة لمجموعة‬ ‫منهم‪ ،‬أو مع كل مناسبة تخص هذه الوزارة يطرحون سؤالهم التقليدي!‬ ‫ماذا يريد المثقفون من وزارة الثقافة؟ وماذا يجب أن تقدم وزارة الثقافة للمثقفين؟‬ ‫ويبدو لي أن مجرد صياغة السؤال بهذه‬ ‫الطريقة ال تصح‪ ،‬واألوْلى أن يكون السؤال هو‪:‬‬ ‫ماذا يجب أن تقدم الــوزارة للمجتمع؟ وماذا‬ ‫يريد المجتمع من وزارة الثقافة؟‬ ‫وفي كل مرة يطرح فيها ذلك السؤال على‬ ‫عدد من األدباء والكتاب والمثقفين‪ ،‬تكون أغلب‬ ‫اإلجابات عبارة عن مطالب متعلقة بهذه الفئة‪،‬‬ ‫وتركز على العالقة بينها وبين وزارة الثقافة‪،‬‬ ‫وتكون أغلب االنتقادات أو المالحظات خاصة‬ ‫بالفعاليات التي تقيمها ال ــوزارة وتدعو لها‬ ‫بعض الكتاب واألدبــاء والمثقفين‪ ،‬ومن زاوية‬ ‫لماذا اختارت أولئك ولم تختر هؤالء‪ ،‬وربما‬ ‫ال نجد من يتحدث عن دور الوزارة األساس‪..‬‬ ‫وهو الدور المتعلق بعالقة الثقافة بالمجتمع‪.‬‬

‫هي‪ :‬كيف يمكن لــوزارة الثقافة أن تسهم في‬ ‫ربط فئات المجتمع بكل تنوعاتها بالثقافة؟‬ ‫كــيــف يمكنها المساهمة فــي نــشــر الــوعــي‬ ‫بأهمية الثقافة لدى األجيال الجديدة؟ وما‬ ‫هي الخطوات المطلوبة في هذا الجانب؟ ماذا‬ ‫عن الــدور الــذي يمكن أن تقوم به المدارس‬ ‫في هذا الشأن؟ وماذا يمكن أن تقدم األحياء‬ ‫والبلديات في هذا المجال؟‬

‫مــاذا عــن تحويل األنــديــة األدبــيــة لمراكز‬ ‫ثقافية متكاملة تهتم بالمسرح الجاد والفنون‬ ‫التشكيلية‪ ،‬وتقيم الــمــعــارض‪ ،‬وتــتــعــاون مع‬ ‫الجهات األخ ــرى س ــواء كــانــت جــهــات أهلية‬ ‫أو حكومية‪ ،‬ويبدو لي أن تقييم نجاح برامج‬ ‫الــوزارة يكمن في اإلجابة على هذه األسئلة‬ ‫ويبدو لي أ ّن حصر المسألة بهذا الجانب ال وليس في الدوران حول طلبات بعض المثقفين‬ ‫يخدم الدور األهم المنوط بالوزارة‪ ،‬وهو الدور أو حتى مناكفاتهم‪.‬‬ ‫الذي يجب أن يتوجه نحو المجتمع‪.‬‬ ‫إن حاجة المجتمع لخدمات هذه الــوزارة‬ ‫واعتقد أن السؤال الذي يجب طرحه هو‪ :‬أشد وأهم وأولى‪ ..‬وما يمكن أن يقدم للمجتمع‬ ‫ماذا يجب أن تقدم وزارة الثقافة للمجتمع؟ ثقافيا هو ما سيشكل اإلسهام الكبير لها في‬ ‫وليس فقط ماذا يجب أن تقدم للمثقفين؟‬ ‫رقــي المجتمع وتــطــوره‪ ،‬فهي وزارة الثقافة‬ ‫أعتقد أن األسئلة األهم في هذا الجانب وليست وزارة المثقفين‪.‬‬ ‫* كاتب وقاص من السعودية‪.‬‬

‫‪126‬‬

‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــراءات‬

‫دليل املجموعة املتحفية‬ ‫مبركز عبدالرحمن السديري الثقايف‬

‫املؤلف ‪ :‬خليل بن إبراهيم املعيقل البراهيم‪،‬‬ ‫ عبدالهادي خليف املعيقل‪ ،‬أحمد عتيق القعيد‬ ‫الناشر ‪ :‬مركز عبدالرحمن السديري الثقايف‬ ‫السنة ‪1439 :‬هـ ‪2017 -‬م‬ ‫‪ρρ‬إعداد‪ :‬مرسي طاهر*‬ ‫المجموعات التراثية التي يتناولها هذا الدليل‬ ‫هي جزء من مقتنيات مركز عبدالرحمن السديري‬ ‫الثقافي‪ ،‬قدمت معظمها هدايا من مواطني منطقة‬ ‫الجوف‪ ،‬ومن مواطنين من خارج المنطقة لمعالي‬ ‫األمير عبدالرحمن السديري رحمه اهلل‪ ،‬الذي قام‬ ‫بإيداعها دار العلوم بالجوف‪ ،‬وتعرض معظمها اآلن‬ ‫في أروقة فندق النزل التابع لمؤسسة عبدالرحمن‬ ‫السديري بمدينة سكاكا ‪-‬الجوف‪.‬‬ ‫تعد هذه المجموعات من المجموعات التراثية‬ ‫المهمة على مستوى منطقة الجوف‪ ،‬وتأتي أهميتها‬ ‫كونها جُ معت على مــدى فترة طويلة‪ ،‬إضافة إلى‬ ‫تنوعها؛ من متحجرات وقطع حجرية تعود لعصور‬ ‫جيولوجية مختلفة‪ ،‬وقطع نقوش أثرية‪ ،‬إضافة إلى‬ ‫مواد تراث تقليدي محلي يرجع تاريخ بعضها إلى‬ ‫أكثر من مئة عام‪.‬‬ ‫يقع الدليل في (‪ )352‬صفحة‪ ،‬استهل بتقديم‬ ‫من الدكتور زياد بن عبدالرحمن السديري العضو‬

‫المنتدب لمؤسسة األمير عبدالرحمن السديري‪،‬‬ ‫تناول فيه بشيء من اإليجاز والعمق أهمية الدليل‬ ‫في التعريف بالمجموعة المتحفية بالمركز‪ ،‬وما‬ ‫تمثله مــن قيم حــضــاريــة وفنية تعكس الــمــوروث‬ ‫الثقافي لمنطقة الجوف‪ ،‬منوهاً بضرورة حماية هذا‬ ‫التراث واستمراره واستثماره كأحد روافــد الهوية‬ ‫الثقافية للوطن‪ ،‬ثم تال التقديم مقدمة من المؤلف‬ ‫الرئيس للدليل الدكتور خليل بن إبراهيم المعيقل‬ ‫البراهيم الذي بَيَّن أهمية المركز ودوره في الحياة‬ ‫الثقافية والعلمية لمجتمع منطقة الجوف‪ ،‬وذكر‬ ‫أن من ضمن أهداف إصدار هذا الدليل التعريف‬ ‫باألدوار الثقافية والحضارية التي يقوم بها المركز‬ ‫تجاه المجتمع‪ ،‬كما تناول أهمية هذه المجموعة‬ ‫المتحفية بالمركز وتنوعها‪ ،‬والجهود التي بذلت في‬ ‫إعداد هذا الدليل وتصنيفه وتجهيزه بشكل يعطي‬ ‫صورة مناسبة ومعبرة عن تراث منطقة الجوف‪.‬‬ ‫يضم الدليل قاعدة بيانات علمية متكاملة عن‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪127‬‬


‫مجموعة المتحجرات واألحجار الطبيعية‬

‫(‪ )274‬مادة متحفية وتراثية‪ ،‬تم تصنيفها إلى ثالث‬ ‫مجموعات رئيسة هي‪:‬‬ ‫‪-1‬مجموعة المتحجرات واألحجار الطبيعية‬ ‫(وعددها ‪ 38‬مادة)‬ ‫وتــحــوي متحجرات أحيائية؛ تتمثل فــي بقايا‬ ‫أسماك‪ ،‬وقواقع‪ ،‬ورخويات‪ ،‬وشعب مرجانية بحرية‬ ‫(متبلورة) جلب أغلبها من منطقة الجوف‪ ،‬وتحديداً‬ ‫مــن وادي الــســرحــان‪ ،‬وبعضها مجلوبة مــن خــارج‬ ‫المملكة‪:‬‬ ‫‪-2‬مجموعة القطع األثرية (وعددها ‪ 21‬مادة)‬ ‫وتحوي مواد أثرية‪ ،‬تتشكل من نقوش‪ ،‬وكتابات‬ ‫عربية شمالية‪ ،‬ومسند شمالي سطرت على حجارة‬ ‫بازلتية‪ ،‬وقد جلب أغلبها من وادي السرحان‪ ،‬وتضم‬ ‫المجموعة أيضا نقوشاً وكتابات‪ ،‬كتبت على صخور‬ ‫من الحجر الرملي‪ ،‬كتبت بالقلم الصفوي‪ ،‬والمسند‬ ‫الشمالي‪ ،‬والثمودي‪ ،‬كما تضم بعض هذه الصخور‬ ‫وسوماً لبادية شمالي الجزيرة العربية‪:‬‬

‫والصناعات في منطقة الجوف منذ أقدم العصور‪،‬‬ ‫مــثــل النخيل ومــنــتــجــاتــه؛ األخــشــاب مــن األشــجــار‬ ‫المختلفة كالسدر واإلث ــل؛ والمنتوجات الحيوانية‬ ‫كالوبر والصوف والشعر والجلود من الجمال واألغنام‪،‬‬ ‫واألحجار‪ ،‬والطين‪ ،‬والمعادن‪.‬‬ ‫وقد تم تصنيف مجموعات التراث الشعبي إلى‬ ‫عشرة مجموعات فرعية كالتالي‪:‬‬ ‫ مجموعة أدوات القهوة (عددها ‪ 23‬مادة)‪.‬‬‫ مجموعة أدوات المطبخ (عددها ‪ 26‬مادة)‪.‬‬‫‪ -‬مجموعة مصنوعات سعف النخيل (عددها ‪12‬‬

‫مجموعة القطع األثرية‬

‫‪ -3‬مجموعات التراث الشعبي (وعددها ‪ 215‬مادة)‬ ‫تحوي أدوات ومصنوعات تراثية شعبية محلية‬ ‫معروفة بمنطقة الجوف والمناطق األخرى بشمالي‬ ‫المملكة وجنوبها‪ ،‬عدا الجرار الفخارية الكبيرة التي‬ ‫كانت تجلب من بالد الشام‪.‬‬ ‫وتضم المجموعة أسلحة بيضاء تقليدية عثمانية‪،‬‬ ‫وب ــن ــادق‪ ،‬ومــســدســات‪ ،‬ورش ــاش ــات مــســتــوردة من‬ ‫مختلف األقطار األوربية‪ ،‬إضافة إلى بعض الموارد‬ ‫المتوافرة محليا‪ ،‬والتي اعتمدت عليها معظم الحرف‬

‫‪128‬‬

‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫مجموعة أدوات القهوة‬

‫مجموعة أدوات المطبخ‬


‫مجموعة أدوات متعلقة بالمنزل‬

‫مجموعة النسيج‬

‫مجموعة أواني التخزين‬

‫مجموعة أدوات الزراعة‬

‫مجموعة األسلحة‬

‫مجموعة األسلحة‬

‫ ‪-‬‬ ‫ ‬‫ ‬‫ ‬‫ ‬‫ ‬‫‪ -‬‬

‫ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــراءات‬

‫مجموعة مصنوعات سعف النخيل‬

‫مجموعة األسلحة‬

‫مادة)‪.‬‬ ‫مجموعة أدوات متعلقة بالمنزل (عددها ‪ 22‬مادة)‪.‬‬ ‫مجموعة أواني التخزين (عددها ‪ 14‬مادة)‪.‬‬ ‫مجموعة أدوات الزراعة (عددها ‪ 30‬مادة)‪.‬‬ ‫مجموعة األسلحة (عددها ‪ 32‬مادة)‪.‬‬ ‫مجموعة أدوات البادية (عددها ‪ 30‬مادة)‪.‬‬ ‫مجموعة المالبس وأدوات الزينة (عددها ‪ 16‬مادة)‪.‬‬ ‫مجموعة النسيج عددها (‪ )10‬مواد‪.‬‬

‫تصنيف المجموعات المتحفية بهذا الدليل يُمكِّن‬ ‫القارئ من الوصول إلى صورة ولو جزئية عن تراث‬ ‫منطقة الجوف‪ ،‬والتعرف على التواصل الحضاري‬ ‫والتبادل الثقافي بين الجوف والمناطق المحيطة بها‬ ‫في عصورها المختلفة‪.‬‬ ‫ويعد الدليل إسهاما واضحا للبحث العلمي في‬ ‫مــجــال الــتــراث والــثــقــافــة‪ ،‬وأح ــد الــمــراجــع العلمية‬ ‫للباحثين والــدارســيــن وأصــحــاب العالقة فــي هذا‬ ‫الــشــأن‪ ،‬كما يعد إضــافــة ثــريــة للمكتبة الثقافية‬ ‫السعودية من إصــدارات صرح علمي وثقافي شامخ‬ ‫أرسى دعائمه معالي األمير عبدالرحمن بن أحمد‬ ‫السديري رحمه اهلل‪.‬‬

‫* أمين مكتبة دار الجوف للعلوم ‪ -‬سابقاـ ً‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪129‬‬


‫الـ ـصـ ـفـ ـح ــة األخ ـ ـيـ ــرة‬

‫عبدالرحمن الشبيلي‪..‬‬

‫البهي!‬ ‫كم نفتقد حضورك‬ ‫ّ‬ ‫■ د‪ .‬عبدالواحد احلميد‬ ‫ال للطبع‪،‬‬ ‫حين كان هذا العدد من "الجوبة" ماث ً‬ ‫ُفــجــعــنــا بــرحــيــل الــدكــتــور عــبــدالــرحــمــن بــن صالح‬ ‫الشبيلي‪ ،‬الــقــامــة الوطنية السامقة والشخصية‬ ‫الفكرية واألكاديمية واإلداريــة والشورية واإلعالمية‬ ‫واالجتماعية التي يصعب تعويضها وتكرارها‪ ،‬فكان‬ ‫رحيله خسارة كبرى للوطن‪.‬‬ ‫وإذا كان الوطن يفتقد اليوم أبا طالل‪ ،‬فإن أسرة‬ ‫مركز عبدالرحمن السديري الثقافي تشعر بشكل‬ ‫خــاص بــمــرارة الــفــقــد؛ فعلى مــدى ســنــوات طويلة‬ ‫ماضية وإلى يوم رحيله المؤلم الحزين كان الدكتور‬ ‫عبدالرحمن بن صالح الشبيلي شعلة من النشاط‬ ‫ضمن أسرة هذا المركز‪ ،‬وبرحيله المفاجئ الصاعق‬ ‫تشعر أسرة المركز أن ركناً ركيناً من أركانه قد هوى‬ ‫تاركاً في قلوب محبيه داخل المركز وخارجه فراغاً‬ ‫موحشاً يصعب ملؤه‪.‬‬ ‫لقد أسهم أبو طالل بفكره وبوقته وبمشاعره في‬ ‫إثراء أنشطة مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية‬ ‫ومركز عبدالرحمن السديري الثقافي‪ ،‬وكــان دائم‬ ‫الحضور ذهنياً وجسدياً في هذه األنشطة‪ ،‬سواء تلك‬ ‫التي أقيمت في الجوف أو الغاط أو الرياض أو في‬ ‫خارج المملكة‪.‬‬

‫‪130‬‬

‫ب ــدأت عــاقــة الــدكــتــور عــبــدالــرحــمــن الشبيلي‬ ‫بهذه المؤسسة من خــال األنشطة المنبرية التي‬ ‫كانت تقيمها في الجوف وفي الغاط‪ ،‬فكان يحرص‬ ‫على حضور هذه األنشطة ويشارك فيها من خالل‬ ‫أوراق العمل التي يُعِ دُّها والمحاضرات التي يلقيها‬ ‫والمداخالت التي يثري بها الــنــدوات واألمسيات‪.‬‬ ‫ثم تطورت هــذه العالقة‪ ،‬وأصبح عضواً في بعض‬ ‫لجان المركز ومناشطه مثل هيئة المنتدى التي‬ ‫تقوم بالتحضير للمنتدى السنوي الــذي يقام في‬ ‫الجوف والغاط باسم منتدى األمير عبدالرحمن بن‬

‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫أحمد السديري للدراسات السعودية‪ ،‬فكان له إسهام‬ ‫ملموس في اختيار الموضوعات التي يتم اختيارها‬ ‫للمنتديات ومحاورها والمشاركين فيها والشخصية‬ ‫المكرمة في كل موسم من مواسم المنتدى‪ ،‬وكان‬ ‫في معظم مواسم المنتدى هو َم ْن يكتب كلمة هيئة‬ ‫الــمــنــتــدى لتقديم الشخصية الــمــكــرمــة‪ .‬كــمــا كــان‬ ‫الشبيلي عــضــواً فــي المجلس الثقافي المناط به‬ ‫تخطيط وإقــرار النشاطات المنبرية التي تقام على‬ ‫امتداد العام في الجوف والغاط تحت مظلة مركز‬ ‫عبدالرحمن السديري الثقافي‪.‬‬ ‫ال‬ ‫كان أبو طالل على مدى تلك السنوات عضواً فاع ً‬ ‫نشيطاً متحمساً رغم مشاغله الكثيرة المهمة خارج‬ ‫إطار المركز والتزاماته االجتماعية التي ال يتخلف‬ ‫عن أدائها أبــداً‪ ،‬فلم يبخل بتقديم الــرأي والمشورة‬ ‫في كل المشروعات الثقافية التي قام بها المركز‪،‬‬ ‫مثل إصــدار مجلة أدوماتو‪ ،‬وتحكيم بعض األعمال‬ ‫المقدمة للمركز‪ ،‬واختيار أسماء َم ْن يتم استكتابهم‬ ‫لبعض الــدراســات واألعــمــال الفكرية التي يمولها‬ ‫ال عن تحريره وإشــرافــه على الكتاب‬ ‫المركز؛ فض ً‬ ‫المرجعي المهم الذي أصدره المركز بعنوان "فص ٌل‬ ‫من تاريخ وطن وسيرة رجال‪ :‬عبدالرحمن بن أحمد‬ ‫السديري أمير الجوف"‪ .‬وفوق ذلك‪ ،‬كان ألبي طالل‬ ‫إسهاماته المميزة كعضو في مجلس إدارة المؤسسة‬ ‫وكرئيس للجنة االستثمار في المجلس‪.‬‬ ‫سوف تفتقد المؤسسة والمركز أبا طالل لكننا‬ ‫نرضى بقضاء اهلل وقدره‪ .‬نسأل اهلل تعالى أن يتغمده‬ ‫بواسع رحمته وأن يسكنه فسيح جناته‪ .‬وفي العدد‬ ‫القادم من "الجوبة" سوف يتم إن شاء اهلل تخصيص‬ ‫ملف عن الراحل العزيز‪ ،‬كما أن المركز سوف يصدر‬ ‫ٍ‬ ‫كتاباً تذكارياً عنه‪ ،‬وكتاباً آخر عن سيرته وإنجازاته‪،‬‬ ‫وندوة حوارية تتناول جوانب من السيرة الشخصية‬ ‫والعملية والفكرية لهذا الرجل الفذ االستثنائي‪.‬‬


‫من إصدارات اجلوبة‬


‫من إصدارات برنامج النشر في‬

‫صدر حديثاً‬


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.