Aljoubah_60_مجلة _الجوبة

Page 1

‫ُ‬ ‫الع َر ِب من التَّ اريخ‬ ‫ ¦‬ ‫جزيرة َ‬ ‫الميثولوجي إلى الجغرافيا‬ ‫الهرمنيوطيقية‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫ ¦«جنازة الغريب» لعبداهلل‬ ‫السفر تروي قصة الشعر‬ ‫سردا‪.‬‬ ‫ ¦هاشم الجحدلي‪ ..‬شاعر‬ ‫الغيوم وغيمة الشعر‪.‬‬ ‫ ¦أسئلة السرد النسائي‬ ‫الجديد‪.‬‬

‫حوارات مع األدباء‪:‬‬

‫عبدالرحمن الربيعي‪ ،‬أحالم الثقفي‪ ،‬منصورة عزالدين‬

‫‪60‬‬


‫برنامـج نشر الدراسات واإلبداعـات األدبية والفكرية ودعم البحوث والرسائل‬ ‫العلمية يف مركز عبدالرحمن السديري الثقايف‬ ‫‪ 1-‬نشر الدراسات واإلبداعات األدبية والفكرية‬

‫يهتم بالدراسات‪ ،‬واإلبداعات األدبية‪ ،‬ويهدف إلى إخراج أعمال متميزة‪ ،‬وتشجيع حركة‬ ‫اإلبداع األدبي واإلنتاج الفكري وإثرائها بكل ما هو أصيل ومميز‪.‬‬ ‫ويشمل النشر أعمال التأليف والترجمة والتحقيق والتحرير‪.‬‬ ‫مجاالت النشر‪:‬‬ ‫أ ‪ -‬الدراسات التي تتناول منطقة الجوف ومحافظة الغاط في أي مجال من المجاالت‪.‬‬ ‫ب‪ -‬اإلبداعات األدبية والفكرية بأجناسها المختلفة (وفقاً لما هو مب ّين في البند «‪ »٨‬من شروط النشر)‪.‬‬ ‫ج‪ -‬الدراسات األخرى غير المتعلقة بمنطقة الجوف ومحافظة الغاط (وفقاً لما هو مب ّين في البند «‪ »٨‬من‬ ‫شروط النشر)‪.‬‬ ‫شروطه‪:‬‬ ‫‪ -١‬أن تتسم الدراسات والبحوث بالموضوعية واألصالة والعمق‪ ،‬وأن تكون موثقة طبقاً للمنهجية العلمية‪.‬‬ ‫‪ -٢‬أن تُكتب المادة بلغة سليمة‪.‬‬ ‫‪ -٣‬أن يُرفق أصل العمل إذا كان مترجماً‪ ،‬وأن يتم الحصول على موافقة صاحب الحق‪.‬‬ ‫‪ -٤‬أن تُق ّدم المادة مطبوعة باستخدام الحاسوب على ورق (‪ )A4‬ويرفق بها قرص ممغنط‪.‬‬ ‫‪ -٥‬أن تكون الصور الفوتوغرافية واللوحات واألشكال التوضيحية المرفقة بالمادة جيدة ومناسبة‬ ‫للنشر‪.‬‬ ‫‪ -٦‬إذا كان العمل إبداعاً أدبياً فيجب أن يتّسم بالتم ّيز الفني وأن يكون مكتوباً بلغة عربية‬ ‫فصيحة‪.‬‬ ‫‪ -٧‬أن يكون حجم المادة ‪ -‬وفقاً للشكل الذي ستصدر فيه ‪ -‬على النحو اآلتي‪:‬‬ ‫ الكتب‪ :‬ال تقل عن مئة صفحة بالمقاس المذكور‪.‬‬‫ البحوث التي تنشر ضمن مجالت محكمة يصدرها المركز‪ :‬تخضع لقواعد النشر في‬‫تلك المجالت‪.‬‬ ‫ الكتيبات‪ :‬ال تزيد على مئة صفحة‪( .‬تحتوي الصفحة على «‪ »250‬كلمة تقريباً)‪.‬‬‫‪ -٨‬فيما يتعلق بالبند (ب) من مجاالت النشر‪ ،‬فيشمل األعمال المقدمة من أبناء وبنات‬ ‫منطقة الجوف‪ ،‬إضافة إلى المقيمين فيها لمدة ال تقل عن عام‪ ،‬أما ما يتعلق بالبند (ج)‬ ‫فيشترط أن يكون الكاتب من أبناء أو بنات المنطقة فقط‪.‬‬ ‫‪ -٩‬يمنح المركز صاحب العمل الفكري نسخاً مجانية من العمل بعد إصداره‪ ،‬إضافة إلى‬ ‫مكافأة مالية مناسبة‪.‬‬ ‫‪ -١٠‬تخضع المواد المقدمة للتحكيم‪.‬‬


‫‪ -2‬دعم البحوث والرسائل العلمية‬

‫يهتم بدعم مشاريع البحوث والرسائل العلمية والدراسات املتعلقة مبنطقة اجلوف‬ ‫ومحافظة الغاط‪ ،‬ويهدف إلى تشجيع الباحثني على طرق أبواب علمية بحثية جديدة يف‬ ‫معاجلاتها وأفكارها‪.‬‬ ‫(أ) الشروط العامة‪:‬‬ ‫‪ -١‬يشمل الدعم املالي البحوث األكادميية والرسائل العلمية املقدمة إلى اجلامعات‬ ‫واملراكز البحثية والعلمية‪ ،‬كما يشمل البحوث الفردية‪ ،‬وتلك املرتبطة مبؤسسات غير‬ ‫أكادميية‪.‬‬ ‫‪ -٢‬يجب أن يكون موضوع البحث أو الرسالة متعلقاً مبنطقة اجلوف ومحافظة الغاط‪.‬‬ ‫‪ -٣‬يجب أن يكون موضوع البحث أو الرسالة جديداً يف فكرته ومعاجلته‪.‬‬ ‫‪ -٤‬أن ال يتقدم الباحث أو الدارس مبشروع بحث قد فرغ منه‪.‬‬ ‫‪ -٥‬يقدم الباحث طلباً للدعم مرفقاً به خطة البحث‪.‬‬ ‫‪ -٦‬تخضع مقترحات املشاريع إلى تقومي علمي‪.‬‬ ‫‪ -٧‬للمركز حق حتديد السقف األدنى واألعلى للتمويل‪.‬‬ ‫‪ -٨‬ال يحق للباحث بعد املوافقة على التمويل إجراء تعديالت جذرية تؤدي إلى تغيير‬ ‫وجهة املوضوع إال بعد الرجوع للمركز‪.‬‬ ‫‪ -٩‬يقدم الباحث نسخة من السيرة الذاتية‪.‬‬ ‫(ب) الشروط اخلاصة بالبحوث‪:‬‬ ‫‪ -١‬يلتزم الباحث بكل ما جاء يف الشروط العامة(البند «أ»)‪.‬‬ ‫‪ -٢‬يشمل املقترح ما يلي‪:‬‬ ‫ توصيف مشروع البحث‪ ،‬ويشمل موضوع البحث وأهدافه‪ ،‬خطة العمل ومراحله‪،‬‬‫واملدة املطلوبة إلجناز العمل‪.‬‬ ‫ ميزانية تفصيلية متوافقة مع متطلبات املشروع‪ ،‬تشمل األجهزة واملستلزمات‬‫املطلوبة‪ ،‬مصاريف السفر والتنقل والسكن واإلعاشة‪ ،‬املشاركني يف البحث من‬ ‫طالب ومساعدين وفنيني‪ ،‬مصاريف إدخال البيانات ومعاجلة املعلومات والطباعة‪.‬‬ ‫ حتديد ما إذا كان البحث مدعوماً كذلك من جهة أخرى‪.‬‬‫(ج) الشروط اخلاصة بالرسائل العلمية‪:‬‬ ‫إضافة لكل ما ورد يف الشروط اخلاصة بالبحوث(البند «ب») يلتزم الباحث مبا يلي‪:‬‬ ‫‪ -١‬أن يكون موضوع الرسالة وخطتها قد أق ّرا من اجلهة األكادميية‪ ،‬ويرفق ما يثبت ذلك‪.‬‬ ‫‪ -٢‬أن يُق ّدم توصية من املشرف على الرسالة عن مدى مالءمة خطة العمل‪.‬‬ ‫هاتف‪ 014 6245992 :‬فاكس‪014 6247780 :‬‬ ‫الجـوف ‪ 42421‬ص‪ .‬ب ‪ 458‬‬ ‫هاتف‪ 016 4422497 :‬فاكس‪016 4421307 :‬‬ ‫الغ ـ ـ ــاط ‪ 11914‬ص‪.‬ب ‪ 63‬‬ ‫الرياض ‪ 11614‬ص‪ .‬ب ‪ 94781‬هاتف‪ 011 2015494 :‬فاكس‪011 2015498 :‬‬

‫‪info@alsudairy.org.sa‬‬ ‫‪www.alsudairy.org.sa‬‬


‫مجلس إدارة مؤسسة عبدالرحمن السديري‬

‫ملف ثقايف ربع سنوي يصدر عن‬ ‫مركز عبدالرحمن السديري الثقافي‬ ‫هيئة النشر ودعم األبحاث‬

‫رئيساً‬ ‫د‪ .‬عبدالواحد بن خالد الحميد ‬ ‫عضواً‬ ‫د‪ .‬خليل بن إبراهيم المعيقل ‬ ‫عضواً‬ ‫د‪ .‬ميجان بن حسين الرويلي ‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬مشاعل بنت عبدالمحسن السديري عضواً‬ ‫عضواً‬ ‫د‪ .‬علي دبكل العنزي ‬ ‫عضواً‬ ‫محمد بن أحمد الراشد ‬ ‫أسرة التحرير‬

‫إبراهيم بن موسى احلميد‬ ‫محرر ًا‬ ‫ ‬ ‫محمود الرمحي‬ ‫محرر ًا‬ ‫ ‬ ‫محمد صوانة‬ ‫اإلخراج الفني ‪ :‬خالد الدعاس‬

‫املشرف العام‬

‫هاتف‪)+966()14(6263455 :‬‬ ‫املراســــــالت‪ :‬‬ ‫فاكس‪)+966()14(6247780 :‬‬ ‫ ‬ ‫ص‪ .‬ب ‪ 458‬سكاكا اجلـوف ‪ -‬اململكة العربية السعودية‬ ‫‪www.alsudairy.org.sa‬‬ ‫‪aljoubahmag@alsudairy.org.sa‬‬

‫ردمد ‪ISSN 1319 - 2566‬‬ ‫سعر النسخة ‪ 8‬رياالت ‪ -‬تطلب من الشركة الوطنية للتوزيع‬ ‫االشتراك السنوي لألفراد ‪ 50‬ريا ًال واملؤسسات ‪ 60‬ريا ًال‬

‫رئيساً‬ ‫فيصل بن عبدالرحمن السديري ‬ ‫عضواً‬ ‫سلطان بن عبدالرحمن السديري ‬ ‫د‪ .‬زياد بن عبدالرحمن السديري العضو المنتدب‬ ‫عضواً‬ ‫عبدالعزيز بن عبدالرحمن السديري ‬ ‫عضواً‬ ‫د‪ .‬سلمان بن عبدالرحمن السديري ‬ ‫عضواً‬ ‫د‪ .‬عبدالرحمن بن صالح الشبيلي ‬ ‫عضواً‬ ‫د‪ .‬عبدالواحد بن خالد الحميد ‬ ‫سلمان بن عبدالمحسن بن محمد السديري عضواً‬ ‫طارق بن زياد بن عبدالرحمن السديري عضواً‬ ‫سلطان بن فيصل بن عبدالرحمن السديري عضواً‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬مشاعل بنت عبدالمحسن السديري عضواً‬ ‫قواعد النشر‬

‫‬‪ -1‭‬أن‬ ‪‭‬تكون‬ ‪‭‬املادة‬ ‪‭‬أصيلة‬ ‪.‭‬‬ ‫‪ ‭‬-2‬لم‬ ‪‭‬يسبق‬ ‪‭‬نشرها‬ ‪‭‬ورقيا‬ً ‪‭‬أو‬ ‪‭‬رقميا‬ً‪‭.‬‬ ‫‪ ‭‬-3‬تراعي‬ ‪‭‬اجلدية‬ ‪‭‬واملوضوعية‬‪‭.‬‬ ‫‬‪ -4‭‬تخضع‬ ‪‭‬املواد‬ ‪‭‬للمراجعة‬ ‪‭‬والتحكيم‬ ‪‭‬قبل‬ ‪‭‬نشرها‬‪‭.‬‬ ‫‬‪ -5‭‬ترتيب‬ ‪‭‬املواد‬ ‪‭‬يف‬ ‪‭‬العدد‬ ‪‭‬يخضع‬ ‪‭‬العتبارات‬ ‪‭‬فنية‬‪‭.‬‬ ‫‬‪ -6‭‬ترحب‬ ‪‭‬اجلوبة‬ ‪‭‬بإسهامات‬ ‪‭‬املبدعني‬ ‪‭‬والباحثني‪‭‬‬ ‫‬والكتّاب‪‭ ‬،‬على‬ ‪‭‬أن‬ ‪‭‬تكون‬ ‪‭‬املادة‬ ‪‭‬باللغة‬ ‪‭‬العربية‬‪‭.‬‬ ‫‮«‬اجلوبة‬‪‭‬‮»‬ من‬‪‭‬األسماء‬‪‭‬التي‬‪‭‬كانت‬‪‭‬تُطلق‬‪‭‬على‬‪‭‬منطقة‬‪‭‬اجلوف‬‪‭‬سابق‬اً‪‭.‬‬

‫املقاالت املنشورة ال تعبر بالضرورة عن رأي املجلة والناشر‪.‬‬

‫يُعنى بالثقافة من خالل مكتباته العامة يف اجلوف والغاط‪ ،‬ويقيم املناشط املنبرية الثفافية‪،‬‬ ‫ويتبنّي برنامجاً للنشر ودعم األبحاث والدراسات‪ ،‬ويخدم الباحثني واملؤلفني‪ ،‬وتصدر عنه مجلة‬ ‫(أدوماتو) املتخصصة بآثار الوطن العربي‪ ،‬ومجلة (اجلوبة) الثقافية‪ ،‬ويضم املركز ك ً‬ ‫ال من‪( :‬دار‬ ‫العلوم) مبدينة سكاكا‪ ،‬و(دار الرحمانية) مبحافظة الغاط‪ ،‬ويف كل منهما قسم للرجال وآخر‬ ‫للنساء‪ .‬وتصرف على املركز مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية‪.‬‬

‫‪0553308853‬‬

‫‪Alsudairy1385‬‬

‫‪www.alsudairy.org.sa‬‬


‫العدد ‪ - ٦٠‬صيف ‪١٤٣٩‬هـ (‪٢٠١٨‬م)‬

‫الـمحتويــــات‬ ‫االفتتاحية ‪ -‬إبراهيم بن موسى الحميد‪٤ ............................‬‬ ‫دراسات ونقد‪ :‬جزيرةُ ال َعر َِب من التَّاريخ الميثولوجي إلى الجغرافيا‬ ‫الهرمنيوطيقيَّة ‪ -‬عبداهلل الفيفي‪٦ .................................‬‬ ‫«جنازة الغريب» يروي قصة الشعر سردا ‪-‬إبراهيم الحجري ‪١١ ....‬‬

‫تجليات الطبيعة الشاعرة في مجموعة «مالت على غصنها‬ ‫الياسمينة ‪ -‬عبداهلل بيال‪١٥ ..................................‬‬

‫حدائق كافكا الياباني ‪ -‬ليلى عبداهلل ‪١٩ ............................‬‬ ‫أسئلة السرد النسائي الجديد مقاربة نسقية لجماليات السردي القصصي‬ ‫النسوي «شيطانتان» لتركية العمري أنموذجاً ‪ -‬إبراهيم الكراوي ‪٢٢ .....‬‬

‫الحُ بُّ واأللَ ُم واألَم ُل في ديوانِ من فوقِ الرِّمالِ ‪ -‬د‪ .‬محمود‬ ‫خلف البادي ‪٢٨ ...............................................‬‬

‫جيل ‪٣١ .....................................‬‬ ‫الجوف‪ :‬ذكرياتُ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫سنواتُ‬ ‫محور خاص‪ :‬هاشم الجحدلي‪ ..‬شاعر الغيوم وغيمة الشعر ما‬ ‫الذي يجعل الغيم يبكي؟؟ ‪ -‬المشاركون‪ :‬د‪ .‬هناء علي البواب‪،‬‬ ‫محمد العامري‪ ،‬أسامة علي حسين‪ ،‬أحمد الطناشات‪٤٠ ...........‬‬ ‫قصص قصيرة‪ :‬البكماء ‪ -‬عبدالرحمن الدرعان‪٥٣ ..................‬‬ ‫ومضات سريعة ‪ -‬حضية عبده خافي‪٥٥ ........................‬‬

‫‪40........................‬‬ ‫هاشم اجلحدلي‪...‬‬ ‫شاعر الغيوم وغيمة الشعر‬

‫‪104............................‬‬ ‫حوار مع األديب العراقي‬ ‫عبدالرحمن مجيد الربيعي‬

‫القطــــــراتُ التي تتسرب من شقوق في سقف الغرفة‪- !..‬‬ ‫عمر بوقاسم ‪.................................................‬‬ ‫الوطنية أفعال ال أقوال ‪ -‬محمد صالح أحمد أبو عمر‪....‬‬ ‫لحظات ثكلى ‪ -‬حليمه الفرجي‪.............................‬‬ ‫صديقي الناقد ‪ -‬عمار الجنيدي ‪............................‬‬ ‫بطاق ُة معايدةٍ ‪ -‬محمد الرياني‪..............................‬‬ ‫الرسال ُة األخيرةُ ‪ -‬هدى العتيبي ‪............................‬‬

‫شعر‪ :‬داوي ألمي ‪ -‬أحمد النعمي ‪..................................‬‬

‫أَن ِْت أَن ِْت ‪ -‬شاهر ابراهيم ذيب‪..............................‬‬ ‫ارتباك ‪ -‬أروى المهنا‪........................................‬‬ ‫النبض ‪ -‬سليمان الفيفي ‪........................‬‬ ‫ُ‬ ‫خانك‬ ‫ِ‬ ‫ما‬ ‫ليان ‪ -‬سما يوسف‪...........................................‬‬ ‫(ليل كموجِ البحر) ‪ -‬حامد أبو طلعة ‪......................‬‬ ‫بـ ٍ‬ ‫في داخلي نبضك لم يزل ‪ -‬نجود حسين ‪...................‬‬

‫طواف الورد ‪ -‬محمد عسيري‪....................................‬‬

‫وقال في صباه ‪ -‬مجدي الشافعي‪...........................‬‬ ‫الساكنون جنوباً ‪ -‬محمد فقيهي ‪............................‬‬ ‫هل بكيت يومًا على لبن مسكوب؟ ‪ -‬بلقيس الملحم‪.........‬‬

‫قولوا لها‪ - ... ‬عيادة خليل العنزي ‪...............................‬‬ ‫ترجمة‪ :‬ابتكار العدو أمبرتو إيكو ‪ -‬ترجمة‪ :‬دايس محمد ‪........‬‬ ‫مواجهات‪ :‬عبدالرحمن مجيد الربيعي ‪ -‬حاوره‪ :‬نضال القاسم ‪...‬‬ ‫الشاعرة أحالم عبداهلل الثقفي ‪ -‬حاورها‪ :‬عمر بوقاسم ‪........‬‬

‫منصورة عزالدين ‪ -‬حاورتها‪ :‬هالة موسى ‪..................‬‬

‫‪119............................‬‬ ‫حوار مع‬ ‫منصورة عزالدين‬

‫‪٥٦‬‬ ‫‪٥٧‬‬ ‫‪٦٠‬‬ ‫‪٦٢‬‬ ‫‪٦٣‬‬ ‫‪٦٤‬‬ ‫‪٦٦‬‬ ‫‪٦٩‬‬ ‫‪٧٠‬‬ ‫‪٧١‬‬ ‫‪٧٤‬‬ ‫‪٧٥‬‬ ‫‪٧٧‬‬ ‫‪٧٨‬‬ ‫‪٨٠‬‬ ‫‪٨٣‬‬ ‫‪٨٥‬‬ ‫‪٨٧‬‬ ‫‪٨٩‬‬ ‫‪104‬‬ ‫‪١١٢‬‬ ‫‪١١٩‬‬

‫نوافذ‪ :‬لطيفة السديري وسجل استحقاق الريادة التعليمية! ‪-‬‬ ‫د‪ .‬هيا السمهري‪١٢٧ ...................................................‬‬

‫ونقيضه! التَّضا ُد في العربيةِ ‪..‬‬ ‫َ‬ ‫تصف الكلم ُة المَعنى‬ ‫ُ‬ ‫عندما‬ ‫ِسم ٌة أم عيبٌ ؟ ‪ -‬خلف سرحان القرشي‪١٢٩ .....................‬‬ ‫قراءات ‪١٣٣ ........................................................‬‬

‫األخيرة‪ :‬غواصوا األحقاف ‪ -‬صالح القرشي‪١٣٦ .......................‬‬


‫■ إبراهيم بن موسى احلميد‬ ‫تأتي الكتابة محملة بالتجارب اإلنسانية الملهمة‪ ،‬محملة باإلبداع والفن‬ ‫والجمال‪ ،‬مسفرة عن قــدرات األديــب الكامنة‪ ،‬والتي اختزنها طــوال حياته‬ ‫الثقافية‪ ،‬ملونة بالكتابة اإلبداعية والثقافية؛ ومن هنا‪ ،‬كان ال بد من الولوج‬ ‫إلى تخوم األعمال األدبية شعرية أو روائية أو سردية‪ ،‬للوصول الى ما يمكن‬ ‫استنتاجه واستخالصه من وراء هذه األعمال‪ ،‬كما تتعداها إلى بقية الفنون‬ ‫والعلوم؛ إذ يمكن عرض اإلنتاج الثقافي واإلبداعي في صورة ملونة بألوان‬ ‫الطيف التي تعبّر عن رؤية وتفسير‪ ،‬يحيلها إلى كتابة مجرّدة أمام متلقّيها‪،‬‬ ‫يمكنه من خاللها الدخول إلى عالمها‪ ،‬وبالتالي ملء فجواتها إن وجدت‪.‬‬ ‫يكتب الدكتور عبداهلل الفيفي عن جزيرة العرب‪ :‬جزيرة العرب من التاريخ‬ ‫الميثولوجيَّ إلى الجغرافيا الهرمنيوطيقية‪ ،‬مح ّذرًا من العابثين بالتاريخ‪،‬‬ ‫والمتلِّهين بالتصنيف‪ ،‬والمتاجرين بالتأويل‪ ،‬منتقدًا الصمُت المريب من أهــل‬ ‫التاريخ واآلثـــار المختِّصين‪ -‬من األكــاديــمــ ِّيــيــن وغــيــر األكــاديــمــ ِّيــيــن‪ -‬وهو‬ ‫موضوع قلّما طُ رِ ح في سجاالتنا الفكرية والثقافية في بالدنا‪.‬‬ ‫إبراهيم الحجري يقدم عبداهلل السفر في «جنازة الغريب» وعن كيف‬ ‫يــؤثــث فــضــاء صفحته بــصــرًيــا‪ ،‬بــنــا ًء على تجربته في التعامل مع اللوحة‪،‬‬ ‫وتأسيًسا على خبرته في تذوّق الفن التشكيلي‪ .‬واستلهام عناصره في هذه‬ ‫التجربة الثرية‪ ،‬وعن الوفاء لعالم اللوحة الفنية؛ ممتدحً ا الحضور التشكيلي‬ ‫البصري في الكتاب الــذي أتــاح للمداد المتدفق‪ ،‬وفــق السيولة الشعورية‬ ‫المصاحبة‪ ،‬وتبعًا لجغرافية التحوّالت الطقسية للمحكي الشعري‪ ،‬أن ينتشر‬ ‫ويفض ويشحّ ‪ ،‬انسجامًا مع اللحظة المؤسسة للبوح الشعري‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ويتمدد ويتقلص‬

‫‪4‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫حـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدـة‬ ‫س ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬ ‫دراـ ـ ـ ـ ـ‬ ‫اف ـ‬ ‫ـاتـاون‬

‫ويصبح لهذا العمل وظيفته النقدية المؤسِّ سة‪ ،‬خاص ًة حينما ينسجم مع‬ ‫وعي نظري بأهمية‬ ‫الخطاب النقدي لصاحبه‪ ،‬الذي اختار تصاميم عالمه عن ٍ‬ ‫العناصر المستلهمة‪.‬‬ ‫عبداهلل بيال يكتب عن حفاوة الشاعرة لطيفة قاري في مجموعتها «مالت‬ ‫على غصنها الياسمينة» بالحياة وصورها وحاالتها‪ ،‬وكان الحب حاضراً كمكو ٍّن‬ ‫رئــيس لــلــوجــودِ ‪ .‬ذلــك الــحــب الــذي يتسامى عن التوصيف‬ ‫ٍ‬ ‫ومــحــر ٍِّك‬ ‫الكالسيكي‪ ،‬ليصبح أكثر قـــدرًة على التجديد والــتــجــ ّدد وإســبــاِغ جمالياته‬ ‫على كل ما يمكن للروِ ح أن تلمسه أو تتماهى به‪ ،‬واحتفاء الشاعرة بالحياة‪..‬‬ ‫ليلى عبداهلل تضيء على حدائق كافكا الياباني «هاروكي موراكامي» الذي‬ ‫عرف كأكثر ُكتّاب اليابان انتشاًرا وتأثيًرا بالغرب‪ ،‬وأبطال شخصياته كثيًرا ما‬ ‫تشبه طباعه؛ فهو روائــي منعزل عــن الــوســط الثقافي والروح الكافكاوية‪،‬‬ ‫تجسّ دت في أبطال رواياته التي تماثلها في أجوائها الغرائبية‪ ،‬من حيث الوحدة‬ ‫واليأس والغربة في وسط أنماط من البشر‪.‬‬ ‫في تجربة الشاعر هاشم الجحدلي‪ ،‬تكتشف الدكتورة هناء البواب أن الشاعر‬ ‫رسو ٌل يحمل رسال ًة كوني ًة فــي عينيه‪ ،‬وهـــذا يظهر لنا منذ أن تقع عيناك على‬ ‫أول نصوص ديوانه‪( :‬قصيدة الــجــفــوة)‪ ،‬تلك الجفوة التي باعدت بين طفولته‬ ‫وبينه‪ ،‬تلك المرارة التي تتذوقها وأنت تلوك كلمات الديوان تحت ذائقة لسانك‪،‬‬ ‫مشبهة هاشم بأدونيس من حيث المستوى الداللي المبطن للسطور الشعرية‪،‬‬ ‫وهذا هو دائماً عادة أدونيس الذي ال يسلس القياد لمتلقيه بسهولة ويسر‪ ،‬مع‬ ‫أنه في قصيدة «موقف الليل» يعرض الشاعر رأيه بصراحة ووضوح‪ ،‬ويدعو‬ ‫إلى فضح المسكوت عنه والــثــورة على البالي والقديم‪ ،‬واإلقبال على ما هو‬ ‫األجمل في هذه الحياة‪ ،‬وأن يصبح المرء رائداً من رواد الحداثة والتحديث‪،‬‬ ‫كما هو حــال الشاعر ومآله‪.‬‬ ‫نصوصا إبداعية ومقاالت وترجمات‪،‬‬ ‫ً‬ ‫تتوشّ ح الجوبة في عددها الجديد‬ ‫وأجــد أنه من المفرح حضور األديــب عبدالرحمن الدرعان مفتتحً ا أزاريــر‬ ‫باذخ بعنوان «البكماء»‪ ،‬وكذلك عودة الكاتب دايس محمد بترجمة‬ ‫بنص ٍ‬ ‫الحكاية ٍّ‬ ‫مميزة لمحاضرة للكاتب اإليطالي «أمبرتو أيكو» بعنوان « ابتكار العدو»‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪5‬‬


‫ُ‬ ‫الع َر ِب‬ ‫جزيرة َ‬

‫من التَّ اريخ الميثولوجي‬ ‫(‪)1‬‬ ‫الهرمنيوطيقية‬ ‫إلى الجغرافيا‬ ‫َّ‬ ‫الفـ ْيفي*‬ ‫■ عبداهلل بن أحمد َ‬

‫‪-1-‬‬

‫كَثُ ر في السنوات األخيرة هُ ــواة التاريخ و«التوليف» فيه‪ ،‬مع ارتفاع أدرينالين‬ ‫القوميَّة‪ ،‬وال َقبَليَّة‪ ،‬والحَ ِميَّة الجاهليَّة‪ ،‬والعصبيَّة السياسيَّة‪ ،‬وغدا كلٌّ على حرثه؛‬ ‫والمشجرات‪ ،‬وتاريخ العشائر والقبائل‬ ‫َّ‬ ‫يركض عاريًا في ميدان األعراق‪ ،‬واألنساب‪،‬‬ ‫سباق محموم‪ .‬يجري ذلــك‪ ،‬كثيرً ا‪ ،‬بال ِعل ٍْم‪ ،‬وال‬ ‫ٍ‬ ‫والشعوب والبُلدان‪ ،‬في‬ ‫وا ُألمــم ُّ‬ ‫مجال صار‬ ‫ٍ‬ ‫وح ُّب الظهور‪ ،‬في‬ ‫كتاب منير؛ وإنَّما هي الغِ واية‪ُ ،‬‬ ‫هُ دً ى‪ ،‬وال ِمنهاج‪ ،‬وال ٍ‬ ‫والسحر‬ ‫الشعبي‪ِّ ،‬‬ ‫كالشعر َّ‬ ‫ومستقطبَ األض ــواء؛ تمامً ا ِّ‬ ‫ِ‬ ‫مجالَ من ال مجال لــه‪،‬‬ ‫الفضائي‪ ،‬وتفسير األحــام‪ ،‬وأحــاديــث الـ ِـجــنِّ والمجانين‪ ،‬ونحوها من الظواهر‬ ‫وتستخف العقول‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫الثقافيَّة التي تستهوي العامَّ ة‪،‬‬ ‫غير أن التاريخ قد أصبح ِعلْمًا في حــتــى بــآل ـ َّيــات (الــطــبــري‪310- ،‬هـــــ=‬ ‫ً‬ ‫العصر الحديث‪ ،‬ولم يَعُد‬ ‫مقبول الخوض ‪923‬م)‪ ،‬أو (ابـــن األثــيــر‪630- ،‬هـ ـــ=‬ ‫فيه بن ٍ‬ ‫ُزوع من تلك النُّزوعات المشار ‪1233‬م)‪ ،‬أو (ابـــن كــثــيــر‪774- ،‬هـ ـــ=‬ ‫إليها‪ ،‬وال من مؤدلَج‪ ،‬يوظِّ ف ظاهرًا من ‪1373‬هـــــ)‪ ،‬الــذيــن أحــســنــوا وأسـ ــاءوا‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫العِ ل ْم‬ ‫تخليطات‬ ‫ٍ‬ ‫لباطن من المآرب واألغراض‪ .‬لم وخــدمــوا المعرفة وخلَّطوا‬

‫‪6‬‬

‫ً‬ ‫يَعُد‬ ‫مقبول اليوم الخوض في التاريخ ظلَّت األُمَّة تدفع ضرائبها‪ ،‬وستظ ُّل إلى‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫مــن م ــادَّة ذلــك التاريخ «الــفــكــاهــي»‪ ،‬وغير (‪ ،)5‬و(ابــن خلدون‪808- ،‬ه ـــ= ‪1406‬م)(‪-)6‬‬ ‫آخر‪ .‬ذلك تنبيهاتٌ إلى بعض تلك المرويَّات التي نقلها‬ ‫المنهاجي‪ ،‬مَطاعنَ‪ ،‬ال أوَّل لها وال ِ‬ ‫رأس ماله األعظم‪« :‬قيل وقال»‪( ،‬الطبري)‪ ،‬أو (المسعودي)‪ ،‬وأضرابهما‪،‬‬ ‫أنه تاري ٌخ ُ‬ ‫من سوالف المجالس واألسمار‪ ،‬مع النقل لمنافاتها المعقول أو استحالتها‪.‬‬ ‫عن كُتب أهل الكُتب القديمة‪ ،‬واالستئناس‬

‫ولكن إذا كان هذا في القديم‪ ،‬فما خطب‬

‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫ٍ‬ ‫أمد ال يعلمه َّإل اهلل‪ ،‬وظ َّل أعداؤها يتَّخذون ‪1233‬م)(‪ ،)4‬و(ابن كثير‪774- ،‬هـــ= ‪1373‬م)‬

‫بمرويَّات الشُّ عوب‪ ،‬على عواهنها‪ .‬فكانت هواة التاريخ المعاصرين؟ وأين الجامعات‪،‬‬ ‫المحصل ُة حَ طَ بَ ٍ‬ ‫ِّ‬ ‫ليل كثيف‪ ،‬ال قِ بَل لألجيال وأقسام التاريخ‪ ،‬والجمعيَّات التاريخيَّة‪ ،‬عن‬

‫ب َفرْز صحيحه من سقيمه‪ ،‬لبُعد الشُّ قَّة بينهم عبثهم المستمر؟‬ ‫وبين األحــداث‪ ،‬واندثار الوثائق المُعتَ ِّد بها‬ ‫على أنَّك واج ٌد مِ ن هؤالء مَن ليس يخلو‬ ‫ِعل ْم ّيًا‪ ،‬هذا إ ْن و ُِجدت في الماضي‪ .‬وليس‬ ‫وِ فاضه من المنهاج فحسب‪ ،‬بل هو خالي‬ ‫سبيل أمثل من محاكمة ذلك التراث إلى‬ ‫ٍ‬ ‫من‬ ‫ـضــا مــن االحــتــكــام إلــى منطق‬ ‫الــوفــاض أيـ ً‬ ‫سقط في تلك المحاكمة‪،‬‬ ‫َ‬ ‫معايير العِ ل ْم‪ ،‬فما‬ ‫العقل البسيط‪ .‬هو‪ -‬على سبيل المثال‪ -‬إذا‬ ‫وجــبَ أن يُلقَى به ُعــرض (طبرستان)‪ ،‬أو‬ ‫ألفَى اسم قبيلة‪ ،‬ظنَّ أنَّ كلَّ ما وافق المادَّة‬ ‫(جزيرة ابن ُعمَر)‪ ،‬أو (بُصرَى الشَّ ام)؛ ألنَّه ال‬ ‫عالقة بها؛‬ ‫ٍ‬ ‫اللغويَّة التي اشتُقَّ منها اسمها ذو‬ ‫يصلح لشيء‪ ،‬وال يستأهل االحترام العِ ل ْمي‪.‬‬ ‫عالقات متخيَّل ًة بين (الشَّ ام)‬ ‫ٍ‬ ‫فإذا هو يُقيم‬ ‫ً‬ ‫وحسبك‬ ‫تدليل على تهافت مــا سُ مِّي و(اليَمَن)‪ ،‬والمشرق والمغرب‪ ،‬ال أصل لها َّإل‬ ‫(‪)7‬‬

‫«تــاريــخً ــا» لدينا‪ -‬ولــه نظائر ل ـدَى غيرنا‪ -‬في مخيِّلة جهله وعماه‪ ،‬وكأنَّ االسم ال يَرِ د‬ ‫تلك األسفار السرديَّة العجيبة تحت عنوان في حياة ال َعرَب َّإل مـ َّر ًة واحــدة‪ ،‬سواء كان‬

‫«تاريخ الرُّسُ ل والملوك»‪ ،‬المعروف بـ«تاريخ ل َعل ٍَم إنسانيٍّ ‪ ،‬أو َقبَليٍّ ‪ ،‬أو مكاني! وهذا ممَّا‬ ‫الطبري»‪ ،‬على سبيل المثال‪ ،‬بما حوَى من وقع فيه كذلك بعض البلدانيِّين والمؤرِّخين‬

‫خزعبالت حول بَـدْءِ الخَ لق‪ ،‬ونشأة الكون‪ ،‬قديمًا‪ ،‬وإ ْن لم يكونوا دائمًا بــذاك الخيال‬ ‫وحركة األجرام السماويَّة‪ ،‬ممَّا ال يَملِك اليو َم الــواســع الــافــت لــدَى بعض ُه ــواة التاريخ‬

‫طف ٌل متعلِّ ٌم نفسَ ه من الضحك منه‪ ،‬وممَّا انبثق المعاصرين‪ .‬ذلك أن أولئك القدماء‪ ،‬وإ ْن‬

‫عنه من ٍ‬ ‫خيال بدائيٍّ جاهل(‪ )2‬ولقد كان لبعض أعوزتهم مناهج البحث والــدرس الصحيح‪،‬‬ ‫المؤرِّخين القدماء أنفسهم‪ -‬كـ(المقدسي‪ - ،‬كانوا يحترمون قارئيهم‪ ،‬وكانوا يتع َرّضون‬ ‫بعد‪966 =355‬م(‪ ،))3‬و(ابن األثير‪630- ،‬هـ= للنقد الشديد مــن معاصريهم‪ .‬وهــم إلى‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪7‬‬


‫ذلك قد ثَقِ فوا من األصول العِ ل ْميَّة‪ ،‬فقه َّي ًة يستقي المعرفة بالجغرافيا والتاريخ من‬ ‫أو رِ وائ َّيةً‪ ،‬ما يفحصون من خالله المرويَّات‪ ،‬الشُّ عراء َّإل جاه ٌل بطبيعة الشِّ عر والشُّ عراء‪،‬‬ ‫كل‪،‬‬ ‫وينقدون بعضها‪ ،‬ويفاضلون‪ ،‬ويرجِّ حون‪ ،‬غير قبل جهله بعِ لْمَي التاريخ والجغرافيا‪َّ .‬‬ ‫واقعين‪ -‬على األغلب‪ -‬في خبط العشواء إنَّ األمر أكثر التباسً ا‪ ،‬والشِّ عر يزيده على‬ ‫المطل َق الذي نشهد كثيرًا منه اليوم‪.‬‬

‫التباسه التباسً ا وتلبيسً ا وإيهامًا‪ .‬وال يُقلِّل‬

‫ولقد كان ال َعرَبُ من أكثر الشعوب ترحُّ ًل‪ ،‬من جهود هؤالء الرعيل األوَّل من البُلدانيِّين‬ ‫إ ْن لم يكونوا أكثرها على اإلطــاقِ ‪ .‬وكانوا ومـــؤرِّخـــي الـــدِّيـــار انــتــقــادُهــم ومــراجــعــة‬

‫َواطنهم‪ ،‬جــهــودهــم(‪ .)8‬غير أن ذلــك تــاريـ ُخ مؤرِّخين‬ ‫يحملون ثقافتهم معهم‪ ،‬وأسماء م ِ‬ ‫وتاريخهم‪ ،‬وذكرياتهم‪ ،‬وفنونهم‪ ،‬أَ َّنــى حَ لُّوا قد مضى عصره وانقضت صالحيَّة آليَّاته‪.‬‬ ‫نحو أقلَّ جود ًة غالبًا‪-‬‬ ‫أو ارتحلوا‪ .‬وانداحت أعراقهم في األرض‪ ،‬واجتراره اليوم ‪ -‬وعلى ٍ‬ ‫وخالطوا األعراق األخرى والثقافات‪ ،‬حتى هو كمن يريد أن يُجري العمليَّات الجراحيَّة‬

‫بــات من المجازفة االستنا ُد على األشباه بالطريقة التي كان يُجريها بها (ابن سينا‪،‬‬ ‫والنظائر بين أسماء البلدان وقاطنيها دون ‪427-‬ه ـــ= ‪1037‬م)‪ ،‬وبــأدواتــه نفسها! وما‬ ‫معمَّقة ودقيقة‪ .‬بات يُقال عن منهاج االستناد إلــى الشِّ عر في‬ ‫ٍ‬ ‫بحوث أنثروبولوجي ٍَّة‬ ‫ٍ‬ ‫َصدُق على منهاج االستناد‬ ‫من المجازفة األخذ بظاهر التصاقب بين تحديد البُلدان‪ ،‬ي ْ‬ ‫األسماء‪ ،‬كما كان (ياقوت الحموي‪626- ،‬هـ= إلــى النصوص األُســطــور َّيــة أو الــســرد َّيــات‬

‫‪1229‬م)‪ ،‬وهو مستن ٌد على أريكته في (حَ ماة) الشاعريَّة في تحديد جغرافيَّات األحداث‬ ‫ُحدّد بلد ًة على أنها في ديار التاريخيَّة‪ .‬كما أن ما يُقال في مناهج بعض‬ ‫أو (بغداد)‪ ،‬ي ِ‬ ‫بيت ِشعريٍّ‬ ‫مثل‪ ،‬استنادًا إلى ٍ‬ ‫(بني تميم)‪ً ،‬‬

‫كتب التاريخ القديمة‪ ،‬من التسليم بالمرويَّات‬

‫شبيه باسمها‪ ،‬أو كما كان الشعبيَّة‪ ،‬واألقاصيص المتوارثة‪ ،‬واألساطير‬ ‫ٍ‬ ‫اسم‬ ‫َو َر َد فيه ذِ كر ٍ‬ ‫ـص ـدُق على مناهج كتب‬ ‫(أبو عبيد البكري‪487- ،‬هـ= ‪1094‬م) يفعل الميتافيزيقيَّة‪ ،‬يَـ ْ‬

‫تسعى إلى توطين‬ ‫ٍ‬ ‫ذلك‪ ،‬وهو متكئٌ على طنافس (إشبيليَّة) أو التاريخ المعاصرة التي‬ ‫مكان ستجده يتك َرّر التاريخ الميثولوجي جــغــرافـ ًّيــا‪ ،‬بأساليب‬ ‫(قُرطبة)‪ .‬ذاك ألن اسم ٍ‬

‫أقصى (الشَّ ام)‪ ،‬ومن هرمنيوطيقيَّة ركــيــكــة‪ ،‬فــي ه ــذه األرض‬ ‫أقصى (اليَمَن) إلى َ‬ ‫من َ‬ ‫بالد (البَ ْربَر األمازيغ) في شَ مالي (إفريقيا) ال َعرَبيَّة أو تلك‪.‬‬ ‫واد مجازيٍّ‬ ‫إلى (خراسان)! والشُّ عراء في ك ِّل ٍ‬

‫‪8‬‬

‫وإذا كانت الضوابط العِ ل ْميَّة تُسَ نُّ في‬

‫يهيمون‪ ،‬ويقولون ما ال يعنون حرف ّيًا؛ وال حقول العلوم الطبيعيَّة وتُــطَ ـ َّبــق‪ ،‬فما بال‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫للهُواة؟! على أن صرامة المنهاج في األخيرة تعرفه األجيال‪ ،‬كما تعرف الشمس والقمر‪،‬‬ ‫ألـــزم؛ مــن حيث إن الــخــوض فــي الــشــؤون أو أشدَّ معرفة‪ .‬على حين تَشهد استقراءاتُ‬

‫اإلنسانيَّة أش ُّد تعقيدًا من الخوض في مجال أولئك المؤلِّفين واستدالالتُهم على جهلهم‬ ‫بكثير ممَّا يهرفون به حيال بعض‬ ‫ٍ‬ ‫العلوم البحتة؛ بما أن العلوم البحتة تتعامل الجاهل‬ ‫مع معطيات ماديَّة ثابتة‪ ،‬ال تكاد تتغير على األماكن أو جُ لِّها أو كلِّها‪ .‬وإنَّما يقارِ نون غالبًا‬

‫م ِّر التاريخ‪ ،‬في حين أن معطيات الحقول الحروف بالحروف واألسماء باألسماء في‬ ‫اإلنسانيَّة تظ ُّل متغيِّرةً‪ ،‬متطوِّر ًة باستمرار‪ ،‬مستواها المعجمي‪ .‬وكيف ال يُدلي شاه ٌد‬

‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫بمغالطات في ما‬ ‫ٍ‬ ‫الحقول اإلنسانيَّة تظ ُّل مسرحً ا مفتوحً ا من تلك الدعاوَى تتعلَّق‬

‫عرف إزاء مزاعم مَن ال يعرف؟! وكيف‬ ‫َ‬ ‫آخــذ ًة في التراكم‪ ،‬والــتــداخــل‪ ،‬والتماهي‪ ،‬بما‬ ‫والــغــمــوض‪ ،‬والــتــاشــي‪ ،‬كلَّما مــرَّت عليها يص ُّح كتما ُن العِ ل ْم‪ ،‬ويُقبَل نُكرا ُن الشهادة مِ ن‬

‫عــجــات الــزمــن‪ .‬ومــن ثَــ َّم كــانــت مقاربتها قِ بَل أهلها؟!‬ ‫أعسر من سائر المقاربات وأخطر‪ .‬فكيف‬ ‫فإذا أ ُضيف إلى ذلك كلِّه الصمتُ المريب‬ ‫إذا كان الخوض فيها مست ِندًا إلى وثائق ال‬ ‫المختصين‪ -‬من‬ ‫ِّ‬ ‫من أهــل التاريخ واآلث ــار‬ ‫ي َِص ُّح ِعل ْم ّيًا االستناد إليها؟! وكيف إذا أُرْدِ َف‬ ‫األكــاديــم ـ ِّيــيــن وغــيــر األكــاديــم ـ ِّيــيــن‪ -‬الــذي‬ ‫هــذا بــالــهـوَى‪ ،‬واإلديــولــوجــيــا‪ ،‬واالنــتــمــاءات‬ ‫ـف هــذا الصخبَ المحمو َم عبر السنين‬ ‫لَـ َّ‬ ‫السياسيَّة؟!‬ ‫الماضية‪ ،‬بات الصمتُ خيانةً‪ ،‬والركو ُن إلى‬ ‫‪-2‬‬‫ما ركن إليه الصامتون مشارك ًة في حفلة‬ ‫زار‪ ،‬ال تُجْ ـفِ ل الشياطين بل تستحضرهم‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫وتــأتــي أهــمـ َّيــة الــمــراجــعــة لــهــذا النتاج‬ ‫فضل عن حقِّ العِ ل ْم في إحقاق ما عبر التاريخ والجغرافيا معًا!‬ ‫ً‬ ‫التأليفي‪-‬‬ ‫قام عليه الدليل وإبطال ما دون ذلك‪ -‬من أن‬

‫ولــيــس م ــن ال ــه ــدف بــعــدئـ ٍـذ الــمــزايــدة‬

‫هذا التيَّار المتكاثف في نِسبة تاريخ إلى غير اإلديــولــوجـ َّيــة‪ ،‬أو الدِّينيَّة‪ ،‬أو العِ رقيَّة‪ ،‬أو‬ ‫َّ‬ ‫أهله وموطنه ما‬ ‫انفك في َمدِّه‪ ،‬منذ ما يربو القوميَّة‪ ،‬أو الوطنيَّة‪ ،‬أو السياسيَّة‪ ،‬مع‬ ‫على رُبع ٍ‬ ‫قرن من الصفحات واألحبار‪ .‬حتى تقدير انطواء بعض الطُّ روحات التي قاربت‬ ‫َ‬ ‫مَسَّ ت فينا‬ ‫بعض العقول لوث ٌة من اإليمان الموضوع على أشياء من تلك األغــراض‪،‬‬

‫بما توات َر دون ردٍّ‪ ،‬والتسليم بما توالَى عليه شــاءت انطواءها عليها أو لم تشأ‪ .‬ولكنَّ‬ ‫أعالمٌ‪ ،‬يُ َعدُّون من البحث والتاريخ بمكان‪.‬‬ ‫الهدف الرئيس هو فتح هذا الملف الذي‬ ‫وتأتي أهميَّتها كذلك من حيث إن طائفة تراكمت أضابيره عبر السنوات المنصرمة‪،‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪9‬‬


‫و َم ُّد آفاق النقاش فيه‪ ،‬بشفافيَّة‪ ،‬وموضوعيَّة‪ ،‬يَ ُذبُّوا عن تاريخه‪ ،‬بما يملكون من معارف‬ ‫الصفة‬ ‫وتجر ٍُّد منشود‪ .‬مع السعي إلى إعادة النظر ووثائق وأقالم‪ .‬وهم يَظلُّون على تلك ِّ‬ ‫الحجاج إ ْن لم يكتبوا على صحائف األ َّيــام مرورَهم‬ ‫الحجاجي في ما ال بُنيان له ِسوَى ِ‬ ‫ِ‬ ‫النظري‪ .‬غير مؤمنين‪ ،‬في عصر السماوات بتلك الدِّيار‪ ،‬ويوقِّعوا على ذاكرة األوطان ما‬ ‫الكونيَّة المفتوحة‪ ،‬التي تنقل المعارف بين احتفظوا به من بسماتها األُولــى وبصماتها‬

‫أقطار الكون وتُ َؤبِّدها‪ ،‬ما شاء اهلل لها أن الخالدة‪ .‬أمَّا والذاكرة والتاريخ قد باتا نهبًا‬ ‫غاية أو عقيدةٍ أو هوًى‪،‬‬ ‫تتأ َّبدَ‪ ،‬بـ«إماتة الباطل بالسكوت عنه»‪ .‬فكم منهوبًا لك ِّل صاحب ٍ‬ ‫لباطل‬ ‫ٍ‬ ‫باطل أَسَّ س‬ ‫ٍ‬ ‫باطل عاش‪ ،‬وكم من‬ ‫ٍ‬ ‫من‬ ‫ظالمة‬ ‫ٍ‬ ‫أكبر‪ ،‬بما في ذلك التأسيس ل ـ ُدو ٍَل‬ ‫غاصبة‪ ،‬وما أمات باطل َها السكوتُ عنه بل‬ ‫أحياه ومَدَّ في عمره‪ .‬وإذا كان ذلك قد ده َم‬ ‫الدُّنيا ال َعرَبيَّة‪ ،‬واستمرَّ‪ ،‬واستشرى‪ ،‬مُه ِلكًا‬ ‫الحرث والنسل‪ ،‬منذ مطالع العصر الحديث‪،‬‬ ‫ُقمان جديد‪،‬‬ ‫فأنَّى لعصرنا اليو َم باستنبات ل ٍ‬ ‫بحكَمِ ه العتيقة؟!‬ ‫ما يفتأ يؤمِ ن ِ‬

‫غاية أو عقيدةٍ أو هـوًى‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫أو لغير صاحب‬ ‫من العابثين بالتاريخ والمتلهِّين بالتصنيف‬

‫والمتاجرين بالتأويل‪ ،‬فقد بــات لــزا ًمــا أن‬ ‫كلمة‬ ‫ٍ‬ ‫تستيقظ الضمائر والــعــقــول لــقــول‬ ‫صوت‬ ‫ٍ‬ ‫باقية بين الكلمات الذاهبة‪ ،‬وتسجيل‬ ‫ٍ‬ ‫صادق مع األصوات المنتحلة‪ ،‬وتدوين وثائق‬ ‫ٍ‬ ‫مقاومة دون ما يَم َِّحي من الوثائق أو يُمْحَ ى‬ ‫ٍ‬ ‫عمدًا‪ ،‬مِ ن قَبلِ أ ْن تُصبح األوطا ُن وقاطنوها‬ ‫زمن كثُرت أعاجيبُه‪ ،‬وهام‬ ‫نسيًا منس ّيًا‪ ،‬في ٍ‬

‫بلد أدرَى ِ‬ ‫على أنه إذا كان أهل ك ِّل ٍ‬ ‫بشعابه‪ ،‬على وجوههم مفاليسُ ه‪ ،‬وأوشك المرء أن ال‬ ‫لشعابه‪ ،‬إ ْن هم لم يعرف نفسه فيه وال أهله أو بالده‪.‬‬ ‫بلد أَخْ ـ َو ُن ِ‬ ‫فإن أهل ك ِّل ٍ‬ ‫ * أكاديمي و شاعر وناقد سعودي‬ ‫كتاب لي سيصدر قريبًا‪ ،‬بإذن اهلل‪.‬‬ ‫(‪ )1‬من مقدمة ٍ‬ ‫(‪ )2‬انظر‪ :‬الطبري‪ ،‬تاريخ الرُّسُ ل والملوك‪ ،‬الجزء األوَّل‪.‬‬ ‫(‪ )3‬انظر‪1899( :‬م)‪ ،‬البدء والتاريخ‪ ،‬بعناية‪ :‬كليمان هوار ‪( Clement Huart‬باريس‪ :‬أرنست لورو)‪.47 :2 ،‬‬ ‫(‪ )4‬انظر‪1983( :‬م)‪ ،‬الكامل في التاريخ‪ ،‬عناية‪ :‬نخبة من العلماء (بيروت‪ :‬دار الكتاب ال َعرَبي)‪.15 :1 ،‬‬ ‫(‪ )5‬انظر‪1998( :‬م)‪ ،‬البداية والنهاية‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبداهلل بن عبدالمحسن التركي (القاهرة‪ :‬دار هجر)‪.25 :1 ،‬‬ ‫(‪ )6‬انظر‪2004( :‬م)‪ ،‬مقدِّمة ابن خلدون‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبداهلل محمَّد الدرويش (دمشق‪ :‬دار يعرب)‪،95 ،82 :1 ،‬‬ ‫‪.128 -126 ،103‬‬ ‫مشتغل‬ ‫ً‬ ‫بية صار محقِّـقًا‪ ،‬وذلك عاط ٌل عن العمل أصبح‬ ‫(‪ )7‬فهذا فقيهٌ‪ ،‬اليومَ‪ ،‬صار مؤرِّخً ا‪ ،‬وهذا معلِّم ِص ٍ‬ ‫باألنساب والمشجَّ رات‪ ،‬وراب ٌع ال يستحيي أن يضرب بيديه ورجليه في مجاهل اآلثار والنقوش‪ .‬والمطابع‬ ‫تَلْهَم ما يأفكون من ذلك كلِّه ث َّم تقذفه في الوجوه‪ .‬وإ ْن لم تفعل المطابع لضوابط باقية‪ ،‬من فُسوح النشر‬ ‫ونحوها‪ ،‬فـ«اإلنترنت»‪ -‬تلك الشبكة التي سمَّاها ال َعرَب إبَّان ظهورها «الشبكة العنكبوتيَّة»!‪ -‬كفيل ٌة بنشر‬ ‫غسيل مَن لم يجد له ناش َر غسيل‪.‬‬ ‫ُض هذا ممَّا قيل عن رحالت (الحموي)‪ ،‬أو ما ذُكِ ر في تميُّز (البكري)‪ -‬ما حدا بـ(وكالة الفضاء األميركيَّة‬ ‫(‪ )8‬ال يَغ ُّ‬ ‫َّهة من ُفوَّهات ال َقمَر‪ ،‬عِ رفانًا بريادته الجغرافيَّة‪.‬‬ ‫ناسا)‪ ،‬في عام ‪1949‬م‪ ،‬إلى إطالق اسم البكري على ُفو ٍ‬

‫‪10‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫«جنازة الغريب»‬ ‫يروي قصة الشعر سردا‬ ‫■ إبراهيم احلجري*‬

‫عتبة مأساة‬

‫ما أقسى أن نبدأ بمؤشر النهاية! وأية نهاية! نهاية في أرض مغتربة‪ ،‬ال أهل‬ ‫وال وطن‪ ،‬كما قال المتنبي‪ .‬وما أقسى أن يحس الشاعر‪ ،‬وهو داخل أرضه‪ ،‬وبين‬ ‫أهله بهذا األلم الفظيع الذي قض مضجعه‪ ،‬فكان له السبق في الحياة الشعرية‪،‬‬ ‫أقصد في العتبة المؤدية إلى التفاصيل‪ .‬إذا كانت العتبة بهذه المأساوية‪ ،‬فكيف‬ ‫ستكون التفاصيل؟ دون شك ستكون أرضية المادة الشعرية مشبعة بهذا الشعور‬ ‫المركّز الذي يصفع المتلقي في الباب؛ ليطلعه على ما سيكون البوح مزحوما به‬ ‫طيلة السفر الشعري‪.‬‬ ‫«جنازة الغريب»(‪ )١‬مقولة ثنائية ملفتة‬

‫الحرق‪ ،‬أو الرمي في البحار أو‪ ..‬ذلك‬ ‫الجسد الذي يختزل رموزًا كثيرة لم تعد‬ ‫له الصالحية لممارسة سلوكيات تجعل‬ ‫منه كائنًا حيا‪.‬‬

‫مأساوية حينما ترتبط بالغربة‪ .‬وكل من‬

‫أمــا الثانية «الــغــريــب»‪ ،‬فتدل على‬ ‫فــقــدان الــســنــد الـ ــذي تلعبه األرض‬ ‫والساللة وشجرة االنتماء‪ .‬يتعاظم ألم‬ ‫الكائن الشعري بتعاضد فِ ْعل َيْ الموت‬ ‫والغربة‪ .‬وبتحالفها تتضاعف المأساة‪:‬‬ ‫مــوت في البعد عن الــديــار‪ ،‬واغتراب‬

‫تحيل على طقس جنائزي مغموس بألم‬ ‫الفقد والــمــوت‪ .‬إن الجنازة بوصفها‬

‫رمزًا بؤريًا لطقس الموت‪ ،‬تصبح أكثر‬

‫المفردتين تتم استعارتهما من معجم‬

‫الرحيل األخــروي كي تشعال مأساوية‬ ‫الــمــرمــوز الــشــعــري‪ .‬إذ تحيل األولــى‬

‫«الجنازة» على الجسد الفاقد للمفعول‪،‬‬

‫الجسد الميت‪ ،‬الجسد المهيأ للدفن أو‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪11‬‬


‫يختزل العالم في عبارة تحفز على البكاء‪.‬‬ ‫قــد تــكــون الــمــوضــوعــات النصية متعددة‪،‬‬ ‫لكنها فــي الغالب توحي بهذا اإلحــســاس‪:‬‬ ‫األثر المحزن الذي يبثه طقس إقامة جنازة‬ ‫لإلنسان البراني بعيدًا عن وطنه الذي قد‬ ‫ال على المغترَب الفعلي‪.‬‬ ‫يكون مجازًا محي ً‬ ‫وحينما يصدر الديوان بهذا الدال الرمزي‬ ‫خاصة تختزل‬ ‫ٍ‬ ‫الغني‪ ،‬يصبح له طعم مرارةٍ‬ ‫مساحات هائلة من الحزن واألسى واأللم‪.‬‬ ‫لوحة دكناء‬ ‫ٌ‬

‫داخل الذات يذكيه هذا اإلحساس الصعب‪.‬‬ ‫هكذا يتبأر الشعور األليم بالضيم‪ ،‬داخل‬ ‫المجموعة الشعرية‪ .‬ومهما كانت وظيفة‬ ‫العنوان بوصفها عتبة مقدماتية‪ ،‬ومهما‬ ‫كانت التفاصيل الداخلية للمحكي الشعري‪،‬‬ ‫فإن التجربة تهيئ أرضية التلقي كمستوى‬ ‫فظيع للذة الجرح األوّلي الذي تكتوي الذات‬ ‫الشاعرة بناره‪ ،‬في غفلة من الوعي‪ ،‬داخل‬ ‫أهــيَ‬ ‫جحيم األنــا الممزقة التي ال تعرف ِ‬ ‫تبحث عــن ذات داخ ــل الــــذات‪ ،‬أم تُنقِّب‬ ‫خيط يربطها بهذه الــذات‬ ‫ٍ‬ ‫في الجرح عن‬ ‫الممزقة‪ .‬وعلى كل حال‪ ،‬فقد ارتمت العبارة‬ ‫هيكال للموضوع‪ ،‬وارتسمت غيمة أو أحبولة‬ ‫على الباب تحكي للعابر سيرة الجراح‪.‬‬

‫‪12‬‬

‫إن العنوان العتبة يلعب هنا وظيفة اإليحاء‬ ‫بالطقس الشعري الــعــام‪ ،‬وفــي اآلن نفسه‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫تعزز لوحة غــاف المجموعة الشعرية‬ ‫هذا التأويل‪ ،‬وبالتالي تتضام رؤية الصورة‬ ‫األيقونة مع الخطاب الكاليغرافي‪ ،‬وذلك من‬ ‫خالل‪:‬‬ ‫ األلوان الداكنة المستعملة في اللوحة‬‫بكثرة والمحيلة بشكل مكثف على المأساة‬ ‫وال ــح ــزن وال ــك ــآب ــة‪ ...‬ومـــا إلـــى ذلـــك من‬ ‫الدالالت الرمزية التي تلتصق بهذه األلوان‬ ‫بشكل تراكمي‪ ،‬إذ ارتبطت األلــوان تاريخيا‬ ‫بالمشاعر اإلنسانية‪ ،‬وكــان لكل لــون منها‬ ‫حقله العاطفي الذي أنتج جملة من األساليب‬ ‫المجازية(‪ )٢‬المرتبطة أساسً ا بماهية الحمولة‬ ‫النفسية التي تزخر بها الدفقات الشعرية‪،‬‬ ‫وما يحفزها من استثارات وجدانية‪ ،‬يتداخل‬ ‫فيها الواقعي والمتخيل‪ .‬إن توظيف الشاعر‬ ‫للون األسود المستمد من الظلمة والليل‪ ،‬في‬ ‫مقابل اللون األبيض الذي يلون سماء اللوحة‪،‬‬ ‫هــذا التضاد في تلوين الفضاء له حمولة‬ ‫داللية قوية في خلق الصراع التراجيدي بين‬ ‫الذات وما يحيق بها من عواصف متعددة‪.‬‬


‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫هذه العواصف ليست بالضرورة‬ ‫طبيعية‪ ،‬لكنها قد تكون بشرية‬ ‫مــن صنع اإلنــســان نفسه‪ ،‬ولعل‬ ‫هذه األخيرة أشد وطــأة ووبــاال‪.‬‬ ‫ونالحظ أنــه كلما اتجهنا أعلى‬ ‫اللوحة‪ ،‬أي سمائها يسيطر اللون‬ ‫األبيض‪ ،‬لون الغيم العقيم‪ .‬وكلما‬ ‫توغلنا في األســفــل‪ ،‬استأسدت‬ ‫الظلمة‪ ،‬وازداد بطش الليل‪.‬‬ ‫وسط الليل الحالك القطراني‬ ‫الــلــون‪ ،‬يظهر شـبَــحــان آدمــيــان‪:‬‬ ‫عــازف مقنع مــن عــازفــي الغجر البعيدين‬ ‫في الــذاكــرة المكلومة‪ ،‬وفــي البعيد يظهر‬ ‫وجه أنثى تراود الريح أنوثة شعرها العاري‬ ‫ونصفها البارز من الجسد األعلى‪ .‬يبدو أن‬ ‫العازف المقنع هائ ٌم على وجهه في الظلمة‬ ‫بحثًا عن تلك األنثى التي تهرب بسره‪ .‬هو‬ ‫المستعار من ذاكرة الخيبات ليدل على وجه‬ ‫إنساني فقد لزوجة الحياة‪ .‬هو العاشق في‬ ‫الغيب يعزف موسيقاه للغائبين في المواجع‬ ‫مثل أساطير األولين‪ .‬هو الغريب في الدار‬ ‫يبحث عن وطن لجسد مهزوم‪ ،‬هو الباحث‬ ‫كما في العنوان عن قبري يحوي ما تبقى‬ ‫من عظامه‪ ،‬وما ترسب من أحــام العشق‬ ‫الخائب‪.‬‬

‫األستاذ عبداهلل السفر‬

‫ال يأتي عبثا‪ ،‬بل له ما يبرره بوصفه جسرا‬ ‫ال عليها‬ ‫لبناء صورة الداللة العامة أو محي ً‬ ‫بشكل من األشكال‪.‬‬ ‫التصميم البصري للمتن الشعري‬

‫مـــن الــمــســتــجــدات ال ــت ــي جـــــاءت بها‬ ‫الشعرية العربية الحديثة ضــرورة انفتاح‬ ‫النص الشعري على آفاق تتيحها له عملية‬ ‫االحــتــكــاك بــاألنــمــاط والــفــنــون األخـ ــرى‪.‬‬ ‫ومــن شــأن هــذا أن يغني التجربة ويعمقها‬ ‫ويخصبها بمزيد من الدوال‪ .‬وهذا ينسجم‬ ‫مع طبيعة الخطاب الشعري المعاصر الذي‬ ‫يروم االبتعاد ما أمكن عن التجربة الذاتية‬ ‫المغلقة‪ ،‬مستعيضا عــن ذل ــك بالتجربة‬ ‫اإلنسانية في كونيتها‪ .‬ولعل هذا لن يتحقق‬ ‫إال برفد التجربة الذاتية بروافد ومرجعيات‬ ‫إن طبقتي الــصــراع تتأججان من حيث‬ ‫إنسانية تثري رؤى النص‪.‬‬ ‫كون تبئير الضوء يأتي من الوجهة األمامية‬ ‫ومن هذه التجارب التي اقتحمت التجربة‬ ‫التي هي في الغالب وجهة الشاعر بوصفه‬ ‫راويًا للمتن ومصممًا لكونه‪ ،‬ومؤثثًا لمحكيه الشعرية الجديدة‪ ،‬نجد البعد التشكيلي‬ ‫من الداخل مهما تخلخلت البنى الشعرية أو البصري الذي تماهى مع النص الشعري في‬ ‫تحولت بؤر التركيز‪ .‬لذلك‪ ،‬فاختيار اللوحة مناسبات كثيرة‪:‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪13‬‬


‫ لوحة الغالف‪ ،‬وقد وقفنا عند حدود تمثل‬‫العنصر الفني لها للتجربة الشعرية بكل‬ ‫عناصرها انطالقا من العنوان‪ ،‬وسوف‬ ‫نرى كيف تحضر مؤشراتها فيما بعد في‬ ‫ثنايا النص الشعري‪.‬‬ ‫ مصاحبة لوحات معينة منجزة من طرف‬‫الشاعر أو غيره من أصدقائه الفنانين‬ ‫التشكيليين الــذيــن تــقــارب رؤاه رؤاهــم‬ ‫وتتداخل وتنسجم وتتحاور‪ ،‬للقصائد‬ ‫المتضمنة في الديوان‪ ،‬وهذا غير حاصل‬ ‫هنا‪ ،‬غير أنه يحضر في تجارب أخرى‬ ‫مجايلة‪.‬‬ ‫ اســتــعــارة الشكل الــبــصــري التشكيلي‪،‬‬‫واالستناد عليه في التعامل مع بياض‬ ‫ال ــورق وهندسة جغرافية الــمــداد على‬ ‫جــداريــاتــه‪ .‬وه ــذا يتطلب مــن الشاعر‬ ‫اإللمام بالتجربة الفنية التشكيلية إبداعا‬

‫ونــقــدا‪ ،‬حتى يستقيم له شكل التناص‬ ‫ال ــذي يستعين بــه‪ ،‬ويقحم فــي صميم‬

‫التجربة الشعرية‪ ،‬وإال ظل عنصرًا نشازًا‬ ‫فيها‪ .‬كما أن ذلــك يحتم على المتلقي‬

‫مقاربة فهمه للنص بالطريقة القرائية‬

‫للسند البصري الذي له قواعد إنتاجه‬

‫وقراءته‪ .‬وبالتالي أصبحت قراءة النص‬ ‫الشعري قــراءة مــزدوجــة‪ :‬قــراءة تستند‬

‫إلى عناصر النص الشعري‪ ،‬وقراءة تقوم‬

‫على أساس استحضار خصائص التجربة‬ ‫الفنية التشكيلية‪ .‬لكن هذه القراءة يجب‬ ‫أن تــكــون مــتــوائــمــة‪ ،‬ومنسجمة فــي آن‬ ‫واحد‪ .‬ومثلما استلهم الشاعر المقاربتين‬ ‫فــي بناء القصيدة وتصميم معطياتها‬ ‫المادية والرمزية‪ ،‬فكذلك ال بد للقارئ‬ ‫مــن استحضار المقاربتين لكي تكون‬ ‫عملية القراءة عملية ذات مصداقية في‬ ‫تحرير الداللة‪ ،‬وبناء المعاني المستورة‬ ‫والمستضمرة شعريا‪.‬‬ ‫لقد عرف الشاعر عبداهلل السفر كيف‬ ‫يــؤثــث فــضــاء صفحته بــصــر ًيــا‪ ،‬بــنــا ًء على‬ ‫تجربته في التعامل مع اللوحة‪ ،‬وتأسيسً ا‬ ‫على خبرته في تذوق الفن التشكيلي‪ .‬وما‬ ‫استلهام عناصره في هذه التجربة الثرية‬ ‫إال نوعً ا من الوفاء لعالم اللوحة الفنية‪ .‬لقد‬ ‫أضفى الحضور التشكيلي البصري على‬ ‫معان إضافية‪ :‬إذ أتاح للمداد‬ ‫قضاء الصفحة ٍ‬ ‫المتدفق‪ ،‬وفق السيولة الشعورية المصاحبة‪،‬‬ ‫وتبعا لجغرافية التحوالت الطقسية للمحكي‬ ‫الشعري‪ ،‬أن ينتشر ويتمدد ويتقلص ويفض‬ ‫ويشح انسجاما مع اللحظة المؤسسة للبوح‬ ‫الشعري‪ .‬ويصبح لهذا العمل وظيفته النقدية‬ ‫المؤسسة خاصة حينما ينسجم مع الخطاب‬ ‫النقدي لصاحبه الذي اختار تصاميم عالمه‬ ‫عن وعي نظري بأهمية العناصر المستلهمة‪.‬‬

‫ * ناقد وروائي من المغرب‪.‬‬ ‫(‪ )١‬عبد اهلل السفر‪ ،‬جنازة الغريب‪ ،‬منشورات النادي األدبي بالدمام‪ ،‬العربية السعودية‪ ،‬الطبعة األولى‪،‬‬ ‫‪2007‬م‪.‬‬ ‫(‪ )٢‬أحمد صبرة‪ ،‬المجاز ورؤية العالم‪ ،‬عالمات في النقد‪ ،‬مج ‪ ،17‬الجزء ‪ ،67‬جدة‪ ،‬نوفمبر ‪2008‬م‪ ،‬ص ‪.48‬‬

‫‪14‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫تجليات الطبيعة الشاعرة‬ ‫في مجموعة «مالت على غصنها الياسمينة»‬ ‫■ عبداهلل بيال*‬

‫الشعري فتفتنك فيه صو ُر الطبيعةِ وأطيافُ ها وعطورُها‬ ‫ِّ‬ ‫النص‬ ‫تدلف إلى حديقة ِّ‬ ‫ُ‬ ‫خيالك وذاكرتك‪ ،‬حتى بعد أن تطويَ آخر خطواتك خارج ًا من حديقةِ‬ ‫َ‬ ‫التي ترافق‬ ‫القادران‬ ‫ِ‬ ‫وعي منك‪ ،‬الشعرُ والموسيقى وحدهما‬ ‫الشعرِ لتدخلها مر ًة أخرى دون ٍ‬ ‫على األخذ بأيدي الذائقة إلى حيث يشاءان‪ ،‬وحدهما اللذان امتلكا سطوة السحرِ‬ ‫الفكاك منه‪ ،‬إ ّال إلى سحرٍ أخر أشدَّ تأثير ًا وأعمقَ جماال‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫الذي ال يمكن‬ ‫من صور الطبيعةِ الساحرة العاطرة‬ ‫ـص مــجــمــوعــة ال ــش ــاع ــرة لطيفة‬ ‫أقــتــنـ ُ‬ ‫قــاري الموسومةِ بـ «مالت على غصنها‬ ‫الياسمينة»(‪ ،)١‬وهــي أحــدث إص ــدارات‬ ‫ـس‬ ‫ال ــش ــاع ــرة‪ ،‬بــعــد أن ســبــقــتــهــا خــمـ ُ‬ ‫شعرية‪ ،‬لم تفتقر إلــى روحِ‬ ‫ٍ‬ ‫مجموعات‬ ‫ٍ‬ ‫السحرِ ‪ ،‬وأرجِ الحياةِ‪ ،‬وامتطاءِ المغامر ِة‬ ‫الــفــنــيــةِ ‪ ،‬والــتــجــريـ ِـب اإلبــداعــي الجديرِ‬ ‫بااللتفات والقراءة‪ ،‬والمساءلة‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫وقــد أكــون كالسيكياً حين ألــج إلى‬ ‫ا بعنوانها‪ ،‬ولكنها‬ ‫المجموعة مــتــوسـ ً‬ ‫خطوة ال مف ِّر منها‪ ،‬إذ ال يمكن الخلوص‬ ‫إلى نصوص المجموعةِ دون التعريجِ على‬

‫عنوانها‪ ،‬كونه يمثل جــذر الشجرة التي‬ ‫تــقــوم نــصــوص المجموعة عليه؛ وهنا‬ ‫تمي ُل الشاعرةُ إلى افتتاحِ مجموعتها بهذا‬ ‫العنوان الدالِ والموحي‪ ،‬والقادرِ مجازياً‬ ‫ـوالت ال متناهية‬ ‫على اإلش ــارة إلــى مــدلـ ٍ‬ ‫بــحــســب الـــقـــراءات الــفــنــيــة وخلفياتها‬ ‫المتعددة «مالت على غصنها الياسمينة»‪،‬‬ ‫العنوان كما يتبدى للقارئ قوامه جمل ٌة‬ ‫فعلي ٌة صــرفــة‪ ،‬وه ــذا الــفــعــل يــأتــي في‬ ‫الزمن الماضي «مالت» وكــأنَّ الشاعرة‬ ‫تريد بهذه الصياغة أن تخبر القارئ بأنَّ‬ ‫هذه المجموعة ليست إ ّال محاول ًة إلحياء‬ ‫ذكريات شقّت طريقّها إلى الماضي دو َن‬ ‫ٍ‬ ‫أمـ ٍـل في عودتِها‪ ،‬ولتأكيدِ هذا المدلول‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪15‬‬


‫ال مناص من تأمل صور ِة الياسمينة البيضاء‪،‬‬ ‫بك ِّل ما يمكن أن يحمله البياض من إشارات ال‬ ‫حدود لها‪ ،‬هذا البياض الذي يبدو أنه قد انتُهك‬ ‫بصورةٍ ما‪ ،‬حين مالت به الياسمين ُة وبنشرها‬ ‫وعطرها وذكرياتها‪ ،‬فلم يعد العط ُر قادراً على‬ ‫البوحِ بأسراره بعد ميالنِ الياسمينة‪ ،‬وانطفاءِ‬ ‫الجهات في عينيها‪.‬‬ ‫ِ‬

‫جمالياته على كل ما يمكن للروحِ أن تلمسه‬ ‫أو تتماهى به‪ ،‬واحتفاء الشاعرة بالحياة في‬ ‫مجموعتها «مالت على غصنها الياسمينة»‬ ‫يظهر في احتشاد المجموعة بنصوصها التي‬ ‫بحشد‬ ‫ٍ‬ ‫تجاوزت الستين نصاً شعرياً قصيراً‪،‬‬ ‫مــن الــمــفــردات النابعة مــن الطبيعة‪ ،‬فنجد‬ ‫بين نصوص المجموعة احتفا ًء بالـ (العشب‪،‬‬ ‫والزهور‪ ،‬والورود‪ ،‬واألشجار‪ ..‬إلخ)‪ ،‬على سبيل‬ ‫المثال نجد هذا االحتفاء بهذه المفردات في‬ ‫ص ‪( 10‬يضحك مثل الشجر)‪ ،‬ص ‪( 13‬ور ُد‬ ‫العشب)‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫الهوى)‪ ،‬ص ‪( 14‬هل لنا أن ننام على‬ ‫ص ‪( 15‬سمائي أنتَ ‪ ،‬زه ُر اللوزِ )‪ ،‬ص ‪( 19‬قد‬ ‫تكو ُن السناب ُل مُثقلةً)‪ ،‬ص ‪( 20‬ولو كان غُصناً‬ ‫(وللعشب سيرتُه)‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫تدلّى من الحلمِ )‪ ،‬ص ‪27‬‬ ‫ص ‪( 28‬على وجــنــةِ الــنــارِ والــــوردِ )‪ ،‬ص ‪29‬‬ ‫(عشبَ الطريق)‪ ،‬ص ‪( 30‬يبدو أمسُ نا كالوردِ )‪،‬‬ ‫ص ‪( 32‬وجــه الشجر‪ ..‬وأغــصــانُــه)‪ ،‬ص ‪37‬‬ ‫(حُ مّى السفرجلِ في الشتاء)‪ ،‬ص ‪( 39‬أخض ُر‬ ‫الياسمين)‪ ،‬ص ‪( 47‬ذوائــبُ أشجارها)‪ ،‬ص‬ ‫‪( 51‬أور ٌد هــي)‪ ،‬ص ‪( 59‬وفــي شفتيَّ الكال ُم‬ ‫ســفــرجَ ــل)‪ ،‬ص ‪( 64‬حُ ــزنــي شــجــر)‪ ،‬ص ‪65‬‬ ‫(لذع ُة الياسمين)‪ ،‬ص ‪( 66‬زهرةٌ في الطاولة)‪،‬‬ ‫(حقل من‬ ‫ٍ‬ ‫ص ‪( 69‬زهرتي الغافية)‪ ،‬ص ‪73‬‬ ‫الليلك)‪.‬‬

‫تأخذنا الشاعرة إلى نصوص مجموعتها‬ ‫سريعاً متجاوز ًة عادة الشواعر والشعراء في‬ ‫هذا الحش ُد الواضح من المفردات النابعة‬ ‫تصدير مجموعاتهم بصفحة إه ــداء‪ ،‬وكــأنَّ‬ ‫واألرض تحديداً‪ ،‬تأخذنا إلى‬ ‫ِ‬ ‫الشاعرة هنا قد تخفّفت من المفاتيحِ وتنازلت من رحم الطبيعة‬ ‫ملكوت بيئة الشاعرة «الطائف»‪ ،‬تلك البيئة الخصبة‬ ‫ِ‬ ‫عن األقفالِ والقيود‪ ،‬لتُدخ َل القارئَ إلى‬ ‫الماطرة المعروفة بأزهارها ووردها (الطائفيِّ )‬ ‫بروتوكوالت رسمية‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫شعرها «حديقتها» دو َن‬ ‫بشكل خاص‪ ،‬ومدى تأثير هذه البيئة عليها‪،‬‬ ‫احتفت لطيفة قاري في مجموعتها بالحياة‬ ‫وصورها وحاالتها‪ ،‬وكان الحب حاضراً كمكو ٍّن وانعكاس ذلك األثــر على نصوصها الشعرية‬ ‫ومــح ـر ٍّك رئــيـ ٍـس لــلــوجــودِ ‪ ،‬ذلــك الــحــب الــذي بشكل عام‪ ،‬ونصوص هذه المجموعة تحديداً‪.‬‬

‫‪16‬‬

‫تأتي نصوص هــذه المجموعة الشعرية‬ ‫يتسامى عن التوصيف الكالسيكي‪ ،‬ليصبح‬ ‫أكثر ق ــدر ًة على التجديد والــتــجـدّد وإســبــاغِ على الشكل التفعيلي‪ ،‬بــإيــقـ ٍـاع ســلـ ٍـس هــادرٍ‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫وبالوقوف على نصوص المجموعة سنجد‬ ‫ِ‬ ‫الكثير من الصور الشعرية الالفتة التي جاءت‬ ‫لتعضد اإليقا َع بالتجديد الصوري‪ ،‬وهو ما‬ ‫يحتاجه النص الشعري ابتداءً‪ ،‬ولنا أن نتخيّل‬ ‫منظر شجرةٍ تضحك‪ ،‬سنسأل أنفسنا بداه ًة‬ ‫عــن ذلــك المحفّز ال ــذي أخــرجــهــا مــن طور‬ ‫الجمودِ إلى الفاعلية والحركة‪ ،‬سنفتح أبواب‬ ‫الدهشة على مصراعيها ونحن نتأمل مالمح‬ ‫تلك الضحكة‪:‬‬

‫ضحكت‬ ‫ُ‬ ‫ليضحك مثل الشجر‪..‬‬

‫أرواحنا مهما ابتعدت عنها فإنها ال تملك حقَّ‬ ‫االنفكاك من ربقتها‪ ،‬هنا تتبدىّ تلك الصورة‬ ‫ِ‬ ‫الكالسيكية حين تقول الشاعرة في نصها‬ ‫«عشب»‪:‬‬

‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫ٍ‬ ‫وهامس‬ ‫ٍ‬ ‫هــادئ‪،‬‬ ‫ساكن في كثير من نصوص المجاز فرصته ليمارس غوايته للقارئ‪ ،‬فال‬ ‫يكف عن تأمل هذه الهدايا وهي تنسكب‬ ‫المجموعة‪ ،‬والتي تأتي قصير ًة في تفاعيلها‪ ،‬يكاد ُّ‬ ‫وكأنها تذكّر القارئ بطريقةِ إلقاءِ الشاعرة نوراً على شفتيها‪:‬‬ ‫َس وتُمطرني بالهدايا النجومُ‬ ‫لنصوصها‪ ،‬ذلك اإللقاء الذي يشي بأنَّ نف َ‬ ‫ـات الجميلةِ أقــصــر ربــمــا مما يمكن تألأل في شفتي نورُها‬ ‫الــذكــريـ ِ‬ ‫أن يتوقعه الــقــارئ‪ ،‬وأقصر من أن تحتملها‬ ‫ولــلــصــورة أن تــعــود بــنــا مـــر ًة أخـــرى إلــى‬ ‫التفاعي ُل الطويل ُة الغائصة في عمقِ المعاني‪ .‬الــرومــانــســيــة الكالسيكيةِ ‪ ،‬والــتــي يــبــدو أ ّن‬

‫العشب‬ ‫ِ‬ ‫هل لنا أن ننام على‬ ‫مثل الندى‬ ‫األرض‬ ‫ُ‬ ‫لتشربنا‬ ‫حتى التالشي‬ ‫الربيع‬ ‫ِ‬ ‫وتُزهرُ مثل‬ ‫غدا‬

‫وكأ ّن الشاعرة مرهونة في إسار الربيعِ الذي‬ ‫إنها بال شك تلك الضحكة التي تن ّم عن يُسفر عن النضج والتفتّح والصبا والحياة‪ ،‬وها‬ ‫الخصب واالخــضــرار والحياة والسخاءِ بكل هو ينسابُ ويترقر ُق فيها ومنها‪:‬‬ ‫جمالياتها‪ ،‬تلك الضحكة التي ال يشبهها في‬ ‫الغض‬ ‫ُّ‬ ‫وينساب الربيعُ‬ ‫ُ‬ ‫إدهاشها إ ّال ذلك المرفأ الناعس‪ ،‬الذي تتم َّث ُل من شفتيَّ‬ ‫رو ُح الشاعرة به‪:‬‬ ‫لو قبَّلتني‬

‫وروحي لهُ‬ ‫ناعس‬ ‫ٌ‬ ‫مرف ٌأ‬

‫سأحب‬ ‫ُّ‬ ‫حتى مُ رَّ أحزاني‬

‫تأخذنا الشاعرة إلى مساءلة الذات والذات‬ ‫ـاس الــغــيــبــةِ أم الــحــضــور‪ ،‬أم‬ ‫هــل هــو نــعـ ُ‬ ‫الــتــاشــي واالنــطــفــاء واالنــمــحــاء‪ ،‬والــرحــيــل األخرى المقابلة لها‪ ،‬وتبدو غير عابئة باقتناص‬ ‫إجابات على تساؤالتها‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫إلى عيني حبيبها الناعستين؟! إنه بال شك‬ ‫ٌ‬ ‫نعاس شعريٌ يستحثُ بجماله الــقــارئ على من أنت‬ ‫األمس‬ ‫ِ‬ ‫التأمل واالنــدهــاش‪ ،‬وحين تنتظر الشاعرةُ ظلُّ‬ ‫هدايا النجومِ ‪ ،‬فإنها تمطرها بهدايا ال تستق ُّر‬ ‫الشمس‬ ‫َ‬ ‫يحجب عن صباحي‬ ‫ُ‬ ‫الشباك لوّنهُ‬ ‫ِ‬ ‫أنوارُها إ ّال على شفتيها‪ ،‬هذه الصورة تعطي أم طلٌّ على‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪17‬‬


‫نــصــوص الــمــجــمــوعــة حــافــلــة بــالــصــور‬ ‫فلم أُبصر‬ ‫والتشبيهات التي تستحق التوقف عندها ال كي‬ ‫ضجيجُ الشمس‬ ‫نفهمها‪ ،‬بل لنتأملها وحسب‪ ،‬ولنأخذ على سبيل‬ ‫هنا تخبرنا الــشــاعــرة ب ــأنَّ األم ــس حين‬ ‫يذهب فإنه يجب أن يكون ذهابُه مكتمالً‪ ،‬ذلك المثال هذه الصور من نصوص المجموعة‪:‬‬ ‫تأمّل صورته في الحجر‪ /‬الخريفُ الذي‬ ‫بقية من الذكريات‪،‬‬ ‫الذهاب الذي ال يُبقي أيَّ ٍ‬ ‫ألنّه حين يرحل ويترك ظله فإ ّن الشاعرة لن يرتعش‪ /‬الندى هائماً في ضفاف الغبش‪/‬‬ ‫طرف النهار‪ً /‬صبَّ لي عطشي‬ ‫َ‬ ‫تجد طريقها إلى صباحها الذي ينتظرها‪ ،‬بعد العبارةُ بلّلت‬ ‫أن لوّن الط ُّل شباكها وحال دونها ودون ضجيج كــي أراك‪ /‬ننسى ب ــأنَّ الــكــا َم حــريــق‪ /‬عــارٍ‬ ‫الشمس‪ ،‬ذلك الضجيج القادر على ه ِّز ور ِّج كحبةِ كستناء‪ /‬طــار الــكــا ُم بــدونِ شوشرةٍ ‪/‬‬ ‫الذاكرة كي تسقط منها ك ُّل بقايا األمس‪.‬‬ ‫تصير الــمــرايــا حــكــايــا‪ ..‬وفــي شفتي الكال ُم‬ ‫وتــأتــي الــشــاعــرة لتصوغ للعشب سيرته‪ ،‬سفرجل‪ /‬من يعيد لهذا الصباح الصباح؟!‪/‬‬ ‫وتنفخ فيه روح الحياة والحيوية‪ ،‬مسبغ ًة عليه جوع البساتين‪ /‬حُ زني شجر‪ /‬نهدةَ الريح‪ /‬جُ نَّ‬ ‫صفات الشاعر‪ ،‬ليحس الربيع‪ /‬ضمير القاع‪ /‬وغيرها الكثير‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫صفات اإلنسان‪ ،‬بل‬ ‫ِ‬ ‫ويكتب ويسأل ويناغي الشاعرة‪ ،‬حين تقول‪:‬‬

‫وللعشب سيرته‬ ‫كم رأى‬ ‫أحس‬ ‫كم َّ‬ ‫وكم غابَ‬ ‫عن وعيهِ‬ ‫رف الندى‬ ‫تحت ّ‬ ‫مدَّ ساقي على صدرهِ‬ ‫ثم قال اكتبيني‬ ‫لئال يضيع اخضراري‬ ‫ُسدى‬

‫وكــي تكتمل منظومة اإلبـ ــداع الشعري‪،‬‬ ‫لــجــأت الــشــاعــرة إل ــى اســتــحــضــار التشكيل‬ ‫البصري‪ ،‬وذلــك لتحفيز حاسة البصر لدى‬ ‫القارئ‪ ،‬كي تتفاعل مع باقي الحواس المحفزة‬ ‫للخيال الــشــعــري‪ ،‬ويظهر هــذا فــي تشكيل‬ ‫وتوزيع المقاطع‪ ،‬بشكل يتناسب مع النصوص‬ ‫وحــاالتــهــا‪ ،‬وتظهر نــمــاذج مــن هــذا التشكيل‬ ‫البصري في بعض نصوص المجموعة‪ ،‬منها‬ ‫على سبيل المثال في هذه النصوص‪ :‬ص‪11‬‬ ‫«لــم يلتفت»‪ ،‬ص‪« 47‬نـــداء»‪ ،‬ص‪« 54‬تــفــاح»‪،‬‬ ‫ص‪« 60‬كتاب»‪ ،‬ص‪« 67‬هوية»‪.‬‬

‫هناك الكثير من الصور والمالمح الفنية‬ ‫ال ــص ــورة هــنــا مــدهــشــة بــكــل تفاصيلها‪،‬‬ ‫واقتناص صــورة كهذه تحتاج إلى ذوق وحس التي تميّزت بها نصوص المجموعة‪ ،‬ويمكن‬ ‫ـري مــع الحياة للقارئ أن يقف عليها‪ ،‬ليستخلص منها ما‬ ‫ـري رفــيــع‪ ،‬وتــصــالـ ٍـح فــطـ ٍ‬ ‫شــعـ ٍ‬ ‫والطبيعة والجمال‪.‬‬ ‫يالمس حسه وذوقه وروحه‪.‬‬ ‫ * شاعر وكاتب‪.‬‬ ‫(‪« )١‬مالت على غصنها الياسمينة» للشاعرة لطيفة قاري‪ ،‬من مطبوعات النادي األدبي في منطقة الباحة‪،‬‬ ‫المملكة العربية السعودية‪ ،‬بالتعاون مع دار االنتشار العربي بلبنان ‪ /‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى عام ‪2017‬م‪.‬‬ ‫ وللشاعرة مجموعات شعرية سابقة هي‪« :‬لؤلؤة المساء الصعب»‪ ،‬و«هديل العشب والمطر»‪ ،‬و«تكاب ُد‬ ‫لبالبها األسماء»‪ ،‬و«األسماء ال تكفي لعصفورين»‪ ،‬و«ذقتها»‪.‬‬

‫‪18‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫حدائق كافكا الياباني‬ ‫■ ليلى عبداهلل*‬

‫الروائي «هاروكي موراكامي» الملقب بكافكا الياباني؛ نسبة إلى الكاتب التشيكي‬ ‫اليهودي «كافكا» صاحب الرواية الشهيرة «المسخ»‪ .‬هذه التسمية التي التصقت‬ ‫بالروائي موراكامي‪ ،‬نتيجة النزعة السوداوية التي اتسمت بها أعماله األدبية‪،‬‬ ‫والــروح األوروبية التي تطغى على أعماله الروائية؛ حتى أن صالته بالمثقفين‬ ‫اليابانيين تكاد تكون معدومة في اليابان‪ .‬الــروح الكافكاوية تجسدت أيضا في‬ ‫أبـطــال روايــاتــه الـتــي تماثلها فــي أجــوائـهــا الغرائبية مــن حيث الــوحــدة والـيــأس‬ ‫والغربة في وسط أنماط من البشر‪.‬‬ ‫ال تقل الشهرة التي نالها «هاروكي الذين يفضلون البقاء بال رفقة‪ ،‬ولكي‬ ‫موراكامي» عن شهرة مؤلف «المسخ»‪ ،‬أكون أكثر دقة‪ ،‬أنا شخص ال أجد في‬ ‫بل إن الــروائــي الياباني عــرف كأكثر الــوحــدة أي ألــم أو عناء! كنت دائمًا‬

‫ـضــل قــــراءة الــكــتــب فــي عزلة‬ ‫كتاب اليابان انتشارًا وتأثيرًا بالغرب مــا أفـ ّ‬ ‫في اليابان‪ ،‬وأبطال شخصياته كثيرًا تامة أو االستغراق في االستماع إلى‬ ‫ما تشبه طباعه‪ ،‬فهو روائــي منعزل الموسيقى‪ ،‬عن وجودي مع أي شخص‬ ‫عــن الــوســط الثقافي الــيــابــانــي كما آخــر‪ .‬فأنا دائما لــدي أشياء لفعلها‬ ‫ذكرنا آنفًا‪ ،‬ويشيد بعزلته في معظم وحيدًا»‪.‬‬ ‫حواراته القليلة «أنا واحد من البشر‪،‬‬

‫لــذا‪ ،‬أعماله الكتابية من روايــات‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪19‬‬


‫ومجموعات قصصية تمس هــذا الجانب مــن ذلــك اكتشف أنها تقيم عــاقــات مع‬ ‫تحديدًا من شخصياتها‪ ،‬منها مجموعته رجال آخرين‪ ،‬ولكنه كبت األمر في نفسه‪،‬‬ ‫القصصية «حدائق موراكامي» وهي قصص وظل وف ّيًا لها حتى وفاتها بمرض سرطان‬ ‫قصيرة سبق ونشرت في مجلة ذا نيويوركر‪ ،‬الرحم‪ .‬الرجل نفسه عزم أن يقوي صلته‬ ‫جمعها وترجمها المترجم السوداني «محمد بأحد عشاق زوجته ليعرف منه سبب خيانة‬ ‫عبدالعاطي عبدالخير» ‪2018‬م‪.‬‬

‫زوجــتــه لــه‪ ،‬وكــعــادة قصص مــوراكــامــي‪..‬‬

‫هاروكي موراكامي يشبه كتابة القصة النهاية تكون مفتتحاً لجرح عير ملتئم‪.‬‬ ‫القصيرة بزراعة حديقة‪ ،‬ولعل هذا مبعث‬

‫وفي قصته الثانية والتي تحمل عنوان‬

‫عنوان المجموعة القصصية التي أختارها «الــصــمــت» تتحدث عــن شخصية تتعلم‬

‫المترجم‪ ،‬فالقصص المجموعة وغيرها المالكمة‪ ،‬وفي الصف الثامن تحدث نقطة‬ ‫نشرت ضمن مجموعة حملت عنوان «الفيل تحوّل في حياته إذ يكون مالحقًا بلعنة‬ ‫يختفي»‪.‬‬

‫الصمت طوال فترة دراسته في المدرسة‬

‫يضم هذا الكتاب سبع قصص‪ ،‬بعناوين من قبل زمالئه وأســاتــذتــه‪ ،‬وذلــك بسبب‬ ‫ما بين قصيرة كالصمت‪ ،‬قودي سيارتي‪ ،‬زميل دراسة كان قد تعرض له‪ ،‬فلكمه على‬

‫فطائر الــعــســل‪ ،‬مسألة عائلية‪ ،‬وأخــرى وجهه‪ ،‬الزميل نفسه كتم األمر في نفسه‬ ‫جاءت طويلة كالطائر اللعبة ونساء الثالثاء‪ ،‬وغ ــذى انتقامه ج ـ ّي ـدًا حتى أصبحا في‬

‫وغارة المخبز الثانية‪ ،‬وعن لقاء فتاة مثالية مرحلة الثانوية‪ ،‬ومن خالل إشاعة تمكن‬ ‫‪ %100‬ذات صباح إبريلي جميل‪ ..‬يعرف من تأليب قلوب المحيطين له‪ ،‬ظل البطل‬ ‫أيضا الروائي موراكامي بأنه أكثر الكتاب يعاني من أزمــة الصمت حتى تخرج من‬

‫لردح‬ ‫ا طويلة لعناوين المدرسة‪ ،‬وظلت هذه العقدة تالحقه ٍ‬ ‫فــي اليابان يختار جُ ــمـ ً‬ ‫رواياته وقصصه وأغربها أيضا‪.‬‬ ‫فــي أول ــى قصص المجموعة «قــودي‬

‫من الزمن‪.‬‬ ‫في القصة الثالثة «الطائر اللعبة ونساء‬

‫سيارتي» تدور حول رجل ممثل يبحث عن الثالثاء» تدور حول رجل عاطل عن العمل‬ ‫سائقة ســيــارة‪ ،‬سرعان ما يفضفض لها يعتني بشؤون البيت منذ قــدم استقالته‬ ‫كمحام في إحدى الشركات دون‬ ‫ٍ‬ ‫همومه عن زوجته الممثلة المتوفاة وتزوجا من عمله‬

‫‪20‬‬

‫عن عالقة حب جارفة‪ ،‬ولكن على الرغم سبب واضح‪ ،‬وتقترح عليه زوجته التي تعمل‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫ً‬ ‫عوضا عن الوظيفة؛ ودون سبب واضح الوحدة‪ ،‬عادة هم رجال وحيدون‪ ،‬يميلون‬ ‫يجد نفسه مطارداً من امــرأة تتصل عليه للصمت والعزلة واحتساء الكحول وقراءة‬ ‫وتحاول التالعب بمشاعره‪ ،‬وتمضي القصة الكتب أو مزاولة أعمال غريبة‪ ،‬ويجتمعون‬ ‫في أجوائها الغرائبية حتى النهاية‪.‬‬

‫في حبهم للموسيقا وميلهم لعالم األحالم‪،‬‬

‫حس المغامرة في القصة حيواتهم مضببة ما بين الواقع والخيال‪،‬‬ ‫بينما يتبدى ّ‬

‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫مُصمم ًة براتب جيّد أن يعمل في البيت‬

‫تدور بقية قصص المجموعة حول ثيمة‬

‫الرابعة «غارة المخبز الثانية» رجل وزوجته في مرحلة من حياتهم يصابون بخيبة األمل‬ ‫حديثا الـ ــزواج‪ ،‬يستيقظان فــي منتصف وشعور مستبد بالتيّه‪.‬‬ ‫الليل على جــوع يستبد بهما بــشــدة وال‬

‫يملكون حــس الــدعــابــة والسخرية هو‬

‫يجدان ما يصلح لألكل‪ ،‬أثناء ذلك يسترجع أبسط طريق نحو مهاجمة العالم والنيل‬ ‫الرجل حادثة قديمة عن محاولة اإلغارة‬ ‫منه‪ ،‬حس المغامرة يتفاوت عند أبطاله‪،‬‬ ‫على مخبز مع صديقه أيام الدراسة‪ ،‬لكن‬ ‫وع ــادة مظهرهم الــظــاهــري ال يــدل على‬ ‫صاحب المخبز يقترح عليهما بكل لطف‬ ‫ميل نحو المغامرة‪ ،‬وأبطاله عــادة يؤذون‬ ‫أن يستمعا لمعزوفة فاغنر‪ ،‬ومقابل ذلك‬ ‫أنفسهم‪ ،‬يعملون في وظائف ال معنى لها‬ ‫يمنحهما الخبز مجانًا فيقبالن بذلك‪ ،‬غير‬ ‫أحيانا ويرون أنها تافهة‪ ..‬لكن في سبيل‬ ‫أن البطل يشعر أنه مطارد بلعنة الجوع منذ‬ ‫الحصول على الــمــال الــذي يكون وسيلة‬ ‫تلك الحادثة ويبدي ندمه لزوجته؛ ألنه قبل‬ ‫فحسب‪.‬‬ ‫بعرض الرجل ولــم يقم بعملية االقتحام‬ ‫تتراجع جرعة الغرائبية والسوريالية‬ ‫التي كان يتشوّق لها مع صديقه‪ ،‬فتقترح‬ ‫عليه زوجته أن يخوضا معًا مغامرة اقتحام واإليروتيكية والموت في قصص المجموعة‬ ‫مخبز ويجدان أنفسهما في منتصف الليل السمة األكثر بــروزًا في كتابات موراكامي‬

‫يقتحمان مطعم مــاكــدونــالــدز ويطالبان بينما تطغى الواقعية على أجوائها هنا‪،‬‬ ‫العمال تحت التهديد بثالثين شطيرة برغر وتعنى بالصالت البشرية‪ ،‬وتحفل بالصداقة‬ ‫باللحم‪ ،‬فتتالشى بعد نجاح المهمة اللعنة لكن مــن جانبها فــي التضحية‪ ،‬وصــات‬ ‫التي استبدت بالبطل‪.‬‬

‫األخوة والتقارب الروحي بينهم‪.‬‬

‫ * كاتبة عمانية مقيمة في اإلمارات‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪21‬‬


‫أسئلة السرد النسائي الجديد‬ ‫مقاربة نسقية لجماليات السردي القصصي النسوي‬ ‫«شيطانتان» لتركية العمري أنموذج ًا‬ ‫■ إبراهيم الكراوي*‬

‫ينفرد النص القصصي النسائي بمجموعة من المقومات والخصائص‪ ،‬التي‬ ‫تجعله متنًا يطرح مجموعة من األسئلة والقضايا الجوهرية‪ ،‬التي تتصل من‬ ‫جهة بالهوية والذات‪ ،‬ومن جهة أخرى باآلخر والذاكرة‪.‬‬ ‫لقد انبرت النصوص اإلبداعية القصصية النسائية «تتقصى عالقات البنى‬ ‫اإلجـتـمــاعـيــة‪ ،‬وكشفت عــن عــاقــة الهيمنة والسلطة والتسلط وتـكــويــن الهوية‬ ‫ومفهوم الذات»(‪.)١‬‬ ‫ونــحــن حــيــن نــهــم ب ــدراس ــة ظــاهــرة‬ ‫األدب النسائي‪ ،‬والتي بدأت تش ّد إليها‬ ‫األنظار في األدبيات والمناهج الحديثة‪،‬‬ ‫ننتقل من سلطة التصنيف النحوي الذي‬ ‫ينحصر في التصنيف الهرمي النحوي‬ ‫بين المذكر والمؤنث‪ ،‬والمفاهيم التي‬ ‫أفــرزهــا الــرجــل ‪/‬الفحولة ‪/‬الــمــرأة ‪/‬‬ ‫األنوثة(‪ )٢‬إلى البحث في آليات اشتغال‬ ‫وإنــتــاج خــطــاب الــمــرأة والــوقــوف على‬ ‫جمالياته وخصائصه النوعية‪ .‬ولــذا‬

‫‪22‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫يبرز مصطلح جماليات الخطاب األدبي‬ ‫النسوي أكثر إجرائية لتالفي أي إشكال‬ ‫مصطلحي «إذ أن الفصل الــحــاد بين‬ ‫المذكر والمؤنث أرسى منظومة مفاهيم‬ ‫ع ــازل ــة تــجــعــل األن ــث ــى تــفــكــر بطريقة‬ ‫تختلف عــن طريقة تفكير الــرجــل في‬ ‫كافة المستويات‪ ،‬لعل أسوأها أن األنثى‬ ‫تلعب الدور الذي اصطنعه لها الرجل‪..‬‬ ‫ال تحيد عنه‪ ،‬وتقدم له من التبرير ما‬ ‫وضعه الرجل نفسه من تبرير»(‪ .)٣‬فإنتاج‬


‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫خطاب المرأة في المحكي السردي ال يمكن إلى بنية النص التي تتمثل الواقع وتحفر في‬ ‫اختزاله إلى حرب تخوضها المرأة من أجل تفاصيله‪.‬‬ ‫االستئثار بالسلطة الرمزية‪ ،‬أو إلى مقابلة‬ ‫إن الــواقــع هــو الــمــوضــوع ال ــذي يوحد‬ ‫بين مصطلحي الذكورة‪/‬األنوثة ‪ /‬الفحولة بنية الــنــصــوص القصصية فــي مجموعة‬ ‫‪/‬األن ــوث ــة‪ .‬فـــ«الــكــتــابــات النسوية الحديثة «شيطانتان» لتركية العمري‪ ،‬ونعني به واقع‬ ‫ابتعدت عن اعتبار المرأة مجرد فئة مظلومة الــذات والــذاكــرة‪ ،‬واقــع المرأة وسيكولوجية‬ ‫وضحية لهيمنة الذكر‪ ،‬وتسعى إليجاد سبل ال ــذات‪ .‬هكذا تشتغل الكاتبة على تشريح‬ ‫تحليل السلطة بصورتها الظاهرة‪ ،‬وما تلقى مفهوم الشخصية القصصية المستمدة من‬ ‫من عالقات المقاومة في عالقات الحياة واقع اليومي‪ ،‬من خالل التبئيرالداخلي على‬ ‫(‪)٤‬‬ ‫اليومية» ‪ .‬وفضال عن ذلك‪ ،‬فما يمكن أن فئة شخصيات المرأة ‪( -‬الــذات الساردة‪،‬‬ ‫يلفت نظرنا في الكتابات النسائية الحديثة‪ ،‬الــذاكــرة ‪ -‬وهــج‪ ،‬األنثى ‪ -‬طائعة األخــت ‪-‬‬ ‫هــو جماليات الكتابة وال ــرؤى للعالم‪ ،‬وهو هيفاء األخت ‪-‬شمسة‪ ،‬علي العامر ‪-‬زهرة‬ ‫ما سنحاول الكشف عن تجلياته من خالل منى ‪-‬فاطمة والحلم‪ ،‬سندريال‪ ،‬الــدمــوع‪،‬‬ ‫أنموذج الكاتبة القاصة تركية العمري‪.‬‬ ‫المرأة في قصة القطيع)‪ .‬والتبئير الداخلي‬

‫هنا يعكس مركزية خطاب المرأة في هذا‬ ‫اإلنتاج السردي وتفرده في الحفر في أعماق‬ ‫الذات ‪-‬المرأة أو إلقاء الضوء على مسارات‬ ‫شخوص تمثل فئة المرأة ووضعها وعالقتها‬ ‫بــالــعــالــم‪ .‬ورغــــم حــضــور بــعــض الــقــواســم‬ ‫المشتركة في الخطاب األدبــي النسوي كما‬ ‫هو األمر في قطبي الــذات والذاكرة‪ ،‬سواء‬ ‫كانت الــذات األنثى التي تحضر من خالل‬ ‫مفهوم الجسد‪ ،‬أو الذات المرأة ككيان وعيّنة‬ ‫اجتماعية‪ ،‬فإنه يمكن الــقــول «إن» الــذات‬ ‫األنثوية «ذاتٌ متحركة‪ ،‬متغيرة في محاولة‬ ‫كشفها لذاتها في نصوص هؤالء الكاتبات‪،‬‬ ‫وهي أيضا ليست ذاتًا واحدة تمامًا‪ ،‬إذ تختلف‬ ‫كل منهن في محاولة كشفها ومحاورتها مع‬ ‫العالم‪.)٦(»...‬‬

‫وهكذا تتمثل الكتابة في مختلف أعمال‬ ‫العمري بوصفها مساءَلة للواقع‪ ،‬وحفراً في‬ ‫تفاصيله من خالل تجليات مفهومَيْ الكثافة‬ ‫والموجز من جهة‪ ،‬والمنفتح والمنغلق من‬ ‫جهة أخرى‪ .‬وهو جهاز مفاهيمي يشكل أحد‬ ‫آليات إنتاج سردية وشعرية القصة القصيرة‪،‬‬ ‫وبالتالي فمفاهيم الكثافة والموجز والمنفتح‬ ‫والمنغلق تحيل على نظرية تشكل النوع‬ ‫القصصي منذ ظهور مقالة «بــو» الشهيرة‬ ‫«منهجية تأليف قصة»‪ .‬لقد ركــز «بــو» في‬ ‫مقالته على المعايير التي يقوم عليها إبداع‬ ‫قصة قصيرة‪ ،‬وماهية القصة التي أشار فيه‬ ‫إلى أنها تقرأ في جلسة واحدة‪ ،‬وتتميز بوحدة‬ ‫الموضوع واالنسجام الداخلي(‪ ،)٥‬بالرغم من‬ ‫أن النص الحديث ينزع إلى االنفتاح وتشرب‬ ‫جماليات األجناس األخرى‪ .‬وهكذا سننتقل‬ ‫إن الــمــاحــظ هــنــا أن أغــلــب الــعــنــاويــن‬ ‫في تجربة تركية العمري من وحدة الموضوع الموازية في مجموعة «شيطانتان» لتركية‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪23‬‬


‫الــعــمــري تحمل أســمــاء شــخــوص وخــاصــة‬ ‫أسماء أعالم خاصة بالمرأة‪ ،‬وإذا ما صادفنا‬ ‫عناوين أخــرى مــوازيــة تمثل اســم شخصية‬ ‫لرجل‪ ،‬فهي تلعب أدوارًا مرتبطة‪ ،‬أو تحيل‬ ‫ولو بشكل ضمني إلى إنتاج خطاب المرأة‪،‬‬ ‫أي عالقة المرأة بالعالم‪ .‬وهو ما نستشفه من‬ ‫خالل فئة الشخصيات التي سنسميها متبعين‬ ‫فيليب هامون فئة الشخصيات المرجعية(‪،)٧‬‬ ‫كما هو األمر بالنسبة لصفة «وضاح الحي»‬ ‫دال‪ ،‬ويحضر‬ ‫نسق تراثيٍّ ٍ‬ ‫الــذي ينتمي إلى ٍ‬ ‫كمؤشر على حلم المرأة وصــورة الرجل من‬ ‫منظور الصوت السردي والسندريال في نص‬ ‫«دم ــوع السندريال»‪ .‬أمــا بالنسبة للعناوين‬ ‫األخرى‪ ..‬فالمؤشرات التي تدل على حضور‬ ‫خطاب المرأة‪ ،‬فتراوح بين عالمات التأنيث‬ ‫«حلم سديمها» «طائعة ربها»‪ ...‬وفضال عن‬ ‫ذلك فإن العنوان «شيطانتان» ال يحمل فقط‬ ‫مؤشرات داللية‪ ،‬بل يمثل ذلك الخيط الرابط‬ ‫بين مجموع النصوص‪ ،‬والموحد لرؤية هذه‬ ‫الكتابة القصصية‪ ،‬بوصفه حفراً في صورة‬ ‫المرأة من منظور الالوعي الجمعي وعالقتها‬ ‫بالعالم؛ وبالتالي يظل رؤيــة الــمــرأة للعالم‬ ‫وعالقتها باآلخر الرجل‪ ،‬الخيط الرابط بين‬ ‫نصوص المجموعة‪ ،‬وبخاصة إذا استحضرنا‬ ‫حضور مؤشر ضمير التأنيث الــذي يمثل‬ ‫وجود الذات المرأة في خطاب العتبة األولى‬ ‫التي تهيئ القارئ للدخول في عالم النص‪.‬‬

‫‪24‬‬

‫ويبدو جليا منذ العتبات السردية األولى‬ ‫مؤشرات االحتفاء بالشخوص ضمن إطار‬ ‫العالقة رجل ‪/‬امــرأه داخل وضع اجتماعي‪،‬‬ ‫والتركيز على بناء مقولة العالقات بما هي‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫تكشف أبعاد صورة هذه العالقة بين المرأة‬ ‫والرجل من جهة‪ ،‬والذكورة واألنوثة من جهة‬ ‫أخــرى؛ علما أن النصوص القصصية التي‬ ‫نحن بصدد مقاربتها تحاول أن تنتج من خالل‬ ‫التبئير الداخلي على الشخصيات‪ ،‬أو الذات‬ ‫السارد المرأة مقاربة الذكورة من زاوية مغايرة‬ ‫غير تلك التي أنتجها الخطاب الذكوري في‬ ‫الثقافة العربية‪ .‬فالذكورة تحضر في نصوص‬ ‫«الصباحي» و«وضاح اليمن» و«القطيع» كرمز‬ ‫يحيل على نسق من القيم الجمالية والمساواة‬ ‫واالحتفاء بالحرية‪ ..‬بعيدا عن الذكورة التي‬ ‫ترادف الهيمنة والتسلط‪.‬‬ ‫إن تــمــركــز خ ــط ــاب الـ ــمـ ــرأة ف ــي هــذه‬ ‫المجموعة‪ ،‬يتجلى من خالل التبئير الداخلي‬ ‫والكثافة‪ ،‬وهو ال يضع فقط العالقة المنطقية‬ ‫التقليدية المرأة‪ ،‬الرجل ‪-‬أو كما عهدنا في‬ ‫بعض النصوص الكالسيكية؛ عالقة األنوثة‬ ‫والرجولة موضع مساءلة وتشريح‪ ،‬بل إننا‬ ‫أمام تمثل جمالي لعالقة المرأة والمجتمع من‬ ‫جهة‪ ،‬والمرأة وفعل التلقي أي صورة المرأة‬ ‫فــي المتخيل المجتمعي مــن جهة أخــرى‪.‬‬ ‫فالشيطان ليس متخيال شعبيا جــاء ليلهم‬ ‫التخييل القصصي فقط‪ ،‬بل يمثل في الوقت‬ ‫نفسه التوتر العميق بين الــدال والمدلول‪.‬‬ ‫وهــو توتر يعكس فــي جــوهــره التوتر الــذي‬ ‫يمظهره خطاب المرأة في عالقتها بالعالم‪،‬‬ ‫في جل قصص الحركة السردية السعودية‪،‬‬ ‫وبخاصة في المجموعة التي نقاربها‪ .‬فإذا‬ ‫كان الدال يحيل على صورة الرجل المتسلط‬ ‫المستبد كما نجد فــي قصة «القطيع»(‪،)٨‬‬ ‫فــإن المدلول يرتبط برؤية الــذات ‪-‬المرأة‬


‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫للعالم‪ ،‬والتصور الــذي تشكله عــن الرجل‬ ‫الحلم‪ ..‬فــصــورة الشيطان كما يتجلى من‬ ‫خالل عنوان المجموعة مشبعة في جوهرها‬ ‫بفرضية الصراع بين الخير والشر‪ ،‬القبيح‬ ‫والجميل‪ ،‬الــذكــورة ‪/‬األنــوثــة‪ .‬وهــو الصراع‬ ‫الذي ينعكس على واقع المرأة السيكولوجي‪،‬‬ ‫وسعيها إلرساء أحالمها والتحرر من صورة‬ ‫المجتمع التي يرسمها‪ ،‬والتي يهيمن عليها‬ ‫السلبية‪ .‬ولعل بنية التوتر التي تشتغل على‬ ‫إنتاج دوال الخطاب تبرز من خالل التوتر‬ ‫بين مسار البداية المبتدأ السردي؛ لكن هذا‬ ‫المسار سرعان ما يتعرض النتهاكات على‬ ‫مستوى تطور الحكاية‪ ،‬وهو ما يجعلنا ننتقل‬ ‫«اعــتــرفــت لــه بــمــســاءاتــي الحميمية مع‬ ‫إلى المتوقع القصصي‪ ،‬إي الخبر والسرد الصباحي‪ ،‬الرجل الذي أحب‪ ،‬والذي أنحني‬ ‫القصصي‪ ،‬وعالم المدلول الذي يضعنا بدوره لبهاء كبرياء روحــه‪ ...‬هزني فواز من كتفي‪،‬‬ ‫في دائرة النوع القصة القصيرة‪.‬‬ ‫ولكن هذه المرة لم أسقط كما اعتاد فواز‪،‬‬ ‫إن نسق العالقات بين الداخلي والخارجي ولم تظهر زوايا بيت والدي السجن‪ ،‬اقتربت‬ ‫في القصة‪ ،‬يولد ويشتغل كآلية إلنتاج المعنى من المرآة‪ ،‬وضعت قطرات من عطر الورد‬ ‫المنفلت من الواقع والمرتبط أساساً بإنتاج على جيدي‪ ،‬خلعت الوشاح الذي يلف كتفي‪،‬‬ ‫جــمــالــيــات خــطــاب ال ــم ــرأة‪ .‬وه ــذا التحول ابتهجت وأنـــا أرى كتفي الــعــاريــتــيــن وقــد‬ ‫يكتسي طابعًا ً‬ ‫خاصا يميزه عن باقي األجناس تحررتا‪.)٩(»..‬‬ ‫واألنواع األخرى؛ وهو الطابع الذي يمكن أن‬ ‫ليتم الــعــودة إلــى التبئير الــداخــلــي من‬ ‫نسميه هنا بالمتوقع‪ ،‬وهو الذي يؤسس حبكة‬ ‫جديد على الصباحي‪ ،‬واكتشاف المفاجأة أو‬ ‫القصة‪ .‬إن المتوقع يتمظهر بوصفه أحد أبعاد‬ ‫الالمتوقع‪ ،‬وتهيئ القارئ للدخول في نهاية‬ ‫العالقة بين توتر الدال والمدلول‪ .‬ففي قصة‬ ‫مسار التأويل وإنتاج خطاب المرأة‪:‬‬ ‫الصباحي اعتراف المرأة السارد بالمساءات‬ ‫«تلك اللحظة سمعنا صوتًا مالئكيًا رخيمًا‬ ‫الحميمية مع الصباحي‪ .‬وفي القطيع‪ ،‬انحراف‬ ‫مسار حياة «نوضا» من رغبتها بالزواج من جنان اهلل السرمدية لسليل البهاء محمد بن‬ ‫ابن عمها إلى زواجها بعامر‪ .‬وفي «رقصة علي‪ ،‬بعد لحظات لمعت ابتسامة أمي بنت‬ ‫روحها» يكشف السارد من خــال التكثيف محمد علي الصباحي» ص ‪11‬‬ ‫والمالحظ هنا أن وقع ودرجة المفاجأة‬ ‫الرمزي لمسار النهاية‪ ،‬كما يظهر من الرمز‬ ‫«نافذة» الذي يؤشر إلى سيكولوجية المرأة‬ ‫في ظل العزلة الرمزية التي تعيشها بعيدًا عن‬ ‫العالم‪ ..‬ويمكن القول إننا أمام أنساق سردية‬ ‫تتشكل من خالل خطابي البداية والنهاية‪..‬‬ ‫ففي نص «الصباحي» نجد أن شعرية النص‬ ‫القصصي تتأسس على المتحول في القصة‪،‬‬ ‫أي باالعتراف للزوج الواقعي فواز بالعالقة‬ ‫الروحية المتعالية على كل نموذج‪ ،‬أي عالقة‬ ‫المرأة السارد بالصباحي‪ .‬فالصباحي ينفرد‬ ‫بالبطولة والــكــبــريــاء‪ ،‬وهــو واه ــب الحرية‬ ‫للقرية‪ ،‬وبالتالي نعود إلى التبئير الداخلي في‬ ‫أخر سطور القصة‪:‬‬

‫‪25‬‬


‫‪26‬‬

‫والمتوقع يختلف من نص قصصي إلى آخر‪،‬‬ ‫وحسب المؤشرات الخطابية والنحوية التي‬ ‫توجه فعل التلقي‪ ،‬وهذا يعني أن التلقي في‬ ‫النص القصصي يختلف عنه بالنسبة للرواية‪،‬‬ ‫فقارئ القصة يختلف عن قارئ الرواية‪ ،‬فهو‬ ‫قارئ يؤسس أفق االنتظار على أساس خطاب‬ ‫النهاية‪ ،‬والذي يتم تأويله على ضوء خطاب‬ ‫البداية الحامل لرهانات المعنى‪ .‬غير أن بنية‬ ‫المتحول ترتكز أساسً ا على العبور من الحلم‬ ‫إلى الواقع والتحرر الفعلي الذي وجدته الذات‬ ‫الساردة في الذاكرة‪ ،‬من خالل الصباحي الذي‬ ‫منحها قوة سيكولوجية‪ ،‬ورغبة بال حدود‪..‬‬ ‫من أجل تلمس طريق المضي في التحرر من‬ ‫مواضعات وتقاليد وسطوة وهيمنة الذكورة‪،‬‬ ‫كما يظهر من خالل نموذج شخصية الزوج‬ ‫فــواز‪ .‬إن الحلم بالنسبة للمرأة هنا‪ ،‬وكما‬ ‫يؤشر إلى ذلك خطاب النهاية ليس مجرد‬ ‫لحظة عــابــرة‪ ،‬بل هو تمرد على االستالب‬ ‫واالستبداد والرغبة في الخروج من دائرة‬ ‫زمن المعاناة واختراق الالزمن الذي تعيشه‬ ‫الذات‪-‬المرأة‪ .‬وحلم الشخصية المرجعية‪،‬‬ ‫الصباحي ما هو إلى رمز يحيل على رغبة‬ ‫المرأة في تمثل قيم الجمال والحرية والنبل‬ ‫من خالل العالمة الرجل‪ ،‬الذي يتمثل بوصفه‬ ‫هنا الروح والجمال‪ .‬بهذا المعنى يتوقع الرجل‬ ‫بما هي حمولته الرمزية والدالة على العالم‪،‬‬ ‫فهو ليس فقط الرجل المحدد ككيان وذات‪،‬‬ ‫بل هو العالم ذاتــه‪ ،‬والحلم وقيمة الحرية‬ ‫التي تسعى الــذات إلــى القبض عليها‪ ،‬إنه‬ ‫الزمن الذي يطلع بعد الحلم‪ ،‬ويحث الذات‬ ‫الــمــرأة على بــدايــة جــديــدة‪ .‬أمــا فــي قصة‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫«حلم سديمها» فنجد رمزية المرأة من خالل‬ ‫شخصية فاطمة التي ترغب في إنجاب طفل‪،‬‬ ‫حيث تظهر عالقة المرأة باألمومة والطفولة‬ ‫بشكل عــام‪ .‬فالقصة تستهل بوحدة داللية‬ ‫تعلن خبر حلم الصباح‪:‬‬ ‫«صباح إعــان حلم تستعد له منذ عشر‬ ‫سنوات‪ ،‬عندما همست لها قبل أسبوع تلك‬ ‫القادمة من بالد مزدحمة بالحياة‪ ،‬وبالرغبة‬ ‫فــي الــحــيــاة‪ ...‬حلّقت الكلمة بحلمها في‬ ‫السماء»(‪ )١٠‬إن الحلم بالنسبة للمرأة هنا هو‬ ‫بداية الحياة‪ ،‬ومسار جديد يفتح أفقًا جديدًا‬ ‫يحمل رمــزيــة التحول‪ .‬أمــا خطاب النهاية‬ ‫فيوقع ويتمم بداية فعل التحول‪ ،‬وهو معاينة‬ ‫واقعة وضــع نــوف صديقتها لمولود‪ ،‬بينما‬ ‫تعيش فاطمة على إيقاع الحلم‪ .‬ولعل الفعل‬ ‫«توقف» مؤشر على توقف فعل الحكي والحلم‬ ‫بشكل عام‪.‬‬ ‫«توقف الزمن واستوعبت ذاكرتها تفاصيل‬ ‫مالمح مساءات حلمها‪ .‬غادر الجميع وبقيت‬ ‫هي بمفردها‪.»..‬‬ ‫إننا هنا أمام مجموعة من فئات العالقات‪،‬‬ ‫تنسجها المرأة كما يظهر من خالل عالقة‬ ‫هذه الشخوص سندريال‪ ،‬المرأة والصباحي‪،‬‬ ‫الــمــرأة وال ــزوج في القطيع‪ ..‬إنها عالقات‬ ‫تسبر أغــوار المرأة في المجتمع السعودي‬ ‫بشكل‪ ،‬عام وتنفذ إلى جوهر وجــود الذات‬ ‫المرأة وما يطبعه من تناقض ومعاناة‪ .‬وهو‬‫بالفعل ما نجده في قصة «دموع السندريال»‪،‬‬ ‫حيث تترجم العالقة المرأة‪-‬السارد والرجل‬


‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫بالتوتر والقلق؛ ما يكشف بجالء صورة المرأة يحتوي اللؤلؤ‪ ،‬ولم يشم عطر الورد المسافر‬ ‫المختزلة فــي جسد فــي ذهنية والــاوعــي‬ ‫بوله في كفيها وجيدها ويداعب خصالت‬ ‫ٍ‬ ‫الجمعي‪ ،‬ووضعها القلق في المجتمع‪ ،‬ما شعرها‪ ،‬ولم يتأمل غرتها التي أشعلت يدها‪»..‬‬ ‫حدا بها إلى نسج مشروع حلم تحقيق ذاتها‬ ‫«كــان مــســاءُ البارحة نقط ًة فاصلة بعد‬ ‫ومواجهة تحديات الحياة؛ ففي بداية القصة‬ ‫ـوات‪ ،‬قــررت الــهــروب إلــى الضفة‬ ‫ثماني ســنـ ٍ‬ ‫نلفي نظرة إيجابية للرجل لهذه المرأة‪:‬‬ ‫األخرى من رجل كالطحلب» ص ‪.73‬‬ ‫«عندما بدأت تتشكل مالمح األنوثة‪ ،‬همس‬ ‫أنــت سندريال‪.‬‬ ‫لها ذات مساء مــن مسك‪ِ :‬‬ ‫إن القلق والــوضــع الــمــزري الــذي تعيشه‬ ‫خبأت كلماته في ذاكرتها ٍ‬ ‫كغيم تستمطره‪ ..‬المرأة الذات‪ -‬السارد في غياب ملجأ تلجأ‬ ‫خبأت لقبها‪ ،‬والذي أصبح من كينونتها‪ ،‬ومن‬ ‫إليه‪ ،‬ونظرة المجتمع لها‪ ،‬سيحفزها إلى‬ ‫هويتها ومن أحالمها» ص ‪ .39‬لتنقلب بعد‬ ‫نسج أحالم جديدة‪ ،‬وبداية فعل البحث عن‬ ‫ذلــك معادلة المتصل والمنفصل‪ ،‬فلم تعد‬ ‫االتــصــال بالعالم «وأكملت خطاها باتجاه‬ ‫المرأة ‪-‬ترغب في البحث عن االتصال بالعالم‬ ‫الرجل بعد زواجهما‪ ،‬واكتشاف حقيقة نظرة ضفة خاصة تغزل فيها أحالماً جديدة تنادي‬ ‫الرجل بعد تغير رؤيته للمرأة بعد الزواج‪ ،‬وهو مساءاتها الحالمة»‪ .‬إن الحلم أبــرز معالم‬ ‫ما سنكتشفه من خالل بنية المتحوّل وتقنية خــطــاب الــمــرأة فــي نــصــوص «شيطانتان»؛‬ ‫التلخيص التي تكشف حياة المرأة بما هي فهو يتجلى بمثابة البديل الرمزي والمفترض‬ ‫سلسلة أح ــداث مأساوية وقلقة متسارعة لعالم تصبو إلى نسجه الذات السارد‪ ،‬ومن ثَ َّم‬ ‫ومختزلة من منظور المجتمع في الجسد‪:‬‬ ‫فتح قوس جديد يؤسس لرؤية مغايرة لوضع‬ ‫«خلع مالبسه‪ ،‬لم ينتبه لمفرشها الذي المرأة وعالقتها بالعالم وجماليات الحياة‪.‬‬ ‫ * كاتب من المغرب‪.‬‬ ‫(‪ )١‬البازعي‪ ،‬سعد‪ ،‬وميجان الرويلي‪ .‬دليل الناقد األدبي‪ .‬المركز الثقافي العربي ط‪ .5‬البيضاء‪2007.‬م‪.‬‬ ‫ص‪. 151:‬‬ ‫(‪ )٢‬المرجع السابق نفسه‪ .‬ص‪.151 :‬‬ ‫(‪ )٣‬ميلز سارة‪ .‬الخطاب‪ .‬ترجمة‪ :‬عبدالوهاب علوب‪ .‬المركز القومي للترجمة‪ .‬القاهرة‪2016 .‬م‪.‬ص‪87 :‬‬ ‫(‪Edgar Allan Poe. Th philosophy of composition. Rise of Douai. Washington.2015. P: 11 )٤‬‬ ‫(‪ )٦‬الذات األنثوية من خالل شاعرات حداثيات في الخليج‪ .‬مشورات المدى‪ .‬بيروت‪1998 .‬م‪ .‬ص‪.14:‬‬ ‫(‪ )٧‬هامون فيليب‪ .‬سيكولوجية الشخصيات الروائية‪ .‬ترجمة سعيد بن كراد‪ .‬ت‪ :‬عبدالفتاح كيليطو‪ .‬دار‬ ‫الكالم‪ .‬الرباط‪1990 .‬م‪.‬ص‪. 24 :‬‬ ‫(‪ )٧‬العمري‪ ،‬تركية‪ .‬القطيع‪ .‬كتاب في جريدة‪ .‬عدد ‪ 141‬أيار بيروت‪2010 .‬م‪ .‬ص‪.14 :‬‬ ‫(‪ )٨‬العمري‪ ،‬تركية‪ .‬شيطانتان‪ .‬دار المفردات‪ ..‬الرياض‪2010.‬م‪ .‬ص‪.11:‬‬ ‫(‪ )٩‬المرجع السابق نفسه‪ .‬ص‪.39 :‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪27‬‬


‫الح ُّب واأل َل ُم َ‬ ‫واأل ُ‬ ‫مل‬ ‫ُ‬ ‫مال‪..‬‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫الر ِ‬ ‫ديوان من ِ‬ ‫فوق ِّ‬ ‫■ د‪ .‬محمود خلف البادي*‬

‫صــدر حديثا عن النادي األدبــي في الجوف ديــوان «مــن فــوق الــرمــال» للشاعر‬ ‫مـحـمــود ع ـبــداهلل الــرمـحــي‪ ،‬تضمن نـحــو ثــاثـيــن قـصـيــدة ومـقـطــوعــة‪ ..‬فــي (‪)88‬‬ ‫صفحة من القطع المتوسط‪.‬‬ ‫هــذا الــديــوان يفيض صاحبه بمشاعر جـ ّيــاشــة‪ ،‬وأحــاسـيــس وطنية تتحرك‬ ‫في ثنايا جوانحه؛ معبِّرة عن تجربة غُ ربته وغُ ربة الماليين القسرية من أبناء‬ ‫فلسطين‪ ،‬الذين شردهم االحتالل الصهيوني‪ ،‬وهي غُ ربة مرَّ ةٍ تجذَّ رت في شغاف‬ ‫قلبه‪ ،‬وعانقت روحه بكل صدق؛ وكأني بالشاعر يقسم بالباري رب السموات واألرض‬ ‫أن يبقى فــؤاده يرعى دومً ــا في حمى فلسطين المحتلة‪ ،‬وتظل روحــه تطوف في‬ ‫عاله؛ فإن غابت شمس وطنه باالحتالل واالغتصاب‪ ،‬فال بد أن تشرق من جديد‪،‬‬ ‫وتتفتح أكمام الزهر تنشر شذاها الفوّاح في ربوع الوطن‪.‬‬ ‫وإذا ما أمعنّا في قصائد الــديــوان‪..‬‬ ‫نجد معظمها قد جاء على بحر الكامل‪،‬‬ ‫والرمل‪ ،‬والوافر‪ ،‬والمتقارب‪ ..‬وهي بحو ٌر‬ ‫في مجملها ذات أسلوب نشيدي تَ َرنُّمي‪،‬‬ ‫وقف الشاعر موقف المخاطب البعيد عن‬ ‫ال‬ ‫التصوير واألسلوب الفخم الجليل‪ ،‬فض ً‬ ‫عن اتباع لين النغمة ودندنتها‪:‬‬

‫‪28‬‬

‫نحن أمــام ديــوان صغير الحجم تدور‬ ‫مــعــظــم قــصــائــده ح ــول األرض‪ ،‬وحُ ـ ِّبــه‬ ‫إياها‪ ،‬والتعلق بها‪ ،‬والبكاء عليها‪ ..‬صوّر‬ ‫واضح ال تعقيد فيه‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫بأسلوب مُعب ٍِّر‬ ‫ٍ‬ ‫ذلك‬ ‫سهلة عكست‬ ‫ولغة ٍ‬ ‫عذبة‪ٍ ،‬‬ ‫وبسالسة شعرية ٍ‬ ‫مشاعر الحزن واأللم في تصوير المأساة‬ ‫الفلسطينية‪ ،‬ومعاناة أهلها النفسية على‬ ‫والتين مع ًا‬ ‫ِ‬ ‫ـون‬ ‫وجــه الخصوص‪ .‬فها هــو فــي قصيدته قلبي مــع الــزيـتـ ِ‬ ‫(مَن أنا) يرى نفسه تائها مشرَّداً‪ ،‬ال يعرف‬ ‫كيف الوصول لجنةٍ باتت مُ نى؟‬ ‫طعماً للدنيا‪ ،‬ألنه مطرو ٌد من أرضه‪:‬‬ ‫وال ننسى أن فلسطين تشتهر بزراعة‬ ‫صاح قل لي مَن أكون ومَن أنا‬ ‫يا ِ‬ ‫الزيتون والتين والليمون‪ .‬وعلى المنوال‬ ‫فالقلب مني لم يعد قلبي أنا نفسه يستمر الشاعر في الحديث عن‬ ‫أن ــا مُ ــذْ تــركـتــك ضــائــعٌ ومـشــردٌ‬ ‫فلسطين وال ــق ــدس الــتــي تــصــرخ لفك‬ ‫أنا مُ ذ تركتك لم أذقْ طعم الهنا أسرها‪ ،‬والطفل الجائع الذي ال يجد إال‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫الفتات‪ ،‬وكل هذا نجده في قصيدته (القدس)‪:‬‬

‫ـدس ن ـ ــادت م ــن يـلـبـيـهــا ال ـن ــداء‬ ‫الـ ـق ـ ُ‬ ‫واألقصى مأسورٌ‪ ..‬فمن يكن الفداء‬ ‫وال ـط ـف ــلُ ج ــوع ــانٌ فـلـيــس ل ــه ســوى‬ ‫ذاك الـفـتــات‪ ..‬فكيف يأتيه الــدواء‬ ‫زاد األنـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــنُ وقـ ـ ـلـ ـ ـب ـ ــه م ـ ـتـ ــوجـ ــعٌ‬ ‫وال ـ ــداءُ يـ ْـس ـ َتـ ْـشــري وم ــا م ـنــهُ شفاء‬ ‫وكيف للشاعر أن يحيا حياة الهناء‪ ،‬وهو‬ ‫بعيد عن ثرى وطنه قسراً؟!‬

‫ف ـل ـس ـط ـي ــن ال ـح ـب ـي ـب ــة كـ ـي ــف أح ـي ــا‬ ‫ـراك وف ـيــه س ـحــري؟!‬ ‫ب ـع ـيــدً ا ع ــن ثـ ـ ِ‬ ‫وكأني بالشاعر في هذا األسلوب الرشيق‬ ‫السهل قــد تأثر بالشاعر الفلسطيني (أبــي أرض ـاً‪ ،‬وال يُحرِّر شبرًا منها‪ .‬لكنه تعبير عن‬ ‫سلمى) الذي قال‪:‬‬ ‫أمل رافقه‪ ،‬ولم يتحقق‪ ..‬فأراد أن يخلع ثوب‬ ‫ٍ‬ ‫األسى ويرتدي ثوب الفرح والذكريات الجميلة؛‬ ‫ف ـل ـس ـط ـي ــن ال ـح ـب ـي ـب ــة كـ ـي ــف أح ـي ــا‬ ‫بـ ـعـ ـي ــدا ع ـ ــن سـ ـه ــول ــك والـ ـهـ ـض ــاب إنه ثوب الغزل‪ ..‬ليروِّح عن كاهله ثقل المعاناة‬ ‫نغمة حلوةٍ مطربة‪.‬‬ ‫بأسلوب شي ٍّق سلس‪ ،‬ذي ٍ‬ ‫ت ـ ـنـ ــادي ـ ـنـ ــي الـ ـ ـسـ ـ ـف ـ ــوح م ـخ ـض ـب ــات‬ ‫لفظ وموسيقى خفيف تناسب عيون‬ ‫وف ـ ـ ـ ــي اآلفـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاق آثـ ـ ـ ـ ـ ــار ال ـ ـخ ـ ـضـ ــاب وبتجويد ٍ‬ ‫المحبوبة الساحرة‪ ..‬مصدر األنغام واألحالم‬ ‫لقد ابتعد الشاعر في قصائد ديوانه عن الوردية‪:‬‬ ‫صلصلة األجـــراس‪ ،‬واتــجــه إلــى إب ــراز آهاته‬ ‫ـرب مـ ـ ـ ـ ـ ــن ضـ ـ ـ ــرو‬ ‫ـاك ض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌ‬ ‫وحلم امت ّد عقوداً‪ ..‬عـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫غربة طالت‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫وشكواه من‬ ‫ِب ال ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ــر أع ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ــه أنـ ـ ـ ــا‬ ‫ثم عــاد يستذكر صــاح الدين‪ ،‬لع ّل في ذلك‬ ‫من يكون صالح الدين ليسترد بيت المقدس‪ ،‬ه ـ ـ ـ ــي مـ ـ ـ ـص ـ ـ ــدر األن ـ ـ ـ ـ ـغـ ـ ـ ـ ــام واألحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬ ‫ويبزغ فجر النصر من جديد‪:‬‬ ‫ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــام ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي دن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ال ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ــا‬

‫طـ ـ ــالـ ـ ــت الـ ـ ـهـ ـ ـج ـ ــرة والـ ـ ـبـ ـ ـع ـ ــد م ـت ــى‬ ‫بأحالم جميلة تخيلها‬ ‫ٍ‬ ‫ويربط غزله الجميل‬ ‫ت ـط ـل ــع الـ ـشـ ـم ــس وق ـ ـ ــد زال ال ـع ـن ــا في وطنه فلسطين‪ ،‬حيث السمر مع األصحاب‬ ‫في قمم جبالها العالية‪ ،‬وسهولها ووديانها‪،‬‬ ‫ـوب أس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــودٍ ح ـ ـ ـ ـ ـ ــاق بـ ـن ــا‬ ‫يـ ـ ـ ـ ــا ل ـ ـ ـ ـ ـثـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬ ‫يـ ـ ــا صـ ـ ـ ــاح الـ ـ ــديـ ـ ــن بـ ـ ـ ـ ــدِّ ل ث ــوب ـن ــا األمر الذي يجعل من حبه لوطنه عنواناً وهدفاً‬ ‫يفوق كل حبّ ‪:‬‬

‫ان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزع الـ ـ ـ ـ ـث ـ ـ ـ ــوب ومـ ـ ـ ـ ـ ــن جـ ـ ـ ـ ـ ــاء ب ــه‬ ‫م ـ ــن غـ ـ ـ ـ ــزاةٍ األرض فـ ـ ـ ـ ــاألرض ل ـنــا أو هـ ـ ــل ت ـ ــذك ـ ــر هـ ــات ـ ـيـ ــك الـ ـلـ ـي ــال ــي‬ ‫كـ ــم ت ـن ـق ـل ـنــا وفـ ـ ــي روس ال ـج ـب ــال‬ ‫وهكذا تمضي قصائد الديوان بأسلوب غلب‬ ‫عليه الخطابة‪ ،‬والميل إلى االستعطاف والبكاء مـ ـ ـ ــن مـ ـ ـصـ ـ ـي ـ ـ ٍـف ل ـ ـم ـ ـص ـ ـيـ ـ ٍـف وكـ ـ ـ ــذا‬ ‫والحسرة واألنــيــن‪ ..‬مع أن كل ذلــك ال يعيد‬ ‫ـول وتـ ـ ـ ـ ــال‬ ‫بـ ـ ـ ـي ـ ـ ــن وادٍ وس ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪29‬‬


‫ليال األنس تذكركم‬ ‫ذكريات تفيض بمشاعر الشوق والحنين إن غبتَ كانت ِ‬ ‫لــــأرض‪ ،‬وم ــا شــاعــرنــا فــي ه ــذا األمـ ــر إال أو زرتَ إنَّ خيا ًال كاد يرويها‬

‫(عــبــدالــبــاســط الــصــوفــي) الــشــاعــر الــســوري‬ ‫ويختم الشاعر ديوانه ببيان نيته في الرحيل‬ ‫الحمصي المولد والمنشأ‪ ،‬الذي قال‪:‬‬ ‫عن الجوف والعودة إلى األردن‪ ،‬وقلبه ممز ٌق‬ ‫بين مَن عاش معهم عقوداً‪ ،‬وبين أهله وعشيرته‬ ‫فاكهةُ الصيف على شباكنا معلقة‬ ‫التي ال ب ّد أن يكون معهم؛ فقد أزفــت ساعة‬ ‫هذي سالل وردنا مضفورة مزوقة‬ ‫قالوا سرقنا من قميص الفجر منديل غزل الرحيل‪ ،‬وفراق األحبة‪:‬‬

‫واحترقت ضيعتنا وهج عناق وقُ بل‬

‫وإذا كــان الشاعر وفــيـاً لوطنه فلسطين‪،‬‬ ‫فهو وفيٌّ أيضا لوطنه الثاني (الجوف)‪ ..‬الذي‬ ‫أمضى فيه أكثر من خمسين عاماً‪ .‬فيه نبتت‬ ‫براعم قصائده الشعرية‪ ،‬وتخرجت على يديه‬ ‫أجيا ٌل من المتعلمين صاروا مشعل عزةٍ وفخار‪:‬‬

‫األرض أرض ـ ـ ـ ــي وال ـ ـ ــدي ـ ـ ــار دي ـ ـ ــاري‬ ‫فـ ــال ـ ـجـ ــوف ن ـ ـبـ ــعٌ ب ــال ـم ـح ـب ــة ج ـ ــارِ‬

‫شَ ـ ـ ـ ـ ــدّ ال ـ ـ ــرح ـ ـ ــال وجـ ـ ـه ـ ــز الـ ــرك ـ ـبـ ــان‬ ‫وان ـ ـث ـ ــر ع ـل ـي ـه ــم بـ ــاقـ ــة ال ــريـ ـح ــان‬ ‫إن ـ ــي ع ـش ـقــت الـ ـج ــوف ع ـش ــقً ــا زان ــه‬ ‫ط ـي ــب الـ ـفـ ـع ــال وص ـح ـب ــة ال ـخ ــان‬ ‫لـ ـكـ ـنـ ـه ــا الـ ـ ــدن ـ ـ ـيـ ـ ــا وذلـ ـ ـ ـ ـ ــك ح ــالـ ـه ــا‬ ‫ه ـ ــل دام ف ـ ـ ـ ــرحٌ أو أس ـ ـ ـ ــىً بـ ـمـ ـك ـ ِـان‬ ‫إن ــه فــي ه ــذا الــقــول يــكــرر ق ــول الشاعر‬ ‫المهجري (شفيق معلوف) الــذي عــزم على‬ ‫العودة إلى وطنه بعد طول اغتراب‪:‬‬

‫ي ــا ســاك ـنــا ف ــي ال ـج ــوف ألـ ــف تـحـيــةٍ‬ ‫م ـن ــي إلـ ـ ـي ـ ــك‪ ..‬ل ـص ـح ـبــة األخـ ـي ــار أي صـ ـ ــوت أدعـ ـ ـ ــى غـ ـ ـ ــداة الـ ـتـ ـن ــادي‬ ‫فـعـلــى رب ــوع ــك ق ــد بـ ــدأت قـصــائــدي‬ ‫مـ ـ ـ ــن ن ـ ـ ـ ـ ـ ــداء األك ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ــاد لـ ــأك ـ ـبـ ــاد‬ ‫وعـ ـل ــى ربـ ــوعـ ــك ي ـن ـت ـهــي مـ ـش ــواري ن ـ ـشـ ــط الـ ـ ـ ـش ـ ـ ــوق ل ـ ـ ــإي ـ ـ ــاب ون ـ ـ ـ ــادى‬ ‫ب ــاس ــم ل ـب ـن ــان فـ ــي الـ ـضـ ـل ــوع م ـنــاد‬ ‫في الجوف جيلٌ من عطائي شاهدٌ‬ ‫ـاري‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ب ــال ـع ـل ــم وال ـت ـع ـل ـي ــم ذاك‬ ‫ف ـ ـ ــي ق ـ ـ ـلـ ـ ــوب ال ـ ـم ـ ـغـ ــرب ـ ـيـ ــن جـ ـ ـ ـ ــراحٌ‬ ‫ح ـم ـل ــوه ــا ع ـل ــى الـ ـجـ ـب ــاه ال ـج ـع ــاد‬ ‫عـ ـ ـلـ ـ ـمـ ـ ـت ـ ــه وب ـ ـ ـن ـ ـ ـي ـ ـ ـتـ ـ ــه ح ـ ـ ـتـ ـ ــى غـ ـ ــدا‬ ‫ف ــي الـ ـج ــوف م ـش ـع ــلَ عـ ـ ــزةٍ وف ـخ ــار ح ــان أن يـخـنـقــوا الـ ـش ــراع وي ـط ــووا‬ ‫ـول ال ـج ـه ــادِ‬ ‫ع ـل ـ َم ال ـف ـت ـ ِـح ب ـع ـ َد طـ ـ ـ ِ‬ ‫أمــا بــاقــي قــصــائــده‪ ،‬فــتــدور حــول الــزمــان‬

‫وحرارة الصيف الالهبة‪ ،‬والشكوى من الغدر‪،‬‬ ‫ووصف المطر‪ ،‬وبعض الثنائيات التي تبادلها‬ ‫مــع شــاعــر صــديــق هــو الــدكــتــور عبدالهادي‬ ‫الــصــالــح‪ ،‬عــكــســت وفـ ــاء (هـــــادي) وشــعــوره‬ ‫اإلنساني النبيل تجاه من خدم الجوف بعلمه‬ ‫وكلمه نحو خمسين عاما‪ ،‬فيقول‪:‬‬

‫في كبرياء المعاني أنت مدرسةٌ‬ ‫يا صاحب القلب كاألفياء نأتيها‬ ‫ * جامعة الجوف‪.‬‬

‫‪30‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫لقد جاهد الشاعر خمسين عاماً ونيفاً‬ ‫مغترباً‪ ،‬شبابٌ مضى‪ ..‬وعم ٌر أدبــر‪ ،‬وما بقي‬ ‫منه إال ذكريات جميلة مع األحبة‪ ،‬وساعات‬ ‫حلوة في ربوع الجوف‪..‬‬

‫حقاً‪ ،‬إنني أعيش كل حرف من حروف هذا‬ ‫كلمة فيه‪ ،‬ألني وجدت فيها‬ ‫الديوان‪ ،‬ومع كل ٍ‬ ‫ما يدغدغ مشاعري‪ ،‬ويعبر عما أعانيه كما هو‬ ‫يعانيه‪.‬‬


‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫جيل‬ ‫ذكريات‬ ‫الجوف‪:‬‬ ‫سنوات‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫تأليف د‪ .‬عبدالواحد الحميد‬

‫■ غازي خيران امللحم*‬

‫وراء كل أديب مبدع فكر ٌة بديعة‪ ،‬تشكِّ لُ محو َر حياته‪ ،‬تبدأ بذورها األولى من‬ ‫تكف بعد ذلك تلك البذور عن النضج في كل مرحلة من مراحل‬ ‫أيام الطفولة‪ ،‬وال َّ‬ ‫ويطيب جنيُ ثمارُها‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫الحياة‪ ،‬حتى تعطي أكلَها‪،‬‬ ‫وفي هذا الكتاب‪« :‬سنوات الجوف‪( ..‬ذكريات جيل)» للدكتور‪« /‬عبد الواحد بن‬ ‫خالد الحميد»‪ ،‬نستعرض فصو ًال متعددة من حياة الكاتب‪ ،‬كما يحرص المؤلف‬ ‫على تأكيد أن كتابه ليس سيرة ذاتية وحسب‪ ،‬وإنما توثيق لذكريات جيل عاصرها‬ ‫وعاشها بكل جوانحه‪ .‬ننبش معا في هذا المقال عن البذور التي شكلت كل األفكار‬ ‫والذكريات‪ ،‬التي حدت بالكاتب أن يضع هذا السفر بين أيدينا‪.‬‬ ‫والــكــتــاب بمجمله تــقــريــبــا‪ ،‬يمثل‬

‫إضــمــامــة ذات ألـــــوان مــتــعــددة من‬

‫الذكريات‪ ،‬وبوح وجداني‪ ،‬لحقبة زمنية‬ ‫س ــادت ثــم تـ ــوارت‪ ،‬حــدثــت مجرياتها‬ ‫األولى في ربوع الجوف‪ ،‬وتحديدا في‬

‫مدينة سكاكا‪ ،‬مذ كانت أحيا ًء بدائية‬ ‫صغيرة‪ ،‬إلــى إن نمت واتسعت وباتت‬

‫تعد من مدن الشمال السعودي المهمة‪.‬‬

‫تداعيات وذكــريــات‪ ،‬أليــام وأحــداث‬

‫عــاشــهــا الــكــاتــب بــكــل أبــعــادهــا‪ ،‬بــدأ‬ ‫مــشــوارهــا انطالقا مــن حيّه الصغير‬ ‫«الــشــعــيــب» ف ــي ســكــاكــا‪ ،‬ف ــي فــتــرة‬ ‫خمسينيات القرن الميالدي الماضي‬ ‫وما تالها‪ ،‬إذ أبصرت عيناهُ النو َر ألول‬ ‫مرة‪ ،‬وعاش طفولته ومراهقته وردحا‬ ‫مــن شبابه البكر فــي أحضانها وبين‬ ‫أهلها‪ .‬في تلك البيئة الصغيرة‪ ،‬التي‬ ‫تبدو للوهلة األولى وكأنها تعيش على‬ ‫هامش األحداث‪ ،‬بينما هي في حقيقتها‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪31‬‬


‫تع ُّج بالمشاعر اإلنسانية المتأججة‪ ،‬التي‬ ‫تعكس ما كان يجري في العالم العربي من‬ ‫أحداث وتحوالت‪.‬‬ ‫ثــم ينتقل بنا الكاتب للكالم عــن ولعه‬ ‫المبكر بالمطالعة‪ ،‬وميله المتزايد للقراءة‪،‬‬ ‫وهو لم يزل في ميعة الصبا وربيع العمر‪،‬‬ ‫فيقرأ كل ما تيسر له من صحف ومجالت‬ ‫وكتب‪ ،‬وكان من المعجبين بكتابات الرحالة‬ ‫األوربيين‪ ،‬الذين جاسوا خالل أرض الجوف‬ ‫ودوّنوا مشاهداتهم عنها‪ .‬وتحدثوا فيها عن‬ ‫طرق العيش والعادات التي كانت موجودة إذ‬ ‫ذاك في المجتمع الجوفي الصغير‪.‬‬ ‫إال أن أشد ما كان يعجبه‪ ،‬تلك األشعار‬ ‫والقصص الشعبية والنوادر المنوّعة‪ ،‬التي‬ ‫كانت تــروى شفاهاً مــن قبل بعض أهالي‬ ‫الجوف (وتعتبر والحالة هذه وبغياب القراءة‬ ‫والتدوين) بمثابة سجالت ألحــداث ووقائع‬ ‫زمنية متفرقة‪ ،‬ووصــف ألحــوال ســادت في‬ ‫فترة زمنية ما‪ ،‬واإلشــارة إليها وتناولها من‬ ‫جوانب متفرقة‪.‬‬ ‫هــذه المصادر الشفوية وعلى تنوّعها‪،‬‬ ‫شكّلت لدى المؤلف النواة األولــى لالتجاه‬ ‫الــثــقــافــي الـــذي سلكه فيما بــعــد‪ ،‬وحــدد‬ ‫مسيرته اإلبداعية واألدبية التي عبر عنها‬ ‫بوسائل إعالمية وثقافية عدة‪.‬‬ ‫الكاتب في سطور‬

‫‪32‬‬

‫ولــد الــدكــتــور‪« :‬عــبــد الــواحــد بــن خالد‬ ‫الحميد»‪ ،‬في سكاكا‪ ،‬في ‪ / 7‬ربيع الثاني‬ ‫‪1373 /‬هــــــ‪ .‬وتــعــلــم فــي مــدارســهــا‪ ،‬حتى‬ ‫حصوله على الثانوية العامة بتفوق‪ ،‬وفي‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫العام ‪1391‬هـ‪ .‬غادر بلدته إلى مدينة «جدة»‬ ‫لاللتحاق بجامعتها واستكمال دراسته فيها‪،‬‬ ‫ثم انتقل إلى الواليات المتحدة األمريكية‪،‬‬ ‫الــتــي عــاد منها إلــى الــوطــن عــام ‪1984‬م‪.‬‬ ‫حامال الدكتوراه في االقتصاد من جامعاتها‪،‬‬ ‫وليعمل في اختصاصه في الظهران‪ .‬وفي‬ ‫العام ‪1996‬م‪ .‬وبحكم وظيفته انتقل إلى‬ ‫«الرياض» ليمارس عمله الذي كلف به هناك‪.‬‬ ‫إال إن الدكتور الحميد طوال فترة غيابه‬ ‫عن بلدته ومسقط رأسه‪ ،‬ظل وفيا للجوف‬ ‫وأهلها‪ ،‬وال ينفك يتواصل معهم بشكل أو‬ ‫بآخر‪ ،‬يدفعه الشوق لربوع صارت جزءاً من‬ ‫كيانه وتفكيره‪ ،‬وال ينقطع حنينه إليها بكل‬ ‫مكوناتها‪ ،‬ولسان حاله يردد مع الشاعر‪:‬‬


‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫كم منزل في األرض يألفه الفتى‬ ‫وحـ ـ ـنـ ـ ـيـ ـ ـن ـ ــه أب ـ ـ ـ ـ ـ ــدا ألول م ـ ـنـ ــزل‬ ‫وهكذا‪ ،‬ظل الكاتب وفياً لماضيه الجميل‪،‬‬ ‫وذكرياته األثيرة عن ذلك الماضي‪ ،‬فعمد‬ ‫إلى إيداعها هذا الكتاب‪ ،‬وهو الذي عاش‬ ‫تفاصيلها مع أبناء جيله‪ ،‬خالل رحلة حياة‪،‬‬ ‫تــعـ ُّج بجماليات ص ــور‪ ..‬وحــكــايــات عمر‪..‬‬ ‫صــارت تمثّل فــي حــد ذاتــهــا تــراثــا وثقافة‬ ‫وذاكــرة‪ ،‬تحرِّض على التدوين‪ ،‬وتبعث على‬ ‫التأمل‪ ،‬ومتعة القراءة‪.‬‬ ‫وقد شغل الدكتور الحميد خالل مسيرته‬ ‫الوظيفية والعملية‪ ،‬العديد من المناصب‬ ‫الرفيعة‪ ،‬فعمل كنائب لوزير العمل‪ ،‬وأمين‬ ‫عام مجلس القوى العاملة‪ ،‬وعضو مجلس‬ ‫الــشــورى‪ ،‬وعضو هيئة الــتــدريــس بجامعة‬ ‫الملك فهد للبترول والمعادن سابقا‪ ،‬وعضو‬ ‫الهيئة االستشارية للمجلس األعلى لمجلس‬ ‫التعاون الخليجي‪ ،‬وكاتب بجريدة الجزيرة‬ ‫وغيرها من الصحف السعودية‪.‬‬ ‫كتاب‪( :‬ذكريات جيل)‬ ‫صدر هذا الكتاب عن مركز «عبدالرحمن‬ ‫السديري الثقافي» في سكاكا‪ ،‬خالل العام‬ ‫‪1439‬هـــ‪ .‬ويقع في ‪ 315‬صفحة من القطع‬ ‫الكبير‪ ،‬استهله المؤلف بــإهــداء ومقدمة‪،‬‬ ‫وعدد من العناوين الفرعية‪ ،‬جاء أولها تحت‬ ‫عنوان‪:‬‬ ‫في الشارع القديم‬

‫د‪ .‬عبدالواحد الحميد‬

‫نعود إليه‪..‬‬ ‫إلى شارع كان منزلنا ذات يوم‬ ‫يطل عليه‪،‬‬ ‫ونسأله عن سنين هوانا‪،‬‬ ‫فيأتلق الشوق في شفتيه‪،‬‬ ‫ونسأل عن سنين صبانا‬ ‫فيحترق الدمع في عينيه‪!..‬‬ ‫سنوات الجوف‬ ‫ثــم ينقلنا الكاتب إلــى ســنــوات قضاها‬ ‫بالجوف‪ ،‬وأمضى سني حياته األولــى في‬ ‫ربوعها وعلى أرضــهــا‪ ،‬فيتحدث بإسهاب‬ ‫مشوب بالحب عــن طبيعة أرضــهــا وطيبة‬ ‫أهلها‪ ،‬وطريقة حياتهم فيها‪ ،‬يتناولها الكاتب‬ ‫من مختلف جوانبها السعيدة والبسيطة‪،‬‬ ‫والبعيدة كــل البعد عــن صخب الحضارة‬ ‫وتعقيداتها المزعجة‪.‬‬ ‫في حارة الشعب‬

‫حيث يورد الكاتب من خالله مقاطع مؤثرة‪،‬‬ ‫وال يغفل الكاتب الحديث عن الحي الذي‬ ‫من قصيدة للدكتور «غازي القصيبي» رحمه‬ ‫ولد فيه‪ ،‬وهو حي‪« :‬الشعيب»‪ ،‬نسبة لمجرى‬ ‫اهلل‪ ،‬التي جاء فيها‪:‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪33‬‬


‫سيل كــان يمر عبر ذلــك الحي‪ ،‬ويقع إلى‬ ‫ٍ‬ ‫الشمال من سكاكا‪ ،‬وعالقة الحي بأسماء‬ ‫أخرى‪ ،‬كالصبخاء‪ ،‬والحنظلية‪ ،‬والزعفرانة‪،‬‬ ‫وحارة التحتي التي ينتمي إليها الكاتب‪ ،‬الذي‬ ‫يحدثنا عن أفراد وبيوت وعادات ورفاق درب‬ ‫ودراسة‪ ،‬كانوا يوما هناك‪.‬‬

‫لحضورها بصحبة ذويهم أحيانا أو بعض‬ ‫أقــاربــهــم‪ ،‬وك ــان بعضها يــقــام على مسرح‬ ‫المدرسة الشمالية االبتدائية‪ ،‬وقد حضر‬ ‫المؤلف بعض فصولها‪ .‬كما ظهرت بعض‬ ‫نشاطات أخرى‪ ،‬كممارسة كرة القدم وركوب‬ ‫الدراجات الهوائية‪ ،‬التي شدت إليها اهتمام‬ ‫الكثير من جيل ذلك الزمان‪.‬‬

‫وهــنــا‪ ،‬يــع ـرِّج بــنــا الــكــاتــب إل ــى هاتيك‬ ‫الضاحية‪ ،‬ضاحية اللقائط‪ ،‬التي تتشكل من‬ ‫عدة حارات صغيرة‪ ،‬كل واحدة منها تتكون‬ ‫من مجموعة بيوت طينية‪ ،‬شيّدت عشوائيا‬ ‫على مــســاحــات مــحــددة مــن األرض ودون‬ ‫تنظيم يذكر‪ ،‬إال إن سكانها غاية بالسماحة‬ ‫والجود والوداعة وكرم األخالق‪ ،‬وما يتميزون‬ ‫به من معاملة لطيفة‪ ،‬خاصة مع األطفال‬ ‫ومن كال الجنسين‪.‬‬

‫صخب الحياة في سوق البحر‬ ‫ُ‬

‫تلك الضاحية‬

‫‪34‬‬

‫عندما يقال السوق في ذلك الحين‪ ،‬تأكد‬ ‫إن المقصود بذلك هو سوق سكاكا الرئيسي‬ ‫القديم‪ ،‬أو سوق البحر‪ ،‬وما أدراك ما سوق‬ ‫البحر ونشاطه التجاري؟ وصخب رواده من‬ ‫المتسوقين‪ ،‬ونداءات الباعة‪ ،‬وطريقة عرض‬ ‫السلع المتنوعة‪ ،‬ومنظر الدكاكين الصغيرة‬ ‫المتراصة التي تبيع كل شيء‪ ،‬إذ تجد في‬ ‫الدكان الواحدة رغم ضيق مساحتها‪ ،‬كل ما‬ ‫ثم يطلعنا الكاتب على عادات في العالج يحتاجه المستهلك ويطلبه‪ ،‬من مواد غذائية‬ ‫والطب الشعبي‪ ،‬وطريقة ممارسته ومصادر وألبسة وعطورات وأدوات منزلية وغيره‪.‬‬ ‫الدواء‪ ،‬التي تكون عادة نباتية أو حيوانية‪ ،‬أو‬ ‫أمُّ الدنيا والحداثة المبكرة‬ ‫قد تنفذ بطريقة الكي بالنار أو الحجامة‪.‬‬ ‫إنها سكاكا وال شك‪ ،‬تلك المدينة األثيرة‬ ‫أيامُ نا الحلوة‬ ‫لدى الكاتب والقريبة من قلبه‪ ،‬التي لم تكن‬ ‫أيامنا الحلوة‪ ،‬التي يصفها الكاتب هنا‪ ،‬في ذلــك الــزمــان ســوى بلدة صغيرة‪ ،‬تغفو‬ ‫كانت حيا ًة سهل ًة ال يشوبها أيٌّ من تعقيدات‬ ‫بارتياح على ماضيها الجميل‪ ،‬التي تشهد‬ ‫ٍ‬ ‫الحياة الحديثة وبهرجتها الخادعة‪ ،‬ومع به آثارها القديمة مثل بئر سيسرا‪ ،‬وموقع‬ ‫ذلك كان الناس يجدون ما يرفهون به عن الرجاجيل‪ ،‬وقلعة زعبل وغيرها من األوابد‪،‬‬ ‫أنفسهم‪ ،‬ومــا يجلب لهم المرح والسعادة‪ ،‬الموغلة في القدم‪.‬‬ ‫الــتــي هــي شــعــور قــبــل كــل شـــيء‪ ،‬ويــحــدث‬ ‫حيث يتحرر الصبي‬ ‫ذل ــك مــن خ ــال إقــامــة حــفــات األع ــراس‬ ‫تحقق للكاتب التحرر وهــو طفل‪ ،‬ذلك‬ ‫البسيطة‪ ،‬وحفالت المسرح المدرسي التي‬ ‫ينتظرها األطفال والشباب‪ ،‬ويتطلعون بشوق التحرر تمثل عندما حصل على شهادة إتمام‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫أطالل من البيت الطيني القديم بسكاكا‬

‫المرحلة االبتدائية‪ ،‬التي منحته وهو الطفل يلج موقعه األرقى من سابقه األول في سلم‬ ‫الناشئ ثقة كبيرة بالنفس‪ ،‬ويسرت له الخروج التعليم‪.‬‬ ‫مــن عالمه الصغير فــي حــارتــه‪ ،‬ومدرسته‬ ‫الرياض أمُّ الدنيا‬ ‫ُ‬ ‫الطينية القديمة ذات األبـــواب الخشبية‬ ‫وفـــي الــمــدرســة الــمــتــوســطــة‪ ،‬اكتشف‬ ‫المتهالكة‪ ،‬وأهلّته لاللتحاق بمدرسة جديدة‬ ‫تقع في حي الشلهوب‪ ،‬شيّدت بمادة اإلسمنت المعلمون إن الطالب عبدالواحد الحميد‪،‬‬ ‫المسلّح‪ ،‬وكانت ذات طوابق متعددة‪ ،‬وساللم بحاجة إلى نظارة طبية‪ ،‬ولما لم يكن في‬ ‫خراسانية‪ ،‬ومراحيض مزودة بصنابير المياه الجوف كلها طبيب عيون‪ ،‬وال محالت لتركيب‬ ‫التي يسمح للطالب باستخدامها‪ ،‬ومتى النظارات الطبية‪ ،‬كان ال بد من التوجه إلى‬ ‫الرياض ولو طال السفر‪ ،‬عاصمة البالد التي‬ ‫دعت الحاجة إلى ذلك‪.‬‬ ‫تعد بحق أم الدنيا ومركز الدولة‪.‬‬ ‫واختصار القول‪ :‬واألجمل من كل ذلك‬ ‫وهنا‪ ،‬ينقل إلينا المؤلف وصفاً جميال‬ ‫هو شعوره بنيل حرية أكبر في هذا الصرح‬ ‫التعليمي الحديث‪ .‬وأخذ الحلم يراوده بأن لرحلته‪ ،‬منذ صعوده سلم الطائرة الحلم‪،‬‬ ‫والده سوف يشتري له دراجة نارية بدال من ومشاعره المتباينة أثناء ركوبها‪ ،‬وهي تحلِّق‬ ‫تلك الهوائية‪ ،‬التي أكل الدهر عليها وشرب بين األرض والسماء‪ ،‬وعلى شاهق ال تدركه‬ ‫ولم تعد م ِ‬ ‫ُناسب ًة له في وضعه الجديد‪ ،‬وهو األبصار‪ ،‬وال تتخيله العقول في ذلك الوقت‪،‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪35‬‬


‫ووصف للحظة نزوله منها في مطار الرياض‪ ،‬يستمتع بمطالعتها كمعلومات عامة‪ ،‬وكرديف‬ ‫والفندق الذي بات فيه ليلته‪ ،‬وذهابه صباحا الهتماماته الثقافية األخرى‪.‬‬ ‫إلى طبيب العيون ليصف له النظارة الطبية‬ ‫وفي العام‪1390‬هـ‪ ،‬يتقدم الطالب الحميد‬ ‫المناسبة وشراءها له‪ ،‬واطالعه على عادات المتحان الشهادة الثانوية‪ ،‬وينالها بأعلى‬ ‫الــنــاس التي لــم يألفها فــي بلدته النائية‪ ،‬الدرجات وعن جدارة‪ ،‬ويكون ترتيبه الثاني‬ ‫ومروره ببعض المحالت التي تبيع المجالت على طلبة القسم األدبي في المملكة‪ ،‬ليشدَّ‬ ‫والصحف المنوعة وشرائه بعضها‪.‬‬ ‫الرحال على إثرها إلى مدينة «جدة» للتسجيل‬

‫وبدا لعيني الصبي أن كل ما في الرياض‪ ،‬في جامعة الملك عبدالعزيز‪ ،‬بصحبة بعض‬ ‫رياضاً مبهجة وبديعة‪ ،‬بــدءاً من شوارعها أصدقائه المقربين‪ ،‬وتم له ذلك‪.‬‬ ‫الــفــســيــحــة‪ ،‬مـــــرورا بــالــســوق الــمــســقــوف‬ ‫الصحافة‬ ‫فــي الــبــطــحــاء‪ ،‬ومنظر الــمــحــال التجارية‬ ‫كانت الصحافة وما تزال العشق األزلي‬ ‫المتالصقة‪ ،‬وهــي تعرض بمهارة وجاذبية‬ ‫للدكتور الحميد‪ ،‬ومع ذلك ظلت بالنسبة إليه‬ ‫بضاعتها‪ ،‬وغير ذلك من المشاهد التي بدت‬ ‫مجرد هواية أثيرة لنفسه‪ ،‬وعشق استولى‬ ‫لناظر الصبي وكأنها السحر‪ ،‬وأعجب بها‪ .‬على حيز ال بأس به‪ ،‬من اهتمامه وتفكيره‪،‬‬ ‫اكتشاف الذات‬ ‫ُ‬

‫وتأتي المرحلة الثانوية‪ ،‬التي في أثنائها‬ ‫بدأت اهتمامات «الحميد» الصحفية تتضح‬ ‫وتــعــلــن عــن نفسها‪ ،‬ويــتــشـ ّكــل وعــيــه أكثر‬ ‫تجاهها‪ ،‬من خالل قراءاته لبعض األعمال‬ ‫األدبية والعلمية‪ ،‬العربية منها والعالمية‪.‬‬ ‫وفــي هــذه السن المبكرة‪ ،‬أخــذ يراسل‬ ‫جريدة الــنــدوة التي كانت تصدر في مكة‬ ‫المكرمة‪ ،‬فالقى التشجيع من قبل معلميه‬ ‫الذين لمسوا لدى طالبهم المتفوّق دراسيا‪،‬‬ ‫بــوادر موهبة كتابية‪ ،‬بــدأت تبرز من خالل‬ ‫مراسلته للعديد من الصحف المحلية‪ ،‬ونشر‬ ‫بعض كتاباته على صفحاتها‪.‬‬

‫‪36‬‬

‫وشغل بها فترات فراغه‪.‬‬

‫إال إنه ومع كل هذا التعلق بالصحافة‪،‬‬ ‫نجده لم يتفرغ لها تماما‪ ،‬بل واصل العمل في‬ ‫مجالها كصحافي متعاون وحسب‪ ،‬ومراسال‬ ‫ومــنــدوبــا مــن الــجــوف لــكــل مــن صحيفتي‬ ‫الــجــزيــرة وال ــن ــدوة‪ ،‬ثــم مــحــررا فــي مجلة‬ ‫أسبوعية (اقــرأ) ومراسال لها في أمريكا‪،‬‬ ‫ثم نائبا لرئيس صحيفة (اليوم اليومية)‪ ،‬ثم‬ ‫رئيسا لتحرير مجلة (االقتصاد) الشهرية‪،‬‬ ‫ورئيسا لتحرير المجلة الشهرية (االقتصاد‬ ‫السعودي) الصادرة باللغة اإلنجليزية‪ ،‬ثم‬ ‫كتابة المقال الشهري واألسبوعي‪ ،‬والعمود‬ ‫الصحفي اليومي في أكثر من مجلة وجريدة‪.‬‬

‫ويذكر المؤلف إن حبه للقراءة واهتمامه‬ ‫وفــــي هــــذا الـ ــوقـ ــت‪ ،‬ب ــات ــت تــســتــهــويــه المبكر بالصحافة‪ ،‬اكتسبه من والده‪ ،‬وإليه‬ ‫الموضوعات االقتصادية المنوّعة‪ ،‬وكان يعود الفضل في ذلك؛ إذ كان الوالد نفسه‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫سحر القراءة‬ ‫ليست القراءة مجرد هواية وحب اطالع‬ ‫وحــســب‪ ،‬بــل هــي ض ــرورة وأحــيــانــا تحديد‬ ‫مستقبل‪ ،‬وتيسير أمور الحياة عبر مجاالتها‬ ‫المتعددة‪ ،‬وكان كاتبنا يجد في الكتب التي‬ ‫تضمها مكتبته المنزلية الصغيرة‪ ،‬ما يسره‬ ‫ويجلب له السعادة‪ ،‬على الرغم من محدودية‬ ‫العدد والنوع‪.‬‬

‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫يراسل بعض الصحف المحلية ويكتب عن‬ ‫الجوف‪ ،‬إضافة للتشجيع الذي كان يتلقاه من‬ ‫شباب جيله وزمالئه في الدراسة والعمل‪.‬‬

‫الصاخبة من حولهم‪ ،‬سواء ما كان يجري في‬ ‫العالم العربي أو غيره‪ ،‬مما يحدث في أنحاء‬ ‫الدنيا الواسعة‪ ،‬بل كانوا شديدي التواصل‬ ‫مع انتمائهم العربي‪ ،‬والتأثر بأحداثه الكبرى‬ ‫التي كانت تعصف بالمنطقة في تلك األيام‬ ‫الخوالي‪ ،‬وكانت السياسة محط اهتمامهم‬ ‫األول بــا مــزاحــم‪ ،‬على الــرغــم مــن هموم‬ ‫الحياة اليومية والجري المتواصل لتحصيل‬ ‫لقمة العيش‪ ،‬مثلما هي الحال في كل مكان‬ ‫من العالم‪.‬‬

‫وعموما كان جيل الشباب في ذلك الوقت‪،‬‬ ‫لهم اهتماماتهم الذاتية‪ ،‬بل تنتابهم أحالم‬ ‫وممن تأ َّث َر بهم الكاتب عمه األستاذ «ثاني وردية بوالدة عالم عربي جديد‪ ،‬يحقق لهم‬ ‫الحميد»‪ ،‬الذي كان قارئا متميزا ومؤلفا في بعض طموحهم فــي الحاضر والمستقبل‬ ‫مجالي التربية واألدب‪.‬‬ ‫وعلى كافة صعد الحياة‪.‬‬

‫وهكذا‪ ،‬تستمر رحلة القراءة مع المؤلف‬ ‫وال تغادر تفكيره‪ ،‬ال سيما عقب مغادرته‬ ‫الجوف إلى جــدة‪ ،‬واطالعه على مكتباتها‬ ‫التجارية‪ ،‬العامرة بصنوف شتى من المؤلفات‬ ‫المنوعة المذاهب والمشارب‪ ،‬فأقبل على‬ ‫مطالعة الكثير من محتوياتها‪ ،‬فازداد نَ َه ُم ُه‬ ‫أكثر للقراءة‪ ،‬إلى جانب دراسته الجامعية‬ ‫األميرُ‬ ‫التي خصها بجزء وافر من اهتمامه ووقته‪،‬‬ ‫منذ أن تفتحت عينا الكاتب على الدنيا‪،‬‬ ‫إضافة لمراسلته لبعض الصحف والدوريات‬ ‫وهو يسمع حديث الناس عن األمير‪ ،‬وهم‬ ‫المحلية والعربية‪.‬‬ ‫يقصدون بذلك األمــيــر‪« :‬عبدالرحمن بن‬ ‫هذا ما كان يشغلنا‬ ‫أحمد بن محمد السديري» يرحمه اهلل‪ ،‬الذي‬ ‫لم تكن الجوف في فترة الخمسينيات أمضى ثمانية وأربعين عاماً أميرا لمنطقة‬ ‫والستينيات من القرن الميالدي الماضي‪ ،‬الجوف‪ ،‬التي ظلت في قلبه ووجدانه أينما‬ ‫مجرد بقعة نائية في قلب صحراء الشمال‪ ،‬اتجه وحلَّ ‪ ،‬فكان شديد التعلق بهذه المنطقة‪،‬‬ ‫ولــم يكن أهلها مقطوعي الصلة بالحياة محباً لسكانها والتغنّي بخصالهم‪ ،‬وكرمهم‬ ‫لكن توالي الهزائم وتعدد النكبات العربية‬ ‫في أكثر من ساحة ومجال‪ ،‬ميعت األحالم‬ ‫وحطمت األحالم التي أخذت تذوي بالتدريج‪،‬‬ ‫ثم انغمس ذلك الجيل في مشاغلهم اليومية‬ ‫التي متطلباتها أكثر إلحاحا من قبل‪ ،‬بعد أن‬ ‫تبدلت المواقف والمواقع‪ ،‬وتغيرت األوليات‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪37‬‬


‫وطيب معشرهم‪ ،‬وكــان يفصح عما يختلج مؤسسة كبرى هــي مؤسسة عبدالرحمن‬ ‫في صدره نحوهم‪ ،‬وفي مختلف المناسبات‪ ،‬السديري الخيرية‪.‬‬ ‫فينشد في إحدى قصائده النبطية‪:‬‬ ‫ومن منجزات األمير األخــرى‪ ،‬اهتمامه‬ ‫مَ ــن يــزور الجوف ويلقى ما يريده‬ ‫بتوطين سكان البادية‪ ،‬وتعليم المرأة‪.‬‬

‫ويـ ــن م ــا ي ـل ـفــي م ـض ــاف ــات وك ــرام ــة‬

‫وفي عام ‪١٩٦٦‬م‪ ،‬تم تعيين األمير‪ :‬فيصل‬ ‫ع ــادة مــا هــي عـلــى الــديــرة جــديــدة‬ ‫ال إلمــارة‬ ‫ابــن عبدالرحمن السديري‪ ،‬وكي ً‬ ‫مــن ركـيــن أم ـجــادهــا ورث وشهامة منطقة الجوف وكان لألمير فيصل جهوده‬ ‫ثم يعبر عن شوقه لتلك الربوع الطيبة الحميدة‪ ،‬على صعيد التنسيق بين اإلدارات‬ ‫الحكومية وتحفيزها‪ ،‬واالنهماك في العمل‬ ‫وأهلها الكرام‪ ،‬بقوله وهو في الرياض‪:‬‬ ‫الميداني من خالل المتابعة اليومية ألداء‬ ‫مـ ـ ــا تـ ــوصـ ــل ال ـ ـ ـقـ ـ ــول يـ ـ ــا (ق ـ ـ ـ ــادي)‬ ‫اإلدارات الحكومية وتفعيلها‪.‬‬

‫ل ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ــدار وال ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ــي سـ ـ ـ ـك ـ ـ ــن فـ ـيـ ـه ــا‬

‫‪38‬‬

‫وفــي تلك األثــنــاء‪ ،‬وضــع األمــيــر‪ :‬فيصل‬ ‫جـ ـمـ ـل ــة هـ ـ ــل ال ـ ـ ـجـ ـ ــوف والـ ـ ـ ـ ـ ــوادي‬ ‫لـ ـ ـلـ ـ ـحـ ـ ـض ـ ــر والـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ــدو ت ـ ـهـ ــدي ـ ـهـ ــا الــســديــري‪ ،‬كــتــابــه عــن المملكة العربية‬ ‫السعودية وتطورها االقتصادي‪ ،‬وكان يمتاز‬ ‫ودار ورا الـ ـ ـ ـع ـ ـ ــرق م ـ ـ ــن غ ـ ـ ــادي‬ ‫بأسلوب المعالجة وبجودة الطرح وحسن‬ ‫ل ـ ـ ــوغـ ـ ـ ـب ـ ـ ــت مـ ـ ـ ـ ــا نـ ـ ـ ـي ـ ـ ــب نـ ــاس ـ ـي ـ ـهـ ــا‬ ‫اللغة‪.‬‬ ‫وكان األمير‪ :‬عبدالرحمن السديري‪ ،‬طيب‬ ‫بقية المشوار‬ ‫اهلل ثراه‪ ،‬ال يتورع عن خدمة الناس واالستماع‬ ‫يقول الحميد‪ ،‬في الصفحات األخيرة من‬ ‫إليهم في أي شأن من شؤونهم‪ ،‬واستقبالهم‬ ‫هذا السفر الوثائقي‪ ،‬الذي يغلب عليه طابع‬ ‫في أي مكان دون حجاب أو حجاب‪.‬‬ ‫ومــن أفكاره التنويرية والحضارية التي الذكريات‪ ،‬لقد استقيت مادة هذا الكتاب‪،‬‬ ‫قام بها األمير‪ ،‬إنشاء مكتبة في الجوف عام مما احتفظت به منذ زمن بعيد‪ ،‬من األوراق‬ ‫‪١٩٦٤‬م‪ .‬وتزويدها بمختلف المراجع الثقافية المتراكمة وقصاصات الصحف والمجالت‪،‬‬ ‫من كتب علمية وأدبــيــة‪ ،‬وصحف ومجالت وألبومات الصور‪ ،‬والمراسالت القديمة‪ ،‬وما‬ ‫يومية وأسبوعية وشهرية وحولية‪ .‬فبدت كتبته في دفاتر يومياتي‪ ،‬وما اختزنته في‬ ‫بحق بمثابة شعاع فــكــري‪ ،‬وملتقى ثقافي ذاكرتي‪ ،‬بعد أن استبعدت الكثير مما كان‬ ‫سيزيد من صفحات الكتاب‪ ،‬ويصرف القارئ‬ ‫لشباب المنطقة وروادها من المهتمين‪.‬‬ ‫العجول‪ ،‬المثقل بمشاغله عن قراءة الكتاب‪.‬‬ ‫ومــع م ــرور الــوقــت واتــســاع رقــعــة العلم‬ ‫ثــم يــرصــد الــكــاتــب بــإيــجــاز شــديــد بقية‬ ‫وتقدم المعرفة‪ ،‬تطورت المكتبة لتصبح‪:‬‬ ‫«دار الجوف للعلوم»‪ ،‬بعد أن تحولت إلى مشواره‪ ،‬وذلك توثيقاً لتجربة هي في الحقيقة‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫وماذا بعد؟‬ ‫يعد كتاب‪ :‬سنوات الجوف (ذكريات جيل)‬ ‫لألديب الدكتور‪« :‬الحميد» ‪-‬حسب رؤيتي‪-‬‬ ‫موسوعة مصغرة بحد ذاتها‪ ،‬تتحدث عن‬ ‫ـواح عــدة‪ ،‬تناول فيها‬ ‫الجوف وأهله‪ ،‬من نـ ٍ‬ ‫الكاتب وعبر ذكرياته الشخصية‪ ،‬وصفا‬ ‫موفَّقا لعادات وأخبار‪ ،‬وأحاديث‪ ،‬وأشعار‪،‬‬ ‫وطُ رَف‪ ،‬وحكايات‪.‬‬ ‫ثــم أخــذنــا الكاتب بجولة على أجنحة‬ ‫تلك الذكريات‪ ،‬إلى حارات ومنازل وأسواق‬ ‫سكاكا القديمة‪ ،‬التي كانت يوما هنا‪ ،‬وتعرفنا‬ ‫من خاللها أيضا‪ ،‬على أعالم وصور أناس‪،‬‬ ‫مــن مختلف األعــمــار والــفــئــات والثقافات‬ ‫واالتجاهات‪ ،‬وحتى الجنسيات‪.‬‬

‫حي الضلع وتبدو قلعة «زعبل» شامخة‬

‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫ثمرة سنوات الجوف وحصادها‪ ،‬ثم يستعرض‬ ‫الكاتب المهام والوظائف التي اضطلع بها‬ ‫على امتداد حياته العلمية والعملية‪.‬‬

‫السوق القديم في سكاكا‬

‫وقــــد قــــــدَّ َم ال ــك ــات ــبُ تــلــك الــشــواهــد‬ ‫فريق نادي النجمة الرياضي في سكاكا خالل‬ ‫والطروحات‪ ،‬التي أشرت إليها في معرض‬ ‫السبعينيات من القرن الميالدي الماضي‬ ‫تناولي لبعض مقتطفات من هذا الكتاب‪،‬‬ ‫بــأســلــوب أدبـــي ســلــس‪ ،‬يغلب عليه طابع‬ ‫وبعد‪ ،‬هذه ومضات مختصرة عن فحوى‬ ‫البساطة الشفافة‪ ،‬والبعد عن الرمز والتقعر الكتاب‪ ،‬حاولت جهدي لملمتها واإلشــارة‬ ‫في طرح الكالم‪.‬‬ ‫إليها ولو باقتضاب‪( ،‬وال يــزال في الكتاب‬ ‫كــمــا زودت صــفــحــات الــكــتــاب أيــضــا‪ ،‬الشيء الكثير مما يستحق االطــاع عليه)‪،‬‬ ‫بــشــروحــات ورســـــوم أش ــخ ــاص‪ ،‬وفــصــول وعرضها لقراء مجلة «الجوبة» الغراء‪ ،‬لتكون‬ ‫دراس ــي ــة‪ ،‬ومــنــازل وأش ــج ــار‪ ،‬وقــصــاصــات بمثابة لقطات مكثفة وصــور معبرة‪ ،‬عن‬ ‫صحف‪ ،‬وأغلفة كتب ومجالت‪ ،‬وغيرها كثير‪ .‬فحوى هذا الكتاب وموضوعاته المتعددة‪.‬‬

‫* باحث سوري مقيم في منطقة الجوف‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪39‬‬


‫هاشم الجحدلي‪ ..‬شاعر الغيوم وغيمة الشعر‬ ‫ما الذي يجعل الغيم يبكي؟؟‬ ‫هاشم الجحدلي يتعلق بالغيوم الباكية حزنًا‪ ،‬ليعود مترصعً ا بدموع الغيمة‬ ‫الحبلى بالوجع‪ ،‬حام ًال على ظهرها كلمة النصر واالنتصار لطفولته‪ ..‬منذ أن‬ ‫أقنع نفسه أنه األول دائما في كل الخيبات والخسارات‪.‬‬ ‫أنــت أمــام هاشم الممتلئ بقصائد‬ ‫الــلــوعــة‪ ،‬شــاعــر الــمــواقــف المتباعدة‬ ‫األسماء‪ ،‬المتقاربة الحكايا والوجع‪.‬‬ ‫فمن مــوقــف الــخــروج‪ ،‬إلــى موقف‬ ‫الوعد الحق‪ ،‬ثم موقف الليل الذي يزيح‬ ‫غياهبه بيديه‪ ..‬ليشق الظلمة باحثا عن‬ ‫النور بين يدي الصوفية المتمردة في‬ ‫الحياة‪ .‬فأنت أمام قناع صوفي متمرد‬ ‫قلّما تجد من يتفرد به‪.‬‬ ‫فالجحدلي يــدرك أمكنته ويتعرّف‬ ‫على رائحتها وطبائعها الجمالية‪ ،‬بل‬ ‫يصل األمــر إلــى طبيعة أعمق‪ ،‬تتمثل‬ ‫في عالقة هذا الشاعر بتلك األمكنة‬

‫‪40‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫الــتــي رافــقــت طفولته وذكــريــاتــه‪ ،‬بل‬ ‫شكّلت خزاناً بصرياً فيما بعد‪ ..‬لتُلحّ‬ ‫عليه ويخرجها من كونها ذكريات‪ ،‬إلى‬ ‫مناخات جديدة عبر إعــادة تسجيليها‬ ‫بوسائط مختلفة‪ .‬فالمدرَك بالنسبة‬ ‫لهاشم هو مــدركٌ أقــرب إلــى استعادة‬ ‫تلك الطفولة وخياالتها الساكنة في‬ ‫دواخله‪.‬‬ ‫فشعره هو المكان األكثر حميمية في‬ ‫ِ‬ ‫ضرع‬ ‫ٍ‬ ‫طبيعة التعامل معه‪ ،‬أقــرب إلى‬ ‫يقيه مــن عطش المشهد‪ ،‬ومغذيّات‬ ‫ثقافية وماضوية تصبح حــاضــرة في‬ ‫شعره‪.‬‬


‫ضوء‬ ‫ٍ‬ ‫هاشم الجحدلي‪ -‬شاعرٌ بأصابعَ من‬

‫■ د‪ .‬هناء علي البواب‬

‫إنّ الشعر أصابع ضوء‪ ،‬ينزل الشعر في المساء كفالح سعيد يبحث عن روحه‬ ‫المتعبة صباحا ليريحها ليال‪ .‬هاشم الجحدلي كلماته من الالزورد‪ ،‬شعره يخبرك‬ ‫أن للشمس ضفيرتين طويلتين‪ ،‬الشعر أبيض كاللؤلؤ‪ ،‬ليتك تقرأ (دم البينات)‬ ‫وهو يتدثّر في فرش من حرير‪ ،‬ليتك تمعن في أنهار سطوره الرقيقة لتدرك أنها‬ ‫ناعمة كقلوب العاشقين‪.‬‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور خ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاص‬

‫يجعل الغيمَ يبكي؟!‬ ‫ُ‬ ‫ما الذي‬

‫قبل الدخول إلى ديوان (دم البينات)‪ ،‬نقول إن الشاعر استخدم تقنية الالنص‬ ‫في السردية الشعرية بالتضافر مع مقدرته التخييلية ليفجر اللغة بشاعرية‬ ‫مرهفة وعاطفة شجيّة‪ ،‬تتهيج بإيحاءات تيار الوعي لبنية النص الشعري‪.‬‬ ‫إضــافــة إلــى اللقطة الفوتوغرافية باعدت بين طفولته وبينه تلك المرارة‬ ‫الــمــعــبّــرة والــتــمــاهــي بــيــن ال ــراه ــن التي تتذوقها وأنت تلوك كلمات الديوان‬ ‫والمستقبل‪ ،‬ذلــك كــل العناوين التي تحت ذائقة لسانك العفوي‪ ،‬حين يقول‪:‬‬ ‫أدرجها في ديوانه‪ ،‬فهو المتلك للوحدة‬ ‫ـصـ ِـل َكــي‬ ‫بِ ـرَهْ ـ َبــةِ ِطــفْ ـ ٍـل َيـ ِـفــرُّ ِم ــنَ ال ـ َفـ ْ‬ ‫وحيدا في زوايا النسيان‪ ،‬وهو صاحب‬ ‫ي َْستَعِ ْي َر‬ ‫المواقف المتقاربة المتباعدة‪ ،‬وهو ملك‬ ‫تان جَ ارَتِ هِ‬ ‫ْرات ب ُْس ِ‬ ‫عَ َصافِ ْي َر ُه ِمنْ ُشجَ ي ِ‬ ‫الــمــاء والبحر‪ ،‬وهــو الشاعر األعظم‬ ‫وف يَأتِ ي لَهُ م نَازِ فً ا ِحكمَ َة القَومِ‬ ‫سَ َ‬ ‫األبهى بشعره‪ .‬وهــو الشاعر العاشق‬ ‫السالالت وَاقْ تَسَ مُ وا‬ ‫َاحوا ُّ‬ ‫اس َتب ُ‬ ‫الباحث عن محبوبته طــوال نصوصه؛ حينَ ْ‬ ‫وف وأ َْسرارِ هَ ا‪..‬‬ ‫مراوحا بين الصوفية والعبثية النصية‪ ،‬زَعْ َفرَانَ الكُ هُ ِ‬ ‫َاشي َد ُه‬ ‫صاعدا وهابطا وباحثا عنها؛ وهو ما ‪ ..‬ثُ مَّ َي ْتلُو أَن ِ‬ ‫بأسمَ ائِ هِ‬ ‫يدل على رؤية ورواية شعرية تراجيدية ثُ مَّ ال تَهْ ِذيَ الرُّ وْحُ إِ َّال ْ‬ ‫َمناخ ف َِم ْه‬ ‫ثُ مَّ َيرْفُ لُ فِ ي ِع ْبءِ زلَّتِ هِ و ِ‬ ‫بدأت باللقاء وانتهت باإلنجاز‪.‬‬ ‫فــالــشــاعــر صــاحــب رســالــة كونية‬ ‫فــي عينيه‪ ،‬وه ــذا يظهر لنا منذ أن‬ ‫تقع عيناك على أول نصوص ديوانه‪:‬‬ ‫(قصيدة الــجــفــوة) تلك الجفوة التي‬

‫إنها معادلة بين الداخل والخارج‪ ،‬بين‬ ‫الطفولة القاسية ووجعها‪ ،‬وبين التأمل‬ ‫المتوارث على حب الذات‪ ،‬وهذا يؤدي‬ ‫إلى المعامل الشعرية للشاعر‪ ..‬وهذا ال‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪41‬‬


‫بد كله من إلهام‪ ،‬ولكن اإللهام وحده ال يكفي‪،‬‬ ‫ال بد من توصيل اإلحساس الداخلي بلغة‬ ‫ُوص ُل‬ ‫دقيقة تصل الخارج بالداخل‪ ،‬وبما ي ِ‬ ‫قدر اإلمكان الحالة الشعورية العميقة لدى‬ ‫الشاعر للعامة‪.‬‬ ‫وعليك التنقّل بين زهــرات هذا الديوان‬ ‫لتقف عند قصيدة‪:‬‬ ‫والصمْ ِت‪ ..‬واأل َْسئِ لَة‬ ‫َّ‬ ‫الجوْ عِ‬ ‫الت معَ ُ‬ ‫اخ ٌ‬ ‫تَ َد ُ‬

‫يُ سَ افرُ نَهرُ الحَ نِ ي ِْن إِ لَى غَ ابةِ المَ اءِ‬ ‫ـات ال ـمــسَ ــاءِ وُ ُج ـ ــوهٌ أَشَ ــدّ‬ ‫تـنــمُ ــو عـ َلــى عَ ـ َت ـبـ ِ‬ ‫دَمَ امَ ْة‬ ‫َاجرُ مَ بلُولةً مثل َلي ِْل‬ ‫ـك الحن ِ‬ ‫وتــأتِ ــي إِ َلـيـ َ‬ ‫اليتَامَ ى‬ ‫ـات‬ ‫ـك واألُمْ ـن ـ َيـ ِ‬ ‫ـاصـ ِـل َل ـ ْيــلِ ـ َ‬ ‫َو َت ـ ْن ـبـ ُـت بـيــنَ مَ ـ َفـ ِ‬ ‫َاح ِل واألَقبِ َي ْة‬ ‫السو ِ‬ ‫بعض َّ‬ ‫ُ‬ ‫الطرِ ْيدَةِ‬ ‫َّ‬ ‫ْك‪،‬‬ ‫َاض البَهِ ُّي عَ َلي َ‬ ‫َرف ال َبي ُ‬ ‫ي ُّ‬ ‫إليك ُحفا ًة عُ رَا ًة‬ ‫َ‬ ‫ونأتِ ي‬ ‫ُك عَ ذْ ٌب‬ ‫وح ْزن َ‬ ‫ُ‬ ‫وصمْ تُ َك يأتِ ي لنَا الذع ًا ِمثْلَ غَ دْ رِ األَهْ ِل‬ ‫َ‬ ‫ُك أَهْ لِ ي‬ ‫وأَهْ ل َ‬ ‫ضيع لدينَا‬ ‫وماؤُ َك ُحل ِْم الرَّ ِ‬ ‫وي َْشهَدُ شَ ِاهدُ ِمنْ أَهْ لِ هِ م‪:‬‬ ‫السما َء التِ ي ال ت ُِجيْدُ البُكا َء ت َُجوْعُ‬ ‫(بأنَّ َّ‬ ‫ويُ ْولَدُ فِ ي سَ ِاع ِد ْيهَا الرَّ ِحيل)‬

‫‪42‬‬

‫فقد انطوت البنية االستراتيجية للنص‬ ‫على الحيرة والقلق وعــبــارات التساؤالت‬ ‫اللطيفة الخفية التي ال تحمل لفظ السؤال‪..‬‬ ‫لكنها تمتلئ بــداخــلــه‪ ،‬وهــي الــصــادرة عن‬ ‫ع ــواط ــف إنــســانــيــة م ــؤث ــرة؛ فــالــتــســاؤالت‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫الضمنية تشكل تتابعات مركزية وحراكاً‬ ‫انفعالياً وإمــدادات داللية في جسد النص‬ ‫الشعري‪ ،‬وهــو ما أدى إلــى خلق حالة من‬ ‫التوهج اإلبداعي‪ ،‬امتزج فيه الذاتي بالكوني‬ ‫واإلنساني بشكل الفــت‪ ،‬وأفضت إلــى نوع‬ ‫من جمالية التلقي‪ ..‬أي هناك ما يمكن أن‬ ‫نسميه توتراً مؤثراً بين األطــراف الثالثة‪:‬‬ ‫المبدع والمتلقي والنص‪ .‬كما أقدم الشاعر‬ ‫في القصيدة على استخدام تقنية تراسل‬ ‫الحواس من السمعية إلى البصرية‪ ،‬مترافقاً‬ ‫مع لوحة شاعرية تجسد الحالة المتقلبة‬ ‫لسيكولوجية الذات ما بين السكون والهدوء‬ ‫النفسي‪.‬‬ ‫ال تتهيب أيها الــقــاريء وتعال معي إلى‬ ‫دهاليز نص بعنوان‪:‬‬ ‫ِس ْدرَ ةٌ مَ ا‪..‬‬

‫ِسدْ رَةٌ‬ ‫لَم تكُ نْ ِسد َر َة المُ ن َتهَى‪..‬‬ ‫إِ نَّها ِسد َر ُة الدارِ ‪،‬‬ ‫والشغَبَ‬ ‫َّ‬ ‫تلك الــتِ ــي قاسَ مَ تْنِ ي الطفول َة‬ ‫َ‬ ‫َض‬ ‫الغ َّ‬ ‫ثُ مَّ ا ْنتَمَ ي ُْت إِ لَى ن َْس ِغهَا فِ ي ِصبَاي‬ ‫بهذه السطور المليئة فلسفة وحكمة‪،‬‬ ‫وبهذا التأثر والقلق الوجودي يرسم الشاعر‬ ‫موقع ال ــذات فــي هــذا العالم‪ ،‬ويــبــدو كأن‬ ‫الكالم موجه إلى ذاته الشاعرية‪ ،‬فيرى أن‬ ‫على اإلنسان أن يهز كيان الموروث البالي‬ ‫والمتحجر‪ ،‬ويفرض نفسه كقوة للتغيير في‬ ‫طريقه إلى الحداثة والثورة على كل ما هو‬


‫فكيف لــصــوفــيّ مثله أن يختفي خلف‬ ‫قناع الدين واألسطورة والبعد الثالث للروح‬ ‫الباحثة عن منفى آخر لها‪ ،‬ال مجال للبحث‬ ‫عن غيره‪ ،‬هذا هو الشاعر العامر بالحب‪،‬‬ ‫والفناء المتماسك شعرا‪ .‬فماذا لو كان هذا‬ ‫الشاعر يمتلك الفلسفة الشعرية الصوفية‬ ‫أو الفكر النقدي المبدع في البحث للوصول‬ ‫كما يبدو من النصوص الشعرية األكثر‬ ‫لفضاء من المطلق‪ ،‬واختيار فضاء خاص به‪،‬‬ ‫شــبــه ـا ُ هــنــا بــقــصــيــدة الــومــضــة مــن حيث‬ ‫فكيف ستكون روحه في تكوين النص؟ وكيف‬ ‫اكتناز المضمون والتكثيف اإلشاري‪ ،‬أي أن‬ ‫ستكون روح القصيدة وهــي تعكس روحــه‬ ‫القصيدة تغلب عليها طابع الومضة والرمز‪.‬‬ ‫المتوهجة؟!‬ ‫وتتوافر على حالة من الثراء الداللي‪ ،‬وتمنح‬ ‫يقول الجحدلي‪:‬‬ ‫المتلقي إمكانية تفسيرها حسب إمكاناته‬ ‫الق َِص ْي َد ُة‬ ‫المعرفية‪ ،‬وإتاحة الفرصة له في إعادة إنتاج‬ ‫َو ْردَةٌ لل َّنهَار َِات‬ ‫القصيدة ال استهالكها‪ ..‬وهــو ما ينطوي‬ ‫والطفُ و َل ْة‬ ‫ُأن ُْشودَةٌ للمَ دَى ُّ‬ ‫ضمن كاريزمات القصيدة الحداثية‪ .‬أي إن‬ ‫َصافِ يْر‪..‬‬ ‫َوح الع َ‬ ‫وسَ مَ اءٌ لِ ب ِ‬ ‫قصائده هذه أتت كثيفة ومعبرة حافلة ببنيتها‬ ‫هنا السردية التعبيرية الشعرية الحديثة العميقة الرامزة‪ ،‬وفي حالة من التواشج بين‬ ‫التي تحب حداثة البيان‪ ،‬وجمال اللغة ورشاقة الطبيعة واألنسنة‪.‬‬ ‫التصوير‪ ،‬وسالسة التشكيل‪ ،‬وروعة األلوان‪،‬‬ ‫وهنا‪ ،‬ستجد الحالة التي تفتح األبــواب‬ ‫وت ــارة تميل للتعبيرية‪ ..‬وت ــارة للتجريدية‬ ‫لفضاءات تستفز الشاعر الفذ للكتابة‪ ،‬هي‬ ‫الجميلة للوصول لفضاء من الشفافية التي‬ ‫الحالة الشعورية اآلنية المالمسة للقلب‬ ‫ترى مكنون الكون بعين مستنيرة وتستخرج‬ ‫والطويلة األم ــد المتفاعلة بصمت‪ ،‬تلك‬ ‫منا األجمل‪.‬‬ ‫العميقة التي تمازج إحداثيات الكون بتفاعل‬ ‫وهنا‪:‬‬ ‫مبدع‪ ،‬وتأمل واستنباط ورؤى حية‪ ،‬فتنصب‬ ‫داخله توهجات انفعالية‪ ،‬كما طيوف قوس‬ ‫الذكْ رَ ى‬ ‫ِّ‬ ‫‪( ...‬وخَ لَعْ ُت ما مَ َلك َْت يدَايَ ِمنَ الي َِقي ِْن‪ ،‬قزح ترفع الحالة االنفعالية ليترجمها بعد‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور خ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاص‬

‫قار وقديم‪ .‬كما يتوجب على اإلنسان الفرد‬ ‫أن يسعى ليكون النداء ال الصدى مبدعاً‬ ‫وليس مبتدعاً قائداً وليس مقوداً‪.‬‬

‫أل ْرت َِد ْيهَا)‪..‬‬ ‫َ‬ ‫الحَ ِق ْيقَةُ‬ ‫جَ مْ رَةٌ عَ ذْ رَاءُ فِ ي ب َِال المطَ ْر‬ ‫قُ لْ نَحنُ نَشهَدُ ‪..‬‬ ‫ل ‪ -‬سَ مَ اءُ المدينةِ مطمورةٌ ببكاءِ القُ رى‬ ‫ع ‪ -‬مَ نْ يَغرق ال َي ْبتَلّ‬ ‫ن ‪ -‬ومَ نْ يَخلعُ البح َر خَ انَ الجزيرَة‬ ‫َّهارات أَقْ مَ ارُهَ ا‬ ‫ت ‪ -‬للن ِ‬ ‫ك ‪..................-‬‬

‫‪43‬‬


‫نضوجها الــشــعــوري حــالــة شعرية حسية إذ أراد الشاعرالتعبير عــن م ــزاج متوفز‬ ‫بصرية مخطوطة أو تجريدية أوسريالية أو األعــصــاب باإلكثار من استخدام إشــارات‬ ‫تعبيرية‪ ..‬تطفح خارج فكره‪ ،‬تستدعي رسم اإلســتــفــهــام‪ ،‬وهــو مــا يشير إلــى حــالــة من‬ ‫الشعور‪ ،‬كلمات ترسم األعماق حسب براعة الحيرة والقلق الوجودي والتوتر ينتاب الذات‬ ‫الشاعر حين يدندن صوتا شعريا مختلفا في‬ ‫الشاعرة تجاه الحياة حين يقول‪:‬‬ ‫قصيدته‪:‬‬ ‫مَ وْ ِق ُف اللَّيل‬

‫هُ ـ َو ال َّليْلُ يَغْ ِم ُس فِ ــي رَاحَ ــةِ الـ َكـو ِْن َلـوْعَ ـ َة‬ ‫أَ ْورَاقِ هِ ‪ ،‬والمَ دَى‬ ‫ض ِحيْنَ ِجئْتَ ‪ ،‬وكُ ن ُْت و َِحـ ْيــداً‪َ ،‬تبُوحُ‬ ‫غَ ِام ٌ‬ ‫َات‬ ‫الشجَ ْير ُ‬ ‫ُّ‬ ‫لِ ي بالحَ رَائِ ِق‪َ ،‬ت ْندَلعُ النَّا ُر فِ ي َبد َِن الماءِ‬ ‫(رائحة الماءِ بيضاء) أ َْطلَقْ تُ هَا ِمن عَ ِظي ِْم‬ ‫التَّ و َُّج ِد‪،‬‬ ‫فَانْطَ َفأَتْ ُرو ُْحــهُ ‪َ ،‬صعَقتْنِ ي الخَ ِطيْئةُ فِ ي‬ ‫مَ وْقِ ِف ال َّلي ِْل‬ ‫اج ـ َت ـر َْحـ ُـت ال ــجَ ـ ـوَارِ حَ‪ ،‬والـطـيــنُ من‬ ‫حَ ــتَّ ــى ْ‬ ‫َائق الو َْج ِد َينْفرُ نَحو البالدِ‬ ‫ر ِ‬ ‫وبــهــذه الــشــاعــريــة المتفلسفة يعرض‬ ‫الشاعر رأيه بصراحة ووضوح‪ ،‬ويدعو إلى‬ ‫فضح المسكوت عنه والــثــورة على البالي‬ ‫والقديم‪ ،‬واإلقبال على ما هو األجمل في‬ ‫هذه الحياة‪ ،‬وأن يصبح المرء رائداً من رواد‬ ‫الحداثة والتحديث كما هو حــال الشاعر‬ ‫ومآله‪.‬‬

‫للخلُودِ‬ ‫(سَ يأْتِ ي لَكُ م‪ ،‬و َْجهُ هُ ن َْخلَةٌ ُ‬ ‫وقَامَ تُ هُ نَهْ رُ أ َْسئِ لَةٍ‬ ‫الصبَايَا المَ لِ يْحَ ِات‬ ‫َو َيدَا ُه مُ َك َّل َلت َِان بِ و َْج ِد َّ‬ ‫َيأْتِ ي لَكُ م‬ ‫الحل ِْم‬ ‫ثُ مَّ يَفْ تَحُ َقلْبَ ال َّنهَارِ المُ خَ َّض ِب بِ ُ‬ ‫َفتْح ًا مُ بِ يْن ًا‬ ‫َو َي ْزرَعُ نَا َو ْر َد ًة فِ ي َي َديْهِ‬ ‫َاضيَةً‬ ‫ْض ر ِ‬ ‫ألر َ‬ ‫تَروا ِع ْندَهَ ا ا َ‬ ‫َات غَ ارِ قَةً فِ ي الكِ تَابَةِ‬ ‫َالسمَ او ِ‬ ‫و َّ‬ ‫ثُ مَّ تَروا ِع ْندَهَ ا كُ لّ شَ يْ ءٍ بِ حَ الَتِ هِ‬ ‫وتَكُ ونُ ال ِّنهَايَة مَ ا ُتوْعَ دُ ون)‬

‫وأخــيــراً‪ ،‬نذهب إلــى الــقــول بــأن النص‬ ‫بوشي منمنم من‬ ‫ٍ‬ ‫الشعري بــدون أن يطفح‬ ‫خيوط التأويل والرمز‪ ،‬يصبح تافهاً مبتذالً‬ ‫ال ينطوي على ما هو جديد أو شــيء من‬ ‫اللذة واالبتكار‪ ،‬بل يصبح في هذه الحال‬ ‫ال مكروراً ال يسترسل النبض في عروقه‬ ‫مم ً‬ ‫وال حياة تدب في أوصاله‪ .‬ولهذا رأينا هنا‬

‫كما نلمس مرة اخرى تكثيفاً داللياً لرموز المستوى الداللي المبطن للسطور الشعرية‪،‬‬ ‫الطبيعة الهائجة التي تهدد اإلنسان في عقر وهذا هو دائماً عادة أدونيس الذي ال يسلس‬ ‫داره التي بدت أوهن من بيت العنكبوت‪ !..‬القياد لمتلقيه بسهولة ويسر‪.‬‬ ‫* أكاديمية و شاعرة من االْردن‪.‬‬

‫‪44‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫يطرح سواقي ناجزة في الشعر السعودي المعاصر‬ ‫ُ‬ ‫شعري‬ ‫ٌّ‬ ‫كتاب‬ ‫ٌ‬ ‫■ محمد العامري‬

‫بمعزل عن األلم الجمعي الذي يجتاح الذات العربية بكل مركباتها‬ ‫ٍ‬ ‫لم يكن الجحدلي‬ ‫السيسيولوجية‪ ،‬والتي انعكست كصورة بائسة في دفاتر الذاكرة النقدية الغربية والعربية؛‬ ‫فهو الشاعر المشتبك بالسؤال الكوني الكبير‪ ،‬ســؤال الــوجــود كــذات تبحث عن وجودها‬ ‫الجمالي واإلنساني؛ فجاء الجحدلي ليؤثث وجوده الشعري عبر مجموعة من النصوص‬ ‫التي تتمثله كصورة قريبة من تاريخه الشخصي تجاه احتكاكه بسؤال األشياء من حوله‪،‬‬ ‫الظاهر منها والباطن‪ ،‬الصائت والساكت‪ ،‬هذا السؤال الذي نبتت أطرافه في جل نصوصه‬ ‫الحارة‪ ،‬إذ تتقاطع في مواقع كثيرة مع المرجعيات الصوفية في تعميق لذاذة األلم‪.‬‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور خ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاص‬

‫نات لهاشم الجحدلي‬ ‫دمُ البيّ ِ‬

‫نرى هنا بعض العبارات التي تدلل على بين الجملة الطويلة وااليقاع الغنائي القصير‪،‬‬ ‫وهذه تقنية مهمة جدًا لوجود المتلقي في‬ ‫لذاذة األلم منها‪:‬‬ ‫ذاكرة القصيدة‪ ،‬معمدًا ذلك الصور الشعرية‬ ‫َعض دَمٍ ‪،‬‬ ‫َض ب ُ‬ ‫«عَ لَى النور َِس الغ ِّ‬ ‫ذات التراكيب المؤثرة والفاعلة‪.‬‬

‫وعلَى الب َْحرِ أَيْض ًا شَ و َِاهدُ مَ وتِ ي‪،‬‬ ‫كنت‪،‬‬ ‫َوحش ًا ُ‬ ‫و َِحيدً ا ومُ ْست ِ‬ ‫َاب‪،‬‬ ‫فِ ي َل ْثغَتِ ي َلوْعَ ةٌ ‪ ..‬واغْ تِ ر ٌ‬ ‫كُ لَّمَ ا ذُ ب ُْت فِ ي الذَّ ن ِْب صارَتْ ُحرُ وفِ ي ت َِسيلُ ‪،‬‬ ‫ـارق فِ ــي تيهِ‬ ‫أَمـ ِـضــي إل ــى حَ ـ ْتـ ِـفــي كــأ ِّنــي غَ ـ ـ ٌ‬ ‫أَسئلتِ ي»‪.‬‬

‫وفي بعد آخر‪ ،‬من الضرورة أن نفتح باب‬ ‫الــســؤال فــي شعرية الجحدلي بما يخص‬ ‫مفتتحات قــصــائــده‪ ،‬أو عتبات النصوص‬ ‫التي أخذتنا إلى مجموعة من األقنعة أهمها‬ ‫الــقــنــاع األســطــوري والــديــنــي‪ ،‬وص ــوال إلى‬ ‫القناع الصوفي‪ ،‬جاءت تلك األقنعة كروافع‬ ‫إيمائية لطبيعة النصوص وتجليات معانيها‬ ‫فــي الــمــوروث الــصــوفــي‪ ،‬والـــذي ســال في‬ ‫تفاصيل الهاجس الشخصي للشاعر وصوالً‬ ‫إلى اليومي منه‪.‬‬

‫فهي العبارات التي تسيل داخل المعنى‪،‬‬ ‫لتحقق مكابدة النفس الشاعرة في ارتطامها‬ ‫باألشياء‪ ،‬كما لو أنه يردم ُهوّات تقعرت في‬ ‫وجوده‪ .‬وأستغرب من شاعر اعترك اإلعالم‬ ‫ولديه كل هذا السؤال المؤلم‪ ،‬والذي يحتاج‬ ‫فــجــاءت األقنعة الـ ــواردة فــي النصوص‬ ‫إلــى إصــغــاءات عميقة مــع الــكــون وال ــذات‪،‬‬ ‫أقــرب إلــى إســقــاطــات تدلل على مدايات‬ ‫وأعتقد أن ســؤالــه الشعري كــان أكبر من‬ ‫المفردة في الحاضر دون نكران دالالتها‬ ‫الفعل الصحفي ليخلص لشعرية سائلة بالدم‬ ‫البعيدة في طبيعة القناع ومــا تنتمي إليه‬ ‫والدكانة‪.‬‬ ‫المفردة‪ ،‬فسدرة المنتهى في النص الديني‬ ‫فقد انمازت قصائده بحسن الصياغة هي الداللة على منتهى األشياء في السماء‬ ‫التي تتواكب مع موضوعة القصيدة‪ ،‬تجمع السادسة‪ ،‬فجاء النص الذي قاله الجحدلي‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪45‬‬


‫اخرُ ُجوا‬ ‫بنفي السدرة التي يتكلم عنها إلى موضع ْ‬ ‫األرضي كصفة أقرب إلى حياته‪ ،‬إنها سدرة‬ ‫الدار‪ ،‬ونرى ذلك في النص اآلتي حين قال‪:‬‬

‫«سدْ رَةٌ‬ ‫ِ‬ ‫لَم تكُ نْ ِسد َر َة المُ ن َتهَى‪..‬‬ ‫إِ نَّها ِسد َر ُة الدارِ ‪،‬‬ ‫والشغَبَ‬ ‫َّ‬ ‫تلك الــتِ ــي قاسَ مَ تْنِ ي الطفول َة‬ ‫َ‬ ‫َض‪،‬‬ ‫الغ َّ‬ ‫ثُ مَّ ا ْنتَمَ ي ُْت إلى ن َْس ِغهَا فِ ي ِصبَاي»‬ ‫فجاءت ســدرة الــدار بمفهومها األمومي‬ ‫التي أرضعته من نسغها وظلها‪ ،‬حيث قاسمته‬ ‫الطفولة‪ ،‬وعايشها في دفتر الطفولة ومراحل‬ ‫العمر‪ ،‬بل أصبحت خزانًا للذكريات‪ ..‬لتشكل‬ ‫إحدى مؤوناته الشعرية‪ ،‬أو إحدى مغذيات‬ ‫النصوص التي وردت فيما يخص الصبا‬ ‫والطفولة‪.‬‬

‫من هنا‪ ،‬نــرى إلــى كل عتبة من عتبات‬ ‫النص هي بمثابة هويته الناجزة التي تتسلل‬ ‫إلــى المتلقي ليذهب بها إلــى مرجعياتها‬ ‫األولى دون الفكاك من تأثيرها الخالص في‬ ‫طبيعة المعنى ومداياته المعرفية والجمالية‪،‬‬ ‫ومتجدد‬ ‫ٍ‬ ‫محتمل‬ ‫ٍ‬ ‫تخييل‬ ‫ٍ‬ ‫بل تسهم في بناء‬ ‫فــي تلقيه؛ ففي الــنــص التالي ال ــذي جاء‬ ‫بعنوان «خَ ِليْ َقةٌ»‪ ،‬يتكيء الشاعر على بداية‬ ‫خلق حواء والتي جاء في النص الديني «من‬ ‫ضلع آدم» ووردت في القرآن الكريم‪ ،‬سورة‬ ‫األعراف بقوله تعالى (هو الذي خلقكم من‬ ‫نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها)‬ ‫وحواء خلقت من جسد حي هو جسد آدم‪،‬‬ ‫فالقناع هنا واضح فقد استعاض عن فكرة‬ ‫حــواء كما وردت في النص الديني بعبارة‬ ‫«اينعت من ضلوعي»‪ ،‬أي نبتت من ضلوعي‪..‬‬ ‫ويواصل في عبارته الشعرية قوله‪« :‬وك َّونْتُ‬ ‫ُوحي»‪ .‬وهذه‬ ‫احل َّيةَ‪ ،‬مِ ْن طينِ ر ِ‬ ‫ضاءَهَ ا السَّ ِ‬ ‫أَعْ َ‬ ‫أيضا داللة أخرى على طبيعة الخلق‪ ،‬حيث‬ ‫خلق اهلل العباد من حمأٍ مسنون‪ ،‬ونفخ فيه‬ ‫من روحه‪ .‬فالشاعر هنا استطاع أن يوظف‬ ‫ذلك القناع عبر عبارات شعرية تشي بأبعاد‬ ‫النص الدينية وال تستنسخه‪ ،‬فقد أجاز لهذا‬ ‫القناع أن يحمل أسماله الذاتية بصورة ذكية‬ ‫وفاعلة‪.‬‬

‫فقد تتبادل المواقع فــي قصائده بين‬ ‫العتبة والــقــنــاع‪ ،‬وف ــي كثير مــن األحــيــان‬ ‫يتماهيا في طبيعة مقصودات المعنى‪ ،‬فال‬ ‫يمكن النظر إلــى عتبات النص باعتبارها‬ ‫نصا مارقاً أو ترفاً في اللغة‪ ،‬بل هي عالمات‬ ‫ً‬ ‫جمالية تشي بطبيعة أيديولوجيا النص‬ ‫الفكرية‪ ،‬بل هي مفاتيح تقود القارئ إلى‬ ‫مناخات النص نفسه ومرجعياته المعرفية‪،‬‬ ‫فنده في العبارات الشعرية التالية يدلل‬ ‫على مدايات النصوص وانتماءاتها الجمالية‬ ‫ُوعي‬ ‫«فتَاتِ ي التِ ي أَ ْي َنع َْت من ضل ِ‬ ‫احل َّي َة‬ ‫الس ِ‬ ‫البعيدة والمتصله بما ورثناه من سلوكيات وكوَّ ن ُْت أَعْ َضاءَهَ ا َّ‬ ‫الصوفيين كأن يقول‪:‬‬

‫ُوحي‬ ‫طين ر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِمنْ‬ ‫مَ وْقِ ُف الوَعْ ِد الحَ قّ ‪ ،‬مَ وْقِ ُف اللَّيل‪ ،‬رؤيا‪ ،‬وبا َرك ُْت َل ْث َغ َتهَا‬ ‫مكابدة‪ ،‬نبوءة‪ ،‬نورانية‪،‬‬ ‫واشتِ عَالَ الطفُ ولةِ فِ ي مَ ْن َك َب ْيهَا‬ ‫ْ‬ ‫ُك فِ ي العَارِ فِ يْنَ ُخرُ وجٌ‬ ‫وقَالَ ‪ :‬دُ ُخول َ‬ ‫فكان َْت َفتَا ًة‬ ‫اخرُ ُجوا‬ ‫ول ْ‬ ‫وهذَا أَوَانُ الدُّ ُخ ِ‬ ‫‪...‬‬ ‫ُوعي‬ ‫فتَاتِ ي التِ ي أَيْنع َْت من ضل ِ‬ ‫اخرُ ُجوا‬ ‫ْ‬

‫‪46‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫لــم يــتــوقــف الــجــحــدلــي عــن اســتــعــاراتــه‬ ‫الفاعلة والــتــي قــاربــت بينه وبين األولين‬ ‫في مناكفاتهم الذاتية تجاه الوجود الذاتي‬ ‫والجمعي على حد سواء‪ ،‬وظل يستعير أقنعته‬ ‫ليحقق مناخات متنوعة في تأويالت النص‪،‬‬ ‫واعتقد أن العتبات التي صاغها لقصائده‬ ‫دليل بيّن على ذل ــك‪ ..‬ففي فاتحة النص‬ ‫والــذي جاء بعنوان «الفاتحة» استعار قول‬ ‫النفري « ُقلُوْبُ العَارِ فِ يْ َن تَرَى األَبَدَ‪َ ،‬و ُعيُ ْونُهُم‬ ‫تَرَى ال َموَاقِ يْتَ »‪ .‬هذه العتبة النصية تحقق‬ ‫طبيعة المزاج العام لشعرية الجحدلي والتي‬ ‫امتلكت خصوبة في الصورة ولينًا في البناء‬ ‫الموسيقي؛ ما أعطى النص لذة تنسرب في‬ ‫إيقاع القراءة والسماع في آن‪.‬‬

‫فلم تمث عبارة الجحدلي الشعرية في‬ ‫السكوت‪ ،‬أو الركون إلى ثبوتية ما‪ ،‬بل ظلت‬ ‫دؤوبة في إيقاعيتها لتوقظ المعنى والداللة‪،‬‬ ‫ونرى إلى توظيفات ذكية في مجمل نصوصه‬ ‫التي تتخذ من الــمــوروث فضاء لها‪ ،‬ولكن‬ ‫بصياغات جديدة‪ .‬ففي قوله مثال «بعضي‬ ‫يــرمــم بعضي» تــأخــذنــي هــذه الــعــبــارة إلى‬ ‫صياغة مغايرة للمتنبي بقوله‪:‬‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور خ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاص‬

‫اح َت َوتْنِ ي أ َِخيْرً ا»‪.‬‬ ‫ْ‬

‫إذ المشاهدة تحصل بــا لــغــة‪ ،‬ألن اللغة‬ ‫تقتضي إثبات اإلنية»‪.‬‬

‫«ع ـلــى أن ـنــي ط ــوق ـ ُـت م ـنــك بنعمة‬ ‫شهيدٌ بهابعضيلغيريعلىبعضي»‬

‫إن كتاب الشاعر الجحدلي «دم البينات»‬ ‫يشي بثقافة الشاعر واطالعه على موروثه‬ ‫العربي البعيد‪ ،‬ليقدم لنا صيغًا شعرية‬ ‫إذ تتحول تلك ال ــرؤى إلــى لغة تعتليها‬ ‫لغة‪ ،‬وهــذا المركب الــذي جعل من عبارته فاعلة‪ ،‬وقــد قــدم نفسه بصيغة القصيدة‬ ‫الشعرية عافية للكتابة‪ ،‬وحيوات تجدد ذاتها بعيدًا عن الهتاف والكرنفالية التي توحشت‬ ‫فــي األوســـاط المستثقفة‪ ،‬ففي قصيدته‬ ‫في سياقات النص‪.‬‬ ‫التالية يقول‪:‬‬ ‫ترف‬ ‫فليست عتبات النص لديه مجرد ٍ‬ ‫َافت ال َّنهَار‬ ‫ل ــغ ــوي‪ ،‬ب ــل ه ــي م ــن ــارات تــضــيء غــمــوض َته ُ‬ ‫النص وعتماته‪ ،‬بل تمد لنا طريقا لنسلكه فِ ي مَ سَ اءٍ ق َِديمْ ‪،‬‬ ‫فــي الــتــركــيــب والتفكيك لطبيعة الــعــبــارة َبيْنَ ِجيْمَ ي ِْن ِمنْ جَ نَّةٍ وجَ ِحيمْ ‪،‬‬ ‫األرض بِ ي‬ ‫ُ‬ ‫الشعرية‪ ،‬والتي تقودنا إلى طبيعة المتون‪ ،‬ماد َِت‬ ‫فهي عالمات إشارية تتقدم المتون وتتعقبها ف َتهَا َوي ُْت فِ ي الماءِ ‪،‬‬ ‫بمعان واصفة لطبيعتها‪ ،‬فالمقتبسات بَعْ ِضي يُ رَمِّ مُ بَعْ ِضي الرَّ ِميمْ ِ‪،‬شبْهُ مُ ْندَثرٍ‬ ‫ٍ‬ ‫لتشي‬ ‫َاب الع َِميمْ ‪،‬‬ ‫تسهم في سقاية المتن كي يتعافى بالداللة لَمْ يُ دَثّ ْر د َِمي غَ يْر هذَا العذ ِ‬ ‫والطرقات‬ ‫ِ‬ ‫الذي يَمْ أل القلبَ‬ ‫ِ‬ ‫والمعنى واإليــحــاء‪ ،‬فلم تكن تلك العتبات‬ ‫بالتَّقي‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ساكتة بل فائقة الصحو في المتن‪ ..‬وأذكر ويُ ْسلِ مُ نِ ي للنهارِ الـ ِـذي َلــمْ يَكُ ن‬ ‫ال بالرَّ ِحيمْ »‪.‬‬ ‫ال بالن َِّقي‪ ،‬و َ‬ ‫و َ‬ ‫هنا النفري‪ ،‬حين قال‪:‬‬ ‫فنرى إلى شاعر آثر النزف وحده ليعيرنا‬ ‫«وقــال لي‪ :‬إن سكنت إلى العبارة نمت‪،‬‬ ‫وإن نمت متّ ‪ ،‬فال حياةَ ظَ فرتَ المشاهدة‪ .‬صوفيته الصافية في التعامل مع نصه‪.‬‬ ‫ * كاتب وناقد‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪47‬‬


‫هاشم الجحدلي وتوأمة الروح‬ ‫■ أسامة علي حسني‬

‫تَ َساؤُ ل‬

‫لِ مَنْ أَهْ وَى‪ ..‬أَوْ‪ ..‬أ ُِح ّب‬ ‫(كُ َّلمَا ُذب ُْت فِ ي الذَّ ن ِْب‬ ‫صارَتْ ُحرُ وفِ ي ت َِسيلُ ‪)..‬‬ ‫وطفْ لٌ‬ ‫‪َ ..‬و ْر َدت َِان ِ‬ ‫يُشاغبُهُ ال َّنوْمُ ‪ ..‬ما قَدْ تَبقَّ ى‬ ‫َات على الب َِال‪..‬‬ ‫ِمنَ الذِّ ْك َري ِ‬ ‫َات الق َِد ْيمَةُ عالقةٌ‬ ‫واألُمْ ني ُ‬ ‫كالطحَ الِ ِب فِ ي ذِ هْ نِ هِ‬ ‫َّ‬ ‫ أنْ يَس ْي َر علَى الماءِ‬‫ أَنْ يكُ و َن و َِحيداً‪ ..‬ومُ ت َِّحد ًا بال َفرَا ْغ‬‫ أَنْ َيرَى مَا سَ ِمعْ ُت بهِ منْ سني ٍْن‬‫الذي قَدْ رَآ ُه َصبَاحاً‪..‬‬ ‫ وأَنْ َيتَذوَّقَ طعْ َم ِ‬‫و َل ْو مَرَّ ةً‪..‬‬ ‫الضيَاءِ ‪ ...‬ونَكْ َهتَهُ )‬ ‫(ي َت َذوَّقُ طَ عْ َم ِّ‬ ‫هذا هو المقطع األول من قصيدة فأما المذاق فتمثل في مساء‪ ..‬وأما‬

‫(تــســاؤل) مــن دي ــوان الشاعر العربي الطعم فتمثل فــي مرجعياته الــمــاء‪..‬‬

‫السعودي هاشم الجحدلي‪.‬‬

‫عشبا‪ ..‬خصبا‪ .‬والشاعر يسير هياما‬

‫اول مــا يلفت انــتــبــاهــي موسيقى وضياعا وتوهانا على الماء‪ ،‬بحثا عن‬ ‫القصيدة‪ ..‬فهي مبنية بتنغيم يمنح محبوبته‪ ،‬وهو ما يزال يتساءل ويقيم‬ ‫الــدفــقــة انــســيــابــا لطيفا نــاعــمــا‪ ..‬ثم عالقة بينه وبين الحب والعشق‪.‬‬

‫انتبهت الــى داللتين ملتمعتين وهما‬

‫في المقطع‪ ،‬إحاالت رمزية شفافة‬

‫التذوق والطعم اللذان يعطيان للشعر على أن الحبيبة تملك خــواص أعظم‬ ‫قيمة حقيقية في عالقة بين الشاعر كائنات الطبيعة وهو الماء الذي جعل‬

‫ومحبوبته التي تتمترس خلف الباب منه اهلل كــل شــيء حــي‪ ،‬إذ ال يعادل‬

‫‪48‬‬

‫راكضة نحو الحياة لتتمسك بمحبوبها‪ ،‬عبقرية األنوثة في الحبيبة إال مزايا‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور خ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاص‬ ‫الشاعر السعودي هاشم الجحدلي ضيف رابطة الكتّاب األردنيين ضمن فعاليات مهرجان جرش ‪2017‬‬

‫الماء‪ ..‬فالحبيبة تكون في المساء اكثر عشبا التخييل الفني باللغة الطريقة الذكية‪ ..‬وال‬ ‫وخصبا‪ ..‬إذ المساء طمأنينة عــن عيون يعيش الحب إال بهذه األكــاذيــب الجمالية‬ ‫الرقباء‪ ..‬وتكون الحبيبة في كامل أناقتها التي تصدقها المحبوبة‪ ،‬فتلبي الدعوة وهي‬

‫ومهرجان زينتها األمــر الــذي يراها كأنها تظن أن سيماءات الماء فيها ستغرقه بجنون‬ ‫مختلفة تماما عن غيرها‪ ،‬فهي امراة مائية العشق‪ ..‬وهي ال تريد غير ذلك‪ ..‬خاصة أن‬ ‫باذخة‪ ،‬وهو عاشق متوهج بجمر اللوعة مع للماء فيها ألف احتمال‪ ..‬وهي الجملة األشد‬ ‫زمن بعيد جدا‪.‬‬ ‫إشعاعا داللــيــا فــي المقطع‪ ..‬فيسحرها‬

‫ أنْ يَس ْي َر علَى الماءِ‬‫تَّحد ًا بال َفرَاغْ‬ ‫ أَنْ يكُ ونَ و َِحيداً‪ ..‬ومُ ِ‬‫ أَنْ َيرَى مَ ا سَ ِمعْ ُت بهِ منْ سني ٍْن‬‫الذي قَدْ رَآ ُه َصبَاحاً‪..‬‬ ‫ وأَنْ َيتَذوَّقَ طعْ َم ِ‬‫و َل ْو مَ رَّ ًة‬

‫التوهم والزهو األنثوي هكذا‪..‬‬

‫وتظهر هنا رمزية الرمال التي لم يتحدث‬

‫عنها أصال‪ ،‬فكيف ألحد أن يسير على الماء‬

‫إال أن تكون بلقيس ملكة سبأ في الموروث‬ ‫الديني المبتهجين به حبا وشوقا‪ ،‬فالشاعر‬ ‫متعطش كــالــرمــل‪ ..‬حتى البحار الممتلئة‬

‫هذا المقطع يجسد معنى أن الشعر نوع‬ ‫من أحالم اليقظة‪ ..‬فالقصيدة نداء جواني بالماء عطشى‪ ..‬إذاً‪ ،‬ثمة ظمأ سري عظيم‪.‬‬ ‫ثم نجده يكتمل بكامل عشقه وحبه وتوهج‬ ‫ساخن لــدعــوة الحبيبة إلــى لقاء يحتاجه‬ ‫الشاعر منذ سنوات طويلة‪ ..‬إنها أحاييل مشاعره الحسية القائمة في بقية المقطع‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪49‬‬


‫من القصيدة‪ ،‬حين يقول‪:‬‬

‫َو ْر َدت َِان‬ ‫الذي منذُ بَعْ ِض ِسنِ ي ٍْن‬ ‫لَهُ وَعَ َليْهِ ِ‬ ‫َوأ َْسئِ لَةٍ‬ ‫الصبَايَا المَ لِ يْحَ ِات‬ ‫ون َّ‬ ‫لَمْ يَعُ دْ فِ ي عيُ ِ‬ ‫َاب‪ ..‬ق َِدي ٍْم‬ ‫غَ ْي َر بَعْ ِض عَ ذ ٍ‬ ‫ْف إِ ذ ًا بع َد أَنْ ِجئ ِْت لِ ي‬ ‫ف َكي َ‬ ‫ِصر ُْت أ َْسألُ فِ ي ر ْيبَةٍ‬ ‫الذي ي َْجعَلُ ال َغ ْي َم َيبْكِ ي؟‬ ‫مَ ا ِ‬

‫اإليناس واألنسنة في البيت‪ ،‬غير أن هاشم‬

‫سجل نقلة ح ــارة مــن الــحــزم االستعارية‬ ‫والفضاءات المجازية الرشيقة في تصوير‬

‫البيت بكاميرا من الفاعلية الباراسيكلوجية‪..‬‬ ‫فهو ربكة العين‪ ..‬في الغيم والسؤال والورد‬ ‫والوجع‪ ..‬ما يراه الجميع ولَسنا نراه‪ ..‬فرصة‬

‫للحياة‪ ،‬ولكنه مثلنا ال يطيق الحياة‪.‬‬

‫فالنص‪ ،‬إذاً؛ أباهيج الحواس وأخاديعها‬

‫المقدسة‪ ،‬إنــه األشبه ببيت الــروح ومنزل‬

‫هاشم هنا يبهجنا بأدواته الفنية الذكية‪ ..‬الــفــؤاد وقصر المعنى‪ ..‬فالقصيدة حالة‬ ‫فشعره يصدر عن موهبة أصيلة شجاعة في شعرية ثيوصوفية جليلة‪ ..‬تصبح فيه ذات‬

‫ابتكار الخروج الجمالي الواعي على النمطية الشاعر موجة اثير تمأل فلوات الوجدان‬ ‫الشكالنية الــســائــدة‪ ..‬وهــو مــن الشعراء بحدائق الحلم‪..‬‬ ‫الندرة الذين يمتلكون شخصية شعرية وثابة‬

‫وقد بنى هاشم قصيدته بهسيس موسيقي‬

‫مثابرة‪ ،‬وهذا تعرفه من نصوصه وخروجه بالغ العذوبة والشفافية‪ ،‬في انثيال إيقاعي‬ ‫عن المألوف‪ ،‬فحين تدور بين كلماته تحتاج مـ ــدروس بــعــفــويــة الــنــهــر الــخــبــيــر بتحوالت‬

‫لشجاعة كبيرة وقوية لتكون المثابر القوي مجراه‪ ..‬شعر منقى‪ ..‬خال من أي عكر ترابي‪.‬‬ ‫الـــذي يستطيع أن يمتلك زمـــام األمـــور‪،‬‬ ‫وحــيــن يــخــتــم الــمــقــطــع الــشــعــري بهذا‬ ‫ويسيطر على زمام القصيدة‪ ،‬كي ال تجمح‬ ‫التساؤل العميق القوي‪:‬‬ ‫كثيرا وتفلت منك وتــهــرب وأنــت فــي قمة‬

‫حاجتك الستماعها بين يديك‪..‬‬

‫ِصر ُْت أ َْسألُ فِ ي ر ْيبَةٍ‬

‫الذي ي َْجعَلُ ال َغ ْي َم َيبْكِ ي؟‬ ‫وأن ــت تــقــرأ مقطعه األخــيــر هــذا تجده مَ ا ِ‬

‫يضيف جديدا نوعيا للمعاني التي تناولت‬

‫طوبى يا هاشم لهذه القصيدة األسوة‪..‬‬

‫قصائد البيوت منذ لك يا منازل في القلوب النموذج‪ .‬وهذا التساؤل الذي يشبه الحزن‬ ‫مــنــازل‪ ..‬وص ــوال إلــى الــبــيــوت فــي شعرنا السعيد‪ ..‬شاعر يكتب قصيدته بمكر فني‬ ‫المعاصر‪..‬‬

‫عفوي‪ ..‬يمتاز شعره بفذوذية إيقاعية عذبة‪..‬‬

‫فــأغــلــب الــشــعــراء اســتــبــصــروا دالالت وبمعان فتاكة‪ ..‬وبصور تضاهي لذة األلم‪!..‬‬ ‫* كاتب‪.‬‬

‫‪50‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫■ أحمد الطناشات‬

‫حين تتبع قصائد الشاعر السعودي هاشم الجحدلي‪ ،‬فإنك تدرك أنك تغوص‬ ‫في بحرٍ لجيٍّ ‪ ،‬ال قرار له وال مصير؛ وأنك ستكون الخاسر األكبر لو فكرت باالنزياح‬ ‫أو الهرب؛ وذلك ألن هاشم يغرقك في كلمات متالطمة األمواج‪ ،‬وأنت تقف اآلن‬ ‫على عتبات قصيدته‪:‬‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور خ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاص‬

‫لوعتي قصيدة‬ ‫ِّ‬ ‫هاشم الجحدلي بين‬

‫ق َِص ْي َد ُة ال َّلوْعَ ة‪ ..‬التي يبدأ فيها بمجموعة تساؤالت تثيرك‪ ،‬لتكون أنت األقوى‬ ‫واألصلب في تقبّلها‪ ،‬والتفكير فيها حين يبدأ‪..‬‬ ‫أ َُّي َقل ٍْب يَمُ دُّ يَد ُه‬ ‫أ َُّي ُح ْض ٍن مَكِ ينْ‬ ‫ال تكونُ ال َممَاتْ‬ ‫أ َُّي إِ غفاءَةٍ َ‬ ‫أ َُّي إمْ َرأَةٍ ِع ْن َدمَا عَ ا َن َقتْنِ ي‬ ‫تَجَ ل َّْت ُأنُوثَتُ هَا‬ ‫يت‬ ‫وَا ْنتَشَ ْ‬

‫َات‬ ‫يجسد القلب القوي الــذي مد يده أ َُّي مَ ْنفَى يَلِ يْقُ بِ هذَا الشت ِ‬ ‫ليحتضن كــل الــمــرايــا والــحــب‪ ،‬وتلك أ َُّي هَ ِذي المَ نَافِ ي‪..‬‬

‫الــمــرأة الــتــي عانقته وتــركــت نفسها‬ ‫فالبيت بعيدا عنها منفاه‪ ،‬والقلب‬ ‫متعلقة بحبال روحــه المتسلقة على‬ ‫وحــيــد دونــهــا‪ ،‬والـــروح جافية ناقصة‬ ‫أعتاب هذا الرجل البدوي‪ ،‬الذي يمتلك الظالل‪ ،‬ألنه وحده هو الذي يعرف أنها‬ ‫من سمرة األرض لونه‪.‬‬ ‫ستكون هناك بين يدي قلبه‪ ،‬فالنوافذ‬ ‫هنا هاشم بقلب طفولي يتكلم ليبثّ ال تجافي أبدا‪ ..‬ولكن من هجر النوافذ‬ ‫الروح القابعة في جسده‪ ،‬فهي المرأة هو الذي يجافي في البعد‪.‬‬ ‫التي تبحث عنه وينتظرها ال يغفو أبدا‪،‬‬ ‫كم أنت جبار على نفسك يا جحدلي‬ ‫لكنه ينتظر الغفوة الروحية التي تتملك حين ترى كل التساؤالت بداخلك‪ ،‬وال‬ ‫جسده‪.‬‬ ‫تــتــحــدث إال عــن روح ــك المتعبة في‬

‫أ َُّي َبي ٍْت‬ ‫َنوَافذُ ُه ال تُجَ افِ ي‪..‬‬

‫الطرقات‪!.‬‬

‫الموت‬ ‫ِ‬ ‫عن‬ ‫أي شيءٍ يكونُ الب َِديلَ ِ‬ ‫ُّ‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪51‬‬


‫موطن لِ ُجنونِ ي‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫البحث عنْ‬ ‫ِ‬ ‫إِ نِّي تعب ُْت منَ‬ ‫َات‬ ‫بأسرارِ هَ ا العَاصي ِ‬ ‫ألبْجديَّةُ بَاحَ ْت ْ‬ ‫فال ا َ‬ ‫الص ِديقَ ‪ ..‬ا َّلــصــدُ وقَ ‪ ..‬وال‬ ‫وال الب َْحرُ كانَ َّ‬ ‫شيءَ‪،‬‬ ‫ال شَ ـ ــيْ ءَ‪ ..‬هَ ـ ِـذي ال ــخَ ــرِ ائِ ـ ُـط مَ ـ ْلــعُ ــونــةٌ َكــمْ‬ ‫أ َ​َضل َّْت‬ ‫ُخطَ ى الطيّبِ يْنَ ِمنَ األ َْص ِدقَاءِ‬ ‫الباب‬ ‫ِ‬ ‫ومَ ا أَرْشَ َدتْنِ ي إِ لَى‬ ‫ما أَرْشَ َدتْنِ ي إليه‬

‫ولــيــس أجــمــل مــن ذلــك الضعف‪ ،‬وذلــك‬

‫االستسالم‪ ،‬فهو يستسلم للتعب‪ ،‬ويثق أنه‬ ‫صار بعيدا عنها‪ ،‬وأن كل ماحوله مجرد حلم‬

‫ووهم بعيد بعيد جدا‪.‬‬

‫ومــا تلك األحــام ســوى أضغاث يثيرها‬

‫العالم كذبا ليتوارى خلفها رماد العمر‪ .‬فال‬

‫معنى وال قيمة وال جدوى لكل شيء حوله‪.‬‬

‫الذكريات‬ ‫ِ‬ ‫أ َُّي و َْجهٍ يُ ِطلُّ ِمنَ‬ ‫وال ي َْحتَمي فِ ي ِغيابِ ْه‬

‫ليل مَ ِطيْرٍ‬ ‫أي ٍ‬ ‫هو الموت وحــده الــذي عــرف الطريق‪ُّ ،‬‬ ‫ليل مَ ِطيْرٍ‬ ‫أي ٍ‬ ‫وعــرف الحكاية كاملة‪ ،‬ال شــيء بديل عن ُّ‬

‫َص ِف ال َقل ِْب‬ ‫أي حَ ر ٍْف ي َُص ُّب بِ مُ ْنت َ‬ ‫الموت‪ ،‬فالفراق موت حين يراه باحثا عن ُّ‬

‫وطــن لجنونه‪ ،‬وتجف البحار بكل مياهها نا َر الكتا َب ْة‬ ‫أمامه وال صديق سيصدق معه‪ ،‬وكــم هي‬

‫ملعونة خطى الرحلة التائهة في قلبه حين‬

‫ال ترشده إلى طريق محبوبته‪.‬‬

‫وتتوالى تلك التساؤالت المثارة حبا وقلقا‬

‫وتعبا لتنير األكوان حوله‪ ،‬ولتكون هي األقوى‬ ‫واألصلب‪ ،‬وليؤكد أن ذلك الوجه ال يحتمي‬

‫هذا هو زالل الشعر الصافي حين يفجر في الغياب‪.‬‬ ‫فيك كل األسئلة‪ ،‬لتقف حائرا أمام نفسك‬ ‫فالليل مــدار العاشقين‪ ،‬ومنبع رؤاهــم‬ ‫وأمام كلمتك المبعثرة‪.‬‬ ‫ولقياهم‪ ،‬فهو الستار الذي يعشقون االختباء‬

‫إِ نَّي تَعِ ب ُْت ِمنَ الب َْح ِث عَ نْ أ َِّي شيءٍ‬ ‫ـض أ َْط ـرَاقِ ــهِ ‪ ..‬للب َِعي ِْد‪ ..‬البَعِ ي ِْد‪..‬‬ ‫و َل ـ ْو َبــعْ ـ ِ‬ ‫البَعِ يدْ‬ ‫‪..‬‬ ‫أ َُّي ُحل ٍْم َص ِغيْرٍ‬ ‫بالغيم كَي ال أَرَا ْه‬ ‫ِ‬ ‫أ َُّي ن َْج ٍم يَهِ لُّ وال َي َتدَثَّ رُ‬ ‫أ َُّي مَ عْ نَى‪ ..‬و َل ْو كانَ ف َّظ ًا لِ ه َِذي الحَ يَا ْة‬

‫ * كاتب وناقد‪.‬‬

‫‪52‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫خلفه‪ ،‬فكيف حين يجتمع الليل بالمطر‬

‫ليصب حرفا ناعما بمنتصف قلب الشاعر؛‬

‫هنا فقط تكون واثقا أِن هاشم الشاعر‬

‫األسمر البدوي يلتقط الشعر التقاطا من‬

‫مجازات اللغة‪ ،‬ويغرف منها حروفه المتمكنة‬ ‫وجعا وألما‪ ،‬لتكون كلماته حكاية كل عاشق‬

‫يظنه يكتب عنه‪.‬‬


‫■ عبدالرحمن الدرعان*‬

‫ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــص قـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــرة‬

‫البكماء‬ ‫كان جدي يقول‪ :‬إن نظرة األبكم هي التي تنضج البلح وتجعله حلوً ا وناضجا؛‬ ‫فتتجه عيوننا صوب أمي التي تدرك بغريزتها أنها موضوع الوشاية‪ .‬إال إن جدتي‬ ‫تصطاد اللحظة رغــم أنها مثل كــل الفالحين الــذيــن يعتقدون بهذه المعجزة‪،‬‬ ‫لتتشفى من هذا العجوز قبل أن تداهمه نوبة الزهايمر وتسأله لماذا يصر منذ‬ ‫أربعين عاما على إنكار أنه هو سبب العاهة‪ ،‬أنت الذي كنت تتكلم‪ ،‬حيث يجب أن‬ ‫تشتغل بصمت‪ ،‬وتصمت إذا وجب الكالم؟!‬ ‫يرمقها بنظرة طويلة‪ ،‬أكثر من كل‬ ‫المرات الماضية‪ ،‬فتوشك أن تعاوده‬ ‫األعراض األولى‪ .‬يظهر ذلك من خيط‬ ‫لعاب يسيل من زاوية فمه‪ ،‬ولكنه يبدو‬ ‫متماسكاً وهو يقول‪ :‬الرجل إذا اهترأ‬ ‫ســاحــه تــبــدأ الــنــســاء بالتهكّم عليه‪.‬‬ ‫كف عن الكالم كما لو أنه تلقَّى‬ ‫وفجأة َّ‬ ‫طعن ًة قاسي ًة ألقته في الظالم‪ ،‬وانبرى‬ ‫مجهد ليتَّسق مع اللحن‬ ‫ٍ‬ ‫بصوت‬ ‫ٍ‬ ‫يغني‬ ‫بداخله‪:‬‬

‫بـ ـ ـي ـ ــت الـ ـ ـشـ ـ ـع ـ ــر ي ـ ـ ــا الـ ـ ــدونـ ـ ــي‬ ‫ت ـ ـح ـ ـتـ ــك عـ ـ ـشـ ـ ـي ـ ــري نـ ـ ــايـ ـ ــم!!‬ ‫وحــاول بال وعي أن يثب من مكانه‬ ‫ليرقص على إيقاع تلك األغنية العتيقة‬ ‫التي ما تــزال تــدوم في رأســه؛ إال إن‬ ‫سورة من الحزن استحوذت على الجدة‬

‫وراحت تطوّقه بذراع واهنة‪ ،‬وكادت لوال‬ ‫وجود ابنتها البكماء أن تجهش بالبكاء‪.‬‬ ‫كــان مشهدًا درام ـ ًيــا ثنائيًا مشحونًا‬ ‫باأللغاز المنيعة على إدراكي‪ ،‬والعصيّة‬ ‫على أمــي الجالسة إلــى آلــة الخياطة‬ ‫تنقل عينيها وتحاول ترجمة اإليماءات‪،‬‬ ‫بينما تبلل خيط النول وبحركة مدروسة‬ ‫تنظمه في اإلبرة‪ ،‬وتدير بيدها البَ َك َرةَ‬ ‫المعدنية‪ ،‬وبيدها األخرى تكسر حواشي‬ ‫القماش المتجعّد كموجة متجمدة دبت‬ ‫للتو فيها روح البحر‪ .‬كانت تقوم بذلك‬ ‫على نحو فريد‪ ،‬كتعويض أكثر بالغة‬ ‫مــن كــل الــكــلــمــات‪ .‬هــكــذا تتكلم على‬ ‫طريقتها وتريق دموعها الصامتة مع‬ ‫خطوط النول‪ ،‬وتخيط جراحها وتغلق‬ ‫على أسرارها بأزارير المعة مُحكمة‪،‬‬ ‫وتعرف متى تضع في غضون الثياب‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪53‬‬


‫ورد ًة أو شوك ًة أو فكر ًة أو تنهيدةً‪ .‬وكنت‬

‫أحيانا أسمعها تغمغم بأغنية غامضة تحشو‬

‫بها جيوب ثوبي العائم تحت ضربات اإلبرة؛‬ ‫فأقوم بمجاراتها وأحرك يدي بلغة اإلشارة‪،‬‬

‫وهــي تحرِّضني على مشاركتها مهاراتها‬

‫الخارقة‪ .‬كانت تغني بأصوات غير واضحة‬ ‫تماما‪ ،‬وكانت بهذه الطريقة وحدها تخفي‬ ‫عاهتها‪.‬‬

‫تمضغ هــذه الماعز المعدنية لفافات‬

‫القماش ثم تبدأ بالثغاء لتخرج من أحشائها‬ ‫قميصا أنيقًا بحواف‬ ‫ً‬ ‫معطفًا أو تــنــور ًة أو‬

‫مسن ٍَّنة‪ ،‬أو طاقي ًة مقصب ًة تشبه تلك التي‬

‫يجلبها الحُ جّ اج‪ .‬بينما أمكث لساعات أراقب‬ ‫حركات يديها المتقنة‪ ،‬وأغني‪:‬‬

‫جينا مــن الطايف والطايف رخا‬ ‫وال ـس ــاق ـي ــة ت ـس ـقــي يـ ــا س ـم ــا سـمــا‬ ‫وكانت ال تملك إال أن تبتسم ابتسامة‬

‫بيضاء تشبه وردة فلٍّ تدوم في الماء كأنها‬ ‫تسمعني‪ ،‬وكــأن صوتي الطفل يعود وت ـرًا‬

‫يشدني جنينا إلى أحشائها‪.‬‬

‫كانت مكنة الخياطة توأمها وسلواها‪ ،‬إذا‬

‫فرحت ذهبت لتحيك المالبس‪ ،‬وإذا شحبت‬ ‫مالمحها في لحظة حزينة لجأت لتطفئ‬

‫حزنها بالخياطة والغناء‪ .‬كانتا هي والمكنة‬

‫تتقاسمان العمل‪ ..‬اإلب ــرة تشد الخيوط‪،‬‬ ‫والبكرة تدور‪ ،‬وهي ترسم بالغناء التفاصيل‬

‫وتكوي التجاعيد‪.‬‬

‫* كاتب وقاص من السعودية‪.‬‬

‫‪54‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫أصبحتُ بمرور األيام أعرف مزاجها من‬ ‫الشكل النهائي للمالبس‪ ،‬وبقايا األقمشة‬ ‫الفائضة التي تشكل منها مفارش صغيرة‪،‬‬ ‫أو ترقع بعض الرتوق‪ ،‬أو توشي بها الوسائد‪،‬‬ ‫أو تحشو بها الدمى للبنات‪ ،‬وكنت أرى في‬ ‫خطوط الحناء الحمراء على كفيها طرقًا؛‬ ‫كلما أويتُ للنوم تسرو بي بعيدًا‪ ،‬وتسرد لي‬ ‫القصص بإيماءاتها المشفّرة وأترجمها من‬ ‫وحي خياالتي‪.‬‬ ‫تصنع القرويات عقدًا بأطراف مناديلهن‬ ‫يستخدمنها كذاكرة أخرى لمساعدتهن في‬ ‫ضبط مواعيد الصالة واألدوي ــة‪ ،‬والبحث‬ ‫عن المفقودات‪ ،‬لكن أمي كانت آلة الخياطة‬ ‫لها الذاكرة والصديقة وحصالة النقود وبيت‬ ‫األســرار وصندوق األغاني وعربة الزهور‬ ‫ومنبِّه الصالة‪ ،‬وهي ال تحيك الثياب فقط‪..‬‬ ‫بل تعيد بخبرتها رسم المقاسات وترميم‬ ‫األجساد المترهلة وإعادة إيقاع الحياة إليها‬ ‫يوم‬ ‫عبر هذا األزيــز الناعم‪ .‬قد أعثر ذات ٍ‬ ‫على اللغز المخبوء في جملة جدتي التي‬ ‫كالقرط المذهّ ِب في أذنــي؛‬ ‫ِ‬ ‫بقيت عالقة‬ ‫«أنت الذي كنت تتكلم حيث يجب أن تشتغل‬ ‫بصمت‪ ،‬وتصمت حين يجب الكالم»‪ ،‬فقد‬ ‫يتذكرها جــدي فــي إحــدى نــوبــات المساء‬ ‫ويفتح لي أزاريــر الحكاية؛ لكن المؤكد أنه‬ ‫على صواب‪ ،‬فنظرة األبكم هي وحدها التي‬ ‫تنضج البلح وتريق السكر في العذوق‪ ،‬وتضع‬ ‫الريش الناع َم‬ ‫َ‬ ‫للحمام المشرّد في الشبابيك‬ ‫والقم َح والهديل‪.‬‬


‫■ حضية عبده خايف*‬

‫لقاء‬ ‫حانت مراسيم الـــوداع؛ تقدمت وخلفي‬ ‫لــم يكن الــوقــت مناسبا‪ ،‬فقد كــان الجو بعض النسوة بدأت يداي بالرجفان والتعرق؛‬ ‫ماطراً‪ ،‬يومها حين رميت رأس السمكة في ثقلت خــطــاي؛ اقــتــربــت‪ ..‬رُف ــع الــغــطــاء عن‬ ‫أول مكب للنفايات عند منعطف الشارع؛ لم وجهها‪ ،‬نظرت إليها ثم أدرت ظهري‪.‬‬ ‫يكن سواه يختب ُئ تحت بعض الكراتين‪.‬‬ ‫ناداني صوت من خلفي‪ :‬ودعيها‪.‬‬ ‫نهض مــســرعــا‪ ..‬قفز لــلــصــنــدوق‪ ..‬حمل‬ ‫الكيس‪ ..‬وفر هاربا كمن فاز بغنيمة كبيرة‪.‬‬ ‫وحدة‬ ‫حين كتبت قصتي لم يكن سوانا من يسكن‬ ‫هــذه الغرفة‪ ،‬حتى الجيران لم نعد نعرفهم‬ ‫سير‬ ‫بعد أن بُترت قدمي اليسرى‪ ،‬إثر حادث ٍ‬ ‫منتصف السنة الماضية‪.‬‬

‫ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــص قـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــرة‬

‫ومضات سريعة‬

‫لم أعرف ماذا أفعل‪ :‬قلت لها ربما في وقت‬ ‫آخر‪..‬‬ ‫عال صوتها مرة أخرى‪:‬‬ ‫وهل ستجدينها؟‬

‫كانت آخر كلمة سمعتها قبل ثالث ساعات‬ ‫فــقــط‪ ..‬ك ــان لــي صــديــق‪ ،‬ظــل يجلب لي مضت من حالة التشنج التي انتابتني‪.‬‬ ‫الطعام كل يوم أو بعض األيام‪.‬‬ ‫إيجار‬ ‫ورغم نتانِته‪ ..‬إال أنه منحني األمل للعيش‪.‬‬

‫صرخ في وجهها بأعلى صوته‪ :‬اليوم هو‬ ‫إيميل‬ ‫قد ال تصلك مجموعتي القصصية كاملة‪ ،‬األخير لكم‪ ..‬وغدا سوف تُخلون البيت‪.‬‬ ‫ألنــي قــد أكــون فــارقــت الحياة‪ ،‬كما فارقني‬ ‫تعالت الصرخات والشتائم؛ وهي تتوسل‬ ‫األمل‪..‬‬ ‫إليه وأعين المارة تسترق النظر‪.‬‬ ‫أو أن الكهرباء فصلت بسبب القصف‪.‬‬ ‫منقذ لها‪.‬‬ ‫خرجت من الفزع بحثا عن ٍ‬ ‫أرشيف‬ ‫تذكرته‪..‬‬ ‫حين فتح مستقبِل إيميل هذا البريد‪ ،‬أيقن‬ ‫بحثت عنه فوجدته‪..‬‬ ‫أن عقل هذا الكاتب أصابه شيء‪.‬‬ ‫وقفت أمامه‪..‬‬ ‫قبل أن يحيله ِللَّجنة قام بتحديث جهازه‪،‬‬ ‫سألته‪ :‬أتذكرني؟‬ ‫وإعـ ــادة تشغيله‪ ،‬فقد كــان ضمن العنوان‬ ‫من أنت؟‬ ‫البريدي أنها ستصل على مجموعة‪:‬‬ ‫أعدت السؤال عليه؟‬ ‫(فكرة النص غير مفهومة لي)‬ ‫عزاء‬ ‫لم أرغب بالحضور ذاك المساء لكن كانت‬ ‫كل مصطلحات الشتائم تندلق من فمه‪.‬‬

‫أين البيت الذي أعطتك نقوده لتبنيه لها‬ ‫في الجنة؟‬ ‫ظل السؤال وغاب الجواب‪.‬‬

‫* قاصة من السعودية‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪55‬‬


‫القطــــــراتُ‬

‫التي تتسرب من شقوق في سقف الغرفة‪!..‬‬ ‫■ عمر بوقاسم*‬

‫أفتح النافذة وأغلقها‪ ،‬أغلقها وأفتحها‪ ،‬تخلقه الريح‪.‬‬ ‫لست مرتبكا‪ ،‬نعم‪ ،‬لست مرتبكا‪.‬‬ ‫أفتح النافذة وأغلقها‪ ،‬أغلقها وأفتحها‪،‬‬ ‫السماء تمطر‪ ،‬وال أثر لرائحة المطر‪،‬‬ ‫القطرات تتسرب من شقوق في سقف الغرفة‪،‬‬ ‫اآلن السماء تمطر‪.‬‬ ‫والقنوات اختفت ليس لها أثر على الشاشة‪.‬‬ ‫أفتح النافذة وأغلقها‪ ،‬أغلقها وأفتحها‪،‬‬ ‫أخـ ــمـ ــن‪ ..‬مـــا ج ــدي ــد ال ــع ــال ــم فـــي هــذه‬ ‫مط ٌر بال رائحة‪ ،‬نعم‪ ،‬ال أثر لرائحة المطر‪.‬‬ ‫منذ زمن بعيد جدا‪ ،‬لم أشم رائحة المطر‪ ،‬اللحظات‪..‬؟!‬

‫كان للمطر رائحة‪ ،‬نعم‪ ،‬لم يعد للمطر تلك‬ ‫تفصلني عن العالم القطرات التي تتسرب‬ ‫الرائحة‪.‬‬ ‫مــن شــقــوق فــي ســقــف الــغــرفــة لــلــحــظــات‪..‬‬ ‫الرائحة التي تجعلني منتشيًا‪ !..‬تجعلني ربما حل السالم في العالم العربي في هذه‬ ‫شقوق في‬ ‫ٍ‬ ‫أتجاهل القطرات التي تتسرب من‬ ‫اللحظات‪!!..‬‬ ‫سقف الغرفة‪.‬‬

‫ربما طرد آخر جندي روسي من األراضي‬ ‫بيت العنكبوت مزقته القطرات التي تتسرب‬ ‫من شقوق في سقف الغرفة‪،‬‬ ‫السورية في هذه اللحظات‪.‬‬ ‫الكتب التي استعرتها من األصدقاء أتلفتها‬ ‫ربما وقف اثنان وعشرون مغنٍّ عربي على‬ ‫القطرات التي تتسرب من شقوق في سقف‬ ‫خشبة المسرح لغناء أغنية «الحلم العربي» في‬ ‫الغرفة‪،‬‬ ‫القهوة أفق َدتَها مرارتها القطراتُ التي هذه اللحظات‪!..‬‬ ‫تتسرب من شقوق في سقف الغرفة‪،‬‬ ‫فجأة‪ ،‬أفتح النافذة وال أغلقها‪ ..‬والقطرات‬ ‫الــزاويــة التي انتخبتها لنومي وأحالمي‪ ،‬لــم تعد تتسرب مــن شــقــوق سقف الغرفة‪،‬‬ ‫احتلتها القطرات التي تتسرب من شقوق في‬ ‫والقنوات تعود للظهور على الشاشة‪.‬‬ ‫سقف الغرفة‪.‬‬ ‫آخر األخبار‪ :‬روسيا تبني قاعدة عسكرية‬ ‫***‬ ‫دائــمــة ضخمة بالقرب مــن ميناء طرطوس‬ ‫‪ ...‬ليس هناك «مجهول» يخفي ظله بجانب‬ ‫ظل الباب‪ ،‬إنه حجر‪ !..‬حجر عادي وضعته‪ ،‬السوري‪ ..‬ال شيء تغير‪ ،‬نعم‪ ،‬ال شيء تغير‪،..‬‬ ‫أنا‪ ،‬ليثبت الباب‪ ،‬ليكتم األزيز المزعج الذي وليس هناك مغنٍّ يقف على خشبة المسرح‪!..‬‬

‫‪56‬‬

‫ * كاتب وشاعر من السعودية‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــص قـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــرة‬

‫الوطنية أفعال ال أقوال‬

‫القصة الفائزة في المسابقة الوطنية للغة العربية ‪1439‬هـ‬ ‫التي نظمها المركز الوطني لتطوير تعليم اللغة العربية‬ ‫■ محمد صالح أحمد أبو عمر*‬

‫جلس الوالد سلمان مع أبنائه‪ :‬سعود ومحمد ونورة‪ ،‬يتابعون مجموعة مقاطع‬ ‫مرئية على مــوقــع الـيــوتـيــوب عــن الـيــوم الــوطـنــي؛ فرحين وفـخــوريــن بما حققه‬ ‫الوطن من نهضة علمية وحضارية وثقافية ال تقل عن حضارات العالم في الدول‬ ‫المتقدمة‪.‬‬ ‫قــال الــوالــد ألبـنــائــه‪ :‬الوطنية يــا أبنائي ليست أق ــوا ًال فـقــط‪ ،‬بــل هــي أفـعــال‪..‬‬ ‫فاألفعال تؤكد المعدن األصيل للمواطن السعودي الصالح‪.‬‬ ‫سعود‪ :‬وكيف يا أبي؟‬

‫األب‪ :‬يحكى أن أحــد الملوك في‬

‫ال‬ ‫األب‪ :‬سأحكي لكم قصة ستعلمون العصور القديمة أراد أن يضرب مث ً‬ ‫م ــن خــالــهــا كــيــف تــكــون الــوطــنــيــة البنه األمير كيف تكون الوطنية‪ ،‬ومن‬ ‫باألفعال؟‬ ‫محمد‪ :‬ما أعذب قصصك يا أبي!‬ ‫ففيها الكثير من الفوائد والعبر‪.‬‬ ‫نـــورة‪ :‬تفضل يــا أبـــي‪ ..‬كلنا آذان‬ ‫صاغية‪.‬‬

‫هو المواطن الصالح؟‬

‫فتنكر هو ووزيــره وابنه األمير في‬ ‫مــابــس مــجــمــوعــة مــن المسافرين‬ ‫عابري السبيل‪ ،‬وكان قد أمر الجنود‬ ‫لــيــا بــوضــع حــجــر كــبــيــر فــي طريق‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪57‬‬


‫الــنــاس‪ ..‬وتــنــحــوا جانبا إلــى ركــن بعيد‪ ،‬يوجد منفذ يستطيعون المرور منه‪ ،‬وبدالً‬ ‫وجلسوا يشاهدون رد فعل الــنــاس تجاه من أن يستغلوا شبابهم وقوتهم لزحزحة‬ ‫الحجر الموضوع في وسط الطريق‪.‬‬

‫الــحــجــر‪ ..‬جــلــســوا عــلــى جــانــب الــطــريــق‬

‫فمرت مجموعة من الناس تظهر عليهم يثرثرون ويتحدثون وينتظرون أن يأتي اهلل‬ ‫مالمح الثقافة والتعليم‪ ..‬وذلك من طريقة بالفرج من عنده‪.‬‬ ‫حديثهم وفصاحتهم والــقــراطــيــس التي‬

‫ثــم جــاء فــاح مــع مجموعة مــن رفاقه‬

‫يحملونها معهم‪ ،‬فــوجــدوا الحجر يسدّ‬

‫ذاهبين لحقولهم فــي أط ــراف المملكة‪،‬‬

‫عليهم الطريق‪ ،‬فأخذوا يعبرون عن حزنهم فــوجــد الحجر يسد طــريــق الــنــاس‪ ،‬وقد‬ ‫لتخلف بالدهم‪ ،‬وسوء الخدمات المقدمة كثر الزحام على قارعة الطريق‪ ،‬فلم يتكلم‬

‫في وطنهم‪ ،‬ويتباكوْن على أمجاد الماضي‪ ،‬كثيرًا‪ ،‬إنما نادى رفاقه والشباب على جانبي‬ ‫ولم يُعملوا عقولهم‪ ،‬أو يستفيدوا من علمهم الطريق‪ ،‬وتعاونوا جميعًا ليدحرجوا الحجر‬

‫لفعل شــيء يزيل ما يعوق طريق الناس‪ ،‬مرة بعد مرة‪ ،‬ويوجههم الفالح بابتسامته‪،‬‬ ‫فتركوا الحجر في مكانه‪ ..‬وعادوا من حيث حتى استطاعوا إزاحــة الحجر من طريق‬ ‫أتوا‪.‬‬

‫الناس وسط صيحات من الفرح والسرور‪.‬‬

‫ثم جــاءت مجموعة أخــرى يظهر عليها وبعد ذلك مضى الفالح‪ ،‬ولم ينتظر ثنا ًء من‬ ‫الــثــراء والــغــنــى‪ ،‬يلبسون أفــخــر الثياب‪ ،‬أحــد‪ ،‬سعيدًا بفرح الناس من حوله وبما‬

‫ويــركــبــون أجــمــل الخيول المزينة بــأنــواع حققه من إنجاز‪.‬‬ ‫الــحــلــي‪ ،‬لــيــجــدوا الــحــجــر يــســدّ عليهم‬

‫لكن الملك والــوزيــر واألمــيــر الصغير‬

‫طريقهم‪ ،‬فغضبوا غضبًا شديدًا‪ ،‬وسبوا أوقفوه‪ ،‬وعرّفه الملك بنفسه‪ ،‬وأعطاه صرة‬ ‫ولعنوا كل شــيء في وطنهم‪ ،‬وبعد موجة من الدنانير مكافأة منه لسلوكه اإليجابي‬

‫الغضب لم يبذلوا شيئا من أموالهم التي تجاه العائق الذي سدّ الطريق‪ .‬تهلل وجه‬ ‫زينوا بها الدواب فيستأجروا عماالً إلزالة الفالح وحمد اهلل وقــال للملك‪ :‬ما فعلت‬

‫الحجر‪ ،‬إنما انصرفوا وتركوا الحال كما هو يــا سيدي غير الــواجــب‪ ..‬وإمــاطــة األذى‬ ‫عليه‪ ..‬وعادوا أدراجهم‪.‬‬ ‫عن طريق الناس سنة نبوية على صاحبها‬ ‫ثــم جــاء فــوج آخــر مــن الشباب صغار أفضل الصالة والسالم‪ ،‬وأراد أن يعتذر عن‬

‫‪58‬‬

‫السن‪ ،‬ليجدوا الحجر يسد الطريق‪ ،‬وال أخذ الصرة‪ ،‬لكن الملك أص ّر على مكافأته‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫الذين ساعدوه‪ ،‬فازداد إعجاب الملك بفعل‬

‫محمد‪ :‬وإذا ما ذكــرت الوطنية يا أبي‬

‫الفالح‪ ،‬فأعطاه صرة أخرى لما يمتاز به علينا أن نــذكــر جــنــودنــا الــبــواســل الذين‬ ‫من خلق اإليثار‪.‬‬ ‫ضربوا أفضل األمثلة في حب الوطن‪ ،‬فقد‬ ‫والتفت الملك إلى وزيــره وابنه األمير ضحوا بأرواحهم فداء لهذا الوطن الغالي‪.‬‬ ‫الصغير قــائــا‪ :‬لقد ضــرب هــذا الفالح‬ ‫البسيط مثاال رائعًا للمواطن الصالح‪.‬‬

‫األب‪ :‬صــدقــت يــا مــحــمــد‪ .‬رح ــم اهلل‬

‫ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــص قـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــرة‬

‫فأخذ الفالح الصرة وقسمها على رفاقه حدائق ومتنزهات ومعالم حضارية‪.‬‬

‫شهداءنا‪ ،‬وحفظ جنودنا‪ ،‬وأعادهم سالمين‬

‫ننس يا محمد أن كل‬ ‫سكت األب وهو ينظر إلى عيون أبنائه غانمين ألهليهم‪ ..‬ولن َ‬ ‫التي تلمع من سعادتهم من جمال القصة ثم مَن يعمل ألجل هذا الوطن ال يقل وطنية‬ ‫قال ألبنائه‪:‬‬

‫عنهم‪ :‬فالمعلم في مدرسته‪ ،‬والمهندس‬

‫هل فهمتم اآلن معنى (الوطنية باألفعال في مصنعه‪ ،‬والطبيب في مشفاه‪ ،‬والعامل‬ ‫في ورشته‪ ..‬فالكل جنود يعملون من أجل‬ ‫ال باألقوال فقط)؟‬ ‫قالت نورة‪ :‬نعم يا أبي‪ .‬لقد حزنت من‬ ‫تخاذل أكثر من مجموعة من الناس تجاه‬

‫وطنهم‪.‬‬

‫سعود‪ :‬أبــي‪ ..‬لن أكــف عن الــدعــاء أن‬

‫الحجر‪ ،‬وفرحت بفعل هذا الفالح البسيط‪ .‬يحفظ اهلل هذا الوطن الغالي‪ ،‬وأن يوفق‬ ‫والدنا خادم الحرمين وولي عهده األمين‬ ‫سعود‪ :‬هل التغني بالقصائد والكلمات‬ ‫لكل خير‪.‬‬ ‫في حب الوطن ال يدل على الوطنية يا أبي؟‬ ‫الجميع‪ :‬آمين يا رب العالمين‪.‬‬ ‫األب‪ :‬مــن الــجــمــيــل يــا ســعــود قـــراءة‬ ‫األب‪ :‬هيا يا أبنائي فقد جاء وقت النوم‪،‬‬ ‫القصائد والكلمات في المناسبات الوطنية‪،‬‬

‫واألجمل أن يثبت من قالها وطنيته بحرصه وأمامكم يوم دراسي‪ ..‬فالوطن يحتاج طالباً‬ ‫تقدم بالعمل والكفاح والتفوق في كل نابهين يحققون آماله‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫على‬ ‫مجاالت الحياة‪ ،‬وعلينا أن نحافظ على‬

‫نــورة‪ :‬تصبحون على وطن الخير أرض‬

‫جمال بالدنا‪ ،‬وال نفسد ما تم إنشاؤه من الحرمين‪ ..‬المملكة العربية السعودية‪.‬‬ ‫* مدرّس في ابتدائية الرحمانية األهلية ‪ -‬سكاكا‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪59‬‬


‫لحظات ثكلى‬ ‫■ حليمه الفرجي*‬

‫لطالما قبلت بالنصف من كل شيء‪..‬‬ ‫نصف عشق‪..‬‬ ‫نصف رجل‪..‬‬ ‫نصف قبلة‪...‬‬ ‫ونصف حياة‪..‬‬ ‫ال شــيء بــعــدهــا‪ ..‬غير أنــي أعــود‬ ‫للظل ألرقبك تراقص أخريات‪ ،‬تقبلهن‬ ‫وتهديهن ورودا حمراء‪..‬‬ ‫أبدًا‪ ،‬لم أكن نصف امرأة ألقبل بكل‬ ‫هذا‪..‬‬

‫‪60‬‬

‫مللت جنبي وجلوسي بانتظار انتهاء‬ ‫مغامراتك‪ ..‬لتعود في كل مرة ملطخا‬ ‫برائحة امرأة أخرى‪..‬‬ ‫تــســتــطــيــع الـــمـــرأة مــعــرفــة وج ــود‬ ‫أخريات في حياة رجلها وتميز نكهتهن‪،‬‬ ‫تماما كما تميز رائحة قهوتها واختالف‬ ‫مذاقها في كل مرة تأتيها مختلفة‪..‬‬ ‫باردة‪ ..‬ال طعم وال لوناً‪..‬‬ ‫تضع فيها قطعتيّ سكر بــدال من‬ ‫واحدة البتالعها فقط‪..‬‬

‫ولكنه الخوف من الخسارة‪..‬‬

‫ال شيء تغير‪ ..‬ولن يتغير شيء‬

‫خشيت العودة لنقطة البداية وحيدة!‬

‫تتشابه عطور النساء‪..‬‬

‫ال شيء منك سوى بقاياك بداخلي‪..‬‬

‫ضحكاتهن‪..‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫وبقاياهن التي تحملها إليّ متبجحا المطر‪ ،‬وارتفعت ضحكات األخريات‪،‬‬ ‫بخيانتك‪..‬‬

‫ووقع أقدامهن وهن يرقصن بحرية‪..‬‬

‫طعم قبالتهن يمأل رائحة أنفاسك فتمضي لتخبرهن السر في تقييدي‪..‬‬ ‫ويتسلل إلى حلقي كريها يجبرني على‬ ‫تقيئِك من داخلي في كل مرة تقترب‬ ‫فيها مني‪..‬‬ ‫تعود منهمكا تشتكي لي شقاوتهن‪..‬‬ ‫أو كــان عليّ أن أحـ ِـس ـ َن االستماع‬

‫يا سيدي‪..‬‬

‫ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــص قـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــرة‬

‫أحمر شفاههن‪..‬‬

‫لترسل له نظراتك كلما تعالى صوت‬

‫أن ــا تــلــك الــمــرأة الــتــي رضــيــت أن‬ ‫تراقب العالم من خلف ستار نافذة‪،‬‬ ‫وتصفق لكل حماقاتك مع أخريات نلت‬

‫كامرأة اعتادت تحمّل عبثك وحماقاتك اعجابهن فقط؛ ألنــك تقيّد بالداخل‬ ‫أخــرى أكثر تمردًا منهن‪ ..‬حين كفّت‬ ‫طويال‪..‬‬ ‫أي وقاحة هذه التي تحملها؟!‬ ‫وأي صبر النساء هذا الذي استطعت‬ ‫التحلي به طول تلك السنين‪..‬‬ ‫اآلن يا سيدي‪..‬‬

‫عــن الــرقــص وخـــرس ص ــوت غنائها‬ ‫ومدت لك يدها‪..‬‬ ‫أعاجزة أنا عن كسر قيودك ا!‬ ‫هناك شيء قد كسر بداخلي غير‬

‫جاء الوقت كي أرحل كامرأة كاملة قلبي‪..‬‬ ‫ملّتْ تجميع أنصافك الحمقاء‪.‬‬ ‫جناحي‪،‬‬ ‫***‬

‫اكتفيت منك‪..‬‬ ‫وما يضيرك لو سرقت بضع كلمات‬ ‫من أفواه العشاق وأخبرتني بها كذبا‪..‬‬ ‫أعلم بأنك لص محترف منذ سرقت‬

‫حلمي وتحليقي‪..‬‬ ‫وهــذا العالم الــذي غــدا في عيني‬ ‫سجنًا من خوف‪..‬‬ ‫أعاجز أنت عن سرقة بضع كلمات‬

‫بعضي‪ ،‬ووضعته على الرف أمامك‪ ..‬من أفواه العشاق لتخبرني بها كذبا!!!‬ ‫* قاصة من السعودية‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪61‬‬


‫صديقي الناقد‬ ‫■ عمار اجلنيدي*‬

‫بعد أن اكتملت مجموعتي القصصية الحمام‪.‬‬ ‫التي أسميتها‪( :‬مسكوت عنهم)؛ قمت‬ ‫حــانــت مـ ّنــي التفاتة نحو األوراق‬ ‫بمراجعتها ألكــثــر مــن ث ــاث م ــرات‪،‬‬ ‫ورقة مكتوبٌ‬ ‫القريبة مني‪ .‬انتبهتُ إلى ٍ‬ ‫فشطبت الكثير مــن الجمل الــزائــدة‬ ‫عليها‪« :‬تقرير عن المجموعة القصصية‬ ‫ونقحت تلك المجموعة بشغف واهتمام‬ ‫(مسكوت عنهم)‪ ،‬مددتُ يدي واستللت‬ ‫وبعين الــمــبــدع والــنــاقــد م ـ ًعــا‪ ،‬وقمت‬ ‫التقرير‪ .‬قرأته على عجالة‪ ،‬صورته‬ ‫بدفعها إلى متخصص باللغة العربية‪،‬‬ ‫بكاميرا هاتفي النقال‪ ،‬ثم أعدته إلى‬ ‫لتنقيحها م ــن األخ ــط ــاء اإلمــائــيــة‬ ‫مكانه‪ .‬فاجأني أن التقرير مكتوبٌ‬ ‫تغص‬ ‫ّ‬ ‫والــنــحــويــة؛ فــوجــد المجموعة‬ ‫بخط يد صديقي الناقد الذي احتفظ‬ ‫بالكثير منها؛ ثم دفعتها إلى صديقي‬ ‫بمجموعة من أوراقــه النقدية‪ ،‬والذي‬ ‫الــنــاقــد الــمــتــخــصــص بــنــقــد القصة‬ ‫أحفظ شكلهُ‪ ،‬تمامًا مثلما أحفظ شكل‬ ‫القصيرة والرواية‪ ،‬الذي هاتفني مبديًا‬ ‫قائل إنها مجموعة خط يدي‪.‬‬ ‫إعجابه بمجموعتي ً‬ ‫شكوتُ أمر صديقي الناقد للعديد‬ ‫متفوقة جدًا‪ ،‬وإنها مجموعة فارقة في‬ ‫تاريخ القصة القصيرة المعاصرة‪.‬‬ ‫من أصدقائنا المشترَكين‪ ،‬أخبروني‬ ‫دفــعــت المجموعة لــدعــم نشرها أنــهــم اع ــت ــادو عــلــى هـــذا األمــــر من‬ ‫من مؤسسة متخصصة بدعم اإلبداع صديقي الناقد‪ ،‬وأنــه من السهل أن‬ ‫األدبـــي‪ .‬قــال لــي الــمــســؤول عــن دعم يبيعهم مقابل مُكافأة من مسؤول النشر‬ ‫النشر إنــه سيحيلها إلــى ناقد إلبــداء في المؤسسة‪ .‬اتصلت بصديقي الناقد‬ ‫الرأي بها‪ .‬بعد أسبوع زرته في مكتبه‪ ،‬وألمحتُ إليه أنني عرفت عن التقرير‬ ‫أخبرني أن المجموعة رفضها الناقد عن مجموعتي القصصية‪ .‬انهار انفعاالً‬ ‫ألنــهــا مــلــيــئـ ٌة بــالــتــفــاهــات واألخــطــاء وراح يشتم مسؤول النشر الذي أغراه‬ ‫بمكافأة مــن الــدرجــة األولـــى مقابل‬ ‫األسلوبية والتجنيسية‪.‬‬ ‫تقرير سيئ عن مجموعتي القصصية‪.‬‬ ‫لم أ ُعَ ِلّق ْ قطّ بتُ حاجبيّ ‪ .‬تشاغل‬ ‫انفرجت ُكرْبتي عندما عرفت أن‬ ‫مسؤول النشر ب ــاألوراق على مكتبه‪،‬‬ ‫فقرّب عددًا من األوراق ناحيتي‪ ،‬وأبعد ثمن خيانة صديقي الناقد لي كانت‬ ‫أخرى تجاهه‪ ،‬واستأذن بالذهاب إلى مكافأة من الدرجة األولى!‬ ‫ * قاص من األردن‪.‬‬

‫‪62‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــص قـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــرة‬

‫ُ‬ ‫معايدة‬ ‫بطاقة‬ ‫ٍ‬ ‫■ محمد الرياني*‬

‫جاءتني عبر البحر ولم تغرق‪ ،‬رسالة العيد والرسالة الناجية من الغرق دون‬

‫بيضاء مثل قلب صاحبها‪ ،‬مثل لون مكافأة‪ .‬عــادت الرسالة من الطريق‬ ‫الماء الثجّ اج‪ ،‬جــاءت من فــوق الماء‪ ،‬نــفــســه‪ ،‬الــخــطــو نــفــســه‪ ،‬والــمــشــاعــر‬ ‫عبر األمواج ولم تغرق‪ .‬كانت كالطيب نفسها‪ ،‬مرت من فوق البحر والبحر‬ ‫نفحً ا‪ ..‬فلم تهزمها رائحة البحر‪ ،‬ولم لم يتغير‪ ،‬زرقته األبدية‪ ،‬وأمواجه التي‬

‫ترمها األمــواج نحو األعماق‪ ،‬لم يرها تحتفل كما يفعل الفرحون بيوم العيد‪.‬‬

‫البحر الهائج ولم تره‪ ،‬جاءت مكنونة اطــمــأنــنــت أنــهــا ت ــج ــاوزت االخــتــبــار‪،‬‬ ‫داخــل صندوق محكم‪ ،‬لن يمحو ماء وصلت إلى حيث أتت‪ ،‬عرفت االحتفاء‬ ‫البحر مــدادهــا الــفــريــد‪ ،‬قــالــت وقد بها بكلمة أو نصف كلمة‪ ،‬لــم تترك‬

‫جاوزت اليم الهائج‪ :‬ما أجمل العيد في المشاعر لنصف الكلمة أن تكتمل‪.‬‬

‫وجودك! ما أجمله عيدًا يبادلك الحب! فرحنا سويا‪ ،‬تبادلنا التهاني‪ ،‬وقفنا‬ ‫تــضــع قلبك الــطــاهــر جـــوار بياضه‪ ،‬وبيننا اليَم‪ ،‬حال بيننا‪ ،‬ونحن نشاهد‬ ‫وحولك أزهــاره ووروده‪ ،‬قالت ودموع األمواج كيف ترسم في الليل لونًا يشبه‬

‫الــوجــد تمأل أطـــراف الــمــرســول‪ :‬لن فرحة العيد‪ .‬كانت األن ــوار من بعيد‬ ‫تغتال فرحتي في وجودك‪ ،‬ولن تموت ترسم أفراحً ا كما لم ترسمها من قبل‪،‬‬

‫بهجتي وأنت ترسم على كراسة العيد كــان يــوم العيد مختلفًا‪ ،‬جميع الذين‬ ‫عــا ًمــا بعد عــام عــبــارات التهاني‪ ،‬لم شهدوه كانوا يرقبون البحر‪ ،‬يتطلعون‬

‫أشأ أن أجعلها تعيش اللوعة‪ ،‬وفرحة نحو الطرف اآلخــر والسعادة تسطر‬ ‫العيد الــفــريــدة‪ ،‬لــم أشــأ أن يمر يوم للتاريخ المشهد الفريد‪.‬‬ ‫ * قاص من السعودية‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪63‬‬


‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫األخيرة‬ ‫الرسالة‬

‫■ هدى العتيبي*‬

‫سأكتبُ إليك‪..‬‬

‫ال أريد ان أبيعك واشتري نفسي!‬

‫نعم سأكتب إليك‪ ..‬دون انفعال أو صخب‪.‬‬

‫او أشتريك وأبيع نفسي‪!!..‬‬

‫ولكي أكون صادقه‪،‬‬

‫أتفهمني؟!!‬

‫كل تصرفاتي تجاهك‪ ..‬سواء كانت نقداً‪،‬‬ ‫سأكتب بدافع الحب‪ ..‬لعله يشفع لكتابتي‪.‬‬ ‫إلحاحاً‪ ..‬أم عتاباً!! كانت بدافع حبي لك‪..‬‬ ‫وبواقع الشوق‪ ،‬عساه يصلني بك‪.‬‬ ‫وبدافع هيامي وجنوني بك‪..‬‬ ‫لكن قلبي الذي يعتصر ألماً من بعدك‪..‬‬ ‫فأعصابي تحترق‪،‬‬ ‫يجعلني أتراجع عما سأكتبه‪ ..‬فعلى ما يبدو‪:‬‬ ‫وأنفاسي تضطرب‪،‬‬ ‫كنا نزرع في زمن تأخر حصاده‪..‬‬ ‫ودمي يغلي‪،‬‬ ‫***‬ ‫ونبضات قلبي تزداد‪..‬‬ ‫أحببتك‪ ..‬وطناً‬ ‫فقط من أجل سماع كلمة واحدة منك‪..‬أو‬ ‫لكن‪..‬‬ ‫اتخاذ خطوة جدية تجاه ما بيننا‪!!..‬‬ ‫لــن تجبرني أن أعيشك منفى‪ ..‬فأنت‬ ‫تمعن في غيابك‪ ..‬وفي ترك األمور معلقه‪..‬‬ ‫أحبك‪..‬‬ ‫لكنني‪:‬‬ ‫أحــب نفسي‪ ..‬وال أستطيع االستمرار‬ ‫بعالقة ليس لديك قناعة تامة في إخراجها‬ ‫من قالب الخفاء والظل‪..‬‬

‫‪64‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫صدقني‪..‬‬ ‫ضغط‬ ‫ٍ‬ ‫حديثي ليس تصعيدًا وال محاول َة‬ ‫عليك‪ ..‬بقدر ما هو محاوله أخيرة لتحويل‬ ‫هذه النهاية إلى نقطة بداية سعيدة‪ ..‬فما‬ ‫كان بيننا‪..‬‬ ‫ال يستحق أن ينتهي هكذا نهاية‪..‬‬ ‫وما جمعنا كان أطهر وأرقى حب عرفته‬


‫ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــص قـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــرة‬

‫لكن‪،‬‬

‫البشرية‪..‬‬ ‫عالم ال يعترف‬ ‫كان عشقاً ارتقينا به إلى ٍ‬ ‫بحدود جغرافية‪ ،‬أو أديان سماوية‪..‬‬ ‫كان حبك صادقاً‪..‬‬ ‫ومشاعرك ال غبار عليها‪..‬‬

‫باسم مَن نفخ الروح في جسدي ‪..‬أقسم‬ ‫أني‪:‬‬ ‫أحببتك‪..‬‬

‫ال بكل معاني النبل‪..‬‬ ‫وكنت معي نبي ً‬

‫نعم‪..‬‬

‫أعتذر عما ُ تراه أنت خطأ‪ ..‬واراه حقاً من‬

‫أحببتك‪ ..‬حد الجنون‬

‫حقوقي‪..‬‬ ‫أنــا ال أتــحــدث مــن منطق الضحية‪!!..‬‬ ‫فلست ضحية‪ ..‬وال أرضى أن أكون كذلك‪!.‬‬ ‫لكن‪...‬‬

‫ورغم الفراق‪..‬‬ ‫أحببتك‪..‬‬ ‫وسأظل أحبك‪..‬‬

‫قهرني موقفك‪!..‬‬ ‫بعدك‪!..‬‬

‫***‬ ‫سأبتعد‪..‬‬

‫غموضك‪!..‬‬ ‫فبكيت وحزنت‪ ..‬ومع هذا لم أ ُكسَ رْ‪!!..‬‬ ‫***‬ ‫سأبتعد‪..‬‬

‫وســأرتــب أوراقـ ــي مــن جــديــد‪ ..‬فــا بد‬ ‫للظالم أن يتقشع ويبزغ فجره‪..‬‬ ‫لينتَهيَ أل ٌم أحم ُل األم َل من بعده‪.‬‬

‫* قاصة ‪ -‬السعودية‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪65‬‬


‫داوي ألمي‬ ‫‪ρρ‬أحمداملتوكل بن علي النعمي*‬

‫َنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــفِّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــربـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وداوي ألـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ــي‬ ‫وانـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـث ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــري ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور وأح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي حـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ــي‬ ‫كـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ــي دم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ب ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ــدمـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫غـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت إال ع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــود ًة ت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــروي ال ـ ـ ـ ـ ـظ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ــي‬ ‫وامـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي عـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي غ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــارا وارفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي‬ ‫ع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن حـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ــب جـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًـا مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأم‬ ‫واذك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــري م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ب ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ــا م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن جَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذْ وةٍ‬ ‫خـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدت ولـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ــا ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ــي‬ ‫وأعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدي لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــؤادي وج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــده‬ ‫وارحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ض ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ــي ورِ قّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وا ْب ـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ــي‬ ‫واحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ــي ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو أج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواز الـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـض ـ ـ ـ ــا‬ ‫بـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدم ـ ـ ـ ـ ــا أسـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـطـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ــي ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي الـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم‬ ‫خـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــؤس ع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوى‬ ‫وتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادى ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي اسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاب الـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـغ ـ ـ ـ ــم‬ ‫لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم أع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد أرس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم فـ ـ ـ ـ ـ ـ ــال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــون ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذي‬ ‫أل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــب الـ ـ ـ ـ ـ ـ ــريـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة أدمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرسـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ــي‬ ‫وب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدا ُحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ــو الـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ــا مـ ـ ـ ـخـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـطـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ــا‬ ‫وجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ــى الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر الـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم‬ ‫طـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــال لـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم أذق فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ــه الـ ـ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرى‬ ‫ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــابـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـً ـ ـ ـ ــا خـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــف ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــف الـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم‬

‫‪66‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر‬

‫أن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ت ـ ـ ـ ـ ـ ـط ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــابـ ـ ـ ـ ـ ــه م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا راق ل ـ ـ ــي‬ ‫غـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ــره ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي عَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـر ٍَب أو عـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم‬ ‫بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّـت أش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو وأنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادى والـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫يـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ــع الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوت ون ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور األن ـ ـ ـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم‬ ‫وأرى بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِّث ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيَ ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرَّ بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫وه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ص ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ــت ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيّ ال ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ــم‬ ‫فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــانـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزوت ُب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدً ا وف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي أع ـ ـ ـ ـ ـطـ ـ ـ ـ ــاف ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫جـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوة الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــائـ ـ ـ ـ ــي ول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ــم‬ ‫ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ظـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍـة ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاردة‬ ‫ع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ ٍّـب ح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــائ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر مـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـِ ـ ـ ـ ِـم‬ ‫لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت أرض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى ب ـ ـ ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ ـ ــا ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا غ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادة‬ ‫مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـت قـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ــي وش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدّ تْ مـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـم ـ ـ ــي‬ ‫إنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي أسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ــت قـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ــي ط ـ ـ ـ ــائـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ــا‬ ‫رغ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم وضـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍـع ث ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــائ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرٍ مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـضـ ـ ـ ـ ـط ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرم‬ ‫أي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــان ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو ّد ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ذق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت ف ـ ـ ــي‬ ‫أمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه ع ـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ــا تـ ـ ـ ـ ـ ـ ــشَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـظـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي دمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي؟‬ ‫و احـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي س ـ ـ ـ ـ ـ ــاكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًب ـ ـ ـ ـ ـ ــا ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي خ ـ ـ ـ ــافـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ــي‬ ‫ك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى ل ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاء الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪67‬‬


‫ض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ــك ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــده ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر بـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وان ـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ـضـ ـ ـ ـ ـ ــى‬ ‫بـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد أن م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنَّ ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى مـ ـ ـ ـغـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ــم‬ ‫عـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه ي ـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ـ ـ ــب ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي يـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــومـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ــى‬ ‫وغ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدي ره ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌـن ب ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم أفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ــم‬ ‫ر ُّب ه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمٍّ ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيَ ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو أبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه‬ ‫فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــك مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا واص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت هـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ــر الـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ــدم‬ ‫بـ ـ ـ ـ ـ ـئـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ــا واج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاه ـ ـ ـ ـ ــل‬ ‫فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــه أرج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ــرة الـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ــم‬ ‫س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــامـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ذل ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوى واقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي‬ ‫ـوان ل ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــراق الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــؤل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم‬ ‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬ ‫أيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــظ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن سـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرتـ ـ ـ ــه‬ ‫ب ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد أن جـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّلـ ـ ـ ـ ـ ــى جـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــع الـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ــم‬ ‫عـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذره واهٍ وف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي قـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه‬ ‫م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواري س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوء ًة م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرم‬ ‫س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوف تـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ــن مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ــا ج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرى‬ ‫بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ــا فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ــي ولـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ــي‬ ‫أن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي مـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـظ ـ ـ ـ ـ ــرٌ م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا كـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ــت ب ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ‬ ‫د أنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاك فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــودي وانـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ــي‬ ‫* شاعر من السعودية‪.‬‬

‫‪68‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫‪ρρ‬شاهر ابراهيم ذيب*‬

‫ـاق‬ ‫ِمـ ـ ــن ّأي ـ ـ ـ ــنّ ّأب ـ ـ ـ ـ ــد ُأ قِ ـ ـ ـ َّـص ـ ـ ـ َة الـ ــعُ ـ ـ َّـشـ ـ ِ‬

‫ـواق‬ ‫ـض ــحُ كِ ـ ـ ْت ــمَ ـ ـ َة األ َْشـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫وَالـ ـ ُـحـ ـ ُّـب َي ــفْ ـ َ‬

‫ِم ـ ــن أَيـ ـ ـ ــنَ أَب ـ ـ ـ ــد ُأ وَالـ ـ ِـح ـ ـكـ ــايـ ــةُ كُ ـ ُّل ـ َه ــا‬

‫ـاق‬ ‫أَ ِّنـ ـ ـ ـ ــي حَ ـ ــنِ ـ ـ ـ ْي ـ ـ ٌـن هَ ـ ـ ـ ـ ــا َم فِ ـ ـ ــي اآل َفـ ـ ـ ـ ـ ِ‬

‫ـواح ـظــي‬ ‫مَ ــا زالَ دَمْ ـ ِـع ــي َيـسـتـبـيــحُ َلـ ِ‬

‫ـراق‬ ‫َت ـ ـ ـ ـو ٌْق َي ـ ِـسـ ـي ــحُ بِ ـ ـ َقـ ـ ْـطـ ــرِ هِ ال ـ ِـم ـ ْـح ـ ِ‬

‫ـداج مَ ــن أَكُ ـ ـ ـ ُّـن َل ـه ــا ال ـ َه ــوى‬ ‫َت ــاهَ ـ ْـت بِ ـ ـ ـ ٍ‬

‫ـاق‬ ‫وَال ـ ـ ـ َه ـ ـ ـجـ ـ ــرُ طَ ـ ـ ـ ـ ــالَ بِ ـ ـلـ ـيـ ـل ــهِ األَفّ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬

‫أُمْ ـ ِـس ــي َوق ـلــبِ ــي فِ ــي جَ ــمَ ــالِ ـ ِـك مُ ــغْ ـرَمٌ‬

‫فَسَ لي الــنُّ ـجــو َم ُتـ ِـجـ ْبـ ِـك َكــم أَشــواقِ ــي‬

‫َت ـبـ ِـديــنَ َكــالـفـجــرِ الــمُ ـ َعـ َّـشـ ِـق بِ ــالـ َّنـدَى‬

‫وَأوابـ ـ ـ ـ ـ ــدُ الـ ـ ــدَّ هْ ـ ـ ــرِ ال ـ ــطَ ـ ــوِ ي ـ ـ ِـل َرو َِاق‬

‫ـامـخـ ًا َف ــوقَ ال ــذُّ رَى‬ ‫َيـ ْـخـ َتــالُ ذِ ك ــرُ ِك شَ ـ ِ‬

‫عَ ـ ـنـ ـق ــاءُ أ َْص ـ ـ ـ ُلـ ـ ـ ِـك َثـ ــابـ ـ ُـت األَعْ ـ ـ ـ ـ ـ ـر َِاق‬

‫ـات ال ـ َه ـوَى فِ ــي ِخ ــدْ رِ هَ ــا‬ ‫َتــغْ ــفُ ــو ِح ـكــايـ ُ‬

‫َو َي ـ ـنـ ــوءُ َل ـي ـلـ ِـك بِ ــال ـ َّـض ـ َن ــى ال ـ ِـم ـه ـر َِاق‬

‫روب َل ـهــا حَ ـم ـيــمُ خَ ــواط ــرٍ‬ ‫ـك ال ـ ـ ــدُّ ُ‬ ‫تِ ـل ـ َ‬

‫ـاق‬ ‫َل ـ ـ ـ َهـ ـ ـ ٌـج َتـ ـ ـ ـأ ََّص ـ ـ ــلَ بِ ـ ــالـ ــحَ ـ ـنـ ــاجـ ــرِ َب ـ ـ ـ ِ‬

‫ـضــمَ ــا‬ ‫َن ـ ْبــعُ الــجَ ـ ِـه ـيــرِ (‪َ )1‬ي ـ ِّئــنُ أَعْ ـي ــا ُه الـ َ‬

‫وب سَ ــاقــي‬ ‫َك ـ ــمْ ك ـ ــانَ َيـ ـ ــروي ِمـ ــن عُ ـ ـ ــذُ ٍ‬

‫لوعي شَ هقَةٌ‬ ‫بُصرى ُسهول ُِك فِ ــي ُض ِ‬

‫ـاق‬ ‫َون ـس ـي ــمُ ُص ـب ـ ِـح ـ ِـك َن ـب ـضــةُ ال ــخَ ــفَّ ـ ِ‬

‫َواج زَاحَ ـ ـ ـه ـ ــا ر َُّب الـ ــدُّ َنـ ــا‬ ‫َك ـ ــم ِم ـ ــن د ٍ‬

‫ـراق‬ ‫ـاإلشـ ـ ِ‬ ‫ـس ُل ـق ــا َن ــا بِ ـ ـ ْ‬ ‫ـض شَ ـم ـ ُ‬ ‫لِ ـت ـف ـيـ َ‬

‫شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر‬

‫َأ ْن ِت َأ ْن ِت‬

‫* إستشاري في األمراض الجلدية والمعالجة في الليزر‪-‬الجوف‪.‬‬ ‫عشرات السِّ نين‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫عذب في بُصرى الشَّ ام كان يروي أه َل المَدينةِ على مَدى‬ ‫ٍ‬ ‫(‪ )1‬نب ُع الجَ هِ يرِ ‪ :‬هو نب ُع ماءٍ‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪69‬‬


‫ارتباك‬ ‫‪ρρ‬أروى املهنا*‬

‫تتجمع األفكا ُر‬ ‫في رأسي‬ ‫المُ جهد‬ ‫الفرح في جهة‪..‬‬ ‫واليأس في الجهة المقابلة‬ ‫ولوهلة أتوهم بأن العالم‪..‬‬ ‫مدرك ًا جيد ًا‬ ‫هذا التيار‬ ‫‪..‬‬ ‫تربكني‬ ‫مدينة بعيدة‬ ‫‏انقبضت‬ ‫‏على نفسها‬ ‫‏ قبل أن يلفظها القدر‬ ‫…‬ ‫عالمي مزدحم‬ ‫الصور صاخبة‬ ‫الشارع ال يهدأ‬ ‫وأنا ما زلت ألهث معهم‬ ‫…‬ ‫في الصمت‬ ‫مسافات‬ ‫ال يعول عليها‬ ‫وال يمكن قطعها‬ ‫…‬ ‫الشعر‬ ‫يقودني ّ‬ ‫آخر الليل‬ ‫لبؤرة عميقة‬ ‫يطفو على سطحها‬ ‫وجه حزين‬ ‫…‬ ‫الحماقات كثيرة‬ ‫لكنها سرعان‬ ‫ما تتبدد‬ ‫في فضاءات األسئلة‬ ‫…‬ ‫أؤمن بأن القوة‬ ‫تكمن‬ ‫بترويض كل هذا الصخب‬ ‫المنتشر في األعماق!‬ ‫ * شاعرة من السعودية‪.‬‬

‫‪70‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫‪ρρ‬سليمان الفيفي*‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ــا خـ ـ ـ ـ ـ ــانـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـك ال ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ــض ل ـ ـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ـ ــنْ خـ ـ ـ ـ ـ ــانـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـت الـ ـ ـ ـ ُـجـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ــل‬ ‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ــل تـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ــدي ـ ـ ـ ـ ــن مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا أودى بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه الـ ـ ـ ـ ـ ــزلـ ـ ـ ـ ـ ــل‬

‫شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر‬

‫ُ‬ ‫النبض‬ ‫خانك‬ ‫ما‬ ‫ِ‬

‫أن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلٌ ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــب ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت أعـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرفـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه‬ ‫هـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل َيـ ـ ـ ـ ـ ـغـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ــلُ الـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ــب م ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ــا ذنـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ــه األجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل؟‬ ‫تـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ــم فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي كـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل واد أحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي نـ ـ ـ ـ ــزقـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫وال ي ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــم سـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوى ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي َن ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ـضـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـك األمَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلُ‬ ‫سـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ــائ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌـب مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن أس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــىً ب ـ ـ ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ــوح مُ ـ ـ ـ ـثـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـل ـ ـ ــة‬ ‫إلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـك ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي أي وادٍ أمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـط ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرت َت ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ــلُ‬ ‫إذا‬

‫َت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــب ح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي غ ـ ـ ـ ـ ــوايـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ــه‬ ‫فـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ــس ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا قِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ــة األش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــار يـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـق ـ ـ ــل‬

‫ق ـ ـ ـ ـ ـ ــول ـ ـ ـ ـ ـ ــي لـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـي ـ ـ ــك كُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـ ـ ـ ــا ع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن م ـ ـ ـعـ ـ ــاق ـ ـ ـب ـ ـ ـتـ ـ ــي‬ ‫ول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرى ال ـ ـ ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ــر إال وه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو ي ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ــلُ‬ ‫هـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ــي مـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ــك ع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدً ا آب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــقً ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ن ـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ــدت‬ ‫بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــائـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل‪ ،‬وهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو اآلن مُ ـ ـ ـ ـ ـ ــعْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َت ـ ـ ـ ـ ـ ـ َقـ ـ ـ ـ ـ ــلُ‬ ‫ظ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــايـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن رق يُ ـ ـ ـ ـ ـخـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ــه‬ ‫حـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ــى رم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدى مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوالتِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه ال ـ ـ ـ ـ ـ ِـحـ ـ ـ ـ ـ ـ َي ـ ـ ـ ـ ــل‬ ‫ظ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل ي ـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ــي ع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن أح ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ــه‬ ‫ف ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ــم ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزل ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي أق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـغ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيِّ َيـ ـ ـ ـ ــرت ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ــلُ‬ ‫ع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدي بـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ــك ي ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ــو وه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو م ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ــرحٌ‬ ‫ف ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ــام ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ــي إذا م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا خـ ـ ـ ـ ــان ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــحَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوَلُ‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪71‬‬


‫م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا كـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ــت أزم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــع ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي أن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـثـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى مـ ـ ـ ـ ـ ـغ ـ ـ ـ ـ ــازل ـ ـ ـ ـ ــة‬ ‫ـرك ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـغـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزلُ‬ ‫إال ويـ ـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ـ ــم أنْ ال غـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫وال انـ ـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـ ـ ـغـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ــت بـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ــن حـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ــن أبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ــره‬ ‫إ ّال وروح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيءٍ مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـك ت ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ـغـ ـ ـ ــلُ‬ ‫وال َت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــثَّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـت وج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهً ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي م ـ ـ ـخ ـ ـ ـي ـ ـ ـل ـ ـ ـتـ ـ ــي‬ ‫إال ووجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــك أب ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ــى ح ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــن َي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــثِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلُ‬ ‫ك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوه ل ـ ـ ـ ـ ـ ــديـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ــا م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن مُ ـ ـ ـ ـ ــاحـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ــه‬ ‫ون ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوره الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتَّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـم وهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد ُر مُ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ــلُ‬ ‫وي ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ــوي ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ــا وي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـغ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي عـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ح ـ ـ ـ ـ ــاوتـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫ك ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ــا حـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوى ك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل أزهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــار ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى الـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ــلُ‬ ‫ـوت ب ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ــن أو ه ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـت بـ ـ ــه‬ ‫فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــإن خ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ‬ ‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ــي الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ــوم قـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ــت أن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا وال ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ــب نـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ــلُ‬ ‫أنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزالل وأنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــروح صـ ـ ـ ـ ـ ــاعـ ـ ـ ـ ـ ــدة‬ ‫ن ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ــو ال ـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ــاء وهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َغـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّـي وال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َز َلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلُ‬ ‫فـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرزخ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ــب ال ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي َء س ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ــعُ ل ـ ــي‬ ‫إال ان ـ ـ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ــاري لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدى عـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ْي ـ ـ ـ ـ ِـك وال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوَجَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلُ‬ ‫َي ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــقُ ب ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ـ َّنـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ــس م ـ ـ ـ ـ ـ ــا َتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َت ـ ـ ـ ـ ـ ــادُ م ـ ـ ـ ـ ـ ــن عَ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ــل‬ ‫وال َت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرُّ سـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوى أصـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ــابِ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ــا الـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ َيـ ـ ـ ـ ـ ــلُ‬ ‫ـدرك ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر َء م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن أعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدائـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه خ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ــلٌ‬ ‫ال يُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫ح ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ــى يُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـخ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلَّ بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه م ـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ــاه وال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلُ‬ ‫ـرف م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا دام حـ ـ ـ ــاسـ ـ ـ ــدهـ ـ ـ ــا‬ ‫ـس ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬ ‫والـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ‬ ‫وف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدُ ه ورضـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاه الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادحُ الـ ـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ــلُ‬ ‫ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ويـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــح ع ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ــيَ م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن قـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ــي يـ ـ ـ ـ ـ ـُ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــارزه ـ ـ ـ ــا‬ ‫وويـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــح ق ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ــيَ م ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ــا ُت ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ــر ال ـ ـ ـ ـ ـ ــمُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َق ـ ـ ـ ـ ـ ــلُ‬ ‫‪72‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫ألن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن حـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ــب الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ــب تـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـح ـ ـ ــل‬

‫يـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــده عـ ـ ـ ـ ـ ـ ـطـ ـ ـ ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ـ ـ ــا لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاء رؤيُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه فـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ــم مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ثـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـِـ ـ ــلُ‬

‫شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر‬

‫ـارات عـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ــى هـ ـ ـ ـ ــدبـ ـ ـ ـ ــي‬ ‫يـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــود قـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ــي غـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬

‫ت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرى ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــام ولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ال سـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ــل ل ـ ـ ــه‬ ‫وي ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ــر الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َء مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــار ف ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ــلُ‬ ‫ـروس لـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ــي ض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد راح ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫ح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرب ضـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌ‬ ‫أنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ال ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــل بـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ــا والـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــح الـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـط ـ ـ ـ ــلُ‬ ‫نـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ــاجـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ــا أحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرف ك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد ِّر إن ح ـ ـ ـم ـ ـ ـيـ ـ ــت‬ ‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاري م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد ت ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ــو ث ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم ت ـ ـ ـن ـ ـ ـص ـ ـ ـقـ ـ ــلُ‬ ‫حـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ــي مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن الـ ـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ــر داءً أن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه ُج ـ ـ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـ ـ ــلٌ‬ ‫تـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزيـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد ح ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ــا إذا زادت ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـ ــعِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َل ـ ـ ـ ـ ــل‬ ‫أحَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرُّ مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ــه إذا ألـ ـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ــتُ ـ ـ ـ ـ ـ ــه ِح ـ ـ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـ ـ ــمً ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫َص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌـت َيـ ـ ـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ــلُ ِع ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ــا ًبـ ـ ـ ـ ـ ــا لـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــس يُ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ َتـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ــل‬ ‫ون ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـظـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرةٌ لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن عـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــك م ـ ـ ـ ـغ ـ ـ ـ ـض ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ــةٌ‬ ‫فـ ـ ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ـ ــروح فـ ـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ــث أو فـ ـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ِـت ُتـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ َتـ ـ ـ ـ ـذَلُ‬ ‫ـوى‬ ‫لـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ــد هـ ـ ـ ـ ـ ـطـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ُـت عـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ــى كـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــك غـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ــث هـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ً‬ ‫هـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـطـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرةٌ فـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأبـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلُّ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِّري ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــقَ أو أجَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلُ ؟‬

‫* شاعر من السعودية‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪73‬‬


‫ليان‬ ‫‪ρρ‬سما يوسف*‬

‫الروح‬ ‫ِ‬ ‫يا قطعةً مني ويا بعض ًا من‬ ‫سافرت بي نحو النوى‬ ‫ِ‬ ‫لآلهات‬ ‫ِ‬ ‫ورحلت‬ ‫ِ‬ ‫مجروح‬ ‫ِ‬ ‫ليتك لي تعيديني وقلبي غير‬ ‫ِ‬ ‫ال أستطيع البع َد عن عينيك ثانيةً‬ ‫وال أقوى الفراقَ المرَّ‬ ‫عنك مفضوحٌ‬ ‫صبري ِ‬ ‫مفضوح‬ ‫ِ‬ ‫ومالي عنك صبرٌ غيرُ‬ ‫يا قطعةً مني ويا وج َه الحياةِ الحلو‬ ‫الربيع‬ ‫ِ‬ ‫يا ور َد‬ ‫وزه َر غفواتي وتصبيحي‬ ‫الخمري ألقاني‬ ‫ّ‬ ‫في ثوبِ ِك‬ ‫وفِ ي ألعابِ ِك الالتي معي حن ّْت‬ ‫للروح‬ ‫ِ‬ ‫حنين الروح‬ ‫نامي هناك‬ ‫وفِ ي عيوني هاهنا نامي‬ ‫وفِ ي صدري‬ ‫وفِ ي كفي وتلويحي‬ ‫ * شاعرة من السعودية‪.‬‬

‫‪74‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫‪ρρ‬حامد أبو طلعة*‬

‫تقولُ ‪ :‬أَلَمْ تَقْ بَلْ !؟‬ ‫فقلت‪ :‬وأَقْ بِ لُ‬ ‫ُ‬ ‫ض يَقْ بَلُ !‬ ‫ليس واألقدا ُر تَعْ رِ ُ‬ ‫َ‬ ‫ومَ نْ‬ ‫فُ ِديتَ ‪ ،‬أجبني‬ ‫قلت‪ :‬سمع ًا وطاعةً‬ ‫ُ‬ ‫ومَ نْ لَمْ يُ ِجب ِْك إذاً!‬ ‫وم ْثل ُِك ي َْسأَلُ !‬ ‫ِ‬ ‫ألستَ ترى شَ عري َك َلي ٍْل سوادُ هُ!؟‬ ‫فقلت‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫اح َتلُكِ يْ ‪..‬‬ ‫بل ْ‬ ‫ف َل ْيل ُِك أَ ْليَلُ‬ ‫فكيف يكونُ ذا‬ ‫َ‬ ‫مُ قَا َرنَةٌ ِض ْيزَى ِ‬ ‫كموج البحرِ ) أرخى وأ َْسدَلُ !‬ ‫ِ‬ ‫(ليل‬ ‫بـ ٍ‬ ‫وماذا عن البَدْ رِ التَّ مَ امِ !؟‬ ‫تقولُ ليْ ‪-‬‬‫فقلت لها‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫عُ ذْ َراً‪َ ،‬فو َْجهُ ِك أَكْمَ لُ‬ ‫أليس تَمَ امُ البَدْ رِ يومٌ وآفلٌ !؟‬ ‫َ‬ ‫ليس واهللِ َيأْفلُ‬ ‫ووجهُ ِك بَدْ ٌر َ‬ ‫وماذا عن الثَّ غْ رِ المُ خَ ِّض ِل لَونُهُ !؟‬ ‫فقلت‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫دَمَ ًا‬ ‫والثَّ غْ رُ أَدْمَ ى وأ َْخ َضلُ‬ ‫ُضرَةِ الخَ دَّ ي ِْن!؟‬ ‫وعن ن ْ‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر‬

‫كموج البحر)‬ ‫(ليل‬ ‫بـ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬

‫‪75‬‬


‫قلت‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫العيون وأ َْجمَ لُ‬ ‫ِ‬ ‫رَبِ يعُ هَا لعمريَ أ ْبهَى في‬ ‫وعَ ْينَيَّ !؟‬ ‫قلت‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫اهلل بَالِ غُ أمْ رِ هَ ا‬ ‫فلست إذا شَ َّبه َُت طَ ْر َفي ِْك أَعْ ِدلُ‬ ‫ُ‬ ‫وجِيْدُكِ‬ ‫الح ِّب‬ ‫يا حَ مَّ ا َل َة ُ‬ ‫ِجيْدُ هَ ا على ِجي ِْد ظَ ب ٍْي‬ ‫ال (أَعَ زُّ وأ َْطوَلُ )‬ ‫فللهِ ِ ْمنْ ن َْحرٍ‬ ‫وممَّ ا ي َُشدُّ ُه‬ ‫ِ‬ ‫الج َّلنَار‬ ‫ِمنْ ُ‬ ‫السجَ نْجَ لُ !‬ ‫َتَّقيْهِ َّ‬ ‫َفي ِ‬ ‫َاس‬ ‫ومنْ شَ هْ قَةِ األ ْنف ِ‬ ‫ِ‬ ‫حَ ي ُْث جَ مَ عْ تُ هَا‬ ‫مُ هَفْ َهفَة الب َْط َني ِْن‬ ‫والخَ ْصرُ أَعْ زَلُ‬ ‫السا َقي ِْن َي ْرتَجُّ فيهما‬ ‫ومنْ َتيْنِ ِك َّ‬ ‫ِ‬ ‫َاب في الحَ يِّ خَ لْخَ لُ‬ ‫على مَ ْشيَةِ األعْ ر ِ‬ ‫ْض بِ َقلْبِ هِ‬ ‫ومنْ شَ اعرٍ أَ ْودَى القَرِ ي ُ‬ ‫ِ‬ ‫وأ ْودَى بهِ ِشعْ َر ًا أَغَ رُّ مُ حَ َّجلُ !‬ ‫* شاعر من السعودية‪.‬‬

‫‪76‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫‪ρρ‬جنود حسني*‬

‫تراودني فكرة االنتقام من حظي السيء‬ ‫الذي يرافقني‬ ‫في الحب وفي الكتابة‬ ‫الحظ الذي أقنعني بعد رحيلك‬ ‫أن أقتلع جذور حبك‬ ‫من داخلي‪..‬‬ ‫حينها نعم تجاوزتك ‪ ..‬وعبرت حدودك‪..‬‬ ‫انتفضت كاإلعصار‬ ‫ُ‬ ‫وبكل ما أوتيت من قوة‬ ‫وظننت نسيت عشقك المتّرع باألشواك‬ ‫و«نسيتك أنت»‬ ‫وما أن التقينا صدفة‬ ‫خانني الحظ وأوقعني فيك من جديد‬ ‫عدت واحتماالت الفراق كانت تلوح لي باألفق‪،‬‬ ‫عدت رغم ذكريات األمس التي كانت عكس رغبتي‪.‬‬

‫شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر‬

‫ في داخلي نبضك لم يزل‬

‫أتعلم‬

‫أنا ال أعتب على قلبي بل على حظي الذي جعلني أُحلِّق نحو‬ ‫السماء وأنا أغني‪..‬‬ ‫ومن ثم أسقطني‬ ‫تضعضعت»‬ ‫ُ‬ ‫«لكن ال تظن بأني‬ ‫أقسمت أن أتكئ على بقايا قوتي‬ ‫واقف بعد سقوطي‪.‬‬ ‫أقسمت بأن تكون نسيا منسيا‬ ‫وأتخذ من قلبك مسرحا لرقصتي‪..‬‬ ‫وأن ألقي بسالسل قيدك من معصمي‪.‬‬ ‫لكن تذكر‪..‬‬ ‫لم يبق لي من الماضي إال أنت‬ ‫والكثير من القصائد‪ ..‬والقليل من الرسائل‪..‬‬ ‫وحظي السيء الذي ما يزال يرافقني‪.‬‬ ‫ * شاعرة من السعودية‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪77‬‬


‫طواف الورد‬ ‫‪ρρ‬محمد عسيري*‬

‫ح ـ ـ ـ ــجَ ـ ـ ـ ـ ـزَتْ بِ ـ ـ ـ ـ ـ ــهِ األزم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــانُ أجـ ـ ـ ـم ـ ـ ــلَ ت ـ ــذك ـ ــر ْه‬ ‫نـ ـ ـح ـ ــو ال ـ ـ ـخ ـ ـ ـلـ ـ ــودِ لـ ـ ـم ـ ــن يـ ـ ـ ـش ـ ـ ــا َء الـ ـ ـ ّت ـ ــذك ـ ــره‬ ‫وتـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ّتـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ْـت م ـ ـ ـ ـ ْنـ ـ ـ ــه الـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـص ـ ـ ــائ ـ ـ ــدُ ن ـص ـف ـه ــا‬ ‫قـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ــمٌ ‪ ،‬ونـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ٌـف يـ ـ ــرت ـ ـ ـج ـ ـ ـيـ ـ ــهِ ال ـ ـ ِـمـ ـ ـحـ ـ ـب ـ ــر ْه‬ ‫ـوك مَ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ــاقـ ـ ـ ـب ـ ـ ــا ومَ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ــازال‬ ‫عـ ـ ـ ـط ـ ـ ــر الـ ـ ـ ـ ــمُ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫روض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ِمـ ـ ـنـ ـ ـب ـ ــر ْه‬ ‫ً‬ ‫وال ـ ـ ـ ـطـ ـ ـ ــائـ ـ ـ ـ ُـف الـ ـ ـ ـ ـ ـخ ـ ـ ـ ـ ـ ّـاقُ‬ ‫ورد الـ ـ ـ ّـش ـ ـ ـفـ ـ ــا ورد الـ ـ ـ ـه ـ ـ ــدا ورد ال ـ ـهـ ــوى‬ ‫ورد الـ ـ ــتُّ ـ ـ ـقـ ـ ــى وال ـ ــمُ ـ ـ ـلـ ـ ـتـ ـ ـق ـ ــى ي ـ ـ ـ ــا ُس ـ ـ ــكَّ ـ ـ ــر ْه‬ ‫ـض كـ ـ ّلـ ـه ــا‬ ‫ص ـ ـ ـ ّلـ ـ ــى بِ ـ ـ ـ ـ ـ ــهِ ال ـ ـ ـص ـ ـ ـبـ ـ ــحُ الـ ـ ـ ـف ـ ـ ــرائ ـ ـ ـ َ‬ ‫وال ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــلُ أدن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ُه األري ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــجُ وأو َتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر ْه‬ ‫ـام ـ ـ ــهِ‬ ‫وال ـ ـ ـ ـ ُـح ـ ـ ـ ـ ْـس ـ ـ ـ ــنُ ِسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرٌ فـ ـ ـ ـ ـ ــاح ِمـ ـ ـ ـ ـ ــن أ ْكـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ِ‬ ‫لـ ـ ـ ــم يـ ـ ـقـ ـ ـت ـ ــرف ذ ْنـ ـ ـ ـ ـ ًب ـ ـ ـ ــا‪ ،‬ولـ ـ ـ ـ ــم تـ ـ ـ ـ ـ ُـك مـ ـغـ ـف ــر ْه‬ ‫مـ ـ ـ ـ ــن ت ـ ـ ـح ـ ـ ـتـ ـ ــهِ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوادي ي ـ ـ ـس ـ ـ ـيـ ـ ــلُ ص ـ ـبـ ــابـ ــةً‬ ‫والـ ـ ـ ـطـ ـ ـ ـي ـ ـ ــر يـ ـ ـ ـش ـ ـ ــدو وال ـ ـ ـ ـ ـ ــمُ ـ ـ ـ ـ ـ ــروجُ مُ ـ ـ ـ ـ َب ـ ـ ـ ِّـش ـ ـ ــر ْه‬ ‫مَ ـ ـ ــن ِمـ ـ ـ ْث ـ ــل ورد ال ـ ـطـ ــائـ ـ ِـف األبـ ـ ـه ـ ــى ا ّلـ ـ ــذي‬ ‫أع ـ ـ ـ ـطـ ـ ـ ــى لـ ـ ــدول ـ ـ ـت ـ ـ ـنـ ـ ــا زِ م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــام الـ ـ ـ ّـس ـ ـ ـي ـ ـ ـطـ ـ ــر ْه‬ ‫أ ْنـ ـ ـ ــعِ ـ ـ ـ ــمْ بِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوَردِ ال ـ ـ ـطـ ـ ــائِ ـ ـ ـ ِـف األ ُزگـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى ش ــذا‬ ‫أنـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ــم بِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهِ وب ـ ـ ـ ــدولـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ــي الـ ـ ـ ــمُ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـط ـ ـ ـ ـوِّر ْه‬ ‫‪78‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر‬

‫ـال ع ـ ــام ـ ــةً‬ ‫مُ ـ ـ ـ ـ ـ َت ـ ـ ـ ـ ـو َِّسـ ـ ـ ـ ـ ٌـط ِعـ ـ ـ ـ ــقْ ـ ـ ـ ـ ـ َد الـ ـ ـ ــجَ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫وت ـ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـ ــيُّ ـ ـ ـ ـ ــزً ا مُ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ْـألِ ـ ـ ـ ـ ـ ًئ ـ ـ ـ ــا گـ ـ ــال ـ ـ ـجـ ـ ــوهـ ـ ــر ْه‬ ‫أي ـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ــونـ ـ ـ ـ ـ ــةٌ لـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ــا َل ـ ـ ـ ـ ِـمـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــنَ وقِ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ــةٌ‬ ‫ووج ـ ـ ـ ـ ـ ــوه كـ ـ ـ ــل ال ـ ـخ ـ ـلـ ــق ت ـ ـض ـ ـحـ ــك مُ ـ ـسـ ـ ِـفـ ــر ْه‬ ‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاء الـ ـ ـ ـ ـ ّـس ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ــاب ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدور ُه وورود ُه‬ ‫وج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوار م ـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ــة ب ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ــداسَ ـ ـ ـ ــةِ ع ـ ـ ـ ـ َّـطـ ـ ـ ـ ـ َر ْه‬ ‫فـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ــديـ ـ ـ ـ ـث ـ ـ ـ ــهُ گ ـ ـ ـ ـ ــاألنـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ــاءِ مُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َنـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزَّ هٌ‬ ‫وع ـ ـ ـل ـ ـ ـيـ ـ ــه م ـ ـ ـ ــا ات ـ ـ ـف ـ ـ ـقـ ـ ــت ق ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ــوب الـ ـ ـجـ ـ ـمـ ـ ـه ـ ــره‬ ‫وهـ ـ ـ ـ ــو ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدواءُ م ـ ـتـ ــى اشـ ـ ـتـ ـ ـك ـ ــى مـ ـ ـ ــن ِعـ ـ ـ ّل ـ ــةٍ‬ ‫أح ـ ـ ـ ـ ـ ــدٌ ‪ ،‬وج ـ ـ ـ ـ ــاء مـ ـ ـ ــن الـ ـ ـعـ ـ ـط ـ ــور ال ـ ـم ـ ـف ـ ـخ ـ ـ َر ْه‬ ‫ورف ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ــعُ كُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلُّ ف ـ ـ ـ ـخـ ـ ـ ــامـ ـ ـ ــةٍ مـ ـ ـ ـ ـ ــن ذاتِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهِ‬ ‫خَ ـ ـ ـلـ ـ ـ َع ـ ــت عـ ـ ـل ـ ــى األنـ ـ ـ ـث ـ ـ ــى ج ـ ـ ـ ـ ـ ـ َـا ًل م ـ ـظ ـ ـه ـ ـ َر ْه‬ ‫يـ ـ ـ ــا مـ ـ ـ ــن ق ـ ـط ـ ـفـ ــت ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــورد بـ ـ ـس ـ ــم ال ـ ـ ـحـ ـ ــب ه ــل‬ ‫راع ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــت روح ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــورد حـ ـ ـ ـي ـ ـ ــن ال ـ ـ ـ ـغـ ـ ـ ــرغـ ـ ـ ــر ْه‬ ‫أنـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــت ح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًّبـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا واب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدأت بـ ـ ــإث ـ ـ ـمـ ـ ــه‬ ‫ـرف ق ـ ـ ـ ـ ــد تـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ــال الـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـغـ ـ ـ ـف ـ ـ ــر ْه‬ ‫فـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ــأي عُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬ ‫الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوردُ ي ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـ ــقُ مـ ـ ـ ـثـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـن ـ ـ ــا لـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ـ ّن ـ ـ ــهُ‬ ‫ل ـ ـ ـغـ ـ ــة ال ـ ـ ـ ُّـس ـ ـ ــمُ ـ ـ ـ ـ ِّو ف ـ ـ ـمـ ـ ــن س ـ ـ ـي ـ ـ ـقـ ـ ــر ُأ أس ـ ـ ـطـ ـ ــر ْه‬ ‫* شاعر من السعودية‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪79‬‬


‫وقال في صباه‬ ‫‪ρρ‬مجدي الشافعي*‬

‫ي ـ ـ ــا ح ـ ـ ــائـ ـ ـ ـ َر ال ـ ـ ـ ـ ـ ــرأي ب ـ ـيـ ــن الـ ـ ـ ــوصـ ـ ـ ـ ِـل وال ـ ـص ـ ـ ـ ـ ِـد‬ ‫ُعد‬ ‫ـش فــي ُضحى الــقُ ـ ـر ِْب أو مُ ـ ْـت فــي دجــى الب ِ‬ ‫ِعـ ْ‬ ‫ِص ـ ـ ـ ـ ـ ــلْ مَ ـ ـ ـ ـ ــن تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــود ُه أو ِم ـ ـ ـ ـ ـ ــلْ عـ ـ ـ ــن مـ ـ ـ ـ ــودَتِ ـ ـ ـ ـ ــهِ‬ ‫إن الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـ ــرد َد م ـ ـ ـه ـ ـ ـمـ ـ ــا طـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالَ ال يُ ـ ـ ـ ـج ـ ـ ــدي‬ ‫ـوف أرى‬ ‫ي ـ ــا م ـ ــن ت ـ ـقـ ــول غ ـ ـ ـ ـ ــد ًا ف ـ ــي األمـ ـ ـ ـ ــرِ س ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫ـاح م ـ ـ ــن الـ ـ ـتـ ـ ـس ـ ــوي ـ ــف تـ ـسـ ـتـ ـج ـ ـ ــدي‬ ‫أي ال ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫ُّ‬ ‫ـردّدِ هِ‬ ‫مـ ـ ـ ــا زل ـ ـ ـ ـ ـ ــتَ والـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ُـب ي ـ ـش ـ ـقـ ــى فـ ـ ـ ــي تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ‬ ‫ذك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرتَ بـ ـ ـ ــال ـ ـ ـ ـ َورْدِ‬ ‫ْك إنْ ِ ّ‬ ‫تـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـت ــذك ــرُ ال ـ ـ ـ ــشَ ـ ـ ـ ـ ـو َ‬ ‫ب ــه‬ ‫أراك ت ـ ـ ـس ـ ـ ـعـ ـ ــى ب ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ــزمٍ إن أردتَ‬ ‫َ‬ ‫تـ ـ ـسـ ـ ـم ـ ــو فـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـوَهْ ـ ـ ـ ِـد أ ْو ت ـ ـ ــدن ـ ـ ــو فـ ـلـ ـلـ ـنـ ـج ـ ـ ـ ِـد‬ ‫يـ ـ ـ ــا أيـ ـ ـ ـه ـ ـ ــا الـ ـ ـ ـ ــراغـ ـ ـ ـ ـ ُـب ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر َوّاحُ فـ ـ ـ ــي َك ـ ـ ــسَ ـ ـ ـ ٍـل‬ ‫وأيـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ــا الـ ـ ـ ـ ـ ــراهـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـب الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـغـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّ َداءُ ب ـ ـ ــال ـ ـ ـ ِ ّـج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ ّـد‬ ‫ـاك اعـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـق ـ ـ ــادٌ ال يـ ـ ـخ ـ ــالِ ـ ـ ُـط ـ ــهُ‬ ‫هـ ـ ـ ـ ــلْ ف ـ ـ ــي ُت ـ ـ ـ ـ ـ َقـ ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫_ إذا نـ ـ ــويـ ـ ــت ج ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ــادً ا‪ ..‬شَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّـك مُ ـ ـ ـ ـ ـ ْر َت ـ ـ ـ ـ ِ ّـد‬ ‫ف ـ ـ ـمـ ـ ــا ان ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ــاعُ أخ ـ ـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ــدنـ ـ ـ ـي ـ ـ ــا بـ ـ ـ ـن ـ ـ ــاظ ـ ـ ــرِ هِ‬ ‫ـض بـ ـ ـ ـ ِـمـ ـ ـ ـ ْـس ـ ـ ـ ـ َو ِّد‬ ‫إذا اسـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ــوى لـ ـ ـ ـ ـ ــهُ مُ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ٌ ّ‬ ‫قـ ـ ــد حـ ـ ـ ـ ــا َر ط ـ ـ ــرفُ ـ ـ ـ ِـك فـ ـ ـ ــي أَمْ ـ ـ ـ ـ ــريـ ـ ـ ـ ـ ِـن ب ـي ـن ـه ـمــا‬ ‫ـس الـ ـ ـ ـ َفـ ـ ـ ـرْقَ بـ ـي ــن ال ـ ـ ـغـ ـ ـ ِ ّـي وال ـ ــرُ ْش ـ ـ ـ ـ ـ ِـد‬ ‫م ـ ــا يـ ـطـ ـم ـ ُ‬ ‫‪80‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫ـاك إل ـ ـ ـ ـ ـ ــى مـ ـ ـ ــا تـ ـ ـ ّ َتـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ــي رَغَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌـب‬ ‫و َك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمْ دَعَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫ـوف ب ـ ــال ـ ــحَ ـ ـ ِ ّـد‬ ‫ـك ن ـ ـ ــواه ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـخـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫َف ـ ـ ـ ـ ــمَ ـ ــا َنـ ـ ـ ـ َعـ ـ ـ ـ ْت ـ ـ ـ َ‬ ‫ـف ال ــمَ ـ ْن ــعُ ِمـ ــنْ زُهْ ـ ـ ِـد‬ ‫ف ــا ‪ --‬عـلــى ال ـ ُب ــعْ ـ ِـد ‪ -‬خَ ـ ـ ـ ّ َ‬ ‫ـف ال ـ ـ َدفـ ــعُ مـ ــن و َْج ـ ـ ِـد‬ ‫وال‪ -‬ع ـلــى الـ ــقُ ـ ـرْب ِ‪َ -‬كـ ـ ـ ّ َ‬

‫شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر‬

‫ـك عَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّ َـم ـ ـ ــا تـ ـ ــرت ـ ـ ـجـ ـ ــي رَهَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌـب‬ ‫فـ ـ ـك ـ ــم َنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـأَى بـ ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫ـوق ل ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ــوِ رْدِ‬ ‫ـك دواعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي الـ ـ ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫ف ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ــازَعَ ـ ـ ـ ـ ْتـ ـ ـ ـ َ‬

‫وأنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت بـ ـ ـيـ ـ ـنـ ـ ـهـ ـ ـم ـ ــا إنْ َت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـك بـ ـيـ ـنـ ـهـ ـم ــا‬ ‫َو َددْتَ أنْ ت ـ ـج ـ ـم ـ ـ َع الـ ـسـ ـيـ ـفـ ـي ـ ِـن فـ ـ ــي ِغ ـ ـ ـ ــمْ ـ ـ ِـد‬ ‫ـك قـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـب ـ ـ ــي ي ـ ـ ـ ـ ـ ــا لـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـي ـ ـ ــرت ـ ـ ــهِ‬ ‫بـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ــى ك ـ ـ ـ ـ ـ ــذل ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫سـ ـ ـ ـ ـ ّ َي ـ ـ ـ ــان ع ـ ـ ـنـ ـ ــده مـ ـ ـ ـ ــا يُ ـ ـ ـنـ ـ ـج ـ ــي ومـ ـ ـ ـ ـ ــا يُ ـ ـ ـ ـ ـ ــردِ ي‬ ‫ـأن ح ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــر َتـ ـ ـ ـ ــهُ أع ـ ـ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـت ب ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ َر َتـ ـ ـ ــهُ‬ ‫كـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّ َ‬ ‫حـ ـ ـت ـ ــى ب ـ ـ ـ ــدا ل ـ ـ ــه مَ ـ ـ ـ ـ ــنْ ي ـ ـ ـغـ ـ ــوي َكـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ــنْ َيـ ـ ـه ـ ــدي‬ ‫ومَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنْ لـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـغـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــتِ ـ ـ ـ ــهِ س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاعٍ بـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـف ـ ـ ــتِ ـ ـ ــهِ‬ ‫فـ ـ ـلـ ـ ـي ـ ــس ي ـ ـ ـع ـ ـ ـلـ ـ ــمُ م ـ ـ ـ ــا يـ ـ ـخـ ـ ـف ـ ــي ومـ ـ ـ ـ ـ ــا يُ ـ ـ ـبـ ـ ــدي‬ ‫ي ـ ــا الـ ـ ـحـ ـ ـل ـ ــو ُة ال ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ّ َر ُة ال ـ ـم ـ ـض ـ ـطـ ـ ُّـر ق ــاص ــدُ ه ــا‬ ‫رك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوبَ ك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ ّـل ع ـ ـ ـس ـ ـ ـيـ ـ ــرٍ مُ ـ ـ ـ ــهْ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ٍـك مُ ـ ـ ـ ـ ـ ــودي‬ ‫م ـ ـي ـ ـلـ ــي إل ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ِـك ك ـ ـم ـ ـي ـ ـلـ ــي ع ـ ـ ـنـ ـ ـ ِـك لـ ـ ـ ــي سـ ـكـ ـ ًب ــا‬ ‫ح ـ ـ ـلـ ـ ــوً ا مـ ـ ــن الـ ـ ـ ِـص ـ ـ ـ ْبـ ـ ــرِ أو مُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًّرا مـ ـ ــن الـ ـشـ ـه ـ ِـد‬ ‫ـوى‬ ‫مـ ـ ــا ب ـ ـيـ ــن ذاك وذا لـ ـ ــي فـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ــرادِ هـ ـ ـ ً‬ ‫ـضـ ـ ـ ـ ِ ّـد‬ ‫إذا هَ ـ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـ ــمْ ـ ـ ـ ـ ـ ُـت بـ ـ ـ ـ ــأمـ ـ ـ ـ ــرٍ م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالَ ل ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ِ ّ‬ ‫ـاك ي ـ ـ ـس ـ ـ ـبـ ـ ــحُ ب ـ ـ ـيـ ـ ــن ال ـ ـ ـفـ ـ ــرقـ ـ ــديـ ـ ــن ف ــا‬ ‫م ـ ـ ـض ـ ـ ـنـ ـ ـ ِ‬ ‫ـأي سـ ـ ـن ـ ــا ال ـ ـن ـ ـج ـ ـم ـ ـيـ ــن يـ ـسـ ـتـ ـه ــدي‬ ‫ي ـ ـ ـ ـ ــدري ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ ّ‬ ‫فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ب ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ــرِ ح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِّبـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـك أل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ُه تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــردده‬ ‫ـوج فـ ـ ـ ــي ح ـ ــالـ ـ ـتـ ـ ـي ـ ــهِ الـ ـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ــزرِ وال ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ِ ّـد‬ ‫ك ـ ـ ــالـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ِ‬ ‫ال ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ــزمُ ي ـ ـ ـ ــدف ـ ـ ـ ــعُ ـ ـ ـ ــهُ وال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزمُ ي ـ ـ ـم ـ ـ ـنـ ـ ــعُ ـ ـ ــهُ‬ ‫ت ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ــازعـ ـ ـ ـ ـ ــا ُه كـ ـ ـ ـ ـ ــا األمـ ـ ـ ـ ـ ـ ــريـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن بـ ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ــشَ ـ ـ ـ ـ ـ ِ ّـد‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪81‬‬


‫ـش ي ـ ـ ــأم ـ ـ ــرُ ُه‬ ‫ـرص يـ ـ ـنـ ـ ـه ـ ــا ُه ع ـ ـ ـ ّ َـم ـ ـ ــا الـ ـ ـطـ ـ ـي ـ ـ ُ‬ ‫ال ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ُ‬ ‫ومـ ـ ـ ـ ـ ــا سـ ـ ـ ـ ــوى طـ ـ ــاعـ ـ ــة ال ـ ـح ـ ـك ـ ـم ـ ـيـ ــن مـ ـ ـ ــن ُبـ ـ ـ ـ ـ ِ ّـد‬ ‫َف ـ ـ ـ ـ ـ ــحَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـزْمُ رَهْ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ــتِ ـ ـ ـ ـ ــهِ ن ـ ـ ــاهـ ـ ـ ـي ـ ـ ــهِ ع ـ ـ ـ ـ ــنْ عُ ـ ـ ـ ـ َق ـ ـ ـ ٍـد‬ ‫وعَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـزْمُ رَغْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َبـ ـ ـ ـ ـ ــتِ ـ ـ ـ ـ ـ ــهِ داعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ــهِ ل ـ ـ ـل ـ ـ ـ َعـ ـ ــقْ ـ ـ ـ ِـد‬ ‫َق ـ ـ ـ ـ ــدْ سَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّ َر ُه ِمـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ِـك م ـ ـ ــا ق ـ ـ ـ ــدْ س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َء ُه ف ـش ـك ــى‬ ‫طـ ـ ـ ـ ـ ـ ــولَ اإلق ـ ـ ـ ـ ــام ـ ـ ـ ـ ــةِ بـ ـ ـ ـي ـ ـ ــنَ األخـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـذ وال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َر ِ ّ​ّد‬ ‫ـك م ـ ـ ـ ــا قـ ـ ـ ـ ـ ــدْ سـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّ َر ُه فـ ـبـ ـك ــى‬ ‫وسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َء ُه ِمـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫ـصـ ـ ِـد‬ ‫مـ ــن ح ـ ـيـ ــرة الـ ـقـ ـل ـ ِـب بـ ـي ــن الـ ـ ـ ـ ـ ـ َفـ ـ ـر ِْط وال ـ ـ َقـ ـ ْ‬ ‫َكـ ــمْ َصـ ـ ّ َيـ ـ َر ْت ــهُ االم ــان ــي _ حـيــن ِطـ ـ ـرْنَ ب ــه يهفو‬ ‫ـص ـ ـ ـ ِـد!!‬ ‫ـض الـ ـ ـ ـ َق ـ ـ ـ ْ‬ ‫ل ـ ـمـ ــا ع ـ ـ ـنـ ـ ــهُ ي ـ ـج ـ ـفـ ــو _غـ ـ ـ ــامـ ـ ـ ـ َ‬ ‫وم ـ ـ ـ ــا َل ـ ـ ـ ــهُ م ـ ـ ـنـ ـ ـ ِـك ف ـ ـ ــي دن ـ ـ ـيـ ـ ــا الـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـي ـ ـ ــامِ س ـ ــوى‬ ‫ُبـ ـ ــعْ ـ ـ ــدٌ عـ ـل ــى ال ـ ـ ــقُ ـ ـ ـ ـر ِْب أو قُ ـ ـ ـ ـ ـ ـر ٌْب عـ ـل ــى ال ـ ـ ُبـ ــعْ ـ ـ ِـد‬ ‫***‬

‫م ـ ـ ـ ــأس ـ ـ ـ ــو ُر ُحـ ـ ـ ـ ـ ِ ّـبـ ـ ـ ـ ـ ِـك َيـ ـ ـ ْـش ـ ـ ـقـ ـ ــى دونَ غـ ـ ــا َيـ ـ ــتِ ـ ـ ــهِ‬ ‫ـط وال شَ ـ ـ ـ ـ ـ ِ ّـد‬ ‫ي ـ ـب ـ ـقـ ــي ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـر ِّحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاْلُ بـ ـ ـ ــا حَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍّ‬ ‫بـ ـ ـي ـ ــن الـ ـ ــمُ ـ ـ ـنـ ـ ــى وال ـ ـ ـم ـ ـ ـنـ ـ ــايـ ـ ــا ال َيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َزاْلُ َلـ ـ ـ ــهُ‬ ‫ـوت ف ــي ال ــمَ ــهْ ـ ِـد م ـثــل الـ ـ َعـ ـ ْي ـ ِـش ف ــي ال ـ ّ َل ـ ْـح ـ ِـد‬ ‫الـ ـم ـ ُ‬ ‫ول ِك إمْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َر َتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ‬ ‫لـ ـ ـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ـ ـ ـ ّ َن ـ ـ ـ ـ ــهُ والـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذي ّ َ‬ ‫ـص ـ ـ ـ ِـد‬ ‫ال ي ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ َتـ ـ ـ ـ ِـقـ ـ ـ ـ ُّـر بِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهِ ُح ـ ـ ـ ـ ـ ْلـ ـ ـ ـ ــمٌ ال ـ ـ ـ ـ ــى َق ـ ـ ـ ْ‬ ‫ـوعـ ـ ـ ـ ــدٌ ب ـ ـ ـ ــال ـ ـ ـ ــردى فـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـ َنـ ـ ـ ـ ْـحـ ـ ـ ـ ِـس ي ـ ــرقـ ـ ـ ُب ـ ــهُ‬ ‫تـ ـ ـ ـ ـ ُّ‬ ‫وم ـ ـ ـ ــوع ـ ـ ـ ــدٌ بـ ـ ــال ـ ـ ـنـ ـ ــدى ي ـ ـ ـ ــرج ـ ـ ـ ــو ُه ف ـ ـ ــي الـ ـ ــسَ ـ ـ ــعْ ـ ـ ـ ِـد‬ ‫ـوت أصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َد َر فِ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــهِ مـ ـ ـ ــا َت ـ ـ ـ ـ ـ ـو ّ َ​َع ـ ـ ـ ـ ـ ـ َد ُه‬ ‫ال ال ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ُ‬ ‫وال ال ـ ــمُ ـ ـ ـن ـ ــى أ ْنـ ـ ـ ـ ــجَ ـ ـ ـ ـ ـزَتْ مـ ـ ــا كـ ـ ـ ـ ــانَ ِمـ ـ ـ ـ ــنْ وَعْ ـ ـ ـ ـ ـ ِـد‬ ‫‪82‬‬

‫* شاعر من السعودية‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫‪ρρ‬محمد فقيهي*‬

‫ال ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ــاك ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ــونُ جـ ـ ـ ـن ـ ـ ــوبـ ـ ـ ـ ًا حـ ـ ـيـ ـ ـثـ ـ ـم ـ ــا انـ ـ ـكـ ـ ـس ـ ــرا‬

‫شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر‬

‫الساكنون جنوب ًا‬ ‫ق ـ ـل ـ ـبـ ــي وح ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ُـث أذاب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت مُ ـ ـه ـ ـج ـ ـتـ ــي ح ـ ـجـ ــرا‬ ‫وحـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ُـث ض ـ ـ ـ َّـج ـ ـ ـ ْـت ح ـ ـيـ ــاتـ ــي واس ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ــوى ق ـل ـق ــي‬ ‫ول ـ ـ ـ ــقَّ ـ ـ ـ ــنَ الـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ــزنُ فـ ـ ـ ــي أس ـ ـ ـمـ ـ ــاع ـ ـ ـنـ ـ ــا ُسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوَرا‬ ‫ْف م ـ ـح ـ ـبـ ــرتـ ــي‬ ‫الـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ــام ـ ـ ـ ـ ــرونَ خـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواءً ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـز َ‬ ‫ال ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ــاركـ ـ ـ ـ ــونَ عَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــار ًا ل ـ ـ ـ ــم ي ـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ــدْ أ َثـ ـ ـ ـ ـ ــرا‬ ‫الـ ـ ـ ـب ـ ـ ــاسـ ـ ـ ـط ـ ـ ــونُ ل ـ ـق ـ ـل ـ ـبـ ــي جـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر َح فـ ـ ــرقـ ـ ــتِ ـ ـ ــكُ ـ ـ ــمْ‬ ‫الـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ــابـ ـ ـ ـ ـض ـ ـ ـ ــونَ وصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ًال كـ ـ ـ ـ َّلـ ـ ـ ـم ـ ـ ــا خـ ـ ـط ـ ــرا‬ ‫ـان لـ ـ ـ ــو عُ ـ ـ ـ ـ ــرِ جـ ـ ـ ـ ـ ُـت ب ـه ــا‬ ‫تـ ـ ـ ــركـ ـ ـ ـ ُـت فـ ـ ـيـ ـ ـك ـ ــمْ مَ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ٍ‬ ‫إل ـ ـ ـ ــى الـ ـ ـ ـ ّ َـسـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ــاءِ ُب ـ ـ ـ ـ ـرَاق ـ ـ ـ ـ ـ ًا ل ـ ـ ــم أج ـ ـ ـ ـ ــدْ خ ـ ـ َبـ ــرا‬ ‫أض ـ ـ ـ ـ ــائـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ــونَ ب ـ ـ ـ ـ ــا م ـ ـ ـع ـ ـ ـنـ ـ ــى يُ ـ ـ ــشَ ـ ـ ــكِّ ـ ـ ـ ـ ُل ـ ـ ــكُ ـ ـ ــم‬ ‫وت ـ ـ ـ ــائـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ــونَ ب ـ ـ ـمـ ـ ــا ق ـ ـ ـ ــد أشـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ــلَ الـ ـ ـسـ ـ ـح ـ ــرا‬ ‫أش ـ ـ ـكـ ـ ــو الـ ـ ـ ـ ـظ ـ ـ ـ ــا َم وهـ ـ ـ ـ ـ ــذا ال ـ ـ ـل ـ ـ ـيـ ـ ــلُ يُ ـ ـخ ـ ـبـ ــرنـ ــي‬ ‫أنَّ ال ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ــدو َر حـ ـ ـ ـ ـ ــوتْ ل ـ ـ ـي ـ ـ ـ ًا أشـ ـ ـ ـ ـ ــدُّ عُ ـ ـ ـ ـ ـرَى‬ ‫أ ُِخ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذْ ُت عـ ـ ـ ـ ِّن ـ ـ ــي وم ـ ـ ـ ـ ِّنـ ـ ـ ــي تـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ُـت فـ ـ ـ ــي ف ـ ـلـ ـ ٍـك‬ ‫م ـ ـ ـ ــا مـ ـ ـ ـ ـ ــدَّ ل ـ ـ ـ ــي ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد ُه ي ـ ـ ـ ــومـ ـ ـ ـ ـ ًا ومـ ـ ـ ـ ـ ــا نـ ـ ـظ ـ ــرا‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪83‬‬


‫ـس ال ـ ـ ـ ـض ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــاءِ ألـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّـف ال ـ ـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ـ ــو َن أذرعـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ‬ ‫عـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ َ‬ ‫ص ـ ـب ـ ـح ـ ـ ًا إل ـ ـي ـ ـكـ ــمْ وأس ـ ـ ـ ـ ــري حـ ـ ـي ـ ـ ُـث َث ـ ـ ـ ــمَّ ُسـ ـ ــرى‬ ‫مـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ٌـت ق ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ٌـق ص ـ ـ ـم ـ ـ ـتـ ـ ــي ضـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـي ـ ـ ــجُ أس ـ ـ ــى‬ ‫أصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــارعُ ال ـ ـ ــري ـ ـ ــحَ كـ ــال ـ ـغ ـ ـصـ ـ ِـن الـ ـ ـ ـ ــذي كُ ـ ـ ـ ِـس ـ ـ ـرَا‬ ‫ولـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ع ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ــودٌ لـ ـ ـ ــدي ـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ــمْ ض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َع أغ ـ ـل ـ ـب ـ ـهـ ــا‬ ‫ومـ ـ ـ ـ ـ ــا ت ـ ـ ـبـ ـ ــقّ ـ ـ ــى يُ ـ ـ ـ ـثـ ـ ـ ـي ـ ـ ــرُ الـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ــمَّ والـ ـ ـ ـ ـ ـ َك ـ ـ ـ ـ ــدرا‬ ‫َف ـ ـ ـ ـ ـ َفـ ـ ـ ـ ــارقـ ـ ـ ـ ــونـ ـ ـ ـ ــي فـ ـ ـ ـ ـ ــراق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا ال وص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالَ ب ـ ـ ــهِ‬ ‫ـراق ش ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ــاءٌ لـ ـ ـ ـل ـ ـ ــذي َقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـدرَا‬ ‫ـض الـ ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫بـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ُ‬ ‫ـأس ل ـ ـ ـ ــو تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدرونَ مُ ـ ـ ـجـ ـ ـلـ ـ ـي ـ ــةٌ‬ ‫وغـ ـ ـ ـ ــايـ ـ ـ ـ ــةُ ال ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫ـوس ف ـت ـج ـل ــي ِمـ ـ ـ ْن ـ ــهُ م ـ ــا اس ـت ـت ــرا‬ ‫ض ـ ـيـ ــقَ ال ـ ـن ـ ـفـ ـ ِ‬

‫ـف يـ ـ ــأسـ ـ ــي جـ ـ ـ ــاءنـ ـ ـ ــي َقـ ـ ـ ـ ـ ــدر ًا‬ ‫ـص يـ ـ ـ ــوسـ ـ ـ ـ َ‬ ‫قـ ـ ــمُ ـ ـ ـيـ ـ ـ ُ‬ ‫ـول لـ ــي قُ ـ ـ ـ ـ ِـدرَا‬ ‫ـرج الـ ـمـ ـحـ ـم ـ ِ‬ ‫عـ ـل ــى خـ ـط ــى ال ـ ـ ـفـ ـ ـ ِ‬ ‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ــارم ـ ـ ـ ـ ـ ــو ُه وج ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ــي وخـ ـ ـ ـ ـ ّل ـ ـ ـ ــون ـ ـ ـ ــي أشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمُّ ب ـ ـ ــهِ‬ ‫ـأس لـ ـ ــي ب ـص ــرا‬ ‫عـ ـ ـطـ ـ ـ َر الـ ـ ـحـ ـ ـي ـ ــاةِ يُ ـ ـ ِـعـ ـ ـي ـ ــدُ الـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ُ‬ ‫* شاعر من السعودية‪.‬‬

‫‪84‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫‪ρρ‬بلقيس امللحم*‬

‫من قال بأن للكمة قوة مطارق الحديد؟ أو بأن لها صوتًا يشبه صوت تدفق الماء‬ ‫وهو ينزلق بداخلي بكل رفق؟‬ ‫إنها تشبه األجسام غير المرئية‪ .‬الذرات والحيوات التي تعبث بعقل اإلنسان فتنيره‬ ‫أو تغشى عليه‪ .‬تغير مجرى الدم في العروق‪ ،‬وطعم الماء في الفم‪ ،‬وحجم الهواء‬ ‫الذي يمأل رئتيك‪ ،‬أو ربما تسلبك الحياة في لحظة!‬ ‫مسكوب؟‬ ‫ٍ‬ ‫فكيف يا أسعد ال أبكي على لبن‬ ‫كنت أراه السراج في ظلمة الروح‪..‬‬ ‫والرائحة الزكية في ثياب العزلة‪..‬‬ ‫بياضا‪.‬‬ ‫والحب الحقيقي حين يتلون‪ ..‬فيأبى أن يكون إال ً‬ ‫نعم أبكي‪.‬‬ ‫كمن خذلتهم الحياة في منتصف الطريق‪ ،‬وصارت خلفهم بمسافات طويلة حتى‬ ‫محيت آثار أقدامهم‪ .‬فال الذكريات تشفي‪ ،‬وال الشكوك وال القصائد وال الكالم‬ ‫المنمق وال حتى صوت ناي حزين‪.‬‬ ‫منظر اللبن المسكوب له صوت الصرخة األخيرة‪ ،‬والحيرة الصامتة‪ ،‬والنداء‬ ‫الغريب‪ ..‬إنه يحرق فؤادي ويذكرني دائم ًا بشكل منجل الموت وهو يقول كلمته‬ ‫بضربةٍ واحدة‪.‬‬ ‫أبكي أمام الحليب المسكوب عاجزة عن فعل أي شيء‪ .‬وكأن الموتى هم من يديرون‬ ‫هذا العالم!‬ ‫أال ترى بأنهم يتحكمون حتى في مناماتك؟ فيأخذونك إلى سماواتهم الشاسعة‬ ‫وأراضيهم العميقة وعوالمهم الخاصة‪ .‬ومن حيث ال تدري‪ ،‬يجبرونك للحديث عن‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر‬

‫يوما على لبن مسكوب؟‬ ‫هل بكيت ً‬

‫‪85‬‬


‫قصص ول َّْت وانتهت‪.‬‬ ‫لكنها لم تنته بالنسبة إليهم‪.‬‬ ‫إنهم يشاركونك الفكرة التي تطاردها‪ ،‬والكلمة التي خرجت منك بصعوبة‪.‬‬ ‫حتى الحبيبة أو سمِّ ها إن شئت اللبن الذي اندلق على رخام األيام‪ .‬إنهم يحضرون‬ ‫سطل الماء والمنشفة لتغسل روحك وتبكي معهم!‬ ‫من يواسي فؤاد المحروم إذا تمزَّ ق وصار خاليً ا؟‬ ‫من يجمع طعم الحالوة في فم يبس منذ زمن بعيد حتى استحال إلى صخرة‬ ‫مائلة؟!‬ ‫ألم يكن كأس اللبن في يدي؟‬ ‫لقد شربني حتى الثمالة وشربتُ ه‪ .‬فما الذي بقي منه كي ينسكب؟ أهي أيام الحرب‬ ‫التي أوهمونا بأنها ستمضي سريعً ا! أم أن القدر قال كلمته فأرانا رسم خط أيدينا‬ ‫متشابكة؟‬ ‫وأنت أيها الكأس أما زلت تنزُّ حبًا؟‬ ‫أقول للدمعة التي تجري‪:‬‬ ‫بك ال الشاي‪.‬‬ ‫الحليب َ‬ ‫بك ال األزرار‪.‬‬ ‫القميص َ‬ ‫بك ال الموسيقى‪.‬‬ ‫الصوت َ‬ ‫وابك معي‪ .‬فللدموع بقع ال تُمحى وال تجف‪.‬‬ ‫تعال إذً ا أسند رأسك على كتفي ِ‬ ‫أال ترى كيف فعل بنا هذا اللبن؟!‬

‫‪86‬‬

‫* شاعرة وقاصة من السعودية‪.‬‬ ‫(‪ )١‬العنوان مقتبس من أحد تغريدات الصحفي أسعد طه وقد جاء النص منبثقًا منها‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫‪ρρ‬عيادة خليل العنزي*‬

‫أس ـ ـ ـ ــال عـ ـ ـط ـ ــرٌ أم اش ـ ـتـ ــاقـ ــت م ـ ـسـ ــاءاتـ ــي‬ ‫أم ش ــدن ــي ال ـح ـس ــن ف ــي ت ـل ـح ـيــن أب ـيــاتــي‬ ‫أم الـ ـ ـجـ ـ ـم ـ ــال ال ـ ـ ـ ـ ــذي روّى م ـخ ـي ـل ـت ــي‬ ‫ـاءات‬ ‫حـ ـ ـت ـ ــى تـ ـ ـعـ ـ ـطـ ـ ـش ـ ـ ُـت ح ـ ـ ـ ـ ًّبـ ـ ـ ــا لـ ـ ـ ـ ِ ِّـل ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ِ‬

‫شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر‬

‫قولوا لها‪... ‬‬

‫أم ال ـ ـ ـهـ ـ ــدوء ب ـ ـجـ ــوف الـ ـلـ ـي ــل أحـ ـض ــره ــا‬ ‫عـ ـ ـن ـ ــدي ل ـ ـكـ ــي أرت ـ ــويـ ـ ـه ـ ــا مـ ـ ــن خـ ـي ــاالت ــي‬ ‫ـوف لـ ـس ــت أج ـه ـل ـه ــا‬ ‫أم ع ــانـ ـقـ ـتـ ـن ــي طـ ـ ـي ـ ـ ٌ‬ ‫أم م ـ ـ ــن كـ ـ ـ ـ ـ ــامٍ ب ـ ـ ــه‪ ‬سـ ـ ـح ـ ــر ال ـ ـ ـع ـ ـ ـبـ ـ ــارات‬ ‫أهـ ـ ـك ـ ــذا الـ ـ ـش ـ ــوق ي ـش ـق ــي قـ ـل ــب ص ــاح ـب ــه‬ ‫ي ـل ـق ـيــه ن ـح ــو اغـ ـ ـت ـ ــراب ال ـق ـل ــب و ال ـ ــذات‬ ‫أهـ ـ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ــذا‪ِ ،‬ألنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي صـ ـ ـ ـ ـ ــرت أع ـ ـش ـ ـق ـ ـهـ ــا‬ ‫م ـ ــن ه ـج ـع ــة الـ ـلـ ـي ــل ت ـل ـق ـي ـن ــي ل ـش ــدات ــي‬ ‫وع ـ ـ ـنـ ـ ــدهـ ـ ــا‪ ‬خ ـ ـ ـبـ ـ ــري أن ـ ـ ـ ــي‪ ‬أه ـ ـ ـيـ ـ ــم‪ ‬ب ـه ــا‬ ‫وأنـ ـ ـ ـط ـ ـ ــوي‪ ‬ن ـ ـحـ ــوهـ ــا فـ ـ ــي كـ ـ ــل‪ ‬أوق ـ ــات ـ ــي‬ ‫أهـ ـ ـك ـ ــذا‪ ‬ال ـ ـحـ ــب‪ ‬م ـ ــن يـ ـصـ ـط ــاد ي ــؤل ـم ــه‬ ‫ف ـ ـت ـ ـب ـ ـتـ ــدي فـ ـ ـي ـ ــه ثـ ـ ـ ـ ـ ـ ــورات ال ـ ـ ـجـ ـ ــراحـ ـ ــات‬ ‫إذً ا‪ ‬ف ـ ـمـ ــا هـ ـ ــي‪ ‬أخ ـ ـ ـبـ ـ ــار‪ ‬الـ ـ ـت ـ ــي رحـ ـل ــت‬ ‫ب ـ ـح ـ ـثـ ـ ُـت عـ ـنـ ـه ــا ف ـ ـغـ ــابـ ــت فـ ـ ــي مـ ـ ــداراتـ ـ ــي‬ ‫وسـ ـ ــامـ ـ ــرت ـ ـ ـنـ ـ ــي بـ ـ ــأحـ ـ ــامـ ـ ــي‪ ‬وقـ ــاف ـ ـي ـ ـتـ ــي‬ ‫واسـ ـت ــرسـ ـل ــت فـ ــي عـ ــذابـ ــي واخـ ـتـ ـب ــارات ــي‬ ‫ق ــول ــوا‪ ‬ل ـم ــن‪ ‬هـ ــزَّ ع ــرش ــي أن يــواص ـل ـنــي‬ ‫وي ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ــرق ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــؤادا ف ـ ـ ـ ـ ــي زي ـ ـ ـ ـ ــارات ـ ـ ـ ـ ــي‬ ‫ق ـ ــول ـ ــوا لـ ـه ــا‪ ‬م ـ ــا انـ ـ ـط ـ ــوى هـ ـ ــمٌّ ب ـم ـق ـل ـتــه‬ ‫ـرات‬ ‫إال م ـ ــن الـ ـ ـح ـ ــزن م ـ ــن بـ ـع ــد‪ ‬ال ـ ـم ـ ـسـ ـ ِ‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪87‬‬


‫وأخ ـ ـبـ ــروهـ ــا بـ ـم ــا فـ ــي الـ ـقـ ـل ــب مـ ــن وج ــع‬ ‫وأن ق ـ ـل ـ ـبـ ــي ذوى مـ ـ ـ ــن فـ ـ ـ ـ ــرط أن ـ ــات ـ ــي‬ ‫وب ـ ـ ـل ـ ـ ـغـ ـ ــوهـ ـ ــا بـ ـ ـ ـ ـ ــأن الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــروح تـ ـعـ ـشـ ـقـ ـه ــا‬ ‫وعـ ـ ـن ـ ــده ـ ــا حـ ــاج ـ ـتـ ــي بـ ـ ــل كـ ـ ــل ح ــاج ــات ــي‬ ‫ومـ ـ ــا اس ـ ـ ـتـ ـ ــراح‪ ‬وطـ ـ ـ ــول‪ ‬الـ ـهـ ـج ــر أح ــزن ــه‬ ‫حـ ـ ــزن الـ ـنـ ـه ــاي ــات فـ ــي ذك ـ ـ ــرى الـ ـب ــداي ــات‬ ‫لـ ـعـ ـلـ ـه ــا فـ ـ ــي حـ ـ ـ ـ ــروف ال ـ ـش ـ ـعـ ــر تـ ـق ــرأن ــي‬ ‫وت ـ ـ ـقـ ـ ــرأ ال ـ ـ ـشـ ـ ــوق عـ ـ ـن ـ ــدي فـ ـ ــي ع ـ ـبـ ــاراتـ ــي‬ ‫أص ـ ـ ـ ـ ـ ــار كـ ـ ـ ــل ق ـ ـ ـضـ ـ ــائـ ـ ــي ب ــابـ ـتـ ـس ــامـ ـتـ ـه ــا‬ ‫وصـ ـ ـ ـ ـ ــار ع ـ ـ ـمـ ـ ــري ره ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـاً‪ ‬الب ـ ـت ـ ـسـ ــامـ ــات‬ ‫أنـ ـ ـ ـ ــا‪ ‬ق ـ ـت ـ ـيـ ــل وث ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأري عـ ـ ـن ـ ــد ط ـل ـع ـت ـه ــا‬ ‫مـ ــن ي ــأخ ــذ ال ـ ـثـ ــأر مـ ــن أبـ ـه ــى ال ـ ـغـ ــزاالت‬ ‫عـ ـشـ ـقـ ـتـ ـه ــا قـ ـ ـب ـ ــل أن تـ ـ ــرتـ ـ ــد مـ ـقـ ـلـ ـتـ ـه ــا‪ ‬‬ ‫قـ ـب ــل الـ ـ ـص ـ ــدى بـ ـع ــد إرس ـ ـ ـ ــال ال ـ ـ ـنـ ـ ــداءات‬ ‫أنـ ـ ـ ـ ــا‪ ‬أنـ ـ ـ ـ ــا‪ ‬ق ـ ـب ـ ـل ـ ـهـ ــا ع ـ ـ ـبـ ـ ــدٌ ي ـ ـه ـ ـيـ ــم رض ـ ــا‬ ‫وب ـ ـعـ ــدهـ ــا‪ ‬ص ـ ـ ــرت مـ ـجـ ـه ــول الـ ـحـ ـك ــاي ــات‬ ‫إن زارنـ ـ ـ ـ ــي ط ـي ـف ـه ــا حـ ـلـ ـق ــت ف ـ ــي ل ـغ ـتــي‬ ‫وفـ ـ ـ ــي دمـ ـ ــوعـ ـ ــي وفـ ـ ـ ــي إخ ـ ـ ـمـ ـ ــاد ث ـ ــورات ـ ــي‬ ‫ف ــأجـ ـع ــل الـ ـ ـش ـ ــوك وردً ا‪ ‬ف ـ ــي م ـخ ـي ـل ـتــي‬ ‫وال ـ ـ ـل ـ ـ ـيـ ـ ــل أجـ ـ ـعـ ـ ـل ـ ــه صـ ـ ـب ـ ــح الـ ـ ـمـ ـ ـس ـ ــرات‬ ‫أري ـ ـ ـ ــده ـ ـ ـ ــا وأريـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد الـ ـ ـعـ ـ ـط ـ ــر ف ـ ـ ــي يـ ــدهـ ــا‬ ‫ك ـ ـ ـمـ ـ ــا أريـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد شـ ـ ـ ــذاهـ ـ ـ ــا ب ـ ـ ـيـ ـ ــن غ ـ ــاب ـ ــات ـ ــي‬ ‫أوه ـ ـ ـيـ ـ ــت مـ ـ ــن م ـ ـق ـ ـلـ ــةٍ فـ ـيـ ـه ــا ُتـ ـج ــمِّ ـ ـلـ ـه ــا‬ ‫وم ـ ـ ـ ــن طـ ـ ـ ـل ـ ـ ــوعِ ك ـ ـ ـبـ ـ ــدر ف ـ ـ ــي الـ ـ ـسـ ـ ـم ـ ــاوات‬ ‫إن لـ ـ ـ ــم ُتـ ـ ـج ـ ــمِّ ـ ـ ـعـ ـ ـن ـ ــا‪ ‬أق ـ ـ ـ ـ ــدارن ـ ـ ـ ـ ــا فـ ــأنـ ــا‬ ‫س ـ ــأنـ ـ ـط ـ ــوي فـ ـ ــي عـ ـ ــذابـ ـ ــي‪ ‬وابـ ـ ـت ـ ــاءات ـ ــي‬ ‫* شاعر من السعودية‪.‬‬

‫‪88‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫■ ترجمة‪ :‬دايس محمد*‬

‫ـوات‪ ..‬فــي واح ــدةٍ مــن زيــاراتــي لمدينة نـيــويــورك‪ ،‬وج ــدت نفسي‬ ‫قبل بضع س ـنـ ٍ‬ ‫في محادثةٍ مثيرةٍ مع سائق سيارة أجــرة‪ ،‬أجد اآلن صعوبةً في تذكّر اسمه‪ ،‬غير‬ ‫أني أتذكر أنه أخبرني أنه باكستاني‪ ،‬سألني حينها من أين أنا‪ ،‬فأجبته بأني من‬ ‫إيطاليا‪ ،‬وكان متفاجئ ًا ألن تعداد سكان إيطاليا قليل وأننا ال نتحدث االنجليزية‪،‬‬ ‫بعدها باغتني بالسؤال التالي‪ :‬من هو عدوكم؟ ونظر ًا لرد فعلي فقد بدأ يشرح‬ ‫سؤاله بصبرٍ بأنه يــود معرفة العدو الــذي نقف ضــده ونقاتله على مر العصور‪،‬‬ ‫أسباب‬ ‫ٍ‬ ‫بأراض تاريخية‪ ،‬أم لصراعٍ عرقي‪ ،‬أم ترسيم الحدود‪ ،‬أو أي‬ ‫ٍ‬ ‫سواءً للمطالبة‬ ‫أخرى‪ ،‬أخبرته أننا لسنا في حالة حرب مع أحد‪ .‬لم يرق له جوابي‪ ،‬فبدأ يستفسر‬ ‫من جديد بأنه يود معرفة أعدائنا التاريخيين‪ ،‬أولئك الذين يريدون قتلنا ونريد‬ ‫حرب شاركنا فيها كانت الحرب‬ ‫قتلهم‪ ،‬أعدت عليه بأننا ال نملك أعداءً ‪ ،‬وأن آخر ٍ‬ ‫جانب وانتهينا في الجانب اآلخر‪ ،‬لم يكن‬ ‫ٍ‬ ‫العالمية الثانية‪ ،‬إذ بدأنا الحرب في‬ ‫لبلد ما أال يملك ع ــدواً‪ ،‬حينما خرجت من السيارة‬ ‫راضـيـ ًا عن إجابتي‪ ،‬فكيف ٍ‬ ‫كتعويض عن البالدة اإليطالية المحبة للسالم‪ ،‬بعدها‬ ‫ٍ‬ ‫تركت له دوالرين بقشيش ًا‬ ‫بقليل فقط تنبهت كيف كــان يجب أن أجيب‪ ،‬فنحن ال نملك أعــداء خارجيين‬ ‫ٍ‬ ‫وبشكل‬ ‫ٍ‬ ‫أو باألصح لسنا قادرين على تحديد من هم هؤالء األعــداء؛ وذلك ألننا‬ ‫متواصل في حالة حــرب داخلية‪ ،‬مث ًال بيزا (‪ )Pisa‬ضد لوكا (‪ ،)Lucca‬وغلفس‬ ‫(‪ )Guelphs‬ضد غيبلينس (‪ ،)Ghibellines‬والشمال ضد الجنوب‪ ،‬والفاشيون ضد‬ ‫اليسار‪ ،‬والمافيا ضد الدولة‪ ،‬وحكومة بيرلسكوني ضد السلطة القضائية‪ ،‬من‬ ‫المؤسف أن الحكومتين اللتين تزعمهما رومانو برودي لم تسقطا بعد‪ ،‬وإال لكان‬ ‫من الممكن لي أن أشرح للسائق معنى أن تخسر الحرب بنيران صديقة‪.‬‬ ‫كلما أمعنت النظر فــي محادثتنا‬ ‫تلك أص ـ ُل إلــى النتيجة ذاتها وهــي أن‬ ‫من سوء حظ إيطاليا طــوال السنوات‬ ‫ـدو حقيقي‪،‬‬ ‫الستين الماضية غياب عـ ٍ‬

‫تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬

‫ابتكار العدو‬ ‫أمبرتو إيكو‬

‫فتوحيد إيطاليا كــان مــرده مع الشكر‬ ‫لوجود االمبراطورية النمساوية‪ ،‬أو على‬ ‫حــد وصــف جيوفاني بيرشي‪ :‬نتيجة‬ ‫اإلزعاج الجيرماني‪ ،‬لقد كان موسوليني‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪89‬‬


‫ق ــادراً على االستمتاع بدعم الجماهير له‬ ‫حينما وصف االنتصار القاسي في الحبشة‬ ‫بانتقام إيطاليا على الهزيمة المذلة في‬ ‫معركتي جوندت وعــدوة‪ ،‬وأن اليهود أقلية‬ ‫ثرية تسيطر على الدولة وتسعى كما يدّعي‬ ‫لظلمنا‪ ،‬لننظر إلــى ما حــدث في الواليات‬ ‫المتحدة حينما اختفت امبراطورية الشر‪،‬‬ ‫وبــدأ االتحاد السوفييتي العظيم بالتفكك‪،‬‬ ‫كانت أميركا في خطر فقدان هويتها حتى‬ ‫جاء بن الدن ‪ -‬مع العرفان لخدماته المقدمة‬ ‫في قتاله ضد السوفيات‪ -‬وم ّد يده الرحيمة‬ ‫مما أعطى لبوش فرصة ابتكار أعداء جددا؛‬ ‫مما قـوّى الشعور بالهوية الوطنية‪ ،‬وكذلك‬ ‫سلطة إدارته‪.‬‬ ‫عدو ليس مهماً من أجل تعريف‬ ‫إن وجود ٍ‬ ‫هويتنا فقط‪ ،‬بل لوضع عوائق يتم من خاللها‬ ‫تحليل منظومة قيمنا والتغلب عليها‪ ،‬وكذلك‬ ‫استعراض هذه القيم‪ ،‬لذا‪ ..‬ففي حال غياب‬ ‫العدو يجب علينا أن نوجده‪ ،‬وجدي ٌر بالذكر‬ ‫بشكل ال‬ ‫ٍ‬ ‫أن عملية ابتكار العدو هذه مرن ٌة‬ ‫يضاهى‪ ،‬ففي حالة فوضويي فيرونا يكفي‬ ‫ـص أن يــقــول بــأنــه ال ينتمي لهم‬ ‫أي شــخـ ٍ‬ ‫حتى يكون عدوهم‪ ،‬غير أننا ال نهتم كثيراً‬ ‫بالظاهرة التي تكاد تكون طبيعي ًة في تعريف‬ ‫العدو‪ ،‬إنما في العملية التي يتم من خالل‬ ‫ابتكار هذا العدو وشيطنته‪.‬‬

‫‪90‬‬

‫في خطاباته ضد لوشيوس كاتالين لم‬ ‫يكتف قنصل روما شيشرون بإقناع مجلس‬ ‫ِ‬ ‫عدو تمثّل بكاتالين طالما هو‬ ‫الشيوخ بوجود ٍ‬ ‫يمتلك أدلة إدانته بالتآمر‪ ،‬بل قام بتوسيع‬ ‫دائرة األعداء لتشمل أصدقاء األخير‪ ،‬فقد‬ ‫اتهمهم بــاالنــحــال األخــاقــي إضــاف ـ ًة إلى‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫التآمر‪ ،‬وقاصداً تفريقهم عن بقية الرومانيين‬ ‫وصفهم بأنهم «متخمون وسكارى يقضون‬ ‫أوقاتهم في أحضان نساء منحالت أخالقياً‪،‬‬ ‫يتوجون رؤوسهم بأكاليل الغار‪ ،‬ويتجشأون‬ ‫بكلماتهم‪ ،‬ويـ ــرون أن جميع المواطنين‬ ‫الطيبين يجب قتلهم‪ ،‬وأن المدينة يجب أن‬ ‫دائم‬ ‫بشكل ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫واحد منا يراهم‬ ‫ٍ‬ ‫تأكلها النار‪ ،‬كل‬ ‫وواضح‪ ،‬أشكالهم ومالمحهم جميلة‪ ،‬ولحاهم‬ ‫مشذب ٌة بشكل جيد‪ ،‬ويرتدون ألبس ًة تسترهم‬ ‫حتى أقــدامــهــم‪ ،‬إنــهــم يــحــاولــون مــن خالل‬ ‫مظهرهم هذا ستر حقيقتهم‪ ،‬فهؤالء الشباب‬ ‫بارعون جداً‪ ،‬غير أنهم لم يتعلموا كيف يحبون‬ ‫ويُحبون‪ ،‬وال كيف يغنون ويرقصون فقط‪،‬‬ ‫بــل تعلموا أيــضـاً كيف يــزرعــون خناجرهم‬ ‫ببراعة‪ ،‬وكيف يستخدمون السم للقتل»‪،‬‬ ‫إن الحكم األخالقي لشيشرون يقترب من‬ ‫الحكم األخالقي للقديس أوغسطين الذي‬ ‫فـرّق بين المسيحي والوثني‪ ،‬حيث األخير‬ ‫يحضر عروض السيرك والمسارح والمدارج‪،‬‬ ‫ويحتفل بطقوس العربدة‪ ،‬فاألعداء مختلفون‬ ‫عنا ويمتلكون تقاليد تختلف عن تقاليدنا‪.‬‬ ‫إن الــصــورة المصغرة لالختالف تتمثل‬ ‫بالغريب األجنبي‪ ،‬ففي الــعــرف الروماني‬ ‫ا ملتحياً أفطس‬ ‫كانت صــورة البربري رجـ ً‬ ‫األنف‪ ،‬وكما هو معلوم‪ ،‬فإن كلمة بربري في‬ ‫خلل في لغة المتكلم‪ ،‬وبذا‬ ‫الالتينية تشير إلى ٍ‬ ‫فإن معنى كلمة البربري بأنه الذي ال يجيد‬ ‫الكالم‪ ،‬وبذا فهو بالضرورة ال يجيد التفكير‪،‬‬ ‫يصبح من البدهي هنا أن األشخاص الذين‬ ‫نراهم أعداءنا ليسوا الذين يشكلون تهديداً‬ ‫مباشراً لنا‪ ،‬وهــذا األمــر كــان ينطبق على‬ ‫البرابرة فيما مضى‪ ،‬بل األشخاص الذين نرى‬


‫تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬

‫فيهم تهديداً حسب المصلحة‪ ،‬وبدالً من أن‬ ‫يقوم هذا التهديد بإيضاح طبيعة االختالفات‬ ‫بيننا وبين من نراهم أعداءنا‪ ،‬فإن االختالف‬ ‫ذاته يغدو رمزاً نراه تهديداً‪ ،‬كان السيناتور‬ ‫تاكيتوس (‪ )Tacitus‬يصف اليهود بالتالي‪:‬‬ ‫«كــل األشــيــاء الــتــي نعتقدها مــقــدسـ ًة هي‬ ‫مدنس ٌة بالنسبة لهم‪ ،‬وما هو منح ٌل وفاسق‬ ‫عندنا هــو أخــاقــيٌ عــنــدهــم»‪ ،‬يــتــبــادر إلى‬ ‫الذهن كيف كان اإلنجليز يصفون الفرنسيين‬ ‫بأنهم آكــلــو ضــفــادع‪ ،‬وكــيــف اتــهــم األلــمــان‬ ‫اإليطاليين بالمبالغة بأكل الــثــوم‪« ،‬اليهود‬ ‫غريبون عنا ألنهم يحرمون أكــل الخنزير‪،‬‬ ‫وال يضعون الخميرة في الخبز‪ ،‬وال يعملون‬ ‫شيئاً في السبت‪ ،‬يتزوجون من بعضهم فقط‪،‬‬ ‫ويمارسون الختان ليس ألسباب صحية أو‬ ‫دينية؛ إنما ليظهروا اختالفهم عن اآلخرين‪،‬‬ ‫يدفنون موتاهم‪ ،‬وال يبجلون القيصر»‪ ،‬بعد‬ ‫استعراض طبيعة اختالف التقاليد «الختان‪،‬‬

‫السبت» يذهب تاكيتوس بعيداً بالتأكيد على‬ ‫فكرته بإضافة عناصر أسطورية‪« ،‬يصنعون‬ ‫ص ــوراً مقدس ًة لحمار‪ ،‬يحتقرون ذويــهــم‪،‬‬ ‫يخونون بلدانهم واآللــهــة»‪ ،‬لم يجد الكاتب‬ ‫والقاضي الروماني بليني األصغر تهماً تسيء‬ ‫للمسيحيين فأفعالهم كما يصفها فاضلة‪،‬‬ ‫غير أنهم كانوا يرفضون تقديم القرابين‬ ‫لــامــبــراطــور‪ ..‬لــذا أرسلهم للموت‪ ،‬وهــذا‬ ‫أمر بدهي وطبيعي هو ما أوحى‬ ‫العناد في ٍ‬ ‫باختالفهم‪.‬‬ ‫تطورت مفاهيم االختالف بعد أن صارت‬ ‫العالقات السياسية واالجتماعية أكثر تعقيداً‬ ‫عما مضى‪ ،‬ومعها تطور مفهوم العدو أيضاً‪،‬‬ ‫فلم يعد الشخص القابع خارج مجالنا ويظهر‬ ‫اختالفه من بعيد‪ ،‬بل الشخص الذي يعيش‬ ‫بيننا‪ ،‬والــذي نسميه هذه األيــام بالمهاجر‪،‬‬ ‫بغرابة بالنسبة لنا‪ ،‬ويتكلم‬ ‫ٍ‬ ‫والــذي يتصرف‬ ‫بشكل غير جيد‪ ،‬فهو الشخص الذي‬ ‫ٍ‬ ‫لغتنا‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪91‬‬


‫نستخدم فيه هجاء الشاعر الروماني جوفينال‬ ‫(‪ :)Juvenal‬الشخص الماكر‪ ،‬والمخادع‪،‬‬ ‫والوقح‪ ،‬واليوناني الفاسق‪ ،‬والقادر حتى على‬ ‫إغواء جدة صديقه‪.‬‬

‫‪92‬‬

‫معها معياراً للنوع الــذي يمثله‪ ،‬فاإلنسان‬ ‫الذي فقد عضواً أو يمتلك عيباً في قامته‬ ‫مثل القصر الواضح كان يوصف بالبشاعة‪،‬‬ ‫لــهــذا الــســبــب ك ــان الــعــمــاق بوليفيموس‬ ‫(‪ )Polyphemus‬ذو العين الواحدة أو القزم‬ ‫وبشكل تلقائي‪ ،‬كان‬ ‫ٍ‬ ‫مايم يشكالن الــعــدو‬ ‫المؤرخ والدبلوماسي الروماني بريسكوس‬ ‫(‪ )Priscus‬يصف أتيال (‪ )Attila‬الهوني بأنه‬ ‫«شرير المظهر‪ ،‬فهو قصير القامة وواسع‬ ‫الصدر وكبير الــرأس‪ ،‬له عينان صغيرتان‬ ‫ولحية رمادية صغيرة وأفطس األنف وداكن‬ ‫البشرة»؛ غير أن المثير في األمر أن مالمح‬ ‫أتــيــا تشبه مــامــح الشيطان كما يصفه‬ ‫رودلوفوس غالبر (‪ ،)Rodolfus Glaber‬فقد‬ ‫وصفه بعد موته بخمسة قرون بأنه «نحيل‬ ‫الوجه‪ ،‬له عينان ســوداوان عميقتان وجبهة‬ ‫عريضة تملؤها التجاعيد‪ ،‬أفطس األنــف‪،‬‬ ‫وفمه بــارز‪ ،‬وشفاهه متورمة‪ ،‬وله ذق ٌن حاد‬ ‫وبــارز‪ ،‬وشعره مجع ٌد يشبه صوف الماعز‪،‬‬ ‫آذانــه بــارزة ويغطيها الشعر‪ ،‬وأسنانه تشبه‬ ‫أنياب الكلب‪ ،‬ورأسه كبيرة وقامته متوسطة‪،‬‬ ‫وصدره بار ٌز وله حدب ٌة في ظهره»(‪.)١‬‬

‫إن الزنجي وبسبب لونه يظل غريباً أينما‬ ‫ذه ــب‪ ،‬ففي الموسوعة األميركية األولــى‬ ‫المطبوعة من قبل توماس دوبسون (‪Thomas‬‬ ‫‪ )Dobson‬سنة ‪1798‬م تــم تعريف مفردة‬ ‫الزنجي بالتالي‪« :‬بالنسبة لبشرة الزنوج‬ ‫الذين نلتقيهم فإنها تتكون من عدة أطياف‬ ‫لونية‪ ،‬وفوق هذا فإنهم مختلفون تماماً من‬ ‫ناحية مالمح وجوههم عن بقية البشر‪ ،‬فهم‬ ‫بخدود مستديرة‪ ،‬وذقون بارزة‪ ،‬وجباه كبيرة‬ ‫بشكل غريب‪ ،‬وأنوف فطس وكبيرة‪ ،‬وشفاه‬ ‫ٍ‬ ‫غليظة‪ ،‬وآذان صغيرة‪ ،‬وبالنسبة للنساء‬ ‫الزنجيات فإن مقدمات أحواضهن مضغوطة‬ ‫إلــى الخلف‪ ،‬وأردافــهــن كبيرة مما يعطي‬ ‫المؤخرة شكل الــســرج‪ ،‬عــدم التناسق في‬ ‫األشكال هذا يوحي بالبشاعة‪ ،‬وأن الرذائل‬ ‫جزءٌ من حياة هذا العرق التعيس‪ :‬الخمول‬ ‫والخيانة واالنــتــقــام والوحشية والوقاحة‬ ‫والسرقة والكذب واإلغ ــواء والــبــذاءة‪ ،‬هذه‬ ‫حد لجوهر القانون‬ ‫الصفات أدت إلى وضع ٍ‬ ‫حينما أرس ــل االمــبــراطــور أوت ـ ــو(‪)Otto‬‬ ‫الطبيعي‪ ،‬وأخــرســت تأنيب الضمير‪ ،‬إنهم األول ليتوبراند الكريموني (‪Liutprand of‬‬ ‫ٍ‬ ‫غرباء عن أي‬ ‫شعور بالشفقة تجاه اآلخرين‪ )Cremona ،‬مبعوثاً إلى بيزنطة سنة ‪968‬م‬ ‫معروفة حتى اليوم‪ ،‬رأى‬ ‫ٍ‬ ‫ومثا ٌل سيءٌ وواض ٌح لفساد اإلنسان إذا تُرك وواجه حضار ًة غير‬ ‫بدون رادع»‪.‬‬ ‫االمبراطور البيزنطي يفتقد لصفات الكمال‬ ‫الزنجي بشعٌ‪ ،‬وكذلك العدو يجب أن يكون فوصفه بالتالي‪« :‬لقد وقفت أمام نقفور‪ ،‬إنه‬ ‫رأس كبيرة‪ ،‬عيناه‬ ‫بشعاً ألن الجمال صف ٌة مــازمـ ٌة للطيبين مخلو ٌق متوحش‪ ،‬قز ٌم له ٌ‬ ‫واألصدقاء‪ ،‬في العصور الوسطى كان الكمال الصغيرتان تشبهان عيني الخلد‪ ،‬ولحية‬ ‫واح ٌد من الصفات الجذرية للجمال‪ ،‬أو بعبارةٍ رمادية وصغيرة وبشعة‪ ،‬عنق ٌه قصيرةٌ جداً‪،‬‬ ‫صفات معينة يصير داكن اللون كما لو كان حبشياً ‪ -‬إنه الشخص‬ ‫ٍ‬ ‫أخــرى امتالك الكائن‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫كتب عالم النفس الفرنسي إدغار بيريلون‬ ‫(‪ )Edgar Berillon‬في بداية الحرب العالمية‬ ‫األولى واصفاً األلمان بأنهم يتبرزون أكثر من‬ ‫وبشكل‬ ‫ٍ‬ ‫الفرنسيين لذا فإن روائحهم كريه ًة‬ ‫مبالغ(‪ ،)٣‬إذا كان البيزنطي كريه الرائحة‪،‬‬ ‫فإن المسلم أيضاً كريه الرائحة كما يقول‬ ‫الراهب فليكس فابري (‪ )Felix Fabri‬من‬ ‫الــقــرن الخامس عشر‪« :‬للمسلمين روائــح‬ ‫بشكل‬ ‫ٍ‬ ‫تسبب الغثيان‪ ،‬لــذا فهم يتوضؤون‬ ‫مستمر‪ ،‬وبما أن روائحنا طيبة فإنهم ال‬ ‫ٍ‬ ‫يمانعون استحمامنا معهم‪ ،‬لكنهم في هذا‬ ‫األمــر غير متساهلين مــع اليهود‪ ،‬والذين‬ ‫وبشكل أسوأ‬ ‫ٍ‬ ‫تصدر منهم روائح ال تطاق أبداً‬ ‫من المسلمين‪ ...‬يظهر المسلمون السرور‬ ‫برفقتنا نحن الذين ال روائح كريهة لنا»(‪.)٤‬‬ ‫(‪Giuseppe‬‬

‫بالنسبة لجوسيبي جيستي‬ ‫‪ )Giusti‬فــإن النمساويين كريهو الرائحة‪،‬‬ ‫فعندما وصل إلى كاتدرائية القديس أمبروجو‬ ‫في ميالن كتب هذه االنطباعات‪:‬‬

‫«دخ ـل ــت ال ـكــاتــدرائ ـيــة ال ـتــي كــانــت مليئةً‬ ‫بالجنود‬ ‫الجنود الذين أتوا من الشمال‬ ‫بوهيميون وكروات‬ ‫مصطفون كاألعمدة في الكروم‬ ‫لقد انسحبت سريعاً‪ ،‬فالوقوف هناك‬ ‫بين الرعاع واألنفاس القذرة‬

‫الغجري أيضاً وبالضرورة كريه الرائحة‬ ‫بما أنــه يتغذى على الجيف كما يخبرنا‬ ‫تشيزاري لومبروزو (‪،)٦(Cesare Lombroso‬‬ ‫ذات األم ــر ينطبق على روزا كليب عــدوة‬ ‫جيمس بوند فــي رواي ــة إيــان فيلمنج «من‬ ‫روسيا مع الحب ‪1957‬م» فهي ليست روسي ًة‬ ‫سوفييتي ًة فقط بل وسحاقية‪« :‬واقــفـ ٌة في‬ ‫الرواق قبالة الباب األصفر‪ ،‬استنشقت تاتانيا‬ ‫رائحة الغرفة النفاذة حينما سمعت صوتاً‬ ‫يناديها بــأن تدخل‪ ،‬فتحت الباب فغمرتها‬ ‫رائــحــة الــغــرفــة‪ ،‬حينها كــانــت تقف قبالة‬ ‫طاولة مستديرةٍ يعلوها مصبا ٌح مضاء‪ ،‬كانت‬ ‫ٍ‬ ‫الرائحة تشبه رائحة المترو في مساءٍ حار‪،‬‬ ‫ورائحة الزنخ الــذي تتسبب به الحيوانات‪،‬‬ ‫حال تفوح منهم‬ ‫فالناس في روسيا على كل ٍ‬ ‫الروائح الكريهة سوا ًء استحموا أم ال‪ ،‬وتكون‬ ‫الحال متناهي ًة في السوء إذا لم يستحموا‪،‬‬ ‫بغبطة حين فتح‬ ‫ٍ‬ ‫كانت تاتانيا تتفحص المكان‬ ‫باب غرفة النوم وظهرت روزا‪ ،‬كانت ترتدي‬ ‫نوم برتقالية اللون شبه شفافة‪ ،‬أظهرت‬ ‫ثياب ٍ‬ ‫من طية اللباس إحدى ركبتيها وكانت تشبه‬ ‫هند مصفرّة‪ ،‬كانت تقف كما لو كانت‬ ‫جوزة ٍ‬ ‫ـوان نزعت روزا كليب‬ ‫عارضة أزيــاء‪ ،‬بعد ثـ ٍ‬ ‫نظارتها وتبين لتاتانيا وجهها الــعــاري إذ‬ ‫كانت تضع الماسكارا وأحمر شفاه‪ ،‬ثم وقفت‬ ‫بجوار األريكة ومسحت عليها بيدها وقالت‪:‬‬ ‫أشعلي الضوء فالمفتاح هناك جوار الباب‪،‬‬ ‫وتعالي واقعدي بجواري‪ ،‬علينا أن نتعرف‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬

‫الذي ال ترغب أن تلقاه صدف ًة في الظالم ‪-‬‬ ‫كبير البطن‪ ،‬صغير الحوض وفخذاه كبيران‪،‬‬ ‫لــه ســاقــان قــصــيــران‪ ،‬وأقــدامــه مفلطحة‪،‬‬ ‫يرتدي مالبس كريهة الرائحة وقد عفا عليها‬ ‫وبشكل‬ ‫ٍ‬ ‫الــزمــن»(‪ ،)٢‬كريه الرائحة‪ ،‬األعــداء‬ ‫ثابت كريهو الرائحة‪.‬‬

‫يثير فيّ شعور التقزز‪ ،‬ويصيبني بالغثيان‬ ‫ويحرمني حتى الشعور بلهيب الشموع‬ ‫المعلقة على مذبح بيت الرب المقدس‬ ‫(‪)٥‬‬ ‫المذبح الملطخ بالشحوم»‬

‫‪93‬‬


‫بشكل أفضل»‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫على بعضنا‬

‫‪94‬‬

‫منذ فجر المسيحية واليهودي يوصف بأنه‬ ‫وحش ذو رائحة كريهة‪ ،‬فهو ليس عدو المسيح‬ ‫فقط‪ ،‬وال العدو األول للمسيحية‪ ،‬وال حتى‬ ‫برأس تلتهب‬ ‫عدو اإلنسان بل عدو اهلل؛ «فهو ٍ‬ ‫كشعلة‪ ،‬عينه اليمنى محتقن ٌة بالدم‪ ،‬واليسرى‬ ‫كعين القط خضراء ولها بؤبؤان‪ ،‬وأجفانه‬ ‫بيضاء‪ ،‬وشفته السفلى كبيرة‪ ،‬وعظام فخذه‬ ‫اليمنى ضعيفة‪ ،‬وأقدامه ضخمة‪ ،‬وإبهامه‬ ‫مفلطح وطــويــل»(‪« ،)٧‬عــدو المسيح سيولد‬ ‫رجل وامرأةٍ تماماً‬ ‫من بين اليهود‪ ،‬من تزاوج ٍ‬ ‫كبقية البشر‪ ،‬لكن ليس كما يقول بعضهم من‬ ‫عذراء‪ ،‬ففي بداية تخلقه سيدخل الشيطان‬ ‫إلــى رحــم أمــه ويغذيه بقوته‪ ،‬وستظل قوة‬ ‫الشيطان دائماً معه»(‪« ،)٨‬ستكون له عينان‬ ‫تشعان لهيباً‪ ،‬وآذا ٌن كآذان الحمار‪ ،‬سيكون‬ ‫له أنف وفم األسد‪ ،‬لذا سيرسل بين النيران‬ ‫الرجال الرتكاب أبشع الجرائم‪ ،‬وفي وسط‬ ‫الصراخ المليء بالخزي سيجعلهم ينكرون‬ ‫اهلل‪ ،‬وســيــثــيــرون بــكــافــة قــدراتــهــم النتنة‬ ‫لتشويه أسس الكنيسة؛ مستخدمين أبشع‬ ‫بسخرية عــن بشاعة‬ ‫ٍ‬ ‫الــطــرق‪ ،‬وسيكشرون‬ ‫ناب األسد»(‪ )٩‬إذا كان عدو المسيح يولد بين‬ ‫اليهود فإن صورته بالضرورة تعكس صورة‬ ‫اليهود ككل‪ ،‬سوا ًء كان على المستوى الشعبي‬ ‫في عداء السامية أم الديني أم البرجوازي‬ ‫في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر؛ لذا‬ ‫فلنبدأ مع وجه اليهودي‪« :‬وجوه اليهود زرقاء‪،‬‬ ‫وأنوفهم معقوفة‪ ،‬وعيونهم عميقة‪ ،‬وذقونهم‬ ‫واضح‬ ‫ٍ‬ ‫بشكل‬ ‫ٍ‬ ‫بــارزة‪ ،‬تتحرك عضالت الفم‬ ‫إذا تكلموا‪ ...‬اليهود أيضاً عرض ٌة لألمراض‬ ‫بفساد بالدم‪ ،‬كالجذام في أزمان‬ ‫ٍ‬ ‫مما يوحي‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫ماضية واالسقريوط واألمراض المشابهة له‬ ‫كالسل والرعاف اآلن‪ ،‬يقال أن روائح أفواه‬ ‫اليهود دائماً كريهة؛ ويرد بعضهم هذا األمر‬ ‫الستخدامهم المفرط للثوم والبصل‪ ،‬بينما‬ ‫يــرى آخــرون أن السبب ولعهم بلحم األوز‪،‬‬ ‫وهذا ما يجعلهم سوداويون ومتشائمون»(‪.)١٠‬‬ ‫زمن الحق كتب الموسيقار ريتشارد‬ ‫في ٍ‬ ‫بطريقة معقدة‬ ‫ٍ‬ ‫فاغنر يصف اليهود ولكن‬ ‫لها عالق ٌة بالصوت والسلوك يقول‪« :‬هناك‬ ‫شيءٌ غريبٌ يتعلق بالشكل الخارجي لليهود‪،‬‬ ‫فبشكل‬ ‫ٍ‬ ‫بغيض جــداً‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫ما يجعل هــذا العرق‬ ‫غريزي نتمنى أال يكون هناك ما هو مشتركٌ‬ ‫ٍ‬ ‫معهم‪ ،‬فمن المستحيل أن نتصور يهودياً‬ ‫بطل أو عاشق‪ ،‬دون‬ ‫يلعب على المسرح دور ٍ‬ ‫بشكل غريزي أن هناك ما هو غير‬ ‫ٍ‬ ‫الشعور‬ ‫الئق‪ ،‬لكن السبب األهم الذي يمنعنا من تقبل‬ ‫األمر هو النبرة التي يتحدث بها اليهودي‪...‬‬ ‫إزعــا ٌج شدي ٌد وصفي ٌر حا ٌد يصم اآلذان في‬ ‫ال‬ ‫كلمات وجم ً‬ ‫ٍ‬ ‫حال تكلموا‪ ،‬اليهودي يستخدم‬ ‫غريب ًة عن لغتنا الوطنية‪ ...‬حينما نسمع‬ ‫يهودياً يتحدث فإن انتباهنا يتركز على طريقته‬ ‫في الكالم ال كلماته التي ينطقها‪ ،‬إن هذا‬ ‫يشير إلى األهمية الكبرى في شرح التعابير‬ ‫الموسيقية التي تتضمنها أعمال اليهود‪ ،‬إن‬ ‫االستماع إلى اليهودي يتحدث يشكّل إهان ًة‬ ‫لنا؛ ألن حواره يخلو من أي تعابير إنسانية‪...‬‬ ‫مــن الطبيعي أن نجد اليهودي يــرث موت‬ ‫الجانب العاطفي في شخصيته‪ ،‬وهذا يتجلى‬ ‫في أبهى تعبيرات اإلنسان عن عواطفه وهو‬ ‫األغاني‪ ،‬ولعلنا نجد أن اليهود يتميزون في‬ ‫كثير من الفنون باستثناء الغناء‪ ،‬كما لو أن‬ ‫ٍ‬ ‫(‪)١١‬‬ ‫الطبيعة قد حرمتهم هذه الموهبة» ‪ ،‬كان‬


‫من مالمح الوجه مــروراً باللباس يقودنا‬ ‫هذا إلى صورة العدو اليهودي المتمثلة في‬ ‫قتل األطــفــال وشــرب دمائهم‪ ،‬وقــد ظهرت‬ ‫ـات‬ ‫ه ــذه الــصــورة النمطية عنهم فــي أوق ـ ٍ‬ ‫ال في واحدةٍ من قصص االنجليزي‬ ‫مبكرةٍ ‪ ،‬مث ً‬ ‫تـــشـــوســـر(‪ )Chaucer‬الــمــعــنــونــة بـــ «قصص‬ ‫كانتربري»‪ ،‬إذ تتشابه أحــداث هذه القصة‬ ‫مع واحــدة من قصص القديس سيمونينو‬ ‫اإليطالي (‪ )Simonino of Trento‬إذ تروي‬ ‫حي يهودي وهو يغني‪:‬‬ ‫صبي م ّر في ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫قصة‬ ‫«يا أم سيدنا المخلص» فتم قطع عنقه ورمي‬ ‫جثته في حفرة‪ ،‬نموذج اليهودي الذي يقتل‬ ‫موروث‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫األطفال ويشرب دماءهم ينحدر من‬ ‫فقد ظهرت بعض هــذه النماذج في بداية‬ ‫ظهور المسيحية مع تشكل مفهوم الهراطقة‪،‬‬ ‫يظهر هذا المثال ما نود اإلشارة إليه‪« :‬في‬ ‫المساء وحين أشعلنا المصابيح وبدأنا إحياء‬ ‫فتيات اختاروهن‬ ‫ٍ‬ ‫ذكرى آالم المسيح‪ ،‬أخذوا‬ ‫بعناية من أجل إقامة طقوسهم السرية في‬ ‫ٍ‬ ‫أحد المنازل‪ ،‬هناك أطفأوا المصابيح حتى‬ ‫ال ينتبه لوجودهم وارتكابهم الفواحش أحد‪،‬‬ ‫لقد أفــرغــوا المكان كــي يستطيع الجميع‬ ‫حتى األخــوات والبنات االشتراك بالطقس‬

‫تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬

‫هتلر يبدو أكثر رق ًة وهو يضع الحدود بين‬ ‫اليهود واأللمان حتى وإن كان كالمه ال يخلو‬ ‫من نبرة حسد‪« :‬بالنسبة لجيل الشباب فإن‬ ‫موضوع اللباس يجب أن يكون من اختصاص‬ ‫التعليم‪ ...‬فإذا كان معيار الجمال هذه األيام‬ ‫مباشر بطريقتنا الخرقاء‬ ‫ٍ‬ ‫بشكل‬ ‫ٍ‬ ‫ال يتعلق‬ ‫باللباس‪ ،‬فإنه من غير الممكن لنا أن يتم‬ ‫تضليل آالف الفتيات األلمانيات من قبل‬ ‫اليهود اللقطاء المتعجرفين»(‪.)١٢‬‬

‫الفاجر‪ ،‬كانوا يظنون أنهم يقدسون الشيطان‬ ‫بانتهاكهم حرمة الزنا والوهق‪ ،‬وحين تنتهي‬ ‫الطقوس يعودون إلى بيوتهم منتظرين تسعة‬ ‫أشهر بانتظار والدة األطفال‪ ،‬حينها يجتمعون‬ ‫مر ًة أخرى في ذات المكان‪ ،‬وفي اليوم الثالث‬ ‫للوالدة يقومون بأخذ األطفال ثم يقطعون‬ ‫أطرافهم الغضة ويفرغون دماءهم في أواني‬ ‫معدة مسبقاً‪ ،‬بعدها يقومون بإحراق األطفال‬ ‫الذين ما زالوا يصارعون الموت‪ ،‬ويخلطون‬ ‫الــدم بالرماد لصنع تــوابــل يضيفونها إلى‬ ‫الطعام والــشــراب‪ ،‬وكمن يقوم بــدس السم‬ ‫تامة تكتمل طقوس هذه‬ ‫بسرية ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫في الخمرة‬ ‫الطائفة»(‪.)١٣‬‬ ‫يبدو العدو مختلفاً وبشعاً ألنــه أحياناً‬ ‫اجتماعية أقــل‪ ،‬تظهر اإللــيــاذة‬ ‫ٍ‬ ‫طبقة‬ ‫ٍ‬ ‫مــن‬ ‫ثيرسيتيس على أنــه مهلهل الثياب وأعــرج‬ ‫القدم‪ ،‬كتفاه محدودبان جداً‪ ،‬ويبدو كما لو‬ ‫طبقة‬ ‫ٍ‬ ‫أنّ رأســه خرج من صــدره‪ ،‬وألنــه من‬ ‫أقــل من أغاممنون وأخيل فهو يحسدهم‪،‬‬ ‫غير أن هناك فارقاً بسيطاً بين ثيرسيتيس‬ ‫وفرانتي بطل رواية «قلب» لإليطالي إدموند‬ ‫دي أميسي (‪ ،)Edmondo de Amicis‬فبينما‬ ‫قام أوديسيوس بمهاجمة ثيرسيتيس وإدمائه‪،‬‬ ‫فإن المجتمع عاقب فرانتي بالسجن‪:‬‬ ‫‪ 25‬أكتوبر‪ :‬وبجواره كان يجلس فتىً قويٌ‬ ‫ـرات جريئة اسمه فرانتي‪ ،‬وقــد تم‬ ‫ذو نــظـ ٍ‬ ‫مدرسة أخرى منذ مدةٍ قصيرة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫طرده من‬ ‫‪ 21‬يناير‪ :‬هناك فتىً واح ٌد كان قادراً على‬ ‫الضحك حينما كان ديروسي يتكلم عن جنازة‬ ‫الملك‪ ،‬إنه فرانتي وأنا أكرهه جداً؛ إنه شرير‪،‬‬ ‫فحينما كان يأتي أحد اآلبــاء إلى المدرسة‬ ‫لتأديب ولده‪ ،‬كان فرانتي يظن أن هذا الحدث‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪95‬‬


‫الــذيــن يــبــدون أضــعــف مــنــه‪ ،‬وحينما تكون‬ ‫هناك مصيبة فإنه يصبح متوحشاً ويؤذي كل‬ ‫من حوله‪ ،‬هناك شيءٌ مغرو ٌر توحي به تلك‬ ‫الجبهة الصغيرة والعينان الداكنتان‪ ،‬واللتان‬ ‫يحاول إخفاءهما دائماً بقبعته‪ ،‬إنه ال يخاف‬ ‫شيئاً‪ ،‬فهو يضحك في وجه المعلم‪ ،‬ويسرق‬ ‫وقتما استطاع‪ ،‬ويكذب ببجاحة‪ ،‬ويتشاجر‬ ‫بشكل دائــم‪ ،‬يُحضر إلى المدرسة دبابيس‬ ‫ٍ‬ ‫كبيرة ليخز بها زمالءه بالفصل‪ ،‬ينزع أزرار‬ ‫معطفه ومعاطف اآلخرين ليلعب بها‪ ،‬يحمل‬ ‫في حقيبته الممزقة كتبه ودفاتره المتسخة‪،‬‬ ‫ومسطرته المعوجة‪ ،‬يعلك قلمه ويقضم‬ ‫أظافره‪ ،‬مالبسه ممزق ٌة بسبب مشاجراته‬ ‫التي ال تنتهي‪ ...‬كــان المعلم يتظاهر بأنه‬ ‫ال يهتم بسلوكه السيء وهذا ما كان يجعله‬ ‫يتمادى‪ ،‬وحينما كان يعامله المعلم بلطف‬ ‫فإنه يهينه‪ ،‬وإذا قرر معاقبته وضع يديه على‬ ‫وجهه كأنه يبكي وهو في الحقيقة يضحك‪.‬‬

‫‪96‬‬

‫مضحك‪ ،‬وحينما يبكي أحد األوالد يضحك‪،‬‬ ‫لكنه كان يخاف كاروني‪ ،‬لقد ضرب ابن البناء‬ ‫بسبب أنه كان صغير الجسم‪ ،‬وكان يسخر من‬ ‫كروسي ألن أحد أطرافه معاقة‪ ،‬وكان يتهكم‬ ‫على بريكوسي الــذي يحبه الجميع‪ ،‬وكان‬ ‫يطلق النكات على روبيتتي‪ ،‬لكن المفاجئ‬ ‫أنــه في السنة الثانية كــان يمشي بواسطة‬ ‫عكازين بعد أن أنقذ طفالً‪ ،‬إنه يتهكم بكل‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫وبشكل بدهي أبرز أمثلة‬ ‫ٍ‬ ‫المجرم والعاهرة‬ ‫البشاعة‪ ،‬وذلك بسبب وضعهم االجتماعي‪،‬‬ ‫بعالم‬ ‫ٍ‬ ‫لكن بالنسبة للعاهرة فإن األمر يتعلق‬ ‫تبرز فيه العداوة الجنسية‪ ،‬والتي من الممكن‬ ‫أن نسميها العنصرية الجنسية‪ ،‬فبالنسبة‬ ‫للرجل الذي يكتب ويسيطر‪ ،‬أو يسيطر من‬ ‫زمن‬ ‫خــال الكتابة فقد صــور الــمــرأة منذ ٍ‬ ‫بشكل عدائي‪ ،‬لذا فيجب أال ننخدع‬ ‫ٍ‬ ‫قديم‬ ‫بتلك الصورة المالئكية للمرأة‪ ،‬خاص ًة إذا‬ ‫ما علمنا أنها نتاج األدب العظيم الذي كتبه‬ ‫ـاس نبالء وطيبون‪ ،‬فعالم األدب‬ ‫بالغالب أنـ ٌ‬ ‫وبتأثير من المخيلة الشعبية كان‬ ‫ٍ‬ ‫الهجائي‬ ‫يمارس شيطنة المرأة منذ العصور القديمة‬ ‫مـــروراً بالوسطى حتى األزمــنــة الحديثة‪،‬‬


‫من يستطيع كتابة هذا المقطع؟ «المرأة‬ ‫حيوا ٌن غير مكتمل‪ ،‬تحكمها عواطف من غير‬ ‫الممكن القبول بها لعفنها‪ ،‬دعونا ننظر في‬ ‫هذا األمر‪ ،‬ال يوجد حيوا ٌن أقذر من المرأة‪،‬‬ ‫حتى الخنزير الذي يتمرغ بالوحل ال يجاريها‬ ‫بشاعة‪ ،‬وإذا كــان هناك من يرغب بإنكار‬ ‫هذه الحقيقة‪ ،‬عليه أن يتفحص أعضاءها‬ ‫الــحــســاســة‪ ،‬فــالــمــرأة تخفيها وهــي تشعر‬ ‫بالعار»(‪ ،)١٥‬إذا كان جيوفاني بوكاتشيو الرجل‬ ‫الفاجر وغير المؤمن يفكر بهذه الطريقة‬ ‫فنستطيع أن نتخيل كيف كان يفكر أخالقيو‬ ‫العصور المظلمة‪ ،‬وماذا كتبوا للتأكيد على‬ ‫وصية بــاول الرسول‪ ،‬إذ يؤكد على أنه إذا‬ ‫كــان من الممكن مقاومة اإلغ ــواء فإنه من‬ ‫الجيد عدم تجربة اللذة الجسدية‪ ،‬في القرن‬ ‫العاشر استحضر الراهب أودو الكلوني هذه‬ ‫الفكرة بقوله‪« :‬جمال الجسد ظاهري فقط‪،‬‬ ‫فإذا استطاع الرجال النفاذ بأنظارهم إلى ما‬ ‫وراء الجلد فإنهم سيصابون بالقرف جراء‬ ‫النظر إلى المرأة فقط‪ ،‬فخلف هذا الحسن‬

‫انطالقاً مما يمكن لنا تسميته هنا بكراهية‬ ‫النساء الطبيعية نصل إلــى أحــد نتاجات‬ ‫الحضارات الحديثة المميزة‪ ،‬وهــو تكوين‬ ‫الساحرة‪ ،‬ورغم أن الساحرة كانت معروف ًة‬ ‫واحد‬ ‫مثال ٍ‬ ‫في العصور القديمة وهنا نود ذكر ٍ‬ ‫ورد في الحمار الذهبي أليوبليسيوس وكذلك‬ ‫هوراس‪« :‬لقد رأيت كانديا بأم عيني‪ ،‬ترتدي‬ ‫ثياباً سوداء حافية القدمين وشعثاء الشعر‪،‬‬ ‫تعوي مع ساغانا‪ ،‬كان شحوبهما مما ال يطاق‬ ‫النظر إلــيــه»(‪ ،)١٧‬كــان السحرة والساحرات‬ ‫في العصور القديمة والوسطى جــزءاً من‬ ‫االعتقاد الشعبي‪ ،‬وكان يُعتقد أنهم يمثلون‬ ‫حاالت نادرة من سيطرة األرواح‬ ‫ٍ‬ ‫حد ما‬ ‫إلى ٍ‬ ‫الشريرة عليهن‪.‬‬ ‫في عصر هوراس لم تكن روما تشعر بأن‬ ‫الساحرات يشكلن تهديداً‪ ،‬وكان السحر في‬ ‫العصور الوسطى يعتبر ظاهرة إيحاء ذاتي‪،‬‬ ‫كلمات أخرى كانت الساحرة شخصاً‬ ‫ٍ‬ ‫أو في‬ ‫يعتقد أنها مجرد ساحرة فقط‪ ،‬كما تشير‬ ‫إلى ذلك شريعة األساقفة في القرن التاسع‪:‬‬ ‫«لقد أغوى الشيطان بعض النساء المنحالت‬ ‫مما جعلهن يتوهمن أنهن يمتطين ظهور‬ ‫جمع من النساء‪،‬‬ ‫الوحوش في الليل صحبة ٍ‬ ‫ظناً أنهن قد امتلكن قدرة اإللهة ديانا‪ ...‬على‬ ‫الرهبان وعظ رعايا اإلله بأن هذه األشياء‬ ‫التي يتخيلها المؤمنون ليست من فعل الروح‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬

‫بمثال‬ ‫ٍ‬ ‫بالنسبة للعصور القديمة سنكتفي‬ ‫واحد من ماركوس مارشالييس (‪:)Martial‬‬ ‫«بالنسبة لـ ِـك يــا فيتسويال الــتــي صمدت‬ ‫أمام ثالثمائة قنصل‪ ،‬ال تملكين سوى ثالث‬ ‫شعرات في رأســك‪ ،‬وأربعة أسنان‪ ،‬صدرك‬ ‫ساقاك يشبهان ساقي‬ ‫ِ‬ ‫يشبه صدر الجراد‪،‬‬ ‫وجبينك مجع ٌد أكثر من تجاعيد‬ ‫ِ‬ ‫نملة‪ ،‬تمشين‬ ‫نظراتك‬ ‫ِ‬ ‫ثدياك يشبهان ثديي بقرة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ثوبك‪،‬‬ ‫تشبه نظرات البوم في الصباح‪ ،‬رائحتك‬ ‫أردافك ذابل ٌة كمؤخرة‬ ‫ِ‬ ‫تشبه رائحة الماعز‪،‬‬ ‫بطة‪ ...‬وحده مشعل الجنازة يستطيع اختراق‬ ‫فرجك»(‪.)١٤‬‬

‫يوجد الدم والبلغم والمخاط والمرارة‪ ،‬تأمل‬ ‫ما هو موجو ٌد في األنــف والبلعوم والمعدة‬ ‫مكان من جسدها ستجد القذارة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫وفي كل‬ ‫ونحن ممنوعون من لمس القيء والقذارة‪،‬‬ ‫حتى بأطراف أصابعنا فكيف بنا أن نقوم‬ ‫باحتضانها»(‪.)١٦‬‬

‫‪97‬‬


‫القدس‪ ،‬بل من فعل الشيطان‪ ،‬إن الشيطان‬ ‫ذاتــه قد تقمّص دور مــاك وامتلك عقول‬ ‫هؤالء النسوة المسكينات وتحكم بهن‪ ،‬بسبب‬ ‫شكوكهن وفساد عقيدتهن»‪.‬‬

‫‪98‬‬

‫مع بزوغ فجر األزمنة الحديثة كان يُظن‬ ‫بشكل ما لالحتفال‬ ‫ٍ‬ ‫أن الساحرات يلتقين‬ ‫بالسبت الخاص بهن‪ ،‬فهن يطرن ويتحولن‬ ‫إلى أشكال حيوانية‪ ،‬وبذا فقد صرن أعدا ًء‬ ‫للمجتمع‪ ،‬ولــهــذا السبب فقد تــم تعقبهن‬ ‫ومحاكمتهن وعقابهن بالموت حرقاً‪ ،‬وحتى‬ ‫ال يضيع جهدنا فالمجال هنا ال يسمح لنا‬ ‫بــدراســة مــتــازمــة الــســحــر‪ ،‬تلك المشكلة‬ ‫المعقدة سوا ًء كانت الساحرة كبش فداء في‬ ‫هزات اجتماعية عميقة‪ ،‬أو أثر‬ ‫ٍ‬ ‫أزمنة واجهت‬ ‫ٍ‬ ‫الشامانية السيبيرية‪ ،‬أو حتى ظاهرة دراسة‬ ‫المجتمعات البدائية (ص‪ ،)11‬ما يهمنا هو‬ ‫تواتر الطريقة التي يتم بها صناعة العدو‪،‬‬ ‫فبالشكل المشابه لحالة الهراطقة واليهود‪،‬‬ ‫علم في القرن السادس‬ ‫كــان كافياً لرجل ٍ‬ ‫عشر وهو جيرالموا كاردمونو أن يحاجج بـ‪:‬‬ ‫«أنهن نساء مسكينات يعشن أوضاعاً صعبة‪،‬‬ ‫يفتشن في األودية عن الكستناء واألعشاب‬ ‫من أجل الغذاء‪ ..‬لذا فإنهن يبدين هزيالت‬ ‫ومكسورات وشاحبات اللون بأعين جاحظة‪،‬‬ ‫ونظرات تكشف عن التشاؤم والمزاج السيء؛‬ ‫إنهن نساء قليالت الــكــام وتــائــهــات‪ ،‬ومن‬ ‫الصعب عزلهن عن أولئك الذين استولى‬ ‫عليهم الشيطان‪ ،‬آراؤهن حادة وصارمة وأي‬ ‫شخص يستمع إلى قصصهن سيكون متأكداً‬ ‫ٍ‬ ‫تام قد‬ ‫باقتناع ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫من أن القصص التي يروينها‬ ‫حصلت؛ قصص لــم تــحــدث وال يمكن لها‬ ‫الحدوث»(‪.)١٨‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫ظهرت موج ٌة جديدةٌ من االضطهاد بعد‬ ‫انتشار الــجــذام‪ ،‬استناداً لما يقوله كارلو‬ ‫غينزبيرغ (‪ )Carlo Ginzburg‬فــي كتابه‬ ‫«ابتهاجات‪ :‬معرفة سر سبت الساحرات»‪ :‬إذ‬ ‫سجّ ل أن المجذومين تم حرقهم في فرنسا‬ ‫سنة ‪1321‬م بتهمة محاولة قتل الفرنسيين‬ ‫من خالل تسميم مصادر مياه الشرب كاآلبار‬ ‫والحنفيات العمومية‪« :‬النساء المجذومات‬ ‫اللواتي اعترفن بالجريمة سوا ًء تحت التعذيب‬ ‫أم بدوافع ذاتية‪ ،‬كان يحكم عليهن باإلعدام‬ ‫حرقاً‪ ،‬باستثناء الحوامل واللواتي كان يتم‬ ‫احتجازهن حتى الــوالدة ثم يتم إعدامهن»‪.‬‬ ‫من الصعب التعرف على جذور االضطهادات‬ ‫التي كانت تطال المتهمين بنشر الطاعون‬ ‫أو الجذام‪ ،‬لكن غينزبيرغ يشرح جانباً آخر‬ ‫مــن هــذه الــظــاهــرة‪ ،‬وهــي الــربــط التلقائي‬ ‫بين المجذومين واليهود والمسلمين‪ ،‬فعد ٌد‬ ‫من المؤرخين يربطون اتهام اليهود بأنهم‬ ‫كانوا يحرضون المجذومين ويقدمون لهم‬ ‫المساعدة؛ لهذا السبب كان العديد منهم‬ ‫يرسلون إلى المحرقة‪ ،‬يقول غينزبيرغ‪« :‬كان‬ ‫السكان قد أخــذوا على عاتقهم تحقيق ما‬ ‫كانوا يرونه العدالة‪ ،‬فبمساعدة المسؤولين‬ ‫المحليين أو الرهبان كانوا يحبسون أولئك‬ ‫الناس في بيوتهم مع كافة مصادر حياتهم‬ ‫ويحرقونهم»‪ ،‬أحــد قــادة هــذه المجموعات‬ ‫اعــتــرف أن يــهــودي ـاً قــدم لــه الــمــال مقابل‬ ‫حنفية عمومية‪ ،‬كان السم‬ ‫ٍ‬ ‫وضع السم في‬ ‫أنواع‬ ‫«دم بشري مع بول وثالثة ٍ‬ ‫مصنوعاً من ٍ‬ ‫من األعشاب» ومغلفاً بقطعة قماش مربوط ًة‬ ‫بحجر حتى تغرق إلــى قــاع الحنفية‪ ،‬لكنه‬ ‫أخبر أيضاً أن ملك غرناطة المسلم هو من‬ ‫رواية أخرى كان سلطان‬ ‫ٍ‬ ‫أرسل اليهود‪ .‬وفي‬


‫هــذه الــطــقــوس كــانــت تــمــارس فــي زمـ ٍـن‬ ‫الحق من قبل الساحرات‪ .‬ففي القرن الرابع‬ ‫عشر ظهر أول كتيّب لمحاكمة الهراطقة‬ ‫نشرته محاكم التفتيش‪ ،‬وهو «دليل المحقق‬ ‫لمعرفة شرور الهرطقة»‪ ،‬من تأليف بيرنارد‬ ‫غوي (‪)Bernardo Gui‬؛ وكذلك كتاب «دليل‬ ‫الــتــحــقــيــق» لنيكولو إيــمــيــرك (‪Niccolao‬‬ ‫‪ .)Emeric‬وفــي الــقــرن الخامس عشر في‬ ‫الــوقــت ال ــذي كــان فيه مارسيليو فيسينو‬ ‫(‪ )Marsilio Ficino‬يترجم أفــاطــون في‬ ‫بتوجيه من كوزيمو ميديتشي‪ ،‬كان‬ ‫ٍ‬ ‫البندقية‬ ‫طالب المدارس يغنون‪« :‬أخيراً‪ ،‬أخيراً‪ ،‬لقد‬ ‫انتهت العصور المظلمة» كــان جــون نيدر‬ ‫(‪ )John Nider‬يؤلف كتابه فورميكاريوس‬ ‫(‪ )Formicarius‬بين سنتي ‪ 1435‬و‪1437‬م‬ ‫وطبعه سنة ‪1473‬م وال ــذي يتحدث ألول‬ ‫مــرةٍ وبعالنية عن ممارسات السحر‪ ،‬كتب‬ ‫الــبــابــا جــيــوفــانــي باتيست سيبو «الــبــريء‬ ‫الثامن» (‪ )Giovanni Battista Cybo‬عن هذه‬ ‫الممارسات في البيان البابوي سنة ‪1484‬م‪:‬‬ ‫«لقد تناهى إلى أسماعنا مؤخراً ما تسبب‬ ‫أناس‬ ‫ٌ‬ ‫بقلقنا‪ ،‬أنه في بعض مناطق ألمانيا‪...‬‬ ‫من الجنسين ضحايا غفلتهم عن الدين‪ ،‬تم‬ ‫تضليلهم من قبل الشيطان‪ ،‬وأخرجهم من‬ ‫اإليمان الكاثوليكي‪ ،‬ال يتورعون عن االرتماء‬

‫تعطي سجالت محكمة التفتيش المتعلقة‬ ‫بمحاكمة الــســاحــرة أنطونيا مــن أبرشية‬ ‫القديس جــوريــوز التابعة ألسقفية جنيف‬ ‫واحداً من آالف األمثلة حول تكوين الساحرة‪:‬‬ ‫«قامت المتهمة بهجر زوجها والمضي مع‬ ‫لمكان يُعرف بالز بيروي قرب النهر‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ماسي‬ ‫كنيس للهراطقة يوجد فيه‬ ‫ٌ‬ ‫حيث أقيم هناك‬ ‫عــد ٌد كبي ٌر من الــرجــال والنساء‪ ،‬ليرقصوا‬ ‫ويعربدوا‪ ،‬بعدها أراها ماسي شيطاناً يدعى‬ ‫روبين‪ ،‬والذي كان له مظهر الزنجي‪ ،‬وقال لها‪:‬‬ ‫هذا هو سيدنا والذي يجب عليك أن تظهري‬ ‫له كل فروض الــوالء إذا ما أردت الحصول‬ ‫على كل رغباتك‪ ،‬سألت المدعى عليها ماسي‬ ‫عليك أن‬ ‫ِ‬ ‫مــاذا عليها أن تفعل فــرد‪ ،‬قائالً‪:‬‬ ‫تنكري اإللــه خالقك واإليــمــان الكاثوليكي‬ ‫وتلك المسماة مريم الــعــذراء‪ ،‬وتقبلي هذا‬ ‫الشيطان روبين كسيدك وإلهك‪ ،‬وتفعلي كل‬ ‫ما يطلبه منك‪ ،‬للوهلة األولى ترددت أنطونيا‬ ‫بعد سماعها هــذه الكلمات لكنها سرعان‬ ‫ما قالت‪ :‬أنكر إلهي واإليمان والكاثوليكي‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬

‫بابل أحد أطراف هذه المؤامرة‪ ،‬هناك ثالثة‬ ‫أعــداء تاريخيين وهم المجذومون واليهود‬ ‫والمسلمون‪ ،‬لذا فإنهم يجتمعون دوم ـاً في‬ ‫عدو‬ ‫أي مؤامرة‪ ،‬بعض المصادر تشير إلى ٍ‬ ‫راب ــع وهــو الــهــراطــقــة‪ ،‬إذ يقومون بتجميع‬ ‫المجذومين من أجــل البصاق على الهيكل‬ ‫والوطء على الصليب‪.‬‬

‫في األحضان الشيطانية‪ ،‬يتركون األطفال‬ ‫والحيوانات والمحصوالت تموت وتهلك‪...‬‬ ‫يستخدمون التعاويذ والطالسم وممارسات‬ ‫سحرية أخرى‪ ،‬لذا فقد وجهنا إلى استخدام‬ ‫كل الوسائل المناسبة لمنع انتشار ممارسات‬ ‫الهراطقة في تلك المناطق‪ ،‬والتي تسعى‬ ‫لتسميم أرواح رعــايــا الكنيسة الطيبين‬ ‫وذلك من خالل المحققين سبيرنغر وكرامر‬ ‫(‪ ،»)Sprenger and Kramer‬بعد هذا البيان‬ ‫بسنتين نشر االثنان متأثرين بـكتاب جون‬ ‫نيدر كتابهما سيء الصيت والمعنون بمطرقة‬ ‫الساحرات‪.‬‬

‫‪99‬‬


‫والصليب المقدس‪ ،‬وأؤمن بالشيطان روبين‬ ‫سيداً وإلها‪ ،‬ثم قدمت فروض الوالء بتقبيل‬ ‫قدمه‪ ،‬بعدها أخرجت صليباً خشبياً وألقته‬ ‫على األرض وداسته بقدمها اليسرى حتى‬ ‫قدم ونصف‬ ‫تكسّ ر‪ ،‬ثم مشت على عصاً بطول ٍ‬ ‫لتدخل الكنيس‪ ،‬بعدها قامت بدهن ما بين‬ ‫ـوع في إنــاء القربان‬ ‫بمرهم مــوضـ ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫فخذيها‬ ‫وقالت‪ :‬اذهب‪ ،‬اذهب إلى الشيطان‪ ،‬حينها‬ ‫دخلت فــي طقوس الكنيس‪ ،‬لقد اعترفت‬ ‫المدعى عليها بأنهم أكلوا في ذلك المكان‬ ‫خبزاً ولحماً وشربوا نبيذاً ثم رقصوا‪ ،‬بعدها‬ ‫كلب أسود‪ ،‬وقاموا‬ ‫تحول الشيطان روبين إلى ٍ‬ ‫بتقديسه وعبادته وتقبيل مؤخرته‪ ،‬وأخيراً قام‬ ‫الشيطان بإطفاء النار المشتعلة في الموقد‪،‬‬ ‫بلهيب أخضر أنارت الكنيس كله‬ ‫ٍ‬ ‫وأشعل ناراً‬ ‫وصرخ (ميكليت ‪ )Meclet‬يطالبهم بالممارسة‬ ‫الجنسية وفي وسط الصراخ اضطجع الرجال‬ ‫بشكل وحشي بينما هي اضطجعت‬ ‫ٍ‬ ‫والنساء‬ ‫مع المدعو ماسي غارين»‪.‬‬

‫‪100‬‬

‫مشابهة‬ ‫ٍ‬ ‫االنتباه‪ ،‬من الجيد تذكر إجــراءات‬ ‫تم شرحها في روايــة «ظــام عند الظهيرة‬ ‫آلرثر كوستلر» وكيف تم صناعة العدو خالل‬ ‫المحاكمة تحت حكم ستالين‪ ،‬إذ يتم صناعة‬ ‫لعدو ما ويتم إقناع المتهمين بأنهم‬ ‫ٍ‬ ‫صــورةٍ‬ ‫على تلك الصورة فيصدقون‪ ،‬حتى أولئك‬ ‫حسنة‬ ‫ٍ‬ ‫الذين يأملون بأن يكونوا في مواقع‬ ‫يتم إغراؤهم كي يصيروا أعــداء‪ ،‬فالمسرح‬ ‫واألدب يقدمان لنا أمثل ًة مشابه ًة لفرخ البط‬ ‫البشع‪ ،‬والذي يتم ازدراؤه من قبل المحيطين‬ ‫بشكل‬ ‫ٍ‬ ‫به بنا ًء على الصورة التي كوّنوها عنه‬ ‫مسبق‪ ،‬هنا أقتبس شكسبير من مسرحية‬ ‫ريتشارد الثالث‪:‬‬

‫ل ـك ـن ـنــي ل ــم أُوج ـ ـ ــد ل ـم ـم ــارس ــة األالعـ ـي ــب‬ ‫المسلية‪،‬‬ ‫وال حتى متعة النظر في مرآة حبيبة‪.‬‬ ‫أنا المحروم بسوء أقداري‪،‬‬ ‫الذي شوهت الطبيعة خلقته‪،‬‬ ‫المشوه الناقص الذي أُرسل قبل زمانه‪،‬‬ ‫إلـ ـ ــى هـ ـ ــذا الـ ـع ــال ــم ال ـ ـ ــذي ي ـم ـض ــي بـشــق‬ ‫األنفس‪،‬‬ ‫هذا العالم الكسيح‪.‬‬ ‫أن ــا ال ــذي تنبح ال ـكــاب عليه كلما وقــف‬ ‫بالقرب منها‪،‬‬ ‫لماذا ال أجد متعةً أمضي بها وقتي‪،‬‬ ‫سوى اختالس النظر إلى ظلي‪،‬‬ ‫والتغني بخلقتي المشوهة‪،‬‬ ‫صالح للحب‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫وما دمت غير‬ ‫والتمتع بهذه األيام الجميلة‪،‬‬ ‫فألكن وغداً‪.‬‬

‫هذه الشهادة مع التفاصيل المذكورة حول‬ ‫البصاق على الصليب وتقبيل المؤخرة تتشابه‬ ‫كبير مع ما تم تسجيله في محاكمة‬ ‫حد ٍ‬ ‫إلى ٍ‬ ‫فرسان المعبد قبل ما يقارب قرناً ونصف‪،‬‬ ‫وما يثير الدهشة ليس استخدام المحققين‬ ‫في محاكمات القرن الخامس عشر قواعد‬ ‫االستجواب المسجلة عن محاكمات سابقة‪،‬‬ ‫بــل إن الضحية فــي نهاية التحقيق تقتنع‬ ‫بصحة االدعـ ــاءات الموجهة ضــدهــا‪ ،‬ففي‬ ‫محاكمات السحرة ال يتم بناء صورةٍ للعدو‬ ‫فقط‪ ،‬وال كــون الضحية تعترف بارتكاب‬ ‫أشياء لم تفعلها بل اقتناع الضحية بحقيقة‬ ‫يبدو أننا ال نستطيع الحياة دون وجود‬ ‫ما يقوله خالل عملية االعتراف وهذا ما يثير عدو‪ ،‬فصورة العدو ال يمكن بالمطلق محوها‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫هــل حسنا األخــاقــي واهٍ حينما نواجه‬ ‫الــحــاجــة الحتمية لــوجــود ع ــدو؟ نستطيع‬ ‫المناقشة بأن األخــاق تتدخل ال في حالة‬ ‫عدو فقط‪ ،‬بل حينما‬ ‫تظاهرنا بعدم وجود ٍ‬ ‫نحاول أن نفهم هذا العدو‪ ،‬أو نضع أنفسنا‬ ‫مكانه‪ ،‬أسخيلوس لم يكن حاقداً على الفرس‬ ‫حينما كتب مسرحيته التراجيدية «الفرس»‬ ‫من وجهة نظرهم أنفسهم وبنا ًء على خبرته‬ ‫باحترام‬ ‫ٍ‬ ‫معهم‪ ،‬وكان قيصر يعامل الغاليين‬ ‫كبير وفي أسوأ األحوال كان يكتفي بمظهرهم‬ ‫ٍ‬ ‫الضعيف وهم يستسلمون له‪ ،‬كان تاكيتوس‬ ‫يحترم األلمان ومظهرهم العام وكانت شكواه‬ ‫من روائحهم الكريهة وتخاذلهم في األعمال‬ ‫الشاقة كونهم ال يستطيعون مقاومة الحر‬ ‫والعطش‪ ،‬إن محاولة فهم اآلخــريــن تعني‬ ‫تدمير الشائعات المرتبطة بهم‪ ،‬بدون إنكار‬ ‫أو تجاهل اآلخرين؛ لكن فلنكن واقعيين فهذه‬ ‫المحاوالت لفهم العدو تعد من امتيازات‬ ‫الشعراء والقديسين وحتى الخونة‪ ،‬بينما‬ ‫نــوع آخــر‪ ،‬فــي سنة‬ ‫دوافــعــنــا الداخلية مــن ٍ‬ ‫‪1967‬م نشر في أميركا كتاب‪« :‬تقرير من‬

‫بحالة من الفوضى‬ ‫ٍ‬ ‫بينما يتسبب السالم‬ ‫واالنحراف في جيل الشباب‪ ،‬تسهم الحرب‬ ‫بشكل‬ ‫ٍ‬ ‫فــي استغالل هــذه الــقــوى الــمــدمــرة‬ ‫أفضل‪ ،‬حتى على المستوى االجتماعي فإنها‬ ‫تعطيهم مسمّىً وقيمة اجتماعية؛ فالجيش‬ ‫في هــذه الحالة هو األمــل األخير بالنسبة‬ ‫للمنبوذين‪ ،‬فنظام الحرب وقدرتها على وهب‬ ‫الحياة والموت يحث الناس على دفع الدم‬ ‫ثمناً في سبيل إعادة التنظيم االجتماعي بدالً‬ ‫عن عوامل أخرى كحوادث السيارات مثالً‪،‬‬ ‫فمن وجهة نظر بيئية فــإن فــاتــورة الحرب‬ ‫يدفعها عد ٌد هائل من القتلى‪ ،‬وهذا األمر قد‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬

‫من عملية تشكل الحضارات‪ ،‬إنها الحاجة‬ ‫محب للسالم‪،‬‬ ‫إلنسان ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫الطبيعية حتى بالنسبة‬ ‫ففي حالة ريتشارد تبدو صورة العدو تنتقل‬ ‫من كونها تكويناً بشرياً إلى قوةٍ طبيعية أو‬ ‫بشكل أو بآخر‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫اجتماعية تقوم بتهديدنا‬ ‫وعلينا أن نهزمها‪ ،‬س ــوا ًء كانت استغالالً‬ ‫رأســمــالــيـاً أم تلوثاً بيئياً أم حتى مجاعة‬ ‫فــي العالم الثالث‪ ،‬وبالرغم مــن كــون هذه‬ ‫األشياء قضايا عادلة كقضية مقاومة الظلم‬ ‫والطغيان‪ ،‬فإنها كما يذكرنا بريشت‪« :‬تجعل‬ ‫مالمحنا صارمة»‪.‬‬

‫الجبل الحديدي‪ :‬في إمكانية ورغبة تحقيق‬ ‫الــســام»‪ ،‬مــن قبل كــاتـ ٍـب مجهول‪ ،‬كــان من‬ ‫الــواضــح أنــه كتيبٌ ضــد الــحــرب أو مرثي ًة‬ ‫تشاؤمي ًة حول حتميتها‪ ،‬لكن وبما أن إعالن‬ ‫الحرب يتطلب وجود عدو‪ ،‬فإن حتمية الحرب‬ ‫مرتبط ٌة بحتمية تعريف العدو وابتكاره؛ لهذا‪،‬‬ ‫وبشكل جدي أن أي‬ ‫ٍ‬ ‫فإن الكتيب كان يلّمح‬ ‫محاولة لدفع المجتمع األميركي كي يشكّل‬ ‫ٍ‬ ‫دولة سالم سيكون كارثياً‪ ،‬فالحرب وحدها‬ ‫من تقدم أسس اندماج المجتمعات اإلنسانية‬ ‫وتطورها‪ ،‬فالخسارة المنظمة تشبه الصمام‬ ‫الذي يقوم بضبط حركة المجتمع الحثيثة‪،‬‬ ‫إنها ‪-‬أي الخسارة المنظمة‪ -‬هي ما تحل‬ ‫مشكلة التموين فهي قوةٌ فعالة ومؤثرة‪ ،‬إن‬ ‫الحرب تساعد المجتمع كي ينظم ذاته كأمة‪،‬‬ ‫فالحكومة ال تستطيع أن تؤسس لشرعيتها‬ ‫دون الــحــضــور الــدائــم لــلــحــرب‪ ،‬فالحرب‬ ‫وحدها من يحافظ على حالة التوازن بين‬ ‫الطبقات االجتماعية وتساعد على إبعاد‬ ‫العناصر المعادية للمجتمع‪.‬‬

‫‪101‬‬


‫تغير مع نهاية القرن التاسع عشر فبينما كان‬ ‫المنبوذون يبقون أحياء داخل المدن أو على‬ ‫هوامشها‪ ،‬كان أعضاء المجتمع الشجعان‬ ‫«الجنود» يقتلون في المعارك والحروب‪ ،‬غيّر‬ ‫التطور التقني هــذا األمــر‪ ،‬إذ صــار قصف‬ ‫ال بارزاً في منع زيادة السكان أكثر‬ ‫المدن عام ً‬ ‫من طقوس قتل المواليد قديماً أو الرهبنة‬ ‫أو حــاالت بتر األعضاء التناسلية‪ ،‬وكذلك‬ ‫االســتــخــدام المبالغ فيه لعقوبة اإلع ــدام‪.‬‬ ‫الحرب وحدها تجعل هذا األمر ممكناً‪ ،‬إذ‬ ‫تقدم مفهوماً ووسيل ًة إنسانية للسيطرة على‬ ‫األوضاع المختلة‪.‬‬ ‫إذا كـ ــان هـ ــذا األم ـ ــر صــحــيــح ـاً‪ ،‬فــإن‬ ‫عملية صناعة العدو يجب أن تكون مكثفة‬ ‫ومستمرة‪ .‬وهنا‪ ،‬يقدم لنا جورج أورويل في‬ ‫روايته ‪1984‬م مثاالً جيداً عن هذه الحالة‪:‬‬ ‫مرعب‬ ‫ٍ‬ ‫خطاب‬ ‫ٍ‬ ‫«في اللحظة التالية تم بث‬ ‫ومخيف من التلفاز المركون في آخر القاعة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫وكصوت آلة جف زيتها‪ ،‬كان الصوت وحشياً‬ ‫بحيث يجعل األسنان تصطك رعباً‪ ،‬ويقف له‬ ‫شعر الــرأس‪ ...‬لقد بــدأت حفلة الكراهية‪،‬‬ ‫ظهر على الشاشة وجه عدو الشعب إيمانويل‬ ‫غولدشتاين‪ ،‬وبــدأت صرخات االستهجان‬ ‫تعلو في القاعة‪ ،‬صرخت الفتاة ذات الشعر‬ ‫ممزوج بالخوف والقرف‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫بصوت‬ ‫ٍ‬ ‫الذهبي‬ ‫فــغــولــدشــتــايــن أح ــد الــقــيــاديــيــن السابقين‬ ‫للحزب صــار المرتد والمنحرف والخائن‬ ‫األول للحزب‪ ،‬وكذلك الملوث لطهارته‪ ،‬كانت‬ ‫تعاليمه مصدر كل الخيانات واالنحرافات‬ ‫التي عصفت بالحزب مؤخراً‪ ،‬واآلن هو قاب ٌع‬ ‫مكان ما يحيك المؤامرات‪.‬‬ ‫في ٍ‬

‫‪102‬‬

‫بسبب الزحام حوله‪ ،‬لم يستطع ونستون‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫رؤية وجه غولدشتاين جيداً على الشاشة‪،‬‬ ‫غير أنه كلما لمحه كساه خليطٌ من المشاعر‬ ‫المفعمة باأللم‪ ،‬كان وجهه اليهودي نحيالً‪،‬‬ ‫ولحية‬ ‫ٍ‬ ‫بشعر أبيض‬ ‫ٍ‬ ‫تكسوه هال ٌة من التجاعيد‪،‬‬ ‫صغيرة‪ ،‬كان وجهه ذكياً غير أن منظر أنفه‬ ‫الطويل النحيل بمنخريه يوحي بالسذاجة‪،‬‬ ‫فــهــو يــذ ّكــر بــوجــه الــتــيــس‪ ،‬كــمــا أن ــه صوته‬ ‫يشبه ثغاء الماعز‪ ،‬كان غولدشتاين يهاجم‬ ‫عقيدة الحزب ويطالب بالسالم الفوري مع‬ ‫أوراسيا؛ كان يدافع عن حرية التعبير‪ ،‬وحرية‬ ‫الصحافة‪ ،‬وحرية التجمع‪ ،‬وحرية التفكير‪.‬‬ ‫هيستيري بأن الثورة قد‬ ‫ٍ‬ ‫بشكل‬ ‫ٍ‬ ‫لقد كان يصرخ‬ ‫تمت خيانتها‪ ...‬في الدقيقة الثانية ارتفعت‬ ‫نوبة الكراهية‪ ،‬وبدأ الحضور يتقافزون في‬ ‫أماكنهم صــارخــيــن بــأن يتم إخـــراس هذا‬ ‫الثغاء المجنون الصادر من الشاشة‪ ،‬امتقع‬ ‫وجــه الفتاة ذات الشعر الــذهــبــي‪ ،‬وبــدأت‬ ‫بالصراخ كانت تفتح فمها وتغلقه كما لو‬ ‫كانت سمك ًة أ ُخــرجــت مــن الــمــاء‪ ...‬الفتاة‬ ‫ذات الشعر الداكن الواقفة خلف ونستون‬ ‫صرخت «خنزير‪ ،‬خنزير‪ ،‬خنزير» ثم أمسكت‬ ‫معجم اللغة الجديدة وقذفته على الشاشة‪،‬‬ ‫فــأصــاب أن ــف غــولــدشــتــايــن ثــم ارت ــد على‬ ‫األرض‪ ،‬تعالى الصراخ‪ ،‬وانتبه ونستون إلى‬ ‫نفسه وهو يصرخ مع الجموع ويضرب قائمة‬ ‫بشكل عنيف‪ ،‬المرعب في‬ ‫ٍ‬ ‫الكرسي بقدمه‬ ‫دقيقتي الكراهية هاتين ليس أن الفرد كان‬ ‫ملزماً باالنضمام للجموع في صراخها‪ ،‬بل‬ ‫استحالة عدم االنضمام إليها‪ ...‬سرت نشوةٌ‬ ‫عارم ٌة كما لو كانت تياراً كهربائياً في الجموع‬ ‫يكسوها الخوف ورغبة االنتقام‪ ،‬رغبة بالقتل‬ ‫والتعذيب‪ ،‬رغبة بتحطيم الوجوه بمطرقة‪،‬‬ ‫بشكل‬ ‫ٍ‬ ‫جعلت الجميع يقطبون ويصرخون‬


‫لــيــس علينا أن نتعمق أكــثــر فــي رواي ــة‬ ‫‪1984‬م لنجد أننا ال نستطيع الحياة دون‬ ‫عدو‪ ،‬فنحن نشهد الخوف الذي يتسبب به‬ ‫تدفق المهاجرين‪ ،‬ففي إيطاليا اليوم يتم‬ ‫تصوير الرومانيين على أنهم أعداء من خالل‬ ‫سلوك بعضهم بوصف هذا السلوك أنه يشكّل‬ ‫ثقاف ًة إثنية‪ .‬هذه الحال تقوم بتقديم كبش‬ ‫مجتمع ال يستطيع تعريف نفسه‬ ‫ٍ‬ ‫فداء لكل‬ ‫كونه في طور التغير‪ ،‬بما فيه التغير اإلثني‪.‬‬ ‫سارتر يقدم لنا النظرة األكثر تشاؤماً في‬ ‫هذا المجال في مسرحيته «أبواب مغلقة»‪ ،‬إذ‬ ‫ال نستطيع معرفة أنفسنا إال بوجود اآلخرين‪،‬‬ ‫وهذا ما تبنى عليه باألساس مسألتا التعايش‬ ‫والخضوع‪ ،‬وعلى الرغم من هذه اإلشكالية‬ ‫* ‬

‫** ‬ ‫(‪ )١‬‬ ‫(‪ )٢‬‬ ‫(‪ )٣‬‬ ‫(‪ )٤‬‬ ‫(‪ )٥‬‬ ‫(‪ )٦‬‬ ‫(‪ )٧‬‬ ‫(‪ )٨‬‬ ‫(‪ )٩‬‬ ‫(‪ )١٠‬‬ ‫(‪ )١١‬‬ ‫(‪ )١٢‬‬ ‫(‪ )١٣‬‬ ‫(‪ )١٤‬‬ ‫(‪ )١٥‬‬ ‫(‪ )١٦‬‬ ‫(‪ )١٧‬‬ ‫(‪ )١٨‬‬

‫تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬

‫جنوني دون رغبتهم»‪.‬‬

‫إشكالية أخ ــرى وهــي عدم‬ ‫ٍ‬ ‫فإننا نقع فــي‬ ‫وببساطة‬ ‫ٍ‬ ‫القدرة على التسامح مع اآلخر؛ ألنه‬ ‫ليس نحن‪ ،‬وبهذه الطريقة فإننا حين ننزل‬ ‫اآلخر منزلة العدو فإننا نخلق جحيمنا على‬ ‫األرض‪ ،‬يغلق سارتر الغرفة على ثالثة رجال‬ ‫ال يعرفون بعضهم حتى الموت‪ ،‬أحدهم أدرك‬ ‫هذه الحقيقة الرهيبة وقال‪« :‬انتظر‪ ،‬سترى‬ ‫كم األمر سه ٌل جداً‪ ،‬فمن الواضح أنه لن يكون‬ ‫تعذيب جسدي‪ ،‬أال تتفق معي؟ ومع‬ ‫ٍ‬ ‫هناك أي‬ ‫ذلك فنحن في الجحيم‪ ،‬ولن يأتي أح ٌد آخر‬ ‫إلــى هــذا المكان‪ ،‬سنبقى نحن الثالثة في‬ ‫هذه الغرفة إلى األبــد‪ ...‬بعد برهة‪ :‬هناك‬ ‫شخص مفقود! إنــه الجالد! يبدو واضحاً‬ ‫ٌ‬ ‫أن ما يسعون إليه هو تقليص عدد العاملين‬ ‫واحد منا سيكون الجالد‬ ‫ٍ‬ ‫هنا؛ لذا‪ ،‬فإن كل‬ ‫بالنسبة لالثنين اآلخرين‪ .‬انتهى‪.‬‬

‫الجوف سكاكا‪.‬‬

‫محاضرة في جامعة بولونيا اإليطالية‪ ،‬في تاريخ ‪ 15‬مايو أيار ‪2008‬م‪ ،‬كجزء من سلسلة لقاءات حول‬ ‫الكالسيكيات‪ ،‬كتاب في مديح السياسة‪ ،‬تحرير إيفانو ديونيغي ‪2009‬م‪.‬‬ ‫مجلدات التاريخ‪ ،‬المجلد الخامس‪ ،‬الجزء الثالث‪.‬‬ ‫سفارة إلى القسطنطينية وكتابات أخرى‪.‬‬ ‫سيكولوجية العرق األلماني‪1917 ،‬م‪.‬‬ ‫رحلة إلى األرض المقدسة ومصر واألراضي العربية‪.‬‬ ‫سانت أمبروجو‪1845 ،‬م‪.‬‬ ‫الرجل المجرم‪1876 ،‬م‪ ،‬المجلد األول‪ ،‬الفصل الثاني‪.‬‬ ‫العهد السرياني ليسوع المسيح‪.‬‬ ‫رسالة في أصل وزمن عدو المسيح‪ ،‬الراهب أدوس من كاثدرائية مونتي اون دير‪.‬‬ ‫هايلدغارد بينغن‪ ،‬رؤى روحانية‪ ،‬القرن الثاني عشر‪ ،‬المجلد الثالث الجزء األول‪ ،‬القسم الرابع عشر‪.‬‬ ‫بابتيست هنري غريغور‪ ،‬مقالة في التطور الجسدي واألخالقي والسياسي عند اليهود‪1788 ،‬م‪.‬‬ ‫اليهودية في الموسيقا‪1850 ،‬م‪.‬‬ ‫أدولف هتلر‪ ،‬كفاحي‪1925 ،‬م‪.‬‬ ‫مايكل بسيلوس‪ ،‬في ممارسات الشيطان‪ ،‬القرن الحادي عشر‬ ‫ماركوس مارشالييس‪ ،‬شاعر روماني اشتهر بهجائياته الساخرة‪ ،‬القصائد‪ ،‬الكتاب الثالث‪ ،‬القصيدة ‪.93‬‬ ‫بوكاشيو‪ ،‬الغراب‪.‬‬ ‫أودو الكلوني‪ ،‬الممارسات الرهبانية‪ ،‬الكتاب الثالث‪ ،‬الفصل ‪.133‬‬ ‫هوراس‪ ،‬السخريات‪ ،‬الكتاب األول‪.‬‬ ‫في الظواهر الطبيعية‪ ،‬الكتاب الخامس عشر‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪103‬‬


‫القاص والشاعر والناقد والروائي العراقي‬ ‫عبدالرحمن مجيد الربيعي‪:‬‬ ‫أنا كاتب تجريبي ما دمت لم أغادر مختبر الكتابة‬ ‫عبدالرحمن مجيد الربيعي‪ ،‬قاص كبير‪ ،‬ورمز من رموز الرواية الحديثة على‬ ‫الساحة العربية‪ ،‬منذ مطلع السبعينيات من القرن الماضي‪ ،‬ومن الكتاب الذين‬ ‫يمتلكون حـ ّـسـ ًا إنساني ًا عــالـيـاً؛ امتطى صهوة الكلمة وطــاف بها أرج ــاء الوطن‬ ‫الكبير‪ ،‬وكـتــب الكثير مــن القصص وال ــرواي ــات الجميلة الـتــي أهّ ـلـتــه ألن يكون‬ ‫اسم ًا المع ًا في سماء الــروايــة العربية وليس العراقية فحسب؛ ومــا يــزال يتابع‬ ‫بدأب وصبر كبيرين‪ ،‬وقد حقق في تجربته اإلبداعية‬ ‫نشاطه الكتابي حتى اآلن ٍ‬ ‫توازن ًا عذب ًا بين موقفه السياسي وموقفه الفكري؛ فأظهر لنا اإلنسان العربي في‬ ‫معاناته الحقيقية‪ :‬الباحث عن الحرية‪ ،‬الرافض لكل قيود التحجر واالستالب‪.‬‬ ‫وهــذا األمــر‪ ،‬ربما‪ ،‬جعله اليوم واحــد ًا من أبــرز األصــوات المعاصرة التي تحظى‬ ‫واسع في األوساط الثقافية في العالم‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫باحترامٍ‬

‫‪104‬‬

‫تبوأ الربيعي مناصب ثقافية متعددة‪ ،‬وكان له دور كبير في الثقافة العراقية‪،‬‬ ‫فقد عمل مدير ًا للمركز الثقافي العراقي في كل من تونس وبيروت بين عامي‬ ‫‪1986 - 1979‬م‪ ،‬واحتل مساحة واسعة في الحالة الثقافية العربية وحيّز ًا كبير ًا‬ ‫في األجهزة اإلعالمية المتعددة‪ ،‬وانتشر على امتداد الوطن العربي‪ ،‬قاص ًا وفنّان ًا‬ ‫وشاعر ًا وناقد ًا وروائياً‪ ،‬تناوله الباحثون والدارسون في رسائلهم الجامعية وفي‬ ‫الصحافة األدبية‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫يـجــدر بــالــذكــر هنا اإلش ــارة إلــى أن عبدالرحمن الربيعي مــن مــوالـيــد مدينة‬ ‫الناصرية جنوبي الـعــراق بتاريخ ‪1939/8/12‬م‪ .‬درس الــرســم وتـخــرج مــن معهد‬ ‫الفنون الجميلة وكلية الفنون الجميلة ببغداد‪ .‬بدأ النشر في الصحف العراقية‬ ‫والعربية‪ ،‬أصدر أول مجموعة قصصية له بعنوان (السيف والسفينة) عام ‪1966‬م‪،‬‬ ‫وكانت أول مجموعة لكاتب قصة من جيل الستينيات‪ ،‬وقد أعيد طبعها ببغداد‬ ‫والقاهرة وبيروت وتونس‪ ،‬أما روايته االولى (الوشم) فقد صدرت عام ‪1972‬م‪ ،‬ونالت‬ ‫ِّست في عدد‬ ‫اهتمام ًا كبير ًا لم يحظ به عمل روائي عراقي قبلها‪ ،‬وطبعت مراراً‪ ،‬و ُدر ْ‬ ‫من الجامعات العربية والعالمية‪.‬‬ ‫من مؤلفاته القصصية‪ :‬السيف والسفينة ‪1966‬م‪ ،‬الظل في الــرأس ‪1968‬م‪،‬‬ ‫وجوه من رحلة التعب ‪1974‬م‪ ،‬ذاكرة المدينة ‪1975‬م‪ ،‬األفواه ‪1979‬م‪ ،‬نار لشتاء قلب‬ ‫‪1986‬م‪ .‬وله في الرواية‪ :‬الوشم ‪1972‬م‪ ،‬األنهار ‪1974‬م‪ ،‬القمر واألسوار ‪1976‬م‪ ،‬الوكر‬ ‫‪1980‬م‪ ،‬خطوط الطول‪ ..‬خطوط العرض ‪1983‬م‪ ،‬هناك في فج الريح ‪2011‬م‪ .‬وفي‬ ‫النقد األدبي‪ :‬الشاطئ الجديد‪ :‬قراءة في كتابة القصة‪ ،‬أصوات وخطوات ‪1984‬م‪.‬‬ ‫وفي الشعر‪ :‬للحب والمستحيل ‪1983‬م‪ ،‬شهريار يبحر ‪1985‬م‪ ،‬امرأة لكل األعوام‬ ‫‪1985‬م‪ ،‬مالمح من الوجه المسافر‪ ،‬عالمات على خارطة القلب ‪1987‬م‪ ،‬أسئلة‬ ‫العاشق‪.‬‬ ‫التقينا به في حوار خاص لمجلة الجوبة‪ ،‬عن مجمل تجربته الثقافية التي‬ ‫امتدت على ما يزيد من خمسة عقود‪:‬‬ ‫■ حاوره‪ :‬نضال القاسم‬

‫ ¦كـيــف يـنـظــر ال ـق ــاص وال ــروائ ــي والـنــاقــد‬ ‫الـعــربــي الـعــراقــي عـبــدالــرحـمــن الربيعي‬ ‫إلــى مقولة التجريب؟ مــا هــي مقومات‬ ‫الرواية التجريبية؟ وما هي االختالفات‬ ‫ب ـي ــن ال ـ ــرواي ـ ــة ال ـت ـجــري ـب ـيــة ال ـم ـشــرق ـيــة‬ ‫والرواية التجريبية المغاربية؟‬ ‫‪ρ ρ‬كنت أردد وما أزال حتى اليوم إنني كاتب‬ ‫تجريبي ما دمت لم أغادر مختبر الكتابة‪،‬‬ ‫ب ــدأت رحلتي مــع التجريب القصصي‬ ‫منذ «الــســيــف والسفينة»‪ ،‬الــتــي كانت‬

‫حقلي التجريبي األول وما أزال تجريبياً‬ ‫لم أستقر عند محطة‪ ،‬وفي تقديري أن‬ ‫«التجريب» اشتغال مشروع‪ ،‬فهو الذي‬ ‫يجعل الكاتب يتجاوز في كل تجربة جديدة‬ ‫يرس عليه في التجربة التي‬ ‫ما حققه ولم َ‬ ‫سبقتها؛ ووفقاً لقراءات النقاد جاء هذا‬ ‫االختالف بين أعمالي رغم أنها تنتمي‬ ‫إلى عالم كاتب واحد‪ .‬أما عن مقومات‬ ‫الرواية التجريبية فإنني ال أجد جواباً‬ ‫شافياً لسؤالك‪ .‬ولعل أهم مقوّم للرواية‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪105‬‬


‫التجريبية هو أن تكون تجريبية‪ .‬وليست‬ ‫هناك تجريبية مشرقية وأخرى مغربية؛‬ ‫لكن من المؤكد وأنــا أعيش في المناخ‬ ‫الثقافي المغاربي أن الرواية المغربية‬ ‫ثــم الــجــزائــريــة فيهما نــصــوص بــاهــرة‪،‬‬ ‫أسعدتني قــراءة نماذج عديدة منها ال‬ ‫سيما الرواية المغربية‪.‬‬ ‫أن تــكــون تجريبياً يعني أن نصك لم‬ ‫يفقد حيويته وتدفقه‪ ،‬وعلى العكس من‬ ‫ذلك‪ ،‬عندما ترتكن لمنجز وتستقر عنده‬ ‫وتنسج على منواله‪.‬‬ ‫ ¦هل قدسية كتابة الرواية هي التي تفرض‬ ‫على كاتبها نوع ًا من الهيبة‪ ،‬وهل بوسع‬ ‫أي كاتب أن يصبح روائياً؟ وما هو دافعك‬ ‫لكتابة الرواية‪ ،‬وما هي القيمة المضافة‬ ‫الـ ـت ــي تـ ـت ــوخ ــون ت ـح ـق ـي ـق ـهــا مـ ــن خ ــال‬ ‫مـشــروعـكــم ال ــروائ ــي؟ وبـمـعـنــى آخ ــر‪ ،‬ما‬ ‫رؤيتك للرواية؟ وما مشروعك الروائي؟‬ ‫ه ــل ث ـمــة ت ـص ــور ل ــدي ــك ع ــن ال ـع ــال ــم؟ أو‬ ‫فلسفة ما تُدافع عنها أو تدعو إليها؟ وما‬ ‫صلة ذلك بحياتك الشخصية؟‬

‫‪106‬‬

‫‪ρ ρ‬أتــرى أن صفة «روائ ــي» أكثر هيبة من‬ ‫صفة كاتب قصة قصيرة مثالً؟ وأرى أن‬ ‫«الهيبة» تأتي من قيمة ما نكتبه سواء كان‬ ‫قصة قصيرة أم روايــة‪ ،‬ومــاذا نقول عن‬ ‫الشعراء مثالً؟ إنهم يحققون نجوميتهم‬ ‫من خالل العالقة المباشرة مع جمهورهم‪،‬‬ ‫نتذكر هنا محمود درويش مثالً‪ ..‬وأذكر‬ ‫أنه في عام ‪1983‬م وفي مدينة مكناس‬ ‫المغربية‪ ،‬نــظّ ــم اتــحــاد كــتــاب المغرب‬ ‫ندوة عن القصة العربية القصيرة‪ ،‬وكان‬ ‫محمود درويش ضيف شرف فيها‪ ،‬وقد‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫التحقنا بالقاعة متأخرين بضع دقائق‪،‬‬ ‫فلم نستطع الدخول‪ ،‬وكان الجمهور خارج‬ ‫القاعة بأعداد كبيرة جاء لينصت لهذا‬ ‫الشاعر االستثنائي‪ .‬وحصل الشيء نفسه‬ ‫في أوائل ستينيات القرن الماضي عندما‬ ‫استضافت بغداد الشاعر نــزار قباني‪،‬‬ ‫يومها لم تكن في بغداد قاعات‪ ،‬فنظم‬ ‫اللقاء له في نادي كلية التربية‪ ،‬وقد ذهبت‬ ‫محموالً على أجنحة الفضول أللتقي‬ ‫بالصديق فاضل الــعــزاوي الطالب في‬ ‫هذه الكلية‪ ،‬هناك وجدنا الزحام شديداً‬ ‫بحيث كسّ ر الطلبة شبابيك النادي حتى‬ ‫يصلهم صوت نزار‪ ،‬أو ليروا طلته األنيقة‬ ‫الــوســيــمــة‪ ..‬وهــم الــذيــن اعــتــادوا رؤيــة‬ ‫البؤس والهزال على وجوه معظم الشعراء‬ ‫ولهم في بدر شاكر السياب خير مثال‪.‬‬ ‫أرى أن المهابة تأتي من قوة اإلبداع ومن‬ ‫مدى ما يحققه من إضافة وتجاوز دون‬ ‫أن ننسى جماهيرية الرواية عند القراء‬ ‫الذين يتكاثرون ح ّد أن سمي زمننا هذا بــ»‬ ‫زمن الرواية»‪ ..‬كما ذهب لذلك أكثر من‬ ‫دارس‪ ،‬من بينهم الدكتور جابر عصفور‪.‬‬ ‫ونجد أن دور نشر رائدة في نشر تجارب‬ ‫القصة القصيرة العربية الــرائــدة مثل‬ ‫دار اآلداب اللبنانية التي نشرت ليوسف‬ ‫الشاروني‪ ،‬وسليمان فياض‪ ،‬وعبد السالم‬ ‫العجيلي‪ ،‬ورشاد أبو شاور‪ ،‬ولي شخصياً‬ ‫«األفواه» عام ‪1979‬م‪ ،‬قد توقفت نهائياً‬ ‫عن نشر المجاميع القصصية وانحازت‬ ‫للرواية‪ ،‬وفقاً لمزاج ما تبقّى من القراء‬ ‫الــعــرب الــذيــن لــم تــصــادرهــم الــمــواقــع‬ ‫االجتماعية‪ ،‬وبقوا أوفياء للكتاب ورائحة‬ ‫الورق‪.‬‬


‫في تونس هنا حالة بعض أساتذة األدب‬ ‫الــذيــن درّســـوه على مــدى ســنــوات‪ ..‬ثم‬ ‫ارت ــأوا أن يجربوا حظهم فــي الــروايــة‪،‬‬ ‫آخرهم د‪ .‬شكري المبخوت رئيس جامعة‬ ‫منوبة ال ــذي نشر رواي ــة ب ــدأت تحظى‬ ‫باالهتمام‪ .‬أك ــرر‪ :‬نعم بوسع أي كاتب‬ ‫أن يكون روائياً‪ ،‬عبدالرحمن منيف جاء‬ ‫مــن النفط وحصل على الــدكــتــوراه في‬ ‫اقتصادياته‪ ،‬وقد ترأس في بغداد تحرير‬ ‫مجلة «النفط والتنمية»‪ ،‬وعبدالسالم‬ ‫العجيلي طبيب وكذلك يوسف ادريس‪.‬‬

‫أما ما هو دافعي لكتابة الرواية؟ فيبدو‬ ‫لــي أن «صــاحــيــتــي» الــتــعــبــيــريــة التي‬ ‫تجولت بين «الشعر» و«الفن التشكيلي»‬ ‫وأنا مدرس فيه‪ ،‬وقد تخرجت من معهد‬ ‫وكلية الفنون الجميلة ببغداد‪ ،‬وكتابة‬ ‫المقال الحامل للرأي في الشأن الثقافي‬ ‫والسياسي‪ ،‬هذه «الصالحية» قد وجدت‬ ‫مالءمتها في الــروايــة؛ فهي فن الفنون ¦هــل يمكن لـلــروايــة أن تعيش بـعـيــد ًا عن‬ ‫السياسة واأليديولوجيا؟ ما هي حدود‬ ‫وقــادرة على استيعاب التشكيل والــرأي‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫ويبدو لي أن بإمكان أي كاتب أن يجرب‬ ‫حظه في الرواية‪ ،‬وقد ينجح فيها بدليل‬ ‫أن هناك عدداً من الروائيين والروائيات‬ ‫الجدد لم يدرسوا األدب العربي دراسة‬ ‫أكــاديــمــيــة‪ ،‬بــل إنــهــم ج ــاؤوا مــن العلوم‪،‬‬ ‫ونــجــحــوا فــي تــقــديــم روايــــات متميزة‪.‬‬ ‫وقد كنت أخيراً عضواً في لجنة تحكيم‬ ‫الــروايــة الكويتية لــروائــيــات وروائــيــيــن‬ ‫شباب‪ ،‬وقد اخترت رواية لكاتبة‪ ،‬وعند‬ ‫مراجعة سيرتها فــي الــورقــة المرفقة‬ ‫اكتشفت أنها آتية من اختصاصات في‬ ‫الحساب واألرقام واإلحصاء‪ ،‬وكذا شأن‬ ‫أسماء أخرى تميزت رواياتها‪.‬‬

‫والشعر‪ ،‬كما أن المهم فيها هــي أنها‬ ‫بالنسبة لي «ممارسة» حرية‪ ،‬إذ إن كتابة‬ ‫القصة القصيرة تبعث على شــيء من‬ ‫الحرص األقرب إلى الخوف‪ ،‬وكأنك تم ُّر‬ ‫في طريق ضيق‪ ،‬أما الرواية فهي مساحة‬ ‫وبستان وفضاء‪ ،‬وهذه كلها مسائل داخلية‬ ‫يحسها الكاتب وهو منهمك في مختبر‬ ‫الكتابة‪ .‬كما أقول لك إنني أعمل على أن‬ ‫أجعل كل رواية أكتبها صوتاً من مرحلتها‪،‬‬ ‫«القمر واألسوار» و«عيون في الحلم» عن‬ ‫العراق الملكي‪ ،‬مع اإلفادة القصوى من‬ ‫التركيبة السكانية لـ «الناصرية»‪ ،‬وشواغل‬ ‫ال ــن ــاس‪ ،‬وانــعــكــاس األحـــــداث عليهم‪،‬‬ ‫والتركيبة السياسية السائدة وقتذاك‪،‬‬ ‫ثم النماذج البشرية النادرة التي عرفتها‬ ‫المدينة‪ ،‬مناضلين وباعة وشيوخاً وشباناً‬ ‫ونــســاء‪ ،‬وصــوالً إلــى «نحيب الرافدين»‬ ‫التي اجتهدت فيها على توثيق ما جرى‬ ‫في عراق الثمانينيات‪ ،‬وقد أخبرني أكثر‬ ‫من صديق بعد قراءتها أنهم لم يغادروا‬ ‫العراق يوماً‪ ،‬لكنهم لم ينتبهوا إلى الكثير‬ ‫من التفاصيل التي تحدثت عنها الرواية‪،‬‬ ‫فالروائي يمتلك مبكراً ما صار يسمى في‬ ‫أيامنا هذه «االستقصاء»‪ ،‬ومنه ما يقدم‬ ‫في محطات التلفزة مثالً‪ .‬وأنــا حاضر‬ ‫في كل رواياتي بشكل أو آخر قد أكون‬ ‫متخفياً بقناع ما وأوهم القارىء بغيره‪،‬‬ ‫وكل هذا يؤكد أن الكاتب حاضر جداً في‬ ‫نصه ألنه مبدعه‪ ،‬وقد قال قبلنا فلوبير‬ ‫عندما سئل عن «مدام بوفاري» فأجابهم‪:‬‬ ‫(إنها أنا)‪.‬‬

‫‪107‬‬


‫األيــديــولــوج ـيــا واإلب ـ ـ ـ ــداع‪ ..‬وأيـ ــن تكمن‬ ‫ال ـخ ـيــوط ال ـفــارقــة بـيــن جـمــالـيــة الـنــص‬ ‫االب ــداع ــي وأخــاق ـيــاتــه‪ ،‬بمعنى آخ ــر ما‬ ‫ه ــو االلـ ـت ــزام ع ـنــد ع ـبــدالــرح ـمــن مجيد‬ ‫الربيعي؟‬

‫‪108‬‬

‫أعــمــال غائب طعمة فــرمــان الــذي آمن‬ ‫مبكراً بالماركسية فتحولت عنده الى‬ ‫قراءة لألحداث ولبنية الشخصيات! وال‬ ‫ننسى أن لدينا شعراء قوميين من شاذل‬ ‫طــاقــة إلــى شفيق الكمالي إلــى حميد‬ ‫سعيد وسامي مهدي‪ ،‬ومن قبل السياب‬ ‫والبياتي وبلند الحيدري مثالً‪ .‬أما ما هو‬ ‫االلتزام في كتاباتي السردية؟ أجيبك أنه‬ ‫التزام يتعلق بدور األدب وغاياته‪ .‬وماذا‬ ‫يريد الكاتب؟ إنه بالتاكيد يمرر التزامه‬ ‫من خالل مواقف شخصياته وانتصارها‬ ‫لقيم العدالة والحق والجمال‪ ،‬ولكن ليس‬ ‫بالشكل الفاقع الذي يحول النصوص الى‬ ‫بيانات‪ ،‬فهذه ليست مهمة األدب‪ ،‬وسبق‬ ‫لعدد من الكتاب أن ميّزوا بين «االلزام»‪..‬‬ ‫ظناً منهم أنــه انتصار ألحزابهم ودعم‬ ‫لها وألهدافها‪ ،‬وبين االلتزام الــذي هو‬ ‫موقف من العالم ومن أحالم الناس‪ ،‬ومن‬ ‫المستقبل الذي يتمنونه أفضل وأجمل‪.‬‬

‫‪ρ ρ‬مــن خــال تجربتي الشخصية أجيبك‬ ‫أن السياسة أحد أهم «المالعب» التي‬ ‫تتحرك الرواية فيها ومنها‪ ،‬ليست هناك‬ ‫رواية ال تقرأ سياسياً أيا كان موضوعها‬ ‫خذ األعمال الكبيرة في األدب العالمي‬ ‫مع مالحظة أن «السياسة» قد ال تكون‬ ‫بالشكل المباشر والواضح‪ ،‬ولكن الممّوه‬ ‫والمخبّأ وفــق مــا تطلبه فنية الــروايــة‬ ‫واالبتعاد بها عن المباشرة‪ ،‬ماذا نسمي‬ ‫«الدون الهادىء» لشولوخوف؟ أو الحرب‬ ‫والــســام لتولستوي‪ ،‬أو ثالثية نجيب‬ ‫مــحــفــوظ؟ السياسة بكل اختالطاتها‬ ‫قدمت للروائي موضوعات من الممكن له‬ ‫أن يشتغل عليها‪ ،‬وأنا شخصياً تستطيع‬ ‫أن تــقــول عــن رواي ــات ــي جميعها إنها ¦أستاذ عبدالرحمن‪ ،‬كيف حدث وأصبحت‬ ‫ناقداً‪ ،‬وما هو دافعك لكتابة النقد‪ ،‬هل‬ ‫روايات سياسية وهناك فارق بين ما هو‬ ‫هــو حــب التجديد وف ــرض ال ــذات‪ ،‬أم هو‬ ‫سياسي وما هو أيديولوجي‪ ،‬فنصوصي‬ ‫الهروب من قيود اإلب ــداع‪ ،‬إيمانا بأنه ال‬ ‫ال تسيّرها أيديولوجيا محددة ألنني لم‬ ‫حدود لضفاف النقد؟‬ ‫أكن يوماً خاضعاً لسطة األيديولوجي‪،‬‬ ‫هنا قد أجد تفسيراً لحضور السياسة ‪ρ ρ‬لعلي قد أجبتك على هذا السؤال ضمنياً‬ ‫في الــروايــة العربية مــرده الــى سخونة‬ ‫في أحد أجوبتي السابقة وقلت إنني لم‬ ‫األحداث السياسية التي مرت وتمر بها‬ ‫أطرح نفسي ناقداً ويمكن أن تقول عني‬ ‫البلدان العربية ليس أبسطها االغتياالت‬ ‫إنني قارىء متابع إذا ما استوقفني عمل‬ ‫واالنقالبات العسكرية‪ ،‬وقد نال العراق‬ ‫معين أكتب عنه معرِّفاً وداعياً المعنيين‬ ‫نصيبه منها‪ ،‬لكن عندما يكون الروائي‬ ‫ليقرأوا هذا العمل‪ ،‬وقد ساعدني في هذا‬ ‫أو األديب بشكل عام مؤمناً بأيديولوجيا‬ ‫عملي في الصحافة الثقافية التي كادت‬ ‫معينة‪ ،‬فـإن من الممكن أن تكون هذه‬ ‫أن تصبح مهنة لي ســواء في العراق أو‬ ‫األيــديــولــوجــيــا حــاضــرة‪ ،‬لنقرأ عراقياً‬ ‫تونس‪ ،‬وأقوم بين فترة وأخرى بمراجعة‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫ ¦مــاذا عــن عالقة النقد بــاإلبــداع‪ ،‬هــل هو‬ ‫تابع له أم متبوع‪ ،‬أي هل يمكن للنقد أن‬ ‫يفتح اآلفاق لإلبداع ويسير أمامه دليالً؛‬ ‫أم عليه أن يبقى خلفه تــابـعـ ًا منتظر ًا‬

‫الجديدة بإضافاتها وآلياتها المختلفة‪،‬‬ ‫حتى الكتاب األحياء من الرواد وال سيما‬ ‫المتميزين منهم‪ ،‬نجدهم وكأنهم يتمردون‬ ‫على نصوصهم األولى وكأنهم في سباق‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫ما تجمّع لديّ من هذه الكتابات ألبّوبها‬ ‫وأدرجها في كتاب أقدمه للنشر‪ ،‬وأعتقد‬ ‫‪ρ ρ‬أرى أن النص يسبق النقد‪ ،‬والمبدع يسبق‬ ‫أن هذا النوع من النقد مطلوب ولي دليل‬ ‫ناقده‪ ،‬وأن سلطة المبدع أقوى من سلطة‬ ‫في األصــداء التي حققتها أعمالي هذه‬ ‫الناقد‪ ،‬لكننا نرى األمر معكوساً في أدبنا‬ ‫(آخــر إصــداراتــي كــان كتاباً عن األدب‬ ‫العربي‪ ،‬فالسلطة كل السلطة تبدو للناقد‬ ‫المغربي وعنوانه «كتابات مسمارية على‬ ‫رغم أنه ال يستطيع ممارسة سلطته هذه‬ ‫جدارية مغربية» وقد نشره اتحاد كتاب‬ ‫إال إذا انوجد النص الذي يحثه ويجعله‬ ‫المغرب)؛ وهــذا مثال‪ ،‬ولكنني تكاسلت‬ ‫يمتشق أسلحته النقدية‪ .‬هناك تداخالت‬ ‫في السنوات األخيرة بعد أن أصبحت‬ ‫خلقت ارتباكات في المواقع‪ ،‬ولن يبدو أن‬ ‫ظروف نشر الكتاب صعبة وليست كما‬ ‫كل هذا من األمور الطبيعية‪.‬‬ ‫كانت عليه في السنوات الماضية‪.‬‬ ‫ ¦ك ـ ـيـ ــف ت ـ ـق ـ ـ ّيـ ــم خ ـ ـ ـطـ ـ ــورة ال ـ ـن ـ ـقـ ــد الـ ـ ــذي‬ ‫ ¦م ـه ـمــة الـ ـن ــاق ــد هـ ــل هـ ــي دراسـ ـ ـ ــة ال ـنــص‬ ‫تـحــركــه ان ـت ـمــاءات ديـنـيــة أو سـيــاسـيــة أو‬ ‫وت ـف ـس ـيــره أم ت ـت ـعــدى ذل ــك إل ــى الـحـكــم‬ ‫أيديولوجية؟‬ ‫والتقويم؟‬ ‫‪ρ ρ‬لم تخل حركة أدبية من هكذا أنواع من‬ ‫‪ρ ρ‬هو كل ما ذهبت إليه‪ .‬لكن يظل السؤال‬ ‫النقد‪ ،‬وهــي وإن تأخذ مساحة ما في‬ ‫كمتلق عندما أحكم على نص‬ ‫ٍ‬ ‫الملح عليّ‬ ‫وقتها إال أنها تذهب وتنقشع مثل غمام‬ ‫قــرأتــه‪ ،‬بــمــاذا اختلف؟ وم ــاذا أضــاف؟‬ ‫طــارىء ال مطر فيه‪ .‬ولدينا في العراق‬ ‫هذا أمر يلح علي جداً‪ ،‬أما تأويل النص‬ ‫أمثلة ال تع ّد وال تحصى مع كل مرحلة من‬ ‫وإسقاط قناعات الناقد أو منهجه عليه‬ ‫المراحل السياسية التي يمر بها البلد‪.‬‬ ‫واستنطاقه بما ليس فيه‪ ..‬فهذا متوافر‬ ‫في الكثير من الكتابات النقدية‪ ،‬وأضيف ¦ظاهرة التعالق األجناسي الــذي تشهده‬ ‫بعض الروايات العربية المعاصرة‪ ..‬هل‬ ‫أن النص قد يتجاوز هذا كله ويحمل معه‬ ‫هي حالة صحيّة تعيشها الرواية العربية‬ ‫ما يدعو دارسيه ونقاده ألن يأتوا بجديد‬ ‫الـيــوم أم هــي عالمة على إفــاس آلياتها‬ ‫نظري مواكب له ومتداخل فيه‪ ،‬أي أن‬ ‫القديمة‪..‬؟!!‬ ‫النص يسبق نــاقــده ويتجاوز المتوافر‬ ‫من نظريات النقد‪ .‬مث ً‬ ‫ال هذه النصوص ‪ρ ρ‬ال أقول «إفالس اآلليات القديمة» كما ورد‬ ‫السردية ‪ -‬في الرواية خاصة‪ -‬التي تفيد‬ ‫في سؤالك بل هو «استنفاد» لها بشكل‬ ‫من «الميديا» الحديثة كيف تقرأ؟‬ ‫أو آخــر؛ ول ــذا‪ ،‬جــاءت الــروايــة العربية‬ ‫قدومه؟‬

‫‪109‬‬


‫مع شباب الرواية الذين خلقوا أكثر من‬ ‫مفاجأة‪ ،‬كتابات إنعام كججي وهي من‬ ‫جيل السبعينيات إذا ما تابعناها منذ‬ ‫تجاربها الصحفية األول ــى فــي جريدة‬ ‫«الــثــورة» العراقية‪ ،‬ثم بتول الخضيري‬ ‫الــتــي ظــلــت بــعــيــدة عــن ال ــع ــراق‪ ،‬ولكن‬ ‫الــعــراق كــان موضوعها‪ .‬أمــا الروائيون‬ ‫الشباب فنجدهم ينافسون مجايليهم‬ ‫من الروائيين العرب ويحصدون الجوائز ¦لماذا تكتب الشعر؟ وماذا أعطاك؟‬ ‫بأعمالهم المتفوقة‪.‬‬ ‫‪ρ ρ‬ربما عندما أحب‪ .‬ولذا‪ ،‬كان الحب محور‬ ‫ ¦ما رأيك بما قاله جابر عصفور عن «زمن‬ ‫جل ما نشرت من أعمال وربما يكون كل‬ ‫عمل من «فضل» امرأة معينة عليّ فشكراً‬ ‫الرواية»‪ ،‬وقد باتت هذه المقولة مضربَ‬ ‫لها‪ .‬أما ماذا أعطاني؟ فأنا ال أبحث عن‬ ‫م ـثـ ٍـل ســائــر‪ .‬ومـ ــاذا عــن اإلب ـ ــداع الــروائــي‬ ‫المقابل‪ ،‬المهم أنه كان روضاً أعود إليه‬ ‫العربي وهــل صحيح أن الشعر دخــل في‬ ‫مترّيضاً مالئاً صدري باألوكسجين‪.‬‬ ‫طريق مسدود؟‬ ‫أرى ال ف ّكاً لالشتباك بل إلعطاء كل تجربة‬ ‫حقها ومكانتها‪ ،‬أننا في زمن الشعر أيضاً‬ ‫وفي زمن القصة القصيرة كذلك ولكننا‬ ‫في زمن الرواية التي وصفها أحد النقاد‬ ‫بأنها «امبريالية» بطبعها؛ ألنها تأكل من‬ ‫كل الفنون كالسيناريو السينمائي والحوار‬ ‫المسرحي والفن التشكيلي وتهضمها في‬ ‫معدتها القوية!‬

‫‪110‬‬

‫‪ρ ρ‬د‪ .‬جابر عصفور ناقد بارز وأكاديمي نابه ¦متى تــوطــدت عالقتك القوية بالشعر؟‬ ‫في أي مرحلة من حياتك؟‬ ‫كان له هذا الــرأي‪ ،‬رغم أنه عني بنقد‬ ‫الشعر العربي‪ ،‬وله كتابات عديدة فيه‪ρ ρ ،‬كانت عالقتي بالشعر ومــا تــزال متينة‬ ‫وأقول أن ما قاله هو رأيه الذي يؤيده فيه‬ ‫وحقيقية‪ ،‬وأن ــا ق ــارىء لــه ومنصت له‬ ‫الكثيرون وأنا أحدهم الى حد كبير؛ لكن‬ ‫في المهرجانات‪ ،‬ولــذا تجدني أع ـرّف‬ ‫«القطعية» في جواب كهذا يجعلنا نسأل‬ ‫باألعمال الشعرية الجديدة من خالل‬ ‫مجلة «الحياة الثقافية» التي أنــا أحد‬ ‫وماذا عن الشعر وهو ديوان العرب ولنا‬ ‫أفراد أسرة تحريرها منذ عام ‪1996‬م‪.‬‬ ‫امتدادنا العميق كعرب عبر القرون فيه؟‬ ‫وماذا عن القصة العربية القصيرة ولنا‬ ‫عشت سنوات تكويني األولــى في مناخ‬ ‫فيها أسماء كبيرة مثل يوسف الشاروني‬ ‫شعري وفي مجتمع ال يعترف إال بالشعر‪،‬‬ ‫ويوسف إدريس وسعيد الكفراوي ويحيى‬ ‫أنصتّ إلى شعراء المدينة الرواد أمثال‬ ‫الطاهر عــبــداهلل (مــصــر)‪ ،‬وعبدالملك‬ ‫صالح نيازي وعبد اللطيف اطيمش وهما‬ ‫نــوري ومحمد خضير وجليل القيسي‬ ‫يقرآن الشعر في االصطفاف الصباحي‬ ‫ال (العراق)‪ ،‬وزكريا‬ ‫ومحمود جنداري مث ً‬ ‫بالمدرسة الغربية في الناصرية‪ ،‬وبعد‬ ‫تامر ووليد إخالصي وعــادل أبــو شنب‬ ‫ذلــك أنصتّ لرشيد مجيد وقيس لفتة‬ ‫(ســوريــا)‪ ،‬وتوفيق يوسف عــواد (لبنان)‬ ‫مراد وعزيز عبدالصاحب رحمهم اهلل؛‬ ‫وغيرهم‪ ،‬وهذا مجرد مثال‪.‬‬ ‫لــذا‪ ،‬كانت عالقتي دائماً قوية بالشعر‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫أتابع من الــعــراق تجارب موفق محمد‬ ‫(الحلي) وهو صديق عزيز ترافقنا منذ‬ ‫سنوات الدراسة وسرني أنه صار صوتاً‬ ‫فاعالً‪ ،‬وال أنسى كاظم الحجاج (البصري)‬ ‫وعارف الساعدي وغيرهم‪ .‬فالعراق والّد‬ ‫ومنجب‪ ،‬وكذلك الناصرية مسقط رأسي‬ ‫وحاضنة الغناء والشعر‪ ،‬مَن ينسى حسين‬ ‫نعمة أو طالب القرغولي؟ و َمــن ينسى‬ ‫بالبل الريف حضيري أبو عزيز‪ ،‬وناصر‬ ‫حكيم‪ ،‬وداخل حسن‪ ،‬وخضير مفطورة؟‬ ‫ ¦كـ ـي ــف ت ـن ـظ ــر إلـ ـ ــى جـ ـ ـ ــواد سـ ـلـ ـي ــم‪ ،‬ف ـ ــؤاد‬ ‫الـ ـتـ ـك ــرل ــي‪ُ ،‬ل ـط ـف ـي ــة ال ــدلـ ـيـ ـم ــي‪ ،‬مـحـمــد‬ ‫خـ ـضـ ـي ــر‪ ،‬عـ ـب ــدالـ ـسـ ـت ــار ن ـ ــاص ـ ــر‪ ،‬غ ــائ ــب‬ ‫ط ـع ـمــة ف ــرم ــان‪،‬ج ـل ـي ــل ال ـق ـي ـس ــي‪ ،‬غ ــازي‬ ‫ال ـع ـبــادي‪ ،‬جـمـعــة ال ــام ــي‪ ،‬أح ـمــد خلف‪،‬‬ ‫م ــوف ــق خ ـض ــر‪ ،‬م ــوس ــى كـ ــريـ ــدي‪ ،‬يــوســف‬ ‫الـحـيــدري‪ ،‬عـبــدالــرزاق المطلبي‪ ،‬برهان‬ ‫الخطيب‪،‬حنّون مجيد‪ ،‬محمود جنداري‪،‬‬ ‫عـبــدالـخــالــق الــركــابــي‪ ،‬بثينة الـنــاصــري‪،‬‬ ‫ع ـلــي خ ـي ــون‪ ،‬مـيـسـلــون ه ـ ــادي‪ ،‬وارد بــدر‬ ‫السالم‪ ،‬عبدالستار البيضاني وغيرهم‪.‬‬ ‫‪ρ ρ‬لقد عرفت كــل هــؤالء فــي هــذه الفترة‬ ‫أو تلك‪ ،‬وكلهم بتعدد أجيالهم ومواقعهم‬ ‫صــنــعــوا الــمــشــهــد اإلب ــداع ــي الــعــراقــي‬ ‫المتقدم‪ ،‬فجواد سليم درسني النحت‬ ‫في معهد الفنون الجميلة ببغداد‪ ،‬وكتبت‬ ‫عنه في سيرتي الذاتية «أية حياة هي؟»‪،‬‬ ‫ولطفية الدليمي تعرفت عليها عن طريق‬

‫َمـ ــن ذكـــــرت م ــن األسـ ــمـ ــاء ك ــان ــت لها‬ ‫إسهاماتها في إثــراء المدونة السردية‬ ‫العراقية‪ ،‬بعضهم غادرنا مبكراً أمثال‬ ‫موسى كريدي ويوسف الحيدري وجليل‬ ‫القيسي ومحمود جنداري‪ ،‬ولكنهم تركوا‬ ‫بصماتهم المثرية والمهمة‪ ،‬وبعض من‬ ‫ذكرت أتواصل معهم وأحترم جهودهم‪،‬‬ ‫ويمكن إضافة أسماء أخرى من أصدقاء‬ ‫العمر الذين كحلت عينيّ برؤيتهم في‬ ‫بغداد (ديسمبر ‪2013‬م) أمثال أحمد‬ ‫خلف وجــهــاد مجيد مــن كــتــاب القصة‬ ‫والرواية‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫والشعراء رغم طاووسية بعضهم‪ ،‬ولكن‬ ‫مع هذا فهي مقبولة ولندعهم ينفشون‬ ‫ريــشــهــم الــبــهــيّ ‪ ،‬وال يبقى إال الــديــك‬ ‫الفصيح‪.‬‬

‫الناقد سليمان البكري وهــو ابــن خالة‬ ‫زوجــهــا الــمــخــرج السينمائي المرحوم‬ ‫كامل العزاوي‪ ،‬ولم تكن وقتها قد نشرت‬ ‫أي كتاب‪ ،‬وغائب طعمة فرمان التقيته‬ ‫للمرة األول ــى فــي موسكو‪ ،‬فقد دعانا‬ ‫للغداء في مطعم مشهور رفقة الشاعر‬ ‫محمد جميل شلش‪ ،‬والــروائــي برهان‬ ‫الخطيب أحد أقدم أصدقائي وكان يقيم‬ ‫بموسكو للدراسة‪ ،‬لكن آخر لقاء لي معه‬ ‫عندما لبينا دعــوة اتحاد كتاب المغرب‬ ‫للمشاركة في نــدوة عن القصة العربية‬ ‫القصيرة‪ ،‬وقــد جــاء مــن موسكو رفقة‬ ‫برهان الخطيب‪ ،‬وكان في حالة صحية‬ ‫صعبة‪ ،‬وقــد أخــذ منه الكبر مــأخــذه‪،‬‬ ‫أتذكر أننا تحدثنا عن روايته «المركب»‬ ‫التي أصدرتها دار اآلداب‪ ،‬وأخبرني أن‬ ‫د‪ .‬سهيل إدريس ارتأى استبدال عنوانها‬ ‫وكانت تحت اسم آخر ذكره لي وقتها‪.‬‬

‫‪111‬‬


‫الشاعرة أحالم عبداهلل الثقفي‪:‬‬ ‫ال يزعجني الناقد‪ ،‬لكن هناك نقاد ًا يقتلون العمل اإلبداعي؛ ألنهم ال‬ ‫يتواصلون مع عمق التجربة‬

‫ال ـشــاعــرة أحـ ــام ع ـب ــداهلل الـثـقـفــي‪ ،‬ت ـضــيء ف ـضــاء قـصـيــدتـهــا بـ ــروح مدينتها‬ ‫«الـطــائــف»‪ ،‬وبروحها قبل اللغة‪ ،‬تدهشك بساطتها‪ ،‬وعفويتها‪ ،‬اللحظات التي‬ ‫تسبق الفجر هي المكان والــزمــان لقصيدتها تقول‪« :‬غالبا أكتب في اللحظات‬ ‫التي تسبق الفجر‪ ،‬وحتى شروق الشمس وكثيرً ا ما أتنبه لصوت األذان وللعشب‬ ‫المبتل بالندى‪ ..‬في هذا الوقت وفي هذا الطقس أشعر أنني أجاور حلمي بصفاء‪،‬‬ ‫وأستطيع أن أصغي لهتافات الروح أكثر من أي وقت آخر»‪.‬‬ ‫«لغة من كرز»‪ ،‬هذا عنوان مجموعتها الشعرية الصادرة عن دار االنتشار العربي‬ ‫عام ‪2014‬م؛ وفي هذه الديباجة والتي هي بمثابة بوابة لحواري مع الشاعرة أحالم‬ ‫الثقفي‪ ،‬أوثق هنا هذا البوح من «لغة من كرز»‪:‬‬ ‫« افتح يدك‬ ‫سأقف براحتها كفراشة‬ ‫سأخطط معك ألوان الغد‬ ‫سأقسم الحقول‬ ‫والسماء واألرض‪..‬‬ ‫في حوار خاص لمجلة الجوبة‪ ،‬كان هذا اللقاء‪.‬‬ ‫■ حاورها‪ :‬عمر بوقاسم‬

‫‪112‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫أكتب بجنون أو ال الــتــصــنــيــفــات ال تــلــيــق ب ــاإلب ــداع‪ ،‬وثــقــافــة الــكــتــابــة ال‬ ‫ومصطلح «النسوي» يجعل الكتابة حدود لها‪ ،‬قد تشبهنا‬ ‫أكتب‪!..‬‬ ‫ ¦ال ـ ـقـ ــارئ لـقـصـيــدة فــي نــطــاق ضــيــق‪ !..‬وال يمكن أن زاوي ـ ــة م ــن تفاصيل‬ ‫صغيرة داخل نص ما‪،‬‬ ‫أح ـ ـ ـ ـ ــام الـ ـثـ ـقـ ـف ــي نحاصر األنثى بهذا المصطلح‪.‬‬ ‫ربــمــا‪ ،‬بينما األغلب‬ ‫ستسكنه تفاصيل «لغة من كــرز» هي تجربة كتابية‬ ‫هو صنع خيال وروح‬ ‫وع ــوال ــم القصيدة ال تحمل أي تصنيف كتابي‪ ،‬هي‬ ‫لما نحب أو بما نطمح‬ ‫ال ـت ــي وث ـق ـت ـهــا من تــجــربــة طــفــلــة تــشــاغــب الــمــطــر‪،‬‬ ‫إليه روحيًا‪ ،‬فربما أداة‬ ‫خـ ــال ل ـغــة تـنـحــاز وتــحــاول أن تصطاد غيمتها؛ وهي‬ ‫الــقــراءة ترسم لدينا‬ ‫حد االنزواء‪!..‬‬ ‫خجولة ّ‬ ‫ٌ‬ ‫لثقافتك وروحــك‪،‬‬ ‫عــوالــم مــن جناحين‪،‬‬ ‫أي أنـ ـ ــك تـكـتـبـيــن‬ ‫َّ‬ ‫لدي تجربة غنية‪ ،‬أظن أن الفضاء ذاكـــرة وتــجــربــة‪ ،‬وأن‬ ‫ال ـ ـق ـ ـص ـ ـيـ ــدة الـ ـت ــي األقرب أن أ ِّ‬ ‫ُجسد تجربتي في عمل تحلق بينهما‪ ،‬فنحن‬ ‫تشبهك‪« ،‬الــذاكــرة‪ ،‬سردي‪.‬‬ ‫ننبض بــالــقــراءة إمــا‬ ‫التجربة‪ ،‬القراءة»‬ ‫من الذاكرة أو نقطف‬ ‫كـلـهــا أدوات يلجأ‬ ‫من تجارب الحياة شيء من حلم‪ ،‬لذلك‬ ‫إليها المبدع لبناء نصه‪ ،‬ما األداة التي‬ ‫الــقــارئ يجب أن يعي أن بــرزخ العالقة‬ ‫ت ـع ـت ـمــديــن عـلـيـهــا أو األقـ ـ ــرب لـلـشــاعــرة‬ ‫بــيــن الــكــاتــب والــقــصــيــدة‪ .‬األغــلــب هو‬ ‫أحالم لبناء قصيدتها؟‬ ‫حسي وجــدانــي وفطرة مشاعر كمذاق‬ ‫‪ρ ρ‬يقول نيتشه «إن اليقين الحقيقي هو‬ ‫أنثوي يحمل الجمال الحسي حتى يصل‬ ‫طريق المرء إلى الجنون»؛ لذلك‪ ،‬إما أن‬ ‫ويالمس القلوب والعقول بصدق الكلمة‪،‬‬ ‫أكتب بجنون أو ال أكتب! حاولت أن أتصنع‬ ‫كما أحب تماما‪.‬‬ ‫شخصية بهوية ترضي اآلخرين عن كتابة‬ ‫نصوص قد تولد مشوهة‬ ‫المرأة‪ ،‬ولكني لم أستطع أن أعبث بقلمي‬ ‫ألرضي بعض النقاد أو بعض النظرات‪«¦ ،‬ل ـغــة م ــن كـ ـ ــرز»‪ ..‬مـجـمــوعـتــك الـشـعــريــة‬ ‫وال ـص ــادرة عــن دار االنـتـشــار الـعــربــي عام‬ ‫فأيقنت أن العقل والجنون ال يجتمعان‬ ‫‪2014‬م‪ ،‬وهـ ـ ــي م ـ ـ ــرآة ل ـت ـج ــرب ــة خ ــاص ــة‪،‬‬ ‫على طريق مستقيم‪.‬‬ ‫حـيــث تـمـيــزت نـصــوص ه ــذه المجموعة‬ ‫عندما تسكن الكلمة أغوار حياتي أحيلها‬ ‫بالنفس القصير أو بما يسمى قصيدة‬ ‫لشعاع يضيء هدايا الرب داخلي ولمن‬ ‫«الومضة»‪ ،‬والتي تعتمد على خلق صورة‬ ‫حولي كطبيعة إنسانية أحيلها إلكليل‬ ‫شعرية مكثفة‪ ،‬طبعا‪ ،‬ال يخفى عليك‬ ‫صامت‪ ..‬لكنه شراب من سالم‪ .‬القصيدة‬ ‫أن السردية المحلية تعيش طفرة غير‬ ‫أسطورة أنثوية وممثلة للحياة وجمالها‪،‬‬ ‫مـسـبــوقــة‪ ،‬بمختلف أن ــواع ـه ــا‪ ،‬الـشــاعــرة‬

‫‪113‬‬


‫أح ــام الثقفي م ــاذا تـقــول عــن تجربتها‬ ‫في فضاء «لغة من كرز»؟‬ ‫‪«ρ ρ‬لغة من كرز» كانت قد أتت ثمارها من‬ ‫الــحــب‪ ،‬وه ــذا مــا أتــمــنــاه أيــضــا لكتابي‬ ‫الــقــادم (أغنية)‪ ،‬ولكن قد يكون هناك‬ ‫نصوص قد تولد مشوّهة أو ميتة‪ ،‬فال‬ ‫أكتب لها البقاء عندما تولد في ظرف‬ ‫مــوجــع‪ ،‬ال أريـ ــد أن أكــتــب إال للحياة‬ ‫وللحب؛ لذلك‪ ،‬لم يحتوِ «لغة من كرز»‬ ‫على نصوص موجعة‪ ،‬أما كتجربة كتابية‬ ‫فما أزال أطور لغتي وأدواتــي الشعرية‪،‬‬ ‫ومهما كتبت سأظل أتعلم‪ ،‬وما أزال أقول‬ ‫إنني أكتب نصوصاً ال أريد أن أصنفها‪!..‬‬ ‫أريد أن أعطي لنفسي فسحة لغة وبناء‬ ‫قصيدة تظل فــي الــذاكــرة للقارئ بكل‬ ‫فوضاها‪ ،‬ولكن ال يمكن أن يكون كل ما‬ ‫يكتبه الكاتب تجربة ذاتية‪ ،‬لو كان كذلك‬ ‫لما وجد لدينا مبدع في الصور والتراكيب‬

‫‪114‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫واألخيلة‪ ،‬ولما وجدت روايــات وقصص‬ ‫وأشعار نصنعها من خيال‪ ..‬أو من واقع‬ ‫مجتمعي وثــقــافــي وإنــســانــي وعاطفي‬ ‫ووطني؛ ولكن كنصوص الومضة نادرًا ما‬ ‫أكتبها‪ ،‬ولكن ما أكتبه هو نصوص أقرب‬ ‫للنثر أو التفعيلة‪ ،‬نصوص حتى ال يمل‬ ‫منها القارئ أو السامع‪ ،‬نحن في وقت‬ ‫نحتاج فيه إلــى الخفة ومالمسة الــروح‬ ‫والعقل لصنع لغة جديدة داخل النفس‪.‬‬ ‫فتجربة «لغة من كرز» هي تجربة كتابية‬ ‫ال تحمل أي تصنيف كتابي‪ ،‬هي تجربة‬ ‫طفلة تشاغب المطر‪ ،‬وتحاول أن تتمسك‬ ‫ال‬ ‫بالغيم‪ ،‬وخجول ٌة ح ّد االنزواء‪ ،‬كبرتُ قلي ً‬ ‫عشية وضحاها‬ ‫ٍ‬ ‫ألجد نفسي مسئول ًة بين‬ ‫عن أحالمي الضائعة‪ ،‬قرب أمي‪ ،‬وقامة‬ ‫أبــي الــفــارهــة كالمسافة بين الصمت‬ ‫والكتابة‪ ،‬فتّفتحت زهــرات روحــي على‬ ‫اللغة ومكنوناتها‪ ،‬فكأنما بدأت أتعرّف‬ ‫على نفسي من جديد؛ إني أكتب ألتنفس!‬


‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫لم أستطع إلى اآلن أن أكون أكثر جدية‬ ‫تجاه المتلقي‪ ،‬وأعترف أنني أكتب ألكون‬ ‫أنا كما أنا ال أنتمي إلى أحد‪ ،‬ولكن مؤمنة‬ ‫أنَّ الكتابة فعل حياة‪ ،‬وفعل مستمر‪!..‬‬ ‫مهنة المتاعب‪!..‬‬ ‫ ¦«ع ـ ـكـ ــاظ»‪« ،‬الـ ــوطـ ــن»‪ ،‬طـبـعــا هـ ــذه مـنــابــر‬ ‫إعــام ـيــة سـبــق لــأس ـتــاذة أحـ ــام العمل‬ ‫فيها كصحفية‪ ،‬وحاليا تشغلين منصبًا‬ ‫وظيفيً ا بنادي الطائف األدبــي‪ ،‬والعمل‬ ‫الصحفي يمتاز عادة بثراء التجربة‪ ،‬ماذا‬ ‫تقولين في هذا االتجاه؟‬ ‫‪ρ ρ‬دخــلــت مهنة الــمــتــاعــب‪ /‬الــصــحــافــة‪..‬‬ ‫فصقلتني صاحبة الجاللة كما لم يفعل‬ ‫شيءٌ آخــر‪ ..‬الصحافة هي أرض أقمت‬ ‫فيها ألكثر من عشر سنوات كانت كالربيع‬ ‫الطلق‪ ،‬مغامرة جريئة من طالبة في مرحلة‬ ‫الثانوية؛ وبرغم وجود بعض المعوقات‪،‬‬ ‫ولكن حبي لها جعلني أتجاوز الكثير من‬ ‫الصعاب‪ ،‬وأن أوازن بين الدراسة والعمل‬

‫كهواية وإشباع طموح وغرور ذات حينها‪،‬‬ ‫حتى في مرحلة الجامعة مارست العمل‬ ‫الصحفي‪ .‬وأنــت بهذا الــســؤال جعلتني‬ ‫أستعيد من ذاكرتي أجــواء الصحافة‪..،‬‬ ‫وأن ــا بــالــطــائــف كــنــت أج ــد صــعــوبــة في‬ ‫إرسال المواد إلى جريدة عكاظ بجدة‪،‬‬ ‫في البدايات كنت أكتب المادة بخط يدي‬ ‫على ورق ‪ A4‬وأقوم بإرساله للزمالء في‬ ‫مكتب التحرير لكتابتها على الكمبيوتر‪ ،‬لم‬ ‫يكن لدي حينها جهاز حاسب أو فاكس‪،‬‬ ‫المهم كان لديّ أن تصل المادة دون أن‬ ‫تمنع‪ ،‬بسبب عملية المراقبة التي كانت‬ ‫تتم حولي داخل الجامعة من المشرفات‬ ‫حينها‪ /‬حيث كُنَّ يقمن بمنعي من الكتابة‪،‬‬ ‫ومصادرة كل أوراقي‪ ،‬وأن ال أتجول داخل‬ ‫الجامعة إال بضابطات األمن لمراقبتي‪..‬‬ ‫حتى ال أكتب شيئا عن خبايا الجامعة‬ ‫في ذلــك الوقت‪ ،‬أو أقــوم بعمل لقاءات‬ ‫مع الطالبات ومعالجة مشاكلهن داخل‬ ‫الجامعة ومطالبهن‪ ،‬ولكنني رغــم ذلك‬ ‫لم أتوقف‪ ،‬بل دفعت ثمن ذلك أن ظلت‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪115‬‬


‫وثيقة تخرجي حبيسة أدراج الجامعة‪،‬‬ ‫ال‬ ‫إلى أن أقدم استقالتي‪ ،‬وبعد عام‪ ..‬فع ً‬ ‫تــقــدمــت بطلب االنــســحــاب مــن عكاظ‬ ‫لظروف والدي الصحية‪ ،‬وعندما عرفوا‬ ‫بذلك قاموا بتسليمي وثيقتي التي كانت‬ ‫مجمدة لديهم!‬

‫‪116‬‬

‫بــحــب مــع الــصــديــقــات‪ ،‬رغ ــم السطوة‬ ‫الــذكــوريــة‪ ..‬أعقبها فترة صــدور قــرار‬ ‫دخــول المرأة لعضوية األندية األدبية‪،‬‬ ‫وخضت تجربة االنتخابات وترشحت‬ ‫للفوز وتمت موافقة المجلس على أن أكون‬ ‫متفرغة إلدارة القسم النسائي والتنسيق‪،‬‬ ‫تشرفت بذلك إلى جانب العمل بتحرير‬ ‫مجلة «وج» الثقافية الصادرة عن النادي‪،‬‬ ‫وإدارة المنتدى الثقافي صقلت لدي‬ ‫موهبة التقديم لألمسيات والمشاركات‬ ‫داخــل الطائف وخارجها في الملتقيات‬ ‫والمعارض‪ .‬حصدت الحب من الكثير من‬ ‫األصدقاء في الوسط الثقافي‪ ،‬جمعتنا‬ ‫البهجة واألخــوة والكلمة‪ ،‬فترجمت لغة‬ ‫الدهشة بطموح حالم‪ ،‬وبعزيمة‪ ،‬لخطوة‬ ‫قادمة لما هو أجمل‪ ،‬كان الهدف هو قمع‬ ‫الروتين الثقافي واألدبي‪ ،‬وربما هذا ما‬ ‫أطمح إليه مع وجود هيئة للثقافة‪ ،‬ووجود‬ ‫رؤية ستحيل بعون اهلل الكلمات واألماني‬ ‫لنرجس من غصون التحضر الثقافي‪..‬‬ ‫بعيدًا عن برود األندية األدبية وركودها؛‬ ‫فمن هــنــا‪ ،‬أطــمــح فعليًا إلــى تطويرها‬ ‫ونقلها لمراكز أكبر وأشمل‪.‬‬

‫أما اليوم‪ ،‬يجد الصحفي المعلومة أمامه‬ ‫على مواقع التواصل دون عناء البحث‬ ‫والتحري والمتابعة كالسابق‪ ،‬انتقلت‬ ‫بعدها لصحيفة الوطن‪ ..‬ثم انتقلت للعمل‬ ‫ال تليق باإلبداع‪!..‬‬ ‫كسكرتيرة لنادي الطائف األدبي الثقافي‪،‬‬ ‫ ¦«األدب الـ ـنـ ـس ــوي» أو «أدب الـ ـ ـم ـ ــرأة» أو‬ ‫اطلعت خاللها على تجارب المثقفين‬ ‫«أدب األن ـثــى»‪ ..‬بين االخـتــاف والقبول‬ ‫الــذيــن كــانــوا يكبروني كثيرًا كأساتذة‬ ‫وال ــرف ــض‪ ،‬عـلــى أي ضـفــة تقفين‪ ،‬وم ــاذا‬ ‫وأستاذات‪ ،‬وهو كان بداية تأسيس القسم‬ ‫توثقين من أسطرٍ خلف سؤالي هذا؟‬ ‫النسائي داخ ــل الــنــادي وتــكــويــن لجنة‬ ‫التصنيفات ال تليق باإلبداع‪ ،‬ومصطلح‬ ‫نسائية ثقافية‪ ،‬وكان هذا الموضوع قد‬ ‫«النسوي» يجعل الكتابة في نطاق ضيق‬ ‫تناولته كثيرًا في الصحف خالل عملي‬ ‫ال أتــصــالــح مــعــه‪ ،‬ال يمكن أن نحصر‬ ‫بها‪ ،‬وتحقق ذلــك بوجود لجنة نسائية‬ ‫األنثى فقط ألنها أنثى‪ ،‬والمرأة المبدعة‬ ‫مستقلة عملت خاللها لثالث سنوات‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫كــالــســحــابــة تــمــطــر عــلــى األرض التي‬ ‫تختارها‪ .‬ال يمكن أن أكــون أنثى أيضا‬ ‫وبالتالي أتجاهل كــل عــوامــل المعرفة‬ ‫واإلحــســاس اإلنــســانــي والمجتمعي أو‬ ‫الــكــونــي أو حــتــى الــمــائــكــي‪..‬أرفــض‬ ‫المفهوم الضيق لــإبــداع‪ ..‬حتى تصنع‬ ‫فقط مواد سردية وأبحاث تصنيفية ال‬ ‫تليق بيومنا وال برؤيتنا‪.‬‬ ‫عاجزة عن توفير الوقت‪!..‬‬ ‫ ¦ه ــل ل ـل ـق ــارئ أن ي ـت ـعــرف ع ـلــى مـحـتــوى‬ ‫مكتبتك؟‬ ‫مكتبتي تحوي عدداً من الكتب‪ ،‬من شعر‬ ‫وروايــات وقصص‪ ،‬وأيضاً كتب الفلسفة‬ ‫واالجــتــمــاع والــتــاريــخ والــرحــات وكتب‬ ‫التراث‪ ،‬والمجالت والكتب والمطبوعات‬ ‫عن وعيه وروحه فال تنتظر إال الكارثة‪.‬‬ ‫الـــدوريـــة‪ ،‬وبــعــض الــمــوســوعــات‪ ،‬وأنــا‬ ‫حريصة على تزويدها بالكتب باستمرار‪،‬‬ ‫أكتب في المساء‪!..‬‬ ‫مع أنني عاجزة عن توفير الوقت الالزم‬ ‫ ¦متى تكتبين القصيدة؟‬ ‫للقراءة‪.‬‬ ‫حقيقة ليس هناك زمن محدد لكتابتها‪،‬‬ ‫نقاد يقتلون العمل اإلبداعي‬ ‫وإن كنت غالبا أكتب في المساء وحتى‬ ‫ ¦هل يزعجك الناقد؟‬ ‫الــفــجــر؛ ألنــنــي كــثــيـرًا مــا أتنبه لصوت‬ ‫األذان وللعشب المبتل بالندى‪ ،‬في هذا‬ ‫ال يزعجني الناقد أبداً‪ ،‬ولكن هناك نقاداً‬ ‫الــوقــت وفــي هــذا الطقس أشــعــر أنني‬ ‫يقتلون العمل اإلبداعي؛ ألنهم يتناولونها‬ ‫بكتابة تنطبق على مجموعات مختلفة‬ ‫أجاور حلمي بصفاء‪ ،‬وأستطيع أن أصغي‬ ‫تــنــاوالً ال يــتــواصــل مــع عمق التجربة؛‬ ‫لهتافات الروح أكثر من أي وقت آخر‪.‬‬ ‫وهــنــاك أيضا فئة أخــرى مــن النقاد ال‬ ‫أهم ما يميزها‪!..‬‬ ‫تــفــرق بين النصين التفعيلي والنثري‬ ‫بعيدين عــن الــشــعــور بــاإليــقــاع أصــا‪¦ ،‬هناك تصنيف يقيّم الساحات الشعرية‬ ‫مــن بلد إلــى آخ ــر‪ ..‬فمثال هـنــاك شعراء‬ ‫ويتناولونهما كنص واحد‪ ،‬النقد إذا ابتعد‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪117‬‬


‫مــرة أعيد فيها كتابة‬

‫يـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ ــون حريصة على تزويد مكتبتي بالكتب‬ ‫ســاحــات ـهــم بــأنـهــا باستمرار‪ ،‬مع أنني عاجزة عن توفير الرواية وبنائها؛ ألنني‬ ‫األك ـ ـ ـ ـثـ ـ ـ ــر تـ ــأل ـ ـقـ ــا الوقت الالزم للقراءة‪.‬‬ ‫ال أحمل النفس الطويل‬ ‫وج ـ ـ ـ ــدي ـ ـ ـ ــة‪ ،‬ك ـي ــف‬ ‫مازلت أطور لغتي وأدواتي الشعرية‪ ،‬كــمــا قــلــت ســابــقــا‪ ،‬وال‬ ‫ت ـ ـق ـ ـ ّي ـ ـم ـ ـيـ ــن أن ـ ــت‬ ‫الساحة الشعرية ومهما كتبت أظــل أتعلم‪ ،‬ومــا زلت أمــيــل إلــيــه‪ ..‬والدليل‬ ‫نصوصا ال أريد أن‬ ‫ً‬ ‫أقول إنني أكتب‬ ‫أنني إلــى اآلن وألكثر‬ ‫السعودية؟‬ ‫أصنفها‪!..‬‬ ‫مــن خــمــس ســنــوات‪..‬‬ ‫الساحة الشعرية‬ ‫السعودية من أهم‬ ‫ما يميزها عن غيرها من الساحات أنها‬ ‫شاسعة مترامية األطــراف والثقافات‪..‬‬ ‫وهذا يكسبها تنوعً ا وتعددًا يثري العملية‬ ‫اإلبداعية‪ ،‬وربما يجعلها قابلة لخلق لوحة‬ ‫شعرية مغايرة‪ ،‬مثلما حدثت نقلة مباغتة‬ ‫لــم تكن متوقعة فــي الــروايــة المحلية‪.‬‬ ‫واألهــم هو أن اإلبــداع الشعري هو نتاج‬ ‫لــلــشــاعــر الــمــوهــوب‪ ..‬وأكــــرر الشاعر‬ ‫الــمــوهــوب‪ ،‬ونــحــن فــي المملكة عندنا‬ ‫مــواهــب شعرية متجاوزة فقط بحاجة‬ ‫للحضور اإلعالمي‪.‬‬ ‫تجربة غنية‪!..‬‬

‫والــروايــة بين التعديل‬

‫والــمــنــع وال ــرف ــض لــبــعــض الــتــفــاصــيــل‬ ‫داخلها؛ ولكن المخزون البالغي واألدبي‬ ‫لدي ال يترجمه إال الرواية‪ ،‬والكتابة بأي‬ ‫شكل تعد فنًا متجاورا‪ ،‬وفضاء الحداثة‬ ‫يسمح بتجاور الفنون وانتهاء الحواجز‬ ‫فيما بينها‪ ،‬فالمسرح يستخدم الشعر‬ ‫والتصوير والموسيقى‪ ،‬والــروايــة أيضا‬ ‫يدخلها الشعر‪ ،‬والشعر يدخله السرد‬ ‫وهكذا‪..‬‬ ‫«تويتر» أكثر وضوحا‪!..‬‬

‫ ¦مــن الــواضــح تــوجــه الكثير مــن الشعراء ¦ما المواقع التي تنتخبيها لنفسك على‬ ‫الشبكة العنكبوتية؟‬ ‫في العالم العربي لكتابة الرواية والكتابة‬ ‫ال ـســرديــة ف ــي ال ـس ـنــوات األخـ ـي ــرة‪« ،‬غـبــار‬ ‫قراءة المالحق الثقافية ببعض الصحف‬ ‫الــورد» هــذا عنوان روايتك األولــى «تحت‬ ‫العربية والمجالت األدبية‪ ،‬على المبدع‬ ‫الطبع»‪ ،‬ما المبررات خلف هذا التوجه‪،‬‬ ‫ال مع العالم‪ ،‬ولكن على‬ ‫أن يكون متواص ً‬ ‫وهل هي ظاهرة صحية أم‪..‬؟‬ ‫مستوى التواصل «تويتر» فقط‪ ،‬حقيقة‬ ‫لــدي تجربة غــنــيــة‪ ..‬أظــن أن الفضاء‬

‫‪118‬‬

‫األقرب أن أجسد هذه التجربة في عمل‬ ‫س ــردي‪ ،‬ولكنني أشعر بالفشل فــي كل‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫أجده أكثر وضوحً ا واألسرع واألقرب إلى‬

‫النفس‪.‬‬


‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫منصورة عزالدين‪:‬‬

‫الفن اختراع لعوالم جديدة تدفعنا لفهم واقعنا على نحو أفضل‪،‬‬ ‫وليس مجرد انعكاس للواقع‬

‫كاتبة مصرية تراوح في كتابتها السردية بين القصة القصيرة والرواية وكتابة‬ ‫المقال الصحفي‪ .‬منذ روايـتـهــا األول ــى «متاهة مــريــم» عــام ‪2004‬م‪ ،‬وهــي تحفر‬ ‫مجرى خاصا في الكتابة‪ ،‬تحاول أن تجدد في طرائق السرد‪ .‬إنها الروائية‬ ‫ً‬ ‫لنفسها‬ ‫والقاصة المصرية منصورة عزالدين التي صدر لها عديد من األعمال السردية؛‬ ‫منها‪ :‬مجموعات قصصية مثل‪« :‬ضــوء مهتز»‪« ،‬نحو الجنون»‪« ،‬مــأوى الغياب»‪،‬‬ ‫وروايــات منها‪« :‬متاهة مريم»‪« ،‬جبل الزمرد»‪« ،‬أخيلة الظل»‪« ،‬ما وراء الفردوس»‬ ‫التي وصلت إلــى القائمة القصيرة من جائزة البوكر في نسختها العربية عام‬ ‫‪2009‬م‪.‬‬ ‫مــن مــوالـيــد الـعــام ‪ ،1976‬درس ــت الـصـحــافــة واإلع ــام بكلية اإلع ــام بجامعة‬ ‫القاهرة‪ .‬بدأت بنشر قصصها القصيرة فى الصحف والمجالت المصرية والعربية‪،‬‬ ‫وتعمل اآلن في جريدة أخبار األدب المصرية‪ ،‬و تكتب المقال الثقافي‪.‬‬ ‫تتميز كتابات منصورة عزالدين بالتجريب على مستوى البناء واللغة والمزج‬ ‫بين الواقع والخيال والماضي والحاضر‪ ،‬وتحاول أن تقدم رؤيــة مغايرة للواقع‬ ‫المعاش وال ـمــوروث الثقافي المصري والـعــربــي وأث ــره فــي حياتنا‪ .‬وتتناص مع‬ ‫التاريخ والـعــوالــم الفنتازية أللــف ليلة وليلة‪ .‬كــان لمجلة «الـجــوبــة» معها هذا‬ ‫الحوار‪:‬‬ ‫■ حاورتها‪ :‬هالة موسى‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪119‬‬


‫ ¦إل ــى أي ح ــدٍّ يـمـكــن ل ـلــروائــي أن يـمــارس‬ ‫التجريب في الكتابة؟‬ ‫‪ρ ρ‬يروقني التفكير في اإلبداع بوصفه ساح ًة‬ ‫لحرية غير مشروطة‪ ،‬حرية ال تحدها‬ ‫حــدود أو ضــوابــط أو حتى قــواعــد من‬ ‫خارجها‪ ،‬فقط الحدود والضوابط الفنية‬ ‫والجمالية‪ .‬ال مبرر لكتابة عمل ما‪ ،‬إن لم‬ ‫يقدم جديدًا‪ ،‬والتجريب ينطوي على وعد‬ ‫بتجديد مضاعف‪ ،‬وإن كان التجديد أكثر‬ ‫شمول من التجريب‪.‬‬ ‫ً‬

‫له‪ .‬هذا النداء ال يكون ّإل همسً ا‪ ،‬جريًا‬ ‫على ع ــادة كــل مــا يخص الــفــن‪ ،‬وليس‬ ‫على الروائي سوى اإلنصات جيدًا لهذا‬ ‫الهمس‪ ،‬وعدم الخوف من السير خلف‬ ‫الدروب المقترَحة منه‪ ،‬حتى وإن انطوت‬ ‫على مخاطرة؛ فالمخاطرة قرينة الفن‬ ‫المتجاوِ ز لما هــو ســائــد‪ .‬فمع الوقت‪،‬‬ ‫تعلمت أن األفكار التي تخيفني ما إن‬ ‫تطرأ على ذهني لصعوبتها وبعدها عن‬ ‫المألوف وحدها الكفيلة بمنحي نتائج‬ ‫نهائية أفضل‪.‬‬

‫ال أحــب أن أظــهــر فــي هيئة مَــن يضع‬ ‫الــقــواعــد لــآخــريــن‪ ،‬ألنّـــي مــؤمــنــة بــأن‬ ‫القواعد و ُِضعت كي تُتجاوَز (بعد تعلمها‬ ‫عــلــى نــحــو جــيــد بــالــطــبــع)؛ ل ــذا‪ ،‬ســوف‬ ‫أتحدث عن نفسي‪ ،‬ال عن «الروائي» في‬ ‫المطلق‪ .‬وفي حالتي‪ ،‬ال ينبع التجريب‬ ‫من مجرد رغبة شخصية في التجريب‬ ‫مثل وجدت أن كتابتها‬ ‫في «أخيلة الظل» ً‬ ‫أو اللعب الفني ‪-‬رغم انحيازي لهما على‬ ‫على النحو الذي كُتبَت به أفضل طريقة‬ ‫حساب الكتابة التقليدية‪ -‬إنما ينبغي أن‬ ‫لجمع شتات شخصيات وأماكن وأزمان‬ ‫يكون نابعًا من داخــل النص نفسه ومن‬ ‫ال يربط بينها روابط‬ ‫متطلباته هو‪ ..‬ومن‬ ‫مــنــطــقــه ال ــخ ــاص‪ ،‬القواعد وضعت كي يتم تجاوزها‪ ،‬حــقــيــقــيــة ظ ــاه ــرة‪.‬‬ ‫ال أن يُــف ـرَض على وال أحب أن أضع قواعد لآلخرين‪.‬‬ ‫وفـ ــي أث ــن ــاء الــعــمــل‬ ‫النص من خارجه‪ .‬التناص يقدم سردية مضادة للنص على كتابي األحدث‬ ‫ف ــي الــعــمــل الــفــنــي القديم تجعلك تنظر إليه بعين «مأوى الغياب» كنت‬ ‫مــدركــة أن أسئلته‬ ‫ال ينفصل الشكل مختلفة‪.‬‬ ‫الــفــلــســفــيــة وجـ ــوه‬ ‫عــــن ال ــم ــض ــم ــون‪،‬‬ ‫أفضل الروايات القصيرة‪ ،‬والحظت‬ ‫ّ‬ ‫الـــغـــامـــض نــســب ـ ًيــا‬ ‫بــل يكمل أحدهما‬ ‫أن كثيرً ا من الــروايــات التي مثلت‬ ‫اآلخــــر‪ ،‬وعـــــاد ًة ما نقلة نوعية في الفن الروائي كانت ق ــد يــمــثــل مــقــامــرة‬ ‫بـــشـــرائـــح قــرائــيــة‬ ‫ي ــن ــادي الــمــضــمــون قصيرة‪.‬‬ ‫على الشكل المالئم‬ ‫تابعت ما أكتب منذ‬ ‫وق ــد شجعني ه ــذا عــلــى الــســيــر خلف‬ ‫أفكار أو احتماالت قد تبدو طائشة أو‬ ‫غير جماهيرية للوهلة األولــى‪ ،‬وشرطي‬ ‫الوحيد أن يكون هذا السعي خلفها نابعًا‬ ‫مــن منطق نصي ال مــن مــجــرد رغبتي‬ ‫الشخصية في االختالف والتجريب‪.‬‬

‫‪120‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫ ¦إلى أي مدى يمكن للكاتب أن يتناص مع‬ ‫نصوص تاريخية وفكرية مثلما حدث في‬ ‫«جبل الزمرد»؟‬ ‫‪ρ ρ‬شخصيًا‪ ،‬أرى أن التناص ينبغي أن يقدم‬ ‫وأل يقلِّد النص األصلي‪ ،‬بل أن‬ ‫جديدًا‪ّ ،‬‬ ‫يفككه ويكشف ثغراته ويلعب عليها لطرح‬ ‫أسئلة تخص الكاتب وتنبع من انشغاالته‬ ‫سبيل لتقديم‬ ‫ً‬ ‫هو‪ ،‬أي أن يكون التناص‬ ‫ســرديــة مــضــادة للنص القديم تجعلك‬ ‫تنظر إليه بعين مختلفة‪ .‬أتعامل بحذر‬ ‫مــع الــنــصــوص الــتــي تحاكي لغة «ألــف‬ ‫مثل‪ ،‬أو تستعير بنيتها بامتثال دون‬ ‫ليلة» ً‬ ‫محاولة للتمرد عليها‪ ،‬أو تلك التي تمتثل‬

‫«جبل الزمرد»‪ ،‬سردية مضادة أللف ليلة‬ ‫وليلة‪ ،‬وكان هذا طموحي بدأت كتابتها‪،‬‬ ‫رغبت في أن يكون لها أسئلتها الخاصة‬ ‫ولغتها المختلفة وحتى نمط تخييلها‬ ‫المغاير عن مخيلة الليالي‪ .‬رغبت في‬ ‫تفحص العالقة بين الشفاهي والكتابي‬ ‫انطالقًا من أفكار جاك دريدا و«محاورة‬ ‫فــايــدروس» ألفالطون‪ ،‬ولم أجد أفضل‬ ‫من درة النصوص الشفاهية المتوارثة كي‬ ‫أيضا‬ ‫ً‬ ‫يكون تكئة لهذا التفحص‪ .‬أردتُ‬ ‫التوقف أمام مفهوم التحريف والعالقة‬ ‫بــيــن «األصــــــل» (الــمــفــتــرض) وصـ ــوره‬ ‫المختلفة‪ ،‬وكانت «الليالي» نقطة انطالق‬ ‫أيضا‪ .‬وللتأكيد على‬ ‫مثالية لهذا السبب ً‬ ‫هذا يكفي تأمل الفروقات بين الطبعات‬ ‫المختلفة منها‪ ،‬أو لنقرأ طبعة محسن‬ ‫مثل‪ ،‬ونحاول المقارنة بينها وبين‬ ‫مهدي ً‬ ‫الطبعات ذات الحكايات المضافة‪.‬‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫أعمالي األولـــى‪ ،‬وضمنت لــي أن يُعاد‬ ‫طبع هذه األعمال طبعات عديدة‪ ،‬لكنني‬ ‫فــي النهاية‪ -‬انحزت لمتطلبات الفن‬‫وجمالياته (كما أراه ــا) ولــم أرغــب في‬ ‫شغل نفسي بشروط التلقي‪ .‬عمومًا‪ ،‬على‬ ‫الكاتب االجتهاد والمحاولة‪ ،‬أما الحكم‬ ‫على مسعاه بالنجاح من عدمه‪ ،‬فأم ٌر‬ ‫متروك للنقاد وللزمن‪.‬‬

‫لمنطق الحدوتة التجريدي ظنًا من ُكتَّابها‬ ‫أن هــذه هي الوسيلة الوحيدة لمقاربة‬ ‫هذا العمل اإلشكالي الحافل بالصراعات‬ ‫والتناقضات والتركيب‪.‬‬

‫ ¦كيف تأثرت منصورة عزالدين في «جبل‬ ‫الزمرد» بأجواء ألف ليلة وليلة؟‬ ‫‪«ρ ρ‬أل ــف ليلة وليلة» مــن أحــب النصوص‬ ‫إليّ ‪ ،‬بالنسبة لنا كعرب (خاص ًة من تر َّبوْا‬ ‫على الحواديت الشعبية الشفاهية) هي‬ ‫ليست كتابًا‪ ،‬بقدر ما هي جزء من تكويننا‬ ‫الثقافي ووجداننا الجمعي‪ .‬أحب العودة‬ ‫إلى «الليالي» من وقت آلخر‪ ،‬كما أقرأ كل‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪121‬‬


‫ما يقع تحت يدي من كتب تتناولها‪ .‬في‬ ‫أثناء كتابة «جبل الزمرد» أع ـدْتُ قراءة‬ ‫«ألــف ليلة» وكتب الجغرافيا القديمة‬ ‫المثبتة ضمن المراجع في نهاية الرواية‬ ‫قراءة مدققة‪ ،‬واهتممت على وجه خاص‬ ‫بحكايات‪« :‬الحسن البصري»‪« ،‬رحالت‬ ‫السندباد»‪ ،‬و«حاسب كريم الدين»‪ .‬لكن‬ ‫لم أرغب في محاكاة الليالي وال تقليدها‪،‬‬ ‫إنما صوغ أسئلتي وانشغاالتي الخاصة‬ ‫في قالب إبداعي يخلخل منطق الليالي‬ ‫ويعيد تركيبه مــجــددًا بمخيلة مغايرة‪.‬‬ ‫حكاية زمردة مخترَعة‪ ،‬وتخييل جبل قاف‬ ‫وبنيته وتزلزله يخصني‪ ،‬وإن كنت انطلقت‬ ‫من رؤية «ابن زيد وعكرمة والضحاك» له‬ ‫وال ــواردة في تفسير القرطبي‪ -‬لرسم‬‫خطوطه العريضة‪.‬‬ ‫ ¦الغرائبي والفانتازي يمثل روافد واضحة‬ ‫ألعمالك كيف ترين ذلك؟‬

‫‪122‬‬

‫في دلتا النيل تندمج الحواديت الموروثة‬ ‫من مصر القديمة خاصة تلك المتعلقة‬ ‫بنهر النيل وبمفاهيم الـــ «كــا» والـــ «با»‬ ‫و«اآلخ»‪ ،‬بالسير الشعبية العربية (السيرة‬ ‫الهاللية تحديدًا)‪ ،‬بالموروثات والتأثيرات‬ ‫اإلسالمية والقبطية‪.‬‬

‫‪ρ ρ‬نعم‪ ،‬الغرائبية حاضرة في كتابتي منذ‬ ‫قصصي األول ــى‪ ،‬وينبع هــذا باألساس‬ ‫من رؤيتي للفن بوصفه اختراعً ا لعوالم‬ ‫فــي تلك البيئة‪ ،‬كانت أشــد التفاصيل‬ ‫جــديــدة تدفعنا لفهم واقعنا على نحو‬ ‫غرائبية وفانتازية تُعامَل كتفاصيل حياة‬ ‫أفــضــل‪ ،‬وليس بوصفه مجرد انعكاس‬ ‫يومية‪ ،‬وهذا أثرى مخيلتي منذ الطفولة‬ ‫للواقع أو وسيط يعمل عمل الكاميرا‬ ‫بطبيعة الحال‪.‬‬ ‫الفوتوغرافية‪ .‬يــضــاف إلــى هــذا أنني‬ ‫ال أؤم ــن بفواصل ح ــادة وواضــحــة بين ¦ما هي تجليات الواقع في أعمال منصورة‬ ‫عزالدين؟‬ ‫الواقعي والمتخيل‪ .‬خياالتنا وأحالمنا‬ ‫وهواجسنا واقعية تمامًا وجــزء ال غنى ‪ρ ρ‬الخيال الجامح أحد أهم شروط اإلبداع‬ ‫مــن وجــهــة نــظــري‪ ،‬لــكــن ال يعني هــذا‬ ‫عنه من تكويننا كبشر‪ .‬كنت محظوظة‬ ‫االنفصال عن الواقع‪ .‬هو موجود دائمًا‬ ‫ألنني نشأت في بيئة ثرية في موروثها‬ ‫من الحواديت والحكايات الفولكلورية‪.‬‬ ‫كمنصة انطالق وكمرجعية‪ .‬حتى أشد‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫بالنسبة لي التخييل وسيلة لفهم الواقع‬ ‫ومقاربته من زاوية مختلفة‪ .‬انظر ألعمالي‬ ‫كأعمال واقعية تنطلق من الواقع وتنشغل‬ ‫بــه وتسعى لتفسيره وعكس مستوياته‬ ‫المختلفة‪ ،‬وليس للهروب منه‪« .‬متاهة‬ ‫مريم» في مستوى من مستوياتها حاولت‬ ‫تقديم قـــراءة فــي الــتــاريــخ االجتماعي‬ ‫لمصر بعد ثورة يوليو على مدى خمسين ¦كـيــف تــريــن تــأثـيــر ال ــدرام ــا التلفزيونية‬ ‫على األعمال الروائية الجديدة؟‬ ‫عامًا‪« .‬وراء الفردوس» انطلقت من تجربة‬ ‫تجريف األرض الزراعية في دلتا النيل ‪ρ ρ‬وهل للدراما التلفزيونية تأثير على هذه‬ ‫خالل فترة الثمانينيات‪ ،‬و«جبل الزمرد»‬ ‫األعمال؟! ال أتابع الدراما التلفزيونية‪ ،‬بل‬ ‫هي ‪-‬بشكل مــا‪ -‬روايــة قاهرة ‪2011‬م‪،‬‬ ‫و«أخــيــلــة الــظــل» روايـ ــة واقــعــيــة يرتكز‬ ‫التجديد فيها على تقنية كتابتها وروح‬ ‫اللعب السائدة فيها‪ ،‬أما «مأوى الغياب»‬ ‫فعلى الرغم من زيادة جرعة التخييل بها‪،‬‬ ‫يمكن ردهــا بسهولة إلى واقعنا الحالي‬ ‫بعنفه ومدنه المدمرة وما يطرحه علينا‬ ‫من أسئلة فلسفية ووجودية مؤرقة‪.‬‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫األعمال غرائبية ال يسعها االنفصال عن‬ ‫الواقع حتى إن إرادت‪ ،‬ولو حدث وجاءت‬ ‫منفصلة عنه‪ ،‬فستتحول إلى ألعاب في‬ ‫الفراغ‪ ،‬أو وسيلة هروب منه على غرار‬ ‫الرومانسيين‪.‬‬

‫من يحكم على جــودة روايــة ما انطالقًا‬ ‫من عــدد صفحاتها‪ .‬الــروايــات الطويلة‬ ‫يشيع فيها الحشو والــتــكــرار‪ ،‬لكن قد‬ ‫نصادف أحيانًا روايــات ضخمة سريعة‬ ‫اإليقاع خالية من الحشو‪ ،‬ونجد روايات‬ ‫قصيرة حافلة بــه‪ .‬الفيصل فــي هذه‬ ‫الحالة الحكم على أي عمل من داخله‬ ‫بعيدًا عن تصوراتنا العامة المسبقة‪ ،‬وإن‬ ‫كنت أتفهم الميل إلى النظر بعين الحذر‬ ‫إلــى ال ــرواي ــات العربية الضخمة‪ ،‬ألن‬ ‫كثيرًا منها يحتاج إلى حذف مئة أو مئتي‬ ‫صفحة منها!‬

‫ ¦ما رأيــك في البدانة الروائية التي تسم‬ ‫كثير ًا من أعمال الكتاب اآلن؟‬ ‫أفضل الــروايــات القصيرة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫‪ρ ρ‬عن نفسي‬ ‫والحــظــت أن كثيرًا مــن الــروايــات التي‬ ‫مثلت نقلة نوعية في الفن الروائي كانت‬ ‫قصيرة‪ .‬لكن عمومًا أندهش حين أجد‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪123‬‬


‫ال أتابع التلفزيون نفسه ّإل نادرًا‪ ،‬وبالتالي‬ ‫ال يمكنني الرد على سؤال كهذا‪ ،‬لكن ما‬ ‫أعرفه أنه من المفترض باألدب أن يكون‬ ‫هو المؤثر على الدراما التلفزيونية وليس‬ ‫مثل التأثير‬ ‫العكس‪ .‬في حالة السينما ً‬ ‫متبادَل‪ ،‬فالسينما تأثرت باألدب وأثرت‬ ‫عليه‪ ،‬أمــا الــدرامــا فأظنها لــم تفعل‪،‬‬ ‫أو على األق ــل ليس بــصــورة ملحوظة‪.‬‬ ‫كانت هناك في الماضي محاوالت من‬ ‫أسامة أنور عكاشة للتقريب بين الدراما‬ ‫التلفزيونية وال ــرواي ــة‪ ،‬وإن لــم تخني‬ ‫الــذاكــرة فقد صــك مصطلح «الــروايــة‬ ‫التلفزيونية» لوصف أعماله‪ ،‬لكن حتى‬ ‫في حالته ‪-‬وهــو من جمع بين الكتابة‬ ‫الروائية والكتابة للتلفزيون‪ -‬كان األدب‬ ‫هو األساس والمرجعية‪.‬‬ ‫أصدرت ثالث مجموعات قصصية‪« ،‬ضوء‬ ‫ِ‬ ‫ ¦‬ ‫مـهـتــز» ‪2001‬م و«ن ـحــو ال ـج ـنــون» ‪2013‬م‪،‬‬ ‫و«مــأوى الغياب» ‪2018‬م‪ ،‬كيف ترين حال‬ ‫القصة القصيرة في «زمن الرواية»؟‬

‫هناك كثير غير جيد مقابل قليل مميز‪،‬‬ ‫ّإل إن القصة القصيرة تتعرض لتجاهل‬ ‫أكبر‪ ،‬على الصعيدين النقدي واإلعالمي‪.‬‬ ‫كــثــيـرًا مــا يــأتــي االهــتــمــام المبالغ فيه‬ ‫بالرواية على حساب القصة القصيرة‪،‬‬ ‫ذلك الفن الذكي‪.‬‬

‫‪ρ ρ‬أتحفظ على مقولة «زمــن الــروايــة» وما‬ ‫يشبهها‪ ،‬إذ أراهـ ــا مــقــوالت ترويجية‬ ‫وإعالمية أكثر منها نقدية‪ .‬أنحن في‬ ‫فعل؟ وإن كنا كذلك من‬ ‫«زمن الرواية» ً‬ ‫ناحية الــكــم‪ ،‬أينطبق هــذا على الكيف‬ ‫أيضا؟! ثمة زيادة غير مسبوقة في عدد‬ ‫ً‬ ‫الروايات الصادرة سنويًا‪ ،‬لكن قليلة هي‬ ‫الروايات الالفتة بحق‪ .‬وحتى تلك التي‬ ‫تــفــوز بــالــجــوائــز أو تصل إلــى قوائمها‬ ‫ليست األفــضــل بــالــضــرورة‪ .‬ال يختلف ¦كيف تنظرين اآلن إلى تأثير عملك في‬ ‫األمر كثيرًا في حالة القصة القصيرة‪،‬‬ ‫الصحافة في كتابتك األدبية؟‬

‫ال أحب المفاضلة بين األنواع األدبية‪ ،‬إنما‬ ‫أفضل أن أقرأ كل عمل من داخله‪ ،‬إضاف ًة‬ ‫ِّ‬ ‫إلى إنني مشغولة أكثر حاليًا بالمساحة‬ ‫البينية بين األنواع األدبية المختلفة (بين‬ ‫الرواية والقصة بوجه خاص) بحثًا عن‬ ‫نقاط االلتقاء واالختالف‪ ،‬وقد انعكس‬ ‫هذا على رواية «أخيلة الظل» والمتتالية‬ ‫القصصية «مأوى الغياب»‪.‬‬

‫‪124‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫بطريقة ما كانت مختبرًا أتاح لي دراسة‬ ‫نماذج بشرية مركبة ورؤيــة المسافات‬ ‫البينية والــظــال الــعــديــدة بين الصفة‬ ‫ونقيضها‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫‪ρ ρ‬أحـــب الــصــحــافــة ودرســتــهــا ف ــي كلية ¦هــل شخصية آدم فــي أخـيـلــة ال ـظــل هي‬ ‫اإلعالم‪ -‬جامعة القاهرة‪ ،‬لكن ال أنشغل‬ ‫ش ـخ ـص ـيــة ك ــري ــم ابـ ـن ــك الـ ـ ــذي تـكـتـبـيــن‬ ‫ي ـ ــومـ ـ ـي ـ ــات ـ ــه عـ ـ ـل ـ ــى ص ـ ـف ـ ـحـ ــة الـ ـ ـت ـ ــواص ـ ــل‬ ‫كثيرًا بتأثيرها من عدمه على كتابتي‬ ‫االجتماعي الفيس بوك؟‬ ‫األدبــيــة‪ .‬هي عمل أمارسه كما يمارس‬ ‫الــروائــي المهندس أو الــروائــي الطبيب ‪ρ ρ‬حين انتهيت من كتابة «أخيلة الظل» لم‬ ‫عملهما‪ ،‬ولــو أ ُتــيــح لــي التفرغ للكتابة‬ ‫يكن كريم قد بلغ عمره أربع سنوات بعد‪.‬‬ ‫اإلبداعية ســوف أفعل دونما تــردد‪ ،‬بل‬ ‫معظم مراحل كتابة العمل تمت وهو بين‬ ‫ال من ‪2011‬م حتى‬ ‫لقد قمت بهذا فع ً‬ ‫السنة ونصف والثالث سنوات‪ ،‬فكيف‬ ‫‪2014‬م‪ ،‬وكانت فترة مثمرة جــداً على‬ ‫تكون شخصيته المرجعية لشخصية آدم‬ ‫الكاتب الناضج؟! ألهمني كريم كثيرًا في‬ ‫صعيد الكتابة والقراءة‪.‬‬ ‫أثناء الكتابة‪ ،‬لكن ليس بصورة مباشرة‬ ‫أعــمــل فــي الــصــحــافــة األدب ــي ــة‪ ،‬أي أن‬ ‫وال بطريقة يمكن حصرها فــي إطــار‬ ‫المسافة ليست بعيدة عن اإلبداع‪ ،‬وبما‬ ‫شخصية بعينها‪ .‬وقد أهديت له الرواية‬ ‫أ ّنــي نائب رئيس تحرير ومــحــررة قسم‬ ‫لهذا السبب‪.‬‬ ‫كتب‪ ،‬فعملي في أغلبه تحريري وإداري‪.‬‬ ‫مخيلة األطفال مخيلة جامحة غير مؤطرة‬ ‫على مدى السنوات التي عملت فيها في‬ ‫بعد بمحددات الــواقــع‪ ،‬وال تهتم كثيرًا‬ ‫الصحافة‪ ..‬كانت المشكلة األســاس أن‬ ‫الصحافة تلتهم الــوقــت بــدرجــة كبيرة‪،‬‬ ‫وك ــن ــت أض ــح ــي بــكــثــيــر م ــن األنــشــطــة‬ ‫وااللتزامات الحياتية واالجتماعية لتوفير‬ ‫كاف للكتابة‪ ،‬لكن من جهة أخرى‬ ‫وقت ٍ‬ ‫دربتني الصحافة على العمل‪ /‬الكتابة‬ ‫تــحــت ضــغــط وف ــي إط ــار ج ــدول زمني‬ ‫دقيق‪ ،‬هذا‪ ..‬غير أنها أضفت حساسية‬ ‫ودقة على لغتي وأكسبتني خبرات حياتية‬ ‫ثرية‪.‬‬

‫‪125‬‬


‫بالفروق الواضحة بين الواقعي والمتخيل؛‬ ‫لذا‪ ،‬فهي ملهمة جدًا‪ .‬في مرحلة مبكرة‬ ‫مشغول جدًا بظله‪ ،‬وكان يكره‬ ‫ً‬ ‫كان كريم‬ ‫النار ويخشاها ويعشق اللون األزرق حد‬ ‫استخدام كلمة «أزرق» لوصف أي شيء‬ ‫يحبه‪ ،‬وقــد ألهمني هــذا في توزيع كل‬ ‫عنصر من هذه العناصر (بعد إضافات‬ ‫تخييلية كــثــيــرة) على شخصيات آدم‪،‬‬ ‫آميديا وفالديمير بالترتيب؛ لــذا‪ ،‬جاء‬ ‫اإلهداء على هذا النحو‪« :‬إلى كريم عدو‬ ‫النار المسكون بظله والحالم بكون أزرق»!‬ ‫دون أن يعني هذا أي صلة إضافية بينه ‪ρ ρ‬أتحاشى تفسير نصوصي قدر اإلمكان‪،‬‬ ‫وبين أي شخصية من تلك الشخصيات‪.‬‬ ‫أفضل أن تظل أبواب التفسير والتأويل‬ ‫ِّ‬ ‫ ¦إال َم يرمز الظل في النص؟ وهل التخلص‬ ‫مفتوحة أمام كل قارئ انطالقًا من النص‪،‬‬ ‫منه هو تخلص من هواجس وقلق الذات‬ ‫ـضــا وف ـ ًقــا لثقافته ومرجعياته‬ ‫إنــمــا أيـ ً‬ ‫الكاتبة؟‬ ‫الــخــاصــة‪ .‬بينما أكــتــب أي عــمــل من‬ ‫أعمالي‪ ،‬أحرص على أن يكون مفتوحً ا‬ ‫على تأويالت عديدة‪ ،‬وثمة دومًا مفاتيح‬ ‫وعالمات واضحة تارة ومبثوثة بين طيات‬ ‫العمل بشكل غير مباشر تارة أخرى‪ .‬أود‬ ‫فقط التأكيد على أن دالالت ورموز كلمات‬ ‫مفتاحية مثل الظل أو الجبل أو غيرها‪،‬‬ ‫تتعدد بل وتتناقض حتى داخــل العمل‬ ‫الواحد باالنتقال من شخصية ألخرى‪،‬‬ ‫أو لدى الشخصية الواحدة باالنتقال من‬

‫‪126‬‬

‫مرحلة ألخرى‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫وسجل استحقاق الريادة التعليمية!‬ ‫■ د‪ .‬هيا بنت عبدالرحمن السمهري*‬

‫ينكشف عن تأثيرهم في المكان والــزمــان واإلنـســان‪ ،‬وذلك‬ ‫ُ‬ ‫إن المرور بتاريخ العظماء‬ ‫المرور أشبه بمحاولة عبور عظمى للوصول إلى شواهد تلك اللحظات الممتدة الالمعة‬ ‫تبدلت لها األحوال إلى األجمل واألجدى‪..‬‬ ‫ْ‬ ‫وشخوصها‪ ،‬وحركات التفاعل المختلفة التي‬ ‫ودائم ًا ما يُوقّ ر اإلبداع حول الفكر واألدب‪ ،‬فتقام المنصات المنبرية والندوات الستحضار‬ ‫ِسيَر أولئك المستحقين حتماً‪.‬‬ ‫وفِ ي رؤيتي الخاصة أن اإلبداع األكثر حيوية اليوم لترسيخ معنى التفاني والصدق والدقة في‬ ‫الذي نحتاجه اليوم هو استعراض سيرة الوعي نقش انعطافات االنطالق‪.‬‬ ‫اإلنساني الــذي اتكأ إلــى حاجة المجتمعات‬ ‫والذي يمكن إيجازه عن الندوة أنها حملتْ في‬ ‫في عهودنا الماضية والحاضرة‪ ،‬وتحققتْ من‬ ‫كل أوراقها المطروحة نبض المنجز اإلنساني‬ ‫خالله أمجاد وطنية؛ ونبض مجتمعي متحضر‪.‬‬ ‫المتحضر للرائدة لطيفة السديري‪ ،‬وأنها كانت‬ ‫وللحضارة زوايا متعددة وأدوات متنوعة‪ ،‬ويقف‬ ‫في ذلــك العهد حالة إداري ــة بامتياز‪ ،‬حققتْ‬ ‫التعليم في عليائها‪.‬‬ ‫رحمها اهلل فــي ذلــك الــزمــان والمكان مــا لم‬ ‫ومــن هــذا المنطلق‪ ،‬جــاء الــوفــاء من مركز تحقّقه مؤسسات صاعدة‪ ،‬وكل ما طُ رح تسكنه‬ ‫األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري الثقافي الدهشة‪ ،‬ويحيطه اإلعجاب بتلك الشخصية‬ ‫فــي الــجــوف بــإقــامــة ن ــدوة مضيئة عــن رائــدة الوطنية الفريدة‪.‬‬ ‫التعليم األولــى في منطقة الجوف لطيفة بنت‬ ‫كما أن العالئق بين شخصية الندوة لطيفة‬ ‫عبدالرحمن السديري‪ ،‬وزمان الندوة في التاسع‬ ‫الــســديــري ومنطقة الــجــوف وأهــلــهــا عالقة‬ ‫عشر من شهر رجب من هذا العام‪ ،‬إيماناً من‬ ‫تــجــاوزتْ واجــبــات العمل التعليمي‪ ،‬وأس ــوار‬ ‫هذا المركز التنويري بأن الوقوف على صفحات‬ ‫مؤسساته؛ فالجوف في أعماق لطيفة السديري‬ ‫تلك الشخصية المؤثرة استرجاع لمراحل من‬ ‫رحمها اهلل خلّدته في صناعة حياة ونهضة‬ ‫التاريخ التعليمي المناطقي الجدير باالهتمام‪،‬‬ ‫وانعتاق من الممنوع المباح‪ ،‬واستمتاع متفوق‬ ‫كما أنه ليس تبياناً عن صاحبة السيرة المؤثرة‬ ‫فقط؛ إنما هو أيضاً استقراء للقيم العليا التي بالمعرفة كخالصة في مواجهة الجهل‪ ،‬وصالت‬ ‫بثتها رحمها اهلل في ثنايا الواقع المجتمعي أخرى فاخرة بالوطن الكبير‪.‬‬ ‫ولم تكن ندوة «لطيفة السديري سيرة وحياة»‬ ‫والتعليمي‪ ،‬ويحتاجها واقع المجتمعات التعليمية‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوافـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬

‫لطيفة السديري‬

‫‪127‬‬


‫معلومات متواترة أو مرويات! بل كانت لطيفة‬ ‫السديري رمزاً ح ّياً في ذاكرة التعليم في الجوف‪.‬‬ ‫وتم اختيار المتحدثات ممن عملن معها فترات‬ ‫مختلفة‪ ،‬وفِ ي مواقع تعليمية مختلفة أيضاً‪ ،‬ومن‬ ‫لهن صالت بها من المناطق األخرى‪.‬‬ ‫ومــن اإلضـــاءات فــي تلك الــنــدوة المكتنزة‬ ‫بست من أوراق العمل أن المتحدثات تتبعن في‬ ‫ٍ‬ ‫صياغات مختلفة كل تفاصيل المشهد الجوفي‬ ‫التعليمي في ذلك العهد (من عام ‪1382‬هـ حينما‬ ‫تأسست أول مدرسة إلى عام ‪1414‬هـ‪ ،‬إذ كانت‬ ‫رحمها اهلل أول قيادية للتوجيه التربوي) آنذاك؛‬ ‫كما أنه من الالفت في الندوة أن كثيرات ممن‬ ‫يجلس َن في صفوف الحاضرات لديهن حكايات‬ ‫مجزية‪ ،‬ومــواقــف فــريــدة عــن الــرائــدة لطيفة‬ ‫السديري رحمها اهلل‪ ،‬فقد التحفتْ باإلنسانية‪،‬‬ ‫وتــوســدتْ المسؤولية الــوطــنــيــة؛ فكانت في‬ ‫الــجــوف كــتــاب تــاريــخ عميق‪ ،‬وذاكـ ــرة مواقف‬ ‫مكتنزة‪ ،‬وحكاية أجيال متجددة رغم قدم العهد‪.‬‬

‫شخصية المربية لطيفة السديري االستثنائية‬ ‫في قيادة المجتمع النسائي الجوفي‪ ..‬حيث مثلتْ‬ ‫التعايش وقبول اآلخر‪ ،‬واالستفادة القصوى من‬ ‫الفكر المتوازن اآلخر‪ .‬وتضمنتْ الندوة أيضاً‬ ‫قدرتها العالية في تطويع البيئات التربوية‪،‬‬ ‫والتركيز على التفاصيل الفاعلة وتجاوز الهش‬ ‫من الموضوعات‪ ،‬كما عُرفتْ رحمها اهلل بالنظرة‬ ‫العميقة الثاقبة‪ .‬ولم تكن لحظاتها تنفق هباء‪..‬‬ ‫بل رسخت لطيفة السديري خالل عملها سياسة‬ ‫القيادة التي انطلقت من أريج الود والعالقات‬ ‫السامية‪.‬‬ ‫وكــان من أطــواق الــنــدوة الفاخرة أن تبنى‬ ‫مركز عبدالرحمن السديري الثقافي جائزة‬ ‫تعليمية للطالبات في البحث العلمي تحمل اسم‬ ‫لطيفة السديري رحمها اهلل‪ ،‬وتم إعالن ذلك‬ ‫في ختام الندوة من قبل مساعد المدير العام‬ ‫للمركز الدكتورة مشاعل السديري‪.‬‬

‫ولــقــد امــتــأت الــنــدوة بــالــشــهــود الــعــدول‪،‬‬ ‫تحدثتْ الــنــدوة عــن ســيــرة حافلة بالنماء‬ ‫المجتمعي والبذل التعليمي الصادق الذي يتتبع والــشــواهــد المضيئة‪ ،‬واالســتــدالالت المثيرة‬ ‫مساقط غيث المعرفة‪ ،‬منذ أن أقنعتْ نساء لإلعجاب بتلك الريادة التعليمية رحمها اهلل‪.‬‬ ‫الجوف بكواشف التعليم المبهرة‪ ..‬فاتخذْنها‬ ‫ونتمنى أن تنال لطيفة السديري ‪-‬رحمها‬ ‫نموذجاً يُحتذى‪.‬‬ ‫اهلل‪ -‬تتويجاً وطنياً فــي مناسباتنا الوطنية‬

‫‪128‬‬

‫وكان في الندوة حديث منبري آخر عن مفتاح الفاخرة‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫العربية‪ِ ..‬س ٌ‬ ‫عيب؟‬ ‫مة أم‬ ‫ضاد في‬ ‫ِ‬ ‫التَّ ُ‬ ‫ٌ‬

‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوافـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬

‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ونقيضه!‬ ‫المعنى‬ ‫تصف‬ ‫عندما‬ ‫الكلمة َ‬ ‫■ خلف سرحان القرشي*‬

‫بلسان‬ ‫ٍ‬ ‫إلهي ابتدأ منذ لحظة خَ ل ِْق اهلل لإلنسان مز َّودًا‬ ‫اللغة اإلنسانية عطاءٌ ٌّ‬ ‫وفم وشفتين ونحو ذلك لينتج الكالم‪ ،‬وكذلك بأذنين لالستماع‪ ..‬وقبل ذلك وبعده‬ ‫ٍ‬ ‫بعقل فريد قادر على المعالجة والتحليل‪ ،‬ومن ثَمَّ االستيعاب والفهم‪.‬‬ ‫وتواصل ذلك العطاء الرباني وبلغ أوج قمته عندما عَ َّل َم اهلل سيدنا آدم األسماء‬ ‫َضهُ مْ عَ لَى ا ْلم َ​َلئِ كَةِ َفقَالَ أَنبِ ئُونِ ي‬ ‫كلها‪ .‬قال تعالى‪﴿ :‬وَعَ َّل َم آ َد َم ْال َْسمَا َء كُ َّلهَا ثُ مَّ عَ ر َ‬ ‫َّك أَنتَ‬ ‫بِ أ َْسمَاءِ هؤالء إِ ن كُ نتُ مْ َصادِ قِ ينَ ‪ .‬قَالُوا ُسبْحَ ان َ​َك َل ِع ْل َم َلنَا إ َِّل مَا عَ لَّمْ َتنَا‪ِ ،‬إن َ‬ ‫ا ْلعَلِ يمُ الْحَ كِ يمُ ‪ .‬قَالَ يَا آدَمُ أَنبِ ئْهُ م بِ أ َْسمَائِ هِ مْ ‪َ ،‬فلَمَّ ا أَن َبأَهُ م بِ أ َْسمَائِ هِ مْ قَالَ أَلَمْ أَقُ ل‬ ‫ْض َوأَعْ لَمُ مَا ُتبْدُ و َن َومَا كُ نتُ مْ تَكْ تُ مُ ونَ﴾‪.‬‬ ‫َالر ِ‬ ‫السمَاو َِات و ْ َ‬ ‫لَّكُ مْ ِإنِّي أَعْ لَمُ غَ يْبَ َّ‬ ‫وتطورت اللغ ُة شيئا فشيئا‪ ،‬وتعقّدت من فرح وحزن‪ ،‬وسعادة وشقاء؛ وكذلك‬

‫وتنوّعت مع نمو اإلنسان‪ ،‬وتطوره وحله الــحــال فــي مــفــردات لغته وتراكيبها‬ ‫وترحاله‪ ،‬وتمكنه من االتصال والتواصل وسياقاتها المختلفة‪ .‬والــتــضــاد في‬ ‫بمن وما حوله‪.‬‬

‫اللغة نحسبه من المعادل اللغوي لتلك‬

‫من هنا‪ ،‬يمكن القول بأن اللغة ُمنْتَ ٌج األحوال المتبدلة‪.‬‬

‫بشري؛ هذا المنتج حمل بعض صفات‬

‫ـان شاركت فيه اللغ ُة مُنت ِ​ِجهَا‬ ‫أمر ثـ ٍ‬

‫ُمنْت ِ​ِجه؛ ومــن تلك الصفات الغموض اإلنــســان‪ ،‬وهــو الــمــرور بــأطــوار الحياة‬

‫ال‬ ‫أحــيــانــا‪ .‬فــاإلنــســان تكتنفه مشاعر المختلفة؛ فكما أن اإلنسان يولد طف ً‬

‫وأحاسيس غامضة ومتباينة‪ ،‬متداخلة ثم يصبح شابًا ويصير بعد تلك المرحلة‬ ‫ومتقاطعة‪ ،‬ودو ًمــا نجده ما بين البين إلــى الشيخوخة‪ ،‬ومنها الــى الموت‪..‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪129‬‬


‫فكثير من مفردات اللغة وتراكيبها وتعابيرها‬ ‫تمر بتلك المراحل‪.‬‬ ‫وليس أدل على ذلك من أن لغات ولهجات‬ ‫مــاتــت وتــمــوت بشكل شبه يــومــي‪ ،‬وأخــرى‬ ‫لدراسة أ ُجريت عام ‪2001‬م‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫تنتظر؛ فوفقًا‬ ‫فــإن ‪ %90‬مــن لغات العالم وهــي (‪)6000‬‬ ‫لغة ســوف تنقرض بحلول الــعــام ‪2100‬م‪،‬‬ ‫والـ ــدراسـ ــات تــركــز عــلــى لــغــات األقــلــيــات‬ ‫والسكان األصليين لقلة عدد متحديثها‪ ،‬لكن‬ ‫ذلك ال يعني أن اللغات التي تمتلك أعدادًا‬ ‫كبيرة من المتحدثين بها في مأمن من خطر‬ ‫الموت واالنقراض؛ فاللغة اإليرلندية كانت‬ ‫لغة مُكت َِسحَ ٌة في الماضي البعيد؛ لديها أدب‬ ‫عريق‪ ،‬وتدرس بكثافة في المدارس؛ إال إنها‬ ‫اليوم تموت‪ ..‬ذلك تبعا لما ذكرته موسوعة‬ ‫ويكيبيديا اإللكترونية على النت‪.‬‬

‫واللغة العربية حبلى بمثل هذه المفردات‪،‬‬ ‫خصيصا لهذا الجانب‪،‬‬ ‫ً‬ ‫حتى إن كتبًا صنفت‬ ‫ومنها كتاب «األضــداد» ألبي بكر األنباري‬ ‫المتوفى سنة ‪ 328‬للهجرة‪ ،‬وفيه أحصى أكثر‬ ‫من أربعمائة كلمة تدل على (التضاد)‪ ،‬وهناك‬ ‫أيضا كتاب «األضداد»‪ ،‬ألبي عبداهلل محمد‬ ‫بن المستنير (قطرب)‪ ،‬وكتاب «األضــداد»‬ ‫البن السِّ كّيت وغيرهما كثير‪.‬‬ ‫ومنكرو التضاد يرون أن األلفاظ التي تدل‬ ‫على معان متضادة أنها من باب المشترك‬ ‫اللفظي‪ ،‬وبعضهم أرجعها إلى تعدد لغات‬ ‫العرب‪.‬‬ ‫ومن األلفاظ التي تحمل المعنى وضده في‬ ‫اللغة العربية على سبيل المثال ال الحصر‪:‬‬ ‫‪ -‬‬

‫لقد أخضع دارسو اللغات ظاهرة الغموض‬ ‫ ‪-‬‬ ‫اللغوي ‪ -‬الذي يمثل التضاد اللغوي جزءًا‬ ‫ ‬‫منه ‪ -‬للدرس واالستقصاء وتناولوا أسبابه‬ ‫ومسبباته وأنواعه‪.‬‬ ‫والتضاد اللغوي مثل غيره مــن قضايا‬ ‫(عــلــوم اإلنــســانــيــات)‪ ،‬ظــل وسيظل موضع‬ ‫تجاذب وتنافر‪ ،‬ونقاش وجدل‪ ،‬واثبات وإنكار‬ ‫ليس هذا مقام بسطه‪ ،‬غير أنه تجدر اإلشارة‬ ‫إلى أنه من أشهر من أنكر (التضاد اللغوي)‬ ‫العالم اللغوي (دُرســتــويــه) (‪)346 -258‬‬ ‫هجرية‪ .‬وألف فيه كتابه «إبطال األضداد»‪.‬‬

‫‪130‬‬

‫ ‪-‬‬ ‫ ‬‫ ‬‫ ‬‫ ‬‫ ‬‫ويقصد بــ (التضاد اللغوي) أن تحمل ‪ -‬‬ ‫المفردة الواحدة المعنى وضده في الوقت ‪ -‬‬ ‫ ‬‫نفسه‪ ،‬ويبقى السياق هو الفيصل‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫الصريم‪ :‬يقال لليل والنهار‪ ،‬ألن كليهما‬ ‫ينصرم (يخرج) من اآلخر‪.‬‬ ‫السدفة‪ :‬للضوء والظالم‪.‬‬ ‫الجون‪ :‬للظلمة والنور‪ ،‬ولألبيض واألسود‬ ‫يقول الشاعر‪:‬‬ ‫«تَقُو ُل خَ لِيلَتِي لَمَّا َرأَتْنِي‬ ‫َض وَجَ وْنِ ‪.»...‬‬ ‫شَ رِ يحاً بَيْ َن ُمبْي ٍّ‬ ‫السجود‪ :‬لالنحناء واالنتصاب‪.‬‬ ‫الرجاء‪ :‬يستعمل بمعنى الشك‪ ،‬واليقين‪.‬‬ ‫اشترى‪ :‬أي أعطى الثمن وقبضه‪.‬‬ ‫عسعس الليل‪ :‬أي أقبـل وأدبـر‪.‬‬ ‫فــزع‪ :‬أي أغـاث‪ ،‬واستغاث‪.‬‬ ‫ـط‪ :‬أي عــدل وظــلم‪.‬‬ ‫قَسـ َ َ‬ ‫وَلـَـى‪ :‬أي أدبــر‪ ،‬وأقبـل‪.‬‬ ‫الشَ ـ ٍ ِ ْرف‪ :‬االرتـفاع واالنحدار‪.‬‬ ‫الصارِ خ ُ‪ :‬المستغيث‪ ،‬والمغيث‪.‬‬ ‫َّ‬


‫ومن األمثلة السابقة وغيرها‪ ،‬وكذلك من وكتابها األســاس يحتوي على بعض ألفاظ‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوافـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬

‫خالل ما كتبه علماء اللغة قديما وحديثا نرى‬ ‫ الرَّهْ وة‪ :‬االرتفاع‪ ،‬واالنحدار‪.‬‬‫حقيقة التضاد‪ ،‬أمــا أسبابه فهي متعددة‪،‬‬ ‫ الشَ عب االفتراق‪ ،‬واالجتماع‪.‬‬‫ الناهل‪ :‬العطشان وكذلك الذي قد شرب وقد ذكرها وفصلها علماء اللغة؛ األقدمون‬‫والمحدثون ومنها‪:‬‬ ‫حتى ارتوى‪.‬‬ ‫ الظن وهو الشك والظن هو اليقين‪.‬‬‫‪ .1‬نزوع اإلنسان نحو التفاؤل والبشر‪ ،‬فكما‬ ‫ بعته تعني اشتريته وبعته‪.‬‬‫يقال للمبصر (البصير) فهي تقال أيضا‬ ‫ شَ َريْتُ تأتي بمعنى بعت واشتريت‪.‬‬‫لألعمى تفاؤال وأمال‪ .‬و(المفازة)‪ ،‬أصل‬ ‫ الجَ لل هو الشيء الصغير وهــو الشيء‬‫معناها النجاة من الهالك‪ ،‬أما إطالقها‬ ‫العظيم أيضاً‪.‬‬ ‫كاسم للصحراء وهــي م ــرادف الهالك‬ ‫ الغريم هو المطلوب بالدين والغريم هو‬‫والموت فمن قبيل التفاؤل‪.‬‬ ‫الطالب دينه‪.‬‬ ‫ ولفظة (شَ ــوْهَ ــاء) هــي للمرأة الجميلة‬ ‫ المأتم هو االجتماع في فرح أو حزن‪.‬‬‫ولكنها تطلق على المرأة القبيحة (لعلها‬ ‫ الهاجد هو المصلي بالليل والهاجد هو‬‫تصبح جميلة ذات يوم)!‬ ‫النائم‪.‬‬ ‫ وكــلــمــة (وَشَ ــــــل) تــقــال لــلــمــاء الــكــثــيــر‪،‬‬ ‫ومــن األمثلة الــدالــة على التضاد أيضا‬ ‫ولالستبشار والفأل الحسن تقال أيضا‬ ‫ما ذكره (أميل بديع يعقوب) في كتابه (فقه‬ ‫للماء القليل لعله بأمر اهلل يصبح كثيرا‪.‬‬ ‫اللغة العربية وخصائصها)‪:‬‬ ‫‪ .2‬الــخــوف مــن الــعــيــن والــحــســد فمفردة‬ ‫(األُزْر‪ :‬القوّة أو الضعف‪ ،‬والبَسْ لُ‪ :‬الحالل‬ ‫(شــوهــاء) تطلق على الــمــرأة الجميلة‪،‬‬ ‫أو الحرام‪ ،‬وبَل َق الباب‪ :‬فتح ُه كلَّه أو أغلقَه‬ ‫ولكيال تحسد أصبحت الكلمة تطلق على‬ ‫بسرعة‪ ،‬ثَــلَّ ‪ :‬د ََّك أو رفــع‪ ،‬الحميم‪ :‬الماء‬ ‫المرأة القبيحة أيضا‪.‬‬ ‫البارد أو الحار‪ ،‬المولَى‪ :‬العبد أو السيّد‪،‬‬ ‫الرس‪ :‬اإلصالح ‪ .3‬تغير وتحول داللة اللفظ من العموم إلى‬ ‫ّ‬ ‫الذوح‪ :‬الجمع أو التفريق‪،‬‬ ‫الخصوص مثل لفظة (طرب) التي تعني‬ ‫أو الفساد‪ ،‬الرعيب‪ :‬الشجاع أو الجبان‪،‬‬ ‫(الخفة) تصيب الرجل لشدة الفرح أو‬ ‫انخفض)‪.‬‬ ‫َ‬ ‫األرض أو ما‬ ‫ِ‬ ‫الرهوة‪ :‬ما ارتفع من‬ ‫الحزن‪ ،‬ثم تخصصت بالفرح‪.‬‬ ‫ومن ألفاظ التضاد أيضا‪:‬‬ ‫‪ .4‬التهكم‪ :‬وهذا العامل يؤدي إلى قلب معنى‬ ‫وَجَ ل تعني الماء الكثير والماء القليل‪.‬‬ ‫اللفظة‪ ،‬وتغيير دالالتــهــا إلــى ضدها‪،‬‬ ‫شــوهــاء تــقــال للمرأة القبيحة وللمرأة‬ ‫كقولنا للعاقل «الجاهل»‪.‬‬ ‫الحسناء‪.‬‬ ‫والــقــرآن الكريم مصدر العربية األول‬

‫‪131‬‬


‫التضاد ومنها لفظة (قروء) التي تطلق على ‪ )ciao‬تعني (أهــا ‪ /‬مرحباً) وتعني أيضا‬ ‫الحيض وكذلك على الطهر منه‪ .‬قال تعالى‪( :‬وداعاً)‪.‬‬ ‫﴿والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثالثة قروء﴾‬ ‫أخــيــراً‪ ،‬هــل التضاد فــي اللغة سمة أو‬

‫وهناك مفردة (وراءهم) التي تعني أحيانا عيب؟‬ ‫أمامهم في قوله تعالى ﴿وكان وراءهم ملك‬ ‫ثمة خالف لغوي بين أرباب اللغة قديمًا‬ ‫يأخذ كل سفينة غصبا﴾‪.‬‬ ‫وحديثًا في هذا المجال؛ ال يتسع المجال‬ ‫وكذلك قوله تعالى‪﴿ :‬إن الساعة آتية أكاد للتطرق إليه هنا‪ ،‬وقد تناولته مراجع وكتب‬ ‫أخفيها﴾ (طه‪ ،)15:‬قال المفسرون‪( :‬أخفى) كثيرة وأطروحات جامعية عديدة‪ ،‬فمنهم من‬ ‫من األضداد‪ ،‬بمعنى اإلظهار‪ ،‬وبمعنى الستر‪ .‬يرى أنه يحد من ثراء اللغة‪ ،‬ودليل عجزها‪،‬‬ ‫واآلية تحتمل المعنيين‪.‬‬ ‫وقلة مَعِ ينَها‪ ،‬ومنهم من يــراه سمة وميزة‬

‫وظــاهــرة التضاد اللغوي ليست خاصة ودليل على تطور اللغة وعدم جمودها‪.‬‬ ‫بالعربية وحدها‪ ،‬ويرى البعض أنها موجودة‬ ‫والخالف بينهم يأتي ألسباب شتى من‬ ‫في كل اللغات الحية‪ .‬يذكر الباحث (محمد أبرزها قضية تعريفهم للتضاد‪ ،‬واختالفهم‬ ‫نورالدين المنجد) في كتابه (التضاد في في داللته اصطالحا‪ ،‬وهنا ‪ -‬كما هو الحال‬ ‫القرآن الكريم بين النظرية والتطبيق)‪( :‬أن في حاالت كثيرة ‪ -‬ال تصدق المقولة الشهيرة‬ ‫ظــاهــرة التضاد ليست مــوجــودة فــي اللغة (ال مشاحة في االصطالح)‪.‬‬ ‫العربية فحسب‪ ،‬وإنما هي موجودة في جميع‬ ‫وفــي رأيــي المتواضع‪ ،‬أنــه لو كــان ذلك‬ ‫اللغات الحية)‪.‬‬ ‫يعيب اللغة‪ ،‬لما وجد في كتاب اهلل عز وجل‪،‬‬ ‫وقول (المنجد) أعاله صحيح‪ ،‬ففي اللغة واهلل أعلم وأحكم‪.‬‬ ‫اإلنجليزية كمثال نجد كلمة (ٍ‪ )seed‬تأتي‬ ‫المراجع‪:‬‬ ‫بمعني (يــبــذر) وتــأتــي أيضا بمعنى (ينزع‬ ‫‪ .1‬مجلة القافلة عدد (مايو ‪ -‬يونيو) ‪2017‬م‬ ‫البذور)‪.‬‬ ‫‪ .2‬موسوعة ويكيبيديا على اإلنترنت‪:‬‬

‫وكذلك كلمة (‪ )left‬تجئ أحيانا بمعنى‬ ‫الباقي من القوم أو األشياء في مكان ما‪،‬‬ ‫‪ .3‬مقال للباحثة المغربية (هاجر المالحي) في‪:‬‬ ‫وأحيانا بمعنى الذاهب أو المغادر ونحوه‪.‬‬ ‫‪https://ar.wikipedia.org‬‬

‫‪http://diae.net/52867‬‬

‫ومــفــردة (‪ )Screen‬تأتي بمعنى يعرض‬ ‫للمشاهدة‪ ،‬كما أنها تأتي بمعنى يخفي عن‬ ‫‪http://articles.islamweb.net‬‬ ‫المشاهدة‪.‬‬ ‫‪ .5‬موقع (لكل سؤال إجابة)‪:‬‬ ‫‪https://ejaaba.com‬‬ ‫في اللغة اإليطالية نجد أن لفظة (تشاو‬ ‫‪ .4‬موقع (إسالم ويب)‪:‬‬

‫‪132‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــراءات‬

‫موسوعة اململكة‬ ‫«منطقة اجلوف»‬ ‫املؤلف‬ ‫الناشر‬ ‫السنة‬

‫‪ :‬مجموعة مؤلفني‪.‬‬ ‫‪ :‬مكتبة امللك عبدالعزيز العامة‪.‬‬ ‫‪١٤٢٨ :‬هـ‪.‬‬ ‫‪ρρ‬مرسي طاهر*‬

‫تعد موسوعة المملكة العربية السعودية‬ ‫أحـ ــد أك ــب ــر األعـــمـــال الــمــوســوعــيــة في‬ ‫التاريخ السعودي الحديث‪ ،‬كما تعد أحد‬ ‫المشروعات الثقافية المهمة التي صدرت‬ ‫بنا ًء على األمر السامي رقم ‪ /7‬ب بتاريخ‬ ‫‪1422/9/12‬هـــ الموافق ‪2001/11/28‬م‪،‬‬ ‫والذي يتضمن الموافقة على أن تقوم مكتبة‬ ‫الملك عبدالعزيز العامة بالرياض بمهمة‬ ‫إعداد موسوعة توثيقية شاملة عن المملكة‬ ‫ومناطقها الثالث عشرة‪ ،‬وقام على العمل‬ ‫نخبة من العلماء واألكاديميين والباحثين‬ ‫وأصحاب الخبرة تحت إشــراف المكتبة‪،‬‬ ‫وتم إنجازه في عشرين مجلداً‪ ،‬منها ثالث‬ ‫مجلدات كمدخل عام للموسوعة وكشافات‬ ‫عامة‪ ،‬وكــان نصيب منطقة الجوف منها‬ ‫المجلد السابع عشر‪.‬‬

‫الــجــوف تشمل الــخــصــائــص الجغرافية؛‬ ‫التطور التاريخي؛ اآلثار والمواقع التاريخية؛‬ ‫األنماط االجتماعية والعادات والتقاليد؛‬ ‫الــحــركــة الثقافية؛ الــخــدمــات والــمــرافــق‬ ‫التنموية؛ االقتصاد والــثــروات الطبيعية؛‬ ‫الحياة الفطرية؛ السياحة والتنزه‪.‬‬ ‫ال ــب ــاب األول‪ ،‬ب ــع ــن ــوان الــخــصــائــص‬ ‫الجغرافية‪ :‬ويشمل خصائص منطقة الجوف‬ ‫الجغرافية مــن حيث الموقع والمساحة‬ ‫ونــطــاق اإلشـ ــراف اإلداري؛ الجيولوجيا‬ ‫والتضاريس؛ المناخ؛ التربة؛ موارد المياه؛‬ ‫السكان والعمران‪.‬‬

‫الباب الثاني‪ ،‬بعنوان التطور التاريخي‪:‬‬ ‫ويــتــضــمــن تــاريــخ المنطقة مــن الــعــصــور‬ ‫الحجرية وعصور ما قبل اإلسالم‪ ..‬مروراً‬ ‫يقع المجلد في (‪ )779‬صفحة‪ ،‬ويتكون بتاريخها أثناء العصور اإلسالمية المختلفة‬ ‫من تسعة أبواب‪ ،‬و(‪ )44‬فصال‪ ،‬يتناول في حتى العصر الــحــديــث منذ عهد الــدولــة‬ ‫شكل موسوعي بيانات وافية عن منطقة العثمانية إلى اآلن‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪133‬‬


‫الــبــاب الــثــالــث‪ ،‬بعنوان اآلث ــار والمواقع‬ ‫التاريخية‪ :‬ويشمل آثار ومواقع بالمنطقة من‬ ‫العصور الحجرية وعصور ما قبل اإلسالم؛‬ ‫طرق التجارة؛ الكتابات القديمة؛ الحواضر‬ ‫والمواقع األثرية القديمة‪ ،‬كذلك آثار العصور‬ ‫اإلسالمية بالمنطقة مــن متاحف ومواقع‬ ‫أثرية مهمة‪.‬‬ ‫الباب الــرابــع‪ ،‬عن األنماط االجتماعية‬ ‫والــعــادات والتقاليد‪ :‬وتتناول فصوله كافة‬ ‫أنماط الحياة االجتماعية بالجوف من حيث‬ ‫المساكن وأدوات البناء؛ المالبس والحلي‬ ‫وأدوات الزينة؛ أنماط المهن والحرف؛ أشهر‬ ‫المأكوالت والمشروبات الشعبية؛ أنماط‬ ‫العالج الشعبي المختلفة؛ األمراض الشائعة‬ ‫بالمنطقة؛ ترحيل النمل وعالج اإلبل؛ عادات‬ ‫الوالدة والختان؛ األمثال الشعبية؛ الرقصات‬ ‫واأله ــازي ــج واأللــعــاب الشعبية؛ االحتفال‬ ‫بالمناسبات الدينية واالجتماعية كشهر‬ ‫رمضان والعيد‪ ،‬وعــودة الحجاج‪ ،‬والــوالدة‪،‬‬ ‫والعزاء‪ ،‬وعادات الزواج والزفاف والطالق‪،‬‬ ‫كذلك أساليب التعليم وأنماطها بالمنطقة‪.‬‬

‫بتقديم الخدمات الصحية بالمنطقة؛ خدمات‬ ‫اجتماعية تتضمن أجهزة الرعاية االجتماعية‬ ‫المتكاملة‪ ،‬وخدمات الضمان االجتماعي‪،‬‬ ‫والتأمينات االجتماعية‪ ،‬وبــرامــج التنمية‬ ‫االجتماعية‪ ،‬والمؤسسات والجمعيات األهلية‬ ‫بالمنطقة؛ خــدمــات النقل والــمــواصــات‬ ‫وتشمل تطور الطرق والمواصالت بالمنطقة‬ ‫وخــدمــات االتــصــاالت السلكية والالسلكية‬ ‫وخدمات البريد‪ ،‬وكذلك القطاعات الخدمية‬ ‫واألمنية والمرافق العامة‪.‬‬ ‫الباب السابع‪ ،‬عن االقتصاد والــثــروات‬ ‫الطبيعية بــالــمــنــطــقــة‪ :‬ويــشــمــل قــطــاعــات‬ ‫ال ــزراع ــة وال ــث ــروة الــحــيــوانــيــة؛ الصناعة؛‬ ‫الــخــدمــات؛ الــمــوارد البشرية‪ ،‬وقــوة العمل‬ ‫بالمنطقة وحالتها التعليمية وخصائصها؛‬ ‫الثروة المعدنية‪ ،‬والثروة المائية‪.‬‬

‫الباب الثامن‪ ،‬بعنوان الحياة الفطرية‪:‬‬ ‫وتتضمن فصوله الغطاء النباتي بالمنطقة من‬ ‫حيث البيئات والنباتات السائدة؛ الثدييات؛‬ ‫الــطــيــور الــمــهــاجــرة والمقيمة؛ الــزواحــف؛‬ ‫الحشرات؛ الصيد والقنص‪ ،‬وكذلك محميات‬ ‫الــبــاب الــخــامــس‪ ،‬عــن الحركة الثقافية منطقة الجوف‪.‬‬ ‫ـان‬ ‫بــالــجــوف ومــقــومــاتــهــا م ــن تــعــلــيــم ومــبـ ٍ‬ ‫وأخ ــي ــراً الــبــاب الــتــاســع‪ ،‬عــن السياحة‬ ‫ومــؤســســات معنية بــإنــتــاج الــثــقــافــة وبثها والتنزه‪ :‬ويشمل عوامل الجذب السياحي‬ ‫وتطويرها‪ ،‬كذلك إسهامات المنطقة في المتوافرة بالمنطقة بما تضمه من مقومات‬ ‫إثراء الحقل الثقافي الوطني‪.‬‬ ‫طبيعية وبشرية‪ ،‬والبنية السياحية المتوافرة‬

‫الباب السادس‪ ،‬عن الخدمات والمرافق‬ ‫التنموية بالمنطقة‪ ،‬وفيه سرد كامل لكافة‬ ‫الخدمات المتوافرة مــن خــدمــات تعليمية‬ ‫كمدارس التعليم العام واألهلي‪ ،‬ومؤسسات‬ ‫التعليم الفني والتدريب المهني‪ ،‬ومؤسسات‬ ‫التعليم العالي؛ خدمات صحية كالمستشفيات‬ ‫والمراكز الصحية واألجهزة المختلفة المعنية‬ ‫* ‬

‫‪134‬‬

‫الجوف‪ -‬سكاكا‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫مــن إدارة وإيــــواء‪ ،‬ووســائــل نقل واتــصــال‪،‬‬ ‫وخدمات اإلعاشة‪ ،‬والفعاليات‪ ،‬والمناسبات‪،‬‬ ‫والبرامج السياحية‪ ،‬كذلك األنماط السياحية‬ ‫بالمنطقة مــثــل الــســيــاحــة االستكشافية‪،‬‬ ‫والسياحة البيئية والريفية‪ ،‬وسياحة الثقافة‬ ‫الشعبية والتاريخية والحضارية التي تتميز‬ ‫بها المنطقة‪.‬‬


‫ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــراءات‬

‫التنوع األحيائي‬ ‫ّ‬

‫لبحيرة دومة اجلندل‬ ‫مبنطقة اجلوف‬ ‫املؤلف‬ ‫الناشر‬ ‫السنة‬

‫‪ :‬أ‪ .‬د‪ .‬بشير محمود جرار‪.‬‬ ‫‪ :‬مركز عبدالرحمن السديري الثقايف‪.‬‬ ‫‪2018 :‬م‪.‬‬ ‫‪ρρ‬جهاد أبو مهنا‬

‫ص ــدر حــديــثـاً عــن مــركــز عبدالرحمن‬ ‫الــســديــري الثقافي كــتــاب جــديــد عنوانه‪:‬‬ ‫الــتــن ـوّع األحــيــائــي لبحيرة دوم ــة الجندل‬ ‫بمنطقة الجوف لمؤلفه أ‪.‬د بشير محمود‬ ‫جرار‪ ،‬األكاديمي المتخصص في التقنيات‬ ‫النسيجية والخلوية‪.‬‬

‫‬بها ‬المؤلف ‬على ‬مــدار ‬أربعة ‬أعــوام ‬كاملة‬ ‫(‪2013 - 2009‬م) أنجزت ‬خــال ‬زيــارات‬ ‫‬‬ميدانية‬منتظمة‬للبحيرة أثناء عمل المؤلف‬ ‫مــدرسـاً فــي جامعة الــجــوف‬‪‬ .‬وقــد ‬سجلت‬ ‫‬هذه‪‬ ‬الدراسة ‬العديد ‬من ‬أنــواع ‬الطحالب‬ ‫‬وأعشاب ‬المياه ‬في ‬مياه ‬البحيرة ‬والقنوات‬ ‫‬الــمــغــذيــة ‬لــهــا‪‬ ،‬إضــافــة ‬للعديد مــن ‬أن ــواع‬ ‫‬النباتات ‬والشجيرات ‬التي ‬تحيط ‬بالبحيرة‬ ‫‬وعــشــرات ‬األنـ ــواع ‬مــن ‬الــطــيــور ‬المهاجرة‬ ‫‬والمقيمة ‬التي ‬تتردد ‬على ‬البحيرة ‬وتشاهد‬ ‫‬في‬محيطها‪‬.‬كذلك‬سجلت‬‬أنواع‬األسماك‬ ‫‬والقواقع‬الموجودة‬في‬مياه‬البحيرة‬وقنواتها‬ ‫‬وأنواع ‬الحشرات ‬التي ‬تشاهد ‬في البحيرة‬ ‫‬وجوانبها ‬وبعض ‬الثدييات ‬التي ‬تشاهد ‬في‬ ‫محيطها‬وتتردد‬عليها‪‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬.‬‬

‫يتناول ‬هــذا ‬الكتاب ‬أنــواع ‬المجموعات‬ ‫‬البيولوجية ‬فــي ‬بحيرة ‬دومــة ‬الجندل ‬في‬ ‫‬منطقة‬الجوف‬الواقعة‬شمال‬غربيّ ‬المملكة‬ ‫‬العربية ‬السعودية‪‬ ،‬كما ‬يحدد ‬االختالفات‬ ‫‬الموسمية ‬للمجموعات ‬األحيائية ‬الحيوانية‬ ‫‬الفقارية ‬والالفقارية ‬والنباتات ‬الطحلبية‬ ‫‬المتنوعة ‬فــي ‬محيط ‬الــبــحــيــرة ‬ومياهها‬ ‫‬والقنوات ‬والمخازن ‬المائية ‬المغذية ‬لها‪.‬‬ ‫‬ويناقش ‬هذا ‬الكتاب ‬األهمية ‬االقتصادية‬ ‫‬والضغوط‬ ‫‬والبيئية ‬والسياحية ‬للبحيرة‬ ‫فــي هــذا الــكــتــاب‪ ،‬تصنيف ييسّ ر على‬ ‫‬البيئية‬التي‬تتعرض‬لها‬وتأثيرها‬على‬التنوع المطلعين والمهتمين بالتنوع األحيائي‬ ‫‬األحيائي‬بها‬ومن‬حولها‪‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬.‬‬ ‫الــوصــول إلــى المعلومة العلمية المرفقة‬ ‫كما يوثق ‬هذا ‬الكتاب ‬بيانات ‬عن ‬التنوع بالصور المتنوعة للحيوانات التي تتميز بها‬ ‫‬األحيائي ‬لبحيرة ‬دومــة ‬الجندل‪‬ ،‬وهي ‬في بحيرة دومة الجندل بالجوف‪ ،‬ويعد مرجعاً‬ ‫‬معظمها ‬نتاج ‬دراســات ‬بيئية ‬بحثية ‬شارك مه ّماً في مجاله‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪135‬‬


‫الـ ـ ـصـ ـ ـفـ ـ ـح ـ ــة األخـ ـ ـ ـي ـ ـ ــرة‬

‫غواصو األحقاف‬

‫(في العقيق تستبق البنيات عودة الغواصين بالنشيد‪ :‬نطويك يا ذا الشهر طي القراطيس‪ ،‬ذا‬ ‫الليل من الداخل يجون الغواويص)‬ ‫تكتب أمل الفاران روايتها غواصو األحقاف بلغة فائقة العذوبة تأسرك من الصفحات األولى‬ ‫للرواية‪ ،‬لغة تنسجم ببراعة مع أجواء المكان الصحراوي‪ ،‬ومع طبيعة الشخصيات والحكايات (في‬ ‫الوثبة الطويلة سيغطون بركائبهم الجزيرة العربية من جنوب نجد للحسا ومن ميناء العقير‬ ‫للبحرين‪ ،‬ينيخون بالشط أسماءهم بحموالتها‪ ،‬ويعرضون على النواخذة عافيتهم وخبراتهم‬ ‫ليضموهم إلى رحلة الغوص)‪.‬‬ ‫تبدأ الرواية برحيل الرجال نحو مجهول البحر‬ ‫والغوص‪ ،‬وتمضي لتروي صبر النساء وانتظارهن‪،‬‬ ‫تتعاهد أحياء العقيق الثالثة على هدنة يتم خاللها‬ ‫تناسي الثارات المتبادلة‪ ،‬وتوطى مؤقتا صفحات‬ ‫األحقاد‪ ،‬وتصمت طبول الحرب حتى تنقضي أشهر‬ ‫الغوص‪« .‬أخذ أبناء العقيق من أشجار السمر حول‬ ‫واحتهم صبرها‪ ،‬لكنهم أخذوا منها خصلة أخرى‪ ،‬ال‬ ‫تزهر السمرة حتى تسقط أوراقها وعهد أمانهم لم‬ ‫ينسج حتى أكلتهم الحرب»‪.‬‬ ‫أحياء العقيق الثالثة‪ :‬آل هذال وآل فواز وآل بنيان‬ ‫وكلهم أبناء رجل واحد (مانع بن هادي) (غرس نخلة‬ ‫وخط بقية مسكنة الطيني)‪ ..‬يتحاكون قصته بفخر‪،‬‬ ‫وينتسبون إليه باعتزاز‪ ،‬يعقدون مواثيقهم تحت شجرة‬ ‫السمر (منيفة) التي أورثها لهم‪ ،‬أنجب الشقيقين‬ ‫هذال وفواز ثم الثالث غير الشقيق بنيان‪ ،‬من هؤالء‬ ‫كانت الثالثة أفخاذ أو الثالث عشائر‪ ،‬وبين هؤالء‬ ‫ستستعر الصراعات التي تكاد تفنيهم‪ ،‬فال يفرحون‬ ‫بهدنة إال وتعقبها جوالت أخرى من الحروب التي‬ ‫تغذيها الثارات المسكوبة في القصائد وجلسات‬ ‫السمر‪« .‬للرجل من مهده للحده سبعة أوجه وللحرب‬ ‫وجه واحد يلبسونه جميعا»‪« ،‬سحنهم تصطبغ بلون‬ ‫األرواح التي يغامرون بها‪ ،‬بندق شافي على عاتقه‪،‬‬ ‫وفخر أمه به يعكره خوفها عليه»‪.‬‬ ‫ولكن رغم هذا الحضور المؤثر للحرب‪ ،‬فإن‬ ‫الحب وللمفارقة يمضي في خط مواز حيث تنسج‬ ‫* كاتب من السعودية‪.‬‬

‫‪136‬‬

‫‪ρρ‬صالح القرشي*‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫أمل الفاران عوالمها وحياط أبطالها رجاال ونساء‬ ‫بكل صراعاتهم اإلنسانية ونزقهم وشجاعتهم وخوفهم‬ ‫وقوتهم وضعفهم‪ .‬تتقاطع حكايات الحب مع حكايات‬ ‫الحرب وتحضر المرأة كأم وأخت وزوجة وحبيبة؛‬ ‫حياة حقيقية سيشعر بها القارئ ال محالة‪ ،‬تجسد‬ ‫المكان حتى نكاد نشعر بحره وبرده‪ ،‬تحضر الطبيعية‬ ‫أيضا كبطل مواز لكل الشخصيات‪ ،‬البيوت‪ ،‬األشجار‪،‬‬ ‫الرمال‪ ،‬المطر‪ ،‬السيل‪ ،‬الجراد‪ ،‬كما كانت هناك عناية‬ ‫وصفية رائعة للزي الذي ميز رجال الصحراء ونساءها‪،‬‬ ‫كل هذا من خالل حبكة متماسكة وثرية ومثيرة تربط‬ ‫الرواية وتأخذ بزمام القارئ حتى النهاية‪.‬‬ ‫رواية غواصو األحقاف من منشورات دار جداول‬ ‫صدرت في سبتمبر ‪2016‬م‪ ،‬وهي الرواية الثالثة‬ ‫للمؤلفة بعد روايتها األولى الفائزة بجائزة الشارقة‬ ‫(روحها المؤشومة به) ‪2004‬م‪ ،‬وروايتها الثانية‬ ‫(كائنات من طرب) ‪2008‬م‪ ،‬لكن أمل الفاران في‬ ‫(غواصو األحقاف) استطاعت أن تقدم عمال متجاوزا‬ ‫يستحق أن يكون أحد أهم األعمال التي صدرت في‬ ‫السنوات األخيرة‪.‬‬ ‫وليس الهدف هنا تقديم قراءة نقدية لهذه الرواية‬ ‫بأي حال من األحوال فهناك من يحسن هذا خير‬ ‫مني بكثير‪ ،‬لكنه ليس أكثر من إشارة احتفاء برواية‬ ‫تستحق أن يعتني بها القارئ والناقد من وجهة نظري‬ ‫المتواضعة‪.‬‬


‫من إصدارات اجلوبة‬


‫من إصدارات برنامج النشر في‬

‫صدر حديثا‬


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.