56_aljoubah_مجلة_الجوبة

Page 1

‫ •طاهر الزهراني وسحر املكان‬ ‫ •املثاقفة العربية وإشكاالتها‬ ‫ •الفنون التشكيلية يف اجلوف‬ ‫ •حوار مع د‪ .‬عبدالرحمن الشبيلي‬ ‫ •مركز عبدالرحمن السديري الثقايف‪..‬‬ ‫‪ 35‬عاما على تأسيسه‬

‫‪56‬‬


‫برنامـج نشر الدراسات واإلبداعـات األدبية ودعم البحوث والرسائل العلمية‬ ‫يف مركز عبدالرحمن السديري الثقايف‬ ‫‪ -1‬نشر الدراسات واإلبداعات األدبية‬

‫يهتم بالدراسات‪ ،‬واإلبداعات األدبية‪ ،‬ويهدف إلى إخراج أعمال متميزة‪ ،‬وتشجيع حركة‬ ‫اإلبداع األدبي واإلنتاج الفكري وإثرائها بكل ما هو أصيل ومميز‪.‬‬ ‫ويشمل النشر أعمال التأليف والترجمة والتحقيق والتحرير‪.‬‬ ‫مجاالت النشر‪:‬‬ ‫أ ‪ -‬الدراسات التي تتناول منطقة الجوف في أي مجال من المجاالت‪.‬‬ ‫ب‪ -‬اإلبداعات األدبية بأجناسها المختلفة (وفقاً لما هو مب ّين في البند «‪ »٨‬من شروط النشر)‪.‬‬ ‫ج‪ -‬الدراسات األخرى غير المتعلقة بمنطقة الجوف (وفقاً لما هو مب ّين في البند «‪ »٨‬من شروط النشر)‪.‬‬ ‫شروطه‪:‬‬ ‫‪ -١‬أن تتسم الدراسات والبحوث بالموضوعية واألصالة والعمق‪ ،‬وأن تكون موثقة طبقاً للمنهجية‬ ‫العلمية‪.‬‬ ‫‪ -٢‬أن تُكتب المادة بلغة سليمة‪.‬‬ ‫‪ -٣‬أن يُرفق أصل العمل إذا كان مترجماً‪ ،‬وأن يتم الحصول على موافقة صاحب الحق‪.‬‬ ‫‪ -٤‬أن تُق ّدم المادة مطبوعة باستخدام الحاسوب على ورق (‪ )A4‬ويرفق بها قرص ممغنط‪.‬‬ ‫‪ -٥‬أن تكون الصور الفوتوغرافية واللوحات واألشكال التوضيحية المرفقة بالمادة جيدة ومناسبة‬ ‫للنشر‪.‬‬ ‫‪ -٦‬إذا كان العمل إبداعاً أدبياً فيجب أن يتّسم بالتم ّيز الفني وأن يكون مكتوباً بلغة عربية‬ ‫فصيحة‪.‬‬ ‫‪ -٧‬أن يكون حجم المادة ‪ -‬وفقاً للشكل الذي ستصدر فيه ‪ -‬على النحو اآلتي‪:‬‬ ‫ الكتب‪ :‬ال تقل عن مئة صفحة بالمقاس المذكور‪.‬‬‫ البحوث التي تنشر ضمن مجالت محكمة يصدرها المركز‪ :‬تخضع لقواعد النشر في‬‫تلك المجالت‪.‬‬ ‫ الكتيبات‪ :‬ال تزيد على مئة صفحة‪( .‬تحتوي الصفحة على «‪ »250‬كلمة تقريباً)‪.‬‬‫‪ -٨‬فيما يتعلق بالبند (ب) من مجاالت النشر‪ ،‬فيشمل األعمال المقدمة من أبناء وبنات‬ ‫منطقة الجوف‪ ،‬إضافة إلى المقيمين فيها لمدة ال تقل عن عام‪ ،‬أما ما يتعلق بالبند (ج)‬ ‫فيشترط أن يكون الكاتب من أبناء أو بنات المنطقة فقط‪.‬‬ ‫‪ -٩‬يمنح المركز صاحب العمل الفكري نسخاً مجانية من العمل بعد إصداره‪ ،‬إضافة إلى‬ ‫مكافأة مالية مناسبة‪.‬‬ ‫‪ -١٠‬تخضع المواد المقدمة للتحكيم‪.‬‬


‫‪ -2‬دعم البحوث والرسائل العلمية‬

‫يهتم بدعم مشاريع البحوث والرسائل العلمية والدراسات املتعلقة مبنطقة اجلوف‪،‬‬ ‫ويهدف إلى تشجيع الباحثني على طرق أبواب علمية بحثية جديدة يف معاجلاتها وأفكارها‪.‬‬ ‫(أ) الشروط العامة‪:‬‬ ‫‪ -١‬يشمل الدعم املالي البحوث األكادميية والرسائل العلمية املقدمة إلى اجلامعات‬ ‫واملراكز البحثية والعلمية‪ ،‬كما يشمل البحوث الفردية‪ ،‬وتلك املرتبطة مبؤسسات غير‬ ‫أكادميية‪.‬‬ ‫‪ -٢‬يجب أن يكون موضوع البحث أو الرسالة متعلقاً مبنطقة اجلوف‪.‬‬ ‫‪ -٣‬يجب أن يكون موضوع البحث أو الرسالة جديداً يف فكرته ومعاجلته‪.‬‬ ‫‪ -٤‬أن ال يتقدم الباحث أو الدارس مبشروع بحث قد فرغ منه‪.‬‬ ‫‪ -٥‬يقدم الباحث طلباً للدعم مرفقاً به خطة البحث‪.‬‬ ‫‪ -٦‬تخضع مقترحات املشاريع إلى تقومي علمي‪.‬‬ ‫‪ -٧‬للمركز حق حتديد السقف األدنى واألعلى للتمويل‪.‬‬ ‫‪ -٨‬ال يحق للباحث بعد املوافقة على التمويل إجراء تعديالت جذرية تؤدي إلى تغيير‬ ‫وجهة املوضوع إال بعد الرجوع للمركز‪.‬‬ ‫‪ -٩‬يقدم الباحث نسخة من السيرة الذاتية‪.‬‬ ‫(ب) الشروط اخلاصة بالبحوث‪:‬‬ ‫‪ -١‬يلتزم الباحث بكل ما جاء يف الشروط العامة(البند «أ»)‪.‬‬ ‫‪ -٢‬يشمل املقترح ما يلي‪:‬‬ ‫ توصيف مشروع البحث‪ ،‬ويشمل موضوع البحث وأهدافه‪ ،‬خطة العمل ومراحله‪،‬‬‫واملدة املطلوبة إلجناز العمل‪.‬‬ ‫ ميزانية تفصيلية متوافقة مع متطلبات املشروع‪ ،‬تشمل األجهزة واملستلزمات‬‫املطلوبة‪ ،‬مصاريف السفر والتنقل والسكن واإلعاشة‪ ،‬املشاركني يف البحث من‬ ‫طالب ومساعدين وفنيني‪ ،‬مصاريف إدخال البيانات ومعاجلة املعلومات والطباعة‪.‬‬ ‫ حتديد ما إذا كان البحث مدعوماً كذلك من جهة أخرى‪.‬‬‫(ج) الشروط اخلاصة بالرسائل العلمية‪:‬‬ ‫إضافة لكل ما ورد يف الشروط اخلاصة بالبحوث(البند «بـ«) يلتزم الباحث مبا يلي‪:‬‬ ‫‪ -١‬أن يكون موضوع الرسالة وخطتها قد أق ّرا من اجلهة األكادميية‪ ،‬ويرفق ما يثبت ذلك‪.‬‬ ‫‪ -٢‬أن يُق ّدم توصية من املشرف على الرسالة عن مدى مالءمة خطة العمل‪.‬‬ ‫هاتف‪ 014 6245992 :‬فاكس‪014 6247780 :‬‬ ‫الجـوف ‪ 42421‬ص‪ .‬ب ‪ 458‬‬ ‫هاتف‪ 016 4422497 :‬فاكس‪016 4421307 :‬‬ ‫الغ ـ ـ ــاط ‪ 11914‬ص‪.‬ب ‪ 63‬‬ ‫الرياض ‪ 11614‬ص‪ .‬ب ‪ 94781‬هاتف‪ 011 2817094 :‬فاكس‪011 2811357 :‬‬

‫‪info@alsudairy.org.sa‬‬ ‫‪www.alsudairy.org.sa‬‬


‫مجلس إدارة مؤسسة عبدالرحمن السديري‬

‫ملف ثقايف ربع �سنوي ي�صدر عن‬ ‫مركز عبدالرحمن السديري الثقافي‬ ‫هيئة النشر ودعم األبحاث‬

‫رئي�س ًا‬ ‫ع�ضو ًا‬ ‫ع�ضو ًا‬ ‫ع�ضو ًا‬

‫د‪ .‬عبدالواحد بن خالد الحميد ‬ ‫د‪ .‬خليل بن �إبراهيم المعيقل ‬ ‫د‪ .‬ميجان بن ح�سين الرويلي ‬ ‫محمد بن �أحمد الرا�شد ‬

‫رئي�س ًا‬ ‫في�صل بن عبدالرحمن ال�سديري ‬ ‫ع�ضو ًا‬ ‫�سلطان بن عبدالرحمن ال�سديري ‬ ‫زياد بن عبدالرحمن ال�سديري الع�ضو المنتدب‬ ‫ع�ضو ًا‬ ‫عبدالعزيز بن عبدالرحمن ال�سديري ‬ ‫ع�ضو ًا‬ ‫�سلمان بن عبدالرحمن ال�سديري ‬ ‫ع�ضو ًا‬ ‫د‪ .‬عبدالرحمن بن �صالح ال�شبيلي ‬ ‫ع�ضو ًا‬ ‫د‪ .‬عبدالواحد بن خالد الحميد ‬ ‫�سلمان بن عبدالمح�سن بن محمد ال�سدير ي ع�ضو ًا‬ ‫طارق بن زياد بن عبدالرحمن ال�سديري ع�ضو ًا‬ ‫�سلطان بن في�صل بن عبدالرحمن ال�سديري ع�ضو ًا‬ ‫ع�ضو ًا‬ ‫د‪ .‬م�شاعل بنت عبدالمح�سن ال�سديري ‬

‫املشرف العام‪� :‬إبراهيم بن مو�سى احلميد‬ ‫أسرة التحرير‪ :‬حممود الرحمي ‬ ‫�سكرترياً ‪� -1‬أن تكون املادة �أ�صيلة‪.‬‬ ‫حممد �صوانة ‬ ‫ ‬ ‫حمرراً ‪ -2‬مل ي�سبق ن�شرها ورقياً �أو رقمياً‪.‬‬ ‫�إخـــراج فني‪ :‬خالد الدعا�س‬ ‫‪ -3‬تراعي اجلدية واملو�ضوعية‪.‬‬ ‫قواعد النشر‬

‫املراســــــالت‪ :‬هاتف‪)+966()14(6263455 :‬‬ ‫فاك�س‪)+966()14(6247780 :‬‬ ‫ ‬ ‫�ص‪ .‬ب ‪� 458‬سكاكا اجلـوف ‪ -‬اململكة العربية ال�سعودية‬ ‫‪www.alsudairy.org.sa‬‬ ‫‪aljoubahmag@alsudairy.org.sa‬‬

‫ردمد ‪ISSN 1319 - 2566‬‬ ‫سعر النسخة ‪ 8‬رياالت ‪ -‬تطلب من الشركة الوطنية للتوزيع‬ ‫االشتراك السنوي لألفراد ‪ 50‬ريا ًال واملؤسسات ‪ 60‬ريا ًال‬

‫‪ -4‬تخ�ضع املواد للمراجعة والتحكيم قبل ن�شرها‪.‬‬ ‫‪ -5‬ترتيب املواد يف العدد يخ�ضع العتبارات فنية‪.‬‬ ‫‪ -6‬ترحب اجلوبة ب�إ�سهامات املبدعني والباحثني‬ ‫والك ّتاب‪ ،‬على �أن تكون املادة باللغة العربية‪.‬‬ ‫«اجلوبة» من الأ�سماء التي كانت ُتطلق على منطقة اجلوف �سابقاً‪.‬‬

‫املقاالت املن�شورة ال تعرب بال�ضرورة عن ر�أي املجلة والنا�شر‪.‬‬

‫ُيعنى بالثقافة من خالل مكتباته العامة يف اجلوف والغاط‪ ،‬ويقيم املنا�شط املنربية الثفافية‪ ،‬ويتب ّني‬ ‫برناجم ًا للن�شر ودعم الأبحاث والدرا�سات‪ ،‬ويخدم الباحثني وامل�ؤلفني‪ ،‬وت�صدر عنه جملة (�أدوماتو)‬ ‫املتخ�ص�صة ب�آثار الوطن العربي‪ ،‬وجملة (اجلوبة) الثقافية‪ ،‬وي�ضم املركز ك ًال من‪( :‬دار العلوم) مبدينة‬ ‫�سكاكا‪ ،‬و(دار الرحمانية) مبحافظة الغاط‪ ،‬ويف كل منهما ق�سم للرجال و�آخر للن�ساء‪ .‬وت�صرف على‬ ‫املركز م�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري اخلريية‪.‬‬ ‫‪www. alsudairy. org. sa‬‬


‫العدد ‪ - 56‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪64.............................‬‬ ‫حوار مع الدكتور‬ ‫عبدالرحمن بن صالح الشبيلي‬

‫‪96........................‬‬ ‫مركز عبدالرحمن السديري‬ ‫الثقايف‪ 35 ..‬عاما على تأسيسه‬

‫‪126............................‬‬ ‫قراءة يف‬ ‫واقع الفنون التشكيلية‬ ‫يف منطقة اجلوف‬

‫الـمحتويــــات‬ ‫االفتتاحية‪ ..‬إبراهيم الحميد ‪4 ...............................................‬‬ ‫دراس��ات‪ :‬طاهر الزهراني يكتب‪ ..‬سحر المكان المخدوش باإلنسان ‪-‬‬ ‫عبداهلل السفر ‪6 ............................................................‬‬ ‫المفارقة والمعلوماتية في حافة الكوثر ‪ -‬محمد ناصف ‪10 ................‬‬ ‫فاعلية العنونة وحسَّ اسيَّة حضورها في قصيدة (وحدي) للشاعرة (مالك‬ ‫الخالدي) ‪ -‬د‪ .‬حمد الدُّوخي ‪15 ..........................................‬‬ ‫صورة سقراط بين أريستوفان وأحمد عتمان ‪ -‬صالح المطيري ‪19 ........‬‬ ‫قراءة نقدية في مجموعة (اعتذار قبل الموت) ‪ -‬د‪ .‬صالح الثبيتي ‪30 .....‬‬ ‫رواية «أبناء األدهم» لجبير المليحان الواقعية السحرية بنكهة عربية ‪-‬‬ ‫هشام بن الشاوي ‪34 .......................................................‬‬ ‫المرأة في شعر طاهر زمخشري ‪ -‬هيفاء البصراوي ‪37 ....................‬‬ ‫قصص قصيرة‪ :‬الدنيا بخير ‪ -‬خالد النهيدي‪39 .............................‬‬ ‫جشع ‪ -‬حليمة الفرجي ‪40 ...................................................‬‬ ‫هذيان ‪ -‬أيمن دراوشة‪42 ....................................................‬‬ ‫نصوص قصصية ‪ -‬عيسى مشعوف األلمعي‪43 .............................‬‬ ‫قصص قصيرة جدا ‪ -‬محمد المبارك ‪44 ...................................‬‬ ‫مـنــــــــام ‪ -‬صالح القرشي ‪45 ................................................‬‬ ‫خلـــــوة ‪ -‬بوشعيب عطران‪46 ................................................‬‬ ‫قصتان قصيرتان ‪ -‬مريم الحسن ‪47 ........................................‬‬ ‫وجدانيات‪ :‬هذيان ‪ -‬أمنية طالل الطالب‪48 .................................‬‬ ‫شعر‪ :‬ذرِ األماسيَ ‪ -‬د‪ .‬عبدالهادي الصالح ‪50 ................................‬‬ ‫‪ .‬وطـــن النـــــور ‪ -‬حمود الشريف ‪51 ..........................................‬‬ ‫غادتي ‪ -‬خلف عناد الشافي‪52 ..............................................‬‬ ‫روحي سأعصرها ‪ -‬محمد حيدر مثمي ‪53 .................................‬‬ ‫ِ‬ ‫ُضبانِ أَطُ ـوف ‪ -‬رشيد سوسان‪54 ....................................‬‬ ‫بَيْ َن الْق ْ‬ ‫الشرفة النائمة ‪ -‬نجوى عبداهلل ‪56 .........................................‬‬ ‫أغنية لحبيبي ‪ -‬تركية العمري ‪57 ...........................................‬‬ ‫إلى محمود درويش ‪ -‬محمد بدر الدين البدري‪58 ..........................‬‬ ‫أيها الليل أجبْ ‪ -‬حامد أبو طلعة ‪59 ........................................‬‬ ‫وَحْدي سَأفْتَحُ البَاب ‪ -‬سمية عبداهلل‪60 ....................................‬‬ ‫ترجمة‪« :‬األب» قصة قصيرة ‪ -‬ترجمة‪ :‬راضي النماصي‪61 .................‬‬ ‫مواجهات‪ :‬حوار مع د‪ .‬عبدالرحمن الشبيلي ‪ -‬حاورته‪ :‬هدى الدغفق ‪64 ...‬‬ ‫حوار مع الشاعر السعودي محمد الحمد ‪ -‬حاوره‪ :‬عبداهلل الزمّاي ‪72 ....‬‬ ‫حوار مع د‪ .‬أسماء الزهراني ‪ -‬حاورها‪ :‬عمر بوقاسم‪79 ...................‬‬ ‫حوار مع الباحث والناقد مــراد مبــــروك ‪ -‬حاورته‪ :‬هالة القاهرة‪85 .......‬‬ ‫سيرة وإنجاز‪ :‬األديبة مالك محمد اللحيد الخالدي ‪94 ......................‬‬ ‫نوافذ‪ :‬مركز عبدالرحمن السديري الثقافي‪ 35 :‬عاما على تأسيسه ‪96 .....‬‬ ‫الطبيعة تحتفي بم ْقدَم الربيع ‪ -‬راكان بصير الرويلي ‪108 ....................‬‬ ‫واقع المثاقفة العربية وإشكاالتها ‪ -‬إعداد‪ :‬نوّارة لحرش ‪113 ................‬‬ ‫مكتبة الكونجرس العربية ‪ -‬مرسي طاهر‪121 ................................‬‬ ‫فنون‪ :‬قراءة في واقع الفنون التشكيلية في الجوف ‪ -‬غازي الملحم ‪126 ......‬‬ ‫جمالية التماسك بين اللوح والحرف والخامات الطبيعية ‪ -‬إبراهيم الحجري‪134 ...‬‬ ‫قراءات ‪139 ....................................................................‬‬

‫لوحة الغالف‪ :‬لوحة للفنانة السعودية التشكيلية بشرى السيد‪.‬‬


‫افتتاحية‬ ‫ال�����ع�����دد‬ ‫■ إبراهيم بن موسى احلميد‬

‫بين غواية القصة ولغتها‪ ،‬وبين القصيدة وولعها‪ ،‬تتجاور نصوص‬ ‫ال من الزهور الملونة؛ صفراء‪ ،‬وحمراء‪،‬‬ ‫الشعر والسرد‪ ،‬مشكِّل ًة حق ً‬ ‫وبيضاء‪ ..‬مُعبّرة عن مشاعر شتّى‪ ،‬نستضيء ألقها في صفحات هذا‬ ‫العدد‪.‬‬ ‫تتنازع النصوص الشعرية على مفردات‪ ،‬مثل‪ :‬وطن النور‪ ،‬أيها الليل‬ ‫أجب‪ ،‬غادتي‪ ،‬بين القضبان أط��وف‪ ،‬أغنية لحبيبي‪ ،‬الشرفة النائمة‪،‬‬ ‫هذيان‪ ،‬إلى محمود درويش‪ ،‬وحدي سأفتح الباب‪..‬‬ ‫نصوصا تُراوح بين الدنيا بخير‪ ،‬جشع‪ ،‬خلوة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫َص‪ ،‬نجد‬ ‫في غواية الق ِّ‬ ‫حرية‪ ،‬ماضي‪ ،‬رائحة‪ ،‬موطن‪ ،‬وحدة‪ ،‬مالذ‪ ،‬دفء‪ ،‬طريق الحسناوات‪،‬‬ ‫مشاعر‪ ،‬أمير‪ ،‬خلود‪ ،‬سفر‪ ،‬حرمان‪ ،‬منام‪ ،‬هذيان‪ ،‬أجنحة البياض‪ ،‬عبث‪.‬‬ ‫من مكوّنات القصص الحكايات التي تعبر عن تجارب ال ُكتّاب‪ ،‬بعضها‬ ‫ال بلغة مضيئة‪ ،‬وبعضها جاء بلغة باذخة ممتزجة‬ ‫جاء بصورة سريعة‪ ،‬مح ّم ً‬ ‫وسرد ومعرفة‪ ،‬وبما تنهل هذه‬ ‫ٍ‬ ‫لغة‬ ‫بإغناء النص بما تيسّ ر للكاتب من ٍ‬ ‫التجارب من مصادر غنيّة قد تتمثل في القراءة الواسعة‪ ،‬والتخصص في‬ ‫هذا اللون الذي يسم ‪-‬غالبًا‪ -‬نصوص الكاتب هذا أو ذاك‪.‬‬

‫‪4‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫اف����������������ت����������������ت����������������اح����������������ي����������������ة‬

‫في بعض النصوص‪ ،‬نستشرف مَيل القصة إل��ى االعتناء برمزية‬ ‫السرد‪ ،‬وتقليب حدود النص‪ ،‬ليصل القارئ إلى مبتغاه؛ وهنا نكتشف‬ ‫تعدّد التجارب القصصية‪ ..‬ليس فقط على مستوى التجارب بل في‬ ‫بنية القص‪ ،‬وما يجمع بينها هو بنية الحاضر‪ ،‬والتجريب؛ ولهذا جاءت‬ ‫النصوص السردية مختلفة بقدر تعدد ألوان القص‪ ،‬بين القصة القصيرة‬ ‫والقصيرة جدا‪ ..‬ولعل اإلشكالية الحقيقية هي محاولة اللحاق بالعصر‬ ‫السريع الذي يسير بسرعة ال تستطيع معها مواكبة النص له‪ ،‬وما على‬ ‫الكاتب إال أن يبذل قصارى جهده ألن يعتمد على الصبر وركوب القطار‬ ‫التالي ال��ذي يصل في الوقت المناسب‪ ،‬ال ذلك ال��ذي يبلغ غايته في‬ ‫منتصف الليل‪.‬‬ ‫من جهة أخ��رى‪ ،‬قد يعتقد بعض النقاد أن الغموض صفة جيدة‬ ‫للشعر! ولكن‪ ،‬مَن قال إن الغموض سمة من سمات الشعر أو ركيزة له؟‬ ‫فالقصيدة يمكنها أن تصل إلى منتهاها إذا استوفت معمارها‪ ،‬مشبعة‬ ‫بالدالالت واللغة الباذخة‪ ،‬مهما تعددت متاهات التأويل التي يواجهها‬ ‫النص أو الشاعر؛ ولهذا جاءت النصوص الشعرية متنوعة بين القصيدة‬ ‫العمودية والتفعيلة وقصيدة النثر؛ معبرة عن ثراء القصيدة وتنوّعها‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪5‬‬


‫طاهر الزهراني يكتب‪..‬‬ ‫سحر المكان المخدوش باإلنسان‬ ‫‪ρρ‬عبداهلل السفر*‬

‫إذا كانت مدينة جدّ ة بالنسبة إلى الروائي طاهر الزهراني هي مسقط الرأس‪،‬‬ ‫ومكان النشأة والدراسة؛ فإن الجنوب هو مهوى القلب‪ ،‬وموطن الجذور‪ ،‬وموئل‬ ‫كتاب واحد‪.‬‬ ‫والحكايات التي ال يحيط بها ٌ‬ ‫ِ‬ ‫الذاكرة‪،‬‬ ‫في العام ‪2010‬م‪ ،‬صدرت له رواية «نحو الجنوب»‪ ،‬عن دار طوى للنشر واإلعالم‬ ‫والثقافة‪ .‬وفي العام ‪2017‬م صدرت له رواية «الفيومي» عن دار منشورات ضفاف‪.‬‬ ‫الكتابان كالهما عن الجنوب‪ ،‬ونقطة إلى الجنوب؛ لتجاوز معضلته الدراسية‬

‫االن��ط�لاق ومحطّ ة الرحيل نحوه هي في المرحلة الثانوية‪ ،‬والشفاء من حبّ‬

‫ٍ‬ ‫مدينة ج�� ّدة‪،‬‬ ‫ألسباب تختلف دواعيها الجميلة‪ ،‬الجارة الجديدة التي ليست‬ ‫ع��ن��د ب��طَ ��لَ��ي ال��ع��م��ل��يْ��ن؛ تختلف عند من دماء القبيلة‪ ،‬وإقامة اعوجاج لسانه‬

‫رحلة‬ ‫«زهران» في «نحو الجنوب»‪ ،‬عنها عند باللهجة الحجازية‪ .‬فهو يُحمل في ٍ‬

‫«عطية» في «الفيومي»‪ .‬من األسباب أشبه ما تكون بالنفي! أمّ��ا عطية في‬

‫الخارجية وال��دفْ��ع م��ن اآلخ��ري��ن‪ ،‬إلى الرواية الثانية‪ ،‬فهو يذهب إلى هناك‬

‫ّ‬ ‫األسباب الداخلية والجاذبية‬ ‫رغبة وإرادة والتحاقاً‬ ‫ٍ‬ ‫الخاصة طواعيةً‪ ،‬وع��ن‬ ‫لمكان ال��ذاك��رة وال��ج��ذور‪ .‬زه��ران في صريحاً بالجذور‪ ،‬بعيداً عن البحر الذي‬

‫‪6‬‬

‫الرواية األولى يُحمَل ح ْمالً‪ ،‬ودون رغبته ال يحبّه‪ ،‬والتحاماً بالجبال‪ ،‬وما تمثّله له‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫وجالل وأبديّة‪« :‬للجبل في روحه‬ ‫ٍ‬ ‫جمال‬ ‫ٍ‬ ‫من‬ ‫حضو ٌر مهيب‪ ،‬ال يزداد مع األيام إال رسوخاً‬ ‫وت��م��دّداً في س��رّه؛ لهذا‪ ،‬ال زال��ت في عنقه‬ ‫عُمرة معلّقة‪ ،‬بعد أن شاهد البش َر يدكّون‬ ‫جبال مكّة‪ ،‬فلم يطق صبراً‪ ،‬فكيف يقومون‬ ‫دك الجبال‪ ،‬فعاد أدراجه دون‬ ‫مقام الرب في ّ‬ ‫إكمال النسك ـ الفيومي‪ ،‬ص ‪ .»33 /32‬ال‬ ‫يذهب عطية بقدر ما هو عائد إلى فضاء‬ ‫الحرية الذي لم يجده في العسكرية ـ حرس‬ ‫الحدود ـ برغم بروزه قنّاصاً ماهرا شهدت‬ ‫ل��ه ب��ذل��ك م��ع��ارك جبل ال��دخ��ان ف��ي العام‬ ‫‪2009‬م‪ ..‬ول��م يجده ـ أيضا ـ في مستودع‬ ‫البضائع التجارية الذي التحق به عقب تركه‬ ‫العسكرية؛ فشتّان بين حمْل كرتون الفوط الفظ الخشن المكشوف ال��ذي ال ي��واري؛‬ ‫النسائية وبين حمْل صندوق الذخيرة!! كال معجم يطابق بينه وب��ي��ن ال��ح��ي��اة اليومية‬ ‫الوظيفتين ضاقت بهما روحه‪ ،‬ولم يكن له‬ ‫من مخرج إال جبال الجنوب‪.‬‬

‫بعفوية وبال خجل‪ .‬بمعنى أن إقامة زهران‬ ‫في الجنوب متوتّرة بين عالمين‪ ،‬وإ ْن كانت‬ ‫الغلبة ‪-‬بعد مضيّ أحداث الرواية‪ -‬للمكان‬

‫نحو مغاير‪ ،‬نجد شخصية‬ ‫يتوجّ ه زه��ران إلى الجنوب صحبة أبيه الجديد‪ .‬وعلى ٍ‬ ‫ال��ذي يدعه ه��ن��اك‪ ،‬ع��ائ��داً إل��ى ج��دة‪ ،‬في ع��ط��ي��ة ف��ي «ال��ف��ي��وم��ي»‪ .‬ف��ال��م��دي��ن��ة غير‬

‫عهدة الجد يأخذ بيده نحو درس القرية؛ ح��اض��رة وال تضغط‪ ،‬ب��ل ه��و ه���اربٌ منها‪.‬‬ ‫درس الجنوب ومن الصفر تماماً‪ ..‬مصافحة الجنوب ليس مكاناً للدرس أو االكتشاف‬

‫األرض حافياً ب��دون ح��ذاء‪ ،‬رع��ي األغنام‪ ،‬أو التوتر بين وضعين وحالين‪ .‬الجنوب عند‬ ‫الرمي بمختلف األسلحة‪ ،‬القنص‪ ،‬زراع��ة عطية فضاءٌ للروح‪ ،‬وميدان لتحقيق الهوية‬

‫األرض وحراثتها‪ ..‬الجد يفتح أمام زهران بأبعادها التاريخية واالجتماعية‪ ،‬ومجا ٌل‬ ‫كتاب الجنوب ويعلّمه قراءة الطبيعة‪ .‬وفيما خصب الستئناف الحياة ـ المفقودة في‬ ‫هو يتلقّى الدرس ويكتشف ويكتسب؛ فإنه ما جدة ـ والمرتبطة بالطبيعة ارتباطا تا ّماً‪،‬‬

‫يزال مسكونا بروح «حارة النزلة» الجداوية متجل ّي ًة ف��ي راب���ط التسمية ال���ذي يجمع‬

‫وبقاموسها االجتماعي‪ ،‬وبمعجمها اللفظي اإلنسان بالحيوان باألرض باألشياء‪ .‬االسم‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪7‬‬


‫نو ٌع من التواصل الفريد‪ ،‬حياةٌ تتجدّد‪ ،‬ألوا ٌن‬ ‫تنتشر‪ ،‬ط��ي��و ٌر ودوابّ تقتات‪ ،‬ص ‪.»102‬‬ ‫عطيه هنا في أرض��ه‪ .‬يذهب إليها عارفاً‬ ‫جاهزا لتلقّي أعطياتها وهباتها‪ ،‬ولتجديد‬ ‫حياته في رحاب المكان؛ إحالل عالم ِبك ٍْر‬ ‫��وس غمساً ف��ي الطبيعة‪.‬‬ ‫ف��ي ذات���ه‪ ،‬وم��غ��م ٍ‬ ‫بشكل إبداعيّ‬ ‫ٍ‬ ‫وه��ذا ما أب��ا َن عنه الروائي‬ ‫وخلق؛ إ ْذ تتحوّل الكلمات إلى صور متحرّكة‬ ‫ومشاهد ريّانة؛ جماالً وشعر ّيةً‪ ..‬مشاهد‬ ‫الروائي طاهر الزهراني‬

‫سينمائية‪ ،‬خلفَها عي ٌن تعرف كيف تلتقط‬ ‫وتركّز مجال النظر فتصنع التأثير‪« :‬النسر‬

‫ويؤنسن‪ ،‬وتنشأ معه عالقة حميمة‪ ،‬المحلّق يرصد المشهد في الشِّ عْب الكبير‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫يجمع‬ ‫ال يحمل أنثى‪ ،‬يقفز‬ ‫حيث ال َّنفَس اإلنساني ممت ّد بين الجميع؛ وبين الشجر يشاهد رج ً‬ ‫واح��د ّي��ة في ص��ورة جامعة ي��ت��ردّد صداها على الصخور بخفّة دون أن تتزحزح من‬ ‫بين الجبال‪ ...« :‬مع هذه المسميّات تصبح فوقه‪ ،‬يراقب النسر منديلها األحمر وهو‬

‫��ات ح�� ّي��ة ت��رت��ع��ش‪ ،‬في ينحسر عن شعرها‪ .‬حرّرتْ شعرَها للنسيم‪،‬‬ ‫ال��ج��م��ادات م��خ��ل��وق ٍ‬ ‫الجبل أن��ت لست وح���دك ـ الفيومي‪ ،‬ص تحرّك يديها كأنها ترغب في الطيران‪ ،‬يقرّر‬

‫‪ .»57‬ويمكن لي هنا أن أستعير من عالم النسر أن يترك المشهد العابث‪ ،‬يحرف‬ ‫وضع جناحه نحو الجبال ـ الفيومي‪ ،‬ص ‪.»141‬‬ ‫المتصوّفة مصطلحين‪ ،‬يشيران إلى ْ‬ ‫الشخصيتين؛ زه���ران ف��ي «نحو الجنوب» وبالتداعي واالستطراد عن السينما‪ ،‬تذكِّر‬ ‫وعطية في «الفيومي»‪ .‬المصطلحان هما الجدّة فاطمة «الفيومية» بشخصية عائشة‬ ‫التخلية والتحلية‪ .‬على لسان زه��ران نقرأ التي قامت بدورها الفنانة فاتن حمامة في‬ ‫«مكامن الجمال في قريتي ال تُرَى إال بتأم ٍّل فيلم المخرج خيري بشارة «ي��وم مر ويوم‬ ‫شاق ـ نحو الجنوب‪ ،‬ص ‪ .»79‬التأمّل الشاق حلو»‪ ،‬حيث التربية وتمرير الدروس والعبر ـ‬ ‫هو درس الجد الذي اكتسبه بصعوبة وعنت‪ ،‬في جانب منها ـ باألمثال والحكايات وقنص‬ ‫والذي اقتضى منه مجاهدة كبيرة ليقترب دالالتها وتوظيفها في مسار العمل‪.‬‬ ‫من المكان ومن روحه‪ .‬وفي «الفيومي» نقرأ‪:‬‬

‫‪8‬‬

‫إن المكان بجماله ال��خ�ّل�اّ ب‪ ،‬وحضوره‬

‫«األرض ذلك المكان‪ ،‬ميثا ٌق عظي ٌم بالمكان‪ ،‬المهيب‪ ،‬إ ْن في اكتشافه من قبل زهران‪ ،‬أو‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫استعادته واستئناف عيشه من قبل عطيه؛‬ ‫ليس هو ك�� ّل الحكاية‪ .‬ثمّة ما يفدح بهذا‬ ‫الجمال‪ ،‬ويشوّهه‪ ،‬ويكسره كسْ راً‪ .‬الرابطة‬ ‫الحميمة التي تجمع اإلن��س��ان بالطبيعة‪،‬‬ ‫ليست بالسويّة ذاتها بين اإلنسان واإلنسان‪.‬‬ ‫بين اإلن��س��ان وقريبه‪ .‬بين اإلن��س��ان ودم��ه‬ ‫ولحمه‪ .‬ف��ي «نحو ال��ج��ن��وب» يتقاتل وال��د‬ ‫زهران مع الخال بسبب اعتداء األخير على‬ ‫األرض «البالد» وطمعه في حيازتها إليه‪،‬‬ ‫وتكاد تقع مذبحة بين أبناء البيتين‪ .‬وفي‬ ‫«الفيومي» يقتل عطيه هيّاس ـ أخ زوجته‬ ‫وشيخ القبيلة ـ الذي أراد أن يسلبه األرض‪،‬‬ ‫بمؤامرة إدخالها إل��ى الطريق ال��ع��ام‪ ،‬بعد‬ ‫أن سلبه زوجته ـ غالية ـ بحجّ ة عدم كفاءة‬ ‫النسب «مانت بكفو تتزوج أختي‪ ،‬ص ‪»95‬‬ ‫وأيّ��د القاضي فسخ عقد ال���زواج‪ .‬وحادثة‬ ‫قتل هيّاس لم تكن إال تتويجاً لسلسلة من‬ ‫الحلقات المتتابعة التي قام بها ـ هيّاس ـ‬ ‫للتضييق على عطيه ومحوه من المكان ومن‬ ‫ال��ذاك��رة؛ بتجريفه من األرض‪ .‬فقد سلّط‬ ‫أتباعه لتسميم ماشيته وحرق خاليا النحل‬ ‫خاصته‪ ،‬وإغراق أرضه بالديزل‪ ،‬وقتْل كلبه‬ ‫ّ‬ ‫غنّام‪ ،‬والوشاية به كذبًا على أنّ له عالقة‬ ‫باإلرهابيين‪.‬‬

‫عطية‪ ،‬عندما ج��ن��دل ه��يّ��اس‪ ،‬ف�� َّر إلى‬ ‫وتحصن بها‪ ،‬لكن ال��ق��وّة األمنية‬ ‫ّ‬ ‫الجبال‬ ‫ح��اص��رت��ه‪ ،‬وأس��ق��ط��ت��ه م��ت��خ�� ّب��ط��اً ف��ي دم��ه‬ ‫وهذيانه عن «الجبال» التي يتبدّى عُسْ ُر‬ ‫نوالها وشدّة استعصائها‪.‬‬ ‫‪« ...‬الجبال» التي يذهبون جميعا عنها‪،‬‬ ‫وتبقى هي الشاهدة على فظاظة اإلنسان‪،‬‬ ‫خبيثة ال تعمل إال على حجْ ز‬ ‫ٍ‬ ‫وعلى نوايا‬ ‫أوهام تحرّكها المصلحة‬ ‫ٍ‬ ‫اإلنسان في مستنقع‬

‫ما ال يصمد‪ .‬ما ينهدم؛ ال يساعد على وقتَ تشاء‪ .‬تظ ّل الجبال في مكانها وثباتها‬ ‫البقاء‪ .‬يهيّ ء ظروف الهزيمة واالنسحاب‪.‬‬ ‫وعلى عهدها‪ .‬أمّا اإلنسان فهو في أرجوحة‬ ‫��رات‬ ‫زهران يعود إلى جدّة مغادرا مكاناً بات غير ثابتة تقرّبه م��رّة من الجبال‪ ،‬وم ٍ‬ ‫غريباً عليه‪.‬‬ ‫تبعده عنها!‬ ‫* كاتب من السعودية‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪9‬‬


‫المفارقة والمعلوماتية‬ ‫في حافة الكوثر‬ ‫‪ρρ‬محمد عبداحلافظ ناصف*‬

‫علي ع��ط��ا‪ ،‬ش��اع��ر وك��ات��ب صحفي م��ص��ري‪ ،‬يتولى مسئولية القسم الثقافي‬ ‫بوكالة أنباء الشرق األوسط وجريدة الحياة؛ فهل للشعر والكتابة الصحفية أثر‬ ‫في رائحة السرد ال��ذي أنتج روايته األخيرة؟ صدر له ثالثة دواوي��ن شعرية هي؛‬ ‫«على سبيل التمويه» عام ‪2001‬م‪ ،‬و«ظهرها إلى الحائط» عام ‪2007‬م‪ ،‬و«تمارين‬ ‫الصطياد فريسة» عام ‪2013‬م‪ ،‬ورواية أخيرة بعنوان «حافة الكوثر»‪.‬‬ ‫حين تطالع عنوان الرواية الصادرة عن ال��دار المصرية اللبنانية‪ ،‬سيأخذك‬ ‫حتما إل��ى أف��ك��ار ق��د تكون مختلفة كثيرا ع��ن المتن؛ فالكوثر ‪-‬كما تقول كتب‬ ‫التفاسير المختلفة‪ -‬نهر في الجنة‪ ،‬بياضه أشد من بياض اللبن والثلج‪ ،‬وطعمه‬ ‫أحلى من العسل‪ ،‬وحافتاه من الذهب واللؤلؤ‪ ،‬وحوله أكواب أكثر من عدد النجوم‪.‬‬ ‫ولكنك تفاجأ أن هذا الكوثر ‪ -‬النهر‪ -‬مصحة في المعادى بمصر‪ ،‬لعالج المرضى‬ ‫النفسيين الذين يعانون ويتألمون‪ ،‬وهم من كل طبقات الشعب وفئاته؛ أطباء‪،‬‬ ‫وضباط‪ ،‬وقضاة‪ ،‬وأدب��اء‪ ،‬ومعلمون‪ ،‬ومهندسون‪ ،‬وط�لاب‪ ،‬ورج��ال‪ ،‬ونساء‪ ،‬وشباب‪.‬‬ ‫وهنا تكمن المفارقة اللفظية للعنوان‪ ،‬حتى يكتشف القارئ مفارقة الموضوع‬ ‫بعد قليل‪ .‬والسؤال المهم الذي يطرحه الكاتب‪ :‬هل يمكن أن يصبح الكوثر وطنا‬ ‫بديال لناسه الوافدين إليه من كل حدب وصوب؟ يؤكد الروائى علي عطا أنه بات‬ ‫كذلك بالفعل‪ ،‬وال بديل لهم إال الشوارع التى ال ترحم ساكنيها!‬

‫‪10‬‬

‫فبطل روايتنا حسين الصحفي‪ ،‬دخل‬ ‫ه��ذا الكوثر ال��ذي تصل إليه نسمات‬ ‫النيل‪/‬النهر وتؤنس أهله عصافير تسكن‬ ‫فوق شجرة توت ثالث م��رات‪ ،‬وبمعدل‬ ‫‪ 31‬يوما كي يعالَج من االكتئاب‪ ،‬الذي‬ ‫ضربه بقسوة بسبب أشياء كثيرة‪ ،‬وقد‬ ‫ي��ؤدى في النهاية إلى االنتحار‪ ،‬فضال‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫ع��ن المشاكل االجتماعية واألس��ري��ة‬ ‫التي يسببها هذا المرض؛ وذلك نتيجة‬ ‫لضغوط الحياة التي لعبت فيه الزوجة‬ ‫األول����ى دع���اء مستجاب دورا كبيرا‪،‬‬ ‫وواصلت الزوجة الثانية سلمى السكري‬ ‫وأمها الضغط عليه من أجل أن يعلن هذا‬ ‫الزواج‪ ،‬ولكنه يأبى؛ فظروفه األسرية لم‬


‫كما أك��د عطا أن المكان ال���ذي يسكن‬ ‫فيه البطل حسين‪ ،‬س��يء ج���داً‪ ،‬وه��و أحد‬ ‫األسباب التي أدت ألزمة البطل؛ وعلى الرغم‬ ‫من ذلك‪ ،‬ضيّع علي هذا المكان (تحويشة)‬ ‫العمر‪ ،‬وتحوّل ‪-‬بفعل اإلهمال‪ -‬إلى مكان‬ ‫يشبه (الخرابة) المملوءة بالقمامة‪ ،‬رغم أنها‬ ‫تنتمي السم تاريخي مهم‪ ،‬هو الخلوتى العابد‬ ‫الزاهد؛ فأصيب بالمرض‪ ،‬بعد أن تحولت‬ ‫كل الفيالت التي حولهم إلى عمارات شاهقة‬ ‫س��دت عنهم الشمس وال��ه��واء‪ ،‬وأصابتهم‬ ‫بالضيق الشديد‪ ،‬فقد كانت أق��رب عمارة‬ ‫لهم مبنية على أرض خاضعة لألوقاف‪ ،‬ومن‬ ‫ضمن ممتلكات الدولة‪ .‬ويقول الراوى عنها‬ ‫مؤكدا األمر ص ‪« :38‬بين جبال من مخلفات‬ ‫البناء وتالل من القمامة‪ ،‬تقع العمارة التي‬ ‫أسكن فيها‪ ،‬منتهى تعبي من أجل سكن الئق‪،‬‬ ‫سد أنفك وأس��رع الخطى»‪ ،‬وبُنيت بالطبع‬ ‫ال��ع��م��ارة على تلك األرض نتيجة للفساد‬ ‫المستشري في المحليات وبعض القطاعات‬ ‫في أجهزة الدولة‪.‬‬ ‫وتحذر الرواية من مغبة األسباب الكثيرة‬ ‫التي ت��ؤدى النتشار المرض النفسي‪ ،‬الذي‬ ‫يصل أحيانا لنسبة تزيد عن ‪ %10‬في كل‬ ‫المجتمعات‪ ،‬وربما تزيد عن ذلك‪ ،‬والغريب‬ ‫أنها ت��ؤدي إل��ى مخاطر نفسية واجتماعية‬ ‫واقتصادية تفوق بكثير األمراض الجسمانية‬ ‫األخرى‪ .‬وأشار الكاتب بذكاء ص ‪ 16‬وعدة‬ ‫م��رات إل��ى أزم��ة سعاد حسنى‪ ،‬التي يتوقع‬

‫وال��رواي��ة تضع يدها على أزم��ة خطيرة‬ ‫ق��د ت��واج��ه ال��م��ج��ت��م��ع ال��م��ص��رى ال����ذي ال‬ ‫يعترف كثيرا بالمرضى النفسيين‪ ،‬ويصنفهم‬ ‫بالمجانين‪ ،‬ظلما وعدوانا‪ ،‬وينبذهم‪ ،‬ويتركهم‬ ‫وحدهم يعانون مصيرهم وكأنهم هم الذين‬ ‫أحضروه ألنفسهم‪ ،‬ولم تقم األسر والظروف‬ ‫االجتماعية واالقتصادية بدور السبب الرئيس‬ ‫ف��ي ذل���ك‪ ،‬كما ح��دث ف��ي ال��رواي��ة للبطل‪،‬‬ ‫ولكل شخصياتها التي توجد في المصحة‬ ‫‪ /‬الكوثر؛ فالشاعر يعاني وكذلك الطبيب‬ ‫والضباط‪ ،‬وحتى مدير الكوثر نفسه لم يسلم‬ ‫من األذى‪ ،‬فمَن المسئول؟ وتلك المؤسسات‬ ‫مهددة بهدمها واالستيالء على أماكنها لبناء‬ ‫أب���راج‪ ،‬ورم��ى مرضاها في ال��ش��وارع‪ ،‬فمَن‬ ‫ينقذ ه��ذه المؤسسة العالجية المهمة في‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫تكن تسمح له قط‪ .‬يقول حسين مؤكدا األزمة‬ ‫التي يمر بها بسبب زوجتيه‪« :‬دخولي الكوثر‬ ‫للمرة الثانية‪ ،‬حدث بعد تزايد ضغطها من‬ ‫أج��ل أن أخبر دع��اء بأمر زواج��ن��ا‪ ،‬وعندما‬ ‫أبلغتها برفضي‪ ،‬قالت‪ :‬طلقني غيابي»‪.‬‬

‫أنها أصيبت باالكتئاب‪ ،‬الذي أدى في النهاية‬ ‫إلى انتحارها في فرنسا‪ ،‬وأنها لم تقتل أو‬ ‫تسقط من الشرفة كما أ ُشيع‪ ،‬والمهم أنه‬ ‫أشار إلى موتها في ذكرى ميالد عبدالحليم‬ ‫والذي صادف الذكرى ‪ 72‬لحليم‪ ،‬والسؤال‬ ‫هل حدث ذلك صدفة؟ فالكاتب ترك تساؤال‬ ‫كبيرا‪ ،‬تكرر عدة مرات خالل الرواية‪ ،‬وكلما‬ ‫يأتى ذك��ر الشاعر ص�لاح جاهين وص��دى‬ ‫أغنية «بانو بانو»‪ ،‬ونجد أن األمر نفسه يظهر‬ ‫جليا حين أعاد ذكره ص‪ ،68‬عندما أكد أن‬ ‫بعض العقاقير الطبية مضرة أكثر من نفعها‪،‬‬ ‫فيقول‪« :‬رأي��ت سعاد حسنى تضحك وهى‬ ‫تغنى هناك مع صالح جاهين‪ ،‬قائلة‪« :‬الحياة‬ ‫بقى لونها بمبي‪ ،‬وأن��ا جنبك وأن��ت جنبى»‪،‬‬ ‫فيما كانت داليدا تستمع إليهما‪ ،‬وهى عارية‬ ‫م��ن أي��ة م�لاب��س»‪ ،‬وهنا يستدعى المؤلف‬ ‫موقف انتحار الفنانة العالمية المصرية‬ ‫األصل داليدا الذي ال لبس فيه ويؤكد في‬ ‫الوقت نفسه على انتحار سعاد حسنى‪.‬‬

‫‪11‬‬


‫المجتمع‪ .‬وقد أحسن الروائى علي عطا أن‬ ‫حذر من ضياع تلك المؤسسات‪ ،‬والجميل‬ ‫أن الرواية انتهت ولم يتم هدم الكوثر‪ ،‬فأين‬ ‫سيذهب هؤالء المرضى‪ ،‬إذاً؟ فالرواية كانت‬ ‫ستواجه عقدة ج��دي��دة ساعتها‪ ،‬كانت قد‬ ‫تصلح رواية ثانية أو جزءاً ثانياً منها‪.‬‬

‫الرواية‪ ،‬وخاصة حين كان يتوقف عن الحكي‬ ‫وينتقل إل��ى نقطة أخ���رى‪ ،‬فيشعر القارئ‬ ‫بالقطع والتوقف‪ .‬وحدث ذلك في كثير من‬ ‫المواضع‪ ،‬كما حدث ص ‪ 117‬بعد أن انتهى‬ ‫عن الحديث عن أح��د شخصيات الرواية‪،‬‬ ‫يعود ثانية ليتحدث الراوي حسين عن شقتهم‬ ‫في المنصورة‪ ،‬بعد أن تناول جغرافية المنزل‪،‬‬ ‫وما حدث بشأن الشقة‪ ،‬وكما حدث أيضا ص‬ ‫‪ ،124‬حين أتى بمشهد لكلبين ملتصقين من‬ ‫الخلف وأشار إلى أن موظفي األمن يتفرجون‬ ‫من بعيد‪ ،‬ولم يحاولوا فك ذلك االشتباك‬ ‫بعد شعورهم باإلحراج‪ ،‬والمالحظ أن السرد‬ ‫قبلها ك��ان يسير في اتجاه آخ��ر‪ ،‬فقد كان‬ ‫ال���راوى يفكر في الشاعرة التي تنام على‬ ‫أرصفة وسط البلد‪ ،‬وعن دواء «السيروكويل‬ ‫‪ »200‬الذي كتبه دكتور الكوثر‪ ،‬ورفض طبيب‬ ‫عمله أن يصرفه له‪.‬‬

‫ك���ان ذل���ك ب��م��ث��اب��ة ال��ح��ك��ي م��ن ال����راوي‬ ‫للمخاطب‪ ،‬كي يحاول أن يبعد عن القارئ‬ ‫فكرة أن ما يقرأ سيرة ذاتية أو ينتمي ألدب‬ ‫االعتراف كما يحاول بعضهم أن يسوّق ذلك‪،‬‬ ‫ولست معه؛ فبطل الرواية أو العمل الفني‬ ‫البد أن يختلف‪ ،‬حتى وإن كان الكاتب يتناول‬ ‫سيرته الذاتية؛ فلحظة الكتابة‪ ،‬من وجهة‬ ‫وسمات أخرى‬ ‫ٍ‬ ‫نظري‪ ،‬تعطي روحاً جديدة‪،‬‬ ‫مضافة للشخصية التي على ال���ورق؛ وقد‬ ‫أكد الكاتب تلك المعلومة على لسان بطل‬ ‫الرواية حسين‪ ،‬حين قالت له زوجته إن ما‬ ‫يكتبه يمسّ ه‪ ،‬ولكنه أكد بالنفي تماما‪ ،‬مؤكدا‬ ‫يمس البطل‬ ‫ّ‬ ‫مجازا وتصريحا‪ ،‬أن المكتوب‬ ‫الذي على الورق‪ ،‬وأنا معه تماما‪.‬‬

‫وفي ص ‪ 139‬يقطع تدفق السرد بمقولة‬ ‫لشخصية ط��ارق م��راد ال��ذي يقول إن أصل‬ ‫البشر ام��رأة‪ ،‬وك��ان السرد يسير في اتجاه‬ ‫وجوده في القدس في مهمة عمل‪ ،‬ثم يواصل‬ ‫في اتجاه آخر‪ ،‬وعلى الرغم من أن القطع‬ ‫يبدو ألول وهلة بعيداً ع��ن سياق السرد‪،‬‬ ‫لكن المتأمل بهدوء سيجد أن المشهد الذي‬ ‫يسوقه الراوي ليقطع به‪ ،‬مرتبط في جوهره‬ ‫بما قبله؛ فالشاعرة التي تنام في الشوارع‬ ‫بال بيت أو حماية‪ ،‬ربما تكون مثل الحيوانات‬ ‫الضالة‪ ،‬لألسف الشديد‪ ،‬وتتعرض أيضا‬ ‫لكالب السكك الضالة التي تنهش جسدها‬ ‫وعرضها‪ .‬واستطاع عطا أن يستخدم هذا‬ ‫المشهد كمعامل موضوعى للشاعرة كما‬ ‫يقول الشاعر والناقد والمسرحى ‪T. S. Eliot‬‬

‫واعتمد ال��روائ��ى علي عطا في السرد‬ ‫ع��ل��ى تقنية ال��رس��ائ��ل بينه وب��ي��ن صديقه‬ ‫الطاهر يعقوب‪ ،‬وذل��ك من خ�لال الرسائل‬ ‫اإللكترونية؛ كي يعطي نفسه مساحة كبيرة‬ ‫للدخول وال��خ��روج داخ��ل سياق السرد‪ ،‬في‬ ‫أية لحظة يريدها‪ ،‬ومع أي حدث جديد ربما‬ ‫يطرأ على الحبكة الفنية‪ .‬وم��ارس التقنية‬ ‫نفسها مع عدد آخر من الشخصيات‪ ،‬مثل‬ ‫صديقه األديب سميح جرجس‪ ،‬المهاجر إلى‬ ‫هولندا‪ ،‬والذي لم يأخذ حقه‪ ،‬والشاعرة مي‬ ‫عبدالكريم‪ ،‬وزوجته الثانية سلمى‪.‬‬

‫استخدم الروائي إيقاع السيناريو والفيلم‬ ‫التسجيلي ف��ي ع��دد م��ن ال��م��واض��ع داخ��ل‬

‫‪12‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫ومن األشياء التي تميّز تلك الرواية هي‬


‫والجميل أن الكتابة ك��ان��ت أح��د أهم‬ ‫أصناف العالج الذي اقترحته الرواية على‬ ‫لسان الطاهر يعقوب لصديقه حسين‪ ،‬وكان‬ ‫ذلك من خالل اإليميالت التي يرسلها له كلما‬ ‫كتب شيئا أو نصا جديدا‪ ،‬ورد عليه برسالة‬ ‫تشجعه على المواصلة في الكتابة تحت أى‬ ‫ظرف‪ ،‬وأقنع حسين نفسه أن ذلك ليس من‬ ‫قبيل العالج من االكتئاب الذي يمر به فحسب‬ ‫ كما نصحه في وقت سابق ‪ -‬ولكنه كما أكد‬‫أنه يريد أن يكتب نفسه بعد أن سئم تحرير‬ ‫نصوص اآلخرين لسنوات طويلة‪ ،‬فقد كان‬ ‫يعمل محررا صحفيا بأحد الجرائد المهمة‪،‬‬ ‫وأك���د ذل��ك ق��ائ�لا‪« :‬ن��ع��م؛ شجعتنى رسالة‬

‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫المعلوماتية الدقيقة التي تعاملت معها «حافة‬ ‫ال��ك��وث��ر»؛ فنجدها تعاملت م��ع المعلومات‬ ‫الطبية التي تخص المرض النفسي بصفة‬ ‫ع��ام��ة‪ ،‬واالك��ت��ئ��اب بصفة خ��اص��ة‪ ،‬ورص��دت‬ ‫تشخيص الحالة جيدا واألعراض التي تنتاب‬ ‫المريض وتدهور الحالة لو تم ذلك‪ ،‬وأشارت‬ ‫إل���ى ش��خ��ص��ي��ات أص��ي��ب��ت ب��ه م��ث��ل‪ :‬سعاد‬ ‫حسني‪ ،‬وداليدا‪ ،‬وصالح جاهين‪ ،‬وكيف أنه‬ ‫أدى بداليدا إلى االنتحار‪ ،‬ود ّل��ل أن الشيء‬ ‫نفسه أصاب الفنانة سعاد حسنى‪ ،‬ثم وصف‬ ‫العالج للحالة في النهاية وطريقة االستشفاء‬ ‫منها؛ كما أن الراوي قدم لنا جغرافية الكوثر‬ ‫بشكل جيد وجعلنا نعيش فيها بعض األيام‬ ‫التي قضاها بها‪ ،‬وعرفنا كيف يتم التعامل مع‬ ‫المرضى‪ ،‬حسب خطورة أمراضهم وأنواعها‪،‬‬ ‫ومَن يأتي برجليه إليها مثل حسين‪ ،‬ومَن يأتي‬ ‫إلزاميا‪ ،‬كما ع��رض لبعض أن��واع المرضى‬ ‫ال��ف��ق��راء واألغ��ن��ي��اء وم��ظ��اه��ر م��ن أع��راض‬ ‫مرضهم بكاميرا السرد الدقيقة؛ إذ وجدنا‬ ‫ذلك في أماكن متفرقة‪ ،‬وفي بعض الفصول‬ ‫كما في ص ‪ 64‬وغيرها‪.‬‬

‫الطاهر يعقوب على مواصلة م��ا ب��دأت»‪،‬‬ ‫وأكد الطاهر يعقوب على جودة النص الذي‬ ‫نشره على الفيس بوك‪ ،‬يقول فيه‪« :‬مثل قنبلة‬ ‫ألقيت على حقل البالدة المائل‪ ،‬فإذا العالم‬ ‫يبدو بعدها أكثر جماال أو قابلية للعيش»‪.‬‬ ‫وأش���ار ال��روائ��ى علي عطا إل��ى أي���ام بطل‬ ‫روايته األخيرة التي قضاها في الكوثر يكتب‬ ‫ويقرأ‪« :‬لكن األيام التسعة تميزت بأني قرأت‬ ‫خالل المصحف وفي أكثر من كتاب‪ ،‬و كتبت‬ ‫قصيدتين‪ ،‬وشرعت في تسجيل مالحظات‬ ‫على ناس المكان والمكان نفسه‪ ،‬في رأسي‬ ‫وعلى هوامش الكتب»‪.‬‬ ‫وفي النهاية‪ ،‬يؤكد حسين أن الكتابة لم‬ ‫تكن خالصا لكثيرين‪ ،‬وأنهم انتحروا في‬ ‫النهاية أو ماتوا منسيين في مصحات نفسية‪،‬‬ ‫«أنا‪ :‬مخطئ مَن يظن أن في الكتابة خالصا»‪.‬‬ ‫ويؤكد الطاهر يعقوب أن هناك أيضا مَن‬ ‫ن��ج��وا بالكتابة وع��دده��م ي��ف��وق م��ن الق��وا‬ ‫المصير المؤسف‪ ،‬الطاهر يعقوب ص‪:151‬‬ ‫«لكن هناك أيضا من نجوا بالكتابة»‪.‬‬ ‫وألن ال����راوي يكتب اآلن نفسه‪ ،‬ونصه‬ ‫الجديد ال���ذي سيعطيه إحساسا مختلفا‬ ‫للحياة‪ ،‬ربما أكثر من أمله أن يكون هذا النص‬ ‫أداة فاعلة للشفاء‪ ،‬ك��ان عليه أن يستعين‬ ‫بنصوص أخرى تدعم رؤيته للكوثر وتسهم في‬ ‫إثراء السرد العام من خالل نصوص تمنحها‬ ‫طاقة إضافية وتالئم السياق الذي وجدت‬ ‫فيه‪ ،‬وهذا أمر مهم‪ ،‬فالعديد من المقوالت‬ ‫والتناص المستخدم في بعض األعمال يكون‬ ‫خارج السياق أحيانا‪ ،‬ولكن علي عطا استفاد‬ ‫من النصوص التي ساقها لتالئم نصه‪ ،‬كما‬ ‫وجدنا ص‪ 7‬لكازانتزاكيس «إنها لمعجزة إذاً‪،‬‬ ‫هذه الحياة‪ ،‬كيف تمتزج بها أرواحنا عندما‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪13‬‬


‫نغوص داخلنا‪ ،‬ونعود إل��ى جذورنا ونصبح‬ ‫شيئا واحدا؟»؛ وقد عبرت تلك المقولة عن‬ ‫أجزاء كثيرة في الرواية‪ ،‬كما أكد أن بإمكان‬ ‫بعض األدوية أن تصيبك بالهلوسة‪ ،‬وبعضها‬ ‫ق��د ي��ؤدى إل��ى االن��ف��ص��ال‪ ،‬وذل��ك م��ن كتاب‬ ‫«العلم الزائف وإدعاء الخوارق»‪ ،‬وأكد مقولة‬ ‫«ال صحة حقيقية للجسد من دون صحة‬ ‫نفسية» لبروك كيشوك‪ ،‬أول من شغل مدير‬ ‫الصحة العالمية عقب تأسيسها‪ ،‬واقتطف‬ ‫من أقوال ملك المغرب الراحل قوله‪ :‬ال يهم‬ ‫العالم الذي نتركه من بعد موتنا بقدر ما يهم‬ ‫األوالد الذين نتركهم لهذا العالم»‪.‬ويؤكد على‬ ‫صخب الحياة قائال‪« :‬صمت قبل الميالد‬ ‫وص��م��ت بعد ال��م��وت‪ ،‬وال��ح��ي��اة ه��ى مجرد‬ ‫صخب بين صمتين ال قرار لهما» لاليزبيل‬ ‫الليندى‪.‬‬

‫‪14‬‬

‫ورص��د لنا الكاتب علي عطا جغرافية‬ ‫ب��ع��ض األم����اك����ن ال��م��ه��م��ة ف���ي ال���ق���اه���رة‪،‬‬ ‫والمنصورة وتاريخها‪ ،‬وتحرى الدقة عنها‪،‬‬ ‫وعاد ألصلها التاريخى‪ ،‬ولماذا سميت بهذا‬ ‫االسم وما هى الحكاية التاريخية التي تعلقت‬ ‫بذلك كما في ص ‪ ،38‬قال‪« :‬وأنا أبحث عن‬ ‫معلومات عن المنطقة‪ ..‬عرفت أن الخلوتى‬ ‫هو الشيخ الصالح العابد شاهين المحمدي‪،‬‬ ‫ولد بمدينة تبريز بإيران في القرن التاسع‬ ‫الهجري»؛ وهنا نجد أن الروائي يرصد تاريخ‬ ‫الرجل بمعلوماتية وليس باجتهاد شخصي‪،‬‬ ‫وي��ح��دد جغرافية المنصورة التي عاشها‪،‬‬ ‫يصف محطة السكة ال��ح��دي��د‪ ،‬والمقابر‪،‬‬ ‫وسيدي العيسوي‪ ،‬والمسرح القومي‪ ،‬وتمثال‬ ‫أم كلثوم في ميدان المحطة‪ ،‬وبعض الشوارع‬ ‫التي وطأها أثناء طفولته‪ ،‬وقاعات السينما‬ ‫التي كان يدخلها‪ ،‬ومظاهر الحياة في تلك‬ ‫المنطقة م��ن قلب الدلتا‪ ،‬وي��ق��ول للطاهر‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫يعقوب ص‪« :59‬األم��اك��ن؛ أم��اك��ن الطفولة‬ ‫تناديني‪ ،‬وال تكف عن اقتحام ذاكرتي‪ ،‬فهل‬ ‫يدخل ه��ذا يا طاهر‪ ،‬في نطاق حنين إلى‬ ‫الماضي»‪.‬‬ ‫تنس الرواية الحالة السياسية للبلد‬ ‫ولم َ‬ ‫وث��ورت��ي مصر ‪ 25‬يناير و‪ 30‬ي��ون��ي��ه‪ ،‬وما‬ ‫بينهما وما بعدهما من أحداث هزّت الوطن‬ ‫كله‪ ،‬وأثرت على الموقف في مصر والعالم‬ ‫العربي كله‪ ،‬وخ��اص��ة فيما يعرف بالربيع‬ ‫العربي الذي تحوّل بعد ذلك بفعل القافزين‬ ‫على تلك الثورات والثورات المضادة ولعب‬ ‫م��خ��اب��رات ال��ع��دي��د م��ن ال���دول إل��ى خريف‬ ‫ع��رب��ي‪ ،‬ه��دد مستقبل ث�لاث دول وفككها‪،‬‬ ‫وأضعف اقتصاد‪ ،‬واستقرار العديد من الدول‬ ‫األخرى‪ ،‬بفعل اإلرهاب الذي تصدر المشهد‬ ‫ببشاعة في مصر‪ ،‬وسوريا‪ ،‬وليبيا‪ ،‬وتونس‬ ‫والحرب المشتعلة في سوريا واليمن‪ ،‬وكانت‬ ‫تلك األحداث في الخلفية التي حركت العديد‬ ‫من األحداث داخل الرواية بشكل مباشر أو‬ ‫غير مباشر‪.‬‬ ‫وختاماً‪ ،‬استطاع الكاتب علي عطا في‬ ‫نهاية رواية حافة الكوثر أن يفضح المجتمع‬ ‫ك��ل��ه‪ ،‬ال��م��ت��م��ث��ل ف���ي ش��خ��ص��ي��ات ال��ك��وث��ر‪/‬‬ ‫المصحة النفسية الكائنة ف��ي ال��م��ع��ادي‪،‬‬ ‫وبعدد ال بأس به من الحكايات والنقائص‬ ‫التي تكشف عورات المجتمع‪ ،‬وأعطته الكوثر‬ ‫المبرر الكافي ليكشف لنا كل الفضائح ؛ من‬ ‫رشوة‪ ،‬وفساد مالي‪ ،‬وزنا محارم‪ ،‬ومخدرات‬ ‫ومخالفات كثيرة؛ تحتاج للتصدي والوقوف‬ ‫أمامها‪ ،‬والحيلة التي لجأ إليها‪ ،‬والحجة‬ ‫المهمة أنه ليس على المريض حرج‪ ،‬وليس‬ ‫على من يسكنون الكوثر ‪-‬بالطبع‪ -‬أي حرج‬ ‫ليكشف ويقول عنهم ما يشاء!‬


‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫ُ‬ ‫ضورها‬ ‫العنونة‬ ‫فاعلية‬ ‫ِ‬ ‫اسي ُة ُح ِ‬ ‫وحس َّ‬ ‫َ‬

‫في قصيدة (وحدي) للشاعرة (مالك الخالدي)‬ ‫الدوخي*‬ ‫‪ ρρ‬د‪ .‬حمد محمود ُّ‬

‫كيف من‬ ‫��ص الشعري ه��و ‪ -‬ب�لا ش ٍّ��ك ‪ٌ -‬‬ ‫الكيف ال��ذي يُشتَغلُ فيه ب��ن��اءُ ال��ن ِّ‬ ‫َ‬ ‫إنَّ‬ ‫كيف يأخذُ خصوص َّيتَهُ من طبيعة التغيُّ رات المستمرة التي ترافق‬ ‫نوعٍ خاص‪ٌ ..‬‬ ‫مزاج الشاعر‪ /‬الكاتب‪ ،‬بوصفه كينونةً قلقةً تتطلَّع للتغيُّ ر والتغيير؛ إذ ال تستقر‬ ‫هذه الكينونة على حال أبداً‪ ،‬وهذا سبب وسرُّ ديمومتها في وِ ر َِش الكتابة‪ ،‬فهي ال‬ ‫تتوقف عن عملها هذا إال عندما تطمئنُّ وتستقرُّ ‪ ،‬واالستقرار واالطمئنان يأتيان‬ ‫من النتائج‪ ،‬والنتائج في الكتابة الشعرية تأتي من التأويل؛ لذا‪ ،‬نحن ‪ -‬القُ رَّ اء ‪-‬‬ ‫متفق عليهِ ‪ ،‬ذلك‬ ‫ٍ‬ ‫ال نتعامل مع النصوص التي تتوقف عند نتيجة معيَّنة أو تأويل‬ ‫ألن مثل هذا التأويل ال يوجد إال في لغة الرياضيات‪ ،‬فتأويل جملة‪ )1 + 1( :‬هو‬ ‫(‪ )2‬في كل جهة ومكان؛ ألنها تخلو ‪ -‬تمام ًا ‪ -‬من العاطفة والخيال والترميز‪ ،‬أي‬ ‫أنها تخلو من هذه المُ حرِّكات التي تمنح النص األدبي أدبيَّتهُ ‪.‬‬ ‫أهل النقد المعنيِّ بهذه العتبات‪ ،‬فهي‬ ‫الحركة األولى باتجاه صناعة النص(‪)1‬؛‬ ‫وفي تأثير هذه التسمية وتدخُّ لها في‬ ‫ُنتجة‪ ،‬من‬ ‫نم ِّو نصوصه‪ ،‬مع كل قراءةٍ م ٍ‬ ‫جهة أخرى‪.‬‬

‫لقد قدَّ منا ه��ذه التوطئ َة المكثَّف َة‬ ‫ح��ول إشكالية ه��ذا الكيف ف��ي بناء‬ ‫ال��ن��ص ال��ش��ع��ري؛ لكي نعطي نظرة‬ ‫أولية عن طبيعة التعامل التي يجب‬ ‫أن يمتلك روحها الشاعر الذي يطمح‬ ‫للنجاح الخلاَّ ق في تسمية نصوصه‬ ‫تُ َع ُّد عتبة العنوان الشاهد األول على‬ ‫من جهة؛ والتي تتقدَّ مها ‪ -‬أي تتقدَّ م إبرام ميثاق التواصل بين الكاتب والقارئ؛‬ ‫هذه التسمية ‪ -‬عتب ُة العنوان بإجماع ألنها اللفظة األولى في عقد هذا القِ رانِ ؛‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪15‬‬


‫إذ تُعين هذه اللفظة على االقتراب الحثيث من‬ ‫منطقة التفكير بالن ِّ‬ ‫َّص‪ ،‬كما فكَّر به كاتبه(‪)2‬؛‬ ‫ألنها عتبة إرش��ادي�� ٌة تستهدف المعنى الكليّ‬ ‫للنص‪ ،‬فالعنوان هو النص نفسه(‪ ..)3‬وبمعنى‬ ‫آخر‪ :‬هو ضبط أشياء النص‪ ،‬وضبط الحركة‬ ‫(‪)4‬‬ ‫خ�لال��ه��ا ؛ وك��ل ذل��ك ي��ت��واف��ر ل��ل��ع��ن��وان؛ ألنه أغ ِّر ُد وحدي‬ ‫(السيرة المكث(‪َّ)5‬فة للحياة التي يعيشها النص في أشرب‪..‬‬ ‫عالم الورقة) ‪.‬‬ ‫بعد ه��ذا المقطع‪ ،‬ت��دخ��ل ال��ش��اع��رة في‬ ‫بمثل هذا الوعي بأهمية العنوان في الكتابة ملفوظها الشعري الثاني من القصيدة‪ ،‬والذي‬ ‫األدب�� َّي��ةِ ‪ ،‬اشْ تغلت الشَّ اعرة (م�لاك الخالدي) تقول فيه‪:‬‬ ‫قصيدتها التي تحمل العنوان (وحدي)(‪ )6‬الدَّ ال‬ ‫على االنعزال؛ لذا‪ ،‬وجدناها قد صوَّرته بذلك‪ ،‬تمرُّ طيور األغاريد‬ ‫ال ومضموناً‪ ،‬فعلى مستوى حيرى‪..‬‬ ‫أي باالنعزال شك ً‬ ‫المضمون‪ ..‬فإن لفظة العنوان الوحيدة (وحدي) فتضرمني‬ ‫تدل على االنعزال دالل ًة واضح ًة وأكيد ًة على في الحنايا اشتياقْ ‪..‬‬ ‫جهد قرائي؛ أما‬ ‫ذل��ك‪ ،‬ومن دون استلزام أي ٍ‬ ‫وه��ذا الملفوظُ ملفوظٌ مشهدي ال يمكن‬ ‫على مستوى الشكل‪ ..‬فإن ذلك يتمرك ُز عيان َّياً لشاعرة لم تتدرَّبْ على لغة القص التصويرية‬ ‫في قصديَّة الشاعرة التي تعمَّدت أن تتركَ هذه أن ت��رس��م��ه؛ إذ يستحضر ه���ذا ال��م��ش��ه�� ُد‬ ‫المألوف لمرور‬ ‫َ‬ ‫اللفظة لوحدها على رأس القصيدة‪ ،‬فهي لم ال��رؤي��ويُّ بمخيِّلتنا المشه َد‬ ‫ِّ‬ ‫تشفعها بكلمة أخرى تساندها‬ ‫وتوضحها أكثر‪ ..‬سرب طيور؛ ولكون الشاعرة تتمتَّع بحضور‬ ‫كأن تقول مثالً‪( :‬وحدي مع اغترابي) أو مثالً‪ :‬ف��ي م��ج��ال ال��ق��ص‪ ،‬كما تخبرنا ب��ذل��ك عتبة‬ ‫(وح��دي وه��ذا ال��ح��زن) إل��ى غير ذل��ك‪ ،‬لكنها الهامش في مكان النشر(‪ ،)7‬فقد أف��ادت من‬ ‫أبقتها هكذا لكي تعطي معنى الوحدة واالنعزال حضورها القصصي لصالح حضورها الشعري‬ ‫من مجرَّد معاينة العنوان بصيغته هذه‪.‬‬ ‫هنا‪ ،‬إذ رفعت هذا المشهد من المألوف إلى‬ ‫بعد ذلك‪ ،‬تبدأ الشاعرة قصيدتها بمقطع الشعري‪ ،‬وذل��ك بوضع كلمة (ط��ي��ور)‪ ..‬وهذا‬ ‫يعض ُد هذه القصديَّة التي انتهجتها المشهد يمثِّل دعو ًة مُلحَّ ًة من الشاعرة إليجاد‬ ‫استهالليٍّ ِّ‬ ‫مشارك يخفف عنها وطأة هذه الوحدة‬ ‫ٍ‬ ‫الشاعرة بعزل هذا العنوان بصيغته هذه‪ ،‬ليؤكِّد آخ َر‬ ‫المعنى ال��م��راد منه تبليغه وتحقيقه‪ ،‬وذلك القاسية‪ ،‬بدليل أنها أوكلت لهذا اآلخر مهمَّة‬ ‫تنفيذ الفعل (فتضرمني)‪ ،‬أي أنها دعت هذا‬ ‫بقولها‪:‬‬ ‫اآلخر ليقاسمها حالها الذي عرَّفه عنوانها بـ‬ ‫أغ ِّر ُد فوق البيادر وحدي‪..‬‬ ‫ال ألثر‬ ‫(وح��دي)‪ ،‬وبذلك تحَ قِّق حضوراً فاع ً‬ ‫وأشرب من ماء حزني هناك‪..‬‬ ‫ُ‬ ‫وداللةِ العنوان في المتن؛ ولكن هذه الدعوة لم‬ ‫وهنا‪ ،‬نلحظ التعضيد قد نفَّذته الشاعرة تل َق استجابةً‪ ،‬ما حدا بالشاعرة العودة مسرع ًة‬ ‫ِ‬ ‫بطريقة مغايرةٍ شيئاً ما‪ ،‬إذ‬ ‫ألحقت العنوان إلى عزلتها ووحدتها‪ ،‬وذلك بقولها‪:‬‬ ‫إلحاقاً بمتن استهاللها الموجز هذا؛ فقد جاء‬ ‫العنوان في آخ��ر السطر الشعري األول من‬ ‫ال‬ ‫االستهالل (أغرّد فوق البيادر وحدي)‪ ..‬فض ً‬ ‫عن الفعلين المضارعين الدالينِ على األنا‬ ‫المنعزلة بأدائها لهذين الفعلين‪:‬‬

‫‪16‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫أفتِّش عن بعض نبضي‬ ‫وأذرو‪..‬‬ ‫بقاياي في دهشة األقحوان!‬

‫سيميائية دال��ة على استمرار متابعة العنوان‬ ‫للبناء الشعري في القصيدة‪.‬‬ ‫بعد ذلك تقوم الخالدي بتذييل مقطعها‬ ‫ه��ذا بفاصل شعريٍّ يمنح التحرك الشعري‬ ‫جمالي َة ت��ن��و ٍُّع في التنضيد المقطعي‪ ،‬الذي‬ ‫بُني في ضوئه متن القصيدة‪ ،‬وإن لم تُصرِّح‬ ‫الشاعرة بهذا النوع من البناء من خالل الترقيم‬ ‫أو التقطيع بالعالمة أو بالحروف الالتينية الخ‪،‬‬ ‫وذلك بقولها‪:‬‬

‫وهنا نتتبَّع حساسية اإلش��ارة إلى تدخُّ ل‬ ‫العنوان ف��ي تشكيل ه��ذا المقطع م��ن خالل‬ ‫المفردة البصرية‪ ،‬النقطتين (‪ )..‬بعد الفعل‬ ‫المضارع (أذرو‪ ،)..‬ما يجعلنا نعود إلى مقطع‬ ‫االستهالل (أغرِّد فوق البيادر وحدي)‪ ،‬ونقيم‬ ‫مطابقة من شأنها أن تربطنا ربطاً وثيقاً‬ ‫ٍ‬ ‫عالق َة‬ ‫ كما م�� َّر بنا قبل قليل ‪ -‬مع الطريقة التي فما عادت األمنيات تغني‬‫أظهرت فعل العنوان في المتن على هذا النحو‪ :‬وما عاد في الزفرات انعتاق‪..‬‬

‫أغ ِّر ُد وحدي‬ ‫وال��ف��اص��ل هنا ‪-‬ك��م��ا قلنا‪ -‬يمنح البناء‬ ‫أذرو‪..‬‬ ‫الشعري تنوُّعَ هُ‪ ،‬إذ يتشكَّل من النفي المؤكَّد‬ ‫وبهذه الخطاطة المبسَّ طة نتأكد من قوة بالتكرار المنضبط بالعطف‪( :‬فما عادت وما‬ ‫طاقة العنوان وفاعليَّتها؛ إذ جعلت الشاعرة عاد)‪.‬‬ ‫كشف ذل��ك بيد ال��ق��راءة الفاحصة؛ فوجود‬ ‫َ‬ ‫تدخل بعد ذلك الشاعرة بمناجاة محمَّلة‬ ‫النقطتين بهذا المكان من النص‪ ،‬يشكل عالمة بروح األسى‪ ،‬إذ تقول‪:‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪17‬‬


‫رسمتك حيناً‪..‬‬ ‫ذرفتك حيناً‪..‬‬ ‫وواريت كل شذاك الغياب‬ ‫فلم يبق في الضوء‬ ‫إال شعاع‬ ‫يمزق صبحي‬ ‫ويزجي الوراء‪..‬‬

‫أفعال في المقطع السابق وثالثة أفعال في‬ ‫ه��ذا المقطع؛ وعلى مستوى ال��دالل��ة‪ ،‬تتنوَّع‬ ‫زمن َّياً من خالل األفعال ذاتها؛ فهي في مقطع‬ ‫المناجاة ماضية‪ ،‬وفي هذا المقطع مضارعة‪،‬‬ ‫ولذلك قيمة زمنية تخدم داللة النص من جهة؛‬ ‫وتكسر الرتابة في إيقاع زمن هذا النص من‬ ‫جهة أخرى‪.‬‬

‫وفي هذه المناجاة المدعومة بثالثة أفعال‬ ‫أخ��ي��راً‪ ،‬تختتم ال��ش��اع��رة ِس��ف��ر وحدتها‬ ‫حزن يُستدعى ليقاسم‬ ‫مبللة بنكهة ٍ‬ ‫ماضية (رس��م��ت‪ /‬ذرف��ت‪ /‬واري���ت) ت��ؤدَّى من برومانسية ٍ‬ ‫خالل المتكلم‪ /‬الشاعرة‪ ،‬يوجد ‪ -‬وبقصديَّة ‪ -‬الشاعرة عالمها هذا‪ ،‬وذلك بقولها‪:‬‬ ‫شكل آخر من أشكال حضور العنوان (وحدي)‬ ‫هنا أي وحدها الشاعرة؛ وال��ذي يدعم هذه هناك على ضفة الحزن‬ ‫القصدية‪ ،‬هو الطريقة المماثلة التي بنت بها أرسم بعضي‬ ‫الشاعرة المقطع الشعري ال��ذي بعد مقطع ويرسمني الحزن‬ ‫لحن نقاء‪..‬‬ ‫المناجاة هذا‪ ،‬وذلك بقولها‪:‬‬ ‫وهذه الرومانسية تأخذ نكهتها من المدى‬ ‫أعيش على سحنة الفجر‬ ‫أروي عروقي يباب‬ ‫الذي تُشعرنا به لفظة (هناك) التي طوقت‪،‬‬ ‫ألكمل خيطا من العمر‬ ‫مع لفظة الحزن‪ ،‬هذه القصيدة منذ االستهالل‬ ‫يأبى ذبوال ويقتات‬ ‫(وأش���رب م��ن م��اء حزني ه��ن��اك‪ )..‬إل��ى هذا‬ ‫لون الضباب‪..‬‬ ‫االختتام‪ ،‬ومنحتها هذا المدى الذي هو مدىً‬ ‫هكذا‪ ،‬تتضح الطريقة المماثلة من خالل م���زروع ب��ه��ذا ال��ن��وع م��ن ال��ح��زن ال���ذي تسبب‬ ‫األفعال المضارعة الثالثة (أعيش‪ /‬أروي‪ /‬في تحريك الشاعرة هنا‪ ،‬لتنتج لنا مثل هذه‬ ‫أكمل)؛ فالمماثلة تتم على مستوى البناء بثالثة القصيدة التي تدل على طاقة شعرية خالقة‪.‬‬ ‫* ناقد وأكاديمي من العراق‪.‬‬ ‫(‪ )1‬يُنظر‪ :‬أسس السيميائية‪ :‬دانيال تشاندلر‪ ،‬ترجمة‪ :‬د‪ .‬طالل وهبة‪ ،‬مراجعة‪ :‬ميشال زكريا‪ ،‬مركز دراسات‬ ‫الوحدة العربية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪2008-1‬م‪ ،‬ص ‪.28‬‬ ‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬الفهم والنص (دراسة في المنهج التأويلي عند شيلرماخر ودلتاي)‪ :‬بومدين بوزيد‪ ،‬الدار العربية‬ ‫للعلوم (ناشرون)‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى ‪2008‬م‪ ،‬ص ‪.62‬‬ ‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬سيميائيات التظهيير‪ :‬عبداللطيف محفوظ‪ ،‬الدار العربية للعلوم (ناشرون)‪ ،‬بيروت الطبعة األولى‬ ‫‪2009‬م‪ ،‬ص ‪.160‬‬ ‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬األدب والغرابة (دراسة بنيوية في األدب العربي)‪ :‬عبدالفتاح كليطو‪ ،‬دار توبقال للنشر‪ ،‬الدار‬ ‫البيضاء‪ ،‬الطبعة الثالثة‪2006 ،‬م‪ ،‬ص ‪.163‬‬ ‫(‪ )5‬سيمياء النص العراقي ومقاربات أخرى‪ :‬د حمد محمود الدُّوخي‪ ،‬دار ميزوبوتاميا‪ ،‬بغداد‪ ،‬ط‪2013 - 1‬م‪،‬‬ ‫ص ‪.33 -32‬‬ ‫(‪ )6‬الجوبة‪ :‬قصيدة (وحدي) لمالك الخالدي‪ ،‬العدد ‪ 53‬خريف ‪ 1438‬هـ ‪ ، 2016 -‬ص ‪.79‬‬ ‫(‪ )7‬ينظر لالطالع‪ :‬الجوبة ‪ ،53‬ص ‪.79‬‬

‫‪18‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫‪ρρ‬صالح املطيري*‬

‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫صورة سقراط‬ ‫بين أريستوفان وأحمد عتمان‬ ‫« أنا أعرف أن موقفي صعب للغاية‪ ،‬وقضيتي جد خطيرة‪،‬‬ ‫فالذين يُشيرون إلى بأصابع االتهام أكثر من أحصيهم أو أعرفهم»‬ ‫سقراط (أحمد عتمان‪ ،‬ص ‪)100‬‬ ‫ال ي��زال ت��اري��خ الفن المسرحي ف��ي العالم أجمع مدينًا ألريستوفان ف��ي فن‬ ‫الكوميديا العريق‪ .‬وأريستوفان‪ -‬أو أريستوفانيس‪ ،‬إن أردت الدقة‪ -‬شاعرٌ إغريقي‬ ‫تربع على سدة المسرح في أثينا منتصف القرن الخامس قبل الميالد‪ .‬وقد اشتهر‬ ‫الشاعر بكوميدياته الساخرة‪ ،‬التي سلط فيها سهام نقده على جوانب من الحياة‬ ‫الواقعية للشعب األثيني خالل تلك الفترة‪ ،‬وكانت أثينا يومها تعيش أزهى عصور‬ ‫الحضارة‪ ،‬أعني خ�لال القرن الخامس قبل الميالد؛ إذ‪ ،‬يسمي المؤرخون تلك‬ ‫الفترة بالعصر الذهبي‪ ،‬حينما انتعشت روح الحضارة اإلغريقية (الهيلينية)‬ ‫وأرس��ت قواعدها في المدن الرئيسة‪ :‬كأثينا‪ ،‬وإسبرطة‪ ،‬وف��ي ما حولها‪ ،‬وعمّ ت‬ ‫البالد التنظيمات العسكرية والتعليمية والقضائية‪ ،‬فكل مدينة كانت ترأسها‬ ‫حكومة يحكمها برلمان ون��واب‪ ،‬ومجلس الشعب مفتوح للجميع‪ ،‬يستطيع أي‬ ‫مواطن أن يدخله ويسأل مَن شاء من القادة والمسؤولين‪ ،‬وال��م��دارس منتشرة‪،‬‬ ‫وك��ل عالم أو فيلسوف قد اتخذ له مدرسة يعلم فيها الشباب‪ ،‬وخالفات الناس‬ ‫فيما بينهم لم تكن لتحلها القبضة والسيف كما كان يحدث في البالد األخرى‪،‬‬ ‫وإنما تحلها محاكم قضائية تفصل فيما شجر بين الناس‪ ،‬وهناك نظام للمرافعة‬ ‫والمحاماة له تقاليد ورسوم‪ .‬الحاصل‪ ،‬أن كل هذه التنظيمات الحضارية تظهر‬ ‫جلية واضحة في مسرح أريستوفان‪ ،‬بل ال نبعد إذا قلنا إن الشاعر إنما اتخذ هذه‬ ‫المالمح الحضارية مادة لمسرحه‪ .‬صحيح أن مسرح أريستوفان – كما هو ديدن‬ ‫الكوميديا‪ -‬ينضح بالسخرية والتهكم‪ ،‬إال أنه يمثل مرآة صافية تعكس لنا صورة‬ ‫المجتمع األثيني بعجره وبجره إبان العصر الذهبي لحضارة اإلغريق‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪19‬‬


‫وقد وصلتنا – نحن قراء العربية‪ -‬أعمال‬ ‫الدراما اإلغريقية عبر ثالوث مصري من‬ ‫األساتذة واألدباء‪ ،‬أولهم المرحوم طه حسين‪،‬‬ ‫ثم المسرحي الكبير توفيق الحكيم‪ ،‬وأخيرًا‬ ‫الباحث والمترجم القدير أحمد عتمان (ت‬ ‫‪2013‬م)‪ ،‬وقد أمضى هذا األستاذ والمترجم‬ ‫ال��ق��دي��ر سحابة ع��م��ره متبحرًا ف��ي ت��راث‬ ‫اإلغريق‪ ،‬ودرسه‪.‬‬ ‫وق���د ق���دم ع��ت��م��ان ص���ورة ح��ي��ة لمسرح‬ ‫اإلغريق وآدابهم في أعماله وترجماته‪ ،‬وقد‬ ‫سكب عصارة ه��ذه الخبرة في كتب عدة‪،‬‬ ‫لعل من أبرزها ترجمته الرصينة لمسرحية‬ ‫أريستوفان الشهيرة (السحب)‪ ،‬التي صدرت‬ ‫ضمن سلسلة المسرح العالمي في الكويت‪،‬‬ ‫وإن القاريء ليعجب حقا من تضلع األستاذ‬ ‫عتمان بالتراث اإلغريقي‪ ،‬ودراي��ت��ه التامة‬ ‫بالدين‪ ،‬واألساطير‪ ،‬وال��ع��ادات‪ ،‬والتقاليد‪،‬‬ ‫لذلك الشعب ال��ذي س��ادت حضارته قبل‬ ‫الميالد لعدة قرون‪ ،‬ثم انتشرت ثقافته في‬ ‫القرون الالحقة أثناء االنحطاط السياسي‬ ‫للدولة ونفوذها‪.‬‬

‫‪20‬‬

‫المترجم د‪ .‬أحمد عثمان‬

‫األسطورية‪ ،‬والشخوص الدينية‪ ،‬والرموز‬ ‫الوثنية‪ ،‬والحوادث التاريخية‪ ،‬مع ك ّم آخر من‬ ‫الكنايات‪ ،‬واالستعارات‪ ،‬واإلشارات الخفية‪،‬‬ ‫التي ال يفهم مرادها وال يدري فحواها إال من‬ ‫أحاط بثقافة اللغة التي ينتمي إليها النص‪،‬‬ ‫بل والمرحلة التاريخية التي ولد فيها أيضا‪،‬‬ ‫��س ما عانيناه ونحن طالب‬ ‫��س ال أن َ‬ ‫وإن أن َ‬ ‫في الجامعة‪ ،‬ندرس إحدى مسرحيات عصر‬ ‫النهضة وال نكاد نفقه شطرا منها‪ ،‬حتى‬ ‫نراجع الحاشية‪ ..‬لنفهم ما فيه من إشارات‬ ‫إلى شخوص أسطورية‪ ،‬أو حوادث تاريخية‪،‬‬ ‫أو كنايات خفيه؛ ولذلك‪ ،‬فإن قاريء النص‬ ‫الكالسيكي ينبغي أن يكون (طويل البال) كما‬ ‫يقال‪ ،‬ألنه يحتاج إلى التريث كثيرًا‪ ،‬ليراجع‬ ‫ال��ح��واش��ي واإلح����االت‪ ،‬ليفهم ال��ن��ص على‬ ‫وجهه‪ ،‬أو يقرأ مالحظات المحققين والنقاد‬ ‫وال��شُّ ��راح ح��ول ه��ذا الموضع من النص أو‬ ‫ذاك‪.‬‬

‫وال���ح���ق ي���ق���ال‪ ،‬إن ت��رج��م��ة ال��ن��ص��وص‬ ‫الكالسيكية‪ ،‬بما فيها المسرح اليوناني‬ ‫مثل سوفوكليس وإسكيليوس ويوربيديس‪،‬‬ ‫ومسرحيات عصر النهضة (مثل راسين‬ ‫وك��ورن��ي وشكسبير) ت��ح��ت��اج إل���ى مترجم‬ ‫م���ن ن���وع خ����اص‪ ،‬ف��ال��م��ش��ك��ل��ة ل��ي��س��ت في‬ ‫وقد عكف المترجم أحمد عتمان في أحد‬ ‫القالب الشعري‪ ،‬وال في اللغة القديمة‪ ،‬أو‬ ‫التراكيب الميتة‪ ،‬فهذه أمرها قد يهون مع أعماله على مسرحية أريستوفان (السُ حب)‪،‬‬ ‫أس الصعوبة أن ف��ق��دم لها بمقدمة أدب��ي��ة ض��اف��ي��ة‪ ،‬تجعل‬ ‫ال��درب��ة وال��م��ران‪ ،‬وإن��م��ا ّ‬ ‫النص يتهادى على أسطر مثقلة باإلشارات القاريء يقف على أرضية صلبة في موضوع‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫ومعروف أن أريستوفان بصفته شاعرا‬ ‫كوميديا قد ف��وّق سهام نقده على النظام‬ ‫األث��ي��ن��ي ك��ل��ه‪ ،‬بما فيه م��ن س��اس��ة وقضاة‬ ‫وعلماء وفالسفة‪ ،‬في معظم مسرحياته؛ فقد‬ ‫رأيناه يتهكم من الساسة والحكام مثال في‬ ‫مسرحياته (الزنابير)‪ ،‬و(الطيور)‪ ،‬و(برلمان‬ ‫النساء)؛ أم��ا في (السحب) فهو عمل من‬ ‫ن��وع خ��اص‪ ،‬إذ سلط الشاعر سياط نقده‬ ‫هنا على الفالسفة والمفكرين والمتعلمين‬ ‫السوفسطائيين‪ ،‬ويمثلهم ف��ي المسرحية‬ ‫الفيلسوف سقراط‪ ،‬وإن قلتَ إن المسرحية‬ ‫برمتها قد كتبت للنيْل من سقراط وتالميذه‬ ‫فلن تبعد في الطرح‪ ،‬ذلك أن سقراط –قبل‬ ‫محاكمته وإع��دام��ه‪ -‬ك��ان قد أث��ار حفيظة‬ ‫سكان أثينا وساستها بتساؤله الفلسفي الملحّ‬ ‫الذي لم يتعودوا عليه‪ ،‬فلطالما انتقد هذا‬ ‫الفيلسوف بنية النظام السياسي والجهاز‬ ‫العسكري لدولة أثينا‪ ،‬ولطالما ح��اول أن‬ ‫وك��ان أن انتشر بين أوس��اط المتعلمين‬ ‫يقوّض فكرة اآللهة المزعومة لليونان بما والمثقفين نابتة أتقنت فن الجدل والمناظرة‪،‬‬ ‫فيها من شخوص أسطورية كثيرة‪ ،‬وأعمال ومهرت في نقض الحجج وإفحام الخصوم‪،‬‬ ‫خارقة‪ ،‬وتعليالت غير معقولة‪.‬‬ ‫وق���د ب���رزت ه���ذه ال��ج��م��اع��ة –التي عرفت‬ ‫كان الشعب اإلغريقي يومها قد سيطرت بالسوفسطائيين‪ -‬أث��ن��اء ح��ي��اة س��ق��راط‪،‬‬ ‫عليه عقلية التسليم والقبول بكل شيء مهما ولعلها تأثرت ب��روح التساؤل والجدل التي‬ ‫ك��ان ال معقوال‪ ،‬ب��دال من التساؤل والبحث بذرها في تالميذه‪ ،‬وقد صور أريستوفان‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫المسرحية ومالبساتها‪ ،‬قبل أن يخوض في‬ ‫عباب النص المليء باإلشارات واالقتباسات‬ ‫والشخوص‪ ،‬رغم أنه كتب بلغة كوميدية‪ ،‬وقد‬ ‫زاخر من‬ ‫ٍ‬ ‫بوفر‬ ‫خدم عتمان نص أريستوفان ٍ‬ ‫الحواشي اإليضاحية التي تجلي كثيرا من‬ ‫مبهمات النص‪ ،‬وتُ��ع��رّف بالشخوص التي‬ ‫يشار إليها‪.‬‬

‫والتعليل‪ .‬لقد نظر اإلغ��ري��ق إل��ى مظاهر‬ ‫الطبيعة التي تبهر السمع والبصر مثال‪،‬‬ ‫ففسروها تفسيرًا خرافيا أسطوريا‪ ،‬فإذا‬ ‫زمجر ال��رع��د ف��ي قبة السماء‪ ،‬وإذا فجر‬ ‫البرق صفحة األفق‪ ،‬وإذا َزئِرت الريح‪ ،‬وإذا‬ ‫تحملت السحب وانهمرت بالماء‪ ،‬كل ذلك‬ ‫لم يحاول اإلغريق قط أن يربطوه بأسباب‬ ‫طبيعية حسية‪ ،‬حتى ج��اء سقراط‪ ،‬فنظر‬ ‫ه��ذا الرجل ال��ذي فطر على التساؤل في‬ ‫األس��ب��اب‪ ،‬ودرس العلل‪ ،‬وراق���ب الظواهر‬ ‫الكونية عن كثب‪ ،‬وحاول أن يربط الظاهرة‬ ‫بالبدء‪ ،‬والمعلول بالعلة‪ ،‬والنتيجة بالسبب؛‬ ‫ب��ل ل��م يكتف ب��ذل��ك‪ ،‬ب��ل ح���اول أن يحرك‬ ‫المياه ال��راك��دة في عقول اإلغ��ري��ق‪ ،‬وشرع‬ ‫ينير ظالم عقولهم بتساؤله العلمي المؤسس‬ ‫على المالحظة والتجريب‪ ،‬فكان يناقش‬ ‫خاصتهم ومتعلميهم‪ ،‬ويجادلهم بالحجة‬ ‫والبرهان‪ ،‬بل كان يحاول أن يحرك عقول‬ ‫العامة بأسئلته التي ربما أثارت سخريتهم‬ ‫وضحكهم‪ ،‬ولم يسلم الساسة بالطبع وأولو‬ ‫النفوذ ف��ي حكومة أثينا م��ن سياط نقده‬ ‫وفلسفته‪ ،‬فضاق الجميع عامتهم وخاصتهم‬ ‫بروح التساؤل هذه التي جعل سقراط يبثها‬ ‫بين ظهرانيهم‪.‬‬

‫‪21‬‬


‫في مسرحيته هذه (أي مسرحية السحب)‬ ‫طائفة السوفسطائيين بوصفهم من تالمذة‬ ‫س��ق��راط‪ ،‬أو م��ن مريديه وأص��ح��اب��ه‪ ،‬مثل‬ ‫خايرفون وبروتوجوراس وكيسنفون‪.‬‬ ‫وقد يكون أريستوفان متحامال بشدة على‬ ‫سقراط في مسرحيته تلك؛ ألنه يصوره في‬ ‫هيئة رثة‪ ،‬وكالم مبتذل لم يعهد عن سقراط‬ ‫وحياته‪ ،‬إال إن الشاعر الكوميدي ‪ -‬أيا كان‬ ‫هو ‪ -‬قد درج على السخرية والتهكم‪ ،‬فال‬ ‫تنتظر منه أن يوقر أحدًا‪ ،‬بل أن يدخّ ر حقا‬ ‫لمفكر قد أغاظ العامة والخاصة بتساؤالته‬ ‫الفلسفية الملحّ ة‪.‬‬ ‫ومع كل هذا التحامل من أريستوفان على‬ ‫سقراط وتالميذه السوفطائيين‪-‬إن جاز‬ ‫التعبير‪ -‬إال إننا نظل مدينين لهذا الشاعر‬ ‫الكوميدي أيّما دين‪ ،‬ذلك ألنه أعطانا صورة المخلوقات من إنسان وحيوان ونبات وجماد‬ ‫تنبض بالحياة عن النشاط العقلي لمجتمع فيستخرجون العلل واألس��ب��اب‪ ،‬ويناقشون‬ ‫أثينا المتعلم في القرن الخامس قبل الميالد‪ .‬في االفتراضات واالحتماالت‪ ،‬ويختبرون‬ ‫إمكانية هذه الفرضية أم تلك‪ ،‬وف��وق ذلك‬ ‫لقد كان ذلك هو العصر الذهبي للحضارة‬ ‫قد أوتي القوم فصاحة في المنطق‪ ،‬وطالقة‬ ‫اإلغريقية‪ ،‬إذ كثر المتعلمون‪ ،‬وأثمرت بذور‬ ‫في الحديث‪ ،‬وقوة في اإلقناع؛ أال تذكر رأس‬ ‫التساؤل والبحث في جُ ��ل العلوم‪ ،‬كالفلك‬ ‫الديك الذي رماه الخادم بعيدًا عند طبخه‬ ‫والطبيعة والرياضيات واللغة‪ ،‬إنها حقا‬ ‫لقلة فائدته‪ ،‬ثم علم سيده بذلك فراح يلومه‬ ‫حقبة ذهبية تشابه عندنا إل��ى ح��د بعيد‬ ‫على صنيعه هذا ويعدد له ‪-‬في منطق بليغ‬ ‫العصر العباسي األول‪ ،‬خاصة الفترة التي‬ ‫وشواهد مقنعة‪ -‬الفوائد الجمة التي يحتوي‬ ‫ظهر فيها العالم األدي��ب المفكر أبوعتمان‬ ‫عليها رأس الديك‪ ،‬حتى ظل القوم يتحسرون‬ ‫الجاحظ‪ ،‬أل��م تر كيف ص��وّر الجاحظ في‬ ‫على ذلك الرأس الفقيد الذي لم يُغن عنه‬ ‫كتبه مثل (ال��ب��خ�لاء) و(ال��ب��ي��ان والتبيين)‬ ‫و(ال��ح��ي��وان) ال��ح��راكَ العقلي لجماعات اللحم والمرق شيئا!‬

‫‪22‬‬

‫والحق يقال‪ ،‬إن كل العلل والبراهين التي‬ ‫المثقفين ف��ي ع��ص��ره‪ ،‬إذ ك��ان��وا يناقشون‬ ‫في كل صغير وكبير‪ ،‬وكانوا يتأملون سلوك يتعلل بها بخالء الجاحظ هي علل فلسفية ال‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫وإذا عدنا إلى أريستوفان‪ ،‬في مسرحيته‬ ‫تلك التي يصور فيها سقراط وعصرييه‪،‬‬ ‫ويعرض فيها ح��راك السوفطائيين العقلي‬ ‫ونقاشهم‪ ،‬ل��وج��دن��ا أمثلة كثيرة يعرضها‬ ‫أريستوفان على سبيل السخرية والتهكم‪،‬‬ ‫فنرى مثال أن خايرفون‪ -‬صديق سقراط‪-‬‬ ‫ك��ان يتأمل سرعة مخلوق دقيق كالقملة‪،‬‬ ‫ف���أراد أن يقيس سرعتها‪ ،‬فأحضر لهذا‬ ‫الغرض شمعا مذابا‪ ،‬فغمس فيه القملة ثم‬ ‫سحبها‪ ،‬وبهذا استطاع خايرفون –كما يقول‬ ‫الشاعر ‪ -‬أن يقيس سرعة القملة في قفزها‪،‬‬ ‫وأما بروتوجوراس فانشغل في التفكير في‬ ‫مفردات اللغة اليونانية ودالالتها‪ ،‬فوقع في‬ ‫ح��ي��رة م��ن الكلمات ال��ت��ي ه��ي ف��ي معناها‬ ‫م��ؤن��ث‪ ..‬لكن ال يوجد لها عالمة ظاهرة‬ ‫للتأنيث! فطلع على القوم يلقنهم أن يقولوا‬ ‫للقدر التي يطبخ بها الطعام (ق��درة) حتى‬ ‫يكتمل تأنيثها‪ ،‬ثم نظر في كلمة (ديك) فوجد‬ ‫أنها مذكر‪ ،‬فقال إذن ِل َم ال يكون المؤنث من‬ ‫هذا المخلوق (ديكة) بدال من دجاجة! وراح‬ ‫يجادل الناس على هذا القياس؛ طبعا هذا‬ ‫تصوير ساخر ألع��م��ال ه��ذا اللغوي ال��ذي‬ ‫عاصر أريستوفان‪.‬‬ ‫ولم ينشغل السوفسطائيين في جدالهم‬ ‫بمثل ما انشغلوا بمعيار أو طريقة القياس‬ ‫العقلي‪ ،‬انظر إلى الشاب (فيديبيس) الذي‬ ‫أح��ض��ره أب��وه ليتعلم ف��ي م��درس��ة سقراط‬

‫لكن االبن استطاع في النهاية أن يستخرج‬ ‫علة منطقية يفحم بها خصوم والده الذين‬ ‫لطالما جرجروه في المحاكم لتحصيل فوائد‬ ‫ديونهم‪ ،‬فالمعروف أن اإلدارة اإلغريقية‬ ‫يومها‪ ،‬في القضاء والسياسة‪ ،‬كانت تعمل‬ ‫بالتقويم القمري‪ ،‬شأنها شأن عرب وسط‬ ‫الجزيرة العربية‪ ،‬وكان أوان تحصيل الديون‬ ‫في المحاكم اإلغريقية يتم في اليوم األخير‬ ‫من الشهر‪ ،‬ويسمون هذا اليوم األخير (اليوم‬ ‫ال��ذي ينتمي لشهرين) – باعتبار أن نصفه‬ ‫في الشهر السابق ونصفه اآلخر في الشهر‬ ‫الجديد‪ ،‬فطلع الولد على أبيه وهو يضرب‬ ‫��داس قائال‪ :‬وهل يصح في‬ ‫أخماسً ا في أس ٍ‬ ‫العقل أن ينتمي ي��وم إل��ى ش��ه��ري��ن؟! هذا‬ ‫اليوم ال وجود له مطلقا! لقد افحمهم الولد‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫تصدر إال عن عقل طبع على تقليب الرأي‬ ‫على وجوهه واستخراج الوجه اآلخ��ر منه‪،‬‬ ‫مما لم يألفه الناس‪ ،‬أو مما لم ينظروا إليه‬ ‫بالطريقة نفسها‪ ،‬آنذاك‪.‬‬

‫أمال أن يساعده يوما بقوة عارضته‪ ،‬فيدفع‬ ‫عنه معرة الدائنين الجشعين ف��ي ساحة‬ ‫المحكمة‪ ،‬فإذا به يقلب له ظهر المجن كما‬ ‫يقال؛ فبدال من أن ينفع االبن أباه ويساعده‬ ‫على بلواه‪ ،‬إذا به ينقلب عدوا له‪ ،‬ينهال على‬ ‫أبيه‪-‬ويا للهول‪ -‬بالضرب والتوبيخ! فيجأر‬ ‫األب بالشكوى ويقول‪ :‬هل استحق منك هذا‬ ‫يا بني؟ وقد ربيتك صغيرًا وحميتك وغذيتك‬ ‫حتى ص��رت إل��ى ما ص��رت! فينبري االبن‬ ‫قائال‪ :‬أل��م تكن تضربني قط وأن��ا صغير!‬ ‫فيتلعثم األب‪ :‬ف��ع�لا‪ ..‬ف��ع�لا‪ ..‬ربما حدث‬ ‫ذلك‪ ..‬لكن بقصد الخير لك‪ ،‬فيقول االبن‬ ‫عندها‪ :‬أليس من حقي أنا أيضا أن أقصد‬ ‫لك الخير!»؛ فتكون قوة العارضة هذه التي‬ ‫كان يرتجيها األب من ابنه جرأة بالغة على‬ ‫والديه!‬

‫‪23‬‬


‫بالمنطق‪:‬‬

‫ف��ك��ي��ف ي��ص��ح ف���ي األذه�������ان ش��يء‬ ‫إذا اح����ت����اج ال���ن���ه���ار إل�����ى دل���ي���ل؟‬ ‫ويضيق الوالد بالدائنين أيما ضيق‪ ،‬ويأتي‬ ‫أح��د ه��ؤالء الدائنين المرابين إل��ى منزله‬ ‫فيقول له‪ :‬إن كنت تشكو من ضائقة‪ ،‬فادفع‬ ‫إلي (فوائد) الدين فقط‪ ،‬أي نتاجه‪ ،‬نتاجه‬ ‫فقط‪ .‬فيقول الوالد‪:‬‬ ‫ نتاج؟ وما هذا النتاج؟ هل الديون وحوش‬‫تتوالد وتتكاثر؟‬ ‫ وهل تظن غير ذلك؟ فالديون تنمو وتزيد‬‫كل شهر وكل يوم‪..‬‬ ‫ ‬ ‫ ‬‫ ‬ ‫‪ -‬‬

‫وهنا‪ ،‬يستفيد الوالد العجوز من حجاج‬ ‫تساؤال ومناقشة‪ ،‬وقد كان على غير وئام مع‬ ‫السوفسطائيين فيقول‪:‬‬ ‫الهيئة الحاكمة ورجال اإلدارة‪ ،‬إال إنه لم يكن‬ ‫حسن‪ ،‬أتظن أن البحر اآلن أكبر مما كان‬ ‫بتلك الصورة الساخرة المزرية التي عرض‬ ‫عليه فيما مضى؟‬ ‫تفصيالتها أريستوفان‪ ،‬وسقراط رجل عظيم‬ ‫فيقول الدائن‪:‬‬ ‫قد آثر وال يزال يؤثر في فكر اإلنسانية حتى‬ ‫إنه بحاله هو‪ ،‬وكيف يصح أن يكون البحر يومنا هذا‪ ،‬ويكفي أنه ضرب المثل للناس‬ ‫في الثبات على المبدأ‪.‬‬ ‫أكبر من نفسه؟‬

‫ فيجيب ُه الوال ُد المدينَ‪:‬‬ ‫ واآلن أيها البائس اللئيم‪ ،‬إذا كان البحر‬‫ال���ذي ت��ص��بّ فيه ك��ل األن��ه��ار ال ي��زداد‬ ‫حجما قط‪ ،‬فكيف تطالب بنقود أكثر من‬ ‫نقودك‪ ،‬وتزعم أنها تزيد؟‬

‫‪24‬‬

‫وف���ي ال��ح��ق‪ ،‬إن ص����ورة س��ق��راط عند‬ ‫أريستوفان قد علتها سحاب ٌة من التحامل‬ ‫والتحيز والظلم‪ ،‬وقد يكون سقراط مختلفًا‬ ‫عن معاصريه بكل تأكيد‪ ،‬وقد يكون أكثرهم‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫وال أشك قط أن المترجم القدير أحمد‬ ‫عتمان قد انزعج من تحامل أريستوفان على‬ ‫س��ق��راط‪ ،‬ول��م يرتح إل��ى ال��ص��ورة الساخرة‬ ‫التي رسمها الشاعر لهذا الرجل المفكر‬ ‫العظيم‪ ،‬ولعله بعدما انتهى م��ن ترجمة‬ ‫مسرحية (السحب) قد ساءته هذه الصورة‬ ‫عن سقراط‪ ،‬لذا‪ ..‬فقد شرع هو –أي أحمد‬ ‫عتمان‪ -‬بعد ذلك في كتابة مسرحية يصوّر‬ ‫فيها حياة سقراط تصويرًا أقرب إلى الحياد‬ ‫من تصوير أريستوفان‪ ،‬وكأنه يعيد ترتيب‬


‫وقد نشر عتمان مسرحيته الجديدة هذه‬ ‫تحت عنوان (حسناء في سجن سقراط)‪،‬‬ ‫وفيها يعرض هذا المترجم الكاتب صفحات‬ ‫من حياة سقراط في شكل مشاهد مسرحية‪،‬‬ ‫تُرينا كيف ك��ان يتعامل س��ق��راط م��ع أهله‬ ‫وتالميذه‪ ،‬ومع سائر معاصريه من شعراء‬ ‫وساسة وقادة ورجال دين‪.‬‬ ‫وف���ي ال��ح��ق‪ ،‬إن ع��ت��م��ان ق��د أج���اد في‬ ‫تصوير حياة سقراط مع الناس‪ ،‬كما أجاد‬ ‫في تمثيل طريقته في الحوار‪ ،‬ومعروف أن‬ ‫سقراط ك��ان يُدخل كل مَ��ن يتكلم معه في‬ ‫ح��وار‪ ،‬يبدأ بطرح أسئلة مترابطة‪ ،‬ليصل‬ ‫معه ف��ي النهاية إل��ى خطأ التصور ال��ذي‬ ‫يحمله المحاور‪ ،‬فمثال هو يأتي إلى أحد‬ ‫الصناع ممن يصنع التماثيل‪ ،‬والصانع طبعا‬ ‫رجل من العامة ينحت تماثيل آللهة اليونان‬ ‫وأساطيرهم‪ ،‬فيدخل الفيلسوف في حوار مع‬ ‫صانع التماثيل هذا‪ ،‬إلى أن يسأله سقراط‬ ‫كيف وصل إليك أيها الصانع أن شكل اآللهة‬ ‫هكذا؟ كيف علمت أنهم بهذه الصورة؟ من‬ ‫أنبأك أن هذا اإلله له رأس أسد؟ ومن قال‬ ‫لك إن��ه ممسك بصولجان؟ إل��ى آخ��ر هذه‬ ‫التساؤالت التي توقع صانع التماثيل في‬ ‫حيرة‪ ،‬وتجعله يتميز من الغيظ من سقراط‬ ‫ال��ذي يكشف له عن زي��ف تصوراته‪ .‬ومثل‬ ‫هذه الحوارات تجري أيضا مع الشاعر أو‬ ‫منشد معبد دلفي‪ ،‬فمن أين لك أيها الشاعر‬ ‫أن اإلله كذا دخل في عراك مع العمالقة أو‬ ‫وحوش البحر‪ ،‬واستنقذ منهم فالنا أو فالنة؟‬

‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫الصورة التي بعثرها أو ابتسرها اريستوفان‬ ‫في مسرحيته‪.‬‬

‫ويدخل الفيلسوف في حوار مع ديمقراطيا‬ ‫(حاكمة أثينا) أيضا‪ ،‬ومع حارس السجن‪،‬‬ ‫وال يمكن القارىء أن ينسى مقولة الشاعر‬ ‫أريستوفان في مسرحية أحمد عتمان وقد‬ ‫أفحمه سقراط في الحوار‪ :‬سقراط‪ ،‬أعرف‬ ‫أن الحوار معك ال ينتهي‪ ،‬الداخل فيه مفقود‬ ‫مفقود‪ ،‬ويكفي أنك أفسدت علينا العرض‬ ‫المسرحي‪ ،‬وسأفقد الجائزة بسببك‪ ،‬فدعنا‬ ‫نمارس عملنا! ومثل ه��ذه العبارة األخيرة‬ ‫قالها شي ٌخ ل��ـ «ط��ه حسين» الصبي ال��ذي‬ ‫أثار سؤاال عن مسألة مشكلة في الدرس‪،‬‬ ‫فما كان من الشيخ إال أن قال‪ :‬اسكت أيها‬ ‫األعمى وال تفسد علينا شغلنا‪.‬‬ ‫لكن‪ ،‬لعل من أطرف تلك المواجهات التي‬ ‫يعرضها عتمان‪ ،‬هذه الحوارات التي تجري‬ ‫بين سقراط وزوجته‪ ،‬والمعروف تاريخيا أن‬ ‫سقراط لم يكن على وئام عائلي مع زوجته‬ ‫(ك��س��ان��ث��وال)‪ ،‬بمعنى أن أم���وره أو ملفاته‬ ‫الداخلية كانت مفتوحة على ال���دوام‪ ،‬لذا‬ ‫فقد انتهز الكاتب هذه الحقيقة التاريخية‪،‬‬ ‫وراح يقلب النظر في بعض الصور الفكاهية‬ ‫(ال��ك��وم��ي��دي��ة) ع��ن ب��ي��ت س��ق��راط وأم���وره‬ ‫الداخلية‪ ،‬لقد كان سقراط وزوجته طرفي‬ ‫نقيض حقاً‪ ،‬هذا رجل مفكر فيلسوف مطبوع‬ ‫على التساؤل والتأمل واالستغراق‪ ،‬وهذه‬ ‫زوجة ربة بيت‪ ..‬تحتاج إلى رجل طوع هواها‪،‬‬ ‫ينغمس في مشكالت البيت‪ ،‬ويشاركها هموم‬ ‫األوالد‪ ،‬ويرافقها هنا وهناك‪.‬‬ ‫ل��ق��د ك���ان س��ق��راط منصرفا ع��ن عالم‬ ‫الزوجة والبيت إلى عالمه الخاص‪ :‬التأمل‬ ‫واالس��ت��غ��راق‪ ،‬ك���ان أش��ب��ه م��ا ي��ك��ون برجل‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪25‬‬


‫‪26‬‬

‫تحت تأثير مغناطيسي‪ ،‬مستغرقا دائما في ‪ -‬الخادمة‪ :‬إنه ال يزال يهذي يا سيدتي!‬ ‫فيه راجل بيولد!‬ ‫تأمالته الحالمة‪ ،‬فتارة يتأمل في السحب‬ ‫وال��س��م��اء‪ ،‬وت���ارة يتفكر ف��ي أدي���م األرض‪ - ،‬كسانثوال‪( :‬تخاطب سقراط) إذاً‪ ،‬أنت‬ ‫وت��ارة ينهمك في عالمات استفهام عالقة‬ ‫من الفصيلة التي تلد يا حبيبي! وتلد‬ ‫يحاول معالجتها‪ ،‬وفي مثل هذه المواقف‬ ‫من رأسك‪ ..‬عجبي‪ ،‬إنك إذاً‪ ،‬مثل زيوس‬ ‫التأملية كان الكاتب عتمان يسلط مشاهده‬ ‫الذي ولد ابنته أثينة من رأسه!‬ ‫الفكاهية‪ ،‬وي��ج��رد شخصية س��ق��راط من‬ ‫ س���ق���راط‪ :‬ال‪ ،‬إن���ك ل��م تفهميني‪ ،‬ول��ن‬‫جاللها التاريخي لينتج لحظات كوميدية؛‬ ‫تفهميني طول عمرك! إن عملي فيلسوفا‬ ‫صحيح أنها مواقف تثير الضحك والعجب‬ ‫يشبه عمل أمي التي كانت تعمل قابلة‬ ‫من بعض أح��وال ذل��ك الفيلسوف الوقور؛‬ ‫تولد النساء الحوامل‪.‬‬ ‫ولكنها في الوقت نفسه وسيلة مسرحية‬ ‫يلجأ إليها الكاتب الفنان‪ ،‬ليخفف من حدة ‪ -‬كسانثوال‪ :‬ال تذكرني بها وبعملها أرجوك‪..‬‬ ‫هذا تاريخ قديم يجب أن ننساه‪ ..‬أنا بنت‬ ‫النقاش‪ ..‬بل الجدال الفكري السائد على‬ ‫األكابر وحماتي قابلة!‬ ‫فصول المسرحية؛ تنادي الزوجة صاحبنا‬ ‫الفيلسوف سقراط عله يفيق من نوبة التأمل ‪ -‬سقراط‪ :‬وأن��ا أساعد نفسي واآلخرين‬ ‫التي استولت عليه‪ ،‬وتكرر الزوجة النداء‬ ‫على توليد األفكار‪ ،‬أنا داية (قابلة)‪ ،‬يعني‬ ‫والصياح‪ ،‬ولكن صاحبنا ال يفيق من (جذبة‬ ‫مولد أفكار!‬ ‫التأمل) التي جمّدت كيانه‪ ،‬فتخطر على‬ ‫ويستمر المشهد على هذا النحو الفكاهي‬ ‫بالها فكرة بل فرصة عاجلة‪ :‬أن تغسل رأسه‬ ‫الذي تنجح فيه الزوجة في تنظيف زوجها‬ ‫المتسخ فيما هو غارق في تأمالته! فتطلب‬ ‫الفيلسوف‪ ،‬ال��ذي غ��رق ف��ي تأمالته حتى‬ ‫من الخادمة إحضار الماء والصابون فورًا‪،‬‬ ‫نسي العناية بنفسه‪ ،‬ومن ثم تجهزه وترتب‬ ‫وتشرع في صب الماء على رأس الفيلسوف!‬ ‫هندامه لكي يرافقها بصفتها إحدى سيدات‬ ‫ س��ق��راط‪( :‬ك��أن��ه يفيق م��ن ح��ل��م) م��اذا (المجتمع الراقي) كما هو الشأن بين علية‬‫تفعلين برأسي؟‬ ‫القوم‪ ،‬فيذهبان معا لمشاهدة أحد العروض‬ ‫ال��م��س��رح��ي��ة‪ ،‬وه��ن��اك ت��ح��ص��ل إح��راج��ات‬ ‫ كسانثوال‪ :‬أنظفها من كل ما علق بها‪ ..‬لقد‬‫وم��واق��ف ك��وم��ي��دي��ة أخ����رى‪ ،‬ألن صاحبنا‬ ‫اتسخت أكثر من الالزم‪( ،‬إلى الخادمة)‬ ‫الفيلسوف ليس متعودا على الهندام الراقي‬ ‫إليَّ بزجاجة من المطهر الطبي‪( ،‬تذهب‬ ‫أص�ل�ا‪ ،‬فكيف ل��ه أن يصبر عليه‪ ،‬وليس‬ ‫الخادمة وتحضر المطهر)‪..‬‬ ‫متعودا –وهو الرجل المباشر‪ -‬على أساليب‬ ‫ سقراط‪ :‬ولكنك تجهضين الفكرة التي النفاق االجتماعي‪ ،‬فكيف له إذاً‪ ،‬أن يتبادل‬‫كنت على وشك توليدها من رأسي!‬ ‫نظرات المجاملة مع اآلخرين؟ وفوق ذلك‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫وع��ل��ى أي��ة ح���ال‪ ،‬ليست ه��ذه المواقف‬ ‫الكوميدية إال بمثابة فاصل ترويحي بين‬ ‫المشاهد ال��ج��ادة‪ ،‬وم��ا أكثرها‪ ،‬وق��د صور‬ ‫أحمد عتمان في ه��ذه المشاهد سقراط‬ ‫فيلسوفا يحاول أن يُعلِّم الناس ويعوّدهم‬ ‫على التساؤل والنظر‪ ،‬ويذلّل لهم الوصول‬ ‫إل��ى الحقيقة عبر ط��رق تجريبية أو طرق‬ ‫تمحيصية؛ وبخاصة‪ ،‬إعادة النظر في نظام‬ ‫اآللهة‪ ..‬أو نظام الديانة اإلغريقية‪ ،‬الذي كان‬ ‫في مجمله مؤسسا على طريقة (إنا وجدنا‬ ‫آباءنا على أمة وإنا على آثارهم لمقتدون)‪.‬‬ ‫لقد فند سقراط التصور اإلغريقي للكون‪،‬‬ ‫وت��ح��كّ��م تلك ال��ش��خ��وص األس��ط��وري��ة التي‬ ‫اخترعتها مخيلة الشعوب القديمة‪ ،‬ولفت‬ ‫األنظار إلى أن تعدد اآللهة تصور مخالف‬ ‫وللحس؛ ومن ثم‪ ،‬يعد سقراط أول‬ ‫ّ‬ ‫للعقل‬ ‫ سقراط‪ :‬معنى هذا أنك وحكومتك لم‬‫داعية للتوحيد في بالد اليونان‪ ،‬وقد عرف‬ ‫تقتنعا بعدالة قضيتي إال بعد أن عال‬ ‫بين فالسفة المسلمين بهذه الدعوة‪ ،‬ألنهم‬ ‫ص��وت الناس بالهتافات‪ ..‬ومعنى هذا‬ ‫قالوا إن اليونان قضوا عليه بالموت ألنه‬ ‫أيضا أن االقتناع في بالدنا ال يتم إال‬ ‫شنع عليهم آلهتهم المزعومة‪.‬‬ ‫بالقوة والعنف‪ ..‬بالمظاهرات وأعمال‬ ‫وأخرى تستحق التنويه في صورة سقراط‬ ‫الشغب‪.‬‬ ‫ال��ص��ح��ي��ح��ة‪ ،‬إذ ع���رض ال��م��ؤل��ف عتمان‬ ‫ ديمقراطيا‪ :‬هناك حل أمثل‪.‬‬‫صاحبنا سقراط رمزًا مثاليًا لعالقة المثقف‬ ‫بالسلطة؛ أيعقل أن يوجد رجل يحكم عليه ‪ -‬سقراط‪ :‬ما هو؟‬ ‫بالموت لمجرد معارضته فكر الجماعة‪ ،‬ثم ‪ -‬ديمقراطيا‪ :‬الحكومة ستغمض عينها‬ ‫يرضى هو بهذا الحكم القاصم؟ إن سقراط‬ ‫تاركة المطلب الشعبي كي يتحقق‪.‬‬ ‫فيلسوف يحترم إرادة الشعب ويحترم قراره‪،‬‬ ‫ويرى في النهاية أن الحكم بإعدامه مادام ‪ -‬سقراط‪ :‬هذا لغز‪..‬‬ ‫يؤيده الشعب‪ ،‬فهو إذاً‪ ،‬قرار قد اتخذ قاعدة ‪ -‬ديمقراطيا‪ :‬ألم تفهم قصدي حتى اآلن؟‬ ‫وهنا في هذه الزنزانة حيث كان سقراط‬ ‫ينتظر أج��ل��ه ال��م��ح��ت��وم‪ ،‬ت��دخ��ل السلطة‬ ‫على الخط (ممثلة ف��ي رئيسة المحكمة‬ ‫ديمقراطيا)‪ ،‬بل تدخل عليه زنزانته وتقدم‬ ‫له كل مغريات الدنيا وطيباتها لكي ينخرط‬ ‫في سلك السلطة ويسير في قطارها‪ ،‬تدخل‬ ‫رئيسة المحكمة إلى زنزانة سقراط‪ ،‬وتوحي‬ ‫إليه أن هناك هتافا من الشعب ينادي بإطالق‬ ‫سراحه‪ ،‬وأنها ما جاءت إال لكي تذلل هذه‬ ‫اإلرادة‪ ،‬وتجعلها تتحق وينطلق الفيلسوف‬ ‫من إس��اره‪ ،‬ويلغي الحكم بإعدامه‪ ،‬يرفض‬ ‫سقراط هذا العرض؛ ألن الحكم عليه بني‬ ‫على إرادة شعبية‪ ،‬وهذه هتافات خارجة عن‬ ‫القانون‪ ،‬وسوف تحدث فوضى وأعما َل عنف‬ ‫ال يرتضيها هو‪:‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫ظل الرجل يتململ من ه��ذا ال��ح��ذاء الذي شعبية ترتكز على أس��س الديمقراطية‪،‬‬ ‫ضيّق على قدميه األفق الفسيح الذي كانتا ولذلك‪ ،‬فإنه قد قبل به‪ ،‬بل واحترمه‪ ،‬ومن‬ ‫تسبحان فيه (كان صاحبنا يسير حافيا أينما ثم رفض أن يغادر (أو قل يهرب من) سجنه‬ ‫ذهب)‪.‬‬ ‫عندما ذللت له السبل لذلك!‬

‫‪27‬‬


‫ سقراط‪ :‬عفوا‪ ،‬في هذه المسائل‪ ..‬أنا‬‫بطيء الفهم‪.‬‬ ‫ ديمقراطيا‪ :‬سأقولها لك بوضوح شديد‬‫وصراحة تامة‪ ..‬لقد سحبنا الحراسة من‬ ‫سجنك لكي نسهل لك عملية الخروج من‬ ‫هنا إلى الحياة!‬ ‫ سقراط‪ :‬ولكني سأخرج من هنا للموت ال‬‫للحياة‪ ...‬وهذا أفضل!‬ ‫ولعلك الحظت معي عدم ارتياح سقراط‬ ‫ألسلوب ال��م��داورة واإلل��غ��از والتلميح‪ ،‬وأنه‬ ‫يفضل األسلوب المباشر الواضح في الطرح؛‬ ‫ّ‬ ‫وهكذا تفلس محاوالت السلطة في استدراج‬ ‫سقراط إلى هاوية التسليم باألمر الواقع‬ ‫وال��ه��روب من السجن إل��ى أي مكان يشاء‪،‬‬ ‫ويفضل الفيلسوف أن يموت في بلده وهو‬ ‫ثابت على مبدئه‪ ،‬ويوجه مرافعته األخيرة‬ ‫إلى رئيسة المحكمة التي جاءت إلى داخل‬ ‫زنزانته تتوسل إليه‪ ،‬يقول‪( :‬ديمقراطيا‪،‬‬ ‫اعلمي أن ال حياة وال موت لسقراط خارج‬ ‫أثينا‪ ..‬وطني هو مهدي ولحدي كيفما كنت‪،‬‬ ‫ظالما أو مظلوما‪ ،‬سعيدا أو شقيا)‪.‬‬

‫‪28‬‬

‫ال��ظ�لام إل��ى داخ��ل السجن‪ ،‬وت��ص�لان إلى‬ ‫زن��زان��ة الحكمة التي يرقد فيها سقراط‪،‬‬ ‫تدخل المرأتان الزنزانة في احتراس شديد‪،‬‬ ‫لكن المفاجآة تعقد األلسنة‪ :‬ينظران فإذا‬ ‫سيدة حسناء قد استلقت في فراش سقراط‬ ‫ج���واره ب��ل ق��د سقط رأس��ه��ا على حجره‪،‬‬ ‫فيقضيان العجب من هذا الموقف الحرج‪،‬‬ ‫ويتبادالن حوارا وتساؤالت مضحكة مدارها‬ ‫ما الذي جاء بهذه المرأة الحسناء إلى زنزانة‬ ‫الحكمة لترقد جوار هذا الفيلسوف الوقور؟‬ ‫فالخادمة ‪-‬بطبيعتها المادية‪ -‬تثير الشكوك‬ ‫والريب في سلوك الرجال عامة وتقول ربما!‬ ‫ولعل! وعسى! والزوجة تستبتعد عن سقراط‬ ‫أي شائبة‪ ،‬ألنها لم تعهده إال طاهر الذيل‬ ‫نقي القلب عفيف النفس‪ ،‬المهم تصحو‬ ‫تلك الحسناء من رقادها ويظهر أنها رئيسة‬ ‫المحكمة ديمقراطيا‪ ،‬وتوضح للزوجة أن ما‬ ‫جاء بها هنا إال المساعدة في هرب سقراط‪،‬‬ ‫وتحث الزوجة‪-‬التي ما جاءت إال لهذا الغرض‬ ‫أيضا‪ -‬على إقناعه بالهرب‪ ،‬فتقترب الزوجة‬ ‫(كسانثوال) م��ن زوج��ه��ا س��ق��راط وتوقظه‪،‬‬ ‫بعد أن رأت على رأسه قملة قد استقر بها‬ ‫المقام في ذلك الرأس المهمل‪ ،‬فتهز الزوجة‬ ‫سقراط من سباته في ت��ؤده ورف��ق‪ ،‬فينظر‬ ‫صاحبنا فإذا زوجته‪:‬‬

‫هذا وال ينسى المؤلف عتمان أن يختم‬ ‫صورته الدرامية لسقراط بمشهد كوميدي‪،‬‬ ‫إذ إن رئ��ي��س��ة المحكمة دي��م��ق��راط��ي��ا قد‬ ‫أنهكهتها المحاولة اليائسة لترويض سقراط ‪ -‬سقراط‪ :‬يا للهول‪ ..‬هذا الكابوس المزعج‬ ‫واس��ت��دراج��ه إل���ى ال��ه��رب‪ ،‬فغلبها الجهد‬ ‫ال يفارقني!‬ ‫والتعب ف��ي زنزانته فسقطت نائمة على‬ ‫ال��ف��راش‪ ،‬وف��ي الليل تنجح زوج��ة سقراط ‪ -‬كسانثوال‪ :‬ال كابوس وال حلم‪ ..‬إنه علم يا‬ ‫حبيبي!‬ ‫وخادمتها في ال��وص��ول إل��ى ه��ذه الزنزانة‬ ‫أن��ت! كل ش��يء إذاً‪ ،‬في‬ ‫التي حبس فيها سقراط انتظارا إلعدامه‪ - ،‬س��ق��راط‪ :‬مَ��ن؟ ِ‬ ‫خ��ط��ر‪ ..‬ج��ئ ِ��ت تفسدين ع��ل��يَّ سجني‪..‬‬ ‫وهناك تحدث مفاجئة كوميدية‪ ،‬حيث تتسلل‬ ‫الزوجة والخادمة إلى الزنزانة تحت جنح‬ ‫تضيقين علي رح��اب��ت��ه‪ ..‬تضيعين عليَّ‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫ س��ق��راط‪ :‬أال يمكن أن تؤجلي كالمك‬‫يومين أو ثالثة؟‬ ‫ كسانثوال‪ :‬مستحيل‪ ..‬ال بد أن تسمعني‬‫قبل الرحيل‪ ..‬ثم إني سأصحبك‪.‬‬

‫ س��ق��راط‪ :‬تصحبينني! ه��ذا يعني أنك‬‫لن تتركيني حتى في العالم اآلخ��ر بعد‬ ‫الموت!‬ ‫‪ -‬كسانثوال‪ :‬طبعا‪.‬‬

‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫متعة التأمل في لحظاتي األخيرة!‬ ‫فأراد أن ينصفه بطريقة ما‪ ،‬ألن هذا الرجل‬ ‫ كسانثوال‪ :‬تأمل؟ هذا هو ما أوصلك إلى ال��ع��لَ��م ت��دي��ن ل��ه البشرية ب��أص��ول البحث‬‫وال���درس وال��ن��ظ��ر‪ ،‬وه��و ق��ام��ة عظيمة من‬ ‫التقمل!‬ ‫رم��وز الفكر والفلسفة‪ ،‬وال يمكن للبشرية‬ ‫ سقراط‪ :‬إذاً‪ ،‬فدعيني وشأني (يحاول أن‬‫مطلقا تمرير تحامل أريستوفان أو التغاضي‬ ‫يجري)‪..‬‬ ‫عنه؛ ألنه قدم صورة مغلوطة عن فكر ذلك‬ ‫ كسانثوال‪ :‬إلى أين؟ (تمسك بتالبيبه) لن الرجل العظيم وطريقته في الحوار والدرس‬‫أتركك ترحل قبل أن تسمعني‪.‬‬ ‫والتأمل‪.‬‬ ‫بقي في الجعبة مسألة خليقة بالتأمل‪ ،‬أال‬ ‫وهي‪ :‬هل قدم أحمد عتمان في مسرحيته‬ ‫أيضا صورة أخرى تمثل المثقف وزوجته؟‬ ‫طبعا ال نتصور أنها صورة كلية تنسحب على‬ ‫كل مثقف مع زوجته‪ ،‬أو كل مثقفة مع زوجها‪،‬‬ ‫ولكن ال��ذي ال شك فيه هو تباعد الميول‬ ‫وتخالف االتجاهات وتناقض االهتمامات‬ ‫بين الطرفين‪ ،‬وهذا هو الذي يحدث بين كل‬ ‫زوجين حقا‪ ،‬سواء أكان أحدهما أو كالهما‬ ‫مثقفين‪ ،‬ولعلها من سنن الخلق والحياة‪ ،‬وكلٌّ‬ ‫مُيسَّ ٌر لما خُ ِل َق له‪.‬‬

‫ويستمر الحوار بين الفيلسوف وزوجته‬ ‫ع��ل��ى ه����ذا ال��ن��ح��و ال��س��اخ��ر ال��م��ض��ح��ك‪،‬‬ ‫الفيلسوف ينشد االنعتاق والخالص والتوجه‬ ‫م��ن ج��ه��ة أخ����رى‪ ،‬ق��د ي���رى بعضهم أن‬ ‫إلى عالم السماء‪ ،‬والزوجة تتشبث به وتشده‬ ‫سقراط وزوجته يمثالن مذهَ بين أو منهجين‬ ‫إلى عالم األرض‪.‬‬ ‫متقابلين من مناهج البحث وح ِّل المشكالت؛‬ ‫وال��خ�لاص��ة أن ال��زوج��ة رغ���م أن��ه��ا قد فسقراط يغلب عليه التأمل ودراسة النماذج‬ ‫اصطحبت األوالد‪ ،‬تفشل أيضا فشال ذريعا المثالية الكاملة‪ ،‬ومحاولة تطبيقها أو ‪-‬إن‬ ‫في استدراج سقراط إلى الهرب واإلفالت شئت‪ -‬ضغطها وتركيبها على الواقع؛ بينما‬ ‫من حكم المحكمة‪ ،‬ويظل سقراط قابعا في زوجته تستند إلى منطق الواقع وتنطلق منه‪،‬‬ ‫سجنه‪ ،‬ثابتا على مبدئه‪ ،‬راضيا بما تؤول وتلتصق بهذا الواقع أيما التصاق‪ ،‬فتستبعد‬ ‫إليه األمور‪ ،‬منتظراً حتفه صباحا باحتساء أي فرضيات مثالية نموذجية مثل تلك التي‬ ‫كأس السم القاتل كما حكمت عليه المحكمة‪ .‬كان يطلع بها زوجها الفيلسوف‪ .‬وهذه أيضا‬ ‫تلك هي من أهم المنعطفات في مسرحية تمثل سنة يتمايز فيها الناس ويختلفون في‬ ‫��رئ من‬ ‫أحمد عتمان‪ ،‬وقد رأينا أن عتمان لم تعجبه الرؤية والمنهج والطرح‪ ،‬و‪/‬لكل ام ٍ‬ ‫صورة سقراط المتحاملة لدى أريستوفان‪ ،‬رأيه ما تعوّدا ‪/‬كما يقول المتنبي‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪29‬‬


‫قراءة نقدية في مجموعة‬ ‫(اعتذار قبل الموت)‬ ‫‪ρρ‬د‪ .‬صالح معيوض الثبيتي*‬

‫إذا تأملنا عنوان المجموعة القصصية (اع��ت��ذار قبل الموت‪ ،‬قصص قصيرة‬ ‫جدً ا)‪ ..‬للقاصة مريم خضر الزهراني نالحظ من كلمتي (قصيرة جدا) أنها أقصر‬ ‫من المألوف من القصر‪ ،‬ويؤكد لنا ذلك نصوص بعض القصص التي لم يتجاوز‬ ‫عدد كلماتها اثنتي عشرة كلمة‪ ،‬كما هو الحال في روائع األديبة المسماة (مسافة‬ ‫كبيرة)‪ ،‬و(أحالم اليقظة)‪ ،‬و(غفوة)؛ بل إن أطول قصص المجموعة على اإلطالق‬ ‫لم يصل عدد كلماتها المائتي كلمة كما هو الحال في واحدة من أبلغ ما خطت‬ ‫القاصة في هذه المجموعة (انتظار)؛ إذ حوت تلك القصة جميع عناصر القصة‬ ‫المتعارف عليها أدبياً‪ ،‬مستوحيةً معانيها ومفرداتها من عالمي الواقع والخيال‪،‬‬ ‫أضف إلى ذلك إضافة جوهر القص القرآني والخيالي‪ ،‬فكان النتاج تاج ًا قصصيًا‬ ‫زيّ��ن كامل المجموعة بنص هيئته قامة كقامة ال��ق��اص��ة‪ ،‬واس��ع ال��م��دار كاتساع‬ ‫ثقافتها وملكتها األدبية‪.‬‬ ‫من المألوف أن تسمى الحكاية (وهي‬ ‫دون الرواية) قصة؛ ألنها تقص للقارئ‬ ‫مسيرة الموضوع أو سيرته‪ ،‬ولنا في‬ ‫كتابنا المعظم الكريم قدوة حسنة‪ ،‬إذ‬ ‫سميت سورة القصص بهذا االسم؛ ألنها‬ ‫حوت قصة سيدنا موسى عليه السالم‬ ‫منذ الميالد وحتى زمن الرسالة‪.‬‬

‫‪30‬‬

‫جاء اختيار قصة (اعتذار قبل الموت)‬ ‫عنوانًا واسمًا لكل المجموعة‪ ،‬ليقودنا‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫إل��ى التفكر ف��ي اللونية المخطوطة‬ ‫األق��رب ألف��ق الكاتبة؛ فلماذا يتأسف‬ ‫المحتضر وه��و على ف��راش ال��م��وت‪..‬‬ ‫و ِلمَن يعتذر؟ إطار شجي مليء بالحزن‪،‬‬ ‫مفعم بالرمزية‪ ،‬يجعل ذهن القارئ كثباً‬ ‫باالستفهام الذي يجعل القارئ شريكًا‬ ‫للقاصة؛ ن��ظ��رًا الجتهاده ف��ي اإلجابة‬ ‫ع��ن المبهم م��ن ت��س��اؤل‪ .‬ع��ل��ي��ه‪ ،‬وم��ن‬ ‫غالف المجموعة الخارجي‪ ،‬استطاعت‬


‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫القاصة أن تثير فضول القارئ ولهفته‪ ،‬ليعلم‬ ‫حقيقة ما سبق االعتذار وما تاله من ردة فعل‬ ‫أو حدث‪ ..‬ولعمري إنه معيار لمقدرة وملكة‬ ‫كاتبة كبيرة في عصر الحداثة تكتب بمنظار‬ ‫الرمزية‪.‬‬ ‫وبما أن ف��ن القص ال��رم��زي القصير‪،‬‬ ‫بمفهومه الحالي المتطور بأسسه وتقنياته‬ ‫ال��ح��دي��ث��ة‪ ،‬وس��م��ات��ه وخصائصه المميزة‪،‬‬ ‫ظاهرة تنتج عنها المجموعة القصصية؛‬ ‫وه��و م��ا تختلف فيه ت��م��ام االخ��ت�لاف عن‬ ‫مفهوم ال��رواي��ة وال��م��س��رح��ي��ة؛ إذ اتخذت‬ ‫القاصة مجتمع األمة العام مكاناً تستوحي‬ ‫منه الحدث الواقعي في حضوره وحدثه‪،‬‬ ‫ويتجلى ذل��ك ف��ي بعد القاصة ع��ن األط��ر‬ ‫التقليدية للقصة ال��ق��ص��ي��رة‪ ..‬واهتمامها‬ ‫بالواقعية‪ ،‬وتركيزها على الشعور (مع الميل‬ ‫الستخدام مفردات ومعاني الشجن)‪ ..‬مع‬ ‫االهتمام باإلنسان والمكان والسعي إلى كسر‬ ‫البنية التقليدية من ناحية الفن والمضمون‪،‬‬ ‫وهذا هو ديدن عصر الحداثة‪ ،‬وهي مظهر‬ ‫من مظاهر الرفض لواقع المآسي المعاش‬ ‫ف��ي أدب القصة القصيرة‪ .‬فنجد تعبيرًا‬ ‫حقيقيًا عن واقع معاصر يسرد في ثوب أدبي‬ ‫مختصر أنيق‪ ..‬مسترسال مصورًا جانباً من‬ ‫مجتمعنا المعاش‪ ،‬متسائال أين القيم الدينية‬ ‫الفاضلة؟ وراف��ض��ا ك��ل م��ا ينبىء بالخروج‬ ‫عليها‪ ،‬ويقود لذلة المجتمعات اإلسالمية‪،‬‬ ‫ويسعى لهدم قيمها األخالقية‪ .‬وفي أحيان‬ ‫أخ��رى يخال للقارئ أن الكاتبة تُعبِّر عن‬ ‫معاناتها عبر تيار الوعي – من خالل الحديث‬ ‫النفسي‪ ،‬أو المناجاة‪ ،‬م��ا يوحي بتأثرها‬ ‫ال��واض��ح ب��ال��ت��ي��ارات الحديثة كالسريالية‬

‫والرمزية وغيرهما‪ ،‬من خالل مزج الواقعي‬ ‫بالفانتازي‪ .‬مستنبطة فكرتها م��ن األدب‬ ‫العربي ون��ص��وص ال��ق��رآن الكريم والسُّ نة‬ ‫ال��ش��ري��ف��ة‪ ،‬وال��ت��راث ال��ح��دي��ث‪ ،‬وال��ت��ج��ارب‬ ‫الحياتية المعاشة‪ ،‬التي تعبر عن المجتمع‬ ‫وحدث واقعي‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫المعاصر في قالب قصصي‪،‬‬ ‫في حضوره وفعله؛ إذ تستنبط القاصة مادة‬ ‫القصة من الواقع‪ ،‬وتلتقط اللحظة المهمة‪،‬‬ ‫ليبدأ منها سردها للحدث‪ ،‬بعد أن تجرده من‬ ‫متعلقاته‪ ،‬مع االقتصاد في الوصف وحذف‬ ‫ال��رواب��ط واإلض����اءات‪ ،‬وتقديم المفاجآت‬ ‫الواقعية التحليلية والرومانسية الجديدة‪:‬‬ ‫أي إنها بمثابة رؤية فردية للكاتبة تتضح من‬ ‫خاللها سرعة التواتر ودقة االلتقاط وقصر‬ ‫الشريط اللغوي وكثافته؛ ليظهر ذلك رؤية‬ ‫الكاتبة فيما ينبغي أن تكون عليه العالقات‬ ‫نص‬ ‫اإلنسانية‪ .‬وكما هو معلوم أن ميزة أي ّ‬ ‫أدب��ي تتمثل أدبيته في كيفية أداء داللته‪،‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪31‬‬


‫ولتكتمل هذه الداللة في مخيلة القارئ‪ ..‬ال‬ ‫ب ّد من إظهار العالقة التي تظهر المفارقة بين‬ ‫عالم الواقع المعاش وداللة العالم المنشود؛‬ ‫وهذا ما نفتقده في هذه المجموعة القصيرة‪،‬‬ ‫نقصا أو تقصيرًا‪ ،‬بل‬ ‫وهذا االفتقاد ال يمثل ً‬ ‫هو متعمد من قبل القاصة التي أرادت أن‬ ‫تجعل لها بصمة فنية خاصة ب��ه��ا‪ ..‬وهي‬ ‫تنتهج وتحذو حذو مدرسة الواقعية الرمزية‬ ‫الحديثة في عالم القصة القصيرة الحالي‬ ‫(مرحلة النضج واالزده��ار والتنوع)‪ ،‬ويتضح‬ ‫ذلك في تمرد القاصة في غالبية قصصها‬ ‫على عناصر القصة القصيرة وأدواتها؛ فأي‬ ‫عمل أدبي بحاجة إلى أساسات مقتناة من‬ ‫وقع النظم الشعوري‪ ،‬يجسده بطل وحدث‬ ‫وصراع وعقدة وحل ومن ثم الخاتمة‪ ،‬فنجد‬ ‫عنصر (الفكرة والمغزى) هو عنصر أساس‬ ‫في جميع قصص المجموعة‪ ،‬إذ تتجلى مقدرة‬ ‫الكاتبة في إيضاح الهدف الذي تعرضه في‬ ‫القصة‪ ،‬وإيضاح الدرس والعبرة التي تريد‬ ‫منا تعلُّمهما‪ ،‬مستوحية ذلك من النصوص‬ ‫القرآنية (ف�� ّر ال��زوج عن أم��ه وأبيه وزوج��ه‬ ‫وبنيه – قصة أغصان جافة‪( )-‬السيل العرم‬ ‫ قصة ذوبان ‪( ،)-‬قطوف دانية‪ ،‬المطهرون‬‫– ق��ص��ة ف��ي��ض��ان ال��ن��ه��ر ‪( )-‬ري����ح صرصر‬ ‫عاتية‪ ،‬كالعرجون‪ -‬قصة حروف متناثرة‪،)-‬‬ ‫(أال بذكر اهلل تطمئن القلوب ‪-‬قصة قلق‬ ‫مع القمر‪( ،)-‬العتيا‪ ،‬السندس الخضر –‬ ‫قصة غصة غربة‪- -‬قصة انتظار)‪ ،‬و(الغلو‪،‬‬ ‫المنابر ‪ -‬قصة حواجز بشرية ‪ ،)-‬والشعر‬ ‫(خدعوها بقولهم حسناء‪-‬قصة غرور ‪ ،-‬لما‬ ‫اشتد ساعده رماه – قصة صداقة مالية ‪،-‬‬ ‫آلة حدباء ‪ -‬قصة مؤامرة‪ ،)-‬والتراث واألدب‬

‫‪32‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫وال��ش��ارع (كظاهرة أطفال ال��ش��وارع ‪-‬قصة‬ ‫فضاء ح��ر‪ -‬و‪ -‬قصة حائط متصدع – و–‬ ‫قصة طفل النفايات –قصة انسداد حنجرة‪-‬‬ ‫و‪ -‬قصة حفرة ال��م��وت)‪ .‬وه��ذا دليل على‬ ‫غ��زارة مخزونها األدب��ي والمعرفي بالثقافة‬ ‫العامة‪ ،‬وسماحة ورحمة الدين اإلسالمي‪،‬‬ ‫وظواهر المجتمع بكل فعالياته االجتماعية‬ ‫(‪-‬ق��ص��ة تقنية‪ -‬قصة راق��ص��ة محترفة‪-‬‬ ‫ظاهرة زواج القصر‪ -‬قصة زغاريد الموت‬ ‫– وحياة األبوين على كبر بمعزل عن ذريتهم‬ ‫ومعاناة حنينهما بعد زواج أنجالهما – قصة‬ ‫نبض أمومة –‪ ،‬و‪-‬قصة فتاة فخورة‪ -‬و‪-‬قصة‬ ‫أيضا ظاهرة تعدد‬ ‫انتظار‪ -‬قصة إحسان‪ً ،-‬‬ ‫الزوجات كما تراها الكاتبة ‪-‬قصة تضحية‪-‬‬ ‫وظ��اه��رة ان��ت��ش��ار ال��ط�لاق‪-‬ق��ص��ة انفصال‬ ‫نهائي‪ )-‬وع��ادات��ه وتقاليده (‪-‬قصة شرف‬ ‫عانس‪ -‬و‪-‬قصة انفصال‪.)-‬‬ ‫كان الموت حاضرا في العديد من القصص‬ ‫بل ختمت به مجموعتها في قصة نهاية‪ .‬أما‬ ‫إذا بحثنا عن العنصر الثاني للقصة وهو‬ ‫(ال��ح��دث) وه��و مجموعة األف��ع��ال والوقائع‬ ‫المرتبة ترتيبا سببياً‪ ،‬نجد أن القاصة تركت‬ ‫للقارئ متسعاً أدبياً كي يشاركها في تحقيق‬ ‫وحدة الهدف‪ ،‬إذ يجد القارئ نفسه متسائال‬ ‫باحثا عن إجابة (كيف وأين ومتى ولماذا وقع‬ ‫الحدث؟)‪ ،‬وه��ذا يحسب للقاصة برمزيتها‬ ‫المكثفة التي عمدت منها أن يكون القارئ‬ ‫مطلعا ومشاركا‪ ..‬وليس مطلعًا فقط‪ ،‬لذلك‬ ‫إذا بحثنا عن عنصر (العقدة)‪ -‬وهي مجموعة‬ ‫من الحوادث ذات االرتباط الزمني الموحّ د ‪-‬‬ ‫فقلَّ أن نجدها؛ ألن القاصة عمدت تركها‬ ‫لفطنة القارئ وهو يفكر ويسائل نفسه ‪ -‬ما‬


‫أما عنصر الشخوص فنجده مجمال في‬ ‫غالبية القصص‪ ،‬فمن المألوف أن يختار‬ ‫الكاتب شخوصه عادة من الحياة‪ ،‬ويحرص‬ ‫على عرضها في عدة أبعاد واضحة‪ ،‬تحدد‬ ‫الجنس ووص��ف الجسم والعمر والعيوب‪،‬‬ ‫وأي��ض��ا توضح البعد االجتماعي الثقافي‬ ‫للشخصية‪ ،‬إضافة إلى البعد النفسي المتمثل‬ ‫في السلوك واألداء والمزاجية؛ لذلك‪ ،‬نجد‬ ‫عنصر الشخوص ف��ي الغالب األع��م يمثل‬ ‫��ام في معظم القصص‪ ،‬بأمر‬ ‫غيابًا شبه ت ٍ‬ ‫الكاتبة التي استندت على اإليحاء بالرمزية‬ ‫المطلقة‪ .‬ويتبين ذلك في األداة التي اعتمدت‬ ‫عليها ف��ي س��رده��ا القصصي‪ ،‬والمتمثلة‬ ‫معين يجعل الفعل‬ ‫ٍ‬ ‫حدث‬ ‫ٍ‬ ‫في االستفادة من‬ ‫واألشخاص يعبرون عنه‪ ،‬أو يجسدونه في‬ ‫رمزية مجملة‪ ،‬فنجدها كثيرًا ما تعبر عن‬ ‫صوت منفرد لواحد من جماعة مغمورة‪ ،‬أو‬ ‫مجتمع مقهور أو مكسور الجناح‪ ..‬كما هو‬ ‫الحال في قصتي خيانة وحضن الشاطىء‪..‬‬ ‫ففي األولى ترمز الكاتبة لظاهرة التدخين‪،‬‬ ‫وفي الثانية لظاهرة الهجرات غير الشرعية‬

‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫هو الصراع ال��ذي ت��دور حوله القصة؟ أهو‬ ‫ص��راع داخ��ل��ي أم خ��ارج��ي؟ (قصة جلطة)‬ ‫وم���اذا ح���دث‪ ..‬وم��ا ه��ي المتغيرات التي‬ ‫حدثت منذ بدء الحدث وحتى انتهائه؟ وهل‬ ‫هي أحداث مقنعة أم مفتعلة؟ فمجمل إجابة‬ ‫التساؤالت يقود القارئ إلى (الحل)‪ ..‬وهو‬ ‫العنصر الرابع للقصة ال��ذي غاب ظاهريًا‬ ‫وحضر مستترًا في المجموعة بأمر القاصة‬ ‫المتمكنة أدبيا ولغويا‪.‬‬

‫بالمراكب الشراعية‪ .‬وذلك نتاج حصاد ‪-‬في‬ ‫تقديري‪ -‬إعجابها بمدرسة القصة القصيرة‬ ‫(السيكولوجــية) وتأثرها بها‪ .‬فكثيرا ما نجد‬ ‫القاصة تطمح إلى تصوير اإلنســان وعكس‬ ‫أفكــاره الداخلية والنفسية‪ ،‬وتفند مشــاعره‬ ‫خفية‬ ‫ٍ‬ ‫وأحاسيسه‪ ،‬وتتحدث دائمـا عن أشياء‬ ‫في دواخله‪ .‬فنجدها تكثر من النماذج التي‬ ‫تستدر الدموع وتدغدغ العواطف كما في‬ ‫قصتي أمل تبخّ ر واعتراف مختلف‪ ،‬وكأنها‬ ‫تسير مسرعة على أثر المجددين من أمثال‬ ‫الشاعر حسن عبداهلل القرشي‪ ،‬بديع زمانه‬ ‫ورائ��د تلك المدرسة في ثمانينيات القرن‬ ‫الماضي‪ .‬ويتجلى ذلك في حرص القاصة‬ ‫على ال��وح��دة بين الشكل والمضمون‪ ،‬مع‬ ‫اإلي��ج��از وال��رم��ز والبعد ع��ن التخلص من‬ ‫مظاهر ال��ت��ره��ل اإلن��ش��ائ��ي وال��ح��دث��ي‪ ،‬مع‬ ‫التركيز على قوة الحدث (ظاهرة األخطاء‬ ‫الطبية –قصة ميالد ح��زي��ن)‪ ،‬مع االلتزام‬ ‫الفني والواقعي واختيار الشخوص من نماذج‬ ‫م��أزوم��ة مختلفة‪ ،‬حتى يصل ال��ق��ارئ إلى‬ ‫مرحلة ما يسمى باإلشباع الذهني بالواقعة‬ ‫والتنوير بها وهو ما يقود إلى الهدف‪.‬‬ ‫وفي الختام‪ ،‬نجد أن القدوة األخالقية‬ ‫كانت حاضرة في مجمل ما سطّ رته القاصة؛‬ ‫وعليه‪ ،‬أم��ام ه��ذا الكم الهائل المقدر من‬ ‫التجارب والمواعظ والحكم أج ُد يَراعي قد‬ ‫وعجز عن الوقوف‬ ‫تقزَّم أمام تلك النصوص‪ِ ،‬‬ ‫على مواطن القوة والضعف فيها‪.‬‬

‫ * رئيس اللجنة الثقافية بنادي الطائف األدبي الثقافي‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪33‬‬


‫رواية «أبناء األدهم» لجبير المليحان‬ ‫الواقعية السحرية بنكهة عربية‬ ‫‪ρρ‬هشام بن الشاوي*‬

‫أسطرة السرد والمكان‬

‫تعد القربة مستودع الحكایا اآلسرة‪ ،‬وقد استطاع القاص والروائي السعودي‬ ‫جبیر الملیحان بحنینه الجارف إلى قریته‪ /‬إلى عذریة المكان األول ورحم الحیاة‬ ‫البكر أن یبدع ترنيمة للهوامش البشریة‪ ،‬وهو یكتب برهافة سردیة وشجن شفیف‬ ‫عن عالم ق��اس‪ .‬وتبدو «أب��ن��اء األده���م» روای��ة المكان بامتیاز؛ فالمكان هنا لیس‬ ‫مجرد خلفیة أو دیكور‪ ،‬وإنما شخصیة روائیة رئیسة وفاعلة‪ ،‬حيث تضافرت مشاعر‬ ‫العشق بین الطبیعة واإلنسان والحیوان‪ ،‬عبر متوالیات حكائیة باذخة؛ تتاخم‬ ‫الواقعیة السحریة‪ ،‬تالقت فيها الجبال والصحراء في لحظة فارقة‪ .‬وقد استفاد‬ ‫الكاتب من جمالیات الرحلة‪ ،‬حیث الشراكة بین الذات والمكان فیها‪ ،‬تجعل منها‬ ‫مجاال ممتازا للتداخل بین األزمنة‪ ،‬والتالعب بزمن الشخصیات وزمن السرد؛‬ ‫وقد اختار الملیحان اسم سلمى وأجا لبطلي قصة العشق األسطوریة في روایته‪،‬‬ ‫مستلهما اس��م أشهر جبال حائل‪ ،‬مسقط رأس الكاتب ومهوى قلبه‪ ،‬كما توسل‬ ‫بالتراث الشعبي‪ ،‬الذي خلد قصة هذین العاشقین‪.‬‬ ‫یروي یاقوت الحموي أن رجال اسمه باألمر وق��رروا االنتقام منهما‪ ،‬فاتفق‬

‫أجا عشق امرأة متزوجة تدعى سلمى‪ ،‬زوجها وإخوتها الخمسة على التربص‬

‫وص���ارا یلتقیان ف��ي بیت حاضنتهما ب��ال��ع��اش��ق��ی��ن‪ ،‬وأن�����ذرت ال��ع��وج��اء أج��ا‬ ‫واس��م��ه��ا ال��ع��وج��اء‪ ،‬وع��ل��م أق��ارب��ه��م��ا وسلمى‪ ،‬وف ّر الثالثة‪ ،‬ولحق بهم الستة‪،‬‬

‫‪34‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫وقتلوهم كال على جبل سمي باسمه‪ ،‬وأنف‬ ‫المنتقمون الستة بعد ذل��ك ال��رج��وع إلى‬ ‫قومهم‪ ،‬فسار كل واح��د منهم إل��ى مكان‪،‬‬ ‫وأقام به‪ ،‬فسمي ذلك المكان باسمه‪.‬‬ ‫حفر سيكولوجي‬ ‫يحيلنا عنوان الروایة ‪-‬ألول وهلة‪ -‬إلى‬ ‫االعتقاد بأننا إزاء روای��ة أج��ی��ال‪ ،‬كثالثیة‬ ‫نجیب محفوظ؛ لكن من الناحیة الجمالیة‪،‬‬ ‫تبدو فصول ال��روای��ة مثل قصص قصیرة‬ ‫متصلة منفصلة‪ ،‬كأبناء األدهم تماما‪ ،‬الذين‬ ‫ال تربطهم أي��ة صلة ق��رب��ى‪ ،‬لكن البطولة‬ ‫المطلقة في ال��روای��ة‪ ،‬كما أشرنا من قبل‪،‬‬ ‫فهي للمكان‪ ،‬وه��و هنا جبل األده���م‪ ،‬وال أفراحها‪ ،‬وأوجاعها وانكساراتها؛ فــ«وریقة»‬ ‫ننسى أن فن الروایة‪ ،‬كما اعتبره د‪ .‬صالح تتسلح بالغناء حین تستبد بها األحزان‪ ،‬وقد‬ ‫ف��ض��ل‪ ،‬ف��ي جملته تجریبي ف��ي الثقافة استسلمت لمصيرها التعيس‪ ،‬وه��ي التي‬ ‫العربیة على وجه الخصوص‪ ،‬ألنه یتداخل لم تنس رقصة العشاق وطقوسها في باحة‬

‫م���ع أن�����واع ال���س���رد ال��ت��اری��خ��ي وال��ش��ع��ب��ي‪ ،‬تهطل فیها أفراح الشمس‪ ..‬لم تنس غناء ابن‬ ‫الدیني والعجائبي‪ ،‬ویشبع شهوة القص في‬ ‫األمیر الذي انتظرته‪ ،‬بيد أنه تزوج ابنة أمیر‬ ‫المجتمعات الشفاهیة‪.‬‬ ‫قریة أخرى‪ ،‬وقبلت الزواج بمرّان‪ ،‬الذي ظل‬ ‫وق���د ب���رع ال��ك��ات��ب ف��ي رس���م فسیفساء يشك في نسب ابنته سلمى‪ ،‬وحین خفق قلب‬

‫شخوصه سیكولوجیا‪ ،‬وبمهارة ج��رّاح سبر ابنتها سلمى بالحب ساندتها وهرّبتها‪ ،‬بعیدا‬ ‫أغ����وار أع��م��اق��ه��ا ال��م��ع��ط��وب��ة‪ ،‬وغ���اص في عن صالفة األب‪.‬‬

‫دهالیز النفس البشریة‪ ،‬حیث یتجاور الخیر‬ ‫وال��ش��ر‪« ،‬ح��ی��ث ال یستطیع ال��م�لاك ال��ذي‬ ‫یعیش داخ��ل اإلن��س��ان أن یهزم الشیطان‪،‬‬

‫میراث الفقد‬ ‫مزقت قلب أج��ا مشاعر الفقد‪ ،‬اليتم‬

‫یحس بأنه بال بلد حقیقي‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫الذي یتقاسم معه شرطه اإلنساني تماما»‪ ،‬والضیاع‪ ،‬وكان‬ ‫وعلى ام��ت��داد فصول ال��رواي��ة عشنا معها واعتبر األه��ل البلد الحقیقي‪ ،‬بينما رعت‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪35‬‬


‫«منهاد» ‪ -‬بأمومة فياضة‪ -‬حب أجا وسلمى‪ ،‬سابع‪ ،‬لكن جبیر الملیحان یفضح تكاسلهم‬

‫بعدما فقدت الزوج والبنت‪ ،‬كأنما تدفع ثمن في فصل «الذئاب»‪ ،‬الذي یعد درة المشاهد‬ ‫دفاعها عن حقها في السعادة‪ ،‬ألنها اختارت السردیة في الروایة‪ ،‬متوسال بتقنیة المونتاج‬ ‫الراعي صایل‪ ،‬وفضلته على ابن عمها عامر‪ ،‬السینمائي‪ ،‬من ألفه إلى یائه‪ .‬وقد ذكرني‬

‫الذي استولى على كل شيء بعد أن رفضت ه��ذا الفصل بالفیلم السينمائي «العائد»‪،‬‬ ‫الزواج به‪ ،‬وطردا من القریة من طرف مرّان‪ ،‬ال��ذي ح��از بطله ومخرجه على األوسكار‪،‬‬

‫وهو الذي تجرع مرارة النبذ من قبل‪ ،‬والذت والسيما ذلك المشهد الذي ال ینسى‪ ،‬حیث‬ ‫بجبل األده��م‪ ،‬وهي تحمل صرة تضع فیها ینام بطل الفیلم في جوف حصان نافق‪ ،‬حين‬

‫عظم ساعد أبیها وكفه وخنجره الملطخ نهشته قساوة الطبيعة‪ .‬فكرت أنه لو كانت‬ ‫بدمه ودم الذئاب‪ ،‬وكم كان قاسیا أن تجد هناك جائزة أوسكار لألدب لفاز بها الملیحان‬ ‫مكانا تدفن فیه زوجها صایل‪ .‬لم یكن ثمة عن مشهد الرجل الجریح المصاب‪ ،‬الذي‬ ‫أحد یشاركها أحزانها‪ ،‬ولم ینفعها البكاء‪ .‬حاصرته ال��ذئ��اب‪ ،‬فاضطر أن یسد فوهة‬ ‫ول��م یشاطرها نواحها الطویل غیر صدى الغار بشجرة شوكیة‪ ،‬ولما فطنت الذئاب‬ ‫ال��ص��خ��ور‪ ،‬ومثلها عاشت وری��ق��ة‪ ،‬فخبأت إلى خدعته لجأت إلى سطح الغار‪ ،‬وراحت‬ ‫األغ��ان��ي المكتومة ف��ي قلبها‪ ،‬وادخ���رت تتناوب على النبش‪ ،‬وقام بقطع قائمة أول‬

‫الحكایات لتهمسها في أذن ثمرة الحب‪..‬‬ ‫سهل بن سلمى بن أجا‪.‬‬ ‫عين سينمائية‬

‫ذئب أطل من الفوهة‪ ،‬وهرب الذئب الجريح‬

‫فهاجمته الذئاب الجائعة وافترسته‪ ،‬وكذلك‬ ‫فعل بالثاني لیصیر فریسة لبقیة القطيع‪،‬‬ ‫أما الذئب الثالث‪ ،‬فقد قطع رأسه وإحدى‬

‫وفقا للدكتور جهاد عطا نعیسة‪ ،‬فقد قوائمه‪ ،‬لكن المصير المأساوي كان يتربص‬ ‫استقبلت الروایة التأثیرات التولیفیة القادمة بالرجل الشجاع‪ ،‬بعد أن تمكنت الذئاب من‬

‫م��ن حقل النظریة واإلب����داع السینمائي‪ ،‬إزاحة الشجرة عن مدخل الغار‪.‬‬ ‫فجعل الكثیر م��ن الكتابات ال��روائ��ی��ة من‬

‫روای��ة «أبناء األده��م» نص روائ��ي یشكل‬

‫البنیة التولیفیة للسرد سمة رئیسة في إض��اف��ة نوعیة للمكتبة العربیة وللروایة‬ ‫بنائه السردي‪ .‬لكن‪ ،‬غالبا ما یشتكي صناع السعودیة‪ ،‬التي ما فتئت تفرض حضورها‬ ‫السینما العربیة من غیاب النصوص الروائیة‪ ،‬الممیز مع ثلة من الكتاب المتمیزین‪ ،‬بعد أن‬ ‫التي تستحق أن تترجم إل��ى أیقونات فن غرقت في وحل االستسهال واالبتذال‪.‬‬

‫‪36‬‬

‫ * كاتب من المغرب‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬

‫المــــــــرأة‬ ‫في شعر طاهر زمخشري‬ ‫‪ρρ‬هيفاء حمد البصراوي*‬

‫عزمت على ق��راءة كتاب األستاذ معيض عطية القرني «المرأة في شعر‬ ‫ُ‬ ‫حين‬ ‫ونظرت نظر ًة‬ ‫ُ‬ ‫حت وُريقاته‪،‬‬ ‫قلبت دفتيه‪ ،‬وتصفّ ُ‬ ‫طاهر زمخشري ‪1332‬هـ ‪1407 -‬هـ»‪ُ ..‬‬ ‫وسبع وثالثين صفحةً ‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫سريعةً لمحتواه؛ فوجدته كتابًا خفيفً ا‪ ،‬قائمً ا على مئةٍ‬ ‫قسمه ال��ق��رن��ي إل��ى م��دخ��ل وفصلين‪ ،‬ت��ح��دث ف��ي م��دخ��ل ال��ك��ت��اب ع��ن لمحة من‬ ‫فجرتْ اإلبداع‬ ‫حياة طاهر زمخشري‪ ،‬وعرض أهم محطات األلم والمعاناة التي ّ‬ ‫الشعري لديه‪ ،‬ثم جعل لكل فصل أربعة مباحث؛ فعنون الفصل األول‪ :‬بـ«أنماط‬ ‫حضور المرأة في شعر زمخشري» وتضمن‪ :‬األم‪ ،‬والزوجة‪ ،‬والبنت‪ ،‬ونساء أخريات‪،‬‬ ‫أما الفصل الثاني‪ ،‬فعنونه بـ«تجليات المرأة في شعر طاهر زمخشري»‪ ،‬وتضمن‪:‬‬ ‫المرأة المثال‪ ،‬والمرأة الهوية‪ ،‬والمرأة الوطن‪ ،‬والمرأة الذكرى‪.‬‬ ‫كنت أشعر أثناء قراءة الكتاب بالرغبة لنص زمخشري الذي كتبه قبيل احتضار‬ ‫ن��ح��و االس���ت���زادة م��ن ص��ف��ح��ات��ه‪ ،‬إذ لم زوجته‪ ،‬بعد عرضه ألبيات الشاعر التي‬ ‫يستغرق مني س��وى ساعتين؛ وأدرك��تُ يقول فيها‪:‬‬ ‫س��ر تلك الرغبة بعد االن��ت��ه��اء؛ فسياج‬ ‫اللغة البسيطة‪ ،‬ونقيضها ال��ق��وة في ليس لي بعدك في الدنيا بقاء‬ ‫بعض المواضع‪ ،‬إضافة ألسلوب الكاتب‬ ‫فاسلمي أو نسلم الروح سواء‬ ‫السلس في تحليل نصوص زمخشري‪،‬‬ ‫���ض ف���وه���م أن��ن��ي‬ ‫������ت ل����ي ب���ع ٌ‬ ‫ال إلكمال قراءة الكتاب‪ ،‬فلم يكن أن ِ‬ ‫كان كفي ً‬ ‫الكاتب متكلفًا في تحليله‪ ،‬وال مستخدمًا‬ ‫أتخلى عنك يطويك الفناء‬ ‫كلمات متنافرة مع مضمون النصوص؛‬ ‫بل صنع من ذلك األسلوب سدًا يحجب ف����������إذا ج��������دَّ ل����ك����ي ي����ل����ه����و ب��ن��ا‬ ‫ف���أن���ا أول م���ن ي��ل��ق��ى ال��ع��ف��اء‬ ‫الملل عن قارئه‪ .‬يقول القرني في تحليله‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪37‬‬


‫�����ت س����وى ن��ف��س��ي ال��ت��ي‬ ‫�����ت م���ا أن ِ‬ ‫أن ِ‬ ‫ب����ي����ن ج���ن���ب���ي ول���ل���ن���ف���س ال�����ف�����داء‬ ‫��������������ت ل���������ي روح وإن��������������ي ج���س���د‬ ‫أن ِ‬ ‫ب������س������وى روح������������ي أي��������ام��������ي ه����ب����اء‬ ‫«إن��ه التحام الروحين حتى غ��دت روحً ��ا‬ ‫واح��دة‪ ،‬بل إن روح ه��ذه الزوجة غيبت روح‬ ‫ثان لروحها‪ ،‬فإن‬ ‫الشاعر؛ فغدا مجرد جسد ٍ‬ ‫ذهبت روحها ذهب الجسدان معًا‪ ،‬ووهم أن‬ ‫يحيا هذا الجسد الثاني بدون روحه‪ .‬ويرجو‬ ‫شاعرنا أن يكون جسده الراحل قبل جسدها‪،‬‬ ‫أو ي��ك��ون ف���داء ل��ج��س��ده��ا‪ ،‬ويتيقن بعدها‬ ‫بالضياع‪ ،‬فكل أيامه ال معنى لها؛ ألنه ال قيمة‬ ‫للجسد بال روح‪.»...‬‬ ‫إن بساطة أسلوب الكاتب واستخدامه وي��ع��ود فيسبق قيثارته‪ ،‬وك��ذل��ك يتكرر مع‬ ‫أللفاظ النص نفسه في التحليل‪ ،‬دون مواربة‪ ،‬روضته وكوثره‪.»..‬‬ ‫أو غ��م��وض‪ ،‬أضفى على الكتاب ف��ي بعض‬ ‫أيضا‪ -‬تنبه الكاتب‬‫ً‬ ‫ومن األمور المميزة‬ ‫جوانبه صفة الجمال؛ إذ نجد جانبًا من ذلك‬ ‫لربط زمخشري بين المرأة في التراث‪ ،‬وبين‬ ‫في تنبه الكاتب للروابط اللغوية في قصائد‬ ‫المرأة الحاضرة في حياة الشاعر‪ ،‬والذي لَمَّح‬ ‫زم��خ��ش��ري‪ ،‬وال��ت��ي اس��ت��ط��اع م��ن خاللها أن‬ ‫له في مبحث المرأة المثال‪ ،‬يقول القرني‪:‬‬ ‫يستمد قوة األسلوب؛ فالكاتب لم يتنبه إلى‬ ‫«ون��ج��ده ي��ل��م��ح‪-‬أي زم��خ��ش��ري‪-‬إل��ى المثال‬ ‫تلك الروابط فحسب‪ ،‬بل يُرينا الجانب اآلخر‬ ‫التراثي للمرأة دون التصريح باالسم كقوله‪:‬‬ ‫من أسلوبه‪ ،‬والذي يتضاد مع البساطة‪ ،‬يقول‬ ‫أل����ف����ق أس����ب����ابً����ا أق�������ول ل���ه���ا ع��م��ي‬ ‫القرني في مبحث المرأة الهوية‪:‬‬

‫صباحا وكفي من صدودك واسلمي‬ ‫ً‬

‫«ويفتتح الشاعر حديثه بالضمير العائد‬ ‫وهو بذلك يشير إلى «عبلة» التي أمست‬ ‫على ال��م��رأة‪ ،‬وي��أت��ي ف��ي محل الخبر‪ ،‬فهي‬ ‫األصل والمبتدأ‪ ،‬وما تبقى متم ٌم لها ومضافٌ مثاالً تراث ّيًا للمرأة‪ ..‬وهذا ما يرسخ نسبة‬ ‫ال��م��رأة المثال عند طاهر زمخشري إلى‬ ‫إليها‪ ،‬إذ يقول‪:‬‬ ‫النموذج العربي القديم للمرأة المثال‪.»...‬‬

‫أن ِ���ت م��ح��راب ص��ب��وت��ي؛ أن ِ���ت إل��ه��ام‬ ‫��������ت أن�����س ال���وج���ود‬ ‫ ق���ص���ي���دي وأن ِ‬

‫����ت ق��ي��ث��ارت��ي ب��ه��ا ت��ن��ق��ل األن��س��ام‬ ‫أن ِ‬ ‫ ع��ن��ي أص������داء ال��ح��س��ن ال��خ��ل��ود‬ ‫‪38‬‬

‫«أنت» العائد على المرأة يسبق‬ ‫فالضمير ِ‬ ‫محراب صبوته‪ ،‬وإلهام قصيده‪ ،‬وأنس وجوده‪،‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫وعلى الرغم من وجود أحكام عامة‪ ،‬تركها‬ ‫القرني دون توضيح‪ ،‬أو إحالة لمصدرها‪،‬‬ ‫خصوصا في مطالع مباحثه‪ ،‬وتركيزه المتكرر‬ ‫ً‬ ‫على ان��ت��م��اء زم��خ��ش��ري ال��ش��ع��ري للمدرسة‬ ‫الرومانتيكية‪ ،‬ورغم بساطة تقسيمه‪ ،‬إال إن‬ ‫ذلك ال يقلل من قيمة الكتاب‪ ،‬وال من متعته‪،‬‬ ‫وجمال تحليله‪.‬‬


‫م��زّق ستار الخجل ف��ي أرج���اء المكان‪،‬‬ ‫��وض��ح‬ ‫ت��ل��ع��ث��م‪ ..‬ارت���ب���ك‪ ..‬ل��م يستطع أن ي ّ‬ ‫الموقف ويعيد تكرار الطلب‪ .‬عندما وضعت‬ ‫النادلة أمامة كأسين من «اآليسكريم»‪ ،‬أخذ‬ ‫يتمتم ويهمس بصوت مبحوح م��ع نفسه‪،‬‬ ‫أنا على يقين من أني طلبت كأسً ا واحدة‪،‬‬ ‫ول��م أطلب كأسين من اآليسكريم‪ ،‬ألن كل‬ ‫ما أمتلكه خمسين رياالً فقط‪ ،‬فقد أخذت‬ ‫تكاليف ال���زواج ك��ل م��ا بحوزتي م��ن نقود‪،‬‬ ‫وال عمل لدي في الوقت الحالي‪ .‬أال يوجد‬ ‫سوى هذه النادلة الطرشاء في هذا المكان‪،‬‬ ‫نظرات زوجته وابتسامتها واحتقان عينيها‬ ‫من خالل ايتسامة واضحة من تحت اللثام‪..‬‬ ‫كان يزيدها جنونًا ولذة وحيوية‪ ،‬ويزيده هو‬ ‫تأثرًا وانزعاجاً‪ ،‬أخذ يهذي مع نفسه‪ ..‬ما‬ ‫ذنبك يا شريكة حياتي وت��اج راس��ي في أن‬ ‫تضعك الظروف في ه��ذا الموقف الحرج‬ ‫ال��ذي سيرسخ في أعماق ال��ذاك��رة‪ ،‬ونحن‬ ‫في أول أسبوع من زواج��ن��ا‪ ،‬ب��د َل أن يكون‬ ‫م��اس‪..‬‬ ‫ٍ‬ ‫ذه��ب أو‬ ‫ٍ‬ ‫��ار ه��و أسْ ����وِ َرةُ‬ ‫أجمل ت��ذك ٍ‬ ‫لم تكن في الحسبان‪ ..‬تكون هديتك كأساً‬ ‫من اآليسكريم‪ ،‬ندفع ثمنه ِبرَهْ ن جوالي أو‬ ‫سامحك اهلل أيتها النادلة الحسناء‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫جوالك‪..‬‬ ‫لم تسمعي صوتي‪ ،‬أو حتى إشارة يدي‪ ،‬وأنا‬ ‫أشير باألصبع الواحد‪ .‬نظر للجالسين من‬ ‫حولة‪ ،‬فتيقن أنه محاصر ال محالة‪ ..‬الخجل‬ ‫يسري في أطرافه المتجمدة‪ ،‬أما اإلحراج‬ ‫أو نظرات العطف والشفقة‪ ..‬تمنى وقتها‬ ‫لو يمتلك شجاعة جندي من جنود اليرموك‬ ‫أو القادسية‪ ،‬كي يبدد جيوش الفقر والظلم‬

‫‪ρρ‬خالد النهيدي*‬

‫واالستبداد‪ ،‬ويقضي على م��رارة الحرمان‪،‬‬ ‫تذكر مقولة علي بن ابي طالب رضي اهلل‬ ‫عنه وأرض���اه «ل��و أن الفقر رج��ل لقتلته»‪.‬‬ ‫نظرات زوجته وابتسامتها وسعادتها الطاغية‬ ‫على أل��م ال��م��وق��ف ك��ان ي��زي��د م��ن النيران‬ ‫المشتعلة في داخله‪ ،‬تمنى لو أن الخمسين‬ ‫رياالً خمسون دوالرا مثالً‪ ..‬أخذ يتمتم‪ :‬يا‬ ‫مسهل يا رب‪ ..‬اس��ت��دار من على الكرسي‬ ‫تجاه المحاسب‪ ،‬وكأنه يجر المكان بأسره‬ ‫برجليه‪ ،‬تمنى لو أن زوجته تنتظر في مكانها‬ ‫حتى يعود إليها‪ ..‬وكيف ما كانت النتائج‬ ‫تكون‪ ،‬تشابكت األيادي‪ ،‬وتجاورت األكتاف‪،‬‬ ‫وكأنهم في الزفة من ج��دي��د‪ ..‬وق��ف أمام‬ ‫المحاسب‪ ،‬وكأنه جندي مهزوم يطلب الهدنة‬ ‫أو االس��ت��س�لام‪ ،‬بتلعثم وارت���ب���اك‪ ،‬وص��وت‬ ‫تخنقه العبرات‪ ..‬وقف أمام المحاسب وقد‬ ‫وضع الجوال فوق الطاولة‪ ،‬تفادياً ألي موقف‬ ‫محرج‪ ..‬كم حسابك يا سيدي؟ عفوا!! بكم‬ ‫الكأس‪..‬؟ بخمسين رياالً‪ ..‬لقد طلبت كأسين‬ ‫من اآليسكريم‪.‬‬

‫ق� � � � � � �ص � � � � � ��ص ق� � � � �ص� � � � �ي � � � ��رة‬

‫الدنيا بخير‬

‫ال‪ ..‬مطلقاً‪ ،‬لم تطلب كأسين‪ ..‬طلبت‬ ‫كأساً واحداً فقط‪ ..‬ولكن النادلة صممت أن‬ ‫يكون اآليسكريم الثاني على حسابها هدية‬ ‫زفافكم‪ ..‬أنتم عرسان‪ ..‬أليس كذلك؟! ألف‬ ‫مبروك‪ ،‬لم يدُرْ في خُلده مطلقاً أن الموقف‬ ‫ال جداً‪ ..‬ليس‬ ‫سيصبح تذكارًا جميالً‪ ..‬جمي ً‬ ‫بالنسبة إليه وال لزوجته فحسب‪ ..‬بل لعالم‬ ‫الفضيلة واألخ�لاق‪ ..‬انفرجت أساريره عن‬ ‫ابتسامة مشرقة وهو يتمتم «الدنيا بخير»‪.‬‬

‫ * قاص من اليمن‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪39‬‬


‫جشع‬

‫‪ρρ‬حليمة الفرجي*‬

‫يتدثّر الصمت عائدً ا من الجبل قبل الغروب ببضع دقائق‪،‬‬ ‫يتلفت للخلف مودّعا الغروب‪ ..‬في حين كانت أمه تلكزه ليسرع الخطا ليصال‬ ‫قبل حلول الظالم‪.‬‬ ‫يراقب جسدها الصلب ال��ذي ودّع الشباب‪ ،‬وب��دت عليه الغلظة‪ ،‬فقد اعتادت‬ ‫نسوة القرية على االعتماد على أنفسهن‪ ..‬في حين غادر القرية كل الذكور ذات‬ ‫صيف‪.‬‬ ‫وح��ده‪ ..‬لم يتبق منهم سوى صغار‬ ‫السن‪ ،‬وشيخ القرية‪ ،‬وبعض حاشيته‪.‬‬

‫رحلوا دون وداع‪.‬‬ ‫كثيرة هي األسئلة التي يَو ُّد طرحها‪،‬‬

‫غ���ادروا‪ ..‬ولكن إل��ى أي��ن؟ ال أحد لوال خوفه من قسوة أمه التي تقابله بها‬

‫يعلم‪ ..‬فقط خرجوا ذات صباح للعمل‪ ،‬في كل مرة تختلج شفتاه عن تساؤل‪،‬‬ ‫ولم يعودوا بعدها‪.‬‬

‫أخبره صديقة ذات سمر أنَّ شيخ‬

‫أخبرهم الشيخ حينها أنهم مضوا القرية أرس��ل جميع ال��رج��ال لمدينة‬ ‫بحثا عن السعادة‪ ،‬خلف الجبل الذي السعادة مقابل صكوك أراضيهم‪..‬‬ ‫انهار تحت معاولهم‪ ،‬ذلك اليوم‪.‬‬

‫‪40‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫ال أحد يعلم أين هي هذه المدينة!‬


‫ولكي يعبروا‪ ..‬عليهم هدمه‪.‬‬

‫ي��وم‪ ،‬حتى بات مصدر خوف جميع نساء‬

‫وها هن النسوة يكملن ما بدأه رجالهن القرية‪.‬‬ ‫ليلحق َن بهم‪ ،‬وينعمن بالسعادة‪.‬‬ ‫صفقة مربحة‪..‬‬ ‫كل شيء مقابل السعادة‪..‬‬ ‫كل شيء‪..‬‬ ‫ولكنهن ال يملكن شيئا‪ ..‬س��وى بعضا‬

‫أمي‪ ..‬متى سننتهي من هذا العذاب؟‬ ‫وأين تكمن السعادة؟‬

‫ق� � � � � � �ص � � � � � ��ص ق� � � � �ص� � � � �ي � � � ��رة‬

‫فقط ما أخبروهم به أنها خلف الجبل‪ ،‬القرية هو الوحيد الذي ي��زداد جشعا كل‬

‫هل حقا هناك سعادة خلف الجبل؟!‬ ‫اصمت يا بني‪ ،‬وتابع العمل‪ ،‬فهناك أعي ٌن‬

‫من األك��واخ الخشبية القديمة التي تركها ُكثْر ترقبنا‪ ..‬الجميع هنا يعمل في صمت‪،‬‬ ‫لهن رجالهن مقابل الوادي‪ ،‬لذلك‪ ،‬فالشيخ اطب ْق شفتيك واعمل مثل الجميع‪ ..‬والبد‬ ‫يطعمهم الخبز اليابس والماء‪ ،‬مقابل هدم أن تأتي السعادة ذات يوم‪ ،‬أو ربما نذهب‬ ‫الجبل الذي يقف عائقا بينهم والسعادة كما نحن إليها كما فعل والدك وأعمامك وجميع‬ ‫يزعم‪.‬‬ ‫رجال القرية‪..‬‬ ‫وكان دأبهم كل نهار هو الخروج بمعاولهم‬ ‫لهدمه وال يعودون إال عند الغروب‪.‬‬ ‫أي��ام كثيرة مضت‪ ..‬وألن عمر ال يتقن‬ ‫العد كبقية الصبية‪ ،‬فقد دأب على وضع‬ ‫ورقات الشجر بجانب بعضها‪ ،‬ليعلم كم من‬ ‫األيام مضى‪.‬‬

‫لم يبق الكثير‪ ..‬فقد سقط نصف الجبل‬ ‫تحت معاولهم‪ ،‬وحتما سيسقط ما تبقى‪،‬‬ ‫فال شيء يصمد أمام جشع الشيخ‪.‬‬ ‫قبيل غ���روب ذل��ك ال��ي��وم‪ ،‬دوى صوت‬ ‫كثيف إلى‬ ‫ٌ‬ ‫سقوط عظيم‪ ،‬وارت��ف��ع دخ���ا ٌن‬

‫الي���زال الجبل ص��ام��دًا أم���ام معاولهم ال��س��م��اء ح��ام�لا معه أرواح����اً ع��دة كانت‬ ‫ولعنات شيخ القرية‪.‬‬

‫تبحث عن السعادة؛ فوجدتها‪ ..‬في حين‬

‫بقطع المعة‪ ..‬وضحكات‬ ‫ٍ‬ ‫ال ي��ج��دي م��ع��ه ت��وس�لات ت��ل��ك النسوة امتأل منزل الشيخ‬ ‫الضعيفات‪ ,,‬وال بكاء أطفالهن‪ ،‬فقط شيخ مدوية‪!..‬‬ ‫* قاصة من السعودية‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪41‬‬


‫هذيان‬ ‫حقيق ًة كـا َن ال يـدري ما بِـهِ !!‬

‫‪ρρ‬أمين دراوشة*‬

‫ـط كا َن يُراقِ بُ ُه وه َو يل َع ُق‬ ‫ِاقْتـ َربَ منـ ْ ُه قِ ٌّ‬

‫يائـس؟ أ ْم يَحْ فِ ُزهُ أمـ ٌل إلـ َى شَ فَتيْهِ ‪ ،‬وكـا َد أَ ْن يلْتَهِ ُم ُه عَ شَ ا ًء لَهُ‪ ،‬ولك ْن‬ ‫ٌ‬ ‫ه ْل ه َو‬ ‫ص ْدفَـةً‪ ..‬فطـ َر َدهُ‪،‬‬ ‫باغَ تـ َ ُه أح ُد ُه ْم قاد ٌم ُ‬ ‫شَ ـيءٍ مـا؟‬ ‫س‬ ‫��ض��هُ‪ ،‬ويَتَحسَّ ُ‬ ‫��س نَ��ب��ـ ْ َ‬ ‫وانْحَ ـنـ َى يَ��ج��ـ ِ ُّ‬ ‫حَ ـ َّقاً ه َو حائ ِـ ٌر حـيْ َر ًة أبد َّيةً‪..‬‬ ‫أنفاسَ هُ‪ ،‬ثُـ َّم ه َّز رأسَ ُه أسَ َفاً يَنْعاهُ‪ ،‬وذهبَ‬ ‫ي��ن��ظ�� ُر إل���ى األفُ�����قِ ف���ي���راهُ داكِ ��ـ��ن��اً‪،‬‬ ‫تارِ كاً إيَّاهُ مَرمِ ـيَّـاً بيـ َن أكوامِ الْ ُقمَامَةِ ‪..‬‬ ‫برأسهِ‬ ‫ِ‬ ‫فتلْـتهِ ُم ُه كآبـ َ ٌة مريرةٌ‪ ،‬فيطرِ ُق‬ ‫فاستيقظ‬ ‫َ‬ ‫َش جَ فْنـ َاهُ‪،‬‬ ‫اعة رم َ‬ ‫وبع َد سَ ٍ‬ ‫َحظات تَطويهِ‬ ‫ٍ‬ ‫الْمُثقَلِ بالْهمومِ ‪ ،‬وبع َد ل‬ ‫الصمتُ مِ ْن حل ْمِ هِ مسْ روراً‪ ،‬وهر َع إلَى َمهْدِ هِ‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫��اف ي�� ْدف��نُ��ـ�� ُه‬ ‫كالسـ ِّني َن الْ��عِ ��ج ِ‬ ‫فيها‪ ،‬ي��رف�� ُع ب��ص�� َرهُ الْ��مُ�� ْدمَ��ى‪ ،‬فيرَى‬ ‫تناو َل عُ��و َدهُ ليعْزِ َف أجم َل ألْحانِـهِ ‪،‬‬ ‫ْس األصفَر‪،‬‬ ‫األف َق مُتوهِّ جاً بنورِ الشَّ م ِ‬ ‫وانتبَ َه بع َد إكمالِهِ ِللَّحنِ إلَى أنَّ أوتا َر‬ ‫فيَ ْغت َِصبُ ابتسامـ ًة بَـلْـها َء يُوجِّ هُها إلَى‬ ‫العُودِ مقطوعَ ةٌ‪ ..‬فرمَـاهُ وأس��ر َع إلَـى‬ ‫َمشي مُتثاقِ الً‪،‬‬ ‫َـهض ي ِ‬ ‫الالشيءِ ‪ ..‬وحي َن ن َ‬ ‫البَ ًة بِفرشـاةٍ‬ ‫َمرْسَ مِ ه‪ ،‬ليرس َم لوحَ ـ ًة خ َّ‬ ‫بأنياب‬ ‫ٍ‬ ‫ِنقض علـيهِ الْمجهو ُل لِـي ْفتَرِ سَ ُه‬ ‫ا َّ‬ ‫ريش‪ ..‬فأمسكَ َقل َ َم ُه ِليُ َد ِّو َن‬ ‫ٌ‬ ‫ليس لَهَـا‬ ‫َ‬ ‫ـطة‪ ،‬فص َف َع ُه بقوَّةٍ لَـ ْم يع َهدْهـا‬ ‫مُتساقِ ٍ‬ ‫أحْ ـلَـى ق��ص��ائ��دِ ِه عل َى اإلط�ل�اقِ ‪ ،‬غي َر‬ ‫فِ ـي نف ِْسهِ ‪ ،‬ثُـ َّم اِنكَـف َأ عل َى ذاتِهِ ‪ ،‬وطَ ف ِـ َق‬ ‫رفضتْ أ ْن تُفارِ َق مُخ ِّيلَتَ ُه‬ ‫َ‬ ‫َلمات‬ ‫ي��ض��حَ ��ـ��كُ ‪ ..‬وي��ض��حَ ��كُ مُ��قَ�� ْه��قِ ��ه��اً حَ ـتَّى أنَّ الكـ ِ‬ ‫دَمعَـتْ عيناهُ‪ ..‬ثُـ َّم تَشَ َّن َج وَجْ هُـ ُه فَـجْ َأةً‪ ،‬لِتتد َّف َق مِ ـ ْن شفتيهِ إلَـى قَـلَـمِ ـهِ ‪ ..‬حي َن‬ ‫َصحوبٌ ِب َأل ٍَـم ذاكَ ع��ا َد إلَـى أك��وامِ الْقُمامَـةِ ‪ ،‬ورق�� َد‬ ‫وا ْرتَسَ َم عليْـهِ ذُعْ ـ ٌر حَ ا ٌّد م ْ‬ ‫شديـد انْبَعَـثَ فِ ي صدْرِ هِ‪ ،‬وهَ وَى بينَها يائساً‪ ،‬ينتـ َظ ُر موتـ َ ُه الْحقيقيَّ ‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ُباغ ٍـت‬ ‫م ِ‬ ‫خامِ داً ب ْعدَهَ ا‪..‬‬ ‫فق ْد ضا َع منْ ُه ك ُّل شيءٍ حتـ َّى أحال ُمهُ‪.‬‬ ‫ * كاتب وقاص أردني‪.‬‬

‫‪42‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫‪ρρ‬عيسى مشعوف األملعي*‬

‫حرية‪..‬‬

‫ماضي‪..‬‬

‫دخل العصفور الصغير الملون إلى منزلي‬ ‫قرر أن يحذف الماضي من ذاكرته وأن‬ ‫من ال��ب��اب‪ ،‬بعد أن أخطأ جهته‪ ..‬انتفض يتخلص من كل الصور والمواقف‪..‬‬ ‫وخاف‪..‬‬ ‫أعطى أمرًا بحذفها كلها‪ ،‬باستثناء صورة‬ ‫اص��ط��دم ب��م��راوح ال��س��ق��ف وال��ج��دران وحيدة بقيت عالقة بجدار الذاكرة‪..‬‬ ‫ولمبات اإلضاءة الحارقة‪..‬‬ ‫وحدة‬ ‫ح��ام في كل غرفة يبحث عن الخروج‬ ‫سأل صديق صديقه‪ :‬لماذا انفصلت عن‬ ‫اآلمن‪..‬‬ ‫شرعتُ له النوافذ واألبواب حتى اهتدى زوجتك؟‬ ‫إلى نافذة مفتوحة‪ ،‬وخرج سريعا‪ ،‬بال وداع‪..‬‬

‫أجابه‪« ..‬ألني لم أعد أحتمل الوحدة»‪.‬‬

‫رائحة‪..‬‬

‫مالذ‬

‫ق� � � � � � �ص � � � � � ��ص ق� � � � �ص� � � � �ي � � � ��رة‬

‫نصوص قصصية‬

‫عندما م��ات��ت ال��ج��دة ف��ي أرذل العمر‪،‬‬ ‫أحبَّ تلك التفاحة‪ .‬لونها األحمر الزاهي‪،‬‬ ‫وجدوا مفاتيح قديمة تحت وسادتها البالية‪ ..‬طعمها السكري‪ .‬وداعتها‪ .‬رائحتها‪..‬‬ ‫مفاتيح صدئة كثيرة ألبواب قديمة وخزانات‬ ‫قرر أن يعيش في بستانها‪ .‬معها تندمل‬ ‫حديدية وخشبية فارغة‪..‬‬ ‫جروحه‪..‬‬ ‫موطن‪..‬‬ ‫دفء‬ ‫طردوا سرب الحمام من شرفات مصرف‬ ‫الماليين‪..‬‬ ‫قبل أيام رحلت عصفورته‪..‬‬ ‫ن��ث��روا أع��ش��اش��ه وب��ي��ض��ه وف��راخ��ه في‬ ‫الشارع بقسوة‪..‬‬ ‫ابصرتُ سرب الحمام ينام بوجه الجبل‬ ‫على مقربة من موطنه القديم في ظلمة الليل‬ ‫يهدل بأنين الحزن والفقد‪..‬‬

‫غابت ابتسامته وثقلت خطواته‪.‬‬ ‫أنهك قلبه في البحث عنها‪.‬‬ ‫تحت مساكب الشمس ينتظرها بلهفة‪..‬‬ ‫لعل الدفء يجلبها إليه‪..‬‬

‫ * قاص وروائي سعودي‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪43‬‬


‫قصص قصيرة جدا‪..‬‬ ‫‪ρρ‬محمد املبارك*‬

‫خلود‬

‫سفر‬ ‫ركب طائرة‪ ،‬اتخذ مكانه من المقعد‬ ‫وصل بغيته‪..‬‬ ‫أمسك بيدها وع��اد مع أول رحلة‪ ،‬فتح‬ ‫الباب‪..‬‬ ‫فانطفأ النور مع تقديم رجله اليسرى‬ ‫للدخول‪..‬‬ ‫حرمان‬

‫حاولت إيقاظه‬ ‫وإذا به قد نام نومة الخلود‪..‬‬ ‫مشاعر‬ ‫لم يكتب لها شيئا منذ ديسمبر الماضي‪..‬‬ ‫فكتبت ل��ه؛ ع��ذرا ل��م يكن قلمي يحمل‬ ‫حرارة‪!!..‬‬ ‫استعارة‬

‫جلس ينتظر قدومها‬

‫استعار كتابا لم يقرأ منه شيئا‬

‫لم تحضر سريعا‬

‫دسه في حقيبته ورماها في النهر‪..‬‬

‫قلب الكرسي على عقبيه ورحل‪..‬‬ ‫أمير‬ ‫ركب في سيارة أجرة‬

‫صالة‬ ‫يصلي‪ ..‬وما زال يصلي أياما وأياما‪..‬‬ ‫بعد أن رآه أحدهم‪ ،‬صحّ َح له جهة القبلة‪..‬‬ ‫طريق الحسناوات‬

‫فلما نظر إلى البيوت البالية‬

‫اجتاز طريقا غالباً ما تمره الحسناوات‬

‫تمنى لو جال ماشياً في تلك البالد‬

‫وإذ بأبيه يقف في نهايته‪.‬‬

‫ * قاص من السعودية‪.‬‬

‫‪44‬‬

‫نام في بيتها‪ ،‬غطته بمعطفها‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫عندما استيقظ‪ ،‬كانت المحطة التلفزيونية‬ ‫التي نام على مشاهدتها تعرض مباراة في كرة‬ ‫السلة‪ ،‬ك��ان الصوت على وضعية اإلصمات‪،‬‬ ‫اعتدل على السرير وتناول الريموت مارًا بالعديد‬ ‫من القنوات؛ إخبارية‪ ،‬طبخ‪ ،‬أزي��اء‪ ،‬يفكر في‬ ‫تفاصيل حلم البارحة الجميل الذي لم يكتمل‪،‬‬ ‫ال يتذكر الكثير من التفاصيل‪ ..‬لكنه يعرف أنه‬ ‫لثوان‬ ‫كان سعيدًا جدًا في ذلك المنام‪ ،‬يتوقف ٍ‬ ‫أمام قناة تعرض فيلما باألبيض واألسود لعماد‬ ‫حمدي وشادية‪ ،‬يواصل بعد ذلك تقليب القنوات‬ ‫بسرعة‪ ،‬حتى يتوقف مجددًا عند محطة تعرض‬ ‫أجهزة رياضية إلنقاص حجم األرداف‪.‬‬

‫‪ρρ‬صالح القرشي*‬

‫م��ج��ددًا وه��و يقتعد كرسي الحمام أن يتذكر‬ ‫المزيد من تفاصيل ذلك الحلم‪ ،‬كانت المضيفة‬ ‫جميلة وذات ابتسامة مثيرة‪ ،‬يفكر فيما لو‬ ‫أن حلمه ك��ان سيمضي في اتجاه آخ��ر لو لم‬ ‫يستيقظ‪ ،‬فيشعر ببعض األسى‪.‬‬

‫ق� � � � � � �ص � � � � � ��ص ق� � � � �ص� � � � �ي � � � ��رة‬

‫مـنــــــــام‬

‫يمر بالمطبخ‪ ،‬يتناول قارورة ماء‪ ،‬يشرب ما‬ ‫بها‪ ..‬ثم يقذف بالعلبة في اتجاه السلة‪ ،‬لكنها‬ ‫تقع بجانبها على األرض‪ ،‬يتركها ويعود إلى‬ ‫غرفة النوم‪.‬‬

‫يتناول الريموت م��ج��ددا‪ ،‬يأخذ في تغيير‬ ‫القنوات‪ ،‬يمر بفيلم سبق له أن شاهده‪ ،‬ممرضة‬ ‫ترافق شابًا ثريًا مصابًا بالسرطان وتقع في‬ ‫يحاول استدرار المزيد من تفاصيل حلمه غرامه‪ ،‬ال ينجح في تذكر اس��م الممثلة ذات‬ ‫ال��م��ث��ي��ر‪ ،‬ال��ط��ائ��رة‪ ،‬وم��ق��ع��د ال��درج��ة األول���ى‪ ،‬االبتسامة الرائعة‪.‬‬ ‫والمضيفة الجميلة التي تقدم ل��ه المنشفة‬ ‫ي��واص��ل تغيير المحطات‪ ،‬يتوقف مجددًا‬ ‫الدافئة‪ ،‬من كان معه في تلك الرحلة‪ ،‬ال يتذكر‪،‬‬ ‫لكنه في لحظة من لحظات المنام‪ ..‬كان يلتفت عند واحدة تتحدث عن أدوية جنسية متنوعة‪.‬‬ ‫يتذكر الموبايل الذي وضعه في سلك الشحن‬ ‫إلى شخص بالقرب منه ويتحدث معه‪.‬‬ ‫قبل أن ينام‪ ،‬يلتقطه من على الطاولة الصغيرة‪،‬‬ ‫ه��ن��ال��ك ال��ص��ح��ف أي��ض��ا‪ ،‬ح���زام المقعد‪ ،‬أيقونة الواتس أب تشير إلى كثير من الرسائل‬ ‫الشاشة التي تعرض إج����راءات ال��س�لام��ة‪ ،‬ال الجديدة‪ ،‬وكذلك الحال مع السناب شات‪ ،‬لكنه‬ ‫يعرف اتجاه الرحلة‪ ،‬لكن يبدو من حجم الطائرة يكتفى بمشاهدة الساعة التي تشير إلى التاسعة‬ ‫أنها رحلة دولية‪.‬‬ ‫والنصف‪.‬‬ ‫يعود لتناول الريموت‪ ،‬يُغيّر القنوات تباعً ا‪..‬‬ ‫يعيد ال��ت��ل��ف��زي��ون ل��وض��ع اإلص���م���ات‪ ،‬يضع‬ ‫ليتوقف عند واحدة تعرض فيلمًا عن الحيوانات‪ ،‬الموبايل على الطاولة‪ ،‬يستلقي محاوال النوم‪،‬‬ ‫مجموعة من النمور تطارد حمارًا وحشيًا‪.‬‬ ‫يتمنى لو يعود ذلك الحلم الذي فقد الكثير من‬ ‫يترك المكان وينهض إلى دورة المياه‪ ،‬يحاول تفاصيله‪.‬‬

‫ * روائي وقاص سعودي‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪45‬‬


‫خلـــــوة‬

‫‪ρρ‬بوشعيب عطران*‬

‫ال��وح��دة إح��س��اس مقيت يرهبني‪ ،‬كلما انتابني‪ ،‬حطم دواخ��ل��ي وح���اق ب��ي ف��ي دوام���ة ال‬ ‫متناهية‪ ،‬رغ��م الوجوه المحيطة ب��ي‪ ،‬أغ��رق فيها حد الثمالة‪ ،‬ألجتر مأساتي‪ ،‬وأختبأ في‬ ‫صمتي‪.‬‬ ‫أتذكر ويصعب النسيان‪ ،‬هول تلك اللحظة المغلفة بالحزن التي رمت بي في ممرات الذل‬ ‫والهوان‪ ..‬تشابهت فيها أيامي حتى تعفنت روحي بالرتابة والملل‪ ،‬وفقدت شهية األشياء‪..‬‬ ‫وحدها تلك األغنية الشجية بصوت مالئكي تنتشلني من أحزاني‪ ،‬توقف زحف األنواء‬ ‫بداخلي‪ ،‬أتيه في حضرتها‪ ،‬تجذبني ألحانها إلى عوالم أخرى‪.‬‬ ‫يكشف عن مفاتنها‪ ،‬نقلت بصري في أجزاء‬ ‫جسدها بلهفة متلصصا‪ ،‬ابتسمت لي بحزن؛‬ ‫ما شجعني على النظر دون خوف‪ ،‬امتدت‬ ‫يدها إل��ى علبة سجائرها‪ ،‬أشعلت واح��دة‬ ‫على مهل‪ ،‬جاريتها وأشعلت واحدة‪ ،‬شرعت‬ ‫ابتسامتها قليال لم أشأ أن أعكر صفو تلك‬ ‫اللحظة بالكالم‪ ،‬بل تركت ال��دخ��ان الذي‬ ‫يتصاعد بيننا ينوب عن كل حديث‪ ،‬فالصعود‬ ‫خير من االنحدار‪.‬‬

‫وكأني أسير في طريق ضيق يشق الخالء‪،‬‬ ‫الجو يعبق بحنان صيفي‪ ،‬وبشائر الخريف‬ ‫تتهادى م��ع م��س��اء يعلن ع��ن نفسه مجلال‬ ‫ب��ه��دوء عميق‪ .‬على ش��اط��ئ شبه مهجور‪،‬‬ ‫أغراني بالجلوس في مقهى بجدار زجاجي‬ ‫ي��ط��ل ع��ل��ي��ه‪ ..‬أس��ن��دت رأس���ي ع��ل��ى حافة‬ ‫الكرسي في استرخاء تام‪ ،‬أنظر من خالل‬ ‫الزجاج على أم��واج البحر بين مد وج��زر‪.‬‬ ‫ط��ي��ور ال��ن��ورس ت��غ��ادر م��ع أش��ع��ة الشمس‬ ‫الواهية‪ ،‬تنحدر ببطء إلى مستقرها‪ ،‬بينما‬ ‫تنازعتني العاطفة‪ ،‬أم��ام صخب البحر‬ ‫العتمة تشق طريقها إل��ى ال��ك��ون ممتصة‬ ‫والظلمة الخفيفة والحسناء التي تسللت إلى‬ ‫األلوان المتبقية‪ ..‬حدقت طويال بهذه اللوحة‬ ‫وحدتي بمكر وسحر‪ ..‬وجوه غادرت وأخرى‬ ‫المعلقة بين السماء واألرض باندهاش‪ ،‬حتى‬ ‫حلت وأنا في مكاني ال أتغير‪ ،‬أرقب الحسناء‬ ‫اختفت تماما وسط الظلمة‪.‬‬ ‫بلهفة وأع��ص��اب م��ت��وت��رة‪ ،‬أص���ارع الخوف‬ ‫أضيئت أن���وار المقهى لتحجب الرؤية بداخلي‪ ،‬أللتفت إليها وأواجهها برغبتي‪..‬‬ ‫ع��ن خ��ارج��ه وتعكس م��ا ب��داخ��ل��ه‪ ،‬ط��اوالت‬ ‫وقع أحذية ثقيلة تلتها دقات عنيفة على‬ ‫هنا وهناك‪ ،‬حولها كراسي اقتعدتها وجوه‬ ‫الباب‪ ،‬تبعها صرير حاد‪ ،‬ذابت األغنية على‬ ‫مختلفة‪ .‬كل طاولة وعالمها‪ .‬عوالم شتى‬ ‫داخ��ل هذا العالم وال��ذي ب��دوره له عالمه‪ ،‬إث��ره��ا‪ ..‬فتحت عيني جيدا لتظهر أمامي‬ ‫بدت لي كخياالت مضطربة لتباعدها‪ ،‬إال فجوة س��وداء‪ ،‬وصوت يقتحم عزلتي يزعق‬ ‫وج��ه ام���رأة تجلى ب��وض��وح‪ ،‬تجلس ورائ��ي‪ ،‬برقمي فظا غليظا‪:‬‬ ‫ قم لديك زيارة‪.‬‬‫تضع ساقا على ساق‪ ،‬ترتدي فستانا شفافا‬ ‫ * قاص من المغرب‪.‬‬

‫‪46‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫‪ρρ‬مرمي احلسن*‬

‫أجنحة البياض‬ ‫لطالما ثرثرت قبل نومي مع والدتي‪:‬‬ ‫أماه‪ ..‬متى أرتدي لباس الصالة األبيض‬ ‫كي أصلي مثلك‪..‬؟ وأيضا أحلم بالثوب‬ ‫الناصع وأن���ا طبيبة أداوي الجرحى‬ ‫والمرضى‪ ..‬وأكثر شيء أتمناه بشغف‬ ‫وأنتظره كثيراً هو ثوب اإلحرام‪ ..‬وآخر‬ ‫أحالمي أن ارتدى ثوب العروس بشوق‬ ‫وف����رح‪ ..‬أرب��ع��ة أث����واب أراه����ا كطيور‬ ‫محلقة‪ ..‬ترفرف بأجنحتها على حياتي‪،‬‬ ‫كل ريشة منها تخط على جيدي عقداً‬ ‫أتقلده‪ ،‬وفي كل لؤلؤة من ذلك العقد‬ ‫قصة تحيكها أي��ام��ي‪ ،‬أعيشها بتأمل‬ ‫وفرحة تمدني بقوة‪ ،‬وس���داد‪ ..‬تُجمل‬ ‫ابتسامات ثغري‪ ،‬وتَس ُع أحالمي كلما‬ ‫ارتديتُ أحدها في سني عمري‪ ..‬تلك‬ ‫األث��واب التي تناولتها جميعها وعشت‬ ‫بها فرحتي‪ ،‬ما عدا ثوبا واحدا بدلته‬ ‫كفنا‪!..‬‬

‫ق� � � � � � �ص � � � � � ��ص ق� � � � �ص� � � � �ي � � � ��رة‬

‫قصتان قصيرتان‬ ‫عبث‬ ‫فتحتْ باب قلبها‪ ،‬جعلت ُه يعبث في‬ ‫م��غ��ارات��ه العميقة‪ ..‬أخ���رج منه ال��در‪،‬‬ ‫واللؤلؤ الالمع الذي يخطف القلب‪ ،‬زين‬ ‫به طريقًا يؤدي بهما إلى عنان السماء‪،‬‬ ‫أسهبت ل��ه بكل معانيها‪ ،‬وبيانها‪ ،‬لم‬ ‫تبخل عليه ب��أن��واع ك��ن��وزه��ا‪ ..‬أرادت‬ ‫بهذا القرب إزال��ة غيمة س��وداء تطغى‬ ‫على دروبها‪ ،‬وتصبغها بلونها القاتم‪..‬‬ ‫انقشعت الظالل وأشرقت الشمس‪..‬‬ ‫أعطى لحياتها نوعً ا من الحنين اللذيذ‬ ‫بألوانه الزاهية‪..‬‬ ‫اعتليا قوس قزح‪ ،‬وامتطيا الغيوم‪..‬‬ ‫تدحرجا ف��وق تلك األل��وان في بهجة‪،‬‬ ‫أعادت لِحياتها لونها الزاهي‪ ..‬رقصت‬ ‫بحجر صلب‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫في ج��ذل‪ ،‬لكنها تعثَّرت‬ ‫وحل‬ ‫سقطت من عليائها وغاصت في ٍ‬ ‫ل��زج‪ ..‬لم تستطع التخلص منه‪ ..‬وال‬ ‫العودة إلى حيث تركته يدندن‪ ..‬يعزف‬ ‫ع��ل��ى خ��ي��وط ال��ش��م��س ل��ح��ن ال��ح��ي��اة‬ ‫الجديدة‪!..‬‬

‫* قاصة من السعودية‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪47‬‬


‫هـذيــــــــان‬ ‫حين ينتصف الليل‪ ..‬تصاب ذاكرتي بنزلة برد‪ ،‬وتبدأ بالهذيان!‬ ‫‪ρρ‬أمنية طالل الطالب*‬

‫هذا النص جزء من مخطوط للشاعرة أمنية طالل من الجوف‪ ،‬كتبته‬ ‫قبل وفاتها ‪-‬يرحمها اهلل‪ -‬بتاريخ ‪1438/6/19‬ه���ـ (‪2017/3/18‬م)‪ ،‬وتظهر فيه‬ ‫الوجدانيات من خالل مخاطبة الشاعرة لذاتها وتداعيات مشاعرها المتدفقة‪.‬‬ ‫عملت الشاعرة في سلك التعليم في الجوف‪.‬‬

‫ال أعرفني‬ ‫أشعر أحيانا بأن ذاكرتي تنسل مني‪ ،‬تخونني‬ ‫تدّ عي عدم معرفتي‬ ‫خال من كل األحاسيس‪،‬‬ ‫وأظل عالقةً في حيز فارغ‪ٍ ،‬‬ ‫يترأسه الصمت‬ ‫ويخنقني‬ ‫***‬

‫أشعر بفوضى‪..‬‬ ‫داخلي شيء ما يموت‪ ،‬وآخر يحترق‬ ‫ال أجيد ترتيب الكلمات‪،‬‬ ‫طوفان منها يصل لحنجرتي ويغرقها‪،‬‬ ‫الحمم تتصاعد بصدري‬ ‫وتخرج س ْي ًال ملتهبا من عيني‪،‬‬ ‫قلبي ينزف‪ ،‬يتألم‪ ،‬ويصرخ‪،‬‬ ‫خارجي يمرُ بحالة صمت‬ ‫أو ربما صدمة‪،‬‬ ‫ال تظهر مالمحي أي تعابير‪،‬‬ ‫هادئة جدا‪..‬‬ ‫إني أموت بصمت‪.‬‬ ‫***‬

‫‪48‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫��������������������������ي � � � � � � � � � � � ��ات‬ ‫��������������������������ات‬ ‫��������������������������دان� � � � � � � � � � � � �‬ ‫وج � � � � � � � � � � � ��دا‬

‫تعيش حالة من التناقض؟!!‬ ‫تشعر بأنك تجهلك؟‬ ‫غريب عن نفسك؟!‬ ‫يعصف نصفك ويهدأ النصف اآلخر!‬ ‫يثرثر عقلك بأشياء يريدها وال يستطيعها!‬ ‫داخلك ذئب‪ ،‬وخارجك تمثال!!‬ ‫هاديء وصاخب‬ ‫تريد مخالطة البشر وتسقطك العزلة كشجرة‬ ‫في صحراء عاصفة!‬ ‫تصارع نفسك وتشتمها!!‬ ‫تحاول الخروج منها!‬ ‫تتمنى لو أن باستطاعتك إبراح نفسك ضربا‬ ‫حد اإلغماء‪..‬‬ ‫(مجرد من كل شيء إال صراخ علق برأسي)‪.‬‬ ‫***‬

‫كان مصابي بهم عظيمً ا فاق كل توقعاتي‪،‬‬ ‫وظنوني احتضرت طويال‪ ،‬بكيت ألمً ا وفقدً ا‪..‬‬ ‫خذالن ًا وخيبة‬ ‫قرأت كل قصائد الرثاء‪ ،‬لعل إحداها‬ ‫تطفئ حرَّ قلبي‬ ‫لكن بال نفع!‬ ‫جميعهم رحلوا بعد جرحي‪ ،‬رأوا احتضاري‬ ‫سمعوا استغاثاتي‪،‬‬ ‫وجلّ ما فعلوه أنهم نظروا إلي بشفقة‪ ،‬ثم ابتعدوا‬ ‫لكن اهلل لم يتركني‪ ،‬كان معي‬ ‫سمع استغاثتي وألمي‪ ،‬أرسل لي سكينة‪ ،‬لملمت أشالئي‬ ‫أعادت لقلبي نبضه‪ ،‬وروحي للحياة‬ ‫(كان اختبارا تعلمت منه‪ ،‬أال أثق بأحد مهما كان قريبا)‬ ‫ * من الجوف‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪49‬‬


‫األماسي‬ ‫ذر‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫‪ρρ‬د‪ .‬عبدالهادي الصالح*‬

‫���������ارس���������ه���������ا‬ ‫�������������������������������راك ف ُ‬ ‫َ‬ ‫ذرِ األم������������������اس������������������يَ م�������������ا أغ‬ ‫ف��������������إنّ��������������هُ ال��������������ب��������������د ُر م������������ا ح������������لّ������������وا وم����������������ا رح��������ل��������وا‬ ‫ت��������س��������ي��������رُ ت����������ج����������ري وإنّ ال����������ق����������ل����������بَ م������������أر ُزه������������ا‬ ‫�������������������روف وإنْ آن��������������ي��������������تَ ت������ه������ت������ب������لُ‬ ‫ُ‬ ‫ه��������������ي ال�������������������ح‬ ‫���������������ش���������������وقَ إ ْذ ي���������س���������ري ب�����ل�����ه�����ف�����ت�����هِ‬ ‫���������ب ال ّ‬ ‫ت���������خ���������اط ُ‬ ‫�����������ط ف��������������ي س��������������اح��������������ةٍ ط����������������وع����������������ا َء ت������م������ت������ث������لُ‬ ‫ي�����������ح ُّ‬ ‫وإ ْذ ت����������ن����������اج����������ي ف����������ت����������دع����������و أنّ ي�����������������ع�����������������او َد ُه‬ ‫�����������ج ‪ ‬ك�����������ال�����������دِّ ي�����������م ي������ت������ص������لُ‬ ‫م�������������ا ك���������������������انَ م�������������ن ل�����������ه ٍ‬ ‫���������ب ال���������ع���������ق��������� َد م������������ن م���������ن���������ظ���������ومِ س�������ي�������رت�������هِ‬ ‫ف���������ن���������رك ُ‬ ‫����������������اب ي�����ت�����ص�����لُ‬ ‫��������ن ب����������������األوص ِ‬ ‫م�����������ا ن������������������ا َح ب��������ال��������غُ ��������ص ِ‬ ‫ي����������ه����������ي����������مُ ذاه��������������بُ��������������ه��������������ا وي���������ص���������ط���������ف���������ي دُ رر ًا‬ ‫��������ح��������ل��������لُ‬ ‫����������������ت أم����������ن����������ي����������ةٌ ف�������ي�������ه�������ا ك��������م��������ا ال ُ‬ ‫وال����������������وق ُ‬ ‫أق�������������������������������ولُ ه�������������يّ�������������ا ف�����������ص�����������لّ�����������ى ربُّ ����������������ن����������������ا أب���������������������د ًا‬ ‫���������ب ع���������ل���������ى ه���������������������ادٍ ون�������ك�������ت�������ح�������لُ‬ ‫ع���������ل���������ى ال���������ح���������ب���������ي ِ‬ ‫م����������ح����������مّ ����������دٌ زي�������������ن�������������ةُ ال������������دُّ ن������������ي������������ا وم�����������������ا ب���������ذل���������وا‬ ‫������������������ص���������ل��������اةِ وب�������������ال�������������دّ ي�������������ج�������������ورِ ت������ن������ت������ث������لُ‬ ‫ّ‬ ‫م�������������ن ال‬ ‫��������������������ط ش��������رع��������ت��������هِ‬ ‫ّ‬ ‫وي��������������������ا ف�����������������������������ؤادُ ف������������أب������������ص������������ ْر خ‬ ‫�������ح�������لُ‬ ‫واس������������ت������������نّ واه������������ت������������دْ ف�����������������إنّ ال������������م������������ر َء م�������رت ِ‬ ‫وإنّ ي��������������وم�������������� ًا ل���������ك���������م ف��������������ي ذك���������������������������رهِ ُش������������غُ ������������لٌ‬ ‫وح������������ي������������نَ ن�������م�������ض�������ي ف��������م��������ا ب��������ال��������ق��������ب��������رِ ت�����ب�����ت�����ه�����لُ‬ ‫ * شاعر وأكاديمي – جامعة الجوف‪.‬‬

‫‪50‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫وطـــن النـــــور‬ ‫‪ρρ‬حمود الشريف*‬

‫��������رب‬ ‫����������اض ي������ح������ل������و ال��������م��������ش ُ‬ ‫��������ع��������ك ال����������ف����������ي ُ‬ ‫م�����������ن ن��������ب ِ‬ ‫ول���������������ئِ ���������������ن ش������������������������������دوتَ ف����������ك����������ل أُذن ت�������������ط�������������ر َُب‬ ‫����������اس����������مُ ����������ك األص��������������ال��������������ة م������وط������ن������ي‬ ‫م������������ن ذا يُ ����������ق ِ‬ ‫����������رب‬ ‫���������س���������ه���������ا ال ت����������غ ُ‬ ‫ي���������������ا خ����������ي����������ر أرض ش���������م ُ‬ ‫�����������د ال������������������ح������������������رامِ وقِ ��������ب��������ل��������ة‬ ‫ي��������������ا م�����������وط�����������ن ال�����������ب�����������ل ِ‬ ‫�����������رب‬ ‫ف������������ال������������ش������������رقُ دان ل�������ف�������ض�������ل�������ه�������ا وال�����������م�����������غ ُ‬ ‫�������������دك م������وط������ن������ي‬ ‫َ‬ ‫ع����������ب����������دُ ال����������ع����������زي����������ز أق����������������������ام م�������������ج‬ ‫��������������������������ب‬ ‫ُ‬ ‫وأق��������������������������������������ام م����������م����������ل����������ك����������ة عُ ���������ل���������اه�������������������ا أرح‬ ‫��������������وح��������������دا‬ ‫ٍّ‬ ‫وب����������س����������ي����������ف����������ه ج�����������م�����������ع ال�������������ش�������������ت�������������ات م‬ ‫�����������ب‬ ‫�����������ش ُ‬ ‫ف����������������������إذا ب���������ه���������ا ت�����������رب�����������و ال������������������رم������������������الُ وتُ�����������ع ِ‬ ‫ال�������������دي�������������ن ي�������������ا وط�����������ن�����������ي ح���������م���������ي���������تَ ول�����������������م ي���������زل‬ ‫ّ��������ب‬ ‫ذاك ال����������������ع����������������دو م����������������ن ال�����������ل�����������ق�����������ا ي��������ت��������ه��������ي ُ‬ ‫ووق��������������������ف��������������������ت ل������������ل������������ب������������اغ������������ي وك��������������������������ل م���������ن���������اف���������ق‬ ‫��������ب‬ ‫�����������������������������دك األب���������������ي���������������ة يُ��������س��������ك ُ‬ ‫ِ‬ ‫ف����������ال����������ع����������ز م���������������ن َي‬ ‫س���������ل���������م���������ان وال�����������ش�����������ع�����������ب ال������������س������������ع������������ودي خ�����ل�����ف�����ه‬ ‫������ب‬ ‫��������������������ب ال����������م����������ج����������وس س������يُ ������ع������ط ُ‬ ‫ُ‬ ‫وب�������ج�������ي�������ش�������ن�������ا ذن‬ ‫����������ع����������دا‬ ‫م������������ا زِ ل�������������������ت ت��������ش��������م��������خُ رغ���������������م أح�������������ق�������������ادِ ال ِ‬ ‫��������ب‬ ‫وط������������������������نُ ال����������م����������ع����������ال����������ي دائ�����������������مً �����������������ا ال يُ ��������غ��������ل ُ‬ ‫* شاعر من السعودية‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪51‬‬


‫غادتي‬ ‫‪ρρ‬خلف عناد الشايف*‬

‫أغ�����������ي�����������ب وت���������ب���������ق���������ى ف�������������ي ال�����������������ذواك�����������������ر غ�����������������ادةٌ‬ ‫��������ب‬ ‫ل�������ه�������ا ف����������ي س�������������������وادِ ال�������ع�������ي�������ن ذك����������������رى وم��������رك ُ‬ ‫وأغ������������������دو م���������ع ال���������وص���������ل ال������������م������������ؤرِّق م���ض���ج���ع���ي‬ ‫�����ب‬ ‫وأرن�������������������و لِ �������لِ �������قْ �������ي�������اه�������ا وذا ال�������ب�������ع�������د ي�����ح�����ج ُ‬ ‫وأه��������������ن��������������أ إن ج�����������������������ا َد ال������������م������������ن������������امُ ب������������رؤي������������ةٍ‬ ‫������ب‬ ‫���������ف مُ ������ح������ب ُ‬ ‫وأص����������ح����������و وف��������������ي ج�������ف�������ن�������يَّ ط���������ي ٌ‬ ‫��������������ال ُرم������تُ ������ه������ا‬ ‫وأط��������������������رقُ ف���������ي ع�����ي�����ش�����ي وف������������ي ح ِ‬ ‫������������������رب‬ ‫ُ‬ ‫ف�������أس�������ل�������و ع�����������ن ال�������ب�������اق�������ي�������ن ف������ي������ه������ا وأط‬ ‫���������������ق م���������������ت���������������أوِّهٌ‬ ‫ف����������ف����������ي ك���������������ل ح������������ال������������ي ع���������������اش ٌ‬ ‫ِّ��������ب‬ ‫وف�����������������ي ك�������������ل ش�����������أن�����������ي م���������������و َل���������������عٌ مُ ��������ت��������ص��������ب ُ‬ ‫وص���������� َل����������ه����������ا لِ ������مُ ������ح������بِّ������ه������ا‬ ‫رب ق�����������������������ر ِّْب ْ‬ ‫ف��������ي��������ا ِّ‬ ‫��������������رب‬ ‫ُ‬ ‫����������وت م�������ن�������ي أق‬ ‫ف��������������إن ل�����������م ي���������ك���������نْ ف����������ال����������م ُ‬ ‫وت����������س����������أل����������ن����������ي ع��������������ن غ��������������ادت��������������ي وم���������ك���������ا َن���������ه���������ا‬ ‫ه����������ي ه����������ا ه�������ن�������ا ف������ي������ه������ا ال����������ه����������وى وال��������م��������ذه�������� ُ‬ ‫ب‬ ‫�������������������ن ع������ل������ى ال���������م���������دى ع�����ش�����ق�����ي ل���ه���ا‬ ‫ُّ‬ ‫أن�����������ا ل���������م أُكِ‬ ‫�������ب‬ ‫ف������ي������ه������ا ن������ظ������م������ت ال��������������ق��������������ولَ ‪ ،‬ف������ي������ه������ا أخ�������ط ُ‬ ‫��������ت ب�����اس�����م�����ه�����ا‬ ‫(رح���������������م���������������ات) رب���������������ي ق�����������د ت��������ج��������ل ْ‬ ‫������ب‬ ‫ع��������������زَّ ال���������م���������ك���������ان ب�������ه�������ا وط���������������������ابَ ال������م������ص������ح ُ‬ ‫ * الجوف ‪ -‬سكاكا‪.‬‬

‫‪52‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫‪ρρ‬محمد حيدر مثمي*‬

‫روحي سأعصرها‬ ‫ِ‬ ‫فلتهنَئِ ي قدحا‬ ‫أجدبت‬ ‫ْ‬ ‫أرواحنا قدْ‬ ‫ِ‬ ‫ما شأنُ‬ ‫ترحا‬ ‫لكنّهُ القَد ُر المحمومُ ‪ ‬‬ ‫يقذفُ نَا‪ ‬‬ ‫ـين ال تُبنَا‪ ‬‬ ‫الصراط ِ‬ ‫بين ِ ّ‬ ‫و ال فَتحا‬ ‫يعبث العمرُ فينا‬ ‫ُ‬ ‫كم‬ ‫من جَ ـهالتهِ‬ ‫من الشقاءات‪ ‬‬ ‫كم أضنى ‪ ..‬وكم جَ ـرحا‬ ‫خَ ـلقُ السماءِ نَبتنَا‬ ‫ال مالئكةً‬ ‫أفواهنا‬ ‫ِ‬ ‫لكنّما الطينُ من‬ ‫سَ فَحا‬ ‫تخ َض ُّر في فَمنا األسماءُ‬ ‫ْ‬ ‫نذكُ رُ ها‬

‫لكنّ آدمـ َنا من جهْ لهِ‬ ‫صـ َدحا‬

‫ش���������������������������������������������������ع���������������������������������������������������ر‬

‫روحي سأعصرها‬ ‫ِ‬

‫ُفاحنا لم يزلْ يزهُ و‬ ‫ت ُ‬ ‫باب جنّتنا‬ ‫بروعَ تِ ه و ُ‬ ‫من حَ ولنا فُ ـتحا‬ ‫ألف حَ ــواء كم غَ ن ّْت‬ ‫و ُ‬ ‫بأضل ُِعنا‪ ‬‬ ‫ْ‬ ‫ُوءات و الس َر الذي‬ ‫زيف ال ُّنب ِ‬ ‫َ‬ ‫فُ ضحا‬ ‫دهرٌ من النورِ لم يُ نْقذْ‬ ‫بواطنَنا‬ ‫ِ‬ ‫حيث الظالمُ على أبصارِ نا‪ ‬‬ ‫طَ فحا‬ ‫لألرض‬ ‫ِ‬ ‫معراجنا ‪ ..‬ها هُ نا‬ ‫ُ‬ ‫أوصلنا‬ ‫َ‬ ‫خابَ الدليلُ الذي أدنَى‬ ‫نصحا‬ ‫و إن َ‬

‫* شاعر من السعودية‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪53‬‬


‫بان َأ ُطـوف‬ ‫َب ْي َن ال ُْق ْض ِ‬ ‫‪ρρ‬رشيد سوسان*‬

‫هَ لْ أَهْ دابُك س ِّيدَتي نَقْ ٌش؟‬ ‫ضوب بِ الذَّ هَ ِب‪.‬‬ ‫َنام ِل ت ٍَاج مَ ْخ ٍ‬ ‫بِ أ ِ‬ ‫يَعْ لُو َرأ ِْسي‪.‬‬ ‫ّاس‪ ..‬وفِ ي ِم ْشيَتِ هِ َي َتب َْخ َترْ‪.‬‬ ‫ي َْج َعلُنِ ي َكأَميرِ الن ِ‬ ‫َفأَنا ل َْس ُت اآل َن أ َِسيرْ‪،‬‬ ‫إِ لاّ فِ ي مَ مْ لكةِ ا ُألن ِْس!‬ ‫ْدوس‪.‬‬ ‫رات ال ِْفر ِ‬ ‫ناك سَ أَقْ ِط ُف ِمنْ ثَمَ ِ‬ ‫وهُ َ‬ ‫***‬

‫هَ لْ أَهْ دابُك نَقْ ٌش ِمنْ ذَهَ ِب؟‬ ‫الس ْج ِن تُسَ ي ُِّجني!؟‬ ‫أَ ْم ِهيَ قُ ْضبانُ ِّ‬ ‫جاج الْغُ رْبةِ ‪،‬‬ ‫ُحاصرُ ني َبيْنَ فِ ِ‬ ‫وت ِ‬ ‫السمَ رِ ‪:‬‬ ‫قال َّ‬ ‫السهَرِ ‪َ .‬تتْرُ كُ نِ ي و َْس َط ِع ِ‬ ‫َات َّ‬ ‫أَ ْو عَ َتب ِ‬ ‫أَفْ تَرِ ُش األ َْحجَ ارَ‪..‬‬ ‫السحَ رِ ‪..‬‬ ‫َوأَرْعَ ى ا ْلف َْج َر بِ سَ فْ ِح َّ‬ ‫َيأ ِْسرُ ني طَ رْفُ ِك يا سَ يِّدتِ ي بِ قُ يودٍ ِمنْ َله َِب‪.‬‬ ‫السلَ ِمنْ نَارِ ‪..‬‬ ‫وَيُ َك ِّبلُنِ ي بِ سَ ِ‬ ‫َالشرَرِ ‪.‬‬ ‫َتَطايرُ ِمنْها ألَمٌ ك َّ‬ ‫***‬

‫الشهُ ِب‪.‬‬ ‫َتان‪َ ..‬كوَمْ ِض ُّ‬ ‫ْباهر ِ‬ ‫ْناك ال ِ‬ ‫َتبْدُ و عَ ي ِ‬ ‫ِحينَ ترُ ُّف‪ ..‬أَرَاها ك َِسهامٍ قَاتِ لَةٍ ‪،‬‬ ‫‪54‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫ش���������������������������������������������������ع���������������������������������������������������ر‬

‫َاحدَةٌ ‪:‬‬ ‫وِ ْجهَتُ هَا و ِ‬ ‫ْض فُ ؤادِ ي‪ ..‬ثُ مَّ شَ رايِ ينِ ي‪.‬‬ ‫َرو ُ‬ ‫آهٍ ‪..‬‬ ‫يب فُ ؤَادِ ي!‬ ‫السهْ مُ يُ ِص ُ‬ ‫ِحينَ َّ‬ ‫أ َْسقُ ُط‪..‬‬ ‫ثُ مَّ بِ كُ لِّ قُ وَايَ ‪..‬‬ ‫بان ِعقَالِ ي‪.‬‬ ‫َاجي‪ ..‬وَبِ يُ مْ نايَ أ َُشدُّ عَ لى قُ ْض ِ‬ ‫ض عَ لَى ت ِ‬ ‫أَعُ ُّ‬ ‫أ َْسقُ ُط‪..‬‬ ‫ثُ مَّ أَقُ ومُ ‪..‬‬ ‫الشهُ ِب‪.‬‬ ‫إِ ذَا اهْ تَزَّ ِضياءُ ُّ‬ ‫اب‪.‬‬ ‫وت َوأ َْحيَا‪ِ ..‬حينَ ا ْل َقل ُْب يُ َص ْ‬ ‫َوأَمُ ُ‬ ‫آهٍ ‪..‬‬ ‫مَ ا أَ ْبهَى أَلْحَ اظَ ِك ِحينَ تَرُ ْف‪.‬‬ ‫مَ ا أ َْحلَى أ َْسر َِك لِ ي‪،‬‬ ‫ـوف‪.‬‬ ‫بان أ َُط ْ‬ ‫ِحينَ أَنَا‪َ ..‬بيْنَ الْقُ ْض ِ‬ ‫***‬

‫عاب الْغُ رْبةِ ‪،‬‬ ‫ض َبيْنَ ِش ِ‬ ‫َوأَنَا الرَّ ابِ ُ‬ ‫تعلُ ا ْل َي ْو َم هُ نا‪.‬‬ ‫أ َْش ِ‬ ‫َوأُحَ دِّ قُ فِ ي األُفُ ِق‪.‬‬ ‫ُصارِ عُ أَمْ وا َج ا ْلغَسَ ِق‪:‬‬ ‫َوأ َ‬ ‫ـاك‪َ .‬وأَرَى الأْ َ ْنوَا َر ُت َلوِّحُ لِ ي‪،‬‬ ‫َاك هُ َن ْ‬ ‫لأِ َر ِ‬ ‫َّـاك‪.‬‬ ‫راق مُ حَ ي ْ‬ ‫بِ تَجَ دُّ دِ إِ ْش ِ‬ ‫َاك!؟‬ ‫مُ تحَ دِّ يَةً كُ لَّ األ َْشـو ْ‬ ‫َـاك‪.‬‬ ‫مُ عْ لِ نَةً ِس ْح َر َبه ْ‬ ‫مُ ْش ِعلـةً فِ ي أَعْ ماقِ ـي‬ ‫َنـا َر الأْ َْشـوَاقْ ‪.‬‬ ‫ * شاعر من المغرب‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪55‬‬


‫الشرفة النائمة‬ ‫‪ρρ‬جنوى عبداهلل*‬

‫شرفة نائمة‪..‬‬ ‫ال وجه يتألأل بداخلها‪..‬‬ ‫ال مرسى‪..‬‬ ‫شرفة نائمة‬ ‫بحبال برج‪..‬‬ ‫شرفة‬ ‫تخشى السقوط‬ ‫على حافة جسد‪..‬‬ ‫تغفو الشرفة‬ ‫على ما تبقى من ضوء حلم‪..‬‬ ‫الشرفة‬ ‫ال تسقط عليها األمطار الجائعة‬ ‫وال تنثر حباتها‬ ‫على رصيف‪..‬‬ ‫هي ليست أنامل ملجأ‬ ‫وليست حرف ًا عجوز ًا‬ ‫ملتصقة بعكاز شوارع حمقى‪..‬‬ ‫في طرق العنكبوت‬ ‫شاب المصيدة‬ ‫وزوجان من ألفة‪..‬‬ ‫وتوأمان يلعبان لعبة االختفاء‪..‬‬ ‫وطن ال يقبع على خريطة‬ ‫ولم يتعب من لعبة الجزار‪..‬‬ ‫الحب‬ ‫أنت أيها الجبان‬ ‫ال أتناولك قطعةً واحدة‬ ‫عسير في التوهج‬ ‫احتفظ بك‪..‬‬

‫* كاتبة عراقية تقيم في أمريكا‪.‬‬

‫‪56‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫***‬

‫***‬

‫***‬


‫‪ρρ‬تركية العمري*‬

‫ألنك‪ ..‬بـظلك شقي!‬ ‫بفجرك شقي!‬ ‫رقيق الحنايا‪ ،‬نبيل الجراح‪،‬‬ ‫وغيم أبي‪،‬‬ ‫فأنت حبيبي‪.‬‬ ‫ألنه يبكيك غناء المعدمين‪،‬‬ ‫وشجن دروب الحالمين‪،‬‬ ‫وحلم تشظى لعاشقين‬ ‫فأنـت حبيبي‪.‬‬ ‫ألنك حليف بسمة الحناء‪،‬‬ ‫عاشق الليلك‪،‬‬ ‫حكايات ليلي وليلك‪،‬‬ ‫فأنت حبيبي‪.‬‬

‫ش���������������������������������������������������ع���������������������������������������������������ر‬

‫أغنية لحبيبي‬

‫***‬

‫***‬

‫***‬

‫ألنك تريد أسراب نوارس الضياء‬ ‫تداعب األرض‪،‬‬ ‫لترقص السنابل‪ ،‬وتغني النساء‪،‬‬ ‫فأنت حبيبي‪.‬‬

‫***‬

‫ألنك آمنت بصوت نزفك‪ ،‬ونبض حرفك‪،‬‬ ‫وشدوت‪..‬‬ ‫وبكيت‪..‬‬ ‫وجننت‪..‬‬ ‫فأنت حبيبي‪.‬‬ ‫ألنك ستهدي قلبي نص ًا طويال‪،‬‬ ‫وتغني لعيني لحنا جميال‪،‬‬ ‫فأنـت حبيبي‪.‬‬

‫***‬

‫* كاتبة وقاصة ومترجمة من السعودية‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪57‬‬


‫إلى محمود درويش‬ ‫‪ρρ‬محمد بدر الدين البدري*‬

‫سيقالُ عني حين يأخذني المدى‬ ‫حلم ويبقى وح َد ُه‬ ‫سيعيش في ٍ‬ ‫ُ‬ ‫سيداعب النج َم األخي َر برقَّ ةٍ‬ ‫ُ‬ ‫ويعلّمُ األمطا َر تأتي بع َد ُه‬ ‫وسيخبرُ اللغ َة األنيق َة عشقَهُ‬ ‫فتترجمُ األلحانُ نور ًا وج َد ُه‬ ‫أدركت يوم ًا رحلتي‬ ‫ُ‬ ‫يا ليتني‬ ‫أدركت ت ّو ًا فق َد ُه‬ ‫ُ‬ ‫يا بؤسنا‬ ‫نثريةٌ ساعاتهُ غجريةٌ‬ ‫يواكب صي َد ُه‬ ‫ُ‬ ‫أحالمهُ ألمٌ‬ ‫عاشق‬ ‫ٍ‬ ‫ناي‬ ‫أورثوك حنينَ ٍ‬ ‫َ‬ ‫هم‬ ‫هم أوصدوا ذكرى فأطلقَ رع َد ُه‬ ‫الصهيلُ‬ ‫ذبحوك فانطلقَ ّ‬ ‫َ‬ ‫ذبحوك كم‬ ‫َ‬ ‫وو ّز َع الزيتونُ مَ ْجد ًا وِ َّد ُه‬ ‫يا أول القتلى وآخرُ مي ٍّت‬ ‫قاموسنا لكنْ أضعنا مج َدهُ‪..‬‬ ‫سيقالُ عني حينَ يمتنعُ الصدى‬ ‫أزهرت القصائدُ جل َد ُه‬ ‫ِ‬ ‫اليو َم‬ ‫اليو َم تبكيهِ المنافي والقوافي‬ ‫نائحات وِ ْر َد ُه‬ ‫ٍ‬ ‫والفيافي‬ ‫فتالطمت‬ ‫ْ‬ ‫الجهات أتيتها‬ ‫ِ‬ ‫كلُ‬ ‫أمواجها والريحُ تحملُ سه َد ُه‬ ‫ُ‬ ‫وتخاصمت فيه المعاني واألغاني‬ ‫ْ‬ ‫فاستفاقَ البحرُ يبكي لح َد ُه‬ ‫كم كنتَ وحدَكَ يا ابنَ أمي نازف ًا‬ ‫تقف المنابرُ حدَّ هُ‪..‬‬ ‫ومُ شاكس ًا ُ‬ ‫ * شاعر عراقي مقيم في الواليات المتحدة‪.‬‬

‫‪58‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫‪ρρ‬حامد أبو طلعة*‬

‫ش���������������������������������������������������ع���������������������������������������������������ر‬

‫أجب …‬ ‫أيها الليل‬ ‫ْ‬ ‫في فمي أسئلةٌ والصبحُ يا ليلُ ك َِذ ْب‬ ‫في الده َر‬ ‫لِ َم هذا الجرحُ ّ َ‬ ‫جرحٌ لم ي َِط ْب!؟‬ ‫عيني هذا الدمعُ دوم ًا ينسكِ ْب!؟‬ ‫َّ‬ ‫لِ َم من‬ ‫لِ َم يُ رخي الصبحُ سمع ًا‬ ‫غض ْب!؟‬ ‫أماني ِ‬ ‫َّ‬ ‫وإذا دار حديث ًا عن‬ ‫عيني أحالمٌ قديم ْة‬ ‫َّ‬ ‫لِ َم ال يصغي وفي‬ ‫شفتي أسرا ٌر أليم ْة‬ ‫َّ‬ ‫وعلى‬ ‫وآمال سقيم ْة‬ ‫ٌ‬ ‫وطموحات‬ ‫ٌ‬ ‫فأجب‬ ‫ْ‬ ‫فإذا ما َص ّ َم هذا الصبحُ أُذناً‪،‬‬ ‫األشواك يا ليلُ‬ ‫ُ‬ ‫هذه‬ ‫أما زالت ألقدامي طريقا!؟‬ ‫هذه األشواقُ يا ليلُ‬ ‫أما زالت أليامي حريقا!؟‬ ‫آهِ ما أقسى الطريقَ المُ كْ تَئِ ْب!‬ ‫الملته ْب!‬ ‫ِ‬ ‫آهِ ما أشقى الفؤا َد‬ ‫قلب المُ ِح ْب‬ ‫آهِ ما أصعبَ أن تنبتَ في ِ‬ ‫أمنيات‪:‬‬ ‫ٌ‬ ‫وشرب)‬ ‫ْ‬ ‫(أكل الدهرُ عليها‬ ‫* شاعر من السعودية‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪59‬‬


‫الباب‬ ‫َو ْحدي َسأفْ َت ُح َ‬ ‫‪ρρ‬سمية عبداهلل*‬

‫وحد ُه‬ ‫كان نائماً‪ ..‬بال أحال ْم‬ ‫الموت‬ ‫ُ‬ ‫تنصتَ‬ ‫هكذا َّ‬ ‫على طفولةٍ غادرتْ ‪ ..‬ولم تبدأ‬

‫‪1‬‬

‫‪2‬‬

‫‪3‬‬

‫ال نعودُ إليهِ‬ ‫البيت ونحنُ غرباءْ‬ ‫ُ‬ ‫إال والنو ُر مَ ْطفأٌ‪ ..‬هكذا‬ ‫‪4‬‬

‫ال أح َد يُ شبهني‬ ‫وفي المرَّ ةِ القادمةِ ‪ .‬ال أح َد سيتذكرُ ني‬ ‫وفي النهايةِ ‪ .‬سأبقى وحدي‬ ‫الباب‬ ‫ْ‬ ‫حتى إذا عا َد الموتى‪ ..‬أفتحُ لهمُ‬ ‫‪5‬‬

‫في نهارِ ال يُ شبهُ الليلَ ‪ ،‬يستطيلُ الضوءُ متعامد ًا مع آخرِ عتمةٍ‬ ‫بالغرق‬ ‫ِ‬ ‫مأهول‬ ‫ٌ‬ ‫الحب‬ ‫ُّ‬ ‫حيث‬ ‫أترك قدمي مُ مدَّ دةً‪ُ ..‬‬ ‫حين ُ‬ ‫الوقت‪ ..‬ال يسمعُ ني الصبحُ‬ ‫ِ‬ ‫منتصف‬ ‫ِ‬ ‫هكذا‪ ،‬حتى‬ ‫لون وظلْ‬ ‫حين يمرُّ بأوراقي المُ بعثرةِ ‪ ..‬بال ٍ‬ ‫‪6‬‬

‫باتساعهِ‬ ‫ِ‬ ‫حلمت‬ ‫ُ‬ ‫الكون الذي‬ ‫ِ‬ ‫حتى حافةِ‬ ‫سرمدي‬ ‫ٌّ‬ ‫األنفاس وجعٌ‬ ‫ِ‬ ‫سأمضي معي‪ ..‬ألكتبَ وفي‬ ‫كمثل غيمةٍ ُحبلى بالمطرِ الصباحيِّ‬ ‫ِ‬ ‫استيقاظك‬ ‫ِ‬ ‫ألتقطها قبلَ‬ ‫ُ‬ ‫حيث مالمحي األُخرى‪..‬‬ ‫ُ‬ ‫* شاعرة من اإلمارات‪.‬‬

‫‪60‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫ت � � � � � � � � � � � � � � � � � ��رج � � � � � � � � � � � � � � � � � � �م � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ة‬

‫«األب»‬ ‫قصة قصيرة لـ “بيورنستيرنه بيورنسون”‬

‫(‪)1‬‬

‫‪ρρ‬ترجمة‪ :‬راضي النماصي*‬

‫التي يقطنها؛ واس��م��ه ث��ورد أوف��ي��راس‪ .‬ف��ي ي��ومٍ م��ا‪ ،‬ظهر ق��رب غرفة مطالعة‬ ‫القسيس بهيأته الطويلة والجادة وقال‪« :‬لقد رزقت صبيًا‪ ،‬وأود تقديمه للتعميد‪».‬‬ ‫رد القسيس‪« :‬وما سيكون اسمه؟»‬ ‫‪ -‬‬

‫«فِ ن‪ .‬على اسم أبي»‪.‬‬

‫رد القروي‪“ :‬ليس هناك شيء آخر”‪،‬‬ ‫ثم رفع قبعته وشرع بالذهاب‪.‬‬

‫ب��ي��د أن القسيس خ��اط��ب��ه بصوت‬ ‫ «ومن العرّابين؟»‪.‬‬‫مرتفع‪“ :‬بقي شيء أخير على أية حال”‬ ‫ذُكِ �� َر العرّابون للقسيس‪ ،‬وثبت أنهم بينما ك��ان يخطو إل��ي��ه‪ ،‬ث��م أخ��ذ بيده‬ ‫خير الرجال والنساء ممن لديهم عالقة وخاطبه وهو ينظر إلى عينيه بإشفاق‪:‬‬ ‫اإليبارشيَّة‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫بثورد في‬ ‫“ليجعل منه الرب نعمة عليك”‪.‬‬ ‫رف��ع القسيس رأس���ه ون��ظ��ر ل��ه ثم‬ ‫ف��ي أح��د األي����ام‪ ..‬بعد ستة عشر‬ ‫سأل‪« :‬هل هناك شيء آخر؟»‪.‬‬ ‫عامًا‪ ،‬وقف ثورد مرة أخرى على باب‬ ‫ت��ردد ال��ق��روي قليل‪ ،‬لكنه ق��ال في غرفة مطالعة القسيس‪.‬‬ ‫ال��ن��ه��اي��ة‪« :‬أود ف��ع�ًل�اً ل��و يعمد نفسه‬ ‫قال القسيس لمّا لم يلحظ تغييرًا‬ ‫بنفسه»‪.‬‬ ‫في هيأة الرجل‪“ :‬إنك تعتني بنفسك‬ ‫‪ -‬‬

‫«لنقل‪ ..‬خالل وسط األسبوع»‪ .‬بشكل مذهل حقًا يا ثورد”‪.‬‬

‫ «السبت القادم‪ ،‬في الساعة‬‫الثانية عشر ظهرًا»‪.‬‬ ‫‪ -‬‬

‫«هل هناك شيء آخر؟»‪.‬‬

‫‪ -‬‬

‫«ذلك ألن ال مشاكل لدي»‪.‬‬

‫لم يرد القسيس على ما قال ثورب‪،‬‬ ‫لكنه سأل بعد برهة‪“ :‬ما األمر السعيد‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪61‬‬


‫بعمق‪ ،‬ثم دوّن األسماء في كتابه دون أي‬ ‫الذي أتى بك اليوم”؟‬ ‫ «لقد أتيت الليلة بخصوص ابني‪ ،‬إذ تعليق‪ ،‬وبعد ذل��ك وقّ��ع ال��رج��ال باألسفل‪.‬‬‫وضع ثورد ثالثة دوالرات على الطاولة‪ ،‬فقال‬ ‫سينال سر الميرون(‪ )2‬غدًا»‪.‬‬ ‫القسيس‪:‬‬ ‫ «إنه ولد نبيه»‪.‬‬‫ «كل ما أحتاجه دوالر واحد»‪.‬‬‫ «ل��م أش��أ أن أدف��ع للقسيس حتى‬‫ «أعلم تمامًا‪ ،‬لكنه ابني الوحيد؛‬‫سمعت ال��رق��م ال��ذي سيحوزه الفتى حين‬ ‫وأريد فعل ذلك بسخاء»‪.‬‬ ‫يتّخذ مكانه في الكنيسة غدًا»‪.‬‬ ‫ «ه��ذه اآلن ثالث م��رة تأتي بها يا‬‫ «سيكون األول»‪.‬‬‫ثورد ألجل ابنك»‪.‬‬ ‫ «وه��ذا ما سمعته‪ .‬ها هي عشرة‬‫رد ثورد‪“ :‬لكني انتهيت منه اآلن”‪ ،‬ثم ألقى‬ ‫دوالرات للقسيس»‪.‬‬ ‫بتحية الوداع بينما يثني جيوبه ومضى بعيدًا‪،‬‬ ‫سأل القسيس وهو ينظر إلى ثورد بثبات‪ :‬وتبعه الرجال ببطء‪.‬‬ ‫“هل أستطيع فعل شيء آخر لك؟”‬ ‫بعدها بأسبوعين‪ ،‬كان األب يجتاز البحيرة‬ ‫ «ليس هناك شيء آخر»‪.‬‬‫وهو يجدف في نهار هادئ مع ابنه ذهابًا إلى‬ ‫ستورليدن لكي يعقدوا ترتيبات الزفاف‪.‬‬ ‫ومضى في سبيله‪.‬‬

‫‪62‬‬

‫ق��ال االب���ن‪“ :‬هذا الكرسي ليس آمنًا”‪،‬‬ ‫مرت ثمان سنوات‪ ،‬وبعدها سُ معت جلبة‬ ‫في ي��وم ما خ��ارج غرفة مطالعة القسيس ونهض كي يثبّته‪.‬‬ ‫في اللحظة نفسه انزلقت األرضية التي‬ ‫لعدة رجال قادمين‪ ،‬وكان ثورد في مقدمتهم‬ ‫ك��ان يقف فوقها فصاح وسقط في الماء‪.‬‬ ‫وأول من دخل غرفة المطالعة‪.‬‬ ‫هتف األب‪“ :‬تمسّ ك بالمجداف” بينما كان‬ ‫رفع القسيس رأسه ونظر إليه فعرفه‪ ،‬ثم‬ ‫ينهض بسرعة ويمده‪.‬‬ ‫قال‪“ :‬لقد أتيت ومعك حشد يا ثورد”‪.‬‬ ‫لكن حين حاول الفتى أن يفعل ذلك مرتين‬ ‫ «أنا هنا ألطلب إعالن قران ابني‪،‬‬‫تصلّب جسده‪ ،‬فصرخ أبوه‪“ :‬انتظر لحظة!”‬ ‫فهو سيتزوج كارين ستورليدن‪ ،‬ابنة غودموند‪،‬‬ ‫ثم جدف باتجاهه‪.‬‬ ‫والذي يقف بجانبي اآلن»‪.‬‬ ‫التف جسد االبن إلى األعلى‪ ،‬وألقى إليه‬ ‫ «م��������اذا! إن���ه���ا أغ���ن���ى ف���ت���اة ف��ي‬‫بنظرة طويلة ثم أخذ يغرق‪.‬‬ ‫اإليبارشية»‪.‬‬ ‫لم يكد ثورد يصدّق ما حدث‪ .‬أبقى على‬ ‫رد القروي‪“ :‬يقولون ذلك” بينما يمسد القارب ثابتًا‪ ،‬وحدّق في المنطقة التي ذهب‬ ‫شعره بيد واحدة‪.‬‬ ‫بها ابنه إلى األسفل‪ ،‬بينما اعتقد أنه سيصعد‬ ‫جلس القسيس لفترة كما لو ك��ان يفكر إلى السطح مجددًا بالتأكيد‪ .‬وقد صعدت‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫ت � � � � � � � � � � � � � � � � � ��رج � � � � � � � � � � � � � � � � � � �م � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ة‬

‫ «لدي شيء يجب أن أمنحه للفقراء‪،‬‬‫بالفعل عدة فقاعات‪ ،‬تتلوها فقاعات أخرى‬ ‫وبعدها واحدة كبرى‪ ،‬ومن ثَ َّم عادت البحيرة وأريد توظيفه كصدقة باسم ابني»‪.‬‬ ‫ساطعة ومستوية كمرآة‪.‬‬ ‫ق��ام ووض���ع بعض ال��م��ال على الطاولة‬ ‫ظل الناس يرون األب يجدف حول تلك وجلس مجددًا‪ ،‬ثم ع ّد القسيس المال وقال‪:‬‬ ‫المنطقة لثالثة أيام متواصلة بلياليها دون أن‬ ‫ «إنها كمية كبيرة»‪.‬‬‫يأكل أو ينام‪ .‬كان يبحث في البحيرة عن جثة‬ ‫ «صحيح‪ .‬إنها سعر نصف مزرعتي‪،‬‬‫ابنه‪ ،‬ووجدها في صباح اليوم الثالث وحملها‬ ‫فقد بعتها اليوم»‪.‬‬ ‫فوق التلة إلى ضيعته‪.‬‬ ‫قد يكون م َّر حوالي عام على ذلك اليوم‬ ‫ظل القسيس في صمت طويل‪ ،‬حتى سأل‬ ‫ً‬ ‫حين سمع القسيس في مساء خريفي‬ ‫شخصا أخيرًا وبلطف‪“ :‬ما الذي تنوي فعله اآلن يا‬ ‫في الباحة خارج صومعته وهو يبحث بحذر ثورد؟”‪.‬‬ ‫عن المزالج‪ .‬فتح القسيس الباب ودخل رجل‬ ‫ «شيئًا أفضل»‪.‬‬‫وشعر أبيض‪ .‬نظر إليه‬ ‫ٍ‬ ‫طويل بقامة منحنية‬ ‫جلسا سويًا لوهلة‪ .‬كان القسيس يحدق‬ ‫القسيس مطولاً قبل أن يعرفه‪ .‬كان ثورد‪.‬‬ ‫باتجاه ث��ورد بينما ك��ان األخ��ي��ر ينظر إلى‬ ‫ق��ال القسيس وه��و واق��ف أم��ام��ه‪“ :‬هل‬ ‫تتمشى ف��ي ال���خ���ارج خ�ل�ال ه���ذا ال��وق��ت األسفل وهو مفطور الفؤاد‪ .‬قال القسيس‬ ‫بعد ذلك بهدوء ورفق‪:‬‬ ‫المتأخر؟”‪.‬‬

‫ «أظن أن ابنك قد حباك أخيرًا هب ًة‬‫ «آه‪ ،‬نعم‪ .‬إن الوقت متأخر»‪ ،‬قال‬‫حقيقية»‪.‬‬ ‫ثورد قبل أن يجلس‪.‬‬ ‫أيضا»‪ ،‬قال ثورد‬ ‫ «أجل‪ .‬أعتقد ذلك ً‬‫أيضا بينما كان ينتظر ما‬ ‫جلس القسيس ً‬ ‫سيحدث‪ .‬تال ذلك صمت طويل للغاية‪ ،‬ثم بينما كانت دمعتان كبيرتان تشقان طريقهما‬ ‫نطق ثورد أخيرًا‪:‬‬ ‫إلى األسفل عبر وجنتيه‪.‬‬ ‫* كاتب من السعودية‪.‬‬ ‫(‪ )1‬نقدم في هذا النص أول ترجمة إلى اللغة العربية لنثر أحد أعالم األدب النرويجي واألوروب��ي عبر‬ ‫التاريخ‪ ،‬وهو الشاعر والكاتب والمسرحي الكبير بيورنستيرنه بيورنسون ‪.Bjørnstjerne Bjørnson‬‬ ‫أبصر بيورنسون النور في عام ‪1832‬م‪ ،‬وهو أحد “األربعة العظام” في األدب النرويجي‪ ،‬وهم – إضافة‬ ‫له – هنريك إبسن‪ ،‬ويوناس الي‪ ،‬وألكسندر كيالند؛ كما أنه من كتب النشيد الوطني النرويجي‪ .‬حاز على‬ ‫جائزة نوبل لآلداب عام ‪1903‬م‪ ،‬وذلك – حسب لجنة الجائزة – “تقديرًا لقصائده المتعددة الرفيعة‬ ‫العظيمة‪ ،‬والتي لطالما عُرفت بحداثة إلهامها وروحها النقية النادرة”‪ ،‬ومن الجدير بالذكر أنه كان أحد‬ ‫أعضاء اللجنة التي تمنح جائزة نوبل للسالم لمدة خمس سنوات‪ .‬توفي في باريس عام ‪1910‬م عن ثمانية‬ ‫وسبعين عامًا‪ ،‬واثنين وثالثين كتابًا‪.‬‬ ‫(‪ )1‬كلمة يونانية األصل‪ .‬معناها المقاطعة أو المديرية‪ ،‬وهي كلمة تطلق على المنطقة التي يرعى شعبها‬ ‫مطران أو أسقف ويساعده الكهنة والشمامسة (مكان خدمة األسقف)‪.‬‬ ‫(‪ )2‬سر الميرون أو التثبيت هو أحد أسرار الكنيسة السبعة‪ ،‬ويتم بعد سر التعميد‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪63‬‬


‫الدكتور عبدالرحمن بن صالح الشبيلي‬

‫‪:‬‬

‫التكريم ال��ذي حظيت ب��ه ف��ي الجنادرية ‪ ،31‬م��ن خ��ادم الحرمين‬ ‫الشريفين‪ ،‬كان مفاجئ ًا في توقيته واختياره‪ ،‬وعميق ًا في معناه وداللته‪.‬‬ ‫التلفزيون هو مَ ْجمع الفنون الناطقة‪ ،‬واإلذاعة أحد الدهاليز إليها‪.‬‬ ‫«ع��راب» اإلع�لام الحديث‪ ،‬وننتظر باشتياق صدور‬ ‫َّ‬ ‫الشيخ الحجيالن‬ ‫مذكراته وذكرياته مع اإلعالم والدبلوماسية‪.‬‬ ‫الصحافة الورقية مقروئيّ تها تناقصت بشكل ملحوظ‪ ،‬ولكنها في‬ ‫مجتمعنا ستصارع من أجل البقاء مدة قد تدوم سنوات‬

‫أول سعودي حصل على شهادة الدكتوراه في اإلعالم‪ ،‬بدأ عمله مذيعً ا فمسؤولاً‬ ‫ب���ارزًا في اإلذاع���ة والتلفزيون‪ ،‬وت��رقّ ��ى حتى ص��ار م��دي��رً ا عامً ا للتلفزيون ووكيلاً‬ ‫مساعدً ا ل��وزارة اإلع�لام لشؤون التلفزيون‪ ،‬فوكيلاً ل��وزارة التعليم العالي‪ ،‬وأمينًا‬ ‫للمجلس األعلى للجامعات‪ ،‬ثم عضوً ا في مجلس الشورى ثالث فترات متتالية‪،‬‬ ‫وعضوً ا في المجلس األعلى لإلعالم حتى إلغائه‪ ،‬عدا مواقعه العملية المهمة‬ ‫ح��ي��ن رأس مجلس إدارة م��ؤس��س��ة ال��ج��زي��رة الصحفية‪ ،‬وال��م��ج��ل��س االس��ت��ش��اري‬ ‫للشركة السعودية لألبحاث والتسويق‪ ،‬وعضويته في مجلس أمناء مؤسسة الشيخ‬ ‫حمد الجاسر‪ ،‬ومنتدى بامحسون‪ ،‬والجمعية الخيرية الصالحية بعنيزة‪ ،‬ومركز‬

‫‪64‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫ولقد نال الشبيلي جائزة األمير سلمان بن عبدالعزيز لبحوث الجزيرة العربية‬ ‫ع��ام ‪2014‬م‪ ،‬ووس���ام الملك عبدالعزيز م��ن ال��درج��ة األول���ى (ال��ج��ن��ادري��ة ‪ )31‬عام‬ ‫‪2017‬م‪.‬‬ ‫حول ذلك وغيره أجرت الجوبة معه الحوار التالي‪:‬‬

‫م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات‬

‫عبدالرحمن السديري الثقافي‪ ،‬والجمعية السعودية الخيرية لمرض الزهايمر‪،‬‬ ‫ومشاركاته في مؤسسات غيرها‪ .‬وهو من أوائل مَن نادى بإقامة مركز للشيخ عبداهلل‬ ‫ابن خميس ‪-‬يرحمه اهلل‪ -‬وكذلك العالمة الشيخ محمد بن ناصر العبودي‪.‬‬

‫‪ρρ‬حاورته‪ :‬هدى الدغفق*‬

‫الندوات والمحاضرات‪ ،‬إلى تخصصي‬ ‫األول في اللغة العربية‪.‬‬

‫¦ ¦جمعتم بين تخصصين‪ ..‬إذ درستم في‬ ‫ال��ث��ان��وي��ة ال��ع��ام��ة وف���ي المعهد العلمي‪،‬‬ ‫وفي كلية اللغة العربية وكلية اآلداب في ¦ ¦أسهمت ف��ي ن��ش��أة إذاع���ة ال��ري��اض‪ ..‬فقد‬ ‫الوقت نفسه‪ .‬ما الذي دفعكم إلى دراسة‬ ‫كنت مساعدً ا لمدير البرامج ب��اإلذاع��ة‪،‬‬ ‫تخصصين في وقت كانت فيه الوظائف‬ ‫ب���ل وم���ارس���ت ت��ج��رب��ة إذاع����ي����ة‪ ،‬ث���م ت��رك��ت‬ ‫متوافرة ومضمونة؟‬ ‫ذلك بعدها متوجه ًا إلى التلفزيون‪ .‬فهل‬ ‫وجدت فرق ًا بينهما؟ ولماذا لم تعد إلى‬ ‫‪ρ ρ‬كلما استعدت تلك الفترة‪ ،‬وحاولتُ تذكّر‬ ‫إذاعة الرياض بعد ذلك؟‬ ‫دوافع الجمع بين مسارين دراسيّين في‬ ‫‪ρ ρ‬كان التحاقي باألعمال اإلعالمية التي‬ ‫��رت من باب المصادفات كلها‪ ،‬وعند‬ ‫ذك ِ‬ ‫االل��ت��ح��اق ب��ال��ت��ل��ف��زي��ون ل��م أن��ق��ط��ع عن‬ ‫التعاون مع اإلذاع���ة إال عند االبتعاث‪.‬‬ ‫وع��ل��ى ال��ع��م��وم‪ ،‬فالتلفزيون ه��و مَجْ مع‬ ‫الفنون الناطقة‪ ،‬واإلذاعة أحد الدهاليز‬ ‫إليها‪.‬‬

‫المرحلة االبتدائية والمتوسطة والثانوية‬ ‫والجامعية‪ ،‬لم أ َِجد سوى مسوّغ الخروج‬ ‫م��ن عمل ال��ت��دري��س ال��ذي ه��و مستقبل‬ ‫خريجي كلية اللغة العربيّة آن��ذاك‪ ،‬ثم‬ ‫رحابة مجاالت كلية اآلداب بتوافر علوم‬ ‫أخرى تتيحها الجامعة في منهجها‪ .‬على‬ ‫أن��ه يلزم بالمناسبة توضيح حقيقتين؛‬ ‫األول��ى أنني لم أك��ن الوحيد في جيلي ¦ ¦كنتم من مؤسسي إذاع��ة ال��ري��اض‪ ،‬وبعد‬ ‫��ص��ي��ن ف��ي دراس��ت��ه‪.‬‬ ‫��ص َ‬ ‫م��م��ن ج��م��ع تَ��خ ُّ‬ ‫توليكم إدارة ب��رام��ج التلفزيون واجهتم‬ ‫والثانية‪ ،‬أنني أعزو ما أتمتّع به بفضل‬ ‫م��ع��ارض��ة‪ ،‬م��ا ف��ح��واه��ا؟ وإل����ى أي���ة درج��ة‬ ‫اهلل من تمكين في اللغة العربية والتحدث‬ ‫وصلت تلك المعارضة؟ وما الذي قمتم‬ ‫به الحتوائها؟‬ ‫بها وبخاصة ف��ي وس��ائ��ل اإلع�ل�ام وفِ ��ي‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪65‬‬


‫‪ρ ρ‬لقد بولغ كثيراً بتصوير ما يمكن تسميته‬ ‫بالمعارضة المجتمعيّة ت��ج��اه اإلذاع���ة‬ ‫وال��ت��ل��ف��زي��ون‪ ،‬وب��خ��اص��ة م��ن قبل بعض‬ ‫المصادر الخارجية؛ صحيح أن��ه كانت‬ ‫لبعض المحافظين م��واق��ف وآراء في ‪ρ ρ‬بل كان هدفاً ملحّ اً‪ ،‬غايته بلوغ التخصص‬ ‫التلفزيون في المنطقة الوسطى‪ ،‬لكنها‬ ‫العلمي في المجال ال��ذي ش��اء اهلل أن‬ ‫رأي مكتوب‪ ،‬أو عند‬ ‫توقفت عند تدوين ٍ‬ ‫يختاره ل��ي‪ ،‬بعد أن خضتُ تجربته ما‬ ‫عدم الظهور فيه واستخدامه في منازلهم‪.‬‬ ‫يقرب من أربعة أعوام‪ ،‬وكنت أشعر بالغبن‬ ‫وح��ال��ة المعارضة الوحيدة للتلفزيون‪،‬‬ ‫من عدم إجادة اإلنجليزية في وسط يعج‬ ‫حصلت في الرياض بُعيد افتتاح المحطة‬ ‫بزمالء يجيدونها وهم أصغر س ّناً مني‪.‬‬ ‫لكنها لم تقترب منها‪ ،‬حيث اتخذت فيها‬ ‫وكنت مارست مزيجاً من الحيَل إلقناع‬ ‫الجهة األمنية اجتهادات استباقيّة‪ ،‬وقد‬ ‫ال��م��س��ؤول��ي��ن ب��اس��ت��م��رار دراس��ت��ي حتى‬ ‫بولغ فيها خارج ّياً‪.‬‬ ‫بلوغ هدفها‪ ،‬وأ ُكرمت بموافقاتهم التي‬ ‫سأظل أحتفظ بفضلها عليّ ما حييت‪.‬‬ ‫¦ ¦اب��ت��ع��اث��ك��م خ����ارج المملكة ف��ي ف��ت��رة من‬ ‫وهناك هدف مضمر من وراء الحرص‬ ‫مراحل حياتكم المزهرة‪ ..‬هل كان غاية‬ ‫على االبتعاث‪ ،‬وهو عدم االنخداع بوهج‬ ‫الظهور على التلفزيون وأضوائه‪ ،‬والتي‬ ‫كانت ستقتل طموحي العلمي لو انسقت‬ ‫وراءها‪.‬‬ ‫بذاته وهدفا؟ أم كان هربًا من واق ٍ��ع ما؟‬ ‫وكيف استطعتم التمديد بالرغم من أنه‬ ‫ُطلب منكم العودة إلى الوطن بعد دراسة‬ ‫الماجستير؟‬

‫¦ ¦حدثنا ع��ن تلك ال��ع�لاق��ة ال��ت��ي تربطكم‬ ‫ب��ال��ش��ي��خ ج��م��ي��ل ال��ح��ج��ي�لان (أول وزي���ر‬ ‫س�����ع�����ودي ل���ل��إع���ل��ام) واذك���������ر ل���ن���ا ب��ع��ض‬ ‫المواقف لكم معه؟‬

‫‪66‬‬

‫‪ ρ ρ‬معالي ال��وال��د الشيخ الحجيالن‪ ،‬كان‬ ‫وم��ا ي���زال‪« ،‬ع���� َرّاب» اإلع�ل�ام الحديث‪،‬‬ ‫وبمثابة األب وال��ص��دي��ق ل��ي‪ ،‬وأتطلّع‬ ‫والمجتمع الثقافي واإلعالمي باشتياق‬ ‫إلى صدور مذكراته وذكرياته مع اإلعالم‬ ‫والدبلوماسية وال��ت��ي أج��زم ب��إذن اهلل‪،‬‬ ‫ال مرشداً ألرباب المهنة‬ ‫أنها ستكون دلي ً‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات‬ ‫اإلع�لام��ي��ة وال��دب��ل��وم��اس��ي��ة‪ ،‬ف��ه��و رائ��د‬ ‫االح��ت��راف وال��ج��ودة والثقافة النوعيّة‬ ‫الرفيعة‪ ،‬ال���ذي ال يتنازل ع��ن مواقفه‬ ‫وج�����ودة ع��ط��ائ��ه‪ ،‬م��ت��ع��ه اهلل بالصحة‬ ‫والعافية‪ ،‬ودام عطاؤه وحضوره‪ .‬أما عن‬ ‫مواقفي معه فهي متنوعة‪ ،‬سوا ًء كانت في‬ ‫‪ρ ρ‬أوالً‪ ،‬لكل زمان دولة ورجال‪ ،‬وثانياً‪ ،‬لوكان‬ ‫فترة رئاسته لي‪ ،‬أم في فترات سفارته‪،‬‬ ‫مع المرحوم أبي ياسر أي إشكالية‪ ،‬هل‬ ‫أو في مراحل صداقاتي المتجددة معه‪،‬‬ ‫كنت سأبوح بها؟‬ ‫ال��ت��ي بقيت تنبض ب��االح��ت��رام‪ ،‬وتغرف‬ ‫من معين الماضي الجميل الذي ربطنا‪¦ ¦ ،‬ه��ل وج��دت��م نفسكم ف��ي التدريس بكلية‬ ‫اآلداب؟ ولماذا لم تطيلوا مكثً ا هناك؟‬ ‫ويكفي أن أحتفظ له بالفضل بالمساندة‬ ‫المعنويّة الدائمة في كل أم��ور حياتي ‪ρ ρ‬ال أظن التدريس في الجامعة متطوّعاً‬ ‫العملية والثقافية‪ ،‬وبموافقته بإيثار‪ ،‬على‬ ‫مدة فاقت عشر سنوات مُكثاً قصيراً! أما‬ ‫إكمالي دراستي العليا في الخارج بالغياب‬ ‫عن تفاعلي فيه‪ ،‬فلعلي أحيلك إلى جواب‬ ‫أربع سنوات‪.‬‬ ‫ال��س��ؤال األول‪ ،‬وه��و ال��ه��روب م��ن مهنة‬ ‫التدريس‪ ،‬وهو بال شك (عيب شرعي)‬ ‫¦ ¦غادرتم اإلعالم ‪ -‬العمل أو الوظيفة بعد‬ ‫في ضيفك‪.‬‬ ‫خمسة عشر عامً ا مذيعً ا ومُ ِ��ع��دً ا وإداريً��ا‬ ‫وقياديًا‪ ،‬وابتعدتم عن التلفزيون بشكل‬ ‫م��ف��اج��ئ‪ ..‬وات��ج��ه��ت��م إل���ى وزارة التعليم‬ ‫ال��ع��ال��ي؟ م��ا ه��ي اإلش��ك��ال��ي��ة ال��ت��ي وقعت‬ ‫ل��ك��م آن�����ذاك م���ع ال���دك���ت���ور م��ح��م��د ع��ب��ده‬ ‫يماني يرحمه اهلل؟‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪67‬‬


‫¦ ¦كنتم ق��د ت��رأس��ت��م مجلس إدارة م��ؤس��س��ة ال��ج��زي��رة‬ ‫ل��ل��ط��ب��اع��ة وال���ن���ش���ر‪ ،‬ف���ل���م���اذا ل���م ت��س��ت��م��ر ع�لاق��ت��ك��م‬ ‫بالمؤسسة؟ وال بالصحيفة وبِ عتمْ أسهمكم فيها؟‬ ‫‪ρ ρ‬استمرت عالقتي بالمؤسسة في حينه ست سنوات‪،‬‬ ‫تحسنت فيها أحوالها والحمد هلل‪ ،‬ثم أسلمتها لقيادة‬ ‫لحاجة إلى‬ ‫ٍ‬ ‫إدارية وتحريرية ماهرة‪ ،‬وبعت أسهمي‬ ‫قيمتها آنذاك ال عن زهد فيها‪ ،‬وعالقتي بالصحيفة‬ ‫والمؤسسة مستمرة‪ ،‬وه��ذه هي الحقيقة‪ ،‬وأذك��ر‬ ‫سنوات العالقة معها بكل خير‪ ،‬وتعلمت فيها ومن‬ ‫خاللها أم��وراً كثيرة‪ ،‬عما ي��دور داخ��ل المؤسسات‬ ‫الصحافية‪.‬‬ ‫¦ ¦ق��دت��م مجلس أم��ن��اء ال��ش��رك��ة ال��س��ع��ودي��ة لألبحاث‬ ‫والتسويق بضع سنوات‪ ،‬ما موقعكم فيها اآلن؟‬ ‫‪ρ ρ‬شاركت فيه نائباً للرئيس ثم رئيساً‪ ،‬وفكرته رائدة‬ ‫في الصحافة العربية‪ ،‬لكنه بعد إق��دام صندوق‬ ‫االستثمارات العامة على تملّك النسبة الكبرى من‬ ‫الشركة‪ ،‬لم يعد هناك حاجة عملية لوجود مجلس‬ ‫األم��ن��اء‪ ،‬ول��وال ما تعانيه مؤسسات الصحافة في‬ ‫الوقت الراهن من أوضاع ماليّة قاسية لكانت فكرة‬ ‫مجلس األمناء تناسب أوضاعها الهيكلية‪ ،‬أما اآلن‬ ‫فالصحافة سواء كانت شركات تجارية ‪ -‬كما في‬ ‫حال األبحاث ‪ -‬أو مؤسسات‪ ،‬هي بحاجة إلى أن‬ ‫يوقف معها لتدارس أوضاعها جذر ّياً لحمايتها‪.‬‬ ‫¦ ¦كيف ترون الصحافة الورقية والنظر إلى مستقبلها‪،‬‬ ‫مع تهافت القراءة اإللكترونية حال ّياً؟‬

‫‪68‬‬

‫‪ρ ρ‬وضعها المالي صعب‪ ،‬ومقروئيّتها تناقصت بشكل‬ ‫ملحوظ‪ ،‬ولكنها في مجتمعنا ستصارع من أجل‬ ‫البقاء م��دة ق��د ت���دوم س��ن��وات‪ ،‬وإل���ى أن تحتضر‬ ‫ستضطر الت��خ��اذ إج����راءات تقشفية واندماجية‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫¦ ¦ن���ع���رف أن���ك���م ع��ض��و ف���ع���ال ف���ي م���رك���ز ع��ب��دال��رح��م��ن‬ ‫السديري الثقافي‪ .‬فهال شرحتم لنا عن تلك العالقة‬ ‫التي تربطكم باألمير عبدالرحمن السديري‪ ،‬خاصة‬ ‫وأن��ك��م سبق وكتبتم ع��ن��ه‪ ،‬وم��ا ال���ذي تتمنونه لهذا‬ ‫المركز الرائد أن يقوم به من أدوار أخرى؟‬

‫م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات‬

‫وتغيير مسارات‪ ،‬خاصة وأن من بين أعضائها رجال‬ ‫أعمال‪ ،‬ينبغي أن يوجهوها وجهة استثمارية مبتكرة‪.‬‬

‫‪ρ ρ‬لم أعرف األمير عبدالرحمن إال من خالل سيرته‪،‬‬ ‫واهلل رزقه ذري��ة‪ ،‬من رجال ونساء‪ ،‬واصلوا سيرته‬ ‫ومسيرته‪ ،‬وقادوا المركز الثقافي على أفضل وجه‬ ‫يمكن أن تسير عليه مؤسسة غير ربحية‪ ،‬وما شجّ عني‬ ‫على التطوّع فيها سوى ما رأيته من حسن توجيههم‬ ‫ومحافظتهم على أهدافها‪ ،‬وأصدقكم القول إنني‬ ‫أحترم التزام ذريته في الوفاء مع منطقة الجوف‬ ‫وعدم التقصير في القيام بأمور المركز الثقافي فيها‬ ‫على خير ما يرام‪ ،‬وكأن والدهم حيّ يرزق‪.‬‬ ‫¦ ¦ق����ام����ت م����رك����ز ع���ب���دال���رح���م���ن ال����س����دي����ري ب��ت��وث��ي��ق‬ ‫م��خ��ط��وط��ات منطقة ال��غ��اط‪ ،‬وه���و ع��م��ل رائ����د‪ .‬ت��رى‬ ‫لماذا لم توثق مخطوطات مماثلة لمنطقة الجوف‬ ‫ال��م��ع��روف��ة بتاريخيتها ال��م��ه��م��ة؟ وم���ا اآلل��ي��ة التي‬ ‫تقترحونها لذلك من وجهة نظركم كعضو فاعل في‬ ‫المركز وكمهتم؟‬ ‫‪ρ ρ‬ال��ذي أعلمه‪ ،‬ولعلي كنت ممن دع��ا إل��ي��ه‪ ،‬ه��و أن‬ ‫يتبنى المركز مشروعاً لجمع وثائق الجوف‪ ،‬على‬ ‫غرار ما قام به في محافظة الغاط‪ ،‬وقد يكون من‬ ‫المناسب‪ ،‬بالنظر لكبر حجم منطقة الجوف وكثرة‬ ‫سكانها‪ ،‬مقارنة مع محافظة الغاط‪ ،‬تضافر الجهود‬ ‫مع الجهات واألشخاص الذين لديهم مخطوطات‬ ‫وكذلك المهتمين بها في الجوف لتوفير المخطوطات‬ ‫المتوافرة لديهم لدراستها‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪69‬‬


‫¦ ¦بالنظر إلى عضويتكم في مجلس أمناء‬ ‫مؤسسة الشيخ حمد الجاسر‪ ،‬ما ال��دور‬ ‫المهم الذي يمكن أن تضطلع به مؤسسة‬ ‫من هذا النوع؟‬

‫ك���ت���اب���ك���م ال���م���ه���م (ن����ح����و إع���ل���ام أف���ض���ل)‬ ‫و(تاريخ اإلعالم واألعالم)‪ .‬ترى ما الذي‬ ‫شغلكم عن التأليف في تلك المرحلة؟‬ ‫وما الذي دفعكم إلى التأليف فيما بعد؟‬

‫‪ρ ρ‬ي��ق��وم ب��اإلش��راف على المؤسسة حرم‬ ‫الشيخ حمد وابنه وبناته‪ ،‬ويتكوّن مجلس‬ ‫األم��ن��اء وال��ل��ج��ان م��ن ص��ف��وة تالمذته‬ ‫وم��ري��دي��ه‪ ،‬ومجاالتها العلمية واس��ع��ة‪،‬‬ ‫فهي تعنى بتراث العربية وآدابها‪ ،‬وبتاريخ‬ ‫الجزيرة وجغرافيتها‪ ،‬وتخصص ج��زءاً‬ ‫من عملها إلحياء تراث الشيخ وكتاباته‪،‬‬ ‫ولها نشاط منبري أسبوعي وإصدارات‬ ‫نوعية‪ .‬والمؤسسة تتشرف بالرعاية‬ ‫والرئاسة الفخرية الكريمة من لدن خادم‬ ‫الحرمين الشريفين حفظه اهلل‪.‬‬

‫‪ρ ρ‬ال��ك��رس��ي‪ ،‬ث��م ال��ك��رس��ي‪ ،‬وت��أخ��ري في‬ ‫اكتشاف ما يحققه البحث والتأليف من‬ ‫إشباع وم��لء ال��ف��راغ في ميداني تاريخ‬ ‫اإلعالم وسير األعالم‪ .‬وأذكر أن أستاذنا‬ ‫ال��دك��ت��ور الخويطر‪ ،‬ك��ان ق��د ت��أخ��ر في‬ ‫التأليف عشرين عاماً بعد تخرّجه‪ ،‬ثم‬ ‫انهمرت مؤلفاته في العقود المتأخرة من‬ ‫حياته يرحمه اهلل‪،‬‬ ‫وال أقصد إيراد المثال تشبيه حال بحال‪،‬‬ ‫ف��ه��و أس��ت��اذي ف��ي ال��ج��ام��ع��ة‪ ،‬وص��اح��ب‬ ‫مدرسة رفيعة ال تجارى في تخصصه‬ ‫وأسلوبه وتوثيقه وقلمه‪.‬‬

‫¦ ¦ال ي��غ��ف��ل سعيكم ال��ن��ب��ي��ل ف��ي االح��ت��ف��اء‬ ‫الواضح بغيركم كتابة وتكريمً ا واستعادة‬ ‫وم���راج���ع���ة ب����ل وح���� ًّث����ا ل����ه ع���ل���ى ت��س��ج��ي��ل ¦ ¦كتابكم (حديث الشرايين) الذي كتبتموه‬ ‫بعد وفاة ابنكم طالل رحمه اهلل‪ ،‬حدثونا‬ ‫س��ي��رت��ه‪ ،‬ب��ل إن��ك��م ت��ص��دي��ت��م ل��ك��ت��اب��ة سير‬ ‫عنه؟‬ ‫بعضهم بنفسكم‪ .‬بينما ما زلتم تعرضون‬ ‫عن تكريم جهة او مؤسسة إياكم فلماذا ‪ρ ρ‬كتبته بجوار سريره األبيض في غرفة‬ ‫تقبلون وتدبرون؟‬ ‫ال��ع��ن��اي��ة ال��ف��ائ��ق��ة‪ ،‬ف��ي ان��ت��ظ��ار ساعة‬ ‫القضاء‪ ،‬ال أتذكر اآلن كيف استجمعت‬ ‫‪ρ ρ‬مازلت مقتنعاً ومتمسّ كاً باألثر المنسوب‬ ‫ع��ب��ارات��ه وال��دم��وع تختلط ب��ال��ح��روف‪،‬‬ ‫إلى عمر بن عبدالعزيز «رحم اهلل امرأً‬ ‫وخ��ي��ال أح��ف��ادي يترنّح بين جوانحي‪،‬‬ ‫عرف قدر نفسه»‪ ..‬ولقد أكرمتني بالدي‬ ‫وال��ش��ع��ور بالتقصير يعتصر ضميري‪،‬‬ ‫بأكثر مما أستحق‪ ،‬ويكرمني المجتمع‬ ‫وكان الكتيّب هديّتي ألوالده ‪ -‬الذين هم‬ ‫دوماً برضاه الذي يتوّج أعمالي‪ ،‬ويضفي‬ ‫وديعته عندي ‪ -‬وللمحبّين‪ ،‬علّهم يُفيدون‬ ‫علي من الثقة ما يزيد عن حملي‪.‬‬ ‫من الدروس التي تضمّنها‪.‬‬ ‫¦ ¦ معظم حياتكم لم تتجهوا إلى التأليف‪..‬‬

‫‪70‬‬

‫واتجهتم إل��ى ذل��ك فيما بعد م��ن خالل ¦ ¦صفوا لنا عالقتكم الحميمة بأحفادكم‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫‪ρ ρ‬أح��ف��ادي الثمانية ه��م رياحين حياتي‪،‬‬ ‫ومشارق بهجتها ونُضرتها‪.‬‬ ‫¦ ¦ح�����دث�����ون�����ا ع������ن م����ش����اري����ع����ك����م ال���ف���ك���ري���ة‬ ‫والمعرفية المقبلة من تأليف وما عداه؟‬

‫¦ ¦في (الجنادرية ‪ )31‬نلتم وس��ام الملك‬ ‫‪ρ ρ‬األفكار متعددة‪ ،‬وساعات اليوم والليلة‬ ‫ع��ب��دال��ع��زي��ز م��ن ال���درج���ة األول�����ى‪ .‬م��اذا‬ ‫قليلة‪ ،‬والجودة هي الغاية‪ ،‬والتوفيق بيد‬ ‫س���ي���ض���ي���ف ه������ذا ال������وس������ام ال������ن������ادر إل���ى‬ ‫اهلل‪.‬‬ ‫ع��ط��اءات��ك��م؟ ص��ف��وا لنا مشاعركم إزاء‬ ‫وكما تعلمين‪ ،‬فقد وفقني اهلل هذا العام‬ ‫ه��ذا التقدير م��ن ل��دن خ��ادم الحرمين‬ ‫إلكمال مراجعة (وتعليق وتقديم) ثالثة‬ ‫الشريفين حفظه اهلل؟‬ ‫من كنوز الشيخ حمد الجاسر الجديدة‪،‬‬ ‫‪ρ ρ‬التكريم الذي حظيت به في المهرجان‬ ‫وصدرت مؤخّ راً‪ ،‬وهي‪:‬‬ ‫الوطني الحادي والثالثين‪ ،‬من لدن خادم‬ ‫‪ -١‬بحوثه ودراس��ات��ه في تاريخ الملك‬ ‫الحرمين الشريفين حفظه اهلل‪ ،‬كان‬ ‫عبدالعزيز (‪ ٦٠٠‬صفحة)‪.‬‬ ‫مباغتاً في توقيته‪ ،‬ومفاجئاً في اختياره‪،‬‬ ‫وعميقاً في معناه وداللته؛ مباغتاً‪ ،‬ألن‬ ‫‪ -٢‬دراس���ات���ه ف��ي ال��س��ي��ر وال��ت��راج��م‬ ‫(مجلدان‪ ،‬ألف صفحة)‪.‬‬ ‫العلم به لم يتسرّب لي بالرغم من علم‬ ‫أعضاء لجنة المشورة به‪ .‬ومفاجئاً‪ ،‬ألنه‬ ‫‪ -٣‬كتاباته في الرثاء وسير المرثيين في‬ ‫لم يخطر على بالي ولم أتوقعه‪ ،‬بل لقد‬ ‫(‪ ٤٠٠‬ص)‪.‬‬ ‫ذك��رت في مناسبته أنه يفوق حجمي‪.‬‬ ‫وأتممت مؤخّ راً مشروع سيرة موجزة‬ ‫وعميقا ألن���ه سيحمّلني مسؤوليات‬ ‫ل��خ��ادم ال��ح��رم��ي��ن ال��م��ل��ك س��ل��م��ان بن‬ ‫علمية وثقافية قد ال أكون في مستواها‪،‬‬ ‫عبدالعزيز حفظه اهلل‪ ،‬لتكون في متناول‬ ‫وألن���ه تغلّب على ممانعتي‪ ،‬إذ جعل‬ ‫وسائل اإلعالم الخارجي بعد ترجمتها‪.‬‬ ‫أذني تنصاع لعبارات وفاء‪ ،‬تفيض عن‬ ‫كما أصدرت بفضله تعالى الجزء الثاني‬ ‫تحمّلي‪ ،‬ليس من تواضع ط��ارئ علي‪،‬‬ ‫من كتابي (أع�لام بال إع�لام) متضمّناً‬ ‫ب��ل م��ن ح��رص على أن تستمر بقيّة‬ ‫سير نحو ستين شخصيّة في (‪٦٠٠‬ص)‪.‬‬ ‫حياتي هادئ ًة متوازنة‪ ،‬ال تتعوّد النفس‬ ‫فيها على إغراءات الثناء واإلطراء‪ ،‬وال‬ ‫هذا إضافة إلى عدة محاضرات عامة‬ ‫تسترخي عن استكمال مشروع ثقافي‪،‬‬ ‫مطبوعة‪ ،‬آخرها محاضرة في سيرة‬ ‫الشيخ حسن ب��ن ع��ب��داهلل آل الشيخ‬ ‫لم يكتمل بعد‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات‬

‫رعاهم اهلل؟‬

‫وزير المعارف والصحة والتعليم العالي‪.‬‬ ‫ولدي مشروع مؤجل‪ ،‬دخل في منافسة‬ ‫غير متكافئة م��ع غ��ي��ره فتأخر‪ ،‬وهو‬ ‫بعنوان (م��ن وثائق اإلع�ل�ام) أرج��و أن‬ ‫أصمد إلكمال إعداده في أجزاء‪.‬‬

‫‪71‬‬


‫الشاعر السعودي‬

‫محمد الحمد‬

‫‪:‬‬

‫عمل المؤسسات الثقافية في المملكة‪ ..‬جهود مبعثرة وهدر مالي ونتائج ضعيفة‪.‬‬ ‫ُوجه‬ ‫أنظر إلى الشعر كفن من الفنون اإلنسانية التي تتيح لكل إنسان حق وُ ل ِ‬ ‫ليكون متنفسا للبوح بما في نفسه من مشاعر‪.‬‬ ‫عمل المؤسسات الثقافية في المملكة ال يزال دون التطلعات‪.‬‬ ‫مشهدنا الثقافي يفتقر إلى أمور رئيسة‪ ،‬لعل أولها الرؤية الثقافية الشاملة‬ ‫التي يتبلور من خاللها مشروع ثقافي متكامل تتم رعايته ومتابعته من أعلى‬ ‫المستويات القيادية‪.‬‬ ‫كثيرون يخلطون بين الثقافة واإلعالم‪ ،‬ويعتقدون أنهما في دائرة واحدة‪.‬‬

‫محمد الحمد أحد األسماء الشعرية واألدبية المهمة في المملكة‪ ،‬صاحب‬ ‫تجربة طويلة في العمل الثقافي‪ ،‬حين رأس مجلس إدارة أدبي حائل ألربع سنوات‪،‬‬ ‫وعمل في لجنة إعداد الئحة األندية األدبية التي شكلتها وزارة الثقافة واإلعالم‬ ‫في العام الماضي‪ .‬تحدث خالل هذا الحوار عن تجربته في العمل الثقافي ورؤيته‬ ‫لعمل المؤسسات الثقافية في المملكة‪.‬‬ ‫الزماي‬ ‫‪ρρ‬حاوره‪ :‬عبداهلل ّ‬

‫¦ ¦ك����ي����ف ت����ش����ك����ل ذاك ال�����ش�����اع�����ر ف��ي ‪ρ ρ‬بدأت في المرحلة المتوسطة أحاول‬ ‫ن��ظ��م ب��ع��ض األب��ي��ات ال��ت��ي تحاكي‬ ‫داخلك؟حدثنا عن تلك المؤثرات‬ ‫ال��ن��ص��وص األدب��ي��ة ف��ي ال��م��ق��ررات‬ ‫األولى التي قادتك بوعي أو بال وعي‬ ‫ال��دراس��ي��ة أو ت��ع��ارض��ه��ا‪ ،‬ولكنها‬ ‫نحو الشعر‪.‬‬

‫‪72‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫‪ ρ ρ‬عندما تسألني عن أث��ري بهذه الصفات‬ ‫الفخمة للشعر «الفن التاريخي العتيد ذي‬ ‫الجذور الراسخة والعميقة في الوجدان‬ ‫ال��ع��رب��ي» م��ع أن��ن��ي أت��ف��ق ت��م��ام��ا م��ع ه��ذا‬ ‫��س بحالة م��ن االرت��ب��اك‬ ‫ال��وص��ف‪ ..‬س��أح ُّ‬ ‫واالستصغار‪ ،‬وسأنتهي بإجابة «ليس ثمة‬

‫حتى أصدرت ديواني الثاني «سلي الماء‬ ‫عني»‪ .‬واآلن‪ ،‬إضافة إلى الشعر أجدني‪..‬‬ ‫بدأت أكتب نصا طويال فيه من الرواية‬ ‫والشعر‪ ،‬وال أع��رف كيف سيخرج وإلى‬ ‫أين سيتجه‪ ،‬ولكني أزعم أنه يعتمد على‬ ‫تقنية جديدة ومبتكرة‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات‬

‫بالتأكيد كانت تعاني من الخلل اللغوي‬ ‫ال��ذي دفعني ألن أهتم باللغة العربية‬ ‫وأتفوّق فيها‪ ،‬ومع ذلك لم يسعفني هذا‬ ‫التفوق المدرسي ألتمكن من كتابة ما‬ ‫يقنعني‪ ،‬كما أن البيئة االجتماعية لم تكن‬ ‫تتذوق الشعر الفصيح أو تهتم به؛ فبيئة‬ ‫المجتمع الحائلي ‪-‬كما هو معروف‪ -‬بيئة‬ ‫شعر شعبي‪ .‬فقد كنت أسمع الحكايات‬ ‫الشعبية‪ ،‬وأع��ج��ب بالمالحم الشعرية‬ ‫الشعبية التي كان يرويها كبار السن في‬ ‫مجالس ال��ح��ي‪ ،‬فانجذبت إل��ى الشعر‬ ‫الشعبي‪ ،‬وولجت مضماره‪ ،‬وصرت أتابع ¦ ¦ك��ش��اع��ر‪ ،‬وم���ح���ب ل���ل��أدب‪ ..‬ه���ل ح��دث��ت��ك‬ ‫نفسك ف��ي الكتابة ف��ي جنس أدب��ي آخر‬ ‫م��ا ك��ان ينتشر م��ن قصائد م��غ�� ّن��اة في‬ ‫غ��ي��ر ال��ش��ع��ر؟ م��ا ه���و؟ وك��ي��ف ك��ان��ت تلك‬ ‫أوس��اط الفن الشعبي الحائلي‪ ،‬وكذلك‬ ‫التجربة؟‬ ‫م��ج�لات ال��ش��ع��ر ال��ش��ع��ب��ي كالمختلف‬ ‫وفواصل‪ ،‬واستمر ذلك في فترة الشباب ‪ρ ρ‬أتذكر أنني كنت أش��ارك في المنتديات‬ ‫والغربة‪ ،‬ونتج عن ذلك دي��وان مخطوط‬ ‫زمن وهجها بنصوص منوعة‪ ،‬منها القصة‬ ‫ال أزال أحتفظ ب��ه ل��ل��ذك��رى‪ ،‬وب��ع��د أن‬ ‫القصيرة على وجه التحديد فضال عن‬ ‫تخصصت ف��ي اللغة العربية وآداب��ه��ا‬ ‫ال��ش��ع��ر‪ ،‬ون��ص��وص أخ���رى ال أستطيع‬ ‫في دراستي الجامعية‪ ..‬ب��دأت التحوّل‬ ‫تصنيفها‪ ،‬أو لعلي ال أميل إل��ى ذل��ك‪..‬‬ ‫تدريجيا إلى الشعر الفصيح‪.‬‬ ‫فموجة المنتديات استوعبت طاقات‬ ‫الشباب وأتاحت فرصا كبيرة للتجريب‬ ‫¦ ¦ب���ع���د س����ن����وات م����ن ال���ت���ج���رب���ة ال��ش��ع��ري��ة‬ ‫ودي��وان��ي��ن شعريين‪ ..‬كيف تنظر وتقيّم‬ ‫واإلب�����داع‪ .‬ث��م ان��ص��رف��تُ ع��ن ذل��ك بعد‬ ‫ه���ذا ال��ط��ري��ق؟ وإل����ى أي م���دى ك���ان لك‬ ‫ص��دور ديواني األول «أض��واء محترقة»‬ ‫أثر في هذا الفن التاريخي العتيد وذي‬ ‫وإح��ي��اء بعض األمسيات الشعرية إلى‬ ‫الجذور الراسخة والعميقة في الوجدان‬ ‫التركيز على الشعر الفصيح‪ ،‬خاصة في‬ ‫العربي العام؟‬ ‫الفترة التي أقمت فيها خارج المملكة‪،‬‬ ‫أث����ر»!! ولكنني س��أف��ت��رض صيغة أبسط‬ ‫للسؤال ع��ن أث��ري ف��ي التجربة الشعرية‬ ‫المعاصرة‪ ،‬فأقول‪ :‬إنني أنظر إلى الشعر‬ ‫كفن من الفنون اإلنسانية التي تتيح لكل‬ ‫��وج��هِ ‪ ،‬ليكون متنفسا للبوح‬ ‫إنسان حق ولُ ِ‬ ‫بما في نفسه من مشاعر‪ ،‬وللمتلقي حق‬ ‫التعاطي معه بحرية تامة؛ فنتج عن ذلك‬ ‫بالنسبة لي ديوانان شعريان‪ ،‬هذا كل ما‬ ‫يمكنني قوله حول هذه التجربة المتواضعة‪،‬‬ ‫وال أملك حق تقييم تجربتي‪ ،‬بطبيعة الحال‪.‬‬

‫‪73‬‬


‫¦ ¦قدت مشروعا ثقافيا ‪-‬إن جازت التسمية‪-‬‬ ‫خ���ل��ال رئ����اس����ت����ك ألدب��������ي ح����ائ����ل ألرب�����ع‬ ‫سنوات‪ ..‬ما هي مالمح تلك الفترة؟ ما‬ ‫أبرز النجاحات واإلخفاقات؟‬ ‫‪ρ ρ‬نعم ه��ي مرحلة أفتخر ب��ه��ا‪ ،‬ولألمانة‬ ‫ال يمكنني تجيير نجاحات المرحلة لي‬ ‫وحدي‪ ،‬فقد كان معي عدد من الزمالء‬ ‫ال���ذي���ن أس��ه��م��وا ف���ي ت��ل��ك ال��ن��ج��اح��ات‬ ‫ب���أدوار مختلفة‪ ،‬وبنسب متفاوتة‪ ،‬ولو‬ ‫خدمتنا ظ��روف المرحلة وق��در اهلل لنا‬ ‫االستمرار‪ ..‬لكنا حققنا نتائج أكثر أثرا‬ ‫على مستوى الوعي المجتمعي والمنتج‬ ‫الثقافي واألدبي‪.‬‬ ‫وم��ن الصعب اإلجابة عن سؤالك حول‬ ‫أب��رز النجاحات‪ ،‬فهي كثيرة ومفصله‬ ‫ولو استعرضتها باألرقام لقيل ال عبرة‬ ‫ب��ال��ك��م‪ ..‬وأم��ا النتائج فكنت أتمنى لو‬ ‫استمرت المشاريع التي رأت النور في‬ ‫تلك الفترة فيما بعد‪ ،‬لكانت النتائج أكثر‬

‫تأثيرا وأكثر إقناعا‪.‬‬ ‫ول��ع��ل األه���م ف��ي ب��داي��ة تلك المرحلة‬ ‫ه��و س��ن األن��ظ��م��ة ال��داخ��ل��ي��ة وال��ل��وائ��ح‪،‬‬ ‫ووضع المعايير‪ ،‬ابتداء من وضع الخطة‬ ‫االستراتيجية للنادي‪ ..‬شاملة الرسالة‬ ‫وال��رؤي��ة واأله���داف واالل��ت��زام��ات‪ ،‬وبناء‬ ‫ع��ل��ي��ه��ا‪ ،‬ان��ط��ل��ق��ت سلسلة التنظيمات‬ ‫واللوائح الداخلية‪ ،‬ومنها على سبيل المثال‬ ‫نذكر آلية تشكيل اللجان التي بدأت بطرح‬ ‫اس��ت��م��ارات االل��ت��ح��اق‪ ،‬وتحديد الرغبة‬ ‫واالهتمام من قبل المتقدم‪ ،‬ثم استكملت‬ ‫بتطوير نظام مكافآت أع��ض��اء اللجان‬ ‫بإلغاء المكافآت التي كانت تمنح للعضو‬ ‫بمجرد انضمامه للجنة‪ ،‬واستبدالها‬ ‫بمكافآت مرتبطة بالنشاط المقدم بعد‬ ‫تنفيذه؛ ما جعل اللجان تشتعل نشاطا‪،‬‬ ‫وتتنافس في تقديم الفعاليات الثقافية‬ ‫األك��ث��ر ج��دي��ة‪ ،‬فضال عما حققته هذه‬ ‫اآللية من فرز لألعضاء‪ ،‬فاستمر العضو‬ ‫المنتج‪ ،‬وتنحى غير المنتج‪ .‬ونتج عن ذلك‬ ‫عدد هائل ومستمر من الفعاليات المنبرية‬ ‫وال��ح��واري��ة‪ ،‬وال��م��ع��ارض‪ ،‬والمسابقات‪،‬‬ ‫وال������دورات‪ ،‬وال��م��س��رح��ي��ات‪ ،‬واألف��ل�ام‪،‬‬ ‫بمعدل فعاليتين أو أكثر أسبوعيا‪.‬‬ ‫وم���ن أب����رز ع���وام���ل ال��ن��ج��اح تأسيس‬ ‫المشاريع الثقافية‪ ،‬وف��ق لوائح منظمة‬ ‫ت��ض��م��ن اس��ت��م��راره��ا وت��ط��وره��ا‪ ،‬ولعل‬ ‫أبرزها‪:‬‬

‫‪74‬‬

‫ ‪-‬سلسلة اإلص���دار الصوتي لقصائد‬‫مختارة ألب��رز الشعراء ف��ي وطننا‬ ‫الغالي بصوت الشاعر نفسه‪ ،‬وقد‬ ‫ب����دأت ال��س��ل��س��ة ب��ال��ش��اع��ر محمد‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات‬

‫العلي‪ ،‬ثم المرحوم محمد الثبيتي‪،‬‬ ‫فمحمد األلمعي‪ ،‬وأشجان هندي‪،‬‬ ‫وع��ل��ي ال��ح��ازم��ي‪ ،‬وك��م كنت أتمنى‬ ‫لو استمر هذا المشروع الجميل‪..‬‬ ‫ولكن!‬ ‫ ‪-‬س�ل�اس���ل اإلص��������دارات وال��ك��ت��ب‪..‬‬‫إذ ت��ن��وع��ت اإلص�������دارات إب��داع��ا‬ ‫ون���ق���دا وف���ك���را م���ع دع���م األس��م��اء‬ ‫الشابة بسلسلة ب��واك��ي��ر‪ ،‬وسلسلة‬ ‫ال��م��ج��م��وع��ات ال��ك��ام��ل��ة ال��ت��ي ك��ان‬ ‫أبرزها المجموعة الكاملة للمرحوم‬ ‫محمد الثبيتي‪ ،‬والمجموعة الكاملة‬ ‫لجار اهلل الحميد‪.‬‬ ‫ ‪-‬مسابقة إبداع‪ ،‬التي استقطبت أعدادًا‬‫كبيرة من الشباب‪ ،‬وما يميزها أنها‬ ‫كانت تعتمد على إن��ت��اج المتسابق‬ ‫اإلبداعي داخل القاعة وأمام الجمهور‬ ‫في ست مجاالت إبداعية‪ ،‬وقد بدأت‬ ‫مرتبطة بطالب المرحلة الثانوية‪ ،‬ثم‬ ‫تطورت لتشمل الجميع من الجنسين‪،‬‬ ‫ولما القته م��ن ن��ج��اح��ات‪ ..‬تقدمت‬ ‫ش��رك��ة ال��م��راع��ي برعايتها وتقديم‬ ‫جوائزها في دورتها الثالثة‪.‬‬ ‫ ‪-‬ل��ي��ل��ة اإلب������داع‪ ،‬وه���ي ل��ي��ل��ة شهرية‬‫يجتمع فيها المبدعون في األجناس‬ ‫األدبية المختلفة‪ ،‬ويتناوبون تقديم‬ ‫منتجهم اإلبداعي لليلة كاملة‪ ،‬وقد‬ ‫القت إقباال مبهجا وحضورًا ملفتًا‪،‬‬ ‫وشجعت الكثير م��ن الشباب على‬ ‫االنطالق‪.‬‬ ‫ ‪-‬جائزة الرواية‪ ،‬وقد رصد لها مبلغ‬‫���ال ت��ب��رع ب��ه الشيخ ع��واد‬ ‫ن��ق��دي ع ٍ‬

‫بن طوالة في دورت��ه��ا األول���ى‪ ،‬بعد‬ ‫أن أعلن عن ضوابطها والئحتها‪،‬‬ ‫وشكلت لها لجنة التحكيم من أبرز‬ ‫األدب����اء وال��ن��ق��اد‪ ،‬وه���ي ال��م��ش��روع‬ ‫ال��وح��ي��د ال���ذي ال ي���زال مستمرا‪،‬‬ ‫وحظي بدعم إمارة المنطقة‪ ،‬وصار‬ ‫اسم الجائزة جائزة األمير سعود بن‬ ‫عبدالمحسن للرواية السعودية‪.‬‬ ‫ ‪ -‬ع��روض األف�ل�ام السينمائية التي‬‫كانت بدايتها ضمن األنشطة الثقافية‬ ‫المصاحبة للرالي‪ ،‬في الخيمة التي‬ ‫زخ��رت بالنشاط الثقافي المنوّع‪،‬‬ ‫ف��ض��م��ت م��ع��رض ك��ت��اب‪ ،‬وم��ع��رض‬ ‫ص��ور‪ ،‬ومسرحيات‪ ،‬ومحاضرات‪،‬‬ ‫وأم����س����ي����ات؛ ف���ك���ان���ت ال���ع���روض‬ ‫السينمائية ضمن هذه األنشطة‪..‬‬ ‫تعد نقلة نوعية في الحراك الثقافي‬ ‫م��ا أث��ار حولها الكثير م��ن اللغط‪،‬‬ ‫وتعالت أصوات الرفض ممن فهموا‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪75‬‬


‫أو أ ُفهموا أن األفالم التي ستعرض‬ ‫تصنف ضمن األف�ل�ام التي حطت‬ ‫م��ن سمعة السينما‪ ،‬وال يخفى ما‬ ‫أث��ي��ر ح��ول فلم ظ�لام ال��ه��ن��دي من‬ ‫ادع���اءات واف��ت��راءات‪ ،‬ما أن��زل اهلل‬ ‫بها من سلطان‪ ،‬وما صاحب عرضه‬ ‫من فتاوى جائرة شاذة لم تثن النادي‬ ‫والقائمين عليه من إعادة الفلم بناء‬ ‫على تكرار الطلب‪.‬‬

‫العالمية‪-‬‬ ‫ث��م استمر ع��رض األف�ل�ام ‪-‬‬

‫الراقية التي تراعي بصرامة الثوابت‬ ‫الوطنية والدينية واألخالقية في صالة‬ ‫النادي بصفة دورية‪ ،‬ثقة بمشروعية‬ ‫النشاط وقيمته الثقافية‪ ،‬بوصفه‬ ‫بديال أفضل لما يمكن أن يشاهده‬ ‫الشباب بعيدا عن أعين الكبار‪.‬‬

‫‪76‬‬

‫وه��در مالي ونتائج ضعيفة‪ ،‬باستثناء‬ ‫بعض المشاريع واألع��م��ال الناتجة عن‬ ‫اج��ت��ه��ادات ف��ردي��ة ال ت��رق��ى إل��ى العمل‬ ‫المؤسسي‪ ،‬وليس ذلك ضعفًا أو قصورًا‬ ‫بالعناصر وال���ك���وادر‪ ،‬ب��ل ألن مشهدنا‬ ‫الثقافي يفتقر إل��ى أم��ور رئيسة‪ ،‬لعل‬ ‫أولها الرؤية الثقافية الشاملة التي يتبلور‬ ‫من خاللها مشروع ثقافي متكامل تتم‬ ‫رعايته ومتابعته من أعلى المستويات‬ ‫القيادية‪ ،‬وثانيها أن يكون العمل الثقافي‬ ‫في المؤسسات الثقافية الحكومية عمال‬ ‫مؤسسيا ب��ح��ق ول��ي��س شكليا‪ ،‬فيكون‬ ‫القرار جماعيا ال فرديا‪ ،‬وم��ن ذل��ك ما‬ ‫ذك��رت��ه ح��ول ض���رورة حسم الخلل في‬ ‫الئحة األندية األدبية وغيرها من اللوائح‬ ‫المنظمة األخ��رى للمؤسسات الثقافية‪،‬‬ ‫ثالثها سن تنظيم داع��م ومحفز لتشكل‬ ‫مؤسسات مجتمع مدني جديدة خاصة‬ ‫ما يعنى منها بالشأن الثقافي‪.‬‬

‫ ‪-‬المكتبة المتنقلة‪ :‬وهي حافلة جهّزت‬‫برفوف ُر ِّت��ب عليها عدد من الكتب‬ ‫وق��ص��ص األط��ف��ال‪ ،‬وك��ان��ت تحضر‬ ‫في جميع مناسبات المنطقة‪ ،‬كما ¦ ¦م��ا ج���دوى م��ا تقيمه ال����وزارة م��ن فعاليات‬ ‫بين حين وآخر‪ ..‬مثل مؤتمر األدباء وبعض‬ ‫تتجول على المدارس‪.‬‬ ‫الملتقيات هنا وهناك‪ ..‬ما رأيك بها؟‬ ‫ ‪-‬وم���ن اإلن���ج���ازات ال��ت��ي تفتخر بها‬‫ال��م��رح��ل��ة‪ ،‬اس��ت��ب��دال األرض التي ‪ρ ρ‬ال ش��ك أن أي عمل ثقافي س���واء كان‬ ‫فعالية منفردة أو ملتقى‪ ،‬وأيا كان شكل‬ ‫كانت مخصصة للنادي خارج النطاق‬ ‫أو مستوى التنظيم سيصب في صالح‬ ‫العمراني‪ ،‬والحصول على األرض‬ ‫المشهد الثقافي ويقدم دورا ما‪ ،‬إال أن‬ ‫الواقعة على الطريق الدائري والتي‬ ‫هذا الدور تختلف نسبته بحسب مستوى‬ ‫أنشئ عليها مبنى النادي الحالي‪.‬‬ ‫التنظيم ووج��اه��ة المضمون والحاجة‬ ‫¦ ¦م�����ا ه�����و ت���ق���ي���ي���م���ك ل���ع���م���ل ال���م���ؤس���س���ات‬ ‫إليه‪ ،‬وكذلك آليات التنفيذ‪ ..‬وهي التي‬ ‫الثقافية ف��ي المملكة ح��ال��ي��ا؟ وم���ا هي‬ ‫أرى أنها جامدة وتحتاج إلى نقله نوعية‬ ‫تطلعاتك بخصوصها؟‬ ‫متطورة تواكب العصر‪ ،‬وتوظف التقنية‬ ‫‪ρ ρ‬عمل المؤسسات الثقافية في المملكة‬ ‫توظيفا حقيقيا تفاعليا‪ ،‬يؤدي إلى جذب‬ ‫ال ي��زال دون التطلعات‪ ..‬جهود مبعثرة‬ ‫ال��ش��ب��اب ال��م��ن��خ��رط بالتقنية ووس��ائ��ل‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات‬

‫التواصل االجتماعي‪ ،‬وتفاعلهم مع هذه‬ ‫الفعاليات والملتقيات‪.‬‬ ‫¦ ¦الثقافة الشعبية وال��ج��م��اه��ي��ري��ة‪ ..‬كيف‬ ‫يمكن مصالحتها م��ع الثقافة والفنون‬ ‫ال����ت����ي ت���رع���اه���ا ال���م���ؤس���س���ات ال��ث��ق��اف��ي��ة‬ ‫الرسمية؟‬ ‫‪ρ ρ‬ل��ع��ل م��ن أص��ع��ب ال��ت��ح��دي��ات ف��ي إدارة‬ ‫ال��م��ؤس��س��ات الثقافية وتنظيم الفعل‬ ‫الثقافي هو التنازع الصارخ بين ما يطلبه‬ ‫الجمهور من ثقافة شعبية ترفيهية جاذبة‬ ‫وبين ما يتطلبه المشهد الثقافي من جدية‬ ‫تنزع إلى النخبوية‪ ،‬وهنا يكون المحك في‬ ‫القدرة على التوفيق بين البعدين لتقديم‬ ‫ما هو جاذب وشيق‪ ،‬وفي الوقت نفسه‬ ‫يكون ذا قيمة ثقافية عالية‪ ،‬أو على أقل‬ ‫تقدير مقبولة‪ ،‬ولعل العروض السينمائية‬ ‫والفنون عموما أحد األمثلة على ذلك‪،‬‬ ‫عندما تخضع لما ذكرناه من ضوابط‪.‬‬ ‫¦ ¦عملت في لجنة صياغة ﻻئحة األندية‬ ‫األدب��ي��ة‪ ،‬ث��م خ��رج��ت ال�لائ��ح��ة كما كانت‬ ‫ف���ي ال��ف��ت��رة ال���س���اب���ق���ة‪ ..‬م���ا ال�����ذي ح��دث‬ ‫بالتحديد؟‬ ‫‪ ρ ρ‬ال يخفى على المتابعين لحركة األندية‬ ‫األدبية محاوالت التغيير والتطوير التي‬ ‫انتابتها‪ ،‬كما ال يخفى على الكثيرين‬ ‫موطن الخلل المحوري فيها‪ ،‬والمتمثل‬ ‫في صعوبة اإلجابة عن السؤال اآلتي‪ :‬مَن‬ ‫الذي ينتمي إلى النادي األدب��ي بدائرته‬ ‫العريضة؟ ما هي معايير االنتماء؟ وبالتالي‬ ‫من هم أعضاء الجمعية العمومية التي‬ ‫هي الركيزة األس��اس لتشكيل مجالس‬ ‫إدارة النادي! إذًا‪ ،‬جوهر الالئحة يكمن‬

‫في المادة السادسة التي تتعلق بعضوية‬ ‫الجمعية العمومية‪ .‬والالئحة السابقة‬ ‫رغم ما بذل فيها من جهود للتغيير لم‬ ‫تستطع تجاوز هذه اإلشكالية‪ ،‬ما تسبب‬ ‫ف��ي إت��اح��ة الفرصة ل��دخ��ول أع��ض��اء ال‬ ‫يحملون ه ّمًا ثقافياً أو اهتماماً أدبياً‪،‬‬ ‫وأدى إلى عزوف األدب��اء وابتعادهم عن‬ ‫األن���دي���ة‪ ،‬فتشكلت جمعيات عمومية‬ ‫قليلة الصلة باألدب أو الثقافة‪ ،‬ما أنتج‬ ‫مجالس إدارات في األغلب غير قادرة‬ ‫على تفعيل الحراك الثقافي بما يتناسب‬ ‫م��ع مستجدات العصر؛ ول��ه��ذا السبب‬ ‫تحديدا عمدت الوزارة إلى تكوين الفِ رق‪،‬‬ ‫وتشكيل اللجان لمعالجة هذا الخلل في‬ ‫الالئحة‪ .‬وكانت لجنتنا آخر هذه اللجان‪،‬‬ ‫وألهمية المادة السادسة وحساسيتها‬ ‫وصعوبة حسمها‪ ،‬فقد أخذت الكثير من‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪77‬‬


‫الجهد والدراسة والتمحيص‪ ،‬واستغرقت‬ ‫وق��ت��ا ط��وي�لا م��ن قبل األع��ض��اء الذين‬ ‫تبرعوا بحضور االجتماعات في الرياض‬ ‫¦ ¦اإلع����ل����ام وال�����ث�����ق�����اف�����ة‪ ..‬ه�����ل ع�لاق��ت��ه��م��ا‬ ‫على مدى سنتين‪ ،‬ونتج عن ذلك تصميم‬ ‫تكاملية‪ ،‬أم يهيمن أحدهما على اآلخر‪..‬‬ ‫استمارة صارمة ودقيقة‪ ،‬تحصر إنتاج‬ ‫م���ن خ��ل�ال ت��ج��رب��ت��ك ف���ي ق���ي���ادة إح���دى‬ ‫المتقدم لالنضمام إلى عضوية الجمعية‬ ‫المؤسسات الثقافية‪ ،‬كيف كانت العالقة‬ ‫العمومية‪ ،‬وت��رص��د دوره ف��ي المشهد‬ ‫م��ع المؤسسات اإلع�لام��ي��ة؟ ه��ل أضافت‬ ‫الثقافي تأليفاً أو إب��داع��اً أو تنظيماً‪،‬‬ ‫بدرجات وزعت على كل مجال له عالقة‬ ‫للعمل الثقافي أم أضرَّ تْ به؟‬ ‫بالثقافة واألدب‪ ،‬وحددت حداً أدنى من‬ ‫‪ρ ρ‬يخلط الكثيرون وعلى أعلى المستويات‬ ‫الدرجات تؤهل المتقدم لالنضمام‪ ،‬وحداً‬ ‫بين الثقافة واإلع�لام‪ ،‬ويعتقدون أنهما‬ ‫آخر أعلى يتيح للعضو إمكانية ترشحه‬ ‫ف��ي دائ���رة واح����دة‪ .‬لعل السبب أنهما‬ ‫لعضوية مجلس اإلدارة‪ .‬ولم تغفل عملية‬ ‫تضمهما وزارة واحدة‪ ،‬وهنا مبدأ الخلل‪،‬‬ ‫التطبيق‪ ،‬فقد ذيلت االستمارة بخطوات‬ ‫فيجب فصل الثقافة عن اإلع�لام أوال‪.‬‬ ‫مقترحة للتطبيق اإللكتروني‪ .‬وبعد أن‬ ‫تَ��واف�� َق األع��ض��اء على ك��ل التفاصيل‪..‬‬ ‫أم��ا أث��ر اإلع�ل�ام على الفعل الثقافي‬ ‫غالبا باإلجماع ونادرا باألغلبية‪ ،‬تم تسليم‬ ‫فهو ال شك يسهم في انتشار ما تقدمه‬ ‫الالئحة لمعالي الوزير‪ .‬ثم فوجئنا كغيرنا‬ ‫الجهة المنظمة‪ ،‬وازدياد أعداد الحضور‬ ‫من المهتمين والمتابعين بأنها اعتمدت‬ ‫والمتابعة‪ ،‬ولكن في المقابل يقع الخبر‬ ‫على غير الصورة التي تَوافقْنا عليها‪..‬‬ ‫اإلع�لام��ي تحت وط��أة ه��وى الصحفي‬ ‫خاصة ف��ي ال��م��ادة ال��س��ادس��ة المتعلقة‬ ‫نفسه‪ ،‬فيقدمه عمال خرافيا خارقا إذا‬ ‫بالعضوية‪ ،‬إذ أعيدت لما كانت عليه‪،‬‬ ‫رض��ي ع��ن��ه‪ ..‬أو يقدمه جريمة نكراء‬ ‫ول��م نجد أي أث��ر للجهد ال��ذي يضمن‬ ‫تسعى إلى هدم األمة إذا سخط عليه‪..‬‬ ‫نجاح االنتخابات وخلوها من المؤثرات‬ ‫وه��ذا التطرف البعيد عن الموضوعية‬ ‫الدخيلة على البيئة الثقافية الصحية؛‬ ‫أثَّ���� َر ك��ث��ي��راً ع��ل��ى م��ش��روع��ن��ا الثقافي‪،‬‬ ‫وهذا ما سيجعل الخلل يتكرر مرة أخرى‪،‬‬ ‫وستكون النتيجة حتما عينها‪.‬‬ ‫وأدى إلى خلق أع��داء وهميين ال يعون‬ ‫حقيقة م��ا ي��ق��دم‪ ،‬وال ي��درك��ون أب��ع��اده‬ ‫¦ ¦كيف تقرأ الفترة القادمة لألندية األدبية‬ ‫المفيدة على ال��م��دى ليس الطويل بل‬ ‫ف���ي ظ���ل ال��م��س��ت��ج��دات األخ����ي����رة‪ ،‬م��ث��ل‪:‬‬ ‫اﻻنتخابات‪ ،‬وهيئة الثقافة‪ ،‬وغيرها؟‬ ‫ال��م��ت��وس��ط‪ ،‬فتحملهم ه��ذه ال��زوب��ع��ات‬ ‫اإلعالمية إلى التوهان في قشور العمل‬ ‫‪ρ ρ‬بناء على ما ذكرته فإن األندية األدبية‬ ‫التافهة‪ ،‬وتعزلهم عن الوصول إلى العمق‬ ‫ما لم يتم تدارك الخلل‪ ،‬ستكون متأخرة‬ ‫واألهداف الحقيقية‪.‬‬ ‫بمراحل عما تشهده المملكة من قفزات‬ ‫على كافة المستويات‪ ،‬حتى وإن أنشأت‬ ‫مبان فخمة‪ ،‬وضمت أعضاء يتالمعون‪.‬‬

‫‪78‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات‬

‫الدكتورة أسماء الزهراني‬

‫‪:‬‬

‫الذي ساعدني على تجاوز عقبة الجمع بين النقد والشعر هو أنني اتجهت في‬ ‫تخصصي النقدي للسرد والنظرية النقدية‪..‬‬ ‫إن استطاع المصنفون لما يسمى بأدب المرأة اإلجابة عن أسئلتي‪ ،‬بإجابات‬ ‫تفسر توجههم فسأقتنع بال شك‪!..‬‬ ‫مكتبتي ال تخلو من قصص األطفال والحكايات الشعبية التي ال أزال شغوفة‬ ‫بقراءتها‪ ،‬فضال عن العمل النقدي عليها‪!..‬‬ ‫ليس من العيب أن نستفيد من المنجز الغربي‪ ،‬كما استفادوا هم منا وبنوا‬ ‫حضارتهم على منجزنا‪!..‬‬ ‫قالئل هم الذين استطاعوا التوفيق بين احتياجات الكتابة اإلبداعية وضرورات‬ ‫المشاغل العملية‪ ،‬وخير مثال معالي الدكتور غازي القصيبي‪.‬‬ ‫أق��ول‪ :‬ن��زار قباني‪ ،‬كتب عشرات القصائد بصوت أنثى‪ ،‬ومثّ لها بدقة في كل‬ ‫حاالتها‪ ،!..‬هل أضم أعمال نزار ألدب األنثى؟!‬

‫ال��ن��اق��دة ال��دك��ت��ورة أس��م��اء صالح ال��زه��ران��ي م��ن مواليد مدينة ج��دة ‪ 1393‬هـ‪،‬‬ ‫حاصلة على ال��دك��ت��وراه في الفلسفة في اللغة العربية وآداب��ه��ا من كلية اآلداب‬ ‫بجامعة الملك سعود‪ ،‬وتعمل حاليا أستاذ ًا مساعد ًا في اللغة العربية‪ ،‬بالبرنامج‬ ‫التحضيري – قسم العلوم اإلنسانية‪ ،‬بجامعة الملك سعود بن عبدالعزيز للعلوم‬ ‫الصحية؛ وه��ي عضو مجلس الشورى السعودي‪ ،‬ومحاضرة في تخصص األدب‬ ‫والنقد بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة‪ ،‬وأيض ًا محاضرة متعاونة في مواد اللغة‬ ‫العربية بالجامعة العربية المفتوحة بجدة‪ ،‬ومن مؤلفاتها وبحوثها «وجهة النظر‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪79‬‬


‫السردية في البناء القصصي القصيرة السعودية» ‪ -‬كرسي األدب السعودي‪« ،‬آية‬ ‫الليل» مجموعة شعرية‪ ،‬ن��ادي ال��ري��اض األدب���ي ‪2015‬م‪ .‬ولها ق���راءات ف��ي السرد‬ ‫السعودي‪ ،‬تحت عنوان «مساجالت اليمامة» الصادر عن نادي الشرقية الثقافي‬ ‫واألدب���ي ‪2010‬م‪ .‬ولها مجموعة شعرية أخ��رى بعنوان «ان��ك��س��ارات» دار المفردات‬ ‫للنشر والتوزيع عام ‪2006‬م‪ .‬ولها العديد من المشاركات على المستوى المحلي‬ ‫والعربي‪ ..‬الجوبة تستضيف صاحبة هذه السيرة الثرية في حوار تميزه الدكتورة‬ ‫أسماء الزهراني بإجاباتها العميقة والفلسفية والجريئة التي تضيف‪ ،‬ودون أن‬ ‫تعكر صفو الماء حتى وهي تختلف‪ ..‬أسماء الزهراني وهذا التميز‪...‬‬ ‫‪ρρ‬حاورها ‪ :‬عمر بوقاسم*‬

‫الرواية رئة المجتمع‬ ‫التي يتنفس بها‪!..‬‬ ‫¦ ¦ه���ل ه���ن���اك م���ب���ررات ح��ق��ي��ق��ي��ة وم��ق��ب��ول��ة‬ ‫ل��ت��وج��ه ال��ك��ث��ي��ر م��ن األس���م���اء اإلب��داع��ي��ة‬ ‫ل����ك����ت����اب����ة ال��������رواي��������ة ل������درج������ة ال������ض������رورة‬ ‫والحتمية؟‬

‫‪80‬‬

‫تبعا لبنائها المركب‪ ،‬ال��ذي يجعلها في‬ ‫قمة األن���واع اإلب��داع��ي��ة حاجة لقدرات‬ ‫فكرية وفنية عالية)؛ فأنا أرى الطفرة‬ ‫اإلنتاجية فيها م��ت��وازي��ة م��ع استسهال‬ ‫لخوض غمارها من قبل الكتاب (ولن‬ ‫أعمم مصطلح المبدعين على كتابها)؛‬ ‫نتيجة لسهولة النشر‪ ،‬وانخفاض سقف‬ ‫معايير التلقي‪ ،‬بوجود جمهور كبير من‬ ‫القراء أغلبهم يفتقرون ألدوات القارئ‬ ‫الناضج‪ ،‬الخبير‪ ،‬وتزداد المسألة تعقيدا‬ ‫إذا ما أضيف لهذه األسباب جهل الكتاب‬ ‫ب��أدوات الكتابة في الرواية‪ ،‬واعتقادهم‬ ‫أنهم في غنى عن اإللمام بها قبل خوض‬ ‫غمار الرواية‪( ،‬وكل مبدع عليه لينجح أن‬ ‫يكون ناقدا بمعنى من المعاني)‪.‬‬

‫‪ρ ρ‬ال���رواي���ة ل��غ��ة ال��م��ج��ت��م��ع‪ ،‬وال���رئ���ة التي‬ ‫يتنفس بها تحوالته الحضارية والفكرية‬ ‫والمدنية‪ ،‬ولقد كانت الحكاية لصيقة‬ ‫ال��ح��ي��اة االج��ت��م��اع��ي��ة ب��ك��ل م��ظ��اه��ره��ا‪:‬‬ ‫حكايات شعبية قصيرة وطويلة‪ ،‬ومالحم‪،‬‬ ‫حتى ف��ي أبسط الممارسات الشعبية‬ ‫فيما يسمى عندنا في الموروث الجنوبي‬ ‫«العالّمة»‪ ،‬إذ يلتزم كل زائر أو وافد على‬ ‫القرية من مكان آخر أن «يُعلِم» بأحوال‬ ‫اإلفادة من المصطلح النقدي‬ ‫المكان ال��ذي ج��اء منه‪ :‬ح��ال ال��زراع��ة‬ ‫الغربي‪!..‬‬ ‫وال��ت��ج��ارة وال���رخ���اء وال���ش���دة‪ ،‬وأح���وال‬ ‫الناس‪ ،‬وتلك وسيلة إعالمية شفاهية‪¦ ¦ ،‬من المؤكد‪ ،‬ال يغفل عنك دكتورة أسماء‬ ‫عبر طقس حكائي يكاد يندثر‪.‬‬ ‫أن هناك تجارب نقدية سعودية وعربية‬ ‫اس��ت��ح��ض��رت ف���ي س��ي��اق��ه��ا م��ص��ط��ل��ح��ات‬ ‫أقول إنه ميل اإلنسان للحكي ال يحتاج‬ ‫غ���رب���ي���ة ل���ه���ا م��رج��ع��ي��ت��ه��ا وواق����ع����ه����ا‪ ،‬ه��ل‬ ‫م��ب��ررا‪ ،‬ل��ك��ن إذا تحدثنا ع��ن ال��رواي��ة‬ ‫ه���ن���اك م���ب���ر ُر إي���ج���اب ُّ���ي ل���ه���ذا ال��ت��ج��ن��ي��س‬ ‫(بوصفها نوعا سرديا مضبوطا بمعايير‬ ‫فنية عالية‪ ،‬واشتراطات إبداعية معقدة‪،‬‬ ‫للمصطلحات في الثقافة العربية؟‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫م����������������������������������واج����������������������������������ه����������������������������������ات‬

‫‪ ...ρ ρ‬إن كنت تقصد في سؤالك‪ ،‬اإلف��ادة‬ ‫من المصطلح النقدي الغربي‪ ،‬فال يخفى‬ ‫أننا عالة ف��ي حضارتنا الحديثة على‬ ‫الغرب‪ ،‬ولم يسلم النقد من ذلك‪ ،‬وليس‬ ‫الناقد محاصر بأدواته‪!..‬‬ ‫من العيب أن نستفيد من المنجز الغربي‪،‬‬ ‫كما استفادوا هم منا وبنوا حضارتهم ¦ ¦أس���م���اء ال���زه���ران���ي ت��ح��ض��ر ك���ن���اق���دة م��رة‬ ‫على منجزنا‪ ،‬بل أرى أن العيب أن يفوّت‬ ‫وكمبدعة «ش��اع��رة» م��رة أخ���رى‪ ،‬ه��ل ثمة‬ ‫اإلنسان االستفادة من التجارب السابقة‬ ‫عالقة جدلية بين النقد واإلبداع‪ ،‬وكيف‬ ‫ف��ي ع��م��ل��ه‪ ،‬ش���رط أن يوظفها لتخدم‬ ‫وفقت أنت بين االتجاهين؟‬ ‫أهدافه العلمية‪ ،‬ويبني عليها ويضيف لها‬ ‫‪ρ ρ‬الجمع بين النقد والشعر أو غيره من‬ ‫ما يتفوق عليها‪.‬‬ ‫مجاالت اإلبداع ليس نادرا‪ ،‬على الرغم‬ ‫تمييز المرأة بالعاطفة‪!..‬‬ ‫من تناقض موقع الذات الفاعلة فيهما‪،‬‬ ‫والعالقة بينهما جدلية إل��ى ح��د كبير‬ ‫¦ ¦«م����ا أج���م���ل���ه»‪« ..‬ك��ل��ام ي���ج���ن���ن»‪« ..‬ي��ف��وق‬ ‫إذ يجد الناقد نفسه في موقع المبدع‬ ‫ال��وص��ف وي��أخ��ذ ال��ع��ق��ل»‪ ..‬ه��ذه العبارات‬ ‫محاصرًا بأدواته النقدية‪ُ ،‬م َقيَّماً من ذاته‬ ‫ت���خ���ص ال�����م�����رأة وط���ب���ي���ع���ت���ه���ا‪ ..‬وأق���ص���د‬ ‫رقيباً علىها‪ ،‬بوعيه أو بال وعي‪ ،‬بإرادته‬ ‫العاطفة عندما تعجب بشيء م��ا‪ ،‬وهنا‬ ‫أو بدونها‪ ،‬وذلك يح ّد من انطالق ذاته‬ ‫اس��ت��ح��ض��ر م��ق��ول��ة ل��روب��ي��ن الك�����وف‪( :‬إن‬ ‫مبدعا‪.‬‬ ‫المرأة تتردد وتستخدم أسلوب ًا أقل حزم ًا‬ ‫ولعل ما ساعدني على تجاوز هذه العقبة‬ ‫م��ن ال��رج��ل)‪ ،‬م��ن هنا يستغرب بعضهم‬ ‫هو أنني اتجهت في تخصصي النقدي‬ ‫ح���ض���ور ال���م���رأة ف���ي ال��ف��ض��اء ال��ن��ق��دي‪،.‬‬ ‫للسرد‪ ،‬وللنظرية النقدية‪ ،‬بينما يسيح‬ ‫الدكتورة أسماء الزهراني‪ ،‬ماذا تقول في‬ ‫قلمي إبداعيا في حقل الشعر‪ ،‬ومعلوم‬ ‫هذا االتجاه؟‬ ‫أن االشتغال النقدي في السرد مختلف‬ ‫ما يحدث في التحليل النقدي‪ ،‬وتبقى‬ ‫السمات الشخصية العقلية هي ما يظهر‬ ‫على العمل وتمنحه بصمته الفردية‪.‬‬

‫عنه في الشعر‪ ،‬بل هما على طرفين في‬ ‫توظيف اللغة وطاقاتها‪ ،‬وبذلك تحرر‬ ‫قلمي الشعري من رقابة العقل النقدي‪،‬‬ ‫بل كان تنفيسً ا عن هذا العقل المجذوب‬ ‫للفلسفة والتحليل المنطقي والتأمل‬ ‫الفكري الدائم‪.‬‬

‫‪ρ ρ‬النقد عمل فكري وفلسفي وتحليلي‪ ،‬وفي‬ ‫هذا المجال ال فرق بين المرأة والرجل‪،‬‬ ‫ولكل منهما إمكاناته التي قد تظهر على‬ ‫عمله‪ ،‬لكنها يجب أال تتجاوز ح ّدًا معيناً‪،‬‬ ‫يلغي االشتغال الفكري‪ .‬أما تمييز المرأة‬ ‫بالعاطفة فهذه سمة انفعالية‪ ،‬ال يخلو‬ ‫لألسف‪!..‬‬ ‫منها ال��رج��ل‪ ،‬في حياتهما االجتماعية‬ ‫ مع اختالف النسبة‪ -‬ويتخلص منها ¦ ¦ف��ي إح���دى الصحف أذك���ر أن��ي ق���رأت لك‬‫اإلنسان بصفة عامة حين يكون بصدد‬ ‫رأي�����ا ح����ول ال���م�ل�اح���ق ال��ث��ق��اف��ي��ة بصفة‬ ‫تحليل مشكلة أو ال��ت��ع��ام��ل م��ع ص��ورة‬ ‫ع����ام����ة‪ ..»:‬ﻻ أت���اب���ع ال��م�لاح��ق ال��ث��ق��اف��ي��ة‬ ‫مركبة‪ ،‬بصرف النظر عن جنسه‪ ،‬وذلك‬ ‫لعدم كفايتها‪ ،‬كما أن هناك ضعفً ا عامً ا‪،‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪81‬‬


‫ليس السبب فيه ضعف ال��م��واد وﻻ شح‬ ‫األق�لام‪ ،‬بل ضعف المنهجية اإلعالمية‬ ‫ف���ي ال��ت��ع��ام��ل م���ع ال����م����واد‪ ،‬وال��ع��ج��ز عن‬ ‫بناء شخصية متميزة لكل ملحق»‪ ،‬هل‬ ‫ه���ذا االرت���ب���اك ف��ي ه��وي��ة ال��م�لاح��ق على‬ ‫المستوى المحلي فقط أم العربي؟‬ ‫‪ρ ρ‬لألسف سأجيب بنعم‪ ،‬إال ما ندر‪.‬‬ ‫مصطلحات غير مترادفة‪!..‬‬ ‫¦ ¦«األدب ال���ن���س���وي» أو «أدب ال�����م�����رأة» أو‬ ‫«أدب األن��ث��ى»‪ ..‬بين االخ��ت�لاف والقبول‬ ‫والرفض‪ ،‬الدكتورة أسماء على أي ضفة‬ ‫تقف‪ ،‬وماذا توثق من أسطرٍ خلف سؤالي‬ ‫هذا؟‬ ‫‪ρ ρ‬ت����رد ف���ي ال���س���ؤال م��ص��ط��ل��ح��ات غير‬ ‫مترادفة‪ ،‬فاألدب النسوي يرتبط بحركة‬ ‫سياسية تنادي بحقوق ال��م��رأة‪ ،‬وتمثيل‬ ‫ذل��ك في األدب‪ ،‬بخالف المصطلحين‬ ‫اآلخ��ري��ن‪ ،‬وحيث ال خ�لاف على األدب‬ ‫النسوي والكتابة السوية بشكل عام‪ ،‬من‬ ‫حيث وض��وح موضوعها‪ ،‬يبقى الخالف‬ ‫ف��ي المصطلحين اآلخ��ري��ن موضوعا‬ ‫وش��ك�لا‪ .‬وإذا ك��ان المقصود بالسؤال‬ ‫رأيي في تمييز األدب الذي تكتبه المرأة‪،‬‬ ‫فسأجيب بعدة تساؤالت‪:‬‬

‫‪82‬‬

‫ه���ل ألدب ال���م���رأة خ��ص��وص��ي��ة تميزه‬ ‫موضوعا وشكال؟ ولماذا نستثني المرأة‬ ‫ل��ن��درس إب��داع��ه��ا بمعزل ع��ن المركب‬ ‫اإلبداعي بشكل عام؟ وبماذا نقابله؟ هل‬ ‫نستطيع أن نقابله مثال ب��أدب الرجل؟‬ ‫أو الذكر؟ أو أنه على طرف واألدب كله‬ ‫على طرف آخر مقابل؟ وإذا كنا نقر بأن‬ ‫للجسد والنوع الجنسي أثره في الكتابة‪،‬‬ ‫فلماذا ال ندرس أدب الرجل أيضا؟ هذه‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫أسئلة دائما أطرحها على دارس��ي أدب‬ ‫المرأة تحت أي عنوان‪.‬‬ ‫وأق���ول إن للجنوسة أث��ره��ا ف��ي الكتابة‬ ‫بال ش��ك‪ ،‬لكنه أث��ر ينبغي ‪ -‬من وجهة‬ ‫ن��ظ��ري‪ -‬أال ينفصل ع��ن تحليل العمل‬ ‫الفني‪ ،‬في شكله الفردي‪ ،‬فمن المعروف‬ ‫أن المرأة قد تكتب من رؤية رجل يكون‬ ‫الضمير المتكلم في قصيدتها أو سردها‪،‬‬ ‫وتختفي تماما ك��ام��رأة‪ ،‬وال يبقى منها‬ ‫كأنثى سوى اسمها على غالف العمل‪.‬‬ ‫ويحدث ذل��ك مع الرجل أيضا‪ ،‬وأق��رب‬ ‫مثال هنا الشاعر الكبير ن��زار قباني‬ ‫يرحمه اهلل‪ ،‬الذي كتب عشرات القصائد‬ ‫بصوت أنثى‪ ،‬ومثّلها بدقة في كل حاالتها‪.‬‬ ‫وفي هذه الحال‪ :‬كيف سأصنف هاتين‬ ‫الممارستين اإلب��داع��ي��ت��ي��ن م��ن معيار‬ ‫الجنوسة؟ وهل أضم أعمال نزار ألدب‬ ‫األنثى؟ وماذا سأجد من خصائص األنثى‬ ‫إذا كتبت رواية بطلها رجل ويتحدث عن‬


‫إن استطاع المميزون لما يسمى بأدب‬ ‫ال��م��رأة اإلج��اب��ة ع��ن أسئلتي‪ ،‬بإجابات‬ ‫¦ ¦ظ��ه��ر ف���ي ال���س���ن���وات األخ���ي���رة مصطلح‪،‬‬ ‫تفسر توجههم فسأقتنع بال شك‪ ،‬وحتى‬ ‫وأظ����ن أن���ك ع��ل��ى ع��ل��م ب���ه وه���و «ش��ع��ر أو‬ ‫ذلك الحين ال أرى ما يسمى أدب المرأة‬ ‫ش��ع��راء ال��ن��ت» م���اذا تقولين ه��ل سيكون‬ ‫موجودا‪ ،‬وال أقتنع بعزل إبداع المرأة عن‬ ‫ه��ذا م�ل�اذا للقصيدة وبخصائص فنية‬ ‫مجمل الفعل اإلبداعي‪.‬‬ ‫مغايرة؟‬ ‫تجربتي الشعرية‪!..‬‬ ‫‪ρ ρ‬الكتابة على النت –وينطبق ذل��ك على‬ ‫¦ ¦ه����ن����اك ق���������راءات ن���ق���دي���ة س���ع���ت ل����ق����راءة‬ ‫الشعر‪ -‬هي ممارسة تفاعلية‪ ،‬إذ يجري‬ ‫قصيدة الشاعرة أسماء‪ ،‬هل وصل الناقد‬ ‫التواصل بين الكاتب والقارئ مباشرة‪،‬‬ ‫لقصيدتك؟‬ ‫بعكس الكتابة غير التفاعلية‪ ،‬إذ يكتب‬ ‫الكاتب فيها متخيال قُ����رّاءه‪ ،‬ومرسال‬ ‫‪ρ ρ‬ق��رأ ع��دد م��ن النقاد وال��ك��ت��اب أعمالي‬ ‫رسالته الموضوعية والجمالية لهم في‬ ‫الشعرية (وه���ي م��ح��دودة حتى اآلن)‪،‬‬ ‫صورة استراتيجيات نصية‪ ،‬تعوّض غياب‬ ‫منهم الناقدان عبدهلل السمطي وأحمد‬ ‫القارئ‪ .‬ويفعّل القارئ االستراتيجيات‬ ‫اللهيب‪ ،‬وغيرهما في مؤلفات مطبوعة‪،‬‬ ‫النصية –في الكتابة غير التفاعلية‪ -‬وفق‬ ‫أو على صفحات الصحف‪ ،‬ولمس كل‬ ‫وعيه الخاص‪ ،‬وخبراته الخاصة‪ ،‬ومن‬ ‫قارئ جانبا مختلفا من تجربتي الشعرية‪،‬‬ ‫هنا يأتي تنوع القراءات للنص الواحد‪.‬‬ ‫وأعتز ب��ق��راءة الزميل الناقد والشاعر‬ ‫التواصل بين القارئ والكاتب‪!..‬‬

‫أحمد اللهيب‪ ،‬إذ منحني ج��زءا أثيرا‬ ‫من كتابه األخير‪ ،‬بقراءة لجانب أثير من‬ ‫دوافع الكتابة لدي‪.‬‬ ‫من الذرة إلى الكون‪!..‬‬

‫¦ ¦ه���ل ل���ل���ق���ارئ أن ي��ت��ع��رف ع��ل��ى م��ح��ت��وى‬ ‫مكتبة الدكتورة أسماء الزهراني؟‬ ‫‪ρ ρ‬مكتبتي تحاكي العالم‪ ،‬ألنها تستجيب‬ ‫لشغفي بالتأمل في كل شيء‪ ،‬من الذرة‬ ‫إل���ى ال��ك��ون‪ ،‬ول��ذل��ك ه��ي ت��زخ��ر بكتب‬ ‫الفلسفة‪ ،‬وفيها كتب الفيزياء إلى جانب‬ ‫ك��ت��ب ال��ل��غ��ة‪ ،‬ودواوي�����ن ش��ع��ري��ة تنافس‬ ‫ال��ف��ض��اء م��ع رواي����ات عالمية ومحلية‪،‬‬ ‫وبالطبع تشغل كتب النقد حيزا كبيرا‬ ‫فيها‪ ،‬كما ال تخلو من قصص األطفال‬ ‫والحكايات الشعبية التي ال أزال شغوفة‬

‫أم���ا ف��ي ال��ك��ت��اب��ة التفاعلية فيمارس‬ ‫ال��ق��ارئ ف��ك ش��ف��رة ال��ن��ص ف��ي حضور‬ ‫الكاتب‪ ،‬ويتحول حضوره في النص من‬ ‫استراتيجية نصية لفعل حاضر من خالل‬ ‫تعليقاته وح��واره مع الكاتب‪ .‬هذا البناء‬ ‫المختلف للتواصل في الكتابة التفاعلية‬ ‫يمتد تأثيره على فعل ال��ق��راءة ب��دوره‪..‬‬ ‫فيسهم في بنائها‪ .‬والكتابة التفاعلية توفر‬ ‫للشعر االنتشار والتأثير السريع‪ ،‬لكنها‬ ‫في أحيان كثيرة –إذا لم يكن الشاعر‬ ‫ذا شخصية إبداعية ناضجة‪ -‬ت َُض ّي ُق‬ ‫من حدود نموه اإلبداعي‪ ،‬إذ قد يخضع‬ ‫لرغبات القراء‪ ،‬ولتوجهاتهم الجمالية‪،‬‬ ‫كما تح ّد من فرص تنوع القراءات نتيجة‬ ‫لتأثر القراء بالمعنى الجاهز المطروح‬ ‫في قراءات النص‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫م����������������������������������واج����������������������������������ه����������������������������������ات‬

‫حياة رجل في عالم ذكوري بحت؟‬

‫بقراءتها فضال عن العمل النقدي عليها‪.‬‬

‫‪83‬‬


‫طفرة غير مسبوقة‪!..‬‬ ‫¦ ¦ت���ن���اول���ت ع������دد ًا م���ن ال���ت���ج���ارب ال��س��ردي��ة‬ ‫ال���س���ع���ودي���ة ب�����ق�����راءات ن���ق���دي���ة‪ ،‬وك���ذل���ك‬ ‫حظيت التجارب السردية العربية بهذا‬ ‫االه���ت���م���ام م��ن��ك‪ ،‬م���ا ت��ق��ي��ي��م��ك للساحة‬ ‫ال��س��ردي��ة ال��س��ع��ودي��ة م��ق��ارن��ة بالساحات‬ ‫العربية؟‬ ‫‪ρ ρ‬تعيش ال��س��ردي��ة المحلية ط��ف��رة غير‬ ‫مسبوقة‪ ،‬بمختلف أن��واع��ه��ا‪ ،‬وه��ذا ما‬ ‫يجعل مالحقة اإلنتاج المتجدد باالطالع‬ ‫والتحليل صعبا‪ ،‬إنما بحسب تجربتي‬ ‫النقدية المتواضعة بين القصة القصيرة‬ ‫وال��رواي��ة‪ ،‬أج��د أن القصة القصيرة ال‬ ‫تزال تتفوق على الرواية فنيا‪ ،‬في المنجز‬ ‫المحلي‪ ،‬وال تقل التجربة السعودية عن‬ ‫التجارب العربية في القصة القصيرة‪.‬‬ ‫أما في مجال الرواية‪ ،‬فباستثناء أقالم‬ ‫م��ع��دودة‪ ،‬ال ت���زال التجربة السعودية‬ ‫متأخرة عن التجارب العربية‪ ،‬ولذلك‬ ‫أسباب ذكرتها في إجابتي على السؤال‬ ‫المتعلق باإلقبال على كتابة الرواية‪.‬‬ ‫غازي القصيبي مثاال‪!..‬‬

‫مجموعة قصصية تتخللها تأمالت في‬ ‫ال��ذات والعالم‪ ،‬أبحث عن وق��ت ألتابع‬ ‫نشرها‪ .‬أم��ا الشعر‪ ،‬ف�لا يلوح ل��ي في‬ ‫األفق إصدار فيه‪ ،‬بل يحتاج لعناية حتى‬ ‫يكتمل‪.‬‬ ‫جسر يصلني بهموم الناس‪..‬‬

‫¦ ¦وه�����ل س��ت��ص��اف��ح��ي��ن ال���س���اح���ة ال��ش��ع��ري��ة‬ ‫¦ ¦ما المواقع التي تتصدر مفضلة الشبكة‬ ‫بإصدار جديد قريبا؟‬ ‫العنكبوتية لديك؟‬ ‫‪ρ ρ‬قالئل هم الذين استطاعوا التوفيق بين‬

‫‪84‬‬

‫احتياجات الكتابة اإلبداعية وضرورات‬ ‫المشاغل العملية‪ ،‬وم��ن أه��م األمثلة‬ ‫الدكتور الشاعر ال��روائ��ي الوزير غازي‬ ‫القصيبي يرحمه اهلل‪ ،‬وأن��ا أعاني من‬ ‫ص��ع��وب��ة ه���ذا ال��ت��وف��ي��ق ب��ي��ن متطلبات‬ ‫األعمال‪ ،‬واشتراطات اإلب��داع؛ فبالكاد‬ ‫أنظم وقتي بين الكتابة األكاديمية سابقا‪،‬‬ ‫ثم أداء واجبي الوطني في عملي الجديد‬ ‫بمجلس الشورى حاليا‪ .‬لديّ في الواقع‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪ρ ρ‬ال أك��اد أج��د وقتا للشبكة العنكبوتية‪،‬‬ ‫ل��ك��ن ت��وي��ت��ر ه��و م��ص��در اط�لاع��ي على‬ ‫أهم األخبار‪ ،‬من خالل العناوين ومواقع‬ ‫الصحف والمؤسسات‪ ،‬وهو جسر يصلني‬ ‫بهموم الناس واهتماماتهم‪ ،‬ألكون صوتهم‬ ‫وشريكتهم في بناء الوطن‪ .‬أما الفيسبوك‬ ‫فمساحة للتعبير الشخصي‪ ،‬والتواصل‬ ‫مع األصدقاء‪.‬‬


‫م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات‬

‫الباحث والناقد‬

‫مــراد مبــــروك‬

‫‪:‬‬

‫مستقبل ال��ذات العربية مرهون بمدى إدراك��ه��ا للحاضر‪ ،‬ووعيها بقضاياه‪،‬‬ ‫واستشرافها للمستقبل‪.‬‬ ‫الذات العربية تملك مقومات التكنولوجيا العصرية ماديا وفكريا‪ ،‬ولكن تنقصها‬ ‫ومنتوجها‪ ،‬وتكبِّ لها قيود االستبداد‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫اإلرادة واإلقدام والثقة بذاتها‬ ‫ُسخر عقولنا فيما ينفع‪ ،‬ونؤمن بالجوهر دون المظهر‪ ،‬ونتطلع للمستقبل‬ ‫يوم أن ن ّ‬ ‫أكثر من الماضي‪ ..‬حينئذ نكون في بداية النهوض الحقيقي‪.‬‬ ‫المشهد اإلبداعي والنقدي في المملكة العربية السعودية يتقدم بخطى‬ ‫سريعة وحاسمة‪.‬‬ ‫المرأة الخليجية بعامة‪ ،‬والسعودية بخاصة‪ ،‬أثبتت ذاتها اإلبداعية في مجال‬ ‫الرواية أكثر من أي جنس أدبي آخر‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪85‬‬


‫الباحث والناقد المصري مراد عبدالرحمن مبروك‪ ،‬أستاذ النقد األدبي الحديث والنظرية‬ ‫بكلية اآلداب‪ ،‬في جامعة الملك عبدالعزيز حاليا‪ ،‬يقوم بتدريس مقررات النظرية األدبية‪،‬‬ ‫واألدب المقارن‪ ،‬والنقد الحديث والقديم‪ ،‬لطالب الليسانس والماجستير والدكتوراه من‬ ‫‪2005‬م حتى اآلن؛ كما تولى تدريس مقررات تحليل النصوص األدبية‪ ،‬والمدخل للدراسات‬ ‫األدبية والنقدية‪ ،‬وت��ذوق النص األدب��ي‪ ،‬والشعر العربي الحديث والقديم‪ ،‬والنثر العربي‬ ‫الحديث والقديم‪ ،‬والمذاهب األدبية والنقدية‪ ،‬والفن القصصي والمسرحي بكلية اآلداب‬ ‫بجامعة قطر‪ .‬حصل على العديد من الجوائز األدبية في مجال النقد األدبي‪ ،‬منها‪ :‬جائزة‬ ‫النقد األدب��ي في محور (نحو إب��داع عربي أصيل)‪ ،‬وزارة الثقافة بجمهورية مصر العربية‬ ‫سنة ‪1989‬م‪ .‬و جائزة شومان للعلماء العرب في فرع العلوم اإلنسانية سنة ‪1994‬م‪ .‬جائزة‬ ‫الدولة التشجيعية بجمهورية مصر العربية في الدراسات األدبية والنقدية محور (النظرية‬ ‫النقدية) سنة ‪1999‬م‪ .‬له العديد من الكتب التي تمثل إضافة نوعية للمكتبة النقدية‬ ‫العربية منها‪ :‬الظواهر الفنية في القصة القصيرة المعاصرة في مصر‪ ،‬العناصر التراثية‬ ‫في الرواية العربية‪ ،‬توظيف الشخصية الغجرية في الرواية العربية المعاصرة‪ ،‬الدم وثنائية‬ ‫الداللة في القصيدة العربية المعاصرة‪ ،‬ببليوجرافيا القصة القصيرة في مصر‪ ،‬تطور‬ ‫الشعر العربي الحديث والمعاصر (تأليف مشترك)‪ ،‬فن التعبير (تأليف مشترك)‪ ،‬مالمح‬ ‫النثر األدب��ي الحديث (تأليف مشترك)‪ ،‬بناء الزمن في الرواية العربية المعاصرة‪ ،‬رواية‬ ‫تيار الوعي أنموذجاً‪ ،‬آليات السرد في الرواية العربية المعاصرة‪ ،‬الرواية النوبية أنموذجاً‪.‬‬ ‫الهندسة الصوتية اإليقاعية في النص الشعري‪ ،‬دراسة نصية‪ ،‬آليات المنهج الشكلي في نقد‬ ‫الرواية العربية المعاصرة‪ ،‬التحفيز أنموذجاً‪ ،‬جدلية العجز والفعل في القصة القصيرة‬ ‫في قطر‪ ،‬جيوبوليتيكا النص األدبي‪ ،‬تضاريس الفضاء الروائي أنموذجاً‪ ،‬من الصوت إلى‬ ‫النص‪ ،‬نحو نسق منهجي لدراسة النص الشعري‪ ،‬الصحافة القطرية واالتصـال اللغوي‪،‬‬ ‫مدخل إلى نظرية األدب‪ ،‬األدب المقارن النظرية والتطبيق‪ .‬كان لنا هذا الحوار معه‪ ،‬لنبرز‬ ‫أه��م مالمح ال��ذات العربية ومقوماتها‪ ،‬في محاولة لتقييم العقل العربي في ظل ث��ورات‬ ‫واحتجاجات وصراعات عربية ‪ -‬عربية تجعلنا نتوقف قليال أمام الثقافة العربية‪ ،‬وهل هي‬ ‫بالفعل ثقافة منتجة للعنف؟ أم أن الظرف العالمي هو ال��ذي يعلي من نبرة العنف في‬ ‫عالمنا العربي؟‬ ‫‪ρρ‬حاورته‪ :‬هالة موسى القاهرة*‬

‫¦ ¦ما هي أبرز مقومات الذات العربية؟‬

‫‪86‬‬

‫‪ρ ρ‬أبرز مقومات الذات العربية هي الهوية‬ ‫الثقافية على المستوى االنثروبولوجي‬ ‫والميثيولوجي والسيكولوجي؛ فالذات‬ ‫العربية لها أعرافها االجتماعية والدينية‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫والنفسية التي تشكل لها خصوصية‬ ‫م��م��ي��زة ل��ه��ا ع��ن ال��ث��ق��اف��ات وال��ه��وي��ات‬

‫األخ��رى‪ .‬شريطة أن ت��درك الشخصية‬ ‫العربية أهمية ه��ذه المقومات وع��دم‬ ‫التالشي في اآلخ��ر مع ع��دم انعزالها‬


‫¦ ¦ه��ل ال���ذات العربية ذات مبدعة‪ ،‬أم ذات‬ ‫مستهلكة؟‬

‫‪ρ ρ‬ال���ذات العربية شأنها ش��أن ال���ذوات ¦ ¦كيف يمكن لك تحديد مستقبل الذات‬ ‫العربية في عصر متسارع؟‬ ‫البشرية األخ��رى لها جوانب إبداعية‬ ‫وجوانب استهاللكية‪ ،‬فهي تتغلغل في ‪ρ ρ‬مستقبل ال��ذات العربية مرهون بمدى‬ ‫ثقافة اآلخ���ر وتنهل م��ن رواف���ده حتى‬ ‫إدراك���ه���ا ل��ل��ح��اض��ر ووع��ي��ه��ا بقضاياه‬ ‫ت��واك��ب ع��ص��ره��ا‪ ،‬ث��م ت��ف��رز منتوجها‬ ‫واستشرافها للمستقبل‪ ،‬وم��ا أراه في‬ ‫اإلبداعي المستقل في مرحلة الحقة‪،‬‬ ‫ال���واق���ع ال��ح��اض��ر ه���و ال���ص���راع ح��ول‬ ‫عندما ينهض وعيها الحضاري ويصبح‬ ‫الماضي دون التنافس حول المستقبل‪،‬‬ ‫مجاوزا لوعي اآلخر؛ وهذا يطول ويقصر‬ ‫وال يمكن ألمة تنهض وهي تنظر للخلف‪،‬‬ ‫وفق الفترة الزمنية التي تستغرقها في‬ ‫وإذا أرادت الذات العربية النهوض من‬ ‫التشكل الحضاري قد يصل إلى قرون‬ ‫كبوتها عليها التطلع للمستقبل بخطى‬ ‫من الزمن‪ .‬وفي الوقت الحاضر‪ ،‬أمتنا‬ ‫مدروسة ووعي بنّاء‪ ،‬وعدم االنغماس في‬ ‫العربية مستهلكة أك��ث��ر منها منتجة‪،‬‬ ‫الماضي الذي يؤجّ ج الصراع السياسي‬

‫م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات‬

‫عن اآلخرين‪ ،‬أي أنها تتفاعل مع اآلخر‬ ‫تفاعال حضاريا بناء على مستوى هذه‬ ‫المقومات دون أن تفقد خصائصها‪.‬‬

‫وذلك ألسباب عديدة‪ ،‬أهمها عدم الوعي‬ ‫الحقيقي بمشكالت الحاضر‪ ،‬وانغماسها‬ ‫في قشريات الحضارة المعاصرة دون‬ ‫التعمق في بنيتها الجوهرية؛ لذلك‪ ،‬نجد‬ ‫الولع الشديد بالمظهر دون الجوهر‪.‬‬

‫أو االجتماعي أو الفكري‪ .‬يضاف إلى‬ ‫ذل���ك أن ع���دم تحقيق الديمقراطية‬ ‫بمفهومها الحقيقي سوف يؤخرنا كثيرا‬ ‫في مواكبة التقدم المتسارع من حولنا؛‬ ‫ألن اإلب��داع العلمي والفكري والثقافي‬ ‫والفني واألدبي ال يولد في مناخ مستبد‪.‬‬

‫¦ ¦هل التراث نقيض ال��ذات أم ص��ورة لها؟‬ ‫أو أيهما يشكل صورة اآلخر؟‬ ‫‪ρ ρ‬ال���ت���راث ل��ي��س ن��ق��ي��ض��ا ل���ل���ذات ب���ل إن‬ ‫ال����ذات ام��ت��داد ل��ل��ت��راث‪ ،‬وك��ل��م��ا كانت‬ ‫ال��ذات مسترجعة للتراث البناء‪ ..‬كلما‬ ‫زاد وع��ي��ه��ا‪ ،‬وت��ق��دم��ت خ��ط��وات صوب‬ ‫المستقبل‪ ،‬ولكنها لو انغمست في التراث‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪87‬‬


‫الجدلي والخالفي والعرقي وغيره‪..‬‬ ‫حينئذ س���وف تنسحب ل��ل��م��اض��ي‪ ،‬وال‬ ‫تتقدم خطوة واح��دة صوب المستقبل‪،‬‬ ‫ألن هذا سيولد صراعا بين أبناء الوطن‬ ‫الواحد واألمة الواحدة‪.‬‬ ‫وكالهما يشكل وع��ي اآلخ���ر؛ فالذات‬ ‫تتشكل م��ن ت��راث��ه��ا اإلن��س��ان��ي بعامة‬ ‫والعرقي بخاصة على مستوى الماضي‬ ‫وال��ح��اض��ر‪ ،‬وف��ي ال��وق��ت نفسه‪ ،‬تشكل‬ ‫ال��ذات تراثها الحاضر والمستقبل من‬ ‫خ�لال تفاعلها م��ع منتوجها الفكري‬ ‫ال��م��ع��ي��ش‪ ،‬وت��ف��اع��ل��ه��ا م���ع ال��ث��ق��اف��ات‬ ‫اإلنسانية حاضرا ومستقبال؛ فالذات‬ ‫فاعلة في التراث‪ ،‬ومفعول بها أيضا‪.‬‬ ‫¦ ¦م������ا ال�����م�����وق�����ف م������ن اآلخ���������ر ف������ي ع��ص��ر‬ ‫التكنولوجيا‪ ،‬وك��ي��ف يسهم ال��ع��رب في‬ ‫هذا العصر؟‬

‫‪88‬‬

‫تابعة لآلخر في كل شيء‪ ،‬وغير قادرة‬ ‫على اتخاذ القرار ألن قرارها يصنعه‬ ‫غيرها وهي مستكينة وخانعة‪.‬‬

‫¦ ¦ك��ي��ف يمكن ل��ل��ع��رب والمسلمين تغيير‬ ‫‪ρ ρ‬كما ذكرت الموقف من اآلخر ال بد أن‬ ‫ال���ص���ورة ال��ن��م��ط��ي��ة ال��س��ل��ب��ي��ة ع��ن��ه��م في‬ ‫يقوم على التفاعل البناء‪ ،‬وأن تسهم‬ ‫الثقافة الغربية؟‬ ‫ال���ذات العربية ق��در استطاعتها في‬ ‫‪ρ ρ‬يمكن تغيير الصورة النمطية بعدة أشياء‬ ‫ال��ت��ق��دم التكنولوجي‪ ،‬وه���ذا ال يتأتى‬ ‫أهمها استخدام العقل في مقوماتها‬ ‫بمعاداة اآلخ��ر أو التوجّ س منه‪ ،‬ولكن‬ ‫الحياتية‪ ،‬والتطلع للمستقبل وع��دم‬ ‫ب��ال��ت��ع��ام��ل م��ع��ه بثقة ب���ال���ذات‪ ،‬ووع��ي‬ ‫االستكانة عند الماضي‪ ،‬والتفاعل مع‬ ‫بالحاضر‪ ،‬وعدم الخنوع واالنحناء؛ ألن‬ ‫الحضارات اإلنسانية القائمة من حولنا‪،‬‬ ‫الفكر المرتعش ال يصنع مستقبال‪.‬‬ ‫والتخلص من الجانب االستهالكي القائم‬ ‫وال�������ذات ال��ع��رب��ي��ة ت��م��ل��ك م��ق��وم��ات‬ ‫على منتوج اآلخرين تدريجيا؛ ألن مَن ال‬ ‫التكنولوجيا العصرية مادياً وفكرياً‪ ،‬ولكن‬ ‫يملك قوته ال يملك قراره‪ .‬وكيف لذات‬ ‫تنقصها اإلرادة واإلق��دام والثقة بذاتها‬ ‫تتطلع للمستقبل وهي تستورد غذاءها‬ ‫ومنتوجها‪ ،‬وتكبِّلها قيود االستبداد‪ ،‬تلك‬ ‫ِ‬ ‫وكساءها دون أن يكون لديها اإلرادة في‬ ‫القيود التي نزعت منها اإلرادة وجعلتها‬ ‫المشاركة في صناعة ه��ذه المقومات‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات‬

‫الحياتية؟‬ ‫¦ ¦ك��ي��ف يمكن للثقافة ال��ع��رب��ي��ة ال��ي��وم أن‬ ‫تبدع أسئلتها ومفاهيمها؟‬ ‫يوم أن نُسخّ ر عقولنا فيما ينفع ونؤمن‬ ‫بالجوهر دون المظهر‪ ،‬ونتطلع للمستقبل ‪ρ ρ‬الثقافة العربية تبدع أسئلتها ومفاهيمها‬ ‫حين ت��ك��ون لها شخصيتها المستقلة‬ ‫أكثر من الماضي‪ ،‬حينئذ نكون في بداية‬ ‫فكريا وثقافيا وعلميا‪ ،‬وه��ذا ال يتأتى‬ ‫النهوض الحقيقي‪.‬‬ ‫في يوم وليلة‪ ..‬لكنه يحتاج لعقود عديدة‬ ‫¦ ¦م���اذا ج��ن��ت ال����ذات ال��ع��رب��ي��ة م��ن ال��ص��راع‬ ‫ش��ري��ط��ة أن ت��ك��ون ال��ب��داي��ة صحيحة‬ ‫الممتد بين النقل وال��ع��ق��ل؟ أال توجد‬ ‫وواع��ي��ة‪ ،‬وليست متخبطة ومتراجعة‪.‬‬ ‫مساحة توافقية؟‬ ‫ولكن ذلك كما ذكرت‪ ..‬يحتاج التخلص‬ ‫‪ρ ρ‬ه��ذه القضية شُ غِ َل الفيلسوف العربي‬ ‫من االستبداد بشتى أنواعه‪ ،‬حتى تكون‬ ‫زك��ي نجيب محمود نفسه بها كثيرا‪،‬‬ ‫الشخصية ق��ادرة على طرح مفاهيمها‬ ‫وأ ّل���ف العديد م��ن الكتب وال��دراس��ات‬ ‫ورؤاها‪.‬‬ ‫ح��ول ه��ذه القضية‪ ،‬لكن خالصة هذا‬ ‫¦ ¦ه���ل ال��ه��وي��ة ال��ع��رب��ي��ة ت��رت��ب��ط ب��ث��ق��اف��ات‬ ‫األمر تكمن في محاولة التوفيق بينهما‬ ‫متعددة أم ثقافة واحدة؟‬ ‫بما يتواءم مع الموروث الثقافي العربي‪.‬‬ ‫وهذه المساحات التوافقية موجودة لو ‪ρ ρ‬ترتبط الهوية العربية بثقافات متعددة‬ ‫في الماضي والحاضر‪ ،‬وليست الهوية‬ ‫أفسحت العقلية العربية المجال الحتواء‬ ‫العربية فحسب‪ ،‬بل كل الهويات تتشكل‬ ‫اآلخر والتفاعل معه دون التالشي فيه‪.‬‬ ‫من ثقافات عديدة؛ ألن الهوية تتناص‬ ‫مع الثقافات األخرى ِشئْنا ذلك أم أبينا‪.‬‬ ‫¦ ¦أخيرا ما هو مستقبل الثقافة‪ ،‬ومستقبل‬ ‫الهوية العربية؟‬ ‫‪ρ ρ‬ب��رغ��م ال��م��آس��ي ال��ت��ي ت��ل��وح ف���ي أف��ق‬ ‫األم��ة العربية‪ ..‬إال أنني أرى مستقبل‬ ‫الثقافة العربية في طريقه للنهوض‪،‬‬ ‫ألن ش��ب��اب ال��ي��وم يملك م��ن م��ق��درات‬ ‫الحاضر ماال تملكه األجيال الماضية‬ ‫وعصر السماوات المفتوحة يصنع وعيا‬ ‫بالحاضر والمستقبل لدى هذه األجيال‪.‬‬ ‫هذا الوعي مهما حاولت قيود الحاضر‬ ‫أن تحد م��ن ان��ط�لاق��ه‪ ،‬فلن تفلح في‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪89‬‬


‫المدى المنظور‪ ،‬ولذلك أرى مستقبل‬ ‫الثقافة العربية في طريقه للتقدم‪ .‬قد‬ ‫تعرقله بعض القوى التي ال تريد لهذه‬ ‫الثقافة أن تنهض‪ ،‬لكن على مدى التاريخ‬ ‫لم تهزم ثقافة أمام الوعي البناء‪ ،‬وشبابنا‬ ‫العربي مهما قيل بشأنه لكنه أكثر وعياً‬ ‫وإدراكاً من ذي قبل لذلك سيصنع ثقافته‬ ‫ومستقبله بخطى ثابتة‪.‬‬ ‫¦ ¦دكتور مراد بمناسبة وجودك في المملكة‬ ‫العربية السعودية‪ .‬ما رأيك في المشهد‬ ‫ال��ن��ق��دي ال���س���ع���ودي؟ وه���ل ث��م��ة أس��م��اء‬ ‫ن��ق��دي��ة ت���س���اوي ال���ق���ام���ات ال��ن��ق��دي��ة في‬ ‫بلدان عربية أخرى مثل مصر والمغرب‬ ‫وغيرها من الدول؟‬

‫‪90‬‬

‫وه���ل اس��ت��ط��اع��ت ال���رواي���ة ال��س��ع��ودي��ة أن‬ ‫ت���ن���اف���س ع���ل���ى ال���م���س���ت���وى ال���ع���رب���ي ف��ي‬ ‫ال���ج���وائ���ز ال��ك��ب��رى م��ث��ل ال��ب��وك��ر وك���ت���ارا‬ ‫وجائزة نجيب محفوظ؟‬

‫‪ρ ρ‬المشهد اإلبداعي والنقدي بل والعلمي‬ ‫في المملكة العربية السعودية يتقدم‬ ‫بخطى سريعة وهذه كلمة حق أرجو أن‬ ‫نعيها جيدا بحكم معايشتي لهذا الواقع‪ρ ρ ،‬نعم هناك تطور إب��داع��ي ف��ي ال��رواي��ة‬ ‫وهناك أسماء نقدية مهمة أسهمت وما‬ ‫العربية في المملكة العربية السعودية‪،‬‬ ‫تزال تسهم في المشهد الثقافي العربي‬ ‫وهناك روائيون كبار رجاال ونساء لهم‬ ‫ف��ي العقود األخ��ي��رة‪ ،‬أذك���ر منها على‬ ‫أعمال روائية مهمة تضاف إلى رصيد‬ ‫سبيل التمثيل وليس الحصر‪ ..‬الدكتور‬ ‫الرواية العربية‪ ،‬وبحكم متابعتي لمسيرة‬ ‫الغذامي‪ ،‬الدكتور حسن النعمي‪ ،‬الدكتور‬ ‫الرواية العربية بعامة والخليجية بخاصة‪،‬‬ ‫معجب الزهراني‪ ،‬الدكتور حسن حجاب‬ ‫من خالل اإلشراف على الرسائل العلمية‬ ‫الحازمي‪ ،‬الدكتور منصور الحازمي‪،‬‬ ‫الجامعية‪ ،‬أو المشاركة في المؤتمرات‪،‬‬ ‫ال��دك��ت��ور سحمي ال��ه��اج��ري‪ ،‬ال��دك��ت��ور‬ ‫أو ال��ت��دري��س ال��ن��ق��دي ف��ي ال��ج��ام��ع��ة‪،‬‬ ‫سلطان القحطاني‪ ،‬والدكتور العارف‬ ‫أستطيع ال��ق��ول إن ال��رواي��ة الخليجية‬ ‫وغيرهم‪.‬‬ ‫بعامة والسعودية بخاصة تتقدم على‬ ‫¦ ¦ث��م��ة ان���ف���ج���ار روائ������ي ف���ي ال��م��م��ل��ك��ة‪ .‬ما‬ ‫المستويين الفكري واإلب��داع��ي؛ ومن‬ ‫تقييمك للمشهد ال��روائ��ي ال��س��ع��ودي؟‬ ‫األسماء المشهود لها بالتقدم اإلبداعي‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫وال يخفى عليكم ف��وز ال��روائ��ي عبده‬ ‫خال بالجائزة العالمية للرواية العربية‬ ‫«ال��ب��وك��ر» ف��ي نسختها ال��ع��رب��ي��ة لعام‬ ‫‪2010‬م‪ ،‬عن روايته «ترمي بشرر»‪ ،‬وتعدد‬ ‫تكريمه في الكثير من المؤتمرات األدبية‬ ‫والملحقيات الثقافية إث��ر ذل��ك‪ ،‬منها‬ ‫تكريمه في الكويت والجزائر وأمريكا‬ ‫وف��رن��س��ا وأل��م��ان��ي��ا وس��وري��ا والبحرين‬ ‫وقطر واالمارات واليمن‪.‬‬ ‫¦ ¦ما رأيك في الرواية النسوية السعودية؟‬ ‫وه���ل اس��ت��ط��اع��ت ال��ك��ات��ب��ة ال��س��ع��ودي��ة أن‬ ‫ت��ع��ب��ر ع���ن م��ش��ك�لات ال��م��ج��ت��م��ع بشكل‬ ‫ح��ق��ي��ق��ي؟ وه����ل اس��ت��ط��اع��ت أن ت��ن��اف��س‬ ‫زميالتها في بلدان عربية أخرى؟‬

‫م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات‬

‫في المجال الروائي على سبيل التمثيل‬ ‫عبده خال‪ ،‬وسعد الحميدين‪ ،‬وقماشة‬ ‫العليان‪ ،‬ورج��اء عالم‪ ،‬وليلى الجهني‪،‬‬ ‫ونورة الغامدي وغيرهم‪.‬‬

‫الفريدي التي أشرفت عليهما أيضا في‬ ‫الماجستير والدكتوراه وعنيت إحداها‬ ‫بالشخصية االن��ه��زام��ي��ة ف��ي ال��رواي��ة‬ ‫النسائية ال��س��ع��ودي��ة‪ ،‬واألخ���رى عنيت‬ ‫بالتشكيل الزماني في الرواية النسائية‬ ‫السعودية أيضا‪ .‬واإلبداع الروائي للمرأة‬ ‫في السعودية ال يخفى على أي ناقد‬ ‫عربي متابع لمسيرة النقد العربي‬ ‫وهناك رسالة دكتوراه أعدها الدكتور‬ ‫ع��ب��دال��رح��م��ن ال��وه��اب��ي ع���ن ال���رواي���ة‬ ‫النسائية ف��ي ال��س��ع��ودي��ة وال��ت��ح��والت‬ ‫االجتماعية‪ ،‬وحصل عليها منذ أكثر من‬ ‫ثالثة عشر عاما من إحدى الجامعات‬ ‫البريطانية‪ ،‬وهو ناقد مستنير‪.‬‬ ‫والمتابع لببليوجرافيا الرواية السعودية‬ ‫يدرك المستويين الكمي والكيفي اللذين‬ ‫تحتلهما المرأة في الرواية السعودية‪.‬‬ ‫وأود من النقاد أن يتابعوا مسيرة هذه‬ ‫األجيال التي تطور أدواتها اإلبداعية‪،‬‬ ‫بينما النقد يراوح مكانه‪ ،‬يعيش حالة من‬ ‫الفوضى وعدم المعيارية‪ ،‬وعدم مواكبته‬ ‫للمسيرة االبداعية العربية‪.‬‬

‫‪ρ ρ‬هذا سؤال مهم‪ ،‬أظن أن المرأة الخليجية‬ ‫بعامة والسعودية بخاصة أثبتت ذاتها‬ ‫اإلبداعية في مجال ال��رواي��ة أكثر من‬ ‫أي جنس أدب��ي آخ��ر‪ ،‬والمتابع إلنتاج‬ ‫المرأة السعودية يجد أنها قطعت شوطا ¦ ¦م��������اذا ع�����ن ال���ت���ع���ل���ي���م ف�����ي ال���ج���ام���ع���ات‬ ‫ال�����س�����ع�����ودي�����ة؟ ه�����ل ت�����ق�����دم ال���ج���ام���ع���ات‬ ‫كبيرا في مسيرة الرواية العربية‪ ،‬وهناك‬ ‫السعودية محتوى تعليميً ا ق���ادرًا على‬ ‫رسائل جامعية عنيت فقط بإنتاج المرأة‬ ‫إنتاج مواطن عالمي ق��ادر على مواكبة‬ ‫السعودية في مجال الرواية‪ ،‬أذكر منها‬ ‫اللحظة العالمية الراهنة؟‬ ‫رس��ال��ة ال��دك��ت��ور س��ام��ي ج��ري��دي التي‬ ‫أشرفت عليها‪ ،‬والتي عنيت بالتشكيل ‪ρ ρ‬قدر لي أن أشارك في الشهور األخيرة‬ ‫المكاني في رواية تيار الوعي النسائية‬ ‫في إع��داد كتاب عن تاريخ التعليم في‬ ‫السعودية‪ ،‬ورس��ال��ت��ي ال��دك��ت��ورة بدرية‬ ‫المملكة العربية والسعودية‪ ،‬قُ��دم في‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪91‬‬


‫الحفل األخير الذي شهده خادم الحرمين‬ ‫الملك سلمان بن عبدالعزيز مؤخرا في‬ ‫جامعة الملك عبدالعزيز‪ ،‬بمناسبة مرور‬ ‫خمسين عاما على إنشائها‪ ،‬خالل شهر‬ ‫مايو ‪2016‬م‪ ،‬ويكفي فقط أن أقول لكم‬ ‫إن هذه الجامعة ‪ -‬أعني جامعة الملك‬ ‫عبدالعزيز‪ -‬وهي واحدة من سلسلة من‬ ‫أهم الجامعات الكبرى والمركزية في‬ ‫المملكة‪ ،‬حققت وفق بعض التصنيفات‬ ‫الدولية لعام ‪2015‬م في بعض البرامج‬ ‫العلمية‪ ،‬مثل برنامج الرياضيات‪ ،‬المركز‬ ‫األول عربيا‪ ،‬وال��س��ادس على مستوى‬ ‫العالم‪.‬‬ ‫‪ρ ρ‬وانتقلت الحركة التعليمية ف��ي خالل‬ ‫خمسين ع��ام��ا م��ن ث�لاث م���دارس في‬ ‫التعليم العام على مستوى المملكة إلى‬ ‫أالف ال��م��دارس المنتشرة اآلن في كل‬ ‫بقاعها‪ .‬وه��ن��اك شخصيات سعودية‬ ‫حققت م��راك��ز متقدمة دول��ي��ا وعربيا ‪ρ ρ‬أعتقد أن مثل هذه االتفاقيات مهمة على‬ ‫المستويين العربي واإلقليمي‪ ،‬السيما‬ ‫ف��ي م��ج��ال تخصصاتها‪ .‬ه��ذا الكالم‬ ‫بين دولتين محوريتين كالمملكة ومصر‪.‬‬ ‫ليس تملقًا أو نفاقًا‪ ،‬لكنه ثابت بالوثائق‬ ‫لكنها تأخذ وقتا في اإلتيان بثمارها‪ ،‬ألن‬ ‫وال���دراس���ات‪ ،‬وال��ع��ال��م العربي جميعه‬ ‫االستثمار العلمي يستغرق وقتا طويال‪،‬‬ ‫اآلن ليس أمامه من سبيل غير العلم‪..‬‬ ‫ألن��ه استثمار ف��ي ال��ع��ق��ول‪ .‬وه��ذا يعد‬ ‫من يسبق علميا سوف يسبق في شتى‬ ‫أسمى وأنجع حقول االستثمار‪.‬‬ ‫مجاالت المعرفة عربيا وعالميا‪ .‬ومن‬ ‫يتهاون في التقدم العلمي ويهمله سوف ¦ ¦م��اذا يمكن أن تقول للشباب السعودي‬ ‫تلفظه عجلة التطور‪ ،‬ويصبح في ذيل‬ ‫ال���م���ب���دع‪ ،‬ش���ع���را وق���ص���ة ورواي�������ة وال����ذي‬ ‫القائمة الدولية في كل شيء‪ ،‬وأظن أن‬ ‫ي��ت��ع��ج��ل ال���ن���ش���ر دون ن���ض���وج ت��ج��رب��ت��ه‬ ‫التعليم النوعي المتقدم قادر على تشكيل‬ ‫اإلبداعية؟‬ ‫خريج متطور علميا ومعرفيا‪.‬‬ ‫‪ρ ρ‬الشباب السعودي شأنه شأن الشباب‬ ‫¦ ¦ثمة اتفاقيات تعاون ثقافي بين المملكة‬ ‫ال��ع��رب��ي ف���ي ال��ح��م��اس وال��رغ��ب��ة في‬

‫العربية السعودية ومصر عقدها العاهل‬ ‫ال���س���ع���ودي ج�ل�ال���ة ال��م��ل��ك س��ل��م��ان في‬ ‫زيارته األخيرة لمصر‪ ،‬فهل لها تجليات‬ ‫على أرض الواقع؟‬

‫‪92‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫معينة يكتبون عن بعضهم بعضاً دون‬ ‫مراعاة للموضوعية النقدية‪ .‬ومثل هذه‬ ‫األمور تؤثر على مسيرة اإلبداع العربي‬ ‫والنقدي‪ ،‬ما تجعلنا في حالة فوضى‬ ‫مستمرة‪ ،‬شأن الفوضى التي نعيشها في‬ ‫مجاالت أخرى‪.‬‬

‫م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات‬

‫التطور والتطلع للمستقبل‪ ،‬وه��و جزء‬ ‫من المنظومة العربية يتأثر بالمتغيرات‬ ‫التي تمر بها بلداننا‪ .‬فقط يوجد فارق‬ ‫في اإلمكانات المادية المتوافرة لدى‬ ‫الشباب الخليجي وال��س��ع��ودي‪ ،‬يجعله‬ ‫أحيانا يستعجل عملية النشر قبل نضوج‬ ‫التجربة اإلبداعية‪ ،‬وه��ذا ينطبق على‬ ‫بعض التجارب اإلبداعية وليس جميعها‪.‬‬ ‫ولكن في المقابل توجد تجارب إبداعية‬ ‫ناضجة ل��دى األدب���اء الشباب تستحق‬ ‫القراءة والمتابعة والنقد‪.‬‬

‫م��ن الكتاب وال��ن��ق��اد تجمعهم مصالح‬

‫وي��وج��د ن��ق��د تطبيقي ج��ي��د‪ ،‬ي��ق��وم به‬ ‫بعض النقاد العرب‪ ،‬لكنهم قلة‪ ..‬والغلبة‬

‫¦ ¦بم تصف العالقة الملتبسة بين الناقد للنقد التنظيري القائم على الترجمة‬ ‫وال����م����ب����دع؟ وه������ل ث���م���ة ن���ق���د ت��ط��ب��ي��ق��ي غير الدقيقة ف��ي كثير م��ن األح��ي��ان‪،‬‬ ‫ق��ادر على أن يغطي المشهد اإلب��داع��ي حتى أن بعض نقادنا وشبابنا ي��رددون‬ ‫السعودي؟‬ ‫مصطلحات نقدية ال يدركون مفهومها‪،‬‬ ‫‪ρ ρ‬ال��ع�لاق��ة ليست ملتبسة ب��ي��ن الناقد وال استراتيجيتها‪ ،‬وال منهجيتها‪ .‬وأظن‬ ‫وال��م��ب��دع‪ ،‬ول��ك��ن ي��وج��د أم���ران األول‪:‬‬ ‫ان ذلك انعكاس للمناخ العام في الواقع‬ ‫يتمثل ف��ي ع��دم مواكبة النقد للتطور‬ ‫اإلبداعي العربي‪ ،‬وه��ذا الكالم ذكرته الحياتي المعيش؛ فالمجتمعات التي‬ ‫في ورقة عمل عام ‪1992‬م‪ ،‬في مؤتمر تفتقر الستراتيجية سياسية‪ ،‬تفتقر‬ ‫أدب����اء م��ص��ر ال����ذي ع��ق��د آن����ذاك في الستراتيجية فكرية وإبداعية ونقدية‪.‬‬ ‫مدينة االسماعيلية على ما تساعدني ل��ك��ن األم����ل ي��ظ��ل م��ع��ق��ودًا ع��ل��ى جيل‬ ‫الذاكرة‪ ..‬وطرحت قضية عدم مواكبة المستقبل ال���ذي حتما س���وف يطور‬ ‫النقد ل�لإب��داع ال��ع��رب��ي‪ ،‬ول�لأس��ف مَ�� َّر‬ ‫أدوات���ه اإلبداعية والفكرية والنقدية‪،‬‬ ‫اآلن نحو ثالثة عقود‪ ،‬وما يزال السؤال‬ ‫مطروحا والفجوة قائمة! واألمر الثاني حينما يتاح له ذلك؛ ألن الواقع من حوله‬ ‫يتمثل ف��ي فوضى ال��دراس��ات النقدية مغلف بضبابية الرؤية‪ ،‬ووقت أن تنقشع‬ ‫ال��ع��رب��ي��ة ب��ع��ام��ة وال��م��ص��ط��ل��ح النقدي ه���ذه ال��رؤي��ة ال��ض��ب��اب��ي��ة‪ ،‬س���وف ينبلج‬ ‫بخاصة‪ ،‬ه��ذه الفوضى جعلت «النقد نور الفجر‪ ،‬ويعم نور المعرفة‪ ،‬ويسود‬ ‫الشللي» – ل��و ج��از لنا استخدام هذا التقدم المعرفي واإلبداعي شتى أرجاء‬ ‫التعبير – يسود؛ بمعنى أن كل مجموعة‬ ‫مجتمعاتنا العربية‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪93‬‬


‫األديبة مالك محمد اللحيد الخالدي‬ ‫شاعرة وقاصة وكاتبة‪ ،‬مهتمة بالشأن الثقافي والفكري‪ ..‬من مواليد مدينة‬ ‫سكاكا ‪-‬الجوف‪ .‬تلقّ ت تعليمها فيها‪ ،‬وحصلت على بكالوريوس في اللغة اإلنجليزية‬ ‫من كلية التربية بجامعة الجوف‪ ،‬ثم نالت درجة الماجستير ‪ -‬تخصص أصول‬ ‫تربية‪ -‬من قسم السياسات التربوية بجامعة الملك سعود عام ‪1437 |1436‬هـ‪.‬‬ ‫وصف الناقد د‪ .‬إبراهيم الدهون شعر مالك الخالدي بأنه يشكِّ ل إضاءة جديدة‬ ‫وشرفة مطلة على المستقبل من خالل إبداعاتها ذات األبعاد‬ ‫في الشعر السعودي‪ُ .‬‬ ‫والمضامين الوطنية‪ ،‬والقومية‪ ،‬واإلنسانية‪ ،‬إضافة إل��ى إسهاماتها في بنائية‬ ‫النص الشعري من دون المساس بأحد أركانه األس��اس؛ فالموسيقى العروضية‬ ‫لديها ظهرت كحالة شعرية جديدة‪.‬‬ ‫ويقول د‪ .‬محمود عبدالحافظ من في اآلون��ة األخيرة‪ ،‬ولئن كان الديوان‬ ‫جامعة ال��ج��وف‪ :‬إن م�لاك الخالدي ق��د ض��م بين دفتيه بعضا م��ن الشعر‬ ‫جمعت في ديوانها بين الشعر العمودي ال��ح��دي��ث‪ ،‬ف���إن ال��ش��اع��رة ق��د أص��رت‬ ‫وشعر التفعيلة‪ ،‬وفي هذا تأكيد على أن تجمع بين أصالة الشعر وعراقته‬ ‫نضوجها ال��ش��ع��ري م��ن ح��ي��ث أص��ال��ة ومواكبة العصر في حداثته‪.‬‬ ‫ال َمل َكة‪ ،‬وخصوبة القريحة الشعرية‪،‬‬ ‫إصداراتها‬ ‫وال���دراي���ة ال��ق��وي��ة ب��ال��ب��ح��ور الخليلية‬ ‫غواية بيضاء (ديوان شعر)‬ ‫وتفعيالتها‪.‬‬ ‫ضم اإلصدار األول للشاعرة مالك‬

‫‪94‬‬

‫أما د‪ .‬محمود البادي فيقول‪ :‬حسب‬ ‫الشاعرة مالك الخالدي أن تبقي األمل ال���خ���ال���دي م��ج��م��وع��ة م���ن ال��ق��ص��ائ��د‬ ‫في نفوسنا بأن جزيرة العرب ال تزال ال��ع��م��ودي��ة وال����حُ ����رّة ف���ي ال��م��ج��االت‬ ‫ث�� ّرًا بالشعر العمودي ال��ذي ع�� َّز ون�� َد َر اإلنسانية والوجدانية والوطنية‪ .‬وقد‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫ال تبيعوا أغصاني للخريف‬ ‫(مجموعة قصصية)‬ ‫ضمت المجموعة ثالثين قصة‪ ..‬ما بين‬ ‫قصيرة وقصيرة ج��داً‪ ،‬ترسم فيها األديبة‬ ‫ص���وراً اجتماعية وإن��س��ان��ي��ة بلغة شعرية‬ ‫راوحت ما بين السرد المباشر واإليحائي‪،‬‬ ‫وق��د أه���دت ال��ش��اع��رة ه��ذا اإلص����دار إلى‬ ‫منطقة ال��ج��وف‪ ..‬إذ ت��ق��ول‪ :‬إل��ى (منطقة‬ ‫الجوف) شمال القلب أهدي هذه الخفقات!‬ ‫(األبعاد اإلنسانية في الفكر التربوي‬ ‫العربي اإلسالمي) دراسة علمية‪:‬‬ ‫هدفت ه��ذه ال��دراس��ة إل��ى التعرّف على‬

‫لتحليل وثيقة سياسة التعليم في المملكة‬ ‫العربية السعودية‪.‬‬ ‫تقول في إحدى قصائدها‪:‬‬

‫س����������������������ي����������������������رة وإن����������������������ج����������������������از‬

‫تصدرته دراستان نقديتان للدكتور محمود استخدمت الباحثة المنهج الوصفي التحليلي‬ ‫عبدالحافظ خلف اهلل‪ ،‬والدكتور محمود القائم على جمع البيانات وتحليلها كمنهج‬ ‫البادي‪ ،‬وكليهما من جامعة الجوف‪.‬‬ ‫للدراسة‪ ،‬كما استخدمت المنهج االستنباطي‬

‫أُغرّدُ فوق البيادرِ وحدي‪..‬‬ ‫وأشرب من ماء حزني هناك‪..‬‬ ‫ُ‬ ‫األغاريد‬ ‫ِ‬ ‫طيوف‬ ‫ُ‬ ‫تمر‬ ‫حيرى‪..‬‬ ‫فتضرمني‬ ‫في الحنايا اشتياقْ ‪..‬‬ ‫أفتش عن بعض نبضي‬ ‫ُ‬ ‫وأذرو‪..‬‬

‫أه��م األب��ع��اد اإلنسانية في الفكر التربوي بقاياي في دهشة األقحوان!‬ ‫العربي اإلسالمي‪ ،‬والتعرّف على التطبيقات فما عادت األمنيات تغنّي‬

‫التربوية لألبعاد اإلنسانية في وثيقة سياسة وما عاد في الزفرات‬ ‫التعليم في المملكة العربية السعودية‪ ،‬وقد انعتاقْ ‪..‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪95‬‬


‫مركز عبدالرحمن السديري الثقافي‬ ‫في ذكرى مرور ‪ 35‬عاما على تأسيسه‬ ‫‪ρρ‬محمد صوانة*‬

‫يصدر ه��ذا ال��ع��دد م��ع ذك��رى م��رور خمسة وثالثين ع��ام��ا على تأسيس مركز‬ ‫عبدالرحمن السديري الثقافي‪ ،‬بمدينة سكاكا بمنطقة الجوف في المملكة‬ ‫ال��ع��رب��ي��ة ال��س��ع��ودي��ة‪ ،‬ال���ذي ج���اء ب��م��ب��ادرة ري��ادي��ة م��ن األم��ي��ر ع��ب��دال��رح��م��ن بن‬ ‫أحمد السديري ‪ -‬يرحمه اهلل‪ .-‬فقد كانت انطالقة المركز األول��ى في العام‬ ‫‪1383‬ه��ـ‪ ،‬بتأسيس (مكتبة الثقافة العامة)‪ ،‬لتكون قبلة للباحثين والدارسين‬ ‫والمطالعين من أبناء الجوف وسكانها‪ .‬كما بادر لتأسيس أول مكتبة للنساء‬ ‫في المملكة العربية السعودية؛ إدراك ًا منه لما ألهمية تنشئة الفتاة السعودية‬ ‫وإتاحة المجال أمامها لتنهل من معين الثقافة؛ وإيمان ًا بأهمية دور الثقافة‬ ‫ف��ي ح��ي��اة ال��م��رأة أس���وة ب��ال��رج��ل ف��ي ب��ن��اء مجتمع ق��وي��م وم��ث��ق��ف‪ .‬وك��ان��ت هذه‬ ‫المبادرات تنبع من إحساس عميق بالواجب تجاه أبناء منطقة الجوف‪ ،‬ومن‬ ‫إدراك��ه ألهمية العلم والثقافة في بناء المجتمع‪ .‬لقد كانت المكتبة العامة‬ ‫التي أنشأها األمير المؤسس مفهوم ًا فريد ًا في الوقت والمكان ال��ذي نشأت‬ ‫فيهما‪.‬‬ ‫من هنا‪ ،‬ندرك ال��دور الريادي الذي يضطلع به هذا المركز الرائد في مجال‬ ‫التأصيل الثقافي والتفاعل مع المجتمع المحلي بمختلف فئاته‪ ،‬في منظومة‬ ‫متكاملة من األنشطة والبرامج الثقافية والتعليمية والتدريبية المتنوعة‪.‬‬ ‫وف��ي ه��ذا التحقيق سنلقي م��زي��د ًا م��ن ال��ض��وء على نشأة مركز عبدالرحمن‬ ‫السديري الثقافي وأهدافه وبرامجه وإنجازاته المتنوعة خالل خمسة وثالثين‬ ‫عام ًا منذ تأسيسه‪.‬‬

‫‪96‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ‬

‫دار العلوم بالجوف‬

‫للباحثين والراغبين‪.‬‬

‫وفي حديث مع األستاذ حسين الخليفة‬ ‫مع األي��ام‪ ،‬تطورت مكتبة الثقافة العامة‬ ‫وص��ار يطلق عليها (دار العلوم)‪ ،‬وعرفت ال��م��دي��ر ال���ع���ام ل��ل��م��رك��ز ق����ال إن م��رك��ز‬ ‫بين أهالي الجوف باسم (ال��دار)‪ ،‬وصارت عبدالرحمن السديري الثقافي انبثق عن‬ ‫قبلة للباحثين ومحبي قراءة الكتب من أبناء مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية التي‬ ‫منطقة الجوف وسكانها على السواء‪ .‬وقد صدر تأسيسها بأمر ملكي عام ‪1383‬ه��ـ‪.‬‬ ‫حظيت دار العلوم بالجوف باهتمام معالي وتشمل أهداف المركز تولّي إدارة المكتبات‬ ‫األم��ي��ر ع��ب��دال��رح��م��ن ال��س��دي��ري ورع��اي��ت��ه العامة التابعة للمركز في الجوف والغاط‪،‬‬ ‫واإلسهام في حفظ التراث‬ ‫المستمرة‪ ،‬وح��رص��ه ال��دائ��م‬ ‫األدبي واألثري في منطقة‬ ‫رؤية ريادية ثقافية‬ ‫خالل حياته يرحمه اهلل‪ ،‬ومن‬ ‫خدماته‪ ،‬ودعم الدراسات‬ ‫لمؤسس استقرأ آفاق‬ ‫بعده تولى أبناؤه وبناته المضي‬ ‫واألبحاث ونشر المعلومات‬ ‫المستقبل‬ ‫ق��دم��ا ف��ي دع���م دار ال��ع��ل��وم‬ ‫ال��م��ت��ع��ل��ق��ة ب��ه��ا‪ ،‬وإص����دار‬ ‫وت��ط��وي��ر برامجها المكتبية‬ ‫مركز ثقافي أصبح‬ ‫مجلة شهرية‪ ،‬وبناء مسجد‬ ‫والثقافية‪ ،‬بما يخدم المجتمع‬ ‫المحلي بالجوف‪ ،‬والعمل على دوحة من دوحات العلم جامع‪ ،‬وروضة أطفال‪.‬‬ ‫والمعرفة بالمملكة‬ ‫إدامة خدماتها وتحديثها وفق‬ ‫وق������������ال إن م����رك����ز‬ ‫ال��م��س��ت��ج��دات ال��ع��ص��ري��ة في‬ ‫ع��ب��دال��رح��م��ن ال��س��دي��ري‬ ‫تنفيذ برامج ثقافية‬ ‫مختلف المجاالت المكتبية‬ ‫ال��ث��ق��اف��ي ي��س��ع��ى لتقديم‬ ‫وبرنامج نشر محكّ م‬ ‫وت��وف��ي��ر أم���ه���ات ال��م��ص��ادر وتموّ يل أبحاث علمية البرامج الثقافية والمعرفية‬ ‫والمراجع وأوعية المعلومات‬ ‫بالتفاعل وال��م��ش��ارك��ة مع‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪97‬‬


‫المجتمع المحلي‪ ،‬وتفعيل دور مكتباته العامة‬ ‫وتطويرها‪ ،‬م��ن خ�لال أنظمة المعلومات‬ ‫وأوعيتها المختلفة‪.‬‬ ‫وق��ال إن األمير عبدالرحمن السديري‬ ‫أنشأ هذا المركز بمجهوده الخاص سعياً‬ ‫منه إلى اإلسهام في دعم الثقافة في منطقة‬ ‫الجوف؛ فالمؤسس من الرجال الذين أدركوا‬ ‫في وقت مبكر أهمية التعليم‪ ،‬وعملوا على‬ ‫المستويين الرسمي وال��خ��اص على نشر‬ ‫ال��وع��ي وال��م��ع��رف��ة ودع��م��ه��م��ا‪ .‬وق���د كانت‬ ‫مبادرة المؤسس بإنشاء تلك المكتبة العامة‪،‬‬ ‫رغ��م محدودية اإلمكانات آن���ذاك‪ ،‬عنواناً‬ ‫لطموحاته ومرآة ألولوياته واهتماماته‪.‬‬ ‫ويشير المدير ال��ع��ام إل��ى تنوع أنشطة‬ ‫المركز وبرامجه الثقافية‪ ،‬فمنها النشاط‬ ‫المنبري المتمثل في المنتديات السنوية‬ ‫ال��دوري��ة وك��ذل��ك ال��م��ح��اض��رات وال��ن��دوات‬ ‫واألم��س��ي��ات الشهرية التي تنظمها إدارة‬ ‫المركز على م��دار العام‪ ،‬ويحضرها حشد‬ ‫كبير م��ن المهتمين‪ .‬كما تشمل المراكز‬ ‫وال��دورات التعليمية والتدريبية‪ ،‬والمعارض‬ ‫الثقافية والعلمية‪.‬‬

‫‪98‬‬

‫تتكون المجموعة العامة في دار العلوم‬ ‫م��ن ال��م��راج��ع وال��ك��ت��ب العربية واألجنبية‬ ‫ذات ال��ص��ل��ة ب��ال��ع��ل��وم وال��م��ع��ارف ال��ع��ام��ة‪.‬‬ ‫أم��ا المجموعة ال��خ��اص��ة‪ ،‬ف��إن موضوعها‬ ‫األساس هو منطقة الجوف وهي تتشكل من‬ ‫المطبوعات والمواد ذات القيمة المرتبطة‬ ‫ب��ت��اري��خ ال��م��ن��ط��ق��ة وت��راث��ه��ا‪ .‬ت��ح��وي ه��ذه‬ ‫المجموعة صوراً لمخطوطات يصل عددها‬ ‫إل���ى أك��ث��ر م��ن خ��م��س وس��ت��ي��ن مخطوطة‪،‬‬ ‫ووثائق‪ ،‬ونقوداً‪ ،‬وطوابع‪ ،‬وكتباً قيمة‪ .‬وفي‬ ‫قسم الدوريات‪ ،‬تشترك دار العلوم بمجموعة‬ ‫من الصحف والمجالت وال��دوري��ات‪ ،‬يصل‬ ‫عددها إلى أكثر من مائتين وخمسين دورية‪.‬‬ ‫أم��ا مجموعة ال���دار المسموعة والمرئية‬ ‫ف��ت��ت��أل��ف م��ن األف��ل�ام وأش���رط���ة الفيديو‬ ‫واألق���راص الممغنطة التي توثق األنشطة‬ ‫الثقافية التي تنظمها الدار‪ .‬كما تتيح الدار‬ ‫خدمات اإلنترنت الالسلكية لجميع الرواد‬ ‫في القسمين إلى جانب المحطات الثابتة‬ ‫المتوافرة‪ ،‬وهي تتيح لرواد المكتبة الدخول‬ ‫إلى فهارس المكتبة العربية واألجنبية‪ ،‬إلى‬ ‫جانب موقع المركز على اإلنترنت ‪www.‬‬ ‫‪.alsudairy.org.sa‬‬

‫كان المؤسس صاحب ريادة في كثير من‬ ‫أعماله ومبادراته‪ ،‬فكانت المكتبة العامة‬ ‫التي أنشأها في العام ‪1963‬م مفهوماً جديداً‬ ‫في الوقت والمكان الذي نشأت فيه‪ ،‬كما أن‬ ‫المكتبة العامة للنساء التي أقامها هي أول‬ ‫مكتبة عامة للنساء على مستوى المملكة‪.‬‬

‫دار الرحمانية‬

‫وصارت المكتبتان تمثالن اللبنة األساس‬ ‫لدار العلوم في مركز عبدالرحمن السديري‬ ‫الثقافي الذي عمل على رفد هذه الدار بما‬ ‫يلزمها م��ن المهنيين ف��ي علوم المكتبات‬ ‫والمعلومات‪ ،‬وتزويدها بمجموعات الكتب‬ ‫التي وصلت اآلن إلى أكثر من (‪)170.000‬‬ ‫مائة وسبعين ألف كتاب‪.‬‬

‫وفي عام ‪1424‬هـ (‪2003‬م) قرر مجلس‬ ‫إدارة المركز إنشاء ف��رع له في محافظة‬ ‫الغاط مسقط رأس األمير المؤسس‪ ،‬فتم‬ ‫إنشاء‪« ،‬دار الرحمانية »‪ ،‬تبرع أبناء وبنات‬ ‫األم��ي��ر عبدالرحمن ب��ن أح��م��د السديري‬ ‫ رح��م��ه اهلل ‪ -‬ب��ج��زء م��ن ت��رك��ة وال��ده��م‪،‬‬‫ال إلقامة‬ ‫وخصصوا ريعها ليكون َوقْفاً مستق ً‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫ك��م��ا أل��ح��ق��ت مكتبة ص��غ��ي��رة بحديقة‬ ‫المركز‪ ،‬إلضفاء جو ثقافي على الجلسات‬ ‫المسائية ل��زوار الحديقة‪ ،‬تلبّي احتياجات‬ ‫مختلف الفئات العمرية من القراءة الخفيفة‪ .‬‬


‫ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ‬

‫مبنى دار ال��رح��م��ان��ي��ة وتشغيلها وتمويل •قاعة المطالعة الخاصة؛ توجد وحدات‬ ‫للمطالعة الخاصة تتيح للقارئ والباحث‬ ‫أعمالها‪ ،‬وأنشطتها الثقافية‪.‬‬ ‫القراءة والعمل في خصوصية‪ ،‬توفر جواً‬ ‫تقع دار الرحمانية وسط بستان العرنية؛‬ ‫ال ومريحاً‪.‬‬ ‫مستق ً‬ ‫ال��م��زرع��ة ال��ت��ي وقفها ال��م��ؤس��س لوالديه‬ ‫غفر اهلل لهما‪ -‬ويخصص ريعه لتمويل دار •رك��ن تصفّح اإلن��ت��رن��ت‪ :‬لتمكين زائ��ري‬‫المكتبة من تصفّح اإلنترنت‪ ،‬واالستفادة‬ ‫الرحمانية‪.‬‬ ‫من قواعد المعلومات‪.‬‬ ‫وقد أخذ تصميم مبنى دار الرحمانية في‬ ‫االعتبار البيئة الريفية المحيطة به وسط •قاعة االجتماعات وال��دورات التدريبية‪:‬‬ ‫وهي قاعة متعددة األغراض لالجتماعات‪،‬‬ ‫أشجار النخيل؛ فظهر بطابع نجدي‪ ،‬تتجلى‬ ‫وتنفيذ الدورات التدريبية المتنوّعة‪ ،‬وهي‬ ‫فيه المباني الطينية واألق���واس النجدية‪،‬‬ ‫م��زوّدة بكل الوسائل السمعية والبصرية‬ ‫والمسجد ذي المصلى المفتوح على الفناء‪.‬‬ ‫الالزمة لتأدية أهدافها‪ .‬كما أنها متاحة‬ ‫للمجتمع المحلي ل�لإف��ادة من مرافقها‬ ‫مكتبة األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري‬ ‫في إقامة األنشطة الثقافية والفعاليات‬ ‫وهي المكتبة الرئيسة في دار الرحمانية‬ ‫الرسمية واألهلية‪.‬‬ ‫ب��ال��غ��اط وتبلغ مساحتها (‪650‬م‪ ،)2‬وقد‬ ‫افتتحها ص��اح��ب ال��س��م��و الملكي األم��ي��ر •رك��ن الكتب وال���دوري���ات‪ :‬تضم المكتبة‬ ‫مجموعة من الكتب والدوريات‪ ،‬مما يتفق‬ ‫سلطان بن عبدالعزيز ‪-‬رحمه اهلل‪ -‬بتاريخ‬ ‫مع وظيفتها كمكتبة عامة تخدم مجتمع‬ ‫‪1425/11/17‬هـ (‪2004/12/29‬م)‪ ،‬وتتكون‬ ‫الغاط وما حولها‪.‬‬ ‫المكتبة إضافة إلى القاعة العامة للمطالعة‪،‬‬ ‫من المرافق اآلتية‪:‬‬ ‫ •رك���ن م��ط��ب��وع��ات م��رك��ز ع��ب��دال��رح��م��ن‬

‫دار الرحمانية بالغاط‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪99‬‬


‫السديري الثقافي‪ :‬تضم المكتبة ركنًا‬ ‫خاصا بالمطبوعات التي أصدرها المركز‬ ‫ضمن برنامج النشر ودعم األبحاث‪.‬‬ ‫ •ركن المجموعة الخاصة‪ :‬بدأت المكتبة‬ ‫بتكوين مجموعة خ��اص��ة ت��ض��م جميع‬ ‫ال��م��ط��ب��وع��ات وال����م����واد ذات ال��ق��ي��م��ة‬ ‫المرتبطة بالغاط وس��دي��ر‪ ،‬إضافة إلى‬ ‫إنشاء مجموعة خاصة بدراسات النخيل‪.‬‬ ‫مكتبة‪ ‬منيرة بنت محمد الملحم‬ ‫للنساء‬

‫‪100‬‬

‫أ ُنشئت هذه المكتبة لتكون خاصة بالقسم‬ ‫النسائي ب��دار الرحمانية بالغاط‪ ،‬ويجري‬ ‫تشغيلها م��ن م���ال أوص���ت ب��ه م��ن��ي��رة بنت‬ ‫محمد الملحم‪ ،‬حرم األمير عبدالرحمن بن‬ ‫أحمد السديري‪ ،‬رحمهما اهلل‪ .‬تبلغ مساحة‬ ‫المكتبة خمسمائة متر مربع (‪500‬م‪.)2‬‬ ‫وتتكون م��ن ق��اع��ة للمطالعة تتوافر فيها‬ ‫مراجع وكتب من مختلف أن��واع المعرفة‪،‬‬ ‫والمكتبة ترتبط بفهرس موحد مع مكتبة‬ ‫األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري؛ ما‬ ‫يتيح للزائرة الحصول على أي كتاب موجود‬ ‫ف��ي ك�لا المكتبتين‪ ،‬إض��اف��ة إل��ى وح��دات‬ ‫للمطالعة الخاصة‪ .‬كما يوجد في المكتبة‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫ركن لإلنترنت‪ .‬وقد أولت المكتبة عنايتها‬ ‫خاصا به مجهزًا‬ ‫ً‬ ‫بالطفل؛ فأوجدت ركنًا‬ ‫باألثاث والكتب والمواد السمعية والبصرية‬ ‫المناسبة للطفل‪ .‬والمكتبة مربوطة بدائرة‬ ‫تلفزيونية م��ع ق��اع��ة األم��ي��ر س��ل��ط��ان بن‬ ‫عبدالعزيز للمحاضرات‪ .‬وقد افتتح المكتبة‬ ‫رسميًا خ��ادم الحرمين الشريفين الملك‬ ‫سلمان بن عبدالعزيز ‪ -‬يحفظه اهلل‪ -‬بتاريخ‬ ‫‪1427/3/8‬هـ الموافق ‪2006/4/6‬م عندما‬ ‫كان أميرا لمنطقة الرياض‪.‬‬ ‫قاعة األمير‪ ‬سلطان بن عبدالعزيز‬ ‫للمحاضرات‬ ‫عندما افتتح ص��اح��ب السمو الملكي‬ ‫األم��ي��ر س��ل��ط��ان اب���ن ع��ب��دال��ع��زي��ز ‪-‬رح��م��ه‬ ‫اهلل‪ -‬دار الرحمانية بتاريخ ‪1425/5/17‬هـ‬ ‫(‪2004/12/29‬م) أعلن عن تبرعه الكريم‬ ‫ببناء قاعة للمحاضرات والندوات في الدار‪ .‬‬ ‫وج��رى تصميم القاعة لتكون مخصصة‬ ‫لألنشطة المنبرية‪ ،‬وبُنيت على مساحة أربع‬ ‫مئة متر مربع (‪400‬م‪ ،)2‬وجُ ��ه��زت بكامل‬ ‫التجهيزات الالزمة لعرض المواد السمعية‬ ‫والبصرية (ال��وس��ائ��ط ال��م��ت��ع��ددة)‪ ،‬وتتسع‬ ‫لمئتي شخص‪ .‬‬


‫لكل من دار العلوم بالجوف ودار الرحمانية‬ ‫ب��ال��غ��اط هيئة ت��ط��وع��ي��ة‪ ،‬ت��ض��م نخبة من‬ ‫المثقفين من أبناء منطقة الجوف ومحافظة‬ ‫الغاط المتطوعين بجهدهم ووقتهم لإلسهام‬ ‫في إثراء الحركة الثقافية‪ ،‬تعمل على اقتراح‬ ‫البرامج والمناشط الثقافية في الموضوعات‬ ‫التي تهم المجتمع المحلي‪.‬‬ ‫وللقسم النسائي بكل من دار العلوم في‬ ‫ال��ج��وف ودار الرحمانية بالغاط‪ ،‬مجلس‬ ‫ث��ق��اف��ي ي��ت��ك��ون م��ن ع���دد م��ن المتطوعات‬ ‫المهتمات ب��ال��ش��أن ال��ث��ق��اف��ي ف��ي ال��ج��وف‬ ‫والغاط‪.‬‬ ‫برنامج النشر ودعم األبحاث‬ ‫ي��ه��دف ب��رن��ام��ج النشر ودع���م األب��ح��اث‬ ‫بالمركز إل��ى خدمة البحث العلمي ونشر‬ ‫اإلب��داع��ات ألبناء وبنات الجوف والغاط‪،‬‬ ‫إضافة إلى االهتمام باإلصدارات المتعلقة‬ ‫بموضوعات تتعلق بالجوف والغاط‪ ،‬وكذلك‬ ‫موضوعات لها اهتمام واضح على الصعيد‬ ‫الوطني‪.‬‬ ‫وحتى ال��ع��ام ‪1438‬ه���ـ (‪2017‬م)‪ ،‬صدر‬ ‫عن مركز عبدالرحمن السديري الثقافي‬ ‫نحو (‪ )175‬إص��داراً‪ ،‬منها‪ )83( :‬كتابًا في‬ ‫مختلف المجاالت العلمية واألدب��ي��ة‪ ،‬و‪92‬‬ ‫عددًا من دوريتي أدوماتو والجوبة‪ .‬كما موّل‬ ‫المركز عدداً من األبحاث العلمية الميدانية‪،‬‬ ‫بلغت نحو ‪ 12‬بحثاً‪ ،‬أشرف عليها باحثون‬ ‫وأكاديميون سعوديون‪.‬‬ ‫وفيما يلي أهم الكتب التي صدرت عن‬ ‫برنامج النشر‪:‬‬ ‫‪ 1‬فصل من تاريخ وطن وسيرة رجال ‪-‬عبدالرحمن بن‬ ‫أحمد السديري أمير منطقة الجوف‬ ‫‪ 2‬الجوف وادي النفاخ‬ ‫‪ 3‬القصائد (ديوان شعر)‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ‬

‫المجالس الثقافية‬

‫‪The Desert Frontier of Arabia Al-Jawf Throuth the Ages 4‬‬ ‫‪ 5‬مستوى التمدين والمراضه النفسية لدى المراهقين‪:‬‬ ‫منحى سعودي‬ ‫‪ 6‬طيور بحيرة دومة الجندل‬ ‫‪ 7‬الهاتف الجوال كوسيلة اتصالية إعالمية‬ ‫‪ 8‬األزمة المالية العالمية وتداعياتها على االقتصاد‬ ‫السعودي‬ ‫‪ 9‬المدينة في الوطن العربي النشأة والتطور‬ ‫‪ 10‬اإلنسان والبيئة في الوطن العربي في ضوء‬ ‫االكتشافات اآلثارية‬ ‫‪ 11‬الملكات العربيات قبل اإلسالم‪ :‬دراسة في التاريخ‬ ‫السياسي‬ ‫‪ 12‬تخطيط المدينة المنورة في العهد النبوي‬ ‫‪ 13‬تقييم الخدمات الصحية المقدمة لألطفال في‬ ‫منطقة الجوف‬ ‫‪ 14‬المراعي وتنمية الثروة الحيوانية بالجوف‬ ‫‪ 15‬االشعاع الذري ودراسة غاز الرادون بمساكن الجوف‬ ‫‪ 16‬المواسم الثقافية‪ 4 /‬أعداد‬ ‫‪ 17‬اقتصاديات منطقة الجوف‪ :‬نموذج جديد للتنمية‬ ‫المحلية‬ ‫‪ 18‬أنواع العقارب والثعابين السامة بمنطقة الجوف‬ ‫‪ 19‬التنوع األحيائي الحيواني في منطقة الجوف‬ ‫‪ 20‬جغرافية منطقتي الجوف وحائل في كتب الرحالة‬ ‫‪ 21‬حي الدرع بدومة الجندل‪ /‬طبعة ثانية‬ ‫‪ 22‬دومة الجندل من عصر ما قبل االسالم إلى نهاية‬ ‫العصر األموي‬ ‫‪ 23‬ظهور الخطوط الحديدية وآثارها في المشرق‬ ‫العربي‬ ‫‪ 24‬نقوش صفوية من شمالي المملكة العربية السعودية‬ ‫‪ 25‬بحوث في آثار منطقة الجوف‬ ‫‪ 26‬التنظيمات العسكريـة النبطية‬ ‫‪ 27‬تقويم أداء مديري مراكز التدريب المهني في‬ ‫المملكة العربية السعودية‬ ‫‪ 28‬رائحة الطفولة ‪/‬مجموعة قصصية‬ ‫‪ 29‬حروف وسنابل ‪/‬مجموعة قصصية‬ ‫‪ 30‬سامر والكتاكيت ‪/‬قصة أطفال‬ ‫‪ 31‬ريم والصياد ‪/‬قصة أطفال‬ ‫‪ 32‬مفاجأة ماجد ‪/‬قصة أطفال‬ ‫‪ 33‬أنا ألون‬ ‫‪ 34‬الحصاد الكتاب األول – الموسم الثقافي‪ 8 /‬أعداد‬ ‫‪ 35‬ما وراء الصناديق السيادية تحويل االقتصاد الريعي‬ ‫وتحسين مستوى األداء‬ ‫‪ 36‬تداول النفط في األسواق المالية‬ ‫‪ 37‬المملكة العربية السعودية والسوق العالمية للنفط‬ ‫‪ 38‬ديناميات الطلب العالمي على النفط محددات‬ ‫ومسائل‬ ‫‪ 39‬اإلسالم والحداثة والجدل الدائر حول الحجاب في‬ ‫تركيا‬ ‫‪ 40‬مسلمو الهوي الصينيون في يونن‬ ‫‪ 41‬االقتصاد السياسي‪ :‬عودة الى السبعينيات‬ ‫‪ 42‬المسافرون الموسميون قباطنة الخليج والتجار‬ ‫األمراء في عالم المحيط الهندي‬ ‫‪ 43‬وثائق من الغاط (‪ 6‬مجلدات)‬ ‫‪ 44‬الهيئات الخيرية السعودية بعد أحداث ‪ 11‬سبتمبر‬ ‫اآلثار وسبل تجاوزها‬ ‫‪ 45‬نحو تنمية سياحية في محافظة الغاط‬

‫‪101‬‬


‫‪ 46‬مجلس الشورى قراءة في تجربة تحديثه‬ ‫‪January 2017‬‬ ‫واآللية المناسبة‬ ‫‪ 47‬ملكيات المزارع القديمة بالغاط‬ ‫الستثمارها من النواحي الشرعية‬ ‫‪ 48‬عوامل الهجرات السكانية إلى مكة المكرمة خالل‬ ‫العصر العثماني‬ ‫‪ 49‬مجلة الجوبة (ملف ثقافي – ‪ 56‬عددا‬ ‫‪ 50‬مجلة أدوماتو ( صدر منها ‪ 36‬عدداً)مجلة‬ ‫متخصصة في الدراسات اآلثارية‬ ‫‪ 51‬آثار المملكة إنقاذ ما يمكن إنقاذه‬ ‫‪ 52‬اإلدارة المحلية والتنمية‬ ‫‪ 53‬النظام الصحي في المملكة العربية السعودية‬ ‫‪ 54‬صحارى شمالي الجزيرة العربية حدودها وسكانها‬ ‫ومستوطناتها‪.‬‬ ‫‪ 55‬التجربة الشورية في المملكة العربية السعودية بين‬ ‫االطار والتطوير‬ ‫‪ 56‬الشعر العربي ‪/‬ندوة‬ ‫‪ 57‬الشعر النبطي ‪/‬ندوة‬ ‫‪ 58‬الدالالت االنثروبولوجية عند شعراء من الجوف‬ ‫‪ 59‬عناصر عمارة الغاط التاريخية دراسة وتحليل‬ ‫‪ 60‬رحْ ل ُة التّغيُّـرِ في الديرة‬ ‫‪ 61‬النـوازل والفتن وآثارهــا فـي بـالد الحجــاز‬ ‫‪ 62‬الغبار المتراكم والعالق في مدينة سكاكا‬ ‫‪ 63‬الطائر المهاجر ‪/‬ديوان شعر‬ ‫‪ 64‬اإلعالم اليوم ‪ ..‬عالم بال حواجز‬ ‫‪ 65‬نموذج قياس هيكلي القتصاد المملكة العربية السعودية‬ ‫‪ 66‬أنماط اإلنفاق لدى األسر السعودية في الجوف‬ ‫‪ 67‬العوامل االجتماعية ألنماط الزواج‬ ‫‪ 68‬الغاط في عيون المصورين‬ ‫‪ 69‬تقدير تدفق الذروة لشبكة التصريف المائي‬ ‫السطحي في محافظة الغاط‬ ‫‪ 70‬األبعاد اإلنسانية في الفكر التربوي العربي اإلسالمي‬ ‫‪ 71‬تاريخ القاضي‬ ‫‪ 72‬التعلم اإللكتروني في تدريس الرياضيات‬ ‫‪ISSUE No. 35‬‬

‫العدد اخلامس والثالثون ‪ -‬ربيع اآلخر ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬

‫مجلة أدوماتو‬

‫‪January 2017‬‬

‫‪ ‬مجلة ثقافية أدب��ي��ة رب��ع سنوية‪ ،‬تتيح‬ ‫ألبناء وبنات الجوف والغاط نشر إبداعاتهم‪،‬‬ ‫وتوفر فرصة لالحتكاك مع الكتاب واألدباء‬ ‫السعوديين والعرب‪ .‬صدر من المجلة حتى‬ ‫ال��ع��ام ‪ )56( 2017‬عدداً‪ .‬و«الجوبة» من‬ ‫األسماء التي كانت تُطلق على منطقة الجوف‬ ‫سابقاً‪.‬‬

‫‪ISSUE No. 35‬‬

‫مجلة الجوبة‬

‫العدد اخلامس والثالثون ‪ -‬ربيع اآلخر ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬

‫بالمملكة‪ .‬وللمجلة هيئة استشارية مكوّنة من‬ ‫مجموعة من خيرة األساتذة المتخصصين‬ ‫في األثار والتاريخ والعلوم االجتماعية على‬ ‫مستوى العالم‪ .‬وقد صدر منها حتى العام‬ ‫‪ )36( 2017‬ع����ددًا‪ .‬وأدوم��ات��و ه��و االس��م‬ ‫القديم لدومة الجندل بالجوف‪.‬‬ ‫وقد القت اهتماماً ملحوظاً في مختلف‬ ‫األوس������اط ال��ع��ل��م��ي��ة ف���ي داخ����ل الممكلة‬ ‫وخارجها‪ ،‬وأصبح لها روا ٌد من المتخصصين‬ ‫والمهتمين بآثار الجزيرة العربية والوطن‬ ‫ال��ع��رب��ي‪ ،‬وص���ارت تحظى باهتمام معظم‬ ‫الجامعات العربية والعالمية ومراكز البحث‬ ‫العلمي الغربية‪.‬‬ ‫المنتديات‬

‫منتدى األم��ي��ر عبدالرحمن ب��ن أحمد‬ ‫م��ج��ل��ة ن��ص��ف س��ن��وي��ة‪ ،‬م��ح��كّ��م��ة‪ ،‬تُعنى‬ ‫السديري‪ ‬للدراسات السعودية‬

‫‪102‬‬

‫باألبحاث الخاصة بآثار الوطن العربي ‪-‬‬ ‫واحد من أبرز فعاليات مركز عبدالرحمن‬ ‫وتشرف على إص��دار المجلة هيئة تحرير‬ ‫أكاديمية من أساتذة اآلث��ار في الجامعات السديري الثقافي‪ ،‬يقام سنوياً بالتناوب بين‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫وقد أقيم حتى اآلن عشرة منتديات على‬ ‫مدى عشرة أعوام‪ ،‬هي‪:‬‬ ‫‪.1‬‬ ‫‪.2‬‬ ‫‪.3‬‬ ‫‪.4‬‬

‫ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ‬

‫الجوف وال��غ��اط‪ .‬أقيمت دورت��ه األول��ى في‬ ‫الغاط في العام ‪2007‬م‪ .‬يتناول المنتدى‬ ‫موضوعات ذات أهمية على مستوى الوطن؛‬ ‫ثقافية‪ ،‬واجتماعية‪ ،‬وسياسية‪ ،‬واقتصادية‪.‬‬ ‫ول���ه هيئة خ��اص��ة ت��ش��رف عليه‪ .‬يدعى‬ ‫للمشاركة فيه متخصصون وب��اح��ث��ون من‬ ‫داخل المملكة وخارجـها‪.‬‬

‫السعودية (‪1431‬هـ‪2010/‬م)‪.‬‬ ‫‪5 .5‬اإلدارة المحلية والتنمية (‪1433‬هـ‪2011/‬م)‪.‬‬ ‫‪6 .6‬آث����ار ال��م��م��ل��ك��ة‪ :‬إن���ق���اذ م���ا ي��م��ك��ن إن��ق��اذه‬ ‫(‪1434‬هـ‪2012/‬م)‪.‬‬ ‫‪7 .7‬اإلع����ل���ام ال�����ي�����وم‪ :‬ع����ال����م ب��ل�ا ح���واج���ز‬ ‫(‪1435‬هـ‪2014/‬م)‪.‬‬ ‫‪8 .8‬م��دي��ن��ة وع����د ال���ش���م���ال‪ ..‬وال��م��س��ؤول��ي��ة‬ ‫االجتماعية (‪1436‬هـ‪2014/‬م)‪.‬‬ ‫‪9 .9‬اإلسكان الواقع واآلفاق (‪1437‬هـ‪2015 /‬م)‪.‬‬ ‫‪1010‬ال��م��اء ف��ي ال��م��م��ل��ك��ة‪ ..‬ال���واق���ع و الحلول‬ ‫(‪1438‬هـ‪2016 /‬م)‪.‬‬

‫‪1‬الهيئات الخيرية السعودية بعد أح��داث‬ ‫ال��ح��ادي عشر م��ن سبتمبر‪ :‬اآلث���ار وسبل‬ ‫منتدى منيرة بنت محمد الملحم‬ ‫تجاوزها (‪1428‬هـ‪2007/‬م)‪.‬‬ ‫لخدمة المجتمع‬ ‫‪2‬األزم��ة المالية العالمية وتداعياتها على‬ ‫االقتصاد السعودي (‪1429‬هـ‪2008/‬م)‪.‬‬ ‫يقام سنوياً في دار الرحمانية بالغاط‪ ،‬وله‬ ‫‪3‬النظام القضائي السعودي‪2009/1430( .‬م)‪ .‬هيئة منظمة تضم عدداً من المهتمات بالشأن‬ ‫‪4‬ال��ن��ظ��ام ال��ص��ح��ي ف���ي ال��م��م��ل��ك��ة ال��ع��رب��ي��ة‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪103‬‬


‫الثقافي واالجتماعي في المجتمع المحلي‪.‬‬ ‫وتشمل فعالياته ن��دوة تتناول موضوعاً ذا‬ ‫أهمية على مستوى الوطن‪ ،‬يدعى للمشاركة‬ ‫فيها نخبة م��ن المتخصصات ف��ي مجال‬ ‫الندوة‪ .‬‬

‫ويشارك فيه عدد من المفكرين والباحثين‬ ‫والمهتمين من المملكة العربية السعودية‬ ‫وجميع دول العالم‪ .‬عقد منه حتى اآلن ثالث‬ ‫عشرة دورة‪ ،‬ناقش فيها موضوعات منها‪:‬‬ ‫«الهوية السعودية»؛ و«سياسية إي��ران في‬ ‫المنطقة»؛ و«الطفرات والهزات االقتصادية‬ ‫في المنطقة»؛ و«حاضر ومستقبل الطاقة‬ ‫وسياساتها في المملكة العربية السعودية»؛‬ ‫و«اإلس�ل�ام وال��ح��داث��ة»؛ و«الربيع العربي»؛‬ ‫و«ال��ص��ح��وة ال��ع��رب��ي��ة»‪ ،‬و«آس��ي��ا وال��ج��زي��رة‬ ‫العربية»‪ ،‬و«وس��ائ��ل التواصل االجتماعي‬ ‫وآثارها في العالم العربي»‪.‬‬

‫منتدى الرحمانية السنوي‬

‫منتدى أدوماتو‬

‫وقد أقيم حتى اآلن تسعة منتديات على‬ ‫مدى عشرة أعوام‪ ،‬من موضوعاته‪« :‬أهمية‬ ‫االكتشاف المبكر لسرطان الثدي»؛ و«تعليم‬ ‫البنات بين الواقع وال��م��أم��ول»؛ و«أساليب‬ ‫كسب األب��ن��اء وتوجيه سلوكهم»؛ و«م��رض‬ ‫الزهايمر»؛ و«ذوو االحتياجات الخاصة بين‬ ‫التحدي والحقوق» و«العنف األسري»‪.‬‬ ‫يناقش المنتدى ال��ش��ؤون االجتماعية‬ ‫واالقتصادية والعالقات الدولية‪ ،‬ذات الصلة‬ ‫بالمملكة العربية السعودية‪ ،‬تنظم المنتدى‬ ‫دا ُر الرحمانية بالغاط بالتنسيق مع جامعة‬ ‫برنستون ب��ال��والي��ات المتحدة األمريكية‪،‬‬

‫‪104‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫ملتقى يجمع العلماء المختصين في‬ ‫الدراسات اآلثارية‪ ،‬يعقد كل خمس سنوات‪.‬‬ ‫تركز محاور الندوة على الحضارة العربية‬ ‫عبر ال��ع��ص��ور؛ م��ن خ�لال تسليط الضوء‬ ‫على نتائج االكتشافات في موضوع الندوة‬ ‫المحدد‪ ،‬إضافة إل��ى إب��راز دور التقنيات‬


‫ومن الموضوعات التي تناولها المنتدى‪:‬‬ ‫«ال��م��دي��ن��ة ف��ي ال��وط��ن ال��ع��رب��ي ف��ي ض��وء‬ ‫االك��ت��ش��اف��ات اآلث��اري��ة ال��ن��ش��أة وال��ت��ط��ور»؛‬ ‫و«اإلن��س��ان والبيئة في الوطن العربي في‬ ‫ضوء االكتشافات اآلث��اري��ة»‪ .‬ومن المنتظر‬ ‫أن تعقد ال���دورة الثالثة في العام المقبل‬ ‫بعنوان‪« :‬المياه في الوطن العربي في ضوء‬ ‫االكتشافات اآلثارية»‪.‬‬ ‫االبتعاث‬ ‫من البرامج التي نفّذتها إدارة المركز‪،‬‬ ‫ب��رن��ام��ج اب��ت��ع��اث ب��اس��م (ج���ائ���زة األم��ي��ر‬ ‫عبدالرحمن ب��ن أحمد ال��س��دي��ري للتفوق‬ ‫ال��ع��ل��م��ي)‪ .‬وب��ل��غ ع���دد ال��ط�لاب ال��ف��ائ��زي��ن‬ ‫بالجائزة حتى عام ‪1431‬هـ ‪2010/‬م (‪)22‬‬ ‫طالبا وطالبة م��ن ال��ج��وف وال��غ��اط‪ .‬وبناء‬ ‫على اقتراح أعضاء الجمعية العامة بتحويل‬ ‫ال��ط�لاب المبتعثين ض��م��ن ال��ج��ائ��زة إل��ى‬ ‫برنامج خادم الحرمين الشريفين لالبتعاث‬ ‫ال���خ���ارج���ي‪ ،‬ج���رت م��ت��اب��ع��ة ض���م ال��ط�لاب‬ ‫المبتعثين بالجائزة إل��ى ذل��ك البرنامج‪.‬‬ ‫وقد تخرج أغلب المبتعثين وأكمل بعضهم‬ ‫الدراسات العليا (الماجستير والدكتوراه)‪.‬‬

‫جامع الرحمانية‬ ‫تحقيقاً لرغبة ال��م��ؤس��س‪ ،‬ق��ام مجلس‬ ‫اإلدارة بإنشاء جامع الرحمانية في حرم‬ ‫ال��م��رك��ز‪ .‬وق���د اف��تُ��ت��ح ب��إق��ام��ة أول ص�لاة‬ ‫جمعة فيه ي��وم الجمعة الموافق للعشرين‬ ‫م��ن شهر ذي الحجة م��ن ال��ع��ام ‪1415‬ه���ـ‬ ‫(‪1995‬م)‪ ،‬وه��و يتسع أللفين وخمسمائة‬ ‫مُصلٍّ ‪ ،‬ويُستخدم في الجامع نظام تبريد‬ ‫طبيعي يقوم على استخدام أبراج التبريد‪،‬‬ ‫وه��و مطور من األسلوب التقليدي القديم‬ ‫المعروف في منطقة الخليج العربي‪ .‬ويُع ّد‬ ‫جامع الرحمانية أول مبنىً عا ّماً على مستوى‬ ‫العالم يتم تكييفه بهذا األسلوب؛ لذا‪ ،‬صار‬ ‫مقصداً للباحثين والمهتمين لالطالع على‬ ‫هذه التجربة الفريدة ودراستها‪.‬‬

‫ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ‬

‫ال��م��ي��دان��ي��ة ال��ح��دي��ث��ة‪ ،‬وم��ن��اق��ش��ة ع���دد من‬ ‫القضايا العلمية في المجال اآلث��اري‪ .‬كما‬ ‫تهدف ال��ن��دوة إل��ى إث���ارة ال��وع��ي بالقضايا‬ ‫األثرية التي تدعم إعادة كتابة التاريخ على‬ ‫أس��س تعتمد الحقائق العلمية ب���دالً من‬ ‫االعتماد على األساطير‪ .‬‬

‫ت��م ع���رض ه���ذه ال��م��ج��م��وع��ات ف��ي متحف‬ ‫عبدالرحمن السديري بدار العلوم وفي فندق‬ ‫النزل‪ .‬وسيصدر قريبا ضمن برنامج النشر‬ ‫بالمركز كتاب يوثق هذه المجموعة التراثية‪.‬‬

‫فندق النزل‬

‫كانت ل��دى المؤسس رغبة قوية بوجود‬ ‫فندق متميّز في منطقة ال��ج��وف‪ ،‬لخدمة‬ ‫زواره��ا ولتشجيع حركة السياحة إلى هذه‬ ‫المنطقة الغنيّة بالمواقع األث��ري��ة ف��ي كل‬ ‫أرجائها؛ فقرر مجلس اإلدارة إنشاء الفندق‬ ‫باإلمكانات المتاحة لمؤسسة عبدالرحمن‬ ‫ال��س��دي��ري‪ ،‬إن��ف��اذاً لتلك ال��رغ��ب��ة‪ ،‬وتمشياً‬ ‫المجموعة التراثية الجوفية‬ ‫مع توجّ هات األمير عبدالرحمن السديري‬ ‫تضم مجموعة قيّمة من القطع األثرية باالستثمار ف��ي بعض المرافق األساسية‬ ‫�لا ت��م إنشاء‬ ‫والتراثية القيّمة من منطقة الجوف‪ ،‬وقد المطلوبة ف��ي المنطقة‪ .‬وف��ع ً‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪105‬‬


‫فندق النزل‬

‫مدارس الرحمانية‬ ‫تمشياً مع أهداف مؤسسة عبدالرحمن‬ ‫السديري‪ ،‬افتتحت روض��ة الرحمانية في‬ ‫العام ‪1407‬هـ (‪1986‬م)؛ وبطلب من أولياء‬ ‫أم��ور ال��ط�لاب‪ ،‬افتتحت م��درس��ة ابتدائية‬ ‫للبنين وأخرى للبنات عام ‪1410‬هـ (‪1989‬م)‪.‬‬ ‫واس��ت��م��رت ال��م��درس��ت��ان ب��ال��ت��وس��ع‪ ،‬حتى‬ ‫استكملت فصول مدارس المرحلة الثانوية‬

‫ال��ف��ن��دق‪ ،‬وب��دأ أعماله ف��ي ال��ع��ام ‪1415‬ه��ـ‬ ‫(‪1995‬م)‪ .‬‬ ‫ص��م��م ف��ن��دق ال��ن��زل وف���ق أس��ل��وب م��زج‬ ‫ُ‬

‫ال��ت��راث المعماري لحوض البحر األبيض‬

‫للبنين والبنات‪ .‬وتخرج أول فوج من مدارس‬ ‫البنين في العام ‪2001‬م ومن مدارس البنات‬ ‫في العام ‪2002‬م‪.‬‬ ‫وم��ا ت���زال م���دارس الرحمانية تواصل‬

‫المتوسط م��ع النمط المعماري الجوفي العطاء من أجل خدمة أبناء وبنات الجوف‬ ‫والنجدي والخليجي؛ فظهر بشكله المعماري في كافة المراحل ابتدا ًء من الروضة وحتى‬ ‫الجاذب‪ ،‬الذي بات من المعالم المعمارية المرحلة الثانوية‪ .‬وتوفر مدارس الرحمانية‬

‫المتميّزة في مدينة سكاكا‪ .‬‬

‫للتالميذ أحدث الوسائل التعليمية الالزمة‪.‬‬

‫مبادرات ريادية للمؤسس‬ ‫ ‬ ‫ ‬

‫ ‬

‫ ‬

‫‪106‬‬

‫•سباق الهجن‪ ،‬وهو أول سباق منظم يقام في‬ ‫من مدارس الجوف في مختلف المراحل‪.‬‬ ‫المملكة‪ ،‬أقيم في العام ‪1383‬هـ‪1963/‬م‪• .‬أسبوع الجوف‪ ،‬هو مهرجان ثقافي وتراثي؛‬ ‫•م��ع��رض ال��س��ج��اد المحلي‪ ،‬أقيمت أول‬ ‫يهدف إلى تنمية اإلبداعات والمبادرات‬ ‫جائزة للسجاد المحلي في العام ‪1385‬هـ‬ ‫المحلية‪ ،‬وإذكاء روح المنافسة بين أبناء‬ ‫‪1965/‬م‪.‬‬ ‫المنطقة‪ ،‬وتشمل فعالياته‪ :‬سباق الهجن‪،‬‬ ‫•مسابقة ال��م��زارع��ي��ن‪ ،‬وق��د أقيمت أول‬ ‫ومسابقة المزارعين‪ ،‬ومعرض السجاد‬ ‫مسابقة محكمة للمزارعين ف��ي العام‬ ‫المحلي‪ ،‬وقد أقيم أول مهرجان في العام‬ ‫‪1393‬هـ‪1973 /‬م‪.‬‬ ‫‪1385‬ه����ـ‪ ،‬وق��د م�� َّث��ل ال��م��ه��رج��ان فرصة‬ ‫•جوائز التفوق العلمي‪ ،‬وهي جوائز مالية‬ ‫للتعريف بالجوف وتراثها‪ ،‬وحقق التواصل‬ ‫تقدم للمتفوقين من الطالب والطالبات‬ ‫بينها وبين باقي مناطق المملكة‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ‬

‫األمير عبدالرحمن السديري‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬

‫ ‬

‫•ولد في الغاط في العام ‪1338‬هـ (‪١٩١٩‬م)‪ .‬‬ ‫•أمير الجوف من العام ‪1362‬هـ إلى العام‬ ‫‪1410‬هـ (‪1990-1943‬م)‪.‬‬ ‫•أسس أول مكتبة عامة في منطقة الجوف‪،‬‬ ‫عام ‪1385‬هـ (‪1965‬م)‪.‬‬ ‫•أس��س أول مكتبة نسائية ف��ي المملكة‬ ‫ ‬ ‫العربية السعودية‪.‬‬ ‫•أس��س مؤسسة عبدالرحمن السديري‬ ‫الخيرية في العام ‪1403‬هـ (‪1983‬م)‪.‬‬ ‫•ش��اع��ر‪ ،‬ول��ه دي���وان ب��ع��ن��وان‪« :‬القصائد»‬ ‫ ‬ ‫صدر في العام ‪1403‬هـ (‪1983‬م)‪.‬‬ ‫•م��ؤل��ف لمرجع مهم ع��ن ت��اري��خ منطقة‬ ‫الجوف بعنوان‪« :‬ال��ج��وف وادي النفاخ» ‬ ‫صدرت الطبعة األولى في العام ‪1406‬هـ‬ ‫(‪1986‬م)‪ ،‬والطبعة الثانية ف��ي العام‬ ‫‪14٢6‬ه��ـ (‪٢٠٠٥‬م)‪ ،‬والنسخة اإلنجليزية‬ ‫عام ‪١٤١٦‬هـ (‪١٩٩٥‬م)‪.‬‬ ‫•أقام أول سباق منظم للهجن‪ ،‬وأول معرض‬ ‫للسجاد المحلي‪ ،‬ومسابقة للمزارعين في ‬ ‫المملكة العربية السعودية‪.‬‬

‫•ك��رّس حياته لخدمة الوطن بشكل عام‬ ‫ومنطقة الجوف ومحافظة الغاط بشكل‬ ‫خ��اص‪ .‬وعمل على المستويين الرسمي‬ ‫والخاص لخدمة العلم والثقافة‪ ،‬وأطلق‬ ‫م��ب��ادرات ثقافية واجتماعية تعد نماذج‬ ‫يحتذى بها‪.‬‬ ‫•اقتصر تعليمه على ال��ك�� ّت��اب‪ ،‬لكنه‪ ،‬لم‬ ‫يتوقف عند ذل��ك‪ ،‬بل ظل يبذل جهوده‬ ‫لتنمية ثقافته وخبراته التي استثمرها في‬ ‫خدمة المجتمع‪.‬‬ ‫•م��ن ه��واي��ات��ه‪ :‬ت��رب��ي��ة ال��خ��ي��ول العربية‬ ‫األصيلة‪ ،‬واإلبل‪ ،‬وزراعة النخيل‪.‬‬ ‫•أص�����درت ال��م��ؤس��س��ة ك��ت��اب��اً ع���ن س��ي��رة‬ ‫مؤسسها بعنوان‪ :‬فصل من تاريخ وطن‬ ‫وس��ي��رة رج���ال‪ :‬عبدالرحمن ب��ن أحمد‬ ‫السديري أمير منطقة الجوف‪ ،‬تأليف‪:‬‬ ‫م��ج��م��وع��ة م���ن ال��ب��اح��ث��ي��ن‪ ،‬ت��ح��ري��ر‪ :‬د‪.‬‬ ‫عبدالرحمن الشبيلي‪١٤٢٨ ،‬هـ (‪٢٠٠٧‬م)‪.‬‬ ‫•توفي ‪ -‬رحمه اهلل ‪ -‬في ‪1427 /2 /26‬هـ‬ ‫(‪2006 /3/26‬م)‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪107‬‬


‫بمق َدم الربيع‬ ‫الطبيعة تحتفي ْ‬ ‫‪ρρ‬راكان بصير الرويلي*‬

‫ما أن يغادر الشتاء ببرده الغارس‪ ..‬ويتوارى عن الكون بوجهه العابس‪ ..‬الذي‬ ‫غالبا ما يأتي على األخضر واليابس‪ ،‬حتى يطيب الجو‪ ،‬ويعتدل المناخ‪ ،‬ويهبط‬ ‫الربيع بطيفه الطلق‪ ،‬ومحيّاه الباسم العبق؛ فيلقي ب��ردائ��ه ال��داف��ئ على وجه‬ ‫األرض‪ ،‬فتتنفس الصعداء‪ ،‬وتنفرج أساريرها‪ ،‬ويغمرها فيض من الحبور والبهاء؛‬ ‫��دب في أوصالها ماء‬ ‫فتنتفض وتهتز من بعد رك��ود‪ ،‬وتنشط من بعد خمول‪ ،‬وي ُّ‬ ‫الحياة مجددا‪ ،‬بعد فترة كُ مون دام��ت شهورا‪ ،‬فتستعيد رونقها وتمضي مهرولة‬ ‫��اف ملونةٌ م��ن الخضرة وال��زه��ر البديع‪،‬‬ ‫الستقبال الحياة‪ ،‬يحف بموكبها أص��ن ٌ‬ ‫وتخضل جنباتها بكل نبت بهيج‪.‬‬ ‫ومنذ البدء‪ ..‬تبوأ الربيع في ديوان وفتنته المتبرجة‪ ،‬الشاعر‪« :‬إبراهيم‬ ‫الشعر العربي مكان ًة مرموقة‪ ،‬يلحظها ناجي»‪ ،‬إذ يقول مبتهجاً بحلول الفصل‬

‫المتابع بكل ج�ل�اء‪ ،‬تجلّت ف��ي شعر الجميل‪:‬‬

‫الشعراء القدامى منهم والمحدثين‪ ،‬م��رح��ى م��رح��ى ي��ا رب��ي��ع العام‬ ‫كقول أحدهم مرحبا بآذار باكورة شهور‬ ‫أش�����رقْ ف��دت��ك م���ش���ارق األي����ام‬ ‫الربيع‪:‬‬

‫آذار أق����ب����ل ق����م ب���ن���ا ي����ا ص���اح‬

‫‪108‬‬

‫بعد الشتاء وبعد طول عبوسه‬ ‫أرن������ا ب���ش���اش���ة ث���غ���رك ال��ب��س��ام‬

‫حيي ال��رب��ي��ع حديقة األرواح وابعث لنا ارج النسيم معطرا‬ ‫���ط���را ك����خ����واط����ر األي������ام‬ ‫م���ت���خ ّ‬ ‫وم��ن ال��ذي��ن ب��ه��روا ب��أج��واء الربيع‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫العبقة بأنفاس الربيع العطرة‪ ،‬بقوله‪:‬‬

‫أت�������اك ال����رب����ي����ع ي���خ���ت���ال ض��اح��ك��ا‬ ‫م��ن ال��ح��س��ن ح��ت��ى ك���اد أن يتكلما‬ ‫وقد نبه النيروز في غسق الدج ــى‬ ‫أوائ������ل ورد كُ �����نَّ ب���األم���س ن��ـ��ُـ��ـ��ـ��ـ��ـ�� ّوم��ا‬

‫والروض عن مائه الفضي مبتسم‬ ‫ك��م��ا ش��ق��ق��ت ع���ن ال���ل���ب���اب أط���واق���ا‬ ‫وه��ذا اب��ن “الرومي” يمعن النظر مليا‬

‫بعطايا اهلل تعالى ونعمه‪ ،‬التي منَّ بها على‬

‫ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ‬

‫ولم يغب هذا المشهد الشجي عن نواظر ول���ل���ن���س���ي���م اع����ت��ل�ال ف����ي أص���ائ���ل���ه‬ ‫ك�����أن�����ه رق ل������ي ف�����اع�����ت�����لَّ إش���ف���اق���ا‬ ‫الشاعر «البحتري» الذي يصف هذه األجواء‬

‫مخلوقاته المختلفة م��ن إن��س��ان وح��ي��وان‪،‬‬

‫فينشد مبتهجا‪:‬‬

‫ي��ف��ت��ق��ه��ا ب����رد ال��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ن��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��دى ف��ك��أن��ه‬ ‫ي������ا ح�����ب�����ذا ال�����ن�����رج�����س ري����ح����ان����ةً‬ ‫ي��ب��ث ح��دي��ث��ا ك ـ ـ ــان ق��ب��ل مكتم ــا‬ ‫�������وق وم�������ص�������ب�������وح ِ‬ ‫ألن������������ف م�������غ�������ب ٍ‬ ‫ف��م��ن ش��ج��ر رد ال��رب��ي��ع لباس ـ ـ ـ ـ ــه‬ ‫ك���������أن���������ه م�����������ن ط�������ي�������ب أرواح������������������ه‬ ‫عليه‪ ،‬كما ن��ش��رت وش��ي��ا منمن ـمــا‬

‫ورق نسيم ال��ري��ح حتى حسبت ـ ـ ــه‬

‫رُكِّ������������������بَ م��������ن َرو ٍْح وم�����������ن روح‬ ‫ونجد في هذه المقطوعة التي أتى بها «ابن‬

‫ي��ج��يء بأنفاس األحب ــة نعمـ ـ ـ ـ ـ ــا الرومي»‪ ،‬وقد تضمنت وصفا وافيا لمشهد‬

‫وه��ك��ذا ن��ج��د ان ال��ج��و ك��ل��ه ع��ن��د ه��ذا الدوح وما يتخلله من أنواع مختلفة من زنابق‬ ‫الطبيعة ورياحينها‪ ،‬وبتالت النرجس وزهره‪،‬‬ ‫الشاعر‪ ،‬جو يقظة ب��ادئ��ه‪ ..‬وتعبير مكنون‬ ‫وكأنها تشير بعينيها الناعسة وال تنطق‪،‬‬ ‫في النفس؛ فالربيع كاد أن يتكلما‪ ،‬والنيروز‬ ‫وتلمح وال تصرح ‪ ،‬فأتى كل لفظ في مكانه‪،‬‬ ‫نبه في غسق الدجى‪ ،‬أوائل ورد كن باألمس‬ ‫وجوُّه يوحي بإيقاعه ‪ ،‬كما يوحي بظله‪.‬‬ ‫نوّما‪ ،‬وبرد الندى يفتقها‪ ...‬إلخ‪.‬‬ ‫ثم يعيد الشاعر النظر ويمعن مليا في‬ ‫وال��ش��اع��ر ال��ع��رب��ي ف��ن��ان م��ب��دع‪ ،‬ورس��ام الطبيعة من حوله‪ ،‬فتبهره بمكوناتها الزاهية‪،‬‬ ‫موهوب‪ ..‬أدواته الكلمات‪ ،‬فعبّر بها عن ما ويجذبه سحرها األخ��اذ‪ ،‬فيجد فيها مادة‬ ‫رآه‪ ،‬وص���وّر م��ا ش��اه��ده‪ ،‬ووص��ف م��ا أح َّ‬ ‫��س خصبة تغريه بوصفها مجددا‪ ،‬والنفاذ منها‬

‫به‪ ،‬وهذا «ابن زي��دون» يصف معالم الكون إلى تأمالته الفكرية‪ ،‬وهو يرمقها بدهشة‪،‬‬ ‫الجذلة وهي تنعم بأفياء الربيع‪ ،‬بقوله‪:‬‬

‫فيقول‪:‬‬

‫م�����ن ك�����ل زاه��������ر ت�����رق�����رق ب���ال���ن���دى‬ ‫إن�������ي ذك��������رت ب�����ال�����زه�����راء م���ش���ت���اق‬ ‫واألفق طلق ووجه األرض قد راقا‬ ‫ف�����ك�����أن�����ه�����ا ع������ي������ن إل�������ي�������ك ت����ح����در‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪109‬‬


‫ت��ب��دو وي��ح��ج��ب��ه��ا ال��ج��ح��ي��م ك��أن��ه��ا‬ ‫ع��������������ذراء ت������ب������دو ت������������ارة وت���خ���ـ���ـ���ف���ر‬ ‫ح���ت���ى غ�����دت وه����دات����ه����ا ون���ج���اده���ا‬ ‫ف��ئ��ت��ي��ن ف���ي ح��ل��ل ال���رب���ي���ع تبختر‬

‫األرض ب��ي��ن م���دم���ج ومحـ ـ ـ ـ ـ ــلل‬ ‫وال��������روض ب���ي���ن م���ت���وج وم��ك��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ل��ل‬ ‫وال�����زه�����ر ب���ي���ن م�������ورد وم��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ورس‬ ‫وال��ن��ث��ر بين ممسك ومصنـ ـ ـ ـ ــدل‬

‫وإذا ك��ان��ت الطبيعة ب��ح��د ذات��ه��ا فتنة أه��ل�ا ب���أي���ام ال���رب���ي���ع وطيبه ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫أن�����س ال���خ���ل���ي���ع ون����زه����ة ال��م��ت��ب��ت��ل‬ ‫وس��ح��رًا‪ ،‬ف��إن الربيع يجليها ع��روس��ا في‬ ‫أرق م���ن ال�������ورود شم ـ ـ ــائال‬ ‫أبهج مفاتنها‪ ،‬حتى لتغدو جنة أرضية تخلب زم����ن ُّ‬ ‫األلباب وتستولي على القلوب‪ ،‬حيث ينشد‬

‫‪110‬‬

‫“ابن قائمة األنصاري»‪:‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫وأل���ذ م��ن ع��ص��ر الشب ـ ـ ـ ــاب األول‬ ‫حتى يقول‪:‬‬


‫ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ‬ ‫وك�����أن إح���داه���ن م���ن ن��ف��ح الصبــا‬ ‫فاعطف على وج��ه ال��زم��ان وحَ يـ ِّه‬ ‫خ���������ودا ت��ل��اع�����ب م����وك����ب���� ًا أت����راب����ه����ا‬ ‫وانظم إلى حسن الربيع المقبـ ـ ـ ـ ــل‬ ‫وهكذا نجد‪ ،‬أن للربيع في نفس العربي‬

‫وهكذا‪ ،‬نلمس أن الكثير من الشعراء قد‬

‫ال��ذي عانى ما عانى من ظالمة الصحراء عُنوا بوصف الطبيعة الحيَّة والمتحركة‪،‬‬ ‫وهجيرها الالفح‪ ،‬ال سيما في فصل الصيف وأضفوا عليها من سمات الجمال والروعة‬ ‫لم ُع شعرية متفرقة‪ ،‬أشارت إلى هذا الجانب الربيعية ما أضفوا‪ ،‬فصوّروها في لوحات‬ ‫من اهتمام الشعراء العرب‪ ،‬الذين تبادروا فنية ناطقة‪ ،‬وتغلغلوا في ضميرها‪ ،‬ونطقوا‬

‫في وصفه وأجملوا‪ ،‬فكان عند “البحتري” بلسانها أروع الحكم والعبر‪ ،‬ونقشوا أبدع‬ ‫الحلّي»‪،‬‬ ‫إنساناً يتكلم من حسنه‪ ،‬وزه��ره عند أبي الصور‪ .‬فهذا الشاعر «صفيِّ الدين ِ‬ ‫“تمام” يشبه القمر‪ ،‬واألغ��ص��ان عند “ابن‬

‫يصف الربيع‪ ،‬بقوله‪:‬‬

‫المعتز” ترقص وت��ش��رب وتسمع‪ ،‬والسرو خ��ل��ق ال��رب��ي��ع ع��ل��ى غ��ص��ون الب ــان‬ ‫���ل�ل�ا ف���واض���ل���ه���ا ع���ل���ى ال��ك��ث��ب��ـ��ـ��ـ��ان‬ ‫ح ً‬ ‫غ���وان ت�لاع��ب بعضها‬ ‫ٍ‬ ‫عند “الصنوبري”‪،‬‬ ‫بعضا‪ ،‬إذ يقول‪:‬‬

‫وال���س���رو ت��ح��س��ب��ه ال��ع��ي��ون غ��وان��ي��ا‬

‫ونمت ف��روع ال��دوح حتى صافحت‬ ‫ك���ف���ل ال���ك���ث���ي���ب ذوائ��������ب األغ���ص���ان‬

‫ق���د ش���مّ ���رت ع���ن س��وق��ه��ا أثوابه ـ ــا وتنوّعت بسط ال��ري��اض فزهره ــا‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪111‬‬


‫ف���ت���ب���اي���ن اإلش�����ك�����ال واألل��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��وان ف�������إذا ش���ك���ا ف���ال���ب���رق ق���ل���ب خ��اف��ق‬ ‫وإذا ب����ك����ى ف�����دم�����وع�����ه األم�����ط�����ار‬ ‫��ف‪ ،‬وأص��ف��ر فاقـ ــع‬ ‫م��ن أب��ي��ض ي��ق ُ‬ ‫������اف وأح����م����ر ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ان‬ ‫أزرق ص ٍ‬ ‫أو ٌ‬ ‫فقال ابن القيطرنة‪:‬‬ ‫والظل يسرق في الخمائل خطوه‬ ‫م������ن أج��������ل ذل��������ة ذا وع����������زة ه����ذه‬ ‫والغصن يخطر خطرة النشــوان‬ ‫ي��ب��ك��ي ال���غ���م���ام وت��ض��ح��ك األزه�����ار‬ ‫�����ص‬ ‫وك���أن���م���ا األغ����ص����ان س����وق رواق ٍ‬ ‫ق���د ق���يّ���دت ب��س�لاس��ل الريح ـ ـ ـ ــان خصوصية ن��ض��رة‪ ،‬روض��ة غ��ن��اء‪ ..‬وجماالً‬ ‫والشمس تنظر من خالل فروعها‬ ‫أخاذاً‪ ،‬ومادة إبداعية للشعر وعشاق الكلمة‬ ‫ن��ح��و ال��ح��دائ��ق ن��ظ��رة الغيـ ـ ـ ــران وال���ح���رف‪ ،‬فيسحرهم ب��ب��ه��ائ��ه ويبهرهم‬ ‫وي��ب��ق��ى ال��رب��ي��ع ب��م��ا ح��ب��اه ال��م��ول��ى من‬

‫بخضرته‪ ،‬وعندها تجود قرائحهم بأجزل‬

‫واألرض تعجب كيف تضحك‪ ،‬والحيا‬ ‫ي��ب��ك��ي ب���دم ٍ���ع دائ�����م الهم ـ ـ ـ ـ ـ ــالن ال��ع��ب��ارات ال��ش��اع��ري��ة‪ ،‬وأع����ذب األل��ح��ان‬ ‫وثمة حكاية تجر وراءه���ا أرب��ع��ة أبيات الموسيقية‪.‬‬

‫شعرية عن الربيع‪ ،‬رائعة المخبر‪ ،‬جميلة‬

‫هذا غيض من فيض عيون األدب العربي‪،‬‬

‫المظهر‪ ،‬ج��رت على لسان كل من الوزير وقليل من كثير مما قرضه الشعراء‪ ،‬عندما‬ ‫األندلسي «ابن القيطرنه» و«ابن سارة» في ت��ن��اول��وا ه���ذا ال��ف��ص��ل ب��أق�لام��ه��م الرطبة‬ ‫يوم ربيعي ممطر‪ ،‬ضحكت فيه األرض من وأسهبوا‪.‬‬ ‫عبوس السماء‪ ،‬واهتزت ورب��ت عند نزول‬ ‫ال��م��اء‪ ،‬ف��ت��ح��اورا ف��ي وص��ف ه��ذا المشهد‬

‫البديع‪ ،‬فقال ابن سارة‪:‬‬

‫ه������ذى ال���ب���س���ي���ط���ة ك����اع����ب أراده�������ا‬ ‫ح���ل���ل ال����رب����ي����ع‪ ،‬وح���ل���ي���ه���ا ال����ن����وار‬ ‫فقال ابن القيطرنة‪:‬‬

‫وك��������ان ه�������ذا ال����ج����و ف���ي���ه���ا ع���اش���ق‬ ‫ق�����د ش����ف����ه ال����ت����ع����ذي����ب واألض����������رار‬ ‫فقال ابن سارة‪:‬‬ ‫* سكاكا‪-‬الجوف‪.‬‬

‫‪112‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫المصادر‬

‫‪-1‬ال���م���رزوق���ي – ك��ت��اب األزم���ن���ة واألم��ك��ن��ة – دار‬ ‫المعارف – القاهرة‪1965 :‬م‪.‬‬ ‫‪ -2‬ابن قتيبة – كتاب األن��واء في مواسم العرب –‬ ‫القاهرة‪1956 :‬م‪.‬‬ ‫‪ -3‬إسماعيل شحاتة – الطبيعة في الشعر األموي‪-‬‬ ‫دمشق‪1987 :‬م‪.‬‬ ‫‪ -4‬إسماعيل العالم – الطبيعة في الشعر األندلسي‪-‬‬ ‫بيروت‪1998 :‬م‪.‬‬


‫نوارة حلرش*‬ ‫‪ρρ‬إعداد‪ّ :‬‬

‫كيف هو واقع المثاقفة العربية؟ ما المثاقفة‪ ،‬وما دواعيها وضوابطها‪ ،‬وما هي أهم وأكبر‬ ‫وأبرز إشكاالتها؟ وكذلك‪ ،‬ما هي أهم تمظهراتها في زمن وحيز العولمة الالمحدود؟ وما‬ ‫هي األبعاد الحقيقية للمثاقفة على المستوى اإلنساني‪ ،‬المعرفي‪ ،‬الحضاري والثقافي‬ ‫على مدار الجغرافيات العربية عموما؟‬

‫ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ‬

‫واقع المثاقفة العربية وإشكاالتها‬

‫«الجوبة»‪ ،‬فتحت ملف «المثاقفة العربية»‪ ،‬مع أكثر األكاديميين والباحثين المشتغلين‬ ‫في حقلها‪ .‬والملف بشكل ع��ام محاولة للفت االنتباه إل��ى مركزية مصطلح «المثاقفة»‬ ‫في واق��ع الفعل الثقافي العربي وتاريخه‪ .‬وض���رورة الوعي بمفهوم المثاقفة وفلسفتها‪،‬‬ ‫والتعريف بها وبمصطلحها أكثر‪.‬‬ ‫عبدالملك بومنجل‬

‫مدير مخبر المثاقفة العربية‬ ‫في األدب ونقده بجامعة سطيف‪ /‬الجزائر‬

‫المثاقفة العربية اليوم ال تكاد تخرج‬ ‫عن استعارة األزياء والمرجعيات‬ ‫عندما نتمثل المثاقفة في بُعديها اللغوي‬ ‫والفلسفي تفاعال بين الثقافات والحضارات‪،‬‬ ‫وت���ب���ادال ف��ي األخ����ذ وال��ع��ط��اء للمنجزات‬ ‫المعرفية والفنية والعلمية‪ ،‬وننظر حال‬ ‫المثاقفة العربية اليوم‪ ،‬ال نرى ما يبعث على‬ ‫االطمئنان‪ ،‬وما يدل على أن لنا فعال في هذا‬ ‫العالم المتدفق بالمنجزات المعرفية والفنية‬ ‫والعلمية‪ ،‬ما ينفع منها وما يضر‪ ،‬ما يناسب‬ ‫ثقافتنا وبيئتنا وقيمنا وما ال يناسب‪.‬‬

‫عبدالملك بومنجل‬

‫تمحيص وال إرادة ت��ح��رر‪ ،‬م��ع أن‬ ‫ٍ‬ ‫ح��ري�� َة‬ ‫الحرية مكفولة لنا‪ ،‬وال شيء يحرمنا منها‬ ‫سوى أنفسنا ذاتها‪ ،‬وما يسكنها مما سماه‬ ‫المفكر الجزائري مالك بن نبي «القابلية‬ ‫ب��ل ن��رى عولمة ق��اه��رة ال نملك إزاءه��ا لالستعمار!»‪.‬‬

‫* شاعـرة وإعالمية من الجـزائــر‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪113‬‬


‫نرى أ ُممًا تنتج المعرفة صحيحة وزائفة‪،‬‬ ‫والقي َم موجبة وسالبة‪ ،‬واألزي���ا َء الثقافية‬ ‫المختلفة جميلة وقبيحة‪ ،‬ون���رى العرب‬ ‫ي��ك��ادون يكتفون باستعارة ه��ذه المعارف‬ ‫والقيم واألزي��اء‪ ،‬استعارة خالية من التأمل‪،‬‬ ‫ع��اري��ة ع��ن التبصر‪ ،‬مفرط ًة ف��ي التقليد‪،‬‬ ‫عاجزة عن اإلبداع‪ ،‬في الفكر والفلسفة‪ ،‬كما‬ ‫في األدب والنقد‪ ،‬والفن والترجمة‪ ،‬وعلوم‬ ‫اآللة وعلوم اإلنسان‪.‬‬ ‫أس��م��اء أع�لام الفلسفة واألدب والنقد‬ ‫تمأل أسماعنا وكُتبنا وبحوثنا ومحاضراتنا‪،‬‬ ‫ومذاهب األدب الغربي ومناهج نقده تغزو‬ ‫أدبنا ونقدنا ومقرراتنا وبرامجنا‪ ،‬وتفرض‬ ‫سيطرتها على م��دارك��ن��ا وأذواق���ن���ا ونمط‬ ‫تصورنا لألدب والفلسفة واإلنسان والوجود‪.‬‬ ‫والعلوم والمضامين والمناهج ذات النشأة‬ ‫الغربية والحمولة الثقافية الغربية تمتد في‬ ‫مقرراتنا الجامعية على حساب الضروري‬ ‫من العلوم العربية التي تُــنمي في المُتعلم‬ ‫رص��ي��ده ال��ل��غ��وي وال���ذوق���ي‪ ،‬وتشكل كيانه‬ ‫الحضاري معرفة ووج��دان��ا‪ ،‬وتمنحه لونه‬ ‫المتميز المستقل‪ ،‬وتملؤه بما ي��واج��ه به‬ ‫ال��م��ع��ارف والثقافات بوعي ورش��د وق��درة‬ ‫على التمحيص والغربلة‪ .‬وقصارى جهود‬ ‫جُ ّل باحثينا أن يتمثلوا ما ينتجه الغرب من‬ ‫نظريات ومناهج‪ ،‬ويحسنوا نقلها إلى القارئ‬ ‫أو المتعلم العربي –وق ّل أن يحسنوا ذلك‪-‬‬ ‫مع شيء من محاولة التكييف لما ال يُك ّيًف‪،‬‬ ‫وكثير من محاوالت التزييف لحقائق التاريخ‬ ‫اإلسالمي والمنظومة المعرفية والذوقية‬ ‫العربية!‬

‫‪114‬‬

‫ضعف نفسي قبل أن يكون ضعفا معرفيا‬ ‫أو م��ادي��ا‪ .‬إنّ إيماننا بذواتنا ضمر حتى‬ ‫أوشكنا أن نعتقد أنه ليس لنا ذوات‪ ،‬ليس لنا‬ ‫هوية‪ ،‬وال حضارة‪ ،‬وال عقل مبدع‪ ،‬وال حق‬ ‫في االختالف واإلبداع‪ ،‬وحتى صرنا نعامل‬ ‫أنفسنا بما يمليه علينا اعتقاد غيرنا فينا‪:‬‬ ‫أمة بيانية ال برهانية‪ ،‬إيمانية ال عقالنية‪،‬‬ ‫وظاهرة صوتية ال عملية!‬ ‫وعندما يكون المثقف‪ ،‬المفكر‪ ،‬الباحث‪،‬‬ ‫واقعا في ه��ذه المثاقفة السلبية‪ ،‬مثاقفة‬ ‫االس��ت�لاب وال��ت��ب��ع��ي��ة‪ ،‬ف��إن��ن��ا ال نطلب من‬ ‫المجتمع أن يتماسك في وجه ما تتدفق به‬ ‫وسائل التواصل من القيم الثقافية السلبية‪،‬‬ ‫وأن��م��اط التفكير وال��س��ل��وك ذات الصبغة‬ ‫ال��م��ادي��ة االستهالكية‪ .‬إن مجتمعنا يُفرغ‬ ‫شيئا فشيئا من قيمه الروحية واألخالقية‬ ‫واالجتماعية‪ ،‬ول��وال مصاد ُر ال تنضب من‬ ‫القيم الروحية يظل الدين يحرسها‪ ،‬لبلغ بنا‬ ‫األمر أسوأ مما نحن فيه‪.‬‬

‫ومع هذا‪ ،‬فإنّ حالة من الصحو ومراجعة‬ ‫المسار تلوح في األفق اآلن‪ ،‬وتبشر بقرب‬ ‫انطالق مشروع التحرر من هيمنة ثقافة‬ ‫اآلخر‪ .‬إن ما كتبه في النقد عبدالعزيز حمودة‬ ‫في ثالثيته‪ ،‬وعبداهلل إبراهيم في «المركزية‬ ‫الغربية» و»الثقافة العربية والمرجعيات‬ ‫المستعارة» وسعد البازعي في «استقبال‬ ‫اآلخر»‪ ،‬وما كتبه ويكتبه في الفكر والفلسفة‬ ‫عبدالوهاب المسيري وط��ه عبدالرحمن‬ ‫وغيرهما‪ ،‬يُبشر بفجر االستقالل الفكري‪،‬‬ ‫وال��رش��د ال��ح��ض��اري‪ ،‬وم��ب��اش��رة الخطوات‬ ‫األولى في طريق المثاقفة الواعية الراشدة‬ ‫إ ّن��ه��ا إشكالية عولمة يفرضها القوي التي تقوم على ثنائية األصالة في اإلبداع‬ ‫ويقبلها الضعيف‪ .‬وإنّ الضعف هنا هو واإلفادة من الحكمة اإلنسانية‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ‬

‫عمر بوقرورة‬

‫رئيس قسم اللغة العربية وآدابها‬ ‫كلية الدراسات اإلسالمية والعربية بدبي‬

‫المثاقفة المتداولة في الراهن العربي‬ ‫ال تخفي واقع الحال الذي يدل على‬ ‫السقوط المعرفي‬ ‫نُركز في اإلجابة هنا على واقعية منهجية‬ ‫يفرضها الراهن المعرفي والحضاري في‬ ‫العالم العربي‪ ،‬هذا الراهن ال��ذي نؤكد به‬ ‫أن المثاقفة المتداولة في الراهن المعرفي‬ ‫العربي يجب أال تخفي واقع الحال الذي يدل‬ ‫حقيقة على السقوط المعرفي‪ ،‬وعلى عجز‬ ‫النخب الثقافية عن إنتاج آليات معرفية‬ ‫ومنهجية ق���ادرة على التفاعل م��ع اآلخ��ر‬ ‫المركب ال��ذي هو آخر األن��ا وآخ��ر اآلخ��ر!!‬ ‫من خالل النقد والتحليل والمراجعة‪ ،‬هذا‬ ‫في أسوأ األحوال أو في أوسطها؛ ذلك ألن‬ ‫الجيّد أن ننتج ما يُقوي عناصر الخصوصية‪،‬‬ ‫ويجعلها قادرة على صنع أسئلة المثاقفة ال‬ ‫استعارتها‪.‬‬

‫عمر بوقرورة‬

‫وحضور سؤال الذات هنا مؤسس بالشرط‬ ‫الحضاري ال��ذي يعني أن يتجاور المبدع‬ ‫م��ع األزم��ن��ة الخاضعة لألمة ف��ي مسارها‬ ‫التطوري‪ ،‬وفي امتدادها التاريخي الماثل في‬ ‫انزياحات حضارية كبرى تؤول إلى متغيرات‬ ‫يجب أن يعيها كل من أراد أن يمارس الكتـابة‬ ‫بصيغ األم��ة‪ ،‬إن الحاجة ماسة إل��ى إقبال‬ ‫الجامعيين بصفة خاصة على مثاقفة بنيتها‬ ‫النقد الذاتي الذي يمنحهم سلطة التعامل‬ ‫اإليجابي مع المناهج والمعارف الوافدة من‬ ‫الشرق أو من ال��غ��رب‪ ،‬ذل��ك التعامل الذي‬ ‫يبعدهم يقينا عن المعيارية التي يرون بها‬ ‫إن أي حديث عن المثاقفة إنّما يمر عبر‬ ‫اآلخر نموذجا حتميا ال مجال لمناقشته‪.‬‬ ‫سؤال الذات المؤيد بسؤال المرجع الخاص‬ ‫ومع حضور ال��ذات الواعية نذكر أيضا‬ ‫الخاضعة لكينونة معرفية واعية‪ ،‬فحضور‬ ‫الذات في مقاربة المثاقفة واجب‪ ،‬وغيابها أن الخوض في معالم المثاقفة ومفاهيمها‬ ‫إنما يؤدي بالبحث في هذا المجال إلى أوهام وعناصرها في عالمنا العربي‪ ،‬ال يكون إال‬ ‫تحكمها نوستالجيا مرجعية غير قادرة على بملكية المرجع الخاص الذي يهب المثاقفة‬ ‫إنتاج فعل تثقيفي واع‪ ،‬كما يؤدي إلى نمذجة نفسها عناصر الخصوصية التي تجعلها‬ ‫اآلخر معرفيا وحضاريا‪ ،‬إذ تعمل المناهج خطابا معرفيا قائما على بنيات مقصدية‬ ‫والمعارف الوافدة على تشكيل سياج معياري نابعة من ذات المثاقف أوال‪ ،‬والملكية هنا‬ ‫هدفه االكتفاء بالوافد الذي ح ّل محل الذات قائمة على المحمول القيمي ال��ذي يمنح‬ ‫وأناب عنها في المشهد المعرفي في واقعنا‪ .‬خطاب المثاقفة خصوصيته التي تجعله‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪115‬‬


‫خطابا نِ�� ّدي��اً ق���ادرًا على التجاور والحوار‬ ‫والمشاركة والتفاعل‪.‬‬ ‫ففي عالم المعرفة‪ ،‬ال ب�� ّد أن نذكر أن‬ ‫بعض المفكرين وال��دارس��ي��ن والجامعيين‬ ‫العرب قد أثبتوا يقينا أنهم عاجزون عن‬ ‫إنتاج خطاب ثقافي قيمي ذي سند حضاري‬ ‫مشترك بينهم وبين المتلقي‪ ،‬وبينهم وبين‬ ‫مجتمعاتهم‪ ،‬وذل���ك ع��ب��ر ج��ع��ل الخطاب‬ ‫الثقافي حامال للقيمة منسجما مع مقومات‬ ‫هوية المجتمع‪ ،‬وداعما لها بوصفها مرجعية‬ ‫للفعل االج��ت��م��اع��ي وال��ث��ق��اف��ي والسياسي‬ ‫والديني‪ ،‬بل ومنتجا لهذه القيمة التي تغدو‬ ‫عالمة أساسية في النص‪ ،‬إذ تعمل دوما‬ ‫على تنمية ال��ذوق الفردي والجماعي لدى‬ ‫المؤلف الذي يجب في هذه الحالة أن يبتعد‬ ‫عن النفعي الذاتي الخاص‪ ،‬لكن أن يكتفي‬ ‫المبدع والناقد والمفكر بمشاكسة الواقع‬ ‫ومقاطعته بمرجع معرفي وفني منقول متأثر‬ ‫باآلخر فتلك هي المشكلة‪.‬‬

‫‪116‬‬

‫إن الراهن المعرفي يلزمنا بالتفاعل مع‬ ‫أسئلة األنا المحرجة التي منها‪ :‬هل يمكن‬ ‫لألنا أو الذات الحضارية أن تثاقف اآلخر‬ ‫دون أن تكون منتجة لماهية المثاقفة نفسها‪،‬‬ ‫على اع��ت��ب��ار أن المثاقفة ليست خطابا‬ ‫معرفيا إبيستيمولوجيا تتداوله األمم بشراكة‬ ‫معلوماتية يتلقاها الجميع ويستقبلها دونما‬ ‫هوية أو كينونة حضارية تتدخل في صنعه؟‬ ‫وما هوية المثاقفة التي نبتغيها إذا سلمنا‬ ‫جدال أن المثاقفة جهد معرفي سنني تنجزه‬ ‫األمم في إطار قانون الخصوصية الذي يلزم‬ ‫أهل العلم بضرورة االنطالق من خصوصيات‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫أمة معينة‪ ،‬لحل إشكاليات فكرية وثقافية‬ ‫تواجهها؟ وه��ل تتوافر جامعاتنا ومراكزنا‬ ‫العلمية على باحثين مؤَطرين وفقا لهويتهم‪،‬‬ ‫ع��ازم��ي��ن ع��ل��ى إن��ت��اج ال��خ��ط��اب المعرفي‬ ‫الخاص الذي يعني إث��ارة اإلشكاليات التي‬ ‫تصنع درس المثاقفة‪ ،‬تلك اإلشكاليات التي‬ ‫تتقاطع ج��دال مع المبتغى المعرفي العام‬ ‫الذي نريده في األمة‪ ،‬أم أن المثاقفة هنا‬ ‫تعميم وتعويم ورصد إلشكاليات منقـولة ال‬ ‫عالقة لها بواقع األمة؟‬ ‫وخ���ت���ام ال��م��خ��ت��ص��ر‪ ،‬ت��أك��ي��د م��ع��رف��ي‬ ‫ج��وه��ري‪ ،‬ن��رى ب��ه أن المثاقفة مسؤولية‬ ‫معرفية وحضارية ال يتقنها إال من وهب‬ ‫المرتكز الفكري والسلوكي ال��ذي يضمن‬ ‫له الحضور الفاعل في مائدة الثقافة‪ .‬إن‬ ‫المثاقفة المرجوّة ال تتحقق بمناهج وأنساق‬ ‫ومضامين نستوردها‪ ..‬فذلك أضعف األمر‬ ‫وأهونه‪ ،‬وأما الجليل فماث ٌل في مثاقفة تنتج‬ ‫صيغها وعناصرها بالرؤى المستقبلية التي‬ ‫تتجاور وتتالحم مع شخصية األمة وهويتها؛‬ ‫فمن أج��ل أن نؤسس للمثاقفة اإليجابية‬ ‫السليمة علينا ‪-‬أوال وآخرًا‪ -‬أن نحدد الهوية‬ ‫المسؤولة عن المرجع المؤسس والمؤصل‬ ‫للمثاقفة‪ ،‬وس��ن��درك حينها أن الثقافة ال‬ ‫تكون إال بندية وبتشارك يفضي إلى حضور‬ ‫ال��ذات فاعلة في ك ّل تثاقف يحصل‪ ،‬وعلى‬ ‫الممارسين للخطاب المعرفي أن يقتنعوا‬ ‫بما يفعلون منهجاً وسلوكا‪ ،‬وأن يدركوا أنهم‬ ‫مقدمون على عمل ال مجال فيه للعابثين‬ ‫والحالمين‪ ،‬والماسكين بوهم يرون به الحياة‬ ‫إلى حين‪.‬‬


‫ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ‬

‫رائد عكاشة‬

‫المستشار األكاديمي‬ ‫للمعهد العالمي للفكر اإلسالمي‬

‫ثمة إشكاالت حقيقية في واقع‬ ‫المثاقفة العربية‬ ‫يعاني الفكر العربي الحديث من قضية‬ ‫ال أساساً في تشكيل هويته‬ ‫طالما كانت عام ً‬ ‫وبناء ذات��ه‪ ،‬وهي األسس المعرفية والفكرية‬ ‫التي اتكأت عليها بُنَاهُ االجتماعية والمعرفية‬ ‫واألدبية واالقتصادية‪ .‬ولعل االتصال باألفكار‬ ‫األخ���رى ال سيما الفكر الغربي‪ ،‬كشف عن‬ ‫جانب من معاناة الفكر العربي‪ ،‬إذ أبرزت هذه‬ ‫ات اإلخفاق في التلقّي واألخذ‪،‬‬ ‫المعاناة محطّ ِ‬ ‫وجعلت الفكر العربي الحديث ينهل من الفكر‬ ‫الغربي جُ ّل منظومته المعرفية‪ ،‬وانعكس ذلك‬ ‫على شخصية العربي ومنهجية تفكيره‪ .‬وما‬ ‫من شك في أنَّ معالم الحداثة والعولمة في‬ ‫إط��اره��ا الغربي ك��ان لها حضور واض��ح في‬ ‫منظومة التفكير العربي؛ ما أدى إلى حدوث‬ ‫تفاعالت داخل اإلطار العربي‪ ،‬تبحث مسألة‬ ‫استقاللية التفكير العربي في جميع مجاالته‬ ‫وتجلياته‪.‬‬

‫رائد عكاشة‬

‫العربية في العصر الحديث والمعاصر‪ ،‬إذ‬ ‫ال في قراءة‬ ‫رأى بعض المفكرين أن ثمة خل ً‬ ‫الذات عند تعاملنا مع اآلخر؛ ألن أغلب النقاد‬ ‫توسلوا بأدوات البحث التي اصطنعها اآلخر‪،‬‬ ‫م��ن مفاهيم وم��ن��اه��ج ون��ظ��ري��ات دون وعي‬ ‫بالسياقات التاريخية والمعرفية والثقافية‬ ‫للمجتمع المنتج‪.‬‬ ‫وه��ذا ما نلمسه في كثير من التنظيرات‬ ‫والممارسات الفكرية والمعرفية واألدبية عند‬ ‫لحظة االقتباس والمثاقفة والتلقي عن اآلخر‪.‬‬ ‫وه��ذا م��ا فعله ط��ه حسين بالربط البنيوي‬ ‫للثقافة المصرية بالثقافة الغربية (مستقبل‬ ‫الثقافة في مصر أنموذجاً)‪ ،‬أل ّن ثمة اعتقاداً‬ ‫بأ ّن العقلية العربية بدأت تتغير منذ عشرات‬ ‫السنين وتصبح أق��رب إلى التفكير الغربي‪.‬‬ ‫وقد عبّر بعض الحداثيين عن انتمائهم إلى‬ ‫بنية النظام المعرفي الغربي‪ ،‬وشعروا بأن‬ ‫ثمة تماهياً فكرياً وروح��ي��اً مع ه��ذا النظام‪،‬‬ ‫فأسقطوا معطياته وأف��ك��اره وتقنياته على‬ ‫الثقافة العربية‪.‬‬

‫ال في‬ ‫استشعرت بعض الكتابات أن ثمة خل ً‬ ‫عملية التلقي والمثاقفة‪ ،‬ودعت هذه الكتابات‬ ‫المفك َر العربي إلى أشكلة العالقة مع الغرب‬ ‫–على حد ق��ول الدكتور البازعي‪ -‬أي إب��راز‬ ‫الجوانب اإلشكالية المتأزمة؛ أل ّن ثمة من‬ ‫يُبسط العالقة بالمعطى الثقافي الغربي‪،‬‬ ‫ويتعامل م��ع ه��ذا المعطى كما يتعامل مع‬ ‫المأكوالت المعلبة واأللبسة الجاهزة دون أدنى‬ ‫وثمة إشكالية أخرى تتصل بموقع الذات‬ ‫تفكير في الرؤية والمنطلق والمنهج واآللية‪ .‬التراثية في ظل الهيمنة المركزية المتعلقة‬ ‫ثمة إشكاالت حقيقية في واق��ع المثاقفة ب��ش��ك��ل أس�����اس ف���ي ال��ع��ول��م��ة‪ ،‬إذ تختفي‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪117‬‬


‫الخصوصيات الثقافية والممثلة بشكل خاص‬ ‫في ثقافة الهامش‪ ،‬لتغدو ثقافات الهوامش‬ ‫مندرجة في ثقافة المركز؛ ما ينتج ثقافة مرآة‬ ‫للذات الغربية‪ ،‬دون م��راع��اة للخصوصيات‬ ‫والسياقات الثقافية‪.‬‬ ‫وه��ذا ظاهر في ك�� ّل مجاالت الحياة‪ ،‬في‬ ‫ثقافة الطعام (سيادة دولة ماكدونالد والكوكا‬ ‫ك��وال)‪ ،‬وثقافة اللباس‪ ،‬وف��وق ذلك كله ثقافة‬ ‫التفكير وبناء النظريات المتماهية مع النمط‬ ‫الغربي‪.‬‬ ‫وال��س��ؤال ال��ذي يطرحه معظم المفكرين‬ ‫والمثقفين‪ :‬كيف ننتج مثاقفة حقيقية مع‬ ‫المختلف الذي نطلق عليه تجاوزاً اآلخر؟ وما‬ ‫هي األبعاد الحقيقية للمثاقفة على المستوى‬ ‫اإلنساني والمعرفي والحضاري؟‬

‫‪118‬‬

‫فتحي حسن ملكاوي‬

‫فتحي حسن ملكاوي‬ ‫المدير اإلقليمي‬

‫للمعهد العالمي للفكر اإلسالمي‬

‫المثاقفة العربية‬ ‫بين الحضور والغياب‬ ‫يتبدّى واق��ع المثاقفة العربية في هذا‬ ‫الزمن بصورة واضحة من موقع العرب في‬ ‫ع��دد من المؤشرات‪ ،‬منها مثالً‪ :‬مجاالت‬ ‫اإلن���ج���از ال��ح��ض��اري ال��ع��ال��م��ي‪ ،‬وم��ع��دالت‬ ‫التنمية االقتصادية واالجتماعية‪ ،‬وحالة‬ ‫االس��ت��ق��رار وال ِ��س��ل��م االج��ت��م��اع��ي‪ ،‬وت��ف��اوت‬ ‫م��ع��دالت ال��دخ��ل بين األغ��ن��ي��اء وال��ف��ق��راء‪،‬‬ ‫وحجم التغطية اإليجابية أو السلبية التي‬ ‫يقدمها اإلع�لام العالمي عن ال��ع��رب‪ ،‬وما‬ ‫إلى ذلك من مؤشرات‪ .‬واإلع�لام المعاصر‬ ‫في زمن العولمة وفضاءاته المفتوحة‪ ،‬يسهم‬ ‫إلى حد كبير في تكوين الصورة النمطية عن‬ ‫العرب‪ ،‬فالصورة حاضرة للجميع آناء الليل‬ ‫وأطراف النهار‪.‬‬

‫إن أية مثاقفة حقيقية ينبغي أن تنتج من‬ ‫رحم مرجعية واضحة تحدد رؤية الذات في‬ ‫تعاملها مع ال��ذات‪ ،‬وف��ي تعاملها مع اآلخ��ر‪.‬‬ ‫ولعل المرجعية الحضارية المتمثلة في رؤية‬ ‫األم��ة التي صاغها اإلس�ل�ام‪ ،‬تُعد مرجعية‬ ‫واضحة المعالم‪ .‬كما ينبغي على أي مثقف‬ ‫أن يعي قيمة م��ا أنتجه العقل البشري في‬ ‫إحداث فعل المثاقفة‪ ،‬وفي اإلفادة من النافع‬ ‫من التراث‪ ،‬ومن ثم إنتاج معرفة تتسق والبنية‬ ‫المعرفية للمجتمع العربي‪ .‬ولعل من الواجب‬ ‫األخالقي واألدبي والحضاري أن نشجع تلكم‬ ‫ال��م��ح��اوالت التي يقوم بها بعض المفكرين‬ ‫العرب في بناء منظومة معرفية وثقافية عربية‬ ‫تجيب عن أسئلة العرب في ظل زمن العولمة‪،‬‬ ‫وتحاول تلمّس البديل الحضاري‪ .‬كما هو في‬ ‫إن أبرز عامل في تكوين الصورة النمطية‬ ‫مشروع طه عبدالرحمن على سبيل المثال ال‬ ‫الحصر‪.‬‬ ‫عن العرب عند غيرهم هو حضور العرب‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫الثقافة قوة وطاقة متجهة‪ ،‬تتحرك مِ ن‬ ‫مَن ينتجها نحو مَن يستهلكها‪ ،‬كما تتحرك‬ ‫الموائع في األوان��ي المستطرقة‪ .‬وساحة‬ ‫التنافس العالمي في مجاالت الثقافة في‬ ‫عصر العولمة فضاءٌ مفتوح‪ ،‬ومع أن في ثقافة‬ ‫ك ّل مجتمع خصوصيات؛ لكن قوة الثقافة‬ ‫ال‬ ‫من قوة من ينتجها‪ ،‬فإذا صادفت مسته ً‬ ‫ضعيف الثقافة فلن تنفعه خصوصيات‬ ‫ثقافته‪ .‬وإذا كانت المثاقفة تفاعالً‪ ،‬يتضمن‬ ‫األخذ والعطاء‪ ،‬فما حجم ما يُسهم به العرب‬ ‫من إنتاج ثقافي يقدمونه لغيرهم‪ ،‬بالمقارنة‬ ‫مع حجم ما يستهلكونه من اإلنتاج الثقافي‬ ‫للشعوب األخرى؟!‬ ‫إن ما تنظمه وزارات الثقافة‪ ،‬ودوائرها‬ ‫المتخصصة ف��ي ال��ش��ؤون الثقافية‪ ،‬وما‬ ‫تقدمه أجهزة اإلع�لام المقروء والمسموع‬ ‫وال��م��رئ��ي م��ن أل���وان النشاطات الثقافية‪،‬‬ ‫يقود إلى ملحوظات ال تخطئها عين الناظر‬ ‫إلى برامج هذه ال��وزارات‪ ،‬وهي أنها تعطي‬ ‫ال��وزن األكبر ل��دالالت ثقافية محددة دون‬

‫ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ‬

‫أو غيابهم‪ ،‬حضورهم في مجتمعاتهم فيما‬ ‫يراه اآلخرون رأيَ العيان‪ ،‬تخلّفاً في مجاالت‬ ‫الممارسة السياسية‪ ،‬وهشاشة في النسيج‬ ‫ال في التنمية‬ ‫ال متواص ً‬ ‫االجتماعي‪ ،‬وفش ً‬ ‫االقتصادية‪ ،‬وهكذا‪ .‬بينما يتبدّى حضورهم‬ ‫السياحي والدبلوماسي في البلدان األخرى‪،‬‬ ‫أنموذجاً للعجز والتخلف‪ .‬أما غيابهم فحدِّث‬ ‫عنه وال حرج؛ فغيابهم معروف ومألوف عن‬ ‫مجاالت اإلسهام الثقافي والعلمي والتقاني‪،‬‬ ‫فال تكاد تجد لهم فيها أثراً ذا بال‪.‬‬

‫أخرى‪ ،‬وال سيما حين يكون االهتمام األكبر‬ ‫بالتقاليد وال��ع��ادات وم��ه��رج��ان��ات الفنون‬ ‫والتراث الشعبي‪ ،‬والسياحة؛ فالموضوعات‬ ‫التي تقدم هي أقرب إلى االقتراض الثقافي‬ ‫منه إلى التفاعل الثقافي! ويكاد المضمون‬ ‫الفكري أن يغيب عن هذه النشاطات‪ .‬وحتى‬ ‫حين يكون الدين مادة فيما يسمى «البرامج‬ ‫الدينية» فهو ف��ي الغالب دي��ن السكون ال‬ ‫الحركة‪ ،‬ودين االنفعال ال الفعل‪.‬‬ ‫أما سفارات الدول العربية في الخارج فإن‬ ‫من مهامها األساس التعبير عن ثقافة البلد‬ ‫الذي تنتمي إليه السفارة‪ ،‬وتنظيم البرامج‬ ‫ال��ت��ي ت��ع��رِّف ب��ذل��ك البلد وت���روِّج لثقافته‪،‬‬ ‫ويحسن أن نقارن بين النشاطات الثقافية‬ ‫لسفارات ال��دول العربية في بعض البلدان‬ ‫األجنبية‪ ،‬من جهة‪ ،‬والنشاطات الثقافية‬ ‫لسفارات هذه البلدان األجنبية في عواصم‬ ‫البالد العربية‪ ،‬من جهة أخرى‪ .‬فائدة هذه‬ ‫المقارنة ال تقتصر على إعطاء صورة عن‬ ‫الحجم النسبي للنشاطات الثقافية بين‬ ‫النوعين من السفارات‪ ،‬بل إنها تكشف عن‬ ‫أنواع النشاطات الثقافية وأساليبها‪ ،‬وبيان‬ ‫فعاليتها في المثاقفة‪.‬‬ ‫ومن ثم يمكن االدع��اء بأنّ المثاقفة في‬ ‫البالد العربية كما تكشف عنها نشاطات‬ ‫ال����وزارات المعنية وال��س��ف��ارات والمالحق‬ ‫الثقافية األسبوعية في الصحف اليومية‪،‬‬ ‫هي في الغالب تعطي لحركة الثقافة اتجاهاً‬ ‫واح��داً من اآلخر إلى ال��ذات‪ .‬وقلمَا حصل‬ ‫العكس‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪119‬‬


‫عبدالرحمن الدرعان‬ ‫مثاقفة أم غزو أنيق؟!‬ ‫مهما ب��دا مصطلح (المثاقفة) أنيقا‪،‬‬ ‫فإنه ينطوي في داخله على معاني التوجّ س‬ ‫واالرت���ي���اب وال���ص���راع ال��ن��اع��م ب��ي��ن ثقافة‬ ‫وأخ����رى؛ ب��ل ق��د نستطيع ال��زع��م ب��أن��ه ال‬ ‫يعدو أن يكون ص��ورة م��ن ص��ور محاوالت‬ ‫محو ال��ذاك��رة وتذويبها؛ أي أن��ه يقوم على‬ ‫معادلة القوة والضعف‪ .‬وألنه يمس أحد أهم‬ ‫مكونات الهوية‪ ،‬فإن الباحثين يتناولونه كما‬ ‫لو أنه ِظلٌّ للصراعات العسكرية واأليدلوجية‬ ‫والسياسية على مدى التاريخ‪ ،‬كما إنه امتداد‬ ‫واب ٌن شرعي لما أطلق عليه (الغزو الثقافي)‬ ‫وأع��م��ال ال��رح��ال��ة ال��ذي��ن ج��اب��وا المشرق‪،‬‬ ‫أله���داف ليست بريئة‪ ،‬وليست ثقافية أو‬ ‫معرفية في نظر المتوجسين والمناهضين‪،‬‬ ‫ال���ذي���ن ي��ط��ل��ق��ون ف���ي ال��م��ق��اب��ل مصطلح‬ ‫(التغريب) على كل ما كان مصدره غربيا‪.‬‬

‫عبدالرحمن الدرعان‬

‫خصوصية أصيلة في جميع أنماط الحياة‪.‬‬ ‫ولكن ال��س��ؤال ال��ذي يطرح نفسه‪ :‬ت��رى ما‬ ‫األصيل‪ ،‬وما الطارئ والدخيل؟!‬ ‫وكيف يمكن أن نميز األصيل ونزعم أنه‬ ‫لم يكن إال نتاج التالقح الثقافي مع الثقافات‬ ‫األخرى؟!‬ ‫هل يمكن الجزم قطعيا بالنقاء واألصالة‬ ‫حينما يتعلق األم��ر بالثقافة‪ ،‬والسيما أن‬ ‫بعض النصوص الدينية والتراثية تدعو إلى‬ ‫التفاعل مع ثقافة اآلخر؟!‬

‫ولعل ما أشرنا إليه‪ ،‬يتجلى في أعقاب‬ ‫الحرب العالمية الثانية‪ ،‬غير إننا إذا ما‬ ‫تجاوزنا تلك الحقبة‪ ،‬ووقفنا على الراهن‪..‬‬ ‫وتحديدا بعد انهيار االت��ح��اد السوفيتي‪،‬‬ ‫فسوف نجد أن العولمة التي بدت تكتسح‬ ‫ال��ع��ال��م‪ ،‬ه��ي ال��وح��ش ال���ذي يتخفّى تحت‬ ‫قناع المثاقفة‪ .‬وما ب��روز هذه الصراعات‬ ‫الطائفية والعرقية واالنكفاء على ال��ذات‬ ‫هل نتعلم من التاريخ‪ ،‬أم كما قال أحد‬ ‫وال��ع��ودة إل��ى القبيلة‪ ،‬إال شكل من أشكال‬ ‫الدفاع في مواجهة هذا (الزاحف) ضد ما الفالسفة‪ :‬يبدو من التاريخ أن أحدا ال يتعلم‬ ‫يحدث من انتهاكات تتالشى على أثرها كل من التاريخِ ؟!‬ ‫من المعروف أن المستقبل يكتبه الغالبون‪،‬‬ ‫وهم الذين يرسمون أنماط الحياة المختلفة‬ ‫إلن��س��ان ال��غ��د‪ ،‬وم��ا م��ح��اوالت اإلن��ك��ار التي‬ ‫يتنادى بها (الغيورون) في ظل غياب مشروع‬ ‫عربي حضاري لبناء ال��ذات‪ ..‬إال صيحات‬ ‫استغاثة تشبه ضجة الركاب عندما تنحرف‬ ‫بهم العربة‪ ،‬في مغامرة يقوم بها قائد العربة‪.‬‬

‫‪120‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ‬

‫مكتبة‬ ‫الكونجرس العربية‬ ‫‪ρρ‬مرسي طاهر*‬

‫تعد مكتبة الكونجرس األمريكية المكتبة األكبر واألكثر تكلفة وأمان ًا في العالم‪،‬‬ ‫هكذا نقشت هذه العبارة على قبة مبنى توماس جيفرسون‪ ،‬وهي البناية الرئيسة‬ ‫لمكتبة الكونجرس‪ ،‬والتي تعد من المعالم البارزة في العاصمة األمريكية‪.‬‬ ‫تضم المكتبة ف��ي آخ��ر إح��ص��اء لها نحو (‪ )130‬مليون م���ادة مختلفة (وع��اء‬ ‫كتاب وموا َد مطبوعة‪ ،‬وأكثر من (‪ )58‬مليون‬ ‫معلومات)‪ ،‬منها أكثر من (‪ )29‬مليون ٍ‬ ‫وثيقة بأكثر من (‪ )460‬لغة‪ ،‬ويبلغ طول رفوفها (‪ )856‬كيلو متراً‪ ،‬وهناك حديث‬ ‫شهير بين أوساط المهتمين –ال يستند إلى حقيقة علمية‪ -‬بأن مقتنيات المكتبة‬ ‫لو تم بسطها لغطت سطح الكرة األرضية‪..‬‬ ‫أسست المكتبة عام ‪1800‬م‪ ،‬بميزانية‬ ‫ال تتجاوز خمسة آالف دوالر أمريكي‪،‬‬ ‫وص��ل��ت ف���ي ع���ام ‪2014‬م وف���ق آخ��ر‬ ‫ميزانية معلنة لها إلى ما يفوق (‪)618‬‬ ‫مليون دوالر أمريكي‪ ،‬وكان إنشاء هذه‬ ‫المكتبة له سبب مدهش‪ ،‬فبعد استقالل‬ ‫أمريكا عن انجلترا عام ‪1782‬م‪ ،‬اتحدت‬ ‫الواليات األمريكية وأص��درت دستوراً‬ ‫ل��ه��ا‪ ،‬وق���رر ال��ق��ادة المؤسسون إنشاء‬ ‫مكتبة قومية ضخمة‪ ،‬لكن مرتبطة‬

‫بأعضاء الكونجرس المنتخبين‪ ،‬وكانت‬ ‫فكرة إنشائها أن أعضاء الكونجرس‬ ‫الجديد قبل أن يقوموا بسن التشريعات‬ ‫والقوانين لألمة األمريكية الوليدة‪،‬‬ ‫يجب أن يطلعوا على كتابات المفكرين‬ ‫والفالسفة‪ ،‬إل��ى أن تطورت الفكرة‪..‬‬ ‫ونمت المكتبة بشكل متزايد بعد الحرب‬ ‫األهلية األمريكية عام ‪1865‬م‪ ،‬وبدأت‬ ‫بتجميع كل المؤلفات التي تصدر داخل‬ ‫ال��والي��ات المتحدة‪ ،‬وم��ن ثم بريطانيا‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪121‬‬


‫مكتبة الكونجرس األمريكية‬

‫والدول المتحدثة باإلنجليزية‪ ،‬ثم باقي دول‬ ‫العالم‪.‬‬

‫‪122‬‬

‫ه��دف��ت ال��م��ك��ت��ب��ة ف���ي األس�����اس خ��دم��ة‬ ‫أعضاء الكونجرس األمريكي والمسئولين‬ ‫ال��ح��ك��وم��ي��ي��ن‪ ،‬ب���ه���دف إم����داده����م ب��ك��اف��ة‬ ‫المعلومات الالزمة لإللمام بكافة الجوانب‬ ‫السياسية واالقتصادية واالجتماعية‪ ...‬الخ‪،‬‬ ‫ألي مكان ف��ي العالم م��ن خ�لال م��ا يكتب‬ ‫عنهم‪ ،‬وما كتبوه هم عن أنفسهم‪ ،‬ومن ثم‬ ‫تحليله وتقديمه لمتخذي القرار وأعضاء‬ ‫الكونجرس‪ ،‬ثم تطورت المكتبة بعد ذلك‬ ‫بشكل مذهل حتى أصبحت متاحة للعامة‪،‬‬ ‫وف��ي الوقت نفسه‪ ،‬تمثل المكتبة الوطنية‬ ‫للواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬إلى أن أصبحت‬ ‫منجم العلم والمعرفة الذي سادت به أمريكا‬ ‫العالم وال تزال حتى وقتنا الحاضر‪ ،‬وأرست‬ ‫قواعد متينة لهذه الدولة‪ ..‬بما قامت به من‬ ‫جهود القتناء التراث الفكري للعالم وحفظه‪،‬‬ ‫ليمثل لها منارة استنبطت منها حضارتها‪،‬‬ ‫وشيّدت بها تفوقها على سائر األمم‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫وبالنظر إلى واقعنا العربي واإلسالمي‪،‬‬ ‫نجد أننا أصحاب حضارات لطالما أمدت‬ ‫العالم بمصابيح العلم والمعرفة‪ ،‬أرس��ت‬ ‫به ج��ذور التقدم واالزه���ار بما أنتجته من‬ ‫تراث فكري وإنساني؛ ولكن حينما عجزت‬ ‫أو انشغلت ع��ن مهمة حفظ ه��ذا التراث‬ ‫واالستفادة منه‪َ ،‬ف َق َد اإلنسا ُن العربي هويته‪،‬‬ ‫وأصبح تابعاً ال قائداً أو منتجاً! ومن أهم‬ ‫مظاهر هذا االنشغال تنافس العرب على‬ ‫إق��ام��ة ال��ف��ن��ادق الكبيرة واألب����راج العالية‬ ‫وأشياء أخ��رى عديدة‪ ،‬وتجاهلوا التنافس‬ ‫على إقامة مراكز العلم والتنوير‪ ،‬ومنها مكتبة‬ ‫عربية تماثل مكتبة الكونجرس األمريكية‪.‬‬ ‫وهنا أتساءل‪ ،‬متى يكون للعرب مكتبة‬ ‫أفضل من مكتبة الكونجرس؟ ومتى يكون‬ ‫لكل دولة عربية مكتبة وطنية ثريّة بمحتواها‬ ‫العلمي والمعرفي؟ وهل نحن كعرب‪ ..‬جادون‬ ‫لبناء المكتبات بهذه الكيفية لنحمي تراثنا‬ ‫وحضارتنا؟ هل ينقصنا التمويل‪ ..‬وعندنا‬ ‫دول عربية تستطيع أن تنشئ أفضل منها‬ ‫وأكبر؟ ماذا نحتاج لتنفيذ ذلك؟ هل نملك‬


‫في الواقع كل هذه التساؤالت وغيرها‬ ‫تنبئ عن مردود سلبي‪ ،‬ولكن المتتبع للواقع‬ ‫المعرفي العربي يجد صفحات مضيئة في‬ ‫هذا الجانب ال ينقصها سوى وضوح الهدف‬ ‫وتوحيد الجهود‪.‬‬ ‫في هذا السياق‪ ،‬أذك��ر ثالث محاوالت‬ ‫رائدة تمثل صفحات مضيئة على الطريق‪..‬‬ ‫األولى مكتبة اإلسكندرية في مصر ممثلة في‬ ‫الشراكة التي عقدتها مع مكتبة الكونجرس‬ ‫نحو بناء مكتبة رقمية عالمية‪ ،‬والثانية مكتبة‬ ‫الملك فهد الوطنية بمشروعها الوطني‬ ‫والمستنير‪ ،‬والثالثة مكتبة الملك عبدالعزيز‬ ‫العامة بمشروعها الضخم المسمى الفهرس‬ ‫العربي الموحد‪.‬‬ ‫وبإطاللة سريعة على تلك الصفحات‪،‬‬ ‫نجد أن مكتبة االسكندرية الجديدة هي‬ ‫إعادة إحياء لمكتبة اإلسكندرية القديمة‪..‬‬

‫ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ‬

‫اإلم��ك��ان��ات؟ ه��ل جهودنا م��وح��دة ف��ي هذا‬ ‫الشأن؟ هل ينقصنا القرار إلقامة مثل هذه‬ ‫المشروعات؟‬

‫أكبر مكتبات عصرها ف��ي م��ش��روع ضخم‬ ‫قامت به مصر باالشتراك مع األمم المتحدة‪،‬‬ ‫إذ تم بناء المكتبة من جديد في موقع قريب‬ ‫من المكتبة القديمة‪ ،‬وت��م افتتاح المكتبة‬ ‫الحديثة ف��ي ‪ 16‬أكتوبر ‪2002‬م بحضور‬ ‫عالمي‪ .‬تضم هذه المكتبة مجموعة كبيرة‬ ‫من الكتب تقدر بمليوني كتاب‪ ،‬بكافة اللغات‬ ‫العالمية‪ ،‬وقدمت فرنسا للمكتبة هدية في‬ ‫أكبر صفقة ثقافية في تاريخ المكتبات‪ ،‬تصل‬ ‫إل��ى نصف مليون كتاب باللغة الفرنسية‪،‬‬ ‫لتكون من أكبر المكتبات التي تقتني مواد‬ ‫بالفرنسية على مستوى العالم بعد المكتبة‬ ‫القومية الفرنسية‪ ،‬كما تحتوى المكتبة أكثر‬ ‫م��ن ع��ش��رة ب�لاي��ي��ن صفحة ن��ص��وص على‬ ‫اإلنترنت‪ ..‬أكثر من تلك الموجودة في مكتبة‬ ‫الكونجرس؛ (‪ )100‬تيرابايت من المعلومات‬ ‫مخزنة على مائتي جهاز كمبيوتر؛ (‪)1000‬‬ ‫فيلم مؤرشف؛ أكثر من سبعة أالف خريطة‬ ‫تغطي جميع أنحاء العالم مع التركيز على‬ ‫مصر وال��دول العربية وال��دول المطلة على‬ ‫البحر المتوسط؛ (‪ )2000‬ساعة من البث‬

‫مكتبة االسكندرية‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪123‬‬


‫التليفزيوني‪.‬‬ ‫الصفحة المضيئة األخ���رى ه��ي مكتبة‬ ‫الملك فهد الوطنية التي أنشئت بمبادرة‬ ‫م��ن أه��ال��ي ال��ري��اض بمناسبة تولي الملك‬ ‫فهد مقاليد الحكم‪ ،‬إذ تم اإلعالن عن هذا‬ ‫المشروع في االحتفال الذي أقيم في عام‬ ‫‪1403‬ه���ـ ‪1983 /‬م‪ ،‬وت��م ال��ب��دء ف��ي تنفيذ‬ ‫المشروع عام ‪1406‬هـ ‪ 1986 /‬م‪.‬‬ ‫تقدر ع��دد الكتب الموجودة في مكتبة‬ ‫الملك فهد (مليون وأرب��ع��ة وثمانين ألفاً‬ ‫وخمسمائة وأرب��ع��ة وعشرين ك��ت��اب��اً؛ عدد‬ ‫مقتنيات اإليداع السعودي من كتب ودوريات‬ ‫وصحف أكثر من ثالثمائة ألف مادة ؛ عدد‬ ‫العناوين السعودية أكثر من (‪ )65000‬عنواناً؛‬ ‫معدالت التزويد السنوي بين (‪ )50-30‬ألف‬ ‫كتاب؛ يودع سنوياً نحو خمسمائة ألف كتاب؛‬ ‫ع��دد الرسائل الجامعية (‪ )21000‬رسالة‬ ‫ماجستير ودك��ت��وراه ؛ أكثر من أربعة آالف‬ ‫مخطوطة‪.‬‬ ‫الصفحة المضيئة الثالثة تعد مشروعاً‬

‫قومياً عربياً لخدمة المكتبات العربية‪،‬‬ ‫وهو الفهرس العربي الموحّ د ال��ذي قامت‬ ‫بإنشائه مكتبة الملك عبدالعزيز العامة‬ ‫بموجب األمر السامي رقم (‪ )26349‬بتاريخ‬ ‫‪1422/12/19‬ه��ـ‪ ،‬وقد شكل هذا المشروع‬ ‫منذ تأسيسه نقلة نوعية في تاريخ العمل‬ ‫ال��ع��رب��ي والثقافي المشترك‪ ،‬ف��ك��ان بحق‬ ‫مشروعاً رائ���داً أسهم ف��ي جمع المحتوى‬ ‫الثقافي ألب��ن��اء األم���ة‪ ،‬بحيث أص��ب��ح في‬ ‫مقدورهم الوصول إلى أمهات الكتب وكافة‬ ‫مصادر المعلومات في شتى المجاالت بيسر‬ ‫وسهولة؛ بلغ أعضاء الفهرس أكثر من (‪)528‬‬ ‫جهة‪ ،‬يتبعها أالف المكتبات في جميع الدول‬ ‫العربية دون استثناء؛ رصد المشروع معظم‬ ‫اإلنتاج الفكري العربي في قاعدة بيانات بلغ‬ ‫حجمها أكثر من مليونين ومائة ألف تسجيلة‪،‬‬ ‫تمثل أكبر قاعة ببليوجرافية عربية تتضمن‬ ‫أضخم ملف استنادي إلكتروني لألسماء‪ ،‬بلغ‬ ‫حجمه (‪ )528‬ألف تسجيلة؛ ملف استنادي‬ ‫إلكتروني ل��رؤوس الموضوعات بلغ (‪)323‬‬ ‫ألف تسجيلة؛ استفادت المكتبات األعضاء‬ ‫مكتبة الملك فهد الوطنية‬

‫‪124‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ‬

‫من هذا المشروع في تحميل‪/‬الحصول على‬ ‫أكثر من مليون مادة تسجيلية ببليوجرافية‬ ‫من قاعدة بيانات الفهرس‪.‬‬ ‫وم��ن أه��م االن���ج���ازات ل��ه��ذا ال��م��ش��روع‪،‬‬ ‫إن��ش��اء ب��واب��ات مكتبات س��ب��ع م��ن ال���دول‬ ‫العربية وه��ي‪ :‬المملكة العربية السعودية‪،‬‬ ‫واإلم��ارات‪ ،‬والسودان‪ ،‬واألردن‪ ،‬والبحرين‪،‬‬ ‫وع��م��ان‪ ،‬وال��م��غ��رب‪ ،‬وه��ي بمثابة فهارس‬ ‫وطنية لكل دول��ة؛ كما أنشأ الفهرس بوابة‬ ‫للكتب المترجمة إلى اللغة العربية بلغ عدد‬ ‫محتوياتها (‪ )120‬ألفاً‪ ،‬مدخل منها مائة الف‬ ‫كتاب‪ ،‬هذه القاعدة غيرت اإلحصائيات التي‬ ‫رصدتها منظمة اليونسكو في كشاف الترجمة‬ ‫الذي يرصد عدد الكتب المترجمة إلى اللغة‬ ‫العربية إلى ما يقارب اثني عشر ألف كتاب‬ ‫فقط؛ كذلك يتضمن الفهرس قاعدة بيانات‬ ‫تشمل أكثر من (‪ )99‬ألف مخطوطة؛ أكثر‬ ‫من (‪ )67‬ألف رسالة جامعية‪.‬‬ ‫وي��ن��وي المشروع إي��ج��اد فهرس موحد‬ ‫ل��ل��م��خ��ط��وط��ات ال��ع��رب��ي��ة‪ ،‬وف��ه��رس موحد‬ ‫للرسائل الجامعية التي أجازتها الجامعات‬

‫العربية‪ ،‬كما نجح المشروع في إبرام عقد‬ ‫شراكة مع مؤسسة المكتبات المحوسبة على‬ ‫الخط المباشر (‪ ،)OCLC‬من أهم بنودها‬ ‫تزويد الفهرس العالمي (‪ )World Cat‬بمليون‬ ‫ومائتي أل��ف تسجيلة مختصرة لألوعية‬ ‫العربية‪ ،‬مع راب��ط لها على قاعدة بيانات‬ ‫الفهرس العربي الموحد‪.‬‬ ‫تمثل هذه الصفحات جهودًا متميزة نحو‬ ‫الهدف المنشود لإلجابة على التساؤالت‬ ‫السابقة‪ ،‬فنحن بحاجة إل��ى ك��ي��ان جامع‬ ‫لمثل هذه الجهود وغيرها‪ ،‬لتحقيق هدف‬ ‫مشترك؛ وف��ي ه��ذا المجال نذكر مشروع‬ ‫مكتبة جامعة الدول العربية الذي ما يزال‬ ‫بعيداً جداً عن تحقيق هذا الهدف‪.‬‬ ‫وفي النهاية‪ ،‬أختم حديثي أيضاً بتساؤالت‬ ‫أخرى‪ ..‬هل لنا أن نستعيد حضارتنا وتراثنا‬ ‫الفكري‪ ،‬وأن نبني على أطاللها مجداً جديداً‬ ‫يشق ظلمة الواقع؟‬ ‫هل لنا في «مكتبة كونجرس» عربية؟!‬ ‫وكي ال أكون متشائماً‪ ،‬أتمنى ذلك‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪125‬‬


‫قراءة في‬ ‫واقع الفنون التشكيلية‬ ‫في منطقة الجوف‬ ‫‪ ρρ‬غازي خيران امللحم*‬

‫ال��ف��ن ال��ت��ش��ك��ي��ل��ي‪ ،‬ه���و ك���ل ش����يء ي��س��ت��م��د م���ن ال��ح��ي��اة وم��ك��ن��ون��ات��ه��ا ال��ب��ش��ري��ة‬ ‫والطبيعية المختلفة‪ ،‬وصياغته رسمً ا بأسلوب إبداعي مبتكر؛ أي يشكل تشكيال‬ ‫جديدً ا آخر‪ ،‬يتمثل باللوحة التشكيلية التي هي غالبا ما تكون عبارة عن مسطح‬ ‫أبيض بمساحة معينة‪ ،‬ابتدعت فيها يد الفنان رسوما وأشكاال ذات دالالت منوّعة‪،‬‬ ‫استوحى عناصرها من واقع محيطه أو بيئته‪ ،‬أو اقتبسها من الخيال‪ ،‬وسكب فيها‬ ‫من روحه وعواطفه ألوانا‪ ،‬وضمنها عقله أفكارًا وأهدافا‪ ،‬تتحدث مع المتذوقين‬ ‫لها بلغة العيون واألبصار‪ ،‬مترجمة لهم أحاسيسه ومشاعره ورؤاه في حقبة زمنية‬ ‫معينة‪ .‬فهي إذًا‪ ،‬نتاج عقلي وعاطفي مشترك ومتماسك‪ ،‬لتصل إل��ى المتلقي‬ ‫بأفضل وجه ممكن‪.‬‬

‫‪126‬‬

‫وم���ن ه��ن��ا‪ ،‬ب���ات م��ن ال��ش��ائ��ع في‬ ‫األوس��اط الفنية والثقافية عموما‪ ،‬أن‬ ‫اللوحة تساوي ألف كلمة‪ ،‬كداللة رمزية‬ ‫على أهميتها وق��درت��ه��ا على اإلي��ح��اء‬ ‫وتحفيز معاني الغبطة والتأثير في‬ ‫مشاعر المشاهد نحو م��ا يبصر من‬ ‫جمال‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫وق���د ش��ه��دت م��ن��ط��ق��ة «ال���ج���وف»‬ ‫كغيرها من مناطق المملكة‪ ،‬بوادر نشاط‬ ‫ملحوظ في مجال الفنون التشكيلية‬ ‫وال��ول��وج إل��ى عوالم اللوحة‪ ،‬منذ نحو‬ ‫ن��ص��ف ق���رن م��ن ال���زم���ن‪ ،‬وج����اء ذل��ك‬ ‫مواكبا للنقلة الحضارية االستثنائية‬ ‫ال��ت��ي س���ادت المملكة‪ ،‬م��ن��ذ أواس���ط‬ ‫القرن الماضي وما تاله‪ ،‬والي��زال هذا‬


‫ف� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � �ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ون‬

‫ال��ح��راك الفني يتنامى ويتطور بخطوات‬ ‫حثيثة‪ ،‬ومع الوقت صار له كوادره وأعالمه‬ ‫ومؤسساته التي تشرف عليه‪ ،‬وترعاه وتنظم‬ ‫فعالياته بكل اتجاه؛ ما نجم عن ذلك ظهور‬ ‫العديد من الفنانين التشكيلين المجتهدين‪،‬‬ ‫الذين أثروا هذا اللون من الفنون‪ ،‬ببراعتهم‬ ‫التصويرية المميزة‪ ،‬التي باتت ترقى إلى‬ ‫مصاف األعمال العالمية؛ فاجتهدوا بهذا‬ ‫المنحى إلدراكهم قيمة ما ينتجون من فنون‪،‬‬ ‫كأداة عاكسة لثقافات الشعوب المتحضرة‬ ‫وحاملة ألفكارها‪ ،‬فعكفوا على إحياء القيم‬ ‫الفنية اإلسالمية التليدة التي تحفل بها‬ ‫معظم ال��ح��واض��ر العربية‪ ،‬وتوظيفها في‬ ‫نتاجاتهم المختلفة‪ ،‬سالكين في ذلك كافة‬ ‫السبل التي تعزز من خصوصيتهم الثقافية‪،‬‬ ‫وعقائدهم الدينية‪ ،‬وعاداتهم االجتماعية‬ ‫الموروثة‪ ،‬فربطوا بين الفن ورقي المجتمع‪،‬‬ ‫موضحين دوره الفعال ورسالته المؤثرة في‬ ‫تطوير الوعي لدى اإلنسان المعاصر‪ ،‬ولفت‬ ‫انتباهه إلى عوالم أخرى أزهى وأرحب‪.‬‬ ‫وبالفعل‪ ،‬ظهرت أعمال عديدة غاية في‬ ‫الروعة والحرفية‪ ،‬كشفت عن مهارات الفنان‬ ‫الجوفي خاصة‪ ،‬وقدرته العالية على العطاء‬ ‫والتنوع واالبتكار في مجال الريشة واأللوان‪،‬‬ ‫وما يتمتع به من حس فني مرهف‪ ،‬والذي‬

‫عبّر من خالله بقوة عن أصالته الحضارية‬ ‫والفنية‪ ،‬التي ابتدعها فنانون م��ن أمثال‬ ‫عبدالرحمن العتيق يرحمه اهلل‪ ،‬ونصير‬ ‫ال��س��م��اره‪ ،‬وم��ؤي��د منيف ال��غ��ن��ام‪ ،‬ومعجب‬ ‫الحواس‪ ،‬وزيد الغنام‪ ،‬وعمر البدور‪ ،‬وعارف‬ ‫حامد العضيب‪ ،‬والتشكيلي بخيت الصهيبان‬ ‫والتشكيلي راضي الرويلي والتشكيلي بسام‬ ‫الصياح والتشكيلي هادي العازمي والخطاط‬ ‫بدر عبيد الزارع وآخرون‪.‬‬ ‫ومن الفنانات‪ :‬البندري الشمري‪ ،‬وبشاير‬ ‫المرعي‪ ،‬ونورة الزهراني‪ ،‬وهديل اللحيدان‪،‬‬ ‫وخلفة الشمري‪ ،‬وآمنة الضويحي‪ ،‬وسعاد‬ ‫ع��ب��دال��واح��د‪ ،‬وم��ري��م العيسى‪ ،‬وتسواهن‬ ‫ال��روي��ل��ي‪ ،‬وي���ازي ال��روي��ل��ي‪ ،‬وش��ه��د ال��زي��د‪،‬‬ ‫وغيرهن‪.‬‬ ‫وفيما يلي تعريف بالظواهر اإلبداعية‬ ‫لبعضهم‪:‬‬ ‫عبدالرحمن العتيق‬ ‫يعد هذا الفنان الفذ األب الروحي لفناني‬ ‫الجوف‪ ،‬ورائد حركة الفنون التشكيلية في‬ ‫المنطقة‪ ،‬الذي تفاعل مع نفسه ومجتمعه‬ ‫فأنتج أعماالً تشكيلية رائعة‪ ،‬تبهج الناظرين‬ ‫إليها بألوانها وما تحتويه من مواضيع متقنة‪،‬‬ ‫فقد كان أسلوبه الفني في هذا المجال يقوم‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪127‬‬


‫على التحوير واالختصار‪ ،‬والجمع بين الفن‬ ‫الشعبي العفوي والمعاصر المتطور‪ ،‬فخلق‬ ‫لنفسه أسلوبا فنيا خاصا به‪ ،‬استمد معظم‬ ‫تشكيالته من مخزون ذاكرته‪ ،‬التي احتوت‬ ‫على الكثير م��ن المشاهد وال��ص��ور‪ ،‬التي‬ ‫تعكس حياة البسطاء في البادية والريف‬ ‫والمدينة‪ ،‬وفي حَ واري بلدته «سكاكا» وأزقتها‬ ‫الشعبية‪ ،‬ف��رس��م ص��ور ال��ن��اس واألش��ج��ار‬ ‫والبيوت والمهن‪ ،‬وغيرها الكثير من معالم‬ ‫الوطن المختلفة‪.‬‬ ‫فكان‪ ،‬يرحمه اهلل‪ ،‬بحق على مستوى‬ ‫عال من الرقي الفكري واإلبداعي والخُ لق‬ ‫ٍ‬ ‫ال��ق��وي��م‪ ،‬ال���ذي لمسه ك��ل م��ن ع��اص��ره‪ ،‬أو‬ ‫جالسه وعرفه عن قرب‪.‬‬ ‫نصير السمارة‬ ‫ويعد بحق عميدًا للفنانين التشكيليين في‬ ‫منطقة الجوف وأبرزهم وأغزرهم إنتاجا‪،‬‬ ‫وهو ذو أسلوب فني فريد يقوم على المزج‬ ‫بين األش��ك��ال المتعددة قديمها وحديثها‪،‬‬ ‫وسكبها على صفحة اللوحة بحرفية واضحة‬ ‫ال تخطئها العين‪ ،‬وهذا النوع من األسلوب‬ ‫الفني‪ ،‬يصنفه بعض النقاد تحت مسمى‬ ‫الفن السريالي لتجاوزه ح��دود الواقعية‪،‬‬ ‫بينما يراه آخرون رمزيا‪ ،‬ألنه يتضمن العديد‬

‫‪128‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫م��ن ال��رم��وز الموحية‪ ،‬وم��ع ذل��ك ال يمكن‬ ‫إدراج��ه تحت لواء هذه المدرسة الفنية أو‬ ‫تلك‪ ،‬أو تصنيفه ضمن قوالب معينة‪ ،‬إليمانه‬ ‫ب��أن الفن السطحي ال قيمة ل��ه البتة في‬ ‫عالم اإلبداع‪ ،‬وأن وظيفة الفن الحقيقية هي‬ ‫إيقاظ الفكر وإثارة الخيال وإثراء الوجدان‪.‬‬ ‫وقد جسّ دت لوحاته بمجموعها تقريبا هذا‬ ‫السمو الفني والعقلي الذي سعى لتحقيقه‬ ‫الفنان‪ ،‬وتمثّل في مجمل أعماله اإلبداعية‬ ‫تقريبا‪ ،‬هذا وغالبا ما كانت تأتي رسوماته‬ ‫في هيئة ص��ور وعالقات تشكيلية مريحة‬ ‫للعين‪ ،‬مقبولة للذوق‪ ،‬ألنها تحقق أساسات‬ ‫ف��ن التصوير المتبع ف��ي معظم ال��م��دارس‬ ‫الفنية وقواعده‪ ،‬كطريقة لبناء الشكل وقيم‬ ‫الظل والنور‪ ،‬وأسلوب التلوين السليم‪.‬‬ ‫ب��دأ الفنان «السمارة» حياته العملية‬ ‫واإلبداعية مدرِّساً للتربية الفنية‪ ،‬واستمر‬ ‫يمارس مهنته تلك حتى تقاعده المبكر من‬ ‫التعليم‪ ،‬ليتفرغ بعدها بشكل تام تقريبا‪،‬‬ ‫للرسم والتصوير الفوتوغرافي والنحت‪،‬‬ ‫ول��ه مشاركات وبرامج مبتكرة وتطويرية‬ ‫ع��دي��دة ف��ي ه��ذا المجال‪ ،‬كدمج التضاد‬ ‫اللوني والتراكمي بملموس خشن‪ ،‬وسكبه‬ ‫على سطح اللوحة‪ ،‬وإعادة تشكيله بأداته‬ ‫الوحيدة التي ينفذ بها رسم لوحاته‪ ،‬أال‬


‫مؤيد منيف الغنام‬ ‫فنان تشكيلي من الجوف‪ ،‬يقيم حاليا في‬ ‫مدينة الرياض‪ ،‬حقق العديد من اإلنجازات‬ ‫خالل مسيرته الفنية واألدبية‪ ،‬ال سيما في‬ ‫األع��وام القليلة الماضية‪ .‬وهو فنان وناقد‬ ‫تشكيلي‪ ،‬ش���ارك ف��ي ع��دد م��ن المعارض‬ ‫العربية والدولية‪ ،‬وحصل على العديد من‬ ‫الجوائز العربية والمحلية في مجال الفنون‬ ‫التشكيلية‪ ،‬إضافة لكتاباته في الصحف‬ ‫والمجالت‪ ،‬كجريدة الحياة‪.‬‬ ‫بدر عبيد الزارع‬ ‫ولد عام ‪١٩٨٣‬م في مدينة دومة الجندل‪،‬‬ ‫حيث أشجار النخيل الباسقة‪ ..‬وتدفق المياه‬ ‫الجوفية العذبة ال��رق��راق��ة‪ ..‬تلقى تعليمه‬ ‫العام في مدارسها‪ ،‬وحصل على الثانوية‬ ‫العامة عام ‪1421‬ه��ـ‪ ،‬ثم البكالوريوس في‬ ‫اللغة العربية من كلية التربية في سكاكا عام‬ ‫‪1426‬هـ‪ ،‬ويعمل معلما خارج المنطقة‪.‬‬

‫مارس الخط مذ نعومة أظفاره‪ ..‬عندما‬

‫معجب الحوّ اس‬ ‫هو فنان تشكيلي‪ ،‬وأحد مؤسسي جماعة‬ ‫الجوف للفنون التشكيلية‪ ،‬وعضو الجمعية‬ ‫الثقافية والفنون‪ ،‬وعضو الجمعية السعودية‬ ‫للفنون التشكيلية‪ .‬يرى أن للفن بشكل عام‬ ‫رسال ًة سامية وأه��داف��اً جمالية‪ ،‬كونه لغة‬ ‫الشعوب عامة التي ال تحتاج إلى ترجمان‬ ‫بين مختلف الثقافات واللغات العالمية؛‬ ‫فهو يبحث عن الجمال تارة‪ ،‬ويجسد أعماالً‬ ‫تحمل قضية إنسانية أو أفكاراً تأملية تبعث‬ ‫على التفكر والمتعة تارة أخرى‪.‬‬

‫ف� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � �ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ون‬

‫وهي السكين عوضا عن الفرشاة التقليدية‪.‬‬ ‫وهذا األسلوب ميّزه على الساحة التشكيلية‬ ‫المحلية والعربية‪ ،‬وهو ال يزال يمارس فنه‬ ‫الذي بدأه منذ ما يزيد عن أربعين عاماً‬ ‫في مرسمه الخاص بمنزله‪ .‬والسمارة له‬ ‫مشاركات عديدة محلية وعربية وعالمية‪.‬‬

‫ك��ان ف��ي المرحلة االب��ت��دائ��ي��ة‪ ،‬وأب���دع فيه‬ ‫عندما صار معلما‪ ،‬وله أعمال مشهورة فنيا‪،‬‬ ‫وش��ارك في مسابقات‪ ،‬وف��از بها في مكة‬ ‫المكرمة‪ ،‬وف��ي مسابقة عكاظ‪ ،‬ومعارض‬ ‫منوعة في عدد من المناطق‪.‬‬

‫وال��ح��واس ف��ي مجمل أعماله الفنية‪،‬‬ ‫يسعى إل���ى مخاطبة اإلن���س���ان‪ ،‬ودغ��دغ��ة‬ ‫مشاعره بما يبهجه ويسره‪ ،‬بكل ما تحمله‬ ‫هذه العبارات من معنى‪ ،‬وهو يرى أنه كلما‬ ‫للحس اإلنساني ونابعا‬ ‫ِّ‬ ‫كان العمل مخاطبا‬ ‫منه‪ ،‬كلما كان وقعه أكبر‪ ،‬وتأثيره في نفس‬ ‫المتلقي وشعوره أعظم وأبلغ‪.‬‬ ‫فيصل صالح رحيم النعمان‬ ‫كانت بدايته مع النحت على الخشب مثل‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪129‬‬


‫الزيتون والتين والمشمش ثم انتقل للتعامل‬ ‫مع األحجار بأنواعها‪ ،‬تقول جريدة الرياض‬ ‫عنه «تميز النحات فيصل بن صالح النعمان‬ ‫بنظمه للقصائد نحتا حتى أطلق عليه (نحات‬ ‫بدرجة شاعر)‪ ،‬فقد أبدع بنحت الكثير من‬ ‫األعمال الكبيرة والصغيرة‪ ،‬والجميل أنه‬ ‫يمارس هواية النحت برسم قصائده في‬ ‫أعماله الفنية الكثيرة»‪ .‬وقد شارك النعمان‬ ‫في العديد من المهرجانات والمناسبات‬ ‫داخل المنطقة وخارجها‪ ،‬وقدمت له دعوات‬ ‫للمشاركة في معارض متنوعة في اليمن‪،‬‬ ‫والمغرب‪ ،‬ومصر‪.‬‬

‫‪130‬‬

‫شادن مفلح الكايد‬ ‫فنانة تشكيلية شاركت في العديد من‬ ‫المعارض‪ ،‬وأشاد بأعمالها الفنان التشكيلي‬ ‫ياسين النصير والناقد عبدالعزيز السماعيل‬ ‫وغيرهما‪.‬‬ ‫رهام تركي الخميس‬ ‫فنانة تشكيلية لها عدة لوحات شاركت‬ ‫في عديد من المعارض‪.‬‬ ‫شهد الزيد‬

‫فنانة تشكيلية‪ ،‬راو َح اهتمامها بين اللوحة‬ ‫التشكيلية التجريدية ولوحة البورتريه؛ غير‬ ‫مجلي حماد المجلي‬ ‫أنها تمنح األول��وي��ة للنزوع الفني الثاني‪،‬‬ ‫ف��ن��ان تشكيلي م��ع��روف‪ ،‬ل��ه مشاركات لكونها تجد ذاتها في القلم الرصاص‪ ،‬وتلفي‬ ‫اجتماعية وفنية في محافظة دومة الجندل تجريبيتها أكثر مع هذا الكائن األصم‪ ،‬مع أن‬ ‫ومنطقة الجوف‪.‬‬ ‫الكثيرين يعدون البورتريه من أصعب أنواع‬ ‫الرسم التي تمتاز بتعقيداتها العتمادها على‬ ‫خالد سعد الزارع‬ ‫تقديم شخصية ما من خالل مالمح الوجه‬ ‫ف��ن��ان تشكيلي وم��ع��ل��م ت��رب��ي��ة فنية في‬ ‫وقسماته في أشد تفاصيلها غورًا‪.‬‬ ‫محافظة دومة الجندل‪.‬‬ ‫ت��ق��ول إن��ه��ا ال ش���يء يفهمها ك��ال��رس��م‪،‬‬ ‫جالل خالد الخير اهلل‬ ‫عاشقة للون الرمادي‪ ..‬أَحبُّ األوقات إليها‬ ‫ناقد تشكيلي ومهتم بالفن التشكيلي‪ ،‬تلك التي يكون ال��ن��اس فيها ف��ي سبات‪..‬‬ ‫شارك في عدد من المناسبات والمهرجانات‪ ،‬ترسم بمشاعرها‪ ..‬ترسم الواقعية وتعزف‬ ‫وله كتاب جمع فيه مقاالته حول نقد الفن أحاسيس األل��وان المحايدة لتترك العالم‬ ‫التشكيلي‪.‬‬ ‫يرى األشياء كلها بالرسم‪..‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫مريم العيسى‬ ‫تشير الفنانة العيسى خالل سردها لبعض‬ ‫الجوانب من سيرتها الفنية بالقول‪ :‬كان‬ ‫الرسم جزءًا من حياتي‪ ،‬وروتيناً أترجم من‬ ‫خالله مشاعري اليومية‪ ،‬وكان أكثره داخال‬ ‫في نطاق الخصوصية‪ ،‬وإن كان ألحد فضل‬ ‫عليّ بعد اهلل تعالى‪ ،‬فهو فضل مشرفاتي‬ ‫في سكن الطالبات‪ ..‬حين كنت أرس��م في‬ ‫��وم أفاجأ بنداء من‬ ‫أوق��ات فراغي‪ .‬وف��ي ي ٍ‬ ‫اإلدارة ظننت معه أنني اقترفت خطأ ما دون‬ ‫أن أعلم‪ ،‬هو الذي دعا اإلدارة الستدعائي‪،‬‬ ‫وكانت المفاجأة السعيدة عندما طلبوا مني‬ ‫المشاركة في معرض جامعة الملك سعود‬ ‫للفن التشكيلي وغيره من النشاطات التي‬ ‫تتعلق في هذا المجال‪ ،‬ومن خالل معارض‬ ‫جامعة الملك سعود كرَّتْ السبحة؛ ما هيأ لي‬ ‫الفرصة لمالقاة العديد من الفنانات‪ ..‬ومن‬ ‫مختلف أرجاء السعودية‪ ،‬وتوجيه الدعوات‬ ‫لي للمشاركة في معارض أخرى؛ ما أسهم‬ ‫في إثراء تجربتي فنيا وأغناها»‪.‬‬ ‫آمنة الضويحي‬ ‫فنانة تشكيلية تمتلك خبرة واسعة في‬ ‫عدة مجاالت في فن الرسم‪ ،‬ومنها الطبيعة‬ ‫الصامتة والمدرسة التكعيبية والتجريدية‪،‬‬ ‫وقد قدمت عدة دورات في المراكز الصيفية‬ ‫على جميع ال��م��راح��ل م��ن االب��ت��دائ��ي إلى‬ ‫الجامعة‪.‬‬ ‫ك��م��ا أن ه��ن��اك ال��ع��دي��د م���ن الفنانين‬ ‫والمهتمين بالفن التشكيلي نذكر منهم‪:‬‬ ‫ •الفنان زيد بن عبداهلل الغنام‬

‫يقول نواف ذويبان الخالدي مدير «فرع‬ ‫الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون‬ ‫ب��ال��ج��وف»‪« :‬تعد جمعية الثقافة والفنون‬ ‫بالجوف التي افتتحها أمير منطقة الجوف‬ ‫األمير فهد بن بدر بن عبدالعزيز رسميا في‬ ‫‪2010/5/26‬م‪ ،‬الحاضنة األساس لفعاليات‬ ‫فنية مختلفة‪ ،‬وتنظيم نشاطاتها المنوعة‬ ‫ض��م��ن أط���ر م���دروس���ة وأس����س واض��ح��ة‪،‬‬ ‫القصد منها خدمة األهداف التي من أجلها‬ ‫وج��دت الجمعية‪ ،‬فتم تشكيل العديد من‬ ‫اللجان منها‪ :‬لجنة الفنون التشكيلية والخط‬ ‫العربي‪ ،‬والعمل على إقامة الملتقيات للفنون‬ ‫التشكيلية‪ ،‬وبعد النجاح بإقامة الملتقيين‬ ‫األول والثاني‪ ،‬تم في عام ‪1434‬م‪ ،‬التوسع‬ ‫في مساحة التطوير والتحديث في أساليب‬ ‫ون���ش���اط���ات ال��ج��م��ع��ي��ة‪ ،‬م���ن ح��ي��ث إق����رار‬ ‫المباشرة بملتقيات عديدة أخرى‪ ،‬تكون على‬ ‫مستوى الفروع والمناطق‪ ،‬لتكون المشاركات‬ ‫أوس��ع واأله���داف أع��م وأشمل؛ فتم توجيه‬ ‫ال��دع��وات للفروع والفنانين على مستوى‬ ‫الوطن كله‪ ،‬للحضور واإلسهام في فعاليات‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫ف� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � �ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ون‬

‫وتقول إن بدايتها كانت بداية متواضعة‬ ‫ص��ق��ل��ت��ه��ا أم���ه���ا‪ ،‬ف��ب��ح��ثُ��ه��ا‪ ،‬ف��م��م��ارس��ت��ه��ا‬ ‫المستمرة‪ ..‬حتى تمكنت من قلمها الرمادي‬ ‫أن تصنف نفسها ف��ن��ان��ة واق��ع��ي��ة بنكهة‬ ‫الجاذبية وجنون المنافسة‪.‬‬

‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬

‫•الفنان‪/‬محمد غصاب الضويحي‬ ‫•الفنان‪/‬جميل كساب الشايع‬ ‫•الفنان‪/‬بندر خالد الحلو‬ ‫•الفنان‪/‬مبارك الخصي‬ ‫•الفنان‪/‬نواف عبدالكريم الربيع‬ ‫•الفنان‪ /‬ناصر نويصر الحسن‬ ‫•الفنان‪/‬بدر الزارع‬ ‫•الفنان بدر ناعم الخيراهلل الطالب‬ ‫•الفنان‪ /‬ناصر الشريطي‬ ‫•الفنان‪/‬تركي مبارك المرجان‬ ‫•الفنان‪/‬محمد مبرد الشمري‬ ‫•الفنانه‪/‬ريهام الشرعان‬ ‫•الفنانة‪/‬صفاء صالح النازل‬ ‫•الفنانة‪/‬سوسن متعب المقاود‬ ‫•الفنان‪ /‬ياسر خليفة الذويبان‬

‫‪131‬‬


‫تلك الملتقيات وإثرائها‪ ،‬وقد جرت العادة أن الفن التشكيلي وتفرعاته المنوعة‪ .‬ويختتم‬ ‫يجلب الفنانون معهم لوحاتهم‪ ،‬التي أنجزوها الملتقى فعالياته ع���ادة‪ ،‬ب��إق��ام��ة معرض‬ ‫في مراسمهم الخاصة بوقت سابق‪ ،‬إال أنه للوحات التي أنجزت أثناء إقامته‪.‬‬ ‫تم الطلب من الفنانين الذين شاركوا في‬ ‫وإل��ى جانب ه��ذا الملتقى يكون هناك‬ ‫الملتقى األخير‪ ،‬عمل لوحات جديدة داخل ملتقى آخر رديفا له‪ ،‬وهو خاص بالفنانات‬ ‫صالة الملتقى‪ ،‬ال��ذي يتم ع��ادة في مركز الجوفيات فقط‪ ،‬مع الحرص التام على أن ال‬ ‫«الملك عبداهلل الثقافي بالجوف»‪ ،‬ليتمكن يكون مكان الملتقى في «سكاكا» وحدها‪ ،‬بل‬ ‫ال��زائ��ر م��ن م��ش��اه��دة ال��ل��وح��ة وه���ي تنجز يشمل كافة المحافظات التابعة لها‪ ،‬وتنفيذا‬ ‫من قبل الفنان مباشرة‪ ،‬وهو يشكلها على لهذا التوجه‪ ،‬جُ عِ ل الملتقى األخير مثال‪ ،‬في‬ ‫مرأى من الحضور‪ ،‬فتكون المشاهدة أمتع‪ ،‬قرية «ك��اف» التاريخية التابعة لمحافظة‬ ‫والمتابعة أجمل‪ ،‬إضافة لفائدتها التعليمية «القريات»‪.‬‬ ‫والتدريبية بالنسبة لهواة الفن من الشباب‬ ‫«وإضافة لكل ما سبق ذكره‪ ،‬دأبنا في كل‬ ‫والمبتدئين‪ ،‬فيكسبون مهارات تدريبية وهم‬ ‫يرقبون الفنان وهو يقوم بإنجاز إبداعاته سنتين على إقامة مسابقة باسم جائزة الجوف‬ ‫التشكيلية على أرض الواقع وأمام أعينهم‪ .‬للفن التشكيلي‪ ،‬وهذه المسابقة تتواكب عادة‬ ‫و«مهرجان الزيتون» الذي يقام في «سكاكا»‬ ‫وم��ن الجدير بالذكر أن الجمعية تقيم سنويا‪ ،‬وطموحنا الذي نسعى لتحقيقه هو‬ ‫ملتقى ال��ج��وف للفن التشكيلي وال��خ��ط تحويل هذه الجائزة إلى جائزة سنوية بدال‬ ‫ال��ع��رب��ي س��ن��وي��ا‪ ،‬ف��ي ش��ه��ر ش���وال م��ن كل من كونها كل سنتين‪ ،‬إلتاحة فرصة أكبر أمام‬ ‫عام‪ ،‬وبمعدل خمس محطات للرسم الحر أبناء المنطقة من محترفين وهواة‪ ،‬ليتحفونا‬ ‫وعلى الهواء مباشرة‪ ،‬يشارك فيه عادة نحو بالمزيد من حصيلتهم الفنية‪.‬‬ ‫خمسين فنانا‪ ،‬ليسوا من الجوف وحدها‪،‬‬ ‫ه��ذا ونقيم ورش���ة عمل فنية أخ��رى‪،‬‬ ‫بل من جميع أنحاء المملكة‪ ،‬ويتم من خالله‬ ‫تبادل الخبرات بين الفنانين‪ ،‬وطرح اآلراء يتخللها دورة للناشئين والناشئات واألطفال‪،‬‬ ‫على بعضهم وتبادلها‪ ،‬للرقي بهذا النوع ويكون مكانها قاعة الفلوب فالب»‪.‬‬ ‫من النشاط الفني‪ ،‬ويستمر الملتقى ثالثة‬ ‫وتعد جماعة الجوف للفنون التشكيلية‬ ‫أيام متتالية‪ ،‬يتخلله محاضرات وندوات عن األول��ى في شمالي المملكة‪ ..‬وتنطلق من‬

‫‪132‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫خاتمة‬

‫ف� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � �ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ون‬

‫الجوف تحديدًا‪ ،‬وقد قدمت ما يمكن تسميته مستوى المملكة كلها‪ ،‬واألسماء عديدة في‬ ‫باللبنة األول��ى في بناء الفنون التشكيلية هذا المجال‪ ،‬ومن كال الجنسين‪.‬‬ ‫والبصرية في المنطقة‪ ،‬وبإمكانات محدودة‬ ‫ويظل ك��ل م��ا ذك��رن��اه غيض م��ن فيض‬ ‫جدا‪ ،‬وكان همها األول تحريك الساكن من‬ ‫حركة الفنون التشكيلية في منطقة الجوف‪،‬‬ ‫المرافق االجتماعية والثقافية‪ ،‬بالبحث عن‬ ‫ك���ون ه���ذا ال��ل��ون م��ن ال��ف��ن ب��م��ا يملك من‬ ‫المبدعين الجدد من أبناء المنطقة خاصة‪،‬‬ ‫خصوصية جمالية وثقافية مؤثرة‪ ،‬ما يزال‬ ‫وأب��ن��اء المملكة ع��ام��ة؛ ف��أق��ام��ت العديد‬ ‫م��ن ال��م��ع��ارض التشكيلية داخ��ل المنطقة يجتذب إل��ي��ه بين الحين واآلخ���ر‪ ،‬أجياال‬ ‫وخ��ارج��ه��ا‪ ،‬وف��عَّ��ل��ت ال����دورات التشكيلية‪ ،‬ج��دي��دة م��ن ال��م��واه��ب وال��ط��اق��ات الشابة‪،‬‬ ‫ونشَّ طت ال��ن��دوات النقدية الخاصة بالفن التي تحاول إعادة هيبته وقيمته إلى الحياة‪،‬‬ ‫وإب��راز أهميته‪ ،‬شريطة أن يتالءم وثقافتنا‬ ‫التشكيلي بوجه عام‪.‬‬ ‫الحضارية الملتزمة بقيمنا العربية األصيلة‪،‬‬ ‫وال��ج��دي��ر ب��ال��ذك��ر إن م��ن أف����راد ه��ذه‬ ‫وتعاليم ديننا الحنيف‪.‬‬ ‫المجموعة فنانين س��ع��ودي��ي��ن م��ن خ��ارج‬ ‫منطقة الجوف‪ ،‬إضافة لغيرهم من بعض‬ ‫المصادر‪:‬‬ ‫البالد العربية‪ ،‬وذلك بحكم القرب الجغرافي ‪ -1‬نوافذ جوفية (تقرير سنوي أول) ‪1432/‬م‪ /‬أول‬ ‫نشاط نسائي فني‪..‬ص‪.42‬‬ ‫م��ن ال��ع��راق واألردن وس��وري��ا‪ ،‬كما ينتسب‬ ‫للمجموعة كتابٌ وصحفيون من المهتمين ‪ -2‬نوافذ جوفية (تقرير سنوي ثان)‪1433/‬م‪ /‬ملتقى‬ ‫وجائزة الجوف للفنون التشكيلية‪..‬ص‪.27‬‬ ‫بالفن التشكيلي وتفرعاته‪ ،‬ولهم إسهامات‬ ‫‪ -3‬نوافذ جوفية (تقرير سنوي ث��ال��ث)‪1434/‬م‪/‬‬ ‫عديدة في هذا المجال‪.‬‬ ‫ثقافة الجوف تقيم ورشة «بناء اللوحة التشكيلية»‬ ‫ص‪.21‬‬

‫‪ -4‬م���ج���ل���ة ج������وف األدب‪ ..‬ال����ع����دد األول‪..‬‬ ‫ش��ع��ب��ان‪1433/‬م‪/‬ع��ارف ب��ن حامد العضيب‪..‬‬ ‫ص‪.78‬‬

‫م��ا ي���زال ه��ن��اك ال��ع��دي��د م��ن المواهب‬ ‫الالمعة في فضاءات اللون والريشة‪ ،‬ممن‬ ‫تبحروا بعوالم اللوحة وجمالياتها من أبناء ‪ -5‬احمد حجاج‪ ..‬مجلة الجوف‪..‬العدد‪/144‬فنان‬ ‫بمرتبة شاعر‪..‬ص‪.48‬‬ ‫الجوف‪ ،‬ولهم فيها إسهامات مميزة‪ ،‬أثروا‬ ‫بها هذا الجانب الزاهي من الفنون‪ ،‬ليس ‪ -6‬أعداد متفرقة من مجلتي الجوبة وسيسرا‪.‬‬ ‫على مستوى منطقتهم وحسب‪ ،‬بل وعلى ‪ -7‬صحيفة نبض الشمال اإللكترونية‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪133‬‬


‫ُ‬ ‫التماس ِك‬ ‫جمالية‬ ‫ُ‬

‫الطبيعية‬ ‫والخامات‬ ‫والحرف‬ ‫اللوح‬ ‫بين‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٌ‬ ‫السعودي‪ ،‬فيصل الخديدي‬ ‫التشكيلي‬ ‫الفنان‬ ‫أعمال‬ ‫قراءة في‬ ‫ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِّ‬ ‫‪ρρ‬إبراهيم احلجري*‬

‫تنم تجربة الفنان التشكيلي السعودي‪ ،‬من خالل أعماله التشكيلية المعروضة‬ ‫مرهف بالعالم والحياة؛ ذلك أنه يختصر مسافة‬ ‫ٍ‬ ‫حس‬ ‫بشكل جماعي أو فردي‪ ،‬عن ٍّ‬ ‫الحلم البشري منذ الطفولة التي تعادل طفولة آدم‪ ،‬مرورا بالمراحل الحاسمة‬ ‫والمنعطفات الصعبة التي م ّر بها طيلة قرون من وجود البشر على هذه األرض‪.‬‬ ‫كما أن��ه يزحم عالم لوحته بالخامات والهيروغليفيات وال��م��واد البصرية بوعي‬ ‫مسبق‪ ،‬وتحدٍّ ص��ارمٍ للقواعد والضوابط الكالسيكية‪ ،‬ليقدم للرائي والمتتبع‬ ‫تركيبة معقدة من الرموز والعالمات السيميائية المتداخلة‪ ،‬التي تحتاج جهدً ا‬ ‫بليغً ا لتأويل شفراتها المتراكبة في شكل طبقات من مجاالت متشابهة أو مختلفة؛‬ ‫وهذا يجعله يراهن‪ ،‬مع سبق اإلصرار والترصد على قارئ واعٍ بالمكونات البصرية‪،‬‬ ‫وبتحوالت الفن التشكيلي‪ .‬ولئن كان الخديدي متشبع ًا بمقوالت الفن التشكيلي‬ ‫ومفاهيمه‪ ،‬ونماذجه المختلفة‪ ،‬من خالل تكوينه الرصين في هذا الباب‪ ،‬فإنه‬ ‫يؤمن إيمانا قويا‪ ،‬على ما يبدو من خالل تأمل أعماله ومنجزاته‪ ،‬بالتجربة الفردية‬ ‫والجماعية‪ ،‬واالحتكاك المباشر بالكون الفني‪ ،‬والمقاربة التجاوزية للطقوس‬ ‫والمفاهيم التي ال يمكن إال أن تُسقط صاحبها في التكرارية والنمطية؛ لذلك‬ ‫فهو يمنح البشر خياله الخصب‪ ،‬وإحساسه الفني الرهيف باألسئلة‪ ،‬وذائقته التي‬ ‫حواف القواعد‪ ،‬وتضيق بها المفرزات النظرية الصرفة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫تفيض على‬ ‫‪ .1‬خامات طبيعية متنوعة‬

‫‪134‬‬

‫ي���درس فيه طلبة الكتاتيب‪ ،‬وحفظة‬

‫لعل أول ما يثير االنتباه في تجربة كتاب اهلل‪ ،‬الذي يبدو الزمة متكررة في‬ ‫الفنان فيصل الخديدي‪ ،‬هو هذا التنويع التجربة‪ ،‬أو لنقل هي الحامل الجوهري‬ ‫على مستوى ال��خ��ام��ات‪ ،‬وال��ث��راء على لكل عمل‪ ،‬نجد مكوّن الخط العربي‬ ‫مستوى األدوات الفنية؛ إذ باإلضافة بما يتميز به من تنوع وجمالية‪ ،‬وما‬ ‫إل��ى شكل ال��ل��وح التقليدي ال��ذي كان يمنحه للفنان من مساحة تحرر دفقه‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫ف� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � �ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ون‬

‫الشعري والشعوري‪ ،‬ويبدو هذان المكونان‬ ‫متالزمين أو مرتبطين م��ادام اللوح أصال‬ ‫ُوج��د وبُيّض بالصلصال لغاية الكتابة‪ ،‬وال‬ ‫يهم هنا‪ ،‬الفنان‪ ،‬ما يكتب أو ما هو مكتوب‪،‬‬ ‫بقدر ما يهم الرسم الحروفي‪ ،‬وم��ا يزيده‬ ‫من جمالية وبهاء على اللوحة‪ ،‬وما يرفد به‬ ‫عالمها التخييلي من دفق معنويّ ‪ ،‬ناهيك عن‬ ‫خامات األلوان المتنوعة‪ ،‬التي تشكل المادة‬ ‫الحيوية التعبيرية التي تخلق الفارق الجمالي‬ ‫والسيميائي بين األعمال التشكيلية‪ ،‬خاصة‬ ‫مع وجود خامات متشابهة‪ ،‬ومكونات متكررة‪،‬‬ ‫وحوامل موحدة‪.‬‬ ‫يسهم ح��ض��ور الشكل ال��ب��ص��ري للوحة‬ ‫ف��ي جعل المتلقي يعتقد اع��ت��ق��ادًا جازمًا‬ ‫ب��أن هناك ح��ض��ورًا لطابع النحتيّ ‪ ،‬حيث‬ ‫يبرز مظهر الحجر الجرانيتي ال��ذي يلهم‬ ‫العالم التشكيلي بأفق تأصيل طبيعة المادة‬ ‫التشكيلية؛ سواء من خالل رفدها بالسند‬ ‫الصخري‪ ،‬أو من خالل ضخ سمات المادة‬ ‫الترابية والصلصالية‪ ،‬التي يخلقها تداخل‬ ‫األلوان الرمادية والمدادية والبنية والترابية‬ ‫التي أعطت لألعمال التشكيلية بُعدًا طبيعيًا‬ ‫إضافيًا يزيد من تعقيد تركيبتها‪ ،‬وتداخل‬ ‫مكوناتها‪ ،‬وعالماتها‪ ،‬ويغني في الوقت ذاته‪،‬‬ ‫من أفق قراءتها وتلقيها‪.‬‬ ‫ويصدر عنها في كافة مناشطه وسلوكاته‬ ‫ولعل حضور شكل المخطوط أو الكاغد وأعماله‪ ،‬الشيء الذي يرسخ عمق انتسابها‬ ‫أو م���ادة ال��ك��ت��ان المفترض كونها حوامل إل��ى عوالمه الحميمة التي يتفاعل معها‬ ‫ل��ل��م��س��ن��دات ال��ع�لام��ات��ي��ة‪ ،‬ي��ع��م��ق ال��ش��ع��ور بشكل يومي‪ .‬وبذلك‪ ،‬تتحول اللوحة الضاجة‬ ‫المفضي إلى كون مادة العمل الفني تنبثق من بهذه المكونات‪ ،‬المتسربلة بإيقاعات األلوان‬ ‫صميم مكونات المادة التي يمتح منها البشر‪ ،‬واألش��ك��ال والمرفقات اللسنية‪ ،‬إل��ى نص‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪135‬‬


‫محكومة بسياق اجتماعي‪ ،‬لساني‪ ،‬جمالي‪،‬‬ ‫أدبي‪ ،‬سيكولوجي‪ ،‬ومعرفي‪ ...‬وهنا تتعقد‬ ‫مهمة المتلقي ال���ذي يصبح بحاجة إلى‬ ‫ت��رب��ي��ة ب��ص��ري��ة‪ ،‬وت��ك��وي��ن تشكيلي‪ ،‬ووع��ي‬ ‫جمالي‪ ،‬ليستطيع التفاعل مع بنية اللوحة‪/‬‬ ‫القصيدة التي كلما أعدْتَ قراءتها‪ ،‬وألححت‬ ‫في اإلمعان في طبقاتها البصرية‪ ،‬انفتحت‬ ‫ال��دالالت‪ ،‬واتسعت المفاهيم‪ ،‬وضاقت بها‬ ‫العبارات‪.‬‬

‫داللي زاخر بالعوالم والعالئم والدوال‪ ..‬التي‬

‫ال يمكن أن تدل إال في شموليتها وتداخلها‪.‬‬ ‫‪ .2‬شيء من الحروف والشاعرية‬

‫تمنح التشكيالت النوعية‪ ،‬والخصيصات‬

‫ال��ت��ك��ون��ي��ة ل��ع��ال��م ال��ل��وح��ة ع��ن��د فيصل بن‬

‫خالد الخديدي‪ ،‬ق��درة فائقة على تفجير‬ ‫المعطيات التأويلية‪ ،‬بالنظر إل��ى غناها‬

‫وثرائها‪ ،‬وبالنظر إلى طبيعتها االحتمالية‪،‬‬

‫ففضال عن كونها تؤدي دالالت عميقة في‬

‫صورتها المستقلة‪ ،‬عندما نقوم بفرزها‬ ‫ال��واح��دة ع��ن األخ���رى‪ ،‬وتفكيك مكوناتها‬

‫البصرية التي تجتمع فيها كنص متراكب‪،‬‬ ‫وم��ت��رادف األشكال وال���دوال‪ ،‬فإنها عندما‬

‫تتجاور وتتداخل‪ ،‬تتقوى أواصرها‪ ،‬وتصبح‬

‫‪136‬‬

‫مكونًا عالئقيًا داخ��ل بنية بصرية تأويلية‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫وإض��اف��ة إل��ى ك��ون ال��ل��وح��ات تشكل في‬ ‫حد ذاتها نصوصا متخمة بالمعنى‪ ،‬فإنها‬ ‫تتضمن نصوصا لغوية ولسنية تراثية‪ ،‬تمنح‬ ‫هذا العمق التراثي للوحات‪ ،‬وتربطها أكثر‬ ‫بالجمالية العربية التراثية التقليدية التي‬ ‫كلما تقادمت‪ ،‬تعتقت وازداد بهاؤها‪ .‬وبفضل‬ ‫ه��ذا الحضور للزخم السيميائي التراثي‬ ‫(ال��ل��وح‪ ،‬الصلصال‪ ،‬الخط ال��ع��رب��ي‪ ،‬شكل‬ ‫المخطوط‪ ...‬النصوص التراثية) يترسخ‬ ‫امتداد النموذج التشكيلي لفيصل الخديدي‬ ‫في الماضي العربي‪ ،‬مثلما يتوغل في سؤال‬


‫ف� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � �ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ون‬

‫واع بخصوصيات النوع الفني‪،‬‬ ‫العصر‪ ،‬بشكل ٍ‬ ‫وح��رص متناهٍ على‬ ‫ٍ‬ ‫وت��داخ��ل بناه وأب��ع��اده‪،‬‬

‫الحدود والفواصل‪.‬‬

‫استنادا إلى هذه المكونات التشكيلية‪،‬‬

‫تتضح األبعاد الشعرية في الخطاب البصري‬ ‫ل��ل��وح��ات ال��ت��ي تصبح ط��اف��ح��ة بكائناتها‬

‫الشعرية‪ ،‬من حيث التنظيم‪ ،‬وزوايا التقارب‬ ‫واالبتعاد‪ ،‬وأق��واس تشكل المعاني‪ ،‬والغور‬ ‫ال��دالل��ي البعيد‪ ،‬واالس��ت��ع��ارات البصرية‬

‫المتساوقة‪ ،‬ناهيك ع��ن انسجام اإلي��ق��اع‬ ‫ال��ل��ون��ي وت��دف��ق��ه ع��ل��ى ال��م��ق��اس‪ ،‬وحركية‬

‫الحرف‪ ،‬وانعكاسه الجمالي الساخر الذي‬

‫يجتذب من الشعر ما يجتذب‪ ،‬فيؤسس رفقة‬ ‫باقي الدوال هيروغليفية شعرية تتأبى على‬ ‫اإلمساك‪.‬‬

‫‪ .3‬من رؤية الذات إلى رؤيا العالم‬ ‫نستشف‪ ،‬من خالل تأمل المنجز التشكيلي‬

‫للفنان السعودي فيصل الخديدي أن التجربة‬ ‫الفنية المتعددة المشارب والمرجعيات ال‬

‫ت��راه��ن على مجرد ال��ن��زوع ال��ذات��ي إلشباع‬

‫أسئلة وج��ودي��ة‪ ،‬بل تتوق لبصم أثرها في‬ ‫المنجز البشري‪ ،‬س��واء من خ�لال األسئلة‬ ‫الشمولية التي تطرحها كل لوحة‪ ،‬أو من‬

‫يس ُم به هذه األعمال‪،‬‬ ‫خالل التنويعات التي ِ‬

‫فما يهمه هو ُكنْه القيم اإلنسانية المتجسدة‬ ‫من خالل العودة إلى الطين والصلصال منبت‬

‫كافة البشر‪ ،‬في طبيعته الفطرية السليمة‬ ‫التي لم تلوثها يد المدنية الشوهاء‪ ،‬ومن‬ ‫خالل انبثاق تجربته عن رؤية الواقع والعالم‬ ‫المعيشين في حركيتهما الدائبتين‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪137‬‬


‫وبناء على ذلك‪ ،‬واعتبارًا لحرص الفنان على أن‬ ‫تكون أغلب معارضهِ جماعية‪ ،‬فإن تفضي العوالم‬ ‫التشكيلية لديه إلى رؤية تشاركية للفن‪ ،‬في انفتاحه‬ ‫على الفنون واإلنسانيات‪ ،‬ونهله من كل التجارب‪،‬‬ ‫وجعله معاشً ا وقريبا من اهتمامات الناس وهمومهم‬ ‫ومطامحهم‪ ،‬ما دام الفنان غير معزول تماما عن‬ ‫المحيط الذي يعيش فيه أسوة بباقي الناس‪ ،‬وكأن‬ ‫فلسفة فيصل الخديدي هي أن يعيش الناس الفن‪،‬‬ ‫ويتنفسوه‪ ،‬ويجعلوه صمام أم��ان وج��ودي إلى حياة‬ ‫هادئة مطمئنة‪.‬‬ ‫لقد أهّ ��ل ث��راء النص العالماتي البصري الذي‬ ‫يحفل به كل عمل من أعمال فيصل الخديدي‪ ،‬لعالم‬ ‫اللوحة من االنتقال فنيا‪ ،‬من رؤية الذات الجوانية إلى‬ ‫رؤيا العالم الشمولي بفعل قوة المخزونات التراثية‬ ‫والمادية الغنية بإحاالتها واستعاراتها‪ .‬فالحروف‬ ‫العربية تحيل على كل حضارة العرب وتراثهم الفكري‬ ‫واألدب��ي والنقدي‪ ،‬والجمالي أيضا؛ على اعتبار أن‬ ‫الفنان العربي لم يُعبِّر في شيء أكثر مما عبّر في‬ ‫الخط؛ ناهيك عن األلوان القاتمة الرامزة للطبيعة‬ ‫بصيغها البسيطة وال��ف��ط��ري��ة‪ ،‬وف��ي تناغمها مع‬ ‫السمفونيات الداخلية للبشر‪ ،‬وانفعاالتهم‪ ،‬فضال عما‬ ‫يحيل إليه عالم اللوح الخشبي أو شكل المخطوط‪،‬‬ ‫كحاملين عريقين للمعرفة والعلم‪ .‬كل ذل��ك جعل‬ ‫المادة الجمالية للمنجزات البصرية لدى الخديدي‬ ‫مستغرقة في هيولى زمنية ممتدة‪ ،‬تخترق الماضي‬ ‫بتالوينه‪ ،‬لتشق الحاضر بأسئلته‪ ،‬دون أن تفرّط في‬ ‫الهجس بمؤشرات المستقبل وخرائطه عبر اإليحاء‬ ‫واإلحالة والتأشير الملهِ مِ ين‪.‬‬ ‫ * ناقد وروائي من المغرب‪.‬‬

‫‪138‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬


‫املؤلف ‪ :‬نور إبراهيم احلازمي‬

‫املؤلف ‪ :‬شاهر إبراهيم ذيب‬

‫الناشر ‪ :‬دار االنتشار العربي‬

‫الناشر ‪ :‬نادي اجلوف األدبي الثقايف‬

‫يمثل ال��ك��ت��اب مجموعة م��ن القصائد‬ ‫وال��م��ق��ط��وع��ات ال��ش��ع��ري��ة ل�لأس��ت��اذ الكبير‬ ‫ال��ع�لام��ة حمد ال��ج��اس��ر يرحمه اهلل‪ ،‬كان‬ ‫المؤلف قد عثر عليها منذ زمن طويل أثناء‬ ‫بحثه البيبليوجرافي في صحيفتي «أم القرى»‬ ‫و«أص���وات الحجاز»‪ .‬وق��د ج��اء الكتاب في‬ ‫(‪ )112‬صفحة من القطع الصغير‪ ..‬وتضمن‬ ‫(‪ )18‬قصيدة‪ ..‬منها‪ :‬شمل الرعية عدله‪،..‬‬ ‫خدمة الوطن‪ ،‬رجال الشرق‪ ،‬أين المفر‪ ،‬إلى‬ ‫متى‪ ،‬العلم‪ ،‬المال‪ ،‬بين الشرق والغرب‪ ،‬خير‬ ‫الممالك‪ ،‬إلى الشباب العربي الناهض‪.‬‬ ‫ويقول المؤلف‪ « :‬وإذا ك��ان الجاسر قد‬ ‫زه��د في شعره‪ ،‬فهذا شأنه‪ ،‬أم��ا أن يدفع‬ ‫الناس إلى الزهد فيه‪ ..‬فهذا ما ال يملكه‪..‬‬ ‫وال يقدر عليه»‪.‬‬

‫ق � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��راءات‬

‫الكتاب ‪ :‬من أشعار العالمة حمد اجلاسر يف شبابه‬

‫الكتاب ‪ :‬أسير الثرى “ديوان شعر”‬

‫صدر حديثا عن أدبي الجوف ديوان شعر‬ ‫بعنوان «أسير الثرى» للشاعر الدكتور شاهر‬ ‫إبراهيم ذي��ب‪ ..‬وقد جاء الديوان في (‪)77‬‬ ‫صفحة‪ ،‬ضم ثالثين قصيدة‪ ،‬منها‪ :‬أحبك‬ ‫فلتسألي ال��ذاري��ات‪ /‬بالني سحرها‪ /‬تقول‬ ‫تمهل‪ /‬أحبك أكثر‪ /‬لمن تبث شجنك يا قلب‪/‬‬ ‫وداع‪/‬هو الحب‪/‬ممزق أنا‪ /‬الفراق القادم‪..‬‬ ‫وأسير الثرى ال��ذي ج��اء عنوانا للديوان‪..‬‬ ‫ويقول في إحدى قصائده‪:‬‬

‫تقول تمهل!‬ ‫فما زال عندي بعض عتاب‬ ‫لحين الصباح‪.‬‬ ‫وما زال في القلب بعض األماني‪..‬‬ ‫رغم الجراح!!‬ ‫فقلت لقلب قريح تجمَّ ل‪:‬‬ ‫بماذا يفيد انتظار الصباح؟!‬ ‫تعيش‬ ‫ُ‬ ‫ومَ ن قال إن القلوب‬ ‫إذا‪ ،‬وجعً ا أثخنتها الجراح؟!‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪139‬‬


‫الكتاب ‪ :‬عصارة قلم‬ ‫املؤلف ‪ :‬محمد املبارك‬ ‫الناشر ‪ :‬املؤلف ‪2017 -‬م‬

‫حين تضع (عصارة قلم) بين يديك‪..‬‬ ‫تنتقل من عبارة ألخرى‪ ،‬ومن تجربة إلى‬ ‫تجربة‪ ..‬تشعر أنك تتنفس عبق وأجواء‬ ‫ول����ون ورائ���ح���ة وش��ك��ل ال��ق��رن ال��ح��ادي‬ ‫والعشرين‪ ..‬حيث تحضر «األي��ق��ون��ات»‬ ‫الفنية بتجربة وحكمة ورؤي���ة ال��ق��رون‬ ‫السالفة؛ وهنا ينجح محمد المبارك في‬ ‫أن يجعل القارئ يمسك بيديه كل القرون‬ ‫واآلماد والحقب في كتاب واحد‪ ،‬ال غنى‬ ‫ل��ل��ش��اب ع��ن اإلب��ح��ار ف��ي��ه‪ ..‬واح��ت��ض��ان‬ ‫عباراته‪..‬‬ ‫ول��ع��ل ف��ك��رة ال��ك��ت��اب ه��ي إف����راز من‬ ‫اإلفرازات العصرية التي تحيط بنا ونحن‬ ‫نستخدم وس��ائ��ط االت��ص��ال الحديثة‪..‬‬ ‫متمنين للكاتب م��زي��دا م��ن ال��ع��ص��ارات‬ ‫واأللق واال بداع‪.‬‬ ‫‪140‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1438‬هـ (‪)2017‬‬

‫الكتاب ‪ :‬اللون ومدلوله النفسي يف‬ ‫شعر عبدالقادر احلصني‬ ‫املؤلف ‪ :‬محمود خلف البادي‬ ‫الناشر ‪ :‬نادي اجلوف األدبي الثقايف ‪2017‬م‬

‫ص����در ح��دي��ث��ا ع���ن أدب�����ي ال��ج��وف‬ ‫كتاب «اللون ومدلوله النفسي في شعر‬ ‫عبدالقادر الحصني» للدكتور محمود‬ ‫خلف ال��ب��ادي من جامعة الجوف‪..‬جاء‬ ‫الكتاب في (‪ )204‬صفحات من القطع‬ ‫المتوسط‪.‬‬ ‫تضمن ال��ك��ت��اب دراس����ات ف��ي شعر‬ ‫عبدالقادر الحصني‪ ،‬ودراس��ة تأصيلية‬ ‫عن اللون والتعرف إل��ى أنماط األل��وان‬ ‫في الصورة الشعرية‪ ،‬وجودة التأثير فيها‬ ‫والتأثر بها‪ ،‬كما يتناول الكتاب منزلة‬ ‫ال��ل��ون ف��ي ال��ص��ورة الشعرية الحديثة‪،‬‬ ‫ومفهوم ال��ف��ن‪ ،‬وتعريف ال��ل��ون‪ ،‬ودائ��رة‬ ‫اللون‪ ،‬والمعاني المرتبطة باللون‪ ،‬وألفاظ‬ ‫األلوان والتعبيرات اللغوية‪.‬‬


‫من إصدارات اجلوبة‬


‫من إصدارات برنامج النشر في‬

‫صدر حديثا‬


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.