37 Aljoubah Magazine الجوبة مجلة

Page 1

‫مواجهات‬

‫عابد خزندار‬ ‫ملحة العبدالله‬ ‫عبدالرحمن الشهري‬ ‫نضال القاسم‬

‫سيرة وإبداع‬

‫دراسات ونقد‬

‫شعر‬

‫قصص‬

‫الشاعر‬

‫جميل حمداوي‬

‫مالك اخلالدي‬

‫محمد محقق‬

‫أ‪ .‬د‪ .‬أحمد السالم محمود سيف الدين عبدالكرمي النملة‬

‫ليلى احلربي‬

‫ملف العدد‪:‬‬

‫النقد األدبي ‪ ..‬رؤى وتطلعات‬ ‫مبشاركة‪ :‬صالح الزياد‪ ،‬عبدالله السفر‪ ،‬سناء شعالن‪ ،‬محمود عبداحلافظ‪ ،‬إبراهيم احلجري‪،‬‬ ‫عبدالله السمطي‪ ،‬محمد جميل‪ ،‬إبراهيم الدهون‪ ،‬عبدالدامي السالمي‪ ،‬عماد اخلطيب‬

‫‪37‬‬


‫برنامـج نشر الدراسات واإلبداعـات األدبية ودعم البحوث والرسائل العلمية‬ ‫في مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية‬ ‫‪ -1‬نشر الدراسات واإلبداعات األدبية‬ ‫يهتم بالدراسات‪ ،‬واإلبداعات األدبية‪ ،‬ويهدف إلى إخ��راج أعمال متميزة‪ ،‬وتشجيع حركة اإلب��داع األدبي‬ ‫واإلنتاج الفكري وإثرائها بكل ما هو أصيل ومميز‪.‬‬ ‫ويشمل النشر أعمال التأليف والترجمة والتحقيق والتحرير‪.‬‬ ‫مجاالت النشر‪:‬‬ ‫أ ‪ -‬الدراسات التي تتناول منطقة اجلوف في أي مجال من املجاالت‪.‬‬ ‫مبي في البند «‪ »٨‬من شروط النشر)‪.‬‬ ‫ب‪ -‬اإلبداعات األدبية بأجناسها املختلفة (وفقاً ملا هو نّ‬ ‫مبي في البند «‪ »٨‬من شروط النشر)‪.‬‬ ‫ج‪ -‬الدراسات األخرى غير املتعلقة مبنطقة اجلوف (وفقاً ملا هو نّ‬ ‫شروطه‪:‬‬ ‫‪ -١‬أن تتسم الدراسات والبحوث باملوضوعية واألصالة والعمق‪ ،‬وأن تكون موثقة طبقاً للمنهجية العلمية‪.‬‬ ‫‪ -٢‬أن تُكتب املادة بلغة سليمة‪.‬‬ ‫‪ -٣‬أن يُرفق أصل العمل إذا كان مترجماً‪ ،‬وأن يتم احلصول على موافقة صاحب احلق‪.‬‬ ‫‪ -٤‬أن تُق ّدم املادة مطبوعة باستخدام احلاسوب على ورق (‪ )A4‬ويرفق بها قرص ممغنط‪.‬‬ ‫‪ -٥‬أن تكون الصور الفوتوغرافية واللوحات واألشكال التوضيحية املرفقة باملادة جيدة ومناسبة للنشر‪.‬‬ ‫‪ -٦‬إذا كان العمل إبداعاً أدبياً فيجب أن يتّسم بالتم ّيز الفني وأن يكون مكتوباً بلغة عربية فصيحة‪.‬‬ ‫‪ -٧‬أن يكون حجم املادة ‪ -‬وفقاً للشكل الذي ستصدر فيه ‪ -‬على النحو اآلتي‪:‬‬ ‫ الكتب‪ :‬ال تقل عن مئة صفحة باملقاس املذكور‪.‬‬‫ البحوث التي تنشر ضمن مجالت محكمة تصدرها املؤسسة‪ :‬تخضع لقواعد النشر في تلك املجالت‪.‬‬‫ الكتيبات‪ :‬ال تزيد على مئة صفحة‪( .‬حتتوي الصفحة على «‪ »250‬كلمة تقريباً)‪.‬‬‫‪ -٨‬فيما يتعلق بالبند (ب) من مجاالت النشر‪ ،‬فيشمل األعمال املقدمة من أبناء وبنات منطقة اجلوف‪ ،‬إضافة‬ ‫إلى املقيمني فيها ملدة ال تقل عن عام‪ ،‬أما ما يتعلق بالبند (ج) فيشترط أن يكون الكاتب من أبناء أو بنات‬ ‫املنطقة فقط‪.‬‬ ‫‪ -٩‬متنح املؤسسة صاحب العمل الفكري نسخاً مجانية من العمل بعد إص��داره‪ ،‬إضافة إلى مكافأة مالية‬ ‫مناسبة‪.‬‬ ‫‪ -١٠‬تخضع املواد املقدمة للتحكيم‪.‬‬


‫‪ -2‬دعم البحوث والرسائل العلمية‬ ‫يهتم بدعم مشاريع البحوث والرسائل العلمية والدراسات املتعلقة مبنطقة اجلوف‪ ،‬ويهدف إلى تشجيع‬ ‫الباحثني على طرق أبواب علمية بحثية جديدة في معاجلاتها وأفكارها‪.‬‬ ‫(أ) الشروط العامة‪:‬‬ ‫‪ -١‬يشمل الدعم املالي البحوث األكادميية والرسائل العلمية املقدمة إلى اجلامعات واملراكز البحثية والعلمية‪،‬‬ ‫كما يشمل البحوث الفردية‪ ،‬وتلك املرتبطة مبؤسسات غير أكادميية‪.‬‬

‫‪ -٢‬يجب أن يكون موضوع البحث أو الرسالة متعلقاً مبنطقة اجلوف‪.‬‬

‫‪ -٣‬يجب أن يكون موضوع البحث أو الرسالة جديداً في فكرته ومعاجلته‪.‬‬ ‫‪ -٤‬أن ال يتقدم الباحث أو الدارس مبشروع بحث قد فرغ منه‪.‬‬

‫‪ -٥‬يقدم الباحث طلباً للدعم مرفقاً به خطة البحث‪.‬‬ ‫‪ -٦‬تخضع مقترحات املشاريع إلى تقومي علمي‪.‬‬

‫‪ -٧‬للمؤسسة حق حتديد السقف األدنى واألعلى للتمويل‪.‬‬ ‫‪ -٨‬ال يحق للباحث بعد املوافقة على التمويل إجراء تعديالت جذرية تؤدي إلى تغيير وجهة املوضوع إال بعد‬ ‫الرجوع للمؤسسة‪.‬‬ ‫‪ -٩‬يقدم الباحث نسخة من السيرة الذاتية‪.‬‬ ‫(ب) الشروط الخاصة بالبحوث‪:‬‬ ‫‪ -١‬يلتزم الباحث بكل ما جاء في الشروط العامة(البند «أ»)‪.‬‬ ‫‪ -٢‬يشمل املقترح ما يلي‪:‬‬ ‫ توصيف مشروع البحث‪ ،‬ويشمل موضوع البحث وأهدافه‪ ،‬خطة العمل ومراحله‪ ،‬وامل��دة املطلوبة‬‫إلجناز العمل‪.‬‬ ‫ ميزانية تفصيلية متوافقة مع متطلبات املشروع‪ ،‬تشمل األجهزة واملستلزمات املطلوبة‪ ،‬مصاريف‬‫السفر والتنقل والسكن واإلعاشة‪ ،‬املشاركني في البحث من طالب ومساعدين وفنيني‪ ،‬مصاريف‬ ‫إدخال البيانات ومعاجلة املعلومات والطباعة‪.‬‬ ‫‪ -‬حتديد ما إذا كان البحث مدعوماً كذلك من جهة أخرى‪.‬‬

‫(ج) الشروط الخاصة بالرسائل العلمية‪:‬‬ ‫إضافة لكل ما ورد في الشروط اخلاصة بالبحوث(البند «بــ«) يلتزم الباحث مبا يلي‪:‬‬ ‫‪ -١‬أن يكون موضوع الرسالة وخطتها قد أق ّرا من اجلهة األكادميية‪ ،‬ويرفق ما يثبت ذلك‪.‬‬ ‫‪ -٢‬أن يُق ّدم توصية من املشرف على الرسالة عن مدى مالءمة خطة العمل‪.‬‬

‫اجلوف‪ :‬هاتف ‪ - 04 626 3455‬فاكس ‪ - 04 624 7780‬ص‪ .‬ب ‪ 458‬سكاكا ‪ -‬اجلوف‬ ‫الرياض‪ :‬هاتف ‪ - 01 201 5494‬فاكس ‪ - 01 201 5498‬ص‪ .‬ب ‪ 10071‬الرياض ‪11433‬‬ ‫‪nashr@asfndn.com‬‬


‫العدد ‪37‬‬ ‫خريف ‪1433‬هـ ‪2012 -‬م‬

‫ملف ثقافي ربع سنوي يصدر عن‬

‫املشرف العام‬

‫إبراهيم احلميد‬ ‫أسرة التحرير‬ ‫محمود الرمحي‪ ،‬محمد صوانة‬ ‫أمين السطام‪ ،‬عماد املغربي‬ ‫اإلخراج الفني‬ ‫خالد الدعاس‬

‫قواعد النشر‬

‫هاتف‪)+966()4(6263455 :‬‬ ‫فاكس‪)+966()4(6247780 :‬‬ ‫ص‪ .‬ب ‪ 458‬سكاكا اجلـوف ‪ -‬اململكة العربية السعودية‬

‫‪ - 1‬أن تكون املادة أصيلة‪.‬‬ ‫‪ - 2‬لم يسبق نشرها‪.‬‬ ‫‪ - 3‬تراعي اجلدية واملوضوعية‪.‬‬ ‫‪ - 4‬تخضع املواد للمراجعة والتحكيم قبل نشرها‪.‬‬ ‫‪ - 5‬ترتيب املواد في العدد يخضع العتبارات فنية‪.‬‬ ‫‪ - 6‬ترحب اجلوبة بإسهامات املبدعني والباحثني والكتّاب‪،‬‬ ‫على أن تكون املادة باللغة العربية‪.‬‬

‫سعر النسخة ‪ 8‬رياالت‬ ‫تطلب من الشركة الوطنية للتوزيع‬

‫«اجلوبة» من األسماء التي كانت تُطلق على منطقة اجلوف سابق ًا‬

‫املراسالت‬

‫توجه باسم املشرف العام‬ ‫ّ‬ ‫‪www.aljoubah.org‬‬ ‫‪aljoubah@gmail.com‬‬

‫ردمد ‪ISSN 1319 - 2566‬‬

‫الناش ـ ـ ـ ــر‪ :‬مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية‬ ‫أسسها األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري (أمير منطقة اجلوف من ‪1362/9/5‬هـ ‪1410/7/1 -‬هـ‬ ‫املوافق ‪1943/9/4‬م ‪1990/1/27 -‬م) بهدف إدارة ومتويل املكتبة العامة التي أنشأها عام ‪1383‬هـ‬ ‫املعروفة باسم دار اجلوف للعلوم‪ .‬وتتضمن برامج املؤسسة نشر الدراسات واإلبداعات األدبية‪ ،‬ودعم‬ ‫البحوث والرسائل العلمية‪ ،‬وإصدار مجلة دورية‪ ،‬وجائزة األمير عبدالرحمن السديري للتفوق العلمي‪ ،‬كما‬ ‫أنشأت روضة ومدارس الرحمانية األهلية للبنني والبنات‪ ،‬وجامع الرحمانية‪ .‬وفي عام ‪1424‬هـ (‪2003‬م)‬ ‫أنشأت املؤسسة فرعاً لها في محافظة الغاط (مركز الرحمانية الثقافي) له البرامج والفعاليات نفسها‬ ‫التي تقوم بها املؤسسة في مركزها الرئيس في اجلوف‪ ،‬بوقف مستقل‪ ،‬من أسرة املؤسس‪ ،‬للصرف على‬ ‫هذا املركز ‪ -‬الفرع‪.‬‬

‫‪2‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ‬


‫الـمحتويــــات‬

‫االفتتاحية ‪4 . ....................................................‬‬

‫‪6.......................‬‬ ‫النقد األدبي ‪ ..‬رؤى وتطلعات‬

‫ملف العدد‪ :‬النقد األدبي ‪ ..‬رؤى وتطلعات ‪ -‬بمشاركة‪ :‬صالح‬ ‫الزياد‪ ،‬عبدالله السفر‪ ،‬سناء شعالن‪ ،‬محمود عبدالحافظ‪،‬‬ ‫إبراهيم الحجري‪ ،‬عبدالله السمطي‪ ،‬محمد جميل‪ ،‬إبراهيم‬ ‫الدهون‪ ،‬عبدالدايم السالمي‪ ،‬عماد الخطيب ‪6 . ...............‬‬

‫دراسات ونقد‪ :‬خصوصيات الكتابة النسائية في مجال القصة‬ ‫القصيرة جدا ‪ -‬د‪ .‬جميل حمداوي ‪61 . ..........................‬‬

‫لماذا‪« ..‬كيف تصن ُع كتاباً يُحق ُق أعلى مبيعات؟ ‪ -‬محمود‬ ‫سيف الدين‪64 . ................................................‬‬

‫قصص قصيرة‪ :‬شمس تولد من الجنوب ‪ -‬عماد أحمد ‪68 . ...‬‬ ‫صورتان ‪ -‬ليلى الحربي ‪69 . .....................................‬‬

‫‪81.....................‬‬ ‫عابد خزندار يفتح قلبه‬ ‫لـ«اجلوبه»‬

‫رؤى على أمواج متضاربة ‪ -‬محمد محقق ‪70 . ................‬‬ ‫لــــــــــــوحة ‪ -‬هشام حـــراك ‪71 . .................................‬‬

‫قصص قصيرة جدا ‪ -‬ميمون حرش ‪72 . ......................‬‬ ‫قصص قصيرة جداً ‪ -‬محمد صوانه ‪73 . .....................‬‬

‫شعر‪ :‬الفيلم المسيء لإلسالم ‪ -‬جاك صبري شماس‪74 . ......‬‬ ‫الضحى‪75 . .......................‬‬ ‫مالك الخالدي في أغرودة ُ‬ ‫رويده ‪ -‬عبدالكريم النملة ‪76 . .................................‬‬

‫أنا لست هرتك الجميلة ‪ -‬نادية أحمد محمد ‪77 . ............‬‬

‫‪95.....................‬‬ ‫ملحة العبدالله‪ :‬إمرأة حتمل‬ ‫عزمية رجال‬

‫قصاقيص شعرية ‪ -‬محمد عباس على داود‪78 . ..............‬‬ ‫قصيدة اليوسفية ‪ -‬د‪ .‬يوسف العارف ‪79 . ....................‬‬

‫مواجهات‪ :‬عابد خزندار يفتح قلبه للجوبه ‪ -‬حاوره‪ :‬إبراهيم‬ ‫الحميد وعمر بو قاسم ‪81 . ....................................‬‬ ‫ملحة العبدالله‪ :‬إمرأة تحمل عزيمة رجال ‪ -‬حاورها أحمد‬ ‫الطراونة ‪95 . ...................................................‬‬

‫عبدالرحمن الشهري ‪ -‬حاوره‪ :‬عمر بوقاسم ‪104 . .............‬‬

‫نضال القاسم ‪ -‬حاوره‪ :‬عمار الجنيدي ‪108 . ...................‬‬

‫سيرة وإبداع‪ :‬الشاعر أ‪ .‬د‪ .‬أحمد السالم ‪114 . ..................‬‬

‫ن��واف��ذ‪ :‬الشعر والصناعة‪ ،‬أي��ة صلة جمالية؟ ‪ -‬عبدالغني‬ ‫فوزي‪119 . .......................................................‬‬

‫‪114....................‬‬

‫المـــــــرآة ‪ -‬عبدالناصر بن عبدالرحمن الزيد‪121 . .............‬‬

‫الشاعر‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬أحمد بن عبدالله السالم‬

‫قراءات‪126 . .....................................................:‬‬

‫من روائع الشعر العربي‪« ..‬أما لجميـل عندكن ثواب» ‪ -‬نورا‬ ‫العلي‪123 . .......................................................‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ‬

‫‪3‬‬


‫افتتاحية العدد‬ ‫> إبراهيم احلميد‬

‫إذا كانت الكتابة اإلبداعية هي القوة الخالقة التي تظهر ق��درة العقل‬ ‫البشري على إف��راز مختلف األشكال المعرفية‪ ،‬فإن النقد يأتي ليستكمل‬ ‫الصورة اإلبداعية التي ال يمكن تفكيكها‪ ،‬إال عبر آليات النقد المتوفرة للناقد‬ ‫حيثما كان‪ ..‬ومن هنا‪ ،‬تأتي أهمية االتكاء إلى النقد‪ ،‬كوسيلة للمعرفة تتجاوز‬ ‫وظيفتها التقليدية؛ لتكون مهمة إبداعية‪ ،‬ال تقل جماال عن النص اإلبداعي‬ ‫نفسه‪ .‬ولهذا جاء ملف الجوبة النقدي مناقشا النقد بين القديم والحديث‪،‬‬ ‫راص��دا لحركة النقد من سوق عكاظ والمربد وحتى مناهج النقد الغربية‬ ‫الحديثة‪ ،‬ومجيبا على أسئلة موقع النقد العربي‪ ،‬قبل اكتشاف مناهج النقد‬ ‫الغربية‪ ،‬وكاشفا عن أسبقية النقد العربي ورياديته‪ ،‬اعتبارا من شيخ النقاد‬ ‫عبدالقاهر الجرجاني ونظرياته النقدية‪ ،‬راصدا مرحلة النكوص التي واجهت‬ ‫النقد العربي تزامنا مع الحالة العامة لألمة العربية واإلسالمية‪ ،‬وحتى بدايات‬ ‫التأثير الغربي في الحركة النقدية‪..‬‬ ‫ويناقش الملف الخدمات المتبادلة بين المنجز السردي والنقد األدبي‪،‬‬ ‫وتطور السرد العربي‪ ،‬وفي المقابل مدى تطور المناهج النقدية في تعاطيها‬ ‫مع المنتج السردي‪ ،‬كاشفا النقد بين سلطة النص وسلطة القارئ‪ ،‬إذ يبدأ فعل‬ ‫النقد لدى القارئ مبكرا‪ ،‬حيث أن لدى النص القابلية لإلدانة والمساءلة‪..‬‬ ‫ونأتي إلى المناهج النقدية الحديثة وقراءة في المضمون والتطبيق بين‬

‫‪4‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ‬


‫المنهج وتعدده في المنهج التكاملي‪ ،‬وص��وال إلى المناهج النقدية إلى أي��ن؟ حيث‬

‫اف�����������ت�����������ت�����������اح�����������ي�����������ة‬

‫المنهج التاريخي والمنهج االجتماعي والمنهج النفسي والمنهج البنيوي‪ ،‬وبين أحادية‬ ‫يناقش الملف المنهج األسطوري الذي قدّ م نفسه أداة لتملك مفاتيح النص األدبي‪،‬‬ ‫واألطروحات التي يتكيء عليها‪ ،‬وصيغ مرجعيته‪ ..‬ومنها األدب العربي القديم حسبما‬ ‫ي��رى بعض النقاد ال�ع��رب‪ ..‬حيث يتطلب ال�ق��راءة الدقيقة للنص‪ ،‬معتنيا بالناحية‬ ‫اإلنسانية حتى يأتي دور الفرق بين ناقد ومبدع يمتلك أدواته الخالقة ويبني قراءاته‬ ‫خطوة خطوة‪..‬‬ ‫ومن النقد األدبي إلى نقد الخطاب ومحاولة تصحيح المفاهيم التي تجعل النقد‬ ‫األدبي حكرا على النصوص األدبية‪ ،‬حسبما تمت وراثته من المرحلة االستعمارية التي‬ ‫سعت إلى عدم شمول حركة النقد وحصرها بالنص األدبي‪ ،‬والفصام الذي يعيشه‬ ‫الناقد في عالمنا العربي بين النقد والعلوم االجتماعية‪ ،‬نتيجة العزلة عن سجاالت‬ ‫الحياة العامة‪ ،‬ومشكلة غياب الحرية وتأثيرها على حركة النقد‪ ..‬وحتى مناقشة تعدد‬ ‫أشكال النقد األدبي‪ ،‬وتعدد األسئلة‪ ،‬إلى التعريف بالترسيمات التحليلية في النقد‬ ‫التطبيقي‪ ،‬وبدايات ظهورها مع بروز األثر اللساني في الدراسات األدبية‪.‬‬ ‫هكذا يأتي ملف الجوبة‪ ،‬معبرا عن رؤية تكاملية تجاه المناهج النقدية ونماذجها‪،‬‬ ‫حيث تأتي في إطار منهجي لرؤية نقدية شاملة تَجاوبَ معها ثلة من النقاد والباحثين‬ ‫الذين يمتلكون رؤى متعددة تغطي جوانب عديدة من موضوع الملف‪..‬‬ ‫رؤى تتمايز وتتقارب مع أشكال النقد المختلفة‪ ،‬وتطبيقات تتكئ على نماذج من‬ ‫الحالة اإلبداعية الموجودة‪ ،‬والتي نأمل أن تكون في مجملها مساهمة في الجهد‬ ‫المعرفي الذي يقود إلى حالة دائبة من التفاعل والتالقي‪ ،‬مع مختلف أشكال اإلبداع‬ ‫في الوطن العربي‪..‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ‬

‫‪5‬‬


‫النقد األدبي‬ ‫رؤى وتطلعات‬ ‫> إعداد وتقدمي‪ :‬محمود عبدالله الرمحي‬

‫النقد لغة‪ ،‬هو بيان أوجه الحسن وأوجه العيب في شيءٍ ما‪ ،‬بعد فحصه ودراسته؛ أما‬ ‫في األدب‪ ،‬فيعني دراسة النصوص األدبية‪ ،‬والكشف عما فيها من جوانب الجمال كي‬ ‫نحذو حذوها‪ ،‬وما قد يوجد من عيوب لتجنب الوقوع فيها‪.‬‬ ‫والنقد األدب��ي يقوم على دراس��ة األدب وتفسيره ومناقشته‪ .‬وتقييمه‪ .‬وهو محاولة‬ ‫منضبطة يشترك فيها ذوق الناقد وفكره‪،‬للكشف عن مواطن الجمال أو القبح في‬ ‫األعمال األدبية‪.‬‬ ‫واألدب سابقة للنقد في الظهور‪ ،‬ولوال‬

‫يقوله‪ ،‬ومحاوالً أن يثير في نفوسنا شعوراً‬

‫وج� ��وده‪ ..‬لما ك��ان ه�ن��اك نقد أدب ��ي؛ ألن بأن ما يقوله صحيح وأقصى ما يطمح إليه‬ ‫ق��واع��ده مستقاة ومستنتجة م��ن دراسة النقد األدبي‪ ،‬ألنه لن يستطيع أبدا أن يقدم‬ ‫األدب‪ .‬إن الناقد ينظر في النصوص األدبية‬

‫لنا برهاناً علميا يقيناً‪ .‬ولذا ال يوجد نقد‬

‫شعرية كانت أم نثرية‪ ،‬ثم يأخذ بالكشف‬

‫أدبي صائب وآخر خاطئ‪ ،‬وإنما هناك نقد‬

‫عن مواطن الجمال والقبح فيها‪ ،‬معل ً‬ ‫ال ما أدب��ي أكثر ق��درة على تأويل العمل الفني‬

‫‪6‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ‬


‫واختالف مناهج النقد معناه اختالف‬ ‫ف��ي وج�ه��ات النظر‪ .‬وال ��ذوق ه��و المرجع‬

‫تغيرات خالل القرن العشرين فيما يخص‬ ‫وظائف النقد وأساليبه وأهدافه‪ .‬فبعد أن‬

‫األول في الحكم على األدب والفنون؛ ألنه كان النقد في المفهوم الكالسيكي ينظر إلى‬ ‫أقرب الموازين والمقاييس إلى طبيعتها‪ .‬األثر األدبي بحد ذاته‪ ,‬أي بوصفه موضوعا‬ ‫ولكن ال��ذوق الجدير باالعتبار هو الذوق‬ ‫المصقول لذوق الناقد الذي يستطيع أن‬ ‫يكبح جماح هواه الخاص‪ ،‬الذي قد يجافي‬ ‫في الصواب‪،‬الخبير ب��األدب ال��ذي راضه‬ ‫وم ��ارس ��ه‪ ،‬وت �خ �ص��ص ف��ي ف �ه �م��ه‪ ،‬ودرس‬ ‫أساليب األدب ��اء‪ ،‬ومنح ال�ق��درة على فهم‬ ‫أس��راره��م والنفوذ إل��ى دخائلهم وإدراك‬

‫مكتفيا بذاته‪ ,‬ومتخذا مكانه الخاص‪ ,‬برز‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫وتفسيره من غيره‪.‬‬

‫وقد تعرضت مفاهيم النقد األدبي إلى‬

‫ال�م�ف�ه��وم ال �ح��دي��ث ل�ل�ن�ق��د‪ ،‬وف �ي��ه ل��م يعد‬ ‫األث��ر األدب��ي موضوعا طبيعيا يتميز عن‬ ‫الموضوعات األخ��رى بالسمات الجمالية‬ ‫فحسب‪ ,‬بل صار يعد نشاطا فكريا عبَّر‬ ‫بواسطته شخص معين عن نفسه‪ .‬أي أن‬ ‫هدف النقد تحوّل عن الموضوع نفسه إلى‬

‫مشاعرهم وسبر عواطفهم‪ ،‬بفهمه العميق‪ ،‬كل ما يحيط الموضوع‪ ,‬مع التركيز على‬ ‫تفاصيل تتمثل في ظروف العمل األدبي‪،‬‬ ‫وحسه المرهف‪ ،‬وكثرة تجاربه األدبية‪.‬‬ ‫وع�ل�ي��ه‪ ،‬الب��د أن يتمتع ال�ن��اق��د بمزايا‬ ‫منها‪:‬‬ ‫�در واف� ٍ�ر من المعرفة‬ ‫‪ -1‬أن يكون على ق� ٍ‬ ‫والثقافة‪.‬‬ ‫‪ -2‬أن ي�ك��ون ل��دي��ه ال�ب�ص��ر ال�ث��اق��ب الذي‬ ‫يكون خير معين له على إصدار الحكم‬ ‫الصائب‪.‬‬

‫م�ن�ه��ا ال �س �ي��رة ال��ذات �ي��ة ل�ل�م��ؤل��ف والحس‬

‫المتضمن في ذلك العمل األدبي‪.‬‬ ‫ونستطيع أن نقسم حركة النقد األدبي‬ ‫عند العرب إلى فترتين‪ :‬األولى وتمتد من‬ ‫العصر الجاهلي إلى بداية عصر النهضة‬ ‫في القرن التاسع عشر‪ ،‬أما الثانية فهي‬ ‫فترة النقد الحديث‪ ،‬الذي يمتد إلى يومنا‬ ‫ه��ذا‪ ..‬ولهذا التقسيم سبب واض��ح؛ ففي‬

‫ف��األدب ونقده ذوق وف��ن قبل أن يكون المرحلة األولى لم يكن التدوين قد انتشر‪،‬‬ ‫معرف ًة وعلما‪ ،‬وإن كانت المعرفة تعين وكان االعتماد على الرواية الشفوية‪ ،‬أما‬ ‫صاحب الحس المرهف وال ��ذوق السليم‬

‫المرحلة الثانية فقد عرفت التدوين الذي‬

‫والطبع الموهوب‪..‬‬

‫أسهم في تطوير كثير من العلوم والفنون‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ‬

‫‪7‬‬


‫النقد األدبي بني القدمي و احلديث‬ ‫> د‪ .‬محمود عبداحلافظ خلف الله ‪ -‬جامعة اجلوف‬

‫على الرغم من تغلغل النقد في جميع مسارات التفكير اإلنساني‪ ،‬وارتباطه بصيرورة االنتساب إلى‬ ‫الجنس البشري‪ ،‬وامتداده امتداد عمر البشرية‪ ،‬إال أن ارتباطه بدراسة األدب‪ ،‬وحدَّ ه من قِ بَل كثير من‬ ‫المهتمين بهذا الشأن بأنه «دراسة لألدب» قد جعله منعوتًا تالزميًا لهذا المصطلح؛ و ألن األخير هو‬ ‫البوتقة التي يمور فيها الفكر اإلنساني بمكوناته الفلسفية والثقافية والنفسية واالجتماعية‪ ،‬أضحى‬ ‫النقد األدبي في صدارة العلوم اإلنسانية تطورًا‪ ،‬و أمضاها حركة‪ ،‬وأبعدها عن الثبات و الجمود‪.‬‬ ‫و في هذا اإلط��ار‪ ,‬يموج الفكر النقدي بزخم كبير من االتجاهات النقدية المتنوعة التي يبدو في‬ ‫الكثير منها تعارض أيدلوجي و راديكالي‪ .‬و المتأمل مليًا في هذا الشأن يدرك أن ذلك هو المنطق األوحد‬ ‫لتفهم حقيقة النقد األدبي؛ فال يوجد منطق في دراسة النقد أكثر من منطقيته في التقادم والتسارع‬ ‫تناقضا‪،‬‬ ‫ً‬ ‫والتناقض حتمي الثبات‪ .‬فمع تعقد الحياة اإلنسانية‪ ..‬يزداد النقد األدبي عمقً ا و تعقيدً ا و‬ ‫وذلك ما انبرى سافرً ا في عصر الحداثة و ما بعدها‪ ،‬مقارنة بأطواره في الحقب الزمنية السابقة‪.‬‬ ‫كما أن ارتباط النقد المتماهي مع ذاتية الناقد‬ ‫قد رسخ فيه هذا العمق من التغاير‪ ،‬وأذكى فيه بعد‬ ‫التقادم والتسارع؛ فكثيرًا ما تختلف أحكام النقاد‬ ‫تبعًا للمسائل التي تشغل بالهم من أمة إلى أمة‪ ،‬بل‬ ‫بين أبناء األمة الواحدة والجيل الواحد‪ .‬وقد فرضت‬ ‫سمة التطور ال��واس��ع للحركة النقدية على النقد‬ ‫العربي التحاور‪ ،‬ليس فقط مع الظروف الراهنة‪..‬‬ ‫بل مع ال�ت��راث التاريخي لألمة نفسها‪ ،‬مع الوعي‬ ‫الكامل بعوامل التحول ومرجعياته‪ ،‬ألج��ل الدفاع‬ ‫عن األصول الجمالية المتوارثة في ظل التحديات‬ ‫المعاصرة‪ ،‬والتأكيد على الهوية من خ�لال عملية‬ ‫التأصيل المطردة مع عملية التقادم المستمرة‪.‬‬

‫من الشاعر‪ ،‬أضحى يؤدي وظيفته بحظوظ متنوعة‬ ‫ومتفاوتة‪ ،‬من حيث االعتماد على منهجية واضحة‪،‬‬ ‫وعيارية جلية متفق عليها عرفًا لتقييم جمال األدب‪.‬‬ ‫وقد ظل يسير على خطى ثابتة قبل ائتناسه بأساليب‬ ‫النقد الغربي‪ ،‬وتبني مناهجه من قبل بعض النقاد‪،‬‬ ‫حيث أتاح هذا االحتكاك توفير قدر من التجرد عن‬ ‫الميول واأله��واء الشخصية للناقد العربي‪ ،‬إال أنه‬ ‫دفعه دون أن يشعر إلى كثير من التعقيد وإقصاء‬ ‫بعض سمات وظيفته األولى التي كانت تذلل كثيرًا‬ ‫من اآلث��ار األدبية أم��ام ال�ق��راء‪ ،‬وتوجه الكتَّاب إلى‬ ‫عيارية اإلنشاء الصحيح في الفكرة واللفظ‪.‬‬

‫وال�س��ؤال ال��ذي يطرح نفسه هنا؛ إل��ى أي مدى‬ ‫والنقد العربي منذ نشأته تحت القباب الحمراء أدى النقد العربي دوره قبل اكتشاف النقد الغربي‬ ‫بعكاظ والمربد‪ ،‬حيث تميزت فيه شخصية الناقد والتفاعل معه؟‬

‫‪8‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ‬


‫ويعد أهم إنجازات النقد العربي في هذه الحقبة‬ ‫هو «عمود الشعر» و«نظرية النظم»‪ ،‬إذ ظل النقد‬ ‫برمته ط��وال ال�ق��رن ال��راب��ع ال�ه�ج��ري يفاضل على‬ ‫مقياس واح��د ه��و «ع�م��ود الشعر» ال��ذي اختصره‬ ‫القاضي الجرجاني في قوله‪« :‬وكانت العرب إنما‬ ‫تفاضل بين الشعراء في ال�ج��ودة والحسن لشرف‬ ‫المعنى وصحته‪ ،‬وجزالة اللفظ واستقامته‪ ،‬وتسلم‬ ‫السبق فيه لمن وصف فأصاب‪ ،‬وشبّه فقارب‪ ،‬ولمن‬ ‫كثرت سوائر أمثاله وش��وارد أبياته‪ .‬ول��م تكن تعبأ‬ ‫بالتجنيس والمطابقة‪ ،‬وال تحفل باإلبداع واالستعارة‪،‬‬ ‫إذا حصل لها عمود الشعر ونظام القريض»‪.‬‬ ‫وتجدر اإلش��ارة هنا إلى أنه رغم القصور البيِّن‬ ‫لعمود الشعر في التمييز بين نقد الشعر ونقد النثر‪،‬‬ ‫وأيضا قصوره من ناحية التعمق في قضايا األسلوب‪،‬‬ ‫ً‬ ‫إال أنه قد أبلى دورًا مهمًا في دفع األدباء إلى الصحة‬ ‫والوضوح‪ ،‬وترويض الكتابة لتناسب عددًا كبيرًا من‬ ‫جمهور القراء؛ وذلك ما حدا كثي ٌر من المتخصصين‬ ‫ِب� َع� ِّد نظرية «ع�م��ود الشعر» ف��ي النقد ف��ي العصر‬ ‫الوسيط‪ ،‬بمثابة الكيان النقدي الصلب الذي تصدى‬ ‫لنظرية أرسطو في الشعر‪ ،‬ورفض التأثر بها‪.‬‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫مر النقد العربي بمراحل مميزة تتسم‬ ‫كل واحدة منها بإيجاد مقاييس لتقييم‬ ‫ال�ك�لام الجميل ش�ع�رًا أو ن �ث �رًا‪ .‬ومن‬ ‫المعروف أنه منذ نشأه نظرية «عمود‬ ‫ال�ش�ع��ر» ف��ي ال�ق��رن ال��راب��ع الهجري‪،‬‬ ‫وال�ن�ق��د مقتصر على ال�ش�ع��ر‪ ،‬إذ كان‬ ‫مقياسه ال�ت��أث�ي��ر ف��ي ال���ذوق والسليقة‬ ‫واألخ�لاق المثالية‪ ،‬وقد ظل ذلك سائرًا إلى‬ ‫أن جاء شيخ البالغة عبد القاهر الجرجاني بنظرية‬ ‫النظم في القرن الخامس الهجري‪ ،‬التي عُدت فتحً ا‬ ‫مبينًا على علوم البالغة والنقد والكالم‪.‬‬

‫أم � ��ا ن� �ظ ��ري ��ة ال� �ن� �ظ ��م ل �ع �ب��د القاهر‬ ‫الجرجاني في القرن الخامس الهجري‪،‬‬ ‫ف�ق��د ك��ان��ت ت��ج��اوزًا ك�ب�ي�رًا ف��ي عمق‬ ‫اإلدراك العقلي والفكري‪ ،‬إذ قضت‬ ‫على كثير من المفاهيم الخطأ التي‬ ‫سادت النقد األدبي سلفًا‪ ،‬فقد وطأت‬ ‫ألسس راسخة وعميقة لنقد الشعر بوجه‬ ‫عام‪ ،‬وبيان إعجاز القرآن الكريم على وجه‬ ‫الخصوص‪ .‬فقد أك��دت نظرية النظم على الوحدة‬ ‫بين اللغة والشعر‪ ،‬وبالتالي‪ ،‬القضاء على ثنائية‬ ‫اللفظ والمعنى؛ فليس الغرض من نظم الكالم هو‬ ‫ت��وال��ي األل�ف��اظ ونطقها‪ ،‬ب��ل تناسق دالل�ت��ه وتالقي‬ ‫معانيه على الوجه الذي يقتضيه العقل‪ ،‬وتستعذبه‬ ‫القرائح‪.‬‬ ‫وعلى الجانب اآلخ��ر‪ ،‬ظهر االهتمام بالتحليل‬ ‫الشكلي والهيكلي النقدي في الدراسات األدبية في‬ ‫أوربا‪ ،‬في نهايات القرن التاسع عشر الميالدي‪ ،‬على‬ ‫يدِ «روالن��د ب��ارت» ومن لحق به من البنيويين‪ ،‬وقد‬ ‫أقر كثي ٌر ممن يمثلون المهنية األكاديمية في الغرب‬ ‫بأن نظرية النظم لعبد القاهر الجرجاني هي األرض‬ ‫الخصيبة التي نبتت فيها البنيوية الغربية في ذلك‬ ‫الوقت‪.‬‬ ‫وإذا تجاوزنا مرحلة نوم العصور التي انبطحت‬ ‫فيها األم��ة العربية منذ القرن الثامن الهجري‪ ،‬لم‬ ‫يكن هناك تأثر ملحوظ للنقد العربي بنظيره الغربي‬ ‫إال بعد ظهور ما نُعِ تَ بعصر النهضة بعد الحرب‬ ‫العالمية األولى‪ ،‬حيث تقدمت العلوم اإلنسانية بشكل‬ ‫عام تقدمًا ملحوظً ا في ذلك الوقت‪ ،‬وتمددت فيه‬ ‫بليغ نشأت فيه الروح النقدية‬ ‫حرية التعبير بمستوىً ٍ‬ ‫العصرية ل��دى كثير م��ن المثقفين ال �ع��رب‪ ،‬ووثب‬ ‫النقد وثبة عقلية وفلسفية جاوزته مرحلة االنطباع‬ ‫والتأثر‪ ،‬حيث شهدت أوربا إبان ذلك الوقت انقالبات‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ‬

‫‪9‬‬


‫أي��دل��وج�ي��ة تمخضت ع��ن واق ��ع ف �ك��ري‪ ،‬وسياسي‪ ،‬التي تتكامل فيها كل هذه العلوم‪.‬‬ ‫واجتماعي مغاير‪ ،‬أذكى صراعً ا في العلوم اإلنسانية‬ ‫ب ��دأ ال�ن�ق��د ال �ع��رب��ي م��رح�ل��ة ج��دي��دة م��ع ظهور‬ ‫حول النص األدبي الذي تأثر بكل العلوم اإلنسانية الحداثة وما بعدها‪ ،‬إذ تأثرت هذه المرحلة بتطور‬ ‫أيضا‪.‬‬ ‫مجتمعة‪ ،‬وبكل منها على حدة ً‬ ‫النقد التأويلي ف��ي العالم‪ ،‬وبخاصة ف��ي البنيوية‬ ‫وقد صعد نجم كثير من المفكرين واألدباء والنقاد‬ ‫العرب في ذلك الوقت أمثال العقاد‪ ،‬وطه حسين‪،‬‬ ‫وسليمان البستاني‪ ...‬وغيرهم‪ ،‬الذين تنوعت بهم‬ ‫المناهج النقدية واتجاهاتها الحقًا‪ ،‬وظهرت في شبه‬ ‫توقيت متزامن النزعات الكالسيكية والرومانسية‪،‬‬ ‫ثم الواقعية‪ ،‬واحتدم الصراع في أكثر من اتجاه‪،‬‬ ‫بين العامية والفصحى‪ ،‬والمثالية والواقعية‪ ،‬واألدب‬ ‫للعامة أم للخاصة‪ ...‬إلخ‪.‬‬

‫إن أهم ما ينعت به التطور في هذه المرحلة هو‬ ‫خالصا‪ ،‬حيث حول الناقد‬ ‫ً‬ ‫عَ ُّد النقد عملاً فلسفيًا‬ ‫إلى فيلسوف يبحث في اللغة والفن والشعر والخيال‪،‬‬ ‫وشتى مفاصل العلوم اإلنسانية‪ .‬وقد تأثر اإلنتاج‬ ‫األدبي في ذلك الوقت بمبادئ النقد الغربي‪ ،‬وكان‬ ‫منهج طه حسين التاريخي ال��ذي أث��ار فيه مشكلة‬ ‫السياسة ودورها في قضية النحل في تاريخ الشعر‬ ‫الجاهلي أق��رب تمثيل لهذا التأثر‪ ،‬حيث مزج بين‬ ‫التمحيص والتحقيق العلمي والمقابالت وتوظيف‬ ‫الشك وغيره من األدوات التي سادت النقد الغربي‬ ‫في ذلك الوقت‪.‬‬ ‫ومن مظاهر تأثر النقد العربي بنظيره الغربي‬ ‫«المنهج النفسي» حيث اهتم نقاد مدرسة الديوان‬ ‫�ض��ا جماعة أبولو‬ ‫بالجانب النفسي في النقد‪ ،‬وأي� ً‬ ‫ورابطة شعراء المهجر‪ ،‬وأيًا كان تأثر أبناء هذا الجيل‬ ‫واتجاهاتهم التاريخية أو الفلسفية أو االجتماعية‬ ‫أو النفسية‪ ،‬فإن المنطق العقلي يؤكد على أن كل‬ ‫هذه االتجاهات والعلوم كانت صالحة –وما تزال‪-‬‬ ‫لدراسة األدب؛ ألنه يعد انعكاسً ا تحصيليًا للحياة‬

‫‪10‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ‬

‫واألسلوبية‪ .‬أما النقد السوسيولوجي‪ ،‬فقد تبلورت‬ ‫فيه النظريات االجتماعية في العالم العربي‪ ،‬وظهر‬ ‫ع�ل��ى أي ��دي م�ف�ك��ري اإلص �ل�اح ف��ي ع�ص��ر النهضة‬ ‫مثل سالمة موسى ال��ذي بلور نظرته األدب�ي��ة في‬ ‫كتابه(األدب للشعب)‪ ،‬ومحمد مندور صاحب النزعة‬ ‫االجتماعية االشتراكية ال��ذي أض��اف للنقد األدبي‬ ‫بعدًا أيدلوجيًا واضحً ا‪.‬‬

‫إن ج��ل م��ا اتسم ب��ه النقد ف��ي عصر الحداثة‪،‬‬ ‫وأيضا المرحلة التي تلتها هو نقد ال��ذات‪ ،‬ثم نقد‬ ‫ً‬ ‫التراث بإيدلوجياته وفلسفاته‪ ،‬واعتماد العقالنية‬ ‫ال �ب �ن��اءة ‪ -‬م��ن وج�ه��ة نظرهم– م �ع �ي��ارًا ف��ي النقد‬ ‫الذي تم اختزاله في صورة انتقاد مطلق ومستمر‪.‬‬ ‫ولم تقدم هذه العقالنية في معظمها نقدًا مبدعً ا‬ ‫يضيف معرفة جديدة؛ وبذا يكون النقد األدبي قد‬ ‫دخل مرحلة جديدة تبحث في اإلشكاليات المركبة‪..‬‬ ‫المرتبطة باإلصالح في العالم العربي‪ ،‬وفي فصل‬ ‫االشتباك المحتدم بين مفهوم الحداثة وعالقتها‬ ‫بالعقالنية والحرية والعدالة االجتماعية‪.‬‬ ‫وأخيرًا‪ ،‬فإن الفكر النقدي سيظل في حراك دائم‬ ‫ديمومة الحياة اإلنسانية‪ ،‬يتجاوز في عمقه الرصد‬ ‫األحادي ألي من مظاهر الفكر اإلنساني منفردًا‪ ،‬فهو‬ ‫محصلة النتاج التقييمي للفكر اإلنساني المتكامل‬ ‫على مر العصور‪ ،‬وبدا ذلك واضحً ا في تجلياته في‬ ‫الفلسفة اإلغريقية‪ ،‬مرورًا بالحركات التنويرية في‬ ‫العصر اإلس�لام��ي ال��وس�ي��ط‪ ،‬وص��ولاً إل��ى المالمح‬ ‫الرئيسة لعصر التنوير األوربي التي قادت إلى عصر‬ ‫الحداثة وما بعدها‪...‬‬


‫خدمات متبادلة‬

‫> إبراهيم احلجري‪ -‬ناقد وروائي من املغرب‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫السردي والنَّقد األدبي‪:‬‬ ‫املنجز‬ ‫َّ‬

‫تمهيد‪:‬‬ ‫تطور السرد العربي بشكل مطرد خالل النصف الثاني من القرن العشرين‪ ،‬واجترح لذاته مسارات‬ ‫ومنعطفات أهّ لته ليكون في مستوى تطلعات األجيال الجديدة‪ ،‬التي لها أسئلتها الخاصة‪ ،‬في ضوء‬ ‫ما عرفته مرحلتها من حراك ثقافي وسياسي مؤثر‪.‬‬ ‫ولم يكن هذا التطور ناجما عن اشتغال السرد داخل بنيته بوصفه إبداعا جوّانيا يربط المنتج‬ ‫بالواقع بالقارئ‪ ،‬في عالقة ميكانيكية يعد خاللها الباث هو المهيمن‪ ،‬بل هو نتيجة تفاعالت‬ ‫وتداخالت أسهمت فيها عدة عوامل منها‪:‬‬ ‫ال��ب��اث‪ :‬ه��و منتج ال��رس��ال��ة النصية ومصمم‬ ‫عوالم الحكاية‪ ،‬وله سلطة رمزية تتمثل في‬ ‫قدرته على التحكم في مجريات العالم‬ ‫ال �س��ردي ورس ��م م �س��ارات��ه واختيار‬ ‫شخوصه‪.‬‬ ‫ال���س���ي���اق‪ :‬وه���و ال �م �ح �ي��ط الذي‬

‫يدور فيه فعل اإلنتاج‪ ،‬وهو المؤطر للعمل‬ ‫اإلب��داع��ي‪ ،‬وم��ن دون ه��ذا ال�م�ك�وّن يظل المعنى‬ ‫بال روح؛ ألنه سيكون انبثاقا من ع��دم‪ .‬المحيط‬ ‫هو ال��ذي ي��زود الباث بمرجعيات اإلنتاج ومادته‬ ‫وعالماته الكبرى التي تعد قاسما مشتركا بين‬ ‫ال �ب��اث والمتلقي‪ ،‬وق �ن��اة م��ن خاللها تتم عملية‬ ‫التواصل‪.‬‬

‫المتابعة النقدية التي تنصرف إلى خلق حوار مع‬ ‫النصوص السردية والتعريف بقضاياها‬ ‫بشكل خفيف وعابر‪ ،‬وغالبا ما يكون‬ ‫مالذها الحيز الصحفي‪.‬‬ ‫ االشتغال النقدي األكاديمي‬‫الذي يتعمق في النظريات ويستخلص‬ ‫المفاهيم ويهيء عدة القراءة والتلقي وفق‬ ‫أدوات إجرائية أكثر دقة‪ .‬ويراوح هذا االهتمام بين‬ ‫المجال النظري الصرف والعمل داخل عيّنة من‬ ‫النصوص والتجارب السردية التي تقبل أن تكون‬ ‫حقال لتبرير العدة النقدية النظرية؛ وهنا‪ ،‬يصبح‬ ‫النص حقل تجربة وأداة إلقرار العدة‪.‬‬

‫بيد أن ه��ذه العناصر م��ا ع��ادت تشتغل في‬ ‫امل��ن��اخ ال��ن��ق��دي‪ :‬ويتعلق األم ��ر بالخطاب استقاللية‪ ،‬بل تداخلت وتراكمت لتنتقل تطاحناتها‬ ‫الموازي لإلنتاج السردي؛ أي الخطاب الواصف م��ن ال�م�ن��اخ األدب���ي للنص إل��ى ال�ع��ال��م الجوّاني‬ ‫ل�ل�م��ؤل��ف‪ ،‬إذ ان�ت�ق��ل أث ��ر ه ��ذا ال �س �ج��ال البراني‬ ‫للنصوص‪ .‬ونميز داخله بين نمطين‪:‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ ‪11‬‬


‫ليتجسد نصيا في مشكل السرد وأسلوبه وبالغته أن انتبهوا إلى أ ّن هناك من يحكي وهو‪ ،‬بالموازاة‪،‬‬ ‫وتمظهراته المتعددة‪.‬‬

‫واع بأدواته وطرق تشكّل عوالمه لبنة تلو األخرى‪.‬‬ ‫ٍ‬

‫في السرد‪ ،‬كان ه ّم الكاتب ووظيفته أن يبدع فبات الوعي بعالم الكتابة موازيا لعملية السرد‬ ‫ويكتب ويحكي فحسب‪ ،‬من أجل أن يمتع ويهيىء نفسها‪ ،‬بعد أن كان الحقا أو ملحقا بها‪.‬‬ ‫طعم اإلنتشاء لقارئ ضمني (شهوة القراءة أو لذة‬

‫وك��ان من نتائج ه��ذا الوعي بممكنات الكتابة‬

‫ال �ن��ص)(‪ ،)1‬لكن مع ظهور الحساسيات الجديدة السردية وآلياتها ومقترحاتها أن ظهرت حساسيات‬ ‫وارتقاء المستوى األكاديمي للكاتب وانفتاحه على جديدة أفرطت في التمرد على النموذج السائد في‬

‫المجاالت األدبية والنقدية األخرى‪ ،‬وحرصه على السرد‪ ،‬وسارعت إلى المغامرة المطلقة وبخاصة‬ ‫متابعة الجديد‪ ،‬واجتهاده من أجل التثقف ذاتيا‪ ،‬على مستوى صوغ النص وطرائق السرد‪ .‬ولعب‬ ‫بدأ حال النص يتبدل‪ ،‬وباتت أشياء غريبة تتسلل «التجريب» دورا نشطا في رواية تيار الوعي‪ ،‬فقد‬ ‫إلى جسده‪ ،‬جاعلة منه عالما فسيفسائيا يتسع اقتضى تصوير الوعي على نحو مناسب اختراع‬

‫�واع ج��دي��دة م��ن التكنيك ال�ق�ص�ص��ي‪ ،‬وإعادة‬ ‫الحتواء مواد مختلفة‪ ،‬تهب عليه من مجاالت قد أن� � ٍ‬ ‫تكون بعيدة عن مجال السرد الذي هو غاية القصة تسليط األض��واء على األن��واع القديمة‪ ،‬ما أوجد‬

‫أو الحكاية وقطب رحاها‪.‬‬

‫الوعي بالكتابة‪ ،‬الوعي بالسرد‪:‬‬ ‫ب��دأت تتراجع الكتابة التلقائية (الساذجة)‬

‫تدريجيا مع انسحاب أغلب الكتاب والمبدعين إلى‬

‫التشبع بالنظرية النقدية وما تقترحه من أدوات‬

‫وممكنات على مستوى الكتابة السردية؛ وبخاصة‬ ‫مع ترجمة أعمال الشكالنيين الروس وفالديمير‬

‫ب��روب وميخائيل باختين‪ ،‬وبعدهم أعمال روالن‬ ‫بارت وروم��ان جاكبسون وجيرار جينيت وغيرهم‬

‫من رواد السرديات (‪ )Narratologie‬إلى العربية‪،‬‬

‫اضطرابا ال يمكن تفاديه»(‪.)2‬‬

‫وراك��م��ت ه ��ذه ال�ح�س��اس�ي��ات (ب��ال �ج �م��ع‪ ،‬ألنه‬

‫ليس هناك نموذج واحد‪ ،‬بل هناك نماذج متعددة‬

‫تتناسل وتتوالد بشكل مطرد) تجارب جديدة على‬

‫مستوى ال �س��رد‪ ،‬إذ طفحت النصوص السردية‬ ‫الجديدة (قصة ورواية وسيرة ذاتية‪ )...‬بمجموعة‬

‫من الظواهر المغايرة التي خلخلت أف��ق انتظار‬ ‫المتلقي صانعة ب��ذل��ك ف�ج��وة ك�ب��رى بين الباث‬

‫والمتلقي من جهة‪ ،‬والنص والقارئ من جهة ثانية؛‬ ‫ومن هذه الظواهر السردية‪:‬‬

‫حيث عمد هؤالء إلى استخالص أدبيات وأشكال •خ��رق تراتيبة أح��داث النص السردي ونقله‬ ‫م��ن ن �ظ��ام ال�ت��رت�ي��ب إل ��ى ف��وض��ى األح���داث‬ ‫ومورفولوجيات ومعماريات أكبر عدد ممكن من‬ ‫النصوص‪ ،‬مبتكرين بذلك شعرية للنص السردي‪،‬‬

‫وألن أغلب كتاب السرد العربي كانوا ينتهجون‬

‫الطريقة التقليدية الخطية في الحكي‪ ،‬فقد أغوتهم‬ ‫نتائج السرديات وطرائقها‪ ،‬وأغرتهم اآلليات التي‬ ‫اقترحت في مجال السرد‪ ،‬فراحوا يجربونها بعد‬

‫‪12‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ‬

‫وال �ت��داخ�لات‪ ،‬وه��ذا يشغّل ال�ق��ارئ ويهاجم‬ ‫اطمئنانه وكسله ألن��ه ي�ف��رض عليه إعادة‬

‫ترتيب األحداث في إيقاعها األصلي قبل أن‬

‫يغيّرها وع ُي الكاتب وتطولها فوضى الخبرة‬ ‫بآليات التشكيل والتشييد والبناء‪.‬‬


‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫ •االنتقال من الحكي بضمير‬ ‫ال�غ��ائ��ب إل��ى ال �س��رد بضمير‬ ‫المتكلم‪ ،‬إذ تبعثرت أوراق‬ ‫ال �م �ت �ل �ق��ي ال��ن��م��ط��ي ال� ��ذي‬ ‫ت �ع �وّد أن ي �ك��ون ال �م��ؤل��ف أو‬ ‫باألحرى ال��راوي برانيا على‬ ‫ع��ال��م ال �س��رد‪ ،‬صانعا ل��ه من‬ ‫الخارج ومجرد مراقب‪ .‬لقد‬ ‫ف �ض��ح ال �ك��ات��ب ل�ع�ب�ت��ه أمام‬ ‫م�ت�ل�ق�ي��ه وف �ض��ح تواطؤهما‬ ‫على ك��ذب��ة الحكاية‪ ،‬الشيء‬ ‫ال��ذي نفّر وأرب��ك طمأنينته‪.‬‬ ‫أص �ب��ح ال�� � �رّاوي‪ ،‬ب�ف�ع��ل هذا‬ ‫اإلج� � ��راء‪ ،‬س� ��اردا لألحداث‬ ‫ومشاركا فيها في آن واحد‪.‬‬ ‫كما اعتمد‪ ،‬في ه��ذا الباب‪،‬‬ ‫ال �م��ون��ول��وغ ال��داخ �ل��ي الذي‬ ‫يعد تكنيكا سرديا يهدف إلى‬ ‫تقديم المحتوى النفسي الجواني للشخصية‬ ‫والعمليات السيكولوجية لديها»(‪.)3‬‬

‫ •االنغماس الكلّي للسّ رد في‬ ‫تفاصيل الذات والعوالم الجوانية‬ ‫للمؤلفين‪ ،‬ومن خاللهم الرواة؛ ألن‬ ‫ه��ؤالء ما هم سوى أقنعة متعددة‬ ‫ومفكر فيها للكاتب الفعلي‪ ،‬ما‬ ‫فتح المجال للسرد الذاتي ليهيمن‬ ‫ع�ل��ى ال �س��رد المتخيل والواقعي‬ ‫الذي ينأى عن عالم الذات‪ ،‬أو هو‬ ‫يحاول اإليهام بذلك على األقل‪.‬‬ ‫ويظهر هذا جليا في رواي��ة زينب‬ ‫حفني «وسادة لحبك»(‪.)5‬‬ ‫ •اعتماد رواة متعددين يتناوبون‬ ‫على الحكي ب��دل ال��راوي المفرد‬ ‫الذي يهيمن على العالم السردي‪،‬‬ ‫حيث يتنازل المؤلف لشخصياته‬ ‫وروات � ��ه ك��ي ي �ت �ن��اوب��وا ع �ل��ى سرد‬ ‫ح �ي��ات �ه��م وأس� ��راره� ��م وينشطون‬ ‫ج��زءا من أح��داث النّص السّ ردي‬ ‫وحبكاته‪ .‬فيذوب صوت الراوي الواحد بين‬ ‫أص��وات ال��رواة الفرعيين والشخوص الذين‬ ‫قد تختلف وجهات نظرهم للعالم المحكي‬

‫ •التمرد على قدسية اللغة الفصيحة اعتمادا‬ ‫على بوليفونية باختين‪ ،‬حيث تخلّلت لغة‬ ‫إل� ��ى ح ��د ال� �ت� �ص ��ادم واالخ � �ت �ل�اف أحيانا‪.‬‬ ‫ال �ح �ك��ي ك ��ل ال �ل �غ��ات ح �ت��ى ال�م�ن�س�ي��ة منها‬ ‫ونمثل لذلك برواية فخاخ الرائحة ليوسف‬ ‫(األمازيغية والكردية والعامية المتالشية‪)..‬‬ ‫المحيميد‪ ،‬حيث يتناوب الشخوص على سرد‬ ‫حكاياهم(‪.)6‬‬ ‫وأض� �ح ��ت ال �خ��اص � ّي��ة ال �ج��وه��ري��ة ل �ه��ا هي‬ ‫(‪)4‬‬ ‫التعددية والحوارية من دون أن ننسى لغة •توظيف ما تقترحه نظرية التناص أو التفاعل‬ ‫ال�ع�لام��ات واإلش� ��ارات الصناعية‪ ..‬كما أن‬ ‫النصي(‪ )Textualité( )7‬لجعل المحكي فضاء‬ ‫بعض كتاب السرد لم يتورّعوا عن توظيف‬ ‫لتالقي النصوص وتداخلها‪ ،‬وفرصة جديدة‬ ‫لغة شعريّة تترقرق ماء وصورا وبالغة‪ ،‬بعد‬ ‫لتتنفس النصوص التراثية القديمة هواء‬ ‫أن كان السرد التقليدي يعمد إلى التقريرية‬ ‫ح�ي��اة أخ ��رى ف��ي ص ��ورة م�ت�ج��ددة ومختلفة‬ ‫ويرتكن إلى لغة واضحة متيسرة للجميع‪.‬‬ ‫مفتوح لجامع‬ ‫ٍ‬ ‫بحثا عن هوية جديدة وأف� ٍ�ق‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ ‪13‬‬


‫النص(‪ ،)8‬ويبدو هذا واضحا‬ ‫ف ��ي رواي � ��ة «ط� ��وق الحمام»‬ ‫لرجاء عالم التي تنفتح على‬ ‫ال��رس��ال��ة‪ ،‬وأن � ��واع الخطاب‬ ‫األخ ��رى‪ ،‬فضال ع��ن التاريخ‬ ‫المتعلق بجزيرة العرب ومكة‬ ‫ال�م�ك��رم��ة‪ ،‬وال �ق��رآن الكريم‪،‬‬ ‫حيث تبدو مورفولوجيا النص‬ ‫خليطا مركبا م��ن النصوص‬ ‫الغائبة والبنيات الخطابية(‪.)9‬‬ ‫وق ��د ت��أخ��ر ظ �ه��ور ت �ي��ار ال��وع��ي ف��ي الرواية‬ ‫السعودية‪ ،‬بفعل ظ��روف سوسيوثقافية‪ ،‬قبل أن‬ ‫تبدأ في التخلص تدريجيا من هيمنة المضامين‬ ‫اإلصالحية‪ ،‬وضعف المعمارية والبناء الفني بفعل‬ ‫غ�ي��اب المقومات الفنية ف��ي ذه��ن الكتاب»(‪.)10‬‬

‫ومعلوم أن وعي الكاتب السعودي بنصه جاء في‬ ‫ظل االنقالب والتمرد على الواقع والهروب منه‪،‬‬ ‫لكن طبيعة التكنيك ال �س��ردي ه��ي ال�ت��ي تقيده‬ ‫دائما بمسماه األصلي‪ .‬أي قد يهرب الكاتب من‬ ‫فنه الروائي ليقع في مواصفات السرد القصصي‬ ‫ليدرك القارئ بعد ذلك‪ ،‬حيرته في تحديد هوية‬ ‫النص السّ ردي وضياعها‪ ،‬التي هي تعبير عن حيرة‬ ‫وقلق وضياع شخصية تيار الوعي من األساس‪،‬‬ ‫والباحثة عن هويتها في الحياة(‪.)11‬‬

‫السارد الناقد‪ :‬صوت الناقد داخل‬ ‫المحكي‬ ‫ما عاد الحضور النقدي في السرد يقتصر على‬ ‫التجليات التي سر ُدُتها سابقا‪ ،‬بل أضحى يخترق‬ ‫المحكي‪ ،‬ويتخلّله ويفصل بين مقاطعه‪ ،‬واألكثر‬ ‫من ذلك أن المقاطع النقدية هذه‪ ،‬ليست برانية‬

‫‪14‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ‬

‫عن صوت ال��راوي بل هي صادرة‬ ‫ع�ن��ه أي �ض��ا‪ ،‬ف�ه��ي ت�ب�ي��ن كواليس‬ ‫العمل‪ ،‬وتشرح اآلليات التي يشتغل‬ ‫في ضوئها ال��رواة الذين يمنحون‬ ‫أنفسهم ف��رص��ة للتفكير ف��ي ما‬ ‫ي �س��ردون��ه‪ ،‬وف��ي أس��ال�ي��ب الصوغ‬ ‫وطرق بناء الحكاية‪.‬‬ ‫وه ��ذا ال�ع�م��ل ه��و م��ا يصطلح‬ ‫ع �ل �ي��ه ف� ��ي األدب� � �ي � ��ات النقدية‬ ‫ب�ـ»ال�م�ي�ت��اروائ��ي» أو «الميتاحكي»‪،‬‬ ‫ويتعلق األمر بخطاب يستنبت داخل الحكي وهو‬ ‫ليس من طبيعته‪ ،‬وإن كان يشرح طريقة اشتغاله‪.‬‬ ‫فعادة ما كان الخطاب النقدي يتخذ حيزا برانيا‬ ‫ع��ن ال�س��رد‪ ،‬وي�ك��ون ناجما ع��ن ق��راءة للنص بعد‬ ‫إنجازه من خارج الترهينات السردية أي من طرف‬ ‫شخص ثان‪ ،‬أما مع الميتاحكي (‪ )Méta- récit‬فيلج‬

‫الناقد النص ويتخذ مكانه أثيرا بداخله‪ ،‬لكن هذه‬ ‫المرة عبر صوت الراوي نفسه الذي يوقف السرد‪،‬‬ ‫ويطلق العنان لخواطره وتأمالته في ما رواه وفي‬ ‫آل �ي��ات حكيه ل�لأح��داث وت �ص��وي��ره للشخصيات‬ ‫واألمكنة مكسّ را‪ ،‬بذلك‪ ،‬انسيابية الحكي‪ ،‬وفاضحا‬ ‫جزءا من أسرار مطبخه للقارئ إبان عملية الكتابة‬ ‫وداخلها‪.‬‬

‫يصبح النص الروائي بفضل هذا الحضور النقدي‬ ‫مرتعا لخطين في الكتابة أو ِلنَقل م�لاذا لصوتين‬ ‫متوازيين ال عالقة بينهما؛ صوت الراوي الذي يسرد‬ ‫أحداثا ويرسم عوالم وح��وارات وأمكنة وشخوصا‪،‬‬ ‫وصوت الناقد الذي يتابع التحول السردي‪ ،‬ويتأمل‬ ‫عملية الحكي وهي تشكل العوالم‪ ،‬ويستشرف ممكنات‬ ‫الكتابة؛ موضحا األولويات واألسباب والدواعي التي‬ ‫تجعل الكتابة تختار هذا المسار وال تختار مسارا‬


‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫وخ �ي��ر م��ا ن�س�ت��دل ب��ه ع�ل��ى هذا‬ ‫آخر‪ .‬وتأتي هذه البنيات الدخيلة أو‬ ‫التوجه الواعي في الكتابة الروائية‬ ‫الطارئة على ال�ن��ص‪ ،‬فتشوش على‬ ‫ال�س�ع��ودي��ة ن �م��وذج رواي���ة «ح��ب في‬ ‫الحكي‪ ،‬وبالتالي على متلقيه‪ ،‬مثلما‬ ‫السعودية» ل�ل��روائ��ي إب��راه�ي��م بادي‬ ‫ي��أت��ي ل�ـ«ي�ن�ق��د» أو «ي �ن �ق��ض» البنية‬ ‫ال ��ذي ي ��وزع اهتمامه ال��داخ�ل��ي في‬ ‫النصية األصلية أو المتصلة بعالم‬ ‫النص بين مسارين‪ :‬مسار الحكي‪،‬‬ ‫القصة المحكية في النص الروائي‪،‬‬ ‫ومسار النقد أو التأمل في طبيعة‬ ‫لتحقق وعيا ذاتيا ينطلق منه الروائي‬ ‫المحكي وتحوالته ومكوناته‪ .‬يقول‬ ‫ف ��ي ت�ص�م�ي��م ع��وال��م��ه‪ ،‬وع �ب��ر هذا‬ ‫ال � ��راوي‪« :‬أن���ا م��ؤل��ف رواي� ��ة «رجل‬ ‫ال��وع��ي ي �م��ارس ال�ح�ك��ي ك��إب��داع من‬ ‫خالل ترابطه بنقد يتم على الحكي نفسه‪ ،‬أي أن وخمس نساء» مؤلف‪ ...‬ولست مؤلفة‪ .‬تعود «أنا»‬ ‫الروائي لم يبق ذلك الذي ينتج قصة محكمة البناء‪ ،‬إلى راو‪ .‬وال تعود إلى راوية (تلك التي كتب اسمها‬ ‫ولكنه أيضا‪ ،‬من خالل إنتاجه إياها ينتج وعيا نقديا على غالف هذه الرواية) لست إيهابا‪ ،‬هو بطل هذه‬ ‫الرواية التي أكتبها‪ .‬هو مجرد شخصية ابتكرتها»(‪.)14‬‬ ‫يمارسه عليها أو على الحكي بصفة عامة(‪.)12‬‬

‫وف��ي أح �ي��ان ك�ث�ي��رة‪ ،‬تصبح اإلش� ��ارات النقدية فالكاتب هنا يتمرد على عالقة المطابقة بين البطل‬ ‫التي يتضمنها السرد موجهة لفعل التلقي‪ ،‬ومعلنة وال��روائ��ي التي يصنعها الحكي بضمير المتكلم‪،‬‬ ‫الحتماالت قرائية بديلة‪ .‬كما تلعب هذه الخطابات لذلك يعمد إلى توضيح األحبولة التوهيمية التي‬ ‫النقدية الموازية وظيفة تتبعية مهمة‪ ،‬في ظل انحسار يضع فيها المتلقي‪.‬‬ ‫دور النقد في تتبع الحركة اإلبداعية‪ ،‬وعجزه عن‬ ‫وي �ق��ول ف��ي م �ك��ان آخ��ر منبها إل��ى خصوصية‬ ‫تحقيق تراكم نقدي‪ ،‬في ظل التراجع ال��ذي سجله النص‪ ،‬ومقترحا على المتلقي صيغا أخرى للتصرف‬ ‫النقد األدبي أكاديميا‪ ،‬وضعف المتابعة الصحفية؛ في المكتوب‪« :‬يمكن إعادة ترتيب األحداث‪ .‬يمكن‬ ‫ل��ذا‪ ،‬فقد أصبح كل نص يحتمل في طياته مدونة إع��ادة ترتيب الصفحات‪ .‬يمكن تقديم الصفحات‬ ‫نقدية استئناسية تضيء مساربه‪ ،‬وتفسر أسباب الخاصة بفاتنة قبل األخ��رى‪ ،‬وتقديم منال وهتون‬ ‫(‪)15‬‬ ‫ن��زول��ه‪ ،‬وت�ك�ش��ف مطبخ أس� ��رار ال �ك��ات��ب وعوالمه ع�ل��ى ف��اط �م��ة‪ .‬ل�ت��أت��ي ب�ع��د ذل ��ك دي���ان فدنيا»‬ ‫اإلنتاجية‪.‬‬

‫وي�ق��ول راوي ال ��رواة ف��ي ال��رواي��ة فاضحا المطبخ‬

‫وت��دخ��ل ه��ذه العملية ضمن تجربة الحساسية الشخصي لتشكيل الرواية وعوالمها‪« :‬انتهيت من‬ ‫الجديدة التي انفتح عليها الجيل الجديد‪ ،‬في إطار ما الكتاب‪ .‬كتبت كل الفصول‪ .‬كل الفتيات الخمس‪.‬‬ ‫يسمى «بالتجريب»‪ .‬وعرفت هذه الظاهرة اكتساحا كنت ب��دأت بفاطمة فديان ودن�ي��ا‪ ،‬ثم منال فهتون‬ ‫كبيرا للسرد المغاربي‪ ،‬عكس السرد المشرقي الذي (هنا في بيروت)‪ .‬وأخيرا فاتنة‪ .‬بقي أن أراجع ما‬ ‫ظل متحفظا بهذا الخصوص‪ ،‬وزاه��دا في التعامل سجلته فقط‪ .‬وأن أدقق في الزمن‪ .‬سأبدأ من أول‬ ‫مع التقنيات التي تحطم النموذج وتنزاح بالسرد عن صفحة إلى األخيرة كما رتبتها‪ .‬لكني أحتاج اآلن‬ ‫قواعده ومرجعياته التقليدية(‪.)13‬‬ ‫إلى راحة»(‪.)16‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ ‪15‬‬


‫استنتاج‬

‫ون� �ق ��ده‪ ،‬وم ��ن ال �ع �ي��ب أن ي �ظ��ل ال �ن��اق��د يتفحص‬

‫إذا كان النقد يساعد على تفهم النص السردي النصوص الجديدة ب��أدوات متهالكة أنتجت في‬ ‫وفك آليات اشتغاله ومنطق تفاعل مقوماته الفنية ظروف نصية سابقة‪ .‬ومن هنا‪ ،‬فالتراكم النصي‬ ‫أدوات لبلوغ معاني هو ما يقترح النظريات األدبية والنقدية‪ ،‬والناقد‬ ‫ٍ‬ ‫والداللية‪ ،‬ويضع رهن المتلقي‬ ‫النصوص؛ ومفاهيم لمالمسة رسالتها‪ ،‬فإن النص المتميز هو من يالحظ المتغيرات التي تستجد‬ ‫السردي يمد الناقد بآفاق توسيع نظريته وتجديد على مستوى الحساسيات واألجيال األدبية‪ ،‬وهكذا‬ ‫مفاهيمه وآليات اشتغاله؛ فكما هو معلوم‪ ،‬فإن نقول إن العالقة بين النصوص السردية والنقد‬

‫أي تجدد للنظريات األدبية والنقدية ال يكون إال األدبي هي عالقة تعاون وتبادل وتكامل‪ :‬النصوص‬ ‫انطالقا من «زالزل» تحدثها حساسيات النصوص تخلخل النظريات وسكونيتها وتضطرها إلى تبديل‬ ‫المتجددة على مستويي الشكل والداللة‪ .‬وهكذا تصوراتها‪ ،‬والنقد يساعد هذه النصوص على إبراز‬ ‫فلكل جيل م��ن ال�ن�ص��وص يقترح أدوات تحليله خصوصياتها الفنية والداللية للقارئ‪.‬‬ ‫(‪ )1‬‬ ‫(‪) 2‬‬ ‫(‪ )3‬‬ ‫(‪) 4‬‬ ‫(‪ )5‬‬ ‫(‪ )6‬‬ ‫(‪ )7‬‬ ‫(‪ )8‬‬ ‫(‪) 9‬‬ ‫(‪ )10‬‬ ‫(‪ )11‬‬ ‫(‪ )12‬‬ ‫(‪ )13‬‬ ‫(‪) 14‬‬ ‫(‪ )15‬‬ ‫(‪ )16‬‬

‫‪16‬‬

‫روالن بارت‪ :‬لذة النص‪ ،‬ترجمة فؤاد صفا والحسين سحبان‪ ،‬دار توبقال للنشر والتوزيع‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪،‬‬ ‫الطبعة األولى‪.1988 ،‬‬ ‫روبرت همفري‪ ،‬تيار الوعي في الرواية الحديثة‪ ،‬ترجمة محمود الربيعي‪ ،‬دار غريب‪ ،‬القاهرة‪2000 ،‬م‪ ،‬ص‪.57 .‬‬ ‫أسامة فرحات‪ ،‬المونولوغ بين الدراما والشعر‪ ،‬مكتبة األسرة بمطابع الهيئة المصرية العامة‪ ،‬القاهرة‪2005 ،‬م‪ ،‬ص‪.‬‬ ‫‪.19‬‬ ‫ميخائيل باختين‪ ،‬الكلمة في الرواية‪ ،‬ترجمة يوسف حالق‪ ،‬منشورات وزارة الثقافة‪ ،‬دمشق‪1988 ،‬م‪ ،‬ص‪.231 .‬‬ ‫زينب حفني‪ ،‬وسادة لحبك‪ ،‬دار الساقي‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة األولى‪2011 ،‬م‪.‬‬ ‫يوسف المحيميد‪ ،‬فخاخ الرائحة‪ ،‬دار رياض الريس‪ ،‬بيروت لبنان‪ ،‬الطبعة األولى‪2003 ،‬م‪.‬‬ ‫سعيد يقطين‪« ،‬الرواية والتراث السردي‪ ،‬من أجل وعي جديد بالتراث» المركز الثقافي العربي‪ ،‬البيضاء بيروت‪،‬‬ ‫الطبعة األولى‪1992 ،‬م‪.‬‬ ‫جرار جنيت‪ :‬مدخل لجامع النص‪ ،‬ترجمة عبدالرحمن أيوب‪ ،‬المعرفة األدبية‪ ،‬دار توبقال للنشر‪ .‬الطبعة الثانية‪،‬‬ ‫‪1986‬م‪.‬‬ ‫رجاء عالم‪ ،‬طوق الحمام‪ ،‬المركز الثقافي العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة األولى‪2010 ،‬م‪.‬‬ ‫أحالم حادي‪ ،‬جماليات اللغة في القصة القصيرة‪ ،‬المركز الثقافي العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪2003 ،‬م‪ ،‬ص‪.271 .‬‬ ‫سامي جريدي‪ ،‬الرواية النسائية السعودية‪ ،‬خطاب المرأة وتشكيل السرد‪ ،‬دار االنتشار العربي‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط ‪2008 ،1‬م‪،‬‬ ‫ص‪.110 .‬‬ ‫سعيد يقطين‪ ،‬قضايا الرواية العربية الجديدة‪ ،‬الوجود والحدود‪ ،‬دار رؤية للنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر العربية‪،‬‬ ‫الطبعة األولى‪2010 ،‬م‪ ،‬ص‪.174 .‬‬ ‫من األسماء الروائية التي برزت بشكل كبير في هذا التوجه السردي نذكر محمد برادة‪ ،‬الميلودي شغموم‪ ،‬الطاهر‬ ‫وطار‪ ،‬حسونة المصباحي‪ ،‬واسيني األعرج‪ ،‬وغيرهم‪...‬‬ ‫إبراهيم بادي‪ ،‬حب في السعودية‪ ،‬دار اآلداب‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة األولى‪2007 ،‬م‪ ،‬ص‪.137 .‬‬ ‫المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.130 .‬‬ ‫المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.135 .‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ‬


‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫ِ‬ ‫القارئ‬ ‫وسلطة‬ ‫سلطة‬ ‫ِّ‬ ‫النص ُ‬ ‫الن َّْق ُد بني ُ‬ ‫> عبدالدائم السالمي – من تونس‬

‫القارئ إلى‬ ‫ِ‬ ‫النص آ ُل��ة‬ ‫َّ‬ ‫بالنص‪ .‬لكأنّ‬ ‫ِّ‬ ‫النص‪ ،‬بل يحصدُ ه‬ ‫ِّ‬ ‫“ولكنّ القارئَ ال يحصد المعنى من‬ ‫تقاطع‬ ‫ِ‬ ‫أي معنى‪ ،‬هو الشرار ُة الخاطفةُ التي تنشأ من‬ ‫ومفتاحه إليه‪ .‬ال بل لكأنّ المعنى‪ّ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫المعنى‬ ‫النص‪ ،‬بوصفهما تاريخيْن غي َر مكتمليْن ومنفتحيْن على اآلتي دون القطع مع‬ ‫تاريخ ّ‬ ‫تاريخ القارئ مع ِ‬ ‫ِ‬ ‫لغوي مَّ ا»‬ ‫ٍّ‬ ‫جسد‬ ‫نص مّ ا‪ ،‬داخل ٍ‬ ‫وخبْرةِ ٍّ‬ ‫قارئ مَّ ا‪ِ ،‬‬ ‫الماضي‪ ،‬بل إنّ المعنى جدلٌ حارٌّ بين ِخبْر َتيْن‪ِ :‬خبرةِ ٍ‬ ‫دث‬ ‫كيف يُبنى معنى المقروءِ خالل حَ ِ‬ ‫النص األجناسية‬ ‫ِّ‬ ‫القراءةِ؟ هل لطبيعة‬ ‫والشكلية والفنية تأثي ٌر في طبيعة‬ ‫ت�ل� ّق�ي��ه؟ وم��ا م��دى ت��دخّ ��ل «ثقافة»‬ ‫النص؟‬ ‫ِّ‬ ‫َالالت‬ ‫ال�ق��ارئ في تشييد د ِ‬ ‫وم ��ا ح� ��دو ُد ف �ع��لِ ال��ت��أوي��لِ النصيّ‬ ‫وعالقتُه بوعي ال ّذات المؤوِّلةِ بحدودِ ها‬ ‫ُض‬ ‫الماديّة لحظ َة التف ُكّرِ ؟ أال يوجد هكذا تعار ٌ‬ ‫النص وموضوعيّةِ ذاك التلقّي؟‬ ‫ِّ‬ ‫بين حرية تلقّي‬ ‫النص‪ ،‬القو ُل‬ ‫ِّ‬ ‫ُضيف‪ :‬أي�ج��وزُ‪ ،‬لصيانة حُ رمةِ‬ ‫ُ‬ ‫ون‬ ‫َّض‬ ‫التأويلي» الذي يمك ُن أن تتعر َ‬ ‫ِّ‬ ‫بمنع «العدوانِ‬ ‫الباث إلى المتلقّي‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫النصوص في سَ فَرِ ها من‬ ‫ُ‬ ‫له‬

‫أم نشجّ ع عليه؟‬ ‫ق��د نمي ُل ف��ي إجابتنا ع��ن هذه‬ ‫األسئلة إل��ى القول إنّ فع َل النَّقد‬ ‫يبدأ قبل ابتداء فعلِ الكتابة‪ ،‬وذلك‬ ‫من جهة أنّ النقد استعداد ذهنيّ‬ ‫لتقبّل النص‪ .‬وه��و استعدا ٌد يتشكّل‬ ‫في القارئ من نواتج تواصله مع عناصر‬ ‫البيئة الثقافية بجميع تلويناتها الفنية والشكلية‬ ‫والقِ يَمية وتفاعلها معا في ٍآن‪ ،‬ومن ثمة يكون‬ ‫النص‪ .‬ولكنّ هذا‬ ‫ِّ‬ ‫للقراء ِة أمرُها في توجيه معاني‬ ‫بميل آخر إلى القولِ‬ ‫ٍ‬ ‫المي َل سرعا َن ما يرتطم‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ ‪17‬‬


‫أسباب معانيه‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫إنّ لعجينة ال�م�ق��روءِ ح �ض��ورًا ف��ي المبدع قبل جسدَها باحثا فيها عن‬ ‫النص حاض ٌر بالقوّة‬ ‫َّ‬ ‫تش ُّكلِها النصوصيِّ ‪ ،‬بل إنّ‬ ‫لدى صاحبه قبل حضوره الفعليّ ‪ ،‬ومن ثمة فإنّ‬

‫نصا يحف ُر في ثقافتِه عميقًا يقب ُل أن‬ ‫وال نخال ًّ‬ ‫يكون منزو َع السُ لطة في توجيه قراءاتِه‪ .‬وفي رأينا‬

‫النص األد ِّب��ي تتأتّى من طبيعةِ بنيانه‬ ‫ِّ‬ ‫حشو َد معانيه سابق ٌة للحظةِ كتابتِه‪ ،‬وهو أم ٌر قد أنّ سلط َة‬ ‫يدفع المقرو َء إلى تحديد مسارِ قراءتِه والتأثيرِ اللغويِّ ‪ ،‬ومن خبر ِة صاحبه بطرائقِ تش ُّكلِه الفنيّةِ ‪،‬‬

‫فيها‪ .‬وعلى مدار هذيْن الزّع َميْن‪ ،‬يحتدم صرا ُع ومن كيفية تواصله مع موروثه اإلبداعيّ ؛ وبهذا‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫تأويلِ المعنى بين سل ُطةِ‬ ‫النص القدرةَ على أن يُسائل ما يشاءُ من‬ ‫ُّ‬ ‫النص وسُ لطةِ القارئ‪ /‬يحتا ُز‬

‫الناقد‪.‬‬

‫عناصرِ واقعه الماديّةِ والرمزيّةِ ‪ ،‬وأن يتخ َّي َر بوعيِه‬ ‫***‬

‫الخاص فضا َء المُساءلةِ وزمانَها‪ ،‬وأن يتوسَّ َل لها‬ ‫ِّ‬

‫أدوات المجادلةِ الشكل ّي َة واألسلوبي َة المناسبةَ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫نص أدبيٍّ خروجً ا مّا‬ ‫شك في أنّ لك ّل ٍّ‬ ‫ما من ٍّ‬ ‫ُقاس وأن يُجرِّبَ غواي َة الخروج على ‪ -‬والخروجِ مِ ن‬ ‫النص األدبيّ ي ُ‬ ‫ّ‬ ‫مألوف مّا‪ .‬بل لع ّل نُض َج‬ ‫ٍ‬ ‫عن‬

‫أرض ك � ّل األق��ان�ي��م ال�س��ائ��دةِ‪ ،‬وأن يعي ب��أنّ م��ن أوكد‬ ‫دو ًم��ا بحجم المساحة التي يُح ِّررُها من ِ‬ ‫السياقات الفكريّةِ السائدةِ‪ ،‬ليبسُ َط عليها نفوذَه واجباته أَ َّال يُداه َن القارئَ إشفاقًا أو نفاقًا‪ ،‬وأَ َّال‬

‫كثير من الخضوعِ‬ ‫بمنحه وجب َة المعنى في ٍ‬ ‫ِ‬ ‫سات يتكفّل‬ ‫اللغويَّ في إطار ما يُنش ُئ فيه مُبدعُه من مؤسّ ٍ‬ ‫جمالي ٍّة وأخالقي ٍَّة‪ ،‬ورمزي ٍّة جديدةٍ ‪ ،‬هي منه عما ُد لسُ لطةِ ذوقِ ه وأنظمةِ رغائبِه وحُ شودِ ها‪ .‬بل على‬ ‫�ص��ا ت�ه��دأ فيه ح��رك � ُة المخاتلةِ‬ ‫المعنى‪ .‬وإنّ ن� ًّ‬

‫النص أن ي � ُر َّج في ق��ار ِئ��ه سكين َة قناعاته‪ ،‬وأن‬ ‫ِّ‬

‫ُّرات يُمكّنه من أسباب الحذرِ منها‪ ،‬وأن يعصف فيه‬ ‫والمناور ِة وال��خَ �رْقِ المستم ِّر لنسيج التصو ِ‬ ‫َّرات‪ ،‬وأن ينز َع‬ ‫والنصوص المطمئ ّن ُة كالزّبدِ ‪ ،‬باطمئنانه إلى األشياء وال ُمتَصو ِ‬ ‫ُ‬ ‫نصا مطمئ ّنًا‪،‬‬ ‫يظ ّل ًّ‬

‫س الجم َر الذي يكم ُن في‬ ‫لن تصن َع معناها مهما عل َتْ و َربَ��تْ ‪ ،‬ول��ن تُع ِّم َر عن يديه ُقفّازيْه ليتحسَّ َ‬ ‫ال مهما أ ُسْ عِ فَتْ بوافرِ األسباب‪ .‬مباني األلفاظ‪.‬‬ ‫دَالالتُ�ه��ا طوي ً‬ ‫ذل��ك أنّ الكتاب َة ح��دثٌ بشريٌّ ن��اد ٌر ينهض على‬

‫بعض‬ ‫يتنص ُل من ِ‬ ‫بشري ّ‬ ‫ٍّ‬ ‫فعل‬ ‫ونزعم أنه ما مِ ْن ٍ‬

‫ذات ُمف ِ َّكرَةٍ تقد ُر‬ ‫فاعلِه‪ ،‬هذا مؤ َّكدٌ‪ ،‬وما من ٍ‬ ‫ذات ِ‬ ‫ِ‬ ‫خالصات التجربة اإلنسانية التي تجعله‬ ‫ِ‬ ‫صافي‬ ‫بإمكانات المعنى‪ ،‬يروم االكتما َل فيه م ّر ًة على التخل ُ ِّص من ِصفاتِها لحظ َة بناءِ معنًى من‬ ‫ِ‬ ‫ممتلئًا‬ ‫كف عن المعاني‪ .‬فالموضوع ّي ُة سببٌ مُبتَغَى يقيناً لجهة‬ ‫ويُخطئُه دائمًا‪ ،‬ألنّ االكتما َل في المعنى ٌّ‬ ‫المُساءلةِ من جهة كونها استدعا ًء لحقِّ السؤال كونه يحمي من االن ��زالقِ المحتَمَلِ حين يسي ُر‬ ‫مكتوب سَ � ِ�خ� ٍ�ن‪ .‬موضوعي ُة‬ ‫ٍ‬ ‫�ف عن الشكِّ لكونه رحل َة ال�ق��ارئُ على صفيحِ‬ ‫وكثر ًة في تأويله‪ ،‬و َك� ٌّ‬ ‫النص مَطْ ل َبٌ تخييليٌّ يكا ُد يتماهى واألسطورةَ‬ ‫ِّ‬ ‫اإلنسان إلى يقينه على اعتبارِ أنه كلّما ثا َر في‬

‫‪18‬‬

‫التيمات المتحكِّمةِ‬ ‫ِ‬ ‫تيمة من تلك‬ ‫شك في ٍ‬ ‫النص ٌّ‬ ‫ِّ‬

‫إثبات ذاكَ الوجودِ ‪ .‬وهنا‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫من حيثُ الوُجو ُد وعد ُم‬

‫قاب الواقع‪ ،‬حش َد «معارِ فَه» واندفع يشكُّ‬ ‫في رِ ِ‬

‫تُ�ط� َر ُح علينا مسأل ُة حضورِ نَظري ٍّة َّم��ا تُراقِ بُ‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ‬


‫الموجودات‬ ‫ِ‬ ‫ْئات‬ ‫انبجاس ح��رار ِة هَ ي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ّات ع�ل��ى م��وض��وعِ ت �ف � ّ ُك��رِ ه��ا‪ .‬ه��ل النّظر ّي ُة أملتْه كثرةُ‬ ‫ال� � �ذ ِ‬ ‫الخامّ‪ .‬ذلك أنّه لمّا ِانْوَجَ َد‬ ‫ِ‬ ‫الذهنِ‬ ‫الباطلِ ؟ المقروءة في ِ ّ‬ ‫ِ‬ ‫نائس نحو‬ ‫ٌ‬ ‫الفكر ّي ُة ح ّ ٌق وفعل ُها النقديُّ‬ ‫الحق والباطلِ ‪ ،‬بوصفهما مِ حْ َو َريْنِ‬ ‫ِّ‬ ‫ربّما‪ ،‬ألنّ بين‬

‫ال�ك��ائ� ُن البشري أم��ام ظ��واه��ر طبيعيّة (نصيّة‬

‫ُدق ُق‬ ‫معيارِ يَيْن‪ ،‬يتن َّز ُل الفع ُل النقديُّ األدبيُّ ‪ .‬ال ب ّد من قبل أبجديّة) مستغل َقة على معانيها راح ي ِ ّ‬ ‫النص‪ ،‬حتى نحم َي ُه من فيها النظ َر يتغيّا تأويل َها وبلو َغ فهمِ ها‪ ،‬ومن ثمة‬ ‫المعنوي في ِ ّ‬ ‫ِّ‬ ‫الحق‬ ‫ِّ‬ ‫نُشْ دَانِ‬

‫َاجها‬ ‫َضمِ ها معرِ فياً واالنتفاع بنت ِ‬ ‫باط ٍل السيطرةَ عليها به ْ‬ ‫الحق من ِ‬ ‫ِّ‬ ‫والسفَهِ ‪ ،‬ولكن ال بُدَّ لهذا‬ ‫َّ‬ ‫النسيانِ‬ ‫طات المعنويِّ الدَّ الليِّ في ِصداماتِه الالحقة الممكنة‬ ‫ضاغ ِ‬ ‫ِ‬ ‫(لغوي) يمنحُ ه ق��درةَ تجاوُزِ‬ ‫ٍّ‬ ‫إنشائِي‬ ‫محيطه المجهولةِ ‪ .‬ويبدو أنّ هذا‬ ‫ِ‬ ‫الفني‪ ،‬في شيء من مع عناصرِ‬ ‫ِّ‬ ‫المألوف ليبل ُ َغ مراقِ يَ ال َّذوْقِ‬ ‫ِ‬ ‫الجُ رْأةِ‪ ،‬وفي شيءٍ من الحَ ذَرِ ‪.‬‬ ‫***‬ ‫للنص األدبيِّ جاهزيتُه لإلدانةِ‬ ‫ِّ‬ ‫بالمعنى‪ ،‬تكون‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫إسقاطات ُمنْشَ دَّ ًة إلى فعل القراء ِة بوصفه ترسيماً لها دَالل ّيًا‬ ‫ِ‬ ‫خَ طْ وَنا وتَ ْمنَعُنا االنزال َق صوبَ شفيرِ‬

‫السب َق لفعل القراءة تشرّبه الفك ُر البشريّ ‪ ،‬تحت‬

‫ضاغطة الحاجة‪ ،‬حتى صار سالس َل جينيّة تحكم‬ ‫يج ُّد من الظواهر‪ ،‬وتُمكّنه‬ ‫جديد ِ‬ ‫ٍ‬ ‫كل‬ ‫سلوكَه عند ِ ّ‬ ‫الالوعي بها‬ ‫ِ‬ ‫متدر ٍّج من‬ ‫ِ‬ ‫دث تأويلِها بشكل‬ ‫من حَ ِ‬

‫الوعي بأنساقِ‬ ‫ِ‬ ‫الوعي بحدودِ ها إلى ما بع َد‬ ‫ِ‬ ‫والمساءلةِ ؛ إدانة ك ِّل شيءٍ ومساءلة ما فيه من إلى‬ ‫دع��وةٍ إل��ى ال� ّدع��ةِ واالطمئنان والسكينة‪ ،‬سواء تك ُّونِها‪ ،‬أي‪ :‬بلوغ التف ُكّرِ فيها المنطق َة التي تنفلِتُ‬

‫أكان ذلك مؤسّ ٍ‬ ‫�راط ال��واق��ع لتنف ِت َح على‬ ‫سات ديني ًة أم أنظم ًة في السياسة داخلها ال��رؤي��ا من أش� ِ‬ ‫واألخالق واالجتماع واللغة‪ .‬يفعل ذلك ألنّه يرو ُم المتو َقّعِ حيث ال تح ُكمُها‪ ،‬أسيِج ٌة وال يشكمُها‬

‫الالت‪.‬‬ ‫المقيت من الدَّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫المألوف‬ ‫ِ‬ ‫الحياةَ في حراكها الحُ ِّر وتجدُّدِ ها المتحرِّرِ من حَ ب ُل‬ ‫َّس‪ ،‬وي ��روم معرف َة سُ بُلِ‬ ‫أغ�ل�الِ ال�س��ائ��دِ ال � ُم � َك �ر ِ‬ ‫***‬ ‫الخوف منها حتى وإ ْن أخطأها‪ .‬وإ ْذ يقو ُل‬ ‫ِ‬ ‫نزعِ‬ ‫جاء في «لسان العرب» عن ابن األثير القولُ‪:‬‬ ‫النص األد ُّب��ي معنى اإلدان ِ��ة‪ ،‬ال يجه ُر به دائمًا‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫َضعِ ه‬ ‫«والمرا ُد بالتأويلِ نق ُل ظاهرِ اللّف ِْظ عن و ْ‬

‫ألنه يخشى أن ينزا َح في ذلك من حيّزِ األدبيّةِ‬ ‫دليل ل��واله ما تُرِ كَ‬ ‫األص�ل� ِ ِّ�ي إلى ما يَحتا ُج إلى ٍ‬ ‫ْ‬ ‫ُباشرِ ‪ ،‬فتراه يتف َّك ُر معناه‬ ‫اإلسفاف الم ِ‬ ‫ِ‬ ‫إلى حيِّزِ‬ ‫بصوت مُناوِ ٍر يطر ُق به أب��وابَ تلك المؤسّ سات ظ��اه � ُر ال �لَّ � ْف��ظ»‪ ،‬ون�ت�ب� ّي� ُن م��ن ه��ذا حُ � ��دو َد فعلِ‬ ‫ٍ‬

‫ض من القولِ‬ ‫بكشف الغامِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫واألنظمة ويَشْ َرعُها وف َق أساليبَ له فني ٍّة تتك ّف ُل ال � ُم � َؤوِّلِ ‪ ،‬فهو يقوم‬ ‫استجالب (أو استحالب) معناه بواسطة‬ ‫ِ‬ ‫ب��إن �ج��از ُم �س��اءل � ِت��ه ل�ه��ا داخ ��ل أف �ض �ي��ةِ القراء ِة بُغي َة‬ ‫لفظ آخر غيرِ مست ْغل ٍَق على الفهمِ ‪ ،‬ال بل إنّ عمل َه‬ ‫ٍ‬ ‫النص‬ ‫ِّ‬ ‫المتنوّعة‪ .‬واستنادًا إلى هذا‪ ،‬يظ ّل معنى‬

‫لنص َّم��ا أما َم‬ ‫الغامض ٍّ‬ ‫ِ‬ ‫محتاجً ا إلى قوّةٍ قرائي ٍّة تُخرجُ ه من كمونِه الفنيِّ ‪ ،‬هو إب��اح� ُة ُك�نْ��هِ المعنى‬ ‫شبيه له‪ .‬إذاً‪ ،‬ثمة حدثُ‬ ‫ٍ‬ ‫بنص مَّا‬ ‫ُتلق مَّا ٍ ّ‬ ‫ألنّ القراءةَ كانت هي المبتدأ في إظهارِ المعاني‪ ،‬ذائقةِ م ٍ ّ‬

‫ف‬ ‫يكش ُ‬ ‫َص‪ ،‬وبالتالي ثمّة معنًى ِ‬ ‫نص من ن ٍّ‬ ‫والكتاب ُة تالية عليها‪ .‬بل إنّ كتاب َة ظهرت مُحْ تشم ًة والد ِة ٍّ‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ ‪19‬‬


‫عن معنًى‪ ،‬ثمة إضاف ٌة إلى َكوْنِ ال َّداللةِ ‪ ،‬إضاف ٌة ِعنْدِ َر ِ ّبنَا َومَا يَ َّذ َّك ُر ِإ ّالَ أ ُ ْولُو األَلْبَاب» (آل عمران‪،‬‬ ‫�ارئ ُم� � َؤو ٍِّل إل��ى آخ��ر‪ ،‬وم��ن طبيعةِ‬ ‫ِف من ق� ٍ‬ ‫تختل ُ‬ ‫نفس ال �م � َؤوِّلِ ‪ ،‬ومن‬ ‫�ص إل��ى طبيعةِ آخ��ر عند ِ‬ ‫ن� ٍّ‬ ‫ّاس‪ .‬ولكن‪،‬‬ ‫�ات الن ِ‬ ‫تأويل إلى غيرِ ه من أوق� ِ‬ ‫ٍ‬ ‫زم��نِ‬ ‫هل نُ َب ِّر ُر بقولِنا هذا عد َم موضوعيّة فعلِ النقدِ ؟‬ ‫إجابة‪ ،‬ونب َدؤُه بتساؤ ٍُل‬ ‫ٍ‬ ‫سنحاو ُل تقدي َم مشروع‬ ‫مكتوب ونح ُن ال نتو َّف ُر‬ ‫ٍ‬ ‫نص‬ ‫مهم‪ :‬أَيُمك ُن تأوي ُل ٍ ّ‬ ‫النص‬ ‫ّ‬ ‫آليات فهمِ اللغةِ ؟ أيجوز اعتبا ُر داللةِ‬ ‫ِ‬ ‫على‬ ‫نص‪ ،‬هو لغةٌ‪،‬‬ ‫فالنص‪ ،‬أيُّ ٍّ‬ ‫ُّ‬ ‫خارج لغته؟ نقو ُل بلى‪،‬‬ ‫والمنط ُق مُتعالِق ٌة مُعادَالت ّي ٌة يؤدّي‬ ‫ِ‬ ‫منطقٌ‪،‬‬ ‫واللغ ُة ِ‬ ‫سالسلِها إلى فتحِ عُقد ِة األخرى‪ ،‬فال‬ ‫ِ‬ ‫ح ُّل إحدى‬ ‫يُ��وج� ُد ت��أوي� ٌل صائبٌ وال �م � َؤ ِّو ُل خ��ار َج دار ِة لُعبةِ‬ ‫المكتوب‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫الكتابةِ ‪ ،‬بعيداً عن إصابةِ وِ حد ِة معنى‬ ‫ض أنّنا َمل َكنا ناصي َة اللغةِ ‪ ،‬هل يعني هذا‬ ‫ولْنَ ْفتَرِ ْ‬ ‫مكتوب مَّا؟‬ ‫ٍ‬ ‫أن القارئَ ب َمنْآى عن الخطلِ في فهمِ‬ ‫سنُجيبُ بقولِنا إنّ فع َل القراء ِة هو أساساً فع ٌل‬ ‫باحثٌ دوم�اً عن الموضوعيّة‪ ،‬ينشُ دُها من َمهْدِ‬ ‫ِ‬ ‫النص إلى لَحْ دِ نِهايتِه‪ ،‬ما إ ْن يقترِ ب‬ ‫ِّ‬ ‫بدايةِ قراء ِة‬ ‫َف عليها‬ ‫منها حتى تبد َو له بعيدةَ المنالِ ‪ ،‬فإذا عك َ‬ ‫أطراف النهارِ‬ ‫َ‬ ‫يطلُبُها آنا َء الليلِ فرّتْ منه أطْ يافُها‬ ‫باب االنزِ ياحِ السّ هْلِ الذي تُبيحُ ه اللغةُ‪ .‬ثمة‬ ‫من ِ‬ ‫مشكل ٌة إذاً‪ ،‬وإذاً ث ّم َة تأويلٌ!‬ ‫***‬ ‫« ُه�� َو ا ّلَ ��ذِ ي أَنْ� � َز َل عَ �ل َ�يْ��كَ ال��كِ �تَ��ابَ مِ �نْ� ُه آيَاتٌ‬

‫اآلية ‪.)7‬‬ ‫***‬ ‫ظاه ٌر أ ّن الفتن َة غي ُر التأويلِ ‪ ،‬وأ ّن التأوي َل غي ُر‬ ‫النص‬ ‫ِّ‬ ‫�ارئ يَ ْهتِكَ حُ جُ بَ‬ ‫�وف من ق� ٍ‬ ‫القتْلِ ‪ .‬فال خ� ٌ‬ ‫ويجته ُد فيه طاقاتِهِ العرفانية ابتغا َء تأويلِه‪ ،‬ولن‬ ‫مضيعة‬ ‫ٍ‬ ‫يذهبَ فعل ُه سُ دًى‪ ،‬ولن يح َز َن حُ ْزنَه على‬ ‫مطلوب‬ ‫ٍ‬ ‫متوهجَ ٌة ول َّذةُ‬ ‫ِّ‬ ‫لوقت ما دام ثمة لذةُ طَ ل ٍَب‬ ‫ٍ‬ ‫تَظَ ّ ُل مؤجَّ ل ًة أبداً‪ ،‬إ ْذ في تأجيلِها تمدي ٌد في حيا ِة‬ ‫�ص‪ ،‬وتجدي ٌد في حيا ِة ق��ار ِئ��ه وه��و ما يضم ُن‬ ‫ال�ن� ِّ‬ ‫أش��راطَ أدبيّةِ األث��رِ وقدرتَه على اختراقِ خطيّةِ‬ ‫التخييلي‪ .‬أل ّن المعاني ليست بضاع ًة معلَّب ًة‬ ‫ِّ‬ ‫الزّمن‬ ‫النصوص‪ ،‬وال حتّى على قارعة طرقاتها‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ملقا ًة في‬ ‫القارئ‪ .‬فهو الفاع ُل في‬ ‫ِ‬ ‫كف‬ ‫تصفيف ِّ‬ ‫ِ‬ ‫بل هي من‬ ‫�ض��ا؛ يهاج ُر إليه مُجَ َّهزًا‬ ‫�ص وه��و صاحبُه أي� ً‬ ‫ال�ن� ِّ‬ ‫الخبرات اللغويّة والفنيّة والقيَميّةِ ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫هاز من‬ ‫بجَ ٍ‬ ‫أرضه كلَّ انتظاراتِه‪،‬‬ ‫ويُعمِ ُل فيه معاولَه زارعً ا في ِ‬ ‫ح�ت��ى إذا رب���تْ م�ع� ًن��ى وت�س��ام�ق��ت ش �ك�لاً‪ ،‬عجّ ل‬ ‫بحصادِ ها‪ .‬ولكنّ ال�ق��ارئَ ال يحصد المعنى من‬ ‫القارئ‬ ‫ِ‬ ‫النص آل ُة‬ ‫َّ‬ ‫بالنص‪ .‬لكأ ّن‬ ‫ِّ‬ ‫النص‪ ،‬بل يحصدُه‬ ‫ِّ‬ ‫إلى المعنى ومفتاحُ ه إليه‪ .‬ال بل لكأ ّن المعنى‪ ،‬أيّ‬ ‫معنى‪ ،‬هو الشرارةُ الخاطف ُة التي تنشأ من تقاطعِ‬ ‫النص‪ ،‬بوصفهما تاريخيْن‬ ‫ّ‬ ‫تاريخِ القارئ مع تاريخِ‬ ‫غي َر مكتمليْن ومنفتحيْن على اآلت��ي وال يرغبان‬

‫َاب َوأ ُخَ � ُر ُمتَشَ ا ِبهَاتٌ َف َأمَّا أبدًا في العود ِة إلى الوراءِ ‪ ،‬بل إ ّن المعنى جد ٌل حا ٌّر‬ ‫مُحْ َكمَاتٌ ُه َّن أ ُ ُّم الكِ ت ِ‬ ‫نص مّا داخل‬ ‫وخبْر ِة ٍّ‬ ‫قارئ مَّا ِ‬ ‫ا ّلَ��ذِ ي� َن فِ ي ُقل ُوبِهِ ْم َزيْ � ٌغ َف َي ّتَ ِبعُو َن مَا تَشَ ابَ َه مِ نْ ُه بين ِخبْرتَيْن‪ِ :‬خبر ِة ٍ‬ ‫النص إ ّال كيف ّي ُة إدار ِة هذا‬ ‫ِّ‬ ‫جسد لغويٍّ ‪ .‬وهل أدب ّي ُة‬ ‫ٍ‬ ‫ابْ ِتغَا َء الفِ تْنَةِ وَابْ ِتغَا َء تَأْوِ يلِهِ َومَا يَ ْعل َ ُم تَأْوِ يل َ ُه ِإ ّالَ‬ ‫رواجه وازدهارِ ه؟‬ ‫أسباب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ّاسخُ و َن فِ ي العِ ل ْمِ يَقُولُو َن ءَا َمنَّا بِهِ ُك ّ ٌل مِ ْن الجدلِ ‪ ،‬وضما ُن‬ ‫اللهُ‪ ،‬وَال َر ِ‬

‫‪20‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ‬


‫قراءة في املضمون والتّطبيق‬

‫> د‪ .‬إبراهيم الدهون الدهون ‪ -‬جامعة اجلوف‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫املناهج النّقديّة احلديثة‬

‫السريع على المناهج الّنقديّة الحديثة؛ تعريفاً‪ ،‬وأعالماً‪ ،‬كما‬ ‫تسعى هذه الورقة إلى التّطواف ّ‬ ‫تهدف إلى إبراز دور هذه المناهج في سبر مكنون النّصوص اإلبداعيّة‪ ،‬وكشف تجلياتها الف ّنيّة التي‬ ‫تلفت انتباه القارئ المبدع‪.‬‬ ‫فالنّقد األدبي هو فنّ التّمييز بين األساليب‪ ،‬وتبيان مميزات العمل األدبي وعيوبه‪ ،‬أو هو الحكم‬ ‫لصالح العمل أو ضده‪.‬‬ ‫ومفردة‪( :‬نقد) في اللّغة العربيّة‪ ،‬تشير إلى تمييز الدّ راهم‪ ،‬وإخ��راج الزائف منها‪ ،‬ثمّ تطورت‬ ‫اللّفظة بعد ذلك إلى الكشف عن محاسن العمل األدبي ومساوئه‪ ،‬وقد نشأ النّقد مع نشوء األدب أو‬ ‫بعده بقليل؛ فإذا اعتبرناه يسير مع األدب‪ ،‬فنقصد أنَّ األديب حين ينتهي من كتابته للنّص األدبي؛‬ ‫يعيد قراءته‪ ،‬كاشف ًا أخطاءه‪ ،‬مقوم ًا عيوبه األولى‪.‬‬ ‫وإنَّ م�ن��اه��ج ال� ّن�ق��د األدب���ي وتحليل‬ ‫النّصوص متعددة وكثيرة‪ ،‬لم تأخذ‬ ‫حدّ الثبات‪ ،‬ودق��ة المصطلح‪ ،‬فقد‬ ‫تزيد وتنقص‪ ،‬وقد تتوحد وتتعدد‬ ‫تارة‪.‬‬ ‫وق ��د ح ��دث ه ��ذا ال � ّت �ع��دد أكثر‬ ‫م��ا ح��دث ف��ي ال �ق��رن ال � ّت��اس��ع عشر‪،‬‬ ‫�اص��ة في‬ ‫اس�ت�ج��اب��ة ل �ع��وام��ل ع��ا ّم��ة‪ ،‬وب �خ� ّ‬ ‫الحياة‪ ،‬والمجتمع‪ ،‬والفكر‪ ،‬والفلسفة‪ ،‬وتراكم‬ ‫الخبرات وتنوع األدب اإلنشائي‪.‬‬ ‫وما حدث منها في القرن التّاسع عشر مضى‬ ‫أكثره إلى القرن العشرين‪ ،‬جمعاً وزي��ادة حيناً‪،‬‬ ‫ونقصاناً حيناً آخر‪ ،‬ويمكن القول‪ :‬إنَّ القرن عمل‬ ‫عموماً على تشذيب التّطرف في تلك المناهج‪،‬‬ ‫وباألخذ منها بما هو في صميم العملية النّقديّة‪،‬‬

‫وما يهب النّاقد سعة األفق‪ ،‬وتعدد الزوايا‬ ‫التي ينظر منها إلى األدب المبدع‪.‬‬ ‫وت��ظ��ه��ر إزاء ه � ��ذا المناهج‬ ‫المتعددة دعوة إلى االنتقاء‪ ،‬ففي ك ّل‬ ‫منهج شيء ينفع النّاقد‪ ،‬فليأخذ –‬ ‫إذاً‪ -‬ما ينفعه من المنهج التّاريخي‪،‬‬ ‫وال� ّن�ف�س��ي‪ ،‬واالج �ت �م��اع��ي‪ ،‬وال�ب�ن�ي��وي‪.‬‬ ‫ال‬ ‫ال وتأ ّم ً‬ ‫ّص تحلي ً‬ ‫وكما أنّ الوقفة عند الن ّ‬ ‫ض ��روري ��ة‪ ،‬ف ��إنَّ االس�ت�ع��ان��ة ب��ال�م�ن��اه��ج األخرى‬ ‫�ص ض��روري��ة أي �ض �اً؛ ول��ذل��ك كان‬ ‫اس�ت�ج�لاء ال � َّن� ّ‬ ‫يسمّى هذا المنهج االنتقائي أو التّكاملي‪.‬‬ ‫وال� �م� �ن� �ه ��ج‪ ،‬ل� �غ� �ةً‪ :‬ه���و ال� �ط ��ري ��ق ال���واض���ح؛‬ ‫واصطالحاً‪ ،‬هو خطوات منظمة يتخذها الباحث‬ ‫لمعالجة مسألة أو أكثر‪ ،‬ويتتبَّعها للوصول إلى‬ ‫نتيجة؛ وبنا ًء عليه؛ فقد اعتمد النّقاد في نقدهم‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ ‪21‬‬


‫ّص‪.‬‬ ‫للنصوص األدبيّة على عدة مناهج نقديّة‪ ،‬ومن تتعلق بخدمة هذا الن ّ‬ ‫أهمها هذه المناهج‪:‬‬ ‫إنَّ التّاريخية التي يقوم المنهج عليها‪ ،‬تأخذ من‬

‫التّاريخ أضيق دالالت��ه‪ ،‬أي ارتباط الحدث بزمن‪،‬‬ ‫‪ -1‬المنهج التّ اريخي‬ ‫وم��ن ث � ّم تقسيم األدب إل��ى ع�ص��ور‪ ،‬وص�ف��ات ك ّل‬ ‫فالمنهج التّاريخي لألدب‪ ،‬هو المنهج الذي يصار‬ ‫بالصفة‬ ‫الصفات ّ‬ ‫أدب من ك ّل عصر‪ ،‬وعالقة هذه ّ‬ ‫فيه إلى دراسة األديب وأدبه أو الشّ اعر وشعره؛‬ ‫الغالبة للعصر‪.‬‬ ‫من خالل معرفة سيرته‪ ،‬ومعرفة البيئة التي عاش‬ ‫ويُع ّد المنهج التّاريخي أوّل المناهج النّقديّة‬ ‫فيها‪ ،‬ومدى تأثيرها في نتاجه األدبي أو الشِّ عري‪.‬‬ ‫وبعبارة أخ��رى‪ ،‬ه��و المنهج ال��ذي يُعنى بدراسة ال �ح��دي �ث��ة‪ ،‬وم ��ن أش �ه��ر ال � ّن �ق��اد ال�ت��اري�خ�ي�ي��ن في‬ ‫األديب‪ ،‬بمعرفة العصر الذي عاش فيه واألحداث اآلداب الغربية‪( :‬سانت بيف) الذي اهت ّم بدراسة‬ ‫العبقريات‪ ،‬وردّها إلى عوامل‪ :‬كالبيئة‪ ،‬والجنس‪،‬‬ ‫ّص في‬ ‫والخاصة التي م َّر بها‪ ،‬وبدراسة الن ّ‬ ‫ّ‬ ‫العامّة‬ ‫وال ��زم ��ان‪ .‬أ ّم ��ا ف��ي األدب ال �ع��رب��ي‪ ،‬ف�ق��د برزت‬ ‫ض��وء حياة ذل��ك األدي��ب وسيرته وال�ظ��روف التي‬ ‫مجموعة م��ن اتباعه‪ ،‬نحو‪ :‬ط��ه حسين‪ ،‬وأحمد‬ ‫أثَّرت عليه؛ أي أ ّن األحداث التّاريخيّة وشخصية‬ ‫أمين‪ ،‬وشكري فيصل‪.‬‬ ‫األديب يمكن لها أن تكون هنا عوامل مساعِ دة على‬ ‫ّص األدبي وتفسيره‪.‬‬ ‫تحليل الن ّ‬ ‫سمات المنهج التّ اريخي ومميزاته‬ ‫ولهذا‪ ،‬ن��رى أنَّ ه��ذا المنهج يعمل على إبراز‬ ‫الظروف التّاريخيّة واالجتماعيّة التي أ ُن ِت َج فيها‬ ‫�ص‪ ،‬م��ن دون االه �ت �م��ام ك�ث�ي��راً بالمستويات‬ ‫ال�� ّن� ّ‬ ‫ّص‬ ‫ال�دّالل� ّي��ة األخ��رى التي يكشف عنها ه��ذا الن ّ‬ ‫ودراسة مدى تأثيره على القارئ‪ ،‬بعكس النّظريات‬ ‫النّقديّة الحديثة‪ ،‬كالبنيوية والتفكيكية‪ ،‬اللتين‬ ‫أعطتا السّ لط َة للقارئ وجعلتاه سيدًا على الن ّ‬ ‫ّص ‪ -1‬المنهج التّاريخي في النّقد‪ ،‬ش��أن أي منهج‬ ‫األدبي ال ينازعه منازع‪.‬‬ ‫ح��سّ ��اس‪ ،‬إذا فقد فيه صاحبه ت��وازن��ه‪ ،‬فقد‬ ‫خ�ص��ائ��ص ن �ق��ده‪ ،‬وص ��ار م��ؤرخ �اً أو جمّاع ًة‬ ‫ويتخذ المنهج التّاريخي‪ -‬إذن‪ -‬من الحوادث‬ ‫ّص األدبي لديه مادة للتاريخ‪.‬‬ ‫للتاريخ‪ ،‬وصار الن ّ‬ ‫التّاريخيّة واالجتماعيّة والسياسيّة وسيل ًة لتفسير‬ ‫ولم يصر التّاريخ مادة للنقد‪.‬‬ ‫األدب وتعليل ظ��واه��ره وخصائصه‪ ،‬وي��ر ِّك��ز على‬ ‫يمكننا أن نلحظ مميزات ه��ذا المنهج التي‬ ‫تُع ّد متداخلة في حد ذاتها بالعديد من المناهج‬ ‫األخرى‪ ،‬شأنها في ذلك شأن انفتاح العلوم بعضها‬ ‫على بعض وتداخلها مع حركة الوعي اإلنساني‬ ‫ال��ذي صاحب معطيات التفكير في ك ّل العصور‪،‬‬ ‫ومنها اآلتي‪:‬‬

‫تحقيق ال � ّن �ص��وص وت��وث�ي�ق�ه��ا ب��اس�ت�ح�ض��ار بيئة ‬ ‫األدي��ب والشّ اعر وحياتهما؛ فهو‪ ،‬في ق��ول آخر‪،‬‬ ‫ق��راءة تاريخيّة في خطاب النّقد األدب��ي تحاول‬ ‫تفسير نشأة األث��ر األدب��ي بربطه بزمانه ومكانه‬ ‫وشخصياته‪ .‬أي أنَّ ال � ّت��اري��خ هنا ي�ك��ون خادماً‬ ‫ّص؛ ودراس�ت��ه ال تكون هدفاً قائماً بذاته‪ ،‬بل‬ ‫للن ّ‬

‫‪22‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ‬

‫ويقتضي أن يحدّد النّاقد منذ البداية عالقته‬ ‫ّص األدبي بما‬ ‫بالتّاريخ‪ ،‬فصميم عمله هو الن ّ‬ ‫فيه من العواطف والخياالت‪ ،‬والمشاعر‪ ،‬وهو‬ ‫يستعين بتاريخ العصر‪ ،‬ونظمه السّ ائدة على‬ ‫ّص األدبي‪ .‬وما خبأه الزمن وراء‬ ‫استجالء الن ّ‬ ‫حروفه‪ ،‬وكذلك العلم بما تضمن من إشارات‬


‫المقاييس اللّغويّة (التّحليليّة) وبين العصر‬ ‫ال��ذي وج��دت فيه‪ ،‬وبين المؤلِّف ال��ذي تأثر‬ ‫بذلك العصر‪ ،‬فاستخدم تلك المصطلحات‬ ‫اللّغويّة‪ .‬ولهذا‪ ،‬نجد المنهج التّاريخي مرتبطاً‬ ‫ارتباطاً وثيقاً بالمناهج النّقديّة األخرى‪ ،‬على‬ ‫األقل من هذا اإلطار‪.‬‬

‫‪ -7‬وع�ل��ى مستوى ضيق ف��إنَّ المنهج التّاريخي‬ ‫األدب��ي يتتبع األعمال األدبيّة من حيث إقرار‬ ‫النّصوص والوقائع واألحداث فيها‪ ،‬فهو يدرس‬ ‫المخطوطات‪ ،‬وي�ق��ارن الطبقات‪ ،‬ويدقق في‬ ‫التّصويب النّهائي للنّص‪ ،‬إضافة إلى دراسة‬ ‫تكوينات الوقائع االجتماعيّة المتعلقة بسيرة‬ ‫الكاتب الذاتية‪.‬‬

‫‪ -2‬إنَّ المنهج التّاريخي هو منهج يحاول أن يبلور‬ ‫العالئق الموجودة بين األعمال األدبيّة في إطار‬ ‫تاريخي زمني ‪ -‬أي إطار وعي بحركة التاريخ‪-‬‬ ‫وهو بذلك يتعامل مع األدب من الخارج‪.‬‬ ‫‪ -6‬ال�م�ن�ه��ج ال � ّت��اري �خ��ي‪ :‬م�ن�ه��ج ف��رع��ي‪ :‬يختص‬ ‫بالتوفيق في األعمال القديمة من حيث ذكرها‬ ‫‪ -3‬تبعاً لذلك ف��إنَّ المنهج التّاريخي يحتاج إلى‬ ‫وحفظها وترتيب ظواهرها في سياق التسلسل‬ ‫ثقافة واعية‪ ،‬وتتبع دقيق لحركة الزمن‪ ،‬وما فيه‬ ‫ال � ّت��اري �خ��ي ال �ت��ي ي �ت �ك��ون م�ن�ه��ا ح �ي��اة األدب� ��اء‬ ‫من معطيات يمكنها أن تنعكس بصورة مباشرة‬ ‫وإنتاجهم والجمهور وال�ع�لاق��ات بين الكاتب‬ ‫ّص األدبي‪ .‬ولع ّل عنايته‬ ‫أو غير مباشرة على الن ّ‬ ‫ومستهلك الكتاب‪ ،‬ويقدم التفسيرات حول هذه‬ ‫أح�ي��ان�اً بالطّ ابع التّحليلي ي�ب��رز مظهر ذلك‬ ‫األشياء‪ ،‬وعلى مستوى أعمق يحاول شرحها‬ ‫ّص‬ ‫الوعي؛ فالنّاقد التاريخي قد يلتفت إلى الن ّ‬ ‫وحتى إحياءها من خالل المقتطفات أو يقوم‬ ‫األدبي‪ ،‬ويحلّله في إطار إحصائي أو بياني أو‬ ‫أمام تراكم الوقائع بإطالق المعايير‪ ،‬والقواعد‬ ‫حتّى جمالي؛ ليصل في النّهاية إل��ى هدفه‪،‬‬ ‫التي تحكم بيئة األدباء وسيرتهم الذاتية‪.‬‬ ‫وغايته وهي محاولة الربط بين استخدام تلك‬

‫‪ -4‬المنهج ال� ّت��اري�خ��ي معني بمستويات النّقد‬ ‫وأطره؛ لذا‪ ،‬فهي تستخدم ك ّل مراحله المتمثلة‬ ‫في التّفسير‪ ،‬والتأويل والتقييم‪ ،‬والحكم‪ ،‬نظراً‬ ‫ّص كرؤية واقعية ترتبط‬ ‫لعنايته ال�ج��ادة بالن ّ‬ ‫بالزمن والعصر والبيئة‪ ،‬ويلعب المؤلّف دوره‬ ‫المحلّل في ضوء تلك المراحل التي ال غنى‬ ‫عنها في العملية النّقديّة‪.‬‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫لمواقع وأح��داث وأع�لام‪ ،‬وغير ذلك من آثار‬ ‫واقعية يمكن معرفتها بمساعدة التّاريخ‪.‬‬

‫سبقوه؛ فهو بالطبع يحصر حقل أبحاثه في‬ ‫م�ي��دان األدب م �ح��دداً عالقاته بكافة األطر‬ ‫االقتصاديّة والسّ ياسيّة‪ ،‬والثقافيّة‪ ،‬لتبيان ما‬ ‫فيها من ع��وارض أو إش��ارات تنم عن عقلية‬ ‫نقدية ما‪.‬‬

‫هذه أهم المالمح التي تميز المنهج التاريخي‪،‬‬ ‫وتحدّد خصائصه‪ ،‬وال شك ف��إنَّ معطياته قد ال‬ ‫تعطي ك� ّل الثمار المرجوة في الحركة النّقديّة‪،‬‬ ‫ّص من‬ ‫فهو منهج قديم‪ .‬أهم ما يعيبه دراس��ة الن ّ‬ ‫ال �خ��ارج‪ ،‬وال��وق��وف على المغزى ال��واق�ع��ي‪ ،‬الذي‬ ‫ّص‪ ،‬المتمثلة في‬ ‫قد ال يكشف لنا أحياناً رؤى الن ّ‬ ‫‪ -5‬يظهر المنهج التّاريخي األدب��ي‪ ،‬وكأنّه والية التّحليق‪ ،‬والخيال‪ ،‬والبعد المثالي‪ ،‬الذي تفضيه‬ ‫خاصة في حقل التّاريخ‪ :‬أي إنّه يذكر الماضي مشاعر ال�م��ؤ ّل��ف‪( :‬ال�م�ب��دع) حينما يغدو كطائر‬ ‫ّ‬ ‫من أجل الحاضر‪ ،‬ويحيى العالقة التي غالباً محلّق‪ ،‬يرتشف نسمات الهواء‪.‬‬ ‫م��ا ت �ك��ون عاطفية م��ع ك �ب��ار ال �ق��دم��اء الذين‬ ‫بيد أ ّن ل�ك� ّل منهج ر ّب�م��ا تظهر مجموعة من‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ ‪23‬‬


‫العيوب التي تح ّد من إبداعه‪ ،‬والمنهج التاريخي‬ ‫كغيره من المناهج التي ب��رزت فيها عيوب‪ ،‬ومن‬ ‫عيوبه‪:‬‬

‫مستقيم وخطي؛ فمفهوم نقض النّقيض نفسه‬ ‫يعبّر عنه بالشكل الحلزوني المتعرج الذي‬ ‫يسير فيه التّطور‪.‬‬

‫‪ -1‬االس� �ت� �ق ��راء ال � ّن��اق��ص ح �ي��ث االع �ت �م��اد على‬ ‫المنعطفات ال�ك�ب��رى ف��ي ال� ّت��اري��خ والظواهر‬ ‫الفذّة‪.‬‬

‫كما تقوم فكرة المنهج االجتماعي على دراسة‬ ‫العالقة بين األدب والمجتمع‪ ،‬وأق��دم من تناول‪،‬‬ ‫وحاول رسم بناء نظري وفلسفي للعالقة بين األدب‬ ‫والمجتمع‪ ،‬يعود إل��ى المفكر االيطالي‪( :‬فيكو)‪،‬‬ ‫ث ّم جاء بعده كثير من الباحثين والدَّ ارسين‪ ،‬وقد‬ ‫خلص أح��د الباحثين إل��ى مفاهيم أساسيّة في‬ ‫المنهج االجتماعي تمثلت في‪:‬‬

‫‪ -2‬األح� �ك ��ام ال� �ج ��ازم ��ة‪ ،‬وب �خ��اص��ة ف�ي�م��ا يتعلق‬ ‫بالمسائل التّاريخيّة القديمة التي ليس لدينا‬ ‫مستندات عنها‪.‬‬

‫‪ -2‬المنهج االجتماعي‬

‫‪ -1‬التعامل مع األدب بوصفه نظاماً اجتماع ّياً‪.‬‬

‫النّقد االجتماعي‪ ،‬هو ذلك النّقد الذي يعتمد‬ ‫على نظريات علم االجتماع‪ .‬ولع ّل النّقد الماركسي‪ -2 ،‬ج��دل�ي��ة ال�ع�لاق��ة ب�ي��ن ال�ع�م��ل األدب ��ي والواقع‬ ‫االجتماعي من حيث التأثر والتأثير‪.‬‬ ‫هو أكثر أشكال النّقد االجتماعي انتشاراً‪ ,‬وهو‬ ‫ي�ه��دف إل��ى ب�ي��ان طريقة تحديد األث ��ر بواسطة‬ ‫ويمكننا ال �ق��ول‪ :‬إنَّ المنهج االج�ت�م��اع��ي‪ ،‬هو‬ ‫المجتمع ال��ذي يظهر فيه‪ ,‬وله طرق متنوعة في الذي تبقّى في نهاية األمر من المنهج التّاريخي‪،‬‬ ‫دراسة األثر‪.‬‬ ‫وانصب فيه ك ّل البحوث والدّراسات التي كانت في‬ ‫البداية متصلة بفكرة الوعي التّاريخي‪ ،‬إذ سرعان‬ ‫ األساس النظري للمنهج االجتماعي‬‫ما تحول هذا الوعي إلى وعي اجتماعي‪ ،‬يرتبط‬ ‫ل �ع � ّل الفلسفة ال �ت��ي ق��ام عليها ه��ذا المنهج‬ ‫بطبيعة المستويات المتعددة للمجتمع‪ ،‬وبفكرة‬ ‫االجتماعي‪ ،‬هي‪:‬‬ ‫الطبقات‪ ،‬وكذلك بفكرة تمثيل األدب للحياة على‬ ‫أ‪ -‬الفلسفة الجدلية الماديّة‪ ،‬وهذه الفلسفة تعتمد المستوى الجماعي‪ ،‬وليس على المستوى الفردي‪.‬‬ ‫مرتكزات محددة‪ ،‬وهي الجدل (الديالكتيك)‪،‬‬ ‫ومن الباحثين العرب الذين نهجوا هذا المنهج‪،‬‬ ‫والنّظريات العلميّة‪.‬‬ ‫أو قاربوه في دراساتهم للشعر الجاهلي‪ ،‬أحمد‬ ‫ب‪ -‬الجدلية الماركسية‪ :‬تعتمد ه��ذه الجدلية‬ ‫سويلم في كتابه‪( :‬شعرنا القديم؛ رؤية معاصرة)‪،‬‬ ‫ف �ك��رة م��ح��ددة‪ ،‬ه ��ي‪ :‬أنَّ المجتمع البشري‬ ‫وإحسان سركيس في كتابه‪( :‬مدخل إل��ى األدب‬ ‫يتطور بسلسلة م��ن التناقضات التي تشمل‬ ‫الجاهلي)‪.‬‬ ‫جميع مناحي الحياة‪ :‬السّ ياسيّة‪ ,‬االجتماعيّة‪,‬‬ ‫‪ -3‬المنهج النّ فسي‬ ‫االقتصاديّة‪ ,‬والثقافيّة والف ّنيّة‪.‬‬ ‫لقد جاء المنهج النّفسي كرد فعل على تطبيق‬ ‫ج‪ -‬فكرة التّطور‪ :‬تتخذ طابعاً تصاعدياً ومستمراً‬ ‫وبدورات‪( :‬حلقات مقفلة)‪ ،‬تتحدد بعالقة الكم القوانين الجبرية في الطبيعة على األدب‪ ،‬وأنَّ هذه‬ ‫م��ع الكيف‪ ,‬وأنَّ ه��ذا ال� ّت�ط��ور ليجري بشكل القوانين أفسدت الذوق واألدب والنّقد‪ ،‬وأساءت‬

‫‪24‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ‬


‫‪ -4‬المنهج البنيوي‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫إليها جميعاً‪ ،‬وقد تزامن هذا مع نمو الدِّراسات‬ ‫أ ّم��ا ال �دّراس��ات العربيّة في المجال النّفسي‪،‬‬ ‫فقد كانت كثيرة وجمّة‪ ،‬ويمكن اإلشارة إلى أمثلة‬ ‫النّفسيّة على يد فرويد‪.‬‬ ‫تظهر مدى اتّساع الدِّراسات والبحوث وتطبيقها‬ ‫ األساس النّ ظري للمنهج النّ فسي‬‫للمنهج النّفسي‪ ،‬أمثال محمّد خلف الله في كتابه‪:‬‬ ‫يستم ّد النّقد النّفسي معالمه من النّظريات (من الوجهة النفسية في األدب)‪ ،‬ومحمّد النويهي‬ ‫النّفسيّة التي يعتمد عليها‪ ,‬وهذه النّظريات هي في كتابه‪( :‬عن أبي العالء المعري)‪.‬‬ ‫أطروحات فرويد‪ ,‬وغوستاف يونغ‪.‬‬ ‫أ‪‌ .‬أطروحات فرويد‪ :‬تهدف إلى تحديد شخصية‬ ‫إنَّ حجر ال��زاوي��ة للمنهج البنيوي مجموعة‬ ‫الفرد ودراستها من خالل التّحليل النّفسي‬ ‫م��ن ال �م �ب��ادئ ال�لّ�غ��و ّي��ة األول �ي��ة ل�ع��ال��م سويسري‪،‬‬ ‫ أمّا القصور الفرويدي في تفسير النّقد الفني‬ ‫هو‪( :‬فرديناند دي سوسير) استطاع أن يؤسس‬ ‫واألدب��ي‪ ،‬فإنّه يتمثل في إص��راره على إرجاع‬ ‫مدرسة لغويّة حديثة‪ ،‬أصبحت تع ّد رائ��داً للعلوم‬ ‫العمل إلى القوى المكبوتة‪ ,‬وتفسير الحقائق‬ ‫اإلنسانيّة‪.‬‬ ‫المرئية على أنّها تمثل حقائق أخرى‪ ،‬إضافة‬ ‫والمبدأ األساسي في تيار الفكر البنائي‪ ،‬هو‬ ‫إلى الطّ ابع الفردي ألطروحاته التي تتعامل مع‬ ‫الفرد بشكل أساسي دون ارتباطه بالمجموع‪ .‬ال��رؤي��ة الثّنائيّة ال�م��زدوج��ة للظواهر‪ ،‬وم��ن جهة‬ ‫أخرى يدعو إلى إدراج هذه الظواهر في سلسلة‬ ‫ب‪‌ .‬أط��روح��ات ي��ون��غ‪ :‬إنَّ ي��ون��غ ه��و أح��د تالمذة‬ ‫من المقابالت الثنائيّة للكشف عن عالقاتها التي‬ ‫ف��روي��د‪ ،‬تعامل ي��ون��غ م��ع ال�لاش�ع��ور الجمعي‬ ‫تحدّد طبيعة تكوينها‪ ،‬وأهم هذه المقابالت‪:‬‬ ‫واستنبط منه فكرة النماذج العليا التي حلّت‬ ‫محل الرموز الفرويديّة في تفسير الالوعي ‪ -1‬ثنائية اللّغة والكالم‪.‬‬ ‫الفردي‪.‬‬ ‫‪ -2‬ث�ن��ائ�ي��ة ال �م �ح��ور ال � ّت��وق �ي �ت��ي ال � ّث��اب��ت والزمن‬ ‫عيوب المنهج النّ فسي‬

‫المتطور‪.‬‬

‫الصوت والمعنى‪.‬‬ ‫‪ -1‬األدب والفنّ عند هؤالء حصيلة نفوس شاذة‪ -3 ،‬ثنائية ّ‬ ‫والواقع أنَّ األديب ليس كائناً شاذاً بل وتر أمته‬ ‫ويصف أحد زعماء البنيويّة بأنّها ح ّل الشّ يء‬ ‫الحسّ اس‪.‬‬ ‫الك�ت�ش��اف أج��زائ��ه وال��وص��ول م��ن خ�ل�ال تحديد‬ ‫‪ -2‬أنّهم يهتمون أوالً‪ ،‬وقبل ك ّل شيء باألديب‪ ،‬وال الفروق إلى معناها‪ ،‬ث ّم تركيبه مرّة أخرى حفاظاً‬ ‫ّص كثيراً‪ ،‬وهم يدرسون النّماذج على خصائصه‪.‬‬ ‫يهتمون بالن ّ‬ ‫األدبيّة على أساس أنّها نماذج بشريّة‪.‬‬ ‫وهكذا‪ ،‬نصل إلى البنائيّة التي تؤكد على أنّها‬ ‫ّص عندهم أو عند بعضهم تتميّز بثالث خصائص‪ ،‬هي تعدّد المعنى‪ ،‬والتّوقف‬ ‫‪ -3‬لقد تحوّل تحليل الن ّ‬ ‫– على األق��ل‪ -‬إل��ى ص��ورة م��ن االستنباطات على السّ ياق‪ ،‬والمرونة‪.‬‬ ‫الذاتيّة الواسعة‪ ،‬التي تر ّد إلى آراء وعقد عامّة‪،‬‬ ‫ويتفق الباحثون أيضاً على أنَّ البنية عبارة عن‬ ‫مجموعة متشابكة من العالقات‪ ،‬وأنَّ هذه العالقات‬ ‫كعقدة نفسيّة‪ ،‬ونرجسية‪ ،‬أو عقدة أ ُوديب‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ ‪25‬‬


‫تتوقف فيها األجزاء أو العناصر على بعضها من‬ ‫ناحية وعلى عالقتها بالك ّل من ناحية أخرى‪ ،‬ولكنَّ‬ ‫النّشاط البنائي ال يعتمد على مجرد العمل بهذه‬ ‫اإليحاءات‪ ،‬ويؤكد (ليفي شتراوس) أ ّن محاوالت‬ ‫البنائيّة الكتشاف النّظام من الظواهر‪ ،‬ال ينفي أن‬ ‫تصبح إدخاالً للواقع في نظام جاهز مسبق‪ ،‬وإنّما‬ ‫تقتضي إع��ادة إنتاج هذا الواقع وبنائه‪ ،‬وصياغة‬ ‫أح��ده �م��ا‪ :‬خ��ارج��ي‪ ،‬وال �ث��ان��ي داخ �ل��ي‪ ،‬ويبدو‬ ‫نماذجه هو ال بأشكال تفرض عليه‪.‬‬ ‫أنَّ فشل المنهج الواحد في ال �دّراس��ة‪ -‬وبصيغة‬ ‫ويظ ّل هدف البنيوية هو الوصول إلى محاولة أخ ��رى‪ -‬فشل األح��اد ّي��ة ي�ع��ود ألس�ب��اب مختلفة‪،‬‬ ‫ّص األدب��ي ذات��ه‪ ،‬ومنها‬ ‫فهم المستويات المتعددة لألعمال األدبيّة ودراسة منها ما يتصل بطبيعة الن ّ‬ ‫خاصة‬ ‫عالئقها والعناصر المهيمنة على غيرها‪ ،‬وكيفية ما يتصل بتهافت وضعف المقاربة النّقديّة‪ّ ،‬‬ ‫تولدها‪ ،‬وقد أطلق البنيويون شعار‪( :‬موت المؤلف) إذا ادّعت لنفسها القدرة على القول النّهائي في‬ ‫لكي يضعوا ح� ّداً للتيارات النّفسيّة واالجتماعيّة العمل األدبي‪.‬‬

‫النّاقد رؤيته‪ ،‬كما أنَّ من الواضح أيضاً أنَّ ك ّل من‬ ‫وقف ضد األحاديّة في المنهج من الضروري أيضاً‬ ‫أن يكون من المؤمنين بتعاون المناهج النّقديّة‪،‬‬ ‫وأن يسند بعضها بعضاً‪ ،‬حتّى لو كان هذا التّعاون‪،‬‬ ‫وهذه التّسانديّة تقوم على منهجين نقديين ‪-‬على‬ ‫األقل ‪-‬مختلفين‪.‬‬

‫ّص‬ ‫في دراسة األدب ونقده‪ ،‬وبدأ تركيزهم على الن ّ‬ ‫ذاته بصرف النّظر عن مؤلفه‪.‬‬

‫أ ّم��ا فيما يتصل بثقافتنا العربيّة‪ ،‬فقد مثّل‬ ‫التيار البنيوي منطلقاً لِتحديد الخطاب النّقدي في‬ ‫العالم العربي عبر الدوائر المنتشرة في مختلف‬ ‫أنحاء العالم العربي‪ ،‬وأبرزها مدرسة فصول في‬ ‫مصر‪ ،‬ومجموعة الشّ بان النشطين في مجال النّقد‬ ‫والتّرجمة والتّأليف‪ ،‬مثل‪ :‬كمال أبو ديب‪ ،‬وعدنان‬ ‫حيدر‪ ،‬وصالح فضل‪ ،‬وجابر عصفور‪.‬‬

‫أُحادية المنهج‬ ‫إنَّ سيطرة منهج واح��د في أي دراس��ة نقديّة‬ ‫غالباً ما تكون نتيجة ألح��د سببين‪ :‬إم��ا أن هذا‬ ‫المنهج هو في حد ذات��ه موضة العصر‪ ،‬وإم��ا أنَّ‬ ‫ال� ّن��اق��د ق��د انبهر ب���أدوات ه��ذا المنهج الجديد‬ ‫فأعجبته فطبّقها على النّصوص ودع��ا اآلخرين‬ ‫إلى تطبيقها‪.‬‬

‫ّص األدبي ذاته‪ ،‬فهذا‬ ‫أمّا ما يتصل بطبيعة الن ّ‬ ‫خاصة‬ ‫أمر واضح‪ ،‬فإذا كان من المعهود أنَّ الشِّ عر ّ‬ ‫واألدب عامّة‪ ،‬له القدرة على التهام ك ّل المعارف‪،‬‬ ‫واستيعاب شتى العلوم‪ ،‬فالشِّ عر نفسه‪ ،‬بوصفه ف ّناً‬ ‫لغو ّياً له تشكيله الخاص‪ ،‬وعالمه الفريد يتأبى‬ ‫على أية محاولة تتعسف في اختزال ك ّل ما فيه‬ ‫من خالل منهج نقدي واح��د‪ ،‬فهو إذا كان ينتمي‬ ‫إلى عالم الفنّ في ح�دِّه‪ ،‬فإنّه تتوزع انتماءاته –‬ ‫أيضاً ‪ -‬عوالم أخ��رى‪ ،‬منها المجتمع ال��ذي نشأ‬ ‫فيه الشّ اعر‪ ،‬وخضع لتقاليده االجتماعية والف ّنيّة‪،‬‬ ‫ومنها نفس المؤلِّف الثائرة الفائرة‪ ،‬ومنها التّاريخ‪،‬‬ ‫نشأة الشّ اعر‪ ،‬والعوامل المؤثرة في توجيهه أدب ّياً‪.‬‬

‫ومهما ادّعت أية دراسة‪ ،‬ومهما كان المنهج الذي‬ ‫اختطته لنفسها من قدرة‪ ،‬وكفاءة منهجية في قتل‬ ‫ال وتأويالً‪ ،‬فإنَّ ذلك ال يلغي حقيقة‪ ،‬وال‬ ‫ّص تحلي ً‬ ‫الن ّ‬ ‫يجب أن تغيب عن أعيننا وهي أنَّ الدّراسات هي‬ ‫التي تموت‪ ،‬وتبقى النّصوص حيّة ال تعرف الموت‪،‬‬ ‫وأنَّ هنالك شبه إجماع من النّقاد على ضرورة ذلك؛ ألنَّ الفّنّ أعظم من مفسريه‪.‬‬ ‫رفض األحاديّة في المنهج‪ ،‬ومن ثَ ّم ضرورة أن يوسّ ع‬ ‫وأ ّم��ا م��ا يتعلق بالمنهج األح ��ادي نفسه‪ ،‬فإ ّن‬

‫‪26‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ‬


‫المنهج التكاملي‬ ‫إنَّ المنهج التكاملي يجمع المناهج جميعاً‪ ،‬فهو‬ ‫ال يأخذ النتاج األدبي بوصفه إف��رازاً سيكولوجياً‬ ‫محدّد البواعث‪ ،‬معروف العلل‪ ،‬فهو يتعامل مع‬ ‫العمل األدبي عينه‪ ،‬غير رابط عالقته بنفس قائله‪،‬‬ ‫وال تأثيرات قائليه بالبيئة‪ ،‬ولكنه يحتفظ للعمل‬ ‫الفني بقيمه الف ّنيّة المطلقة غير مقيدة بدوافع‬ ‫البيئة والجماعة وال�ظ��روف ويحتفظ للمؤثرات‬ ‫العامّة بأثرها في التّوجيه والتّلوين‪.‬‬ ‫يتناول العمل األدبي من جميع زواياه‪ ،‬ويتناول‬ ‫صاحبه كذلك‪ ،‬بجانب تناوله للبيئة والتّاريخ‪ ،‬وإنّه‬ ‫ال يغفل القيم الفنية الخالصة‪ ،‬وال يغرّقها في‬ ‫غمار البحوث التّاريخيّة أو الدّراسات النّفسيّة‪،‬‬ ‫وأنّه يجعلنا نعيش في جو األدب الخاص‪ ،‬دون أن‬ ‫ننسى مع هذا أنّه أحد مظاهر النّشاط النّفسي‬ ‫وأحد مظاهر المجتمع التّاريخيّة إلى حد كبير أو‬ ‫صغير‪.‬‬ ‫والمنهج التكاملي ذو رؤية شمولية‪ ،‬يحلّق نحو‬ ‫الكمال والمطلق بجناحين ال يستغني عن أحدهما‪،‬‬ ‫المثالية والواقعية‪ ،‬من أجل اتخاذه مكاناً وسطاً‪،‬‬ ‫يجمع ال �دّالل��ة الكلية ال�ظ��اه��رة وال �دّالل��ة الكلية‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫اجتماع النّقاد على أن سبب رفضهم األحاديّة المضمرة‪.‬‬ ‫النّقديّة سبب واح��د ال ث� ٍ�ان له‪ ،‬هو ضيق النّظرة‬ ‫وأ ّن التّكامليّة التي تجمع داخلها شتى المناهج‬ ‫الذي يحتّم في النّهاية وجود نتائج نسبية يسهل الخارجيّة وال�دّاخ�ل� ّي��ة ف��ي مزيج متجانس تكفل‬ ‫نقضها‪ ،‬حتى النّقاد الذين وقعوا أسيري األحاديّة لنا صحة الحكم على األعمال األدبيّة‪ ،‬وتقويمها‬ ‫ّص‬ ‫ال لهذا يدرس المنهج التّكاملي الن ّ‬ ‫في نقدهم التّطبيقي‪ ،‬يجدون أنفسهم مضطرين تقويماً كام ً‬ ‫عند التنظير من أش ّد محاربي المنظور األحادي األدب��ي دراس��ة شاملة‪ ،‬وسيكون من أه��م أهدافه‬ ‫في النّقد‪ ،‬واعين إلى التّعددية‪ ،‬ومد آفاق الرؤية تحديد نوع العمل‪ ،‬وعوامل بقائه‪ ،‬وأسرار جماله‪،‬‬ ‫النّقديّة بعيداً لتجاوز هيمنة منهج بعينه وانفراده وقوته ث ّم عالقته باآلثار األدبيّة العالميّة‪ ،‬ويحدّد‬ ‫بالنّصوص؛ ومن هنا‪ ،‬ظهرت دع��وات النّقاد إلى النّاقد في ه��ذا المنهج أيضاً خصائص األديب‬ ‫التّكامليّة‪.‬‬ ‫ال�ف� ّن� ّي��ة‪ ،‬وي�ت�ع�رّف م��ن خ�لال آث ��اره على اتّجاهه‬ ‫األدبي‪ ،‬وعلى قيمه التّعبيريّة والشّ عريّة‪.‬‬

‫نموذج تطبيقي على المنهج النفسي‬ ‫في األدب العربي‬ ‫ال نقصد في األدب النّفسي اتخاذ األدب مرآة‬ ‫للداللة على نفسيّة صاحبه على طريقة (سانت‬ ‫بيف)‪ ،‬وإنّما نقصد االستفادة من عالم الالشعور‬ ‫�اص��ة‪ ،‬تقودنا إلى‬ ‫في اتّجاهات فنيّة إيحائيّة خ� ّ‬ ‫ّص األدبي‪ ،‬وفك الشّ يفرة‪.‬‬ ‫الدّخول في الن ّ‬ ‫�ص��ورة األدب � ّي��ة ليست إال ت��وظ�ي�ف�اً داللياً‬ ‫ف��ال� ّ‬ ‫لعالم الالشعور‪ ،‬وعالم الرغبات المكبوتة الفرديّة‬ ‫الصور‬ ‫وال�لاوع��ي االجتماعي‪ ،‬لهذا يع ّد تحويل ّ‬ ‫الذاتيّة والفرديّة من عالم الالشعور المكبوت إلى‬ ‫صور إنسانيّة عامّة في عالم الشّ عور إبداعاً أدب ّياً‬ ‫يكشف قدرة الشّ اعر أو األديب‪ ،‬مع التأكيد على‬ ‫داللة ذلك في صدق الشّ اعر للتصوير‪ ،‬ث ّم إظهار‬ ‫االستجابة للجمهور‪.‬‬ ‫فالكبت العاطفي كما يرى فرويد يقع المرء منه‬ ‫فيما يشبه الحصار‪ ،‬ويتبعه حتّى إنَّ الذات تدافع‬ ‫عن نفسها للخروج من هذا الحصار‪ ،‬فتبذل جهداً‬ ‫تسعى فيه إل��ى التّعويض‪ ،‬فالشّ اعر يحول هذه‬ ‫الطّ اقة المكبوتة إلى عمل فني أو أدبي يتسامى‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ ‪27‬‬


‫فيه عن مجرد الكبت الجنسي‪ ،‬فيتحقق التّطهير أب�����ى أن ت��ب��ق��ى ل���ح���ي ب���ش���اش���ة فصبر ًا‬ ‫الذاتي من عمل فني اجتماعي‪.‬‬ ‫ع�����ل�����ى م�������ا ش�����������اءه ال������ل������ه ل�������ي ص����ب����را‬ ‫لنأخذ مث ً‬ ‫ال على ما سبق تجربة قيس بن الملوح رأي��������ت غ����������زا ًال ي����رت����ع����ي وس�������ط روض�����ة‬ ‫على حسب ما ورد إلينا من شعره‪ ،‬نجده قد حال‬ ‫ف���ق���ل���ت أرى ل���ي���ل���ى ت��������راءت ل���ن���ا ظهرا‬ ‫االستعاضة عن حرمانه من ليلى‪ ،‬وذل��ك بوصف‬ ‫وبخاصة جمال الظباء في شعره‪ ،‬ف��ي��ا ظ��ب��ي ك���ل رغ������د ًا ه��ن��ي��ئ�� ًا وال تخف‬ ‫ّ‬ ‫جمال الطبيعة‪،‬‬ ‫ف����إن����ك ل�����ي ج�������ا ٌر وال ت����ره����ب ال����ده����را‬ ‫وقد أدرك ذلك بفطرته حين قال‪:‬‬ ‫أليْ�������ف�������ا َع إ ّال َص���� َب����ا َب����ةً‬ ‫ف���م���ا أ ُْش�����������رِ َف ا َ‬ ‫األش�������ع�������ا َر إال تَ������داوِ ي������ا‬ ‫ْ‬ ‫ْ�������ش�������دُ‬ ‫وال ُأن ِ‬

‫وع����ن����دي ل���ك���م ح���ص���ن ح��ص��ي��ن وص�����ارم‬ ‫ح����س����ام إذا أع���م���ل���ت���ه أح����س����ن ال���ه���ب���را‬

‫ألجل هذا التّداوي والتّنفيس كان قيس مولعاً ف���م���ا راع�����ن�����ي إال وذئ��������ب ق�����د انتحى‬ ‫بالتأمّل في جمال الظباء‪ ،‬وبوصف هذا التأمّل‬ ‫ف��أع��ل��ق ف���ي أح���ش���ائ���ه ال���ن���اب والظفرا‬ ‫ف��ي ش�ع��ره‪ ،‬وبفك الظباء م��ن إس��اره��ا حين تقع‬ ‫الصحراوي‬ ‫نلحظ أ ّن قيساً نقل في هذا المشهد ّ‬ ‫الصيد‪ ،‬وبحمايتها من اعتداء الحيوان‬ ‫في شراك ّ‬ ‫صورة نفسية لمأساته هو‪ ،‬فليس الغزال هنا سوى‬ ‫عليها‪ ،‬لذلك تراه يقول‪:‬‬ ‫ليلى ال�ت��ي ي�ح��رص ك � ّل ال �ح��رص على أن تعيش‬ ‫أَي������ا ِش����ب���� َه َل���ي���ـ���ل���ى ال تُ�����راع�����ي فَ���إِ نَّ���ن���ي‬ ‫بجانبه‪ ،‬وال ترهب الدّهر في كنفه ورعايته‪ ،‬ينعم‬ ‫���وش َصديقُ‬ ‫����ك ال���يَ���و َم ِم���ن بَ��ي ِ��ن ال���وُ ح ِ‬ ‫َل ِ‬ ‫هو بوصالها غير المشوب في عيش رغد هنئ‪،‬‬ ‫����ص����رِ ال��خَ ��ط��و إِ نَّني‬ ‫َوي����ا ِش���ب��� َه َل��ي��ل��ى أَق ِ‬ ‫وتعتز هي بفروسيته وشجاعته‪ ،‬وليس هذا الذئب‬ ‫�����ك إِ ن س���ـ���ـ���اعَ ���ف���تِ ���ن���ي َل���خَ ���ل���ي���قُ‬ ‫بِ �����قُ �����ربِ َ‬ ‫الصحراء‪ ،‬ولكنه ال شعورياً ورد غريمه‬ ‫هو وحش ّ‬ ‫َوي�������ا ِش�����ب����� َه لَ���ي���ل���ى ُر َّد قَ���ل���ب���ي فَ�����إِ نَّ�����هُ‬ ‫الذي افترس أع ّز أمانيه‪ ،‬وترك في نفسه وتراً ال‬ ‫ل����ـ����ـ����هُ خَ �����فَ�����ق�����ـ�����ـ�����انٌ دائِ ��������������مٌ َوبُ��������������روقُ‬ ‫يشفى‪ ،‬يتطلع أبد الدّهر إلى إدراكه‪.‬‬ ‫ناسي ًا‬ ‫���س ِ‬ ‫َوي����ا ِش��ب��هَ��ه��ا أَذكَ�������رتَ مَ����ن َل���ي َ‬ ‫لهذا‪ ،‬يجد قيس الراحة بقتل الحيوان‪ ،‬وبرؤية‬ ‫َوأَش����ـ����ـ����عَ����ل����تَ ن����ي����ران���� ًا لَ������هُ ������نَّ حَ ����ري����قُ‬ ‫سهمه ي �غ��وص ف��ي مهجته وق �ل �ب��ه‪ ،‬ف�ف��ي القتال‬ ‫َوي������ا ِش����ب���� َه َل���ي���ل���ى لَ�����و تَ��� َل���بَّ���ث���تَ س���اعَ ���ةً‬ ‫شفاء جوى حبيس‪ ،‬يتجاوز مجرد صيد ذئب في‬ ‫لَ������عَ������لَّ فُ �����������ؤادي م���ـ���ـِ���ن جَ �����������وا ُه يُ���ف���ي���قُ‬ ‫الصحراء‪ ،‬ث ّم يعود قيس فيؤكد هذا الوتر الذي‬ ‫ّ‬ ‫فَ���م���ا أَنَ������ا إِ ذ أَش��� َب���ه���تَ���ه���ا ثُ �����مَّ لَ����م تَ�����ؤُ بْ‬ ‫يقض مضجعه ويمني نفسه دائماً بنبله‪ ،‬فقد كرّس‬ ‫ّ‬ ‫سَ ��ل��ي��م�� ًا عَ �� َل��ي��ـ��ـ��ه��ا ف���ي ال���حَ ���ي���اةِ شَ فيقُ حياته العاطفيّة من أجلها‪ ،‬ففي هذا الشّ عر تمثيل‬ ‫���اك عَ ���ي���ن���اه���ا َوج�����ي�����دُ ِك جيدُ ها‬ ‫فَ���عَ���ي���ن ِ‬ ‫���ك َدق���ي���قُ‬ ‫����اق ِم���ن ِ‬ ‫ِس�����وى أَنَّ عَ ���ظ��� َم ال����س ِ‬

‫وتسام بها‪ ،‬إنّه تعبير عمّا‬ ‫ٍ‬ ‫لِعواطف قيس الذاتيّة‬

‫عجز عن تحقيقه في واقع حياته‪ ،‬وال ب ّد في هذا‬

‫واألبيات السّ ابقة تعكس الحقائق الكامنة في التّسامي النّفسي من أن يكون الشّ اعر قد عانى‬ ‫نفس قيس من خالل قوله‪:‬‬ ‫التّجربة التي تشف عن مكنون نفسه‪.‬‬

‫‪28‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ‬


‫األسطوري أمنوذجا ً‬ ‫املنهج‬ ‫ّ‬

‫> د‪.‬سناء الشعالن ‪ -‬اجلامعة األردنية ‪ -‬األردن‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫املناهج النّقدية إلى أين؟‬

‫أحد أن يعرض على النّص األدبي قراءة واحدة‪ ،‬زاعم ًا أنّها سبرت كلّ ما في النّص؛‬ ‫ليس من حق ٍ‬ ‫ألحد أن يلوي عنق النّص إلخضاعه لمنهج بعينه‪ .‬وكلّ ما يمكن أن يُقال إنّ العصر‬ ‫ٍ‬ ‫كما ال يحقّ‬ ‫يضج بالمناهج األدبية‪ ،‬التي تعرض أدواتها وإمكاناتها‪ ،‬في سبيل تكوين آلية قادرة على‬ ‫الحديث ّ‬ ‫تقديم تفسير يصوّغ نفسه أمام الباحث والقارئ‪.‬‬ ‫والمنهج األسطوري من تلك المناهج النّقدية‪ ،‬التي قدّ مت نفسها أدا ًة تملك مفاتيح النّص األدبي‪،‬‬ ‫ورفض‪ ،‬فقد وجد هذا المنهج‬ ‫ٍ‬ ‫قبول‬ ‫وأ ّيًا كان الجدل الذي دار حول هذا المنهج‪ ،‬الذي يُراوح بين ٍ‬ ‫وتخريجات مقنعة للنصوص التي عالجها‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫أنصار ًا يدعون إليه‪ ،‬واستطاع أن يقدّ م تفسيرات‬

‫المنهج األسطوري في قراءة األدب‬ ‫ال �م �ت �ت � ّب��ع ل� �ل ��دراس ��ات النقدية‬ ‫ال �ع��رب �ي��ة ال �ح��دي �ث��ة‪ ،‬ال س�ي�م��ا منذ‬ ‫سبعينيات ال�ق��رن العشرين‪ ،‬يجد‬ ‫ات �ج��اه �اً م�ل�ح��وظ�اً ن�ح��و المدرسة‬ ‫األسطورية‪ ،‬ومنها انطالقاً إل��ى ما‬ ‫يُسند بالدراسات األسطورية‪ ،‬وصوالً‬ ‫إلى المدخل األسطوري في قراءة األدب‪،‬وهو‬ ‫خطوة من الخـطوات‬ ‫نحو مزيد من الفهم النقدي‪ ،‬ال��ذي يُفضي‬ ‫بالبـاحث إلى نتائـج جيدة‪ ،‬ما دام مخـلصـاً له‪،‬‬ ‫مقبوالً ف��ي تطبيقه بعيداً ع��ن االع�ت�س��اف في‬ ‫الوصـول إلى نتائج خصـّص لها فرضيات مسبّقة‬ ‫من دون دراسة النّص من داخله‪.‬‬

‫تحاول تقديم تحليل أو تفسـير‪ ،‬وذلك‬ ‫ف��ي محاولة الجاحظ عندما قال‪:‬‬ ‫«ومن عادة الشعراء إذا كان الشعر‬ ‫مرثية أو موعظة أن تكون الكالب‬ ‫ه��ي التي تقتل بقر ال��وح��ش‪ ،‬وإذا‬ ‫ك��ان م��دي�ح�اً أن ت�ك��ون ال �ك�لاب هي‬ ‫المقتولة»(‪ ،)1‬فالجاحظ يرى أنّ ذلك‬ ‫ليـس له حكايـة عن قصـة بعينها‪ ،‬ولكنّه‬ ‫كان من عادة الشعراء على الرغم مما توحي به‬ ‫الكلمة من التكرار‪ ،‬ولو أنّ الجاحظ كان يملك‬ ‫م��ادة يمكن أن تق ّدم تفسيراً أو تجلو غموضاً‪،‬‬ ‫ال أسطورياً لهذه الظاهرة‬ ‫الستطاع أن يق ّدم تعلي ً‬ ‫التي استطاع أن يقدّمها من جاء بعده من النّقاد‬ ‫ال��ذي��ن تبنّوا المنهج األس�ط�ـ��وري ف��ي دراستهم‬ ‫لألدب الجاهلي شعره ونثره‪.‬‬

‫والطريف في األمر أنّ بعض المتحمسين لهذا‬ ‫والمنهج األسـطوري في النـقد األدبي يتكـىء‬ ‫المنهج من النّقاد العرب يزعمون أنّ له جذوراً على أطروحة مركـزية‪ ،‬وهي‪ :‬األوليات أو األنماط‬ ‫في النقد العربي القديم‪ ،‬وإن كانت ج��ذوراً ال‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ ‪29‬‬


‫األولى أو النموذج البدئي‪ ،‬التي صاغتْ مرجعيتها المتّحدة بها‪ ،‬قبل أن تتحوّل‪ ،‬بفعل الممارسة‪،‬‬ ‫األس �ـ��اس م��ن العمود الفقري لمفهوم الذاكرة وتغدو ما سُ ميّ الحقاً باألسطورة(‪.)4‬‬ ‫الجمعية أو الالوعي الجـمعي التي أَطلـقها يونغ‬ ‫وق��د خلص ف ��راي ف��ي كتابه إل��ى أنّ هناك‬ ‫في التحليل النفسي‪ ،‬التي تتلخّ ص في أنّ هناك أربع (ميثات) أساسية‪ ،‬ك ُّل واحدةٍ منها تعبّر عن‬ ‫أنماطاً أوّلية ما تزال تمـارس تأثيـرها منذ فجر فصل م��ن الفصول األرب�ع��ة ف��ي دورة الطبيعة‪،‬‬ ‫التاريخ إلى اليوم‪.‬‬ ‫وك�� ّل منها تنتج جنـساً أدب�ي�ـ�اً بعينه ف�ـ (ميثة)‬

‫مفهوم المنهج األسطوري‬ ‫فالمنهج األس �ط��وري ه��و ذل��ك المنهج الذي‬ ‫يتخّ ذ من األدوات األسطورية واإلنثروبولوجية‬ ‫والتاريخية واألثرية أداة في تفسير النّص األدبي‬ ‫وف ��كّ أس � ��راره‪ ،‬وف �ه��م م��رام �ي��ه‪ ،‬وإدراك غايته‬ ‫ورس��ال �ت��ه‪ .‬ول�ك��ي نفهم دالل ��ة مصطلح المنهج‬ ‫األس �ط��وري‪ ،‬الب�� ّد أن نشير إل��ى معنى المنهج‬ ‫ومعنى األسطورة‪.‬‬ ‫فالمنهج كلمة يستعملها أف�لاط��ون «بمعنى‬ ‫البحث أو النظر أو المعرفة‪ ،‬كما نجدها كذلك‬ ‫عند أرسطو أحياناً كثيرة بمعنى بحث‪ ،‬والمعنى‬ ‫االشتقاقي األصلي لها ي ّدل على الطّ ريق المؤدّي‬ ‫إلى الفرض المطلوب خالل المصاعب والعقبات‪،‬‬ ‫ولكنّه ل��م يأخذ معناه ال�ح��ال��ي‪ ،‬أيّ بمعنى أنّه‬ ‫طائفة من القواعد العامة المصوغة من أجل‬ ‫الوصول إل��ى الحقيقة في العلم إ ّال اب�ت��دا ًء في‬ ‫عصر النهضة األوروبية»(‪.)1‬‬ ‫ويُع ّد النقاد الغربيون من أوائ��ل المشتغلين‬ ‫بهذا المنهج أمثال‪ :‬مود بودكين(‪ ،)2‬ووليم تروي‪،‬‬ ‫وف��رن�ـ�س�ي��س ف�ي��رج�س�ـ��ون‪ ،‬أ ّم ��ا ال �ن��اق��د الكندي‬ ‫نورثروب ف��راي فقد أرسـى دعائم هذا المنهج‬ ‫في كتابه (تشريح النقد) الصادر عام ‪،)3(1957‬‬ ‫وقد صدر فراي في محاولته لوضع دعائم هذا‬ ‫المنهج من مفهوم الـ (ميثة) التي تعني األسـطورة‬ ‫ف��ي ح��ال�ت�ه��ا األول� ��ى ذات ال��وظ �ي �ف��ة الطقسية‬

‫‪30‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ‬

‫الربيع تنتج الكوميديا‪/‬الملهاة‪ ،‬و(ميثة) الصـيف‬ ‫تنتـج الرومانس‪/‬الرواية‪ ،‬و(ميثة) الخريف تنتج‬ ‫(ال�ت��راج�ي��دي��ا‪/‬ال�م��أس��اة)‪ ،‬و(م�ي�ث��ة) الشتاء تنتج‬ ‫(ال �ه �ج��اء أو ال �س �خ��ري��ة)(‪ .)5‬وب �ن��ا ًء ع�ل��ى دراسة‬ ‫خصائص ك � ّل (ميثـة)‪ ،‬وم��ا يتمخّ ض عـنها من‬ ‫أش�ك��ال أدب�ي��ة ك �وّن ف��راي ت �ص �وّراً خ��اص�اً مفاده‬ ‫أنّ ال فرق بين األدب واألس�ط��ورة‪ ،‬ال سيما في‬ ‫النوعية سوى فرق قليل في الشكل(‪ ،)6‬وهو فرق‬ ‫يتمحور في االنزيـاح الذي ينتجه النص األدبي‬ ‫عن األس�ط��ورة األص�ـ��ل‪ .‬ول��ذا‪( ،‬فالميثات) منذ‬ ‫سوفوكليـس إلى اآلن لم تتغيّر‪ ،‬وما األدب سوى‬ ‫تنويعات عليها‪ ،‬وال جديد يبدعـه األدباء‪ ،‬الذين‬ ‫يظلّـون أس��رى ال��دائ��رة المغلقة التي أحكمتها‬ ‫األسطورة(‪ ،)7‬وفي ضوء حكـم كهذا‪ ،‬تتقزّم مهمـة‬ ‫الناقد لتصبح َو ْف� َق رأي فراي محاولة اكتشاف‬ ‫درج��ة االنزياح التي ينتجها النص عن مصدره‬ ‫األسطوري(‪.)8‬‬

‫يبدو أنّ المنهج األسطوري قد ُرف��د بروافد‬ ‫ع � ّدة جعلته ينضج‪ ،‬ويستوي بصورته األخيرة‬ ‫على ي��دي ف ��راي‪ ،‬فقد اس�ت�ف��اد م��ن المفاهيـم‬ ‫األنثروبولوجية التي نـادى بـها تايلور‪ ،‬تلك التي‬ ‫تؤكد أهمية اإلرث الثقافي‪ ،‬وممّا أثبته فريزر‬ ‫من أنّ األصـل الـذي تم ّثلـه الطقـوس األسطـوريـة‬ ‫سيظـل باقياً في الـذاكرة الجمعية(‪ ،)9‬كما أنّ‬ ‫المنهج األسطوري قد أفاد من نتائج الدراسات‬ ‫ال��رم��ز ّي��ة ال �ت��ي ق��ام ب�ه��ا فيكو وه �ي��ردر لرصد‬


‫وقد لقي المنهج األسطوري صدىً طيباً عند‬ ‫والطريف في أطروحات المنهج األسطوري‬ ‫النّقاد العرب‪ ،‬ومن أمثلة ذلـك دراستا ريتا عوض في نقد األدب أنّها «تحمل في أحشائها فكرة‬ ‫(أس�ط��ورة الموت واالنبعاث في الشعر العربي فنائها بنفسها‪ ،‬فكلمة (‪ )Myth‬التي عدّ ها فراي‬ ‫الحـديث) ‪1978‬م‪ ،‬و(أدبنا بين الرؤيا والتعبير) األصل الذي تنبثق األسطورة عنه‪ ،‬تعني الكـالم‬ ‫‪1979‬م‪ ،‬ودراسة علي البطل (الصورة في الشعر المـنطوق‪ ،‬ال��ذي ال يحيل إل��ى قيمة أدب� ّي��ة؛ ألنّ‬ ‫العربي) ‪1981‬م‪.‬‬ ‫من أه��م ش��روط األدب أن يكون م��د ّون�اً‪ ،‬بمعنى‬ ‫ويعدّ نصرت عبدالرحمن من أتباع المنهج‬ ‫األسطوري في دراسة الشعر العربي القديم‪ ،‬وقد‬ ‫تمثّل ذلك في كتابه (الصورة الفنية في الشعر‬ ‫الجاهلي ف��ي ض��وء النقـد ال�ح��دي��ث) ‪1982‬م‪،‬‬ ‫الصور التي‬ ‫وقد درس مصطفى الشورى كذلك ّ‬ ‫تشكّـلت عنــد الشعراء العرب األقدمين من المادة‬ ‫األسطورية في دراسته (الشعر الجاهلي‪ :‬تفسير‬ ‫أسطوري) ‪1986‬م‪ ،‬في حين علّل أحمد النعيمي‬ ‫شيوع ال �ص��ورة المق ّدسة للحـيوان بامتدادات‬ ‫أسطورية قد ضاعت أصولها‪ ،‬وذلك في دراسته‬ ‫(األس�ـ�ط��ورة ف��ي الشـعر العربي قبل اإلسالم)‬ ‫توصل عبر المنهج‬ ‫‪1995‬م‪ ،‬أمّا حنّا عبّود فقد ّ‬ ‫األسطـوري إلى أنّ ثمّة مطابقة بين أقدم شاعر‬ ‫أوغاريتي وأحدث شاعر سوري‪ ،‬وذلك في دراسـتـه‬ ‫(النظرية األدبية الحديثة والنّقد األسطوري)‬ ‫‪1999‬م‪ ،‬ونرى كذلك التفسير األسطوري يحضر‬ ‫ف��ي تفسير بعض القضايا وال�ظ��واه��ر والصور‬ ‫األدبية في دراسة إبراهيم عبدالرحمن (الشعر‬ ‫الجاهلي‪ :‬قضاياه الفنية والموضوعيـة) ‪1980‬م‪،‬‬ ‫ودراس��ة مصـطفى ناصف (ق��راءة ثانية لشعرنا‬ ‫القديم) ‪1987‬م‪ ،‬ودراس��ة عبدالقادر الرباعي‬ ‫(الصورة الفنية في النقد الشعري‪ :‬دراس��ة في‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫ال النظرية والتطبيق) ‪1995‬م‪ ،‬ودراسة ريتا عوض‬ ‫العالقة بين اللغة والشعر واألسطورة(‪ ،)10‬فض ً‬ ‫عن اإلف��ادة من مقـوالت الفلسفـة الرمزية التي (بنية القصيدة الجاهلية‪ :‬الصورة الشعرية لدى‬ ‫وضعها كاسيرر عن عالقة التشكيل الميثيولوجي ام���رىء ال�ق�ي��س) ‪1992‬م‪ ،‬وغ�ي��ره��ا الكثير من‬ ‫بالتشكيل اللغوي(‪.)11‬‬ ‫الدراسات التي يضيق عن ذكرها المكان‪.‬‬

‫أنّ (الميثة) سابقة على األس �ط��ورة‪ ،‬وال يمكن‬ ‫ع ّد األخيرة أص ً�لا‪ ،‬بل فعالية إنسانيـة جديدة‪،‬‬ ‫تفـضي‪ ،‬حسـب ق��ان��ون التـطور‪ ،‬إل��ى فعاليات‬ ‫غيرها»(‪.)12‬‬

‫والمنهج األس �ط��وري «يتطلّب ق ��راءة دقيقة‬ ‫للنّص‪ ،‬لكنّه يُعنى من الناحية اإلنسانية بأكثر من‬ ‫القيمة الجوهرية لإلشباع الجمالي‪ ،‬ويبدو أقرب‬ ‫إلى علم النفس؛ لتحليـله استهواء العمل األدبي‬ ‫للجمهور‪ ،‬فهو عرض لطراز حضاري رئيس ذي‬ ‫أهمية كبيرة لإلنسانية في العمل األدبي‪ ،‬ويعكس‬ ‫العناية المعاصرة باألسطورة»(‪.)13‬‬ ‫وبذلك فإنّ المنهج األسطوري يؤطّ ر «األدب‬ ‫خ��اص��ة‪ ،‬واإلب � ��داع ع��ام��ة‪ ،‬ف��ي م �ج��ال ض �ي��ق‪ ،‬ال‬ ‫يستوعب م�ص��ادر األدب‪ ،‬وتنوّعها وتحوالتـها‪،‬‬ ‫وف��راي ال يكـتفي في هنا المنهج بنفي الواقع‬ ‫واإلجهاز على دوره في عملية اإلبداع‪ ،‬فحسب‪،‬‬ ‫بل يسلـب هذه العملية ك ّل صلة بشرطها التاريخي‬ ‫الجمالي»(‪ )14‬على الرغم من أنّ أيّ نص أدبـي هو‬ ‫وريث لك ّل الظواهر اإلبداعية السابقة له‪ ،‬لكنّه‬ ‫يضطلع ب��دور خ�لاّق في تكريس تلك الظواهر‬ ‫وال�س�م��ات اإلب��داع �ي��ة‪ ،‬ف��ي حين يشكـّل وجوده‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ ‪31‬‬


‫وإبداعـه حالة إبداعيـة جـديدة لها خصائصها‬ ‫المميزة على الرغم من أنّ أي تشابه مع تجارب‬ ‫إبداعية سابقة(‪ .)15‬وإن تكريس مقولة إنّ األدب‬ ‫كلّه أس�ط��ورة منزاحة عن أصولها األول��ى عنـد‬ ‫القائلين بطروحات المنهج األسطوري‪ ،‬تنزع عن‬ ‫اإلبداع فضيلته‪ ،‬وتكرّس انصياع اإلبداع لمقاييس‬ ‫ثابتة‪ ،‬وهذا ينفي كونه مادة نشطة تتجدّ د بتج ّدد‬ ‫األسئلة واإلجابات(‪.)16‬‬

‫هنديـة أو مصرية‪ ،‬وإنّما «يلزم الفهم والتمثّل‪،‬‬ ‫وف�ه��م ال�م��وق��ف ال�م�ع��اص��ر‪ ،‬وإذاب �ت��ه ف��ي شبيهه‬ ‫األسطوري‪ ،‬ليكون الك ّل الذي يُعطي اإلحساس‬ ‫بالصدق ال�ت�ل�ق��ائ��ي»(‪ )21‬وب��ذل��ك يكــون التفسير‬ ‫األسطوري أقرب تفسير؛ «ألنّه يرتبط باألعماق‬ ‫أو بالالوعي الجماعـي الذي يساعد على معرفة‬ ‫النفس»(‪ ،)22‬وأطروحات فراي في هذا المجال‬ ‫أغلبها تأمليــة ال تحليلية‪ ،‬األمر الذي يبتعد بها‬ ‫عن الدرس العلمي‪ ،‬ويجعلها قريبـة من التأويــل‬ ‫نصياً أو مسوّغات كافية له؛ بل إنّ‬ ‫الـذي ال سند ّ‬ ‫يونغ نفسه كان متحفّظاً على أن تمثّـل أطروحته‬ ‫ف��ي ال ��ذاك ��رة ال�ج�م�ع�ي��ة أو ال�ل�اوع ��ي الجمعي‬ ‫األساس النظري للتـطبيق عـلى األدب كما فعل‬ ‫فراي فيما بعد(‪ .)23‬إ ّال أنّ هـذه القـراءة ال تتقيّد‬ ‫حتـماً بأسـاطيـر معينة‪ ،‬بل إنّها تحاول أن تكشف‬ ‫أنماطاً أساسية تتّسم بحضورها المستـم ّر في‬ ‫حضارة معينة(‪.)24‬‬

‫واعتماداً على ك ّل ما سبق‪ ،‬ال تعترف القراءة‬ ‫األس �ط��ور ّي��ة ل�ل�أدب بالخصوصية القومية أو‬ ‫المحلية لإلبداع‪ ،‬فالتنويعات القومية التي تمايز‬ ‫بين أدب أ ّم��ة وأخ��رى‪ ،‬أو بين أدب شعب وآخر‬ ‫ليست في رأي فـراي وأتباعـه سـوى «أصباغ ال‬ ‫أوضاع»(‪ )17‬وإنّما ذلك مردّه إلى إحساس الناقد‬ ‫بأنّ المعاني العميقة التي تمت ّد إلى ما وراء النتاج‬ ‫الواحد‪ ،‬إنّما توجد في رموز النماذج األولية التي‬ ‫يضطر األدباء إلى الرجوع إليها اضطراراً(‪ ،)18‬وما‬ ‫دام المرء يكرّرها‪ ،‬فهي تمثّل مشاركة طبيعية في‬ ‫والحقيقة أ ّن��ه على ال��رغ��م م��ن ازدي ��اد عدد‬ ‫الذاكرة الجماعية‪ ،‬فهي رسالة مرسلة من النّفس المشتغلين بهذه ال�ق��راءة إ ّال أنّ ع��دد الناقدين‬ ‫إل��ى النّفس‪ ،‬وه��ي لغة فنية تمكننا من معالجة الطاعنين بها ي ��زداد‪ ،‬وم��ن أب��رز االعتراضات‬ ‫(‪)19‬‬ ‫الواقع الداخليـة كما لو كانت وقائع خارجية ‪ .‬الرئيسة على هذا المنهج هو أنّه ال يؤدي ‪-‬حسب‬ ‫وير ّد أتباع القراءة األسطوريّة لألدب قائلين رأي المعترضين‪ -‬إلى تقييم األدب بقدر شرحـه‬ ‫«إنّ إمكانيات أ ّي��ة أسطورة ال يمكن أن تُستغ ّل األسـاس الذي يجعل بعض الكتابة تروق للناس‪،‬‬ ‫إال إذا اُت �ي��ح ل�ه��ا األدي� ��ب ال ��ذي يفهم مغزاها وأنّ شهرة محترفية متأتية في أكثرها من براعتهم‪،‬‬ ‫لتعليق حالتـه بها‪ ،‬وال يشـترط أن يرتبـط األدباء وليـس من شرعية ما يقولون وصحته(‪ ،)25‬وهذا‬ ‫بأساطــير قومهم‪ ،‬فليسـت اإلقليمية بالفيصـل االعتـراض األخير جعـل الناقد األمريكي مالكولم‬ ‫ال على ه��ذا المنهج‬ ‫ال عن أنّ األساطير في كاولي يقول بسخرية حام ً‬ ‫في تقييـم التعبير‪ ،‬فض ً‬ ‫بدئها كانت ل�ج��دود‪ ،‬وه�ـ��ؤالء و ّرث��وه��ا للـحفدة‪ ،‬وعلى تفسيراته‪« :‬إنّ الكثيـر جـداً من القراءات‬ ‫وك��ون�ن��ا نلمح ف��ي أس��اط�ي��ر ال�ش�ع��وب ج��ان�ب�اً من أشبه ما تكون بجلسات استحضار األرواح أو‬ ‫شخصـياتـهم‪ ،‬فذلك ال يعفينـا ق��ط م��ن تأكيد حفـالت السّـحر‪ ،‬فما أن يلفظ الناقد كلماته‬ ‫عالئـق قديمة في ه��ذه األس��اط �ي��ر»(‪ ،)20‬وبذلك السحرية ها ّزاً عصا المشعوذين حتى يتحوّل ك ّل‬ ‫ال ف��رق بين االس�ت�ع��ان��ة ب��أس�ـ�ط��ورة فينيقيـة أو ش��يء إل��ى ش��يء آخ ��ر»(‪ ،)26‬وإن ك��ان أنصار هذه‬

‫‪32‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ‬


‫كما أ ّن �ه��م يحتسبون بطريقتهم ه��ذه نقطة‬ ‫مهمة‪ ،‬وه��ي أنّ طريقة كهذه تعمل على إعادة‬ ‫إنسانيتنا‪ ،‬وتؤكدّ أنّنا أعضاء في جنس بشري‬ ‫قديم‪ ،‬تتصارع عنده العمليات الواعية مع غير‬ ‫الواعية(‪.)29‬‬ ‫«إضافة إلى أنّ معرفة األنماط البدائية كسب‬ ‫لعناصر وم ��واد نقدية ج��دي��دة تغني العناصر‬ ‫النقدية القديمة‪ ،‬وتتجه بها إلى الموضوعية‪ ،‬ثم‬ ‫إنّ المنهج األسطوري ال يبحث عن األدب بقدر ما‬ ‫يبحث عن قيمـة األدب وسـ ّر خلوده‪ ،‬وذلك ما ال‬ ‫يـمكن أن يتحدّد بالمعايير األدبية وحدها»(‪.)30‬‬ ‫كما أنّ أب��رز األحكام االنطباعية العشوائية‬ ‫غير ال �م��دروس��ة ك��ان��ت عند أوائ ��ل المشتغلين‬ ‫بالمنهج قبل استوائه‪ ،‬واكتمال أدوات��ه‪ ،‬أمّا اآلن‬ ‫فقد باتـت القـراءة توثّق توثيقاً‪ ،‬وال تترك مجاالً‬ ‫لألحكام االنطباعية أو األهواء الشخصية(‪.)31‬‬ ‫وإن ك��ان مالكولم كاولي رأى أنّ من أخطار‬ ‫ه��ذه ال�ق��راءة إلغاء الحدود الفاصلة تماماً بين‬ ‫الفن واألس �ط��ورة‪ ،‬بل وإل�غ��اء ال�ح��دود بين الفن‬ ‫والدين‪ ،‬ف��إنّ أتباع هذا المنهج رأوا أ ّن��ه لم يلغ‬ ‫تلك الحدود‪ ،‬وإن لم يثبتها‪ ،‬ولكنّه اعتمد على‬ ‫نتائج الدراسـات التي اهتمت برمزيات اإلنسان‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫القراءة يردّون شكوك المهاجمين بتحديد معايير‬ ‫للحـكم على موضوعية منهجهم‪ ،‬تتلخّ ص في‬ ‫الخلو من االنطباعية‪ ،‬والتوثيق‪ ،‬وتماسك المنهج‬ ‫وتكامل ال��رؤي��ة(‪ ،)27‬وبذلك ال يترك المنهج في‬ ‫تفسيراته وتحليالته مجاالً لألحـكام االنطباعية‬ ‫أو األه��واء الشخصية‪ ،‬ولكن في حال االفتقـار‬ ‫إلى هذه العنـاصر جميعـاً‪ ،‬فإنّ القراءة تنتهي إلى‬ ‫االنطباعية‪ ،‬ومن ثم إلى اختالل القراءة‪ ،‬وضعف‬ ‫نسيجها(‪.)28‬‬

‫البدائي‪ ،‬وربطت بين الشعر والفنون بصفة عامة‪،‬‬ ‫وبين الفكر األسطوري(‪ ،)32‬في حين ير ّد مالكولم‬ ‫ال إنّ هذا النوع من النقـد يُبعد القرّاء‬ ‫كاولي قائ ً‬ ‫فزعاً من قراءة التحف األدبية؛ ألنّه يجعلها تبدو‬ ‫صعبة بدرجـة مستحيلـة؛ ألنّـها توحي بأنّ على‬ ‫المرء لكي يتمكن من قراءتها أن يطالع ر ّفاً من‬ ‫الكتب‪ ،‬وأن يفكّر مليّـاً في التلميحات واإلشارات‬ ‫الخبيئة في ك ّل جملة من العمل األدبي(‪.)33‬‬ ‫وأ ّي �اً كان األم��ر‪ ،‬فإنّنا نستطيع أن ندّ عي أنّ‬ ‫ه��ذا المنهج على الرغم من عالّته التي يمكن‬ ‫ت��ج��اوز م�ع�ظ�م�ه��ا ب�ت��وس�ي��ع أف ��ق رؤي� ��ة المنجز‬ ‫اإلب��داع��ي‪ ،‬وال�خ��روج به عن أ ّن��ه انزياحاً حتمياً‬ ‫ع��ن أس �ط��ورة م��ا‪ ،‬إل��ى دراس �ت��ه م��ن منطلق أنّه‬ ‫وثيقة جماليـة إبداعية لـها خصوصيتها من دون‬ ‫عزلها عن األنماط اإلبداعية السابقة‪ ،‬يمكـن أن‬ ‫يصلـح منهجاً تتبنّاه هذه الدراسة‪ ،‬فيقدّ م أجوبة‬ ‫لكثير من األسئلة‪ ،‬ويفكّ رموز كثير من البـواطـن‬ ‫يتوصل إلى مفاتيحها عبر ما‬ ‫ّ‬ ‫والظواهر‪ ،‬التي‬ ‫يتوافر عليه من رصيد أسطوري ضخم للمنجز‬ ‫األسطوري اإلنساني‪ ،‬ويتدفّق في أوعية اإلدراك‬ ‫الجمعي‪ ،‬ويخلص إلى رؤية خاصة‪ ،‬وأسئلة ذاتية‪،‬‬ ‫ورؤية تنبثق من الواقع ومن إشكاالته‪ ،‬وتنهل من‬ ‫خصوصية التجربة اإلبداعية‪ ،‬وعمومية التجربة‬ ‫األسطورية المتداخلة مع الالوعـي الجماعـي‪،‬‬ ‫وهي بذلك تمهّد لفتح القضية الذاتية على الفهم‬ ‫اإلنساني كلّه‪.‬‬ ‫والدراسة بذلك تتمرّد على بعض قيود المنهج‬ ‫األسطوري ومحدّداته‪ ،‬وتجعل المادة اإلبداعية‬ ‫المدروسة هي الوثيقة األصل التي تشكّل حالة‬ ‫لها خصوصيتها ال مجرّد انزياح عن األسطورة‪،‬‬ ‫جديد‬ ‫ٍ‬ ‫عمل‬ ‫بل هي استثمار لألسطورة‪ ،‬لكن عبر ٍ‬ ‫له خصوصيته‪ ،‬وال يمكن أن يُفهم أو يُحلّل إال‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ ‪33‬‬


‫من داخله‪ ،‬وإن كانت األسطورة هي مفتاح فكّ‬ ‫أل �غ��از ه��ذا ال�ع��ال��م ال��داخ�ل��ي للنّص اإلبداعي‪،‬‬ ‫ف�ه��ذه ال��دراس��ة ل��رواي��ات نجيب محفوظ تُعنى‬ ‫بذلك العالم الداخلي‪ ،‬من دون قطعه عن سياقه‬ ‫اإلنساني والقومـي والتحليل‪ ،‬ال سيما أنّ الرواية‬ ‫بطبيعتها فن قومي‪ ،‬بمعنى أنّها من أبرز التغيرات‬ ‫الفنيّة التي تعبّر عن نضج اإلحساس بالشخصية‬ ‫القومية المتميّزة(‪.)34‬‬

‫موضوعية المنهج األسطوري‬ ‫المنهج األسطوري شأنه شأن أيّ منهج آخر‪،‬‬ ‫يحتاج إلى دعائم يقوم عليها ليكون موضوعياً في‬ ‫النتائج التي يقدمها‪ ،‬وبخالف ذلك تكون النتائج‬ ‫مجرد انطباعية ال يعول عليها‪.‬‬ ‫وتتحدد معايير ثالثة للحكم على موضوعية‬ ‫الدراسات األسطورية(‪:)36‬‬ ‫األول‪ :‬الخلو من االنطباعية‪.‬‬

‫وه ��ذا يجعل دراس ��ة األس �ط��ورة ف��ي الرواية‬ ‫الثاني‪ :‬التوثيق‪.‬‬ ‫على الرغم من اإلحالة إلى وعي ال جمعي بها‪،‬‬ ‫تتميّز بشكل أو بآخر بخصوصية قومية محدّدة‬ ‫الثالث‪ :‬تماسك المنهج وتكامل الرؤية‪.‬‬ ‫تظهر في الدراسة شئنا أم أبينا‪ ،‬وبذلك ال تقودنا‬ ‫إيجابيات توظيف المنهج األسطوري‬ ‫طبائع القراءة األسطوريّة ومراميها إلى هوّة نفي‬ ‫في دراسة النصوص‬ ‫الخصوصية الثقافية أو القومية لإلبداع‪ ،‬بل يمكن‬ ‫أن تبرز هذه الخصوصية إذا استطعنا أن ننفتح ‪1 .1‬ينطلق ه��ذا المنهج ف��ي دراس ��ة ال�ن��ص من‬ ‫مفهوم الالشعور الجمعي‪ ،‬وبقايا العبادات‬ ‫على تشكّالت األسطورة في المنجز المدروس‪.‬‬ ‫الكامنة في باطن النص وال يحجب صاحبه‪،‬‬ ‫ونستطيع القول ابتدا ًء إنّ «القفزة الهائلة التي‬ ‫بعد أن يرفض االرتكاز األحادي على الدراسة‬ ‫حقّقها نجيب محفوظ للرواية المصرية كانت‬ ‫الوصفية لألدب‪.‬‬ ‫أ ّوالً وقبل ك ّل شيء نتيجة لحسن استيعابه لروح‬ ‫الشعب المصـري وواقعه‪ ،‬وحرصه الشـديد على ‪2 .2‬هذا المنهج يبرز الصورة‪ ،‬كما يبرز مستويات‬ ‫ال من‬ ‫تناولها ودالالت�ه��ا عن ك� ّل شعب‪ .‬فمث ً‬ ‫تصوير هذا الواقـع‪ ،‬ونقده بقصـد تطهيـره من‬ ‫يوظف هذا المنهج يدرك أنّ الشّ مس رمزاً‬ ‫السلبيات‪.)35(».‬‬ ‫للخصوبة المؤنثة عند العرب‪ ،‬بينما هو رمز‬ ‫وي �ب��دو أنّ م�ح�ف��وظ�اً ق��د وج��د ف��ي استلهام‬ ‫للرّجولة عند اليونان‪ ،‬وهو رمز لإلله األكبر‬ ‫األسطورة أداة من أدوات ذلك التصوير‪ ،‬وهذا‬ ‫والوحيد عند أخناتون‪.‬‬ ‫النقد‪ ،‬وليس من الممكن لدراسة جادّة أن تغفل‬ ‫غرض تصوير الشعب المصري‪ ،‬ونقد معايبه‪3 .3 ،‬هذا النوع من المناهج يحتمل توسّ ع الرّؤى‬ ‫والتفاسير والمناظير حسب تقدم التفاسير‬ ‫في طور دراسة أداة ذلك‪ ،‬أعني أداة األسطورة‪،‬‬ ‫الميثيولوجية‪ ،‬وتقدم الفهم لطبيعة التفاسير‬ ‫وبخـالف ذل��ك يغـدو المنهج األس�ط��وري عبثاً‪،‬‬ ‫الميثولوجية‪ ،‬وتقدم اإلدراك للرمز في حياة‬ ‫وف��كّ أح��اج��ي‪ ،‬وإس �ق��اط ت �ص��ورات حالم يعجز‬ ‫اإلنسان‪.‬‬ ‫عن أن يرتبـط ابتدا ًء بأرض الواقع التي أنتجتْ‬ ‫الرواية عند محفوظ‪ ،‬وكانت األسطورة تمثـي ً‬ ‫ال ‪4 .4‬يتطلب ق��راءة نصية فاحصة‪ ،‬فهو يهتم من‬ ‫النّاحية اإلنسانية بما هو أبعد من االكتفاء‬ ‫لها بشكل أو بآخر‪.‬‬

‫‪34‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ‬


‫بقيمة الجماليات الدّاخلية في النّص‪ ،‬فهو‬ ‫يهتم بالمتلقي‪ ،‬وب��األن�م��اط األس��اس�ي��ة في‬ ‫‪2 .2‬المبالغة ف��ي تطبيق ه��ذا المنهج على ك ّل‬ ‫المجتمع وبالمتلقي‪.‬‬ ‫نص‪ ،‬تجعل النّص يبدو كأنّه تاريخ أسطوري‬ ‫إن هذا المنهج كما يرى (سكوت) يسعى لكي‬ ‫‪ّ 5 .5‬‬ ‫ال نصاً أدبياً‪.‬‬ ‫يفيد إنسانيتنا لنا‪ ،‬تلك اإلنسانية التي تقدر‬ ‫‪3 .3‬ه ��ذا ال�م�ن�ه��ج ي�ب��ال��غ ف��ي تفخيم األعمال‬ ‫العناصر البدائية‪.‬‬ ‫األدبية‪ ،‬ويرتفع بها إلى مستوى الوصايا أو‬ ‫‪6 .6‬وهذا المنهج يستطيع أن يفسر لنا كثيراً من‬ ‫الكتب المقدسة‪.‬‬ ‫الظواهر‪ ،‬ويربط فيما بينها ربطاً يعجز عنه‬ ‫يحط من ق��در مؤلفي‬ ‫ّ‬ ‫‪4 .4‬كما أنّ ه��ذا المنهج‬ ‫أيّ منهج آخر‪.‬‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫واحدة دون إعطاء أدلة على ذلك أيضاً!!‬

‫النّصوص‪ ،‬فيتالشى الكاتب‪ ،‬ويبقى النّص‬

‫‪7 .7‬ه��ذا المنهج يساعد على معرفة اآلخ��ر بل‬ ‫مقدساً بما يحمل‪.‬‬ ‫ومعرفة النّفس من خالل تعامل هذا المنهج‬ ‫م��ع ال ��ذات واألع �م��اق اإلنسانية والالوعي ‪5 .5‬هذا النوع من المناهج يُبعد القّراء عن قراءة‬ ‫الجماعي‪.‬‬ ‫التّحف األدبيّة؛ ألنّه يجعل المرء محتاجاً إلى‬ ‫‪8 .8‬هذا المنهج يستعين بتقنيات علمية حديثة‬ ‫قراءة الكثير من الكتب كي يفهمها‪ ،‬كما أنّه‬ ‫أدب �ي��ة وغ�ي��ر أدب �ي��ة‪ ،‬كما يستعين بمعارف‬ ‫محتاج إلى أن يفكر ملياً في ك ِّل جملة من‬ ‫عصره في تفسير نصوصه‪.‬‬ ‫جمل العمل األدبي‪.‬‬ ‫‪9 .9‬إذا أحسن تطبيق هذا المنهج وفق معاييره‬ ‫الموضعية فإنه يقدم نتائج موثقة توثيقاً ال‬ ‫يترك مجاال لألحكام واالنطباعية أو األهواء‬ ‫الشخصية‪ ،‬مستمداً ف��ي سبيل ذل��ك ممّا‬ ‫توصل إليه علم اآلثار‪ ،‬وما تركه القدماء من ‪.7‬‬ ‫أساطير أو تماثيل أو طقوس‪.‬‬

‫‪6 .6‬قد يبالغ أتباع هذا المنهج‪ ،‬فيجعلون اعتقادات‬

‫سلبيات توظيف المنهج األسطوري في‬ ‫دراسة النصوص‬

‫أخرى مكان ما قاله المؤلف على وجه الحقيقة‪،‬‬ ‫ويؤولون ما أراده على غير ما أراد‪.‬‬

‫‪7‬ه��ذا المنهج يجعل األدب ك�ح��ام��ل ل�ع��دد من‬ ‫األساطير‪ ،‬فيفقد العمل جزءاً من متعته التي‬ ‫تنتهي بمجرد أن يفكّ الشّ خص رموز هذا العمل‪،‬‬ ‫دون االستمتاع به‪ ،‬فهو مجرد لعبة رموز‪.‬‬

‫‪1 .1‬كثيراً م��ا يتحمّس أن�ص��ار ه��ذا المنهج له‪8 .8 ،‬هذا المنهج يلغي الحدود بين الفن واألسطورة‬ ‫فيخرجون بمقوالت من دون أسس‪ ،‬ويسعون‬ ‫بل بين الفن والدّين‪.‬‬ ‫ال‬ ‫جاهدين لتدعيمها بعد لَيْ عنق النّص‪ ،‬فمث ً‬ ‫‪9 .9‬هذا المنهج ال يفرّق بين الفن الجيد والفن‬ ‫يزعم بعض الدارسين أنّ ملحمة جلجامش‬ ‫ال ��رديء‪ ،‬فهو يضعها على ق��دم المساواة‪،‬‬ ‫كانت معلقة على الكعبة دون إعطاء أدلة على‬ ‫فك ُّل م��ا يهُّم المنهج تفسير باطن النّص‪،‬‬ ‫ذلك‪ ،‬كما يزعم البعض اآلخر أنّ جلجامش‬ ‫وهرقل وذا القرنين وموسى الخضر شخصية‬ ‫وفكُّ رموزه‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ ‪35‬‬


‫(‪ )1‬‬ ‫(‪) 2‬‬ ‫(‪ )3‬‬ ‫(‪ )4‬‬ ‫(‪ )5‬‬ ‫(‪) 6‬‬ ‫(‪ )7‬‬ ‫(‪ )8‬‬ ‫(‪ )9‬‬ ‫(‪) 10‬‬ ‫(‪ )11‬‬ ‫(‪ )12‬‬ ‫(‪ )13‬‬ ‫(‪ )14‬‬ ‫(‪) 15‬‬ ‫(‪ )16‬‬ ‫(‪ )17‬‬ ‫(‪ )18‬‬ ‫(‪ )19‬‬ ‫(‪ )20‬‬ ‫(‪ )21‬‬ ‫(‪ )22‬‬ ‫(‪ )23‬‬ ‫(‪ )24‬‬ ‫(‪ )25‬‬ ‫(‪ )26‬‬ ‫(‪ )27‬‬ ‫(‪ )28‬‬ ‫(‪ )29‬‬ ‫(‪ )30‬‬ ‫(‪ )31‬‬ ‫(‪ )32‬‬ ‫(‪ )33‬‬ ‫(‪ )34‬‬ ‫(‪ )35‬‬ ‫(‪ )36‬‬

‫‪36‬‬

‫الجاحظ‪ ،‬عمرو بن بحر‪( ،‬ت ‪255‬هـ)‪ :‬الحيوان‪ ،‬تحقيق عبدالسالم هارون‪ ،‬ج‪ ،2‬ط‪ ،1‬طبعة البابي الحلبي‪ ،‬القاهرة‪1965 ،‬م‪،‬‬ ‫‪.133‬‬ ‫انظر‪ :‬حنّا عبّود‪ :‬النظرية األدبية الحديثة والنقد األدبي‪ ،‬ط‪ ،1‬منشورات اتحاد الكتاب العرب‪ ،‬دمشق‪1999 ،‬م‪.70-63 ،‬‬ ‫انظر‪ :‬نورثروب فراي‪ :‬نظرية األساطير في النقد األدبي‪ ،‬ترجمة حنّا عبّود‪ ،‬ط‪ ،1‬دار المعارف‪ ،‬حمص‪1987 ،‬م‪.‬‬ ‫واالس مارتن‪ :‬نظريات السّ رد الحديثة‪ ،‬ترجمة حياة جاسم محمد‪ ،‬ط‪ ،1‬المجلس األعلى للثقافة‪ ،‬القاهرة‪1998 ،‬م‪.113 ،‬‬ ‫انظر‪ :‬نورثروب فراي‪ :‬نظرية األساطير في النقد األدبي‪ ،‬ترجمة حنّا عبّود؛ عبدالفتاح محمد أحمد‪ :‬المنهج األسطوري في‬ ‫تفسير الشعر الجاهلي‪ ،‬ط‪ ،1‬دار المناهل‪ ،‬بيروت‪1987 ،‬م‪.38-13 ،‬‬ ‫نفسه‪.17 :‬‬ ‫نفسه‪.17 :‬‬ ‫نفسه‪.19 :‬‬ ‫انظر‪ :‬نورثروب فراي‪ :‬نظرية األساطير في النقد األدبي‪ ،‬ترجمة حنّا عبّود؛ عبدالفتاح محمد أحمد‪ :‬المنهج األسطوري في‬ ‫تفسير الشعر الجاهلي‪ ،‬ط‪ ،1‬دار المناهل‪ ،‬بيروت‪1987 ،‬م‪.55-38 ،‬‬ ‫عبدالفتاح محمد أحمد‪ :‬المنهج األسطوري في تفسير الشعر الجاهلي‪.7-55 ،‬‬ ‫نفسه‪.75-70 :‬‬ ‫نضال الصالح‪ :‬النزوع األسطوري في الرواية العربية المعاصرة‪1967 ،‬م‪1992-‬م‪.12 ،‬‬ ‫ويلبر س‪ .‬سكوت‪ :‬خمسة مداخل إلى النقد األدبي‪ ،‬ترجمة عناد غزوان إسماعيل وجعفر صادق الخليلي‪ ،‬ط‪ ،1‬منشورات‬ ‫وزارة الثقافة واإلعالم‪،‬بغداد‪1981 ،‬م‪.265 ،‬‬ ‫نضال الصالح‪ :‬النزوع األسطوري في الرواية العربية المعاصرة‪1967 ،‬م‪1992-‬م‪.11 ،‬‬ ‫أمين محمود وآخرون‪ :‬الرواية العربية بين الواقع واإليديولوجيا‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الحوار‪ ،‬الالذقية‪1986 ،‬م‪.‬‬ ‫نفسه‪.21 :‬‬ ‫حنّا عبّود‪ :‬النظرية األدبية الحديثة والنقد األسطوري‪.44 :‬‬ ‫ويلبر س‪ .‬سكوت‪ :‬خمسة مداخل إلى النقد األدبي‪ ،‬ترجمة عناد غزوان إسماعيل‪.267 :‬‬ ‫نفسه‪.268 :‬‬ ‫أحمد كمال زكي‪ :‬دراسات في النقد األدبي‪ ،‬ط‪ ،2‬مكتبة لبنان‪ ،‬بيروت‪1997 ،‬م‪.178 ،‬‬ ‫نفسه‪.179 :‬‬ ‫نفسه‪.180 :‬‬ ‫رينيه ويليك‪ :‬مفاهيم نقدية‪ ،‬ترجمة محمد عصفور‪ ،‬ط‪ ،1‬سلسلة عالم المعرفة‪ ،‬العدد ‪ ،110‬الكويت‪1978 ،‬م‪.482 ،‬‬ ‫ويلبر س‪ .‬سكوت‪ :‬خمسة مداخل إلى النقد األدبي‪ ،‬ترجمة عناد غزوان إسماعيل‪.268 :‬‬ ‫نفسه‪.269 :‬‬ ‫نفسه‪.269 :‬‬ ‫عبدالفتاح محمد أحمد‪ :‬المنهج األسطوري في تفسير الشعر الجاهلي‪.256 ،‬‬ ‫نفسه‪.256 :‬‬ ‫ويلبر س‪ .‬سكوت‪ :‬خمسة مداخل إلى النقد األدبي‪.270 ،‬‬ ‫عبدالفتاح محمد أحمد‪ :‬المنهج األسطوري في تفسير الشعر الجاهلي‪.227 ،‬‬ ‫نفسه‪.223 :‬‬ ‫نفسه‪.228 :‬‬ ‫فسه‪.226 :‬‬ ‫فؤاد دوّارة‪ :‬الوجدان القومي في أدب نجيب محفوظ‪ ،‬الهالل‪ ،‬ع‪ ،19‬القاهرة‪1970 ،‬م‪.100 ،‬‬ ‫نفسه‪.102 :‬‬ ‫عبدالفتاح محمد أحمد ‪ -‬المنهج األسطوري في تفسير الشّ عر الجاهلي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.25‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ‬


‫«السمك ُ‬ ‫ة التي تبرز ُ من ال مكان»‬

‫> عبدالله السفر ‪ -‬من السعودية‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫إبداع النقد‪..‬‬ ‫ُ‬

‫نص ما نقديّا لجهة الكاتب في كونه‬ ‫ثمّ ة قسمةٌ ضيزى‪ ،‬ير ّددُها البعض‪ ،‬عندما يجري تناوُل ٍّ‬ ‫يصدر عن تجربة نقديّة‪ ،‬فيحوز لقب «الناقد» الذي تُعطَ ى أحكامُ هُ الصالب َة والوثوقيّة ومن ثم‬ ‫القبول‪ ..‬أو يصدر الكاتب في آرائه النقديّة عن تجربة إبداعيّة يراها أحدهم أقلّ ِمن تملّك رُتبةِ‬ ‫النقد‪ ،‬وينج ّر عنها تقييمٌ سلبي يضع كتابة المبدع النقديّة في سلّة الخفّ ة والهشاشة‪ ،‬ويعدُّ ها ضرب ًا‬ ‫من الخواطر على هامش النص المنقود‪ ،‬وباب ًا من المجامالت الصحفيّة تأتي تحت عنوان التسويق‬ ‫واإلشهار بمعناه االستهالكي واللحظي‪ .‬وإنّ نقد ًا هذه طبيعته وإنْ كتبه مبدع مهما عال شأنه سرعان‬ ‫ما يخفت ويذهب إلى الزوال‪.‬‬ ‫يخص ُه هو‬ ‫ُّ‬ ‫انطباع ع� ٍ�ام‬ ‫ٍ‬ ‫�دوس ي��ؤشّ ��ران على‬ ‫ومن أسباب هذه القسمة التشطيرية إيالءُ وح� ٌ‬ ‫كمبدع‪ ،‬ويتصل بحوض تجربته أكثر من‬ ‫المعرفةِ النقديّة المكان َة األول��ى‪ ،‬إ ْن لم‬ ‫اتصالها بالعمل اإلبداعي الذي يق ّدمه‬ ‫تكن الوحيدة‪ ،‬لتسويغ االتصال باألثر‬ ‫للقراء‪.‬‬ ‫المنقود‪ ،‬وتلمّس عوالمه الجمالية‪،‬‬ ‫وسبر خفاياه التي تمتنع عن النظرة‬ ‫وعلى وجاهة هذا «التبرير» إال‬ ‫األولى المتعجّ لة‪ ،‬فيما تلك العوالم‬ ‫أنه يظ ّل خارجيّا وسطحيّا ومالمس ًة‬ ‫نظر‬ ‫وال�خ�ف��اي��ا ت�ح�ت��اج إل��ى إن �ع��ام ٍ‬ ‫من بعيد‪ .‬فالوقائع القرائيّة ترسم‬ ‫وحُ سْ نِ إصغاء لتجليتها أمام القارئ‪.‬‬ ‫مساحات متداخل ًة وح��دوداً مختلطة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫بآلة معرفي ٍّة‬ ‫ولن يتأتّى ذلك النفاذ إال ٍ‬ ‫رأي �ن��ا ن � ّق��اداً مبدعين ي�ق��ارب��ون النصوص‬ ‫دقيقة‪ ،‬وم� ٍ‬ ‫ومواز‪ ،‬ونقّاداً‬ ‫ٍ‬ ‫مكافئ‬ ‫ٍ‬ ‫بإبداع‬ ‫ٍ‬ ‫�راس طويل‪ ،‬و ُد ْرب� ٍ�ة هائلة في شعاب الشعريّة والسرديّة‬ ‫تقصي شرارةَ اإلبداع‬ ‫النظريات والمناهج؛ ال��واف��د منها والموروث‪ ،‬آخرين تقصر كتاباتهم عن ّ‬ ‫على ٍ‬ ‫نحو يمهّد الطريق‪ ..‬ويفتح السطح للعبور في تلك األعمال واإلحاطة بمواطن الجمال فيه‪.‬‬ ‫إلى مكامن النص ومعانيه المكنوزة في األعماق‪ .‬وف��ي الوقت نفسه‪ ،‬ثمّة مبدعون ن� ّق��ا ٌد يضعون‬ ‫وف ��ي ال �ح��ال ن �ف �س��ه‪ ..‬ف ��إن ال �م �ب��دع‪ ،‬المشغول أيديهم وأي��دي ال�ق��راء معاً على جمرة النص‪..‬‬ ‫تناول‬ ‫ٍ‬ ‫بتجربته الجمالية وبحكم تكوينه‪ ،‬ال يتوافر والتقاط التجربة الجماليّة واإلنسانيّة في‬ ‫على تجربة الناقد المعرفيّة‪ ،‬ويفتقر إل��ى مثل ربّما ع� ّز نظيره عند النقاد‪ .‬ذل��ك أن المسألة‬ ‫رصيده المعرفي والثقافي‪ .‬عمارتُ ُه غزارةُ انفعال‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ ‪37‬‬


‫ليست متوقفة عند «اآللة المعرفيّة» وحدَها التي‬

‫بحواس‬ ‫َّ‬ ‫يدلف إل��ى مجهول الكتابة اإلب��داع� ّي��ة‬

‫النص‪ ،‬حين تتحوّل هذه «اآلل��ة» غاي ًة في ذاتها‬

‫ويمضي إثرها ليوافي مكتشفاته مثل لُقَىً تبزغ‬

‫تدور حول مفرداتها ومصطلحاتها دون أن تقول‬

‫وحجْ ر الرائع‬ ‫حضن الدهشة‪ ،‬وكنف المفاجأة‪ِ ،‬‬

‫هنا مستغرقة في مرآتها‪ ،‬غريق ًة في نرجسيّتها‪،‬‬

‫سنّارته في مجهول البحر على انتظار الوعد‬

‫تصبح في بعض األحيان عازالً بين النقد وبين‬

‫وليست وسيلة؛ آلة استعراضية ورطانة غريبة‬

‫تحت قلمه‪ ،‬تطفر ر ّي��ان � ًة ملتمعة ت��أخ � ُذهُ إلى‬

‫شيئا ذا بال عن العمل‪ .‬تصبح الكتابة النقديّة‬

‫ال�لام �ت��و ّق��ع‪ ..‬ش��أن��ه ش��أن ال�ص�ي��اد ال ��ذي يرمي‬

‫ال تقارب النص اإلبداعي إال على سبيل المباهاة‬

‫الغائم‪ ،‬كما ينصح المخرج السينمائي روبير‬

‫ُنطق العمل‬ ‫أحوال كثيرة‪ ،‬ديكتاتورا يريد أن ي ِ‬ ‫ٍ‬ ‫في‬

‫ال بما ستلتقطُ ُه بقدر ما يكونُ ُه صيّا ٌد عند‬ ‫جاه ً‬

‫بما تملكه من ع��دّة معرفيّة تجعل من صاحبها‬

‫بما يريد‪ ،‬ال بما ينطوي عليه‪ ،‬وال بما تفرضه‬ ‫سياقاته؛ الجماليّة واالج�ت�م��اع� ّي��ة والثقافيّة‪.‬‬

‫ي �ن �ص��بّ ج��ه��ده ع �ل��ى ت �ط��وي��ع ال��ن��ص وإذعانه‬

‫لنموذجه النظري الذي تحجّ َر إزاءه‪ ،‬وملكَ عليهِ‬ ‫أم َر نظرِ هِ؛ فال يحي ُد عنه قي َد شعرة‪ .‬كبي ُر همِّهِ‬

‫المطابقة ما بين أوراقِ هِ المعرفية وما بين أوراق‬

‫ممارسة تستعيد حكاية‬ ‫ٍ‬ ‫النص اإلب��داع� ّي��ة‪ ،‬في‬

‫سرير بروكرستس‪ ،‬وذك��رى األج�س��اد المقطّ عة‬

‫أعضاؤها‪ ،‬أو المخلّعة أوصالُها؛ ألنها تفيض أو‬

‫تنقص عن مقاس السرير العجيب‪.‬‬

‫الفرق بين الناقد ال�غ��ارق في آلته‪ ،‬والناقد‬

‫المبدع أن هذا األخير يستعمل آلته‪ ،‬وال يدعُها‬ ‫تستعملُهُ‪ .‬ال يتوقّف عندها يجذب األنظار إليها‪،‬‬

‫بريسون في مدوناته حول السينماتوغراف‪« :‬كن‬ ‫طرف قصبته (السمكة التي تبرز من ال مكان)»‪.‬‬

‫وأحسب أن المبدع الناقد ال يختلف في هذا‬

‫ال�ش��أن ع��ن الناقد المبدع ف��ي تجربة القراءة‬

‫واإلبحار بين سطور الكتابة اإلبداعية‪ .‬المبدع‬ ‫ب�م��ا ي �ت��واف��ر عليه م��ن ذخ �ي��رة ج�م��ال� ّي��ة وخبرة‬

‫موهبة أنضجتْها‬ ‫ٍ‬ ‫إبداعية‪ ،‬وبما ينطوي عليه من‬ ‫س �ن��واتُ ال �ق��راءة النوعيّة والتفتّح على جهات‬

‫مرهفة؛ تعرف كيف تُدار‬ ‫ٍ‬ ‫ذائقة‬ ‫ٍ‬ ‫الجمال بحصيلةِ‬

‫البوصلة‪ ..‬يستطيع هذا المبدع النفا َذ إلى أرض‬ ‫بنص نقدي ال‬ ‫األسرار واكتناه مجاهلها‪ ،‬والعودة ٍّ‬

‫يق ّل في أثره عن النص اإلبداعي‪.‬‬

‫إن النق َد يبل ُغ مرتب َة اإلبداع ومعانق َة ضفافة‪،‬‬

‫ويتشاوف على المبدع وعلى قرائه أيضا‪ .‬إنه‬

‫بصرف النظر عن صفة الكاتب فيما إذا كان‬

‫ومسبارا‪ ،‬يكتن ُه بها أبعاد النص ومراميه‪ ..‬وما‬

‫مصحوب ًة بأدواتها الخالقة التي ال تفتن وال تلهي‪.‬‬

‫معرفة تامة لها وه � ُم اإلحاط ُة‬ ‫ٍ‬ ‫وال ينطلق م��ن‬

‫بطاقة عاليةِ التنبّه واإلصغاء لما يعتمل‬ ‫ٍ‬ ‫وتشحنه‬

‫النص‪.‬‬

‫وجود ال‬ ‫ٍ‬ ‫تضطربُ في الخفاء‪ ،‬وتري ُد اإلعال َن عن‬

‫عبور وغوّاص ًة‬ ‫يتّخذ من حصاده المعرفي مركبة ٍ‬

‫ناقداً أو مبدعا‪ ،‬عندما يتحوّل إلى رحلة اكتشاف‬

‫تخزنُ ُه بُناهُ العميقة‪ .‬ال يقول بالجاهزيّةِ ابتداءً‪،‬‬

‫تسند مصبا َح العمل‪ ،‬وتشحذ حضو َر الكاتب‪،‬‬

‫والشمول‪ .‬ال تنتظ ُر الدهش َة وتحذر من مباغتات‬

‫وأسئلة‬ ‫ٍ‬ ‫إشارات‬ ‫ٍ‬ ‫في أعماق النص‪ ..‬ويحتدم من‬

‫الناقد المبدع يبني ق��راءت��ه خ�ط��و ًة خطوة‪،‬‬

‫‪38‬‬

‫مصقولة ف��ي غاية االن�ت�ب��اه‪ ،‬تلتقط اإلشارات‪،‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ‬

‫بصيغة مكافِ ٍئة هي اإلبدا ُع نفسُ ه‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫يتب ّدى إال‬


‫> محمد جميل أحمد‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫من النقد األدبي إلى نقد اخلطاب‬ ‫ثمة مغالطة تاريخية ارتبطت بفكرة النقد األدبي في كونه نقدا معنيا فقط بالنصوص األدبية‬ ‫والجمالية منذ بدايات القرن العشرين‪.‬‬ ‫وعلى الرغم إمكانية مالحظة الدور الخفي ل�لإدارة االستعمارية التي قايضت حرية النقد في‬ ‫الكتابة عن النصوص الجمالية واألدبية‪ ،‬بإيحاء الكتابة الحصرية في ذلك الجانب ؛ إال أن ثمة وعيا‬ ‫عاما ورثته الكتابة العربية منذ األزمنة القديمة بخصوص ذلك االرتباط العضوي بين النقد األدبي‬ ‫بوصفه نقدا في النصوص األدبية واللغوية‪ ،‬من دون تجاوز ذلك إلى فضاءات أخرى تتصل بجملة من‬ ‫الخطابات األخرى التي كان ينتجها المجتمع‪ ،‬سواء أكانت خطابات دينية أم سياسية أم اجتماعية‪.‬‬ ‫هذه الحالة امتدت إلى ما بعد المرحلة االستعمارية‪ ،‬وأصبحت مع جهود مجموعة من الرواد‬ ‫العرب في مجال النقد األدب��ي من أمثال طه حسين والعقاد حالة مكرّسة‪ ،‬كما لو أنها التعريف‬ ‫الحصري للكتابة النقدية‪ ،‬فالتماهي بين النقد بوصفه منهجية متصلة باألدب فقط‪ ،‬أصبح حاكما‬ ‫لطبيعة الكتابة النقدية بذلك النوع من الخطاب الجمالي‪.‬‬ ‫ب �ي��د أن ال� �س���ؤال ال � ��ذي ي��ط��رح نفسه‬ ‫ح�ي��ال ه��ذه المعضلة ه��و‪ :‬ه��ل العملية‬ ‫النقدية في الكتابة قابلة لالنزياح إلى‬ ‫مختلف أنماط الخطاب التي ينتجها‬ ‫المجتمع‪ ،‬وما الذي جعل من تكريسها‬ ‫ذاك متصال فقط ب �ح��دود الخطاب‬ ‫الجمالي‪/‬األدبي؟‬ ‫وف��ي سبيل اإلج��اب��ة على ه��ذا السؤال‪،‬‬ ‫سنجد أنفسنا أم��ام حالة خاصة وف��ري��دة بالكتابة‬ ‫العربية‪ ،‬قد ال تجد لها أي نظير في أنماط الكتابة‬ ‫النقدية لألمم األخرى‪.‬‬ ‫وعبر هذا الفصل غير المعرفي وغير المنطقي‪،‬‬

‫تم التشويش على مهمة الناقد المفترضة‬ ‫بوصفه ناقدا لجميع الخطابات المنتجة‬ ‫من قبل المجتمع‪ ،‬وتحويل تلك المهمة‬ ‫إلى المفكر الذي غالبا ما تبدو كتاباته‬ ‫أكثر التصاقا باألكاديميات‪ ،‬وأبعد عن‬ ‫الوظيفة النقدية للكتابة‪.‬‬ ‫لقد كان هذا الفصل بين الخطابات‬ ‫المعرفية القابلة للنقد‪ ،‬ه��و بمثابة مؤشر‬ ‫انقسام وانفصام في الحياة الفكرية العربية ذاتها‪،‬‬ ‫ال حول طبيعة الكتابة وحسب‪.‬‬ ‫ولعل الرابط الذي يفسر لنا انفصال المعرفة عن‬ ‫النقد ‪ -‬في مستوى آخر ‪ -‬هو غياب الفلسفة في‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ ‪39‬‬


‫حياتنا المعرفية والتعليمية‪ ،‬فالفلسفة بوصفها معرفة‬ ‫تنتظم جميع المجاالت من خالل (اشتغال العقل على‬ ‫العقل)‪ ،‬جسّ د غيابها سببا آخر لعدم مالحظة النقد‬ ‫في كونه آلية معرفية لمختلف الخطابات‪.‬‬ ‫ولعل من الجدير بالمالحظة في هذا الصدد‪ ،‬هو‬ ‫أن الكثير من الكتابات النقدية للنصوص األدبية التي‬ ‫ازده��رت في العقود الماضية من القرن العشرين‪،‬‬ ‫وع�ل��ى رأس�ه��ا كتابات ط��ه حسين وال�ع�ق��اد‪ ،‬ل��م تعد‬ ‫ال �ي��وم تعكس ح�ي��وي��ة راه �ن��ة ح �ي��ال ت�ل��ك النصوص‬ ‫التي عالجتها‪ ،‬أو أنها فقدت الكثير م��ن بريقها‪.‬‬ ‫ويعود جزء من فقدان ذلك البريق إلى اقتصار نقد‬ ‫النص الجمالي في حدود جمالياته وحسب‪ ،‬وبعيدا‬ ‫عن الطبيعة البنيوية واللسانية والثقافية للشروط‬ ‫المتصلة بإنتاجه‪ ،‬وانعكاساتها كخطابات محايثة‬ ‫للخطاب الجمالي ذاته‪.‬‬

‫فليس بالضرورة أن تكون الكتابات األكاديمية في‬ ‫العلوم األخرى مثقلة بذلك األسلوب الجاف والغامض‬ ‫في الوقت نفسه‪ ،‬كما أن الجانب النقدي في تلك‬ ‫العلوم هو الذي سيتكشف عن قابلية جمالية‪ ..‬حين‬ ‫يتم م��ن خالله اس�ت�خ��دام األدوات البالغية للنقد‬ ‫األدبي‪ ،‬وتوظيفها في األسلوب الكتابي لتلك العلوم‪.‬‬ ‫على أن فكرة النقد بذاتها‪ ،‬ربما كانت سببا في‬ ‫اق�ت�ص��اره على النصوص األدب �ي��ة‪ ،‬كمهرب جمالي‬ ‫م��ن استحقاق النقد المتصل بالخطابات الدينية‬ ‫وال �س �ي��اس �ي��ة‪ ،‬وال �ن �ظ��ر إل�ي�ه��ا ك�خ�ط��اب��ات ونصوص‬ ‫خاضعة للنقد‪.‬‬

‫ف��ال�ن�ظ��رة ال�ن�ق��دي��ة للنصوص األدب �ي��ة بوصفها‬ ‫خطابا‪ ،‬تمنحه الكثير من السمات المضيئة لطبقاته‬ ‫وم �س �ت��وي��ات ال �ت��أوي��ل ف�ي�ه��ا‪ ،‬وال �ه��وام��ش المعرفية‬ ‫والثقافية األخ��رى؛ أي أن الكتابة النقدية بوصفها‬ ‫ن�ق��دا للخطابات المختلفة‪ ،‬تختزن ق ��راءة جدلية‬ ‫متناظرة‪ ،‬وتكسب النص غنى في تفسيره وتأويله‪،‬‬ ‫وفي الوقت نفسه تمنحه إح��االت مرجعية تمد من‬ ‫قدرته على مقاومة الزمن‪.‬‬

‫ذل� ��ك أن ه� ��ذا ال��ج��ان��ب م ��ن ال �ن �ق��د المتصل‬ ‫بالخطابات األخ��رى التي ينتجها المجتمع‪ ،‬يرتبط‬ ‫أساسا بفكرة الحرية التي ال ت��زال شبه غائبة في‬ ‫مناهج البحث العلمي وال��درس بصورة عامة‪ .‬ففي‬ ‫ظل الحرية المعرفية‪ ،‬يمكن أن ينتقل مفهوم النقد‬ ‫بمعناه المعرفي من حقل األدب إلى الحقول األخرى‬ ‫في السياسة واالجتماع والدين والتاريخ ووو‪...‬‬

‫إض��اف��ة إل��ى ذل��ك ي�ن�ط��وي اس�ت�ص�ح��اب القراءة‬ ‫ال�ن�ق��دي��ة ل�ل�خ�ط��اب��ات األخ� ��رى وف ��ق م�ع�ي��ار السمة‬

‫هكذا سنجد أن الناقد األدبي وفق هذا الفصام‬ ‫الذي نشأ في الحياة العربية المعاصرة بين النقد‬ ‫والعلوم اإلنسانية شخصا منعزال عن سجاالت الحياة‬ ‫العامة في الخطابات التي ينتجها المجتمع‪ ،‬بحيث‬ ‫يصدق عليه مفهوم المثقف ذي البرج العاجي‪ ،‬من‬ ‫خالل عكوفه على تحليل ونقد نصوص أدبية قابلة‬ ‫للنقد‪ ،‬دون أن تنطوي على ردود أفعال تسهم في‬ ‫الحراك المعرفي والفكري للمجتمع بصورة فعالة‬ ‫ومنتجة‪.‬‬

‫من جهة ثانية‪ ،‬فإن القراءة النقدية للخطابات‬ ‫التي ينتجها المجتمع ال تعني وفق هذا التناول أن‬ ‫يتحول الناقد إلى موسوعة معارف فهذا غير ممكن‬ ‫بطبيعة ال�ح��ال وإن�م��ا يعني ت�ح��دي��دا‪ :‬ال �ق��درة على‬ ‫امتالك أدوات معرفية إلى جانب تخصصه األصل‪،‬‬ ‫تعينه على قراءة النص ونقده‪ ،‬سواء أكان جماليا أم‬ ‫سياسيا أم فنيا أم فولكلوريا‪.‬‬

‫‪40‬‬

‫األسلوبية المتصلة بالنقد األدبي‪ ،‬على قيمة جمالية‬ ‫مضافة؛ م��ن شأنها أن تجعل األس�ل��وب األكاديمي‬ ‫أكثر تشويقا وحيوية‪ ،‬عبر استخدام جماليات اللغة‬ ‫والبالغة التي يعتمدها النقد األدب��ي في مقاربته‬ ‫للنصوص‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ‬


‫هنا سنجد أنفسنا أمام حالة أخرى تكشف عن‬ ‫مدى بعدنا عن توطين فكرة الحداثة‪ ،‬كرؤية تمنحنا‬ ‫وعيا تاريخيا بالمعرفة التي ينتجها المجتمع‪ ،‬ضمن‬ ‫خطابات قابلة للنقد ف��ي ح�ق��ول الفلسفة والفكر‬ ‫واألدب‪ ،‬التي يمارسها الناقد‪ /‬المفكر من دون أن‬ ‫يقع ف��ي ذل��ك ال�ف��رز اإلش�ك��ال��ي بين مهمته كناقد‪،‬‬ ‫ومهمته كمفكر‪.‬‬

‫هكذا‪ ،‬مثال‪ ،‬كانت (م��درس��ة فرانكفورت) التي‬ ‫أسست النظرية النقدية المعاصرة عبر أهم روادها‬ ‫(فالتر بنيامين‪ ،‬م��ارك يوركهايمر‪ ،‬تيودور أدورنو)‬ ‫وصوال إلى يورغن هابرماز في بداياتها منطلقة من‬ ‫معهد البحث االجتماعي في جامعة فرانكفورت‪،‬‬ ‫لتنتج ب�ع��د ذل ��ك ع�ب��ر ال�ت�ف��اع��ل ال �خ�لاق ب�ي��ن علم‬ ‫االجتماع والفلسفة‪ :‬النظرية النقدية التي ال تزال إلى‬ ‫اليوم هي األكثر راهنيه وفاعلية في نقد الخطابات‬ ‫التي ينتجها المجتمع‪ ،‬سواء أكانت خطابات جمالية‪/‬‬ ‫أدب�ي��ة‪ ،‬أم خطابات دينية‪ ،‬أم سياسية‪ .‬وم��ن خالل‬ ‫استثمار جماليات خطاب النقد األدب��ي في تحليل‬ ‫ون �ق��د ال �خ �ط��اب��ات ال�م�ع��رف�ي��ة األخ � ��رى‪ ،‬ك ��ان تأثير‬ ‫(ميشيل فوكو)‪ ،‬و(جاك دريدا)‪ ،‬و(جيل دولوز)‪ ،‬كبيرا‬ ‫وعميقا في الثقافة الفرنسية‪ ،‬عبر كتاباتهم النقدية‬ ‫والفلسفية‪ ،‬حين م��ارس��وا األداء ال �م��زدوج للناقد‬ ‫والمفكر معا‪ ،‬وضمن بنية واحدة تتصل بنقد جميع‬ ‫الخطابات‪.‬‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫واألخطر من ذلك‪ ،‬أن تكريس فكرة النقد األدبي‬ ‫باعتبارها منحصرة بسياق ال�ن�ص��وص الجمالية‪،‬‬ ‫أصبحت من بديهيات وع��ي النخب الثقافية حيال‬ ‫رؤيتهم لوظيفة الناقد‪ ،‬بطريقة يصبح من الصعب‬ ‫معها فك االرت�ب��اط في ذل��ك الوعي الشعبوي‪ ،‬بين‬ ‫ض��رورة النظر إل��ى نقد النصوص المختلفة التي‬ ‫ينتجها المجتمع كنصوص تخضع للعملية النقدية‪،‬‬ ‫ضمن مهمة ال�ن��اق��د‪ /‬المفكر‪ ،‬وب�ي��ن مهمة الناقد‬ ‫المنحصرة ف��ي ذل��ك ال��وع��ي كشخص معني فقط‬ ‫بالنصوص األدبية‪.‬‬

‫ال�ح��داث��ة واس�ت�ث�م��ار منهجياتها اإلستراتيجية في‬ ‫المعرفة‪ ،‬لضمان إنتاج خطاب معرفي فاعل ومنتج‬ ‫وحر‪ ،‬بعيدا عن االحترازات التي تنعكس في وعينا‬ ‫من إكراهات ذهنية التخلف ونمطه العام‪.‬‬

‫إن قضية انتقال العملية النقدية من كونها مختصة‬ ‫بالخطاب األدبي‪ ،‬إلى كونها منهجية نقدية في فحص‬ ‫مختلف الخطابات التي ينتجها المجتمع‪ ،‬سيجعل‬ ‫منها منهجية جدلية فاعلة ف��ي تحريك الساحة‬ ‫ورغ ��م ب ��روز ن �ق��اد ع��رب ك �ب��ار م��ارس��وا العملية‬ ‫الفكرية والثقافية‪ ،‬وقابلة ألن تخلق تأثيرها الجمالي‬ ‫المزدوج‪ ،‬سواء لجهة إغناء الخطاب األدبي بآليات النقدية ضمن رؤيتهم الشاملة في نقد الخطابات‬ ‫التأويل والتحليل‪ ،‬التي ت��درج��ه ف��ي صميم الوعي التي ينتجها المجتمع‪ ،‬مثل‪ :‬إدوارد سعيد‪ ،‬وجورج‬ ‫العام؛ أي بكونه خطابا متفاعال‪ ،‬ال متعاليا‪ ،‬أو لجهة طرابيشي‪ ،‬وهاشم صالح‪ ،‬وغيرهم‪ ،‬إال أن الحاجة ال‬ ‫تفعيل جماليات اللغة في بنية العمل النقدي المتصل تزال ماسة إلى تأسيس مفهوم النقد ضمن النظرية‬ ‫بالعلوم االنسانية األخرى‪ ،‬ليجعل من أسلوبها قابال النقدية للخطابات التي ينتجها المجتمع‪.‬‬ ‫للتلقي كأسلوب جمالي ينفذ إل��ى نقد خطاباتها‬ ‫وبطبيعة الحال‪ ،‬سيكون المشوار طويال وصعبا‬ ‫بتشويق مؤثر في وعي المتلقي‪.‬‬ ‫لبناء وتوطين تلك الرؤية في ميدان النقد وتوطينها؛‬ ‫ون �ت �ي �ج��ة الن��ف��ص��ال ال �ن �ق��د األدب� � ��ي م ��ن حيث ألن أهم إشكاالت المعرفة لدينا في العالم العربي‬ ‫موضوعاته‪ ،‬أو خطابه الجمالي عن العلوم االنسانية هي غياب معنى الحرية كحاضنة طبيعية لمنهجيات‬ ‫األخ��رى‪ ،‬تتكشف لنا اليوم م��دى حاجتنا إل��ى تمثل المعرفة والعلوم‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ ‪41‬‬


‫النقد النسوي لدى‬

‫الدكتورة سعاد املانع‬ ‫أستاذ النقد األدبي الحديث ورئيس تحرير مجلة اآلداب‪ ،‬بكلية اآلداب‪ ،‬جامعة الملك سعود‪ ،‬الرياض‬

‫زياد‬ ‫> أ‪ .‬د‪ .‬صالح ّ‬

‫ينحصر ما كتبته الدكتورة سعاد المانع‪ ،‬من أبحاث نقدية أدبية‪ ،‬أو يكاد‪ ،‬في اتجاهات ثالثة‪:‬‬ ‫أولها يختص بوصف صورة المرأة التي تصنعها الثقافة واألدب وشرحها وتحليلها؛ والثاني يكشف‬ ‫عن السمات الخاصة بكتابة المرأة بما يفرقها عن كتابة الرجل أو يجمعها بها؛ والثالث نقد النقد‬ ‫النسوي العربي‪ .‬وه��ذه وجهات ثالث ينقسم عليها –إجماالً‪ -‬جهد النظرية النسوية والكتابات‬ ‫توحد الجهد النقدي لسعاد المانع تحت الفتة‬ ‫النقدية المنتسبة إليها‪ .‬لكن هذه الوجهات التي ِّ‬ ‫النقد النسوي‪ ،‬توحده أيض ًا –بالقدر نفسه‪ -‬في االنتساب إلى سعاد المانع نفسها‪.‬‬ ‫لقد كان التحيز ضد المرأة همّ ًا عام ًا في أبحاث سعاد المانع‪ ،‬وهو همٌّ تنشط له عبر إستراتيجية‬ ‫المقاومة للهيمنة‪ .‬فلئن كانت هيمنة الرجل على المرأة وحلولها في موقع الهامش وفي منزلة‬ ‫سفلى بالنسبة إليه هي مادة النظرية النسوية ونشاطها النقدي‪ ،‬فإن الهيمنة بكل أشكالها موضوع‬ ‫وثيق الصلة بالنظرية النسوية‪ .‬ولدى سعاد المانع‪ ،‬تغدو هيمنة المقوالت النسوية ذاتها مادة للبحث‬ ‫واالكتشاف والمساءلة‪ .‬وهو المنشط النقدي لديها الذي يتصل وال ينفصل عن استقصائها للمتن‬ ‫الثقافي باحثة عن تجليات التحيز ضد المرأة وأمثلته؛ ولكن بالقدر نفسه تجليات اإلنصاف لنماذج‬ ‫فردية من النساء‪ ،‬فليس التحيز ضد المرأة وحده –لدى سعاد المانع‪ -‬مادة االشتغال النسوي‪.‬‬ ‫هذا النقد‪ ،‬ألن اإليديولوجيا دوماً مضلّلة‬ ‫معرفياً‪ ،‬ولهذا فإن التأسيس المعرفي‬ ‫يقاوم تسيُّد اإليديولوجيا وتضليلها‪.‬‬ ‫وفي هذا المورد تبدو سمة واضحة‬ ‫للنقد النسوي لدى سعاد المانع‪.‬‬

‫وإذا كان المنزع اإليديولوجي بارزاً في‬ ‫النقد النسوي‪ ،‬بالمعنى ال��ذي يعاين‬ ‫اإليديولوجيا بوصفها فكرة مغلقة‬ ‫في مقابل المعرفة؛ والفكرة المغلقة‬ ‫هنا هي االضطهاد والقمع الذكوري‬ ‫المسلط على ال�م��رأة والعمل على‬ ‫وأبرز ما يمكن االستدالل به في‬ ‫إزاحته‪ .‬وقد نفهم وصف رامان سلدن‬ ‫ه��ذا ال �ص��دد‪ ،‬م�ق��اوم��ة س�ع��اد المانع‬ ‫للناقدة النسوية الشهيرة هيلين سكسو‬ ‫للتعميم والشمول واإلج�م��ال‪ .‬تقول‪“ :‬إن‬ ‫من هذه الزاوية تحديداً‪ ،‬حين ق��ال‪“ :‬إن منهج الذي يهيمن هنا (في النقد النسوي) هو الفكرة‬ ‫سكسو منهج رؤيوي يتخيل لغة ممكنة أكثر مما حول اتفاق كل لغات العالم وكل ثقافات العالم‬ ‫يصف لغة موجودة” فإن هذا مطعن في معرفية لتكون ضد المرأة”‪ .‬وت��رى في مقابل ذل��ك أن‬

‫‪42‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ‬


‫قيمة أعلى لشعر الشاعرة لكونها تتسم بالجرأة‬ ‫في طرح تجارب ال تتقبل التقاليد االجتماعية‬ ‫من المرأة طرحها‪ ،‬وال العكس كأن توضع قيمة‬ ‫أعلى لشعر الشاعرة لكونها حريصة على االلتزام‬ ‫بالتقاليد االجتماعية وع��دم المساس بها في‬ ‫الشعر‪ .‬هنا البحث في الشعر ال يمس المواقف‬ ‫االجتماعية أو األخالقية‪ ،‬وإنما يهتم بتقديم هذه‬ ‫الصور من دون تحيز ضدها أو معها”‪.‬‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫وبالطبع‪ ،‬فإن القيمة األدبية‬ ‫هناك تفاوتاً ف��ي الموقف من‬ ‫هي قيمة جمالية فنية‪ ،‬والقيمة‬ ‫المرأة بين بيئة وبيئة‪ ،‬وتقول‪:‬‬ ‫المنهجية ف��ي ال�ف�ع��ل النقدي‬ ‫“وحتى إذا ما افترضنا اتفاق‬ ‫هي قيمة معرفية‪ ،‬أم��ا القيمة‬ ‫ال�ث�ق��اف��ات ع�ل��ى ع ��داء المرأة‪،‬‬ ‫النسوية فهي قيمة م��ن زاوية‬ ‫وات� �ف ��اق ال �ل �غ��ات ع �ل��ى التحيز‬ ‫الموضوع ومن زاوية الرؤية إليه‬ ‫ض���د ال�� �م� ��رأة‪ ،‬أال يستدعي‬ ‫في وقت معاً‪ .‬وقد ظلت األسئلة‬ ‫األم��ر النظر ف��ي خصوصيات‬ ‫المعرفية تجاه النقد النسوي‬ ‫ك ��ل ث �ق��اف��ة؟ أال ت��ك��ون هناك‬ ‫ل��دى س�ع��اد المانع ملحّ ة على‬ ‫صنوف مختلفة لجوانب العداء‬ ‫شكري عياد‬ ‫تحرير الموقف النقدي النسوي‬ ‫في الثقافة واللغة تتفاوت من‬ ‫وتعميقه ب��ال �م��ؤدى المعرفي‪،‬‬ ‫ثقافة إل��ى أخ��رى وتتفاوت من‬ ‫لغة إلى أخرى‪ .‬أال تستحق الثقافة العربية واللغة فهي ت�س��أل‪“ :‬هل مهمة النقد األدب��ي النسوي‬ ‫ال فيه هو مجرد االل�ت��زام بقضية ال��دف��اع عن المرأة؟‬ ‫العربية استقراء لما هو موجود فيها وتأم ً‬ ‫مع ربطه باإلطار االجتماعي والزمني التاريخي وهل تؤخذ األحكام على األدب من مجرد هذا‬ ‫االلتزام؟ وهل تصوير النساء في األدب بصورة‬ ‫الذي أحاط به عند إنتاجه”‪.‬‬ ‫ولهذا‪ ،‬بدا في ممارستها النقدية التحاشي متحيزة كان له أثر في الواقع على رؤية النساء‬ ‫للتقويم‪ ،‬فهي تدرس وتكشف وتحلل صورة المرأة ألنفسهن كما رأت غوبار وغليبرت في كتابهما‬ ‫في بعض أبحاثها‪ ،‬من دون أن تضفي قيمة تعلو “المجنونة في العلية”؟ وهل تصوير أي امرأة‬ ‫ببعض الصور على بعضها اآلخر‪ .‬ولنقرأ –مثالً‪ -‬في األدب على أنها سيئة يؤخذ على أنه يعزز‬ ‫ما تعلنه في مفتتح إحدى دراساتها التي تناولت إيديولوجية كراهية المرأة؟ وإذا كان علينا أن‬ ‫فيها ص��ورة ال�م��رأة ف��ي متن شعري محدد من نختزل األدب ال��ذي تصور فيه النساء على أن‬ ‫أش�ع��ار ال�ن�س��اء‪ ،‬حين ت�ق��ول‪“ :‬ولن يكون ضمن يكنَّ نساء جيدات في مفهوم الناقدة النسوية‬ ‫الدراسة هنا وضع معايير للشاعرات‪ ،‬كأن توضع فكيف يمكن أن يتفق هذا مع حقيقة النساء؟”‪.‬‬

‫وت��ذه��ب إل��ى االس �ت��دالل ب��رأي ش�ك��ري عياد‬ ‫ال��ذي ينفي القيمة األدبية عن األدب من زاوية‬ ‫التمييز بين ما تكتبه المرأة وتمثل فيه خصائصها‬ ‫األنثوية وما يكتبه الرجل‪“ ،‬فاألدب الذي تكتبه‬ ‫ال �م��رأة حين يظهر فيه انعكاس ل��وع��ي المرأة‬ ‫تجاه وضع معين يمسها أو تبدو فيه حساسيتها‬ ‫تجاه موقف ما‪ ،‬فإن هذا يمكن أن يستفيد منه‬ ‫الباحثون االجتماعيون والمعنيون بقضية المرأة‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ ‪43‬‬


‫فائدة عظيمة‪ ،‬لكنه ال يحقق قيمة على المستوى مجاالت قيم المدح وسياقاته ولهذا ف��إن كالم‬ ‫األدبي ما لم يتجاوز االنعكاس والحساسية إلى النقاد القدامى المفقر للقيم المدحية للمرأة‬

‫ما هو أكثر مساساً بجوهر األدب”‪.‬‬ ‫***‬

‫هذا الموقف المعرفي واألدب��ي ال��ذي وقفته‬

‫س �ع��اد ال��م��ان��ع‪ ،‬ق ��اده ��ا إل���ى ت�ف�ك�ي��ك الموقف‬ ‫المتحيز ضد ال�م��رأة ونقضه بأكثر من معنى‪.‬‬ ‫ويجب أن نسجل هنا اتساع المساحة الكبيرة‬ ‫التي استوعبتها جهود المانع في تأمل الموقف‬

‫من ال�م��رأة ومطالعة متون متنوعة في صيغها‬

‫ناتج ع��ن خلطهم بين ص��ورة ال�م��رأة ف��ي الغزل‬

‫وصورتها في مجاالت الحياة األخ��رى‪ ،‬فوصف‬

‫جميل لمحبوبته بالبخل وكعب بن زهير بعدم‬ ‫وف��اء محبوبته بالوعد مقصوران على الغزل‪،‬‬

‫وهما قيمة عليا للمرأة في هذا السياق وحده‬ ‫لداللتهما على ترفُّع المرأة وعفافها‪ ،‬لكن البخل‬ ‫وإخالف الوعد في العموم مذمومان عند المرأة‬

‫والرجل على حد سواء‪.‬‬

‫وق��د ك��ان التفسير بالسياق ل��دى الدكتورة‬

‫وسياقاتها وأزمانها‪ .‬وأول ما تؤكده المانع في‬ ‫ه��ذا الصدد هو تعدد ص��ور ال�م��رأة واختالفها المانع منظوراً لتأويلها بعض المعاني المرصودة‬ ‫وتناقضها بين العصور وفي العصر الواحد بل ل��دى الجاحظ في موقف انحيازه ضد المرأة‪،‬‬

‫لدى الشاعر أو المؤلف الواحد‪ .‬ومؤدَّى ذلك ال وذلك بنسبتها إلى سياق الهزل المألوف –بين‬ ‫ينقض‪ ،‬فحسب‪ ،‬التعميم السائد في وجهة النقد حين وآخ��ر‪ -‬في مؤلفاته‪« .‬وم��ن ثم ف��ورود ذكر‬ ‫النسوي‪ ،‬بل ينقض الصور والمواقف المتحيزة المرأة في سياق الجنس‪ ،‬أو في سياق عدد من‬ ‫ضد المرأة؛ ألنه يحيلها من الصفة العامة في الطرائف والقصص الفكاهي تتسم فيها المرأة‬

‫الطبيعي إلى الصفة المتغيرة والحادثة والمتنوعة بالحمق أو العي أو اللكنة ال يمكن النظر إليه‬ ‫على أنه يصوِّر اتجاهاً متحيزاً عند الجاحظ عن‬ ‫في الثقافي‪.‬‬ ‫وي��أت��ي االح �ت �ك��ام إل��ى ال�س�ي��اق��ات المقامية‬

‫وال�ت��اري�خ�ي��ة للملفوظات ال��واص �ف��ة ل�ل�م��رأة في‬ ‫مقدمة ما تتكئ عليه المانع في نقض المحموالت‬

‫المنتقصة للمرأة والمضادة لها‪ .‬فالقول –مثالً‪-‬‬ ‫بشح القيم اإلنسانية التي يمكن أن تُمتَدَح بها‬ ‫المرأة في الرثاء‪ ،‬لها وأنها تُ ْمدَح بما ال يُ ْمدَح‬

‫ب��ه ال��رج��ل ي �خ��رج –في ن�ق��ض ال�م��ان��ع ل��ه‪ -‬عن‬ ‫حساب المجاالت الشعرية من حيث ما لها من‬

‫قيم خاصة؛ ولذلك يغدو –فيما تستشهد‪ -‬بكاء‬

‫المرأة‪ .‬فالحديث عن الجنس يرد في كثير من‬ ‫األحيان‪ ،‬بصورة فكاهية أو ساخرة عن الرجل‪،‬‬

‫والطرائف التي تحتويها كتب الجاحظ يرد كثير‬ ‫ال بوصف رج��ال بالحمق أو اللكنة‬ ‫منها متص ً‬ ‫أو العي أو غير ذل��ك‪ ،‬وليس باألمر النادر عند‬

‫الجاحظ أن يورد لبعض النساء في ذم أزواجهن‬ ‫قوالً ساخراً يتصل بالجسد»‪.‬‬ ‫***‬ ‫ولئن ك��ان وق��وف المانع ضد التعميم قرين‬

‫الرجال الشجعان –مثالً‪ -‬وتهالكهم مقبوالً منهم رغ �ب �ت �ه��ا ف ��ي االن��ع��ت��اق ب��ات �ج��اه ال �م �ع��رف��ي في‬ ‫في الغزل‪ .‬وكما تختلف سياقات القول تختلف دراساتها النقدية النسوية‪ ،‬فإن الكشف لصور‬

‫‪44‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ‬


‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫وت��أوي��ل ع�ب��دال�ل��ه الغذامي‬ ‫التعميم ي�ج��اوز لديها تحاشي‬ ‫ل�ل�م�ث��ل ال��م��ت��داول ح��دي �ث �اً في‬ ‫التقويم واإليديولوجيا ويجاوز‬ ‫نجد “البنت ما لها إال الستر‬ ‫االستقراء الناقص إلى التأويل‬ ‫أو القبر” وآلخ��ر م �ت��داول في‬ ‫ال��م��ت��ع��س��ف‪ ،‬أو م� ��ا يسميه‬ ‫ال �ح �ج��از “البنت ل �ل �ج��وز وال‬ ‫أمبرتو إي�ك��و ال�ت��أوي��ل المفرط‬ ‫للقوز” ب��أن �ه �م��ا ي � ��دالن على‬ ‫‪ .Overinterpretation‬ومن أمثلة‬ ‫أن البنت ع��ورة ال ب��د لها من‬ ‫ذلك وقوفها على تأويل ميجان‬ ‫الستر‪ ،‬وهذا الستر يتحدد إما‬ ‫الرويلي لقول أخت لقمان‪“ :‬إني‬ ‫بالزوج أو بالقبر‪ .‬فالمانع ترى‬ ‫ام��رأة محمقة‪ ”...‬الذي يورده‬ ‫د‪ .‬ميجان رويلي‬ ‫أن النظر في صيغة المثلين ال‬ ‫في مقالته “الحيوان بين المرأة‬ ‫والبيان” مستدالً به على أن هذه المرأة تتصف يجعل أحدهما يطابق اآلخ��ر ف��األول يستخدم‬ ‫ال إي��اه على إي��راد الجاحظ له‪ ،‬لفظ “الستر” وللستر دالالت كثيرة وال يقتصر‬ ‫بالحمق‪ ،‬ومحي ً‬ ‫ضمن ما يورد من مقوالت مصنفة لدى الرويلي على الكناية عن الزوج‪ ،‬وكلمة “القبر” تؤكد فكرة‬ ‫بما يسلب المرأة البيان ويحصر وظيفتها في “الستر” أكثر مما تعبر ع��ن الرغبة ف��ي موت‬ ‫الجنس‪ .‬لكن المعنى لدى سعاد المانع مختلف البنت‪ ،‬مثلما ترد في بيت أبي فراس “لنا الصدر‬ ‫“فالمحمق هنا معناها من يولد لها أوالد حمقى‪ ،‬دون العالمين أو القبر” لتؤكد ض��رورة حصول‬ ‫وقد كان زوج أخت لقمان محمقاً كما تذكر هذه الصدارة‪.‬‬ ‫األسطورة‪ ،‬فهو سبب حمق األوالد‪ ،‬ولو كانت هي‬ ‫***‬ ‫الحمقاء أو هي سبب حمق األوالد لما أمَّلت أن‬ ‫وف ��ي م�ق��اب��ل األش��ع��ار واألم� �ث ��ال والقصص‬ ‫يأتيها ولد نجيب مثل لقمان”‪.‬‬ ‫وال�م��واق��ف واآلراء ال�ت��ي تنتقص –في التراث‬ ‫ومثل ذلك تأويل ميجان الرويلي في مقالته ال�ع��رب��ي اإلس�لام��ي‪ -‬م��ن ك�ف��اءة ال �م��رأة العقلية‬ ‫نفسها لوصية ضرار بن عمرو الضبي البنته عند والبيانية والسلوكية واألخالقية والعملية‪ ،‬وتصل‬ ‫زواجها‪“ :‬يا بنية أمسكي عليك الفضلين‪ ،‬قالت بين قيمتها وبين جسدها‪ ،‬وبين ال�خ��وف منها‬ ‫وما الفضلين؟ قال‪ :‬فضل الغلمة وفضل الكالم”‪ .‬وبين الخوف عليها‪ ،‬وبينها وبين العار والغواية‬ ‫فليس في هذه الوصية من وجهة نظر المانع أي والخيانة‪ ...‬إلخ‪ .‬تحشد الدكتورة المانع عديداً‬ ‫تمييز ض��دي للمرأة يسلبها البيان ويحصرها م��ن األش �ع��ار والقصص وال�م�ق��والت والمواقف‬ ‫ف��ي الجنس‪ ،‬ألن “معنى الفضل هنا ليس هو التي تدلل على ضد ذلك‪ .‬فهناك أشعار تنسب‬ ‫المعنى المتداول للكلمة‪ ،‬ولكن معناها الفائض الشخص إلى أمه في معرض المدح أو الفخر‪،‬‬ ‫من الشيء أو الزائد‪ .‬والزائد من هذين األمرين وأخ��رى تشف عن عاطفة حميمة في التحاور‬ ‫هو ما يوصي هذا األب ابنته بتركه‪ .‬ومثل هذه مع االبنة أو الزوجة‪ ،‬واعتزاز الفارس بإرضائه‬ ‫الوصية تقدم لرجل”‪.‬‬ ‫للنساء‪ ،‬وجدل الشاعر مع العاذالت الذي ينم عن‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ ‪45‬‬


‫ال للدحض‪.‬‬ ‫وج��ود المرأة القوي وصراعه معها في الرأي‪ ،‬األولى للهجرة من تلك المقوالت قاب ً‬ ‫وتر ُّد ُد أسماء نساء كن يسهمن في الحروب كما وم�ث��ال ذل��ك العبارة التي ي��ورده��ا الجاحظ في‬ ‫يرد عن نساء الخوارج‪ ،‬وذكر وفود نساء كبيرات سياق تربية البنات غير منسوبة إلى أحد‪“ :‬كأن‬ ‫ف��ي ال�س��ن يقدمن على م�ع��اوي��ة أو يستدعيهن يقال ال تعلموا بناتكم الكتابة‪ ،‬وال ترووهن الشعر‪،‬‬ ‫ه��و‪ ،‬ون�س�ب��ة خ�ط��ب أث �ن��اء ب�ع��ض ال �م �ع��ارك بين وعلموهن القرآن‪ ،‬ومن القرآن سورة النور»‪ .‬فهذه‬

‫علي ومعاوية للنساء‪ .‬وإلى ذلك فقصص العرب العبارة –فيما ترى المانع‪ -‬تشير إلى أن تعليم‬

‫القديم حافل بقصص تبدو المرأة فيها وثيقة البنات الكتابة ورواية الشعر كان أمراً متاحاً‪ ،‬وإال‬ ‫الصلة بحياة الجماعة‪ ،‬وتشير إلى تمتع المرأة لما جاء النهي عنه‪.‬‬

‫بالعقل والبراعة في العمل أو البيان‪.‬‬

‫وحتى الحديث عن «وأد البنات» الذي يَن ِْسب‬

‫وي��أت��ي ال �ت��أوي��ل ال�ت��اري�خ��ي واح� ��داً م��ن أبرز في القرآن الكريم وفي كتب التفسير والتاريخ‬

‫مستندات سعاد المانع في قراءة الموقف الثقافي ممارسة غاية في الداللة على حقارة المرأة عند‬

‫من المرأة في التراث العربي‪ .‬وهو تأويل ال ينفصل بعض العرب في الجاهلية‪ ،‬تأخذ عند المانع‬ ‫لا يبرِّئها م��ن ال��دالل��ة على ت�ص��ور المرأة‬ ‫ع��ن التأويل السياقي ال��ذي يحيل الملفوظات ت��أوي� ً‬

‫إل��ى دائ��رة مقامية خارجية أوس��ع من الملفوظ العورة‪ ،‬وتستعين بكتب تفسير القرآن الكريم في‬ ‫نفسه‪ ،‬وال ينفصل عن ما يطبع صفة المرأة في ذك��ر أن ال��وأد ك��ان يحدث بسبب الفقر وخشية‬

‫المقوالت بما يقسمها بين نقيضين أحدهما ضد العيلة‪ .‬أما ما يرد في بعضها من اإلش��ارة إلى‬ ‫المرأة واآلخ��ر معها‪ ،‬وأحدهما متحيز واآلخر خشية العار فإنه يرد فيها على أنه احتمال آخر‬

‫محايد أو ع��ادل‪ .‬وأول مظهر للتأويل التاريخي وليس على أنه أمر مقطوع به‪ ،‬بدليل قبولهم فداء‬ ‫هنا‪ ،‬هو نسبة الملفوظات الواصفة للمرأة إلى الموءودات كما في فخر الفرزدق بصنيع جدِّ ه‪.‬‬

‫زمنها التاريخي‪ ،‬وهي نسبة تستند إلى فرضية‬

‫أما السبب التاريخي ال��ذي تعزو إليه سعاد‬

‫تحل مشكل التناقض والتعارض في الموقف من ال�م��ان��ع ب ��روز التحيز ض��د ال �م��رأة ف��ي التراث‬ ‫المرأة‪ ،‬وملخصها أن التحيز ضد المرأة حادث العربي‪ ،‬واالنتقاص منها‪ ،‬وتصورها عورة‪ ...‬الخ‪،‬‬

‫ف��ي ال �ت��راث العربي وليس ق��دي�م�اً‪ ،‬وواف��د على فهو تعرض فكرة الصون والغيرة على المرأة للغلو‬ ‫ال فيها‪.‬‬ ‫الثقافة العربية وليس أصي ً‬ ‫والمبالغة بعد القرن الثاني الهجري‪ ،‬حتى شمل‬ ‫وبالطبع‪ ،‬ف��إن هناك م�ق��والت مهينة للمرأة عدم ذكر أسماء النساء النبيالت في الرسائل‪،‬‬

‫ال سبيل إلى تعيين زمنها‪ ،‬وأخ��رى منسوبة إلى وظهرت إشارات في الشعر إلى الرغبة في موت‬

‫العصور القديمة في تاريخ التراث العربي‪ ،‬أي البنت وعده نعمة بسبب الغيرة والحمية وخشية‬ ‫إلى الجاهلية أو صدر اإلسالم‪ .‬وفي ضوء تلك العار (أمثلة من البحتري وكشاجم وابن زيدون)‪،‬‬

‫الفرضية يبدو غير المنسوب إل��ى زم��ن بعينه وتالشى ذك��ر المرأة في الشعر في غير الغزل‬ ‫من تلك المقوالت متأخر تاريخياً‪ ،‬كما يبدو ما والرثاء‪ .‬وقد كان تطور المجتمع وكثرة الجواري‬

‫يُنسَ ب إلى الجاهلية وحوالي المئة وخمسين عاماً وأب�ن��اء اإلم��اء م��ن ذوي ال�س��ؤدد والمكانة قرين‬

‫‪46‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ‬


‫***‬ ‫ولم تجد المانع في الفكرة‬ ‫المتداولة في النقد النسوي عن‬ ‫تحيز اللغة ضد المرأة ما يقنع‪،‬‬ ‫فالمظاهر اللغوية الموصوفة‬ ‫في دائ��رة ذل��ك التحيز ال تبرأ‬ ‫م ��ن ال��ق��ص��ور ال � ��ذي ينتقص‬ ‫م��ا ي��راد لها أن تبرهن عليه‪.‬‬ ‫ف��ال �ق��ول –مثالً‪ -‬ب ��أن األصل‬ ‫ف��ي اللغة التذكير ال التأنيث‪،‬‬ ‫فيما تفصح ع��ن ذل��ك مقولة‬ ‫اب��ن جني‪ ،‬ال يصح االستدالل‬ ‫ب��ه ف��ي معنى ال��ذك��ر الحقيقي‬ ‫المقابل لألنثى‪ ،‬وإنما هو كما‬ ‫قال سيبويه إشارة إلى المبهم‪،‬‬ ‫إل ��ى «ال� �ش ��يء»‪ ،‬وال��ش��يء يدل‬ ‫على الذكر واألنثى‪ .‬أما مظهر‬ ‫ج �م��ع ال �م��ذك��ر ال �س��ال��م الذي‬ ‫ي�ح��رم على ال �م��رأة وع�ل��ى غير‬ ‫العاقل والحيوان الدخول إليه‪،‬‬ ‫وتخصيصه بالمذكر العاقل‪،‬‬ ‫ف��إن بعض أس�م��اء ال��ذك��ور مثل‬ ‫طلحة وأس��ام��ة‪ ...‬ال��خ يستوون‬ ‫م��ع ال �م��رأة ف��ي ت�ح��ري��م صيغة‬ ‫جمع ال�م��ذك��ر ال�س��ال��م عليهم‪.‬‬ ‫وم �ث��ل ذل ��ك ع ��دم إل �ح��اق «تاء‬ ‫ال�ت��أن�ي��ث» بمثل كلمة «عاقر»‬

‫محمد نور أفايه‬

‫عبدالله الغذامي‬

‫محمد براده‬

‫رشيدة بن مسعود‬

‫ول�ه��ذا تستنكر سعاد المانع‬ ‫ما يذهب إليه محمد نور أفاية‬ ‫وعبد الله الغذامي ومحمد برادة‬ ‫ورشيدة بن مسعود من البحث عن‬ ‫لغة مؤنثة والدعوة إلى تخليص‬ ‫ال�ل�غ��ة م��ن ذك��وري�ت�ه��ا التاريخية‬ ‫وت ��أن� �ي ��ث ال � ��ذاك � ��رة ب� �ن ��اء على‬ ‫افتراض خصائص لغوية مرتبطة‬ ‫ب�ط�ب�ي�ع��ة ال� �م ��رأة البيولوجية‪.‬‬ ‫فاللغة المؤنثة على ه��ذا النحو‬ ‫ليست ل��دى ال�م��ان��ع س��وى فكرة‬ ‫م�ب�ه�م��ة غ��ام �ض��ة ال ت �ش��ف عن‬ ‫ت�ح��دي��د للصفة ال�ت��ي ت�ك��ون بها‬ ‫سمات اللغة األنثوية المفترقة‬ ‫عما يمكن أن نصفه بلغة ذكورية‪.‬‬ ‫أم��ا خصوصية الكتابة النسوية‬ ‫ع �ن��د ال �م��ان��ع ف��إن �ه��ا ن��اب �ع��ة من‬ ‫خصوصية وضعها االجتماعي‬ ‫واخ �ت�لاف ظ��روف�ه��ا‪ ،‬وتظهر في‬ ‫اختيار موضوعات الكتابة وفي‬ ‫ال��رؤي��ة للعالم وللنفس البشرية‬ ‫م��ن وج�ه��ة ام ��رأة‪ .‬وت�ج��د المانع‬ ‫في تصورات اللغة األنثوية‪ ،‬في‬ ‫النقد النسوي العربي‪ ،‬من زاوية‬ ‫االخ �ت�لاف ال�ب�ي��ول��وج��ي للمرأة‪،‬‬ ‫موقفاً تقليدياً يتبنى حرفياً ما‬ ‫ط��رح�ت��ه ال �ن��اق��دت��ان النسويتان‬ ‫لويس أري �ق��اري وهيلين سكسو‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫دخ��ول م��ؤث��رات ثقافية أجنبية‬ ‫فارسية ويهودية وغيرهما‪ ،‬في‬ ‫تعليل المانع لما اعتور صورة‬ ‫ال� �م ��رأة ث �ق��اف �ي �اً م ��ن السلبية‬ ‫واالنتقاص والعار‪.‬‬

‫ال��ذي رأت فيه إح��دى الناقدات‬ ‫مظهراً لتمييز اللغة ضد المرأة‪،‬‬ ‫فاللغة العربية تجعل الصفة من‬ ‫بعض الصيغ (مثل عاقر) مشتركة‬ ‫بين األنثى والذكر‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ ‪47‬‬


‫دونما مناقشة أو تمحيص‪ ،‬أو خلوص إلى نتيجة موقف المانع المعرفي في الترامي إلى ما ينهض‬ ‫واضحة ومحددة وذات عموم‪.‬‬ ‫بالمنهجية النقدية ويحررها معرفياً‪ ،‬وبخاصة في‬ ‫جهة التحاشي للموقف اإليديولوجي الذي تغدو‬ ‫***‬ ‫فيه األفكار سلطة مهيمنة تحول دون االكتشاف‬ ‫وإذا اختلفنا م��ع بعض أط��روح��ات الدكتورة‬ ‫المتجدد وتغيير القناعات بفعل البحث‪.‬‬ ‫سعاد المانع‪ ،‬فإننا لن نختلف معها حول مقاومتها‬ ‫وال تختلف ع��ن ذل��ك التفاتة س�ع��اد المانع‬ ‫للتعميم واالس �ت �ق��راء ال�ن��اق��ص‪ ،‬ونقدها للتأويل‬ ‫المتعسف‪ .‬وسنقف م��وق��ف اإلع �ج��اب بشهيتها إل��ى اختالف الثقافات‪ ،‬ال��ذي يحيل على صور‬ ‫المعرفية‪ ،‬ال�ت��ي أنتجت حماسها واصطبارها مختلفة للمرأة ودرج��ات متفاوتة من الكراهية‬ ‫وانكبابها في وجهة التقصي لمساحة غير يسيرة لها وغمط حقوقها‪ .‬إنه اختالف بين المجتمعات‬ ‫من المدونة الثقافية العربية القديمة‪ ،‬وعديد وبين العصور وحتى بين أفراد الناس‪ .‬وأتصور أن‬ ‫من مدونات الشعر والقصة الحديثة ومرجعيات االلتفات إلى اختالف الثقافات والمجتمعات في‬ ‫النقد والنظرية‪ .‬وال يتخلف عن هذا الموقف ما الموقف من المرأة هو الوجه اآلخر لما تتضمنه‬ ‫نراه بشأن تضافر دراسة صورة المرأة لديها‪ ،‬مع النظرية النسوية وال�ح��رك��ات النسوية نفسها‪،‬‬ ‫جهدها في قراءة أدب المرأة ومنتجاتها اإلبداعية‪ ،‬من اختالف وت�ن��وع‪ ،‬على الرغم من اجتماعها‬ ‫وه��و التضافر ال��ذي استلزم الجدل والمراجعة ح ��ول رف ��ض ال�ه�ي�م�ن��ة ال��ذك��وري��ة ع �ل��ى المرأة‬ ‫وال�ن�ق��د ل�لأط��روح��ات النقدية النسوية بوصف وتهميشها‪ .‬وهو لدى سعاد المانع وجه متصل‬ ‫هذا النوع من الجهد عبئاً إبستمولوجياً لتحرير برفضها لهيمنة أط��روح��ات النظرية النقدية‬ ‫الموقف المعرفي للفاعل النقدي وبلورة قناعاته الغربية واالنقياد إليها من دون تمحيص‪ ،‬لكنه‬ ‫–أيضاً‪ -‬وجه للداللة على أن ما ينتجه الوعي‬ ‫ال إلنتاج معرفة بالنقد والنظرية‪.‬‬ ‫التي تغدو فع ً‬ ‫النسوي من وعي إيجابي تجاه المرأة سيؤدي إلى‬ ‫ومثل ه��ذا اإلعجاب سيتضاعف لدينا أمام‬ ‫التغيير الثقافي والتصحيح للتصورات السلبية؛‬ ‫موقفها النقدي تجاه التبني عربياً للمقوالت‬ ‫فاختالف الثقافات في تجاورها المكاني‪ ،‬مثل‬ ‫النقدية النسوية الغربية من دون مناقشة‪ .‬وهي‬ ‫اختالفها في تعاقبها الزمني‪ ،‬دليل على الحدوث‬ ‫وج�ه��ة ترينا ت �ض��اؤل بعض ال�م�ق��والت النقدية‬ ‫والتجدد والتغيير تماماً كما االختالف والتنوُّع‪.‬‬ ‫العربية ذات البريق والوهج بإعادتها إلى مصادرها‬ ‫وبالطبع‪ ،‬فإن هذه الوجوه القمينة بالتقدير‬ ‫الغربية التي يكتنفها في سياقها جدل لم تفد‬ ‫منه –لألسف‪ -‬الممارسة النقدية العربية‪ ،‬ألنها في جهد سعاد المانع النقدي النسوي‪ ،‬ترافق‬ ‫لم تتمرس على المعرفة بحسبانها ناتج الجدل بعض األط��روح��ات‪ ،‬وما استندت إليه أو نتجت‬ ‫وال�م�ط��ارح��ة وف�ع��ل ال �م �ح��اورة ال�ن�ق��دي��ة‪ ،‬فظلت عنه منهجياً‪ ،‬مما يقبل الجدل واالعتراض ويبعث‬ ‫عاجزة عن إنتاج المعرفة النظرية والمنهجية على االختالف معها‪ .‬لكن المساحة المتاحة هنا‬ ‫النقدية‪ ،‬ومستسلمة –فقط‪ -‬لمتابعتها ونقلها‪ .‬وال لن تسعف باستكمال هذه المهمة‪ ،‬لذلك نكتفي‬ ‫ينفصل هذا الموقف النقدي الستعارة المقوالت بهذا القدر على أمل أن تجد هذه المقالة فرصتها‬ ‫ال إن شاء الله‪.‬‬ ‫النقدية وتبنيها من دون فهم أو تمييز عن جملة كاملة للنشر مستقب ً‬

‫‪48‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ‬


‫> د‪ .‬عماد علي اخلطيب‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫الترسيمات التحليلية في النقد التطبيقي‬

‫ظهرت الترسيمات التحليلية في كتب التحليل النقدي الحديث‪ ،‬و ُأخ��ذ على طريق التحليل‬ ‫بالبنيوية كثرة ما تحويه من رسومات ومعادالت‪ .‬وما يعنيه المؤلف بالرسم هو ذاك التحليل أو‬ ‫التفسير للمجمل والمركب والمولد من الصور والمعاني في النص‪ ،‬فيتحول المعنى في تلك‬ ‫الكثافة النصية من معنى متشعب – قد يكون غامضا على القارئ السريع ‪ -‬إلى معنى متسلسل‬ ‫يدور حول جزء واحد هو الصورة الكلية في الشعر أو عنصر السرد في النثر‪ ،‬الذي كان من المفترض‬ ‫على القارئ اكتشافه‪.‬‬ ‫وتأتي لفظة (يرسم الشاعر) بين ثنايا النقد التطبيقي الذي يتقنه النقاد‪ ،‬وبنظرة فاحصة‪ ،‬فإنه‬ ‫(لفظا) إلى لوحة مرسومة (شكال) فتختصر المسافات‪ ،‬وقد‬ ‫يمكن تحويل اللوحة المرسومة عندهم ً‬ ‫نكتشف خالل اللوحة المرسومة معنى لم يكن ظاهرً ا!‬ ‫وي� �م� �ك ��ن م�ل�اح� �ظ ��ة الترسيمات‬ ‫التحليلية عند (أن���درس ه��ام��وري)‬ ‫(‪ )1‬ال��ذي ت�ن��اول ف��ي كتابه (مدائح‬ ‫ال�م�ت�ن�ب��ي ل�س�ي��ف ال ��دول ��ة) تحليل‬ ‫القصائد التي تحتوي على وصف‬ ‫ق �ص��ص االش��ت��ب��اك��ات العسكرية‬ ‫وال �ح �م�لات ال�م�ص��اح�ب��ة ل �ه��ا‪ ،‬وحلل‬ ‫النص شهير المطلع‪:‬‬ ‫����ل ال���ع���زمِ ت��أت��ي العزائمُ‬ ‫عَ ��ل��ى ق����درِ أه ِ‬ ‫وت����أت����ي ع���ل���ى ق������درِ ال�����ك�����رامِ ال���م���ك���ارمُ‬

‫ف�ي�ق��ول وق ��د ان�ت�ق�ل��ت ال�ق�ص�ي��دة في‬ ‫النصف الثاني من النسيب مباشرة‬ ‫إل���ى ال��م��وض��وع وك� ��ان ذل���ك مرتبا‬ ‫ترتيبا زمنيا‪ ...‬وجعل أطراف الرماح‬ ‫تتثنى ومرنة‪ ،‬وجعلهم يرجون الظفر‬ ‫بالخيل لكن هم لم يظفروا به ولكن‬ ‫كان رجلهم عدائيًا مولعًا بالحرب‪...‬أما‬ ‫في بعض الحاالت فيكتفي بإشارة وتلويح‬ ‫للمغزى األساسي للقصيدة ب��دال من الملخص‪،‬‬ ‫فقد تكون تركيبة مثل هذه القصائد هكذا‪:‬‬

‫النس ـ ـيـ ــب‬ ‫التأملفي‬ ‫ح���ق���ائ���ق‬ ‫األش����ي����اء‬ ‫والحكـ ـ ــم‬ ‫ع����ل����ي����ه����ا‬

‫ال����م����دح‬ ‫ال������ع������ام‬

‫الملخص‬ ‫إشارة إلى‬ ‫المغ ـ ــزى‬

‫ف��ع��ل في‬ ‫ب������داي������ة‬ ‫ال����ب����ي����ت‬

‫وص����������ف‬ ‫ا لمعر كة‬ ‫(القصة)‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ ‪49‬‬


‫وقد ربط أحمد عزوز ظهور رسومات التحليل‬ ‫من خالل وجود إرهاصات لنظرية الحقول الداللية‬ ‫في التراث العربي‪ ،‬مثل بعض الرسائل التي عمدت‬ ‫إلى التصنيف الصرفي‪ ،‬ونالحظ رسم عزوز شجرة‬ ‫ال��دالالت عند الثعالبي في تحليله قوله عن ألوان‬ ‫اإلبل‪« :‬إذا لم يخالط حمرةَ البعير شيء فهو أحمر‪،‬‬ ‫ف��إن خالطها ال �س��وا ُد فهو أرم��ك‪ ،‬ف��إن ك��ان أسود‬ ‫بياض كدخان الرمت فهو أورق‪.»...‬‬ ‫ُ‬ ‫يخالط سوادَه‬ ‫ويوافق عزوز عز الدين إسماعيل‪ ،‬وإبراهيم أنيس‪،‬‬ ‫والمثال الثاني من محمد بريري‪ ،‬في «الملكة‬ ‫(‪)2‬‬ ‫ف��ي إش��ارات��ه ال�ن�ق��دي��ة ‪ .‬ث��م ي��رس��م الشكل اآلتي الشعرية والتفاعل النصي‪ ،‬دراس��ة تطبيقية على‬ ‫ليوضح ما سبق‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫شعر الهذليين» إذ دعّ م رأيه المعارض لكمال أبي‬ ‫أحمر‬ ‫ديب بشكل توضيحي يمثل العينية من حيث بنيتها‬ ‫أرمك‬ ‫العميقة‪ .‬ورسم الشكل التالي‪:‬‬ ‫أورق‬ ‫جون‬ ‫حقل داللي‬ ‫آدم‬ ‫أصهب‬ ‫أل��وان اإلبل‬ ‫أميس‬ ‫أحوى‬ ‫أكلف‬ ‫للنقد التطبيقي عند بعض النقاد العرب المحدثين‬ ‫في أواخر القرن العشرين‪ ،‬ووصفه بعنوان «أدبيات‬ ‫غموض النص النقدي»‪ ،‬ونسب ذلك الغموض إلى‬ ‫علمنة النقد‪ ،‬وضرب أبو عايشة أمثلة من عبدالسالم‬ ‫المسدي في بحثه «التضافر األسلوبي وإبداعية‬ ‫الشعر»‪ ،‬وه��ي سلسلة م��ن العناصر الجبرية في‬ ‫معادلة متعددة المجاهيل أ×ب×ج×د‪( ،....‬أب‪+‬ب‬ ‫جـ‪+‬جـ د)×(دب‪+‬ب أ ‪ +‬أ جـ)‪.‬‬

‫وق��د ظ�ه��رت الترسيمات وان�ت�ش��رت م��ع ظهور‬ ‫األثر اللساني في الدراسات األدبية‪ ،‬وهو ما درسه‬ ‫حسن مسكين من خالل مقاله (األثر اللساني في‬ ‫الدراسات األدب�ي��ة)(‪ ،)2‬كما درس رامي أبو عايشة‬ ‫نمطً ا من أنماط الترسيمات التحليلية المرافقة‬

‫‪50‬‬

‫نموذج كمال أبو ديب‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ‬

‫وي �ت �س��اءل أب ��و ع��اي�ش��ة ع�م��ا ي��دل��ل ع�ل��ى بنية‬ ‫القصيدة العميقة إذا اتصلت بمثلثين متداخلين‬ ‫يحتوي األول خ�ط��وط�اً طولية واآلخ ��ر خطوطاً‬ ‫ال‬ ‫عرضية‪ ،‬وما الذي يدعوه أيضاً إلى أن يؤثر شك ً‬ ‫بيانياً جديداً غير الذي تبناه أبو ديب‪:‬‬

‫نموذج محمد بريري‬


‫وب �ع��د‪ ،‬ف �م��ا األن� �م ��اط ال �ت��ي جلبتها تجربة‬ ‫الترسيمات التحليلية في النقد التطبيقي عند‬ ‫العرب المحدثين للنص قديمه وحديثه؟ إنها كما‬ ‫يرى مؤلف المقال‪:‬‬

‫‪ -1‬الترسيمة المتممة‬ ‫لنقد النص وتحليله‪.‬‬

‫وهو ذاك الترسيم الذي يلخص ما تم نقده‪،‬‬ ‫وكأن شيئا ما يزال يحيك في قلب الناقد فيرسم‬ ‫ل��زوال��ه‪ ،‬فيطمئن بما ق��د رس��م ب��أن فكرته قد‬ ‫وصلت‪ .‬ومن ذلك‪ ،‬ما صنعه عبدالقادر الرباعي‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫‪ -2‬الترسيمة الملخصة‬ ‫لنقد النص وتحليله‪.‬‬

‫ف��ي كتابه (ال �ص��ورة الفنية والنقد الشعري)‬

‫(‪)6‬‬

‫ومن ذلك‪ ،‬الترسيم الذي يشرح فكرة نقدية ؛فرسم العالقات المتشابكة لرغبة الشاعر في‬ ‫التخلي عن وكر الصقر وأرض األنا‪ ،‬والتحول إلى‬ ‫أو ظ��اه��رة‪ ،‬م�ث��ل ظ��اه��رة (ال�ع�ن��ون��ة ف��ي النص)‬ ‫مكان بعيد مجهول يبعث األلم في ظاهره‪:‬‬ ‫ويحتاج لرسمته في اإليجاز وفي االبتكار‪ ،‬وهو‬ ‫الذي يعنى به المقال‪ ،‬ومثاله كتاب عثمان بدري‪:‬‬ ‫دراسات تطبيقية في الشعر العربي نحو تأصيل‬

‫الوكر‬ ‫ج‬

‫منهج في النقد التطبيقي(‪ ،)4‬والرسم الذي أورده‬ ‫ه��و لمجموعة عناوين قصائد الشاعر مفدي‬ ‫زك��ري��ا ‪ 1977-1908‬شاعر ال�ث��ورة الجزائرية‪،‬‬ ‫وعالقتها بالعنوان األم للديوان كله‪ ،‬فرسم الرسم‬ ‫التالي(‪:)5‬‬

‫الصقر‬

‫األنا‬

‫الفضاء‬ ‫ب‬

‫أ‪ .‬الحمامة‬

‫اآلخر‬

‫‪ -3‬الترسيمة المتداخلة‬ ‫لنقد النص وتحليله‪.‬‬ ‫وقد ظهرت رسائل أكاديمية تتخذ من الرسم‬ ‫التحليلي أداة ف��ي نقدها التطبيقيّ ‪ ،‬وظهرت‬ ‫أك�ث��ر ال�ح��اج��ة ل�ل��رس��م ف��ي ال��رس��ائ��ل الجامعية‬ ‫التي تتحدث عن السرد المتداخل‪ ،‬أو الصور‬ ‫المتداخلة‪ ،‬فيسيطر عليها الباحث ويلخصها‬ ‫بالرسم‪ .‬وم��ن األمثلة المهمة في إظهار قدرة‬ ‫الرسم على اختصار المسافات النقدية رسالة‬ ‫(جماليات السرد وتقنياته في كتب مرايا األمراء‪:‬‬ ‫اب��ن المقفع واب��ن مظفر الصقلي نموذجً ا)(‪،)1‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ ‪51‬‬


‫ولقد ذكرت الباحثة في مستخلص الدراسة أنها‬

‫السيميائية) وقالت بأنها‪ :‬توضح للقارئ طريقة‬

‫تعتمد المنهج التحليلي في إعداد دراستها‪ ،‬وأنها تحليل ال�ن�ص��وص والشخصيات ف��ي الدراسة‬ ‫تريد المزاوجة بين الجانب التحليلي والنظري‬

‫السردية وكيف يتم من خاللها استخراج بعض‬

‫للوصول إلى هدف مؤلف هذه الحكايات الشعبية‬

‫عناصر وتقنيات ال�س��رد‪ ،‬ومما رسمته الشكل‬

‫ال �ق��دي �م��ة(‪ .)7‬واس�ت�خ��دم��ت الباحثة (المربعات‬

‫التالي‪:‬‬

‫النجاة ‪ +‬الحياة‬

‫الغدر والشك‬

‫الحذر‬ ‫الالهالك‬

‫الهالك والموت‬ ‫الحمق‬

‫الوفاء والثقة‬

‫الحمق‬

‫‪ -4‬ال���ت���رس���ي���م���ة األس����اس����ي����ة ف����ي ن���ق���د النص ‪ -5‬الترسيمة البديلة لنقد النص وتحليله‪.‬‬ ‫وتحليله‪.‬‬ ‫ال ي �ظ �ن��ن ظ� ��ان أن ك �ل �م��ة (ال� �ب ��دي ��ل) تعني‬ ‫وقد وجده الباحث متمثال في رسم موسيقا االستغناء عن النقد الكالمي لصالح الترسيمة‪،‬‬ ‫العروض‪ ،‬ومن ذلك ما صنعته في تحليلي لقصيدة‬ ‫فالرسم يستمد أساسه من النقد المكتوب‪ ،‬ولكن‬ ‫«علي بن جبلة العكوك» التي مطلعها‪:‬‬ ‫(البديل) تعني إظهار الكالم من خالل أشكال‬ ‫أَلِ ����دَّ ه����رِ َت��ب��ك��ي أَم عَ ��ل��ى ال��� َده���رِ تَجزَعُ‬ ‫الرسم‪ ،‬وهذا له هدفان‪:‬‬ ‫َ���ج���عُ‬ ‫أليّ�����������امِ إِ لاّ مُ ���ف َّ‬ ‫�����ب ا َ‬ ‫�����اح ُ‬ ‫َوم������ا ص ِ‬

‫ورسم في تحليله العروضي للقصيدة‪:‬‬

‫ تبيان أهمية الترسيمة التحليلية في النقد‬‫التطبيقي‪.‬‬ ‫ إظ �ه��ار م �ه��ارة الترسيمة التحليلية ف��ي نقد‬‫ال �ن��ص‪ ،‬وه��ي تمسك ب��زواي��ا فهمه وتوصل‬ ‫م�غ��زاه للقارئ‪ ،‬مثل م��ا صنعته ف��ي تحليلي‬ ‫ل�ق�ص�ي��دة م�ح�م��د خ �ض��ر ال �غ��ام��دي» صورة‬ ‫العائلة»(‪ )8‬فرسم الصورة المركزية في النص‬ ‫وتكراراتها‪:‬‬

‫‪52‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ‬


‫تحلقت‬ ‫حولها األسرة‬

‫الصورة‬

‫جمّ عت‬ ‫العائلة واهتموا‬ ‫بزخرفتها‬

‫كانت فيها‬ ‫األم تسيل حنانا واألبناء‬ ‫على حالتهم األولى ‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫أوجدت‬ ‫خالصة للماضي‬

‫وذكر نتيجة ما رسم بأن الصورة التي جمّدت الحياة في لحظتها‪ ،‬تبعث في الذكريات حياة جديدة‪،‬‬ ‫يحتاجها كل من له قلب‪.‬‬ ‫النص منشور في موقع‪http://www.ugaritemagazine.com/index.php?catid=1391&lang=ar :‬‬

‫محمد خضر الغامدي‪ :‬شاعر من المملكة العربية السعودية‪ ،‬ولد عام ‪1976‬م‪ ،‬وله‪:‬‬ ‫ مؤقتا تحت غيمة عام ‪2002‬م (أزمنة – عمان)‬‫ صندوق أقل من الضياع ‪2007‬م (فراديس – البحرين)‬‫ المشي بنصف سعادة ‪2008‬م (فردايس – البحرين)‬‫ تماما كما كنت أظن ‪2009‬م (التنوخي – المغرب)‪.‬‬‫وجزئية التحليل من كتاب عماد الخطيب‪ :‬الترسيمات التحليلية في النقد العربي الحديث – دراسة تطبيقية‪ ،‬دار األندلس‪،‬‬ ‫عمان‪2012،‬م‪.‬‬ ‫(‪ )1‬ترجم مؤلف المقال عن‪:‬‬ ‫‪Andras Hamri: The Composion of Mutanabbis Panegyrics to Sayf Al-Dawla, E.J.Brill, Leiden,‬‬ ‫‪New York, 1992, Chapter Two.‬‬

‫(‪ ) 2‬أحمد عزوز‪ :‬أصول تراثية في نظرية الحقول الداللية‪ ،‬اتحاد الكتاب العرب‪ ،‬دمشق‪2002 ،‬م‪ ،‬ص ‪ .31 – 30‬واإلشارة‬ ‫ الثعالبي‪ ،‬أبو منصور عبدالملك بن محمد بن إسماعيل‪ :‬فقه اللغة وأسرار العربية‪ ،‬منشورات دار مكتبة الحياة‪،‬‬‫بيروت‪ ،‬د‪ .‬ت‪ ،‬ص ‪ ،540‬وعز الدين إسماعيل‪ :‬المصادر األدبية واللغوية في التراث العربي‪ ،‬دار النهضة العربية للطباعة‬ ‫والنشر‪ ،‬بيروت‪ ،‬د‪ .‬ت‪ ،‬ص ‪ .304‬وإبراهيم أنيس‪ :‬داللة األلفاظ‪ ،‬مكتبة األنجلو المصرية‪ ،‬ط‪1972 ،3‬م‪ ،‬ص ‪.230‬‬ ‫(‪ )3‬حسن مسكين‪ :‬األثر اللساني في الدراسات األدبية‪ ،‬العدد ‪ 58‬من موقع‪:‬‬ ‫(‪ )4‬‬ ‫(‪) 5‬‬ ‫(‪ )6‬‬ ‫(‪ )7‬‬ ‫(‪ )8‬‬

‫‪http://www.aljabriabed.net/n58_06miskin.htm‬‬

‫درس هذا النمط ورفضه رامي علي أحمد أبو عايشة‪ ،‬اتجاهات الدرس األسلوبي في مجلة فصول (‪2005 – 1980‬م)‪،‬‬ ‫رسالة ماجستير‪ ،‬الجامعة الهاشمية‪ /‬األردن‪ ،‬كانون أول‪2008 ،‬م‪ ،‬ص ‪.229 -218‬‬ ‫عثمان بدري‪ :‬دراسات تطبيقية في الشعر العربي نحو تأصيل منهج في النقد التطبيقي‪ ،‬دار ثالة‪ ،‬الجزائر‪2009 ،‬م‪.‬‬ ‫السابق‪ :‬الفصل الرابع‪ .‬ونختلف مع الشاعر في ض��رورة عدم عنونة قصائده بما يخص (الله) تعالى من صفات‬ ‫وينسبها لغيرها سبحانه وتعالى‪ ،‬مثل (جل جالله) و(جاللك)‪ .‬وغيرهما‪.‬‬ ‫عبدالقادر الرباعي‪ :‬الصورة الفنية في النقد الشعري‪ ،‬دار مكتبة الكتاني للنشر والتوزيع‪،‬األردن‪1995،‬م‪ .‬ص ‪ ،199‬وص‬ ‫‪.247‬‬ ‫ريما بنت محمد رياض الميداني‪ :‬جماليات السرد وتقنياته في كتب مرايا األمراء‪ :‬ابن المقفع وابن مظفر الصقلي‬ ‫نموذجً ا‪ ،‬رسالة ماجستير‪ ،‬قسم اللغة العربية وآدابها‪ ،‬كلية اآلداب‪ ،‬عمادة الدراسات العليا‪ ،‬جامعة الملك سعود‪،‬‬ ‫‪1482‬هـ‪2007 ،‬م‪ .‬وقد درست كتابي كليلة ودمنة‪ ،‬البن المقفع‪ ،‬وسلوان المطاع في عدوان األتباع‪ ،‬البن ظفر الصقلي‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ ‪53‬‬


‫النقد األدبي خارج األكادميية‬ ‫> عبدالله السمطي*‬

‫يعرّف «وليم راي» ال��ق��راءة النقدية بأنها‪« :‬دم��ج الوعي‬ ‫بمجرى ال��ن��ص»‪ ..‬وه��و يومىء إل��ى ه��ذه ال��ق��راءة النقدية‬ ‫التي يتماهى فيها وعي الناقد مع النص اإلبداعي‪ ،‬هذا‬ ‫التماهي ال يكتمل إال بإخالص الناقد للنص‪ ،‬وانصراف‬ ‫وعيه كلية في ق��راءت��ه‪ ،‬حتى يتسنى له إض��اءة مكامنه‪،‬‬ ‫والوقوف على جواهره‪ ،‬وإيماضاته المشعة جماليا ودالليا‬ ‫وتأويليا‪.‬‬ ‫إن فعل القراءة النقدية ينبني –حقيقة األمر‪ -‬على هذا التقاطع الذي يحدث بين‬ ‫الناقد بذوقه‪ ،‬وخبرته الجمالية في معايشة النصوص اإلبداعية‪ ،‬ورؤيته التي تسعى‬ ‫لالقتراب من العالم اإلبداعي بمختلف أجناسه األدبية‪ .‬إن الناقد القريب من النص‪،‬‬ ‫القريب من عالم المبدعين أنفسهم‪ ،‬المطلع على سيرهم الذاتية وسيرهم الفنية‪ .‬هو‬ ‫الناقد األقرب إلى قراءة النص‪ ،‬وإبانة مكامنه‪ ،‬وتقديمه للقارىء العام عبر صور متعددة‬ ‫من القراءة‪ ،‬سواء ذهب إلى القراءة النصية‪ ،‬أم التحليلية أم الجمالية والسيميائية‬ ‫والتأويلية والظاهراتية‪ .‬إن الناقد هو مبتكر نصوص‪ .‬الناقد صديق النص والمبدع‬ ‫معا‪ .‬وهذه الصداقة تتطلب أال يكون الناقد مجرد ضيف عابر على النص اإلبداعي‪ ،‬بل‬ ‫عليه أن يكون بمثابة المقيم الدائم في النص وفي حيوات المبدعين الذين يعبرون على‬ ‫أسئلته‪ ،‬وتأمالته وتشوفاته الناقدة‪.‬‬ ‫في ظل هذا الوعي يتسنى لنا القول‪ :‬إن‬

‫الجمالية للناقد أم��ر ف��ي غ��اي��ة األهمية‬

‫العملية النقدية تتطلب قدرا من المعرفة‪ ،‬والخطورة ألن ه��ذه الذائقة ما لم تتحلَّ‬ ‫وق ��درا أك�ب��ر م��ن ال �ت��ذوق الفني‪ .‬الذائقة‬

‫‪54‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ‬

‫بتجربة واثقة مع ال�ق��راءة‪ ،‬والتعرف على‬


‫النقدية سيكون أم��را بالغ الوعورة إذا ما علمنا أن النصوص‬ ‫اإلب��داع �ي��ة ليست ب��ال �ض��رورة ن�ص��وص��ا ط�ي�ع��ة‪ ،‬ق��اب�ل��ة للتلقي‬ ‫السطحي‪ ،‬بل هي نصوص رواغ��ة‪ ،‬عصية على القراءة األولى‪،‬‬ ‫أبية على الناقد الذي يقرأها بشكل آلي‪ ،‬أو وفق ما تمليه عليه‬ ‫النظرية‪.‬‬

‫المهاد المعرفي األولي‬ ‫وفق هذه المقدمة المبدئية‪ ،‬فإن قراءة النصوص اإلبداعية‬ ‫ال تعتمد بالضرورة على ما تطرحه األكاديمية من نظريات‪ ،‬أو‬ ‫مفاهيم‪ ،‬أو مصطلحات‪ .‬فهذه المنظومة من المعارف النقدية‬ ‫ليست السبيل الجوهري األوحد لمعايشة النصوص اإلبداعية‬ ‫وال�ت��وص��ل إل��ى م��ا تقوله م��ن دالالت أو تبوح ب��ه م��ن جماليات‬ ‫ورؤى‪.‬‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫قسمات المشهد اإلبداعي وتمرحالته فإن وصولها ألهدافها‬

‫النقدخارجاألكاديمية‬ ‫ال يمكن وصفه بالسلبية‬ ‫أو الرداءة بشكل مطلق‪،‬‬ ‫وال يمكن طرده من جنة‬ ‫النقد األدب��ي‪ ،‬بل إن ما‬ ‫ف��ي��ه م��ن ع��ن��اص��ر ورؤى‬ ‫ومواقف واستشرافات ما‬ ‫ال يمكن أن نعثر عليه‬ ‫في النقد األكاديمي‪.‬‬ ‫الناقد مبتكر نصوص‪،‬‬ ‫وه��������و ص�����دي�����ق ال���ن���ص‬ ‫وال����م����ب����دع م����ع����ا‪ ،‬وه����ذه‬ ‫الصداقة تتطلب أال يكون‬ ‫الناقد مجرد ضيف عابر‬ ‫على النص اإلبداعي‪.‬‬

‫إن هذه المنظومة تشكل المهاد المعرفي األولي الذي يؤسس‬ ‫عليه الناقد رؤيته الناقدة‪ ،‬وما لم يبتكر الناقد أسئلته الخاصة‪،‬‬ ‫ويتسم بذائقة نقدية على ق��در من االستبطان واالستشراف‬ ‫واالستقصاء النقدي لن تجدي معه تماما نظرياته التي اكتسبها‪،‬‬ ‫وال مفاهيمه التي درسها‪ ،‬وال مصطلحاته التي حفظها عن ظهر‬ ‫قلب‪.‬‬ ‫قد يكون الناقد في األكاديمية أكثر منهجية‪ ،‬وأكثر إلماما‬ ‫بالتحوالت النظرية‪ ،‬وأكثر فهما للمناهج النقدية المختلفة من‬

‫سلمى الجيوسي‬

‫الكالسيكية إلى المنهج التاريحي إلى العلمي إلى التكاملي وصوال‬ ‫إلى مناهج الحداثة وما بعدها‪ ،‬حيث البنيوية واألسلوبية وعلم‬ ‫النص‪ ،‬والهيرمنيوطيقا والنقد الظاهراتي (الفينومنيولوجي)‪،‬‬ ‫والتفكيك‪ ،‬وبعض اإلج��راءات المفاهيمية األخ��رى التي تتعلق‬ ‫بالتناص أو النقد االس�ت�ع��راض��ي‪ ،‬أو ال��دراس��ات الثقافية‪ ،‬أو‬ ‫الخطاب الكولونيالي وما بعده‪ ،‬أوالنسق والتنميط الذي يتوامض‬ ‫بين األنا واآلخر‪.‬‬

‫يمنى العيد‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ ‪55‬‬


‫قد يكون الناقد في األكاديمية كذلك‪ ،‬لكن ما‬ ‫قد يشو ّه عمل الناقد في األكاديمية أكثر األحيان‬ ‫أن ه��ذه المناهج والنظريات قد تشكل حجابا‬ ‫منهجيا – إذا جاز القول‪ -‬بينه والنص اإلبداعي‪،‬‬ ‫حيث يتوقع أن الناقد األكاديمي سوف يجنح إلى‬ ‫النظرية أكثر من جنوحه إلى قراءة النص وإلى‬

‫ما يشو ّه عمل الناقد في األكاديمية‬ ‫أك���ث���ر األح����ي����ان‪ ،‬أن ه����ذه المناهج‬ ‫والنظريات قد تشكل حجابا منهجيا‬ ‫بينه والنص اإلبداعي‪.‬‬

‫معايشته‪ ،‬وفهمه‪ ،‬وحسه به وإدراكه لما ينطوي‬ ‫عليه من دالالت‪.‬‬ ‫إن ال �ن��اق��د األك��ادي �م��ي ق��د ال ي�س�ت��وف��ي حق‬

‫أسئلة وتشوفات‪.‬‬ ‫ثانيا‪ :‬قد ال يتسنى للناقد أن يطبق ما أطر به‬ ‫النصوص من نظريات ومفاهيم‪ ،‬وعند‬

‫النصوص اإلبداعية تماما‪ ،‬حتى ال يرتاب في‬

‫ال�ق��راءة التطبيقية نجده يعود إل��ى ما‬

‫عمله النقدي أو يظن أن��ه ينحاز لما هو ذوقي‬

‫هو انطباعي‪ ،‬بمعنى أنه يخلق منطقة‬

‫حصله من مفاهيم واصطالحات‪،‬‬ ‫على حساب ما َّ‬

‫رمادية واضحة بين ما طرحه من تنظير‬

‫ولذلك ف��إن الناقد األكاديمي ال��ذي قد ال يعي‬

‫وما أراد أن يطبقه فعليا على النصوص‪،‬‬

‫بشكل متقن القيمة الجمالية‪ ،‬ولنقل بشكل أوسع‪:‬‬

‫وهذا أمر جليٌّ في كثير من الدراسات‬

‫القيمة المعرفية للنصوص التي يقرأها ال يتسنى‬ ‫له أن يقنعنا تماما بقراءته أو رؤيته للنصوص‪،‬‬ ‫ومن هنا‪ ،‬نحن – كقراء على األقل‪ -‬نفرق دائما‬ ‫بين ناقد أكاديمي يوصف بأنه مجرد‪« :‬مدرس‬ ‫أدب» وبين ناقد أكاديمي «مبدع»‪.‬‬ ‫إن ال �ن��اق��د األك ��ادي� �م ��ي ال� ��ذي ي �ت �ع��ام��ل مع‬ ‫النصوص اإلبداعية قد يقع في جملة من األمور‬ ‫تتمثل في‪:‬‬ ‫أوال‪ :‬‬

‫ال �ت �ع��ال��ي ع �ل��ى ال �ن �ص��وص اإلبداعية‪،‬‬ ‫واالن�ح�ي��از أكثر إل��ى م��ا ه��و مفاهيمي‪،‬‬ ‫وه ��ذا يجعله يحشد ق��راءت��ه النقدية‬ ‫ب �ع��دد م��ن المصطلحات‪ ،‬وع ��دد أكبر‬

‫‪56‬‬

‫األكاديمية‪.‬‬ ‫ثالثا‪ :‬‬

‫قد ال تتواءم المناهج المطروحة على‬ ‫النص اإلبداعي تماما‪ ،‬وتوجهات النص‬ ‫ذات��ه‪ ،‬أو قصد المبدع من نصه‪ ،‬وهذا‬ ‫رأي��ن��اه أك �ث��ر ف��ي ال ��دراس ��ات البنيوية‬ ‫واألس��ل��وب��ي��ة ال��ت��ي ت �ع��ال��ج النصوص‬ ‫اإلبداعية‪ ،‬كذلك تطرح بعض المناهج‬ ‫كالتفكيك مثال أو ال��دراس��ات الثقافية‬ ‫مقوالت قد تنأى عن ما في النصوص‬ ‫من إش��ارات أو رم��وز‪ ،‬ألنها تتعامل مع‬ ‫ال�ن�ص��وص إم��ا بشكل جزئي‪ ”:‬قطعة‬ ‫قطعة” ما يهمش الداللة الكلية للنص‪،‬‬

‫م��ن ال�م�ص��ادر وال �م��راج��ع‪ ،‬ويسعى إلى‬

‫وعالقته بالواقع والتاريخ‪ ،‬أو تتعامل معه‬

‫التنظير على حساب ما يمكن أن يقوله‬

‫على أنه «وثيقة» اجتماعية وتاريخية‪،‬‬

‫ع��ن ال �ن��ص‪ ،‬وف �ي��ه‪ ،‬وم��ا ينجم عنه من‬

‫فتضفي عليه مضامين لم يكن يقصدها‪،‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ‬


‫الجمالي‪.‬‬ ‫رابعا‪ :‬قراءة النصوص عبر النظرية‪ ،‬وإغفال خطورة أن النص‬ ‫هو الذي يطرح كيفية القراءة‪ ،‬وكيفية اختيار المنهج‪ .‬إن‬ ‫ما تقوله النصوص هو األمر الذي ينبغي إيثاره على ما‬ ‫تقوله النظرية‪ ،‬ونحن أكثر األحيان نرى األمر معكوسا‪.‬‬ ‫صبحي حديدي‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫أو تبريرات ال ينطوي عليها‪ ،‬أو أفكار نائية عن هدفه‬

‫إن النظرية هي بمثابة جملة تصبو إلى إضاءة النصوص‬ ‫بقراءتها أو تفسيرها أو تأويلها‪ ،‬والناقد األكاديمي‬ ‫المبدع هو من يفكر أكثر في النص ال في النظرية‪.‬‬ ‫وعلى هذا الحذو‪ ..‬نحن حيال نقاد نصوص باألحرى ال‬ ‫نقاد يكتسون بنظريات ومفاهيم‪ .‬النظريات والمفاهيم‬ ‫تشكل خلفية معرفية للناقد ال للنص‪ .‬وحين نكون أمام‬ ‫ناقد ق ��ارىء‪ ،‬يتحلى بخبرة ومعرفة وذائ �ق��ة وموهبة‬

‫أنور المعداوي‬

‫مبدعة‪ ،‬فنحن حيال ناقد ذي رؤية متكاملة قادرة على‬ ‫افتراع النصوص وقراءتها قراءة متسائلة حصيفة‪.‬‬ ‫خامسا‪ :‬إن األكاديمية ال تمنح امتيازا ما لناقد ما‪ ،‬أعني‪ :‬ليس‬ ‫بالضرورة أن كل من ينتمي إل��ى األكاديمية هو ناقد‬ ‫ب��ارع‪ ..‬فكما أن اإلب��داع يتطلب موهبة على درج��ة ما‬ ‫من التميز‪ ،‬كذلك النقد األدبي يتطلب هذا القدر من‬ ‫الموهبة‪ ،‬والتذوق‪ ،‬ووجود حساسية ما في التعامل مع‬ ‫النصوص‪ ،‬وه��ذا بطبيعة األم��ر ال يتوفر ل��دى كل من‬

‫رجاء النقاش‬

‫ن��ح��ن – ك���ق���راء على‬ ‫األق��ل‪ -‬نفرق دائما بين‬ ‫ن��اق��د أك��ادي��م��ي يوصف‬ ‫ب���أن���ه م����ج����رد‪« :‬م�����درس‬ ‫أدب» وبين ناقد أكاديمي‬ ‫«مبدع»‪.‬‬

‫ينتمون لألكاديمية‪ ،‬الذين تحولت األكاديمية لديهم‬ ‫إلى مجرد وظيفة‪ ،‬وأصبحت الدرجات العلمية ينظر‬ ‫إليها على أنها تشكل درج��ة وظيفية ال درج��ة ومرتبة‬ ‫إبداعية‪ .‬من هنا‪ ،‬فإن التفرقة التي أشرنا إليها سابقا‬ ‫بوجود ناقد أكاديمي مبدع‪ ،‬وم��درس أدب‪ ،‬هي تفرقة‬ ‫سديدة تؤخذ تماما في الحسبان في قراءتنا للدراسات‬ ‫الصادرة عن األكاديميين‪.‬‬ ‫سادسا‪ :‬إن النقد األكاديمي أكثر تأخرا – من الوجهة الزمنية‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ ‪57‬‬


‫ من بقية أنماط النقد في متابعة ومواكبة األعمال‬‫األدب �ي��ة وت�ح��والت�ه��ا‪ ،‬وه��ذا التأخر ق��د ال يجعله أكثر‬ ‫ح��ض��ورا وت��أث �ي��را ف��ي م �ج��ري��ات ال�م�ش�ه��د اإلبداعي‬ ‫والجمالي والثقافي بوجه عام‪ ،‬وبخاصة إذا علمنا أن‬ ‫معظم أق�س��ام األدب ف��ي األكاديميات ال يمضي وفق‬ ‫خطة منهجية م�ح��ددة ف��ي ق ��راءة واك�ت�ش��اف تحوالت‬ ‫المشهد األدبي العربي‪ ،‬ويرتهن األمر فحسب تبعا لما‬ ‫تضمه هذه األقسام من نقاد مبدعين عارفين بقسمات‬

‫طه حسين‬

‫هذا المشهد وتجلياته‪.‬‬ ‫إن التأمل في هذه النقاط السابقة من األهمية بمكان للتعرف‬ ‫على واقع النقد األكاديمي وتشوفاته وتطلعاته‪ ،‬وهي من األهمية‬ ‫أيضا في وضع أسس منهجية محددة تواقة إلى تطوير العمل‬ ‫األكاديمي النقدي‪ ،‬وعدم االكتفاء بآلية الرؤية ونمطيتها حيال‬ ‫مقاربة المنتج النصي اإلبداعي‪.‬‬

‫عباس العقاد‬

‫خارج األكاديمية‬ ‫بالطبع‪ ،‬كقراء على األقل‪ ،‬نقدر هذا الدور البارز الذي تلعبه‬ ‫األكاديمية في إبراز األعمال األدبية‪ ،‬وفي المنتج النقدي الذي‬ ‫يركز أحيانا على ق��راءة الظواهر األدب�ي��ة من جهة ودراستها‬ ‫وفحصها واختبارها‪ ،‬كما يركز من جهة أخرى على قراءة أعمال‬ ‫كبار المبدعين والمبدعات في مختلف األجناس األدبية وإبرازها‬ ‫للقارىء المتخصص والقارىء العام معا‪ .‬بيد أن هذا النقد يشهد‬

‫عز الدين إسماعيل‬

‫في السنوات األخيرة قدرا كبيرا من التنميط مع افتقاد األكاديمية‬ ‫لدارسيها المبدعين‪ ،‬وظهور مجموعات كبيرة من دارسي األدب‬ ‫ومدرسيه‪ ،‬وهذا األمر يفقد األكاديمية دورها اإلبداعي المشرق‬ ‫في قراءة الظواهر ومالمسة تحوالتها‪.‬‬ ‫إن األكاديمية التي أنتجت طه حسين‪ ،‬ومحمد غنيمي هالل‪،‬‬ ‫وأحمد عثمان‪ ،‬وعبدالرحمن بدوي‪ ،‬ومحمد مندور‪ ،‬وعز الدين‬ ‫إسماعيل‪ ،‬وناصر الدين األسد‪ ،‬وشكري فيصل‪ ،‬وشوقي ضيف‪،‬‬

‫‪58‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ‬

‫كمال أبو ديب‬


‫الجيوسي‪ ،‬وإحسان عباس‪ ،‬ولطفي عبدالبديع‪ ،‬وأحمد كمال‬ ‫زك��ي‪ ،‬وص��وال إل��ى جابر عصفور‪ ،‬وص�لاح فضل‪ ،‬وعبدالسالم‬ ‫المسدي وكمال أبو ديب‪ ،‬وعبدالله إبراهيم‪ ،‬وعبدالله الغذامي‬ ‫وسعد البازعي‪ ،‬ومحمد مفتاح‪ ،‬وجمال بن الشيخ‪ ،‬وعبدالفتاح‬ ‫كليطو‪ ،‬وسعيد يقطين – تمثيال‪ -‬لم تعد تنتج أصواتها النقدية‬ ‫سعد البازعي‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫وعبدالقادر القط‪ ،‬وعز الدين إسماعيل‪ ،‬ويمنى العيد‪ ،‬وسلمى‬

‫المبدعة إال في أسماء محدودة‪ ،‬وركزت على إنتاج مدرسي أدب‪،‬‬ ‫أو مجموعة من الحاصالت والحاصلين على الدرجات الجامعية‬ ‫العليا‪ ،‬ولكن بال فاعلية نقدية حقيقية مؤثرة في المشهد الثقافي‬ ‫بوجه عام‪.‬‬ ‫لم تعد األكاديمية – أغلب األحيان‪ -‬تنتج معرفة متطورة‪،‬‬ ‫أو تؤثر في التحوالت اإلبداعية‪ ،‬أو تنتج أسئلتها المنهجية التي‬ ‫تغير أو على األقل تشكل الخارطة اإلبداعية والثقافية العربية‬

‫محمد العباس‬

‫الراهنة‪ .‬‬ ‫في مقابل ذلك‪ ،‬فإن النقد خارج األكاديمية أصبح أكثر حيوية‬ ‫وأكثر التصاقا بحركة اإلبداع وسيرورتها‪ .‬وهو وإن تنوعت أنماطه‬ ‫ومستوياته‪ ،‬من النقد المنهجي الكثيف إلى النقد االنطباعي‬ ‫وما بينهما من نقد صحفي‪ ،‬ونقد يعتمد على التذوق أو الثقافة‬ ‫النقدية العامة‪ ،‬ويتخلى عن هذا الحجاب النظري المفاهيمي‬ ‫الذي قد يفصل الناقد عن النص‪ ،‬أو على األقل يباعد بينه وبين‬

‫محمود أمين العالم‬

‫خبايا النص وجواهره‪.‬‬ ‫فالنقد خ��ارج األكاديمية نقد حيوي‪ ،‬قريب من النص ومن‬ ‫منشىء النص ومبدعه معا‪ ،‬وهو في هذا القرب إنما يقف – أكثر‬ ‫األحيان – على الصورة الجمالية المثلى في النصوص‪ ،‬وهو حين‬ ‫يتخفف من عبء النظرية يلج مباشرة – من دون لف ودوران‬ ‫بحثي‪ -‬إلى ما تنطوي عليه النصوص من صور وأبنية وأخيلة‬

‫محمود درويش‬

‫ومعان ودالالت‪ ،‬ألنه يركز – في نماذجه المثلى – على ما تقوله‬ ‫النصوص وما تتضمنه من خواص فنية وجمالية وداللية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ ‪59‬‬


‫إننا ال نتحدث هنا عن هذا النقد االنطباعي بين التاريخي واالجتماعي والجمالي كما في‬ ‫البسيط الذي يكتفي بمالمسة بعض اإلشارات كتابه عن محمود دروي��ش‪ .‬وهو أول كتاب عن‬ ‫واللمعات هنا وهناك‪ ،‬أو هذا النقد الصحفي شاعر في بدايات حياته الشعرية‪ ،‬توقع له أن‬ ‫العابر الذي يكتفي بالتعريف بالعمل اإلبداعي يصبح أحد الرموز الشعرية العربية المتميزة‬

‫وب �م��ؤل �ف��ه‪ ،‬وق ��د ي�ق��ع ف��ي ن �ط��اق ال�م�ج��ام�ل��ة أو في حركة الشعر الحديث‪.‬‬ ‫ال �ع�لاق��ات االج�ت�م��اع�ي��ة أك �ث��ر م��ن وق��وع��ه في‬ ‫إن النقد خ��ارج األكاديمية ال يمكن وصفه‬ ‫دائ��رة النقد الحقيقي‪ ،‬لكننا نتحدث عن هذا‬ ‫بالسلبية أو الرداءة بشكل مطلق‪ ،‬وال يمكن طرده‬ ‫النمط من النقد الذي يقف وراءه ناقد حقيقي‬ ‫من جنة النقد األدبي‪ ،‬بل إن ما فيه من عناصر‬ ‫مبدع‪ ،‬له ثقافته ومعارفه‪ ،‬وله ذائقته‪ ،‬وتجربته‪،‬‬ ‫وخبرته في معايشة النصوص‪ ،‬الناقد الذي يعي ورؤى ومواقف واستشرافات ما ال يمكن أن نعثر‬ ‫تماما منهجية النقد ونظرياته وتحوالته‪ ،‬لكنه عليه في النقد األكاديمي‪ .‬ومن هنا‪ ،‬فإن حيوية‬ ‫ناقد أكثر التصاقا بالمشهد اإلبداعي وبالحياة هذا النقد وانطالقاته واستقصاءاته ال تقف عند‬ ‫الثقافية بوجه عام‪.‬‬ ‫إننا حين نستدعي بعض األسماء النقدية‬ ‫خارج األكاديمية تتوامض في التو أسماء مثل‪:‬‬

‫حدود النظرية والمنهج‪ ،‬قدر ما ترتاد بنا عوالم‬

‫إبداعية وتجارب إبداعية متعددة‪.‬‬ ‫وم��ن ه��ذه العناصر الوضيئة فيه يمكن أن‬

‫عبدالرحمن شكري‪ ،‬والمازني‪ ،‬وعباس العقاد‪ ،‬يستفيد النقد األكاديمي مما يطرحه من رؤى‬

‫ثم أسماء بارزة مثل‪ :‬سيد قطب‪ ،‬ومحمود أمين فاعلة في المشهد اإلب��داع��ي‪ ،‬وأن يستلهم منه‬ ‫العالم‪ ،‬وعبدالعظيم أنيس‪ ،‬وأن��ور المعداوي‪ ،‬حيويته وتألقه الذي ال تقيده مفاهيم مصطنعة‪،‬‬ ‫ومحيي الدين صبحي‪ ،‬ورجاء النقاش‪ ،‬وصوال أو تأسر حركته مناهج ربما تكون وافدة ماتزال‬ ‫إلى صبحي الحديدي‪ ،‬وفخري صالح‪ ،‬وسعيد في طور االختبار والتجريب؛ ألنها لم تنبع تماما‬ ‫السريحي ومحمد العباس – تمثيال – وقد‬ ‫أنتجت ه��ذه األس�م��اء دراس��ات وبحوثاً نقدية‬ ‫مهمة‪ ،‬ال يمكن أن يعبرها النقد أو تحوالته‬ ‫من دون أن تشير إلى إسهاماتها ال�ب��ارزة‪ ،‬ولو‬

‫م��ن ال�ب�ي�ئ��ة اإلب��داع �ي��ة ال �ت��ي ن�ح�ي��اه��ا ويحياها‬ ‫المبدعون والقراء معا‪.‬‬ ‫إن تعدد أش�ك��ال النقد األدب ��ي م��ن األهمية‬

‫تأملنا مثال فيما ق��دم��ه رج��اء ال�ن�ق��اش‪ ،‬وقد بمكان بحيث يحدث ق��در م��ن التالقح‪ ،‬وتعدد‬ ‫كتب نمطين من النقد‪ :‬النقد المتشح بقدر من األسئلة وتنوعها‪ ،‬وهو ما يثري الساحة األدبية‬ ‫المنهج كما في مقدمته لديوان الشاعر أحمد والثقافية بوجه عام‪ ،‬ويفتح أمامها آفاقا رحبة‬ ‫عبدالمعطي حجازي‪« :‬مدينة بال قلب» حيث من االستقصاء واالستشراف والتأمل الخصب‬

‫اتكأ على المنهج النفسي‪ ،‬والنقد الذي يجمع الجميل‪.‬‬

‫‪60‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ‬


‫دراس��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ونقـ ـ ــد‬

‫خصوصيات الكتابة النسائية في مجال‬ ‫القصة القصيرة جدا‬

‫> الدكتور جميل حمداوي*‬

‫ثمة دراسات عديدة تعنى بالكتابة النسائية نقدا وإبداعا‬ ‫وكتابة وتنظيرا‪ ،‬وذلك في مجال الشعر‪ ،‬والقصة القصيرة‪،‬‬ ‫والرواية‪ ،‬والمسرح‪ ،‬والنقد؛ بيد أن الحديث عن المرأة في‬ ‫القصة القصيرة جدا ما يزال متعثرا‪ ،‬ويحتاج إلى توضيح‬ ‫وتوثيق وبحث وتنقيب واستقراء‪ .‬ومن ثم‪ ،‬يمكن القول بأن‬ ‫المرأة قد شاركت أخاها الرجل في بناء القصة القصيرة‬ ‫جدا بالوطن العربي تأريخا وكتابة ونقدا‪ ،‬بل كانت لها مكانة‬ ‫خاصة ومتميزة في هذا الفن المستحدث عربيا‪ ،‬على الرغم‬ ‫من الجذور القديمة لهذا الفن في موروثنا السردي العربي‬ ‫القديم (الخبر‪ ،‬والنادرة‪ ،‬والطرفة‪ ،‬والحكاية‪ ،‬واللغز‪ ،‬واألحجية‪ ،‬والفكاهة‪ .)...‬ومن‬ ‫ثم‪ ،‬فقد تركت المرأة العربية سواء أكانت مبدعة أم ناقدة بصماتها الفنية والجمالية‬ ‫المتميزة في القصة القصيرة جدا بناء وتشكيال وتحبيكا وتخطيبا‪ ،‬فصارت المرأة‬ ‫حاضرة في ه��ذا الجنس األدب��ي موضوعا ومبدعة وناقدة وموثقة‪ ،‬بل ص��ارت للمرأة‬ ‫المبدعة رؤى خاصة إلى العالم تميز كل مبدعة عن أخرى‪ ،‬وتخصص الكاتبة المتميزة‬ ‫من الكاتبة العادية‪.‬‬

‫تاريخ الكتابة النسائية‬ ‫من المؤكد أن فن القصة القصيرة جدا‬

‫الحال في العراق‪ ،‬حيث كانت بثينة الناصري‬ ‫رائ� ��دة ف��ي م �ج��ال ال�ق�ص��ة ال�ق�ص�ي��رة جدا‬ ‫بالوطن العربي‪ ،‬فقد كتبت في مجموعتها‬

‫هو فن رجولي بامتياز تنظيرا وتطبيقا‪ ،‬على القصصية‪« :‬ح��دوة حصان» ال�ص��ادرة عام‬ ‫ال��رغ��م م��ن وج��ود ب��داي��ات نسائية كما هو ‪1974‬م قصة سمتها‪ »:‬قصة قصيرة جدا»‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ ‪61‬‬


‫وبعد هذه التجربة‪ ،‬ظهرت مجموعة من األصوات شيء‪ ،‬فإنما تدل على مشاركة المبدعة أو الناقدة‬

‫النسائية التي تهتم بالقصة القصيرة جدا إبداعا ألخيها المبدع أو الناقد في إثراء القصة القصيرة‬ ‫ونقدا وبحثا ودراسة‪ .‬وقد فرضت هذه األصوات جدا بالوطن العربي مشرقا ومغربا‪.‬‬

‫القصصية نفسها –فعال‪ -‬في الساحة الثقافية‬

‫العربية بشكل م��ن األش �ك��ال‪ ،‬وبخاصة الناقدة‬ ‫المغربية سعاد مسكين التي تميزت بكتابها القيم‪:‬‬

‫مميزات الكتابة النسائية‬ ‫تتميز الكتابة النسائية القصصية القصيرة جدا‬

‫«القصة القصيرة ج��دا ف��ي ال�م�غ��رب‪ :‬تصورات بالمقارنة مع الكتابة الذكورية بمجموعة من السمات‬ ‫والخصائص‪ ،‬ومن بين هذه المميزات على المستوى‬ ‫ومقاربات»(‪.)1‬‬ ‫الداللي‪ :‬طرح موضوع جدلية الذكورة واألنوثة عبر‬ ‫ومن بين هذه المبدعات والناقدات األخريات‬ ‫محوري الصراع والتعايش‪ ،‬والتركيز على البيت‬ ‫اللواتي ارتبطن بفن القصة القصيرة جدا إبداعا‬ ‫واألس��رة والتربية برصد التناقضات المتفاقمة‪،‬‬ ‫ون �ق��دا‪ ،‬ن��ذك��ر‪ :‬لبانة م�ش��وح‪ ،‬وجمانة ط��ه‪ ،‬ومية‬ ‫وتبيان نسيج ال�ع�لاق��ات البنيوية المتحكمة في‬ ‫ال��رح�ب��ي‪ ،‬ودالل ح��ات��م‪ ،‬وس �ع��اد م �ك��ارم‪ ،‬وسلوى‬ ‫األسرة سلبا وإيجابا‪ ،‬وبخاصة على مستوى التفاعل‬ ‫ال��رف��اع��ي‪ ،‬واب�ت�س��ام ش��اك��وش‪ ،‬وهيمى المفتي‪،‬‬ ‫السيكواجتماعي والقيمي واإلنساني‪ ،‬واالنطالق‬ ‫ووف��اء خ��رم��ا‪ ،‬وش��ذا ب��رغ��وث‪ ،‬وعبير إسماعيل‪،‬‬ ‫من الذات الشعورية والالشعورية في التعامل مع‬ ‫وأميمة علي‪ ،‬وندى الدانا‪ ،‬وإيمان عبيد‪ ،‬وابتسام‬ ‫الظواهر الحياتية‪ ،‬بغية تحقيق التواصل اإلنساني‪،‬‬ ‫الصالح‪،‬وأمل حورية‪ ،‬وميا عبارة‪،‬وسوسن علي‪،‬‬ ‫والتفاعل مع منطق األشياء‪ ،‬واالرتكان إلى أعماق‬ ‫وأم�ي�ن��ة رش �ي��د‪ ،‬وس�ه��ا ج ��ودت‪ ،‬وح �ن��ان درويش‪،‬‬ ‫ال��داخ��ل الوجداني في معالجة القضايا الذاتية‬ ‫ومحاسن الجندي‪ ،‬وليما دسوقي‪ ،‬وحسنة محمود‪،‬‬ ‫والموضوعية‪ ،‬واستنطاق السيرة الذاتية واألنا‪،‬‬ ‫وجمانة ط��ه‪ ،‬وض�ي��اء قصبجي‪ ،‬وليلى العثمان‪،‬‬ ‫والتركيز على المكبوتات الواعية والالواعية في‬ ‫وف��اط�م��ة ب��وزي��ان‪ ،‬وال�س�ع��دي��ة ب��اح��دة‪ ،‬والزهرة‬ ‫استعراض المشاكل الداخلية والذاتية‪ ،‬واالهتمام‬ ‫رميج‪ ،‬وشيمة الشمري‪ ،‬وبديعة بنمراح‪ ،‬وبسمة‬ ‫بالطفولة التي تعد فرعا أساسيا لألمومة‪ ،‬ورصد‬ ‫النسور‪ ،‬ووئ��ام المددي‪ ،‬وسهام العبودي‪ ،‬وحياة‬ ‫الواقعين‪ :‬الذاتي والموضوعي بكل تناقضاتهما‬ ‫بلغربي‪ ،‬وكريمة دلياس‪ ،‬وأمينة اإلدريسي‪،‬ومليكة‬ ‫اإلنسانية والتشييئية‪ .‬إضافة إلى االهتمام بجسد‬ ‫الغازولي‪ ،‬ومية ناجي‪ ،‬وهيفاء سنعوسي‪ ،‬ومليكة‬ ‫ال�م��رأة الجمالي واإلي��روس��ي‪ ،‬وال�ع��زف على نغمة‬ ‫بويطة‪ ،‬وس�ن��اء بلحور‪ ،‬ووف��اء الحمري‪ ،‬وزليخا‬ ‫الحب وإيحاءاته الواقعية والرومانسية والجنسية‪،‬‬ ‫م��وس��اوي األخ �ض��ري‪ ،‬وزه��رة ال��زي��راوي‪ ،‬ومليكة‬ ‫واس��ت��ع��م��ال ال� �خ� �ط ��اب ال �ع��اط �ف��ي وال ��وج ��دان ��ي‬ ‫الشجعي‪ ،‬ولبنى اليزيدي‪ ،‬وحبيبة زوم��ي‪ ،‬ونوال‬ ‫واالن �ف �ع��ال��ي‪ ،‬م��ع اإلك �ث��ار م��ن ال�ب�ك��ائ�ي��ة الحزينة‬ ‫الغنم‪ ،‬وسعاد أشوخي‪ ،‬ولطيفة معتصم‪ ،‬وعائشة وال �م��واق��ف ال �ت��راج �ي��دي��ة‪ ،‬وااله �ت �م��ام بالتخييل‬ ‫م��وق �ي��ظ‪ ،‬وم��ري��م ب��ن ب�خ�ث��ة‪ ،‬ون�ع�ي�م��ة القضيوي الحلمي والرومانسي‪ ،‬وذلك على حساب فظاظة‬ ‫اإلدريسي‪ ،‬وسلمى براهمة‪...‬‬ ‫ال��واق��ع‪ ،‬وم��رارت��ه الشديدة‪ ،‬والبحث عن السعادة‬ ‫ونالحظ أن هذه األسماء الكثيرة إن دلت على ال�م�ف�ق��ودة ت �ل��ذذا وان �ت �ش��اء‪ ،‬وال�ت�ط�ل��ع إل��ى الزواج‬

‫‪62‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ‬


‫واليأس‪ ،‬والملل‪ ،‬والداء‪ ،‬واأللم‪ ،‬والقلق الوجودي‪ ،‬جدا؛ قصة وخطابا ورؤي��ة‪ ،‬سواء أكان ذلك على‬ ‫ورصد الهموم الذاتية والموضوعية‪ ،‬وانتقاد المرأة مستوى التخطيب الفني والجمالي أم على مستوى‬ ‫المغرورة والمتبجحة انتقادا شديدا‪.‬‬

‫أما على الصعيد الفني والجمالي‪ ،‬فيالحظ‬

‫انتقاء القضايا الجادة والمصيرية‪ ،‬والتعبير عنها‬ ‫ب��واس�ط��ة كبسولة قصصية قصيرة ج ��دا‪ .‬وإذا‬

‫استعمال الكتابة الذاتية في شكل ذكريات شاعرية‪ ،‬كان اإلب��داع النسائي في مجال القصة القصيرة‬ ‫وخ��واط��ر إن�ش��ائ�ي��ة حلمية‪ ،‬واس�ت�ح�ض��ار ضمير ج��دا‪ ،‬ق��د ف��رض نفسه بإلحاح‪ ،‬وأص�ب��ح ظاهرة‬

‫دراس��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ونقـ ـ ــد‬

‫المثالي الطوباوي‪ .‬وال ننسى كذلك التغني بالسأم‪ ،‬العربي ش��أوا كبيرا في مجال القصة القصيرة‬

‫المتكلم بشكل مكثف‪ ،‬واالسترسال في الكتابة أدبية الفتة لالنتباه‪ ،‬فإن النقد النسائي العربي‬ ‫الشاعرية واالنفعالية‪ ،‬وتخطيب الكتابة بالمنولوج‬ ‫ف��ي م�ج��ال القصة القصيرة ج��دا م��ا ي ��زال في‬ ‫التأملي‪ ،‬وت��وظ�ي��ف ال��رؤي��ة الداخلية أو الرؤية‬ ‫هذا المجال متعثرا بالمقارنة مع النقد الذكوري‬ ‫«م ��ع»‪ ،‬واس�ت�خ��دام أس�ل��وب السخرية والمفارقة‬ ‫المطرد‪ .‬وعلى الرغم من ذل��ك‪ ،‬يمكن استثناء‬ ‫في إطار الصراع الجدلي مع الرجل‪ ،‬واالستعانة‬ ‫بعض األص��وات النقدية المتميزة عربيا‪ ،‬كسعاد‬ ‫بالكتابة الرقمية االفتراضية في توصيل الرسائل‬ ‫الذاتية والعاطفية‪ ،‬وتوظيف الفانطاستيك لرصد مسكين‪ ،‬وسلمى براهمة‪ ،‬ولبانة مشوح‪ ،‬وفاطمة‬ ‫التحوالت االمتساخية البشعة؛ إذ تتحول الكائنات بن محمود‪...‬‬

‫اإلنسانية (ال��رج��ل على سبيل الخصوص) إلى‬

‫ح �ي��وان��ات م��اك��رة وخ��ادع��ة‪ ،‬ث��م ت ��ؤول إل��ى ذوات‬ ‫مشوهة ممسوخة عضويا ونفسيا وقيميا‪ .‬إضافة‬

‫إلى استعمال الكتابة الحلمية والرومانسية في‬ ‫التعبير الذاتي‪ ،‬وتبليغ الرؤى والمقاصد المباشرة‬

‫وخالصة القول‪ ،‬يالحظ أن المرأة العربية قد‬ ‫أسهمت‪ ،‬بشكل من األشكال‪ ،‬على غرار صنوها‬ ‫الرجل‪ ،‬في انبثاق جنس القصة القصيرة جدا‬ ‫في أدبنا العربي الحديث والمعاصر‪ ،‬وذلك منذ‬ ‫فترة السبعينيات من القرن العشرين‪ .‬ومن ثم‪،‬‬

‫وغير المباشرة‪ ،‬والسقوط في بعض األحيان في‬ ‫التقريرية والمباشرة في معالجة قضايا الذات أصبحت المرأة موضوعا الفتا لالنتباه في المتون‬ ‫والموضوع‪ ،‬وتعطيل عالمات الترقيم في الكتابة واألضمومات والمجموعات القصصية القصيرة‬

‫القصصية‪ ،‬كما يتضح ذلك جليا عند المبدعة ج��دا‪ .‬ومن جهة أخ��رى‪ ،‬أصبحت مبدعة وناقدة‬ ‫المغربية فاطمة بوزيان‪ ،‬وذلك استرساال وانسيابا ومنظّ رة وموثقة لهذا الفن السردي الجديد‪ .‬عالوة‬

‫وت��دف �ق��ا‪ ،‬بغية تحقيق أه� ��داف فنية وجمالية على ذلك‪ ،‬أصبحت للكتابة النسائية خصوصيات‬ ‫وتعبيرية‪ ،‬والتميز بخاصيتي التجريد والغموض داللية معينة‪ ،‬ومميزات فنية وجمالية خاصة‪،‬‬ ‫الفني (الزهرة الرميج ‪-‬مثال‪.)-‬‬

‫تفردها عن الكتابة الذكورية رؤية وقالبا وتصورا‬

‫وعليه‪ ،‬فلقد حققت الكتابة النسائية بالوطن وصيغة‪.‬‬ ‫(‪ )1‬د‪ .‬سعاد مسكين‪ :‬القصة القصيرة جدا في المغرب‪ :‬تصورات ومقاربات‪ ،‬دار التنوخي للطبع والنشر‪ ،‬الرباط‪ ،‬الطبعة‬ ‫األولى ‪2011‬م‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ ‪63‬‬


‫ُ‬ ‫حقق أعلى‬ ‫ملاذا‪« ..‬كيف تصن ُ‬ ‫ع كتابا ً ي ُ‬ ‫مبيعات؟»‪..‬؟‬

‫> محمود سيف الدين*‬

‫كنت أمزحُ معك‬ ‫لقد ُ‬ ‫أنا عصام أبو زيد‬ ‫أصدق أنهم قتلوه‬ ‫ُ‬ ‫ثم إنني ال‬ ‫انحرف القطارُ وانفجر الرأس‬ ‫العقل ظل يتأرجح‬ ‫ُ‬ ‫نمت شجرةٌ تطرحُ كمثرى‬ ‫ال أحبها‬ ‫أحب عصام أبو زيد‬ ‫أنا ُ‬ ‫هذه هي القصيدة األخيرة من ديوان «كيف تصنعُ كتاب ًا يحقق أعلى مبيعات»‪ ،‬الصادر‬ ‫عن دار رواف��د‪ ،‬بالقاهرة‪ ..‬للشاعر المصري المقيم في السعودية عصام أبو زيد‪ ،‬وقد‬ ‫تضمن الديوان الذي جاء في مائة واثنتي عشرة صفحةً من القطع المتوسط تسع ًا‬ ‫وأربعين نص ًا شعري ًا قصيراً‪ ،‬تحرى فيها الشاعرُ تكثيف ًا حاذقاً‪ ،‬يحقق درجةً ملحوظة‬ ‫من االتساق بين البناء الشكلي والدرامي لكل رؤيةٍ على حدة‪.‬‬ ‫وف��ي «ك�ي��ف تصنع ك�ت��اب�اً يحقق أعلى‬ ‫بدقة‬ ‫ٍ‬ ‫م �ب �ي �ع��ات» ال ت�س�ت�ط�ي� ُع أن ت��رص��د‬ ‫جميع مالمح ال��دوال الشعرية‪ ،‬من حيث‬ ‫هذا الثراء والتعدد على مستويات الرؤى‬ ‫ومعالجتها شعرياً‪ ،‬وع��دم اعتماد خاصية‬ ‫كتابية واح��دة‪ ،‬فيما تبقى اللغة وفق هذا‬ ‫ُرونة‬ ‫ال�م�ن�ه��ج ال �ش �ع��ري ال �م �م �ي �زـ ذات م ٍ‬ ‫وحضور ذهني شاعر‪ ،‬تجاوز فيها‬ ‫ٍ‬ ‫شفاهية‪،‬‬ ‫عصام أبو زيد مسار التجربة‪ ،‬إلى فلسفة‬

‫‪64‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ‬

‫التجريب الناجع‪ ،‬فال يكون االنتباه لعنصر‬ ‫كتابي شعري بعينه‪ ،‬كالمشهدية‪ ،‬والمجاز‪،‬‬ ‫وال�ت�ح��ري��ك‪ ،‬ورؤى ال ��ذات المنفتحة على‬ ‫عالمها‪ ،‬والعالم األوس��ع‪ ،‬في الوقت الذي‬ ‫�در كبير من‬ ‫اح�ت��وت فيه التجربة على ق� ٍ‬ ‫بتوظيف حرفيٍّ ‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫مفردات الواقع المعيش‪،‬‬ ‫ي� ��ؤدي إل ��ى ن �ت��ائ��ج ج ��دي ��دة‪ ،‬وداف� �ع � ٍ�ة إلى‬ ‫ال لطبيعة‬ ‫التأمل‪ ..‬وأمام الدال المعرفي مث ً‬ ‫الحيوانات والطيور‪ ،‬وم��ا يمكن فهمُه من‬


‫دراس��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ونقـ ـ ــد‬

‫جوف‬ ‫َ‬ ‫ال� ُم�ن�ك�س��رة رب �م��ا‪ ،‬غ�ي��ر أن‬ ‫توازن وجودها الحياتي‪ ..‬نجدها‬ ‫ال�ب�ن��اء ال�ش�ع��وري يحتفي بها من‬ ‫ال مُتكرراً بسماته السطحية‪،‬‬ ‫بط ً‬ ‫بتوصيفات‬ ‫ٍ‬ ‫زوايا متباينة الداللة‪،‬‬ ‫نحو رؤي� ٍ�ة أعمق‪« :‬هل كان يُشبه‬ ‫م�ب��اش��رة‪« :‬ال �ب �ق��رةُ ك��ائ � ٌن جميل»‪،‬‬ ‫الغراب في الحديقة التي يتحول‬ ‫وبرغبة موشاة بتفكير‪ ،‬كأ َّن هناك‬ ‫ٍ‬ ‫الرجا ُل فيها إلى طيور‪ ،‬مستوحشاً‬ ‫حلوالً ممكنة لهذا التحول‪« :‬أفك ُر‬ ‫ووحيداً‪ ..‬يكتبُ لي رسالةً‪ :‬أشعر‬ ‫أن أت �ح��و َل إل��ى ب �ق��رةٍ »‪ ،‬وبوصف‬ ‫ب��ال �ب��رد» ع �ن��وان ال �ن��ص «يكتب»‪،‬‬ ‫األج���واء‪« :‬ال�ب�ق��رةُ ف��ي السيارةِ‪..‬‬ ‫�لال استفهامي ال يفي‬ ‫ف��ي اس�ت�ه ٍ‬ ‫وتحتَ سماءٍ زرق��اء وصافية»‪ ،‬ثم‬ ‫إجابة قدر ما يُجيبُ من‬ ‫ٍ‬ ‫بانتظار‬ ‫عصام أبو زيد‬ ‫بالرجاء «يا ربُ ‪ ..‬ال تترك البقرةَ‬ ‫عريضة‬ ‫ٍ‬ ‫مساحة‬ ‫ٍ‬ ‫تلقاء ذات��ه‪ ،‬عن‬ ‫وح� �ي ��دةً» وص� ��والً ل �ـ �ـ «اج��ع��ل عن‬ ‫م��ن ال�ش�ج��ن ف��ي ق��ال��ب الشجو‪،‬‬ ‫شمالها البنتَ الجميل َة التي أ ُسمِّيها‬ ‫ورص� � ��د ال � � ��ذات ال�� ُم��ق��اب��ل��ة في‬ ‫غادة»‪ ..‬وانتها ًء بالتضرع من أجلها‬ ‫اغترابها اغتراباً آلياً بمالحظة‬ ‫ضمنية بالبنت «غادة»‪« :‬البقرةُ‬ ‫ٍ‬ ‫في‬ ‫فعل المُضارعة (يتحول) غير أن‬ ‫ي��ا ربُ ت�ح��بُ غ� ��ادةَ‪ ..‬نحن أيضاً‬ ‫أجناس‪ ،‬والمعني بالوحد ِة‬ ‫ٌ‬ ‫الطيو َر‬ ‫ككائن‬ ‫ٍ‬ ‫نحبُّها»‪ ..‬ويتجلى «األرن��بُ »‬ ‫أنت‬ ‫والوحشة «غ��راب»‪ ،‬و«ل�م��اذا ِ‬ ‫�وف ب��ال�� ِّرق��ةِ ‪ ،‬في‬ ‫ج ��دي � ٍ�د‪ ..‬م �ح �ف� ٍ‬ ‫عصفور ثم‬ ‫ٍ‬ ‫ريش‬ ‫هكذا‪ ..‬تتسلقين َ‬ ‫قصيدة «كن معهم»‪:‬‬ ‫تذبحينه»‪ ..‬تتماو ُج هذه الصورةُ‬ ‫أرنب يتكلمُ معي‪..‬‬ ‫معي ٌ‬ ‫ال�� ُم��ت��ح��رك��ة‪ ،‬ف���ي ن���ص «أحمد‬ ‫م��ع��ي س���ي���ارةٌ أق��ف��زُ ب��ه��ا م��ن عين‬ ‫حامد» (ستتضمن القراءةُ محاولة‬ ‫الشمس‬ ‫استيعاب إدراج االس ��م الظاهر‬ ‫إلى عين القمر‪..‬‬ ‫العلم ك��دال منطقي‪ ،‬يتفاع ُل مع‬ ‫خياالته)‪ ..‬وقد تحت ُل الحكاي َة زمناً أمكن إدراجه معي اللهُ الذي ينتظرُ ُخطوتي إليه‬ ‫العواصف‬ ‫ُ‬ ‫ف��ي ال�س�ي��اق لتبرير ال�ت�ق��ري��ري��ة ال�م�ف��اج�ئ��ة‪« :‬ال سأصلُ يا الله بعد أن تهدأ‬ ‫األرنب ويُخبرني ماذا رأى‪..‬‬ ‫ُ‬ ‫يختلف احمد حامد عن أي واحدِ » تبريراً مُفسراً بع َد أن يعو َد‬ ‫ُ‬ ‫لالختالف‪« :‬غير أنه قطع ٌة من قلبي‪ ..‬سآخذها هل رأيتَ ابنتي يا أرنب؟‬ ‫تشرب الحليبَ‬ ‫ُ‬ ‫معي إلى الجنة»‪ ..‬مع مالحظة أن «الجنة» تقري ٌر هل تنامُ جيداً‪ ،‬وهل‬ ‫ضمني الحق‪ ..‬يؤكد مع الحكاية القصيرة جداً أن قبل أن تنام‬ ‫سأرسلُ سيارتي إليها‬ ‫أحمد حامد ذاتٌ ثالثة أربكت الحياة‪.‬‬ ‫وفي ملحمة «الحيوان» ال يتوقف االستدعاء فكن معها يا أرنب‬ ‫ال�ح�ك��ائ��ي‪ ،‬م��واف�ق�اً لنسق ال�ح�ك��اي��ةِ أو الحكمة كُ ن معهم يا اللهُ‬ ‫أحب أن تكون معهم‬ ‫خلف ألنني ُ‬ ‫َ‬ ‫المُستخلصة‪« ..‬ال تُغلق ال �ب��اب ه �ك��ذا‪..‬‬ ‫األرنب والسيار ُة وابنتي‬ ‫ُ‬ ‫ماعز)‪ ..‬يأك ُل الشوك» من قصيدة‬ ‫ٍ‬ ‫الباب (قطي ُع‬ ‫ِ‬ ‫وقد نلحظ رهاف َة الحس الديني‪ ،‬متجرد ًة من‬ ‫«م��اء»‪ ،‬وف��ي قصيدة «نحن أيضاً نحبُها» تحت ُل‬ ‫�رح يُج ّ ُل ه��ذه العالق َة األبدية‬ ‫(ال �ب �ق��رةُ) ص ��د َر المشهد م��ن سطحه‪ ،‬بهيئتها أي زوائ��د‪ ،‬في ط� ٍ‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ ‪65‬‬


‫إج�لاالً صوفياً من منعطفات الحب والتضرع‪ ..‬حياتي تغيرت‬ ‫«كن معهم يا الله ألنني أح��بُ أن تكون معهم»‪..‬‬ ‫كل يومٍ على رأسي‬ ‫تهبط العصافيرُ ّ َ‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ويبقى األرنبُ حاضراً‬ ‫كانعكاس للبراءة‪ ،‬واختراق خضراءَ‪ ..‬وبيضاءَ‪ ..‬وشفافة‪.‬‬ ‫حُ جُ ِب التأويلِ والتخييل بها‪« ،‬معي أرنبٌ » (تأويل)‪،‬‬ ‫إذن لم تخ ُل المعالجاتُ المتفرق ُة من شُ بهة‬ ‫«يتحدثُ معي» (تخييل)‪ ..‬في ٍ‬ ‫مزج طي ٍِّع‪ ،‬يذيبُ التمرد‪ ،‬سواء وردت مالمح هذا التمرد في ردائها‬ ‫هذه المساف َة بين عُنصرين مُتباعدين بطبيعة الحاد القاطع تعضدها بعض الجُ مل التقريرية‬ ‫لحظة‬ ‫ٍ‬ ‫الحال‪ ..‬حتى يأخ َذ هذا الكائ ُن مساح َة الدور ال� ُم�ح� َم�ل��ة‪ ..‬أو عبر ت��رات� ٍ�ب وان�ت�ق��ال م��ن‬ ‫كلها‪ ،‬ليكون األرنبُ مجاوراً لالبنة‪ ،‬طالما استطاع ألخرى‪ ،‬تفضي في النهاية إلى هذه القناعة‪ ..‬وقد‬ ‫ُ‬ ‫يتلبس الذات الشاعرةَ في نقائها‪ ..‬وال‬ ‫َّ‬ ‫أن‬ ‫كثير من النصوص‪..‬‬ ‫يختلف تحوَّلت الصورة الكلية في ٍ‬ ‫قالب يُنت ُج لُغته التي تعتمد المجاز الحكائي‬ ‫«الحمارُ» كثيراً في صورة المودة والقناعة‪ ،‬في إلى ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫نص «الذي كان»‪« ..‬الذي اشترينا له مالء ًة‬ ‫سرير مُعظ َم الوقت‪ ..‬ففي قصيدةٍ «نزهة خارج السينما»‬ ‫بيضاء‪ ..‬ق��ا َل ال أري � ُد س��ري��راً‪ ..‬أري � ُد كثيراً من يترتب لقاء مع «ماركيز» في وشاية بالمكان في‬ ‫البصلِ األخ�ض��ر‪ ..‬و(ح �م��اراً) يصع ُد الساللم»‪ ،‬عنوان النص‪ ..‬السينما ومحيطها‪ ..‬لك َن اللقاء‬ ‫فيما تبقى «القط ُة السوداءُ» داالً ظاهرياً موازياً الروحي يعل ُن عن حضوره منذ البدايةِ في اتفاق‬ ‫لصورتها الشعبية‪ :‬التوجس منها في الظالم‪ ،‬الشعور على رؤية الضوء الذي ينفلتُ من صخرةٍ‬ ‫وداالً عكسياً لواقع ال��ذات الشاعرة وتركيبتها ب�ع�ي��دة « ُك � َّن��ا ن���دو ُر ح ��و َل ال�م�ك��ان أن��ا وصديقي‬ ‫ال�ت��ي تهفو لتشبه األط �ف��ال‪« :‬وه��ل يُشبه قط ًة م��ارك �ي��ز‪ ..‬ن�ش�ع� ُر ب��ال �ض��وء ي�ن�ف�ل��تُ م��ن صخرةٍ‬ ‫َ‬ ‫سوداء‪ ،‬أحبُ وقوفها في النور‪ ..‬وأحبُ أن‬ ‫قس‬ ‫أخاف بعيدة‪ »..‬ويستم ُر هذا المد الروحي بين طَ ٍ‬ ‫بنزهة خ��ارج السينما‪« ،‬نشع ُر‬ ‫ٍ‬ ‫منها‪ ..‬كي أشب َه األطفال» نص «أل��وا ٌن متقابلة» ص��اخ� ٍ�ب يرتبط‬ ‫خافت‬ ‫ٍ‬ ‫كإيقاع موسيقيٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫وه�ك��ذا تتفاوت م �ف��ردةُ «ال�ح�ي��وان وال�ط�ي��ر» من بوخزةٍ في الصدرِ نتبادلُها‬ ‫القطة للبقرة للحمار للعصافير والغراب واألرنب ولذيذ يربطُ نا معاً‪ ..‬فنتحرك» في تماهٍ مع هذه‬ ‫ُشتركات أسمى (الضوء‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫وغيرها‪ ،‬تفاوتاً تستوعبه التجرب ُة في فضائها الثُنائية المُتفقة عبر م‬ ‫وح �ي��زه��ا‪ ،‬ض�م��ن م �ف��ردات حياتية وك��ون �ي��ة في والوخز‪ ،‬والموسيقى) والتي ترتقي للمقارنة فيما‬ ‫ٍ‬ ‫عالقات منفصلة ومُتصلة‪ ،‬ولع َل تيمة «اإلنسان»‪ ،‬بعد في ظل هذه اإلشارات المعنوية‪« ،‬قدمي لن‬ ‫بكل تجلياتها الفطرية‪ ،‬هي البط ُل الموضوعي تسب َق قدم ماركيز‪ ..‬فهو األصغ ُر سناً‪ ،‬سبقني في‬ ‫البارز والضمني في أنحاء ال��دي��وان‪ ،‬حتى نط َق اختراعِ نشوةٍ بال مُخدرات» يُالحظ اتكاء الوصف‬ ‫كاشف‬ ‫ٌ‬ ‫صراح ًة باالسم العلم الظاهر في عناوين بعض على المجاز المكثف جداً‪ ،‬يدعمُه مُستوىً‬ ‫ال�ن�ص��وص مثل «اح �م��د ح��ام��د»‪« ،‬ع�ب��د القادر» ومُفسِّ رٌ‪« :‬وكان جريئاً في البوح»‪ ..‬ثم هذا التنقل‬ ‫بحنكة تز ُن الصورةَ البالغية‪ ،‬بحيث ال‬ ‫ٍ‬ ‫و»عصام أبو زيد»‪..‬وفي نص «عبد القادر» مثاالً واالرتداد‬ ‫يبدأ المت ُن كأنه استكما ٌل لملحمة «عبد القادر» تنحاز الل ُغة إلى مستوى بنائي بعينه‪« :‬أذك� ُر أ َّن ُه‬ ‫ٍ‬ ‫هذا‬ ‫كإنسان ربما قرر أن يستعير هاجس التمرد جذبني من أذني في لقائنا األول‪ ..‬صائحاً لماذا‬ ‫رحلة تجريبية‪:‬‬ ‫من الحياة‪ ،‬في ٍ‬ ‫الباب‪ ..‬أن كلم َة الوداع‪ ،‬أجم ُل من كلمةِ‬ ‫ِ‬ ‫كتبتَ على‬ ‫بعد شهرين‬ ‫وصلَ عبد القادر إلى بطن الثعبان‬ ‫قالَ لنا في رسالةٍ قرأناها في عين الثعبان‬

‫‪66‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ‬

‫المُضاجعة‪ ..‬وأنت تعل ُم انك كاذبٌ ولئيم»‪ ..‬وتبل ُغ‬ ‫هذه الحميمية المُستدعاة مداها‪ ،‬بعد رحلة الروح‬ ‫كشف‬ ‫في هذا الوقت القصير‪ ..‬وال غضاضة في ٍ‬


‫كما وج��دت ال�ح��رك� ُة ب��راح �اً أف�ق�ي�اً‪ ،‬ورأسياً‬ ‫«ألسفل تحديداً» في رداء الديوان الفضفاض‪..‬‬ ‫شعورية‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫حالة‬ ‫ويُمكن رص ُد أحوالها عبر أكثر من ٍ‬ ‫ففي نص «مصير» ال��ذي ترتبطُ رؤيته بجدلية‬ ‫الرغبة وال ُممْكن‪ ،‬وتر ُق ِّب هذا المصير في أسرار‬ ‫سياق‬ ‫البحر‪ ،‬نراقبُ الحركة في نهايةِ المشهد في ٍ‬ ‫استفهامي‪« :‬كُنتُ أفك ُر في مصير السمكةِ ‪ ..‬هل‬ ‫تمدد‬ ‫ٍ‬ ‫تبقى هنا‪ ..‬أم إل��ى األع�م��اق ت��رح��ل؟‪ .‬في‬ ‫رأس��ي ألسفل‪ ،‬ال يُق ّ ُر شغفاً بالبحر كما تصدر‬ ‫ويبقى هذا العنوان المُراو ُغ «كيف تصن ُع كتاباً‬ ‫النص‪« :‬كنتُ أري ُد بحراً» بقدر ما يشغ ُل التفكي ُر‬ ‫يُحقق أعلى مبيعات؟» ولعلنا نالحظ هنا في‬ ‫في األعماق حيزاً من الطرح المُضطرب شعورياً‪،‬‬ ‫العنوان وضوح عالمة االستفهام‪..‬أي ليس شارحاً‬ ‫والمُتزن شعرياً‪.‬‬ ‫سياقات‬ ‫ٍ‬ ‫لهذه الكيفية‪ ،‬وكأن جمي َع ما انفلت من‬ ‫وتتوالى مشاهد النزول أو االن�ح��دار ألسفل شعرية‪ ،‬هي باألساس استفها ٌم قائ ٌم ويتشك ُل من‬ ‫ٍ‬ ‫ب�‬ ‫ُتهكمة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫تشكيالت غائمة وواضحة‪ ،‬وم‬ ‫ٍ‬ ‫�دالالت متباينة األثر بي َن راغ� ٍ�ب وزاه� ٍ�د‪« :‬نازالً ٍآن آلخر‬ ‫من المغارة أبكي» (مفتتح نص «شجرة»)‪ ..‬إلى وح��ادة‪ ،‬ومُنكسرةٌ مُسالمة‪ ،‬وه�ك��ذا‪ ..‬وال تبتع ُد‬ ‫الحركة المتبادلة مع مفردات األج��واء المعنيّةِ عن مجال استفهامها مهما بدا من جُ م ٍَل خبرية‬ ‫بالرصد‪(« :‬ارتفع) الماءُ في البُحيرة إلى عنقي» مُنتهية‪ ..‬هي باألساس تأكي ٌد لهذه المتاهة التي‬ ‫وبعدها «(أح� ��ركُ ) ساقي فتؤلمني‪( ..‬أحركُ ) اعتنت بالموسيقى‪ ،‬والجسد‪ ،‬والطفل‪ ،‬والحيوان‪،‬‬ ‫ي��دي فتتحطم» ث��م الحركة التائهة‪(« :‬سأقومُ) والسيارة‪ ،‬واألصدقاء‪ ،‬والبئر‪ ،‬والبحر‪ ،‬والشجرة‪،‬‬ ‫من الماء‪ ..‬لكن إلى أين (أذه��ب) «وف��ي السياق وال �ح �ي��اة‪ ،‬وأخ �ي��راً ال �ح��بُ ‪ ،‬مُنفلتاً ف��ي مداراته‬ ‫المتدحرج ذات��ه‪ ،‬تأخذ الحرك ُة ما بعد الرمزية وعالمه‪:‬‬ ‫مساراً مُتمرداً جداً في نص «معها»‪..‬‬ ‫المؤلف‪..‬‬ ‫ُ‬ ‫هكذا قال‬ ‫وطلبَ مني المغفرة‪..‬‬ ‫هذه الحبةُ السوداءُ‬ ‫عن أي شيء؟!‬ ‫على أنفي‬ ‫الحب فجأةً‪..‬‬ ‫ُ‬ ‫يعودُ‬ ‫تُشبهُ الماضي‬ ‫ويزلزلني‪..‬‬ ‫حبة سوداء وثقيلة‬ ‫يجف دمُ الخيانةِ ‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫أسقط معها‬ ‫ُ‬ ‫لدرجةِ أنني‬ ‫وأتدحرج‪..‬‬ ‫مبان أخرى‪.‬‬ ‫وينتقلُ الطابقُ األعلى إلى ٍ‬ ‫وي�م�ك��ن ال �ق��و ُل إن��ه ف��ي دي���وان «ك �ي��ف تصن ُع‬ ‫كتاباً يُحق ُق أعلى مبيعات» يض ُج عال ٌم كبي ٌر من‬ ‫مفردات الحياة‪ ،‬ورؤاه��ا‪ ،‬التي تتوحد وتتقاطع‬ ‫عامل مُشترك رئيس هو اإلن�س��ان يعتم ُد‬ ‫ٍ‬ ‫ح��ول‬ ‫بعض الشر لتغيراتها‬ ‫اإلنساني َة وبراحه‪ ..‬ومتأبط َ‬ ‫المفاجئة‪ ..‬أو المُفجعة‪ ،‬م��ا ح��دا بالتمرد أن‬ ‫بمستويات ع��دة‪ ،‬أبرزها في نص‬ ‫ٍ‬ ‫يكون حاضراً‬ ‫«تسعينيات»‪.‬‬

‫دراس��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ونقـ ـ ــد‬

‫مُغاير وأكثر تقريباً بالرواية عن الحبيبة‪ /‬الرمز‪:‬‬ ‫«حبيبتي تجاوزت األربعين يا ماركيز» وفي أداة‬ ‫النداء «يا»‪ ،‬إشارةٌ مجازية في حد ذاتها‪ ،‬لقرب‬ ‫المسافة بين الصوت وصديقه ماركيز‪ ..‬اللذين‬ ‫ربطهما إيقا ٌع موسيقي خافت‪.‬‬

‫بسقوط اضطراري‬ ‫ٍ‬ ‫فيما يشي نص «سجين»‬ ‫موضع‪ ،‬في سياق زمني متعلق‬ ‫ٍ‬ ‫ال يصل إلى قرارة‬ ‫بالماضي المُطلق في صورة مُحددة «في الليلة‬ ‫الماضية»‪« ...‬ل��م أك��ن اب�ك��ي‪ ..‬كُنتُ أسقطُ في‬ ‫بئر‪ ..‬وال أص ُل إلى قاع»‪..‬‬ ‫ٍ‬

‫* شاعر وناقد مصري‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ ‪67‬‬


‫شمس تولد من اجلنوب‬ ‫> عماد عارف أحمد*‬ ‫وفي المساء‪ ..‬دلف “باسم” إلى حجرة نومه‪..‬‬ ‫ي��ا أس� �ت ��اذ‪ :‬م��ن أي ��ن ت��ول��د ال �ش �م��س ف��ي وطننا‬ ‫فلسطين؟‬ ‫وفتح نافذتها على مصراعيها‪..‬ثم ذهب إلى أمه التي‬ ‫ب��دت على ال�م��درس ابتسامة حزينة وه��و يتأهب كانت بالخارج تجمع الحجارة‪ ..‬وقال لها‪:‬‬ ‫لإلجابة على س��ؤال التلميذ “باسم” ال��ذي ل��م يبلغ‬ ‫أمي‪ ..‬ساظل مستيقظا هذه الليلة‪ ،‬ولن أنام حتى‬ ‫السادسة من عمره‪.‬‬ ‫أرى شمس الجنوب وهى تولد مع شمس الشرق‪.‬‬ ‫ الشمس تولد من الشرق في فلسطين‪ ،‬وفي كل‬‫ش �م��س ال �ج �ن��وب ال أح ��د ي��راه��ا وه ��ي ت��ول��د يا‬ ‫أنحاء األرض يا “باسم”‪..‬‬ ‫“باسم”‪!..‬‬ ‫أخ��ذ “باسم” يداعب شعر رأس��ه في نشوة وهو‬ ‫يقول لمدرسه‪..‬‬

‫لماذا يا أمي؟‬

‫ألنها شمس لم تخلق للبشرية كلها‪ ..‬بل خلقها الله‬ ‫ لكن أمي قالت لي ذات يوم‪..‬إن لوطننا فلسطين لنا فقط‪ ..‬من أجل أن نصبر ونكافح‪ .‬ومن أجل ليلنا‬‫شمساً أخرى تولد من الجنوب‪.‬‬ ‫الطويل يا ولدي‪.‬‬

‫حملق المدرس في عيني تلميذه الصغير‪ ..‬وبدت‬ ‫على وجهه عالمات تعجب سرعان ما تالشت‪ .‬عندما‬ ‫رد عليه‪ ..‬مؤكدا له كالم أمه‪.‬‬

‫إذاً‪ ..‬ألرى الشمس وهي تولد من الشرق‪..‬‬ ‫نظرت األم إلى طفلها الصغير‪ ..‬وقالت‪:‬‬ ‫شمس الشرق شمس حرية‪ ..‬ونحن بال حرية‪.‬‬

‫ هذا صحيح يا “باسم”‪ ..‬لوطننا فلسطين شمس‬‫وكيف نكون حماما يرفرف في السماء دون أن‬ ‫أخرى تولد من الجنوب‪ ..‬فبجانب الشمس التي تولد‬ ‫م��ن ال �ش��رق‪ ..‬بعث ال�ل��ه لنا شمسا أخ��رى ت��ول��د من نخاف من الصياد؟‬ ‫الجنوب‪ ..‬ليعطينا األمل في الحرية‪.‬‬ ‫م��دت األم ي��ده��ا إل��ى الطفل بحجر صغير‪ ..‬ثم‬ ‫‪ -‬ما معنى كلمة حرية؟‬

‫ حمامة ترفرف في السماء من دون أن تخاف‬‫من الصياد‪.‬‬

‫استطردت‪..‬‬

‫بداية حريتنا من هنا يا صغيري‪.‬‬

‫أخذ “باسم” الحجر من يدها‪ ..‬احتضنه بيديه‬ ‫ أبي استشهد وأنا صغير‪..‬وأخي استشهد األسبوع الصغيرتين وق� َّب�ل��ه‪ ..‬ه��رول إل��ى حجرة نومه وأغلق‬‫ال �ن��اف��ذة‪ ..‬ق� َّب��ل ال�ح�ج��ر م ��ر ًة أخ� ��رى‪ ..‬وض�ع��ه تحت‬ ‫الماضي‪ ..‬فهل سنموت كلنا برصاص اليهود؟‬ ‫دنا المدرس من تلميذه الصغير‪ ..‬ضمه إلى صدره وسادته‪ ..‬مدَّد جسمه الصغير على الفراش‪..‬‬ ‫بشده‪ ،‬والدموع تسيل على وجنتيه‪...‬‬ ‫وراح ينتظر الصباح‪..‬‬ ‫* كاتب من مصر‪.‬‬ ‫ ‬

‫‪68‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ‬


‫> ليلى احلربي*‬ ‫تنوء بحمل األكياس‪ ،‬فتتخذ لها مجلساً على‬

‫أحدِ الكراسي داخ َل السوق‪.‬‬

‫تتوقف والدتها‪ ..‬وتنظر إليها شزرا‪..‬‬ ‫لن أسير خطو ًة واحده‪ ..‬سأقع من طولي‪..‬‬ ‫ترمي لها م��ا معها م��ن األك �ي��اس‪ ..‬وتواصل‬

‫سيرها‪..‬‬

‫تنظر ببالهة لكمية المشتروات‪ ..‬وفي داخل‬

‫رأسها المتسربل بطرحة سوداء‪..‬‬

‫كشاشة تعرض عليها‬ ‫ٍ‬ ‫هناك بياض ناصع‪،،‬بدا‬

‫صورا ال قبل لها بإيقافها‪ ..‬ما رأت باألمس في‬ ‫تلك القناة المزعجة‪..‬‬

‫ج ��وع وب� ��ؤس وع � ��ري‪ ..‬وم ��ا ي�ح�ي��ط ب �ه��ا من‬

‫األكياس المترعة بالكماليات‪..‬‬

‫لم يتوقف العرض داخل رأسها‪..‬‬ ‫حتى وهي ترتشف القهوة وتقضم معها قطعة‬ ‫من الحلوى‪..‬‬ ‫تشعر ب �م��رارت �ه��ا‪ ..‬حين ت �ت��راءى لها صورة‬ ‫الطفل الهزيل الذي شاهدته أمس في تلك القناة‬ ‫المؤذية‪..‬‬ ‫صراخ في الممر الواسع يدوي‪..‬‬ ‫يتوقف الجميع عن حركتهم‪..‬‬ ‫الطفلة سقطت من الدور الثاني‪ ،‬واألم تجثو‬ ‫عند رأس�ه��ا المغطى ب��ال��دم‪ ...‬ي��ا ال �ل��ه‪ ..‬نفس‬ ‫الصورة التي رأتها البارحة‪ ..‬لم يكن حلماً‪..‬‬

‫أمامها كشك يبيع القهوة‪..‬‬

‫بل كان مشهدا في القناة إياها‪..‬‬

‫ولكنها ال تستطيع ال��وص��ول إل �ي��ه م��ع هذه‬

‫الفرق أن الطفلة هناك رثة الثياب ولم تسقط‬

‫الفوضى حولها‪..‬‬

‫من شاهق‪ ،‬بل أرداه��ا لغ ٌم في األرض‪ ،‬األم هنا‬

‫تشير لذلك العامل‪..‬‬

‫غابت عن الوعي‪ ..‬وهناك وعت الغياب والطفلة‬

‫يأتي مسرعاً‪..‬‬

‫هنا فارقت الحياة‪ ..‬وهناك فارقت الموت‪..‬‬

‫تناوله قطعة نقدي ًة أكب َر من المطلوب‪..‬‬ ‫أكبر كوب قهوة‪ ..‬وقطعة حلوى ال تقل حجماً‪..‬‬

‫ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة‬

‫صورتان‪..‬‬

‫لم تنتبه إال على صوت أمها القادمة ومعها‬ ‫أكياس أخرى‪ ..‬هيا بنا‪ ..‬يكفينا تسوقاً اليوم‪..‬‬

‫* قاصة من السعودية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ ‪69‬‬


‫رؤى على أمواج متضاربة‬ ‫> محمد محقق*‬

‫اختفاء‬

‫رآها ترقص داخل جدران مغلقة‪،‬‬ ‫افتتن بالجمال األخاذ‪..‬‬ ‫وحين أطلق العنان لتجوال العينين‪،‬‬ ‫كانت الحسناء تغيب في سراديب العتمة‪!..‬‬

‫تمرد‬

‫على قارعة السرير‪،‬‬ ‫قاوم لحظة الرحيل‪،‬‬ ‫وحين أدركت أن صوته الرخيم‬ ‫تحول إلى حشرجات بكاء‪،‬‬ ‫تمردت عليه‪،‬‬ ‫وأعادت كتابة الحكاية من جديد‪!...‬‬

‫تجاهل‬

‫حين ألقت بعشقه في‬ ‫سراديب النسيان‪،‬‬ ‫مزق أشرعة الحب بال تردد‪،‬‬ ‫وأهدى لنفسه أغنية الريح‪،‬‬ ‫لتغازل بياض فراغه‪!...‬‬

‫طموح‬

‫أحب المبدعين إلى حد الجنون‪،‬‬ ‫تمنى أن يكون واحدا منهم‪،‬‬ ‫ابيضت عيناه من كثرة القراءة‪،‬‬ ‫أخيرا‪،‬‬

‫‪70‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ‬

‫وجد نفسه خارج الرقعة‪!...‬‬

‫اهتمام‬ ‫عندما رآه مبتسما‬ ‫اطمأن إليه‪،‬‬ ‫بادله الحديث طمعا في صداقته‪،‬‬ ‫لما نهض اآلخر مودعا‪،‬‬ ‫أدرك أنه في عزلة تامة‪!...‬‬

‫مفارقة‬ ‫ألنه يتمتع بحيوية مميزة‪،‬‬ ‫مارس كامل صالحيته‬ ‫بهدوء تام‪،‬‬ ‫لكن صديقته كان لها رأي آخر‪،‬‬ ‫فقد تزوجت من غيره‪!...‬‬

‫تجاهل‬ ‫شعر بالحزن لحروفه المبعثرة‪،‬‬ ‫وحين تأمل حلمه المتهاوي أمامه‪،‬‬ ‫اشتكى أمره لصاحبه‪،‬‬ ‫فتم حذف اسمه‬ ‫من قاموس صداقته‪!...‬‬


‫ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة‬

‫لــــــــــــوحة‬ ‫> هشام ح ــراك*‬ ‫حسام‪ ،‬طفل لم يتجاوز العاشرة من عمره‪ ..‬يحب‬ ‫الناس‪ ..‬يحب األلوان‪ ..‬يحب الجمال‪ ..‬يحب الحياة‪..‬‬

‫صبرك علي يا والدي‪ ..‬أنا بصدد التفكير في‬ ‫ذلك‪.‬‬

‫حسام هو ذاك الطفل ال��ذي سأله المدرس‬ ‫عن سر تمسكه بالمركز األول في صفه الدراسي‪،‬‬ ‫فأجاب بلغة الواثق من نفسه‪:‬‬

‫‪ ..‬فكر حسام بحركات سريعة من عينيه‪ ،‬ثم‬ ‫شرع يكتب‪ ،‬عند أسفل اللوحة‪ ،‬بحروف أنيقة‬ ‫بارزة‪« :‬ا‪ ..‬ل‪ ..‬س‪ ..‬ل‪ ..‬ا‪ ..‬م‪.».‬‬

‫ألنني أريد أن أقدم شيئا للناس حين أكبر‪.‬‬

‫‪ ..‬خرج الطفل مزهوا بنفسه‪ ،‬حامال لوحته‬ ‫التشكيلية‪ ..‬نادى على أصدقائه من أبناء الجيران‬ ‫لمشاهدتها‪ ..‬كانت الشمس‪ ،‬لحظتها‪ ،‬قد غابت‬ ‫تماما‪ ،‬لكن نور القمر عوض أشعتها في انتظار‬ ‫عودتها بعد الفجر‪ ..‬شرع حسام يشرح لزمالئه‬ ‫كيف تمكن من إنجاز لوحته وه��م يصغون إليه‬ ‫بإعجاب كبير‪ ..‬بينما هم كذلك‪ ،‬إذا بمجموعة‬ ‫م��ن ال�ط��ائ��رات الحربية تغطي ِس�م��اء المدينة‪،‬‬ ‫وتخترق سكون الليل‪ ،‬وتحجب عن األطفال نور‬ ‫القمر‪ ..‬أصيب األط�ف��ال برعب شديد‪..‬حاول‬ ‫حسام سحب لوحته ودخول البيت‪ ..‬في طريقه‪،‬‬ ‫سقطت عليه شظية قنبلة حولت جسده الصغير‬ ‫إلى شظايا تناثرت على لوحته‪ ..‬غمرت دماؤه‬ ‫اللوحة‪ ،‬واختلطت بألوانها‪ ،‬لكن‪ ،‬بقيت الحمامة‬ ‫البيضاء ب ��ارزة بشموخ‪ ،‬وك��ذل��ك تلك الحروف‬ ‫المُشكِّلة ل‪« :‬ا‪ ..‬ل‪ ..‬س‪ ..‬ل‪ ..‬ا‪ ..‬م‪.».‬‬

‫ل��م ي �ع��رف ح �س��ام شيئا اس �م��ه ال �ن��وم‪ ،‬طيلة‬ ‫ليلة األم ��س‪ ،‬م��ن ش��دة سعادتـه ب �ل��وازم الرسم‬ ‫التي جلبها له وال��ده‪ ،‬بعد أن لمس فيه عشقا‬ ‫جنونيا لهذا الفن الرائع‪ ،‬كما أنه ظل يفكر في‬ ‫أول موضوع ألول لوحة سيرسمها في مشواره‬ ‫اإلب��داع��ي‪ ..‬ل��م يتناول إف�ط��اره وال غ��داءه رغم‬ ‫إل�ح��اح وال��دت��ه‪ ..‬خ��ط ح�س��ام‪ ،‬على قطعة ثوب‬ ‫بيضاء‪ ،‬ع��دة خطوط وأشكاال هندسية‪ ..‬شرع‬ ‫يلونها بتركيز وعناية فائقين‪ ،‬وبألوان مختلفة‪،‬‬ ‫ليهتدي‪ ،‬في النهاية‪ ،‬إل��ى رس��م حمامة بيضاء‬ ‫تحلق في فضاء أزرق س�م��اوي‪ ..‬حين ف��رغ من‬ ‫ذلك‪ ،‬سأله والده‪:‬‬ ‫بماذا ستعنون اللوحة يا حسام؟‬ ‫أجاب واثقا من نفسه كالعادة‪:‬‬ ‫* قاص من المغرب‪.‬‬ ‫ ‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ ‪71‬‬


‫قصص قصيرة جدا ً‬ ‫> ميمون حرش*‬

‫العانس‬ ‫تخطت األربعين‪ ،‬بال زوج‪ ،‬بال أوالد‪ ،‬لكنها أيضا‬ ‫تخطت اليأس‪ ،‬وسكنت بيت الحروف كملكة متوجة‪.‬‬

‫و‪...‬‬ ‫متعجبة‪:‬‬

‫ويحك‪ ،‬من كتابة العرائض والبيانات إلى الشعر‪..‬‬ ‫ح�ي��ن ت�م��ر ش��ام�خ��ة وس ��ط ال�س��اك�ن��ة‪ ،‬ال تكترث أتراهم كانوا يعلمونكم الشعر في الداخل؟‬ ‫أبدا‪..‬‬ ‫لألصابع الطويلة التي تشير إليها‪ ،‬ال تنظر وراءها‬ ‫أبدا‪ ،‬هم‪ ،‬نعم‪ ،‬تعودوا النظر في كل الجهات‪ ،‬فحين‬ ‫فما هكذا يكون اللقاء األول بين حبيبين بعد طول‬ ‫تختفي ه��ي‪ ،‬تنبثق أخ��رى م��ن جهة م��ا لتمر بنفس غياب‪..‬‬ ‫الوجوه‪ ،‬خُ شبٌ مسندة‪ ،‬متأهبة ألن تشير بأصابعها‪.‬‬ ‫ل��م ي���ردَّ‪ ،‬تخطاها ب�ص�م��ت‪ ،‬وم �ض��ى إل��ى سجن‬ ‫لم تكترث قط‪-‬في المناسبات‪ -‬لغمز ولمز النساء‬ ‫المتزوجات‪ ،‬تبكي عليهن ال منهن‪ ،‬وتعتبرهن مجرد‬ ‫نساء ليس إالّ‪.‬‬

‫آخر‪..‬‬

‫أكباد مقروحة‬

‫سمع ع��ن س��وق بعيدة‪ ،‬يأتيها ال�ن��اس م��ن ك��ل فج‬ ‫أما الرجال فقد زلزلتْ قلوبَهم بكبريائها‪ ،‬وأوغرتها عميق‪ ،‬يتم فيها استبدال أكبادهم المريضة‪ ،‬بأخرى‬ ‫سليمة‪.‬‬ ‫ضدها‪ ،‬وازدادت أصابعهم إشارة إليها‪..‬‬

‫رح��ل إليها‪ ،‬وبعد مغامرات جلجامشية‪ ،‬وصلها‪،‬‬ ‫وح�ي��ن م��رت بالسلف ف��ي الخمسين م��ن عمرها‬ ‫لكن متأخرا‪ ،‬لقد سبقه مرضى آخرون‪ ،‬ولم يتبق غير‬ ‫مدوا أصابعهم‪ ،‬وأشاروا إليها‪ ،‬قائلين‪:‬‬ ‫كبد واحدة مكتوب عليها‪« :‬للنساء فقط»‬ ‫«إنها العانس»‬ ‫أصر على استبدال كبده بها‪ ،‬فقالوا له‪ ،‬مستحيل‪.‬‬ ‫لتر َّد بهدوء صاخب‪:‬‬ ‫وح �ي��ن أص ��ر ط�ل�ب��وا م�ن��ه ش �ه��ادة ح�س��ن السيرة‬ ‫«بل مُسْ تغنية»‪.‬‬ ‫والسلوك‪.‬‬

‫السجين الشاعر‬

‫أعرب ما تحته فقر‬

‫خ��رج من السجن بعد م��دة طويلة‪ ،‬قابل حبيبته‪،‬‬ ‫بادرها بالقول‪:‬‬

‫برج عاجيٍّ يطل «الغنى»‪ ،‬ساخراً ممن تحته‪.‬‬ ‫من ٍ‬

‫أَب�������������رقٌ ب�������دا م������ن ج�����ان�����ب ال������غ������ور الم����ع‬ ‫أم ارت����ف����ع����ت ع�����ن وج������ه ل���ي���ل���ى ال���ب���راق���ع‬ ‫* كاتب قصة من المغرب‪.‬‬

‫‪72‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ‬

‫وك��ان��وا منشغلين ب��إع��راب كلمة «ف�ق��ر» ف��ي جملة‬ ‫ركيكة‪.‬‬ ‫فحاروا بين إعرابين‪ :‬نعت أم عطف أغنياء‪.‬‬


‫ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة‬

‫قصص قصيرة جدا ً‬ ‫> محمد صوانه*‬

‫تشبث‪..‬‬ ‫يطالع صفحة الماء على الشاطئ‬ ‫راعه ظله المسروق تتقاذفه األمواج‪..‬‬ ‫في لحظات الالوعي‪،‬‬ ‫يستدير نحو الشمس متشبثاً بخيوط الوداع‪..‬‬

‫أمّ ي‪..‬‬

‫تشتكين الصداع‪،‬‬ ‫وأظل ألف رأسي بوشاحك‪..‬‬

‫انطالق‬

‫استأثرت أخواتها بالميدان دهراً‬ ‫ظل يحبسها عسر المخاض؛‬ ‫ارتجت جوانحها وتسارع النبض‪..‬‬

‫‪ -‬أين أنت؟؟!!‬

‫عطلة صيفية!‬

‫يدخل إلى غرفة الفصل مع بداية عام دراسي‬ ‫جديد‬ ‫ألقى عن ظهره أعباء العطلة الصيفية؛‬ ‫بقايا علب زي��وت السيارات‪ ،‬مشاجرات مع‬ ‫صبية ورش��ات الصيانة‪ ،‬إهانات ووك��زات معلم‬ ‫الورشة‪..‬‬ ‫أما حصيلته؛ فثياب مشبعة بالزيوت‪ ،‬وجسد‬ ‫د ُِعكَتْ عضالته الغضة‪،‬‬ ‫ويدان متشققتان‪..‬‬ ‫وعين لم تعد تتطلع إلى أعلى!‬

‫أول النطق‬

‫فانطلق وميضها في اآلفاق‪..‬‬

‫رواية طويلة جداً‪..‬‬ ‫تقول له‪:‬‬ ‫‪ -‬ابتعد عني‪..‬‬

‫يقرأ في كتاب أهدي إليه‪،‬‬ ‫بلغ صفحته الخمسين‪،‬‬ ‫ولم يزل يهمس في دواخله بأسى‬

‫وعندما يتوارى‪،‬‬

‫األحرف األولى المفقودة‪:‬‬

‫تصيح على مسمع الثقلين‪:‬‬

‫ب‪..‬ا‪ ..‬ب‪..‬ا‬

‫* كاتب من األردن مقيم في السعودية‪.‬‬ ‫ ‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ ‪73‬‬


‫الفيلم املسيء لإلسالم‬ ‫> جاك صبري شماس*‬

‫حرية التعبير ال تعني على اإلطالق اإلساءة إلى المعتقدات والمشاعر وحرية‬ ‫التعبير دون ضوابط أخالقية ال تختلف عن شريعة الغاب‪..‬‬ ‫ح���اش���ا ل��م��ث��ل��ك م����ن ي������ذمَّ ويشتُ مُ‬

‫���ج���مُ‬ ‫وب����ك ال��ب��س��ي��ط��ة ت��ق��ت��دي واألن ُ‬

‫روض ف����ي ودادك برعم‬ ‫ٍ‬ ‫م��ل��أتْ م��ح��بَّ��تُ ��ك األن�������ا َم وأغ���دق���ت وب����ك����لِّ‬ ‫���ي المسلم‬ ‫ك���ي���ف ال�����رع�����اعُ ي���ل���فِّ ���ق���ون مساوئ ًا وال����ش����رع خ���ات���م���ه ال���ن���ب ُّ‬ ‫م���ن ذا ال����ذي ي��ه��ذي ب��غ��ي��ر حقيقةٍ‬

‫���س ال ت��غ��ي��ب وت���ه���رَم‬ ‫وال����ح����ق ش���م ٌ‬

‫إن ال����ذي زرع ال��ش��م��ائ��ل ف��ي الدنى س��رع��ان م��ا ي��زه��و ال��ن��دى والموسم‬ ‫وال����م����رء ي��ش��م��خ ف���ي س���م��� ِّو فعالِ هِ‬

‫���ظ���م‬ ‫���ح���هُ ال����م����رام وَيُ ���عْ ِ‬ ‫وال����ل����ه ي���م���ن ْ‬

‫دي������ن ت���ج���لَّ���ى ال�����بِ �����رُّ ف����ي ف����رق����انِ ����هِ‬

‫وب�����ه ت����ك����رّم ب��ال��ف��ض��ي��ل��ة (م����ري����مُ )‬

‫�����رب أم���ري���ك���ا وذؤب��������ان الغوى خ��ب ٌ��ث ي��ه��ده��د ف��ي ال��ص��دور ويجثم‬ ‫وال�����غ ُ‬ ‫تعصب أع����م����ى ت���خ���بّ���ط ب���ال���ظ�ل�ام يخيِّم‬ ‫ُّ‬ ‫وال���ف���ت���ن���ة ال���ك���ب���رى ن����ت����اجُ‬ ‫ق����ل م����ا ت����ش����اء ف���ل���ن ت����ه����زَّ عقيد ًة ع��ص��م��اء ف���ي ش��ف��ة ال���دن���ى تتكلَّمُ‬ ‫���رب ال أرتضي ذمَّ ال�����ن�����ب�����وَّ ة أو ن�����ف�����اق����� ًا ي����ؤل����مُ‬ ‫أن����ا م���ن ن���ص���ارى ي���ع ٍ‬ ‫ت��ج��ري ال��ع��روب��ة ف���ي ع����روق دمائنا وال���ض���اد ح����رف ف���ي ال���ه���وى يترنَّمُ‬ ‫���ب ي��ن��ب��ض ب����اإلخ����اء وينعم‬ ‫ه�����ذي ي�����دي ع����رب����اءُ ت��ن��ث��ر طيبَها وال���ق���ل ُ‬ ‫���������رآن ال�����رس�����ول م���خ���لّ���دٌ‬ ‫ِ‬ ‫وب����ل����ي����غُ ق‬

‫����ح����كَ����م‬ ‫آي ج����ل����ي����لٌ مُ ْ‬ ‫إع�������ج�������ازه ٌ‬

‫���ف وج����� َه م���ح���مَّ ٍ���د أل�����قُ السنا وم��������ن��������ار ُه وج����������هٌ وث������غ������رٌ ي���ب���س���مُ‬ ‫وي���ح ُّ‬ ‫* شاعر من سوريا‪.‬‬ ‫ ‬

‫‪74‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ‬


‫ش������������������������������������ع������������������������������������ر‬

‫ُ‬ ‫الضحى‬ ‫أغرودة‬ ‫> مالك اخلالدي*‬ ‫يطولُ شـ ـجــى األيامِ حين ًا من الدهرِ‬

‫ونستعذب اآله ـ ــاتَ صبر ًا على صبرِ‬ ‫ُ‬

‫على أم ٍ��ل نقضي فص ــولَ حياتنـ ــا ونبصرُ ف��ي آفاقنا سح ـن ـ َة الخ ـيـرِ‬ ‫فمهما استطالَ الليلُ لن يفلحَ الدج ــى ف��إن تمام الليل يزجي ـ ــهِ للفـ ـجـ ــرِ‬ ‫حيث ال ندري‬ ‫ُ‬ ‫الصبح أغرودة الضحى سترسلها األي���ام م��ن‬ ‫ِ‬ ‫لنا مع خيوط‬ ‫أص���وغُ تفاصيل ال��ح��ي��اةِ حـ ــكايـ ـ ــةً‬

‫ت��ن��اج��زُ أي��ام��ي إذا عقني شـ ـعـ ــري‬

‫القلب والحزنُ يستشري‬ ‫ِ‬ ‫ينزف المدى وتبكي زهور‬ ‫ُ‬ ‫رفيف الحرف إذ‬ ‫ُ‬ ‫مالذي‬ ‫نعيش لنجـت ـ ــا َز ال��دروب بفجرهـ ــا وفي ليلها المأفون أو وجهه البدري‬ ‫ُ‬ ‫تقلبنا األح���داث كيمـ ــا تصوغُ ـن ـ ــا حروف ًا تناجي الكون في ساحة العمرِ‬ ‫نعيش اغتراب ًا ما ي ـ ــزالُ بنا يسري‬ ‫ُ‬ ‫ـان ف��ي األســى‬ ‫أي��ا ج��ارت��ا إن��ا قري ـبـ ـ ِ‬

‫(‪)1‬‬

‫فكفّ ي ن��واح�� ًا وابعثي ال��ب��و َح فكـ ــر ًة تغردُ كي تبقى بال دمعنا القسـ ــري‬ ‫دوح ت��ف��اق�� َم ف��ي فكري‬ ‫خ��ذي كل أش��ع��اري وتيهي على منى وع����ودي إل���ى ٍ‬ ‫الكون يا جارتي جسري‬ ‫ِ‬ ‫خذي هينمات األمس إشراقة الرؤى وكوني لروح‬ ‫النجم أو هدّ ني أس ـ ــري‬ ‫ِ‬ ‫تعالي هنا واستمطري الصبح كلما تهيّبَ وج��هُ‬ ‫* شاعرة وقاصة من الجوف‬ ‫ ‬ ‫(‪ )1‬مجارة لقصيدة أبي فراس الحمداني التي قالها في أسره‪:‬‬ ‫ أيا جارتا ما أنصف الدهر بيننـا‪ ..‬تعالي أقاسمك الهموم تعالي‪..‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ ‪75‬‬


‫رويده‬ ‫> عبدالكرمي النملة*‬

‫رويده‪..‬‬

‫(أول نظرة‪)....‬‬

‫رويده‪..‬‬

‫أين أنت؟‬ ‫أمن دهشة الماضي أتيت؟!‬ ‫أم من غبار تلك السنين؟!‬ ‫أتيت تطوين سدفة الليالي‬ ‫تفكين وثائق األيام‬ ‫تفلتين الحنين‪..‬‬

‫رويده‪..‬‬

‫تتلمسين بعينيك الصغيرتين‬ ‫ذلك الدرب القديم‬ ‫ذلك الطفل الغرير‬ ‫ذلك العشق الصغير‬ ‫ها أنت كما أنت‪!..‬‬ ‫ينفرط من عينيك الحنين‬ ‫ذاك الشعاع القديم‬ ‫ذاك النسيم العليل‬

‫رويده‪..‬‬

‫أين أنت‬ ‫كل ذاك المساء الطويل‬ ‫كل ذاك العناء المستجير‬ ‫ثم أتيت‪...‬‬ ‫ترجين طفلك الصغير‬ ‫ترجين لحنك القديم‬ ‫ترجين عشقك البعيد‬ ‫أما زال في العمر متسع للقاء؟‬ ‫* شاعر من السعودية‪.‬‬ ‫ ‬

‫‪76‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ‬

‫ها أنا كما أنا‬ ‫ضجيج الشوق في قلبي‬ ‫يعصف بي‬ ‫ترذرذت ذكرياتي في شقوق السنين‬ ‫دائما‬ ‫أنصت لذكراك‬ ‫وفي فمي كل النشيد‬ ‫آه‪!..‬‬ ‫يا نغم ًا‬ ‫قضيت العمر يحلم فيك قلبي‬

‫رويده‪..‬‬

‫ما أنت يا دنياي إ ال حلم ًا‬ ‫يغيب ثم يزدهر‬

‫رويده‪..‬‬

‫ال تسأليبني‬ ‫كيف ضاعت السنين؟!‬ ‫كيف لم نقطف يوما مع ًا‬ ‫زهر الياسمين؟!‬

‫رويده‪..‬‬

‫تعالي‬ ‫نحبس ظلنا األول‬ ‫نفر من حديث الناس‬ ‫ُّ‬ ‫إلى‬ ‫صفحات الخالدين‪...‬‬


‫> نادية أحمد محمد*‬ ‫أنا لست هرتك األثيرة‬ ‫كي أراك‬ ‫فأنتشي‬ ‫وأروح أطلب‬ ‫بعض عطفك‬ ‫بالمواءْ‬ ‫أنا لست هرتك الرقيقة‬ ‫كي أسوق إليك‬ ‫لهفة نبضتي‬ ‫وأروح‬ ‫أمسح لهفتي‬ ‫بثليج ساقك‬ ‫كي تمد إليَّ كفك‬ ‫بالعطاءْ‬ ‫أنا لست من تدنيه‬ ‫إن أدنيته‬ ‫برقيق حرفك‬ ‫أو ببعض الرفق‬ ‫إن راق النداءْ‬ ‫أنا لست هرتك اللطيفة‬ ‫كي تداعب‬ ‫كفك الخرساءُ‬ ‫رأسي‬ ‫ثم تدفعني‬ ‫برفق الضيق‬ ‫حين تملني‬ ‫فأسير خلفك‬ ‫استقي‬ ‫مُ رَّ انحناءْ‬

‫أنا لست هرتك الصغيرة‬ ‫كي أراك‬ ‫تسومني‬ ‫بعض التعطف والحنين‬ ‫متى تشاءْ‬ ‫****‬ ‫أنا كنزك المخبوء‬ ‫في دار المنى‬ ‫ومالذك المأمون‬ ‫إن ُحمَّ القضاءْ‬ ‫أنا تاج كونك‬ ‫ترتقي‬ ‫لتنال بعض رضاي‬ ‫سعي ًا للصفاءْ‬ ‫أنا بدر ليلك‬ ‫إن مضى‬ ‫صبح الحياة‬ ‫وعاش قلبك‬ ‫في الدجى‬ ‫وانساب نبضك‬ ‫شاكي ًا‬ ‫طول العناءْ‬ ‫أنا نور يومك‬ ‫حين تشرق بسمتي‬ ‫وتطل من عينيَّ‬ ‫شمسك‬ ‫والضياءْ‬ ‫أنا توأم الروح‬ ‫اهتديت إلىّ‬

‫حين رأيتني‬ ‫اشتاق مثلك للنقاءْ‬ ‫أنا‬ ‫صحوة األحالم‬ ‫تُسكر ناظريك‬ ‫زيف أو رياءْ‬ ‫بدون ٍ‬ ‫أنا‬ ‫رجفة اإلشراق‬ ‫تسكن مقلتيك‬ ‫ترد قلبك للسماء‬ ‫فإذا اقتربت‬ ‫بنور قلبك‬ ‫أو نقاء الروح‬ ‫واجتزت‬ ‫القليل من الغباءْ‬ ‫وإذا اقتربت‬ ‫كما الحمائم‬ ‫ساعي ًا للنور‬ ‫سعيك للقاءْ‬ ‫إذا اقتربت‬ ‫مسلّم ًا‬ ‫بالحب مرة‬ ‫روحي‬ ‫ستقرب ألف مرة‬ ‫ما دمت‬ ‫لم ترني كهرة‬ ‫وعرفت ما معنى النساءْ ‪!!!!.‬‬

‫ش������������������������������������ع������������������������������������ر‬

‫أنا لست هرتك اجلميلة‬

‫* كاتبة من مصر‪.‬‬ ‫ ‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ ‪77‬‬


‫قصاقيص شعرية‬ ‫> محمد عباس على داود*‬

‫وجود محدود‬

‫قلت ألم الولد‬ ‫تعالي‬ ‫نكتب ميثاق ًا وعهود‬ ‫بعض ًا من وقتك‬ ‫أرضاه‬ ‫بصفة الزوج‬ ‫وبعض ًا آخر للمولود‬ ‫ضحكت‬ ‫ضحكتها البيضاء‬ ‫وقالت‬ ‫يا ذاك المكدود‬ ‫ما عاد‬ ‫وجودك يشغلني‬ ‫مادام وليدك موجود‬ ‫من أنجب‬ ‫طف ًال يا ولدي‬ ‫فليقبل‬ ‫بوجود محدود !!‬

‫فن التمثيل‬

‫كانت‬ ‫خلف زجاج الشاشة‬ ‫تتلوى‬ ‫تزحف ناعمةً‬ ‫تتدفق‬ ‫عري ًا‬ ‫وتميلْ‬ ‫تحمل‬ ‫* كاتب من مصر‪.‬‬ ‫ ‬

‫‪78‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ‬

‫شيطان ًا يتحدى‬ ‫بالحركات‬ ‫ِ‬ ‫وفى العينين‬ ‫يصوغ‬ ‫فنون العشق‬ ‫حروف ًا فوق شفاهٍ‬ ‫تبرع في فن التقبيلْ‬ ‫يا إخوان الشر‬ ‫كفاكم‬ ‫قيل‬ ‫كفاك الجهل لباس ًا‬ ‫ذلك‬ ‫مقبول وجميلْ‬ ‫ٌ‬ ‫قال‬ ‫بجد الرجل الحازمِ‬ ‫حين يكون الفن‬ ‫عري ًا‬ ‫ملعونٌ فن التمثيلْ‬

‫طلب الوداد‬

‫وقف الثقيل ببابها‬ ‫يرجو‬ ‫الوداد المستحيل‬ ‫ويقول‬ ‫جئتك طالب ًا‬ ‫بعض ًا‬ ‫من الود الجميل‬ ‫صدته صد ًا حازم ًا‬ ‫فأدار‬ ‫وجها للرحيل‬

‫لما رأته مغادر ًا‬ ‫صرخت‬ ‫تريث يا ثقيل‬

‫اشتراكية‬

‫حين رأيت‬ ‫حبيب القلب‬ ‫طليق الوجه‬ ‫يزف البسمة‬ ‫لألحداق‬ ‫يصب حروف اللغة‬ ‫جزاف ًا فى اآلذان‬ ‫بدون هوية‬ ‫يشرح حب ًا‬ ‫بحب‬ ‫ليس ٍ‬ ‫يمطر أشواق ًا خيرية‬ ‫يعزف لحن ًا‬ ‫يقطر أحالم ًا‬ ‫وهمية‬ ‫قلت لنبضة قلبي‬ ‫مه ًال‬ ‫لن نهواه‬ ‫فحين أحب‬ ‫أريد حبيب ًا‬ ‫يحذف‬ ‫من قاموس الحب‬ ‫تمام ًا‬ ‫كلمة‬ ‫اشتراكيه !!‬


‫(‪)1‬‬

‫سكب الليلُ على خافقي‪..‬‬ ‫بعض هذي القوافي‪..‬‬ ‫ثم قال‪..‬‬ ‫هيت لك!!‬ ‫يوسفي‪..‬‬ ‫أنتَ‬ ‫وأنت الخليلُ الوفي‬ ‫كم تضيء القوافي‪..‬‬ ‫بعبير الصلوات‪..‬‬ ‫ونرجسةٍ في الحقو ل‪..‬‬ ‫اآليالت إلى القطف‪..‬‬ ‫وأنت الذي تمنح البردَ‪..‬‬ ‫ماشىءٌ دفي!!‬

‫(‪)2‬‬

‫عال‪..‬‬ ‫عل ٍ‬ ‫حط لي‪ ..‬من ٍ‬ ‫توجهه‪،‬‬ ‫خاف خفي‪.‬‬ ‫وهو ٍ‬ ‫مَ دَّ لي هذا السؤال‪ ..‬األكيد‪..‬‬ ‫المنتفي‪..‬‬ ‫كيف يا شاعراً‪..‬‬ ‫آذنتهُ القصيدة باال كتفاء‪..‬‬ ‫تكتف؟!‬ ‫ِ‬ ‫ولم‬ ‫كيف تأتي إلى راحتيك‪..‬‬ ‫مياه القصيدة‪..‬‬ ‫تغرف؟!‬ ‫ِ‬ ‫ثم لم‬ ‫يوسفي أنت‪...‬‬ ‫وأنت الخليل الوفي!!‬ ‫مَ دَّ لي هذا السؤال‪:‬‬ ‫بين هل‪..‬‬

‫(‪)3‬‬

‫> د‪ .‬يوسف العارف*‬

‫ولماذا‪..‬‬ ‫وكيف‪..‬‬ ‫تخونُ األبجديةُ ريشةً تحتويها‪..‬‬ ‫وتحنو عليها‪..‬‬ ‫وتمنحها الماء الزالل؟!‬ ‫وما قلتَ لي‪:‬‬ ‫كيف ُخطانا خَ طَ ْت دونما سوءَةٍ‬ ‫وارتقت دونما َفزْعَ ةٍ‬ ‫ْ‬ ‫المآل‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫وانتهت في‬ ‫مآل؟!‬ ‫أإلى ال ِ‬ ‫كيف حن َّْت ُخطانا‪..‬‬ ‫إلى ما يقال؟!‬ ‫تلك كانت نبو َءتُنا‪..‬‬ ‫الرمل‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫يوم سارت إلى‬ ‫سارت إلى (الطين)‬ ‫(طين)‪..‬‬ ‫ٌ‬ ‫وما ثم‬ ‫يسجل تلك الخطى‪..‬‬ ‫فضاعت مع الريح‪..‬‬ ‫الليل‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫ضاعت مع‬ ‫قول يقال!!‬ ‫أي ٍ‬ ‫وضاعت خطانا‪ ..‬كما ِّ‬

‫ش������������������������������������ع������������������������������������ر‬

‫قصيدة اليوسفية‬

‫(‪)4‬‬

‫َوشحَ بالريح‪..‬‬ ‫سَ رَّ ني من ت َّ‬ ‫يوم انتشت في يديه‪..‬‬ ‫حروف الكتابة!!‬ ‫قلت‪ :‬سوف أغني‪..‬‬ ‫أمهِّ دُ هذا الطريق الطويل‪..‬‬ ‫وأُبحرُ بين فَعولُنْ فعيل!!‬ ‫وما ساءَني‪..‬‬ ‫غير هذي المواويل التي‪..‬‬ ‫قالها غيرنا‪،‬‬ ‫قلت‪ :‬سوف أغني‪..‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ ‪79‬‬


‫إلى أن تفي َء السحابة عن غيِّها‪..‬‬ ‫وتخرج (أنثى القصيدة) من خدرها‪..‬‬ ‫متوجةً بالمعاني البِ كار‪..‬‬ ‫ومنسوجةً بالسنا والصهيل!!‬

‫(‪)5‬‬

‫قال لي‪:‬‬ ‫يوسف‪..‬‬ ‫أنت‪..‬‬ ‫وأنت‪ ..‬الخليل الوفي!!‬ ‫مذ لقيتُ ك‪..‬‬ ‫سائحا في دروب المدينة‪..‬‬ ‫وجهك‪..‬‬ ‫َ‬ ‫ُتيَمِّ مُ‬ ‫نحو الشموس الحزينة‪..‬‬ ‫ألق‪..‬‬ ‫وتمتاح من ٍ‬ ‫َتك!!‬ ‫َص ْبو َ‬ ‫كيف كُ نتَ ‪..‬‬ ‫يوم أن تنادوا عشاءً ‪..‬‬ ‫بابك‪..‬‬ ‫إلى َ‬ ‫واقت َفوْا أثرك‪..‬‬ ‫الجاهلي‪..‬‬ ‫ُّ‬ ‫ها هو الدَّ ر َُك‬ ‫يحث الخطى‪ ..‬يتبعك‪.‬‬ ‫فاحترس!!‬ ‫ال تساوم على صبوتك‪..‬‬ ‫ولو وزنوك الذهب!!‬ ‫وإن أقلقوك‪..‬‬ ‫وإن أتعبوك‪..‬‬ ‫فقم وتبتَّل‪..‬‬ ‫وعفِّ ر نواصيك ماء الثرى‪..‬‬ ‫كيما ترى‪..‬‬ ‫بعد حين‪ ..‬أجلك!!‬ ‫ال يسدُّ وا عن الشمس عينَك‪..‬‬ ‫إنهم يقصدوا عتمتك!!‬ ‫وارتقب يوما سيأتي‪..‬‬ ‫وعلى خيلك أن تقطع‪..‬‬ ‫* شاعر من السعودية‪.‬‬ ‫ ‬

‫‪80‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ‬

‫الشرَك‪.‬‬ ‫هذا َّ‬ ‫إن للفجر انبالج‪..‬‬ ‫بعد أن زاد الحلك!!‬ ‫يوسفي أنت‪..‬‬ ‫وأنت الذي ي ي‪..‬‬ ‫تعرف علم الفلك!!‬ ‫فتيقن‪..‬‬ ‫ثم قم وابتهل‪..‬‬ ‫يا إلهي‪..‬‬ ‫إن تعذبني‪..‬‬ ‫فما أعدلك!!‬

‫(‪)6‬‬

‫يوسفي‬ ‫أنت‪ ..‬وأنت الخليل الوفي!!‬ ‫مذ تغر بت‪..‬‬ ‫ومادت خوافيك!!‬ ‫في شرنقات السؤال العتيق‪..‬‬ ‫هيأتك الليالي لحتفك‪..‬‬ ‫َ‬ ‫ومذ‬ ‫ها أنت توقن‪:‬‬ ‫أن األماني تقودك‪..‬‬ ‫نحو وأْدٍ خفي!!‬ ‫فتعال‪ ..‬تطهر‬ ‫وطهر خطيئاتك‪..‬‬ ‫ربما يوقظ الماء في بردتيك‪..‬‬ ‫الصالة‪..‬‬ ‫صبابات حكيمة!!‬ ‫ٍ‬ ‫ربما تشرق شمسك‪..‬‬ ‫تمطر غيث ًا وظالً‪..‬‬ ‫أهازيج السحاب!!‬ ‫ربما‪ ..‬ربما‪..‬‬ ‫ترتئيك المواويل‪..‬‬ ‫لحنا صفيا!!‬ ‫أيهذا الجميل الحفي!!‬ ‫يوسفي أنت‪ ..‬وأنت الخليل الوفي!!‬


‫عالقتي بحمزة شحاته‬

‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫عابد خزندار‬

‫يفتح قلبه لـ«اجلوبه» ويقول‪:‬‬ ‫عالقة التلميذ باألستاذ‬ ‫أعد نفسي من الذين أسهموا في البدايات‬ ‫ُّ‬ ‫الزراعية في منطقة الجوف‪ ،‬وقد لفتنا‬ ‫األنظار إلى المنطقة وأهميتها‪.‬‬ ‫نعد –ولألسف‪ -‬كتاب «ألف ليلة وليلة»‬ ‫ّ‬ ‫من األدب الشعبي الرخيص‪ ،‬والغرب‬ ‫يقدره كل التقدير‬ ‫لم أكن مناهضا للغذامي في يوم من األيام‪،‬‬ ‫والفرق بيني وبينه أنه كان يكتب عن‬ ‫الحداثة‪ ،‬وكنت أكتب عما بعد الحداثة‬ ‫االتجاه إلى الرواية أصبح أهم وسيلة‬ ‫لتصوير الحياة ووصف الواقع‬

‫حوار‪ :‬إبراهيم احلميد ‪ -‬عمر بو قاسم‬

‫قد يفاجأ الكثير من ق��راء الناقد عابد خ��زن��دار أن��ه ب��دأ الكتابة متأخرا بعد سن‬ ‫األربعين‪ ،‬ليكون نابغة آخر بعد النابغة الذبياني‪ .‬بدأ حياته العملية في وزارة الزراعة‬ ‫التي كلفته بمهمة توطين البادية في وادي السرحان بمنطقة الجوف عام ‪1381‬ه��ـ ‪-‬‬ ‫‪1961‬م‪ ،‬وواجه خاللها صعوبات الحياة البدوية‪ ،‬بعد أن عاش طالبا في القاهرة وأمريكا‪،‬‬ ‫ثم موظفا في الرياض‪..‬‬ ‫عابد خزندار من مواليد عام ‪1935‬م بحي الشامية‪ ،‬من مواليد حي الشامية بمكة‬ ‫المكرمة عام ‪1935‬م‪ .‬ناقد وأديب وكاتب صحفي سعودي‪ .‬حصل على الشهادة الثانوية‬ ‫من مدرسة تحضير البعثات بمكة المكرمة عام ‪1951‬م‪ ،‬ثم التحق بكلية الزراعة بجامعة‬ ‫القاهرة‪ ،‬وتخرج منها عام ‪1956‬م‪ ،‬وحصل على درجة الماجستير في الكيمياء العضوية‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ ‪81‬‬


‫عام ‪1961‬م من الواليات المتحدة‪ .‬عمل مديرا عاما في وزارة الزراعة بالرياض حتى عام‬ ‫‪1963‬م‪ ،‬ثم ترك الوظيفة العامة وانتقل إلى فرنسا‪ ،‬وأق��ام فيها لسنوات حتى اكتسب‬ ‫ثقافة فرنسية وفرانكفونية‪ ،‬انعكست على إنتاجه النقدي الطليعي‪ .‬ويعد في ذلك ‪ -‬هو‬ ‫والدكتور معجب الزهراني خرّيج جامعة السربون‪ -‬مدرسة نقدية محلية تعتمد على‬ ‫النظريات المبلورة فرنسياً‪.،‬‬

‫من مؤلفاته النقدية‪:‬‬

‫ترجمت أعماله إلى العديد من اللغات وبخاصة‬

‫‪« -1‬اإلبداع»‪ ،‬من إصدارات الهيئة العامة للكتاب األلمانية‪ ،‬إذ احتفي به في معرض فرانكفورت‬ ‫للكتاب عام ‪2005‬م‪ .‬ولديه زاوية مقال اجتماعي‬ ‫عام ‪1988‬م‪.‬‬ ‫‪« -2‬ح��دي��ث ال�ح��داث��ة»‪ ،‬م��ن إص ��دارات المكتب معروفة بشجاعتها باسم (نثار)‪ ،‬يكتبها بشكل يومي‬ ‫في صحف الرياض وعكاظ والمدينة‪ ،‬وأخيرا في‬ ‫المصري الحديث عام ‪1990‬م‪.‬‬ ‫الرياض مرة أخرى‪ ،‬ولم تنقطع إال عامين فقط‪،‬‬ ‫‪« -3‬ق� � ��راءة ف ��ي ك��ت��اب «ال � �ح� ��ب»‪ ،‬منشورات‬ ‫أوقف فيهما عن الكتابة النتقاده المستمر لوزير‬ ‫الخزندار‪.‬‬

‫‪« -4‬رواية ما بعد الحداثة» منشورات الخزندار‬

‫الصحة وسياسات الصحة في المملكة‪.‬‬

‫عام ‪1992‬م‪.‬‬

‫‪« -5‬أن�ث��وي��ة ش �ه��رزاد»‪ ،‬م��ن إص� ��دارات المكتب‬ ‫المصري الحديث عام ‪1996‬م‪.‬‬

‫‪« -6‬معنى المعنى وحقيقة الحقيقة»‪ ،‬من إصدارات‬ ‫المكتب المصري الحديث عام ‪1996‬م‪.‬‬

‫‪« -7‬مستقبل الشعر موت الشعر»‪ ،‬من إصدارات‬ ‫المكتب المصري الحديث عام ‪1997‬م‪.‬‬

‫‪« -8‬حديث المجنون»‪ ،‬من إصدارات نادي حائل‬ ‫األدبي عام ‪2010‬م‪.‬‬

‫‪« -9‬التبيان في القرآن الكريم (دراسة أسلوبية)»‬ ‫‪ -‬مؤسسة اليمامة الصحفية ‪2010‬م‪.‬‬

‫إضافة إل��ى العديد من ال��دراس��ات النقدية‬

‫والتقنية المتخصصة‪.‬‬

‫‪82‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ‬

‫من االرشيف (عابد خزندار)‬


‫واس�ت�ج��اب��ة الق �ت��راح األديب‬ ‫محمد القشعمي للقاء الناقد‬ ‫الكبير عابد خازندار‪ ،‬فقد كان‬ ‫يتصل عليَّ في كل سانحة من‬ ‫شهر رجب وحتى شهر رمضان‬ ‫وبداية ش��وال ‪١٤٣٣‬م‪ ،‬مقترحا‬ ‫تسجيل لقاء معه حول تجربته‬ ‫بمنطقة ال��ج��وف! ف�ق��د قمت‬ ‫منى خزندار‬ ‫بتكليف الزميل الشاعر عمر بو‬ ‫وقد أجري الحوار في جو‬ ‫قاسم بالتواصل مع زوجة األديب‬ ‫أس��ري‪ ،‬ب��دأ بعد أن استقبلتنا على ب��اب البيت‬ ‫خازندار األستاذة األديبة شمس الحسيني‪ ،‬التي األس �ت��اذة منى خ��زن��دار ‪-‬اب�ن��ة األدي ��ب الكبير‪-‬‬ ‫كانت تتولى تنسيق مواعيد األديب الكبير بعد أن التي تشغل منصب مدير معهد العالم العربي‬ ‫زودني األستاذ القشعمي برقم منزل الخزندار‪ .‬بباريس‪ ..‬فكان أن تشعب الحديث إلى مجاالت‬

‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫وهذا ما تم‪ ..‬فقد سافرت‬ ‫إل��ى ج��دة ص�ب��اح ال�ي��وم التالي‬ ‫بهدف اللقاء‪ ،‬إذ ح��دد األديب‬ ‫ال��س��اع��ة ال �خ��ام �س��ة م ��ن يوم‬ ‫ال �ج �م �ع��ة ‪ ٦‬ش�� ��وال ‪١٤٣٣‬ه� � �ـ‬ ‫موعداً للقاء‪ ..‬وعليه توافقت‬ ‫مع الشاعر عمر بوقاسم على‬ ‫الموعد‪..‬‬

‫ول�م��ا ل��م يحصل أي م��وع��د م��ع الناقد حتى عديدة بعيدا عن التكلف أو الرسمية‪..‬‬ ‫واف���ى األج���ل زوج �ت��ه ال �س �ي��دة ال�ج�ل�ي�ل��ة شمس > ماذا عن بداياتك في الكتابة‪ ،‬فقد أطلعني‬ ‫الحسيني رحمها الله‪ ،‬اتصل بي ‪-‬م��ن جديد‪-‬‬ ‫صديق على خصوصية تجربتك على مستوى‬ ‫األديب القشعمي قائال‪ :‬إن األستاذة منى خزندار‬ ‫الزمان والمكان؟‬ ‫هي إلى جوار والدها بعد وفاة والدتها‪ ،‬مفيدا‬ ‫ بدأت الكتابة متأخرا جدا‪ ،‬إذ لم أكن أفكر‬‫أن��ه فاتحها بموضوع ذك��ري��ات ال��وال��د بالجوف‪،‬‬ ‫أن أصبح كاتبا‪ ،‬ولما بلغت األربعين‪ ..‬بدأت‬ ‫ورغبتنا في تسجيل لقاء معه مقترحا االتصال‬ ‫الكتابة بصحيفة ال�ش��رق األوس ��ط‪ ،‬ث��م في‬ ‫عليها واغتنام فرصة وجودها بجدة‪.‬‬ ‫صحيفة الرياض‪ ،‬ثم انتقلت إلى عدة صحف‬ ‫وقد كانت المكالمة مع األستاذة منى مساء‬ ‫أخرى‪..‬‬ ‫األرب� �ع ��اء ‪ ٥‬ش� ��وال‪ ،‬ح�ي��ث قمت‬ ‫> وم���اذا ع��ن تلك البداية في‬ ‫بتعزيتها بوفاة والدتها‪ ،‬وطلبت‬ ‫فترة مصر؟‬ ‫م��وع��داً للقاء ال��وال��د‪ ،‬فأكدت‬ ‫ ف � ��ي م� �ص���ر ك� �ن���ت رئيس‬‫أن اللقاء ممكن يوميا الساعة‬ ‫ت �ح��ري��ر ص�ح�ي�ف��ة (الحائط)‬ ‫الخامسة مساء‪ ،‬وأنها ستكون‬ ‫للطلبة‪ ،‬وك�ن��ت أك�ت��ب المقالة‬ ‫م��وج��ودة حتى ي��وم األح ��د‪ ..‬إذ‬ ‫االفتتاحية فيها‪ ،‬وهناك كنت‬ ‫ستسافر إلى باريس‪ ،‬وبعد ذلك‬ ‫أعطي المحاضرات‪ ،‬وبخاصة‬ ‫ستكون شقيقتها الدكتورة سارة‬ ‫في الجامعة األميركية‪ ،‬وكنت‬ ‫إلى جوار والدها لفترة معينة‪.‬‬ ‫محمد القشعمي‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ ‪83‬‬


‫أختلط م��ع بعض ال�ع�ل�م��اء‪ ،‬منهم صداقتي‬ ‫مع سالمة موسى الذي كانت لي به صداقة‬

‫قوية‪ ،‬وكنت أجلس مع بعض األدباء في قهوة‬ ‫عطا الله‪ ،‬وكان يجلس فيها أنور المعداوي‪،‬‬ ‫والدكتور عبدالقادر القط‪ ،‬وزكريا الحجاوي‪.‬‬

‫> ه��ي ف��ت��رة ال��دراس��ة ال��ت��ي سبقت عملك في‬ ‫وزارة الزراعة‪ .‬يذكر محمد القشعمي أن تلك‬ ‫الفترة جمعتك بعدد من الرموز السعوديين‬ ‫في القاهرة‪ ..‬أليس كذلك؟‬ ‫ ن�ع��م ت�ل��ك ال�ف�ت��رة ك��ان��ت ف �ت��رة ال��دراس��ة في‬‫العام ‪1952‬م‪ ،‬وكنا نجتمع في منزل عبدالله‬

‫عبدالجبار‪ ،‬حيث كان حمزة شحاته يحضر‬ ‫في كل ليلة‪ ،‬أما (عبدالله) القصيمي فيأتي‬

‫م��رة ف��ي األس��ب��وع‪ ،‬وك �ن��ا نجلس ف��ي مقهى‬

‫صورة أخرى للناقد الكبير من اآلرشيف‬

‫قمة‪ ،‬ونفس الشيء كان عبدالله عبدالجبار‪،‬‬ ‫وأيضا عبدالله القصيمي‪ ،‬المفكر الكبير‪،‬‬

‫قمة من القمم‪ ..‬وصاحب الحجة القوية الذي‬ ‫يأسرك بالحديث‪..‬‬

‫> اس��ت��م��ر وج����ودك ه��ن��اك ح��ت��ى ع���ام ‪1956‬م‪،‬‬ ‫وحضور العدوان الثالثي في ذلك العام؟‬

‫بالجيزة اس�م��ه «سنسوسيت» م��ع عبدالله ‪ -‬نعم‪ ،‬حضرنا العدوان الثالثي‪ ،‬وكان الشعب‬ ‫متحمساً ولم يكن هناك أي شعور بالخوف‬ ‫عبدالجبار وحمزة شحاتة‪ ،‬وكنت أدرس في‬ ‫كلية ال��زراع��ة‪ ،‬وأس �ك��ن ف��ي م �ي��دان الجيزة‬

‫القريب من كلية الزراعة‪.‬‬

‫> كيف كانت عالقتك بحمزة شحاتة؟‬ ‫‪ -‬كانت عالقة التلميذ باألستاذ إذ كان حمزة‬

‫وكانت فترة مجيدة‪..‬‬

‫> ماذا حدث بعد انتهاء دراستك في مصر؟‬ ‫ ان�ت�ق�ل��ت إل ��ى ال ��والي ��ات ال�م�ت�ح��دة مباشرة‪،‬‬‫وح��ص��ل��ت ع��ل��ى ال �م��اج �س �ت �ي��ر ف���ي مجال‬

‫الزراعة‪..‬‬

‫> كيف كانت عالقتك بالثقافة واألدب أثناء‬ ‫تلك الفترة؟‬ ‫ كنت أحضر محاضرات أدبية في الجامعة‪،‬‬‫حيث كان بإمكان أي شخص أن يحضر أي‬ ‫ال فيها‪ ،‬وكنت‬ ‫محاضرة حتى لو لم يكن مسج ً‬ ‫أحضر محاضرات باألدب االنجليزي‪.‬‬

‫عابد خزندار في باريس (صورة من اآلرشيف)‬

‫‪84‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ‬

‫> متى اكتشفت أن لديك م��ي��و ًال أدب��ي��ة‪ ،‬وهل‬ ‫اكتشفت ه��ذه الميول في فترة وج��ودك في‬


‫ف��ي مشاريع أله��ل الشمال‪ ،‬وك��ان ذل��ك عام‬ ‫‪1381‬ه� �ـ ‪1961 -‬م‪ ،‬وق��د كلفني ال��وزي��ر أنا‬ ‫شخصيا‪ ،‬فذهبت إلى وادي السرحان‪.‬‬ ‫> وأي���ن ك��ان��ت المهمة‪ ..‬ف��ي دوم���ة الجندل أم‬ ‫سكاكا أم القريات؟‬

‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫ريال‪ ،‬وهذا قبل خمسين سنة‪ ،‬وطلب صرفها‬

‫ كانت المهمة في وادي السرحان بين الجوف‬‫عابد خزندار والجوبه بين يديه‬

‫أمريكا أم في القاهرة؟‬ ‫‪ -‬االتجاه األدبي بدأ من مكة أثناء المسامرات‬

‫وال��ق��ري��ات‪ ،‬ت �ح��دي��دا ف��ي م�ن�ط�ق��ة طبرجل‬ ‫مبان‪،‬‬ ‫والجماجم‪ ،‬ولم تكن في تلك الفترة أي ٍ‬ ‫ب��ل ك��ان��ت كلها خ �ي��ام �اً‪ -‬ب�ي��وت ش�ع��ر‪ -‬حتى‬ ‫مسكني ومكتبي كانا خيمة‪.‬‬

‫األدبية التي كانت تقام أيام الخميس‪ ،‬وكنت > هل الهدف كان توطين البادية؟‬

‫أل�ق��ي فيها أح��ادي��ث وم �ق��االت ك�ن��ت أكتبها ‪ -‬نعم هو ذا كان الهدف‪ ،‬حيث كنا نعلم البادية‬ ‫وألقيها‪ ،‬وف��ي ال��وق��ت نفسه كنت أكتب في‬ ‫أعمال الزراعة‪ ،‬وقد بدأنا بزراعة األعالف‪.‬‬ ‫صحيفة البالد في صفحة الطلبة التي كان‬ ‫> ما هي الصعوبات التي واجهتك؟‬ ‫يحررها األستاذ عبدالرزاق بليلة رحمه الله‪،‬‬ ‫> وهل كنت تكتب في صحيفة الندوة أيضا؟‬ ‫‪ -‬ال‪ ،‬لم أكتب فيها إال في مرحلة تالية‪.‬‬

‫ ك ��ان ال �ح �ص��ول ع�ل��ى ال �م��اء ص �ع �ب �اً‪ ،‬والبرد‬‫ف��ي الشتاء ق��ارس‪ ،‬وكنت ألستحم م��رة في‬ ‫األسبوع‪ ..‬أحتاج للذهاب كل يوم جمعة إلى‬

‫> وأين اتجهت بعد الدراسة في أمريكا؟‬

‫ك��ام��ب (أرام �ك��و) ف��ي ع��رع��ر‪ ،‬ل�ع��دم إمكانية‬

‫‪ -‬رجعت إل��ى ال��ري��اض‪ ..‬إل��ى وزارة الزراعة‪،‬‬

‫االستحمام في وادي السرحان‪.‬‬

‫وأص �ب �ح��ت م��دي��را ع��ام��ا ل �ل �ث��روة الحيوانية‬

‫والغابات والمراعي‪.‬‬

‫> وما قصة ذهابك إلى وادي السرحان بمنطقة‬ ‫الجوف؟‬ ‫ والله أه��ل الجوف والشمال عموما اشتكوا‬‫لألمير (الملك) فيصل من القحط‪ ،‬فأصدر‬

‫أمره إلى وزارة الزراعة‪ ،‬وأعطاهم مبلغ مائة‬ ‫أل��ف ري ��ال‪ ،‬م��ا ي �ع��ادل ال �ي��وم ع�ش��رة ماليين‬

‫عمر بوقاسم يستمع ل عابد خزندار‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ ‪85‬‬


‫األنظار إلى المنطقة وأهميتها‪.‬‬ ‫> وهل العين طبيعية أم محفورة؟‬ ‫ طبيعية‪ ..‬وكانت تسيل على سطح األرض‪..‬‬‫> كيف كان تواصلك مع الدول المجاورة لوادي‬ ‫السرحان؟‬ ‫ كنت أسافر إلى عمان (األردن) كل شهر‪..‬‬‫> وكيف كان تواصلك مع األهالي؟‬ ‫ لقد تعاون الناس معنا؛ ألنهم كانوا يعلمون‬‫أننا أتينا لخدمتهم‪ ..‬فكانوا يقدروننا‪..‬‬

‫األمير عبدالرحمن السديري رحمه الله تعالى‬

‫> وهل كان معك مساعدون؟‬ ‫ ك��ان معي فريق عمل واح��د إيطالي وواحد‬‫أمريكي‪ ،‬وبدأنا نعمل دراس��ات على التربة‪،‬‬ ‫وإج��راء تجارب عديدة‪ ،‬ومن ثم نشأت نواة‬

‫> من كان أميرا للمنطقة آنذاك؟‬ ‫ كان األمير عبدالرحمن السديري في سكاكا‪،‬‬‫وعبد الله السديري في القريات‪ ،‬أما طبرجل‬ ‫ف�ل��م ي�ك��ن فيها إم� ��ارة‪ ،‬وال ح�ت��ى ش��رط��ة أو‬

‫خدمات‪.‬‬

‫التوطين حتى أصبح وادي ال�س��رح��ان اآلن > كم استمرت مهمتك في وادي السرحان؟‬ ‫مزارع وخضار والجوف أيضاً‪.‬‬ ‫ سنة واح ��دة ف��ي وادي ال�س��رح��ان‪ ،‬بعدها‪..‬‬‫> طبعا مشروعك كان خاصا بوادي السرحان‪،‬‬ ‫وألسباب سياسية سجنت‪ ،‬وبعد سنتين في‬ ‫ح��ي��ث ك���ان ال���ج���وف ودوم�����ة ال��ج��ن��دل مدن ًا‬

‫عامرة؟‬ ‫ نعم لم تكن لها عالقة بالمشروع‪ ،‬ولكن الحقاً‬‫كلفتني ال��وزارة باإلشراف على الزراعة في‬ ‫منطقة ال�ش�م��ال ك�ل�ه��ا‪ ،‬فكنت أش ��رف على‬

‫ف��رع��ي ال��زراع��ة ف��ي ال �ج��وف وت �ب��وك‪ ،‬وفي‬ ‫الجوف (دومة الجندل) كانت هناك عين مياه‬

‫ف��وارة تضيع مياهها ه��درا‪ ،‬فكنا نحاول حل‬ ‫مشكلتها‪ ،‬وحالياً أسمع أن المنطقة أصبحت‬

‫السجن فصلت من الزراعة‪.‬‬

‫> وماذا عن فترة السجن؟‬ ‫ تعرفت في السجن على عبدالكريم الجهيمان‬‫الذي كنت أسكن معه في غرفة واحدة‪ ،‬وكان‬ ‫معنا أيضا محمد سعيد آل مسلم وهو شاعر‪،‬‬

‫واألديب عبدالله الجشي الذي كرمته الدولة‬

‫في مرحلة تالية‪ ،‬ولوجود هؤالء لم تكن فترة‬ ‫السجن فترة عذاب‪.‬‬

‫تحتضن مزارع الزيتون‪ ،‬ولكن أع ّد نفسي من > ب��ع��د ال��خ��روج م��ن ال��س��ج��ن ان��ت��ه��ت عالقتك‬ ‫الناس الذين أسهموا في البدايات‪ ،‬ولفتنا‬

‫‪86‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ‬

‫بوزارة الزراعة‪ ..‬فماذا فعلت؟‬


‫ م �ن �ع��ت م���ن ال��س��ف��ر لمدة‬‫ت�س��ع س �ن��وات‪ ،‬وع�م�ل��ت في‬ ‫ال��ري��اض ف��ي مكتبة والدي‬ ‫«م�ك�ت�ب��ة ال��خ��زن��دار»‪ ،‬التي‬ ‫> ولم اخترت باريس؟‬ ‫أسسها والدي (محمد علي‬ ‫ كنت أحبها من ناحية‪ ..‬ثم‬‫ال �خ��زن��دار)‪ ،‬واش�ت��راه��ا من‬ ‫الدراسة من ناحية أخرى‪.‬‬ ‫لبناني اس�م��ه دب ��وس‪ ،‬وقد‬ ‫> ول����م����اذا ل���م ت��ك��ن وجهتك‬ ‫اشتغلت ف��ي المكتبة ألني‬ ‫عبدالكريم الجهيمان‬ ‫أمريكا بلد دراستك حينها؟‬ ‫ك �ن��ت م �م �ن��وع��ا م ��ن العمل‬ ‫ف��ي ال�ح�ك��وم��ة‪ ،‬وك ��ان شغل‬ ‫ باريس كانت أكثر حضارة‪ ،‬وبعدها التحقت‬‫المكتبة ممتازا‪ ،‬فقد كانت المكتبة الوحيدة‬ ‫بالجامعة األميركية بباريس كطالب رسمي‬ ‫خاصة في الكتب االنجليزية‪ ،‬وكنا الوحيدين‬ ‫منتظم‪ ،‬حيث كنت أدرس األدب االنكليزي‬ ‫الذين نوزع الكتب والمطبوعات وما تزال إلى‬ ‫وال �ف��رن �س��ي ع �ل��ى أس � ��اس ال��ح��ص��ول على‬ ‫اآلن‪.‬‬ ‫ال��دك �ت��وراه‪ ،‬وط�ب�ع��ا ك�ن��ت سجلت بالجامعة‬ ‫> وهل المكتبة موجودة في الرياض وجدة اآلن؟‬

‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫ ن�ع��م‪ ..‬غ��ادرت مباشرة إلى‬‫باريس حيث أقمت هناك عشر‬ ‫سنوات متواصلة‪..‬‬

‫األم �ي��رك �ي��ة ب��ال �ق��اه��رة ع �ل��ى أس� ��اس دراس ��ة‬ ‫الدكتوراه‪ ،‬وقد أمضيت أربع سنوات أدرس‬ ‫فيها‪ ،‬ولكني عدلت بعدها عن إكمال الدكتوراه‬ ‫حيث طابت لي اإلقامة هناك‪..‬‬

‫ في جدة فقط‪ ،‬وال زالت توزع المطبوعات‪،‬‬‫ويشرف عليها إخواني‪..‬أما أنا فعالقتي بها‬ ‫كشريك فقط‪ ،‬نظرا ألن أغلب إقامتي في‬ ‫> طبعا ت��وط��دت ع�لاق��ت��ك بالفرنسية كلغة‪،‬‬ ‫باريس‪.‬‬ ‫وبمثقفي البلد فترة إقامتك؟‬ ‫> كيف كان تأثير المكتبة فيك وتأثيرك فيها؟‬ ‫ كانت باريس حالة مبهرة وأدب جديد‪ ،‬وكان‬‫ كان وجودي في المكتبة كبائع العطر‪ ،‬حيث‬‫هناك ما يسمى (كوليج دو فرانس)‪ ،‬والتي‬ ‫كنت أقرأ فيها‪ ،‬نظرا ألن البائع في المكتبة‬ ‫ي��درس بها عدد من كبار األدب��اء والمفكرين‬ ‫إذا لم يبع‪ ..‬فيستفيد من قراءة الكتب‪ ،‬وكنت‬ ‫كميشيل فوكو وروالن بارت‪ ،‬وكنت أحضر بها‬ ‫أقرأ مسرحيات شكسبير وغيرها‪ ،‬كما أني‬ ‫المحاضرات‪ ،‬حيث الدراسة في هذه الكلية‬ ‫لم أكن أباشر البيع بنفسي‪ ،‬حيث كان معي‬ ‫ح��رة‪ ،‬إ ْذ تُقام المحاضرات للعلم فقط‪ ،‬بال‬ ‫شخص حضرمي يباشر ذلك‪..‬‬ ‫امتحانات‪ ،‬وأي واحد يمكنه حضورها‪ ،‬حتى‬ ‫> وكم استمرت تلك الفترة؟‬ ‫أن هناك أناساً يحضرون طلباً للدفء فقط‪،‬‬ ‫وكنت أحضر تلك المحاضرات دائما‪..‬‬ ‫ تسع سنوات‪ ..‬حتى رفع عني حظر السفر‪.‬‬‫> وهل سافرت بعدها؟‬

‫> هل ترجمت كتبا فترة وجودك هناك؟‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ ‪87‬‬


‫ ‪ -‬ت��رج�م��ت ك �ت��اب �اً أس�م�ي�ت��ه «أن �ث��وي��ة شهرزاد»‬ ‫(رؤية ألف ليلة وليلة) لألديبة «ماري ال هي‬ ‫هوليبيك»‪ ،‬وكان عن المرأة في كتاب «ألف‬ ‫ليلة وليلة»‪ ،‬وقصة الكتاب أنه ألف قبل أكثر‬ ‫من خمسين عاما لمؤلفته الفرنسية‪ ،‬مع أننا‬ ‫نحن العرب نع ّد –ولألسف‪ -‬أن كتاب «ألف‬ ‫ليلة وليلة» من األدب الشعبي الرخيص‪ ،‬إال أن‬ ‫الغرب يقدره كل التقدير‪ ،‬وبورخيس وماركيز‬ ‫إبراهيم الحميد يستمع للناقد الكبير عابد خزندار‬ ‫يقوالن بأنهما تعلما من ألف ليلة وليلة‪ ،‬وكان‬ ‫هناك الكثير من المبرزين في الثقافة العربية‬ ‫الدكتور جمال ال��دي��ن ب��ن شيخ رئيس قسم‬ ‫من فارس‪.‬‬ ‫األدب العربي بجامعة السوربون يقول‪ :‬إن‬ ‫ع��دداً من الطالب العرب رفضوا بأن تكون > طبعا أصبحت تتردد على باريس بعد العشر‬ ‫دراستهم للماجستير أو الدكتوراه عن كتاب‬ ‫سنوات؟‬ ‫ألف ليلة وليلة‪.‬‬ ‫ نعم أعيش فيها حوالي ستة أشهر سنوياً‪.‬‬‫> كيف تفسر ح��ف��اوة ال��غ��رب بكتاب أل��ف ليلة‬ ‫> ومتى بدأت احتراف الكتابة؟‬ ‫وليلة؟‬ ‫ كنت أرسل مقاالتي من هناك للشرق األوسط‬‫ بسبب أن الرواية في الغرب نشأت من تأثير‬‫ثم الرياض‪ ،‬وكنت أكتب مقاالت متفرقة عن‬ ‫أل��ف ليلة وليلة‪ ،‬وقبل ه��ذا الكتاب ل��م يكن‬ ‫أب�ع��اد ال�ح��داث��ة‪ ،‬ومستقبل الشعر‪ ،‬وم��ن ثم‬ ‫الغرب يعرف الرواية‪.‬‬ ‫جمعت بعضها ف��ي ك �ت��ب‪ ..‬وآخ��ره��ا كتاب‬ ‫> وما رأيك فيمن يقول إن ألف ليلة وليلة كتاب‬ ‫(حديث المجنون) الذي صدر عن نادي حائل‬ ‫مترجم للعربية؟‬ ‫األدبي‪.‬‬ ‫ ال ال‪ ..‬ليس كذلك‪ ،‬بل كتاب ألف ليلة وليلة‬‫> هل صدرت كتبك عن دار الخزندار؟‬ ‫كتاب عربي حيث اإلط��ار عربي‪ ،‬والقصص‬ ‫كثير منها عربية‪ ،‬وه�ن��اك قصص فارسية ‪ -‬ال‪ ..‬صدر بعضها عن الهيئة العامة للكتاب‬ ‫في مصر‪ ،‬وترجمت كتاب (المسرح السردي)‪،‬‬ ‫ومصرية‪ ،‬والذي ألف الكتاب عربي‪ ،‬وأعتقد‬ ‫وقد نشرته الهيئة القومية للكتاب بمصر‪ ،‬وال‬ ‫أن المؤلف‪ ..‬عدة مؤلفين‪.‬‬ ‫أظنها في السوق حاليا‪.‬‬ ‫> وما رأيك أن أجواءها توظيف عربي‪ ،‬وأجواء‬ ‫> هل تتابع اإلنترنت؟‬ ‫فارسية؟‬ ‫ألن الديوان كان فارسيا‪ ،‬والحكومة كانت فارسية‪ - ،‬أقرأ جميع الصحف للبحث عن مادة لمقالي‬ ‫اليومي في جريدة الرياض‪ ،‬وأكتب في تويتر‬ ‫وأخذنا أنظمتهم وثقافتهم في الحكم‪ ،‬وكان‬

‫‪88‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ‬


‫> هل استطاع النت توليد أدب‬ ‫خاص به‪ ،‬حيث يرى سعدي‬ ‫يوسف أن هناك خصوصية‬ ‫ل��ل��ن��ص��وص ال��ش��ع��ري��ة التي‬ ‫تكتب على النت مثال؟‬

‫> انطالقا من ديباجة مقالك‬

‫وس�ع��د ال�ب��ازع��ي‪ ،‬وأن��ا اليوم‪..‬‬

‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫وفيس بوك‪.‬‬

‫في جريدة الرياض «عيد بأية‬ ‫ح���ال ع���دت ي���ا ع��ي��د مؤخرا»؟‬ ‫ك���ي���ف ت�����رى أث�����ر التغييرات‬ ‫ال��س��ي��اس��ة واالق��ت��ص��ادي��ة على‬ ‫مضمون الخطاب اإلبداعي؟‬ ‫وأنت لم تكن تعايد‪ ،‬بل ترصد‬ ‫ال��ت��غ��ي��رات ف���ي أوض������اع األم���ة‬ ‫العربية واإلسالمية؟‬

‫ طبعا ال استطيع أن أقول‬‫أميمة الخميس‬ ‫أدب� � �اً خ ��اص� �اً ب� ��ه‪ ،‬ولكنها‬ ‫ أن���ا خ��ائ��ف ع �ل��ى مستقبل‬‫تعليقات وتغريدات ال ترقى‬ ‫اإلب� ��داع ف��ي م�ص��ر ف��ي ظ��ل وج ��ود اإلخوان‬ ‫ل��ذل��ك‪ ،‬ول�ك��ن اإلن �ت��رن��ت أص�ب��ح ض ��رورة من‬ ‫المسلمين‪ ،‬وس��وري��ا في حالة ح��رب أهلية‪،‬‬ ‫ضرورات الحياة‪ ،‬وقد استغنينا عن القواميس‬ ‫وليس هناك مجال لإلبداع‪..‬‬ ‫ودائرة المعارف والمعاجم‪.‬‬ ‫حيث التعايش بين اإلبداع وبعض‬ ‫> ه��ل ق��اب��ل��ت أدون��ي��س بحكم‬ ‫التيارات صعب‪ ،‬والعراق مثخن‬ ‫وجودك في باريس؟‬ ‫بجراحه‪ ،‬والشعراء الموجودون‬ ‫ ب� �ل ��ى‪ ..‬ك �ن��ت أج �ت �م��ع معه‪،‬‬‫لم يعد لهم صوت مثل الشاعر‬ ‫ون �ج �ل��س ك �ث �ي��را ف��ي كافيه‬ ‫عبدالرزاق عبدالواحد‪.‬‬ ‫ب�ب��اري��س‪ ،‬إال أن��ه ال يستقر‬ ‫> وسعدي يوسف؟‬ ‫على ح��ال‪ ،‬ويسافر كثيرا‪،‬‬ ‫ يكتب قصائد مهمة‪ ،‬وهو اآلن‬‫وه��و موهوب بالرسم‪ ،‬وقد‬ ‫من أعظم الشعراء العرب‪.‬‬ ‫أهداني لوحتين من أعماله‬ ‫> كيف كانت رؤيتك في فترة‬ ‫الفنية (أح��داه��ا معلقة في‬ ‫الثمانينيات للحراك النقدي‬ ‫م �ك �ت �ب��ة وص� ��ال� ��ون األدي� ��ب‬ ‫ف���ي ظ���ل وج����ود أس���م���اء مهمة‬ ‫خ� � ��زن� � ��دار)‪ ،‬وف � ��ي الفترة‬ ‫ف���ي ت��ل��ك ال��م��رح��ل��ة تشاركك‬ ‫األخيرة انقطعت في البيت‪،‬‬ ‫ط����روح����ات����ك ف����ي الصحافة‬ ‫ول��م أع��د اتصل ب��أح��د‪ ،‬أما‬ ‫الثقافية؟‬ ‫في السابق فقد كنا «جورج‬ ‫طرابيشي وعيسى مخلوف‬ ‫ ك� � ��ان ال� � �ح � ��راك الثقافي‬‫وأدون�ي��س وأن��ا» نجتمع مرة‬ ‫والنقدي في تلك المرحلة أكثر‬ ‫في األسبوع‪.‬‬ ‫فاعلية بوجود عبدالله الغذامي‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ ‪89‬‬


‫> لماذا لم يجذبك العمل الصحفي؟ حيث كان‬ ‫حضورك منحصرا بين كتابة المقال والنقد؟‬ ‫رغم أنها جذبت الكثير من أبناء جيلك؟‬ ‫ ف��ي ال�ب��داي��ة‪ ..‬ل��م تجذبني الصحافة‪ ،‬ألني‬‫كنت قد منعت من الكتابة في (الستينيات‬ ‫الميالدية)‪ ،‬ومن ثم لم يكن من الممكن العمل‬

‫بها‪ ،‬ول��م تكن ل��ي رغبة جدية ف��ي ممارسة‬ ‫التحرير والعمل الصحفي اليومي‪.‬‬

‫> م��ا رأي����ك ف��ي ال���ح���راك ال��ث��ق��اف��ي وتحوالت‬ ‫الكتابة الروائية في السعودية؟‬ ‫ هناك إنتاج روائي غزير‪ ،‬إال أني ال أتابع كل‬‫ما ينشر‪ ،‬وأق��رأ بعض اإلنتاج ال��روائ��ي مثل‬

‫محمد حسن علوان‪ ،‬إذ قرأت له روايتين‪ ،‬كما‬ ‫ال أج��د حراكاً في ظل تراجع الغذامي عن‬ ‫أفكاره األول��ى‪ ،‬حيث ب��ات يكتب أشيا ًء غير‬ ‫مهمة‪ ،‬أم��ا البازعي فقد أخ��رج كتابا قيما‪ > ،‬‬ ‫والباقون ال أهمية لهم‪..‬‬ ‫ ‬‫> هل كنت مناهضا للدكتور عبدالله الغذامي‬ ‫> ‬ ‫في حديث البنيوية الذي كتبت عنه في تلك‬ ‫المرحلة؟‬

‫ق��رأت لصبا الحرز روايتها «اآلخ��رون»‪ ،‬كما‬ ‫اقرأ ألميمة الخميس‪.‬‬

‫وليلى الجهني؟‬ ‫لم أقرأ لها‪.‬‬ ‫من الواضح توجه كثير من األسماء السعودية‬ ‫لكتابة الرواية‪ ،‬إذ يرى الناقد حسن النعمي‬ ‫أن األمر صحي والمبررات كثيرة؟‬

‫ ال‪ ..‬أبداً‪ ،‬أنا لم أكن مناهضا له‪ ،‬بل اعتبرت‬‫أن البنيوية منهج يمكن أن تستفيد منه حيث‬ ‫وسيلة لتصوير الحياة ووصف الواقع‪ ،‬وحتى‬ ‫خدم األدب‪ ،‬والفرق بيني وبين الغذامي أنه‬ ‫ُكتّاب القصة القصيرة تحولوا إلى روائيين‪،‬‬ ‫كان يكتب عن الحداثة‪ ،‬وكنت أنا أكتب عما‬ ‫والقصة القصيرة أصبحت غير موجودة‪،‬‬ ‫بعد الحداثة‪ ،‬وكنت أقول للغذامي أنت تكتب‬ ‫ولهذا انتعشت الرواية‪.‬‬ ‫عما تجاوزه الناس (في الغرب)‪ ،‬حيث ماتت‬ ‫الحداثة في أوروبا‪ ،‬وأصبحوا يتحدثون عما > وهل ظهور فن الرواية في الغرب يلغي الفنون‬ ‫األخرى انطالقا من رأيك بشأن القصة؟‬ ‫بعد الحداثة في تلك المرحلة‪..‬‬ ‫‪ -‬إلى حد ما‪ ،‬واالتجاه إلى الرواية أصبح أهم‬

‫ ‬

‫‪90‬‬

‫كما أني كنت أم��ارس النقد الثقافي‪ ،‬وكنت ‪ -‬طبعا ال يلغي‪ ،‬ولكن الرواية في الغرب هي‬ ‫المسيطرة‪ ،‬وه��ي ال�ف��ن األب ��رز ه�ن��اك رغم‬ ‫أنوي إخراج كتاب عنه‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ‬


‫وجود الشعر وغيره مثال‪..‬‬ ‫> ه����ل ي����ل����زم ك����ات����ب القصة‬ ‫ال��ق��ص��ي��رة ال��ت��رق��ي ليصبح‬ ‫ك��ات��ب رواي����ة‪ ،‬وه��ل التحول‬ ‫ضرورة؟‬ ‫ خ ��ذ م �ث�لا‪ :‬ق �ص��ص نجيب‬‫محفوظ القصيرة ال ترقى‬ ‫إل ��ى م�س�ت��وى رواي ��ات ��ه مما‬ ‫يعني ذلك‪..‬‬

‫> م�����ا ج����دي����د أس�����ت�����اذ عابد‬ ‫خزندار؟‬

‫الدكتورة هتون الفاسي‬

‫> ولكن قصص يوسف إدريس‬ ‫إيقونات أدبية؟‬ ‫ نعم قصص يوسف إدريس‬‫أروع م���ن ق��ص��ص نجيب‬ ‫م �ح �ف��وظ وه� �ن ��اك قصص‬ ‫ي �ح �ي��ى ال��ط��اه��ر عبدالله‬ ‫أيضا‪.‬‬ ‫> م���ن ي���ش���دك م���ن روائيين‬ ‫وشعراء؟‬

‫محمد الثبيتي‬

‫ آخر كتبي هو كتاب «التبيان‬‫ف��ي ال� �ق ��رآن ال �ك��ري��م (دراس� ��ة‬ ‫أسلوبية)»‪ ،‬أما التأليف الجديد‬ ‫فهو يحتاج إلى نشاط‪ ،‬وعامل‬ ‫السن مؤثر علي‪ ،‬كما أن المقال‬ ‫اليومي يأخذ كل وقتي حاليا‪،‬‬ ‫وك� �ت ��اب ��ي ع� �ب���ارة ع���ن دراس� ��ة‬ ‫أسلوبية‪ ،‬وق��د أخ��ذت الفكرة‬ ‫ع ��ن ع �ب��دال �ق��اه��ر الجرجاني‬ ‫وتوسعت فيها وبنيت عليها‪..‬‬

‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫ دور رئيس‪ ،‬ولكن مع األسف‬‫أغ�ل��ب المثقفين لدينا مثقفو‬ ‫سلطة‪..‬‬

‫> وم�����ا ه����ي ال����رس����ال����ة التي‬ ‫وددت إيصالها من خ�لال هذا‬

‫الكتاب؟‬

‫ ال تفهم ال�م�ع�ن��ى إال إذا فهمت األسلوب‪،‬‬‫ أك��ث��ر ال �ش �ع��ر ال� �ي ��وم ال أس �ت �س �ي �غ��ه كشعر‬‫واألسلوب يقودك إلى فهم المعنى {مَا هَ ذَا‬ ‫عبدالمنعم رم �ض��ان أو حلمي س��ال��م‪ ،‬وأنا‬ ‫بَشَ رًا ِإ ْن هَ ذَا إ اَِّل َمل َكٌ كَرِ يمٌ}‪.‬‬ ‫كالسيكي قليال‪ ،‬إال أن شعر محمد الثبيتي‬ ‫يعجبني‪ ،‬وقد كتبت عنه مقاال سابقا بعنوان { َو ِإذَا تُتْل َى عَ لَيْهِ آيَاتُنَا َولَّى مُسْ تَ ْكبِراً َكأَن ّلَ ْم‬ ‫يَسْ َم ْعهَا َك � َأ َّن فِ ي أ ُ ُذنَ�يْ��هِ َو ْق ��راً}‪ ،‬وعلى هذا‬ ‫(موقف الرمال)‪ ،‬وأتمنى أن يخرج كتاب عن‬ ‫النسق يأتي القرآن معجزا في بالغته‪{ ،‬وَمِ َن‬ ‫الثبيتي حتى يتم وضع هذا المقال فيه‪ ،‬وقد‬ ‫َصابَ ُه‬ ‫ّاس مَن يَ ْعبُ ُد اللَّ َه عَ ل َى حَ ر ٍْف َف ِإ ْن أ َ‬ ‫النَ ِ‬ ‫زارني الثبيتي في بيتي هنا‪ ،‬وعندما كان في‬ ‫َصابَتْ ُه فِ تْنَ ٌة ان َقل َبَ عَ ل َى‬ ‫خَ يْ ٌر اطْ َم َأ َّن بِهِ َو ِإ ْن أ َ‬ ‫المستشفى كتبت لألمير سلطان (رحمه الله)‬ ‫وَجْ هِ هِ خَ ِس َر ال ّ ُدنْيَا َوالآْ ِخ َرةَ َذلِكَ ُه َو الْخُ سْ رَا ُن‬ ‫ب�ش��أن إدخ��ال��ه المستشفى‪ ،‬وق��د استجاب‬ ‫الْ ُمبِينُ}‪.‬‬ ‫األمير لذلك‪.‬‬ ‫> م���ا رأي�����ك ف���ي دور ال��م��ث��ق��ف ف���ي الحراك والكتاب يتناول ظاهرة التبيان في القرآن‬ ‫الكريم‪ ،‬فقد حصرت البحث في الحاالت التي‬ ‫االجتماعي والثقافي والسياسي؟‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ ‪91‬‬


‫تسقط فيها (واو) العطف‪ ،‬وكان الهدف من‬

‫تأليف هذا الكتاب إثبات إعجاز القرآن‪ ،‬كما‬

‫أن الدراسة هي مفتاح فهم النص والسبيل‬ ‫إلى تدبر آياته على الوجه الصحيح‪.‬‬

‫> م���ا رأي����ك ف���ي ت��ج��رب��ة رج����اء ع��ال��م الفائزة‬ ‫بالبوكر؟‬ ‫ تجربتها رائ��دة وفريدة‪ ،‬وتحتاج إلى تركيز‪،‬‬‫وقد كتبت نقدا إلحدى رواياتها‪..‬‬

‫عمر بوقاسم يحاور الناقد الكبيرعابد خزندار‬

‫> وإذا وس��ع��ن��ا ال���س���ؤال ح���ول ح��ض��ور المرأة‬

‫األدب لدينا م�ت�ج��اوزة للكثير م��ن التجارب‬

‫‪ -‬هناك حاليا عدة كاتبات وروائيات حضورهن‬

‫مثال الهيئة القومية للترجمة في مصر تقبل‬

‫الكاتبة؟‬ ‫واضح‪ ،‬مثل الكتابة الصحفية التي تمارسها‬

‫بدرية البشر وعزيزة المانع وهتون الفاسي‬

‫وغيرهن‪.‬‬

‫> ورأيك في مقارنة األدب السعودي باألدب في‬ ‫البلدان العربية؟‬

‫العربية‪ ،‬وأيضا هناك أناس منصفون‪ ،‬فخذ‬

‫مني كتابين‪ ..‬يعني هذا أنها تعترف باألدب‬ ‫السعودي وتقدره‪.‬‬

‫> ع���ودة إل���ى وادي ال��س��رح��ان‪ ..‬م���اذا ع��ل��ق في‬ ‫ذاكرتك منها؟‬ ‫‪ -‬الحقيقة أن الصحراء عندنا جميلة جدا‪..‬‬

‫‪ -‬ال يقل األدب لدينا عن األدب في مصر أو‬

‫تسمع فيها أصواتاً وأنغاماً‪ ..‬وكانت الحياة‬

‫مثل حمزة شحاته ‪-‬م��ع األس��ف‪ -‬لم يشتهر‬

‫وأذك���ر ك�ت��اب�اً ل�م��ؤل�ف� ٍ�ة انجليزية ع��ن أزهار‬

‫غيرها‪ ،‬بل أصبح يضاهيه‪ ،‬وإذا ك��ان أديب‬

‫على مستوى العالم العربي‪ ،‬لكنه كشاعر‪ ..‬ال‬

‫الفطرية غنية باألعشاب والربيع والطيور‪..‬‬

‫الصحراء العربية‪..‬‬

‫يقل عن أعظم الشعراء العرب‪ ،‬واآلن بدأوا > ما هي ذكرياتك عندما تغادر وادي السرحان‬ ‫يهتمون به في مصر‪ ،‬إذ خرجت عدة رسائل‬ ‫إلى سكاكا؟‬ ‫ماجستير عنه‪.‬‬

‫> يعاني مثقفو المملكة والخليج من مصادرة‬

‫ع�ب��دال��رح�م��ن ال �س��دي��ري (رح �م��ه ال �ل��ه) في‬

‫األسماء المبدعة في األنطلوجيات العربية‬

‫البستان‪ ،‬وكنت أشاهد كثيرا من رجال القبائل‬

‫‪ -‬سبب ه��ذه المشكلة أن أدبنا لم ينتشر في‬

‫ولي قصة طريفة معه‪ ..‬حيث مررت بسيارتي‬

‫مثل أنطولوجيا عبدالقادر الجنابي؟‬ ‫ال �خ��ارج‪ ،‬خ��اص��ة وأن صحفنا ومجالتنا ال‬ ‫تصل إل��ى المتلقي سابقا‪ ،‬رغ��م أن تجارب‬

‫‪92‬‬

‫‪ -‬ك �ن��ت أح �ض��ر ي���وم ال �ج �م �ع��ة ج�ل�س��ة األمير‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ‬

‫وشيوخها‪ ،‬وأذكر أني قابلت لورنس الشعالن‪،‬‬ ‫بجوار مضاربه في وادي السرحان‪ ،‬فأوقفوني‬

‫وقالوا‪ :‬تعال سلم على األمير‪.‬‬


‫يهدد الكويت‪ ،‬وذل��ك عام ‪1381‬ه� �ـ‪1961/‬م‪،‬‬

‫أو تفكير‪ ،‬ومن دون نظر للمستقبل‪ ،‬ونعمل‬

‫وق��ال ل��ي‪ :‬إن��ي أرس�ل��ت برقية للملك سعود‬

‫للعدد الموجود‪ ،‬عندك جدة‪ :‬إلى اآلن لم ينته‬

‫أبلغه فيها أن لدي عشرة آالف محارب‪.‬‬

‫مشروع الصرف الصحي فيها‪ ،‬رغم أنه بدأ‬

‫> ما رأيك في قضية استنزاف المياه؟‬

‫قبل خمسين عاماً‪.‬‬

‫‪ -‬كنت من المعارضين في وزارة الزراعة عندما ‬

‫يقول ل��ي صديق م��ن الشرقية‪ :‬عندما بدأت‬

‫ب��دأت فكرة عمل مشروع ح��رض الزراعي‪،‬‬ ‫وكنت ضد ه��ذا المشروع‪ ،‬ألن��ه سيستنزف‬ ‫المياه‪ ،‬كما كنت ضد مشروع زراع��ة القمح‬

‫ل�لأس�ب��اب نفسها‪ ،‬وه��اج�م��ت ال��دك �ت��ور بكر‬ ‫عبدالله بكر عندما أعلن أن المياه لدينا‬

‫ت�ع��ادل تدفق مياه النيل‪ ،‬وق��د كتبت حينها‬

‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫ ‬

‫جلست معه وك��ان أيامها عبدالكريم قاسم ‪ -‬التنمية لدينا عشوائية‪ ..‬من دون تخطيط‬

‫أرامكو أعمال الحفريات‪ ،‬سألها بعض الناس‬ ‫م��اذا تفعلون؟ ف�ق��ال��وا ن��ري��د أن نبني مدينة‪،‬‬ ‫فضحك عليهم الكثير؛ ألنهم ك��ان��وا يمددون‬ ‫شبكات المياه والصرف والكهرباء والهاتف قبل‬ ‫بناء البيوت‪« ،‬طلعنا نحن المغفلون وهم الذين‬ ‫عندهم عقل»‪ ..‬تمنيت تعميم تجربتهم تلك‪.‬‬

‫م �ق��اال ف��ي صحيفة ع �ك��اظ ب �ع �ن��وان (فشر > لماذا كانت نتائج التنمية كما هي عليه اليوم‬ ‫عبدالله فشر)‪ ،‬والحقيقة أن الخبراء األجانب‬ ‫رغ��م أن متخذي ال��ق��رار لدينا م��ن ال���وزراء‬

‫في وزارة الزراعة كانوا من رأيي‪ ،‬حيث أكدوا‬

‫أن المياه لدينا ال تتجدد‪ ،‬فإذا استنزفتموها‬ ‫اآلن‪ ..‬فسوف تحرمون األجيال القادمة منها‪،‬‬

‫وستحتاجونها للشرب وال تجدونها‪ ،‬فهل كنا‬ ‫نتخيل أن نحتاج إلي �ص��ال ال�م�ي��اه المحالة‬

‫وغ��ي��ره��م ق��د تعلموا ف��ي ال��غ��رب‪ ،‬وشاهدوا‬ ‫تجاربهم ولم تبخل الدولة عليهم؟‬ ‫ ل�لأس��ف وك�م��ا ت ��رى‪ ..‬ك��ل ي��وم ه�ن��اك أعمال‬‫تحفير‪ ،‬ال توجد مدينة لدينا إال وفيها حَ ف ٌر‬

‫للقصيم(بعد استنزاف مياهها الجوفية)؟‪،‬‬ ‫وحائل أيضا‪ ،‬والجوف فيها استنزاف كبير‬ ‫للمياه‪ ..‬وق��د كتبت عن مشكلة ثانية‪ ،‬وهي‬

‫زراع��ة البرسيم التي تتم على م��دار العام‪،‬‬

‫واق�ت��رح��ت زراع ��ة عشب (ب���روم) ب��دي�لا عن‬ ‫البرسيم‪ ،‬ألنه ال يستهلك مياهاً كثيرة‪ ،‬وقد‬ ‫كتبت عشرين م �ق��االً‪ ،‬ول��م أج��د أح ��داً يهتم‬

‫بها‪..‬‬

‫> ما رؤيتك لحال التنمية‪ ..‬وق��د كنت ضمن‬ ‫رج�����ال ال���ب���داي���ات؟ أي����ن ك���ان���ت النجاحات‬ ‫واإلخفاقات فيها؟‬

‫لقطة خاصة لـ عابد خزندار أثناء جلسة الحوار‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ ‪93‬‬


‫ن��ات � ٌج ع��ن ع��دم وج ��ود التخطيط‪ ،‬بينما لو‬ ‫تذهب إلى أي مدينة أوربية ال تكاد تجد أي‬ ‫حفريات‪ ،‬حتى الضواحي الجديدة ال تجد‬ ‫فيها حفريات؛ ألنهم قبل أن يعمروها يحفروا‬ ‫وينفذوا التمديدات الالزمة‪ ..‬أما هنا فيتم‬ ‫اعتماد المخططات والبناء بها قبل أن تصلها‬ ‫الخدمات‪ ،‬فإذا ما سكنها الناس‪ ،‬بدأت رحلة‬ ‫البحث عن الماء والصرف الصحي والكهرباء‬ ‫وبقية الخدمات‪ ،‬لتبدأ بعدها الحفريات‪..‬‬ ‫> ورؤيتك لواجب المثقف‪ ..‬هل من المفترض‬ ‫أن يتصدى للقضايا االجتماعية والحياتية؟‬ ‫ ينبغي أن يكون صوته عالياً فيها‪ ..‬والمشكلة‬‫التي نعاني منها أنه ال وجود لجهاز مقاوالت‬ ‫محترف‪ ،‬وعندما تبحث عن سرير لمريض‬ ‫ال تجد ه��ذا السرير‪ ..‬ول��ذا يجب أن يكون‬ ‫الصوت عاليا لتحسين الحال ومنع الفساد‪..‬‬

‫ال �ق��رن ال�ع�ش��ري��ن ع�ن��دم��ا ل��م ت�ك��ن التدفئة‬ ‫متوافرة‪ ،‬فكان الناس يجتمعون فيها‪ ،‬وكان‬ ‫ال �ع��دي��د م��ن األدب � ��اء ي�ك�ت�ب��ون ك�ت��اب��ات�ه��م في‬ ‫المقاهي‪ ،‬والشعب الفرنسي يحب المقاهي‪،‬‬ ‫وتبرز هذه المحبة في الصيف حيث ال تذهب‬ ‫إلى منطقة إال وتجدها ممتلئة‪ ..‬وفي بيتي‬ ‫في فرنسا يوجد مقهى أسفل البيت‪ ،‬وأجلس‬ ‫فيه كل يوم ساعة‪ ،‬حيث أستأنس بالناس‪..‬‬ ‫> وماذا يشدك في مقاهي جدة؟‬ ‫ ال ي��وج��د م��ا ي�ش��دن��ي ف �ي �ه��ا‪ ..‬وك �ن��ت أمشي‬‫قليال في (رد سي م��ول) وأجلس في مقهى‬ ‫(س�ت��ارب��وك��س)‪ ،‬ولكني ال أع��دّه مقهى كتلك‬ ‫التي في فرنسا‪..‬‬ ‫> وما عالقتك بالموسيقى؟‬

‫> ورؤي��ت��ك للتنمية المتوازنة ف��ي البلد‪ ،‬هل‬ ‫ أن ��ا م��ول��ع ب��ال�م��وس�ي�ق��ى‪ ،‬وع �ن��دي مجموعة‬‫كانت التنمية كذلك؟‬ ‫ ل��م تكن التنمية م�ت��وازن��ة أب ��دا‪ ،‬فقد بدأت‬‫التنمية واإلصالحات في جدة‪ ،‬ثم انتقلت إلى‬ ‫الرياض مع انتقال ال��وزارات إلى العاصمة‪،‬‬ ‫وباقي المناطق أهملت‪ ،‬وقد ذهبت إلى جازان‬ ‫قبل خمسين عاما‪ ،‬ولم يكن فيها أي مظهر‬ ‫مدني أو شارع مسفلت‪ ،‬ولم تبدأ تنميتها إال‬ ‫مؤخرا منذ سنوات معدودة‪ ..‬وكنت في مهمة‬ ‫رسمية‪ ،‬وكان معي خبراء أجانب‪ ،‬وقد نصحوا‬ ‫بنقل مدينة ج��ازان من موقعها القديم‪ ،‬ولم‬ ‫يتم االستماع لهم طبعا‪..‬‬

‫‪94‬‬

‫موسيقية خاصة بالموسيقى القديمة‪ ،‬وأحب‬ ‫الموسيقى العربية أك�ث��ر م��ن السمفونيات‬ ‫الغربية‪ ..‬والسمفونيات الغربية أعدها مثل‬ ‫الشعر الجاهلي الذي ال يمكن فهمه من المرة‬ ‫األول��ى‪ ،‬والبد من تكراره الستيعابه‪ ،‬وهكذا‬ ‫ه��ي ب�ع��ض ال�م��وس�ي�ق��ى ال�س�م�ف��ون�ي��ة‪ ..‬مثل‬ ‫اللوحات الفنية‪ ،‬وعندما شاهدت الموناليزا‬ ‫ألول م��رة‪ ،‬لم أجد فيها أي إث��ارة أو غرابة‪،‬‬ ‫ولكن بعدما درست الفن‪ ،‬وأخذت دورة بعنوان‬

‫> ما دور المقهى كمكوِّن ثقافي؟‬

‫(كيف تقدر الفن)‪ ،‬تغيرت رؤيتي‪ ،‬وأصبحت‬

‫‪ -‬المقهى مجمع لألدباء‪ ،‬وبخاصة في بداية‬

‫أرى أشياء جديدة وعناصر فريدة‪..‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ‬


‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫ملحة العبدالله‪ :‬إمرأة حتمل عزمية رجال‬ ‫> حاورها‪ :‬أحمد الطراونة ‪ -‬األردن*‬

‫في البدء كانت دهشة األطفال تقسو عليها‪ ،‬وترمي بشرر األسئلة التي ال يقوى عليها‬ ‫ذهنها الغض‪ ،‬لكنها تصرع الدهشة بسؤالها البريء والكبير‪ ،‬لماذا ال يوجد نساء على‬ ‫خشبة الحياة؟‬ ‫اقتفت خطى والدها‪ ،‬لتكتشف الحلم الذي يراوده ‪ -‬عشق المسرح ‪ -‬وهي ال تزال في‬ ‫السادسة من عمرها‪ .‬نامت خلف الكواليس وتعلّمت صناعة الوعي على خشبة المسرح‪.‬‬ ‫أجبرتها أغالل الوعي على عالم الفضاءات الرحبة أن تسلك طريقا آخر غير كل‬ ‫النساء‪ ،‬حلمت بما يحلم به الرجال في لحظة غابت فيها المرأة عن المشهد اإلبداعي‪،‬‬ ‫أمل ألن تقدم المرأة‬ ‫فكانت تخط بأحالمها طريق اإلب��داع‪ ،‬وتفتح بقوة عزيمتها كو َة ٍ‬ ‫السعودية والعربية إسهاما في المشهد اإلبداعي عموما‪ ،‬والمسرحي تحديدا‪ .‬تخصصت‬ ‫في البكالريوس والماجستير ثم الدكتوراه في «ال��درام��ا والنقد» وه��و تخصص نادر‪،‬‬ ‫وهي الوحيدة التي حصلت على هذا التخصص في المملكة العربية السعودية بدرجة‬ ‫الدكتوراه‪ .‬قدمت العشرات من النصوص المسرحية والدرامية والقصصية‪ ،‬وتوجت‬ ‫أعمالها المسرحية بفوز مسرحية «العازفة» في المسابقة العالمية لنصوص المونودراما‬ ‫في الفجيرة‪ ،‬تتبعت األنساب في الجزيرة العربية‪ ،‬وناقشت العادات والتقاليد‪ ،‬إال أنها‬ ‫ترسخت كناقدة لها مكانتها الخاصة ونظرياتها المعترف بها عالميا‪ ،‬حين أصدرت‬ ‫موسوعة «نقد النقد» التي تعد من أهم الكتب التي تعالج المسألة النقدية العربية‪.‬‬ ‫على هامش مهرجان الفجيرة الدولي للمونودراما كان لنا معها هذا الحوار‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ ‪95‬‬


‫الدكتورة ملحة العبدالله الناقدة والمسرحية وصاحبة موسوعة «نقد النقد» والفائزة‬ ‫بجائزة اليونسكو وست جوائز عربية تقول‪:‬‬ ‫ ‬

‫•عالقة الناقد بالمبدع عالقة تصادمية على الدوام‬

‫ ‬

‫•أنجزت ثالثةً وخمسين نص ًا مسرحياً‪ ،‬وعشرين كتاب ًا نقدي ًا‬

‫ ‬

‫•المسرح في السعودية في حالة وهج وتألق حاليا‬

‫ ‬

‫•كتابتي عن العادات والتقاليد لم تكن صرخة ضد السائد‪ ،‬وإنما للتصالح معه‬

‫ه��ذا الحصان الجامح‪ ،‬وتمسك باللجام كي‬ ‫ال يفلت منها إوار الجماح‪ ،‬وما أشد وحشية‬ ‫هذا الفرس الجامح (المسرح)‪ .‬ولم يكن باألمر‬ ‫اليسير‪ ،‬فقد كان زائ��را عزيزاً لبلدتنا‪ ،‬إال أن‬ ‫والدي رحمه الله‪ ،‬كان يحب المسرح‪ ..‬ويفرح‬ ‫عندما أقوم بتقليد ما أراه من عروض حينما‬ ‫أع��ود لوالدتي‪ ،‬لكي يتسنى لها رؤي��ة ما كنت‬ ‫أشاهده‪ ،‬وحينما ذهبت إلى أكاديمية الفنون‪،‬‬ ‫لكي يتسنى لي سبر أغ��وار ه��ذا العالم الذي‬ ‫كانت بالدنا تحتاج إليه ‪ -‬من وجهة نظري‪-‬‬ ‫أحجمت الملحقية ال�س�ع��ودي��ة ب��ال�ق��اه��رة عن‬ ‫تيسير ذلك لي بدعوى أن المسرح كان مصنفاً‬ ‫ضمن قائمة الفنون الال أخالقية‪ ،‬وكدت أفقد‬ ‫هذا األمل لوال أنه تم استثنائى من قبل رئاسة‬ ‫الجمهورية‪ ،‬تبعا لقول عميد المعهد العالي‬ ‫للفنون ال�م�س��رح�ي��ة‪ :‬ن�ح��ن ن�ح�ت��اج إل��ى كوادر‬ ‫مسرحية هناك‪ ،‬وكنت أن��ا أول طالبة تدرس‬ ‫المسرح وفنونه‪ ،‬وكانت أول شهادة تعتمد من‬ ‫السفارة السعودية بالقاهرة بتقدير جيد جدا‬ ‫مع مرتبة الشرف‪.‬‬

‫> الدكتورة ملحة العبدالله‪ ،‬شيخة المسرح العربي‪،‬‬ ‫وسيدة من أسياد النقد األدبي‪ ،‬كيف كان ذلك؟‬ ‫(لنتحدث عن بدايتك مع الكتابة والمسرح‪ ،‬وعن‬ ‫دور األه��ل في ذل��ك‪ ،‬ومن شجعك على اقتراف‬ ‫جريمة حب النقد وعشق المسرح)؟‬ ‫< أوالً‪ :‬لم تكن تعلم تلك الطفلة الصغيرة التي‬

‫لم يتجاوز عمرها ست سنوات ‪ -‬وهي تحضر‬

‫وتتابع وتشاهد وتقلد فن المسرح‪ ،‬حينما كانت‬ ‫ترافق والدها الذي كان يعمل في وزارة المعارف‬ ‫آنذاك‪ ،‬وأحيانا تنام في كواليسه وخلف ستائره‬

‫حتى الصباح ‪ -‬وتحلم بأنها ستعتلي صهوة‬

‫ ‬

‫د‪ .‬ملحة العبدالله تفوز بجائزة الموندراما العالمية‬

‫‪96‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ‬

‫ث��ان �ي��ا‪ :‬ب��داي��ات اح��ت��راف ال�ك�ت��اب��ة ك��ان��ت بعد‬ ‫التخرج‪ ،‬ألنني كنت أعلم مدى خطورة الكتابة‬ ‫المسرحية بدون تخصص‪ ،‬وبدون علم بآليات‬ ‫الكتابة حسب مدارسها ومناهجها وحرفيتها‬ ‫واتجاهاتها الفكرية‪ ،‬وكنت على علم بأنني‬


‫ أوال‪ :‬النقد والمسرح وجهان لعملة واحدة‪ ،‬فإذا ‬‫لم يتأَتَ للكاتب المسرحي سبر أغوار النقد‪..‬‬

‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫أول ك��ات �ب��ة م�ح�ت��رف��ة ل�ل�م�س��رح ف��ي وطني‪..‬‬ ‫ومدى حساسية األمر‪ ،‬وبناء عليه‪ ..‬فال يجب‬ ‫أن أق ��ود ص�ه��وة فكر وع�ل��م إال ع��ن تخصص‬ ‫وف�ه��م‪ ،‬ألن�ن��ي أع�ل��م أن كتاباتى ستتحول إلى‬ ‫ت��اري��خ ل�ه��ذا ال�م�ج��ال‪ ،‬وعليه أرج ��أت الكتابة‬ ‫إل��ى م��ا بعد التخرج‪ ،‬ث��م كتبت أول مسرحية‬ ‫وهي (أم الفأس) ثم مسرحية (المسخ)‪ ،‬في‬ ‫الوقت نفسه حينها عرضت مسرحية المسخ‬ ‫بالقاهرة‪ ،‬وحققت نجاحا باهراً‪ ،‬ولفتت األنظار‬ ‫ل�م�ي�لاد ك��ات�ب��ة م�س��رح�ي��ة‪ ،‬وف��ى ال��وق��ت نفسه تكريم الدكتورة ملحة العبدالله في افتتاح ملتقى النص المسرحي‬ ‫قدمت (أم ال�ف��أس) في جامعة اليرموك من‬ ‫ل��ن يستطع ق�ي��ادة صهوة القلم‪ ،‬فالنقد علم‪،‬‬ ‫إخ��راج مخلد الزيودي‪ ،‬وحصلت على المركز‬ ‫والمسرح علم مع كونه فن‪ ،‬إال أنه يرتكز على‬ ‫األول‪ ،‬كما حصلت على جائزة (أبها) الثقافية‪،‬‬ ‫النقد‪ ،‬والنقد أصبح علماً حسب النظريات‬ ‫وهي جائزة عربية كبيرة‪ ،‬حينها أدرك��ت أنني‬ ‫الحديثة‪ ،‬الرتباطه بكل العلوم‪ ..‬ومن هنا أصبح‬ ‫ال ب��د أن أك�م��ل مشروعي ف��ي تأسيس كاتبة‬ ‫الكاتب المسرحي الحذق هو من يمتلك فهم‬ ‫مسرحية سعودية عربية وعالمية‪ ،‬وقد تحقق‬ ‫ووعي العلوم األخرى‪ ،‬ألنها والمسرح تصب في‬ ‫ذلك بفضل الله بعد إنجاز (‪ )53‬نصا مسرحيا‬ ‫بوتقة واحدة‪.‬‬ ‫عبر م��دارس مختلفة‪ ،‬وعشرين كتابا نقديا‪،‬‬ ‫ ثانيا‪ :‬تخصصي في البكالوريوس والماجستير‬ ‫توج هذا المشروع بفضل الله بحصولي على‬ ‫ث��م ال��دك �ت��وراه ك��ان ف��ي ال��درام��ا وال�ن�ق��د‪ ،‬وهو‬ ‫المركز األول عالميا في المسرح من اليونسكو‬ ‫تخصص نادر‪ ..‬إذ أنني الوحيدة التي حصلت‬ ‫«جائزة الفجيرة للمونودراما» إضافة إلى ست‬ ‫ع �ل��ى ه ��ذا ال�ت�خ�ص��ص ف��ي ال�م�م�ل�ك��ة بدرجة‬ ‫جوائز عربية‪.‬‬ ‫الدكتوراه‪.‬‬ ‫ أم��ا م��ن شجعني ع�ل��ى ذل ��ك‪ ،‬ف�ه��م أساتذتي‬ ‫ ثالثا‪ :‬أما لماذا المسرح؟ فألن وطني يحتاج إلى‬ ‫بأكاديمية الفنون بالقاهرة‪ ،‬حيث تنبئوا لي‬ ‫هذا الرافد عن فهم وعلم‪ ،‬ولم يتسنَّ لغيري أن‬ ‫ب��ال��ري��ادة‪ ،‬وم�ن�ه��م ال��دك �ت��ور مصطفى يوسف‬ ‫يتخصص فيه‪ ،‬فالمسرح ف��ي المملكة قديم‬ ‫أستاذ ورئس قسم النقد والدراما‪ ،‬إلى جانب‬ ‫قدم المسرح في الوطن العربي‪ ،‬إال أن أحداً لم‬ ‫جل األساتذة آنذاك‪.‬‬ ‫يتخصص فيه كدراسة‪ ،‬وكنقد من قبل‪ ،‬وهو ما‬ ‫> لماذا النقد ولماذا المسرح؟ وما عالقة ذلك‬ ‫يستحق منا هذا الجهد‪ ،‬ثم إنَّ المسرح هو أبو‬ ‫بالتراث ال��ذي احتل مكانا مهما في سيرتك‬ ‫الفنون‪ ،‬وكهف مسحور يقضي على من اقترب‬ ‫اإلبداعية؟‬ ‫منه من دون دراية‪ ،‬ولكنني قبلت التحدي‪.‬‬ ‫رابعا‪ :‬أما لماذا التراث؟! فالمسرح ال ينفصل‬ ‫عن التراث‪ ،‬ثم أن من لديه ذرة من عروبة‪..‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ ‪97‬‬


‫فليهتم بالتراث خاصة العربي منه‪ ،‬ألننا أمام‬ ‫زح��ف ه��ائ��ل‪ ،‬ف��االن�ص�ه��ار ف��ي بوتقة العولمة‬ ‫سيقضي على الشخصية العربية‪ ،‬والتي هي‬ ‫الهدف األسمى لمحو الهوية من قبل المنظرين‬ ‫للفكر العولمي‪ .‬وقد شجعني على دراسة التراث‬ ‫األستاذ الكبير والخبير العالمي صفوت كمال‪،‬‬ ‫الذي تتلمذت على يديه‪ ،‬فكتبت كتاباً بعنوان‬ ‫(المملكة العربية السعودية‪ ..‬عادات وتقاليد)‪،‬‬ ‫وكتب هو المقدمة‪ ،‬ثم إنني اقترب اآلن من‬ ‫إص ��دار م��وس��وع��ة ب�ع�ن��وان (ال �ج��زي��رة العربية‬ ‫أنساب وتقاليد)‪ ،‬ومن أهم ما وجدته كنتيجة‬ ‫لهذه الموسوعة أن الجزيرة العربية هي من‬ ‫خرج منها النسل العالمي برمته‪ ..‬حينما تتبعت‬ ‫ ‬ ‫ع�ل��م األن �س��اب ع�ب��ر م�خ�ط��وط��ات ن� ��ادرة‪ ،‬وقد‬ ‫ال كبيراً فيما أورده المستشرقون‪ ،‬ولم‬ ‫وجدت خل ً‬ ‫يتصدَّ لذلك أحداً‪ ،‬فكما وجدت أن النظريات‬ ‫العربية هي منبع النظريات العالمية وأساسها‬ ‫في موسوعة «نقد النقد»‪ ،‬وجدت أيضا أن ابن ‬ ‫الجزيرة العربية هو أصل العالم‪ ،‬كل ذلك عن‬ ‫بحث أكاديمي موضوعي ال يوجد للذاتية فيه‬ ‫مكان‪ ،‬حسب سيل هائل من المراجع‪.‬‬ ‫> نحن امام أعمال موسوعية كبيرة ينوء بحملها‬ ‫ال��رج��ال «م��وس��وع��ة ن��ق��د ال��ن��ق��د» م��ث��اال‪ ،‬كيف‬ ‫استطاعت العبدالله ان تنجز هذا العمل؟ ومن‬ ‫ساعدها في ذل��ك؟ ولمن أنجزت ه��ذا العمل‬ ‫العلمي واإلبداعي الكبير؟‬ ‫< «موسوعة نقد النقد» تقع في ثالث مجلدات‬ ‫من القطع الكبير‪ ،‬أي ما يقارب ألف وخمسمائة‬ ‫صفحة‪ ،‬وهي تتناول تطور النظريات النقدية‬ ‫المسرحية باالتكاء على النظريات الفلسفية‪،‬‬ ‫ألن المسرح كونه فلسفة‪ ،‬فال ينفصل عن ذلك‬ ‫منذ أول نظرية نقدية لدى اليونان‪ ،‬مرورا باآلراء‬ ‫العربية القديمة في النقد‪ ،‬ثم أراء الفالسفة‬

‫‪98‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ‬

‫المسلمين‪ ،‬انتهاء بالنظريات الحديثة‪ ..‬مثل ما‬ ‫بعد الحداثة والكوانتم والنانو‪ ،‬وكيف تلفلف‬ ‫ه��ذا ال�م��ارد بثنايا ه��ذه النظريات‪ ،‬وكيف أن‬ ‫ه ��ذه ال �ن �ظ��ري��ات ت�ت�س�ل��ل ف��ي ع �م��ق ووج� ��دان‬ ‫المتلقي‪ ،‬فتصبغ سلوكه وأف�ك��اره من دون أن‬ ‫يعلم‪ ،‬وه��و ما أسميته «الحقن تحت الجلد»‪،‬‬ ‫ثم ما آل إليه حال الفرد العربي جراء تعاطي‬ ‫هذه الفلسفات عبر اإلعالم والمسرح‪ ،‬كل ذلك‬ ‫م��ن خ�لال س��ؤال واح��د وه��و أي��ن يقف الفرد‬ ‫بين األنس واالغتراب؟ فكان اسم الموسوعة‬ ‫(حكمة النقد بين األنس واالغتراب)‪ ،‬وهو ما‬ ‫تموج به ساحات الثقافة العربية «هذا أوال»‪..‬‬ ‫ثانيا‪ :‬لم يساعدني أحد في هذا الجهد إطالقا‪،‬‬ ‫بل مكثت عليه عامين كاملين متصلين‪ ،‬ومن‬ ‫دون توقف إال لألكل أو النوم متأخرا‪ ،‬وكل ما‬ ‫مرجع فقط‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫احتجت إليه هو ثالثمائة‬ ‫ثالثا‪ :‬أنجزت هذه الموسوعة لكل فرد عربي‬ ‫يبحث عن األن��س‪ ،‬وأيضا للعالم‪ ..‬فهي اآلن‬ ‫ت�ت��رج��م إل��ى ال�ل�غ��ة اإلن�ج�ل�ي��زي��ة‪ ،‬وف��ي النهاية‬ ‫أنجزتها لالهث والباحث ع��ن المعرفة وفن‬ ‫المسرح في السعودية‪ ،‬إذ ال توجد أكاديمية‬ ‫أو جامعة ت��درس المسرح‪ ،‬فقد تكون نقطة‬ ‫ف��ي م�ح�ي��ط ع�ل��م ال �م �س��رح وف �ن��ه ي�ه�ت��دى بها‬ ‫رج��ال المسرح أو حتى العامة‪ ،‬وق��د حصلت‬ ‫الموسوعة على إجازة واعتراف من جهة وزارة‬ ‫الثقافة السعودية من دون كلمة واحدة بفضل‬ ‫الله‪.‬‬ ‫> ه��ل اختفت ال��ع��ادات والتقاليد القديمة أم‬ ‫ما زال��ت تحاول اإلف�لات من براثن الحضارة‬ ‫والتحديث؟ وإلى أي مدى استطاعت العادات‬ ‫والتقاليد الثبات أمام سطوة التحديث؟ وإلى‬ ‫أي مدى اثَّ ر التحديث في العادات والتقاليد‬


‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫ال��راس��خ��ة؟ وم��ا ه��ي المشكالت ال��ت��ي ظهرت‬ ‫خالل الستين عاما الماضية؟ وإل��ى أي مدى‬ ‫أثرت هذه النهضة في بنية المجتمع السعودي‬ ‫ذي الطبيعة الدينية والفكرية الخاصة؟‬ ‫< يرى بعض الناس أن هناك تغيرا في العادات‬ ‫وال�ت�ق��ال�ي��د ف��ي المملكة ال�ع��رب�ي��ة السعودية‪،‬‬ ‫وبالطبع هناك غاللة قد يبدو أنها تغيرت إال‬ ‫أنها مسكونة ب��اإلرث القبلي المجتمعي‪ ،‬وهنا‬ ‫تكمن المفارقة‪ ،‬حيث أن التطور في المملكة‬ ‫من خالل النظام االجتماعي وطفرة التعدين‪،‬‬ ‫والطفرة الزراعية أثرت بطبعها وعملت على‬ ‫طفح اجتماعي جديد‪ ،‬فأصبح الفرد السعودي‬ ‫بين جيلين‪ ،‬نظرا لسرعة انطالق سهم التطور؛‬ ‫فهي باألمس القريب كانت تحيا حياة القبيلة‬ ‫بكل تقاليدها والتى دونتها في موسوعتى‪ ،‬واآلن‬ ‫هي تتالمس مع ال��دول المتقدمة في التطور‬ ‫والتحديث‪ ،‬ولتقارب الزمن بين هاتين الحقبتين‬ ‫– إذ ال يتجاوز المائة عاما‪ ،‬وهذه لمحة بصر‬ ‫في قياس الزمن التاريخي للشعوب‪ -‬عمل على‬ ‫صراع المفاهيم بين جيلين متجاورين‪ ،‬وجيلي‬ ‫هو من تتجاذبه هاتان الحقبتان‪ ،‬ألننا همزة‬ ‫الوصل بينهما‪ .‬وجدير بالذكر أن الهوية الدينية‬ ‫ق��د عملت على ال �ت��وازن ف��ي المملكة‪ ،‬فلدينا‬ ‫هوية دينية عززها وجود الحرمين الشريفين‬ ‫في بالدنا‪ ،‬فيجب أن نكون المثال أمام العالم‬ ‫اإلسالمي دينا وعقيدة وتشريعا‪ ،‬حفاظا على‬ ‫قدسية المكان وانطالقا من تجذر الدين فينا؛‬ ‫ومن هنا لم تتأثر العادات والتقاليد في المملكة‬ ‫كإرث قبلي في كنه الشخصة ذاتها‪ ،‬وإنما ظهر‬ ‫بعض التأثر في المعمار والحفالت وغير ذلك‪..‬‬ ‫لكن السعودي مسكون بإرثه القبلي واإلسالمي‬ ‫مهما لبس من ثوب العصر‪ ،‬على الرغم من أن‬ ‫هناك سبغة أسبغتها حياة المدن على ساكنيها‪،‬‬

‫وهي تلك الدوائر المتماسة وغير المتقاطعة‪،‬‬ ‫وهو ما لم تورثه حياة القبيلة‪.‬‬ ‫> أن���ت م��س��ك��ون��ة بثنائية ال��م��اض��ي والحاضر‪،‬‬ ‫ت��ب��ح��ث��ي��ن ف���ي ث��ن��اي��ا األس����ط����ورة لتتنبئين‬ ‫ب��ال��م��س��ت��ق��ب��ل‪ ،‬م��ؤم��ن��ة أن ال��م��اض��ي ال يكون‬ ‫بغير الحاضر‪ ،‬كيف تقرأين مستقبل الحالة‬ ‫اإلبداعية العربية؟ والى أي حد ستسهم هذه‬ ‫التحول العربي نحو نهضة‬ ‫الحالة في إنضاج ّ‬ ‫شاملة؟‬ ‫< من ليس له ماض فليس له حاضر‪ ..‬تلك هي‬ ‫قناعتي‪ ،‬ولكن أزمة الحالة اإلبداعية في الوطن‬ ‫العربي نتاج لتلك الهوة السحيقة بين الخطاب‬ ‫النخبوي وبين الخطاب الجمعي‪ ،‬ما نتج عنه ما‬ ‫أسميته بـ (ثقافة النزوح أو اإلنسحاب) فآفة‬ ‫الثقافة العربية هي ثقافة النزوح الزماني أو‬ ‫المكاني‪ ،‬وس��اع��د على ذل��ك نظرية العولمة‬ ‫وعنصر الـ(هنا والـ هناك)‪ ،‬إذ أن الفرد يحيا‬ ‫هنا على أرضه وهناك في كل أنحاء العالم في‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ ‪99‬‬


‫آن واحد وفي نفسها عبر تالشي عنصر الزمن‪،‬‬ ‫فأنت تحيا في طوكيو وترى وتسمع وتتحدث‬ ‫وقد تتالمس (حسب التقدم العلمي في علم‬ ‫التواصل وما أعلن عنه) مع الرباط أو واشنطن‬ ‫أو غير ذلك من بالد العالم‪ ,‬هذا التالشي في‬ ‫الزمن وال��ذي نبه إليه دراي��دا وفوكو وإدوارد‬ ‫سعيد وغيرهم‪ ،‬هو ما أفقد وانتقص من ثقة‬ ‫الفرد في واقعه؛ فيجتاحه اإلغتراب‪ ،‬وبالتالي‬ ‫فاإلبداع العربي منغمس في حبر اإلغتراب‪،‬‬ ‫ويظهر لنا ن��وع من جلد ال��ذات في إبداعاتنا‬ ‫ل�ي��س م��ن م�ن�ظ��ور ن �ق��دي‪ ،‬وإن �م��ا م��ن منظور‬ ‫نزوحي في عالم انكفأ فيه الخطاب النخبوي‬ ‫على ذاته وترك اله ّم الجمعي تتالطمه األمواج؛‬ ‫فلم نعد ن��رى س��وى خ�ط��اب نخبوي يتثاقف‬ ‫فيه النخبة فيما بينهم‪ ،‬في م�ب��اراة من يفهم‬ ‫ ‬ ‫أكثر عبر مصطلحات تحتاج إلى مصطلحات‪،‬‬ ‫فانفك الجسر الثقافي بين الطبقتين‪.‬‬ ‫> ن��ظ��ري��ة «ال��ب��ع��د ال��خ��ام��س» ت��ع��د أول نظرية‬ ‫عربية في المسرح حيث تبنتها جامعة بيركلي‬ ‫األم��ي��رك��ي��ة‪ ،‬م��ا ه��ي ه��ذه النظرية باختصار‪،‬‬ ‫ول��م��اذا يشكك فيها‪ ،‬وإل���ى أي ح��د ستصمد‬ ‫هذه النظرية؟ وكيف يمكن أن تأخذها معاهد‬ ‫ال��ف��ن��ون ال��ع��رب��ي��ة وت��ط��رح��ه��ا ك��م��ن��ت��ج عربي‬ ‫إبداعي؟‬ ‫< أوال‪ :‬هذه النظرية اسمها (البعد الخامس في‬ ‫التلقي والمسرح) وتهتم بكيفية اإلقناع واالقتناع‬ ‫عن طريق المتعة في كل صنوف التلقي‪ ،‬إال أن‬ ‫المسرح هو محور االرتكاز‪ ،‬وأداتها هي الصورة‬ ‫السطحية ارتكازاً على(العقيدة والوجدانيات ثم‬ ‫السرد إلثارة الخيال)‪ .‬هذا الشق تناوله الكثير‬ ‫من الباحثين من اليونان‪ ،‬وهو استعمال العقيدة‬ ‫والوجدانيات للوصول للمتعة كما في المسرح‬ ‫الشعبي والعربي‪ ،‬وصنفت «بالنقطة الحميمية ‬ ‫‪ 100‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ‬

‫«إال أن أح��داً لم يتطرق لكيفية الوصول إلى‬ ‫ذلك‪ ،‬وقد سبق وأشار توفيق الحكيم ويوسف‬ ‫إدري��س إل��ى ذل��ك‪ ،‬وم��ن هنا ك��ان انطالقي‪ ،‬إذ‬ ‫وج��دت أن الفنون الشعبية والفنون البدائية‬ ‫وف�ن��ون األط�ف��ال كلها ص��ور مسطحة‪ ،‬ث��م يتم‬ ‫نحتها في متخيلة المتلقي عن طريق السرد‬ ‫وإثراء الخيال‪ ،‬وهنا يحدث مشاركة بين المتلقي‬ ‫والمرسل في صنع الصورة‪ ،‬هذه المشاركة هي‬ ‫ما لم تحدث على مدار خمسين عاما منذ دعوة‬ ‫الحكيم ويوسف إدريس وغيرهما‪ ،‬فوجدت أن‬ ‫المشاركة الفعالة التي تتسم بها فنوننا هي في‬ ‫تكملة الصور إذ أنها ترسل مسطحة‪ ،‬وتخرج‬ ‫منحوتة بين اثنين‪ :‬مرسل ومتلق‪ ،‬فينطبق على‬ ‫ما أبدعناه من فنون‪ .‬إذاً هي‪:‬‬ ‫م ��رس ��ل‪ :‬ص� ��ورة م�س�ط�ح��ة ‪ +‬س� ��رد «عقيدة‬ ‫ووجدانيات إلثراء الخيال = صورة منحوته كل‬ ‫حسب خياله‪.‬‬ ‫وه�ن��ا تكمن المتعة‪ ،‬ألن المتلقي ي�ب��ذل طاقة‬ ‫لتكملة الصورة‪ ،‬فيتخلص من الطاقة الزائدة‪،‬‬ ‫وبطبيعة ال �ح��ال ف ��إن ال�ت�خ�ل��ص م��ن الطاقة‬ ‫ال��زائ��دة؛ يصاحبه ش��يء م��ن المتعة كما في‬ ‫علم ال�ط��اق��ة‪ .‬وبالطبع ه��ذه ال�ن�ظ��رة معتمدة‬ ‫من جامعة بيركلي الدولية ومصدقة من وزارة‬ ‫الخارجية األمريكية‪ .‬والنظرية لم يشكك فيها‬ ‫أحد‪ ،‬وإنما كان هناك اختالف بيني وبين أحد‬ ‫النقاد في إحدى الندوات نظرا لضيق الوقت‬ ‫في الندوة (خمس دقائق) وهي مدة غير كافية‬ ‫لشرح نظرية‪ ،‬فاستغلتها الصحافة دون وعي‬ ‫أو فهم‪ ،‬وفي نهاية األم��ر اقتنع الناقد حينما‬ ‫وجدنا فسحة من الوقت خارج الندوة‪ ،‬ورسمت‬ ‫له خريطة النظرية فاقتنع بها‪.‬‬ ‫ث��ان�ي��ا‪ :‬أم��ا أن�ه��ا ستصمد أم ال؟ فكل نظرية‬


‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫البد أن تحيا مع التاريخ وعبر امتداد الزمن‬ ‫مهما كان ال��رأي تجاهها سلبا أو إيجاباً‪ ،‬فها‬ ‫نحن ندرس ونطبق نظرية جاليليو ونيوتن على‬ ‫الرغم من مقاومة ثقافة ذلك العصر‪ .‬النظرية‬ ‫م�ط��روح��ة وال�ب��اح�ث��ون م�س�ت�م��رون‪ ،‬فالمطابع‬ ‫مغازل‪ ،‬والباحثون ديدان قز‪ ،‬والمهم أال تتعقد‬ ‫في أيدينا الخيوط الحريرية‪.‬‬ ‫ ‬

‫أم��ا كيف ت�ط��رح كمنهج ع��رب��ي‪ ،‬فقد طرحت‬ ‫بالفعل‪ ،‬حيث أنها صدرت في كتاب وتناولتها‬ ‫الصحافة واإلعالم والندوات‪.‬‬

‫ ‬

‫ثالثا‪ :‬وأم��ا كيف تطرحها األكاديميات كمنتج‬ ‫عربي فهي قد طرحت بالفعل إذ أنها تدرس‬ ‫اآلن في أكاديمية الفنون وقد قررها األستاذ‬ ‫الدكتور مصطفى يوسف على طلبة الدراسات‬ ‫العليا قسم النقد والدراما بأكاديمية الفنون‬ ‫بالقاهرة هذا العام‪.‬‬ ‫���وي م��ن د‪.‬م��ل��ح��ة على‬ ‫> ك���ان ه��ن��ال��ك اح��ت��ج��اجٌ ق ٌ‬ ‫سلوك بعض من يصنفون أنفسهم نقاد مسرح‪،‬‬ ‫ل��درج��ة أن��ه��ا ل��ن ت��ش��ارك ف��ي أي ن���دوة نقدية‬ ‫عربية احتجاجا على تلك اآلراء االنطباعية‬ ‫البعيدة عن االحترافية النقدية‪ ،‬أما تزالين‬ ‫على موقفك؟ ول��م��اذا ال ي��ك��ون ح��ض��ورك هو‬ ‫األهم لمحاصرة هؤالء وإنقاذ الحالة النقدية‬ ‫العربية من االنطباعية التي تسودها؟‬

‫< ليس االح�ت�ج��اج على النقد االنطباعي وإنما‬ ‫االحتجاج على سوء إدارة الندوات‪ ،‬فأنت تحضر‬ ‫المحاضر بدعوة خاصة‪ ،‬وتدفع له التذاكر‪،‬‬ ‫وتتكلف بسكنه وإعاشته‪ ،‬ثم تخصص له خمس‬ ‫دقائق فقط‪ ،‬في حين أنك تفسح للمتداخل أكثر‬ ‫من خمس عشرة دقيقة‪ ،‬وتكتشف أن المتداخل‬ ‫يطرح أفكارا وينبذ أفكارا ويجدف بغير علم أو‬ ‫دراية‪ ،‬ثم ال يسمح لك مدير الندوة بالرد عليه‬

‫أو مناقشته‪ ،‬ثم أن قراري هذا جاء نتيجة أنني‬ ‫مصطلح‬ ‫ٍ‬ ‫دعيت إلى مؤتمر علمي يناقش إصدار‬ ‫قديم‪ ،‬إال أنني وجدت نفسي في‬ ‫ومفهوم ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫جديد‬ ‫ٍ‬ ‫ندوة للعامة ليس لهم في إصدار المصطلحات‬ ‫من ش��يء‪ ،‬ألن��ه ليس مجالهم وال تخصصهم‪،‬‬ ‫وقد تكرر ذلك في بلدين عربيين‪ ،‬فبالله عليك‬ ‫أي ش��يءٍ يمكن تسمية ه��ذا‪ ،‬ياسيدي نحن ال‬ ‫نفرق بين الندوة والملتقى والمؤتمر والمائدة‬ ‫المستديرة‪ ،‬ف��أي ثقافة نصدرها‪ ،‬وعلى أي‬ ‫حال‪ ،‬فأنا أتشرف بأي دعوة تأتيني لاللتقاء‬ ‫بجمهوري الذي لواله لما كنت‪ ،‬فال مكان عندي‬ ‫لقرار االنزواء هذا‪.‬‬ ‫> المسرح في السعودية متقدم قياسا ببعض‬ ‫ال������دول ال���ع���رب���ي���ة‪ ،‬رغ����م وج�����ود ال���ع���دي���د من‬ ‫ال��م��ع��ي��ق��ات ال���ت���ي ت��ت��ع��ل��ق ب��ه��وي��ة المجتمع‬ ‫اإلسالمية والخلفيات القبلية‪ ،‬هل نستطيع‬ ‫ال��ق��ول إن هنالك مسرحا سعوديا ق��ادر على‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ ‪101‬‬


‫إيصال الرسالة والتأثير في المجتمع؟ وكيف‬ ‫يمكن قياس هذا التأثير إن وجد؟‬ ‫< المسرح ف��ي السعودية ف��ي حالة وه��ج وتألق‬ ‫ح��ال�ي��ا‪ ،‬وعليه إق �ب��ال كبير‪ ،‬فحينما عرضت‬ ‫مسرحية نسائية في الصيف الماضي امتأل‬ ‫المسرح ذو الثالثة آالف مقعد‪ ،‬وقد قيل خمسة‬ ‫آالف‪ ،‬وحدثت حاالت إغماء وتدخلت النجدة‬ ‫نتيجة الزحام وافترش الجمهور األرض‪ ،‬ألن‬ ‫الجمهور ب��دأ يحب المسرح‪ ،‬وه�ن��اك رسائل‬ ‫جادة في هذه العروض‪ ،‬إال ان عملية التأثير‬ ‫ال تزال نسبية‪ ،‬وعملية قياسها هو أن الجمهور‬ ‫ال يأتي للمسرح كونه أداة نقد وتغيير وطرح‬ ‫أفكار‪ ،‬وإنما يأتي للفرجة فقط‪ ،‬وهنا تكمن‬ ‫الخطورة بين ما هو العرض وما هي الرسالة‪.‬‬

‫> قالت لي د‪.‬ملحة العبدالله ذات لقاء صحفي‬ ‫آخ��ر‪ ،‬إن ملحة المبدعة تطرد ملحة الناقدة‬ ‫وت��غ��ل��ق ال��ب��اب خلفها ح��ي��ن ت��ش��رع ب���أي عمل‬ ‫إبداعي‪ ،‬كيف ترين العالقة بين الناقد وبين‬ ‫ال��م��ب��دع ال���ذي يسعى ل��ل��ت��ح��رر م��ن المعاني‬ ‫واألوص�����اف وال��م��ق��اي��ي��س لينطلق ب��ع��ي��دا عن‬ ‫التجنيس وحصار المصطلح وتوصيفاته؟‬

‫< عالقة الناقد بالمبدع عالقة تصادمية على‬ ‫الدوام‪ ،‬فكيف إن وجد الناقد والمبدع في ذات‬ ‫واحدة (ع��ذاب)‪ ،‬إنها أغالل الوعي على عالم‬ ‫الفضاءات الرحبة‪ ،‬إال أنى حين أكتب أتخلص‬ ‫من الناقدة‪ ،‬ولكني أسترضيها وأستضيفها بعد‬ ‫اإلفراغ من العمل‪ ،‬وبالتالي تصبحان صديقتين‬ ‫حميمتين في نهاية العمل‪ ،‬ألن الناقدة هنا تُؤازر‬ ‫العمل وتشذبه بعد والدته‪ ،‬وهذا يخدمني كثيرا‬ ‫> كتبت د‪ .‬ملحة القصة والمسرحية والسيناريو‪،‬‬ ‫في إخ��راج العمل إل��ى النور قبل أن يعمل أي‬ ‫لكنها ل��م تكتب ال��رواي��ة‪ ،‬ه��ل س��ن��رى روايتك‬ ‫ناقد مشرطه في عملي‪ ،‬فناقدتي هي الرقيب‬ ‫قريبا؟ وكيف ترين الرواية السعودية‪ ،‬والرواية‬ ‫األول والقارئ األول للعمل‪ ،‬ولكنها ال تتدخل‬ ‫العربية عموما؟‬ ‫في ميالد اللحظة وفي شهقة اإلبداع ولذتها‪.‬‬ ‫< هذا أمر ليس بعسير‪ ،‬ألن كتابة المسرح أصعب > م��ن ي��ق��ه��ر اآلخ����ر م��ل��ح��ة ال��م��ب��دع��ة ام ملحة‬ ‫بكثير‪ ،‬فالمسرح فن التكثيف والحوار‪ ،‬والرواية‬ ‫الناقدة؟‬ ‫فن السرد وهو أسهل‪ ،‬ومن يكتب المسرح يكتب‬ ‫< كالعادة النقاد هم من يقهر المبدعين‪ ،‬ولكنني‬ ‫الرواية بكل يسر‪ ,‬والعكس غير صحيح وخاصة‬ ‫ال أدع لها أي وسيلة في ذل��ك‪ ،‬إال في اتخاذ‬ ‫أنني متخصصة في حرفية الكتابة‪ ،‬وأصدرت‬ ‫دورها كناقد حينما يصبح العمل جاهزا‪.‬‬ ‫كتابا”كيف تكون كاتبا‪ ،‬ولكنني أخشى على‬ ‫ال �م �س��رح‪ ،‬ألن م��ن ي�ك�ت��ب ال �م �س��رح ث��م يكتب > المرأة‪ ،‬األم‪ ،‬األخت‪ ،‬الزوجة‪ ،‬الحبيبة الملهمة‪،‬‬ ‫رم��ز الخصب وال��ح��ي��اة‪ ،‬كيف ع��ال��ج المسرح‬ ‫الرواية يَقِ ل عندما يعود لكتابة المسرح‪ ،‬هكذا‬ ‫السعودي قضاياها مع الحفاظ على احترام‬ ‫يقول علم الكتابة‪ ،‬فهناك ُكتّابٌ مسرحيون كبار‬ ‫ثنائية الدين والقبيلة؟ وكيف تعاملت هي مع‬ ‫حينما عادوا لكتابة المسرح بعد كتابة الرواية‪،‬‬ ‫المسرح بناءا على هذه الثنائية؟‬ ‫وقد حللنا مسرحياتهم فوجدناها أصبحت أقل‬ ‫ج��ودة من ذي قبل‪ ،‬وبالرغم من ذل��ك‪ ،‬فكتابة ‪ -‬المسرح كالماء والهواء ال يمكن أن تحكم نواحي‬ ‫الرواية تراودني بإلحاح‪ ،‬وعوالمها في مخيلتي‬ ‫تسربه‪ ،‬وقد عالج المسرح السعودي قضايا المرأة‬ ‫أينما أذهب‪.‬‬ ‫منذ والدت��ه‪ ،‬وقد تعاملت المرأة مع المسرح في‬ ‫‪ 102‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ‬


‫> في مسرحية العازفة التي فازت في المسابقة‬ ‫الدولية لنصوص المونودراما التي تعقدها‬ ‫هيئة الفجيرة للثقافة واإلع�لام على هامش‬ ‫مهرجان الفجيرة الدولي للمونودراما‪ ،‬والتي‬ ‫قلت إنها فوز للمسرح السعودي وللثقافة في‬ ‫السعودية بشكل عام‪ ،‬هل ناقشت حالة المرأة‬ ‫السعودية‪ ،‬وماذا أردت ان تقولي للمرأة العربية؟‬ ‫وهل كان العمل على خشبة المسرح قد قال ما‬ ‫تريدين أن تقوليه؟‬ ‫< أوال‪ :‬نعم فوز العازفة بالمركز األول على العالم‬ ‫يعني فوزا للمسرح السعودي والعربي‪ ،‬وعزز من‬ ‫هذا ترجمتها لالنجليزية لكي تصدّر إلى جميع‬ ‫أن �ح��اء ال�ع��ال��م‪ ،‬فكل ضيف عالمي حضر هذا‬ ‫المهرجان الدولي غادر والعازفة في حقيبته‪ ،‬وقد‬ ‫ناقشت العازفة قضايا المرأة السعودية خاصة‪،‬‬ ‫ثم المرأة العربية عامة‪ ،‬وقد تكون المرأة بشكل‬ ‫عام‪ ،‬وما أردت أن أقوله فيها هو أن المرأة العربية‬ ‫ذات تاريخ كبير وذات شرف وعزة‪ ،‬فإن أصابها‬ ‫شطط فهي المسئولة األول��ى عن وض��ع نفسها‬ ‫بين تُرسي الرحى‪ ،‬ألنها اتبعت ثقافة ليست من‬ ‫طينتها‪ ،‬وبالتالي يحدث لها هذا الصراع بين ما‬ ‫كانت عليه جداتها من قوة ومنعة وقيادة وشرف‬ ‫�وان إن ارت ��أت ه��ذا فيها‪،‬‬ ‫وم��ا ه��ي عليه م��ن ه � ٍ‬ ‫فللقيادة أدوات ترتكز على شخصيتها هي‪ ,‬وال‬ ‫تُخلع عليها تكرماً‪ ،‬فالقرار يجب أن يصدر من‬

‫ ‬

‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫ظل ثنائية الدين والقبيلة فأنشأت لنفسها المسرح‬ ‫النسائي‪ ،‬حيث ت�ق��وم ه��ي على ك��ل أدوات ��ه حتى‬ ‫تصبح متفرجة‪ ،‬وهناك إقبال شديد على المسرح‬ ‫النسائي أكثر من الرجالي‪ ،‬ففي الصيف الماضي‬ ‫أقيم ما يربو على عشرين عرضا مسرحيا جميعها‬ ‫ك��ان عليها زح ��ام‪ ،‬إال أن��ه ينقص تلك العروض‬ ‫المهنية‪ ،‬وكما أسلفت لك الجمهور يأتي للفرجة‬ ‫ال للنقد والتعلم واتخاذ القرار‪.‬‬

‫داخلها هي وال تستجديه من أحد‪ ،‬إذ أن الخوف‬ ‫محراب الوهناء‪ ،‬وق��د تتبعت تيمة الخوف في‬ ‫المسرحية ال��ذي يتأصل ف��ي الشخصية عبر‬ ‫اإلرث والموروث‪ ،‬فالمرأة العربية مبدعة وعالمة‬ ‫وسيدة للشرف واألناقة‪ ،‬عطوفة ومحبة‪ ،‬إال أنها‬ ‫تخاف من كل شيء‪ ،‬فالخوف واتخاذ القرار ال‬ ‫يجتمعان أبدا‪ ،‬وهذه مقولة النص‪.‬‬ ‫ثانيا‪ :‬بالرغم من أن العازفة قدمت في الفجيرة‬ ‫وفي الرباط وفي تونس وفي آذربيجان ومدن‬ ‫أخرى‪ ،‬إال أن مخرجتها المغربية لطيفة أحرار‬ ‫لم تقدم إال ما تريد أن تقوله هي‪ ،‬فما يقوله‬ ‫النص شيء وما يقوله العرض شيء آخر‪ ،‬مما‬ ‫أضر بالنص على مستوى الفكر‪ ،‬وعلى مستوى‬ ‫البناء ال��درام��ي‪ ،‬وعلى مستوى الفرجة أيضا‪،‬‬ ‫ولكن عزائي الوحيد أن العازفة ستعرض قريبا‬ ‫على مسرح الهناجر باألوبرا المصرية من إخراج‬ ‫أش��رف ع��زب‪ ،‬وبطولة الفنانة انتصار‪ ،‬بإنتاج‬ ‫مشترك بين هيئة الفجيرة للثقافة واإلعالم‬ ‫ووزارة الثقافة المصرية‪ ،‬إضافة لذلك سيقوم‬ ‫الفنان والمخرج األردن��ي األستاذ علي الجراح‬ ‫بإخراجها ضمن فعاليات وأنشطة وزارة الثقافة‬ ‫األردنية وسترون العمل قريبا بإذن الله‪.‬‬

‫> حكايات ليلة زفاف‪ ،‬ولوج إلى منطقة ممنوعة‬ ‫في مجتمع يصعب عليه التنازل عن عاداته‬ ‫وتقاليده التي جذّ رت ثقافته المحافظة‪ ،‬هل‬ ‫هذه صرخة ضد السائد أم دعوة للتصالح معه‬ ‫وإعمال العقل فيه؟‬ ‫< ال‪ ،‬أب��داً‪ ،‬فنحن نعتز بإرثنا ونبقي عليه‪ ،‬ولن‬ ‫نتنازل عنه أب��دا‪ ،‬ولكن حكايات ليلة الزفاف‬ ‫ال تناقش ال �ع��ادات والتقاليد‪ ،‬وإن�م��ا تناقش‬ ‫حالة المرأة المفترى عليها في بعض األحيان‪،‬‬ ‫متخذة من هذه المنطقة عالما لطرح األفكار‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ ‪103‬‬


‫عبدالرحمن الشهري لـ«الجوبه»‪:‬‬ ‫الشعر كغيره من الفنون يتأثر بكل المتغيرات االقتصادية والسياسية واالجتماعية‪،‬‬ ‫والدليل هو تطور الشعر ذاته من العمودية إلى التفعيلة ثم إلى قصيدة النثر‬ ‫قصيدة النثر تطور طبيعي لسلوكي الكتابي والنفسي‬

‫> حاوره‪ :‬عمر بوقاسم*‬

‫الشاعر عبدالرحمن الشهري‪ ،‬وب��م��ه��ارة‪ ،‬شاعر حقيقي صافح الساحة الشعرية‬ ‫بمجموعته األولى «أسمر كرغيف» عام ‪2004‬م‪ ،‬والتي تصنف كأول تجربة تحمل مالمح‬ ‫القصيدة األح��دث‪ ،‬والتي تمثل التطور الطبيعي لشكل قصيدة التفعيلة‪ .‬ومضمونها‬ ‫ومؤخرا كرر الشهري مصافحته للساحة بمجموعته الثانية «لسبب ال يعرفه» ‪2012‬م‪،‬‬ ‫ولكن في فضاء آخر‪ ..‬فضاء قصيدة النثر‪ ،‬إذ يؤكد شاعرنا تميزه وانسجامه مع نصوصه‬ ‫على مستويات عدة‪ ..‬وفي هذا االتجاه يقول‪« :‬أنا شاعر ال أكتب لنفسي‪ ،‬وأتمنى أن أكون‬ ‫مقروء ًا ومتداو ًال بين الباحثين عن الجمال واإلبداع»‪..‬‬ ‫ذاكرة الشاعر هي ما يؤطر ما أهمله العالم‪« ..‬أرق‪ -‬حسرة‪ -‬ذكرى‪ -‬قسوة‪ -‬ذخيرة‪-‬‬ ‫قصيدة‪ -‬وجع‪ -‬نسيان‪ »..‬هذه بعض عناوين نصوص المجموعة‪.‬‬ ‫«ال��ج��وب��ة» كعادتها تقدر التجارب اإلب��داع��ي��ة المتميزة‪ ،‬ول��ذا استضافته ف��ي هذا‬ ‫الحوار‪..‬‬

‫‪ 104‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ‬


‫> «لسبب ال يعرفه»‪ ،‬هذا عنوان مجموعتك الشعرية‬ ‫الثانية‪ ،‬والصادرة عن دار االنتشار هذا العام ‪2012‬م‪،‬‬ ‫وال��ذي فاجأ الساحة الشعرية؛ حيث تخوض أنت‬ ‫تجربة كتابة قصيدة النثر للمرة األول���ى‪ ،‬هل هذا‬ ‫ي��وث��ق ع��ب��ارة «إن ق��ص��ي��دة ال��ن��ث��ر أص��ب��ح��ت تتصدر‬ ‫المشهد ال��ش��ع��ري‪ ،‬وإن��ه��ا تستوعب م��ا ع��ج��زت عن‬ ‫استيعابه قصيدة التفعيلة»؟‬ ‫< ربما كانت قصيدة النثر تتصدر المشهد الشعري‬ ‫المعاصر‪ ،‬ولها حضورها لدى فئة الشعراء الشباب‪،‬‬ ‫وهي إحدى الخيارات التي يختبرها الشاعر للتعبير‬ ‫ع��ن ذات ��ه‪ ،‬م��ع ح�ض��ور –أيضا‪ -‬لقصيدة التفعيلة‬ ‫والقصيدة العمودية‪ .‬وبالنسبة لي‪ ،‬فقد كانت قصيدة‬ ‫النثر تطورا طبيعيا لسلوكي الكتابي والنفسي‪ ،‬فأنا‬ ‫بطبعي أميل إلى التجريب والتجدد‪ ،‬ول��ديَّ هاجس‬ ‫االختالف على مستوى التجربة الشخصية‪ ،‬وأظن أن‬ ‫قصيدة النثر أكثر استيعابا لتجارب الشاعر الذاتية‪،‬‬ ‫بعيدا عن صخب اإليقاع العالي الذي يتوسّ ل المنبرية‬ ‫والجماعية‪ ،‬أكثر م��ن ال�غ��وص ف��ي جوانية الشاعر‬ ‫وتجاربه اليومية‪.‬‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬

‫“بوسعه أن يدفع الليل بشمعة‬ ‫وال يفعل‪،‬‬ ‫ويظل يتعقب الظالم‬ ‫بعينيين غائرتين من شدَة السهر‪،‬‬ ‫وفي قلبه حسرة على ليل آخر‬ ‫لن يسهره كما ينبغي‪”.‬‬ ‫> من قراءتي لهذا النص والمعنون بـ‪«..‬حسرة»‪ ،‬والذي‬ ‫يحمل ال��روح نفسها في نصوص المجموعة‪ ،‬حيث‬ ‫تطفو الصورة الشعرية بلغة سهلة تتشكل بمفردات‬ ‫انتقيتها أنت من روح الحالة الكتابية الصادقة‪ ،‬لذا‬ ‫تغري النصوص القارئ بقراءتها بصوت ع��ال‪ .‬هل‬ ‫ي��راه��ن عبدالرحمن ال��ش��ه��ري‪ ،‬بفتح فضاء جديد‬ ‫لقصيدة النثر؟‬

‫رأسيا وأفقيا‪ ،‬وف��ي تناسلها إغناء للساحة‬ ‫المحلية‬ ‫معظم محفوظاتي ‪ -‬وأنا طفل ‪ -‬عبارة عن‬ ‫ق��ص��ائ��د وح��ك��م وأم��ث��ال «م��ح��ك��ي��ة» لشعراء‬ ‫محليين‪ ،‬وع��ل��ى ه��ذا األس���اس ب���دأت أنظم‬ ‫الشعر على شاكلة ما حفظت‬

‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫قصيدة النثر‬

‫ه��ن��اك أج���ي���ال ش��ع��ري��ة س��ع��ودي��ة تتناسل‬

‫ما يكتب من شعر في الشبكة العنكبوتية‬ ‫جدير بالقراءة والمتابعة‪ ،‬ألن معظم من‬ ‫يكتبه من فئة الشباب‪ ..‬وه��م األق��رب إلى‬ ‫روح العصر‬ ‫الشاعر القديم ك��ان يغني في فضاء واسع‬ ‫ليسمعه اآلخرون‪ ،‬والشاعر الحديث يهمس‬ ‫بينه وبين نفسه‪ ،‬وينشر همسه في كتاب‬

‫< أعتقد أن كل شاعر يهجس باالختالف‪ ،‬واالختالف‬ ‫كما أفهمه هو أسلوب خاص يميز تجربة الشاعر عن‬ ‫غيرها من التجارب المطروحة محليا وعربيا‪ ،‬وهذا‬ ‫ليس رهانًا بالنسبة لي‪ ،‬وإنما محاولة لكتابة الشعر‬ ‫بطريقة سهلة وعميقة في آن‪ ،‬والشعر عانى كثيرا‬ ‫من القصائد النخبوية التي حالت بين القارئ وبين‬ ‫الحالة التي يعبر عنها الشاعر‪ ،‬وتسببت في قطيعة‬ ‫بين النص الحديث وبين المتلقي العادي‪ ،‬فالشعراء‬ ‫هم جمهور بعضهم بعضاً‪ ،‬وال حياة للشعر خارج تلك‬ ‫الجيوب الشعرية اآلهلة بالشعراء والشعراء فقط‪،‬‬ ‫وهم فئة محدودة على كل حال‪.‬‬ ‫> م��ا تقييمك للساحة الشعرية ال��س��ع��ودي��ة مقارنة‬ ‫بالساحات الشعرية العربية؟‬ ‫< ال أملك تقييما محددا للساحة الشعرية السعودية‪،‬‬ ‫ولكن هناك شعراء سعوديين مثابرين‪ ،‬ويصدرون‬ ‫أعماال شعرية من وقت آلخر كغيرهم من الشعراء‬ ‫في العالم العربي‪ ،‬وعن دور الطباعة نفسها تقريبا‪،‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ ‪105‬‬


‫وال��زم��ن كفيل بغربلة التجارب‬ ‫المحلية والعربية‪ .‬وهناك أجيال‬ ‫شعرية سعودية تتناسل رأسيا‬ ‫وأف �ق �ي��ا‪ ،‬وف���ي ت�ن��اس�ل�ه��ا إغناء‬ ‫ل�ل�س��اح��ة ال�م�ح�ل�ي��ة‪ ،‬وق��د تحقق‬ ‫إض��اف��ة م��ا على مستوى العالم‬ ‫العربي‪.‬‬ ‫> ح��ظ��ي��ت م��ج��م��وع��ت��ك األول�����ى‬ ‫وال��م��ع��ن��ون��ة ب���ـ«أس���م���ر كرغيف»‬ ‫وال��ص��ادرة ع��ام ‪2004‬م‪ ،‬باهتمام‬ ‫م��ل��ف��ت‪ ،‬إذ ت��م��ت ق���راءت���ه���ا من‬ ‫ق��ب��ل ع����دد م���ن ال���ن���ق���اد العرب‬ ‫والسعوديين والمبدعين أيضاَ‪،‬‬ ‫ه��ل ه��ذا م��ؤش��ر ل��وص��ول القارئ‬ ‫لنصوصك وال���ذي ي��وث��ق نجاح‬ ‫المجموعة؟‬

‫ف��ي ه��ذا االت��ج��اه‪ ،‬وم��ا األدوات التي‬ ‫اتكأت عليها في هذه التجربة؟‬ ‫< ك �ت �ب��ت “أسمر كرغيف” وأنا‬ ‫م �س �ك��ون ب ��اإلي� �ق ��اع وال� � ��وزن بحكم‬ ‫ع�لاق �ت��ي ب��ال �ش �ع��ر ال �ق��دي��م وشعر‬ ‫التفعيلة‪ ،‬والشعر الشعبي في مرحلة‬ ‫م��ن ال �م��راح��ل‪ ،‬ول�ك��ن اإلي �ق��اع الذي‬ ‫ك�ت�ب��ت ب��ه ال�م�ج�م��وع��ة ك ��ان ذا نبرة‬ ‫خافتة‪ ..‬أقرب إلى روح قصيدة النثر‪،‬‬ ‫وه��ذا ربما ما كنت أتطلع إليه منذ‬ ‫البدايات‪ ،‬فالقصيدة الصاخبة بعيدة‬ ‫كل البعد عن سمتي النفسي‪ ..‬وعن‬ ‫زمن الشعر ال��ذي نعيشه‪ ،‬فالشاعر‬ ‫القديم ك��ان يغني ف��ي ف�ض��اء واسع‬ ‫ليسمعه اآلخرون‪ ،‬والشاعر الحديث‬ ‫يهمس بينه وبين نفسه وينشر همسه‬ ‫في كتاب‪ ،‬ليقرأه قارئ مخت ٍَل بنفسه‬ ‫ال ُق � � �رّاء م�ج�ت�م�ع�ي��ن‪ .‬والمشهدية‬ ‫والتفاصيل كانتا أهم أداتين اتكأت‬ ‫عليهما التجربة‪ ،‬إضافة إلى التكثيف‬ ‫والعناوين الطويلة التي يمكن عدّها‬ ‫جزءا ال يتجزأ من النصوص‪ ،‬فضال‬ ‫ع��ن ال�ن�ه��اي��ات ال �ت��ي تصعد الحالة‬ ‫وتزيد من توقدها الشعري‪.‬‬

‫< أنا شاعر ال أكتب لنفسي فقط‪،‬‬ ‫وأتمنى أن أكون مقروءًا ومتداوالً‬ ‫بين الباحثين عن الجمال واإلبداع‪،‬‬ ‫وعندما يصل عملي الفني إلى‬ ‫أوس ��ع ش��ري�ح��ة م��ن ال �ق��راء على‬ ‫اختالف مشاربهم‪ ،‬من دون تقديم‬ ‫ت �ن��ازالت فنية م��ن ق�ب�ل��ي‪ ،‬فذلك‬ ‫دليل على نجاح العمل‪ ،‬ومؤشر قوي على وصوله إلى‬ ‫القارئ وتفاعله معه‪ ،‬وكل مبدع على هذه األرض يبحث > ما مدى تأثير التغيرات االقتصادية والسياسية التي‬ ‫يشهدها العالم العربي على شكل الخطاب اإلبداعي‬ ‫عن التقدير والعرفان من خالل ما ينتجه من أعمال‪،‬‬ ‫ومضمونه؟‬ ‫وإال‪ ..‬ف ِل َم يقدم الكاتب على نشر أعماله؟‬ ‫> في “أسمر كرغيف”‪ ،‬جاءت النصوص بشكل مغاير‪،‬‬ ‫حيث ألبستها أنت لغة جديدة‪ ،‬تأخذ شكل ومضات‪،‬‬ ‫ولكنها تحافظ على الوزن “تفعيلة”‪ ،‬وبلغة تليق بهذا‬ ‫الزمن الذي تطفو عليه روح اآللة‪ ،‬بما جعلني أشعر‬ ‫بالتطور الحقيقي لقصيدة التفعيلة‪ ،‬القصيدة التي‬ ‫ارتوينا بغنائيتها بأصوات لها تميزها‪ ،‬ومن أهمها‬ ‫الشاعر الكبير محمد الثبيتي‪ ،‬هل هذا كان رهانك‬ ‫‪ 106‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ‬

‫< ال�ش�ع��ر ك�غ�ي��ره م��ن ال �ف �ن��ون ي�ت��أث��ر ب�ك��ل المتغيرات‬ ‫االقتصادية والسياسية‪ ،‬وبالطبع االجتماعية‪ ،‬والدليل‬ ‫على ذلك هو تطور الشعر ذاته من القصيدة العمودية‬ ‫إلى التفعيلة ثم إلى قصيدة النثر ابنة المدينة والمدنية‬ ‫المعاصرة‪ ..‬هذا على صعيد الشكل‪ ،‬أما على صعيد‬ ‫المضمون‪ ،‬فأرى أن المدنية جعلت الشعر يتخلص‬ ‫من األنا الجماعية‪ ،‬ويخلص ألنا الشاعر الفردية أكثر‬


‫من ذي قبل‪ ،‬لوجود بدائل نابت عن الشعر في التعبير‬ ‫عن تلك األنا الجماعية‪ ،‬وقد تحدث الثورات العربية‬ ‫(النابعة من الشعوب ال من مجموعة من العسكر‬ ‫تدعي تمثيلها) تغيرًا ملموسً ا في الخطاب اإلبداعي‬ ‫في المدى المنظور‪ ،‬وذلك ما ال أستطيع التكهن به‬ ‫في الوقت الحاضر‪.‬‬ ‫> لديك تجربة كبيرة مع الشعر الشعبي‪ ،‬كشاعر يملك‬ ‫صوت ًا مميز ًا في هذه الساحة‪ ،‬وبقصائد مميزة‪ ،‬ما‬ ‫سر حضورك في هذا الفضاء؟‬ ‫< ليس هناك س ّر إذا أخذنا في االعتبار أني ابن ألبوين‬ ‫قرويين‪ ،‬ف��األس��رة التي عشت ف��ي كنفها‪ ..‬والمجتمع‬ ‫كذلك‪ ،‬يستندان إلى ذاك��رة زراعية واسعة‪ ..‬لها أدبها‬ ‫وشعراؤها وأهازيجها التي كانت تردد في الحقول زراعة‬ ‫وحصادا‪ ،‬وغيرها من األماكن التي يحضر فيها الشعر‪.‬‬ ‫فمعظم محفوظاتي‪ -‬وأنا طفل‪ -‬عبارة عن قصائد وحكم‬ ‫وأمثال «محكية» لشعراء محليين‪ ،‬وعلى هذا األساس‪..‬‬ ‫ب��دأت أن�ظ��م الشعر على شاكلة م��ا حفظت‪ ،‬وقطعت‬ ‫في ذلك شوطً ا ليس باليسير‪ ،‬ولكن شغفي بالقراءة‪..‬‬ ‫وإتقاني للغة العربية الفصحى أسهما في ما بعد في‬ ‫تحولي من شاعر «شعبي» إلى شاعر فصيح‪.‬‬ ‫> متى تكتب القصيدة؟‬ ‫< ليس لي وقت محدد لكتابة القصيدة‪ ،‬وإن كنت أكتب‬ ‫معظم قصائدي في الليل‪ ،‬ويندر أن أكتب قصائد‬ ‫منفردة‪ ،‬وفي الغالب أكتب تجربة المجموعة الشعرية‬ ‫دفعة واح��دة‪ ،‬باستثناء بعض النصوص التي تشكل‬

‫> ف��ي ح���وار ل��ي م��ع س��ع��دي ي��وس��ف‪ ،‬سألته ع��ن ظهور‬ ‫مصطلح “شعر وشعراء النت”‪ ،‬وهل سيكون مالذا‬ ‫للقصيدة وبخصائص فنية مغايرة‪ ،‬قال‪”:‬المصطلح‬ ‫معقول‪ ،‬إنه ينقلنا من الخيمة إلى الفضاء”‪ ،‬وأنت‪..‬‬ ‫ماذا تقول في ذلك؟‬

‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫إرهاصات ألي مجموعة أنوي إصدارها‪ ،‬حيث آمل‬ ‫من خالل كتابتها القبض على الشكل الذي سيصبغ‬ ‫المجموعة بلونه‪ ،‬وهذا ما حدث معي في المجموعتين‬ ‫األولى‪ ،‬والثانية‪ ،‬وربما الثالثة‪.‬‬

‫< أعتقد أن ما يكتب من شعر في الشبكة العنكبوتية‬ ‫جدير بالقراءة والمتابعة‪ ،‬ألن معظم من يكتبه من فئة‬ ‫الشباب‪ ،‬وهم األقرب إلى روح العصر‪ ،‬وأنا أحرص‬ ‫على متابعتهم وقراءة مجموعاتهم‪ ،‬حتى الرديئة منها‪،‬‬ ‫وأي شاعر يتعالى على كتاباتهم وال��روح الجديدة‬ ‫المبثوثة داخلها‪ ،‬س��وف يتخلف يوما ما عن الروح‬ ‫الشعرية المعاصرة‪ ،‬وسيجد نفسه غريبا عن األجيال‬ ‫التي يتجاور معها زمنيا وإبداعيا‪.‬‬ ‫> ما المواقع التي تزورها على االنترنت؟‬ ‫< ع��ادة ما أزور مواقع التواصل االجتماعي كالفيس‬ ‫بوك وتويتر واليوتيوب‪ ،‬وبعض الصحف والمالحق‬ ‫الثقافية في الصحف المحلية والعربية‪ ،‬وبالتأكيد‬ ‫م��واق��ع ال�ش�ع��ر واألدب كجهة ال�ش�ع��ر وغ�ي��ره��ا من‬ ‫المواقع المتخصصة‪ ،‬وكل موقع يقودني إليه رابط‬ ‫ما يشكل جزءا من اهتماماتي‪.‬‬ ‫> وماذا عن مكتبتك؟‬ ‫< مكتبتي تحوي عددا ال بأس به من الكتب‪ ،‬من شعر‪،‬‬ ‫ورواي ��ة‪ ،‬وقصة‪ ،‬وبعض كتب الفلسفة‪ ،‬واالجتماع‪،‬‬ ‫والتاريخ‪ ،‬والرحالت‪ ،‬وكتب التراث‪ ،‬والكتب النقدية‪،‬‬ ‫والمجالت‪ ،‬والكتب‪ ،‬والمطبوعات الدورية‪ ،‬وبعض‬ ‫الموسوعات والمعاجم‪ ،‬وأتمنى لو أجد الوقت لقراءة‬ ‫كل ما تحويه‪ ،‬ألنني حريص على تزويدها بالكتب‬ ‫باستمرار‪ ،‬مع أنني عاجز عن توفير الوقت الالزم‬ ‫لقراءتها‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ ‪107‬‬


‫نضال القاسم‪ ..‬شاعر أردني‪..‬‬

‫يرى أن القصيدة ال تنضج إال على نار هائجة‬ ‫ُيعَدّ الشاعر «نضال القاسم» أنموذج ًا وهوية شعرية متفرّدة لها بصمة إنسانية تحضنها‬ ‫قصيدته وتزهو بتجلّياتها المحسوبة والمؤثّرة‪ ،‬والتي ترعرعت في جيل التسعينيات من‬ ‫الشعراء الشباب في األردن‪ ،‬وفي مجموعاته الالفتة لالنتباه‪« :‬أرض مشاكسة» ‪2003‬م‪ ,‬و‬ ‫«مدينة الرماد» ‪2005‬م‪« ،‬كالم الليل والنهار» ‪2007‬م‪ ،‬والتي حصل عنها في عام ‪2006‬م على‬ ‫جائزة الدولة التشجيعية‪ ,‬ومجموعته الشعرية الرابعة «تماثيل عرجاء» في العام ‪2007‬م‬ ‫والتي نال عنها جائزة االستحقاق‪ ،‬وهي إحدى فروع جائزة ناجي نعمان األدبية لعام‬ ‫‪2008‬م‪ .‬وقد كان لنا معه هذا الحوار‪..‬‬ ‫> حاوره في اربد‪ :‬عمار اجلنيدي*‬ ‫أنهم اس�ت�ف��ادوا بشكل واض��ح م��ن الشعراء‬ ‫بدايات استفادت من النبع‬ ‫ال�ع��رب‪ ..‬بل هناك من ك��رر ه��ذه التجارب‪.‬‬ ‫ذهبت إلى الشعر العربي والعالمي قبل‬ ‫أن أع ��رف ال�ش�ع��ر األردن� ��ي‪ ،‬اكتشفت بعد لهذا فضلت أن أستفيد من النبع وليس من‬ ‫قراءاتي لبعض الشعراء األردنيين وبخاصة المجرى رغم خصوصية بعض شعرائنا‪.‬‬ ‫ب��دأت الشعر منذ أن وعيت العالم من‬ ‫جيل الستينيات والسبعينيات والثمانينيات‬ ‫‪ 108‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ‬


‫اإلنسانية‪ ،‬وليس لهذه المشاعر زمان ومكان‬ ‫م��ح َّ��ددان وال أت��ص��ور ح��ي��اةً م��ن دون الشعر‬ ‫أن�������ا «ب����وه����ي����م����ي» ف�����ي ك����ت����اب����ت����ي‪ ،‬ول���س���ت‬ ‫م����ع ال���ط���ق���وس���ي���ة ال����ص����ارم����ة ف����ي ال���ح���ي���اة‬ ‫وال����ك����ت����اب����ة‪ ،‬رغ�����م أن����ن����ي أع���ت���ق���د أح���ي���ان��� ًا‬ ‫أن ال������ط������ق������وس م�����ف�����ي�����دة وض��������روري��������ة‬

‫طقوس يرفضها الكثيرون‬ ‫ف��ي الكتابة الشعرية ال يمكنني الحديث عن‬ ‫«ن �س��ق» م��ا أو ع ��ادة‪ ،‬فثمة قصائد «اجترحتها»‬ ‫بصعوبة وجهد كبيرين‪ ،‬فيما قصائد أخ��رى مِ ن‬ ‫أح� ّب�ه��ا إل��ى نفسي كتبتها خ�لال أق��ل م��ن نصف‬ ‫ساعة‪ ،‬لقد فعلت ذلك وكأنني أعرفها وأحفظها‬ ‫عن ظهر قلب‪ ،‬وما عليّ سوى تسجيلها على الورق‪.‬‬ ‫ف��ي ال�س�ن��وات األخ��ي��رة‪ ..‬أصبحت أك�ت��ب الشعر‬ ‫مباشرة على الكمبيوتر‪ ,‬وهي حالة ال يزال كثيرون‬ ‫يرفضونها‪.‬‬

‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫راق مهمته التعبير عن المشاعر‬ ‫الشعر فن ٍ‬

‫وهو الورطة اللذيذة في نزوة الحياة التي ليست‬ ‫عابرة على اإلط�لاق‪ .‬وأم��ا القصيدة عندي فهي‬ ‫األداة األقصر‪ ،‬والشكل األمثل للتعبير عن شيء ما‬ ‫كبير يعتمل في األعماق‪.‬‬

‫حولي وأدركت عالقتي بالقراءة‪ ،‬وتأكد في داخلي‬ ‫أن الشعر ممارسة قبل الكتابة‪ ،‬فال أستطيع الكتابة‬ ‫إال من خالل تجربة‪ ،‬وهي التي تقودني إلى الورق‬ ‫األبيض‪ ،‬وأحاول تشكيل نفسي من خالل الكالم‪.‬‬ ‫زمنياً‪ ..‬بدأت الكتابة في أواخر الثمانينيات‪ ،‬لكنني‬ ‫ب��دأت أنشر بشكل فعلي مع مطلع التسعينيات‪،‬‬ ‫أنا «بوهيمي» في كتابتي‪ ،‬ولست مع الطقوسية‬ ‫وربما عشقي للشعر هو الذي يجعلني أندفع برغبة‬ ‫صادقة نحو الحياة‪ ،‬فال أتصور حياة بدون الشعر‪ ،‬الصارمة في الحياة والكتابة‪ ،‬رغ��م أنني أعتقد‬ ‫أحياناً أن الطقوس مفيدة وض��روري��ة‪ .‬وق��د تم ُّر‬ ‫كما ال أتصور العكس تماماً‪.‬‬ ‫أكف‬ ‫شهور ال أكتب فيها كلمة واح ��دة‪ ،‬لكني ال ُّ‬ ‫الشعر انتصار للقيم‬ ‫عن سماع «األص ��وات» في رأس��ي‪ .‬وعندما اكتب‬ ‫أحببت الشعر م��رض �اً داف �ئ��ا أتحمل طعناته المراحل األولى للقصيدة‪ ،‬أحب أن ال أكون وحيداً‪.‬‬ ‫وخساراته؛ ألنه يقول ما يعجز عنه الكالم‪ .‬فالشعر وأفضل أن اكتب في الخارج‪ ،‬في المقاهي مثالً‪،‬‬ ‫ف��نٌّ راق مهمته التعبير عن المشاعر اإلنسانية‪ ،‬أو ف��ي ال�م�ك�ت��ب‪ ،‬ف��رغ��م الضجيج أع ��زل نفسي‪،‬‬ ‫وليس لهذه المشاعر زمان ومكان محدَّ دان‪.‬والشعر ويمنحني الصخب إحساسا بالحياة التي تجري‬ ‫ع�ن��دي ليس م�ج��رد م�ش��روع ف��ي الثقافة‪ ،‬أو لغة من حولي‪ ،‬وهذا ينعكس إيجابا على لغة قصائدي‪.‬‬ ‫للروح‪ ،‬أو مجرد نزوة تورطت فيها‪ ،‬فهو هذه األشياء ولكن عندما يصل األمر الى مرحلة كتابة القصيدة‬ ‫بشكلها النهائي‪ ،‬فيجب االنعزال‪ .‬آنئذ أجلس في‬ ‫مجتمعة‪ ..‬إضافة إلى كونه هو الحياة بالنسبة لي‪،‬‬ ‫غرفة وأشقى!! القراء يظنون ان القصائد تهبط‬ ‫وهو نور خافت يُشعرني بالسكون والصخب في‬ ‫علينا م��ن السماء‪ .‬األف�ك��ار طبعا مهمة‪ ،‬وكذلك‬ ‫آن واح��د‪.‬إن��ه انتصار لقيم أقلها إحساس عميق‬ ‫اإللهام والموهبة‪ ،‬لكن األهم هو الجلوس والعمل‪.‬‬ ‫باآلخر‪ ،‬وذوب��ان في ال��ذات‪ ،‬وأبعدها تحليقاً نحو‬ ‫الكتابة عمل حرفي يتطلب الكثير م��ن االنحناء‬ ‫آف��اق ال نهاية للجمال فيها‪ ...‬ال يعني لي الشعر‬ ‫والصبر‪ .‬وهو يتطلب أيضا مخيلة سينمائية!‬ ‫أكثر من الحياة‪.‬‬ ‫والشعر عندي هو جوهر الثقافة وليس مجرد‬ ‫مشروع‪ ،‬كما أنه روح اللغة وليس فقط لغة للروح‪،‬‬

‫الهروب إلى المرأة دائما‬

‫المرأة في حياتي لم تقم بالدور الذي كنت انتظره‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ ‪109‬‬


‫منها تجاهي‪ ،‬مع أنني ومنذ حييتُ‬ ‫أنظر للمرأة بانبهار زائد‪ ،‬وأقدّسها‬ ‫وأُع� �ل ��ي م ��ن م �ق��ام �ه��ا‪ ،‬وم� ��ا تزال‬ ‫تدهشني‪ ،‬وما أزال أراها مختصراً‬ ‫غص‬ ‫للجمال ف��ي ال �ك��ون‪ ،‬ول��ذل��ك َّ‬ ‫شعري بالغزل بها والتغني بجمالها‬ ‫منذ البدء وحتى اآلن‪ ،‬وفيها كتبتُ‬ ‫أجمل قصائدي‪ ،‬بل ربطتُ المرأة‬ ‫بكل شيء في هذا الكون‪ ،‬وال شكَّ‬ ‫في أنني ‪ -‬إذا عزَّت األوطان‪ -‬أج ُد‬ ‫في اللجوء إلى المرأة في شعري‬ ‫موطناً هانئاً للهرب‪.‬‬

‫أحياناً أكتب دراسات نقدية من‬ ‫أج��ل أن أم� �رِّن ي��دي على الكتابة‬ ‫الدائمة‪ ،‬وأحياناً يكون لدي مشرو ٌع‬ ‫لقصيدة أو م�س��رح�ي��ة‪.‬ال�م�ه��م أن‬ ‫كتابتي ت�ت��رك��ز ف��ي ال�ش�ع��ر وحول‬ ‫الشعر‪ ،‬وال أري��د كتابة غير ذلك‪،‬‬ ‫بل إن الشعر هو وطني وفضيحتي‬ ‫واخ �ت �ي��اري‪ ..‬وال أستطيع الحياة‬ ‫بدونه‪.‬‬

‫ث�م��ة م �ش��وار ش �ع��ري ال بأس‬ ‫ب� �خ� �ط ��وات ��هِ ال��م��ن��هِ ��ك��ة‪ ،‬أظنني‬ ‫مشيته‪ ،‬غير مكابر‪ ،‬ببطء‪ ،‬وكلما‬ ‫افترضت أنني أسير في االتجاه‬ ‫الرائحة اإلنسانية تزكم‬ ‫ال�ص�ح�ي��ح أج ��د ذات� ��ي الشاعرة‬ ‫قصائدي‬ ‫�ات ت�ل��د اتجاهات‬ ‫أم ��ام م�ن�ع�ط�ف� ٍ‬ ‫القصيدة لغة مذهلة تنبجس‬ ‫جديدة تشدني إليها‪ .‬ال أ ُشهدني‬ ‫بمنتهى غموضها من النبع الذي ال‬ ‫بأنني عرفتها‪ ،‬وال أَعرفني بأنني‬ ‫يني يغذي وج��دان الكائن وحياته‪،‬‬ ‫ضللتها‪ .‬إن �م��ا‪ ،‬ع�م��وم�اً‪ ،‬ال أجد‬ ‫وه��ي أيضاً شكل تواصليّ بين ما‬ ‫مبرراً للندم الكبير‪ .‬وأزعم أنني‬ ‫هو أرضيّ ‪ ،‬وما هو صوت عظيم‪..‬‬ ‫ل��م أف�ع��ل شيئاً يتنافى م��ع قناعاتي وأحالمي‬ ‫هو صوت ما بين الحنايا‪.‬‬ ‫وه��واج �س��ي وض �م �ي��ري‪ .‬واع �ت �ق��ادي راس� � ٌخ بأن‬ ‫ولقد بحثت في التجارب الحديثة للشعر نظرياً (ن �ض��ال ال�ق��اس��م) يطمح أن ي��ؤس��س مرتكزات‬ ‫وتطبيقياً‪ ،‬فوجدتُ أنني أنتمي إليها على نحو ما‪ ،‬شعرية يأمل أن تليق بتجربته‪ ،‬وهو متأخر دائما‬ ‫ولذلك كتبتُ في هذا السياق‪ .‬ولكن كتابتي في هذا ألن خطاه بطيئة على الطريق‪ .‬إن��ه ببساطة ال‬ ‫السياق ظلت أيضاً‪ ،‬كما أراها ويراها نقاد آخرون يخطو إال بوثوق كامل بضرورة الخطوة القادمة‪،‬‬ ‫تتمتع بخصوصية معينة‪ ،‬هي أنها م�ش��دودة إلى وال يفعل هذا إال إذا كان مؤمناً بأن هذه الخطوة‬ ‫بيئتها األول��ى‪ ،‬إلى جغرافيتها المكانية والروحية ستضيف جديداً لرصيده اإلبداعي‪.‬‬ ‫األول � � � ��ى‪ .‬وم�� ��ع ذل� ��ك‪،‬‬ ‫قراءات‬ ‫المتبحر أك��ث��ر ف��ي ق��ص��ائ��دي يستطيع‬ ‫ّ‬ ‫إن‬ ‫ف��إن المتبحر أكثر في‬ ‫ق � �ص� ��ائ� ��دي يستطيع‬ ‫أستطيع أن أقول لك‬ ‫أن ي����ش����م ت����ل����ك ال�����رائ�����ح�����ة اإلن����س����ان����ي����ة‬ ‫أن ي�ش��م ت�ل��ك الرائحة ال���ت���ي ت��ت��ح��دث ع��ن��ه��ا وال���ت���ي ت���زك���م نصي إن ق��راءت��ي تتعلق في‬ ‫اإلنسانية التي تتحدث‬ ‫م��ا ي�ف�ي��دن��ي م��ن خالل‬ ‫مقاييس‪،‬‬ ‫���ت‬ ‫س‬ ‫���‬ ‫ي‬ ‫���‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫�����رات‬ ‫ش‬ ‫�����ؤ‬ ‫م‬ ‫����ز‬ ‫ئ‬ ‫����وا‬ ‫ج‬ ‫����‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫عنها والتي تزكم نصي‪.‬‬ ‫الشعر وممارسته‪ ،‬وهي‬ ‫شاعر‬ ‫أي‬ ‫����وز‬ ‫ف‬ ‫وإن‬ ‫ً‪،‬‬ ‫ا‬ ‫����‬ ‫م‬ ‫����‬ ‫ئ‬ ‫دا‬ ‫�����ول‬ ‫ق‬ ‫أ‬ ‫���ذا‬ ‫ك‬ ‫���‬ ‫ه‬ ‫م�ت�ع��ددة ف��ى األساطير‬ ‫خطوات واثقة‪..‬‬ ‫ب��������أي ج������ائ������زة ال ي����ع����ن����ي أن��������ه األف����ض����ل وال� � �م� � �س � ��رح وال� �ن� �ق ��د‬ ‫‪ 110‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ‬


‫والرواية والقصة القصيرة والشعر‪.‬أحياناً أحدد‬ ‫قراءتي عندما أشتغل على بحث معين‪ ،‬وهذا يتيح‬ ‫ال�ج��وائ��ز م��ؤش��رات وليست مقاييس‪ ،‬هكذا‬ ‫لي االطالع على كتب ال أفكر أحيانا بقراءتها أو‬ ‫أقول دائماً‪ ،‬وإن فوز أي شاعر بأي جائزة ال يعني‬ ‫قراءة أجزاء منها‪ ،‬ولكن متعتي في قراءة السير‬ ‫أن��ه األف�ض��ل‪ ،‬ولكن ه��ذه الجائزة أو تلك تشير‬ ‫الذاتية واألساطير والروايات‪ ،‬وأجد متعة كبيرة‬ ‫إلى أن هناك شاعراً في هذه الساحة الكبيرة ما‬ ‫في قراءة النقد األدبي الحديث كما أحب قراءة‬ ‫يزال على قيد الشعر‪.‬‬ ‫التاريخ‪.‬‬

‫كتبي مالمحي‪..‬‬ ‫ت��زخ��ر أم �ط��ار كتابتي بغيوم ت��رف��د م��ن عقلي‬ ‫ولوعة قلبي الطافح بالحرمان واألس��ى‪ .‬وبرأيي‬ ‫أن كل كتاب أص��درت��ه يشكل بالنسبة لي محطة‬ ‫جديدة‪..‬كل كتاب يشكل بصمة‪ ،‬وكل الكتب تكمل‬ ‫بعضها لتشكل مالمح نضال القاسم‪..‬‬ ‫ويثير إعجابي كم كان فعل الكتابة لدى الشاعر‬ ‫البرتغالي فرناندو بيسوا مجانياً‪ .‬ما أريد أن أربحه‬ ‫أنا من األدب هو فضاء حريته الالنهائي‪ .‬األدب هو ما‬ ‫يحول دون تحوّل الناس نباتات‪ ،‬تولد وتعيش وتموت‬ ‫بال معنى‪.‬وأهم ما في فعل الكتابة صدقه‪ ،‬أي أال‬ ‫يكون خاضعا لضغوط اجتماعية أو تاريخية مثال…‬ ‫أنا شاعر مقل كثيراً‪ ..‬حتى أنني لم أنشر إلى‬ ‫اليوم سوى أربع مجموعات شعرية‪ ،‬فيما وصلت‬ ‫أعمال أبناء جيلي إلى أكثر من ذلك بكثير‪ ،‬ولست‬ ‫نادماً بالتأكيد‪ ،‬ومع ذلك أرى الشعر حالة تأتي‬ ‫وتبتعد‪ ،‬وأح��اول القبض عليها بكل ما أوتيت من‬ ‫ق��درة‪ .‬أن��ا ال أستطيع العيش ب�لا شعر أو كتابة‬ ‫نقدية أفرغ فيها عصير عقلي ولوعة قلبي‪.‬‬

‫روافد‪..‬‬ ‫ف��ي الشعرية العربية المعاصرة‪ ،‬فإنني أرى‬ ‫أن القصيدة قد استفادت كثيراً من التخصصات‬ ‫المختلفة للمبدعين‪ ،‬مما شكَّل من وجهة نظري‬ ‫رافداً معرفياً أسهم في تطوير القصيدة واالرتقاء‬ ‫بمستواها‪.‬‬

‫نقد الشعر‬

‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫مؤشرات‪..‬‬

‫شعراء التسعينيات كانوا محرومين من أيادي‬ ‫النقاد المتخصصين ب��دراس��ة وتقييم نتاجهم‬ ‫استنادا إلى نظرة موضوعية لمنجزهم الشعري‪،‬‬ ‫بل إن بعض المتفيهقين بالنقد ك��ان ينظر إلى‬ ‫الشاعر حسب بعده وقربه من سلطة المركز‪.‬‬ ‫ول��م يكن هنالك نقد أص�ل�اً على ش�ع��ري‪ ،‬لكن‬ ‫ثمة كتابات كانت شفافة وجميلة‪.‬أما كثي ٌر مما‬ ‫كتب فال يرقى إلى مرتبة النقد بأبعاده وأدواته‪،‬‬ ‫وهناك بعض المخاوف تراود النقاد وتمنعهم من‬ ‫تناول قصائدي بسبب تناولها السياسي‪ ،‬وأيضا‬ ‫هناك بعض المواقف المتحاملة عليَّ من بعض‬ ‫كتاب الصحف‪.‬‬ ‫لقد كتب عني الكثيرون‪ ،‬ولكنها ليست الكتابات‬ ‫التي أطمح إليها‪ .‬وال أقول إنهم درسوا دواويني‬ ‫األربعة حتى اآلن‪ ،‬ففيها الكثير من الرؤى‪ ..‬ولكن‬ ‫ال بدراسة تلك االضاءات‬ ‫يبقى المستقبل كفي ً‬ ‫التي تركتها شاعراً وناقداً ط��وال خمسة عشر‬ ‫عاماً متواصلة‪.‬‬ ‫وبالنسبة لي‪ ،‬فإنني أؤمن إيماناً عميقاً بأن‬ ‫المستقبل هو الناقد األكبر لكل مبدع حقيقي‪،‬‬ ‫وإذا كنت استحق االنتماء إلى المستقبل‪ ..‬فإنني‬ ‫سأبقى بقوة اإلب ��داع الحقيقي‪ ،‬أم��ا إذا كانت‬ ‫قصائدي ال تملك القوة التي ترفعها لتقذف بها‬ ‫في سماء الخالدين‪ ،‬فإنها ستموت في منتصف‬ ‫الطريق‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ ‪111‬‬


‫المبدع والحرّ ية‬

‫دور المتلقّ ي‪..‬‬

‫ُمس‪ ،‬وإن كبح‬ ‫إن حرية المبدع حق أصيل ال ي ّ‬ ‫هذه الحرية هو تخريب لروح المبدع‪ .‬وفي رأيي‬ ‫المتواضع أنّ التخلّص من الرقابة ال يكون بالهروب‬ ‫منها‪ ،‬بل بمواجهتها ما استطعنا إلى ذلك سبيالً‪.‬‬ ‫السلطات على المزيد من الرقابة‬ ‫يشجع ّ ُ‬ ‫ِّ‬ ‫فالهروبُ‬ ‫والمنع والقمع واالستئساد على المجتمع‪ .‬واأله ّم‬ ‫أنّ التخلّص من الرقابة ال يكون بتنازل الكاتب‪/‬‬ ‫السلطات‪ ،‬بل باإلصرار على‬ ‫الفنّان لمصلحة تلك ّ ُ‬ ‫موقفه‪ ،‬احتراماً لعمله ولرسالته (ه��ذا إ ْن كان‬ ‫برسالة ما)‪ ،‬وتشجيعاً للكتّاب اآلخرين على‬ ‫ٍ‬ ‫يؤْمن‬ ‫ممارسات‬ ‫ممارسة الشجاعة وال�ح��ر ّي��ة واالج�ت�ه��اد‪ ،‬وليس‬ ‫على أرباب األدب والفن إال أن يجاهدوا بضراوة‬ ‫يمر الشعر العربي بتحوّالت‪ ..‬وهذا طبيعي‪،‬‬ ‫للحفاظ على الضوء باقيا والشمعة مشتعلة‪.‬‬ ‫بل مطلوب ومنطقي‪ ،‬وعلينا أن ال نفقد التوازن‬ ‫في متابعته‪ ،‬مثلما علينا أن نقشر عن أرواحنا كل‬ ‫ال أزمة إبداعية‬ ‫ما يعلق بها من غبار الترحال الدائم في دروب‬ ‫تقف تجربتي إضافة إلى مجموعة من الشعراء‬ ‫القصائد‪.‬‬ ‫وال �ش��اع��رات بندية م��ع األصوات‬ ‫وف��ي ال�ش�ع��ر ث�م��ة روح أزلية‬ ‫الحقيقية في الشعر العربي‪ ،‬وهي‬ ‫عظمى تتساكن في اللغة يستمد‬ ‫تجربة أسهمت ف��ي خلق أسلوب‬ ‫منها الشاعر حقيقته في الوجود‪،‬‬ ‫جديد ولغة جديدة للشعر األردني‬ ‫وه��و بين ما ك��ان من الشعر وما‬ ‫والعربي‪.‬‬ ‫سيكون واق �ع �اً ف��ي المنتصف‪..‬‬ ‫لقد قدم األردن عموماً‪ ،‬الكثير‬ ‫ب �م��ا م �ع��ه م��ن م �ع��ارف وخبرات‬ ‫م��ن األس �م��اء ال�لام�ع��ة ال�ت��ي تركت‬ ‫يبحث دوماً عن نفسه‪ ..‬ومؤسساً‬ ‫آثار بصماتها على خريطة الشعر‬ ‫لكينونته في اللغة‪.‬‬ ‫العربي‪ ،‬فهي قامات عالية وهامات‬ ‫ينبغي على القارئ الذهاب إلى ما وراء اللغة‪،‬‬ ‫وتحطيم األشكال السائدة في القراءة‪ .‬يجب أن‬ ‫يرتقي بمستواه حتى يصل إل��ى مستوى النص‬ ‫اإلبداعي وليس العكس‪ ،‬وأنا دائماً أدعو المتلقي‬ ‫لقراءة أعمالي الشعرية‪ ،‬ق��راءة محبة‪ ،‬فالحب‬ ‫والمعرفة العميقة هما جوهر القارئ الحقيقي‪.‬‬ ‫أن ��ا ال أط �ل��ب ول ��م أط �ل��ب م��ن أح ��د أن يرتقي‬ ‫لمستواي‪ ،‬م��ا أط��ال��ب ب��ه ه��و ال �ق��راءة العميقة‬ ‫ألعمالي‪.‬‬

‫مرفوعة يشهد لها المشهد الشعري‬ ‫األردني والعربي‪.‬‬

‫واألدب األردن��ي بخير كما أراه‬ ‫اليوم‪ .‬فالتجربة الشعرية األردنية‬ ‫باعتقادي ال تعاني أزم��ة‪ ،‬أم��ا عن‬ ‫التعتيم واإله �م��ال‪ ..‬فثمة أسباب‬ ‫ع��دي��دة يمكن ت�ن��اول�ه��ا‪ ،‬ق��د يكون‬ ‫أك �ث��ره��ا أه �م �ي��ة ع��ام��ل التسويق‬ ‫اإلعالمي‪..‬‬ ‫‪ 112‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ‬

‫وبالنسبة ل��ي‪ ..‬فإنني ال أرى‬ ‫أن قصائدي تبتعد عن ممارساتي‬ ‫اليومية‪ ،‬ب��ل إن دي��وان��ي الجديد‬ ‫(تماثيل عرجاء) قد جاء طافحاً‬ ‫بالحيوية الشعرية والجماليات‬ ‫ال�ف�ن�ي��ة ال �ع��ال �ي��ة‪ ،‬وب �خ��اص��ة أنه‬ ‫ق���ارب م �ش �ه��داً ال ي���زال ملتهباً‬ ‫ف��ي فلسطين وال��ع��راق‪ ،‬وجاءت‬ ‫مقاربته صادرة من الروح‪.‬‬


‫إننا جميعاً شركاء في هذا الخراب‪ ،‬ونحن اآلن‬ ‫بين فكي رحى‪ ،‬ما بين هارب من الداخل‪ ،‬وداخل‬ ‫من الخارج‪ ،‬صف يصفّق للخراب‪ ،‬وصف وجد أن‬ ‫الوقوف على التل أسلم‪ ،‬ولم يجد بداً من البكاء‬ ‫على األطالل‪ ،‬فيما تطوّع صف ثالث للدفاع عن‬ ‫كرامة األم��ة‪.‬وألن الشاعر كلمة‪ ،‬وموقف‪ ،‬وجب‬ ‫عليه أن يقول كلمته بصدق‪ ،‬فالكلمة كما يرى‬ ‫ماياكوفسكي هي القائد األعلى لقوة البشر‪.‬‬

‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫مجابهة الرؤى الفاسدة‬

‫وق��د يصبح ال�ش��اع��ر عالمياً إذا اس�ت�ط��اع أن‬ ‫ال في شعره‪ ،‬ومدافعاً عن قيم الحق‬ ‫يكون مناض ً‬ ‫والحرية والكرامة والعدالة اإلنسانية‪ .‬وأما وسيلة‬ ‫تحقيق العالمية فهي الترجمة في المقام األول‪،‬‬ ‫وإن ك��ان ثمة خ�لاف كبير ح��ول ج��دوى الترجمة‪،‬‬ ‫إذ كيف يمكن درس نص بغير لغته األصلية؟ ألن‬ ‫الترجمة تفقد األدب كثيرًا من خصائصه الفنية‪،‬‬ ‫وال سيما الشعر‪ ،‬ولكن يبدو أنه ال بد في المحصلة‬ ‫من الترجمة‪.‬‬

‫وإن م��ن تحصيل الحاصل أن يكون األديب‬ ‫ع��ام��ة‪ ،‬وال�ش��اع��ر خ��اص��ة‪ ،‬ضمير شعبه ووطنه‬ ‫أحزان الفصول األربعة‬ ‫وأمته‪ ،‬فهو بشكل تلقائي وعفوي وتربوي وميراثي‬ ‫ال تنضج القصيدة إال على نار هائجة‪ ،‬ال هادئة‪،‬‬ ‫ملتزم بهموم أمته لتحقيق أهدافها في الحرية‬ ‫والتحرر‪ ،‬والعدالة االجتماعية‪ ،‬ووح��دة الصف‪ ،‬في نفس الشاعر‪ ،‬فإذا تصالح الشاعر مع نفسه‬ ‫وبناء المجتمع الحضاري المنشود‪ .‬وهو من عداد هدأت تلك النار‪ ،‬وضمرت القصيدة‪ ،‬أو ضعفتْ ‪.‬‬ ‫الطليعة المكافحة لصنع المستقبل المزدهر‪ ،‬وهو‬ ‫أم ��ا ال �ج��دي��د ف �ه��و دي � ��وان «أح�� ��زان الفصول‬ ‫أجدر الناس بحمل رسالة االلتزام السامية‪.‬‏‬ ‫األرب��ع��ة»‪ ،‬وال ��ذي ص��در م��ع مطالع ه��ذا العام‪..‬‬ ‫ال في روح��ي قبل أن يولد‪.‬‬ ‫ويمكن أن تكون للقصيدة سلطة كبيرة‪ ،‬يمكن إن��ه كتاب حملته طوي ً‬ ‫بموجبها لو أنها سخّ رت لما هو بناء‪ ،‬أن تتحوّل قبع ردح�اً من الزمن على مكتبي وداخ��ل دفاتري‬ ‫إلى سالح قويّ لمجابهة الرؤى السوداوية لهؤالء‬ ‫وفي ال وعيي قبل أن أقرر إخراجه إلى النور‪ .‬ثم‬ ‫المجانين الذين يتحكّمون في مصائرنا‪.‬‬ ‫عندما نضج الصوت‪ ..‬شرعتُ في كتابته‪ .‬كانت‬ ‫العالمية طموح الشاعر‬ ‫ال�م��ادة األساسية م��وج��ودة ف��ي شكل مالحظات‪،‬‬ ‫ال�ش�ع��ر أك �ب��ر م��ن ال�ج�غ��راف�ي��ة المحلية وإن منها المكتوب ومنها المحفوظ غيباً‪ ،‬وقد ألقيت‬ ‫ك��ان ينطلق منها؛ ألن��ه يتحدث بلغة إنسانية‪ ،‬بجزء كبير من المدوّنات والمذكرات التي كانت في‬ ‫والخصوصية تنطلق من تجربة الشاعر‪ ،‬وليس حوزتي عندما شرعت في العمل على المجموعة‪،‬‬ ‫م��ن تجربة ال�م�ك��ان‪ ،‬مهما كانت االس�ت�ف��ادة من‬ ‫كما أمليت مقاطع كثيرة منها كانت تنتظر بصبر‬ ‫المكان الذي يعيش فيه الشاعر‪.‬‬ ‫في ذاك��رت��ي‪ :‬لذلك ي��ؤدي الصوت دوراً مهماً في‬ ‫والطموح إل��ى العالمية طموح قديم عرفته هذا العمل في شكل خاص‪ ،‬ألنه قائم على تقنيات‬ ‫البشرية في األديان والثقافات‪ .‬وبفضل ما يمتلك‬ ‫صوتية إذا صحّ التعبير‪ ،‬وعلى كتابة «شفهية»‪..‬‬ ‫الشاعر من خصائص ومهارات فنية‪ ،‬تتمثل في‬ ‫في (أح��زان الفصول األرب�ع��ة)» أروي» حكاية إذاً‬ ‫تصويره بيئته‪ ،‬وتعبيره عن قضايا ت ُه ُّم اإلنسان‪،‬‬ ‫بصوت ع� ٍ�ال‪ ،‬ولذلك ج��اءت المجموعة الشعرية‬ ‫ٍ‬ ‫فإنه قد يحقق غايته في الوصول إلى العالمية‬ ‫وال �ت��ي ستحقق ل��ه ب��ال �ض��رورة ان �ت �ش��ارًا واسعًا‪ ،‬مستندة في تكوينها في الدرجة األولى الى منطق‬ ‫المونولوغات‪.‬‬ ‫وشهرة كبيرة‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ ‪113‬‬


‫الشاعر‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬أحمد بن عبداهلل السالم‬ ‫> احملرر الثقافي‬ ‫ •شاعر العراقة واألصالة‪ ،‬النابعة من عراقة وأصالة مسقط رأسه دومة الجندل‪،‬‬ ‫ذات اآلثار الخالدة في منطقة الجوف‪ .‬أطلق عليه لقب (متنبي نجد)‪ ،‬بعد إلقاء‬ ‫قصيدته(دوحة األمجاد) في مهرجان الجنادرية السادس عشر عام ‪1421‬هـ(‪.)1‬‬ ‫ •شارك في عدد كبير من األمسيات خارج المملكة في أمريكا وكندا ومصر واألردن‬ ‫والجزائر‪ ..‬ومثل المملكة في عدد آخر من المهرجانات الشعرية واألدبية‪ ،‬وعدد‬ ‫من المؤتمرات والندوات‪..‬‬ ‫ •من مواليد دوم��ة الجندل‪ ،‬ع��ام ‪1373‬ه��ـ‪ .‬تلقّى تعليمه االبتدائي فيها‪ ،‬ث� ّم أكمل‬ ‫المتوسط والثانوي في سكاكا‪ ،‬والجامعي في مدينة الرياض‪.‬‬ ‫والصرف‪ ،‬من جامعة اإلمام محمّد بن سعود‬ ‫ّ‬ ‫ •حص َل على درجة الماجستير في النّحو‬ ‫اإلسالميّة عام ‪1403‬هـ‪..‬‬ ‫والصرف‪ ،‬جامعة اإلم��ام محمّد بن سعود‬ ‫ّ‬ ‫ •حصل على درجة الدكتوراه في النّحو‬ ‫‪ 114‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ‬


‫ • ُع ِّي َن معيداً بكلية اللّغة العربيّة في جامعة اإلمام محمّد بن‬ ‫سعود اإلسالميّة عام ‪1397‬هـ‪.‬‬

‫والصرف بكلية اللّغة العربيّة‬ ‫ّ‬ ‫ •عمل أستاذاً في قسم النّحو‬ ‫في جامعة اإلمام محمّد بن سعود اإلسالميّة‪.‬‬

‫�ص��رف بكلية اللّغة العربيّة‬ ‫ •عمل رئيساً لقسم النّحو وال� ّ‬

‫س�����������ي�����������رة وإب���������������������داع‬

‫اإلسالميّة عام ‪1407‬هـ‪..‬‬

‫في جامعة اإلم��ام محمّد بن سعود اإلسالميّة لمدة أربع‬ ‫سنوات‪.‬‬

‫ •عمل عميداً لكلية اللّغة العربيّة في جامعة اإلمام محمّد بن‬ ‫ال لجامعة اإلمام محمّد بن سعود‬ ‫سعود اإلسالميّة‪ ،‬ث ّم وكي ً‬

‫اإلسالميّة لشؤون الطالبات‪.‬‬

‫إسهامات متنوعة‪:‬‬ ‫ •رئيس الجمعية العلميّة للغة العربيّة‪.‬‬ ‫ •رئيس لجنة الشِّ عر الفصيح في مهرجان الجنادرية‪ ،‬الذي‬ ‫أقيم بمناسبة مرور مائة عام على تأسيس المملكة العربية‬ ‫السّ عوديّة‪.‬‬

‫ •عضو رابطة األدب اإلسالميّ العالميّة‪.‬‬ ‫ •عضو الجمعية العمومية في مؤسسة عبدالرحمن السّ ديري‬ ‫الخيريّة‪.‬‬

‫ •ناقش عدداً من الرسائل الجامعية للماجستير والدّكتوراه‪،‬‬ ‫وأش��رف على ع��دد منها‪ ،‬وبلغ مجموعها أكثر من ستين‬

‫رسالة‪.‬‬

‫ •نشر ع��دداً من البحوث والدِّراسات العلميّة المحكّمة في‬ ‫مجال تخصصه‪.‬‬

‫ •شارك في عدد كبير من المحافل الثّقافيّة والنّدوات والملتقيات‪،‬‬ ‫والمؤتمرات العلميّة المتخصصة داخل المملكة وخارجها‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ ‪115‬‬


‫إصداراته األدبيّ ة‪:‬‬ ‫ •ب� ��وح ال� �خ ��اط ��ر‪( :‬دي � ��وان‬ ‫ش �ع��ر)‪ ،‬م��رام��ر للطباعة‬ ‫االل �ك �ت��رون �ي��ة‪ ،‬الرياض‪،‬‬ ‫ط‪1997 ،1‬م‪.‬‬ ‫ •ص��دى ال��وج��دان‪( :‬ديوان‬ ‫ش � � �ع� � ��ر)‪ ،‬دار غ ��ري ��ب‬ ‫للطباعة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪،1‬‬ ‫‪2006‬م‪.‬‬ ‫ •ق� � �ب �ل��ات ع � �ل� ��ى ال� ��رم� ��ل‬ ‫والحجر‪( :‬دي��وان شعر)‪،‬‬ ‫هبة النيل العربية للنشر‬ ‫والتوزيع‪2005 ،‬م‪.‬‬ ‫ •منهاج الطالب إلى تحقيق‬ ‫ك ��اف� �ي ��ة اب� � ��ن الحاجب‬ ‫�رص� ��اص ‪ -‬دراس� � � � ًة‬ ‫ل � �ل� � ّ‬ ‫وتحقيقاً‪.‬‬ ‫ •دم� � � � ��وع ف� � ��ي م� ��واج � �ه� ��ة‬ ‫الطوفان‪( :‬ديوان شعر)‪.‬‬ ‫ •عندما كنت هناك‪( :‬ديوان شعر)‪.‬‬

‫مؤلفات صدرت بحقه‪:‬‬ ‫ •أدب المصالحة في شعر السالم‪ -‬للكاتبة‬ ‫الجزائرية د‪ .‬زهر العناني‪.‬‬

‫بوح الخاطر‬ ‫(ديوان شعر)‬ ‫ج� ��اء ال� ��دي� ��وان ف ��ي (‪)116‬‬ ‫صفحة‪ ..‬تتصدره مقدمة لألديب‬ ‫الشاعر أ‪.‬د‪ .‬محمد بن سعد بن‬ ‫حسين أستاذ الدراسات العليا‬ ‫في كلية اللغة العربية بالرياض‪،‬‬ ‫والتي قال فيها‪« :‬يُمكننا القول‬ ‫ب��أن ه��ذا ال��دي��وان م��ن خير ما‬ ‫صدر في هذه الفترة من دواوين‬ ‫شعرية»‪.‬‬ ‫قصائده من الشعر الرصين‪،‬‬ ‫العريق في الفصاحة‪ ،‬والمكين‬ ‫ف ��ي األص���ال���ة‪ ،‬ل ��ه ن �ص �ي��ب من‬ ‫جمال التصوير وروعة التعبير‪..‬‬ ‫ينغمس في الذاتية حينا‪ ،‬ويؤم‬ ‫قضايا األمة حينا آخر(‪.)2‬‬ ‫وج ��ل ق �ص��ائ��د ال ��دي ��وان من‬ ‫ب��اب م��ا يسمى شعر المناسبات‪ ،‬وال غَ ��ر َو في‬ ‫ذل��ك‪ ،‬فالشعر كله بال استثناء وليد مناسبات‪،‬‬ ‫وليس أروع وال أجمل من األبيات التالية التي‬ ‫قالها عن الحريق الذي شب في “منى” أثناء حج‬ ‫عام‪1417‬هـ‪.‬‬ ‫�������ت ال����ح����الُ‬ ‫�������ال آل ِ‬ ‫ع����ي����دٌ أإل�������ى أي ح ٍ‬ ‫ح��ل��الُ‬ ‫ّ‬ ‫ل���م���ا م���ض���ى أم ب���ه���ا ال���ت���غ���ي���ي���رُ‬

‫ •رسالة ماجستير في جامعة مؤتة في األردن‬ ‫ي���ا ع��ي��د م���ا ف���ي ال��ح��ن��اي��ا ف���رح���ة أب����د ًا‬ ‫وعنوانها (أحمد بن عبدالله السالم شاعرا)‪.‬‬ ‫وال�����ن�����ار ب���ي���ن ض����ي����وف ال����ل����ه تختالُ‬ ‫ •رس��ال��ة دك��ت��وراه ف��ي نيجيريا ف��ي جامعة‬ ‫ض��ج ال��ح��ج��ي��ج وم���اج���وا وال���دخ���ان غدا‬ ‫الجوس بعنوان (التراكيب النحوية في شعر‬ ‫ه�����و ال���ش���ه���ي���ق ل����ه����م وال�������ن�������ا ُر ش��ل��الُ‬ ‫السالم)‪.‬‬ ‫‪ 116‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ‬


‫���ى س����امِ‬ ‫���ب ال����ح����ي����ا َة ل���ك���لِّ م���عْ ���ـ���ـ���ن ً‬ ‫ي���ه���ـ ُ‬

‫وحشاشتي‬ ‫وقد ضم هذا الديوان تجارب مختلفة شملت بالشعر أشكو ُحرقتي ُ‬ ‫وبِ ����������هِ ُأب�������������دِّ دُ وح���شَ ���ـ���ـ���ـ���ت���ي وظ��ل�ام����ي‬ ‫ال��وع��ظ وال�ح�ك�م��ة‪ ،‬ف�ي�ق��ول ف��ي ق�ص�ي��دة «عظة‬ ‫والشعرُ إنْ طابَ اللِّقاءُ مؤانِ سي‬ ‫واعتبار»‪.‬‬ ‫���ح���سَ ���ـ���ام���ي‬ ‫وإذا ب�������هِ عَ ��������جَّ ال����لِّ����ق����ا ف ُ‬ ‫���اك م���نْ وَطَ ����رِ‬ ‫ُخ��ـ��ذْ م��ا ي��ن��وبُ��ك ف��ي دن���ي َ‬ ‫ف���أ ْن���ـ���تَ م����نْ ه����ذه ال����دُّ نْ��ي��ا ع��ل��ى سَ فَرِ‬ ‫قبالت على الرمل والحجر‬ ‫��ك ل���ل���دُّ نْ���ي���ا وز ُْخ���رفِ ���ه���ا‬ ‫ت����ر ْك����تَ ن��فْ ��سَ ��ـ��ـ َ‬ ‫������ك ت��ن��ه��ـ��اه��ا ع����ن ال���خَ ���طَ ���رِ‬ ‫وم�����ا رأيْ������تُ َ‬

‫س�����������ي�����������رة وإب���������������������داع‬

‫ق���د ح���ل م���ا ك����ان م����ق����دور ًا ول���ي���س لنا‬ ‫ف����ي ص�����دِّ م����ا ق�������دَّ َر ال���رح���م���ن مثقالُ‬

‫عاطرٍ‬ ‫وشوا القصي َد بكلِّ لفْ ٍـظ ِ‬ ‫ُّ‬

‫(ديوان شعر)‬

‫قصائد ه��ذا ال��دي��وان ال��ذي يقع ف��ي (‪)128‬‬

‫وي�ق��ول شاعرنا إن للشعر دوراً جمالياً في ص�ف�ح��ة م��ن ال �ق �ط��ع ال �م �ت��وس��ط‪ ،‬ت �ض��وع حباً‪،‬‬ ‫الحياة‪ ،‬فيصفه بالعاطفة الجياشة‪ ،‬القادرة على ووفاء لألرض التي يعشقها الشاعر منذ نعومة‬ ‫أظفاره‪ ..‬فقد جاءت قصيدة (حب الديار) فاتحة‬ ‫إبكاء الناس وإطرابهم‪..‬‬ ‫هذا ال��دي��وان‪ ،‬لتظهر مدى ولع الشاعر السالم‬ ‫ال����ش����عْ ����ـ����ـ����ـ����رُ م������ا أب�����ك�����ى وم�������ا أط����رب����ا‬ ‫بوطنه‪ ،‬فيقول في مطلعها‪:‬‬ ‫أح����ـ����ل����ى ومَ ����ـ����ـ����ا أع����ذب����ا‬ ‫ال����ش����ع����رُ م�����ا ْ‬ ‫ش�������وق س�������رى ب����ي����ن ال����ض����ل����وع وت����اه����ا‬ ‫����ت‬ ‫أط���� َر َب ْ‬ ‫���ب م���ا ْ‬ ‫���ح ُ‬ ‫���س ْ‬ ‫ال��ش��ع��رُ ع���ن���دي ال ُّ‬ ‫��������ب م������ن أه�����واه�����ا‬ ‫رف�����ق�����ا ب����ه����ا ي������ا ح َّ‬ ‫��������روض م����ا أعشبا‬ ‫ُ‬ ‫ال���ش���ع���رُ ع��� ْن���ـ���دي ال‬ ‫ف�����ت�����ان�����ة م����ل����ك����ت ف�������������ؤادي وارت������م������ت‬ ‫السما‬ ‫وج������ َه َّ‬ ‫���ب ْ‬ ‫���ح ِ‬ ‫���س ْ‬ ‫����ف ث������و ُْب ال ُّ‬ ‫أو ل َّ‬ ‫ف�����ي�����ه ب�����ك�����ام�����ل ح����س����ن����ه����ا وب����ه����اه����ا‬ ‫الخلَّبا‬ ‫أض���ـ���ـ���ح���ى ب���� ْرقَ����ه����ا ُ‬ ‫ف���ال���ش���ع���رُ ْ‬ ‫����������س أعْ �����������داؤ ُه‬ ‫أ ْو حَ �����ـ�����ـ�����الَ دونَ األن ِ‬ ‫���س���بْ���سَ ���ب���ا‬ ‫���ك ال َّ‬ ‫���س��� َل���ـ���ـ���ـ َ‬ ‫ك������ان إل�����يْ�����هِ ال���م ْ‬

‫م����ا زاد ف����ي ش���ج���ن���ي ودل�������ه خ���اط���ري‬ ‫وأب���������������ان ض�����ع�����ف إرادت�����������������ي إال ه���ا‬ ‫ول��م تقتصر وج��دان�ي��ات��ه على مسقط رأسه‬

‫����اس إ َّال بِ ���ـ���هِ‬ ‫ه������لْ ط�������ابَ ل����يْ����لُ ال���� َّن����ـ����ـ ِ‬ ‫أو ح������لَّ إال ف�����ي ال���ن���ش���ي���د ال�������رُّ بـا؟ (مدينة دوم��ة الجندل) بل شملت م��دن سكاكا‪،‬‬ ‫وال��ري��اض‪ ،‬ومكة المكرمة والمدينة المنورة‪..‬‬ ‫وي�خ��اط��ب فيه ال�ش�ع��راء ط��ال�ب�اً منهم إبداع‬ ‫فحب ال��وط��ن دوم �اً هاجسه‪ ،‬والتغني بأمجاده‬ ‫الشعر الجميل‪ ،‬ال��ذي يمتلئ بالحياة‪ ،‬ويبين أن‬ ‫ومواطن قوته ديدنه‪ ،‬وهو الخالد ما بقي (الرمل)‬ ‫الشعر سلواه في الشكوى ممّا يُكابده ويحرق‬ ‫و(الحجر)‪ ،‬والباقي ما بقيت الصحراء بنقائها‪،‬‬ ‫حشاشته‪ ،‬وهو مؤنسه في الوحدة‪ ،‬وض��وؤُه في‬ ‫والجبال بشموخها‪..‬‬ ‫الظالم فيقول‪:‬‬ ‫ول� ��م ي �خ��ل ش��ع��ره م ��ن ت �س �ج �ي� ٍ�ل للمواقف‬ ‫يا معشَ َر الشعراءِ قولوا‪ ،‬وان ِْظموا‬ ‫ف���ال���ش���ع���رُ ل���ل���ش��� َع���ـ���ـ���ـ���راءِ خ����يْ����رُ وِ س�������امِ اإلنسانية والهموم التي نعيشها جميعا‪ ،‬ففيه‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ ‪117‬‬


‫يُ َذ ِّك ُر بقضيتنا األولى المتمثلة في (القدس) التي‬ ‫ال تزال مستباحة من قبل اليهود الغاصبين أعداء‬

‫األمة والدين‪ ..‬فيقول‪:‬‬

‫ع�����اث ال���ي���ه���ود ف�����س�����اد ًا ف����ي طهارتها‬ ‫�����رى لسيدنا‬ ‫ك����أن����ه����ا ل�����م ت����ك����ن م�����س ً‬ ‫ع����اث����وا وق�����د مُ ���لِ ���ئ���وا ك����ب����ر ًا وغطرسةً‬ ‫ف��ال��غ��رب أع��ط��ى ع��ن��ان األم����ر والرسنا‬ ‫ق�����د أم����ه����ر ال�����غ�����رب إس����رائ����ي����ل ذمته‬ ‫ف��ل�ا ت���ل���وم���وا وق�����د أض���ح���ت ل���ه���م وثنا‬ ‫ه����م ش���ي���دوه���ا ل���ك���ي ت��ب��ق��ى سفيرتهم‬ ‫ف������إن ب���غ���ت أوس����ع����وه����ا م�����دح�����ةً وثنا‬ ‫وي�ض��م ال��دي��وان ت�ج��ارب مختلفة تمثلت في‬

‫الوعظ والحكمة وغيرهما‪ ،‬فيقول في قصيدة‬ ‫«عظة واعتبار»‪.‬‬

‫���اك م���نْ وَطَ ����رِ‬ ‫ُخ��ـ��ذْ م��ا ي��ن��وبُ��ك ف��ي دن���ي َ‬ ‫ف���أ ْن���ـ���تَ م����نْ ه����ذه ال����دُّ نْ��ي��ا ع��ل��ى سَ فَرِ‬ ‫��ك ل���ل���دُّ نْ���ي���ا وز ُْخ���رفِ ���ه���ا‬ ‫ت����ر ْك����تَ ن��فْ ��سَ ��ـ��ـ َ‬ ‫������ك ت��ن��ه��ـ��اه��ا ع����ن ال���خَ ���طَ ���رِ‬ ‫وم�����ا رأيْ������تُ َ‬

‫***‬ ‫كما أصدر السالم ديوانا بعنوان‪( :‬دم��وع في‬

‫مواجهة الطوفان)‪ ،‬الذي يقع في ‪ 94‬صفحة من‬

‫القطع المتوسط‪ ،‬ويتكون من ‪ 15‬قصيدة هي‪:‬‬ ‫قيام دولة فلسطين‪ ،‬على لسان إرهابي تائب‪ ،‬من‬

‫أنا الواقع العربي‪ ،‬تنهدات من أقصى الحنجرة‪،‬‬ ‫وا مسلماه (عن المجاعة في تشاد والنيجر)‪ ،‬إلى‬

‫جنة الخلد يا شيخ ياسين‪ ،‬المهمل المهم‪ ،‬حقيبة‬ ‫اآلم ��ال أل��م وح�س��رة على وف��اة الطفل (محمد‬

‫(‪ )1‬مجلة اليمامة ‪ -‬العدد ‪ 1641‬السبت ‪1421/11/2‬هـ‪.‬‬ ‫(‪ )2‬من مقدمة الديوان أ‪ .‬د‪ .‬محمد بن سعد بن حسين‪.‬‬

‫‪ 118‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ‬

‫ال���درة)‪ ،‬بغداد‬ ‫َم ��ن للرصافة‬ ‫والكرخ؟‪ ،‬وقفة‬ ‫واع �ت �ب��ار‪ ،‬غزة‬ ‫وص � ��رخ � ��ة لم‬ ‫ت� � �ص � ��ل‪ ،‬رم� ��ز‬ ‫ال� � �ت� � �س � ��ام � ��ح‪،‬‬ ‫إن ال� �ن ��اص ��ر‬ ‫ال� � �ل�� ��ه‪ .‬فيما‬ ‫ي �ق��ع ال ��دي ��وان‬ ‫ال� � � �خ � � ��ام � � ��س‬ ‫(ع��ن��دم��ا كنت‬ ‫ه������ن������اك) في مجلة اليمامة – العدد (‪-)1641‬‬ ‫السبت ‪1421/11/2‬هـ‬ ‫‪ 128‬صفحة‬ ‫من القطع المتوسط‪ ،‬ويتكون من ‪ 30‬مقطوعة‬ ‫شعرية ه��ي‪ :‬ال��دار البيضاء‪ ،‬القلعة الخضراء‪،‬‬ ‫الهوى المغرب‪ ،‬القريات من‪ ،‬وحي المكان‪ ،‬أيام‬ ‫ف��ي طنجة‪ ،‬مشاعر ف��ي المشاعر‪ ،‬إه ��داء إلى‬ ‫سكان حي الفالح‪ ،‬من جوار الحرم النبوي‪ ،‬حداء‬ ‫االفتتاح عندما كنت هناك‪ ،‬وفاء بحروف الهجاء‪،‬‬ ‫ألبطالنا ف��ي جبل ال��دخ��ان‪ ،‬أي��ام ف��ي الجزائر‪،‬‬ ‫جلوس في مكتب تشرشل‪ ،‬ياقوتة الصيف تحية‪،‬‬ ‫الدار مسافر‪ ،‬خلجات ساكن‪ ،‬عيون الحسا‪ ،‬أبها‬ ‫وأخوها‪ ،‬على ضفاف األطلسي‪ ،‬خلجات زائر‪،‬‬ ‫م�ه��داة إل��ى منتدى الجمعة‪ ،‬ألنها مصر‪ ،‬شكر‬ ‫وعرفان‪ ،‬قصيدة بمناسبة زيارة صاحب السمو‬ ‫الملكي األم�ي��ر خالد الفيصل لجامعة اإلمام‪،‬‬ ‫تحية طيبة‪ ،‬موكب اإلخ�ل�اص‪ ،‬خيمة العروبة‪،‬‬ ‫تحية عمان‪ ،‬في اليابان‪ ،‬تحية مغير السرحان‬ ‫عزف على نظام الدكتور تيمور‪.‬‬


‫ن����������������������������������واف����������������������������������ذ‬

‫ي صلة جمالية؟‬ ‫الشعر والصناعة‪ ،‬أ ُّ‬ ‫> عبدالغني فوزي*‬

‫الصناعة في اللغة هي كل علم أو فن يمارسه اإلنسان‬ ‫حتى يمهر فيه‪ ،‬ويصبح حرفة ل��ه‪ .‬وه��ي في االصطالح‬ ‫ترتبط بفن القول ال��ذي ال يخرج مخرج االرت��ج��ال؛ بل‬ ‫مخرج التروي واإلمعان في النظر قصد السبك والصقل‪.‬‬ ‫والحديث ع��ن الصناعة بمعناها االصطالحي يحيلنا‬ ‫للحديث عن الشعر‪ ،‬باعتبار هذا األخير كثيرا ما يُعرف‬ ‫بكونه صناعة ترقى‪ ،‬لتصبح إبداعا وخلقا‪.‬‬ ‫و حين يتم الربط بين الشعر والصناعة‪ ،‬فال نقصد أنه‬ ‫صناعة كباقي الصناعات‪ ،‬بل هو صناعة متميزة ومنفردة‪ ،‬ألن الصانع‪ /‬الشاعر يعتمد‬ ‫خاللها على مشاعره ومتخيله وتجربته‪ ..‬وتلك أدوات صناعته أو قل خلقه‪.‬‬ ‫وق��د اختلف التصور العربي لمفهوم‬

‫ه��ذه الصناعة فيها‪ ،‬كما كانت عليه من‬

‫ال �ص �ن��اع��ة ال �م��رت �ب��ط ب��ال�ش�ع��ر باختالف قبل‪ ،‬تبعا للتحوالت ودور الشعر الطالئعي‬ ‫العصور والسياقات‪ ،‬ففي العصر الجاهلي ضمن ذلك‪.‬‬ ‫ُع ��دَّ ال�ش�ع��ر دي��وان��ا ل�ل�ع��رب‪ ،‬ف�ه��و تصوير‬

‫إن ه��ذا ال�م�ع�ن��ى ال�م�ع�ط��ى للصناعة‪،‬‬

‫لحياتهم ولواقعهم‪ .‬فكانت بذلك صناعته‬

‫يختلف ع��ن التصنيع ال �م��رادف للزخرفة‬

‫مرتبطة بتقاليد وعادات ال يمكن الخروج‬

‫وال��زي �ن��ة وال �ت �ك �ل��ف‪ ..‬ول ��م ي �ك��ن الشعراء‬

‫عنها‪ .‬أم��ا العصور التالية‪ ،‬فقد اختلفت‬

‫يعيشون بعيدا عن هذا الجو من التصنيع‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ ‪119‬‬


‫والزخرف‪ .‬ومن ثَ ّمً‪ ،‬نخلص إلى أن الشعر المرحلة وفقرات تاريخ الكتابة‪ .‬فحين تمر‬ ‫قبل أن يكون وسيلة للتعبير عن األحاسيس‬

‫هذه األخيرة لمسا على التاريخ واالجتماع‬

‫وال �م �ش��اع��ر‪ ،‬ف �ه��و ص�ن�ع��ة ي �ل �ت��زم خاللها‬

‫البشري على منعطفاته‪ ،‬ال يمكن أن تكون‬

‫الشاعر بمجموعة من القوانين واألحكام‬ ‫التي فرضها عليه عصره‪ .‬لذا كان التنافس‬ ‫والتعارض روحاً داخلية تدفع الشعر ليرتاد‬ ‫آفاقا أوسع‪.‬‬

‫إال رصدا خالقا وبكامل العدة الخلفية‪.‬‬ ‫الشعر اليوم في منطقة من الوجدان‬ ‫وال �ت �خ �ي �ي��ل م� �ه ��ددة ب��ال��زح��ف بأشكاله‬ ‫المختلفة‪ .‬لذا‪ ،‬من الضروري الدفاع عن‬

‫يتضح م��ن خ�ل�ال م��ا س�ب��ق أن مفهوم مساحته داخل األنساق ؛ وتحديد بصمته‬ ‫الصناعة المرتبط بالشعر‪ ،‬تطور مع تطور ف��ي عالئقه بالخطابات األخ ��رى‪ .‬ول��م ال‬

‫الزمن والشعر نفسه‪ .‬فبعدما كانت صناعة تبنيه كمشاريع تنخرط في المرحلة‪ ،‬وتعلن‬ ‫قيادتها الخاصة ولو بالوهم الذي يخلخل‬ ‫الشعر تقوم على الوصف وترديد الصور‬ ‫النمط‪ ،‬ويبث رعشات التمدد في األوصال‬ ‫نفسها‪ ،‬أصبحت تدريجيا تعني التعبير عن‬ ‫المحنطة‪.‬‬ ‫شيء ما‪ ،‬ضمن حلم أوسع وهو ما يقتضي‬ ‫األمر في تقديري‪ ،‬ال يقتضي تصريف‬ ‫اإلبداع والحرية‪.‬‬ ‫فهل يمكن الحديث اآلن فيما نقرأه من‬ ‫شعر معاصر عن صناعة وصقل‪ ،‬أي أن‬ ‫الشاعر على علم بأدواته‪ ،‬إلحاطة أشمل‬ ‫وتعبير أبلغ ومتخيل أعمق؟‬

‫الشعر عبر المؤسسة كقراءات وتوقيعات‪،‬‬

‫ب��ل االش�ت�غ��ال عليه‪ ،‬كخطاب ذي وظيفة‬ ‫وش��رط وج��ود‪ .‬ف�لا مفر إذن م��ن اإلقرار‬ ‫بخصوصية صوته وامتداداته في مسالك‬ ‫المجتمع وال �ح �ي��اة‪ .‬الشعر ب�ه��ذا المعنى‬

‫اآلن نحن أم��ام ن��ص متشابه‪ ،‬منسوخ لصيق بطين الحياة كافتراض وطريقة لها‬

‫م��ن دون ط��اق��ة أو إض��اف��ة‪ .‬ويغلب ظني‪،‬‬ ‫أن الخصوصية تأتي أساسا من االشتغال‬

‫هندستها الخاصة؛ وليس كنغمة في واد‪،‬‬ ‫تقتضي المسامرة واالن�ص��راف بعد ذلك‬

‫على النص كأداة سابحة في الشعر عموديا للشؤون التي تحرس شأنها على السطح‬ ‫وأف�ق�ي��ا‪ ،‬أي التموضع ف��ي زاوي ��ة م��ا بين دون عمق وجدان ورحابة أفق‪.‬‬ ‫* شاعر وكاتب من المغرب‪.‬‬ ‫ ‬

‫‪ 120‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ‬


‫> عبدالناصر بن عبدالرحمن الزيد*‬

‫من الناس من يقف أمامها ليبصق‪..‬‬

‫ن����������������������������������واف����������������������������������ذ‬

‫املـــــــرآة‬

‫ومن الناس من يقف أمامها ليحلِ ق‪..‬‬ ‫ومن الناس من يقف أمامها ليدقق ويتأنق‪..‬‬ ‫وقليل منهم من يقف أمامها ليُحقق مع هذا الكائن‬ ‫المشبوه ويتحقّ ق‪..‬‬ ‫قال صاحبي‪ :‬عجيب اختراع المرآة هذا‪ ،‬وأظن متجوّز ًا‬ ‫أنه قد ولدت معه مرحلة جديدة لإلنسان مع نفسه في‬ ‫رحم التاريخ! وقد كان مستوحش ًا شارد ًا ال يدري أهو هو؟‬ ‫ويتكسر وال‬ ‫ّ‬ ‫أم هو هو؟ منذ وقف يتأمل وجهه وجسده وهو يتماوج على صفحة الماء‬ ‫يستقر‪ .‬حتى انعكاسه على الحجر؛ مالمح حادّة وحتى كمال االنعكاس‪ ،‬مرحلة استأنس‬ ‫اإلنسان فيها نفسه قبل أن يسوسها ثم يوسوس بها وال يكاد يفهمها‪ ،‬بل يضيق بها ذرعاً‪،‬‬ ‫وقد ساء ظنه بها وببني جنسها!‬ ‫قال‪ :‬أتحدى من يستطيع التحديق بنفسه‬ ‫بالمرآة لمدة نصف ساعة فقط دون أن يتكلم‬ ‫أو يفعل شيئاً! ج�رّب هذا وستكتشف أنك‬ ‫لست أن��ت! وربما ترى أنك بحاجة للبكاء!‬ ‫وربما تخاف وتجفل‪ ،‬وال تستطيع النظر بعد‬ ‫ذلك لوجهك إال خطفاً! هذا إذا لم تصب‬ ‫بالسبكتروفوبيا (مرض الخوف من المرآة)‪.‬‬ ‫من ه��ذا يا تُ��رى؟ ال��ذي تعودت أن يراه‬ ‫ال �ن��اس ه��و ي ��راك اآلن‪ ،‬وأن ��ت وإي ��اه وجهاً‬ ‫لوجه‪..‬‬ ‫نعم من السهولة بمكان أن تعيش وأنت‬ ‫تحملك وتحمل وجهك معك‪ ،‬تتفاهم معه‬

‫م��ن ب�ع�ي��د إن ك��ان��ت ع�لاق �ت��ك م��ع نفسك‬ ‫ليست على ما يرام‪ ،‬أو من قريب إن كنتما‬ ‫متصافيان متصالحان‪ ،‬لكن في كل األحوال‬ ‫ال تقابل بينكما وال انكشاف حقيقي! يمنحك‬ ‫استطاعة القول «قبل أن كان هو‪ ،‬كنت أنا»‪.‬‬ ‫ق��ال ص��اح �ب��ي‪ :‬آخ��ر م��رة رأي �ت �ن��ي فيها‬ ‫تختلف كثيراً عن آخر مرة! تغيرت مالمح‬ ‫كثيرة فيني‪ ،‬وتغيرت مالمح كثيرة داخلي‪،‬‬ ‫وتلقيت هزائم وانكسارات؛ فهل هذا الذي‬ ‫أراه ال �ي��وم ه��و أن��ا ب��األم��س؟ أش��ك كثيراً!‬ ‫وإذا ك��ان لي من األم��ر ش��يء‪ ..‬فمن الخير‬ ‫أال أرى هذا المخلوق المخيف بعد اليوم؛‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ ‪121‬‬


‫ألنه سيفضح اآلخ��ر المزيف ال��ذي أعرفه تماماً أعمق وأهم من الوجه‪ ،‬تتفحص الروح وترى النفس‬ ‫وقد تواطأت معه على الكذب؛ فأستره ويسترني وتسبر مراكز الحس والشعور والخيال بأضعاف‬ ‫ونتبادل الكلمات واللكمات من دون أن يشعر بنا أضعاف ما يحصله أعظم روحاني فيلسوف!‬ ‫أحد‪ ،‬ومن دون أن يعاتبني أو أعاتبه!‬ ‫قال صاحبي‪ :‬عش تجربة العمى‪ ،‬ولو لساعتين‬ ‫ولكم أن تتخيلوا أحداً لم يشاهد نفسه في مرآة بين أهلك‪ ،‬واختبر النتيجة!‬ ‫قط! كيف سيجد نفسه حين يضيع؟! كيف يعرف‬ ‫ثم اطلب مرآة وامسكها بيمينك وتأمل وجهك‬ ‫نفسه وسط الزحام؟! وإذا اشتُبه به كيف يستطيع‬ ‫ بعمق وتركيز‪ -‬وأن��ت ال ت��زال مغمض العينين؛‬‫أن يجزم بمالمح وجهه وقسماته؟! ولكن ماذا‬ ‫لو كان ال يؤمن بالوجه معرّفاً محدداً له؟! لعدم ومنه ‪ -‬وبكل العمق والتركيز‪ -‬انفذ لخاليا روحك‬ ‫مصداقيته بزعمه من جهة‪ ،‬ولتالعبه بصفاته من ومغزى وجودك‪ ،‬واختبر النتيجة!‬ ‫جهة أخرى‪ ،‬ولدن ِّو درجته في ميزان التفاضل أمام‬ ‫ق��ال‪ :‬وال�ش�ي��ب! تلك قصة أخ��رى م��ن لعنات‬ ‫العقل والخلق والدين ويوم الدين من جهة ثالثة‪.‬‬ ‫المرآة! التي تأبى إال أن تُظهر وقاره عاراً!!‬ ‫مثل هذا هل ستتغيّر نظرته لنفسه لو رآها ح ّقاً؟‬ ‫لو رأى وجهه بالتحديد! وعيني رأسه بتحديد أدق!‬ ‫ألنها بوابة الوجه والروح والشعور!‬ ‫طيب جاز لنا أن نرى جزءاً من جسد اإلنسان‬ ‫ال له‪.‬‬ ‫داالً على ما سواه ودلي ً‬ ‫ولكنه حكم م�ج��روح حين ال�ش�ه��ادة منه على‬ ‫مجترحات المرء من األعمال! وهنا يخبرنا األثر‬ ‫أن المؤمن مرآة أخيه‪.‬‬

‫قال‪ :‬والمرأة! المرأة هي المرآة‪ .‬مرآة القيامة‬

‫والقتامة! مرآة الروح والخيال والجسد هي‪ .‬مرآة‬ ‫النور والحب والسكن وال�س�لام‪ .‬أو‪ ..‬أو‪ ..‬مرآة‬ ‫الحُ طام!‬

‫ق ��ال‪ :‬وأوش� ��و! وال �ك �ل��ب! وال�ت�ن�ف��س! والمرآة!‬

‫نصيحة لبشر غير‪:‬‬

‫«حين تشعر بالتوتر في معدتك؛ امش كالكلب‬

‫وأن��ت تلهث‪ ،‬أخ��رج لسانك من فمك وام��ش كما‬

‫وف��ي ج��ان��ب ُم�خ��ات��ل؛ ال ينافس ال �م��رآة رعباً الكلب‪ ،‬وسترى أن التوتر ب��دأ ي��زول‪ .‬افعل ذلك‬ ‫وتوقفاً وتساؤالً شيء مثل الصورة الفوتوغرافية لنصف س��اع��ة ليس أك �ث��ر‪ ،‬وس �ي��زول الغضب أو‬ ‫والتسجيلية الحيّة‪ .‬الحابسة ال الظل وح��ده‪ ،‬بل الحزن أو اإلحساس بالكآبة‪.‬‬ ‫ال‬ ‫ال ��روح وال�ج�س��د وال�ن�ف��س لتكون ش��اه��داً جمي ً‬ ‫ادخ��ل غرفتك واف�ع��ل ه��ذا‪ ،‬ق��ف أم��ام المرآة‬ ‫ومثيراً لكوامن الذكرى‪ ،‬وإنما الحياة الذكريات ال‬ ‫الشباب كما يقول شيخ علي رحمه الله؛ أو ناضحاً وانبح‪ ،‬تكلم بأسلوب الدمدمة‪ .‬افعل ذلك لثالثة‬ ‫ببشاعة الحاضر حسب زاوية الرؤية ومدى الرضا أسابيع ليس أكثر‪ .‬وستشعر أنك حر‪ ،‬حر كلياً في‬ ‫تصرفك‪ ،‬ولن تتعرّف إلى التعاسة» اهـ كالمه‬ ‫واالتزان!‬ ‫وأصارحك في الختام‪ :‬القوي هو الذي ال ينظر‬

‫ولكن ما ب��ال الكفيف‪ ،‬أي��ن م��رآت��ه؟ إن��ه يملك‬ ‫أعظم مرآة في هذا الوجود! ولكنها مرآة منعكسة في المرآة سوى مرة واحدة في العام! واألقوى منه‬ ‫على الداخل تتفحص الوجه من داخله بل ما هو الذي يحمل المرآة معه في جيبه‪.‬‬ ‫‪ 122‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ‬


‫ن����������������������������������واف����������������������������������ذ‬

‫من روائع الشعر العربي‪..‬‬

‫«أما جلميـل عندكن ثواب»‬ ‫> نورا العلي*‬

‫أبو فراس الحمداني‪ ,‬ابن عم سيف الدولة الحمداني‪ ,‬قُ تِ ل والده وهو في سن مبكرة‪،‬‬ ‫فنشأ في كنف سيف الدولة الذي اهتم بتعليمه وتأديبه‪ ,‬وبدت عليه عالمات النجابة‬ ‫والفروسية‪ ,‬فقلّده إمارة مقاطعتي منبج وحرّان‪ ,‬فأحسن فيهما‪ ..‬وأظهر براعة في الذود‬ ‫عنهما‪.‬‬ ‫تمكن الروم من أبي فراس في إحدى المعارك‪ ,‬فوقع أسيرا‪ ,‬وقيل إنه مكث في األسر‬ ‫ثالث سنوات‪ ,‬وقيل أربع‪ ،‬وفي بعض الروايات سبع سنوات‪.‬‬ ‫كتب أثناء أسره الكثير من القصائد لسيف الدولة‪ ,‬يطلب فيها مفاداته من األسر‪,‬‬ ‫ويستغرب لماذا لم يبادر إلى ذلك مبكرا‪ ,‬واختلفت الروايات في سبب إبطاء سيف الدولة‬ ‫في ذلك‪ ,‬وربما كان النشغاله في أحوال البالد‪ ،‬وباألحداث التي تعرضت لها حلب آنذاك‪,‬‬ ‫وقيل إنه تعمد إبقاءه في األسر خوفا على إمارته منه‪.‬‬ ‫واألس���ر ال ��ذي وق��ع ف�ي��ه ش��اع��رن��ا‪ ,‬من مخاطبا الحبيبة في خطاب يعبر عن جميع‬ ‫المؤكد أنه كان لسوء حظه‪ ,‬وفي المقابل النساء‪,‬في تنكرهن لمحاسن الرجل عند أي‬ ‫كان لحسن حظ األدب والشعر ومتذوقيه‪ ,‬إساءة تبدر منه فيقول‪:‬‬ ‫حيث كتب خالله أجمل قصائده التي تنم عن‬ ‫أم�������ا ل���ج���م���ي���ل ع����ن����دك����ن ث�����واب‬ ‫شاعرية فذة‪ ,‬وعاطفة صادقة‪ ,‬وفن شعري‪,‬‬ ‫وال ل����م����س����يء ع����ن����دك����ن م���ت���اب‬ ‫وصياغة رائعة متفردة‪ ,‬بأعذب العبارات‬ ‫واألل �ف��اظ‪ ..‬تلك التي عرفت بالروميات‪ ,‬لقد ض��ل م��ن ت��ح��وي ه���واه خريدة‬ ‫نسبة إلى أسره من قبل الروم‪.‬‬ ‫وق����د ذل م���ن ت��ق��ض��ي ع��ل��ي��ه كعاب‬ ‫وت� �ع ��د ق �ص �ي��دت��ه ال� �ت ��ي م �ط �ل �ع �ه��ا «أم ��ا‬ ‫وهنا أحسبه يتواطأ مع المتنبي الذي‬ ‫لجميل عندكن ث��واب» م��ن أجمل قصائده نعت المرأة بمثل تلك الصفات‪ ,‬وكأنه يربت‬ ‫على اإلط�لاق‪ ,‬تلك التي يقول في بدايتها على كتفه في نهاية أبياته فيقول‪:‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ ‪123‬‬


‫ك������ذل������ك أخ������ل�����اق ال������ن������س������اء ورب�����م�����ا‬ ‫ي��ض��ل ب��ه��ا ال���ه���ادي‪ ،‬وي��خ��ف��ى ب��ه��ا الرشدُ‬

‫آث�������������������رت ح���������������زن ال��������ب��������ع��������د ع����ن����ك‬ ‫ع���������ل���������ى م�������������������������������رارات ال��������ت����ل���اق��������ي‬

‫ويتابع أبو فراس ويتحدث عن ضبطه لنفسه‪,‬‬ ‫إذاً فليس إال االنكفاء على الجرح واالنسحاب‬ ‫على خالف من يذل للكواعب الحسناوات فيقول‪ :‬بشموخ‪ ,‬والزمن كفيل بتضميد وتطبيب الجراح‪.‬‬ ‫ول���ك���ن���ن���ي – وال����ح����م����د ل���ل���ه – ح�����ازم‬

‫ويقول أبو فراس في بيت آخر‪:‬‬

‫أع��������������ز إذا ذل��������������ت ل�������ه�������ن رق�����������اب ص������ب������و ٌر ول��������و ل������م ت����ب����ق م����ن����ي بقية‬ ‫ق������������ؤولٌ ول��������و أن ال�����س�����ي�����وف ج������واب‬ ‫وال ت���م���ل���ك ال����ح����س����ن����اء ق���ل���ب���ي كله‬ ‫حري بمثله أن يتصف بالصبر في أشد األيام‬ ‫وإن م�����لّ�����ك�����ت�����ه�����ا رق�������������ة وش�������ب�������اب‬ ‫ض��راوة وق�س��اوة‪ ,‬فماذا بعد األس��ر‪ ,‬ومثله يجهر‬ ‫ويوافقه في ذل��ك الشاعر الدكتور محمد بن‬ ‫بالقول الحق‪ ,‬وال يخشى سطوة سلطان‪« ,‬قؤو ٌل‬ ‫إبراهيم السعيدي حين يقول‪:‬‬ ‫ولو أن السيوف جواب»‪ ،‬كأنه يحتذي قول الرسول‬ ‫وم���������ا أن���������ا م�����م�����ن إن ت�����ع�����لّ�����ق غ���������اد ًة‬ ‫صلى الله عليه وسلم «إن من أعظم الجهاد‪ ,‬كلمة‬ ‫ي�����ه�����ـ�����ون ع����ل����ي����ه ق�����������دره واق�����ت�����ـ�����ـ�����داره حق عند سلطان جائر»‪.‬‬ ‫وفي البيت التالي‪ ،‬تساؤل مقهور‪ ،‬ينم عن خيبة‬ ‫ف�����دى ل���مُ ���ق���ام���ي ف����ي ال�����رج�����ال أوان�����س‬ ‫ل����ه����ن م���ك���ي���ن ال����ح����س����ن فُ �������ك م����ح����اره أمل في األص��دق��اء‪ ,‬حيث ال قوة– إذ هو حبيس‬ ‫أسير – وال ناصر‪ ،‬فيقول‪:‬‬ ‫إلى أن يقول‪:‬‬ ‫ب����م����ن ي����ث����ق اإلن�������س�������ان ف���ي���م���ا ي���ن���وب���ه‬ ‫أق��ل��ب��ي خ��ص��ي��م��ي م���ا خ��ص��ام��ك بالذي‬ ‫وم������ن أي������ن ل���ل���ح���ر ال����ك����ري����م ص���ح���اب؟‬ ‫ي����ج����ل����ل����ن����ي‪ ,‬ل������و ق������د أط����ع����ت����ك ع������اره‬ ‫ث��م ي�س�ت�ط��رد وي �ص��ف ب�ع��ض ال �ن��اس بصفات‬ ‫ومن أجمل األبيات فيها قوله‪:‬‬ ‫ذكرتني بكتاب «تفضيل الكالب على كثير ممن‬ ‫لبس الثياب» البن المرزبان‪ ,‬فيقول‪:‬‬ ‫إذا ال����خ����ل ل�����م ي����ه����ج����رك إال م�ل�ال���ة‬ ‫ف�����ل�����ي�����س ل��������ه إال ال���������ف���������راق ع����ت����اب‬ ‫ما أروع العزة واألنفة في الحب‪ ,‬فحتى العتاب‬ ‫يجرح‪ ,‬إذا خالط الملل نفس المحبوب‪ ,‬وال يجدي‬ ‫لوم‪ ,‬وليس إال البعد والفراق حل للكبد المكلومة‪.‬‬

‫����اس إِ لاّ أَقَ���لَّ���هُ ���م‬ ‫َو َق����ـ����د ص���ـ���ا َر هَ ���ـ���ذا ال����ن ُ‬ ‫���اب‬ ‫ذِ ئ����ـ����اب����ـ���� ًا عَ ���ـ���ل���ى أَج�����ـ�����س�����ادِ ِه�����نَّ ثِ ���ـ���ي ُ‬ ‫إِ ل����ـ����ى ال����ـ���� َل����هِ أَش���ـ���ك���و أَ َّن����ـ����ن����ا بِ ���ـ���مَ ���ن���ازِ ٍل‬ ‫ـ��ل�اب‬ ‫َت����ـ����حَ ����ـ����كَّ ����مُ ف����ـ����ي آس������ـ������ادِ ِه������نَّ كِ ���� ُ‬

‫يذكرني ذلك ببيت للشاعر الحزين «البردوني»‬ ‫أب��و ف ��راس زهِ ��د ف��ي ال �ح �ي��اة‪ ,‬وأم �س��ى يقنعه‬ ‫الذي شفّه الحزن‪ ،‬وبرّح به األلم‪ ،‬حين قال‪:‬‬ ‫ويرضيه القليل وأقل من القليل‪ ,‬فيقول‪:‬‬ ‫ل��������م��������ا وج������������������دت ال�����������ق�����������رب م����ن����ك‬ ‫أم��������������������� ّر م�������������ن س���������ه���������ر ال�����������ف�����������راق‬ ‫‪ 124‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ‬

‫����ت أَرض����ـ����ى بِ ���ال���قَ���ل���ي ِ���ل مَحَ بَّةً‬ ‫َوم���ـ���ا زِ ل����ـ ُ‬ ‫���اب‬ ‫����ك َوم����ـ����ا دو َن ال���ـ���كَ���ث���ي���رِ ِح���ج ُ‬ ‫َل����ـ���� َدي َ‬


‫وم����ا ن��اف��ع��ي أن ت���رف���ع ال��ح��ج��ب بيننا‬ ‫ودون ال���������ذي أم�����ل�����ت م����ن����ك ح���ج���اب‬ ‫وهنا وقفة مع البيت األجمل‪ ,‬حيث يبين حقيقة‬ ‫الود الخالص‪ ,‬الذي ال تحكمه مصالح‪ ,‬وال يرتبط‬ ‫بمطامع وأغراض‪ ,‬فليس إال الصدق واإلخالص‪,‬‬ ‫ونقاء النية والطوية‪ ,‬فيقول‪:‬‬ ‫��ض ال يُ��ر َت��ج��ى لَهُ‬ ‫َك���ـ���ذاكَ ال���ـ���وِ دادُ ال��مَ ��ح ُ‬ ‫�����واب وَال ُي���ـ���خ���ش���ى عَ ���ـ��� َل���ي���هِ ِعـقاب‬ ‫َث�����ـ ٌ‬ ‫ويقول في البيت الذي يليه‪:‬‬ ‫وق��د كنت أخشى الهجر والشمل جامع‬ ‫وف���������ي ك�������ل ي���������وم ل����ق����ي����ـ����ـ����ـ����ةٌ وخ�����ط�����اب‬

‫أم�����ن ب���ع���د ب�����ذل ال���ن���ف���س ف��ي��م��ا تريده‬ ‫��������اب؟‬ ‫������������اب ب�����مُ ����� ّر ال����ع����ت����ب ح����ي����ن أث ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُأث‬ ‫وفي البيت حسرة تقطع أوصال القلب‪ ,‬إذ يزرع‬ ‫المعروف في غير موضعه‪,‬‬

‫ن����������������������������������واف����������������������������������ذ‬

‫أين شاعرنا من الشاعر الذي ال يقنعه القليل‪,‬‬ ‫وال يرضيه إال ما هو محجوب ومستور‪ ,‬فيقول‪:‬‬

‫يقول أبو فراس في ذلك‪:‬‬

‫كحسرة الشاعر القائل‪:‬‬ ‫ي�����ا أب������ا ال����ق����اس����م ال�������ذي ك���ن���ت أرج������وه‬ ‫ل�������ده�������ري ق����ط����ع����ت م�����ت�����ن ال������رج������اء‬ ‫ويقول في موضع آخر من القصيدة‪:‬‬ ‫َت��ـ��غ��ا َب��ي ُ��ت عَ ��ـ��ن َق��ـ��وم��ي فَ���ظَ ���نّ���وا غَ باوَتي‬ ‫�����راب‬ ‫بِ ����ـ����مَ ����ف����رِ ِق أَغ���ـ���ب���ان���ا حَ ���ـ���ص���ىً َو ُت�����ـ ُ‬ ‫َو َل����ـ����و عَ ���ـ��� َرف���ون���ي حَ ���ـ���قَّ َم���ـ���ع���رِ فَ���ت���ي بِ هِ م‬

‫ذلك أن العاقل (يشقى في النعيم بعقله)‪ ،‬ويعلم‬ ‫����دت َوغ���ـ���اب���وا‬ ‫إِ ذ ًا عَ ���ـ���لِ ���م���وا أَ ّن����ـ����ي شَ ����ـ����هِ ُ‬ ‫أن الحياة ال تبقى على ح��ال‪ ,‬وتتبدل بين يسر‬ ‫وعسر‪ ,‬واجتماع وفرقة‪ ,‬فمن (س��ره زمن ساءته‬ ‫فيما سبق يوضح أبو فراس جانباً من شخصيته‬ ‫أزمان)‪..‬‬ ‫الفذة النادرة‪ ,‬فمن ذا الذي يحاول إخفاء ذكائه‪،‬‬ ‫وقد ذكرني بيت أبي فراس هذا ببيت ابن زريق وستر حكمته‪ ,‬في وقت كل يدعي فيه صحة الرأي‬ ‫البغدادي الذي يقول‪:‬‬ ‫ورجحان العقل‪ ,‬لينال المدح واإلط��راء‪ ,‬وقد قيل‬ ‫ق���د ك��ن��ت م���ن ري����ب ده����ري ج���ازع���ا فرقا‬ ‫ف����ل����م أوق ال���������ذي ق�����د ك����ن����ت أج����زع����ه‬ ‫فابن زريق لم يحتط ألمره‪,‬ولم يستجب لهواجس‬ ‫نفسه ومخاوفه‪,‬حتى وقع فيها‪.‬‬

‫«حب الثناء طبيعة اإلنسان»‪.‬‬ ‫وكأنه هنا يتمثل البيت القائل‪:‬‬ ‫ل�����ي�����س ال�����غ�����ب�����ي ب����س����ي����د ف�������ي ق����وم����ه‬ ‫ل������ك������ن س������ي������د ق�������وم�������ه ال����م����ت����غ����اب����ي‬

‫أحيانا تختلط علينا األمور‪ ,‬وال نعلم أين يكمن‬ ‫الخلل‪ ,‬أهو في الثقة الزائدة والحب المفرط؟ أم‬ ‫العيب في من أحببناهم ومنحناهم أجملنا‪ ,‬فظنوا قومه‪ ,‬أليس هو القائل‪:‬‬ ‫أن «كل ما يفعل المليح مليح»!‬ ‫«لنا الصدر دون العالمين أو القبر»‬

‫شاعرنا سيد ال�ح��رف وأم�ي��ر الكلمة‪ ,‬وسيد‬

‫* كاتبة من السعودية‪ -‬القريات‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ ‪125‬‬


‫عوامل الهجرات السكانية‬ ‫إلى مكة املكرمة خالل‬ ‫العصر العثماني‬

‫املؤلف ‪ :‬د‪ .‬مها بنت سعيد سعد اليزيدي‬ ‫الناشر ‪ :‬مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية‬ ‫السنة ‪2012 :‬م‬ ‫تمثل الهجرة إلى مكة المكرمة نموذجاً أم اقتصادية أم اجتماعية‪ .‬غير أن البحث‬ ‫ح�ي�اً وم�ث��ال�ي�اً للهجرات السكانية؛ فمنذ ف��ي ال �ت��اري��خ االج�ت�م��اع��ي لمكة المكرمة‬ ‫أ ْن َم��نَّ الله عليها ب��أن تكون مهد رسالة ما ي��زال بحاجة إل��ى المزيد من الدراسة‬

‫اإلسالم‪ ،‬توافد إليها الكثيرون من مختلف والتنقيب في المصادر التاريخية‪ ،‬لتشكيل‬ ‫أنحاء العالم‪ ،‬واستقروا بجوار الحرم المكيِّ‬ ‫ص��ورة أكثر وض��وح �اً ع��ن ت��اري��خ المجتمع‬ ‫الشريف‪ ،‬وأصبحوا بثقافتهم وحضارتهم‬ ‫المكيِّ خالل عصوره التاريخية المختلفة‪.‬‬ ‫جزءاً أساسياً من تاريخها‪ ،‬على الرغم من‬ ‫في هذا الكتاب ال��ذي يقع في (‪)286‬‬ ‫اختالف الجنس واللغة والعادات والتقاليد‪،‬‬ ‫فكوّنوا مجتمعاً امتاز عن غيره من بقية صفحة‪ ،‬درس��ت الباحثة عوامل الهجرات‬

‫المجتمعات األخرى‪.‬‬

‫السكانية إلى مكة المكرمة خالل العصر‬

‫وقد تعددت اهتمامات الباحثين بدراسة العثمانيِّ ‪ ،‬التي امتازت بزيادتها واتساعها‪،‬‬ ‫ال �ت��اري��خ ال �م �ك��يِّ ل�م��ا للمدينة م��ن مكانة فشملت مختلف أنحاء العالم اإلسالمي‪،‬‬ ‫مقدسة ف��ي ن�ف��وس المسلمين‪ ،‬وتعددت ومثلت مرحلة انتقالية مهمة ف��ي تاريخ‬

‫محاور تلك الدراسات‪ ،‬سواء كانت سياسية الهجرات إلى هذه المدينة المقدّسة‪.‬‬ ‫‪ 126‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ‬


‫الناشر ‪ :‬دار الرمك للنشر – جدة‬

‫ع��ن دار ال��رم��ك للنشر ف��ي ج���دة‪ ،‬ص ��در كتاب‬ ‫(أبجدِ يَّات الحُ بّ )‪ ،‬وهو عبارة عن ثمانية عشر مقاال‬ ‫ف��ي(‪ )118‬صفحة من القطع المتوسط‪ ،‬تذهب بها‬ ‫الكاتبة إل��ى سبر أغ��وار ال ��روح‪ ،‬وتحفز الكامن من‬ ‫الطاقة بها‪ ،‬لتدفع باإلنسان من الحالة السلبية وكل‬ ‫ما يترتب عليها إلى الجانب المضيء والخير الساكن‬ ‫فينا‪ ،‬لحالة إيجابية تصل باإلنسان إلى مرحلة من‬ ‫ال �ه��دوء والسكينة ال�ت��ي نحتاجها ه��ذه األي ��ام بفعل‬ ‫الضغوط الحياتية التي نعيشها‪..‬‬ ‫«الصدق بمعنى آخر هو أكبر تصالح مع الذات؛ ألنه‬ ‫يولد داخلك قناعة بنقائصك ونقاط الكمال فيك‪ ،‬أي‬ ‫ال يجعل منك نسخة معادة بل معدلة‪ .‬حتى أنه يجعلك‬ ‫تبدع في إيجاد حلول ألي عارض في مشوار حياتك‪.‬‬ ‫يصيبك بالتهيؤ للغد بشكل أكثر رقياً وإنسانية»‪ .‬هذا‬ ‫مقطع مما كتب على خلفية الكتاب‪ ،‬ويبدو جليا أثر‬ ‫اشتغال إلهام الجعفر في التدريب والتطوير الذاتي‬ ‫للفرد‪ ،‬واهتماماتها في البرمجة العصبية اللغوية‪ ،‬أثر‬ ‫ذل��ك بشكل ج��دي لكي تخوض وتعطي جل خبرتها‬ ‫العملية‪ ،‬ليصبح الكتاب مادة جيدة جدا لمن يبحث‬ ‫عن النجاح ويحمل رؤىً للتطلع لألمام‪.‬‬

‫املؤلف ‪ :‬عمران عز الدين‬ ‫الناشر ‪ :‬ممدوح عدوان للنشر والتوزيع‬ ‫‪ -‬دمشق‬

‫ق�������������������������������������������������������������راءات‬

‫أبجد َّيات ُ‬ ‫احل ّب‬ ‫الكتاب ‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫إلهأم َ‬ ‫اجلعفر ّ‬ ‫الشمري‬ ‫املؤلف ‪َ :‬‬

‫الكتاب ‪ :‬موتى يقلقون املدينة‬

‫تقع المجموعة ف��ي (‪ )111‬صفحة‬ ‫من القطع المتوسط‪ ،‬وتضم بين دفتيها‬ ‫(‪ )13‬قصة قصيرة‪ .‬ومن بعض عناوينها‪:‬‬ ‫«وقائع يوم األربعاء‪ ،‬رجالن وحلم واحد‪،‬‬ ‫مشهد رمادي في شارع الموت‪ ،‬أنا وهو‬ ‫والرجل الشفاف»‪.‬‬ ‫تتطرق المجموعة لجدلية الموت عبر‬ ‫ميتات م�ت�ع��ددة وتشريحية‪ ،‬أسطورية‬ ‫وع�ب�ث�ي��ة وف��ان �ت��ازي��ة وه��زل �ي��ة ووجودية‬ ‫وفجائعية‪ ،‬وتندرج قصصها ضمن وحدة‬ ‫عضوية كما لو كانت فصوالً متتابعة في‬ ‫عمل روائ��ي متكامل‪ .‬أج��واء المجموعة‬ ‫س��اخ��رة وك��اف �ك��اوي��ة ب��ام �ت �ي��از‪ ،‬منكسرة‬ ‫وقاتمة على حد سواء‪ ،‬وهي تصور مآل‬ ‫اإلنسان المطحون الذي قد يختصر في‬ ‫حلم ممرض‪ ،‬أو كابوس مزعج‪ ،‬من خالل‬ ‫سعيه البرومثيوسي للظفر بحياة أفضل‪،‬‬ ‫في واقع قيض له أن يكون بائساً ومزرياً‪،‬‬ ‫ع�ل��ى ه��ذه األرض‪ ،‬ال �ت��ي ه��ي لألقوياء‬ ‫فقط‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ ‪127‬‬


‫الكتاب ‪ :‬رائحة الفحم‬ ‫املؤلف ‪ :‬عبد العزيز الصقعبي‬ ‫الناشر ‪ :‬أثر للنشر والتوزيع ‪2012‬م‬

‫الكتاب ‪ :‬حدثتني فقالت‬ ‫املؤلف ‪ :‬عبدالكرمي النملة‬ ‫الناشر ‪ :‬دار أزمنة للنشر والتوزيع‪2011 ،‬م‬ ‫‪ -‬عمان‪ ،‬األردن‬

‫مجموعة من النصوص القصصية والشعرية‪،‬‬

‫رواية تقع في مائة صفحة من القطع المتوسط‪..‬‬ ‫وفيها نتساءل( هل هي رواي��ة أم قصيدة حزن؟) ص ��درت م��ؤخ��را لعبد ال�ك��ري��م ال�ن�م�ل��ة‪ ،‬بعنوان‬ ‫ه��ذا السؤال يطرح نفسه عليك كلما أوغلت في‬ ‫(حدثتني فقالت)‪ ،‬وتقع في (‪ )121‬صفحة من‬ ‫القراءة حتى إذا ما شارفت النهاية وجدتها أنها‬ ‫القطع المتوسط‬ ‫رواية وقصيدة في آن معاً‪.‬‬ ‫إنها نصوص تجمعك بكثير م��ن التفاصيل‬

‫رائحة الفحم" هي أكثر من رواية‪ ،‬وهي إضافة‬ ‫شعرية ح��اول ال ��راوي م��ن خاللها أن يشير إلى التي يرسمها النملة بأدواته الخاصة في رصد‬ ‫عالقة التالزم بين الحياة والموت‪ ،‬فهما وجهان جزئيات الحبكة القصصية‪ ،‬ليقدم لك تفاصيل‬ ‫لعملة واحدة‪ ،‬ووجود أحدهما شرط لوجود اآلخر‪،‬‬ ‫ال��زم��ان منسوجة بتفاصيل المكان‪ ،‬والتي جاء‬ ‫فهل تتحقق هذه القراءة في المتن الروائي؟‪..‬‬ ‫منها‪ :‬بوضوح‪ ،‬نهاية‪ ،‬شقاء‪ ،‬عالقة‪ ،‬فناء‪ ،‬حقيقة‪،‬‬ ‫ي�ق��ول ال��دك�ت��ور "ح�س��ن ح�ج��اب ال �ح��ازم��ي" في‬ ‫تعليقه على الرواية "بل إن أحدث تقنيات البناء لم قصاص‪ ،‬سطو‪ ،‬فزع‪ ،‬ماض‪.‬‬ ‫تغب عن الرواية السعودية‪ ،‬فعبد العزيز الصقعبي‬ ‫وق ��د ح �م��ل اإلص � ��دار م�ج�م��وع��ة أخ� ��رى من‬ ‫بنى حبكة رواي �ت��ه ( رائ �ح��ة ال�ف�ح��م) على الزمن‬ ‫ال�ن�ص��وص ال�ش�ع��ري��ة‪ ،‬ال �ت��ي ضمها النملة إلى‬ ‫النفسي‪ ،‬ومعروف أن تنظيم الحبكة الذي يستند‬ ‫ن�ص��وص��ه القصصية ج��ام�ع��ا ف��ي إص� ��داره بين‬ ‫إلى الزمن النفسي مرتبط بمدرسة تيار الوعي"‪.‬‬ ‫فني السرد والشعر‪ ،‬ومن القصائد التي ضمنها‬ ‫أما د‪ .‬محمد صالح الشنطي فيقول‪( :‬يتكئ الصقعبي‬ ‫في روايته هذه على منظورات متعددة للقص‪ ،‬تتمثل في الشاعر إلصداره‪ :‬جرح‪ ،‬أمي‪ ،‬في ظالل العتمة‪،‬‬ ‫مواقع الراوي ووجهة النظر‪ ،‬أو ما يسمى "رؤية العالم")‪ .‬حنين‪ ،‬وهم‪ ،‬شوق مستقبل‪ ،‬إليها‪ ..‬أشتاق‪.‬‬ ‫‪ 128‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ‬


‫من إصدارات اجلوبة‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1433‬هـ ‪129‬‬


‫صدر حديث ًا عن مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية‬


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.