مجلة الملحدين العرب / العدد الثاني والتسعون / يوليو تموز / 2020

Page 1

‫مجلة شهرية بجهود فردية تصدر يف الثاين عرش من كل شهر‬

‫أسئل ٌة بال أجوبة‬

‫د‪.‬عبد العزيز القناعي‬

‫امللحد‬

‫طارق الشيباين‬

‫محاول ٌة يف نقد الديانات‬ ‫الساموية (‪)2‬‬

‫العدد الثاين والتسعون من مجلة امللحدين العرب للثاين عرش من شهر يوليو ‪ /‬متوز لسنة ‪2020‬‬

‫زاهد ِع َّزت َحرش‬

‫النفيس‬ ‫جهاز الدفاع‬ ‫ّ‬ ‫املنطقي‬ ‫والحاجز‬ ‫ّ‬ ‫‪Samer Ali‬‬ ‫تهدف مجلّة امللحدين العرب إىل نرش وتوثيق أفكار امللحدين العرب املتنوعة وبحريّ ٍة كاملة‪ ،‬وهي مجلّ ٌة رقمي ٌة غري ربح ًّية‪ ،‬مبني ٌة‬ ‫أي توج ٍه سيايس‪ .‬املعلومات واملواضيع املنشورة يف املجلّة متثل آراء كاتبيها فقط‪ ،‬وهي مسؤل ّيتهم من‬ ‫بجهو ٍد طوعي ٍة ال تتبع َّ‬ ‫الناحية األدب ّية ومن ناحية حقوق النرش وحفظ امللك ّية الفكريّة‪.‬‬


‫كلمة تحرير املجلة‬

‫فريق التحرير‬

‫صحي وتوقف أعام ٍل وعدم يق ٍني‬ ‫انقىض شه ٌر آخر عىل الناس وكأنه سنة‪ ،‬من ح ْج ٍر‬ ‫ٍّ‬ ‫ثقيلٍ ال يزال يحوم حول رؤوسنا كغيم ٍة ممطر ٍة مليئ ٍة بالصواعق والكوارث‪ .‬ولكن‬ ‫هناك بريق أملٍ يف هذه الغيوم‪ ،‬فقد بدأ الناس بالتأقلم وبدأت بعض األعامل بفتح‬ ‫صارم بإجراءات الحامية الوقائية التي أمثرت بشكلٍ ٍ‬ ‫جيد يف كثريٍ من‬ ‫أبوابها مع التز ٍام ٍ‬ ‫الدول التي تب ّنتها‪ ،‬حيث تناقصت أعداد اإلصابات الجديدة والحاالت املصابة بدأت‬ ‫عام بدأنا جمي ًعا نلمس انقشا ًعا جزئ ًيا لهذه الغيوم‪ ،‬وبعض النور‬ ‫بالتعايف‪ ،‬وبشكلٍ ٍ‬ ‫بدأ يلوح يف األفق‪.‬‬ ‫ويف خض ّم هذه اللحظة التاريخية العاملية التي يُكتشف فيها معدن الناس واألنظمة‬ ‫والقيادات تصدرت الواليات املتحدة أعىل قامئة الفشل بأعىل معدالت انتشا ٍر‬ ‫ٍ‬ ‫وفيات عرب العامل يف ظل الغياب التام للقيادة واإلدارة‬ ‫للفايروس مع أعىل معدل‬ ‫يف البالد‪ ،‬وهذا متوق ٌع من شخصي ٍة كرئيس الواليات املتحدة دونالد ترامب الذي‬ ‫يتمحور اهتاممه األوحد والكامل حول نفسه وصورته ومصالحه الشخصية وتسلية‬ ‫الناس وجذب اهتاممهم الدائم‪ ،‬مام أدى النشغال الحكومة والشعب واملؤسسات‬ ‫(بنهفاته) وفضائحه وترصيحاته التي تجعل أي إنسانٍ يلطم‪ .‬ولعلها تكون الحالة‬ ‫الوحيدة التي ت ُربر اللطم الجامعي يف الشوارع عىل غرار اإلخوة الشيعة‪ ،‬عدا عن أنها‬ ‫طقسا يوم ًيا يف الواليات املتحدة مع ٍ‬ ‫رئيس كهذا‪ .‬ما يحدث يف الواليات‬ ‫بحاج ٍة لتكون ً‬ ‫املتحدة األمريكية هو أن الشعب اختار الرئيس األكرث تسلي ًة واألكرث اختالفًا عن‬ ‫الباقي من السياسيني والرؤساء عىل أمل أن تكون النتائج مختلف ًة بدل اختيار ٍ‬ ‫رئيس‬ ‫مسؤو ٍل بالغٍ ر ٍ‬ ‫اشد عاقلٍ يعرف ماذا يفعل ويعطي الكوارث األهمية التي تستحق‪.‬‬ ‫ولعل السبب الجذري األهم لهذه الكارثة هو الكفر بالعلم وإنتاجاته وفقد الثقة بهذا‬ ‫كشعب وحكوم ٍة حالي ٍة نظرتهم‬ ‫املنهج بسبب الجهل‪ .‬حيث مييز الواليات املتحدة‬ ‫ٍ‬ ‫السلبية ألصحاب االختصاص والتعامل مع العلامء واألطباء وأصحاب التخصص عىل‬ ‫أنهم نخب ٌة رسي ٌة متعالي ٌة ال تستحق االحرتام بل ويتوجب دو ًما الشك يف نواياها‪ .‬هذا‬ ‫ٍ‬ ‫معلومات خاطئ ًة بل ومؤذي ًة قد تصل‬ ‫العداء للعلم وإنتاجاته أسفر عن انتشار وتبني‬ ‫إىل قاتلة‪ .‬هناك ٌ‬ ‫تحرك واس ٌع يف الواليات املتحدة ضد العلم واملختصني حيث ت ُقابل‬ ‫جميع محاوالتهم إلنقاذ الناس بالشك والعداء‪ .‬والنتيجة أمام أعني الجميع‪.‬‬ ‫عندما يعادي املجتم ُع العل َم النتيجة تكون كارثيةً‪ .‬ألن العلم هو َس ٌرب وقراء ٌة للواقع‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وأي عدا ٍء له ٍ‬ ‫ومعلومات تتناقض مع الواقع‪.‬‬ ‫ملامرسات‬ ‫رش‬ ‫ورفض ملا يقدمه هو ت ٍّنب مبا ٌ‬ ‫الواقع يبقى واق ًعا مهام كانت املواقف والنوايا والرغبات‪ .‬مشاعر هؤالء املؤمنني‬ ‫الذين ذهبوا للمقدسات املسيحية ‪ -‬رغم التحذير منها ومحاولة منعهم من ذلك‪-‬‬ ‫والتي مل تنفعهم ومل يُفدهم مقدار إميانهم مهام كان فياضً ا يف حاميتهم من التقاط‬ ‫العدوى التي قتلت منهم من قتلت ليس بسبب مؤامر ٍة كوني ٍة ولكن بسبب تخليهم‬ ‫عن األداة الوحيدة القادرة عىل إنقاذهم من هذا الوباء‪.‬‬ ‫ال ميكن التفاوض واستجداء عطف الواقع‪ .‬الواقع يبقى واق ًعا‪ .‬نفس اليشء يقال‬ ‫ألولئك الثائرين املعرتضني عىل لبس القناع الواقي معتربينه اضطها ٌد وعبودي ٌة‬ ‫واستباح ٌة لحقوقهم الدستورية والنتيجة هي املزيد من اإلصابات واملزيد من الوفيات‬ ‫يف صفوف أولئك املتمردين األشاوس الرافضني الستبداد الحكومة التي تطلب منهم‬ ‫حامية أنفسهم ‪.‬ال ميكن التفاوض واملفاصلة مع الواقع‪ .‬الواقع يبقى واق ًعا‪ ،‬ولن‬ ‫تجدي نوايا وطيبة قلب أولئك الذين يتبعون نصائح الرئيس األمرييك الطبية أو‬ ‫ٍ‬ ‫معلومات مأخوذ ٍة عن‬ ‫يل ّبون دعواته لحمالته االنتخابية التي يحبها ولن تفيد أي‬

‫‪2‬‬

‫املشارك يف هذا العدد‬

‫رئيس التحرير‬ ‫الغراب الحكيم‬ ‫أعضاء هيئة التحرير وبناء املجلة‬ ‫‪John Silver‬‬ ‫أسامة البني (الوراق)‬ ‫‪Alia’a Damascéne‬‬ ‫غيث جابري‬ ‫‪Abdu Alsafrani‬‬ ‫‪Raghed Rustom‬‬ ‫‪Johnny Adams‬‬ ‫ليث رواندي‬ ‫‪Rama Salih‬‬ ‫إيهاب فؤاد‬ ‫‪Yonan Martotte‬‬ ‫‪RoRo Evil-Girl‬‬

‫وسائل التواصل االجتامعي غري املبنية عىل العلم والواقع‪.‬‬ ‫املعلومات التي تقول بنظريات املؤامرة والعالجات البديلة‬ ‫والقوى الروحية وقدرة الصالة والعواطف عىل قهر وبا ٍء‬ ‫عاملي‪ .‬كل هذه ال معنى لها‪ .‬ال ميكن التفاوض مع الواقع‬ ‫والتربير بأنك ُخدعت بخ ٍرب أو ترصيح‪ ،‬فقد فات األوان‪.‬‬ ‫الواقع يبقى واق ًعا‪ .‬وأعتقد أن الواليات املتحدة ستستمر‬ ‫يف دفع مثن تخليها عن أفضل الحلول واألدوات يف مواجهة‬ ‫وبا ٍء وجائح ٍة عاملي ٍة وتفضيلها التسلية واألخبار الرباقة‬ ‫ونظريات املؤامرة‪ .‬نتمنى لهم الخروج من هذا النفق‬ ‫املظلم يف أقرب ٍ‬ ‫وقت ممكن‪ .‬كل ما يتطلبه األمر أن يعودوا‬ ‫لصوابهم وأن يفهموا أن الواقع ال ميكن الضحك عليه أو‬ ‫مامطلته أو مفاوضته‪ .‬الواقع يبقى واق ًعا‪.‬‬ ‫الغراب الحكيم‬


‫الفهرس‬ ‫كلمة تحرير املجلة‬

‫‪2‬‬

‫الفهرس‬

‫‪3‬‬

‫أسئل ٌة بال أجوبة‬

‫‪4‬‬

‫د‪ .‬عبد العزيز القناعي‬ ‫محاول ٌة يف نقد الديانات الساموية جـ ‪2‬‬

‫‪9‬‬

‫زاهد عزت حرش‬ ‫الصعاليك‪ :‬الجزء الرابع‬

‫‪19‬‬

‫كنان أحمد‬ ‫امللحد (قصة قصرية)‬

‫‪31‬‬

‫طارق الشيباين‬ ‫مقابل ٌة مرتجمة‪ :‬سام هاريس يحادث بارت إرمن ‪37‬‬ ‫عن املسيحية الجزء الثاين‬ ‫ترجمة‪ :‬أسامة البني (الوراق)‬ ‫املنطقي‬ ‫النفيس والحاجز‬ ‫جهاز الدفاع‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪Samer Ali‬‬

‫‪47‬‬

‫كاريكاتور‬

‫‪56‬‬ ‫‪3‬‬


‫أسئل ٌة بال أجوبة‬ ‫د‪.‬عبد العزيز القناعي‬

‫استطاعت العلامنية مبفهومها االصطالحي السيايس فصل‬ ‫املؤسسات الدينية عن السلطة السياسية يف العامل الغريب‬ ‫وذلك بعد عرص التنوير األورويب عىل يد عد ٍد من املفكرين‬ ‫مثل فولتري وتوماس جيفرسون وجون لوك وغريهم‪ ،‬وهو‬ ‫ما أ ّدى إىل أن تكون دول الغرب غري خاضع ٍة لسلطة‬ ‫الدين يف الدولة‪ ،‬أي ألّ تتبنى الدولة دي ًنا معي ًنا كدينٍ‬ ‫رسمي لها‪ ،‬مع االحتفاظ بالدين كمؤسس ٍة تخضع لرقابة‬ ‫ٍّ‬ ‫الدولة‪.‬‬ ‫وتنص بعض الدول كالواليات املتحدة األمريكية وفرنسا‬ ‫وكوريا الجنوبية والهند وغريها يف دساتريها عىل العلامنية‬ ‫كهوي ٍة متبعة‪ ،‬يف حني أن بعض الدول مل تذكر رصاح ًة‬ ‫يف دساتريها الهوية العلامنية للدولة ولكنها تتخذ من‬ ‫شعارات املساواة والحرية مفاهيم متأصل ًة يف دساتريها‬ ‫مام يضعها يف مصاف الدول العلامنية‪ ،‬وإن كانت بعض‬ ‫الحريات مقيدةً‪.‬‬

‫وتأيت بقية الدول‪ ،‬ومنها العربية واإلسالمية‪ ،‬عىل تحديد‬ ‫دين الدولة باإلسالم وإن الرشيعة مصد ٌر أو املصدر‬ ‫األسايس للحكم‪.‬‬ ‫ومؤخ ًرا تم التالعب مبصطلح الدولة العلامنية يف الدول‬ ‫العربية واإلسالمية عرب مصطلح «دول ٌة مدني ٌة مبرجعي ٍة‬ ‫دينية»‪ ،‬وهو ما يعني القفز عىل مفهوم الدولة املدنية‬ ‫التي يتحكم يف إدارتها املؤسسات املدنية وليس املرجعية‬ ‫الدينية‪ ،‬ولكن تم اختيار هذا املصطلح ملواجهة الحراك‬ ‫املدين الشعبي املطالب بالحريات والعدالة بعد وصول‬ ‫السلطة الدينية يف بعض البلدان العربية إىل الحكم‬ ‫وانكشاف حقيقة املرشوع الديني القائم عىل قمع حرية‬ ‫الرأي املخالف وغياب العدالة واملساواة بني الشعب‬ ‫الواحد عىل ٍ‬ ‫أسس مذهبي ٍة وعرقي ٍة وطائفي ٍة مام أ ّدى إىل‬ ‫تضعضع مفهوم املواطنة داخل آليات الدولة الدينية‪.‬‬ ‫‪4‬‬


‫أسئل ٌة بال أجوبة‬ ‫ال يزال يدور النقاش عرب ًيا عىل قضية الهوية املطلوبة للدولة‬ ‫العربية الوطنية بعد االستقالل والتي تنعكس تال ًيا عىل املواطنني‬ ‫منذ عقو ٍد طويل ٍة وتحدي ًدا بعد عرص النهضة العربية األوىل والتي‬ ‫ت ُعرف باسم اليقظة العربية‪ ،‬أو حركة التنوير العربية‪ ،‬وهي‬ ‫أساسا يف مرص العلوية‬ ‫الحالة الفكرية واالجتامعية التي سادت ً‬ ‫وسوريا العثامنية‪ ،‬وامتدت لتشمل عواصم عربي ًة أخرى كبغداد‪،‬‬ ‫وفاس ومراكش‪ ،‬خالل القرن التاسع عرش‪ ،‬وقد رفع أغلب رجال‬ ‫النهضة شعارات الثورة الفرنسية‪ ،‬بالحرية والعدالة واملساواة‪،‬‬ ‫تأثيا بال ًغا بفالسفة عرص األنوار األورويب‪ ،‬وعارضوا‬ ‫كام تأثروا ً‬ ‫السلطة املركزية للدولة العثامنية‪.‬‬ ‫طويل إذ رفضت الشعوب العربية مفاهيم الحداثة والتنوير واتجهت إىل عمليات‬ ‫ولكن مل يستمر عرص النهضة العربية ً‬ ‫الرتقيع والتحديث ملجتمعاتها بعي ًدا عن معالجة لب األزمة األساسية يف تشكيل الدولة ومؤسساتها‪ ،‬وهو ما أ ّدى إىل‬ ‫تطوير املجتمعات العربية بالحداثة التكنولوجية مع اإلبقاء عىل البنى الفكرية والذهنية املاضوية كمرجعي ٍة تحكم‬ ‫الدول وتتحكم يف الشعوب‪.‬‬ ‫لقد طرح العديد من املفكرين أسئل ًة بال أجوب ٍة تتعلق بأسباب التخلف العريب املستمر‪ ،‬وفاض النقاش والبحث يف كل‬ ‫أسباب منطقي ٍة وموضوعي ٍة لهذا الداء املزمن‪،‬‬ ‫االتجاهات بحثًا عن العلة ومكمن العجز‪ ،‬وقد تع ّرف العديد منهم عىل‬ ‫ٍ‬ ‫فمنهم من أرجعه إىل تحديد الهوية العربية لالنطالق إىل مواجهة اآلخر املتفوق‪ ،‬وبعضهم ركز عىل أن املايض الديني‬ ‫والهوية اإلسالمية هو املنطلق األول يف عمليات التحديث نظ ًرا لرثائه املعريف والقيمي‪ ،‬وبعضهم كام ذكرنا سابقًا يحاول‬ ‫مامرسة تحديث الشكل العام للدولة مع بقاء العقلية القدمية يف بناء الدولة ومؤسساتها‪.‬‬ ‫إذن‪ ،‬ت ُعترب مصطلحات املايض والحريات والتحديث هي ما شغل فكر النهضة العربية وأوقف إنتاجها إىل يومنا الحايل‪،‬‬ ‫ورسم حدود ومعامل التحديات القادمة للشعوب العربية يف مواجهة التقدم الغريب الساحق‪ ،‬وإن كان الغرب قد انتهى‬ ‫من رسم الحضارة الغربية وأبدع يف التحكم بها واستمرارها‪ ،‬فإنه ال ب ّد لنا اآلن وأكرث من أي ٍ‬ ‫وقت مىض أن نكون أكرث‬ ‫جرأ ًة يف االعرتاف بأزمتنا الفكرية البنيوية التي الزمتنا عقو ًدا وجعلتنا يف ذيل األمم والشعوب املتخلفة‪ .‬إن الشعوب‬ ‫العربية متلك إرث ًا فكريًا وحضاريًا نو ًعا ما استمر لقرون طويل ٍة ومل يكن ذلك بسبب التفوق العريب عىل إطالقه‪ ،‬ولكن‬ ‫كان غالبًا نتاج التدخل اإلسالمي يف عرص الغزوات الدينية التي امتدت إىل مشارق األرض ومغاربها بهدف نرش الدين‪،‬‬ ‫فكان أن وقع تحت أياديهم إرثٌ من الحضارات املختلفة للشعوب التي تم غزو بلدانها ورسعان ما تم إلصاق اإلسالم‬ ‫ٍ‬ ‫ومؤلفات‬ ‫بهذه النهضة العربية حتى خرجت إىل أصقاع العامل باسم النهضة اإلسالمية‪ ،‬وإن كنا ال ننكر أن هناك تجارب‬ ‫نهضوي ًة عربي ًة إال أنها ال ترقى إىل أن تُح ّدد مسار نهض ٍة كامل ٍة بكل ما فيها من ثور ٍ‬ ‫ات ورصا ٍع ونضا ٍل للتوصل إىل‬ ‫اإلنتاجات العلمية واملعرفية‪ .‬يجب أن نعرتف بهذه الحقيقة حتى نستطيع أن نستمر تال ًيا يف التقدم وأن نتخلص من‬ ‫عقد ٍة الزمتنا قرونًا طويل ًة بأن العرب واملسلمني كانوا هم األوائل يف العلم واملعرفة‪ ،‬كال مل يحدث هذا بشكلٍ‬ ‫علمي‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫بحت ولكن تم تحت ظروف انتشار الدين اإلسالمي بعرص قوته وضعف األمم األخرى‪.‬‬ ‫‪5‬‬


‫أسئل ٌة بال أجوبة‬ ‫وخصوصا بعد نهاية أو توقف‬ ‫وحتى نصل إىل الحقيقة كامل ًة ال بد لنا أن نطّلع عىل التجارب الحالية للدول العربية‪،‬‬ ‫ً‬ ‫عرص النهضة العربية واندماج الشعوب واملجتمعات العربية مبخاضات العبث الفكري والسيايس والديني‪.‬‬ ‫لقد أصبحت الدول العربية يف غالبيتها واقع ًة تحت منظومة الفكر الديني يف الحكم أو يف املجتمع‪ ،‬نظ ًرا للتزاوج ما‬ ‫بني األنظمة والتيارات الدينية بعد انتهاء تحالف تلك األنظمة مع القوميني العرب يف فرت ٍ‬ ‫ات سابق ٍة وقبل انهيار االتحاد‬ ‫السوفييتي‪.‬‬ ‫وقبل هذا‪ ،‬فالدول العربية عمو ًما واقع ٌة تحت تأثري ٍ‬ ‫ات متعدد ٍة صبغت هويتها التاريخية واالجتامعية والسياسية‬ ‫واالقتصادية‪ ،‬منها االستبداد السيايس الذي شكّل الفرتة األطول يف تاريخ األمة‪ ،‬والجمود املعريف والذهني الذي كان مثر ًة‬ ‫وخصوصا يف نقد الرتاث‬ ‫ُمر ًة لسيادة مبدأ النقل والتقليد‪ ،‬ثم يأيت العامل األهم وهو تحجيم دور العقل والشك يف البحث‬ ‫ً‬ ‫الديني والثوابت االجتامعية كالعادات والتقاليد والدين‪ ،‬وأخ ًريا غياب العدالة االجتامعية مع ح ّدة الرصاع عىل السلطة‬ ‫وفق التفرق املذهبي والطائفي الذي م ّزق األمة العربية وأي ممزقٍ هو‪.‬‬ ‫يف مجموع هذه العرثات البنيوية الفكرية‪ ،‬قبع العقل العريب ضمن دوام ٍة من الرتاجعات واالستعالمات لرشوط بناء‬ ‫ٍ‬ ‫جديد يف عامل اليوم‪ ،‬وعىل الرغم من وضوح االنتكاسات التاريخية‪ ،‬إال أن األمة العربية ومفكريها‬ ‫النهضة والوقوف من‬ ‫ومثقفيها مازالوا يراوحون مكانهم‪ ،‬ومازالت السلطة الدينية املتحالفة مع األنظمة العربية متارس نهج االستبداد عىل‬ ‫حرية الفكر ومنع النقد والتساؤل والشك فيام يتعلق بأساس االنطالق إىل النهضة‪ ،‬وهذه النهضة هي التي صنعت يف‬ ‫أوروبا والغرب الحقًا حضارة اليوم ومستقبلها اإلنساين‪ ،‬وقد بدأتْ مع نقد املوروث الديني وتفكيك سلطة رجال الدين‬ ‫ومنعهم من التدخل يف شؤون الدولة واملجتمع‪.‬‬ ‫وتوصلوا إىل أن السبب األول يف التخلص من عبء التاريخ املايض‬ ‫لقد عانت الدول الغربية كث ًريا من هذا التدخل الديني ّ‬ ‫إمنا يكون بتحييد السلطة الدينية ومن ثم بناء املجتمع وفق العلامنية والحريات العامة املحددة للتعامل الخاص والعام‬ ‫ومنها الشأن الديني وحرية االعتقاد‪.‬‬ ‫إن األمة العربية مبا متلكه من تاري ٍخ قبل اإلسالم والقائم‬ ‫عىل التعددية الدينية والتسامح مع مختلف الديانات‪ ،‬حيث‬ ‫كان يف مكة العديد من الديانات املختلفة‪ ،‬ومل نسمع أ ْن تم‬ ‫ٍ‬ ‫انتهاك ألي عبادة‪ ،‬وهو املطلوب تفعيله وفق منظومة‬ ‫أي‬ ‫العلامنية العربية‪ ،‬فالدول الحالية ومنها بعض الدول الدينية‬ ‫مل تستطع أن تق ّدم املنجز الحضاري والقيمي للشعوب‪ ،‬ومل‬ ‫تقدر بقية الدول العربية املزدوجة ما بني الدين واملدنية أن‬ ‫تكون قادر ًة عىل بناء أي نهض ٍة مدني ٍة علمي ٍة ذات سلط ٍة‬ ‫شعبية‪ ،‬بل أن الفكر الديني بكل أبعاده شكّل العائق األول‬ ‫يف االنطالق إىل اإلنسانية والكونية الحضارية‪.‬‬ ‫‪6‬‬


‫أسئل ٌة بال أجوبة‬ ‫لقد سقطت الدول ذات الهوية الدينية‪ ،‬إن كان يف التاريخ‬ ‫الغابر‪ ،‬أو يف التاريخ الحايل‪ ،‬وشكلت العلامنية وفصلها بني‬ ‫الدين والدولة الخيار اإلنساين العميق يف معرفة الخلل وكيفية‬ ‫التقدم‪.‬‬ ‫إن العلامنية يف حد ذاتها ال تعارض الدين والتدين بل تقف‬ ‫محايد ًة أمام جميع األديان واملعتقدات نازع ًة فكرة القداسة‬ ‫الغيبية عن األفكار مام يجعل الجميع ينخرط يف بناء الدولة‬ ‫الوطنية وفق املؤهالت األخالقية واملُثل واملبادئ اإلنسانية؛‬ ‫فاألنظمة العربية ساهمت بتجذير الوهم والغيب والرتاجع‬ ‫الحضاري وفقًا للفكر الديني الذي كان له الحظوة‪ ،‬وآن األوان‬ ‫أن تلفظ الشعوب العربية ما يقيدها فكريًا لتستطيع االختيار‬ ‫املؤسس عىل حقوق‬ ‫يف حياتها وفقًا للحريات والعمل املدين َّ‬ ‫اإلنسان والعدالة واملساواة بني الجنسني‪.‬‬ ‫سهل ولن يكون مفروشً ا بالورود‪ ،‬فالتاريخ اإلنساين للشعوب الحرة اليوم قد م ّر‬ ‫إن خيار املواجهة القادم لن يكون ً‬ ‫بتضحيات وثور ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫أيضا عرفت قيمة الثورات الحرة‬ ‫ات ونضا ٍل للفوز بالحضارة والتقدم‪ ،‬والشعوب العربية يف تاريخها ً‬ ‫للتخلص من األنظمة االستبدادية واالستعامر‪ ،‬وحان الوقت اآلن لشعوبنا العربية أن تنظر إىل التاريخ وترى الواقع بعي ًدا‬ ‫عن أي نظر ٍة ديني ٍة متحيز ٍة لتستوضح الفرق وترى السقوط املد ّوي الذي نعيش فيه‪ ،‬فخيار الدولة العلامنية هو خيار‬ ‫املستقبل اآلمن ألجيا ٍل تعيش اليوم لتصنع املستقبل والحضارة املفقودة منذ انتكاسات النهضة العربية األوىل‪.‬‬

‫‪7‬‬


http://arabatheistbroadcasting.com/aamagazine https://www.aamagazine.blogspot.com https://www.facebook.com/pages/AAMagazine/498136386890299 https://issuu.com/928738

8


‫محاول ٌة يف نقد الديانات الساموية‬

‫الجزء الثاين‬

‫زاهد عزت حرش‬

‫تراكمت وتعددت األلهة من عصو ٍر‬ ‫قدمية‪ ،‬وتوالت عىل مدى الزمان‪ ،‬أساطري‬ ‫ٍ‬ ‫ديانات وخرافات‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ديانات‬ ‫ويف محاول ٍة لفهم ما تك ّدس من‬ ‫عرب التاريخ‪ ،‬وكيفية تطورها وإرساء‬ ‫مفاهيمها وتقديس معطياتها‪ ،‬علينا‬ ‫العودة إىل مقدا ٍر منها‪ ،‬رمبا نجد يف ذلك‬ ‫بعضا مام يذهب إليه «املؤمنون» يف‬ ‫ً‬ ‫وقتنا الحارض‪.‬‬

‫‪9‬‬


‫محاول ٌة يف نقد‬ ‫الديانات الساموية (‪)2‬‬ ‫زاهد عزت حرش‬

‫كام أسلفنا يف املقال السابق‪ ،‬فإن‬ ‫الديانات جاءت لرضور ٍة اجتامعي ٍة‬ ‫اقتصادية‪ ،‬كنو ٍع من رفض واقعٍ احتاج‬ ‫إىل تغيريٍ ما يف ترتيب الحياة‪.‬‬ ‫وقد استطاع مخرتعوها أن يغدقوا‬ ‫عليها ثوب القداسة‪ ،‬حتى تكون بعيد ًة‬ ‫عن املساءلة والطعن‪ ،‬كونها تعود لإلله‬ ‫األوحد القادر عىل كل يشء‪.‬‬ ‫كام أنه ما زالت هناك مظاهر يتداولها الناس عن معجز ٍ‬ ‫ات ُخلِقَت بقوة اإلميان‪ ،‬منها ظهور القدسني وظواهر إعجازي ٌة‬ ‫ال تحمل يف معطياتها أي ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫حديث حول ذلك من الذي رأى أو شاهد تلك املعجزة‬ ‫دل به من‬ ‫حقيقي‪ ،‬سوى ما يُ َ‬ ‫إثبات‬ ‫ّ‬ ‫التي حدثت معه‪ ،‬من دون أن يكون هناك من مجا ٍل لدحضها أو الكشف عن حقيقتها‪ ،‬كظهور السيدة العذراء يف أماكن‬ ‫معينة‪ ،‬أو رشح الزيت من متثا ٍل للسيد املسيح‪ ،‬أو معجز ٍة حدثت من خالل أحد القديسني‪ ،‬وإىل ما شابه ذلك من أمو ٍر‬ ‫وادعاءات‪.‬‬ ‫أيضا يف اليهودية‬ ‫ومبا أن أكرث هذه األمور تحدث ملعتنقي الديانة املسيحية‪ ،‬وبعضها عند معتنقي الديانات األخرى ً‬ ‫واإلسالم‪ ،‬أجد أنه من الرضوري التطرق يف هذا املقال إىل الديانة املسيحية‪ ،‬كونها تأيت مبوجب التسلسل الزمني بعد‬ ‫الديانة اليهودية التي تحدثنا عنها يف املقال السابق‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫معلومات‬ ‫وصلت إليه من‬ ‫وحتى نعي ما الذي رمبا يساعدنا عىل فهم توزيع سكان املعمورة حسب األديان‪ ،‬فإن آخر ما‬ ‫ُ‬ ‫حسب ما نُرش بتاريخ الخامس من آب‪ /‬أغسطس ‪ ،2019‬فيظهر ما ييل‪« :‬إن عدد سكان األرض من أتباع الديانة‬ ‫املسيحية وصل إىل ‪ 2.2‬مليار نسمة‪ ،‬أي ما يعادل ‪ %31.5‬من سكان األرض‪ ،‬وعدد أتباع الديانة اإلسالمية وصل إىل ‪1.6‬‬ ‫مليار نسمة‪ ،‬أي ما يعادل ‪ ،%23.2‬أما اليهود فلم يتجاوز عددهم خمسة عرش مليون أي ما يساوي ‪ .%0.02‬وما تبقى‬ ‫من سكان العامل ال يدينون بديان ٍة ساموي ٍة‪/‬إبراهيمية‪ ،‬فمنهم من يعتنق الهندوسية‪ ،‬والالدينيون‪ ،‬والبوذية وأديانًا أخرى‬ ‫حساب بسيط‪ ،‬نستطيع أن ندرك من خالله أن نسبة املعتنقني‬ ‫كالبهائية والطاوية والسيخ‪ ،‬وإىل غري ذلك»‪ .‬ومبجرد‬ ‫ٍ‬ ‫للديانات الساموية التوحيدية يصل إىل ‪ ،%54.72‬أي أن ما نسبتهم ‪ 45%‬من سكان العامل ال يعتنقون الديانات الساموية‬ ‫وال يؤمنون بها»‬ ‫‪ .‬فلامذا تركهم الله ومل ِ‬ ‫يهدهم إىل رصاطه املستقيم؟ ومع ذلك وجب االعرتاف بأن اإلميان يريح اإلنسان‪ ،‬ويعطيه فرص ًة‬ ‫ألن يُسلّم أمره لله‪ .‬أو مبع ًنى أدق يسلّم قَدر ُه إىل القدر‪.‬‬ ‫‪10‬‬


‫محاول ٌة يف نقد‬ ‫الديانات الساموية (‪)2‬‬ ‫زاهد عزت حرش‬

‫الديانة املسيحية‬ ‫إن الرواية عن بداية ومسرية انتشار الديانة املسيحية‪ ،‬من بشارة العذراء وحتى قيامة السيد املسيح‪ ،‬معروف ٌة للجميع‬ ‫تقري ًبا‪ .‬وال أرى حاج ًة يف رسدها مجد ًدا‪ .‬ولكن يبدو أن هناك عرب صفحات التاريخ ثوابت كثري ًة تدل عىل أنه كان هناك‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ديانات متعددة‪ ،‬مناذج مطابق ٌة لرواية الح َبل بال ٍ‬ ‫دنس واملوت والعودة إىل الحياة‪.‬‬ ‫قبل السيد املسيح ويف‬ ‫ففي قصة كريشنا الهندويس ورد أنه‪ُ « :‬ﻭﻟﺪ ﻛﺮﻳﺸﻨﺎ ﻣﺎ ﺑﻦﻴ ‪ 900‬ﻭ ‪ 1200‬ﻗﺒﻞ ﺍﻤﻟﻴﻼﺩ ﻭﻤﻳﻜﻦ ﺍﻟﻌﺜﻮﺭ عىل ﺗﻌﺎﻟﻴﻤﻪ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ‬ ‫ﻲﻓ‏(ﻏﻴﺘﺎ‏) وهي ﻭﺍﺣﺪ ٌة ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺼﻮﺹ ﺍﻤﻟﻘﺪﺳﺔ ﻲﻓ ﺍﻟﺪﻳﺎﻧﺔ ﺍﻟﻬﻨﺪﻭﺳﻴﺔ‪.‬‬ ‫ﻭﻋﻨﺪ املقارنة ﺑﻦﻴ ﺍﻟﻬﻨﺪﻭﺳﻴﺔ‏(ﺍﻤﻟﻮﺟﻮﺩﺓ ﻗﺒﻞ ﺍﻤﻟﺴﻴﺤﻴﺔ ﺑﺄﻛﺮﺜ ﻣﻦ ‪ 1200‬ﺳﻨﺔ) ﻭﺍﻤﻟﺴﻴﺤﻴﺔ‪ ،‬ﻧﺠﺪ ﺍﻟﻜﺜﺮﻴ ﻣﻦ ﺃﻭﺟﻪ ﺍﻟﺘﺸﺎﺑﻪ‬ ‫ﻳﺎﻧﺔ ﺃﻭﺣﻰ ﺑﻬﺎ ﺍﻟﺨﺎﻟﻖ؟! ﺃﻡ ﺃﻧﻬﺎ ﻣﺠﺮﺩ ٍ‬ ‫ﺍﻟﺘﻰ ﺗﺠﻌﻠﻨﺎ ﻧﺘﺴﺎﺀﻝ‪ ،‬ﻫﻞ ﺍﻤﻟﺴﻴﺤﻴﺔ ﺩ ٌ‬ ‫ﺑﺮﺸﻯ ﻟﻌﻘﺎﺋﺪ ﻭﺛﻨﻴﺔ؟»‪( ،‬منقول)‪.‬‬ ‫ﺗﻘﻠﻴﺪ ٍّ‬ ‫وعن أوجه التشابه بني املسيح وكريشنا‪ ،‬ذكرت املصادر عرشات البنود نذكر البعض منها‪:‬‬ ‫(‪1‬‏) ُوﻟِﺪ ﻛﺮﻳﺸﻨﺎ ﻤﺑﻌﺠﺰ ٍة ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺬﺭﺍﺀ ﺩﻳﻔﺎﻲﻛ‪ ،‬ﺑﻌﺪ ﺗﺠﺴﺪ ﻓﻴﺸﻨﻮ ﺍﻹﻟﻪ‪( .‬وباملثل‬ ‫حملت العذراء من الروح القدس ببشارة املالك جربائيل‪« ،‬ز‪.‬ح»)‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ﺳﻨﻮﻳﺔ ﻟﻠﻤﻠﻚ‪( .‬وكان الناس يدفعون الرضيبة‬ ‫‏(‪2‬‏) ﻛﺎﻧﺖ أُﺮﺳﺗﻪ ﺗﺪﻓﻊ ﺮﺿﻳﺒ ًة‬ ‫لقيرص‪« ،‬ز‪.‬ح»)‪.‬‬ ‫أيضا يوسف خضيب مريم‪،‬‬ ‫‏(‪3‬‏) ﻭﻛﺎﻥ ﻭﺍﻟﺪﻩ‏(ﺍﻤﻟﻨﺴﻮﺏ ﺇﻟﻴﻪ‏) ﻧﺠﺎ ًرﺍ‪( .‬وهكذا ً‬ ‫«ز‪.‬ح»)‪.‬‬ ‫‏(‪4‬‏) ﻭﻗﺪ ﺣﺮﻀ ﻭﻻﺩﺗﻪ ﺍﻤﻟﻼﺋﻜﺔ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺮﻋﺎﺓ ﺍﻟﺤﻜﺎﻤﺀ‪( .‬كام حرض والدة املسيح ثالث ٌة‬ ‫من املجوس‪« ،‬ز‪.‬ح»)‪.‬‬ ‫‏(‪5‬‏) ﻫﺮﺑﺖ ﺑﻪ ﺃﻣﻪ ﻓﺮﺍ ًرﺍ ﻣﻦ ﻃﺎﻏﻴﺔ البالد‪( .‬كام هربت العائلة املقدسة إىل‬ ‫مرص‪« ،‬ز‪.‬ح»)‪.‬‬ ‫‏(‪6‬‏) ﻭﻗﺪ ُﻋ ِّﻤﺪ ﻲﻓ ﻧﻬﺮ ﺍﻟﻐﺎﻧﺞ‪( .‬كام ُع ِّمد املسيح عىل يد يوحنا املعمدان‪،‬‬ ‫«ز‪.‬ح»)‪.‬‬ ‫‏(‪7‬‏) ﻭﻛﺎﻧﺖ ﺑﻌﺜﺔ ﻛﺮﻳﺸﻨﺎ ﻭﻳﺴﻮﻉ ﻟﻨﻔﺲ ﺍﻟﺴﺒﺐ ‏(ﺧﻼﺹ ﺍﻟﺒﺮﺸﻳﺔ)‪.‬‬ ‫‏(‪8‬‏) ﻛﺮﻳﺸﻨﺎ ﻋﻤﻞ ﻣﻌﺠﺰ ٍ‬ ‫ﺍت ﻭﻋﺠﺎﺋﺐ ﻣﺜﻞ ﺭﻓﻊ ﺍﻟﺮﺒﺹ ﻭإﺣﻴﺎﺀ ﺍﻤﻟﻮﻰﺗ ﻭﺷﻔﺎﺀ ﺍﻟﺼﻢ‬ ‫أيضا‪ .‬شفى املرىض واملعاقني وأقام األموات‪« ،‬ز‪.‬ح»)‪.‬‬ ‫وﺍﻤﻟﻜﻔﻮﻓﻦﻴ‪( .‬واملسيح ً‬ ‫‏(‪9‬‏) ﺍﺳﺘﺨﺪﻡ ﻛﺮﻳﺸﻨﺎ ﺍﻷﻣﺜﺎﻝ ﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺍﻟﺨﺮﻴ ﻭﺍﻟﺤﺐ‪.‬‬ ‫(كذلك السيد املسيح «ز‪.‬ح»)‪.‬‬ ‫‪11‬‬


‫محاول ٌة يف نقد‬ ‫الديانات الساموية (‪)2‬‬ ‫زاهد عزت حرش‬

‫وقد ذَك َرتْ كث ٌري من املصادر أن هناك ما ال يقل عن ستة عرش « ُم َخل ًِّصا»‪ ،‬الذين يَعت ِقد أتباعهم بأنهم ُصلِبوا فدا ًء للبرشية‪.‬‬ ‫بعض من ذلك عىل يد «ﻋﺎﻢﻟ الدين األمرييك كرييس جريفز (‪ Kersey Graves )1‬وما جاء يف‬ ‫إضاف ًة ملا أوردناه سابقًا‪ ،‬يُذكر ٌ‬ ‫ﻛﺘﺎﺑﻪ «منقذو العامل الستة عرش»‪:‬‬ ‫« يف القرن السابع قبل امليالد غزا نبوخذ نرص أهل مملكة يهوذا‪ ،‬وأخذ يهودها سبايا إىل بابل واختلطوا هناك فتداخلت‬ ‫وس ّمي هذا الكتاب بــ‬ ‫الثقافات وتم تناقل األساطري‪ ،‬فكتب السبايا األساطري الجديدة وضموها مع أساطريهم القدمية‪ُ ،‬‬ ‫«العهد القديم»‪ ،‬ونقلت هذه األساطري بدورها إىل الديانة املسيحية ثم إىل الديانة اإلسالمية‪ .‬ويف وقتنا الحايل هذا‪ ،‬يُص ِّدق‬ ‫قصصا ساموي ًة من ّزل ًة من اإلله ال خطأ فيها‪ .‬وهكذا تنتقل‬ ‫أغلبية الناس املؤمنني بالديانات الساموية هذه القصص وتعتربها ً‬ ‫حضاري يتمثّل بحادث ٍة مع ّينة (كالسبي البابيل) من حضار ٍة إىل أخرى»‪.‬‬ ‫رس‬ ‫األساطري الوثنية بج ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وهناك فرت ٌة من تاريخ السيد املسيح مفقودة‪ ،‬وهي ما بني بلوغه الخامسة‬ ‫عرشة وحتى بلوغه سن الثالثني‪ .‬وقد ورد يف مجلة «اإلخاء»‪ ،‬السنة الثالثة‪،‬‬ ‫العدد الخامس‪ ،‬الذي صدر يف آب‪ /‬أغسطس ‪ٌ ،1926‬‬ ‫مقال بعنوان «يسوع‬ ‫املسيح يف الهند» جاء فيه‪:‬‬ ‫«أذاعت الصحف من ٍ‬ ‫العلمة األستاذ نقوال ريربيخ‪/‬بوريش‪ ،‬قام‬ ‫قريب أن ّ‬ ‫عهد ٍ‬ ‫برحل ٍة إىل الهند ومنها إىل بالد التيبت‪ ،‬وهناك عرث يف أحد الهياكل البوذية‬ ‫قديم يرجع تاريخ كتابته إىل ألف وخمسامئة سن ٍة ون ّيف‪ ،‬جاء فيه‬ ‫عىل سف ٍر ٍ‬ ‫أن املسيح رحل إىل الهند حيث درس الديانة البوذية وتلقّى الفلسفة والعلوم‬ ‫واآلداب والترشيع عىل علامء البوذية وأن ِ‬ ‫السفر املذكور سيضيف صفح ًة‬ ‫جديد ًة إىل صفحات حياة املسيح عىل األرض كانت مجهول ًة إىل اليوم‪« ...« ...‬إن‬ ‫عيىس ترك والديه مع بعض التجار من فلسطني وذهب إىل الهند ليدرس قواعد‬ ‫البوذية‪ ،‬ثم رجع إىل وطنه وهو يف التاسعة والعرشين من عمره»‪.‬‬ ‫رش بالديانة‬ ‫وإن هذه الوثيقة التاريخية تثبت بأن السيد املسيح تأثر بشكلٍ مبا ٍ‬ ‫البوذية وأنه ات َّبع رشيعتها يف تشكيل ديانته ودعوته الجديدة إىل الله‪.‬‬ ‫وال بد أن نذكر أن الكنيسة املسيحية الرشقية العربية هي أول كنيس ٍة مسيحي ٍة‬ ‫ست فيها‪.‬‬ ‫وتأس ْ‬ ‫يف التاريخ‪ ،‬فقد انبثقت من هذه األرض ّ‬ ‫‪ -1‬كرييس غرافيس (‪ 21‬نوفمرب ‪ 1813‬يف براونزفيل‪ ،‬بنسلفانيا ‪ 4 -‬سبتمرب ‪ 1883‬يف ريتشموند بوالية إنديانا) مشكك‪ ،‬ملحد‪ ،‬عقالين‪ ،‬روحاين‪ ،‬وهو الذي كان يحظى بشعبي ٍة عىل‬ ‫تفكريه الحر الدائر يف القرن التاسع عرش‪.‬‬

‫‪12‬‬


‫محاول ٌة يف نقد‬ ‫الديانات الساموية (‪)2‬‬ ‫زاهد عزت حرش‬

‫ٍ‬ ‫وقد كان املسيحيون العرب عىل وفاقٍ‬ ‫وعالقات اجتامعي ٍة وثيق ٍة مبن حولهم من شعوب القبائل املجاورة‪ ،‬ومل يحدث أن‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫اعتداءات متكرر ٍة من الرومان الوثنيني يف الغرب ومن الدولة الفارسية‬ ‫باعتداءات عىل غريهم‪ ،‬بل إنهم تع ّرضوا إىل‬ ‫قاموا‬ ‫يف الرشق‪ ،‬إضاف ًة إىل اعتداء اليهود الرافضني لدعوة املسيح‪ ،‬واملضايقات التي كانوا يتعرضون لها من ِقبل القبائل‬ ‫والجامعات املدعومة‪ ،‬مر ًة من الفرس ومر ًة من الرومان أو اليهود‪.‬‬ ‫«إن الطائفة األرثوذكسية هي من أقدم الطوائف املسيحية يف فلسطني وأكرثها عد ًدا‪ .‬والكثري من عائالتها يف القدس‬ ‫والنارصة وعكّا تعود إىل القبائل العربية القدمية من الغساسنة والتغالبة‪ ،‬ومنذ القرن األول للميالد وحتى االحتالل‬ ‫العثامين (سنة ‪ )1516‬بقيت رئاسة الطائفة وطني ًة عربية»‪)2( .‬‬ ‫وعليه يجب أن نف ّرق بني ما ارتكبته اإلمرباطوريات املسيحية الغربية من جرائم يف حق البرشية‪ ،‬منذ بداية غزوها‬ ‫لبلدان العامل واحتالل بلدانٍ‬ ‫وشعوب عديد ٍة ض ّمتها إىل سلطتها السياسية واالقتصادية (االستعامر)‪ ،‬وذلك بحجة نرش‬ ‫ٍ‬ ‫الديانة املسيحية وتعريف الشعوب عىل الله الواحد‪ ،‬بينام كان الهدف الحقيقي من وراء ذلك االستعامر هو من أجل‬ ‫فتح أسواقٍ جديد ٍة لبيع منتوجاتها‪ ،‬واألهم رسقة ثروات تلك الشعوب واستعبادها‪.‬‬ ‫ومبا أن بالد املرشق العريب‪ ،‬وخاص ًة فلسطني‪ ،‬كانت مهد الديانة املسيحية ومبتدأ‬ ‫نشأتها‪ ،‬فإن معظم سكان هذه البالد اعتنقوا املسيحية‪ .‬بل وع َّمق هذا االنتامء‬ ‫دخول قسطنطني العظيم(‪ )3‬يف الديانة املسيحية‪ ،‬ولقد كان ُحكم قسطنطني‬ ‫نقطة تحو ٍل يف تاريخ املسيحية عام ‪313‬م‪ ،‬إذ أصدر مرسوم ميالنو الذي أعلن فيه‬ ‫إلغاء العقوبات املفروضة عىل من يعتنق املسيحية‪ ،‬وبذلك أنهى فرتة اضطهاد‬ ‫املسيحيني كام قام بإعادة أمالك الكنيسة املصادرة‪.‬‬ ‫وباإلضافة إىل ذلك‪ ،‬كان قسطنطني قد دعا إىل عقد مجمع نيقية‪ ،‬املجمع‬ ‫املسكوين األول عام ‪325‬م‪ .‬ويف عام ‪324‬م أعلن قراره بتحويل بيزنطة إىل روما‬ ‫الجديدة‪ ،‬وقد قام عام ‪ 330‬بإعالنها عاصم ًة رسمي ًة لإلمرباطورية الرومانية‪ .‬وقد‬ ‫تم تغيري اسم املدينة إىل القسطنطينية ‪ -‬عىل اسمه ‪ -‬بعد موت قسطنطني عام‬ ‫‪337‬م‪ .‬وكانت القسطنطينية أول مدين ٍة مسيحي ٍة يف العامل مل يُس َمح فيها ببناء‬ ‫وبقيت عاصمة اإلمرباطورية البيزنطية حتى عام ‪1453‬م حني فتحها‬ ‫معابد وثنية‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫العثامنيون وتم تغيري اسمها إىل إسطنبول عام ‪1930‬م‪( ».‬منقول)‪...‬‬ ‫‪ -2‬بيان نويهض الحوت‪« ،‬القيادات واملؤسسات السياسية يف فلسطني»‪ ،‬ص ‪.128‬‬ ‫‪ -3‬قسطنطني األول (‪ 27‬فرباير ‪272‬م ‪ 22 -‬مايو ‪337‬م)‪ ،‬هو إمرباطور روما ٌّين يُعرف أيضً ا باسم قسطنطني العظيم‪.‬‬

‫‪13‬‬


‫محاول ٌة يف نقد‬ ‫الديانات الساموية (‪)2‬‬ ‫زاهد عزت حرش‬

‫ٍ‬ ‫أهل الحجاز العتناق الديانة اإلسالمية‪ ،‬وتعاظُم شأن رسالته وبدء إعالن الحرب عىل البلدان‬ ‫محمد َ‬ ‫وبعد بدء دعوة النبي‬ ‫املجاورة من الشامل‪ ،‬وفتح مرص وبالد املرشق العريب‪ ،‬وتوطيد وإرساء قواعد سيطرة اإلمرباطورية اإلسالمية عىل معظم تلك‬ ‫البالد‪ ،‬لتثبت مقولة‪« :‬قد كان للمنافسة الدينية فضل إشعال الحروب املتواصلة عرب التاريخ‪.)4( ».‬‬ ‫وأ ّدى ذلك إىل تح ّول الناس من املسيحية إىل اإلسالم‪ ،‬وخاص ًة تحت وطأة فرض الجزية عىل غري املسلمني‪ ،‬إضاف ًة إىل الحد من‬ ‫حريتهم‪« .‬أصدر الخليفة األموي عمر بن عبد العزيز (‪ 720 – 717‬م) املراسيم التي حددت الخالفات بني املسلمني والنصارى‬ ‫(املسيحني)‪ .‬ومن أبرز تلك املراسيم منع احتالل النصارى للمناصب يف الدولة‪ ،‬وعدم قبول شهادة النرصاين عىل املسلم أمام‬ ‫نسق مع ٍني من اللباس والسلوك‪ .‬وحسب هذا النسق كان عىل النصارى أال يتشبهوا‬ ‫القضاء‪ ،‬ومنع بناء كنيس ٍة أو دير‪ ،‬وتقرير ٍ‬ ‫باملسلمني‪ ،‬فال يلبسوا العاممة ويشدوا الزنانري يف أوساطهم وغري ذلك‪ .‬كام كان عليهم أال يركبوا عىل رسج بل عىل إكاف‪.)5( ».‬‬ ‫وهكذا مع مرور السنني تقلص عدد املسيحني‪ .‬واستمر األمر عىل هذا املنوال إىل أن تم احتالل (فتح) القسطنطينية عام‬ ‫‪1453‬م‪ .‬مع العلم أنه يف معظم تاريخها‪ ،‬كانت هذه اإلمرباطورية من أقوى القوى االقتصادية‪ ،‬والثقافية‪ ،‬والعسكرية يف‬ ‫أوروبا‪ .‬ومنذ هذا التاريخ بدأ من ًحى آخر يف حياة مسيح ّيي الرشق‪ ،‬إذ زادت األمور تعقي ًدا مع نشوب الحروب ما بني الغرب‬ ‫املسيحي والرشق اإلسالمي‪« .‬كان البيزنطيون قد هاجموا سورية يف عهد الدولة اإلخشيدية (‪935-969‬م)‪ ،‬فأمر كافور‬ ‫اإلخشيدي باضطهاد املسيحيني العرب انتقا ًما من الترصفات البيزنطية‪ ،‬وأعدم يوحنا السابع بطريرك القدس العريب يف ساح ٍة‬ ‫أمام البطريركية وهدم العديد من الكنائس‪ ،‬وتكرر هذا األمر الحقًا يف عهد الدولة الفاطمية‪ .‬ومن ضمن عمليات االنتقام‬ ‫أيضا هد ْم كنيسة القيامة يف القدس‪ ،‬باإلضافة إىل ذبح أعدا ٍد كبري ٍة من املسيحيني» (‪.)6‬‬ ‫هذه كان ً‬ ‫ومع مرور الزمن‪ ،‬تفاقمت األمور إىل ح ٍّد فاق كل ما مر قبلها‪ ،‬وذلك مع بدء الحروب الصليبية بحجة الدفاع عن األرايض‬ ‫ِ‬ ‫الحمالت العسكري ِة التي انطلقت من أوروبا إىل بال ِد املسلمني‪ ،‬بداعي‬ ‫مصطلح يُطل َُق عىل‬ ‫املسيحية املقدسة‪ ،‬و «هي‬ ‫ٌ‬ ‫وس ِّم َيت بالصليبية‪ ،‬أل َّن املقاتلني األوروبيني كانوا يضعون شعار‬ ‫تخليص األرض املُق َّدسة (بيت املقدس) من أيدي املسلمني‪ُ ،‬‬ ‫الصليب عىل ألبستهم‪ ،‬فانطلقت أوىل الدعوات يف شهر نوفمرب من العام ‪1096‬م‪ ،‬وكان أول من دعا إليها البابا أوربان الثاين‪،‬‬ ‫وانتهت بشكلها الضخم املنظم بهزمية لويس التاسع‪ ،‬هزمي ًة ساحق ًة ىف مرص سنة ‪1250‬م‪ ،‬ووفاته وقت الحملة الصليبية‬ ‫الثامنة عىل تونس سنة ‪1270‬م‪« .‬ويروي التاريخ أن املسيحيني العرب قد شاركوا مع إخوتهم املسلمني يف الحروب التي‬ ‫تص ّدوا فيها لتلك الغزوات‪« .‬وإن معركة الريموك الفاصلة بني العرب والروم مل تكن لتنتهي بانتصار العرب لوال انضامم قرابة‬ ‫‪ 12‬ألف مقاتلٍ‬ ‫مسيحي عر ٍّيب من فلسطني وبالد الشام إىل جانب خالد بن الوليد والحقًا أبو عبيدة بن الجراح‪.)7( ».‬‬ ‫ٍّ‬ ‫‪ -4‬بيان نويهض الحوت‪« ،‬القيادات واملؤسسات السياسية يف فلسطني»‪ ،‬ص ‪.12‬‬ ‫‪ -5‬املؤرخ فيليب حتي – تاريخ العرب‪ ،‬ص ‪.302‬‬ ‫‪ -6‬قصة الرصاع العريب – اليوناين عىل قيادة الكنيسة األرثوذكسية‪ ،‬إلياس نرص الله‪ ،‬األسوار – العدد ‪ ،18‬السنة ‪ ،1998‬ص ‪.39‬‬ ‫‪ -7‬قصة الرصاع العريب – اليوناين عىل قيادة الكنيسة األرثوذكسية‪ ،‬إلياس نرصالله االسوار – العدد ‪ ،18‬السنة ‪ ،1998‬ص ‪.37‬‬

‫‪14‬‬


‫محاول ٌة يف نقد‬ ‫الديانات الساموية (‪)2‬‬ ‫زاهد عزت حرش‬

‫لكن الحروب واملضايقات وعوامل أخرى‪ ،‬أث ّرت يف تأزم األوضاع وفاقمتها عىل جمهو ٍر ليس بقليلٍ من املسيحيني‪ ،‬كام‬ ‫توترت العالقات الحياتية‪/‬االجتامعية بني املسيحيني واملسلمني يف الرشق العريب املسلم‪ ،‬مام أ ّدى إىل لجوء املسيحيني‬ ‫للهجرة بحثًا عن ملجأٍ أو حيا ٍة أفضل‪« .‬ظل املسلمون يعتربون الدولة دولتهم ويستسلمون لحكمها‪ ،‬لكونها دولة الخالفة‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬وظل املسيحيون يشعرون بأنها غريب ٌة عنهم‪ ،‬ألنها تعتربهم رعايا‪ ،‬ويتوجهون نحو الدولة األوروبية‪ ،‬ألنها‬ ‫تحميهم يف كثريٍ من املناسبات‪ ،‬حتى أنها تق ّدم لهم بعض املساعدات‪.)8(».‬‬ ‫دعم من ق ًوى خارجي ٍة‬ ‫ومع تطور األحداث الدرامية من خالل تعاظم املد السلفي التكفريي اإلسالمي‪ ،‬الذي وجد له ً‬ ‫إمربيالي ٍة وعاملي ٍة كانت تهدف إىل رضب القوى القومية العربية وإضعاف الوجه الوسطي العقالين بني املسلمني‪ ،‬متكنت‬ ‫هذه القوى الغريبة من خالل ذلك من التالعب مبصائر الشعوب ومقدراتها‪ ،‬إذ وجدت لها من يعمل لصالحها دون أن‬ ‫تقوم هي بذلك بوسائل أخرى‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫جامعات إرهابي ًة تعمل عىل تدمري العامل العريب‪ .‬وبالتايل‬ ‫لقطاعات متعدد ٍة من التكفرييني أن تؤسس لها‬ ‫وقد أتاح دعمها‬ ‫ساهم ذلك يف تدمري الرشائح الوطنية املسيحية التي تعيش يف الرشق‪ ،‬حتى انخفض تواجد املسيحيني العام إىل أقل من‬ ‫عرش ٍة باملائة‪ ،‬وحتى إىل أقل من ذلك بكثريٍ يف عد ٍد من الدول العربية اإلسالمية‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وهناك آالف القصص عن تجاوز ٍ‬ ‫اعتداءات عليهم يف‬ ‫واعتداءات عىل املسيحيني‪ ،‬خاص ًة يف مرص‪ ،‬كام حدثت عدة‬ ‫ات‬ ‫األرايض الفلسطينية املحتلة من ِقبل إخوانهم املسلمني‪ .‬وقد متت التغطية عليها من باب منع تفاقم األمور‪ ،‬ومر ّد ذلك‬ ‫إىل أن املؤسسات الرسمية الحكومية يف عد ٍد من الدول العربية تعترب املسيحيني رعايا غري كاميل الحقوق‪.‬‬ ‫وباإلمكان أخذ الجمهورية العربية السورية كمثا ٍل ساطعٍ وإيجا ٍّيب يف اعتبار املسيحني ُمركَّبًا أساسيًّا من مركبات املجتمع‬ ‫السوري‪ .‬وعىل الرغم مام حدث يف سوريا من اعتدا ٍء دو ٍّيل إمربيا ٍّيل مدمر‪ ،‬تم تنفيذه بتجنيد مرتزق ٍة من دو ٍل عدة‪ ،‬إال‬ ‫أن االعتامد عىل التخلف السلفي التكفريي كان له الدور األكرب يف تنفيذ هذه الحرب القذرة عىل سوريا‪.‬‬ ‫بدعم من الدولة السورية الوطنية‪ ،‬استطاعوا‬ ‫ومع ذلك وعىل الرغم من استمرار الحرب لسنوات‪ ،‬إال أن املسيحيني‪ٍ ،‬‬ ‫جدل‪ ،‬أن باقي الدول العربية تعاملت‬ ‫البقاء واالستمرار بالعيش بكرام ٍة يف وطنهم األم سوريا‪ .‬وبنا ًء عليه‪ ،‬فلَو افرتضنا ً‬ ‫مع الوجود املسيحي عىل أنه جز ٌء ال يتجزأ من مركبات رشائح املجتمع الوطني‪ ،‬لكان ذلك سيشكل جدا ًرا من التحدي‬ ‫يتصدى للحد من تفاقم الخالفات‪ ،‬بل وأكرث من ذلك كان سيشكل جدا ًرا وطن ًيا أمام التدخل الغريب املجرم‪ ،‬ألن حينها‬ ‫لن يكون هناك ٌ‬ ‫مجال للغطرسة الدينية العنرصية بني أبناء الشعب الواحد‪.‬‬ ‫‪ -8‬ساطع الحرصي‪ ،‬البالد العربية والدولة العثامنية‪ ،‬ص ‪.93‬‬

‫‪15‬‬


‫محاول ٌة يف نقد‬ ‫الديانات الساموية (‪)2‬‬ ‫زاهد عزت حرش‬

‫وال أحد يستطيع أن ينكر دور املثقفني العرب املسيحيني‬ ‫يف دفع مسرية النهضة العربية يف الدول الواقعة عىل‬ ‫شواطئ املتوسط‪.‬‬ ‫موئل يف‬ ‫«إن تعليم األدب العريب واللغة العربية وجد ً‬ ‫املدارس األجنبية واملدارس املسيحية الطائفية‪ ،‬فانترش‬ ‫تعليم األدب العريب بني املسيحيني أكرث من انتشاره بني‬ ‫املسلمني‪ ،‬ألن العرب املسلمني مل يؤسسوا مدارس خاص ًة‬ ‫بهم‪ ،‬بل ظلوا يُرسلون أوالدهم إىل املدارس الحكومية‬ ‫(األمريية)‪ .‬ولغة التعليم يف املدارس الحكومية كانت‬ ‫اللغة الرتكية‪.)9( ».‬‬

‫ناصيف يازجي‬

‫مارون عبود‬

‫لويس معلوف‬

‫بطرس البستاين‬

‫هذا عدا عن الدور الذي قام به العديد من املثقفني الوطنيني الذين ال يتسع املجال لذكر أسامئهم هنا‪ .‬والقصد من‬ ‫رسد هذه املعطيات هنا ال يأيت بهدف كيل االتهامات ٍ‬ ‫لطرف دون آخر‪ ،‬إمنا إلثبات أن انتامء املسيحيني العرب لقوميتهم‬ ‫العربية ولعروبتهم مل ِ‬ ‫يأت من العدم‪ ،‬بل ألنهم أبناء هذه األرض وألنهم وجدوا أنفسهم أقرب إىل العرب واملسلمني‬ ‫خاص ًة منهم إىل الغرب‪ ،‬ولو أن املسلمني‪ ،‬كدول ٍة ونظام‪ ،‬تعاملوا مع هذا املك ِّون عىل ٍ‬ ‫قومي يع ُريب‪ ،‬لساهم‬ ‫أساس‬ ‫وطني ٍّ‬ ‫ٍّ‬ ‫ذلك بشكلٍ أفضل يف عملية التصدي للغرب ولدعاة التفرقة العنرصية اإلثنية‪ ،‬كام كان سيغلق الباب أمام دعاة الهجرة‬ ‫من املسيحيني‪ ،‬ويقف س ًّدا مني ًعا يف وجه أولئك األفاقني الذين يحاولون االصطياد يف املياه العكرة من كال الطرفني‪.‬‬ ‫واألهم من كل ذلك كان سيفصل أية عالق ٍة مفربك ٍة بني املسيحيني الرشقيني العرب واملسيحيني الغربيني األوروبيني‬ ‫واألمريكيني‪ .‬وهنا بيت القصيد‪ ،‬ويف حال كنا نجحنا يف ذلك‪ ،‬كنا سنقيض عىل أي تصو ٍر أو شعو ٍر يربط املسيحيني العرب‬ ‫بأية عالق ٍة سياسي ٍة مع اإلمربيالية الغربية‪ .‬كام كان سيضع أمامنا الصورة واضح ًة بأكملها‪ ،‬عمن تعاون وتحالف مع‬ ‫الغرب والصهيونية وأتاح لهام مترير اغتصاب فلسطني وتهجري شعبها‪« .‬إذا كان العقل الحقيقي والعدالة الحقيقية مل‬ ‫يحكام العامل حتى اآلن‪ ،‬فألنهام مل يُف َهام الفهم الالزم‪.)10( ».‬‬ ‫واستنا ًدا لهذه املقولة الفلسفية فإن عقلنا الحقيقي وعدالة انتامئنا مل نفهمهام بشكلٍ أصيلٍ وحقيقي‪ ،‬يك نكون قادرين‬ ‫عىل مواجهة املؤامرة الكربى ومواجهة كافة املؤامرات التي توالت وما زالت تتواىل عىل شعوبنا‪.‬‬ ‫‪ -9‬ساطع الحرصي – البالد العربية والدولة العثامنية‪ ،‬ص ‪.93‬‬ ‫‪ -10‬فريديرك أنجلس «االشرتاكية الطوباوية واالشرتاكية العلمية»‪ ،‬ماركس أنجلس‪ ،‬مختارات‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.71‬‬

‫‪16‬‬


‫محاول ٌة يف نقد‬ ‫الديانات الساموية (‪)2‬‬ ‫أسايس يف التالعب بإحساس ومشاعر الجامهري‬ ‫ولقد كان‪ ،‬وال يزال‪ ،‬للدين دو ٌر‬ ‫ٌّ‬ ‫بدعم من األنظمة الرجعية املتخلفة‪ ،‬والتي كان وال‬ ‫العربية وعاطفة أبنائها‪ٍ ،‬‬ ‫يزال هدفها السيطرة عىل الشعوب العربية وسوقها كاألغنام إىل مذبح اإلمربيالية‬ ‫والصهيونية‪ ،‬مقابل الحفاظ عىل سلطانهم وسيطرتهم عىل رقاب العباد‪ .‬وإن أي‬ ‫اتهام للمسيحية بدعم الصهيونية هو ادعا ٌء خا ٍل من الحقيقة‪« .‬لقد حدد الراب‬ ‫ٍ‬ ‫موىس ابن ميمون موقفه من النرصانية (املسيحية) عىل أنها ديان ٌة وثنية‪ ،‬بعكس‬ ‫نظرته إىل اإلسالم الذي اعتربه أنه اإلميان الطاهر بالتوحيد‪ .‬ومع ذلك فهو ميقت‬ ‫اإلسالم أكرث من املسيحية»(‪.)11‬‬

‫وهذا أكرب دليلٍ عىل أ ّن ال عالقة للمسيحية بالصهيونية اليهودية‪ ،‬إال من باب املصالح‬ ‫املالية الرأساملية‪ ،‬التي يقبض عىل زمام أمورها أكرب العائالت اليهودية يف أمريكا‪« .‬إذ أن‬ ‫الدين هو عنرص تفرقة‪ ،‬ال بحد ذاته‪ ،‬بل ألن رؤساء الدين يبذرون الشقاق بني الناس‪،‬‬ ‫مام يُبقي املجتمعات ضعيف ًة‪ .‬واألمم تقوى مبقدار ما يضعف الدين»(‪.)12‬‬ ‫وهذا ما تحتاجه األمة العربية قبل أي يش ٍء آخر‪ ،‬وما يحتاجه الفلسطينيون‬ ‫بالذات من أجل إعادة الرصاع العريب الفلسطيني إىل مربّعه األول‪ ،‬الرصاع‬ ‫السيايس الوطني وإسقاط الرصاع الديني والحد من تفاقمه‪.‬‬ ‫يُتبع‬ ‫‪ -11‬يشعياهو ليفوفيتش «العامل وما يحتويه» ص ‪62‬‬ ‫‪ -12‬شبيل الشميل «فلسفة النشوء واالرتقاء»‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪40‬‬

‫‪17‬‬


‫اﺷﺘﺮك اﻵن‬ ‫ﻓﻲ ﻗﻨﺎﺗﻨﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻴﻮﺗﻴﻮب‬ ‫‪https://www.youtube.com/c/ahmedzayedchannel‬‬

‫ﻗﺮاﺑﺔ ‪ 10‬ﻣﻠﻴﻮن ﻣﺸﺎﻫﺪة‬ ‫ﻣﺸﺘﺮك‬ ‫أﻟﻒﻣﺸﺎﻫﺪة‬ ‫و‪70‬ﻣﻠﻴﻮن‬ ‫ﻗﺮاﺑﺔ اﻟﻌﴩة‬

‫أﺣﻤﺪ ﺳﻌﺪ زاﻳﺪ‬

‫ﻗﻨﺎة أﺣﻤﺪ ﺳﻌﺪ زاﻳﺪ ﻋﲆ اﻟﻴﻮﺗﻴﻮب ﻫﻲ ﻗﻨﺎة ﻣﻌﻨﻴﺔ ﺑﺎﻟﺘﻨﻮﻳﺮ اﻟﻔﻜﺮي واﻟﺜﻘﺎﰲ وﻫﻲ ﻣﺤﺎوﻟﺔ ﻟﻠﺘﻔﻜ اﳌﻮﺿﻮﻋﻲ اﻟﻌﻘﻼ ﻣ ًﻌﺎ‪.‬‬ ‫وﺗﺠﺪون ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺴﻼﺳﻞ وﻣﻨﻬﺎ‪:‬‬

‫أﻟﻒ ﺑﺎء ﻓﻠﺴﻔﺔ ﻟﺘﺒﺴﻴﻂ اﳌﻌﺮﻓﺔ اﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ‬

‫ﻟﻠﺘﻮاﺻﻞ ﻣﻌﻨﺎ ﻋﲆ ﺻﻔﺤﺔ اﻟﻘﻨﺎة ﻋﲆ اﻟﻔﻴﺴﺒﻮك‪:‬‬ ‫‪https://www.facebook.com/aszayedtv‬‬

‫ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﺤﻀﺎرة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻻﺳﻼﻣﻴﺔ‬

‫ﺳﻠﺴﻠﺔ ﺗﻌﺮﻳﻔﻴﺔ ﺑﺮﻣﻮز ﻓﻜﺮﻳﺔ ﻋﺮﺑﻴﺔ وﻏﺮﺑﻴﺔ‬

‫ﺻﻔﺤﺔ أﺣﻤﺪ ﺳﻌﺪ زاﻳﺪ اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ‪:‬‬ ‫‪https://www.facebook.com/ahmedsaadzayed‬‬

‫ﻛﺎﳌﻌﺮي واﻟﺮازي وأرﺳﻄﻮ وﻣﺎرﻛﺲ وراﺳﻞ‬

‫ﺳﻠﺴﻠﺔ ﺑﺘﺤﻠﻴﻞ ﺧﻼﻓﺎت اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ وﻗﺘﺎﻟﻬﻢ‬

‫ﺳﻠﺴﺔ ﺗﻄﻮر ﺗﺎرﻳﺦ اﻹﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻴﺎت اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ واﻟﻔﻠﺴﻔﺎت‬

‫وﻏ ذﻟﻚ ﻛﺜ ﻣﻦ ﻣﺤﺎﴐات وﻣﻘﺎﺑﻼت ﻟﺮﻣﻮز ﻓﻜﺮﻳﺔ ﻓﺎﻟﻘﻨﺎة ﺑﻬﺎ أﻛ ﻣﻦ ‪ 700‬ﻣﺤﺎﴐة‪ ،‬وﻫﻲ ﺟﻬﺪ ﻃﻮﻳﻞ وﻣﺘﻮاﺿﻊ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﻞ‬ ‫اﻟﺜﻘﺎﰲ وﻣﺤﺎوﻟﺔ ﻧﴩ اﻟﻮﻋﻲ واﻟﻌﻘﻼﻧﻴﺔ واﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﻗﺪر اﳌﺴﺘﻄﺎع ﻟﻠﻤﺘﺤﺪﺛ ﺑﺎﻟﻌﺮﺑﻴﺔ‪.‬‬ ‫ﻟﺪﻋﻢ اﻟﻘﻨﺎة‪:‬‬

‫‪https://www.patreon.com/ahmedzayed‬‬

‫‪18‬‬

‫‪https://www.paypal.me/ahmedsaadzayed/100‬‬


‫الصعاليك‬

‫الجزء الرابع‬

‫كث ًريا ما ترتدد عىل مسامعنا كلامت‬ ‫«صعلوك» و«الصعاليك» لدرجة أننا إن‬ ‫أردنا أن نذ ّم أح ًدا فإننا نقول بأنه صعلوك‪.‬‬ ‫من هو الصعلوك؟‬ ‫الصعلوك لغ ًة هو قليل املال والدعم‬ ‫والذي ليس له سن ٌد يدافع عنه‬ ‫وهي كلم ٌة عربي ٌة قدمي ٌة ج ًدا‬ ‫كانت العرب تستعملها من‬ ‫قبل اإلسالم ولكن هل‬ ‫هي بنفس هذا املعنى‬ ‫الدارج اآلن؟‬

‫كنان أحمد‬ ‫‪19‬‬


‫الصعاليك‬ ‫الجزء الرابع‬

‫كنان أحمد‬

‫محمد ودعوته للصعاليك‬ ‫‪-9‬‬ ‫ٌ‬ ‫كام عرفنا سابقًا أن محم ًدا بعد فشل دعوته الدينية اتجه للقوة‪،‬‬ ‫وأنا أرى أنها ثور ٌة قامت يف ذلك الوقت عىل األغنياء‪ .‬وملعرفته‬ ‫بالصعايلك وق ّوتهم كان ال بد له من أن يستعملهم‪ ،‬وبدأ يف‬ ‫يل‪ ،‬وأغلب القبائل‬ ‫البحث عن القبائل القوية هو وأبو بك ٍر وع ّ‬ ‫رفضت عرضه عدا الصعاليك وقبائلهم‪ ،‬وكان منهم َمن لديه‬ ‫خرب ٌة بالحروب مثل مزينة التي كانت حليف ًة لألوس وجهينة‬ ‫حليفة الخزرج‪ ،‬وأغلبنا يعرف الحروب التي كانت بني األوس‬ ‫والخزرج؛ وبهذا التحالف أصبحت له قو ٌة وأصبح مبقدوره أن‬ ‫ينفذ مخططاته لتغيري املنطقة‪ .‬كان اليهود يهددون األوس‬ ‫والخزرج ويقولون لهم أن نب ًّيا قد أظل أي ق ُرب زمانه نتبعه‬ ‫ونقتلكم قتلة عا ٍد وإرم(‪.)1‬‬

‫ويجب علينا أن نتعرف عىل قبيلتي األوس والخزرج‪:‬‬ ‫بسب سيل العرم الذي حدث يف اليمن ذهبت األوس والخزرج إىل يرثب حيث كان اليهود هناك‪ ،‬فنزلوا يف رضا ٍر ال‬ ‫ميلكون شيئًا‪ ،‬كام ذكر ابن خلدون يف تاريخه‪ .‬نزلت األوس والخزرج يرثب بعضهم بالضاحية وبعضهم بالقُرى مع أهلها‬ ‫عم وشا ٍء ألن املدينة مل تكن بالد مرعى‪ ،‬وال نخل لهم وال زرع إال األعذاق اليسرية واملزرعة يستخرجها‬ ‫ومل يكونوا أهل نِ ٍ‬ ‫من املوات‪ ،‬واألموال كانت لليهود‪ ،‬فلبثوا كذلك حينا(‪.)3()2‬‬ ‫وهذا ولّد لديهم حق ًدا عىل اليهود وحاولوا سلبهم أراضيهم وأموالهم‪ ،‬فنجد أن مالك بن العجالن وفد إىل أيب جبيلة‬ ‫الغساين وهو َملك غسان وقتها وأخربه عن ضيق معاشهم‪ ،‬فقال لهم‪:‬‬ ‫«ما بالكم مل تغلبوهم حني غلبنا أهل بلدنا‪ ،‬ووعده بأنه يسري إليهم فينرصهم‪ ،‬فرجع ٌ‬ ‫مالك وأخرب قومه أن امللك أبا‬ ‫جبيلة يزورهم فأ ِع ّدوا له نزلً ‪ ،‬فأقبل أبو جبيلة ونزل بذي حرش وبعث إىل األوس والخزرج يخربهم بقدومه‪ ،‬وخىش أن‬ ‫يتحصن منه اليهود يف اآلطام فات ّخذ حائ ًرا وبعث إليهم فجاؤه يف خواصهم وحشمهم وأ ِذن لهم يف دخول الحائر‪ ،‬وأمر‬ ‫رجل إىل أن أتو عليهم‪ ،‬وقال لألوس والخزرج إن مل تغلبوا عىل البالد بعد قتل هؤالء فألحرقنكم‪،‬‬ ‫رجل ً‬ ‫جنوده فقتلوهم ً‬ ‫‪ -1‬السرية الحلبية الجزء الثاين الصفحة ‪ 159‬وكذلك ج‪ 2‬ص‪.8‬‬ ‫‪ -2‬تاريخ ابن خلدون‪ ،-2/287‬موقع يعسوب‪.‬‬ ‫‪ -3‬تاريخ ابن خلدون ‪ 1-7‬املسمى كتاب العرب وديوان املبتدأ والخرب‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪.307‬‬

‫‪20‬‬


‫الصعاليك‬ ‫الجزء الرابع‬

‫كنان أحمد‬

‫ورجع إىل الشام‪ ،‬فأقاموا يف عداو ٍة مع اليهود» ؛ ثم أجمع مالك بن العجالن وصنع لهم طعا ًما ودعاهم فامتنعوا لغدرة‬ ‫أىب جبيلة فاعتذر لهم ٌ‬ ‫مالك عنها وأنه ال يقصد نحو ذلك فأجابوه وجاؤوا إليه فغدرهم وقتل منهم سبع ًة ومثانني من‬ ‫رؤسائهم‪ ،‬وفطن الباقون فرجعوا‪ ،‬وصورت اليهود بالحجاز مالك بن العجالن يف كنائسهم وب َيعهم فكانوا يلعنونه كلام‬ ‫دخلوا؛ وملا قتلهم ٌ‬ ‫مالك ذلّوا وخافوا‪(،‬نفس املرجع السابق)‪.‬‬ ‫وقع هذا يف النصف الثاين من القرن السادس امليالدي‪ .‬ومام سبق نجد أن األوس والخزرج رغم خالفاتهم كانت أعينهم‬ ‫واضح‬ ‫عىل أمالك اليهود واستعانوا بامللك أيب جبيلة الغساين‪ ،‬وهذا كان تخطيطًا قدميًا لهم‪ ،‬وهم قو ٌم غ ّدارون وذلك‬ ‫ٌ‬ ‫يف كتاب الكامل يف التاريخ يف يوم بعاث عندما طلبت األوس من قريظه والنضري أن يحالفوهم عىل الخزرج‪ ،‬فسمعت‬ ‫الخزرج بهذا فارسلت لهم مهددةً‪ ،‬فقالت اليهود‪ :‬إننا ال نريد ذلك فأخذوا منهم ره ًنا من أجل أن يوفو بعهدهم وهم‬ ‫أربعون غال ًما من قريظه والنضري وبعدها ه ّددوهم بأن يقتلوا أوالدهم إن مل يرتكوا منازلهم حيث ورد يف الكامل يف‬ ‫التاريخ اآليت‪:‬‬ ‫وقد قيل يف قتل الغلامن غري هذا‪ ،‬وهو‪ :‬أن عمرو بن النعامن البيايض الخزرجي قال لقومه بني بياضة‪ :‬أن أباكم أنزلكم‬ ‫منزلة سوء‪ ،‬والله ال ميس رأيس ماء حتى أنزلكم منازل قريظة والنضري أو أقتل رهنهم! وكانت منازل قريظة والنضري خري‬ ‫البقاع‪ ،‬فأرسل إىل قريظة والنضري‪« :‬إما أن تخلوا بيننا وبني دياركم‪ ،‬وإما أن نقتل الرهن»‪ .‬فه ّموا بأن يخرجوا من ديارهم‪،‬‬ ‫فقال لهم كعب بن ٍ‬ ‫أسد القرظي‪« :‬يا قوم امنعوا دياركم وخلوه يقتل الغلامن‪ ،‬ما هي إال ليل ٌة يصيب فيها أحدكم امرأة‬ ‫حتى يولد له مثل أحدهم»‪ .‬فأرسلوا إليهم‪« :‬إنا ال ننتقل عن ديارنا فانظروا يف رهننا فعوا لنا»‪ .‬فعدا عمرو بن النعامن‬ ‫عىل رهنهم فقتلهم(‪.)4‬‬ ‫أرايض اليهود حل ٌم قدي ٌم لألوس والخزرج وهذا ما فعلوه مبنارصة‬ ‫ٍ‬ ‫محمد لهم حيث قطعوا رؤوسهم وغنموا أراضيهم وأموالهم ونسائهم‪،‬‬ ‫رغم أن اليهود استقبلوهم ونارصوهم ولكن هذا هو طبع الصعاليك‪.‬‬ ‫وكان األوس والخزرج ذوي طبيع ٍة حربي ٍة حيث خاضوا العديد من‬ ‫الحروب فيام بينهم عىل مدى أكرث من مائة عام‪ ،‬وهذا إن دل عىل‬ ‫يش ٍء فهو يدل عىل طبيعتهم الرببرية فقد كانوا يتنازعون عىل أتفه‬ ‫األسباب حتى بعد اإلسالم؛ حيث ورد أن األوس والخزرج ذكروا ما كان‬ ‫منهم يف الجاهلية فثار بعضهم إىل ٍ‬ ‫بعض بالسيوف(‪.)5‬‬ ‫‪ -4‬الكامل يف التاريخ الجزء األول صفحة ‪.601‬‬ ‫‪ -5‬تاج العروس ‪ -‬الزبيدي ‪ -‬ج ‪ - 7‬الصفحة ‪.451‬‬

‫‪21‬‬


‫الصعاليك‬ ‫الجزء الرابع‬

‫كنان أحمد‬

‫ٍ‬ ‫مقومات اقتصادية‪ ،‬واشتهروا بكذبهم‬ ‫وكام رأينا أنهم كانوا بدون‬ ‫وضب املثل برجلٍ منهم اسمه عرقوبًا فقالوا مواعيد عرقوب‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫املفصل وذكر أن اسمه «عرقوب‬ ‫وعرقوب صاحب املواعيد وورد يف ّ‬ ‫رجل من العاملقة‬ ‫بن صخر»‪ ،‬أو «عرقوب بن معبد بن أسد»‪ٌ ،‬‬ ‫رجل‬ ‫عىل القول األول‪ ،‬قاله ابن الكلبي‪ ،‬وعىل القول الثاين‪ ،‬فهو ٌ‬ ‫من «بني عبد شمس بن سعد»‪ ،‬وقيل أنه كان من األوس‪ .‬كان‬ ‫أكذب أهل زمانه‪ ،‬رضبت به العرب املثل يف خلف الوعد‪ ،‬فقالوا‪:‬‬ ‫مواعيد عرقوب(‪.)6‬‬ ‫وكانوا أصحاب له ٍو حتى بعد اإلسالم حيث ورد يف الحديث أن‬ ‫محم ًدا قال لعائشة أن األنصار يعجبهم اللهو (صحيح البخاري)‪.‬‬ ‫هؤالء هم األنصار الذين قام اإلسالم عليهم واستقبلوا الرسول بينهم أم ًريا عليهم‬ ‫فهل كانوا أصحاب إميانٍ أم أنهم أصحاب مطامع؟ ولكن كيف كان إميانهم؟‬ ‫يف البداية أىت ره ٌط من املدينة وكانوا مثانية فبدأ محم ٌد الحديث وقال‪ :‬من أنتم‪ ،‬قالوا نف ٌر من الخزرج‪ ،‬فقال‪ :‬أمن موايل‬ ‫يهود‪ :‬أي من حلفاء يهود املدينة قريظة والنضري‪ ،‬ألنهم تحالفوا معهم عىل التنارص والتعاضد عىل من سواهم‪ ،‬وأن يأمن‬ ‫بعضا‪ ،‬وهذا كان يف أول أمرهم قبل أن تقوى شوكتهم عىل يهود‪ ،‬قالوا‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬أفال تجلسون أكلمكم؟ قالوا‪:‬‬ ‫بعضهم ً‬ ‫بىل‪ ،‬فجلسوا معه(‪.)7‬‬ ‫ومن الواضح أن ما عرضه عليهم ال يختلف أب ًدا عام عرضه عىل العرب‪ ،‬والغريب أنهم حثّوا أنفسهم عىل اإلميان به قبل‬ ‫أن يؤمن به اليهود‪ ،‬وهو دعا كث ًريا من قبل ومل يؤمن به إال القلة واآلن آمنوا به دون أن يرو أي معجزة‪ ،‬فلامذا اآلن؟‬ ‫ويؤكد هذا ما ورد يف املصدر السابق حيث قال‪ :‬فقال بعضهم لبعض‪ :‬تعلمون والله أنه للنبي الذي يوعدكم به يهود‪،‬‬ ‫فال تسبقنكم إليه‪ ،‬ألن يهود كانوا إذا وقع بينهم وبينهم يش ٌء من الرش قالوا لهم‪ :‬سيبعث نبي قد أظل‪ :‬أي قرب زمانه‬ ‫نتبعه‪ ،‬نقتلكم معه قتلة عا ٍد وإرم‪.‬‬ ‫وذهب هذا الرهط إىل املدينة وأخربوا قومهم مبا عرضه محم ٌد عليهم‪ ،‬وهذا الرهط مل يكن من املؤمنني الذين يعرفون‬ ‫وفعل بعثت القبيلتان اللتان مل تؤمنا مبوىس كل تلك السنوات بضعه‬ ‫اإلسالم إمنا جلسوا لدقائق معدود ٍة مع النبي‪ً ،‬‬ ‫‪ -6‬املفصل يف تاريخ العرب قبل اإلسالم‪ -‬د‪ .‬جواد عيل ‪-‬الفصل السابع والعرشون بعد املائة‪-‬األمثال‪.-1749‬‬ ‫‪ -7‬السرية الحلبية‪ /‬باب عرض رسول الله صىل الله عليه وسلم نفسه عىل القبائل من العرب أن يحموه وينارصوه عىل ما جاء به من الحق‪.‬‬

‫‪22‬‬


‫الصعاليك‬ ‫الجزء الرابع‬

‫كنان أحمد‬

‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫محمد كام يدافعون عن أبنائهم وأن‬ ‫شخصا تعهدوا بدفاع القبيلتني عن‬ ‫أشخاص منهم وأبدت اهتام ٍما كب ًريا وكانوا اثنا عرش ً‬ ‫صل الله عليه وسلم قال ملن حرض من األنصار‪ :‬أبايعكم عىل أن متنعوين‬ ‫يهاجر إليهم‪ ،‬حيث ورد يف فتح الباري أن النبي ّ‬ ‫مام متنعون منه نساءكم وأبناءكم فبايعوه عىل ذلك وعىل أن يرحل إليهم هو وأصحابه(‪.)8‬‬ ‫ونجد يف هذا املصدر أنه وضع عليهم رشوطًا منها السمع والطاعة يف اليرس والعرس واملنشط واملكره وأال ينازع األمر أهله‪،‬‬ ‫وهكذا أصبحت القبيلتان مسلمتني‪ ،‬فهل إميانهم هداي ٌة أم ألجل غاية؟ رغم أن محم ًدا يف الفرتة املاضية كان يدعو الناس‬ ‫ومل يستجيبوا له‪ ،‬وكام عرفنا فإن دخول القبيلتني يف اإلسالم ‪-‬والبالغ تعدادهم عدة آألف‪ -‬مل يكن عن قناع ٍة وإمنا بقرا ٍر من‬ ‫زعامئهم‪ .‬ورد يف السرية الحلبية أن سعد بن معا ٍذ قال‪ :‬يا بني عبد األشهل كيف تعلمون أمري فيكم؟ قالوا سيدنا‪ ،‬وأفضلنا‬ ‫يل حرا ٌم حتى تؤمنوا بالله ورسوله‪ ،‬قال‪ :‬فوالله ما‬ ‫رأيًا‪ ،‬وأميننا وأبركنا نقيب ًة أي ً‬ ‫نفسا وأم ًرا؛ قال‪ :‬فإن كالم رجالكم ونسائكم ع ّ‬ ‫يوم ٍ‬ ‫واحد كلهم‪ ،‬وكان ذلك بعد‬ ‫رجل وال امرأ ٌة إال‬ ‫أمىس يف داري ‪-‬أي قبيلة بني عبد األشهل‪ٌ -‬‬ ‫مسلم ومسلم ًة فأسلموا يف ٍ‬ ‫ً‬ ‫العقبة األوىل وقبل العقبة الثانية(‪.)9‬‬ ‫خفي وكان يف ذلك الوقت ال زال مرشكًا‪ ،‬حيث ورد يف السرية‬ ‫وبعدها كانت بيعة العقبة الثانية والتي أدارها العباس بدو ٍر ٍّ‬ ‫النبوية البن هشام قال‪ :‬فاجتمعنا يف الشعب ننتظر رسول الله صىل الله عليه وسلم‪ ،‬حتى جاءنا ومعه (عمه) العباس بن‬ ‫ٍ‬ ‫متكلم هو‬ ‫يومئذ عىل دين قومه‪ ،‬إال أنه أحب أن يحرض أمر ابن أخيه ويتوثق له‪ .‬فلام جلس كان أول‬ ‫عبد املطلب‪ ،‬وهو‬ ‫ٍ‬ ‫العباس بن عبد املطلب‪ ،‬فقال‪ :‬يا معرش الخزرج‪ ،‬قال‪ :‬وكانت العرب إمنا يسمون هذا الحي من األنصار‪ :‬الخزرج‪ ،‬خزرجها‬ ‫وأوسها‪ :‬أن محم ًدا م ّنا حيث قد علمتم وقد منعناه من قومنا‪ ،‬ممن هو عىل مثل رأينا فيه‪ ،‬فهو يف ع ٍز من قومه ومنع ٍة يف‬ ‫بلده‪ ،‬وإنه قد أىب إال االنحياز إليكم‪ ،‬واللحوق بكم‪ ،‬فإن كنتم ترون أنكم وافون له مبا دعومتوه إليه‪ ،‬ومانعوه ممن خالفه‪،‬‬ ‫فأنتم وما تحملتم من ذلك‪ ،‬وإن كنتم ترون أنكم مسلّموه وخاذلوه بعد الخروج به إليكم‪ ،‬فمن اآلن فدعوه‪ .‬فإنه يف ع ٍز‬ ‫ومنع ٍة من قومه وبلده‪ .‬قال‪ :‬فقلنا له‪ :‬قد سمعنا ما قلت‪ ،‬فتكلم يا رسول الله‪ ،‬فخذ لنفسك ولربك ما أحببت(‪.)10‬‬ ‫رجل من بينهم أهم زعامء القبيلتني‪ ،‬ونستنتج مام قرأناه أن طبيعة الحديث ليست ديني ًة وال يتحرج‬ ‫وكان الحضور ثالث ٌة وسبعون ً‬ ‫منها أح ٌد بأن يتكلم بها عىل مسمع الجميع‪ ،‬إمنا كانت عبار ًة عن مؤامر ٍة عىل أهل مكة ويجب ألّ يعلم بها أح ٌد من مق ّربيه عدا‬ ‫عمه العباس‪ .‬أصبح محم ٌد أمري األوس والخزرج بعد هذه االتفاقية الرسية التي جرت عىل أيدي ٍ‬ ‫أناس حديثه العهد باإلسالم‬ ‫ٍ‬ ‫وشخص كاف ٍر غري مؤمنٍ بهذا الدين أال وهو العباس‪ ،‬كيف ال ويهود املدينة موجودون وكانوا خائفني منهم ألن بينهم عهو ًدا‬ ‫ومواثيق ‪-‬أي مع اليهود‪ -‬لذلك سألوه هل سيعود إىل مكة ويرتكهم وهذا ما ورد يف السرية (‪: )11‬‬ ‫«عهد الرسول عليه الصالة والسالم عىل األنصار»‪ ،‬من سرية ابن هشام‪.‬‬ ‫‪ -8‬أحمد بن عيل بن حجر أبو الفضل العسقالين الشافعي‪ ،‬فتح الباري برشح صحيح البخاري‪ ،‬دار املعرفة ‪ -‬بريوت‪.1/66 ،1379 ،‬‬ ‫‪ -9‬السرية الحلبية‪/‬باب عرض رسول الله صىل الله عليه وسلم نفسه عىل القبائل من العرب أن يحموه وينارصوه عىل ما جاء به من الحق‪.‬‬ ‫‪ -10‬السرية النبوية ‪-‬ابن هشام‪ -‬الجزء األول‪ -‬صفحه ‪.442‬‬ ‫‪ -11‬سريه ابن هشام الجزء األول الصفحة ‪.443‬‬

‫‪23‬‬


‫الصعاليك‬ ‫الجزء الرابع‬

‫كنان أحمد‬

‫قال‪ :‬فتكلم رسول الله صىل الله عليه وسلم‪ .‬فتال القرآن‪ ،‬ودعا إىل الله‪ ،‬ورغّب يف اإلسالم‪ ،‬ثم قال أبايعكم عىل أن متنعوين‬ ‫مام متنعون منه نساءكم وأبناءكم‪ .‬قال‪ :‬فأخذ الرباء بن معرور بيده‪ ،‬ثم قال‪ :‬نعم‪ ،‬والذي بعثك بالحق (نب ًيا) لنمنعنك‬ ‫مام مننع منه أ ُز َرنا‪ ،‬فبايعنا يا رسول الله‪ ،‬فنحن والله أبناء الحروب‪ ،‬وأهل الحلقة ورثناها كاب ًرا عن كابر‪ ،‬قال‪ :‬فاعرتض‬ ‫القول‪-‬بينام الرباء يكلّم رسول الله صىل الله عليه وسلم‪ -‬أبو الهيثم بن التيهان‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬أن بيننا وبني الرجال‬ ‫حبالً ‪ ،‬وإنا قاطعوها ‪ -‬يعني اليهود ‪ -‬فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك ثم أظهرك الله أن ترجع إىل قومك وتدعنا؟ قال‪:‬‬ ‫فتبسم رسول الله صىل الله عليه وسلم‪ ،‬ثم قال‪ :‬بل الدم الدم‪ ،‬والهدم الهدم )أي ذمتي ذمتكم وحرمتي حرمتكم(‪ ،‬أنا‬ ‫منكم وأنتم مني‪ ،‬أحارب من حاربتم‪ ،‬وأسامل من ساملتم‪.‬‬ ‫مادي ومن رشوطها أن ت ُط ّبق كامل ًة ال أن يُط ّبق جز ٌء منها ويُرتك جز ٌء‪ ،‬ومام‬ ‫ومام ورد نجد أن هذه االتفاقية ذات طابعٍ ٍّ‬ ‫قتل مستم ٌر فاذا أهدرتم الدم أهدرته وإن حاربتم أحارب معكم‪ ،‬وذكر‬ ‫يؤكد هذا حني قال الدم الدم والهدم الهدم أي ٌ‬ ‫يف الكامل يف التاريخ(‪ :)12‬وقال لهم العباس بن عبادة بن نضلة األنصاري‪ :‬يا معرش الخزرج هل تدرون عالم تبايعون‬ ‫هذا الرجل؟ تبايعونه عىل حرب األحمر واألسود‪ .‬هنا نجد أن هاتني العصابتني (األوس والخزرج) قد وجدتا مكانًا‬ ‫رسيًا لاللتقاء مع ٍ‬ ‫مالئم ُعرف بني العرب بدعوتهم‬ ‫قائد ٍ‬ ‫ملا يصبون إليه أال وهو أموال ونساء وأرايض العرب‪ ،‬ومام‬ ‫يؤكد كالمنا هذا قول النعامن بن حارثه‪ :‬أبایع الله عز‬ ‫وجل يا رسول الله‪ ،‬وأبايعك عىل اإلقدام يف أمر الله عز‬ ‫وجل‪ ،‬ال أرأف فيه القریب وال البعيد أي ال أعامل فيه‬ ‫بالرأفة والرحمة(‪.)13‬‬ ‫عدم الرحمة باملخالف وغري املنتمي كان االتفاق عليه من‬ ‫بداية اإلسالم وهذا ما عرفناه يف الحروب اإلسالمية‪.‬‬ ‫قريش بهذا واعرتضت وذهبت إىل الخزرج وسألوهم‬ ‫علمت ٌ‬ ‫ملاذا تبايعونه عىل حربنا؟ فأنكر الذين ال يعلمون بنص‬ ‫االتفاق من الخزرج‪ ،‬حيث ورد يف السرية(‪:)14‬‬ ‫غدت علينا جلة قريش‪ ،‬حتى جاءونا يف منازلنا‪ ،‬فقالوا يا‬ ‫معرش الخزرج‪ ،‬إنه قد بلغنا أنكم قد جئتم صاحبنا هذا‬ ‫تستخرجونه من بني أظهرنا وتبايعونه عىل حربنا‪.‬‬ ‫‪ -12‬الكامل يف التاريخ الجزء األول صفحه ‪.692‬‬ ‫‪ -13‬السرية الحلبية ‪ ،1-3‬إنسان العيون يف سرية األمني املأمون‪ ،‬ج‪2-‬ص‪.24‬‬ ‫‪ -14‬السرية النبوية البن هشام الجزء األول صفحه ‪.449‬‬

‫‪24‬‬


‫الصعاليك‬ ‫الجزء الرابع‬

‫كنان أحمد‬

‫فنجد أن الحرب هي االتفاق وسكوت املعاهدين عنها له َو أكرب دليلٍ عىل أنها ٌ‬ ‫رسي بالحرب فيام بينهم‪ ،‬فلو‬ ‫اتفاق ٌ‬ ‫حق وكان آباؤنا‬ ‫كانت ديني ًة لقالت قريش ً‬ ‫مثل‪ :‬هل تركتم دين أبائكم؟ ولكانوا أجابوهم نعم إننا وجدنا ما يدعو إليه ٌ‬ ‫مخطئني‪ ،‬فهم ليسوا خائفني ألنهم يف منازلهم‪ ،‬ولكن ِ‬ ‫السيّة فيها أكرب دليلٍ عىل أن االتفاق كان حربيًا وليس دينيًا‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫قريش جامع ًة خارج ًة عن القانون يف مدينتها وهي‬ ‫محمد وجامعته فلامذا متنع ٌ‬ ‫قريش حصا ًرا عىل‬ ‫بعد هذا فرضت ٌ‬ ‫مليئ ٌة بتلك الجامعات‪ ،‬وكان األفضل لها أن تتخلص منهم ولكنهم فهموا بنود املعاهدة‪ ،‬وبدأت الهجرة الرسية‪ ،‬وبعدها‬ ‫تقنع محم ٌد بقنا ٍع وخرج مع أيب بك ٍر قاص ًدا يرثب متآم ًرا مع أهلها ليعلن الحرب عىل أهله وعشريته وهو ما يفعله‬ ‫الصعاليك متا ًما‪ ،‬وكان يحب التقنع مثل ما ورد يف السرية الحلبية حيث قال‪ :‬كان يكرث التقنع وكان يقول عليه هذا الثوب‬ ‫داخل ليرثب أمرت بقري ٍة تأكل القرى يقولون يرثب وهي املدينة‬ ‫ال يؤدي شكره‪ .‬وكان الصعاليك يتقنعون وقال وهو ٌ‬ ‫تنفي الناس كام ينفي الكري خبث الحديد(‪.)15‬‬ ‫وهنا بدأت املعاهدة بالتنفيذ بينهم‪ ،‬وأولها كان املؤاخاة بني‬ ‫املهاجرين واألنصار‪ ،‬وهنا أحس محم ٌد باألمان فبدأ بدعوة صعاليك‬ ‫آخرين لينضموا له ومن بني من دعاهم من الصعاليك صعاليك‬ ‫مهم للمجرمني وقطّاع الطرق‪ ،‬حيث‬ ‫جبل تهامة فقد كانت مرك ًزا ً‬ ‫ورد يف لسان العرب تحت كلمة جامع‪ ،‬التايل‪ :‬كان يف جبل تهامة‬ ‫ٍ‬ ‫جامعات من قبائل شتّى متفرقة‪ ،‬فكتب‬ ‫جام ٌع غصبوا املارة أي‬ ‫لهم الرسول كتابًا كام ورد يف الطبقات الكربى ما ييل‪:‬‬ ‫وكتب رسول الله صىل الله عليه وسلم لجام ٍع كانوا يف جبل تهامة‬ ‫قد غصبوا املارة من كنانة ومزينة والحكم والقارة ومن ات ّبعهم من‬ ‫العبيد‪ ،‬فلام ظهر رسول الله صىل الله عليه وسلم وف َد منهم وف ٌد‬ ‫عىل النبي صىل الله عليه وسلم فكتب لهم رسول الله صىل الله‬ ‫ٍ‬ ‫محمد النبي‬ ‫كتاب من‬ ‫عليه وسلم (بسم الله الرحمن الرحيم هذا ٌ‬ ‫رسول الله لعباد الله العتقاء أنهم إن آمنوا وأقاموا الصالة وآتوا‬ ‫الزكاة فعبدهم ح ٌر وموالهم محم ٌد ومن كان منهم من قبيل ٍة مل‬ ‫دم أصابوه أو ما ٍل أخذوه فهو لهم وما‬ ‫يُر ّد إليها وما كان فيهم من ٍ‬ ‫كان لهم من دَينٍ يف الناس ُرد إليهم وال ظلم عليهم وال عدوان وأن‬ ‫لهم عىل ذلك ذمة الله وذمة محمد والسالم)(‪.)16‬‬ ‫‪ -15‬فتح الباري رشح صحيح البخاري ج‪ 4‬ص‪.104‬‬ ‫‪ -16‬الطبقات الكربى ‪ -‬ابن سعد ‪.1/278 -‬‬

‫‪25‬‬


‫الصعاليك‬ ‫الجزء الرابع‬

‫كنان أحمد‬

‫وكام نرى فقد ورد يف هذه الرسالة اآليت‪:‬‬ ‫‪ -1‬وموالهم محم ٌد ومن كان منهم من قبيل ٍة مل يُرد إليها أي أن لكم حاميتي وال تخافوا من جرامئكم السابقة فأنا‬ ‫سأحميكم‪.‬‬ ‫دم أصابوه أو ما ٍل أخذوه فهو لهم‪ ،‬أي ما رسقتموه من قبل هو ٌ‬ ‫حالل لكم‪.‬‬ ‫‪ -2‬وقال ً‬ ‫أيضا وما كان فيهم من ٍ‬ ‫فسيد إليكم ولكم حق‬ ‫‪ -3‬وورد ً‬ ‫أيضا وما كان لهم من ديْنهم يف الناس ُر ّد إليهم‪ ،‬أي إن ادعيتم أن لكم عىل الناس شيئًا ُ‬ ‫املطالبة به رغم أنهم يسلبون الناس ويرسقونهم‪.‬‬ ‫أيضا ال ظلم عليهم وال عدوان أي أنه حامهم وأبرأ ذمتهم‪.‬‬ ‫‪ -4‬وقال ً‬ ‫ومام سبق نجد أن محم ًدا ترأّس الصعاليك بل وحاول ضم أكرب عد ٍد منهم تحت رايته بطريق ٍة تحرتم أسلوب حياتهم‬ ‫ومبادئهم يف سلب الناس وقتلهم‪ ،‬وبدأ يكتب الكتب إىل القبائل يطلب منهم اإلسالم أو دفع الجزية يك يأمنوا رشه‬ ‫حسب املصدر السابق ( الطبقات الكربى البن سعد‪ ،278 /1 -‬قبله وبعده بعدة صفحات)‪.‬‬

‫‪ -10‬تأثري الصعاليك يف اإلسالم‬ ‫ٍ‬ ‫محمد وبدأ يطالب الناس بالدفع له أو أن يكون أم ًريا عليهم أو حسب ما يقوله هو رسولهم‪،‬‬ ‫رأَينا كيف قويِت شوكة‬ ‫فمثل نجد أن أبا بصريٍ ك ّون قو ًة‬ ‫وكانت الناس تخاف منه ألنه أعطى للصعاليك املوالني له واملنفصلني عنه حرية الترصف‪ً ،‬‬ ‫ال يستهان بها‪ ،‬ورد يف الدرر السنيه ما ييل‪ :‬وتفلَّت منهم أبو َج ْن َد ِل ب ُن ُسهيلِ بنِ عمرٍو ِ‬ ‫فلحق بأيب بَصريٍ فج َعل ال يخ ُر ُج‬ ‫قريش ر ُج ٌل أسلَم إال ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِمن ٍ‬ ‫لقريش إىل‬ ‫جت‬ ‫لحق بأيب بَصريٍ حتَّى اجت َمعت منهم عصاب ٌة‪ ،‬قال‪ :‬فوالل ِه ما يس َمعون ِب ِعريٍ خ َر ْ‬ ‫صل الل ُه عليه وسلَّم ت ِ‬ ‫ُناش ُده الل َه وال َّر َ ِح َم ل َ​َم‬ ‫بي َّ‬ ‫لت ٌ‬ ‫فأرس ْ‬ ‫الشَّ ِام إال اع َرتضوا لها فقتَلوهم وأ َخذوا أموالَهم َ‬ ‫قريش إىل ال َّن ِّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫جل وعال‪َ ﴿ :‬وه َو اذلي كف أيْد َِي ُه ْم‬ ‫صل الل ُه عليه وسلَّم إليهم فأن َزل الل ُه َّ‬ ‫بي َّ‬ ‫أرسل‬ ‫إليهم م َّمن أتاه فهو آ ِم ٌن َّ َ‬ ‫فأرسل ال َّن ُّ‬ ‫َ َْ ُ ْ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫عنكم وأيدِيكم عنهم ببطن مكة﴾ (الفتح‪ )24 :‬حتَّى بلَغ ﴿حِية َ‬ ‫الاهِل ِيةِ﴾ (الفتح‪ )26 :‬وكانت حم َّيتُهم أنَّهم مل‬ ‫ِ ِ‬ ‫(‪)17‬‬ ‫حيم ‪.‬‬ ‫نبي الل ِه ومل يُ ِق ُّروا بب ِْس ِم الل ِه ال َّرحمنِ ال َّر ِ‬ ‫يُ ِق ُّروا أنَّه ُّ‬ ‫حساب لجامعاته بعد ما كان طريق التجارة أمامها مفتو ًحا أصبحت تُرسق أموالها‪ ،‬وكام آوى‬ ‫قريش تحسب ألف‬ ‫فبدأت ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫إليه القتلة الذين لجأوا إليه حتى ال يُقتلون مثل املغرية بن شعبة حيث تع ّرف عليه عروة بن مسعود يف صلح الحديبية‬ ‫ٍ‬ ‫حديث طويلٍ وهذا جز ٌء منه‪:‬‬ ‫كام ورد يف البخاري يف‬ ‫‪ -17‬الراوي‪ :‬املسور بن مخرمة ومروان بن الحكم‪ ،‬املحدث‪ :‬ابن حبان‪ ،‬املصدر‪ :‬صحيح ابن حبان‪ ،‬الصفحة أو الرقم‪ ،4872 :‬خالصة حكم املحدث‪ :‬أخرجه يف صحيحه‪.‬‬

‫‪26‬‬


‫الصعاليكﰲ ﺻﻮرﺗني‬ ‫اﳌﻮت ‪..‬‬ ‫الجزء الرابع‬

‫اﻷﺳﺌﻠﺔ‬ ‫ﺗﺬﻛﺮت أن‬ ‫فقال ﺛﻢ‬ ‫واﻹﻧﺠﻴﻞ؟‬ ‫اﻟﻌﺪو‪ٍ .‬ر ألست‬ ‫فقالﻫﻮأي غد‬ ‫اﻟﻨﻮعبنﻣﻦشعبة‬ ‫قالواﻫﺬااملغرية‬ ‫من هذا؟‬ ‫اﻟﻘﺮآنرأسه‬ ‫ﻛﺘﺎﺑﺔ عروة‬ ‫فرفع‬ ‫أسعى يف غدرتك‪ ،‬وكان املغرية صحب قو ًما يف الجاهلية فقتلهم وأخذ أموالهم‬ ‫فأسلمﻳﺎ(‪.)18‬ﺗﺮى ﻣﺎ ﻫﻮ ﺗﺄﺛري اﻟﺠﺎذﺑﻴﺔ ﻋﲆ ﻧﺎر ﺟﻬﻨﻢ وﻫﻞ ﻣﻦ اﳌﻤﻜﻦ أن‬ ‫جاءﻧﻔﴘ‬ ‫ﺳﺄﻟﺖ‬ ‫ثم‬ ‫ﺛﻘﺐ أﺳﻮد ﺑﺴﺒﺐ ازدﻳﺎد ﻛﺘﻠﺘﻬﺎ؟ ﻣﻦ اﳌﻌﺮوف أن اﻟﻜﻔﺎر ﻛ ٌرث وأﻏﻠﺐ‬ ‫ﺗﺘﺤﻮل إﱃ ٍ‬ ‫ﻋﲆ‬ ‫ﺗﺤﺘﺎج‬ ‫اﳌﻄﺎف ﻫﻨﺎ‪.‬‬ ‫ﺳﻴﻨﺘﻬﻲ ﺑﻬﻢ‬ ‫وهؤالءاﻷرض‬ ‫ﺳﻜﺎن‬ ‫ﻣﻠﻴﺎر ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ﻟﺘﻨﻬﺎركانوا‬ ‫ﺟﻬﻨﻢ أنهم‬ ‫تحفظ رغم‬ ‫إﻧﺴﺎنٍأو‬ ‫قيد‬ ‫اإلسالميﻛﻢبدون‬ ‫املجتمع‬ ‫اندمجوا مع‬ ‫أﺳﻮد؟‬ ‫ﻧﻔﺴﻬﺎ‬ ‫وﺗﺘﺤﻮل طرقٍ ٍ‬ ‫عهدهم باإلسالم ورغم كل هذا أصبحوا عىل قد ٍر كبريٍ‬ ‫ﻟﺜﻘﺐقبل‬ ‫لصوصا وقطاع‬ ‫ً‬ ‫يف اإلسالم‪ ،‬فمثال‪:‬‬ ‫صعاليك ﻟﻜﻦ ﳌﺎذا‬ ‫من ﻣﺤﻤﻮد‪،‬‬ ‫كان ﻏري‬ ‫اﻷﺳﺌﻠﺔ‬ ‫ﺗﺬﻛﺮت أن‬ ‫ﺑﻌﻘﻞٍ​ٍة‬ ‫اﳌﻌﻠﻢًا لفرت‬ ‫ﺧﻠﻘﻨﻲصعلوك‬ ‫الجاهلية وبقي‬ ‫ﻣﻦ أنه‬ ‫اﻟﻨﻮعسابقًا‬ ‫ﻫﺬارأينا‬ ‫الغفاري‬ ‫ﺛﻢأبو ذر‬‫أسلم‪ .‬وﻳﺤﺎﻛﻢ اﳌﻌﻠﻮﻣﺎت‪ ،‬ﺛﻢ ﻳﻌﺎﻗﺒﻨﻲ ﻋﲆ اﺳﺘﺨﺪام ﻣﺎ ﺧﻠﻘﻪ ﱄ؟‬ ‫ﻫﺬهأناﻷﺳﺌﻠﺔ‬ ‫ﻳﻄﺮحبعد‬ ‫حتى‬ ‫سنة ٍ‬ ‫داﺧﻞ‬ ‫عمرأﻛﻮن‬ ‫ﺗﻌﻮض أن‬ ‫قائد ﻓﺮﺻ ٍ ٌﺔ‬ ‫أصبحﻟﻜﻨﻬﺎ‬ ‫إﱃ اﻷﺑﺪ‬ ‫ﺻﺤﻴﺢ أﻧﻨﻲ‬ ‫أﺳﺌﻠ ًﺔ‬ ‫ﻛﻔﻰ‬‫ثالث‬ ‫جيش ﻻبأم ٍر من‬ ‫ﺳﺄﺣﱰقوقد‬ ‫الدائيل الكناين‬ ‫ساريه‬ ‫بن‪ ،‬زنيم ٌ‬ ‫وعرشين ٍ‬ ‫أﻣﻮت‪ٍ .‬ر يف اإلصابة أنه كان خلي ًعا يف الجاهلية‬ ‫عنهأنابن حج‬ ‫هجرية وقد‬ ‫قالدون‬ ‫وأرﺻﺪﻫﺎ‬ ‫ﺗﻔﺎﻋﻼت‬ ‫ﻫﻜﺬا‬ ‫كثري الغارة وأنه كان يسبق الفرس ع ْد ًوا عىل رجليه‪،‬‬ ‫املوت‬ ‫أناس ال‬ ‫وكيف ال‬ ‫عليهم‬ ‫ﺟﻬﻨﻢالنبي‬ ‫فنالحظﻧﺎراعتامد‬ ‫فقدا‬ ‫ﻛﺎﻣري‬ ‫يهابونوﺟﻮد‬ ‫ﻻﺣﻈﺖ‬ ‫ﻟﻜﻨﻲ‬ ‫وأﺗﻌﺬب‪،‬‬ ‫أﴏخ‬ ‫والصحابة وأﻧﺎ‬ ‫وﺑﺪأ اﻟﻌﺬاب‬ ‫دﺧﻠﺖ‬ ‫وهم ٌ‬ ‫َ‬ ‫كانوا يغريون عىل القافلة بأعدا ٍد قليلة‪ ،‬ولعل اآلية التالية تؤكد ذلك‪﴿ :‬يَا أ ُّيهاَ‬ ‫ﻋﺬايب ْوﺗﺒﺜﻪ ﻷﻫﻞ اﻟﺠﻨﺔ ﻟيك ﻳﺘﻤﺘﻌﻮا ﺑﻌﺬايب‪.‬‬ ‫ﰲ أﻋﲆ ﺟﻬﻨﻢ ْﺗﺼ ّﻮر‬ ‫َ​َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬

‫ب َح ّر ِض ال ُمؤ ِمن َ‬ ‫ِني ع القِ َتال ۚ أن يَكن ّمِنك ْم ع ُ‬ ‫انلَّ ُّ‬ ‫ِشون َصاب َِ ُرون َيغل ُِبوا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ُ ْ َ ْ ٌ َّ‬ ‫َ ُ ّ ُ ّ َ ٌ َ ْ ُ َ ْ ً ّ َ َّ َ َ َ‬ ‫َ​َْ‬ ‫ُ‬ ‫ﻳﺸﻔﻮام قوم ل‬ ‫كفأنروا بِأنه‬ ‫اﻟﻴﻮممِن الِين‬ ‫اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ألفا‬ ‫ﻣﻘﺎﻻيتة يغل ِبوا‬ ‫ِنكم مِائ‬ ‫كن م‬ ‫اﳌﺆﻣﻨﻮنِإَون ي‬ ‫يۚ‬ ‫مِائت ِ‬ ‫ﻏﻠﻴﻠﻬﻢ‪،‬‬ ‫ﻳﺴﺘﻄﻴﻌﻮن‬ ‫ﺗﺤﻤﻠﻮا‬ ‫اﻟﺬﻳﻦ‬ ‫ََُْ َ‬ ‫يف‬ ‫أﺣﱰق(األنفال‪:‬‬ ‫ﻫﺎقهأﻧﺎون﴾‬ ‫وأﺗﻌﺬب‪.)65‬وﻫﻢ ﻋﲆ اﻷراﺋﻚ ﻣﺘﻜﺌﻮن‪ ،‬ﻓﺮﺣني مبﺎ أﻋﻄﺎﻫﻢ اﳌﻌﻠﻢ ﻣﻦ‬

‫ٍ‬ ‫وإﺟﺎص وﻧﺒﻴﺬ‪ ،‬اﻟﺬﻛﻮر ﻳﻀﺎﺟﻌﻮن اﻟﺤﻮرﻳﺎت واﻟﻨﺴﺎء ﻳﺸﺎﻫﺪن أزواﺟﻬﻦ‬ ‫ﻓﺎﻛﻬ ٍﺔ‬ ‫الصعاليك‪.‬‬ ‫وهكذاﻛﻢكان‬ ‫وﻳﺤﻔالواحد‬ ‫أي‬ ‫ﻫﻢ ﺳﻌﺪاء؟!‬ ‫بعرش ٍةاﳌﺰﻳﺪ‪.‬‬ ‫ّﺰﻧﻬﻢ ﻋﲆ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫محمد ألن الصعاليك ات ّبعته‪ ،‬فقد ذُكر يف‬ ‫محمد أيب طالب بنرص‬ ‫وقد توقع ع ّم‬ ‫العالمة‬ ‫رشح‬ ‫الزرقاين(‪:)19‬‬ ‫ﻣﺘﻜﺌني إﱃ اﻷﺑﺪ‪ ،‬ﻳﺄﻛﻠﻮن اﻹﺟﺎص وﻳﺘﻀﺎﺟﻌﻮن دون ﺗﻮﻗﻒ‪،‬‬ ‫ﻋﲆ اﻷراﺋﻚ‬ ‫ﺳﻴﺒﻘﻮن‬ ‫أجابوا دعوته وصدقوا كلمته وعظموا أمره‬ ‫كأين أنظر‬ ‫صعاليك ﻟﻪالعرب ٌ‬ ‫ﻣﻨﺰلقدﻫﻨﺎك‪.‬‬ ‫ﴫإىلﻫﻨﺎ وذاك‬ ‫ﻫﺬا ﻟﻪ ﻗ ٌ‬ ‫فخاض بهم غمرات املوت‪.‬‬

‫ﻳﻮﺟﺪ أﻧﻬﺎ ٌر ﻣﻦ اﻟﻨﺒﻴﺬ اﻟﺬي ﻻ ﻳﺴﻜﺮ أو ﻣﺎ ﻛﻨﺎ ﻧﺴﻤﻴﻪ ﻋﺼ ًريا ﻋﲆ اﻷرض‪ ،‬أﻧﻬﺎ ٌر‬ ‫قريش يف القرآن بسبب وجود الصعاليك وقالوا لو كان خ ًريا ما سبقنا إليه‬ ‫اﻟﻌﺼري‪ٌ .‬‬ ‫وطعنت‬ ‫ﻣﻦ‬ ‫تعليق عىل سوره األحقاف‪ ،‬بل وعظّمهم‬ ‫يف‬ ‫ازي‬ ‫ر‬ ‫ال‬ ‫تفسري‬ ‫يف‬ ‫هذا‬ ‫ُكر‬ ‫ذ‬ ‫و‬ ‫هؤالء‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫النبي وأعىل من شأنهم وكان يحبهم‪ ،‬كيف ال وقد حكم بسبب وجودهم معه‪،‬‬ ‫ﻓﺠﺄ ٌة ﺧﻄﺮت ﰲ ﺑﺎﱄ ﻓﻜﺮة‪ ،‬ﻣﺎ ﻫﻲ اﻟﻐﺎﻳﺔ ﻣﻦ ﺟﻨﺎنٍ ﻟﻠﻤﻀﺎﺟﻌﺔ إﱃ اﻷﺑﺪ؟ ﻛﻴﻒ‬ ‫حيث ورد‪:‬‬ ‫ﺗﻜﻮن ﻫﺬه اﻟﺠﻨﺎن ﻫﻲ اﻟﺠﻮاب ﻋﲆ اﻟﻮﺟﻮد وﻋﻈﻤﺔ اﻟﻜﻮن؟ ﺛﻢ ﺗﺬﻛﺮت أن ﻫﺬا‬ ‫ﻋﲇ‪.‬الجامع الصحيح املخترص‪ ،‬دار ابن كثري‪ ،‬الياممة – بريوت‪.2/974 ،‬‬ ‫الجعفي‪،‬‬ ‫البخاري‬ ‫عبدالله‬ ‫بن إسامعيل‬ ‫‪-18‬‬ ‫ﻗﴣ‬ ‫اﻟﺬي‬ ‫اﻷﺳﺌﻠﺔأبوﻫﻮ‬ ‫محمدﻣﻦ‬ ‫اﻟﻨﻮع‬ ‫‪ -19‬رشح العالمة الزرقاين عىل املواهب اللدنية باملنح املحمدية‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.47‬‬

‫‪27‬‬ ‫‪36‬‬

‫ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻋﲆ اﻟﻔﻴﺴﺒﻮك‬


‫الصعاليك‬ ‫الجزء الرابع‬

‫كنان أحمد‬

‫ قالت قريش‪ :‬يا رسول الله إنّا ال نرىض أن نكون أتبا ًعا لهم فاطردهم عنك‪.‬‬‫عن أيب ٍ‬ ‫جالسا معهم وإن بعضهم ليسترت ٍ‬ ‫ببعض من العري‪ ،‬وقارئٌ لنا‬ ‫سعيد الخدري قال‪ :‬كنت يف عصاب ٍة من املهاجرين ً‬ ‫يقرأ علينا‪ ،‬فكنا نستمع إىل كتاب الله‪ ،‬فقال رسول الله‪ :‬الحمد لله الذي جعل من أمتي من أُمرت أن أصرب معهم نفيس‪،‬‬ ‫قال «ثم جلس رسول الله صىل الله عليه وسلم وسطنا ليعدل نفسه فينا‪ ،‬ثم قال بيده هكذا» فاستدارت الحلقة وبرزت‬ ‫وجوههم‪ ،‬قال‪ :‬فام عرف رسول الله أح ًدا منهم غريي‪ ،‬فقال رسول الله‪ :‬أبرشوا معارش صعاليك املهاجرين بالنورالتام يوم‬ ‫القيامة‪ ،‬تدخلون الجنة قبل األغنياء بنصف يوم‪ ،‬وذلك خمسامئة عام(‪.)20‬‬ ‫ونالحظ هنا أن قريشً ا نفرت من الصعاليك‪ ،‬ومحم ٌد أعىل من شأنهم بل وأدخلهم الجنة قبل األغنياء أي األسياد وما‬ ‫وفضل الصعاليك املجاهدين عىل الصدقات‬ ‫هذا إال تق ّربًا منهم‪ ،‬بل أنه كان يستفتح بهم صبا ًحا كام ورد يف أُسد الغابة‪ّ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫صعلوك من صعاليك املهاجرين يجر سوطه‬ ‫الكبرية حيث ورد يف كنز العامل ‪ :10683‬أعجبكم صدقة ابن عوف‪ ،‬لروعة‬ ‫يف سبيل الله أفضل من صدقة ابن عوف‪.‬‬ ‫عن سعيد بن أيب هالل أنه بلغه أن عبد الرحمن بن ٍ‬ ‫عوف تصدق بصدق ٍة فأعجب لها الناس حتى ذُكرت عند النبي صىل‬ ‫الله عليه وسلم‪ ،‬قال‪ :‬فذكره(‪.)21‬‬ ‫وكام وجدنا أن محم ًدا أخذ ق ّوته من الصعاليك‪ ،‬فقد كانوا حجر األساس يف الدولة اإلسالمية األوىل‪ ،‬ومن أهم األسباب‬ ‫ٍ‬ ‫محمد هو أنهم كانوا مترشذمني ومتفرقني ووجدوا عنده تجم ًعا‪ ،‬وهذا أعطاهم القوة‪،‬‬ ‫التي دعت الصعاليك إىل اتّباع‬ ‫يغيوا املجتمع‪ ،‬فكام رأينا أن الصعاليك مل يكن جميعهم مجرمني ولكن هناك من ثار عىل عادات‬ ‫وأصبح بإمكانهم أن ّ‬ ‫ٍ‬ ‫منطلقات كرمي ٍة‬ ‫قبيلته وثار عىل أغنيائها ورفض أن تجوع القبيلة ويصبح أفرادها خد ًما لألغنياء‪ ،‬فمنهم من كان ذوي‬ ‫ولكن قسوة الحياة هي ما جعلته عىل تلك الشاكلة ف ُخلط الصالح بالطالح‪ ،‬وتغريت انتامءاتهم بعد أن كان والءهم‬ ‫ألفراد القبيلة أصبح ضدها وأصبح مع إخوته املظلومني والظاملني‪ ،‬فأىت محم ٌد وو ّحدهم وليس هذا فقط بل جعل‬ ‫قوانينهم من صلب العقيدة اإلسالمية‪:‬‬ ‫‪ -1‬الوالء والرباء وهي أهم عقيد ٍة جمعت املسلمني إىل اآلن‪ ،‬أي أن توايل املسلمني وأن تتربأ من املرشكني ولو كانوا أهلك‬ ‫وأفراد عشريتك وال بأس بقتلهم أو سلبهم وهذا ما وعرفناه عن الصعاليك سابقًا‪.‬‬ ‫يقسم الغنائم بني املحاربني‪ ،‬وجعل له الخمس وهذا‬ ‫‪ -2‬تقسيم الصعاليك نتاج الغزوة وهذا ما فعله النبي عندما كان ّ‬ ‫أقل مام كان يأخذه زعيم الصعاليك‪ ،‬حيث ورد أن حاج َز بن ٍ‬ ‫عوف أحد زعامء الصعاليك كان عمه يأخذ الربع‬ ‫نصيب ّ‬ ‫ٌ‬ ‫من الغنيمة وحتى أن محم ًدا وضع سور ًة كاملة يف األنفال‪ ،‬أي الغنائم‪.‬‬ ‫‪ -20‬البداية والنهاية‪ ،‬موقع يعسوب‪.6/65 ،‬‬ ‫‪ -21‬كنز العامل ‪ -‬املتقي الهندي ‪ -‬ج ‪ - 4‬الصفحة ‪.317‬‬

‫‪28‬‬


‫الصعاليك‬ ‫الجزء الرابع‬

‫كنان أحمد‬

‫شق ألم قرفة وقطع رأسها والطواف به يف‬ ‫‪ -3‬التمثيل بأجساد الناس وهذا ما سمح به أثناء الغزوات كام حدث من ٍّ‬ ‫املدينة رغم أن املسلمني ينكرون هذا‪ ،‬ولكن هذا ما وجدناه خالل الغزوات من ذب ٍح وقتلٍ ومتثيلٍ ليك يهابهم العد ّو‪ ،‬وال‬ ‫ننىس أب ًدا ترشيع اإلسالم الدموي بقطع األيادي واألرجل من ٍ‬ ‫خالف وسمل عيون العرنيني‪.‬‬ ‫‪ -4‬السامح لهم بالقتل عن طريق الحروب بحجة نرش اإلسالم‪.‬‬ ‫‪ -5‬السامح لهم بسلب أموال القبيلة املغزية ِ‬ ‫وأخذ ديارهم واستعباد نسائم وأطفالهم‪ ،‬وهذا ما وعد به القبائل العربية‬ ‫ٍ‬ ‫صعلوك ال يحب الحصول عىل النساء!؟‬ ‫أيضا‪ ،‬وأي‬ ‫يف بداية دعوته‪ ،‬ووعد به الصعاليك ً‬ ‫‪ -6‬السامح بالغدر والخداع من أجل القضاء عىل أعدائه وخري مثال عىل ذلك قتل كعب بن األرشف غد ًرا‪.‬‬ ‫‪ -7‬ومن صفاتهم التي تأثر بها اإلسالم هي مواجهه األخطار والعدد الكبري بالقلّة وعدم الهروب‪ ،‬ونجد هذا واض ًحا‬ ‫َ​َْ‬ ‫َ ُ ّ ُ ْ ْ ُ َ َ ُ َ َ ْ ُ‬ ‫بالحث عىل القتال يف ٍ‬ ‫ي﴾‪( ،‬األنفال‪.)65 :‬‬ ‫آيات مثل‪﴿ :‬إِن يكن مِنكم عِشون صابِرون يغل ِبوا مِائت ِ‬ ‫‪ -8‬بث الرعب يف قلوب األعداء وهي واضح ٌة يف القرآن حيث قال يف سورة األنفال‪:‬‬

‫َ َ ُّ َ ُ َّ ْ َ َ ْ ُ ّ ُ‬ ‫َْ ْ ُ ْ ُ َ‬ ‫ُ ْ َ َ ْ َ ُ َ ُ ُ َّ‬ ‫َ ُ َّ َّ َ َ ُ َّ ُ ْ َ َ‬ ‫َ‬ ‫اللُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫اط الي ِل ترهِبون بِهِ عدو اللِ وعدوكم وآخ ِرين مِن دون ِ ِهم ل تعلمونهم‬ ‫﴿وأعِدوا لهم ما استطعتم مِن قو ٍة ومِن رِب ِ‬ ‫َ َُْ​ُ ْ َ​َ ُ ُ‬ ‫َّ ُ َ َّ َ ْ ُ ْ َ َ ُ ْ َ ُ ْ َ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫يل اللِ يوف إِلكم وأنتم ل تظلمون﴾ (األنفال‪.)60 :‬‬ ‫يعلمهم ۚ وما تنفِقوا مِن ش ٍء ِف سب ِ ِ‬

‫صتُ بِال ُّر ْع ِب َم ِس َري َة شَ ْهرٍ‪َ ...‬وأُ ِحل َّْت ِ َل ال َغ َنائِ ُم َولَ ْم ت َِح َّل ِلَ َح ٍد قَبْ ِل»(‪.)22‬‬ ‫وكام قال الرسول‪« :‬نُ ِ ْ‬ ‫وهذا ما وجدناه يف صفات الصعاليك سابقًا‪.‬‬

‫‪ -9‬قطع الرؤوس هي عاد ٌة اختص بها الصعاليك ومحم ٌد أخذ منهم هذا األمر كام فعل برؤوس بني قريظة وقط ُع رأس‬ ‫املرتد‪.‬‬ ‫‪ -10‬ومن التأثريات املهمة التي كانت من صفات الصعاليك وقوانينهم هو حقهم بانتزاع أي يش ٍء من مالكه‪ ،‬وهي نفس‬ ‫الفلسفة اإلسالمية يف الغزوات وهي حقهم يف أخذ وانتزاع أي يش ٍء من أصحابه بحجة أنهم كفر ٌة مرشكون‪.‬‬ ‫ولعل ما حافظ عىل تكتل املسلمني بعضهم مع ٍ‬ ‫بعض هي عقيدة الوالء والرباء فهي الرس وراء انتامء املسلمني لبعضهم‬ ‫رغم أنهم من قبائل ودو ٍل مختلفة‪ ،‬واستعدادهم ملحاربة أهلهم إن كانوا غري مؤمنني وهذه من أوامر القرآن‪.‬‬ ‫‪ -22‬صحيح البخاري ‪-‬كتاب الصالة‪ -‬حديث ‪.433‬‬

‫‪29‬‬


30


‫املــــلـــحــــد‬

‫«إن إنسان ّيتي ال تتمثّل يف التعاطف مع اإلنسان‬ ‫يف وجوده‪ ،‬بل يف أن أتح ّمل الشعور به إىل جانبي»‬ ‫نيتشه‬

‫طارق الشيباين‬ ‫‪31‬‬


‫امللحد‪..‬‬ ‫طارق الشيباين‬

‫يل املاء البارد للم ّرة الثانية‪،‬‬ ‫عندما سكبوا ع ّ‬ ‫قائل‪ :‬لقد قلت لكم للم ّرة األلف أنا لست ُملح ًدا‪...‬‬ ‫رصخت ً‬ ‫قالوا‪ :‬ومبن تؤمن؟‬ ‫ٍ‬ ‫محمد ورب عيىس وموىس‪...‬‬ ‫قلت‪ :‬برب‬ ‫وأؤمن حتى بأرباب األوملب‪...‬‬ ‫يل‬ ‫أعادوا رضيب وأنا ملقًى عىل األرضية اإلسمنتية للزنزانة‪ ،‬ثم سكبوا ع ّ‬ ‫يل‬ ‫املاء البارد مر ًة أخرى‪ ،‬ومن فوق النعال امللط ّـخة بدمي‪ ،‬بصقوا ع ّ‬ ‫وقالوا‪ :‬يا ابن املومس‪...‬لقد م ّر علينا أمثالك باآلالف‪...‬‬ ‫تركوين ملقًى عىل األرض‪ ،‬غارقًا يف دمايئ وقيئي ومائهم البارد‪...‬وغادروا‪.‬‬ ‫عادوا صبا ًحا ليحملونني إىل مستشفى السجن‪ ،‬يبدو أ ّن الطبيب‪ ‬قال لهم هناك‪ّ ،‬أن أوشك عىل املوت‪.‬‬ ‫ضمدة متت ّد من أ ّول ظهري‬ ‫تحسست بطني‪ ،‬فوجدت بالفعل ّ‬ ‫كليتي‪ّ .‬‬ ‫عندما أفقت‪ ،‬أخربين الطبيب ّأن فقدت إحدى ّ‬ ‫حتى أسفل بطني‪...‬‬ ‫أملَّ ّيب حز ٌن عارم‪ ،‬ال ألجيل ولكن ألجل أمي‪ ،‬فكيف سأخربها أين فقدت أحد أعضايئ وهي التي منحتني األعضاء كلها‬ ‫سامل ًة معافاةً‪ .‬وها أنا أعود إليها خائ ًنا لألمانة؟‪...‬‬ ‫ٍ‬ ‫ضعيف يض ّخ بالكاد د ًما إىل رأيس‪...‬‬ ‫وقلب‬ ‫وقص مكسورين ورئتني مهرتئني بعفونة السجن ٍ‬ ‫كِلي ٌة ناقص ٌة وعظم ساقٍ ٍّ‬ ‫عندما سألني املحامي‪ :‬هل اعرتفت لهم بكتابتك لتلك املقاالت؟‬ ‫محام يف الكون‪ ،‬ألن املقالتني كانتا بني يديه وأسفلهام يقع‬ ‫تأكدت من أمرين يف نفس الوقت‪ ،‬وهام أين أوكـلت أغبى ٍ‬ ‫الصحف‪ ‬وتأكدّتُ كذلك ّأن لن أخرج من هذا السجن بسببه عىل األقل‪ ،‬وهو‬ ‫اسمي وإمضايئ‪ ،‬وقد نُرشتا بالفعل يف ُ‬ ‫وأتلفت األعضاء التي منحتني‬ ‫ما ساءين بالفعل ألين لن أجد الوقت حتى‪ ‬ألستمح العذر من أمي التي خنت أمانتها‬ ‫ُ‬ ‫إيّاها‪.‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫بعد أسبو ٍع جاءوا ثاني ًة وحملوين إىل السجن‪.‬‬ ‫أيضا مثقفون مثلك ونعرف نظريات ماركس وقرأنا حتى مقوالت أفريل للينني والبيان الشيوعي‪،‬‬ ‫‪ ‬قال يل املحقق‪ :‬نحن ً‬ ‫فلامذا تتعامل معنا عىل أننا أغبيا ٌء وال تقل الحقيقة التي سوف تريحك وتريحنا؟‬ ‫‪32‬‬


‫امللحد‪..‬‬ ‫طارق الشيباين‬

‫قلت له‪:‬‬ ‫ صدقني يا سيدي‪...‬أنا لست شيوع ًيا ومل أقرأ كتب ماركس‪ ،‬وهذه املقوالت للينني مل أسمع عنها ق ٌط يف حيايت‪.‬‬‫قال‪:‬‬ ‫بالشء ال أكرث؟‬ ‫ حس ًنا‪ ...‬ومبا أنك املثقف الوحيد يف البلد هل يل أن أطرح عليك بعض األسئلة من باب العلم ّ‬‫تفضل يا سيدي‪...‬‬ ‫كانت النربة التي تح ّدث بها تقطر ُسخرية‪ ،‬ولك ّني قلت‪ّ :‬‬ ‫قال‪ :‬ما هوعدد ركعات صالة املغرب؟‬ ‫قلت‪ :‬ثالث‪...‬األوىل والثانية بالفاتحة والسورة جه ًرا‬ ‫رسا‪...‬‬ ‫والثالثة بالفاتحة وحدها ًّ‬ ‫قال‪ :‬هذا ليس سيئًا ولكن قل يل ما هي أ ّول آي ٍة يف‬ ‫سورة التوبة؟‬ ‫قلت‪ :‬إنها السورة الوحيدة يف القرآن التي ال ت ُفتح‬ ‫بالبسملة وإنّ ا هكذا‪ »:‬براء ٌة من الله ورسوله‪»...‬‬ ‫قال وقد بدا عليه بعض االضطراب‪ :‬وهل هي مكّي ٌة أم‬ ‫مدن ّية؟‬ ‫قلت‪ :‬مدن ّية‪.‬‬ ‫قال‪ :‬حس ًنا‪...‬ماذا يفعل اليهود يف أحد أيّام األسبوع؟‬ ‫قلت‪ :‬إنّه يوم السبت‪...‬حيث ال يفعلون شيئًا بامل ّرة‪.‬‬ ‫قال‪ :‬وملاذا؟‬ ‫قلت‪ :‬ال عمل‪...‬ال طبخ وال طهي وال‪ ‬صيد وال حتى‪ ‬إشعال شمع ٍة أوإيقاد مصباح‪...‬‬ ‫سأل وقد متكن منه الفضول شيئًا ما‪ :‬وملاذا؟‬ ‫الرب اإلله يف يوم السبت بعد أن‬ ‫أجبته‪ :‬كام قال إريك فروم يف أحد كتبه‪« :‬هو يوم التّصالح مع الطبيعة‪...‬حيث ارتاح ّ‬ ‫أت ّم الخلق‪...‬فلندع الطبيعة أو الكون‪ ،‬يسرتح من استهالكنا له‪ ،‬الذي ال ينتهي‪»...‬‬ ‫قال‪ :‬ومن هو إريك فروم هذا؟‬ ‫‪33‬‬


‫امللحد‪..‬‬ ‫طارق الشيباين‬

‫قلت‪ :‬إنّه عىل األرجح عامل ألسني ٍة واجتام ٍع إنكليزي‪.‬‬ ‫قال‪ :‬حس ًنا‪ ...‬فلنتحدث اآلن عن عيىس‪ ...‬ماذا يُدعى تالميذه؟‬ ‫قلت‪ :‬الحواريّون‬ ‫قال‪ :‬من كان الخائن؟‬ ‫قلت‪ :‬يهوذا‬ ‫سأل‪ :‬وكيف ت ّم كشفه؟‬ ‫قلت‪ :‬يف العشاء األخري‪.‬‬ ‫سأل‪ :‬أين ُولد عيىس؟‬ ‫قلت‪ :‬يف مدينة النارصة بفلسطني‪ .‬ولهذا يسمى املسيحيون كذلك‬ ‫بال ّنصارى(‪...)1‬وقد ه ّجره اليهود من مدينته ولهذا‪ ‬ميكن اعتباره‬ ‫حق العودة‪...‬‬ ‫أ ّول الجئ فلسطيني يف التاريخ‪ ...‬وهو إىل اآلن بانتظار ّ‬ ‫‪ ‬‬ ‫قال‪ :‬يبدو أن األمور ستكون معك صعب ًة للغاية‪...‬ولكن ال يه ّم‪...‬نحن أهل النفَس الطويل‪...‬سوف تنقطع أنفاسك‬ ‫منل‪.‬‬ ‫آجل ألنّنا وحدنا الذين ال ّ‬ ‫عاجل أم ً‬ ‫ً‬ ‫ثم مللم أوراقه التي كان يد ّون فيها إجابايت وانرصف‪.‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫بعد شه ٍر تقطّعت بالفعل أنفايس يف السجن‪ ،‬فقلت للمحقّق‪:‬‬ ‫ أنا كاف ٌر‪ ‬وملح ٌد ٌ‬‫وتحريف عند املسلمني واإلرساء واملعراج هو‬ ‫ونذل وأعرتف‪ .‬أعرتف‪ ،‬أ ّن دين املسيح هو أكذوب ٌة‬ ‫ٌ‬ ‫أضحوك ٌة عند اليهود وأعرتف أ ّن أديانكم الساموية الثالث‪ ،‬ليست إالّ أساطري األ ّولني بالنسبة للبوذيني والسيخ وعبدة‬ ‫األوثان وحتى البقر‪ ...‬نعم أعرتف بكل هذا‪ ،‬فهل يل أن أميض أسفل أقوايل؟‬ ‫سلمني أربعة أوراقٍ طويل ٍة عريض ٍة مرقون ٍة ٍ‬ ‫بولييس وقال‪:‬‬ ‫بخط‬ ‫ٍّ‬ ‫ هنا‪ ...‬وقـ ّـع أيّها املغوار‪.‬‬‫أمضيت دون حتى‪ ،‬أن أقرأ ما كُتب يف تلك األوراق‪ ،‬وذلك‪ ‬بعد أن قلت يف نفيس‪ :‬عىل األقل سوف لن تحتوي قرار‬ ‫إعدامي يف القريب العاجل‪...‬‬ ‫وفكّرت يف إله الفراعنة آمون‪ .‬ذلك اإلله الذي ُعبد طيلة خمسة ٍ‬ ‫عام دون انقطاع‪...‬‬ ‫آالف ٍ‬ ‫‪ -1‬إن النسب إىل النارصة يكون نارصيني وليس نرصانيني‬

‫‪34‬‬


‫امللحد‪..‬‬ ‫طارق الشيباين‬

‫أكرث إل ٍه ُعبد من طرف البرشيّة يف تاريخ البرشيّة‪ ،‬ثم نُيس بامل ّرة‪...‬فكم سوف يستم ّر هؤالء؟‪...‬‬ ‫تتول أ ّمي مترييض وأتلقى من ح ٍني آلخر زيار ًة من أقاريب وأصدقايئ‪،‬‬ ‫يض أسبو ٍع وأنا ملقًى يف الفراش‪ ،‬حيث ّ‬ ‫بعد ُم ّ‬ ‫قالت يل أمي‪ :‬إ ّن فتا ًة تدعى مريم وهي ابنة إمام املسجد‪ ،‬تريد أن تزورك فهل تعرفها؟‬ ‫أجبت بكل براءة‪ ،‬فقد اعتدتُ بالفعل أساليب‬ ‫التحقيق‪:‬‬ ‫ ال أعرفها‪...‬من تكون؟‬‫قالت أمي‪:‬‬ ‫ حاول أن تتامسك وكن قويًا‪ ...‬لقد أعجبتني الفتاة‪...‬‬‫إنّها جميلة‪ ...‬قد أخطبها لك‪.‬‬ ‫وعندما دخلت مريم إىل غرفتي‪ :‬رأتني‪ ،‬فأجهشت‬ ‫بالبكاء وقالت‪:‬‬ ‫ سامحني‪...‬أرجوك‪...‬‬‫فلم أعرف كيف قلت أليب أن ّـك ُمــلـــــحـــــد؟؟‬

‫كتاب أخطاء القرآن حيصر أكثر من‬ ‫ألفني ومخسمائة خطأ لغوي يف القرآن‬ ‫ويرتجم النص القرآني لثالث لغات‬ ‫ويقدمه ألول مرة بالرتتيب التارخيي‬ ‫الصحيح‬ ‫ً‬ ‫متوفر اآلن على موقع أمازون وجمانا‬ ‫على الرابط التايل‬ ‫‪goo.gl/emoQDp‬‬

‫األخطاء اللغوية يف‬

‫ال���� ال��ي�‬ ‫د‪ .‬سامي الذيب‬

‫‪35‬‬


‫ﻣﺠﻠﺲ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ‬ ‫اﻟﺴﺎﺑﻘﯿﻦ ﻓﯽ ﺑﺮﯾﻄﺎﻧﯿﺎ‬

‫‪Council of Ex-Muslims of Britain‬‬ ‫‪www.ex-muslim.org.uk‬‬

‫ﻧﺤ‬

‫ﻦﻣ‬ ‫ﺴ‬ ‫ﻠ‬ ‫ﻤ‬ ‫ﻮ‬ ‫نﻧ‬

‫ﺒﺬ‬

‫ﻧﺎ دﻳﻨﻨﺎ‬

‫ﺑﱰﻛﻨﺎ اﻹﺳﻼم ﻧﻜﴪ ﻣﺤ ّﺮﻣﺎﺗﻪ‪ ،‬ﻟﻜﻨﻨﺎ ﰲ ذات اﻟﻮﻗﺖ ﻧﻌﻤﻞ ﻋﲆ ﺗﺪﻋﻴﻢ اﻟﻌﻘﻼﻧﻴﺔ واﻟﺤﻘﻮق واﻟﻘﻴﻢ اﻟﻌﺎﳌﻴﺔ‬ ‫واﻟﻌﻠﻧﻧﻴﺔ‪ .‬وﰲ ﻧﺸﺎﻃﻨﺎ ﻧﻄﺎﻟﺐ ﺎﺎ ﻳﲇ‪:‬‬ ‫ﺑﺎﻟﺤﻘﻮق اﻟﻌﺎﳌﻴﺔ واﻟﺘﺴﺎوي ﰲ اﳌﻮاﻃﻨﺔ ﺑ اﻟﺠﻤﻴﻊ‪.‬‬ ‫ﺑﺎﻟﺤﺮﻳﺔ ﰲ ﻧﻘﺪ اﻟﺪﻳﻦ‪.‬‬ ‫ﺑﺎﻟﺤﺮﻳﺔ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ واﻹﻟﺤﺎد‪.‬‬ ‫ﻓﺼﻞ اﻟﺪﻳﻦ ﻋﻦ اﻟﺪوﻟﺔ واﻟﻨﻈﺎﻣ‪ ،،‬اﻟﻘﺎﻧﻮ واﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻲ‬ ‫ﺣﻈﺮ اﳌررﺳﺎت واﻟﻌﺎدات واﻟﻘﻮاﻋﺪ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺘﻬﻚ ﺣﻘﻮق اﻟﻨﺎس وﺗﻀﻴﻖ ﻋﲆ ﺣ ّﺮﻳﺎﺗﻬﻢ‪.‬‬ ‫إزاﻟﺔ ﻛﻞ اﻟﻌﺎدات اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻀﻄﻬﺪ اﳌﺮأة وﺗﻨﺘﻘﺺ ﻣﻦ ﺣﻘﻮﻗﻬﺎ واﺳﺘﻘﻼﻟﻬﺎ‪ ،‬وﺣﻈﺮ ﻓﺼﻞ اﻟﺠﻨﺴ‪..‬‬ ‫ﺣﻈﺮ اﻟﺘﺪﺧﻞ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ أﻳﺔ ﺳﻠﻄﺔ ﻋﺎﺋﻠﻴﺔ أو رﺳﻤﻴﺔ ﰲ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ واﻟﻌﺎﻃﻔﻴﺔ واﻟﺠﻨﺴﻴﺔ ﻟﻠﻨﺎس‪.‬‬ ‫ﺣﻳﻳﺔ اﻷﻃﻔﺎل ﻣﻦ اﻟﺘﻼﻋﺐ ﺑﻬﻢ واﻹﺳﺎءة إﻟﻴﻬﻢ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ اﻟﺪﻳﻦ واﳌﺆﺳﺴﺎت اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ‪.‬‬ ‫ﺣﻈﺮ اﻟﺪﻋﻢ اﻟﺮﺳﻤﻲ ﻟﻠﺪﻳﻦ ﺳﻮاء اﳌﺎدي أو اﳌﻌﻨﻮي‪.‬‬ ‫ﺣﻈﺮ ﺟﻤﻴﻊ أﻧﻮاع اﻟﺘﺨﻮﻳﻒ واﻟﺘﻬﺪﻳﺪ اﻟﺪﻳﻨﻲ‪.‬‬ ‫‪36‬‬


‫مقابل ٌة مرتجمة‪:‬‬ ‫سام هاريس يحادث‬ ‫بارت إرمن عن املسيحية‬ ‫الجزء الثاين‬

‫سام هاريس وبارت إرمن‬

‫نقدم اليوم لكم الجزء األول من مقابل ٍة مرتجم ٍة عن‬ ‫تاريخ املسيحية أجراها سام هاريس ‪ Sam Harris‬مع‬ ‫بارت إر َمن ‪ Bart Ehrman‬أحد خرباء التاريخ املبكر‬ ‫للمسيحية والعهد الجديد‪.‬‬ ‫أُجريت املقابلة كإحدى حلقات الپودكاست الصويت‬ ‫الذي يستضيفه سام هاريس تحت مسمى «فهم األشياء»‬ ‫أصل‬ ‫‪ .Making Sense‬يف تلك الحلقة رقم ‪ ،125‬التي تم بثها ً‬ ‫بتاريخ ‪ 1‬مايو أيار ‪ 2018‬تحت عنوان «ما هي املسيحية؟»‬ ‫?‪ ،What is Christianity‬يستعرض هاريس مع إرمن تاريخ‬ ‫املسيحية املبكر مع تركي ٍز عىل كتابه الجديد يف حينها بعنوان‬ ‫«انتصار املسيحية» ‪.The Triump of Christianity‬‬ ‫قام بالرتجمة ملجلة امللحدين العرب‪ :‬أسامة البني (الو ّراق)‬ ‫‪37‬‬


‫سام هاريس يحادث بارت‬ ‫إرمن عن املسيحية جـ ‪2‬‬ ‫سام هاريس وبارت إرمن‬

‫سام‪ :‬هممم‪ ...‬لنتحدث عن مزاعم عقدي ٍة أخرى‪ ،‬والتي قد تكون مركزي ًة وقد ال تكون‪ .‬أين ترى موقع الجنة والجحيم‬ ‫من املسيحية عمو ًما ومن نسختك من املسيحية عندما كنت مؤم ًنا؟‬ ‫بارت‪ :‬أجل‪ ،‬هذا أم ٌر يثري اهتاممي ج ًدا‪ ،‬فهو موضوع كتايب القادم [يضحك]‪:‬‬ ‫من أين جاءت قصة الجنة والجحيم؟ ذلك أنه يف املعتقد املسيحي املعياري‪،‬‬ ‫تذهب روح امليت إما إىل الجنة (السامء) أو إىل الجحيم‪ ،‬إما لتلقّي الثواب‬ ‫األبدي أو العقوبة األبدية‪ ،‬وهذه التعاليم غري موجود ٍة يف العهد القديم‪،‬‬ ‫كام أنها ليست ما اعتقده يسوع التاريخي‪ ،‬فمن أين أتت؟ فهذا ما سأكتب‬ ‫عنه يف كتايب املقبل‪ .‬عندما كنت مسيح ًيا أصول ًيا‪ ،‬كنت أؤمن بقو ٍة بوجود‬ ‫أبدي‬ ‫وجحيم باملعنى الحريف‪ ،‬واعتقدت أن الجحيم هي مكان‬ ‫جن ٍة‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫تعذيب ٍّ‬ ‫ال ينتهي ودون أي إمكاني ٍة للهروب‪ ،‬وأنها مستقر غالبية البرش [يضحك]‪.‬‬ ‫سام‪ :‬تخيل ذلك‪...‬‬ ‫أبدي بينام جاري املسكني سيكون مخل ًدا يف الجحيم‪ ...‬مل أكن‬ ‫بارت‪ :‬يوجد غرو ٌر يف ذلك الزعم‪ :‬أنا سأحصل عىل ٍ‬ ‫ثواب ٍّ‬ ‫أدرك الغرور الكامن يف األمر يف حينها‪.‬‬ ‫أناسا تدرك أنهم طيبون‪ ،‬تربطك بهم عالقاتٌ طيبة‪،‬‬ ‫سام‪ :‬هل كان االعتقاد يؤثر فيك نفس ًيا؟ فأفرتض أنك كنت تعرف ً‬ ‫نفيس‬ ‫لكنك َ‬ ‫كنت متأك ًدا بأنهم سيقضون األبدية يف النار‪ .‬هل كان هذا االعتقاد عميقًا يف نفسك لدرج ٍة تؤدي بك إىل أ ٍمل ٍّ‬ ‫أو تعاطف؟ كيف شعرت وأنت تتعامل مع ٍ‬ ‫عذاب أبدي؟‬ ‫أناس كنت تعرف أن مصريهم ٌ‬ ‫بارت‪ :‬بال ٍّ‬ ‫شك كان لذلك أثر‪ ،‬وأكرث ما متثل كان يف‬ ‫رغبتي هداية الناس إىل املسيحية‪ ،‬ألنني اعتقدت أن‬ ‫الفوز يف النهاية ال عالقة له بحسن السلوك والطيبة‪،‬‬ ‫شخصا طي ًبا أو رشي ًرا‪ ،‬فإن مل تؤمن‬ ‫فال عالقة لكونك ً‬ ‫بيسوع كمخلص‪ ،‬فمصريك الجحيم‪ ،‬وهذا ما قاد‬ ‫محاواليت تنصري ( َم ْس َحنة) الناس‪ ،‬مثلام قاد هذا‬ ‫االعتقاد املسيحيني األوائل إىل التبشري يف الكنيسة‬ ‫املبكرة‪ .‬لذا كان لدى املسيحيني دو ًما الدافع بأن‬ ‫املرء إن أحب أحدهم وكان مصري ذلك الشخص إىل‬ ‫الجحيم‪ ،‬فعىل املرء «التلويح بالسوط» إلرغامهم عىل‬ ‫اعتناق املسيحية‪.‬‬ ‫‪38‬‬


‫سام هاريس يحادث بارت‬ ‫إرمن عن املسيحية جـ ‪2‬‬ ‫سام هاريس وبارت إرمن‬

‫سام‪ :‬هنالك تربيراتٌ يف النص املق ّدس تدعم هذا االعتقاد‪ ،‬إال أن هذا يوصلني إىل حدود معرفتي البحثية بالكتاب‬ ‫املقدس‪ ،‬لكنني أذكر العديد من الفقرات التي توحي بكلامت يسوع نفسه أو أحد كتّاب األناجيل كالقول‪« :‬لَ ْي َس أَ َح ٌد‬ ‫اآلب إِالَّ ِب» (يوحنا ‪.)6 :14‬‬ ‫يَأْ ِت إِ َل ِ‬ ‫بارت‪ :‬نعم‪ ،‬هذه هي التعاليم التوكيدية املوجودة يف إنجيل يوحنا‪ ،‬وأن كل من ال يؤمن باملسيح مصريه اإلدانة(‪ ،)1‬لكن‬ ‫أبدي يف مكانٍ محدد‪ ،‬ففكرة العذاب األبدي تأيت بوضو ٍح أكرب من ِسفر الرؤيا يف‬ ‫األناجيل ال ّ‬ ‫عذاب ٌّ‬ ‫توضح أن معنى ذلك ٌ‬ ‫(‪)2‬‬ ‫ختام العهد الجديد‪ ،‬حيث يتم إلقاء من ال يقبلون الله يف بحري ٍة من النار ويحرتقون فيها إىل األبد‪.‬‬ ‫سام‪ :‬أذكر أن يسوع يرشف عىل ذلك‪ ...‬عىل بحرية النار‪.‬‬ ‫بارت‪ :‬يكمن جز ٌء من التشويق يف كتاب الرؤيا يف تعقيد‬ ‫تفاصيل السيناريو فيه‪ ،‬وأعتقد أن ذلك هو سبب انجذاب‬ ‫الناس له عىل مر السنني‪ ،‬فهو ليس مجرد ترصي ٍح واضح‪،‬‬ ‫يل يحتاج من املرء تركيبه للحصول‬ ‫وإمنا تصوي ٌر تفصي ٌّ‬ ‫عىل الصورة؛ فلديك املسيح نفسه‪ ،‬ولديك الله‪ ،‬واملالئكة‪،‬‬ ‫واملسيح الدجال والنبي الكذاب‪ ،‬فكل هذا السيناريو‬ ‫يحدث فيه‪ .‬فيعطى املسيح وأتباعه جزا ًء أبديًا يف أورشليم‬ ‫الجديدة ويتم إرسال كل من يعارض املسيح إىل بحرية‬ ‫النار‪.‬‬ ‫حقيقي بال خطأ‪ ،‬وأن إجالء أي‬ ‫سام‪ :‬إذًا عندما نقرأ الكتاب املقدس بعهديه القديم والجديد‪ ،‬بافرتاض أن كل ما بني دفّتيه‬ ‫ٌ‬ ‫ٍظاهري يقع عىل عاتق القارئ‪ ،‬فام التصور‬ ‫تناقض‬ ‫ٍّ‬ ‫والتوقّع العقالنيان اللذان سيتكونان لدى املرء عن‬ ‫الحياة ما بعد املوت؟ فالصورة تتحدث عن أواخر‬ ‫األيام‪ ،‬ونهاية حياة الفرد‪ ،‬وما بعد البعث‪ ،‬ولنفرتض‬ ‫مستقل عن األدبيات التي نشأت حول ذلك‬ ‫ٌ‬ ‫أن ذلك‬ ‫الحقًا‪ ،‬فلنرتك دانته ‪ Dante‬وميلتون ‪ Milton‬وكل‬ ‫ما جاء من ذلك الحني‪ ،‬فام شكل الجنة والجحيم‪،‬‬ ‫وما شكل نهاية العامل؟‬ ‫دانته‬

‫ميلتون‬

‫‪« -1‬اَل َِّذي يُ ْؤ ِم ُن ِب ِه الَ يُدَانُ‪َ ،‬وال َِّذي الَ يُ ْؤ ِم ُن قَ ْد ِدي َن‪ ،‬ألَنَّ ُه لَ ْم يُ ْؤ ِم ْن ب ِْاسمِ ابْنِ الل ِه الْ َو ِح ِيد‪( ».‬يوحنا ‪[ )18 :3‬مالحظة املرتجم]‪.‬‬ ‫يس ال َِّذي كَا َن يُ ِضلُّ ُه ْم طُر َِح ِف بُ َح ْ َي ِة ال َّنا ِر َوالْ ِك ْب ِ‬ ‫َّاب‪َ .‬و َس ُي َع َّذبُو َن نَ َها ًرا َولَ ْي ًل إِ َل أَبَ ِد اآلب ِ​ِدي َن‪( ».‬رؤيا يوحنا الالهويت ‪[ )10 :20‬مالحظة املرتجم]‪.‬‬ ‫ِيت‪َ ،‬ح ْيثُ الْ َو ْح ُش َوال َّنب ُِّي الْ َكذ ُ‬ ‫‪َ « -2‬وإِبْلِ ُ‬

‫‪39‬‬


‫سام هاريس يحادث بارت‬ ‫إرمن عن املسيحية جـ ‪2‬‬ ‫سام هاريس وبارت إرمن‬

‫بارت‪ :‬األمر يعتمد عىل افرتاضات القارئ‪ ،‬فلو لدينا قارئٌ ذيكٌ ال يعرف شيئًا عن دانته وميلتون‪ ،‬ويحاول التوفيق بني كل‬ ‫وحي يتطور مع الوقت ‪ ،Progressive revelation‬يعتمد عىل أساس أن‬ ‫يشء‪ ،‬فذلك القارئ ّ‬ ‫سيفضل تفسري األمر يف إطار ٍ‬ ‫األفكار «األكرث حقيقي ًة» تتطور مع الزمن‪ ،‬فبعض الكتّاب املبكرين مل يكونوا يدركون الحقيقة الكاملة‪ ،‬فكل ما كان لديهم هو‬ ‫وحي جزيئ‪ ،‬ويف سياق هذا الفهم لألمور فإن فكرة الجحيم يف العهد القديم شؤول ְשאֹול التي تفرتض أن الجميع سيذهب‬ ‫ٌ‬ ‫يل يبقون فيه إىل األبد يتم تعديلها مع الوقت حتى يصل املرء إىل األناجيل‪ ،‬حيث يتم فيها ذكر الجزاء الحسن‬ ‫إىل عا ٍمل سف ٍ‬ ‫لألخيار والعقاب لألرشار‪ ،‬لكن عقابهم كام يبدو يتم عرب إفنائهم‪ ،‬ثم تتطور الفكرة أكرث بوصولنا إىل سفر الرؤيا‪ ،‬حني نكتشف‬ ‫أن الناس فعليًا ال يفنون‪ ،‬وإمنا يتم تعذيبهم إىل األبد‪ .‬فالفكرة باملحصلة أن كل هذا غري متناقض‪ ،‬وأن الوحي كان يتطور‬ ‫أبدي أو جزا ٍء أبدي‪.‬‬ ‫مع الوقت‪ ،‬مام يعني أن هذا القارئ االفرتايض سيتفق مع ما يقوله آخر كتاب‪ ،‬والذي ينص عىل ٍ‬ ‫عذاب ٍّ‬

‫سام‪ :‬لدى اإلسالم مفهو ٌم مشاب ٌه تحت مسمى الناسخ واملنسوخ‪ ،‬تنسخ فيه اآليات الالحقة أخرى سابق ًة‪ ،‬وقد شاء الحظ‬ ‫أن تنسخ اآليات العنيفة ما سبقتها من ٍ‬ ‫آيات أكرث سلمي ًة‪ ،‬مام له عظيم األثر عىل كل البرشية‪ .‬إذًا‪ ،‬ففي الرتاث املسيحي‪،‬‬ ‫ال يتم النظر إىل هذه املسألة كنقط ٍة ضد فكرة خل ّو الكتاب املقدس من األخطاء‪ ،‬ذلك أنه من ذلك املنظور ميكن الحفاظ‬ ‫اب للكتاب املقدس كانوا يعملون يف ظل خط ٍة‬ ‫عىل فكرة الخلو من األخطاء رغم أن كتبة األناجيل ومن سبقهم من كتّ ٍ‬ ‫إلهي ٍة غري مكتملة‪.‬‬ ‫بارت‪ :‬نعم‪ ،‬فالسبب يف تطور هذه النظرة كان للحفاظ عىل فكرة أن الكتاب املقدس خا ٍل من األخطاء‪ ،‬حتى يتم التوفيق‬ ‫بني هذه األمور‪ ،‬يف حني أن الباحث الناقد سينظر إىل هذه التناقضات ويشري إىل عدم توافقها‪ ،‬فرنى أحد مؤلفي هذا‬ ‫الجزء من الكتاب املقدس يقول شيئًا‪ ،‬ثم يأيت كاتب جز ٍء آخر فيقول شيئًا آخر‪ ،‬بشكلٍ ال ميكن أن يتوافق‪ ،‬وأن السبيل‬ ‫لتخطي هذه العقبة هو اإلقرار بأن السبب هو أن الوحي يتطور‪.‬‬ ‫‪40‬‬


‫سام هاريس يحادث بارت‬ ‫إرمن عن املسيحية جـ ‪2‬‬ ‫سام هاريس وبارت إرمن‬

‫سام‪ :‬إذًا‪ ،‬فام التصور الذي يستخلصه املرء عن الجنة (السامء) بعد أن يرى هذا التطور ليخلص إىل توقعٍ نها ٍّيئ ما؟ ما‬ ‫الصورة التي تتكون لديك عن الجنة يف الحياة اآلخرة؟‬ ‫بارت‪ :‬النقطة الشيقة هنا هي أنك لو التزمت فقط مبحتوى‬ ‫الكتاب املقدس‪ ،‬فلن تتكون لديك فكرة أنك بعد املوت ستصعد‬ ‫روحك إىل السامء لتعيش هناك إىل األبد‪ ،‬وإمنا أن جثث األموات‬ ‫حساب أخريٍ‬ ‫ستقوم من قبورها يف نهاية العامل‪ ،‬وسيجري يوم‬ ‫ٍ‬ ‫كل من عارضه إىل‬ ‫عىل األرض‪ ،‬ثم يدمر الله قوى الرش‪ ،‬ثم يرسل ّ‬ ‫عقاب أبدي‪ ،‬لكنه س ُيحيي من املوت كل األخيار ليعيشوا هنا‬ ‫ٍ‬ ‫عىل األرض إىل األبد يف مملك ٍة مثالية (طوبوية)‪ ،‬فتعود بذلك‬ ‫أصل أيام آدم وحواء لتصري‬ ‫األرض إىل الحال الذي كانت عليه ً‬ ‫فردوسا مثاليًا إىل األبد‪.‬‬ ‫ً‬ ‫سام‪ :‬إذًا فالحديث هو عن جن ٍة أرضي ٍة تتبع قوانني فيزيائي ًة مع ّدل ًة تدوم إىل األبد‪ ،‬بدل أن تكون موجود ًة يف مكانٍ آخر‬ ‫أو أن تكون موجود ًة بصور ٍة روحية‪.‬‬ ‫بارت‪ :‬نعم‪ ،‬هذا صحيح‪ ،‬والواقع أن التعديل قد بدأ مع آدم وحواء‪ ،‬حيث أنه طبقًا لهذا التصور‪ ،‬فقد ُخلق هذا العامل‬ ‫فردوسا‪ ،‬وما حصل أنه فسد بسبب خطيئتهام‪ ،‬وما سيجري هو أن الله سيعكس أثر الخطيئة التي جلبها‬ ‫أصل ليكون‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫نعيم أبدي‪.‬‬ ‫آدم وحواء إىل العامل معي ًدا إياه إىل حالته األصلية التي يفرتض بحكمها أن يكون دار ٍ‬ ‫رأي علمي‪ ،‬ولكن خربيت تقول‬ ‫سام‪ :‬أعرتف أنني من النادر أن أحادث مسيحيني يف هذه القضايا‪ ،‬وأن هذا ليس استطالع ٍّ‬ ‫يل أن غالبية املسيحيني يؤمنون بجن ٍة مختلف ٍة ج ًدا عن ذلك‪ ،‬فأعتقد أنهم ال يتصورون أن موت ٍ‬ ‫قريب منهم ال زال‬ ‫شخص ٍ‬ ‫مؤم ًنا ومصريه الجنة يعني أن جسد ذلك الشخص سيتفسخ يف األرض عىل مدار آالف السنني‪ ،‬أو أيًا كانت الفرتة الزمنية‬ ‫قبل عودة يسوع ليبدأ نهاية العامل‪ ،‬هم يتصورون روح ذلك الشخص تنتقل مبارش ًة من رسير املستشفى‪ ،‬أو حيثام كان‬ ‫رض وعافي ٍة نقيتني‪ .‬فلدي سؤاالن‪:‬‬ ‫حني تويف‪ ،‬إىل حال ٍة أثريي ٍة متثّل الحياة اآلخرة األبدية برفقة الله أو يسوع‪ ،‬أو حالة ً‬ ‫مخطئ بذلك‪ ،‬أليس هذا ما يؤمن به غالبية املسيحيني أو العديد منهم؟ وإن كان الحال كذلك‪ ،‬فام املقدمات‬ ‫هل أنا‬ ‫ٌ‬ ‫النص ّية لذلك االعتقاد؟‬ ‫لتقص أصل هذه األفكار املسيحية‪ ،‬ألنها‬ ‫بارت‪ :‬أنت محق‪ ،‬هم يؤمنون بذلك حقًا‪ ،‬وهو السبب يف كتابتي لذلك الكتاب ّ‬ ‫ليست من ضمن تعاليم ما هو موجو ٌد يف غالبية الكتاب املقدس‪ ،‬ذلك أنك تستطيع التوصل إىل تلك النظرة عرب بعض‬ ‫الفقرات املتناثرة هنا وهناك‪ ،‬والتي ال تنص بالضبط عىل وجود آخر ٍة أثريي ٍة تعيش فيها األرواح بعد املوت‪ ،‬لكنك تجد‬ ‫‪41‬‬


‫سام هاريس يحادث بارت‬ ‫إرمن عن املسيحية جـ ‪2‬‬ ‫سام هاريس وبارت إرمن‬

‫فقرتني من ضمن كتابات بولس يعتقد كام يبدو فيها بقيام ٍة للجسد يف آخر األيام‪ ،‬ولكن يف األثناء قبل حدوث ذلك‪،‬‬ ‫رش ليسوع يف الجنة (السامء)‪ ،‬وأعتقد أن هذه فكرة هذا الحضور املبارش‬ ‫وعند موت الناس‪ ،‬ينعمون مبارش ًة بحضو ٍر مبا ٍ‬ ‫عند املوت تتحور لتصبح تصو ًرا عن وجو ٍد أثريي‪ .‬والنقطة هي أن هنالك آرا ًء متضارب ًة لدى غالبية املسيحيني الذين‬ ‫أيضا يعتقدون أنهم بوصولهم لل َجنة سيتمكنون من رؤية أجدادهم‬ ‫يعتقدون بوجو ٍد‬ ‫روحي ال بوجو ٍد جسدي‪ ،‬ذلك أنهم ً‬ ‫ٍّ‬ ‫املتوفني ويتحدثون إليهم‪ .‬ولكن إن مل يكن لديهم أجسا ٌد [يضحك] فام الذي سريونه بالضبط؟ وكيف سيميزون هؤالء‬ ‫األجداد؟ مام يضطرهم البتداع تفسري ٍ‬ ‫ات عجيبة‪ ،‬كالقول بأن الحديث هو عن الروح‪ ،‬لكن هذه الروح ستتخذ صورة‬ ‫الجسد املادي‪ ،‬وأنه رغم أنك ال متتلك حينها أعي ًنا تظل ترى وتظل تسمع وما إىل ذلك‪.‬‬ ‫سام‪ :‬وكم يكون عمر الجدة عندما يجدها املرء؟ هل تعود إىل شبابها وهي يف سن الثالثني أم أنها جد ٌة عج ٌوز يف تلك‬ ‫الحالة؟‬ ‫طفل رضيع‪ ،‬هل يكون الطفل يف تلك الحالة بعمر الرضيع؟ فام حالتهم يف الجنة؟ فتجد‬ ‫بارت‪ :‬بالفعل‪ ،‬فلو مات للمرء ٌ‬ ‫كتب تحاول تفسري كيف ستكون األمور حينها حقًا‪.‬‬ ‫عد ًدا من املسيحيني ممن يناقش هذه األمور بجدية‪ ،‬لدرجة كتابة ٍ‬ ‫سام‪ :‬أذكر أن القديس توماس األقويني قد تعاطى مع بعض هذه القضايا‪.‬‬ ‫بارت‪ :‬مثة مسيحيون يناقشون شتى صنوف األمور املتعلقة‬ ‫بهذه املسائل‪ ،‬يعود بعضها حتى إىل القرن الثاين بعد امليالد‪،‬‬ ‫فتجد مسيحيني يتساءلون ع ّم لو كانت األجساد التي تقوم‬ ‫من املوت يف نهاية العامل ستتجمع أعضاؤها‪ ،‬فام الذي يحدث‬ ‫رش قد أكل جسدك؟ بحيث أن جز ًءا‬ ‫لو كان آكل لحوم ب ٍ‬ ‫من جسدك يكون اآلن قد صار جز ًءا من جسد من أكلك؟‬ ‫فعند البعث من املوت‪ ،‬من منكام سيحصل عىل ذلك العضو‬ ‫أناسا يناقشون‬ ‫املأكول‪ ،‬أنت أم من أكلك؟ [يضحك] فتجد ً‬ ‫هذه األمور‪ ،‬حتى يف تلك الفرتة املبكرة‪.‬‬ ‫سام‪ :‬من املغري أن يتصور املرء تاري ًخا مختلفًا تسبب فيه‬ ‫رش ٍ‬ ‫واحد يف ٍ‬ ‫إرباك يرسي يف كل املسيحية‪.‬‬ ‫آكل لحم ب ٍ‬ ‫صحيح صحيح [يضحك]‪.‬‬ ‫بارت‪ :‬نعم‪...‬‬ ‫ٌ‬ ‫‪42‬‬


‫سام هاريس يحادث بارت‬ ‫إرمن عن املسيحية جـ ‪2‬‬ ‫سام هاريس وبارت إرمن‬

‫سام‪ :‬إذًا ما التصور الذي ميكن أن يستخلصه املرء بشكلٍ عقال ٍّين عن الجحيم مست ِن ًدا إىل النص املق ّدس؟‬ ‫بارت‪ :‬إن غالبية الكتاب املقدس طب ًعا هو العهد القديم‪ ،‬وال يوجد جحي ٌم كمكانٍ للتعذيب يف العهد القديم‪ ،‬وإمنا يوجد‬ ‫مكا ٌن اسمه شؤول ְשאֹול والتي متثل حالة وجو ٍد غامض ٍة مير فيها الجميع‪ ،‬من أخيا ٍر وأرشار‪ ،‬مؤمنني وغري مؤمنني‪ ،‬حيث‬ ‫يوجد املرء فيها إىل األبد دون أي أحداث‪ .‬أما عند الوصول إىل تعاليم يسوع‪ ،‬فقد اعتقد يسوع بقيامة األموات يف نهاية‬ ‫العامل‪ ،‬ويبدو أنه اعتقد أن من عارضوا الله لن يعذبوا إىل األبد‪ ،‬وإمنا سيفنون‪ ،‬عىل نقيض األخيار الذين س ُيعطون جزا ًء‬ ‫عذاب أبدي‪ ،‬فال‬ ‫أبديًا‪ .‬فالله سيعاقب األرشار عرب تدمريهم‪ .‬وال يذكر الرسول بولس أي يش ٍء عن الجحيم بوصفه مكان ٍ‬ ‫تجد ذلك قبل أن تصل إىل سفر الرؤيا الذي يتحدث عن فكرة العذاب األبدي وبحرية النار‪.‬‬ ‫سام‪ :‬هل سفر الرؤيا هو مصدر فكرة صعود األخيار إىل‬ ‫السامء ‪Rapture‬؟ أم أنها فكر ٌة تم رشحها يف موضعٍ يف‬ ‫العهد القديم عىل صورة نبوء ٍة أوضحها سفر الرؤيا؟‬ ‫بارت‪ :‬هذه نقط ٌة مثري ٌة لالهتامم ال يعرفها غالبية‬ ‫املسيحيني‪ ،‬فسفر الرؤيا يقوم بالفعل بوصف ما‬ ‫سيحدث يف نهاية العامل‪ ،‬لكن عقيدة صعود األخيار‬ ‫إىل السامء غري موجود ٍة فيه‪ ،‬فتلك الفكرة تأيت من‬ ‫الرسول بولس يف الرسالة األوىل إىل أهل تسالونييك‪،‬‬ ‫حيث يرشح ما سيحدث يف النهاية من قيام ٍة للموىت‪،‬‬ ‫حيث يقول أن يسوع سيعود من السامء ومن ماتوا‬ ‫يف املسيح سيقومون وسيخطف األحياء الباقني معهم‬ ‫إىل السامء ليالقوا يسوع يف الهواء(‪ ،)3‬فمصدر ذلك من‬ ‫رسالة بولس وليس من سفر الرؤيا‪.‬‬ ‫سام‪ :‬فهل آمنت بالرفع إىل السامء (الخطف) حني كنت يف ذروة إميانك؟‬ ‫بارت‪ :‬مل أكن أؤمن بذلك وحسب‪ ،‬بل وكنت عىل ثق ٍة بأن ذلك سيحدث قبل انقضاء عقد الثامنينات ‪ 1980s‬من القرن‬ ‫املايض‪[ .‬يضحك] حرفيًا!‬ ‫سام‪ :‬واو! إذًا هل أفقدك ذلك إميانك عند انقضاء عقد الثامنينات؟‬ ‫ض ُه ُم الل ُه أَيْضً ا َم َعهُ‪ .‬فَ ِإنَّ َنا نَق ُ‬ ‫ُول لَ ُك ْم هذَا ِب َكلِ َم ِة ال َّر ِّب‪ :‬إِنَّ َنا نَ ْح ُن األَ ْحيَا َء الْبَا ِق َني إِ َل َمجِي ِء ال َّر ِّب‪َ ،‬ال‬ ‫‪« -3‬ألَنَّ ُه إِ ْن كُ َّنا نُ ْؤ ِم ُن أَ َّن يَ ُسو َع َماتَ َوقَا َم‪ ،‬فَكَذلِ َك ال َّرا ِقدُو َن ِبيَ ُسوعَ‪َ ،‬سيُ ْح ِ ُ‬ ‫ن َْسب ُِق ال َّرا ِق ِدي َن‪ .‬ألَ َّن ال َّر ّب نَف َْس ُه ِب ُهتَ ٍ‬ ‫اف‪ ،‬ب َِص ْو ِت َرئِ ِ‬ ‫الس َم ِء َواألَ ْم َواتُ ِف الْ َم ِسي ِح َس َيقُو ُمو َن أَ َّولً ‪ .‬ث ُ َّم نَ ْح ُن األَ ْح َيا َء الْ َبا ِق َني َس ُن ْخط َُف َج ِمي ًعا‬ ‫يس َمالَئِ َك ٍة َوبُوقِ الل ِه‪َ ،‬س ْو َف يَ ْنز ُِل ِم َن َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الس ُح ِب لِ ُمالَقَا ِة ال َّر ِّب ِف الْ َه َواء‪َ ،‬وه َكذَا نَكُو ُن ك َُّل ح ٍني َم َع ال َّر ِّب‪( ».‬رسالة بولس الرسول األوىل إىل أهل تسالونييك ‪[ )14-17 :4‬مالحظة املرتجم]‪.‬‬ ‫َم َع ُه ْم ِف ُّ‬

‫‪43‬‬


‫سام هاريس يحادث بارت‬ ‫إرمن عن املسيحية جـ ‪2‬‬ ‫سام هاريس وبارت إرمن‬

‫بارت‪[ :‬يضحك] كنت بالفعل قد فقدت إمياين بحدوث الخطف بحلول ذلك الوقت‪ ،‬لكن فقداين لإلميان كان عملي ًة‬ ‫مط ّول ًة‪ ،‬لكن اإلميان بحدوث الخطف كان من أوائل األشياء التي فقدتها‪.‬‬ ‫شك مل تستطع تخطيه؟ هل تزايد مبقادير أدركت من خاللها أنك عربت عتبة ٍ‬ ‫سام‪ :‬فام كان أول ٍّ‬ ‫خط ما أشعرك بأنك لن‬ ‫تشعر باإلميان الذي كنت شعرته يف اليوم الذي سبق ذلك؟‬ ‫بارت‪ :‬نعم‪ ،‬كانت هنالك عدة خطوط‪ ،‬لكن اللحظة األوىل كانت عندما أدركت أن الكتاب املقدس ليس خال ًيا من الخطأ‪،‬‬ ‫ففي سنتي األوىل يف مدرسة پرنستون الالهوتية كنت قد أخذت مساقًا عن إنجيل مرقس مبن ًيا عىل تفسريٍ للنص اليوناين‪،‬‬ ‫وبحلول ذلك الوقت كنت أعرف اليونانية‪ ،‬وكان علينا ترجمة إنجيل مرقس بأكمله‪ ،‬وتقديم تفسريٍ لكل آية‪ ،‬فكان األمر‬ ‫فص ًل‪ .‬وكان علينا كتابة ٍ‬ ‫يل عن ذلك‪ ،‬وكان بحثي عن فقر ٍة من مرقس يتحدث فيها يسوع عن قص ٍة من‬ ‫عميقًا ُم ّ‬ ‫بحث فص ٍّ‬ ‫العهد القديم‪ ،‬حيث يقول أن القصة وقعت عندما كان أ َ ِبيأَث َار رئيسا للكهنة‪ ،‬يرد ذلك يف اإلصحاح ‪ 2‬من إنجيل مرقس(‪)4‬‬ ‫‪.‬‬ ‫َ َ ً‬ ‫وعندما تقرأ العهد القديم تجد أن القصة مل تقع‬ ‫رئيسا للكهنة‪ ،‬وإمنا عندما كان‬ ‫عندما كان أبيأثار ً‬ ‫أبوه آحيملخ رئيس الكهنة‪ .‬فكتبت بحثًا من ‪30‬‬ ‫وضح أنه رغم أن يسوع قال‬ ‫صفح ًة أحاجج فيه ألُ ّ‬ ‫أن أبيأثار كان رئيس الكهنة إال أنه مل يعنِ أن‬ ‫أبيأثار كان رئيس الكهنة‪ ،‬فقد عرف أن آحيميلخ‬ ‫هو رئيس الكهنة! فكتبت هذا البحث الطويل‪،‬‬ ‫فقرأه األستاذ وأعجبه‪ ،‬وأعطاين عالم ًة كامل ًة‬ ‫لتقدميي حج ًة قواعدي ًة معقدةً‪ ،‬لكنه يف النهاية‬ ‫قال‪« :‬لرمبا كان كل ما هنالك أن مرقس ارتكب‬ ‫امللك داود يتلقى الخبز املقدس من آحيملخ كبري الكهنة‪ ،‬لوحة من القرن ‪15‬‬ ‫خطأً» [يضحك]‪ .‬ذلك يكون أسهل من كل هذه‬ ‫األالعيب التي استغرقت ثالثني صفح ًة واإلتيان بهذه‬ ‫الحجة اللغوية املعقدة‪ ،‬رمبا مرقس بالفعل ارتكب خطأً‪ .‬ويف اللحظة التي أدركت فيها إمكان وجود خطأٍ ما‪ ،‬فتح ذلك‬ ‫بوابة السد‪ ،‬فرصت أجد أخطا َء دون أن أتعمد ذلك‪ ،‬ثم رصت أتعمد البحث عن األخطاء‪ ،‬وعندها رصت أجد األخطاء‬ ‫حيثام قرأت‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫تناقضات داخل الكتاب املقدس‬ ‫سام‪ :‬تلك أمو ٌر نعرف خطأها بداللة أمو ٍر خارج نص الكتاب املقدس‪ ،‬لكن مثة‬ ‫ٍ‬ ‫كتناقضات كيفام نظرت إليها‪ .‬أذكر كتابًا قدميًا يعود إىل ما يزيد عىل ‪ 150‬عا ًما موجو ًدا‬ ‫ذاته‪ ،‬ال ميكن رؤيتها إال‬ ‫‪« -3‬كَ ْي َف َدخ َ​َل بَ ْي َت الل ِه ِف أَيَّامِ أَ ِب َيأَث َا َر َرئِ ِ‬ ‫الس ْب ُت إِنَّ َا ُج ِع َل ألَ ْجلِ‬ ‫يس الْ َك َه َن ِة‪َ ،‬وأَك َ​َل ُخ ْب َز التَّق ِْد َم ِة ال َِّذي الَ يَ ِح ُّل أَكْلُ ُه إِالَّ لِلْ َك َه َن ِة‪َ ،‬وأَ ْعطَى ال َِّذي َن كَانُوا َم َع ُه أَيْضً ا‪ .‬ث ُ َّم ق َ​َال لَ ُه ُم‪َّ :‬‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫السبْت أيْضً ا»‪( .‬مرقس ‪[ )26-28 :2‬مالحظة املرتجم]‪.‬‬ ‫السبْ ِت إِذًا ابْ ُن ا ِإلن َْسانِ ُه َو َر ُّب َّ‬ ‫ا ِإلن َْسانِ ‪ ،‬الَ ا ِإلن َْسا ُن ألَ ْجلِ َّ‬

‫‪44‬‬


‫سام هاريس يحادث بارت‬ ‫إرمن عن املسيحية جـ ‪2‬‬ ‫سام هاريس وبارت إرمن‬

‫يف بيتي وقد أرشت إليه يف كتايب األول «نهاية اإلميان» ‪،The End of Faith‬‬ ‫وأعتقد أن عنوان ذلك الكتاب كان «تناقضاتٌ داخلي ٌة يف الكتاب املقدس»‬ ‫‪ ،Self-contradictions of the Bible‬وبعضها عىل درج ٍة من التناقض كوجهي‬ ‫العملة‪ ،‬ال يظهر أحدهام إن ظهر اآلخر‪ ،‬وكمثا ٍل عىل أحدها‪ ،‬كان يوحنا‬ ‫املعمدان يف السجن وقت الصلب‪ ،‬أو أنه كان يف مكانٍ آخر وقت الصلب‪.‬‬ ‫فكيف تعاملت مع هذه التناقضات؟‬ ‫بارت‪ :‬إن املهمة املناطة باألصوليني تقتيض التوفيق بني االختالفات‪ ،‬ولو بذل‬ ‫املرء جه ًدا كب ًريا سيتمكن يف النهاية من التوفيق بني أي شيئني‪ ،‬فكان األمر‬ ‫كحل أحجية‪ ،‬إذ تفرتض عدم وجود أي خطأ‪ ،‬وانطالقًا من ذلك االفرتاض تبدأ‬ ‫بالحل عىل أساس غياب أي خطأ‪ ،‬فتكون مهمتك إظهار كيفية أن األمر ال‬ ‫مثل إىل أن إنجيل يوحنا يقول أن يسوع مات يف‬ ‫ينطوي عىل أي تناقض‪ ،‬فاليوم حني أحادث أصوليني مسيحيني وأشري ً‬ ‫اليوم الذي سبق الفصح‪ ،‬أما إنجيل مرقس فيقول أنه مات يف اليوم الذي تال الفصح‪ ،‬وال ميكن أن يكون كالهام محقَّني‪،‬‬ ‫يجدون طريق ًة للتوفيق بني األمرين‪[ .‬يضحك] هذا هو ما يفعلونه‪.‬‬ ‫سام‪ :‬فام اليشء األصعب للتوفيق؟ لو أردت اإلشارة إىل يش ٍء ٍ‬ ‫واحد تراه من منظورك قاد ًرا عىل إسقاط كل البناء الهش‬ ‫من أساسه‪ ،‬فام هو ذلك اليشء؟‬ ‫بارت‪ :‬املثال الذي ذكرته للتو هو الذي استعمله لإلقناع‪ ،‬فلو توفر يل ٌ‬ ‫مثال واح ٌد وحيد‪ ،‬هو املثال الذي استعمله‪،‬‬ ‫فأقودهم لريوا ما وقع يف إنجيل يوحنا ألن يوحنا يؤرخ يوم موت يسوع بد ٍقة باعتباره اليوم السابق‪ ،‬حيث يقول بشكلٍ‬ ‫يوم‬ ‫رصي ٍح أي ساع ٍة من اليوم ويف أي يوم كان ذلك‪ ،‬أما إنجيل مرقس‪ ،‬فيحدد ً‬ ‫أيضا برصاح ٍة الساعة من اليوم‪ ،‬ويف أي ٍ‬ ‫كان ذلك‪ ،‬ويناقض أحدهام اآلخر يف ذلك بشكلٍ ال يقبل النقاش‪ .‬فعندما تقود أحدهم لقراءة النص وتريهم ذلك‪ ،‬فذلك‬ ‫يؤدي الغرض‪ .‬والذي أفعله مع طاليب يتكون من عدة أمو ٍر بهدف إظهار وجود منظور ٍ‬ ‫ات عد ٍة يف الكتاب املقدس‪،‬‬ ‫فأطلب منهم مقارنة الروايات املوجودة عن ميالد يسوع يف إنجييل متّى ولوقا أو الروايات املوجودة عن قيامته لدى‬ ‫متّى ومرقس ولوقا ويوحنا‪ ،‬فأقول ببساطة‪ :‬انظروا‪ ،‬واكتبوا قامئ ًة بكل ما هو يف هذا اإلنجيل‪ ،‬ثم اكتبوا قامئ ًة بكل ما‬ ‫كل من الحالتني إذا ما كان هنالك أشيا ُء تتعارض ويستحيل‬ ‫جاء يف اإلنجيل اآلخر‪ ،‬ثم قارنوا هاتني القامئتني‪ ،‬وق ِّرروا يف ٍّ‬ ‫التوفيق بينها‪ ،‬ويف الحالتني ستجد أمو ًرا يستحيل التوفيق بينها ألنها بكل بساط ٍة متناقضة‪.‬‬

‫‪45‬‬


https://www.facebook.com/groups/arbangroup/

46


‫النفيس‬ ‫جهاز الدفاع‬ ‫ّ‬ ‫املنطقي‬ ‫والحاجز‬ ‫ّ‬

‫النفيس هي أن يوائم بني الواقع‬ ‫وظيفة جهاز الدفاع‬ ‫ّ‬ ‫الخارجي واألفكار واملُعتقدات الشخص ّية و ُيبعد الفرد‬ ‫ّ‬ ‫عدة‬ ‫عن القلق والرصاعات النفس ّية‪ ،‬ويستخدم يف هذا ّ‬ ‫النفيس‪...‬‬ ‫ُسمى خطط الدفاع‬ ‫ّ‬ ‫طرقٍ وأساليب ت ّ‬ ‫‪47‬‬

‫‪Samer Ali‬‬


‫النفيس‬ ‫جهاز الدفاع‬ ‫ّ‬ ‫املنطقي‬ ‫والحاجز‬ ‫ّ‬ ‫‪Samer Ali‬‬

‫النفيس لدى الفرد‪ ،‬وهي وسائل وأساليب‬ ‫النفيس أساليب غري مبارش ٍة يلجأ لها العقل الباطن إلحداث التوافق‬ ‫وح َيل الدفاع‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫توافق ّي ٌة الشعوريّ ٌة من جانبه‪ ،‬وظيفتها تغيري صورة الحقيقة املؤملة حتى يتخلّص من حالة التوت ّر والقلق الناتجة عن‬ ‫النفيس‪ ،‬وهدفها وقاية الذات والدفاع عنها واحرتامها واالحتفاظ بالثقة يف‬ ‫ُحل وت ُه ّدد أمنه‬ ‫اإلحباطات والرصاعات التي مل ت ّ‬ ‫ّ‬ ‫نفيس تستخدمها الذات ضد اإلحباط والرصاع‬ ‫النفس وتحقيق الراحة النفس ّية‪ ،‬حيث ت ُعترب هذه الحيل مبثابة أسلحة دفا ٍع ٍّ‬ ‫والعادي والشاذّ‪.‬‬ ‫السوي‬ ‫السوي وغري‬ ‫كل الناس‪،‬‬ ‫حيل عاديّ ٌة تحدث لدى ّ‬ ‫والتوت ّر والقلق‪ .‬وهي ٌ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ومن أكرث الحيل استخدا ًما‪:‬‬ ‫قيم ومعايري من خالل تقديم‬ ‫عم ارتضاه لنفسه من ٍ‬ ‫التربير‪ :‬عمل ّي ٌة الشعوريّ ٌة يُقنع فيها الفرد نفسه بأ ّن سلوكه مل يخرج ّ‬ ‫الحقيقي وراء سلوكه أو ت ّربر ذلك السلوك‪.‬‬ ‫مجموع ٍة من األعذار والتربيرات التي تخفي الدافع‬ ‫ّ‬ ‫اإلنكار‪ :‬هو رفض الواقع املؤمل أو إنكار األشياء التي تُس ّبب قلقًا وإبعادها عن دائرة الوعي‪ .‬وقد يكون اإلنكار خيال ًّيا يف‬ ‫بغض النظر‬ ‫رصف يف ضوء هذه األوهام الذات ّية ّ‬ ‫بعض األحيان يحاول به الفرد بناء ٍ‬ ‫أوهام قامئ ٍة عىل إنكار الواقع ومن ث ّم الت ّ‬ ‫عم‬ ‫عن مدى تناقضها مع الواقع‪ .‬مثل رفض الطفل ملوت والده أو والدته والعيش يف ٍ‬ ‫وهم بتص ّوره أنها سافرت وسوف تعود ّ‬ ‫قريب وذلك لعدم قدرته عىل العيش مع حقيقة موتها‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫قصة فتا ٍة صغري ٍة‬ ‫ولجهاز الدفاع‬ ‫النفيس قدر ٌة خارق ٌة عىل التحكّم بالعقل والجسد م ًعا‪ ،‬ومن أكرث األمثلة التي استُشهد بها ّ‬ ‫ّ‬ ‫فقدت البرص حني شاهدت أخاها األكرب الذي كانت تك ّن له قد ًرا كب ًريا من االحرتام وتعتربه َمثلها األعىل يقوم بقتل أحد‬ ‫أيام ومل تعد تتذكّر تلك الحادثة أب ًدا لكن عاد إليها برصها من‬ ‫الجريان‪ ،‬واألغرب من ذلك أنها فقدت الذاكرة جزئيًّا بعد ع ّدة ٍ‬ ‫جديد‪.‬‬ ‫ُجل أخاها أكرب إجال ٍل وتحيطه بهال ٍة من‬ ‫الفتاة التي ت ّ‬ ‫القُدس ّية والسم ّو تراه فجأ ًة يرتكب أبشع جرمي ٍة من املمكن‬ ‫أن يقرتفها برش‪ ،‬لقد انهارت جميع األمور الجميلة واألحالم‬ ‫وحل مكانها الواقع املؤمل‪،‬‬ ‫الورديّة التي كانت تعيش فيها ّ‬ ‫إنه أم ٌر ال ميكن احتامله حقًّا فيجب أن يتد ّخل جهاز الدفاع‬ ‫النفيس إلنقاذ املوقف‪ ،‬لكن كيف ميكن أن يُ َّربر أم ٌر كهذا‬ ‫ّ‬ ‫وقد شاهدت كل يش ٍء بأ ّم عينيها؟ لقد قام جهاز الدفاع‬ ‫النفيس مبنتهى‬ ‫النفيس بوظيفته يف حامية اإلنسان من األمل‬ ‫ّ‬ ‫اإلخالص دون أيّة اعتبار ٍ‬ ‫ات أخرى‪.‬‬

‫‪48‬‬


‫النفيس‬ ‫جهاز الدفاع‬ ‫ّ‬ ‫املنطقي‬ ‫والحاجز‬ ‫ّ‬ ‫‪Samer Ali‬‬

‫النفيس‪ ،‬لكنها لألسف متنعك من رؤية الواقع كام هو‪ ،‬وتجعلك‬ ‫النفيس حقًّا عىل التخلّص من القلق‬ ‫تساعدك حيل الدفاع‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وهمي من صنع عقلك‪ ...‬وهو لألسف ينفخ يف نفسك ويعطيك شعو ًرا أكرب بالزهو والغرور‪ ،‬فالزهو والغرور‬ ‫تعيش يف عا ٍمل‬ ‫ٍّ‬ ‫أي يش ٍء‬ ‫إحساسا زائفًا بالعظمة وبالتايل يبعدانك عن القلق واألمل‬ ‫يعطيانك‬ ‫النفيس‪ ،‬إنهام يقومان بعملهام ّ‬ ‫بغض النظر عن ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫عداوات وهم ّية‪( ...‬انظروا الجزء عن جنون االضطهاد واأله ّمية املُزيّفة أدناه)‪.‬‬ ‫آخر‪ ،‬وأحيانًا يخلقان لك‬ ‫النفيس‪ ،‬ذلك الحاجز هو املرشِّ ح أو (الفلرت) الذي‬ ‫منطقي صغ ٌري ميكّنك من اكتشاف أالعيب وخدع الدفاع‬ ‫لكن هناك حاج ٌز‬ ‫ّ‬ ‫ٌّ‬ ‫النفيس يك تقوم بالتنفيذ‪...‬‬ ‫يقف بينك وبني األوامر التي يرسلها جهاز الدفاع‬ ‫ّ‬ ‫فضل عن كونه متواضع‬ ‫لكن ال تفرح كث ًريا‪ .‬فهذا الحاجز ً‬ ‫القدرات ُمقارن ًة بالسلطة واإلمكان ّيات الهائلة التي لدى‬ ‫املنطقي‬ ‫النفيس‪ ،‬أحيانًا يكون هذا الحاجز‬ ‫جهاز الدفاع‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫متوافقًا مع جهاز الدفاع نفسه‪ ،‬املسألة أ ّن ذلك الحاجز‬ ‫مندمج يف أحيانٍ كثري ٍة مع الذات ومتمرك ٌز حولها‬ ‫املنطقي‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫كم محاي ًدا فلن يكون محاي ًدا متا ًما‪،‬‬ ‫ومهام حاول أن يكون َح ً‬ ‫وهذا ما يجعل املشكلة مزدوج ًة ويزيد من تعقيد الواقع‪:‬‬ ‫فنحن بهذا ال ندرك الواقع كام هو‪ ،‬إمنا ندركه كام يعني لنا‪،‬‬ ‫كل من جهاز الدفاع النفيس وذلك الحاجز الواقع‬ ‫وإذا مل يزد ٌّ‬ ‫غموضا فهام عاجزان عن تقديم صور ٍة متكامل ٍة عنه‪.‬‬ ‫ً‬ ‫الهمجي ُمبنتهى القسوة‪ ،‬تع ّد الثواين يك‬ ‫حني يعصف الجوع بك يف يوم عملٍ شاق‪ ،‬تسجنك الظروف بينام يجلدك الجوع‬ ‫ّ‬ ‫تهرب من هذا الس ّجان الذي ال يرحم‪ ،‬و ُمبج ّرد أن تفتح أسوار السجن تهرع رسي ًعا إىل املطعم فتجد طوابري من الناس تقف‬ ‫لكل الواقفني هناك‪ ،‬تشعر كام لو كانوا متآمرين ض ّدك‪ ،‬ترى أنه من املُفرتض أن يفسحوا‬ ‫أمام املحاسب‪ ،‬تشعر حينها بالعداء ّ‬ ‫لك الطريق وينرصف جميع العاملني فو ًرا لتلبية طلبك‪.‬‬ ‫املنطقي‪ ،‬إنك يف تلك اللحظة‬ ‫لست يف وضعٍ يسمح لك بالتفكري‬ ‫وإذا ما تأ ّخر الطعام رمبا تشاجرتَ مع النادل‪ ،‬ألنك ببساط ٍة َ‬ ‫ّ‬ ‫ترى األمور التي تعنيك من القض ّية فقط وال ترى القض ّية‪ .‬إنك يف حالة طوارئٍ تجعلك متمرك ًزا حول ذاتك ترى نفسك محور‬ ‫املنطقي ومشاهدة الجانب اآلخر للحقيقة‪،‬‬ ‫وكل ما يحدث يف العامل متعلّقًا بك وحدك‪ ،‬يف حال ٍة متنعك من التفكري‬ ‫هذا الكون ّ‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫الحق يف الطلب مثلك متا ًما بل أكرث منك ألنهم جاؤوا‬ ‫تغ ِفل ُم‬ ‫عطيات كثرية‪( :‬فالناس الواقفون أمام محاسب املطعم لهم ّ‬ ‫ذنب‬ ‫أي ٍ‬ ‫قبلك‪ ،‬والنادل الذي تشاجرتَ معه ليس له ّ‬ ‫ذنب يف تأ ّخر الطعام‪ ،‬ألنه ذنب من يع ّد الطعام‪ ،‬ورمبا مل يكن هناك ٌ‬ ‫بل إ ّن الجوع القاتل هو ما جعلك تشعر أ ّن الطلب قد تأ ّخر كث ًريا وزاد من نسبة إحساسك بالوقت)‪.‬‬ ‫‪49‬‬


‫النفيس‬ ‫جهاز الدفاع‬ ‫ّ‬ ‫املنطقي‬ ‫والحاجز‬ ‫ّ‬ ‫‪Samer Ali‬‬

‫إنك متمرك ٌز حول ذاتك وال تستطيع مشاهده األمور خارج نطاق دائرتك الشخص ّية‪ ،‬لقد أغلق الجوع جميع مسارات‬ ‫الحقائق ومل تعد تدرك سوى حقيق ٍة واحدة‪ :‬كونك جائ ًعا وليذهب اآلخرون للجحيم‪ ،‬وبدقّ ٍة أكرث أنك مل تعد تبرص اآلخرين‬ ‫وأغلقت عليك جميع‬ ‫كل انتباهك وتركيزك‬ ‫استولت (فكرة الجوع) عىل ّ‬ ‫فلم يعد لديك مساح ٌة ذهن ّي ٌة كافي ٌة للتفكري بهم فقد‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ضخم عىل جهاز الحاسب يف استنفاذ كل الذاكرة املُتاحة فال ميكن‬ ‫مسارات الرؤية املتبقّية‪ ،‬متا ًما كام يتس ّبب تشغيل برنام ٍج ٍ‬ ‫كل يش ٍء صحي ًحا و ُمبا ًحا طاملا كان يف صالحي‪ .‬ففي أوقات الطوارئ تبدو أسهل الحلول‬ ‫أي برامج أخرى‪ .‬ورمبا يصبح ّ‬ ‫تشغيل ّ‬ ‫املنطقي الوحيد املُتاح‪.‬‬ ‫الحل‬ ‫وأكرثها مكس ًبا ّ‬ ‫ّ‬ ‫لكن تكمن املشكلة يف أ ّن املتقوقع لن يصبح قاد ًرا عىل إبصار بق ّية املسارات والحقائق عندما تنتهي حالة الطوارئ وتتاح‬ ‫ذاكر ٌة إضاف ّي ٌة ألنه عىل الدوام يعيش يف حالة طوارئٍ ال يستطيع فيها سوى رؤية حقيق ٍة واحدة‪ :‬الحقيقة املتعلّقة به شخص ًّيا‪.‬‬ ‫أي أبعا ٍد‬ ‫اإلنسان يعيش حياته يف قوقع ٍة حلزونيّ ٍة ال يرى فيها إلّ بُع ًدا واح ًدا من الواقع‪ ،‬البعد الذي يتعلّق به فقط‪ ،‬فإ ّن ّ‬ ‫أي دو ٍر‬ ‫أخرى تحلّق خارج مجال الرؤية لديه‪ .‬التقوقع‪ ،‬االت ّباع األعمى لألوامر القادمة من األعامق دون أن يكون هناك ّ‬ ‫للمنطق‪.‬‬ ‫قال فرويد إ ّن الطفل لديه استعدا ٌد‬ ‫لتدمري العامل لو أتيحت له الفرصة لذلك‪،‬‬ ‫وهو يقصد أن الطفل يرى نفسه محور‬ ‫الكون‪ ،‬لن يفهم أنك تحتاج إىل تركه‬ ‫رشي ٌر ألنك‬ ‫والذهاب إىل العمل‪ ...‬أنت ّ‬ ‫تركته واختفيت‪ ...‬الناس موجود ٌة طاملا‬ ‫كانت حوله‪.‬‬ ‫إذا غابت فليس لها وجود‪...‬‬ ‫واإلنسان غري الناضج ليس سوى طفلٍ يف ٍ‬ ‫جسد بالغٍ يرى الكون يدور يف فلكه‪ ،‬متا ًما مثل ذلك الجائع الذي يو ّد أن يختفي‬ ‫النفيس‪ ،‬بل هو فوق هذا‬ ‫املنطقي فهو متواضع القدرات أمام جربوت جهاز الدفاع‬ ‫جميع َمن أمامه يف الطابور‪ .‬أما الحاجز‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫متقوق ٌع حول الذات يف كثريٍ من األحيان‪.‬‬ ‫أي ٍ‬ ‫بأس فيام يفعله‪ ،‬ألن (الحاجز) متقوق ٌع حول ذاته‪ ،‬فهو مفتو ٌن بنواياه النبيلة فال‬ ‫الذي يرسق ل ُيطعم الفقراء لن يرى ّ‬ ‫بأسا يف ما يفعله مهام ارتكب من جرائم بشعة‪،‬‬ ‫بأي ٍ‬ ‫بأس ّ‬ ‫طريق يسلك لتحقيقها‪ ...‬والفقراء الذين يرسق من أجلهم لن يروا ً‬ ‫ألنهم مفتونون بنواياه النبيلة نحوهم‪ ،‬ومهام فعل سوف يجدون له الحجج وامل ّربرات الالزمة باستخدام شتّى حيل الدفاع‬ ‫النفيس التي تكلمنا عنها أعاله‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫‪50‬‬


‫النفيس‬ ‫جهاز الدفاع‬ ‫ّ‬ ‫املنطقي‬ ‫والحاجز‬ ‫ّ‬ ‫‪Samer Ali‬‬

‫النفيس يف تزييف الواقع‪.‬‬ ‫وهنا نبرص جليًّا التعاون املُشرتك ما بني الحاجز وجهاز الدفاع‬ ‫ّ‬ ‫شخصا لن يرى سوى مساوئه‪...‬‬ ‫شخصا لن يرى إلّ محاسنه‪ ،‬ومن يكره ً‬ ‫يحب ً‬ ‫من ّ‬ ‫يف الحالتني أنت ترى جان ًبا واح ًدا من الواقع وال تراه كام هو‪.‬‬ ‫النص التايل حوا ٌر يف رواي ٍة بني ٍ‬ ‫الصيني ومراسلٍ‬ ‫صحفي تابعٍ للجيش اليابا ّين إبّان الحرب الصينيّة اليابانيّة‬ ‫ضابط يف الجيش‬ ‫ّ‬ ‫ٍّ‬ ‫ّ‬ ‫يف محاول ٍة لكشف الواقع كام هو بدون تح ّيز ٍ‬ ‫ات عرق ّية‪:‬‬ ‫ حس ًنا أنت تعتقد أ ّن هناك أح ًدا مصي ًبا وآخر مخطئًا يف هذه الحرب‪ ،‬لن أجادلك يف‬‫مم يجب لكنني سأُعقّد األمور‬ ‫ذلك فأنت يف ّ‬ ‫تبسط األمور أكرث ّ‬ ‫كل األحوال تحاول أن ّ‬ ‫ألريك الواقع كام هو‪ .‬لقد اندلعت الحرب وزحفت جيوش الطرفني تهجم عىل املدن‬ ‫أي متييز‪ ،‬فام الذي يُفرتض يب أن أفعله‬ ‫وتُهلِك الزرع والنسل‪ ،‬تقتل حسب الهويّة دون ّ‬ ‫عند وصول جيوش اليابان ّيني إىل مشارف مدينتي؟ هل أقف مكتوف األيدي أم أدافع‬ ‫عنها؟‬ ‫وصلت الجيوش الصين ّية إليك؟‬ ‫من ناحي ٍة أخرى‪ ،‬ما الذي يُفرتض أن تفعله أنت إذا ما‬ ‫ْ‬ ‫هل ستدافع عن أهلك ونفسك أم ستلوذ بالفرار؟ الحرب ما هي ّإل كارث ٌة حدثت‪،‬‬ ‫والسؤال هو‪ :‬ماذا سنفعل حيالها؟‬ ‫كذبت أنا مئات امل ّرات‬ ‫العمل الصين ّيني وكان عذرك الدفاع عن قض ّيتك العادلة‪ ،‬من ناحي ٍة أخرى لقد ُ‬ ‫لقد َ‬ ‫كذبت بشأن حرق ّ‬ ‫لنفس السبب‪ ،‬كالنا كان يؤمن بأ ّن من حقّه تجاوز بعض املبادئ طاملا كانت غايته نبيل ًة‪.‬‬ ‫وهكذا استباح الجرنال (هايرويك) لنفسه ارتكاب أبشع املذابح وكان عذره الدفاع عن وطنه‪ ،‬ويف الطرف اآلخر فعل الجرنال‬ ‫(ليو) اليشء نفسه لنفس العذر‪.‬‬ ‫مهم وكذلك املصيب فيها واملخطئ‪.‬‬ ‫الحرب كذب ٌة كربى‪ ،‬ما إن تشتعل حتى ال يعود السبب‬ ‫الحقيقي لقيامها ًّ‬ ‫ّ‬ ‫يتحل برتف التفكري يف فلسفة الصواب والخطأ ولن يعود إىل الوراء‬ ‫من يعيش وسط الحصار‪ ،‬والقذائف تهبط عىل رأسه‪ ،‬لن ّ‬ ‫قابل لالحتامل‪،‬‬ ‫دوي القذائف فوق منزله أم ًرا ً‬ ‫لريى من تسبب فيها أ ّولً ‪ ،‬ولو فرضنا أنه فعل هذا فال تعتقد أ ّن ذلك سيجعل ّ‬ ‫إنه أمام تح ٍّد أكرب متعل ٍّق بالحياة أو املوت فال تطلب منه الحياديّة يك ينصف من يقذفه بالقنابل‪.‬‬ ‫‪51‬‬


‫النفيس‬ ‫جهاز الدفاع‬ ‫ّ‬ ‫املنطقي‬ ‫والحاجز‬ ‫ّ‬ ‫‪Samer Ali‬‬

‫الوهمي‪:‬‬ ‫جنون االضطهاد والعد ّو‬ ‫ّ‬ ‫أوهام ال أرض ّية لها عىل‬ ‫جنون االضطهاد‪ :‬حال ٌة نفس ّي ٌة َمرض ّي ٌة ميلك املُصاب بها جهازًا عقائديًّا ُمع ّق ًدا وتفصيل ًّيا يتمركز حول ٍ‬ ‫أرض الواقع‪.‬‬ ‫العقائدي املُفعم باألوهام الذي يبتيل به املُصاب بجنون االضطهاد‬ ‫هذه األوهام تقنعه بأنه ُمضطه ٌد من ِقبل اآلخرين‪ .‬الجهاز‬ ‫ّ‬ ‫يتشكّل ويتط ّور ببط ٍء ٍ‬ ‫شديد عىل م ّر زمنٍ طويلٍ ويصبح مع األيام ُمنظ ًّم للغاية إىل درج ٍة يبدو معها منطقيًّا ومقن ًعا بالنسبة‬ ‫له‪ .‬تتشكّل لدى املريض قناع ٌة ُمطلق ٌة بأ ّن اآلخرين يسعون إليذائه والتآمر عليه ويدافع عن قناعته هذه حتى عندما تواجهه‬ ‫شخصا شكّاكًا عني ًدا‬ ‫ّ‬ ‫بكل الرباهني التي تثبت عدم ص ّحة تلك القناعة‪ .‬هذه األوهام التي يعيشها املُصاب تجعل منه مع األيّام ً‬ ‫وناقم عىل اآلخرين‪.‬‬ ‫غاض ًبا عدوان ًّيا ً‬ ‫جسد دستويفسيك هذه الشخصيّة يف رواية «رسال ٌة‬ ‫واملُصاب بهوس االضطهاد يحاول دو ًما أن يجد لنفسه عد ًّوا وهميًّا‪ ،‬وقد ّ‬ ‫القصة لنفسها عدا ًء وهم ًّيا مع ٍ‬ ‫شخص اصطدم به صدف ًة يف مق ًهى‬ ‫من تحت األرض»‪ ،‬فقد اخرتعت الشخص ّية الرئيس ّية يف ّ‬ ‫للبلياردو‪:‬‬ ‫كنت واقفًا بالقرب من منضدة البلياردو‪ ،‬ومل أكن أدرك أنني كنت أس ّد الطريق‪ ،‬وأراد ذلك الضابط أن مي ّر‪ ،‬مل يقل كلم ًة‬ ‫ُ‬ ‫واحد ًة ‪-‬مل يحذّرين ومل يوضح يل‪ -‬وإمنا دفعني وسار يف طريقه وكأنه مل يلحظ وجودي‪)1(.‬‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫سخيف‬ ‫ملوقف‬ ‫القصة) إلّ أن َرجلنا قد انشغل أعوا ًما يحقد عىل الرجل نتيج ًة‬ ‫و رغم أ ّن ذلك الشخص مل يدرك وجود (بطل ّ‬ ‫اعتربه إهان ًة ال ت ُغتفر‪ ،‬فأخذ يج ّرت املوقف واألفكار السلب ّية لفرت ٍة طويل ٍة مام زاد من غضبه وبؤسه‪ ،‬وهذا يشري إىل أ ّن هذه‬ ‫األوهام تتّخذ أحيانًا شكل األفكار القهريّة التي ال ميلك املرء إبعادها عن بؤرة تفكريه‪:‬‬ ‫ومل تكن تلك الحادثة البسيطة لتنتهي بالنسبة يل إىل ذلك الح ّد‪ .‬كنت أقابل ذلك الضابط يف الشارع وأراقبه بعناية‪ .‬ولست‬ ‫يدل يش ٌء يف مالمحه عىل أنه قد عرفني‪ .‬غري أنني كنت أح ّدق فيه ٍ‬ ‫كل‪ .‬ال أعتقد ذلك‪ ،‬إذ مل ّ‬ ‫بحقد‬ ‫أعرف إن كان قد عرفني‪ّ ،‬‬ ‫وكر ٍه شديدين‪ ،‬واستم ّر ذلك أعوا ًما‪ ،‬وتضاعف كرهي له مبرور األيّام‪ .‬وكنت يف البداية أحاول أن أجمع بعض املعلومات عنه‬ ‫سهل بالنسبة يل‪ ،‬إذ مل أكن أعرف أح ًدا‪ ،‬بيد أنني سمعت أحدهم وهو ينادي اسمه عال ًيا يف الشارع حني‬ ‫رسا‪ .‬ومل يكن ذلك ً‬ ‫ًّ‬ ‫كنت أقتفي أثره وكأنني كنت مشدو ًدا إليه‪.‬‬ ‫‪ -1‬دستويفسيك–رسال ٌة من تحت األرض ص‪84‬‬

‫‪52‬‬


‫النفيس‬ ‫جهاز الدفاع‬ ‫ّ‬ ‫املنطقي‬ ‫والحاجز‬ ‫ّ‬ ‫‪Samer Ali‬‬

‫ٍ‬ ‫كوبكات فأخربين برقم شقّته‬ ‫وهكذا عرفت اسمه‪ ،‬واستطعت يف م ّر ٍة أخرى أن أتبعه إىل شقّته‪ ،‬وأعطيت الب ّواب عرشة‬ ‫كل ما كان باستطاعة‬ ‫وبالطابق الذي يعيش فيه‪ ،‬وما إذا كان يعيش فيه وحده أو مع آخرين‪ ...‬إلخ–والواقع أنني عرفت عنه ّ‬ ‫البواب أن يخربين به‪)2(.‬‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫عفوي غري‬ ‫موقف‬ ‫أي‬ ‫ٍّ‬ ‫ومييض دستويفسيك واصفًا شعور ذلك اإلنسان املُصاب بهذا الداء وحساس ّيته الشديدة واعتباره ّ‬ ‫مقصو ٍد إهان ًة ال ت ُغتفر فيقول‪:‬‬ ‫أيضا يذهب إىل نهر النيفسيك يف أيّام العطالت‪ ،‬وكذلك كان يتل ّوى كثعبان املاء‪ ،‬أما الناس من أمثايل فقد كان يسري‬ ‫كان هو ً‬ ‫مكرتث لهم‪ ،‬وكان يتّجه نحوهم ُمبارش ًة وكأنه ال يرى شيئًا أمامه‪ ،‬ومل يكن ليفسح الطريق ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ألحد منهم‪ .‬وظللت أغرق يف‬ ‫غري‬ ‫استيايئ وأنا أراقبه وكنت أُفسح الطريق له دامئًا وأنا كاره‪ ،‬وكان مثّة شعو ٌر يد ّمرين بق ّوة أين مل أكن عىل قدم املساواة معه‬ ‫هستريي‪ :‬ملاذا أكون دامئًا أ ّول من يفسح الطريق؟‬ ‫بغضب‬ ‫حتى يف الشارع‪ .‬وكنت أسأل نفيس دامئًا‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫وكنت أستيقظ يف الثالثة صبا ًحا يف بعض األحيان ألسأل نفيس ذلك السؤال‪ :‬ترى ملاذا أكون أنا دامئًا وليس هو؟ ليس هناك‬ ‫وأتخل أنا عن النصف اآلخر ومن ّر‬ ‫فيتخل هو عن نصف الطريق ّ‬ ‫ّ‬ ‫نظا ٌم أو قانو ٌن يقيض بذلك‪ ،‬فلامذا ال نفسح الطريق م ًعا‬ ‫م ًعا باحرت ٍام ُمتبادل؟‬ ‫ولك ّن ذلك مل يحدث قطّ‪ ،‬وكنت دامئًا أفسح له الطريق‪ ،‬يف حني أنه مل يكن ليالحظ أنني كنت أفسح له الطريق‪.‬‬ ‫برقت يف ذهني فكر ٌة المعة! وقلت لنفيس‪ :‬ماذا لو أقابله‪ ،‬فال أحيد عن الطريق؟ ماذا لو أتع ّمد ألّ أفسح له املجال‪،‬‬ ‫وهنا ْ‬ ‫كل استقراري‪ .‬وظللت أحلم بها دامئًا‬ ‫يل هذه الفكرة الجريئة وقضت عىل ّ‬ ‫حتى لو أ ّدى ذلك إىل اصطدامي به؟! وسيطرت ع ّ‬ ‫وبطريق ٍة مفزعة‪ ،‬وكنت أذهب إىل النيفسيك عام ًدا ألتص ّور ما سيكون عليه املوقف فيام لو ق ّررت أن أفعل ذلك‪ .‬وشعرت‬ ‫بالغبطة‪ ،‬والح يل ذلك عمل ًّيا وممك ًنا‪ ،‬وقلت لنفيس وأنا يف حال ٍة أكرث هدو ًءا بسبب غبطتي‪ :‬إنني ال أريد أن أدفعه بالضبط‪،‬‬ ‫وإمنا أريد ببساط ٍة أال أحيد عن طريقي وأن أت ّجه نحوه ُمبارشةً‪ ،‬ولكن بدون عنف‪ ،‬وإمنا بطريق ٍة تجعلني أم ّر به كتفًا‬ ‫بكتف–بقدر ما تسمح به اللياقة‪ .‬سأتّجه نحوه بقدر اتّجاهه نحوي‪ .‬وأخ ًريا ق ّررت أن أفعل ذلك نهائيًّا‪ ،‬ولك ّن استعدادي‬ ‫يل أن أظهر مبظه ٍر الئق‪ ،‬ولهذا بدأت أفكّر مبالبيس‪ .‬فلو حدث يشء‪ ،‬كأن‬ ‫لألمر استغرق وقتًا ً‬ ‫طويل‪ ،‬فلِيك أفعل ذلك كان ع ّ‬ ‫يل إذن أن أظهر مبظه ٍر الئق‪ ،‬أل ّن ذلك كان سيبعث عىل احرتامي‪ .‬وهكذا طلبت‬ ‫ينتهي األمر بفضيح ٍة وسط الناس كان ع ّ‬ ‫محل جوركني‪ ،‬والح يل أ ّن القفّاز األسود أفخم من الليمو ّين الذي فكّرت يف‬ ‫ُسلف ًة عىل راتبي واشرتيت قفّازًا وق ّبع ًة الئق ًة من ّ‬ ‫رشائه أ ّولً ‪ .‬وقلت لنفيس‪ :‬إ ّن هذا اللون ٌ‬ ‫مرسف أكرث مام يجب ويلوح صاحبه وكأنه يحاول أن يجتذب انتباه الناس‪ .‬وهكذا‬ ‫قميصا ممتازًا ُمز ّو ًدا بقطعتني عظميّتني بيضاوين لتثبيت الياقة‪.‬‬ ‫ع ّدلت عن رشاء القفّاز الليمو ّين‪ ،‬وكنت قد اشرتيت من قبل ً‬ ‫‪ -2‬دستويفسيك–رسالة من تحت األرض ص ‪81‬‬

‫‪53‬‬


‫النفيس‬ ‫جهاز الدفاع‬ ‫ّ‬ ‫املنطقي‬ ‫والحاجز‬ ‫ّ‬ ‫‪Samer Ali‬‬

‫أما سرتيت فقد كانت اليشء الوحيد الذي كان يردعني عن املحاولة‪ .‬كانت السرتة نفسها ج ّيدةً‪ ،‬وكانت تدفئني‪ ،‬إلّ أنها كانت‬ ‫بأي مثن‪ ،‬بياق ٍة أخرى ناعم ٍة تشبه ياقات الض ّباط‪.‬‬ ‫يل أن أب ّدل الياقة‪ّ ،‬‬ ‫تلوح محش ّوةً‪ ،‬وكان ع ّ‬ ‫خفي بعدم الثقة‬ ‫وهنا يو ّد دستويفسيك القول بأ ّن هوس االضطهاد ناب ٌع عن شعو ٍر ٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫موقف يحدث له فيطلق‬ ‫ألقل‬ ‫حس ًاسا ّ‬ ‫بالنفس‪ ،‬فعدم الثقة بالنفس يجعل اإلنسان ّ‬ ‫لخياله وسلبيّته العنان للتك ّهن بنوايا اآلخرين وخبايا نفوسهم مام يدفعه يف النهاية‬ ‫أي فعلٍ يصدر من أحدهم هو تع ّم ٌد للنيل منه والح ّط من كرامته‬ ‫إىل االعتقاد بأ ّن ّ‬ ‫ويعيش حياته بنا ًء عىل تلك األوهام التي تد ّمره وتبعده عن الواقع‪.‬‬ ‫ويكمن سبب ذلك يف االنقياد واالستسالم ألحاديث النفس ووسوساتها السلب ّية دون‬ ‫أدىن ُمحاول ٍة لنقاشها والتأكّد ما إذا كانت تُطابق الواقع أم ال‪ ،‬وكام يقول آدلر‪:‬‬ ‫ختل هو أ ّن العاقل يدرك الفرق بني الواقع‬ ‫إ ّن الفرق الوحيد بني اإلنسان العاقل وامل ُ ّ‬ ‫املختل فيعتقد أ ّن وسوسات نفسه هي‬ ‫ّ‬ ‫وبني ما يجول يف خاطره من أفكار‪ ،‬أما‬ ‫تسيه كيفام تشاء‪.‬‬ ‫الواقع املُطلق فيسمح ألوهامه أن ّ‬

‫ﻣﻦ ﻧﺤﻦ؟‬ ‫ﻧﺤﻦ ﻣﺠﻤﻮﻋﻪ ﻣﻦ ﻣﺴﻠﻤني ﺳﺎﺑﻘني وﻣﺴﻠﻤني ﺑﺪرﺟﺎت ﻣﺘﻔﺎوﺗﻪ ﻣﻦ اﻟﺘﺪﻳﻦ‪.‬‬ ‫ﻣﺎذا ﻧﺮﻳﺪ؟‬ ‫ﻧﺮﻳﺪ أن ﻧﺠﺪ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ‪ ،‬ﻣﻬام ﻛﺎﻧﺖ‪ ،‬و أن ﻧﺤﺎرب ﻣﻦ أﺟﻞ ﺣﻘﻨﺎ ﰲ اﺗﺒﺎﻋﻬﺎ‪،‬‬ ‫ﻧﺮﻳﺪ أن ﻧﺨﻠﻖ ﻣﻜﺎﻧﺎ آﻣ ًﻨﺎ ﻟﻠﻨﺎس ﻟﻴﺘﺒﺎدﻟﻮا ﻓﻴﻪ اﻷﻓﻜﺎر اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻠﻤﻨﺎ أﻻ ﻧﺘﺤﺪث ﻋﻨﻬﺎ‪،‬‬ ‫ﻧﺮﻳﺪ أن ﻧﺴﺎﻧﺪ ﺑﻌﻀﻨﺎ وﻧﺴﺎﻋﺪ ﺑﻌﻀﻨﺎ ﻋﲆ ﻣﻮاﺟﻬﺔ أﺳﺌﻠﺔ اﻷﻫﻞ واﳌﺠﺘﻤﻊ‪ ،‬وﺗﻜﻮﻳﻦ إﺟﺎﺑﺎت ﻟﻬﺎ‪،‬‬ ‫ﻧﺮﻳﺪ أن ﻧﻌﻄﻲ اﻟﻼدﻳﻨﻴني )ﺳﻮاء ﻣﻠﺤﺪﻳﻦ‪ ،‬رﺑﻮﺑﻴني أو ﻏريﻫﻢ( ﰲ اﻟﺒﻼد اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺻﻮﺗ ًﺎ ﻷﻧﻬﻢ‬ ‫ﺳﻴﻘﺘﻠﻮن إذا ﻋﻠﺖ أﺻﻮاﺗﻬﻢ‪.‬‬

‫‪54‬‬

‫مسلمش |‬

‫‪www.muslimish.com‬‬


http://www.thelandofsands.blogspot.com

55


‫‪Abdulaziz Ahmad Junaid‬‬

‫الدين ليس قتل فقط‪ ،‬تطور الدماغ البرشي ليكون الدين جزء من تكوينه‪.‬‬

‫‪Yusuf Askar‬‬

‫الكاريكاتري يقدم نقد الذع لسلوك وفكر يعضده الواقع والتاريخ الديني‪ ،‬وهذا النوع‬ ‫من النقد الساخر ابدى قبولً وتأث ًريا عىل طيف واسع من املسلمني الذي كنا نحن منهم‪،‬‬ ‫ويستفز املخيلة التصورية ملزيد من التفكري تجاه الوقائع الدينية الحاصلة‪.‬‬

‫العراب احلكيم‬

‫يعرف هذا ال يبقى بني يديه غري العنف والتصفية ‪ ..‬إذا كانت قضيتك صادقة‬ ‫فأنت ال تحتاج للعنف إلثباتها‪ ،‬وإذا إحتجت للعنف فقضيتك غري صادقة‬

‫‪56‬‬


‫مجلة شهرية بجهود فردية تصدر في الثاني عشر من كل شهر‬

The Arab AtheistsisMagazine a digital publication Arab Atheists Magazine a digital ispublication produced produced by volunteers and committed to promoting entirely by volunteers committed to freedom of thought, inf thought and writings of atheists of various persuaormativetheand enlightening articles regardless of ethnicity sionsorwith complete with freedom. The Magazine not adopt gender persuasion autonomy, completedoes independenc endorse anyfree form of political ideology or affiliation e and mostorimportantly from geopolitical censorship. Contributors bear the responsibility the form content, illustraThe Magazine does notfull adopt or endorseofany of political tions and topics theyContributors provide insofar it covers and ideology or affiliation. will as assume full copyright responsibility issues intellectual property for the content, illustrations and topics theyofprovide pertaining to infringement of copyright and issues of intellectual property. Express permission for to publish in the Magazine is provided contributors, whether they members the Arab Atheists Theby expressed permission to are publish in ofthe Magazine is Magazine Group of other atheists and non-religious contributors provided by contributors, whether they are members of the Arab Atheists Magazine Editorial or other atheists and non-religious contributors. The Magazine does not publish material that is unethical or that racism bigotry The Magazine does not publish unethicalincites material thatoramongst other things perpetuate incitement to racism or bigotry. The Editorial Board reserves the right to republish content originally published theright Magazine’s Facebook group, as The Editorial Board reservesonthe to republish content origipublishing there contains consent republication nally shared on ourimplicitly magazine’s Facebook page for publishing there in the Magazine gives implicit consent to republish to the Magazine.

:‫موقع املدونة اخلاصة بنا لألرشفة على اإلنترنت‬ www.aamagazine.blogspot.com ‫البريد اإللكتروني‬ el7ad.organisation@gmail.com magazine@arabatheistbroadcasting.org


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.