مجلة الملحدين العرب / العدد الثالث والثمانون / أكتوبر تشرين أول / 2019

Page 1

‫عدد خاص‬ ‫عن الرسيان‬ ‫مجلة شهرية بجهود فردية تصدر يف الثاين عرش من كل شهر‬

‫األصول اآلرامية للكلامت‬ ‫املحكية يف العامية الدمشقية‬

‫موىس الدمشقي‬

‫الحج عىل الطريقة الرسيانية‬ ‫ورمي الجمرات‬

‫‪Yonan Martotte‬‬

‫أور الكلدانيني ليست‬ ‫يف العراق‬

‫العدد الثالث والثامنون من مجلة امللحدين العرب ‪ -‬أكتوبر ‪ /‬ترشين أول لسنة ‪.2019‬‬

‫موفق نيسكو‬

‫من هم الرسيان؟‬ ‫د‪ .‬أسعد صوما أسعد‬

‫تهدف مجلّة امللحدين العرب إىل نرش وتوثيق أفكار امللحدين العرب املتنوعة وبحريّ ٍة كاملة‪ ،‬وهي مجلّ ٌة رقمي ٌة غري ربح ًّية‪ ،‬مبني ٌة‬ ‫أي توج ٍه سيايس‪ .‬املعلومات واملواضيع املنشورة يف املجلّة متثل آراء كاتبيها فقط‪ ،‬وهي مسؤل ّيتهم من‬ ‫بجهو ٍد طوعي ٍة ال تتبع َّ‬ ‫الناحية األدب ّية ومن ناحية حقوق النرش وحفظ امللك ّية الفكريّة‪.‬‬


‫كلمة تحرير املجلة‬

‫فريق التحرير‬

‫املشارك يف هذا العدد‬

‫منذ الخطوات األوىل ملجلة امللحدين العرب أعرب الكثري من األصدقاء عن قلقهم‬ ‫وحساسيتهم من االسم‪ ،‬وتحديد هوية املجلة بِالـ «عرب» بينام هي من ٌرب لجميع‬ ‫األعراق والثقافات واألقليات الرشق أوسطية والشامل أفريقية ولكل املتكلمني‬ ‫بلغ ٍة مشرتك ٍة هي اللغة العربية‪.‬‬

‫رئيس التحرير‬ ‫الغراب الحكيم‬ ‫أعضاء هيئة التحرير وبناء املجلة‬

‫فليس كل من يتكلم العربية عريب األصل‪ ،‬وليس كل من يعيش يف هذه البقعة‬ ‫الجغرافية يتبنى الهوية العربية‪.‬‬

‫‪John Silver‬‬ ‫‪Gaia Athiest‬‬ ‫أسامة البني (الوراق)‬ ‫‪Alia’a Damascéne‬‬ ‫غيث جابري‬ ‫‪Yonan Martotte‬‬ ‫‪Abdu Alsafrani‬‬ ‫‪Raghed Rustom‬‬ ‫‪Johnny Adams‬‬ ‫ليث راوندي‬ ‫‪Rama Salih‬‬ ‫إيهاب فؤاد‬

‫من هنا كان واجبًا علينا إعادة تعريف ماذا نعني بكلمة عرب‪ ...‬فالعروبة مل تكن‬ ‫دو ًما شيئًا إيجاب ًيا وبالتأكيد مل تكن يف أغلب األحيان شيئًا محبوبًا مبا يخص األقليات‬ ‫الثقافية األصيلة املتنوعة التي عاشت عرب التاريخ تحت سقف الهوية اإلسالمية‬ ‫ومن ث َم الهوية العربية‪ ،‬حيث كانتا تهمشان وتتجاهالن الثقافات واألديان األصيلة‬ ‫حي ًنا وتقمعهام وتضطهدهام حي ًنا آخر‪.‬‬ ‫مثل‪،‬‬ ‫ففي التاريخ غري البعيد عاىن األكراد من التصفية ومشاريع التعريب اإللزامية ً‬ ‫وعاىن النوبيون من التجاهل والتهميش يف مرص والسودان تحت راية العروبة‪.‬‬ ‫والرسيان إبان االحتالل اإلسالمي لبالد الشام كان ممنو ًعا عليهم التكلم بلغتهم‬ ‫األم وكانت املرأة الرسيانية تعاقَب بقطع لسانها إن هي تكلمت مع أبنائها بلغتهم‬ ‫الرسيانية األصيلة‪.‬‬ ‫األمازيغ والرسيان واألرمن واألكراد والرتكامن والنوبة وغريها من الكثري من الثقافات‬ ‫أصيل بل وأو ٌيل للهوية العربية يف الكثري من‬ ‫واللغات والهويات التي هي مكو ٌن ٌ‬ ‫املناطق‪ ،‬وتهميشها أو تجاهلها يش ٌء غري عاد ٍل وال يجب أن يتب ّناه أحد‪.‬‬ ‫رصا‪ ...‬فالهوية والقيم والبيئة‬ ‫لذا عندما نطلق لفظ العرب فال نعني العرق العريب ح ً‬ ‫ومجمل املكتسبات الثقافية واالجتامعية التي متيز شعوب الرشق األوسط وشامل‬ ‫أفريقيا كلها عوامل ت ُو ّحد هذه الشعوب ومتيزهم عن غريهم إىل ح ٍّد ما‪ ،‬وتجمعهم‬ ‫وألسباب تاريخي ٍة كثري ٍة قُدرتهم عىل استخدام لغ ٍة واحد ٍة وهي العربية‪.‬‬ ‫أيضً ا‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫فنحن عندما نقول مجلة امللحدين العرب فنحن نعني أنها مجل ٌة لكل الحاملني‬ ‫لهذه العنارص التي تجعلهم متشابهني من جه ٍة ومن جه ٍة أخرى هي اللغة التي‬ ‫يستطيع الجميع فهمها والتواصل باستخدامها‪ .‬فكان تحديد لغة املجلة هو نو ٌع‬ ‫من تحديد وحرص الجمهور املستهدف من مرشوع املجلة من مستخدمي اللغة‬ ‫العربية‪ ،‬ولكن ليس بهدف استبعاد أو تهميش املستخدمني للغة والذين ال يرون‬ ‫أن العروبة متثلهم مبا يخص الهوية‪.‬‬ ‫ومن هذا املبدأ نشأت فكرة إعطاء ٍ‬ ‫صوت لكل هذه الثقافات عرب صفحات املجلة‬ ‫التي هي من ٌرب لهم كام هي من ٌرب لغريهم‪ .‬حيث كنا نعمل منذ فرت ٍة عىل مرشو ٍع‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وتعريفات من‬ ‫وأطروحات‬ ‫كتابات‬ ‫لعدة أعدا ٍد متخصصة‪ ،‬كل عد ٍد منها يُق ّدم‬ ‫اب قادمني من هذه الثقافات كرسال ٍة تصل ألكرب عد ٍد ممكنٍ من جميع الثقافات‬ ‫كتّ ٍ‬ ‫الرشق أوسطية والشامل أفريقية‪.‬‬

‫‪2‬‬

‫واليوم نبدأ بأول هذه األعداد املختصة والتي سنحاول‬ ‫فيها التعريف بالرسيانية والرسيان قدر املستطاع‬ ‫عىل أمل أن نستمر بهذه الفكرة ونق ّدم أعدا ًدا أخرى‬ ‫مستقبل عن األمازيغية أو الكردية أو غريها محاولني‬ ‫ً‬ ‫تعريف من هم خارج هذه الدائرة بتاريخ وثقافة هذه‬ ‫األقليات األصيلة وإعطاء املجال لكل قراء املجلة من كل‬ ‫الثقافات ‪-‬وليس فقط العربية‪ -‬للتعبري عرب صفحات‬ ‫مجلة امللحدين العرب ومشاركتنا هذا املرشوع التنويري‬ ‫متجاوزين العنرصية والتفرقة بني اإلخوة‪ ...‬ي ٌد ٍ‬ ‫بيد‬ ‫وخطو ٌة بخطوة‪ ...‬نحو مستقبلٍ منري‪.‬‬ ‫الغراب الحكيم‬


‫الفهرس‬ ‫كلمة تحرير املجلة‬

‫‪2‬‬

‫الفهرس‬

‫‪3‬‬

‫من هم الرسيان؟‬ ‫د‪ .‬أسعد صوما أسعد‬

‫‪4‬‬

‫األصول اآلرامية للكلامت املحكية يف العامية ‪25‬‬ ‫الدمشقية‬ ‫موىس الدمشقي‬ ‫يف حوار مع كريستوف لوكسنربغ (مرتجم)‬ ‫كريستوف بورغمر‬

‫‪42‬‬

‫مجازر سيفو ‪ 1915‬وما بعدها‬ ‫مجلة امللحدين العرب‬

‫‪58‬‬

‫الحج عىل الطريقة الرسيانية ورمي الجمرات ‪70‬‬ ‫‪Yonan Martotte‬‬ ‫قراءة يف كتاب «اللمعة الشهية يف نحو اللغة ‪74‬‬ ‫الرسيانية» إلقليميس يوسف داود املوصيل‬ ‫بقلم هرني بدروس كيفا‬ ‫أور الكلدانيني ليست يف العراق جـ ‪1‬‬ ‫موفق نيسكو‬ ‫كاريكاتور‬

‫‪97‬‬ ‫‪110‬‬

‫مالحظة‪ :‬عناوين املقاالت هي روابط‪ ،‬انقروا عليها لتأخذكم مبارش ًة إىل املقال‬

‫‪3‬‬


‫من هم الرسيان‬

‫د‪ .‬أسعد صوما أسعد‬ ‫‪4‬‬


‫من هم الرسيان؟‬ ‫د‪ .‬أسعد صوما أسعد‬

‫ٍ‬ ‫مقاالت قام بكتابتها الباحث أسعد صوما أسعد متثل مقدم ًة عن الرسيان ولغتهم وأصل‬ ‫دمج لعدة‬ ‫هذا املقال هو ٌ‬ ‫تسميتهم‪ ،‬ونختم بالحديث عن االضطهاد الذي تعرضوا له‪.‬‬

‫آراء حول تسمية (رسيان)‬ ‫مشتق من اآلخر‪ ،‬كام أن لفظة «آشور»‬ ‫إن تعابري «رسيان» ‪ Syrian‬و«سوريا» ‪ Syria‬مرتابط ٌة ومتالحمة‪ ،‬والواحد منها‬ ‫ٌ‬ ‫أيضا متداخل ٌة معهم‪ .‬وحينام نذكر لفظة «رسيان» فإننا نقصد بها جميع شعب «السورايي» ‪ Suraye/Suryaye‬مبختلف‬ ‫ً‬ ‫أيضا‪.‬‬ ‫فرقه ونِ َحله‪ ،‬وعندما نبحث عن جذر لفظة «سوريا» فإن هذا ميس لفظة «رسيان» ً‬ ‫إن تعابري مثل «سوريا» و«رسيان» قدمي ٌة منذ حوايل ‪ 2500‬سنة‪ ،‬كام أنها ظهرت لدى اليونانيني القدماء قبل الرسيان‪،‬‬ ‫ويبدو ان الرسيان تعلموها منهم واستعملوها لكن بعد حوايل عرشة قرونٍ من ظهورها لدى اليونانيني‪.‬‬ ‫هناك عدة آرا ٍء حول أصل تسمية «سوريا» و«رسيان» حاول أصحابها رشح هذه األلفاظ ومصدر اشتقاقها اللغوي‪.‬‬ ‫نقاش بني العلامء حول هذه التسمية‪ ،‬فبينام أجمع الكتّاب الرسيان‬ ‫منذ أكرث من مائة سن ٍة ظهر عىل الساحة العلمية ٌ‬ ‫القدماء عىل اشتقاق لفظة «سوريا‪/‬رسيان» من «سريوس»‪ ،‬رفض الغربيون هذا االشتقاق؛ ففي العقود األخرية من‬ ‫القرن التاسع عرش كتب املسترشق األملاين الكبري «نول ِْدكِه» ‪ Theodor Nöldeke‬عن اشتقاقها من «آشور»‪ ،‬لكن عالِم‬ ‫الدراسات اآلرامية الكبري «فرانس روزنثال» ‪ Franz Rosenthal‬رفض فكرة اشتقاقها من آشور؛‬ ‫أيضا باشتقاقها من آشور‪ ،‬فقام بعده الباحث «تڤدنس» ‪John‬‬ ‫ثم كتب الباحث «شفارتس» ‪ Eduard Schwartz‬وقال ً‬ ‫‪ A. Tvedtnes‬ورفض اشتقاقها من آشور وقال باشتقاقها من «سوري» املرصية‪ ،‬وبعده بحوايل عرش سنوات كتب‬

‫نولدكه‬

‫روزنثال‬

‫‪5‬‬

‫شڤارتس‬

‫تڤدنس‬


‫من هم الرسيان؟‬ ‫د‪ .‬أسعد صوما أسعد‬

‫الباحث «فراي» ‪ Richard N. Frye‬وجدد فكرة اشتقاقها من آشور‪ ،‬فقام بعده‬ ‫الربفسور جون جوزف ‪ John Joseph‬املتخصص بالرسيان النساطرة ونقض نتائج‬ ‫«فراي» مشككًا يف هذا االشتقاق؛‬

‫فراي‬

‫ومؤخ ًرا كتب الباحث «رولينغر» ‪ Robert Rollinger‬يف املوضوع مرك ًزا عىل‬ ‫اشتقاق لفظة «سوريا» من «آشور»‪.‬‬ ‫وهنا نستعرض باختصا ٍر ٍ‬ ‫شديد اآلراء الدارجة حول اشتقاق اسم «رسيان»‪.‬‬ ‫جوزف‬

‫ً‬ ‫أول‪ :‬أن الكتّاب الرسيان القدماء رشقيني (نساطرة) وغربيني (يعاقبة وروم) أجمعوا‬ ‫عىل ان اسم «سوريا» مشتق من اسم ٍ‬ ‫ملك «آرامـي» قديم اسمه ‪« Syros‬سورس‪/‬‬ ‫سريوس» حكم املنطقة فتسمت باسمه ومنها اشتقت لفظة «رسيان»؛ ومن الكتّاب‬ ‫مثل إيشوع برعيل الرسياين النسطوري‬ ‫الرسيان القدماء الذين قالوا بهذا الرأي نذكر ً‬ ‫(القرن التاسع) يف قاموسه الرسياين الشهري‪ ،‬طبعة غوت َهيل ‪ 1908‬روما‪ ،‬الجزء الثاين‬ ‫والقسم االول صفحة ‪155‬؛ وأغابيوس قسطنطني الرسياين املليك «من طائفة الروم»‬ ‫(القرن التاسع) يف «كتاب العنوان» طبعة اليسوعيني ‪ ،1907‬صفحة ‪)26‬؛ وابن‬ ‫الصليبي الرسياين اليعقويب (القرن الثاين عرش) يف كتابه «الجدال» الفصل ‪ .14‬إن‬ ‫الكتّاب الرسيان القدماء نقلوا هذا الرأي عن الكتّاب اليونانيني القدماء الذين قالوا‬ ‫بهذه املقولة‪.‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬عام ‪ 1862‬كتب الربفسور جورج رولينصون (‪George Rawlinson (1812-1902‬‬ ‫وهو من مؤسيس علم األشوريات‪( ،‬وهو الشقيق االصغر لهرني رولنصون ‪Henry‬‬ ‫رولنغر‬ ‫فسمي «أبو األشوريات»)‪،‬‬ ‫‪ Rawlinson‬الذي نجح يف فك رموز الكتابة املسامرية ُ‬ ‫كتب يف تاريخه املوسوعي الضخم‪ ،‬ج ‪ )52 ،4‬أن اسم «سوريا» مشتق من اسم مدينة «صور» ‪ Sur‬اللبنانية فتبعه البعض‬ ‫(‪)1‬‬ ‫بهذا الرأي‪.‬‬ ‫وربط آخرون هذا الرأي باملسيحية ملرور تالميذ املسيح مبدينة صور (سفر األعامل ‪ ،)3-7 :21‬فقيل عنهم بالرسيانية‬ ‫أيضا بهذا االسم‬ ‫صورايى‪/‬سورايى (‪ )Suraye/Suroye‬أي مسيحيني‪ ،‬وكل من تبعهم وانضم إىل الدين الجديد ُسمي ً‬ ‫‪1- Smith’s Bible Dictionary page 669.‬‬

‫‪6‬‬


‫من هم الرسيان؟‬ ‫د‪ .‬أسعد صوما أسعد‬

‫ܨܘ̈ܪܝܐ «صورويى‪/‬صورايى‪/‬سورايى» أي مسيحي‪ ،‬وال زال رسيان طور عابدين جنوب رشق تركيا يطلقون بلهجتهم‬ ‫اآلرامية املحكية لفظة ܨܘ̈ܪܝܐ «صوروية» عىل املسيحيني قاطبة [الحظوا أن االسم لديهم هو بحرف الصاد وليس‬ ‫بحرف السني]‪.‬‬ ‫ايضا ‪ Sura‬و‪ )Suri‬الذي كان اسم إله‬ ‫ثالثًا‪ :‬كتب الباحث وينكلر ان اسم «سوريا» مشتق من «سور» ‪( Sur‬يلفظ ً‬ ‫الشمس يف األناضول(‪ .)2‬وكذلك كان الباحث شرتاسامير ‪ J. N. Strassmaier‬قد سبقهم بهذا القول عام ‪.1884‬‬ ‫راب ًعا‪ :‬أرج َع بعض العلامء أصل تسمية سوريا ورسيان إىل «آشور»‪ ،‬وقالوا بأنها صيغ ٌة متطور ٌة منها؛ ومنهم عىل سبيل‬ ‫مشتق من اسم آشور(‪.Ashshur )3‬‬ ‫املثال الباحث إدوارد شفارتز الذي كتب عام ‪ 1932‬ان اسم سوريا‬ ‫ٌ‬ ‫مقال باإلنكليزية بعنوان «أصل اسم سوريا»(‪ )4‬ذكر فيه بانه ال عالقة لأللفاظ «آشور»‬ ‫خامسا‪ :‬نرش الباحث جون تفدتنس ً‬ ‫ً‬ ‫و«سوريا» ببعضها البعض‪ .‬ويرى تفدتنس ان أصل تسمية سوريا ورسيان يعود اىل لفظة ‪« Suri‬سوري» املرصية‪ ،‬والتي‬ ‫كان املرصيون القدماء يطلقونها بلغتهم عىل الحوريني يف شامل سوريا يف القرن الرابع عرش قبل امليالد‪ ،‬ثم اصبحت‬ ‫املنطقة تسمى باسمهم فسميت «سوريا»‪.‬‬ ‫كام هناك آراء أخرى عن املوضوع مثل اشتقاق سوريا ‪ Syria‬من ‪«Sirion‬سرييون» املذكورة يف الكتاب املقدس (تثنية‬ ‫االشرتاع ‪ 3: 9‬حيث ور َد‪« :‬الصيدونيون يدعون حرمون سرييون»)‪ ،‬أو اشتقاقها من «سوبرتو» االكادية‪ ،‬أو من «سوري»‬ ‫رأي من هذه اآلراء أصحابه وأنصاره‪ ،‬وأن البحوث التي تظهر من ٍ‬ ‫وقت آلخر عن التسمية‬ ‫اآلرامية وغريها؛ كام أن لكل ٍ‬ ‫تدعم هذا الرأي أو ذاك‪.‬‬ ‫املهم يف املوضوع أن آراء معظم العلامء املختصني متفق ٌة عىل أن تسمية «رسيان» ܣܘ̈ܪܝܝܐ مشتق ٌة من تسمية‬ ‫«سوريا‪/‬سوري» الجغرافية ‪ ،Toponym‬لكن اختالفهم يف اآلراء هو حول أصل تسمية «سوريا»‪.‬‬ ‫أيضا‬ ‫وتنص ً‬ ‫تنص باإلجامع عىل أننا رسيان ّ‬ ‫لكن األهم يف املوضوع أن كل كتابات الرسيان القدماء (نساطرة ويعاقبة) ّ‬ ‫عىل أن الرسيان ينحدرون من اآلراميني‪ .‬كام أن كل هذه األمور بديهي ٌة للمختصني يف تاريخ الرسيان‪.‬‬ ‫‪ -2‬انظروا تعليقه عىل لفظة «سوري» ‪ suri‬املنشور عام ‪1907‬؛ وكذلك مل ّح هوكينز يف بحثه ‪ Assyrians and Hittites‬املنشور يف مجلة العراق ‪ Iraq‬العدد ‪ 36‬لعام ‪1974‬؛ (حاشية‬ ‫‪ ،6‬صفحة ‪.)68‬‬ ‫‪ -3‬انظروا بحثه األملاين «حول آشور وسوريا»‪ ،‬املنشور يف ‪ Philologus‬العدد ‪ 87‬لعام ‪ ،1932‬الصفحات ‪.261-263‬‬ ‫‪ -4‬نرشه يف (‪ )Journal of Near Eastern Studies‬العدد ‪ 40‬عام ‪ ،1981‬صفحات ‪.139-140‬‬

‫‪7‬‬


‫من هم الرسيان؟‬ ‫د‪ .‬أسعد صوما أسعد‬

‫ملح ٌة عن أصل الرسيان*‬ ‫رسيان اليوم جز ٌء صغ ٌري من العائلة الرسيانية الكبرية التي تتكون من اتباع كل الطوائف املسيحية املوجودة يف بالد الشام‬ ‫والعراق وما يجاورها(‪ )5‬عدا األقباط واألرمن‪ .‬وقد عاش الرسيان يف مواطنهم التقليدية يف الرشق األوسط منذ حوايل‬ ‫‪ 3000‬سنة دون انقطاع‪ ،‬حيث طبعوا املنطقة بثقافتهم وحضارتهم ومآثر لغتهم‪ ،‬وقدموا بعض اإلنجازات الهامة يف‬ ‫مجرى التاريخ شملت مساح ًة واسع ًة من العامل القديم وخاص ًة عىل املستوى الثقايف واللغوي‪ .‬وكانت قوافلهم التجارية‬ ‫ناشط ًة ج ًدا عىل طول مسالك طريق الحرير التجاري الشهري يف عامل الرشق القديم‪ ،‬فانترشت معهم ثقافتهم ولغتهم‬ ‫شعوب عديدة‪.‬‬ ‫وأبجديتهم بني‬ ‫ٍ‬ ‫إن لغتهم اآلرامية السهلة النطق والكتابة كانت قد انترشت حينها انتشا ًرا واس ًعا ج ًدا بسبب سهولتها ومرونتها‪ ،‬فغدت‬ ‫لغة االتصاالت والدبلوماسية والتجارة يف الرشق القديم‪ ،‬كام أن أبجديتهم اآلرامية السهلة واملكونة من ‪ 22‬حرفًا كُتبت‬ ‫أيضا‪ .‬لكن منذ القرن الثالث امليالدي‪ ،‬خرس‬ ‫بها العديد من اللغات‪ ،‬وأصبحت مصد ًرا لكثريٍ من أبجديات لغات العامل ً‬ ‫الرسيان دويالتهم العديدة ونفوذهم السيايس وأصبحوا تابعني للقوى السياسية الغريبة التي تحكمهم‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫مجموعات كنس ّية ال زال بعضها يحمل االسم الرسياين مثل الرسيان األرثوذكس والرسيان‬ ‫ينقسم رسيان اليوم إىل عدة‬ ‫الكاثوليك‪ ،‬أما املجموعات الرسيانية األخرى فقد خرست اسمها الرسياين كل ًيا أو جزئ ًيا خالل معمعة التطور التاريخي‬ ‫واالنفالت الكنيس‪ ،‬ولها اليوم أسام ٌء محلي ٌة كنسي ٌة خاص ٌة ت ُعرف بها‪ ،‬مثل املوارنة والروم واآلشوريني والكلدان(‪ )6‬وهذه‬ ‫حق ورثة اللغة الرسيانية اآلرامية‪ ،‬وورثة الحضارة الرسيانية والرتاث الرسياين العريق‬ ‫املجموعات الكنسية كلها هي بكل ٍ‬ ‫الذي أنتجه أجدادهم الرسيان عىل مر العصور‪ ،‬وال زال االسم الرسياين كام ًنا يف الطبقة السفىل من تفكريهم‪.‬‬ ‫يتحدر الرسيان من اآلراميني الذين كانوا يشكلون يف القرون األوىل قبل امليالد وبعده‪ ،‬الغالبية العظمى لسكان منطقة‬ ‫بالد الشام‪ ،‬أي سوريا ولبنان والعراق واألردن وفلسطني‪ ،‬حيث وحدوها بوجودهم البرشي الكثيف وبلغتهم اآلرامية‬

‫* هذه املقالة مستقطع ٌة من مقدمة كتابه (الفيلسوف الرسياين ابن العربي يف كتابه الفلسفي حديث الحكمة الصادر يف السويد عام ‪.)2013‬‬ ‫‪ -5‬أي يف العراق وسوريا ولبنان واألردن وفلسطني‪ ،‬وما يجاورها من البلدان مثل تركيا وإيران ومرص وبلدان الخليج وأرمينيا وغريها التي فيها أقليات رسيانية‪.‬‬ ‫‪ -6‬منذ نهاية القرن التاسع عرش وبداية قرن العرشين بدأت هذه املجموعات الرسيانية تبالغ بالتعلق بهويتها الكنسية والطائفية عىل حساب اسمها الرسياين الذي بدأت تهجره‬ ‫ٍ‬ ‫تفكك وانحال ٍل من الجسم الرسياين واالبتعاد عن األصل والرتاث واالنتامء املتوارث من األجداد لآلباء واألبناء‪ ،‬لتربز‬ ‫وتخرسه تدريجيًا وتقطع نفسها من التواصل معه يف مرحلة‬ ‫خصوصياتها املجموعاتية والطائفية من جهة‪ ،‬وتبعد نفسها عن إخوتها الرسيان املحافظني عىل التسمية الرسيانية من جه ٍة أخرى‪ .‬فشكلت مرحلة االنفالت لدى بعض الطوائف‬ ‫الرسيانية ضيا ًعا يف هويتهم الرسيانية التقليدية املنقولة لهم عرب تاريخ أجدادهم املوثق‪ ،‬ورمبا معاداتها أيضً ا‪.‬‬

‫‪8‬‬


‫من هم الرسيان؟‬ ‫د‪ .‬أسعد صوما أسعد‬

‫ومبختلف عوامل حضارتهم وثقافتهم‪ .‬وقد أطلق اليونانيون تسمية «رسيان»(‪ )7‬عىل اآلراميني يف القرون األوىل قبل امليالد‬ ‫وخاص ًة منذ القرن الثالث قبل امليالد‪ .‬لكن «الرسيان» استمروا حينها يسمون أنفسهم باآلراميني (‪ )8‬لغاية بداية القرن‬ ‫الخامس امليالدي؛ وبعد ذلك بدأ اآلراميون املسيحيون بدورهم يستعملون تسمية «رسيان» ܣܘ̈ܪܝܝܐ إىل جانب‬ ‫اسمهم اآلرامي ܐ̈ܪܡܝܐ فقالوا عن أنفسهم «رسيان آراميني» ܣܘ̈ܪܝܝܐ ܐ̈ܪܡܝܐ‪ ،‬وعن لغتهم «اللغة الرسيانية‬ ‫اآلرامية» ܠܫܢܐ ܣܘܪܝܝܐ ܐܪܡܝܐ‪ .‬واستمرت التسمية الرسيانية الجديدة يف االنتشار أكرث وأكرث‪ ،‬وعمت سائر‬ ‫(‪)9‬‬ ‫املنطقة اآلرامية‪ ،‬اىل أن انفردت يف االستعامل بعدما انزاحت التسمية اآلرامية من االستعامل اليومي‪.‬‬ ‫كان اآلراميون القدماء يتبعون يف دولهم وكياناتهم السياسية نظام املدينة الدولة‪ ،‬فكان لهم العديد من الدويالت‬ ‫املنترشة يف منطقة الهالل الخصيب‪ .‬وكان البعض من دولهم‬ ‫يحمل اسم «آرام» إىل جانب اسمها املحيل مثل «آرام دمشق»‪،‬‬ ‫أيضا اسم‬ ‫«آرام صوبا»‪« ،‬آرام معكة»‪ ،‬إلخ؛ كام أن بعضها حمل ً‬ ‫«بيث» إىل جانب اسمها مثل «بيث عديني»‪« ،‬بيث حالويف»‪،‬‬ ‫«بيث ياكني»‪ ،‬إلخ‪ .‬وقد عاش اآلراميون خالل تاريخهم الطويل‬ ‫شعوب أخرى لها لغاتها وحضاراتها مثل‬ ‫قبل امليالد بجوار‬ ‫ٍ‬ ‫األشوريني والكنعانيني والحثيني وغريهم فتأثروا بهم وأثروا‬ ‫عليهم‪ ،‬إال أن تلك الشعوب القدمية اختفت الحقًا من مرسح‬ ‫التاريخ‪ ،‬واختفت معها لغاتها وحضاراتها‪ ،‬وزالت كل ًيا من‬ ‫الوجود بعدما أن ذابت بقاياها ضمن اآلراميني‪ .‬أما هم فقد‬ ‫استمروا يف الحياة لغاية اليوم باسم رسيان وغريها من األسامء‬ ‫الكنسية محافظني عىل بقايا وجودهم البرشي وعىل يش ٍء يسريٍ‬ ‫توزع اللغات السامية (السريو‪-‬عربية) يف القرن األول امليالدي‬ ‫من حضارتهم ولغتهم التي هي مبعث فخرهم وقوتهم‪.‬‬ ‫آرا���‬ ‫����‬

‫����‬

‫���� � ��� ����‬ ‫����� � ���‬

‫ٍ‬ ‫كيانات سياسية‪ ،‬قام البعض منها عىل األثنية اآلرامية والبعض اآلخر‬ ‫ويف القرنني األولني بعد امليالد كان لآلراميني عدة‬ ‫ٍ‬ ‫كيانات سياسي ًة آرامي ًة تعتمد‬ ‫عىل اللغة اآلرامية‪ .‬وكانت معظم املدن الكبرية يف منطقة الهالل الخصيب آنذاك تشكل‬ ‫‪ -7‬منذ القرن الثالث قبل امليالد درجت عاد ٌة عند اليونانيني بأن يطلقوا تسمية «سوريا» عىل بالد آرام‪ ،‬وتسمية «رسيان» عىل اآلراميني‪ ،‬و«لغة رسيانية» عىل اللغة اآلرامية‪.‬‬ ‫مثل يسمون أنفسهم «إلينس» ونحن نسميهم‬ ‫‪ -8‬إن كان اليونانيون يسمون اآلراميني بالرسيان فهذا ليس حدث ًا فريدًا‪ ،‬بل يشبهه حال بعض الدول األوروبية اليوم‪ .‬فاليونانيون ً‬ ‫يونان‪ ،‬واسم «األملان» األصيل بلغتهم األملانية هو «دويتش» ‪ Deutcher‬لكننا نسميهم نحن «أملان»؛ والنمساويون ال يسمون أنفسهم بهذا االسم (منساويني) بل «اوسرترايخر»‬ ‫‪ Österreicher‬وكذلك السويديون فهم يسمون أنفسهم «سڤنسكَر» ‪ Svenskar‬بينام نحن نسميهم «سويديني»‪ .‬وهناك أمثل ٌة أخرى كثري ٌة مشابه ٌة يف العامل‪.‬‬ ‫مثل األديب الرسياين‬ ‫‪ -9‬رغم أن التسمية اآلرامية انزاحت من االستعامل اليومي‪ ،‬إال أنها بقيت يف االستعاملني الكتايب واألديب لدى مختلف الكتُّاب الرسيان عىل مر العصور‪ ،‬فرنى ً‬ ‫كتبت لكاهنٍ فاكتب ما ييل ܠܟܗܢܐ ܕܐܬܓܒܝ ܫܪܓܐ‬ ‫«يشوع بركيلو» (تويف عام ‪ )1309‬يستعمل التسمية اآلرامية يف كتابه عن فن تعليم كتابة الرسائل بقوله‪ ،‬إن َ‬ ‫ܠܥܡܐ ܐܪܡܝܐ ‪« .‬إىل الكاهن الذي اختري رسا ًجا للشعب اآلرامي»‪( .‬انظروا كتاب رسائله طبعة إسحق أرملة يف بريوت ‪ ،1928‬الفصل األول صفحة ‪.)22‬‬

‫‪9‬‬


‫من هم الرسيان؟‬ ‫د‪ .‬أسعد صوما أسعد‬

‫نظام «املدينة الدولة»‪ ،‬منها برتا (يف األردن)؛ دمشق‪ ،‬وحمص‪ ،‬وحامة‪ ،‬وحلب‪ ،‬وتدمر (كلها يف سوريا)؛ حطرا‪ ،‬وحدياب‪،‬‬ ‫وسنجار‪ ،‬وميسان (كلها يف العراق)؛ الرها‪ ،‬وآمد (ديار بكر)‪ ،‬ونصيبني‪ ،‬وماردين‪ ،‬وطور عابدين (يف تركيا)‪ ،‬إلخ‪ .‬وقد انتهى‬ ‫النفوذ السيايس ملعظم هذه املاملك واإلمارات واإلقطاعات اآلرامية يف القرنني الثاين والثالث بعد امليالد‪ .‬وبعد مجيء‬ ‫اإلسالم إىل املنطقة اندمج الكثري من اآلراميني (الرسيان) به وبالعرب‪ ،‬فاختفى منهم أصلهم وضاعت منهم لغتهم بعد‬ ‫أن تركوا ثأث ًريا كب ًريا يف اللغة والحضارة العربية‪ .‬لكن البقية الباقية من الشعب اآلرامي استمرت يف الوجود عىل أرضها‬ ‫ومناطقها التقليدية باسم «رسيان» وغريها من األسامء الكنسية والطائفية لغاية اليوم‪ ،‬رغم تقلص عدد هذا الشعب‬ ‫بشكلٍ كبريٍ ج ًدا بسبب االضطهادات املتنوعة واملجازر التي تعرض لها‪.‬‬ ‫اآلراميون يتبنون التسمية الرسيانية‪:‬‬ ‫كان اليونانيون منذ القرن الثالث(‪ )10‬قبل امليالد قد أخذوا يطلقون تسمية «رسيان» عىل اآلراميني‪ ،‬فاضطر اآلراميون إىل‬ ‫تبنيها تدريج ًيا واستعاملها إىل جانب اسمهم اآلرامي‪ .‬وهناك شواهد قدمي ٌة‬ ‫كثري ٌة حول هذا املوضوع منها شهادة املؤرخ والفيلسوف اليوناين پوسيدونيوس‬ ‫(‪ 135‬ق‪.‬م‪ 51 – .‬قبل امليالد) الذي كان من مدينة أفاميا عىل نهر العايص يف‬ ‫سوريا حيث كتب‪« :‬يطلق الرسيان عىل أنفسهم اسم اآلراميني»‪ )11(.‬وكذلك‬ ‫املؤرخ اليوناين سرتابو (‪ 63‬قبل امليالد‪ 24 -‬ميالدي) بقوله‪« )12(:‬إن الذين يطلق‬ ‫(‪)13‬‬ ‫اليونانيون عليهم تسمية رسيان فإنهم يسمون أنفسهم باآلراميني»‪.‬‬ ‫سرتابو‬ ‫پوسيدونيوس‬ ‫ويف النسخة‪/‬الرتجمة السبعينية الرسيانية للعهد القديم ܫܒܥܝܢܝܬܐ والتي تُرجمت من العربية إىل اليونانية يف مرص‬ ‫يف القرن الثالث قبل امليالد‪ ،‬ومن اليونانية إىل الرسيانية يف اإلسكندرية حوايل عام ‪ 615‬ميالدي‪ ،‬نرى أن االسم «الرسياين»‬ ‫بديل عن اسم «اآلرامي» األقدم منه ومرادفًا له‪ .‬أي أن املرتجمني(‪ )14‬قاموا برتجمة تسمية‬ ‫أصبح يف الرتجمة السبعينية ً‬ ‫«آرامي» من النص العربي للعهد القديم إىل لفظة «رسياين» يف النص السبعيني اليوناين وثم الرسياين‪ .‬فعىل سبيل املثال‬ ‫أن تعبري «ملك آرام»(‪ )15‬يف التوراة العربية قد تُرجم يف النسخة السبعينية الرسيانية إىل صيغة ܡܠܟܐ ܕܣܘ̈ܪܝܝܐ‬ ‫(‪)16‬‬ ‫«ملك الرسيان»‪ ،‬وعبارة «رصني ملك آرام» ترجمت إىل ܪܨܢ ܣܘܪܝܝܐ « َرصني الرسياين»‪.‬‬ ‫‪ -10‬رغم أنهم كانوا أحيانًا يطلقون عليهم التسمية الرسيانية بشكلٍ غري متواصلٍ وغري منتظمٍ منذ القرن السادس قبل امليالد‪.‬‬ ‫‪11- Posidonius, (Cambridge Classical Texts and Commentaries 1988), Vol. 2, pp. 955-956.‬‬ ‫‪12- Strabo, Geography, book I, 34.‬‬ ‫‪ -13‬وكذلك فعل املؤرخ اليهودي فالڤيوس يوسيفوس الذي عاش مبارش ًة بعد املسيح (ولد حوايل عام ‪ 37‬ميالدي ومات حوايل سنة ‪ 100‬للميالد) بقوله‪« :‬يطلق اليونانيون عىل‬ ‫اآلراميني اسم الرسيان» انظروا كتابه ‪.Antiquities of the Jews, Book 1, chapter 6‬‬ ‫‪ -14‬كان هؤالء الرتاجمة من علامء اليهود املتمرسني باللغات العربية واليونانية واآلرامية‪.‬‬ ‫‪ -15‬انظروا التوراة السبعينية الرسيانية‪ ،‬سفر امللوك الثاين ‪.17: 12‬‬ ‫‪ -16‬انظروا التوراة السبعينية الرسيانية‪ ،‬سفر امللوك الثاين ‪.37 :15‬‬

‫‪10‬‬


‫من هم الرسيان؟‬ ‫د‪ .‬أسعد صوما أسعد‬

‫ويف زمن مار أفرام الرسياين (القرن الرابع امليالدي) مل ُيك الرسيان يسمون أنفسهم‬ ‫واضح من الكتابات الرسيانية التي وصلتنا من ذلك‬ ‫رسيانًا بعد‪ ،‬بل آراميني‪ ،‬وهذا‬ ‫ٌ‬ ‫العرص‪ ،‬وبينها كتابات مار أفرام الذي ال يستعمل تسمية رسيان ولغة رسيانية‪،‬‬ ‫بل يستعمل تسمية «آراميني» و«لغة آرامية»‪ )17(.‬وهناك العديد من الشواهد يف‬ ‫̈‬ ‫ܒܣܘܟܝܗܘܢ ܫܒܚܘܗ‪،‬‬ ‫كتاباته النرثية والشعرية‪ ،‬منها قوله ‪ :‬ܐ̈ܪܡܝܐ‬ ‫أي «مجده اآلراميون بأغصانهم»‪ )18(،‬وقوله عن الفيلسوف «برديصان» الرهاوي‬ ‫(تويف عام‪222‬م) بأنه «فيلسوف اآلراميني» كام يف الشاهد التايل‪ :‬ܓܘܚܟܐ‬ ‫̈‬ ‫ܘܝܘܢܝܐ‪ :‬ܦܝܠܘܣܘܦܐ ܕܐ̈ܪܡܝܐ‬ ‫ܕܝܢ ܥܒܕ ܢܦܫܗ ܒܝܬ ܐ̈ܪܡܝܐ‬ ‫«إن فيلسوف اآلراميني (برديصان) جعل نفسه أضحوك ًة يف أعني اليونانيني‬ ‫واآلراميني»؛(‪ )19‬كام أن مار أفرام يسمي اللغة الرسيانية باآلرامية كام يف قوله‪:‬‬ ‫(‪)20‬‬ ‫ܟܬܝܒ ܒܐܪܡܝܐ «كُتب باآلرامية»‪.‬‬

‫مار أفرام‬

‫وبعد وفاة مار أفرام بفرت ٍة قصري ٍة (تويف عام ‪373‬م) بدأت التسمية الرسيانية تتغلغل بني اآلراميني الذين راحوا يستعملونها‬ ‫إىل جانب التسمية اآلرامية‪ .‬ونرى ذلك لدى الشاعر الكبري مار يعقوب الرسوجي‬ ‫الذي تويف عام ‪521‬م‪ ،‬حيث وصف مار أفرام ملقبًا إياه بـ «تاج األمة اآلرامية‬ ‫̇‬ ‫ܠܟܠܗ ܐܪܡܝܘܬܐ‪ :‬ܗܢܐ‬ ‫وبليغ الرسيان» بقوله ܗܢܐ ܕܗܘܐ ܟܠܝܐܠ‬ ‫ܕܗܘܐ ܪܗܛܪܐ ܪܒܐ ܒܝܬ ܣܘ̈ܪܝܝܐ أي «أن مار أفرام أصبح تا ًجا لألمة‬ ‫عظيم لدى الرسيان»‪ )21(.‬إن الشاعر استعمل هنا التسميتني‬ ‫اآلرامية جمعاء‪ ،‬وبلي ًغا‬ ‫ً‬ ‫اآلرامية والرسيانية م ًعا يف قصيدته كاسمني عىل املسمى نفسه‪ .‬كام أن شاعرنا‬ ‫املذكور يعقوب الرسوجي سمى فتيات مدينة الرها باآلراميات‪ ،‬عندما تحدث عن‬ ‫̈‬ ‫̈‬ ‫̈‬ ‫ܒܦܠܓܝܗܝܢ‪:‬‬ ‫ܗܘܝ ܓܝܪ ܥܒ̈ܪܝܬܐ‬ ‫ܝܒܒܝ‬ ‫تلميذات مار أفرام بقوله‪:‬‬ ‫̈‬ ‫ܡܫܒܚܢ ܐ̈ܪܡܝܬܐ ܒܡܕ̈ܪܫܝܗܝܢ(‪ )22‬أي «لقد َرنّ ت الفتيات‬ ‫ܘܗܪܟܐ‬ ‫(‪)23‬‬ ‫العربانيات بدفوفهن‪ ،‬أما الفتيات اآلراميات فتمجد (الرب) هنا مبداريشهن»‪.‬‬ ‫يعقوب الرسوجي‬

‫‪ -17‬أما ملاذا لقب مار أفرام بالرسياين يف ذلك الوقت الذي مل تكن فيه تسمية رسياين موجود ًة بعد بل كان يُسمى آراميًا‪ ،‬فنقول بأن اليونان هم الذين سموه بالرسياين‪ ،‬ألنهم‬ ‫كانون يطلقون عىل اآلراميني تسمية «رسيان»؛ ومن ثم دخل لقب «أفرام الرسياين» من اليونانية إىل الرسيانية بواسطة الرتجمة الحقًا‪ ،‬فأصبح مار أفرام يُعرف يف كل األوساط بـ‬ ‫«أفرام الرسياين»‪.‬‬ ‫‪18- Edmund Beck, Des heiligen Ephraem des syrers Hymnen de Virginitate (CSCO Vol. 223/Syr 94), Louvain 1962, p. 70.‬‬ ‫‪19- C.W. Mitchell, St Ephrem’s Prose Refutations of Mani, Marcion and Bardaisan, (2 vols: London & Oxford 1912 and 1921, Vol II. P. 7.‬‬ ‫‪20- Ibid. Vol. 1, p. 122.‬‬ ‫‪21- Paul Bedjan, Acta Martyrum et Sanctorum Syriacum, Vol. III, Paris 1892, p. 677.‬‬ ‫‪22- Ibid. P. 668.‬‬ ‫‪« -23‬املدراش» ܡܕܪܫܐ كلم ٌة رسياني ٌة تدل عىل أحد أنوع الشعر الرسياين الذي يكون عىل شكل قصيد ٍة جدلي ٍة للغناء‪ ،‬وهو عىل نقيض «امليمر» ܡܐܡܪܐ الذي هو قصيد ٌة‬ ‫محدودة الوزن للقراءة‪ .‬تتميز «املداريش» الرسيانية بتنوع أوزانها الشعرية التي تبلغ أكرث من خمسني وزنًا شعريًا‪.‬‬

‫‪11‬‬


‫من هم الرسيان؟‬ ‫د‪ .‬أسعد صوما أسعد‬

‫ومنذ حينها استعمل الكتّاب الرسيان عىل مر العصور التسميتني الرسيانية واآلرامية بشكلٍ‬ ‫متالحم ومرتادف‪ ،‬وأصبح‬ ‫ٍ‬ ‫واضح‬ ‫هذا تقلي ًدا دار ًجا لدى الكتّاب‪ ،‬فكتبوا بأنهم «رسيا ٌن آراميون» وأن لغتهم هي «الرسيانية اآلرامية»‪ .‬وهذا‬ ‫ٌ‬ ‫لكل من يطالع الكتب والنصوص الرسيانية القدمية‪ ،‬فعىل سبيل املثال‪ ،‬نستشهد بأحد أكرب العلامء واملؤرخني الرسيان‬ ‫القدماء‪ ،‬يعقوب الرهاوي (املتويف عام ‪ 708‬ميالدي) بقوله‪ :‬ܚܢܢ ܐ̈ܪܐܡܝܐ (‪ )24‬ܐܘܟܝܬ ܣܘ̈ܪܝܝܐ «نحن‬ ‫أيضا يف حديثه عن‬ ‫اآلراميني أي الرسيان»‪ )25(.‬وكذلك بقوله‪ :‬ܠܘܬܢ ܐ̈ܪܡܝܐ أي «عندنا نحن اآلراميني»‪ )26(،‬وكذلك ً‬ ‫ܥܬܝܩܐ ̈‬ ‫(‪)27‬‬ ‫̈‬ ‫ܒܢܝ ܐܪܡ‪ ،‬أي «أبناء آرام القدماء»‪.‬‬ ‫أجداد الرسيان بقوله‪:‬‬ ‫مثل‪،‬‬ ‫أما كون الرسيان يتحدرون من اآلراميني‪ ،‬فهناك شواه ٌد كثري ٌة عىل ذلك من املؤرخني والكتاب الرسيان القدماء‪ً .‬‬ ‫يقول العالمة اللغوي الرسياين الرشقي (النسطوري) بربهلول (من القرن العارش) يف قاموسه الرسياين املوسوعي‪ :‬ܡܢ‬ ‫ܩܕܝܡ ܣܘ̈ܪܝܝܐ ܐ̈ܪܡܝܐ ܡܬܩܪܝܢ ܗܘܘ‪ ،‬أي «كان الرسيان قد ًميا يسمون آراميني»‪ )28(.‬وكذلك فعل املؤرخ‬ ‫والعالمة الرسياين يعقوب بن الصليبي (تويف ‪ )1171‬بقوله‪ :‬ܚܢܢ ܓܝܪ ̈‬ ‫ܒܢܝ ܐܪܡ ܐܝܬܝܢ‪ :‬ܘܥܠ ܫܡܗ‬ ‫أيضا فعل‬ ‫ܡܬܩܪܝܢ ܗܘܝܢ ܒܙܒܢ ܐ̈ܪܡܝܐ‪ ،‬أي «نحن أبناء آرام وعىل اسمه كنا نسمي سابقًا آراميني»‪ )29(.‬وكذلك ً‬ ‫العالمة الرسياين النسطوري سليامن مطران البرصة (تويف حوايل ‪ )1240‬يف كتابه الرسياين ܕܒܘܪܝܬܐ‪ ،‬أي «النحلة»‬ ‫كام أنه سمى امللك أبجر باآلرامي بقوله يف املصدر نفسه ܟܕ ܫܡܥ ܐܒܓܪ ܡܠܟܐ ܐܪܡܝܐ ܕܒܝܬ ܢܗ̈ܪܝܢ‪:‬‬ ‫ܐܬܠܚܡ ܥܠ ܥܒ̈ܪܝܐ ܘܒܥܐ ܕܢܘܒܕ ܐܢܘܢ‪ ،‬أي «عندما سمع أبجر اآلرامي ملك بيث نهرين غضب وأراد‬ ‫أن يبيد العربانيني»(‪ )30‬وهناك إثباتاتٌ كثري ٌة عىل ذلك‪ ،‬نكتفي منها بهذا القدر من الشواهد الرسيانية القدمية‪.‬‬ ‫ويف القرون األوىل من الفرتة املسيحية‪ ،‬اعتنقت غالبية اآلراميني الديانة املسيحية تدريجيًا؛ ومنذ القرن الخامس امليالدي‪،‬‬ ‫ثبتت عليهم التسمية الرسيانية التي أطلقها عليهم اليونان‪ .‬وحسب التقليد الرسياين‪ ،‬هناك «قص ٌة» ممتع ٌة تقول أن أبجر‬ ‫الخامس «أوكومو‪ /‬أوكاما» ܐܒܓܪ ܐܘܟܡܐ ملك الرها اآلرامي أصيب ٍ‬ ‫مبرض وعجز األطباء عن معالجته‪ ،‬فسمع‬ ‫عن يسوع النارصي بأنه يشفي املرىض‪ ،‬فكتب إليه ليأيت ويشفيه‪ .‬فأجابه يسوع بأنه سريسل له أحد اتباعه ليشفيه‪.‬‬ ‫وفعل أرسل له «أ ّدي الرسول» الذي نجح يف شفاء امللك أبجر وتنصريه‪ .‬فاعتنقت مملكة الرها املسيحية وأصبحت املعقل‬ ‫ً‬ ‫األول للمسيحية الناطقة باآلرامية‪ ،‬مثلام كانت أنطاكية معقل املسيحية الناطقة باليونانية‪ .‬وأصبحت لغة الرها اآلرامية‬ ‫لغة الكنيسة الرسيانية الرسمية‪ ،‬وانترشت مع انتشار الكنيسة الرسيانية يف كل مكان‪ .‬وكانت الرسائل املتبادلة بني أبجر‬ ‫امللك والسيد املسيح واملحفوظة يف أرشيف الرها‪ ،‬قد عظّمت قيمة الرها ولغتها الرسيانية بني جميع األوساط املسيحية‬ ‫‪ -24‬لقد كتب العالمة يعقوب الرهاوي كلمة «آراميني» بالرسيانية بهذه الصيغة أعاله‪ ،‬أي أنه وضع األلف بعد حرف الراء‪ ،‬يك يلفظها القارىء بصيغة ‪.oromoye/aramaye‬‬ ‫‪25- Patrologia Orientalis, vol. 29, p. 196.‬‬ ‫‪ -26‬انظروا كتاب العالمة يعقوب الرهاوي املسمى ܫܬܬ ̈‬ ‫ܝܘܡܐ «األيام الستة»‪ ،‬طبعة املطران يوليوس جيجك يف هولندا ‪ ،1985‬صفحة ‪.60‬‬ ‫‪ -27‬نفس املصدر‪ ،‬صفحة ‪.60‬‬ ‫‪ -28‬انظروا قاموس بربهلول الرسياين طبعة روبنس دوفال باريس ‪ ،1888‬عمود ‪.1324‬‬ ‫‪ -29‬انظروا الفصل ‪ 14‬من كتابه ܐܪܘܥܘܬܐ (الجدل)‪.‬‬ ‫‪30- Solomon of Basra, The Book of the Bee, ed. E.A.W. Budge, London 1886, page 99.‬‬

‫‪12‬‬


‫من هم الرسيان؟‬ ‫د‪ .‬أسعد صوما أسعد‬

‫يف الرشق والغرب‪ ،‬كام أنها أعطت أهمي ًة لشعبها اآلرامي حينها‪ .‬كام أن‬ ‫التقليد التورايت(‪ )31‬ينص عىل آرامية الشخصيات التوراتية أبراهام وابنه‬ ‫إسحق وحفيده يعقوب‪ .‬إن هذه الشخصيات الدينية الهامة دخلت إىل‬ ‫مختلف الطقوس الكنسية الرسيانية وأصبحت محو ًرا لكثريٍ من املوضوعات‬ ‫الدينية والكنسية‪.‬‬ ‫ولقد انطلق املبرشون الرسيان يبرشون باملسيحية يف مختلف األصقاع‬ ‫القريبة والبعيدة ناقلني معهم لغتهم الرسيانية اآلرامية والطقوس الكنسية‪،‬‬ ‫حيث برشوا هناك يف الهند والصني ومنغوليا‪ ،‬إلخ‪ ،‬ولغاية اليوم يوجد عدة‬ ‫ماليني(‪ )32‬من الرسيان املسيحيني يف جنوب الهند ينتمون إىل مختلف‬ ‫الكنائس الرسيانية واملذاهب املسيحية‪ ،‬ويستعملون اللغة الرسيانية يف‬ ‫طقوسهم الكنسية‪.‬‬

‫امللك أبجر‬

‫أيضا بعض التعاليم واألفكار‬ ‫لكن يف الفرتة نفسها التي دخلت فيها التسمية الرسيانية عىل اآلراميني املسيحيني‪ ،‬دخلت ً‬ ‫الفلسفية والدينية الجديدة وترسبت إىل الكنيسة‪ )33(،‬مام أدى إىل انعقاد مجامع كنسي ٍة لتثبيت العقيدة املسيحية‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫انقسامات كنسية‪ .‬ولغاية القرن الثامن‪ ،‬كان اآلراميون املسيحيون ينقسمون إىل أربع كنائس‪/‬‬ ‫أيضا يف‬ ‫لكنها س ّببت ً‬ ‫ٍ‬ ‫مجموعات هي‪ :‬الرسيان املشارقة (النساطرة)‪ ،‬الرسيان امللكيني (الروم)‪ ،‬الرسيان األرثوذكس (اليعاقبة)‪ )34(،‬والرسيان‬ ‫املوارنة؛ لكن منذ القرن السادس عرش والحقًا خرجت مجموعاتٌ من تلك الكنائس وأسست لها فرو ًعا كاثوليكية‪،‬‬ ‫وبعدها بروتستانتية‪ ،‬فتضاعف عدد الكنائس الرسيانية يف املنطقة‪ ،‬منها من حافظت عىل اللغة الرسيانية يف طقوسها‬ ‫الكنسية‪ ،‬ومنها من تبعت الطقس البيزنطي اليوناين الكنيس وتخلت عن اللغة الرسيانية‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫الضطهادات منوع ٍة أدت إىل تناقص أعدادهم بشكلٍ مروع‪ ،‬كام أن غالبيتهم اضطروا‬ ‫ويف فرتة تاريخهم املسيحي تعرض الرسيان‬ ‫ٍ‬ ‫مجموعات هام ًة منهم يف العراق وسوريا وغريها‪ ،‬ال زالت تتحدث بلغتها اآلرامية لغاية اليوم‪.‬‬ ‫إىل هجر لغتهم اآلرامية‪ ،‬إال أن‬ ‫‪ -31‬انظروا سفر تثنية االشرتاع ‪ 26:5‬حيث يقول‪« :‬آرام ًيا تائ ًها كان أيب»‪.‬‬ ‫‪ -32‬نعتقد بأن عدد الهنود الرسيان أكرث من عرشة ماليني؛ بعض الكنائس الرسيانية الهندية تستعمل اللغة الرسيانية وبعضها اآلخر أهملتها كليًا‪ .‬أما اللغة الرسيانية يف الهند‬ ‫فتستعمل بلهجتيها الرشقية والغربية حسب الكنيسة والطائفة‪.‬‬ ‫‪ -33‬مثل تعاليم «مرقيون» و«ماين» و«برديصان» و«قوق» و«أريوس» وغريهم من أصحاب التعاليم الفلسفية والدينية والغنوصية التي رفضتها الكنيسة ووسمتها بالهرطوقية‪.‬‬ ‫‪ -34‬رفض أجداد الرسيان األرثوذكس مقررات مجمع خلقيدونيا الذي ُعقد عام ‪ 451‬ونص عىل أن للسيد املسيح «طبيعتان متحدتان» الهوتي ٌة وبرشية‪ .‬وقد فضّ ل الرسيان‬ ‫بألقاب سلبي ٍة بعدئذ‪ ،‬فأطلق‬ ‫األرثوذكس مع األقباط حينها صيغة «أن للمسيح طبيع ٌة واحد ٌة مكون ٌة من طبيعتني متحدتني»‪ .‬وقد جادل الفريقان بعضهام البعض ونعتوا بعضهم‬ ‫ٍ‬ ‫منارصو مقررات خلقيدونيا عىل رافضيها تسمية «اليعاقبة»‪ ،‬وهؤالء بدورهم أطلقوا تسمية «ملكيني» عىل الذين قبلوها‪ .‬أما كلمة «يعاقبة» فهي النسبة من اسم يعقوب الربادعي‬ ‫الذي جدد االعتقاد بالطبيعة الواحدة بعد ان أوشك عىل االندثار عىل يد ملوك بيزنطة‪ .‬أما استعامل اللفظة اليونانية «أرثوذكس» عىل الكنيسة الرسيانية فهي ترجم ٌة حرفي ٌة للعبارة‬ ‫الرسيانية ܬܪܝܨܬ ܫܘܒܚܐ أي «صاحبة االعتقاد القويم»‪ ،‬املوجودة يف اسم هذه الكنيسة بالرسيانية ܥܕܬܐ ܣܘܪܝܝܬܐ ܬܪܝܨܬ ܫܘܒܚܐ «الكنيسة الرسيانية‬ ‫ذات االعتقاد القويم»‪.‬‬

‫‪13‬‬


‫من هم الرسيان؟‬ ‫د‪ .‬أسعد صوما أسعد‬

‫انقسام الرسيان إىل مشارق ٍة ومغاربة‬ ‫لقد انقسم الرسيان مع مرور الزمن إىل كتلتني برشيتني يف‬ ‫منطقتني جغرافيتني‪ ،‬فتسموا بالرسيان املشارقة والرسيان‬ ‫املغاربة‪ .‬وتشبه الحدود السورية العراقية اليوم‪ ،‬إىل ٍ‬ ‫حد ما‬ ‫الحدود التي كانت تفصل بني الرسيان املشارقة (يف العراق‬ ‫وإيران)(‪ )35‬والرسيان املغاربة (يف سوريا وتركيا ولبنان‬ ‫اليوم)‪ .‬لقد صادف انقسام الرسيان يف بداية القرن الخامس‬ ‫امليالدي‪ ،‬وكانت القسمة عىل محاور عدة‪ :‬سياسي ٌة والهوتي ٌة‬ ‫وكنسي ٌة ولغوي ٌة ومناطقية؛ فسياس ًيا كان الرسيان املشارقة‬ ‫يتبعون دولة الفرس‪ ،‬والرسيان املغاربة بيزنطة؛ والهوت ًيا‬ ‫تبع الرسيان املشارقة الفكر النسطوري يف تحليل الهوت‬ ‫املسيح وناسوته ورفضهم لقب مريم «والدة الله» ܝܠܕܬ‬ ‫ܐܠܗܐ؛ ولغويًا استعمل الرسيان املشارقة يف الكتابة‬ ‫واألدب والطقوس الكنسية الفرع الرشقي من اللغة الرسيانية الفصحى التي تسمى لديهم ܠܫܢܐ ܥܬܝܩܐ «لِشانا َعتِّيقا»‬ ‫(أي اللغة القدمية) و ܠܫܢܐ ܣܦܪܢܝܐ «لِشانا ِسفرانايا» (أي اللغة األدبية)؛(‪ )36‬و ܠܫܢܐ ܐܪܡܝܐ «لِشانا آرامايا» (أي‪:‬‬ ‫اللغة اآلرامية)‪ ،‬وتكلموا وال زالوا يتكلمون لغاية اليوم اللغة «اآلرامية الرشقية الشاملية الحديثة»(‪North Eastern )37‬‬ ‫‪ . Neo-Aramaic‬واستعمل الرسيان الغربيون اللغة الرسيانية الفصحى بلهجتها الغربية حيث يسمونها ܣܘܪܝܝܐ‬

‫‪ -35‬يوجد يف العراق لغاية اليوم عد ٌد ها ٌم من «الرسيان املغاربة»‪ ،‬ويشكلون هناك الطائفة املسيحية الثانية من حيث الحجم بعد الكلدان‪ .‬وهؤالء الرسيان املغاربة هم من‬ ‫آراميي العراق األصليني منذ القديم‪ ،‬ويتحدثون باآلرامية الرشقية الحديثة لكنهم يستعملون الرسيانية الفصحى الغربية يف طقوسهم الكنيسة‪.‬‬ ‫‪ -36‬وهي غري اآلرامية التي يتحدثون بها ويسمونها «سورث»‪.‬‬ ‫‪ -37‬ويسمونها «سو َرث»‪.‬‬

‫‪14‬‬


‫من هم الرسيان؟‬ ‫د‪ .‬أسعد صوما أسعد‬

‫ܟܬܒܢܝܐ «سوريويو كثوبونويو» (أي‪ ،‬اللغة الكتابية‪ ،‬مبعنى اللغة الفصحى) وتكلموا بفرو ٍع آرامي ٍة مختلفة‪ ،‬فمنهم‬ ‫(‪)40 ،39‬‬ ‫من يتكلم اللغة «اآلرامية الغربية الحديثة»(‪ ، Western Neo-Aramaic )38‬ومنهم «اآلرامية املتوسطة الحديثة»‬ ‫‪ Central Neo-Aramaic‬وكنس ًيا تأسس من الرسيان املشارقة الكنيسة الرسيانية الرشقية(‪ )41‬تحت سلطة أسقف‬ ‫املدائن والذي ُسمي جاثليق‪/‬بطريرك‪ ،‬بينام كان الرسيان املغاربة تحت سلطة أسقف‪/‬بطريرك كنيسة أنطاكيا قبل‬ ‫انقسامها؛ ومناطق ًيا متركز الرسيان املشارقة حول «املدائن» عاصمة الفرس عىل نهر دجلة ضمن حدود الدولة الفارسية‪،‬‬ ‫وأما الرسيان املغاربة فتمركزوا حول عاصمتهم الروحية «أنطاكيا» ضمن حدود اإلمرباطورية البيزنطية‪ .‬وبالرغم من أن‬ ‫الرسيان املغاربة انقسموا بعد عام ‪ 451‬الهوت ًيا وكنس ًيا إىل فرقتني‪ ،‬ويف القرن السابع إىل ثالث فرق‪ ،‬فقد كانت غالبيتهم‬ ‫من رعايا الدولة البيزنطية‪.‬‬ ‫بعد سيطرة العرب املسلمني عىل منطقة الرشق األوسط تحول معظم الرسيان املشارقة واملغاربة إىل رعايا يف الدولة‬ ‫العربية املسلمة الفتية‪ ،‬وزالت‬ ‫الحدود السياسية القدمية من بينهم‪.‬‬ ‫إال أن القسمة الكنسية والالهوتية‬ ‫واللغوية استمرت بني الرسيان وما‬ ‫زالت ليومنا هذا‪ .‬ورغم أن غالبية‬ ‫الرسيان اآلراميني(‪ )42‬فقدوا لغتهم‬ ‫اآلرامية األم من التخاطب اليومي‪،‬‬ ‫إال أنه ما زال العديد منهم يتكلم‬ ‫كل بحسب لهجة منطقته‬ ‫اآلرامية‪ٌ )43(،‬‬ ‫وخاص ًة يف العراق وسوريا‪ ،‬وال زالت‬ ‫كنائسهم تستعمل الرسيانية الفصحى‬ ‫خريطة تظهر توزع املاملك اآلرامية‬ ‫يف عبادتها وطقوسها‪.‬‬ ‫‪ -38‬متثلها اليوم آرامية معلوال وجبعدين وبخعا قرب دمشق‪.‬‬ ‫‪ -39‬متثلها آرامية طور عبدين وآرامية ملحثو بجوار ديار بكر‪.‬‬ ‫‪ -40‬رغم أن الرسيان األرثوذكس والرسيان الكاثوليك يف العراق هم الرسيان املغاربة‪ ،‬ويستعملون «الرسيانية الفصحى الغربية» يف كنائسهم وطقوسهم‪ ،‬إال أن لغتهم اآلرامية‬ ‫املحكية هي «اآلرامية الرشقية الشاملية الحديثة»‪ North-Eastern Neo-Aramaic‬مثل بقية اخوتهم الرسيان املشارقة‪.‬‬ ‫‪ -41‬منذ القرن السادس عرش واستمرا ًرا لغاية التاسع عرش بدأت غالبية أبناء هذه الكنيسة الرسيانية تلتحق بالكنيسة الكاثوليكية فتأست منهم «الكنيسة الكلدانية»‪ .‬أما البقية‬ ‫الباقية من الرسيان من أبناء الكنيسة الرسيانية الرشقية (النسطورية) فتسموا منذ نهاية القرن التاسع عرش باسم «اآلشوريني»‪ .‬وال زال الرسيان املشارقة من الفريقني الكلداين‬ ‫واآلشوري يسمون أنفسهم بلغتهم «سورايي» ‪ suraye‬أي رسيان‪ ،‬لكنهم عندما يتحدثون ٍ‬ ‫لغات أخرى فيسمون أنفسهم «كلدانًا» و«آشوريني» رغم كونهم آراميني مثل بقية‬ ‫الرسيان‪.‬‬ ‫‪ -42‬خاص ًة املوارنة وغالبية الروم‪.‬‬ ‫‪ -43‬خاص ًة الرسيان النساطرة والكثري من الكلدان والرسيان الكاثوليك واألرثوذكس‪.‬‬

‫‪15‬‬


‫من هم الرسيان؟‬ ‫د‪ .‬أسعد صوما أسعد‬

‫اللغة الرسيانية‬ ‫املقصود بالرسيانية هنا هو «اللغة الرسيانية الفصحى» التي يسميها الرسيان املغاربة ܣܘܪܝܝܐ ܟܬܒܢܝܐ أي‬ ‫«الرسيانية الكتابية»‪ ،‬ويسميها الرسيان املشارقة ܠܫܢܐ ܣܦܪܢܝܐ «اللغة األدبية» وكذلك ܠܫܢܐ ܥܬܝܩܐ «اللغة‬ ‫القدمية» و ܠܫܢܐ ܐܪܡܝܐ «اللغة اآلرامية»‪ )44(.‬وقد كانت هذه اللغة الرسيانية يف األساس‪ ،‬اللغة اآلرامية املحكية‬ ‫(‪)45‬‬ ‫يف الرها ونصيبني واملناطق املجاورة يف بيث نهرين ܒܝܬ ܢܗܪܝܢ‪.‬‬ ‫لكن الرسيانية هي إحدى فروع اللغة اآلرامية‪ ،‬واآلرامية(‪ )46‬بحد ذاتها لغ ٌة قدمي ٌة وعريق ٌة وسلس ٌة وغنية‪ ،‬وتضم‬ ‫مجموع ًة كبري ًة من اللهجات املتشابهة والفروع املتقاربة‪ ،‬بعضها د ّون‪ ،‬والبعض اآلخر مل يد ّون‪ .‬كام وأن العديد من‬ ‫فروعها ولهجاتها مات‪ ،‬لكن بعض لهجاتها األخرى ال زال ح ًيا لغاية اليوم‪ )47(.‬ومن اللهجات اآلرامية املكتوبة والتي‬ ‫وصلتنا من القرون املسيحية األوىل‪ ،‬نذكر مجموعتني‪ ،‬غربي ٌة ورشقية‪ ،‬وهنا سنذكر شيئًا عن هاتني املجموعتني اآلراميتني‬ ‫لتكون مقدم ًة ملوضوعنا حول «الرسيانية الفصحى»‪.‬‬ ‫(‪)48‬‬ ‫تضم املجموعة الغربية‪:‬‬ ‫‪ -1‬اآلرامية اليهودية الفلسطينية‪.‬‬ ‫وتشمل هذه اآلرامية اليهودية الفلسطينية ثالثة فرو ٍع‬ ‫صغري ٍة وهي‪ :‬آرامية الجليل‪ ،‬وآرامية اليهودية‪ ،‬وآرامية‬ ‫رشقي األردن‪ .‬إذ بعد طرد اليهود من أورشليم وشامل‬ ‫اليهودية إثر متردهم عام ‪ 135‬ميالدية‪ ،‬انتقل الكتاب‬ ‫اليهود إىل جنوب الجليل وانتقل مجمعهم من جبل‬

‫مخطوطتان من منطقة سيناء بالرسيانية الغربية‬

‫‪ -44‬أما اللغة‪/‬اللهجة اآلرامية التي يتكلمها الرسيان املشارقة واملغاربة فتصنيفها العلمي هو «آرامية حديثة»‪ ،‬وال يحق تسميتها بالرسيانية رغم أنهم يف حديثهم اليومي يسمونها‬ ‫رسيانية‪ ،‬ألن الرسيانية يف العرف العلمي لدى أهل االختصاص هي فقط الرسيانية الفصحى أي الكتابية‪.‬‬ ‫‪ -45‬كان التعبري الرسياين ܒܝܬ ܢܗܪܝܢ «بيث نهرين» أو «بني النهرين» يشمل يف األساس املنطقة اآلرامية الواقعة حوايل الروافد العليا لنهر الفرات؛ وكانت الرها وحران من مدنها‬ ‫أول بشكل «آرام نهرين» (سفر التكوين ‪ )24:10‬قبل أن تتطور إىل «بيث نهرين»‪ .‬وحينام ترجم العهد القديم إىل اليونانية ترجمت تسمية‬ ‫الهامة‪ .‬ويف الكتاب املقدس ترد الصيغة ً‬ ‫ٍ‬ ‫«آرام نهرين» إىل اليونانية فأصبحت ‪( Mesopotamia‬بني النهرين‪ ،‬أو بني األنهر)‪ .‬والتسمية مذكور ٌة يف أماكن عديدة من الكتاب املقدس‪ ،‬أنظر سفر يهوديت ‪« 5:7‬وكانوا سابقًا‬ ‫يقيمون بني النهرين…‪ ،».‬وأيضً ا يهوديث ‪« 8:26‬تذكروا كيف امتحن إبراهام وإسحق‪ ،‬وما جرى ليعقوب بني النهرين من سوريا حني كان يرعى غنم خاله البان»‪ .‬ثم شمل تعبري‬ ‫«بيث نهرين» باإلضافة إىل الرها وحران كل من أمد (ديار بكر) وطورعابدين ونصينب ودارا والرقة والجزيرة السورية؛ إن عراق اليوم من شامله إىل جنوبه مل يكن يقع يف «بيث‬ ‫نهرين»‪.‬‬ ‫‪ -46‬إن أقدم ٍ‬ ‫نقش آرامي وصلنا من اآلرامية يعود إىل القرن التاسع قبل امليالد‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫‪ -47‬ومن اللهجات اآلرامية الحية والتي ال زالت محكي ًة يف عدة مناطق مختلفة من الرشق األوسط نذكر‪ :‬اآلرامية الحديثة الرشقية (منها «السورث» يف العراق)‪ ،‬واآلرامية الحديثة‬ ‫املتوسطة (آرامية طور عبدين يف تركيا وسوريا)‪ ،‬واآلرامية الحديثة الغربية (آرامية معلوال بجوار دمشق يف سوريا)‪.‬‬ ‫‪ -48‬نعني بالغربية املنطقة الواقعة إىل غرب نهر الفرات وخاص ًة اللهجات اآلرامية يف فلسطني‪.‬‬

‫‪16‬‬


‫من هم الرسيان؟‬ ‫د‪ .‬أسعد صوما أسعد‬

‫آرا��� �����‬

‫آرا��� إ���ا��ر��‬

‫آرا��� �� ��� أ������‬

‫آرا��� ����� �����ة �����‬

‫آرا��� ����� �����ة �����‬

‫آرا�������� آرا���و���‬

‫الكرمل إىل طربية وأنتجوا هناك شيئًا من‬ ‫األدب‪ .‬إن أقدم الكتابات الجليلية تعود إىل‬ ‫نقوش عىل‬ ‫عام ‪ 200‬لغاية ‪ 700‬ميالدي وهي ٌ‬ ‫القبور‪ ،‬وتعرف هذه اللهجة كونها لغة السيد‬ ‫املسيح؛ وأقدم كتابات لهجة اليهودية تعود‬ ‫إىل القرن الثالث امليالدي لغاية القرن السابع‬ ‫من منطقة جنوب اليهودية بني حربون‬ ‫قسم من اليهود إليها؛ أما‬ ‫وبريشبا بعد فرار ٍ‬ ‫لهجة رشقي نهر األردن فوصلتنا منها بعض‬ ‫النقوش من منطقة أعايل نهر األردن تعود إىل‬ ‫القرن الثالث امليالدي لغاية السادس‪ .‬والفرق‬ ‫بني الفروع الثالثة لهذه اللهجة بسي ٌط ج ًدا‪.‬‬ ‫كتابات هذه اللهجة كانت باألبجدية اآلرامية‬ ‫املربعة‪.‬‬

‫آرا��� �����‬

‫آرا��� و��� �����‬

‫آرا��� و��� �����‬

‫آرا��� ���د�������� و���‬

‫���ا��� �����‬

‫��ي ���� ��رث‬ ‫��زا�� �����‬ ‫آرا��� ���د‬

‫���ا���‬

‫�������� و���‬ ‫آرا��� ���د��‬

‫�������‬

‫������ �����‬ ‫آرا��� �����‬

‫آرا��� ����� و���‬

‫�������� آرا��� �����‬

‫������‬

‫آ��ر�� آرا��� �����‬

‫���ا��� آرا��� �����‬

‫آرا��� ����� �����‬

‫��رو��‬ ‫����‬

‫آرا��� ��������������‬

‫������‬

‫������ �����‬

‫�����‬

‫‪ -2‬اآلرامية السامرية‪:‬‬ ‫كانت اللهجة اآلرامية السامرية لغة الطائفة السامرية اليهودية يف فلسطني التي تؤمن فقط بأسفار موىس الخمسة‬ ‫من العهد القديم‪ ،‬ويُعتقد بأنها أصبحت لغة كتاب ٍة منذ زمن املسيح‪ .‬وبعد سيطرة العربية تحولت لغة هذه الطائفة‬ ‫تدريجيًا إىل العربية خاص ًة يف القرن العارش امليالدي‪ .‬وصلتنا منها بعض النقوش من القرن السادس لغاية الرابع عرش‪،‬‬ ‫وبعض الكتابات األدبية أقدمها د ّونت يف القرن الرابع‪ .‬كتابات هذه اللهجة كانت باألبجدية اآلرامية املربعة‪.‬‬ ‫‪ -3‬اآلرامية املسيحية الفلسطينية‪:‬‬ ‫ازدهرت هذه اللهجة اآلرامية املسيحية الفلسطينية يف القرن الرابع امليالدي يف فلسطني وتالشت من الكالم يف القرن‬ ‫الثامن حيث تحولت إىل لغ ٍة طقسي ٍة فقط‪ .‬إن هذه اللهجة املتأثرة باللغة اليونانية كانت لغة الكنيسة املسيحية يف‬ ‫عمن والقدس ترتاوح بني القرنني السادس امليالدي والحادي عرش‬ ‫فلسطني؛ وقد وصلتنا منها بعض النقوش من منطقة ّ‬ ‫امليالدي‪ ،‬ورسال ٌة من القرن الثامن‪ ،‬وبعض املخطوطات الطقسية من القرنني العارش والحادي عرش أغلبها مرتجم ٌة من‬ ‫اليونانية‪ ،‬حيث ترد فيها تسمية يسوع بالصيغة اليونانية «يسوس»‪ .‬كتبت هذه اللهجة بالخط الرسياين‪.‬‬ ‫‪17‬‬


‫من هم الرسيان؟‬ ‫د‪ .‬أسعد صوما أسعد‬

‫أما املجموعة الرشقية(‪ )49‬فتضم‪:‬‬ ‫‪ -1‬اآلرامية املندائية‪ :‬اآلرامية املندائية هي اللهجة اآلرامية التي يستعملها املندائيون (أو أصح «املندعيون»‪ ،‬أي‬ ‫املعرفيون) املقيمون يف جنوب العراق وخوزستان يف إيران يف أدبهم وكتبهم الدينية والطقسية العديدة‪ .‬وتكتب هذه‬ ‫ٍ‬ ‫حروف تكتب يف جسم الكلامت‪ .‬وأقدم كتاباتهم تعود إىل‬ ‫اللهجة بأبجدي ٍة آرامي ٍة متطور ٍة حيث ح ّولوا الحركات إىل‬ ‫القرن الثالث امليالدي‪ .‬ال زال املندائيون يف إيران بعددهم القليل يتحدثون املندائية الحديثة‪.‬‬ ‫‪ -2‬آرامية التلمود البابيل‪ :‬كانت آرامية التلمود البابيل لغة يهود بابل املحكية يف األلف األوىل بعد امليالد؛ وتسمى‬ ‫«آرامية التلمود البابيل» لكتابة هذا التلمود الذي استعمله يهود بابل بهذه اللهجة اآلرامية يف مدارسهم الالهوتية‬ ‫الشهرية يف البلدات «سورا»‪ ،‬و«بومبديثا» و«نهردعا» الواقعة يف بالد بابل؛ وقد تم جمع نصوص التلمود البابيل يف املئة‬ ‫الخامسة امليالدية وطبع أول مر ٍة يف البندقية يف إيطاليا ‪1523-1520‬؛ أن أدب هذه اللهجة اآلرامية مدو ٌن بالخط اآلرامي‬ ‫املربع الذي يستعمله اليهود‪.‬‬ ‫‪ -3‬اآلرامية الرسيانية‪:‬‬ ‫وهي اللغة التي يدور محور هذه املقالة عنها‪.‬‬ ‫كانت الرسيانية اللغة الكتابية املسيطرة عىل منطقة الهالل الخصيب‬ ‫يف القرون األوىل قبل امليالد واستمرت إىل زمن السيد املسيح وبعده‪،‬‬ ‫لغاية القرن السابع امليالدي حيث جاءت العربية فأخذت تنافسها‬ ‫وتزيحها من مواقعها‪.‬‬ ‫إن اللهجة اآلرامية التي كانت مستعمل ًة يف مدينة الرها ‪Edessa‬‬ ‫فسيفساء رسيانية من مدينة الرها من القرن الثالث‬ ‫(تسمى اليوم أورفا) تطورت هناك لغ ًة وكتاب ًة بشكلٍ مستقلٍ عن‬ ‫الفروع اآلرامية األخرى‪ ،‬وأصبحت ما يعرف اليوم باللغة «الرسيانية الفصحى» ‪ .Classical Syriac‬وقد متيزت «الرسيانية‬ ‫بدل‬ ‫الفصحى» ببعض خصائصها املعروفة مثل استعاملها حرف «النون» يف بداية الفعل املستقبل مع الضمري الغائب ً‬ ‫بدل من ܝܩܛܘܠ‪ ،‬واستعاملها‬ ‫من حرف «الياء» املوجود يف معظم الفروع اآلرامية األخرى‪ ،‬كقولنا ܢܩܛܘܠ «سيقتل» ً‬ ‫بدل من الحالة املطْلقة ‪ Status Absolutus‬يف االستعامل‬ ‫الحالة التوكيدية ‪ Status Emphaticus‬يف األسامء والصفات ً‬ ‫العام مثل ܡܠܟܐ «ملكا» ‪ Malka‬بدلً من ܡܠܟ ‪ ،Mlekh‬وعدم استعاملها أدا ًة للتعريف‪ ،‬واستعاملها الخط اآلرامي‬ ‫السطرنجييل الخاص بها‪.‬‬ ‫‪ -49‬نعني بالرشقية املنطقة الواقعة رشقي نهر الفرات أي الجزيرة وبالد الرافدين (العراق)‪.‬‬

‫‪18‬‬


‫من هم الرسيان؟‬ ‫د‪ .‬أسعد صوما أسعد‬

‫ٍ‬ ‫لظروف سياسي ٍة وتجاري ٍة وديني ٍة خاص ٍة بدولة الرها‬ ‫وقد نالت الرسيانية مكان ًة رفيعة‪ ،‬وتطورت‪ ،‬وانترشت برسع ٍة‬ ‫الرسيانية ودور ملوكها اآلراميني (الرسيان) يف سياسة املنطقة منذ القرن الثاين قبل امليالد ولغاية القرن الثالث امليالدي‪،‬‬ ‫وكذلك لتح ّول هذه الرسيانية إىل لغ ٍة رسمي ٍة للكنيسة املسيحية املحلية واملرشقية وال زالت‪ ،‬ولكون الرهبان والتجار‬ ‫أيضا حملوها معهم يف تبشريهم ويف رحالتهم‪ ،‬فأوصلوها إىل الهند والصني(‪ )50‬وآسيا الوسطى‪ ،‬وال زالت الرسيانية‬ ‫الرسيان ً‬ ‫مستعمل ًة يف الكنائس الرسيانية يف جنويب الهند لغاية اليوم‪ .‬ويبدو أن اللغة الرسيانية الفصحى ظلت مستعمل ًة يف‬ ‫موطنها‪ ،‬أعني الرها‪ ،‬كلغ ٍة أدبي ٍة ومحكي ٍة حتى نهاية القرن الثالث عرش إىل أن بطل استعاملها يف الكالم‪ ،‬لكنها استمرت‬ ‫كلغ ٍة أدبي ٍة يف الكتابة والتأليف والتعليم وغريها من املجاالت األدبية‪ .‬كام أنها ال زالت مستمر ًة لغاية اليوم يف مختلف‬ ‫كنائس الطوائف(‪ )51‬الرسيانية يف مامرسة طقوسها وتالوة صلواتها يف كل مكانٍ فيه رسيا ٌن وكنائس رسيانية‪ ،‬وبشكلٍ‬ ‫يسريٍ يف التعليم والتأليف أيضا‪.‬‬ ‫وإنني أقسم اللغة الرسيانية إىل ثالث مراحل‪:‬‬ ‫ً‬ ‫أول‪ ،‬مرحلة اللغة الرسيانية الكالسيكية‪ :‬وتبدأ منذ ظهور هذه اللهجة واستعاملها يف القرن الثاين قبل امليالد وتنتهي يف‬ ‫القرن الخامس أو السادس امليالدي‪ .‬وهنا كانت الرسيانية يف أوج قمتها‪ ،‬حيث كانت لغة دولة الرها الرسيانية ܐܘܪܗܝ‬ ‫‪ Edessa‬ولغة ملوكها(‪ )52‬وحكوماتها وموظفيها وجنودها وأرشيفها وقضاتها ومدارسها ومعاهدها العلمية؛ وكانت لغة‬ ‫شعبها الرسياين األيب مبختلف فئاته املثقفة وغري املثقفة‪ ،‬بها كان أبناؤها يخاطبون بعضهم البعض‪ ،‬بها كانت األم‬ ‫عت ترجامت الكتاب املقدس املختلفة‪ ،‬وبها وضع الكتّاب والفالسفة واألدباء‬ ‫الرسيانية تناجي طفلها ورضيعها‪ ،‬بها ُو ِض ْ‬ ‫الرسيان مؤلفاتهم وأفكارهم‪ ،‬وبها كانت الفرق الرسيانية الغنائية والفنية والتمثيلية تقدم عروضها وإبداعاتها‪ .‬كام أنها‬ ‫كانت لغة عاملقة الشعر والنرث الرسياين مثل ܡܪܐ ܒܪ ܣܪܦܝܘܢ «مارا بر رسافيون» (املئة االوىل بعد امليالد)‪ ،‬و‬ ‫ܒܪܕܝܨܢ «برديصان» (‪222-145‬م)‪ ،‬و ܡܪܝ ܐܦܪܝܡ «مار افرام» (‪ )373-306‬وتالمذته‪ ،‬وܡܪܝ ܢܪܣܝ «مارنرساي»‬ ‫(تويف ‪ ،)502‬و ܡܪܝ ܝܥܩܘܒ ܕܣܪܘܓ «مار يعقوب الرسوجي»(‪( )53‬تويف ‪521‬م)‪ ،‬و ܡܪܝܦܝܠܠܘܟܣܝܢܘܣ‬ ‫ܕܡܒܘܓ «مار فيلوكسينوس املنبجي» (تويف ‪ ،)523‬وغريهم‪ ،‬حيث وضعوا فيها عصارة فكرهم ونبوغهم وخالصة‬ ‫شاعريتهم امللهمة‪ .‬وكتابات هذه املرحلة كلها كانت يف الخط الرسياين السطرنجييل ܐܣܛܪܢܓܠܝܐ الخاص بها دون‬ ‫استعامل حركات تشكيل‪.‬‬ ‫‪ -50‬قبل حوايل عرشين سن ًة كنا قد زرنا هذا النقش الهام يف الصني وأجرينا دراس ًة عن محتواه (أنظر مجلة آرام الصادرة يف ستوكهومل‪ ،‬العدد الثامن (عام ‪ ،)1994‬الصفحات ‪163-‬‬ ‫‪.)167‬‬ ‫‪ -51‬إن أكرث طائف ٍة رسياني ٍة تستعمل الرسيانية الفصحى يف حياتها وكنائسها هي طائفة الرسيان األرثوذكس‪ ،‬لذلك تستحق الثناء‪.‬‬ ‫‪ -52‬جلس عىل عرش مملكة الرها الرسيانية الشهرية قرابة ثالثني ملكًا حكموا حوايل ‪ 375‬سنة‪ .‬كان أول ٍ‬ ‫ملك فيها يسمى «أ ْريو» (األسد) حيث حكم من عام ‪ 132‬ق‪.‬م لغاية ‪127‬‬ ‫ق‪.‬م‪ .‬وجلس عىل عرش الرها عرشة ٍ‬ ‫ملوك يحملون اسم «أبجر» ‪ Abgar‬من أبجر األول لغاية أبجر العارش‪ ،‬واألخري الذي حكم من ‪ 243‬لغاية ‪ 249‬ميالدي‪ .‬وكان «أب َجر الخامس»‬ ‫رصا للمسيح‪ .‬كام جلس عىل عرشها تسعة ٍ‬ ‫ملوك باسم « َم ْعنو»‪.‬‬ ‫املعروف بـ ܐܒܓܪ ܐܘܟܡܐ «أبجر األسود» معا ً‬ ‫‪ -53‬يسمي يعقوب الرسوجي (تويف ‪ )521‬أبجر ملك الرها «ابن اآلراميني» ܒܪ ܐ̈ܪܡܝܐ وعن الرها يقول «ابنة اآلراميني» ܒܪܬ ܐ̈ܪܡܝܐ (يف قصيدته الشهرية عن الرها‪ ،‬انظروا‬ ‫املجلد الخامس ألشعار الرسوجي‪ ،‬طبعة بولس بيجان يف باريس عام ‪ ،1910‬الصفحات ‪ ،738‬و‪ .)741‬وأثناء حكم ملوك الرها مل يكن الرسيان حينها يسمون رسيانًا‪ ،‬بل آراميني‪.‬‬

‫‪19‬‬


‫من هم الرسيان؟‬ ‫د‪ .‬أسعد صوما أسعد‬

‫ثان ًيا‪ ،‬مرحلة اللغة الرسيانية املتوسطة‪ :‬وفيها تكرس انقسام الرسيانية عىل مستوى املورفولوجيا إىل رشقي ٍة وغربية؛‬ ‫وانقسم الخط الرسياين وظهر الخط الرشقي الخاص بالرسيان املشارقة والخط املعروف بالـ ܣܪܛܐ «رسطو» الخاص‬ ‫بالرسيان املغاربة‪ ،‬كام ظهر نظام التشكيل الذي يعتمد النقاط يف الرسيانية الرشقية‪ ،‬ونظام حركات التشكيل املعروف‬ ‫يف الرسيانية الغربية؛ وأصبحت نصيبني ܢܨܝܒܝܢ موط ًنا للفرع الرسياين الرشقي والرها ܐܘܪܗܝ موط ًنا للفرع‬ ‫الرسياين الغريب‪ .‬إن القسمة تطورت بشكلٍ تدريجي‪ ،‬فابتعدت الرسيانية الغربية عن الرشقية يف طريقة اللفظ‪ )54(،‬إذ‬ ‫تخلّت الغربية عن لفظ الشَ دة (التشديد عىل لفظ الحرف)‪ )55(،‬واختلطت فيها الحركات الطويلة والقصرية‪ ،‬وتساهلت‬ ‫تدريج ًيا يف قراءة الحروف اللينة (املركخة)‪ .‬وكانت النتيجة أن ابتعدت الرسيانية الغربية عن الرسيانية الكالسيكية وعن‬ ‫الرسيانية الرشقية يف اللفظ والكتابة وبعض القواعد‪ .‬وأصبحت الرسيانية الغربية أدا ًة للتعبري عن فكر والهوت الكنائس‬ ‫الرسيانية الغربية من أهل الطبيعة والطبيعتني‪ ،‬وأصبحت الرسيانية الرشقية أدا ًة للتعبري عن فكر الرسيان املشارقة‬ ‫والهوتهم النسطوري‪ .‬وقد استمرت الرسيانية يف هذه املرحلة كلغ ٍة محكي ٍة لغاية القرن الثالث عرش‪ ،‬لكنها استمرت‬ ‫بعدئذ كأداة الكتابة والتعبري لغالبية الكتّاب واملؤلفني الرسيان ولغة الكنائس الرسيانية املنترشة من الهند إىل مرص‪.‬‬ ‫ثالثًا واخريًا‪ ،‬مرحلة اللغة الرسيانية الحديثة(‪ :)56‬وتبدأ منذ القرن التاسع عرش أو رمبا قبله بقرنني ولغاية اليوم‪ .‬فباإلضافة‬ ‫إىل التطور اللغوي الذي حصل يف املرحلة الثانية‪ ،‬طرأت يف هذه املرحلة الثالثة تغيرياتٌ عىل تركيب الجملة الرسيانية‬ ‫وموقع الفعل والفاعل فيها واستعامل حروف الجر‪ ،‬وتطور استعامل األلفاظ بهدف تحديثها خاص ًة يف القرن العرشين‪،‬‬ ‫فابتعدت أحيانًا عن دقة املعاين التي تتضمنها يف مفرداتها وجسم مصطلحاتها كام كانت يف مرحلتها الكالسيكية والنصف‬ ‫األول من مرحلتها الثانية‪ )57(.‬وتأثرت الرسيانية يف هذه املرحلة باللهجات اآلرامية املحكية‪ ،‬فتأثرت الرسيانية الرشقية‬ ‫الفصحى بلهجة «السورث» التي يتكلمها الرسيان املشارقة يف العراق‪ ،‬وتأثرت الرسيانية الغربية بآرامية طورعبدين‬ ‫مثل‬ ‫التي يتكلمها قس ٌم من الرسيان املغاربة‪ ،‬كام أنها تأثرت بغريها من اللغات يف األسلوب الكتايب والتعبريي‪ .‬وأصبح ً‬ ‫فبدل من أن يُقال ܗܢܐ ܟܬܒܐ «هذا كتاب» أصبح‬ ‫االستعامل املتزايد لفعل الكون ܐܝܬ (‪ )to be‬من أبرز مزاياها‪ً ،‬‬ ‫يقال ܗܢܐ ܐܝܬܘܗܝ ܟܬܒܐ (هذا هو كتاب)‪ ،‬وكذلك نقص جدا استعامل حالة إضافة األسامء لبعضها مثل ܳ‬ ‫ܟܬܒ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫واضح‬ ‫ܡܠܦܢܐ أي «كتاب املعلم»‪ ،‬واستُبدل بحالة اإلضافة بواسطة حرف الدال‪ ،‬فيقال ܟܬܒܐ ܕܡܠܦܢܐ‪ .‬وكل هذا ٌ‬ ‫يف أغلب الكتب الرسيانية الحديثة التي تطبع اليوم‪.‬‬ ‫‪ -54‬تلفظ الرسيانية الغربية نهاية األسامء والصفات يف الحالة التوكيدية بالضم‪ ،‬أو بشكلٍ أدق مثل صوت حرف‪ O‬اإلنكليزي كقولنا ܡܠܟܐ ‪« Malko‬ملك»‪ ،‬بينام الرشقية‬ ‫تلفظها مثل الصوت ‪ A‬فتصبح الكلمة ‪ .Malka‬ودمجت الغربية صويت حرف الواو فتحول لفظ اإلثنني إىل ‪ ،U‬بينام حافظت الرشقية عىل الصوتني ‪ O‬و ‪ U‬يف لفظ حرف الواو كام‬ ‫يف الكلمة الرسيانية ܓܡܘܕܘܬܐ حيث يلفظها الرسيان املغاربة ‪ ،gomudhutho‬بينام يلفظها الرسيان املشارقة ‪ ،gaamodhutha‬أي أن حرف الواو األول الذي بعد امليم‬ ‫يلفظ ‪ O‬لدى املشارقة و ‪ U‬لدى املغاربة‪.‬‬ ‫‪ -55‬كام يف كلمة ܩܒܠ «قبل» حيث تلفظها الرشقية بشكل ‪ qabbel‬مشدد ًة عىل حرف الباء‪ ،‬بينام تلفظها الغربية ‪ qabel‬بدون شدة‪.‬‬ ‫‪ -56‬ال نقصد هنا بعبارة «اللغة الرسيانية الحديثة» اللغات التي يتكلمها الرسيان اليوم يف سوريا ولبنان وتركيا والعراق وغريها من البلدان‪ ،‬ألن هذه اللغات املحكية اليوم ت ُسمى‬ ‫«آرامية حديثة» ‪ Neo-Aramaic‬وليست رسياني ًة حديثة‪.‬‬ ‫‪ -57‬فعىل سبيل املثال‪ ،‬استعمل بعض الكتّاب الرسيان املحدثني يف القرن العرشين كلمة ܐܦܬܐ مبعنى «اسرتاحة» ‪ ,Rest, break‬وهذا خطأٌ جسيم‪ ،‬ألن اللفظة تعنى «فرصة»‬ ‫‪ ،opportunity, Occasion‬وليس اسرتاحة‪.‬‬

‫‪20‬‬


‫من هم الرسيان؟‬ ‫د‪ .‬أسعد صوما أسعد‬

‫لكن هذا ال يعني أن الرسيانية الفصحى أصبحت ثالث ٍ‬ ‫لغات بسبب تقسيمها إىل ثالث مراحل‪ ،‬إمنا هي ذات اللغة‬ ‫مبراحلها الثالث‪ .‬لكن يف كل مرحل ٍة ظهرت فيها بعض املزايا اللغوية بسبب ما أصابها من تطور‪ .‬وقد أجرينا هذا التقسيم‬ ‫لكشف شخصية هذه اللغة الرسيانية والسامت التي ل ّونت كل مرحل ٍة من حياتها الطويلة‪.‬‬ ‫وبعد تأسيس الدول الحديثة يف الرشق األوسط انخفض مستوى استعامل الرسيانية يف هذه املرحلة الثالثة إىل ٍ‬ ‫حد كب ٍري‬ ‫جدا‪ ،‬وخاص ًة منذ النصف الثاين من القرن العرشين حيث شحت الساحة الرسيانية من عاريف هذه اللغة والكتّاب فيها‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫شديد نحو مصريٍ أسود ينتظرها‪.‬‬ ‫وقل استعاملها يف الكنائس الرسيانية بشكلٍ مرعب‪ ،‬وهي تتقهقر إىل الوراء بانحدا ٍر‬ ‫فاملوت حليفها إن مل يجتمع جميع الرسيان من كل الطوائف لدراسة وضعها واتخاذ اإلجراءات املناسبة‪.‬‬ ‫يف عام ‪ 1972‬كانت حكومة أحمد حسن البكر ونائبه صدام حسني يف العراق قد أصدرت قرا ًرا تاريخ ًيا تحت رقم ‪251‬‬ ‫بعنوان «منح الحقوق الثقافية للناطقني بالرسيانية من اآلثوريني والكلدان والرسيان»(‪ )58‬من مثان فقرات‪ .‬وقد ركز هذا‬ ‫القرار التاريخي عىل اللغة الرسيانية ورضورة تعليمها يف املدارس‬ ‫والجامعة وبثها يف التلفزيون واملجالت ودعم األدباء الرسيان‪.‬‬ ‫وألهمية هذا القرار بخصوص اللغة الرسيانية نعرض فقراته وهي‪:‬‬ ‫‪ .1‬تكون الرسيانية لغة التعليم يف كافة املدارس االبتدائية‬ ‫التي غالبية تالميذها من الناطقني بهذه اللغة‪.‬‬ ‫‪ .2‬تدرس اللغة الرسيانية يف املدارس املتوسطة والثانوية التي‬ ‫غالبية تالميذها من الناطقني بهذه اللغة‪.‬‬ ‫أحمد حسن البكر مع صدام حسني‬ ‫‪ .3‬تدرس اللغة الرسيانية يف كلية اآلداب بجامعة بغداد‪.‬‬ ‫‪ .4‬استحداث برامج خاص ٍة باللغة الرسيانية يف إذاعة الجمهورية العراقية ومحطتي تلفزيون كركوك ونينوى‪.‬‬ ‫‪ .5‬إصدار مجل ٍة شهري ٍة باللغة الرسيانية من قبل وزارة االعالم‪.‬‬ ‫‪ .6‬إنشاء جمعي ٍة لألدباء والكتاب الناطقني باللغة الرسيانية‪.‬‬ ‫‪ .7‬مساعدة املؤلفني والكتّاب واملرتجمني الناطقني باللغة الرسيانية ماديًا ومعنويا‪ ،‬ونرش إنتاجهم الثقايف واألديب‪.‬‬ ‫‪ .8‬متكني املوظفني الناطقني باللغة الرسيانية من فتح النوادي الثقافية وتشكيل الفرق الفنية واملرسحية إلحياء‬ ‫وتطوير الرتاث والفنون الشعبية‪.‬‬ ‫‪ -58‬رغم ظهور قرار مجلس قيادة الثورة يف العراق مبنح الحقوق الثقافية واللغوية للمواطنني «الناطقني بالرسيانية» عام ‪ ،1972‬ورغم حدوث يش ٍء من االهتامم باللغة والتفكري‬ ‫مبستقبلها يف العراق حينها‪ ،‬إال أن الرسيان يف العراق مل ينتجوا شيئًا يذكر بالرسيانية الفصحى‪ ،‬ومل يولوها االهتامم املطلوب لنرشها وتعزيزها‪ ،‬رغم اإلمكانيات املتوفرة والوضع‬ ‫ٍ‬ ‫املالئم‪ .‬يوجد اليوم عرشات املدارس الرسيانية يف شامل العراق‪ ،‬لكن لغة التعليم فيها هي اآلرامية املحكية «السورث»‪ ،‬أما الرسيانية الفصحى فتدرس فيها بشكلٍ‬ ‫بسيط كإحدى‬ ‫غليل‪ .‬يبدو أن تعليم الرسيانية يف كل مكانٍ ليس جديًا كام ينبغي‪.‬‬ ‫املواد التدريسية وهذا ال يشفي ً‬

‫‪21‬‬


‫من هم الرسيان؟‬ ‫د‪ .‬أسعد صوما أسعد‬

‫ال شك أن هذا القرار كان األول من نوعه يف العامل العريب واإلسالمي منذ خروج العرب من جزيرتهم واحتاللهم الرشق‬ ‫األوسط‪ .‬لكن يبدو أن االستفادة من هذا القرار مل تكن بالحجم املطلوب‪.‬‬ ‫اليوم هناك تعليم باللغة الرسيانية يف املدارس‬ ‫الرسيانية يف العراق وسوريا ولبنان لكن نأمل أن يكون‬ ‫التعليم بشكلٍ جدي ليعطي النتيجة املرجوة منه‪.‬‬ ‫لكن املؤسف حقًا أن املنطقة التي كانت موطن‬ ‫اللغة الرسيانية الكبري والذي يشمل تركيا والعراق‬ ‫شخصا رسيانيًا‬ ‫وسوريا ولبنان‪ ،‬إلخ‪ ،‬مل نجد فيه اليوم ً‬ ‫متخصصا بهذه اللغة بشكلٍ أكادميي‪ ،‬فهناك‬ ‫واح ًدا‬ ‫ً‬ ‫اآلالف من األكادمييني من أفراد شعبنا ممن لهم‬ ‫شتى االختصاصات األكادميية‪ ،‬لكن لألسف وال واح ٌد‬ ‫متخصص بلغتنا وكأنهم قرروا هجرها لتموت‪ .‬ولكن‬ ‫ٌ‬ ‫األنىك من هذا أننا ال نجد جامع ًة واحد ًة يف هذه‬ ‫األحرف الرسيانية مع مقابلها العريب‬ ‫البالد التي كانت موطن اللغة الرسيانية فيها فر ٌع‬ ‫فعل‪.‬‬ ‫متقدم لتمنح شهادات املاجستري والدكتوراه بها‪ ،‬وهذا ما يوجعنا ً‬ ‫خاص للرسيانية‪ ،‬أو تعلِّم الرسيانية عىل مستوى‬ ‫ٍ‬ ‫ٌ‬

‫ﻟﮭﺠﺔ ﺳﮭﻞ ﻧﯿﻨﻮى‬ ‫أﺷﯿﺮت‬ ‫اﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺔ اﻵﺷﻮرﯾﺔ اﻟﺸﻤﺎﻟﯿﺔ‬ ‫ﻟﮭﺠﺔ أورﻣﻲ‬

‫ﻟﮭﺠﺎت ﺳﺮﯾﺎﻧﯿﺔ ﺷﺮﻗﯿﺔ‬

‫طﻮروﯾﻮ‬

‫ﻟﮭﺠﺎت ﺳﺮﯾﺎﻧﯿﺔ ﻏﺮﺑﯿﺔ‬

‫إن اللغة الرسيانية الفصحى هي لغة‬ ‫جميع الرسيان مبختلف كنائسهم‬ ‫ٍ‬ ‫بدرجات‬ ‫والجميع يستعملونها‬ ‫متفاوت ٍة ومعظمهم مبست ًوى ضعيف‪.‬‬ ‫لكن يحتل أبناء الكنيسة الرسيانية‬ ‫األرثوذكسية مركز الصدارة بني جميع‬ ‫الرسيان يف اهتاممهم واستعاملهم‬ ‫الرسيانية الفصحى والكتابة بها‪.‬‬ ‫فمثل أن معظم كنائس الرسيان‬ ‫ً‬ ‫األرثوذكس ونواديها يف السويد‬ ‫وأوروبا وعددها كب ٌري ج ًدا فيها تعليم‬ ‫الرسيانية لألطفال دامئًا‪.‬‬

‫ﻟﮭﺠﺎت ﺳﺮﯾﺎﻧﯿﺔ آراﻣﯿﺔ‬

‫‪22‬‬


‫من هم الرسيان؟‬ ‫د‪ .‬أسعد صوما أسعد‬

‫ٍ‬ ‫خدمات‬ ‫أيضا قدمت‬ ‫ويف النهاية أود أن أقول مبحب ٍة وتواضعٍ بأنني ً‬ ‫متخصص فيها من جامعة‬ ‫متواضع ًة لهذه اللغة‪ .‬فباإلضافة إىل أنني‬ ‫ٌ‬ ‫أوپساال ‪ Uppsala‬يف السويد‪ ،‬حيث تعلّم الرسيانية فيها منذ أكرث‬ ‫ٍ‬ ‫سنوات وبرفقة اثنني من‬ ‫قمت قبل أربع‬ ‫من ‪ 400‬سن ٍة باستمرار‪ ،‬فقد ُ‬ ‫أصدقايئ بافتتاح مدرس ٍة رسياني ٍة ابتدائي ٍة يف ستوكهومل‪/‬السويد أسميناها‬ ‫مدرسة الرها‪ ،‬وبالسويدية ‪ Edessa skola‬بهدف تعليم لغتنا الرسيانية‬ ‫لتالميذنا‪ .‬وهذه املدرسة مدرس ٌة رسمي ٌة سويدي ٌة بنظامها وبرنامجها‬ ‫وموادها التعليمية التي هي كباقي املدارس السويدية‪ ،‬لكننا نعلّم فيها‬ ‫الرسيانية يوم ًيا‪ .‬ومدرستنا الرسيانية هذه هي أول مدرس ٍة رسياني ٍة يف‬ ‫أوروپا‪ ،‬وال نعلم بوجود غريها يف أي ٍ‬ ‫بلد أورويب‪ .‬وقد تعلّم تالميذنا اللغة‬ ‫الرسيانية بشكلٍ جيد‪ ،‬وإن وافاهم الحظ أن يكملوا تعلم الرسيانية‬ ‫الحقًا‪ ،‬ننتظر منهم أن يصبحوا يف املستقبل معلمني للرسيانية وأدباء‬ ‫وشعراء بها‪ .‬فنكون قد حققنا أحد أهدافنا من افتتاح هذه املدرسة‪،‬‬ ‫وساهمنا ولو جزئ ًيا يف تأمني استمرار هذه اللغة يف الحياة‪ .‬وشك ًرا‪.‬‬

‫نبذة عن الكاتب‪ :‬هو من القامشيل يف سوريا ومغرتب يف السويد منذ سنة ‪ .1980‬له حوايل ‪ 30‬كتابًا‬ ‫وحاصل عىل الدكتوراه من جامعه أوپساال يف السويد‪ ،‬حيث أصبح مسؤولً وأستاذًا يف الدراسات الرسيانية‬ ‫ٌ‬ ‫هناك ولقبه سرييولوج (عامل يف الرسيانيات)‪ .‬منذ حوايل ‪ 9‬سنوات ُع ّي كأستاذ للغة الرسيانية يف جامعة‬ ‫املهامتا غاندي يف الهند ومسؤول الدراسات الرسيانية يف كلية مار أفرام يف كرياال يف الهند‪.‬‬ ‫هو من مؤسيس رابطة األكادمييني الرسيان اآلراميني وممن عملوا عىل إصدار مجلة «آرام» لعقود‪ ،‬وهو من‬ ‫قام بإنشاء جائزة «آرام» التي تُوزع كل سنة لكتاب وملن يساهم يف الكتابة باللغة اآلرامية وحال ًيا يرأس‬ ‫املركز الثقايف اآلرامي‪.‬‬

‫‪23‬‬

‫لقطات من مدرسة الرها يف السويد‬


‫تعلن املدرسة الرسيانية اإللكرتونية‬ ‫عن افتتاح دورة لتعلم اللغة الرسيانية العامية‬ ‫كل يوم جمعة الساعة ‪ 9‬بتوقيت سوريا‬ ‫اعتبا ًرا من تاريخ ‪2020/1/10‬‬ ‫عىل سكايپ املدرسة‪Syriac e-school :‬‬

‫تعلن املدرسة الرسيانية اإللكرتونية‬ ‫عن افتتاح دورة لتعلم اللغة الرسيانية اآلرامية‬ ‫للمبتدئني اعتبا ًرا من تاريخ ‪2020/1/10‬‬ ‫عىل سكايپ املدرسة‪Syriac e-school :‬‬

‫‪24‬‬


‫األصول اآلرامية للكلامت املحكية يف‬ ‫العامية الدمشقية‬

‫موىس الدمشقي‬

‫مدخل تاريخي‪:‬‬ ‫ٌ‬

‫كانت مدينة دمشق يف حوايل األلف األول‬ ‫قبل امليالد مملك ًة آرامي ًة مستقل ًة‪ ،‬يتكلم‬ ‫أهلها باآلرامية وتحدي ًدا لهجتها الجنوبية‬ ‫الغربية أو ما تُدعى باآلرامية الفلسطينية‪،‬‬ ‫ومع بداية العصور الكالسيكية اصطحب‬ ‫اإلسكندر األكرب معه أكرث من مئة ألف‬ ‫عائل ٍة استقرت كلها يف سوريا‪ ،‬وكان لدمشق‬ ‫حص ٌة كبري ٌة من هذه الجالية اليونانية‪،‬‬ ‫وقد استق ّروا تحدي ًدا يف منطقتي (باب‬ ‫رشقي وباب توما)‪ ،‬بسبب وقوعهام‬ ‫عىل مقرب ٍة من الغوطة‪ ،‬وبُعدهام عن‬ ‫األماكن املتصحرة‪ ،‬وأما اآلراميون‬ ‫فانحرشوا بداخل املدينة‪،‬‬ ‫‪25‬‬


‫األصول اآلرامية للكلامت املحكية يف‬ ‫العامية الدمشقية‬

‫موىس الدمشقي‬

‫خصوصا يف نواحي باب الجابية عند نهاية الشارع املستقيم‪ ،‬وهذا ال يعني بحا ٍل من األحوال أن املنطقتني املذكورتني‬ ‫ً‬ ‫قد أهلتا بالسكان ابتدا ًء من تلك الحقبة فقط‪ ،‬فمعلو ٌم أن مناطق االستيطان األوىل يف دمشق كانت يف الناحية الرشقية‬ ‫عند (باب رشقي) اليوم‪ ،‬وذلك اعتبا ًرا من األلف السابع قبل‬ ‫املسيح بعد فرت ٍة طويل ٍة من انحسار بحرية دمشق التي كانت‬ ‫تغطي مساحة املدينة الحالية نحو منطقة العتيبة حاليًا‪ ،‬ويف‬ ‫الحقب األقدم عىل ذلك كانت كهوف برزة ت ُشكل يف ٍ‬ ‫خط‬ ‫ٍ‬ ‫واحد مع بقية كهوف املنطقة الجبلية املحاذية لدمشق حتى‬ ‫صيدنايا ويربود مالذًا إلنسان النياندرتال وبعد ذلك إلنسان‬ ‫الكهف عمو ًما‪ ،‬ويف أواسط النيوليتيك بدأت الجامعات‬ ‫الجبلية باستيطان بعض املناطق رشقي دمشق‪ ،‬متوغل ًة‬ ‫بقايا برشية مزيّنة تعود إىل ما قبل ‪ 9500‬سنة تم اكتشافها قرب دمشق‬ ‫بعمق يف املنطقة الزراعية الخصبة التي ت ُدعى الغوطة‪ ،‬وهو‬ ‫ٍ‬ ‫ذاته السبب ‪-‬كام أرشنا‪ -‬الذي دفع بالجاليات اليونانية يف بداية العصور الكالسيكية لالستيطان يف هذه املنطقة‪ ،‬ومن‬ ‫ثم حدث توس ٌع للمباين يف املنطقينت اليونانيتني مع مجيء الجاليات الرومانية يف القرن األول قبل امليالد‪ ،‬مع املحافظة‬ ‫مثل‪ ،‬وهي طريق ٌة إغريقي ٌة عريق ٌة ومشهورة‪.‬‬ ‫عىل حدود شكل رقعة الشطرنج التي بُنيت عىل مثالها منطقة باب توما ً‬ ‫طبيعي بني لغات السكان‪ ،‬لكن هذا مل مينع من أن تتحول اللغة اليونانية إىل لغ ٍة تشبه‬ ‫تداخل‬ ‫ٌ‬ ‫وبطبيعة الحال حدث‬ ‫ٌ‬ ‫وضع الفصحى اليوم‪ :‬فهي لغة التعبري عن الثقافة‪ ،‬لغة األدب‪ ،‬الشعر‪ ،‬الفلسفة‪ ،‬العلم‪ ...‬باختصا ٍر لغة الطبقة املثقفة‬ ‫(اإلنتلجنسيا) السورية‪ ،‬إضاف ًة إىل كونها لغة الربجوازية يف تلك الفرتة‪ ،‬أما يف معظم مناطق سوريا فبقيت اآلرامية لغة‬ ‫العامة من الناس والفالحني تحدي ًدا‪ ،‬وكانت املراكز الناشطة فلسف ًيا وعلم ًيا يف أفاميا وأنطاكيا وح ّران وغريها ذات صبغ ٍة‬ ‫ٍ‬ ‫قسامت أو مالمح سامي ٍة‬ ‫يوناني ٍة شبه تامة‪ ،‬بيد أن ذلك ما كان ليشكل عائقًا حقيقيًا أمام تشكل فلسف ٍة يوناني ٍة ذات‬ ‫رشقية‪ ،‬متمثل ًة باألفالطونية املحدثة الرشقية‪ ،‬فبعد ميض خمسة قرونٍ تقري ًبا عىل فتح اإلسكندر لسوريا وبدء العصور‬ ‫الكالسيكية كانت األخرية قد أصبحت مهيأ ًة متا ًما للعب دورها املميز يف اإلنتاج الثقايف دون االقتصار عىل التلقي السلبي‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫كواحد من كبار الفالسفة يف الفرتة األنطونية ما بني ‪ 96‬و‪ 192‬للميالد‪ ،‬وفورفرييوس‬ ‫وقد برز اسم نومانيوس األفامي‬ ‫وأيضا األنتي كريستو(‪ ،)1‬وبقي هذا الدور يف‬ ‫الصوري كاتب التاسوعيات األفلوطينية املشهورة وكاتب سرية حياة أفلوطني ً‬ ‫تز ٍ‬ ‫ايد حتى اللحظة األخرية التي أصدر فيها اإلمرباطور جستنيانوس يف القرن السادس امليالدي قرا ًرا بإغالق مدرسة أثينا‬ ‫عىل ما يقوله الكاتب السوري يوحنا مالال األنطايك‪ ،‬فقد كان يف تلك املدرسة لحظة إصدار األمر بإغالقها‪ ،‬سبعة معلمني‪،‬‬ ‫خمس ٌة منهم من سوريا الطبيعية‪ ،‬واآلخران من كبدوكيا التي كانت ت ُسمى سوريا قد ًميا وحتى بشهادة هريودوتس يف‬ ‫القرن الخامس قبل امليالد حني وضع تاريخه املميز(‪ ،)2‬وبالطبع كان عىل رأس أولئك املعلمني دمسقيوس (أي الدمشقي)‪.‬‬ ‫مثل‪ :‬تاريخ الفلسفة الهلنستية والرومانية ‪ -‬إميل برهييه – ترجمة األستاذ جورج طرابييش ص‪ 232‬وص‪ – 267‬بريوت ‪.1988‬‬ ‫‪ -1‬عن نومانيوس وفورفرييوس راجعوا ً‬ ‫‪ -2‬هريودوتس‪ :‬الكتاب األول‪« :‬كيلو» – ترجمة املالح‪ ،‬أبو ظبي ‪.2001‬‬

‫‪26‬‬


‫األصول اآلرامية للكلامت املحكية يف‬ ‫العامية الدمشقية‬

‫موىس الدمشقي‬

‫جانب سلبي‪ ،‬بل عىل العكس متا ًما‪،‬‬ ‫أساسا اعتبار انضامم سوريا للعامل الهلنستي يف تلك الفرتة يحفل بأي ٍ‬ ‫ويف رأينا ال ميكن ً‬ ‫فقد أتاحت لها هذه العضوية أن تشارك بكل قو ٍة يف هذا النادي الثقايف العاملي‪ ،‬وأن تنعم بخري ٍ‬ ‫ات عمراني ٍة ومعيشي ٍة‬ ‫وفري ٍة للغاية سيض ّن بها عليها التاريخ الحقًا(‪ ،)3‬ويف األساس كان التداخل الثقايف واللغوي والتاريخي هو الجرس الذي‬ ‫عربت عليه جيوش اإلسكندر الطموح إىل سوريا‪ ،‬وقد كان الوجود السامي ال تكاد تخلو منه ناحي ٌة أو جزير ٌة يف اليونان‪.‬‬

‫يف فرت ٍة الحق ٍة وتحدي ًدا يف القرن األول قبل امليالد م ّدت روما يدها عىل سوريا وغريها من املناطق لتُلحقها بإمرباطوريتها‪،‬‬ ‫معترب ًة نفسها الوريث الرشعي للعامل الهلنستي‪ ،‬ورغم اختالف طبيعة معاملة الرومان للسكان عن السلوقيني‪ ،‬لكن‬ ‫اليشء امليضء يف هذه الفرتة هو قدرة بعض السوريني وحتى من العرب املوجودين يف جنوبها الغريب عىل الوصول إىل‬ ‫أعايل السلطة يف روما وهو كريس اإلمرباطورية‪ ،‬لقد شعر السوري حقًا يف تلك الفرتة بأنه جز ٌء من هذا العامل‪ ،‬شَ عر أنه‬ ‫ينتمي حقًا لعامل اإلمرباطورية املنيع‪ ،‬وعىل الرغم من املشكلة الفارسية إال أنه تق ّدم بحامس ٍة ليحكم أكرث من نصف العامل‬ ‫القديم كإمرباطور‪ ،‬وكمواطنٍ روماين‪ ،‬له حقوقه وعليه واجباته‪ ،‬وهذا ال ينفي وجود األزمات وطيش بعض األباطرة‪،‬‬ ‫وهذا ما ينسحب عىل كل أرايض اإلمرباطورية وليس مناطق بعينها‪ ،‬فتيبرييوس هو ذاته اإلمرباطور الذي أفسح املجال‬ ‫لت ْدمر يك تنمو بيش ٍء من الخصوصية‪ ،‬ويف الوقت نفسه كان هو اإلمرباطور السفاح الذي كان يلهو باألحكام التعسفية‬ ‫واآلمثة ضد أقاربه وشعبه يف روما(‪ ،)4‬فاملقاطعات واملستعمرات واملدن العامرة كلها كانت معرض ًة للطيش وللعدل‬ ‫والحكمة يف آن؛ إن الدميقراطية الرومانية هي التي أوصلت سوريًا أو عرب ًيا إىل حكم روما والعامل الروماين بالرغم من‬ ‫نزعة األوىل الشوفينية املشهورة‪ ،‬أما بالنسبة ملشكلة اضطهاد الطوائف غري الوثنية وعىل األخص املسيحية بعد أن قيض‬ ‫عىل شوكة اليهودية تقري ًبا بالزلزال العسكري الذي رضب أورشليم يف عام ‪ 70‬للميالد عىل ما يذكر يوسيفوس‪ ،‬فقد كانت‬ ‫‪ -3‬آثار العامل العريب يف العرصين الروماين واليوناين القسم اآلسيوي‪-‬الدكتور زيك حامد قادوس اإلسكندرية ط‪.2000 2‬‬ ‫‪ -4‬اإلمرباطور الرهيب تيبرييوس – إرنست ماسون – تعريب جامل السيد ‪.1985‬‬

‫‪27‬‬


‫وانتهى كل هذا بالطبع باتفاق ميالنو بني قسطنتينوس وليكينيوس الذي تضمن‬ ‫ٍ‬ ‫معرتف به فقط‬ ‫إعالن مبادئ حرية األديان واالعرتاف برشعية املسيحية كدينٍ‬ ‫‪( Religio licita‬رليجيو ليكيتا) ال الديانة الرسمية لإلمرباطورية الرومانية كام يعتقد‬ ‫«…ينح املسيحيني وسائر الناس الحرية‪،‬‬ ‫البعض‪...‬وهذا مام ورد يف نص االتفاق‪ُ :‬‬ ‫يف اتباع ما ترضاه من الديانة نفوسهم‪ ،‬وألّ يُحرم أي إنسانٍ من حرية االختيار يف‬ ‫‪ -5‬تاريخ اإلمرباطورية البيزنطية ج‪ 1‬العقيدة والسياسة د‪ .‬رأفت عبد الحميد‪ ،‬القاهرة ‪.2000‬‬ ‫‪ -6‬تاريخ الكنيسة – يوسابيوس القيرصي‪ -‬تعريب القمص مرقس داود‪ ،‬القاهرة ‪.1979‬‬

‫‪28‬‬

‫جالينوس‬

‫ثم ما لبثت فرتة االضطهاد أن ولّت‪ ،‬وذلك بعد أحد عرش عا ًما حيث أصدر اإلمرباطور‬ ‫جالينوس يف عام ‪ 261‬مرسو ًما يقيض بالتسامح والسامح للمسيحيني ببناء الكنائس‬ ‫ٍ‬ ‫ممتلكات وأموا ٍل يف فرتة‬ ‫والتعبد فيها‪ ،‬وحقهم يف اسرتجاع ما صودر منهم من‬ ‫االضطهاد‪ ،‬واستمرت هذه النعامء حتى مطلع عام ‪ 303‬للميالد‪ ،‬واعتالء اإلمرباطور‬ ‫دقلديانوس كريس اإلمرباطورية(‪ ،)5‬وت ُعترب هذه الفرتة أسطوري ًة بالنسبة لالضطهاد‬ ‫وهي الفرتة العاشورائية بداللتها الزمنية فقد امتدت عرش سنوات‪ ،‬ثم بالداللة‬ ‫املآمتية عىل ما يحاول أن يؤكده يوسابيوس القيصريي يف كتابه املوسوم بتاريخ‬ ‫الكنيسة(‪.)6‬‬

‫تيبرييوس‬

‫وقد أصدر اإلمرباطور الروماين دكيوس يف عام ‪250‬م قرا ًرا يلزم جميع الطوائف وليس‬ ‫فقط املسيحيني باحرتام اآللهة الرومانية وتقديم القرابني إليها ويضع من يخالف‬ ‫القرار تحت طائلة االضطهاد‪ ،‬فق ّنع اليهود بتقديم القرابني باسم يهوه‪ ،‬وبقي معظم‬ ‫املسيحيني عىل موقفهم مام أدى لفرار الكثري منهم إىل الصحراء مبتدأين بذلك‬ ‫الرهبانية‪ ،‬أما البعض اآلخر فقد آثروا السالمة‪.‬‬

‫دقلديانوس‬

‫مشكلة املسيحية منذ البداية تتلخص يف كونها ليست بديان ٍة تقوم عىل ٍ‬ ‫عرقي‬ ‫أساس ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫نويات‬ ‫(إثني) كام ت ّدعي اليهودية‪ ،‬وهذا ما جعل انتشارها يتم عن طريق تكوين‬ ‫ٍّ‬ ‫صغري ٍة متفرق ٍة هنا وهناك يف مختلف مقاطعات وأقاليم اإلمرباطورية الرومانية‪،‬‬ ‫مسيحي وذلك منذ بدايتها تقري ًبا‪ ،‬وكان‬ ‫وكان أتباعها يصطدمون مع كل ما هو غري‬ ‫ٍّ‬ ‫أصحاب الرثاء من املسيحيني يستعملون نو ًعا من التقية ويقدمون القرابني لآللهة‬ ‫الوثنية وال يزدرونها يف العلن كام كان يفعل عامة املسيحيني‪ ،‬وهذا ما جعل هؤالء‬ ‫يتعرضون للتعذيب والقتل واالضطهاد‪.‬‬

‫موىس الدمشقي‬

‫دكيوس‬

‫األصول اآلرامية للكلامت املحكية يف‬ ‫العامية الدمشقية‬


‫األصول اآلرامية للكلامت املحكية يف‬ ‫العامية الدمشقية‬

‫موىس الدمشقي‬

‫اتباع عقيدة املسيحيني أو يف اعتناق الديانة التي يراها متناغم ًة مع‬ ‫قلبه‪ ،‬حتى يتفضل علينا الرب جمي ًعا بجميع نعامئه‪ ،»...‬وذلك عىل‬ ‫الرغم من التسفيه والتحقري الذي كان يبديه مسيحيو تلك الفرتة لآللهة‬ ‫الوثنية العريقة والقدمية يف صورها ومتاثيلها‪ ،‬وكذلك بالنسبة للرتاث‬ ‫الهلينستي ككل‪ ،‬وقد كان مسيحيو سوريا وقتها عىل أشد الخصام مع‬ ‫الوثنية املحلية‪ ،‬وكذلك مع الفلسفة اليونانية التي كانت تُد ّرس عىل‬ ‫نطاقٍ واسعٍ يف مناطق مثل ح ّران شامل سوريا‪ ،‬وقد أسامها الرسيان‬ ‫بـ«هلينوبوليس» أي مدينة اليونان‪ ،‬ملا هي عليه من صبغ ٍة يونانية‪.‬‬ ‫ويخطئ البعض إذ يعتقد بأن اسم «سوريويو» أي الرسيان أو السوريني‪،‬‬ ‫قد أطلقه اآلراميون عىل أنفسهم ممن اعتنقوا املسيحية‪ ،‬متيي ًزا لهم‬ ‫عن بقية اآلراميني الوثنيني‪ ،‬ففي اعتقادي أن مفهوم الرسيانية وداللته‬ ‫املسيحية جاء يف ٍ‬ ‫خصوصا يف وقت االنقسام املسيحي الذي‬ ‫وقت متأخر‪،‬‬ ‫ً‬ ‫مل يست ِنث يف انقسامه حتى الجغرافيا‪ ،‬ثان ًيا بعد أن تحولت سوريا كلها للمسيحية تقري ًبا يف القرن الرابع والخامس‪ ،‬جاء‬ ‫اإلسالم يف القرن السابع ليخرتق هذه الخصوصية املنضبطة جغراف ًيا وثقاف ًيا‪ ،‬ف َمن تح ّول منهم للثقافة العربية بعد‬ ‫اعتناقه لإلسالم زالت بتحوله تلك الخصوصية عن ذريته مع مرور الوقت‪ ،‬فقد أصبح األمر بالنسبة للرسيان واملسيحية‪،‬‬ ‫كام هو حال الهند والهندوس‪ ،‬هذا من ناحي ٍة ثم من ناحي ٍة ثاني ٍة فإن التسمية «آسرييا» التي أطلقها الفرس عىل هذه‬ ‫املنطقة‪ ،‬من املالحظ أن املقصود بها بالد اآلشوريني‪ ،‬وهؤالء كانوا قد فتحوا سوريا يف القرن الثامن قبل امليالد‪ ،‬أي قبيل‬ ‫خصوصا‬ ‫قرونٍ قليل ٍة من الفتح الفاريس‪ ،‬موجهني بذلك رضب ًة قاضي ًة متا ًما للماملك اآلرامية فيها‪ ،‬ويف رأيي أن ذلك أقرب‬ ‫ً‬ ‫أن اآلشوريني كانت بالدهم التي من ضمن التسمية متاخم ًة لحدود الفرس يف الشامل‪ ،‬وبرأيي أن مؤرخي اليونان ويف‬ ‫مقدمتهم هريودوتس قد استعملوا اللفظة الفارسية كام هي‪ ،‬يف فرت ٍة كانت سوريا فيها مشمول ًة باإلمرباطورية الفارسية‪،‬‬ ‫أما سوريويو‪ ،‬فهي باآلرامية كام هو واضح‪.‬‬

‫جانب من آثار هلينوبوليس (ح ّران)‬

‫عىل كل حا ٍل مل تكن دمشق بعيد ًة عن تلك األجواء املختلطة وقد‬ ‫مرت بدورها عرب هذا النفق متعدد الثقافات (الكوزموپوليتاين)‬ ‫املتعرج‪ ،‬تاركًا أثره دون ٍ‬ ‫شك عىل ثقافتها ولغتها املحكية بالدرجة‬ ‫األوىل‪.‬‬ ‫عاملي أرحب بكل املقاييس‪ .‬حتى بدأت‬ ‫فقد خرجت دمشق إىل فضا ٍء ٍّ‬ ‫املشكلة املذهبية املسيحية التي كانت السبب الرئييس لنفور الشعب‬ ‫يف سوريا من بيزنطة‪ ،‬ملا لقوه من القتل واإلرغام ٍ‬ ‫ونقص يف الحريات‬ ‫‪29‬‬


‫األصول اآلرامية للكلامت املحكية يف‬ ‫العامية الدمشقية‬

‫موىس الدمشقي‬

‫الطائفية‪ ،‬وقُبيل الغزو العريب بفرت ٍ‬ ‫ات قصرية‪ ،‬كان الوضع مهيأً متا ًما بالنسبة لغالبية السكان للتحالف مع الشيطان يف‬ ‫سبيل الخروج عن بيزنطة‪ ،‬وهذا الشعور وهذه الثقة هي ما سوف يتغري متا ًما بعد قرونٍ قليل ٍة عقب سقوط األمويني‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫استثناءات بسيطة‪.‬‬ ‫الحلفاء السياسيني لثقافة سكان البالد األصليني‪ ،‬مع‬

‫مشكلة املصادر العربية‪:‬‬

‫كان للنزوحات املكثفة التي شهدتها بادية‬ ‫الشام والعراق انطالقًا من الجزيرة العربية‬ ‫قُبيل الغزو العريب أثرها عىل اللغة اآلرامية‪،‬‬ ‫التي رمبا بدأت باالختالط ببعض املفردات‬ ‫العربية عىل ألسن الناس‪ ،‬وقد استخدم‬ ‫بعض الوافدين إىل الشام من العرب الكتابة‬ ‫شاهد قرب امرئ القيس‬ ‫طبيعي طاملًا أن اللغة العربية مل تكن لغ ًة مكتوب ًة بعد‪ ،‬وعىل نقش قرب امرئ القيس‬ ‫اآلرامية لكتابة لغتهم العربية‪ ،‬وهذا‬ ‫ٌّ‬ ‫تظهر األحرف اآلرامية يف ٍ‬ ‫نقوش تعود للقرن الرابع امليالدي‪ ،‬أما يف ما يخص فرتة الفتح فإن الروايات كث ًريا ما تتضارب فيام‬ ‫خصوصا يف دمشق وال‬ ‫يخص األحداث التاريخية عالو ًة عىل أن املؤرخني العرب فيام بعد‪ ،‬مل يعتنوا بقضية اللغة املحكية‬ ‫ً‬ ‫متعلق بالسكان‪ ،‬باستثناء إشار ٍ‬ ‫بأي تفصيلٍ‬ ‫ات بسيط ٍة يف أحاديث تبادلها الفاتحون مع بعض الزعامء الدينني املحليني‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ترد كلها بالعربية‪ ،‬ال بل ببالغة سوء عكاظ‪ ،‬دون أي ٍ‬ ‫حس باملسؤولية التأريخية‪ ،‬ويك نُبعد اللوم عنهم نقول بأن التأريخ‬ ‫تأخر عن التاريخ فرت ًة طويلة‪ ،‬أي حتى عرص التدوين يف القرن الثاين والثالث الهجري‪ ،‬وبالطبع ليس املقصود بالتدوين‬ ‫قصص مكتوب ٌة ُسجلت بطريق ٍة مشوه ٍة وشعبي ٍة ج ًدا‪ ،‬بل املقصود هو التصنيف والتبويب‪،‬‬ ‫الكتابة‪ ،‬فقد كانت هناك ٌ‬ ‫وجمع جميع الروايات ومجانستها يف إطار عملٍ تأريخي‪ ،‬واملأثور عمو ًما ال ميكن ضبطه وال الوقوف عىل خلفيته‬ ‫الحقيقة وقد ُص ّحف بدوره يف املخيلة قبل التصحيف النقيل والكتايب من ناقلٍ عن ناقل‪ ،‬وصولً إىل إيداعه كتب التأريخ‪،‬‬ ‫ثم كان عىل الروايات دخول معمع ٍة ال تنتهي كلها تدور حول مصداقية الراوي ومعظم املراجع التاريخية اإلسالمية إن‬ ‫مل نقل كلها مصاب ٌة عىل األقل بإحدى علّتني‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫متحيص وهذا ما نجده يف تاريخ الطربي وعىل طول‬ ‫أوالها‪ :‬تضاربها يف التفاصيل أو نقلها لشتى أنواع الروايات دون‬ ‫أجزائه التي تقارب الخمسة عرش جز ًءا يف بعض الطبعات‪ ،‬ولن ندخل هنا يف التفاصيل يك ال نخرج عن املوضوع‪،‬‬ ‫بل سأكتفي هنا باإلشارة إىل نقطتني‪ ،‬األوىل‪ :‬كون الروايات املتضاربة تعود إىل نوعية الرواة ومدى تعصبهم بالنسبة‬ ‫للطوائف الدينية األخرى وإن كانوا جمي ًعا متفقني عىل العداوة لها‪ ،‬ثم األخص بالنسبة للمذاهب املختلفة ضمن‬ ‫الدوحة اإلسالمية‪ ،‬ويف الطربي تربز ثل ٌة من الرواة املتباينني واملتعصبني مذهب ًيا مثل سيف بن عمرو التميمي صاحب‬ ‫ٍ‬ ‫هشام‬ ‫مخنف لو ٌط بن يحيى األزدي الشيعي املغايل‪ ،‬وكذلك محم ٌد بن‬ ‫النزعة األموية‪ ،‬وعىل الجانب املقابل يقف أبو‬ ‫ٍ‬ ‫مختلف عليه)‪ ،‬وألجل املحبة وألي يش ٍء قد تجد قص ًة بأكملها عند‬ ‫بن السائب الكلبي الشيعي (أو هشا ٌم والده‪ ،‬وهذا‬ ‫ٌ‬ ‫‪30‬‬


‫األصول اآلرامية للكلامت املحكية يف‬ ‫العامية الدمشقية‬

‫موىس الدمشقي‬

‫خصوصا ما تعلق منها بنزا ٍع‬ ‫أو ٍل مقلوب ٍة عىل أهلها عند الثاين‪ ،‬بشكلٍ يدعو حقيق ًة للتهكم‪ ،‬وهذا حال معظم الروايات‬ ‫ً‬ ‫ذي خلفي ٍة تاريخي ٍة مذهبي ٍة قبلية‪ ،‬أما النقطة الثانية فإن الجانب اآلخر من الرصاع اإلسالمي الذي هو جانب أهل الذمة‬ ‫ٍ‬ ‫جانب يتم إنطاقه كل ما استدعى األمر ذلك‪ ،‬ومل‬ ‫ومجوس ومانويني‪ ،‬هو غالبًا‬ ‫وغريهم من يهو ٍد ومسيحيني وصابئ ٍة‬ ‫ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫وأشخاص من هذه الطوائف «آخر» يتحدث‪ ،‬أو ذاتٌ مغاير ٌة‬ ‫أ َر يف جميع الحوارات التاريخية التي دارت بني مسلمني‬ ‫تتحدث‪ ،‬أو ثقاف ٌة أخرى ت ُفصح عن نفسها‪ ،‬بل ما وجدت إال عقلي ٌة تأريخي ٌة بعينها متيل عىل شخصيات القصص املفرتضة‬ ‫ما يجب أن تقوله‪ ،‬وما حوارات دحية الكلبي وأيب سفيان مع «عظيم الروم» أو «كبري القساوسة» يف الشام إال مجرد‬ ‫ٍ‬ ‫وقصص شعبي‪ ،‬ولعل هذه القصص مازالت مستخدم ًة تقن ًيا وعىل نطاقٍ واسعٍ لتدعيم الرأي اإلسالمي يف إحدى‬ ‫أوهام‬ ‫ٍ‬ ‫أهم مشكالته مع اآلخر‪ ،‬وسآيت عىل كل ذلك يف دراستي القادمة (نقد العقل التأريخي العريب)‪.‬‬ ‫ثانيها‪ :‬وهي طغيان عقلية املؤرخ وروحه الشخصية بنصفيها املذهبي والفكري عىل روح‬ ‫أيضا‪ ،‬وأقرب مثا ٍل عىل ذلك‬ ‫الرواية وتاريخيتها التي من املفرتض كونها تاريخي ًة متمذهب ًة ً‬ ‫كل من ابن كثري (البداية والنهاية) بأجزائه الثامين أو التسع حسب الطبعة‪ ،‬وتاريخ‬ ‫تاريخي ٍّ‬ ‫ّ‬ ‫كل من الذهبي وابن‬ ‫اإلسالم للذهبي بأجزائه التي تفوق الثالثني حسب الطبعة‪ ،‬ومبا أن ّ‬ ‫كثريٍ ينتميان إىل املدرسة السلفية البن تيمية‪ ،‬فيمكن للمرء مسبقًا أن يتنبأ مبا سيجده‬ ‫يف كتبهام‪ ،‬عىل أن ابن كثريٍ كانت تنحرص مشاكله اآلنية عىل ما يبدو مع املذاهب‬ ‫األخرى مع مراعاة – نادرة ‪ -‬للطوائف غري اإلسالمية (مراعا ٌة تاريخي ٌة إضاف ًة إىل‬ ‫كف لسانه يف بعض الحاالت عنهم‪ ،‬وهذه امليزة مام مل تحصل عليها بقية املذاهب‬ ‫اإلسالمية أب ًدا)‪ ،‬أما الذهبي فيبدو أن مشكلته مع كل «آخر» أيًا كان ومن أين جاء‪،‬‬ ‫شاب‬ ‫ومع هذا ال بد من وجود جوانب جيد ٍة تتمثل يف موضوعيته املفاجئة أحيانًا‪ ،‬كالقصة التي أوردها حول ٍ‬ ‫مسيحي أُحرق ح ًيا يف سوق الخيل يف دمشق ألنه كان يرشب مع فتا ٍة مسلم ٍة يظهر أنها صديقته وذلك يف شهر رمضان‪،‬‬ ‫ٍّ‬ ‫أيضا بل أكتفوا بأن «قطعوا من أنفها» عىل حد تعبري الذهبي‪ ،‬وما شفع لها ليس إسالمها بل‬ ‫فيام مل يتم إحراق الفتاة ً‬ ‫وكام يقول الذهبي‪ ... :‬وحصل فيها شفاعاتٌ ملالحتها(‪.)7‬‬ ‫عىل كل حا ٍل لن أتقدم أكرث من ذلك يف هذه النقاط ألتركها للدراسة القادمة‪ ،‬كل ما يجب قوله هنا‪ ،‬أن العربية بعد‬ ‫الفتح وحتى الوقت الراهن اختلط عىل الكثري من الباحثني مدى تأثريها يف العامية(‪ )8‬وما ذاك إال بسبب أن الساميات‬ ‫عمو ًما تشرتك بعد ٍد كبريٍ من األسامء والضامئر واألفعال فيام بينها‪ ،‬لذا البد اآلن عند دراسة اللهجات العامية‪ ،‬من مراعاة‬ ‫النموذج العام‪ ،‬وإهامل الحاالت الفردية‪ ،‬مبعنى الوقوف عىل مقارب ٍة شامل ٍة قواعدي ٍة و(كلمية)‪ ،‬لتحديد إىل أية أصو ٍل‬ ‫يرجع النموذج العام‪ ،‬ومن مثة مقاربة الحاالت الفردية مع بقية االحتامالت املقرتحة تاريخيًا‪.‬‬ ‫‪ -7‬تاريخ اإلسالم للذهبي‪ ،‬الجزء السابع والعرشون‪.‬‬ ‫‪ -8‬دراسة يف اللغتني الرسيانية والعربية – إبراهيم السامرايئ‪ ،‬بريوت ‪.1985‬‬

‫‪31‬‬


‫األصول اآلرامية للكلامت املحكية يف‬ ‫العامية الدمشقية‬ ‫موقع اآلرامية بني السامية ككل‪:‬‬

‫موىس الدمشقي‬ ‫�����‬

‫آرا���‬

‫يعتقد معظم علامء الساميات أن اللغات السامية القدمية‬ ‫بطائفتيها الشاملية والجنوبية‪ ،‬تعود إىل أصلٍ واحد‪ ،‬أو‬ ‫لغ ٍة واحد ٍة قدمي ٍة يدعونها باللغة السامية األم‪ ،‬ودليلهم‬ ‫عىل ذلك يتوقف عىل اشرتاك هذه اللغات مبجموع ٍة هائل ٍة‬ ‫من الرتاكيب النحوية والرصفية واألسامء والضامئر(‪ )9‬وهذا‬ ‫الرأي – يف حدود الفرضية العلمية الواضحة ‪ -‬هو أبعد ما‬ ‫يكون عن أن يؤ ّدي أية وظيف ٍة تخدم األسطورة التوراتية‬ ‫كل‬ ‫بانتظام ً‬ ‫املتعلقة بشجرة النسب السامية التي تلقفتها‬ ‫ٍ‬ ‫من املسيحية واإلسالم‪ ،‬كام أنها ال تخدم الدوغامئية العربية‬ ‫القومية يف ما يتعلق مبسألة هجرة األقوام السامية من‬ ‫الجزيرة العربية‪ ،‬وهي فرضي ٌة تراجعت منذ أكرث من نصف‬ ‫قرنٍ عىل ضوء الدراسات التاريخية واللغوية واملؤرشات‬ ‫اآلركيولوجية الجديدة التي تشري إىل أن املوطن األصيل‬ ‫لألقوام التي ُدعيت سامي ٌة ميتد عىل طول الضفاف الغربية‬ ‫للفرات‪ ،‬ويرجح بعض الباحثني أن يكون الساميون األموريون‬ ‫هم أصحاب حضارة العبيد السابقة عىل السومرية(‪.)10‬‬

‫������‬

‫�������‬

‫������‬ ‫������‬

‫�����‬

‫������ �����‬

‫������ �����‬

‫�������‬

‫�‬

‫أ�� ��� ���� ?‬

‫� ‪ 1‬و‪���� 5‬ن‬ ‫� ‪ 0.1‬و ‪���� 0.5‬ن‬

‫������‬

‫������‬

‫������‬

‫‪ 20‬و ‪ً ������ 100‬‬

‫?‬ ‫أو��ر����ا������� ا ����‬

‫أ��ر��‬

‫��� ���‬

‫��� �� ‪ً ������ 150‬‬ ‫� ‪ 5‬و ‪ً ������ 20‬‬ ‫� ‪ 0.5‬و ‪���� 1‬ن‬ ‫ا�� �� ‪100,000‬‬

‫آرا���‬

‫������‬

‫������ �����‬

‫إ������‬

‫و��‬

‫إ� و��‬

‫�����‬ ‫��ا���‬ ‫إدو���‬

‫أ��د��‬

‫������ن أ����ن ������‬

‫�������‬

‫?‬

‫��������‬

‫�����‬ ‫����� ������ �����‬

‫�����‬

‫�������‬

‫��������‬

‫�����‬

‫�����‬ ‫������‬

‫������‬ ‫��������‬

‫������‬

‫�����‬

‫د�����‬

‫�������‬

‫�������‬

‫�����‬

‫�����‬ ‫أ�����‬

‫�������‬

‫أر�����‬ ‫�����‬ ‫زا�ّ�‬ ‫��دو��‬

‫��ر��‬ ‫إ���ر��‬

‫������‬

‫إن أول من أطلق مصطلح (السامية) عىل العائلة اللغوية التي ت ُعرف بهذا االسم حال ًيا‪ ،‬هو العامل األملاين (شلوترس‬ ‫‪ )Schlözer‬يف القرن الثامن عرش(‪ ،)11‬ومع أن األخري استخرج التسمية مستن ًدا إىل ٍ‬ ‫نص تورايتٍّ وتحدي ًدا من سفر التكوين‬ ‫اإلصحاح العارش‪ ،‬إال أن املصطلح يستخدم حال ًيا للداللة فقط عىل اللغات وليس له أي مضمونٍ‬ ‫تاريخي‬ ‫(إثني) أو‬ ‫ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫عرقي ٍّ‬ ‫وخصوصا الباحث العراقي سامي سعيد بتغيري مصطلح‬ ‫خارج إطار تاريخية اللغات السامية‪ ،‬وقد اقرتح بعض الباحثني‬ ‫ً‬ ‫«الساميني» إىل «الجزيريني» ليس نسب ًة إىل الجزيرة العربية طب ًعا بل الجزيرة السورية‪ ،‬وعىل اعتبار أن كث ًريا من‬ ‫االصطالحات قد تضفي عىل املفهوم األصل َمعان ًيا مضلل ًة‪ ،‬فقد كان عىل معظم الدارسني يف هذا الحقل تبيان مصطلح‬ ‫«السامية» و«الساميات» يف كتبهم دو ًما‪ ،‬الجتناب الخلط بني املصطلح الذي بات يشري إىل مجموعة اللغات التي تدعى‬ ‫اآلن كذلك كام أرشنا‪ ،‬وبني املفهوم الديني وتحدي ًدا التورايت الذي يرفع نسبة أقوام «الساميني» إىل شخصي ٍة أسطورية (سام‬ ‫‪ -9‬تاريخ اللغات السامية ‪ -‬األستاذ إرسائيل ولفنستون [أبو ذؤيب]‪ ،‬القاهرة ‪.1929‬‬ ‫‪ -10‬املعتقدات األمورية – خزعل املاجدي‪ ،‬عامن ‪.2002‬‬ ‫‪ -11‬كان شلوترس جزء من مدرسة غوتنغن للتاريخ‪ ،‬ويبدو أن التسمية أطلقتها مجموعة الباحثني من تلك املدرسة‪ ،‬حيث نشط أعضاؤها يف جامعة غوتنغن ‪ Göttingen‬األملانية‬ ‫أواخر القرن الثامن عرش‪[ .‬تحرير املجلة]‪.‬‬

‫‪32‬‬


‫األصول اآلرامية للكلامت املحكية يف‬ ‫العامية الدمشقية‬

‫موىس الدمشقي‬

‫بن نوح)‪ ،‬وسام وشام عمل ًيا قد يشكالن مع ًنى واح ًدا‪،‬‬ ‫بعد قلب السني شي ًنا(‪ ،)12‬ليشريا إىل بالد السامء‪ ،‬ال كام‬ ‫خصوصا أن كلمة‪:‬‬ ‫يظنه البعض أنها تسمي ٌة عربية‪،‬‬ ‫ً‬ ‫شوام‪ ،‬الدارجة حتى اليوم عىل لسان العامة‪ ،‬تعود‬ ‫إىل ٍ‬ ‫آالف عديد ٍة من السنني (ويف ذلك س ُنق ّدم دراس ًة‬ ‫خاص ًة نحيلها إىل وقتها)‪ ،‬وتتكون األرسة اللغوية‬ ‫السامية من مجموعتني‪ ،‬شاملية (أكادي ٌة بابلي ٌة آثورية‬ ‫– آشورية – كنعاني ٌة آرامي ٌة عربية) وجنوبية (عربية ‪-‬‬ ‫حبشية ‪ -‬مينية سبئية)‪.‬‬ ‫إن اللغة اآلرامية كام هو الحال بالنسبة لبقية اللغات‬ ‫يف الرشق القديم هي نتيجة تطو ٍر وتفاعلٍ ثقا ٍّيف‬ ‫أوالد نوح‪ ،‬من اليمني إىل اليسار‪ :‬يافث‪ ،‬حام‪ ،‬سام‪ .‬بريشة تيسو‬ ‫وحضاري ضمن املنطقة نفسها‪ ،‬أما مسألة الوفود من‬ ‫ٍّ‬ ‫خصوصا يف األلف الثالث فال يفرس شيئًا عىل اإلطالق بل يزيد من تعقيد املسائل التاريخية املتعلقة باملنطقة‪،‬‬ ‫الخارج‬ ‫ً‬ ‫توصل اليوم معظم علامء الساميات إىل عكس فرضية الهجرة‬ ‫ﺷلل وقد ّ‬ ‫ﺟﺒﻴﻞ‬ ‫ﺑووت‬ ‫اﻹﻣﱪاﻃﻮرﻳﺔ اﻵﺷﻮرﻳﺔ‬ ‫ﺻﻴﺪا‬ ‫دﻣﺸﻖ‬ ‫ﺻﻮر‬ ‫القدمية من شبه الجزيرة‪ ،‬فقالوا بالهجرات املعاكسة أي التي متّت‬ ‫اﻟﺪوﻳﻼت‬ ‫ﻣﻤﻠﻜﺔ‬ ‫اﻟﻔﻴﻨﻴﻘﻴﺔ‬ ‫ﻋﻜﺎ‬ ‫آرام دﻣﺸﻖ‬ ‫من منطقة الهالل الخصيب نحو مناطق شبه الجزيرة العربية‬ ‫اﻟﺒﺤﺮ‬ ‫اﳌﺘﻮﺳﻂ وذلك يف أواخر الربونز املبكر وبواكري الربونز الوسيط(‪.)13‬‬ ‫ﻣﻤﻠﻜﺔ‬ ‫إﴎاﺋﻴﻞ‬

‫اﻟﺴﺎﻣﺮة‬ ‫ﺷﻴﺨﻴﻢ‬ ‫ﻣﻤﻠﻜﺔ ﺟﺮش‬ ‫ﻳﺎﻓﺎ‬ ‫ﻋﻤﻮن‬ ‫ﺑﻴﺖ إﻳﻞ‬ ‫رﺑﺔ ﻋﻤﻮن أرﻳﺤﺎ‬ ‫أورﺷﻠﻴﻢ‬ ‫ﻟﺨﻴﺶ‬ ‫ذﻳﺒﺎن‬ ‫اﻟﺨﻠﻴﻞ‬

‫ﻣﻤﻠﻜﺔ ﻣﺆاب ﻣﻤﻠﻜﺔ ﻳﻬﻮذا‬ ‫ﺑﱤ اﻟﺴﺒﻊ‬

‫اﻟﺒﱰاء‬

‫ﻣﻤﻠﻜﺔ إدوم‬

‫أﺳﺪود‬ ‫ﻋﺴﻘﻼن‬

‫ﻏﺰة‬

‫ويف حوايل األلف األول قبل امليالد بدأت اللغة اآلرامية تطغى عىل‬ ‫بقية أخواتها يف املنطقة‪ ،‬ويف أثناء السيطرة الفارسية التي امتدت‬ ‫وصول إىل الهند‪ ،‬أصبحت اآلرامية الرسيانية اللغة‬ ‫مابني غرب آسيا ً‬ ‫الرسمية لإلمرباطورية‪ ،‬وقد وضع ماين يف الفرتة الساسانية جميع‬ ‫كتبه ومنها كتابه الشارح عىل الزرادشتية‪« :‬الزند» وهو قرآن‬ ‫املانوية باللغة الرسيانية(‪ )14‬وغري هذا ما ال يتسع املقام لذكره هنا‪،‬‬ ‫عام اضطربت املنطقة‬ ‫عىل كل حا ٍل وبعد ُميض أكرث من ألفي ٍ‬ ‫مثيل يف مناطق أخرى من العامل‪ ،‬وبعد‬ ‫فيها اضطرابًا ال نجد له ً‬

‫‪ -12‬التسمية العربية لسام يف التوراة هي ِشم ֵשם‪ ،‬وتعني أيضً ا بالعربية «اسم»‪[ .‬تحرير املجلة]‪.‬‬ ‫‪ -13‬آرام دمشق وإرسائيل يف التاريخ والتاريخ التورايت‪ ،‬فراس السواح‪ ،‬دمشق ‪.1995‬‬ ‫‪ -14‬ابن النديم –الفهرست‪.‬‬

‫‪33‬‬


‫األصول اآلرامية للكلامت املحكية يف‬ ‫العامية الدمشقية‬

‫موىس الدمشقي‬

‫أن دخلتها من الثقافات واللغات ما يفوق العد‪ ،‬بقيت الكثري من معامل وآثار اآلرامية واضح ًة وجلي ًة يف لغتنا العامية‬ ‫غيضا من فيض الكلامت التي ال تزال متداول ًة حتى اليوم‪ ،‬وال ننىس أن قواعد الرصف‬ ‫الدمشقية املحكية‪ ،‬وفيام ييل نق ّدم ً‬ ‫يف معظمها بقيت عىل حالها األصيل دون مساس‪ ،‬ومن ذلك وضع االسم قبل الفعل‪ ،‬فنقول‪ :‬فال ٌن قال‪ٌ ،‬‬ ‫بدل من قال فال ٌن‬ ‫عىل القاعدة العربية‪ ،‬كذلك تسكني كاف املخاطب مثل‪:‬‬ ‫م ّن ْك‬ ‫بدل‬ ‫نك‬ ‫ِم َ‬ ‫عام من اآلن‪.‬‬ ‫وهذه بعض املفردات واألسامء اآلرامية يف عامية دمشق والتي تعود عىل األقل لثالثة آالف ٍ‬ ‫مع املالحظة أنه ليس بالرضورة أن تكون املقاطع الهجائية ت ُلفظ أو تُكتب بنفس الطريقة باآلرامية‪ ،‬فقد ينقص بعض‬ ‫ٍ‬ ‫باحث إيجادها والعرشات‬ ‫الكلامت يف آخرها حرف الواو‪ ،‬أو األلف‪ ،‬لكنها كامد ٍة هي آرامي ٌة دون استثناء‪ ،‬وميكن ألي‬ ‫مام ورد هنا‪ ،‬يف املعاجم الرسيانية واآلرامية‪:‬‬ ‫أ ل وه‪ :‬ألوه = إليه‪ ،‬له‪.‬‬ ‫ا ت غ ن د ر‪ :‬ات ْ َغ ْن َد ْر‪َ -‬غ ْن َد َرة= تبخرت – متايل يف مشيته‪.‬‬ ‫أ ز ا‪ :‬أزا = ظرف زمانٍ مبعنى (إذا – حينئذ) العربيتان‪.‬‬ ‫إ ي د‪ :‬إيد = يد‪.‬‬ ‫ب ك ي ر – ب ك ر ا‪ :‬بكِّري = باكرا‪ :‬بكرا = مبعنى غ ًدا أو من صباح غد‪.‬‬ ‫ا ب ت ل ش‪ :‬ابتلش – انبلش = ابتيل‪ ،‬تحرش‪.‬‬ ‫ب ر ا‪ :‬برا = يف الخارج‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫كلامت مثل‪ :‬رباين روحاين ‪...‬إلخ‬ ‫ب ر ا ن ي‪ :‬ب ّراين = الخارجي وكذلك الحال بالنسبة لكلمة « ُج ّواين» (مع املالحظة أن‬ ‫بنونٍ زائد ٍة يف االسم هي شاذ ٌة يف العربية ودخيل ٌة عليها‪ ،‬وإمنا أصولها املتفق عليها هي رسياني ٌة آرامية)‪.‬‬ ‫د ب ح‪ :‬دبح = ذبح‪ .‬وقد تأيت يف بعض اللغات السامية بصيغة‪ :‬زبح‪ .‬لغات سامية كاألوجاريتية والعربية‪.‬‬ ‫مثل) = أقفله‪.‬‬ ‫د ق ر‪ :‬دقَّر (الباب ً‬ ‫د ق ر‪ :‬دقر (دأر) = ملس‪.‬‬ ‫د ق ن‪ :‬دقن = مجمع اللحيني من األسفل‪.‬‬ ‫د ع ك‪ :‬دعك = عجن‪.‬‬ ‫هـ د س – هـ و د س‪ :‬هدس‪ ،‬هودس = فكر‪ ،‬التفكري العميق بيش ٍء ما رمبا‪.‬‬ ‫ج و هـ‪ :‬ج َّوه = يف الداخل‪ ،‬يف الوسط‪.‬‬ ‫‪34‬‬


‫األصول اآلرامية للكلامت املحكية يف‬ ‫العامية الدمشقية‬

‫موىس الدمشقي‬

‫ج ب‪ُ :‬جب = برئ (وقد وردت كلامتٌ رسياني ٌة غريها يف القرآن كانت مستعمل ًة عىل نطاقٍ واسعٍ يف الجزيرة العربية‬ ‫أيضا كلمة‪ :‬ر ح م ن‪ :‬رحمن = رحيم‪ ،‬ورحمن هي بالرسيانية والعربية ومعظم السامية)‪.‬‬ ‫آنذاك مثل ً‬ ‫ش ن و‪ :‬ش ّنو = إذًا أداة رشط‪.‬‬ ‫ز ف ر‪ :‬زفر = ِ‬ ‫قذر‪.‬‬ ‫و ا و ا = واوا = أمل‪.‬‬ ‫دهـ ب‪ :‬دهب = الذهب‪.‬‬ ‫دي ب و‪ :‬ديبو = ذئب‪.‬‬ ‫ز ب و ن‪ :‬زبون = مشرتي (وقد ُع ّربت واآلن جمعها زبائن يف العربية)‪.‬‬ ‫ز ر ي ع ة‪ :‬زريعة = األرض أو األحواض املزروعة‪.‬‬ ‫ح ج ر ا‪ :‬حجرا‪/‬ة‪ :‬الحجر‪.‬‬ ‫ح و ج‪/‬ش‪ :‬حوج أو حوش = منطقة‪.‬‬ ‫ح ز هـ – ح ز ي هـ‪ :‬حزي‪/‬هـ – يرى – ويف العرافة والنظر‪.‬‬ ‫ح ي ل ك‪ :‬حيلك = قوتك بأسك جيشك …إلخ‪.‬‬ ‫ح ص ر – ح ص ي ر‪ :‬حصري = عشب مجفف‪ ،‬ومن ذلك حرص القش وغريه‪.‬‬ ‫كنيسة مار جرجس للرسيان األرثوذكس يف دمشق‬ ‫مثل)‪.‬‬ ‫ط ر ش‪ :‬ط َّرش = لطخ (طرشه باملي ً‬ ‫ط ا س ه‪ :‬طاسة = وعاء‪.‬‬ ‫ط ب‪ :‬طب‪ ،‬جيد‪ -‬حسن‪.‬‬ ‫ي ا م و‪ :‬يامو = أمي‪ ،‬يا أمي‪.‬‬ ‫ك ن ن‪ :‬ك ّن = يأيت مبعنى‪ :‬اثبت – اهدأ – وهو يف األوغاريتية كذلك‪.‬‬ ‫ك ل‪ :‬كل = كل‪ :‬سامي مشرتك‪.‬‬ ‫ك ل هـ‪ :‬كلّـا = كُلها‪.‬‬ ‫ك ل هـ و‪ :‬كلهو ‪ /‬كلو؟= كله‪.‬‬ ‫ك ل ه ن‪ :‬كلهن‪ ،‬تجب اإلشارة هنا إىل أنه ال تستعمل النون هنا لجمع املؤنث‪ ،‬بل ستأيت كام يف العامية‪ :‬كلهون كلكون‬ ‫كلون = مبعنى (كلّهم) أو (جميعكم) العربيتني‪.‬‬ ‫ك ف ر‪ :‬كفر = قرية صغرية‪ ،‬ناحية (كفر سوسه = قرية السوس الصغرية)‪.‬‬ ‫ك م ش‪ :‬كمش = قبض – أمسك بـ‪..‬‬ ‫ك ر ت‪ :‬كرت = سيأيت مبعنى االعرتاف‪ ،‬وحال ًيا تم تذكريه وتأنيثه بالعامية‪ :‬كر‪ :‬أر‪ ،‬كرِت‪ ،‬أ ِّرت‪.‬‬ ‫كتبت‪.‬‬ ‫ك ت ب ت‪ :‬كتبت = ُ‬ ‫لِـ‪ :‬الم امللكية = سامي مشرتك‪.‬‬ ‫ل أ‪ :‬أل= ال النافية‪.‬‬ ‫‪35‬‬


‫األصول اآلرامية للكلامت املحكية‬ ‫يف العامية الدمشقية‬ ‫ل ح م هـ‪ :‬لح ّمه = مبعنى الْتحم‪ ،‬التلحيم‪.‬‬ ‫ل ع ي‪ :‬لعي = يستخدم للداللة عىل الكالم اليسء‪.‬‬ ‫ل ق ط‪ :‬لقط = جمع‪ ،‬ويف االستخدام الشائع يأيت مبعنى‪ :‬قبض أو أرس‪ ،‬وكذلك‬ ‫ورد يف السبئية‪.‬‬ ‫ل ط ي – لطا‪ :‬لطي = اختبئ‪.‬‬ ‫ي م ح أ‪ّ :‬مي ِحئ = يرضب يؤذي‪.‬‬ ‫م ي‪ :‬مي = ماء‪.‬‬ ‫م ر ت ي‪ :‬مريت = زوجتي‪ ،‬سيديت‪.‬‬ ‫ي ب ع‪ :‬يبع (بعبعة) = يرثثر‪.‬‬ ‫ن ب ش‪ :‬نبش = حفر‪.‬‬ ‫ن ك ش‪ :‬نكش = كشف‪ ،‬حفر‪.‬‬ ‫م ن ت وش‪ :‬منتوش = ممزق‪.‬‬ ‫ع ت ي ق‪ :‬عتيق = قديم (ومن فرط استعاملها يف العربية التبس عىل البعض‬ ‫أصلها ال سيام بعض املؤرخني األشاوس)‪.‬‬ ‫ن ا ط و ر‪ :‬ناطور = حارس‪.‬‬ ‫ن د ر‪ :‬ندر = ن َذ َر‪.‬‬ ‫ن ت ع – ي ن ت ع‪ :‬نتع – ينتع = يتجر‪ ،‬تسحب‪.‬‬ ‫ن هـ ش‪ :‬نهش = عض‪.‬‬ ‫س م ي د‪ :‬سميد = لب الحنطة‪.‬‬ ‫س ك ر‪ :‬سكَّر = أغلق‪.‬‬ ‫ع د‪ :‬عد = حتى‪ ،‬ويستعمل اليوم بعبارة النفي (ماعد‪.)...‬‬ ‫ع ي ن ي‪ :‬عيني = عيناي (وبالطبع أصله يف العامية لإلشارة للعينني وليس عي ًنا‬ ‫مثل)‪.‬‬ ‫واحد ًة يف القول‪ :‬عىل عيني ً‬ ‫عل = عىل (ويف العامية الدمشقية يف الغالب ال ت ُلفظ األلف يف نهاية‬ ‫ع ل‪ّ :‬‬ ‫مثل)‪.‬‬ ‫املقطع يف «عىل» كـ‪ :‬رايح عل البيت ً‬ ‫ع ل ي ت هـ‪ :‬عليته = أعاليه‪ ،‬أو حتى‪ :‬عليه يف صيغة الدالل‪.‬‬ ‫ع ل ي م ي‪ :‬عل ميي = عىل أيامي‪ ،‬ت ُستعمل يف اآلرامية للداللة عىل (أيام‬ ‫الشباب)‪.‬‬ ‫ع م ل ه‪َ :‬عمله‪/‬ة = تستخدم للداللة عىل مصيب ٍة أو عملٍ خاطئ (واليوم تستعمل‬ ‫مثل‪ :‬الله يسامحك عىل هل العملِه…إلخ)‪.‬‬ ‫يف إطار املعاتبة كالقول ً‬ ‫‪36‬‬


‫األصول اآلرامية للكلامت املحكية يف‬ ‫العامية الدمشقية‬

‫موىس الدمشقي‬

‫مثل)‪.‬‬ ‫ف ش ش‪ :‬فشش = فتح‪ ،‬أزل (واليوم تستخدم مبعنى‪ :‬أفىض مبا يعتمل يف صدره‪ :‬فش قلبه ً‬ ‫ف ر ش خ‪ :‬فرشخ = باعد ما بني قدميه‪.‬‬ ‫مثل‪.‬‬ ‫ف ش ر‪ :‬فرش = كذب‪ ،‬أو مبعنى خسئ ً‬ ‫ف ش خ‪ :‬فشخ = سارع يف مشيته‪.‬‬ ‫ف ر م‪ :‬فرم = قطع‪.‬‬ ‫مثل‪ ،‬أو نزع اللحم من العظم‪.‬‬ ‫ف ص ف ص‪ :‬فصفص = جرد القرشة عن اللب ً‬ ‫ق ا ت و ل ي‪ :‬قاتويل = مميت‪.‬‬ ‫ق ا ق‪ :‬قاق = غراب‪.‬‬ ‫ق ر م ي ة – ق ر م ة‪ :‬قرمية‪ -‬قرمة = أصل النبتة‪.‬‬ ‫ق وم‪ :‬قوم = قُ ْم‪.‬‬ ‫ش وب‪ :‬شوب = الحر الشديد‪.‬‬ ‫ت و ر ا‪ :‬تورا = ثور‪.‬‬ ‫ت ف ر ك ش‪ :‬تفركش = تعرث‪.‬‬ ‫ت ف ش ك ل‪ :‬تفشكل = اصطدم‪.‬‬ ‫س م ع‪ :‬سمع = يسمع‪ ،‬يصغي (وهنا ال بد من اإلشارة إىل أن استخدامها حاليًا يتم بصيغة األمر للمجموع يف البيئة‬ ‫الشعبية ج ًدا)‪.‬‬ ‫ي ت س م ع‪ :‬يتسمع = يستمع‪ ،‬وهنا تستخدم عىل وزن (يتفعل) وهي مستخدم ٌة بشكلٍ كاملٍ يف العامية‪.‬‬ ‫س ن ح‪/‬ه‪ :‬سنح = نوم‪( ،‬سنحو = نيمو)؟‬ ‫ش ق ف‪ :‬شقف‪ -‬شقفة = هشم – قطعة‪.‬‬ ‫ش ف ت وهـ‪ :‬شفتوه = شفتاه‪ ،‬شفاهه‪ .‬ويف األوغاريتية‪ :‬ش ف ت‪.‬‬ ‫ت ق ل‪ :‬تقل = ثقل‪ ،‬وكذلك أىت يف األوغاريتية والرسيانية‪ ،‬أما يف الفينيقة والعربية واآلرامية الدولية واألكادية ف ُعرف‬ ‫هكذا‪ :‬ش ق ل‪ :‬شيقل‪ ،‬وهي وحدة وزنٍ تعادل (‪ )16‬غرام تقري ًبا‪.‬‬ ‫ش ور ا‪ :‬شورا‪ :‬السور‪ ،‬يف الرسيانية وهو اسم ناحي ٍة يف دمشق‪ ،‬كذلك‪ ،‬ثورا يف الرسيانية أو تورا‪ :‬اسم فرع نهري‪ ،‬ومعناه‬ ‫الثور‪.‬‬ ‫رش = اطلق‪ ،‬ح ّرر (وهو يستخدم اليوم رمبا لإلشارة للترسب املايئ أو ما شابه) وأصله الجذر س ر ي‪/‬‬ ‫ش ر – ش ر ي‪َ :‬‬ ‫ش ر ي‪ ،‬يف األوغاريتية‪.‬‬ ‫ش ر ن‪ :‬رش ّن = واملقصود هو الحامر الربي‪ ،‬لكن يستخدم يف البيئة الشعبية دالل ًة عىل الفجاجة (رشن‪ ،‬رشنة)‪.‬‬ ‫ش ر ش‪ :‬رشش = أصل‪ ،‬جذر‪ ،‬ساللة‪ ،‬نسل‪.‬‬ ‫ت ن و ر‪ :‬تنور = تنور‪.‬‬ ‫لباس معروف‪ ،‬ويف الوقت الراهن يُخص به النساء دون الرجال‪.‬‬ ‫ت ن ور ا‪ :‬تنورا‪ /‬تنورة = ٌ‬ ‫‪37‬‬


‫األصول اآلرامية للكلامت املحكية يف‬ ‫العامية الدمشقية‬

‫موىس الدمشقي‬

‫ر ي س‪ :‬ريّس = رئيس‪.‬‬ ‫ش ب ط‪ :‬شبط = جرح‪ -‬رضب‪.‬‬ ‫ش ر وا ل‪ :‬رشوال = رسوال – بنطلون‪.‬‬ ‫ش ح ا‪ :‬ش ّحا = ها هي‪.‬‬ ‫ش ح و‪ :‬ش ّحو = ها هو‪.‬‬ ‫ش ل ح‪ :‬شلح = نزع ثيابه‪.‬‬ ‫ش ل ف‪ :‬شلف = رمى – نزع؟‬ ‫د ر ا ب ز ون‪ :‬درابوزن = قوائم حديدي ٌة غال ًبا‪.‬‬ ‫ز ف ت ا‪ :‬زفت = القار‪.‬‬ ‫مع استثناء أسامء املناطق يف سوريا ولبنان وفلسطني وحتى العراق‪ ،‬التي يف معظمها آرامي ٌة رسيانية‪ ،‬ومن ذلك مستقر‬ ‫العرب الرئييس بعد الفتح يف بالد العراق وهي الكوفة‪ ،‬كوفا‪ :‬الشوكة باآلرامية‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫فلنأت عىل مسألة‬ ‫لتساؤالت ال تنتهي‪ :‬هل تحدثت سوريا‪ ،‬اللغة العربية الفصحى ذات تاريخ؟‬ ‫وهذا يفتح الباب‬ ‫خصوصا أن األعداد كانت هائل ًة مام أدى ألن يتقاسم الناس‬ ‫االختالط بالوافدين‪ ،‬وهي املسألة األخطر عىل اإلطالق‪،‬‬ ‫ً‬ ‫بيوتهم مع أولئك الوافدين‪ ،‬وهو عائ ٌد بطبيعة الحال لقرا ٍر أصدره خال ٌد بن الوليد بعد الفتح مبارش ًة(‪ ،)15‬هذا باإلضافة‬ ‫خصوصا يف الناحية‬ ‫لنسب ٍة كبري ٍة من النازحني(‪ )16‬رحلوا فور دخول جيش املسلمني‪ ،‬ومسألة البيوت املشرتكة بقيت‬ ‫ً‬ ‫الرشقية من دمشق حتى القرن املنرصم (وهذا يف ذمة بعض الكبار يف السن من منطقتي باب توما وباب رشقي وقد‬ ‫ٍ‬ ‫ببحث ميدا ٍّين أجريته)‪ ،‬لكن املشكلة تكمن وهي مشكل ٌة عىل مستوى فضيح ٍة تاريخي ٍة‬ ‫أخربوين ذلك يف أثناء قيامي‬ ‫وذلك أن الوافدين ما كانوا يتحدثون العربية الفصحى متا ًما‪ ،‬بل كانوا يقلبون الهمزات إىل يا ٍء يف كل كلم ٍة مهمز ٍة مثل‪:‬‬ ‫أت‬ ‫تًوضَّ ُ‬ ‫=‬ ‫تَ َوظيت‬ ‫باإلضافة لقلب الضاد ظا ًء كام يف املثال اآلنف‪.‬‬ ‫أيضا تُقلب (القاف) إىل (ك ٍ‬ ‫َاف) الفارسية واليمينة‪ ،‬حتى أن السيد جعفر بن محمد الصادق‬ ‫وغالبية لهجات الوافدين ً‬ ‫اإلمام الشيعي املعروف كان يحث أتباعه عىل تبديل القاف بالكاف يف القراءات‪ ،‬ألن بذلك كان قد نزل القرآن‪ ،‬كام يقول‪.‬‬ ‫‪ -15‬راجعوا تواريخ ابني عساكر وكثري‪.‬‬ ‫‪ -16‬انتظروا دراس ًة مخصص ًة نعرض فيها لتفاصيل الفتح العريب وهي دراس ٌة مقارن ٌة بني كل من املصادر العربية واملصادر الرسيانية والبيزنطية‪.‬‬

‫‪38‬‬


‫األصول اآلرامية للكلامت املحكية يف‬ ‫العامية الدمشقية‬

‫موىس الدمشقي‬

‫كذلك بالنسبة للفعل املضارع‪ ،‬فقد كان يتم كرس الحرف األول كام هو يف اللهجات البدوية اليوم‪:‬‬ ‫تَعلَم‬ ‫=‬ ‫تِعلَم‬ ‫وأيضا يستخدمون‪ :‬إيش‪ ،‬بدال عن (ماذا)‪ ،‬فيقولون مثال‪:‬‬ ‫ً‬ ‫إيش تِري ْد؟‬ ‫بدلً عن‬ ‫ماذا ت ُريد؟‬ ‫بدل عن‪ :‬من هو‪ ،‬أو من أنت …إلخ وهناك أمثل ٌة ال عد لها وال حرص‪.‬‬ ‫أو‪ِ :‬م ُنو‪ً ،‬‬ ‫طبيعي فالفصحى التي هي لغ ٌة أدبي ٌة وثقافية‪ ،‬ال تصلح للتداول‪ ،‬وال نتصور أب ًدا أن يستخدمها سواد الناس‬ ‫وهذا‬ ‫ٌ‬ ‫ملعامالتهم اليومية‪ ،‬وهي وكام وصلت إلينا اآلن ناتج ٌة عن عملي ٍة طويل ٍة من التحديث بالنسبة للقواعد‪ ،‬والتعريب‬ ‫كل من الرتجامت واللهجات املختلفة ومن ثم دخولها يف املعمعة العلمية يف‬ ‫بالنسبة للمفردات‪ ،‬ومن الواضح متا ًما أن ًّ‬ ‫العصور الحديثة‪ ،‬بالجملة كانت وراء دخول العربية يف مرحل ٍة انتقالي ٍة بني التدوين والخطابة بطور السجع‪ ،‬إىل النرثية‬ ‫ٍ‬ ‫مفردات مستمد ٍة من هذه السامية أو‬ ‫التي نتداولها اليوم عىل مستوى الثقافة‪ ،‬فإن كانت العربية اليوم هي خلي ٌط بني‬ ‫أيضا من هناك‪ ،‬فلِم ال‬ ‫تلك‪ ،‬إضاف ًة ملفرداتها األصلية‪ ،‬كذلك قد استعارت رسم أحرفها من أخواتها‪ ،‬وقد أخذت الحركات ً‬ ‫بدل عن العربية الفصحى؟‬ ‫ندعوها اليوم بـ(السامية الجديدة) ً‬ ‫أما فيام يخص لغة السيد النبي‪ ،‬فأحيل القارئ للدراسة الثمينة التي قام‬ ‫بها إبراهيم الجبني الدمشقي األصل بعنوان «لغة محمد»‪.‬‬ ‫أما املسألة الثانية بعد قصة االختالط فهي مسألة تعريب الدواوين يف‬ ‫الفرتة األموية‪ ،‬وال نرى بأنها كافي ٌة لنو ٍع مامثلٍ من االنقالب الثقايف‪،‬‬ ‫خصوصا إذا ما علمنا أن كبار املوظفني يف الدولة األموية كانوا من‬ ‫ً‬ ‫الذميني‪ ،‬منهم رسجون الرومي‪ ،‬والحقًا القديس يوحنا الدمشقي‪،‬‬ ‫واألخري هو الذي أشعل فتيل ما يسمى بعلم الكالم (سيدعونه يف العرص‬ ‫إبراهيم الجبني‬ ‫الحديث بالفلسفة اإلسالمية بال أية مراعا ٍة للفروق بينها وبني الفلسفة)‪ .‬وقد أشار ابن املقفع يف وقته أن الرشق كله‬ ‫تقري ًبا مازال وحتى بعد قرنني من الفتح يتكلم الرسيانية(‪.)17‬‬ ‫‪ -17‬دراس ًة يف اللغتني العربية والرسيانية ‪ -‬إبراهيم السامرايئ‪.‬‬

‫‪39‬‬


‫األصول اآلرامية للكلامت املحكية يف‬ ‫العامية الدمشقية‬

‫موىس الدمشقي‬

‫ومل تلبث الدولة العربية كث ًريا‪ ،‬حتى بدأت تختلط بالعنارص الجديدة من ٍ‬ ‫ترك ورشاكس ٍة وأكرا ٍد ٍ‬ ‫وفرس وألبان ومغو ٍل‬ ‫تاريخي استمر حتى أوليات القرن‬ ‫وغريهم‪ ،‬واليشء األكرث غراب ًة أن املشكالت التي خلقتها فرتة الفتح أصبح لها امتدا ٌد‬ ‫ٌّ‬ ‫املنرصم (س ُنق ّدم دراس ًة الحقًا بعنوان املشكالت التاريخية يف املجتمع الدمشقي حتى منتصف القرن التاسع عرش)‪.‬‬ ‫لكن املسألة األخطر والتي تقطع الشك باليقني بخصوص االضمحالل التدريجي للرسيانية كلغ ٍة متداولة‪ ،‬هي مسألة‬ ‫«تعريب الكنيسة» ويف رأينا أن املسألة كانت ذات خلفي ٍة سياسي ٍة واضحة‪ ،‬وقد تحولت بعض الكنائس عن الرسيانية‬ ‫لالتينية والباقي للعربية‪ ،‬يف فرت ٍ‬ ‫ات متباين ٍة من حيث التتابع الزمني (كرونولوج ًيا) كانت فيها الوالءات اإلقليمية لكنائس‬ ‫بعينها تتكلم لغ ًة بعينها‪ ،‬يقرر أحيانًا مصري جالي ٍة مسيحي ٍة بأكملها‪ ،‬أما فيام يتعلق بالتحول للعربية فبوادر حسن النية‬ ‫أيضا!‬ ‫كانت مطلوب ًة ً‬ ‫عمو ًما نحن منيل لدراسة العاميات الشامية والعراقية الشاملية بنا ًء عىل أنها آرامي ٌة رسياني ٌة مختلط ٌة ولو لِحد الخروج‬ ‫عن كونها كذلك‪ ،‬رافضني نظرية العربية املحرفة باملطلق‪ ،‬وذلك ألننا ببساط ٍة مل نعرث يف التاريخ عىل أي فرت ٍة كان فيها‬ ‫سواد الناس يتحدثون العربية‪ ،‬حتى يتم تحريفها الحقًا‪ ،‬لكننا يف املقابل وقفنا عىل عرشات القرون التي تحدث فيها‬ ‫معروف لكل ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫باحث سوا ًء يف التاريخ العام أي مبا يف ذلك الحركة التاريخية للثقافة‬ ‫سواد الناس باآلرامية الرسيانية‪ ،‬وهذا‬ ‫االجتامعية‪ ،‬وكذلك للباحثني يف تاريخية اللغات العائدة للمنطقة‪ .‬والسبب اآلخر واألهم‪ ،‬أن طريقة تركيب املفردات‬ ‫تام أي‬ ‫ُعب عن بقايا قواعد الرصف والرتاكيب القدمية‪ ،‬ومن هذه النقطة تحدي ًدا ميكننا أن ندحض وبشكلٍ ٍ‬ ‫العامية ت ّ‬ ‫نظري ٍة مخالفة‪.‬‬ ‫لالستزادة يف موضوع اللغة اآلرامية والرسيانية (رشقية –غريبة)‪:‬‬ ‫‪ -1‬غبطة البطريرك أغناطيوس يعقوب الثالث‪ :‬الدالئل الحسية عىل تقارض الرسيانية والعربية‪ ،‬دمشق ‪.1969‬‬ ‫‪ -2‬السيد أقليميس يوسف داود املوصيل الرسياين‪ :‬اللمعة الشهية يف نحو اللغة الرسيانية‪ ،‬املوصل ‪.1879‬‬ ‫‪ -3‬الدكتور داود الجلبي املوصيل‪ :‬اآلثار اآلرامية يف عامية املوصل‪ ،‬املوصل ‪.1935‬‬ ‫‪ -4‬سمري عبدو‪ :‬الرسيانية – العربية الجذور واالمتداد‪ ،‬دمشق ط‪.2002 2‬‬ ‫‪ -5‬الدكتور سليامن بن عبد الرحمن الذيب‪ :‬معجم املفردات اآلرامية القدمية‪ .‬الرياض ‪(. 2006‬وقد استخدمت هنا‬ ‫طريقة عرضه للمفردات)‪.‬‬ ‫‪ -6‬املطران يعقوب أوجني م ّنا الكلداين‪ :‬األصول الجلية يف نحو اللغة اآلرامية بريوت ط‪.1975 2‬‬ ‫متت يف ‪28/4/2010‬‬ ‫‪39‬‬


TV

25 OCTOBER 2014

3rd Year

www.freemindmag.com

41


‫يف حوار مع ‪..‬‬ ‫كريستوف لوكسنربغ‬ ‫آراء الضيوف تعرب عن أفكارهم وال متثل موقف املجلة بالرضورة‬

‫ٌ‬ ‫«جدال حول القرآن‪ :‬نقاش لوكسنربغ»‪.‬‬ ‫حوا ٌر مأخو ٌذ باختصا ٍر من كتاب كريستوف بورغمر‪:‬‬ ‫حاوره‪ :‬كريستوف بورغمر‪ .‬صورة لوكنسربغ أعاله هي من حوار مصور أجراه مع رشيد حاممي‪.‬‬ ‫ترجمه عن النص اإلنكليزي‪ :‬إبراهيم جركس‪.‬‬ ‫س‪ :1‬سيد لوكسنربغ‪ ،‬كتابك الذي يحمل عنوان‪« :‬قراء ٌة آرامية ـ رسياني ٌة‬ ‫للقرآن‪ :‬مساهم ٌة يف تفسري لغة القرآن» س ّبب حرك ًة رئيسي ًة يف األوساط‬ ‫الثقافية‪ .‬الصحف واملجالت يف كافة أرجاء العامل نقلت نتائج أبحاثك‪.‬‬ ‫وكان هناك بعض الجداالت وردود األفعال العنيفة‪ ،‬تلتها مجموع ٌة كبري ٌة‬ ‫عب الناس من مختلف أنحاء‬ ‫من املحارضات والحلقات الدراسية‪ .‬لقد ّ‬ ‫أشخاص عاديون‪ ،‬مسلمون وغري مسلمني‪ ،‬مع‬ ‫العامل عن آرائهم‪ :‬باحثون‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫أث ٍر جانبي وهو أ ّن البحوث يف القرآن وعىل مدى سنني طويل ٍة كانت‬ ‫محصور ًة يف ال ُغرف الدراسية الهادئة وضمن مجموع ٍة مح ّدد ٍة من العلامء‬ ‫والباحثني الغربيني والعرب‪ ،‬أ ّما اآلن فهذه البحوث تجتذب اهتامم الرأي‬ ‫العام العاملي م ّر ًة أخرى‪ ،‬كطائر العنقاء الذي انبعث من الرماد‪.‬‬ ‫كتاب من بني الكتب األكرث مبي ًعا‪ ،‬بالرغم من أنك قد ألّفته باللغة األملانية ونرشته يف أملانيا‪ ،‬باإلضافة إىل‬ ‫ٌ‬ ‫صعوبة قراءته وفهمه‪ .‬ملاذا ق ّررت استخدام املناهج واألساليب اللغوية لفحص القرآن؟‬ ‫ج‪ :1‬يف البداية أو ّد أن أقول أ ّن الباحثني والعلامء الغربيني كانوا يعرفون متام املعرفة ومنذ م ّد ٍة طويل ٍة أ ّن‬ ‫املفسين العرب‪.‬‬ ‫هناك بعض اآليات الغامضة وغري املفهومة يف القرآن‪ .‬وهذا يتوافق مع تفسريات وتأويالت ّ‬ ‫عىل أي حال‪ ،‬كانت هذه اآليات أو العبارات الغامضة هي النقطة التي انطلقت منها خالل عميل هذا‪.‬‬ ‫‪42‬‬


‫كريستوف لوكسنربغ‬ ‫مؤسس ًة‬ ‫أ ّما املحاوالت السابقة يف تفسريها فكانت معتمد ًة عىل التخمينات واالفرتاضات أكرث من كونها ّ‬ ‫علمي متامسك‪.‬‬ ‫عىل أرضي ٍة فلسفية‪ .‬لك ّن التخميات ال ميكنها ‪ -‬ومل تكن قط ‪ -‬أن تكون ً‬ ‫أسـسا صلب ًة ملنه ٍج ٍّ‬ ‫تبي أنه‬ ‫وأنا أحاول أن أستخدم أساليب فلسفي ًة لتوضيح وتفسري هذه اآليات‪ .‬والقاموس السريو‪ -‬آرامي قد ّ‬ ‫أفضل وسيل ٍة لتحقيق ذلك‪.‬‬ ‫س‪ :2‬قبل أن نتناول موضوع القرآن واللغة القرآنية‪ ،‬أو ّد أن أسألك عن سبب توظيفك للغة السريو‪ -‬آرامية‬ ‫كأدا ٍة لتفسري القرآن ّ‬ ‫وفك طالسمه؟‬ ‫ج‪ :2‬ألكرث من ألف سن ٍة كانت اللغة اآلرامية هي اللغة الرسمية للتعارف واللغة الثقافية ملنطقة غريب‬ ‫آسيا والتي يطلق عليها اليوم اسم «الرشق األوسط»‪ .‬كان اإلغريق (اليونانيون) يطلقون عىل اللغة اآلرامية‬ ‫املستخدمة هنا اسم (الرسيانية)‪ ،‬وقد أصبحت اآلرامية اللغة املكتوبة والثقافية السائدة خالل العهدين‬ ‫أيضا حتى يومنا هذا‪.‬‬ ‫القديم والجديد‪ .‬وقد أطلق العرب عىل هذا الشكل من اآلرامية اسم الرسيانية ً‬ ‫س‪ :3‬عىل غرار العربية‪ ،‬إ ّن السريو‪ -‬آرامية هي لغ ٌة سامية‪ .‬لذلك ف ِكال اللغتني متقاربتان‪ .‬هل هذا ينطبق‬ ‫أيضا عىل طريقة كتابة كل منهام؟ ما هو الفرق بني اللغة السريو‪ -‬آرامية املكتوبة والعربية؟‬ ‫ً‬ ‫ج‪ :3‬هناك الكثري من الجذور املشرتكة بني اللغتني السريو‪ -‬آرامية والعربية املكتوبة‪ ،‬كام يف نظامهام اللفظي‪،‬‬ ‫فهام لغتان شقيقتان‪ .‬أ ّما اليشء املميّز فيهام فهو ما يُع َرف «بامليزة ثالثية الجوانب» ومعنى ذلك أن جذر‬ ‫ٍ‬ ‫حروف ‪ Trilaterality‬ساكنة‪ ،‬وتلك الحروف الثالثة الساكنة ميكن أن‬ ‫كل منهام يتألف من ثالثة‬ ‫الكلمة يف ٍّ‬ ‫تتوسع ومتتد‪ .‬وهذه الخاصية هي التي تربط اللغات السامية ببعضها البعض‪ُ .‬خذ عىل سبيل املثال كلمة‬ ‫ّ‬ ‫(كَتَ َب) وهي تحمل معنى فعل الكتابة يف كال اللغتني‪ ،‬وقد جاءت من الجذر الثاليث (كـ ‪ ،‬ـتـ ‪ ،‬ـب)‪.‬‬ ‫أيضا‬ ‫هذا الجذر املؤلّف من الحروف الساكنة‬ ‫مكتوب ً‬ ‫ٌ‬ ‫أي حال‪ ،‬إ ّن الذي يُع َرف باسم «الحروف شبه‬ ‫عادة‪ .‬عىل ّ‬ ‫أيضا‬ ‫الصوتية أو نصف صوتية = ساكنة» كانت تستعمل ً‬ ‫ٍ‬ ‫كحروف صوتية‪ .‬وذلك أل ّن األحرف‬ ‫‪ ،Mater Lectionis‬أي‬ ‫الصوتية مل تكن مكتوب ًة‪ .‬النقطة هنا هي أ ّن األحرف الصوتية‬ ‫مل تكن مكتوب ًة يف املخطوطات املبكّرة للقرآن‪ .‬بل متّت إضافتها‬ ‫فيام بعد‪.‬‬ ‫‪43‬‬


‫كريستوف لوكسنربغ‬ ‫إ ّن فهم املخطوطة العربية جعل األمر أكرث صعوب ًة من خالل واقع أ ّن الحروف الساكنة غامض ٌة ومبهمة‪.‬‬ ‫فاألبجدية العربية تحتوي فعليًا عىل ‪ 15‬حرفًا مقابل اآلرامية التي تحتوي عىل ‪ 22‬حرفًا‪ .‬أ ّما العربية اليوم‬ ‫ٍ‬ ‫حروف واضح ٌة وغري غامضة‪ .‬أ ّما األحرف االثنان‬ ‫فإنّها تحتوي عىل ‪ 28‬حرفًا مستخد ًما‪ ،‬لكن فقط ستة‬ ‫والعرشون الباقية فإ ّن لها معنيني أو أكرث‪.‬‬ ‫مثال‪ ،‬دعنا نرجع إىل الجذر الثاليث (ك ت ب)؛ وبسبب غموض الشكل املكتوب‪ ،‬فإين أستطيع أن أقرأ هذه‬ ‫أيضا أن أقرأ هذا الجذر بشكلٍ آخر‬ ‫الكلمة عىل الشكل التايل‪( :‬كَتَ َب) والتي تعني فعل الكتابة‪ ،‬لكن بإمكاين ً‬ ‫(كَ َب َت) مبعنى القمع والكبت‪.‬‬

‫دلك الكىاٮ ال رىٮ ڡىه‬ ‫ذلك الكتاب ال ريب فيه‬ ‫ذلك الكباب ال زيت فيه‬

‫هناك راب ٌط أو عالق ٌة ما بني السريو‪-‬آرامية املكتوبة والعربية‬ ‫املكتوبة‪ ،‬لكنه مج ّرد ر ٍ‬ ‫ابط جزيئ‪ .‬فبخالف الرسيانية‪ ،‬إ ّن مظهر‬ ‫العديد من األحرف يف املخطوطة العربية تخترص إىل ٍ‬ ‫حرف‬ ‫مامثل‪ .‬لكن عندما تتم ّيز هذه اإلشارة بعالمات (عالمات‬ ‫التشكيل التي توضع فوق الحروف) تصبح جليّ ًة وواضحة‪ .‬إذ‬ ‫ٍ‬ ‫حروف مختلفة‪ .‬حيث ميكن للحرف الواحد أن يُق َرأ بطرقٍ مختلف ٍة وذلك اعتام ًدا‬ ‫أنها متثّل أكرث من خمسة‬ ‫عىل موضع الحركة‪ ،‬أي أنها فوقه أم تحته‪ .‬عىل أيّة حال‪ ،‬املقصود هو أ ّن هذه الحركات مل تكن موجود ًة يف‬ ‫كامل جعل من اإلشارات والعالمات‬ ‫الكتابة العربية املبكّرة‪ .‬بل لقد تط ّورت يف مراحل الحقة‪ ،‬وخلقت نظا ًما ً‬ ‫ٍ‬ ‫حركات جليّ ًة وواضحة‪ .‬أ ّما يف ال ّن ّص السريو‪ -‬آرامي‪ ،‬من ناحي ٍة أخرى‪ ،‬مل يكن هناك سوى حرفني‬ ‫الغامضة‬ ‫متشابهني يت ّم التمييز بينهام عن طريق نقطتني هام حرف الدال‪ ،‬وحرف الراء‪ .‬فحرف الدال هناك نقط ٌة‬ ‫واحد ٌة تحته‪ ،‬وحرف الراء نقط ٌة واحد ٌة فوقه‪ .‬لذلك فاللغة السريو‪ -‬آرامية أكرث وضو ًحا وسهول ًة من اللغة‬ ‫القرآنية العربية‪.‬‬ ‫س‪ :4‬دعنا نعد بالزمن إىل الرشق األوسط خالل القرن السابع امليالدي‪ .‬ما هو الدور الذي لع َبته اللغة‬ ‫خاص ًة بالعمل‪ ،‬أو أنها لغ ٌة‬ ‫واملخطوطة السريو‪ -‬آرامية يف ذلك الوقت؟ هل كانت هذه اللغة لغ ًة تجاري ًة ّ‬ ‫عاملي ٌة ثقافي ٌة سائدة‪ ،‬وذلك ملقارنتها مع الفارسية يف الهند‪ ،‬خالل الفرتة املمت ّدة بني القرن السابع عرش‬ ‫والتاسع عرش للميالد‪ ،‬أو مع اللغة اإلنكليزية اليوم التي تشكّل أساس التواصل بني الناس الذين يتكلّمونها‬ ‫مهام اختلفت لغاتهم األم وتن ّوعت؟‬ ‫‪44‬‬


‫كريستوف لوكسنربغ‬ ‫عرب استخدموا اللغة اآلرامية يف حياتهم اليومية‪ ،‬عىل سبيل املثال‬ ‫ٌ‬ ‫ج‪ :4‬هذا‬ ‫محتمل جدا‪ .‬كان هناك ً‬ ‫أيضا ٌ‬ ‫أيضا‪ ،‬املدينة األصلية للعرب اآلراميني‪ ،‬فاللغة اآلرامية كانت لغ ًة محكيّ ًة ومكتوب ًة‪.‬‬ ‫األنباط‪ .‬ويف ت َ ْدمر (پاملريا) ً‬ ‫فتض أ ّن العرب املثقّفني يف سوريا وما حولها كانوا يتكلّمونها‪ .‬أ ّما يف الرشق األقىص‪ ،‬فكانت اللغة‬ ‫لذلك يُ َ‬ ‫الفارسية هي اللغة السائدة‪ ،‬وأ ّما يف املدن السورية فكانت اإلغريقية‪ .‬مل يت ّم بعد تحديد ماهية التأثريات‬ ‫التي خلّفتها هذه اللغات عىل الحجاز‪ ،‬وهو جز ٌء من شبه الجزيرة العربية والذي يس ّمى يف الوقت الحايل‬ ‫«السعودية» حيث كان نفوذ محمد‪ .‬ولكن إذا كانت لغة القرآن هي لغة أهل الحجاز‪ ،‬عندها ميكننا افرتاض‬ ‫امي كبري‪.‬‬ ‫وجود تأثريٍ آر ّ‬ ‫يف النهاية‪ ،‬نالحظ حتى أ ّن اسم «مكّة» آرامي‪ ،‬والذي يعني الجوف أو الفجوة‪ .‬فهي تقع يف أسفل الوادي‬ ‫بني هضبتني‪ .‬ويشري ذلك إىل أنها مستوطن ٌة آرامية‪ .‬وكان النبي تاج ًرا حتى أنه بلغت أسفاره مدينة دمشق‪.‬‬ ‫ويُف َرتض أنه عىل األقل قد تعلّم جميع هذه اللغات‪ .‬فمن املستبعد أن يكون هناك تاج ٌر يسافر بشكل‬ ‫مستم ٍّر إىل ٍ‬ ‫بلد آخر وال يعرف عىل األقل بعض الكلامت املستخدمة يف ذلك البلد‪ .‬لذا من املحتمل أنه قد‬ ‫فهم بعض الكلامت من هذه اللغة‪.‬‬ ‫س‪ :5‬كيف ت ّم تداول هذه اللغة‪ ،‬اجتامع ًيا وسياس ًيا‪ ،‬يف مكّة يف القرن السابع للميالد؟‬ ‫ج‪ :5‬كانت مكّة نقطة التقا ٍء‬ ‫ها ّم ًة ج ًدا عىل طريق التجارة‬ ‫بني سوريا وجنوب شبه الجزيرة‬ ‫العربية‪ .‬األنباط اآلراميون الذين‬ ‫كانت عاصمتهم البرتاء التي‬ ‫تقع يف األردن يف الوقت الحايل‪،‬‬ ‫كانوا ت ّجا ًرا نشطني جدا‪ .‬طب ًعا‪،‬‬ ‫تجاري كان هناك‬ ‫كأي مرك ٍز‬ ‫ٍّ‬ ‫العديد من الغرباء يف مكّة أيضا‪،‬‬ ‫وخصوصا من اآلراميني‪ .‬حتى أ ّن‬ ‫تصور فنان للبرتاء فرتة ازدهارها‬ ‫ً‬ ‫معي‪ .‬وهذا ما يشري إليه اسمهم‬ ‫العرب أنفسهم كانوا من البدو بشكلٍ رئييس‪ ،‬أي أنهم مل يستق ّروا يف مكانٍ ّ‬ ‫«العرب»‪ ،‬وهو إشار ٌة إىل الناس الذين يعيشون حيا ًة بدوية‪ .‬نحن ال نعرف شيئًا عن اللغة التي تح ّدث بها‬ ‫كل ما وصلنا منه هو مداوالته وحواراته الالحقة واملعروفة «باألحاديث»‪ .‬وقد ت ّم جمعها وتدوينها‬ ‫محمد‪ّ .‬‬ ‫‪45‬‬


‫كريستوف لوكسنربغ‬ ‫خالل العصور الوسطى‪ ،‬ث ّم توثيقها بإرجاعها إىل األشخاص الذين بدورهم أقاموا معرفتهم وأرجعوها إىل‬ ‫ٍ‬ ‫أصيل وصحي ًحا إال إذا كان متبو ًعا بسلسل ٍة‬ ‫مرجعيات سابق ٍة فعلت نفس اليشء‪ .‬لذلك ال يُعتَرب الحديث ً‬ ‫طويل ٍة غري قابل ٍة للكرس من املرجعيات إىل أن تصل إىل النبي نفسه‪.‬‬ ‫وبالرغم من أنّه قد ت ّم توثيق األحاديث بطريق ٍة ذكي ٍة يف ذلك‬ ‫صارم‬ ‫الوقت‪ ،‬إال أنّه يجب فحصها وتدقيقها وتقييمها بشكلٍ نقدي ٍ‬ ‫يف الوقت الحايل‪ .‬العديد من املسلمني يف الواقع قاموا بذلك عىل‬ ‫م ّر القرون‪ .‬البخاري‪ ،‬الباحث اإلسالمي األهم يف مجال األحاديث‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫حديث يف القرن التاسع‪ .‬إال أنه ص ّنف فقط‬ ‫جمع حوايل ‪60000‬‬ ‫ٍ‬ ‫حديث باعتبارها أحاديث صحيحة‪ .‬والحقًا ت ّم التشكيك يف‬ ‫‪2000‬‬ ‫الكثري منها‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬وبالرغم من التشكيك بالكثري من األحاديث‬ ‫ُعتب امتدا ًدا ها ًما للقرآن حتى الوقت الحايل‪ ،‬بالرغم‬ ‫إال أنها مازالت ت َ‬ ‫من أنها الترصيحات املنطوقة الوحيدة التي وصلتنا من محمد‪ ،‬وهذه‬ ‫الترصيحات املنطوقة قد ت ّم جمعها يف مرحل ٍة متأخ ّرة‪ ،‬وليس من قبل‬ ‫معارصي النبي‪ ،‬لذلك من غري املحتمل أن نتأكّد من عمر تلك األحاديث‬ ‫أو أصلها‪ ،‬بخالف النصوص القرآنية املتوفرة لدينا يف الوقت الحايل‪ ،‬والتي‬ ‫يعود تاريخها إىل أوائل القرن الثامن امليالدي‪.‬‬ ‫س‪ :6‬ما طبيعة العالقة التي كانت قامئ ًة بني العربية والسريو‪ -‬آرامية خالل زمن النبي وما بعده؟‬ ‫ج‪ :6‬عندما جاء اإلسالم كانت اللغة الرسيانية لبعض الوقت هي اللغة الرسمية‪ ،‬لذلك كانت اللغة السريو‪-‬‬ ‫النص العريب‪ ،‬متّخذًا النبطية كنموذ ٍج له‪ .‬وبالرغم‬ ‫آرامية موجود ًة جنبًا إىل ٍ‬ ‫جنب مع العربية‪ .‬ث ّم تط ّور ّ‬ ‫من أ ّن العربية كانت مستخدم ًة مسبقًا‬ ‫يف الكتابة خالل القرن األول للهجرة‪،‬‬ ‫والذي ميثّل بداية التقويم اإلسالمي‪ ،‬ت ّم‬ ‫استبدال الرسيانية كلغ ٍة مكتوب ٍة رسمي ٍة‬ ‫بشكلٍ نها ٍّيئ يف عهد الخليفة عبد امللك‬ ‫ميض حوايل‬ ‫بن مروان‪ .‬وكان ذلك بعد ّ‬ ‫نقش نبطي من القرن األول امليالدي وجد يف منطقة حوران جنوب سوريا‬ ‫سبعني سن ٍة عىل موت النبي‪.‬‬ ‫‪46‬‬


‫كريستوف لوكسنربغ‬ ‫س‪ :7‬ما هي املصادر التاريخية للغة العربية؟‬ ‫ج‪ :7‬كان هناك اعتقا ٌد شائ ٌع مازال حتى الوقت الحايل يرى أ ّن اللغة العربية هي من أقدم اللغات السامية‪،‬‬ ‫ويقال أنها كانت محك ّي ًة قبل ‪ 2000‬أو ‪ 3000‬سن ٍة قبل املسيح‪ .‬لذلك مل تقم أية محاول ٍة علمي ٍة جا ّد ٍة لتحليل‬ ‫ورشح اللغة العربية من ناحية اللغات السامية املتأ ّخرة‪ِ .‬‬ ‫تقصيها‬ ‫فالسامت الغامضة للغة العربية القرآنية ت ّم ّ‬ ‫وبحثها من جه ٍة واحد ٍة وهي جهة اللغة العربية ذاتها‪.‬‬ ‫فتض أنه تراثٌ قبل‬ ‫الرتاث العريب يشري ً‬ ‫أيضا إىل الشعر العريب الذي يُ َ‬ ‫أي حال‪،‬‬ ‫اإلسالم‪ ،‬ولذلك فهو أقدم من اللغة القرآنية املكتوبة للقرآن‪ .‬عىل ّ‬ ‫ٌ‬ ‫مشكوك فيه من قبل (طه حسني) عىل سبيل‬ ‫إ ّن ِق َدم هذا الرتاث الشعري‬ ‫مرصي مشهو ٌر جدا‪.‬‬ ‫كاتب‬ ‫ُّ‬ ‫املثال‪ ،‬وهو ٌ‬ ‫أ ّما فكرته فكانت أنّه مل يكن هناك أي دليلٍ‬ ‫مكتوب أو مد ّونٍ مهام كان‬ ‫ٍ‬ ‫نوعه عىل الشعر العريب القديم‪ ،‬إال أنه متّت صياغته خالل الفرتة العربية‪.‬‬ ‫فس هذا األمر من واقع أ ّن هذا الشعر قد ت ّم جمعه خالل القرن‬ ‫وقد ّ‬ ‫طه حسني‬ ‫التاسع للميالد‪ .‬لذا يقول طه حسني أنّه يجب عىل الباحث أن يسمح‬ ‫بالتساؤل‪ ،‬كيف‪ ،‬ومن ِقبل من‪ ،‬ت ّم جمع كل هذا الرتاث الشعري يف القرن التاسع‪ ،‬وبشكلٍ مفاجئ‪.‬‬ ‫لكن يف ذلك الوقت س ّبب فيه هذا التساؤل الكثري من االضطرابات يف مرص‪ .‬وكان عىل طه حسني أن يسحب‬ ‫متطابق بشكلٍ‬ ‫كالمه ويرتاجع عن أفكاره بشكلٍ علني‪ ،‬مبا أنه وطبقًا للرتاث العريب فالشعر العريب القديم‬ ‫ٌ‬ ‫كبريٍ مع لغة القرآن‪.‬‬ ‫س‪ :8‬إذا تت ّبع اإلنسان الرتاث اإلسالمي الذي ذكرته‪ ،‬فالتصنيف املكتوب للقرآن يرجع إىل الخليفة «عثامن»‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫محمد الثالث وكأمريٍ للمؤمنني‪ .‬ويقال أنه جمع‪ ،‬فحص‪،‬‬ ‫معرتف به من ِقبل جميع املسلمني كخليفة‬ ‫وهو أم ٌر‬ ‫ورتّب القرآن الحايل عن أجزا ٍء متف ّرق ٍة ومختلف ٍة من القرآن األصيل الذي كان موجو ًدا يف القرن السابع‪ ،‬وبعد‬ ‫ٍ‬ ‫سنوات قليل ٍة من وفاة النبي‪.‬‬ ‫ج‪ :8‬هذا ما يقوله لنا الرتاث اإلسالمي‪ .‬ولكن ليس هناك أي شكلٍ من أشكال الكتابات القرآنية موجو ٌد بني‬ ‫أيدينا يعود إىل فرتة اإلسالم املبكّر‪ .‬عىل األقل مل نجد أيًا منها حتى الوقت الحايل‪ .‬لذا فال ّرد عىل مثل هذا‬ ‫‪47‬‬


‫كريستوف لوكسنربغ‬ ‫بأي‬ ‫استفهام كبرية‪،‬‬ ‫الترصيح يجب أن يكون إشارة‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫خصوصا عندما يكتشف الباحث أنّه مل يت ّم االحتفاظ وال ّ‬ ‫كتاب يف العربية‪.‬‬ ‫نسخ ٍة من القرآن األصيل حتى بالرغم من أ ّن الشكل املكتوب من القرآن‬ ‫معروض كأول ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫كتاب‬ ‫ليس هناك أيّة‬ ‫نصوص عربي ٍة أقدم باستثناء بعض املخطوطات‪ .‬وبوضع القرآن جان ًبا‪ ،‬فإ ّن أقدم ٍ‬ ‫مكتوب باللغة العربية يعود يف تاريخه إىل القرن الثامن امليالدي‪ .‬وهو كتاب السرية النبوية البن هشام‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫وكتاب( كليلة ودمنة) البن املقفّع‪.‬‬

‫نقش النامرة (شاهد قرب امرئ القيس)‬

‫لذلك لن يجدي التساؤل سواء العرب مل يقرأوا أو مل يكتبوا بني املرحلة التي جاء بها القرآن واملرحلة التي‬ ‫كتاب يف األدب العريب‪ .‬من هم هؤالء العرب؟ وما هي الخلفية الثقافية لهؤالء الكتبة‬ ‫ت ّم فيها تدوين أ ّول ٍ‬ ‫والناسخني الذين كتبوا القرآن؟ هناك عد ٌد من النقوش العربية تعود إىل فرت ٍة أقدم من الكتابة العربية‬ ‫القرآنية‪ ،‬إىل زمن ما قبل اإلسالم‪ .‬لك ّن العربية كانت ت ُست َخدم هناك‪ ،‬وهي بالتأكيد عربية‪ ،‬مختلط ٌة مع‬ ‫ٍ‬ ‫كلامت آرامية‪ ،‬كام يف حالة‪ ،‬عىل سبيل املثال‪ ،‬نقش النامرة املشهور والذي يعود تاريخه إىل عام ‪ 328‬للميالد‪،‬‬ ‫و ُوجِد عىل مسافة ‪ 120‬كلم جنوب رشق مدينة دمشق‪ .‬حتى أ ّن هناك نقوشً ا أخرى أقدم ت ّم اكتشافها‪،‬‬ ‫أقل مكتوب ًة عىل ورق‬ ‫توحي إىل اللغة العربية‪ .‬باإلضافة إىل النقوش العربية هناك مخطوطاتٌ ورسائل ّ‬ ‫ٍ‬ ‫محمد وأتباعه املعارصين له‪.‬‬ ‫الربدي منذ زمن‬ ‫النقطة الرئيسية هنا هي أنه ال يوجد أيّة كتب‪ .‬ورغم ذلك كان الناس زمن النبي يتكلّمون املستوى‬ ‫الكالسييك العايل للقرآن‪ ،‬وهذا عىل األقل موجو ٌد يف كافة املصادر الرتاثية العربية‪ .‬إ ّن ِ‬ ‫الشعر العريب القديم‬ ‫مكتوب بشكلٍ كالسييك‪ ،‬لكنه ال ميكن أن يؤكّد‬ ‫املذكور أعاله ميكن تقدميه كدليلٍ عىل ذلك‪ .‬وهو بالطبع‬ ‫ٌ‬ ‫ما إذا كانت هذه العربية الكالسيكية محكي ًة أم ال‪ .‬باإلضافة إىل أننا نعرف أ ّن ِ‬ ‫فني‪ .‬لذلك‬ ‫الشعر هو ٌ‬ ‫شكل ّ‬ ‫‪48‬‬


‫كريستوف لوكسنربغ‬

‫ربا كان هناك شعرا ٌء اتقنوا اللغة العربية الكالسيكية بشكلٍ جيد‪ ،‬وأ ّن‬ ‫ّ‬ ‫قصائدهم قد انتقلت من مصد ٍر إىل آخر حتى وصلت إىل الزمن الحارض‪.‬‬ ‫أيضا يف الحياة‬ ‫املهم أ ّن ذلك ال يثبت أ ّن هذه اللغات كانت مستخدم ًة ً‬ ‫اليومية‪ .‬أنا أميل لالعتقاد بأ ّن العربية الكالسيكية مل تكن محك ّية‪ ،‬إال أ ّن‬ ‫ٍ‬ ‫لهجات مختلفة‪.‬‬ ‫الناس يف عرص النبي استخدموا‬ ‫س‪ :9‬بالنسبة للمسلمني املؤمنني بأ ّن اللغة العربية هي لغ ٌة مق ّدسة‪،‬‬ ‫وأنها لغة القرآن‪ ،‬كام أنها لغة الله‪ .‬إنهم مقتنعون أ ّن الله تكلّم العربية‬ ‫أو عىل األقل أ ّن وحيه نزل بها‪ .‬إذًا ما هي العالقة بني األصل املق ّدس للغة‬ ‫النص العريب؟‬ ‫وتدوينها‪ ،‬ويف هذه الحالة‪ّ ،‬‬ ‫ج‪ :9‬ال أحد يزعم أ ّن الله كتب بنفسه‪ .‬كل ما قيل هو أنّه أنزل أو أوحي‪،‬‬ ‫النبي أعلنه بشكلٍ‬ ‫وأ ّن هذا الوحي من الناحية املبدئية كان شفويًا وأ ّن ّ‬ ‫شفوي‪ .‬إال أ ّن السامعني أو املستمعني هم الذين د ّونوه‪.‬‬ ‫عند هذه النقطة‪ ،‬كانت اليد اإلنسانية تعمل‪ .‬مل يكن النبي هو الذي د ّون‬ ‫فالنص املد ّون ليس له‬ ‫الوحي‪ ،‬بل معارصوه‪ ،‬والكتبة املتأ ّخرون‪ .‬لذلك ّ‬ ‫نفس أهمية الكالم املنطوق‪ .‬إ ّن التأكيد هنا عىل «اللغة املنطوقة» بدل‬ ‫«الكلامت املكتوبة»‪ .‬طب ًعا اكتسبت الكتابات بعض األهمية القدسية‬ ‫وخصوصا عندما تط ّورت أكرث من الناحية الخطّ ّية‪ .‬إ ّن التمثيل‬ ‫الحقا‪،‬‬ ‫ً‬ ‫التصويري أو الرمزي غري مسمو ٍح يف اإلسالم‪ ،‬لذلك استخدم النص أو‬ ‫املخطوط ‪ -‬وعبارات مع ّينة من القرآن‪ -‬من أجل تزيني وتجميل األبنية‬ ‫املق ّدسة‪ .‬يف الصوف ّية اكتسبت الرموز معاين باطني ًة إضافية‪ ،‬أهمي ًة قدسي ًة‬ ‫تقريبا‪ .‬ومع ذلك فال َنص ال يعطينا إال صور ًة للغة العربية‪ ،‬إن كانت هذه‬ ‫الصورة املكتوبة محكي ًة بنفس الطريقة فعال‪ ،‬كام نفعل نحن اليوم‪ ،‬فهي‬ ‫مجهولة‪ .‬اعتمد الناس الرتاث الشفوي املنطوق كربهانٍ قائم‪ ،‬إال أنه‪ ،‬وأل ّن‬ ‫الناس اعتمدوا الرتاث الشفوي مرا ًرا وتكرارا‪ ،‬فإنه ال ميكننا االفرتاض بأ ّن‬ ‫ٌ‬ ‫مشكوك‬ ‫تبي أنه‬ ‫هناك ًّ‬ ‫نصا موثوقًا متعلّقًا بالقرآن‪ ،‬أل ّن الرتاث الشفوي ّ‬ ‫وخصوصا عندما ت ّم تدوين يش ٍء ما مختلف ضمن القرآن‪ .‬وتلك هي‬ ‫به‬ ‫ً‬ ‫‪49‬‬

‫األخطاء اللغوية يف‬

‫ال���� ال��ي�‬ ‫د‪ .‬سامي الذيب‬

‫كتاب أخطاء القرآن حيصر أكثر‬ ‫من ألفني ومخسمائة خطأ لغوي يف‬ ‫القرآن ويرتجم النص القرآني‬ ‫لثالث لغات ويقدمه ألول‬ ‫مرة بالرتتيب التارخيي الصحيح‬ ‫متوفر اآلن على موقع أمازون‬ ‫ً‬ ‫وجمانا على الرابط التايل‬

‫‪goo.gl/emoQDp‬‬


‫كريستوف لوكسنربغ‬ ‫القضية دامئًا عندما ال ميكن تقديم أي تفسريٍ «لآليات الغامضة» يف القرآن من خالل مراجعة الرتاث الشفوي‪.‬‬ ‫لذا فليس فقط هذه األقسام بل كامل الرتاث هو الذي يجب أن يُشكَّك به‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫س‪ :10‬من وجهة نظر خبريٍ‬ ‫وباحث يف مجال اللغويات‪ ،‬ما هي األسباب التي أ ّدت إىل التشكيك يف الرتاث؟‬ ‫ج إ ّن السبب الرئييس يكمن يف املخطوطة العربية‬ ‫نفسها‪ .‬يبدو أنه كان يفهمها فقط املبتدئون‪ .‬وإليجاد‬ ‫األسباب وراء ما نبحث عنه علينا أن نعود إىل عالمات‬ ‫التنوين أو التشكيل يف اللغة العربية املكتوبة‪ .‬من‬ ‫املعروف أ ّن هذه العالمات قد متّت إضافتها الحقًا‪،‬‬ ‫وفكريت هنا هي أ ّن الق ّراء (كام ميكن تسميتهم) مل يعد‬ ‫للنص القرآين‪ ،‬أي أنهم ببساط ٍة‬ ‫لديهم فه ٌم وإدر ٌاك ٌ‬ ‫كامل ّ‬ ‫مل يعودوا يتقنونها‪ .‬لذلك فهؤالء الق ّراء ق ّرروا وحاولوا‬ ‫النص القرآين باالعتامد عىل فهمهم املعارص لتلك‬ ‫تفسري ّ‬ ‫الفرتة للغة العربية‪ .‬ففي زمانهم كانت اآلرامية قد‬ ‫اختفت بشكلٍ كاملٍ بكل معنى الكلمة من إدراكهم‪.‬‬ ‫لذلك‪ ،‬بشكلٍ شعوري أو ال شعوري‪ ،‬تجاهلوا العالقة‬ ‫اللغوية‪ /‬اللسانية التاريخية املشرتكة بني العربية واآلرامية‪ .‬ومع ذلك كان هذا رضوريًا ج ًدا لفهم النص‪ .‬ففي‬ ‫محتمل لألخطاء ضمن‬ ‫ٌ‬ ‫النهاية‪ ،‬إ ّن النظام املكتوب املستخدم يف القرآن قائ ٌم عىل اآلرامية‪ .‬وهناك مصد ٌر آخر‬ ‫ٍ‬ ‫أحرف من األبجدية تتّصف بعدم الغموض‬ ‫نظام النص العريب نفسه‪ .‬كام ذكرت مسبقا‪ ،‬هناك فقط ستة‬ ‫والوضوح‪ ،‬أ ّما االثنان والعرشون البقية فهي تحتاج إىل توضي ٍح وتفسري‪.‬‬ ‫توضح بهذه‬ ‫أيضا ّ‬ ‫إ ّن خطر إساءة الفهم كانت كبري ًة ج ًدا‪ ،‬والقراءات الخاطئة املتك ّررة ميكن أن تكون ً‬ ‫الطريقة‪ .‬لذا من املمكن االفرتاض أ ّن الناس الذين كتبوا يف األصل القرآن قرأوه وفهموه بشكلٍ صحي ٍح بدون‬ ‫العالمات وإشارات التنوين‪ ،‬لك ّن الق ّراء الالحقني واملفكّرين‪ ،‬الذين حاولوا التأسيس لطريق ٍة واضح ٍة لقراءة‬ ‫القرآن وأضافوا عالمات التنوين من أجل هذا الغرض‪ ،‬افتقروا إىل املعرفة الثقافية – التاريخية‪ .‬ولهذا السبب‬ ‫مل يتمكّنوا من تفسري العديد من اآليات‪ ،‬وكانوا ببساط ٍة مخطئني بالطريقة التي ّأسسوا وفقها هذه العالمات‪.‬‬ ‫‪50‬‬


‫كريستوف لوكسنربغ‬ ‫أيضا مدعوم ٌة بالحقيقة التاريخية‬ ‫لذلك ليس القرآن هو املخطئ‪ ،‬بل البرش الذين قرأوا النص‪ .‬هذه الفكرة ً‬ ‫مكتوب من دون تلك‬ ‫أصل‬ ‫التي تقول أنّه كانت هناك مقاوم ٌة كبري ٌة إلضافة العالمات‪ .‬إ ّن معرفة أ ّن القرآن ً‬ ‫ٌ‬ ‫اإلشارات ما زالت موجود ًة حتى الوقت الحارض‪ .‬إ ّن حقيقة أ ّن املسلمني املؤمنني اعتربوا القرآن عىل أنه‬ ‫كتاب مق ّدس‪ ،‬وهذا يعني أ ّن الناس كانوا مقتنعني ٍ‬ ‫لوقت طويلٍ أنّه ليس من املمكن أن يُك َّمل بإشارات‬ ‫ٌ‬ ‫أحد أ ّن هذه العالمات متّت إضافتها ٍ‬ ‫تنوينٍ إضافية‪ .‬وهذا هو السبب ليك يقول أي ٍ‬ ‫بيد برشية‪ .‬فهي مل تكن‬ ‫موجود ًة يف القرآن األصيل‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫واختالفات مه ّم ًة‬ ‫تفاوتات‬ ‫أيضا بالتأسيس لفكرة أ ّن هناك‬ ‫س‪ :11‬يف القرون املاضية قام املفكّرون العرب ً‬ ‫بني نُسخ القرآن العديدة؟‬ ‫ج‪ :11‬هذا صحيح‪ .‬إ ّن الفروقات الكبرية موجود ٌة‬ ‫يف ال ُنسخ املختلفة من القرآن حتى يومنا هذا‪ .‬يف‬ ‫عمل ضخ ٌم مؤل ٌّف من مثانية‬ ‫جامعة الكويت هناك ٌ‬ ‫مجل ٍ‬ ‫ّدات عن هذه االنحرافات‪ .‬لك ّن هذه الفروقات‬ ‫ليست مأخوذ ًة بالحسبان عند تفسري القرآن‪ .‬يف‬ ‫الوقت الحارض نالحظ أ ّن نسخة القاهرة هي النسخة‬ ‫رشعة كالنسخة القانونية‪ .‬فاملسلمون‬ ‫السائدة وامل ّ‬ ‫يقرأون ويتعلّمون القرآن اعتام ًدا عىل هذه النسخة‪.‬‬ ‫يبدو أ ّن هذه النسخة من القرآن تتوافق مع تلك‬ ‫مفسي القرآن‬ ‫التي أخرجها الطربي ‪ -‬من كبار ّ‬ ‫اإلسالميني‪ -‬يف نهاية القرن التاسع وبداية القرن‬ ‫العارش امليالديني‪.‬‬ ‫مفس‬ ‫هذا هو العمر الحقيقي للرتاث الشفوي منذ أن ُوجِد‪ .‬فالطربي نفسه يُعتَرب بني املسلمني عىل أنه أه ّم ّ ٍ‬ ‫وبدل من ذلك‪ ،‬قام بجمع وتقييم التعليقات‬ ‫ومعل ٍّق للقرآن‪ .‬بالرغم من أنه حتى مل يعلّق عىل القرآن نفسه‪ً ،‬‬ ‫املتعلّقة بالقرآن‪ .‬إ ّن طريقته املدرسية تتوافق متا ًما مع طريقة البخاري الذي ُولِد يف إقليم بخارى واكتسب‬ ‫سمع ًة بأنه أكرث العلامء شهر ًة يف العصور الوسطى‪ .‬إ ّن الذين نطلق عليهم يف هذه الطريقة اسم «مرجعيات»‬ ‫أشخاص بارزون بسبب سمعتهم‪ ،‬كفاءتهم‪ ،‬مصداقيتهم‪ ،‬وأثرهم‪ ...‬إلخ‪،‬‬ ‫هم الذين يت ّم سؤالهم أوال‪ ،‬وهؤالء‬ ‫ٌ‬ ‫‪51‬‬


‫كريستوف لوكسنربغ‬ ‫إىل الذين وصلتهم أقوال النبي من قبل «املرجعيات» السابقة‪ .‬يس ّمي الطربي سالسل كامل ًة من أولئك‬ ‫الذين سلّموا الرتاث وقال إ ّن هذه أو تلك اآلية يجب أن ت ُف َهم بهذا الشكل أو ذاك‪ .‬عىل كل حال‪ ،‬باستخدام‬ ‫هذه الطريقة بدأ يرسم الطربي أربعني سلسل ًة يف بعض األحيان من السالسل املرجعية ليرشح آي ًة واحد ًة‬ ‫فقط‪ .‬ميكن أن يقودنا هذا األسلوب إىل تفسري ٍ‬ ‫أيضا قد يفيد يف إيصالنا إىل أخرى مامثلة‪.‬‬ ‫ات مختلف ٍة لكنه ً‬ ‫املؤسس عىل النقل الشفوي وال يضيف بدوره شيئًا جدي ًدا لقراءة هذه‬ ‫بهذه الطريقة يتبع الطربي األسلوب ّ‬ ‫التفسريات‪ ،‬مع أنه يق ّيمها ويطرح رأيه الذي يراه صحي ًحا‪.‬‬ ‫س‪ :12‬من املؤكّد أ ّن الطّربي كان أحد أشهر علامء القرون الوسطى‪ .‬فقد سافر عرب العامل العريب واإلسالمي‪،‬‬ ‫وتح ّدث مع الكثري من الناس‪ ،‬وخلّف وراءه مجموعة أعام ٍل تذكاري ٍة بالغة األهمية‪ .‬أ ّما املا ّدة القرآنية التي‬ ‫خلّفها فتصل إىل أكرث من ‪ 3000‬صفحة‪ .‬ما أهمية هذا العمل يف الوقت الحارض؟‬ ‫فعل ٍ‬ ‫ببحث مضنٍ الكتشاف الحقيقة‪.‬‬ ‫ج‪ :12‬لقد قام ً‬ ‫لك ّن ذلك كان يت ّم باإلشارة إىل الرتاث الشفوي‬ ‫املنقول أكرث من الرتاث املكتوب واملد ّون‪ .‬فهو مل‬ ‫يذكر مصد ًرا مكتوبًا واح ًدا يف أي عملٍ من أعامله‪.‬‬ ‫فمرجعه املد ّون الوحيد كان ‪ -‬كام ذكرت سابقًا ‪ -‬إىل‬ ‫ٍ‬ ‫تر ٍ‬ ‫مشكوك فيه‪ .‬وقد اعتمد‬ ‫قديم‬ ‫اث‬ ‫شعري عر ٍّيب ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫عىل ذلك يف تفسري الكلمة الغامضة والتعبري املبهم‬ ‫يف القرآن‪.‬‬ ‫يتبي لك أ ّن الشعر العريب القديم ال يستخدم إال التعبريات القرآنية الالحقة‬ ‫عىل كل حال‪ ،‬إذا أمعنت النظر ّ‬ ‫حتى أنه يفهمها بشكلٍ خاطئٍ ومغلوط‪ .‬ولكن إذا كان تعبري الطربي املفهوم بشكلٍ خاطئٍ مأخو ٌذ كدليلٍ‬ ‫معي يف القراءة‪ ،‬فإ ّن ذلك يعترب تفك ٌري حشوي‪ .‬كام أ ّن الطربي يذكر معلّقني آخرين عىل‬ ‫أسلوب ّ ٍ‬ ‫عىل ص ّحة‬ ‫ٍ‬ ‫أيضا من املصادر األكرث أهمي ًة من هؤالء‬ ‫القرآن‪ ،‬لكنهم يصبحون غري قابلني للتت ّبع‪ .‬لذلك فإ ّن تعليقاته تبقى ً‬ ‫اآلخرين‪ .‬ميكن ألحدنا أن يفرتض بأ ّن الطربي عىل األرجح جمع كل يش ٍء عن املا ّدة واملعرفة القرآنية التي‬ ‫ُوجِدت يف عرصه‪.‬‬ ‫س‪ :13‬أنت نفسك تقرتح طريق ًة أخرى يف قراءة النص القرآين‪ .‬ما هي الطريقة العلمية أو املدرسية التي‬ ‫استخدمتها يف توضيح ما يُطلَق عليه تسمية «اآليات الغامضة»‪ ،‬الكلامت املبهمة‪ ،‬يف القرآن؟‬ ‫‪52‬‬


‫كريستوف لوكسنربغ‬ ‫ج‪ :13‬وظيفة اللغة هي التعبري عن يش ٍء ما‪ .‬لذا من خالل شكلٍ مد ّونٍ أحاول أن أعيد بناء لغ ٍة تجعل من‬ ‫النص شيئًا منطق ًيا ومفهوما‪ .‬لذلك فأنا أستعمل أولً املعرفة التي تتعلّق باللغة القرآنية التي تتعامل مع‬ ‫األمور الروحية‪ ،‬واألمور التوراتية أيضا‪ .‬لذلك من الواضح أ ّن ذلك يجب أن يستلزم تطابق السياق مع املعنى‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫منطقي يف النص‪ .‬وإذا كانت العربية ال تق ّدم مثل هذا التامسك‪،‬‬ ‫متاسك‬ ‫ولذلك فامله ّمة األولية هي إيجاد‬ ‫ٍ‬ ‫عندها أحاول مع اللغة اآلرامية‪ .‬حتى إ ّن كانت الكلمة تُلفَظ بنفس الشكل‪ ،‬وحتى مع املرتادفات‪ ،‬فأحاول‬ ‫التأكّد ما إذا كانت العربية أم اآلرامية هي التي تق ّدم تفس ًريا أفضل‪.‬‬ ‫ولذلك عليك أن تعرف اآلرامية معرف ًة جيدة‪ .‬ومن خالل معرفة النسخة السريو_ آرامية من الكتاب املق ّدس‬ ‫فقط تكون عملية إعادة البناء هذه ممكنة‪ .‬ففي النهاية‪ ،‬وصلتنا هذه األداة بشكلٍ موثوق‪ ،‬وليس هناك أيّة‬ ‫مشاكل حول قراءتها وفهمها‪ .‬باإلضافة إىل أ ّن الجهاز العلمي املوثوق كالقواميس يق ّدم قاعد ًة صلب ًة وموثوق ًة‬ ‫لهذه املغامرة الخطرية‪.‬‬ ‫س‪ :14‬أي األجزاء من القرآن أجريت عليها أبحاثك؟‬ ‫قسم من القرآن نزل يف مكّة والقسم اآلخر نزل يف املدينة‪ .‬والسور التي‬ ‫ج‪ :14‬يخربنا الرتاث اإلسالمي أ ّن ً‬ ‫«بالسور امل ّك ّية»‪ ،‬أ ّما السور األخرى فتس ّمى «بالسور املدنية»‪ .‬املهم هنا أ ّن الجزء‬ ‫نزلت يف مكّة تس ّمى‬ ‫ّ‬ ‫األكرب من هذه السور جاء من مكّة‪ .‬إنها تتعامل مع الدين‬ ‫واألمور الروحانية بشكلٍ رئييس‪ .‬أ ّما السور املدنية فإنها عىل‬ ‫العكس‪ ،‬سياسية‪ .‬والسبب وراء ذلك هو بالتأكيد حقيقة أ ّن‬ ‫أول من ِقبل أهل مكّة وكان ال ب ّد له من‬ ‫النبي قد طُرِد ً‬ ‫أن يهاجر إىل املدينة‪ .‬وهذا ما يُع َرف باسم «الهجرة»‪ ،‬أي‬ ‫رحيل النبي عن مكّة عام ‪ 622‬للميالد‪ ،‬وهو يشكّل بداية‬ ‫التقويم الهجري اإلسالمي‪ .‬عىل كل حال‪ ،‬كان محم ٌد ينوي‬ ‫دامئًا الرجوع إىل مدينته األم‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫اشتباكات عسكري ٍة بني النبي ومؤيّديه وبني املكّيني‪ .‬ومفهو ٌم أ ّن هذه التوضيحات‬ ‫ث ّم حدثت بعد ذلك ع ّدة‬ ‫أيضا ت ّم التعبري عنها يف السور املدنية‪ .‬واملهم أين دقّقت بشكلٍ‬ ‫رئييس السور امل ّك ّية‪ .‬بدأت‬ ‫للواقع السيايس ً‬ ‫ٍّ‬ ‫وانتظام سنة ‪ ،1993‬وبالتدريج بدأتْ تتشكّل عندي بصائر مح ّدد ٌة عن تعقيد‬ ‫أولً يف قراءة القرآن ببط ٍء‬ ‫ٍ‬ ‫النص وتركيبه‪ .‬استغرق ذلك وقتًا طويال‪ ،‬ففهم القرآن كان صع ًبا أل ّن اللغة املكتوبة لها شكلها الخاص يف‬ ‫‪53‬‬


‫كريستوف لوكسنربغ‬ ‫العربية أكرث من اللغة اليومية املحكية‪ .‬تيودور نولدكه‪ ،‬املسترشق والفيلسوف األملاين األعظم يف القرن‬ ‫الص ّحي باللغة منعهم من تقليد أسلوب اللغة العربية‬ ‫رصح بشكلٍ تهكّمي أ ّن شعور العرب ّ‬ ‫التاسع عرش‪ّ ،‬‬ ‫خاصا بها‪.‬‬ ‫القرآنية‪ .‬ففي األسلوب القرآين هناك لغ ٌة مح ّدد ٌة تجد لها ً‬ ‫شكل تعبرييًا ً‬ ‫متخص ًصا يف علم اللغويات أو اللسانيات؟‬ ‫س‪ :15‬ما أهمية القرآن بالنسبة لك بصفتك‬ ‫ّ‬ ‫ج‪ :15‬أنا أعتقد أ ّن القرآن هو أول محاول ٍة يف التعبري الذايت باللغة العربية‪.‬‬ ‫ففي ذلك الوقت‪ ،‬مل يكن هناك أي منوذ ٍج للغة املكتوبة‪ .‬لذلك نرى أ ّن باد ّيئ‬ ‫هذه اللغة العربية املكتوبة استدعوا عنارص اللغة التي كانوا يستخدمونها‬ ‫املتحض‪ ،‬وميكننا االفرتاض أ ّن هذه اللغة كانت اآلرامية‪ ،‬وليست‬ ‫يف الحوار‬ ‫ّ‬ ‫العربية‪ .‬فالعربية القرآنية ميكن أن تظهر كمزي ٍج من العربية واآلرامية‪.‬‬ ‫وسأذهب ألبعد من ذلك ألقول أنّها كتجرب ٍة مشابه ٍة اإلسپريانتو ‪Esperanto‬‬ ‫اللغة املعتمدة كلغ ٍة عاملية‪ ،‬لك ّن الهدف كان هو نفسه‪ .‬وعىل غرار مبتكري‬ ‫اإلسپريانتو‪ ،‬أراد كتبة القرآن أن يخلقوا لغ ًة مشرتك ًة مفهوم ًة ومقبول ًة ألكرب‬ ‫أيضا واالعرتاف بها يف مرحل ٍة مبكّر ٍة‬ ‫عد ٍد ممكنٍ من الناس‪ .‬ت ّم دمج اللهجات ً‬ ‫واملفسين العرب‪.‬‬ ‫من ِقبل املفكّرين واملعلّقني‬ ‫ّ‬

‫طابع بريدي سويرسي مبناسبة املؤمتر‬ ‫التاسع لإلسپريانتو‬

‫برأيي الشخيص أرى أ ّن ما كانوا يؤمنون به عىل أنه لهج ٌة كان يف الحقيقة مزي ًجا من العنارص العربية‬ ‫واآلرامية‪ ،‬والتي كانت مكتمل ًة بالكلامت األخرى املستعارة من الفارسية أو اليونانية‪ .‬واملهم هنا أ ّن هذه‬ ‫الكلامت املستعارة مل تظهر إال ناد ًرا يف القرآن‪ ،‬بينام يظهر خلط العنارص العربية واآلرامية بشكلٍ طا ٍغ‬ ‫وحاسم يف لغته‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫س‪ :16‬هل التن ّوع التاريخي – اللساين الذي مي ّيز القرآن له أي اعتبا ٍر يف أبحاثك؟‬ ‫ج‪ :16‬إ ّن األبحاث الغربية يف القرآن تعتمد يف املرتبة األوىل عىل الرتاث العريب‪ .‬لذلك حاول الباحثون أ ّن‬ ‫يفحصوا القرآن مبوجب ذلك الرتاث‪ .‬ما وراء ذلك بالطبع كان إنجازًا أحرزوه عندما اكتشفوا أ ّن العديد من‬ ‫ٍ‬ ‫تشكيالت من هذه الكلامت املستعارة‪ ،‬وت ّم اشتقاق‬ ‫االستعارات اللغوية مستخدم ٌة يف القرآن‪ .‬حتى أ ّن هناك‬ ‫أيضا بعض الكلامت التي قُرِئت بشكلٍ خاطئ‪ ،‬مغلوط‪ ،‬ويتطلّب‬ ‫عد ٍد كبريٍ منها بشكلٍ صحيح‪ .‬لكن هناك ً‬ ‫إعادة تفسريها من جديد‪ .‬والنقطة الها ّمة هنا هي أنه للبدء مع الناس الذين يبتغون تفسري ٍ‬ ‫ات اشتقاقي ًة‬ ‫‪54‬‬


‫كريستوف لوكسنربغ‬ ‫من الكلامت املستعارة التي م ّيزوها‪ ،‬فهم مل يشكّكوا يف معنى اآليات يف النص والتي ت ّم تفسريها مبوجب‬ ‫الرتاث‪ .‬حتى أنهم لن يتخيّلوا أ ّن اللغة املستخدمة يف القرآن ميكن أن تكون أي يش ٍء غري اللغة العربية‬ ‫القدمية الثابتة‪.‬‬ ‫بقيت آي ٌة ما غامض ًة حتى مع التفسريات الجديدة للكلامت‪ ،‬فذلك كان عذ ًرا لعدم القدرة عىل‬ ‫أ ّما إذا ْ‬ ‫القدية التي مل يعد فهمها ممك ًنا يف الزمن الحارض‪ .‬لذلك مل يدرك أح ٌد أ ّن هذه العربية كانت‬ ‫تدبّر العربية ّ‬ ‫مؤسس ًة عىل اللغة اآلرامية‪ .‬فالناس مل مي ّيزوا العنارص اآلرامية أو اعتقدوا أ ّن آثارها مل تكن عىل هذه الدرجة‬ ‫ّ‬ ‫من األهمية‪ .‬لقد أرادوا أن يب ّينوا مهام كان الثمن أ ّن لغة القرآن هي لغ ٌة عربي ٌة كالسيكي ٌة بحتة‪ .‬إال أنه‬ ‫كان هناك بعض الشكوك‪ .‬كل يش ٍء كان ال ب ّد وأن يبدو عرب ًيا أصيال‪ .‬كانت األمنية املطلقة لهم هي أ ّن يروا‬ ‫الشكل الكالسييك للغة العربية يف القرآن الذي يخفي الطبقة اآلرامية املوجودة يف النص‪ .‬آمل أن يكون بحثي‬ ‫قد جعل الناس واعني للعالقة بني هاتني اللغتني‪ ،‬وأ ّن تُك ِّرس الدراسات السامية م ّر ًة أخرى انتبا ًها أكرث إىل‬ ‫الصلة اللغوية بل والثقافية بني اللغتني‪ .‬أستطيع أن أتخ ّيل‬ ‫اآلرامية ليك تكون أقدر عىل التح ّري‪ ،‬ليس فقط ّ‬ ‫حتم يف املستقبل إىل بعض النتائج املدهشة‪.‬‬ ‫أ ّن هذا سيقودنا ً‬ ‫س‪ :17‬برأيك‪ ،‬ما هي نسبة الكلامت اآلرامية يف القرآن؟‬ ‫ج‪ :18‬من الناحية الك ّم ّية‪ ،‬حوايل ‪ %30‬من القرآن سيكون مختلفًا‪ .‬لك ّن هذه الصورة ال تخربنا اليشء الكثري‪.‬‬ ‫التغيات النوعية‪ .‬وأقصد بالنوعية أ ّن معظم املضمون الثيولوجي للقرآن يجب أن يعاد‬ ‫سيكون هناك بعض ّ‬ ‫التفكري فيه‪ .‬وهذا طب ًعا سيقودنا إىل نتائج مدهش ٍة مختلف ٍة متا ًما‪ .‬إ ّن الرشط املسبق هو استعداد علامء‬ ‫الدين املسلمني لقراءة القرآن بعيونٍ جديدة‪ ،‬ويعني ذلك فهم القرآن كام هو مفهو ٌم يف األصل‪ ،‬وليس كام‬ ‫النص القرآين وبني التفسريات القرآنية الالحقة‪ ،‬مبا أ ّن النص‬ ‫ت ّم تفسريه الحقا‪ .‬أنا أجري هنا متيي ًزا واض ًحا بني ّ‬ ‫مختلف عن التفسريات الالحقة‪.‬‬ ‫القرآين هو يش ٌء‬ ‫ٌ‬ ‫س‪ :18‬هناك الكثري من املقاالت التي تتناول طريقتك يف قراءة القرآن والتي أشعلت شعلة ردود الفعل‬ ‫العنيفة يف بعض البلدان‪ .‬يف الباكستان ت ّم سحب كافة أعداد صحيف ٍة ألنها نرشت مقال ًة حول بحثك‪ .‬ما هي‬ ‫تجربتك حتى هذه اللحظة مع ردود أفعال املسلمني حول نتائج بحوثك؟‬ ‫ج‪ :18‬تجربتي حتى هذه اللحظة تقول أ ّن املسلمني املخلصني سيكونون مستع ّدين دامئًا لتق ّبل هذه‬ ‫التفسريات الجديدة‪ .‬هذا فيام يتعلّق باآليات التي تختلف تفسرياتها الجديدة عن التفسريات الرتاثية‬ ‫‪55‬‬


‫كريستوف لوكسنربغ‬ ‫اإلسالمية‪ .‬ففي النهاية‪ ،‬أنا ال أميض بعي ًدا يف الترصيح بأ ّن محم ًدا أو القرآن‬ ‫مل يكونا موجودين‪ .‬إ ّن وجود القرآن هو حقيق ٌة تاريخية‪ .‬إنه اآلن ٌ‬ ‫سؤال‬ ‫أيضا‬ ‫حول رؤية هذه الحقيقة التاريخية يف سياقها التاريخي‪ ،‬والذي يعني ً‬ ‫رؤيتها من الناحية التاريخية وإخضاع النص إىل الفحص الدقيق الصارم من‬ ‫وجهة النظر تلك‪ .‬أ ّما من الناحية النقدية فإنه ال يعني أنني أريد التقليل‬ ‫من قيمة القرآن واالستخفاف به‪ .‬أنا أريد فقط أن أفهمه بشكلٍ صحي ٍح‬ ‫عىل أساس النتائج التاريخية – اللغوية‪.‬‬ ‫ما يخرج به الناس من تفسريايت فذلك أم ٌر ال يعنيني‪ .‬هذا يعتمد كل ًيا‬ ‫ثابت‬ ‫عىل علامء الدين املسلمني‪ .‬يف العديد من اآليات نالحظ أ ّن القرآن ٌ‬ ‫أيضا كالم الله‪ .‬أنا ال أ ّدعي أب ًدا أنه ليس كالم الله‪ .‬كام‬ ‫ومتامسك‪ ،‬وانه ً‬ ‫أين أقول إ ّن الباحث يجب أن يصل إىل نتيج ٍة مفادها أنّه يف سياق مسار‬ ‫خصوصا من خالل القراءات املغلوطة وعالمات التنوين‬ ‫التاريخ طرأ عىل هذا الكالم اإللهي بعض التغيريات‪،‬‬ ‫ً‬ ‫التي ت ّم وضعها يف غري أماكنها‪.‬‬ ‫تغي بالذات‪ ،‬بل التفسريات الخاطئة التي قام بها البرش‪.‬‬ ‫لذلك ليس كالم الله هو الذي ّ‬ ‫كلمة من املرتجم‪ :‬أو ّد هنا أن أن ّبه القارئ العزيز بالرجوع إىل البحث الهام ج ًدا الذي يقوم به األستاذ نبيل‬ ‫ف ّياض يف الوقت الحايل بالبحث يف مسألة الفروقات بني املصاحف‪ ،‬وميكن الرجوع إىل أبحاثه يف موقع‬ ‫«األوان» بعنوان‪ :‬فروقات املصاحف‪ .‬وأنصحك عزيزي القارئ بالرجوع إىل كتاب «املصاحف» للسجستاين‬ ‫إذا أردت التع ّمق أكرث يف هذه املسألة‪.‬‬ ‫حوا ٌر مأخو ٌذ باختصا ٍر من كتاب كريستوف بورغمر‪« :‬جدال حول القرآن‪ :‬نقاش لوكسنربغ» ترجمة عن‬ ‫النص اإلنكليزي (‪ .)Dispute about the Koran: The Luxenberg Debate‬العنوان األصيل للكتاب باللغة‬ ‫األملانية‪:‬‬ ‫‪Christoph Burgmer, Streit um den Koran. Die Luxenberg Debatte: Standpunkte und‬‬ ‫‪Hinterdründe. Pp. 14 – 34. © Verlag Hans Schiler, Berlin 2004‬‬ ‫‪56‬‬


57


‫مجازر سيفو ‪1915‬‬ ‫وما بعدها‬ ‫يبدو العام ‪ 1915‬بعي ًدا عنا‪ ،‬يفصله عنا قر ٌن‬ ‫ٍ‬ ‫ميت‬ ‫حافل‬ ‫ٌ‬ ‫بأحداث تبدو وكأنها خلقت عاملًا ال ّ‬ ‫بصل ٍة بذاك الذي عاشه أجدادنا أو آباؤهم‪.‬‬ ‫لكن العنف والجوع واملرض والترشيد‬ ‫الذي عاشه الناس ٍ‬ ‫آنئذ خالل فرتة الحرب‬ ‫العاملية األوىل يبدو يف أصدائه وتداعياته‬ ‫ٍ‬ ‫بعيد عن الواقع الذي يعيشه‬ ‫غري‬ ‫الكثريون يف منطقتنا اليوم‪ ،‬وإن كان‬ ‫وقع األمور وسياقها مختلفني‪ .‬طب ًعا‪،‬‬ ‫يف إطار أي نزاع مسلّح ال توجد‬ ‫ضحي ٌة واحدة‪ ،‬فالخارسون كرث‬ ‫وال يوجد رابحون‪ ،‬لكن قد‬ ‫يوجد مسرتبحون‪.‬‬

‫مجلة امللحدين العرب‬ ‫‪58‬‬


‫مجازر سيفو ‪1915‬‬ ‫وما بعدها‬

‫مجلة امللحدين العرب‬

‫ال نقصد من الحديث عن مأساة الرسيان أن ن ّدعي أنها الوحيدة‪ ،‬أو أنها األكرث فداح ًة أو األهم‪ ،‬لكنها من الجرائم التي‬ ‫تلق الكثري من االهتامم‪ ،‬حتى مقارن ًة مبذابح األرمن التي صارت ترتبط بذكر جرائم الدولة العثامنية خالل فرتة الحرب‬ ‫مل َ‬ ‫العاملية األوىل‪ .‬ونحن كمجلة ملحدين عرب ال نذكر املسألة نق ًدا لدينٍ ما أو إعال ٍء لشأن آخر‪ ،‬فالقتل باسم الدين ليس‬ ‫حك ًرا عىل املسلمني‪ ،‬والتطهري العرقي والديني موجودان يف أماكن أخرى وأزمانٍ أخرى‪ .‬لكن جر ًحا غائ ًرا بهذا الحجم‬ ‫بعضا‬ ‫ملّا يندمل‪ ،‬وال يفرتض نسيانه حتى لو تم غفرانه وامليض قد ًما‪ ،‬ال سيام وأن بعض أحفاد من قُتلوا ال زالوا ميلكون ً‬ ‫درسا لنا‬ ‫من ذاكرة ما حصل‪ .‬فحقيقة أن حدث ًا ً‬ ‫جلل كهذا قد وقع يف إطا ٍر ٍ‬ ‫زمني ال زالت ذاكرته حي ًة‪ ،‬يفرتض أن يكون ً‬ ‫كلنا‪ ،‬بغض النظر عن انتامءاتنا الدينية أو املناطقية‪ .‬كام أننا‬ ‫لن ن ّدعي أن هذه العجالة تفي املوضوع حقه أو تغطي ولو‬ ‫جز ًءا يس ًريا من جوانبه‪ ،‬لكنها دعو ٌة للتفكر وحثٌ عىل االستزادة‬ ‫والبحث‪ .‬عىل ذلك‪ ،‬فلن نق ّدم هذا املقال كام لو أنه كان نهاية‬ ‫الرسيان‪ ،‬بل عىل العكس‪ ،‬فعىل قدر حجم القتل والترشيد‪،‬‬ ‫استطاع الرسيان النهوض بأنفسهم سوا ٌء يف الداخل أو الشتات‬ ‫رغم املصاعب‪ ،‬لكن ذكرى وأثر املأساة مل ينم ِح وسيظل ما ظل‬ ‫الرسيان‪.‬‬

‫دام‬ ‫قرنٌ ٍ‬

‫حدث ٍ‬ ‫يُفرتض إدراك أن األمر مل يقترص عىل ٍ‬ ‫واحد محدو ٍد بفرت ٍة زمني ٍة أو مجموع ٍة واحد ٍة من املجرمني‪ ،‬والسبب األسايس‬ ‫يف اعتبار مذابح ‪ 1915‬كمحو ٍر ملا حدث يعود إىل أن األمر جرى فيها بشكلٍ مركّز‪ .‬والواقع أن النصف األول من القرن‬ ‫ٍ‬ ‫وفئات مسيحي ٍة أخرى بهدف التطهري‪ ،‬بد ًءا من مذابح‬ ‫حافل باالعتداءات التي استهدفت الرسيان‬ ‫العرشين ككلٍ كان ً‬ ‫العثامنيني املوجهة ضد الرسيان واليونان العثامنيني واألرمن يف مرحلة الحرب العاملية األوىل‪ ،‬مرو ًرا باملجازر التي ارتكتبها‬ ‫الدولة العراقية الوليدة يف حق الرسيان اآلثوريني شامل العراق يف العام ‪ ،1933‬ثم املأساة التي تع ّرض لها الرسيان‬ ‫بسبب حملة األنفال التي شنها نظام صدام عىل‬ ‫األكراد‪ ،‬فأدت إىل تدمري أكرث من مئتي قري ٍة‬ ‫رسياني ٍة باإلضافة إىل املناطق التي يتقاسم فيها‬ ‫السكن األكراد والرسيان من الكنيستني الكلدانية‬ ‫أيضا هجرتهم إىل خارج‬ ‫واآلشورية ونتج عن ذلك ً‬ ‫العراق‪ ،‬وانتها ًء بجرائم تنظيم الدولة اإلسالمية يف‬ ‫العراق والشام (داعش)‪ ،‬التي طالت الكثري من‬ ‫الفئات وعىل رأسهم األيزيديني‪.‬‬ ‫إعدام أرمن يف اسطنبول‪1915 ،‬‬

‫‪59‬‬


‫مجازر سيفو ‪1915‬‬ ‫وما بعدها‬ ‫‪https://upload.wikimedia.org/wikipedia/commons/1/11/Assyrian_genocide_o2p-ar.svg‬‬

‫مجلة امللحدين العرب‬

‫‪11/20/2019‬‬

‫من الضحية ومن القاتل؟‬

‫وقعت أكرب املذابح يف حق الرسيان خالل فرتة الحرب‬ ‫العاملية األوىل بالتزامن مع املذابح التي ارتكبت‬ ‫بحق األرمن واليونانيني‪ ،‬ومل يحدث ذلك فقط يف‬ ‫اإلمرباطورية العثامنية عىل يد الجنود العثامنيني‪،‬‬ ‫بل تعداه إىل إيران كذلك‪ .‬كام أن الجرائم مل يرتكبها‬ ‫الجنود وحسب‪ ،‬بل اشرتك فيها مدنيون كذلك‪ .‬وقد‬ ‫وقعت مجازر ‪ 1915‬يف مناطق ماردين‪ ،‬ومديات‪،‬‬ ‫وطور عابدين‪ ،‬وسعرت‪ ،‬وديار بكر‪ ،‬وجزيرة ابن‬ ‫عمر‪ ،‬ونصيبني وغريها من املناطق املجاورة يف جنوب‬ ‫ورشق تركيا الحالية‪.‬‬

‫التاريخ‪ :‬عقد ‪1925-1922 ،1918-1914 ،1890‬‬ ‫● املدن التي وقعت فيها املذابح‬ ‫● املدن التي استقبلت الجئني‬ ‫● مدن رئيسية أخرى‬ ‫■ مناطق تواجد السكان الرسيان‬

‫السياق التاريخي‬

‫كان الرسيان من أوائل الشعوب األصلية يف منطقة األناضول وما بني النهرين ممن اعتنقوا املسيحية‪ ،‬وقد تراجع أثرهم‬ ‫مبقدم الغزو اإلسالمي واملغول‪ ،‬والحقًا مع استقرار الحكم العثامين تم وضع ما ُعرف بنظام «امللّة» الذي يعترب تطبيقًا‬ ‫لنظام أهل الذمة‪ ،‬والذي سمح بيش ٍء من الحرية الدينية املحدودة‪ ،‬وبحلول نهاية القرن التاسع عرش وازدياد النزعة‬ ‫ٌ‬ ‫واضح للمسيحيني‪ ،‬وإحدى الخطوات التي أخذتها‬ ‫القومية الرتكية‪ ،‬تضعضع ذلك االستقرار تدريج ًيا وحل محله‬ ‫استهداف ٌ‬ ‫السلطة العثامنية تشكيل فرقة «الخيالة الحميدية» املكونة بشكلٍ‬ ‫أسايس من األكراد والرتكامن واليوروك‪ ،‬والتي كانت‬ ‫ٍ‬ ‫مهمتها حامية الحدود الرشقية‪ ،‬لكنها لعبت دو ًرا أساس ًيا‬ ‫يف حمالتها عىل القرى األرمنية يف رشق األناضول فيام ُعرف‬ ‫باملجازر الحميدية(‪.)1‬‬

‫‪https://upload.wikimedia.org/wikipedia/commons/1/11/Assyrian_genocide_o2p-ar.svg‬‬

‫‪1/1‬‬

‫ازداد تدهور أوضاع املسيحيني مع ظهور«تركيا الفتاة» أو‬ ‫األتراك الشباب‪ ،‬والذي كان اتحا ًدا ملجموعات تهدف إلصالح‬ ‫اإلدارة يف الدولة العثامنية‪ ،‬حيث كانت بداياتها يف صفوف‬ ‫الطالب العسكريني ثم توسعت حتى صارت القوة األساسية‬ ‫الحاكمة‪ ،‬واتخذ الحقًا صورة ما ُعرف بـ«جمعية االتحاد‬ ‫‪1- Richard G. Hovannisian “The Armenian Question in the Ottoman Empire, 1876-1914” in The Armenian People From Ancient to Modern Times,‬‬ ‫‪Volume II: Foreign Dominion to Statehood: The Fifteenth Century to the Twentieth Century. Richard G. Hovannisian (ed.) New York: St. Martin’s‬‬ ‫‪Press, 1997, p. 217. ISBN 0-312-10168-6.‬‬

‫‪60‬‬


‫مجازر سيفو ‪1915‬‬ ‫وما بعدها‬ ‫‪https://upload.wikimedia.org/wikipedia/commons/2/28/Simele_ar.svg‬‬

‫�� �‬ ‫��ل �����‬

‫ا� ��د��‬

‫د��ك‬ ‫أ���ش‬

‫����ن‬

‫��اء ا ���‬

‫�‬

‫زا��‬

‫د����ن‬

‫��� ����ر‬

‫ر�‬

‫عسكري ناجح عام ‪ 1913‬كان من‬ ‫بانقالب‬ ‫والرتقي»‪ ،‬حيث قاموا‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫نتائجه خلق كيانٍ‬ ‫وطني هدفه تحويل تركيا إىل أم ٍة متجانسة‬ ‫ٍ‬ ‫والتخلص من األقليات‪ .‬وقد انخرطت جمعية االتحاد والرتقي يف‬ ‫عرقي وديني مع اندالع الحرب العاملية األوىل متثل‬ ‫برنامج تطهريٍ ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ونهب وتهجري‪ .‬وتوجد تقديراتٌ عديد ٌة لعدد‬ ‫مبجازر‬ ‫واغتصابات ٍ‬ ‫ألف ‪ٍ 250‬‬ ‫الضحايا الرسيان ترتاوح بني ‪ٍ 200‬‬ ‫ألف(‪ ،)2‬من أصل ما‬ ‫يقارب املليون‪ ،‬وهو عدد الرسيان قبل املجازر‪ ،‬ومن تبقى تشتت‬ ‫يف أرجاء الرشق األوسط وهنالك البعض ممن هاجر إىل بال ٍد أخرى‪.‬‬

‫مجلة امللحدين العرب‬

‫‪11/23/2019‬‬

‫����‬

‫د ��‬

‫�����‬

‫ا ���‬

‫‪50‬‬ ‫‪30‬‬

‫)ﻛﻠم(‬

‫‪0‬‬

‫)ﻣﯾل(‬

‫‪0‬‬

‫■ مناطق فيها قرى تم نهبها‬ ‫■ مناطق تم استهداف قرى الرسيان اآلثوريني فيها بكثافة‬

‫وكام أسلفنا‪ ،‬فاالضطهاد خالل القرن العرشين مل ينته مع الحرب‬ ‫العاملية األوىل وانهيار الدولة العثامنية‪ ،‬ففي العام ‪ 1933‬قامت‬ ‫الدولة العراقية باإلغارة عىل قرى الرسيان اآلثوريني يف منطقة لواء املوصل يف العراق وعىل رأسها قرية س ّميل‪ ،‬فراح‬ ‫ضحية ذلك حوايل ‪ )3(600‬من سكانها مبن فيهم النساء واألطفال (وهناك تقديرات توصل العدد إىل ‪.))4(3000‬‬ ‫‪1/1‬‬

‫وقد كان مام أشعل األمر أن أعلنت مجموع ٌة مسلح ٌة‬ ‫من الرسيان يُطلق عليهم اسم (اآلثوريني) عصيانهم‬ ‫مطالبني بكيانٍ‬ ‫سيايس مستقلٍ يف بعض مناطق شامل‬ ‫ٍ‬ ‫العراق‪ ،‬والذي وعدهم به اإلنكليز‪ -‬بعد أن شكل منهم‬ ‫(ليفي)‪ .‬وبعد أن أمهلتهم الحكومة العراقية مدة ‪60‬‬ ‫ساعة وإنذارهم بواسطة اإلذاعة العراقية وإلقاء املناشري‬ ‫بواسطة الطائرات تطالبهم بإلقاء سالحهم‪ ،‬رفضوا‬ ‫االستسالم مام جعل الحكومة العراقية تأمر الجيش‬ ‫بقيادة الضابط الكردي بكر صدقي باكتساح منطقة‬ ‫سميل واملناطق األخرى ونتج عن ذلك ما صار يُعرف‬ ‫مبجزرة سميل وتهجري اآلالف بعد تدمري قراهم‪ .‬كام‬ ‫أيضا‪.‬‬ ‫ويذكر مؤرخون أن اإلنذار كان باللغة الرسيانية ً‬

‫‪https://upload.wikimedia.org/wikipedia/commons/2/28/Simele_ar.svg‬‬

‫‪2- Travis, Hannibal. “‘Native Christians Massacred’: The Ottoman Genocide of the Assyrians During World War I.” Genocide Studies and Preven‬‬‫‪tion, Vol. 1, No. 3, December 2006, pp. 327–371.‬‬ ‫‪3- Zubaida, S (July 2000). “Contested nations: Iraq and the Assyrians” (PDF). Nations and Nationalism. 6 (3): 363–382. doi:10.1111‬‬ ‫‪/j.1354-5078.2000.00363.‬‬ ‫‪4- “Displaced persons in Iraqi Kurdistan and Iraqi refugees in Iran” (PDF). fidh.org. International Federation for Human Rights. January 2003. p. 17.‬‬

‫‪61‬‬


‫مجازر سيفو ‪1915‬‬ ‫وما بعدها‬

‫مجلة امللحدين العرب‬

‫املذابح واإلبادة‬

‫قبل املذبحة كان تعداد الرسيان يف الدولة العثامنية‬ ‫يقارب املليون(‪ ،)5‬يرتكزون يف العراق وتركيا وإيران‪.‬‬ ‫وقد جاء املوضوع يف إطار التحركات السياسية إبان‬ ‫اندالع الحرب العاملية األوىل يف سياق األحداث عىل‬ ‫الحدود الروسية وتح ّول تحالفات العثامنيني مع‬ ‫ٍ‬ ‫تحالف مع بريطانيا‬ ‫الدول الكربى يف تلك القضية‪ :‬من‬ ‫ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫تخوف لدى‬ ‫تحالف مع أملانيا‪ ،‬ويف ظل ذلك برز‬ ‫إىل‬ ‫العثامنيني من تحالف الرسيان مع الروس‪ ،‬لكن‬ ‫الرسيان من ناحية السياسة العثامنية الرسمية بصدد‬ ‫لقطة لبعض من ضحايا املجازر الحميدية عام ‪1895‬‬ ‫ٍ‬ ‫التهجري عوملوا بشكلٍ‬ ‫مختلف عن األرمن الذين‬ ‫قضت السياسة العثامنية باعتبارهم تهدي ًدا داخل ًيا يف ذلك الرصاع(‪.)6‬‬ ‫واستنا ًدا إىل املؤرخ ديڤيد غونت ‪ ،David Gaunt‬فإن السمة األساسية ملا حدث كان استهداف السكان الرسيان بغض‬ ‫النظر عن كونهم قرويني مزارعني أو من القبائل التي قامت مبقاوم ٍة مسلحة‪ ،‬كام أن القتل تركز يف املناطق الريفية‬ ‫بشكلٍ أكرب من املدن‪ ،‬وبحسب غونت يبدو أن الهدف األسايس كان االستيالء عىل األرض‪ ،‬حيث مل يقترص األمر عىل قتل‬ ‫(‪)7‬‬ ‫السكان وإمنا عىل تدمري ممتلكاتهم ملنع عودة الناجني‪.‬‬

‫االعرتاف‬

‫رغم أن املذابح كانت تجري عىل مرأى ومسمع العامل‪ ،‬إال أن‬ ‫طويل‪ ،‬وإىل اليوم ال تزال تركيا‬ ‫االعرتاف مبا جرى استغرق وقتًا ً‬ ‫قتل واضطها ًدا ممنه ًجا‬ ‫ترفض االعرتاف رسم ًيا بأن ما حدث كان ً‬ ‫ش ّنته الدولة العثامنية بشكلٍ‬ ‫منظم وعىل مدى سنوات‪ .‬ومع‬ ‫ٍ‬ ‫أن مجازر األرمن اليوم حصلت عىل اعرت ٍ‬ ‫اف دويل‪ ،‬تظل مجازر‬

‫‪5- Travis, Hannibal. Genocide in the Middle East: The Ottoman Empire, Iraq, and Sudan. Durham, NC: Carolina Academic Press, 2010, 2007, pp.‬‬ ‫‪237–77, 293–294.‬‬ ‫‪6- Kaiser, Hilmar (2010). “Genocide at the Twilight of the Ottoman Empire”. In Bloxham, Donald; Moses, A. Dirk (eds.). The Oxford Handbook of‬‬ ‫‪Genocide Studies. Oxford University Press. ISBN 9780191613616.‬‬ ‫‪7- Gaunt, David. “The Ottoman Treatment of Assyrians” in Grigor Suny, Ronald; Muge Gogek, Fatma; Naimark, Norman M., eds. (2011). A Ques‬‬‫‪tion of Genocide: Armenians and Turks at the End of the Ottoman Empire. Oxford University Press. p. 245. ISBN 9780199781041.‬‬

‫‪62‬‬


‫مجازر سيفو ‪1915‬‬ ‫وما بعدها‬

‫مجلة امللحدين العرب‬

‫الرسيان التي تزامنت مع مجازر األرمن غري معروف ٍة لدى‬ ‫الكثريين‪ ،‬وقد يعود األمر لغياب دول ٍة رسيانية وحضو ٍر‬ ‫دو ٍيل دپلومايس‪ ،‬مام جعل الرسيان يبدون كمجوع ٍة‬ ‫أضعف‪ ،‬فلم يستد ِع ذلك من الدولة العثامنية سلوك‬ ‫سياسة اضطها ٍد ممنه ٍج كام حدث مع األرمن‪ ،‬لكن‬ ‫األجواء العامة أدت إىل مبادر ٍ‬ ‫ات محلي ٍة لتطبيق ما بدا‬ ‫سياس ًة عامة‪ .‬ورمبا لهذا السبب كان السالح السائد يف‬ ‫ارتكاب املجازر هو السيف‪ ،‬وهو مصدر االسم «سيفو»‬ ‫الذي صار يُطلق عىل ما حصل‪ .‬وكلمة سيفو هي كلمة‬ ‫رسيانية ܣܝܦܐ تعني «سيف» للداللة عىل أداة القتل‬ ‫التي استُخدمت‪ ،‬حيث كانت السيوف والسكاكني تستخدم بشكلٍ أكرب من األسلحة النارية‪.‬‬ ‫يف العام ‪ 2007‬أصدرت الرابطة الدولية للباحثني يف شؤون اإلبادة ‪International Association of Genocide‬‬ ‫)‪ Scholars (IAGS‬قرا ًرا جاء فيه‪:‬‬

‫‪1‬‬

‫«مبا أن فعل إنكار اإلبادة هو آخر مراحل اإلبادة‪ ،‬كام هو معروف‪ ،‬وهدفه تدعيم حصانة مرتكبي اإلبادة وتعبيد‬ ‫الطريق أمام إباد ٍة مستقبلية‪،‬‬ ‫ومبا أن اإلبادة التي قام بها العثامنيون ضد السكان من األقليات خالل وبعد الحرب العاملية األوىل تُص ّور كإباد ٍة‬ ‫ٍ‬ ‫ضد األرمن وحدهم‪ ،‬باعرت ٍ‬ ‫أقليات مسيحي ٍة أخرى يف‬ ‫معدوم لإلبادات املشابهة نو ًعا‪ ،‬والتي ارتُكبت يف حق‬ ‫اف شبه‬ ‫ٍ‬ ‫اإلمرباطورية العثامنية‪،‬‬ ‫فإننا نعلن قرا ًرا بأن الجمعية الدولية للباحثني يف شؤون اإلبادة تعتقد بثق ٍة أن الحملة التي ش ّنها العثامنيون عىل‬ ‫األقليات املسيحية يف اإلمرباطورية بني األعوام ‪ 1914‬و‪ 1923‬متثّل فعل إباد ٍة ضد األرمن واآلشوريني والبنطيني واليونان‬ ‫األناضوليني‪.‬‬ ‫ونعلن قرا ًرا أيضً ا بأن الجمعية تدعو الحكومة الرتكية لالعرتاف باإلبادات املرتكبة يف حق هذه املجموعات السكانية‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫بخطوات حقيقي ٍة فوري ٍة بهدف التعويض»‪.‬‬ ‫رسمي وأن تقوم‬ ‫ولتقديم اعتذا ٍر‬ ‫ٍ‬

‫‪63‬‬


‫مجازر سيفو ‪1915‬‬ ‫وما بعدها‬

‫مجلة امللحدين العرب‬

‫ما بعد سيفو‬

‫ويستذكر األرمن والرسيان باختالف كنائسهم وطوائفهم الكلدانية واآلشورية يف أنحاء العامل ذكرى املجازر كل عام‪ ،‬حيث‬ ‫نصب تذكاري ٌة يف أماكن كثري ٍة من العامل وعىل رأسها النصب التذكاري‬ ‫تم تخصيص ‪ 24‬من أبريل ‪ /‬نيسان لذلك وأقيمت ٌ‬ ‫يف يرڤان يف أرمينيا‪.‬‬ ‫سيدين‪ ،‬أسرتاليا‬

‫يرڤان‪ ،‬أرمينيا‬ ‫پاريس‪ ،‬فرنسا‬

‫برلني أملانيا‬

‫دمشق‪ ،‬سوريا‬

‫بعض من النصب التذكارية لتخليد ذكرى سيفو ‪1915‬‬

‫يرڤان‪ ،‬أرمينيا‬

‫‪64‬‬

‫بوت ِْشكا‪ ،‬السويد‬


‫مجازر سيفو ‪1915‬‬ ‫وما بعدها‬

‫مجلة امللحدين العرب‬

‫أين هم الرسيان اليوم؟‬

‫رغم كل ما حدث خالل القرن العرشين‪ ،‬استطاع الرسيان‬ ‫البقاء‪ ،‬واستطاعوا الحفاظ عىل هوي ٍة مميز ٍة تعددي ٍة‬ ‫متازجت يف املجتمعات التي يعيشون فيها وخلطت بني‬ ‫تاريخهم الطويل الرثي وحارضهم املعقد األليم‪.‬‬

‫لقد خرس الرسيان عد ًدا كب ًريا من مدنهم وقراهم وزادت‬ ‫ضحاياهم عىل ‪ٍ 200‬‬ ‫ضخم من‬ ‫ألف‪ ،‬إضاف ًة إىل عد ٍد‬ ‫ٍ‬ ‫امله ّجرين من مناطقهم‪ .‬ومل يناضل الرسيان كالشعب‬ ‫األرمني ليتعرف العامل عىل قضيتهم‪ .‬ومل يشكلوا أحزابًا‬ ‫تتبنى قضيتهم وتطالب بحقوقهم‪ ،‬بل تبعوا كنائسهم ورجال الدين‪ ،‬وخدموا البلدان التي تواجدوا فيها كونها أرايض‬ ‫أجدادهم وهم املواطنون األصليون رغم اعتامد الرشيعة اإلسالمية مصد ًرا للدستور فيها‪ ،‬بل وكان لهم دو ٌر مه ٌم يف رفد‬ ‫أوطانهم بالعلامء والكتّاب والشعراء والفنانني من نحاتني ورسامني ومطربني وملحنني ورياضيني وحتى يف مجال السياسة‬ ‫فهناك من تبوأ مناصب عليا يف بلدانهم‪ .‬فال أحد يجهل الفيلسوف الكاتب والشاعر جربان خليل جربان ذي األصل‬ ‫املاروين الرسياين والروايئ حنا مينه واملطرب وديع الصايف وفريوز املولودة لعائل ٍة رسياني ٍة كاثوليكي ٍة والالعب واملدرب‬ ‫عمو بابا وغريهم كُرث مام يضيق املقام هنا لرسدهم‪ ،‬فكل مسيحيي الرشق باستثناء األرمن واألقباط هم رسيا ٌن آراميون‪.‬‬ ‫فبعد مجزرة س ّميل سنة ‪ 1933‬يف العراق والتي أدت إىل مقتل أكرث من ‪ٍ 600‬‬ ‫شخص من الرسيان اآلثوريني وهدم قراهم‬ ‫بعد اقتحام الجيش العراقي ملنطقة س ّميل والقرى األخرى املجاورة لها‪ ،‬نزحت الكثري من العوائل إىل سهل نينوى‬ ‫وأيضا إىل مدينة املوصل‪ ،‬ومنهم من هاجر إىل العاصمة بغداد‪ .‬كام‬ ‫حيث تنترش القرى والبلدات الرسيانية اآلرامية ً‬ ‫تم احتواء بعضهم يف مخيم املندان والقسم اآلخر يف‬ ‫سكني يف‬ ‫حي‬ ‫ٍ‬ ‫منطقة الحبانية قرب بغداد‪ .‬ثم تم إنشاء ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫معروف للعراقيني باسم (حي‬ ‫بغداد يف منطقة الدورة‬ ‫اآلثوريني)‪.‬‬

‫بعض من الناجني من مجزرة س ّميل‪ ،‬وقد التقطت الصورة يف منطقة الخابور‬ ‫يف سوريا عام ‪1935‬‬

‫‪65‬‬

‫وسالم تع ّرض وما زال يتع ّرض‬ ‫وبعد فرتة استقرا ٍر‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫لعمليات وحشي ٍة من أجل‬ ‫الرسيان ومسيحيو الرشق‬ ‫اقتالعهم من أوطانهم التاريخية‪ ،‬فتضاءلت أعدادهم يف‬ ‫مناطق تواجدهم بشكلٍ حا ٍد مقارن ًة مع ما كانت عليه‬ ‫بداية القرن العرشين‪.‬‬


‫مجازر سيفو ‪1915‬‬ ‫وما بعدها‬

‫مجلة امللحدين العرب‬

‫طب ًعا هناك نسب ٌة من املسلمني الرسيان‬ ‫اآلراميني يف سوريا والذين ال زالوا يتكلمون‬ ‫اللغة اآلرامية عىل الرغم من تديّنهم باإلسالم‬ ‫والذين يسكنون قرى القلمون ومعلوال‬ ‫وجبعدين وبخعة وانترش بعضهم يف دمشق‬ ‫وريف دمشق ومعظم البلدات املجاورة‬ ‫لها‪ .‬أما الباقي فهم أفرا ٌد مثقفون يفتخرون‬ ‫بانتامئهم لألمة اآلرامية وعددهم غري محدد‪.‬‬ ‫يبلغ العدد الكيل للرسيان اآلراميني حول العامل اليوم ما بني مليونني(‪ )8‬و‪ 3‬ماليني ونصف املليون(‪ ،)9‬منهم ما يرتاوح بني‬ ‫‪ 645‬ألفًا إىل مليون ومئة ٍ‬ ‫ألف ال زالوا يعيشون يف أوطانهم التاريخية (العراق(‪ )10‬وسوريا(‪ )11‬وتركيا(‪ )8‬وإيران(‪ .))12‬وقد‬ ‫هاجر الرسيان اآلراميون إىل األمريكتني عىل فرت ٍ‬ ‫ات‪ ،‬حيث ت ُق ّدر أعدادهم يف األمريكتني مبئات اآلالف‪ ،‬ويرتكز وجودهم يف‬ ‫الواليات املتحدة والربازيل‪ ،‬ولهم نشاطاتهم وكنائسهم التي ما زالت تؤدي طقوسها باللغة اآلرامية‪.‬‬ ‫وكذلك الحال يف أوروپا حيث يوجد مئات آالف املسيحيني املرشقيني من الرسيان‬ ‫اآلراميني من مختلف الكنائس‪ .‬يعيشون بأمانٍ أفضل من إخوتهم الذين ال يزالون‬ ‫يعيشون يف مواطنهم التاريخية يف الرشق‪ .‬فرغم خسارة الرسيان اآلراميني آرايض‬ ‫أجدادهم لكنهم محافظون بقو ٍة عىل انتامئهم وهويتهم اآلرامية األصيلة يف بالد‬ ‫(‪)13‬‬ ‫االغرتاب‪ ،‬وخاص ًة يف السويد‪ ،‬فعدد الرسيان اآلراميني هناك حوايل ‪ 150‬الفًا‬ ‫ينقسمون إىل الرسيان األوائل الذين هاجروا من لبنان سنة ‪ 1968‬وعددهم ‪200‬‬ ‫عائل ٍة ثم املهاجرون سنة ‪ 1975‬بسبب الحرب األهلية اللبنانية ومعهم الكثري من‬ ‫الرسيان من سوريا وتركيا الذين كانوا يعملون يف أملانيا‪ ،‬هاجروا من هناك إىل السويد‪.‬‬ ‫بعد ذلك بدأت هجرة الرسيان من العراق بعد انتهاء الحرب العراقية اإليرانية سنة‬ ‫‪ 1988‬ثم بعد الحصار وتدهور الوضع االقتصادي واملعييش هناك‪ .‬ففي سنة ‪1990‬‬ ‫هاجر الكثري منهم إىل بلدان العامل املختلفة خاصة أسرتاليا وأمريكا والسويد‪.‬‬ ‫”‪8- United Nations High Commissioner for Refugees. “Refworld – World Directory of Minorities and Indigenous Peoples – Turkey: Syriacs‬‬ ‫‪9- “Assyria: Growing Number of Diaspora Reconnecting with Homeland”. Unrepresented Nations and Peoples Organization.‬‬ ‫‪10- Murre-van den Berg, Heleen (2011). “Syriac Orthodox Church”. In Kurian, George Thomas (ed.). The Encyclopedia of Christian Civilization.‬‬ ‫‪Wiley-Blackwell. p. 2304. ISBN 978-1-4051-5762-9.‬‬ ‫‪11- “Syria’s Assyrians threatened by extremists – Al-Monitor: the Pulse of the Middle East”. Al-Monitor. 2014-04-28.‬‬ ‫‪12- United Nations High Commissioner for Refugees (2010-10-13). “Iran: Last of the Assyrians”. Refworld.‬‬ ‫‪13- Nyheter, SVT (9 May 2018). “Statministerns folkmordsbesked kan avgöra kommunvalet: “Underskatta inte frågan”.‬‬

‫‪66‬‬


‫مجازر سيفو ‪1915‬‬ ‫وما بعدها‬

‫مجلة امللحدين العرب‬

‫بعد ذلك كان لتنظيم الدولة اإلسالمية يف العراق والشام (داعش) دو ًرا يف تهجري أكرث من النصف املتبقي من الرسيان يف‬ ‫العراق وسوريا منذ سنة ‪ 2014‬فالتحقوا مبن سبقهم إىل أوربا وأمريكا وأسرتاليا وكندا‪ ،‬وما زال القسم املتبقي يف سوريا‬ ‫والعراق ينتظر فرصة الهجرة‪ ،‬لكن الكنائس تعمل جاه ًدا ضد هجرة الرسيان خاص ًة بعد التحرير والعودة إىل املناطق التي‬ ‫كانت عصابات داعش قد احتلتها ألكرث من ثالث سنوات!‬ ‫يوجد يف السويد ‪ 52‬كنيس ًة ويوجد مطرانان وعد ٌد كب ٌري‬ ‫من املؤسسات واألندية الرياضية‪ ،‬لعب أحدها وهو نادي‬ ‫سرييانسكا يف الدوري السويدي املمتاز‪ ،‬كام للرسيان هناك‬ ‫قناتان تلفزيونيتان هام (سورويو يت يف) وقناة (رسيويو سات)‪.‬‬ ‫باإلضافة إىل ذلك وصل ما مجموعه ستة رسيان آراميني إىل‬ ‫الربملان السويدي‪ ،‬كام استلم أحدهم (إبراهيم بايالن) عدة‬ ‫حقائب وزاري ٍة عىل مر السنني من ضمنها وزارة الطاقة ووزارة‬ ‫اطي كالسويد يشكل الرسيان اليوم فيه ما نسبته ‪ 1.5‬يف املئة من السكان‪ ،‬يتم‬ ‫املدارس‪ .‬وال عجب‪ ،‬ففي ظل ٍ‬ ‫نظام دميوقر ٍ‬ ‫منح الجميع كامل الحقوق يف متثيل الناس يف الحكومة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫نشاطات ثقافي ًة وسياسي ًة مثل املركز الثقايف اآلرامي واالئتالف‬ ‫مؤسسات مرخص ٍة من الدولة السويدية متارس‬ ‫كام توجد عدة‬ ‫القومي اآلرامي وغريها التي ترشف عليها الكنيسة الكلدانية وكنيسة املرشق (األشورية)‪.‬‬

‫مظاهرة ومؤمتر يف السويد‬ ‫يف ذكرى سيفو ‪1915‬‬

‫‪67‬‬


‫مجازر سيفو ‪1915‬‬ ‫وما بعدها‬

‫مجلة امللحدين العرب‬

‫تراث رسياين تريك من ماردين‬

‫من‬

‫تراث الرسيان يف العراق‬

‫من تراث الرسيان يف سوريا‬

‫ٍ‬ ‫ثقافات عديد ًة ال‬ ‫إن مام ال شك فيه أن منطقتنا‪ ،‬كأية بقع ٍة يف هذا العامل‪ ،‬تحوي‬ ‫ميكن اختزالها إىل شكلٍ أو ٍ‬ ‫منط واحد‪ .‬وقوة وثراء وصالح املجتمع تكون بالتأكيد‬ ‫عىل هذا التعدد والعناية به ال بالتهميش‪ ،‬سوا ٌء أكان ذلك باالضطهاد والقتل‬ ‫أو بسلب الحقوق االجتامعية‪ .‬والرسيان اآلراميون كانوا وال يزالون مركّ ًبا من‬ ‫مجتمعات املنطقة‪ ،‬والكوراث التي أملت بهم وأدت إىل تضاؤل أعدادهم بالقتل‬ ‫ٍ‬ ‫مجتمعات متسامح ٍة‬ ‫أيضا أذًى ملجتمعاتنا‪ ،‬إذ لها أث ٌر ه ّدا ٌم ي ُحول دون بناء‬ ‫أو التهجري‪ ،‬عدا عن كونها جرائم فظيعة‪ ،‬هي ً‬ ‫تتقبل اآلخر واملختلف‪ ،‬وهي خسار ٌة عىل مستوى التنوع الثقايف‪ .‬إن تراث الرسيان اليوم بات مهد ًدا باالندثار‪ ،‬والحفاظ‬ ‫عىل العادات واللغة والذاكرة وحتى اآلثار ليست فقط من مهمة الرسيان وحدهم‪ ،‬بل تقع عىل عاتق الجميع‪.‬‬

‫جانب من معروضات متحف اللوڤر‬ ‫ٌ‬ ‫من اآلثار اآلرامية‬

‫‪68‬‬


‫اﺷﺘﺮك اﻵن‬ ‫ﻓﻲ ﻗﻨﺎﺗﻨﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻴﻮﺗﻴﻮب‬ ‫‪https://www.youtube.com/c/ahmedzayedchannel‬‬

‫ﻗﺮاﺑﺔ ‪ 10‬ﻣﻠﻴﻮن ﻣﺸﺎﻫﺪة‬ ‫ﻣﺸﺘﺮك‬ ‫أﻟﻒﻣﺸﺎﻫﺪة‬ ‫و‪70‬ﻣﻠﻴﻮن‬ ‫ﻗﺮاﺑﺔ اﻟﻌﴩة‬

‫أﺣﻤﺪ ﺳﻌﺪ زاﻳﺪ‬

‫ﻗﻨﺎة أﺣﻤﺪ ﺳﻌﺪ زاﻳﺪ ﻋﲆ اﻟﻴﻮﺗﻴﻮب ﻫﻲ ﻗﻨﺎة ﻣﻌﻨﻴﺔ ﺑﺎﻟﺘﻨﻮﻳﺮ اﻟﻔﻜﺮي واﻟﺜﻘﺎﰲ وﻫﻲ ﻣﺤﺎوﻟﺔ ﻟﻠﺘﻔﻜ اﳌﻮﺿﻮﻋﻲ اﻟﻌﻘﻼ ﻣ ًﻌﺎ‪.‬‬ ‫وﺗﺠﺪون ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺴﻼﺳﻞ وﻣﻨﻬﺎ‪:‬‬

‫أﻟﻒ ﺑﺎء ﻓﻠﺴﻔﺔ ﻟﺘﺒﺴﻴﻂ اﳌﻌﺮﻓﺔ اﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ‬

‫ﻟﻠﺘﻮاﺻﻞ ﻣﻌﻨﺎ ﻋﲆ ﺻﻔﺤﺔ اﻟﻘﻨﺎة ﻋﲆ اﻟﻔﻴﺴﺒﻮك‪:‬‬ ‫‪https://www.facebook.com/aszayedtv‬‬

‫ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﺤﻀﺎرة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻻﺳﻼﻣﻴﺔ‬

‫ﺳﻠﺴﻠﺔ ﺗﻌﺮﻳﻔﻴﺔ ﺑﺮﻣﻮز ﻓﻜﺮﻳﺔ ﻋﺮﺑﻴﺔ وﻏﺮﺑﻴﺔ‬

‫ﺻﻔﺤﺔ أﺣﻤﺪ ﺳﻌﺪ زاﻳﺪ اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ‪:‬‬ ‫‪https://www.facebook.com/ahmedsaadzayed‬‬

‫ﻛﺎﳌﻌﺮي واﻟﺮازي وأرﺳﻄﻮ وﻣﺎرﻛﺲ وراﺳﻞ‬

‫ﺳﻠﺴﻠﺔ ﺑﺘﺤﻠﻴﻞ ﺧﻼﻓﺎت اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ وﻗﺘﺎﻟﻬﻢ‬

‫ﺳﻠﺴﺔ ﺗﻄﻮر ﺗﺎرﻳﺦ اﻹﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻴﺎت اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ واﻟﻔﻠﺴﻔﺎت‬

‫وﻏ ذﻟﻚ ﻛﺜ ﻣﻦ ﻣﺤﺎﴐات وﻣﻘﺎﺑﻼت ﻟﺮﻣﻮز ﻓﻜﺮﻳﺔ ﻓﺎﻟﻘﻨﺎة ﺑﻬﺎ أﻛ ﻣﻦ ‪ 700‬ﻣﺤﺎﴐة‪ ،‬وﻫﻲ ﺟﻬﺪ ﻃﻮﻳﻞ وﻣﺘﻮاﺿﻊ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﻞ‬ ‫اﻟﺜﻘﺎﰲ وﻣﺤﺎوﻟﺔ ﻧﴩ اﻟﻮﻋﻲ واﻟﻌﻘﻼﻧﻴﺔ واﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﻗﺪر اﳌﺴﺘﻄﺎع ﻟﻠﻤﺘﺤﺪﺛ ﺑﺎﻟﻌﺮﺑﻴﺔ‪.‬‬ ‫ﻟﺪﻋﻢ اﻟﻘﻨﺎة‪:‬‬

‫‪https://www.patreon.com/ahmedzayed‬‬

‫‪69‬‬

‫‪https://www.paypal.me/ahmedsaadzayed/100‬‬


‫الحج عىل الطريقة الرسيانية‬ ‫ورميالجمرات‬

‫‪Yonan Martotte‬‬

‫‪ -1‬حج هي كلم ٌة رسياني ٌة ܳ‬ ‫(ܚܓ) تعني (طاف‪،‬‬ ‫دار حول‪ ،‬حاط بـ) ܰ‬ ‫و(ܚ ܳܓܐ‪ :‬حاگو ‪ )Hago -‬تعني‬ ‫االحتفال بالعيد‪ ،‬أو الطواف أو معبد أصنام‪ .‬و(ح ّجي‬ ‫ܰܚܓܝ) تعني احتفل بالعيد أو املُح ِتفل بالعيد‪ .‬ويف‬ ‫اللغة العربية (חג حج ‪ )Haj‬تعني االحتفال الديني‬ ‫املصاحب بالطواف عىل شكل دائري‪.‬‬ ‫ومبا أن حرف الحاء (ح) يف اللغة الرسيانية يُقلب إىل حرف‬ ‫الخاء (خ) يف اللهجة الرسيانية الرشقية‪ ،‬تحولت كلمة‬ ‫(ܚ ܵܓܐ خگّا‬ ‫حاگو إىل (خاگو ‪ )Khago‬وتطور اللفظ إىل ܲ�‬ ‫‪ ،)Khagga‬وهذه الكلمة يستعملها الرسيان اآلراميون يف‬ ‫(رقص‬ ‫سهل نينوى وقرى شامل العراق مبعنى (دبْكة) ألنها ٌ‬ ‫جامعي مع الدوران عىل شكل حلقة) يف حني أن كلمة‬ ‫ٌ‬ ‫(الرقص) بالرسيانية الرشقية هي (رقادا أي رِقدو ܪܩܕܐ)‪.‬‬ ‫‪70‬‬


‫الحج عىل الطريقة الرسيانية‬ ‫ورمي الجمرات‬

‫‪Yonan Martotte‬‬

‫ܽ ܳ‬ ‫(ܥܘܡܪܐ ‪ )umra‬وتعني دير أو كنيسة ومسكن أيضا‪ .‬والواضح أن الفرق بني طقوس‬ ‫أيضا‬ ‫‪ -2‬العمرة كلم ٌة رسياني ٌة ً‬ ‫الحج والعمرة جعلت التسمية تختلف عند املسلمني رغم أنهم يؤدونها يف مكة وحول الكعبة‪ ،‬فالعمرة اصطال ًحا هي‬ ‫التع ّبد إىل الله يف (الكعبة) وهي مكان عبادة مثل الدير أو الكنيسة وزيارة الدير أو الذهاب إىل الكنيسة ال يستغرق وقتًا‬ ‫ܳ‬ ‫طويل وميكن تكراره عدة مرات‪ ،‬وهذا األمر ينطبق عىل ال (عمرة ܽܥܘܡܪܐ) وهي تشبه زيارة الدير أو الذهاب إىل‬ ‫ً‬ ‫الكنيسة وال تحتاج الوقوف بعرفة‪ ،‬بينام الحج هو ملر ٍة واحد ٍة فقط ويف ٍ‬ ‫وقت محد ٍد من السنة وتستغرق طقوسه وقتًا‬ ‫طويل يصل إىل عرشة أيام‪ !.‬وهذا يدل عىل التأثري الرسياين يف استخدام لفظتي (الحج والعمرة) عىل الطقس اإلسالمي‪.‬‬ ‫ً‬

‫أما الجمرات‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫مسالت وإمنا نُ ُص ٌب الغاية منها اآلن هي «تحديد مكان الشعرية»؛ فاملسالت‬ ‫ما يوجد داخل أحواض رجم العقبات ليست‬ ‫ٍ‬ ‫مهم أو ٍ‬ ‫نص ديني أو قانوين‪.‬‬ ‫نقوش ت ُؤرخ‬ ‫هي األعمدة الحجرية التي ت ُوضع عليها ٌ‬ ‫لحدث ٍ‬ ‫كانت الغاية منها قبل (اإلسالم) عند اآلراميني األنباط يف عرص مملكتهم إىل سنة ‪ 106‬ميالدية متثيل اإلله‪ .‬إذ كانت لهم‬ ‫عباداتٌ وثني ٌة تنفر من وضع شكلٍ لآللهة باعتبارها آله ًة غري محدودة‪ ،‬فوضع صور ٍة معين ٍة لها تحجمها وتجعلها سجين ًة‬ ‫لتلك الصورة‪ ،‬وهذا ما ال يليق باإلله‪ .‬ولهذا وضعوا لها نُصبًا يك تسكنها بأرواحها فقط ولتق ّرب العابد منها والترضع لها‬ ‫بالصلوات والتقدميات!‬ ‫أشكال آللهتم مام جعل األنباط والوثنيون من قوميات‬ ‫ً‬ ‫عندما قىض الروم عىل مملكة األنباط اآلرامية أدخلوا صو ًرا أو‬ ‫أخرى بتقليد هذه اآلشكال البرشية والحيوانية‪ ،‬فوضعوا يف البداية وج ًها لهذه اآللهة‪ ،‬ثم بعد ذلك تفننوا كمستعمريهم‬ ‫الروم يف نحت متاثيل متثل الالت‬ ‫والعزى ومناة وذو الرشى‪ ،‬وغريها‬ ‫من اآللهة‪.‬‬ ‫فالرجم مل يكن شيئًا سلب ًيا وإمنا‬ ‫العكس‪ ،‬يقول الدكتور جواد‪« :‬فكان‬ ‫أحدهم إذا م ّر بقرب‪ ،‬وأراد تقدير‬ ‫صاحبه وتعظيمه وضع رجم ًة أو‬ ‫رجا ًما عليه»‪ .‬وبالطبع الرجمة‬ ‫تتكون من سبع حيص‪ ،‬ألن الرقم‬ ‫سبعة كان رقم الكامل عندهم‪ ،‬وأن‬

‫‪71‬‬


‫الحج عىل الطريقة الرسيانية‬ ‫ورمي الجمرات‬

‫‪Yonan Martotte‬‬

‫هذه الجمرات‪« :‬منها مواضع أصنام‪ ،‬وأماكن مقدسة‪ ،‬ومنها قبور‬ ‫أجداد»‪.‬‬ ‫وسميت الرجمة بالجمرات الكتاملها رقم الكامل وهو (سبعة)‬ ‫ُ‬ ‫ܰ‬ ‫ܰ‬ ‫طب ًعا‪ ،‬وكلمة (جمر ܓܡܪ ‪ )Gamar‬باللغة اآلرامية معناها‬ ‫اكتمل‪ ،‬والجمرة هي احرتاق الفحم أو الحطب إىل أن يكتمل‬ ‫احرتاقه‪ ،‬ومنها جاءت كلمة (قمر) يعني اكتمل شكله إىل آخره‪.‬‬ ‫كان األنباط يبنون حر ًما ألعظم هذه اآللهة أو ينحتون من الصخرة‬ ‫نصب تستغرق مدة نحته عدة أشهر‪ ،‬وكلمة (رجم‪،‬‬ ‫شكل عمو ٍد أو ٍ‬ ‫ܰܪ ܰ‬ ‫َـش ونَـ َحـت‪ .‬فهذه‬ ‫ܓܡ ‪ )Ragam‬من أصل آرامي أي نَـق َ‬ ‫الكلمة اآلرامية تطور معناها بحسب اللهجات والزمن فأصبحت‬ ‫تعني‪( :‬رجم‪ ،‬ورقم‪ ،‬ورشم‪ ،‬ورسم‪ ،‬وفيام بعد وشم)‪ .‬إذًا هذه‬ ‫ال ُن ُصب أو األنصاب عبارة عن أحجا ٍر تسكنها أرواح اآللهة وتسمى‬ ‫(بيت إيل ܒܝܬܐܝܠ ‪ )Baetylus, Bethel,Betyl‬أي (بيت الله)‪ ،‬وهنا تظهر مالمح التأثر يف اليهودية؛ حيث أن (بيت‬ ‫إيل) تعني ذلك الحجر الذي يقيمه املؤمن كمذبح للرب يصب عليه الزيت من أجل الربكة‪ ،‬ويكون بذلك مكانًا لعبادة‬ ‫الله كام هو األمر يف سفر التكوين ‪ ،17 :28‬مع يعقوب ابن اسحاق‪ ،‬وهذه العملية تظهر بوضوح يف سفر التكوين «فَأَ َخ َذ‬ ‫ُوب ِإل ْخ َوتِ ِه‪« :‬الْتَ ِقطُوا ِح َجا َرةً»‪ .‬فَأَ َخذُوا ِح َجا َر ًة َو َع ِملُوا ُر ْج َم ًة َوأَكَلُوا ُه َن َاك َع َل‬ ‫ُوب َح َج ًرا َوأَ ْوقَ َف ُه َع ُمو ًدا َوق َ​َال يَ ْعق ُ‬ ‫يَ ْعق ُ‬ ‫ال ُّر ْج َم ِة» (التكوين ‪.)46-45 :31‬‬ ‫كل ما يعرفه الحجاج املسلمون عندما يؤدون هذه الشعرية أنهم يرجمون الشيطان‪ .‬لكن ال عالقة للشيطان بها‪ ،‬فلم‬ ‫يذكر القرآن إطالقًا وال السنة النبوية وال كتب الفقه املعتمدة؛ بل وال حتى كتب الحديث التسعة املعتمدة شيئًا عن‬ ‫رجم الشيطان‪ ،‬وما ذكرته كتب الحديث والفقه عن تلك الشعرية يتعلق بكيفية رمي الجامر وعددها فقط‪ ،‬ويرفض أي‬ ‫يسمي رمي الجمرات برجم الشيطان‪.‬‬ ‫فقي ٍه أن‬ ‫َ‬ ‫‪--------‬‬‫املصدر بخصوص الجمرات من كتاب املفصل يف تاريخ العرب قبل اإلسالم ‪ 385 :6‬الدكتور جواد عيل‬

‫‪72‬‬


http://arabatheistbroadcasting.com/aamagazine https://www.aamagazine.blogspot.com https://www.facebook.com/pages/AAMagazine/498136386890299 https://issuu.com/928738

73


‫صفحة ثابتة‬ ‫نقدم فيها قراءة‬ ‫ألحد الكتب‬ ‫القيمة‬

‫دراسة تاريخية حول مقدمة‬

‫«اللمعة الشهية يف‬ ‫نحو اللغة الرسيانية»‬ ‫إقليميس يوسف داود املوصيل‬ ‫بقلم هرني بدروس كيفا‬

‫هرني بدروس كيفا‬ ‫‪74‬‬


‫اللمعة الشهية يف نحو‬ ‫اللغة الرسيانية‬ ‫إقليميس يوسف داود املوصيل‬

‫دراس ٌة تاريخي ٌة حول مقدمة «اللمعة الشهية»‬ ‫هرني بدروس كيفا ‪ -‬باريس‬ ‫االختصايص يف تاريخ اآلراميني‬ ‫‪2010/08/30‬‬

‫القسم األول‪ :‬مقدم ٌة عامة‬ ‫اطّلعت عىل كتاب «اللمعة الشهية يف نحو اللغة الرسيانية» منذ أكرث‬ ‫من ‪ 40‬سن ًة وهو للمطران أقليمس يوسف داود‪.‬‬ ‫لقد اكتشفت من خالل دراسايت املتواضعة أن الرعيل األول من القوميني الرسيان يف بداية القرن العرشين قد أخذوا‬ ‫معلوماتهم التاريخية من «الكتب» التي انترشت يف نهاية القرن التاسع عرش وليس من املصادر الرسيانية‪ .‬لقد وضعت‬ ‫الكتب بني هاللني يك أشري إىل عموم الكتب من تاريخي ٍة وكنسي ٍة وخاص ًة حول اللغة الرسيانية‪.‬‬ ‫إن موضوع التسمية الرسيانية والهوية الرسيانية التاريخية التي تتحجج بعض الفئات املتطرفة بأنها غري واضح ٍة أو أنها تدل‬ ‫عىل انتامء الرسيان إىل األشوريني تعتمد بالدرجة األوىل عىل الكتابات التاريخية التي انترشت بني الرسيان املشارقة واملغاربة‬ ‫يف نهاية القرن التاسع عرش‪.‬‬ ‫كتاب حول اللغة الرسيانية وقواعدها وفيه مقدم ٌة طويل ٌة حول‬ ‫«اللمعة الشهية» هو ٌ‬ ‫تاريخ الشعب الرسياين واللغة الرسيانية اآلرامية‪ .‬صدرت الطبعة األوىل يف املوصل سنة‬ ‫‪ ،1879‬أي أن معلومات املطران داود مبني ٌة عىل ما كان يعرفه يف أواسط القرن التاسع‬ ‫عرش‪.‬‬

‫إقليميس يوسف داود ‪1890–1829‬م‬

‫‪75‬‬


‫اللمعة الشهية يف نحو‬ ‫اللغة الرسيانية‬ ‫إقليميس يوسف داود املوصيل‬

‫ً‬ ‫أول ‪ -‬أسباب اختياري لهذا املوضوع‬ ‫أ ‪ -‬لقد نرشت منذ حوايل ‪ 20‬سن ًة دراس ًة نقدي ًة يف مجلة «آرام» حول مقدمة املطران‬ ‫أوجني م ّنا‪ .‬ومن املمكن معاينة املقاالت الثالثة يف موقع كلدايا نت(‪.)1‬‬ ‫لقد وجدت أن املطران أوجني منا قد تأثر مبفاهيم املطران داود وعرفت من خالل‬ ‫أبحاث األب املؤرخ ألبري أبونا أن املطران أوجني منا كان طال ًبا عندما كان املطران داود‬ ‫مدرسا‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ٍ‬ ‫سنوات‬ ‫ب ‪ -‬أهداين صديقي الدكتور أسعد صوما أسعد كتاب «اللمعة الشهية» منذ عدة‬ ‫باسم «ليتك تقوم بدراس ٍة نقدي ٍة لتفيد القراء الرسيان‪.»...‬‬ ‫وقال يل ً‬

‫أوجني م ّنا‬

‫هدية صديقي د‪ .‬أسعد هي دعو ٌة غري مبارش ٍة لدراس ٍة علمي ٍة ملقدم ٍة تاريخي ٍة عمرها أكرث من ‪ 130‬سن ًة!‬ ‫ج ‪ -‬لقد أعاد موقع «الرسياين الحر»(‪ )2‬نرش «اللمعة الشهية» عىل الشبكة العنكبوتية‪.‬‬ ‫ويف خالل عدة أشه ٍر بلغ عدد القراء إىل عدة مئات‪ .‬وقد بلغ عدد القراء اليوم‬ ‫ٍ‬ ‫مشاهد وكتاب «اللمعة الشهية» هو األكرث قراء ًة يف هذا املوقع‬ ‫حوايل ‪ 12‬ألف‬ ‫رمبا ألن الرسيان الذين يرغبون يف التعمق يف نحو اللغة الرسيانية يعتمدون هذا‬ ‫الكتاب الذائع الصيت!‬ ‫هـ ‪ -‬لقد انترش كتاب «اللمعة الشهية» بني كل مدريس اللغة الرسيانية وقد عمد‬ ‫البطريرك إغناطيوس أفرام الثاين رحامين سنة ‪ 1896‬إىل ترجمة «اللمعة الشهية»‬ ‫إىل اللغة الالتينية‪ ،‬لغة الدراسات التاريخية يف الغرب يف القرن التاسع عرش وبداية‬ ‫القرن العرشين‪.‬‬ ‫أسعد صوما (ميني) وهرني كيفا (يسار)‬ ‫‪ -1‬اإلشارة ملوضوع تم نرشه عىل موقع ‪ ،kaldaya.net‬لكن املوقع وقت نرش هذا املقال يف املجلة مل يعد موجودًا‪[ .‬تحرير املجلة]‪.‬‬ ‫‪ -2‬املوقع املشار إليه ‪ freesuryoyo.org‬غري متا ٍح لحظة النرش‪[ .‬تحرير املجلة]‪.‬‬

‫‪76‬‬


‫اللمعة الشهية يف نحو‬ ‫اللغة الرسيانية‬ ‫إقليميس يوسف داود املوصيل‬

‫كام أُعي َد طبعه للمرة الثانية يف املوصل سنة ‪ .1896‬انتشار الكتاب وشهرة الكاتب يجب أال تكون حاج ًزا ألي ٍ‬ ‫باحث يف النقد‬ ‫أو الدراسة النقدية املنهجية بعد تطور الدراسات حول التسمية الرسيانية وتاريخ الشعب الرسياين اآلرامي وتاريخ وهوية‬ ‫اللغة اآلرامية الرسيانية‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫معلومات كثري ًة صحيح ًة وكان املطران داود أول من نفض الغبار عنها‪:‬‬ ‫و‪ -‬نجد يف مقدمة «اللمعة الشهية»‬ ‫*الصفحة ‪ 25‬الطبعة الثانية‪ :‬يؤكد لنا أن سيدنا يسوع املسيح قد تكلم اللغة اآلرامية وليس اليونانية‪.‬‬ ‫*صفحة ‪ :64‬يؤكد أن الرسيان الغربيني كانوا قد ًميا يلفظون الرسيانية مثل‬ ‫الرسيان الرشقيني أي بالفتح‪.‬‬ ‫ولكن توجد يف مقدمة اللمعة الشهية أخطا ُء تاريخي ٌة وجغرافي ٌة واضح ٌة ومن‬ ‫املؤسف أن بعض أصحاب الطروحات التاريخية والقومية املتطرفة يستغلون‬ ‫شهرة «اللمعة الشهية» ومكانة املطران داود العلمية ويستشهدون ببعض‬ ‫تعابريه أو مفاهيمه الخاطئة مام يخلق الضياع بني الرسيان‪.‬‬

‫ثان ًيا ‪ -‬من هو املطران إقليمس يوسف داود؟‬ ‫ٍ‬ ‫صفحات يف كتابه الشهري «أدب اللغة اآلرامية»‪.‬‬ ‫يخصص األب الباحث ألبري أبونا أربع‬ ‫ّ‬ ‫ُولد يوسف بن داود سنة ‪ 1829‬وتويف سنة ‪ 1890‬والطريف أن األب أبونا يخربنا ‪-‬‬ ‫صفحة ‪ - 536‬أن الطفل يوسف قد ع ّمده كاه ٌن نسطوري (رسيا ٌين رشقي) ويف نفس‬ ‫أيضا أنه سافر إىل روما ملواصلة دروسه «وقد اختار آنذاك أن يكون عىل‬ ‫الصفحة يخربنا ً‬ ‫الطقس الرسياين»‪.‬‬

‫ألبري أبونا‬

‫شعب ٍ‬ ‫واحد له لغ ٌة‬ ‫هذه إشار ٌة إىل أن كل مسيحيي العراق كانوا وال يزالون ينتمون إىل ٍ‬ ‫واحد ٌة وحضار ٌة وهوي ٌة واحد ٌة هي الرسيانية اآلرامية‪.‬‬ ‫‪77‬‬


‫اللمعة الشهية يف نحو‬ ‫اللغة الرسيانية‬ ‫إقليميس يوسف داود املوصيل‬

‫بعد رسامته الكهنوتية سنة ‪ 1855‬يف روما عاد الكاهن الشاب إىل املوصل وانرصف إىل التدريس خاص ًة اللغة الرسيانية ويف‬ ‫سنة ‪ُ 1879‬رسم مطرانًا و ُع ّي عىل دمشق‪.‬‬ ‫بكتب منقح ٍة عىل الطريقة املدرسية يف الرصف والنحو‬ ‫الجدير بذكره ما كتبه األب أبونا عنه‪« :‬هو أول من ز ّود البالد الرشقية ٍ‬ ‫والعروض والخطابة والتاريخ والجغرافية والحساب‪.»...‬‬ ‫قليل يف الصفحة ‪ 538‬التي تذكر الكتب التي ألّفها املطران داود لوجدناها تتعلق بالكتب الكنسية مثل الصلوات‬ ‫وإذا متع ّنا ً‬ ‫والخدمة ودليل الشامس والفرض اليومي‪...‬‬ ‫ٍ‬ ‫معلومات عديد ٍة‬ ‫املطران داود هو رجل دينٍ ق ّدم الكثري للحفاظ عىل اللغة الرسيانية‪ ،‬وقد اطّلع بحكم منصبه وتنقالته عىل‬ ‫حول اللهجات الرسيانية املحكية‪ ،‬ولكن تحليالته حول عالقة التسمية الرسيانية بالتسمية األثورية سوف تؤدي إىل نتائج‬ ‫تتعارض مع مصادرنا الرسيانية‪.‬‬ ‫سوف أعالج يف القسم الثاين بعض األخطاء التاريخية والجغرافية يف مقدمة «اللمعة الشهية»‪.‬‬

‫ثالثًا ‪ -‬منهجية النقد‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫فعل عىل تصحيح األخطاء بني املثقفني الرسيان‪.‬‬ ‫مجالت تاريخي ٍة تعمل ً‬ ‫أ ‪ -‬يفتقر شعبنا الرسياين اآلرامي إىل‬ ‫مل يتعود املثقف الرسياين عىل الدراسات النقدية وهو يعتقد يف أغلب األحيان أن الناقد يتهجم عىل الباحث أو صاحب‬ ‫دراس ٍة معينة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫جامعات مرموق ٍة يف‬ ‫النقد العلمي هو وسيل ٌة للوصول إىل الحقيقة التاريخية وكث ٌري من األحيان يشارك باحثون يعملون يف‬ ‫النقاشات التاريخية الدائرة‪.‬‬ ‫هؤالء العلامء يعرفون جي ًدا أن دراساتهم النقدية سيطّلع عليها عد ٌد كب ٌري من املتخصصني يف تلك املواضيع‪ ،‬لذلك تكون‬ ‫مشاركتهم قد ألقت أضوا َء جديد ًة عىل املواضيع املطروحة‪.‬‬ ‫‪78‬‬


‫اللمعة الشهية يف نحو‬ ‫اللغة الرسيانية‬ ‫إقليميس يوسف داود املوصيل‬

‫ب ‪ -‬ال أهدف إىل التقليل من مكانة املطران داود العلمية والتاريخية وإنني متأك ٌد لو كان يعيش يف هذا العرص لكان من‬ ‫أعظم املؤرخني!‬ ‫من يتابع تطور الفكر القومي بني الرسيان يجد أن مقدمة «اللمعة الشهية» التاريخية قد أث ّرت بقو ٍة عىل الباحثني واللغويني‬ ‫يف أواخر القرن التاسع عرش‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫طروحات تاريخي ًة خاطئ ًة‬ ‫ج ‪ -‬يتضايق بعض الغيورين ألنني أذكر أسامء بعض املفكرين الذين يتب ّنون‬ ‫ويتضايقون أكرث عندما أص ّحح طروحات بعض رجال الدين مع أنني أُق ّدر جهودهم الجبارة وغريتهم عىل أ ّمتنا الرسيانية‬ ‫وتراثها اآلرامي العريق ولكنني أشعر من واجبي تصحيح املغالطات ألن هدفنا هو معرفة تاريخنا الصحيح والعودة إىل‬ ‫جذورنا الحقيقية‪.‬‬ ‫أمتنى عىل اإلخوة أن يشجعوا النقد الب ّناء يك تنترش املعلومات التاريخية الصحيحة‪:‬‬ ‫مثل حمورايب كان عموريًا وهذا يعني أنه مل يكن أشوريًا وال كلدان ًيا وال رسيان ًيا!‬ ‫ً‬

‫راب ًعا ‪ -‬ما هي منهجية املطران داود التاريخية؟‬ ‫كأدب بل‬ ‫أ‪ -‬لقد انترشت يف أوروپا وأمريكا ‪ -‬خالل القرن التاسع عرش – عدة مدارس تأريخي ٍة تؤكد أن التأريخ مل يعد يُد َّرس ٍ‬ ‫كعلم يهدف إىل معرفة التاريخ الصحيح ورمي النظريات غري العلمية‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫سوف نرى الحقًا أن املطران داود ‪ -‬وبالرغم من عدم دراسته وتخصصه يف التاريخ ‪ -‬عرف أن هدف البحث التاريخي هو‬ ‫الوصول إىل الحقيقة كام هي‪.‬‬ ‫لقد وجدنا بعض املفكرين الرسيان يتب ّجحون بأن اللغة الرسيانية اآلرامية هي أقدم لغ ٍة يف العامل!‬ ‫‪79‬‬


‫اللمعة الشهية يف نحو‬ ‫اللغة الرسيانية‬ ‫إقليميس يوسف داود املوصيل‬

‫نجد يف «اللمعة الشهية» صفحة ‪« :15‬إننا ال نعتقد أن اللغة اآلرامية هي أقدم اللغات السامية كام زعم قوم‪ ،‬وأقل من‬ ‫ذلك أنها أقدم لغات العامل كام زعم غريهم بال بيّن ٍة وال أساس»‪ .‬لقد سبق املطران داود يف مفهومه ملنهجية البحث التاريخي‬ ‫ألحالم شوفيني ٍة متعصبة‪.‬‬ ‫الكثريين من الرسيان الذين مل يفهموا بع ُد أن التاريخ هو البحث عن حقائق وليس رس ًدا ٍ‬ ‫أصاب املطران داود عني الحقيقة بالنسبة إىل ِقدم اللغة اآلرامية‪ ،‬فهي ليست أقدم لغ ٍة يف العامل وليست أقدم اللغات‬ ‫السامية‪/‬الرشقية فهنالك اللغات السومرية واألكادية والعمورية والكنعانية التي هي أقدم منها‪.‬‬ ‫ب ‪ -‬من يتمعن يف مقدمة «اللمعة الشهية» يلحظ أن املطران داود بالرغم من متسكه بهويته الرسيانية اآلرامية وغريته يف‬ ‫نرش الكتب لتعليم اللغة الرسيانية فهو ال يتالعب بالحقائق التاريخية يك يفاخر بعصبي ٍة عميا َء يف اللغة الرسيانية!‬ ‫ج ‪ -‬املدهش يف مقدمة «اللمعة الشهية» ما كتبه املطران حول اللغة العربية صفحة ‪« :12‬وإمنا ذكرنا العربية أولً بني اللغات‬ ‫السامية ألن العربية باعرتاف جميع املحققني هي أرشف اللغات السامية من حيث هي لغة‪ ،‬وأقدمهن وأغناهن»‪.‬‬ ‫لن أتطرق إىل موضوع «أرشف اللغات السامية» ألنه يفتح بابًا للجدل نحن بغ ًنى عنه وال أعتقد أن أحد القراء يخالفنا إذا‬ ‫قلنا أن اللغة العربية قد أصبحت أغنى اللغات الرشقية يف مفرداتها وتقبلها للعلوم والتطور‪.‬‬ ‫ولكن ‪ -‬وبكل تأكيد ‪ -‬اللغة العربية مل تكن أقدم اللغات الرشقية فاللغة األكادية أقدم من اللغة العربية بأكرث من ‪2500‬‬ ‫سن ٍة واللغة اآلرامية ‪ -‬العزيزة عىل قلب املطران داود ‪ -‬هي أقدم من العربية بألف سنة!‬ ‫د ‪ -‬من املستحيل عىل الباحث يف التاريخ أن يتحقق يف كل األمور التاريخية التي يكتب عنها‪ ،‬واملطران داود كان عاملًا لغويًا‬ ‫فرضت عليه الظروف أن يكتب عن تاريخ الشعب واللغة الرسيانية اآلرامية‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫حكم قاسيًا بحق هذا العالِم ألنه عاش يف الصدر الثاين من القرن التاسع عرش ومل يستفد من‬ ‫ال يحق لنا اليوم أن نصدر ً‬ ‫الدراسات الرسيانية الجديدة حول املصادر الرسيانية الغنية‪.‬‬ ‫ُحكمنا القايس هو عىل أصحاب الطروحات املتحجرة الذين ال يريدون أن يتحققوا ولكنهم يستغلون «أخطاء» املقدمة يف‬ ‫«اللمعة الشهية» متوهمني أنها براهني علمي ٌة لطروحاتهم املزيفة‪.‬‬ ‫‪80‬‬


‫اللمعة الشهية يف نحو‬ ‫اللغة الرسيانية‬ ‫إقليميس يوسف داود املوصيل‬

‫خامسا ‪ -‬مصادر ومراجع املطران داود‪:‬‬ ‫ً‬ ‫كل ٍ‬ ‫ناقد ٍ‬ ‫تاريخي يبدأ بدراس ٍة رسيع ٍة للمصادر واملراجع التي اعتمد عليها صاحب البحث‪ .‬أغلب املفكرين الرسيان‬ ‫لبحث‬ ‫ٍ‬ ‫يف نهاية القرن التاسع عرش وبداية القرن العرشين مل يذكروا املراجع واملصادر التي اعتمدوا عليها‪.‬‬ ‫فهرسا مبصادره ومراجعه‪:‬‬ ‫أ ‪ -‬املطران دواد مل يرتك لنا ً‬ ‫إذا كانت هذه العادة مقبول ًة يف نهاية القرن التاسع عرش فهي غري مقبول ٍة يف البحث‬ ‫التاريخي املعارص‪.‬‬ ‫وطب ًعا مقدمة املطران داود ليست مدرس ًة أو طريق ًة علمي ًة يجب علينا اتّباعها بل‬ ‫بالعكس يجب تجنبها‪.‬‬

‫فريد نزها‬

‫كتابات «فريد نزها» حول هويتنا الرسيانية هي مجرد آرا َء فكري ٍة وليست در ٍ‬ ‫اسات تاريخي ًة معمق ًة ومربهن ًة مبصادر‬ ‫ومراجع علمية‪.‬‬ ‫ب ‪ -‬من يتفحص املقدمة يالحظ أن املطران داود قد استشهد باملؤرخ يوسيفوس اليهودي وقد ذكر أسامء بعض العلامء‬ ‫األوروپيني ولكن لألسف مل يذكر لنا أسامء كتبهم أو يحدد لنا الصفحة يك نستطيع مراجعتها والتأكد من صحتها‪.‬‬ ‫ج ‪ -‬يف الصفحة ‪ 12‬يذكر لنا اسم العامل الفرنيس رينان ويستشهد ٍ‬ ‫بنص مشهو ٍر له مام‬ ‫يوحي للقارئ أن املطران داود قد اطّلع عىل كتاب العامل الفرنيس ولكنه حقيق ًة قد‬ ‫أخذ هذا ‪ -‬النص املشهور ‪ -‬من قاموس پاين سميث (راجعوا الصفحة ‪.)11‬‬ ‫د ‪ -‬أن أغلبية معلومات املطران داود عن اآلراميني الرسيان مأخوذ ٌة من التوراة‪.‬‬ ‫ال بد لنا أن نشري إىل أن التوراة ‪ -‬حتى أواخر القرن التاسع عرش ‪ -‬كانت تُعترب‬ ‫مصد ًرا ومرج ًعا ملعرفة تاريخ الرشق القديم‪.‬‬ ‫‪81‬‬


‫اللمعة الشهية يف نحو‬ ‫اللغة الرسيانية‬ ‫إقليميس يوسف داود املوصيل‬

‫ولكن بعد نرش وترجمة ودراسة الكتابات السومرية وخاص ًة األكادية صار العلامء ميلكون مصادر تسمح لهم بالتدقيق يف‬ ‫روايات التوراة‪:‬‬ ‫الطوفان هو قص ٌة منقول ٌة من األساطري التي كانت منترش ًة يف العراق القديم‪.‬‬ ‫هـ ‪ -‬لقد وصلتنا مئات النصوص األكادية واآلرامية التي تخربنا عن تاريخ أجدادنا اآلراميني‪:‬‬ ‫هذه النصوص مل يطّلع عليها املطران داود وبالتايل مل يكن يعرف مدى انتشار اآلراميني يف رشقنا الحبيب ومل يكن مطل ًعا عىل‬ ‫انصهار بقايا الشعوب القدمية ضمن الشعب اآلرامي‪.‬‬ ‫مسيحي له نظر ٌة ِ‬ ‫كتاب‬ ‫و‪ -‬يجدر بنا أن نُذكّر القارئ بأن املطران داود هو رجل دينٍ‬ ‫ٍ‬ ‫مقدس ٌة ألخبار التوراة ألنه يؤمن أنها ٌ‬ ‫مو ًحى من الله‪.‬‬ ‫فاملطران داود ال يدقق يف خربيات التوراة وبالنسبة له هي أخبا ٌر حقيقي ٌة ال غبار عليها‪ ،‬بينام العلامء املتخصصون يف تاريخ‬ ‫الرشق الذين يحققون ويدققون يف أخبار التوراة يشككون يف وجود امللك داود ولكن اكتشاف نصوص تل دان اآلرامية حيث‬ ‫ورد تعبري «بيت داود» قد بدد شكوكهم‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫شخصيات مثل إبراهيم ويعقوب وسام ونو ٍح فأكرثية العلامء‬ ‫أما عن وجود‬ ‫ال تؤمن بوجودهم‪ .‬قصة موىس يف مرص مأخوذ ٌة من حكاي ٍة تتكلم عن‬ ‫حياة رسگون األكادي!‬ ‫ز ‪ -‬أن تصديق املطران داود لكل أخبار التوراة سوف يدفعه إىل الوقوع يف‬ ‫أخطا َء تاريخي ٍة وجغرافي ٍة عديدة‪:‬‬ ‫سوف أكتفي بذكر مغالط ٍة جغرافي ٍة كبري ٍة إذ يذكر املطران داود يف بداية مقدمته الصفحة ‪ 7‬الطبعة الثانية‪:‬‬ ‫قسم كبريٍ من أرض آسيا‪،‬‬ ‫«أعلم أن اللغة الرسيانية كانت يو ًما لغة أم ٍة عظيم ٍة ساكن ٍة يف ٍ‬ ‫أي بالد الشام مع جزائرها والجزيرة والعراق وآثور وما يجاور هذه البالد إىل حدود الفرس رشقًا وبالد األرمن وبالد اليونانيني‬ ‫‪82‬‬


‫اللمعة الشهية يف نحو‬ ‫اللغة الرسيانية‬ ‫إقليميس يوسف داود املوصيل‬

‫يف آسيا الصغرى شاملً وحدود بالد العرب جنوبًا‪.‬‬ ‫وكانت هذه كلها يقال لها عند اليهود أرام ألن أرام بن سام هو الذي تبوأها وع ّمرها بنسله»‪.‬‬ ‫* ال يوجد أي ٍ‬ ‫نص يف التوراة يوحي لنا أن اآلراميني قد سكنوا كل هذه املناطق الشاسعة‪.‬‬ ‫* غري صحي ٍح أن أسفار التوراة قد أطلقت تسمية «بالد آرام» عىل الرشق‪ :‬إن تعبري «بالد آرام» و«ملك آرام» كان يُطلق‬ ‫حرصيًا عىل ملك دمشق اآلرامي‪ ،‬وحدود مملكة دمشق التاريخية معروف ٌة جغراف ًيا‪.‬‬ ‫*إن اآلراميني كانوا يشكلون أكرثي ًة ساحق ًة يف الرشق منذ القرن الثامن قبل امليالد ليس «ألن أرام بن سام هو الذي تبوأها‬ ‫وعمرها بنسله»‪ ،‬ولكن ألن العلامء ومن خالل دراسة النصوص األكادية توصلوا إىل معرفة انتشار املاملك والقبائل اآلرامية‬ ‫يف كل الرشق وصهرها لبقايا الشعوب القدمية‪.‬‬ ‫*إن التوراة قد ُد ّونت يف بداية القرن السادس قبل امليالد وهي تشري لنا عن دور اآلراميني يف تاريخ الرشق‪.‬‬ ‫فنحن ال نص ّدق حرف ًيا أن «أرام بن سام هو الذي تبوأها وعمرها بنسله» ولكن هذه الجملة تعني بكل بساط ٍة أن اآلراميني‬ ‫هم األكرثية يف الرشق‪.‬‬

‫سادسا ‪ -‬األخطاء التاريخية حول تاريخ اللغة اآلرامية‪:‬‬ ‫ً‬ ‫أ ‪ -‬قلة املصادر حول اآلراميني ولغتهم اآلرامية سوف تدفع املطران داود إىل ارتكاب أخطا َء تاريخي ٍة رهيبة‪.‬‬ ‫بالرغم من اطّالعه عىل الدراسات الحديثة (يف أواسط القرن التاسع عرش) فإنه يشكك بتلك الدراسات وسيبقى عىل رأيه‬ ‫املسبق وهو أن األشوريني كانوا يتكلمون اللغة اآلرامية‪.‬‬ ‫ذكر املطران داود عن مصادره عن اآلراميني صفحة ‪ ...« :58‬وتحتاج للوقوف عىل ذلك إىل مطالعة كتب األجنبيني والسيام‬ ‫اليهود واليونانيني‪ .‬ألننا لوال كُتب اليهود واليونانيني ملا عرفنا شيئًا عن أحوال اآلراميني القدماء والبالد التي يسكنونها إىل زمان‬ ‫ظهور املسيح»‪.‬‬ ‫‪83‬‬


‫اللمعة الشهية يف نحو‬ ‫اللغة الرسيانية‬ ‫إقليميس يوسف داود املوصيل‬

‫إن أسفار التوراة والروايات التاريخية فيها ال ت ُعترب‬ ‫مصد ًرا أمي ًنا وموثوقًا ملعرفة تاريخ الرشق القديم‪:‬‬ ‫لقد كانت التوراة قبل فك رموز الكتابة املسامرية‬ ‫تُعترب «مصد ًرا» وحي ًدا ملعرفة تاريخ الرشق القديم‪.‬‬ ‫إن الكتابات األكادية هي املصدر الرئييس ملعرفة‬ ‫تاريخ اآلراميني وانتشارهم يف الرشق القديم‪.‬‬ ‫أما كتابات اليونانيني القدامى عن شعوب الرشق‬ ‫القديم فهي غري موثوق ٍة ألنه يغلب عليها الطابع‬ ‫األسطوري‪:‬‬ ‫هنالك ٌ‬ ‫فرق كب ٌري بني أسطورة سمرياميس وتاريخها الحقيقي!‬ ‫ب ‪ -‬يؤكد املطران داود ‪ -‬استنا ًدا إىل التوراة ‪ -‬أن األشوريني القدامى كانوا يتكلمون اللغة اآلرامية‪ ،‬فهو يكتب‪ ،‬صفحة ‪:89‬‬ ‫«أما األول فهو حقيق ٌة تاريخي ٌة أكيد ٌة ال تحتمل أدىن ريب‪ ،‬وهي أن لغة األثوريني والبابليني كانت آرامي ًة أي عني اللغة‬ ‫ٍ‬ ‫اختالف يسريٍ طرأ عليها من رصوف‬ ‫الدارجة يو ًما يف بالد الشام وما يجاورها والتي يستعملها الرسيان اليوم يف الكتابة مع‬ ‫محضا من دون قيد‪.‬‬ ‫الزمان‪ .‬أما األثوريون فيشهد الكتاب املقدس أن لسانهم كان اآلرامي‪ً ،‬‬ ‫إذ ورد يف سفر امللوك الثاين ‪.»... 26 :18‬‬ ‫كان املطران داود يعتقد أن لغة األشوريني األم هي اللغة اآلرامية وسوف نراه الحقًا يرفض نتائج االكتشافات الجديدة‬ ‫املبنية عىل الكتابات املسامرية األكادية‪ .‬نحن اليوم نعلم أن الشعب األشوري كان يتكلم اللغة األكادية ولكنه «صار» يف‬ ‫القرن الثامن يتكلم اللغة اآلرامية ألن ملوك أشور قد سبوا القبائل اآلرامية الثائرة إىل بالد أشور فصار عدد اآلراميني أكرث من‬ ‫األشوريني يف بالد أشور(‪!)3‬‬ ‫‪3- H. Tadmor, “The Aramaization of Assyria: Aspects of Western impact” a chapter in Mesopotamien und seine Nachbarn: politische und kulturelle‬‬ ‫‪Wechselbeziehungen im alten Vorderasien vom 4. bis 1. Jahrtausend v. Chr, D. Reimer, Berlin, 1987.‬‬

‫‪84‬‬


‫اللمعة الشهية يف نحو‬ ‫اللغة الرسيانية‬ ‫إقليميس يوسف داود املوصيل‬

‫ج ‪ -‬هذا االعتقاد الخاطئ (لغة األشوريني األم هي اآلرامية) سوف تدفع املطران داود إىل «االدعاء» الباطل بأن الكتابات‬ ‫املسامرية هي آرامية!!!‬ ‫فهو يكتب‪ ،‬صفحة ‪« :16‬إال أننا عندنا ما عدا شهادة التواريخ املذكورة شهاد ٌة جليل ٌة عىل ِقدم اللغة اآلرامية من الكتابات‬ ‫املنقوشة عىل األحجار التي منذ خمسني أو ستني سن ًة بدئ أن يكشف عليها يف موقع نينوى القدمية بجوار املوصل وبابل‬ ‫القدمية‪.‬‬ ‫وهي بالقلم اآلرامي الذي يقال له املسامري ألن حروفه تشبه املسامري والتي بال ٍ‬ ‫شك هي مكتوب ٌة باللسان اآلرامي كام سنبني‬ ‫فيام بعد أن شاء الله»‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫متخصص يف تاريخ اللغة األكادية يذكر أنها آرامية!‬ ‫يجدر التذكري بأنه ال يوجد أي عا ٍمل‬ ‫وبكل رصاحة‪ ،‬ا ّدعاء أن الكتابات املسامرية القدمية هي آرامي ٌة هو من فكر املطران داود وال أعتقد أن أحد العلامء من القرن‬ ‫التاسع عرش قد تبنى هذه الفكرة!‬ ‫د‪ -‬كان املطران داود يعتقد ‪ -‬استنا ًدا إىل التوراة ‪ -‬أن ِق َدم اللغة اآلرامية يعود إىل القرن الثامن عرش قبل امليالد وهذا غري‬ ‫صحي ٍح تاريخ ًيا‪ .‬أقدم النصوص اآلرامية تعود إىل القرن العارش قبل امليالد والكتابة األبجدية مل تكن موجود ًة يف القرن الثامن‬ ‫عرش قبل امليالد!‬ ‫ذكر املطران داود‪ ،‬صفحة ‪« :91‬فال شك إذًا أن نينوى وبابل كانت لهام لغ ٌة واحد ٌة منذ األزمان القدمية وأن هذه اللغة كانت‬ ‫اآلرامية وهي اللغة التي يف القرن الثامن عرش نفسه قبل املسيح (طالع سفر التكوين ‪ )47 :31‬كانت عني اللغة الرسيانية‬ ‫الدارجة يف بالد الشام‪.»...‬‬ ‫ه ‪ -‬اعتامد املطران داود املطلق عىل التوراة سوف يدفعه إىل االعتقاد أن اللغة اآلرامية كانت محكي ًة يف بالد أشور منذ ال ِقدم‬ ‫واضح من خالل النصوص التالية‪:‬‬ ‫لذلك لن يقبل ما ّ‬ ‫توصل له العلامء املتخصصون يف تاريخ الرشق القديم‪ .‬وهذا الرفض ٌ‬ ‫*‪ -‬النص األول صفحة ‪« :92‬ولرنجع اآلن إىل اللغة التي ذكرنا أن العلامء االفرنجيني زعموا أنها لغة األثوريني والبابليني القدماء‬ ‫‪85‬‬


‫اللمعة الشهية يف نحو‬ ‫اللغة الرسيانية‬ ‫إقليميس يوسف داود املوصيل‬

‫وأنهم وجدوها بقراءتهم الكتابات املسامرية‪.‬‬ ‫فنقول أنه من بعد كل ما ب ّيناه إىل اآلن‪ ،‬يسوغ لنا أن نحكم جازمني بأنه إن كانت هذه اللغة آرامي ًة فمن املحتمل أنها‬ ‫كانت لغة بابل وأثور‪ ،‬وإال فيجب رفضها وإنكارها‪ ،‬والحال أن هذه اللغة التي وجدها علامء اإلفرنج ليست آرامي ًة باعرتاف‬ ‫مخرتعيها أنفسهم‪ ،‬فإذًا ال ميكن أن تكون هذه اللغة هي لغة البابليني والكلدانيني»‪ .‬التعليق هو أن املطران داود ينطلق‬ ‫من اعتقاده الراسخ بأن األشوريني كانوا يتكلمون اآلرامية وبالتايل إذا كانت الكتابة املسامرية هي آرامي ٌة فإنها قد تكون لغة‬ ‫األشوريني أما إذا كانت غري آرامي ٍة فهذا يعني له أن الكتابات املسامرية ليست للشعب األشوري القديم‪.‬‬ ‫*النص الثاين صفحة ‪« :96‬فليعرتف إذًا العالمة ‪ Oppert‬أبرت واملعلم‬‫‪ Menant‬منان وأتباعهام يف هذا املذهب ويق ّروا بأنهم لسوء الحظ مع كل‬ ‫ِج ّدهم املمدوح واجتهادهم املأثور وعنائهم املشكور وغزارة علمهم الفائقة‬ ‫التي يعرتف بها كل العلامء ويُشكر لهم عليها مل يتوصلوا بع ُد إىل كشف الرس‬ ‫املكتوم يف الكتابات املسامرية‪.‬‬

‫ ‬

‫وليداوموا عىل البحث والتنقيب واالجتهاد واملعالجة‪ ،‬وعىل الخصوص‬ ‫فليحكّموا معرفة اللغة اآلرامية ‪ ...‬لعل الزمان يتيح لهم يف اآلخر وجدان‬ ‫الضالة نفسها ال خيالها فيؤتوا العامل معروفًا يبقى ِذكره مخل ًدا يف بطون‬ ‫التواريخ»‪.‬‬

‫جول أوپري (أبرت)‬

‫يف بداية الخمسينات من القرن التاسع عرش كان التنافس جاريًا بني العلامء يف الغرب لفك رموز الكتابة املسامرية ولكن سنة‬ ‫‪ 1857‬اجتمع عدة علام َء وقاموا ‪ -‬كل ٍ‬ ‫واحد مبفرده ‪ -‬برتجمة كتاب ٍة مسامري ٍة ثم ُجمعت الرتجامت وقورنت فوجد العلامء‬ ‫أن أغلب الرتجامت كانت متطابق ًة‪.‬‬ ‫املطران داود ال يزال يعتقد أن العلامء مل يفلحوا بفك رموز الكتابة املسامرية وهو ينصحهم بالتعمق يف دراسة اللغة اآلرامية‬ ‫ألنه كان يتوهم أن الكتابة املسامرية هي آرامية!‬ ‫وطب ًعا هذا غري صحيح‪.‬‬ ‫‪86‬‬


‫اللمعة الشهية يف نحو‬ ‫اللغة الرسيانية‬ ‫إقليميس يوسف داود املوصيل‬

‫*النص الثالث صفحة ‪« :97‬وحسبنا اآلن أن نعترب أنه إن كانت اللغة األثورية التي استخرجها العلامء الذين الكالم عنهم‬‫حق أن نشك يف صحة اللغة األكادية أو السومرية التي يزعمون أنهم‬ ‫ال ميكن ثباتها وقبولها كام بي ّنا إىل اآلن أفليس لنا ٌ‬ ‫أيضا من الكتابات املذكورة بل نرفضها وننفيها كام رفضها ونفاها قو ٌم من علامء االفرنج أنفسهم»‪.‬‬ ‫استخرجوها ً‬ ‫رسع العلامء يف إطالق التسمية األشورية عىل الكتابة املسامرية ألنهم وجدوا أن‬ ‫ال شك أن القارئ املثقف يعرف كيف ت ّ‬ ‫الكتابات املسامرية تسمي هذه اللغة باللغة األكادية متيي ًزا عن لغ ٍة أقدم هي اللغة السومرية‪ .‬اللغة السومرية كانت لغ ًة‬ ‫هندو‪-‬أوروپي ًة بينام اللغة األكادية كانت لغ ًة رشقي ًة (سامي ًة)‪.‬‬ ‫شعب ولغ ٍة سومري ٍة‬ ‫املطران داود يشكك يف وجود السومريني ويسخر من العلامء الذين ‪ -‬حسب تعبريه ‪ -‬يزعمون بوجود ٍ‬ ‫قبل األشوريني‪.‬‬ ‫رص مل تنترش فيه املعلومات التاريخية املبنية عىل مصادر موثوق ٍة ولكن عناده يف رفض‬ ‫قد يكون املطران داود عاش يف ع ٍ‬ ‫النتائج التاريخية التي توصل لها علامء الرشق القديم تشري لنا بقو ٍة أن املطران داود وبالرغم من اطّالعاته التاريخية إال أنه‬ ‫أسري قصص التوراة‪.‬‬ ‫لقد أوردت سابقًا بعض األخطاء التاريخية والجغرافية يف تاريخ اللغة اآلرامية يف مقدمة «اللمعة الشهية»‪ .‬لقد أث ّر املطران‬ ‫داود عىل املفكرين الرسيان الذين عارصوه وخاص ًة الرعيل األول من القوميني الرسيان يف بداية القرن العرشين ألنهم نقلوا‬ ‫«مفاهيم» املطران داود بدون التحقق يف صحتها‪.‬‬ ‫ال يزال بعض الرسيان اليوم يرددون طروحات املطران داود الخاطئة ويعتربونها «صحيح ًة» ألنها تسمح لهم باالدعاء بهوي ٍة‬ ‫أشوري ٍة بالرغم من زيفها وتقسيمها لألمة الرسيانية اآلرامية‪.‬‬

‫ساب ًعا ‪َ -‬من هم الرسيان يف مفهوم املطران داود؟‬ ‫أ ‪ -‬من يتعمق يف دراسة مقدمة «اللمعة الشهية» يالحظ أن املطران داود كان يعتقد أن التسمية الرسيانية كانت أقدم من‬ ‫التسمية اآلرامية‪ .‬فهو يذكر يف بداية املقدمة صفحة ‪:7‬‬ ‫قسم كبريٍ من أرض آسيا ‪ ...‬وكانت هذه البالد كلها يقال لها‬ ‫«أعلم أن اللغة الرسيانية كانت يو ًما لغة أم ٍة عظيم ٍة ساكن ٍة يف ٍ‬ ‫‪87‬‬


‫اللمعة الشهية يف نحو‬ ‫اللغة الرسيانية‬ ‫إقليميس يوسف داود املوصيل‬

‫عند اليهود أرام ألن أرام بن سام هو الذي تبوأها وع ّمرها بنسله ‪...‬‬ ‫ولذلك فاللغة الرسيانية ال ت ُسمى يف العهد القديم إال آرامية»‪.‬‬ ‫التسمية الرسيانية هنا هي مرادف ٌة للتسمية اآلرامية بشكلٍ واض ٍح‬ ‫بالرغم من ترديده أن اليهود يس ّمون هذه البالد «آرام» فإنه من واجبنا‬ ‫أن نصحح معلوماته‪:‬‬ ‫أجدادنا اآلراميون هم الذين أطلقوا تسمية بالد «آرام» عىل مواطنهم‪.‬‬ ‫بعض الكتابات اآلرامية هي أقدم من تدوين أسفار التوراة (القرن‬ ‫السادس قبل امليالد) وقد ذكرت حرفيًا بالد آرام‪ ،‬فهنالك نقش ذكري‬ ‫ملك حامة اآلرامي ويعود إىل أواخر القرن التاسع قبل امليالد حيث ورد‬ ‫«برهدد بر حزائيل ملك آرام»‪.‬‬ ‫كام وردت تسمية «كل آرام» يف نصوص نقش سفرية املشهورة‬ ‫‪ Sefire steles‬والتي تعود إىل أواسط القرن الثامن قبل امليالد‪.‬‬

‫نقش ذكري‬

‫ب ‪ -‬لقد ذكر املطران داود صفحة ‪« :23‬وأما يف األزمان القدمية السابقة للنرصانية فكل خبريٍ بالتواريخ يعلم أن أول املاملك‬ ‫يف الدنيا قامت لدى الرسيان أي يف بابل ونينوى وأن الرسيان الرشقيني وال سيام أهل بابل هم أول األمم الذين اشتغلوا‬ ‫بالعلوم ‪ ...‬واستنبطوا صناعة الكتابة النفيسة كام سرنى‪.»...‬‬ ‫يف النص األول الرسيان هم اآلراميون ولكن من خالل هذا النص نرى أن املطران داود قد أدخل ضمن الشعب الرسياين‬ ‫اآلرامي شعوبًا عديد ًة مثل األكاديني واألشوريني وهذه الشعوب قد انقرضت وذابت ضمن اآلراميني‪.‬‬ ‫لقد انترشت القبائل اآلرامية يف العراق القديم ولذلك ُعرف ببالد اآلراميني(‪.)4‬‬ ‫تاريخي ال غبار عليه‪ ،‬أما ترديده «أول املاملك يف الدنيا قامت‬ ‫لذلك نحن نرى استخدام تعبري «الرسيان املشارقة» هنا هو‬ ‫ٌ‬ ‫شعب مغاي ٌر عن الشعوب األكادية واألشورية‪.‬‬ ‫لدى الرسيان أي يف بابل ونينوى» فنحن ال نوافق ألن الرسيان اآلراميني هم ٌ‬

‫‪ -4‬راجِعوا بحثي «انتشار القبائل اآلرامية يف العراق القديم» عىل موقع نسور الرسيان ‪.www.nesrosuryoyo.com‬‬

‫‪88‬‬


‫اللمعة الشهية يف نحو‬ ‫اللغة الرسيانية‬ ‫إقليميس يوسف داود املوصيل‬

‫من الواضح أن املطران داود ينقل لنا بعض املفاهيم الخاطئة التي كانت تعتمد املصادر اليونانية غري املوثوقة‪:‬‬ ‫*‪ -‬قبل احتالل اإلسكندر لرشقنا الحبيب كانت املصادر اليونانية تطلق عىل الرشق تار ًة ‪ Assyria‬وطو ًرا ‪.Syria‬‬ ‫*‪ -‬بعض املصادر اليونانية والالتينية كانت تستخدم تعبري ‪ Syrian‬لتقصد به الشعب األشوري القديم‪.‬‬ ‫*‪ -‬الشعب األشوري هو الذي حكم يف نينوى وليس الشعب الرسياين وغري صحي ٍح أن األشوريني والبابليني هم الذين أسسوا‬ ‫أول املاملك يف العامل‪:‬‬ ‫هذه خربياتٌ أسطوري ٌة منقول ٌة من املصادر اليونانية ونحن نعلم أن شعوبًا عديد ًة مثل السومريني واملرصيني كانت لهم‬ ‫ماملك قبل البابليني (األكاديني) واألشوريني‪.‬‬ ‫هندو‪-‬أوروپي‪ ،‬وانتقل هذا العلم إىل الكلدان‬ ‫شعب‬ ‫*‪ -‬الكيشيون ‪ Kassites‬هم الذين أدخلوا علم الفلك إىل بالد أكاد‪ ،‬وهم ٌ‬ ‫ّ‬ ‫اآلراميني واشتهروا به‪.‬‬ ‫هندو‪-‬أوروپي والرسيان ليسوا مبستنبطي الكتابة وال عار يف ذلك!‬ ‫شعب‬ ‫*‪ -‬تعود أقدم كتاب ٍة إىل الشعب السومري وهو ً‬ ‫أيضا ٌ‬ ‫ٍّ‬ ‫ج ‪ -‬الرسيان يف مرص؟‬ ‫ذكر املطران داود‪« :‬ويجدر بنا هنا أن نذكر ما يُعلم من التاريخ اليقني منذ قديم األزمان وهو أن األمة الرسيانية انترشت‬ ‫إىل البالد البعيدة واستوطنتها وتظاهرت فيها وخلّفت فيها آثا ًرا جليل ًة‪.‬‬ ‫فمن ذلك الجامعة الرسيانية التي تبوأت بالد مرص منذ األزمان القدمية وتركت هناك آثا ًرا كثري ًة رسياني ًة‪.»...‬‬ ‫من املؤسف أن املطران داود ي ّدعي أن الرسيان قد استوطنوا مرص يف تاريخهم القديم وهذا ٌ‬ ‫قول غري صحي ٍح ألن الكتابات‬ ‫اآلرامية التي يستشهد بها تعود إىل جنو ٍد آراميني ويهود يخدمون يف الجيش الفاريس‪.‬‬ ‫‪89‬‬


‫اللمعة الشهية يف نحو‬ ‫اللغة الرسيانية‬ ‫إقليميس يوسف داود املوصيل‬

‫د ‪ -‬هل التسمية الرسيانية هي أقدم من التسمية اآلرامية؟‬ ‫كتب املطران داود صفحة ‪« :9‬فاليونانيون ملّا سموا اآلراميني رسيانًا مل يخرتعوا هذا االسم لكن سمعوه من الرسيان أنفسهم‬ ‫إذ خالطوهم وعارشوهم»‪ ،‬ثم يرشح لنا حول التسمية اآلرامية‪:‬‬ ‫«أما اسم اآلرامي فال يظن ظا ٌن أنه مل يكن معروفًا عند الرسيان وأنهم تعلموه من الكتاب املقدس العرباين‪.‬‬ ‫فإنه لو سلّمنا ما ليس ٍ‬ ‫بأكيد وهو أن مرتجم العهد القديم إىل الرسيانية إمنا استعمل لفظة اآلرامي مبعنى الرسياين ألنه‬ ‫وجدها يف األصل العرباين الذي ترجمه ال يصح ذلك البتة من جهة العهد الجديد فإن مرتجم أسفار هذا العهد حيثام وجد‬ ‫عب عنها يف الرسيانية بلفظة اآلرامي‪ ...‬وكذلك يف لوقا ‪ 27 :4‬حيث األصل‬ ‫فيها لفظة اليوناين مبعنى الصابئ أو غري اليهودي ّ‬ ‫سمه املرتجم الرسياين آراميا»‪.‬‬ ‫اليوناين يسمي نعامن رسيان ًيا ّ‬ ‫صحيح أن اسمنا الرسياين كان مرادفًا السمنا اآلرامي ولكن يظهر أن املطران داود كان حائ ًرا ال يعرف أيهام هو االسم‬ ‫*‪-‬‬ ‫ٌ‬ ‫األقدم‪.‬‬ ‫*‪ -‬ملا سموا اآلراميني رسيانًا من الواضح أن االسم الرسياين هو الدخيل عىل االسم اآلرامي‪.‬‬ ‫*‪« -‬أما اسم اآلرامي فال يظن ظا ٌن أنه مل يكن معروفًا عند الرسيان وأنهم تعلموه من الكتاب املقدس العرباين»‪.‬‬ ‫واضح يف كالمه عن نعامن اآلرامي فهو يقول‪« :‬حيث األصل‬ ‫يبدو هنا االسم اآلرامي هو الدخيل عىل االسم الرسياين وهذا ٌ‬ ‫اليوناين يسمي نعامن رسيان ًيا سامه املرتجم الرسياين آرام ًيا»‪.‬‬ ‫هذه الجملة توحي أن نعامن كان رسيان ًيا وأن الرتجمة الرسيانية قد حولته إىل نعامن اآلرامي‪.‬‬ ‫يف الحقيقة أن نعامن كان قائ ًدا آراميًا يف مملكة دمشق اآلرامية وأن الرتجمة السبعينية اليونانية قد ترجمت االسم اآلرامي‬ ‫إىل رسياين!‬ ‫عب‬ ‫*‪« -‬من جهة العهد الجديد فإن مرتجم أسفار هذا العهد حيثام وجد فيها لفظة اليوناين مبعنى الصابئ أو غري اليهودي ّ‬ ‫‪90‬‬


‫اللمعة الشهية يف نحو‬ ‫اللغة الرسيانية‬ ‫إقليميس يوسف داود املوصيل‬

‫عنها يف الرسيانية بلفظة األرامي»‪.‬‬ ‫تدقيق فإنني بحثت يف طبعتني رسيانيتني ومل أجد‬ ‫هذا الرأي بحاج ٍة إىل‬ ‫ٍ‬ ‫براهني تثبت رأي املطران داود‪.‬‬ ‫ه ‪ -‬يستنتج املطران داود‪ ،‬صفحة ‪« :10‬ومن ذلك يتضح بكل التأكيد أن اسم‬ ‫اآلرامي كان شائ ًعا عند الرسيان بقطع النظر عن اللغة العربانية وعن العهد‬ ‫القديم حتى أن املسيحيني األولني جعلوه كناي ًة عن الوثني أو الصابئ أي‬ ‫الذي مل يكن يهوديًا»‪.‬‬ ‫*‪ -‬هذا استنتاج ‪ -‬بكل ٍ‬ ‫خاطئ ألن هذه النظرية التي أطلقها العامل‬ ‫تأكيد ‪-‬‬ ‫ٌ‬ ‫الفرنيس كاترمري ‪ Quatremère de Quincy‬مل يق ّدم لها أي برهانٍ مقنعٍ وأن املصادر الرسيانية العديدة مل تستخدم‬ ‫التسمية اآلرامية مبعنى الوثني كام أن أجدادنا قد حافظوا عىل اسمهم اآلرامي من مار افرام إىل ابن العربي!‬ ‫الرسيان هم يف مفهوم املطران داود تار ًة آراميني وطو ًرا شعوبًا أكادي ًة وأشوري ًة‪.‬‬ ‫وسوف نرشح لِام خلط املطران داود الشعب الرسياين اآلرامي بالشعوب القدمية التي سكنت العراق القديم‪.‬‬

‫ثام ًنا ‪ -‬املطران داود ونص رينان الشهري!‬ ‫منذ حوايل ‪ 17‬سن ًة كتبت عدة در ٍ‬ ‫اسات نقدي ٍة حول مقدمة قاموس املطران أوجني‬ ‫يعقوب َم ّنا‪.‬‬ ‫نصا من تاريخ اللغات السامية للعامل الفرنيس‬ ‫وقد ذكرت أن املطران م ّنا كان قد نقل ً‬ ‫ارنست رينان ولكن بدون أن يطّلع عىل كتاب رينان‪.‬‬ ‫وقد ذكرت يف أبحايث السابقة أن املطران أوجني م ّنا قد نقل نص رينان من قاموس باين‬ ‫‪91‬‬


‫اللمعة الشهية يف نحو‬ ‫اللغة الرسيانية‬ ‫إقليميس يوسف داود املوصيل‬

‫سميث ولكن بعد التدقيق يف مقدمة «اللمعة الشهية» وجدت أن املطران م ّنا قد نقل نص رينان «حرف ًيا» من مقدمة‬ ‫«اللمعة الشهية»‪.‬‬ ‫أ ‪ -‬نص رينان الشهري‪ُ :‬ولد ‪ Ernest Renan‬سنة ‪ 1823‬وقد نال شهر ًة كبري ًة يف فرنسا‬ ‫ألنه كان كاتبًا وفيلسوفًا ومؤر ًخا‪.‬‬ ‫حصل عىل شهر ٍة واسع ٍة بعد كتابه «حياة يسوع» ‪ Vie de Jésus‬ولكن شهرته بني‬ ‫«نصا» من كتابه «التاريخ العام‬ ‫األوساط الرسيانية هي ألن املطران داود قد نقل ً‬ ‫واألنظمة املقارنة للغات السامية» ‪Histoire Générale et Systèmes Comparés‬‬ ‫‪ .des Langues Sémitiques‬سوف نرى الحقًا أن بعض املفكرين سوف يستغلون‬ ‫هذا النص ويفرسونه مبا يالئم الطروحات السياسية التي تزيف هويتنا اآلرامية‬ ‫التاريخية‪.‬‬ ‫ويجدر بنا أن نذكر أن نصه املشهور مأخو ٌذ من حاشي ٍة من كتابه «تاريخ اللغات السامية» الذي كتبه سنة ‪ ،1855‬أي قبل‬ ‫فك رموز الكتابة املسامرية‪.‬‬ ‫كتب املطران داود‪ ،‬صفحة ‪: 13‬‬ ‫«ثم أورد (أي پاين سميث صاحب القاموس الرسياين الالتيني) ما قاله العامل الفرنساوي‬ ‫رينان ما نصه‪:‬‬ ‫أخ ًريا أن اسم آرام بُ ّدل يف زمان امللوك السلوقيني يف الرشق باسم سوريا التي ليست إال‬ ‫اختصار أسوريا (أعنى آثور أو أثوريا حسب اللفظ اليوناين) وهو اس ٌم عا ٌم كان يُطلق عند‬ ‫اليونانيني عىل آسيا الداخلية كلها‪ .‬لكن مع ذلك مل يفقد اسم آرام من بالد الرشق بالكلية‬ ‫بل اختص باآلراميني الذين مل يعتنقوا الديانة املسيحية كالنبط وأهل مدينة ح ّران‪.‬‬ ‫ولهذا السبب جعلت لفظة اآلرامي عند علامء اللغة الرسيانية مرادف ًة للفظة الصابئ‬ ‫أو الوثني‪.»...‬‬ ‫‪92‬‬


‫اللمعة الشهية يف نحو‬ ‫اللغة الرسيانية‬ ‫إقليميس يوسف داود املوصيل‬

‫*‪« -‬أن اسم آرام بُدل ‪ ...‬باسم سوريا»‪ ،‬نحن يف القرن الواحد والعرشين نعلم جي ًدا أن اسم آرام كان يُطلق عىل مملكة‬ ‫دمشق اآلرامية وأن الرتجمة السبعينية يف بداية القرن الثالث قبل امليالد قد عمدت إىل ترجمة بالد آرام يف اللغة العربية إىل‬ ‫بالد سوريا يف اللغة اليونانية‪.‬‬ ‫*«سوريا التي ليست إال اختصار أسوريا (أعني آثور‪.»)...‬‬‫املعادلة األوىل‪ :‬اآلراميون = الرسيان هي صحيح ٌة ولكن هذا‬ ‫ال يعني أن اآلراميني هم آثوريون ألن التسمية الرسيانية‬ ‫مشتق ٌة من أسوريا!‬ ‫*‪ -‬أن املصادر الرسيانية تثبت لنا أن أجدادنا ظلوا محافظني‬ ‫عىل اسمهم وهويتهم اآلرامية‪.‬‬ ‫ب ‪ -‬ما هي الخالصة التي توصل إليها املطران داود من نص‬ ‫رينان؟‬ ‫كتب املطران داود‪:‬‬ ‫«فينتج من ذلك أن األمة الرسيانية جمعاء رشقًا وغربًا كانت قبل املسيح‬ ‫تدعى عند أهلها آرامي ًة أو آثوري ًة كام ورد اسمها دامئًا يف الكتاب املقدس وأن‬ ‫اسم الرسيانية مل يكن إال اختصار آثورية اخترصه اليونانيون الذين كرثوا يف‬ ‫بالد اآلرامية بعد اإلسكندر ذي القرنني وقلبوا ثاءه إىل السني لسهولة اللفظ‪.‬‬ ‫ثم ملا اعتنق اآلراميون الديانة النرصانية أهملوا اسمهم القديم وتسموا باسم‬ ‫اسم للملة‬ ‫الرسيانيني متيي ًزا لهم من اآلراميني الوثنيني‪ ،‬فلم يكن اسم الرسياين ً‬ ‫بل للديانة وناهيك عن أن الباقني من اآلراميني القدماء يف آثور وأذربيجان‬ ‫وجبل عبدين إىل يومنا هذا ال يتخذون لفظة الرسياين ‪ ...‬للملة بل للديانة فإن‬ ‫هذه اللفظة عنهم مرادف ٌة للفظة املسيحي والنرصاين»‪.‬‬ ‫‪93‬‬


‫اللمعة الشهية يف نحو‬ ‫اللغة الرسيانية‬ ‫إقليميس يوسف داود املوصيل‬

‫خاطئ ألن معلوماتنا الحديثة عن‬ ‫استنتاج‬ ‫*‪« -‬أن األمة الرسيانية جمعاء ‪ ...‬تدعى عند أهلها آرامي ًة أو آثوري ًة»‪ ،‬هذا‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫متخصص يف تاريخ الرشق القديم‬ ‫رشقي مغاي ٌر للشعب األشوري القديم‪ .‬ال يوجد أي مؤر ٍخ‬ ‫اآلراميني تؤكد عىل أنهم ٌ‬ ‫شعب ٌ‬ ‫يقبل بهذا االستنتاج السطحي‪.‬‬ ‫*‪ -‬مل يهمل أجدادنا اسمهم اآلرامي كام يدعي املطران داود بدون أية براهني‪ .‬الربهان الساطع هو القديس مار افرام الذي‬ ‫مل يستخدم التسمية الرسيانية يف كتاباته بل التسمية اآلرامية فقط‪ :‬عندما يسمي برديصان اآلرامي فهو ال يعني أن برديصان‬ ‫كان وثن ًيا‪ ،‬برديصان كان مسيح ًيا‪.‬‬ ‫*‪ -‬املعنى األول للتسمية الرسيانية هو االنتامء إىل الشعب الرسياين اآلرامي‪.‬‬ ‫قد تكون التسمية الرسيانية مثل التسمية األرمنية والقبطية صارت تحمل مع ًنى آخر وهو االنتامء املسيحي ولكن هذا ال‬ ‫شعب كام فهمها بعض رجال الدين املعارصين!‬ ‫يعني أن التسمية الرسيانية التاريخية ال تدل عىل هوية ٍ‬ ‫*‪ -‬أخ ًريا أن املطران داود قد نقل نظرية العامل الفرنيس كاترمري ‪ Quatremère‬أستاذ العامل رينان بدون أن يطّلع عىل كتابه‬ ‫وبدون أن يتحقق يف براهينه‪.‬‬ ‫ال يوجد أي ٍ‬ ‫نص رسيا ٍين يؤكد نظرية كاترمري‪ ،‬أي أن اآلراميني بعد اعتناقهم الديانة املسيحية تخلوا عن اسمهم اآلرامي!‬ ‫أسباب دفعت املطران داود إىل تب ّني هذه املفاهيم الخاطئة؟‬ ‫ج ‪ -‬هل توجد‬ ‫ٌ‬ ‫متخصصا يف التاريخ‪ ،‬وبالتايل مل يتحقق من املراجع التي اعتمدها ‪.‬‬ ‫*‪ -‬كان املطران داود عاملًا لغويًا وليس باحثًا‬ ‫ً‬ ‫فهو مل يطّلع عىل كتاب كاترمري‪ ،‬وحتى نص رينان نقله من قاموس سميث وليس من كتاب رينان‪ .‬البحث التاريخي يف أيامه‬ ‫كان يف بداية تقدمه وتطوره ومل يكن ميلك املنهجية التي نعرفها اليوم‪.‬‬ ‫*‪ -‬إميان املطران داود الراسخ بأن أسفار التوراة تتكلم عن حقائق تاريخي ٍة سوف تدفعه إىل تصديقها وهذا مام سيدفعه إىل‬ ‫تصديق كل نظري ٍة ال تتعارض مع روايات التوراة‪.‬‬ ‫‪94‬‬


‫اللمعة الشهية يف نحو‬ ‫اللغة الرسيانية‬ ‫إقليميس يوسف داود املوصيل‬

‫كتب املطران داود‪ ،‬صفحة ‪« :18‬وأما أرام أبو الرسيان فهو بعي ٌد عن نو ٍح بجيلني فقط‪ ،‬وإذا اعتربنا الجد الثاين الذي منه‬ ‫نشأ الجنس الرسياين وهو أشور أو أثور الذي هو عىل الخصوص أبو الرسيان الرشقيني الذين يقال لهم األثوريون والبابليون‬ ‫أيضا اب ًنا لسام»‪.‬‬ ‫والكلدان نراه هو ً‬ ‫*‪ -‬لقد تبنى بعض الرسيان مفاهيم املطران داود وطوروها مبا يخدم طروحاتهم التاريخية املتطرفة لذا يجدر بنا التنويه بأن‬ ‫ارتكاب املطران داود لبعض األخطاء التاريخية مل يكن مقصو ًدا وطب ًعا مل تكن له خلفياتٌ سياسية‪.‬‬

‫الخامتة‪:‬‬

‫أ ‪ -‬أن مقدمة «اللمعة الشهية» قد كُتبت سنة ‪ 1878‬وتعتمد بالدرجة األوىل عىل التوراة‪ ،‬وهي مليئ ٌة باألخطاء التاريخية‪،‬‬ ‫ورغم ذلك ال تزال بعض مفاهيم املطران داود الخاطئة منترش ًة بني الرسيان‪.‬‬

‫ب ‪ -‬من املؤسف أن الرعيل األول من القوميني الرسيان يف بداية القرن‬ ‫العرشين قد تب ّنوا مفاهيم املطران داود الخاطئة بدون أن يتأكدوا من‬ ‫صحتها فخلطوا بني هويتنا الرسيانية اآلرامية وبني التسمية األثورية‪.‬‬ ‫ج ‪ -‬لقد ذكر أحد كبار رجال الدين الرسيان أن الشعب الرسياين ينتمي‬ ‫إىل اآلراميني واألشوريني‪ :‬هذا ٌ‬ ‫قول يعتمد عىل ما ورد يف «اللمعة الشهية»‬ ‫وليس عىل مصادرنا الرسيانية‪.‬‬ ‫د ‪ -‬أنه ملن الطبيعي أن يرتكب املطران داود تلك األخطاء التاريخية‬ ‫ولكن ليس من الطبيعي أن يردد الرسيان املعارصون تلك األخطاء‬ ‫ولذلك كان بحثي املتواضع مساهم ًة يف تصحيح األخطاء املتوارثة‪.‬‬

‫صفحة الغالف بالرسيانية‬

‫هرني كيفا‪ :‬باحثٌ‬ ‫متخصص يف تاريخ الرسيان األراميني ‪ .‬أنهى دراسته الجامعية واملاجستري يف لبنان ثم يف جامعة السوربون‬ ‫ٌ‬ ‫يف فرنسا‪.‬‬ ‫‪95‬‬


| ‫ﻣﺴﻠﻤﺶ‬

www.muslimish.com

96


‫أور الكلدانيني‬ ‫ليست يف العراق‬ ‫جـ ‪1‬‬

‫أور الكلدانيني هي مدينة الرها (أور‬ ‫هاي‪ ،‬أورهاي)‪ ،‬حاران‪ ،‬ح َّران‪ ،‬يف تركيا‬ ‫الحالية‪ ،‬وليست أور مدينة النارصية‬ ‫يف العراق‪.‬‬ ‫كان مقر ًرا أن أقوم بنرش هذا‬ ‫املقال بعد مقال «هل وصل‬ ‫النبي يونان –يونس‪ -‬إىل‬ ‫نينوى؟»‪ ،‬ألثبت زيف ربط‬ ‫النساطرة الذين َس َّمهم‬ ‫اإلنكليز آشوريني سنة‬ ‫‪1876‬م ألغر ٍ‬ ‫اض‬ ‫سياسي ٍة خبيثة‪،‬‬

‫موفق نيسكو‬ ‫‪97‬‬


‫أور الكلدانيني‬ ‫ليست يف العراق جـ ‪1‬‬ ‫موفق نيسكو‬

‫وقد تزامن نرش مقايل هذا مع إلغاء زيارة البابا للعراق التي كان مقر ًرا فيها‬ ‫أن يزور النارصية يف هذه الفرتة‪ ،‬وحم ًدا لل ِه والشك ُر ل ُه‪ ،‬حيث مل تتم الزيارة‬ ‫السياسية الالدينية التي يحاول بطريرك الكلدان لويس ساكو استغاللها ألغر ٍ‬ ‫اض‬ ‫سياسية‪ ،‬بحجة ربط أور بالكلدان زو ًرا مثل ما فعل اليهود يف العهد القديم‬ ‫علم أن أرض كنعان ليست يف‬ ‫حيث جعلوا من كنعان السامي من نسل حام‪ً ،‬‬ ‫ٌ‬ ‫ومعروف أن اللغة الكنعانية‬ ‫أرض الحاميني بل يف أرض الساميني (تكوين ‪،)1 :10‬‬ ‫سامية‪ ،‬ثم جعلوا من كنعان ملعونًا (تكوين ‪ ،)25 ،9‬ليأخذوا أرضه يف فلسطني‬ ‫(تكوين‪ ،)8 :17‬والجميع يعلم أن البطريرك ساكو وكنيسته ال عالقة لهم بالكلدان‬ ‫القدماء مطلقًا بل أن البابا أوجني الرابع أطلق كلمة كلدان عىل الرسيان النساطرة‬ ‫الذين تحولوا إىل املذهب الكاثولييك يف ‪1445/9/7‬م لتمييزهم عن النساطرة‪،‬‬ ‫لويس ساكو‬ ‫حيث كانت بغداد منذ سنة ‪780‬م إىل سنة ‪1283‬م مق ًرا لكنيسة النساطرة‪ ،‬وبغداد ت ُس َّمى عند الغرب‪ ،‬بابل‪ ،‬ومع ذلك‬ ‫مل ت ُستعمل كلمة الكلدان ألن االتفاق فشل حينها‪ ،‬لكن تم تثبيت كلمة (كلدان) عىل النساطرة املتكثلكني رسم ًيا يف ‪5‬‬ ‫متوز‪/‬يوليو ‪1830‬م‪ ،‬كام يعرتف بنفسه يف كتبه قبل أن يتكلدن فعل ًيا ويصبح سياس ًيا‪ ،‬ونتمنى إذا قام البابا يو ًما بزيارة‬ ‫العراق‪ ،‬أن تكون زيارته ديني ًة‪ ،‬لتفقد وضع ومحنة املسيحيني املهجرين شامل العراق‪ ،‬وليس مدينة النارصية‪.‬‬ ‫نعود ملوضوعنا األصيل‪ ،‬إن اليهود يف كل تاريخهم القديم‪ ،‬خاص ًة الذين سباهم العراقيون القدماء وفاق عددهم النصف‬ ‫مليون وعاشوا يف العراق منذ القرن الثامن قبل امليالد‪ ،‬مل يذكروا أن منطقة أبيهم إبراهيم أور الكلدان هي يف العراق‪،‬‬ ‫والرأي القائل أن أور الكلدان يف العراق يعود للمؤرخ أبولومس سنة ‪ 150‬ق‪.‬م‪ .‬تقري ًبا الذي اعتربها يف العراق‪ ،‬لشهرة‬ ‫العراق وأخباره الواردة يف العهد القديم بكرثة‪ ،‬وأصبحت بعدها مسألة كون مدينة أور الكلدانيني الوارد ذكرها يف التوراة‬ ‫عن خروج إبراهيم منها وذهابه إىل حارن‪ ،‬أنها أور العراق قرب النارصية رواي ًة متداول ًة بكرث ٍة بني الكتاب واملؤرخني‪،‬‬ ‫شاح الكتاب املقدس الذين مل يُركُّزوا عىل‬ ‫خاص ًة ُ َّ‬ ‫األمر ألن ه َّمهم كان دين ًيا عا ًما من جهة‪ ،‬وعنهم‬ ‫أخذ املؤرخون هذا األمر‪ ،‬عىل أن ذلك ليس حقيق ًة‪،‬‬ ‫فقد ذكر كثريون منذ بداية املسيحية‪ ،‬أنها ليست‬ ‫أور العراق‪ ،‬بل الرها‪ ،‬أور هاي‪ ،‬أورهاي‪ ،‬أو حاران‪،‬‬ ‫ح َّران‪ ،‬حال ًيا مدينة أورفا يف تركيا‪ .‬وبعد االكتشافات‬ ‫األثرية ووضوح التاريخ ثبت ذلك جل ًيا‪ ،‬وعدا اآلراء‬ ‫القدمية‪ ،‬فأغلب األبحاث الحديثة والتفسريات تقول‬ ‫إن أور الكلدانيني ليست يف العراق‪ ،‬بل هي مدينة‬ ‫هروب السجناء بريشة تيسو‬ ‫الرها وح َّران قربها‪.‬‬ ‫‪98‬‬


‫أور الكلدانيني‬ ‫ليست يف العراق جـ ‪1‬‬ ‫موفق نيسكو‬

‫فهل أور التوراة هي أور العراق أم الرها وحاران؟‬ ‫سابق عنوانه (هل وصل يونان النبي –يونس‪ -‬إىل نينوى؟)‪ ،‬إننا كُنا نستطيع إنهاء املوضوع بجمل ٍة‬ ‫لقد قلنا يف مقا ٍل ٍ‬ ‫أيضا نستطيع أن ننهي‬ ‫واحدة‪ ،‬إن نينوى مل تكن عاصمة اآلشوريني وال ذكر لها أيام يونان النبي‪ ،‬وانتهى املوضوع‪ ،‬وهنا ً‬ ‫املوضوع بجمل ٍة واحدة فقط‪ ،‬هي (مل ترد كلمة أور الكلدانيني يف النص العربي األصيل مطلقًا‪ ،‬بل أور الكاسديني)‪ ،‬وانتهى‬ ‫علم أن علينا أن نعلم أن الكتاب املقدس رغم وجود‬ ‫املوضوع‪ ،‬ولكن إمتا ًما للفائدة سنناقش التاريخ والتوراة لرنى ذلك‪ً ،‬‬ ‫ماد ٍة تاريخي ٍة وجغرافي ٍة فيه‪ ،‬إالَّ أنه بالنتيجة ليس كتابًا تاري ًخيا وجغراف ًيا بحتًا‪ ،‬بل كتابًا مهمته اإلميان وقصة ٍ‬ ‫خالص‬ ‫وعالقة اإلنسان مع الله‪ ،‬لذلك أقول‪:‬‬ ‫إن غالبية نصوص العهد القديم منذ زمن موىس (القرن الرابع عرش قبل امليالد) بقيت متداول ًة شفه ًيا إىل القرن‬ ‫السادس قبل امليالد عندما بدأ اليهود بتدوينه‪ ،‬أي بعد أكرث من مثامنئة سنة‪ ،‬وعندما دونوه ذكروا أسامء البالد واملدن‬ ‫مثل بالد آشور منذ الخليقة قبل أن ينزل آدم من فردوس عدنٍ إىل األرض‬ ‫التي كانت موجود ًة يف عرصهم‪ ،‬فذكروا ً‬ ‫(تكوين ‪ ،)14 :2‬وذكروا مدينة بابل منذ الطوفان والتي مل يكن اسمها بابل قبل عهد حمورايب‪ ،‬ومدينة دان زمن إبراهيم‬ ‫(تكوين ‪ )14 :14‬مل تكن تدعى دان‪ ،‬بل «الشَ م»‪ ،‬واتخذت هذا االسم يف زمن يشوع بن نون أو بعده‬ ‫(يشوع ‪ ،47 :19‬القضاة ‪ ،)29 :18‬ومدينة رعمسيس التي ش َّيدها رمسيس الثاين (متوىف ‪ 1213‬ق‪.‬م‪ ،).‬مل تكن موجود ًة زمن‬ ‫يوسف (تكوين ‪ ،)11 :47‬ومدينة سيحون كان اسمها حشبون‪ ،‬وذكروا أور الكلدانيني سنة ‪ 1900‬ق‪.‬م‪ .‬تقري ًبا‪ ،‬والسبب‪،‬‬ ‫أن كاتب السفر كتب أسامء املدن املوجودة زمنه‪ ،‬لكن تلك التسميات مل تكن موجود ًة بهذا االسم وقت الحدث‪،‬‬ ‫وباختصا ٍر مثلام نقول اليوم إن مدينة تورينتو الكندية نُهبت سنة ‪1812‬م‪ ،‬بينام كان اسمها آنذاك يورك‪ ،‬أو كمن يكتب‬ ‫تاريخ فرنسا اليوم قبل ألفي سن ٍة ومل يكن اسمها فرنسا‪ ،‬بل بالد الغال‪ ،‬أو أن زقورة أور شُ َّيدتْ قرب مدينة النارصية‪،‬‬ ‫غي مجراه سنة ‪ 1500‬قبل امليالد‪ ،‬لكن يف ذلك‬ ‫لكن يف ذلك الزمان مل تكن النارصية موجودةً‪ ،‬أو أن نهر دجلة يف العراق َّ‬ ‫الزمن مل يكن اسم البلد عراق‪ ،‬أو أن مدينتي املوصل أو الحلة بنيتا سنة ‪ 2000‬قبل امليالد‪ ،‬بينام كان اسمها نينوى وبابل‪،‬‬ ‫أو أن الفرس هاجموا مدينة القامشيل يف القرن الرابع‪ ،‬وحينها كان اسمها نصيبني‪...‬إلخ‪.‬‬ ‫وحتى اسم مدينة بابل فهو متأخ ٌر إىل زمن حمورايب‪ ،‬ومل يكن لها شهر ٌة وذك ٌر قبله واسمها القديم هو كا‪ .‬دنگر‪.‬‬ ‫را‪ .‬يك‪ ،)Ka.dingir.ra.ki( ،‬و ُعرفت باسم شيشك يف الكتاب املقدس (أرميا ‪ ،)26 :25‬وأسامء أخرى بالسومرية‪،‬‬ ‫تني تر يك ‪ ،Tin-tir- ki‬ومعناها موطن الحياة‪ ،‬ويقابلها يف البابلية القدمية شُ باط بالطي‪ ،Shubat balati ،‬و ُعرفت يف‬ ‫وس ِّميت بابل باسم‪ ،‬كيش‬ ‫السومرية ً‬ ‫أيضا‪ ،‬شو‪ -‬انّا‪-‬يك‪ ،Shu-anna-ki ،‬ومعناه كف السامء‪ ،‬وهو اسم إحدى محالتها‪ُ ،‬‬ ‫أيضا باسم‪ ،‬نُن‪-‬گي‪ ،‬وهو نفس اسم مدينة أريدو جنوب أور(‪.)1‬‬ ‫كالّ‪ ،‬ويعني البوابة أو املدخل‪ ،‬و ُعرفت ً‬ ‫‪ -1‬طه باقر‪ ،‬معجم الدخيل يف اللغة العربية‪ ،‬ص‪ ،160-161‬وانظر أيضً ا الدكتور عامر عبد الله الجمييل‪ ،‬املعارف الجغرافية عند العراقيني القدماء‪ ،‬ص‪ ،161‬وراجع الجداول املسامرية‬ ‫والنصوص التي يرد فيها اسم مدينة بابل كادنكر كقامئة كيش‪ ،‬قامئة تل حرمل وقامئة نفر‪ ،‬وقامئة ثنائية سومرية أكدية‪ ،‬وقامئة آشور بانيبال‪ ،‬ص‪ ،270 ،267 ،254 ،242 ،234‬وغريها‪.‬‬

‫‪99‬‬


‫أور الكلدانيني‬ ‫ليست يف العراق جـ ‪1‬‬ ‫موفق نيسكو‬

‫ويف محارض ٍة للمطران الكلداين املتشدد للقومية الكلدانية الجديدة رسهد جمو‬ ‫بتاريخ ‪ 19‬أكتوبر ‪2013‬م قال‪« :‬إن أور الكلدان‪ ،‬هي أكدية‪ ،‬وألن العهد القديم‬ ‫رص متأخ ٍر أيام الدولة الكلدانية (‪ 612-539‬ق‪.‬م‪ ،).‬فس ُّموها أور‬ ‫كُتب يف ع ٍ‬ ‫الكلدانيني‪ ،‬كمن يقول إن كريستوف كوملبس اكتشف أو وصل إىل أمريكا‪ ،‬بينام‬ ‫مل يكن اسمها أمريكا حني وصلها كوملبس‪.‬‬ ‫إن أور الكلدانيني يف الرتجمة العربية األصلية هي أور الكاسديني‪ ،‬أو الكاشديني‪،‬‬ ‫وليس أور الكلدانيني‪ ،‬ويف الرتجمة السبعينية ‪ 280‬ق‪.‬م‪ .‬بُ ِّدلت إىل أور الكلدانيني‬ ‫ألن اليهود وبالذات النبي دانيال كانوا قد س َّموا الدولة البابلية األخرية‪ ،‬كلدانية‪،‬‬ ‫رسهد جمو‬ ‫واشتهرت بذلك‪ ،‬وسوا ًء كانت أور الكلدانيني أو الكاسديني‪ ،‬فهي ليست يف العراق‪ ،‬ويؤكد الربوفسور ناحوم سارنا أستاذ‬ ‫الدراسات التوراتية ورئيس قسم الرتجمة العربية يف جامعة برانديز بوالية بوسطن األمريكية‪« :‬من الخطأ أن نقول أور‬ ‫الكلدانيني (أور العراق)‪ ،‬ألن أور كانت مدين ًة سومري ًة»‪.‬‬ ‫وكلمة (الكسدانيون) نسب ٌة إىل كاسد بن ناحور‬ ‫من امرأته ِملْكة ابنة هاران‪ ،‬الوارد يف سفر‬ ‫(التكوين ‪ ،)22 :22‬وكذلك (يشوع ‪ ،)2 :24‬وناحور هو‬ ‫أخو إبراهيم بن تارح‪ ،‬أي أن إبراهيم هو عم كاسد‪.‬‬ ‫لذلك كلمة أور الكلدانيني الواردة يف العهد القديم‬ ‫للكتاب املقدس باللغة العربية األصلية التي كُتب‬ ‫بها‪ ،‬ويف كل قواميس رشح الكتاب املقدس هي أور‬ ‫الكاسديني‪ ،‬وليست أور الكلدانيني‪.‬‬ ‫تكوين ‪ :28–11‬ومات هاران قبل تارح أبيه يف أرض‬ ‫ميالده يف أور الكلدانيني‬ ‫ָאביו ְבּאֶ ֶ֥רץ מ ֹולַדְ ֖ת ֹּו‬ ‫ַו ֣ ּי ָמָת ה ָָ֔רן עַל־ ְפ ֵּנ֖י ֣תֶ ּ ַרח ִ ֑‬ ‫שׂדִ ּֽ ים‪.‬‬ ‫ְב ּ֥אּור ַכּ ְ‬ ‫وينطبق هذا عىل اآليات الثالثة الباقية من سفر التكوين‬ ‫(‪ 9 :15‬كذلك ‪ ،)31–11‬وسفر نحيميا (‪.)7 :9‬‬ ‫‪100‬‬


‫أور الكلدانيني‬ ‫ليست يف العراق جـ ‪1‬‬ ‫موفق نيسكو‬

‫بق َيت كلمة الكسدانيني تُستعمل فيام بعد من ِقبل البعض بشكلٍ قليلٍ مثل ابن‬ ‫خلدون إذ يستعملها يف تاريخه أكرث من مرة‪ ،‬وابن وحشية الكسداين (‪914‬م) الذي‬ ‫يذكر أنه ترجم كتاب الفالحة النبطية ألحد الكسدانيني املكتوب يف القرن الثاين قبل‬ ‫امليالد إىل العربية‪ ،‬ويقول‪ :‬إن لغة الكسدانني كانت الرسيانية القدمية‪ ،‬وهناك من‬ ‫استعملها بصيغة كشدانيني مثل الزبيدي يف تاج العروس‪.‬‬ ‫ويقول األب أنستاس الكرميل (متوىف ‪1947‬م)‪« :‬إن أصل كلمة كلدان هو (كس)‪ ،‬واسم‬ ‫بالدهم (بالد الكس)»(‪.)2‬‬ ‫يقول الدكتور واملبرش األمرييك آساهيل غرانت (‪1844–1807‬م) الذي زار العراق‬ ‫مسيحيي املنطقة‪« :‬إن الكلدان جز ٌء من الرسيان‬ ‫سنة ‪1835‬م‪ ،‬والتقى بعد ٍد كبريٍ من‬ ‫ّ‬ ‫أنستاس الكرميل‬ ‫قسم من الكلدان يريدون باالسم الكلداين التعبري عن عالقة إبراهيم‬ ‫النساطرة ويُس ِّميهم‪ ،‬النساطرة البابوية‪ ،‬وأن ً‬ ‫وخروجه من أرض أور الكلدانيني‪ ،‬لكنني مل أجد أي دليلٍ يدعم هذه الفكرة»(‪.)3‬‬ ‫إن كلمة أور سومري ٌة ومعناها‪ ،‬مدينة‪ ،‬وت ُطلق عىل أي مدينة‪ ،‬وكث ًريا من املدن القدمية اقرتنت كلمة أور بها‪ ،‬منها‪،‬‬ ‫أورشليم أي مدينة السالم‪ ،‬وأور منو‪ ،‬وتعني مدينة امللك (املدينة امللوكية أو العاصمة)‪ ،‬والنصوص املسامرية األكدية يف‬ ‫الدولة اآلشورية تُس ِّمي مدينة نينوى(‪ ،Uru nina ki ،)4‬وتشري إىل منطقة القصور امللكية اآلشورية يف قلب املدينة(‪Uru‬‬ ‫‪ )sa uru‬أي املدينة التي يف قلب املدينة‪ ،‬وأور أراتوا (أراراط) هو االسم القديم ألرمينيا‪ ،‬وقربها مدينة أورميا حول بحرية‬ ‫فان‪ ،‬وأورك (مدينة الوركاء)‪ ،‬أوروكو‪ ،‬مدين ٌة سومري ٌة قدمية (تل الهبة قرب قرية الداودية حال ًيا)‪ ،‬أور با ليكال رأس‪،‬‬ ‫مدينة كراثا قرب املوصل‪ ،‬أور سورنوران (النوران‪ ،‬خرسباد‪ ،‬عاصمة اآلشوريني)‪ ،‬أورا‪ ،‬مدين ٌة يف األناضول تذكرها النصوص‬ ‫الحثيّة‪ ،‬أوربيلوم «أربيل»‪ ،‬وقد احتفظ األكراد بهذه الكلمة وأدخلوها يف تركيب أسامء مدنهم مثل أورمانا‪ ،‬أورمه‬ ‫فصل كتاب املعارف الجغرافية عند العراقيني‬ ‫داود‪ ،‬أوره مارى‪ ،‬أورى)‪ ،‬وحتى يف اليونان هناك مدينة أوركومنيس‪ ،‬ويُ ِّ‬ ‫القدماء يف فصل جغرافية املدن‪ :‬املدينة الداخلية‪ ،‬املدينة القدمية‪ ،‬ضاحية املدينة وندرج تقسيامت املدن باسم أور مع‬ ‫قليل من كثري (الدكتور عامر عبدالله الجمييل)‪ .‬وتعترب أربيل من أقدم مدن العامل‪ ،‬ورد ذكرها‬ ‫صفحتني باسم أور‪ ،‬وهام ٌ‬ ‫يف الكتابات املسامرية (‪ ،)Dingir.4 uru‬مدينة اآللهة األربعة(‪ ،)5‬وكانت مركز اإلله عشتار فورد اسمها عشتار‪-‬أربا‪-‬إيال‪،‬‬ ‫ومعبدها‪ ،‬أي‪-‬كشان‪-‬كالما‪ ،‬بيت سيدة األقليم(‪ ،)6‬وورد اسمها يف الرقم الفارسية أربرية(‪.)7‬‬ ‫‪ -3‬أساهيل غرانت‪ ،Asahel Grant، The Nestorians or The Lost Tribes ،‬النساطرة أو األسباط الضائعة‪1841 ،‬م‪ ،‬ص‪.170‬‬ ‫‪ -4‬د‪ .‬باسم ميخائيل جبّور‪ ،‬مالح ٌم تاريخي ٌة من األدب األكدي‪ ،‬ملحمة شلمنرص الثالث إىل أورارتو‪ ،‬ص‪.189‬‬ ‫‪ -5‬د‪ .‬باسم جبور‪ ،‬مالح ٌم تاريخي ٌة من األدب األكدي‪ ،‬ص‪ ،199‬ويف عهد امللك شوليك حوايل ‪ 2000‬ق‪.‬م‪ .‬ترد باسم (أوربيلم) وبالفتح أيضً ا (أربيليوم)‪ ،‬ومعنى أربا‪-‬إيال بالرسيانية‬ ‫مدينة اآللهة األربعة أيضً ا‪.‬‬ ‫‪ -6‬أي رويسنت بايك‪ ،‬قصة اآلثار اآلشورية‪ ،‬ص‪.76‬‬ ‫‪-7‬عبد الرزاق الحسني‪ ،‬العراق قدمياً وحديثاً‪ ،‬ص‪.237‬‬

‫‪101‬‬


‫أور الكلدانيني‬ ‫ليست يف العراق جـ ‪1‬‬ ‫موفق نيسكو‬ ‫ﻋﺎﻣﺮ اﻟﺠﻤﻴﲇ‪ ،‬اﳌﻌﺎرف اﻟﺠﻐﺮاﻓﻴﺔ‬ ‫ﻋﻨﺪ اﻟﻌﺮاﻗﻴني اﻟﻘﺪﻣﺎء‪ ،‬ص‪220‬‬

‫اﻻﺳﻢ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻟﻠﻤﻮﻗﻊ‬

‫‪URU.KÙ.KI‬‬ ‫‪URU.GIBIL.KI‬‬ ‫‪URU.SUMUN.KI‬‬ ‫‪URU-libir-ra. KI‬‬ ‫‪URU-ul-li-a. KI‬‬ ‫ ‪URU-hul-la. KI‬‬ ‫‪hu-hu-nu-ri. KI‬‬

‫ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻣﻘﺪﺳﺔ‬ ‫ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺟﺪﻳﺪة‬ ‫ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺧﺮﺑﺔ‬ ‫اﳌﺪﻳﻨﺔ اﻟﻘﺪميﺔ‬ ‫ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻗﺪميﺔ‬ ‫ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻣﺪﻣﺮة‬ ‫‪uh (u) nurih‬‬

‫⋁‬

‫اﺳﻢ اﳌﻮﻗﻊ اﻟﻘﺪﻳﻢ ﺑﺎﻟﺤﺮف اﻟﻌﺮيب ودﻻﻟﺘﻪ‬ ‫ا ُ​ُر‪[x x x x] x .‬‬ ‫ا ُ​ُر – ا – ِد – أن‬ ‫)ﺑﻴﺖ ادﻳﻦ(‪ ،‬ا ُ​ُر ‪.x x‬‬ ‫ا ُ​ُر‪.‬اِم‪-‬ﮔﺮ‪-‬إﻟﻞ )اﳌﺪﻳﻨﺔ اﳌﻘﺒﻮﻟﺔ ﻣﻦ اﻹﻟﻪ اﻧﻠﻴﻞ(‪ ،‬ا ُ​ُر‪.‬‬ ‫أﻳﻦ‪-‬ا َن‪.‬‬ ‫ا ُ​ُر‪.‬ن‪-‬ﻣﻴﺪ‪ -‬إل إّﺳﺎر )منﻴﺪ ﻋﺸﺘﺎر( ﻣﻘﺮ‪ ،‬اﺳﱰاﺣﺔ‬ ‫ﻋﺸﺘﺎر‬ ‫ا ُ​ُر‪.‬ش‪-‬أش‪-‬ﻟﻮ‬ ‫ا ُ​ُر‪.‬أ‪َ-‬ب‪-‬ﳼ‪-‬ي‪.‬‬

‫ادﻳﺎن = اﺳيك ﻛﻠﻚ ﰲ‬ ‫ﻣﺤﺎﻓﻈﺔ أرﺑﻴﻞ ﺑﺎﻟﻌﺮاق‬ ‫اﻣﻜﺮاﻟﻞ=ﺑﻼوات ﴍﻗﻲ ﻧﻴﻨﻮى‪ ،‬اﻳﻨﺎن = ﺗﻞ ﺑﺎرﺳﺐ ﺷامﱄ‬ ‫ﺳﻮرﻳﺎ‬ ‫منﻴﺪ ﻋﺸﺘﺎر = ﺗﻠﻌﻔﺮ ﰲ ﻣﺤﺎﻓﻈﺔ ﻧﻴﻨﻮى ﺑﺎﻟﻌﺮاق أو ﺗﻞ‬ ‫اﻟﺨﻤرية‪.‬‬ ‫ﺷﻴﺸﻞ = اﻟﻘﻴﺎرة؟ ﺟﻨﻮب اﳌﻮﺻﻞ ﺑﺎﻟﻌﺮاق‬ ‫ﻣﺪﻳﻨﺔ اوﺑﺲ ﻋﲆ دﺟﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﺗ ُﺤّﺪد ﰲ ﺗﻞ اﻟﺤﻮﻳﺶ ﺟﻨﻮب‬ ‫اﻟﴩﻗﺎط )اﺷﻮر(‬ ‫اﻛﻼت=ﺗﻠﻮل اﻟﻬﻴﺠﻞ )اﻟﻬﻴﻜﻞ( ﻗﺒﺎﻟﺔ آﺷﻮر ﰲ ﻗﻀﺎء اﻟﴩﻗﺎط‬ ‫ورمبﺎ متﺜﻞ أﻳًﻀﺎ ﺗﻞ اﻟﺬﻫﺐ ﺷامل اﻟﻔﺘﺤﺔ ﺟﻨﻮب ﻗﺮﻳﺔ‬ ‫اﳌﺴﺤﻖ ﻗﺮب ﻗﻠﻌﺔ اﻟﺠﺒﺎر ﻋﲆ اﻟﻀﻔﺔ اﻟﻴﴪى ﻟﻨﻬﺮ دﺟﻠﺔ‬ ‫ﺿﻤﻦ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺟﺒﻞ ﻣﻜﺤﻮل‪ ،‬واﳌﺪﻳﻨﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺮد ﰲ اﻟﻨﺼﻮص‬ ‫اﳌﺴامرﻳﺔ ﰲ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﺠﻤﻊ ﺗﻨﺘﻬﻲ ﺑﺼﻴﻐﺔ ‪ ate‬ﻓﻬﻲ اﳌﺮﺷﺤﺔ‬ ‫اﻷوﱃ ﺑﻴﻨام اﻟﺘﻲ ﺗﻜﻮن ﰲ ﺣﺎﻟﺔ اﳌﻔﺮد ﻫﻲ اﳌﺮﺷﺤﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ أي‬ ‫ﻣﺪﻳﻨﺔ ‪ ekallatu‬وﻫﻲ ﺗﻞ اﻟﺬﻫﺐ‬ ‫ﴎ ﻣﻦ رأى )ﺳﺎﻣﺮاء(‬ ‫ﺳﻮرّﻣﺮات = ُ ّ‬ ‫اّراﺑﺨﺎ=)ﻛﺮﻛﻮك(‪ ،‬ﺧﻼُخ ﻣﻮﺿﻊ ﻋﲆ ﻧﻬﺮ اﻟﺨﻮﴏ ﴍﻗﻲ ﻧﻴﻨﻮى‬ ‫رمبﺎ ميﺜﻞ ﺗﻞ اﻟﻌﺒﺎﺳﻴﺔ‬ ‫رﺻﺎﺑّﺎ=اﻟﺮﺻﺎﻓﺔ‬ ‫)ﴎﺟﻴﻮﺑﻮﻟﻴﺲ( ﺟﻨﻮب اﻟﺮﻗﺔ ﰲ ﺳﻮرﻳﺎ‬ ‫متﻨﻦ = ﺗﻞ ﺟﻴﻜﺎن‪ .‬ﻳﺴﺘﻘﺮ ﺣﺎﻟًﻴﺎ ﺗﺤﺖ ﻏﻤﺮ وﻣﻴﺎه ﺳﺪ‬ ‫اﳌﻮﺻﻞ‪.‬‬ ‫ﺗّﲇ = ﻣﺪﻳﻨﺔ ﰲ ﻣﺜﻠﺚ اﻟﺨﺎﺑﻮر ﺗﻌﺮف اﻟﻴﻮم ﺑـ ﺗﻞ ارﻣﻴﻼن‪،‬‬ ‫اﺑﻜﻮ )اﺑُﻘﻢ( ﻗﺮﻳﺔ أﺑﻮ ﻣﺎرﻳﺎ ﺷامل ﻏﺮب اﳌﻮﺻﻞ‬ ‫اﻳﺴﺎَن = اﻳﺴﺎن ﻛﻮي‪ ،‬ﺗﻞ اﻳﺰان ﻋﲆ ﻧﻬﺮ اﻟﺴﺎﺟﻮر ﰲ ﺳﻮرﻳﺎ‪،‬‬ ‫أو ﺗﻞ اﻣﻨرية أو اﻟﺨﻔﺴﺎن ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻦ ﺣامم اﻟﻌﻠﻴﻞ ﺟﻨﻮب‬ ‫اﳌﻮﺻﻞ‬ ‫ﺷﺎﺑريﻳﺶ = ﻣﻮﺿﻊ ﰲ ﻛﺮدﺳﺘﺎن اﻟﻌﺮاق ﺑني ﺟﺒﻞ ﺑﻴﺨري وزاﺧﻮ‬ ‫ﻳﻌﺮف ﺣﺎﻟًﻴﺎ ﺑﺎﺳﻮرﻳﻦ‬ ‫ﺷﻮُد = ﺑﺮاﺑﻮﺗﻮﻣﻴﺎ‪ ،‬ﺗُﺸﺨﺎن = زﻳﺎَرت ﺗﺒﻪ‪ ،‬ﻛﺮخ ﰲ ﺗﺮﻛﻴﺎ‬

‫ا ُ​ُر‪ُ.،‬ش ُ‪ُ--‬د ا ُ​ُر‪.‬ﺗُﺶ‪َ-‬خ‪-‬ان‪.‬‬

‫ﻛﻮزاَن = ﺗﻞ ﺣﻠﻒ ﰲ ﺳﻮرﻳﺎ‪ ،‬ﻧﺼﻴﺒﻴﻨﺎ = ﻧﺼﻴﺒني ﰲ ﺗﺮﻛﻴﺎ‬

‫ا ُ​ُر‪ُ.‬ك‪َ-‬ز‪َ-‬ن‪:‬ا ُ​ُر‪َ.‬ن‪ِ-‬ص‪ٍ-‬ب‪َ-‬ن‪.‬‬

‫اﺳﻢ اﳌﻮﻗﻊ اﻟﻘﺪﻳﻢ ﺑﺎﻟﺤﺮف اﻟﻼﺗﻴﻨﻲ‬

‫]‪URU.x [x x x x‬‬ ‫‪URU. a-di-an URU.xx‬‬

‫ت‬ ‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪URU.im-gúr dBE URU.‬‬ ‫‪EN-an‬‬ ‫‪URU.ne-med-d15‬‬

‫‪4‬‬

‫‪URU.ši-iš-lu‬‬ ‫‪URU.ú-ba-se-e‬‬

‫‪5‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪URU.É.GAL.MEŠ‬‬

‫‪7‬‬

‫ا ُ​ُر‪ُ.‬س‪-‬ار‪َ-‬ﻣﺮ‪َ-‬ر‪-‬ا‪-‬ت‪.‬‬ ‫ا ُ​ُر‪،‬أّراپ‪َ-‬خ ا ُ​ُر‪َ-‬خ‪-‬ﻟﺦ‪ُ-‬خ‬

‫‪URU.su-ur-mar-ra-a-te‬‬ ‫‪URU.arrap-ha URU. ḫa‬‬‫‪lah-hu‬‬ ‫‪URU.ra-ḫ‬‬

‫‪8‬‬ ‫‪9‬‬

‫ا ُ​ُر‪.‬ﺗﻢ‪ُ-‬ن‪ُ-‬ن‪ :‬ا ُ​ُر‪.‬ﺗﻢ‪ُ-‬ك‪ُ-‬ك )ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﺴﻤﻚ(‬

‫‪URU.tam-nu-nu:‬‬ ‫‪URU.tam-ku.ku‬‬ ‫‪URU.til-le-e URU.ap-ku‬‬

‫‪12‬‬

‫ا ُ​ُر‪.‬اِ‪َ-‬س‪َ-‬ن‪)-‬اﻳﺴﻦ(‪.‬‬

‫‪URU.i-sa-na‬‬

‫‪13‬‬

‫ا ُ​ُر‪َ-‬ش‪ِ-‬ب‪ِ-‬ر‪ُ-ِ -‬ش‬

‫‪URU.ša-bi-ri-i-šú‬‬

‫‪14‬‬

‫‪URU.šu-u-du URU.tuš‬‬‫‪ha-an‬‬ ‫‪URU.gu-za-na: URU.na‬‬‫‪și-bi-na‬‬ ‫‪URU.ha-me-de-e‬‬ ‫‪URU.su-ru-mnu-ra-a-ni‬‬

‫‪15‬‬

‫ا ُ​ُر‪.‬ا‪.‬ﮔﻼت )ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﻘﺼﻮر(‬

‫ا ُ​ُر‪َ.‬ر‪َ-‬ص‪-‬أپ‪َ-‬ب‬

‫ا ُ​ُر‪.‬ﺗﻞ‪-‬ﱄ‪-‬ي ا ُ​ُر‪.‬اپ‪ُ-‬ك )اﺑُﻘﻢ(‬

‫ا ُ​ُر‪َ.‬خ‪-‬م‪-‬د‪-‬ا‬ ‫ا ُ​ُر‪ُ.‬س‪ُ-‬ر‪ُ-‬ن‪َ-‬ر‪-‬أ‪ِ-‬ن‪.‬‬

‫ﺧﻤﺪى – آﻣﺪ )دﻳﺎر ﺑﻜﺮ( ﰲ ﺗﺮﻛﻴﺎ‬ ‫ﺳﻮُر ﻧﻮران‪-‬رمبﺎ متﺜﻞ ﻗﺮﻳﺔ اﻟﻨﺎوران ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻦ ﻧﻬﺮ اﻟﺨﻮﴏ‬ ‫ﺷامل ﻧﻴﻨﻮى‬ ‫ﻋﺎﻣﺮ اﻟﺠﻤﻴﲇ‪ ،‬اﳌﻌﺎرف اﻟﺠﻐﺮاﻓﻴﺔ ﻋﻨﺪ اﻟﻌﺮاﻗﻴني اﻟﻘﺪﻣﺎء‪ ،‬ص‪278-276‬‬

‫‪102‬‬

‫‪3‬‬

‫‪10‬‬ ‫‪11‬‬

‫‪16‬‬ ‫‪17‬‬ ‫‪18‬‬


‫أور الكلدانيني‬ ‫ليست يف العراق جـ ‪1‬‬ ‫موفق نيسكو‬

‫ذكرنا أن كلمة كلدان ال توجد مطلقًا يف النص العربي‪ ،‬بل هي أور‬ ‫الكاسديني‪ ،‬وال عالقة السم الكلدان مبدينة أور وال حتى مبدينة بابل‬ ‫مطلقًا قبل ‪ 612‬ق‪.‬م‪ ،.‬وقبل هذا التاريخ وقيام الدولة الكلدانية‪،‬‬ ‫فالحضارات والسالالت التي قامت يف بابل‪ ،‬وعددها عرشة‪ ،‬هي بابلية‪،‬‬ ‫ال كلدانية‪ ،‬كاألمورية والكاشية والبابلية الرابعة والخامسة‪...‬إلخ‪ ،‬وأقدم‬ ‫ذك ٍر لكلمة كلدا ٍّين يف التاريخ وردت يف مدونات امللك اآلشوري آشور‬ ‫نارص بال الثاين (‪ 859–883‬ق‪.‬م‪ ،).‬وكان االسم يُطلق عىل قبيل ٍة تقيم‬ ‫ٍ‬ ‫دويالت عديدةً‪ ،‬بيت ياكني‪،‬‬ ‫وأسسوا‬ ‫عىل مقرب ٍة من الخليج العريب ّ‬ ‫بيت عموكاين‪ ،‬بيت دكوري(‪ ،)8‬أ ّما يف الكتاب املقدس فأقدم ذك ٍر لكلمة‬ ‫كلدان هو يف سفر أيوب (‪ ،)17 :1‬مع مالحظة أنه ال عالقة ملفهوم‬ ‫كلمة كلدا ٍّين هنا بدولة كلدان نبوخذ نرص والتي أطلق عليها اليهود‬ ‫وبالذات النبي دانيال اسم الكلدان كصف ٍة مبعنى‪ ،‬ساحر‪ ،‬مشعوذ‪،‬‬ ‫هرطوقي‪ ،‬ع ّراف‪ ...‬إلخ‪ ،‬كام ترد يف جميع قواميس الرسيان الرشقيني‬ ‫متثال آشور نارص بال الثاين‬ ‫أيضا مبعنى قطّاع طرقٍ‬ ‫الذين سمتهم روما كلدانًا(‪ ،)9‬وأتت كلمة كلدان يف سفر أيوب‪ ،‬ال لتدل عىل قوم‪ ،‬بل صف ٍة ً‬ ‫ولصوص‪ ،‬وجاءت مقرتن ًة بالسبئيني العرب‪ ،‬ومعلو ٌم أن سفر أيوب كُتب يف الصحراء العربية ‪ -‬السورية يف أرض عوص‬ ‫والراجح أنها منطقة حوران‪.‬‬ ‫وآثاري بحت‪ ،‬لكن‬ ‫وقبل أن نناقش التوراة نفسها‪ ،‬أقول سلفًا‪ :‬إن استشهادنا بالكتب الدينية ليس معناه أنه تاري ٌخ مد ٌّين‬ ‫ٌ‬ ‫شخص مثل إبراهيم مل يرد عنه من عرصه يف التاريخ املدين املكتوب واآلثار شيئًا يُذكر‪ ،‬بل كل ما يتعلق‬ ‫من الطبيعي ج ًدا ٌ‬ ‫نصوص واضح ٌة ت ُعترب بح ّد ذاتها‬ ‫أصل‪ ،‬لذلك تكمن أهمية هذه الكتب‪ ،‬إ ّما فيها‬ ‫بإبراهيم مستن ٌد إىل الكتب الدينية ً‬ ‫ٌ‬ ‫تاريخ‪ ،‬كأي تاري ٍخ آخر أو فيها قرائن وحيثيات‪ ،‬ناهيك عام قاله املؤرخون واملفرسون يف التاريخ عن شخصية إبراهيم‬ ‫املهمة ج ًدا عىل األقل يف ثالثة أديان‪ ،‬فكل هذه األمور ت ُقارن مع العلم والتاريخ املدين واآلثار‪ ،‬لذلك نحن نُحلل وننقد‬ ‫النص الديني األصيل املُستند إليه قصة إبراهيم علم ًيا وتاريخ ًيا‪ ،‬مع ما قيل عنه عرب التاريخ‪ ،‬ثم نقارن القرائن مع ما هو‬ ‫موجو ٌد لدينا من تاري ٍخ مد ٍّين وآثا ٍر تدعمها‪.‬‬

‫‪ -8‬حامد عبد القادر‪ ،‬األمم السامية ص‪ .80‬واملحيط الجامع‪ ،‬ص‪.1031‬‬ ‫‪ -9‬انظروا عىل سبيل املثال قاموس املطران أوجني منا الكلداين ص‪.338‬‬

‫‪103‬‬


‫أور الكلدانيني‬ ‫ليست يف العراق جـ ‪1‬‬ ‫موفق نيسكو‬

‫واآلن نناقش التوراة نفسها لرنى هل إن إبراهيم خرج من أور الكلدانيني؟ فنقول‪:‬‬

‫‪ -1‬إن أور الكلدانيني ليست يف العراق‪ ،‬إمنا هي مدينة الرها (أورفا) الحالية‬ ‫شامل سوريا يف تركيا التي سكنها إبراهيم وأبوه وأجداده‪ ،‬وحصلت مشكل ٌة‬ ‫لتارح وابنه إبراهيم يف الرها مع وثن ّيي املدينة و ُمن ِّجميها وعبدة اإلله القمر‪،‬‬ ‫أي الكلدان‪ ،‬بزعامة أحد جبابرة الرها املص َّور باسم منرود‪ ،‬واألرجح أنها كانت‬ ‫بسبب الحقول الزراعية واألرض واملاشية‪ ،‬فانتقل إبراهيم وأبوه إىل حاران‬ ‫ونارحور القريبة ج ًدا من الرها‪َ « :‬وأَ َخ َذ تَا َر ُح أَبْ َرا َم ابْ َن ُه‪َ ،‬ولُوطًا بْ َن َها َرانَ‪ ،‬ابْ َن‬ ‫اي كَ َّنتَ ُه ا ْم َرأَ َة أَبْ َرا َم ابْ ِن ِه‪ ،‬فَ َخ َر ُجوا َم ًعا ِم ْن أُو ِر الْ َكلْ َدانِ ِّي َني لِ َي ْذ َه ُبوا إِ َل‬ ‫ابْ ِن ِه‪َ ،‬و َسا َر َ‬ ‫أَ ْر ِض كَ ْن َعانَ‪ .‬فَأَت َ ْوا إِ َل َحا َرا َن َوأَقَا ُموا ُه َن َاك»‪( .‬تكوين ‪.)31: 11‬‬

‫‪ -2‬قلنا أن معنى أور هو مدينة‪ ،‬وليس معناها أور النارصية يف العراق‪،‬‬ ‫منرود بريشة ديڤيد سكوت‬ ‫وحتى الرتجمة السبعينية للكتاب املقدس سنة ‪ 280‬ق‪.‬م‪ ،.‬التي ترجمت أور‬ ‫الكاسديني إىل أور الكلدانيني‪ ،‬ال تقول إن أور الكلدانيني‪ ،‬معناها أور العراق السومرية أو األكدية‪ ،‬بل معنى أور هو‬ ‫مدينة (أرض‪ ،‬كورة) ‪ ،‬كام أسلفنا‪.‬‬ ‫‪ -3‬يف التوراة السامرية باللغة العربية‪ ،‬تأيت أيضً ا أور الكاسديني‪ ،‬ومعنى أور تحدي ًدا هو‪ :‬بياض‪ ،‬ضوء‪ ،‬نور‪ ،‬وليس أور‬ ‫العراق‪ ،‬أي املقصود أن إبراهيم رحل من سلطة الكلدانيني عىل األرض أو الحقول‪ ،‬ويف الرتجمة العربية للتوراة السامرية‬ ‫التي قام بها اليهود أنفسهم‪ ،‬ح ّددوا املنطقة بالدقة واالسم بوضوح‪ ،‬فتقول‪ :‬كان مولد إبراهيم يف محيط أو أطراف‬ ‫(بياض) خراسان (هورسان‪ ،‬حاراسان‪ ،‬أي حاران)‪ ،‬وهي منطق ٌة تقع يف أرمينيا‪ ،‬وحول أو قريب ٌة من الرها وحاران الحالية‬ ‫يف تركيا‪( ،‬وكلمة ٍ‬ ‫بياض تعني ضو ًءا أو أطرافًا‪ ،‬حقول)‪.‬‬ ‫‪ -4‬كلمة كلدان يف كل قواميس اللغة معناها‪ُ ،‬من ّجم‪ ،‬ع ّراف‪ ،‬الكهنة املشتغلني بالكواكب‪ ،‬قارئ الغيب‪ ،‬فتاح فال‪،‬‬ ‫ساحر‪ ،‬مشعوذ‪ ،‬وهو ما ينطبق عىل حاران قرب الرها املشهورة‬ ‫بذلك‪ ،‬ومل ت ُعرف أور العراق السومرية واألكدية بهذه املهنة‪.‬‬

‫لقطة لجبل أراراط‬

‫‪ -5‬إن فلك نوح استقر يف جبال أراراط يف أرمينيا (تكوين ‪،)4 :8‬‬ ‫وعدا التوراة السامرية‪ ،‬وتواريخ األرمن التي تقول إن جنة عدنٍ‬ ‫وأنهارها األربعة املذكورة يف سفر التكوين هي يف أرمينيا مستشهدين‬ ‫بأقوال آباء مشهورين يف التاريخ كديونيسيوس وأغسطينوس‪،‬‬ ‫فهناك كث ٌري ممن يرى أن جنة عدنٍ يف أرمينيا ‪ ،‬ويؤكد الكتاب‬ ‫‪104‬‬


‫أور الكلدانيني‬ ‫ليست يف العراق جـ ‪1‬‬ ‫موفق نيسكو‬

‫املقدس يف أكرث من مكانٍ أن الجنة هي يف منطق ٍة جبلي ٍة يف‬ ‫ِيم ِستَا َرت َُك‪،‬‬ ‫الشامل‪« :‬كُ ْن َت ِف َع ْدنٍ َج َّن ِة الل ِه‪ .‬ك ُُّل َح َج ٍر كَر ٍ‬ ‫يق أَبْ َي ُض َو َزبَ ْر َج ٌد َو َج ْز ٌع‬ ‫يق أَ ْح َم ُر َويَاقُوتٌ أَ ْص َف ُر َو َع ِق ٌ‬ ‫َع ِق ٌ‬ ‫َويَشْ ٌب َويَاقُوتٌ أَ ْز َر ُق َوبَ ْه َر َما ُن َو ُز ُم ُّر ٌد َو َذ َه ٌب‪ .‬أَنْشَ أُوا ِف َيك‬ ‫َص ْن َع َة ِصي َغ ِة الف ُ​ُص ِ‬ ‫وب‬ ‫وص َوت َ ْر ِصي ِع َها يَ ْو َم ُخلِق َ‬ ‫ْت‪ .‬أَنْ َت الْ َك ُر ُ‬ ‫الْ ُم ْن َب ِس ُط الْ ُمظَل ُِّل‪َ ،‬وأَقَ ْمتُ َك‪َ .‬ع َل َج َبلِ الل ِه الْ ُم َق َّد ِس كُ ْن َت‪ .‬بَ ْ َي‬ ‫ِح َجا َر ِة ال َّنا ِر تَ َشَّ ْي َت»‪( .‬حزقيال‪ ،)13-14 :28 :‬ويقول إشعياء‪:‬‬ ‫الس َم َو ِ‬ ‫ات‪ .‬أَ ْرفَ ُع كُ ْر ِس ِّيي فَ ْو َق‬ ‫« َوأَنْ َت قُل َْت ِف قَلْب َِك‪ :‬أَ ْص َع ُد إِ َل َّ‬ ‫كَ َواكِ ِب الل ِه‪َ ،‬وأَ ْجلِ ُس َع َل َج َبلِ اال ْج ِت َم ِع ِف أَق َِاص الشَّ َم ِل»‬ ‫(إشعياء ‪ ،)13 :14‬ويُنشد داود‪َ ...« :‬م ِدي َن ِة إِل ِه َنا‪َ ،‬جبَلِ قُ ْد ِس ِه‪.‬‬ ‫َج ِم ُيل اال ْرتِفَاعِ‪ ،‬فَ َر ُح ك ُِّل األَ ْر ِض‪َ ،‬ج َب ُل ِص ْه َي ْونَ‪ .‬فَ َر ُح أَق َِاص‬ ‫الشِّ َم ِل‪َ ،‬م ِدي َن ُة الْ َملِ ِك الْ َع ِظ ِيم» (مزمور ‪ ،)2-1 :48‬وأرفشكاد‬ ‫هو الجد األبعد إلبراهيم‪ ،‬وورد اسم منطقته أور فكساد أو‬ ‫أور بكسد‪ ،‬وهي املنطقة الواقعة قرب جبال أرمينيا وبالد‬ ‫الحور التي كانت تُعرف باسم آرابخيس‪.‬‬ ‫‪ -6‬إن إبراهيم نفسه يتكلم يف سفر التكوين ويذكر مكان‬ ‫ميالده وأرضه وبيت أبيه وعشريته باالسم الرصيح بدون‬ ‫اسم أور‪ ،‬وهي مدينة ناحور‪ ،‬آرام نهرين‪( ،‬حاران)‪ ،‬وناحور‬ ‫أيضا‪.‬‬ ‫هو جد إبراهيم‪ ،‬وأسم أخيه ً‬ ‫« َوق َ​َال إِبْ َرا ِهي ُم لِ َع ْب ِد ِه كَ ِبريِ بَ ْي ِت ِه الْ ُم ْستَ ْو ِل َع َل ك ُِّل َما كَا َن لَ ُه‪:‬‬ ‫الس َم ِء َوإِل ِه‬ ‫َ‬ ‫«ض ْع يَ َد َك ت َ ْح َت فَ ْخ ِذي‪ ،‬فَأَ ْستَ ْحلِف َ​َك بِال َّر ِّب إِل ِه َّ‬ ‫األَ ْر ِض أَ ْن الَ تَأْ ُخ َذ َز ْو َج ًة البْ ِني ِم ْن بَ َن ِ‬ ‫ات الْ َك ْن َعانِ ِّي َني ال َِّذي َن أَنَا‬ ‫َساكِ ٌن بَيْ َن ُه ْم‪ ،‬بَ ْل إِ َل (أَ ْر ِض َوإِ َل َع ِش َري ِت) ت َ ْذ َه ُب َوتَأْ ُخ ُذ َز ْو َج ًة البْ ِني إِ ْس َح َاق»‪ .‬فَق َ​َال لَ ُه الْ َعبْ ُد‪ُ « :‬ر َّ َبا َال تَشَ ا ُء الْ َم ْرأَ ُة أَ ْن تَتْبَ َع ِني‬ ‫إِ َل ِ‬ ‫هذ ِه األَ ْر ِض‪َ .‬ه ْل أَ ْرج ُع بِابْ ِن َك إِ َل األَ ْر ِض الَّ ِتي َخ َر ْج َت ِم ْن َها؟» فَق َ​َال لَ ُه إِبْ َرا ِهي ُم‪« :‬ا ْح َ ِت ْز ِم ْن أَ ْن تَ ْرج َع بِابْ ِني إِ َل ُه َن َاك‪ .‬ا َل َّر ُّب‬ ‫الس َم ِء ال َِّذي أَ َخذ َِن ِم ْن (بَ ْي ِت أَ ِب َو ِم ْن أَ ْر ِض ِميالَ ِدي)‪َ ،‬وال َِّذي كَلَّ َم ِني َوال َِّذي أَق َْس َم ِل قَائِ ًل‪ :‬لِ َن ْسلِ َك أُ ْع ِطي ِ‬ ‫هذ ِه األَ ْر َض‪ُ ،‬ه َو‬ ‫إِل ُه َّ‬ ‫يُ ْر ِس ُل َمالَكَ ُه أَ َما َم َك‪ ،‬فَتَأْ ُخ ُذ َز ْو َج ًة البْ ِني ِم ْن ُه َن َاك‪َ .‬وإِ ْن لَ ْم ت َشَ ِإ الْ َم ْرأَ ُة أَ ْن تَتْ َب َع َك‪ ،‬ت َ ََّبأْتَ ِم ْن َحلْ ِفي هذَا‪ .‬أَ َّما ابْ ِني فَالَ تَ ْرج ْع‬ ‫ش َة ج َِمل ِم ْن ج َِم ِل‬ ‫ِب ِه إِ َل ُه َن َاك‪ ».‬فَ َو َض َع الْ َع ْب ُد يَ َد ُه تَ ْح َت فَ ْخ ِذ إِبْ َرا ِهي َم َم ْوالَ ُه‪َ ،‬و َحل َ​َف لَ ُه َع َل هذَا األَ ْمرِ‪ .‬ث ُ َّم أَ َخ َذ الْ َع ْب ُد َع َ َ‬ ‫َم ْوالَ ُه‪َ ،‬و َم َض َو َج ِمي ُع َخ ْ َي ِ‬ ‫ات َم ْوالَ ُه ِف يَ ِد ِه‪ .‬فَقَا َم َو َذ َه َب إِ َل أَ َر ِام ال َّن ْه َريْنِ إِ َل َم ِدي َن ِة نَا ُحو َر» (تكوين ‪.)10-2 :24‬‬ ‫‪105‬‬


‫أور الكلدانيني‬ ‫ليست يف العراق جـ ‪1‬‬ ‫موفق نيسكو‬

‫ونفس األمر مع إسحق وأبنه يعقوب‪:‬‬ ‫فدعا إسحاق يعقوب وباركه‪ ،‬وأوصاه‪:‬‬ ‫«الَ تَأْ ُخ ْذ َز ْو َج ًة ِم ْن بَ َن ِ‬ ‫ات كَ ْن َعانَ‪ .‬ق ُِم‬ ‫ا ْذ َه ْب إِ َل فَ َّدانِ أَ َرا َم‪ ،‬إِ َل بَ ْي ِت بَتُوئِ َيل أَ ِب‬ ‫أُ ِّم َك‪َ ،‬و ُخ ْذ لِ َنف ِْس َك َز ْو َج ًة ِم ْن ُه َن َاك‪... ،‬‬ ‫ُوب َس ِم َع ألَبِي ِه َوأُ ِّم ِه َو َذ َه َب إِ َل‬ ‫َوأَ َّن يَ ْعق َ‬ ‫ُوب ِم ْن ب ْ ِ​ِئ َس ْبعٍ‬ ‫فَ َّدانِ أَ َرا َم‪ ...‬فَ َخ َر َج يَ ْعق ُ‬ ‫َو َذ َه َب نَ ْح َو َحا َرانَ» (تكوين ‪.)10-1 :28‬‬

‫أثري اسمه حران أوران يُرى يف والية شانيل يف الرها التي تُس َّمى أورفا أيضً ا‪ ،‬ويحسم‬ ‫‪ -7‬و ُقرب حران اليوم نفسها ٌ‬ ‫موقع ٌّ‬ ‫املوضوع أن أور هي الرها أهم ال ُكتَّاب يف التاريخ واملعتمدين عىل التوراة‪.‬‬ ‫أ‪ -‬املؤرخ اليهودي يوسيفوس الشهري صاحب كتب األمة اليهودية يف القرن األول امليالدي‪ ،‬ويف فصل‪« :‬كيف خرج إبراهيم‬ ‫من أرض الكلدانيني‪ ،‬وذهب للعيش يف أرض كنعان»‪ ،‬يؤكِّد يوسيفوس أن حاران هي أرض الكلدانيني‪ ،‬والكلدانية هي اسم‬ ‫مذهب أو عقيدة‪ ،‬فيقول‪« :‬إن إبراهيم غادر أرض الكلدانيني (حاران) إىل كنعان عندما كان يف الخامسة والسبعني من‬ ‫ٍ‬ ‫عمره»‪ ،‬وهو نص سفر التكوين ‪« 4 :12‬فَ َذ َه َب أَبْ َرا ُم ك َ​َم ق َ​َال لَ ُه ال َّر ُّب َو َذ َه َب َم َع ُه لُوطٌ‪َ .‬وكَا َن أَبْ َرا ُم ابْ َن َخ ْم ٍس َو َس ْب ِع َني‬ ‫َس َن ًة ل ََّم َخ َر َج ِم ْن َحا َرانَ»‪ ،‬ويضيف يوسيفوس‪« :‬إن حاران تقع أعىل بالد بابل‪ ،‬وأن املشكلة حدثت بني تارح أيب إبراهيم‬ ‫الذي أثار ضده ضج ًة من هم عىل مذهب الكلدانيني والناس اآلخرين‪ ،‬وكان تارح يكره الكلدانيني»‪ ،‬وهذا ما يُطابق نص‬ ‫التكوين بأن قائد الرحلة من الرها إىل حاران تارح‪ ،‬وليس إبراهيم‪َ « :‬وأَ َخ َذ تَا َر ُح أَبْ َرا َم ابْ َن ُه‪َ ،‬ولُوطًا بْ َن َها َرانَ‪ ،‬ابْ َن ابْ ِن ِه‪،‬‬ ‫اي كَ َّنتَ ُه ا ْم َرأَ َة أَبْ َرا َم ابْ ِن ِه‪ ،‬فَ َخ َر ُجوا َم ًعا ِم ْن أُو ِر الْ َكلْ َدانِ ِّي َني لِ َي ْذ َه ُبوا إِ َل أَ ْر ِض كَ ْن َعانَ‪ .‬فَأَتَ ْوا إِ َل َحا َرا َن َوأَقَا ُموا ُه َن َاك»‪.‬‬ ‫َو َسا َر َ‬ ‫شاخص يف عرصه» (أي عرص يوسيفوس)(‪.)10‬‬ ‫أيضا «إن ناحور جد إبراهيم له مقا ٌم‬ ‫(تكوين ‪ ،)31 :11‬ويقول يوسيفوس ً‬ ‫ٌ‬ ‫ب‪ -‬أسابيوس القيرصي (متوىف ‪340‬م) أبو التاريخ الكنيس ويف كتابه عوائل اللغات‪ ،‬يقول‪ :‬إن منرود بنى أور (إرك) وهي‬ ‫الرها‪ ،‬وكلنة هي سلوقية‪ ،‬وأكد هي نصيبني(‪.)11‬‬ ‫‪ -10‬تاريخ يوسيفوس‪ ،‬إنكليزي‪ ،‬ص‪.98-101‬‬ ‫‪ -11‬القيرصي‪ ،‬عوائل اللغات‪ ،‬نقل وتحقيق الدكتور األب يوسف حبي‪ ،‬ص‪.282‬‬

‫‪106‬‬


‫أور الكلدانيني‬ ‫ليست يف العراق جـ ‪1‬‬ ‫موفق نيسكو‬

‫ج‪ -‬مار أفرام الرسياين (متوىف ‪373‬م) الشهري يف تفسريه لسفر التكوين‪ ،‬يقول‪ :‬إن إبراهيم سكن حاران‪ ،‬ويف رشحه للمدن‬ ‫الواردة يقول‪ :‬إن أرك (أور) هي أديسا (الرها)‪ ،‬وأكد هي نصيبني‪ ،‬ورحبوت هي حدياب (أربيل)‪ ،‬وكالح هي الحرض أو‬ ‫قطسيفون (املدائن)‪ ،‬ورسن هي رأس العني يف الجزيرة السورية(‪.)12‬‬ ‫د‪ -‬طه باقر عميد املؤرخني العراقيني يقول‪« :‬إن آرام نهرين‬ ‫هي ح َّران‪ ،‬ويرد اسمهام مرتادفان‪ ،‬وميزبوتاميا هي آرام نهرين‪،‬‬ ‫واملقصود بها نهري الفرات والخابور‪ ،‬وليس دجلة والفرات»‪،‬‬ ‫ويقول الدكتور فرج البصمجي املالحظ الفني يف اآلثار القدمية‬ ‫العراقية‪ :‬إن تسمية ميزبوتاميا هي يونانية أُطلقت خطأً عىل‬ ‫كل العراق(‪ ،)13‬وح َّران‪ ،‬معناها الطريق‪ ،‬واآلباء اليهود األوائل‬ ‫جاءوا من هذه الناحية قبل استيطانهم فلسطني‪.‬‬

‫طه باقر‬

‫فرج البصمجي‬

‫‪ -8‬أ ّما بالنسبة املسلمني فإن القرآن الكريم ال يتطرق إىل مكان والدة إبراهيم‪ ،‬لكنه يُل ِّمح بصور ٍة واضح ٍة إىل أنها ليست‬ ‫يف أور النارصية‪ ،‬بل حاران‪ ،‬فاآليات التي تتحدث عن إبراهيم مرتبط ٌة باألصنام والتامثيل والشمس والقمر والكواكب‪،‬‬ ‫وهذا ينطبق عىل حاران وليس عىل أور‪ ،‬أ َّما تفاسري علامء املسلمني فاألغلبية الساحقة تتفق عىل أن والدة إبراهيم‬ ‫كانت زمن منرود‪ ،‬لكنهم اختلفوا يف تعيني مكان والدته‪ ،‬فالذين قالوا يف العراق ذكروا أنها يف بابل أو كويث أو السوس يف‬ ‫األهواز‪ ،‬أو الوركاء بناحية الزايب وحدود كسكر وحاران‪ ،‬واملهم أن أغلب املفرسين املسلمني الذين يقولون أنه ُولد يف‬ ‫بابل أو قربها‪ ،‬فإن السبب الرئيس لقولهم هذا‪ ،‬هو ارتباط بابل بالكلدان وشهرة الدولة الكلدانية (‪ 539-612‬ق‪.‬م‪ ،).‬ويف‬ ‫بإسهاب عن التنجيم والكواكب والشمس والقمر والزهرة‪ ،‬ويف حاران وبابل‪ ،‬لكن هذا األمر ينطبق‬ ‫تفاسريهم يتكلمون‬ ‫ٍ‬ ‫عىل ح َّران فقط زمن إبراهيم وليس عىل أور السومرية األكدية قرب النارصية‪.‬‬ ‫فابن كثريٍ يروى عن ابن عساكر أن مولد إبراهيم كان يف أرض الكلدانيني‪ ،‬وهي أرض بابل‪ ،‬وهو الصحيح املشهور عند‬ ‫أهل السري والتواريخ واألخبار‪ ،‬وص ّحح ذلك الحافظ ابن عساكر عن ابن عباس‪ ،‬أن إبراهيم ُولد بغوطة دمشق يف قري ٍة‬ ‫يقال لها‪ ،‬برزة‪ ،‬يف جبلٍ يقال له‪ ،‬قاسيون‪ ،‬ومع أن ابن كثريٍ يقول أن إبراهيم ُولد يف بابل وليس يف حاران‪ ،‬لكنه يعود‬ ‫ويذكر جمل ًة مهم ًة ج ًدا‪ ،‬وهي‪« :‬ثم ارتحلت عائلة إبراهيم قاصدين أرض الكنعانيني يف بالد بيت املقدس‪ ،‬فأقاموا‬ ‫بحاران‪ ،‬وهي أرض الكشدانيني»‪ ،‬وهي ت ُطابق النص العربي أرض الكاسديني (يف بعض طبعات البداية والنهاية الحديثة‪،‬‬ ‫أيضا هي أرض الكلدانيني)‪ ،‬ويضيف أن أهل حاران كانوا يعبدون الكواكب واألصنام‪ ،‬وينسب ابن كثريٍ قيادة‬ ‫حاران ً‬ ‫الرحلة لوالد إبراهيم(‪ ...)14‬واملسعودي يقول‪« :‬إن إبراهيم هو من بنى حاران‪ ،‬ولغته الرسيانية‪ ،‬وكانت والدته زمن منرود‬ ‫‪ -12‬تفسري مار أفرام الرسياين‪ ،‬ترجمة د‪ .‬أسعد‪ ،‬ص‪ ،207‬وانظر تفسريه يف املخطوط املاروين‪ ،‬هونت‪ ،112‬مكتبة أوكسفرد‪ ،‬وكان إبراهيم يسكن حاران يف جزيرة العراق‪ ،‬ص‪.100‬‬ ‫‪ -13‬مقدم ٌة يف تاريخ الحضارات القدمية‪ ،‬النيل‪ ،‬فارس‪ ،‬اإلغريق‪ ،‬الرومان‪ ،‬ص‪ .303-304‬مجلة سومر‪ ،‬ك‪1947 ،2‬م‪ ،‬الدكتور فرج البصمجي‪ ،‬أقوام الرشق األدىن القديم وهجراتهم‪ ،‬ص‪.89‬‬ ‫‪ -14‬ابن كثريٍ القريش‪ ،‬البداية والنهاية‪ ،‬دار هجر‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪.325‬‬

‫‪107‬‬


‫أور الكلدانيني‬ ‫ليست يف العراق جـ ‪1‬‬ ‫موفق نيسكو‬

‫وعب الفرات وذهب إىل مرص»(‪ ،)15‬واليعقويب يقول‪« :‬إنه ُولد يف مدينة كوثا ربَّا»‪ ،‬إالّ أنه‬ ‫ملك بابل‪ ،‬وخرج من حاران َ‬ ‫يقول أن إبراهيم وزوجته سارة بنت حاران ولوط ابن حاران ذهبوا مبارش ًة من أرض منرود إىل فلسطني(‪.)16‬‬ ‫أ َّما الطربي وابن واألثري والثعلبي‪ ،‬فال يخرجون عن بابل وكويث وحاران والسوس يف أرض األهواز والوركاء بناحية الزوايب‬ ‫حل توافق ًيا بني حاران وبابل‪ ،‬بالقول‪ :‬كان مولده بحاران‪ ،‬لكن أباه نقله إىل بابل‪،‬‬ ‫وحدود كسكر‪ ،‬لكن يبدوا أنهم ذكروا ً‬ ‫ويضيفون شيئًا آخر هو أن سارة زوجة إبراهيم هي ابنة ملك حاران‪ ،‬مع مالحظ ٍة مهم ٍة أخرى هي‪ ،‬أن الطربي وابن‬ ‫صحيح ج ًدا‪ ،‬وهو ما‬ ‫األثري وغريهم ذكروا أن إبراهيم غادر قومه إىل دمشق أو الشام مبارشةً‪ ،‬بدون (ترانزيت)‪ ،‬وقولهم‬ ‫ٌ‬ ‫يعني بوضو ٍح أنه سافر من حاران إىل الشام وليس من بابل كام اعتقد ونقل الخلف عن السلف(‪.)17‬‬ ‫كالم يف قصة إبراهيم‬ ‫ويف الكايف كان مولد إبراهيم يف كويث ربَّا(‪ ،)18‬أ َّما الطباطبايئ‪ ،‬يف تفسريه لسورة األنعام ويف فصل ٍ‬ ‫وشخصيته (ع)‪ :‬يستشهد مبقاطع كثري ٍة من التوراة عن إبراهيم ورحيله إىل حاران‪ ،‬وهو عمو ًما ال يذكر بنفسه رصاح ًة‬ ‫مكان مولد إبراهيم‪ ،‬لكن كالمه يدور يف بابل وكويث‪ ،‬ويُنقل عن اآلخرين أن إبراهيم ُولد يف كويث‪ ،‬واألمر املهم ج ًدا هو‬ ‫بإسهاب عنهم) كانوا يف حاران التي هاجر إليها إبراهيم من بابل أو من‬ ‫قوله‪ :‬إن الصابئيني عبدة الكواكب (ويتكلم‬ ‫ٍ‬ ‫(أور)‪ ،‬فقط بدون الكلدانيني‪ ،‬ويضع (أور) بني قوسني ويف أكرث من مكان‪ ،‬لكنه حني ينقل عن التوراة‪ ،‬ينقلها كام هي‪،‬‬ ‫أور الكلدانيني‪ ،‬أي أنه ال يقصد أور النارصية‪ ،‬واألهم قوله‪« :‬إن إبراهيم َز َّوج ابنه إسحق من عشريته بكلدان»‪ ،‬أي أنه‬ ‫واضح بقوله‪ :‬وظاهر ما ق َّ​َص ُه القرآن الكريم عن إبراهيم هو‪ :‬أن إبراهيم‬ ‫اعترب أن أور الكلدانيني هي حاران‪ ،‬وكالمه‬ ‫ٌ‬ ‫هاجر عن قومه مبارش ًة بدون تغ ُّرب (ترانزيت) والذهاب إىل حران أولً ‪ ،‬ثم من حران إىل األرايض املقدسة‪ ،‬وهذا القول‬ ‫ال مأخذ له غري التوراة وأخبا ٍر غري سليم ٍة من ٍ‬ ‫نتف إرسائيلية‪ ،‬كام هو ظاه ٌر ملن تدبّر تاريخ الطربي‪ ،‬عىل أن بعضهم‬ ‫ذكر أن حاران هي قرب بابل بني الفرات والخابور‪ ،‬وهي غري حاران الواقعة قرب دمشق‪ ،‬ويضيف‪« :‬إن لغة إبراهيم‬ ‫هي الرسيانية»(‪ ،)19‬وهي لغة قومه‪ .‬ويبدو أن بعض املؤرخني واملفرسين اعتقدوا أن حارن هي حوران قرب دمشق‪.‬‬ ‫وكل هؤالء املؤرخني واملفرسين ربطوا أحداث إبراهيم بالكواكب والشمس والقمر والزهرة واألصنام والسحر التي‬ ‫ُعرفت بها حاران‪ ،‬واألغلبية الساحقة منهم يقولون إن إبراهيم كانت لغته رسياني ًة‪ ،‬وهي لغة أهل حاران وشامل الشام‪،‬‬ ‫وليست لغة أور السومرية أو األكدية‪ ،‬وال حتى لغة بابل بقرونٍ كثرية‪.‬‬ ‫حاصل عىل شهادة البكالوريوس يف الهندسة من رومانيا‪ ،‬وباحثٌ‬ ‫ٌ‬ ‫نبذة عن الكاتب‪ :‬موفق نيسكو عراقي رسياين من قرية مرييك الرسيانية قرب املوصل‪.‬‬ ‫منشغل حاليًا بتأليف موسوع ٍة عن تاريخ الرسيان اآلراميني وحضارتهم ولغتهم‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫يف التاريخ الرسياين اآلرامي واللغة اآلرامية‪ .‬له عدة كتب يف هذا املجال‪.‬‬ ‫‪ -15‬املسعودي‪ ،‬أخبار الزمان‪ ،‬ص‪.103‬‬ ‫‪ -16‬تاريخ اليعقويب‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪.24‬‬ ‫‪ -17‬تاريخ الطربي‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪ .81 ،77‬وابن األثري‪ ،‬الكامل يف التاريخ‪ ،‬ص‪ .77 ،72‬والثعلبي‪ ،‬قصص األنبياء‪ ،‬ص‪.86 ،79‬‬ ‫‪ -18‬الكليني‪ ،‬الكايف‪ ،‬ج‪ 8‬ص‪.196‬‬ ‫‪ -19‬الطباطبايئ‪ ،‬امليزان يف تفسري القرآن‪ ،‬ج‪ 7‬ص‪.247-248 ،242 ،332 ،187 ،165‬‬

‫‪108‬‬


https://www.facebook.com/groups/arbangroup/

109


‫سؤال من املناظرة التي اكدة أن محمد ليس نبي‪.‬‬

‫‪Abdelhakim Ibrahim‬‬ ‫ـ‬

‫تخيل لو تم تغيري السيناريو يف سورة الكهف‪ ،‬فالخرض يذهب ليخرق الكهف ويعرث الرومان عىل الفتية‬ ‫ويقتلوهم لحكمة ال يعلمها حتى الله! وموىس يذهب مع ذي القرنني يف رحلة شيقة لريى بنفسه غروب‬ ‫الشمس يف عني حمئة! وهناك يعطيه زبر الحديد وهكذا ينجو الغالم املسكني ويذهب ليصطاد الحوت‬ ‫اللئيم الذي بلع يونس!!! مع الله مش حتئدر تغمض عينيك‬

‫‪Sami Jamal‬‬

‫‪Abu Jad AF‬‬

‫الله بحب يحط حالو مبواقف محرجة مع البرش‪.‬‬

‫‪Mustapha Koudri‬‬

‫طبعا محمد ال يحب االسئلة فهو ال يريد ان يفضح امره‪ .‬االسالم مبني عىل التخويف من العذاب‬ ‫لوال هذا التهديج ما آمن احد‪ .‬تحدى اليهود محمد ان يعطيهم عدد اصحاب الكهف فلم يعرف‬ ‫الجواب وتهرب من السؤال‪.‬‬

‫‪110‬‬


‫مجلة شهرية بجهود فردية تصدر في الثاني عشر من كل شهر‬

The Arab MagazineMagazine is a digital produced TheAtheists Arab Atheists is apublication digital publication by volunteers andbycommitted and produced volunteerstoandpromoting committedthetothought promoting writingstheof thought atheists and of various complete freewritingspersuasions of atheistswith of various persuadom. Thewith Magazine doesfreedom. not adoptThe or endorse anydoes formnotof adopt politisions complete Magazine cal ideology affiliation. or or endorse any form of political ideology or affiliation Contributors of the content, illustrations Contributorsbear bearthethefullfullresponsibility responsibility of the content, illustraandtions topicsandthey provide insofar as it covers copyright and issues topics they provide insofar as it covers copyright andof intellectual property. issues of intellectual property Express permission to publish the Magazine is provided by conExpress permission for to in publish in the Magazine is provided tributors, whether they are members of the Arab Atheists by contributors, whether they are members of the ArabMagazine Atheists Group or of other atheists and non-religious contributors. Magazine Group of other atheists and non-religious contributors TheTheMagazine does notnot publish material thatthat is unethical or or thatthat inMagazine does publish material is unethical cites racism or bigotry. incites racism or bigotry The Editorial Board reserves the rightthe to republish content originally The Editorial Board reserves right to republish content published on the Magazine’s Facebook group, as publishing originally published on the Magazine’s Facebook group,there as implicitly contains consent for republication in the Magazine. publishing there implicitly contains consent for republication in the Magazine

:‫موقع املدونة اخلاصة بنا لألرشفة على اإلنترنت‬ www.aamagazine.blogspot.com ‫البريد اإللكتروني‬ el7ad.organisation@gmail.com magazine@arabatheistbroadcasting.org


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.