مجلة الملحدين العرب / العدد الثمانون / يوليو تموز / 2019

Page 1

‫مجلة شهرية بجهود فردية تصدر يف الثاين عرش من كل شهر‬

‫يف فهم اإلصالح الديني‬ ‫وجدواه‬ ‫د‪.‬عبد العزيز القناعي‬

‫اإلعالم يد الدكتاتورية‬ ‫الدينية‬

‫يحيى مصطفى ايخو‬

‫رشيعة القرود‬

‫العدد الثامنون من مجلة امللحدين العرب ‪ -‬يوليو ‪ /‬متوز لسنة ‪.2019‬‬

‫‪Hades Nostravinci‬‬

‫تحدياملسيحيني‬ ‫يف مسألة الفصح‬ ‫دان باركر‬

‫تهدف مجلّة امللحدين العرب إىل نرش وتوثيق أفكار امللحدين العرب املتنوعة وبحريّ ٍة كاملة‪ ،‬وهي مجلّ ٌة رقمي ٌة غري ربح ًّية‪ ،‬مبني ٌة‬ ‫أي توج ٍه سيايس‪ .‬املعلومات واملواضيع املنشورة يف املجلّة متثل آراء كاتبيها فقط‪ ،‬وهي مسؤل ّيتهم من‬ ‫بجهو ٍد طوعي ٍة ال تتبع َّ‬ ‫الناحية األدب ّية ومن ناحية حقوق النرش وحفظ امللك ّية الفكريّة‪.‬‬


‫كلمة تحرير املجلة‬

‫نعيش يف عاملنا املمتد من الرشق األوسط إىل شامل أفريقيا معانا ًة مختلفة‬ ‫الدرجات واأللوان تتجىل بالقمع الفكري ومحاربة حرية التعبري سوا ٌء كانت‬ ‫من األنظمة والحكومات أم من اإلعالم والصحافة بل وحتى من الشعب‬ ‫املغ ّيب‪.‬‬ ‫وجميعنا يدرك أن هذا الوضع لن يستمر إىل األبد وأنه البد لليل أن ينجيل‬ ‫وأنه سيأيت يو ٌم ونحقق تقد ًما يف مجال الفكر والثقافة يف ٍ‬ ‫وقت ما يف املستقبل‪.‬‬

‫فريق التحرير‬

‫املشارك يف هذا العدد‬

‫رئيس التحرير‬ ‫الغراب الحكيم‬ ‫أعضاء هيئة التحرير وبناء املجلة‬ ‫‪John Silver‬‬ ‫‪Gaia Athiest‬‬ ‫أسامة البني (الوراق)‬ ‫‪Alia’a Damascéne‬‬ ‫غيث جابري‬ ‫‪Abdu Alsafrani‬‬ ‫‪Raghed Rustom‬‬ ‫‪Johnny Adams‬‬ ‫ليث رواندي‬ ‫‪Rama Salih‬‬ ‫‪Osama al Abbas‬‬ ‫إيهاب فؤاد‬ ‫‪Yonan Martotte‬‬

‫ويبقى السؤال الحقيقي وهو كم من الوقت سيمر قبل أن نحقق شيئًا كهذا؟‬ ‫وكم من الضحايا سريمتون عىل هذا املذبح؟‬ ‫هنا تظهر جل ًيا تلك الحاجة والدافع لعمل يش ٍء ما‪ ...‬أي يش ٍء لتغيري الوضع‬ ‫الراهن وإحداث التغيري ولو ببذر ٍة تحمل األمل بالنمو واالزدهار يف املستقبل‪.‬‬ ‫وهذا الدافع الذي يداعب ضمري كل امللحدين العرب أو لنقُل الحلم األسري‬ ‫للعنف واإلرهاب الذي يعيشونه بشكلٍ‬ ‫يومي يرت َجم بعدة طرق‪ ،‬ولكن‬ ‫ٍ‬ ‫افض‬ ‫حي ر ٌ‬ ‫الجوهر كله واح ٌد بالنهاية وهو أن امللحد العريب يدفعه ضم ٌري ٌّ‬ ‫للظلم واالستغالل والكذب‪ ،‬ويشعر باألىس والغضب عندما يرى املؤمنني‬ ‫بالخرافات ضحايا للشعوذة الدينية التي ال تأبه بعذاب الضعفاء وال يعنيها ّإل‬ ‫ٍ‬ ‫ومساهامت‬ ‫مصالحها والطاعة والتبعية العمياء‪ ،‬من هنا نشأت عدة مشاريع‬ ‫عرب الشبكة العنكبوتية خالل السنوات التي منحت هذه الرشيحة الحرية‬ ‫واألمان‪ ،‬وكان أحدها مرشوع منتدى وشبكة امللحدين العرب عىل اإلنرتنت‬ ‫ٍ‬ ‫ومجموعات‬ ‫والذي تطور الحقًا ليك ّون مجموع ًة عىل الفيسبوك وعدة مواقع‬ ‫ٍ‬ ‫وصفحات أخرى باإلضافة لقناة امللحدين بالعريب ومجلة امللحدين العرب‪.‬‬ ‫مل نكن الوحيدين طب ًعا وكنا دو ًما ندرك أهمية النمو األفقي وأثر تنوع‬ ‫الخطاب واالختالف بالطرق واملناهج واألدوات التي تن ّوعت بعدد العقول‬ ‫واملبدعني املوجودين عىل الساحة‪.‬‬ ‫وعىل أثر ذلك كنا دو ًما ندعوا الجميع للتعاون‪ ،‬وحاولنا جاهدين أن نحافظ‬ ‫عىل حيادي ٍة صافي ٍة وسياس ٍة تتقبل وتستوعب التنوع الفكري والسيايس‬ ‫والعرقي بل وحتى الثقايف واللغوي‪ ،‬ومهني ٍة كافي ٍة لتج ّنب ظهور أعداء أو‬ ‫مخالفني يف هذا الوسط‪ .‬وما زلنا نحمل هذه الرسالة يف دعو ٍة عام ٍة م ّنا لكل‬ ‫من يرغب يف املساهمة معنا يف هذا املرشوع بشكلٍ إيجايب‪ ،‬أو يحتاج م ّنا إىل‬ ‫ٍ‬ ‫ومعلومات وخرب ٍة يف مجال النرش الرقمي‪.‬‬ ‫مساعد ٍة‬ ‫إن األرض خصب ٌة وتحتمل الكثري من األفكار وجميعها عىل تنوعها لها فرص ٌة‬ ‫باالزدهار والنجاح والتأثري‪.‬‬

‫‪2‬‬

‫وأُحب أن أستغل هذا املنرب لتوثيق وإطالق هذه‬ ‫الدعوة للجميع مج ّد ًدا‪ .‬ليك نساهم يف زرع الزهور‬ ‫مكان األشواك وإحداث تغيريٍ ما ولو بعد ح ٍني ليك‬ ‫ينعم أطفالنا مبكانٍ يس ّمونه الوطن يكون أفضل مام‬ ‫نعيشه اليوم‪.‬‬

‫الغراب الحكيم‬


‫الفهرس‬ ‫كلمة تحرير املجلة‬

‫‪2‬‬

‫الفهرس‬

‫‪3‬‬

‫يف فهم اإلصالح الديني وجدواه‬ ‫د‪ .‬عبد العزيز القناعي‬

‫‪4‬‬

‫اإلعالم يد الدكتاتورية الدينية‬ ‫يحيى مصطفى ايخو‬

‫‪8‬‬

‫خلف خطى يسوع جـ ‪3‬‬ ‫الغريب بن ماء السامء‬

‫‪14‬‬

‫تحدي املسيحيني يف مسألة الفصح‬ ‫دان باركر‬

‫‪33‬‬

‫الشمودوغامئية (أخطر أمراض الفكر البرشي) ‪46‬‬ ‫رواند دلعو‬ ‫رشيعة القرود‬ ‫‪Hades Nostravinci‬‬

‫‪54‬‬

‫سرية محمد بن آمنة‬ ‫ترجمة عن منشورات شاريل إيبدو‬

‫‪59‬‬

‫كاريكاتور‬

‫‪67‬‬

‫‪3‬‬


‫يف فهم اإلصالح الديني وجدواه‬

‫د‪.‬عبد العزيز القناعي‬

‫أدبيات االعتدال اإلسالمي هي ذاتها مرتكزات التطرف اإلسالمي‪...‬‬

‫يف الوقت الذي تسعى فيه األديان إىل مواجهة صريورة‬ ‫عدم اإلميان‪ ،‬بطُرقٍ متفاوت ٍة أبشعها التكفري والقتل‪،‬‬ ‫وأدناها النفي والتنكيل املعنوي‪ ،‬إال أن نفس هذه األديان‬ ‫ٍ‬ ‫محاوالت إصالحي ًة ألتباعها املؤمنني‬ ‫تُواجِه من الداخل‬ ‫ٍ‬ ‫روايات‬ ‫إلزالة كل ما يتلبس بالدين والرتاث والفقه من‬ ‫غري حقيقي ٍة ساهمت إىل اليوم يف تعزيز العنف وتقديم‬ ‫أول‪ ،‬ويف العامل‬ ‫صور ٍة مش ّوه ٍة للدين يف عقول العامة ً‬ ‫الخارجي ثانيًا‪.‬‬

‫وهو ما يرفضه متش ّددو األديان يف كل زمانٍ ومكان‪.‬‬ ‫ويتالزم مع اإلصالح الديني مفهوم التسامح الديني‪ ،‬وهو‬ ‫ما يُعطي صفة قبول اآلخر عقائديًا قيم ًة إنساني ًة إن تم‬ ‫تفعيلها بشكلٍ كبريٍ يف املجتمعات تؤدي الحقًا إىل تأصيل‬ ‫الدميقراطية وخيار التعايش املشرتك‪.‬‬

‫مصطلح انطلق مع املفكرين‬ ‫إن اإلصالح الديني‬ ‫ٌ‬ ‫والفالسفة الغربيني قبل بداية الثورة األوروبية الصناعية‪،‬‬ ‫وعند العرب يف القرن التاسع عرش مع بدايات جامل‬ ‫الدين األفغاين ومحمد عبده وغريهام مبا يعرف بعرص‬ ‫النهضة العربية األوىل‪ ،‬ولعل من أسباب ذلك أن اإلصالح‬ ‫الديني يهدف إىل االرتقاء مبستوى املبادئ واألخالقيات‬ ‫الدينية القدمية عىل غرار ما يتطور يف املفاهيم الحديثة‬ ‫املتمثلة يف الحداثة وحقوق اإلنسان والدميقراطية‪ ...‬إلخ‪،‬‬ ‫‪4‬‬

‫ولكن هنا‪ ،‬يف الرشق األوسط ودول شامل أفريقيا نقع‬ ‫يف إشكالي ٍة كبري ٍة حيث أن الفهم الحديث للتسامح‬ ‫والذي يشمل مفاهيم الهوية القومية والعرقية واملذهبية‬ ‫والقبلية والتساوي يف حقوق املواطنة بالنسبة لألفراد‬ ‫ٍ‬ ‫ديانات مختلفة‪ ،‬مل يكن ذا قيم ٍة من‬ ‫الذين ينتمون إىل‬ ‫وأيضا من‬ ‫وجهة نظر كثريٍ من رجال الدين والفقهاء ً‬ ‫الشعوب‪ ،‬وذلك نظ ًرا للمعاين التي تنطوي عليها عقيدة‬ ‫التوحيد وحاكمية اإلسالم وتفوق األمة اإلسالمية عىل كل‬ ‫األمم واألعراق‪ .‬بعكس ما رأينا يف مجتمع الجزيرة العربية‬ ‫قبل اإلسالم من حيث تواجد مجا ٍل واسعٍ للتسامح الديني‪،‬‬


‫يف فهم اإلصالح الديني وجدواه‬ ‫حيث كانت اليهودية واملسيحية حارض ًة بقو ٍة باإلضافة إىل الوثنية‬ ‫العربية الشائعة‪ ،‬ورغم الرصاعات املختلفة يف هذا املحيط القبيل‬ ‫التعددي إال أنه مل يكن هناك رصا ٌع ديني‪ .‬بعكس اليوم وما نعايشه‬ ‫ٍ‬ ‫تداعيات طائفي ٍة ومذهبي ٍة وقبلي ٍة امتدت لتشمل كل مجاالت‬ ‫من‬ ‫حياتنا‪.‬‬ ‫يوضح مارك كوهني وهو أستاذ دراسات الرشق األوسط‬ ‫ويف هذا الصدد ّ‬ ‫بجامعة برنستون بالواليات املتحدة األمريكية‪« :‬أن جميع الديانات‬ ‫القامئة عىل عقيدة التوحيد والتي كان لها نفو ٌذ يف الحكم عىل َم ّر‬ ‫التاريخ كانت ترى أنه سيكون من املناسب‪ ،‬إن مل يكن إلزاميًا‪ ،‬اضطهاد‬ ‫العقائد املنشقة عنها»‪ .‬وينتهي كوهني إىل أن «اإلسالم واملسيحية‬ ‫عندما كان لهام النفوذ يف الحكم خالل القرون الوسطى كان ينبغي‬ ‫لهام اضطهاد الجامعات املنشقة التي تعيش عىل أراضيهام»‪.‬‬

‫مارك كوهني‬

‫وحتى ال نسرتسل كث ًريا يف أبعاد ومضامني مفهوم التسامح واإلصالح الديني وتأثريهام البالغ يف إحداث التغيريات األساسية‬ ‫واإلنسانية يف عامل اليوم‪ ،‬وخصوصا باملجتمعات العلامنية؛ نرجع إىل واقعنا العريب‪ ،‬وما يحدث مؤخ ًرا من اشتداد الحملة‬ ‫اإلعالمية املضادة لربامج اإلصالح الديني وتنقية اإلسالم من شوائب علقت به داخل كُتب األحاديث والفقه والتفسري‪.‬‬ ‫إن مثل هذه الربامج التي تتناول فيه‪ ،‬وفق األدلة العلمية‪ ،‬ومبنهجي ٍة رائعة‪ ،‬تفنيد وإزالة الغموض واللبس الذي صادف‬ ‫وعلِق بالرتاث اإلسالمي عىل مر العصور واألزمان‪ ،‬وتحدي ًدا فيام يتعلق بكتا ّيب البخاري ومسلم‪ ،‬هي الخطوة األويل‬ ‫والرضورية إلعادة كتابة اإلسالم بشكله التاريخي النقدي‪.‬‬ ‫دليل عىل صحة ما يقومون به من جهو ٍد تنويري ٍة‬ ‫وما محاوالت منع وإسكات وتخويف القامئني عىل مثل هذه الربامج ّإل ٌ‬ ‫تصب يف صالح اإلسالم‪ ،‬ولكنها تزعج وتنهي سيطرة تجار الدين عىل اإلسالم ذاته بكل ما يحتويه من بضاع ٍة سلبي ٍة‬ ‫وأحاديثَ مشبوه ٍة وتر ٍ‬ ‫طويل دون أن يتمكن أح ٌد من استخدام مرشط الجراح للقيام مبا هو‬ ‫ظالمي استمر ً‬ ‫رجعي‬ ‫اث‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍّ‬ ‫مطلوبًا عندما يتوقف الدين عن مسايرة الحضارة البرشية‪.‬‬ ‫مخجل يزيد من عمق األزمة‬ ‫ٌ‬ ‫يف الحقيقة مل تكن دعوات عدم املساس بالدين وعدم نقده واالكتفاء مبا فيه‪ّ ،‬إل أم ٌر‬ ‫العربية وفشل العقل العريب املسلم ويدعم التعصب الديني والتشدد ويعطي حج ًة للتيارات اإلسالمية الراديكالية من‬ ‫أمثال داعش والقاعدة وحزب الله ووالية الفقيه بأن نظرياتهم املعرفية املستندة عىل الدين اإلسالمي صحيحة‪ ،‬وبأنه ال‬ ‫تسامح مع اإلسالم وال حرية الرأي وال االنتقاد أب ًدا‪ ،‬وأن كالم أسامة بن الدن صحي ًحا عندما قال بأن‬ ‫«ليس هناك يف العامل سوى فسطاطني‪ ،‬فسطاط اإلميان وفسطاط الكفر»‪.‬‬ ‫كشعوب عربي ٍة إسالمي ٍة إال أن نرضخ ملن يريد أن يجعلنا عبي ًدا ال رأي لهم وال كلمة أمام تجار الدين‬ ‫وما علينا هنا‬ ‫ٍ‬ ‫وعصابات التأسلم السيايس‪ .‬فنحن كام قال سيد قطب نعيش يف عرص الجاهلية‪.‬‬

‫‪5‬‬


‫يف فهم اإلصالح الديني وجدواه‬ ‫إن ما يحاول دعاة اإلصالح الديني قوله ببساطة‪:‬‬ ‫أ ّن يا سادة يا كرام يا عرب ويا مسلمني‪ ،‬مل يعد مجديًا اليوم االستمرار يف االعتامد عىل كتب الرتاث اإلسالمي مبا تحويه‬ ‫تناقضات ومن خر ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وأوهام تالصقت بصفحات الكتب الدينية حني تم تدوينها يف الزمن الغابر‪،‬‬ ‫افات ومن أساط َري‬ ‫من‬ ‫ٍ‬ ‫بل البد لنا إن أردنا التقدم والنهضة أن نبدأ بنقد كُتبنا اإلسالمية‪ ،‬ففيها ومن بطونها نشأت داعش‪ ،‬ومن فتاويها وأمئتها‬ ‫خرجت املذاهب املتناحرة وتناثرت الدماء عىل طول وعرض املدن العربية واإلسالمية‪.‬‬ ‫فهذه الحقيقة لن يستطيع إنكارها أي ٍ‬ ‫شخص يقرأ التاريخ ويرى تشابه املايض اإلسالمي‪ ،‬مبن يريد تطبيق الرشيعة اليوم‬ ‫ٍ‬ ‫ومتطرف أو متشدد‪ ،‬بل أصبح غالبيتهم‪ ،‬إن مل‬ ‫ووسطي‬ ‫يف املجتمعات العربية‪ ،‬ومل يعد هناك أي فَرقٍ اليوم بني معتد ٍل‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫سيوف‬ ‫نقل جميعهم‪ ،‬يف مركب الدعوة إىل العنف وإىل مواجهة اآلخر وإىل إقامة الخالفة بكل ما استطاعوا من قو ٍة ومن‬ ‫ومن تفجري ٍ‬ ‫ات ُليهبوا الشعوب ويقيموا دولتهم عىل جامجم الشعوب العربية‪ ...‬حتى صدق فيهم قول نرص حامد أبو‬ ‫زيد يف سياق تشكيكه يف جدية التفريق بني املعتدل واملتطرف يف كتابه نقد الخطاب الديني‪:‬‬ ‫( الحقيقة أن الفارق بني هذين النمطني‪ ،‬املعتدل واملتطرف ٌ‬ ‫فارق يف الدرجة ال يف النوع‪ .‬والدليل عىل ذلك أن الباحث‬ ‫منطي الخطاب‬ ‫ال يجد تغاي ًرا أو اختالفًا من حيث املنطلقات الفكرية أو اآلليات بينهام‪ ...‬ويتجىل التطابق يف اعتامد ْ‬ ‫عىل عنارص أساسي ٍة ثابت ٍة يف بنية الخطاب الديني بشكلٍ عام‪ ،‬عنارص أساسي ٍة غري قابل ٍة للنقاش أو الحوار أو املساومة)‪.‬‬ ‫لهذا‪ ،‬تُحارِب املؤسسة الدينية التقليدية دامئًا أي ٍ‬ ‫صوت يحاول أن يشكك يف منهجيتها‬ ‫أو أفقها أو ميس ثوابتها حتى لو كان هذا الصوت منبثقًا من داخلها‪.‬‬ ‫حدث هذا مع علامء من األزهر سابقًا مثل خلع عاممة الشيخ عيل عبد الرازق ألنه‬ ‫أصدر عام ‪ 1925‬كتابًا (اإلسالم وأصول الحكم)‪ ،‬الذي أثبت فيه بالرشع وصحيح الدين‬ ‫عدم وجود دليلٍ عىل شكلٍ مع ٍني للدولة يف اإلسالم‪.‬‬ ‫تاريخ ًيا ميكن القول‪ ،‬بأن مجموعة الثوابت واليقينيات والوثوقيات املفروضة داخل أي مؤسس ٍة ديني ٍة هي ما تُبقيها حي ًة‬ ‫وفاعل ًة يف التواجد والتأثري والرتهيب وخلق التطرف والعنف‪ ،‬وأية محاول ٍة تشكيكي ٍة بها تعني إهدار آالف السنني من تدجني‬ ‫العقول وسحق ذاتية األتباع‪.‬‬ ‫بينام اليوم‪ ،‬تواجهنا حقيق ٌة مرعبة‪ ،‬وهي أن أدبيات االعتدال اإلسالمي ومصادره ونصوصه وفتاواه هي ذاتها مرتكزات‬ ‫التطرف اإلسالمي‪ ،‬الفارق الوحيد يف الفعل هو املامرسة العملية عىل األرض‪ .‬ففي كُتب املعتدلني ومصادرهم ستجد التكفري‬ ‫وأحكام الحرب وأحكام أهل الكتاب وفقه الوالء والرباء‪ ،‬وهي ذاتها املوجودة لدى كتب املتطرفني التي يسرتشدون بها إلقامة‬ ‫الدولة الدينية‪.‬‬ ‫لهذا فإن الخطوة الصحيحة واألساسية يف عملية اإلصالح الديني تتمثل يف انتقاد املنظومة الدينية بكاملها‪ ،‬يف نقد مصادرها‪،‬‬ ‫ويف تغيري أولوياتها‪ ،‬ويف تجميد وتعطيل بعض نصوصها الدالة عىل العنف والكراهية وقتل اآلخر‪ ،‬ويف إلغاء كل ما هو خرا ٍّيف‬ ‫ومتييزي من النصوص‪ ،‬يف تقديم ر ٔوي ٍة ديني ٍة علامني ٍة جديد ٍة تُوافق العرص والحرية وحقوق اإلنسان‬ ‫وعنرصي‬ ‫ووحيش‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍّ‬ ‫والدميقراطية وفصل الدين عن الدولة‪ ،‬وألّ نضع املكياج لتجميل القبيح‪ ،‬وألّ نعيش يف خندق اإلنكار وطمس الحقيقة‪،‬‬ ‫ومحاربة كل من يفكر أن ينقذنا‪ ،‬كام قال عبدالرزاق الجربان يف كتاب لصوص الله‪.‬‬ ‫‪6‬‬


http://arabatheistbroadcasting.com/aamagazine https://www.aamagazine.blogspot.com https://www.facebook.com/pages/AAMagazine/498136386890299 https://issuu.com/928738

7


‫اإلعالم‬

‫يد الدكتاتورية الدينية‬

‫يحيى مصطفى ايخو‬ ‫حق وميز ٌة يتمتع بها جز ٌء‬ ‫هل الحرية هي ٌ‬ ‫واح ٌد فقط من أجزاء املجتمع أما البقية‬ ‫املختلفون فال يستحقونها! ِطبقًا لهذا‬ ‫التصنيف أال ترى أنها أصبحت حري ًة انتقائي ًة؟‬ ‫يف الدول ذات الحكم الديني يصبح مجال النقاش‬ ‫وحرية االختيار أحادي التوجه‪ ،‬ومبا أن اإلعالم هو‬ ‫ٍ‬ ‫محرك ألي فكر ٍة سوا ٌء مؤيد ًة أو معارض ًة‪.‬‬ ‫أكرب‬ ‫لهذا السبب سأتطرق لكيفية تعاطي‬ ‫اإلعالم مع املختلفني عمو ًما أيديولوج ًيا‬ ‫خصوصا‪.‬‬ ‫أو جنس ًيا (جندريًا) وامللحدين‬ ‫ً‬ ‫الكاتب‪ :‬يحيى مصطفى ايخو‬ ‫حقوقي يف مجال الحريات الدينية‬ ‫ناش ٌط‬ ‫ٌّ‬ ‫ورئيس شبكة الليرباليون يف موريتانيا‪.‬‬ ‫‪8‬‬


‫اإلعالم‬

‫يد الدكتاتورية الدينية‬

‫يحيى مصطفى ايخو‬

‫ففي إعالمنا العريب ُينع ظهور امللحدين واملختلفني إال إذا كانوا سيعلنون توبتهم ويعودوا إىل اعتناق فكر املوروث‪ ،‬دين‬ ‫اآلباء واألجداد‪.‬‬ ‫ارتبط مفهوم التغيري عىل الدوام يف العقل الواعي والالواعي للمجتمع العريب عىل َم ّر العصور بحتمية التخيل عن جز ٍء‬ ‫من الذات‪ ،‬وألن الذات ماهي إال مجموعة االنتامءات الفطرية واملكتسبة التي تُشكّل هويتنا‪ ،‬فإن أي تغيريٍ ألي جزئي ٍة‬ ‫فعل خاطئًا يف حقيقته‪ ،‬وأن‬ ‫من املكتسب يعني التخيل عن ذاتنا‪ ،‬إال أن هذا (التَ َخ ِّل) ‪ -‬عىل حد وصفهم‪ -‬ليس شيئًا أو ً‬ ‫خاطئ ومح ّرم‪ ،‬وذلك للحفاظ‬ ‫فعل‬ ‫املكتسب نفسه سواء (أيديولوجي ‪،‬ديني ‪ ،‬عادات‪ ،‬تقاليد‪ ...‬إلخ) يحاول إيهامنا بأنه ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫عىل استمرارية كينونته‪ ،‬ولهذا يصف فعل التغري ( عمو ًما ) بالتخيل والتنكر‪.‬‬ ‫ولكن كيف يُعترب تغيري املكتسب تخليًّا وتنك ًرا؟ أليست البيئة هي التي فرضته علينا ومل نُعطى حرية اختياره؟‬ ‫فالربامج التلفزيونية غري حيادي ٍة يف طرح قضية امللحدين والالدينيني واملثليني‪ ،‬وناد ًرا ما يتم استضافة ٍ‬ ‫ملحد إعالم ًيا‪ ،‬فلم‬ ‫تتح الفرصة للملحدين لعرض أفكارهم‪ ،‬فكلام ظهر أحدهم يتم قمعه وإسكات صوته‪ ،‬هذا إعالم ًيا يف وقتنا الحارض‪،‬‬ ‫وسأعرض عدة أمثلة‪:‬‬ ‫يف اإلعالم املرصي‪ ،‬عىل قناة الحدث اليوم‪ ،‬متت استضافة امللحد املرصي محمد هشام إال أن مقدم الربنامج قام بالتعدي‬‫عليه لفظ ًيا ووصفه بأبشع األوصاف واتهمه باملرض والعته والجنون‪ ،‬ومل يُعطى محمد هشام أي فرص ٍة لعرض أفكاره‬ ‫وتم طرده من الربنامج‪.‬‬ ‫الكاتب والشاعر املوريتاين محمد‬‫مقال‬ ‫الشيخ ولد امخيطري كتب ً‬ ‫تساؤل ًيا تاريخ ًيا عىل الفيس بوك‬ ‫بعنوان «الدين والتدين» فات ُهم‬ ‫باإلساءة ل «محمد» و ُحكم عليه‬ ‫باإلعدام‪ ،‬وبعد تدخل منظامت‬ ‫حقوق اإلنسان تم تخفيف‬ ‫الحكم بالسجن‪ ،‬وخرج اآلالف يف‬ ‫مظاهر ٍ‬ ‫ات تطالب بقتله‪.‬‬ ‫‪9‬‬


‫اإلعالم‬

‫يد الدكتاتورية الدينية‬

‫يحيى مصطفى ايخو‬

‫ فرقة «مرشوع ليىل»‪:‬‬‫تم رفع دعوى ضدها من ِقبل الكنيسة يف لبنان بتهمة اإلساءة إىل‬ ‫الدين من خالل أغانيهم! وتم منع حفلها األخري وتعرض أعضاء‬ ‫ٍ‬ ‫تابوهات محرم ًة‪.‬‬ ‫الفرقة للتهديد بالقتل ملجرد تناولهم‬ ‫الشاعر الفلسطيني أرشف فياض‪ ،‬اعتُقل وحكمت عليه محكم ٌة‬‫سعودي ٌة باإلعدام بتهمة الرتويج ألفكا ٍر إلحادي ٍة وسب الذات‬ ‫اإللهية‪.‬‬ ‫حت قُتل يف األردن ورائف بدوي مسجو ٌن يف السعودية‬ ‫أيضا ناهض ّ‬‫ورشيف جابر تحت اإلقامة الجربية يف مرص وقامئ ٌة طويل ٌة من‬ ‫املقموعني واملضطهدين الذين تم إسكات أصواتهم ومل يظهروا‬ ‫لإلعالم‪.‬‬ ‫هؤالء حاولوا إثارة مسائل وقضايا بطر ٍح جديد‪ ،‬طر ٍح عقال ٍّين تساؤ ّيل‪،‬‬ ‫إال أن جزاءهم كان عنفًا واضطها ًدا وقم ًعا منقطع النظري‪،‬‬ ‫أيضا‪.‬‬ ‫وتم التحريض عليهم يف وسائل اإلعالم الرسمية «القنوات الحكومية» والخاص ً‬ ‫عىل سبيل املثال يف موريتانيا‪ ،‬الدولة الغائبة إعالم ًيا‪ ،‬تنص املادة ‪ 306‬من القانون الجنايئ عىل أن كل من ب ّدل دينه أو‬ ‫سب الرسول يُقتل*‪ ،‬باإلضافة إىل إسقاط الجنسية والحرمان من حق املواطنة وحق الحياة‪.‬‬ ‫مع كل هذا الذي ذكرته ال ميكن أن نفكر يف الظهور إعالم ًيا‪ ،‬ويف باقي الدول العربية ال نُعطى فرص ًة للظهور إعالم ًيا‪،‬‬ ‫أيضا‪.‬‬ ‫مجتمعي وقانو ٍّين‬ ‫فنحن يف حصا ٍر‬ ‫وإعالمي ً‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍّ‬ ‫متواطئ بل ٌ‬ ‫رشيك يف التحريض علينا‪.‬‬ ‫اإلعالم املريئ واملسموع واملكتوب‬ ‫ٌ‬ ‫أما فيام مىض فقد تم طمس الفكر الح ّر‪ ،‬فك ُر الرفض فكر الال إميان عىل م ّر العصور‪.‬‬ ‫نقل عن موقع ‪ dw.com‬بتاريخ ‪ :2019/7/22‬تعتمد موريتانيا يف الكثري من قوانينها عىل الرشيعة اإلسالمية‪ ،‬فاملادة ‪ 306‬من القانون الجنايئ املوريتاين تنص عىل قتل من «ارتد‬ ‫* ً‬ ‫ٍ‬ ‫عن اإلسالم»‪ .‬وقد كانت هذه املادة تتيح ملن «يتوب» إنقاذ نفسه من اإلعدام‪ ،‬لكن تعديالت مررتها الحكومة مؤخ ًرا مل تعد تسمح بذلك‪.‬‬ ‫وتقول الناشطة منت املختار‪ ،‬التي ُرشحت سابقًا لجائزة نوبل للسالم‪ ،‬إن السلطة دعمت الحملة ضد ولد امخيطري‪ ،‬واستغلتها لتحقيق أهداف سياسية ولحشد الدعم الشعبي يف‬ ‫فرت ٍة من الفرتات‪ ،‬خاص ًة وأنها تدرك مدى حساسية الشأن اإلسالمي يف موريتانيا‪ .‬وتستدل املتحدثة عىل ذلك مبا جرى من تعديلٍ للامدة ‪[ .306‬تحرير املجلة]‪.‬‬

‫‪10‬‬


‫اإلعالم‬

‫يد الدكتاتورية الدينية‬

‫يحيى مصطفى ايخو‬

‫اإللحاد عمره بعمر اإلنسان ألن فكرة القبول والرفض تشكَّلت مع نشأت األفكار التي ُوجدت عندما ُوجد اإلنسان‪ ،‬ففكر‬ ‫اإللحاد ليس فك ًرا حديثًا أو فك ًرا غرب ًيا كام يروج له أصحاب الفكر الديني‪ ،‬فالفكرة املتناقلة عن اإللحاد ما هي إال نتاج‬ ‫مسبق تع َّمد تغييب السياق والتسلسل التاريخي لهذا الفكر‪ ،‬فأغلب ما تم كتابته ميل ٌء بفكرة االنحياز التأكيدي‬ ‫حكم‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫التي ينتفي معها مبدأ الحيادية يف طرح الفكرة‪.‬‬ ‫فكرة اإللحاد كانت وال زالت منطق ًة مظلم ًة ومبهم ًة ومجهول ًة من التاريخ اإلنساين يف املايض والحارض وملغوم ًة بالكثري‬ ‫من األحكام املعلبة التي اعتمدت شيطنة الفكرة وتسطيحها يف نفس الوقت‪.‬‬ ‫أيضا‬ ‫حان الوقت لتصحيح األفكار وإعادة االحرتام واالعتبار لجميع االختيارات‪ ،‬فمثلام نحرتم مبدأ القبول واإلميان البد ً‬ ‫أن نحرتم مبدأ الرفض واإلنكار‪.‬‬ ‫حيادي بسبب متويلها املبارش‬ ‫أسباب أهمها أن إعالمنا هو جز ٌء من منظوم ٍة أحادية‪ ،‬الفكر فيها غري‬ ‫وهذا عائ ٌد لعدة‬ ‫ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫جهات ذات بُ ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫عد ديني‪.‬‬ ‫وغري املبارش من‬ ‫هل ميكننا أن نق ّر بوجود يش ٍء ما بدون اختباره والتأكد من مصداقية وجوده أم أنه مجرد وهم‪.‬‬ ‫كذلك حرية االختيار‪ ،‬فكث ٌري من مجتمعاتنا العربية تقول بأنها تحرتم حرية االختيار وحرية التعبري وأن االختالف ال يُفسد‬ ‫للود قضي ًة‪ ،‬إلّ أنه مع أول اختبا ٍر يظهر العكس متا ًما‪.‬‬ ‫طبيعي تكفله كل القوانني واملواثيق الدولية‪.‬‬ ‫حق‬ ‫حرية االختيار هي ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫وليك نقول بأن دول ًة أو مجتم ًعا ما لديه حرية االختيار البد أن يكون‬ ‫هناك حري ٌة إلظهار هذا االختيار وحامية معتنقيه وإعطائهم كامل الحرية‬ ‫ملامرسة ما يعتنقون‪.‬‬ ‫خصوصا يرون بأن عدم اإلميان‬ ‫يف املجتمعات املتدينة عمو ًما والعربية‬ ‫ً‬ ‫«الالدينية» يهدد الدين‪ ،‬ونتيج ًة لهذا الشعور‪ ،‬يتم رشعنة كل أنواع العنف‬ ‫بعمق ونتعمق‬ ‫واالضطهاد ضد املختلف‪ .‬فعلينا إذا ً أن نفحص هذا التهديد ٍ‬ ‫فعل هل هناك تهديد؟ أم أن هذا الشعور‬ ‫يف أعامق أعامقه بحيادية‪ ،‬لرنى ً‬ ‫هو نتيج ًة لصور ٍة معلب ٍة تم إرضاعها لنا عن االختالف؟‬ ‫‪11‬‬


‫اإلعالم‬

‫يد الدكتاتورية الدينية‬

‫يحيى مصطفى ايخو‬

‫نتيج ًة ألحادية الفكر واأليديولوجيا واملعتقد التي تعتمدها املجتمعات الدينية يتم مصادرة حق االختالف وحتى التعبري‬ ‫عن هذا االختالف‪ ،‬وبالتايل تصبح حرية االختيار معدوم ًة بسبب املجتمع والقوانني‪ ،‬وما وسائل اإلعالم إال ذرا ٌع لفكر‬ ‫األغلبية من أجل قمع األقلية‪ ،‬فهد ُر الدم والقتل بسبب التعبري عن الرأي وطرح األفكار واأليديولوجيات للنقاش يش ٌء مل‬ ‫مقبول أو مصوغًا تحت أي مربر‪.‬‬ ‫ً‬ ‫يعد‬ ‫نحن يف عرص حرية األفراد‪ ،‬حرية االختيار‪ ،‬حرية التعبري والبد أن نستوعب أن الزمان والعرص الحايل مل يعد يقبل بقمع‬ ‫حرية األفراد واضطهادهم لصالح األغلبية سوا ٌء دينية‪ ،‬عرقية‪ ،‬أو فكرية‪.‬‬ ‫رصون بكل قوتهم عىل إبقاء الدولة يف قوقعة القرون الوسطى حيث البطش والقمع‬ ‫ففقهاء ومثقفي القطيع ي ّ‬ ‫واالضطهاد لكل مختلف‪.‬‬ ‫يغي أو يلغي معتقده بهذا الشكل يجعلنا نتساءل عن وضع الحريات يف وطننا كيف سيكون يف‬ ‫التعاطي مع قضية من ّ‬ ‫املستقبل؟‬ ‫برأيك كمواطنٍ عر ٍيب متى سنصل إىل مرحلة التعايش وتقبل اآلخر واحرتامه والتصنيف عىل أساس املواطنة فقط!؟‬ ‫وتعديل القوانني بحيث تكفل للجميع حرية االختيار وإظهار هذا االختيار؟‬

‫‪12‬‬


https://www.facebook.com/groups/arbangroup/

13


‫خلف خطى يسوع جـ ‪3‬‬

‫النبي املخلوع ومن هو املسيح؟‬ ‫ّ‬

‫الغريب بن ماء السامء‬

‫قبل أن نواصل مع تاريخ يسوع‪ ،‬فإنه من الجدير أن‬ ‫نقوم بجول ٍة تاريخي ٍة حول األناجيل وتاريخ ّيتها‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫مخطوطات كامل ٍة للكتاب املق ّدس‪ ،‬هي ثالث‪:‬‬ ‫أقدم‬ ‫ ‪ 1‬األوىل تعود إىل القرن الرابع ميالدي وهي تحت اسم‬‫«املخطوط الڤاتيكاين» ‪.Codex Vaticanus‬‬ ‫أيضا إىل القرن الرابع ميالدي وهي تحت اسم‬ ‫ ‪ 2‬الثانية تعود ً‬‫«املخطوط السينايئ» ‪.Codex Sinaiticus‬‬ ‫‪ 3‬أما الثالثة فتعود إىل القرن الخامس ميالدي واسمها‬‫«املخطوط االسكندراين» ‪.Codex Alexandrinus‬‬ ‫‪14‬‬


‫خلف خطى يسوع جـ‪3‬‬

‫النبي املخلوع ومن هو املسيح؟‬ ‫ّ‬

‫الغريب بن ماء السامء‬

‫ٍ‬ ‫مخطوطات كامل ٍة وصلتنا‪ ،‬وهي مكتوب ٌة باليونانية‪ ،‬للعهدين القديم والجديد‪ ،‬واملال َحظ أنه توجد عديد‬ ‫هذه هي أقدم‬ ‫االختالفات بينها وبني الكتاب املقدس الحايل‪ ،‬وذلك ‪-‬وحسب تقديرات الخرباء‪ -‬يعود إىل أخطاء يف النسخ‪ ،‬حيث إ ْن‬ ‫أيضا يف كلم ٍة أخرى‪ ،‬ث ّم أىت آخر‬ ‫أخطأ الناسخ يف كلم ٍة ما‪ ،‬ث ّم أىت بعده ناس ٌخ آخر ونقل الكلمة الخاطئة‪ ،‬ث ّم أخطأ هو ً‬ ‫كتاب ميل ٌء باألخطاء‪.‬‬ ‫ونقل الخطأين وأخطأ يف كلم ٍة أخرى‪ ،‬وهكذا دواليك‪ ،‬فإنه بعد ألف سن ٍة سيصلنا ٌ‬ ‫أيضا إىل الخطأ‪ ،‬ولك ّنه ال‬ ‫وبغض النظر عن هذه األخطاء يف النسخ التي ميكن رؤيتها بسهولة‪ ،‬حيث كان الناسخ يتفطّن ً‬ ‫ّ‬ ‫يغيه‪ ،‬بل يكتب يف هامش الصفحة الكلمة الصحيحة‪ ،‬فإنّه ت ّم اكتشاف بعض التحريفات‪ ،‬مثل اآليات من ‪ 9‬إىل ‪ 20‬يف‬ ‫ّ‬ ‫اإلصحاح ‪ 16‬من إنجيل مرقس‪ ،‬وهي التالية‪:‬‬ ‫‪َ 9‬وبَ ْع َد َما قَا َم بَاكِ ًرا ِف أَ َّو ِل األُ ْسبُو ِع ظَ َه َر أَ َّو ًل لِ َم ْريَ َم الْ َم ْج َدلِيَّ ِة‪ ،‬الَّ ِتي كَا َن قَ ْد أَ ْخ َر َج ِم ْن َها َسبْ َع َة شَ يَ ِاط َني‪.‬‬ ‫‪ 10‬فَ َذ َه َب ْت ِ‬ ‫هذ ِه َوأَ ْخ َ َب ِت ال َِّذي َن كَانُوا َم َع ُه َو ُه ْم يَ ُنو ُحو َن َويَ ْبكُونَ‪.‬‬ ‫‪ 11‬فَل ََّم َس ِم َع أُول ِئ َك أَنَّ ُه َح ٌّي‪َ ،‬وقَ ْد نَظَ َرت ْ ُه‪ ،‬لَ ْم يُ َص ِّدقُوا‪.‬‬ ‫َي إِ َل ال َ ِّْبيَّ ِة‪.‬‬ ‫‪َ 12‬وبَ ْع َد ذلِ َك ظَ َه َر ِب َه ْيئَ ٍة أُ ْخ َرى الث ْ َن ْ ِي ِم ْن ُه ْم‪َ ،‬و ُه َم َ ْي ِش َيانِ ُم ْنطَلِق ْ ِ‬ ‫‪َ 13‬و َذ َه َب هذَانِ َوأَ ْخ َ َبا الْ َبا ِق َني‪ ،‬فَلَ ْم يُ َص ِّدقُوا َوالَ ه َذيْنِ ‪.‬‬ ‫ش َو ُه ْم ُمتَّ ِكئُونَ‪َ ،‬و َوبَّ َخ َع َد َم إِميَانِ ِه ْم َوق َ​َسا َو َة قُلُو ِب ِه ْم‪ ،‬ألَنَّ ُه ْم لَ ْم يُ َص ِّدقُوا ال َِّذي َن نَظَ ُرو ُه قَ ْد قَا َم‪.‬‬ ‫‪ 14‬أَ ِخ ًريا ظَ َه َر لِألَ َح َد َع َ َ‬ ‫‪َ 15‬وق َ​َال لَ ُه ُم‪« :‬ا ْذ َه ُبوا إِ َل الْ َعال َِم أَ ْج َم َع َواكْ ِرزُوا بِا ِإلنْجِيلِ لِلْ َخلِي َق ِة كُلِّ َها‪.‬‬ ‫‪َ 16‬م ْن آ َم َن َوا ْعتَ َم َد َخل َ​َص‪َ ،‬و َم ْن لَ ْم يُ ْؤ ِم ْن يُ َدنْ‪.‬‬ ‫‪َ 17‬و ِ‬ ‫هذ ِه اآليَاتُ تَتْ َب ُع الْ ُم ْؤ ِم ِن َني‪ :‬يُ ْخ ِر ُجو َن الشَّ َي ِاط َني ب ِْاس ِمي‪َ ،‬ويَتَ َكلَّ ُمو َن ِبأَل ِْس َن ٍة َج ِدي َد ٍة‪.‬‬ ‫‪ 18‬يَ ْح ِملُو َن َح َّي ٍ‬ ‫ض ُه ْم‪َ ،‬ويَ َض ُعو َن أَيْ ِديَ ُه ْم َع َل الْ َم ْر َض فَ َي ْ َبأُونَ»‪.‬‬ ‫ات‪َ ،‬وإِ ْن َ ِ‬ ‫شبُوا شَ ْيئًا ُم ِميتًا الَ يَ ُ ُّ‬ ‫الس َم ِء‪َ ،‬و َجل َ​َس َع ْن َيِ ِني الل ِه‪.‬‬ ‫‪ 19‬ث ُ َّم إِ َّن ال َّر َّب بَ ْع َد َما كَلَّ َم ُه ُم ا ْرتَ َف َع إِ َل َّ‬ ‫‪َ 20‬وأَ َّما ُه ْم فَ َخ َر ُجوا َوكَ َرزُوا ِف ك ُِّل َمكَانٍ ‪َ ،‬وال َّر ُّب يَ ْع َم ُل َم َع ُه ْم َويُثَ ِّب ُت الْ َكالَ َم بِاآليَ ِ‬ ‫ات التَّا ِب َع ِة‪ .‬آ ِم َني‪.‬‬ ‫مم‬ ‫هذا املقطع غري موجو ٍد ال يف املخطوط السينايئ وال الڤاتيكاين‪ ،‬رغم أ ّن الناسخ ترك فراغًا أبيض مكان هذه اآليات ّ‬ ‫جعل الخرباء يرون أن الناسخ كان يعرفه لكنه مل يكن يدري هل يضيفه أم ال‪ ،‬لذلك نجده موجو ًدا بني قوسني يف الطبعات‬ ‫الحديثة‪ ،‬وخاص ًة الطبعة اإلنجليزية املنقحة‪.‬‬ ‫الصورتان(‪ )1‬املرفقتان هام من املخطوط الڤاتيكاين حيث ينتهي إنجيل مرقس عند اآلية ‪.8‬‬ ‫‪ -1‬قمنا بإضافة صورة املخطوط مع النص املفقود وقد أضيف بإعادة تدوير نفس األحرف من أجزاء أخرى من املخطوط‪ ،‬ويالحظ أن حجمه يوافق متا ًما املساحة الفارغة‪ ،‬املقال‬ ‫األصيل يشري فقط إىل املخطوط نفسه دون اإلضافة‪[ .‬تحرير املجلة]‪.‬‬

‫‪15‬‬


‫خلف خطى يسوع جـ‪3‬‬

‫النبي املخلوع ومن هو املسيح؟‬ ‫ّ‬

‫الغريب بن ماء السامء‬

‫وكذلك هذا املقطع يف رسالة يوح ّنا الرسول األوىل (‪:)8-7 :5‬‬ ‫وح الْ ُق ُد ُس‪َ .‬وه ُؤالَ ِء الثَّالَث َ ُة ُه ْم َو ِ‬ ‫اح ٌد‪.‬‬ ‫‪ 7‬فَ ِإ َّن ال َِّذي َن يَشْ َه ُدو َن ِف َّ‬ ‫اآلب‪َ ،‬والْ َكلِ َم ُة‪َ ،‬وال ُّر ُ‬ ‫الس َم ِء ُه ْم �ثَالَث َ ٌة‪ُ :‬‬ ‫وح‪َ ،‬وال َْم ُء‪َ ،‬وال َّد ُم‪َ .‬والثَّالَث َ ُة ُه ْم ِف الْ َو ِ‬ ‫اح ِد‪.‬‬ ‫‪َ 8‬وال َِّذي َن يَشْ َه ُدو َن ِف األَ ْر ِض ُه ْم �ثَالَث َ ٌة‪ :‬ال ُّر ُ‬ ‫هذا املقطع ليس أصل ًيا ويعترب الباحثون أنه متت إضافته بعد القرن ‪ 13‬ميالدي‪ ،‬وهو غري موجو ٍد يف الـ‪ 250‬مخطوط ًة‬ ‫أي رجلٍ من رجال الكنيسة قبل ذلك الوقت‪ ،‬وليس موجو ًدا يف النقاشات‬ ‫يوناني ًة قبل ذلك التاريخ(‪ ،)2‬ومل يقع ذكره من ّ‬ ‫املسيحيّة حول التثليث يف روسيا أو جورجيا أو فارس أو أرمينيا أو سوريا أو العربيّة أو الحبشة أو مرص‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫مخطوطات‬ ‫أيضا يف‬ ‫هذا عن املقطع باليونان ّية‪ ،‬أما بالالتينية فهو موجو ٌد يف‬ ‫مخطوط يعود إىل القرن ‪ 7‬ميالدي‪ ،‬ويوجد ً‬ ‫الحق ٍة بعد ذلك التاريخ [إال يف مخطوطة ألكوين(‪ Alcuin )3‬التي تعترب أصح املخطوطات بالالتينية‪ ،‬القرن ‪ 8‬ميالدي‪،‬‬ ‫مم يشري إىل أ ّن التزوير وقع بالالتين ّية أثناء الرتجمة وليس باليونان ّية‪.‬‬ ‫فهو غري موجود]‪ ،‬لك ّنهم يكتبونه بعد اآلية رقم ‪ّ 8‬‬ ‫‪2- Daniel Lortsch, Histoire de la Bible en France, suivie de fragments relatifs à l'histoire générale de la Bible et d'un aperçu sur le colportage biblique‬‬ ‫‪en France et en Indo-Chine au vingtième siècle avec un index alphabétique. Paris. Agence de la Société Biblique Britannique et Etrangère. et Genève,‬‬ ‫‪chez Jeheber (1910).‬‬ ‫‪ -3‬أرشف ألكوين من يورك ‪ Alcuin of York‬عىل جهود لتحسني الكتاب املقدس مكتوبًا بالالتينية الشائعة ‪[ .Vulgate‬تحرير املجلة]‪.‬‬

‫‪16‬‬


‫خلف خطى يسوع جـ‪3‬‬

‫النبي املخلوع ومن هو املسيح؟‬ ‫ّ‬

‫الغريب بن ماء السامء‬

‫ٍ‬ ‫محمد وأن املسيحيني‬ ‫قوسا باملناسبة عن كلمة «الفارقليط»(‪ )4‬التي يرى بعض املسلمني أنها تبرش بالنبي‬ ‫وأو ّد أن أفتح ً‬ ‫(‪)5‬‬ ‫ٍ‬ ‫محمد وليس قبلها‪ ،‬وبالتايل نعود إىل املخطوط السينايئ‬ ‫غريوها‪ .‬ومنطق ًيا أن يكون التغيري ‪-‬إن حدث‪ -‬بعد بعثة النبي‬ ‫مستطيل‬ ‫ً‬ ‫[جعلت‬ ‫‪ Codex Sinaiticus‬يف القرن ‪ 4‬ميالدي لرنى كيف كانت مكتوب ًة هذه الكلمة‪ ،‬وهذه صورة لها‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫باألحمر حول الكلمة]‪( :‬يوحنا ‪.)26 :14‬‬

‫الكلمة مكتوب ٌة هكذا‪ παρακλητος :‬أي ‪ Parakletos‬وتعني املحامي‬ ‫أو املع ّزي‪.‬‬ ‫لكن البعض يقول أ ّن اصل الكلمة هو هذا ‪ περικλυτος‬أي ‪Periklutos‬‬ ‫وتعني حرفيًا‪ :‬الشخص الذي نُثني عليه دامئًا‪ ،‬أي املحمود أو األحمد ‪.‬‬

‫يوحنا ‪ 26 :14‬كام ترد يف املخطوط السينايئ‬

‫ٍ‬ ‫مخطوط تعني الكلمة املع ّزي أو املحامي‪ ،‬فمن أين جاءت فكرة التحريف إذن؟‬ ‫لكن وكام رأينا فإنه يف أقدم‬ ‫مثل يف الكتابة العربية القدمية ال نكتب بعض حروف املد‬ ‫الراجح هو أ ّن الفكرة جاءت من كتابة األحرف بال حروف م ّد‪ً ،‬‬ ‫وإمنا فقط الحروف الخام‪ ،‬مثل‪ :‬كتٰب‪ ،‬ونعني بها‪ :‬كتاب إلخ‪...‬‬ ‫لذلك فإ ّن الفرق بني الكلمتني ‪ Parakletos‬و‪ Periklutos‬هو هذه الحروف‪ ،‬فلو كتبناها باألحرف الخام بال م ّد لكانت‬ ‫هكذا ‪:Prklts‬‬ ‫ُ‬ ‫وأول من أ ّو َل هذه الكلمة هو ابن إسحاق يف السرية‪ ،‬حيث ذكر الكلمة بال حروف م ٍّد وأ ّولها إىل «أحمد»‪ ،‬ولكن هذا‬ ‫صحيح يف حالة أن الكلمة مل تكن مكتوب ًة بحروف مد‪ ،‬لكنها يف األصل واضح ٌة وال ميكن تغيري حروفها [نالحظ أ ّن ابن‬ ‫ٌ‬ ‫إسحاق يجيد اليونانية والرسيانية]‪.‬‬ ‫واعتمد ابن إسحاق عىل ترجمتها إىل الرسيانية‪ :‬منحمنا وقال تعني «مح ّمد»‪ ،‬وهذا غري صحيح‪ ،‬ألن جذر «منحمنا»‬ ‫هو«نحم» بينام جذر مح ّمد هو «حمد»‪.‬‬ ‫‪ -4‬راجعوا مقال «النقد القرآين‪ :‬الفرتة ما بني السنوات ‪ 700‬م و‪ 825‬م» البن وراق املنشور عىل جزئني يف العددين ‪ 72‬و‪ 73‬من مجلة امللحدين العرب والذي يتحدث عن هذه‬ ‫النقطة بالتفصيل‪[ .‬تحرير املجلة]‪.‬‬ ‫‪ -5‬بالنسبة ملن يريد أن يطّلع عىل املخطوط السينايئ‪ ،‬ويرى الفروق بينه وبني الكتاب املقدّس الحايل‪ ،‬فاملخطوط موجو ٌد بالكامل عىل املوقع التايل‪:‬‬ ‫‪http://www.codexsinaiticus.org‬‬

‫‪17‬‬


‫خلف خطى يسوع جـ‪3‬‬

‫النبي املخلوع ومن هو املسيح؟‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬

‫الغريب بن ماء السامء‬

‫َ‬

‫اس ُم ُه أ ْ َ‬ ‫شا ب َر ُسول يَأت مِن َب ْعدِي ْ‬ ‫(‪)6‬‬ ‫ََُّ ً‬ ‫ح ُد﴾ (الصف‪:‬‬ ‫هذا األمر دفع بعض املسترشقني إىل اعتبار أن اآلية يف القرآن‪﴿ :‬ومب ِ ِ ٍ ِ‬ ‫‪ )6‬هي إضاف ٌة الحق ٌة وليست أصلي ًة يف القرآن‪ ،‬كام أن «أحمد» أقرب إىل معنى الكلمة باليونانيّة بال أحرف م ّد‪ ،‬من‬ ‫كلمة «محمد» لذلك وضعوا «أحمد» ثم لعبوا عىل الجذر املشرتك بينها وبني «محمد» وقالوا «أحمد» تعني «محمد»‪.‬‬ ‫أُغلق القوس‪.‬‬

‫أ ّما أقدم جز ٍء من مخطوط‪ ،‬فيعود إىل القرن الثاين ميالدي‪ ،‬وهو جز ٌء صغ ٌري ج ًدا من‬ ‫سفر يوح ّنا (‪ )7‬وموجود تحت مسمى بردية ‪.P52‬‬ ‫وميكن مطابقته مع يوحنا ‪.33-31 :18‬‬ ‫ظهر املخطوط‪:‬‬ ‫‪ ...31‬اليهود‪ ...‬لنا‪...‬‬ ‫مشيا‪ ....‬ان ميوت‬ ‫‪ 32‬ليتم قول‪ ....‬قاله ً‬ ‫‪ ...33‬دخل بيالطس‪ ...‬دار الوالية‪ ....‬وقال‪ ....‬اليهود‬ ‫بطن املخطوط‪:‬‬ ‫ميكن مطابقته مع يوحنا ‪37-38 :18‬‬ ‫‪ ...37‬السبب ولدت‪ ....‬العامل ألشهد‪ ...‬من الحق‪...‬‬ ‫‪ 38‬قال له‪ ....‬و‪ ...‬هذا‪ ....‬ال يشء‪....‬‬

‫ظهر الربدية ‪P52‬‬

‫مهم منه ألنه ال ميكن إال قراءة بعض الكلامت املتفرقة‬ ‫لكن ال ميكننا استخالص يش ٍء ٍ‬ ‫القليلة‪ ،‬وال نعرف كيف كان الباقي‪ ،‬كام أن املخطوطات الكاملة التي أرشتُ إليها‬ ‫أعاله تختلف يف الكثري من اآليات عن اآليات الحالية‪[ .‬لكن يف املجمل تتوافق مع‬ ‫العقيدة املسيحيّة]‪.‬‬ ‫بطن الربدية ‪P52‬‬

‫‪6- Edouard M. Gallez, Le messie et son prophète: Aux origines de l›Islam, Tome 1: De Qumrân à Muhammad, Paris, 2e édition (2 juillet 2005), p.‬‬ ‫‪343.‬‬ ‫‪ -7‬يسمى هذا املخطوط «بردية مكتبة رايالندز رقم ‪ .P52 Rylands Library Papyrus «P52‬وتحتوي الظهر ‪ Rylands Greek P 457 Recto‬والوجه ‪Rylands Greek P 457‬‬ ‫‪ Verso‬وهي موجود ٌة يف مكتبة جون رايالندز يف جامعة مانشسرت الربيطانية ‪[ .John Rylands University Library Manchester‬تحرير املجلة]‪.‬‬

‫‪18‬‬


‫خلف خطى يسوع جـ‪3‬‬

‫النبي املخلوع ومن هو املسيح؟‬ ‫ّ‬

‫النبي املخلوع‪:‬‬ ‫ّ‬

‫الغريب بن ماء السامء‬

‫إحدى املغالطات املنطقية املنترشة عند البرش هي حني‬ ‫شخصا صادقًا ورصي ًحا فإننا نعتقد أنه ميلك الحقيقة ويقولها‬ ‫نجد ً‬ ‫وبهذه الطريقة يعتقد الطفل بصدق األحكام التي يأمره بها والديه وبهذه‬ ‫الطريقة يعتقد املسيحيون بصدق األحكام التي تأمرهم بها الكنيسة‬ ‫فريدريخ نيتشه‪ /‬إنساين‪..‬إنساين ج ّدا‪1878/‬‬

‫قبل البدء يف هذا الجزء نحتاج رشح املشهد الديني اليهودي الذي كان سائ ًدا يف تلك الفرتة‪ ،‬فقد كانت اليهودية يف ذلك‬ ‫الوقت منقسم ًة إىل ثالثة مذاهب كربى‪:‬‬ ‫רּושים‪ :‎‬وتعني «املنشقّون» [ظهروا تقري ًبا سنة ‪ 150‬قبل امليالد] وهم يعتقدون بوجوب تطبيق‬ ‫‪ -1‬الفريس ّيون ְפ ִ‬ ‫أيضا‪[ ،‬يناظرون تقريبًا املذهب السني يف اإلسالم] ويؤمنون بالبعث والحساب واملالئكة‪،‬‬ ‫التوراة وتطبيق الس ّنة الشفوية ً‬ ‫اس أَبْ َرا ًرا‪َ ،‬ول ِك َّن ُك ْم ِم ْن َد ِ‬ ‫ويس ّميهم يسوع ‪-‬حسب اإلنجيل‪« -‬املنافقني»‪« :‬ه َكذَا أَنْتُ ْم أَيْ ًضا‪ِ :‬م ْن َخا ِر ٍج تَظْ َه ُرو َن لِل َّن ِ‬ ‫اخل‬ ‫َمشْ ُحونُو َن ِريَا ًء َوإِ ْثًا» (متّى‪ )28 :23 :‬وقد كانوا يطبقون التعاليم التوراتية والسنة بحذافريها‪ ،‬حد التطرف‪.‬‬ ‫דּוקים‪ :‬وتعني [عىل األرجح] «أبناء صدوق»(‪[ )8‬ظهروا تقري ًبا بدايات القرن الثاين قبل امليالد] وهم‬ ‫‪ -2‬الصدوقيون צְ ִ‬ ‫يعتقدون بوجوب تطبيق التوراة فقط ويرفضون التعاليم الشفويّة‪ ،‬وبالتايل فهم ال يؤمنون بالبعث والحساب ألنها غري‬ ‫موجود ٍة يف التوراة‪ ،‬ويرون أ ّن الله يحاسب اإلنسان يف حياته وليس بعد موته‪ ،‬وقد ذكرهم يوسيفوس ڤالفيوس(‪ )9‬وعىل‬

‫لوحة تصور الف ّريسيني‬ ‫‪ -8‬املقصود اإلشارة إىل صدوق‪ ،‬الكاهن األكرب يف املعبد األول‪ .‬وعىل كل حال فإن جذر الكلمة صدوق من ص‪-‬د‪-‬ق وتعني وهي جذر الكلمة املقابلة للعدل يف العربية צָדַ ק‪.‬‬ ‫[تحرير املجلة]‪.‬‬ ‫‪ -9‬يوسيفوس فالڤيوس‪« ،‬تاريخ اليهود»‪.297 ،13 ،‬‬

‫‪19‬‬


‫خلف خطى يسوع جـ‪3‬‬

‫النبي املخلوع ومن هو املسيح؟‬ ‫ّ‬

‫الغريب بن ماء السامء‬

‫الراجح أن هذا املذهب هو الذي كان موجو ًدا يف يرثب‪،‬‬ ‫حيث نرى القرآن يدخل َيف جدا ٍل معهم حول البعث‪ َ ،‬إذ‬ ‫َ َ ُ َ ُ ُ َ َ ْ َ َ ُ َّ ُ َ ً َ َ ً َّ‬ ‫اما أإِنا‬ ‫يقولون‪﴿ :‬وكنوا يقولون أئِذا مِتنا وكنا ترابا وعِظ‬ ‫َ​َ ُْ ُ َ‬ ‫ون‬ ‫لمبعوث‬ ‫املفسون إىل أن‬ ‫ذهب‬ ‫وإن‬ ‫‪.)47‬‬ ‫(الواقعة‪:‬‬ ‫}‬ ‫ّ‬ ‫اآليات التي تتحدث عن منكري البعث تشري إىل مرشيك‬ ‫دليل عىل‬ ‫مكة‪ ،‬فإين أستبعد هذا األمر‪ ،‬حيث ال منلك ً‬ ‫إنكار أهل مكة للبعث‪ ،‬بينام من الراجح ج ًدا أن يكون‬ ‫القرآن يناظر هؤالء الصدوقيني‪.‬‬ ‫اإلسين ّيون ִא ִסיִ ים(‪ :)10‬وميكن أن نس ّميهم تجاوزًا‬ ‫‪ّ -3‬‬ ‫الصدوقيون‬ ‫«املعتزلة» [ظهروا يف بدايات القرن ‪ 2‬قبل امليالد] حيث‬ ‫اعتزلوا الحياة االجتامعية يف فلسطني‪ ،‬وعاشوا يف الصحراء عند قمران قرب البحر امليت‪ ،‬وكانوا يط ّبقون تعاليم التوراة‬ ‫روحي متطور‪ ،‬ومنهم يوح ّنا املعمدان [يحيى] وقد ذكرهم فيلون اإلسكندري‪ ،‬وپلينيوس األكرب‪،‬‬ ‫جانب‬ ‫بدقة‪ ،‬ولهم‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫أيضا يف زمن يسوع‪« :‬النصارى» أو «النرصانيّني» ‪.Nazarenes‬‬ ‫ويوسيفوس فالڤيوس‪ ،‬وعىل األغلب أنهم كانوا يس ّمون ً‬ ‫‪ -4‬ويوجد مذهب رابع يس ّمى «الثائرون» وهو حرك ٌة سياسي ٌة أكرث منها دينية‪ ،‬وسنتعرض له الحقًا ألن له عالق ًة وطيد ًة‬ ‫بيسوع‪.‬‬ ‫املسيح ّيون هم غري النصارى‪ ،‬رغم أ ّن التسمية‬ ‫اإلسالم ّية الحال ّية ‪-‬اعتام ًدا عىل القرآن‪ -‬تس ّمي‬ ‫جميع املسيحيّني «النصارى»‪ ،‬والنصارى مذكورون‬ ‫عند پلينيوس األكرب(‪ )11‬ويشري إىل وجودهم سنة‬ ‫‪ 50‬قبل امليالد يف نواحي سوريا‪ ،‬كام أن إيپيفانيوس‬ ‫السالمييس يف القرن ‪ 4‬ميالدي يشري إىل وجود‬ ‫قائل يف‬ ‫أيضا ً‬ ‫النصارى قبل مجيء املسيحية‪ ،‬ويشري ً‬ ‫كتابه «ض ّد الهرطقات» ‪ Panarion‬أن املسيحيني‬ ‫كانوا معروفني جمي ًعا باسم النصارى‪ ،‬حيث يذكر‬ ‫لإلسين ّيني‬ ‫متثيل ّ‬

‫«نوصيم»‪ ،‬وهي جم ٌع مذك ٌر لكلمة ِ‬ ‫«نوص»‪ ،‬ومن الواضح أن الكلمة تحمل نفس الجذر العريب لكلمة‬ ‫‪ -10‬يشري اليهود عاد ًة للمسيحيني باسم נוצרים‪ ،‬وتلفظ باللفظ القديم ْ‬ ‫نصارى‪ .‬ومع أن السائد يف تفكري اليهود أن االسم هي نسبة ليسوع ملدينة النارصة‪ ،‬إال أنهم يعرفون عن تصو ٍر آخر أقل شيو ًعا باملعنى الذي يشري إليه كاتب املقال‪ :‬اليهود النارصين‪،‬‬ ‫اصو َن آتُو َن‬ ‫أي الحراس أو الحافظني‪ ،‬واملقصود حراس الحق وتوراة الرب‪ ،‬باملعنى املذكور يف سفر إرمياء اإلصحاح ‪ ،4‬اآلية ‪« :16‬ا ُ ْذكُ ُروا لِألُ َممِ ‪ .‬انْظُ ُروا‪ .‬أَ ْس ِم ُعوا َع َل أُو ُرشَ لِي َم‪ .‬الْ ُم َح ِ ُ‬ ‫ِم ْن أَ ْر ٍض بَ ِعي َد ٍة‪ ،‬فَيُطْلِقُو َن َع َل ُم ُدنِ يَ ُهوذَا َص ْوتَ ُه ْم»‪ .‬األصل العربي هنا لكلمة املحارصون هي النارصون נֹצ ִ ְ֥רים‪ .‬أو سفر إرمياء إصحاح ‪ 31‬آية ‪« :5‬ألَنَّ ُه يَكُو ُن يَ ْو ٌم يُ َنا ِدي ِفي ِه‬ ‫ال َّن َو ِاط ُري ِف ِج َبا ِل أَفْ َرا ِي َم‪ :‬قُو ُموا فَ َن ْص َع َد إِ َل ِص ْه َي ْونَ‪ ،‬إِ َل ال َّر ِّب إِل ِه َنا»‪ .‬حيث أن كلمة نواطري تقابل نورصيم נֹצ ִ ְ֖רים مرة أخرى‪ .‬ولنالحظ هنا أن كلمة جذر ناطور ن‪-‬ط‪-‬ر يختلف‬ ‫عن جذر ن‪-‬ص‪-‬ر بحرف واحد‪[ .‬تحرير املجلة]‪.‬‬ ‫‪ -11‬پلينيوس األكرب‪ .‬التاريخ الطبيعي‪ ،‬الكتاب الخامس‪.‬‬

‫‪20‬‬


‫خلف خطى يسوع جـ‪3‬‬

‫النبي املخلوع ومن هو املسيح؟‬ ‫ّ‬ ‫التلمود املسيح ّيني دامئا بالنصارى(‪.)12‬‬ ‫لكن فيام بعد تم فصل التسمية بني «املسيح ّيني»‬ ‫[الذين بدأوا عه ًدا جدي ًدا] وبني «النصارى» [الذين‬ ‫ظلّوا محافظني عىل التعاليم اليهوديّة]‪ ،‬وقد صار‬ ‫هذا الفصل واض ًحا ومعروفًا‪ ،‬كام نرى يف نقش كارتر‬ ‫الفاريس(‪ )13‬الذي يعود إىل القرن الثالث ميالدي‪« :‬أنا‪،‬‬ ‫كارتر‪ )...( ،‬طردتُ مذاهب أهرميان والشياطني من‬ ‫اململكة‪ ،‬وقضيت عىل اليهود والبوذيّني والرباهمة‬ ‫والنصارى واملسيح ّيني واملندائ ّيني والزنادقة‬ ‫[الزنادقة=املانويّني]»(‪ .)14‬وتكمن أهمية هذا النقش‬ ‫يف ذكره للديانات أو املذاهب املتواجدة وقتها‪.‬‬

‫الغريب بن ماء السامء‬

‫نقش كارتري‪ ،‬القرن الثالث امليالدي‪ ،‬إيران‬

‫ومن الواضح أن القرآن استعمل التسمية التلمودية للمسيحيني‪« :‬النصارى»‪.‬‬ ‫هناك شخصي ٌة مرتبط ٌة بشخصية يسوع منذ البداية وهي شخصية يوح ّنا املعمدان‪ ،‬ن ّد يسوع‪ ،‬وليس بينهام يف العمر‬ ‫سوى بضعة شهور‪.‬‬ ‫يوح ّنا املعمدان‪ ،‬شخصي ٌة تاريخي ٌة مؤكَّدة‪ ،‬ذكرها يوسيفوس فالڤيوس يف كتابه تاريخ اليهود(‪ )15‬وروى لنا قصة موته التي‬ ‫تختلف عن رواية األناجيل‪ ،‬وطب ًعا [عن قصة وفاته] فنحن نصدق فالڤيوس الذي اختارته روما مؤ ّر ًخا رسم ًيا لها بسبب‬ ‫أيضا]‪.‬‬ ‫جديّته ودقته‪ ،‬وقد اتبع اليهو ُد يوح ّنا واعتربوه نبيًا وكان يقوم بالتعميد‪[ .‬كام تذكر األناجيل ً‬ ‫اإلسين ّيني‪ ،‬حيث نرى بعض اإلشارات املتفرقة عنه يف‬ ‫والراجح أن يوح ّنا املعمدان [واسمه يحيى يف القرآن] كان من ّ‬ ‫الصب ُِّي فَكَا َن يَ ْن ُمو َويَتَ َق َّوى بِال ُّرو ِح‪َ ،‬وكَا َن ِف ال َ َْبارِي إِ َل يَ ْو ِم‬ ‫األناجيل التي تجعلنا نستنتج «أسين ّيته»‪( ،‬لوقا ‪« :)80 :1‬أَ َّما َّ‬ ‫سائِ َيل»‪.‬‬ ‫ظُ ُهو ِر ِه ِإل ْ َ‬ ‫‪12- Gerard Mordillat، Jesus contre Jesus, Seuil, Paris, 2008, p. 25.‬‬ ‫‪ -13‬كارتر (أو كارتري) هو كاهن زرادشتي كان متنفذًا‪ .‬عاش يف إيران خالل القرن الثالث امليالدي وكان من أهدافه تطهري إيران من األديان األخرى‪ ،‬وباألخص املانوية‪[ .‬تحرير‬ ‫املجلة]‪.‬‬ ‫‪14- François Decret, Mani et la tradition manichéenne, Paris 2005, p. 25.‬‬ ‫‪ -15‬يوسيفوس فالڤيوس‪« ،‬تاريخ اليهود»‪ ،‬الكتاب ‪ ،5 ،18‬ص‪.116-119 .‬‬

‫‪21‬‬


‫خلف خطى يسوع جـ‪3‬‬

‫النبي املخلوع ومن هو املسيح؟‬ ‫ّ‬

‫الغريب بن ماء السامء‬

‫اإلسين ّيني النصارى [النصارى من الجذر‬ ‫إذن فإن يوح ّنا املعمدان كان من ّ‬ ‫العربي‪ :‬نذر أو حرس أو راقب] وكان يوح ّنا يقوم بتعميد كل اليهود‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫«حي َن ِئ ٍذ َخ َر َج إِلَيْ ِه أُو ُرشَ لِي ُم َوك ُُّل الْيَ ُهو ِديَّ ِة َو َج ِمي ُع الْكُو َر ِة الْ ُم ِحيطَ ِة بِاألُ ْر ُدنِّ‪،‬‬ ‫َوا ْعتَ َم ُدوا ِم ْن ُه ِف األُ ْر ُد ِّن‪ُ ،‬م ْع َ ِت ِف َني ِب َخطَايَا ُه ْم» (متّى ‪ )6-5 :3‬وقد جاء‬ ‫أيضا إىل يوح ّنا ليقوم بتعميده‪ِ :‬‬ ‫«حي َن ِئ ٍذ َجا َء يَ ُسو ُع ِم َن الْ َجلِيلِ إِ َل‬ ‫يسوع ً‬ ‫األُ ْر ُد ِّن إِ َل يُو َح َّنا لِ َي ْعتَ ِم َد ِم ْن ُه» (متّى ‪ )13 :3‬وهذه مشكلة‪ ،‬فكيف ليسوع‬ ‫املسيح ابن الله‪ ،‬املولود من عذراء‪ ،‬املوجود منذ األزل‪ ،‬أن يذهب ليتع ّمد‬ ‫عند يوح ّنا ويتخلّص من خطاياه؟ وهل للمسيح خطايا؟‬ ‫لذلك قام كتبة اإلنجيل بتقزيم يوح ّنا املعمدان وتقويله كال ًما يأنف من‬ ‫أهل حتى لحمل حذاء يسوع‪« :‬أَنَا أُ َع ِّم ُدكُ ْم بِ َا ٍء‬ ‫قوله‪ ،‬ويصبح يوح ّنا ليس ً‬ ‫لِلتَّ ْوبَ ِة‪َ ،‬ول ِكنِ ال َِّذي يَأْ ِت بَ ْع ِدي ُه َو أَقْ َوى ِم ِّني‪ ،‬ال َِّذي ل َْس ُت أَ ْه ًل أَ ْن أَ ْح ِم َل‬ ‫ِحذَا َء ُه‪ُ .‬ه َو َسيُ َع ِّم ُدكُ ْم بِال ُّرو ِح الْ ُق ُد ِس َونَارٍ» (متّى ‪ ،)11 :3‬ويجعلونه يقول‬ ‫اج‬ ‫ً‬ ‫أيضا حني جاء يسوع يطلب التعميد‪َ « :‬ول ِك ْن يُو َح َّنا َم َن َع ُه قَائِ ًل‪ :‬أَنَا ُم ْحتَ ٌ‬ ‫أَ ْن أَ ْعتَ ِم َد ِم ْن َك‪َ ،‬وأَنْ َت تَأْ ِت إِ َ َّل!» (متّى ‪ ،)14 :3‬أي أن يوح ّنا طلب من‬ ‫يسوع أن يقوم بتعميده وليس العكس‪ ،‬وهذا األمر أسقطهم يف التناقض‪،‬‬ ‫فمن ناحي ٍة يقولون أ ّن يوح ّنا شهد ليسوع‪« :‬فَ َجا ُءوا إِ َل يُو َح َّنا َوقَالُوا لَ ُه‪ :‬يَا‬ ‫ُم َعلِّ ُم‪ُ ،‬ه َوذَا ال َِّذي كَا َن َم َع َك ِف َع ْ ِب األُ ْر ُدنِّ‪ ،‬ال َِّذي أَنْ َت قَ ْد شَ ِهدْتَ لَ ُه‪ُ ،‬ه َو‬ ‫يُ َع ِّم ُد‪َ ،‬والْ َج ِمي ُع يَأْتُو َن إِلَ ْي ِه» (يوح ّنا ‪ )26 :3‬وأن يوح ّنا ال يشء أمام يسوع‪،‬‬ ‫الس ْجنِ‬ ‫وأنه اعرتف به‪ ،‬ومن ناحي ٍة أخرى يقولون‪« :‬أَ َّما يُو َح َّنا فَل ََّم َس ِم َع ِف ِّ‬ ‫قطع رأس يوح ّنا‪ ،‬بريشة رومبو ‪Rombouts‬‬ ‫اآلت أَ ْم نَ ْنتَ ِظ ُر‬ ‫ِبأَ ْع َم ِل الْ َم ِسي ِح‪ ،‬أَ ْر َس َل اث ْ َن ْ ِي ِم ْن تَالَ ِم ِيذ ِه‪َ ،‬وق َ​َال لَ ُه‪ :‬أَنْ َت ُه َو ِ‬ ‫آ َخ َر؟» (متّى ‪ ،)3-2 :11‬فيوح ّنا مل يكن يعرف من هو يسوع حتى أنه أرسل إليه بعض تالميذه‪ ،‬فكيف شهد ليسوع من‬ ‫قبل‪ ،‬بل وأراد أن يعتمد هو نفسه بيد يسوع؟‬ ‫أيضا من‬ ‫يني النرصاين‪ ،‬لذلك متت تسمية يسوع بالنرصاين ً‬ ‫العكس هو الذي حدث‪ ،‬فيسوع كان من تالميذ يوح ّنا ّ‬ ‫اإلس ّ‬ ‫طرف اليهود‪ ،‬ألنه يتبع مذهب يوح ّنا‪ ،‬بل أن يسوع يكرر كالم أستاذه‪ ،‬فيوح ّنا يقول‪« :‬ت ُوبُوا‪ ،‬ألَنَّ ُه ق َِد اق َ َْت َب َملَكُوتُ‬ ‫الس َم َو ِ‬ ‫السام َو ِ‬ ‫أيضا يف ٍ‬ ‫ات» (متّى ‪)17 :4‬‬ ‫ات» (متّى ‪ )2 :3‬فيقول يسوع ً‬ ‫وقت الحق‪« :‬تُوبُوا ألَنَّ ُه ق َِد اق َ َْت َب َملَكُوتُ َّ‬ ‫َّ‬ ‫أيضا يف ٍ‬ ‫وقت الحق‪:‬‬ ‫ويوح ّنا يقول‪« :‬فَك ُُّل شَ َج َر ٍة الَ ت َْص َن ُع َث َ ًرا َجيِّ ًدا ت ُ ْقطَ ُع َوتُلْقَى ِف ال َّنارِ» (متّى ‪ )10 :3‬فيقول يسوع ً‬

‫‪22‬‬


‫خلف خطى يسوع جـ‪3‬‬

‫النبي املخلوع ومن هو املسيح؟‬ ‫ّ‬

‫الغريب بن ماء السامء‬

‫«ك ُُّل شَ َج َر ٍة الَ ت َْص َن ُع َث َ ًرا َج ِّي ًدا تُ ْقطَ ُع َوتُلْقَى ِف ال َّنارِ» (متّى ‪ )19 :7‬فيسوع كان من تالميذ يوح ّنا‪ ،‬والذي مل يعرتف به أنه‬ ‫املسيح‪ ،‬ألن املسيح يجب أن يُقدمه النبي ويعلن عنه بأم ٍر من الله‪ ،‬كام أعلن النبي صموئيل عن داود امللك املسيح‪،‬‬ ‫وامللك داود املسيح هو‪« :‬إِنِّ أُ ْخ ِ ُب ِم ْن ِج َه ِة ق َ​َضا ِء ال َّر ِّب‪ :‬ق َ​َال ِل‪ :‬أَنْ َت ابْ ِني‪ ،‬أَنَا الْيَ ْو َم َولَ ْدت َُك‪ْ .‬اسأَلْ ِني فَأُ ْع ِطيَ َك األُ َم َم ِم َرياث ًا‬ ‫َاص األَ ْر ِض ُملْكًا ل َ​َك» (مزمور ‪ .)7 :2‬فاملسيح هو الذي سيعيد عرش و ُملك داود وإرسائيل‪ ،‬والنبي يف عرص يسوع‬ ‫ل َ​َك‪َ ،‬وأَق ِ َ‬ ‫هو يوح ّنا‪ ،‬لكنه مل يعلن عن يسوع‪ ،‬بل تساءل فقط‪ ،‬مام دفع يسوع إىل أن يشهد بنفسه عىل نفسه بأنه املسيح [وهذا‬ ‫خارج التقاليد اليهودية] حيث قال‪« :‬ث ُ َّم كَلَّ َم ُه ْم يَ ُسو ُع أَيْ ًضا قَائِ ًل‪ :‬أَنَا ُه َو نُو ُر الْ َعال َِم‪َ .‬م ْن يَتْ َب ْع ِني فَالَ َ ْي ِش ِف الظُّلْ َم ِة بَ ْل‬ ‫يَكُو ُن لَ ُه نُو ُر الْ َح َيا ِة» (يوح ّنا ‪ )12 :8‬فجاء رد اليهود‪« :‬فَق َ​َال لَ ُه الْ َف ِّر ِ‬ ‫يس ُّيونَ‪ :‬أَنْ َت تَشْ َه ُد لِ َنف ِْس َك‪ .‬شَ َها َدت َُك لَ ْي َس ْت َحقًّا»‬ ‫(يوح ّنا ‪.)13 :8‬‬ ‫إن يوح ّنا املعمدان تخىل عن يسوع‪ ،‬مل يشهد له‪ ،‬مل يعلن أنه‬ ‫ٍ‬ ‫كلامت قالها يسوع عىل الصليب‪:‬‬ ‫املسيح‪ ،‬ومن املمكن أن آخر‬ ‫«إِ ِيل‪ ،‬إِ ِيل‪ ،‬لِ َم شَ َب ْقتَ ِني؟» يقصد إيليا أي يوح ّنا املعمدان‬ ‫ص َخ‬ ‫حيث أ ّن بعض الحارضين قالوا‪َ « :‬ونَ ْح َو َّ‬ ‫السا َع ِة التَّ ِاس َع ِة َ َ‬ ‫يَ ُسو ُع ب َِص ْو ٍت َع ِظ ٍيم قَائِ ًل‪« :‬إِ ِيل‪ ،‬إِ ِيل‪ ،‬لِ َم شَ َب ْقتَ ِني؟» أَ ْي‪:‬‬ ‫إِلهِي‪ ،‬إِلهِي‪ ،‬لِ َمذَا ت َ َركْتَ ِني؟ فَ َق ْو ٌم ِم َن الْ َوا ِق ِف َني ُه َن َاك ل ََّم َس ِم ُعوا‬ ‫قَالُوا‪ :‬إِنَّ ُه يُ َنا ِدي إِيلِ َّيا» (متّى ‪ )47-46 :27‬وقد كتبها متّى هكذا‪:‬‬ ‫‪ ηλι‬حيث ترجمها حرف ًيا من اآلرام ّية [وهو األمر الذي فهمه‬ ‫الحارضون أنه يتحدث عن إيليا حني رصخ يسوع] أما إيليا‬ ‫النبي فهو يكتبه هكذا‪ ηλιας :‬بصيغته اليونانية‪ :‬إلياس (متّى‬ ‫‪:)14 :11‬‬

‫ماذا رأى الرب من عىل صليبه‪ ،‬بريشة تيسو ‪Tissot‬‬

‫‪και ει θελετε δεξασθαι αυτος εστιν ηλιας ο μελλων ερχεσθαι‬‬

‫ويف هذه اآلية فيوح ّنا هو نفسه إيليا بشهادة يسوع‪ ،‬حيث أن ترجمتها إىل العربية‪َ « :‬وإِ ْن أَ َر ْدت ُ ْم أَ ْن تَ ْق َبلُوا‪ ،‬فَهذَا ُه َو‬ ‫إِيلِيَّا الْ ُم ْز ِم ُع أَ ْن يَأْ ِ َت»‪.‬‬ ‫لقد اعرتف يسوع بيوح ّنا عىل أنه إيليا‪ ،‬وأنه النبي‪ ،‬لكن يوح ّنا مل يعرتف بيسوع عىل أنه املسيح وامللك الذي سيعيد‬ ‫ٍ‬ ‫كلامت قالها قبل موته‪« :‬يوح ّنا‪ ،‬ملاذا تركتني؟» وعند هذه‬ ‫عرش إرسائيل‪ ،‬وكأين بالحزن بقي يف قلبه‪ ،‬فكانت تلك آخر‬ ‫النقطة‪ ،‬فليك يقول يسوع هذا الكالم‪ ،‬ويعترب نفسه املسيح‪ ،‬ال بد أن يكون من نسل داود حقيق ًة وليس معنويًا كام‬ ‫كيهودي عىل قولها‪ ،‬وهنا سنبحث عن رجلٍ يف تلك الفرتة من نسل داود كان له ‪12‬‬ ‫تشري األناجيل‪ ،‬وإال ما جرؤ يسوع‬ ‫ٍ‬ ‫صاح ًبا وطال َ​َب باملُلك‪ ،‬وتم صلبه‪ ،‬وهذا الشخص ذكرته املصادر التاريخية‪ ،‬وهو الذي سنتع ّرض إليه يف الفصل القادم‪.‬‬ ‫‪23‬‬


‫خلف خطى يسوع جـ‪3‬‬

‫النبي املخلوع ومن هو املسيح؟‬ ‫ّ‬

‫الغريب بن ماء السامء‬

‫أؤكد‪ ،‬وأنا أزن كلاميت جي ًدا‪ ،‬أن الديانة املسيح ّية‬ ‫كام هي موجود ٌة اآلن يف كنائسها‪ ،‬كانت وال تزال‬ ‫العدو الرئييس للتقدم األخالقي يف العامل‬ ‫لست مسيح ًيا‪/‬برتراند راسل‪1927/‬‬ ‫ملاذا ُ‬

‫من هو املسيح؟‬

‫تختلف شخصية املسيح يف الكتابات اليهودية اختالفًا تا ًما عام قدمته املسيحية‪ ،‬فهو امللك الذي سيأيت ويجمع بني‬ ‫إرسائيل ويعيدهم إىل األرض املقدسة‪ ،‬ويجعل اليهود يتبعون ويطبقون التوراة‪ ،‬ويحارب الذين يحاربون يهوه‪ ،‬ويعيد‬ ‫بناء الهيكل‪ ،‬ويع ّم السالم عىل األرض‪ .‬هذه الفكرة‪ ،‬وكام ال يخفى علينا‪ ،‬صنعها اليهود إثر سنوات السبي واالحتالل‪ ،‬حتى‬ ‫بطل قوم ًيا وهم ًيا يتش ّبث به الشعب‪ ،‬متا ًما كاملهدي املنتظر عند املسلمني من بعدهم‪ ،‬والذي سيفعل كذا وكذا‪،‬‬ ‫يصنعوا ً‬ ‫متوافق إطالقًا مع النصوص والنظرة اليهودية‪ ،‬فليس فقط أ ّن يسوع مل يفعل شيئًا‬ ‫لكن املسيح ّية أخذت منعر ًجا آخر غري‬ ‫ٍ‬ ‫أيضا‪ .‬وبالنسبة لليهود فمن املستحيل أن يُصلب أو يحدث يش ٌء للمسيح‬ ‫ومل يطرد الرومان من فلسطني‪ ،‬بل وتم صلبه ً‬ ‫الحقيقي قبل أن يتمم النبوءة‪ ،‬ناهيك عن أن ي ّدعي يسوع [أو باألحرى الذين ق ّولوه] أنه ابن الله‪ .‬فاليهود مو ّحدون‬ ‫ويعتربون الله ليس كمثله يشء [أي وبال إطالة‪ ،‬هم كاملسلمني متا ًما]‪.‬‬ ‫أشخاص يف زمنٍ كان يص ّدق فيه الناس‬ ‫إذن فهذه النبوءة عن املسيح‪ ،‬والتي كام أرشت هي أحال ٌم قومي ٌة يهودي ٌة كتبها‬ ‫ٌ‬ ‫وكل حسب دينه]‪ ،‬فتم تحويل هذه النبوءة‬ ‫نبوءات األنبياء [عف ًوا‪ ،‬ال تزال الناس تص ّدق إىل يومنا هذا‪ ،‬النبوءات‪ٌ ،‬‬ ‫بطريقة «الحواة» وتأويل النصوص اليهودية [التي هي بدورها كال ٌم فارغ] من طرف املسيحيني لصالحهم‪ ،‬واعتربوا أن‬ ‫املسيح قد جاء وأن السعادة والسالم رفرفا عىل األرض‪ ،‬ومن يتّبع يسوع فقد دخل يف عرص النعمة‪.‬‬ ‫لتتوضح لنا الرؤية أكرث ونفهم املنطلقات والدوافع‪.‬‬ ‫وسأقوم بجول ٍة رسيع ٍة قبل إكامل الحديث عن يسوع ّ‬ ‫قام اليهود [أو بعض الثوار منهم] بالقيام بثور ٍ‬ ‫ات بني الفينة واألخرى‪ ،‬وحتى ال نطيل نبدأ من حزقيا الجلييل الجاميل [من‬ ‫معتبا نفسه ممثل البيت الداودي‪ ،‬وكان قوميًا متعصبًا‬ ‫مدينة جاملة التي تطل عىل بحرية طربية] وكان من نسل داود‪ً ،‬‬ ‫وقام هريودس الكبري بالقبض عليه وصلبه حوايل سنة ‪ 42‬قبل امليالد‪ ،‬فخلفه ابنه يهوذا الجلييل وح ّرض اليهود عىل الثورة‬ ‫أيضا من نسل داود] وبعد أن قام ببعض املعارك ضد الرومان تم القبض عليه وقتله‬ ‫وطالب بعرش أورشليم [بوصفه هو ً‬ ‫سنة ‪ 6‬بعد امليالد إثر االضطرابات التي حدثت ضد دفع الرضائب [فكان يهوديًا متعص ًبا ويرفض دفع الرضائب للغرباء‬ ‫أو للكالب كام يسميهم يسوع] ومات بعد أن خلّف سبعة أوالد‪:‬‬ ‫يوح ّنا وسمعان ويعقوب الكبري ويهوذا ويعقوب الصغري ومناحيم وأليعازر‪.‬‬ ‫أيضا‪ ،‬وسنتع ّرض إىل هذا الحقًا‪ ،‬ولنستمع إىل يوسيفوس فالڤيوس‪:‬‬ ‫األسامء الخمسة األوىل هي أسامء تالميذ يسوع ً‬ ‫‪24‬‬


‫خلف خطى يسوع جـ‪3‬‬

‫النبي املخلوع ومن هو املسيح؟‬ ‫ّ‬

‫الغريب بن ماء السامء‬

‫«يهوذا الذي تحدثنا عنه آنفًا [أي يهوذا الجلييل أبو السبعة أوالد] كان هو مؤسس هذا املذهب الرابع [يقصد يوسيفوس‬ ‫املتعصبني أو الث ّوار «الغيورين»(‪ ])16‬ومتّبعو هذا املذهب يتفقون يف الغالب مع مذهب الفريس ّيني ولكن بهم‬ ‫مذهب‬ ‫ّ‬ ‫حب عار ٌم للحرية‪ ،‬ألنهم يعتقدون أن الله وحده هو السيد والرب‪[ ،‬أي أنهم ضد الرومان] وال يخافون من املوت مهام‬ ‫ٌ‬ ‫كانت طريقته‪ ،‬وال مبوت أهاليهم وال أصدقائهم‪ ،‬وال ينادون أح ًدا بلفظ السيد‪.‬‬ ‫أناس كثريون شاهدين عىل قدرة هؤالء [أي أتباع يهوذا الجلييل] عىل تح ُّمل املصاعب‪ .‬لن أضيف شيئًا آخر‪،‬‬ ‫كان هناك ٌ‬ ‫فعل الصورة الحقيقية عنهم وعن نظرتهم‬ ‫ألن أخاف إن أضفت‪ ،‬ليس من أن تشكّوا فيام أقول‪ ،‬ولكن أخاف أال أعطي ً‬ ‫ّ‬ ‫(‪)17‬‬ ‫غري املبالية باألوجاع وقدرتهم غري العادية عىل تح ُّمل تلك األوجاع»‪.‬‬ ‫فهل تكون ليسوع عالق ٌة بيهوذا الجلييل وأبنائه؟(‪ )18‬وهل ليسوع عالق ٌة بهؤالء الثوار املتعصبني الذين يريدون تحرير‬ ‫أورشليم من الرومان؟ وما هي تعاليمه وهل هي نفسها التي يف األناجيل؟‬ ‫كل ما من شأنه أن يشري إىل حياة يسوع متّت تصفيته من‬ ‫يف هذا الفصل سرنى ماذا قال املؤرخون القدامى‪[ ،‬باملناسبة‪ّ ،‬‬ ‫وبدعم من روما‪ ،‬ولكن وصلتنا كتابات رجال الكنيسة‬ ‫قبل الكنيسة إ ّما بتزويره أو إتالفه(‪ )19‬إثر اعتناق روما للمسيحية‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫الذين اقتبسوا بعضها‪ ،‬وأك ّرر‪ :‬بعضها‪ ،‬لري ّدوا عليها يف كتبهم‪ ،‬وهذا من حسن حظنا حيث ميكننا أن نعرف تقريبًا كيف‬ ‫كان يرى غري املسيحيني حياة وقصة يسوع‪ ،‬خارج املعلومات التي ق ّدمتها لنا الكنيسة]‬ ‫‪ -16‬الكلمة املستخدمة هنا مبعنى الغرية دفا ًعا عن حمى الله هي كناي קנאי وجمعها كنائيم קנאים‪ .‬أول من ُوصف بها يف التوراة كان فينحاس يف سفر العدد (‪:)11-13 :25‬‬ ‫السالَمِ ‪،‬‬ ‫سائِ َيل ِبغ ْ َ​َي ِت لِذلِ َك ق ُْل‪ :‬هأَنَذَا أُ ْع ِطي ِه ِميثَا ِقي ِميث َ​َاق َّ‬ ‫« ِفي ْن َح ُ‬ ‫سائِ َيل ِب َك ْونِ ِه غَا َر غ ْ َ​َي ِت ِف َو َس ِط ِه ْم َحتَّى لَ ْم أُفْنِ بَ ِني إِ ْ َ‬ ‫اس بْ ُن أَلِ َعازَا َر بْنِ َها ُرو َن الْكَا ِهنِ قَ ْد َر َّد َسخ َِطي َع ْن بَ ِني إِ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫فَيَكُو ُن لَ ُه َولِ َن ْسلِ ِه ِم ْن بَ ْع ِد ِه ِميث َ​َاق كَ َه ُن ٍ‬ ‫سائِ َيل»‪[ .‬تحرير املجلة]‪.‬‬ ‫وت أبَ ِد ٍّي‪ ،‬أل ْجلِ أنَّ ُه غَا َر لل ِه َوكَ َّف َر َع ْن بَ ِني إِ ْ َ‬ ‫‪ -17‬يوسيفيوس فالفيوس‪« ،‬تاريخ اليهود»‪ .‬الكتاب ‪ ،18‬الفصل ‪.6 ،1‬‬ ‫يل‪ ،‬وأخذ بعده دانيال ماسيه ** هذه الفكرة‬ ‫‪ -18‬كان أشار أرنست رينان * يف القرن التاسع عرش ‪-‬بطريقة غري مبارشة وعرض ّية‪ -‬إىل إمكان ّية أن يكون يسوع هو ابن يهوذا الجلي ّ‬ ‫واشتغل عليها ألكرث من عرشين سنة‪ ،‬ث ّم التقفها روبري أمباالن *** وغريه من الباحثني وزادوا يف التع ّمق فيها وذلك اعتامدا عىل أقوال املؤ ّرخني وبعض الحقائق األركيولوجيّة وطبعا‬ ‫األناجيل‪.‬‬ ‫‪*Marc Aurèle ou la fin du monde antique /Ernest Renan/1839‬‬ ‫‪**L'Enigme de Jésus-Christ/Daniel Massé/1920‬‬ ‫‪***Robert Ambelain, Jésus, ou le mortel secret des Templiers, 1974.‬‬ ‫منقوص يف الفرتة بني ‪ 29‬ومنتصف سنة ‪ 30‬ميالدي [أي الفرتة التي ُصلب فيها يسوع حسب‬ ‫‪ -19‬تاريخ روما ‪ Paterculus /‬من ‪ 19‬قبل امليالد إىل ‪ 31‬بعد امليالد= املخطوط‬ ‫ٌ‬ ‫األناجيل]‬ ‫تاريخ ‪ Sénèque le rhéteur‬من ‪ 55‬قبل امليالد إىل ‪ 39‬ب‪.‬م = مفقود‬ ‫تاريخ نريون ‪ Fabius Rusticus‬تقريبا ‪ 60‬ب‪.‬م= مفقود‬ ‫االمرباطور كلود ‪ Commentarium de vita sua‬تقريبا ‪ 54‬ب‪.‬م= مفقود‬ ‫تاريخ روما ‪ Ser36vilius Nonianus‬تقريبا ‪ 35‬ب‪.‬م= مفقود‬ ‫تاريخ عام ‪ Aufiduius Bassus‬معارص ليسوع= مفقود‬ ‫إلخ‪....‬‬

‫‪25‬‬


‫خلف خطى يسوع جـ‪3‬‬

‫النبي املخلوع ومن هو املسيح؟‬ ‫ّ‬

‫الغريب بن ماء السامء‬

‫فإنه ينبغي النظر فيام إذا كان يسوع ُبعث بالهيئة نفسها بعد موته‪.‬‬ ‫حتى يكون رضور ًيا إنقاذ ألوهيته أمام الجميع‪ ،‬أو كان يستطيع‬ ‫عىل األقل االختفاء فجأ ًة من عىل الصليب‪ .‬لكنه كان خالل حياته‬ ‫ظاه ًرا للجميع‪ ،‬أما حني مات‪ ،‬فظهر متخف ًيا وبرسي ٍة لبعض‬ ‫األشخاص املعدودين‪ .‬فأثناء إعدامه قام عد ٌد ال يحىص من الشهود‬ ‫شخص واحد‪ .‬كان ينبغي أن يحدث العكس‪.‬‬ ‫برؤيته‪ ،‬أما قيامته فلم يرها إال ٌ‬ ‫‪Ernest Renan, Marc Aurèle ou la fin du monde antique, p 939.‬‬ ‫سمه «الخطاب الحقيقي»‬ ‫كتب كلسوس ‪ Celsus‬حوايل سنة ‪ 180‬ميالدي كتابًا ضد املسيحية ّ‬ ‫ناقش فيه العقيدة املسيحية الناشئة وأشار إىل التحريفات التي وقعت والتزوير الذي تم يف شخصية يسوع من طرف‬ ‫رجال الكنيسة حيث غريوا الوقائع وجعلوه إل ًها‪ ،‬ولألسف فإن هذا الكتاب مل يصلنا [كغريه من الكتب املعارصة لتلك‬ ‫الفرتة للمؤ ّرخني غري املسيحيني‪ ،‬وهذا بفضل روما التي قامت بغربلة كل الكتب الناقدة للمسيحية إما بحرقها متا ًما أو‬ ‫بتحريفها]‪ ،‬ولكن وصلنا كتاب رجل الكنيسة أوريجانوس الذي عنوانه «ض ّد كلسوس» وقد ألّفه سنة ‪ 250‬ميالدي تقريبًا‬ ‫لري ّد فيه عىل انتقادات كلسوس‪ ،‬فقام باقتباس الكثري من كالمه‪ ،‬وليس لنا حال ًيا إال هذه االقتباسات‪ .‬هو من أهم الكتب‬ ‫التي نقدت املسيحية لقربها من األحداث ومعرفتها العميقة بنشأتها(‪:)20‬‬ ‫‪Λόγος Ἀληθής‬‬

‫يقول كلسوس‪:‬‬ ‫«لدي الكثري ألقوله عن األحداث التي جرت يف حياة يسوع‪ ،‬والوقائع الحقيقية‬ ‫التي تختلف عام متت كتابته من ِقبل أتباعه [يقصد بكلمة أتباعه‪ :‬املسيحيني]»(‪.)21‬‬ ‫يقول فرفوريوس الصوري(‪ )22‬سنة ‪ 270‬ميالدي تقري ًبا‪:‬‬ ‫«املسيح ّيون هم الذين كتبوا‪ ،‬كاختالقٍ وليس كتاريخ‪ ،‬األشياء التي قاموا بروايتها‬ ‫عن يسوع»(‪.)23‬‬ ‫أ ّما فاوستوس امليلوي(‪ّ )24‬‬ ‫متوف تقري ًبا سنة ‪ 390‬ميالدي(‪:)25‬‬

‫غالف حوار فاوستوس مع أوغسطني‬

‫‪20- Gys-Devic, CELSE, polémiste antichrétien, auteur du Discours Véritable (vers 160). Par Extrait du n° 214 des Cahiers du Cercle Ernest Renan.‬‬ ‫‪21- Contra Celsum, II: 13.‬‬ ‫الصوري (نحو ‪ 305 - 234‬م) فيلسوف من مواليد صور‪ ،‬يُعترب أحد أبرز ممثيل الفلسفة األفالطونية امل ُ ْحدَثة‪[ .‬تحرير املجلة]‪.‬‬ ‫‪ -22‬فَرفوريوس ُّ‬ ‫‪23- Porphyre, fragment n° 15 de l’édition Harnack, La réaction païenne, Labriolle, p. 279, Paris, 1948.‬‬ ‫‪ -24‬فاوستوس امليلوي كان أسقفًا مانويًا عاش يف القرن الرابع امليالدي‪ ،‬واسمه نسب ًة ملدينة ميلة يف الجزائر‪ ،‬ومام اشتهر فيه لقاؤه بالقديس أوغسطني يف قرطاجة‪[ .‬تحرير املجلة]‪.‬‬ ‫‪25- Augustin, Contra Faustum Rougier, La critique biblique : Marcion et Fauste de Milève, C.E.R. n° 18, 1958.‬‬

‫‪26‬‬


‫خلف خطى يسوع جـ‪3‬‬

‫النبي املخلوع ومن هو املسيح؟‬ ‫ّ‬

‫الغريب بن ماء السامء‬

‫أناس‬ ‫فقد أشار إىل أن األناجيل مل يكتبها يسوع‪ ،‬وال حواريّيه‪ ،‬متّى ويوح ّنا‪ ،‬وال تالميذ حواريّيه لوقا ومرقس‪ ،‬ولكن كتبها ٌ‬ ‫فيام بعد ووقّعوا بأسامء الحواريّني ليك يُد ّعموا ما كتبوا‪ ،‬فكانت كتاباتهم [أي األناجيل] مملوء ًة بالتناقض‪.‬‬ ‫يقول الواعظ (أو القايض) من بيثينيا حوايل القرن الرابع ميالدي‪:‬‬ ‫«إن املسيح نفسه‪ ،‬وبعد طرده من قبل اليهود‪ ،‬جمع فرق ًة من تسعامئة رجل‪ ،‬وبدؤوا يف قطع الطرق [أي الغزو‬ ‫والتح ّرش]»(‪.)26‬‬ ‫يقول كلسوس‪ 180 ،‬ميالدي‪:‬‬ ‫رجل [التالميذ] من العشّ ارين والب ّحارة البائسني ج ًدا‪ ،‬وف ّر معهم هنا وهناك‪ ،‬ويتس ّول‬ ‫«ارتبط يسوع بعرش ٍة أو أحد عرش ً‬ ‫رزقه بطريق ٍة مخزية»(‪.)27‬‬ ‫بالتوازي مع رسالة برنابا حوايل ‪ 150‬ميالدي‪:‬‬ ‫«يسوع اختار حواريّيه من رجا ٍل قادرين عىل القيام بأفظع الخطايا [الجرائم]»(‪.)28‬‬ ‫يقول كايكيليوس ‪ Caecilius‬يف سنة ‪ 200‬ميالدي تقريبًا‪:‬‬ ‫رجل [أي يسوع] عوقب عىل الصليب‪ ،‬وتصنعون له معب ًدا [أي كنيس ًة] كان يجدر أن تجعلوها لقطّاع الطرق‬ ‫«تق ّدسون ً‬ ‫واملجرمني»(‪.)29‬‬ ‫رجل متعص ًبا‪ ،‬ثائ ًرا‪ ،‬خار ًجا عىل القانون‪ ،‬قاط ًعا للطريق‪ ،‬أي مبعنى آخر يهوديًا ثائ ًرا يريد‬ ‫تق ّدم الشهادات الخارج ّية لنا ً‬ ‫حكم أورشليم‪ ،‬لذلك قام الرومان بصلبه‪ ،‬والرومان ال يقومون بهذا الفعل إال ضد املناهضني للنظام‪ ،‬كمن كان قبل‬ ‫أيضا حرسهم [حرس الهيكل]‬ ‫أيضا‪ ،‬وال يتدخل الرومان يف األمور العقائدية لليهود حيث كان لهم ً‬ ‫يسوع‪ ،‬ومن جاء بعده ً‬ ‫شخص أنه ابن الله فالقضاة اليهود من سيقوم برجمه‪،‬‬ ‫ويقومون مبعاقبة من يتجاوز أحكام التوراة بأنفسهم‪ ،‬فإن ا ّدعى ٌ‬ ‫وال تتدخل روما إال يف حال ٍة واحد ٍة فقط‪ :‬ض ّد الثوار‪.‬‬ ‫وقد بقي بعض الصدى من يسوع الحقيقي يف األناجيل‪:‬‬

‫‪ -28‬رسالة برنابا ‪.9 :5‬‬

‫‪26- Gys-Devic, Juge de Bithynie، Lactance, Institutiones divinæ, V, III, 4، CCER, Notice n214.‬‬ ‫‪27- Origen Adamantius, Contra Celsum, I: 62.‬‬ ‫‪29-Minucius Felix, Octavius, IX, 4.‬‬

‫‪27‬‬


‫خلف خطى يسوع جـ‪3‬‬

‫النبي املخلوع ومن هو املسيح؟‬ ‫ّ‬

‫الغريب بن ماء السامء‬

‫قال يسوع‪:‬‬ ‫ل‪َ ،‬و َم ْن الَ يَ ْج َم ُع َم ِعي فَ ُه َو يُ َف ِّر ُق» (متّى ‪.)30 :12‬‬ ‫« َم ْن لَ ْي َس َم ِعي فَ ُه َو َع َ َّ‬ ‫«أَ َّما أَ ْع َد ِائ‪ ،‬أُول ِئ َك ال َِّذي َن لَ ْم يُرِي ُدوا أَ ْن أَ ْملِ َك َعلَ ْي ِه ْم‪ ،‬فَأْتُوا ِب ِه ْم إِ َل ُه َنا َوا ْذبَ ُحو ُه ْم قُ َّدا ِمي» (لوقا ‪.)27 :19‬‬ ‫يس فَلْيَأْ ُخ ْذ ُه َو ِم ْز َو ٌد كَذلِ َك‪َ .‬و َم ْن لَيْ َس لَ ُه فَلْيَ ِب ْع ث َ ْوبَ ُه َويَشْ َتِ َسيْفًا» (لوقا ‪.)36 :22‬‬ ‫«ل ِكنِ اآلنَ‪َ ،‬م ْن لَ ُه كِ ٌ‬ ‫قال الذين ات ّهموه‪:‬‬ ‫يح َملِ ٌك» (لوقا ‪.)2 :23‬‬ ‫ص‪ ،‬قَائِ ًل‪ :‬إِنَّ ُه ُه َو َم ِس ٌ‬ ‫«إِنَّ َنا َو َج ْدنَا هذَا يُف ِْس ُد األُ َّم َة‪َ ،‬و َ ْي َن ُع أَ ْن تُ ْعطَى ِج ْزيَ ٌة لِ َق ْي َ َ‬ ‫«إِنَّ ُه يُ َه ِّي ُج الشَّ ْع َب َو ُه َو يُ َعلِّ ُم ِف ك ُِّل الْ َي ُهو ِديَّ ِة ُم ْبتَ ِدئًا ِم َن الْ َجلِيلِ إِ َل ُه َنا» (لوقا ‪.)5 :23‬‬

‫قال يسوع‪:‬‬ ‫«الَ تَظُ ُّنوا أَنِّ ِجئْ ُت ألُلْ ِق َي َسالَ ًما َع َل األَ ْر ِض‪َ .‬ما ِجئْ ُت ألُلْ ِق َي َسالَ ًما بَ ْل َس ْيفًا‪ .‬فَ ِإنِّ ِجئْ ُت ألُفَ ِّر َق ا ِإلنْ َسا َن ِض َّد أَبِي ِه‪َ ،‬واالبْ َن َة‬ ‫ِض َّد أُ ِّم َها‪َ ،‬والْ َك َّن َة ِض َّد َح َمتِ َها» (متى ‪.)35-34 :10‬‬ ‫فَ َع َل يسوع‪:‬‬ ‫« َوكَا َن ِف ْص ُح الْ َي ُهو ِد قَرِي ًبا‪ ،‬ف َ​َص ِع َد يَ ُسو ُع إِ َل‬ ‫أُو ُرشَ لِي َم‪َ ،‬و َو َج َد ِف الْ َه ْيكَلِ ال َِّذي َن كَانُوا يَبِي ُعو َن‬ ‫ُوسا‪ .‬ف َ​َص َن َع‬ ‫بَ َق ًرا َو َغ َن ًم َو َح َم ًما‪َ ،‬و َّ‬ ‫الص َيار َِف ُجل ً‬ ‫َس ْوطًا ِم ْن ِح َبال َوطَ َر َد الْ َج ِمي َع ِم َن الْ َه ْيكَلِ ‪،‬‬ ‫الصيَار ِ​ِف َوقَل َ​َّب‬ ‫اَلْ َغ َن َم َوالْبَ َق َر‪َ ،‬وك ََّب َد َرا ِه َم َّ‬ ‫َم َوائِ َد ُه ْم» (يوحنا ‪.)15-13 :2‬‬ ‫قوسا عن هذه النقطة‪:‬‬ ‫أفتح ً‬ ‫كيف دخل يسوع إىل املعبد ورضب الناس‬ ‫بالسوط وقلب املوائد‪ ،‬وحده؟‬

‫املسيح يطرد الصيارفة من املعبد بريشة دو بولونج ‪de Boulonge‬‬

‫يروي يوسيفيوس فالڤيوس(‪ )30‬أن املعبد يف أورشليم يف ذلك الوقت كان طوله ‪ 460‬م ًرتا وعرضه ‪ 280‬م ًرتا‪ ،‬وقد كان حرس‬ ‫املعبد اليهود يقومون عىل رعايته‪ ،‬والحفاظ عىل األمن‪ ،‬وتزداد الحراسة يف عيد الفصح حيث تأيت كتيب ٌة من الجنود‬ ‫الرومان كتدعيم‪ ،‬ألن يف تلك األعياد كانت تحدث اضطرابات‪ ،‬بسبب كرثة الحجاج‪ ،‬فيكون حرس املعبد والجنود الرومان‬ ‫يف أتم االستعداد لحفظ النظام‪.‬‬ ‫‪ -30‬يوسيفوس فالڤيوس‪« ،‬تاريخ اليهود» ‪.3 ،8‬‬

‫‪28‬‬


‫خلف خطى يسوع جـ‪3‬‬

‫النبي املخلوع ومن هو املسيح؟‬ ‫ّ‬

‫الغريب بن ماء السامء‬

‫من املستحيل أن يفعل يسوع هذا األمر وحده‪ ،‬خاص ًة أنه يحمل سوطًا ويرضب الحارضين‪ ،‬واملكان مملو ٌء بآالف‬ ‫الحجاج‪ ،‬وقد ظل زم ًنا هناك‪ ،‬وال بد أنه كانت معه كتيب ٌة من الث ّوار استطاعوا االستيالء عىل املعبد لفرت ٍة من الزمن [لكن‬ ‫األناجيل ال تروي لنا كل الحقيقة طب ًعا]‪ .‬أُغلق القوس‬ ‫هذا عن يسوع املتمرد‪ ،‬فمن أين جاءت إذن كلامت الحب واملحبة والسالم التي نجدها يف األناجيل؟‬ ‫طب ًعا بغض النظر عن اإلضافات التي متت إضافتها الحقًا لتوافق العقيدة البولُس ّية [نسب ًة إىل بولس الرسول] وكلامت‬ ‫املحبة وغريها‪ ،‬فاألناجيل بدورها تعتمد عىل بعض مام بقي من الذاكرة عن يسوع [وهو الشخص الثائر] وكذلك ُجمعت‬ ‫مثل‪ ،‬يقول يسوع‪[ ،‬أو باألحرى ق ّولوه]‪:‬‬ ‫أو ُركّبت سريته من أماكن متفرقة‪ً ،‬‬ ‫الس َم َو ِ‬ ‫ُوب لِلْ ُو َد َعا ِء‪ ،‬ألَنَّ ُه ْم يَ ِرث ُو َن األَ ْر َض‪.‬‬ ‫ُوب لِلْ َح َز َان‪ ،‬ألَنَّ ُه ْم يَتَ َع َّز ْونَ‪ .‬ط َ‬ ‫ات‪ .‬ط َ‬ ‫«ط َ‬ ‫ُوب لِلْ َم َساكِ ِني بِال ُّرو ِح‪ ،‬ألَ َّن لَ ُه ْم َملَكُوتَ َّ‬ ‫ُوب لِلْ ِج َيا ِع َوالْ ِعط ِ‬ ‫ُوب لِألَنْ ِق َيا ِء الْ َقل ِْب‪ ،‬ألَنَّ ُه ْم يُ َعا ِي ُنو َن الل َه‪.‬‬ ‫ُوب لِل ُّر َح َم ِء‪ ،‬ألَنَّ ُه ْم يُ ْر َح ُمونَ‪ .‬ط َ‬ ‫َاش إِ َل ال ِ ِّْب‪ ،‬ألَنَّ ُه ْم يُشْ َب ُعونَ‪ .‬ط َ‬ ‫ط َ‬ ‫الس َم َو ِ‬ ‫ُوب لَ ُك ْم‬ ‫ات‪ .‬ط َ‬ ‫السال َِم‪ ،‬ألَنَّ ُه ْم أَبْ َنا َء الل ِه يُ ْد َع ْونَ‪ .‬ط َ‬ ‫ط َ‬ ‫ُوب لِلْ َمطْ ُرو ِدي َن ِم ْن أَ ْجلِ ال ِ ِّْب‪ ،‬ألَ َّن لَ ُه ْم َملَكُوتَ َّ‬ ‫ُوب لِ َصانِ ِعي َّ‬ ‫شي َر ٍة‪ِ ،‬م ْن أَ ْج ِل‪ ،‬كَا ِذ ِب َني»‪( .‬متّى ‪.)11-3 :5‬‬ ‫إِذَا َع َّ ُيوكُ ْم َوطَ َر ُدوكُ ْم َوقَالُوا َعلَ ْي ُك ْم ك َُّل كَلِ َم ٍة ِ ِّ‬ ‫هذا املقطع يكاد يكون منقولً حرفيًا(‪ )31‬من مخطوطة قمران(‪ )32‬رقم‬ ‫‪ 4Q525‬املكتوبة مائة سن ًة قبل يسوع‪ ،‬فكتبة األناجيل جمعوا من هنا‬ ‫وهناك‪ ،‬ولنستمع ليوسيفوس فالڤيوس‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫ظروف جيد ٍة يف‬ ‫شخص اسمه يسوع‪ ،‬ابن حنانيا‪ ،‬يعيش يف‬ ‫«كان هناك‬ ‫ٌ‬ ‫سالم وكان‬ ‫الريف‪ ،‬وقبل الحرب بأربع سنوات‪ ،‬حيث كانت املدينة تعيش يف ٍ‬ ‫الجميع يصنعون الخيام ليم ّجدوا فيها الله‪ ،‬جاء [هذا الشخص الذي اسمه‬ ‫يسوع] وأخذ يرصخ فجأ ًة يف املعبد‪ :‬صوتٌ من املرشق‪ ،‬صوتٌ من املغرب‪،‬‬ ‫صوت الرياح األربعة‪ ،‬صوتٌ ضد أورشليم وضد املعبد‪ ،‬صوتٌ ضد املتز ّوجني‬ ‫الجدد واملتزوجات‪ ،‬صوتٌ ضد كل الشعب‪.‬‬ ‫خطبة التطويبات‪ ،‬بريشة تيسو ‪Tissot‬‬ ‫‪ -31‬النقل يف الواقع مل يكن حرف ًيا‪ ،‬ولكنه بالفعل يظهر تشاب ًها واض ًحا يف الرتكيب ال ميكن تجاهله‪ ،‬فمخطوط قمران املشار إليه يحوي تسع تطويبات‪ ،‬مثانٍ منها قصرية‪ ،‬والتاسعة‬ ‫منسوب لسليامن‪ ،‬ومحتوى التطويبات مختلف‪ ،‬عالو ًة عىل أن قط ًعا من نص املخطوط‬ ‫طويلة‪ ،‬بالضبط كام هو تركيب الفقرة املقتبسة من إنجيل متّى‪ .‬يف مخطوط قمران الكالم‬ ‫ٌ‬ ‫مفقودة‪ ،‬ويرد بعض املسيحيني هذا التشابه إىل أن تركيبة التطويبات بهذا الشكل كان أسلوب كتاب ٍة شائع يف ذلك العرص وأن يسوع كان يستعمل ذلك األسلوب لهذا السبب‪.‬‬ ‫[تحرير املجلة]‪.‬‬ ‫‪ -32‬مخطوطات قمران‪ ،‬طبعة كاملة‪ ،Michael Wise ،‬دار نرش ‪ ،Plon‬ص ‪ ،549‬باريس‪.2001 ،‬‬

‫‪29‬‬


‫خلف خطى يسوع جـ‪3‬‬

‫النبي املخلوع ومن هو املسيح؟‬ ‫ّ‬

‫الغريب بن ماء السامء‬

‫ليل ونها ًرا يف كل األزقة‪ ،‬فانزعج بعض املواطنني النبالء من كالمه املزعج‪ ،‬فقبضوا عليه‪ ،‬وع ّنفوه‬ ‫ثم أخذ مييش ويرصخ ً‬ ‫ورضبوه‪ ،‬لكنه مل يدافع عن نفسه بأية كلمة‪ ،‬ومل يرتجى الذين يرضبونه‪ ،‬بل واصل رصاخه املعتاد‪.‬‬ ‫عادي فحملوه إىل الحاكم الروماين‪ ،‬وهناك قام الجنود‬ ‫سمع القضاة باألمر واعتقدوا أن هسترييا الرجل فيها يش ٌء غري ٍ‬ ‫يتوسل ومل يبك وبقي ير ّدد‪ :‬الخراب ألورشليم‪.‬‬ ‫بتمزيق جسده بالسوط وقاموا بجلده حتى بان عظمه‪ ،‬لك ّنه مل ّ‬ ‫ظل‬ ‫سأله الحاكم ألبينوس(‪ )33‬عن هويّته ومن أين جاء وملاذا يقول هذا الكالم‪ ،‬لكن الرجل مل يجبه بأيّة كلم ٍة إطالقًا‪ ،‬بل ّ‬ ‫ير ّدد كالمه السابق فرأى الحاكم أنّه مجنون فأطلق رساحه»(‪.)34‬‬ ‫يقول يسوع‪:‬‬ ‫«يَا أُو ُرشَ لِي ُم‪ ،‬يَا أُو ُرشَ لِي ُم! يَا قَاتِلَ َة األَنْ ِبيَا ِء َو َرا ِج َم َة الْ ُم ْر َسلِ َني إِلَيْ َها‪ ،‬كَ ْم َم َّر ٍة أَ َردْتُ أَ ْن أَ ْج َم َع أَ ْوالَ َد ِك ك َ​َم تَ ْج َم ُع ال َّد َجا َج ُة‬ ‫ِف َرا َخ َها تَ ْح َت َج َنا َح ْي َها‪َ ،‬ولَ ْم تُرِي ُدوا! ُه َوذَا بَ ْيتُ ُك ْم يُ ْ َت ُك لَ ُك ْم َخ َرابًا»‪( .‬متّى ‪.)38-37 :23‬‬ ‫طب ًعا ليس يسوع هو املجنون وإمنا هناك خل ٌط يف الروايات‪ ،‬بني الشخصيات من طرف كتبة األناجيل‪ .‬وال ننىس احتامل‬ ‫يسوع آلالم السوط دون أن يتكلم‪.‬‬ ‫ولنستمع لفيلون اإلسكندري املعارص ليسوع‪:‬‬ ‫شخص مجنون‪ ،‬يُسمى كاراباس(‪ ،)35‬ومل يكن من املجانني املتوحشني الذين يؤذون من يقرتب منهم‪،‬‬ ‫«كان يف اإلسكندريّة ٌ‬ ‫متعرضا للمضايقات والتهكامت من طرف‬ ‫بل كان هادئًا وطي ًبا‪ .‬هذا املجنون يتجاهل الحر والربد‪ ،‬ويتج ّول يف األزقة‬ ‫ً‬ ‫الشباب واألطفال‪ .‬فقام بعضهم بحمل هذا املجنون إىل ساحة الجمباز ووضعوه يف مكانٍ عا ٍل لرياه الجميع‪ ،‬ووضعوا‬ ‫عىل رأسه ورق ًة كبري ًة عىل شكل إكليلٍ وعىل جسده حصري ًة عىل شكل معطف‪ ،‬ويف يده قطع ًة من القصب عىل شكل‬ ‫عيص عىل أكتافهم ووقفوا بجانبه‬ ‫صولجان‪ .‬وبعد أن ألبسوه هذه األشياء كإشار ٍة إىل امللوكية قام بعض الشباب بحمل ٍّ‬ ‫عىل شكل حرسه الشخيص‪ ،‬ثم يأيت البعض [ساخرين ومتهكّمني] ليلقي عليه التحية‪ ،‬وآخرون يطلبون منه القضاء يف‬ ‫بعض املظامل‪ ،‬وآخرون يطلبون منه النصيحة يف بعض الشؤون العامة‪ ،‬وأ َخ َذ الحشد املحيط به يهتف باسمه ويدعوه‬ ‫األمري»(‪.)36‬‬ ‫حاكم رومانيًا ملنطقة يهودا بني العامني ‪ 62‬و‪ 64‬ميالدية‪ .‬ويذكر فالڤيوس يف تاريخ اليهودي الكتاب ‪ ،20‬الفصل ‪ 9‬أنه تم تنصيب يسوع بن دامنيوس‬ ‫‪ -33‬كان ألبينوس ‪ً Albinus‬‬ ‫(يشوع بن دمناي بالعربية ישוע בן דמנאי) كاه ًنا أكرب خلفًا لسابقه أنانوس بن أنانوس ‪( Ananus ben Ananus‬حنان بن حنان بالعربية חנן בן חנן)‪ ،‬الذي كان ألبينوس‬ ‫قد أزاله من منصبه بعد قتله يعقوب البار (أخو يسوع املسيح)‪[ .‬تحرير املجلة]‪.‬‬ ‫‪ -34‬يوسيفوس فالڤيوس‪ ،‬حروب اليهود‪ ،‬الكتاب السادس‪.288 ،3 .‬‬ ‫‪ -35‬سنعود لهذا االسم يف الفصل القادم ألنه شخصي ٌة محورية‪.‬‬ ‫‪ -36‬فيلون اإلسكندري‪ ،Contra Flaccus ,‬الفصل ‪.36‬‬

‫‪30‬‬


‫خلف خطى يسوع جـ‪3‬‬

‫النبي املخلوع ومن هو املسيح؟‬ ‫ّ‬

‫الغريب بن ماء السامء‬

‫ولنستمع لرواية اإلنجيل عن يسوع‪:‬‬ ‫«فَأَ َخ َذ َع ْس َك ُر الْ َو ِال يَ ُسو َع إِ َل َدا ِر الْ ِوالَيَ ِة َو َج َم ُعوا َعلَ ْي ِه ك َُّل الْ َك ِتي َب ِة‪ ،‬فَ َع َّر ْو ُه َوأَلْ َب ُسو ُه ِر َدا ًء ِق ْر ِم ِزيًّا‪َ ،‬و َض َف ُروا إِكْلِ ًيل ِم ْن‬ ‫السالَ ُم يَا َملِ َك الْيَ ُهو ِد!» (متّى‪:27‬‬ ‫شَ ْو ٍك َو َو َض ُعو ُه َع َل َرأْ ِس ِه‪َ ،‬وق َ​َصبَ ًة ِف َيِي ِن ِه‪َ .‬وكَانُوا يَ ْجثُو َن قُ َّدا َم ُه َويَ ْستَ ْه ِزئُو َن ِب ِه قَائِلِ َني‪َّ :‬‬ ‫‪.)29-27‬‬ ‫أيضا‪ .‬ف ُهم يكتبون من الذاكرة ورمبا السبب‬ ‫هذه الرواية التي ترويها األناجيل هي خل ٌط يف الروايات بني الشخص ّيات ً‬ ‫تحريف لباراباس‪،‬‬ ‫الذي جعلهم يخلطون هو أن املجنون األول اسمه يسوع‪ ،‬أما املجنون الثاين فاسمه كاراباس وهو‬ ‫ٌ‬ ‫أيضا اسمه‪ :‬يسوع‪.‬‬ ‫الرجل الذي أطلقه بيالطس مكان يسوع‪ ،‬لكن ويا ملحاسن الصدف فباراباس هو ً‬ ‫وسنتع ّرض‪ ،‬يف الفصل القادم‪ ،‬لهذا األمر وبقية التالميذ وكيفية ربط األحداث مع بعضها‪.‬‬ ‫يتبع‪....................‬‬

‫االستهزاء باملسيح‪ ،‬بريشة يان فان همسن ‪van Hemessen‬‬

‫‪31‬‬


‫اﺷﺘﺮك اﻵن‬ ‫ﻓﻲ ﻗﻨﺎﺗﻨﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻴﻮﺗﻴﻮب‬ ‫‪https://www.youtube.com/c/ahmedzayedchannel‬‬

‫ﻗﺮاﺑﺔ ‪ 10‬ﻣﻠﻴﻮن ﻣﺸﺎﻫﺪة‬ ‫ﻣﺸﺘﺮك‬ ‫أﻟﻒﻣﺸﺎﻫﺪة‬ ‫و‪70‬ﻣﻠﻴﻮن‬ ‫ﻗﺮاﺑﺔ اﻟﻌﴩة‬

‫أﺣﻤﺪ ﺳﻌﺪ زاﻳﺪ‬

‫ﻗﻨﺎة أﺣﻤﺪ ﺳﻌﺪ زاﻳﺪ ﻋﲆ اﻟﻴﻮﺗﻴﻮب ﻫﻲ ﻗﻨﺎة ﻣﻌﻨﻴﺔ ﺑﺎﻟﺘﻨﻮﻳﺮ اﻟﻔﻜﺮي واﻟﺜﻘﺎﰲ وﻫﻲ ﻣﺤﺎوﻟﺔ ﻟﻠﺘﻔﻜ اﳌﻮﺿﻮﻋﻲ اﻟﻌﻘﻼ ﻣ ًﻌﺎ‪.‬‬ ‫وﺗﺠﺪون ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺴﻼﺳﻞ وﻣﻨﻬﺎ‪:‬‬

‫أﻟﻒ ﺑﺎء ﻓﻠﺴﻔﺔ ﻟﺘﺒﺴﻴﻂ اﳌﻌﺮﻓﺔ اﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ‬

‫ﻟﻠﺘﻮاﺻﻞ ﻣﻌﻨﺎ ﻋﲆ ﺻﻔﺤﺔ اﻟﻘﻨﺎة ﻋﲆ اﻟﻔﻴﺴﺒﻮك‪:‬‬ ‫‪https://www.facebook.com/aszayedtv‬‬

‫ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﺤﻀﺎرة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻻﺳﻼﻣﻴﺔ‬

‫ﺳﻠﺴﻠﺔ ﺗﻌﺮﻳﻔﻴﺔ ﺑﺮﻣﻮز ﻓﻜﺮﻳﺔ ﻋﺮﺑﻴﺔ وﻏﺮﺑﻴﺔ‬

‫ﺻﻔﺤﺔ أﺣﻤﺪ ﺳﻌﺪ زاﻳﺪ اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ‪:‬‬ ‫‪https://www.facebook.com/ahmedsaadzayed‬‬

‫ﻛﺎﳌﻌﺮي واﻟﺮازي وأرﺳﻄﻮ وﻣﺎرﻛﺲ وراﺳﻞ‬

‫ﺳﻠﺴﻠﺔ ﺑﺘﺤﻠﻴﻞ ﺧﻼﻓﺎت اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ وﻗﺘﺎﻟﻬﻢ‬

‫ﺳﻠﺴﺔ ﺗﻄﻮر ﺗﺎرﻳﺦ اﻹﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻴﺎت اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ واﻟﻔﻠﺴﻔﺎت‬

‫وﻏ ذﻟﻚ ﻛﺜ ﻣﻦ ﻣﺤﺎﴐات وﻣﻘﺎﺑﻼت ﻟﺮﻣﻮز ﻓﻜﺮﻳﺔ ﻓﺎﻟﻘﻨﺎة ﺑﻬﺎ أﻛ ﻣﻦ ‪ 700‬ﻣﺤﺎﴐة‪ ،‬وﻫﻲ ﺟﻬﺪ ﻃﻮﻳﻞ وﻣﺘﻮاﺿﻊ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﻞ‬ ‫اﻟﺜﻘﺎﰲ وﻣﺤﺎوﻟﺔ ﻧﴩ اﻟﻮﻋﻲ واﻟﻌﻘﻼﻧﻴﺔ واﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﻗﺪر اﳌﺴﺘﻄﺎع ﻟﻠﻤﺘﺤﺪﺛ ﺑﺎﻟﻌﺮﺑﻴﺔ‪.‬‬ ‫ﻟﺪﻋﻢ اﻟﻘﻨﺎة‪:‬‬

‫‪https://www.patreon.com/ahmedzayed‬‬

‫‪32‬‬

‫‪https://www.paypal.me/ahmedsaadzayed/100‬‬


‫تحدي‬ ‫املسيحيني يف‬ ‫مسألة الفصح‬

‫لدي تح ٍد أُو ّجهه للمسيحيني يف مسألة الفصح‪ ،‬ويتمثل ببساط ٍة‬ ‫فيام ييل‪ :‬أخربوين مبا حدث خالل الفصح‪.‬‬ ‫أنا ال أطالب بإثبات‪ ،‬فطلبي املبارش من املسيحيني أن يخربوين عام‬ ‫حدث بالضبط يف اليوم الذي ُولِدت فيه أهم معتقدات دينهم‪.‬‬ ‫‪33‬‬

‫دان باركر‬


‫تحدي الفصح‬ ‫يُفرتض باملؤمنني أن يُقبلوا عىل هذا التحدي بحامسة‪ ،‬فبدون القيامة‬ ‫ال توجد مسيحية‪.‬‬ ‫يح قَ ْد قَا َم‪ ،‬فَ َب ِاطلَ ٌة كِ َرا َزت ُ َنا َوبَ ِاط ٌل‬ ‫كتب بولس‪َ « :‬و ِإ ْن لَ ْم يَكُنِ الْ َم ِس ُ‬ ‫أَيْ ًضا إِميَانُ ُك ْم‪َ ،‬ونُو َج ُد نَ ْح ُن أَيْ ًضا شُ ُهو َد زُو ٍر لل ِه‪ ،‬ألَنَّ َنا شَ ِه ْدنَا ِم ْن ِج َه ِة‬ ‫يح َو ُه َو لَ ْم يُ ِق ْم ُه‪ ،‬إِ ْن كَا َن الْ َم ْوىت الَ يَقُو ُمونَ‪».‬‬ ‫الل ِه أَنَّ ُه أَقَا َم الْ َم ِس َ‬ ‫(رسالة بولس الرسول األوىل إىل أهل كورنثوس ‪.)14-15 :15‬‬

‫جدارية قدمية من كهف يف إفسوس تظهر بولس‬

‫رشوط هذا التحدي بسيط ٌة ومعقولة‪:‬‬ ‫كل من األناجيل األربعة مبتدئني من قصة صباح الفصح وأكملوا القراءة حتى نهاية السفر‪ :‬متّى ‪ ،28‬مرقس‬ ‫ابدأوا بقراءة ٍّ‬ ‫‪ ،16‬لوقا ‪ 24‬ويوحنا ‪.20-21‬‬ ‫واقرأوا كذلك سفر أعامل الرسل ‪ 3-12 :1‬ونسخة بولس املقتضبة عن القصة يف رسالته األوىل إىل أهل كورنثوس ‪.3-8 :15‬‬ ‫أي من هذه الروايات املنفصلة‪،‬‬ ‫من املمكن إنجاز قراءة هذه اآليات يف دقائق‪ .‬بعد ذلك‪ ،‬ودون ترك أي تفصيلٍ من ٍ‬ ‫أول؟ فثان ًيا‪ ...‬وهكذا‪.‬‬ ‫متسلسل زمن ًيا بسيطًا لألحداث بني القيامة والصعود‪ :‬ما الذي حدث ً‬ ‫ً‬ ‫اكتبوا رس ًدا‬ ‫من قال ماذا ومتى‪ ،‬وأين وقعت األحداث؟‬ ‫ٍ‬ ‫ساعات محدد ًة يف اليوم لحدوث األحداث‪،‬‬ ‫ومبا أن األناجيل ال تحدد‬ ‫ميكنكم أن تقوموا بتقدير األوقات بشكلٍ معقول‪.‬‬ ‫ليس من املطلوب أن تعطي قصتكم تصو ًرا مثاليًا‪،‬‬ ‫معقول يشمل كل الوقائع‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وإمنا أن تعطي وصفًا‬ ‫وتستطيعون إضافة رشحكم للرسدية بشكلٍ‬ ‫ٍ‬ ‫مثل)‪ .‬والرشط األهم يف‬ ‫أقواس ً‬ ‫منفصل (بني‬ ‫هذا التحدي هو ّأل ترتكوا أي تفصيلٍ ورد يف‬ ‫الكتاب املقدس‪.‬‬ ‫أليس هذا التحدي عادلً ؟‬ ‫‪34‬‬


‫تحدي الفصح‬ ‫قس من جامعة «تجمع الرب(‪Assembly »)1‬‬ ‫لقد حاولت بنفيس مواجهة هذا التحدي يف السابق‪ ،‬وفشلت‪ ،‬وقد أعلن ٌ‬ ‫‪ of God‬كنت أحاوره قبل عامني باإلعالن عىل برنامج راديو يف والية فلوريدا‪ ،‬وعىل الهواء مبارش ًة أنه سريسل يل الرسدية‬ ‫بعد بضعة أيام‪ .‬وال أزال أنتظره إىل اآلن‪ .‬ثم بعد مناظريت يف جامعة وسكونسن ‪ Wisconsin‬األمريكية واملعنونة «يسوع‬ ‫مسيح أم أسطورة» ‪ ،Jesus of Nazareth: Messiah or Myth‬تق ّدم طالب در ٍ‬ ‫لوثري وأخربين أنه‬ ‫اسات عليا‬ ‫النارصي‪:‬‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫معقول‬ ‫قَبِل التحدي وأنه سيتواصل معي يف غضون أسبوع‪ .‬ومل أسمع منه ر ًدا كذلك‪ .‬كالهام‪ ،‬وآخرون وافقوين أن الطلب‬ ‫ومهم‪ ،‬لكنهم رمبا كانوا ق ّرا ًء بطيئني‪.‬‬ ‫قصص عديد ٌة يذكرها الكتاب املقدس مر ًة أو اثنتني‪ ،‬مام يصعب تأكيدها‪ .‬كان‬ ‫هنالك ٌ‬ ‫مثل هو الوحيد الذي قال أنه عند الصلب خرج موىت من قبورهم‬ ‫مؤلف إنجيل متّى ً‬ ‫جلل من الصعب‬ ‫يف أورشليم يهيمون يف املدينة مظهرين أنفسهم للناس‪ ،‬وهو حدثٌ ٌ‬ ‫أن مير دون أن يوث ّقه كتّاب األناجيل األخرى أو مؤرخي الحقبة‪ .‬ورغم أن صمت كل‬ ‫يتأت من التناقض‪.‬‬ ‫هؤالء يضعف احتامل حدوث األمر‪ ،‬إال أنه ال يدحضه‪ ،‬فالدحض ّ‬ ‫ذكر توماس پني ‪ Thomas Paine‬يف كتابه عرص العقل ‪ The Age of Reason‬قبل‬ ‫قرنني من الزمن العديد من تناقضات العهد الجديد‪:‬‬ ‫أول أن مجرد تناسق أجزاء القصة الواحدة ال يثبت صحتها‪ ،‬إذ قد تتوافق األجزاء‬ ‫«أُق ّد ُم التايل‪ ،‬موقفًا ال ميكن إنكاره‪ً :‬‬ ‫ككل ال ميكن أن تكون‬ ‫بني بعضها يف حني أن الكل رمبا يكون خاطئًا‪ .‬ثانيًا أن التناقض بني أجزاء القصة يثبت أن القصة ٍّ‬ ‫صحيح ًة»‪.‬‬ ‫اب مختلفني‪ ،‬فإنها توفر أفضل فرص ٍة لتأكيد أو دحض القصة‪ ،‬وعىل املسيحيني‬ ‫ومبا أن قصة الفصح تأيت من خمسة كتّ ٍ‬ ‫الرتحيب بهذه الفرصة‪.‬‬ ‫إن أوىل املشاكل التي وجدتُها كانت يف متّى ‪ ،2 :28‬بعد أن وصلت املرأتان إىل القرب‪َ « :‬وإِذَا َزلْ َزلَ ٌة َع ِظي َم ٌة َح َدث َْت‪ ،‬ألَ َّن‬ ‫اب‪َ ،‬و َجل َ​َس َعلَ ْي ِه‪ ،».‬تقول القصة أن الحجر تدحرج بعد وصول‬ ‫الس َم ِء َو َجا َء َو َد ْح َر َج الْ َح َج َر َعنِ الْ َب ِ‬ ‫َمال َ​َك ال َّر ِّب نَ َز َل ِم َن َّ‬ ‫يم بَ ْي َن ُه َّن‪َ « :‬م ْن يُ َد ْحر ُِج لَ َنا‬ ‫املرأتني وبحضورهام‪ .‬لكن إنجيل مرقس يقول أن هذا حدث قبل وصولهام‪َ « :‬وكُ َّن يَ ُقلْ َن ِف َ‬ ‫يم ِج ًّدا‪( ».‬مرقس ‪.)3-4 :16‬‬ ‫الْ َح َج َر َع ْن بَ ِ‬ ‫اب الْق َْبِ؟»‪ .‬فَتَطَلَّ ْع َن َو َرأَيْ َن أَ َّن الْ َح َج َر قَ ْد ُد ْحر َِج! ألَنَّ ُه كَا َن َع ِظ ً‬ ‫‪ -1‬هي جامع ٌة مسيحي ٌة خمسيني ٌة ‪ Pentecostal‬تأسست يف الواليات املتحدة عام ‪[ 1914‬مالحظة املرتجم]‪.‬‬

‫‪35‬‬


‫تحدي الفصح‬ ‫أما لوقا فيقول التايل‪« :‬فَ َو َج ْد َن الْ َح َج َر ُم َد ْح َر ًجا َعنِ الْق َْبِ» (لوقا ‪ .)2 :24‬ويتفق معهم يوحنا فال يذكر زلز ًال أو مشاهدة‬ ‫الحجر يتدحرج‪ .‬فمتّى يخرس بنتيجة ثالث ٍة إىل واحد‪( .‬أو أن علينا افرتاض أن اآلخرين هم املخطئون)‪ .‬لكن‪ ،‬ال ميكن‬ ‫للحدث أن يكون قد وقع قبل وبعد وصولهن يف نفس الوقت‪.‬‬ ‫ويقول بعض املدافعني عن الكتاب املقدس أن علينا فهم اآلية ‪ 2 :28‬من متّى كفعلٍ ٍ‬ ‫تام ‪ ،Past perfect‬موضح ًة‬ ‫ماض ٍ‬ ‫ما كان قد حدث وانتهى قبل وصول النسوة‪ .‬ولكن الفقرة ككلٍ مكتوب ٌة بصيغة املايض‪ ،‬ويف سياقها تظهر كرس ٍد متتابعٍ‬ ‫زمن ًيا(‪ .)2‬ولو قمنا بتبديل مواضع كلامت هذه اآلية لتحقيق ذلك املعنى‪ ،‬فام الذي سيمنعنا من وضع طوفان نو ٍح قبل‬ ‫بنائه لسفينته؟ أو الصلب قبل ميالد املسيح؟‬ ‫توجد مشكل ٌة واضح ٌة أخرى يف رسد متّى تتمثل يف قوله أن يسوع ظهر بعد القيامة لتالميذه عىل جبلٍ يف الجليل (وليس‬ ‫يف أورشليم كام يؤمن أغلب املسيحيني)‪ ،‬وهو ما تنبأ به املالك الجالس عىل الحجر الذي تدحرج لتوه إذ قال‪َ « :‬وا ْذ َه َبا‬ ‫سي ًعا قُوالَ لِتَالَ ِم ِيذ ِه‪ :‬إِنَّ ُه قَ ْد قَا َم ِم َن األَ ْم َو ِ‬ ‫ات‪َ .‬ها ُه َو يَ ْس ِب ُق ُك ْم إِ َل الْ َجلِيلِ ‪ُ .‬ه َن َاك ت َ َر ْونَ ُه‪َ .‬ها أَنَا قَ ْد قُل ُْت لَك َُم» (متّى ‪:28‬‬ ‫َِ‬ ‫‪.)7‬‬ ‫مالك أو أكرث من ٍ‬ ‫الرب عرب ٍ‬ ‫مالك عند القرب‪.‬‬ ‫ومام ال شك فيه أن هذه الرسالة كانت يف غاية األهمية‪ ،‬كونها أتت من ّ‬ ‫هذا عالو ًة عىل تنبؤ يسوع نفسه باألمر ‪ 60‬ساع ًة قبل تلك اللحظة خالل العشاء األخري‪َ « :‬ول ِك ْن بَ ْع َد ِق َيا ِمي أَ ْس ِب ُق ُك ْم إِ َل‬ ‫الْ َجلِيلِ » (متّى ‪.)32 :26‬‬ ‫ش تِلْ ِميذًا فَانْطَلَقُوا ِإ َل الْ َج ِليلِ ِإ َل الْ َج َبلِ ‪َ ،‬ح ْيثُ أَ َم َر ُه ْم‬ ‫وبعد تلقيهم هذه الرسالة من املالك‪ ،‬وقع التايل‪َ « :‬وأَ َّما األَ َح َد َع َ َ‬ ‫يتبي لنا أن متّى‬ ‫يَ ُسو ُع‪َ .‬ول ََّم َرأَ ْو ُه َس َج ُدوا لَ ُه‪َ ،‬ول ِك َّن بَ ْع َض ُه ْم شَ كُّوا‪( ».‬متّى ‪ .)16-17 :28‬وعند قراءة هذا النص يف سياقه ّ‬ ‫أراده أن يكون أول ظهو ٍر ليسوع‪ ،‬ولو مل يكن األمر كذلك‪ ،‬فام مس ّوغ الشك لدى البعض؟‬ ‫فكل من‬ ‫ويوافق لوقا مع متّى بصدد قصة املالك التي تذكر الجليل‪ ،‬لكنه يعطي قص ًة مختلف ًة عن أول ظهو ٍر ليسوع‪ٌ ،‬‬ ‫نصوصا أخرى عىل لسان املالك‪ ،‬وبعد ذلك يناقضان متّى بشكلٍ جذري‪ ،‬فلوقا يرى أن الظهور األول‬ ‫يوحنا ولوقا يذكران‬ ‫ً‬ ‫كان يف الطريق إىل ِع ْم َواس وبعد ذلك يف ُحجر ٍة يف أورشليم‪ .‬ويقول يوحنا أن ذلك وقع يف مساء ذاك اليوم يف غرف ٍة كان‬ ‫فيها كل التالميذ ما عدا توما(‪ .)3‬من املستحيل التوفيق بني ال ُنسخ املختلفة من تنقالت املالك‪ ،‬ومواقع ظهوره وفحوى‬ ‫رسائله‪.‬‬ ‫بدل من «فانظروا» “‪ ،”.For, behold‬وذلك يف اآلية ‪ 2 :28‬من متّى‪ ،‬لكن هذه اإلشارة‬ ‫‪ -2‬إليضاح ذلك‪ ،‬يشري باركر كيف أن نص اإلنجيل يستعمل «وانظروا» “‪ً ”,And, behold‬‬ ‫تنطبق تحديدًا عىل ترجمة امللك جيمس التي يستعملها الكاتب [مالحظة املرتجم]‪.‬‬ ‫‪ -3‬يوحنا (‪[ )19-24 :20‬مالحظة املرتجم]‪.‬‬

‫‪36‬‬


‫تحدي الفصح‬ ‫كل منهم‬ ‫ويستعمل املؤمنون أحيانًا تشبي ًها لرشح الوضع‪ ،‬مفاده أن خمسة رجا ٍل عميانٍ يتفحصون جسد فيل‪ ،‬فيستنتج ٌ‬ ‫صور ًة مختلف ًة عن اآلخرين‪:‬‬ ‫فواحدهم يخال ساق الفيل شجرةً‪،‬‬ ‫حبل‪ ،‬والثالث يعتقد‬ ‫وآخر يعتقد ذيله ً‬ ‫خرطومه خرطوم ماء‪ ،‬والرابع يحسب‬ ‫جانب جسده جدا ًرا واألخري يعتقد‬ ‫أذنه قطعة قامش‪ .‬ومن يستعمل هذا‬ ‫التشبيه ينىس أن كل أولئك العميان‬ ‫حبل وال شجرة‪،‬‬ ‫مخطئون فال الفيل ٌ‬ ‫ولو وضعت رواياتهم املختلفة يف بوتق ٍة‬ ‫ٍ‬ ‫متآلف يصف‬ ‫ُصت إىل تصو ٍر‬ ‫واحدة لخل َ‬ ‫الحيوان بكل ّيته‪ ،‬وهو أم ٌر ال ينطبق عىل‬ ‫مسألة القيامة‪.‬‬ ‫ومثة تشبي ٌه آخر يستعمله املدافعون يتمثل مبقارنة تناقضات القيامة بالروايات املختلفة التي يُقدمها شهو ٌد شهدوا حادث‬ ‫سيارة‪ ،‬فلو قال شاه ٌد أن السيارة كانت خرضاء وناقضه آخر بالقول أنها كانت زرقاء‪ ،‬فمن املمكن إجالء التناقض باللجوء‬ ‫إىل أن اللون يختلف بحسب زاوية النظر واإلضاءة وانطباع الشخص يف حينها أو حتى تعريف الكلامت املستخدمة يف‬ ‫الوصف‪ ،‬لكن جوهر القضية يظل أن الشهود يتفقون عىل وقوع حادث سيارة‪ ،‬مثلام اتفق الشهود عىل وقوع القيامة‪.‬‬ ‫ال أطالب التالميذ بالعصمة من الخطأ‪ ،‬ال أطالب أن يكونوا شهو ًدا خرباء ال يخطئون (وال يوجد بينهم باملناسبة من ي ّدعي‬ ‫أنه كان إىل جوار القرب نفسه)‪ .‬ولكن‪ ،‬يف مثال السيارة‪ ،‬ماذا لو ا ّدعى أحد الشهود أن الحادث وقع يف مدينة شيكاغو‪،‬‬ ‫وجاء آخر وا ّدعى أن الحادث كان يف مدينة ميلوايك()؟ ال بد أن نتصور أن واح ًدا من بني هذين الشاهدين يعاين مشكل ًة‬ ‫عويص ًة مع رسد الحقيقة‪.‬‬ ‫يقول لوقا إن ظهور يسوع بعد القيامة حدث يف أورشليم‪ ،‬أما متّى فيقول إن ذلك حدث يف الجليل‪ ،‬واملسافة الفاصلة‬ ‫ميل يف ذلك اليوم س ًريا عىل األقدام نحو الجليل ليشهدوا‬ ‫ميل (‪ 260‬كم)! هل سافروا ‪ً 160‬‬ ‫بني املكانني تربو عىل ‪ً 160‬‬ ‫الظهور األول ثم عادوا إىل أورشليم لتناول العشاء؟‬ ‫‪ -4‬تفصل بني املدينتني مسافة تزيد عىل ‪ 150‬كم [مالحظة املرتجم]‪.‬‬

‫‪37‬‬


‫تحدي الفصح‬ ‫ال يوجد يف القصة أي ذك ٍر لألحصنة‪ ،‬هذا ناهيك عن أن ركوب ‪ 12‬حصان سباقٍ أقوياء البنية يركضون بأقىص رسعة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ساعات دومنا أي راحة‪.‬‬ ‫كرسعة طريان الغراب‪ ،‬ستستغرقهم حوايل خمس‬ ‫ويف إطار هذا السيناريو العجيب‪ ،‬هل وجد يسوع الوقت ليتمىش بهدو ٍء إىل عمواس‪ ،‬حيث يقبل مع حلول املساء دعو ًة‬ ‫خلل كب ٌري يف املوضوع‪.‬‬ ‫للعشاء؟ هنالك ٌ‬ ‫ألي من هذه التناقضات طب ًعا أن تثبت قط ًعا أن القيامة مل تحدث‪ ،‬لكنها تلقي‬ ‫وهذا ٌ‬ ‫غيض من فيض‪ .‬لكن ال ميكن ٍ‬ ‫شكوكًا كبري ًة حول مصداقية الشهود املزعومني‪ .‬فال بد أن بعضهم كان مخطئًا‪ ،‬بل رمبا كلهم كانوا مخطئني‪.‬‬ ‫لكننا نستطيع جعل هذا التحدي أصعب بكث ٍري من هذا‪ ،‬إذ أستطيع التساؤل حول‬ ‫ٍ‬ ‫كائنات خارق ٍة تختفي وتظهر من عدم‪ ،‬أو االدعاء بقيامة ٍ‬ ‫جثث‬ ‫مصداقية املزاعم بظهور‬ ‫رش يحلّقون يف الهواء‪.‬‬ ‫ماتت منذ زمنٍ طويلٍ وعودتها للحياة‪ ،‬أو بالحديث عن ب ٍ‬ ‫أي من هذه القصص مأخذ الجد؟ لقد كان توماس پني من أول‬ ‫ما الذي يدفعني ألخذ ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫إثباتات خارقة‪.‬‬ ‫من أشاروا إىل أن املزاعم الخارقة تحتاج‬ ‫توماس پني‬ ‫ال يجد الپروتستانت أو الكاثوليك أي مشكل ٍة يف تعريض معجزات اإلسالم للفحص والتشكيك‪ ،‬وكذلك الحال مع موقفهم‬ ‫من الزيارة «التاريخية» التي جرت بني جوزف سميث ‪ Joseph Smith‬واملالك موروين(‪ .)Moroni( )5‬فام الذي يخ ّول‬ ‫شخصا مل يكن معهم ليكون أكرث‬ ‫أولئك املسيحيني بالتعامل مع ادعاءاتهم الخارقة بصور ٍة مختلفة؟ ما الذي سيدفع‬ ‫ً‬ ‫تصديقًا من توما الذي شك باألمر‪ ،‬رغم أنه كان يعيش يف تلك الفرتة؟ وماذا عن التالميذ الذين شكّوا باألخبار التي جلبتها‬ ‫النسوة من القرب‪« :‬ف َ َ​َتا َءى كَالَ ُم ُه َّن لَ ُه ْم كَالْ َه َذيَانِ َولَ ْم يُ َص ِّدقُو ُه َّن‪( ».‬لوقا ‪)11 :24‬؟‬ ‫يضيف پني أن كل ما جاء يف الكتاب املقدس هو شهادات شهو ٍد مبني ًة عىل ما سمعوه من غريهم‪ .‬فالرسالة عند القرب‬ ‫ٍ‬ ‫(كحد أدىن) قبل أن تصلنا‪ :‬الله‪ ،‬فاملالك (أو املالئكة)‪ ،‬فمريم‪،‬‬ ‫أصل) قد تبعت املسار التايل‬ ‫مثل (إن كانت قد وقعت ً‬ ‫ً‬ ‫بأقالم مجهولة‪،‬‬ ‫فالتالميذ‪ ،‬فكتّاب األناجيل‪ ،‬ف ُن ّساخ األناجيل وأخ ًريا املرتجمني‪( .‬علينا أن نتذكر أن كل األناجيل مكتوب ٌة ٍ‬ ‫وال توجد بحوزتنا أي نس ٍخ أصلية)‪.‬‬ ‫ولكن لنعد إىل األهم فاملهم‪ :‬أيها املسيحيون‪ ،‬إما أن تخربوين مبا حدث بالضبط يف أحد الفصح‪ ،‬أو لندفن أسطورة يسوع‬ ‫إىل جانب أسطورة عشتار‪ ،‬إلهة الربيع الوثنية التي متت تسمية عيد الفصح عىل اسمها(‪.)6‬‬ ‫‪ -5‬اإلشارة هنا إىل جوزف سميث (‪1805‬م – ‪1844‬م)‪ ،‬الزعيم الديني األمرييك الذي أسس الديانة املورمونية‪[ .‬مالحظة املرتجم]‪.‬‬ ‫‪ -6‬يف العربية نستخدم لفظة الفصح لإلشارة إىل مناسبة القيامة‪ ،‬والكلمة مصدرها من العربية‪ ،‬يف حني تستعمل ‪ Easter‬املشتقة من عشتار باإلنجليزية‪[ .‬مالحظة املرتجم]‪.‬‬

‫‪38‬‬


‫تحدي الفصح‬ ‫بعض من جوانب التضارب بني الروايات املختلفة عن القيامة‪:‬‬ ‫وفيام ييل ٌ‬

‫متى زارت النسوة القرب؟‬

‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬

‫السبْ ِت‪ِ ،‬ع ْن َد فَ ْج ِر أَ َّو ِل األُ ْسبُوعِ‪َ ،‬جا َءتْ َم ْريَ ُم الْ َم ْج َدلِيَّ ُة َو َم ْريَ ُم األُ ْخ َرى لِتَ ْنظُ َرا الْق ْ َ​َب‪( ».‬متّى ‪.)1 :28‬‬ ‫•« َوبَ ْع َد َّ‬ ‫•« َوبَاكِ ًرا ِج ًّدا ِف أَ َّو ِل األُ ْس ُبو ِع أَت ْ َ​َي إِ َل الْق ْ َِب إِ ْذ طَلَ َع ِت الشَّ ْم ُس» (مرقس ‪.)2 :16‬‬ ‫اس‪( ».‬لوقا ‪.)1 :24‬‬ ‫•«ث ُ َّم ِف أَ َّو ِل األُ ْس ُبوعِ‪ ،‬أَ َّو َل الْ َف ْجرِ‪ ،‬أَت ْ َ​َي إِ َل الْق ْ َِب َحا ِمال ٍَت الْ َح ُنو َط ال َِّذي أَ ْع َد ْدنَ ُه‪َ ،‬و َم َع ُه َّن أُنَ ٌ‬ ‫•« َو ِف أَ َّو ِل األُ ْس ُبو ِع َجا َءتْ َم ْريَ ُم الْ َم ْج َدلِ َّي ُة إِ َل الْق ْ َِب بَاكِ ًرا‪َ ،‬والظَّالَ ُم بَاق‪ .‬فَ َنظَ َر ِت الْ َح َج َر َم ْرفُو ًعا َعنِ الْق َْبِ‪( ».‬يوحنا ‪.)1 :20‬‬

‫من ك ّن تلك النسوة؟‬

‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬

‫السبْ ِت‪ِ ،‬ع ْن َد فَ ْج ِر أَ َّو ِل األُ ْسبُوعِ‪َ ،‬جا َءتْ َم ْريَ ُم الْ َم ْج َدلِيَّ ُة َو َم ْريَ ُم األُ ْخ َرى لِتَ ْنظُ َرا الْق ْ َ​َب‪( ».‬متّى ‪.)1 :28‬‬ ‫•« َوبَ ْع َد َّ‬ ‫ُوب َو َسالُو َم ُة‪َ ،‬ح ُنوطًا لِ َيأْتِ َني َويَ ْد َه َّن ُه‪( ».‬مرقس ‪.)1 :16‬‬ ‫•« َوبَ ْع َد َما َم َض َّ‬ ‫الس ْب ُت‪ ،‬اشْ َ َتتْ َم ْريَ ُم الْ َم ْج َدلِ َّي ُة َو َم ْريَ ُم أُ ُّم يَ ْعق َ‬ ‫ُوب َوالْ َبا ِق َياتُ َم َع ُه َّن‪ ،‬اللَّ َو ِات قُلْ َن هذَا لِل ُّر ُسلِ ‪( ».‬لوقا ‪.)10 :24‬‬ ‫•« َوكَانَ ْت َم ْريَ ُم الْ َم ْج َدلِ َّي ُة َويُ َونَّا َو َم ْريَ ُم أُ ُّم يَ ْعق َ‬ ‫•« َو ِف أَ َّو ِل األُ ْس ُبو ِع َجا َءتْ َم ْريَ ُم الْ َم ْج َدلِ َّي ُة إِ َل الْق ْ َِب بَاكِ ًرا‪َ ،‬والظَّالَ ُم بَاق‪ .‬فَ َنظَ َر ِت الْ َح َج َر َم ْرفُو ًعا َعنِ الْق َْبِ‪( ».‬يوحنا ‪.)1 :20‬‬

‫ماذا كان غرضهم من زيارة القرب؟‬

‫ ‬ ‫ ‬

‫ ‬ ‫ ‬

‫السبْ ِت‪ِ ،‬ع ْن َد فَ ْج ِر أَ َّو ِل األُ ْسبُوعِ‪َ ،‬جا َءتْ َم ْريَ ُم الْ َم ْج َدلِيَّ ُة َو َم ْريَ ُم األُ ْخ َرى لِتَ ْنظُ َرا الْق ْ َ​َب‪( ».‬متّى ‪.)1 :28‬‬ ‫•« َوبَ ْع َد َّ‬ ‫سي ًعا‪ .‬فَ َد َعا قَائِ َد الْ ِمئَ ِة َو َسأَلَ ُه‪َ « :‬ه ْل لَ ُه َز َما ٌن‬ ‫• النسوة ك ّن قد رأين القرب يف السابق‪« :‬فَتَ َع َّج َب بِيالَط ُ​ُس أَنَّ ُه َماتَ كَذَا َ ِ‬ ‫وس َف‪ .‬فَاشْ َ َتى كَتَّانًا‪ ،‬فَأَنْ َزلَ ُه َوكَ َّف َن ُه بِالْ َكتَّانِ ‪َ ،‬و َو َض َع ُه ِف ق ْ ٍَب كَا َن‬ ‫قَ ْد َماتَ ؟» َول ََّم َع َر َف ِم ْن قَائِ ِد الْ ِمئَ ِة‪َ ،‬و َه َب الْ َج َس َد لِ ُي ُ‬ ‫اب الْق َْبِ‪َ .‬وكَانَ ْت َم ْريَ ُم الْ َم ْج َدلِ َّي ُة َو َم ْريَ ُم أُ ُّم يُ ِ‬ ‫وس تَ ْنظُ َرانِ أَيْ َن ُو ِض َع‪( ».‬مرقس ‪:15‬‬ ‫َم ْن ُحوت ًا ِف َص ْخ َر ٍة‪َ ،‬و َد ْح َر َج َح َج ًرا َع َل بَ ِ‬ ‫‪.)44-47‬‬ ‫ُوب َو َسالُو َم ُة‪َ ،‬ح ُنوطًا‬ ‫• فزيارتهن كانت إلحضار الحنوط‪َ « :‬وبَ ْع َد َما َم َض َّ‬ ‫السبْ ُت‪ ،‬اشْ َ َتتْ َم ْريَ ُم الْ َم ْج َدلِيَّ ُة َو َم ْريَ ُم أُ ُّم يَ ْعق َ‬ ‫لِ َيأْتِ َني َويَ ْد َه َّن ُه‪( ».‬مرقس ‪.)1 :16‬‬ ‫ِيج ُم ّر‬ ‫وس‪ ،‬ال َِّذي أَ َت أَ َّو ًل إِ َل يَ ُسو َع لَ ْي ًل‪َ ،‬و ُه َو َحا ِم ٌل َمز َ‬ ‫• كان الجسد قد ُدهن قبل وصولهن‪َ « :‬و َجا َء أَيْ ًضا نِيقُو ِد ُمي ُ‬ ‫اب‪ ،‬ك َ​َم لِلْ َي ُهو ِد َعا َد ٌة أَ ْن يُ َك ِّف ُنوا‪( ».‬يوحنا ‪.)39-40 :19‬‬ ‫َو ُعو ٍد نَ ْح َو ِمئَ ِة َم ًنا‪ .‬فَأَ َخذَا َج َس َد يَ ُسو َع‪َ ،‬ولَفَّا ُه ِبأَكْفَانٍ َم َع األَطْ َي ِ‬

‫هل كان القرب مفتو ًحا عن وصولهن؟‬

‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬

‫•ال‪( .‬متّى ‪.)2 :28‬‬ ‫•نعم‪( .‬مرقس ‪.)4 :16‬‬ ‫•نعم‪( .‬لوقا ‪.)2 :24‬‬ ‫•نعم‪( .‬يوحنا ‪.)1 :20‬‬

‫‪39‬‬


‫تحدي الفصح‬ ‫من كان موجو ًدا بجوار القرب عندما وصلن؟‬

‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬

‫• ٌ‬ ‫مالك واحد‪( .‬متّى ‪.)2-7 :28‬‬ ‫شاب‪( .‬مرقس ‪.)5 :16‬‬ ‫• ٌ‬ ‫رجل ٌ‬ ‫•رجالن‪( .‬لوقا ‪.)4 :24‬‬ ‫•مالكان‪( .‬يوحنا ‪.)12 :20‬‬

‫أين كان موقع الرسول أو الرسل حينام وصلن؟‬

‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬

‫جالسا عىل الحجر‪( .‬متّى ‪.)2 :28‬‬ ‫•كان املالك ً‬ ‫جالسا يف الداخل عىل اليمني‪( .‬مرقس ‪.)5 :16‬‬ ‫•كان الشاب ً‬ ‫•كان الرجالن واقفني يف الداخل‪( .‬لوقا ‪.)4 :24‬‬ ‫جالسا عند رأس يسوع واآلخر عند الر ْجلني (يوحنا ‪.)12 :20‬‬ ‫•كان أحد املالكني ً‬

‫ماذا قال الرسول أو الرسل؟‬

‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬

‫ُوب‪ .‬لَيْ َس ُه َو ه ُه َنا‪ ،‬ألَنَّ ُه قَا َم ك َ​َم‬ ‫اب الْ َمال َُك َوق َ​َال لِلْ َم ْرأَت َْيِ‪ :‬الَ تَ َخافَا أَنْتُ َم‪ ،‬فَ ِإنِّ أَ ْعلَ ُم أَنَّك َُم تَطْلُبَانِ يَ ُسو َع الْ َم ْصل َ‬ ‫•«فَأَ َج َ‬ ‫سي ًعا قُوالَ لِتَالَ ِم ِيذ ِه‪ :‬إِنَّ ُه قَ ْد قَا َم ِم َن األَ ْم َو ِ‬ ‫ات‪َ .‬ها ُه َو‬ ‫ق َ​َال! َهل َُّم انْظُ َرا الْ َم ْو ِض َع ال َِّذي كَا َن ال َّر ُّب ُم ْضطَ ِج ًعا ِفي ِه‪َ .‬وا ْذ َه َبا َ ِ‬ ‫يَ ْس ِب ُق ُك ْم إِ َل الْ َجلِيلِ ‪ُ .‬ه َن َاك ت َ َر ْونَ ُه‪َ .‬ها أَنَا قَ ْد قُل ُْت لَك َُم»‪( .‬متّى ‪.)5-7 :28‬‬ ‫ُوب‪ .‬قَ ْد قَا َم! لَ ْي َس ُه َو ه ُه َنا‪ُ .‬ه َوذَا الْ َم ْو ِض ُع ال َِّذي َو َض ُعو ُه‬ ‫•«فَق َ​َال لَ ُه َّن‪ :‬الَ ت َ ْن َد ِهشْ َن! أَنْ ُ َّت تَطْل ْ َُب يَ ُسو َع ال َّن ِ ِ‬ ‫اص َّي الْ َم ْصل َ‬ ‫ِفي ِه‪ .‬ل ِكنِ ا ْذ َه ْ َب َوقُلْ َن لِتَالَ ِم ِيذ ِه َولِبُطْ ُر َس‪ :‬إِنَّ ُه يَ ْس ِب ُق ُك ْم إِ َل الْ َجلِيلِ ‪ُ .‬ه َن َاك ت َ َر ْونَ ُه ك َ​َم ق َ​َال لَ ُك ْم»‪( .‬مرقس ‪.)6-7 :16‬‬ ‫َات َو ُم َنك َِّس ٍ‬ ‫•« َوإِ ْذ كُ َّن َخائِف ٍ‬ ‫ات ُو ُجو َه ُه َّن إِ َل األَ ْر ِض‪ ،‬قَاالَ لَ ُه َّن‪« :‬لِ َمذَا تَطْل ْ َُب الْ َح َّي بَ ْ َي األَ ْم َو ِ‬ ‫ات؟ لَ ْي َس ُه َو ه ُه َنا‪ ،‬ل ِك َّن ُه‬ ‫قَا َم! ا ُ ْذكُ ْر َن كَ ْي َف كَلَّ َم ُك َّن َو ُه َو بَ ْع ُد ِف الْ َجلِيلِ قَائِ ًل‪ :‬إِنَّ ُه يَ ْن َب ِغي أَ ْن يُ َسلَّ َم ابْ ُن ا ِإلنْ َسانِ ِف أَيْ ِدي أُنَ ٍ‬ ‫اس ُخطَا ٍة‪َ ،‬ويُ ْصل َ​َب‪،‬‬ ‫َو ِف الْ َي ْو ِم الثَّالِ ِث يَقُو ُم»‪( .‬لوقا ‪.)5-7 :24‬‬ ‫•«فَقَاالَ لَ َها‪ :‬يَا ا ْم َرأَةُ‪ ،‬لِ َمذَا تَبْ ِك َني؟» (يوحنا ‪.)13 :20‬‬

‫عم حصل؟‬ ‫خبت النسوة ّ‬ ‫هل ّ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬

‫•نعم‪( .‬متّى ‪.)8 :28‬‬ ‫سي ًعا َو َه َربْ َن ِم َن الْق َْبِ‪ ،‬ألَ َّن ال ِّر ْع َد َة َوالْ َح ْ َي َة أَ َخ َذتَا ُه َّن‪َ .‬ولَ ْم يَ ُقلْ َن ألَ َح ٍد شَ يْئًا ألَنَّ ُه َّن كُ َّن َخائِف ٍ‬ ‫َات‪( ».‬مرقس ‪.)8 :16‬‬ ‫•ال‪« .‬فَ َخ َر ْج َن َ ِ‬ ‫ش َو َج ِمي َع الْ َبا ِق َني بِهذَا ُكلِّ ِه‪( ».‬لوقا ‪« ،)9 :24‬بَ ْل بَ ْع ُض ال ِّن َسا ِء ِم َّنا َح َّ ْينَ َنا إِ ْذ‬ ‫•نعم‪َ « .‬و َر َج ْع َن ِم َن الْق َْبِ‪َ ،‬وأَ ْخ َ ْب َن األَ َح َد َع َ َ‬ ‫كُ َّن بَاكِ ًرا ِع ْن َد الْق َْبِ‪َ ،‬ول ََّم لَ ْم يَ ِج ْد َن َج َس َد ُه أَت ْ َ​َي قَائِال ٍَت‪ :‬إِنَّ ُه َّن َرأَيْ َن َم ْنظَ َر َمالَئِ َك ٍة قَالُوا إِنَّ ُه َح ٌّي‪َ .‬و َم َض قَ ْو ٌم ِم َن ال َِّذي َن‬ ‫َم َع َنا إِ َل الْق َْبِ‪ ،‬فَ َو َج ُدوا ه َكذَا ك َ​َم قَال َْت أَيْ ًضا ال ِّن َسا ُء‪َ ،‬وأَ َّما ُه َو فَلَ ْم يَ َر ْو ُه»‪( .‬لوقا ‪.)22-24 :24‬‬ ‫•نعم‪« .‬فَ َجا َءتْ َم ْريَ ُم الْ َم ْج َدلِيَّ ُة َوأَ ْخ َ َب ِت التَّالَ ِمي َذ أَنَّ َها َرأَ ِت ال َّر َّب‪َ ،‬وأَنَّ ُه ق َ​َال لَ َها هذَا‪( ».‬يوحنا ‪.)18 :20‬‬ ‫‪40‬‬


‫تحدي الفصح‬ ‫متى رأت مري ُم يسوع ألول مرة؟‬

‫«سالَ ٌم لَك َُم»‪ .‬فَتَ َق َّد َمتَا‬ ‫ •قبل عودتها إىل التالميذ‪َ « .‬و ِف َ‬ ‫يم ُه َم ُم ْنطَلِ َقتَانِ لِتُ ْخ ِ َبا تَالَ ِمي َذ ُه إِذَا يَ ُسو ُع الَقَا ُه َم َوق َ​َال‪َ :‬‬ ‫َوأَ ْم َس َكتَا ِب َق َد َم ْي ِه َو َس َج َدت َا لَ ُه‪( ».‬متّى ‪.)9 :28‬‬ ‫ •قبل عودتها إىل التالميذ‪َ « .‬وبَ ْع َد َما قَا َم بَاكِ ًرا ِف أَ َّو ِل األُ ْسبُو ِع ظَ َه َر أَ َّو ًل لِ َم ْريَ َم الْ َم ْج َدلِيَّ ِة‪ ،‬الَّ ِتي كَا َن قَ ْد أَ ْخ َر َج ِم ْن َها َسبْ َع َة‬ ‫شَ َي ِاط َني‪ .‬فَ َذ َه َب ْت ِ‬ ‫هذ ِه َوأَ ْخ َ َب ِت ال َِّذي َن كَانُوا َم َع ُه َو ُه ْم يَ ُنو ُحو َن َويَ ْبكُونَ‪( ».‬مرقس ‪.)9-10 :16‬‬ ‫ •بعد عودتها إىل التالميذ‪« .‬فَ َرك َ​َض ْت َو َجا َءتْ إِ َل ِس ْم َعا َن بُطْ ُر َس َوإِ َل التِّلْ ِم ِيذ اآل َخ ِر ال َِّذي كَا َن يَ ُسو ُع يُ ِح ُّب ُه‪َ ،‬وقَال َْت‬ ‫الس ِّي َد ِم َن الْق َْبِ‪َ ،‬ول َْس َنا نَ ْعلَ ُم أَيْ َن َو َض ُعو ُه!»‪( .‬يوحنا ‪َ « ،)2 :20‬ول ََّم قَال َْت هذَا الْتَ َفتَ ْت إِ َل الْ َو َرا ِء‪ ،‬فَ َنظَ َرتْ‬ ‫لَ ُه َم‪ :‬أَ َخذُوا َّ‬ ‫يَ ُسو َع َوا ِقفًا‪َ ،‬ولَ ْم ت َ ْعلَ ْم أَنَّ ُه يَ ُسو ُع‪( ».‬يوحنا ‪.)14 :20‬‬

‫هل كان من املمكن ملس يسوع بعد القيامة؟‬

‫«سالَ ٌم لَك َُم»‪ .‬فَتَ َق َّد َمتَا َوأَ ْم َس َكتَا ِب َق َد َم ْي ِه َو َس َج َدتَا‬ ‫ •نعم‪َ « .‬و ِف َ‬ ‫يم ُه َم ُم ْنطَلِ َقتَانِ لِتُ ْخ ِ َبا تَالَ ِمي َذ ُه إِذَا يَ ُسو ُع الَقَا ُه َم َوق َ​َال‪َ :‬‬ ‫لَ ُه‪( ».‬متّى ‪.)9 :28‬‬ ‫ُول لَ ُه ْم‪ :‬إِنِّ أَ ْص َع ُد إِ َل أَ ِب‬ ‫ •ال‪« .‬ق َ​َال لَ َها يَ ُسو ُع‪ :‬الَ تَلْ ِم ِسي ِني ألَنِّ لَ ْم أَ ْص َع ْد بَ ْع ُد إِ َل أَ ِب‪َ .‬ول ِكنِ ا ْذ َهبِي إِ َل إِ ْخ َو ِت َوق ِ‬ ‫ص يَ َد َّي‪َ ،‬و َه ِ‬ ‫َوأَبِي ُك ْم َوإِلهِي َوإِل ِه ُك ْم»‪( .‬يوحنا ‪ .)17 :20‬نعم‪« .‬ث ُ َّم ق َ​َال لِتُو َما‪َ :‬ه ِ‬ ‫ات يَ َد َك َو َض ْع َها‬ ‫ات إِ ْص ِب َع َك إِ َل ُه َنا َوأَبْ ِ ْ‬ ‫ِف َج ْنبِي‪َ ،‬والَ ت َ ُك ْن غ ْ َ​َي ُم ْؤ ِمنٍ بَ ْل ُم ْؤ ِم ًنا»‪( .‬يوحنا ‪.)27 :20‬‬

‫من كان أول من ظهر لهم يسوع بعد ظهوره للنسوة؟‬

‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬

‫ش تِلْ ِميذًا فَانْطَلَقُوا إِ َل الْ َجلِيلِ إِ َل الْ َج َبلِ ‪َ ،‬ح ْيثُ أَ َم َر ُه ْم يَ ُسو ُع»‪( .‬متّى ‪.)16 :28‬‬ ‫•للتالميذ األحد عرش‪َ « .‬وأَ َّما األَ َح َد َع َ َ‬ ‫َي إِ َل ال َ ِّْبيَّ ِة‪( ».‬مرقس ‪.)12 :16‬‬ ‫•لتلميذين يف الربية « َوبَ ْع َد ذلِ َك ظَ َه َر ِب َه ْيئَ ٍة أُ ْخ َرى الث ْ َن ْ ِي ِم ْن ُه ْم‪َ ،‬و ُه َم َ ْي ِش َيانِ ُم ْنطَلِق ْ ِ‬ ‫ش َو ُه ْم ُمتَّ ِكئُونَ‪َ ،‬و َوبَّ َخ َع َد َم إِ َميانِ ِه ْم َوق َ​َسا َو َة قُلُو ِب ِه ْم‪ ،‬ألَنَّ ُه ْم لَ ْم يُ َص ِّدقُوا ال َِّذي َن‬ ‫ثم لألحد عرش «أَ ِخ ًريا ظَ َه َر لِألَ َح َد َع َ َ‬ ‫نَظَ ُرو ُه قَ ْد قَا َم‪( ».‬مرقس ‪.)14 :16‬‬ ‫َي ِف ذلِ َك الْ َي ْو ِم إِ َل قَ ْريَ ٍة بَ ِعي َد ٍة َع ْن أُو ُرشَ لِي َم ِستِّ َني َغلْ َوةً‪ْ ،‬اس ُم َها‬ ‫•لتلميذين يف قرية « َوإِذَا اث ْ َنانِ ِم ْن ُه ْم كَانَا ُم ْنطَلِق ْ ِ‬ ‫يم ُه ْم يَتَ َكلَّ ُمو َن بِهذَا َوق َ​َف يَ ُسو ُع نَف ُْس ُه ِف َو ْس ِط ِه ْم‪،‬‬ ‫اس»‪( .‬لوقا ‪ ،)13 :24‬ثم الحقًا لألحد عرش تلميذًا « َو ِف َ‬ ‫« ِع ْم َو ُ‬ ‫َوق َ​َال لَ ُه ْم‪َ :‬سالَ ٌم لَ ُك ْم!»‪( .‬لوقا ‪.)36 :24‬‬ ‫اب ُم َغلَّ َق ًة َح ْيثُ كَا َن‬ ‫•للتالميذ العرشة (ما عدا يهوذا وتوما) « َول ََّم كَانَ ْت َع ِش َّي ُة ذلِ َك الْ َي ْو ِم‪َ ،‬و ُه َو أَ َّو ُل األُ ْس ُبوعِ‪َ ،‬وكَانَ ِت األَبْ َو ُ‬ ‫التَّالَ ِمي ُذ ُم ْجتَ ِم ِع َني لِ َسبَ ِب الْ َخ ْو ِف ِم َن الْيَ ُهو ِد‪َ ،‬جا َء يَ ُسو ُع َو َوق َ​َف ِف الْ َو ْس ِط‪َ ،‬وق َ​َال لَ ُه ْم‪َ :‬سالَ ٌم لَ ُك ْم!» (يوحنا ‪« ،)19 :20‬أَ َّما‬ ‫ش‪ ،‬ال َِّذي يُق َُال لَ ُه التَّ ْوأَ ُم‪ ،‬فَلَ ْم يَ ُك ْن َم َع ُه ْم ِح َني َجا َء يَ ُسو ُع‪( ».‬يوحنا ‪.)24 :20‬‬ ‫تُو َما‪ ،‬أَ َح ُد االث ْ َن ْي َع َ َ‬ ‫ش‪».‬‬ ‫• ً‬ ‫أول لصفا (بطرس) ثم لالثني عرش (كيف اثني عرش ويهوذا كان قد مات؟) « َوأَنَّ ُه ظَ َه َر لِ َصفَا ث ُ َّم لِالث ْ َن ْي َع َ َ‬ ‫(رسالة بولس الرسول األوىل إىل أهل كورنثوس ‪.)5 :15‬‬ ‫‪41‬‬


‫تحدي الفصح‬ ‫أين ظهر يسوع أول مر ٍة لتالميذه؟‬

‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬

‫ش تِلْ ِميذًا فَانْطَلَقُوا إِ َل الْ َجلِيلِ إِ َل الْ َجبَلِ ‪َ ،‬حيْثُ‬ ‫•عىل جبلٍ يف الجليل (عىل بعد ‪ 60‬أو ‪ 100‬ميل)‪َ « .‬وأَ َّما األَ َح َد َع َ َ‬ ‫أَ َم َر ُه ْم يَ ُسو ُع‪َ .‬ول ََّم َرأَ ْو ُه َس َج ُدوا لَ ُه‪َ ،‬ول ِك َّن بَ ْع َض ُه ْم شَ كُّوا‪( ».‬متّى ‪.)16-17 :28‬‬ ‫•الثنني يف الربية‪ ،‬ثم لألحد عرش‪( .‬مرقس ‪.)14 ،12 :16‬‬ ‫•يف عمواس (عىل بعد سبعة أميال) يف املساء‪ ،‬وظهر للبقية يف غرف ٍة يف أورشليم الحقًا يف تلك الليلة (لوقا ‪.)36 ،31 :24‬‬ ‫•يف غرف ٍة مسا ًء (يوحنا ‪.)19 :20‬‬

‫هل ص ّدق التالمي ُذ الرجلني؟‬

‫ •ال‪ .‬مرقس (‪.)13 :16‬‬ ‫ •نعم‪ ،‬حيث أن املجموعة هنا ككل كانت املتحدثة وليس فقط التلميذين‪َ « :‬و ُه ْم يَقُولُونَ‪ :‬إِ َّن ال َّر َّب قَا َم بِالْ َح ِقي َق ِة‬ ‫َوظَ َه َر لِ ِس ْم َعانَ!»‪( .‬لوقا ‪.)34 :24‬‬

‫ما الذي حدث عند ظهور يسوع؟‬

‫ ‬

‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬

‫•بعض التالميذ سجدوا ليسوع‪ ،‬والبعض تشكك‪ ،‬ويسوع أمرهم بالذهاب ونرش الدعوة‪َ « .‬ول ََّم َرأَ ْو ُه َس َج ُدوا لَ ُه‪َ ،‬ول ِك َّن‬ ‫الس َم ِء َو َع َل األَ ْر ِض‪ ،‬فَا ْذ َه ُبوا َوتَلْ ِمذُوا َج ِمي َع‬ ‫بَ ْع َض ُه ْم شَ كُّوا‪ .‬فَتَ َق َّد َم يَ ُسو ُع َوكَلَّ َم ُه ْم قَائِ ًل‪ُ « :‬د ِف َع إِ َ َّل ك ُُّل ُسلْطَانٍ ِف َّ‬ ‫األُ َم ِم َو َع ِّم ُدو ُه ْم ب ِْاس ِم اآلب َواالبْنِ َوال ُّرو ِح الْ ُق ُد ِس‪َ .‬و َعلِّ ُمو ُه ْم أَ ْن يَ ْح َفظُوا َج ِمي َع َما أَ ْو َص ْيتُ ُك ْم ِب ِه‪َ .‬و َها أَنَا َم َع ُك ْم ك َُّل‬ ‫األَيَّ ِام إِ َل انْ ِق َضا ِء ال َّد ْهرِ‪ .‬آ ِم َني‪( ».‬متّى ‪.)17-20 :28‬‬ ‫ش َو ُه ْم ُمتَّ ِكئُونَ‪َ ،‬و َوبَّ َخ َع َد َم إِ َميانِ ِه ْم‬ ‫•وبّخهم يسوع داع ًيا إياهم ليذهبوا ويكرزوا باإلنجيل‪« .‬أَ ِخ ًريا ظَ َه َر لِألَ َح َد َع َ َ‬ ‫َوق َ​َسا َو َة قُلُو ِب ِه ْم‪ ،‬ألَنَّ ُه ْم لَ ْم يُ َص ِّدقُوا ال َِّذي َن نَظَ ُرو ُه قَ ْد قَا َم‪َ .‬وق َ​َال لَ ُه ُم‪ :‬ا ْذ َهبُوا إِ َل الْ َعال َِم أَ ْج َم َع َواكْ ِرزُوا بِا ِإلنْجِيلِ‬ ‫لِلْ َخلِي َق ِة كُلِّ َها‪َ .‬م ْن آ َم َن َوا ْعتَ َم َد َخل َ​َص‪َ ،‬و َم ْن لَ ْم يُ ْؤ ِم ْن يُ َدنْ‪( ».‬مرقس ‪.)14-19 :16‬‬ ‫•جاءهم يسوع دون أن يتعرفوا عليه‪ ،‬واختفى يسوع أمام أعينهم ليعود ويظهر مجد ًدا موبّ ًخا وليتناول العشاء‪( .‬لوقا‬ ‫‪.)13-51 :24‬‬ ‫باب موصد‪ ،‬والتالميذ سعداء‪ ،‬يسوع يباركهم وال يحدث أي توبيخ‪َ « .‬ول ََّم كَانَ ْت َع ِش َّي ُة ذلِ َك‬ ‫•يسوع مييش من خالل ٍ‬ ‫اب ُم َغلَّ َق ًة َحيْثُ كَا َن التَّالَ ِمي ُذ ُم ْجتَ ِم ِع َني لِ َسبَ ِب الْ َخ ْو ِف ِم َن الْيَ ُهو ِد‪َ ،‬جا َء يَ ُسو ُع‬ ‫الْيَ ْو ِم‪َ ،‬و ُه َو أَ َّو ُل األُ ْسبُوعِ‪َ ،‬وكَانَ ِت األَبْ َو ُ‬ ‫«سالَ ٌم لَ ُك ْم!» َول ََّم ق َ​َال هذَا أَ َرا ُه ْم يَ َديْ ِه َو َج ْن َب ُه‪ ،‬فَ َفر َِح التَّالَ ِمي ُذ إِ ْذ َرأَ ْوا ال َّر َّب‪ .‬فَق َ​َال لَ ُه ْم‬ ‫َو َوق َ​َف ِف الْ َو ْس ِط‪َ ،‬وق َ​َال لَ ُه ْم‪َ :‬‬ ‫وح الْ ُق ُد َس‪َ .‬م ْن‬ ‫يَ ُسو ُع أَيْ ًضا‪َ :‬‬ ‫اآلب أُ ْر ِسلُ ُك ْم أَنَا»‪َ .‬ول ََّم ق َ​َال هذَا نَ َف َخ َوق َ​َال لَ ُه ُم‪« :‬اقْ َبلُوا ال ُّر َ‬ ‫«سالَ ٌم لَ ُك ْم! ك َ​َم أَ ْر َسلَ ِني ُ‬ ‫َغ َف ْرتُ ْم َخطَايَا ُه ت ُ ْغ َف ُر لَ ُه‪َ ،‬و َم ْن أَ ْم َس ْكتُ ْم َخطَايَا ُه أُ ْم ِسك َْت»‪( ».‬يوحنا ‪.)19-23 :21‬‬

‫‪42‬‬


‫تحدي الفصح‬ ‫هل أطال يسوع مكوثه عىل األرض؟‬

‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬

‫•ال‪( .‬لوقا ‪ .)19 :16‬قارنوا (لوقا ‪ )14 :16‬مع (يوحنا ‪ )19 :20‬لرتوا أن األحداث جرت خالل يوم أحد‪.‬‬ ‫•ال‪ .‬كل األحداث جرت خالل يوم ٍ‬ ‫يم ُه َو يُ َبا ِركُ ُه ُم‪،‬‬ ‫أحد واحد‪َ « .‬وأَ ْخ َر َج ُه ْم َخا ِر ًجا إِ َل بَ ْي ِت َع ْن َيا‪َ ،‬و َرفَ َع يَ َديْ ِه َوبَا َركَ ُه ْم‪َ .‬و ِف َ‬ ‫الس َم ِء‪ .‬ف َ​َس َج ُدوا لَ ُه َو َر َج ُعوا إِ َل أُو ُرشَ لِي َم ِب َف َر ٍح َع ِظ ٍيم» (لوقا ‪.)50-52 :24‬‬ ‫انْ َف َر َد َع ْن ُه ْم َوأُ ْص ِع َد إِ َل َّ‬ ‫•نعم‪ .‬مكث ما ال يقل عن مثانية أيام‪( .‬يوحنا ‪.)1-22 :21 ،26 :20‬‬ ‫•نعم‪ ،‬مكث ما ال يقل عن أربعني يو ًما‪« .‬اَل َِّذي َن أَ َرا ُه ْم أَيْ ًضا نَف َْس ُه َح ًّيا ب َ َِبا ِه َني كَ ِث َري ٍة‪ ،‬بَ ْع َد َما تَأَلَّ َم‪َ ،‬و ُه َو يَظْ َه ُر لَ ُه ْم‬ ‫أَ ْربَ ِع َني يَ ْو ًما‪َ ،‬ويَتَ َكلَّ ُم َعنِ األُ ُمو ِر الْ ُم ْختَ َّص ِة بِ َلَك ِ‬ ‫ُوت الل ِه‪( ».‬سفر أعامل الرسل ‪.)3 :1‬‬

‫أين حدث صعود يسوع؟‬

‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬

‫ٍ‬ ‫بأحداث عىل جبلٍ يف الجليل‪.‬‬ ‫•بحسب متّى‪ :‬مل يحدث أي صعود‪ ،‬فإنجيله ينتهي‬ ‫•بحسب مرقس‪ :‬يف أورشليم أو بجوارها‪ ،‬بعد العشاء (مرقس ‪.)19 :16‬‬ ‫•بحسب لوقا‪ :‬يف بيت عنيا بالقرب من أورشليم بعد العشاء (لوقا ‪.)50-51 :24‬‬ ‫•بحسب يوحنا‪ :‬مل يحدث صعود‪.‬‬ ‫•بحسب بولس‪ :‬مل يحدث صعود‪.‬‬ ‫•بحسب أعامل الرسل‪ :‬صعد من عىل جبل الزيتون « َول ََّم ق َ​َال هذَا ا ْرتَ َف َع َو ُه ْم يَ ْنظُ ُرونَ‪َ .‬وأَ َخ َذت ْ ُه َس َحابَ ٌة َع ْن أَ ْع ُي ِن ِه ْم‪.‬‬ ‫الس َم ِء َو ُه َو ُم ْنطَلِ ٌق‪ ،‬إِذَا َر ُجالَنِ قَ ْد َوقَفَا ِب ِه ْم ِبلِ َب ٍ‬ ‫اس أَبْ َي َض‪َ ،‬وقَاالَ‪« :‬أَيُّ َها ال ِّر َج ُال الْ َجلِيلِ ُّيونَ‪،‬‬ ‫َو ِف َ‬ ‫يم كَانُوا يَشْ َخ ُصو َن إِ َل َّ‬ ‫الس َم ِء َس َيأْ ِت ه َكذَا ك َ​َم َرأَيْتُ ُمو ُه ُم ْنطَلِقًا‬ ‫الس َم ِء؟ إِ َّن يَ ُسو َع هذَا ال َِّذي ا ْرتَ َف َع َع ْن ُك ْم إِ َل َّ‬ ‫َما بَالُ ُك ْم َوا ِق ِف َني ت َ ْنظُ ُرو َن إِ َل َّ‬ ‫الس َم ِء»‪ِ .‬حي َن ِئ ٍذ َر َج ُعوا إِ َل أُو ُرشَ لِي َم ِم َن الْ َجبَلِ ال َِّذي يُ ْد َعى َجبَ َل ال َّزيْتُونِ ‪ ،‬ال َِّذي ُه َو بِالْ ُق ْر ِب ِم ْن أُو ُرشَ لِي َم َع َل َس َف ِر‬ ‫إِ َل َّ‬ ‫َس ْب ٍت‪( ».‬سفر أعامل الرسل ‪.)9-12 :1‬‬

‫‪43‬‬


‫تحدي الفصح‬ ‫هوامش‬ ‫عنوان املقال األصيل‪Leave No Stone Unturned: An Easter“ :‬‬ ‫‪ .”Challenge For Christianss‬ظهر املقال ألول مر ٍة يف مجلة �‪Free‬‬ ‫‪ thought Today‬يف عدد مارس آذار ‪ ،1990‬ثم الحقًا أُعيد نرشه عىل‬ ‫مد ّونات موقع ‪ patheos.com‬يف فئة ‪ ،Losing Faith in Faith‬كام أنه ظهر‬ ‫يل إىل أحد أبرز امللحدين‬ ‫كفصلٍ يف كتاب «بال رب‪ :‬كيف تحول واع ٌظ إنجي ٌ‬ ‫يف أمريكا» ‪Godless: How An evangelical Preacher Became One of‬‬ ‫‪.America’s Leading Atheists‬‬ ‫الكاتب هو دان باركر ‪ ،Dan Barker‬وهو من أبرز امللحدين األمريكيني اليوم‪،‬‬ ‫كان واعظًا وموسيقا ًرا مسيح ًيا عىل مدى ‪ 19‬عا ًما وترك املسيحية عام ‪.1984‬‬ ‫يقود باركر وقت ترجمة هذا املقال مؤسسة «الحرية من الدين» ((‪،)Freedom From Religion Foundation (FFRF‬‬ ‫وقد كتب العديد من املقاالت يف مجلة «الفكر الحر اليوم» ‪ Freethought Today‬وقام بتأليف عد ٍد من الكتب‪ ،‬وعىل‬ ‫رأسها «عندما فقدت إمياين بإمياين‪ :‬رحلتي من ٍ‬ ‫واعظ إىل ملحد»‬ ‫‪.Losing Faith in Faith: From Preacher to Atheist‬‬ ‫ترجم املقال‪ :‬أسامة البني (الوراق)‪.‬‬

‫رمبا كنا سنعرف ما حدث حقًا لو كان لدى الشهود هواتف ذكية‪.‬‬

‫‪44‬‬


http://www.thelandofsands.blogspot.com

45


‫الشمودوغامئية‬

‫(أخطر أمراض الفكر البرشي)‬

‫راوند دلعو‬

‫لنذهب أخي القارئ يف رحل ٍة عىل‬ ‫منت القلم نسرب فيها أغوار الفكر‬ ‫اإلنساين من اليمني إىل اليسار‬ ‫لنعالج واح ًدا من أخطر أمراض‬ ‫الفكر‪ ،‬أال وهو‪ :‬الشمودوغامئية‪.‬‬ ‫فام هي الشمودوغامئية؟‬ ‫‪46‬‬


‫الشمودوغامئية‬

‫(أخطر أمراض الفكر البرشي)‬ ‫راوند دلعو‬

‫يالحظ الباحث المدقق في مجال الفلسفات واأليديولوجيات المقارنة أ ّن العقائد تبقى ُمسالِم ًة وودود ًة مجتمعيًا إلى‬ ‫أن تصاب بفيروس ثنائي القطب (الشمولية ‪ +‬الدوغمائية) م ًعا‪ .‬فإذا ما اجتمع فيروس احتكار الصوابيّة (الدوغمائية)‬ ‫مجتمعي خبيثٌ شديد االنتشار والفتك‬ ‫مع فيروس ال ُكلِّيّانِيّة (الشمولية) في أيديولوجيا واحد ٍة نتج عن ذلك سرطا ٌن‬ ‫ٌ‬ ‫يؤدي إلى اإلقصاء ثم العنف ثم التدمير الذاتي للمجتمعات‪ ...‬وعلى الدنيا السالم!‬ ‫فاحتكار الصوابية أو ما يسمى بالدوغمائية‪ ،‬وهي عبار ٌة عن مشاعر األنانية البشرية عندما تقتحم عالم الفكر والمفكرين‪،‬‬ ‫مرض خطي ٌر ينبع من َجز ِم ّي ٍة مفرط ٍة تؤدي إلى القَطع بصحة الرأي ال ُمتب َّنى ومن ث ّم تخطئة اآلخر وتضليله؛ أما‬ ‫وهي ٌ‬ ‫الشمولية فهي ت َ َد ُّخل األيديولوجيا بشكلٍ ِ‬ ‫َوي في أدق تفاصيل حياة الفرد‪ ،‬لتفرض عليه نمطًا معي ًنا من‬ ‫(حشَ ري) ُسلْط ٍّ‬ ‫السلوكيات ال يستطيع الخروج عنها‪ .‬وقد الحظت من خالل مسيرتي البحثية بأن جميع العقائد واأليديولوجيات التي‬ ‫ٍ‬ ‫مجتمعات منكوب ٍة بالتمذهب والتشرذم‬ ‫تحمل الفيروس ثنائي القطب { (الشمولية) ‪( +‬الدوغمائية) } تؤ ّدي إلى‬ ‫والكراهية والعنف‪ ،‬سوا ٌء كانت المنطلقات الفلسفية لهذه العقائد المريضة ميتافيزيقي ًة الهوتية المنشأ (شمولية ‪+‬‬ ‫دوغمائية دينية)‪ ،‬أو مادية المنشأ (شمولي ًة ‪ +‬دوغمائي ًة الديني ًة)‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫سجالت من التأريخ الدموي المرعب؛‬ ‫وبسبب هذه األيديولوجيات المصابة بفيروس الشمودوغمائية حصلنا على‬ ‫وتجدر اإلشارة هنا إلى أنه من الممكن للعقيدة أو األيديولوجيا أن تصاب بالدوغمائية دون الشمولية‪ ،‬أي أن تتعصب‬ ‫العقيدة لذاتها جازم ًة بصحتها وبتخطئة باقي العقائد لكن دون أن تكون شمولي ًة‪ ،‬أي ال تتدخل في تفاصيل حياة األفراد‬ ‫ومرافق المجتمع‪ ،‬وبالتالي سيكون الضرر المجتمعي الناتج عن انتشار هذا النوع من العقائد أقل‪ ،‬ألن هامش الحرية‬ ‫المجتمعية سيكون أكبر عند انعدام الشمولية‪ ،‬أما العقائد الشمولية فلألسف دوغمائي ٌة بطبيعتها غال ًبا‪ ،‬إذ لوال دوغمائيتها‬ ‫لما تد ّخلت أخطبوطيًا في تفاصيل الحياة لتفرض آراءها على الجميع‪ ،‬من خالل طرد كل اآلراء والعقائد المخالفة لها‬ ‫من جميع مرافق الحياة!‬

‫الشمودوغمائية في اليسار‪:‬‬ ‫فيروسا‬ ‫جول ٌة بسيط ٌة في معرض األيديولوجيات اليسارية ستقودنا إلى كهف الشيوعية المتطرفة‪ ،‬لنجد فك ًرا يحمل‬ ‫ً‬ ‫ثنائي القطب‪ ،‬أي فك ًرا (شومودوغمائ ًيا)‪ ،‬ولنجد أطنانًا من الدماء والحروب والضحايا عبر تاريخ الشيوعية األحمر‪،‬‬ ‫باإلضافة إلى العنف نجد تشرذ ًما واض ًحا في األيديولوجيات الشيوعية ال ت ِ‬ ‫متمثل بالشيوعية اللينينية‬ ‫ً‬ ‫ُخطئُه العين‬ ‫والشيوعية الستالينية والشيوعية الماوية والماركسيين القدامى والماركسيين الجدد والتروتسكيين والالسلطويين‬ ‫والتيتويين واللوكسمبورغيين و‪ ....‬إلخ‪ .‬ويُعتبر تاريخ االتحاد السوفياتي وتأسيس الصين الماوية مرج ًعا ضخ ًما لجرائم‬ ‫الشيوعية والفكر اليساري المتطرف المتشرذم‪.‬‬ ‫‪47‬‬


‫الشمودوغامئية‬

‫(أخطر أمراض الفكر البرشي)‬ ‫راوند دلعو‬

‫شمودوغمائية اليمين‪:‬‬ ‫أما لو عبرنا إلى ضفة اليمين ال ُم َفيْ َرس بالشمودوغمائية ثنائية القطب لوجدنا فك ًرا سوداويًا أد ًهى وأمر‪ ...‬مرحبًا بكم‬ ‫في الجحيم! فدخولنا إلى وادي األديان األحمر السحيق يُ ْنبِئ عن صور ٍة أكثر رع ًبا وبشاع ًة ودموي ًة‪ ،‬فالشيوعية يف أقبح‬ ‫صورها هي عبار ٌة عن ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫رحيم مقارن ًة بالشمودوغامئية الدينية‪.‬‬ ‫مالك‬ ‫لطيف ٍ‬ ‫حيث أن الطبخة الالهوتية تجمع يف ِق ْد ِر التقديس ك ًُّل من الدوغامئية املُركّزة بأشد درجاتها تطرفًا‪ ،‬والشمولية السلطوية‬ ‫بأكرث حاالتها ِ‬ ‫وتدخل يف حياة املؤسسات واألفراد‪ ،‬والنتيجة املبارشة للطبخة الالهوتية سابقة‬ ‫ً‬ ‫(حرشي ًة) وأخطبوطي ًة‬ ‫الذكر عبار ٌة عن جبا ٍل من الركامات الهائلة من الجثث املتعفنة التي قضت كضحايا يف الحروب املقدسة الدينية‬ ‫والطائفية واملذهبية‪ ،‬والتي كانت تهدف إىل تغيري عقائد الناس بالسيف!‬ ‫ٍ‬ ‫أيضا يف الطبخة الشمودوغامئية الدينية‪ ،‬إذ‬ ‫وال يفوتني أن أنبه القارئ إىل أن النكهة الترشذمية حارض ٌة بوضو ٍح‬ ‫ملفت ً‬ ‫أن املذاهب الدينية ال تنتهي من كرثة ترشذمها وتكفريها لبعضها البعض واقتتالها!! فلدينا الس ّنة والشيعة والخوارج‬ ‫واملعتزلة والصوفية والظاهرية والحنفية واملالكية والوهابية والخمينية واألرثوذوكسية والكاثوليكية والربوتستانتية‬ ‫واملورمونية وشهود يهوه واإلنجيليون و و‪ ...‬إلخ‪.‬‬ ‫ولو بحثنا عن الجامع بني اقتتال وترشذم جامعة الالهوت املتطرف (األديان الساموية) من جهة‪ ،‬واقتتال وترشذم اليسار‬ ‫املتطرف (الشيوعية ومذاهبها) من جه ٍة أخرى لوجدنا ببساط ٍة أن السبب هو‪ { :‬الفريوس ثنايئ القطب‬ ‫(الشمولية‪ +‬الدوغامئية) } أو (قطار املوت الفكري) وكنتيج ٍة ملا سبق أُق ّدم لكم معادلة قطار املوت الفكري‪:‬‬ ‫{شمولية ‪ +‬دوغامئية = شمودوغامئية} ‪( >---‬إقصاء) ‪ >---‬كراهية ‪( >---‬ترشذم وعنف)= إرهاب‪.‬‬ ‫أي عقيد ٍة تصاب بالفريوس الشومودوغاميئ ثنايئ القطب سينتج عنها إقصائي ًة تؤدي‬ ‫ثم إليكم املعادلة بعبار ٍة أخرى [ ّ‬ ‫إىل انتشار الكراهية التي تخلق ترشذ ًما وعنفًا يتجسد عىل هيئة إرهاب]‪ ،‬معادل ٌة واضح ٌة وحتمية! بالتايل وليك مننع‬ ‫اإلرهاب الناتج عن معادلة قطار املوت‪ ،‬يجب علينا أن نحرص عىل عدم إمتام الطبخة الشمودوغامئية من خالل الحرص‬ ‫عىل عدم التقاء مكوناتها املتمثلة بالشمولية والدوغامئية؛‬ ‫حزب أو تج ّمع من‬ ‫فيجب أن تأخذ هيئات املراقبة الحزبية عىل عاتقها دوام التأكد من خلو الخلفيات الفلسفية ألي ٍ‬ ‫حتم إىل إلغاء التعددية وتشظي املجتمع وانتشار‬ ‫احتاملية التقاء الشمولية والدوغامئية‪ ،‬وذلك ألن هذا االلتقاء سيؤدي ً‬ ‫اإلرهاب‪.‬‬ ‫‪48‬‬


‫الشمودوغامئية‬

‫(أخطر أمراض الفكر البرشي)‬ ‫راوند دلعو‬

‫املسيحية واملحمدية عىل مذبح الشمودوغامئية‬ ‫ولو قارنّا بني املسيحية واملحمدية لوجدنا بأن األيديولوجيتني متتلكان أعىل درجات الدوغامئية واحتكار الحقيقة‪ ،‬لكن‬ ‫وتدخل يف تفاصيل حياة أتباعها‪،‬‬ ‫ً‬ ‫الفارق بينهام أن املسيحية أقل شمولي ًة من املحمدية‪ ،‬حيث أن املسيحية أقل سلطوي ًة‬ ‫السيام الشؤون السياسية وقضايا ال ُحكْم‪( :‬دع ما لقيرص لقيرص وما لله لله)‪.‬‬ ‫بينام نجد أن أخطبوط املحمدية يتغلغل يف كل تفاصيل حياة املجتمع املحمدي من الصباح حتى املساء‪.‬‬ ‫رشع املحمدي‬ ‫فبينام ترتك املسيحية ألتباعها حرية اختيار طريقة االستنجاء (التشطف بعد الدخول للخالء)‪ ،‬نجد أن امل ّ‬ ‫و(تحشا) يف‬ ‫يتدخل ليفرض طريقة استنجا ٍء معين ٍة عىل أتباعه‪ ،‬يف واحد ٍة من أكرث الديانات شمولي ٍة ودوغامئي ٍة‬ ‫ًّ‬ ‫خصوصيات األفراد!‬ ‫رشع العبايس الذي صمم عقائد وطقوس الديانة املحمدية أخذ بعني االعتبار أن تُوفّر له‬ ‫وسبب ذلك برأيي أن امل ّ‬ ‫طويل يف السلطة من خالل شموليتها التي تسمح له بالتحكم يف كل تفاصيل املجتمع املحمدي التابع للبيت‬ ‫استمرا ًرا ً‬ ‫القريش (ومنه الساللة العباسية التي منها الخليفة)!‬ ‫وبهذا نجد أن املسيحية تشرتك مع املحمدية يف الدوغامئية لكنهام تفرتقان يف الشمولية حيث تضعف الشمولية يف‬ ‫الديانة املسيحية بشكلٍ واضح‪.‬‬ ‫وكان لهذا الفارق الجوهري بني الديانتني كبري األثر عىل املجتمعات املسيحية‪ ،‬إذ أن ضعف شمولية املسيحية ساعد‬ ‫طبقة املثقفني املسيحيني عىل التحرر من سلطوية الكنيسة‪ ،‬فاستطاع املثقفون األوروبيون كرس معادلة الهيمنة املسيحية‬ ‫عىل املجتمعات األوروبية‪ ،‬ثم حارصوا مسيحيتهم يف الكنائس وانطلقوا نحو الدولة العلامنية‪ ،‬وبذلك استغلوا ضعف‬ ‫الشمولية املسيحية ليهربوا من العصور الوسطى إىل العرص الحديث‪ ،‬فسبقوا بذلك املجتمعات املحمدية التي ال يزال‬ ‫أخطبوط شموليتها يتشبث بكل تفاصيلها جاذبًا إياها متقهقر ًة إىل قلب القرون الوسطى!‬ ‫وهنا أكتشف خطأً خط ًريا يرتكبه التنويريون يف املجتمعات املحمدية‪ ،‬إذ أنهم يعاملون املسجد كام عامل التنويري‬ ‫األورويب كنيسته‪ ،‬وهذا خطأٌ كبري!‬ ‫كل محمدي‪ ،‬ويصعب عىل‬ ‫خطأٌ ألن املسجد أكرث وحشي ًة وسلطوي ًة من الكنيسة‪ ،‬فمخالبه تتدخل يف تفاصيل حياة ّ‬ ‫الناس اإلفالت منه!‬ ‫‪49‬‬


‫الشمودوغامئية‬

‫(أخطر أمراض الفكر البرشي)‬ ‫راوند دلعو‬

‫كام أن املسجد أعنف بكثريٍ من الكنيسة ألنه يصدر‬ ‫فك ًرا شومودوغامئ ًيا مسل ًحا بالعنف املقدس الذي‬ ‫يولّد اإلرهاب!‬ ‫وبالتايل لن تنجح عملية نسخنا للسيناريو التنويري‬ ‫الذي ط ّبقه املثقفون األوروبيون عىل مجتمعاتهم‬ ‫ومن ثم تطبيقه عىل مجتمعاتنا املحمدية‪.‬‬ ‫فاملجتمعات املحمدية بحاج ٍة إىل خط ٍة تنويري ٍة‬ ‫أعمق وأدق وأكرث إحكا ًما يك نساعدها عىل‬ ‫اإلفالت من مخالب املوروث املحمدي وبالتايل‬ ‫جحيم القرون الوسطى‪.‬‬ ‫حمماتٌ من الدماء يف‬ ‫وأخىش أن يكون العنف رضور ًة ملح ًة يف التعامل مع املؤدلَجني املحمديني‪ ،‬ألن هذا سيعني ّ‬ ‫املجتمعات املحمدية املصابة بالشمودوغامئية اللعينة (كام هو حادثٌ مع داعش وأخواتها اليوم)‪.‬‬ ‫ويك نخفف من احتاملية اللجوء للعنف والتصادم الدموي مع متطريف املجتمع املحمدي يجب علينا أن منارس عملية‬ ‫ٍ‬ ‫منهجي شاملٍ ساخ ٍر للعقيدة املحمدية الشمودوغامئية‪ ،‬إ ْذ ال بد أن ندخل يف صميم أقدس مقدساتها ونحطمه‬ ‫نقد‬ ‫ٍ‬ ‫علميًا ومنطقيًا‪.‬‬ ‫ال بد أن منأل الدنيا ضجي ًجا عن أخطاء‬ ‫القرآن الواضحة وجرائم الشخصيات‬ ‫ٍ‬ ‫محمد نفسه‪.‬‬ ‫املحمدية املقدسة ال سيام‬ ‫ألن تحطيم املقدس املحمدي هو الخطوة‬ ‫األوىل لتفكيك الشمودوغامئية املحمدية‬ ‫التي دمرت ربع الكوكب والتي تُكلِّف‬ ‫النظام الدويل مليارات الدوالرات‪.‬‬

‫‪50‬‬


‫الشمودوغامئية‬

‫(أخطر أمراض الفكر البرشي)‬ ‫راوند دلعو‬

‫نزع الشمودوغامئية‬ ‫ٍ‬ ‫محرتم يتحىل باملسؤولية والخوف عىل مستقبل اإلنسان والجامعة البرشية أن‪:‬‬ ‫فيلسوف‬ ‫من هنا يجب عىل كل مفك ٍر أو‬ ‫ٍ‬ ‫‪ -1‬يراقب أفكاره ويتأكد من خلوها من أي نزع ٍة شمودوغامئية‪.‬‬ ‫‪ -2‬يتسلل إىل داخل كل أيديولوجيا مطروح ٍة عىل الساحة الحزبية يف الدولة العلامنية ليبحث عن مكامن‬ ‫الشمودوغامئية ثم ينخر بها إىل أن يحطّمها ويفتتها يف سبيل تنقية العقيدة الحزبية منها‪ ،‬وبذلك يقتل الفريوس ثنايئ‬ ‫القطب وينزع فتيل العنف قبل أن يخرج للمجتمع عىل شكل إقصا ٍء مرعب‪.‬‬

‫الحق الحق أقول لكم‪:‬‬ ‫إ ّن نَ ْزع الشمودوغامئية بشكلٍ كاملٍ من اليمني الديني (ال سيام اليمني الديني املحمدي) أم ٌر مستحيل‪ ،‬وذلك ألن‬ ‫الظاهرة الدينية تقوم عىل فكرة (املقدس)؛‬ ‫فوقي شمو ٌّيل إقصا ٌّيئ بطبعه‪ ،‬حيث أن اإلقصاء يدخل يف جوهر فكرة التقديس وكينونتها‪ ،‬وبالتايل غري‬ ‫واملقدس دوغام ٌيئ ٌ‬ ‫وتغييب للعقل ومن ثم قطعٍ لجميع سبل التحاور‪.‬‬ ‫تحجيم‬ ‫قابلٍ لالنفصال عنها‪ ،‬وذلك ألن التقديس ببساط ٍة عبار ٌة عن‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ف ُم َّدعي القداسة ينظر إلينا بلهجة املُبلِّغ املُق ِّرر امل ُ ْم ِل الدكتاتور‪ ،‬ال املُحاور‪ ،‬فهو ال ينتظر رأينا مبقولته وال يهمه الحوار‬ ‫وال الربهان‪ ،‬فهو قد ق ّدم نفسه منذ البداية عىل أنه فوق عامل العقل واملنطق فأخ َر َس العقل ودمر املنطق!‬ ‫وعقل ير ّد)‪ ،‬متيل علينا أحزاب التقديس إمال ًء‬ ‫(عقل يأخذ ٌ‬ ‫يف ح ٍني تتحاور األحزاب العلامنية عىل مبدأ مزدوجة ٌ‬ ‫متجاوز ًة عقولنا محتقر ًة لها!‬ ‫وهنا نستنتج أن الشمودوغامئية غري قابل ٍة لالنفكاك عن الدين الساموي املختبئ وراء هالة املقدس إال إذا استطعنا‬ ‫تحطيم املقدس الديني الفوقي‪ ،‬ألن املقدس الديني هو الذي يجمع الشمولية مع الدوغامئية يف الطبخة الكهنوتية‬ ‫كام أسلفت عند حديثي عن شمودوغامئية اليمني‪.‬‬ ‫لكن باملقابل نجد أن نزع الشمودوغامئية ٌ‬ ‫هدف ممك ٌن ج ًدا بالنسبة لليسار ال سيام الشيوعية‪ ،‬ألن عقائد اليسار‬ ‫وعقل ير ّد)‪...‬‬ ‫(عقل يأخذ ٌ‬ ‫واقعي عقالين‪ ،‬فهم يعرتفون مبزدوجة التحاور العلامنية ٌ‬ ‫مادي‬ ‫ذات منشأٍ فيزيا ٍّيئ ٍّ‬ ‫ٍّ‬ ‫‪51‬‬


‫الشمودوغامئية‬

‫(أخطر أمراض الفكر البرشي)‬ ‫راوند دلعو‬

‫مم يضعف فريوس‬ ‫فأنا أفرتض وأتوقع أن تكون األيديولوجيا الواقعية العقالنية غري انحيازي ٍة وقابل ٍة للتفاوض والحوار ّ‬ ‫قابل لالنحالل‪.‬‬ ‫الدوغامئية فيها ويجعله ً‬ ‫ولذلك اتخذ االتحاد السوفيايت قرار حل نفسه منصا ًعا إلرادة الشعب الرويس!!‬ ‫رشف‪ ،‬وأعتربه نقط ًة بيضاء يف تاريخ الشيوعية؛ فليك نُحيي جامليات الفكرة الشيوعية‬ ‫وهو موقف (ال شومودوغاميئ) م ّ‬ ‫مثل‪ ،‬وليك نعيد ماركس من قربه ح ًيا راض ًيا مرض ًيا مبته ًجا‪ ،‬علينا أن نداوي الفكر الشيوعي من خالل نزع جرثومة‬ ‫ً‬ ‫ٍ‬ ‫(الشمودوغامئية) عنه‪ ،‬وذلك من خالل تنظريٍ‬ ‫جديد بلهج ٍة استفهامي ٍة تساؤلي ٍة ال استعالئي ٍة تقريرية‪.‬‬ ‫صعب بالنسبة لفالسفة اليسار‪.‬‬ ‫وبرأيي هذا أم ٌر ممك ٌن وغري‬ ‫ٍ‬

‫تهجني العقائد منزوعة الشمودوغامئية‬ ‫من املفروض أن يستطيع ُم َنظِّروا الشيوعية والعلامنية م ًعا القيام بعملية تهج ٍني ناجح ٍة بني الشيوعية منزوعة‬ ‫ٍ‬ ‫جديد له‬ ‫الشمودوغامئية من جه ٍة والعلامنية الغربية من جه ٍة أخرى‪ ،‬وذلك بغية الحصول عىل نكه ٍة جديد ٍة لفك ٍر‬ ‫شعارات الشيوعية الرباقة امللفتة وامتيازات الفكرة العلامنية بتعدديتها وقبولها لآلخر‪.‬‬ ‫ثم ما املانع من الدمج بني الشيوعية منزوعة الشمودوغامئية والرأساملية الالاحتكارية تحت مظلة العلامنية لنحصل‬ ‫نظام هج ٍني أكرث تطو ًرا؟ وهو نظا ٌم من املفرتض أن‪:‬‬ ‫عىل ٍ‬ ‫بنسب محدد ٍة بحيث يكون نظا ًما وسطًا يراعي امللكية الفردية ومينع جشعها‬ ‫‪ -1‬يسمح بامتالك وتنمية رأس املال‪ ،‬لكن‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫هامش ممكنٍ من الحرية الفردية يف هذا اإلطار‪.‬‬ ‫ويحافظ يف نفس الوقت عىل أكرب‬ ‫قابل للتطور ويقبل التعددية والتعايش مع األنظمة االقتصادية األخرى‪...‬‬ ‫‪ -2‬مر ٌن ٌ‬ ‫فام املانع يا رفاق؟‬

‫‪52‬‬


‫قناة جسور | ‪Bridges.TV‬‬

‫رب ملن ال منرب له‪ ،‬وقنا ٌة لحرية التعبري والتواصل والتعايش مع‬ ‫قناة جسور هي من ٌ‬ ‫املختلف ولتالقح األفكار بصور ٍة حضارية‪ ..‬صوتك مقبول هنا مهام كان‪.‬‬ ‫عنوان القناة عىل اليوتيوب‪:‬‬

‫‪https://www.youtube.com/channel/UChuvYgfSwGXkLtZYmSGc8eQ‬‬ ‫صفحة جسور عىل الفيسبوك‪:‬‬

‫‪https://www.facebook.com/Bridgestv2‬‬ ‫انضموا إلينا يف مجموعة جمهورية الردة‪:‬‬

‫‪https://www.facebook.com/groups/186192008960773/‬‬ ‫إمييل القناة‪:‬‬

‫للتواصل عرب سكايب‪:‬‬

‫‪Bridgestv1‬‬

‫‪bridgestv1@gmail.com‬‬

‫لدعم القناة عىل الـ‪:PayPal‬‬

‫‪https://www.paypal.me/SalBridgesTV‬‬

‫‪53‬‬


‫رشيعة القرود‬ ‫قصة الحرب ُولدت بالصدفة مثل كل القصص‬ ‫اإلنسانية الحافلة باإلثارة‪ ،‬فمنذ قرابة املليون‬ ‫سن ٍة عندما كان اإلنسان مج ّرد قر ٍد ونصف‬ ‫ٍ‬ ‫فيلسوف يهيم يف الرباري املمتدة عىل مد‬ ‫البرص‪ ،‬مل يكن اإلنسان ميلك مثة ما يحارب‬ ‫من أجله‪ ،‬مل يكن ميلك بيتًا أو مزرع ًة‬ ‫أو أغنا ًما أو امرأةً‪ ،‬بل كان يتسكع‬ ‫يف الرباري متعق ًبا السباع ليك يأكل‬ ‫ما ترتكه وراءها‪ ،‬ويصطاد لنفسه‬ ‫امرأ ًة عندما يحل فصل الربيع‬ ‫ليك ينجب منها قر ًدا آخر ثم‬ ‫يعود للتسكع يف الغابة‪...‬‬

‫‪Hades Nostravinci‬‬ ‫‪54‬‬


‫رشيعة القرود‬ ‫‪Hades Nostravinci‬‬

‫مل يكن لديه ما يدافع عنه سوى جثته الخاصة وقد كان يؤدي تلك املهمة باالعتامد عىل رجليه‪.‬‬ ‫ثم ق ّرر قر ٌد ما أن يحتفظ بأنثاه عوض تركها تركض مبفردها يف أرض الله الواسعة ببطنها املنتفخ أمامها وأمسكها من‬ ‫محمل بلحوم‬ ‫ً‬ ‫شعرها وسحبها إىل كهفه املعتم وانطلق فو ًرا ليجلب لها ما تأكله‪ ...‬وعندما رجع ذلك القرد الفيلسوف‬ ‫الخنازير الربية واكتشف أن أنثاه ولدت قر ًدا‪ ،‬أدرك فو ًرا أنه مل يعد يف وسعه أن يع ّول عىل رجليه للنجاة بنفسه‪...‬‬ ‫كانت قردته وطفله والكهف قد ربطوه إىل جانبهم لألبد ومل يكن يستطيع أن يدافع عنهم بالجري وحده‪ ...‬لقد ُولدت‬ ‫آنذاك فكرة الدفاع عن ِ‬ ‫الحمى‪.‬‬ ‫تعلم القرد أن يقف أمام فوهة كهفه ويقاتل السباع الضارية دفا ًعا عن أبنائه وقردته ومخزون طعامه‪...‬‬ ‫أصبح الهروب فضيح ًة أخالقي ًة وأصبحت الشجاعة أن يهب املرء نفسه للموت أمام فوهة الكهف مداف ًعا عن ِحامه إىل‬ ‫دم يف حوزته‪ .‬من هنا حصلت الحرب لنفسها عىل أخالقياتها التي يتغنى بها الشعراء يف قصائدهم العصامء‪.‬‬ ‫آخر قطرة ٍ‬ ‫بعد ٍ‬ ‫آالف طويل ٍة من السنني كان القرد الفيلسوف قد احتل األرض بفضل نجاعة نظامه الجديد‪ ...‬وكان قد تكاثر أكرث‬ ‫اجتامعي‬ ‫نظام‬ ‫من أي حيوانٍ آخر واستقر يف جميع الكهوف املتاحة وطرد بقية الحيوانات إىل الغابة وصار يعيش داخل ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫متكاملٍ ومل يعد ميلك عد ًوا واح ًدا يتجرأ عىل مهاجمته‪ ،‬سوى أخيه اإلنسان‪...‬‬ ‫إذ ذاك ُولدت الحرب‪ ...‬وكان القتال هذه املرة يحدث بطريق ٍة‬ ‫مختلفة‪ ...‬فلم يعد الخصم مجرد ضبعٍ أخرقٍ سالحه الوحيد‬ ‫أسنانه الخرقاء أو مجرد أف ًعى تنوي أن تكسب معركتها بقليلٍ‬ ‫عقل بالغ‬ ‫من السم‪ ،‬بل كان قر ًدا فيلسوفًا ميلك داخل جمجمته ً‬ ‫التعقيد واإلمكانيات‪ ،‬وتحولت الحرب إىل مبارز ٍة ضاري ٍة وحامية‬ ‫الوطيس بني العقول وحدها‪...‬‬ ‫عرب تلك الطريق املحزنة وصل قردنا املعارص إىل لعبته الذرية‪.‬‬ ‫مل يكن اإلنسان بحاج ٍة إىل كالشينكوف وقنبل ٍة ذري ٍة عندما كان‬ ‫يصارع النمور والضباع والخنازير الوحشية بسهامه وحربته ويقف‬ ‫يف مواجهتها عاري الصدر‪...‬‬ ‫‪55‬‬


‫رشيعة القرود‬ ‫‪Hades Nostravinci‬‬

‫لقد احتاج إىل تلك األسلحة املفجعة عندما اكتشف أن خصمه هذه املرة ال تكفي السهام والحراب لقتله‪.‬‬ ‫حدث ذلك منذ مائة ألف سن ٍة تقريبًا‪ ...‬فقد م ّر قطي ٌع من أنصاف القرود مبنطق ٍة غني ٍة بالخنازير الوحشية واألرانب‬ ‫واألشجار والكهوف‪ ،‬ووقف قائد القطيع مندهشً ا أمام هذه الجنة‪ ...‬كان بحاج ٍة ملح ٍة للطعام والسكن‪ ...‬لكن املشكلة‬ ‫بالطبع هي أن جميع الكهوف كانت تخص قرو ًدا أخرى‪ ...‬خالل الساعات التالية انشغل قائد القطيع بدفاتر حساباته‪..‬‬ ‫رص يدرس أحوال السوق والبورصة ليك يعرف فُ َرصه يف الكسب‪ ...‬وقد وجد‬ ‫مل يكن يختلف يف أي يش ٍء عن أي تاج ٍر معا ٍ‬ ‫كل يش ٍء واض ًحا أمامه مثل عني الشمس‪ ...‬فأنت ليك تستويل عىل الكهوف ستحتاج ألن تقتل القرود التي تسكنها أو‬ ‫عىل األقل تدفعهم إىل الفرار‪ ،‬وليك تحقق تلك املعجزة فإنك ستحتاج بالطبع إىل أن تقاتلهم لبعض الوقت مام يعني‬ ‫أيضا أنك ستضحي ببعض مواطنيك مقابل الكهوف والخنازير الربية‬ ‫أنك ستحتاج إىل أفراد قطيعك األقوياء ويعني ً‬ ‫واألرانب‪ ...‬الصفقة رابح ٌة من كل الوجوه يف دفاتر قائد القطيع‪.‬‬ ‫فاإلنسان ميكن تعويضه فو ًرا‪ ...‬سوف لن تحتاج ألكرث من أن متارس الجنس مع أمهاتهم وتنتظر تسعة شهو ٍر وتعوض‬ ‫خسائرك‪ ...‬ميكنك أن تحصل عىل مقاتلني بعدد شعر رأسك ليك تنال بهم مزي ًدا من الكهوف والخنازير الربية‪...‬‬ ‫إن املرأة ال ميكنها أن تلد لك كهفًا أو أرن ًبا مشويًا‪ ...‬لكن قائد القطيع بشطارته املعهودة سوف يحصل عىل كل ذلك‬ ‫بطريق املقايضة‪ ...‬إن الحرفة جاهز ٌة للمامرسة دون عائق‪.‬‬

‫‪56‬‬


‫رشيعة القرود‬ ‫‪Hades Nostravinci‬‬

‫فاإلنسان‪ ،‬رأس مال الحرب‪ ،‬يحصل عليه املرء باملجان ثم يعلفه ويربيه مثل العجل ويحمله بعد ذلك إىل ساحة املعركة‬ ‫ٍ‬ ‫صاخب ويقيم له نص ًبا تذكاريًا ويعلّق يف رقبته صفة «شهيد»‬ ‫بري أو مدين ٍة ويدفنه يف احتفا ٍل‬ ‫ليقايضه‬ ‫ٍ‬ ‫بكهف أو خنزي ٍر ٍ‬ ‫فيام يرسله إىل الجنة‪.‬‬ ‫بكيس من األرز‪ ...‬أحيانًا بحقل ٍ‬ ‫قائد القطيع فعل ذلك دو ًما ويف كل عرص‪ ...‬أحيانًا يقايض مواطنيه ٍ‬ ‫نفط أو بال ٍد كامل ٍة‬ ‫ويقيم لهم النصب التذكارية إذا التزموا جانب الشجاعة وماتوا ِطبقًا لألوامر يف ساحة املعركة‪ ،‬أو يربط أعينهم بعصاب ٍة‬ ‫سوداء ويطلق عليهم النار بتهمة الخيانة العظمى والتهرب من الواجب املقدس إذا تقرر يف ذهن العجل أن يهرب من‬ ‫املسلخ‪.‬‬ ‫لقد قُلت لكم إن قائد القطيع يقايض مواطنيه من أجل الكهوف والطعام يف كل عرص‪ ...‬معذر ٌة فتلك الحقيقة مل تعد‬ ‫تنسحب عىل عرصنا املتحرض الحايل‪ ...‬نحن مل نعد نقتل من أجل الطعام بل من أجل األفكار فقط‪ ...‬نتنياهو يقايض‬ ‫مواطنيه بخرافات التوراة‪ ...‬الرئيس بوش يقايض مواطنيه بحفن ٍة من الدميقراطية‪ ...‬ص ّدام حسني خرس كل مدخراته يف‬ ‫املضاربة عىل أفكار حزب البعث‪ ...‬كهنة اإلسالم يقايضون مواطنيهم بوهم الخالفة‪ .‬فليس باألكل وحده يباع اإلنسان بل‬ ‫أيضا وبعض فصول التوراة وبقية الكتب املقدسة التي تخنق مسريتنا نحو النور‪.‬‬ ‫بالفلسفة السوداء ً‬ ‫إن حرفة القتل ال يجب أن تنقرض بالطبع ملجرد أننا مل نعد نحتاج إىل الكهوف‪.‬‬

‫ٕاﺪﺪاد وﺗﻘﺪﱘ‬

‫ﺣﺎﻣﺪ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﺼﻤﺪ‬ ‫‪HAMED.TV‬‬

‫‪57‬‬

‫‪FB.ME/BOXOFISLAM‬‬


‫األخطاءاللغوية يف‬

‫ال���� ال��ي�‬ ‫د‪ .‬سامي الذيب‬

‫كتاب أخطاء القرآن حيصر أكثر من ألفني ومخسمائة خطأ لغوي يف القرآن ويرتجم‬ ‫النص القرآني لثالث لغات ويقدمه ألول مرة بالرتتيب التارخيي الصحيح‬ ‫ً‬ ‫متوفر اآلن على موقع أمازون وجمانا على الرابط التايل‬ ‫‪goo.gl/emoQDp‬‬ ‫‪58‬‬


‫ﺳﻴﺮة‬ ‫ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ آﻣﻨﺔ‬ ‫اﻟﺤﻠﻘﺔ اﻟﺘﺎﺳﻌﺔ واﻟﻌﺸﺮون‪ :‬ﺧﻄﺒﺔ اﻟﻮداع‬

‫ﺗﺮﺟﻤﺔ ﻋﻦ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ ﻟﻜﺘﺎب‬ ‫‪LA VIE DE MAHOMET‬‬ ‫ﺗﺮﺟﻤﺔ‪ :‬ﺳﺎرة ﺳﺮﻛﺴﻴﺎن‬ ‫ﺗﺪﻗﻴﻖ ﺗﺮﺟﻤﺔ وﺗﺪﻗﻴﻖ ﻣﺼﺎدر وإﺧﺮاج‪:‬‬ ‫أﺳﺮة ﺗﺤﺮﻳﺮ ﻣﺠﻠﺔ اﻟﻤﻠﺤﺪﻳﻦ اﻟﻌﺮب‬ ‫‪59‬‬


‫ﺧﻄﺒﺔ اﻟﻮداع‬ ‫ﻓﻲ اﻟﺴﻨﺔ اﻟﺘﺎﺳﻌﺔ ﻟﻠﻬﺠﺮة‪ ،‬ﻓﺮض‬ ‫اﷲ اﻟﺤﺞ ﻋﻠﻰ ﻋﺒﺎده‪ ،‬ﻓﺄﺻﺒﺢ‬ ‫اﻟﺤﺞ اﻟﺮﻛﻦ اﻟﺨﺎﻣﺲ ﻣﻦ أرﻛﺎن‬ ‫اﻹﺳﻼم‪.‬‬

‫ﻳﻠﺒﻲ ﺑﻘﻮﻟﻪ‪:‬‬ ‫ﺑﻤﺠﺮد أن ﻟﺒﺲ ﻟﺒﺎس اﻹﺣﺮام‪ ،‬ﺑﺪأ ٌ‬ ‫ﻣﺤﻤﺪ ّ‬

‫ﻣﺤﻤﺪ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻓﻲ اﻟﺨﺎﻣﺲ‬ ‫ﻏﺎدر ٌ‬ ‫واﻟﻌﺸﺮﻳﻦ ﻣﻦ ﺷﻬﺮ ذي اﻟﻘﻌﺪة‬ ‫ﻣﺼﺤﻮﺑًﺎ ﺑﺤﻮاﻟﻲ ﻣﺎﺋﺔ ٍ‬ ‫اﻟﻒ ﻣﻦ‬ ‫اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ‪.‬‬

‫اﺳﺘﻤﺮ ﺑﺘﺮدﻳﺪ اﻟﺘﻠﺒﻴﺔ ﻣﻊ اﻵﻻف ﻣﻦ ﺻﺤﺎﺑﺘﻪ ﺣﺘﻰ دﺧﻠﻮا‬ ‫ﻣّﻜﺔ‪ ،‬وﻛﺎﻧﻮا ﻛﻠّﻬﻢ ﻳﻠﺒﺴﻮن ﺛﻮب اﻹﺣﺮام اﻷﺑﻴﺾ‪.‬‬

‫ﻟﺒﻴﻚاﻟﻠّﻬﻢﻟﺒﻴﻚ‪،‬‬ ‫ﻟﺒﻴﻚ ﻻ ﺷﺮﻳﻚ ﻟﻚ ﻟﺒﻴﻚ‬ ‫إن اﻟﺤﻤﺪ‪ ،‬واﻟﻨﻌﻤﺔ‪ ،‬ﻟﻚ واﻟﻤﻠﻚ‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ﻻ ﺷﺮﻳﻚ ﻟﻚ‪.‬‬

‫ﻟﺒﻴﻚ اﻟﻠّﻬﻢ‬ ‫ﻟﺒﻴﻚ‪.‬‬ ‫)‪(1‬‬

‫ﻟﻸﻣﺔ‪:‬‬ ‫أدى ﻣﺤﻤ ٌﺪ ﻣﻨﺎﺳﻚ اﻟﺤﺞ ﻛﻤﺎ أﻣﺮه اﷲ‪ ،‬وﻋﻠّﻤﻬﺎ ﺑﺪوره ﻷﺗﺒﺎﻋﻪ ‪ ،‬ﺛﻢ أﻟﻘﻰ ﺧﻄﺒﺘﻪ اﻷﺧﻴﺮة ّ‬ ‫ّ‬ ‫أﻳﻬﺎاﻟﻤﺴﻠﻤﻮن‪،‬‬ ‫اﺳﻤﻌﻮاوﻋﻮا!‬

‫‪60‬‬


‫ﻻ أدري إن ﻛﻨﺖ ﺳﺄﻟﺘﻘﻲ ﺑﻜﻢ اﻟﺴﻨﺔ‬ ‫اﻟﻘﺎدﻣﺔ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻤﻜﺎن‪.‬‬ ‫ﻣﺤﺮﻣ ٌﺔ ﻋﻠﻴﻜﻢ‬ ‫إن دﻣﺎءﻛﻢ وأﻣﻮاﻟﻜﻢ ّ‬ ‫ﻛﺤﺮﻣﺔﻫﺬا‬ ‫اﻟﻴﻮمواﻟﺸﻬﺮ‬ ‫وﻫﺬااﻟﺒﻠﺪ‪.‬‬

‫إن اﻟﺸﻴﻄﺎن ﻗﺪ ﻓﻘﺪ اﻷﻣﻞ‬ ‫أﻳﻬﺎ اﻟﻨﺎس‪ّ ،‬‬ ‫ﻣﻦ أن ﻳُﻌﺒﺪ ﺑﺄرﺿﻜﻢ ﻫﺬه‪ ،‬وﻟﻜّﻨﻪ ﺳﻴﺮﺿﻰ‬ ‫إن أﻃﻌﺘﻮه ﻓﻲ اﻷﻣﻮر اﻟﺼﻐﻴﺮة‪،‬‬ ‫ﻓﺎﺣﺬروه ﺣﻔﺎﻇًﺎ ﻋﻠﻰ دﻳﻨﻜﻢ‪.‬‬

‫أﺣﺮمﻋﻠﻴﻜﻢاﻟﺘﺸﺒﻪ‬ ‫ّ‬ ‫ﺑﻜﻞ ﺷﻲٍء ﻣﻦ أﻳﺎم اﻟﺠﺎﻫﻠﻴﺔ‪،‬‬ ‫اﺑﺘﺪاءا ﻣﻦ‬ ‫ﻓﺎﻟﺜﺄر‬ ‫ٌ‬ ‫ﻣﻤﻨﻮع ً‬ ‫ﻫﺬا اﻟﻴﻮم‪.‬‬

‫واﻟﺘﻌﺎﻣﻞ ﺑﺎﻟﺮﺑﺎ‬ ‫ﻀﺎ‪.‬‬ ‫ﻣﻤﻨﻮعٌأﻳ ً‬

‫أﺧﺬﺗﻤﻮﻫﻦ ﺑﻌﻬﺪ‬ ‫اﺗﻘﻮا اﷲ ﻓﻲ اﻟﻨﺴﺎء‪ ،‬ﻓﺈﻧﻜﻢ‬ ‫ّ‬ ‫اﷲ‪ ،‬واﺳﺘﺤﻠﻠﺘﻢ ﻓﺮوﺟﻬﻦ ﺑﻜﻠﻤﺔ اﷲ‪،‬‬ ‫وﻟﻬﻦ ﻋﻠﻴﻜﻢ‬ ‫ّ‬ ‫إن ﻟﻜﻢ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺣﻘﻮًﻗﺎ‪ّ ،‬‬

‫ﺣﻘﻮقﻛﺬﻟﻚ‪.‬‬ ‫ٌ‬

‫ﺟﻴﺪا‪،‬‬ ‫رّﻛﺰوا ﻓﻴﻤﺎ أﻗﻮل ً‬ ‫ﻟﻘﺪ ﺗﺮﻛﺖ ﻟﻜﻢ ﺷﻴﺌﻴﻦ إن اﻟﺘﺰﻣﺘﻢ ﺑﻬﻤﺎ‬ ‫أﺑﺪا‪:‬‬ ‫ﻓﻠﻦ ﺗﻀﻠﻮا ً‬ ‫ﻛﺘﺎب اﷲ‬ ‫وﺳﻨﺔرﺳﻮﻟﻪ‪.‬‬

‫ﻋﻠﻴﻬﻦ أﻻ ﻳﺨﻮﻧﻮﻛﻢ ﻣﻊ أﺣ ٍﺪ‬ ‫ﻣﻦ ﺣﻘﻜﻢ‬ ‫ّ‬ ‫ﺗﻜﺮﻫﻮﻧﻪ‪ ،‬ﻓﺈن ﻓﻌﻠﻦ ذﻟﻚ‪ ،‬ﻓﺎﺿﺮﺑﻮﻫﻦ ﺿﺮﺑًﺎ‬ ‫ﻏﻴﺮ ﻣﺒﺮح‪ ،‬وﻣﻦ ﺣﻘﻬﻢ ﻋﻠﻴﻜﻢ اﻟﻄﻌﺎم‬ ‫واﻟﻠﺒﺎسواﻟﻤﻌﺎﻣﻠﺔﺑﺎﻟﻤﻌﺮوف‪.‬‬

‫‪61‬‬


‫أﻣﺎ ﻋﺒﻴﺪﻛﻢ‪ ،‬ﻓﺄﻃﻌﻤﻮﻫﻢ ﻣﻤﺎ ﺗﺄﻛﻠﻮن‪،‬‬

‫ﻳﺎ أﻳﻬﺎ اﻟﻨﺎس‪ ،‬اﺳﻤﻌﻮا وأﻃﻴﻌﻮا‪،‬‬ ‫ﻋﺒﺪ ﺣﺒﺸﻲ ٍ‬ ‫ﺑﺄﻧﻒ ﻣﻘﻄﻮع‪،‬‬ ‫ﺣﺘﻰ ﻟﻮ ﺣﻜﻤﻜﻢ ٌ ٌ‬

‫ذﻧﺒﺎ ﻻ ﻳﻐﺘﻔﺮ‪،‬‬ ‫وأﻟﺒﺴﻮﻫﻢ ﻣﻤﺎ ﺗﻠﺒﺴﻮن‪ ،‬وإذا ارﺗﻜﺒﻮا ً‬ ‫ﻓﺒﻴﻌﻮﻫﻢ ﻟﻌﺒﺎد اﷲ وﻻ ﺗﻌﺬﺑﻮﻫﻢ‪.‬‬

‫ﻃﺎﻟﻤﺎ أﻧﻪ ﻳﺤﻜﻢ ﺑﻤﺎ أﻧﺰل اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ‪.‬‬

‫أﻳﻬﺎ اﻟﻨﺎس‪ ،‬اﺳﻤﻌﻮا ﻛﻼﻣﻲ واﻓﻬﻤﻮه‪:‬‬ ‫ﻷي ٍ‬ ‫ﻣﺴﻠﻢ أن ﻳﺄﺧﺬ ﻣﻦ أﺧﻴﻪ اﻟﻤﺴﻠﻢ‬ ‫إن اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ إﺧﻮة‪ ،‬وﻻ ﻳﺤﻖ ّ‬ ‫ﺑﻌﻀﺎ‪ ،‬اﻟﻠّﻬﻢ ﻫﻞ ﺑﻠّﻐﺖ؟‬ ‫ﻳﻈﻠﻤﻦ ﺑﻌﻀﻜﻢ ً‬ ‫ّإﻻ ﻣﺎ ﻳﻌﻄﻴﻪ إﻳﺎه ﻋﻦ ﻃﻴﺐ ﺧﺎﻃﺮ‪ ،‬ﻓﻼ ّ‬

‫ﻳﻮﻣﺎ ﻣﺎ‪ ،‬ﻟﻬﺬا ﻻ ﺗﺘﻔﺮﻗﻮا وﻻ ﺗﻘﺘﻠﻮا ﺑﻌﻀﻜﻢ ﻣﻦ ﺑﻌﺪي‪.‬‬ ‫وإﻧﻜﻢ ﺳﺘﻤﻮﺗﻮن وﺗﻼﻗﻮا رﺑّﻜﻢ ً‬ ‫اﻟﺤﺎﺿﺮ ﻳُﻌﻠﻢ اﻟﻐﺎﺋﺐ‪ ،‬ﻋﺴﻰ أن ﻳﻌﻲ اﻟﻐﺎﺋﺒﻮن ﻛﻼﻣﻲ أﻓﻀﻞ ﻣﻤﻦ ﺳﻤﻌﻪ ﻣﻨﻲ‪.‬‬ ‫وإﻧﻜﻢ ﺳﻮف ﺗُﺴﺄﻟﻮن ﻋﻨﻲ‪ ،‬ﻓﻤﺎذا ﺳﺘﻘﻮﻟﻮن ﺣﻴﻨﺌ ٍﺬ؟‬

‫ﻧﺸﻬﺪ أﻧﻚ ﺑﻠّﻐﺖ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ‪ ،‬وأﺗﻤﻤﺖ ﻣﻬ ّﻤﺘﻚ‪ ،‬وأﻧﻚ أﺳﺪﻳﺖ ﻟﻨﺎ ﻧﺼﺎﺋﺤﻚ‪.‬‬

‫‪62‬‬


‫ﻣﺮات‪:‬‬ ‫ﺛﻢ أﺷﺎر ﺑﺎﺗﺠﺎه اﻟﺠﻤﻮع ّ‬ ‫وردد ﺛﻼت ّ‬

‫ﺳﺒﺎﺑﺘﻪﻟﻠﺴﻤﺎءﻛﻤﺎﻓﻌﻞﻓﻲاﻟﻠﺤﻈﺎت‬ ‫رﻓﻊ ٌ‬ ‫ﻣﺤﻤﺪ ّ‬ ‫اﻷوﻟﻰﻟﻮﻻدﺗﻪ‪.‬‬

‫اﻟﻠّﻬﻢ اﺷﻬﺪ‪.‬‬

‫)‪(2‬‬

‫ﺛﻢ أوﺣﻰ اﷲ ﻟﺮﺳﻮﻟﻪ ﻫﺬه اﻵﻳﺔ‪:‬‬

‫اﻟَْﻴ ْﻮ َم َأ ْﻛ َﻤ ْﻠ ُﺖﻟَُﻜ ْﻢ ِدﻳَﻨُﻜ ْﻢ‪،‬‬ ‫َوَأْﺗ َﻤ ْﻤ ُﺖ َﻋَﻠ ْﻴُﻜ ْﻢﻧِ ْﻌ َﻤِﺘﻲ‪،‬‬ ‫)‪(3‬‬ ‫ﻴﺖ ﻟَُﻜ ُﻢ ْاﻹ ِْﺳَﻼ َم ِدﻳًﻨﺎ‪.‬‬ ‫َوَر ِﺿ ُ‬

‫‪63‬‬


‫(‪ .)1‬حجة الوداع‪:‬‬

‫‪ l‬فإن هذه الحجة كانت يف السنة التي عاد فيها الحج إىل وقته وكانت سنة عرش‪ .‬قال الجمهور‪ :‬فرض الحج وكان سنة ست من الهجرة أي وصححه‬ ‫الرافعي يف باب السري وتبعه النووي‪ .‬وقيل فرض سنة تسع‪ .‬وقيل سنة عرش انتهى‪ ،‬وبه قال أبو حنيفة‪ ،‬ومن ثم قال إنه عىل الفور‪ .‬وقيل فرض قبل الهجرة‬ ‫واستغرب‪.‬‬ ‫وعند خروجه ﷺ للحج أصاب الناس باملدينة جدري [‪ ]...‬أو حصبة‪ ،‬منعت كثريا من الناس من الحج معه ﷺ‪ ،‬ومع ذلك كان معه جموع ال يعلمها‬ ‫إال الله تعاىل‪ ،‬قيل كانوا أربعني ألفا‪ ،‬وقيل كانوا سبعني ألفا وقيل كانوا تسعني ألفا وقيل كانوا مائة ألف وأربعة عرش ألفا وقيل وعرشين ألفا‪ ،‬وقيل كانوا‬ ‫أكرث من ذلك‪.‬‬ ‫وكان خروجه ﷺ يوم الخميس لست بقني من ذي القعدة أي وقيل يوم السبت لخمس بقني من ذي القعدة ورجحه بعضهم وأطال يف االستدالل له‬ ‫وذلك سنة عرش نهارا بعد أن ترجل وادهن‪ ،‬وبعد أن صىل الظهر باملدينة‪ ،‬وصىل عرص ذلك اليوم بذي الحليفة ركعتني‪ ،‬وطاف تلك الليلة عىل نسائه‪ ،‬أي‬ ‫فإنهن كن معه ﷺ يف الهوداج وكن تسعة‪ ،‬ثم اغتسل‪ ،‬ثم صىل الصبح أي والظهر‪ ،‬ثم طيبته عائشة ريض الله تعاىل عنها بذريرة‪ :‬هي نوع من الطيب‬ ‫مجموع من أخالط الطيب وبطيب فيه مسك‪ ،‬ثم أحرم ﷺ أي وذلك بعد أن اغتسل إلحرامه غري غسله األول‪ ،‬وتجرد يف إزاره وردائه‪ ،‬أي فقد روى‬ ‫الشيخان أنه ﷺ أحرم يف رداءه وإزار‪ ،‬ومل يغسل الطيب بل كان يرى وبيص املسك يف مفارقه ولحيته الرشيفة‪.‬‬ ‫ثم لبى ﷺ أي بعد أن استقبل القبلة فقال‪ :‬لبيك اللهم لبيك‪ ،‬لبيك ال رشيك لك لبيك‪ ،‬إن الحمد والنعمة لك وامللك ال رشيك لك‪.‬‬ ‫يل بن إبراهيم بن أحمد الحلبي‪ ،‬دار الكتب العلمية – بريوت‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1427( -‬هـ‪/‬‬ ‫‪ n‬السرية الحلبية ‪ -‬إنسان العيون يف سرية األمني املأمون‪ ،‬لع ٍّ‬ ‫‪2006‬م)‪ ،‬الجزء (‪ ،)3‬الصفحة (‪.)386-360‬‬

‫(‪ .)2‬خطبة الوداع‪:‬‬

‫صل الله عليه وسلم يف يوم عرفة خطبة جامعة يف جموع املسلمني الذين احتشدوا حوله يف املوقف‪ ،‬هذا نصها‪:‬‬ ‫‪ l‬وألقى رسول الله ّ‬ ‫لعل ال ألقاكم بعد عامي هذا بهذا املوقف أبدا‪ .‬أيها الناس‪ ،‬إ ّن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم‬ ‫«أيها الناس‪ :‬اسمعوا قويل‪ ،‬فإين ال أدري ّ‬ ‫كل يشء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع ودماء الجاهلية موضوعة وإ ّن أول دم أضع من دمائنا دم ابن‬ ‫هذا يف شهركم هذا يف بلدكم هذا‪ .‬أال وإن ّ‬ ‫ربيعة بن الحارث وربا الجاهلية موضوع‪ ،‬وأ ّول ربا أضع ربا العباس بن عبد املطلب‪ ،‬فإنه موضوع كلّه‪.‬‬ ‫أيها الناس‪ ،‬إ ّن الشيطان قد يئس من أن يعبد بأرضكم هذه أبدا‪ ،‬ولكنه إن يطع فيام سوى ذلك فقد ريض به مام تحقرون من أعاملكم‪ ،‬فاحذروه عىل‬ ‫يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويح ّرمونه عاما ليواطئوا ع ّدة ما حرم الله فيحلوا ما ح ّرم الله ويحرموا ما‬ ‫دينكم‪ .‬أيها الناس‪ ،‬إ ّن النيسء زيادة يف الكفر ّ‬ ‫أحل الله‪ ،‬وإ ّن الزمان قد استدار كهيأته يوم خلق الله السموات واألرض‪ .‬السنة اثنا عرش شهرا‪ ،‬منها أربعة حرم‪ ،‬ثالثة متواليات‪ :‬ذو القعدة وذو الحجة‬ ‫واملح ّرم ورجب مرض الذي بني جامدى وشعبان‪.‬‬ ‫اتقوا الله يف النساء‪ ،‬فإنكم إمنا أخذمتوهن بأمان الله واستحللتم فروجه ّن بكلمة الله‪ .‬إ ّن لكم عليه ّن حقا وله ّن عليكم حقا‪ :‬لكم عليهن أن ال يوطنئ‬ ‫فرشكم أحدا تكرهونه فإن فعلن ذلك فارضبوهن رضبا غري م ّربح‪ ،‬ولهن عليكم رزقه ّن وكسوته ّن باملعروف‪ .‬فاعقلوا أيها الناس قويل فإين قد بلغت‪ ،‬وقد‬ ‫تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به‪ :‬كتاب الله وسنة رسوله‪.‬‬ ‫يا أيها الناس‪ ،‬اسمعوا وأطيعوا وإن أ ّمر عليكم عبد حبيش مج ّدع ما أقام فيكم كتاب الله تعاىل‪ .‬أرقاءكم أرقاءكم‪ .‬أطعموهم مام تأكلون واكسوهم مام‬ ‫تلبسون‪ ،‬وإن جاؤوا بذنب ال تريدون أن تغفروه‪ ،‬فبيعوا عباد الله وال تعذبوهم‪.‬‬ ‫يحل المرئ من أخيه إال ما أعطاه عن طيب نفس منه‪ ،‬فال‬ ‫كل مسلم أخ للمسلم‪ ،‬وأن املسلمني إخوة‪ ،‬فال ّ‬ ‫أيها الناس‪ ،‬اسمعوا قويل واعقلوه‪ ،‬تعلم ّن أن ّ‬ ‫فلعل بعض من يبلغه‬ ‫تظلم ّن أنفسكم‪ ،‬اللهم هل بلغت؟ وستلقون ربكم فال ترجعوا بعدي ضالال يرضب بعضكم رقاب بعض‪ ،‬أال ليبلّغ الشاهد الغائب‪ّ ،‬‬ ‫أن يكون أوعى له من بعض من سمعه‪ ،‬وأنتم تسألون عني فام أنتم قائلون؟ قالوا‪ :‬نشهد أنك قد بلّغت وأ ّديت ونصحت‪ .‬فقال بأصبعه السبابة‪ ،‬يرفعها‬ ‫إىل السامء‪ ،‬وينكتها إىل الناس‪ :‬اللهم اشهد (ثالث مرات)»‪.‬‬ ‫‪ n‬فقه السرية النبوية مع موجز لتاريخ الخالفة الراشدة‪ ،‬ملحمد سعيد رمضان البوطي‪ ،‬دار الفكر ‪ -‬دمشق‪ ،‬الطبعة الخامسة والعرشون ‪ 1426( -‬هـ)‪،‬‬ ‫املجلد األول‪ ،‬الصفحة (‪.)326-325‬‬

‫‪64‬‬


‫(‪ .)3‬اليوم أكملت لكم دينكم‪:‬‬

‫‪ l‬عن عمرو بن خارجة ريض الله تعاىل عنهم قال‪« :‬بعثني عتاب بن أسيد إىل رسول الله صىل الله عليه وسلم يف حاجة ورسول الله صىل الله عليه وسلم‬ ‫واقف بعرفة فبلغته ثم وقفت تحت ناقة رسول الله صىل الله عليه وسلم وإن لعابها ليقع عىل رأيس‪ ،‬فسمعته يقول‪ :‬أيها الناس إن الله قد أدى إىل كل‬ ‫ذي حق حقه‪ .‬وإنه ال تجوز وصية لوارث والولد للفراش‪ ،‬وللعاهر الحجر‪ .‬ومن ادعى إىل غري أبيه أو موىل غري مواليه فعليه لعنة الله واملالئكة والناس‬ ‫أجمعني‪ ،‬ال يقبل الله له رصفا وال عدال‪ ،‬وجاءه صىل الله عليه وسلم جامعة من نجد فسألوه كيف الحج؟ فأمر مناديا ينادي‪ :‬الحج عرفة‪ .‬من جاء ليلة‬ ‫جمع‪ ،‬أي املزدلفة قبل طلوع الفجر فقد أدرك الحج» [‪ ]...‬أي وقال صىل الله عليه وسلم «وقفت ههنا وعرفة كلها موقف» زاد مالك يف املوطأ «وارفعوا‬ ‫عن بطن عرنة»‪ .‬ويف كالم بعضهم نزلت‪ :‬الْ َي ْو َم أَكْ َمل ُْت لَ ُك ْم ِدي َن ُك ْم َوأَتْ َ ْم ُت َعلَ ْي ُك ْم نِ ْع َم ِتي [املائدة‪ :‬اآلية ‪ ]3‬يوم الجمعة بعد العرص والنبي صىل الله عليه‬ ‫وسلم واقف بعرفات عىل ناقته العضباء‪ ،‬فكاد عضد الناقة يندق من ثقل الوحي‪.‬‬ ‫يل بن إبراهيم بن أحمد الحلبي‪ ،‬دار الكتب العلمية – بريوت‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1427( -‬هـ‪/‬‬ ‫‪ n‬السرية الحلبية ‪ -‬إنسان العيون يف سرية األمني املأمون‪ ،‬لع ٍّ‬ ‫‪2006‬م)‪ ،‬الجزء (‪ ،)3‬الصفحة (‪.)374‬‬

‫‪65‬‬


s www.facebook.com/M-80-II-941772382615672

66


‫طلع الله ملحد من شابهه اباه ماظلم‪.‬‬

‫شهد‬

‫ـ‬

‫‪Emad Pechi‬‬

‫احنا نلم بعضنا برش و آلهة و نشوف الكبري ونروحله يا اما نروح قسم الرشطة‪.‬‬

‫ـ‬

‫ايهابالقاضي‬

‫امللحد يقول اين الله‪ .‬يرد عليه الله ويقول [الله ال اله اال هو الحي القيوم]‪ .‬يقوم‬ ‫اله الله يرد عليه ويقول [لو ان الله يسمع او يعقل ما كان من الضالني املكذبني]‬

‫زياد عبد الرحمن‬

‫الله أدرى مبصالح عباده منهم ‪ ،‬وما حدا أحسن من حدا ‪ ..‬هكذا تم‬ ‫تغييب العقل الجمعي للمجتمعات املتدينة‪.‬‬

‫‪Abdu Alsafrani‬‬

‫لكل يش ٍء خالق إال عند الوصول إللههم تتوقف السلسلة‪ ،‬سبهان الله‪.‬‬

‫‪67‬‬


‫مجلة شهرية بجهود فردية تصدر في الثاني عشر من كل شهر‬

The Arab MagazineMagazine is a digital produced TheAtheists Arab Atheists is apublication digital publication by volunteers andbycommitted and produced volunteerstoandpromoting committedthetothought promoting writingstheof thought atheists and of various complete freewritingspersuasions of atheistswith of various persuadom. Thewith Magazine doesfreedom. not adoptThe or endorse anydoes formnotof adopt politisions complete Magazine cal ideology affiliation. or or endorse any form of political ideology or affiliation Contributors of the content, illustrations Contributorsbear bearthethefullfullresponsibility responsibility of the content, illustraandtions topicsandthey provide insofar as it covers copyright and issues topics they provide insofar as it covers copyright andof intellectual property. issues of intellectual property Express permission to publish the Magazine is provided by conExpress permission for to in publish in the Magazine is provided tributors, whether they are members of the Arab Atheists by contributors, whether they are members of the ArabMagazine Atheists Group or of other atheists and non-religious contributors. Magazine Group of other atheists and non-religious contributors TheTheMagazine does notnot publish material thatthat is unethical or or thatthat inMagazine does publish material is unethical cites racism or bigotry. incites racism or bigotry The Editorial Board reserves the rightthe to republish content originally The Editorial Board reserves right to republish content published on the Magazine’s Facebook group, as publishing originally published on the Magazine’s Facebook group,there as implicitly contains consent for republication in the Magazine. publishing there implicitly contains consent for republication in the Magazine

:‫موقع املدونة اخلاصة بنا لألرشفة على اإلنترنت‬ www.aamagazine.blogspot.com ‫البريد اإللكتروني‬ el7ad.organisation@gmail.com magazine@arabatheistbroadcasting.org


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.