مجلة الملحدين العرب / العدد السابع والستون / يونيو حزيران / 2018

Page 1

‫مجلة شهرية بجهود فردية تصدر يف الثاين عرش من كل شهر‬

‫الرصاع بني األخالق والدين‬ ‫د‪.‬عبد العزيز القناعي‬

‫حصانة املقدس جـ ‪2‬‬

‫عباس عبود‬

‫هدم أسطورة دين العفة‬ ‫جـ ‪ :7‬محمد ‪2 -‬‬

‫العدد السابع والستون من مجلة امللحدين العرب ‪ -‬يونيو ‪ /‬حزيران لسنة ‪.2018‬‬

‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫املسيح َّية‪..‬‬ ‫خيان ُة ثورة!‬ ‫تهدف مجلّة امللحدين العرب إىل نرش وتوثيق أفكار امللحدين العرب املتنوعة وبحريّ ٍة كاملة‪ ،‬وهي مجلّ ٌة رقمي ٌة غري ربح ًّية‪ ،‬مبني ٌة‬ ‫أي توج ٍه سيايس‪ .‬املعلومات واملواضيع املنشورة يف املجلّة متثل آراء كاتبيها فقط‪ ،‬وهي مسؤل ّيتهم من‬ ‫بجهو ٍد طوعي ٍة ال تتبع َّ‬ ‫الناحية األدب ّية ومن ناحية حقوق النرش وحفظ امللك ّية الفكريّة‪.‬‬


‫كلمة تحرير املجلة‬

‫«العوام هم ق ّوة املستبد وقُوت ُه‪ ،‬بهم عليهم يصول ويطول‪ ،‬يأرسهم فيتهلّلون لشوكته‪،‬‬ ‫ويغصب أموالهم فيحمدونه عىل إبقائه حياتهم‪ ،‬ويُغري بعضهم عىل ٍ‬ ‫بعض فيفتخرون‬ ‫رحيم»‬ ‫بسياسته‪ ،‬وإذا أرسف يف أموالهم يقولون كرميًا‪ ،‬وإذا قتل منهم ومل ُيثِّل يعتربوه ً‬ ‫‪ -‬عبد الرحمن الكواكبي من كتابه «طبائع االستبداد ومصارع االستعباد»‪.‬‬

‫فريق التحرير‬

‫املشارك يف هذا العدد‬

‫رئيس التحرير‬ ‫‪Gaia Athiest‬‬

‫فالعوام عىل مر التاريخ هم املادة الخام لسيطرة الحاكم‪ ،‬يتحكّم بهم ويُسلطهم عىل‬ ‫بعضهم البعض‪ ،‬ينرش بينهم ما يريده من أفكا ٍر ويحجب عنهم ما يريد‪.‬‬

‫أعضاء هيئة التحرير وبناء املجلة‬

‫يُسلّط عليهم رجال الدين تار ًة لتخويفهم من عصيانه وإلضافة طابع التقديس عىل‬ ‫شخصه أو يُسلِّط عليهم إرهابه العسكري تار ًة أخرى! ويُسلِّط إعالمه والربوباغاندا‬ ‫املمولة لغسل أدمغتهم وتسطيحها‪ ،‬باإلضافة إىل التجهيل املستمر والتعليم الرديء‬ ‫وسحق كرامتهم يف كل فرص ٍة تسنح له بذلك‪.‬‬

‫‪John Silver‬‬ ‫الغراب الحكيم‬ ‫‪Alia’a Damascéne‬‬ ‫غيث جابري‬ ‫‪Ali Alnajafi‬‬ ‫أسامة البني (الوراق)‬ ‫‪Abdu Alsafrani‬‬ ‫‪Raghed Rustom‬‬ ‫‪Johnny Adams‬‬ ‫ليث رواندي‬ ‫‪Yonan Martotte‬‬ ‫إيهاب فؤاد‬

‫تغيت شيئًا فشيئًا أفكار الشعوب‪ ،‬وانترشت مع‬ ‫ولكن مع تط ّور الزمن وتط ّور الوعي ّ‬ ‫السلطات‬ ‫عرص األنوار أفكا ٌر جديد ٌة تُنظم أساليب الحكم ومن أهمها مبدأ فصل ُ‬ ‫الذي تكلم عنه املفكر السيايس الفرنيس مونتسكيو يف كتابه «روح القانون»‪ ،‬والذي‬ ‫والسلطة‬ ‫السلطات الحاكمة لثالثة أقسام‪ :‬السلطة التنفيذية والسلطة الترشيعية ُ‬ ‫قسم ُ‬ ‫يُ ِّ‬ ‫القضائية‪ ،‬ورغم أن هذا املبدأ كان موجو ًدا بصور ٍة مبدئي ٍة يف الجمهورية الرومانية‬ ‫القدمية‪ ،‬إال أنه وبعد عرص األنوار والثورة الفرنسية انترش يف أغلب دول العامل واستمر‬ ‫إىل يومنا الحايل‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫مهامت إضافي ًة‬ ‫السلطات متارس باإلضافة إىل مهامتها الدستورية‬ ‫أهم ما فيه أن هذه ُ‬ ‫رقابي ًة عىل بعضها‪ ،‬فيؤدي هذا إىل القضاء عىل الفساد قدر املستطاع والحفاظ عىل‬ ‫الشفافية مع الشعوب‪.‬‬ ‫ومع تطور وعي الشعوب بحقوقها أصبح من الصعب استغاللها كام يف السابق‪ ،‬رغم أنه‬ ‫مازال موجو ًدا بأشكا ٍل مختلف ٍة ولكن كلام تسلح الشعب بالثقافة وسعة األفق لن يكون‬ ‫السلطة‬ ‫من السهل استغالله أو تسيريه‪ .‬أما بالدنا فهي ما زالت ترزح تحت استبداد ُ‬ ‫واستغالل العوام وتحريكهم كالقطيع يف أي اتجا ٍه يريده الحاكم‪.‬‬ ‫لدينا مشكل ٌة حقيقي ٌة يف الحريات بتن ّوعها سوا ًء أكانت الحريات السياسية أو الفكرية أو‬ ‫الدينية أو التعبريية‪ ،‬بسبب القمع من الدولة ومن املجتمع ومن العوام أنفسهم ضد كل‬ ‫من يغرد خارج الرسب‪ ،‬فيتم تسخيف القضايا الهامة واختزالها يف صو ٍر مبتذل ٍة حتى مت ّر‬ ‫عقاب أو اعتقال‪ ،‬فيلجأ بعض من يريدون الظهور كمناضلني إىل التصدر بالقضايا‬ ‫دون ٍ‬ ‫التافهة والتطبيل للحاكم يف نفس الوقت! وهذا ينطبق عىل كافة أطياف املجتمع سوا ًء‬ ‫كانوا سياسيني أو تنويريني أو إصالحيني‪ ،‬غ ِّردوا كام شئتم ولكن حذاري من االقرتاب من‬ ‫اإلصالحات الحقيقية السياسية أو الدستورية أو النظام الحاكم‪.‬‬ ‫اليوجد نظام فصلٍ للسلطات يف بالدنا واليوجد نظام رقاب ٍة من السلطات عىل بعضها‬ ‫أومحاسب ٌة لبعضها البعض أومحاكم دستورية مستقلة‪ ،‬وحتى إن ُوجدت فهي شكلي ٌة ال‬ ‫تربط وال تحل! اليوجد من يحاسب الحاكم إذا استبد‪ ،‬واليوجد من يحاسب املسؤول إذا‬ ‫أفسد‪ ،‬وال املقرص عىل تقصريه‪.‬‬ ‫ألن شعوبنا رضخت لقرونٍ طويل ٍة تحت الظلم واالستبداد وتحولت لكتلٍ من العوام‬ ‫املغيبني الذين يطبّلون للحاكم عىل الحق والباطل! لذلك ال حل لنا للخروج من هذه‬ ‫الدوامات إال تطوير وتغيري الوعي وخلق مجتمعٍ مواطنيه واعني متعلمني ف ّعالني‬ ‫يُ ِ‬ ‫حدثون التغيري الحقيقي ويأخذون بالدنا نحو التقدم واالزدهار‪ ،‬فالعوام هم أيضً ا‬ ‫يغيوا‬ ‫ق ّو ٌة إذا اتحدوا وتثقفوا يستطيعون أن يُسقطوا حكا ًما وأن يرفعوا حكا ًما‪ ،‬وأن ّ‬

‫‪2‬‬

‫القوانني ويُنشؤوا العدالة االجتامعية‪ ،‬وأن ينظ ّموا أنفسهم‬ ‫ويبنوا مجتمعاتهم‪ ،‬وأن يكونوا دو ًما قو ًة تُحاسب الحاكم‬ ‫وتخيفه‪ ،‬ويف النهاية الحاكم املتصالح مع شعبه لن يحتاج‬ ‫لحامي ٍة منهم‪ ،‬بل سيضع يده يف أيديهم ويرتقى بهم ويرتقون‬ ‫به إىل أعىل املستويات‪.‬‬ ‫دمتم عقالء متنورين‪...‬‬ ‫‪Gaia Athiest‬‬


‫الفهرس‬ ‫كلمة تحرير املجلة‬

‫‪2‬‬

‫الفهرس‬

‫‪3‬‬

‫الرصاع بني األخالق والدين‬

‫‪4‬‬

‫د‪ .‬عبد العزيز القناعي‬ ‫هدم أسطورة دين العفة جـ ‪ :7‬محمد ‪8 2 -‬‬ ‫‪Moussa Eightyzz‬‬ ‫حصانة املقدس جـ ‪( 2‬دين مقدس)‬

‫‪31‬‬

‫عباس عبود‬ ‫املسيح َّية‪ ..‬خيان ُة ثورة!‬

‫‪56‬‬

‫سرية محمد بن آمنة‬

‫‪67‬‬

‫ترجمة عن منشورات شاريل إيبدو‬ ‫كاريكاتور‬

‫‪75‬‬

‫ﻣﻼﺣﻈﺔ‪ :‬ﻋﻨﺎوﻳﻦ اﳌﻘﺎﻻت ﻫﻲ رواﺑﻂ‪ ،‬اﻧﻘﺮ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻟﺘﺄﺧﺬك ﻣﺒﺎﴍ ًة إﱃ اﳌﻘﺎل‬

‫‪3‬‬


‫الرصاع بني األخالق والدين‬ ‫د‪.‬عبد العزيز القناعي‬

‫وقد قال سقراط «إن الفضيلة عل ٌم والرذيلة جهل»؛‬ ‫فاألخالق هي جملة املبادئ النظرية والقواعد العملية‬ ‫التي عىل املرء اتّباعها ليحيا وفق طبيعته بوصفه كائ ٌن‬ ‫اجتامعي له طلباتٌ وغرائز وحاجات‪.‬‬ ‫ٌّ‬

‫انشغل العديد من الفالسفة واملفكرين واملثقفني‪ ،‬سوا ًء‬ ‫الغربيني أو العرب واملسلمني‪ ،‬يف تحديد وتعريف ماهية‬ ‫وخصوصا‬ ‫األخالق وعالقتها بالدين واملجتمع واألفراد‪،‬‬ ‫ً‬ ‫بعد الثورات العلمية والصناعية واملعرفية التي ألقت‬ ‫بظاللها عىل جميع املصطلحات واملعاين واللغات التي‬ ‫لها عالق ٌة بالترصف والسلوك واألفكار‪.‬‬

‫جانب آخر‪ ،‬قدمت األديان يف نسختها الساموية‬ ‫ويف‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وتوصيات‬ ‫واألرضية األخالق بكونها ذات صبغ ٍة إلهي ٍة‬ ‫ديني ٍة تنبع من لدن الوحي وتوصيات األنبياء والرسل‬ ‫والتابعني‪.‬‬

‫وتاريخ ًيا‪ ،‬عرف اإلنسان التجربة األخالقية حني بدأ‬ ‫أحكام قيمي ٍة عىل سلوكه وسلوك اآلخرين‬ ‫بإصدار‬ ‫ٍ‬ ‫تتعلق بالخري والرش والخطأ والصواب‪ ،‬وهذه األحكام أو‬ ‫القوانني البدائية شكلت منظوم ًة حكمي ًة ضابط ًة لسلوك‬ ‫وترصفات الفرد واملجموعات داخل املجتمعات القدمية‪.‬‬ ‫قيم ُخلقي ٍة تكون ضابط ًة‬ ‫فال مجتم ٌع‬ ‫برشي بدون ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫لسلوكيات األفراد‪ .‬فاإلنسان وحده هو الذي يحمل صفة‬ ‫الكائن العقالين األخالقي ألن القيم األخالقية أصبحت‬ ‫تقرتب من الرضورات والحاجات البيولوجية‪.‬‬

‫فاألخالق اإلسالمية هي األخالق واآلداب التي حث عليها‬ ‫ٍ‬ ‫محمد‬ ‫اإلسالم وذُكرت يف القرآن والسنة اقتدا ًء بالنبي‬ ‫َّ َ َ َ َٰ‬ ‫خلقًا لقول الله عنه‪ِ﴿ :‬إَونك لعل‬ ‫الذي هو أكمل البرش ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُخل ٍق َع ِظ ٍيم﴾ ‪...‬وبهذا انحرص معنى ومفهوم األخالق يف‬ ‫املجتمعات العربية واإلسالمية يف الدين فقط ويف الرتاث‬ ‫عب عن كامل األخالق ومعناه ونهاياته‪.‬‬ ‫اإلسالمي الذي يُ ّ‬ ‫‪4‬‬


‫الرصاع بني األخالق والدين‬ ‫لكن السؤال املهم اليوم‪ ،‬وبعد ما ذكرناه من تقدم اإلنسان‬ ‫علم ًيا وحضاريًا ومعرف ًيا‪ ،‬وبعد توسع العالقات البرشية وانفتاح‬ ‫الشعوب وظهور الفلسفات الحديثة والقوانني العلامنية‬ ‫املدنية هو‪ :‬هل لألخالق عالق ٌة بالدين؟‪...‬‬ ‫أي هل يجب عىل اإلنسان أن يخالف إنسانيته وفطرته يك‬ ‫أخالقي ملجرد أن الفعل املطلوب‬ ‫ميارس أو يترصف بشكلٍ غري‬ ‫ٍّ‬ ‫وواجب عىل اإلنسان؟؟ وكمثا ٍل عىل‬ ‫رشعي‬ ‫تنفيذه هو أم ٌر‬ ‫ٌ‬ ‫ٌّ‬ ‫ذلك نقول هل السبايا وملك اليمني وزواج القارصات ٌ‬ ‫أفعال‬ ‫أخالقي ٌة مبفهوم األخالق الحديث؟‪...‬‬ ‫أم أنها ترصفاتٌ وسلوكياتٌ مقبول ٌة بل ويجب تطبيقها ألنها‬ ‫مرشوع ٌة دين ًيا وتم تنفيذها يف التاريخ اإلسالمي؟؟‪...‬‬ ‫ويف تساؤ ٍل آخر هل ما تم تصويره مؤخ ًرا يف الكويت عن إلقاء القبض عىل رجلٍ من املتشبهني بالنساء وكشف مالبسه‬ ‫وشم عىل الظهر كمخالف ٍة قانوني ٍة لعامل يعمل يف أحد املقاهي يعترب أم ًرا ال أخالق ًيا ومناف ًيا لحقوق الجسد‬ ‫إلثبات وجود ٍ‬ ‫تطبيق للقانون؟؟‬ ‫وكرامة الوافدين أم أنه‬ ‫ٌ‬ ‫كويتي فهل سيتجرأ املفتش بعرض صورة املواطن؟؟‪...‬‬ ‫وهل لو كانت املخالفة ملواطنٍ‬ ‫ّ‬ ‫ال شك أنها إشكالياتٌ عميقة‪ ،‬فاألمر ال يتوقف عند هذا الحد‪ .‬فام كشفت عنه الحادثة هو ردة الفعل بني أفرا ٍد وجدوا‬ ‫ودستوري عىل قيمة اإلنسان وجسده مهام كانت انتامءاته أو‬ ‫الئق بل هو مبثابة تع ٍّد قانو ٍّين‬ ‫يف هذا الترصف أم ًرا غري ٍ‬ ‫ّ‬ ‫أيضا متشب ٌه‬ ‫ديانته أو ميوله الجنسية‪ ،‬وبني أفرا ٍد وجدوا أن املتهم يستحق التشهري‪ ،‬ليس فقط ألنه‬ ‫ٌ‬ ‫مخالف بل ألنه ً‬ ‫بالنساء كام قلنا سابقًا وهو ما يؤذي مشاعرهم اإلسالمية ويعتدي عىل مجتمعهم املحافظ كام ذكر البعض؛ وهذه‬ ‫الحادثة ٌ‬ ‫رصحون ألّ أخالق بدون دينٍ‬ ‫دليل عىل خلط الكثري من الناس بني األخالق والدين‪ ،‬بل نجد الكثري من الناس ي ّ‬ ‫وهذا خطأٌ كبري‪ ،‬فاألخالق هي املنظومة الضابطة للسلوكيات املقبولة التي تتوافق عليها الجامعة وفق القانون املتوافق‬ ‫رأي أو دين أو مذهب األكرثية‪.‬‬ ‫عليه دستوريًا وميثل العدالة واملساواة‪ ،‬وليس وفق ّ‬ ‫ومن جه ٍة أُخرى هناك ٌ‬ ‫أعامل مستهجن ٌة ومرفوض ٌة ال يقبلها الذوق االجتامعي‪ ،‬وال تتوافق مع طبيعة العالقات اإلنسانية‬ ‫أيضا يحددها القانون برشط ّأل تتعارض مع حرية اآلخرين‪.‬‬ ‫االجتامعية‪ ،‬وهذه ً‬ ‫ٌ‬ ‫أخالق وقي ٌم راقي ٌة‬ ‫إذن هنا نستطيع أن نقول بأن املبادئ األخالقية مختلف ٌة ومتعدد ٌة عند الشعوب‪ ،‬ونسبية‪ .‬فهناك‬ ‫شعب ما‪ ،‬بينام تجدها غري مقبول ٍة وممجوج ٍة ومستهجنة‪ ،‬بل وحرا ٌم عند‬ ‫وحضاري ٌة وت ُعترب من العادات السائدة عند ٍ‬ ‫شعب آخر أو حتى عند نفس الدين أو نفس املذهب‪...‬‬ ‫ٍ‬ ‫‪5‬‬


‫تهمـــة ازدراء األديــــان‬ ‫شعب وآخر يجعل من اإلنسان خاض ًعا ملبادئ قدمي ٍة ال‬ ‫فحرش األخالق يف الدين فقط ورفض نسبيتها واختالفها بني‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫تتوافق مع العرص الحديث‪ ،‬أو ت ُعترب مبثابة ثقلٍ‬ ‫وتشوهات‬ ‫مضاعفات نفسي ٍة وعقلي ٍة‬ ‫نفيس يؤدي يف النهاية إىل‬ ‫وضغط ٍّ‬ ‫بدل من أن تكون غايتها خدمة‬ ‫يف الترصفات والسلوك اإلنساين القويم‪ .‬فإضفاء صفة القدسية عىل األخالق‪ ،‬يجعلها ً‬ ‫اإلنسان يف الحياة بتنظيم عالقاته االجتامعية‪ ،‬تصبح أن ال غاية من وجود اإلنسان إال خدمة األخالق املقدسة‪.‬‬ ‫فالعادات والتقاليد مثل الرشف واألكل واللباس والزواج والصدق والشجاعة والكرم واحرتام الجار والصداقة هي ٌ‬ ‫أخالق‬ ‫شعب إىل آخر‪ ،‬ومن بيئ ٍة إىل أُخرى‪ .‬وكذلك اليوم ت ُعترب املثلية وحقوق اإلنسان‬ ‫تختلف يف تعريفها وتطبيقاتها من‬ ‫ٍ‬ ‫واإلجهاض واالستنساخ واإلعدام واإللحاد‪ ،‬من القضايا األخالقية التي يختلف عليها الناس‪ ،‬ومل تعد ملحق ًة بالدين أو‬ ‫بالتحريم األبدي ‪...‬‬ ‫أي أن األخالق تتطور وتتغري وتتشكل حسب الواقع وحسب الحياة ومتطلباتها مبا يحفظ لإلنسان حريته وكرامته ورأيه‪.‬‬ ‫فال مجال اليوم أن يكون اإلنسان وصيًا عىل األخالق أو عىل اإلنسان‪ ،‬وال مجال ألن يعتدي أي فر ٍد عىل حرية اآلخر‬ ‫مختلف عنك يف الدين‬ ‫طاملا مل تؤ ِّد حريته إىل إحداث الرضر واألذى‪ ،‬وال مجال أن يتم إهانة كرامة أي إنسانٍ ملجرد أنه‬ ‫ٌ‬ ‫واملذهب وامليول الجنسية‪...‬‬ ‫وقبيح عىل‬ ‫فاإلنسان قيم ٌة عليا‪ ،‬وهو صانع الحضارة والعلم والفلسفة والفنون‪ ،‬وإهانة عقله وجسده هو اعتدا ٌء صار ٌخ‬ ‫ٌ‬ ‫قيم الحداثة وحقوق اإلنسان والحريات الفردية‪.‬‬

‫‪www.facebook.com/M-80-II-941772382615672‬‬

‫‪s‬‬

‫‪6‬‬


https://www.facebook.com/groups/arbangroup/

7


‫هدم أسطورة دين الع ّفة جـ ‪7‬‬ ‫محمد ‪2 -‬‬

‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫عن الخصائص النبوية‬ ‫تأكيدً ا لكل ما سبق وإضاف ًة عليه‪ ،‬ننقل عن املصادر اإلسالمية تقريرهم‬ ‫ملا يس ّمى ’’خصائص النبي‘‘‪ ،‬وهي املميزات التي يق ّرون بأن خالق الكون‬ ‫قد منحها لرسوله من دون الناس‪.‬‬ ‫متعلق بالنكاح وما حوله؛ بعضها مررنا‬ ‫والطريف أن أكرث تلك الخصائص‬ ‫ٌ‬ ‫به وبعضها جديدٌ صادم‪.‬‬ ‫‪8‬‬


‫هدم أسطورة دين الع ّفة‬ ‫جـ ‪ :7‬محمد ‪2 -‬‬

‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫من تفسري القرطبي لآلية ‪ 50‬من سورة األحزاب نقرأ أن‬ ‫الله قد أحل لنبيه ستة عرش أم ًرا‪ ،‬ما يهمنا منها هو‬

‫لدينا رجل غريك‬

‫‪« -1‬ال ِّزيَا َدة َع َل أَ ْربَع نِ ْس َوة» فهو قد جمع بني إحدى‬ ‫عرشة زوج ًة كام قلنا‪،‬‬ ‫‪« -2‬ال ِّنكَاح ِبلَف ِْظ الْ ِه َبة» أي بكلمة “وهبتك نفيس” من‬ ‫ٍ‬ ‫رشوط أخرى للعقد كاملهر أو الشهود أو الويل‪،‬‬ ‫دون أي‬ ‫«سقُوط الْق َْسم بَ ْي ْالَ ْز َواج َع ْن ُه» وهو ما مررنا به‬ ‫‪ُ -3‬‬ ‫ملزم بالعدل بني زوجاته‪،‬‬ ‫من أن محم ًدا غري ٍ‬ ‫‪« -4‬إِذَا َوقَ َع بَ َصه َع َل اِ ْم َرأَ ٍة َو َج َب َع َل َز ْوج َها ط َ​َلق َها»!!‬ ‫‪ -5‬وأما األخرية فهي أنه «إِذَا طَل َ​َّق اِ ْم َرأَة تَبْقَى ُح ْر َمته‬ ‫َعلَ ْي َها ف َ​َل تُ ْنكَح»‪.‬‬

‫ويف مصادر أخرى عديد ٍة وردت تلك الخصائص النبوية‪ ،‬ونقتبس فيام ييل عن موقع “موسوعة الكلم الطيب” وعن‬ ‫ٍ‬ ‫صل الله عليه وسلّم”‪.‬‬ ‫بحث منشو ٍر عىل اإلنرتنت أليب معاوية البريويت بعنوان “خصائص النبي ّ‬ ‫من تلك الخصائص كام قلنا أنه يحق للنبي الزيادة عن أربع زوجات؛ ويف تفسري ابن كثري‪ ،1/640 ،‬ينقل لنا عن اإلمام‬ ‫وسلَّ َم‪ -‬املبينة عن الله أنَّه ال يجو ُز ٍ‬ ‫ألحد غري رسو ِل الله‬ ‫الشافعي أنه قال «وقد دلَّت سن ُة رسو ِل الله َ‬ ‫صلَّ الل ُه علي ِه َ‬‫الشافعي مجم ٌع عليه‬ ‫وسلَّ َم‪ -‬أن يجم َع بني أكرث من أربع نسوة»‪ ،‬ويضيف ابن كثري «وهذا الذي قاله‬ ‫َ‬ ‫صلَّ الل ُه علي ِه َ‬‫ُّ‬ ‫بني العلام ِء»‪.‬‬ ‫ومنها اختصاصه بالزواج بدون و ٍّيل أو شهود‪ ،‬ألن النبي‪ ،‬كام جاء يف القرآن‪ ،‬أوىل باملؤمنني من أنفسهم‪ .‬ويقول ابن قدامة‬ ‫صل الله عليه وسلم بغري و ٍّيل وغري شهو ٍد فمن خصائصه يف النكاح فال يلحق به غريه»‪ ،‬وذلك‬ ‫يف املغنى «أما نكاح النبي ّ‬ ‫قالت‪َ :‬‬ ‫وسلَّ َم‪:‬‬ ‫قال ّ‬ ‫يض الل ُه عن ُها‪ْ -‬‬ ‫صل الل ُه علي ِه َ‬ ‫رغم أن هذا ال يصح رش ًعا‪ ،‬ففي “إرواء الغليل”‪« ،6/258 ،‬عن عائش َة ‪َ -‬ر َ‬ ‫كاح إال بو ٍّيل وشاهدينِ ”»‪ ،‬ويف “نرضة النعيم” ‪ 1/508‬تربي ٌر لذلك االستثناء املحمدي‪ ،‬فنقرأ «إمنا اعتُ ِ َب الو ُّيل يف نكا ِح‬ ‫“ال نِ َ‬ ‫وسلَّ َم‪َ -‬‬ ‫صلَّ‬‫فوق األَكْفَا ِء‪ ،‬وإنّ ا اعتُ ِ َب الشُّ هو ُد ألمنِ ال ُج ُحو ِد‪ ،‬وهو َ‬ ‫األُ َّم ِة للمحافظ ِة عىل الكفاء ِة‪ ،‬وهو َ‬ ‫صلَّ الل ُه علي ِه َ‬‫وسلَّ َم‪ -‬ال يجح ُد»‪.‬‬ ‫الل ُه علي ِه َ‬ ‫هكذا فالنبي فوق الشبهات وفوق الشك وفوق الرشيعة التي جاء بها‪ ،‬ومن تتزوجه ال تحتاج إىل و ٍّيل‪ ،‬وذلك رغم أنه‬ ‫ٍ‬ ‫محمد أن املرأة التي تُزوج نفسها بدون و ٍّيل تعترب زانية! كام يف “ألحكام الصغرى”‪ ،613 ،‬و‬ ‫جاء يف أحاديث أخرى عن‬ ‫“رشح البخاري” البن امللقن‪ ،24/403 ،‬و “تحفة املحتاج”‪ ،2/364 ،‬وغريها‪.‬‬ ‫‪9‬‬


‫هدم أسطورة دين الع ّفة‬ ‫جـ ‪ :7‬محمد ‪2 -‬‬

‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫ٍ‬ ‫محمد مل يقررها برش‪ ،‬وإمنا هي ت ُنسب لخالق الكون‬ ‫لكن املالحظ أن زيجات‬ ‫ذاته‪ ،‬فالله شخص ًّيا هو الذي ز ّوج محم ًدا جميع نسائه‪ .‬فنقرأ ذلك يف سورة‬ ‫األحزاب ‪37‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫ْ َ ُ ُ َّ‬ ‫ْ َ َ َّ ُ َ َ ْ َ ْ َ ْ َ َ َ ْ ْ ْ َ َ ْ َ َ ْ َ َ‬ ‫ك َواتَّق َّ َ‬ ‫الل‬ ‫ج‬ ‫و‬ ‫ز‬ ‫ك‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ِك‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫أ‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫ع‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫الل‬ ‫م‬ ‫ع‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫ِي‬ ‫ِل‬ ‫﴿ِإَوذ تقول ل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ َ َ َّ ُ َ َ ُّ َ َ ْ َ ُ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ض َزيْدٌ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َوتْ ِف ِف َن ْفسِك ما الل مبدِيهِ وتش انلاس والل أحق أن تشاه فلما ق ٰ‬ ‫ّ ْ َ َ َ ً َ َّ ْ َ َ َ َ َ َ ُ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ََْ َْ‬ ‫ع ال ْ ُم ْؤ ِمن َ‬ ‫ِني َح َر ٌج ِف أزو ِ‬ ‫اج أدع َِيائ ِ ِه ْم إِذا‬ ‫مِنها وطرا زوجناكها ل ِكْ ل يكون‬ ‫َ َ ْ ْ ُ َّ َ َ ً َ َ َ َ ْ ُ َّ َ ْ ُ ً‬ ‫قضوا مِنهن وطرا وكن أمر اللِ مفعول﴾‬

‫كام يف أحاديث عديدة‪ ،‬وبالطبع فمن ال يصدق أن الله هو من ز َّوج نساء‬ ‫ٍ‬ ‫محمد له فعليه أن يصعد بنفسه إىل الساموات ليتأكد منه!‬ ‫وهناك إباحة املوهوبة له‪ ،‬فمن حق النبي أن يتزوج أي امرأ ٍة بكلمة الهبة‬ ‫فقط‪ ،‬كام قال ابن كثري يف تفسري األحزاب ‪...« 50‬أما هو‪ ،‬عليه السالم‪ ،‬فإنه ال‬ ‫يجب عليه للمفوضة يش ٌء ولو دخل بها‪ ،‬ألن له أن يتزوج بغري صداقٍ وال و ٍّيل‬ ‫وال شهو ٍد‪ ،‬كام يف قصة زينب بنت جحش‪ ،‬ريض الله عنها‪ .‬ولهذا قال قتادة‬ ‫ْ‬ ‫َ َ ً َ َ ْ ُ‬ ‫ون ال ُم ْؤ ِمن َِني﴾‪ ،‬يقول‪ :‬ليس المرأ ٍة أن تهب نفسها‬ ‫يف قوله‪﴿ :‬خال ِصة لك مِن د ِ‬ ‫صل الله عليه وسلم»‪.‬‬ ‫لرجلٍ بغري و ٍّيل وال مه ٍّر إال للنبي ّ‬ ‫ٍ‬ ‫محمد يف أن يعقد عىل املرأة من غري استئامرها ألنه أوىل‬ ‫ثم هناك حق‬ ‫باملؤمنني من أنفسهم‪ ،‬فال يحق للمؤمنة طب ًعا رفض ما أمر به رسول الله‪.‬‬ ‫كام يُباح للرسول النكاح يف اإلحرام‪ ،‬باملخالفة للرشيعة‪ ،‬فقال النووي يف‬ ‫صل الله عليه وسلم‬ ‫“املجموع رشح املهذب” «األصح عند أصحابنا أن للنبي ّ‬ ‫أن يتزوج يف حال اإلحرام‪ ،‬وهو قول أيب الطيب بن سلمة وغريه من أصحابنا‪،‬‬ ‫واملسألة مشهور ٌة يف الخصائص من أول كتاب النكاح»‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫محمد يف ما يسمى “الصفي” وهو أن يصطفي من الغنيمة‬ ‫أيضا حق‬ ‫هناك ً‬ ‫خاص به وحده؛ قال ابن امللقن يف “غاية‬ ‫ما يشاء قبل القسمة‪ ،‬وهو أم ٌر ٌّ‬ ‫السول”‪:‬‬ ‫«اصطفاء ما يختاره من الغنيمة قبل قسمتها من جاري ٍة أو غريها‪ ،‬ويس ّمى‬ ‫صل الله عليه وسلم‬ ‫املختار الصفي والصفية‪ ،‬والجمع الصفايا‪ ،‬ومن صفاياه ّ‬ ‫صفية بنت حيي‪ ،‬اصطفاها وأعتقها وتزوجها»‪.‬‬ ‫‪10‬‬


‫هدم أسطورة دين الع ّفة‬ ‫جـ ‪ :7‬محمد ‪2 -‬‬

‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫ثم نأيت للخاصية األخرية‪ ،‬أن النبي‬ ‫«إِذَا طَل َ​َّق اِ ْم َرأَ ًة تَ ْبقَى ُح ْر َمته َعلَ ْي َها ف َ​َل تُ ْنكَح»‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫أي أنه ال يجوز ٍ‬ ‫محمد بعد طالقه‬ ‫ألحد أن يتزوج نساء‬ ‫لهن‪ َ ،‬أو بعد موته؛ كام جاء يف سورة األحزاب َ‪53‬‬

‫َ ُّ َ َّ َ َ ُ َ َ ْ ُ ُ ُ ُ َ َّ َّ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫ّ‬ ‫ب إِل أن يُؤذن‬ ‫َ﴿يا أيها َ الِين آمنوا ل تدخلوا بيوت انل ِ ِ‬ ‫َ َْ َ‬ ‫ين إنَاهُ َو َلٰك ْن إ َذا ُدع ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ِيت ْم‬ ‫ِْ ِ‬ ‫لكم إ ِ ٰل طعا ٍم غي ناظ ِ​ِر ِ‬ ‫َ ْ‬ ‫شوا َو َل ُم ْس َتأنِس َ‬ ‫اد ُخلُوا فَإ َذا َطعِ ْم ُت ْم فَانتَ ِ ُ‬ ‫ِني ِ َ‬ ‫ف‬ ‫ِيث‬ ‫لد ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ُ ْ َ َّ ُ َ‬ ‫َّ َّ َ‬ ‫َّ َ ٰ ُ ْ َ َ ُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫إِن ذل ِكم كن يؤذِي انل ِب فيستح ِي مِنكم والل ل‬ ‫َ َ َ ْ ُ ُ ُ َّ َ َ ً َ ْ َ ُ ُ‬ ‫ي َ ْس َت ْ‬ ‫حي م َِن ْ َ‬ ‫اسألوه َّن مِن‬ ‫ال ّ ِق ِإَوذا سألموهن متاع ف‬ ‫ِ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫ُ ُ​ُ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َو َراءِ ح َ‬ ‫اب ذٰل ِك ْم أ ْط َه ُر ل ِقلوبِك ْم َوقلوب ِ ِه َّن َو َما كن‬ ‫ِج‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ ْ َ ُ ْ ُ َ ُ َ َّ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫لكم أن تؤذوا رسول اللِ ول أن تنكِحوا أزواجه مِن بع ِده ِ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ ُ َ َ‬ ‫َ َّ‬ ‫اللِ َع ِظ ًيما﴾‪،‬‬ ‫أبَ ًدا إِن ذٰل ِك ْم كن عِند‬

‫وهي قص ٌة تستحق وقف ًة أخرى‪ ،‬تأيت يف إطار الحديث عن زيجاته ببعض التفصيل‪.‬‬

‫زيجــاته!‬ ‫الكل يعرف بشكلٍ عا ٍّم قصة زواج نبي اإلسالم بأوىل زوجاته‪ :‬التاجرة الرثية التي استأجرت محم ًدا ليتاجر يف أموالها‪ ،‬ثم‬ ‫ٍ‬ ‫روايات إسالمي ًة يحرص الشيوخ عىل عدم ذكرها أمام العوام‪ ،‬منها كيفية‬ ‫ما لبثت أن دعته إىل الزواج بها‪ ،‬ولكن هناك‬ ‫حدوث ذلك الزواج املبارك‪.‬‬ ‫حيث نقرأ أن خديجة أسقت والدها خم ًرا حتى مثل‪،‬‬ ‫ثم دعت محم ًدا وأقرباءه ودخلوا عليه وأقنعوه وهو‬ ‫سكران بأن يزوج خديجة ملحمد؛ وحني أفاق الرجل‬ ‫غضب وأخذ سالحه‪ ،‬وكذلك فعل بنو هاشم‪ ،‬وكادت‬ ‫تندلع الحرب‪ .‬نقرأ القصة يف “تاريخ الطربي”‪ ،‬باب زواج‬ ‫خديجة‪ ،‬ويف “الطبقات الكربى” البن سعد‪ ،‬ذكر تزويج‬ ‫الرسول خديجة بنت خويلد‪.‬‬ ‫وطوال حياة خديجة مل يتزوج محم ٌد غريها‪ ،‬ودعمته‬ ‫هي مال ًّيا واجتامع ًّيا ونفس ًّيا‪ ،‬ولكن بعد وفاتها وبعد‬ ‫الهجرة‪ ،‬بدأ سلسلة زيجاته ومغامراته النسائية‪.‬‬ ‫‪11‬‬


‫هدم أسطورة دين الع ّفة‬ ‫جـ ‪ :7‬محمد ‪2 -‬‬

‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫عائـشـة‬ ‫أما الزوجة األشهر‪ ،‬عائشة‪ ،‬فقد تزوجها وهي يف السادسة من عمرها‪ ،‬ثم دخل بها وهي يف التاسعة‪.‬‬ ‫القصة نقرأها يف “صحيح البخاري” ‪ ،3894 ،‬و “صحيح مسلم”‪ ،1422 ،‬و “سنن أيب داود” ‪ ،4933 ،‬وغريها من املصادر‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬حيث تحيك عائشة نفسها قائلة‬ ‫صل الل ُه عليه وسلَّم وأنا بنت‬ ‫«تزوجني النبي ّ‬ ‫ست سنني‪ ،‬فقدمنا املدينة‪ ،‬فنزلنا يف بني الحارث‬ ‫بن خزرج‪ ،‬فوعكت فتمزق شعري فوىف جميمة‪،‬‬ ‫فأتتني أمي أم رومان‪ ،‬وإين لفي أرجوح ٍة‪ ،‬ومعي‬ ‫صواحب يل‪ ،‬فرص َخ ْت يب فأتيتها‪ ،‬ال أدري ما تريد‬ ‫يب فأخذت بيدي حتى أوقفتني عىل باب الدار‪،‬‬ ‫وإين ألنهج حتى سكن بعض نفيس‪ ،‬ثم أخذتْ شيئًا‬ ‫من ما ٍء فمسحت به وجهي ورأيس‪ ،‬ثم أدخلتني‬ ‫الدار‪ ،‬فإذا نسو ٌة من األنصار يف البيت‪ ،‬ف ُقلْن‪ :‬عىل‬ ‫الخري والربكة‪ ،‬وعىل خري طائرٍ‪ ،‬فأسلمتني إليهن‪،‬‬ ‫صل‬ ‫فأصلحن من شأين‪ ،‬فلم يرعني إال رسول الله ّ‬ ‫الل ُه عليه وسلَّم ضحى‪ ،‬فأسلمتني إليه‪ ،‬وأنا يو َمئذ‬ ‫بنت تسع سنني»‪.‬‬ ‫وتفاصيل القصة‪ ،‬كام تحكيها بطلتها‪ ،‬تعترب أبلغ ر ٍّد عىل من يربر جرمية اغتصاب طفل ٍة عن طريق ترديد مزاعم سخيف ٍة‬ ‫بشأن بلوغ الفتيات بشكلٍ مبك ٍر يف تلك البيئات‪ ...‬إلخ؛‬ ‫فهنا نرى أنهم قد أخذوا عائشة‪ ،‬ليس وهي تدرس يف الجامعة‪ ،‬وليس وهي تقرأ كتابًا يف إدارة األعامل‪ ،‬وإمنا وهي تلعب‬ ‫عىل أرجوح ٍة كأي طفلة؛ كام مل يسترشها أح ٌد فيأخذ موافقتها‪ ،‬بل مل يخربوها أين يذهبون بها! فإن مل يكن ذلك اغتصابًا‬ ‫رصي ًحا‪ ،‬بتواطؤ األهل‪ ،‬فال أدري ماذا يكون!‬ ‫ويف مصادر أخرى‪ ،‬مثل “البداية والنهاية” البن كثري ‪ 3/129‬و “مجمع الزوائد” للهيثمي ‪ 9/228‬و“تاريخ اإلسالم” للذهبي‬ ‫ٍ‬ ‫هي ابن ُة أخي ِه؟!”‪ ،‬لكنه رسعان ما وافق‬ ‫محمد استنكر األمر ً‬ ‫‪ ،1/280‬نقرأ أن أبا بك ٍر حني سمع برغبة‬ ‫قائل “أ َو تصلُح لَ ُه َو َ‬ ‫تحت إرصار رسول الله‪.‬‬ ‫‪12‬‬


‫أسطورةﰲدين العفّة‬ ‫هدم‬ ‫ﺻﻮرﺗني‬ ‫اﳌﻮت ‪..‬‬ ‫جـ ‪ :7‬محمد ‪2 -‬‬

‫اﻟﻌﺪو‪.‬‬ ‫شخصنياﻟﻨﻮع‬ ‫بني أن ﻫﺬا‬ ‫ﺗﺬﻛﺮت‬ ‫واﻹﻧﺠﻴﻞ؟‬ ‫أبسطاﻟﻘﺮآن‬ ‫ﻛﺘﺎﺑﺔ‬ ‫يتصور أي‬ ‫ﻫﻮ أحد‬ ‫اﻷﺳﺌﻠﺔ وال‬ ‫ﻣﻦ واعيني‪.‬‬ ‫ناضجني‬ ‫أنهﺛﻢرشاك ٌة‬ ‫قواعد الزواج‬ ‫درج ٍة من التقارب أو التفاهم العقيل بني رجلٍ يف العقد السادس وطفل ٍة يف‬ ‫التاسعة‪.‬ﻧﻔﴘ ﻳﺎ ﺗﺮى ﻣﺎ ﻫﻮ ﺗﺄﺛري اﻟﺠﺎذﺑﻴﺔ ﻋﲆ ﻧﺎر ﺟﻬﻨﻢ وﻫﻞ ﻣﻦ اﳌﻤﻜﻦ أن‬ ‫ﺳﺄﻟﺖ‬ ‫وأﻏﻠﺐ‬ ‫اﳌﻌﺮوف أن‬ ‫ﻛﺘﻠﺘﻬﺎ؟‬ ‫ﺗﺘﺤﻮل‬ ‫شكلإﱃ ٍ‬ ‫اﻟﻜﻔﺎريفﻛ ٌرثمثل تلك‬ ‫حني نفكر‬ ‫هذينﻣﻦالزوجني؟‬ ‫ازدﻳﺎد بني‬ ‫ﺑﺴﺒﺐأن يدور‬ ‫أﺳﻮدميكن‬ ‫ﺛﻘﺐالذي‬ ‫الحوار‬ ‫ما‬ ‫ﻣﻠﻴﺎرجنسي ٍ‬ ‫ﺟﻬﻨﻢ ﻟﺘﻨﻬﺎر ﻋﲆ‬ ‫كونهﻫﻨﺎ‪.‬‬ ‫اﳌﻄﺎف‬ ‫ﺳﻜﺎن‬ ‫ﺗﺤﺘﺎجللنبي‪.‬‬ ‫إﻧﺴﺎنٍة بحت ٍة‬ ‫مجردﻛﻢنزو ٍة‬ ‫ﺳﻴﻨﺘﻬﻲ الﺑﻬﻢيعدو‬ ‫اﻷرضأن األمر‬ ‫األسئلة نجد‬ ‫ﻟﺜﻘﺐ أﺳﻮد؟‬ ‫ﻧﻔﺴﻬﺎ وﺗﺘﺤﻮل ٍ‬ ‫ينس محم ٌد أن ينسب تلك الزيجة لله‪ ،‬حيث قال إنه رأى عائشة يف املنام‪،‬‬ ‫ومل َ‬ ‫ﺑﻌﻘﻞٍيف‬ ‫اﳌﻌﻠﻢذلك‬ ‫ﺧﻠﻘﻨﻲ نقرأ‬ ‫ﳌﺎذاواآلخرة‪.‬‬ ‫الدنيا‬ ‫ﻏري زوجته‬ ‫اﻷﺳﺌﻠﺔهذه‬ ‫فيقول له‬ ‫بصورتها‬ ‫يأيت له‬ ‫ﻣﺤﻤﻮد‪،‬يفﻟﻜﻦ‬ ‫اﻟﻨﻮع ﻣﻦ‬ ‫جربيلﻫﺬا‬ ‫ﺗﺬﻛﺮت أن‬ ‫ﺛﻢ‬ ‫ﺧﻠﻘﻪباب‬ ‫الصحيح”‪،‬‬ ‫ﻳﻌﺎﻗﺒﻨﻲ وﻋﲆ“الجامع‬ ‫فضل عائشة‪،‬‬ ‫النووي”‪ ،‬باب‬ ‫مسلم‬ ‫“صحيحﻫﺬه ٍ‬ ‫ﱄ؟‬ ‫اﺳﺘﺨﺪام ﻣﺎ‬ ‫اﳌﻌﻠﻮﻣﺎت‪ ،‬ﺛﻢ‬ ‫برشحوﻳﺤﺎﻛﻢ‬ ‫اﻷﺳﺌﻠﺔ‬ ‫ﻳﻄﺮح‬ ‫ﺻﺤﻴﺢ أﻧﻨﻲ ﺳﺄﺣﱰق إﱃ اﻷﺑﺪ ﻟﻜﻨﻬﺎ ﻓﺮﺻ ٌﺔ ﻻ ﺗﻌﻮض أن أﻛﻮن داﺧﻞ‬ ‫فضل أﺳﺌﻠ ًﺔ‪،‬‬ ‫ﻛﻔﻰ‬ ‫عائشة‪ٌ .‬‬ ‫ٍ‬ ‫ﺗﻔﺎﻋﻼت وأرﺻﺪﻫﺎ دون أن أﻣﻮت‪.‬‬ ‫ﻫﻜﺬا‬ ‫وفوق هذا‪ ،‬فإن تلك القصة هي أحد أهم األدلة التي يستخدمها الفقهاء إلباحة‬ ‫اﻟﻌﺬاب ً‬ ‫والدخول بهن‪،‬‬ ‫األطفال‬ ‫نكاح‬ ‫هوا‬ ‫بالقصةﻛﺎﻣري‬ ‫واستشهادهم وﺟﻮد‬ ‫النبوية‪ ،‬ﻟﻜﻨﻲ ﻻﺣﻈﺖ‬ ‫بالسنةوأﺗﻌﺬب‪،‬‬ ‫عمل أﴏخ‬ ‫وأﻧﺎ‬ ‫ﺟﻬﻨﻢ وﺑﺪأ‬ ‫دﺧﻠﺖ ﻧﺎر‬ ‫ﺑﻌﺬايب‪.‬بها محم ٌد‪ ،‬عىل‬ ‫ﻳﺘﻤﺘﻌﻮا دخل‬ ‫بالغ ٍةﻟيكوقت أن‬ ‫ﻷﻫﻞغري‬ ‫وﺗﺒﺜﻪطفل ًة‬ ‫ﻋﺬايبكانت‬ ‫ﺗﺼ ّﻮرعائشة‬ ‫عىل أن‬ ‫ﰲ ٌ‬ ‫اﻟﺠﻨﺔ‬ ‫دليلأﻋﲆآخرﺟﻬﻨﻢ‬ ‫عكس ما يحاول إثباته بعض املسلمني (املودرن) الخجولني بشد ٍة من ترصفات‬ ‫نبيهم‪.‬‬ ‫اﳌﺆﻣﻨﻮن اﻟﺬﻳﻦ ﺗﺤﻤﻠﻮا ﻣﻘﺎﻻيت اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ اﻟﻴﻮم ﻳﺴﺘﻄﻴﻌﻮن أن ﻳﺸﻔﻮا ﻏﻠﻴﻠﻬﻢ‪،‬‬

‫ﻫﺎ أﻧﺎ أﺣﱰق وأﺗﻌﺬب وﻫﻢ ﻋﲆ اﻷراﺋﻚ ﻣﺘﻜﺌﻮن‪ ،‬ﻓﺮﺣني مبﺎ أﻋﻄﺎﻫﻢ اﳌﻌﻠﻢ ﻣﻦ‬ ‫‪ ،196965‬فبعد‬ ‫واﻟﻨﺴﺎءرقم‬ ‫الفتوى‪ ،‬فتوى‬ ‫ﻳﻀﺎﺟﻌﻮنمركز‬ ‫“إسالم ويب”‪،‬‬ ‫نقرأه‬ ‫وهذا ٍﺔ ما ٍ‬ ‫أزواﺟﻬﻦ‬ ‫ﻳﺸﺎﻫﺪن‬ ‫اﻟﺤﻮرﻳﺎت‬ ‫موقعاﻟﺬﻛﻮر‬ ‫وإﺟﺎص يفوﻧﺒﻴﺬ‪،‬‬ ‫ﻓﺎﻛﻬ‬ ‫ﺳﻌﺪاء؟! البخاري ومسلم‪ ،‬يقول «‪ ...‬وهذا يدل‬ ‫ﻫﻢعائشة يف‬ ‫حديثﻛﻢزواج‬ ‫املفتي‬ ‫يذكر‬ ‫أن‬ ‫وﻳﺤﻔّﺰﻧﻬﻢ ﻋﲆ اﳌﺰﻳﺪ‪.‬‬ ‫عىل صغرها وأنها مل تبلغ الحلم‪ ،‬فقد كانت تلعب يف أرجوح ٍة لها مع صواحبها‬ ‫يف اليوم الذي بني عليها فيه»‪ .‬ثم يقول «ولذلك قالت ريض الله عنها‪ :‬إذا بلغت‬ ‫ﺳﻴﺒﻘﻮن ﻋﲆ ُاﻷراﺋﻚ ﻣﺘﻜﺌني إﱃ اﻷﺑﺪ‪ ،‬ﻳﺄﻛﻠﻮن اﻹﺟﺎص وﻳﺘﻀﺎﺟﻌﻮن دون ﺗﻮﻗﻒ‪،‬‬ ‫الجارية تسع سنني فهي امرأة‪ ،‬ذكره الرتمذي يف سننه‪ .‬وهذا ليس معناه أنها قد‬ ‫ﴫ ﻫﻨﺎ وذاك ﻟﻪ ٌ‬ ‫ﻣﻨﺰل ﻫﻨﺎك‪.‬‬ ‫ﻫﺬا‬ ‫بلغتﻟﻪ ﻗ ٌ‬ ‫املحيض وصارت مكلف ًة‪ ،‬وإمنا معناه صالحها للزواج يف الغالب‪ ،‬فيكون لها‬ ‫حكم املرأة يف هذه األمور وما يتصل بها‪ ،‬ولذلك فإن أهل العلم يستدلون بزواج‬ ‫ﻳﻮﺟﺪ أﻧﻬﺎ ٌر ﻣﻦ اﻟﻨﺒﻴﺬ اﻟﺬي ﻻ ﻳﺴﻜﺮ أو ﻣﺎ ﻛﻨﺎ ﻧﺴﻤﻴﻪ ﻋﺼ ًريا ﻋﲆ اﻷرض‪ ،‬أﻧﻬﺎ ٌر‬ ‫صل الله عليه وسلم بعائشة‪ ،‬ودخوله بها يف هذه السن‪ ،‬عىل مسألة نكاح‬ ‫النبي ّ‬ ‫ﻣﻦ اﻟﻌﺼري‪.‬‬ ‫صل الله عليه وسلم مد ًة قد تصل‬ ‫الصغرية‪ .‬وقد ظلت السيدة عائشة عند النبي ّ‬ ‫لخمس سنني وهي غري بالغة»‪.‬‬ ‫ﻓﺠﺄ ٌة ﺧﻄﺮت ﰲ ﺑﺎﱄ ﻓﻜﺮة‪ ،‬ﻣﺎ ﻫﻲ اﻟﻐﺎﻳﺔ ﻣﻦ ﺟﻨﺎنٍ ﻟﻠﻤﻀﺎﺟﻌﺔ إﱃ اﻷﺑﺪ؟ ﻛﻴﻒ‬ ‫ﻫﺬا‬ ‫ﺗﺬﻛﺮت‬ ‫اﻟﻜﻮن؟ ﺛﻢ‬ ‫وﻋﻈﻤﺔ‬ ‫اﻟﺠﻮاب‬ ‫ﺗﻜﻮن‬ ‫تكنأنبالغ ًة‬ ‫عائشة مل‬ ‫تؤكد أن‬ ‫اﻟﻮﺟﻮدالتي‬ ‫ﻋﲆاإلسالم‬ ‫علامء‬ ‫ﻫﻲأقوال‬ ‫اﻟﺠﻨﺎنبنقل‬ ‫ويستمرﻫﺬهاملوقع‬ ‫وأنهاﻗﴣ‬ ‫والدخول‪،‬اﻟﺬي‬ ‫اﻷﺳﺌﻠﺔ ﻫﻮ‬ ‫اﻟﻨﻮع ﻣﻦ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫سنوات ولذلك‬ ‫محمد عدة‬ ‫ﻋﲇ‪.‬طفل ًة يف بيت‬ ‫ظلت‬ ‫الزواج‬ ‫وقت‬

‫سمح لها باللعب بال ُّدمى (العرائس)‪.‬‬

‫‪36‬‬ ‫‪13‬‬

‫ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻋﲆ اﻟﻔﻴﺴﺒﻮك‬


‫هدم أسطورة دين الع ّفة‬ ‫جـ ‪ :7‬محمد ‪2 -‬‬

‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫ونكمل الفتوى‪« :‬قال العيني يف “عمدة القاري”‪:‬‬ ‫صل الله‬ ‫مطابقته للرتجمة من حيث أن رسول الله ّ‬ ‫عليه وسلم كان ينبسط إىل عائشة‪ ،‬حيث يرىض بلعبها‬ ‫بالبنات‪ ،‬ويرسل إليها صواحبها حتى يلع َنب معها‪ ،‬وكانت‬ ‫ٍ‬ ‫حينئذ غري بالغة‪ ،‬فلذلك ر ّخص لها‪ .‬والكراهة‬ ‫عائشة‬ ‫فيها قامئ ٌة للبوالغ‪ ،‬وقد بقيت عىل هذه الحال إىل غزوة‬ ‫خيرب عىل الراجح‪ .‬قال الخطايب‪ ... :‬إمنا أرخص لعائشة‬ ‫فيها ألنها إذ ذاك كانت غري بالغ‪ .‬قال البيهقي يف ’’السنن‬ ‫الكربى‘‘‪ :‬كانت صغري ًة يف الوقت الذي ُزفَّت فيه إىل‬ ‫صل الله عليه وسلم ومعها اللعب ‪ ...‬وليس يف‬ ‫النبي ّ‬ ‫يش ٍء من الروايات أنها كانت بلغت مبلغ النساء بغري‬ ‫السن يف وقت زفافها» انتهى‪.‬‬ ‫بعد خطبة النبي لعائشة‪ ،‬وقبل زواجه منها‪ ،‬تزوج من‬ ‫امرأ ٍة أخرى هي سودة بنت زمعة‪ ،‬ولها قص ٌة أخرى مشوقة‪.‬‬

‫الظلم الحالل‬

‫َْ َ ُ​ُ ً َْ َْ ً َ َ‬ ‫ْ َ​ٌَ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ال ُج َنا ْ َح َعلَيْه َمآ أَن يُ ْصل َِحا بَيْ َن ُه َما ُصلْحاً‬ ‫ِإَون ٱمرأة خافت مِن بعل ِها نشوزا أو إِعراضا ف‬ ‫نبدأ ْمن اآلية ‪ 128‬من سورة النساء ﴿ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َو ُّ‬ ‫ٱلصل ُح َخ ْ ٌي﴾‪.‬‬

‫حني ننظر يف التفاسري نجد أن اآلية تتحدث عن املرأة الدميمة أو كبرية السن‪ ،‬والتي تخاف من زوجها أن يطلقها‪ ،‬حيث‬ ‫بإمكانها أن تتنازل له عن بعض حقوقها يف مقابل أن يتمسك بها!‬ ‫رجل سأل عل ًّيا ريض الله عنه عن قوله‪{ :‬فَالَ ُج َنا َْح َعلَ ْيه َِم أَن يُ ْصلِ َحا بَ ْي َن ُه َم ُصلْ ًحا} قال‪:‬‬ ‫ومن تفسري الطربي لآلية «أن ً‬ ‫تكون املرأة عند الرجل دميم ًة فتنبو عينه من دمامتها أو كربها‪ ،‬فإن جعلت له من أيامها أو مالها شيئًا فليس عليه‬ ‫رجل سأل عمر عن اآلية فقال كال ًما مشاب ًها «هذه املرأة تكون عند الرجل قد خال من ِس ّنها‪ ،‬فيتز ّوج‬ ‫جناح»؛ ثم يخربنا أن ً‬ ‫املرأة الشابة يلتمس ولدها‪ ،‬فام اصطلحا عليه من يش ٍء فهو جائز»‪.‬‬ ‫َ‬

‫ُ‬

‫َ‬

‫َْ َ ُ ً ْ َْ ً‬ ‫ويف تفسري ابن كثري نفس اليشء «عن عائشة‪ ،‬يف قوله‪ِ﴿ :‬إَون ْ‬ ‫ٱم َرأةٌ َخافَ ْ‬ ‫ت مِن بعل ِها نشوزا أو إِعر‬ ‫اضا﴾ قالت‪ :‬هو الرجل‬ ‫ِ‬ ‫حل من شأين»‪،‬‬ ‫يكون له امرأتان‪ :‬إحداهام قد كربت‪ ،‬أو هي دميم ٌة‪ ،‬وهو ال يستكرث منها‪ ،‬فتقول‪ :‬ال تطلقني‪ ،‬وأنت يف ٍّ‬ ‫ثابت يف الصحيحني‪.‬‬ ‫وهذا الحديث ٌ‬

‫‪14‬‬


‫هدم أسطورة دين الع ّفة‬ ‫جـ ‪ :7‬محمد ‪2 -‬‬

‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫وهنا الظلم والحال املهني للمرأة ال يحتاج م ّنا إىل‬ ‫توضي ٍح‪ ،‬ولكن املفاجأة األخرى التي نجدها يف التفاسري‬ ‫ٍ‬ ‫محمد‬ ‫والروايات وكتب األحاديث هي أن اآلية نزلت يف‬ ‫وواحد ٍة من زوجاته‪ ،‬سودة بنت زمعة‪.‬‬ ‫فتلك املرأة‪ ،‬التي كانت أول من تزوجها محم ٌد بعد‬ ‫وفاة خديجة‪ ،‬فكانت ترعى بيته وتخدم بناته‪ ،‬ما لبثت‬ ‫فمل منها النبي وأراد أن يطلقها‪ ،‬خاص ًة‬ ‫أن كرب سنها ّ‬ ‫أنه قد صار لديه عد ٌد آخر من النساء األصغر واألجمل‪،‬‬ ‫فتوسلت سودة إليه أن يبقى عليها‪ ،‬يف مقابل أن تتنازل‬ ‫عن يومها لعائشة األصغر واألجمل‪ ،‬فوافق النبي بذلك‪،‬‬ ‫ونزل القرآن يبارك ذلك الوضع‪.‬‬ ‫صل الله عليه وسلم‪ ،‬ويف سودة بنت زمعة كانت قد كربت‪ ،‬فأراد رسول‬ ‫ومن الطربي «وزعم أنها نزلت يف رسول الله ّ‬ ‫صل الله عليه وسلم أن يطلقها‪ ،‬فاصطلحا عىل أن ميسكها ويجعل يومها لعائشة‪ ،‬فشحت مبكانها من رسول الله‬ ‫الله ّ‬ ‫صل الله عليه وسلم»‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ويف تفسري ابن كثري لآلية نقرأ «عن هشام‪ ،‬عن أبيه عروة‪ ،‬قال‪ :‬أنزل الله يف سودة وأشباهها‪ِ﴿ :‬إَون ْ‬ ‫ٱم َرأَةٌ َخ ٰـ َف ْ‬ ‫ت مِن َب ْعل َِها‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ُ​ُ ً َْ َْ ً‬ ‫نشوزا أو إِعر‬ ‫صل الله عليه وسلم وضنت‬ ‫اضا﴾ وذلك أن سودة كانت امرأ ًة قد أسنت‪ ،‬ففزعت أن يفارقها رسول الله ّ‬

‫صل‬ ‫صل الله عليه وسلم عائشة ومنزلتها منه‪ ،‬فوهبت يومها من رسول الله ّ‬ ‫مبكانها منه‪ ،‬وعرفت من حب رسول الله ّ‬ ‫صل الله عليه وسلم‬ ‫صل الله عليه وسلم»‪ ،‬ويف رواي ٍة أخرى «بعث النبي ّ‬ ‫الله عليه وسلم لعائشة‪ ،‬فقبل ذلك رسول الله ّ‬ ‫إىل سودة بنت زمعة بطالقها‪ ،‬فلام أن أتاها‪ ،‬جلست له عىل طريق عائشة‪ ،‬فلام رأته قالت له‪ :‬أنشدك بالذي أنزل عليك‬ ‫كالمه‪ ،‬واصطفاك عىل خلقه‪ ،‬ملا راجعتني‪ ،‬فإين قد كربت‪ ،‬وال حاجة يل يف الرجال‪ ،‬لكن أريد أن أبعث مع نسائك يوم‬ ‫القيامة‪ ،‬فراجعها»‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫محمد أن يبقي عليها وهو يرفض‪ ،‬إىل أن تنازلت عن‬ ‫ويف “الطبقات الكربى” البن سعد‪ ،‬باب سودة‪ ،‬أنها ظلت تلح عىل‬ ‫يومها وليلتها لعائشة حبيبة محمد‪ ،‬حيث نقرأ «بعث النبي إىل سودة بطالقها‪ ،‬فلام أتاها جلست عىل طريقه إىل بيت‬ ‫عائشة‪ ،‬فلام رأته قالت أنشدك بالذي انزل عليك كتابه واصطفاك عىل خلقه ملا طلقتني املوجدة وجدتها ّيف (أي لسيئ ٍة‬ ‫ّيف) قال ال؛ قالت فإين أنشدك مبثل األوىل أما راجعتني وقد كربت وال حاجة يل يف الرجال ولكن أُحب أن أُبعث يف نسائك‬ ‫يوم القيامة فراجعها؛ إىل أن قالت فإين جعلت يومي وليلتي لعائشة ح ّبة رسول الله»‪.‬‬ ‫‪15‬‬


‫هدم أسطورة دين الع ّفة‬ ‫جـ ‪ :7‬محمد ‪2 -‬‬

‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫ويف ذات املصدر ترد القصة بشكلٍ أكرث وضو ًحا‪ ،‬يؤكد أن املسألة كانت مسأل ًة جنسي ًة باألساس‪ ،‬حيث ورد «عن عائشة‬ ‫قالت‪ :‬كانت سودة بنت زمعة قد أسنت وكان النبي ال يستكرث منها (أي ال يعارشها جنس ًّيا) وقد علمت مكاين من النبي‬ ‫وانه يستكرث مني (أي كان يضاجعها كثريا!)»‪.‬‬ ‫وهكذا جاء الوضع الجديد‪ ،‬فنقرأ من تفسري ابن كثري «عن ابن ٍ‬ ‫صل الله عليه وسلم تويف عن تسع‬ ‫عباس‪ :‬أن رسول الله ّ‬ ‫نسو ٍة‪ ،‬وكان يقسم لثامن»‪.‬‬ ‫بنت زَم َع َة َوه َبت يو َمها لعائش َة فَكا َن ُ‬ ‫رسول اللَّ ِه‬ ‫ويف “سنن ابن ماجة”‪ ،1618 ،‬نجد‬ ‫كبت َسو َد ُة ُ‬ ‫ً‬ ‫تلخيصا للقصة «ملَّا ِ َ‬ ‫صل الل ُه علَي ِه وسلَّ َم ِ‬ ‫بيوم َسو َدةَ»‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫يقس ُم لعائش َة ِ‬

‫غنيم ٌة أخرى‬ ‫وحني أراد محم ٌد أن ينكح امرأ ًة أخرى شديدة الجامل‪ ،‬أم سلمة‪ ،‬والتي رفضت من قبل الزواج بأيب بك ٍر وعمر‪ ،‬حاولت‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫زيجات سابقة‪ ،‬وأنه ال يوجد شاه ٌد من أوليائها كام جرى العرف‬ ‫أيضا متحجج ًة بأن لديها أوال ًدا من‬ ‫املرأة رفض‬ ‫محمد ً‬ ‫وكام أمر اإلسالم‪ ،‬باإلضافة لكونها‪ ،‬عىل حد قولها‪ ،‬امرأ ًة شديدة الغرية‪ ،‬إال أن النبي رفض حججها جمي ًعا‪ ،‬كام نقرأ يف‬ ‫“الطبقات الكربى” البن سعد‪ ،‬باب أم سلمة‪ ،‬وأجابها بأن الله سيتوىل كل تلك األمور‪ ،‬مبا فيها غريتها!‬ ‫ومام يؤكد أن أم سلمة كانت مغصوب ًة عىل تلك الزيجة‪ ،‬ما ذكرته املصادر‬ ‫اإلسالمية أنها كانت تتهرب من مامرسة الجنس مع النبي‪ ،‬بأنها كانت‬ ‫تأخذ ابنتها لرتضعها كلام رأته‪ ،‬حيث نقرأ يف نفس املصدر السابق «وكان‬ ‫رسول الله يأتيها فإذا جاء أخذت زينب فوضعتها يف حجرها لرتضعها‪.»...‬‬ ‫إال أن أخا أم سلمة‪ ،‬عام ٌر ابن يارس‪ ،‬أدرك ما تقوم به‪ ،‬فدخل عليها وأخذ‬ ‫منها ابنتها بكل غلظ ٍة‪ ،‬وعزلوها عنها‪ ،‬حتى يتمكن النبي من مضاجعتها‪،‬‬ ‫رس ملا تصنع‪ .‬قال فأقبل‬ ‫حيث نقرأ باقي القصة «‪ ...‬ففطن عام ٌر بن يا ٍ‬ ‫يوم وجاء عام ٌر وكان أخاها ألمها‪ ،‬فدخل عليها فاستشطها من‬ ‫ذات ٍ‬ ‫حجرها‪ .‬وقال دعي هذه املقبوحة املشقوحة التي ِ‬ ‫آذيت بها رسول الله‪.‬‬ ‫فدخل (أي محمد) فجعل يقلب برصه يف البيت يقول أين زناب ما‬ ‫فعلت زناب؟ قالت جاء عامر فذهب بها‪ .‬قال فبنى رسول الله بأهله»‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫جديد‬ ‫حزب نسا ٍّيئ‬ ‫ويف كل األحوال‪ ،‬كانت تلك الزيجة سب ًبا يف تدشني ٍ‬ ‫‪16‬‬


‫هدم أسطورة دين الع ّفة‬ ‫جـ ‪ :7‬محمد ‪2 -‬‬

‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫من زوجات محمد‪ ،‬كام تحيك عائشة يف نفس املصدر‪“ ،‬الطبقات الكربى” ‪ ،‬حيث نقرأ «عن عائشة قالت ملا تزوج النبي‬ ‫فتلطفت لها حتى رأيتها فرأيتها والله أضعاف ما ُوصفت يل يف‬ ‫أم سلمة حزنت حزنًا شدي ًدا ملا ذكروا من جاملها؛ قالت‬ ‫ُ‬ ‫الحسن والجامل؛ قالت فذكرتُ ذلك لحفصة‪ ،‬وكانتا ي ًدا واحدةً‪ ،‬فقالت ال والله إن هذه إال الغرية»‪.‬‬ ‫فمن الواضح إذن أن الله مل َّ‬ ‫يتول أمر غرية نساء النبي!‬ ‫مثل أن آية‬ ‫وذلك الثنايئ الذي ستكون له مغامراتٌ أخرى يف بيت النبوة‪ ،‬منها ً‬ ‫ّ‬ ‫ن َِسا ٍء﴾‪ ،‬نزلت بسبب أن أم املؤمنني عائشة وأم املؤمنني حفصة سخرا من هيئة أم املؤمنني أم سلمة‪ ،‬وغري ذلك من‬ ‫القصص‪ ،‬إال أن ما سنهتم بتناوله هنا هو ما يقع داخل موضوعنا األشمل وهو الجوانب الجنسية باألساس‪.‬‬ ‫َْ َ‬ ‫خ ْر قَ ٌ‬ ‫وم ّمِن قَ ْو ٍم‪ ...‬وال ن َِس ٌ‬ ‫اء ّمِن‬ ‫﴿ال يس‬

‫روايات الفحولة النبوية‬ ‫ٍ‬ ‫محمد أن يتساءل عن الجانب‬ ‫من الطبيعي ألي متابعٍ لكرثة زيجات‬ ‫الجنيس‪ :‬كيف ميكن لرجلٍ يف العقد السادس أن يتعامل مع أكرث من‬ ‫عرش نساء؟‬ ‫وهنا تكفلت الروايات‪ ،‬القوية سن ًدا والضعيفة‪ ،‬بسد الفضول واإلجابة‬ ‫عىل التساؤالت سليمة النية أو خبيثتها‪ ،‬فنقرأ يف “صحيح البخاري”‪،‬‬ ‫‪ ،268‬و “صحيح ابن حبان”‪ ،1208 ،‬أن النبي كان يطوف عىل جميع‬ ‫صل‬ ‫النبي ّ‬ ‫نسائه بشكلٍ متتابعٍ‪ ،‬ألن الله منحه قوة ثالثني ً‬ ‫رجل‪« :‬كان ُّ‬ ‫الل ُه عليه وسلَّم يَدو ُر عىل نسائِه يف الساعة الواحد ِة‪ ،‬م َن الليلِ والنهارِ‪،‬‬ ‫قلت ٍ‬ ‫ألنس‪ :‬أ َو كان يُطيقُه؟ قال‪ :‬كنا نتح َّدثُ أنه‬ ‫عشةَ‪ .‬قال‪ُ :‬‬ ‫وه َّن إحدى ْ َ‬ ‫أُ ِ‬ ‫عط َي قو َة ثالث َني»‪.‬‬ ‫وهناك أحاديث أخرى‪ ،‬مثلام ورد يف “ملعجم األوسط”‪ ،1/178 ،‬و”مجمع الزوائد”‪ ،4/296 ،‬تصل فيها القوة إىل أربعني‪،‬‬ ‫حيث يقول محم ٌد عن نفسه «أُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫البطش وال ِّنكا ِح»‪.‬‬ ‫يت ق َّو َة أربع َني يف‬ ‫عط ُ‬ ‫ويف “الجامع” لعبد الرازق‪ ،‬و”منتخب كنز العامل” للشيخ عيل متقي الهندي‪ ،‬باب النكاح‪ ،‬نجد أن القوة وصلت إىل‬ ‫خمس ٍة وأربعني‪ ،‬وأنه مل يكن يستقر عند امرأ ٍة واحد ٍة بل يتنقل بينهن‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫رجل؛ وأنه مل يكن يقيم عند امرأ ٍة يو ًما تا ًّما‪،‬‬ ‫سعيد قال‪ :‬أُعطي رسول الله قوة بضع (نكاح) خمس ًة وأربعني ً‬ ‫«عن أيب‬ ‫كان يأيت هذه الساعة ويأيت هذه الساعة يتنقل بينه ّن كذلك اليوم‪ ،‬حتى إذا كان الليل قسم لكل امرأ ٍة منهن ليلتها»‪.‬‬ ‫ويف “الطبقات الكربى” البن سعد‪ ،‬باب ذكر ما أعطي رسول الله من القوة عىل الجامع‪ ،‬نقرأ أن الرس يف تلك الفحولة‬ ‫‪17‬‬


‫هدم أسطورة دين الع ّفة‬ ‫جـ ‪ :7‬محمد ‪2 -‬‬

‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫خاص جاء به جربيل إىل رسول الله‪« :‬عن النبي قال‪ :‬أتاين جربيل بقد ٍر فأكلت منها فأعطيت قوة‬ ‫األربعينية هو طعا ٌم ٌّ‬ ‫رجل يف الجامع»‪.‬‬ ‫أربعني ً‬ ‫ويف نفس املصدر ما يدل أنه كان يعاين من الضعف الجنيس حتى أتاه الله بذلك الطعام السحري‪ ،‬ال ُك ّفيِت‪« :‬قال رسول‬ ‫ىل الكفيت فام أريده من ساع ٍة إال وجدته وهو قد ٌر فيها لحم»‪.‬‬ ‫الله كنت من أقل الناس يف الجامع حتى أنزل الله ع ّ‬ ‫وبالطبع يبقى لكل ٍ‬ ‫شخص أن يفرس املدلول الفعيل لتلك الروايات املبالغ فيها‪ ،‬لريى إن كانت تدل عىل فحول ٍة نبوي ٍة‬ ‫خصيصا لدرء شبهات الضعف أو انعدام الكفاءة عن الرجل الكهل يف مواجهة هذا‬ ‫حقيقية‪ ،‬أم أنها باألحرى مصاغ ٌة‬ ‫ً‬ ‫العدد من النساء؟‬ ‫وبعي ًدا عن ذلك‪ ،‬فمن الروايات التي تعطينا ملح ًة عن مدى “نظافة” رسول الله‪ ،‬هي التي تذكر أنه كان يضاجع عدة‬ ‫نسا ٍء دون أن يغتسل سوى مر ٍة واحد ٍة يف أول رحلة الطواف الزوجية تلك‪ ،‬وهو ما نقرأه يف “صحيح مسلم”‪ ،309 ،‬و‬ ‫“السنن الكربى” للبيهقي‪ ،1/204 ،‬و “صحيح ابن حبان”‪ ،1206 ،‬و “املعجم األوسط”‪ ،5/105 ،‬و “املحيل” البن حزم‪،‬‬ ‫‪« :2/46‬عن ٍ‬ ‫أنس ريض الله عنه‪ :‬أن النبي ‪-‬صىل الله عليه وسلم‪ -‬كان يطوف عىل نسائه بغسلٍ واحد»‪.‬‬ ‫مرضا جنس ًّيا‬ ‫ولنا أن نتساءل عن مصري أهل بيت النبوة جمي ًعا لو أن واحد ًة فقط‪ ‬من أمهات املؤمنني تصادف أن لديها ً‬ ‫قابل للعدوى؟‬ ‫ً‬ ‫أيضا بالتفاخر بتلك القوة النبوية‪ ،‬وربطها بالكامل والنبوة واإلميان‪ ،‬فيعلق اإلمام ابن حجر‬ ‫وتتكفل املصادر اإلسالمية ً‬ ‫عىل تلك األحاديث‪ ،‬يف “فتح الباري برشح صحيح البخاري”‪ 1/451 ،‬قائال‪« :‬ويف هذا الحديث من الفوائد‪ ...‬ما أعطي‬ ‫دليل عىل كامل البنية وصحة الذكورية»‪ ،‬ويقول الصنعاين يف‬ ‫النبي ‪-‬صىل الله عليه وسلم‪ -‬من القوة عىل الجامع‪ ،‬وهو ٌ‬ ‫“سبل السالم”‪« :6/128 ،‬ويف الحديث دالل ٌة عىل أنه ‪-‬صىل الله عليه وسلم‪ -‬كان أكمل الرجال يف الرجولية‪ ،‬حيث كان‬ ‫له هذه القوة»‪.‬‬ ‫ويقول الحكيم الرتمذي يف “نوادر األصول”‪« :‬األنبياء زيدوا يف النكاح لفضل نبوتهم‪ ،‬وذلك أن النور إذا امتأل منه الصدر‬ ‫ٍ‬ ‫سعيد بن املسيب أن النبيني عليهم الصالة‬ ‫ففاض يف العروق التذت النفس والعروق‪ ،‬فأثار الشهوة وق ّواها‪ .‬وروي عن‬ ‫رجل يف‬ ‫صل الله عليه وسلم أنه قال‪ :‬أُعطيت قوة أربعني ً‬ ‫فضلون بالجامع عىل الناس‪ .‬وروي عن رسول الله ّ‬ ‫والسالم يُ ّ‬ ‫صل الله عليه وسلم‪:‬‬ ‫البطش والنكاح‪ ،‬وأعطي املؤمن قوة عرش ٍة‪ ،‬فهو بالنبوة‪ ،‬واملؤمن بإميانه»‪ ،‬ويضيف «قال رسول الله ّ‬ ‫أرب ٌع من سنن املرسلني‪ :‬التعطر والحياء والنكاح والسواك»‪.‬‬ ‫وهكذا صار النكاح سن ًة نبوية!‬ ‫‪18‬‬


‫هدم أسطورة دين الع ّفة‬ ‫جـ ‪ :7‬محمد ‪2 -‬‬

‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫حتى يف الحيض والصيام‬ ‫ٍ‬ ‫محمد هي حقائق‪ ،‬أم أنها محاول ٌة إسالمي ٌة للتغطية عىل مشاكل‬ ‫قلنا إننا ال نعرف إن كانت تلك الروايات حول فحولة‬ ‫ما أو لقطع الطريق عىل أي ٍ‬ ‫خمسيني جنس ًّيا لذلك العدد من النساء‪ ،‬ولكن ما‬ ‫شخص يشكك يف إمكانية إرضاء شي ٍخ‬ ‫ٍّ‬ ‫أيضا أن الرجل كان ال يستطيع الصرب عىل شهوته ومزاجه الولِع بالنساء‪ ،‬وهو باملناسبة أم ٌر ال يرتبط‬ ‫تخربنا به الروايات ً‬ ‫بالرضورة بالفحولة والقدرة‪.‬‬ ‫ومن ذلك أنه كان ال يرتك نساءه يف فرتة الحيض‪ ،‬التي أمر القرآن‬ ‫فيها “باعتزال النساء”‪ ،‬ولكن كان ميارس مع ُه َّن الجنس دون‬ ‫نقل‬ ‫سابق ً‬ ‫إيال ٍج‪ ،‬وهكذا ّ‬ ‫أحل لرجال املسلمني‪ ،‬كام ذكرنا يف جز ٍء ٍ‬ ‫عن صحيح مسلم‪ ،302 ،‬وغريه؛ ونجد نفس األمر يف “الجامع‬ ‫الصغري” للسيوطي‪ 6549 ،‬و‪« :6550‬عن ميمونة قالت كان النبي‬ ‫إذا أراد أن يبارش امرأ ًة من نسائه أمرها فات ّزرت وهى حائض»‪،‬‬ ‫و«عن بعض نساء النبي قُلن‪ :‬كان النبي إذا أراد من الحائض‬ ‫شيئًا ألقى عىل فرجها ثوبًا»‪ ،‬ويف “اللؤلؤ واملرجان فيام اتفق عليه‬ ‫الشيخان البخاري ومسلم”‪ 167 ،‬و‪« :173‬عن عائشة قالت‪ :‬كان‬ ‫النبي يبارشين وأنا حائض»‪ ،‬و«عن عائشة قالت‪ :‬كانت إحدانا‬ ‫إذا كانت حائض فأراد النبي أن يبارشها أمرها أن تأتزر يف فور‬ ‫حيضتها ثم يبارشها» وغريها من املصادر‪ ،‬مام ينتج عنه اكتامل‬ ‫طرف ٍ‬ ‫املتعة من ٍ‬ ‫واحد بالطبع هو طرف الرجل‪.‬‬ ‫كذلك كان محم ٌد ال ميتنع عن الجنس يف أثناء الصيام‪ ،‬حيث نقرأ‬ ‫أيضا‪ ،‬باب مسند عائشة‪« :‬عن عائشة قالت‪ :‬كان النبي يقبِّل بعض أزواجه وهو صائ ٌم ثم ضحكت»‪،‬‬ ‫يف “مسند أحمد” ً‬ ‫و«عن عائشة قالت‪ :‬أهوى إ ّيل النبي ليقبلني‪ ،‬فقلت‪ :‬إين صامئ ٌة‪ .‬قال‪ :‬وأنا صائ ٌم‪ .‬ثم فأهوى إ ّيل فقبلني»‪ ،‬و«عن عائشة‬ ‫فقلت إين صامئ ٌة فقال وأنا‬ ‫قالت‪ :‬إن النبي كان يق ِّبلها وهو صائ ٌم وميص لسانها»‪ ،‬و«عن عائشة قالت‪ :‬تناولني النبي ُ‬ ‫صائ ٌم»‪ ،‬و«عن عائشة بنت طلحة عن عائشة أن النبي كان يبارش وهو صائ ٌم ثم يجعل بينه وبينها ثوبًا‪ ،‬يعني الفرج»‪.‬‬ ‫وباملناسبة الرواية األخرية هي عن عائشة بنت طلحة‪ ،‬ابنة أخت عائشة التي مررنا ببعض من سريتها العطرة ج ًدا‪.‬‬ ‫ويف “فتح الباري يف رشح صحيح البخاري”‪« ،1827 ،‬عن عائشة أن النبي كان يق ِّبلها وميص لسانها»‪.‬‬ ‫مسلم”‪ 1854 ،‬و‪ ،1856‬و “مسند أحمد”‪ ،23000 ،‬و “سنن أيب داود”‪« ،2034 ،‬عن‬ ‫ويف “صحيح البخاري”‪ ،1792 ،‬و “صحيح ٍ‬ ‫‪19‬‬


‫هدم أسطورة دين الع ّفة‬ ‫جـ ‪ :7‬محمد ‪2 -‬‬

‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫صل الله عليه وسلم يق ِّبل ويبارش وهو صائ ٌم وكان أملككم إلربه»‪.‬‬ ‫عائشة ريض الله عنها قالت‪ :‬كان النبي ّ‬ ‫وبخصوص العبارة األخرية‪ ،‬فلنا أن نتساءل متعجبني‪ :‬يا ترى ما الذي أدرى عائشة مبدى تحكم ذكور املسلمني يف شهواتهم‬ ‫الجنسية‪ ،‬حتى تقارن بينهم وبني زوجها الذي مل تتزوج غريه؟!‬ ‫وال ننىس أن محم ًدا‪ ،‬يف خصيص ٍة أخرى من خصائصه‪ ،‬قد أباح لنفسه مامرسة الجنس يف أثناء اإلحرام‪ ،‬كام قال النووي يف‬ ‫صل الله عليه وسلم أن يتزوج يف حال اإلحرام‪ ،‬وهو قول أيب الطيب‬ ‫“املجموع رشح املهذب” «األصح عند أصحابنا أن للنبي ّ‬ ‫بن سلمة وغريه من أصحابنا‪ ،‬واملسألة مشهور ٌة يف الخصائص من أول كتاب النكاح»‪.‬‬

‫النبي ال يغض برصه‬ ‫ٍ‬ ‫محمد بالنساء جعله‬ ‫وكأن الزوجات وملك اليمني والواهبات أنفسه ّن له ال تكفي الرسول‪ ،‬فتخربنا املصادر اإلسالمية أن ول َه‬ ‫ميد النظر إىل أي امرأ ٍة تسري يف الطريق‪ ،‬وهو أم ٌر آخر منع املسلمني عنه ثم أباحه لنفسه‪.‬‬ ‫ففي رواي ٍة أخرى نجد النبي واقفًا مع بعض أصحابه‪ ،‬فتمر امرأ ٌة أمامهم‪ ،‬فينظر إليها حتى تشتعل شهوته‪ ،‬فيرتك من كان‬ ‫معه ويدخل ليامرس الجنس مع زينب‪ ،‬ثم يخرج إىل أصحابه واعظًا إياهم أن يفعلوا مثله!‬ ‫صل اللَّ ُه َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم َرأَى ا ْم َرأَةً‪ ،‬فَأَ َت ا ْم َرأَتَ ُه َزيْ َن َب‪َ ،‬و ِه َي تَ ْ َع ُس َم ِنيئَ ًة لَ َها‪ ،‬فَق َ​َض َحا َجتَ ُه‪ ،‬ث ُ َّم َخ َر َج ِإ َل‬ ‫«‪...‬أَ ّن َر ُس َول اللَّ ِه ّ‬ ‫ص أَ َح ُدكُ ُم ا ْم َرأَ ًة فَلْ َيأْ ِت أَ ْهلَ ُه‪ ،‬فَ ِإ َّن َذلِ َك‬ ‫أَ ْص َحا ِب ِه‪ ،‬فق َ​َال‪“ :‬إِ َّن الْ َم ْرأَ َة ت ُ ْقب ُِل ِف ُصو َر ِة شَ ْيطَانٍ ‪َ ،‬وت ُ ْد ِب ُر ِف ُصو َر ِة شَ ْيطَانٍ ‪ ،‬فَ ِإذَا أَبْ َ َ‬ ‫يَ ُر ُّد َما ِف نَف ِْس ِه”»‪،‬‬ ‫والرواية وارد ٌة يف “صحيح مسلم”‪ ،1403 ،‬و “مسند أحمد”‪ ،22/407 ،‬و “سنن أيب داود”‪ ،2151 ،‬و “سنن الرتمذي”‪ ،1158 ،‬و‬ ‫“السنن الكربى” للنسايئ‪ ،7/235 ،‬و “صحيح ابن حبان”‪ ،12/384 ،‬و “املعجم الكبري” للطرباين‪ ،24/50 ،‬و “املعجم األوسط”‬ ‫أيضا‪.3/34 ،‬‬ ‫للطرباين ً‬ ‫صل‬ ‫وهناك رواي ٌة أخرى بنفس املعنى‪ ،‬نقرأها يف “مسند أحمد”‪ ،29/557 ،‬و “األوسط” للطرباين‪« :4/159 ،‬كَا َن َر ُس ُول اللَّ ِه ّ‬ ‫ش ٌء‪ ،‬ق َ​َال‪“ :‬أَ َج ْل‪َ ،‬م َّرتْ ِب ف َُلنَ ُة‬ ‫اللَّ ُه َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم َجالِ ًسا ِف أَ ْص َحا ِب ِه فَ َد َخ َل ث ُ َّم َخ َر َج َوقَ ْد ا ْغتَ َس َل فَ ُقلْ َنا‪ :‬يَا َر ُس َول اللَّ ِه قَ ْد كَا َن َ ْ‬ ‫فَ َوقَ َع ِف قَلْبِي شَ ْه َو ُة ال ِّن َسا ِء فَأَت َ ْي ُت بَ ْع َض أَ ْز َواجِي فَأَ َص ْبتُ َها‪ ،‬فَ َك َذلِ َك فَافْ َعلُوا‪ ،‬فَ ِإنَّ ُه ِمن أَ َماثِلِ أَ ْع َملِ ُك ْم إِت ْ َيا ُن الْ َح َل ِل”»‪.‬‬ ‫نالحظ أن الرجل مل يلُ ْم نفسه عىل إطالقه لبرصه واشتهائه للنساء املا ّرات يف الطرقات‪ ،‬وإمنا ألقى باللوم عىل املرأة‬ ‫كنبي أن ينبهها لكنه مل‬ ‫فشبهها هي بالشيطان! رغم أنها كانت غال ًبا مسلم ًة وملتزم ًة باملالبس الرشعية‪ ،‬وإال كان عليه ٍّ‬ ‫‪20‬‬


‫هدم أسطورة دين الع ّفة‬ ‫جـ ‪ :7‬محمد ‪2 -‬‬

‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫يفعل‪ ،‬األمر الذي سيزرع يف تلك األمة س ّن ًة نبوي ًة أخرى ستستمر لقرون‪ ،‬وهي س ّنة إلقاء اللوم عىل املرأة والنظر إليها‬ ‫باعتبارها مصدر فتن ٍة شيطاني ٍة وسبب خراب املجتمعات ومنبع كل الرشور‪ ...‬إلخ‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫كام نالحظ أن تلك الشهوة الحارقة مل ِ‬ ‫محمد الواقفني معه‪ ،‬فيبدو أنهم كانوا أكرث حيا ًء وأدبًا‬ ‫تص ْب أيًّا من أصحاب‬ ‫والتزا ًما بغض البرص من رسولهم!‬ ‫تلك العادة النبوية يف تجاوز غض البرص والتطلُّع بالنظرة الشهوانية إىل النساء دون متييز‪ ،‬سنجدها تلعب دو ًرا محوريًا‬ ‫يف واحد ٍة أخرى من زيجات النبي الذي يقولون إنه كان أشد حيا ًء من العذراء يف خدرها!‬

‫الطمع يف زوجة االبن‬ ‫ٍ‬ ‫بشخص ال ترغب فيه‪ ،‬حيث أراد محم ٌد تزويج ابنة‬ ‫تبدأ القصة بقيام الله ورسوله بالتعاون عىل إجبار فتا ٍة عىل الزواج‬ ‫عمته‪ ،‬زينب بنت جحش‪ ،‬ملواله (عبده) وابنه املتبنى ٍ‬ ‫زيد ابن حارثة‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َّ ُ َ َ ُ ُ ُ َ ْ ً َ َ ُ َ َ ُ ُ ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ٱل َ َ‬ ‫ِيةُ م ِْن أ ْم ِره ِْم‬ ‫نجد ذلك يف سورة األحزاب آية ‪َ ﴿ 36‬و َما كن ل ُِمؤم ٍِن َوال ُمؤم َِن ٍة إِذا قض ٱلل ورسول أمرا أن يكون لهم‬ ‫ًَ‬ ‫َو َمن َي ْع ِص َّ َ‬ ‫ٱلل َو َر ُس َ ُ‬ ‫ول َف َق ْد َض َّل َضالل ُّمبِ ًينا﴾‪ ،‬األحزاب ‪ ،36‬حيث تخربنا التفاسري أن تلك اآلية نزلت حني طلب محم ٌد‬

‫من زينب الزواج من ٍ‬ ‫زيد فرفضت‪.‬‬

‫ومن تفسري الطربي لآلية نسمع القصة‪« :‬عن ابن ٍ‬ ‫عبـاس‪ ،‬قوله‪َ “ :‬وما كا َن لِـ ُم ْؤ ِمنٍ َوال ُم ْؤ ِم َن ٍة إذَا ق َ​َض اللَّ ُه َو َر ُسولُ ُه أ ْم ًرا”‪...‬‬ ‫صل الله عليه وسلم انطلق يخطب علـى فتا ُه ٍ‬ ‫زيد بن حارثة‪ ،‬فدخـل علـى زينب‬ ‫إلـى آخر اآلية‪ ،‬وذلك أن رسول الله ّ‬ ‫ٍ‬ ‫صل الله عليه وسلم‪“ :‬فـانكحيه”‪ ،‬فقالت‪ :‬يا‬ ‫جحش األسدية فخطبها‪ ،‬فقالت‪ :‬لست بناكحته‪ ،‬فقال رسول الله ّ‬ ‫بنت‬ ‫رسول الله أؤا َمر فـي نفيس؟! فبـينـام هام يتـح ّدثان أنزل الله هذه اآلية علـى رسوله‪َ “ :‬وما كا َن لِـ ُم ْؤ ِمنٍ َوال ُم ْؤ ِم َن ٍة”‪...‬‬ ‫الل ُمبِـي ًنا” قالت‪ :‬قد رضيته لـي يا رسول الله َم ْن َك ًحا؟ قال‪ :‬نَعم‪ ،‬قالت‪ :‬إذن ال أعىص رسول الله‪ ،‬قد‬ ‫“ض ً‬ ‫إلـى قوله‪َ :‬‬ ‫أنكحته نفيس»‪ .‬ونجد نفس الرواية تتكرر يف القرطبي وغريه‪.‬‬ ‫ْ َ ُ ُ َّ َ َ َ َّ ُ َ َ ْ َ َ ْ َ ْ َ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ت َعليْهِ أ ْمسِك‬ ‫ثم يأيت املشهد الثاين من القصة‪ ،‬يف اآلية التالية مبارشةً‪ ،‬األحزاب ‪ِ﴿ :37‬إَوذ تقول ل ِلِي أنعم ٱلل عليهِ وأنعم‬ ‫َ‬ ‫َّ َ َ َّ ُ َ َ ُّ َ َ ْ َ ُ َ َ َّ َ َ َ ْ ٌ ّ ْ َ َ َ ً َ َّ ْ َ َ​َ‬ ‫َ َ ْ َ َ ْ َ َ َ َّ َّ َ ُ ْ‬ ‫َْ َ‬ ‫ِك َما َّ ُ‬ ‫ٱلل ُمبْدِيهِ َوتْ َش ٱنلاس وٱلل أحق أن تشاه فلما ق ٰ‬ ‫ض زيد مِنها وطرا زوجناكها‬ ‫ٱلل َوت ِف ِف نفس‬ ‫عليك زوجك وٱت ِق‬ ‫َ َ َ ُ َ َ َ ْ ُ ْ َ َ َ ٌ َ ْ َ َ ْ َ ْ َ َ َ ْ ْ ْ ُ َّ َ َ ً َ َ َ َ ْ ُ َّ َ ْ ُ ً‬ ‫لِكْ ال يكون ع ٱلمؤ ِمنِني حرج ِف أزو ِاج أدعِيآئ ِ ِهم إِذا قضوا مِنهن وطرا وكن أمر ٱللِ مفعول﴾‪.‬‬

‫‪21‬‬


‫هدم أسطورة دين الع ّفة‬ ‫جـ ‪ :7‬محمد ‪2 -‬‬

‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫والقصة باختصا ٍر أن محم ًدا بعد أن ز َّوج زينب لزيد‪ ،‬ذهب مر ًة ليزورهام ومل يكن زي ٌد يف املنزل‪ ،‬فرأى النبي زينب‬ ‫عارضا‬ ‫متكشف ًة أو شبه عاري ٍة فأعجبه جاملها وأظهر لها ذلك؛ وحني رجع زي ٌد أخربته زينب مبا كان‪ ،‬فذهب زي ٌد إىل النبي ً‬ ‫عليه أن يقوم بتطليق زينب يك يتزوجها هو؛ فطلب منه محم ٌد أال يقوم بذلك‪ ،‬لكنه فعل‪ ،‬وبالفعل تزوجها محم ٌد فو ًرا‪.‬‬ ‫وهنا نفهم أن اآلية السابقة تعاتب محم ًدا عىل أنه حاول حثّ ٍ‬ ‫زيد عىل التمسك بزوجته‪ ،‬وتخربنا أنه فعل ذلك خشية‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َْ َ‬ ‫ٱلل ُمبْدِيهِ َوت َش ٱنلَّ َ‬ ‫ِك َما َّ ُ‬ ‫رجل بطالق زوجته ليأخذها لنفسه ﴿ َوت ِف ِف نفس‬ ‫اس﴾‪.‬‬ ‫كالم الناس أن يظنوا أنه أمر ً‬ ‫ٍ‬ ‫صل الله عليه وسلم‬ ‫جحش فـيـام ذُكر رآها رسول الله ّ‬ ‫من تفسري الطربي لآلية السابقة نقرأ‪« :‬وذلك أن زينب بنت‬ ‫فأعجبته‪ ،‬وهي فـي حبـال مواله‪ ،‬فألقـي فـي نفس ٍ‬ ‫زيد كراهتها لـام علـم الله مـام وقع فـي نفس نبـيه ما وقع‪ ،‬فأراد‬ ‫صل الله عليه وسلم‪“ :‬أ ْم ِس ْك َعلَـيْ َك َز ْو َج َك”‪،‬‬ ‫صل الله عليه وسلم زي ٌد‪ ،‬فقال له رسول الله ّ‬ ‫فراقها‪ ،‬فذكر ذلك لرسول الله ّ‬ ‫(‪’’...‬وت ُـ ْخ ِفـي ِفـي نَف ِْس َك ما اللَّ ُه ُم ْب ِدي ِه‘‘ يقول‪ :‬وتـخفـي فـي نفسك مـحبة فراقه إياها لتتز ّوجها إن هو فـارقها‪ ،‬والله‬ ‫َ‬ ‫َّ ُ َ ُّ ْ َ ْ‬ ‫وتْ َش انلَّ َ‬ ‫ُم ٍ‬ ‫اس والل أحق أن ت‬ ‫بد ما تـخفـي فـي نفسك من ذلك ﴿‬ ‫ـخشاهُ﴾ يقول تعالـى ذكره‪ :‬وتـخاف أن يقول الناس‪:‬‬ ‫أحق أن تـخشاه من الناس»‪.‬‬ ‫أمر ً‬ ‫رجل بطالق امرأته ونكحها حني طلَّقها‪ ،‬والله ّ‬ ‫أيضا نقرأ املشهد املحوري يف القصة‪ ،‬وهو رؤية‬ ‫ومن الطربي ً‬ ‫ٍ‬ ‫محمد لزينب وهي متعري ٌة وإعجابه بها‪:‬‬ ‫«قال ابن ٍ‬ ‫صل الله عليه وسلم قد ز ّوج زي ًدا‬ ‫النبـي ّ‬ ‫زيد‪ :‬كان‬ ‫ّ‬ ‫صل‬ ‫بن حارثة زينب بنت جحش‪ ،‬ابنة عمته‪ ،‬فخرج رسول الله ّ‬ ‫الله عليه وسلم يو ًما يريده وعلـى البـاب سرتٌ من شعرٍ‪ ،‬فرفعت‬ ‫الريح السرت فـانكشف‪ ،‬وهي فـي حجرتها حارسةً‪ ،‬فوقع إعجابها‬ ‫صل الله عليه وسلم»‪.‬‬ ‫النبـي ّ‬ ‫فـي قلب‬ ‫ّ‬ ‫وبالطبع الواضح هنا أن إعجاب النبي مل يكن بأخالقها أو ثقافتها‬ ‫العالية أو متيز شخصيتها! وإمنا كان بجسدها‪ ،‬وهو ما يتسق مع‬ ‫ٍ‬ ‫ملحمد أن ما يعجبه من النساء هو‬ ‫قول القرآن‬ ‫أيضا مع قوله هو عن نفسه‬ ‫“حسنهن” (األحزاب ‪ ،)52‬ويتسق ً‬ ‫أنه “يحب النساء”‪ ،‬وأنهن بالنسبة له “متا ٌع” يف أحاديث‬ ‫تناولناها سابقًا‪.‬‬ ‫ويف تفسري القرطبي لألحزاب ‪ ،37‬نجد نفس الكالم عن اشتهاء‬ ‫ٍ‬ ‫محمد لزوجة رجلٍ آخر‪ ،‬ابنه بالتبني‪ ،‬ورغبته الدفينة أن يطلقها‬ ‫‪22‬‬


‫هدم أسطورة دين الع ّفة‬ ‫جـ ‪ :7‬محمد ‪2 -‬‬

‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫زوجها ليحصل هو عليها‪ ،‬وهو ما كان يخفيه يف نفسه‪ ،‬فنقرأ‪:‬‬ ‫«ذهب قتادة وابن ٍ‬ ‫صل الله عليه وسلم وقع منه استحسا ٌن‬ ‫النبي ّ‬ ‫زيد وجامعة من املفرسين‪ ،‬منهم الطربي وغريه إىل أن ّ‬ ‫لزينب بنت جحش‪ ،‬وهي يف ِع ْصمة ٍ‬ ‫حريصا عىل أن يطلّقها زي ٌد فيتز ّوجها هو»‪.‬‬ ‫زيد‪ ،‬وكان‬ ‫ً‬ ‫صل الله عليه وسلم زينب‬ ‫النبي ّ‬ ‫ونقرأ ً‬ ‫أيضا يف القرطبي قصة رؤية النبي لجسد زينب األبيض الضخم وإعجابه بها «ز ّوج ّ‬ ‫بنت جحش من ٍ‬ ‫زيد فمكثت عنده حي ًنا‪ ،‬ثم إنه عليه السالم أىت زي ًدا يو ًما يطلبه‪ ،‬فأبرص زينب قامئ ًة‪ ،‬كانت بيضاء جميل ًة‬ ‫جسيم ًة من أت ّم نساء قريش‪ ،‬فه ِويَها وقال‪“ :‬سبحان الله مقل ِّب القلوب”! فسمعت زينب بالتسبيحة فذكرتها ٍ‬ ‫لزيد‪ِ ،‬‬ ‫ففطن‬ ‫زي ٌد فقال‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬ائذن يل يف طالقها»‪.‬‬ ‫أيضا‬ ‫هكذا نجد أن الله هو املسؤول عن إجبار زينب عىل الزواج بزيد‪ ،‬وهو املسؤول عن إلقاء الكراهة له يف قلبها‪ ،‬وهو ً‬ ‫املسؤول عن إمالة قلب نبيّه إىل زوجة رجلٍ آخر‪ ،‬ذلك القلب النبوي الذي ال يتحرك إال أمام األجساد املكشوفة عىل ما يبدو‪،‬‬ ‫فالله أدرى بنبيه‪.‬‬ ‫أيضا أن الله هو‬ ‫ليس ذلك فقط‪ ،‬بل نقرأ يف القرطبي ً‬ ‫أيضا من تكفَّل بكشف جسد زينب للنبي‪ ،‬حيث أرسل‬ ‫ً‬ ‫ري ًحا لتكشف الستار وتع ّري زوجة ٍ‬ ‫زيد أمام رسول الله!!‬ ‫«وقيل‪ :‬إن الله بعث ري ًحا فرفعت السرت وزينب ُمتَف َِّضل ٌة‬ ‫يف منزلها‪ ،‬فرأى زينب فوقعت يف نفسه‪ ،‬ووقع يف نفس‬ ‫صل الله عليه وسلم‪،‬‬ ‫زينب أنها وقعت يف نفس النبي ّ‬ ‫وذلك ملا جاء يطلب زي ًدا‪ ،‬فجاء زي ٌد فأخربته بذلك‪،‬‬ ‫فوقع يف نفس ٍ‬ ‫زيد أن يطلقها»‪.‬‬ ‫قائل “زوجناكها”‪ ،‬دخل‬ ‫وبعد أن طلقها زي ٌد ونزل القرآن ً‬ ‫أيضا‪ ...« :‬وملا أعلمه الله بذلك دخل‬ ‫أي من إجراءات الزواج التقليدية‪ ،‬كام نجد يف تفسري القرطبي ً‬ ‫محم ٌد عىل زينب بدون ٍّ‬ ‫عليها بغري إذنٍ ‪ ،‬وال تجديد ٍ‬ ‫عقد وال تقرير صداقٍ ‪ ،‬وال يش ٍء مام يكون رشطًا يف حقوقنا ومرشو ًعا لنا‪ .‬وهذا من خصوصياته‬ ‫صل الله عليه وسلم‪ ،‬التي ال يشاركه فيها أح ٌد بإجام ٍع من املسلمني»‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫بالطبع‪ ،‬فإياك أن تقول عن ذلك الدخول بدون ٍ‬ ‫“زن”‪ ،‬حاشاه! وإمنا قل إنه “خصيص ٌة نبوية”!‬ ‫عقد أو مه ٍر أو أي يش ٍء إنه ً‬ ‫ٍ‬ ‫محمد بكل هذا‪ ،‬قام بإرسال جربيل ليزيل الحرج عن رسوله ويضفي الرشعية عىل الوضع كله‪ ،‬بل ويلوم‬ ‫وبعد أن قام إله‬ ‫النبي أنه طالب الرجل بالتمسك بزوجته وخيش كالم الناس!‬ ‫‪23‬‬


‫هدم أسطورة دين الع ّفة‬ ‫جـ ‪ :7‬محمد ‪2 -‬‬

‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫ٍ‬ ‫أيضا إنها كانت تتفاخر‬ ‫ثم نجد ختا ًما أن الله شخصيًّا هو من قام بتزويج‬ ‫محمد لزينب‪ ،‬حيث نقرأ يف تفسري القرطبي ً‬ ‫بذلك‪« :‬عن أنس بن ٍ‬ ‫صل الله عليه وسلم تقول‪ :‬إن الله عز وجل أنكحني‬ ‫مالك قال‪ :‬كانت زينب ت َ ْف َخر عىل نساء النبي ّ‬ ‫من السامء»‪.‬‬ ‫وعلينا أن نب ّجل ذلك الخالق الذي ال هم له سوى قضيب نبيه‪ ،‬وعلينا أن نص ّدق أن كل تلك األفعال ٌ‬ ‫حالل طيّبة‪ ،‬ألن‬ ‫خالق الكون مل يجد أسلوبًا أفضل من هذا إلباحة زواج الرجل من طليقة ابنه بالتبني‪ ،‬وعلينا أن نص ّدق أن األمر ال عالقة‬ ‫قريب أو ٍ‬ ‫بعيد باملزاج النبوي الجنيس!‬ ‫له من ٍ‬ ‫درسا من تلك القصة‪ ،‬فيأمر األزواج بأن ال يسمحوا بدخول أقاربهم عىل‬ ‫أما بعد‪ ،‬فالطريف أننا سنجد النبي يتعلم ً‬ ‫زوجاتهم‪ ،‬وعىل األخص آباءهم من ًعا للفنت‪ ،‬ففي “صحيح البخاري”‪ ،5232 ،‬و “صحيح مسلم”‪« :2172 ،‬أن رسول الله‬ ‫رجل من األنصار‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬أفرأيت الحمو؟ قال‪:‬‬ ‫صل الله عليه وسلم قال‪“ :‬إياكم والدخول عىل النساء!”‪ ،‬فقال ٌ‬ ‫ّ‬ ‫“الحمو املوت”»‪ .‬والحمو كام يقول املفرسون وأهل اللغة هم أقارب الزوج‪ ،‬خاص ًة أبيه‪.‬‬ ‫وبالطبع فمحم ٌد أبو ٍ‬ ‫زيد هو أخرب الناس بالفنت التي قد تقع من دخول األب عىل زوجة ابنه!‬ ‫ٍ‬ ‫حديث آخر‪ ،‬محم ٌد يقوم بإدانة وتحذير الرجل الذي يتلصص بعينيه عىل بيوت الناس لريى العورات‪ ،‬بل‬ ‫ثم نجد يف‬ ‫رجل كشف س ًرتا فأدخل برصه من‬ ‫ويعترب أنه لو قام أحدهم بفقأ عني ذلك الرجل ملا كان مخطئًا‪ ،‬حيث يقول «أميا ٌ‬ ‫رجل فقأ عينه ل ُهدرت»‪ ،‬نجده يف “جامع الرتمذي”‪ ،2650 ،‬و‬ ‫قبل أن يؤذن له فقد أىت ح ًّدا ال يحل له أن يأتيه‪ ،‬ولو أن ً‬ ‫“مسند أحمد”‪ ،20842 ،‬و “القدر” للفريايب‪ ،216 ،‬و “مجمع الزوائد”‪ .10762 ،‬ولكن من البديهي القول أن هذا الحكم‬ ‫أيضا!‬ ‫ال ينطبق عىل رسول الله‪ ،‬بل رمبا النظر إىل عورات النساء يف البيوت هو من إحدى خصائصه ً‬ ‫ولكن عف ًوا‪ ،‬فلم يكن النبي هو من كشف السرت عىل زينب‪ ،‬بل الفاعل هو الله شخصيًّا‪ ،‬الذي أرسل ري ًحا لهذا الغرض‬ ‫تحدي ًدا‪ ،‬والعهدة عىل اإلمام القرطبي!‬ ‫أما الدرس اآلخر الذي تعلمه محم ٌد فهو الحجاب ورضورة سرت الزوجات عن األعني‪ ،‬ذلك الترشيع الذي يقال أنه أُمر به‬ ‫إبان زواج النبي بزينب‪ ،‬كام سرنى‪.‬‬

‫حامية الله لنساء نبيه‬ ‫س َن يف الطريق بدون أي نو ٍع من أنواع الحجاب‪ ،‬حتى قرر الله أن يصون نساء نبيه‬ ‫رأينا كيف أن النساء يف املدينة كُ َّن يَ ِ ْ‬ ‫ٍ‬ ‫محمد لتفرض عليهن املزيد‬ ‫ونساء املؤمنني الحرائر مبالبس “إسالمي ٍة” خاص ٍة‪ ،‬ولكن هناك آي ًة أخرى نزلت بشأن نساء‬ ‫من االحتجاب يف املالبس والسلوك‪.‬‬ ‫‪24‬‬


‫هدم أسطورة دين الع ّفة‬ ‫جـ ‪ :7‬محمد ‪2 -‬‬

‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫َ َ ُ َ​َ‬ ‫َ َ ُّ َ َّ َ َ ُ َ َ ْ ُ ُ ُ ُ َ َّ ّ َّ َ ْ ُ ْ َ َ َ ُ ْ َ َ َ َ ْ َ َ‬ ‫ك ْن‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫اه‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫ين‬ ‫ِر‬ ‫ظ‬ ‫ا‬ ‫ِ‬ ‫ب إِل أن يؤذن لكم إِل طعا ٍم غي ن ِ ِ‬ ‫نقرأ من سورة ُاألحزاب ‪﴿ :53‬يا أيها ال َِين آمنواْ ل تدخلوا بيوت انل ِ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ ُْ َ ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫ْ ُ‬ ‫َّ َ ُ‬ ‫الل ل ي َ ْس َت ْ‬ ‫َّ َّ فَ َي ْس َت ْ‬ ‫شوا َول ُم ْس َتأنِس َ‬ ‫ك ْم َو َّ ُ‬ ‫اد ُخلوا فَإ َذا َطعِ ْم ُت ْم فَانْتَ ِ ُ‬ ‫ِني ِ َ‬ ‫ح ِي‬ ‫ح ِي مِن‬ ‫إِذا دعِيتم ف‬ ‫ِيث إِن ذل ِك ْم كن يُؤذِي انل ِب‬ ‫لد‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َ ْ َ ّ َ َ َ ْ ُ ُ ُ َّ َ َ ً َ ْ َ ُ‬ ‫َ ُ ْ َْ َُ ُ ُ‬ ‫ُ ْ َ ُ ُ َّ َ َ َ َ َ ُ ْ َ ْ ُ ْ ُ َ ُ َ َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫اب ذل ِكم أطهر ل ِقلوبِكم وقلوب ِ ِهن وما كن لكم أن تؤذوا رسول اللِ‬ ‫م َِن َال ِق ِإَوذا س َألموهن متاع ف َاسألوهن مِن وراءِ حِج ٍ‬ ‫ْ َ ْ ُ ْ َ َ ُ ْ َ ْ َ ً َّ َ ُ َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ِك ْم ك َن عِنْ َد اللِ ع ِظ ًيما﴾‪.‬‬ ‫َول أن تنكِحوا أزواجه مِن بع ِده ِ أبدا إِن ذل‬

‫املعنى الواضح لآليات أنها تخاطب الصحابة فتضع لهم حدو ًدا يف التعامل مع خصوصية محمد‪ ،‬فتنهاهم عن دخول‬ ‫بيته بدون استئذانٍ أو بدون دعو ٍة مبارشة‪ ،‬ومتنعهم من املكوث يف بيته أكرث من الالزم‪ ،‬بل تطلب منهم االنرصاف بعد‬ ‫ٍ‬ ‫محمد إال من وراء حجاب (ستار)‪ ،‬وأخ ًريا تحذر اآلية بشد ٍة من أن‬ ‫أن يأكلوا مبارشةً‪ ،‬كام تحرم عليهم التعامل مع نساء‬ ‫عظيم وخط ًريا ج ًّدا!‬ ‫يقوم أحد الصحابة بالزواج من نساء النبي من بعده وإىل األبد‪ ،‬ذلك ألن هذا األمر يعترب عند الله‬ ‫ً‬ ‫ٌ‬ ‫اختالف حولها كالعادة‪ ،‬نقرأ ذلك يف التفاسري‪ :‬فهناك من قال إن اآلية نزلت بعد احتفال النبي‬ ‫أما أسباب النزول فهناك‬ ‫بإحدى زيجاته (عىل األرجح بزينب بنت جحش)‪ ،‬حيث أنه يف أثناء الوليمة يف منزله قام بعض الصحابة بإطالة املكوث‬ ‫هناك أكرث من الالزم‪ ،‬بل والتجول يف البيت هنا وهناك‪ ،‬فكان ال بد لله أن يرسل جربيل فو ًرا لتدارك الوضع‪ ،‬ويأمر‬ ‫الصحابة باالنرصاف حتى يكون نبي الله مرتا ًحا يف منزله‪.‬‬ ‫ونقرأ من تفسري الطربي لآلية‪« :‬عن أنس بن ٍ‬ ‫صل الله عليه وسلم بـامرأ ٍة من نسائه‪،‬‬ ‫مالك‪ ،‬قال‪ :‬بَنى رسول الله ّ‬ ‫صل الله عليه وسلم منطلقًا ِق َب َل بـيت عائشة‪،‬‬ ‫فأرسلنـي‪ ،‬فدعوت قو ًما إلـى الطعام فلـام أكلوا وخرجوا‪ ،‬قام رسول الله ّ‬ ‫ِـي إالَّ أ ْن يُ ْؤ َذ َن لَ ُك ْم”»‪.‬‬ ‫فرأى رجلـني جالسني‪ ،‬فـانرصف راج ًعا‪ ،‬فأنزل الله‪“ :‬يا أيُّها ال َِّذي َن آ َم ُنوا ال تَ ْد ُخـلُوا بُـ ُيوتَ ال َّنب ّ‬ ‫أما بشأن الحجاب فيبدو أن الله هنا مجرد ٍ‬ ‫منفذ للفكرة‪ ،‬أما العقل املدبر لها فهو عمر بن الخطاب‪ ،‬كام جاء يف الطربي‬ ‫أنس بن ٍ‬ ‫وأيضا القرطبي‪ ،‬حيث ورد عن ٍ‬ ‫مالك عن عمر بن الخطاب‬ ‫ً‬ ‫رضبت عىل نسائك الحجاب‪ ،‬فإنه يدخل عليه ّن ال ّرب والفاجر‪ ،‬فأنزل الله عز وجل “ َوإِذَا‬ ‫«‪ ...‬قلت يا رسول الله‪ ،‬لو‬ ‫َ‬ ‫اب”»‪.‬‬ ‫َسأَلْتُ ُمو ُه َّن َمتَا ًعا ف َْٱسأَلُو ُه َّن ِمن َو َرا ِء ِح َج ٍ‬ ‫الب والفاجر‪ ،‬فلو‬ ‫«وقالت عائشة ريض الله عنها وجامع ٌة‪ :‬سببها أن عمر قال قلت‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬إن نساءك يدخل عليه ّن َ ّ‬ ‫أمرته ّن أن يحتجنب‪ ،‬فنزلت اآلية»‪ ،‬ونفس النص عن دخول الرب والفاجر بيت النبوة نقرأه يف “صحيح البخاري”‪.4790 ،‬‬ ‫هذا وال ندري عىل وجه التحديد من هم الف ّجار‪/‬الصحابة الذين كانوا يدخلون عىل نساء النبي! وهل هم ِقلّة‪ ،‬أم أكرثي ٌة‬ ‫إىل درجة أن ترشي ًعا يوضع من أجلهم؟ ولكن املهم أن هناك العديد من الروايات مفادها أن عمر هو صاحب فكرة‬ ‫حجاب نساء محمد‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫محمد‬ ‫ويروي الطربي والقرطبي وغريهام واقع ًة أخرى لنزول اآلية السابقة‪ ،‬مفادها أن الصحابة كانوا يأكلون مع‬ ‫‪25‬‬


‫هدم أسطورة دين الع ّفة‬ ‫جـ ‪ :7‬محمد ‪2 -‬‬

‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫وزوجاته فلمست عائشة يد أحدهم‪ ،‬فنزلت آية الحجاب‪« :‬وقد قـيـل‪ :‬إن سبب أمر الله النساء بـالـحجاب‪ ،‬إنـام كان‬ ‫صل الله عليه وسلم وعائشة معهام‪ ،‬فأصابت يدها يد الرجل‪ ،‬فكره ذلك رسول‬ ‫رجل كان يأكل مع رسول الله ّ‬ ‫من أجل أن ً‬ ‫صل الله عليه وسلم»‪ .‬ونقرأ يف “مصنف ابن أيب شيبة”‪ ،7/485 ،‬أن ذلك الرجل هو عمر بن الخطاب‪.‬‬ ‫الله ّ‬ ‫أيضا‪،‬‬ ‫ومن صيغة اآلية نكتشف أن محم ًدا مل يكن متشككًا‬ ‫متوجسا من جهة الصحابة فقط‪ ،‬بل ومن جهة زوجاته ً‬ ‫ً‬ ‫حيث نقرأ من تفسري الطربي لقوله “ َذلِ ُك ْم أطْ َه ُر لِ ُقلُو ِب ُك ْم َوقُلُو ِب ِه َّن”‪ ...« :‬يقول تعالـى ذكره‪ :‬سؤالكم إياه ّن الـمتاع إذا‬ ‫سألتـموه ّن ذلك من وراء حجاب أطهر لقلوبكم وقلوبه ّن من عوارض العني فـيها التـي تعرض فـي صدور الرجال من‬ ‫أمر النساء‪ ،‬وفـي صدور النساء من أمر الرجال‪ ،‬وأحرى من ّأل يكون للشيطان علـيكم وعلـيه ّن سبـيـل»‪.‬‬ ‫وما يدل عىل ذلك أن نبي اإلسالم كان يأمر زوجاته باالحتجاب حتى عن ٍ‬ ‫شخص أعمى‪ ،‬فنقرأ يف “مسند أحمد”‪،6/296 ،‬‬ ‫صل الله عليه وسلم‬ ‫و “سنن أيب داود”‪ ،4112 ،‬و “الكربى” للنسايئ‪َ « :9197 ،‬ع ْن أُ ِّم َسلَ َم َة قَال َْت‪ :‬كُ ْن ُت ِع ْن َد َر ُسو ِل اللَّ ِه ّ‬ ‫صل الله عليه وسلم‪’’ :‬ا ْحتَ ِج َبا ِم ْن ُه‘‘؛ فَ ُقلْ َنا‬ ‫اب‪ ،‬فَق َ​َال ال َّنب ُِّي ّ‬ ‫وم‪َ ،‬و َذلِ َك بَ ْع َد أَ ْن أُ ِم ْرنَا بِال ِْح َج ِ‬ ‫َو ِع ْن َد ُه َم ْي ُمونَ ُة‪ ،‬فَأَقْ َب َل ابْ ُن أُ ِّم َم ْكتُ ٍ‬ ‫يَا َر ُس َ‬ ‫صنَا َوالَ يَ ْع ِرفُ َنا؟ فَق َ​َال ال َّنب ُِّي ّ‬ ‫صانِ ِه؟‘‘»‪.‬‬ ‫ول اللَّ ِه‪ ،‬أَلَيْ َس أَ ْع َمى الَ يُبْ ِ ُ‬ ‫صل الله عليه وسلم‪’’ :‬أَفَ َع ْميَا َوانِ أَنْتُ َم؟ أَل َْستُ َم تُبْ ِ َ‬ ‫فاملطلوب من نساء النبي ّأل ي َرين سواه طوال حياتهم‪.‬‬ ‫وذلك عىل الرغم من أنه حني جاءته امرأ ٌة أخرى تدعى فاطمة بنت قيس طلقها زوجها وتريد النفقة‪ ،‬رفض محم ٌد‬ ‫مكتوم فتمكث عنده دون حر ٍج ألنه أعمى‪ ،‬حيث نقرأ يف “صحيح مسلم”‪،1480 ،‬‬ ‫طلبها وأمرها أن تذهب إىل ابن أم‬ ‫ٍ‬ ‫أن النبي قال لها «الَ نَ َف َق َة ِ‬ ‫وم‪ ،‬فَكُوين ِع ْن َد ُه‪ ،‬فَ ِإنَّ ُه َر ُج ٌل أَ ْع َمى‪ ،‬ت َ​َض ِع َني ثِ َيابَ ِك ِع ْن َد ُه»؛‬ ‫لك‪ ،‬فَانْتَ ِقيل فَا ْذ َهبِي إىل ابْنِ أُ ِّم َم ْكتُ ٍ‬ ‫مكتوم هو نفس الشخص الذي رفض محم ٌد دخوله عىل زوجاته‪ ،‬فام رس ذلك الكيل مبكيالني يا ترى؟‬ ‫علام بأن ابن أم‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫محمد أجدر بالحفاظ عليه‪ ،‬أم أن ثقته يف زوجاته أقل من ثقته يف باقي النساء؟‬ ‫هل ِع ْرض نساء‬ ‫ٍ‬ ‫محمد من‬ ‫اآلن فقط بعد أن مررنا بكرثة الفحش والخيانات الزوجية املنترشة يف مجتمع النبوة‪ ،‬ميكننا أن نتفهم هلع‬ ‫أن تنفلت نساؤه‪.‬‬ ‫بحق السورة الجديرة بحمل لقب (سورة الحياة الجنسية للنبي) نقرأ يف اآلية ‪ 32‬تحذي ًرا‬ ‫أيضا‪ ،‬وهي ٍ‬ ‫ويف سورة األحزاب ً‬ ‫ٍ‬ ‫محمد من أن يتّ ِج ْه َن إىل أي انحراف‪ ،‬وتأمره ّن اآلية بالحشمة وخفض الصوت والتزام‬ ‫مخيفًا شديد اللهجة مو ّج ًها لنساء‬ ‫املنزل تجن ًبا ألي نجاسات أخالقي ٍة محتملة‪:‬‬ ‫َّ َ ْ ُ َّ َ َ َ ْ َ ْ َ ْ َ ْ َ َ ْ َ َ َّ‬ ‫َ ْ َ َ ٌ َ ُ ْ َ َ ْ ً َّ ْ ُ ً‬ ‫ٰ َ َ َّ ّ َ ْ ُ َّ َ َ َ ّ َ ّ‬ ‫َ​َْ َ‬ ‫َ‬ ‫ب لست كأح ٍد مِن ٱلنِسآءِ إ ِ ِن ٱتقيت فال تضعن بِٱلقو ِل فيطمع ٱلِي ِف قلبِهِ مرض وقلن قول معروفا ‪ ٪‬وقرن‬ ‫﴿ينِسآء ٱنل ِ‬ ‫ُ ُ ُ َّ ِ َ َ َ َ َّ ْ َ َ َ ُّ َ ْ َ َّ ُ َ ٰ َ َ ْ َ َّ َ َ َ َ َّ َ َ َ َ ْ َ َّ َ َ َ ُ َ ُ َّ َ ُ ُ َّ ُ ُ ْ َ َ ُ‬ ‫نكـمُ‬ ‫ِف بيوت ِكن وال تبجن تبج ٱلاهِل ِيةِ ٱألول وأق ِمن ٱلصالة وآتِني ٱلزكـاة وأطِعن ٱلل ورسول إِنما ي ِريد ٱلل ِلذهِب ع‬ ‫ٱلر ْ‬ ‫ج َس أَ ْه َل ْٱلَيْ‬ ‫ّ‬ ‫ت َو ُي َط ّه َر ُك ْم َت ْطه ً‬ ‫يـرا﴾‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬

‫س َن مكشوفات‪ ،‬ويأكلْ َن مع الرجال‪ ...‬إلخ‪ ،‬فكذلك يخربنا الطربي يف‬ ‫وكام رأينا أن نساء النبي قبل آية الحجاب كُ َّن يَ ِ ْ‬ ‫‪26‬‬


‫هدم أسطورة دين الع ّفة‬ ‫جـ ‪ :7‬محمد ‪2 -‬‬

‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫تفسري اآلية أن نساء النبي قبل تلك اآلية كُن يخر ْج َن يف الطرقات مكشوفات الزينة متربجات‪ ،‬يحركْ َن أجسادهن بإغرا ٍء‬ ‫خرجت من بـيوت ُك ّن‪ .‬قال‪:‬‬ ‫ودال ٍل! فمنع ُه َّن القرآن عن ذلك‪« :‬عن قتادة “ َوال ت َ َّرب ْج َن ت َ ُّرب َج الـجا ِهلِـ َّي ِة األُولـى”‪ :‬أي إذا‬ ‫ُّ‬ ‫ـج‪ ،‬يعنـي بذلك الجاهلـية األولـى فنها ُه ّن الله عن ذلك»‪ .‬وقـيـل‪“ :‬إن الت ّربج هو إظهار‬ ‫كانت ل ُه ّن مشي ٌة وت َكسُّ ٌ وت َغ ُّن ٌ‬ ‫الزينة‪ ،‬وإبراز الـمرأة محاسنها للرجال”‪.‬‬ ‫وسبب إضا ٌّيف لتلك الغرية النبوية نج ُده يف تفسري الجزء األخري من آية األحزاب ‪ ،53‬بشأن ن ْهي الصحابة عن الزواج‬ ‫ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫محمد‬ ‫محمد من بعده‪ ،‬حيث نقرأ يف التفاسري أنها نزلت يف بعض الصحابة الذين قالوا أنه بعد موت‬ ‫بزوجات‬ ‫فسيتزوجون عائشة‪.‬‬ ‫تزوجت عائشة‪ ،‬فأنزل الله تعاىل‪:‬‬ ‫صل الله عليه وسلم‬ ‫رجل قال‪ :‬لو قُبض رسول الله ّ‬ ‫من القرطبي نقرأ‪« :‬عن قتادة أن ً‬ ‫ُ‬ ‫“ َو َما كَا َن لَ ُك ْم أَن ت ْؤذُوا ْ َر ُس َ‬ ‫ول ٱللَّ ِه‪ ”...‬اآلية‪ .‬ونزلت‪َ “ :‬وأَ ْز َوا ُج ُه أُ َّم َهاتُ ُه ْم”»‪« ،‬وقال ابن عطية‪ُ :‬روي أنها نزلت بسبب أن‬ ‫صل الله عليه وسلم‬ ‫صل الله عليه وسلم لتز َّوجت عائشة‪ ،‬فبلغ ذلك رسول الله ّ‬ ‫بعض الصحابة قال‪ :‬لو مات رسول الله ّ‬ ‫فتأذّى به»‪.‬‬ ‫ومن تفسري البغوي لآلية «‪...‬نزلت يف رجلٍ من أصحاب النبي‪ ،‬قال‪ :‬لنئ قُبض رسول الله ألنكح ّن عائشة»‪ ،‬ويف ابن كثري‬ ‫أنها «‪...‬نزلت يف رجلٍ َه َّم أن يتزوج بعض نساء النبي بعده»‪.‬‬ ‫فمن تلك اآلية‪ ،‬تفاسريها وأسباب نزولها‪ ،‬نرى مثالً آخر عىل االنحطاط األخالقي يف ذلك املجتمع‪ ،‬حيث يطمع الرجال‬ ‫يف النساء‪ ،‬والعكس‪ ،‬بشكلٍ طا ٍغ ال يعرف لياق ًة أو تهذي ًبا‪ ،‬والواضح أن نساء النبي أنفس ُه ّن غري معفيات‪ ،‬يف نظر الله‬ ‫ورسوله‪ ،‬من تلك األفكار املنحرفة‪ ،‬مام يجعل محم ًدا يخفي نساءه عن عيون قومه‪ُ ،‬مطلِقًا رشارة البدء للهوس اإلسالمي‬ ‫مبحاولة الحفاظ عىل النساء عن طريق قمعه ّن يف املنازل وتغطيتهن بأطنانٍ من القامش‪ ،‬وكأن ُه ّن ِملكي ٌة جامد ٌة يجب‬ ‫صيانتها بهذا الشكل البدايئ‪.‬‬

‫رساريه‬ ‫الرساري لغويًّا هو جمع “رسية” وهي الجارية‪ ،‬املرأة املتخذة للتملك وملامرسة الجنس‪ ،‬وهي ما يسميها القرآن “ما‬ ‫أحل الله لنبيه ُاتخاذ الرساري كام أوضحنا سابق ًَا يف‬ ‫كام أوضحنا‪َ .‬وقد َّ‬ ‫لغرض الجنس‬ ‫ملكت األميان” أي تم رشاؤه باملال‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ ُ َ‬ ‫ْ َ َ َْ َ َ‬ ‫ْ َ ُ َُ‬ ‫ك م َِّما أف َ‬ ‫تفسري اآلية ‪ 50‬من سورة األحزاب ﴿يَا أ ُّي َها انلَّ ُّ‬ ‫اء‬ ‫وره َّن َو َما َملكت ي ِمين‬ ‫اجك الل ِت آتيت أج‬ ‫ب إِنا أحللنا لك أزو‬ ‫ِ‬ ‫َّ َ‬ ‫الل َعليْ َك﴾‪ ...‬اآلية‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ملحمد الكثري من النساء الاليت أَرس ُه ّن يف الحروب (أفاء الله عليه ب ِه ّن)‪،‬‬ ‫وباإلضافة إىل زوجاته الكثريات‪ ،‬فقد كان بالفعل‬ ‫‪27‬‬


‫هدم أسطورة دين الع ّفة‬ ‫جـ ‪ :7‬محمد ‪2 -‬‬

‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫أو الاليت تلقا ُه ّن كهدايا من آخرين‪ ،‬فمن “الطبقات الكربى” البن سعد‪ ،‬باب ذكر مارية أم إبراهيم بن رسول الله نجد‬ ‫أن محم ًدا كان له أربع رساري (أي جواري ميارس معهن الجنس)‪ ،‬نقرأ‪« :‬عن أيب عبيدة قال‪ :‬كان للنبي أربعة رساري ُهن‬ ‫سبي وجاري ٌة وهبتْها له زينب بنت جحش»‪.‬‬ ‫مارية القبطية وريحانة وامرأ ٌة جميل ٌة أصابها يف ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫محمد ُهن رساري سابقات‪ ،‬البعض حرر ُه ّن محم ٌد وتزوجه ّن‪ ،‬بينام بقيت األخريات كجواري‪.‬‬ ‫علم بأن بعض زوجات‬ ‫ً‬ ‫وسنحيك قصص هؤالء وهؤالء‪.‬‬

‫جويرية‬ ‫جويرية بنت الحارث‪ ،‬من بني املصطلق‪ ،‬أغار املسلمون عىل‬ ‫قومها وتم قتل زوجها مسافع بن صفوان بن رسح بن مالك‬ ‫ٍ‬ ‫محمد وصحابته‪ ،‬كام ورد يف “الطبقات الكربى” البن‬ ‫عىل يد‬ ‫سعد‪ ،‬باب جويرية بنت الحارث‪.‬‬ ‫صل الله عليه وسلم‬ ‫ويف “صحيح البخاري”‪« :2541 ،‬أن النبي ّ‬ ‫أغار عىل بني املصطلق وهم غارون‪ ،‬وأنعامهم ت ُسقى عىل‬ ‫املاء‪ ،‬فقتل مقاتلتهم‪ ،‬وسبى ذراريهم‪ ،‬وأصاب ٍ‬ ‫يومئذ جويرية»‪.‬‬ ‫بعد هزمية بني املصطلق يف غزوة املريسع‪ ،‬تم أرس جويرية‬ ‫ووقعت يف نصيب أحد املسلمني‪ ،‬فأرادت أن تدفع له املال‬ ‫لتحرر نفسها‪ ،‬وذهبت تطلب العون املادي من محمد‪ ،‬وهنا عرفَت عائشة أنه سيعجبه جاملها ويستوىل عليها لنفسه‪،‬‬ ‫وهو ما تحقق بالفعل‪ .‬و َمن أكرث خرب ًة بأخالق نبي الله من زوجته؟‬ ‫تحيك عائشة القصة بنفسها‪ ،‬كام ورد يف “سرية ابن هشام”‪ ،‬غزوة بني املصطلق‪« :‬عن عائشة قالت‪ :‬ملا قسم النبي‬ ‫سبايا بني املصطلق‪ ،‬وقعت جويرية يف سهم ٍ‬ ‫ثابت بن قيس فكاتبته عىل نفسها‪ ،‬وكانت امرأ ًة حلو ًة مالح ًة ال يراها أح ٌد‬ ‫إال أخذَت بنفسه‪ ،‬فجاءت إىل النبي تستعينه‪ .‬قالت عائشة‪ :‬فوالله ما أن رأيتها عىل باب حجريت فكرهتها وعرفت أنه‬ ‫(النبي) سريى منها ما رأيت‪ .‬فقالت أنا جويرية بنت الحارث سيد قومه وقعت يف سهم ثابت بن قيس فجئتك أستعينك‬ ‫عىل كتابتي‪ .‬قال النبي‪ :‬فهل لك خ ٌري من ذلك؟ قالت‪ :‬ما هو يا رسول الله؟ قال‪ :‬اقيض عنك كتابك وأتزوجك‪ .‬فقالت‪:‬‬ ‫نعم يا رسول الله‪ .‬قال النبي قد فعلت» ‪.‬‬

‫ريحانة‬ ‫‪28‬‬


‫هدم أسطورة دين الع ّفة‬ ‫جـ ‪ :7‬محمد ‪2 -‬‬

‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫ريحانة بنت زيد‪ ،‬هي فتا ٌة من بني قريظة‪ ،‬كانت متزوج ًة‬ ‫برجلٍ يُد َعى الحكم‪ ،‬ثم حني انترص املسلمون عىل اليهود أمر‬ ‫محم ٌد بذبح رجال القبيلة بالكامل‪ ،‬وأرسل النساء واألطفال‬ ‫خيل‬ ‫ليتم بيعهم يف سوق العبيد ويشرتي بأمثانهم باملال ً‬ ‫وسال ًحا لرجاله‪ ،‬كام ورد بالتفصيل يف “املغـازي للواقـدي”‪،‬‬ ‫باب غزوة بني قريظة‪ ،‬ذكر قسم املغنم وبيعه‪ ،‬و “الطبقات‬ ‫الكربى” البن سعد‪ ،‬باب ريحانة بنت ٍ‬ ‫زيد‪ ،‬و “السرية الحلبية”‪،‬‬ ‫فصل يف غزوة‬ ‫غزوة بني قريظة و “البداية والنهاية” البن كثري‪ٌ ،‬‬ ‫بني قريظة‪ ،‬باإلضافة إىل كتب الحديث كالبخاري وغريه‪.‬‬ ‫وبعد القتل والسلب والنهب واالستعباد‪ ،‬قرر الرسول أن يصطفي ريحانة لنفسه‪ .‬ويف “تاريخ اليعقويب” ‪ ،53 ،2/52‬أن‬ ‫النبي «اصطفى من السبي ست عرشة جاري ًة‪ ،‬فقسمها عىل فقراء بني هاشم‪ ،‬وأخذ لنفسه منهن واحدةً‪ ،‬يقال لها‪:‬‬ ‫ريحانة»‪.‬‬ ‫وتخربنا الروايات اإلسالمية أن محم ًدا عرض عىل ريحانة أن يتزوجها وتحتجب‪ ،‬فرفضت واختارت أن تكون جارية‪ ،‬فيبدو‬ ‫أنها رأت أن حياة العبودية أخف من حياة السجن والحجاب التي يعيش فيها زوجات النبي “الحرائر”‪.‬‬

‫‪29‬‬


http://arabatheistbroadcasting.com/aamagazine https://www.aamagazine.blogspot.com https://www.facebook.com/pages/AAMagazine/498136386890299 https://issuu.com/928738

30


‫املقدس‬ ‫حصانة ّ‬ ‫مقدس‬ ‫دي ٌن ّ‬

‫عباس ع ّبود‬

‫تقديم‬ ‫املقدسات أشيا ٌء لها مكان ٌة عظيم ٌة لدى‬ ‫اإلنسان‪ ،‬ولكن يجب أن يعلم الجميع أ ّن‬ ‫ال حصانة ليش ٍء أمام النقد املوضوعي‪,‬‬ ‫وال قيمة ليش ٍء إال القيمة الواقعية‪ ،‬وال‬ ‫يشء يصمد أمام العقالنية‪.‬‬

‫‪31‬‬


‫املقدس‬ ‫حصانة ّ‬ ‫عباس ع ّبود‬

‫الجزء الثاين دين مقدس‬ ‫عام للمجتمع‪ ،‬وانتهت كدستو ٍر ٍ‬ ‫خاص يك ّرس العنرصية‪ ،‬أديا ٌن ورشائع‪ ،‬كهن ٌة وأنبياء‪،‬‬ ‫األديان بدأت كوسيل ٍة إلصالح ٍ‬ ‫حروب ودما ٌء واستبدا ٌد‬ ‫والكثري من األدعياء‪ ،‬قوان ٌني ساموية‪ ،‬وفلسفاتٌ تتخبط بني غرابة الواقع وفضاءات الجنون‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫وأخالق و ُم ٌثل ومثاليات‪.‬‬ ‫وتضحياتٌ‬ ‫إنها األديان‪ ،‬إنها مجموعة الطروحات الفوقية األكرث حضو ًرا يف فكر اإلنسان منذ القدم‪ ،‬فإذا كانت هناك الوا ٌن لألفكار‪،‬‬ ‫فإن لون الدين‪ ،‬بال أدىن شك‪ ،‬هو اللون السائد يف حياة اإلنسان‪ ،‬إنها عوامل تجمع بني فلسفة املعبود وتعاليمه‪ ،‬وبالتأكيد‬ ‫اكامت معينة‪ ،‬إن اإلنسان تعلّق ِ‬ ‫هي نتاجاتٌ لواقعٍ مع ٍني برت ٍ‬ ‫بالدين إىل درج ٍة جعلته رمبا يحتمل االختالف يف كل يش ٍء‬ ‫إال يف هذا الدين‪ ،‬حيث يتسيّد مقياس الدين عىل املقاييس كلها‪.‬‬ ‫قصصا عظيم ًة عن هذا‬ ‫آالف الطروحات‪ ،‬بسيط ٌة ومعقدة‪ ،‬أتبا ٌع قليلون‪ ،‬ومر ًة أخرى كثريون‪ ،‬وتواريخ كبري ٌة تحيك ً‬ ‫السلطان العظيم‪.‬‬ ‫ولكن رغم االمتدادات الزمنية والرتاثية والفكرية لألديان‪ ،‬وبكل تراكامتها‪ ،‬فقد ظلت األديان بكل أشكالها عاجز ًة عن‬ ‫ترويض مارِد الواقع الجبار وإدخاله يف مصباح الدين‪ ،‬وظلت األديان يف الكثري من األحيان مجموعة أفكا ٍر طوباوية‪،‬‬ ‫شخصا متمر ًدا عىل قوانينها‪ ،‬يف أغلب األحيان‪ .‬ويُنسب الخلل كالعادة إىل الواقع‪ ،‬وال يُنسب إىل النظرية‪،‬‬ ‫وظل الواقع ً‬ ‫فأصحاب الدين هنا ينسبون فشل رشائعهم عمل ًيا إىل اإلنسان والشيطان دامئًا‪ ،‬ويعدون بتجسيد هذه النظريات‬ ‫وتحقيق االنتصار النهايئ عىل الواقع‪ ،‬ولكن ليس يف هذه الحياة‪ ،‬إمنا يف حيا ٍة أخرى‪ ،‬يف السامء‪ .‬‬ ‫ ‬

‫نشأة األديان‬

‫نقصد بالدين هنا مجموعة الطقوس والرشائع واأليديولوجيات املتعلقة باملعبود‪ ،‬وما دامت متعلق ًة باملعبود‪ ،‬فهي إذًا‬ ‫تختلف مع اختالفه عرب األزمنة واألمكنة‪ ،‬فكام أن التأليه بدأ بتقديس أشيا ٍء معينة‪ ،‬فإن املعنى البسيط للدين بدأ يف‬ ‫ٍ‬ ‫أشخاصا‬ ‫طقوس هي مبثابة لغ ٍة للتعامل مع األشياء املق ّدسة هذه‪ ،‬وبالطبع أفرزت هذه التجربة‬ ‫تلك املرحلة عىل شكل‬ ‫ً‬ ‫ٍ‬ ‫لديهم رغب ٌة أكرب من غريهم يف التفاعل معها‪ ،‬وتكريس ٍ‬ ‫معلومات أكرث عنها من تراكامتها يف‬ ‫وقت أكرب لها وجمع‬ ‫املجتمع‪ ،‬وهؤالء األشخاص أصبحوا مبثابة مراجع حول هذه املقدسات‪ ،‬ويف الحقيقة إن هؤالء األشخاص ميثّلون الجيل‬ ‫األول من األنبياء‪ ،‬حسب املعنى العام للنبوة‪ ،‬وهو (افرت ًاضا) اتصال ٍ‬ ‫شخص مع ٍني بطريق ٍة معين ٍة باملق ّدس أو املعبود‪.‬‬ ‫وبعد تطور صورة املقدس أو املعبود ودخول اآللهة إىل الحلبة تطورت الطقوس و ُخصصت لها أمكن ًة معين ًة‪ ،‬وبالطبع‬ ‫‪32‬‬


‫املقدس‬ ‫حصانة ّ‬ ‫عباس ع ّبود‬

‫احتاج الناس هنا إىل مرتجمني(مفرتضني) للغة اآللهة‪،‬‬ ‫وهؤالء مبثابة حلقة الوصل بني البرش واآللهة‪ ،‬وهؤالء هم‬ ‫(الكهنة)‪ ،‬الذين ميكن اعتبارهم الجيل الثاين من األنبياء‪.‬‬ ‫بعد ظهور فكرة (الله) ظهر الجيل الثالث واألخري من‬ ‫ٍ‬ ‫واحد (وبصو ٍر رمبا تكون‬ ‫األنبياء الذين يؤمنون بإل ٍه‬ ‫متعددةً)‪ ،‬وهؤالء قادوا ثور ًة حقيقي ًة عىل أفكار الجيل‬ ‫الثاين من األنبياء(الكهنة) امتدت لعصو ٍر طويلة‪ ،‬علام بأن‬ ‫هذا التطور يف مفهوم (الله) باإلضافة إىل ظهور املركزية‬ ‫يف العالقة معه(عن طريق النبي)‪ ،‬كل هذا أ ّدى إىل انتقال‬ ‫الدين من مرحلة الطقوس املجردة‪ ،‬إىل مرحلة الرشائع‪.‬‬ ‫تدخل يف حياة اإلنسان وواقعه‬ ‫ً‬ ‫وهنا أصبح (الله) أكرث‬ ‫وسلوكه‪ ،‬عن طريق هذه الرشائع التي أىت بها األنبياء‪ ،‬إال‬ ‫أن الطقوس مل تنقرض متا ًما‪ ،‬وإمنا أصبحت متلون ًة بلون‬ ‫تنظيم وأكرث حضو ًرا‬ ‫الدين الجديد‪ ،‬وأصبحت كذلك أكرث‬ ‫ً‬ ‫فرضا يف كثريٍ من األحيان‪.‬‬ ‫إىل الدرجة التي أصبحت معها ً‬ ‫أيضا ارتدت ثوبًا جدي ًدا‪ ،‬يتناسب مع‬ ‫أما ُدور العبادة‪ ،‬فهي ً‬ ‫الجسد الجديد للدين‪.‬‬ ‫بعد تطور الفكر البرشي وانتقاله من مرحلة العلم التجريبي املبارش إىل مرحلة التنظري‪ ،‬وبعد والدة أجيا ٍل مميز ٍة من‬ ‫املتفلسفني‪ ،‬وبعد أن بدأت ترتسخ الشمولية يف التفكري وبعد أن أصبح اإلنسان أكرث عمقًا يف نظرته للواقع‪ ،‬بعد هذا كله‬ ‫كان من الطبيعي أن يتفاعل الدين مع كل هذه املتغريات‪ ،‬والنتيجة أن الدين تطور ودخل مرحلة األيديولوجية‪ ،‬حيث‬ ‫ٍ‬ ‫بطروحات فلسفي ٍة وأخالقي ٍة وجدلية‪ ،‬بل وأحيانًا حتى علمية‪ ،‬وهذا الطرح األخري هو أنضج ما طرح الدين‪.‬‬ ‫اقرتن‬ ‫بانتظام دامئًا يف‬ ‫إن هذا التوضيح (املخترص ج ًدا) لنشأة وتطور األديان ال يعني بالرضورة أن عملية التطور كانت تسري‬ ‫ٍ‬ ‫منتظم وواض ٍح ج ًدا‪ ،‬وإمنا كانت عملية التطور منتظم ًة بشكلٍ عام‪ ،‬واملراحل‬ ‫يل‬ ‫ٍ‬ ‫كل األزمنة واملجتمعات‪ ،‬وبانتقا ٍل مرح ٍّ‬ ‫رس عىل نحو العموم فقط‪ ،‬لكن هناك أديانًا كثري ًة شذّت عن هذا التسلسل العام للتطور‪،‬‬ ‫العامة للتطور ميكن تتبعها بي ٍ‬ ‫طويل (بإطارها العام)‪ ،‬وهناك أديانًا انقرضت متا ًما‪ ،‬بل إن‬ ‫إذ أن هناك أديانًا تقوقعت وتجمدت وهناك أديانًا استمرت ً‬ ‫ٍ‬ ‫تداخل كب ٌري ال ميكن‬ ‫ٌ‬ ‫أي‪ ،‬هناك‬ ‫هناك‬ ‫ديانات بسيط ًة ج ًدا وتنتمي إىل منط أديان العصور القدمية‪ ،‬ولكنها تُعتنق اليوم‪ْ .‬‬ ‫إغفاله بني مراحل تطور األديان عرب التأريخ‪ ،‬رغم االنتقال املرحيل العام الواضح لها‪.‬‬ ‫‪33‬‬


‫املقدس‬ ‫حصانة ّ‬ ‫عباس ع ّبود‬

‫األنبياء‬ ‫إن التجربة اإلنسانية الطويلة والعميقة مع‬ ‫الدين بكل أطيافه ومراحله‪ ،‬قدمت الكثري‬ ‫من البرش ممن ي ّدعون االتصال باملعبود أو‬ ‫املقدس‪ ،‬فمنهم من ا ّدعى االتصال باآللهة بكل‬ ‫أشكالها‪ ،‬ومنهم من ا ّدعى االتصال ب(الله)‪،‬‬ ‫حسب الفكرة الحديثة (لله)‪ ،‬ومنهم من‬ ‫ٌ‬ ‫اتصال‬ ‫أي عندهم‬ ‫ا ّدعى االتصال بق َديسني‪ْ ،‬‬ ‫رش باملعبود‪.‬‬ ‫غري مبا ٍ‬ ‫والحقيقة أن هذه اال ّدعاءات هي إفرازاتٌ طبيعي ٌة‬ ‫لتفاعل األديان مع الناس ورغباتهم وطباعهم‪ ،‬وكذلك نتيج ٌة طبيعي ٌة لبحثهم الدائم عن وسائل لالتصال باملعبود واملق ّدس‪ ،‬وال زال‬ ‫سم كب ًريا من هؤالء األدعياء كذّابون‪ ،‬وهذا األمر ال يخفى عىل أحد‪.‬‬ ‫إىل اليوم يظهر أمثال هؤالء‪ .‬من املؤكد أن ِق ً‬ ‫إن ما يهمني ليس هؤالء الكذّابون‪ ،‬وإمنا قس ٌم آخر ال نستطيع أن نقول عنه إنه (كذّاب)‪ ،‬ألن الكذّاب إمنا يكذب طل ًبا للمنفعة‪،‬‬ ‫لقضي ٍة معين ٍة ويخلص لها ويعاين أقىس أنواع األذى يف سبيلها‪ ،‬فهو إنسا ٌن ال نستطيع أن نصفه إال بأنه إنسا ٌن‬ ‫أ ّما من ينذر نفسه ّ‬ ‫مبديئ‪ ،‬بِغض النظر عن صواب أو إيجابية قض ّيته‪ .‬نحن ال نقول بأن هؤالء عىل صواب‪ ،‬ألن ال إله هناك حتّى يتصلوا به‪ ،‬ولكن‬ ‫كل ما يف األمر أن هؤالء األشخاص قد استحوذت عليهم بالكامل فكرة اإلصالح وخدمة املجتمع‪ ،‬وكان من الطبيعي أن تتفاعل‬ ‫هذه الرغبة مع الرتاكامت العامة للدين يف املجتمع بعمقها الكبري وكذلك بعمق فكرة (الله) الجذّابة يف النفوس‪ ،‬ونتيجة هذا‬ ‫ٍ‬ ‫بكيفيات مختلف ٍة وبأط ٍر واحدة‪ ،‬وقد يساعد عىل هذا‬ ‫التفاعل هي تهيّؤاتٌ ور ًؤى يف اليقظة تستحوذ عىل هؤالء األشخاص‬ ‫امتالك البعض من هؤالء األشخاص ملواهب باراسيكولوجية وخصائص روحية‪ .‬ثم ومبرور الوقت وتفاعل التجربة‪ ،‬تأخذ الحالة‬ ‫أبعا ًدا اجتامعي ًة متنامي ًة‪ ،‬حسب الشخص امل ّدعي للنبوة واالتصال‪ ،‬وحسب طبيعة طرحه‪ ،‬وحسب الظرف االجتامعي والسيايس‪،‬‬ ‫واىل آخر العوامل املحيطة‪ .‬وهكذا إ ّما أن تندثر الحالة‪ ،‬أو تكرب وتصبح قضي ًة ومبدأً ودي ًنا محل ًّيا‪ ،‬والذي ميكن أن يكرب ويصبح‬ ‫ٍ‬ ‫مجتمعات كثريةً‪ ،‬وكل هذا يُح َّدد بواسطة معادلة الظروف والواقع‪.‬‬ ‫عقيد ًة عام ًة تخرتق‬ ‫جديد وواقعٍ ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫عطش ٍ‬ ‫إن املجتمعات (وتحدي ًدا املسحوقة منها) دامئًا يف حالة ٍ‬ ‫شديد إىل أملٍ‬ ‫جديد رمبا يحمل تباشري التغيري‬ ‫اإليجايب املرتقب دامئًا‪ ،‬وهذه املجتمعات يف حالة ٍ‬ ‫أيضا إىل جرع ٍة روحي ٍة تحس معها هذه املجتمعات بوجودها‪،‬‬ ‫دائم ً‬ ‫عطش ٍ‬ ‫وأيضا هي بحاج ٍة إىل عاقب ٍة حسن ٍة لحياتها املريرة (ولو يف الجنة)‪ ،‬باإلضافة إىل العطش املزمن لالتصال ٍ‬ ‫بذات مقدس ٍة عظيمة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وهذه كلها عوامل أساسي ٌة ساعدت يف تق ّبل األنبياء يف املجتمع‪.‬‬ ‫‪34‬‬


‫املقدس‬ ‫حصانة ّ‬ ‫عباس ع ّبود‬

‫ٍ‬ ‫ديانات كثرية‪ ،‬مثل عيىس وموىس ومحمد‪ ،‬وغريهم‪ ،‬ليسوا كذّابني أو مجانني‪ ،‬وإمنا هم عبار ٌة عن‬ ‫أي أن أنبيا ًء وأصحاب‬ ‫ْ‬ ‫ٍ‬ ‫منط ٍ‬ ‫خاص من املصلحني (بِغض النظر عن إيجابية أو سلبية طرحهم) تلونوا بلونٍ‬ ‫معي‪ ،‬وبلون مجتمعهم‪ ،‬وبلون‬ ‫ٍ‬ ‫شخيص ّ‬ ‫الواقع بكل تراكامته وتطلعاته‪.‬‬

‫جدل ّية الدين‬ ‫ٍ‬ ‫استدالالت عقلي ًة معين ًة يف‬ ‫يحاول معتقدو كل فكر ٍة أن يس ّوقوا‬ ‫محاول ٍة إلثبات ص ّحة عقيدتهم‪ ،‬ومن هذا املنطلق يق ّدم أصحاب‬ ‫ٍ‬ ‫استدالالت عقلي ًة معين ًة‪ ،‬إلثبات سالمة دينهم وص ّحة‬ ‫األديان‬ ‫مذهبهم‪ ،‬بل إنهم ذهبوا إىل أبعد من ذلك‪ ،‬حيث أنهم ا ّدعوا‬ ‫واجب عىل كل إنسانٍ اعتناقها‪ ،‬وحاولوا أن يسوقوا‬ ‫بأن عقائدهم‬ ‫ٌ‬ ‫األدلّة إلثبات هذا اإللزام‪.‬‬ ‫والحقيقة إن فكرة (الله) هي أساس كل األديان‪ ،‬وأوضحنا سابقًا‪،‬‬ ‫وأوضح الكثريون‪ ،‬أن هذه الفكرة مبهم ٌة ومرتبك ٌة ومتناقضة‪،‬‬ ‫واضح لكل ٍ‬ ‫اغب بالحقيقة لذاتها‪ .‬لذلك‬ ‫شخص‬ ‫موضوعي ر ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وهذا ٌ‬ ‫يل تعاين من ضعف األسس‪ ،‬وانعدام‬ ‫نجد أن األديان‬ ‫ٍ‬ ‫كمذهب عق ٍ‬ ‫الربط الواضح بني (الله) عىل افرتاض ثبوت وجوده‪ ،‬وبني الدين‬ ‫كأيديولوجية مطروحة‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫استدالل عند كثريٍ من أهل الدين‪ ،‬يسوقونه يف محاول ٍة إلثبات صحة دينهم‪ ،‬بل وجوب اعتناقه‬ ‫وبصور ٍة عام ٍة هناك‬ ‫دليل عىل اتصال‬ ‫نبي معجزة‪ ،‬وهذه املعجزة هي ٌ‬ ‫من ِقبل كل البرش ودون أي اجتزاء‪ .‬وهذا االستدالل مفاده‪ ،‬أن لكل ٍّ‬ ‫مرسل من ِقبله‪ ،‬وما دام كذلك فاتّباعه واجب‪.‬‬ ‫صاحبها (النبي) بالله‪ ،‬وأنه ٌ‬ ‫جدل‬ ‫ضعيف ج ًدا‪ ،‬عىل الرغم من أنه أفضل ما عندهم‪ ،‬كدليلٍ جديل‪ .‬فلو افرتضنا ً‬ ‫إن أقل ما يقال عن هذا االستدالل‪ ،‬إنه‬ ‫ٌ‬ ‫أن ما أىت به النبي (املف َرتض)‪ ،‬ال يستطيع أي ٍ‬ ‫شخص آخر اإلتيان مبثله‪ ،‬فإن هذا ال يدل (عقل ًيا) إال عىل أن هذا الشخص‬ ‫أي ال‬ ‫(النبي املفرتض) قد انفرد مبيز ٍة أو موهب ٍة عن بقية البرش‪ ،‬وال عالقة لهذا األمر ب(الله)‪ ،‬من ناحية الربط العقيل‪ْ ،‬‬ ‫ٌ‬ ‫استدالل قائ ٌم عىل عملية‬ ‫يوجد رب ٌط استدال ٌيل بني امتالك املوهبة‪ ،‬واالتصال ب(الله)‪ ،‬ال بالتالزم وال بالرضورة‪ .‬أي أنه‬ ‫ٍ‬ ‫ربط باطل ٍة بشكلٍ سافر‪.‬‬ ‫‪35‬‬


‫املقدس‬ ‫حصانة ّ‬ ‫عباس ع ّبود‬

‫ولو أن كل صاحب موهب ٍة فريد ٍة يحق له اال ّدعاء بالنبوة‬ ‫لكان كل ٍ‬ ‫شخص مسجلٍ يف كتاب (غينيس) لألرقام القياسية‬ ‫أشخاصا يف كل مكانٍ‬ ‫من حقّه أن ي ّدعي النب ّوة‪ .‬ثم أن هناك‬ ‫ً‬ ‫غريب‬ ‫وزمانٍ ميتلكون مواهب فريد ًة وعظيم ًة‪ ،‬وقس ٌم منها‬ ‫ٌ‬ ‫ج ًدا‪ ،‬ومن أراد االستزادة فعليه دراسة علم الباراسيكولوجي‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫حاالت كثري ًة خارق ًة موثق ًة مخربيًا‬ ‫مع اإلشارة إىل أن هناك‬ ‫وال مجال إلنكارها‪.‬‬ ‫يف الحقيقة هناك جذو ٌر قدمي ٌة لهذا االستدالل يف املجتمع‬ ‫البرشي‪ ،‬حيث كان الناس يظنون ‪-‬لبساطتهم‪ -‬أن كل ما‬ ‫غريب أو عظي ٌم له عالق ٌة ب(اآللهة) بشكلٍ‬ ‫هو ٌ‬ ‫خارق أو‬ ‫ٌ‬ ‫أو بآخر‪.‬‬ ‫شامل لإلنسان‪ ،‬ال يعني أن كل مفردات الدين‬ ‫يجب أن نشري هنا إىل أن عدم ثبوت الدين ككل عقليًا عىل أنه دستو ٌر ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫مفردات كثري ًة يف الطرح الديني‪ ،‬تتطابق مع املنهج السلويك املنطقي السليم لإلنسان‪ ،‬وهذه واجب ٌة‬ ‫خاطئة‪ ،‬ألن هناك‬ ‫عىل عامة الناس من باب العقالنية فقط‪.‬‬ ‫كام يجب أن نشري إىل مالحظ ٍة مهمة‪ ،‬وهي أن معتنقي األديان‪ ،‬إمنا يعتنقونها بالتقليد والوراثة يف غالبيتهم الساحقة‪،‬‬ ‫فكم نسبة الذين يبحثون عن حقيقة دينهم عقليًا من بني هؤالء‪ ،‬وهؤالء الباحثون إن ُوجدوا‪ ،‬كم منهم يبحث ألجل‬ ‫الحقيقة بعينها‪ ،‬وكم منهم يبحث ألجل إثبات ص ّحة دينه‪ ،‬وليس للتأكد من صحته‪.‬‬

‫الج ّنة والنار‬ ‫أيضا جز ٌء مه ٌم من الرتاث البرشي العام‪ ،‬فقد حلم‬ ‫إن فكرة الجنة والنار جز ٌء مه ٌم من أجزاء النظرية الدينية‪ ،‬وهي ً‬ ‫ٍ‬ ‫تجسيد لهذا الحلم القديم‪ ،‬ورغب‬ ‫اإلنسان منذ آالف السنني بالخلود والنعيم يف عا ٍمل مطلق السعادة‪ ،‬وفكرة (الج ّنة) خري‬ ‫اإلنسان وبش ّدة يف معاقبة املسيئني يف هذه الحياة‪ ،‬ولكن يف أحيانٍ كثري ٍة يفلت امليسء من العقاب ويعجز املجتمع عن‬ ‫أيضا لهذه الرغبة القدمية‪ .‬إن األديان جز ٌء من الواقع البرشي‪ ،‬ووليد ٌة من رحم‬ ‫معاقبته‪ ،‬ولذلك تعترب (النار) خري تجسيد ً‬ ‫تراثه العميق‪ ،‬لذلك من الطبيعي أن نجد مثل هذه الرغبات(األفكار) وقد أخذت ح ّي ًزا واض ًحا يف الطرح الديني‪.‬‬ ‫‪36‬‬


‫ﺍﻟﻤﺰﺩﺭﻱ‬

‫املقدس‬ ‫حصانة ّ‬ ‫ٍ‬ ‫إلشكاالت‬ ‫ويف الحقيقة قد وجدت األديان يف هذه الفكرة(الحلم) مخر ًجا حقيق ًيا‬ ‫فلسفي ٍة تتعلق بعدالة (الله)‪ ،‬فصورة الواقع ال تحقق هذه العدالة‪ ،‬فهو ميل ٌء‬ ‫عقاب ٍ‬ ‫كاف‬ ‫بالظلم واملعاناة‪ ،‬وال توجد فيه مكافئ ٌة مقبول ٌة للمحسن‪ ،‬وال‬ ‫ٌ‬ ‫للميسء‪ ،‬لذلك وجد أهل الدين يف فكرة (الجنة والنار) ساح ًة مؤجل ًة لتحقيق‬ ‫العدالة اإللهية املطلقة املوعودة‪.‬‬ ‫إن خرضة الج ّنة وطيورها وحورياتها‪ ،‬كانت آلالف السنني املاضية‪ ،‬ورمبا الالحقة‪،‬‬ ‫وخصوصا املحرومون‪ ،‬من الرجال والنساء‪ ،‬وهذه‬ ‫واح ٌة خيالي ٌة يدخلها الناس‪،‬‬ ‫ً‬ ‫نقط ٌة إيجابي ٌة تُحسب للدين‪ ،‬حيث كانت الكثري من الهموم واملآيس تُخفف‬ ‫بإكسري أمل (الحياة األخرى)‪.‬‬

‫ويجب أن نعلم هنا أن هذه الجنة ال يدخلها الجميع‪ ،‬بل فقط من آمن بدينٍ‬ ‫ومبذهب محد ٍد من هذا الدين‪ ،‬ليس هذا فحسب‪ ،‬بل يجب أن يُط ِّبق‬ ‫معي‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫تعاليم الدين واملذهب بحذافريها عمل ًيا‪ .‬وهنا يشعر الفرد املتديّن بالرسور‪،‬‬ ‫ألن كل من يعتقد بعقيد ٍة غري عقيدته يبقى يتقلّب يف النار ويذوق فيها أقىس‬ ‫أنواع التعذيب واالمتهان‪.‬‬ ‫حتّى أن امليسء واملجرم يذوق هذا العذاب‪ ،‬ولكن بدرج ٍة أهون ولفرت ٍة‬ ‫محدودة‪ ،‬حيث أنه ينتقل بعدها إىل الج ّنة‪ ،‬وفقط إذا كان يف الدنيا يؤمن‬ ‫بالدين (الصحيح)‪ .‬وهنا نجد العنرصية قد رافقت اإلنسان حتّى يف خياالته‪،‬‬ ‫وانتقلت معه حتّى إىل السامء‪ .‬ما أقىس الواقع‪ ،‬وما أترف الخيال‪.‬‬ ‫‪37‬‬

‫وﻟﻴﺪ اﻟﺤﺴﻴﻨﻲ‬

‫اﻟﺜﻤﻦ اﻟﺬي دﻓﻌﺘﻪ ﻟﱰ اﻹﺳﻼم‬

‫اﻟﻜﺘــﺎب وﺛﻴﻘــﺔ ﻣﻬﻤــﺔ ﻳــﺮوي ﻓﻴﻬــﺎ‬ ‫وﻟﻴــﺪ اﻟﺤﺴــﻴﻨﻲ ﻗﺼــﺔ اﳌﻌﺎﻧــﺎة‬ ‫اﻟﺘــﻲ ﻣــﺮ ﺑﻬــﺎ ﻣــﻦ ﺟــﺮاء ﺗﺮﻛــﻪ‬ ‫ﻟﻺﺳــﻼم وﺟﻬــﺮه ﺑﺬﻟــﻚ‪ ،‬ﺑــﺪ ًءا ﻣــﻦ‬ ‫ﺗﺴــﺎؤﻻت ـــﺮ ﺑﻬــﺎ ﻛﻠﻨــﺎ إﱃ ﻧﻘــﺪه‬ ‫اﻟﺴــﺎﺧﺮ ﻟﻠﺪﻳــﻦ‪ ،‬ﻓﺴــﺠﻨﻪ وﺗﻌﺮﺿــﻪ‬

‫ﻓﺮﻧﺴــﺎ ﺣﻴــﺚ ﻻ زال ﻳﻌﻤــﻞ ﺑــﺪأب‬ ‫ﰲ ﻣﴩوﻋﻪ اﻟﻔﻜﺮي‪.‬‬ ‫ﻇﻬــﺮ ﻛﺘﺎﺑــﻪ »اﳌــﺰدري« ﺑﺎﻟﻔﺮﻧﺴــﻴﺔ‬ ‫ﺗﺤﺖﻋﻨﻮان‪Blasphémateur‬وﻣﺆﺧ ًﺮا‬ ‫ـــﺖ ﺗﺮﺟﻤﺘــﻪ إﱃ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰﻳــﺔ‬ ‫ﺑﻌﻨﻮان ‪ ،Blasphemer‬وﻫﻮ ﻣﱰﺟ ٌﻢ‬ ‫أﻳﻀــﺎ إﱃ اﻟﭙﻮﻟﻨﺪﻳــﺔ واﻟﺪﺎﺎرﻛﻴــﺔ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫اﻟﻨﺴــﺔﺔ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰﻳــﺔ ﻣﻮﺟــﻮدة‬ ‫‪maaaa...m‬‬


‫املقدس‬ ‫حصانة ّ‬ ‫عباس ع ّبود‬

‫الشيطان‬ ‫من هو الشيطان؟ أين الشيطان؟ كيف يؤثر الشيطان عىل‬ ‫الناس؟ أسئل ٌة وأسئل ٌة كثري ٌة عن هذا اليشء‪ ،‬وكالعادة ال أجوبة‪،‬‬ ‫فال أحد يستطيع أن يعلم‪ ،‬وسوف لن يستطيع أي ٍ‬ ‫أحد أن‬ ‫يعلم‪ ،‬إنه عالمات استفهام محضة‪ ،‬كام هو الحال مع (الله)‪،‬‬ ‫وكأن هذه الذات املفرتضة ُصممت ليك تكون مجهول ًة‪.‬‬ ‫الرش جز ٌء من الواقع البرشي منذ وجد‪ ،‬وقد آمن اإلنسان منذ‬ ‫القدم بوجود ق ًوى رشير ٍة عظيمة‪ ،‬هي مبثابة املصدر واملحرك‬ ‫للرش‪ ،‬وامتزجت هذه األفكار بالعقائد الدينية منذ بداياتها‬ ‫األوىل‪ ،‬فتلونت بلون العقائد الدينية للشعوب‪ .‬ويف الحقيقة‬ ‫إن فكرة القوى الرشيرة مبثابة لُقيا مثين ٍة بالنسبة لألديان يف‬ ‫مراحلها األيديولوجية املتأخرة‪ ،‬ألنها متثل لهم مخر ًجا إلشكال ّية‬ ‫الرش يف الواقع ومصدره‪ ،‬فإذا كان (الله) مصدر الخري املطلق‪،‬‬ ‫فمن هو مصدر الرش‪.‬‬ ‫وهنا أمسك أصحاب الدين بفكرة القوى الرشيرة وجمعوا الرش ٍ‬ ‫بذات واحدة‪ ،‬وهي ذات الشيطان‪ ،‬و ُعلِّق الرش كلّه‬ ‫مستقل عن الله‬ ‫ً‬ ‫شمعة هذا (الشيطان)‪ .‬وبهذا أصبح الله نق ًّيا وبريئًا من الرش‪ ،‬وكأن هذا (الشيطان)‬ ‫يف الواقع عىل ّ‬ ‫رغم عن أنف الله‪.‬‬ ‫ومتمر ًدا عليه‪ ،‬حتى أنه يفعل ما يحلو له‪ً ،‬‬ ‫أيضا يف الشيطان عذ ًرا مناس ًبا ليك يربئوا أنفسهم من ذنوبهم‪ ،‬فهم يقولون إننا مؤمنون‪ ،‬ولكن‬ ‫إن أهل الدين وجدوا ً‬ ‫أيضا يُلقى بالالمئة والذنب واملسؤولية عىل رأس هذا‬ ‫الشيطان اللعني هو الذي أغوانا ولواله ما ك ّنا أذنبنا‪ ،‬وهنا ً‬ ‫(الشيطان) املسكني‪.‬‬ ‫ال يوجد شيطا ٌن يف الواقع‪ ،‬ولكن يوجد إنسا ٌن يف أحيانٍ كثري ٍة هو مبثابة شيطان‪ ،‬وال يوجد ٌ‬ ‫مالك يف الوجود‪ ،‬ولكن عدي ًدا‬ ‫من البرش هم خري مصداقٍ للمالك‪ .‬األرض هي الج ّنة‪ ،‬إذا كان الناس مالئك ًة‪ ،‬كام أن األرض هي الجحيم‪ ،‬إذا كان الناس‬ ‫شياطني‪.‬‬ ‫كفانا لع ًنا للشيطان وإغوائه لإلنسان‪ ،‬ولنلعن كث ًريا من شياطني اإلنس‪ ،‬ونحاربهم بسالح الواقع‪ ،‬وليس بأجنحة الخيال‪.‬‬ ‫‪38‬‬


‫املقدس‬ ‫حصانة ّ‬ ‫عباس ع ّبود‬

‫األديان يف امليزان‬ ‫ال شك أن لألديان حضو ًرا قويًا ج ًّدا يف املجتمع البرشي منذ‬ ‫ال ِقدم‪ ،‬وما دامت كذلك فإن لها بالنتيجة تأث ٌري خط ٌري عىل‬ ‫مفاصل املجتمع املهمة‪ ،‬ونقصد باملفاصل هنا‪ ،‬األطر التي‬ ‫تتحكم يف سلوك اإلنسان وطريقة تفكريه‪ ،‬والضوابط التي تحدد‬ ‫عالقته باآلخرين‪ ،‬فهذه املفاصل هي األهم يف واقع اإلنسان‬ ‫عىل اإلطالق‪ .‬لذلك كله‪ ،‬علينا أن نحدد تأثري الدين عليها من‬ ‫مقياس السلبية واإليجابية‪ ،‬نسب ًة ملصلحة اإلنسان عمو ًما‪ ،‬عىل‬ ‫اختالف عقيدته وتقليده وعرقه‪.‬‬ ‫يف الحقيقة‪ ،‬يجب ألّ نعتمد عىل الصورة التي يس ّوقها أهل الدين عنه‪ ،‬إذا أردنا تقييم الدين‪ ،‬ألن هذه الصورة تأيت‬ ‫مج ّمل ًة يف أحيانٍ كثرية‪ ،‬بل يتوجب علينا االعتامد عىل الطرح الديني النظري‪ ،‬وكذلك عمقه العميل يف نفوس وسلوك‬ ‫معتنقيه‪ ،‬أي‪ ،‬ننظر إىل الدين كمنظوم ٍة تشمل النظرية‪ ،‬وكذلك الواقع الذي نتج عن تفاعل النظرية مع اإلنسان املؤمن‬ ‫ٍ‬ ‫نصوص نظري ٍة‬ ‫بها وواقعه‪ ،‬وال نقيس عىل النظرية فقط‪ ،‬ألن واقع أهل الدين ح ّج ٌة عىل الدين‪ ،‬حتّى مع عدم وجود‬ ‫تؤيد هذا الواقع بشكلٍ مبارش‪ ،‬وهذا فقط يف حال انفراد معظم أهل الدين بواقعٍ ممي ٍز عن بقية األديان‪ ،‬ألن هذا الواقع‬ ‫مسؤول‪.‬‬ ‫ً‬ ‫رش للنظرية الدينية‪ ،‬ويف حالة عدم االنفراد ال يُع ّد الدين‬ ‫سيكون نتا ًجا مؤك ًدا ولكنه غري مبا ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وخصوصا األديان التي تطرح‬ ‫عموميات مشرتك ٍة بني األديان‪،‬‬ ‫يجب أن نالحظ‪ ،‬أن عمل ّية تقييم األديان هنا تتعامل مع‬ ‫ً‬ ‫أيضا‪ ،‬أن األديان واملذاهب متفاوت ٌة يف حضورها االجتامعي‪ ،‬ومتفاوت ٌة يف سلبيتها‬ ‫رشائع مع ّين ًة‪ ،‬ويجب أن نالحظ ً‬ ‫أيضا يف مقدار السلب واإليجاب‪.‬‬ ‫وإيجابيتها العامة‪ ،‬ومتفاوت ٌة ً‬ ‫ألجل تقييم األديان من خالل هذا املنظار‪ ،‬سنسلط الضوء وباختصار‪ ،‬ولكن برتكيز‪ ،‬عىل أربع ٍ‬ ‫نقاط أساس ّية‪ ،‬نرى أنها‬ ‫لكل منها‪ ،‬علام بأنها ليست كل السلبيات وال كل‬ ‫مح ِّدد ٌة ملالمح املجتمع قد ًميا وحديثًا‪ ،‬ونحدد سلبية أو إيجابية الدين ٍّ‬ ‫اإليجابيات‪ ،‬ولكنها األهم واألشمل‪.‬‬ ‫خوضا تفصيليًا‪ ،‬أو‬ ‫ميكننا اعتبار هذه النقاط (املقاييس العا ّمة لتأثري الدين يف املجتمع)‪ .‬كام أن هذه النقاط ال تتضمن ً‬ ‫مقياس استقرا ٌيئ عا ٌم فقط‪ .‬وهذه النقاط هي‪:‬‬ ‫رس ًدا واس ًعا لألمثلة‪ ،‬ألنها‬ ‫ٌ‬ ‫‪39‬‬


‫املقدس‬ ‫حصانة ّ‬ ‫عباس ع ّبود‬

‫‪ :1‬الثوابت األخالق ّية العا ّمة‪.‬‬ ‫‪ :2‬التفكري يف الدين ومرجعيته‪.‬‬ ‫‪ :3‬الترشيع الديني والواقع‪.‬‬ ‫‪ :4‬التعامل مع اآلخرين ومقاييس تقييمهم‪.‬‬ ‫هناك مالحظتان مهمتان فيام يتعلق بهذا املوضوع‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫عموميات مشرتك ًة بني األديان بصور ٍة عامة‪ ،‬وهذه العموميات هي مفاصل املسألة‪ ،‬ومن يريد‬ ‫األوىل‪ :‬إننا نتناول هنا‬ ‫التخصيصات واألمثلة فهي موجود ٌة للباحث يف الرتاث املطبوع لألديان‪ ،‬واألمر أصبح أسهل وأيرس مع وجود شبكة‬ ‫اإلنرتنت مبعلوماتها الهائلة وطرائق الوصول السهلة والرسيعة فيها للمعلومة‪.‬‬ ‫الثانية‪ :‬هناك اختالفاتٌ وتناقضاتٌ كبري ٌة وكثري ٌة يف تراث األديان‪ ،‬بل هي موجود ٌة يف تراث الدين الواحد واملذهب‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫اتساق‬ ‫اختالف كب ٌري يف تفسريها يصل إىل حد التناقض‪ .‬كام أنه ال يوجد‬ ‫أيضا‪ ،‬وحتى النصوص املتفق عليها هناك‬ ‫الواحد ً‬ ‫يف أجزاء النظرية الدينية‪ ،‬وهذا يتضح من خالل مناقضة بعض األجزاء ألجزا ٍء أخرى من النظرية يف مضمون األحكام‬ ‫واضح لالتساق العام املفرتض حضوره يف كل‬ ‫وغياب‬ ‫واضح لالرتجال يف الطرح‬ ‫أي‪ ،‬هناك حضو ٌر‬ ‫والرواية التاريخ ّية‪ْ ،‬‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫نظريّة‪.‬‬

‫الثوابت األخالق ّية العا ّمة‬ ‫الصدق‪ ،‬النزاهة‪ ،‬اإليثار‪ ،‬العون‪ ،‬األمانة‪ ،‬وغريها من الثوابت األخالق ّية العا ّمة‪ ،‬تعترب خطًا دفاع ًّيا حصي ًنا للمجتمع البرشي‬ ‫متنع وصوله إىل هاوية الفساد التام واالنهيار التام يف كل األزمنة‪ ،‬وصدقًا نقول قد ركّزت األديان (عمو ًما) عىل هذه‬ ‫الثوابت اإليجابية ورس ّختها وف ّعلتها يف املجتمع‪ ،‬وهذه نقط ٌة إيجابيّ ٌة كبري ٌة تُحسب لألديان‪ ،‬مع اإلشارة إىل أن هذه‬ ‫الثوابت مل ِ‬ ‫تأت بها األديان‪ ،‬وإمنا هي متجذر ٌة يف املجتمع البرشي منذ القدم‪ ،‬بل إن من أهم ركائز وأسس اعتناق الناس‬ ‫لألديان‪ ،‬هو تركيز الدين عىل هذه الثوابت‪ ،‬وإىل حد الفرض والوجوب يف أحيانٍ كثرية‪ ،‬ولذلك استحسن الناس الدين‬ ‫وخصوصا املتطور منها‪ ،‬نظّمت‬ ‫حب الناس لألخالق العامة (عمو ًما) يسبق الدين‪ ،‬ولكن األديان‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وأح ّبوه واعتنقوه‪ .‬إن ّ‬ ‫هذه الثوابت وف ّعلتها أكرث‪ ،‬وجعلتها ضمن النظرية الدينية ككل‪ ،‬ومتناسق ًة مع الطرح األيديولوجي الشامل للدين‪.‬‬ ‫إن األخالقيات الدينية مألت فر ٍ‬ ‫اغات مهم ًة يف تأريخ املجتمع البرشي‪ ،‬ولعبت دو ًرا إيجابيًا ال يُنكر‪ ،‬وتُشكر عليه‪ ،‬يف‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫مجتمعات ع ّد ًة يف تأريخ اإلنسان‪ ،‬وكانت هذه األديان‪ ،‬رغم سلبياتها‪ ،‬أهون من‬ ‫أوقات سادت فيه الهمجية والفوىض‬ ‫غريها من األعراف السائدة‪.‬‬ ‫‪40‬‬


‫املقدس‬ ‫حصانة ّ‬ ‫عباس ع ّبود‬

‫التفكري يف الدين ومرجعيته‬ ‫التفكري هو ميزة اإلنسان األوىل وسالحه األقوى الذي س ّيده عىل هذا العامل‪ ،‬لذلك فإن له األولوية يف واقع اإلنسان‪ ،‬وليك‬ ‫يكون التفكري مؤ ّديًا إىل فك ٍر إيجايب‪ ،‬يتوجب أن تكون وجهة التفكري واضح ًة وعقالني ًة‪ ،‬وأدوات التفكري صحيح ًة‪.‬‬ ‫إن املقياس األسايس واإلطار األشمل للتفكري هو العقل املجرد‪ ،‬فام يقبله عقل اإلنسان نظريًّا‪ ،‬ويحس به عمل ًيا‪ ،‬هو‬ ‫املقياس األول واألخري‪ .‬وهنا بيت القصيد‪ ،‬فاألديان ت ُعترب سلبي ًة يف هذه النقطة املهمة‪ ،‬ألنها تعترب رأي الدين هو املقياس‪،‬‬ ‫صحيح أنها تعطي حريّ ًة للتفكري‪ ،‬ولكن هذه الحريّة ضمن أطر الدين فقط‪ ،‬ويف هذه الحالة ال تعترب املوضوع ّية العلم ّية‬ ‫ٌ‬ ‫مثل عندما ذاع صيت نظرية داروين يف‬ ‫هي املقياس‪ ،‬وهذا بالتأكيد يح ّجم دور التفكري‪ ،‬بل يضطهده يف أحيانٍ كثرية‪ً .‬‬ ‫علم األحياء‪ ،‬وتحدي ًدا أصل األنواع‪ ،‬ثارت ثور ٌة عظيم ٌة عليها ومن ِقبل كل األديان تقريبًا‪ ،‬وهذه الثورة مل تكن مدفوع ًة‬ ‫بأسباب علمي ٍة موضوع ّية‪ ،‬وإمنا فقط ألن األديان تقول بال َخلق املبارش‪ ،‬وهذا ما تنفيه النظرية‪ ،‬فوصل األمر إىل تحريم‬ ‫ٍ‬ ‫دراسة املناهج الدراسية التي تتضمن هذه النظرية‪ ،‬بل تكفري من آمن بها‪.‬‬ ‫إن األمثلة متعدد ٌة وكثري ٌة عىل هذا املوقف الديني‪ ،‬مثل محاربة القول بكروية األرض‪ ،‬وغريها من األمثلة التي تدور‬ ‫كلها يف ف ٍ‬ ‫َلك واحد‪ ،‬وهو محاربة‪ ،‬وليس مخالفة‪ ،‬نتائج علميّ ٍة معيّنة‪ ،‬فقط ألنها تتناقض مع الطرح الديني‪ ،‬يف حني أن ما‬ ‫يتوصل إليه العقل‪ ،‬وما يقود إليه الدليل‪ ،‬هو ما يجب أن يؤخذ به‪ ،‬ويف كافّة مجاالت الحياة‪ .‬إن وضع أي إطا ٍر للعقل‬ ‫ٌ‬ ‫وقتل لإلبداع‪ ،‬وأن الدليل العلمي املوضوعي هو املرجع الوحيد دامئًا‪ ،‬وإن وضع أي‬ ‫وإجحاف بحق العقل ٌ‬ ‫هو ظل ٌم للعلم‬ ‫ٍ‬ ‫خط أحمر عبار ٌة عن الحرمة والعقاب عىل أي نتيج ٍة علمي ٍة قد تختلف مع الطرح الديني‪ ،‬هو نو ٌع من أنواع االستبداد‬ ‫مثل يف مسألة وجود الله‪ ،‬وذاكرته مليئ ٌة بالتهديد بالنار يف اآلخرة‪،‬‬ ‫الفكري‪ .‬فكيف تريد من اإلنسان أن يفكر مبوضوع ّية ً‬ ‫ورمبا القتل يف الدنيا‪ ،‬إذا اقتنع بعد تفكريه بأن الله غري موجود‪ .‬بل إن عدم املوضوعيّة عند الدين وأهله يف التفكري‪،‬‬ ‫واضح يف السلوك والقرار واملوقف‪ ،‬من الحياة اليوم ّية والترصف‬ ‫ينسحب إىل مجمل مجاالت الحياة‪ ،‬ولذلك نجد تخب ٌط‬ ‫ٌ‬ ‫وصول إىل القرار السيايس بكل خطورته‪ ،‬وهذا كله ألن املتدينني ال يزِنون األمور مبعيار املوضوعية‬ ‫ً‬ ‫الشخيص والعائيل‪،‬‬ ‫والتأثري الواقعي‪ ،‬وإمنا مبعيار تعاليم الدين فقط‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫مساحات كبري ٍة يف تراث كل األديان تقريبًا‪ ،‬مليئ ًة بالخرافات واألساطري‪ ،‬وهذه ألقت‬ ‫من املهم أن نشري هنا إىل وجود‬ ‫بضال ٍل خطري ٍة عىل واقع اإلنسان وطريقة تفكريه وتعامله مع مفردات الواقع‪.‬‬ ‫أيضا مبسألة املرجعية يف التفكري‪ ،‬وهو إيجاد مرجع ّي ٍة‬ ‫من املؤسف أن هناك امتدا ٌد آخر خط ٌري ج ًّدا يف األديان‬ ‫متعلق ً‬ ‫ٌ‬ ‫شخص ّي ٍة مطلَق ٍة للعقول‪ ،‬وهذه الشخص ّية (املرجع) هي التي تفكر بالنيابة عن أهل الدين‪ ،‬وهذا ما يندرج تحت عنوان‬ ‫مقياسا وحي ًدا غري‬ ‫( التفكري بالنيابة)‪ .‬إن اإلشكال ليس يف املرجع ّية كمبدأ‪ ،‬وإمنا يف تقديس املرجع بشكلٍ أع ًمى واعتباره‬ ‫ً‬ ‫كامل بدون ٍ‬ ‫نقاش أو اجتزاء‪.‬‬ ‫قابلٍ للخطأ أو التشكيك‪ ،‬ورأيه يُعترب أم ًرا يؤخذ ً‬ ‫‪41‬‬


‫املقدس‬ ‫حصانة ّ‬ ‫عباس ع ّبود‬

‫شخص‬ ‫إن هذه النقطة الخطرية األخرية‪ ،‬قادت املجتمع إىل كوارث عرب التأريخ‪ ،‬وحتّى يف يومنا الحارض‪ ،‬حيث يتحكم ٌ‬ ‫مريضا أو حاق ًدا‪ ،‬بعقول ماليني الناس‪ ،‬ويقودهم بالتايل ويقود املجتمع إىل ٍ‬ ‫مآس عظيمة‪ ،‬بل‬ ‫ما‪ ،‬رمبا يكون مجنونًا أو ً‬ ‫قسم من هؤالء األشخاص مريض‪ ،‬يأيت أتباعه بأوامر غريب ٍة ورمبا كارث ّية‪ ،‬وي ّدعي أنها أوامر صادر ٌة من الله أو من‬ ‫إن ً‬ ‫روح ق ّد ٍ‬ ‫يس ما‪.‬‬

‫الترشيع الديني والواقع‬ ‫قسم كب ًريا من الترشيعات الدينية يتعلق بواقع‬ ‫ال شك أن ً‬ ‫اإلنسان الحيايت حيث يتصدى لتعامالت وسلوك هذا اإلنسان‪،‬‬ ‫وهذه الترشيعات تعتمد ترسيخ األخالق العامة‪ ،‬فتفرض‬ ‫عقوبات (دنيوي ٍة أو آخروية) عىل املخالف وكذلك تشجع امللتزم‬ ‫بهذه املبادئ‪ ،‬وهذه عمو ًما نقط ٌة إيجابي ٌة كام ذكرنا سابقًا‪ .‬إن‬ ‫ٍ‬ ‫مفرتض تهدف‬ ‫أخالقي‬ ‫منطلق‬ ‫هذه األحكام التي انطلقت من‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫إىل تحقيق سعادة وأمن املجتمع يف إطارها العام‪ ،‬أي أن واقع‬ ‫اإلنسان هو غايتها املعلنة‪ ،‬ولكن هذه األحكام جاءت مبردو ٍد‬ ‫عكيس يف أحيانٍ كثرية‪ ،‬وأسباب ذلك متعدد ٌة وأهمها‪:‬‬ ‫ٍّ‬ ‫مزيج من الثوابت األخالقية العامة املتفق عليها يف كل زمانٍ‬ ‫أولً ‪ :‬إن مفهوم األخالق الذي تبنته هذه الترشيعات هو ٌ‬ ‫(سلبي أو إيجايب)‪ ،‬والذي يُعترب يف الكثري من‬ ‫ومكان (الصدق‪ ،‬الرب‪ ،‬املساملة‪...،‬إلخ ) ممزوج ًة مع العرف االجتامعي‬ ‫ٍّ‬ ‫األحيان (خطأً) جز ًءا من مفهوم األخالق‪ ،‬ولذلك جاءت هذه الترشيعات‪ ،‬ويف أحيانٍ كثري ٍة مبالمح محل ّي ٍة وفئوي ٍة واضح ٍة‬ ‫تخص مجتم ًعا ما وذات معامل ظرفي ٍة تحايك ظرفًا محد ًدا ما‪ .‬أي أنها أحكا ٌم تتالءم مع مجتمعٍ محد ٍد يف زمنٍ محد ٍد ب ُع ٍ‬ ‫رف‬ ‫محد ٍد وال تتالءم مع كل األزمنة وكل املجتمعات ومع كل األعراف‪ ،‬فقد يكون أم ٌر ما مبا ًحا وعاديّا وإيجاب ًّيا يف ٍ‬ ‫ظرف ما‬ ‫وزمنٍ ما ومجتمعٍ ما‪ ،‬وقد يكون نفس األمر عكس ذلك يف زمنٍ أو مجتمعٍ أو ٍ‬ ‫ظرف آخر‪ ،‬ناهيك طب ًعا عن الترشيعات‬ ‫السلبية باملقاييس العامة املنبثقة من أعر ٍ‬ ‫أساسا‪.‬‬ ‫اف سلبي ٍة ً‬ ‫ثان ًيا‪ :‬ح ّرمت الكثري من األديان الكثري من األمور بنا ًء عىل وجود سلبي ٍة معين ٍة يف ذلك األمر‪ ،‬بينام قد تكون هناك‬ ‫إيجابياتٌ أكرث ملثل هذا األمر فتكون محصلته إيجابي ًة‪ ،‬أي تنظر لكثريٍ من األمور بع ٍني مجتزأة‪ ،‬ومثال عىل ذلك (الربا)‪،‬‬ ‫الذي ح ّرمته بعض األديان‪ ،‬فعىل الرغم أن فيه سلبي ًة واضح ًة تتعلق باالستغاللية‪ ،‬إال أن هناك فوائد عديد ًة ال تُنكر‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫احتياجات مالي ٍة ظرفي ٍة كثرية‪ ،‬وتحرميه أو منعه يحرم الكثريين من‬ ‫حيث يساعد الناس يف أغلب األحيان عىل تجاوز‬ ‫خصوصا وأننا مل ولن نعيش يف مجتمعٍ مالئيك‪ ،‬أي أن‬ ‫فوائده ويضعهم يف أزمة الحاجة حيث يعانون من قلة املعني‪،‬‬ ‫ً‬ ‫املحتاج للامل يقع بني مطرقة الحاجة وسندان ِ‬ ‫الدين الذي يح ّرم االقرتاض املرشوط بالفائدة‪.‬‬ ‫‪42‬‬


‫املقدس‬ ‫حصانة ّ‬ ‫عباس ع ّبود‬

‫ثالثًا‪ :‬حتى لو كانت محصلة أم ٍر ما سلبي ًة وتأكدنا من أن سلبياته أكرث من إيجابياته فإننا‬ ‫ال نستطيع منعه ما مل نتأكد من محصلة معادل ٍة أخرى هي معادلة املنع‪ ،‬فقد يكون هناك‬ ‫واضح يف أن محصلته سلبي ٌة عمو ًما‪ ،‬ولكن يف نفس الوقت يكون املنع مجلب ًة لسلبي ٍة‬ ‫أم ٌر‬ ‫ٌ‬ ‫أعظم من سلبية بقاء هذا األمر‪ٌ ،‬‬ ‫ومثال عىل ذلك (الطالق)‪ ،‬فرغم سلبيته الواضحة عىل‬ ‫املجتمع إال أن منعه يحمل سلبي ًة أعظم وأخطر‪ ،‬أي أن األديان يف كثريٍ من الحالت تنظر‬ ‫لألمر بعينه دون أن تنظر لتبعاتها‪.‬‬ ‫أيضا من وجوب منعه أو‬ ‫راب ًعا‪ :‬حتى لو تأكدنا من أن محصلة أم ٍر ما سلبي ًة‪ ،‬وتأكدنا ً‬ ‫ٍ‬ ‫عقوبات واقعي ًة وعملي ًة وعقالني ًة وناجع ًة‬ ‫ردعه‪ ،‬يتوجب علينا بعد كل هذا أن نفرض‬ ‫عىل املخالف‪ ،‬أما العديد من األديان فقد فرضت يف الكثري من األحيان عقوبات (دنيوي ًة أو‬ ‫آخروي ًة) مبال ٌغ بها عىل خطايا بسيط ٍة نسب ًيا‪ ،‬مثل رجم الزاين حتى املوت‪ ،‬أو قتل من ميارس‬ ‫الشعوذة كام حصل يف حمالت قتل الساحرات السيئة الصيت‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫عقوبات أو (ترتيبات)‬ ‫وعىل العكس من هذا فرضت الكثري من األديان يف أحيانٍ كثري ٍة أخرى‬ ‫مخفف ًة ج ًدا عىل خطايا خطرية‪ ،‬مثل دفع مجرد مبلغٍ ما ٍّيل ألهل املقتول لقاء العفو واملغفرة‬ ‫عىل القتل‪ ،‬أو مجرد الجلوس عىل كريس االعرتاف وبعدها ُينح املذنب صك الغفران وكأن‬ ‫شيئًا مل يكن‪.‬‬ ‫هناك نو ٌع آخر من الترشيعات الدينية استحوذ عىل النصف اآلخر من الترشيع وهذا النوع ال يعتمد الواقع الحيايت‬ ‫ٍ‬ ‫مبني عىل اآلثار العملية للفعل اإلنساين وأثره يف الواقع‪ ،‬وإمنا جاء هذا الترشيع‬ ‫للمجتمع‬ ‫كمقياس وموضو ٍع للترشيع ٌ‬ ‫كحكم ٍ‬ ‫كم غري قابلٍ للنقاش أو السؤال أو (االستئناف)‪ ،‬ومثل‬ ‫جامد دون طرح ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫سبب معلنٍ أو تربي ٍر واض ٍح له‪ ،‬فجاء ُح ً‬ ‫هذه األحكام تسمى أحكام (توقيفية)‪ ،‬أي يؤخذ بها كام هي والعلة عند (الله) كام يقولون‪ ،‬وإن كانت هناك محاوالتٌ‬ ‫أسباب عملي ٍة لها‪ ،‬ولكن هي يف النهاية ال تخرج عن إطار كونها‬ ‫دامئ ٌة لالجتهاد يف تربيرها وتأطريها بأط ٍر تعتمد تسويغ‬ ‫ٍ‬ ‫(توقيفي ًة)‪ .‬ومثل هذه األحكام (الطقوس) العبادية وكيفيتها وأوقاتها‪ ،‬يضاف إليها أحكا ٌم أخرى كتحريم أكل بعض‬ ‫مثل دون عرفان سبب ذلك‪.‬‬ ‫الحيوانات ً‬ ‫إن هذا النوع من الترشيعات واألحكام قد أفرز الكثري من الحاالت السلبية عىل اإلنسان وأثقل كاهله بالكثري من األعباء‬ ‫(دنيوي وآخروي) عىل كل من مل ميارسه‪،‬‬ ‫والضغط سوا ًء فيام يتعلق بالطقوس العبادية املفروضة واملفروض معها عقاب‬ ‫ٌ‬ ‫قسم كب ًريا منها ٍ‬ ‫قاس وصعب‪ ،‬أو حتى فيام يتعلق باألحكام التي تتضمن تحريم أمو ٍر معين ٍة أخرى دون‬ ‫مع العلم أن ً‬ ‫اض معين ٍة وما غىل ذلك‪.‬‬ ‫يل‬ ‫مسو ٍغ‬ ‫معلوم كتحريم أكل بعض الحيوانات أو النباتات أو تحريم دخول أر ٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫واقعي وعم ٍّ‬ ‫ٍّ‬ ‫‪43‬‬


‫املقدس‬ ‫حصانة ّ‬ ‫عباس ع ّبود‬

‫من املهم ج ًدا أن نوضح هنا أن املنظومة الدينية هي دامئًا منظوم ٌة اعتباري ٌة جامد ٌة تؤخذ لِذاتها وليس ألدائها وال‬ ‫تتغري مع تغري مصلحة اإلنسان وواقعه الحيايت املتغري‪ ،‬أي الغاية واملقدس هنا هي املنظومة بعينها فأصبحت مجرد‬ ‫حل واقع ًّيا ح ًّيا يجعل إيجابية‬ ‫رمز‪ ،‬وهذه النقطة هي ما جعل الدين يف الكثري من األحيان حال ًة اعتباري ًة جامد ًة وليس ً‬ ‫أحكام جامد ٍة ونسبية (معصوم ٍة عن الخطأ)‬ ‫واقع اإلنسان املوضوعية الحياتية هي الغاية األسمى‪ ،‬فالدين كمجموعة‬ ‫ٍ‬ ‫أصبحت هي تلك الغاية‪.‬‬ ‫لهدف ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫واحد شاملٍ وهو الوصول باملجتمع إىل أفضل واقعٍ ممكن‪ .‬أي‬ ‫توضع القوانني والترشيعات يف الدولة الحديثة‬ ‫أن إيجاب ّية واقع املجتمع ومعيشة أفراده‪ ،‬من رفاهي ٍة وأمنٍ وتقدم‪ ،‬هي الغاية األسمى‪ .‬أ ّما الترشيع الديني‪ ،‬فإن غايته‬ ‫األسمى ليست واقع اإلنسان هنا‪ ،‬وإمنا تلك املنظومة من األحكام بكل أقسامها العملية أو الروحية أو بأساطريها‪ ،‬ولذلك‬ ‫صحيح أن األديان ال تح ّرم االهتامم بالعيش‪ ،‬لكن من‬ ‫بدت األديان يف ترشيعاتها وكأنها تحايك عاملًا آخر غري عامل اإلنسان‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫املؤكد والواضح أنها تعترب حياة اإلنسان يف هذا الواقع ثانوي ًة‪ ،‬ومجرد مرحل ٍة عابر ٍة لبلوغ اآلخرة‪.‬‬ ‫إن هذا االختالف يف سلّم األولويات هو مربط الفرس‪ ،‬حيث أنه انعكس عىل مضمون الرشيعة والوصايا الدينية‪ ،‬إذ‬ ‫نصوصا تشجع عىل االهتامم برفاه ّية اإلنسان‪،‬‬ ‫أننا نجد الحث الدائم عىل العبادة ونذر النفس والوقت للدين‪ ،‬وال نجد‬ ‫ً‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫رغبات‬ ‫انشغال بامللذات عن ذكر الله‪ ،‬وكذلك تُصور‬ ‫ً‬ ‫اهتاممات وتع ّدها‬ ‫نصوصا تسخر من هكذا‬ ‫بل عىل العكس‪ ،‬نجد‬ ‫ً‬ ‫شخص ّي ًة كثري ًة ال تحمل أي أذًى لآلخرين عىل أنها خطايا خطرية‪ .‬إن الدين باختصا ٍر يريد من اإلنسان أن يهتم بالحياة‬ ‫بالقدر الذي يبقيه عىل قيد الحياة فقط‪ ،‬تقري ًبا‪.‬‬ ‫ال توجد يف الواقع زاوية نظ ٍر واحد ٍة لألمور‪ ،‬إذ أن هناك دامئًا ع ّدة زوايا يُنظر من خاللها لألمور‪ ،‬وعىل ضوء ذلك توضع‬ ‫ٍ‬ ‫آليات مختلف ًة للتعامل مع هذه األمور‪ ،‬فكل آلي ٍة تناسب ظرفًا معيّ ًنا أو حال ًة معيّن ًة أو زم ًنا معيّ ًنا‪ .‬أ ّما الدين فإنه يفرض‬ ‫حكم مع ّي ًنا عىل حال ٍة مع ّين ٍة يف كل الظروف وعىل كل األشخاص واملجتمعات وعرب كل األزمنة‪ ،‬وهذا بالتأكيد ال يناسب‬ ‫ً‬ ‫الواقع‪ ،‬الذي يؤكد بأن السلبي واإليجايب نسب ّيني يف أحيانٍ كثرية‪ ،‬وإن الوضع ّيات املختلفة تتطلب قوانني مختلف ًة‪.‬‬ ‫صحيح أن هناك أمو ًرا ثابت ًة‪ ،‬ولكن هناك بالتأكيد الكثري من املتغريات التي تفرضها االختالفات يف البيئة االجتامع ّية‬ ‫ٌ‬ ‫واقعي متا ًما‪.‬‬ ‫والظرف العام واإليقاع املتغري للزمن‪ .‬ولهذا كله يُعترب الدين‪ ،‬يف أحيّانٍ كثرية‪ ،‬جام ًدا وغري‬ ‫ٍّ‬ ‫إن من يريد أن يلم مبوارد ال واقع ّية الترشيع الديني وتخصيصاتها يف رشائع األديان‪ ،‬ما عليه إال أن يقرأ رشيعة أي دينٍ‬ ‫ويقارنها مع األعراف العقالن ّية التي يُجمع عليها معظم عقالء الناس‪ ،‬عىل اختالف مشاربهم‪ ،‬أو مقارنتها مع الترشيعات‬ ‫املدنية املعمول بها ضمن إطار قوانني الدول الحديثة‪.‬‬ ‫‪44‬‬


‫املقدس‬ ‫حصانة ّ‬ ‫عباس ع ّبود‬

‫إن الحالة املثال ّية هي ٌ‬ ‫هدف وواز ٌع ينتقل باإلنسان إىل األفضل دامئًا‪ ،‬ولكن الحالة املثال ّية املطلقة ال ميكن أن تتطابق‬ ‫ٍ‬ ‫ظروف كثري ٍة فرضها الواقع املوضوعي‪ ،‬متنع التطبيق الكامل للحالة‬ ‫مع الواقع‪ ،‬كام ال ميكن أن تط ّبق كل ًّيا‪ ،‬وذلك لوجود‬ ‫املثالية‪ ،‬وهذا ال يعني أن التقاعس عن السعي إىل الكامل مرب ٌر هنا‪ ،‬ألنه يبقى الغاية‪ ،‬ولكن إذا ما ُضغط عىل املجتمع‬ ‫أي ستتولد‬ ‫بشكلٍ مبالغٍ فيه من أجل بلوغ الكامل‪ ،‬فإن ذلك يؤدي إىل التمرد والنفور من املُثل والحالة املثال ّية املرج ّوة‪ّ .‬‬ ‫نتيج ًة عكسيّ ًة متا ًما‪ ،‬فبدل اإلصالح سيتوجه املجتمع مع هذا الضغط إىل التم ّرد والفوىض والسلبيّة‪.‬‬ ‫رشعون القانونيون يف الدول املتقدمة‪ ،‬لذلك كانت قوانينهم تتسم بالواقع ّية‪.‬‬ ‫إن هذه النقطة مه ّم ٌة ج ًّدا وقد تن ّبه لها امل ّ‬ ‫أ ّما الدين فإنه تحول إىل شبح جال ٍد يالحق الفرد يف كل جزئ ّيات حياته ويرتصده يف كل يشء‪ .‬وهنا يحرضين مثالً طريفًا‬ ‫صديق متديّ ٌن يعاين من ش ّدة وطأة‬ ‫ومحزنًا يف آنٍ م ًعا عن الكبت الصارم والالواقع ّية يف الدين‪ ،‬حيث أن يل قري ًبا لديه‬ ‫ٌ‬ ‫ديني مجتهد(مفتي)‪ ،‬لالستفتاء حول‬ ‫الغريزة الجنسية عليه‪ ،‬وهو غري متمكنٍ من الجامع‪ ،‬فأرسل صديقه إىل عا ٍمل ٍ‬ ‫إمكان ّية اإلذن له مبامرسة العادة الرسيّة‪ ،‬ولو كل فرتة‪ ،‬للخالص من هذا الضغط الكبري‪ ،‬فام كان من العامل إال أن أجاب‬ ‫بالرفض‪ .‬بل إن الدين ذهب إىل أبعد من ذلك‪ ،‬حيث طارد اإلنسان حتّى يف خياالته‪ ،‬إذ فرض عقابًا آخرويًا شدي ًدا يف‬ ‫نار جهنم‪ ،‬عقابًا عىل مجرد تخيالت‪.‬‬ ‫وضحناه حول ال واقعيّة الدين‪ ،‬من ناحية غاية الترشيع ونظرة‬ ‫إن هذه الحديّة املطلقة والكبت الرهيب‪ ،‬باإلضافة إىل ما ّ‬ ‫الترشيع الديني‪ ،‬كل ذلك أ ّدى إىل تولد فجو ٍة عظيمة‪ ،‬بني التنظري الديني املثايل وواقع اإلنسان العميل ومقتضياته‪ ،‬وهذه‬ ‫الفجوة أ ّدت مبعتنقي الدين إىل التمرد عىل أحكام هذا الدين ومخالفتها بشكلٍ صار ٍخ عمل ًّيا‪ ،‬وهذا حدثَ ويحدث يف‬ ‫ٍ‬ ‫اختالفات يف الدرجة‪ .‬أي أن الدين بقي يف معظم األحيان عقيد ًة مجرد ًة فقط‪ .‬إن هذه‬ ‫كل األزمنة واألمكنة مع وجود‬ ‫االزدواج ّية الواضحة حارض ٌة يف حياة كل املجتمعات التي تعتنق دي ًنا مع ّي ًنا‪ ،‬وبالنتيجة انسحبت هذه االزدواجية إىل‬ ‫مجمل تعامالت هذه املجتمعات عمليًّا‪ ،‬وهذه نقط ٌة ج ّد خطرية‪.‬‬ ‫إن الالواقع ّي ّة يف الترشيع الديني‪ ،‬بكل وجوهها اآلنفة الذكر‪ ،‬قد أ ّدت بالكثري من املتدينني إىل الشعور باالغرتاب والعزلة‬ ‫وخصوصا مع وجود ثقافة الروحان ّية والتصوف‪ ،‬وهذا بالتأكيد يؤدي إىل نتائج خطرية‪ ،‬مثل العزلة عن‬ ‫عن املجتمع‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ٍ‬ ‫جامعات معادي ٍة للمجتمع‪ ،‬مثل الجامعات اإلرهاب ّية‪.‬‬ ‫املجتمع‪ ،‬والتعنرص‪ ،‬وزرع الكراه ّية للغري‪ ،‬وهذا ميهد بالتأكيد لربوز‬ ‫إن الحديّة املطلقة تؤدي إىل إصابة النفس بأمر ٍ‬ ‫اض نفسيّ ٍة كثرية‪ ،‬مثل اإلصابة مبرض عقدة الكامل‪ ،‬حيث نجد الكثري من‬ ‫املتدينني يتوجسون من كل يشء‪ ،‬مخافة أن يكون مخالفًا ألحكام الدين‪ .‬أ ّما الكبت الرهيب للشهوات‪ ،‬فيولّد العصاب‪،‬‬ ‫والتشنج النفيس‪ ،‬والكآبة‪ ،‬وهذا كله نتيج ٌة طبيع ّية‪ ،‬وفقًا لطبيعة النفس البرشية‪ ،‬وطبيعة التعامل الديني الجاف معها‪،‬‬ ‫وعلم النفس التجريبي يؤكد هذا‪ .‬إن هذه الالواقع ّية أدت إىل حرمان الكثريين من الكثري من حقوقهم الحيات ّية‪ ،‬تحت‬ ‫شعار ال ُحرمة الدين ّية‪.‬‬ ‫‪45‬‬


‫املقدس‬ ‫حصانة ّ‬ ‫عباس ع ّبود‬

‫هذا عىل الصعيد الشخيص‪ ،‬أ ّما عىل صعيد الجامعات والشعوب‪ ،‬فإن سلبية الدين يف الالواقع ّية تتجسد بشكلٍ واض ٍح يف‬ ‫رص ٍ‬ ‫اعات كثرية‪ ،‬صغري ٍة وكبرية‪ ،‬حيث ال تعرف األطراف املتنازعة ثقافة التنازل‪ ،‬بسبب نفوذ التط ّرف الديني يف القرار ويف‬ ‫النفوس‪ ،‬وعند كل األطراف‪ .‬وخري مثا ٍل عىل هذا‪ ،‬الرصاع العريب اإلسالمي مع اإلرسائييل اليهودي‪ ،‬حيث لعب التعنت‬ ‫اإلسالمي واليهودي دو ًرا أساس ًيا يف عدم الوصول إىل حلٍ‬ ‫واقعي لهذا الرصاع املزمن‪ ،‬بسبب الصبغة الدينية للرصاع‬ ‫ٍّ‬ ‫واملشبّعة برائحة األساطري والوعود التأريخية الدينية املق ّدسة والتي تُعترب عند الطرفني أكرب من التنازل‪ .‬واألمثلة كثري ٌة‬ ‫وكثري ٌة ومتتد عرب التأريخ مع عمر الدين‪.‬‬ ‫إن هذه السلب ّية يف الترشيع الديني نتيج ٌة حتم ّي ٌة لترشيعٍ ال يعرف شيئًا اسمه االجتزاء‪ ،‬وال يعرف شيئًا اسمه التغيري‪،‬‬ ‫وال شيئًا اسمه رضورات الواقع‪ ،‬وال شيئًا اسمه النسب ّية‪.‬‬

‫التعامل مع اآلخرين‬ ‫ومقاييس تقييمهم‬ ‫من األفضل أن يعتقد البرش جمي ًعا عقيد ًة واحد ًة‬ ‫ويتوجهون توج ًها واح ًدا‪ ،‬لكن الواقع غري ذلك‪،‬‬ ‫فالبرش يختلفون يف أمو ٍر كثرية‪ ،‬وهذا االختالف‬ ‫طبيعي‪ ،‬فالظروف تختلف والبيئة تختلف‬ ‫والزمن يختلف‪ .‬أي أن أسس االختالف مفتوحة‪،‬‬ ‫وهذا ما جعل االختالف أم ًرا طبيعيًا وواقعيًا‪ .‬إن‬ ‫حقيقي يف أحيان‪ ،‬ويف‬ ‫االختالف أم ٌر إيجا ٌيب وثرا ٌء‬ ‫ٌّ‬ ‫أحيانٍ أخرى هو أم ٌر سلبي‪ ،‬ولكن السلب ليس يف‬ ‫االختالف بذاته‪ ،‬وإمنا بتأثريه ونوعه‪.‬‬ ‫وعادي ومباح‪ ،‬ولإلنسان حريّة االعتقاد‪ ،‬ومن حقّه أن يدافع عن عقيدته‪،‬‬ ‫طبيعي‬ ‫إن االختالف يف العقيدة والدين أم ٌر‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫أيضا أن يحاول دحض (فكريًا) عقائد اآلخرين‪ .‬أما أن تتحول العقيدة إىل ٍ‬ ‫أساس‬ ‫يبش بها‪ ،‬ومن حقّه ً‬ ‫ال بل من حقّه أن ّ‬ ‫ينطلق منه اإلنسان إللزام اآلخرين باالعتقاد بعقيدته‪ ،‬أو أن يقمع اآلخرين بنا ًء عىل االختالف يف العقيدة املج ّردة‪،‬‬ ‫فعندها يكون من حق املجتمع مقاومة هذه العقيدة‪ ،‬عىل األقل يف جانبها العدواين‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫يل عدواين‪ ،‬عندها يتوجب إعالن الحرب عىل هذه العقيدة‬ ‫أ ّما إذا تُرجمت هذه العقيدة السلبية إىل‬ ‫سلوك وقرا ٍر عم ٍ‬ ‫والعاملني بها‪ ،‬وهذا من باب الدفاع عن النفس واملجتمع‪ ،‬ألن ثقافة الطغيان أساس البالء والهدم يف املجتمع البرشي‪.‬‬ ‫‪46‬‬


‫املقدس‬ ‫حصانة ّ‬ ‫عباس ع ّبود‬

‫ومن هذا املقياس نجد أن الكثري من األديان سلب ّي ٌة بشكلٍ واضح‪ ،‬من خالل نصوصها النظرية‪ ،‬وتأريخها امل ّوثق‪ ،‬وأداء‬ ‫معتنقيها العميل‪ .‬وهذا كله مل ِ‬ ‫يأت من فراغ‪ ،‬بل من طبيعة نظرة الدين لآلخرين الذين يختلفون يف املعتقد‪ .‬فامذا عسانا‬ ‫أن نتوقع من ٍ‬ ‫أناس يؤمنون بعقيد ٍة تقول‪ :‬إن من مل يؤمن بهذه العقيدة(عقيدتهم) هو عبار ٌة عن إنسانٍ استحوذ عليه‬ ‫الشيطان فأطاعه‪ ،‬وهو إنسا ٌن كاف ٌر بالله العظيم ونعمه العظيمة عىل البرش‪ ،‬وهذا اإلنسان مل يهده الله إىل الطريق‬ ‫الصحيح(عقيدتهم) ألنه رشيّ ٌر يف جوهره‪ ،‬وهو خط ٌر عىل الدين طاملا أنه ال يؤمن به‪.‬‬ ‫إن هذا الوصف الذي يزرع العدائيّة املطلقة يطلقه الدين عىل كل مخالف‪ ،‬سوا ًء أكان ملح ًدا أو معتنقًا لدينٍ آخر‪ ،‬بل‬ ‫ويستمر هذا الحكم العدايئ ليصل حتّى إىل أبناء الدين الواحد‪ ،‬ف ُيطلق هذا الوصف الحكم عىل من يتخذ مذه ًبا آخر‬ ‫من مذاهب الدين نفسه‪ ،‬ال بل يستمر مسلسل العدائ ّية هذه ليشمل حتّى ابن املذهب نفسه‪ ،‬الذي يؤمن به ولكنه‬ ‫ال يط ّبق أحكامه عمل ًّيا‪.‬‬ ‫إن الكثري من األديان تحكم عىل الناس املخالفني بالعقيدة بإلقائهم يف نار جه ّنم خالدين فيها‪ ،‬حتّى لو كانوا حسني‬ ‫األخالق والسلوك‪ ،‬ال ليش ٍء إال بسبب إشكالي ٍة فلسف ّي ٍة معق ّد ٍة ال يفهمها حتّى الفالسفة أنفسهم (مثل الله والوجود)‪،‬‬ ‫علم بأن هذا االنطباع ميتد‬ ‫فكيف يكون الحال مع مساكني املجتمع وعا ّمته‪ .‬فامذا نتوقع إذًا ممن يؤمن بهكذا عقيدة‪ً .‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ملجاالت كثري ٍة ومراحل زمني ٍة‬ ‫وسلبي بينها ميتد‬ ‫مجتمعات وشعوب‪ ،‬ويتحول إىل تعاملٍ عدا ٍيئ‬ ‫ويرتسخ بني‬ ‫ٍ‬ ‫ويتمدد ليعم ّ‬ ‫طويلة‪ ،‬والنتيجة‪ ،‬صداماتٌ متكرر ٌة وكارث ّية‪.‬‬ ‫شعوب كثري ٍة مؤدلجة دين ًيا‪ ،‬حيث تنترش بينهم‬ ‫ومن املحزن أن هناك ظاهر ًة غريب ًة تحت هذا العنوان موجود ٌة عند‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫مصاب ما‪،‬‬ ‫تحل بهم كارث ٌة أو‬ ‫ديانات أو عقائد أخرى‪ ،‬الذين ّ‬ ‫ثقافة (الشامتة) بالشعوب األخرى أو األفراد اآلخرين‪ ،‬من‬ ‫ٌ‬ ‫حل بهم ألنهم كفرة‪.‬‬ ‫وهذه الشامتة تكون تحت شعار‪ ،‬إنهم يستحقّون ما ّ‬ ‫ٍ‬ ‫بنصوص رصيح ٍة بقتل ومحاربة أهل العقائد األخرى‬ ‫إن العدائ ّية وصلت عند بعض األديان إىل حد أن تأمر معتنقيها‬ ‫واستباحة أعراضهم وأموالهم‪ ،‬أو فرض الرضائب عليهم‪ ،‬فقط بسبب عقيدتهم‪ ،‬أو إخضاع آخرين للرشيعة الدينية بالقهر‬ ‫ٍ‬ ‫طقوس عبادي ٍة معينة‪ .‬إن الواقع والتأريخ ميل ٌء بهذه املامرسات‬ ‫وإجبارهم عىل التمظهر مبظاهر ديني ٍة معين ٍة وتأدية‬ ‫الدينية‪.‬‬ ‫رضا‪ ،‬بعد أن قَوت شوكتها‪ ،‬أ ّما‬ ‫إن الكثري من األديان مارست االضطهاد الفكري بحق اآلخرين بشكلٍ واض ٍح ماض ًّيا وحا ً‬ ‫أيضا ضح ّي ًة لهذه املامرسات‪.‬‬ ‫قبل ذلك فقد كانت هي ً‬ ‫‪47‬‬


‫املقدس‬ ‫حصانة ّ‬ ‫عباس ع ّبود‬

‫ووصول إىل القمع والقتل‪ ،‬وهذا‬ ‫ً‬ ‫إن سلب ّية هذه األديان يف هذا املوضوع ترتاوح بني العنرصيّة‪ ،‬ثم صعو ًدا إىل االضطهاد‪،‬‬ ‫الرتاوح يكون بحسب الدين واملذهب والظرف‪.‬‬ ‫أيضا يجدون يف ذلك ل ّذ ًة‬ ‫إن أهل األديان عمو ًما ميارسون ما ميارسون‪ ،‬بنا ًء عىل تنظريات دينهم وأوامر مراجعهم‪ ،‬وهم ً‬ ‫للتقرب إىل الله عن‬ ‫ساديّ ًة غريزي ًة يف القضاء عىل اآلخر‪ ،‬وكذلك يحاولون من خالل هذه املامرسات أن يجدوا فرص ًة‬ ‫ّ‬ ‫طريق معاداة أعدائه(اآلخرين)‪ ،‬وبهذا يكفّروا عن بعض ذنوبهم‪ ،‬حسب عقيدتهم‪ .‬ويف هذا كلّه تجاو ٌز حتّى للثوابت‬ ‫األخالق ّية العا ّمة‪.‬‬ ‫ويف الحقيقة‪ ،‬إن األديان تجد مرب ًرا أكرث من غريها من العقائد لالستبداد‪ ،‬ألنها تعتقد أنها مرسل ٌة من الله ومتثل سلطته‬ ‫العليا عىل األرض‪ ،‬والله هو مالك الخلق ويفعل بهم ما يشاء‪ ،‬ولذلك يحاولون هم أن يفعلوا بالناس ما يشاؤون‪ .‬وكل‬ ‫دينٍ يرى يف أتباعه أنهم شعب الله املختار‪ ،‬واآلخرون حثالة‪ .‬أ ّما إذا كان الدين أو املذهب ضعيفًا‪ ،‬فإن هذه العنرصية‬ ‫واضح ج ًّدا عند األقليات الدينية‪ ،‬أو األديان واملذاهب‬ ‫تتحول إىل شعو ٍر بعقدة االضطهاد‪ ،‬واإلميان بنظرية املؤامرة‪ ،‬وهذا ٌ‬ ‫املغلوبة عىل أمرها‪.‬‬ ‫إن هذه النظرة الفوقيّة يف الدين تجاه اآلخرين‪ ،‬قد تُرجمت يف أحيانٍ كثري ٍة إىل كبت الحريّات الدينية ألديانٍ أخرى‪،‬‬ ‫أيضا إىل قمع الحريات الشخص ّية للناس العاديني والعلامنيني ومن ِقبل أديانٍ عديدة‪ .‬كام أن هذه العنرصية‬ ‫وت ُرجمت ً‬ ‫ٍ‬ ‫إسقاطات سلب ّي ٍة كثري ٍة وكبري ٍة عىل أفراد املجتمع‪ ،‬وحتّى أفراد األرسة الواحدة‪ ،‬ويف أمو ٍر عديدة‪ ،‬مثل الزواج‬ ‫ولّدت‬ ‫والرتبية ومجمل العالقات االجتامع ّية األخرى‪ .‬بل إن بعض األديان تفتي بحرمة مالمسة أفراد بعض العقائد (ألنهم‬ ‫أنجاس)‪.‬‬ ‫إن املتدينني قد يحتملون االختالف يف كثريٍ من األمور‪ ،‬ولكن عندما يصل األمر إىل االختالف يف الدين‪ ،‬فإنهم ينفرون‬ ‫سلبي وخط ٌري يؤدي إىل زرع العنرصية والتكتالت داخل املجتمع‬ ‫من املقابل املختلف بشكلٍ كبريٍ وغريب‪ ،‬وهذا أم ٌر ٌّ‬ ‫وخصوصا مع اتجاه املجتمع البرشي إىل التقارب مع‬ ‫البرشي‪ ،‬وال يخفى الرضر واملعاناة اللذان ينجامن عن هذا األمر‪،‬‬ ‫ً‬ ‫مرور الوقت‪.‬‬ ‫إن املقياس (العام) الوحيد والصحيح واملفرتض الذي يق ّيم اآلخرين يف التعامل‪ ،‬هو مقياس الثوابت األخالق ّية العا ّمة‪ ،‬أ ّما‬ ‫حقيقي للمجتمع‪.‬‬ ‫العقيدة فهي مسأل ٌة شخصية‪ ،‬وإن تغيري هذا املقياس العام هو هد ٌم‬ ‫ٌّ‬ ‫وباختصا ٍر شديد‪ ،‬يتوجب عىل األديان وأصحابها‪ ،‬وحتّى غري املتديّنني‪ ،‬أن ينظروا إىل االختالف يف العقيدة‪ ،‬يف التقييم‬ ‫والتعامل‪ ،‬مثلام ينظرون إىل االختالف يف اآلراء العلمية املجر ّدة‪ ....‬متا ًّما‪.‬‬ ‫‪48‬‬


‫املقدس‬ ‫حصانة ّ‬ ‫عباس ع ّبود‬

‫الدين والتغيري‬ ‫تتفاعل مفردات الواقع مع بعضها بحيوي ٍة وديناميكية مستم ّرة‪،‬‬ ‫لذلك دامئًا هناك واق ٌع جديد‪.‬‬ ‫إن األديان مفرد ٌة من مفردات الواقع ومعشّ قة مع غريها من‬ ‫املفردات‪ ،‬وعىل الرغم من وجود سلب ّية الجمود يف الدين‪،‬‬ ‫بسبب كون الرشيعة الدينية ثابت ًة وغري قابل ٍة للتغري الالحق‬ ‫بتات ًا‪ ،‬إال أن الواقع بحضوره الج ّبار‪ ،‬فرض بعض التغيري يف‬ ‫األديان مع تقدم العرص وتقادم التجربة‪.‬‬ ‫إن هذا التغيري‪ ،‬مل ولن يكون بنفس املقدار عند كل األديان‬ ‫واضح يف هذا الشأن‪ ،‬وهذا يرجع إىل‬ ‫واملذاهب‪ ،‬فهناك تباي ٌن‬ ‫ٌ‬ ‫ع ّدة أسباب‪ ،‬أهمها طبيعة البناء الذايت للدين ومدى استعداده‬ ‫للتغيري أو للتطور‪ ،‬وكذلك مدى وضوح النصوص الدينية‪ ،‬ومدى اإلجامع عليها‪ ،‬وش ّدة ثبوتها يف النظرية الدينيّة‪ ،‬ونفوذها‬ ‫يف املجتمع املتديّن‪.‬‬ ‫إن هذه النقاط هي يف الحقيقة ساحة الرصاع الذي يدور‪ ،‬ويف كل األزمة واملجتمعات‪ ،‬بني أطراف الدين الواحد‬ ‫واملذهب الواحد‪ ،‬وتحدي ًدا بني األصوليني املتزمتني‪ ،‬وبني أنصار التغيري واملواكبة‪ .‬فاألصوليون يرون دامئًا أن كل عمل ّية‬ ‫تغيريٍ هي حال ٌة غري أصيل ٍة يف الدين أو املذهب‪ ،‬ولذلك هي ليست من الرشيعة‪ ،‬وهذا يعني أنها غري رشعيّة‪ .‬أ ّما أنصار‬ ‫التغيري‪ ،‬فإنهم يرون بأن عملية التغيري رشع ّية‪ ،‬طاملا أنها تتوافق مع روح الرشيعة الدين ّية وثوابتها‪ ،‬وهؤالء يستغلون‬ ‫االختالف املوجود يف رسد كثريٍ من الحوادث التأريخ ّية الدين ّية‪ ،‬وكذلك يستغلّون مساح ًة ال بأس بها تتعلق باالختالف يف‬ ‫تفسري الكثري من النصوص الدينية والوجوه املحتملة لذلك‪.‬‬ ‫إن ضغط الواقع والرضورة عىل النظرية الدينيّة‪ ،‬قد نجح يف إجراء عمليّة( تقليم أظافر) لبعض سلبياتها‪ ،‬إذ أنه ت ّم‬ ‫تغيريها بحيث تصبح ِ‬ ‫مناسب ًة أكرث لطبيعة ومنط الحياة واملجتمع‪.‬‬ ‫ورغم هذا كلّه‪ ،‬بقي التغيري يف النظرية الدين ّية طفيفًا عمو ًما‪ ،‬وال يتناسب مع التغيري يف الواقع اإلنساين وإيقاع الحياة‪.‬‬ ‫متناقضا بشكلٍ واضح‪،‬‬ ‫ولذلك نجد أن هناك ه ّو ًة واسع ًة بينهام إىل الدرجة التي جعلت املعتنقني للدين يعيشون واق ًعا‬ ‫ً‬ ‫وهذا التناقض هو ما بني أحكام الرشيعة التي يؤمنون بها‪ ،‬وبني سلوكهم العميل املخالف لها يف جوانب كثرية‪ .‬وهذه‬ ‫‪49‬‬


‫املقدس‬ ‫حصانة ّ‬ ‫عباس ع ّبود‬

‫ٍ‬ ‫اختالف يف الدرجة‪.‬‬ ‫الحالة شائع ٌة يف كل املجتمعات املؤدلجة دين ًيا ويف كل األزمنة‪ ،‬مع وجود‬ ‫ويف الحقيقة‪ ،‬إن سلوك هؤالء الناس العاديّني أم ٌر فيه إيجابياتٌ عمو ًما‪ ،‬حيث أنه يتسم بالواقع ّية أكرث ويخرج بهؤالء من‬ ‫دائرة الدين املغلقة واملتزمتّة‪ ،‬ويضعهم عىل أرض ّي ٍة مشرتك ٍة مع بقية الناس‪ ،‬عىل اختالف توجهاتهم العقائديّة‪ ،‬باإلضافة‬ ‫إىل أن هذا التم ّرد عىل بعض املضامني املتزمتّة يف الرشيعة يحجب عن هؤالء الكثري من سلبياتها‪.‬‬ ‫من الواضح أن األديان ال تتغري بنفس املقدار‪ ،‬كام أسلفنا‪ ،‬واألديان التي نجحت أكرث يف التغري‪ ،‬هي األديان التي ستستمر‬ ‫وكلم كان الدين أو املذهب جام ًدا‪ ،‬فإنه بالتأكيد سيتقوقع ويتح ّجم‪ ،‬ويقل بالتدريج معتنقوه أو‬ ‫أكرث يف املجتمع‪ّ ،‬‬ ‫العاملون به‪.‬‬ ‫إن الحياة البرشيّة الحديثة تسري نحو اندماج املجتمعات أكرث‪ ،‬ونحو اقرتاب هذه املجتمعات من منط حيا ٍة شبه مو ّحد‪،‬‬ ‫ونحو االقرتاب من مفاهيم عا ّم ٍة وأعر ٍ‬ ‫أيضا‪.‬‬ ‫اف شبه موح ّد ٍة ً‬ ‫وخصوصا الجامدة منها واملتعنرص والفاضح السلب ّية‪ .‬كام أن‬ ‫وكل ذلك سيؤدي إىل عزلة النظرية الدين ّية األصولية‪،‬‬ ‫ً‬ ‫العوملة‪ ،‬مبعناها االجتامعي العام‪ ،‬وأدواتها املؤثرة‪ ،‬املتمثلة مبجمل وسائل االتصال والتقارب الحديثة‪ ،‬متثّل ق ّو ًة إيجابيّ ًة‬ ‫هائل ًة تلتهم سلبيات الدين‪ ،‬وتقود املجتمع نحو التو ّحد والتكامل‪.‬‬ ‫واملغيين نحو األفضل ودعمهم‪ ،‬طاملا‬ ‫إن التطور عمو ًما أم ٌر إيجايب‪ ،‬ومن واجب الجميع مساندة رجال الدين املصلحني‬ ‫ّ‬ ‫أنهم يقودون أتباعهم نحو االنصهار أكرث بالواقع االجتامعي العام‪ .‬ويف الحقيقة إن هؤالء املصلحون ينفعون دينهم‬ ‫وأتباعهم وأنفسهم بالخصوص‪ ،‬ومجمل املجتمع البرشي بالعموم‪ ،‬بتوجههم هذا‪.‬‬ ‫وهي ظاهرة تعطيل بعض األحكام والتقاليد الدين ّية‬ ‫تجب اإلشارة ضمن هذا السياق‪ ،‬إىل بروز ظاهر ٍة إيجاب ّي ٍة ج ًّدا‪ّ ،‬‬ ‫تحت عنوان االضطرار والرضورة‪ ،‬بسبب الرضر الذي تجلبه للدين واملجتمع عمو ًما يف حال العمل بها‪ ،‬وهذه حال ٌة‬ ‫ٍ‬ ‫جديد لألديان واملجتمع‪ ،‬حيث تسود العقالن ّية‪.‬‬ ‫إيجاب ّي ٌة ج ًّدا‪ ،‬بل هي نافذ ٌة وواعد ٌة تطل عىل واقعٍ‬ ‫ٍ‬ ‫محسن ٍة للدين من قبل بعض املصلحني الدينيني الشجعان‪ ،‬حيث أنها تتسم‬ ‫أي أن هناك‬ ‫محاوالت جا ّد ًة لتقديم صور ٍة ّ‬ ‫بالواقع ّية أكرث‪ ،‬وهذا أفضل للجميع‪.‬‬

‫‪50‬‬


‫املقدس‬ ‫حصانة ّ‬ ‫عباس ع ّبود‬

‫كيف ّية التعامل مع األديان‬

‫ ‬

‫األديان كطر ٍح أيديولوجي مج ّرد‪ ،‬حال ٌة طبيعي ٌة طاملا أنها‬ ‫ضمن إطار وأصول التنوع واالختالف يف األيديولوجيات‬ ‫يف واقع اإلنسان‪ ،‬وحتّى األخطاء الفكريّة هنا‪ ،‬هي حال ٌة‬ ‫طبيع ّي ٌة تدخل ضمن واقع وسياق الطرح األيديولوجي‬ ‫العام يف الرتاث البرشي‪ ،‬حيث أن كل نظري ٍة أو طر ٍح يطرح‬ ‫ٍ‬ ‫باستدالالت مع ّين ٍة للدفاع عنه‪ ،‬والحكم‬ ‫فك ًرا مع ّي ًنا ويُرفقه‬ ‫عليه هو العقل‪.‬‬

‫ولكن عندما تتجاوز املسألة حدود االختالف الفكري‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫مامرسات عمل ّي ٍة تنطوي عىل قد ٍر واض ٍح من‬ ‫وتتح ّول إىل‬ ‫العنرصية واالستبداد واالضطهاد لألفراد أو الجامعات‪،‬‬ ‫عندها تكون األديان قد تجاوزت خطًا أحمر عا ًما‪ ،‬وهو‬ ‫أيضا يتوجب عىل الجميع عدم االكتفاء باملواجهة الفكرية مع هذه املامرسات السلبيّة‪،‬‬ ‫سالمة املجتمع البرشي‪ ،‬وعندها ً‬ ‫وإمنا التحول إىل املقاومة العمل ّية لها‪ ،‬ألنها انتقلت من الطرح السلبي املجرد‪ ،‬إىل املامرسة السلبية العمل ّية‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫طروحات‬ ‫وهذا الحال ال ينطبق عىل األديان فقط‪ ،‬وإمنا ينسحب إىل مجمل الطروحات واملامرسات اله ّدامة‪ ،‬سوا ًء كانت‬ ‫حقيقي يه ّدد املجتمع ككيانٍ عام‪ ،‬والفرد كجز ٍء من هذا الكيان‪.‬‬ ‫سياس ّي ًة أو اجتامع ّي ًة‪ ،‬ألنها خط ٌر‬ ‫ٌ‬ ‫وهنا يجب الرتكيز عىل أن املقاومة هذه يجب ألّ تصاب بعمى األلوان‪ ،‬وت ُو ّجه إىل كل األديان وكل املتدينني‪ ،‬وإمنا يجب‬ ‫رصا‪ .‬ألن الغاية يجب أن‬ ‫أن تكون مقاوم ٌة راشد ٌة وموضوع ّية‪ ،‬وموج ّه ٌة إىل النقاط السلبية فقط‪ ،‬والجهات العدائ ّية ح ً‬ ‫تكون األصلح وليس القمع املبني عىل ردود األفعال العاطف ّية الغاضبة‪ ،‬كام أن أدوات املقاومة يجب أن تكون نظيف ًة‪،‬‬ ‫وآلياتها منضبط ًة‪ ،‬واالّ نكون قد أضفنا مصيب ًة إىل املصائب‪.‬‬ ‫وهنا تجب اإلشارة إىل أن األديان تعرضت للقمع املقيت عرب كل األزمنة تقري ًبا وصولً إىل العرص الحديث‪ ،‬واملامرسات‬ ‫املقيتة لبعض األنظمة العلامن ّية الدكتاتوريّة‪ ،‬مثل بعض األنظمة الشيوع ّية والتي أساءت لإللحاد كفكر ٍة مجرد ٍة وروح‬ ‫ٍ‬ ‫االشرتاكية‬ ‫كهدف محرتم‪ ،‬ال زالت حارض ًة يف الذاكرة البرشية‪ ،‬عىل سبيل املثال ال الحرص‪ ،‬وال زالت هكذا مامرساتٌ‬ ‫موجود ٌة حتّى اليوم‪.‬‬ ‫‪51‬‬


‫املقدس‬ ‫حصانة ّ‬ ‫عباس ع ّبود‬

‫تجب اإلشارة هنا إىل أن معظم الظلم الذي حاق بالدين وأهله هو ظل ٌم داخيل‪ ،‬أي أن األديان واملذاهب الدينية ظلمت‬ ‫ٍ‬ ‫وبأضعاف مضاعفة‪ .‬إن إصالح املجتمع ال يتم بالته ّجم‬ ‫ظلم‪ ،‬أكرث من ظلم العلامنيني وامللحدين لها‪،‬‬ ‫بعضها البعض ً‬ ‫والعدائية‪ ،‬وإمنا بالنقد الب ّناء‪ ،‬وهذا األمر ينطبق عىل كيف ّية التعامل مع األديان‪ ،‬فال ينفع االستهزاء أو االستفزاز‪ ،‬بل إنه‬ ‫فمثل عندما ألّف سليامن رشدي‬ ‫يرض بالقضية ويزيد سوء الحال سو ًءا‪ ،‬ويؤدي إىل التعنرص واالعتزاز باألخطاء بالتأكيد‪ً .‬‬ ‫كتابه عن اإلسالم‪ ،‬كان من الواضح من خالل اسم هذا الكتاب‪ ،‬بل وحتّى عنوانه (آياتٌ شيطانية)‪ ،‬أن الكاتب مدفو ٌع‬ ‫تعامل مع القضايا‬ ‫بعاطفة كراه ّي ٍة تجاه اإلسالم‪ ،‬ومل يكن الدافع هو الحقيقة املوضوع ّية‪ ،‬أو النقد الب ّناء‪ .‬إن مثل هكذا ً‬ ‫سم حقيق ّي ٍة بني ثنايا املجتمع البرشي‪.‬‬ ‫هو عمل ّية دس ٍ‬

‫نقدس‬ ‫ماذا يجب أن ّ‬ ‫ٍ‬ ‫تقديس يكون فيه اإلله‬ ‫نحن بحاج ٍة إىل‬ ‫جالس عىل ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫عظيم يف سام ٍء‬ ‫عرش‬ ‫غري‬ ‫ٍ‬ ‫مجهولة‪ ،‬وإمنا يكون فيه اإلله داخلنا‬ ‫كلنا‪ ،‬فهو ال يحتاج إىل دليلٍ يدل عليه‪،‬‬ ‫ألنه محسوس‪ ،‬وال يحتاج إىل براهني‬ ‫عقلية‪ ،‬ألنه هو املقياس الفكري‪ .‬وهذا‬ ‫اإلله هو العقل املج ّرد الس ّيد‪ ،‬أ ّما العقل‬ ‫املوجود عند الكثريين‪ ،‬فهو العقل‬ ‫العبد‪ ،‬والذي يعبد عواطف مع ّين ًة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫وتوجهات وأط ًرا موضوع ًة مسبقًا‪.‬‬ ‫نبي يحرتم طرح األنبياء واملصلحني‪ ،‬طاملا أن غايتهم كانت اإلصالح ال غري‪ ،‬وهذا النبي ال يحمل‬ ‫هذا التقديس ع ّرابه ٌ‬ ‫عظيم علينا كلنا‪ ،‬وهذا النبي هو الضمري اإلنساين‪،‬‬ ‫معجز ًة ليك يلزم الناس بها عىل االنتامء القرسي‪ ،‬وإمنا يحمل سلطانًا‬ ‫ً‬ ‫والذي ال يختلف اثنان عىل خطوطه العا ّمة وصدقه‪ ،‬فهو النبي الحق‪ ،‬وهو رصيد اإلنسانية الحقيقي‪.‬‬ ‫تأت من مكانٍ ٍ‬ ‫أ ّما الرشيعة املق ّدسة الصحيحة‪ ،‬فهي رشيع ٌة تنظّم واقعنا وتحرتم اختالفاتنا‪ ،‬رشيع ٌة مل ِ‬ ‫بعيد يف السامء‪،‬‬ ‫متكب ٍة عىل الواقع‪.‬‬ ‫وإمنا تنبع من ينابيع الواقع اإلنساين‪ ،‬وتتعامل مع قضايا اإلنسان بواقع ّي ٍة قياس ّية‪ ،‬وليس مبثال ّي ٍة ّ‬ ‫ويتكبون عىل من ال يؤمن بها‪ ،‬وإمنّا يؤمنون بأن‬ ‫يتعصبوا لها‪،‬‬ ‫نحن بحاج ٍة ً‬ ‫فعل إىل مؤمنني‪ ،‬ال يؤمنون بفكرٍة ليك ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪52‬‬


‫املقدس‬ ‫حصانة ّ‬ ‫عباس ع ّبود‬

‫االختالف جز ٌء من الواقع اإلنساين‪ ،‬ويؤمنون بأن من يجب أن يُن َبذ‪ ،‬هم فقط الذين يتجاوزون الخطوط األخالق ّية العا ّمة‪،‬‬ ‫ويهددون سالمة املجتمع البرشي‪.‬‬ ‫فعل بحاج ٍة إىل هكذا إميان‪ ،‬وهكذا مؤمنني‪ ،‬ألننا اليوم‪ ،‬ولألسف‪ ،‬بني إميانٍ‬ ‫متعص ٍب متكرب‪ ،‬عند أناس‪ ،‬وبني حل ّي ٍة‬ ‫نحن ً‬ ‫ّ‬ ‫تا ّم ٍة عند آخرين من أي انتام ٍء أو مرجع ّية‪ ،‬أخالق ّي ٍة أو عقل ّية‪.‬‬ ‫نحن ننصح بهذا التقديس‪ ،‬والذي ميلك الصدر األبوي األوسع‪ ،‬الذي يحتضن اختالفات العقيدة‪ ،‬ويلتزم اإلصالح‪ ،‬ال‬ ‫القمع‪ .‬ولكن هذا الصدر الواسع‪ ،‬ال يتسع بالتأكيد لإلنسان الذي يعبد ذاته‪ ،‬وليس لديه أي مبدأ‪.‬‬

‫وقود فكرة (الله) والدين‬ ‫إن املؤمنني بالله وبأي دين‪ ،‬ال يتأثرون كث ًريا بالطرح الجديل املخالف لعقيدتهم‪ ،‬حتّى لو كان هذا الطرح مصحوبًا بأدلٍّة‬ ‫دامغة‪ ،‬والسبب هو أن دواعي اإلميان بالله والدين ليست عقل ّي ًة مج ّرد ًة حتّى تكون منقاد ًة ملعادلة األدلّة الجدلية‪،‬‬ ‫موض ٌح آنفًا‪ .‬إن حب النفس البرشية لذات (مفرتضة) مبواصفات‬ ‫وإمنا هي دوافع نفس ّي ٌة يف غالبيتها الساحقة‪ ،‬كام هو ّ‬ ‫إيجاب ّية مثال ّية مثل (الله)‪ ،‬وتراكم هذا الحب وهذه الفكرة عرب األجيال يف عقول ونفوس الناس‪ ،‬وتعشّ قها يف عادات‬ ‫وتقاليد وأعراف املجتمع‪ ،‬كل ذلك جعل من فكرة الله (شبه) جز ًءا من النفس البرشية والبناء االجتامعي العام‪ .‬وكذلك‬ ‫الحال مع النصف الثاين من الفكرة (الدين)‪.‬‬ ‫كام أن اقرتان الدين باألخالق العا ّمة عند معظم الناس‪ ،‬قد جعل هؤالء يتصورون (خاطئني)‪ ،‬أن عدم ثبوت الدين كطر ٍح‬ ‫فكري‪ ،‬يستلزم عدم ثبوت الثوابت األخالق ّية العا ّمة‪ ،‬ولذلك نجد هؤالء ال يستطيعون أن يتصوروا أنفسهم أو مجتمعهم‬ ‫بال دين‪.‬‬ ‫يف النهاية ال يصح إال الصحيح‪ ،‬ومن الواضح أنه ومع مرور الزمن وترسيخ العقالن ّية يف اعتقاد وسلوك الناس‪ ،‬بدأت أعداد‬ ‫واقعي‬ ‫أيضا أعداد الذين يرون يف الدين أنه دستو ٌر غري‬ ‫الذين يرون يف فكرة (الله) فكر ًة خيالي ًة يزداد‪ ،‬وبدأت تزداد ً‬ ‫ٍّ‬ ‫للمجتمع‪.‬‬ ‫لكن وعىل العموم‪ ،‬نحن نتمنى أن تكون أسباب التغيري وآليّاته إيجابيّ ًة‪ ،‬ألنها إذا كانت فوضويّ ًة‪ ،‬وبقصد التمرد فقط‪،‬‬ ‫فإنها ستكون أم ًرا خط ًريا‪.‬‬ ‫‪53‬‬


‫املقدس‬ ‫حصانة ّ‬ ‫عباس ع ّبود‬

‫الخالصة‬ ‫لقد أثبتت التجارب البرشيّة عرب التأريخ‪ ،‬فشل النظريات الشمول ّية‪ ،‬سوا ًء أكانت ذات طابعٍ‬ ‫مهم من واقع املجتمع وحركته‪ ،‬حيث أنها أهملت‬ ‫ديني أم ال‪ ،‬ألن هذه النظريات أهملت جز ًءا ً‬ ‫ٍّ‬ ‫االختالف الهائل بني املجتمعات‪ ،‬والشذوذ عند بعض الجامعات‪ ،‬والتغيري املستمر يف معادالت‬ ‫املجتمع بفعل الزمن والتصاهر‪.‬‬ ‫منطقي وغري عميل‪ ،‬وبشكلٍ ال‬ ‫فإخضاع كل الحاالت واملتغريات ملعادل ٍة محدد ٍة واحدة‪ ،‬أم ٌر غري‬ ‫ٍّ‬ ‫خاص من أمناط الشمول ّية‪ ،‬مشمول ٌة بهذا‬ ‫يحتاج إىل توضيح‪ .‬إن النظريات الدين ّية‪ ،‬باعتبارها من ٌط ٌ‬ ‫املوضح‪ ،‬وهو املثالية املتعالية عىل الواقع‪،‬‬ ‫الحكم‪ .‬بل إنها أضافت خطأً آخر مضافًا إىل الخطأ ّ‬ ‫والطوباويّة يف التنظري‪.‬‬ ‫وأثبتت التجرب ّة البرشيّة كذلك‪ ،‬أن أفضل ما طرح اإلنسان‪ ،‬يف هذا املجال‪ ،‬هو القانون املدين‬ ‫ضمن إطار الدولة الحديثة( بشكلٍ عام)‪ ،‬ألن هذا القانون ات ّسم بالواقع ّية واملوضوع ّية‪ ،‬وكذلك‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫آلليات مناسب ٍة للتعامل مع املتغريات‬ ‫وأيضا تض ّمنه‬ ‫احتواءه عىل‬ ‫هامش جيّ ٍد الحتواء االختالفات‪ً ،‬‬ ‫املستقبل ّية‪.‬‬ ‫وعىل هذا األساس‪ ،‬ميكننا القول‪،‬‬ ‫ أن خري ما ينفع املجتمع‪ ،‬هي النظرية النسب ّية االجتامع ّية‪.‬‬‫مهم من التأريخ والرتاث البرشي العام‪.‬‬ ‫ ال يستطيع أ ّحدٌ أن ينكر‪ ،‬أن الدين جز ٌء ٌ‬‫ الهدف الرئييس للكتاب ليس أن يتخىل الناس عن دينهم‪ ،‬وإمنا أن يصلحوه‪.‬‬‫ٍ‬ ‫جحيم بسبب عقيدته املج ّردة‪ ،‬وال ينبغي ذلك‪.‬‬ ‫شخص يف أي‬ ‫ ال أمتنى أن يتعذب أي‬‫ٍ‬ ‫لقد ق ّدس اإلنسان أشيا ًء كثري ًة عرب آالف السنني من عمر التجربة اإلنسان ّية الطويلة‪ ،‬لكن (الله)‬ ‫كفكرة‪ ،‬والدين (كنظريّة) ومامرسة‪ ،‬بال أدىن ٍ‬ ‫شك أقدس ما ق ّدس اإلنسان‪ ،‬وأعظم ما نفذ إىل نفسه‬ ‫يك نتبني‪:‬‬ ‫وواقعه‪ .‬ونحن يف هذا الكتاب نحاول أن نج ّرد (الله) و(الدين) من حصانتهام القدمية‪ ،‬ل ّ‬ ‫هل أن هناك إل ًها ليك يُق َّدس‪ ،‬وهل إن نظريّة الدين صحيح ٌة وناجع ٌة وق ّدمت لإلنسان ما يجعلها‬ ‫جدير ًة بالتقديس‪ .‬مع االحرتام واالعتذار لكل األديان واملتدينني‪.‬‬ ‫‪54‬‬


‫‪http://www.ahewar.org‬‬

‫ﺍﳌﻮﻗﻊ ﺍﻟﺮﺋﻴﺴﻲ ﳌﺆﺳﺴﺔ ﺍﳊﻮﺍﺭ ﺍﳌﺘﻤﺪﻥ‬ ‫ﻳﺴﺎﺭﻳﺔ ‪ ,‬ﻋﻠﻤﺎﻧﻴﺔ ‪ ,‬ﺩﳝﻘﺮﺍﻃﻴﺔ‬ ‫"ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﻣﺪﻧﻲ ﻋﻠﻤﺎﻧﻲ ﺩﳝﻘﺮﺍﻃﻲ‬ ‫ﺣﺪﻳﺚ ﻳﻀﻤﻦ ﺍﳊﺮﻳﺔ ﻭﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻟﻠﺠﻤﻴﻊ"‬

‫‪55‬‬


‫املسيح َّية‪..‬‬ ‫خيان ُة ثورة!‬

‫‪Norma Bassily‬‬

‫مسيحي عن عالقة يسوع باليهود سيكون جوابه باآلية التالية‪:‬‬ ‫لو سألت أي‬ ‫ٍّ‬ ‫َاص ُت ُه ل َْم تَ ْق َبل ُْه» يوحنا (‪ ،)11 :1‬وسيؤكد أن اليهود هم‬ ‫َاص ِت ِه َجا َء‪َ ،‬وخ َّ‬ ‫«إِ َل خ َّ‬ ‫من صلب يسوع‪ ،‬وأن هذه العالقة كانت متوتر ًة من أول لحظة‪،‬‬ ‫‪56‬‬

‫لوحة الغالف‪« :‬نهب معبد أورشليم» بريشة الفنان الروماين املعارص ‪Radu Oltean‬‬


‫املسيحية‪ :‬خيانة ثورة!‬ ‫‪Norma Bassily‬‬

‫وكث ًريا ما اتهموه بالهرطقة والكذب وأنه كان يشكل خط ًرا عىل‬ ‫عقيدتهم التي تنظم كل حياتهم‪ .‬نقرأ يف إنجيل يوحنا‪« :‬أَ َجابَ ُه‬ ‫وس‪َ ،‬و َح َس َب نَا ُم ِ‬ ‫ِب أَ ْن َ ُيوتَ ‪ ،‬ألَنَّ ُه َج َع َل‬ ‫الْ َي ُهو ُد‪ :‬لَ َنا نَا ُم ٌ‬ ‫وس َنا يَج ُ‬ ‫نَف َْس ُه ابْ َن الل ِه» يوحنا (‪ .)7 :19‬ويرجع سبب هذه الفكرة إىل‬ ‫ٍ‬ ‫روايات عديد ٍة ذكرها اإلنجيل‪ ،‬منها مثالً أعطاه يسوع لتالميذه‬ ‫عن مالِ ِك ك ْر ٍم كبريٍ يعمل فيه عد ٌد من األُ َجراء‪ ،‬وكان يرسل لهم نوابًا‬ ‫عنه لجمع الحصاد والثامر‪ ،‬فلام قتلوهم جمي ًعا قرر صاحب الكرم‬ ‫إرسال ابنه اعتقا ًدا منه أنهم سيهابونه ويطيعونه‪ ،‬ولكنهم قتلوه‬ ‫أيضا‪ ،‬فام كان من مالك األرض إال أن أخذ منهم الكرم وحرمهم‬ ‫ً‬ ‫ٍ‬ ‫ألشخاص آخرين (إنجيل مرقس ‪.)12 - 1 :12‬‬ ‫من خرياته ومنحها‬ ‫صاحب الكرم هنا هو الله اآلب‪ ،‬وابن صاحب األرض هو يسوع‪ ،‬ونوابه أو عبيده املرسلني نياب ًة عنه هم األنبياء‪ ،‬واألجراء‬ ‫هم شعب الله املختار‪ ،‬أما األشخاص اآلخرين‪ ،‬فهم من وصفهم يسوع أمام تالميذه بكل األمم‪« :‬فَا ْذ َه ُبوا َوتَلْ ِمذُوا َج ِمي َع‬ ‫شعب ماعدا شعب الله املختار‪ ،‬الذي‬ ‫األُ َم ِم َو َع ِّم ُدو ُه ْم ب ِْاس ِم اآلب َواالبْنِ َوال ُّرو ِح الْ ُق ُد ِس» متى (‪ ،)19 :28‬إذ قصد باألمم أي ٍ‬ ‫استثناه هنا ألن اليهود رفضوه وصلبوه‪.‬‬ ‫يس الْ َك َه َن ِة ِحي َن ِئ ٍذ ثِيَابَ ُه قَائِالً‪ :‬قَ ْد َج َّد َف! َما‬ ‫ويكمل اإلنجيل القصة‪« :‬فَ َم َّز َق َرئِ ُ‬ ‫َحا َجتُ َنا بَ ْع ُد إِ َل شُ ُهو ٍد؟ َها قَ ْد َس ِم ْعتُ ْم تَ ْج ِدي َف ُه! َماذَا تَ َر ْونَ؟ فَأَ َجابُوا َوقَال ُوا‪ :‬إِنَّ ُه‬ ‫ِب الْ َم ْو ِت‪ِ .‬حي َن ِئ ٍذ بَ َصقُوا ِف َو ْج ِه ِه َولَ َك ُمو ُه‪َ ،‬وآ َخ ُرو َن لَطَ ُمو ُه‪ ،‬قَائِلِ َني‪:‬‬ ‫ُم ْستَ ْوج ُ‬ ‫ضبَ َك؟» متى (‪ .)68 - 65 :26‬جاءت هذه الكلامت‬ ‫ت َ َن َّبأْ لَ َنا أَيُّ َها الْ َم ِس ُ‬ ‫يح‪َ ،‬م ْن َ َ‬ ‫عىل لسان رؤساء كهنة اليهود والشعب يف محاكمة يسوع التي انتهت بصلبه‬ ‫توضح أن رؤساء كهنة اليهود هم من تآمر عىل يسوع‪،‬‬ ‫وموته‪ .‬فرواية اإلنجيل ّ‬ ‫بسبب حقدهم عليه واعتقادهم أنه يكفر ويجدف عىل الله‪.‬‬

‫أصول اليهود بني الكتاب املقدس وكتب التاريخ‬

‫يذكر الكتاب املقدس أن نشأة دولة إرسائيل (الدولة العربانية) كانت يف الرشق‬ ‫األوسط تحدي ًدا يف املنطقة املعروفة بأرض إرسائيل‪ ،‬آنذاك‪ ،‬كمجموع ٍة عرقي ٍة‬ ‫(‪)1‬‬ ‫ديني ٍة خالل األلفية الثانية ق‪.‬م‪ .‬ولكن يخربنا خرباء التاريخ أن لوحة مرنبتاح‬ ‫هي الدليل الوحيد عىل ظهور اليهود يف أرض كنعان‪ ،‬يف العرص الربونزي قبل‬ ‫ٌ‬ ‫سميك من حجر الجرانيت تروي انتصار امللك أمنحتب الثالث يف بالد الشام (ومن ضمنها‬ ‫لوح‬ ‫‪ -1‬لوحة مرنبتاح‪ :‬لوح ُة تذكاري ٌة مللك مرص مرنبتاح (‪ 1203 - 1213‬ق‪.‬م)‪ ،‬وهي ٌ‬ ‫قبائل إرسائيل)‪ .‬توجد اللوحة اآلن يف املتحف املرصي بالقاهرة‪ .‬ويعترب ذكر قبيلة إرسائيل عىل اللوحة هو الدليل اآلركيولوجي والتاريخي األقدم بخالف ما قرأنا عنها يف التوراة‪.‬‬

‫‪57‬‬


‫املسيح َّية‪ ..‬خيانُة ثورة!‬ ‫‪Norma Bassily‬‬

‫‪ 1500‬عا ًما من امليالد‪ ،‬وأنهم قد اندمجوا مع أهل املنطقة من البدو‪ ،‬وذلك عكس ما ورد بالكتاب املقدس‪ ،‬أنهم ظهروا يف‬ ‫املنطقة قبل ذلك بآالف األعوام‪ ،‬أو أنهم تركوا أي آثا ٍر ت ُ َدلل عىل وجودهم يف مرص‪ .‬واليهودية يف الكتاب املقدس ال تقترص‬ ‫أيضا هوي ٌة وعرق‪ .‬أما املؤ ّرخون‪ ،‬فيقسمون التاريخ اليهودي إىل خمسة أقسام‪:‬‬ ‫عىل ديان ٍة أوعقيدة شعب إرسائيل‪ ،‬بل هي ً‬ ‫‪ -1‬إرسائيل قبل اليهودية (‪ 1500-586‬ق‪.‬م)‬ ‫بحسب الكتاب املقدس‪ ،‬نجد أن موقع إرسائيل كان يف أرض كنعان‪ ،‬وكانت تضم ما يعرف حال ًيا بدولة إرسائيل واألردن‬ ‫ولبنان‪ ،‬وكانت تعترب ملتقى الحضارات‪ ،‬إذ كانت محاط ًة بالحضارات املرصية والبابلية‪ .‬وكان شعب إرسائيل مكونًا من اثنتي‬ ‫ٍ‬ ‫لشتات لهم يف شبه جزيرة سيناء‪ ،‬رغم أن‬ ‫عرشة قبيل ًة بعدد أبناء يعقوب‪ .‬ولكن مل يعرث الخرباء األركيولوجيني عىل أي أث ٍر‬ ‫ٍ‬ ‫ملخيامت بدوي ٍة وخمسة آالف قري ٍة متناثر ٍة من عامل املناجم‪ ،‬وذلك ينايف ما جاء يف الكتاب‬ ‫املناخ قد حافظ عىل أقل أث ٍر‬ ‫املقدس‪ .‬فالكتاب املقدس يؤكد لنا أن اليهود كانوا عبي ًدا يقاسون األم ّرين يف مرص‪ ،‬إىل أن أنقذهم موىس النبي ورحل بهم‬ ‫(‪)2‬‬ ‫إىل سيناء (مبرص)‪ ،‬ليمكثوا فيها أربعني عا ًما قبل دخولهم ألرض كنعان سنة ‪ 1400‬ق‪.‬م تحت قيادة يشوع‪.‬‬ ‫‪ -2‬بداية اليهودية (القرن ‪ 6-5‬ق‪.‬م)‬ ‫بنيت مملكة شاؤول عام ‪ 1000‬ق‪.‬م (سفر صموئيل األول‪ :‬اإلصحاح ‪ ،)10 ، 9 ، 8‬ثم مملكة داود (صموئيل الثاين‪ )2 :‬الذي‬ ‫خلفه ابنه سليامن (سفر ملوك األول‪ ،)1 :‬ويف عهد امللك داود كانت مملكة إرسائيل متحد ًة وكانت عاصمتها أورشليم‪ .‬وش ّيد‬ ‫امللك سليامن املعبد األول املعروف بهيكل سليامن عىل جبل موريا (جبل الهيكل)‬ ‫مبدينة أورشليم‪ .‬ثم انقسمت مملكة إرسائيل املتحدة إىل مملكتني األوىل شاملي ٌة‬ ‫هي إرسائيل‪ ،‬نسب ًة إىل يعقوب الذي دعاه الله إرسائيل‪ ،‬والثانية جنوبي ٌة هي‬ ‫مملكة يهوذا‪ ،‬وأهلها من نسل يهوذا (أحد أبناء يعقوب)‪ .‬ويقول الكتاب املقدس‬ ‫أ ّن األشوريني قد احتلوا مملكة إرسائيل يف القرن الثامن قبل امليالد‪.‬‬ ‫ولكن من املثري أننا ال منلك أي دليلٍ‬ ‫تاريخي يدلنا عىل مصري العرش قبائل األخرى‬ ‫ٍّ‬ ‫دليل غري ما ورد يف الكتاب املقدس عىل‬ ‫من أبناء يعقوب وعائالتهم‪ ،‬وال منلك ً‬ ‫وجود هذه املاملك‪ ،‬ويستبعد باحثو اآلثار اعتام ًدا عىل استكشافاتهم يف أرض‬ ‫إرسائيل أن مملكتي داوود وسليامن كانتا بهذه القوة املوصوفة يف التوراة‪ ،‬ففي‬ ‫أفضل األحوال رمبا كانتا مجرد قبيلتني صغريتني‪ ،‬فاأللف سنة األوىل التي قدمها لنا‬ ‫الكتاب املقدس من تاريخ اليهود هي غال ًبا من خيال املؤلف‪.‬‬ ‫הֹושעַ‬‪ :‬هو خليفة موىس النبي‪ ،‬وهو من أحفاد إفرايم‪ .‬عرب يشوع ابن نون نهر األردن ودخل بشعب الله املختار إىل أرض كنعان (أرض املوعد) واحتلها‪.‬‬ ‫‪ -2‬يشوع יְ ֻ‬

‫‪58‬‬


‫املسيح َّية‪ ..‬خيانُة ثورة!‬ ‫‪Norma Bassily‬‬

‫‪ -3‬نشوء الكهنوت اليهودي‬ ‫حمل العام ‪ 587‬ق‪.‬م كارث ًة ليهود مملكة يهوذا‪ ،‬إذ اجتاحها البابليون‪ ،‬وهدموا هيكل سليامن‪ ،‬كام َسبَ ْوا بعض الصفوة من‬ ‫اململكة إىل بابل وف ّر البعض اآلخر إىل مرص‪ .‬ويف عام ‪ 597‬ق‪.‬م‪ ،‬زرع أحفاد يهوذا أول بذر ٍة للمجتمعات اليهودية يف بابل‪،‬‬ ‫حيث تطورت عقيدتهم وكتبوا التلمود(‪)3‬البابيل‪ .‬كام أسس اليهود األكادمييات لتلقني الطالب تعاليم التلمود‪ ،‬التي أصبحت‬ ‫فيام بعد مرك ًزا للطالب من إرسائيل‪ ،‬يف الحقبة ما بني عامي ‪ 500‬و ‪ 1038‬م‪ .‬وبعد عودة بعض اليهود من السبي البابيل‪،‬‬ ‫بدأوا بتشييد املعبد الثاين عام ‪ 516‬ق‪.‬م تحت زعامة ثالثة أنبيا ٍء هم َح َج ْي وزكريا ومالخي‪ ،‬و بعد وفاة النبي مالخي (آخر‬ ‫أنبياء اليهود)‪ ،‬انتقلت الزعامة يف الشعب اليهودي بني خمسة أجيال‪ ،‬والتي ظهر‬ ‫من بينها الفريسيون والصدوقيون تحت ُحكم الفرس ثم ُحكم الروم‪.‬‬ ‫كان الفريسيون(‪ )4‬جامع ًة يهودي ًة ديني ًة‪ ،‬ظهرت يف عام ‪ 516‬ق‪.‬م يف أورشليم‪ .‬وبعد‬ ‫معارضا‪،‬‬ ‫احتالل الرومان إلرسائيل عام ‪ 63‬ق‪.‬م صاروا تار ًة ميثلون حزبًا سياس ًيا‬ ‫ً‬ ‫وتار ًة أخرى ميثلون حراكًا اجتامعيًا‪ ،‬لكنهم يف األساس يُعتربون من أهم مؤسيس‬ ‫املدرسة الفكرية يف األرض املقدسة‪ .‬وقد أصبحت الطقوس والشعائر الفريسية‬ ‫أساسي ًة يف الكهنوت اليهودي‪.‬‬ ‫דּוקים‬‪ ،‬فقد كانوا قطا ًعا نشطًا من الشعب اليهودي يف مملكة‬ ‫أما الصدوقيون צְ ִ‬ ‫يهوذا يف أورشليم‪ ،‬يف الفرتة ما بني القرن الثاين قبل امليالد إىل عام ‪ 70‬م‪ .‬وكان هذا‬ ‫القطاع‪ ،‬كام وصفه املؤرخ فالفيوس يوسيفوس‪ُ ،‬م َؤلَفًا من علية القوم‪ ،‬وكان أعضاؤه‬ ‫يقومون بأدوا ٍر سياسي ٍة واجتامعي ٍة وديني ٍة مختلفة‪ ،‬ومن أهمها‬ ‫الحفاظ عىل أمان وسالمة املعبد‪ .‬ويف عهد اإلمرباطورية السلوقية‪،‬‬ ‫ُع ّي كهن ٌة من طائفة الصدوقيني يف مناصب إدارية‪ ،‬فأُعطوا‬ ‫ٍ‬ ‫سلطات مركزي ًة سياسي ًة وتنفيذي ًة عليا‪ ،‬إذ كان رئيس الكهنة‬ ‫وقتها أدا ًة سياسي ًة يف أيدي الحكام السلوقيني‪ ،‬مام أثار حفيظة‬ ‫الفريسيني‪ ،‬فاشرتكوا مع الثوار يف الثورة ضد االحتالل السلوقي‬ ‫منذ عام ‪ 160‬ق‪.‬م‪ ،‬وكان من أهم مطالبهم‪ :‬إلغاء السلطة‬ ‫الدينية‪ ،‬وفصل الدين عن الدولة‪ ،‬وإقامة دول ٍة علامني ٍة‪ ،‬وتحديد‬ ‫وقصص موثق ٌة‬ ‫‪ -3‬التلمود תלמוד‪ :‬كلم ٌة عربية تعني الدراسة‪ ،‬وهو كتاب تعليم الديانة اليهودية‪ ،‬هو تدوي ٌن لنقاشات حخامات اليهود حول الرشيعة اليهودية واألخالق واألعراف‬ ‫ٌ‬ ‫من الرتاث اليهودي‪ .‬يتكون التلمود من عنرصين‪ :‬املِشْ ناه משנה وهي النسخة األوىل املكتوبة من الرشيعة اليهودية التي كانت تتناقل شفويًا‪ ،‬والغامراه גמרא وهو القسم من‬ ‫التلمود الذي يتناول املشناه بالبحث والدراسة‪.‬‬ ‫مستعمل يف العربية مبعنى االنعزال‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫רּושים إىل أصلٍ يوناين وآرامي للكلمة يتعلق باالعتزال واالنفصال‪ ،‬ومصدر الكلمة‬ ‫‪ -4‬يرجع اسم الفريسيون ְפ ִ‬

‫‪59‬‬


‫املسيح َّية‪ ..‬خيانُة ثورة!‬ ‫‪Norma Bassily‬‬

‫دور الكهنة يف إقامة الشعائر الدينية داخل املعابد‪ .‬وكانت‬ ‫هذه الثورة السبب وراء قتل الكثري من قيادات الفريسيني‪.‬‬ ‫ويف فرتة االحتالل الروماين‪ ،‬ويف العام ‪ 66‬م‪ ،‬حارصت جيوش‬ ‫الرومان اليهود يف أورشليم ألربع سنني‪ ،‬حتى متكن القائد‬ ‫تيتوس ‪ Titus‬من اقتحام املدينة سنة ‪ 70‬م‪ ،‬فدمر معظمها‪،‬‬ ‫وسفك دماء أهلها‪ ،‬ونهب جنوده محتويات املعبد الثاين‪،‬‬ ‫נֹור ‬ה)‪ ،‬ونرى‬ ‫ومن بينها الشمعدان الذهبي (املنوراه ְמ ָ‬ ‫اليوم نقش املنوراه عىل قوس النرص يف روما محمول ًة عىل‬ ‫أكتاف جنود الرومان‪ ،‬كام سبى تيتوس اليهود عبي ًدا يُباعون‬ ‫يف أسواق روما‪ ،‬ومن هنا بدأ تواجد اليهود يف أوروبا‪.‬‬ ‫‪ -4‬ظهور املسيحية وتطورها‪ ،‬حتى وصلت للطبقة الحاكمة زمن حكم اإلمرباطور قسطنطني يف القرن الرابع‪ ،‬حتى الثورة‬ ‫الفرنسية قبيل بداية القرن الثامن عرش‪.‬‬ ‫‪ -5‬تعدد الطوائف اليهودية‪ ،‬منذ قيام الثورة الفرنسية ‪ ،‬ثم احتضان الواليات املتحدة األمريكية إلرسائيل إىل اليوم‪.‬‬

‫ظهور الفريسيني‬

‫يقول املؤرخ فالفيوس يوسيفوس أن عدد الفريسيني‬ ‫وصل إىل ستة ٍ‬ ‫آالف قبل سقوط املعبد الثاين عام ‪ 70‬م‪.‬‬ ‫ويعني لفظ فرييس‪ :‬من ك ّرس نفسه لله‪ .‬وظهر حزب‬ ‫الفريسيني الديني اليهودي‪ ،‬الذي يتكون من مجموع ٍة‬ ‫من علامء الدين وكهنة املعبد‪ ،‬يف أورشليم‪ ،‬خالل الفرتة‬ ‫‪ 515‬ق‪.‬م – ‪ 70‬م‪.‬‬ ‫اشتهر الفريسيون (أو بريوشيم بالعربية) بعد فرت ٍة وجيز ٍة من ثورة املكابيني(‪ )5‬عىل اململكة السلوقية(‪ ،)6‬تحت حكم امللك‬ ‫أنتيوخوس إبيفانس ‪ 165-160‬ق‪.‬م‪ .‬كان الفريسيون مؤمنني أنهم األحفاد الروحيني للحاسيديم‪ ،‬وهي طائف ٌة يهودية ذات‬ ‫طابعٍ روحا ٍّين ظهرت قبيل القرن الثاين قبل امليالد‪ .‬وكان الطابع املميز للفريسيني هو النضال من أجل حرية العقيدة‬ ‫ومواجهة االحتالل والتيار الوثني‪.‬‬ ‫‪ -5‬املكابيني מכבים‬‪ :‬جامع ٌة من اليهود الثوريني‪ ،‬تولوا الحكم يف مملكة يهوذا التي كانت جز ًءا من اإلمرباطورية السلوقية‪ ،‬وقد أسسوا األرسة الحشمونية التي حكمت من عام‬ ‫‪ 165‬ق‪.‬م إىل عام ‪ 37‬ق‪.‬م‪.‬‬ ‫‪ -6‬نسب ًة إىل سلوقس األول نيكاتور ‪ Σέλευκος Νικάτωρ‬أحد قادة جيش اإلسكندر األكرب‪ .‬حكمت هذه اململكة منطقة غرب آسيا‪ .‬وامتدت من سوريا والبلقان وشامل اليونان‬ ‫وبلغاريا وتركيا إىل الهند رشقًا‪ .‬من أشهر قادتهم الحاكم أنتيوخوس الثالث الكبري‪.‬‬

‫‪60‬‬


‫املسيح َّية‪ ..‬خيانُة ثورة!‬ ‫‪Norma Bassily‬‬

‫الخالف بني الفريسيني والصدوقيني‬

‫كان الخالف بني الفريسيني والصدوقيني خالفًا عقائديًا حول‬ ‫التلمود‪ ،‬وهو الجزء الشفهي للفكر الالهويت والعقيدة‬ ‫اليهودية‪ ،‬وحول التوراة (أسفار موىس الخمسة)‪ ،‬ألنهم‬ ‫أرادوا تطوير العقيدة لتواكب العرص الذي كانوا يعيشونه‪.‬‬ ‫فالصدوقيون يريدون تطبيق التوراة بحذافريها‪ ،‬ويرفضون‬ ‫التلمود متا ًما‪ ،‬بدون النظر لظروف الحياة املعارصة أو‬ ‫املراعاة ألي تط ّو ٍر فيها‪ ،‬بينام أراد الفريسيون إعامل العقل‬ ‫واملنطق يف كل مناحي الحياة مبا فيها تفسري التوراة وتطبيق‬ ‫رشيعة موىس‪ ،‬لذلك ازدادت شعبيتهم وزاد عدد متبعي‬ ‫منهجهم‪ ،‬وأصبحت لهم مكان ٌة محبب ٌة لدى املواطنني‪،‬‬ ‫فكان تأثريهم قويًا عىل الرأي العام‪ ،‬إىل الحد الذي جعل‬ ‫مدرسة الفريسيني هي الرصح الوحيد الذي استمر يف تعليم‬ ‫الرشيعة اليهودية بعد سقوط املعبد الثاين وتشتت اليهود‬ ‫يف جميع أنحاء العامل‪.‬‬ ‫ولذلك كتب عنهم املؤرخ اليهودي الروماين فالفيوس يوسيفوس‪« :‬كانوا دميقراطيني‪ ،‬يحسمون أي جدا ٍل يخص قوانني‬ ‫الرشيعة بالتصويت‪ ،‬فقد كان لهم نظا ٌم يشبه النظام الربملاين الدميقراطي»‪.‬‬

‫عقيدة الفريسيني والكتاب املقدس‬

‫تكشف لنا الوثائق التاريخية أن الفريسيني كانوا يؤمنون باألنبياء وبقيامة األموات وتناسخ األرواح‪ ،‬فأرواح األبرار من املؤمنني‬ ‫سوف تعود يوم القيامة ولكن يف أجسا ٍد جديدة‪ ،‬وسوف تقايس أرواح األرشار عذابًا أبديًا‪ .‬وقد ظهر بينهم أنبيا ٌء و ُمسحاء‬ ‫كثريون‪ ،‬وهؤالء كانت مهمتهم الوحيدة هي التعليم واإلرشاد الديني وقيادة الشعب يف ثور ٍ‬ ‫ات ضد حكم الرومان‪ ،‬وليس‬ ‫أيضا كان جل اهتاممهم منصبًّا عىل سن القوانني وتفعيلها مبا ال يخالف الرشيعة‬ ‫الالهوت أو حتى الدعوة إىل دينٍ جديد‪ً .‬‬ ‫اليهودية يف حياتهم اليومية‪ .‬ومل يؤمن الفريسيون بسلطة الكاهن الدينية‪ ،‬ومل يقدسوا الكهنة ومل يق ّبلوا أيديهم‪ ،‬فمهمة‬ ‫الكاهن لديهم كانت تقترص عىل إقامة الشعائر واملراسم الدينية وحامية املعابد فقط‪.‬‬ ‫نبي عادي‪ ،‬فهو الله الظاهر يف‬ ‫بينام تأسست األناجيل األربعة املسيحية عىل تقديس شخص املسيح‪ ،‬وأنه ليس مجرد ٍّ‬ ‫عي اثنا عرش كاه ًنا أو رسولً ‪ .‬بالغت األناجيل يف تقديسهم‪ ،‬لدرجة أن يسوع‬ ‫الجسد‪ ،‬وهو ً‬ ‫أيضا رئيس الكهنة الذي ّ‬ ‫أعطاهم الحق يف غفران الخطايا‪َ « :‬م ْن َغ َف ْرت ُ ْم َخطَايَا ُه تُ ْغ َف ُر لَ ُه‪َ ،‬و َم ْن أَ ْم َس ْكتُ ْم َخطَايَا ُه أُ ْم ِسك َْت» يوحنا (‪ .)23 :20‬وذكر‬ ‫‪61‬‬


‫املسيح َّية‪ ..‬خيانُة ثورة!‬ ‫‪Norma Bassily‬‬

‫سفر أعامل الرسل معجز ٍ‬ ‫ات عظيم ًة قام بها الرسل االثنا عرش‪َ « :‬وكَانَ ْت َع َجائِ ُب َوآيَاتٌ كَ ِث َري ٌة ت ُ ْج َرى َع َل أَيْ ِدي ال ُّر ُسلِ» أعامل‬ ‫الرسل (‪ .)43 :2‬كقصة األعرج الذي انتظر الرسولني بطرس ويوحنا عىل باب الهيكل ليطلب صدقة‪ ،‬ولكن بطرس مل يعطه‬ ‫مالً بل شفاه مبعجز ٍة وجعله مييش من جديد‪ « :‬فَق َ​َال بُطْ ُر ُس‪ :‬لَ ْي َس ِل ِف َّض ٌة َوالَ َذ َه ٌب‪َ ،‬ول ِكنِ ال َِّذي ِل فَ ِإيَّا ُه أُ ْع ِط َيك‪ :‬ب ِْاس ِم‬ ‫اص ِّي قُ ْم َوا ْم ِش!» أعامل الرسل (‪.)6 :3‬‬ ‫يَ ُسو َع الْ َم ِسي ِح ال َّن ِ ِ‬

‫خالف يسوع مع الفريسيني بني الكتاب املق ّدس واملصادر التاريخية‬

‫مل يحدث ذلك الخالف يف الواقع‪ ،‬ألن يسوع شخصيًا كان فريسيًا كام ورد يف كتب التاريخ‪ .‬ولذلك يجوز القول بأن كتبة‬ ‫خصوصا يف ظل الخالفات التي‬ ‫األناجيل األربعة قاموا بالتالعب بالنصوص‪ ،‬بهدف اختالق الخالف بني يسوع والفريسيني‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ٍ‬ ‫تناقضات مع‬ ‫كانت محتدم ًة يف زمن كتبة االناجيل بني الكنيسة املسيحية والفريسيني آنذاك‪ .‬ولكن الكتاب املقدس يقع يف‬ ‫فمثل‪ ،‬يربر الكتاب املقدس نقمة الفريسيني عىل يسوع بأن األخري كان قد أغضب الفريسيني‪،‬‬ ‫نفسه بسبب التالعب هذا‪ً .‬‬ ‫ل‬ ‫عندما كان يشفي املرىض يوم السبت‪« :‬فَ ِإ ْن كَا َن ا ِإلنْ َسا ُن يَ ْق َب ُل ال ِْختَا َن ِف َّ‬ ‫وس ُم َ‬ ‫الس ْب ِت‪ ،‬لِئَالَّ يُ ْنق َ​َض نَا ُم ُ‬ ‫وس‪ ،‬أَفَتَ ْس َخطُو َن َع َ َّ‬ ‫السبْ ِت؟» يوحنا (‪ .)23 – 7‬ولكنها يف الواقع حج ٌة ضعيفة‪ ،‬فاملصادر الفريسية تذكر نفس معنى ما‬ ‫ألَ ِّن شَ َفيْ ُت إِنْ َسانًا كُلَّ ُه ِف َّ‬ ‫الس ْب ِت» مرقس (‪ ،)27 – 2‬فمن الواضح أن يسوع‬ ‫«الس ْب ُت إِنَّ َا ُج ِع َل ألَ ْجلِ ا ِإلنْ َسانِ ‪ ،‬الَ ا ِإلنْ َسا ُن ألَ ْجلِ َّ‬ ‫ورد يف إنجيل مرقس‪َّ :‬‬ ‫مل يخرق عقيدتهم بقيامه مبعجزات شفاء املرىض يوم السبت‪ ،‬ومل يخالف حرفًا واح ًدا من نصوصهم بهذا‪ ،‬فال مربر ألن يفكر‬ ‫الفريسيون يف قتله لهذا السبب‪ ،‬وهو الذي كان ينرش‬ ‫تعاليمهم وأفكارهم‪.‬‬

‫‪62‬‬

‫ومل يكن خالف الفريسيني مع الصدوقيني‪ ،‬عىل اإلميان‬ ‫بقيامة األموات‪ ،‬سب ًبا كاف ًيا لتقديم يسوع للمحاكمة أمام‬ ‫قيرص وصلبه‪ ،‬فحتى إذا افرتضنا أن يسوع كان يدعو‬ ‫الشعب للتوبة من أجل نيل الحياة األبدية مع الله يف‬ ‫ملكوت السموات‪ ،‬فليست هذه تهم ًة يف رشيعة موىس‬ ‫يعاقب عليها بالصلب‪ ،‬فيسوع مل يكن مرت ًدا عن دينهم‬ ‫وس أَ ِو‬ ‫بحسب تعبريه‪« :‬الَ تَظُ ُّنوا أَنِّ ِجئْ ُت ألَنْق َُض ال َّنا ُم َ‬ ‫األَنْ ِب َيا َء‪َ .‬ما ِجئْ ُت ألَنْق َُض بَ ْل ألُكَ ِّم َل» متى (‪ .)17 – 5‬كام‬ ‫يرد إثباتًا آخ ًرا عىل أن يسوع كان فريس ًيا يف إنجيل لوقا‪:‬‬ ‫«ف ذلِ َك الْ َي ْو ِم تَ َق َّد َم بَ ْع ُض الْ َف ِّر ِ‬ ‫يس ِّي َني قَائِلِ َني لَ ُه‪ :‬ا ْخ ُر ْج‬ ‫ِ‬ ‫َوا ْذ َه ْب ِم ْن ه ُه َنا‪ ،‬ألَ َّن ِه ُريو ُد َس يُرِي ُد أَ ْن يَ ْقتُل َ​َك» لوقا‬ ‫فعل‪ ،‬لرتكوه بني يدي‬ ‫(‪ .)31 – 13‬فإذا كانوا ينوون قتله ً‬ ‫هريودس(‪ )7‬ليصلبه وملا حذروه‪.‬‬


‫املسيح َّية‪ ..‬خيانُة ثورة!‬ ‫‪Norma Bassily‬‬

‫قد يتساءل البعض عن سبب امتناع الفريسيني عن حامية يسوع وقت محاكمته أمام بيالطس البنطي(‪ ،)8‬وتركه للموت‬ ‫عىل خشبة الصليب‪ ،‬مثلام دافع غمالئيل(‪ )9‬عن بطرس الرسول يف محاكمته أمام املحكمة العليا لألمة اليهودية (السنهدرين‬ ‫סנהדרין) وتربئته له ولباقي الرسل‪ ،‬والسبب أن محاكمة يسوع كانت عن تهم ٍة سياسي ٍة وليست دينية‪ ،‬مبعنى أنها ليست‬ ‫من اختصاص الفريسيني‪ ،‬فالسلطات السياسية كانت موكل ًة من الرومان إىل أيدي الصدوقيني‪ ،‬أما تهمة الرسل فكانت‬ ‫تبشريي ًة ديني ًة بعيد ًة متا ًما عن السياسة‪.‬‬ ‫وفكرة أن يسوع قد جاء من نسل داوود‪ ،‬وإعالن أنه ملك اليهود املُرتَقَب‪ ،‬تُعتَ َب شيئًا محب ًبا ولطاملا انتظره الفريسيون‬ ‫تاريخي يثبت انتامء يسوع لجامعة‬ ‫دليل‬ ‫ليخلصهم من حكم الرومان (كام ذكر املؤرخ فالفيوس يوسيفوس) ‪ ،‬وهذا ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫الفريسيني‪.‬‬ ‫يقول يوسيفوس أن العديد من األنبياء أو ُمسحا َء آخرين قد ظهروا مثل املسيح‪ ،‬مثال شمعون بار كوخبا‪ ،‬الذي قاد ثور ًة ضد‬ ‫سمه الغيورين‪ ،‬للتخلص من الرومان وغريهم‬ ‫حكم الرومان وتبعه الكثري من اليهود‪ ،‬ومثال يهوذا الجلييل الذي أسس حزبًا ّ‬ ‫الكثريين من الذين مل يحاول الفريسيون التخلص منهم أو تقدميهم للمحاكمة‪ ،‬بل أيدوهم بقوة وتبعوهم‪.‬‬ ‫وكان يسوع فريس ًيا من طائفة الحاسيديم‪،‬‬ ‫وهي طائف ٌة يهودية أرثوذكسية أصولية‪ ،‬كان‬ ‫ي ّدعي أهلها أنهم يصنعون املعجزات‪ .‬فإذا‬ ‫كان اليهود يلقبون يسوع باملعلم‪ ،‬وأنه كان‬ ‫ذا شخصي ٍة كاريزماتية وشعبي ٍة قوية‪ ،‬فمن‬ ‫املستبعد أن يغضب منه الفريسيون إذا علّم‬ ‫الشعب خارج املعبد اليهودي (الكنيس)‪ ،‬فقد‬ ‫كان الفريسيون يؤمنون بوجود الله يف كل‬ ‫مكان بالعامل‪ ،‬وأنه يجب أن ُ َي ّجد داخل وخارج‬ ‫أيضا‪.‬‬ ‫املعبد بل وداخل وخارج إرسائيل كلها ً‬ ‫‪ -7‬هريودس‪ :‬توىل امل ُلك عىل مملكة اليهودية عام ‪ 72‬ق‪.‬م‪ .‬ذكره متى يف إنجيله (اإلصحاح الثاين) عىل أنه الطاغية الذي أمر بقتل األطفال حني علم بنبوءة ميالد الطفل يسوع‪،‬‬ ‫ولكن اختلف املؤرخون مع ما ذكر يف اإلنجيل‪ ،‬وأكدوا أن تاريخ وفاته كان بني السنة الرابعة واألوىل قبل ميالد يسوع‪.‬‬ ‫‪ -8‬بيالطس البنطي ‪ :Pontius Pilate‬حكم اليهودية بني عامي ‪ 26‬و‪ 36‬م‪ .‬تقول نصوص اإلنجيل هو الحاكم الذي كان من املفرتض أن يحاكم يسوع ويحكم عليه بالصلب‪ ،‬ولكنه‬ ‫مل يجد فيه علةً‪ ،‬فغسل يديه من األمر كله وتركه للشعب ليحكم عليه‪.‬‬ ‫مقبول إنسانيًا وال يستوجب الصلب‪ ،‬ومل يرد تكرار خطأ قتل ثاؤوداس‬ ‫ً‬ ‫‪ -9‬غمالئيل גמליאל‪ :‬حاخام يهودي فرييس عضو يف مجلس قضاة السنهدرين‪ ،‬كان يرى عمل رسل يسوع أنه‬ ‫مع ٍ‬ ‫مئات من تابعيه‪ ،‬وهو الذي كان يعتربه الفريسيون نب ًيا لليهود‪.‬‬

‫‪63‬‬


‫املسيح َّية‪ ..‬خيانُة ثورة!‬ ‫‪Norma Bassily‬‬

‫سبب صلب يسوع‬

‫يوضح لنا اإلنجيل أن تهمة يسوع دينية‪ ،‬وهي مخالفة الناموس‬ ‫ورشيعة موىس (إنجيل مرقس إصحاح ‪ 1‬آيات ‪ :21-28‬معجزة‬ ‫شفاء وإخراج الشياطني‪ ،‬إنجيل يوحنا إصحاح ‪ 5‬آيات ‪ :1-18‬شفاء‬ ‫امل ُ ْق َعد)‪ ،‬يف حني أنه كان يقدس الناموس‪ ،‬ويطلب من الجميع‬ ‫من خالل تعاليمه أن يقدسوه‪ ،‬وكان يتبع الرشيعة ويحرتمها‪.‬‬ ‫وبنا ًء عىل ذلك‪ ،‬فإن االحتامل اآلخر هو أن تكون تهمته سياسي ًة‪،‬‬ ‫مناهضا لحكم الرومان‪ ،‬وطبقًا للقوانني‬ ‫ألنه كان من الثوار‪ ،‬وكان‬ ‫ً‬ ‫الرومانية آنذاك كان البد أن يُق َدم يسوع للمحاكمة ويصلب‪.‬‬ ‫وملا كانت الصورة التي أراد كتّاب اإلنجيل نقلها إلينا تحيك لنا‬ ‫عكس ما ورد يف كتب التاريخ‪ ،‬فكان سيناريو اإلنجيل كالتايل‪:‬‬ ‫ يُتّ َهم يسوع بتهم ٍة ديني ٍة باطلة‪ ،‬وهي مخالفة الناموس ورشيعة‬‫موىس (إنجيل مرقس إصحاح ‪ 1‬آيات ‪ :21-28‬معجزة شفاء‬ ‫وإخراج الشياطني‪ ،‬إنجيل يوحنا إصحاح ‪ 5‬آيات ‪ :1-18‬شفاء‬ ‫امل ُ ْق َعد)‪ ،‬وتهمة التجديف أي أنه يستطيع أن يَنقُض هيكل الله‬ ‫ويبنيه يف ثالثة أيام (إنجيل متى إصحاح ‪ 26‬اآليات ‪ 59‬إىل ‪،)68‬‬ ‫فيؤدي ذلك إىل ٍ‬ ‫وجذري بينه وبني الفريسيني‪،‬‬ ‫عقائدي‬ ‫خالف‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫فيقدمونه للمحاكمة م ّدعني أنه يريد قلب نظام الحكم‪ ،‬فال‬ ‫يستطيع بيالطس البنطي أن يجد عىل ادعائهم أي إثبات‪ ،‬ويغسل‬ ‫يده من دم يسوع‪ ،‬ف ُيرص اليهود عىل صلبه‪ ،‬وبهذه الطريقة يظهر‬ ‫الرومان أمام الجميع بثوب الرباءة‪ ،‬ليكون ذنبه يف رقاب اليهود‬ ‫وأبنائهم من بعدهم لألبد (دمه علينا وعىل أوالدنا‪ :‬متى ‪.)27:24‬‬ ‫فيُعلّق الرومان يسوع عىل خشبة الصليب بنا ًء عىل طلب اليهود‪،‬‬ ‫وتُكتَب عىل خشبة الصليب تهمته (ملك اليهود) فيموت يسوع‬ ‫بتهم ٍة ملفقة‪ ،‬ثم يقوم يف اليوم الثالث‪ ،‬وهكذا يتم الفداء املزعوم‬ ‫بحسب اإلميان املسيحي من خطيئة آدم األوىل‪.‬‬ ‫ويؤكد لنا املؤرخون‪ ،‬أن العديد من أبناء الجليل تم صلبهم بتهمة‬ ‫‪64‬‬


‫املسيح َّية‪ ..‬خيانُة ثورة!‬ ‫‪Norma Bassily‬‬

‫تهديد أمن اإلمرباطورية الرومانية‪،‬‬ ‫وقلب نظام الحكم‪ ،‬مثال يهوذا‬ ‫الجلييل واملئات من مؤيديه‪ ،‬الذين‬ ‫قد َصل َ​َب الرومان من قَبلهم أربعة‬ ‫يهودي بتهمة التمرد وعدم‬ ‫آالف‬ ‫ٍ‬ ‫دفع الرضائب كامل ًة‪ ،‬فقد كانت‬ ‫الجليل قبلة املتمردين‪ ،‬ألنها مل تكن‬ ‫رش من الرومان‪ ،‬بل‬ ‫حكم مبا ٍ‬ ‫تحت ٍ‬ ‫عي الرومان أحد الصدوقيني كوا ٍل‬ ‫ّ‬ ‫عليها إلدارة شؤونها‪.‬‬ ‫استطاع بولس الرسول أن يحول‬ ‫ثوري كل‬ ‫دور يسوع من مناضلٍ ٍ‬ ‫هدفه تحرير شعبه من بطش الرومان وظلمهم‪ ،‬من معلم أجيا ٍل وأحد أحبار اليهود املؤثرين يف ذلك العرص‪ ،‬إىل شخصي ٍة‬ ‫ضعيف ٍة ليس لها أي تأثريٍ سيايس‪ ،‬أو حتى لها أي عالقة مبعاناة الشعب اليهودي تحت احتالل اإلمرباطورية الرومانية‪.‬‬ ‫فبولس ك َرجلٍ روماين الجنسية‪ ،‬كام ذكر اإلنجيل (أعامل الرسل إصحاح‬ ‫‪ 16‬آيات ‪ ،37-39‬وإصحاح ‪ 22‬آيات ‪ ،)25-28‬ال يعلم الكثري عن معاناة‬ ‫اليهود آنذاك‪ .‬وباعتباره ليس فريس ًيا‪ ،‬فنضال يسوع لنرش التوراة ورشيعة‬ ‫مهم بالنسبة له‪ ،‬ففي قصة بولس الرسول نجد أن دور‬ ‫موىس مل يكن ً‬ ‫بدل‬ ‫اليهود يظهر وكأنهم الطرف الرشير الذي صلب املسيح يف الرواية‪ً ،‬‬ ‫بطل اسمه يسوع بن‬ ‫من وصفهم بالوطنيني‪ ،‬وأنهم من خرج من بينهم ٌ‬ ‫يوسف النجار الذي قاد شع ًبا مضطه ًدا يف ثور ٍة نحو الحرية‪ .‬فنجد بولس‬ ‫ومخلصا للشعب الذي رفضه‪ ،‬برغم من تأكيد‬ ‫يدعو يسوع مسي ًحا وإل ًها‬ ‫ً‬ ‫املؤرخني عىل أن يسوع مل يَ ّد ِع أب ًدا األلوهية‪ ،‬أو أنه كان اب ًنا لله‪ ،‬فهذه‬ ‫ملتزم‬ ‫الفكرة مرفوض ًة متا ًما من ح ٍرب يهودي متدينٍ مثله‪ .‬وكفرييس ٍ‬ ‫مل يكن يسوع ليقبل فكرة استبدال الكفارة (ذبح حيوانٍ ) باألضحية‬ ‫البرشية‪ ،‬وال أن يقبل الفكر الوثني الذي أراد بولس نرشه‪ ،‬معت ًربا يسوع‬ ‫ابن اإلله واإلله يف ذات الوقت‪ ،‬فكل هذه األفكار دخيل ٌة عىل الشعب‬ ‫اليهودي الذي كان مؤم ًنا بإله العهد القديم يهوه‪.‬‬ ‫‪65‬‬


‫املسيح َّية‪ ..‬خيانُة ثورة!‬ ‫‪Norma Bassily‬‬

‫من يقرأ أعامل املؤرخني ويقارنها مبا جاء يف األناجيل األربعة‪،‬‬ ‫صحيح أن‬ ‫سيكتشف أن رواية اإلنجيل غري واقعي ٍة وال ممكنة‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫معلم وح ًربا فريس ًيا‬ ‫املسيح مل يكن غيفارا عرصه‪ ،‬ولكنه كان ً‬ ‫وثائ ًرا يُحب بالده ويُريد لها الحرية‪ ،‬ومل يكن ليخالف الناموس‬ ‫أو يلغي منه حرفًا واح ًدا كام يَدعي املسيحيون‪ .‬وقد كان ممك ًنا‬ ‫لسرية يسوع أن تصبح قص ًة ملهم ًة لبطلٍ عظيم‪ ،‬ولكن أصابع‬ ‫غيتها متا ًما خالل الفرتة بني القرن الثاين‬ ‫املسيحيني األوائل ّ‬ ‫والقرن الرابع‪ ،‬إرضا ًء لإلمرباطورية الرومانية التي مل تغب عن‬ ‫ذاكرتها ثورات يهود أورشليم‪ ،‬فأرادت املسيحيني شع ًبا ودي ًعا‬ ‫مساملًا يح ّول خده اآلخر ملن لطمه‪ ،‬ويعطي ما لقيرص لقيرص‪.‬‬ ‫وكأنها مؤامر ٌة عىل الحرب اليهودي الثائر يسوع‪ ،‬حاكها اإلنجيل‬ ‫مبهار ٍة ليمحو كل إنجازاته ويخلق شخصي ًة جديد ًة ته ّدئ‬ ‫املعارضني والث ّوار أمثاله‪ .‬هكذا خان املسيحيون ثورة يسوع‪،‬‬ ‫فض ّيعوا تضحيته ومحوا تاريخه الحقيقي‪.‬‬

‫مراجع لالستزادة‬

‫‪1- Whiston William (Translator), The Complete Works of Flavius Josephus - Legendary Jewish Historian and‬‬ ‫‪His Chronicle of Ancient History, Master Books, 2008.‬‬ ‫‪2- Cantor Norman F., The Sacred Chain: History of the Jews, Harper Perennial,1995.‬‬ ‫‪3- Herzog Ze’ev, “The Bible: No evidence on the ground.”, Haaretz, October 29, 1999.‬‬ ‫‪4- Maccoby Hyam, The Mythmaker: Paul and the Invention of Christianity, Barnes & Noble 1998.‬‬ ‫‪5- Tabor James D., Paul and Jesus: How the Apostle Transformed Christianity, Simon & Schuster, 2013.‬‬ ‫‪6- Maeir A. M. Israel and Judah, The Encyclopedia of Ancient History. New York: Blackwell, 2013.‬‬ ‫‪7- Romer John, Testament: The Bible and History, Konecky & Koneck, 2004.‬‬

‫‪66‬‬


‫ﺳﻴﺮة‬ ‫ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ آﻣﻨﺔ‬

‫اﻟﺤﻠﻘﺔ اﻟﺴﺎدﺳﺔ ﻋﺸﺮة‪ :‬اﻟﻬﺠﺮة اﻷوﻟﻰ إﻟﻰ اﻟﺤﺒﺸﺔ‬ ‫واﻵﻳﺎت اﻟﺸﻴﻄﺎﻧﻴﺔ‬

‫ﺗﺮﺟﻤﺔ ﻋﻦ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ ﻟﻜﺘﺎب‬ ‫‪LA VIE DE MAHOMET‬‬ ‫ﺗﺮﺟﻤﺔ‪ :‬ﺳﺎرة ﺳﺮﻛﺴﻴﺎن‬ ‫إﺧﺮاج‪ :‬أﺳﺮة ﺗﺤﺮﻳﺮ ﻣﺠﻠﺔ اﻟﻤﻠﺤﺪﻳﻦ اﻟﻌﺮب‬

‫‪67‬‬


‫اﻟﻬﺠﺮة اﻷوﻟﻰ‬ ‫إﻟﻰ اﻟﺤﺒﺸﺔ‬

‫ﺗﻔﺮﻗﻮا ﻓﻲ‬ ‫ﻓﻲ اﻷرض!‬

‫ﺑﻌﺪ اﻟﻈﻠﻢ اﻟﺬي ﻋﺎﻧﻰ ﻣﻨﻪ‬ ‫أﺗﺒﺎع ﻣﺤﻤﺪ‪ ،‬ﻗﺎل ﻟﻬﻢ‪:‬‬

‫أﺷﺎر ﻣﺤﻤﺪٌإﻟﻰ ﺟﻬﺔ إﺛﻴﻮﺑﻴﺎ‬ ‫ﺑﺈﺻﺒﻌﻪ‪.‬‬

‫ﻟﻜﻦ أﻳﻦ ﻧﺬﻫﺐ‬ ‫ﻳﺎ رﺳﻮل اﷲ؟‬

‫ﺑﻌﺪ ﺧﻤﺲ ﺳﻨﻮا ٍت ﻣﻦ إﺷﻬﺎر اﻟﺪﻋﻮة‪ ،‬ﻫﺮب اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن إﻟﻰ اﻟﻤﻬﺠﺮ‪.‬‬

‫ﻣﻦ ﻫﻨﺎ!‬ ‫ﻚ ﻻ ﻳُﻈﻠﻢ‬ ‫ﻓﻬﻨﺎكﻣﻠ ٌ‬ ‫ﻋﻨﺪه أﺣﺪ‪.‬‬

‫ﻫﺎﺟﺮ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺛﻤﺎﻧﻴﻦ ﻣﻨﻬﻢ ﻓﻲ ﻟﻴﻠ ٍﺔ ﻣﻦ‬ ‫ﻟﻴﺎﻟﻲﺷﻬﺮرﺟﺐ‪.‬‬

‫ﻫﺎﺟﺮ ﺑﻌﻀﻬﻢ وﺣﻴﺪًا‪ ،‬وﺑﻌﻀﻬﻢ ﻫﺎﺟﺮ ﻣﻊ‬ ‫ﻋﺎﺋﻠﺘﻪ‪ .‬ﻛﺎن ﻣﻨﻬﻢ ﻋﺜﻤﺎن ﺑﻦ ﻋﻔّﺎن اﻟﺬي‬ ‫ﺳﻴﺼﺒﺢ ﺛﺎﻟﺚ اﻟﺨﻠﻔﺎء اﻟﺮاﺷﺪﻳﻦ‪ ،‬وﻛﺎﻧﺖ ﻣﻌﻪ‬ ‫زوﺟﺘﻪ رﻗﻴّﺔ ﺑﻨﺖ ﻣﺤﻤﺪ وﺧﺪﻳﺠﺔ‪.‬‬

‫ﺗﺒﻌﻬﻢ رﺟﺎل ﻗﺮﻳﺶ ﺣﺘﻰ اﻟﺒﺤﺮ‪ ،‬ﻟﻜﻨّﻬﻢ ﻓﻘﺪوا أﺛﺮﻫﻢ‪.‬‬

‫‪68‬‬


‫ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺘﺰوﺟ ًﺔ ﻗﺒﻠﻪ ﻣﻦ ﻋﺘﺒﺔ ﺑﻦ أﺑﻲ‬ ‫ﻟﻬﺐ‪ ،‬اﻟﺬي ﻃﻠّﻘﻬﺎ ﺑﻌﺪ ﻧﺰول ﺳﻮرة‬ ‫اﻟﻤﺴﺪ ﻓﻲ واﻟﺪه‪.‬‬

‫ﺷﻌﺮت رﻗﻴّﺔ ﺑﺎﻟﺤﺮج‪ ،‬ﻓﺪﻋﺖ اﷲ‬ ‫أن ﻳﻌﺎﻗﺐ اﻷﺣﺒﺎش ﻋﻠﻰ ﻓﻌﻠﺘﻬﻢ ﻫﺬه‪.‬‬

‫ﺑﻘﻴﺖ ﺑﻨﺖ ﻣﺤﻤﺪ اﻷﺧﺮى ﻓﻲ ﻣﻜﺔ‪ ،‬وﺗﺪﻋﻰ‬ ‫أم ﻛﻠﺜﻮم‪ .‬وﻛﺎﻧﺖ ﻣﺘﺰوﺟﺔ ﻣﻦ ﻋﺘﻴﺒﺔ‬ ‫ﻀﺎ أﺣﺪ أﺑﻨﺎء أﺑﻲ ﻟﻬﺐ واﻟﺸﻘﻴﻖ‬ ‫وﻫﻮ أﻳ ً‬ ‫اﻷﺻﻐﺮﻟﻌﺘﺒﺔ‪.‬‬

‫ﻋﻨﺪ وﺻﻮﻟﻬﺎ‪ ،‬ﺗﺠﻤّﻊ أﻫﻞ اﻟﺤﺒﺸﺔ ﻳﻨﻈﺮون إﻟﻰ ﺑﻨﺖ اﻟﺮﺳﻮل‬ ‫ﻣﻨﺒﻬﺮﻳﻦﺑﺠﻤﺎﻟﻬﺎ‪.‬‬

‫ﻓﻬﻠﻜﻮا ﺟﻤﻴﻌًﺎ دون اﺳﺘﺜﻨﺎء‪.‬‬

‫)‪(1‬‬

‫ﻋﻨﺪﻣﺎ أﻋﺎدﻫﺎ ﻋﺘﻴﺒﺔ إﻟﻰ أﺑﻴﻬﺎ‪ ،‬ﻟﻌﻨﻪ ﻣﺤﻤّﺪ ﺑﺼﻮ ٍت ﻋﺎل‪.‬‬

‫اﻟﻠﻬﻢ أرﺳﻞ ﻟﻪ‬ ‫ﻛﻠﺒًﺎ ﻣﻦ ﻛﻼﺑﻚ!‬

‫‪69‬‬


‫ﺑﻌﺪ أﻳﺎم‪ ،‬ﻏﺎدر ﻋﺘﻴﺒﺔ ﻣﻜّﺔ ﻣﻊ‬ ‫ﻗﺎﻓﻠﺔ ﺗﺠﺎرﻳﺔ إﻟﻰ اﻟﺸﺎم‪.‬‬

‫ﺗﻮﻗﻔﺖ اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ ﻓﻲ اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻟﻘﻀﺎء اﻟﻠﻴﻠﺔ‬ ‫ﻓﻲ أﺣﺪ اﻷدﻳﺮة‪.‬‬

‫ﻓﺘﺬﻛﺮوﻗﺘﻬﺎﻟﻌﻨﺔﻣﺤﻤﺪ‪.‬‬

‫اﻧﺘﺒﻬﻮاﺟﻴﺪًا‪،‬‬ ‫ﻫﻨﺎك أﺳﻮدٌ ﺗﺠﻮل‬ ‫ﻓﻲ اﻟﺠﻮار!‬

‫ﺟﻠﺲ ﻋﺘﻴﺒﺔ ﻓﻲ وﺳﻂ ﺑﺎﻗﻲ رﺟﺎل اﻟﻘﺒﻴﻠﺔ اﻟﺬﻳﻦ ﺑﺪورﻫﻢ ﻛﺎﻧﻮا ﻣﺤﺎﻃﻴﻦ ﺑﺠﻤﺎﻟﻬﻢ‪.‬‬

‫ﻇﻬﺮ ﻓﻲ اﻟﻠﻴﻞ أﺳﺪ‪ ،‬وﺑﺪأ ﻳﺤﻮم‬ ‫ﺣﻮﻟﻬﻢ وراح ﻳﺸﻤّﻬﻢ واﺣﺪًا ﺗﻠﻮ‬ ‫اﻵﺧﺮ‪.‬‬

‫ﺻﺮخ اﻟﻤﺴﻜﻴﻦ ﻓﻲ آﺧﺮ ﻟﺤﻈﺎﺗﻪ ﻗﺒﻞ اﻟﻤﻮت‪:‬‬

‫ﺗﻮﻗﻒ ﻋﻨﺪ اﺑﻦ أﺑﻲ ﻟﻬﺐ وﺷ ّﻖ رأﺳﻪ ﺑﻀﺮﺑ ٍﺔ ﻣﻦ ﻳﺪه‪.‬‬

‫أﻟﻢ أﻗﻞ ﻟﻜﻢ أن ﻣﺤﻤﺪًا‬ ‫)‪(2‬‬ ‫أﺻﺪق اﻟﻨﺎس؟‬

‫‪70‬‬


‫ﻓﻲ ﻣﺠﻠﺲ ﻣﻠﻚ اﻟﺤﺒﺸﺔ‪ ،‬ﻗﺮأ‬ ‫أﺣﺪ ﺻﺤﺎﺑﺔ ﻣﺤﻤﺪ رﺳﺎﻟﺔ‬ ‫اﻟﺼﺎدق اﻷﻣﻴﻦ ﺑﺼﻮ ٍت ﻋﺎل‪.‬‬

‫ﺑﺴﻢ اﷲ اﻟﺮﺣﻤﻦ اﻟﺮﺣﻴﻢ‬ ‫ﻣﻦ ﻣﺤﻤﺪ رﺳﻮل اﷲ إﻟﻰ اﻟﻨﺠﺎﺷﻲ ﻋﻈﻴﻢ اﻟﺤﺒﺸﺔ ‪...‬‬ ‫أﺳﻠﻢ ﻓﺈﻧﻲ أﺣﻤﺪ إﻟﻴﻚ اﷲ اﻟﺬي ﻻ إﻟﻪ إﻻ ﻫﻮ اﻟﻤﻠﻚ اﻟﻘﺪوس اﻟﺴﻼم‬ ‫اﻟﻤﺆﻣﻦ اﻟﻤﻬﻴﻤﻦ‪ ،‬وأﺷﻬﺪ أن ﻋﻴﺴﻰ اﺑﻦ ﻣﺮﻳﻢ روح اﷲ وﻛﻠﻤﺘﻪ‪ ،‬أﻟﻘﺎﻫﺎ‬ ‫إﻟﻰ ﻣﺮﻳﻢ اﻟﻌﺬراء اﻟﺸﺮﻳﻔﺔ‪ ،‬ﻓﺤﻤﻠﺖ ﺑﻌﻴﺴﻰ‪ ،‬ﻓﺨﻠﻘﻪ اﷲ ﻣﻦ‬

‫روﺣﻪ وﻧﻔﺨﻪ‪،‬ﻛﻤﺎ ﺧﻠﻖ آدم ﺑﻴﺪه‪ ،‬وإﻧﻲ أدﻋﻮك إﻟﻰ‬ ‫اﷲ وﺣﺪه ﻻ ﺷﺮﻳﻚ ﻟﻪ‪ ،‬وأن ﺗﻄﻴﻌﻪ وﺗﺘﺒﻌﻨﻲ وﺗﺆﻣﻦ ﺑﺎﻟﺬي‬ ‫ﺟﺎءﻧﻲ‪ ،‬ﻓﺈﻧﻲ رﺳﻮل اﷲ وإﻧﻲ أدﻋﻮك وﺟﻨﻮدك إﻟﻰ‬ ‫اﷲ ﻋﺰ وﺟﻞ‪ ،‬وﻗﺪ ﺑﻠّﻐﺖ وﻧﺼﺤﺖ‬ ‫واﻟﺴﻼم ﻋﻠﻰ ﻣﻦ اﺗﺒﻊ اﻟﻬﺪى‪.‬‬

‫ﻓﺎﻗﺒﻠﻮا ﻧﺼﻴﺤﺘﻲ‬

‫ﻛﺎناﻟﻨﺠﺎﺷﻲﻣﻠﻜًﺎﻣﺴﻴﺤﻴًﺎ‬ ‫ﻣﺆﻣﻨًﺎ‪ ،‬ﺗﺄﺛﺮ ﻛﺜﻴﺮًا ﺑﻜﻼم‬ ‫ﻣﺤﻤﺪ‪،‬وﻣﻨﺢاﻟﺤﻤﺎﻳﺔ‬ ‫)‪(3‬‬ ‫ﻷﺻﺤﺎﺑﻪ‪.‬‬ ‫‪71‬‬


‫اﻵﻳﺎت اﻟﺸﻴﻄﺎﻧﻴﺔ‬

‫ﻟﻜﻦأﺻﺤﺎﺑﻪاﻟﻤﻘﺮﺑﻴﻦ‬ ‫ﻛﺎﻧﻮا ﻗﺪ رﺣﻠﻮا‪ ،‬ﻓﺄﺣﺲ‬ ‫ﺑﺎﻟﻮﺣﺪةواﻹﻫﻤﺎل‪.‬‬

‫ﻓﻲ ﻳﻮ ٍم ﻣﻦ اﻷﻳﺎم‪ ،‬ﻛﺎن ﻳﺠﻠﺲ‬ ‫ﻗﺮب اﻟﻜﻌﺒﺔ‪ ،‬ﻳﺘﻠﻮ ﻟﻠﺤﺎﺿﺮﻳﻦ ﺳﻮرة‬ ‫اﻟﻨﺠﻢ‪.‬‬

‫اﺳﺘﻤﺮ اﻟﺮﺳﻮل ﺑﺪﻋﻮة اﻟﻜﻔّﺎر‬ ‫إﻟﻰ اﻹﻳﻤﺎن‪.‬‬

‫ﻓﺪﺧﻠﺖ ﻓﻲ اﻟﺴﻮرة آﻳﺎ ٌت ﺗﺸﺮك ﺑﺎﷲ‪.‬‬

‫أﻓﺮأﻳﺘﻢ اﻟﻼت واﻟﻌﺰى‪،‬‬ ‫وﻣﻨﺎة اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ اﻷﺧﺮى‪ ،‬ﺗﻠﻚ‬ ‫اﻟﻐﺮاﻧﻴﻖاﻟﻌُﻠﻰ‪،‬وإنﺷﻔﺎﻋﺘﻬﻦ‬ ‫ﻟﺘﺮﺗﺠﻰ‪.‬‬

‫أﺻﻴﺐاﻟﺤﺎﺿﺮونﺑﺎﻟﺪﻫﺸﺔ‬ ‫وﻟﻢ ﻳﺼﺪّﻗﻮا أن ﻣﺤﻤﺪًا ﻳﻤﺪح‬ ‫اﻷﺻﻨﺎماﻟﺘﻲﻳﻜﺮﻫﻬﺎ‬ ‫ﻛﺜﻴﺮًا‪.‬‬

‫ﻓﻲ ﻧﻔﺲ اﻟﻤﺴﺎء ﺟﺎء ﺟﺒﺮﻳﻞ ﻟﺮؤﻳﺘﻪ‪ ،‬وﺑﻴﻨﻤﺎ ﻛﺎن‬ ‫اﻟﻨﺒﻲ ﻳﺮاﺟﻊ ﻣﻌﻪ ﺳﻮرة اﻟﻨﺠﻢ‪ ،‬ﺻﺮخ ﺟﺒﺮﻳﻞ‪:‬‬ ‫ﻟﻜﻨﻲ ﻟﻢ أﻗﻞ‬ ‫ﻫﺬا اﻟﻜﻼم أﺑﺪًا!‬

‫ﺗﺴﺎءل اﻟﺒﻌﺾ إن ﻛﺎﻧﺖ‬ ‫إﺧﻔﺎﻗﺎﺗﻪ اﻷﺧﻴﺮة ﻗﺪ دﻓﻌﺘﻪ‬ ‫ﻟﻠﺘﻤﻠﻖﻷﺻﻨﺎمﻗﺮﻳﺶ‪.‬‬

‫ﻻﺣﻘًﺎ ‪ ،‬ﻛﺸﻒ اﷲ ﻟﻨﺒﻴّﻪ اﻷﻣﻴﻦ‪ ،‬أن ﻣﺎ ﺣﺪث‬ ‫ﻛﺎن ﻣﻦ ﻋﻤﻞ اﻟﺸﻴﻄﺎن‬ ‫اﻟﺮﺟﻴﻢ اﻟﺬي ﻋﺼﻰ أﻣﺮه‬ ‫)‪(4‬‬ ‫وﺗﻌﻬﺪ ﺑﺈﺿﻼل اﻹﻧﺴﺎن‪.‬‬

‫‪72‬‬


‫(‪ .)1‬الهجرة إىل الحبشة‪:‬‬

‫‪ l‬ملا رأى رسول الله صىل الله عليه وسلم ما نزل باملسلمني من توايل األذى عليهم من كفار قريش‪ ...‬قال لهم‪ :‬تفرقوا يف األرض فإن الله تعاىل سيجمعكم‬ ‫قالوا‪ :‬إىل أين نذهب؟ قال‪ :‬هاهنا وأشار بيده إىل جهة أرض الحبشة؛ قال‪ :‬ويف رواية «قال لهم اخرجوا إىل جهة أرض الحبشة‪ ،‬فإن بها ملكا ال يظلم عنده‬ ‫أحد‪ ...‬فهاجر إليها ناس ذو عدد مخافة الفتنة‪ ...‬ومنهم من هاجر بأهله‪ .‬ومنهم من هاجر بنفسه؛ فممن هاجر بأهله عثامن بن عفان ريض الله تعاىل‬ ‫عنه‪ ،‬هاجر ومعه زوجته رقية بنت النبي صىل الله عليه وسلم‪...‬‬ ‫‪ l‬وكانت رقية ريض الله تعاىل عنها ذات جامل بارع‪ ...‬ويذكر أن نفرا من الحبشة كانوا ينظرون إليها فتأذت من ذلك فدعت عليهم فقتلوا جميعا‪...‬‬ ‫‪ l‬قال أبو لهب البنه عتبة‪ ...‬رأيس من رأسك حرام إن مل تفارق ابنة محمد‪ ،‬يعني رقية ريض الله عنها فإنه كان تز ّوجها ومل يدخل بها ففارقها ووقع يف‬ ‫كالم بعضهم طلقها ملا أسلم فليتأمل‪.‬‬ ‫‪ l‬فخرجت قريش يف آثارهم حتى جاؤوا إىل البحر‪ ،‬فلم يجدوا أحدا منهم‪...‬‬ ‫‪ n‬السرية الحلبية لعيل الحلبي‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1427 -‬هـ‪ ،‬الجزء (‪ ،)1‬الصفحة (‪.)413 + 456-458‬‬

‫(‪ .)2‬ذكر قصة عتيبة والسبع‪:‬‬

‫‪ l‬قال أبو لهب البنه عتبة‪ ...‬رأيس من رأسك حرام إن مل تفارق ابنة محمد‪ ،‬يعني رقية ريض الله عنها فإنه كان تز ّوجها ومل يدخل بها ففارقها ووقع يف‬ ‫كالم بعضهم طلقها ملا أسلم فليتأمل‪.‬‬ ‫‪ l‬وكان أخوه عتيبة‪ ...‬متزوجا ابنته صىل الله عليه وسلم أم كلثوم‪ ،‬ويدخل بها‪ .‬فقال‪ :‬أي وقد أراد الذهاب إىل الشام‪ :‬آلتني محمدا فألوذينه يف ربه‪،‬‬ ‫فأتاه فقال‪ :‬يا محمد هو كافر بالنجم‪ :‬أي ويف لفظ برب ال َّن ْجمِ إِذا َهوى‪ ،‬وبالذي دنا فتدىل‪ ،‬ثم بصق يف وجه النبي صىل الله عليه وسلم ور ّد عليه ابنته‬ ‫وطلقها‪ ،‬فقال النبي صىل الله عليه وسلم‪« :‬اللهم سلط» ويف رواية «اللهم ابعث عليه كلبا من كالبك»‪...‬‬ ‫فرجع عتيبة إىل أبيه أيب لهب فأخربه بذلك‪ ،‬ثم خرج هو وأبوه إىل الشام يف جامعة‪ ،‬فنزلوا منزال فأرشف عليهم راهب من دير‪ .‬فقال لهم‪ :‬إن هذه‬ ‫األرض مسبعة‪ ،‬فقال أبو لهب ألصحابه إنكم قد عرفتم نسبي وحقي‪ ،‬فقالوا أجل يا أبا لهب‪ .‬فقال أعينونا يا معرش قريش هذه الليلة‪ ،‬فإين أخاف عىل ابني‬ ‫دعوة محمد‪ ،‬فأجمعوا متاعكم إىل هذه الصومعة ثم افرشوا البني عليه ثم افرشوا حوله‪ ،‬ففعلوا ثم جمعوا جاملهم وأناخوها حولهم وأحدقوا بعتيبة‪...‬‬ ‫فجاء األسد يتشمم وجوههم حتى رضب عتيبة فقتله‪ .‬ويف رواية «فضخ رأسه» ويف رواية «ثنى ذنبه ووثب ورضبه بذنبه رضبة واحدة فخدشه فامت‬ ‫مكانه» ويف رواية «فضغمه ضغمة فكانت إياها» فقال وهو بآخر رمق أمل أقل لكم إن محمدا أصدق الناس لهجة ومات‪ ،‬فقال أبوه‪ :‬قد عرفت والله ما‬ ‫كان ليفلت من دعوة محمد‪...‬‬ ‫‪ n‬السرية الحلبية لعيل الحلبي‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1427 -‬هـ‪ ،‬الجزء (‪ ،)1‬الصفحة (‪.)413‬‬

‫(‪ .)3‬االلتقاء بالنجايش وحاميته للمسلمني‪:‬‬

‫‪ l‬وقد كان النجايش دعا أساقفته وأمرهم بنرش مصاحفهم حوله‪ ،‬فلام جاء جعفر وأصحابه صاح جعفر‪ ،‬وقال‪ :‬جعفر بالباب يستأذن ومعه حزب الله‪،‬‬ ‫فقال النجايش‪ :‬نعم يدخل بأمان الله وذمته‪ ،‬فدخل عليه ودخلوا خلفه فسلم‪ ،‬فقال له امللك‪ :‬ما لك ال تسجد؟‪...‬‬ ‫فقال النجايش‪ :‬ما منعكم أن ال تسجدوا وتحيوين بتحيتي التي أحيى بها‪ ،‬فقال جعفر‪ :‬إنا ال نسجد إال لله عز وجل‪ ،‬قال‪ :‬ومل ذلك؟ قال‪ :‬ألن الله تعاىل‬ ‫أرسل فينا رسوال‪ ،‬وأمرنا أن ال نسجد إال لله عز وجل‪ ،‬وأخربنا أن تحية أهل الجنة السالم فحييناك بالذي يحيي به بعضنا بعضا‪ :‬أي وعرف النجايش ذلك‪...‬‬ ‫وأمرنا بالصالة أي غري الخمس‪...‬‬ ‫قال عمرو بن العاص للنجايش‪ :‬فإنهم يخالفونك يف ابن مريم‪ ،‬وال يقولون إنه ابن الله عز وجل وعال‪ .‬قال‪ :‬فام تقولون يف ابن مريم وأمه؟ قالوا‪ :‬نقول‬ ‫كام قال الله عز وجل‪ :‬روح الله وكلمته ألقاها إىل مريم العذراء‪ :‬أي البكر البتول‪ :‬أي املنقطعة عن األزواج‪ ،‬التي مل ميسها برش‪ ،‬ومل يفرضها أي يشقها‪.‬‬ ‫ويخرج منها ولد‪ :‬أي غري عيىس صىل الله عىل وسلم‪...‬‬ ‫فعند ذلك قال النجايش‪ :‬والله لوال ما أنا فيه من امللك ألتيته فأكون أنا الذي أحمل نعله وأوضئه‪ :‬أي أغسل يديه‪ ،‬وقال للمسلمني‪ :‬أنزلوا حيث شئتم‬ ‫سيوم بأريض‪ :‬أي آمنون بها‪ ،‬وأمر لهم مبا يصلحهم من الرزق‪ ،‬وقال‪ :‬من نظر إىل هؤالء الرهط نظرة تؤذيهم فقد عصاين‪.‬‬ ‫‪ n‬السرية الحلبية لعيل الحلبي‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1427 -‬هـ‪ ،‬الجزء (‪ ،)1‬الصفحة (‪.)478‬‬

‫‪73‬‬


‫(‪ .)4‬اآليات الشيطانية‪:‬‬

‫‪ l‬فلام كان شهر رمضان قرأ رسول الله صىل الله عليه وسلم عىل املرشكني َوال َّن ْجمِ إِذا َهوى [ال ّنجم‪ :‬اآلية ‪ ]1‬أي وقد أنزلت عليه يف ذلك الوقت‪ ...‬حتى‬ ‫اللتَ َوالْ ُع َّزى (‪َ )19‬و َمنا َة الثَّالِثَ َة الْ ُخْرى (‪ ...)20‬وسوس إليه الشيطان بكلمتني‪ ،‬فتكلم بهام ظانا أنهام من جملة ما أوحي إليه‪ ،‬وهام‪ :‬تلك‬ ‫إذا بلغ أَفَ َرأَيْتُ ُم َّ‬ ‫الغرانيق العىل‪ :‬أي األصنام‪ ،‬وإن شفاعتهن لرتتجى»‪ ...‬ثم مىض يقرأ السورة حتى بلغ السجدة فسجد وسجد القوم جميعا‪ :‬أي املسلمون واملرشكون‪ ...‬قال‬ ‫بعضهم‪ :‬ومل يكن املسلمون سمعوا الذي ألقى الشيطان‪ ،‬وإمنا سمع ذلك املرشكون فسجدوا لتعظيم آلهتهم‪ ،‬ومن ثم عجب املسلمون من سجود املرشكني‬ ‫معهم من غري إميان‪...‬‬ ‫وذكر الحافظ الدمياطي «أن رسول الله صىل الله عليه وسلم كان رأى من قومه كفا عنه‪ :‬أي تركا وعدم تعرض له‪ ،‬فجلس خاليا فتمنى‪ ،‬فقال‪ :‬ليته‬ ‫يل يشء ينفرهم عني» ويف رواية‪« :‬متنى أن ينزل عليه ما يقارب بينه وبينهم حرصا عىل إسالمهم‪ ،‬وقارب رسول الله صىل الله عليه وسلم قومه‬ ‫مل ينزل ع ّ‬ ‫ودنا منهم ودنوا منه‪ ،‬فجلس يوما مجلسا يف ناد من تلك األندية حول الكعبة‪ ،‬فقرأ عليهم َوال َّن ْجمِ إِذا َهوى (‪ ...)1‬إىل آخر ما تقدم‪...‬‬ ‫ومن جملة من كان من املرشكني حينئذ الوليد بن املغرية لكنه رفع ترابا إىل جبهته فسجد عليه‪ ،‬ألنه كان شيخا كبريا ال يقدر عىل السجود‪ ...‬وقيل الذي‬ ‫فعل ذلك‪ ،‬سعيد بن العاص‪ ...‬وقيل الفاعل لذلك أمية بن خلف‪ ...‬وقيل عتبة بن ربيعة‪ ...‬وقيل أبو لهب‪ ...‬وقيل املطلب‪ .‬وقد يقال‪ :‬ال مانع أن يكونوا‬ ‫فعلوا ذلك جميعا‪ ،‬بعضهم فعل ذلك تكربا‪ ،‬وبعضهم فعل ذلك عجزا‪...‬‬ ‫فعند ذلك قال املرشكون له صىل الله عليه وسلم‪ :‬قد عرفنا أن الله تعاىل يحيي ومييت ويخلق ويرزق‪ ،‬ولكن آلهتنا هذه تشفع لنا عنده فأما إذا جعلت‬ ‫لنا نصيبا فنحن معك‪ ،‬فكرب ذلك عىل رسول الله صىل الله عليه وسلم وجلس يف البيت‪...‬‬ ‫فلام أمىس صىل الله عليه وسلم أتاه جربيل‪ :‬فعرض عليه السورة وذكر الكلمتني فيها‪ ،‬فقال له جربيل‪ :‬ما جئتك بهاتني الكلمتني‪ ،‬فقال رسول الله صىل‬ ‫الله عليه وسلم‪ :‬قلت عىل الله ما مل يقل أي فكرب عليه ذلك‪ -‬فأوحى الله تعاىل إليه ما يف سورة اإلرساء َوإِ ْن كا ُدوا لَ َي ْف ِت ُنون َ​َك َعنِ ال َِّذي أَ ْو َح ْينا إِلَ ْي َك لِتَف َْت َِي‬ ‫َعلَ ْينا غ ْ َ​َي ُه [اإلرساء‪ :‬اآلية ‪ ...]73‬أي مبوافقتك لهم عىل مدح آلهتهم مبا مل نرسل به إليك وإذا لو فعلت أي دمت عليه َلت َّ َخذ َ‬ ‫ُوك َخلِ ًيل [اإلرساء‪ :‬اآلية ‪]73‬‬ ‫إىل قوله ث ُ َّم ال تَ ِج ُد ل َ​َك َعلَيْنا ن َِصريا ً [اإلرساء‪ :‬اآلية ‪ ]75‬أي مانعا مينع العذاب عنك‪...‬‬ ‫وقيل إن هاتني الكلمتني مل يتكلم بهام رسول الله صىل الله عليه وسلم‪ ،‬وإمنا ارتصد الشيطان سكتة عند قوله األخرى‪ ،‬فقالهام محاكيا نغمته صىل الله‬ ‫عليه وسلم‪ ،‬فظنهام النبي صىل الله عليه وسلم كام يف «رشح املواقف» ومن سمعه أنهام من قوله صىل الله عليه وسلم‪ :‬أي حتى قال‪ :‬قلت عىل الله ما مل‬ ‫يقل‪ ،‬وتبارش بذلك املرشكون‪ ،‬وقالوا إن محمدا قد رجع إىل ديننا‪ :‬أي دين قومه حتى ذكر أن آلهتنا لتشفع لنا‪ ،‬وعند ذلك أنزل الله تعاىل قوله َوما أَ ْر َسلْنا‬ ‫[الحج‪ :‬اآلية ‪ ]52‬أي قراءته ما ليس من القرآن‪ :‬أي مام يرضاه املرسل إليهم‪.‬‬ ‫ِم ْن قَبْلِ َك ِم ْن َر ُسو ٍل َوال نَب ٍِّي إِ َّل إِذا تَ َ َّنى أَلْقَى الشَّ يْطا ُن ِف أُ ْم ِنيَّ ِت ِه‬ ‫ّ‬ ‫‪ n‬السرية الحلبية لعيل الحلبي‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1427 -‬هـ‪ ،‬الجزء (‪ ،)1‬الصفحة (‪.)461+460+459‬‬

‫‪74‬‬


‫نحن أذىك منك أيها امللحد فلو كان هناك بيتزا عىل املريخ سنفوز نحن الرهان‬ ‫والبيتزا الشهية وأنت ستأكل فالفل و تتحرس‪ .‬أما لو مل يكن هناك بيتزا فكالنا سيأكل‬ ‫فالفل و ال أحد سيفوز‬

‫‪Jamil M. Abdallah‬‬

‫‪Amiee Salama‬‬

‫تعددت الحشوات والعجينه واحده‬ ‫اليوجد اى بيتزا ‪....‬كل كويس قبل ما تطلع املريخ‪.‬‬ ‫البيتزا املطلوبة غري متاحة رمبا تكون واهام!‬

‫‪75‬‬

‫‪Raouf Khattab‬‬

‫‪Akram Shady‬‬


‫مجلة شهرية بجهود فردية تصدر في الثاني عشر من كل شهر‬

Arab Magazine Atheists Magazine a digital publication The ArabThe Atheists is a digitalispublication produced produced by volunteers and committed to promoting by volunteers and committed to promoting the thought and thoughtofand writings of atheistswith of various persuawritings the of atheists various persuasions complete freesions with complete freedom. The Magazine does not adopt dom. The Magazine does not adopt or endorse any form of politiany form of political ideology or affiliation cal ideologyororendorse affiliation Contributors responsibility of content, the content, illustraContributors bearbear the the fullfull responsibility of the illustrations theyinsofar provideas insofar it covers copyright and tions topicsand theytopics provide it coversas copyright and issuesand of issues of intellectual property intellectual property permission for to publish in the Magazine is provided ExpressExpress permission for to publish in the Magazine is provided by conby contributors, whether they are members of the Arab Atheists tributors, whether they are members of the Arab Atheists Magazine Magazine of and othernon-religious atheists andcontributors non-religious contributors Group of otherGroup atheists Magazine publish material is unethical or that TheThe Magazine doesdoes not not publish material thatthat is unethical or that inincites racism or bigotry cites racism or bigotry The Editorial Board the reserves therepublish right to content republish content The Editorial Board reserves right to originally originally published onFacebook the Magazine’s Facebook group, published on the Magazine’s group, as publishing thereas publishing thereconsent implicitly contains consent republication implicitly contains for republication in theforMagazine in the Magazine

:‫موقع املدونة اخلاصة بنا لألرشفة على اإلنترنت‬ www.aamagazine.blogspot.com ‫البريد اإللكتروني‬ el7ad.organisation@gmail.com magazine@arabatheistbroadcasting.org


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.