مجلة الملحدين العرب: العدد العشرون/ شهر يوليو / 2014

Page 1

‫مجلة شهرية بجهود فردية تصدر في الثاني عشر من كل شهر‬

‫الصائمون والغاضبون‪:‬‬ ‫ّ‬

‫حتقيق موقع ‪ vocativ‬اإلخباري‬

‫العدد العرشون من مجلة امللحدين العرب للثاين عرش من شهر يوليو لسنة ‪2014‬‬

‫البالغي في القرآن‪:‬‬ ‫اإلزعاج‬ ‫ّ‬ ‫بألف مثله‬ ‫سنأتيكم‬ ‫ٍ‬

‫الكذب و التدليس‬ ‫يف حرضة الفضائيني‬ ‫الغالف بريشة‬ ‫‪Nada Lutfi‬‬

‫‪( Husam Ali‬حسن اجلودي)‬ ‫وجها لوجه‬ ‫عقالنية وجود اهلل‬

‫مجلّة امللحدين العرب مجل ٌة رقمي ٌة مبني ٌة‬ ‫ج ٍه سياسي؛ هدفها‬ ‫ي تو ّ‬ ‫بجهودٍ فردي ٍة؛ وال تتبنّى أ ّ‬ ‫جهاتهم‬ ‫نشر أفكار امللحدين على اختالف تو ّ‬ ‫وانتماءاتهم بحرّي ٍة كامل ٍة‪.‬‬ ‫املعلومات والرسومات واملواضيع املطروحة تُعتبر‬ ‫مسؤولية أصحابها من الناحية األدبية وناحية‬ ‫حقوق النشر وحفظ امللكية الفكرية‪.‬‬


‫كلمة حترير اجمللة‬

‫رئيس التحرير‪:‬‬ ‫‪....................................................... Gaia Athiest‬‬ ‫أعضاء هيئة التحرير و بناء اجمللة‬

‫إن نظرة موضوعية شاملة للتاريخ ستكشف لنا عن اجلذور‬ ‫األصيلة القابعة خلف الكثير مما نعانيه اليوم‪ ،‬وهذه كانت‬ ‫فحوى دعوة املؤرخ واملفكر محمد أركون في أغلب كتبه‪ ،‬حيث‬ ‫وخصوصا اإلسالم مبا‬ ‫كان يركز على الديانات اإلبراهيمية الثالث‬ ‫ً‬ ‫أنه املؤثر األكبر في منطقتنا‪ ،‬عبر دراسة النص الديني مبعزل‬ ‫عن التقديس وتفكيك االنغالقات الالهوتية التي يستخدمها‬ ‫اإلرهابيون في إضفاء الشرعية اإللهية إلجرامهم‪.‬‬

‫‪John Silver‬‬

‫‪Abdullah Hussein‬‬

‫عادل أحمد‬

‫‪Metis LM Apostate‬‬

‫الغراب احلكيم‬

‫‪almolhed alarabi‬‬

‫‪Sameer Samee‬‬

‫‪Noor Massarwa‬‬

‫‪Zoro Diego‬‬

‫‪Zaher Zaher‬‬

‫لنبحث أكثر في خلفية هؤالء ونفسياتهم مع إيريك هوفر في‬ ‫كتابه "املؤمن الصادق" حيث ق ّدم دراسة للحركات اجلماهيرية‬ ‫باختالف أنواعها ودوافعها سواء كانت دينية أو قومية أو‬ ‫اقليمية أو سياسية أو غيره‪ ،‬وخلص إلى أن ّها تتشابه كثيرًا في‬ ‫ظروف نشأتها والبيئة احلاضنة لها‪،‬‬

‫‪Yamen Al Refai‬‬

‫‪Wissem Ben Samir‬‬

‫واألهم من ذلك طبيعة األشخاص الذين جتتذبهم لالنطواء‬ ‫حتتها‪.‬‬

‫‪McKie Theman‬‬

‫‪Zena Aziz‬‬

‫‪Mohamad Ahmed‬‬

‫أبو العبد‬

‫عقالني عقالني‬

‫‪Destin Fatal‬‬

‫‪Shakek Altaher‬‬

‫‪Em Ma‬‬

‫‪Leo Atheo‬‬

‫‪Nada Lutfi‬‬

‫‪Alia`a Damascéne‬‬

‫‪Hassan W. Hassan‬‬

‫‪Ali Alnajafi‬‬

‫‪Leena Awouda‬‬

‫‪Lina AL Assfer‬‬

‫‪Ameer Albaghdadi‬‬

‫‪Ghaith Jabri‬‬

‫‪Mohammad Sy‬‬

‫نطلع على التاريخ سنعرف أن اجلماعات املتطرفة‬ ‫ونحن حني ّ‬ ‫اإلرهابية التي تظهر كالسرطانات في عاملنا املعاصر و أن ما‬ ‫تقوم به‪ ،‬ماهو إال تكرار ألفعال الرعيل األول وتزخر به كتب‬ ‫التراث الديني من نصوص مقدسة وسير‪ ،‬فلماذا نقول عن‬ ‫نغض الطرف عن‬ ‫هذه اجلماعات "متطرفة" أو "إرهابية" بينما‬ ‫ّ‬ ‫األسبقني ونسمي أفعالهم بطوالت وفتوحات؟‬

‫مييز هؤالء هو اإلحباط‪ ،‬نعم اإلحباط‪ ،‬فالفرد حني يفقد‬ ‫أهم ما ّ‬ ‫األمل من حياته الشخصية‪ ،‬يبدأ بالبحث عن معاني أكبر‬ ‫وهموم جماعية لتعطي له قيمة أكبر يتماهى معها‪ ،‬فيتبنى‬ ‫كارها‬ ‫قضية مقدسة يستعد للموت في سبيلها‪ ،‬البد أن يكون‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫منفصل عنه‪ ،‬حتى يصبح فريسة سهلة لهؤالء‪.‬‬ ‫حمليطه‪،‬‬ ‫يقترح د‪.‬غازي القصيبي مترجم الكتاب في مقدمته حال ً‬ ‫لإلحباط وهو زيادة االهتمام بالشباب وتوفير النشاطات لهم‬ ‫حتى يتم انتشالهم قبل فوات األوان‪.‬‬ ‫لكن هذا ليس إال جزء صغير من احلل‪ ،‬كيف ستبعد اإلحباط‬ ‫عن أشخاص تشبعوا باحلقد والكراهية جتاه اآلخر منذ نعومة‬ ‫أظافرهم؟ كيف ونحن نحقنهم بأوهام اخلالفة وفتح البلدان‬ ‫وأفضلية اجلهاد ووعود النعيم األبدي واحلور العني في املدارس‬ ‫واجلوامع وخطب اجلمعة؟‬ ‫إنك ال جتني من الشوك العنب يا عزيزي‪ ،‬وحتى يتم التصرف مع‬ ‫هذه الكتب الصفراء بأسرع وقت‪ ،‬لن جند في بلداننا غير الدماء‬ ‫واملزيد من القتل والدمار‪.‬‬ ‫‪Gaia Athiest‬‬

‫‪2‬‬


‫الفهرس‬ ‫كلمة رئيس التحرير‬

‫‪2‬‬

‫الفهرس‬

‫‪3‬‬

‫نقد احلقائق الكبرى‬ ‫‪Nesta Fz‬‬

‫‪4‬‬

‫الصائمون والغاضبون‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫حتقيق موقع ‪ vocativ‬اإلخباري‬

‫‪9‬‬

‫البالغي في القرآن‪:‬‬ ‫اإلزعاج‬ ‫ّ‬ ‫بألف مثله‬ ‫سنأتيكم‬ ‫ٍ‬ ‫‪( Husam Ali‬حسن الجودي)‬

‫‪Tulam Serv‬‬

‫في حوار مع‪...........‬‬

‫‪14‬‬

‫‪36‬‬

‫أمهات املؤمنني – قراءة مغايرة (‪)4‬‬ ‫‪Hunger mind‬‬

‫‪47‬‬

‫الدين العنيد‪:‬‬ ‫ملاذا يرفض اإلسالم العلمانية؟‬ ‫‪Leo Atheo‬‬

‫‪53‬‬

‫الكذب و التدليس في حضرة الفضائيني‬

‫‪59‬‬

‫اخللود بني االمتداد واالستمرارية‬ ‫‪John Silver‬‬

‫‪98‬‬

‫إنتاج مجلة امللحدين العرب‬

‫الساذجة‬ ‫آدم وتبريرات اهلل ّ‬ ‫ٌ‬ ‫‪Scodento‬‬

‫‪101‬‬

‫وجها لوجه‬ ‫عقالنية وجود اهلل‬

‫‪106‬‬

‫ّ‬ ‫"الشرف اجلنسي"‬ ‫مفهوم‬ ‫بني اهلل وداروين‪Moussa Eightyzz‬‬

‫‪129‬‬

‫‪3‬‬


‫نقد الحقائق الكربى‬ ‫وتهوميات‪ ،‬أم انخر ٌ‬ ‫اط نضا ٌّيل يف‬ ‫ٌ‬ ‫فكري‬ ‫ترف‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫هموم الواقع؟‬

‫‪Nesta Fz‬‬

‫املعرفة ال تعرتف بالخطوط الحمراء التي ترسمها السلطات؛ خوفًا عىل مصالحها‪ ،‬أو تلك الخطوط الحمراء التي يرسمها‬ ‫أبدي عىل جميع‬ ‫البعض باسم املحافظة عىل الهوية والخصوصية الثّقافية والتّقاليد والعادات‪ ،‬املعرفة يف حالة متر ٍد ٍّ‬ ‫الحقائق البديهية واملتوارثة وعىل كل الخطوط‪ .‬حتى تلك الخطوط التي يرسمها البعض باسم املحافظة عىل اإللهام‬ ‫أو املحافظة عىل العنارص امللهمة للخيال الجمعي للمجتمع‪ ،‬والتي تساعد عىل شحذ الهمم وتجييش العواطف‪ ،‬ال‬ ‫تعرتف بالرضورات االجتامعية‪ ،‬ال تكرتث ملن يقول لها‪ :‬قفي ِ‬ ‫عندك أيتها املعرفة‪ ،‬فهذه األساطري مهم ٌة لتجييش العواطف‬ ‫ملحاربة األعداء‪ ،‬ولتعزيز الشعور بالقومية والوطنية‪.‬‬ ‫‪4‬‬


‫نقد الحقائق الكربى ‪:‬‬ ‫‪Nesta Fz‬‬

‫املعرفة دامئًا متمرد ٌة ثائر ٌة عىل الخطوط الحمراء التي تُرسم باسم الخوف عىل اإلجابات والحقائق الكربى ال ّدينية‬ ‫واأليدلوجية‪ ،‬وال تصغي ملن يقول‪ :‬إنّ ِك ستقودين ال ّناس إىل العدمية والعبثية والفوضوية لو شككت باألديان والقيم‬ ‫ِ‬ ‫بإمكانك أيتها‬ ‫سقيم بعد تجريدهم من يقينياتهم‪ ،‬ولن يكون‬ ‫واألخالق املتوارثة‪ ،‬وستُورِثني املؤمنني وجدانًا خاويًا‬ ‫ً‬ ‫املعرفة َم ِ‬ ‫بأوهام وأساط َري جديد ٍة‪.‬‬ ‫لؤك‬ ‫ٍ‬ ‫بغض النظر عن النتائج االجتامعية املرتتبة عليها‪ ،‬أو القيم التي ستنتج عنها‪،‬‬ ‫املعرفة تعرتف فقط بالوقائع وبالحقائق‪ّ ،‬‬ ‫النجسيات التي ستصاب‬ ‫أو الحقائق التي ستُ ْدحض بسببها‪ ،‬أو العواطف التي ستُجرح بسكاكينها ال ّنقدية والشّ كية‪ ،‬أو ّ‬ ‫أوهام‪.‬‬ ‫يف مقتلٍ ‪ ،‬أو اليقينيات التي قد تستحيل مبطارقها ومهاويها إىل‬ ‫ٍ‬ ‫لكن وباملثل فإ ّن متعة املعرفة لوحدها ـ ناهيك عن منتجاتها االستهالكية كالتّكنولوجيا واألدوية الطّبية الحديثة ووسائل‬ ‫االتصاالت وغريها ـ ستكفّر عن كل تلك الجروح الرنجسية التي ستُصيب املجتمعات من مغامراتها‪ ،‬والتي تنتهي دامئًا‬ ‫بإماطة اللّثام عن اليقينيات الكربى‪ ،‬وفضح زيفها وأوهامها وتعرية اإلجابات الكربى‪ ،‬والكشف عن قزميتها دون اكرت ٍ‬ ‫اث‬ ‫بالكتل البرشية الهائلة التي تدعم تلك اليقينيات‪ ،‬وتذود عنها بكل قوتها وجربوتها‪.‬‬

‫فدامئًا وقفت األغلبية والسلطة والعاطفة مع األوهام واألكاذيب واألساطري‪ ،‬ووقفت مع املعرفة قل ٌة قليل ٌة مجرد ٌة يف‬ ‫ٍ‬ ‫تعاطف من تلك الكتل البرشية الضخمة واملهووسة‪ ،‬بل‬ ‫بأي‬ ‫األغلب من السلطة السياسية والنفوذ الوجداين‪ ،‬وال تحظى ّ‬ ‫عىل العكس‪ ،‬كانت تلك األقلية التي أنتجت املعرفة مستهدف ًة حتى بدن ًيا من قبل الجميع‪ ،‬ومل تكن مسلح ًة إال باملنطق‬ ‫والعقل والنقد واملوضوعية والحياد العقالين والتّنكر للمسلّامت االعتباطية‪ ،‬ورغم ذلك انترصت يف النهاية وبات الجميع‬ ‫مقتنعني بكروية األرض ال مركزيتها‪ ،‬وأنها من تدور حول الشمس ال العكس‪ ،‬وانهار ال ّنظام البطليمويس واألرسطالييس‬ ‫عام‪ ،‬وحظي بتأييد الجميع‪ ،‬وبقوة السلطة وال ّدين‪.‬‬ ‫الذي سيطر ألكرث من ألف ٍ‬ ‫‪5‬‬


‫نقد الحقائق الكربى ‪:‬‬ ‫‪Nesta Fz‬‬

‫فاملعرفة لها القدرة عىل الثّبات واالنتصار عىل غوغائية الجامهري‪ ،‬وما مسريتها التّاريخية يف أوروبا عىل سبيل املثال‬ ‫الشاسة والعنف؛ ألنها تزلزل يقينياتهم وته ّز مسلّامتهم وتسحق‬ ‫ّإل رصا ًعا مع الغوغاء والعوام الذين حاربوها مبنتهى ّ‬ ‫وتُدمر ثوابتهم‪ ،‬وتقيض عىل مصالح الكثري من نخبهم وقاداتهم وزعامئهم ‪ ،‬لكن رغم ذلك انترصت املعرفة هناك ـفي‬ ‫أوروباـ يف النهاية‪ ،‬وفرضت منطقها عىل الجميع باسم التّنوير والعقالنية والعلم‪.‬‬ ‫هناك فوائ ٌد اجتامعي ٌة وجداني ٌة ال ت ُنكر‬ ‫بالطّبع لألوهام واألساطري واإلجابات‬ ‫ال ّزائفة الكربى عن أصل الوجود ومآله‪،‬‬ ‫وعن الغاية من وجودنا وحياتنا ومصرينا‬ ‫ونهاياتنا‪ ،‬لكن هل وجود ٍ‬ ‫فوائد لها تنفي‬ ‫وهم ّيتها أو زيفها أو الموضوعيتها أو‬ ‫العقالنيتها؟ هل الفوائد تلك ت ُغنينا عن‬ ‫الفوائد األكرث التي تنتظرنا من املعرفة‪،‬‬ ‫لدرجة أن نُضحي باملعرفة الحقيقية‪،‬‬ ‫ونستسلم ونقنع بالفوائد ال ّناتجة عن‬ ‫األوهام‪ ،‬كام يقنع املدمن بالفوائد‬ ‫ال ّنفسية ال ّزائفة والعزاء الباهت الذي‬ ‫تقدمه له املخدرات؟‬ ‫ٍ‬ ‫إجابات حقيقي ٍة لألسئلة الكربى‪ ،‬وأن نخوض مغامرات العقل ونطلق له العنان إلطالق‬ ‫أيّهام أه ّم وأجدى‪ :‬أن نبحث عن‬ ‫عم وراء الظواهر الخادعة‪ ،‬أم أ ّن األهم‬ ‫وطي املجرات والكشف ّ‬ ‫طاقاته اإلبداعية وقدراته القادرة عىل بلوغ األسباب ّ‬ ‫واألجدى أن نقنع باإلجابات املوروثة البائسة التي تقدمها لنا األديان والتّقاليد والعادات واآلباء واألجداد؟‬ ‫أيّهام أه ّم وأجدى‪ :‬أن منتلك ترسان ًة مهول ًة من املخزون العاطفي والوجداين الخيايل األسطوري الذي يساعد القادة‬ ‫املعتوهني عىل تجييش العواطف‪ ،‬وتعزيز ال ّنزاعات القومية املتطرفة باسم حب الوطن وال ّدين ومحاربة املستعمر‬ ‫اللنهائية من‬ ‫واالمربيالية وكل أعداء حكامنا الدونكيشوتيني‪ ،‬أم األجدى واألنفع لنا أن نكتشف تلك الخزانة الغامضة ّ‬ ‫التساؤالت املمتعة واإلجابات املنطقية والعقالنية التي تقدمها لنا مناهج املعرفة العلمية والواقعية والتّاريخية ذات‬ ‫اللعقالنية‬ ‫الطابع املوضوعي‪ ،‬والتي ت ُغفل متا ًما يف بحثها عن الحقائق واألفكار املسبقة واألحكام الجاهزة والتّحيزات ّ‬ ‫والعواطف الذاتية؟‬ ‫‪6‬‬


‫نقد الحقائق الكربى ‪:‬‬ ‫‪Nesta Fz‬‬

‫الكثريون يعيبون علينا نقدنا للمدارس التجديدية ال ّدينية‪ ،‬ويعيبون علينا التشكيك يف األجوبة الكربى العقائدية‪،‬‬ ‫السلفية واألرثوذكسية حفاظًا عىل‬ ‫ويتهموننا أننا نؤلّب الناس وننفرهم من التجديد والتنوير‪ ،‬وندفع بهم ألحضان ّ‬ ‫أديانهم وقناعاتهم اإلميانية وتقاليدهم وعاداتهم التي تهددها شكوكنا فيها‪ ،‬الكثريون يقولون أ ّن املعركة اآلن ضد‬ ‫رصا‪ ،‬وأ ّن األولوية ليست ملامرسة ال ّنقد الراديكايل لكل األفكار واملعتقدات‪ ،‬وإمنا فقط األولوية لنقد السيايس‬ ‫ّ‬ ‫السلفية ح ً‬ ‫والسلفي‪.‬‬ ‫لكن هل تعرتف املعرفة بسلطة املصلحني السياسيني واالجتامعيني أو أصحاب املشاريع النضالية؟ هل مثّة سلط ٌة تُ يل‬ ‫ـبغض ال ّنظر عن ماه ّيتها‪ -‬ماه ّية القضايا التي يجب أن تشتغل عليها‪ ،‬وماه ّية القضايا التي يجب تأجيل‬ ‫عىل املعرفة ّ‬ ‫النظر فيها‪ ،‬وماه ّية القضايا التي ال يجب قط ال ّنظر فيها؟‬ ‫ول أوانها بانبثاق فجر الثّورة البلشفية‪ ،‬وأ ّن‬ ‫أمل تعترب الشيوعية السوفييتية أ ّن األولوية لنقد الفلسفات البوجوازية التي ّ‬ ‫أي ٍ‬ ‫نقد للامركسية أو أليديولوجيا الطّبقة العاملة ٌ‬ ‫فكري وتهومياتٌ بعيد ٌة عن واقع الحياة واملجتمع عىل أحسن‬ ‫ترف‬ ‫ٌ‬ ‫الصاع والتناحر الطّبقي؟‬ ‫الفروض‪ ،‬وعىل أسوأها محاول ٌة امربيالي ٌة للتشويش عىل حقيقة ّ‬ ‫أمل تعترب الكنيسة التي سيطرت يف القرون الوسطى أ ّن األولوية للتّوفيق بني األرسطالية وتعاليم الكتاب املقدس وما عدا‬ ‫ذلك هرطق ٌة تستحق الحرق؟ أمل يعترب فقهاء ال ّدولة السلجوقية كل العلوم سوى القرآن والحديث والعلوم النقلية علو ًما‬ ‫ثانوي ًة أو تزندقًا وكف ًرا؟ فلو خضع فرسان املعرفة الذين تص ّدوا لتلك السلطات التي حاولت فرض أولوياتها عليهم هل‬ ‫كانت مسرية املعرفة اإلنسانية لتصل إىل الحداثة والتنوير؟‬ ‫ال توجد معرف ٌة نقدي ٌة تجعل هدفها تعرية األوهام أو الحقائق الكربى ال ّزائفة غري مفيد ٍة إطالقًا‪ ،‬وأكرر أين ال أنكر فائدة‬ ‫التجديد ال ّديني‪ ،‬أو فائدة الكثري من األساطري املوروثة‪ ،‬لكن فائدتها تلك ال تعفيها من النقد‪ ،‬وال تعني أنّها محط ٌة نهائي ٌة‬ ‫مثل‬ ‫وإل اعتربنا ً‬ ‫فضل أ ّن فائدة الفكرة ال تعني صحتها وصوابها أو الأسطوريتها‪ّ ،‬‬ ‫يجب أن يتوقف عندها قطار النقد‪ً ،‬‬ ‫فكرة الغول التي نُهدد بها األطفال يك يرتدعوا عن ارتكاب املامرسات الخاطئة فكر ٌة غري وهمي ٍة‪ ،‬ويجب أن نحافظ عىل‬ ‫خداعنا لهم بحقيقة الغول؛ أل ّن فكرة الغول فكر ٌة مفيد ٌة تردع األطفال عن األفعال السيئة‪.‬‬

‫م ًعا ضد كل سلط ٍة ظالمي ٍة متنع العقل اإلنساين من الوصول إىل نور الحرية؛‬ ‫بالسيطرة‪.‬‬ ‫حبًّا يف االستبداد وتعلقًا ّ‬

‫‪7‬‬


8


‫صائمون والغاضبون‪:‬‬ ‫ال ّ‬

‫السجن‬ ‫امللحدون يتح ّملون جوع رمضان لتج ّنب ّ‬ ‫أجرى موقع ‪ Vocativ‬اإلخباري‬ ‫اإللكرتوين‪ ،‬والذي يختص بالقضايا‬ ‫العاملية الرائجة كام ينتج األفالم‬ ‫الوثائيقة املختلفة‪ ،‬مقابل ًة مع عد ٍد‬ ‫والالديني العرب حول‬ ‫من املُلحدين‬ ‫ّ‬ ‫موضوع شهر رمضان‪ ،‬وأثره عىل غري‬ ‫املسلمني حيث أنهم مكرهون عىل‬ ‫يل‬ ‫ّ‬ ‫الصيام سوا ًء كان ذلك بشكل ك ّ‬ ‫أو جزي ٍء يف ساعات النهار الحارة‪،‬‬ ‫وتستعرض املقابل ُة تجارب بعض‬ ‫األشخاص يف هذه القضية‪ ،‬كام‬ ‫تتط ّرق املقابلة إىل انتهاكات حقوق‬ ‫الشق األوسط‪،‬‬ ‫اإلنسان يف منطقة ّ‬ ‫والتي تتصاعد بشكلٍ كبريٍ متاش ًيا مع‬ ‫أجواء شهر رمضان‪،‬‬

‫‪9‬‬


‫الصامئون والغاضبون‪:‬‬ ‫ّ‬

‫السجن‬ ‫امللحدون يتح ّملون جوع رمضان لتج ّنب ّ‬ ‫نص املقابلة‪:‬‬ ‫وإليكم ُّ‬ ‫لرمبا لن يقع األذى عىل ال ّناس إن اختلس أحدهم شطري ًة من هنا أوهناك وقت الصيام‪ ،‬أليس كذلك؟‬ ‫الشاب ملد ٍة تصل إىل عرشين ساع ًة يوم ًيا‪ ،‬يف درجات‬ ‫هل هناك ما هو أسوأ من عدم القدرة عىل تناول الطّعام أو ّ‬ ‫الحرارة امللتهبة مل ّدة شه ٍر كاملٍ بسبب معتقداتك ال ّدينية؟ إن كنت تظ ّن أن ال يشء أسوأ من ذلك‪ ،‬فامذا عن ِفعل كل‬ ‫ما سبق ذكره‪ ،‬ليس بسبب معتقداتك ال ّدينية‪ ،‬ولكن ألنك مج ٌرب أن تحايك معتقدات اآلخرين ال ّدينية من حولك وأن‬ ‫السجن؟‬ ‫زج بك يف ّ‬ ‫تصطنع صيامك يك ال يُ ّ‬ ‫هذا هو ما يفعله امللحدون يف البلدان‬ ‫اإلسالم ّية التي يعيشون فيها إلخفاء‬ ‫ٍ‬ ‫معتقدات‬ ‫معتقداتهم‪ ،‬أو إخفاء عدم وجود‬ ‫أصل‪ ،‬وذلك لضامن سالمتهم؛ إذ ت ُجرب‬ ‫لديهم ً‬ ‫التّهديدات باالعتقال أو العقوبة املرتدين‬ ‫واللدينني وغري املؤمنني أن يعطوا االنطباع‬ ‫ّ‬ ‫بأ ّن صيامهم يحمل نفس مشقّة جميع‬ ‫الصامئني املحيطني بهم‪ ،‬أو يف بعض الحاالت‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫أن يؤ ّدوا الصيام كُل ًيا يف رمضان خوفًا من‬ ‫تعرضهم لالضطهاد واملالحقة‪ ،‬لذلك فإ ّن‬ ‫الوضع يكاد يكون من املستحيل أن يتح ّمله‬ ‫أح ٌد‪ ،‬كام يقول عد ٌد متزاي ٌد من امللحدين يف‬ ‫العامل اإلسالمي‪.‬‬ ‫والشب والجنس واملتع األخرى من الفجر حتى املغرب ملدة‬ ‫فمع دخول شهر رمضان املق ّدس يف اإلسالم‪ ،‬يَحر ُم األكل ّ‬ ‫ثالثني يو ًما‪ ،‬ويؤدي هذه الشّ عائر جميع املسلمني يف العامل والبالغ عددهم ‪ 1.6‬مليار مسلم‪ ،‬كام يُفطر املسلمون مع‬ ‫كل ٍ‬ ‫بوالئم جامعي ٍة ضخم ٍة خالل الشّ هر املق ّدس‪.‬‬ ‫شمس‬ ‫غروب ّ‬ ‫ٍ‬ ‫الشق األوسط وأماكن أخرى يف العامل اإلسالمي‪ ،‬فإن معاكسة التيار ورفض وجود إله وإعالن اإللحاد بشكلٍ‬ ‫ولكن يف ّ‬ ‫عواقب خطري ًة ج ًدا‪ ،‬وال ميكن أن يكون األمر أكرث وضو ًحا أب ًدا مام بكون عليه خالل شهر‬ ‫واض ٍح عل ًنا ميكن أن يجني‬ ‫َ‬ ‫رمضان‪.‬‬ ‫‪10‬‬


‫الصامئون والغاضبون‪:‬‬ ‫ّ‬

‫السجن‬ ‫امللحدون يتح ّملون جوع رمضان لتج ّنب ّ‬ ‫ففي حني ميكن للشّ خص أن ميتنع عن املشاركة يف الصالة أو الطقوس األخرى دون أن يلفت االنتباه غري املرغوب به‪،‬‬ ‫فإن اإلعالن عن اإللحاد ورفض اإلميان بشكلٍ كاملٍ خالل شهر رمضان لهو مبثابة اللعب بالنار؛ إذ ميكن أن يتسبب هذا‬ ‫ٍ‬ ‫عقوبات قاسي ٍة قد تصل إىل اإلعدام من سلطات‬ ‫الفعل بقطع العالقات العائلية والصداقات يف أحسن األحوال‪ ،‬وجذب‬ ‫الدولة يف أسوأ الحاالت‪.‬‬ ‫لقد حددت ‪ Vocativ‬عد ًدا من األعضاء املؤثرين من مجتمع امللحدين النشطني عىل اإلنرتنت يف الرشق األوسط‪ ،‬ففي‬ ‫مقابل ٍة حرصي ٍة مع ٍ‬ ‫ملحد ٍ‬ ‫السعودية (والذي يُغ ّرد تحت‬ ‫نشط مجهول الهوية يسكن يف مدينة جدة يف اململكة العربية ّ‬ ‫الضيف لـ ‪ Vocativ‬عن مخاوفه من أن متسك به السلطات لرفضه صيام شهر‬ ‫حساب @‪ ،)mol7d_Arabi‬تح ّدث ّ‬ ‫رمضان‪ ،‬حيث قال‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫عام‬ ‫عقاب‬ ‫«إ ّن التّهديد املستمر من أن يُقبض عليك وأنت ال تصوم يُفيض إىل ٍ‬ ‫شديد من الجلد‪ ،‬وقد تصل العقوبة إىل ٍ‬ ‫من السجن‪ ،‬وهذا ما يجعل املرء يقظًا وقلقًا دو ًما‪ ،‬وميكننا تشبيه رمضان بعيد امليالد‪ ،‬غري أنّك مج ٌرب عىل الذهاب إىل‬ ‫ال ُق ّداس وتالوة صلواتك بقوة القانون»‪.‬‬ ‫ويضيف ضيفنا أنّه يف حني قد يكون رمضان ‪-‬باعتباره حدث ًا ثقاف ًيا‪ -‬لطيفًا إىل ح ّد ما ‪ ،‬بسبب وجود شعو ٍر جميلٍ خالل‬ ‫السلبي‬ ‫االحتفاالت يف التجمعات العائليّة والكثري من الطّعام؛ وذلك بعد غروب الشمس بطبيعة الحال‪ ،‬فإ ّن الجانب‬ ‫ّ‬ ‫الواقع عىل امللحدين هو إنفاذ الصيام إكرا ًها عليهم‪ ،‬وشعورهم بكراهية الذات بسبب االضطرار إىل أداء الطقوس‬ ‫ال ّدينية التي ال يؤمنون بها إطالقًا»‪.‬‬ ‫السبيل‬ ‫ويقول ً‬ ‫أيضا‪« :‬أشعر بأنّني ُمك ّم ٌم‪ ،‬ألن ال ّدين هو ّ‬ ‫جانب من‬ ‫كل‬ ‫الوحيد للحياة هنا؛ إذ أنّه يسيطر عىل ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫جوانب املجتمع‪ ،‬بدأً من القوانني مرو ًرا بلسلوك الناس‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫وإنتها ًء بالطريقة التي يرى ويق ّيم فيها الناس األخالق‬ ‫والثقافة والعالقات»‪.‬‬ ‫كام يضيف ناش ٌط ملح ٌد آخر يسكن يف دول ٍة من دول‬ ‫الخليج العريب وهو من يدير «قناة امللحدين بالعريب»‬ ‫ٍ‬ ‫فيديوهات ناقد ًة لل ّدين عىل‬ ‫عىل اإلنرتنت‪ ،‬وينتج‬ ‫اليوتوب‪« :‬عىل املرء أن يكون حذ ًرا من كل كلم ٍة يقولها‬ ‫وكل ترصف يفعله مع أي ٍ‬ ‫شخص كان»‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫‪11‬‬


‫الصامئون والغاضبون‪:‬‬ ‫ّ‬

‫السجن‬ ‫امللحدون يتح ّملون جوع رمضان لتج ّنب ّ‬ ‫الصيام‪:‬‬ ‫ويردف ملح ٌد ناش ٌط آخر طلب م ّنا أن نسميه باسمه املستعار «جون سيلفر»‪ً ،‬‬ ‫رسا عىل ّ‬ ‫قائل أنّه متمر ٌد ً‬ ‫الحمم لرشب املاء‪ ،‬وعندما أذهب إىل العمل يف‬ ‫«أنا أبقى يف العمل من دون طعام‪ ،‬ولكن بني الحني واآلخر‪ ،‬أذهب إىل ّ‬ ‫السيارة وأتخذ لنفيس شطري ًة صغرية»‪.‬‬ ‫خفي يف ّ‬ ‫الصباح أتجه إىل مكانٍ ٍّ‬

‫ولكن إذا ما افتضح أمره‪ ،‬فإن العواقب ستكون قاسي ًة عىل األرجح‪.‬‬ ‫أصل من‬ ‫زج يب يف السجن‪ ،‬أو سأطر ُد خارج البالد‪ ،‬كوين ً‬ ‫إذ يضيف سيلفر‪« :‬سوف أفقد وظيفتي‪ ،‬ورمبا سأُعتقل أو يُ ّ‬ ‫سوريا»‪.‬‬ ‫وينضم لهؤالء النشطاء العديد من اآلخرين الغاضبني واملحبطني ممن يتح ّدون األعراف والتّرشيعات من خالل اتّخاذ‬ ‫ٍ‬ ‫موقف أكرث عالني ًة عىل اإلنرتنت‪ ،‬وهو اتجا ٌه بدأ يف الظهور يف منتصف العقد األول من األلفية الجديدة‪ ،‬ومام أثرى ذلك‬ ‫االتجاه الربيع العر ُّيب الذي بدأ يف عام ‪.2011‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ومجموعات من قنوات اليوتيوب‪ ،‬يجتمع امللحدون العرب عىل‬ ‫منظامت مثل «قناة امللحدين بالعريب»‬ ‫فمن خالل‬ ‫اإلنرتنت لرتجمة الكتب ذات الصلة بنقد األديان ‪-‬مثل كتاب ريتشارد دوكينز «وهم اإلله»‪ -‬والوثائقياث الناقدة والتثقيفيّة‬ ‫القرسي يف شهر رمضان‪.‬‬ ‫إىل اللغة العربية‪ ،‬ويدفعهم لذلك مشاع ٌر قد متتد إىل ما هو أبعد من العداء تجاه الجوع‬ ‫ّ‬ ‫وهو ما يؤكده الناشط امللحد الذي يسكن مدينة جدة‪ ،‬حيث يقول‪« :‬أشعر أنه من واجبي اإلنساين التوعية والتثقيف‬ ‫وهدم األساطري والخرافات ال ّدينية واألرضار التي تسببها ملجتمعاتنا»‪.‬‬ ‫‪12‬‬


‫الصامئون والغاضبون‪:‬‬ ‫ّ‬

‫السجن‬ ‫امللحدون يتح ّملون جوع رمضان لتج ّنب ّ‬ ‫ويف نفس السياق‪ ،‬ميكن للسلطات توجيه االتهام للملحد يف سبع دو ٍل عىل األقل‪ ،‬وتضم تلك الدول أفغانستان وإيران‬ ‫وباكستان والسودان وجزر املالديف وموريتانيا واململكة العربية السعودية‪ ،‬وقد تصل العقوبة الواقعة عىل امللحد إىل‬ ‫اإلعدام لعدم مثوله للمعتقدات‪ ،‬وهو ما أشار إليه االتحاد الدويل للدراسات اإلنسانية واألخالقية (‪ )IHEU‬يف دراس ٍة‬ ‫أجراها يف عام ‪ ،2012‬ولحسن الحظ فلم تُوثق مثل هذه الحاالت القضائ ّية يف اآلونة األخرية‪.‬‬ ‫وقت ٍ‬ ‫ومن الجدير بالذكر أ ّن اململكة العربية السعودية أصدرت يف ٍ‬ ‫آنف من هذا العام سلسل ًة جديد ًة من القوانني التي‬ ‫أعلنت اعتبار امللحد إرهابيًا‪.‬‬ ‫كام أشارت الدراسة السابقة الذكر إىل أ ّن بلدانًا أخرى‪ ،‬من بينها مرص واألردن وإندونيسيا وبنغالديش والكويت‪ ،‬تق ّيد‬ ‫أو تحظر متا ًما أي إعالنٍ أ أو تروي ٍج لآلراء اإللحادية مبوجب القوانني التي تُع ّرف تلك اآلرآء عىل أنّها «تجديف»‪.‬‬ ‫‪http://www.vocativ.com/culture/religion/atheists-ramadan-fake-hunger-avoid-jail/‬‬ ‫‪Author: Inna Lazareva‬‬ ‫‪Posted: 07/08/14 07:27 EDT‬‬ ‫‪Deep Web Reporting By: Noam Binshtok‬‬

‫َويَ ْسأَلُونَ َك َع ِن اإلحلْاد ُق ِل اإلحلْاد‬ ‫ُ‬ ‫مِ ْن أَ ْم ِر َع ْقلي َومَا أوتِيتُم مِّن العَق ِل‬ ‫إِالَّ قَلِيالً‪.‬‬ ‫صفحة العقل دين عىل الفيسبوك‬ ‫‪https://www.facebook.com/AlqlDyn‬‬ ‫‪13‬‬


‫البالغي يف القرآن‪:‬‬ ‫اإلزعاج‬ ‫ّ‬ ‫سنأتيكم ٍ‬ ‫بألف مثله‬

‫‪Husam Ali‬‬ ‫(حسن الجودي)‬

‫يقول أبو بك ٍر محم ٌد ابن زكريا ال ّرازي‪ ،‬الفيلسوف والطّبيب املشهور‪ ،‬وأحد أعتى امللحدين يف تاريخ العرب‪« :‬إنكم‬ ‫لتزعمون أ ّن املعجزة قامئ ٌة موجود ٌة وهي القرآن‪ ،‬وتقولون أ ّن من أنكر ذلك‪ِ ،‬‬ ‫فليأت مبثله! إ ْن أردتم مبثله يف الوجوه التي‬ ‫يتفاضل بها الكالم‪ ،‬فعلينا أن نأتيكم ٍ‬ ‫بألف مثله‪ ،‬من كالم ال ُبلغاء والفُصحاء والشّ عراء‪ ،‬مام هو أطَل ُْق منه ألفاظًا‪ ،‬وأشد‬ ‫اختصا ًرا يف املعاين‪ ،‬وأبل ُغ أدا ًء وعبارةً‪ ،‬وأشكل سج ًعا»‪.‬‬

‫‪14‬‬


‫البالغي يف القرآن‪:‬‬ ‫اإلزعاج‬ ‫ّ‬ ‫سنأتيكم ٍ‬ ‫بألف مثله‬

‫‪( Husam Ali‬حسن الجودي)‬

‫بي‪ ،‬فنعرف أنّهم مل ينبهروا بالقرآن‪ ،‬ويف َ‬ ‫ذلك وجهان‪:‬‬ ‫وأ ّما العرب الذين عارصوا ال ّن ّ‬ ‫ظل يدعوهم ثالثة عرش عا ًما يف مكة وليس معه يش ٌء سوى القرآن‪ ،‬ولو انبهروا به‬ ‫بي حني ّ‬ ‫فاألول‪ ،‬أنّهم مل يؤمنوا بال ّن ّ‬ ‫السالح‪،‬‬ ‫ورأوا فيه إعجازًا‪ ،‬الستجاب له الكثريون! ولك ّن الحقيقة أنّهم مل يستجيبوا له ّإل بعد أ ْن استقر له ال ُحكم‪ ،‬بق ّوة ّ‬ ‫وخيهم بني اإلسالم أو القتل! ويف ذلك قوله عن نفسه‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫وأن رسول الله» ‪،‬‬ ‫«أمرت أن أقاتل ال ّناس حتّى يشهدوا أن ال إله إال الله ّ‬ ‫بحت ال غري‪.‬‬ ‫كام أ ّن ُحروب ال ّردة بعد موته شاه ٌد عىل أن األمر برمته‬ ‫سيايس ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫وأ ّما الوجه الثّاين الذي ُّ‬ ‫يدل عىل عدم انبهار العرب بالقرآن‪ ،‬فهو من القرآن نفسه! حيث س ّجل القرآن عدم انبهار العرب‬ ‫بآياته‪ ،‬حني قال عىل لسانهم‪:‬‬ ‫«قَالُوا قَ ْد َس ِم ْع َنا لَ ْو نَشَ ا ُء لَ ُقلْ َنا ِمث َْل َٰهذَا ۞ ِإ ْن َٰهذَا ِإلَّ أَ َس ِاط ُري الْ َ َّولِ َني ۞ َوإِ ْذ قَالُوا اللَّ ُه َّم إِ ْن كَا َن َٰهذَا ُه َو الْ َح َّق ِم ْن‬ ‫َاب أَلِ ٍيم»‪[ .‬األنفال‪]32-31 :‬‬ ‫الس َم ِء أَ ِو ائْ ِت َنا ِب َعذ ٍ‬ ‫ِع ْن ِد َك فَأَ ْم ِط ْر َعلَ ْي َنا ِح َجا َر ًة ِم َن ّ‬ ‫الحظ‪ ،‬عزيزنا القارئ‪ ،‬كم هم واثقون من أنفسهم لدرجة أنّهم يدعون عىل أنفسهم بالعذاب! وعمو ًما‪ ،‬قبل أ ْن نأتيكم‬ ‫مناذج ركيك ٍة من القرآن‪.‬‬ ‫مبا هو ُ‬ ‫أفضل من القرآن‪ ،‬سنحطّم أوالً هالة الجامل الوهمية حول القرآن‪ ،‬وذلك باستعراض َ‬

‫‪15‬‬


‫البالغي يف القرآن‪:‬‬ ‫اإلزعاج‬ ‫ّ‬ ‫سنأتيكم ٍ‬ ‫بألف مثله‬ ‫آي ُة الطّعام‬

‫‪( Husam Ali‬حسن الجودي)‬

‫خصوصا بعد ظهور مقطع فيديو عىل اليوتوب يظهر به أحمد القبانچي وهو يهز ُء عابثًا بركاكة‬ ‫وهي شهري ٌة ج ًدا حديثًا‪،‬‬ ‫ً‬ ‫معاين هذه اآلية‪:‬‬ ‫ِيض َح َر ٌج َو َل َع َل أَنف ُِس ُك ْم أَن تَأْكُلُوا ِمن بُ ُيوتِ ُك ْم أَ ْو بُ ُي ِ‬ ‫«لَ ْي َس َع َل ْالَ ْع َمى َح َر ٌج َو َل َع َل الْ َ ْع َر ِج َح َر ٌج َو َل َع َل الْ َمر ِ‬ ‫وت‬ ‫وت َع َّمتِ ُك ْم أَ ْو بُ ُي ِ‬ ‫وت أَ ْع َم ِم ُك ْم أَ ْو بُ ُي ِ‬ ‫وت أَ َخ َواتِ ُك ْم أَ ْو بُ ُي ِ‬ ‫وت إِ ْخ َوانِ ُك ْم أَ ْو بُ ُي ِ‬ ‫وت أُ َّم َهاتِ ُك ْم أَ ْو بُ ُي ِ‬ ‫آبَائِ ُك ْم أَ ْو بُ ُي ِ‬ ‫وت أَ ْخ َوالِ ُك ْم‬ ‫أَ ْو بُيُ ِ‬ ‫اح أَن تَأْكُلُوا َج ِمي ًعا أَ ْو أَشْ تَات ًا فَ ِإذَا َد َخلْتُم بُيُوتًا‬ ‫وت َخالَ تِ ُك ْم أَ ْو َما َملَ ْكتُم َّمفَاتِ َح ُه أَ ْو َص ِدي ِق ُك ْم لَيْ َس َعلَيْ ُك ْم ُج َن ٌ‬ ‫ف َ​َسلِّ ُموا َع َل أَنف ُِس ُك ْم ت َِح َّي ًة ِّم ْن ِع ِند اللَّـ ِه ُم َبا َركَ ًة طَ ِّي َب ًة كَ َذلِ َك يُ َبيِّ ُ اللَّـ ُه لَ ُك ُم ْاليَ ِ‬ ‫ات لَ َعلَّ ُك ْم تَ ْع ِقلُونَ»‪[ .‬ال ّنور‪]61 :‬‬ ‫عظيم ومهم ًة شاق ًة‪ ،‬خاص ٍة بذوي‬ ‫والجدير باملالحظة هنا أ ّن الخطاب يبدأ باألعمى واألعرج واملريض‪ ،‬وكأنّه سيأمر بأم ٍر ٍ‬ ‫حرج أ ْن تأكلوا من بيوتكم!‬ ‫االحتياجات الخاصة‪ ،‬بحيث يُستثنى منها أصحاب األعذار‪ ،‬ث ّم يأيت األمر العظيم‪ :‬ليس عليكم ٌ‬ ‫يا سالم! شك ًرا عىل هذه اإلضافة العظيمة لآلداب والثّقافة!‬ ‫أيضا امللل ال ّرهيب يف تعداد مختلف أنواع األقارب! ذلك أ ّن كل هذا ال داعي له‪ ،‬ث ّم يضيف إليها ما‬ ‫والحظ‪ ،‬عزيزنا‪ً ،‬‬ ‫َ‬ ‫األكل ِمنه؛ ماذا لو سافر ُ‬ ‫ملكتم مفاتحه‪ ،‬وهنا خطأٌ فظي ٌع‪ ،‬فليس كل ما ُ‬ ‫واستأمنك عىل بيته‬ ‫جارك‬ ‫يحق لنا ُ‬ ‫منلك مفتاحه ّ‬ ‫الحق أ ّن تأكل من بيته متى شئت؟!‬ ‫وسلّمك مفاتيحه؟! هل يعطيك هذا ّ‬ ‫وخصوصا آيات املرياث‪،‬‬ ‫إ ّن هذه اآلية ليست وحدها ما يثري الجدل‪ ،‬فآيات األحكام عمو ًما فيها الكث ُري من التّكرار اململ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫أي جامل ّية شعريّة أو بالغ ّية أو غري ذلك‪.‬‬ ‫وليس فيها ّ‬

‫سورة محمد‬ ‫الصالِ ِ‬ ‫حات َوآ َمنوا بِ ا نُ ِّز َل َعىل ُم َح َّم ٍد َو ُه َو‬ ‫«الذي َن كَفَروا َو َص ّدوا َعن َسبيلِ اللَّـ ِه أَ َض َّل أَعاملَ ُهم ۞ َوالذي َن آ َمنوا َو َع ِملُوا ّ‬ ‫ال َح ُّق ِمن َربِّهِم كَ َّف َر َعن ُهم َس ِّيئَاتِهِم َوأَصل َ​َح بالَ ُهم ۞ذلِ َك ِبأَ َّن الذي َن كَ َف ُروا اتَّ َب ُعوا ِ‬ ‫الباط َل َوأَ َّن الذي َن آ َم ُنوا اتَّ َب ُعوا ال َح َّق‬ ‫رض ُب اللَّـ ُه لِل ّن ِ‬ ‫اس أَمثالَ ُهم»‪[ .‬محمد‪]3-1 :‬‬ ‫ِمن َربِّهِم كَذلِ َك يَ ِ‬ ‫أي إبداع يف القافية‪ ،‬والكلامت‬ ‫السورة وكأنّها محاول ٌة فاشل ٌة لتقليد أسلوب القرآن املعتاد؛ إذ ال يوجد ّ‬ ‫تبدو مق ّدمة ّ‬ ‫ذهب‬ ‫منتقا ٌة بطريق ٍة «فج ٍة» ج ًدا‪ ،‬كام تذكرين ببعض محاواليت البدائية الفاشلة لكتابة أشعا ٍر ذات وزنٍ وقافية‪ ،‬وكأمنا َ‬ ‫شخص آخ ٌر مبتدئ‪.‬‬ ‫َمن يكتب القرآن عاد ًة يف إجاز ٍة وحل محله ٌ‬ ‫‪16‬‬


‫البالغي يف القرآن‪:‬‬ ‫اإلزعاج‬ ‫ّ‬ ‫سنأتيكم ٍ‬ ‫بألف مثله‬ ‫سورة صاد (ص)‬

‫‪( Husam Ali‬حسن الجودي)‬

‫بالسورة عمو ًما‪ ،‬ولكن الضحالة وال ّركاكة تبدوان حني يرسد قصة سليامن‪ ،‬حيث ال يستطيع أح ٌد فهم يش ٍء من‬ ‫ال بأس ّ‬ ‫هذا الكالم‪ ،‬وأتحدى أح ًدا أن يقرأ هذه اآلية ثم يفهم منها شيئًا‪:‬‬ ‫بت ُح َّب ال َخريِ‬ ‫الصا ِفناتُ الجِيا ُد ۞ ف َ‬ ‫َقال إِ ّن أَح َب ُ‬ ‫ش ّ‬ ‫« َو َو َهبنا لِداوو َد ُسلَيام َن نِع َم ال َعب ُد إِنَّ ُه أَ ّو ٌ‬ ‫اب ۞ إِذ ُعر َِض َعلَي ِه بِال َع ِ ِّ‬ ‫َعن ِذك ِر َر ّب َحتّى ت َوا َرت ب ِ‬ ‫ِالسوقِ َواألَعناقِ ۞ َولَقَد فَتَ ّنا ُسلَيام َن َوأَلقَينا َعىل‬ ‫ِالح ِ‬ ‫ل فَطَ ِف َق َمس ًحا ب ّ‬ ‫جاب ۞ ُر ّدوها َع َ َّ‬ ‫ك ِ‬ ‫ناب»‪[ .‬ص‪]34-30 :‬‬ ‫ُرس ِّي ِه َج َس ًدا ث ُ َّم أَ َ‬ ‫بالغي مثالً؟! أتذكر حني كنت صغ ًريا أنّني‬ ‫يعترب البعض هذه الطّالسم إعجازًا! وال أدري ّ‬ ‫أي نوع من اإلعجاز هي؟ آعجا ٌز ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫مثل‬ ‫كلامت َ‬ ‫خصوصا بسبب ورود‬ ‫حسناوات أله ّني سليامن عن الصالة‪،‬‬ ‫جاريات‬ ‫كنت أظن أ ّن هذه اآلية تتحدث عن‬ ‫ً‬ ‫«صافنات»‪« ،‬حجاب»‪« ،‬سوق وأعناق»‪ ...‬إلخ‪ ،‬ووجود «جسد» يف املوضوع! كلها توحي بأمور متعلقة بـ«فتنة ال ّنساء»!‬ ‫الس هي «الجياد»!‬ ‫لكن التّفاسري كلها تتحدث عن األحصنة‪ ،‬وكلمة ّ‬ ‫قصة أيوب‬ ‫السورة‪ ،‬يذكر ّ‬ ‫وبعدها بقليل‪ ،‬يف نفس ّ‬ ‫بأسلوب مشاب ٍه‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫وب إِذ نادى َربَّ ُه أَ ّن َم َّس ِن َي‬ ‫« َواذكُر َعب َدنا أَيّ َ‬ ‫ذاب ۞ اركُض ِبرِجلِ َك هـذا‬ ‫الشّ يطا ُن ِب ُن ٍ‬ ‫صب َو َع ٍ‬ ‫اب ۞ َو َو َهبنا لَ ُه أَهلَ ُه َو ِمثلَ ُهم‬ ‫ُمغتَ َس ٌل با ِر ٌد َو َش ٌ‬ ‫لباب ۞ َو ُخذ‬ ‫ول األَ ِ‬ ‫َم َع ُهم َرح َم ًة ِم ّنا َو ِذكرى ِلُ ِ‬ ‫رضب ِب ِه َوال تَح َنث إِنّا َو َجدنا ُه‬ ‫ِبيَ ِد َك ِضغثًا فَا ِ‬ ‫اب»‪[ .‬ص‪]44-41 :‬‬ ‫صا ِب ًرا نِع َم ال َعب ُد إِنَّ ُه أَ ّو ٌ‬ ‫وال أرى شيئًا معج ًزا أو بلي ًغا يف تلك اآليات‪.‬‬

‫‪17‬‬


‫البالغي يف القرآن‪:‬‬ ‫اإلزعاج‬ ‫ّ‬ ‫سنأتيكم ٍ‬ ‫بألف مثله‬ ‫من سورة البقرة‬

‫‪( Husam Ali‬حسن الجودي)‬

‫تاب ِمن ِع ِند اللَّـ ِه ُم َص ِّد ٌق لِام َم َع ُهم َوكانوا ِمن ق َُبل يَستَف ِتحو َن َع َل الذي َن كَفَروا فَل َّم جا َء ُهم ما َع َرفوا‬ ‫« َول َّم جا َء ُهم كِ ٌ‬ ‫اشتوا ِب ِه أَنف َُس ُهم أَن يَكفُروا بِ ا أَن َز َل اللَّـ ُه بَغ ًيا أَن يُ َن ِّز َل اللَّـ ُه ِمن فَضلِ ِه‬ ‫كَفَروا ِب ِه فَلَع َن ُة اللَّـ ِه َع َل الكا ِفري َن ۞ ب َ‬ ‫ِئس َم َ َ‬ ‫قيل لَ ُهم آ ِمنوا بِ ا أَن َز َل اللَّـ ُه قالوا‬ ‫ذاب ُمه ٌني ۞ َوإِذا َ‬ ‫َعىل َمن يَشا ُء ِمن ِعبا ِد ِه فَباءوا ِب َغ َض ٍب َعىل غ َ​َض ٍب َولِلكا ِفري َن َع ٌ‬ ‫نُؤ ِم ُن بِ ا أُنز َِل َعلَينا َويَكفُرو َن بِ ا َورا َء ُه َو ُه َو ال َح ُّق ُم َص ِّدقًا لِام َم َع ُهم قُل فَلِ َم تَقتُلو َن أَنبِيا َء اللَّـ ِه ِمن ق َُبل إِن كُنتُم‬ ‫ُمؤ ِمن َني»‪[ .‬البقرة‪]91-89 :‬‬ ‫أيضا‪ ،‬نقرأُ‬ ‫يف اآلية األوىل‪ ،‬نجد صياغ ًة مرتبك ًة وكأ ّن الكاتب ال يعرف كيف يصوغ العبارة بشكل وجيز‪ ،‬ويف اآلية الثّانية ً‬ ‫رص عىل أن‬ ‫صياغ ًة ركيك ًة وتكرا ًرا مزع ًجا‪ ،‬كام نج ُد يف اآلية الثّالثّة نفس التّكرار ووضع ال ُجمل يف غري محلها؛ إذ أنّه ُم ٌّ‬ ‫ٌ‬ ‫كفيل بجعلهم يصدقون نب ّوة محمد‪ ،‬ث ّم يتهمهم بقتل األنبياء وكأ ّن‬ ‫«مصدق ملا معهم» وكأ ّن هذا وحده ٌ‬ ‫يقول أ ّن القرآن‬ ‫السحيق!‬ ‫بي مسؤولون عن ترصفات بعض األفراد يف املايض ّ‬ ‫اليهود املعارصين لل ّن ّ‬

‫آية الشّ جرة امللعونة‬ ‫يناك إِلّ ِفت َن ًة لِل ّن ِ‬ ‫« َوإِذ قُلنا ل َ​َك إِ َّن َربَّ َك أَحا َط بِال ّن ِ‬ ‫اس َوما َج َعل َنا ال ّرؤيَا التي أَ َر َ‬ ‫اس َوالشّ َج َر َة املَلعونَ َة ِف القُرآنِ َونُ َخ ِّوفُ ُهم‬ ‫فَام يَزي ُد ُهم إِ ّل طُغيانًا كَب ًريا»‪[ .‬اإلرساء‪]60 :‬‬ ‫أي ترابط يف الكلامت والعبارات‪ ،‬فيُ َت ُك‬ ‫السابقة‪ ،‬ال نرى ّإل ارتباكًا وركاك ًة‪ ،‬لكن املضحك هنا هو غياب ّ‬ ‫كام يف األمثلة ّ‬ ‫القارئ مرتبكًا‪ ،‬غري قاد ٍر عىل فهم يشء!‬

‫يهدي‬ ‫آية ّ‬ ‫شكائِكُم َمن يَهدي إِ َل ال َح ِّق قُلِ اللَّـ ُه يَهدي لِل َح ِّق أَفَ َمن يَهدي إِ َل ال َح ِّق أَ َح ُّق أَن يُتَّ َب َع أَ َّمن ال يَ ِه ّدي ِإ ّل‬ ‫«قُل َهل ِمن ُ َ‬ ‫َيف تَحكُمونَ»‪[ .‬يونس‪]35 :‬‬ ‫أَن يُهدى فَام لَكُم ك َ‬ ‫عام‪ ،‬ناهيك عن أ ّن حركات‬ ‫السمع ً‬ ‫أيضا‪ ،‬وكذلك فإ ّن صياغتها مزعج ٌة بشكلٍ ٍ‬ ‫إ ّن هذه اآلية ثقيل ٌة ج ًدا عىل اللسان وعىل ّ‬ ‫التّشكيل غريب ٌة ج ًدا‪ ،‬وملاذا يوجد تشدي ٌد عىل ال ّدال يف «يَ ِه ِّدي»؟!‬ ‫‪18‬‬


‫البالغي يف القرآن‪:‬‬ ‫اإلزعاج‬ ‫ّ‬ ‫سنأتيكم ٍ‬ ‫بألف مثله‬

‫‪( Husam Ali‬حسن الجودي)‬

‫آية ال ّتبليغ‬

‫وميكن أن نس ّميها‪ :‬آية ال ّراقص ُة ال ّراقصة‬ ‫اس إِ َّن اللَّـ َه ال يَ ِ‬ ‫َّغت رِسالتّ ُه َواللَّـ ُه يَ ِ‬ ‫عص ُم َك ِم َن ال ّن ِ‬ ‫«يا أَيُّ َها ال ّر ُ‬ ‫هدي‬ ‫سول بَلِّغ ما أُنز َِل إِل َ​َيك ِمن َربِّ َك َوإِن لَم ت َف َعل فَام بَل َ‬ ‫القَو َم الكا ِفري َن»‪[ .‬املائدة‪]67 :‬‬ ‫أيّها القارئ‪ :‬اقرأ كالمي وإن مل تفعل فاعلم أنّك مل تقرأه!‬

‫سليامن‪ ،‬مر ًة أخرى‬ ‫طالسم؟! هل ألنّها مكتوب ٌة بلهجة «الجن» من أولياء ُسليامن؟ وهذه‬ ‫ال أدري حقًا ملاذا تأيت آياتُ سليامن دامئًا عىل شكل‬ ‫ٍ‬ ‫املرة يف سورة االنبياء‪:‬‬ ‫« َوداوو َد َو ُسلَيام َن ِإذ يَحكُامنِ ِف ال َح ِ‬ ‫َوم َوكُ ّنا لِ ُحك ِمهِم شا ِهدي َن ۞ فَ َف َّهمناها ُسلَيام َن َوكُالً‬ ‫رث إِذ نَفَشَ ت في ِه َغ َن ُم الق ِ‬ ‫َبوس لَكُم لِتُ ِ‬ ‫ِبال يُ َس ِّبح َن َوالطّ َري َوكُ ّنا فا ِعل َني ۞ َو َعلَّمنا ُه َصن َع َة ل ٍ‬ ‫لم َو َس َّخرنا َم َع داوو َد الج َ‬ ‫حص َنكُم ِمن‬ ‫كم َو ِع ً‬ ‫آتَينا ُح ً‬ ‫بَ ِأسكُم فَ َهل أَنتُم شاكِرونَ»‪[ .‬األنبياء‪]80-78 :‬‬ ‫البالغي الذي‬ ‫ما معنى "نفشت غنم القوم"؟ وما الذي فهم ُه سليامن؟! وما هي صنعة لبوس؟! هل هذا هو اإلعجاز‬ ‫ّ‬ ‫يجب عىل من يتح ّدى أن يكون عىل قدر التّحدي!‬ ‫تتحدونا أن نأيت مبثله؟! أال ُ‬

‫آية املثل ّية‬ ‫كث ُهم ال يَعلَمونَ»‬ ‫شكا ُء ُمتَشاكِسو َن َو َر ُجالً َسل ًَم لِ َر ُجلٍ َهل يَستَوِيانِ َمثَالً ال َحم ُد لِلَّـ ِه بَل أَ َ ُ‬ ‫«ض َب اللَّـ ُه َمثَالً َر ُجالً في ِه ُ َ‬ ‫َ​َ‬ ‫[ال ّزمر‪]29 :‬‬ ‫ال أدري ما القصد من هذا املثل‪ ،‬وما عالقته بالله أو باإلسالم او بالوحدانية؟!‬ ‫عمو ًما أعتقد أن نشطاء حقوق اإلنسان يستطيعون استخدام هذه اآلية إلقناع ال ّناس أ ّن القرآن يحرتم املثليني جنس ًيا‪،‬‬ ‫عب عن ذلك بتعبريٍ بليغٍ معج ٍز يف أسمى ما يكون؛ حيث قال «رجالً‬ ‫ويقر بحقهم يف مامرسة الحب فيام بينهم‪ ،‬حيث ّ‬ ‫سلم لرجل»!‬ ‫ً‬ ‫‪19‬‬


‫البالغي يف القرآن‪:‬‬ ‫اإلزعاج‬ ‫ّ‬ ‫سنأتيكم ٍ‬ ‫بألف مثله‬

‫‪( Husam Ali‬حسن الجودي)‬

‫آية األلوان‬ ‫السام ِء ما ًء فَأَخ َرجنا ِب ِه َثَر ٍ‬ ‫بيض َو ُحم ٌر ُمختَلِ ٌف أَلوانُها‬ ‫ات ُمختَلِفًا أَلوانُها َو ِم َن الجِبا ِل ُج َد ٌد ٌ‬ ‫«أَلَم تَ َر أَ َّن اللَّـ َه أَن َز َل ِم َن ّ‬ ‫ابيب سو ٌد ۞ َو ِم َن ال ّن ِ‬ ‫خش اللَّـ َه ِمن ِعبا ِد ِه ال ُعلَام ُء إِ َّن اللَّـ َه َعزي ٌز‬ ‫نعام ُمختَلِ ٌف أَلوانُ ُه كَذلِ َك إِنَّ ا يَ َ‬ ‫واب َواألَ ِ‬ ‫اس َوال ّد ِّ‬ ‫َو َغر ُ‬ ‫غَفو ٌر»‪[ .‬فاطر‪]28-27 :‬‬ ‫ٌ‬ ‫كل يش ٍء من حولكم‪،‬‬ ‫اختالف يف األلوان يف ّ‬ ‫إ ّن هذه صياغ ٌة ركيك ٌة وسخيف ٌة؛ إذ أ ّن كل هذا الكالم جاء ليقول بأ ّن هناك‬ ‫يف الثّمر والشّ جر والجبال واإلنسان والحيوان‪.‬‬ ‫لك ّن املضحك يف اآلية حقًا هو التّعقيب؛ إذ أنّه حرص الخشية بالعلامء! مبدئ ًيا‪ ،‬لو فرضنا أ ّن العلامء يخشون الله فهذا‬ ‫األمر ليس محصو ًرا فيهم‪ ،‬بل أ ّن خشية الله متفشّ ي ٌة لدى العامة والجهلة أكرث‪.‬‬ ‫لكن علامء الطّبيعة يف غالبيتهم ال «يخشون» الله أصالً‪ ،‬مبعنى أنّهم ال يؤمنون به أصالً‪ ،‬أو ال يؤمنون باألديان‪ ،‬وحتى لو‬ ‫آمنوا بالله عىل طريقة الفالسفة فهو إميا ٌن ال خشية فيه وال خوف‪ ،‬بل هو إميان انبها ٍر وتواضعٍ‪.‬‬ ‫وأظن أ ّن تعدد ألوان الثّمرات والجبال هو آخر ما ميكن أن يخطر عىل بال العامل أو الفيلسوف املؤمن إن اراد ان‬ ‫يستحرض «آي ًة كوني ًة» ليك يتأمل فيها‪.‬‬

‫آية الحجاب‬ ‫وهي من صنف ما ذكرتُ سابقًا‪ ،‬آيات األحكام‪ ،‬والتي تكون عاد ًة ممل ًة ج ًدا‪ ،‬فهي تحاول أن تكون ُمفصل ًة‪ ،‬ولك ّن‬ ‫األسلوب القرآين ال يصلح لرسد األحكام التّفصيلية‪ .‬فتأ ّملوا معي‪:‬‬ ‫« َوقُل لِل ُمؤ ِم ِ‬ ‫رضب َن ِب ُخ ُم ِر ِه َّن‬ ‫نات يَ ُ‬ ‫غضض َن ِمن أَبصا ِر ِه َّن َويَحفَظ َن فُرو َج ُه َّن َوال يُبدي َن زي َنتَ ُه َّن إِ ّل ما ظَ َه َر ِمنها َوليَ ِ‬ ‫َعىل ُجيو ِب ِه َّن َوال يُبدي َن زي َنتَ ُه َّن إِ ّل لِ ُبعولَ ِت ِه َّن أَو آبائِ ِه َّن أَو آبا ِء بُعولَ ِت ِه َّن أَو أَبنائِ ِه َّن أَو أَبنا ِء بُعولَ ِت ِه َّن أَو إِخوانِ ِه َّن أَو‬ ‫ول ا ِإلربَ ِة ِم َن ال ّرجا ِل أَ ِو الطّفلِ الذي َن‬ ‫بَني إِخوانِ ِه َّن أَو بَني أَ َخواتِ ِه َّن أَو نِسائِ ِه َّن أَو ما َملَكَت أَميانُ ُه َّن أَ ِو التّابِع َني َغريِ أُ ِ‬ ‫لَم يَظ َهروا َعىل َعور ِ‬ ‫رضب َن ِبأَر ُجلِ ِه َّن لِ ُيعلَ َم ما يُخف َني ِمن زي َن ِت ِه َّن َوتوبوا إِ َل اللَّـ ِه َجمي ًعا أَيُّ َه املُؤ ِمنو َن‬ ‫ات ال ّنسا ِء َوال يَ ِ‬ ‫لَ َعلَّكُم ت ُفلِحونَ»‪[ .‬ال ّنور‪]31 :‬‬ ‫‪20‬‬


‫البالغي يف القرآن‪:‬‬ ‫اإلزعاج‬ ‫ّ‬ ‫سنأتيكم ٍ‬ ‫بألف مثله‬

‫‪( Husam Ali‬حسن الجودي)‬

‫السد والتّفصيل‪ ،‬فقد أغفل ال ّن ّص أه ّم يش ٍء يف الحكم‪ ،‬وهو توضيح املطلوب تغطيته بالضبط! فهل يجوز‬ ‫وناهيك عن ّ‬ ‫كشف الشّ عر؟ وهل يجوز كشف الوجه؟ هل يجوز وضع املكياج؟ هل يجوز أن يظهر يش ٌء من الكتف؟ وال يوجد‬ ‫وغموضا‪« :‬ال يبدين زينتهن إال ما ظهر منها»!‬ ‫جواب يف اآلية! بل استخدم ال ّن ّص تعب ًريا ال ميكن أن يُؤىت بأكرثِ منه إبها ًما‬ ‫ً‬ ‫ٌ‬ ‫أيضا‪ ،‬وبذلك اختلفت التّفسريات‬ ‫فام املعنى؟ ال أحد يدري! وما معنى «يرضبن بخمرهن عىل جيوبهن»؟ ال أحد يدري ً‬ ‫وتع ّددت!‬ ‫فصل األشياء املُه ّمة والجوهريّة يف ال ُحكم‪ ،‬بدالً‬ ‫وإ ْن َ‬ ‫كنت ستفسد التّناسق الشّ عري للكالم بذكر التّفاصيل‪ ،‬فعىل األقل ّ‬ ‫من األشياء الفرعيّة األقل أهمية‪.‬‬

‫آيات األنعام‬ ‫بحق‪ ،‬وهي من سورة األنعام‪ ،‬وتتحدثّ عن‪« ...‬األنعام» بالطّبع‪ ،‬وجاء‬ ‫أمتنى أن تصربوا قليالً فهذه اآليات طويل ٌة وممل ٌة ٍ‬ ‫فيها‪:‬‬ ‫« َو َج َعلوا لِلَّـ ِه ِم ّم َذ َرأَ ِم َن ال َح ِ‬ ‫شكائِهِم فَال يَ ِص ُل‬ ‫رث َواألَ ِ‬ ‫شكائِنا فَام كا َن لِ ُ َ‬ ‫نعام نَصي ًبا فَقالوا هـذا لِلَّـ ِه ِب َزع ِمهِم َوهـذا لِ ُ َ‬ ‫شكائِهِم سا َء ما يَحكُمونَ»‪[ .‬األنعام‪]136 :‬‬ ‫إِ َل اللَّـ ِه َوما كا َن لِلَّـ ِه فَ ُه َو يَ ِص ُل إِىل ُ َ‬ ‫وما هذه إال صياغ ٌة رهشّ ٌة وثقيل ٌة الوقع عىل ال ّنفس‪ ،‬بل واألدهى وأكرث إضحاكًا أ ّن اآلية التي تليها مبارش ًة تقول‪:‬‬ ‫شكا ُؤ ُهم لِ ُيدو ُهم َولِ َيلبِسوا َعلَيهِم دي َن ُهم َولَو شا َء اللَّـ ُه ما فَ َعلو ُه‬ ‫« َوكَذلِ َك َزيَّ َن لِكَثريٍ ِم َن امل ُ ِ‬ ‫رشك َني ق َ​َتل أَوال ِد ِهم ُ َ‬ ‫فتونَ»‪[ .‬األنعام‪]137 :‬‬ ‫فَذَر ُهم َوما يَ َ‬ ‫اللحقة! وملاذا بدأها بـ«و كذلك» وكأ ّن هذه الجملة مرتبط ٌة بالجملة‬ ‫السابقة او ّ‬ ‫وال أحد بدري ما عالقتها باآلية ّ‬ ‫السابقة؟ ولنكمل‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫« َوقالوا ِ‬ ‫هـذ ِه أَنعا ٌم َو َحرثٌ ِحج ٌر ال يَط َع ُمها إِ ّل َمن نَشا ُء ِب َزع ِمهِم َوأَنعا ٌم ُح ِّر َمت ظُهو ُرها َوأَنعا ٌم ال يَذكُرو َن اس َم اللَّـ ِه‬ ‫فتو َن ۞ َوقالوا ما يف بُطونِ ِ‬ ‫َعلَي َها ِ‬ ‫نعام خالِ َص ٌة لِذُكورِنا َو ُم َح َّر ٌم َعىل أَزواجِنا‬ ‫هـذ ِه األَ ِ‬ ‫افتا ًء َعلَي ِه َس َيجزيهِم بِ ا كانوا يَ َ‬ ‫شكا ُء َس َيجزيهِم َوص َف ُهم إِنَّ ُه َحكي ٌم َعلي ٌم»‪[ .‬األنعام‪]139-138 :‬‬ ‫َوإِن يَكُن َميتَ ًة فَ ُهم في ِه ُ َ‬ ‫‪21‬‬


‫البالغي يف القرآن‪:‬‬ ‫اإلزعاج‬ ‫ّ‬ ‫سنأتيكم ٍ‬ ‫بألف مثله‬

‫‪( Husam Ali‬حسن الجودي)‬

‫فمر ًة أخرى نج ُد صياغ ًة ركيك ًة ممل ًة مزعج ًة‪ ،‬تلك التي ال يفه ُم القارئ املعارص شيئًا منها‪ ،‬فام ال ّداعي لكتاب ِة هذا الكالم‬ ‫يف «ال ّرسالة األخرية من الله إىل البرش»؟!‬ ‫س الذي َن قَتَلوا أَوال َد ُهم َس َف ًها ِب َغريِ ِع ٍلم َو َح َّرموا ما َر َزقَ ُه ُم اللَّـ ُه ِ‬ ‫افتا ًء َع َل اللَّـ ِه قَد َضلّوا َوما كانوا ُمهتَدي َن»‪.‬‬ ‫«قَد َخ ِ َ‬ ‫[األنعام‪]140 :‬‬ ‫تكاد تكون هذه اآلية الصالحة للفهم الوحيدة هنا‪ ،‬ثم نُكمل‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫« َو ُه َو الذي أَنشَ أَ َج ّن ٍ‬ ‫خل َوال ّزر َع ُمختَلِفًا أُكُلُ ُه َوال ّزيتو َن َوال ّر ّما َن ُمتَشا ِب ًها َو َغ َري‬ ‫عروشات َوال ّن َ‬ ‫عروشات َو َغ َري َم‬ ‫ات َم‬ ‫رسف َني»‪[ .‬األنعام‪]141 :‬‬ ‫رسفوا إِنَّ ُه ال يُ ِح ُّب امل ُ ِ‬ ‫ُمتَشا ِب ٍه كُلوا ِمن َث َ ِر ِه إِذا أَمث َ َر َوآتوا َح َّق ُه يَو َم َحصا ِد ِه َوال تُ ِ‬ ‫وال يبدو لهذه اآلية عالق ٌة باملوضوع‪ ،‬كام يبدو وكأنّه قد ق ّرر تغيري املوضوع واالنتقال للحديث عن مواضيع أخرى!‬ ‫نعام َحمولَ ًة َوفَرشً ا كُلوا ِم ّم َر َزقَ ُك ُم اللَّـ ُه َوال تَتَّبِعوا ُخط ِ‬ ‫ُوات الشّ يطانِ إِنَّ ُه لَكُم َع ُد ٌّو ُمب ٌني»‪[ .‬األنعام‪]142 :‬‬ ‫« َو ِم َن األَ ِ‬ ‫ت ًبا‪ ...‬لقد عاد للحديث عن األنعام‪ ،‬فامذا سيقول اآلن؟!‬ ‫َ‬ ‫الضأنِ اث َن ِني َو ِم َن املَع ِز اث َن ِني قُل ال ّذكَ َرينِ َح َّر َم أَ ِم األُنثَ َي ِني أَ َّما اشتَ َملَت َعلَي ِه أَرحا ُم األُنثَ َي ِني نَ ِّبئوين ِب ِع ٍلم‬ ‫«ثانِ َي َة أَزوا ٍج ِم َن َّ‬ ‫إِن كُنتُم صا ِدق َني ۞ َو ِم َن ا ِإلبِلِ اث َن ِني َو ِم َن ال َب َق ِر اث َن ِني قُل ال ّذكَ َرينِ َح َّر َم أَ ِم األُنثَ َي ِني أَ َّما اشتَ َملَت َعلَي ِه أَرحا ُم األُنثَ َي ِني أَم‬ ‫اس ِب َغريِ ِع ٍلم إِ َّن اللَّـ َه ال يَ ِ‬ ‫هدي القَو َم‬ ‫كُنتُم شُ َهدا َء إِذ َو ّصاكُ ُم اللَّـ ُه بِهـذا فَ َمن أَظلَ ُم ِم َّمنِ َ‬ ‫افتى َع َل اللَّـ ِه ك َِذبًا لِيُ ِض َّل ال ّن َ‬ ‫الظّالِم َني»‪[ .‬األنعام‪]144-143 :‬‬

‫‪22‬‬


‫البالغي يف القرآن‪:‬‬ ‫اإلزعاج‬ ‫ّ‬ ‫سنأتيكم ٍ‬ ‫بألف مثله‬

‫‪( Husam Ali‬حسن الجودي)‬

‫خصوصا فقرة «ال ّذكَ َرينِ َح َّر َم أَ ِم األُنثَ َينيِ»!‬ ‫لعل هذه من أسخف وأكرث اآليات سامج ًة يف القرآن كِله!‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫كنت كلام حاولت ختم القرآن‪ ،‬عندما كنت أم ُّر من ُهنا أتضايق بشد ٍة وأحاول أن أنهي اآلية بأرسع ٍ‬ ‫وقت ممكنٍ ‪ ،‬فهي‬ ‫ُ‬ ‫آياتٌ قم ٌة يف اإلزعاج‪.‬‬ ‫السخيفة واملضحكة يف تحريم أنوا ٍع‬ ‫عمو ًما دعونا نواصل‪ ،‬فلم يزل ال ّن ّص تقري ًبا لحد اآلن يستنكر عىل املرشكني رشائعهم ّ‬ ‫معين ٍة من اللحوم عىل ما يبدو‪ ،‬واآلن سيقول لهم أ ّن رشيعته الجديدة (اإلسالم) ليس فيها كل هذا التّحريم االعتباطي‪:‬‬ ‫«قُل ال أَ ِج ُد يف ما ِ‬ ‫ِجس أَو‬ ‫أوح َي إِ َ َّل ُم َح َّر ًما َعىل طا ِع ٍم يَط َع ُم ُه إِلّ أَن يَكو َن َميتَ ًة أَو َد ًما َمسفو ًحا أَو لَح َم ِخنزي ٍر فَ ِإنَّ ُه ر ٌ‬ ‫ِفسقًا أُ ِه َّل لِ َغريِ اللَّـ ِه ِب ِه فَ َمنِ اضطُ َّر َغ َري با ٍغ َوال عا ٍد فَ ِإ َّن َربَّ َك غَفو ٌر َرحي ٌم ۞ َو َع َل الذي َن هادوا َح َّرمنا ك َُّل ذي ظُ ُف ٍر‬ ‫ظم ذلِ َك َج َزينا ُهم ِب َبغ ِيهِم‬ ‫َو ِم َن ال َب َق ِر َوال َغ َن ِم َح َّرمنا َعلَيهِم شُ حو َم ُهام إِ ّل ما َح َملَت ظُهو ُر ُهام أَ ِو ال َحوايا أَو َما اختَلَ َط ِب َع ٍ‬ ‫َوإِنّا لَصا ِدقونَ»‪[ .‬األنعام‪]146-145 :‬‬ ‫يوض ُح لنا ال ّن ّص أ ّن سبب تحريم الخنزير هو نجاسته‪ ،‬ثم يُعق ُّب‬ ‫يبي أنّه ال يُح ّرم األشياء إال‬ ‫ٍ‬ ‫بسبب عقال ٍين‪ ،‬فمثالً‪ّ ،‬‬ ‫حيث ّ‬ ‫عىل ذلك بالقول أنّه ال حرج عىل املضطّر؛ وكأ ّن األمر عقال ٌين ج ًدا!‬ ‫أيضا عىل اليهود… لكن ذلك كان‬ ‫السابق أشيا ًء اعتباطي ًة ً‬ ‫لك ّنه يف نفس الوقت عاد وذكر أنّه (أي الله) كان قد ح ّرم يف ّ‬ ‫بسبب؛ أال وهو فسقهم وبغيهم! وعق َّب عىل ذلك بالقول «و إنّا لصادقون»‪ ،‬وكأنّه يقول «صدقوين‪ ،‬فلقد كان عندي‬ ‫ٍ‬ ‫سبب وجي ٌه حينها!»‪ ،‬حيث أنّه استم ّر ساع ًة ينتق ُد التّرشيعات االعتباطيّة للمرشكني‪ ،‬ومن ث ُ ّم عاد واعرتف يف ال ّنهاية أنّه‬ ‫ٌ‬ ‫ونواصل مع سورة األنعام‪ ،‬حيث يعو ُد‬ ‫ُ‬ ‫أيضا! فام الذي يُح ّرمه بالضبط؟!‬ ‫السابق كان عنده ترشيعات اعتباط ّية مشابهة ً‬ ‫يف ّ‬ ‫مر ًة أخرى إىل رسد املح ّرمات‪ ،‬ولكن الحظوا الصياغة هذه املرة‪:‬‬ ‫رشكوا ِب ِه شَ يئًا َوبِالوالدّينِ إِحسانًا َوال ت َقتُلوا أَوال َدكُم ِمن ِإمالقٍ نَح ُن نَر ُزقُكُم‬ ‫«قُل ت َعالَوا أَ ُتل ما َح َّر َم َربُّكُم َعلَيكُم أَلّ تُ ِ‬ ‫َوإِيّا ُهم َوال تَق َربُوا الف ِ‬ ‫فس التي َح َّر َم اللَّـ ُه إِلّ بِال َح ِّق ذلِكُم َو ّصاكُم ِب ِه لَ َعلَّكُم‬ ‫َواح َش ما ظَ َه َر ِمنها َوما بَطَ َن َوال ت َقتُلُوا ال ّن َ‬ ‫تَع ِقلونَ»‪[ .‬األنعام‪]151 :‬‬ ‫فامذا ح ّرم ربكم؟ حرم عليكم ّأل ترشكوا به شيئًا! وحرم عليكم بالوال ّدين إحسانًا! وح ّرم عليكم أال تقتلوا اوالدكم من‬ ‫إمالق! فهل الحظتم كيف عكس املعنى؟! إذ كان يجب أن يقول أنّه حرم عليكم أن ترشكوا‪ ،‬وليس أن يقول بأنّه حرم‬ ‫عليكم أال ترشكوا! أو أن يقول «ما أمركم به ربكم» بدالً من «ما حرم عليكم ربكم»‪ ،‬أليس من املخجل أن يتحدى أحد‬ ‫غريه أن يأيت مبثل هذا الكالم؟ّ!‬ ‫‪23‬‬


‫البالغي يف القرآن‪:‬‬ ‫اإلزعاج‬ ‫ّ‬ ‫سنأتيكم ٍ‬ ‫بألف مثله‬

‫‪( Husam Ali‬حسن الجودي)‬

‫األنعام يف املائدة‬ ‫السمجة والثّقيلة وال ّركيكة فيها‬ ‫تتحدثُ بداية سورة املائدة ً‬ ‫أيضا عن األنعام‪ ،‬ويا سبحان الله! إذ نج ُد نفس الصياغة ّ‬ ‫أيضا‪:‬‬ ‫ً‬ ‫الص ِيد َوأَنتُم ُح ُر ٌم إِ َّن اللَّـ َه‬ ‫«يا أَيُّ َها الذي َن آ َمنوا أَوفوا بِال ُعقو ِد أُ ِحلَّت لَكُم بَهي َم ُة األَ ِ‬ ‫نعام إِ ّل ما يُتىل َعلَيكُم َغ َري ُم ِحلِّ َّ‬ ‫يَح ُك ُم ما يُري ُد»‪[ .‬املائدة‪]1 :‬‬ ‫ُ‬ ‫أحاول ختم القرآن‬ ‫أنظر معنا‪ ،‬عزيزنا القارئ‪ ،‬ركاكة وسامجة وابتهام الصياغة! أتذكّ ُر حني قرأتها ألول مر ٍة حني كنت‬ ‫كنت أقرأُ الكال َم بشكلٍ صحي ٍح! ونواصل مع‬ ‫أنّني توقّفت عندها خمس دقائق وأنا أحاول أن أمعن ال ّنظر ألتفحص إن ُ‬ ‫املزيد من نفس األسلوب يف الصياغة‪:‬‬ ‫يت ال َحرا َم يَبتَغو َن فَضالً‬ ‫دي َو َل القَالئِ َد َوال آ ّم َني ال َب َ‬ ‫«يا أَيُّ َها الذي َن آ َمنوا ال ت ُِحلّوا شَ عائِ َر اللَّـ ِه َو َل الشّ ه َر ال َحرا َم َولَ ال َه َ‬ ‫َوم أَن َص ّدوكُم َعنِ املَسج ِ​ِد ال َحر ِام أَن ت َعتَدوا َوتَعا َونوا‬ ‫ِمن َربِّهِم َورِضوانًا َوإِذا َحلَلتُم فَاصطادوا َوال يَج ِر َم َّنكُم شَ َنآ ُن ق ٍ‬ ‫قاب»‪[ .‬املائدة‪]2 :‬‬ ‫الب َوالتّقوى َوال ت َعا َونوا َع َل ا ِإل ِثم َوال ُعدوانِ َواتَّقُوا اللَّـ َه إِ َّن اللَّـ َه شَ دي ُد ال ِع ِ‬ ‫َع َل ِ ِّ‬ ‫ما ك ُّل هذا الكالم غري املفهوم وغري املرتابط؟! ال تحلّوا‬ ‫شعائر الله؟! حس ًنا ل ُنسلّم بأنّني ال أدري ما املقصود‬ ‫بإحالل الشّ عائر أو الهدي والقالئد‪ ،‬لكن كيف ُربطت‬ ‫هذه العبارة مبا بعدها‪« :‬وال آمني البيت الحرام يبتغون‬ ‫فضالً»؟! هل املقصود أن «ال تحلوا آمني البيت الحرام‬ ‫يبتغون فضالً»؟ ما هذه الصياغة العجيبة؟! تذكر‬ ‫التّفاسري أن معنى اآلية هو ال ّنهي عن قتال من يأم‬ ‫البيت الحرام! مبدئيًا‪ ،‬لو قال «وال اآلمني للبيت الحرام‬ ‫الذين يبتغون فضالً من ربهم» لكان أفضل وأصح‬ ‫الصغري لن يحل املُشكلة!‬ ‫وأوضح‪ ،‬لكن هذا التّصحيح ّ‬ ‫فاآلية كلها عىل بعضها متخ ّبطة تحتاج حذفًا وإعادة‬ ‫صياغ ٍة كامل ٍة من جديد‪.‬‬ ‫‪24‬‬


‫البالغي يف القرآن‪:‬‬ ‫اإلزعاج‬ ‫ّ‬ ‫سنأتيكم ٍ‬ ‫بألف مثله‬

‫‪( Husam Ali‬حسن الجودي)‬

‫سجع الكهنة‬ ‫خصوصا فواتح‬ ‫وصف سجع الكهنة‪،‬‬ ‫هناك آياتٌ كثري ٌة يف القرآن‬ ‫(خصوصا املك ّية منها) مام ينطبق عليها بكل جدار ٍة ُ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫السور التي يُقسم فيها بأشيا ٍء غريب ٍة‪ ،‬وسرنى بعد قليل أمثل ًة مشابه ًة من سجع الكهنة يف نفس الفرتة ال ّزمن ّية‪،‬‬ ‫بعض ّ‬ ‫ولنبدأ باألمثلة من القرآن نفسه‪:‬‬

‫من سورة الذّاريات‪:‬‬

‫رسا ﴿‪ ﴾٣‬فَاملُق َِّس ِ‬ ‫الت ِوق ًرا ﴿‪ ﴾٢‬فَالجار ِ‬ ‫ِيات ذَر ًوا ﴿‪ ﴾١‬فَالحا ِم ِ‬ ‫َوالذّار ِ‬ ‫امت أَم ًرا ﴿‪ ﴾٤‬إِنَّ ا تو َعدو َن لَصا ِد ٌق ﴿‪﴾٥‬‬ ‫ِيات يُ ً‬ ‫السام ِء ِ‬ ‫ذات ال ُح ُب ِك ﴿‪ ﴾٧‬إِنَّكُم لَفي قَو ٍل ُمختَلِ ٍف ﴿‪ ﴾٨‬يُؤف َُك َعن ُه َمن أُ ِف َك ﴿‪ ﴾٩‬قُ ِت َل‬ ‫َوإِ َّن ال ّدي َن لَوا ِق ٌع ﴿‪َ ﴾٦‬و ّ‬ ‫ال َخ ّراصو َن ﴿‪ ﴾١٠‬الذي َن ُهم يف غَم َر ٍة ساهو َن ﴿‪ ﴾١١‬يَسأَلو َن أَيّا َن يَو ُم الدّينِ ﴿‪ ﴾١٢‬يَو َم ُهم َع َل ال ّنا ِر يُفتَنو َن‬ ‫﴿‪ ﴾١٣‬ذوقوا ِفت َنتَكُم هـذَا الذي كُنتُم ِب ِه ت َستَعجِلو َن ﴿‪﴾١٤‬‬

‫سورة املرسالت‪:‬‬

‫َات فَ ْرقًا ﴿‪﴾٤‬فَالْ ُملْ ِق َي ِ‬ ‫شا ﴿‪﴾٣‬فَالْفَا ِرق ِ‬ ‫اش ِ‬ ‫َوالْ ُم ْر َس َل ِت ُع ْرفًا ﴿‪﴾١‬فَالْ َع ِاصف ِ‬ ‫ات ِذكْ ًرا ﴿‪ُ ﴾٥‬ع ْذ ًرا أَ ْو‬ ‫ات نَ ْ ً‬ ‫َات َع ْصفًا ﴿‪َ ﴾٢‬وال ّن ِ َ‬ ‫َت ﴿‪َ ﴾١٠‬وإِذَا‬ ‫الس َم ُء فُ ِر َج ْت ﴿‪َ ﴾٩‬وإِذَا الْ ِج َب ُال نُ ِسف ْ‬ ‫نُ ْذ ًرا ﴿‪﴾٦‬إِنَّ َا ت ُو َع ُدو َن لَ َوا ِق ٌع ﴿‪﴾٧‬فَ ِإذَا ال ّن ُجو ُم طُ ِم َس ْت ﴿‪َ ﴾٨‬وإِذَا ّ‬ ‫ِ‬ ‫﴿‪﴾١١‬لَ ِّي يَ ْو ٍم أُ ِّجل َْت ﴿‪﴾١٢‬لِ َي ْو ِم الْف َْصلِ ﴿‪َ ﴾١٣‬و َما أَ ْد َر َاك َما يَ ْو ُم الْف َْصلِ ﴿‪﴾١٤‬‬ ‫ال ّر ُس ُل أُقِّتَ ْت‬

‫من سورة ال ّنازعات‪:‬‬

‫ِقات َسبقًا ﴿‪ ﴾٤‬فَامل ُ َدبِّر ِ‬ ‫َالساب ِ‬ ‫الساب ِ‬ ‫ِعات غَرقًا ﴿‪َ ﴾١‬وال ّن ِاش ِ‬ ‫َوال ّناز ِ‬ ‫ات أَم ًرا ﴿‪ ﴾٥‬يَو َم‬ ‫ِحات َسب ًحا ﴿‪ ﴾٣‬ف ّ‬ ‫طات نَشطًا ﴿‪َ ﴾٢‬و ّ‬ ‫ُلوب يَو َم ِئ ٍذ وا ِج َف ٌة ﴿‪ ﴾٨‬أَبصا ُرها ِ‬ ‫خاش َع ٌة ﴿‪ ﴾٩‬يَقولو َن أَإِنّا لَ َمردودو َن ِف‬ ‫تَر ُج ُف ال ّرا ِج َف ُة ﴿‪ ﴾٦‬ت َت َب ُع َها ال ّرا ِدفَ ُة ﴿‪ ﴾٧‬ق ٌ‬ ‫الحا ِف َر ِة ﴿‪﴾١٠‬‬

‫من سورة التّكوير‪:‬‬

‫مس كُ ِّو َرت ﴿‪َ ﴾١‬و ِإذَا ال ّنجو ُم ان َك َد َرت ﴿‪َ ﴾٢‬و ِإذَا الج ُ‬ ‫حوش‬ ‫ِبال ُسيِّ َت ﴿‪َ ﴾٣‬وإِذَا ال ِعشا ُر ُعطِّلَت ﴿‪َ ﴾٤‬وإِذَا ال ُو ُ‬ ‫ِإذَا الشّ ُ‬ ‫َنب قُ ِتلَت ﴿‪﴾٩‬‬ ‫فوس ُز ِّو َجت ﴿‪َ ﴾٧‬وإِذَا املَوءو َد ُة ُس ِئلَت ﴿‪ِ ﴾٨‬بأَ ِّي ذ ٍ‬ ‫شت ﴿‪َ ﴾٥‬وإِذَا البِحا ُر ُس ِّج َرت ﴿‪َ ﴾٦‬وإِذَا ال ّن ُ‬ ‫ُح ِ َ‬ ‫السام ُء ك ُِشطَت ﴿‪َ ﴾١١‬وإِذَا ال َجحي ُم ُس ِّع َرت ﴿‪َ ﴾١٢‬وإِذَا ال َج َّن ُة أُزلِفَت ﴿‪َ ﴾١٣‬علِ َمت‬ ‫َوإِذَا ُّ‬ ‫شت ﴿‪َ ﴾١٠‬وإِذَا ّ‬ ‫الص ُح ُف نُ ِ َ‬ ‫حضت ﴿‪ ﴾١٤‬فَال أُ ِ‬ ‫َّس‬ ‫قس ُم بِال ُخ َّن ِس ﴿‪ ﴾١٥‬ال َجوا ِر ال ُك َّن ِس ﴿‪َ ﴾١٦‬واللَّيلِ إِذا َعس َع َس ﴿‪َ ﴾١٧‬و ُّ‬ ‫الصب ِح إِذا تَ َنف َ‬ ‫نَ ٌ‬ ‫فس ما أَ َ َ‬ ‫﴿‪﴾١٨‬‬ ‫‪25‬‬


‫البالغي يف القرآن‪:‬‬ ‫اإلزعاج‬ ‫ّ‬ ‫سنأتيكم ٍ‬ ‫بألف مثله‬

‫‪( Husam Ali‬حسن الجودي)‬

‫سورة العاديات (كلّها)‪:‬‬ ‫ِيات قَد ًحا ﴿‪ ﴾٢‬فَاملُغري ِ‬ ‫يات َضب ًحا ﴿‪ ﴾١‬فَاملور ِ‬ ‫َوالعا ِد ِ‬ ‫ات ُصب ًحا ﴿‪ ﴾٣‬فَأَث َر َن ِب ِه نَق ًعا ﴿‪ ﴾٤‬فَ َو َسط َن ِب ِه َجم ًعا ﴿‪ ﴾٥‬إِ َّن‬ ‫عث ما ِف القُبو ِر‬ ‫ا ِإلنسا َن لِ َربِّ ِه لَكَنو ٌد ﴿‪َ ﴾٦‬وإِنَّ ُه َعىل ذلِ َك لَشَ هي ٌد ﴿‪َ ﴾٧‬وإِنَّ ُه لِ ُح ِّب ال َخريِ لَشَ دي ٌد ﴿‪ ﴾٨‬أَفَال يَعلَ ُم إِذا بُ ِ َ‬ ‫الصدو ِر ﴿‪ ﴾١٠‬إِ َّن َربَّ ُهم ِبهِم يَو َم ِئ ٍذ لَ َخب ٌري ﴿‪﴾١١‬‬ ‫﴿‪َ ﴾٩‬و ُح ِّص َل ما ِف ُّ‬ ‫أيضا‪ ،‬لك ّن العامل املشرتك بني هذه اآليات هو أنها تبدأ بالقسم بأشيا ٍء غري مفهوم ٍة‪ ،‬فام هي الذّاريات‬ ‫و هناك غريها ً‬ ‫أيضا عىل تعابريٍ قصري ٍة غامض ٍة مثل ال ّنجوم انكدرت‪،‬‬ ‫ذر ًوا؟ أو ال ّنازعات غرقًا؟ أو العاديات ضب ًحا؟! بل وتحتوي اآليات ً‬ ‫والسامء كشطت‪ ...‬إلخ‪.‬‬ ‫والليل إذا عسعس (كنا نضحك عىل هذه اآلية حني كنا صغا ًرا)‪ّ ،‬‬ ‫وسرنى اآلن مناذ ًجا من سجع الكهنة من الذي كان موجو ًدا يف نفس الحقبة ال ّزمن ّية‪ ،‬والحظوا التّشابه بينه وبني أسلوب‬ ‫القرآن‪.‬‬

‫سجع منسوب لكاهن نرصاين ‪:‬‬

‫عبد املسيح‪ ،‬عىل جمل مشيخ‪ ،‬أىت سطيح‪ ،‬وقد أوىف عىل الرضيح‪ ،‬بعثك ملك ساسان‪ ،‬الرتجاس اإليوان‪ ،‬وخمود ال ّنريان‪،‬‬ ‫ورؤيا املوبذان‪ ،‬رأى إبالً صعابًا‪ ،‬تقود خيالً عرابًا‪ ،‬قد قطعت دجلة‪ ،‬وانترشت يف بالده‪ ،‬يا عبد املسيح‪ ،‬إذا كرثت التّالوة‬ ‫ٍ‬ ‫وملكات‬ ‫‪ ،‬وفاض وادي ساموة‪ ،‬وغاصت بحرية ساوة‪ ،‬وخمدت نار فارس‪ ،‬فليس الشّ ام لسطيح شا ًما‪ ،‬ميلك منهم ملوكًا‬ ‫آت ٍ‬ ‫الشافات وكل ما هو ٍ‬ ‫آت ثم قىض سطيح مكانه‪.‬‬ ‫عىل عدد ّ‬

‫سجع منسوب المرأة عرفت بال ّزبراء ‪:‬‬

‫واللوح الخافق‪ ،‬والليل الفاسق‪ ،‬والصباح الشّ ارق‪ ،‬وال ّنجم الطّارق‪ ،‬واملزن الوادق إ ّن شجر الوادي ليأود ختالً‪ ،‬ويرق أنيابًا‬ ‫عمالً‪ ،‬وإ ّن صخر الطّوا لينذر ثقالً‪ ،‬ال تجدون عنه معالً‪.‬‬

‫سجع منسوب إىل رجل يدعى ربيعة بن ربيعة ‪:‬‬

‫والشّ فق والغسق‪ ،‬والفتل إذا اتسق‪ ،‬إن ما أنباتك به لحق‪ ،‬يوم يجمع فيه األ ّولون واآلخرون‪ ،‬يسعد فيه املحسنون‪،‬‬ ‫ويشقى فيه املسيئون‪.‬‬

‫‪26‬‬


‫البالغي يف القرآن‪:‬‬ ‫اإلزعاج‬ ‫ّ‬ ‫سنأتيكم ٍ‬ ‫بألف مثله‬

‫‪( Husam Ali‬حسن الجودي)‬

‫سجع منسوب إىل رجل يدعى سطيح‪:‬‬

‫حلفت بالبيت والحرم‪ ،‬والحجر األصم‪ ،‬والليل إذا أظلم‪ ،‬والصبح إذا تبسم‪ ،‬وبكل فصي ٍح وأبكم‪ ،‬لقد خبأت يل دينا ًرا بني‬ ‫ال ّنعل والقدم!‬

‫سجع منسوب إىل شق بن صعب‪:‬‬

‫السامء بدعوات‪ ،‬يسمع منها األحياء واألموات‪ ،‬ويجمع فيه ال ّناس للميقات‪ ،‬يكون‬ ‫يوم تجزي فيه الواليات‪ ،‬يُدعى فيه من ّ‬ ‫فيه ملن اتقى الفوز والخريات!‬

‫السامء واألرض‪ ،‬وما بينهام من رفع وخفض‪ ،‬إن ما أنبتك به لحق‪ ،‬ما فيه امض!‬ ‫ورب ّ‬

‫الكاهن الخزاعي‪:‬‬

‫بعلم مسافر‪ ،‬من ٍ‬ ‫منجد وغائر‪ ،‬قد سبق‬ ‫والقمر الباهر‪ ،‬والكوكب ال ّزاهر‪ ،‬والغامم املاطر‪ ،‬وما بالجو من طائر‪ ،‬وما اهتدى ٍ‬ ‫هاش ُم أم ّي َة إىل املفاخر‪.‬‬

‫ُمسلمة بن حبيب (وهو املشهور عند املسلمني مبسيلمة الكذّاب)‪:‬‬

‫واللقامات‬ ‫واملبذرات زر ًعا‪ ،‬والحاصدات حص ًدا‪ ،‬والذّاريات قم ًحا‪ ،‬والطّاحنات طح ًنا‪ ،‬والخابزات خب ًزا‪ ،‬والثّاردات ثر ًدا‪ّ ،‬‬ ‫فضلتم عىل أهل الوبر‪ ،‬وما سبقكم أهل املدر‪ ،‬ريفكم فامنعوه‪ ،‬واملعرت فآووه‪ ،‬والباغي فناوئوه‪.‬‬ ‫لقم‪ ،‬إهال ًة وسم ًنا‪ ،‬لقد ّ‬ ‫ً‬ ‫ما هو أفضل وأجمل وأبلغ وأبني من القرآن‬ ‫عظيم يف ال ّنفوس‪ ،‬وفيه ف ٌّن عظي ٌم‬ ‫لكالم أد ٍيب جميلٍ ‪ ،‬ال يشب ُه القرآن يف األسلوب‪ ،‬ولكن له أث ًرا‬ ‫يف البداية‪ ،‬سنحرض أمثل ًة ٍ‬ ‫ً‬ ‫يف الصياغة‪ .‬فيه بالغ ٌة شديد ٌة وفصاح ٌة فريدةٌ‪ ،‬فام هو بشع ٍر وال نرثٍ وال سجعٍ‪ ،‬إنّ ا هو صو ٌر من صو ٍر فني ٍة جديد ٍة مل‬ ‫اللحقني‪ ،‬إ ْذ ظ ّنوها امتهانًا للشعر‬ ‫يعرفها األ ّولون‪ ،‬ومل تك ّن مام ابتكروه وصاغوه من الفنون‪ ،‬وإ ْن استنكرها قو ٌم من ّ‬ ‫وللغة العربية الجميلة‪ ،‬وهذه الصورة هي ما يعرف بالشّ عر الح ّر‪ ،‬او شعر التّفعيلة‪.‬‬

‫‪27‬‬


‫البالغي يف القرآن‪:‬‬ ‫اإلزعاج‬ ‫ّ‬ ‫سنأتيكم ٍ‬ ‫بألف مثله‬

‫‪( Husam Ali‬حسن الجودي)‬

‫كلامت سبارتكوس األخرية‪:‬‬

‫وهي أبياتٌ للشاعر أمل دنقل‪ .‬تحيك نهاية ثائ ٍر أرسه الحاكم وحكم عليه باإلعدام‪ ،‬ويقول فيها‪:‬‬

‫ألنّكم رفعتم رأسكم‪ ...‬م ّرة!‬ ‫الصخرة‪،‬‬ ‫سيزيف‪ ،‬مل تعد عىل أكتافه ّ‬ ‫يحملها الذين يولدون يف مخادع ال ّرقيق‪،‬‬ ‫والبحر‪ ..‬كالصحراء‪ ..‬ال يروى العطش‪،‬‬ ‫أل ّن من يقول ال‪ ،‬ال يرتوي‪ ...‬إالّ من ال ّدموع!‬ ‫فلرتفعوا عيونكم للثائر املشنوق‪،‬‬ ‫فسوف تنتهون مثله‪ ...‬غدا!‬ ‫وقبّلوا زوجاتكم‪ ...‬هنا‪...‬‬ ‫عىل قارعة الطّريق‪ ،‬فسوف تنتهون ها هنا ‪ ..‬غدا!‬ ‫فاالنحناء م ٌّر‪ ...‬والعنكبوت فوق أعناق ال ّرجال ينسج‬ ‫ال ّردى!‬ ‫فق ّبلوا زوجاتكم‪ّ ..‬إن تركت زوجتي بال وداع!‬ ‫يل الذي تركته عىل ذراعها بال ذراع‪...‬‬ ‫وإن رأيتم طف ّ‬ ‫فعلّموه االنحناء! علّموه االنحناء!‬

‫املج ُد للشيطان معبود ال ّرياح!‬ ‫من قال ال‪ ،‬يف وجه من قالوا نعم!‬ ‫من علّم اإلنسان متزيق العدم!‬ ‫وظل رو ًحا أبديّة األمل!‬ ‫من قال ال‪ ...‬فلم ميت‪ّ ،‬‬ ‫معل ٌّق أنا عىل مشانق الصباح‪ ،‬وجبهتي – باملوت‬ ‫– محن ّية‪،‬‬ ‫ألنّني مل أحنها‪ ..‬ح ّية!‬ ‫يا إخويت الذين يعربون يف امليدان مطرقني‪،‬‬ ‫منحدرين يف نهاية املساء‪،‬‬ ‫يف شارع االسكندر األكرب‪ :‬ال تخجلوا‪...‬‬ ‫ولرتفعوا عيونكم إ ّيل‪ ،‬ألنّكم معلقون جانبي‪...‬‬ ‫لربا‪...‬‬ ‫عىل مشانق القيرص! فلرتفعوا عيونكم إ ّيل‪ّ ،‬‬ ‫عيني‪ ،‬يبتسم الفناء‬ ‫إذا التّقت عيونكم باملوت يف ّ‬ ‫داخيل‪...‬‬

‫‪28‬‬


‫البالغي يف القرآن‪:‬‬ ‫اإلزعاج‬ ‫ّ‬ ‫سنأتيكم ٍ‬ ‫بألف مثله‬

‫‪( Husam Ali‬حسن الجودي)‬

‫حض قطع ًة أدبي ًة ت ُشبه القرآن يف صياغتها؟!‬ ‫فهل تشب ُه القطعة األدب ّية القرآ َن يف صياغتها؟! كال‪ ،‬ولكن‪ ،‬هل املطلوب أن نُ ّ‬ ‫أيضا‪ ،‬وسنوافيكم ببعض األمثلة يف الصفحات الالحقة‪.‬‬ ‫لو كان هذا هو املطلوب فهو سهل ً‬ ‫لقد آثرت أ ْن أختار قط ًعا أدب ّي ًة ال تشبه القرآن يف الصياغة‪ ،‬لكنها تحتوي عىل قد ٍر كبريٍ معج ٍز من البيان والبالغة‪ ،‬وتلمس‬ ‫ال ّنفوس‪ ،‬وتح ّرك الضمري واملشاعر‪ ،‬وال هي شع ٌر وال نرثٌ وال سج ٌع وال صور ٌة مام عرفه أوائل العرب‪.‬‬

‫ملحمة ال ّدعوة‪:‬‬ ‫وهي قطع ٌة أدب ّي ٌة لشاع ٍر إسالمي يدعى إبراهيم عزت‪ ،‬ويصف فيها االضطهاد الذي تع ّرض له اإلسالميون يف أزمن ٍة معين ٍة‪،‬‬ ‫وال أظ ّنه قد خطر بباله يو ًما ما أن اح ًدا سيعارض بكالمه القرآن‪ ،‬ولك ّني أراه جدي ًرا بذلك‪ ،‬فلنقرأ م ًعا‪:‬‬ ‫وبعدما رأيت ما رأيت‪ ،‬وبعدما عرفت ما عرفت‪ ،‬املوت حينام دنت مخالبه‪ ،‬والليل حينام اعتدى عىل الصباح ضاريًا‬ ‫أحب من رأت عيوننا‪ ،‬واختار من صفوفنا الكبار‪،‬‬ ‫يُغالبه‪ ،‬املوت كان أمنية‪ ،‬واملوت كان للجراح أغنية‪ ،‬واختار من صفوفنا َّ‬ ‫واختار من صفوفنا ال ّرجال صانعي ال ّنهار‪ ،‬واختار للذرى أحب ًة كرام‪ ،‬تحي ًة لهم سالم!‬ ‫كل أخرض! يا واحة األمانِ أقفري‪ ،‬قد استبيحت ال ُح َرم‪،‬‬ ‫الشود من يومها‪ ،‬من يوم أن تح َّرك الفناء فوق ِّ‬ ‫عيناي تسبحان يف ّ‬ ‫وسيقت ال ّنساء واألطفال لل ُحمم‪ ،‬ل ُيط َعموا لوحشة الظّلَم‪ ،‬ليطفئوا ابتسامة الصغري‪ ،‬ليهتكوا قداسة الحرم!‬ ‫لت رياحها بألف آه! الكون كلُّه‬ ‫وض ّجت األصوات تستغيث ربَّها‪ ،‬يف الليلة التي بىك بها الحص ُن من شهقة ال ّدماء‪ ،‬و ُح ِم ْ‬ ‫يقول آه! ويا لذلَّ ٍة تراد للجباه!‬ ‫سنابل العطاء واسجدي‪ ،‬وم ِّرغي تيجانك الشّ َّم َء يف ّ‬ ‫كل عود أمثرا!‬ ‫السواد فوق َّ‬ ‫تكسي َ‬ ‫الثى! يا خرضة ال ّزيتون‪ ...‬فلرتتدي ّ‬ ‫َّ‬ ‫السامء‪ ،‬وأكرثي عىل املحارم البكاء‪ ...‬أكرثي البكاء‪...‬‬ ‫السحاب طويف عىل ال ّديَّار‪ ،‬وأودعي بكل ِش ٍرب دمع ًة من ّ‬ ‫ويا مدامع ّ‬

‫يوميات امرأة‪:‬‬ ‫لطيف لذيذٌ‪ ،‬له حالو ٌة وعليه‬ ‫وهي قصيد ٌة عذب ٌة للشاعر نزار ق ّباين‪ ،‬وهو شاع ٌر عظي ٌم‪ ،‬كالمه ٌ‬ ‫سهل ممتن ٌع‪َ ،‬مب ٌني بليغٌ‪ٌ ،‬‬ ‫طالوةٌ‪ ،‬ونقرأ فيها‪:‬‬ ‫‪29‬‬


‫البالغي يف القرآن‪:‬‬ ‫اإلزعاج‬ ‫ّ‬ ‫سنأتيكم ٍ‬ ‫بألف مثله‬ ‫الحب تهري ًبا وتزوي ًرا؟‬ ‫ملاذا يف مدينتنا‪ ...‬نعيش ّ‬ ‫ونرسق من شقوق الباب موعدنا‪ ،‬ونستعطي ال ّرسائل واملشاويرا!‬ ‫ملاذا يف مدينتنا‪ ...‬يصيدون العواطف والعصافريا‪،‬‬ ‫ملاذا نحن قصديرا؟ وما يبقى من اإلنسان حني يصري قصديرا؟‬ ‫إحساسا وتفكريا؟‬ ‫ملاذا نحن مزدوجون‬ ‫ً‬ ‫ملاذا نحن أرض ّيون‪ ..‬تحت ّيون‪ ..‬نخىش الشّ مس وال ّنورا؟‬ ‫ملاذا أهل بلدتنا‪ ...‬ميزقهم تناقضهم؟‬ ‫ففي ساعات يقظتهم يسبون الضفائر والتّنانريا‪،‬‬ ‫وحني الليل يطويهم يضمون التّصاويرا؟‬ ‫أسآئل دامئًا نفيس‪...‬‬ ‫ملاذا ال يكون الحب يف ال ّدنيا لكل ال ّناس‪،‬كل ال ّناس!‬ ‫مثل أشعة الفجر؟‬ ‫ملاذا ال يكون الحب مثل الخبز والخمر‪...‬‬ ‫ومثل املاء يف ال ّنهر‪...‬‬ ‫ومثل الغيم‪ ،‬واألمطار‪ ،‬واألعشاب وال ّزهر؟‬

‫‪( Husam Ali‬حسن الجودي)‬

‫إنني أتحدى أن يقول يل أح ٌد أ ّن هذا الكالم ليس أفضل من القرآن! وأسأله – إن قال ‪ -‬عىل أي ٍ‬ ‫اساس أقمت تقييمك؟!‬ ‫فالفصاحة‪ ،‬موجودةٌ! والبالغة‪ ،‬موجودةٌ! والبيان‪ ،‬موجو ٌد! والتّأثري يف ال ّنفوس‪ ،‬موجو ٌد! له حالو ٌة وعليه طالوةٌ! وفوق‬ ‫طالسم فقط! فامذا تريدون أكرث من ذلك ليك تُق ّروا أ ّن هذا أفضل من القرآن؟!‬ ‫ذلك‪ ،‬فيه وحد ٌة موضوع ّي ٌة‪ ،‬وليس فيه‬ ‫ً‬

‫نهج البالغة‪:‬‬ ‫يل بن‬ ‫وهو مام استخدمه أحمد القبانچي يف محارضته عن تفنيد اإلعجاز‬ ‫البالغي يف القرآن‪ ،‬وهي ُخطب ٌة منسوبة لع ّ‬ ‫ّ‬ ‫يض»‪ ،‬ونظ ًرا ملا فيها من معانٍ فلسفي ٍة‬ ‫أيب طالب‪ ،‬ولكنها يف الحقيقة وصلتنا عن طريق كاتب نهج البالغة‪ّ ،‬‬ ‫«الشيف ال ّر ّ‬ ‫حتم ليست من أقوال عيل بن أيب طالب‪.‬‬ ‫عميق ٍة‪ ،‬مل تكن معروفة عند أحد من الصحابة مطلقًا‪ ،‬فهي ً‬ ‫أي من الذين كتبوا القرآن وألّفوه‪ ،‬وهي بذلك ليست‬ ‫مثل هذا الكالم‪ ،‬ومثل هذه األفكار‪ ،‬ما كانت لتخطر عىل بال ّ‬ ‫أيضا‪ ،‬وذلك من نوا ٍح كثرية‪ ،‬وقد جاء يف تلك‬ ‫أفضل من القرآن كصياغ ٍة أدبيّ ٍة فحسب‪ ،‬بل هي ُ‬ ‫أفضل منه فلسفيًا وبالغيًا ً‬ ‫ال ُخطبة‪:‬‬ ‫‪30‬‬


‫البالغي يف القرآن‪:‬‬ ‫اإلزعاج‬ ‫ّ‬ ‫سنأتيكم ٍ‬ ‫بألف مثله‬

‫‪( Husam Ali‬حسن الجودي)‬

‫ال َح ْم ُد لل ِه الذي الَ يَ ْبلُ ُغ ِم ْد َحتَ ُه القَائِلُونَ‪َ ،‬والِ يُ ْح ِص نَ ْع َم َء ُه ال َعا ُّدونَ‪ ،‬والَ يُ َؤ ِّدي َح َّق ُه الُم ْجتَ ِه ُدونَ‪ ،‬الذي الَ يُ ْدركُ ُه بُ ْع ُد‬ ‫ال ِه َم ِم‪َ ،‬والَ يَ َنالُ ُه َغ ْو ُص ال ِفطَنِ ‪ ،‬الذي لَ ْي َس لِ ِص َف ِت ِه َح ٌّد َم ْح ُدو ٌد‪َ ،‬والَ نَ ْع ٌت َم ْو ُجو ٌد‪َ ،‬وال َوق ٌْت َم ْع ُدو ٌد‪َ ،‬وال أَ َج ٌل َم ْم ُدو ٌد؛ فَطَ َر‬ ‫ِالص ُخو ِر َميَ َدا َن أَ ْر ِض ِه‪.‬‬ ‫اح ِب َر ْح َم ِت ِه‪َ ،‬و َوت َّ َد ب ُّ‬ ‫ش ال ّريَ َ‬ ‫ال َخالئِ َق ِب ُق ْد َرتِ َه‪َ ،‬ونَ َ َ‬ ‫الص لَ ُه‪َ ،‬وك َ​َم ُل ا ِإل ْخ ِ‬ ‫الص‬ ‫ديق ِب ِه‪َ ،‬وك َ​َم ُل التّ ْص ِد ِ‬ ‫أَ َّو ُل الدّينِ َم ْع ِرفَتُ ُه‪َ ،‬وك َ​َم ُل َم ْع ِرفَ ِت ِه التّ ْص ُ‬ ‫يق ِب ِه تَ ْو ِحي ُد ُه‪َ ،‬وك َ​َم ُل تَ ْو ِح ِيد ِه اإل ْخ ُ‬ ‫َات َع ْن ُه‪ ،‬لِشَ َها َد ِة ك ُِّل ِصفَة أَنَّها غ ْ َُي امل َ ْو ُص ِ‬ ‫الصف ِ‬ ‫الص َف ِة‪ ،‬فَ َم ْن َو َص َف الل َه ُس ْب َحانَ ُه‬ ‫وف‪َ ،‬وشَ َها َد ِة ك ُِّل َم ْو ُصوف أَنَّ ُه غ ْ َُي ِّ‬ ‫لَ ُه نَف ُْي ِّ‬ ‫فَ َق ْد قَ َرنَ ُه‪َ ،‬و َم ْن قَ َرنَ ُه فَ َق ْد ث َ َّنا ُه‪َ ،‬و َم ْن ث َ َّنا ُه فَقَد َج َّزأَ ُه‪َ ،‬و َم ْن َج َّزأَ ُه فَ َق ْد َج ِهلَ ُه‪َ ،‬و َم ْن أشَ ا َر إِلَ ْي ِه فَ َق ْد َح َّد ُه‪َ ،‬و َم ْن َح َّد ُه فَ َق ْد‬ ‫َع َّد ُه‪َ ،‬و َم ْن ق َ​َال‪ِ « :‬في َم؟» فَ َق ْد َض َّم َن ُه‪َ ،‬و َم ْن ق َ​َال‪َ « :‬عالَ َم؟» فَ َق ْد أَ ْخ َل ِم ُن ُه؛ كائِ ٌن الَ َع ْن َح َدث‪َ ،‬م ْو ُجو ٌد الَ َع ْن َع َدم‪َ ،‬م َع ك ُِّل‬ ‫شء الَ بِ ُقَا َرنَة‪َ ،‬وغ ْ َُي ك ُِّل يشء ال بِ ُ َزايَلَة‪ ،‬فَا ِع ٌل ال بِ َ ْع َنى الْ َح َرك ِ‬ ‫َات َواالْل ِة‪ ،‬بَ ِص ٌري إ ْذ الَ َم ْنظُو َر إلَ ْي ِه ِم ْن َخلْ ِق ِه‪ُ ،‬متَ َو ِّح ٌد إ ْذ الَ‬ ‫َْ‬ ‫َس َك َن يَ ْستَأْنِ ُس ب ِه َوالَ يَ ْست ْو ِح ُش لِ َفق ِْد ِه‪.‬‬ ‫كنزا ربا‪:‬‬ ‫مكتوب باللغة‬ ‫بي يحيى‪ ،‬وكتابهم‬ ‫وهو الكتاب املق ّدس للصابئة‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫املندائيي‪ ،‬وهي طائف ٌة يف العراق‪ ،‬يقال أنّهم أتباع ال ّن ّ‬ ‫املندائ ّية‪ ،‬وقد ُص ّدرت له ترجم ٌة بالعربية‪ ،‬وقام بصياغتها األدب ّية الشّ اعر العراقي الكبري «عبد ال ّرزاق عبد الواحد»‪ ،‬ونقرأ‬ ‫من الكتاب‪:‬‬ ‫الحي العظيم‪ ،‬البصري القدير العليم‪ ،‬العزيز الحكيم ۞ هو األزيل القديم‪ ،‬الغريب عن أكوان ال ّنور‪ ،‬الغني عن أكوان‬ ‫هو ّ‬ ‫رسة القلب وغفران الخطايا ۞‬ ‫ال ّنور ۞ هو القول ّ‬ ‫الحي العظيم‪ ،‬م ّ‬ ‫والسمع والبرص‪ ،‬الشّ فاء والظّـفر‪ ،‬الق ّوة والثّبات ۞ هو ّ‬ ‫رب األكوان جمي ًعا‪ :‬مس ّب ٌح أنت ٌ‬ ‫السامي ۞ الح ّنان‬ ‫السامي‪ ،‬ملك ال ّنور ّ‬ ‫مبارك‪ ،‬ممج ٌد‪ ،‬معظ ٌم‪ ،‬موقّ ٌر‪ ،‬قي ّـوم ۞ العظيم ّ‬ ‫يا ّ‬ ‫التّ ّواب ال ّرؤوف ال ّرحيم الحي العظيم ۞ ال ح َّد لبهائه‪ .‬وال م ًدى لضيائه ۞ املنترشة قوته‪ ،‬العظيمة قدرته ۞ هو العظيم‬ ‫الذي ال يرى وال ي ُــ َحـد‪ ،‬ال رشيك له يف سلطانه‪ ،‬وال صاحب يف صولجانه ۞ من يتكل عليه فلن يخيب‪ ،‬ومن يس ّبح باسمه‬ ‫السميع املجيب ۞ ما كان ألنه ما كان‪ ،‬وال يكون ألنه ال يكون ۞ خال ّد فوق األكوان ۞‬ ‫فلن يسرتيب‪ ،‬ومن يسأله فهو ّ‬ ‫ال موت يدنو منه وال بطالن ۞ األول منذ األزل‪ ،‬خالق كل يشء ۞‬ ‫السابق أفضل من القرآن‪ ،‬ولك ّنه عمو ًما مثل القرآن‪ ،‬يف صياغت ِه‪ ،‬وابهامه‪ ،‬وطالسمه‪ ،‬وانشغاله بتمجيد‬ ‫لن أقول أ ّن املقطع ّ‬ ‫الله بكلامت ت ُخ ّدر العوام‪ .‬ولو قضيت طفولتك تسمعه ُمرتالً و ُمجو ًدا‪ ،‬العتربته أفضل الكالم عىل اإلطالق!‬

‫‪31‬‬


‫البالغي يف القرآن‪:‬‬ ‫اإلزعاج‬ ‫ّ‬ ‫سنأتيكم ٍ‬ ‫بألف مثله‬ ‫خطبة قس بن ساعدة األيادي‪:‬‬

‫‪( Husam Ali‬حسن الجودي)‬

‫قسا! إنّه كان عىل دين أيب إسامعيل بن‬ ‫بي قال‪" :‬رحم الله ً‬ ‫و هو من املوحدين ما قبل اإلسالم‪ ،‬كام روى الطّربي أن ال ّن ّ‬ ‫أيضا‬ ‫إبراهيم "‪ ،‬كام رآه ال ّنبي قبيل البعثة يخطب يف ال ّناس يف سوق عكاظ ‪ ،‬وفيها الشّ به الكبري بالقرآن‪ ،‬وهو مشاب ٌه ً‬ ‫لسجع الكهان‪ ،‬ونقرأ فيها‪:‬‬ ‫يا أيّها ال ّناس اسمعوا وعوا‪ ،‬وإذا وعيتم فانتفعوا‪ ،‬إنّه من عاش مات‪ ،‬ومن مات فات وكل ما هو ٍ‬ ‫آت آت! مط ٌر ونباتٌ‬ ‫وأرز ٌاق وأقواتٌ وآبا ٌء وأمهاتٌ وأحيا ٌء وأمواتٌ ‪َ ،‬ج ْم ٌع وأشتاتٌ وآياتٌ ‪ٍ ،‬‬ ‫وأرض ذات رتا ٍج ‪،‬وبحا ٍر ذات أمواج!‬ ‫قسم ال حانثًا فيه وال‬ ‫ما يل أرى ال ّناس يذهبون فال يرجعون! أَ َرضوا باملقام فأقاموا؟ أم تُركوا هناك فناموا؟! أقسم قس ً‬ ‫آمثًا‪ ،‬إن لله دي ًنا هو أحب إليه من دينكم الذي أنتم عليه‪ ،‬ونب ًيا قد حان حينه وأظلكم أوانه‪ ،‬فطوىب ملن آمن به فهداه‪،‬‬ ‫وويل ملن خالفه وعصاه‪.‬‬

‫تقليد ألسلوب القرآن‪:‬‬ ‫ٌ‬ ‫سورة الثّورة‬

‫وهي محاول ٌة حديث ٌة لتقليد القُرآن يف األسلوب‪ ،‬مع مخالفته يف املضمون‪ ،‬ومصدرها األصيل هو مدونة‪ :‬كُن ح ًرا ‪ ،‬مع‬ ‫رص ٍف مني‪ ،‬ونقرأ منها‪:‬‬ ‫تَ ّ‬ ‫يَا أيّها الذين آمنوا مالكم إذا دعيتم للثورة ال تنهضون ۞ أرضيتم بالظّلم ربًّا أم عىل الله تتوكلون ۞ أم حسبتم أن الله‬ ‫الض فأنتم تنظرون ۞ فظننتم أنّا نُنجيكم من عذاب دنياكم أم عىل الله ت ّدعون ۞ إن الله ال يرزق أح ًدا‬ ‫راف ٌع عنكم ُ‬ ‫بغي دعوتم الله أن يرحمكم فانتظروا أيها البائسون ۞ قل لو‬ ‫من عباده بل أنتم إىل أنفسكم تركنون ۞ أفإن أصابكم ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫حق عىل الله أن يصيبكم بالجهل واملرض وليبلو ّن‬ ‫كان الله يرزقكّم ألسكنكم قصو ًرا وأمددكم‬ ‫بجنات وعيون ۞ كالّ إنّ ا َّ‬ ‫شعوبكم باألفيون ۞ ما كان الله ليصطفي أح ًدا من عباده وما بعث األنبياء من قبل بل كانوا ألنفسهم باعثني ۞ قل لو‬ ‫ذنب تعذبون ۞ آلله يأمركم بالظّلم أم عىل الله تفرتون ۞ أم ظننتم أن للظاملني عىل الله رزقًا‬ ‫فبأي ٍ‬ ‫مسيكم ّ‬ ‫كان الله ّ‬ ‫ساء ما تحكمون ۞ أم إله آخ ٌر يرزقهم أبالله ترشكون ۞ إمنا أرزاقكم من عمل أيديكم فهل أنتم متدبرون ۞ لقد كان‬ ‫لكم يف البالشفة أسو ٌة حسن ٌة أفال تتفكرون ۞ إنّهم قو ٌم آمنوا بحقهم وكانوا بربهم ملحدين ۞ وما استكانوا لوعد الله‬ ‫وما كانوا عليه متّكلني ۞ فقهروا عد ّوهم وكانوا لحقّهم آخذين ۞ قل إن كنتم تريدون الحياة ال ّدنيا فقوموا لظاملكم‬ ‫رصا وإياكم ّأل تتذكرون ۞ وأما من أراد اآلخرة وسعى لها وانتظر وعد ربه‬ ‫فهل أنتم فاعلون ۞ وال تنتظروا من الله ن ً‬ ‫فلينتظر إنّا معه منتظرون ۞‬ ‫‪32‬‬


‫البالغي يف القرآن‪:‬‬ ‫اإلزعاج‬ ‫ّ‬ ‫سنأتيكم ٍ‬ ‫بألف مثله‬

‫‪( Husam Ali‬حسن الجودي)‬

‫تمرسا‪ ،‬ومع ذلك فقد استطاع مجاراة القرآن يف األسلوب بشكلٍ رائعٍ‪ ،‬وهذا جدي ٌر‬ ‫من املُالحظ أ ّن كاتبها ليس أدي ًبا ُم ً‬ ‫بأن يُثبت لكل ٍ‬ ‫أي فق ٍر أد ٍيب‬ ‫باحث عن الحقيقة أ ّن أسلوب القرآن ليس بذلك ّ‬ ‫الشء املُعجز عىل اإلطالق! وباملناسبة‪ ،‬إ ّن ّ‬ ‫رخيص‬ ‫قد تجده يف سورة الثّورة‪ ،‬ميكن أن نجد مثله يف عدة أماكن يف القرآن! ومن يعرتض عىل أن هذا األسلوب تقلي ٌد ٌ‬ ‫السابقة اللتي يختلف أسلوبها عن أسلوب القرآن‬ ‫للقرآن‪ ،‬فقد اعرتف ضمن ًيا أن تقليد القرآن ٌ‬ ‫سهل‪ ،‬وسنحيله إىل األمثلة ّ‬ ‫كل ًيا‪.‬‬ ‫سورة ال ّدجاج‬ ‫بي حني جائته جامع ٌة من اليهود الخبثاء فسألوه من سبق‬ ‫وهي سور ٌة هزل ّي ٌة انترشت مؤخ ًرا عىل اليوتوب ! نزلت عىل ال ّن ّ‬ ‫السورة! وهي ال تخلو من ملسة كوميدية‪:‬‬ ‫اآلخر؟ البيضة أم ال ّدجاجة؟! فنزلت هذه ّ‬ ‫إنّا خلقنا ال ّدجاج خلقًا ۞ وسلقنا البيض سلقًا ۞ وأطلقنا مع ال ّرعد برقًا ۞ وجعلنا الج ّو طلقًا ۞ ومن يكفر بآياتنا شنقناه‬ ‫شنقًا ۞ ثم قطعنا له عنقًا ۞ ومن يطرق باب فاسق ٍة طرقًا ۞ ويفعل يف بيتها فسقًا فال أقسم بربيق ال ّدينار ۞ وال بنهيق‬ ‫الحامر ۞ ّإن أنا الله الخالق القهار ۞ فأطيعونِ وال تكونوا كفار ۞ و اتقوا يو ًما ال ينفع فيه درهم وال دوالر ۞ يوم‬ ‫يُقذف بالكافرين يف ال ّنار ۞ فال يستطيعون ص ًربا وال فرار ۞ أ ّما الذين اتقوا ربهم وكانوا أخيار ۞ فلهم جناتٌ تجري من‬ ‫تحتها األنهار ۞ وصناديق ويسيك ور ٍ‬ ‫اقصات بال خامر ۞‬ ‫سورة الالدينيون‬ ‫الالدينيون ۞ قو ٌم للعقل متّبعون ۞ بالعلم هم يستنريون ۞ بغريه ال يق َبلون ۞ وللخرافة هم رافضون ۞ عن الربهان‬ ‫هم ي َـبحثون ۞ بدونه ال يص ّدقون ۞ قوالً ليس عليه دليل ۞ وال إىل العلم بصد ِق ِه سبيل ۞ قال املؤمنون إ ّن قولهم‬ ‫ِ‬ ‫لخـالصهِم مـنه‬ ‫لكتاب محمد مـثيل ۞ وجح ُد ُه حـقًا نكـرا ُن جمـيل ۞ إ ّن عـذابَـهم لطـويل ۞ وليس‬ ‫لَـ َهزيل ۞ وليس‬ ‫ِ‬ ‫أي كفيل ۞ أق َ​َول الل ِه هم يرفضون ۞ ومبثله أن يَأتُوا يُريدون ۞ وأخطا ًء فيه ي ّدعون‬ ‫سبيل ۞ ولن يجدوا لهم ما خال الله ّ‬ ‫العلم ِخالفًا فيه يزعمون ۞ ومبنطق اإلغريق هم يَقيسون ۞ كال َم الله‪ ،‬و ُهم ومنطقهم مخلوقون ۞‬ ‫۞ مع ِ‬

‫‪33‬‬


‫البالغي يف القرآن‪:‬‬ ‫اإلزعاج‬ ‫ّ‬ ‫سنأتيكم ٍ‬ ‫بألف مثله‬

‫‪( Husam Ali‬حسن الجودي)‬

‫خامتة وتعقيب‬

‫فقت يف أن أبني عىل عجلٍ سخافة التّحدي القرآين باإلتيان مبثل القرآن‪.‬‬ ‫ختا ًما‪ ،‬أرجو أن أكون قد ُو ُ‬ ‫وطب ًعا هناك طعو ٌن كثري ٌة عىل التّحدي القرآين مل نتطرق لها أصالً‪ ،‬فالتّحدي من أساسه فاس ٌد‪ ،‬ألنّه يريد إثبات «حقيق ٍة‬ ‫خيص»‪ ،‬وبلغ ٍة ال يتحدث بها سوى قل ٍة قليل ٍة من ُسكّان الكرة األرضيّة! بل األصح‬ ‫كوني ٍة» مبعايري تعتمد عىل «الذّوق الشّ ّ‬ ‫أنّها لغ ٌة «منقرضة»‪ ،‬ال أحد م ّنا يتحدثها فعال كلغته األم؛ إنّ ا تعلّمناها يف املدارس ومن الكُتب والصحف والتّلفاز‪ ،‬ولو‬ ‫قرأ أحدنا قطع ًة من ُمعلقات الشّ عر العريب يف ِحقبة ما قبل اإلسالم‪ ،‬فلن نفه َم منها شيئًا!‬ ‫مكتوب باللغة الصين ّية القدمية‪ ،‬وقالوا لك أ ّن كتابهم هذا‬ ‫كتاب‬ ‫ٌ‬ ‫فام موقفك لو جائتك جامع ٌة ديني ٌة من الصني‪ ،‬ومعهم ٌ‬ ‫«معج ٌز بالغ ًيا» مبعايري البيان والفصاحة باللغة الصين ّية القدمية هذه‪ ،‬وأ ّن هذا هو دليلهم عىل أ ّن دينهم هو من عند‬ ‫خالق الكون؟!‬ ‫الهوامش‪:‬‬ ‫البخاري‪ ،‬حديث رقم ‪ ،25:‬ومسلم‪ ،‬حديث رقم‪22 :‬‬ ‫تفسري الطّربي‪ ،‬تفسري سورة املائدة‪ ،‬القول يف تأويل قوله تعاىل وال آمني البيت الحرام يبتغون فضال من ربهم ورضوانا‪ ،‬ص ‪480‬‬ ‫العقد الفريد‪ ،‬ابن عبد ربه األندليس‪ ،‬الجزء األول ‪ ،-16‬وفود عبد املسيح عىل سطيح جرير بن حازم‬ ‫شذور األمايل‪ ،‬أبو عيل إسامعيل بن القاسم القايل‪ ،‬مطلب حديث زبراء الكاهنة مع بني رئام من قضاعة‬ ‫العرب قبل اإلسالم‪ ،‬سيد القمني‬ ‫فنون العجائب‪ ،‬الحافظ أيب سعيد ال ّنقاش‪ ،‬فصل‪ :‬حديث قس بن ساعدة وما بدا من عجائبه‬ ‫األعالم‪ ،‬خري الدّين ال ّزركيل‪ ،‬طبعة دار العلم للماليني‪ ،‬بريوت‪1978 ،‬م‪ ،‬املجلد الخامس‪ ،‬ص‪236 :‬‬ ‫‪http://kon-horan.blogspot.com/2010/05/blog-post_14.html‬‬ ‫‪http://www.youtube.com/watch?v=l4SoWRY83bo‬‬ ‫‪http://atheerkt.blogspot.ca/2006/12/blog-post_8500.html‬‬

‫‪http://www.youtube.com/user/fiberoty?feature=watch‬‬ ‫‪https://www.facebook.com/theblackducks‬‬ ‫‪https://twitter.com/eskandarany‬‬ ‫برنامج حواري عىل اليوتيوب تدعم بعض حلقاته رشكة‬ ‫‪ ، Google‬يهدف بالدرجة األوىل إىل إجراء الحوار مع‬ ‫امللحديني والالدينيني املرصيني ‪ ،‬واملتحدثني منهم للغة‬ ‫العربية من ُمجتمعاتنا يف الرشق األوسط وشامل أفريقيا ‪،‬‬ ‫فكرة وتنفيذ اسامعيل محمد‬ ‫‪34‬‬


facebook group :https://www.facebook.com/groups/358777197583418 Blog :

https://www.aamagazine.blogspot.com

facebokPage :

https://www.facebook.com/pages/AAMagazine/498136386890299

35


‫‪Tulam Serv‬‬ ‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫توالم سريف ‪ ..Tulam Serv‬ناشط وكاتب شهري مناهض للدين‪.‬‬ ‫درس الهندسة املدنية ّإل أنه تخصص مهن ًّيا يف الشبكات والربمجة وكان‬ ‫عض ًوا ً‬ ‫فاعل بالحزب الشيوعي العراقي‪ .‬شارك يف منظامت عديدة كحركة السالم‬ ‫وأسس يف أملانيا منظم ًة للتضامن‬ ‫إليقاف ال َّتسلُّح النووي ومنظامت حقوق الطلبة ّ‬ ‫مع املرأة العراقية يف الدفاع عن حقوقها‪.‬‬ ‫ُملحدٌ من أصلٍ‬ ‫ٌ‬ ‫وفعال عىل (الفيسبوك)‬ ‫قوي‬ ‫شيعي ٌ‬ ‫مقيم يف أملانيا منذ أكرث من ثالثني عا ًما وله وجو ٌد ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫كاتب شه ٌري يف الحوار املتمدن وضيفنا اليوم يف هذا اللقاء‪.‬‬ ‫منذ الـ ‪ٌ ،2007‬‬ ‫س‪ -1‬أهال بك توالم "يف حوار مع" ‪ ..‬هل من يش ٍء أغفلناه وتود إضافته؟‬ ‫جوانب أخرى تتعلق باملجتمع البرشي وأخرى‬ ‫ج‪ -‬ما تم ذكره أعاله يخص الناحية التعليمية والسياسية ولكن هناك‬ ‫ٌ‬ ‫تقدمت للحكومة العراقية بثالث‬ ‫ُ‬ ‫يف االقتصاد كذلك حياة الشعب العراقي‪ .‬بعد عام ‪ 2003‬وبعد سقوط صدام حسني‬ ‫لحل أزمات العراق يف املاء والكهرباء ويف املجال املعلومايت‪ .‬ولكن يظهر أن ل َن ْه ِب العراق أولوي ٌة ُعليا عند‬ ‫مشاريع ِّ‬ ‫بدأت‬ ‫أي اهتامم‪ .‬أما فيام يخص املجتمع البرشي فقد ُ‬ ‫بعض الجهات املسؤولة ولهذا مل تحصل هذه املشاريع عىل ّ‬ ‫مرشوع كتاب لعرض املجتمع البديل منذ أكرث من ‪ 9‬سنوات وال أعلم إن كنت سأكمله‪.‬‬ ‫س‪ -2‬بداي ًة‪ ،‬علينا عندما ننظر ألي شخصية أن نعاين بدق ٍة البيئة التي أزهرت فيها‪ .‬هال وصفت لنا ورسمت صورة‬ ‫ملرسح األحداث التي قدّ مت لنا توالم سريف ؟‬ ‫ج‪ -‬مرسح األحداث ميل ٌء باملعاناة والكثري من الثورات عىل واق ٍع ترتسخ فيه الال انسانية وتُسحق به كرامة االنسان‬ ‫حاصا من قبل دكتاتورية البعث‬ ‫يف كل مكان‪ :‬يف البيت‪ ،‬يف املدرسة‪ ،‬يف الشارع‪ ،‬وحتى أماكن الرتفيه‪ .‬اإلنسان كان ُم َ ً‬ ‫‪36‬‬


‫‪Tulam Serv‬‬ ‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫واإلعدامات والتعذيب من جه ٍة والتخلف والجهل والتمسك بالتقاليد البائسة من جه ٍة أخرى‪ .‬مع ذلك كنا‪ ،‬أنا‬ ‫ومجموعة الشبيبة من أبناء الجيل الذي أنتمي اليه‪ ،‬كنا نصنع ثغرات التنفس بأيادينا‪ ،‬أقمنا دور ٍ‬ ‫ات نقاشي ٍة للبحث‬ ‫كتب مختلف ٍة يف األدب الرويس أو االنكليزي أو العريب وغريها‪ ،‬وال أنىس طب ًعا كت ًبا تحررية مثل كتابات الدكتورة‬ ‫يف ٍ‬ ‫نوال السعداوي‪.‬‬

‫عميق عىل الحجر فكيف كانت مرحلة الطفولة بالنسبة لك؟ وماذا تستطيع أن‬ ‫كنقش‬ ‫س‪ -3‬الطفولة ترسم شخصياتنا ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫تخربنا عن طبيعة عائلتك ونشأتك؟‬ ‫ألسباب عائلي ٍة ال أود ذكرها اآلن‪ .‬محاوالت التطور يف مجتمعنا بطيئ ٌة بسبب التقاليد التي‬ ‫ج‪ -‬مل أعش طفول ًة سعيد ًة‬ ‫ٍ‬ ‫تحكمه‪ ،‬أحيانًا الرباءة أو الصدفة تساعد بشكلٍ او بآخ ٍر يف زرع بذور الشك والتمرد‪ .‬بداية الثورة عىل هذه التقاليد‬ ‫ٍ‬ ‫وبسؤال يخص املرأة‪ ،‬حيث كان بالقرب من مسكننا دارين متجاورين متشابهني يف‬ ‫بدأت عندي بعمر الثالث عرش‬ ‫رجل متزوج بامرأتني‪ ،‬فتسائلت‬ ‫الشكل والتصميم واأللوان‪ .‬سألت عن سبب هذا التشابه فقيل يل أن صاحب البيتني ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫بعنف عىل رقبتي‪ ،‬هنا بدأت بوادر الشك بعدم وجود‬ ‫فضبت‬ ‫عندها وبكل براء ٍة وملاذا التتزوج املرأة برجلني أيضً ا‪ُ ،‬‬ ‫اإلنْصاف اإلنساين يف املجتمع ورسعان ما لحقه الشك بالدين‪ .‬هذا من الناحية االجتامعية‪ ،‬أما من ناحية الشخصيات‬ ‫التي كان لها تأثري عىل التوجهات الفكرية والعلمية عندي فقد بدأت ً‬ ‫أول بشخصية من عامل الفيزياء وهو العامل‬ ‫البالس الذي أعطى صورة عن والدة األكوان ومن بعدها اينشتاين‪ .‬قررنا أنا وأصحايب قراءة كتاب النظرية النسبية‬ ‫علمي خارج منهاج املدرسة‪.‬‬ ‫لكتاب‬ ‫الذي نزل إىل األسواق‪ ،‬مل نفهم منه الكثري حينها ولكننا شعرنا باإلنجاز يف قراءتنا‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫تعرفت عىل األفكار الشيوعية عن طريق كتب ماركس وانجلز ولينني وفهد‪ ،‬وطب ًعا بسبب نقد الشيوعية لهيجل وكانط‬ ‫ُ‬ ‫وفيورباخ كانت هناك حالة اضطرارية للتوجه يف قراءة كتب هؤالء الفالسفة بعض اليشء أيضً ا ولحسن الحظ طب ًعا‪.‬‬ ‫مهام كان من أمر‪ ،‬بقيت حادثة الرضبة التي تلقيتها بسبب سؤايل عن زواج املرأة برجلني هي القضية األساسية التي‬ ‫جم اهتاممي بشكلٍ واضحٍ تجاه‬ ‫ترافقني دامئًا مهام تش ّعبت اهتاممايت ونشاطايت‪ .‬وهي التي جعلتني الحقًا أصب ّ‬ ‫املرأة واإلنسانية وبكل حديّة مع الرجل ومع املرأة أيضً ا‪ .‬بإختصار‪ ،‬املرأة والشيوعية والفلك هم من جعلوا مني توالم‬ ‫سريف اآلن‪ .‬وللتوضيح فقط‪ ،‬ال احبذ استخدام كلمة ملحد إمنا إنسان فقط‪ .‬فكلمة ملحد تستخدم من قبل أهل الدين‬ ‫ولدي قناعة كاملة أنه سيأيت يوم سوف تنقرض هذه الكلمة اذ تنعدم الحاجة الستخدامها‪.‬‬ ‫‪37‬‬


‫‪Tulam Serv‬‬ ‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫س‪ -4‬هل كان هناك ردة فعل من العائلة واألهل واألصدقاء؟ كيف كانت املواجهة؟ وهل كان هناك خسائر شخصية‬ ‫بالنسبة لك؟‬ ‫ج‪ -‬طبعاً‪ .‬كانت هناك معارضة قوية من قبل األهل بطبيعة الحال ولكن لحسن حظي كان يل أقرباء شيوعيني مام‬ ‫يل‪ .‬تعرض الكثري منهم للسجن والتعذيب وقد نالني نصيب منها حيث تم اعتقايل‪ ،‬ولكني مل أتعرض‬ ‫ه ّون املواجهة ع ّ‬ ‫وقع كب ٌري يف ملّة الشيعة وخاصة العراقيني‪ .‬الحرية التي‬ ‫لقب له ٌ‬ ‫للتعذيب بسبب سمعة والدي امللقب بـ (السيد) وهو ٌ‬ ‫رافقتني دامئًا هي أنني مل أكن أعلم من هو صديقي بني هذا الكم الهائل من األعداء‪ .‬املكان الوحيد الذي كنت أشعر‬ ‫باألمان فيه هي تلك املجموعة التي كانت تحتوي نقاشاتنا واّطالعاتنا العلمية واألدبية‪.‬‬

‫سيايس فعال‪ .‬ماذا تستطيع أن تحيك لنا عنه؟ دوافعه وإنجازاتك فيه؟‬ ‫اك‬ ‫س‪ – 5‬كان لك يف املايض حر ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫يختلف كث ًريا عن املجال الحيايت اليومي سوى أنك تأخذ ما تقوم به أو تعيشه يف الحياة اليومية‪،‬‬ ‫ج‪ -‬املجال السيايس ال‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫تبحث عن خلفيته يف الحياة السياسية وتعكس وجهة نظرك فيه عىل شكل مظاهر ٍ‬ ‫ندوات‬ ‫ات أو اعتصام أو عقد‬ ‫ومحارضات‪ .‬املشكلة يف الحياة السياسية أنك تعيش جميع األحداث يف آنٍ واح ٍد او األصح أنك تحمل أنوا ًعا من الثقل‬ ‫يف وقت واحد‪ ،‬كيف تقف ضد الطغاة‪ ،‬كيف تدافع عن حقوق املرأة‪ ،‬كيف تدافع عن حقوقك وكيف تنرش الوعي‬ ‫وكيف تطور نفسك أيضً ا‪ .‬كل هذا وأنت يف بداية فرتة الشباب‪ ،‬وكيف تعمل بكل هذا وأنت مطارد من ِق َبل السلطات‬ ‫أي من تلك األعامل‪ ،‬ألنني من النوع الذي ال يقبل أبدً ا‬ ‫وأجهزة األمن‪ .‬حال ًيا ال أستطيع إطالق تسمية إنجازات عىل ٍّ‬ ‫أنْ يرى استمرارية الحالة الطاغية حتى لو كان هناك تغيري جزيئ‪ ،‬لذا فأنا ال أعترب التغيري الجزيئ إنجازًا إال بعد أن أرى‬ ‫تغي ًريا كل ًّيا يف املجتمع‪ ،‬رمبا يعود السبب إىل عمري حيث تجاوزت الخمسني ببضع سنوات‪ ،‬فتزداد الرغبة مبشاهدة‬ ‫التغيري ّ‬ ‫الكل ليك أطمنئ‪.‬‬

‫‪38‬‬


‫‪Tulam Serv‬‬ ‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫س‪ -6‬رغم حامسك الكبري له وتأثريك تركت العمل السيايس منذ فرتة‪ .‬ملاذا؟‬ ‫ٍ‬ ‫مجاالت مختلف ٍة ومطاطي ٍة عالية تصل إىل حد التنازالت أحيانًا‪ .‬شخص ًّيا‪ ،‬مل‬ ‫ج‪ -‬النشاطات السياسية تحتاج إىل قو ٍة يف‬ ‫أ ُعد أحتمل تلك املطاطية عىل حساب الناس الط ّيبة‪ ،‬ال ميكنني خيانة مباديئ لصالح الحصول عىل شعبية أكرث‪ ،‬وهذا‬ ‫ما كان يحدث كثريًا‪ ،‬لنأخذ ً‬ ‫مثل الحزب الشيوعي العراقي‪ ،‬يف السابق كنا نتعجب ونأخذ الخرب بنوعٍ من السخرية حني‬ ‫نسمع بأن الحزب الشيوعي الفالين يعرتف بوجود الله‪ ،‬واآلن أقرأ وأسمع بأن اإلسالم دخل الحزب الشيوعي العراقي‪.‬‬ ‫هذا أم ٌر ضد املبادئ الشيوعية متا ًما‪ .‬هناك معسكرين‪ :‬املثالية واملادية‪ .‬األديان جميعها محسوبة عىل معسكر املثالية‪،‬‬ ‫بينام الشيوعية محسوبة عىل معسكر املادية‪ ،‬ويعمل باملادية الديالكتيكية‪ ،‬أي من املستحيل تغري املادية الديالكتيكية‬ ‫إىل يش ٍء يسمى املثالية الديالكتيكية‪ ،‬هذا املصطلح غري موجود‪ .‬مسلم شيوعي يعني "يبوس حجر ويرمي حجر‬ ‫من جهة" ويذهب ويتحدث عن أنواع البرش وتاريخ اإلنسان وعمر اإلنسان الذي يعارض الدين‪ .‬مسلم شيوعي‬ ‫يعني يصيل إىل ربه أن يحميه من الجن برضبة نيزك‪ ،‬ويذهب ليرشح انفجار النجوم وأصل النيازك يف الكون‪ .‬هذه‬ ‫التناقضات يرفضها كل فر ٍد واعٍ وحتى من هم يف الحزب الشيوعي نفسه! عىل كل حال هذه التحالفات وتحالفات‬ ‫أخرى تعطي أوجه غري صادقة جعلتني أترك ساحة السياسة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫كتابات كثري ٍة فاقت السبعني مقال يف الحوار املتمدن حول الدين والسياسة ومواقع ومدونات أخرى‪ ،‬هل‬ ‫س‪ -7‬لك‬ ‫تعتقد أنك أثرت بهذا التحول من السياسة للكتابة الرقمية أكرث؟ وكيف؟‬ ‫ج‪ -‬النشاط السيايس إىل يومنا هذا يعني‪ ،‬دامئًا رصف ٍ‬ ‫مطلب معني ولكنه مازال‬ ‫وقت كثري إلنجاز جز ٍء مع ٍني أو تحقيق‬ ‫ٍ‬ ‫رضوري لألسف‪ ،‬تنتهي هذه الرضورة يف حالة وجود بديلٍ انسا ٍين يشمل الوطن األرض‪ .‬كتابايت التي زادت عىل ال ‪١٢٠‬‬ ‫ٍ‬ ‫مقال إىل اآلن يف مختلف مواقع التواصل االجتامعي والسيايس يف االنرتنت كانت أسهل وأرسع‪ .‬أي انها حملت قو ًة‬ ‫أكرب وتأثريًا أكرث فعالية من نشاطايت السياسية‪ .‬وحسب تجربتي‪ ،‬املقال للفرد الواحد ينترش أرسع من النشاط لعرش‬ ‫افراد‪ .‬عدا عن ذلك‪ ،‬الذين يقرؤون املقال هم أكرث من الذين يشاركون النشاط السيايس‪ ،‬وكم من محاول ٍة إلقناع البرش‬ ‫يف ٍ‬ ‫نشاط مع ٍني باءت بالفشل‪ ،‬املقال تقرأه وأنت موجود يف غرفة النوم‪.‬‬ ‫‪39‬‬


‫‪Tulam Serv‬‬ ‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫س‪ -8‬لك أفكا ٌر شجاع ٌة تتحدى التابوهات املعارصة مثل نظرتك لأليديولوجيات السائدة يف معظم دول املنطقة ‪ .‬فهل‬ ‫ترى أن الدين والسياسة مرتبطني ببعضهام وألي درجة ؟‬ ‫ج‪ -‬مل ينفصل الدين يو ًما عن السياسة‪ ،‬ومل ترتك السياسة ذخريتها الدينية يو ًما‪ ،‬الدين عىل األرجح ُوجد قبل السياسة‪،‬‬ ‫تم اخرتاع الدين يف البِدء كفكر ٍة لنرش نفوذ حكيم املجموعة أو الشامان ثم جاءت كيفية تطبيقه أي السياسة‪ .‬مازالت‬ ‫سلوب مؤث ٍر لنرش النفوذ وإقناع اإلنسان البسيط؛ والشعب ميلء بالبسطاء‪.‬‬ ‫أغلب األحزاب السياسية تستخدم الدين كأُ ٍ‬ ‫فرتى الرؤساء وامللوك يصنعون أديانًا تحمل بصمة أساميهم‪ .‬صدام خَلق إسالم صدامي‪ ،‬مبارك خَلق إسالم مباريك‪،‬‬ ‫وامللك حسني خَلق إسالم حسيني وعىل نفس الشاكلة يف الدول املسيحية‪ ،‬امللكة إليزابيث مرتبطة بصلوات الكنيسة‬ ‫أيام االحد بشكلٍ مبارش‪.‬‬ ‫س‪-9‬ا ًذا ماذا يعني الله أو الدين أو حتى اإللحاد بالنسبة لك؟‬ ‫ج‪ -‬أبدأ من الكلمة االخرية اإللحاد‪ .‬حقيق ًة أستخدم كلمة ملحد فقط لسهولة إيصال الفكرة للمقابل‪ ،‬كلمة ملحد‬ ‫تحمل صبغة ال أرغب بها‪ ،‬فقد استخدمها وما يزال املسلم يستخدمها بشكل أكرث قوة من استخدامي لها‪ .‬أُفضِّ ل كام‬ ‫ذكرت استخدام كلمة إنسان فقط‪ ،‬ولكن هذه الكلمة تبدو غريبة يف يومنا هذا‪ .‬قبل الله والدين يجب فهم اإلميان‪،‬‬ ‫االميان هي حالة تحدث عند اإلنسان سببها عدم املعرفة‪ ،‬هذه الحالة قد تؤدي إىل الخوف أو الفضول‪ ،‬ولذلك ميكن‬ ‫وصف اإلميان بأنه نتيج ٌة هورموني ٌة ويكون اإلميان مطلق‪ .‬ال ميكننا التعامل مع املُطْلَق يف حياتنا اليومية‪ ،‬ألنّ اإلنسان‬ ‫نسبي‪ .‬ولهذا السبب يجب اخرتاع أدوات نتعامل بها مع بعضنا داخل املجموعة الواحدة أو بني املجاميع البرشية‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫فاخرتع االنسان إل ًها‪ ،‬ووجد هذا االخرتاع غري ٍ‬ ‫وصفات ناقصة ٍ فاخرتع إل ًها آخ ًرا‪،‬‬ ‫صفات مطلق ٍة‬ ‫كاف أو أنه يحمل‬ ‫سهل تَدا ُولُه بني البرش‪ .‬دام هذا األمر لغاية ظهور‬ ‫وتعددت اآللهة حسب الحاجة‪ ،‬وأُخرتع الدين كأُسلوب بريوقراطي ٌ‬ ‫الله التوحيدي الذي يجمع الكل ووقع يف ورطة‪ .‬فاإلميان هو البنية الفوقية للدين والله‪ ،‬أي ميكنك ترك دين ودخول‬ ‫دين آخر‪ .‬أو ترتك الله هذا وتعبد ستونهينج‪ ،‬ال يختلف األمر وهذا ما يحصل عند البعض حني يقول بأنّه كان ملحدً ا‬ ‫سنني طويلة وعاد اىل اإلسالم‪ ،‬يف الحقيقة‪ ،‬أنّه مل يكن ملحدً ا ولو للحظة واحدة‪ ،‬كان يضحك عىل الناس وعىل نفسه‪.‬‬ ‫حني نفهم حقًا ما هو اإلميان سينتهي مفهوم اإلميان ويبقى فقط نتيج ًة إلفراز هورمونات بسبب عدم معرفتنا‪.‬‬ ‫‪40‬‬


‫‪Tulam Serv‬‬ ‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫ٍ‬ ‫أزمات عىل جميع األصعدة ويجتمع الكثريون بأنّ أكرث الحلول والعالجات الفعالة هي التوحد‬ ‫س‪ -10‬تُعاين املنطقة من‬ ‫والتجمع ومشاركة املوارد والجهود لهدف مشرتك‪ .‬ويرى البعض يف الدين هذا العامل الالصق للقوى واملوارد‪ ،‬فام رأيك؟‬ ‫حل مشاكل كثرية ولكن يجب اختيار نوع الوحدة الصحيح الذي‬ ‫ج‪ -‬بالتأكيد‪ ،‬وِحدة أكرث من مجموعة تُساعد عىل ِّ‬ ‫يَخدم جميع األطراف‪ .‬والتاريخ برهن أنّ الوحدة الدينية او القومية ما هي إال احتالل وعامل تفرقة‪ً .‬‬ ‫مثل‪ ،‬نأخذ العرب‬ ‫أو القومية العربية‪ ،‬العرب تعني الفئة املتنقلة أو ما يسمى اليوم بـ البدو‪ .‬ليس لها أي صلة بالقومية فهي كلمة من‬ ‫اللغات السامية اآلشورية القدمية يف اإلسالم حاول املسلمون إعطاء جذو ٍر لهذه الكلمة فاستخدموا الخرافات اليهودية‪.‬‬ ‫ذلك الدين الذي كان يف األصل وثن ًّيا ون َ​َسبوا كلمة العرب اىل أصل يعرب ثم نوح ثم آدم‪ ،‬الكذبة تبدأ من ُهنا ألنّ‬ ‫شخصيات وهمي ٌة اخرتعها السومريون‪ .‬قصة نوح مقتبسة من ملحمة جلجامش وهي‬ ‫ٌ‬ ‫شخصية نوح وشخصية آدم هي‬ ‫ذاتها قصة أتونابشتم الذي ساعده اإلله إنيك‪ ،‬وقصة آدم هي ذاتها قصة محاوالت اإلله إنيك يف صناعة اإلنسان األمثل‬ ‫الذي فشل فيها عدة مرات ونجح بعد تدخل زوجته نينيك‪ .‬من الناحية األخالقية تكون غري مقبولة أن تنسب مجموعة‬ ‫من الناس إىل قص ٍة خرافي ٍة كذب أي ال يشء‪ .‬وكأننا نقول أصل التمساح يعود إىل التنني‪ ،‬هذه إهانة بالرغم من عظمة‬ ‫بأي ع ٍني أواجه األكراد يف معاناتهم التاريخية؟‬ ‫بأي ٍّ‬ ‫حق أقول‪ ،‬نحن عرب؟ وأضطهد االمازيغ أتوماتيكيا‪ِّ ،‬‬ ‫خرافة التنني‪ِّ .‬‬ ‫باملناسبة االستعامر اإلسالمي هو الذي فرض علينا هذه التسمية أي العرب‪ .‬واإلسالم نفسه يرى يف األكراد‪ ،‬اقتباس‪:‬‬ ‫حي من أحياء الجن‪ .‬قد يرى البعض يف طرحي هذا انعدم يف الحس اإلنساين‪ ،‬هذه النظرة محدودة وضيقة‬ ‫األكراد ٌّ‬ ‫فنظريت للكوردي أو االمازيغي أو أي انسانٍ عىل هذه األرض هي نظرة واحدة‪" ..‬إنسان"‪.‬‬ ‫س‪ -11‬أنت من خلفي ٍة شيعي ٍة ومن مدينة النجف واملذهب الشيعي بكل فروعه يعاين من اإلساءة له ورميه بالكثري‬ ‫من األفكار املسبقة من ِق َبل األغلبية السنية يف العامل ككل‪ ،‬وبحسب خربتك وخلفيتك ماذا تستطيع أن تقول لنا؟‬ ‫أي ِملَّة يف الحكم والنفوذ‬ ‫ج‪ -‬ال أرى أهمية يف التسمية ُس ّن ًة كانت أم شيع ًة‪ ،‬لقد علّمنا التاريخ اإلسالمي أنّ ارتقاء ّ‬ ‫يزيد بطشها فتقوم بقتل أو اضطهاد كل من يخالفها‪ ،‬نحن رأينا قتل املسيحيني من قبل الشيعة وقتل الشخصيات‬ ‫املتعلمة يف الجامعات والخطف يف العراق إىل آخره من األعامل اإلرهابية‪ .‬وجميع الرشائح تشرتك دو ًما باضطهاد املرأة‬ ‫وتحقريها‪ .‬رشاسة هذه الرشائح هي اإلشارة الواضحة من عالمات نهاية هيمنة الدين كام حدث يف نهاية العصور‬ ‫الوسطى يف أوروبا‪.‬‬ ‫‪41‬‬


‫‪Tulam Serv‬‬ ‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫س‪ -12‬يرمي الكثريون ألغاز وأحاجي السياسة بتفسري بسيط األحداث مبا يعرف بنظريات املؤامرة املتنوعة والتي‬ ‫ترتاوح بني األفكار املضللة غىل األفكار املضحكة ‪ .‬ماذا تستطيع أن تقول لنا حول هذه الفكرة؟‬ ‫كبش الفداء لنضع فيه‬ ‫ج‪ -‬بسبب ما تع ّودنا عليه عن ما يسمى بالخري والرش‪ ،‬الله والشيطان‪ ،‬نقوم دامئًا بالبحث عن ِ‬ ‫كل أسباب الرش‪ .‬ويف آخر املطاف هو األُسلوب املريح للدماغ‪ ،‬فرنمي الرش عىل املالم ونرتاح وال حاجة لنا للتعمق فيه‬ ‫بعد ذلك‪ ،‬الواقع هو أنّ كل يش ٍء متوفر‪ ،‬أي أننا نجد فر ًدا يُخطط ملجموع ٍة أو مجموع ٌة تخطط ملجموع ٍة أو حتى فر ٌد‬ ‫يُخطط لفرد‪ ،‬فهي ليست أكرث من مصالح يريد كل منهم تحقيقها‪ .‬هذه الشعوب متعودة عىل رمي االتهامات‪ ،‬ألنّ يف‬ ‫ذلك صبغة الضحية والجميع يرغب أن يأخذ دور الضحية بدل الفاعل‪.‬‬

‫س‪ -13‬لك وجهة نظ ٍر مميز ٌة وغريبة عن الكثريين بالنسبة للحياة االجتامعية وتحديدً ا مؤسسة الزواج‪ّ .‬‬ ‫هل وضحت‬ ‫لنا تفاصيل رأيك؟ واألسباب التي تراها مقنعة للقراء؟‬ ‫ٍ‬ ‫مجتمعات أخرى مل تعد غريب ًة وإمنا بدأت تكون طبيعية‪.‬‬ ‫ج‪ -‬رمبا يف مجتمعنا تكون وجهة نظري غريبة‪ ،‬ولكنها يف‬ ‫الزواج هو وثيق ٌة اخرتعها االنسان‪ ،‬ومل تكن يو ًما ُمعربة متا ًما عن العواطف التي ميلكها إنسان إىل إنسانٍ آخ ٍر ومل تكن‬ ‫وخصوصا حني يسري‬ ‫مانع يف اختيار إنسانٍ آخر‪ .‬من املمكن جدً ا أن يعيش اإلنسان مع اإلنسان بدون هذه الورقة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ٍ‬ ‫ومنصف‪.‬‬ ‫نظام واعٍ انسا ٍّين‬ ‫مجتمع بأكمله عىل ٍ‬ ‫س‪ -14‬كان لك الكثري من املناظرات مع أطر ٍ‬ ‫اف ديني ٍة فهل ترى أن هذا التفاعل الرقمي له أث ٌر يف تغيري اآلراء أم أنه‬ ‫يلعب دو ًرا آخ ًرا؟ هال أخربتنا املزيد عنها؟‬ ‫ج‪ -‬أود توضيح خلفية هذا األمر‪ ،‬يف جميعِ مناظرايت أنا أجمع املعلومات عن أسلوب الطرف اآلخر من املناظرة يف‬ ‫ٍ‬ ‫بلحظات تزداد قناعتي بأنّ الغرض من املناظرة ليس إقناع‬ ‫التفكري‪ ،‬ويف نهاية جمع املعلومات وقبل بداية املناظرة‬ ‫املناظر اآلخر وإمنا طرح الحقائق‪ .‬وليك أُضيف خطو ًة جديد ًة لتحسني الحياة ألجيالنا القادمة‪ .‬أي أنني ويف جميع‬ ‫‪42‬‬


‫‪Tulam Serv‬‬ ‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫املناظرات مل يكن اهتاممي بالدرجة األوىل بامل ُ ِ‬ ‫ناظر اآلخر وإمنا بالذين يقرؤون وال يتدخلون‪ ،‬وال أسمع عنهم شي ًئا‬ ‫سوى رسال ٍة قصري ٍة أحيانًا يُ ْعلِموين بها بأنهم تركوا اإلسالم بسبب خرافاته وال إنسانيته وبسبب ما ن ِ‬ ‫ُوصلُه إليهم كل يوم‪.‬‬ ‫يف الواقع‪ ،‬لو حدثت إحصائية رسية أمينة‪ ،‬سنجد أن عدد املسلمني أقل بكثري عام نقرأه أو ما يدّ عون به‪ .‬املُناظرات‬ ‫دامئًا لها ِو ْق َعني؛ ِو ْقع إيجايب يَفتح آفا ًقا جديدة يف البحث والدراسة وتبادل املعلومات وتغيري مسار الخرافات يف‬ ‫املجتمع‪ ،‬ووقع سلبي أال وهو زيادة غضب املتعصبني واملتطرفني وحتى بعض ما يسمى باملعتدل منهم‪ .‬والسبب‪،‬‬ ‫وخصوصا املسلم وكأنك تتهجم عىل كيانه‪ ،‬إ ْذ أنّه سلَّم كيانه‬ ‫هو أنّك حني تكشف حقيقة خرافة معينة‪ ،‬يشعر املؤمن‬ ‫ً‬ ‫بكامله اىل الدين‪.‬‬

‫زمن كيف ترى تحول الرأي العام من اإلسالم والدين بشكل عام؟‬ ‫س‪ -15‬كونك تعيش يف أوروبا منذ ٍ‬ ‫طبيعي مرب ٌر دستوريًا‪ ،‬فرتاهم‬ ‫حق‬ ‫ج‪ -‬الرأي العام ينقسم حسب الرشائح‪ :‬هناك من ينظر إىل نشاطات املسلم عىل أنها ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫مجبورين عىل تقبله‪ .‬وهناك من يرى خط ًرا واض ًحا يف محاوالت احتالل إسالمية لدولتهم وأنّ دميقراطيتهم أصبحت‬ ‫مهددة‪ ،‬فرتاهم يقومون مبختلف النشاطات السلمية والغري سلمية حسب املجموعة‪ ،‬ويف كل هذه األحوال نشأت‬ ‫رشيحة عريضة‪ ،‬األمر الذي جعل مجرد أن تكون لون برشتك سمراء تكفي أن تجعلك مستهد ًفا بالحقد والكراهية‪ّ ،‬إل‬ ‫أن قوة النظام والدستور الحاكم يجرب الجميع عىل االلتزام حيث يشرتك فيه القانون والدستور‪ .‬فال ُيكن لهؤالء‪ ،‬مسلم‬ ‫للمس‬ ‫غي هذا النظام‪ .‬مجرد أن يشوب هذا النظام أي إشار ٍة ّ‬ ‫كان أو من أصحاب الحقد واألساليب الغري سلمية أن يُ ّ‬ ‫بحرية اإلنسان وكرامته أو أي خط ٍر عىل النظام الدستوري‪ ،‬يتم القضاء عليها وقانون ًيا حتى ولو كانت بالقوة‪.‬‬ ‫س‪ -16‬هل تالحظ تغري يف الثقافة األوروبية بخصوص العرب يف السنوات األخرية مع إزدياد الهجرة واللجوء إىل أوروبا؟‬ ‫وماذا تستطيع أن تخربنا عن هذا املوضوع؟‬ ‫ج‪ -‬نعم‪ ،‬هناك تغيري واضح تجاه العرب‪ .‬يف السابق كان لألتراك هنا يف أملانيا تأثريًا أكرث وضو ًحا ولكن‪ ،‬بعد أحداث‬ ‫‪ 9\11‬أصبح االتجاه نحو العرب أقوى‪ ،‬كثري السلبية وقليل االيجابية‪ .‬ومع ذلك ترى نشاطات املسلمني ما زالت مستمر ًة‬ ‫ومن ضمنها محاولة توزيع ‪ ٢٥‬مليون نسخة للقرآن باللغة األملانية‪ ،‬ولحسن الحظ أوقفوا استمرار طباعتها قانون ًيا‪.‬‬ ‫‪43‬‬


‫‪Tulam Serv‬‬ ‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫س‪ -17‬برأيك أين ترى مستقبل شعوب املنطقة العربية جغراف ًيا وسياس ًيا؟‬ ‫ج‪ -‬بدأت عالمات املستقبل البائس لشعوب املنطقة العربية تلوح منذ فرتة ليست بقصرية‪ .‬أرى أن هناك احتاملني‬ ‫ال َ‬ ‫ثالث لهام‪ .‬األول تجزئة الشعوب العربية وكرثة املذابح وانتشار التخلف والجهل وكل أنواع الحقد والكراهية بني‬ ‫مختلف الرشائح‪ .‬أو االحتامل الثاين وهو التطبيق العلامين والقضاء عىل كل هذه االوضاع املُزرية والسري نحو حيا ٍة‬ ‫أفضل‪ِ .‬كال االحتاملني مسؤوليته تقع علينا جمي ًعا‪ ،‬داخل هذه املنطقة وخارجها‪.‬‬ ‫س‪ – 18‬هل ترى أن امللحدين العرب سيكون لهم وجود عىل الساحة السياسية أو أث ٍر ّما سوا ًء من الداخل أو الخارج؟‬ ‫واضح عىل املجتمع ومنذ مد ٍة وجميع األطراف‬ ‫ج‪ -‬تعبري سيكون‪ ،‬هنا غري دقيق‪ ،‬ألنّ امللحدين العرب أصبح لهم تأث ٌري‬ ‫ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫نشاطات للوقوف ضد قوة امللحدين املؤثرة‪ ،‬وبطبيعة الحال َي ْعكس‬ ‫خاصا وتخطط‬ ‫األخرى بدأت تحسب لهم حسا ًبا ً‬ ‫هذا التأثري عىل الساحة السياسية وحتى عىل س ِّن القوانني‪.‬‬

‫س‪ -19‬كيف ترى وجود امللحدين العرب اليوم عىل اإلنرتنت وكيف تقرأ تفاعلهم؟‬ ‫كابوسا عىل جميع األديان‪ .‬مل يرتك لهم ً‬ ‫مجال للحفاظ عىل خرافاتهم‪ ،‬يعني‬ ‫ج‪ -‬وجود امللحدين عىل االنرتنت أصبح‬ ‫ً‬ ‫حتى لو أردت البقاء عىل دينك‪ ،‬ال يوجد مانع لذلك عىل رشط أن تقيض عىل الخرافات أو تبعدها ع ّنا وعن أطفالنا‬ ‫وأطفالك‪ .‬لدى امللحدين يف العامل بشكلٍ عام مشكل ٌة كبري ٌة‪ ،‬هي عدم إمكانية التقائهم والتفافهم حول بعضهم أو‬ ‫جمعهم يف منظم ٍة واحدة‪ ،‬ولكني أرى املشكلة يف مكانٍ آخ ٍر وليس يف طبيعة امللحد‪ ،‬السبب هو االنتشار أو االنفجار‬ ‫معلومات هائل ٌة ولكن التخلص من الرتسبات الدينية‬ ‫ٌ‬ ‫يف املعلومات منذ نشوء اإلنرتنت‪ ،‬فجميع امللحدين وصلتهم‬ ‫واالجتامعية يسري برسع ٍة أبطأ بكثري‪.‬‬

‫‪44‬‬


‫‪Tulam Serv‬‬ ‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫س‪ -20‬هل لك أن تعطينا نظرتك املستقبلية للحراك الال‪-‬ديني يف الرشق األوسط وشامل أفريقيا يف املستقبل وكيف‬ ‫تتمنى أن يكون شكله؟‬ ‫ج‪ -‬أرى هناك إشار ٍ‬ ‫ات كثري ٍة لزيادة تقارب امللحدين والالدينيني وحتى الربوبيني يو ًما بعد يوم‪ .‬أُمنيتي هي كيفام‬ ‫يكون شكله املهم يحافظ عىل تطبيق اإلنسانية ونبذ كل ما هو ميسء إىل اإلنسان‪ ،‬التخلص من مفهوم املرأة الكالسييك‬ ‫يف هذه املنطقة والنظر اليها كإنسان أنثى سيساعد كث ًريا‪.‬‬ ‫أخيا ما هي الرسالة التي تود توجيهها لقراء املجلة من ملحدين‬ ‫س‪ -21‬نشكرك جدً ا عىل هذا اللقاء املمتع ونسألك ً‬ ‫ومؤمنني عىل حد سواء؟‬ ‫ج‪ -‬بسبب قناعتي بعدم وجود الله وزيوس وال الجنة والنار لدي جمل ٌة واحد ٌة فقط أرددها منذ سنني‪ :‬أيها البرش ليس‬ ‫لدينا سوى بعضنا البعض ول َيكن مبدأُنا هو اإلنسان‪.‬‬ ‫أرجو أن أكون قد أَ ْو َف ْي ُت باجابايت عىل أسئلتكم‬ ‫مع شكر الجزيل وامتناين لجهودكم‬ ‫تحيايت وموديت‬ ‫توالم‬

‫قام باللقاء‬ ‫الغراب الحكيم‬ ‫‪Gaia Atheo‬‬ ‫‪45‬‬


‫‪http://www.ahewar.org‬‬

‫ﺍﳌﻮﻗﻊ ﺍﻟﺮﺋﻴﺴﻲ ﳌﺆﺳﺴﺔ ﺍﳊﻮﺍﺭ ﺍﳌﺘﻤﺪﻥ‬ ‫ﻳﺴﺎﺭﻳﺔ ‪ ,‬ﻋﻠﻤﺎﻧﻴﺔ ‪ ,‬ﺩﳝﻘﺮﺍﻃﻴﺔ‬ ‫"ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﻣﺪﻧﻲ ﻋﻠﻤﺎﻧﻲ ﺩﳝﻘﺮﺍﻃﻲ‬ ‫ﺣﺪﻳﺚ ﻳﻀﻤﻦ ﺍﳊﺮﻳﺔ ﻭﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻟﻠﺠﻤﻴﻊ"‬

‫‪46‬‬


‫أمهات‬ ‫املؤمنني –‬ ‫مغايرة‬ ‫اءة‬ ‫ر‬ ‫ق‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪Hunger mind‬‬

‫قراء ٌة نقدي ٌة تحاول أن تقدّ م صور ًة مختلف ًة عن (مح ّم ٍد رسول اإلسالم) عقب تسليط املجهر عىل حياته من الدّ اخل‪،‬‬ ‫حيي‪ ،‬عائشة بنت أيب بكر‪.‬‬ ‫فتتناول بال ّنقد وال ّتفنيد سرية س ّيدتني من س ّيدات بيت ال ّنبوة‪ :‬صف ّية بنت ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫‪ ‬مجلدات يف مجل ٍد واح ٍد‪-،‬سلسلة سري‬ ‫جامع– يشمل خمسة‬ ‫املصدر ‪ :‬كتاب تراجم س ّيدات بيت ال ّنبوة – ُمجلدٌ‬ ‫ٌ‬ ‫وتراجم– عام ‪2013‬‬ ‫إصدار ‪ :‬الهيئة املرصية العا ّمة للكتاب‪.‬‬ ‫تأليف الدكتورة ‪ :‬عائشة عبد ال ّرحمن املعروفة باسم "بنت الشّ اطئ"‬ ‫سيتم ذكرها‪ ،‬وتبدأ بكلمة املصدر ‪.‬‬ ‫املصادر املذكورة يف الكتاب داخل ًيا‬ ‫ّ‬ ‫مرفق معه القراءة ال ّنقدية عليه تبدأ بكلمة (تذييل) لل ّتسهيل عىل القارئ‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫نص ٍ‬ ‫كل ٍّ‬

‫‪47‬‬


‫أمهات املؤمنني‬ ‫قراءة مغايرة‬

‫‪Hunger mind‬‬

‫املصادر كلّها مذكور ٌة يف املباحث السابقة فلم أكررها هنا‬

‫وجاه ٌة مل تنفع‬ ‫نكمل بصف ّية بنت حيي – وفيها خمس مباحث‬ ‫املبحث الخامس‬ ‫بدأت معركة الرضائر أو التّشكيل العصايب املُسمى بزوجات ال ّنبي أو أمهات املؤمنني مبج ّرد وصول سيدة بني املصطلق‬ ‫كل ينظر إليها عىل أنّها الغريم الجديد الذي الب ّد وأن‬ ‫إىل منزل زوجها‪ ،‬حيث وجدت التّحزب ال ّنسايئ والتّكتل قائ ٌم‪ٌ ،‬‬ ‫يُتخلص منه‪.‬‬ ‫تقول الكاتبة ما نصه "واجهت صفي ٌة هناك مشكل ًة محريةَ‪ .‬فعائشة ومعها حفصة وسودة يف جانب‪ ،‬وال ّزوجات األخريات‬ ‫صعب‪ ،‬فام كانت يف ذكائها‬ ‫دقيق‬ ‫يف‬ ‫السيدة فاطمة ال ّزهراء‪ ،‬وكان عىل صفية أن تختار‪ ،‬وأنّه ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫ملوقف ٌ‬ ‫جانب تقف فيه ّ‬ ‫ٌ‬ ‫بالتي تناصب ال ّزوجة األثرية ‪-‬عائشة‪ -‬أو االبنة الغالية ‪-‬فاطمة‪ -‬عدا ًء أو شبه عدا ٍء"‬ ‫تذييل‬ ‫بيت‬ ‫من املفرتض أ ّن البيت النبوي وإن كان يف النهاية ٌ‬ ‫أناسا وصلوا من املرتبة ال ُخلقية‬ ‫ٌ‬ ‫برشي‪ّ ،‬إل أنه يضم ً‬ ‫ومن التّسامي ال ّروحي ما ال يضاهيهم فيه أح ٌد‪ ،‬كان‬ ‫اإلسالم وال يزال يتشدق بأنّه إكسري ال ّروح وترياق ال ّنفس‬ ‫يأيت ليحيل ال ّنفس البرشية من كونها تعشق الفردانية‬ ‫وحب الذات إىل كونها لين ًة‪ ،‬مطيع ًة‪ ،‬وادع ًة‪،‬‬ ‫واألثرة‬ ‫ّ‬ ‫السالم‪ ،‬ترفض التّكالب عىل ال ّدنيا وملذاتها فال ّدنيا‬ ‫تعشق ّ‬ ‫دار مف ٍر ال مقرٍ‪ ،-‬شغلهم الشّ اغل مرضاة ال ّرب ولقاؤه! هذا‬ ‫هو ال ّرعيل األول الذي رشب ونهل من النبع النبوي املسموم‬ ‫فظهرت فيه بجال ٍء التّحزبات واملنافع واملصالح‪ ،‬سياق الكالم‬ ‫يجعلك تقف عىل كون البيت ال ّنبوي ما كان سوى ساحة‬ ‫حرب داخلي ٍة أبطالها نسو ٌة كلهن رأين أ ّن محم ًدا هو‬ ‫ٍ‬ ‫الغنيمة الكربى التي يجب التكالب والتّنافس عليها‪.‬‬ ‫‪48‬‬


‫أمهات املؤمنني‬ ‫قراءة مغايرة‬

‫‪Hunger mind‬‬

‫قائل هذه هي الطّبيعة البرشية يف النسوة‪ ،‬الغرية وال ّرغبة يف االستحواذ‪ ...‬يأيت الجواب بنعم إن ك ّن بالفعل‬ ‫قد يقول ٌ‬ ‫فضل عن كونه تلك الشّ خصية التي تستحق التّكالب عليها‪ .‬تسأل نفسك مبنتهي‬ ‫رجل‪ً ،‬‬ ‫نسوةٌ‪ ،‬وإن كان محم ٌد بالفعل ً‬ ‫الرباءة إن كان هذا هو حال ال ّرعيل األول‪ ،‬فلامذا نستغرب ونتعجب عن كمية العفن‪ ،‬العبث‪ ،‬التّخلف الذي أصبح عنوانًا‬ ‫لإلسالم ومتبعيه‪.‬‬ ‫أيضا إىل إدراك ك ّم الفراغ الذي يحيا فيه هؤالء القوم‪ ،‬فحينام تفرغ اليد ميتلئ العقل باألوهام فكيف‬ ‫يحيلك املوقف ً‬ ‫رض أو متدنٍ ‪.‬‬ ‫وإن كانت البيئة صحراوي ٌة موغل ٌة يف البعد عن أي تح ٍ‬ ‫بعقليتها اليهودية اللبقة كام تقول الكاتبة‪ .‬ماذا فعلت صفية حيال هذه املعركة ال ّنسوية‪ ،‬والحظ هنا استخدام تعبري‬ ‫لفظة اليهودية‪ ،‬رغم أ ّن اإلسالم يجود مبا قبله!‬ ‫تقول "وكان مظهر تقربها إيل ابنتي آيب بكر وعمر‪ ،‬إظهار االستعداد لالنضامم إليهام‪ ،‬وأما (الزهراء) فأهدتها صفية حلي ًة‬ ‫ذهب‪ ،‬رم ًزا ملودتها وإعالنًا ملساملتها"‬ ‫من ٍ‬

‫وملاذا فعلت صفية ذلك؟ تقول الكاتبة‪ ...‬وراعي ما تحته خ ٌط‬

‫ٍ‬ ‫تعريض بأصلها اليهودي‪ ،‬وتذكريٍ مبا بني‬ ‫ولعل صفية أرادت أن تحتمي بهذا املوقف اللّبق‪ ،‬مام كانت تخاف منه من‬ ‫" ّ‬ ‫مستحكم م ٍّر"‬ ‫قومها واإلسالم من عداء‬ ‫ٍ‬ ‫تستكمل الكاتبة‪ :‬وما كان لها‪ ،‬يف الحق أن تخىش أذى من ال ّزهراء فإنها ريض الله عنها كانت أحرص ال ّنساء عىل سالم‪،‬‬ ‫وب ّر أبيها من أن تشارك يف ذلك ( الضجيج ال ّنسوي)‪ ،‬اللّهم ّإل أن تدفع إىل يش ٍء من ذلك دف ًعا‪.‬‬ ‫تذييل‬ ‫أ َوليس اإلسالم يجود مبا قبله؟!‬ ‫مافيوي؟‬ ‫تشكيل عصا ٌيب‬ ‫ٌ‬ ‫أه ّن أمهاتٌ للمؤمنني أم‬ ‫ٌ‬ ‫أكان مح ّم ٌد حك ًرا عىل واحد ٍة منهن فقط لتستبد بالجديدة عن دافعٍ من غرية؟‬ ‫أمل تسلم صفية وحسن إسالمها كام قال مح ّمد وكام بينا يف األجزاء السابقة؟‬ ‫سل لسامحة وتواضع وليونة اإلسالم!‬ ‫أ َوليست أمهات املؤمنني يُعتربن ُر ً‬ ‫أ َوليس األصل يف الفعل ال ّديني هو االعتقاد والقناعة ال الخوف واملواءمة؟‬ ‫وتعريضا بكون اليهودية هي املجرمة واملستبدة؟ أكان الحق‬ ‫ما بني اإلسالم واليهودية يُساق األمر يف جدانب اإلسالم‬ ‫ً‬ ‫كذلك!‬ ‫‪49‬‬


‫أمهات املؤمنني‬ ‫قراءة مغايرة‬

‫‪Hunger mind‬‬

‫‪-‬حادثة الهودج‪ -‬وراعي ما تحته خط‬

‫تقول الكاتبة "أسند الواقدي عن عبد الرحمن بن الحارث بن هاشم املخزومي قال ‪ :‬كان رسول الله يف بعض أسفاره‬ ‫السفر صفية بنت حيي وأ ّم سلمة‪ ،‬فأقبل رسول الله إىل هودج صفية وهو يظن أنّه هودج أ ّم سلمة‪ ،‬وكان‬ ‫ومعه يف ذلك ّ‬ ‫ذلك اليوم يومها‪ .‬فجعل يتحدث مع صفية فغارت أ ّم سلمة‪ ،‬وعلم رسول الله بعدها صفية فجاء إىل أ ّم سلمة فقالت ‪/‬‬ ‫تتحدث مع ابنة اليهودي يف يومي؟‬ ‫ث ّم ندمت عىل تلك املقالة فكانت تستغفر منها‪ ،‬قالت‪ :‬يا رسول الله استغفر يل فإنّ ا حملني عىل ذلك الغرية‪.‬‬ ‫تذييل‬ ‫كيف يخطئ مح ّمد يف التّفرقة ما بني الهودجني وهام قد خرجا معه اإلثنان من بداية الرحلة؟‬ ‫محبوب مرغوب؟‬ ‫هل كان مح ّمد لعوبًا يعشق التّالعب بال ّنسوة فيثري غريتهن من أجل أن يشعر يف نفسه أنّه‬ ‫ٌ‬ ‫حجاب؟ كيف وهي حليلته وزوجته؟ أم كان يعرف يف‬ ‫رس كلمة بعد‪ ...‬هل كان مح ّمد يتكلم مع زوجته من وراء‬ ‫ٍ‬ ‫ما ّ‬ ‫ظلم وعدوانًا من أهلها فامزلت تقع يف نفسه موقع الغريبة؟!‬ ‫دخيلة نفسه بأنها سبي ٌة أسري ٌة أخذها ً‬ ‫يل مل تفلح فيه تقاليد وتشاريع اإلسالم الغراء؟‬ ‫تتحدث مع ابنة اليهودية يف‬ ‫وأي ٍ‬ ‫خلق جاه ٍ‬ ‫يومي‪...‬أي عنرصي ٍة تلك ّ‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫الصور عليهن وإشباع حرمانهن العاطفي‬ ‫تشبيه مح ّمد كالثّور األوحد وسط قطيعٍ من األبقار‬ ‫شغوفات دو ًما لقفز ّ‬ ‫فضل عن طبيعة تعاطيه مع ال ّنسوة‪ ،‬وأخ ًريا كيف كن‬ ‫تأصيل جوهريًا ملاهية مح ّمد ً‬ ‫ً‬ ‫والجنيس‪ ،‬توري ًة عميق ًة تحمل‬ ‫ال ّنسوة أنفسهن يرين أنفسهن‪.‬‬

‫‪-‬العنرصية تظهر وتفضح نفسها–‬

‫تقول الكاتبة‪" :‬ومل يعصم صفية مام كانت تخاف‪ ،‬تقربها من عائشة وحفصة‪ ،‬فام أكرث ما سمعت التعريض جه ًرا وتلمي ًحا‬ ‫بال ّدم اليهودي الذي يجري يف عروقها؟! وما أكرث ما صكت آذانها سها ٌم جارح ٌة تأىب عليها أن تسكن وتطمنئ يف ظل أكرم‬ ‫زو ٍج؟! والذي آالم صفية أ ّن عائشة وحفصة اللتني انضمت لهام‪ .‬كانتا تشاركان األخريات يف ال ّنيل منها ومفاخرتهن بأنّهن‬ ‫قرشياتٌ أو عربياتٌ وهي األجنبية ال ّدخيلة "‪.‬‬ ‫تذييل‬ ‫ٍ‬ ‫ممتثالت لألوامر وال ال ّنواهي‪ ،‬بل ومل يعملن يف شخصيتهن التّهذيب‬ ‫أهل البيت ال ّنبوي وأقرب املقربني لل ّرسول مل يك ّن‬ ‫ومل يفلح معهن مقولة قال الله وقال رسوله‪ ،‬بل تركن أنفسهن عىل سجيتها وتركن لطباعهن البدوية الجاهلية أن‬ ‫ٍ‬ ‫تقودهن معرب ٍ‬ ‫ضاربات املثل عىل االزدواجية يف‬ ‫ات بذلك وبشهادة أسطر التّاريخ عن دونية ال ّنفس وانحطاط املنبت‪،‬‬ ‫التّعامل‪.‬‬ ‫‪50‬‬


‫أمهات املؤمنني‬ ‫قراءة مغايرة‬

‫‪Hunger mind‬‬

‫رغم تعاهدها وتو ّددها منهن‪ ...‬مل تسلم صفية من التّعريض والتّهكم عليها‪.‬‬ ‫رغم كون فريق عائشة وحفصة عىل ٍ‬ ‫تام مع باقي ال ّنسوة إال أنّهن اتّحدن عىل الوافدة الجديدة وعايرنها بنسبها‪،‬‬ ‫خالف ٍ‬ ‫عىل أساس أنّهن من قريش‪ ،‬فنسأل أنفسنا عن ملاذا يحارب اإلسالم ومشايخه اليوم النعرات القومية واإلعالء من قيمة‬ ‫الوطن‪ ،‬بينام كانت أمهاتهم ه ّن أول من وضعن الحجر للعنرصية والنعرات الطائفية‪.‬‬ ‫ملاذا سكت محمد وترشيعاته ومن قبله ربّه عن مثل تلك التّجاوزات‪ ،‬ملاذا مل يقف من زوجاته موقف ال ّرجل الحق‬ ‫للدفاع عن املظلوم والقصاص من الظامل‪.‬‬ ‫هل ه ّن أمهاتٌ للمؤمنني أم مجموع ٌة من املرتزقة محرتيف الصيد يف املاء العكر؟‬ ‫ملاذا سكت مؤرخي اإلسالم عن ذكر تلك الحوادث والتّعليق عليها مبا يناسبها؟‬ ‫ما املوقف من ال ّنفاق معهن‪ ،‬إن ك ّن كام تبني يظهرن غري ما يبطن‪ ،‬وتأيت أفعاله ّن مخالف ًة ومغاير ًة متا ًما ملا أىت به اإلسالم‪.‬‬ ‫وانظر إىل ر ّد الفعل املح ّمدي حينام أخربته صفيه مبا قالته عائشة وحفصة‬ ‫"أال قلت وكيف تكونان خ ًريا مني‪ ،‬وزوجي مح ّمد وأيب هارون وع ّمي موىس"‬ ‫تذييل‬ ‫أال يعترب هذا مفاخر ًة باألنساب؟‬ ‫أال يعترب هذا إعال ًء من قيمة املواطنة الفعلية؟‬ ‫أين املوقف من كالم مح ّمد ال فرق عريب عىل أعجمي ّإل بالتقوى؟‬ ‫ملاذا مل يعلّم ال ّنبي نسوته قوله "ال ّناس سواسية كأسنان املشط"؟‬ ‫اب"؟‬ ‫ملاذا مل متتثل أمهات املؤمنني لقول ال ّنبي " كلكم آلدم وآدم من تر ٍ‬ ‫تكملة للحوادث العنرصية وإبرازًا لألحادية يف اإلسالم وتكريسه ملبدأ التّعايل عىل عكس ما يتش ّدق به من مبادئ وقيم‬ ‫وللقارئ التّعليق والحكم‪.‬‬

‫حادثة البعري‬ ‫تقول الكاتبة‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫فضل فقال لها‪:‬‬ ‫فاعتل بعريها ‪-‬صفية‪ -‬ويف إبل زينب ٌ‬ ‫جحش ّ‬ ‫"حدث أنّه كان يف سف ٍر ومعه صفية وزينب بنت‬ ‫(إ ّن بعري صفية أعتل‪ ،‬فلو أعطيتها بع ًريا؟!) أجابت يف ترفعٍ وازدراء‪( :‬أنا أعطي تلك اليهودية؟)‬ ‫‪51‬‬


‫أمهات املؤمنني‬ ‫قراءة مغايرة‬

‫‪Hunger mind‬‬

‫‪-‬مح ّمد عىل فراش املوت‪-‬‬

‫تقول الكاتبة‪:‬‬ ‫( ُروي أ ّن أمهات املؤمنني اجتمعن حول فراش ال ّرسول يف مرضه األخري فقالت صفية‪ّ :‬إن والله يا نبي الله لوددت أ ّن‬ ‫الذي بك يب‪ ،‬فام كان من أزواجه ّإل أن غمزن ببرصهن فام راعهن ّإل أن قال الرسول مضمضن!)‬ ‫أي يش ٍء قال‪ :‬من تغامزكن بها‪ ،‬والله إنّها لصادق ٌة‪.‬‬ ‫تساءلن يف ّ‬

‫تذييل ‪ -‬بسيط‬ ‫للصد‬ ‫إن كان مح ّمد يعلم أنّها لصادق ٌة فلامذا سكت عن حقها طوال تلك السنوات‪ ،‬ملاذا مل يقف موقف الجد والحزم ّ‬ ‫عنها ووضع ٍ‬ ‫حد لسفالة ووطيان أمهات املؤمنني؟‬ ‫الشيف فكرة مسلسله املعروف عائلة الحج متويل‬ ‫أخ ًريا أعرف اآلن من أين أستقى الفنان املرصي القدير نور ّ‬ ‫ت ّم‬ ‫وإىل اللّقاء يف سلسلة الفاحشة يف فضح أم املؤمنني عائشة‪.‬‬ ‫‪A.A.M‬‬

‫‪52‬‬


‫الدين العنيد‪:‬‬ ‫ملاذا يرفض اإلسالم‬ ‫العلامنية؟‬ ‫‪The Obstinate Religion:‬‬ ‫‪Why does Islam reject‬‬ ‫?‪secularism‬‬

‫أبديْ ُت وجهة نظري يف اإلسالم يف أكرث من‬ ‫ومقام‪ .‬شخص ًيا‪ ،‬ال أعتقد أ ّن اإلسالم يرقى‬ ‫مقا ٍل ٍ‬ ‫سبب‪ ،‬أهمها أ ّن جزءا ً ال‬ ‫ملستوى دينٍ ألكرث من ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫مرسوق من‬ ‫يستهان به من هذا ال ّدين املزعوم‬ ‫ٍ‬ ‫ديانات أخرى‪ ،‬وال سيام اليهودية واملسيحية‪،‬‬ ‫تعب عن‬ ‫كام أنّه خا ٍل من ّ‬ ‫أي فلسف ٍة عميق ٍة ّ‬ ‫الحالة اإلنسانية وعالقتها مع الكون كام يف‬ ‫سب وشتيم ٌة‬ ‫البوذية‪ ،‬فكل ما هنالك هو ٌّ‬ ‫ٍ‬ ‫تحريض سافر عىل العنف ت ُجاههم‬ ‫لآلخر مع‬ ‫ممزو ٍج بتعظيم شخص مح ّم ٍد لدرجة عبادته‪.‬‬ ‫لكن هذا ليس موضوعنا اليوم‪ ،‬فجميع األديان‬ ‫اللعقالنية وهذا‬ ‫مبني ٌة عىل اإلميان بالغيبيات ّ‬ ‫يتضمن اليهودية واملسيحية والبوذية‪ ،‬وهذه‬ ‫ليست مشكل ٌة بحد ذاتها‪ ،‬فالجنون واإلميان‬ ‫زج‬ ‫بالخرافات ال يعتربان جرمي ٌة‪ .‬املشكلة هي ّ‬ ‫الغيبيات يف حياة البرش اليومية بقوة القانون‬ ‫يف ال ّدولة الحديثة‪ ،‬وهو ما تخلّص الغرب منه‬ ‫عرب علمنة ال ّدولة وإقصاء ال ّدين عن الشّ أن‬ ‫العام‪.‬‬

‫‪53‬‬

‫‪Leo Atheo‬‬


‫الدين العنيد‪:‬‬ ‫ملاذا يرفض اإلسالم العلامنية؟‬

‫‪Leo Atheo‬‬

‫جميع دول العامل املتقدمة علمنت أنظمتها بعزل الغيبيات عن نظام إدارة ال ّدولة‪ .‬هذا ال يعني إلغاء دور املعتقد ال ّديني‬ ‫يسي حركة املواطنني وتقدمهم‬ ‫يف حياة املؤمن بهذه الخزعبالت‪ .‬كل ما يعنيه عزل هذه الخرافات عن ال ّنظام العام الذي ّ‬ ‫زج الخرافات يف حياة البرش طاملا ال‬ ‫واملتمثل يف ال ّنظام السيايس والقانوين واالقتصادي والتّعليمي إىل آخره‪ .‬ال بأس من ّ‬ ‫نظام علام ٍين ٍ‬ ‫بحت مينع فرض‪ ،‬وأك ّرر فرض‪ ،‬الغيبيات بالقوة تحت طائلة القانون‪،‬‬ ‫يت ّم ذلك بقوة القانون‪ .‬مبع ًنى آخر‪ ،‬يف ٍ‬ ‫مثل عىل جميع املواطنني دون استثنا ٍء بغض ال ّنظر عن معتقداتهم الشّ خصية‪.‬‬ ‫الصيام ٌ‬ ‫الصالة أو ّ‬ ‫فيمنع فرض ّ‬

‫رسمي يف مقومات الدّولة الدّستورية‪.‬‬ ‫خريطة الدّول التي تعتمد دي ًنا رسم ًيا اإلسالم باللون األخرض‪ ،‬الحظ أ ّن معظم الدّول واملناطق التي وصل إليها اإلسالم تعتمد هذا األخري كدينٍ‬ ‫ٍ‬

‫خاص ال ترعاه‬ ‫تخلّصت جميع دول العامل الحديثة من مشكلة الغيبيات بعزلها عن ال ّنظام العام‪ ،‬فاإلميان بالغيبيات شأ ٌن ٌ‬ ‫بأي شكلٍ من األشكال‪ .‬حدث ذلك يف جميع دول العامل املتقدمة منها واملتخلفة عدا ال ّدول اإلسالمية‪ ،‬ملاذا ؟ ملاذا‬ ‫ال ّدولة ّ‬ ‫مل تتّمكن ال ّدول اإلسالمية من علمنة أنظمتها إال بالقوة‪ ،‬وأنا أتحدث هنا عن دول مثل تركيا وتونس؟ العلامنية ترفض‬ ‫أي فك ٍر عىل املواطن بالقوة ونجد هذا واض ًحا يف دول الغرب تحدي ًدا‪ ،‬فالدمنارك العلامنية ال تفرض عىل املسلمني‬ ‫طرح ّ‬ ‫خل عن الحجاب‪ ،‬وبريطانيا العلامنية ال متنع املسلمني من بناء املساجد عىل‬ ‫املقيمني عىل أرضها ترك اإلسالم أو التّ ّ‬ ‫مسلم من لبس الجلباب القصري‪ ،‬وإطالق اللّحية‪ ،‬فهو مواط ٌن حاله حال‬ ‫أي ٍ‬ ‫أراضيها‪ ،‬والواليات املتحدة العلامنية ال متنع ّ‬ ‫جورج بوش له مطلق الحرية يف التّحكّم بشكله‪.‬‬ ‫إذا ً‪ ،‬ما مشكلة ال ّدول اإلسالمية مع العلامنية؟ ملاذا ال يتقبّلونها طو ًعا ؟ ملاذا يرفضون اآلخر املختلف وأسلوب حياته وبقوة‬ ‫القانون؟ ملاذا مينعون املسيحيني من بناء كنائس وبقوة القانون؟ ملاذا مينعون البوذيني من مامرسة شعائرهم عل ًنا وبقوة‬ ‫القانون؟ ملاذا يتعرض امللحد لالضطهاد ورمبا القتل باسم ال ّدولة وبقوة القانون؟ ملاذا حجر املعتقد ( باستثناء اإلسالم )‬ ‫وتحجيمه وبقوة القانون ؟ ملاذا يضطر اإلسالم إىل فرض نفسه عىل املواطنني بقوة القانون الوضعي؟ ملاذا هناك وزار ٌة‬ ‫كامل ٌة للتّبشري بال ّدين اإلسالمي دون غريه ؟ ملاذا يستخدم املسلمون القانون الوضعي العلامين لفرض ال ّدين اإلسالمي عىل‬ ‫الجميع ؟ ما املشكلة هنا ؟ لنبحث م ًعا‪.‬‬ ‫‪54‬‬


‫الدين العنيد‪:‬‬ ‫ملاذا يرفض اإلسالم العلامنية؟‬

‫‪Leo Atheo‬‬

‫ما العلامنية التي يخشاها اإلسالم؟‬

‫مصالح مادي ٌة يف استمرار الوضع القائم كام هو عليه كالقرضاوي وغريه من د ّجايل‬ ‫يحاول شيوخ املسلمني م ّمن لهم‬ ‫ٌ‬ ‫العامل اإلسالمي‪ ،‬يحاول هؤالء تشويه مفهوم العلامنية أمام العامة وال ّدهامء ومغسويل األدمغة بتصويرها عىل أنّها االبن‬ ‫ألي إنسانٍ حاصلٍ عىل شهادة الثّانوية من مدرس ٍة يف دول ٍة متقدم ٍة‪ .‬إنّها‬ ‫ودجل‬ ‫ٌ‬ ‫كذب‬ ‫ّ‬ ‫واضح ّ‬ ‫ٌ‬ ‫الشعي لإللحاد‪ ،‬وهذا ٌ‬ ‫ال يشء سوى محاولة د ّجايل الفضائيات لكسب ٍ‬ ‫دعم ملوقفهم وجيوبهم املمتلئة بالبرتودوالر الذي ميول‬ ‫نقاط رخيص ٍة ً‬ ‫مشاريعهم العقارية واالستثامرية يف قطر والسعودية واإلمارات و الكويت‪ ،‬املواقع ال ّرسمية ألغنياء اإلسالم ال ّنفطي‪.‬‬ ‫تعود فكرة العلامنية الحديثة إىل العقل العريب‬ ‫يحق لنا أن نفتخر به وبفكره‬ ‫الوحيد الذي ّ‬ ‫كعرب‪ ،‬وهو أبو الوليد مح ّمد بن أحمد بن‬ ‫ٍ‬ ‫رشد‪ ،‬املعروف باسمه القصري ابن رشد‪ .‬مل‬ ‫الشف‬ ‫يؤلف ابن رشد كلمة العلامنية فهذا ّ‬ ‫يعود إىل الربيطاين جورج هويل أوك‪ ،‬لكن أفكار‬ ‫جورج هذه كانت مستقا ًة بالكامل من فلسفة‬ ‫ابن رشد الذي طالب بعزل الفلسفة عن ال ّدين‬ ‫بنا ًء عىل قراءته ملفهوم أرسطو لل ّدولة‪ .‬وكام‬ ‫هو متوق ٌع من الهمجية اإلسالمية‪ْ ،‬اضطُهِد ابن‬ ‫ٍ‬ ‫رش اضطها ٍد‪ ،‬واتُهِم بالتّمنطق وال ّزندقة‬ ‫رشد ّ‬ ‫الصالحني‬ ‫وحرقت كتبه عىل أيادي املسلمني ّ‬ ‫أتباع راكب البغل الطائر والذين مثّلهم الخليفة‬ ‫املوحد أبو يوسف يعقوب بن يوسف املنصور‬ ‫بالله‪ .‬لن أجعلها محارض ًة يف تاريخ الفلسفة‬ ‫لب العلامنية هو التّايل‪.‬‬ ‫ليك ال ميل القارئ لكن ّ‬ ‫العلامنية‬

‫ابن رشد ‪ 1198 -1126‬مـ ‪---------------‬ابن رشد‪ ..‬األب ال ّروحي للعلامنية‬

‫عام‪ .‬ركّز عىل كلمة فصل التي ال تعني‬ ‫مبفهومها العام‪ ،‬العلامنية فصل ال ّنظام االجتامعي عن ال ّدين والغيبيات بشكلٍ ٍ‬ ‫السيايس تعني العلامنية عزل ال ّدولة عن ال ّدين‪ ،‬مبعنى أ ّن كل إجراءات ال ّدولة وقوانينها وترشيعاتها‬ ‫إلغاء‪ ،‬مبفهومها ّ‬ ‫وأنظمتها االقتصادية والتّعليمية ( املم ّولة من املال العام فقط ) ال تستند عىل الغيبيات أو املعتقدات الخارقة للطبيعة‬ ‫التاث ال ّديني يف تسيري شؤون ال ّدولة‪ ،‬وعليه‪ ،‬ويف دول ٍة علامني ٍة‪ ،‬ال ميكن ترشيع قوانني متيز بني املواطنني بنا ًء عىل‬ ‫أو ّ‬ ‫ٍ‬ ‫معتقدات غيبي ٍة دون أخرى‪ ،‬وحتى إن كانت معتقدات األغلبية‪ .‬كام يطبق‬ ‫معتقداتهم الغيبية‪ ،‬أو إصدار قوانني تفضل‬ ‫التّرشيع املحايد دينيًا عىل الجميع بغض ال ّنظر عن معتقداتهم الشّ خصية‪.‬‬ ‫‪55‬‬


‫الدين العنيد‪:‬‬ ‫ملاذا يرفض اإلسالم العلامنية؟‬

‫‪Leo Atheo‬‬

‫مبعنى آخر‪ ،‬يف دول ٍة علامني ٍة ال ميكن ترشيع قانونٍ يفرض صيام رمضان عىل املسيحي (بحجة إحرتام مشاعر املسلمني)‬ ‫أو يُجرب املسلم عىل االحتفال مبيالد املسيح ( الذي ال وجود له إطالقًا يف أي مكانٍ يف العامل )‪ .‬ركّزوا عىل كلمة يٌفرض و‬ ‫متاح لكن ليس بالفرض وبقوة قانون ال ّدولة‪.‬‬ ‫يٌجرب هنا‪ ،‬فكل يش ٍء ٌ‬

‫لكن‪ ،‬هل ميكن علمنة ال ّدول اإلسالمية ليك تلحق بركاب الحداثة؟‬ ‫لسبب ٍ‬ ‫بسيط‪ .‬كيف ت ُعلمن ٌ‬ ‫دول تُصنف نفسها بدينٍ فتقول‪ :‬أنا دول ٌة إسالمي ٌة أو دين ال ّدولة‬ ‫باختصارٍ‪ ،‬ال أعتقد ذلك‬ ‫ٍ‬ ‫تناقض باأللفاظ‪،‬ال ميكن أن تكون ال ّدولة إسالمي ٌة وعلامني ٌة يف نفس الوقت‪ .‬بل أذهب ألبعد من ذلك‪ ،‬ال‬ ‫اإلسالم؟ إنّه ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫ميكن أن تكون دول ًة وإسالمي ًة يف آنٍ‬ ‫السيايس اإلسالم فهو أ ّم ٌة ( حسب تعريف اإلسالم )‬ ‫واحد‪ .‬إذا كانت هوية الكيان ّ‬ ‫السفر وبطاقة الهوية‪ ،‬إذ ال يوجد‬ ‫وليس دول ًة‪ ،‬فمفهوم ال ّدولة‬ ‫بحت ونفس ّ‬ ‫مصطلح علام ٌين ٌ‬ ‫الشء ينطبق عىل جواز ّ‬ ‫ٌ‬ ‫السفر‪ .‬واملضحك‬ ‫يش ٌء يف اإلسالم اسمه جنسي ٌة فكل من شهد الشّ هادتني يعترب مواط ًنا يف أ ّمة اإلسالم وال داعي لوثائق ّ‬ ‫أ ّن هناك منظم ٌة لهذه ال ّدول اسمها منظمة‬ ‫املؤمتر اإلسالمي هدفها نرش وتعزيز خزعبالت‬ ‫أعرا ٍيب عاش قبل خمسة عرش قرنًا‪ ،‬وكان يطري‬ ‫عىل بغلٍ له رأس إنسانٍ‬ ‫ويشق القمر يف‬ ‫ّ‬ ‫للسفر إىل املؤمتر أن‬ ‫أوقات فراغه‪ .‬ويُشرتط ّ‬ ‫يحمل املشارك جواز سف ٍر صال ٍح و فيه فيزا‬ ‫قال أ ّمة ْ‬ ‫ال ّدولة املضيفة! ْ‬ ‫قال!‬ ‫كيف ت َعلم َن هؤالء الذين يؤمنون عمل ًيا أ ّن‬ ‫كساء هذا األعرايب كان له رائح ُة العنرب وعرقه‬ ‫رائحة الطيب ويقيمون مؤمتر ٍ‬ ‫ات دوري ٍة‬ ‫تُرصف عليها املاليني حول هذا املوضوع؟ كيف‬ ‫تُعلمن أنظم ٌة يؤمن املرشحون الربملانيون فيها‬ ‫أ ّن سبب موجة الغبار هذا العام هو االبتعاد‬ ‫عن ال ّدين؟ كيف ت ُعلمن ٌ‬ ‫دول تكتب يف‬ ‫دساتريها أ ّن اإلسالم هو دين ال ّدولة وكل ما‬ ‫باطل بقوة القانون؟ كيف ت ُعلمن دول ٌة‬ ‫سواه ٌ‬ ‫مصطفى كامل أتاتورك‬ ‫ترفض منح جنسيتها لغري املسلم؟‬ ‫‪56‬‬


‫الدين العنيد‪:‬‬ ‫ملاذا يرفض اإلسالم العلامنية؟‬

‫‪Leo Atheo‬‬

‫التيك كامل أتاتورك‬ ‫علامنية ّ‬ ‫تحاول تركيا جاهد ًة الحفاظ عىل علامنيتها التي فرضها مصطفى كامل أتاتورك بالقوة وليس باإلقناع‪ ،‬ألنّه اعتقد حينها‬ ‫وإل لتحولت إىل أراجو ٍز‬ ‫وقت لإلقناع‪ ،‬وعىل تركيا أن تتحول إىل دول ٍة عرصي ٍة وبرسع ٍة يف مواجهة أوروبا ّ‬ ‫أنّه ال يوجد ٌ‬ ‫والشق وأوروبا يف الغرب‪ .‬ال ّرجل كان ترك ًيا وطن ًيا‬ ‫وملطش ٍة يف محيط دو ٍل متقدم ٍة اقتصاديًا وعسكريًا‪ ،‬روسيا يف الشّ امل ّ‬ ‫الصحراء‪ .‬أتاتورك هو الوحيد الذي فهم لعبة‬ ‫من الطّراز األول وكان قلبه عىل وطنه تركيا وليس عىل عقيدة أعراب ّ‬ ‫الشّ طرنج يف ما يسمى العامل اإلسالمي فق ّدم وطنه عىل عقيدة الغرباء ولهذا يق ّدسه األتراك وال يالمون عىل ذلك‪ .‬بالّلهجة‬ ‫مرشح لالتحاد األورويب لوال الهمجية اإلسالمية‬ ‫العامية‪ ،‬الرجل لعبها صح وها هي تركيا اليوم عض ٌو يف ال ّناتو وعض ٌو‬ ‫ٌ‬ ‫بدل من االهتامم‬ ‫لبعضهم والذين يبتهجون ألمو ٍر تافه ٍة مثل لبس الحجاب وشعارات اإلخوان املسلمني ورابعة العدوية ً‬ ‫مبعدل التّضخم االقتصادي أو نسبة البطالة بني مواطني ال ّدولة‪.‬‬

‫الخائبون واالتجاه املعاكس للحداثة‬ ‫ومتسكوا بثقافة عرب‬ ‫انظر اىل حال من فعل العكس اليوم‪ .‬انظر إىل حال الفرس الذين تخلّوا عن حضارتهم العظيمة ّ‬ ‫الصحراء ليأتوا بهذا املسخ القبيح والخارج عن القانون ال ّدويل املسمى جمهورية إسالمي إيران‪ .‬قل ما تشاء عن الشّ اه‬ ‫ّ‬ ‫أي يش ٍء‪ ،‬مشكلته مع األسف أنّه مل ميتلك فكر وبصرية أتاتورك‪،‬‬ ‫مح ّمد رضا بهلوي‪ ،‬لكن ال ّرجل كان يعتز بفارسيته قبل ّ‬ ‫وإلّ لكانت بالد ٍ‬ ‫فارس ذات شأنٍ‬ ‫عظيم اليوم‪ ،‬ولكانت دول ًة جاذب ًة للعاملة واالستثامر بدلً من كونها كيا ٌن طار ٌد يعمل‬ ‫ٍ‬ ‫أبناؤه يف أحقر املهن يف الجانب اآلخر من الخليج لتأمني لقمة العيش ألرسهم‪ .‬باختصارٍ‪ ،‬العقيدة املح ّمدية دمرت بالد‬ ‫ٍ‬ ‫الصحراء وجعلوها قانون ال ّدولة‪.‬‬ ‫رشعوا ثقافة عرب ّ‬ ‫فارس داخل ًيا بواسطة أبنائها الذين تنكروا لحضارتهم وثقافتهم األم و ّ‬ ‫ٍ‬ ‫سخافات مراهق ٍة مثل تصدير الثّورة ( الثّورة عىل ماذا بالضبط ؟ ) ودعم‬ ‫ليس ذلك فحسب‪ ،‬بل ب ّددوا أموال ال ّدولة عىل‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫حامس يف غزة‪.‬‬ ‫ميليشيات عسكري ٍة ديني ٍة مثل حزب الله يف لبنان‪ ،‬والطفل املعتوه مقتدى الصدر يف العراق‪ ،‬وعصابة‬

‫‪57‬‬


‫الدين العنيد‪:‬‬ ‫ملاذا يرفض اإلسالم العلامنية؟‬

‫‪Leo Atheo‬‬

‫الحل ؟‬ ‫ط ّي ٌب‪ ،‬ما ّ‬ ‫الحل برأيي هو املطالبة وبشد ٍة بتدريس األجيال القادمة مبادئ فلسفة العبقري القدير ابن رشد يف املرحلة االبتدائية‬ ‫واملتوسطة والثّانوية ليك يرسخ مفهوم العقالنية يف ال ّنشء‪ ،‬ولتحصينهم ضد االنصياع لربامج الجامعات اإلسالمية املجرمة‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫بدروس‬ ‫وداعش وحزب الله و اإلخوان املسلمون‪ .‬كام أطالب بإلغاء حصص ال ّدين عدمية الفائدة واستبدالها‬ ‫مثل القاعدة‬ ‫يف املوسيقا وال ّرسم وال ّنحت وتاريخ الفنون‪ .‬كذلك يتوجب عىل الحكومة زيادة جرعة العلوم يف الربنامج ال ّدرايس للطّلبة‬ ‫ٍ‬ ‫مثل الكيمياء والفيزياء وال ّرياضيات الحديثة‪ .‬كل هذا لتهيئة جيلٍ‬ ‫رغم عنه‪ ،‬بل‬ ‫جديد ال يؤمن بخرافات البغل الطائر ً‬ ‫تعليمي متفوقٍ بعي ًدا عن خزعبالت‬ ‫ونظام‬ ‫بالعلم واملعرفة والتّوجه العقالين نحو إقامة دول ٍة حديث ٍة ذات اقتصا ٍد مت ٍني‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫السادس ميالدي‪.‬‬ ‫القرن ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫لسلوكيات ومنهج إنسانٍ‬ ‫واحد فقط عاش يف‬ ‫اإلسالم يرفض العلامنية أل ّن اإلسالم ليس دي ًنا باألساس‪ .‬اإلسالم تقلي ٌد‬ ‫السيف‪ .‬وعندما مات احتار أبناء عمومته والذين ال يختلفون‬ ‫الصحراء وفرض إرادته املريضة عىل ّ‬ ‫ّ‬ ‫كل من واجهه بقوة ّ‬ ‫الشء الكثري‪ ،‬فقاموا وأسموا خزعبالته دي ًنا وكتبوا ما تذكروه من هلوساته وأسموه قرآن وروجوا املوضوع‪ ،‬أيضا‬ ‫عنه ّ‬ ‫اللت‪ .‬واليوم‪ ،‬وبفضل البرتودوالر‬ ‫السيف‪ ،‬عىل أنّه كالم كائنٍ خارقٍ للطبيعة أسموه الله نسب ًة إىل كبري آلهة قريش ّ‬ ‫بقوة ّ‬ ‫السقيم يف أكرث بلدان العامل همجي ًة وتخلفًا‪ ،‬وأنتج للبرشية رشو ًرا ملموس ًة عىل هيئة ٍ‬ ‫داعش وجبهة‬ ‫انترش هذا املعتقد ّ‬ ‫الصدر وحركة األخوان املسلمني‪.‬‬ ‫ال ّنرصة والقاعدة وحزب الله وميليشيات ّ‬ ‫ٍ‬ ‫محايد ويسلبه سلطته‬ ‫اإلسالم يرفض العلمنة‪ ،‬مبعنى منع فرضه عىل ال ّناس بقوة القانون‪ ،‬أل ّن ذلك سوف يضعه يف موقعٍ‬ ‫الشيرة أمام ال ّنشء باستخدام جميع‬ ‫التي دونها يصبح عديم املعنى‪ .‬وعليه فال سبيل لعلمنة اإلسالم ّإل بتعرية حقيقته ّ‬ ‫ٍ‬ ‫كيانات سياسي ٍة حديث ٍة تتعايش مع‬ ‫وسائل االتصال املتاحة‪ ،‬لعل وعىس تتحول ال ّدول املبتالة بهذه األفكار امل ّدمرة إىل‬ ‫عام‪.‬‬ ‫وسالم بعد ألف ٍ‬ ‫بقية العامل مبح ّب ٍة ٍ‬

‫‪58‬‬


‫الغالف بريشة‬ ‫‪Nada Lutfi‬‬ ‫‪www.ancientaliensdebunked.com‬‬

‫الكذب و التدليس‬ ‫يف حرضة الفضائيني‬ ‫منشآت ج ّبار ٌة‬ ‫ٌ‬ ‫القسم األول‪:‬‬

‫يك ت ّم عرضه يف العرشين من نيسان ‪ 2010‬عىل قناة ‪History‬‬ ‫مسلسل أمري ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫‪ Ancient Aliens‬أو الفضائيون القدامى‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫كائنات فضائي ًة زارت األرض يف‬ ‫الوثائقية‪ ،‬والذي يطرح ما يسمى بـنظريات الفضائيون القدامى‪ ،‬الفكرة القائلة‪ :‬إ ّن‬ ‫ٍ‬ ‫املايض‪ ،‬وكان لها أث ٌر يف تكوين الحضارات البرشية‪ ،‬كام تقول إ ّن هناك من اآلثار األركيولوجية من ٍ‬ ‫وكتابات‬ ‫نقوش‬ ‫تاريخي ٍة‪ ،‬ما يثبت زيارتهم لألرض‪.‬‬ ‫وثائقي دحض إدعاءات أصحاب هذه ال ّنظرية‪:‬‬ ‫ومنتج‬ ‫كاتب‬ ‫ٌ‬ ‫يقول كريس وايت ‪ٌ Chris White‬‬ ‫ٌ‬ ‫‪59‬‬


‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬

‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫ٍ‬ ‫وقضيت‬ ‫كنت أص ّدق هذه ال ّنظريات‪،‬‬ ‫كنت متح ّم ًسا ج ًدا لها‪،‬‬ ‫أدرسها من كتّ ٍ‬ ‫اب معروفني وتسجيالت مص ّور ٍة‪ُ ..‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫سنوات ُ‬ ‫لسبب‬ ‫وكنت أم ّررها ألصدقايئ وعائلتي دامئًا‪ ،‬وأتكلّم معهم عنها باستمرارٍ‪ .‬لكن اآلن مل أعد ذلك الشّ خص‪ ،‬ليس أب ًدا‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫موقف مضا ٍّد لهذه ال ّنظريات ‪ -‬رغم كوين من ال ّرافضني لها حاليًا‪ -‬بل أستطيع القول بأ ّن موقفي‬ ‫شخيص يدفعني إىل أخذ‬ ‫ٍ‬ ‫الفكري ميكنه تق ُّبل احتامل وجود الكائنات الفضائية‪ ،‬بل تق ّبل فكرة أنّها زارتنا يف املايض‪.‬‬ ‫آمل أن تشاهدوا من خالل قراءتكم لهذه األبحاث – وحتى إن اختلفتم مع نتائجي– أنّني كنت نزي ًها وجا ًدا ج ًدا يف‬ ‫التّعاطي مع طرح املسلسل الوثائقي "الفضائيون القدماء"‪ ،‬وأنّني تعاملت مع املوضوع بكل حرفي ٍة واحرت ٍام‪ ،‬فهذه‬ ‫ٍ‬ ‫وتفاصيل غري دقيق ٍة يف طرح الوثائقي‪ ،‬رغم أ ّن أخطا ًء كهذه ال تؤثر يف صحة‬ ‫َ‬ ‫هفوات‬ ‫املقالة ليست لتسليط الضوء عىل‬ ‫النظرية‪ ،‬فربأيي الشخيص هذا ليس هو الحال هنا‪.‬‬ ‫ما سأريكم إيّاه هنا ليس وجود خطأٍ يف بعض املعلومات املوجودة لديهم عن زيارة الفضائيني لألرض‪ ،‬بل سرتون خطأ‬ ‫متحايل وغري نزي ٍه‪ ،‬بل إنّهم قاموا يف‬ ‫ً‬ ‫كل ادعا ٍء ق ّدموه ور ّوجوا له عن زيارة الفضائيني لألرض‪ ،‬وكيف يستخدمون منه ًجا‬ ‫ّ‬ ‫أحيانٍ أخرى بتزوير الدالئل لتتناسب مع فرضياتهم‪.‬‬

‫ٍ‬ ‫موقف ضد وجود‬ ‫أريد أن يعرف الق ّراء أنّني‪ ،‬وعىل العكس من باقي املتشكّكني بنظريات الفضائيني القدماء‪ ،‬ليس لدي‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫أحداث غامض ٍة يف املايض تتطلّب م ّنا رش ًحا واف ًيا‪ ،‬وأنني ُ‬ ‫تشابهات يف ال ّنصوص التّاريخية‪ ،‬واآلثار‬ ‫أدرك متا ًما أن هناك‬ ‫واألساطري‪ ،‬تشري إىل وجود ٍ‬ ‫حدث ما يف املايض يربطها جمي ًعا‪ ،‬وأ ّن هذه العالقة تحتاج إىل رشح‪ ،‬لكن سرتون معي أ ّن‬ ‫الفضائيني ليسوا جز ًءا يناسب هذا الرشح‪.‬‬ ‫سيشاركني التّعليق هنا الدكتور مايكل هايزر‪ ،‬وهو أحد األكادمييني الذين كانوا يتفاعلون مع نظريات الفضائيني‪ ،‬وهو‬ ‫من أكرث املف ّندين وال ّناقدين لهذه النظريات‪ ،‬حيث قد نرش أوراق ٍ‬ ‫بحث‪ ،‬وكتب بخصوصها مع العديد من املواقع‬ ‫االلكرتونية‪ .‬نحن سعدا ٌء بوجوده يف مقالتنا هذه وسعدا ٌء بوجودكم‪ ،‬أمت ّنى منكم أن تفتحوا عقولكم وتستمتعوا معنا‪.‬‬ ‫‪60‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬

‫الجزء األول‪ :‬بوما بونكو ‪ Pumapunku‬املدينة التي بناها الفضائيون‬

‫مثال رائ ًعا عىل ما حققه البرش‪ ،‬لكن مبقارنتها بأهرامات بومابونكو فأهرامات الجيزة مج ّرد‬ ‫«تعد أهرامات الجيزة ً‬ ‫لعب ٍة! ففي رأيي الشّ خيص أ ّن أفضل دليلٍ لدينا بخصوص لغز الكائنات الفضائية هي بومابونكو عىل مرتفعات بوليفيا»‪.‬‬ ‫جورجيو تسوكالوس‬ ‫دليل جي ًدا لهذا الح ّد عىل نظرية الفضائيني‪ ،‬إذًا رمبا علينا نبدأ بها فهم يف الوثائقي ي ّدعون أنّه قد‬ ‫إذا كانت بومابونكو ً‬ ‫تم بناؤها بيد الكائنات الفضائية مبارشةً‪ ،‬فمر ّوجو النظرية يبدؤون هنا بالقول‪ :‬من املستحيل عىل اإلنسان القديم أن‬ ‫ٍ‬ ‫ادعاءات خاطئ ًة‪ ،‬حيث يقول تسوكالوس‪:‬‬ ‫يبني البومابونكو‪ ،‬وحتى إن اضطروا أن يق ّدموا‬ ‫«إحدى األمور املثرية لالهتامم هناك‬ ‫هو أ ّن الصخور املستخدمة ليست‬ ‫صخو ًرا رملي ًة‪ ،‬بل هي صخور غرانيت‬ ‫وديورايت‪ ،‬واملادة الوحيدة األقىس‬ ‫من ال ّديورايت هي املاس‪ ،‬لذا فال‬ ‫ميكنهم أن ينشئوا هكذا بناء إال إذا‬ ‫كانت أدواتهم القاطعة للصخور ذات‬ ‫ٍ‬ ‫مايس»‪.‬‬ ‫رأس ٍ‬ ‫‪61‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬

‫فعل ومن ذات املوقع ‪ ،‬لكن ال‬ ‫الصخور املستخدمة يف البومابونكو صخو ٌر رملي ٌة حمراء ً‬ ‫للسخرية حقًّا؛ أل ّن ّ‬ ‫هذا مث ٌري ّ‬ ‫ُتب دانيكن هي ما تستند إليه سلسلة‬ ‫ميكننا لومه فهو فقط سري ّدد األشياء التي قرأها يف كتب اريك فون دانيكن‪ ،‬فك ُ‬ ‫الفضائيني التي نف ّندها‪ ،‬وسرنى كيف أ ّن دانيكن نفسه يق ّدم ذات اإلدعاءات الخاطئة حيث يقول‪:‬‬ ‫فعل‪ ،‬فأنت ال تنقل غرانيت‬ ‫«بومابونكو مبني ٌة من صخو ٍر موجود ٍة عىل األرض ً‬ ‫املنصات تزن حوايل‬ ‫نظام‬ ‫و ديورايت من ٍ‬ ‫شميس آخ َر‪ ،‬حيث إ ّن إحدى تلك ّ‬ ‫ٍ‬ ‫‪ 800‬طنٍ »‪.‬‬ ‫هذا خطأٌ متا ًما‪ ،‬حيث إ ّن أثقل حجر يف البومابونكو ال يتجاوز ‪ 130‬ط ًنا‪،‬‬ ‫الصخور هناك أصغر من هذا الوزن‪ ،‬وبذلك نرى أنه بالغ مبقدار‬ ‫والكثري من ّ‬ ‫‪ 670‬ط ًنا‪ ،‬لسوء حظّنا سرنى الكثري من ادعاءات دانيكن هذه خالل السلسلة‪.‬‬ ‫عىل ما يبدو أنهم قد قضوا وقتًا كاف ًيا ليب ّينوا ميزات ذلك البناء الحجري قبل‬ ‫ٍ‬ ‫أدوات صناعي ٍة قوي ٍة‪ ،‬حيث يقول أحدهم‪:‬‬ ‫اإلعالن أنه ال ميكن أن يت ّم دون‬ ‫ٍ‬ ‫تباعدات متعادل ٍة متا ًما‪ ،‬من‬ ‫«هذه الثقوب املحفورة يف أخاديد الحجر ذات‬ ‫الواضح أنّه قد ت ّم استخدام أدا ٍة قوي ٍة عىل هذا الحجر غري املألوف هنا‪،‬‬ ‫حيث إن هذا السطح مست ٍو كمنضد ٍة يف املطبخ‪ ،‬هذا السطح ت ّم عمله‬ ‫بشكلٍ آيل متا ًما»‪.‬‬ ‫الصخر ال ّرميل وصخر االندزيت الربكاين بسهول ٍة وباألدوات املتوفرة آنذاك‪ ،‬فكرة أدوات‬ ‫يف الحقيقة ميكن العمل عىل ّ‬ ‫ٍ‬ ‫هش نسب ًيا وسهل العمل عليه‪ ،‬وحتى صخر االندزيت الربكاين‬ ‫فالصخر ال ّرميل ٌّ‬ ‫القطع املجه ّزة‬ ‫برؤوس ماسي ٍة سخيف ٍة حقًا‪ّ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫قاس بعض اليشء بسبب الطّريقة التي برد بها ميكن قطعه بسهول ٍة باستخدام صخو ٍر أكرث هشاش ٍة وبدرجة ‪ 5،5‬عىل‬ ‫مقياس موس‪ ،‬وهذه الصخور ت ّم إيجادها بكرث ٍة يف مقالع الصخر الربكاين يف املنطقة‪.‬‬ ‫وعىل العكس من ادعاء أصحاب النظرية‬ ‫أ َّن علامء اآلثار مذهولون من طريقة البناء‬ ‫يف البومابونكو‪ ،‬فالعلامء يعرفون متا ًما كيف‬ ‫ت ّم هذا العمل‪ ،‬وكيف ت ّم قطع الصخور‬ ‫وتشكيلها بواسطة أدوات قطعٍ حجري ٍة‬ ‫موجود ٍة ومنترش ٍة كأدل ٍة عىل كالم العلامء يف‬ ‫موقع املقالع نفسه‪.‬‬ ‫‪62‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬ ‫فهم يف الحقيقة قد استعملوا طريق ًة قدمي ًة‬ ‫استعملها كل عامل الحجر القدماء تقري ًبا‪،‬‬ ‫لقص وتشكيل‬ ‫الصخور القوية ّ‬ ‫حيث يستعملون ّ‬ ‫الصخور‪ ،‬ومن ثم يقومون بتنعيمها بواسطة‬ ‫ّ‬ ‫حفّها بحبيبات ال ّرمل وحجارة صلبة ملساء‬ ‫من أحد أطرافها لجعل سطح الحجارة الكبرية‬ ‫مستويًا‪ ،‬وسنتع ّرف عىل هذه الطريقة بيش ٍء من‬ ‫التّفصيل عندما نرى كيف أن املرصيني قد فعلوا‬ ‫هذا قبلهم بألف سن ٍة لتسوية الصخور إلنشاء‬ ‫املسلت العمالقة‪.‬‬ ‫ّ‬

‫ٍ‬ ‫حبيبات قوي ًة إذا‬ ‫أيضا– ميتلك‬ ‫ال ّرمل – كام سرنى مع املرصيني ً‬ ‫وضعت بني الجسم املراد تسويته وصخر ٍة ما فيمكنه أن يسوي‬ ‫الصخور املعروفة لإلنسان‪ ،‬ويف الحقيقة كلام كان الصخر‬ ‫أقوى ّ‬ ‫أصلب كانت نتيجة التنعيم بهذه الطريقة أفضل‪ .‬سرنى كذلك‬ ‫كيف ميكن لل ّرمل أ ّن يح ّول قطعة ٍ‬ ‫نحاس إىل منشار غرانيت ف ّعال‬ ‫أيضا‪.‬‬ ‫ج ًدا‪ ،‬وهي طريقة استخدمها املرصيون القدماء ً‬ ‫بعض الصخور يف املوقع التي مل تشأ عدسات تصوير أصحاب النظرية أن تريكم إياها كانت تبدي صخو ًرا ما زالت قيد‬ ‫أيضا أدل ٌة قاطع ٌة عىل‬ ‫العمل‪ ،‬حيث إنها قد تم نحتها وتشكيلها باستخدام مطارق حجري ٍة وليس باستخدام الليزر‪ ،‬هناك ً‬ ‫استخدام املطارق الحجرية يف تشكري األحجار يف مناطق التقاء الحجارة ببعضها يف األماكن التي ليست من املفروض‬ ‫يل تصديق ادعاء فون دانيكن‪ ،‬ألنه سيعني أنه كان يوجد مسدس ليزر قرب مطرق ٍة‬ ‫أن تظهر وبسببها سيكون صع ًبا ع ّ‬ ‫العمل‪:‬‬ ‫حجري ٍة يف صندوق ع ّدة ّ‬

‫‪63‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬

‫مخيم لهم‬ ‫«وصل الفضائيون إلينا‪ ،‬وبقيت السفينة يف مدار األرض إال مكوكًا صغ ًريا‪ ،‬ليحموا أدواتهم فقد قاموا بإنشاء ٍ‬ ‫خالل ليل ٍة واحد ٍة باستخدام تكنولوجيتهم‪ ،‬وبالتأكيد ت ّم إنشاء هذا املخيم بالصخور املوجودة عىل األرض‪ ،‬فمن غري‬ ‫شميس آخ َر‪ ،‬ثم اختفوا و بقيت جدران مخيمهم»‪.‬‬ ‫نظام‬ ‫املمكن انك ستحرض صخور غرانيت أو ديوريت من ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫السابقة وحدها املتوفرة آنذاك؟ ‪،‬‬ ‫بالفعل ال ميكن إنشاء البومابونكو باألدوات ّ‬ ‫وخصوصا يف بعض املناطق التي تتطلب ال ّدقّة يف القطع‪ ،‬لكنها ال تحتاج إىل أكرث من‬ ‫ً‬ ‫عادي لقياس الزوايا‪.‬‬ ‫أزاميل معدني ٍة ومربع نجا ٍر ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫بأدوات معدني ٍة أشبه‬ ‫فالكثري من ال ّدراسات‪ ،‬أثبتت أن هذه القطع قد ت ّم إحداثه‬ ‫باألزميل املعدين لكن أوجه الخالف التي تواجهها هذه ال ّدراسات هو أن الناس هناك‬ ‫علم بتطويع املعادن إىل األدوات املطلوبة‪ ،‬أو أن األزاميل النحاسية‬ ‫مل يكونوا عىل ٍ‬ ‫عمل‪.‬‬ ‫أضعف من أن تحدث هكذا ً‬ ‫كبداي ٍة‪ ،‬ال يخفى عىل الجميع أن الحقبة القبل االنكية (نسبة إىل حضارة األنكا التي سادت هناك) كانت تقول إن الناس‬ ‫السبائك‪ ،‬ويف الحقيقة كان هؤالء الذين بنوا البومابونكو يقومون بصنع‬ ‫وقتها قد أجادوا العمل عىل املعادن وصنع ّ‬ ‫قوالب وجدت يف موقع العمل‪ ،‬ما يثبت أنهم كانوا كفوءين ج ًدا بصناعة املع ّدات املعدنية‪ ،‬السؤال‬ ‫سبائك ال ّنحاس يف‬ ‫ٍ‬ ‫السبيكة ال ّناتجة؟ وكيف سنعرف أنها ستكون ف ّعال ًة؟‬ ‫اآلن ماذا عن قوة ّ‬ ‫لو افرتضنا أنهم كانوا يص ّبون أدواتهم من ال ّنحاس الخالص فهي كانت ستعمل رغم حاجتها ال ّدامئة للشّ حذ‪ ،‬لكن ألن‬ ‫بعضا من هذه األدوات هناك أصبحنا نعرف أنهم استخدموا خليطًا من ال ّنحاس وال ّزرنيخ‬ ‫علامء اآلثار وجدوا بالفعل‪ً ،‬‬ ‫وال ّنيكل وكان ال ّناتج ال ّنهايئ قويًا ج ًدا وف ّع ًال‪.‬‬ ‫فال ّزرنيخ كان مينع أكسدة املعدن التي تجعله ضعيفًا‪ ،‬وال ّنيكل يستخدم إلضافة القوة إىل أزاميل ال ّنحاس املعدنية‪ ،‬وإذا‬ ‫عرفنا أنّهم كانوا قادرين عىل تشكيل املعدن بأي شكلٍ يريدونه فال يوجد جز ٌء من البومابونكو قد استحال عليهم بناؤه‪.‬‬

‫‪64‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬

‫السطوح القامئة التي يحتفي بها أصحاب ال ّنظرية كث ًريا حيث يقولون إنها بدرجة ‪ 90‬متا ًما؟‬ ‫و ماذا عن هذه ّ‬ ‫«إحدى األشياء املذهلة يف البومابونكو هو قطع الغرانيت بشكلٍ صحي ٍح متا ًما‪ ،‬حيث ميكنك رؤية أنها ذات زاوي ٍة قامئ ٍة‬ ‫متا ًما»‪.‬‬ ‫للحصول عىل سط ٍح مسط ٍح مع زاوي ٍة قامئ ٍة ال يحتاج هذا إىل تقني ٍة من خارج األرض‪ ،‬حيث إن كل ما تحتاج إليه هو‬ ‫السنني التي نعرف أن املرصيني وقتها‬ ‫قالب مرب ٌع‪ ،‬حيث إنه من املهم معرفة أن البومابونكو بنيت بعد األهرامات بآالف ّ‬ ‫ٌ‬ ‫بغض النظر عن هذا رؤية أن بعض‬ ‫كانوا ميتلكون التّقنيات املطلوبة مثل ال ّزوايا املربعة واملساطر وغريها‪ .‬ميكنك ً‬ ‫أيضا ّ‬ ‫زوايا هذه الحجارة ليست مربع ًة متا ًما بالفعل‪.‬‬

‫أحجام متساوي ٍة متا ًما مع بعضها‪ ،‬وإن هذا ال ميكن أن‬ ‫الصخور التي عىل شكل حرف ‪ H‬ذات‬ ‫ٍ‬ ‫و كذلك فهم يقولون إن ّ‬ ‫يت ّم إال بطريق ٍة آلية وخ ّط إنتا ٍج‪ .‬لكن هذا غري صحي ٍح‪ ،‬حيث إ ّن أبعاد صخور الـ ‪ H‬ليس متساوي ًة متا ًما‪ ،‬إمنا قريب ٌة عىل‬ ‫بعضها وهذا بسبب استخدام نفس خطط العمل‪.‬‬

‫‪65‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬ ‫و بالحديث عن خطط العمل يقول الوثائقي‪:‬‬

‫« يقول علامء اآلثار إ ّن البومابونكو قد بناها هنود االمارا‪ ،‬وعلينا االتفاق عىل أ ّن بناء يش ٍء مثل البومابونكو فأنت بحاج ٍة‬ ‫إىل الكتابة لكتابة املخططات وبحاج ٍة إىل توثيق فكرة تح ّدد أين تذهب كل قطع ٍة‪ .‬لكن يتفق جميع علامء اآلثار أن‬ ‫شعوب االمارا مل ميتلكوا أي نظام كتاب ٍة‪ ،‬إذًا كيف فعلوا كل هذا دون مخططات؟»‪.‬‬ ‫خاصا بثقافتهم اسمه‬ ‫عامل البومابونكو مل ميتلكوا أبجدي ًة خاص ًة بهم‪ ،‬لكنهم استعملوا منط كتاب ٍة صوري ٍة (هريوغليفية) ً‬ ‫الصور وال ّرموز التي يف املوقع هي يايا ماما‪ ،‬وليست شفرة فضائية رسية‪ ،‬وهذا مج ّرد دليلٍ ٍ‬ ‫واحد من‬ ‫"يايا ماما"‪ّ ،‬‬ ‫فكل ّ‬ ‫األدلة الكثرية التي تدل عىل من ومتى ت ّم بناء البومابونكو‪.‬‬ ‫الصور كانت‬ ‫والصور‪ ،‬مثلهم مثل باقي الحضارات وهذه ّ‬ ‫وال ّنقطة التي أقولها هنا هي أنّهم استخدموا الكتابة ال ّرسوم ّ‬ ‫كمخططات البناء التي يستخدمها املهندسون املعارصون لتخطيط بنا ٍء ما‪ ،‬لذا الحديث عن الحاجة إىل نظام كتايب ٍ‬ ‫ألف‬ ‫سخيف ج ًدا‪.‬‬ ‫ بايئ لبناء خط ٍة‬‫ٌ‬ ‫الصخور ورفعها إىل مكانها الحايل؟ هذا بالتأكيد سيحتاج إىل قوة رفعٍ خارق ٍة ما!! هنا يقول الوثائقي‪:‬‬ ‫ماذا عن نقل ّ‬ ‫«كيف ت ّم نقل تلك الكتل الضخمة من الغرانيت من محاجرها اىل البومابونكو؟ فهذا يتطلّب تكنولوجيا متقدم ٌة من‬ ‫قوة رفعٍ تجعل الحجارة تطفو يف الهواء ومضادات جاذبي ٍة ومركبات نقلٍ كبري ٍة‪ ،‬يش ٌء بالتأكيد كان الفضائيون ميتلكونه»‪.‬‬ ‫لو نظروا بشكلٍ ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫الصخور فيها أخاديد عمقها‬ ‫الصخور لوجدوا‬ ‫فتحات خاص ًة لوضع الحبال يف الحجر‪ ،‬فالكثري من ّ‬ ‫جيد إىل ّ‬ ‫وعرضها بضع سانتي ميرتات من وجهني متقابلني لتوصيل وربط الحبال‪ ..‬كام يوجد يف بعضها أخادي ٌد محفور ٌة بهدف‬ ‫الصخور بالحبال وتس ّمى ‪hoisting grip‬‬ ‫ربط ّ‬

‫‪66‬‬


‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬

‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الصخور بواسطة القوى الخارقة‪ ،‬وجعلها تطفو يف الهواء أم ًرا مضحكًا‪.‬‬ ‫والتي تجعل افرتاض رفع ّ‬ ‫ولتحويل األمور إىل شكلٍ محر ٍج أكرث ألصحاب ال ّنظرية وفقًا لآلثاري األركيولوجي جون بري بروتزين‪ ،‬وهو أحد خرباء‬ ‫سحب وج ٍّر عىل بعض وجوهها‪ ،‬هنا سيربز أحد‬ ‫البومابونكو‪ ،‬حيث يقول بأنّه ال توجد صخو ٌر هناك ليست بها عالمات‬ ‫ٍ‬ ‫أخطاء أصحاب النظرية حيث يقول تسوكالوس‪:‬‬ ‫«ال يتكلم أحد عن أ ّن البومابونكو بارتفاع ‪ 12.8‬قدم‪ ،‬أي فوق خ ّط منو األشجار الطّبيعي‪ ،‬حيث ال تنمو شجرة هناك‬ ‫ٍ‬ ‫أسطوانات خشبي ٍة لنقل هذه األحجار‪ .‬إ ّن نظرية استخدام األسطوانات الخشبية يف‬ ‫ليقول إنه قد ت ّم استخدامها إلنشاء‬ ‫هذه الحال خاطئ ٌة متا ًما!»‪.‬‬ ‫الصحراء حيث ال‬ ‫هذا كمثل القول إنه ال ميكن للمرصيني استخدام األسطوانات الخشبية لنقل األحجار‪ ،‬ألنهم يف ّ‬ ‫تنمو األشجار هناك‪ .‬واالختالف هنا هو أن املرصيني قد استوردوا الخشب من أماكن مثل لبنان‪ ،‬أ ّما ما كان عىل عامل‬ ‫التل حيث تنمو األشجار هناك‪.‬‬ ‫البومابنكو عمله‪ ،‬فهو امليش أسفل ِّ‬ ‫و ماذا عن هذه الشّ بهة هنا‪:‬‬ ‫«املنطق يختفي عند الحديث عن البومابونكو‪ ،‬ألن البناء الذي هناك ج ّبا ٌر مبا يكفي ليبدو أنه قد ت ّم تدمريه بقو ٍة خارق ٍة‬ ‫ج ّبار ٍة ما»‪.‬‬ ‫أنا أقول‪ :‬إن املنطق ما زال موجو ًدا يف البومابونكو فإن القطع املبعرثة يف املوقع هناك ميكن بسهولة تفسريها‪ ،‬وألقتبس‬ ‫كالم عامل اآلثار اليكيس فارنيش‪:‬‬ ‫السكك الحديدية»‪.‬‬ ‫«األحجار هنا مغري ٌة وبجود ٍة ممتاز ٍة‪ ،‬وكانت ماد ًة مثالي ًة لبناء البيوت والكنائس والفنادق وحتى ّ‬ ‫السكان املحليني‪ ،‬حتى إ ّن أحد املسافرين املارين ببومابونكو كتب‬ ‫ٍ‬ ‫بكالم آخ َر فقد ت ّم أخذ الكثري من األحجار من طرف ّ‬ ‫قليل فإنّه مل يكن‬ ‫قبل ‪ 400‬سن ٍة‪ ،‬إ ّن ال ّنهب كان موجو ًدا حتّى يف وقته‪ ،‬وكذلك يقول‪ :‬لو كان املوقع أقرب إىل املدينة ً‬ ‫ليبقى يش ٌء من املوقع واألحجار من األساس‪.‬‬ ‫يقول أصحاب النظرية إن عمر البومابونكو ‪ 17‬ألف سن ٍة!‬ ‫لرنَ ما يقول فارنيش للر ّد عىل هذه الشّ بهة‪:‬‬ ‫مبني عىل أساس دراس ٍة خاطئ ٍة أجريت سنة ‪ 1926‬ومن وقتها ت ّم عمل كثريٍ من‬ ‫«القول إ ّن عمر تيواناكو ‪ 14‬ألف سن ٍة ٌّ‬ ‫وكل البيانات تشري إىل أن التيواناكو وجدت بني سنة ‪ 500-300‬قبل‬ ‫علامء اآلثار وعلامء الجيولوجيا يف املنطقة إىل اليوم‪ّ ،‬‬ ‫امليالد »‪.‬‬ ‫‪67‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬

‫وألستم ّر بالكالم عن خطأ ال ّدراسة التي ذكرتها أعاله فأين سأقتبس من جيسون كولفيتو‪ ،‬الذي كشف ور ّد عىل الكثري من‬ ‫ادعاءات أصحاب ال ّنظرية الفضائية‪:‬‬ ‫ٌ‬ ‫ومنقول من أعامل آرثر بوزنانيك‪ ،‬الذي أراد أن يطبّق (علم‬ ‫«تيواناكو ليست بعمر الـ ‪ 17‬ألف سن ٍة‪ .‬فهذا الرقم مح ّر ٌف‬ ‫اآلثار الفضايئ) عىل املوقع بطريق ٍة مل يتمكّن األكادمييون الحاليون من تأكيد رشعيتها‪ ،‬حيث إن بوزنانيك اقرتح أن عمر‬ ‫املكان ‪ 15‬ألف قبل الحارض (يعادل ‪ 13‬ألفًا قبل امليالد) وهذا ما ترجمه العباقرة الفضائيون إىل ‪ 15‬ألفًا قبل امليالد حيث‬ ‫زادوا من رقم بوزنانيك الخاطئ أصال بـ ‪ 2000‬سنة»‪.‬‬ ‫و هنا خطأ بوزنانيك يتمثل بافرتاض أن معبد كاالساسايا قد بني بشكلٍ يتعامد مع الظّواهر الفلكية‪ ،‬ليتزامن مع ال ّنظام‬ ‫الشّ ميس وال ّنجمي وقتها (قالها لكن مل يثبتها) حيث إنه افرتض أن هذه الظّواهر مهم ٌة لشعب تيناواكو‪.‬‬ ‫أي أ ّن الشّ مس كان املفروض من أن تعامد صخر ٍة يف املعبد وتغرب وراء األخرى‪ ،‬لكن عن أي صخر ٍة نتكلم بالضبط؟‬ ‫الساموية بشكلٍ ٍ‬ ‫جيد‪ ،‬لذلك فقد افرتض أن هذه اآلثار بنيت ٍ‬ ‫بوقت‬ ‫حيث إن اآلثار الحالية مل تتزامن مع هذه األحداث ّ‬ ‫بنسب متوقع ٍة بسبب اختالف‬ ‫والسامء تتغري دامئًا‬ ‫ٍ‬ ‫كانت تتزامن به مع األحداث الشّ مسية وقتها‪ .‬حيث إن الشّ مس ّ‬ ‫ٍ‬ ‫فليك عىل الرغم من عدم‬ ‫درجات محاور األرض‪ ،‬فقد استنتج أن الكاالساسايا قد بني سنة ‪ 13000‬قبل امليالد‪،‬‬ ‫كمرصد ٍ‬ ‫وجود أي دليلٍ عىل عالق ٍة بني املبنى وال ّنظام الشّ ميس هناك‪ .‬بذلك افرتض بوزنانيك أن املعبد مقا ٌم بهدف التوافق مع‬ ‫الساموية التي افرتض حدوثها ليك يثبت بهذه االفرتاضات استنتاجه‪ ،‬كولفيتو نرش صورة من املوقع مع تعليق‬ ‫املواقع ّ‬ ‫يقول‪:‬‬ ‫(اخرت صخرةً‪ ،‬أي صخرة‪ ،‬وسوف يتزامن ويتوافق موقعها مع يش ٍء ما)‪.‬‬ ‫لقد ت ّم قياس تاريخ املوقع بطرقٍ كثري ٍة مثل القياس بالكاربون‪ ،‬فحص املعادن املستعملة‪ ،‬فحص الركام هناك الذي ت ّم‬ ‫كل طريق ٍة معروف ٍة لتحديد عمر املوقع‪ ،‬وكلها‬ ‫إيجاده ببضعة أماكن‪ ،‬ونوع الكتابة ال ّرمزية التي استخدمت‪ ،‬واعتامد ّ‬ ‫ح ّددت أ ّن البناء أنشئ يف بدايات العصور الوسطى‪.‬‬ ‫قبل أن ننهي هذه الفقرة عن البومابونكو‪ ،‬هناك شبهتان أردتٌ ذكرهام‪:‬‬ ‫«قام اإلسبان بسؤال األنكا – الناس الذين عاشوا هناك – ومن ضمنهم ملكهم‪ :‬ما هذا البومابونكو؟ فأجابوا جميعهم‪:‬‬ ‫هذا ليس من عملنا وال عمل أسالفنا‪ ،‬إنّه من عمل اآللهة‪ ،‬وت ّم يف ليل ٍة واحد ٍة‪ ،‬يف العادة يكون امللوك فخورين بإنجازات‬ ‫شعوبهم‪ ،‬لكن هذا امللك قال ما قال اآلخرون‪ :‬هذا ليس من عملنا‪ ،‬إنّه من عمل اآللهة»‪.‬‬ ‫وخصوه باآللهة‪ ،‬جز ٌء‬ ‫إذا كنت تفهم القليل فقط من أنظمة و أديان األنكا‪ ،‬لعلمت ملاذا ال ينسبون العمل إىل نفسهم ّ‬ ‫من مبادئ األنكا تقول‪ :‬إ ّن إمرباطورية و حضارة األنكا قد أنشأتها اآللهة‪ ،‬وبذلك كان من الوارد ج ًدا أن يقولوا هكذا‬ ‫أشياء لتأكيد حقّهم بحكم الجميع غريهم‪.‬‬ ‫‪68‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬

‫عندما وصل األنكا اىل موقع بوما بونكو كان مهجو ًرا منذ ‪ 100‬سن ٍة قبل وصولهم‪ ،‬ما يؤكّد وجود حقب ٍة ما قبل األنكا‬ ‫وسكان متطورين أكرث منهم من ناحية البناء‪ ،‬هذا كان يهدد كل سلطتهم املستمدة من إدعائهم أنهم أول حضار ٍة‬ ‫صنعتها اآللهة بنفسها‪.‬‬ ‫وهكذا نسبوا بناء البومابونكو إىل إلههم فرياكوتشا كام نسبوا إليه بناء عاصمتهم‪ ،‬ثم قالوا بأ َّن األنكا هم أصحاب أقدم‬ ‫خاطئ‪.‬‬ ‫وأعظم حضار ٍة هناك‪ ،‬رغم علم الجميع أن هذا كال ٌم‬ ‫ٌ‬

‫أخ ًريا‪ ،‬أصحاب النظرية يقولون التايل عن معتقدات املحليني الذين عاشوا بتلك الفرتة عن البومابونكو‪:‬‬ ‫السامء»‪.‬‬ ‫حج دينيًا لالحتفال بوصول آلهة ّ‬ ‫«األسطورة املحلية تقول‪ :‬إن تياناما قد أنشئت ألجل أن تكون مركز ّ‬ ‫السامء‪ ،‬هذه حرك ٌة خسيس ٌة من طرفهم‬ ‫وهذه مج ّرد كذب ٍة كبري ٍة! فرياكوتشا إاله األنكا املحليني يأيت من البحر وليس ّ‬ ‫برأيي‪.‬‬ ‫‪69‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬

‫ٍ‬ ‫بأدوات موجود ٍة يف‬ ‫الصخور هناك ليست غرانيت أو ديوريت‪ ،‬وممك ٌن العمل عليها بسهولة‬ ‫يف الختام‪ّ :‬‬ ‫الحضارة الهندية متضمن ٍة ألزاميل معدني ٍة مصنوع ٍة من سبائك عالية الجودة‪ ،‬هذه األدوات كانت كافي ًة ج ًدا‬ ‫الصخور بشكلٍ ممتا ٍز باستخدام تقنية‬ ‫لصنع زوايا ممتاز ٍة يف البومابونكو‪ ،‬فقد متّت تسوية وتنعيم أوجه ّ‬ ‫الصخور‪ ،‬كام‬ ‫خاص ٍة‪ ،‬ووجدنا أدل ًة تثبت هذه األمور عىل ّ‬ ‫الصخور مبطارق صخ ٍر ّ‬ ‫تسوي ٍة قدمي ٍة‪ ،‬وت ّم قطع ّ‬ ‫الصخر املخفية يف نقاط تالقيها مع بعضها‪ ،‬وكذلك وجدنا صخو ًرا ما زالت‬ ‫عرث عىل آثار املطارق عىل أوجه ّ‬ ‫قيد العمل‪.‬‬ ‫وخصوصا عندما نضع بعني االعتبار أنهم يشيعون أن‬ ‫الصخور مل يكن صع ًبا كام أرادوا اإليحاء لنا‪،‬‬ ‫ً‬ ‫تحريك ّ‬ ‫الصخور ووجود أماكن خاص ٍة‬ ‫الصخور أثقل بحوايل ‪ 600‬طنٍ من ما هو عليه‪ .‬هناك عالمات ج ّر عىل ّ‬ ‫وزن ّ‬ ‫لوضع الحبال عليها‪ .‬ما يثبت أنّها مل يتم حملها يف الهواء بواسطة التّكنولوجيا الفضائية التي يتكلّم عنها‬ ‫منظّرو نظرية الغرباء الفضائيني‬

‫كل يش ٍء عن عمر املكان واملنحوتات واآلثار التي تشري إىل‬ ‫عرفنا الحضارة املسؤولة عن هذا ال ُّنصب‪ ،‬وعرفنا ّ‬ ‫ال ّزمن الذي متت به بوضو ٍح‪.‬‬ ‫الحديث عن كون البومابونكو قد بنيت يف زمن االتالنتيني قد ت ّم إثبات خطأه بسهولة‪.‬‬ ‫‪70‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬

‫الجزء الثّاين‪ :‬أرسار األهرامات‪:‬‬

‫غموضا من نوعه يف العامل‪ ،‬هو الهرم األكرب يف الجيزة‪ ،‬حيث إ َّن حجم األحجار‬ ‫حجم واألكرث‬ ‫ً‬ ‫«لعل أكرث األبنية الحجرية ً‬ ‫املستخدمة ووزنها امله ِّول‪ ،‬مضاعفًا بعددها الكبري‪ ،‬يجعل بناء األهرامات أحد أعظم العجائب يف الهندسة والعامرة يف‬ ‫التّاريخ»‪.‬‬ ‫أهرامات الجيزة معجز ٌة مذهل ٌة من ال ّناحية الهندسية‪ .‬وهناك الكثري من النظريات التي أُطلقت لتفسري بنائها والتي‬ ‫تراوحت بني العادية واملنطقية وبني الخيالية‪:‬‬ ‫«هناك العديد من النظريات عن بناء هرم خوفو األكرب‪ ،‬والعديد منها سيجعلك تجلس وته ّز رأسك فقط‪ ،‬وهذه‬ ‫ٍ‬ ‫موجات صوتي ٍة ما»‪.‬‬ ‫النظريات تشمل زيارة الفضائيني ورفع الصخور بواسطة نظام‬ ‫أحد األماكن التي نستطيع أ َّن نتعلم فيها الكثريعن طرق‬ ‫قص الحجارة املرصية هو ذلك املوقع الذي يحتوي عىل‬ ‫ِّ‬ ‫املسلة غري املنتهية‪ .‬حيث لدينا هنا مسل ٌة تزن حوايل‬ ‫‪ 1000‬طنٍ ‪ ،‬مصنوع ٌة من الغرانيت‪ ،‬ومرتوك ٌة يف وسط‬ ‫املرشوع بسبب التشققات التي ظهرت بها؛ والعمل عىل‬ ‫هذه املسلة غري منت ٍه‪ ،‬ما أعطانا نظر ًة جيد ًة عن كيفية‬ ‫قطع وتسوية الغرانيت‪ ،‬باإلضافة ألحجا ٍر أخرى‪.‬‬

‫‪71‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬

‫يف الجوانب ميكننا رؤية كيف ت ّم قطع هذا الحجر يف املقلع‪ ،‬وذلك باصطفاف عد ٍد من العامل جانب بعضهم‪ ،‬ويطرقون‬ ‫الصخرة مبطرق ٍة ذات ٍ‬ ‫رأس من الديوريت‪ ،‬ومطارق ميكن إيجادها يف العديد من مناطق العمل ومواقع أخرى يف مرص؛‬ ‫ٍ‬ ‫يكس سوى بضعة مليمرت ٍ‬ ‫قسم‪ ،‬ثم يفعلون‬ ‫ات من الغرانيت‪ ،‬ما ينتج‬ ‫عالمات واضح ًة مميّز ًة عىل كل ٍ‬ ‫وهذا الطرق ال ّ‬ ‫الصخرة‪ ،‬بعدها يرفعونها باستخدام األثقال‪ ،‬ويضعون عمو ًدا يف الوسط فيؤدي هذا إىل قطعها‬ ‫نفس اليشء يف أسفل ّ‬ ‫من حجر القاعدة‪ .‬الشّ عب الذي صنع متاثيل املواي يف جزيرة ايسرت‪ ،‬كان قد استخدم طريق ًة مشابه ًة لهذه‪ ،‬حاله حال‬ ‫الكثري من الشّ عوب األخرى كام سرنى‪.‬‬ ‫وبعد تشكيل الصخور‪ ،‬يبدؤون بصقلها باستخدام أدوات صقلٍ ‪ .‬هناك العديد من أدوات الصقل التي ت ّم إيجادها يف‬ ‫مرص؛ وتحتوي عاد ًة عىل ٍ‬ ‫مقبض وسط ٍح مسط ٍح يحكُّون به الصخر ويستخدمون الرمل للكشط‪ ،‬من هنا أتت كلمة ورق‬ ‫بالحف‪.‬‬ ‫الرمل الخاص‬ ‫ِّ‬ ‫أجزاء املعادن املختلفة التي توجد يف الرمل ليست فقط‬ ‫صلب ٌة مبا يكفي لصقل الغرانيت‪ ،‬بل ويجعلها تقوم مبا ير ِّوج‬ ‫قص الغرانيت‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫الوثائقي أنَّه يش ٌء‬ ‫له أصحاب‬ ‫مستحيل‪ ،‬وهو ُّ‬ ‫ِّ‬ ‫لقص الغرانيت‪ ،‬ويف العادة‬ ‫كان للمرصيني القدماء ع ّدة طرقٍ ِّ‬ ‫يحتاج األمر إىل ال ّنحاس وال ّرمل حيث كان هناك الكثري من‬ ‫عالمات النرش عىل الغرانيت يف مرص‪ ،‬ميكن مالحظتها عىل‬ ‫خري يف الهرم األكرب‪.‬‬ ‫عدة آثا ٍر مشهور ٍة مثل ال ّنعش ّ‬ ‫الص ِّ‬ ‫الحجري كان‬ ‫قص ال ّنعش‬ ‫الشّ خص الذي كان يعمل عىل ّ‬ ‫ِّ‬ ‫يقص الحجر بزاوي ٍة خاطئ ٍة يف بداية األمر قبل أن يتدارك‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫عالمات‬ ‫خطأه‪ ،‬ويعمل عىل ال ّزاوية الصحيحة‪ ،‬ما ترك لنا‬ ‫كثري ًة لدراستها‪.‬‬ ‫املناشري النحاسية التي كانت مستخدم ًة وقتها‪ ،‬كانت عىل ثالثة أنواعٍ‪ :‬األول كان املنشار الذي يتطلب شخصني الستخدامه‪،‬‬ ‫وهو أشبه مبنشار األشجار الكبري الحايل؛ والثاين كان صغ ًريا مع ٍ‬ ‫خشبي؛ والثالث كان منشا ًرا أنبوب ًيا لصنع الثّقوب‬ ‫مقبض‬ ‫ٍّ‬ ‫يف الغرانيت وباقي األحجار‪.‬‬

‫‪72‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬

‫هذه املناشري مص ّور ٌة يف العديد من الرسوم والتصاوير املرصية‪ ،‬وما يثري االهتامم هو أنهم مل يحتاجوا إىل مناشريٍ مسنن ٍة‬ ‫كل ما يحتاجونه هو وضع الرمل بني املنشار والحجر فقط‪ ،‬حيث كان ال ّرمل هو ما يقوم بعمل‬ ‫للعمل بها‪ ،‬حيث كان َّ‬ ‫ال ّنرش‪.‬‬ ‫الخاصة لقطع الحجارة من قبل الخرباء باألدوات املرصية القدمية‪ ،‬ومل يثبتوا ف َّعاليتها فقط‪ ،‬بل‬ ‫ت ّم تجربة هذه الطّريقة‬ ‫ّ‬ ‫أي حا ٍل‪ ،‬كان نرش الغرانيت بال ّنحاس مكلفًا؛ أل َّن النحاس سيتآكل برسع ٍة‪ ،‬لذلك كان أكرث العمل عىل‬ ‫وسهولتها ً‬ ‫أيضا‪ .‬عىل ِّ‬ ‫القص بالنحاس يستعمل لألعامل امللكية مثل ال ّنعش‬ ‫الغرانيت يت ّم باستخدام املطارق والصاقالت واألزاميل؛ بينام كان ّ‬ ‫اآلنف ذكره‪.‬‬ ‫كل هذه املعلومات من شأنها أن تر َّد عىل ادعاءات أصحاب ال ّنظرية الفضائية‪ ،‬وتجعلهم يفقدون مصداقيتهم التي‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫برؤوس ماسي ٍة‪.‬‬ ‫أدوات فضائي ٍة قوي ٍة‬ ‫قص الغرانيت دون‬ ‫ستكرر خالل السلسلة كث ًريا أال وهي كالمهم الدائم عن استحالة ِّ‬ ‫كل هذه املعلومات عن بناء الهرم األكرب‪َّ ،‬إل أنّه من املهم أن نتذكر أنَّه تقريبًا ال يوجد جز ٌء يف الهرم األكرب‬ ‫واآلن ومع ِّ‬ ‫مصنو ٌع من الغرانيت‪ ،‬باستثناء بعض األماكن مثل سقف الحجرة امللكية‪ ،‬وإ َّن أكرث الصخور املستخدمة يف بناء األهرامات‬ ‫الصخور ال ّرملية الهشّ ة حوايل ‪ % 85‬من مادة الهرم‪ ،‬وموجود ٌة مقالعها يف مكان‬ ‫هي مج ّرد صخو ٍر رملي ٍة وجريي ٍة‪ ،‬وتشكّل ّ‬ ‫العمل‪.‬‬ ‫صحيح‪ ،‬الهرم األكرب‬ ‫هذا‬ ‫ٌ‬ ‫مبني وسط مقلع حج ٍر‬ ‫ٌّ‬ ‫يل هائلٍ ‪ ،‬ما يؤكّد أنَّه أحد‬ ‫رم ٍّ‬ ‫متطلبات موقع البناء‪ ،‬والـ‬ ‫الصخور‪،‬‬ ‫‪ 15%‬املتبقية من ّ‬ ‫والتي تألّفت من الصخر‬ ‫الجريي والغرانيت‪ ،‬كان قد‬ ‫ّ‬ ‫ت ّم إحضارها من موقعٍ ٍ‬ ‫أبعد؛‬ ‫ما يقودنا إىل سؤا ٍل آخرٍ‪:‬‬ ‫كيف ت ّم نقل وتحريك هذه‬ ‫الصخور إىل موقع العمل؟‬ ‫بالتأكيد إ ّن مؤيِّدي نظرية‬ ‫الفضائيني سيقولون‪ :‬إنّها‬ ‫قوة ال ّرفع الخارقة‪ ،‬حيث إنَّه‬ ‫الخيار الوحيد الباقي بالنسبة‬ ‫لهم‪.‬‬ ‫‪73‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬

‫«ليك يت ّم تحريك مثل هذه املقادير من الحجر فال ب َّد من استخدام قوة ال ّرفع عن طريق جعلها عدمية الوزن ورفعها يف‬ ‫محمول باليد‪ ،‬مثل مس َّدس أشع ٍة»‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وربا يكون جهازًا صغ ًريا‬ ‫الهواء بواسطة جها ٍز ما‪ّ ،‬‬ ‫السحري هو ما استخدمه املرصيون لتحريك الصخور‪ ،‬فيبدو أ َّن لديهم طريق ًة ظريف ًة بإظهار هذا‪ ،‬أل َّن‬ ‫لو كان ال ّرفع ّ‬ ‫ٍ‬ ‫حجم ووزنٍ إىل موقع‬ ‫مزلجات خشبي ٍة لتحريك الصخور من ِّ‬ ‫هناك العديد من التصاوير التي تظهرهم يستخدمون‬ ‫كل ٍ‬ ‫املسلت وال ّنصب التي يزيد وزنها عن ‪ 1000‬طن قد ت ّم تحريكها باملزلجات الخشبية‪.‬‬ ‫بناء الهرم‪ ،‬وحتى ّ‬

‫حتى إ َّن هناك كلم ًة بالهريوغليفية للمزلجة‪ ،‬فقد ت ّم استعاملها ع ّدة مر ٍ‬ ‫ات‪ .‬ويف الحقيقة عرث علامء اآلثارعىل ثالث مزالج‬ ‫بحال ٍة جيد ٍة‪ ،‬وما زالت تحتفظ بأماكن كثري ٍة لتوصيل الحبال بها‪.‬‬

‫‪U 16‬‬ ‫)‪(biA‬‬

‫‪U 15‬‬ ‫)‪(tm‬‬

‫وبالحديث عن الحبال‪ ،‬فالحبال املصنوعة من الربدي وموا ّد أخرى – التي قد ت ّم إيجادها يف مرص وبعضها بسامك ٍة كبري ٍة‬ ‫ج ًدا – ّ‬ ‫الصخور‪ ،‬التي كان مطلوبًا استريادها‪ ،‬ويف‬ ‫تدل عىل أنّها استخدمت لألشياء الثقيلة‪ ،‬مع استخدام القوارب لنقل ّ‬ ‫الواقع توجد قنا ٌة تم حفرها من النيل إىل موقع العمل؛ لذلك مل يت ّم ج ّر أي صخور من مكانٍ ٍ‬ ‫بعيد‪.‬‬ ‫بأي حا ٍل؟‬ ‫إذا ً‪ ،‬ماذا عن عملية البناء؟ كيف متّت ِّ‬ ‫‪74‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬

‫ٍ‬ ‫ضعف كثري ٍة ببعض النظريات الشعبية املنترشة‪ ،‬ومنها نظرية‬ ‫أحد جوانب كون النظرية الفضائية جذاب ًة وجود نقاط‬ ‫ٍ‬ ‫املنحدر الواحد – التي تقرتح بناء منحد ٍر مائلٍ‬ ‫مؤقت لج ِّر األحجار شيئًا فشيئًا إىل أعىل الهرم‪ ،‬حيث إ َّن طول هذا‬ ‫ميل وسيكلف أحجا ًرا أكرث من الهرم نفسه‪.‬‬ ‫املنحدر سيكون حوايل ً‬

‫نظري ٌة أخرى هي نظرية املنصة الحلزونية‪ ،‬لكن مشكلتها هي أ َّن عرض بعض الحافات سيكون حوايل قدمني (‪ 60‬سم)‬ ‫العمل واألحجار الضخمة التي كانوا يرفعونها‪.‬‬ ‫أو ُّ‬ ‫أقل من هذا‪ ،‬وبالتايل هذا ال يكفي الستيعاب ّ‬

‫كام أ َّن بناء مثل الهرم يتطلب مراقب ًة دامئ ًة لألبعاد الجيومرتية بدقَّ ٍة ليك تلتف املنصة الحلزونية حوله إىل األعىل‪ ،‬فإذا‬ ‫ٍ‬ ‫بوصات عن الطبقة العليا لتس َّبب هذا باختالف الزوايا بدرج ٍة كبري ٍة عند الوصول‬ ‫قل بُ ْعد أحجار الطبقة السفىل مبقدار‬ ‫َّ‬ ‫لألعىل‪ .‬حيث سيجعل املنحدر الحلزوين الذي يغطي أحجار الهرم من غري املمكن مراقبة دقة الزوايا الذي ينشأ بها الهرم‪.‬‬ ‫أي دليلٍ‬ ‫واقعي يؤكّد صحة هذه النظريات‪ ،‬لذلك ميكن معرفة ملاذا يبحث الناس عن البدائل‪.‬‬ ‫أضف إىل هذا أنَّه ال يوجد ُّ‬ ‫ٍّ‬ ‫الوثائقي صادفتني نظري ٌة‬ ‫بينام كنت أقوم ببعض البحوث ألجل هذا‬ ‫ِّ‬ ‫جديد ٌة عن بناء الهرم مل أسمع بها من قبلٍ ‪ ،‬وكنت عىل وشك ذكرها‬ ‫بشكلٍ صغريٍ هنا‪ ،‬لكن كلام تع َّمقت بها بانت بوادر ص َّحتها‪ .‬مل يتم‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫معامري‬ ‫مهندس‬ ‫مرصيات‪ ،‬بل عن طريق‬ ‫اقرتاح ال ّنظرية من عامل‬ ‫ٍّ‬ ‫فرنيس اسمه جان بيري هاودين‪ .‬فإذا صح كالم جان بيري فإ َّن معرفة‬ ‫ٍّ‬ ‫كيفية رفع األحجار سيفرس لنا ألغازًا أُخرى مثل التّصميم الغريب‬ ‫للقاعة ال ّرئيسية داخل الهرم‪ ،‬وسبب وجود تلك األحجار الغرانيتية‬ ‫متوضع ٍة يف‬ ‫فوق حجرة امللك‪ ،‬وملاذا هناك ثالث حجرات دفنٍ‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ارتفاعات مختلف ٍة داخل الهرم‪ ،‬اثنان منها مل يتم استخدامها‪.‬‬ ‫‪75‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬ ‫سأفس هذه النظرية باختصارٍ‪ ،‬لكني أش ّجعكم عىل زيارة‬ ‫ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫معلومات إضافي ٍة‪،‬‬ ‫أي‬ ‫ال ّروابط واملواقع املرفقة ّ‬ ‫لكل من يهوى َّ‬ ‫ٍ‬ ‫متحمس لف ّن عامرة‬ ‫أي‬ ‫ألين أعتقد أ َّن هذه التفاصيل سته ّم َّ‬ ‫يل يف الهرم‬ ‫األهرامات؛ الفكرة األساسية هي وجود منحد ٍر داخ ٍّ‬ ‫العمل بج ّر األحجار بداخلها وصولً إىل ال ّزوايا‪،‬‬ ‫األكرب‪ ،‬وقد قام ّ‬ ‫املنصة‬ ‫حيث يتم تسليمها إىل ٍ‬ ‫فريق آخ َر من العامل لريفعها إىل ّ‬ ‫التّالية‪.‬‬ ‫كام أ َّن الجهة الخارجية التي احتوت عىل الحجر الجريي‬ ‫املصقول متّت معايرتها مع الجدار الخارجي وباقي األحجار‪،‬‬ ‫للحفاظ عىل األبعاد الجيومرتية قبل مترير األحجار خالل هذا‬ ‫املنحدر‪ ،‬ثم ت ّم وضع األحجار ال ّرملية بعدهم مللء الفراغات‬ ‫خلفها‪.‬‬

‫هذا يعني أ ّن الحجرات الداخلية مثل حجرة امللكة وامللك قد ت ّم بناؤها يف وسط استمرار العمل صعو ًدا يف وسط ال ّنهار‪،‬‬ ‫فريق‬ ‫وهذا يعني أ َّن نظرية املنصة الداخلية‪ ،‬وعىل عكس باقي النظريات تؤيّدها الكثري من الدالئل املادية؛ حيث قام ٌ‬ ‫فرنيس يف الثّامنينات بالتجارب بنية البحث عن حجر ٍ‬ ‫رسي ٍة امت ّدت داخل الهرم باستخدام التّصوير الصو ِّيت مك ّون ًة‬ ‫ات ّ‬ ‫ٌّ‬ ‫خريط ًة متكامل ًة لقلب الهرم‪ .‬متا ًما كأخذ صور ٍة بأشعة إكس لكامل الهرم‪ ،‬وعن طريق دراساتهم ت ّم إيجاد دالئل لنظرية‬ ‫املنصة الداخلية‪ ،‬لكنهم مل يعرفوا وقتها ماذا يستنتجون من هذا الشكل الحلزوين للممرات الذي عرثوا عليه‪ .‬لذلك أبقوا‬ ‫دراستهم بعيد ًة إىل أن سمعوا بنظرية جان بيري بعد ‪ 14‬سن ٍة من عملهم‪.‬‬

‫‪76‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬

‫باإلضافة إىل هذا هناك فتح ٌة صغري ًة مخفي ًة بأعىل الهرم‪ ،‬ووفقًا لجان بيري تنبّأ أن نجد موقعها من الهرم يتطابق مع خ ِّط‬ ‫يل الذي كان يتم رفع األحجار فيه‪ ،‬والواقع عىل ارتفاع ‪ 7%‬من حجم الهرم عن النقطة التي توجد‬ ‫سري هذا املنحدر الداخ ِّ‬ ‫فيها فر ٍ‬ ‫اغات مشابه ٍة عىل زاوي ٍة أخرى من الهرم‪ ،‬حيث يتم تدويرها داخل هذه الفتحة وتغيري اتجاه ج ّرها‪.‬‬

‫ٍ‬ ‫دقائق للوصول إىل هذه الفتحة والتقاط بعض‬ ‫مرصيات عمل مع جان بيري‪ -‬كان قد ت ّم منحه عدة‬ ‫بوب براير ‪ -‬عامل‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وقياسات لها‪ ،‬فوجد أنَّه كان هناك ٌ‬ ‫فعل من خلف الصخور‪ ،‬وت ّم عىل أثر هذه الصور والقياسات بناء‬ ‫مجال فار ٌغ ً‬ ‫صو ٍر‬ ‫ٍ‬ ‫مخططات رقمي ٍة دقيق ٍة ثالثي ٍة األبعاد لهذه الفراغات‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫قياسات متكامل ٍة للفتحة‪ .‬لكن لعل املثري‬ ‫وحتى سنة ‪ 2012‬كان الفريق ينتظر اإلذن من الحكومة املرصية ليأخذوا‬ ‫لالهتامم أكرث‪ ،‬هو سبب وجود القاعة املركزية وأحجار الغرانيت فوق مدفن امللك‪ ،‬ذكرتهام م ًعا ألن جان بيري يظن أنهام‬ ‫مرتبطتان ببعضهام ج ًدا‪.‬‬ ‫أول أن نعرف أن الفرق بني الهرم األكرب (هرم خوفو)‪ ،‬والهرمني اآلخرين (خفرع ومنقرع) املوجودات‬ ‫كبداي ٍة علينا ً‬ ‫بالجيزة هو أن حجرة الدفن كانت داخل الهرم نفسه‪ ،‬يف حني كانت تحت االرض بالنسبة للهرمني االخرين ومحفورتني‬ ‫داخل حجر األساس‪ ،‬ما يعني أنه مل يكن عليهم القلق من تساقط آالف األطنان من األحجار عىل القرب‪.‬‬ ‫الهرم األكرب كان مختلفًا‪.‬‬ ‫فحجراته كانت بداخل الهرم كام‬ ‫أسلفنا‪ .‬وبسبب هذا كان عىل‬ ‫املصمم أن يكون خالقًا ليك مينع‬ ‫تساقط الصخور عىل الحجرات‪.‬‬ ‫يف األهرامات السابقة تم هذا‬ ‫باستخدام صخو ٍر مركزي ٍة توضع‬ ‫بشكلٍ‬ ‫هرمي عىل سطح غرفة‬ ‫ٍ‬ ‫الدفن‪ ،‬لتوزع وزن األحجار التي‬ ‫فوقها بعي ًدا عن الحجرة‪.‬‬ ‫‪77‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬

‫لك َّن مص ّمم الهرم األكرب أراد أن يتف َّرد بأسلوبه بوضعه سط ًحا مسط ًحا فوق مرقد امللك‪ ،‬وكان هذا سيتساقط بسهول ٍة إذا‬ ‫مل يجد طريق ًة لتوزيع وزن الصخور بعي ًدا عن السطح؛ لذلك فقد أضاف سلسلة من صخور الغرانيت العمالقة‪ ،‬وتوزيعها‬ ‫فوق املرقد ومساواتها مع قمة البناء يف األهرامات السابقة‪ ،‬ما وزّع الوزن بعي ًدا عن حجرة امللك‪.‬‬ ‫بحل مشكلة وزن الصخور املع ّرضة للتساقط بسبب وزنها عىل حجرة امللك‪ ،‬لكنها سبّبت مشكل ًة‬ ‫وهذا من شأنه أنه قام ِّ‬ ‫املنصة الداخلية‪ ،‬حتى لو كانت‬ ‫أخرى‪ ،‬كيف ميكنك ج ّر أحجار الغرانيت هذه إىل مكانها املرتفع؟ إنها ثقيل ٌة ج ًدا عىل ّ‬ ‫نسبة ميلها ‪.7%‬‬ ‫شكل غري ًبا‪ ،‬وال يوجد‬ ‫حيت علامء املرصيات منذ لحظة اكتشافها‪ ،‬حيث إن لها ً‬ ‫ّ‬ ‫لحل هذا‪ ،‬لننظر إىل القاعة املركزية التي ّ‬ ‫ما ُّ‬ ‫يدل عىل أنّها قد أنشئت لتكون طريقًا من نقط ٍة إىل نقط ٍة أخرى‪ ،‬ما قاد إىل الكثري من االفرتاضات عن سبب وجودها‪.‬‬ ‫جان بيري اقرتح أ ّن القاعة املركزية استخدمت لتكون نظام معادلة‬ ‫للوزن‪ ،‬حيث ت ّم استخدام قاطر ًة خشبي ًة لتحميل الحجر وج ِّرها‬ ‫بالحبل‪ ،‬لتكون هناك قو ٌة كافي ٌة لرفع ثقل األحجار بطريق ٍة تشابه‬ ‫عمل مصعد البضائع املعارص‪.‬‬ ‫فمثل الثّقوب املوجودة مبا‬ ‫كل التّفاصيل املتعلّقة بالقاعة املركزية؛ ً‬ ‫تفس َّ‬ ‫هناك الكثري من األدلة املادية لهذا ً‬ ‫أيضا‪ ،‬وهي ِّ‬ ‫شحم هناك‪،‬‬ ‫يُدعى "املصطبات"‪ ،‬يف القاعة املركزية كانت تستعمل لربط نظام قاطر ٍة‬ ‫يفس وجود آثار ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫خشبي‪ ،‬وهذا ما ّ‬ ‫ٍ‬ ‫لخدوش يف أسفل الحجرة‪ ،‬حيث كانت القاطرة تحتك بالجدار هناك‪ .‬ما ّ‬ ‫يدل عىل وضع الشّ حم لتسهيل‬ ‫مع آثا ٍر أخرى‬ ‫عمل القاطرة‪.‬‬

‫‪78‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬

‫وهذا ما يفرس الحالة املهرتئة الغريبة للصخور فيام يدعى "املمىش"‪ ،‬حيث كان هذا هو املكان الذي ّ‬ ‫تحتك فيه الحبال‬ ‫بالحجر‪ .‬هذه املنطقة اآلن قد ت ّم ص ّبها باالسمنت لتكون ممىش‪ ،‬لكن ميكنك رؤية صور ٍة قدمي ٍة لها توضح شكلها حني‬ ‫ت ّم اكتشافها أول م ّرةً‪.‬‬

‫دليل عىل وجودها؛ وحتى هؤالء الذين يعارضون نظرية‬ ‫منص ًة إضافي ًة صغريةً‪ .‬ويوجد ٌ‬ ‫مصعد الشحن هذا سيتطلب ّ‬ ‫املنحدر الواحد الطويلة يتفقون عىل وجود منحد ٍر صغريٍ يف بداية املرشوع‪ .‬ومن السهل تخ ّيل أنه قد ت ّم تفكيك هذا‬ ‫املنحدر الصغري بعد االنتهاء من حجرة امللك‪ ،‬وتم استخدام صخوره إلكامل العمل عىل الهرم‪.‬‬ ‫جان بيري وفريقه جعل الكثريين مييلون إىل هذه النظرية‪ ،‬ومن ضمنهم عد ٌد كب ٌري من علامء املرصيات وخرباء األهرامات‬ ‫املرموقني‪ .‬لكن حتى عام ‪ 2012‬ما زالت مرحلة التّأكيد األخرية تنتظر ترصي ًحا من الحكومة املرصية للسامح للفريق‬ ‫بالعمل يف املوقع‪.‬‬ ‫يقول هايزر‪:‬‬ ‫منطقي‪ ،‬وأظن أنه توجد دالئل ظرفية عليها‪ ،‬حيث إنّك إذا‬ ‫«إ َّن فكرة هاودين عن املنحدر الداخيل مرتابط ٌة بشكل‬ ‫ٍّ‬ ‫شاهدت تقرير ناشنال جيوغرافيك‬ ‫الخاص بنظريته للموضوع ستتفق معي عىل وجود هذه الدالئل‪ ،‬فلديها إجاباتٌ‬ ‫َّ‬ ‫قوي ٌة عىل الكثري من األسئلة األساسية‪ .‬وأظن أ َّن هذه النظرية مهم ٌة‪ ،‬ألنَّها تعتمد عىل أسلوب هندس ٍة ٍ‬ ‫بسيط فعا ٍل‪،‬سوا ًء‬ ‫جسم ما لرفع آخر ذي وزنٍ‬ ‫أعظم»‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫يف العامل القديم أواملعارص‪.‬أال وهواستخدام الوزن والوزن املضا ِّد – استعامل وزن ٍ‬ ‫سوا ًء كانت هذه النظرية صحيح ًة أم ال‪ ،‬فإنَّنا إىل حني إثباتها معظمنا يستطيع أن يرى أن تقنيات البناء هذه يف متناول‬ ‫أي مساعد ٍة من الفضائيني‪.‬‬ ‫االنسان ‪ -‬حتى يف الحضارات القدمية‪ -‬للبناء والتّقدم دون ِّ‬

‫‪79‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬

‫الجزء الث ّ‬ ‫ّالث – البحث عن مطار بعلبك‬

‫الشقية يف وادي البقاع هنا يف هذا املوقع األثري تقبع بقايا الهيليوبولس (مدينة الشّ مس كام كانت تسمى عند‬ ‫«لبنان ّ‬ ‫ال ّرومان) والتي بُنيت يف القرن ال ّرابع بعد امليالد بأم ٍر من اإلسكندر األكرب لتكريم اإلله زيوس‪ ،‬رب اآللهة اإلغريقية‪،‬‬ ‫أثري أقدم بكثريٍ‪ ،‬وفقًا لعلامء‬ ‫ولكن تحت األعمدة الكورنثية و بقايا هياكل املباين ال ّرومانية واإلغريقية تقع بقايا موقعٍ ٍ‬ ‫عام»‪.‬‬ ‫اآلثار يرجع إىل حوايل ‪ٍ 9000‬‬ ‫ُسميت مدينة بعلبك األثرية بهذا االسم ِطبقًا السم اإلله الكنعاين "بعل ‪" .‬‬ ‫«وألنّها كانت مخصص ًة لعبادة وتقديس اإلله بعل قام اإلغريق وال ّرومان فيام بَ ْع ُد بتشييد معابدهم عىل هذه البقعة‬ ‫بالذّات»‪.‬‬ ‫السنني‪،‬‬ ‫«املسح األثري كشف أ ّن أساسات البناء ّ‬ ‫الصخرية الهائلة املوجودة يف هذا املوقع ترجع إىل عرشات اآلالف من ّ‬ ‫الصخرية العمالقة كانت تُ َثِّل‬ ‫لكن األمر األكرث إثار ًة ملُتَ َب ِني نظرية الفضائيون القدامى‪ ،‬هو اعتقادهم بأ ّن هذه املنصات ّ‬ ‫مواقع ومطار ٍ‬ ‫ات لهبوط مسافري الفضاء القدامى»‪.‬‬ ‫الفكرة التي يُحاول ُمتبنو نظرية الفضائيني إيصالها هي أ ّن هناك تحت بقايا اآلثار ال ّرومانية تقبع منص ٌة ضخم ًة ج ًدا‪،‬‬ ‫وهي التي ا ُستخدمت أول م ّر ٍة إلطالق سفن الفضاء يف املايض‪.‬‬ ‫‪80‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬

‫اللحق‪ ،‬وانتب ْه إىل أول ما يذكرونه كدليلٍ عىل ادعائهم‪:‬‬ ‫كام سنشاهد يف االقتباس ّ‬ ‫قبل املعابد ال ّرومانية هو منص ٌة كبريةٌ‪ ،‬والتي يبدو من الواضح أنّها ا ُستخدمت من ِقبل‬ ‫أصل ُ‬ ‫«ولكن ما كان ُهناك ً‬ ‫املسافرين غري األرضيني للهبوط واإلقالع من األرض»‪.‬‬ ‫الضخمة املُستخدمة يف تشييد أساسات البناء‪ ،‬كل واحد ٍة فيها تزن‬ ‫الصخرية ّ‬ ‫»وكدليلٍ ‪ ،‬يُشري الباحثون إىل أ ّن األحجار ّ‬ ‫حوايل ‪ 1200 - 800‬طن‪ ،‬وهي مصفوف ٌة ومركب ٌة مع بعضها بطريق ٍة ُمحكم ٍة و ُمتقن ٍة ج ًدا»‪.‬‬ ‫التيلثونية‪ .‬ويف الحقيقة فإ ّن أثقل واحد ٍة فيها تزن ‪ 800‬طن‬ ‫بالصخور ّ‬ ‫الصخور الثّالثة التي أشاروا إليها تُعرف ّ‬ ‫هذه ّ‬ ‫وليس ‪ 1200‬طن كام ادعوا سابقًا ‪ ،‬هناك صخرتان أخريتان أثقل من هذه ُوجدتا يف املناطق املحيطة ‪ ،‬ولكنهام غري‬ ‫التيلثونية ‪.‬‬ ‫الصخور ّ‬ ‫مستعملتني وال تزاالن متصلتني باألحجار األخرى يف مقلع الحجارة ال ّرئييس وبهذا ال تعترب جز ٌء من ّ‬

‫الصخور الثّالثة تقود املشاهد إىل االعتقاد بأنّها كانت جز ًء من أساسات‬ ‫الطّريقة التي قُدمت بها املعلومات عن هذه ّ‬ ‫الصخور ‪.‬‬ ‫البناء لبعلبك‪ ،‬أرادوا للمشاهد أن يعتقد بأ ّن سفن الفضاء أقلعت وهبطت عىل هذه ّ‬ ‫الصخور الثّالثة ليست من ُصنع ال ّرومان (كام يعتقد معظم علامء اآلثار) وأنّها جز ٌء أو ٌيل يف بناء‬ ‫ً‬ ‫أيضا ادعوا أ ّن هذه ّ‬ ‫صحيح أنّه كانت َ‬ ‫هناك معاب ٌد سابق ٌة لعهد‬ ‫أساسات بعلبك وأ ّن ال ّرومان واإلغريق بنوا معابدهم فوق هذه األساسات‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫ال ّرومان يف هذا املوقع ولكن سوف نتعرف عنها أكرث فيام بعد ‪.‬‬ ‫‪81‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬

‫الصخور هي اللّغز‬ ‫الصخور ّ‬ ‫التيلثونية حيث أ ّن منتجوا الوثائقي يقولون بأ ّن هذه ّ‬ ‫تركيزنا يف الوقت الحايل يَ ْنصب عىل ّ‬ ‫الحقيقي ملدينة بعلبك ‪:‬‬ ‫الصخور لهذا املكان؟ ملاذا ُوضعت هنا؟ وبالتّحديد كيف‬ ‫»هذا هو اللّغز الحقيقي ملدينة بعلبك‪ ،‬كيف جاءت تلك ّ‬ ‫والضخامة لدرجة أ ّن اآلالت الحديثة اليوم قد‬ ‫الصخور كانت هائلة الحجم ّ‬ ‫سم من هذه ّ‬ ‫نقلوها إىل هذا املكان؟ أل ّن ِق ً‬ ‫ال تكون قادر ًة عىل وضعها يف هذا املكان بهذه الطّريقة‪ ،‬ولكن بطريق ٍة ما متكن أسالفُنا من فعل ذلك»‪.‬‬ ‫الصخور الثّالثة ال تد ُخل ِضمن‬ ‫لحل هذا اللّغز نحتاج أن نفهم ً‬ ‫أول أ ّن هذه ّ‬ ‫أساسات بناء مدينة بعلبك كام ا ّدعوا سابقًا‪.‬‬ ‫الضيق يف‬ ‫التيلثون ُوضعت متسلسل ًة لتغطية مساف ٍة طويل ٍة من الحائط ّ‬ ‫صخور ّ‬ ‫ال ّنهاية القريبة لهذه املجموعة‪ .‬هي عىل األغلب ليست أساساتٌ يرجح كونها‬ ‫منص ًة لسفن الفضاء‪ ،‬وهي غري مالمئ ٍة أب ًدا لسفينة فضا ٍء لتهبط عىل سطحها‬ ‫الصخور ضيق ٌة‪.‬‬ ‫كَ ْون املساحة عىل سطح هذه ّ‬ ‫ُم ّدعو نظرية الفضائيني يُحاولون أن يجعلوها تبدو وكأَ َّن أح ًدا ال يعرف الغرض‬ ‫منها أو ملاذا هي بهذا الثّقل الكبري‪.‬‬

‫الضخمة َو َو ْض ِعها يف هذا املكان صعب ٌة بشكلٍ ال يُصدق إذًا من؛ أو ما الذي‬ ‫الصخور ّ‬ ‫«لكن إذا كانت عملية رفع هذه ّ‬ ‫السؤال األهم ملاذا ُو ِضعت هناك؟»‪.‬‬ ‫وضعها هناك؟ وباألحرى ّ‬ ‫ٌ‬ ‫معروف جي ًدا‬ ‫الحقيقة هي أ ّن الغرض من هذا الجدار‬ ‫لدى علامء اآلثار‪ ،‬لقد كان جدار ٍ‬ ‫صد‪.‬‬ ‫الساندة تحسنت كث ًريا عىل يد اإلغريق‬ ‫تقنية الجدران ّ‬ ‫أغلب‬ ‫بسبب أهمية املدرجات يف حضارتهم‪ .‬وأل ّن‬ ‫َ‬ ‫التبة‪ ،‬لهذا‬ ‫مدرجاتهم كانت مغمور ًة يف األرض وتُحيط بها ّ‬ ‫الساندة لكبح انجراف‬ ‫كانوا بحاج ٍة لتشييد هذه الجدران ّ‬ ‫التبة باتجاه املدرجات‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫‪82‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬

‫بعد ذلك جاء ال ّرومان وقاموا بتحسني وإتقان هذه املامرسة‪.‬‬ ‫الصخور الكبرية واألثقل‬ ‫القاعدة األساسية يف بناء حواجز صد االنجراف وبحكم التّجربة (حتى إىل يومنا هذا) هي أ ّن ّ‬ ‫الصخور كان يجب أن تكون بقطعٍ كبري ٍة وضخم ٍة قدر اإلمكان‬ ‫الساندة‪ .‬كذلك فإ ّن ّ‬ ‫ت ُعترب األفضل لتشييد الجدران ّ‬ ‫ومبع ًنى آخر حجار ًة كبري ًة غ َري مقطوع ٍة ‪.‬‬ ‫الصخور املنفردة يف العامل القديم بجانب بعلبك استخدمت يف تشييد‬ ‫الصدفة أ ّن ً‬ ‫بعضا من أضخم ّ‬ ‫ليس من قبيل ّ‬ ‫أيضا من ِقبل ال ّرومان كام سرنى الحقًا ‪.‬‬ ‫الساندة ً‬ ‫الجدران ّ‬ ‫للتبة يف ذلك املوقع أو إن كان األساس الذي‬ ‫الساندة لها أهم ّي ٌة كبري ٌة ج ًدا‬ ‫خصوصا إن كان هنالك انجر ٌاف كب ٌري ّ‬ ‫ً‬ ‫الجدران ّ‬ ‫ت ُحاول بناءه يقع عىل منحد ٍر حا ٍد‪.‬‬ ‫السبب وحده كانت بحاج ٍة لجدرانٍ ساند ٍة‬ ‫بالضبط عىل‬ ‫ٍ‬ ‫يف بعلبك األساسات بُنيت ّ‬ ‫جانب منحدرٍ‪ ،‬تل ٌة ضخم ٌة‪ ،‬ولهذا ّ‬ ‫ٍ‬ ‫التبة‬ ‫خصوصا إ ْن كانوا يخططون لبناء‬ ‫منصات عىل مست ًوى عا ٍل ( ُمرتف ٌع عن األرض) وإن أضفت لذلك مشكلة انجراف ّ‬ ‫ً‬ ‫الضخمة يف بعلبك ‪.‬‬ ‫ستكون قد حصلت عىل َسبب ِني مقنعني ج ًدا ل ُوجود هذه الجدران ّ‬ ‫التبة؟ الجواب هو‪ :‬نعم‪.‬‬ ‫لكن هل كانت املنطقة املحيطة ببعلبك فيها مشكلة انجراف ّ‬ ‫التبة‬ ‫ورمبا كانت من أقوى أنواع االنجرافات يف العامل تحصل يف هذه املنطقة‪ .‬بإمكانك أن تشاهد أدل ًة عىل انجراف ّ‬ ‫السنني‪.‬‬ ‫حول مدينة بعلبك‪ّ .‬‬ ‫التبة يف التّالل تنزلق ‪ ،‬إىل الوادي أسفلها منذ مئات ّ‬ ‫التبة هي التّ َص ُحر فإذا كانت هذه األرايض تحتوي عىل أشجا ٍر كثيف ٍة ث ّم أزيلت هذه‬ ‫أحد أسباب مشكلة انجراف ّ‬ ‫األشجار فلن يبقى يش ٌء ليبطئ من رسعة تدفق ميا ِه اإلمطار عىل سطح التَّل ‪.‬‬ ‫عادةً‪ ،‬يصطدم املطر بطبق ٍة طبيعي ٍة من أغصان األشجار وأوراقها‪ ،‬التي تتجمع عىل أرضية الغابة مبرور ال ّزمن‪ ،‬وتبقى‬ ‫التبة‪.‬‬ ‫التبة متامسك ًة ً‬ ‫التبة والتي تُساهم يف تثبيت ّ‬ ‫أيضا بفعل جذور األشجار وامتداداتها تحت ّ‬ ‫ّ‬ ‫يحتوي ال َعلَم اللّبناين عىل صور ٍة لشجرة األرز‪،‬‬ ‫هذه األشجار كانت مصدر فخ ٍر لهم ِ‬ ‫السنني‬ ‫آلالف ّ‬ ‫لذلك يُطلق عليها اسم أشجار األرز اللّبنانية‪ ،‬ولكن‬ ‫ٍ‬ ‫بعيد ألنّها‬ ‫غابات األرز هذه اختفت منذ زمنٍ‬ ‫الشق األدىن‬ ‫كانت املصدر الوحيد للخشب يف ّ‬ ‫القديم‪ ،‬وت ّم استهالكها بشكلٍ كبريٍ فَ َح َّل التَّصحر‬ ‫بشكلٍ كبريٍ يف العصور املاضية ‪.‬‬ ‫‪83‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬

‫السوء يف وادي البقاع‪ ،‬األمم املتحدة يف عام ‪ ، 2006‬عرضت سلسل ًة من الحلول‬ ‫ويف الحقيقة‪ ،‬انجراف ّ‬ ‫التبة موجو ٌد بهذا ّ‬ ‫للتّعامل مع هذه املشكلة‪ ،‬واآلن توجد كارث ٌة بيئي ٌة واسعة ال ّنطاق يف منطقة بعلبك‪ ،‬املنازل فيها أصبحت مهجور ًة‬ ‫بالسكان‪ ،‬وعىل ال ّرغم من أ ّن األمم املتحدة قامت بتقديم بعض الحلول‬ ‫أل َن أساساتها انجرفت وأصبحت غري مأهول ٍة ّ‬ ‫الجديدة‪ ،‬إال أ ّن هذه املشكلة قدمي ٌة وأول من انتبه إليها هم ال ّرومان ‪.‬‬ ‫الصخور يف الجدران تحتها‪.‬‬ ‫الضخمة تعطي الوزن‪ ،‬الوزن املناسب ّ‬ ‫التيلثونية ّ‬ ‫للضغط عىل قاعدة ّ‬ ‫الصخور ّ‬ ‫التبة وتأمني ّ‬ ‫ّ‬ ‫جانب ٍ‬ ‫واحد من مدينة بعلبك (من جانب املنحدر الحاد)‪ .‬الفكرة‬ ‫الصخور عىل‬ ‫ٍ‬ ‫هذا األمر يفرس ملاذا كانت هذه ّ‬ ‫الصخور هي جز ٌء من منص ٍة إلطالق املركبات الفضائية هي فكرة تحتاج إىل جهلٍ كبريٍ بطبيعة املوقع‬ ‫القائلة بأ ّن هذه ّ‬ ‫وجغرافيته من أجل التّصديق بتلك الفكرة‪.‬‬ ‫سابق لزمن ال ّرومان (من زمن الكنعانيني) ‪.‬‬ ‫حس ًنا‪ ،‬ماذا عن ُع ْم ِر هذه الجدران؟ هل هي من زمن ال ّرومان؟ أم من زمنٍ ٍ‬ ‫هناك ٌ‬ ‫جدل كب ٌري يف هذا املوضوع بسبب وجو ِد معابد قدمي ٍة ج ًدا يف هذه املنطقة تسبق وجود ال ّرومان ‪.‬‬ ‫املعابد الكنعانية ‪-‬قبل ال ّرومانية‪ -‬كان لها أساساتٌ قياسي ٌة بسيط ٌة ج ًدا وعمرها يشبه عمر معظم املواقع األثرية التي‬ ‫بُنيت من ِق َبل الكنعانيني والتي كانت تُسمى يف العهد القديم (باألماكن العالية)‪.‬‬ ‫أيضا عىل مساف ٍة اقل من‬ ‫كأي مكانٍ مرتفعٍ ج ًدا‪ ،‬وألنّه ً‬ ‫هذا املوقع األصيل رمبا اختاره الكنعانيون ألنّه كان يقع عىل التَّل ِّ‬ ‫الصخور املناسب ‪.‬‬ ‫نصف ميلٍ من مقلع ّ‬ ‫الساندة‪ ،‬وأل ّن حضار ٍ‬ ‫ات عديد ٍة استقرت يف هذا املوقع‬ ‫اإلصدارات األوىل من هذه املعابد مل تكن ُمحاط ًة بجدران ّ‬ ‫الصد ّ‬ ‫السنني حدث تغي ٌري كب ٌري ج ًدا يف البناء‪ ،‬ال ّرومان وحدهم قضوا ‪ 200‬عام يف التّشييد عىل هذا املوقع‪ .‬فكِّر باألمر‬ ‫خالل ّ‬ ‫طويل ج ًدا ألجل أ ْن تعمل يف هذا املرشوع ‪.‬‬ ‫وقت ٌ‬ ‫إنّه يشبه البدء بإنشاء مرشو ٍع يف عام ‪ 1814‬وقد اكتمل اآلن‪ .‬هذا ٌ‬ ‫التيليثيونية ليست جز ًء من هذا‬ ‫الصخور ّ‬ ‫وبهذا فإ ّن مدينة بعلبك قد بُنيت يف زمن الكنعانيني منذ زمنٍ اإلله بعلٍ ولكن ّ‬ ‫الساندة ‪.‬‬ ‫مهم ج ًدا من جدران ّ‬ ‫املوقع وليست جز ًء من األساسات كام يُدعى عاد ًة بل إنّها كانت جز ًء ً‬ ‫الصد ّ‬ ‫الصخور ‪.‬‬ ‫السؤال يبقى مطرو ًحا عن طريقة تحريك ورفع هذه ّ‬ ‫ولكن ّ‬ ‫الصخور يتجاوز إل ‪ 1200‬طن‪ ،‬كيف ت ّم تحريكها إىل هذا املوقع إذًا؟ ألنّه من الواضح أنّها‬ ‫«البعض قال بأ ّن وزن هذه ّ‬ ‫ٍ‬ ‫الصخور التي تحتها»‪.‬‬ ‫تقع فوق‬ ‫صفوف من ّ‬ ‫الصخور؟‬ ‫إذًا هل كان ال ّرومان ميتلكون التّقنية لرفع وتحريك مثل هذه ّ‬ ‫‪84‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬

‫حس ًنا‪ ،‬لنعرف اإلجابة كل ما علينا فعله هو إلقاء نظر ٍة عىل ٍ‬ ‫بلد روما ٍين آخر يف ال ّدولة املجاورة لنعرف الجواب‪.‬‬ ‫عام‪ ،‬مرشو ٌع آخر بنفس الحجم كان يتم تنفيذه بأمر من امللك‬ ‫يف الوقت الذي بدأ فيه ال ّرومان مرشوعهم الذي دام ‪ٍ 200‬‬ ‫ال ّروماين هريود الكبري (امللك العميل) يف عام ‪ 19‬قبل امليالد‪.‬‬ ‫استخدم هريود الكبري التّقنية ال ّرومانية إلعادة تجديد املعابد من اجل كسب ُو ّد اليهود ألنّهم كانوا يعاملونه كَ َوكيلٍ‬ ‫كيهودي ‪.‬‬ ‫رومان وليس‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ال ّنسخة املوسعة من املعابد حجمها كان ِضعف الحجم األصيل ولكن من أجل عمل هذا التّوسيع كان يجب أن يضم‬ ‫الشقي) وهذا يعني أنّه احتاج لتشييد جدران ٍ‬ ‫التبة‬ ‫جز ًء من التَّل (الجزء الشّ اميل ّ‬ ‫صد ليحافظ عىل املعابد من انجراف ّ‬ ‫سليم (يُشبه ما فعله ال ّرومان يف بعلبك‪).‬‬ ‫من التّل ألجل بناء أساسات البناء بشكلٍ ٍ‬ ‫أيضا جز ٌء من ذلك الجدار ال يزال ِ‬ ‫قائًا حتى يومنا هذا ويحتوي عىل ثاين أضخم صخو ٍر منفرد ٍة بعد بعلبك‬ ‫وهناك ً‬ ‫(حائط املبىك) ‪.‬‬

‫اللزمني من اجل كبح مشاكل‬ ‫الصخور ُوضعت بطريق ٍة لتكون جدا ًرا ل ُيوفر الوزن والحجم ّ‬ ‫مثل بعلبك‪ ،‬أغلب هذه ّ‬ ‫الصخور األربعة األكرب يف هذه املجموعة تُشكل املمىش ال ّرئييس ‪.‬‬ ‫االنجرافات يف األرض‪ .‬وكانت ّ‬ ‫أي أقل من صخور بعلبك بحوايل ‪ 100‬طن أو أكرث بقليلٍ ‪.‬وال ينكر‬ ‫أثقل واحد ٍة من هذه ّ‬ ‫الصخور كان وزنها ‪ 630‬طن ْ‬ ‫الصخور قُطعت ونُقلت بطريق ٍة مثالي ٍة باستخدام التّقنية ال ّرومانية والتّقنيات املحلية ‪.‬‬ ‫أح ٌد أ ّن هذه ّ‬ ‫‪85‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬

‫الصخور ( ّصخور املمىش ) ا ُستخدمت‬ ‫وكمالحظ ٍة جانبي ٍة‪ :‬إنّه ملن املغري حقًا التّفكري بأ ّن الثّقوب املوجودة عىل هذه ّ‬ ‫الصخور يف مكانها الحايل‪ .‬ويف الحقيقة‬ ‫من اجل نقلها ولكن األبحاث ت ُظهر أ ّن هذه الثّقوب أُحدثت بعد أ ّن ت ّم تثبيت ّ‬ ‫ٍ‬ ‫إنشات‪.‬‬ ‫هذه الثّقوب استخدمت لعقد الجص فيها لعمل بعض املشاريع املائية‪ ،‬والجدير بالذّكر أ ّن ُعمقها ال يتجاوز بِضع‬ ‫عىل أية حا ٍل هل من املمكن منطق ًيا االعتقاد بأ ّن ال ّرومان استطاعوا قطع وتحريك ورفع صخور بوزن ‪ 630‬طن من‬ ‫الساندة هنا؟ ولكن إذا أضفنا ‪ 100‬طن عليها (كام يف صخور بعلبك) فاألمر يتطلب تكنولوجيا فضائي ًة ‪.‬‬ ‫اجل الجدران ّ‬ ‫نحن نعلم أ ّن ال ّرومان يف نفس الوقت كانوا معجبني باملسالت املرصية و قاموا بنقلها إىل روما بأعدا ٍد كبري ٍة وروما كانت‬ ‫ٍ‬ ‫تبعد مئات األميال من اليابسة واملاء عن مرص‪ ،‬بينام بعلبك كانت تبعد أقل من ميلٍ‬ ‫واحد فقط عن مقلع الحجارة‬ ‫ال ّرئييس ‪.‬‬ ‫كالصخور‬ ‫ٌ‬ ‫فرص جيد ٌة لنقل صخو ٍر ُمقَارِب ًة لها بالحجم ّ‬ ‫بعض من هذه املسالت كانت تزن ‪ 500‬طن لهذا كان لل ّرومان ٌ‬ ‫التيلثونية بعلبك ‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫أيضا‬ ‫أوصاف روماني ٌة ورسوماتٌ عن كيفية تحريك تلك املسالت قدمها مارسلني كوماس وكانت هناك ٌ‬ ‫أيضا‬ ‫نقوش ً‬ ‫هناك ً‬ ‫السفيل من مسلة ثيودوسيوس املوجودة يف اسطنبول ‪.‬‬ ‫تشري إىل ذلك‪ .‬نُقش أحدها عىل الجزء ّ‬

‫كتابات ماركس فرتوفيس بوليو القدمية تصف بدق ٍة بعض محاسن التّقنية ال ّرومانية كاستخدام البكرات التي تساهم يف‬ ‫اللزمة إىل ال ّنصف لكل بكر ٍة واحد ٍة مستخدم ٍة ‪.‬‬ ‫تقليل مقدار القوة ّ‬ ‫جانب‬ ‫الضخمة عىل كل ٍ‬ ‫الصخور‪ ،‬عن طريق تشييد عجالت البلوط ّ‬ ‫ً‬ ‫أيضا‪ ،‬قام برشح طريقتهم البارعة واملبتكرة بتحريك ّ‬ ‫التيلثونية‬ ‫كالصخور ّ‬ ‫الصخور كروي ًة كتلك املستخدمة يف األعمدة أو مستطيل ًة ضخم ًة ّ‬ ‫من الكتلة املُراد نقلها سوا ٌء كانت ّ‬ ‫ث ّم يتم سحبها بواسطة البكرات إىل املواقع ‪.‬‬ ‫‪86‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬

‫التيلثونية ال تحتوي عىل ثقوب لويس والتي‬ ‫الصخور ّ‬ ‫الصخور ّ‬ ‫التيلثونية يف بعلبك؟ البعض يشري إىل أ ّن ّ‬ ‫إذًا ماذا عن رفع ّ‬ ‫الصخور بشكلٍ مع ٍني استخدمها‬ ‫ثقوب يتم حفرها يف ّ‬ ‫توجد يف الكثري من ّ‬ ‫الصخور ال ّرومانية يف بعلبك‪ .‬ثقوب لويس‪ :‬هي ٌ‬ ‫ال ّرومان يف املايض لتسهيل رفعها باستخدام ال ّرافعات‪ ...‬نعم كانوا ميلكون ر ٍ‬ ‫افعات ‪.‬‬ ‫وعىل ال ّرغم من أ ّن رافعاتهم هذه كانت تحمل ‪ 5‬أطنانٍ فقط‪ ،‬إلّ أنّهم عاد ًة يقومون باستخدامها مجتمع ًة من أجل‬ ‫إعطائهم القدرة عىل رفع أوزانٍ اكرب ‪.‬‬ ‫الصخور الثّالثة عىل هذه الثّقوب املوجودة بالفعل يف جميع صخور بعلبك األخرى؟‬ ‫إذًا ملاذا ال تحتوي ّ‬ ‫الصخور الثّالثة ال تحتوي عىل تلك الثّقوب‪ ،‬ألنّه إىل اآلن مل‬ ‫حس ًنا ً‬ ‫‪،‬أول وقبل كل يش ٍء أنا لست متأك ًدا كث ًريا أ ّن هذه ّ‬ ‫أي ٍ‬ ‫الصخور هذه يف نقاط التقائها‪.‬‬ ‫أحد من رؤية نهايات ّ‬ ‫يتمكن ّ‬ ‫جانب ٍ‬ ‫واحد‬ ‫رمبا يكون من الجيد بأنّهم قرروا عدم رفعها بصور ٍة مستقيم ٍة بسبب وزنها الكبري‪ ،‬وبدلً من ذلك قرروا رفع ٍ‬ ‫الصخرة ‪.‬‬ ‫من ّ‬ ‫كل ما نحتاجه هو رفعها عال ًيا مبا يكفي وملساف ٍة مناسب ٍة لنحصل عىل فرص ٍة إلدخال أصغر دعام ٍة تحتها‪ ،‬وإذا وصلت‬ ‫لهذه املرحلة سيكون أمامك مجموع ٌة جيد ٌة من الخيارات املُتاحة والطّرق امليكانيكية الستكامل العملية ‪.‬‬ ‫يف وثائقي أخر قام رجل بصنع ميزان ّصخري وهي طريق ٌة فعال ٌة وسهل ٌة يف رفعها إىل األعىل مستوحا ٌة من إحدى اآلثار‬ ‫القدمية باستخدام طريقة توازن القوى املتعاكسة فقط ‪.‬‬ ‫كأدوات‪ ،‬ال بكر ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ات وال‬ ‫والصخور فقط‬ ‫أي ماكينة رفعٍ آلي ٍة واستخدمت ال ِعيص ّ‬ ‫«حاولت أن أفعل ذلك بدون استخدام ّ‬ ‫ر ٍ‬ ‫افعات وال سالمل حديدي ٍة‪ ،‬فقط حاولت أن استغل الجاذبية‪ ،‬اعتقد أنّها أدايت املفضلة (يقصد الجاذبية)»‪.‬‬ ‫الصخرة املستطيلة مبا‬ ‫تتم العملية ببساط ٍة برفع أحد جانبي ّ‬ ‫يكفي لوضع دعام ٍة خشبي ٍة تحتها يف منتصف كتلة الحجر‪،‬‬ ‫ومن ث ّم يتم استخدام وزن الحجر نفسه ككفتي ميزانٍ ‪ ،‬ويف‬ ‫كل م ّر ٍة يهبط فيها أحد أطرافه ترتفع مبقدا ٍر ٍ‬ ‫كاف عن ال ّدعامة‬ ‫املوجودة يف أسفل منتصف الحجر مبا يكفي لحرش قطعة‬ ‫خشب إضافي ٍة‪ ،‬ويتم بعدها إمالة الكفة إىل الطّرف الثّاين‬ ‫ٍ‬ ‫الصخرة ببط ٍء‬ ‫للحصول عىل فرا ٍغ لقطع ٍة أخرى‪ ،‬وهكذا فرتتفع ّ‬ ‫مع كل قطعة خشب مضاف ٍة وبشكلٍ سهلٍ وفعا ٍل ‪.‬‬ ‫‪87‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬ ‫الصخور يف الحالة بعلبك ال تحتاج إىل أ ْن ت ُرفع ‪.‬‬ ‫ولكن ّ‬

‫الصخور بطريقة ماركس‬ ‫يف ورق ٍة فرنسي ٍة كُتبت بوساطة 'جني بري أدم' ت ّ‬ ‫ُوضح بالتّفاصيل ال ّدقيقة كيف ميكن تحريك ّ‬ ‫الصخور التي ترفع إليها بالبكرات‪ ،‬وهذه الطُّرق منحدر ٌة بشكلٍ ٍ‬ ‫كاف‬ ‫فرتوفس بوليو‪ ،‬وذلك عن طريق بناء طُرقٍ تحت ّ‬ ‫الصحيح لوضعها والتي كانت سهل ًة يف بعلبك بسبب طبيعة األرض املمهدة‪ ،‬لذا فإنّها ال تحتاج‬ ‫الصخور إىل املكان ّ‬ ‫لتقود ّ‬ ‫الصخور‬ ‫أي قوة رفعٍ‪ ،‬وبعد ذلك يتم استخدام اسطوانات تُدفع من قبل اإلنسان‬ ‫ٍ‬ ‫ونظام من ال ّرحى (روافع) لسحب ّ‬ ‫إىل ِّ‬ ‫عىل طول الطّريق‪.‬‬ ‫هذه الطّريقة تحتاج إىل ‪ 144‬عاملٍ فقط‬ ‫إلنجازها ‪.‬‬ ‫أيضا من املفيد لل ّناس أن يتذكروا بأ ّن‬ ‫ً‬ ‫أكرب صخر ٍة يف العامل ت ّم تحريكها (اسمها‬ ‫صخرة ال ّرعد) يف روسيا‪ ،‬والتي ت ّم تحريكها‬ ‫ٍ‬ ‫معدات‬ ‫أي‬ ‫يف عام ‪ 1700‬بدون استخدام ِّ‬ ‫الصخرة أثقل بحوايل ‪105‬‬ ‫حديث ٍة وهذه ّ‬ ‫التيلثونية‪ ،‬ونحن‬ ‫الصخور ّ‬ ‫طن من أثقل ّ‬ ‫نعرف أ ّن تحريكها مل يكن بحاج ٍة إىل‬ ‫ٍ‬ ‫تقنيات فضائي ٍة ‪.‬‬ ‫حس ًنا‪ ،‬ماذا عن هذا االدعاء؟‬ ‫السومريني يُ َعر ُِف مبلحمة‬ ‫«األمر املثري حقًا يف بعلبك‪ ،‬أنّها دامئًا ما كانت ت ُعرف بـموضع الهبوط‪ ،‬هناك مصد ٌر من مصادر ّ‬ ‫جلجامش ‪ ،‬جلجامش ادعى حقًا أنّه كان يرى صواريخ تصعد وتنزل إىل بعلبك (مكان الهبوط)»‪.‬‬ ‫هذه الكتابات تأيت مبارش ًة من كتابات زكريا سيتشن وهي غري صحيح ٍة بامل ّرة‪ .‬مل تكن بعلبك تُ ْع َر ُف مبكان الهبوط وأ ّن‬ ‫أي جز ٍء منها ‪.‬‬ ‫أي يش ٍء عن صواريخ تصعد وتنزل إىل بعلبك يف ّ‬ ‫ملحمة جلجامش مل تذكر ّ‬ ‫ميشيل هيرس ‪:‬‬ ‫«إذا كنت تريد أن تطرح هذه االدعاءات‪ ،‬أريد أن أرى املقطع يف ملحمة جلجامش الذّي يتحدث عن بعلبك ويسميها‬ ‫بذاتها‪ .‬من الطّبيعي أن أُشَ كك بوجود مثل ذلك املقطع ولكن إذا أردت أن تُلقي مبثل هذا اإلدعاء عليك أن تكون قاد ًرا‬ ‫عىل إثبات الطّرح بالتّفصيل وباألدلة وليس ذكر املنطقة كلها بصيغ ٍة ضبابيّ ٍة بل عليك اإلتيان بدليلٍ يثبت بأ ّن هذه هي‬ ‫الصخور املشار إليها يف ال ّنص املعطى»‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫‪88‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬

‫حينام قام زكريا سيتشن بوضع هذا االدعاء يف كتابه مل يخرب القارئ أب ًدا أين باإلمكان العثور عىل هذا ال ّنص يف ملحمة‬ ‫جلجامش‪ ،‬يف األغلب ألنّه هذا سيجعل األمر أصعب عىل القارئ ليتفحص الحقائق وبالتّايل يسمح له بالهروب من‬ ‫املسؤولية ‪.‬‬ ‫هيرس ‪:‬‬ ‫«أنا شخص ًيا َوجدتُّ كتابات سيشن ُمحبِط ٌة للغاية من وجهة نظر الباحث واألكادميي الذّي أمثله بحكم خربيت هنا‪ ،‬من‬ ‫مثل‪،‬‬ ‫الصعب ج ًدا متابعة كتاباته واقتفاء أثارها ومصادرها ألنّه ال يُفصح عن مصادره‪ ،‬وحتى لو وضع بعض املصادر ً‬ ‫ّ‬ ‫قديم وال يعطيك الفصل أو املقطع‪ ،‬هو ال يذكر أرقام األلواح أو سطوره‪ ،‬عند ال ّنظر إىل ذلك نتوقع‬ ‫يعطيك اسم ٍ‬ ‫كتاب ٍ‬ ‫احتاملني ال ثالث لهام‪ :‬إ ّما أنّه مل يذكر ذلك بسبب الكسل‪ ،‬أو ألنّه ال يريد ٍ‬ ‫ألحد أن يتحقق من مصادره»‪.‬‬ ‫سأضع ال ّرابط الخاص بهذا املقطع من ملحمة جلجامش وكذلك رابطًا ملصادر أخرى‪ ،‬موجود ٌة عىل ال ّنت لتتفحص‬ ‫السومرية بنفسك‪:‬‬ ‫ال ّنصوص ّ‬ ‫‪ANCIENTALIENSDEBUNKED.COM‬‬ ‫ألي ٍ‬ ‫أحد أن يتأكد‬ ‫السومرية وحتى قواميسهم الخاصة قابل ٌة للتّصفح عرب االنرتنت وميكن ّ‬ ‫يف الوقت الحايل كل األلواح ّ‬ ‫تفصيل دقيقًا‪ .‬لذلك ال يتوجب علينا الوثوق برتجامت‬ ‫ً‬ ‫قواميس ضخم ٌة ومفصل ٌة‬ ‫فالسومريون كان عندهم‬ ‫منها‪ .‬نعم ّ‬ ‫ٌ‬ ‫أي ٍ‬ ‫السومريني عن معنى هذه الكلمة أو تلك من قواميسهم ‪.‬‬ ‫سيتشن أو َّ‬ ‫أحد آخر بل نقوم بأنفسنا بسؤال ّ‬ ‫ألي ٍ‬ ‫رتجم‬ ‫أحد ٍ‬ ‫مهتم مبا يكفي لل ّنظر مبا كتبه سيتشن أنّه يف أحسن األحوال كان زكريا سيتشن ُم ً‬ ‫من الواضح بشكلٍ مؤ ٍمل ِّ‬ ‫أي نو ٍع من الثّقة برتجامت زكريا سيتشن‬ ‫ً‬ ‫ممثل‬ ‫سيئًا ويف أسوئها كان ً‬ ‫محتال‪ .‬أدخل إىل املوقع اإللكرتوين التّايل لتتفقد ُّ‬ ‫وأنّه كان مخطئًا‪:‬‬ ‫‪SITCHINISWRONG.COM‬‬ ‫الصد وليست من أساسات البناء‪ ،‬ومثل هذه الجدران‬ ‫التيلثونية هي جز ٌء‬ ‫الصخور ّ‬ ‫أسايس ومه ٌم من جدار ّ‬ ‫يف ال ّنهاية‪ّ :‬‬ ‫ٌ‬ ‫الصغري والبسيط يف بعلبك ‪.‬‬ ‫الصد مل تكن جز ًءا من املعبد األصيل األقدم ّ‬ ‫كانت شائع ًة لدى اإلغريق وال ّرومان‪ .‬جدران ّ‬ ‫أيضا أ ّن هناك جدران ٍ‬ ‫بأحجام مامثل ٍة بُنيت من ِقبل ال ّرومان يف نفس ال ّزمن ويف نفس املنطقة‬ ‫صد أخرى‬ ‫ونحن نعلم ً‬ ‫ٍ‬ ‫فهم كانوا أكرث من مجرد ُم َؤ َهلني وقادرين عىل تحريك ووضع صخو ٍر بهذا الحجم والشّ كل يف مكانها‪ ،‬كذلك ميكن‬ ‫عام وبعض البكرات‬ ‫صحيح‬ ‫الربهان عىل ذلك من خالل قدرتهم عىل نقل املسالت وهذا‬ ‫ومنطقي ج ًدا إذا أعطيتهم ‪ٍ 200‬‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫وال ّرافعات ال ّرومانية ‪.‬‬ ‫‪89‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬

‫القسم ال ّرابع ‪ -‬أحجار امليغاليث ال ّذائبة لألنكا ‪:‬‬

‫سننظ ُر إىل موضوع مواقع أحجار امليغاليث ‪ megalith‬لشعب األنكا ‪ ،Inca‬كام يف مدينة ماتشو بيتشو ‪Machu‬‬ ‫‪ ،Picchu‬جميعها يف فقر ٍة واحد ٍة‪ ،‬أل ّن البناء األنيك ت ّم جميعه بهذه الطريقة‪.‬‬ ‫إ ّن البناء األنيك القديم وبحسب إدعاءات وثائقي " الفضائيون القدامى"‪ ،‬قد اِرتكز ومتحور حول املنحنيات والحواف‬ ‫الصخور قد ت ّم تذويبها‪ ،‬والح ْظ عندما تستمع إليهم وهم يحاولون‬ ‫املشطوفة يف الحجارة‪ ،‬وقد قيل بأ ّن هذه الحواف يف ّ‬ ‫الصخور وشكلها فقط ‪.‬‬ ‫بناء فرضيتهم أنّهم يقولون بأ ّن كالمهم حقيق ٌة اعتام ًدا عىل هيئة تلك ّ‬ ‫الصخور التي تُظهر آثا َر كمي ٍة كبري ٍة من حرار ٍة ُسلِطت بغرض إذابة‬ ‫«هناك الكثري من ال ّدالالت يف الكثري من هذه ّ‬ ‫الصخور لتُوضع بشكلها املثايل الذّي هي عليه‪ ،‬وهذا يطرح الكثري من التّساؤالت‪.‬‬ ‫وتشكيل ّ‬ ‫حتم أ ّن الحجارة تبدو وكأنّها ت ّم تشكيلها‬ ‫إذا نظرت إىل الشّ كل الذي ت ّم به بناء حائط ساكسومان ‪ ،Saxoman‬فستالحظ ً‬ ‫مم تحمله هذه الفرضية‬ ‫الصخور ّ‬ ‫كالصلصال‪ ،‬وإذا كنت تستطيع تشكيل ّ‬ ‫ّ‬ ‫كالصلصال فإنّك وبشكلٍ مفاجئٍ ‪ -‬وبال ّرغم ّ‬ ‫من جنونٍ ‪ -‬ستجد أ ّن هذه الفرض ّية أكرث منطقي ٍة من بقية الفرض ّيات»‪.‬‬ ‫‪90‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬

‫أي نو ٍع من أنواع الحجارة وإعادة تشكيله سوف يرتك أدل ًة غري قابل ٍة لل ّدحض يف داخل‬ ‫حس ًنا‪ ،‬إ ّن تذويب الجرانيت أو ُّ‬ ‫سهل للغاية‪،‬‬ ‫الصخور قد أًذيبت بالفعل‪ ،‬سيكون إثبات ذلك ً‬ ‫وعىل سطح الحجارة نفسها‪ .‬وبتعبريٍ آخر‪ ،‬إ ْن كانت هذه ّ‬ ‫وبغض ال ّنظر عن مظهر هذه الحجارة‪ ،‬سيكون الجواب قاط ًعا‪ :‬نعم أو ال‪.‬‬ ‫وبدل من ذلك‪ ،‬فهم يفرتضون‬ ‫يتجاهل أصحاب نظريّة "الفضائيون القدامى" هذه الخطوة يف إثبات أو نفي نظريّتهم‪ً ،‬‬ ‫الصخور قد ت ّم تذويبها بنا ًءا عىل شكل الحجارة ‪.‬‬ ‫أ ّن ّ‬ ‫اللزمة إلذابة الحجارة!‬ ‫ث ّم انتقلوا لخطوة محاولة اكتشاف من الذي كان مبقدوره وقتها استخدام التّكنولوجيا ّ‬ ‫«أمتلك مشعل حجار ٍة أَ ْستَ ْخدمه عاد ًة إلذابة وتشكيل الغرانيت أحيانًا‪ ،‬وهو ينتج حرار ًة عالي ًة ج ًدا تصل إىل ثالثة آالف‬ ‫درج ٍة! ثالثة آالف درج ٍة مئوي ٍة؟ هذا كث ٌري!»‬ ‫«عندما نتمعن يف تاريخ القدماء ونرى تكنولوجيا ال ميكن أن يكونوا عىل دراي ٍة بها‪ ،‬هنا ينبثق احتامالن ال أكرث ‪ :‬إ ّما أ ّن‬ ‫كوكب آخر متلك من التّكنولوجيا ما‬ ‫الله هو من قام بهذا ‪ -‬وهو ما ال نعتقد أنّه حدث‪ -‬أو أ ّن حضار ًة متقدم ًة ما من‬ ‫ٍ‬ ‫متلك؛ هي التي ساعدتهم عىل إنجاز ذلك البناء‪ ،‬ث ّم أخذوا موادهم ومعداتهم وعادوا إىل كوكبهم األ ّم»‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫السابق من الوثائقي‪ ،‬كل‬ ‫أعتقد بأ ّن هناك‬ ‫احتامل واح ٌد آخ ٌر فقط رمبا مل يخطر عىل بال ال ّدكتور مايك دن يف االقتباس ّ‬ ‫الصغرية‪ ،‬والتي تحدث‬ ‫أي موقعٍ لألنكا لديها ما يسميه علامء اآلثار بـ ‪ pit scars‬أو ال َّن َدبات ّ‬ ‫األحجار التي ت ّم تشكيلها يف ِّ‬ ‫عندما يتم اِستخدام مطارق حجري ٍة يف اِقتالع وتشكيل الحجارة ‪.‬‬ ‫إضاف ًة لذلك فقد وجد علامء اآلثار كمي ًة كبري ًة من مطارق الحجارة التّابعة ملحاجر األنكا‪ ،‬وبسابق ٍة مميزة لألنكا فإ ّن‬ ‫دقيق يف املقالع ومن ث ّم ت ّم‬ ‫هذه املطارق ُع ِث عليها يف مواقع البناء نفسها؛ أل ّن األنكا قاموا بقطع الحجارة بشكلٍ غري ٍ‬ ‫إنهاء تشكيلها يف املوقع الذّي أقاموا فيه مشاريعهم البنائية‪ ،‬حتى يتناسق مع بقية الحجارة من حوله ويتسق مع الشّ كل‬ ‫البنايئ‪.‬‬ ‫إذًا كيف استطاع شعب األنكا إكامل تلك ال ّنهايات املشطوفة؟‬ ‫ٍ‬ ‫بقياسات مصغر ٍة للجزء‬ ‫لقد اِستخدموا مطارق حجري ٍة‬ ‫الخارجي‪ ،‬وال ّدليل عىل هذه ال ّنظرية ميكن مشاهدته عىل كل‬ ‫حجر ٍة لديها مثل تلك الحواف‪.‬‬ ‫الصغرية أكرث عد ًدا‬ ‫ميكنك أن تالحظ أ ّن الـ ‪ pit scars‬أو ال ّندوب ّ‬ ‫ٍ‬ ‫رضبات أكرث ومبطارقٍ‬ ‫حجم يف الحواف‪ ،‬والتي ت ُظهر أ ّن‬ ‫وأصغر ً‬ ‫حجري ٍة أصغر ت ّم اِستخدامها إلمتام تفاصيل العمل‪.‬‬ ‫‪91‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬

‫سبب آخر‪ ،‬وهو أ ّن هذه األشكال املعامريّة ليست لغ ًزا ُمح ًريا لعلامء اآلثار ‪،‬حيث أنّه يوجد عد ٌد كب ٌري من الحجارة‬ ‫هناك ٌ‬ ‫من عدة مراحل يف تكوينها وتشكيلها منترش ًة يف مواقع البناء ويف املحاجر‪ ،‬هذه الحجارة تظهر أ ّن عامل املحاجر يف‬ ‫ٍ‬ ‫أدوات بدائي ٍة حتى بال ّنسبة لزمنهم هم‪.‬‬ ‫حضارة األنكا اِستخدموا بالفعل‬ ‫ٍ‬ ‫ألبحاث منشور ٍة ومدقق ٍة من األقران‪،‬‬ ‫وإذا كنت تريد معرفة املزيد عن التّفاصيل سأقوم بوضع بعض املصادر يف املوقع‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫تجارب قد متت يف هذا املجال‪.‬‬ ‫معلومات عن‬ ‫معلومات أكرث مام تحتاجه‪ ،‬متضمن ًة‬ ‫وهي كفيل ٌة بإعطائك‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وبأدوات مامثل ٍة‪.‬‬ ‫عىل سبيل املثال أحد العلامء ومبفرده قام خالل تسعني دقيق ٍة فقط بإنجاز نفس نوع هذه القطع‬ ‫هذا كله يجعل من أدلة الدكتور مايك دن؛ واحد ًة من أكرث األدلة فسا ًدا التي قيلت عن نظرية الفضائيني القدامى يف‬ ‫الوثائقي‪.‬‬ ‫أي كان وراء بناء تلك املواقع قد قاموا بوضع ُخطّ ٍة لها من بدايتها حتى نهايتها‪ ،‬فهم مل‬ ‫«ال ميكنني سوى االِستنتاج بأ ّن ٌّ‬ ‫الصخور ث ّم بعد ذلك جلسوا يفكرون كيف سننقلها‪ ،‬لقد أدركوا منذ بداية رشوعهم يف املرشوع ماذا سيفعلون‬ ‫يقطعوا ّ‬ ‫الصناعة تقول‪ :‬عليك إبقاء العمل بسيطًا لدرجة‬ ‫وما هي التّقنيات التي يجب إتباعها إلنجاز العمل‪ ،‬هنالك مقول ٌة يف ّ‬ ‫الغباء»‪.‬‬ ‫بنا ًء عىل خربته فإ ّن ال ّدكتور مايك دن يؤمن أنّ‪:‬‬ ‫الصغرية للموقع ث ّم إذابتها ث ّم‬ ‫الصخور ّ‬ ‫«أسهل طريق ٍة لبناء جدران مدينة ماتشو بيتشو العظيمة هو عن طريق نقل ّ‬ ‫الصخور املطلوبة»‪.‬‬ ‫اِستخدام القوالب لتشكيل ّ‬ ‫الصخور‪ ،‬هذا األمر املُعقّد للغاية الذي ال نستطيع القيام به اليوم‪ ،‬هل‬ ‫حس ًنا ‪ ..‬هو يُق ّول أنّه من األسهل القيام بإذابة ّ‬ ‫الصخور ث ّم‬ ‫هذه هي حقًا أسهل طريق ٍة ت َوصل إليها لحل املعضلة؟ َع َدى ذلك فهو يقول بأ ّن شعب األنكا قام بتذويب ّ‬ ‫شكلوها يف قوالب!!‬ ‫بال ّنظر إىل تلك الجدران هل ميكن أن ينظر إليها‬ ‫أح ٌد ويُعرب عن ثقته بأنّه ت ّم تشكيلها من نفس‬ ‫القالب؟!‬ ‫إ ّن اللّبنات يف تلك املباين ليست من نفس الحجم‬ ‫والشّ كل‪ ،‬إلّ إذا كان يقصد القول بأنّهم صنعوا‬ ‫قال ًبا جدي ًدا لكل صخر ٍة مستخدم ٍة يف البناء وإذا‬ ‫اِعتمدنا هذه الفرضي َة سنكون قد خرجنا خارج‬ ‫نطاق البساطة التي ت ّم ذكرها فيام سلف!!‪.‬‬ ‫‪92‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬

‫الصخور‪ ،‬فقد تركت خلفها الكثري من األدلة‪ ،‬كاملنحدرات املنترشة يف أكرث‬ ‫بال ّنسبة للطريقة التي نقل فيها شعب األنكا ّ‬ ‫من مكان‪ ،‬وهي موجود ٌة حتى ز َمانِنا هذا يف املحاجر ويف مواقع البناء‪.‬‬

‫أضخم ال ِقوى العاملة عرب التّاريخ‪ ،‬فقد كانوا مبثابة اإلمرباطورية ال ّرومانية الغربية‪،‬‬ ‫لقد كان لشعوب األنكا‪ ،‬واحد ٌة من ّ‬ ‫إذ امتلكوا أيا ٍد عامل ٍة بأعدا ٍد ضخم ٍة وبكفاء ٍة عالي ٍة تجعلها مجهز ًة ملثل تلك األعامل واملشاريع‪.‬‬ ‫الصخور مل يتم إذابتها ث ّم وضعها يف قوالب كام يزعم وثائقي "الفضائيون القدامى"‪ ،‬كام‬ ‫حس ًنا‪ ،‬نحن نعلم اآلن أ ّن تلك ّ‬ ‫أنّنا نحن نعلم متا ًما كيف قاموا بتشكيل تلك الحواف املستديرة!‬

‫ضف إىل ذلك العدد الكبري من املطارق الحجرية‬ ‫الصغرية التي خلفها الطَّرق مبطارقٍ حجري ٍة صغري ٍة‪ ،‬أَ ْ‬ ‫بسبب العالمات ّ‬ ‫غامض يتطلب اِفرتاض تدخلٍ فضا ٍيئ بوجود قدر ِة األنكا‬ ‫التي ت ّم العثور عليها يف املحاجر‪ ،‬لذلك فإنّه ال يوجد لغ ٌز‬ ‫ٌ‬ ‫مبفردهم عىل إنجاز العمل‪.‬‬

‫‪93‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬

‫الجزء الخامس‪ :‬جزيرة الفصح العاري َة‬

‫السكان املحليني باسم ماوي ‪،Maoi‬‬ ‫يعرف كث ٌري من ال ّناس هذه التّامثيل الحجرية أو الرؤوس الحجرية‪ ،‬املعروفة لدى ّ‬ ‫ٌ‬ ‫معروف عنها‪:‬‬ ‫يف املقابل ي ّدعي القامئون عىل وثائقي "الفضائيون القدامى"‪ ،‬ألّ يشء‬ ‫«كيف صنعوا هذه التّامثيل؟ من أين جاؤوا بها؟ وكيف استطاعوا تحريكها؟ ال أحد ميلك اإلجابة عىل هذه األسئلة»‪.‬‬ ‫مثل نحن نعرف كيف ت ّم قطعها وتشكيلها أو نحتها‪ ،‬أل ّن الكثري من متاثيل املاوي‪ ،‬ت ّم التّخيل عنها‬ ‫هذا غري صحي ٍح بامل ّرة‪ً ،‬‬ ‫قبل اكاملها‪ ،‬وهذا أدى إىل ت َ َوفُر متاثيل غري كامل ٍة ويف كافة مراحل صناعتها ‪.‬‬ ‫وكذلك ال ُع َد ُد واألدوات الحجرية التي استخدمت‬ ‫الصخر الربكاين الهش‪ ،‬الذي يتم صناعة‬ ‫لتقطيع ّ‬ ‫التّامثيل منه ‪ُ ،‬وجدت منترش ًة يف املقالع عىل الجزيرة‪.‬‬ ‫السكان‬ ‫هذه صو ٌر من مقطعٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وثائقي يظهر فيه أحد ّ‬ ‫املحليني وهو يرشح لحفيده كيف كانت تُصنع هذه‬ ‫التّامثيل الحجرية‪:‬‬ ‫‪94‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬

‫ٍ‬ ‫شخصا نحتوا هذا التّمثال ملد ٍة ترتاوح بني ٍ‬ ‫سنوات إىل أن وصل التّمثال إىل هذه‬ ‫خمس إىل ست‬ ‫«ج ّدي يعتقد بأ ّن ‪ً 20‬‬ ‫ٍ‬ ‫قص الحجارة‪ ،‬وكيف ت ّم تقسيم وتوزيع مساحات‬ ‫املرحلة‪ ،‬وكذلك نرى هنا‬ ‫مساحات تُ ثل أماكن عمل كل عاملٍ يف ّ‬ ‫شخص‪ ،‬وتستطيع أ ّن ترى االختالف بني كل مساحة عملِ ‪ ،‬واملتمثلة يف اختالف طريقة العمل بني ٍ‬ ‫عمل كل ٍ‬ ‫شخص وآخر‪،‬‬ ‫الصخر‪.‬‬ ‫وكذلك أثار أدوات الحفر والخدوش التي تسببت بها يف ّ‬ ‫شكل مشاب ٌه للقارب‪ ،‬إىل أ ّن يتم كرس التّمثال عن القاعدة التي نُحت‬ ‫يتم عزل ال ّنقطة املراد قطعها‪ ،‬ويف ال ّنهاية يتكون ٌ‬ ‫منها وإخراجه بشكلٍ كاملٍ »‪.‬‬ ‫بالتكيز عىل الطريقة التي ت ّم بها تحريك هذه‬ ‫يقيض أصحاب ومنارصي نظرية الفضائيني القدامى أغلب وقتهم هنا ّ‬ ‫ّجارب نّاجح ٍة قدمية لنقل متاثيل املاوي هذه‪ ،‬تتمثل مبزال ٍج خشبي ٍة‬ ‫التّامثيل‪ ،‬وهم عىل األغلب يعلمون بوجود ع ّدة ت ٍ‬ ‫وعد ٍد قليلٍ من العامل‪ ،‬ولذلك كان عىل أصحاب ومنارصي نظرية الفضائيني الغرباء‪ ،‬مبامرسة هوايتهم املفضلّة‪ ،‬أال وهي‬ ‫اخرتاع مشكل ٍة وهمي ٍة‪.‬‬ ‫«هنالك مشكل ٌة فريد ٌة بخصوص تحريك متاثيل الـاموي عن طريق الزالجات أو املتدحرجات‪ ،‬فإذا ذهبت إىل جزيرة‬ ‫ٍ‬ ‫زالجات‪ ،‬ويف الواقع أنّه يف القرن الثّامن‬ ‫الفصح‪ ،‬فإنّك لن تشعر بأنّه كان هنالك ما يكفي من الخشب من أجل صناعة‬ ‫ٍ‬ ‫أي بعث ٍة منهم عىل شجر ٍة واحد ٍة!‬ ‫عرش‪ ،‬أول أربع‬ ‫بعثات استكشافي ٍة إىل جزيرة الفصح مل تعرث ُّ‬ ‫وهذا هو اللّغز الحقيقي املتعلق بجزيرة الفصح‪ ،‬فكيف تستطيع تحريك متثا ٍل وزنه باألطنان وأنت ال متلك األشجار‬ ‫لصناعة الزالجات الخشبية؟»‪.‬‬ ‫حس ًنا‪ ،‬يقول وثائقي "الفضائيون القدامى" هنا بأنّه ال يوجد حال ًيا‬ ‫أشجا ٌر عىل جزيرة الفصح‪ ،‬إذًا هم يستنتجون أنّه مل تكن هناك أشجا ٌر‬ ‫يف جزيرة الفصح سابقًا‪ ،‬وعليه التّفسري الوحيد املتبقي هو‪ :‬الكائنات‬ ‫الفضائية!‬ ‫املشكلة يف ا ّدعائهم أنّه كانت هنالك الكثري من األشجار بالفعل‬ ‫عىل جزيرة الفصح فيام مىض‪ ،‬ونعرف ذلك عن طريق بقايا غبار‬ ‫الطّلع الذي يُلقح األشجار‪ ،‬وأثاره وكمياته موجود ٌة بكرث ٍة يف‬ ‫البحريات الغائرة يف الجزيرة‪ ،‬باإلضافة ألدل ٍة أخرى ‪ ،‬يف الواقع‪،‬‬ ‫السبب األساس لعدم وجود أشجا ٍر عىل جزيرة الفصح اآلن‬ ‫ّ‬ ‫عىل األغلب هو أنّه ت ّم استخدام جميع األشجار من أجل‬ ‫رفع ونقل أكرث من ‪ 1000‬متثال ماوي خالل فرت ٍة زمني ٍة‬ ‫السنني‪ ،‬مبع ًنى آخر‪ ،‬أ ّن شعوب هذه الجزيرة‬ ‫ت ُقدر مبئات ّ‬ ‫استنزفوا كل األشجار‪.‬‬ ‫‪95‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬

‫أرضا ما‪،‬‬ ‫التبة عىل سطحها؛ إذا أخذت ً‬ ‫كذلك من األشياء األخرى املثرية لالهتامم املتعلقة بجزيرة الفصح هي انجراف ّ‬ ‫التبة‪ ،‬وذلك‬ ‫وكانت تحتوي عىل الكثري من األشجار‪ ،‬ثم تم قطع كل هذه األشجار‪ ،‬فهنا ستواجه مشكل ًة كبري ًة بتآكل ّ‬ ‫التبة يف مكانها‪ ،‬وكذلك غياب ما يخفف من قوه تدفق مياه املطر ال ّنازلة‬ ‫يعود إىل زوال جذور األشجار التي تث ّبت ّ‬ ‫التبة‪.‬‬ ‫عىل ّ‬ ‫أي محرك ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫بحث‪ ،‬فسوف تنتهي‬ ‫التبة يف جزيرة الفصح‬ ‫معروف لدرجة أنّه إذا كتبت‪ :‬انجراف ّ‬ ‫انجراف ّ‬ ‫التبة ‪ Erosion‬يف ِّ‬ ‫التبة‪.‬‬ ‫بصفح ِة ويكيبيديا املتعلقة بهذا املوضوع‪ ،‬وسرتى صور ًة من جزيرة الفصح نفسها كمثا ٍل شهريٍ عىل انجراف ّ‬ ‫التبة‪،‬‬ ‫رؤوس فقط‪ ،‬لكن بسبب تآكل ّ‬ ‫حتى أ ّن بعض متاثيل رؤوس الـاموي يف الواقع لديها أجسا ٌد كامل ٌة‪ ،‬فهي ليست ٌ‬ ‫والسبب يعود إىل األرض التي‬ ‫مل يستغرق األمر سوى القليل من الوقت حتى غُمرت هذه التّامثيل إىل أعناقها ّ‬ ‫بالتبة‪ّ ،‬‬ ‫أُزيلت منها األشجار يف مد ٍة قليل ٍة‪.‬‬ ‫لهذا‪ ،‬نعلم بشكلٍ ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫أدوات بسيط ٍة بدائي ٍة‪ ،‬والتي‬ ‫أكيد كيف ت ّم تقطيع وتشكيل متاثيل جزيرة الفصح‪ ،‬وذلك باستخدام‬ ‫ُعرث عليها يف املقالع التي ت ّم قطع التّامثيل منها‪ ،‬وكذلك نحن نعلم أنّه إذا كان هناك أشجا ٌر يف جزيرة الفصح فيام مىض‪،‬‬ ‫لن توجد مشكل ٌة يف تحريك هذه التّامثيل وغرزها يف أماكنها‪.‬‬

‫كل األشجار بسب الحامسة لصناعة متاثيل‬ ‫كان يوجد الكثري من األشجار يف جزيرة الفصح‪ ،‬إىل أ ْن استنزف الن ّحاتون ّ‬ ‫املاوي‪.‬‬ ‫تستطيعون الرجوع لكامل مراجع المقال السابق بالتفصيل في الموقع التالي ‪:‬‬ ‫‪www.ancientaliensdebunked.com‬‬

‫قام برتجمة املقال كل من‬

‫التدقيق اللغوي و املتابعة‬

‫‪Hassan W. Hassan‬‬ ‫‪Leena Awouda‬‬ ‫‪Ameer Albaghdad‬‬ ‫‪Mckie Theman‬‬

‫‪Mohammad Sy‬‬ ‫الغراب الحكيم‬ ‫‪Ghaith Jabri‬‬ ‫‪John Silver‬‬

‫‪96‬‬


https://www.facebook.com/groups/arbangroup

97


‫الخلود بني االمتداد‬ ‫واالستمرارية‬

‫‪John Silver‬‬

‫كل هذا التفكري‬ ‫كنت صغريا ً انتابني الشك والخوف‪ ،‬هل من املمكن أن انتهي وال يبقى يش ٌء مني‪ ،‬هل يعقل أن ّ‬ ‫عندما ُ‬ ‫بذلت سيصبح ال شيئاً ؟؟؟‬ ‫ّ‬ ‫وكل ما ُ‬ ‫تتوصل ملصالح ٍة مع هذا الواقع ستعيش لحظات حياتك وتستمر كام هي‪،‬‬ ‫نعم‪ ،‬ال أنكر املوضوع‬ ‫ٌ‬ ‫مخيف‪ ،‬لكن حني ّ‬ ‫ٍ‬ ‫مختلف‪.‬‬ ‫كل هذا سيتبدد عندما تكرب‪ ،‬وسرتى الدنيا مبنظو ٍر‬ ‫ولن تأخذ باالً لكل هذا؛ ألنك يجب أن تكون عىل قناع ٍة أن ّ‬ ‫قالها يل مرة أستاذي يف الجامعة " أحمد بالل "‪ :‬إن كنت ستغلق دماغك عىل الخوف فلن تجني شيئاً‪ ،‬عليك بـ التصالح‬ ‫مع الواقع والبحث عن االستمرارية‪.‬‬ ‫مل أفهم كالمه حينها‪ ،‬ومل أفهم ما معنى االستمرارية التي قالها يل‪ ،‬حتى أيب كان يؤكّد عىل كلمة االمتداد يف طرح األبناء‪،‬‬ ‫أنت‪ ،‬وإخوتك امتدادي !! فام معنا كل هذا ؟؟؟‬ ‫حيث كان يقول يل‪ :‬أنتم َ‬

‫‪98‬‬


‫الخلود بني االمتداد‬ ‫واالستمرارية‬

‫‪JohnSilver‬‬

‫إن السبب الرئييس الذي كان عندي يف الخوف من املوت ومن النهاية‪ ،‬ولو كانت بعيدة هي فكرة أنني مل آخذ كل ما‬ ‫ألحس أنني اكتفيت‪ ،‬لكن عندما كربت‬ ‫أريد من الدنيا‪ ،‬وأن الـ ‪ ٨٠‬أو الـ ‪ ٩٠‬سن ًة التي أعيشها إن طال يب العمر غري كافي ٍة ّ‬ ‫بدأت اكتشف أن الحقيقة غري ذلك متاماً‪.‬‬ ‫الفكرة الحقيقية التي تجعل اإلنسان ميتلك هذا الرعب‪ ،‬وعىل األقل بالنسبة يل هي سري الزمن يف اتجا ٍه ٍ‬ ‫واحد‪ ،‬أي إنك‬ ‫لكل يش ٍء‪ ،‬بالنسبة يل كل ما أحمله من أفكا ٍر والطموحات التي مل‬ ‫ال ميكن أن تعيد ما كان واملوت ببساط ٍة هو نهاي ٌة ّ‬ ‫أستطع تحقيقها‪ ،‬والواقع الذي أعيشه‪ ،‬وهنا بدأت أبحث عن الخلود‪.‬‬ ‫نعم بدأت أبحث عن الخلود‪ ،‬أنا أريد أن أكون خالدا ً‪ ،‬ال أريد املوت‪ ،‬ال أريد أن أنتهي‪ ،‬لكن هذا واق ٌع ال ميكنني أن‬ ‫يل اإلميان أن هناك حيا ًة بعد املوت‪ ،‬وعندها سأكون خالدا ً‪ ،‬حتى لو‬ ‫أهرب منه‪ ،‬ورصت أفكر بأسلوب املتدين‪ ،‬لرمبا ع ّ‬ ‫كنت يف جهن َم‪ ،‬املهم أال أنتهي‪.‬‬ ‫أنا ال أريد النهاية‪ ،‬املشكلة حقاً ليست يف الجنة‬ ‫والنار‪ ،‬الثواب و العقاب‪ ،‬الرعب الحقيقي يف‬ ‫النهاية‪.‬‬ ‫م ّر يف إحدى محارضات العلوم الطبيعية‬ ‫يل وعىل‬ ‫تعب ٌري كان له الكثري من األثر ع ّ‬ ‫مستقبل أفكاري‪،‬املحارضة كانت عن الطحالب‬ ‫واملستعمرات الخلوية‪.‬‬ ‫ان الكالميدوموناس ( ‪) Chlamydomonas‬‬ ‫هو كائ ٌن وحيد الخلية يعيش مستقالً‪ ،‬وهناك‬ ‫كائ ٌن آخ َر‪ ،‬وهو الفولفوكس( ‪) Volfvox‬هو كائن‬ ‫متعدد الخاليا كان أساساً كام الكالميدوموناس‬ ‫خاليا وحيدة‪ ،‬لكن هذه الخاليا تج ّمعت عىل‬ ‫بعضها و ك ّونت هذا الكائن الجديد الذي تكون‬ ‫مستقل عن األخريات‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫فيه كل خلي ٌة لها دو ٌر‬ ‫وهنا بدأت فكر ٌة بالظهور‪.‬‬ ‫‪99‬‬


‫الخلود بني االمتداد‬ ‫واالستمرارية‬

‫‪JohnSilver‬‬

‫رش كام الكالميدوموناس كائناتٌ مستقل ٌة‪ ،‬لكن عندما نكون يف مجتمعٍ فإننا كام الفولفوكس تكون لكل منا‬ ‫نحن كب ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫جزئي ٌة يف استمرار املجتمع‪ ،‬نعم لقد وجدتها ( االستمرارية )‪ ،‬فاالستمرارية ليست أن تكون خالدا ً‬ ‫كشخص‪ ،‬لكن أن‬ ‫تكون فاعالً و تستطيع أن ترتقي بـ مجتمعك‪ ،‬وتضع عالم ًة ذات قيم ٍة فيه تسعى به لالستمرار والبقاء‪ ،‬وتدعم كل من‬ ‫يل أن‬ ‫سيأيت بعد انتهائك وموتك‪ ،‬الحقيقة أننا خالدون كجمو ٍع بقدر ما نكون فاعلني واألفكار هي من سيبقى‪ ،‬لذا ع ّ‬ ‫يل أن أمنح بال توق ٍّف‪ ،‬فكلام أعطيت أكرث استطعت أن أمنح البقاء لذلك الهيكل املجتمعي‪ ،‬وكل من‬ ‫أق ّدم الكثري منها‪ ،‬ع ّ‬ ‫يستأثر بفكري سيكون هو من سيكمل مشواري وبنايئ الذي أسعى يف م ّده‪ ،‬نعم لقد وجدت الثانية " االمتداد " هكذا‬ ‫يكون امتدادي‪ ،‬وكام قال أيب‪ :‬أنا امتدا ٌد لفكره وتط ّو ٌر له؛ ألنني بدأتُ من مرحل ٍة متق ّدم ٍة ق ّدم يل فيها عصارة تجربته‪،‬‬ ‫لقد وجدت رابطاً من أجمل وأقوى ما يكون‪ ،‬وهنا يبدأ الخوف بـ التبدد‪ ،‬بل وتحل مكانه الراحة النفسية واإلحساس‬ ‫كنت خالدا ً ؟؟؟ ماذا لو كنا ال منوت ؟؟؟ ماذا لو كنا نعيش لألبد ؟؟؟‬ ‫بـ االطمئنان‪ ،‬هنا دعوين أرجع للوراء قليالً ماذا لو ُ‬ ‫هنا بالفعل بدأتُ أشعر بالرعب من فكرة الخلود الفردي‪ ،‬ألنك حينها لن تكون فاعالً يف مجتمعك‪ ،‬بل عىل العكس‬ ‫فكل يش ٍء ميكن تأجيله وإن مل أكن فاعالً اآلن‪ ،‬ومل أس َع لدعم هذا الكيان املجتمعي‪ ،‬فهذا‬ ‫ستكون متخاذالً‪ ،‬ال مبالياً‪ّ ،‬‬ ‫الكيان سينهار‪ ،‬أي‪ ،‬إين أنا‪ ،‬وكل أفراد هذا الكيان نقوم بقتله‪ ،‬وبالتايل سنفنى خالل فرت ٍ‬ ‫ات زمني ٍة بسيط ٍة‪ ،‬ونبدأ بإنهاء‬ ‫مستقبل ٌ‬ ‫وطموح‪.‬‬ ‫وآمال‬ ‫ٌ‬ ‫هذا الكيان‪ ،‬ولن يكون هناك‬ ‫ٌ‬ ‫برصاح ٍة أعزايئ‪ ،‬فكرة الخلود مرعب ٌة أكرث بكثريٍ من فكرة املوت‪ ،‬وأنا ال أريد الخلود الفردي الذايت‪ ،‬أنا أريد خلود ذلك‬ ‫الهيكل الذي أنا جز ٌء منه‪ ،‬واملس ّمى باإلنسانية‪ ،‬وعليه‪ ،‬كلام ق ّدمت ‪ ..‬بقيت‪.‬‬ ‫دمتم خالدين‬

‫‪https://www.facebook.com/TheEnlightenedMinds‬‬

‫‪100‬‬


‫املنتدى األم‬ ‫الساذجة‬ ‫آد ٌم وتربيرات الله ّ‬

‫‪Scodento‬‬

‫يرتكز سبب نزول اإلنسان إىل األرض يف ال ّديانات السامويّة عىل مفهوم الخطيئة األوىل وعصيان األمر اإللهي‪ ،‬إضاف ًة إىل‬ ‫فس وجود اإلنسان عىل أنّه اختبا ٌر تارةً‪ ،‬وخالفة وإعام ٌر تار ًة أخرى‪.‬‬ ‫هذا فإ ّن اإلسالم ّ‬ ‫منطق وتعارضها مع ال ّدين أحياناً‪،‬‬ ‫أي‬ ‫وما سأحاول القيام به يف هذا اإلدراج هو ُ‬ ‫ٍ‬ ‫كشف غرابة هذه الفكرة وابتعادها عن ِّ‬ ‫اللنهائية القريبة‬ ‫السلسلة ّ‬ ‫فمن سذاجة الفكر ال ّديني هو إجابته عن " سؤا ٍل ما " عرب سؤا ٍل آخر‪ ،‬وخلقه نو ًعا من ّ‬ ‫سبب وجودنا عىل األرض‬ ‫للعبث‪ .‬مثالً رضورة وجود ٍ‬ ‫خالق لهذا الكون العظيم رغم أن الخالق سيكون أعظم‪ ،‬فأبونا آدم ُ‬ ‫السؤال‪ :‬لِامذا أوج َد الله هذه‬ ‫ألنّه قد أكل م ْن شجر ٍة مح ّرم ٍة‪ ،‬أي أ ّن الله بري ٌء واإلنسان هو الذي جنى عىل نفسه‪ .‬لكن ّ‬ ‫الشّ جرة أصالً ؟ أال يبدو هذا أقرب إىل التّمثيلية ؟ أليست خدع ًة مدبر ًة متَّت إضافة عنرص الشّ يطان فيها لضامن نجاحها ؟‬ ‫‪101‬‬


‫املنتدى األم‬ ‫الساذجة‬ ‫آد ٌم وتربيرات الله ّ‬

‫‪Scodento‬‬

‫ُ‬ ‫الكذب‬ ‫يحاول‬ ‫الله أراد من البداية إذا ً أ ْن يُنزل آدم إىل األرض ويغطّي فعله هذا بالشّ جرة التي أكل منها آدم‪ ،‬وكأ ّن الله‬ ‫َ‬ ‫ضعيف أهان نفسه بدرج ٍة أَ ْو َل بهذا التّربير‬ ‫أحسست أ ّن الله كائ ٌن‬ ‫نت يف هذه الفكرة‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ورمي املسؤول َّية علينا‪ .‬عندما مت ّع ُ‬ ‫السياق وجدتُ نوعاً من التّناقض بني هذه الفكرة التي ذك ْرتُها والتي توضحها هذه اآلية ( وقلنا يا آدم‬ ‫املُضلل‪ ،‬ويف نفس ّ‬ ‫اسكن أنت وزوجك الج ّنة وكال منها رغدا حيث شئتام وال تقربا هذه الشّ جرة فتكونا من الظاملني * فأزلهام الشّ يطان عنها‬ ‫مم كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم ٍ‬ ‫لبعض عد ٌو ولكم يف األرض مستق ٌر ومتا ٌع إىل ح ٍني * فتلقى آد ٌم من ربه‬ ‫فأخرجهام ّ‬ ‫ٍ‬ ‫كلامت فتاب عليه إنّه هو التّواب ال ّرحيم*قلنا اهبطوا منها فإ ّما يأتينكم مني ه ًدى فمن تبع هداي فال ٌ‬ ‫خوف عليهم وال‬ ‫هم يحزنون * ) سورة البقرة ‪ 35-38‬وهذه اآلية التي تص ِّو ُر أ ّن نزول اإلنسان جاء نتيجة قبوله العرض اإللهي بالنزول (‬ ‫جهول)‬ ‫الساموات األرض والجبال فأبني أن يحملنها وأشفقن منها وحملها اإلنسان إنّه كان ظلو ًما ً‬ ‫إنّا عرضنا األمانة عىل ّ‬ ‫قصة الشّ جرة والخطيئة‬ ‫سورة األحزاب‪ 72‬واألمانة حسب ما فهمته من اآلية هي خالفة الله عىل األرض‪ .‬يبدو أّ َّن إدراج َّ‬ ‫يف القرآن كان من باب مسايرة الكتاب املق َّدس ال غري‪.‬‬

‫الغاية الثّانية وهي اإلعامر‬ ‫اإلسالمي يف معهدي يكررون هذه الفكرة‪ ،‬وملْ يخط ْر عىل بال ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫منذ ِ‬ ‫أحد منهم أ ْن يسأل‪،‬‬ ‫سنوات وأساتذة التّفكري‬ ‫خمس‬ ‫ِّ‬ ‫اس يف عرص مح ّم ٍد‪ ،‬لكن هل‬ ‫ما حاجة الله إلعامر األرض؟ باملفهوم البرشي فاألرض لها قيم ٌة وخاص ًة كام كان يراها ال ّن ُ‬ ‫كوكب ال يع ُّد شيئًا م ْن مليارات الكواكب األخرى‪ ،‬ما حاجة الله ٍ‬ ‫ألرض مع َّمر ٍة ؟‬ ‫يعقل أن يراها الله كذلك ؟‬ ‫ٌ‬ ‫الحقيقة أ ّن عبارة " إىل أن يرث الله األرض ومن عليها " تكشف مدى اهتامم الله مبا يخلق وكأ ّن الخلق يتطلَّب منه‬ ‫جهدا ً ووقتاً والكتاب املق َّدس يوضح هذه الفكرة‪.‬‬ ‫لن تقولوا يل ٌ‬ ‫تحريف فسيكون لغاي ٍة معين ٍة أو ملصلح ٍة شخصي ٍة‪ ،‬وبالتّايل ل ْن يشمل التّحريف مسائل‬ ‫محرف ألنّه إن ُوجد‬ ‫ٌ‬ ‫الخلق (والتكوين)‪.‬‬ ‫‪102‬‬


‫املنتدى األم‬ ‫الساذجة‬ ‫آد ٌم وتربيرات الله ّ‬

‫‪Scodento‬‬

‫اح يَ ْو ًما َسا ِد ًسا‬ ‫‪َ 31‬و َرأَى الل ُه ك َُّل َما َع ِملَ ُه فَ ِإذَا ُه َو َح َس ٌن ِج ًّدا‪َ .‬وكَا َن َم َسا ٌء َوكَا َن َصبَ ٌ‬ ‫سفر التّكوين ‪ -‬اإلصحاح األول‬ ‫السابعِ‬ ‫اح ِف الْ َي ْو ِم َّ‬ ‫الس َم َواتُ َواألَ ْر ُض َوك ُُّل ُج ْن ِد َها ‪َ .2‬وفَ َر َغ الل ُه ِف الْ َي ْو ِم َّ‬ ‫‪ .1‬فَأُكْ ِمل َِت َّ‬ ‫السابعِ ِم ْن َع َملِ ِه ال َِّذي َع ِم َل‪ .‬ف َْاس َ َت َ‬ ‫اح ِم ْن َج ِميعِ َع َملِ ِه ال َِّذي َع ِم َل الل ُه َخالِقًا‬ ‫ِم ْن َج ِميعِ َع َملِ ِه ال َِّذي َع ِم َل ‪َ .3‬وبَا َر َك الل ُه الْ َي ْو َم َّ‬ ‫الساب َع َوقَ َّد َس ُه‪ ،‬ألَنَّ ُه ِفي ِه ْاس َ َت َ‬ ‫اح الث َِّان‬ ‫اإلص َح ُ‬ ‫ككل القيارصة‪ ،‬فم ْن له القدرة عىل خلق ما يشاء كيفام يشاء‪ ،‬وبالكم ّية‬ ‫يوضح محدودية ُملك الله ِّ‬ ‫إنّه مفهو ٌم‬ ‫برشي ّ‬ ‫ٌ‬ ‫التي يشاء يكون بعي ًدا عن هذا التّرصف‪.‬‬ ‫ونأيت اآلن إىل مسألة االختبار وهو فكر ٌة برشي ٌة بحت ٌة‪ ،‬الهدف منها وضع تجرب ٍة ومشاهدة ال ّنتيجة الحاصلة‪.‬‬ ‫مثل علامء يختربون صاروخاً‪ ،‬أم ٌر يف غاية املنطق‪ ،‬فجهلهم بال ّنتيجة هو الذي يدفعهم لذلك ث ّم حاجاتهم الستعامل‬ ‫ً‬ ‫الصاروخ الحقاً‪.‬‬ ‫بكل يش ٍء ؟‬ ‫هل ينطبق هذا عىل الله ؟ أال يعلم ال ّنتيجة مسبقاً وهو العليم املطلق ّ‬ ‫"ال َِّذي َخل َ​َق امل َ ْوتَ َوالْ َح َيا َة لِ َي ْبلُ َوكُ ْم أَيُّ ُك ْم أَ ْح َس ُن َع َمالً َو ُه َو ال َعزِي ُز ال َغفُو ُر " (امللك‪)1-2:‬‬ ‫سنساير هذه اآلية رغم تعارضها مع علم الله املطلق‪.‬‬ ‫علم الله بعد اإلخبار أيُّنا أحسن عمالً ‪ ...‬وبعد ؟‬ ‫هل سيستعملنا يف عملٍ مع ٍني حتى يقوم بهذا الفرز؟‬ ‫هذا يذكرين بالجرنال الذّيك مح ّمد عندما قام باختبار جيشه بنهي جنوده عن رشب املاء حني بلغ منهم العطش مبلغاً‪،‬‬ ‫أي سيقومون‬ ‫وم ْن أطاع أم َر ُه فأؤلئك هم املخلصون األوفياء الذين سيقاتلون ألجله‪ ،‬ولكن األمر‬ ‫ٌ‬ ‫مختلف ألنّهم سيقاتلون ْ‬ ‫أبدي‪.‬‬ ‫بعملٍ مع ٍني بنا ًء عىل نجاحهم يف االختبار‪ ،‬ولكن مع الله األمر‬ ‫ٌ‬ ‫عقاب ٌ‬ ‫مختلف فهو جزا ٌء ٌ‬ ‫أبدي أو ٌ‬ ‫الشط غري متوف ٍر طبعاً بسبب تدخل املحيط الذي ينشأ‬ ‫ال ّنقطة الثّانية وهي رشط االختبار وهو العدل بني الجميع‪ ،‬هذا ّ‬ ‫فيه املرء ببساط ٍة‪.‬‬ ‫وأخ ًريا رصاع اإلنسان بني اإلميان والكفر ينسف كل ما ورد أعاله‪.‬‬ ‫‪103‬‬


‫املنتدى األم‬ ‫الساذجة‬ ‫آد ٌم وتربيرات الله ّ‬

‫‪Scodento‬‬

‫فهدف وجود اإلنسان هو اختبا ٌر ألفعاله ومحاسبته عليها‪ ،‬ال اختبار " رجاحة عقله " أو " معرفته اللّغوية " التي تؤدي‬ ‫السجع القرآين‪.‬‬ ‫به إىل معرفة مصدر ذلك ّ‬ ‫فكث ٌري من غري املسلمني حققوا اإلعامر والعمل الحسن أفضل من املسلمني بكثريٍ ولكنهم يف ال ّنار وأنا منهم حتى لو ّأن‬ ‫مل أرسق أو أقتل‪.‬‬ ‫آل عمران ‪(85‬من يبتغ غري اإلسالم دي ًنا فلن يقبل منه وهو يف اآلخرة من الخارسين )‬ ‫َاب إِ َّن اللَّ َه كَا َن‬ ‫(إِ َّن ال َِّذي َن كَ َف ُروا بِآيَاتِ َنا َس ْو َف نُ ْصلِي ِه ْم نَا ًرا ك َ‬ ‫ُلَّم نَ ِض َج ْت ُجلُو ُد ُه ْم بَ َّدلْ َنا ُه ْم ُجلُو ًدا غ ْ َ​َي َها لِ َيذُوقُوا الْ َعذ َ‬ ‫يم) [النساء‪]56 :‬‬ ‫َعزِي ًزا َح ِك ً‬ ‫كفيل بخلودك يف ال ّنار‪...‬‬ ‫سبب ٌ‬ ‫إذا ً مجرد الكفر بالقرآن ٌ‬ ‫إنّها خطو ٌة ذكي ٌة من مح ّمد فهو بحاج ٍة لألتباع ال غري‪...‬‬ ‫أمت ّنى أن أكون قد ُوفقت يف إيصال الفكرة‪.‬‬

‫‪104‬‬


105


‫وجها لوجه‬

‫عقالنية وجود الله وإمكانية‬ ‫أن يكون اإلسالم ورسالة‬ ‫محمد من عند الله‬

‫‪Mohammad Riyad‬‬

‫‪Jordani Agnosto‬‬

‫مناظرة السيد جورداين أجنوستو من الطرف‬ ‫الالديني ( طبيب أسنان‪ -‬كاتب يف مجلة‬ ‫امللحدين العرب ال أدري ناشط الكرتون ًيا يف‬ ‫املناظرات والحوارات الدينية الالدينية) مع‬ ‫الدكتور محمد رياض من الطرف املعتزيل‬ ‫املسلم( يحمل دكتوراه يف الفقه القانوين املقارن‬ ‫من جامعة ال ‪ UOA‬يف الواليات املتحدة‬ ‫األمريكية‪ ،‬يعمل يف مجال املحاماة والتدريس‬ ‫القانوين ويرأس تحرير صحيفة املرشق العربية‬ ‫يف أمريكا)‪.‬‬ ‫‪106‬‬


‫‪Jordani Agnosto‬‬

‫وجها لوجه‬ ‫عقالنية وجود الله وإمكانية أن يكون اإلسالم‬ ‫ورسالة محمد من عند الله‬

‫‪Mohammad Riyad‬‬

‫‪Mohammad Riyad‬‬ ‫يف البداية أو ّد اإلشارة إىل نقط ٍة هام ٍة ج ًدا من وجهة نظري‪ ،‬أال وهي أ ّن معظم امللحدين يخلطون بني منهجني مختلفني‬ ‫ٍ‬ ‫حيثيات‬ ‫وهام منهج البحث العلمي التطبيقي ومنهج االستدالل العقيل‪ ،‬فمجال العلم التطبيقي هو البحث ضمن‬ ‫متوافر ٍة تخضع للفحص والتجربة والخروج بنتائج ميكن برهنتها بطرقٍ متوفر ٍة ومعلوم ٍة‪ ،‬بينام يعتمد منهج االستدالل‬ ‫ٍ‬ ‫عم يجب أن يكون ضمن ٍ‬ ‫مقدمات صحيحة‪ ،‬وهذا الخلط يقع فيه كث ٌري‬ ‫أسس منطقي ٍة تستند إىل‬ ‫العقيل عىل البحث ّ‬ ‫من املالحدة الذين يربرون عدم إميانهم بعد توافر دليلٍ فيزيا ٍّيئ كو ٍّين يشري بوضو ٍح وبطريق ٍة تخضع للفحص والتدقيق‬ ‫إىل وجود إل ٍه ما وصانعٍ لهذا الكون‪ ،‬عىل نفي إمكانية وجود هذا اإلله من ناحي ٍة عقلية‪.‬‬ ‫لكن حرص املعرفة يف املنهج التطبيقي فقط فيه مغالط ٌة كبري ٌة ومصادر ٌة غري مربر ٍة‪ ،‬فكث ٌري من النظريات املستقرة يف‬ ‫ٍ‬ ‫فمثل نرى‬ ‫مقدمات صحيحة تلتها استنتاجاتٌ منطقي ٌة ومنهجي ٌة منضبط ٌة‪ً ،‬‬ ‫عامل املعرفة قد ًميا وحديثًا نشأت بنا ًء عىل‬ ‫أ ّن نظري ًة مستقر ًة ج ًدا مثل نظرية االنفجار العظيم التي ظهرت كنظري ٍة استداللي ٍة بنا ًء عىل مالحظات العالِم (ألفريد‬ ‫هيل) حول التباعد املستمر يف املسافات بني املجرات‪ ،‬فأستنتج هيل انه مبا أ ّن املجرات تتباعد؛ فإنها بالرضورة يجب أن‬ ‫تكون قد انطلقت من نقط ٍة واحد ٍة ذات كثاف ٍة وحرار ٍة عالية‪ ،‬وهكذا وضع هيل منوذجه الذي القى قبول جمهور علامء‬ ‫ٍ‬ ‫مقدمات صحيح ٍة أدت به إىل افرتاض منوذ ٍج لبدء‬ ‫فيزياء الفضاء‪ ،‬ومنهم امللحدون‪ ،‬كذلك مالحظات داروين املبنية عىل‬ ‫الحياء عىل الكون‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫واستنتاجات منضبط ٍة‪ ،‬وال يقبلون بإعامل‬ ‫مقدمات صحيح ٍة‬ ‫الغريب أ ّن املالحدة يقبلون مناذج هيل وداروين املبنية عىل‬ ‫رصون عىل رضورة‬ ‫عقولهم بنفس الطريقة االستداللية حني نتحدث عن املربرات العقلية لوجود ٍ‬ ‫خالق يف الكون‪ ،‬وي ّ‬ ‫وجود دليلٍ‬ ‫تطبيقي يخضع للتجربة للحديث عن وجود صانع‪.‬‬ ‫ٍّ‬ ‫تختص هذه املرافعة يف إثبات الرضورة التي يفرضها العقل لوجود إل ٍه صانعٍ قدي ٍر لهذا الكون من خالل النظر يف‬ ‫لهذا ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫باستنتاجات رضوري ٍة عقلي ٍة مؤسس ٍة بشكلٍ‬ ‫منضبط عىل هذه‬ ‫منهجي‬ ‫مقدمات صحيح ٍة‪ ،‬ثم قيام هذا العقل بالخروج‬ ‫ٍّ‬ ‫املقدمات‪ .‬‬ ‫يف هذا الصدد سأستعرض أهم الرباهني العقلية التي تلجأ من يتفكر فيها بطريق ٍة منهجي ٍة صحيح ٍة إىل استنتاج رضورة‬ ‫حكيم لهذا الوجود‪ ،‬مع اعتقادي الشخيص أ ّن آخره ‪-‬أي برهانٍ رقم ‪ 4-‬هو أقواها‪.‬‬ ‫وجود صانعٍ ٍ‬

‫‪107‬‬


‫‪Jordani Agnosto‬‬

‫وجها لوجه‬ ‫عقالنية وجود الله وإمكانية أن يكون اإلسالم‬ ‫ورسالة محمد من عند الله‬

‫‪Mohammad Riyad‬‬

‫‪ .1‬برهان التصميم والقصد برهان الغاية وهو برهان الفيلسوف ويليام بييل‬ ‫لقصد أو غاي ٍة يؤديها‪ ،‬وهو األمر الذي يدل عىل وجود ٍ‬ ‫وملخصه أ ّن كل يش ٍء حولنا موجود ٍ‬ ‫قصد للمصمم‪ ،‬حيث إنه لو‬ ‫كان التصميم عشوائيًا ألدى ذلك إىل وجود محاور أساسي ٍة يف الحياة ال تؤدي بالرضورة وظيف ًة معين ًة (عىل سبيل املثال‬ ‫فقط ال الحرص) لو تفحصنا خصائص طبقات الغالف الجوي وما تقوم به كل واحد ٍة منها لضامن استمرارية الحياة عىل‬ ‫لكل منها وظيف ٌة محدد ٌة بدق ٍة بد ًءا من الطبقة األدىن‬ ‫أصل لعرفنا أ ّن ٍّ‬ ‫كوكبنا والتي لوال وجودها ملا أمكن ظهور الحياة ً‬ ‫الرتبوسفري التي تحتوي عىل ‪ 75%‬من وزن الغالف الجوي والتي تعيش خاللها الكائنات الحية وتحتوي عىل كل العنارص‬ ‫وانتقال إىل طبقة اإلسرتاتوسفري التي تخلو من تقلبات الطقس النعدام غاز املاء وتحتوي عىل‬ ‫ً‬ ‫املؤثرة يف تقلبات الطقس‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫كميات من غاز األوزون الذي ميتص أشعة الشمس فوق البنفسجية الضارة بالحياة‪.‬‬ ‫وال مجال يف هذه العجالة الستعراض وظائف كل طبق ٍة والتي تعترب دقيق ًة وحيوي ًة الستمرار الحياة عىل األرض‪ ،‬لكن‬ ‫الفكرة أننا نجد مثل هذا النظام الوظيفي الدقيق يف مكونات الكون ونجد أ ّن هذه الوظائف الدقيقة تضمن استمرارية‬ ‫وجوده‪ ،‬بينام لو كانت تشكلت هذه املكونات بفعل (العبث العشوايئ) ألمكن وجود محاور أساسي ٍة فيه تفتقد لوظائف‬ ‫محدد ٍة بدقة‪. .‬‬ ‫‪ .2‬برهان ضبط النغمة‬ ‫أهم أنصاره العلامء وليام دميبسيك و مايكل بيهي والفيزيايئ روبرت دييك الذي وضع كتابًا معروفًا لرشح نظرية ضبط‬ ‫النغمة قال فيه‪( :‬إ ّن الظروف املتحكمة يف الكون كقوانني الجاذبية وغريها مضبوط ٌة بعناي ٍة لدرجة أ ّن احتاملية انتظامها‬ ‫ٌ‬ ‫ضئيل ج ًدا وشبه مهمل) كذلك العاملان‪ ‬‬ ‫احتامل ٌ‬ ‫هكذا مبحض الصدفة العشوائية هو‬ ‫‪ John Gribbin and Martin Rees‬مارتن ريز وجون جرينب وضعا كتاب (مصادفات) يف تأيد برهان ضبط النغمة‪ .‬‬ ‫يركز هذا الربهان عىل أ ّن احتامل أن يكون هذا الكون املعروف لنا قد نشأ بطريق ٍة عشوائي ٍة محض ٍة من ناحي ٍة إحصائي ٍة‬ ‫احتامل ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫مهمل‪ ،‬فالنظام الهنديس الذي يضمن‬ ‫مرتوك أو ٌ‬ ‫احتامل بالغ الضعف حيث يعترب من ناحي ٍة فيزيائي ٍة‬ ‫علمية‪ ،‬هو‬ ‫نظام مشاب ٍه له يف التصميم بطريق الصدفة‬ ‫ا ٌستمرارية سري حركة الكون هو نظام بال ٌغ يف التعقيد لدرجة أ ّن احتامل تولد ٍ‬ ‫العشوائية حسب بعض الدراسات ميثل واحد إىل واحد إىل ‪ 10‬مرضوب يف نفسه ‪ 450‬مرة يعني ‪×10 10 ×10 ×10‬‬ ‫‪ 10 ×10‬مكررة يف نفسها ‪ 450‬مرة‪.‬‬ ‫العامل فرانك سالسبريي ق ّدر أ ّن احتامل تك ّون خلية ‪ DNA‬بسيطة من خالل أحداث عشوائية هي واحد إىل ‪ 10‬مرضوبة‬ ‫بنفسها ‪ 600‬مرة‪.‬‬

‫‪108‬‬


‫‪Jordani Agnosto‬‬

‫وجها لوجه‬ ‫عقالنية وجود الله وإمكانية أن يكون اإلسالم‬ ‫ورسالة محمد من عند الله‬

‫‪Mohammad Riyad‬‬

‫وحسب الدكتور هارولد موريتز من جامعة ييل العريقة‪ ،‬فإ ّن االحتاملية هي واحد وأمامه عدد كبري من األصفار بحيث‬ ‫يُعترب االحتامل حسب تعبريه أقرب إىل الصفر‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫بأبحاث مشابه ٍة عن احتاملية أن تكون الربوتني وغريه عشوائ ًيا‬ ‫وهناك علامء آخرون كـ مايك ستبش وغريه جاؤوا‬ ‫ٍ‬ ‫مبعادالت قريب ٍة ال مجال لرسدها كلها يف هذه العجالة‪ .‬‬ ‫وخرجوا‬ ‫وال أهدف هنا إىل تقديم ٍ‬ ‫علمي حول دقة هذه األرقام أو حول ترجيح أحدها عىل اآلخر‪ ،‬لك ّن الهدف هو تبيان‬ ‫بحث ٍّ‬ ‫إجامع عد ٍد كبريٍ ج ًدا من علامء الغرب عىل أ ّن احتاملية نشوء الظروف املناسبة واملهيأة لتكون الكون بالشكل الذي‬ ‫ٌ‬ ‫ضعيف للغاية‪ ،‬لدرجة أنه مه َم ٌل‬ ‫احتامل‬ ‫نعرفه مقارنة بعمره املقدر علمياً مبحض (صدفة) أو (صدف عشوائية) هو‬ ‫ٌ‬ ‫من ناحي ٍة علمي ٍة‪ .‬‬ ‫كام قلنا من ناحي ٍة علمي ٍة يسمى هذا النوع من االحتامالت الضئيلة للغاية (االحتامالت املهملة) ‪ignored Probability‬‬ ‫‪ .3‬برهان العلة األوىل‬ ‫منهجي بحت‪ ،‬يركز عىل أ ّن كل حال ٍة وجودي ٍة يف الكون نتجت عن عل ٍة سابق ٍة لوجودها‬ ‫يل‬ ‫وهذا الربهان هو برها ٌن عق ٌ‬ ‫ٌّ‬ ‫ومسبب ٌة لها‪ ،‬وهكذا لو رجعنا للوراء وتتبعنا سلسلة العلل املسببة فال بد أن نتوقف عن العلة األوىل التي تسببت يف‬ ‫الحق عليها‪.‬‬ ‫وجود كل ما هو ٌ‬ ‫وهنا قد يقول قائل‪ :‬وملاذا افرتضتم وجود عل ٍة أوىل علينا أن نتوقف عندها؟ ملاذا ال تستمر سلسلة العلل إىل ما ال نهاية؟‬ ‫ٍ‬ ‫عقل‬ ‫توقف يعترب عبثًا من ناحي ٍة عقلي ٍة‪ ،‬إذ يلزم ً‬ ‫واإلجابة عىل هذا السؤال تكمن يف حقيقة أ ّن الرجوع للوراء من غري‬ ‫أن تكون هناك عل ٌة أوىل ابتدأت سلسلة العلل من التدرج بعدها؛ وال ميكن تصور غري ذلك من ناحي ٍة عقلي ٍة مجردة‪.‬‬ ‫ألن كل األحداث التي تتولد عنها أحداثٌ الحق ٌة يف الواقع املشاهد واملعروف لنا‪ ،‬تكون كلها منبثق ٌة من ٍ‬ ‫أسايس‬ ‫حدث‬ ‫ٍّ‬ ‫أو حدث رقم واحد‪ .‬‬ ‫‪ .4‬برهان بطالن النهائية التسلسل وغائية العلة األوىل‬ ‫عقل‪ ،‬وميثلون عىل ذلك بإمكانية أن‬ ‫املالحدة ينفون هذا الربهان با ّدعاء أ ّن التسلسل الالنهايئ لحوادث الكون ممك ٌن ً‬ ‫تتولد انشطاراتٌ النهائية يف الكون‪ ،‬أو بالالنهائية العددية ملضاعفات األرقام وغري ذلك‪ ،‬ولكنهم يغفلون عن حقيقة أننا‬ ‫نتكلم عن بطالن التسلسل الالنهايئ للوراء وليس لألمام‪.‬‬

‫‪109‬‬


‫‪Jordani Agnosto‬‬

‫وجها لوجه‬ ‫عقالنية وجود الله وإمكانية أن يكون اإلسالم‬ ‫ورسالة محمد من عند الله‬

‫‪Mohammad Riyad‬‬

‫صحيح أ ّن العقل قد يقبل أن يسري التسلسل يف حوادث الكون بصور ٍة النهائي ٍة إىل األمام أو نحو‬ ‫وللتوضيح أقول‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫يل يحول دون ذلك‪ ،‬لكن العقل دامئًا يفرتض وجود نقطة بداي ٍة لهذا التسلسل أو بعبار ٍة‬ ‫املستقبل‪ ،‬إذ ال يوجد مان ٌع عق ٌّ‬ ‫أخرى يلزمنا التفكري العقيل بنفي إمكانية النهاية بداية التسلسل‪ ،‬حيث إ ّن كل تسلسلٍ‬ ‫معلوم لدينا سوا ٌء كان هندس ًيا‬ ‫ٍ‬ ‫أم رياضيًا أم غري ذلك؛ والبد أنه بدأ من نقط ٍة معين ٍة ثم سار باتجا ٍه مستم ٍر بعد ذلك‪ ،‬وقد ينتهي عند نقط ٍة أخرى عىل‬ ‫الطرف اآلخر وقد ال ينتهي‪.‬‬ ‫بحاالت وبتغري ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ات عديد ٍة ترجعنا إىل أقرب حال ٍة معروف ٍة قبيل‬ ‫ومبا أننا نعلم أ ّن الكون مل يكن هكذا دو ًما‪ ،‬أي أنه م ّر‬ ‫ٍ‬ ‫ملوجات عالي ٍة من الطاقة أو غري ذلك‪ ،‬فإن ذلك يدلنا‬ ‫وبغض النظر عن شكل هذه الحالة وكونها تجم ًعا‬ ‫االنفجار العظيم‪ّ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫بحاالت متعدد ٍة أسبق منه‪ ،‬لذلك يفرتض العقل بنا ًء عىل هذه املقدمات أ ّن كل حال ٍة كلام‬ ‫أ ّن شكل الوجود الحايل قد م ّر‬ ‫رجعنا للوراء كانت مسبوق ًة بأخرى قبلها إىل أن تنتهي إىل الحالة أو النقطة واحد التي نشأت عنها‪.‬‬ ‫ويقبل بعض املالحدة بهذا النموذج ولكن بعضهم وأعني بهم املالحدة املاديني يفرتضون أ ّن الحالة األوىل كانت ماد ًة‬ ‫غري مسبوق ٍة بيش ٍء قبلها‪ ،‬أي ماد ٌة أزلي ٌة نتج عنها شكل الكون الحايل!‬ ‫أسباب منها‪:‬‬ ‫هنا يتد ّخل العقل لنفي إمكانية ذلك من ناحي ٍة منطقي ٍة لعدة‬ ‫ٍ‬ ‫علمي عليها‪ ،‬أي أ ّن هذا االفرتاض‬ ‫يل أو حتى‬ ‫‪ .1‬إ ّن حرص الوجود يف ماد ٍة فقط‪ ،‬فيه مصادر ٌة عىل املعرفة ال ٌ‬ ‫دليل عق ٌّ‬ ‫ٌّ‬ ‫بح ّد ذاته هو قفز ٌة يف الهواء‪.‬‬ ‫متناسق يحكم‬ ‫‪ .2‬إن املادة غري عاقلة وغري مدركة وليس لها وعي ذايت يف ذاتها‪ ،‬وبالتايل فان احتامل أن ينبثق عنها نظا ٌم‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫احتامل يف غاية الضعف كام رشحنا يف برهان ضبط النغمة أعاله‪.‬‬ ‫بقوان ٍني منضبط ٍة هو‬ ‫‪ .3‬إن األوىل باالنبثاق العشوايئ لظواهر متعدد ٍة عن ما ٍدة أزلي ٍة جامدة ٍأن ينتهي قبل أن يبدأ أل ّن ال النتيجة املنطقية‬ ‫لعشوائية قوى الجذب القامئة يف الكون املنبثقة من كتل املادة الضخمة أن تحدث دما ًرا عنيفًا مبجرد مرورها باحتام ٍل‬ ‫عشوا ٍّيئ ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫يخل من توازنها الدقيق‪ ،‬ال أن تنتج منوذ ًجا متناسقًا بدق ٍة‪ ،‬يصمد ملليارات السنني دون تعرضه‬ ‫منضبط ّ‬ ‫واحد غري‬ ‫لحال ٍة عشوائي ٍة رئيسي ٍة غري منضبط ٍة تؤدي إىل دماره‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ترصفات عاقل ٍة ) بالتايل‪ :‬فإ ّن ما نشهده من دقة تشكيل النظام الكوين‪ ،‬ومن‬ ‫‪ .4‬العقل يلزم أ ّن ( غري العاقل ال ينتج عنه‬ ‫وجود الحياة بتعقيداتها الدقيقة عىل كوكبنا‪ ،‬يشري إىل أ ّن التدرج حدث بعقالني ٍة شديد ٍة ( أو وفق إراد ٍة ) إن جاز لنا‬ ‫التعبري‬ ‫‪110‬‬


‫‪Jordani Agnosto‬‬

‫وجها لوجه‬ ‫عقالنية وجود الله وإمكانية أن يكون اإلسالم‬ ‫ورسالة محمد من عند الله‬

‫‪Mohammad Riyad‬‬

‫‪ .5‬إذا قبلنا جدلً أن تكون املادة املنتجة للكون أزلي ٌة فيجب أن تكون مختلف ًة عن جنس ما نعرفه من مواد‪ ،‬أل ّن املواد‬ ‫فعل فنو ّجه السؤال لهم‬ ‫املعروفة لدينا‪ ،‬محدث ٌة وقارص ٌة يف وجودها عىل حالة سابقة عليها‪ ،‬وبالتايل إذا كانت مختلف ًة ً‬ ‫أصل ومن أين لكم هذا االفرتاض!‬ ‫وكيف عرفتم بوجودها ً‬ ‫سبيل لحل إشكال التسلسل هذا إال بافرتاض ( وجود ) ليس من‬ ‫اإللزامية العقلية لوجود إل ٍه قادر‪ ،‬هنا ال يجد العقل ً‬ ‫وعاقل أي ( حكيم ) و ( مريد ) بلغتنا‪ ،‬ليك ينتج نظا ًما دقيقًا من خالل ( غاي ٍة ) غري عشوائي ٍة‪ ،‬ألن احتامل‬ ‫ٌ‬ ‫جنس املادة‪،‬‬ ‫مهمل علميًا كام أسلفنا أعاله‪.‬‬ ‫العشوائية ٌ‬

‫‪Jordani Agnosto‬‬ ‫جميل ج ًدا صديقي طرحك‪ ،‬اسمح يل أن أر ّد بردو ٍد عامة‪ ،‬بعدها أُبدي مالحظات عىل أمو ٍر فرعي ٍة وجدتها يف كالمك‪.‬‬ ‫مبدئياً‪ ،‬كلنا نعرف أ ّن املنهج العلمي الحديث إىل راده كارل بوبر ‪ ,‬هو مزيج بني املنهجني التجريبي و العقيل‪ ،‬وال أظن‬ ‫يصح لنا عقليًا يف زمانٍ ما أو ٍ‬ ‫ظرف‬ ‫أح ًدا هنا ينكر أهمية االستنباط العقيل‪ ،‬ولكن نحن ً‬ ‫أيضا نق ّر و نعرتف أن ليس كل ما ّ‬ ‫ما هو بالرضورة صحيح‪ ،‬و هنا يأيت دور التجربة‪ .‬‬ ‫فاملنهج العلمي الحديث عامده هو "قابلية التخطي" وهذه ال تكون إال من التجربة يا أستاذي العزيز‪ .‬‬‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫نظريات مهام كان اسم قائليها ‪.‬‬ ‫فرضيات أو‬ ‫و هذا الكالم ينطبق عىل كل ما هو موجود من‬ ‫رد حجة السبب األول‪ :‬‬ ‫دعنا نأخذ حجتهم إىل أقىص مداها ونرى ما سوف يحصل لها ‪ .‬‬‫عقل‪ ،‬وكائن عقلهم أفادهم قبلها يف فهم مكانهم يف‬ ‫ رشح العلة األوىل‪ ،‬وحجتهم عن االرتداد الالنهايئ هو أنه ممتن ٌع ً‬‫الكون و األرض‪ ،‬وكائن عقلهم كان يتصور أن يكون اليشء شيئان‪ ،‬مثل الفوتون‪ ،‬لكن لرنى حجتهم يف وجود التوقف‬ ‫عن االرتداد الالنهايئ‪ .‬‬ ‫هم يقولون إ ّن االرتداد الالنهايئ ال يؤدي إىل أي نتيج ٍة‪ ،‬فهم يقولون إ ّن األمر هو أشبه باملثال اآليت‪:‬‬ ‫"الجندي ال يتحرك إال بأم ٍر ‪ ،‬وينتظر األمر من قائده‪ ،‬فإن كان القائد ينتظر األمر من األعىل منه‪ ،‬وذاك ينتظر أمر األعىل‬ ‫منه إىل ما ال نهاية‪ ،‬فإ ّن الجندي لن يتحرك‪ ،‬ومن هنا نعلم مبا أ ّن الجندي تحرك‪ ،‬أ ّن هناك قائدا ً أعىل"‬ ‫ٍ‬ ‫طبعا هم ال يعلمون أ ّن هذا الكالم ‪ ,‬يوقعهم يف مأزقٍ‬ ‫شديد ‪ .‬‬

‫‪111‬‬


‫‪Jordani Agnosto‬‬

‫وجها لوجه‬ ‫عقالنية وجود الله وإمكانية أن يكون اإلسالم‬ ‫ورسالة محمد من عند الله‬

‫‪Mohammad Riyad‬‬

‫أولً ‪ :‬هو أنهم بنوا كالمهم عىل القدرات العقلية البرشية التي كلنا نعرف أ ّن الكون ال يهت ّم لها؛ نعم نحن نعرف أ ّن‬ ‫العقل يحتاج إىل مسلم ٍة ينطلق منها‪ ،‬ولكن ما ينطبق علينا ال ينطبق عىل الكون وأظ ّن أننا تعلمنا هذا الدرس منذ فرت ٍة‬ ‫طويل ٍة‪ .‬‬ ‫سؤال كاآليت‪:‬‬ ‫ثان ًيا‪ :‬كالمك يطرح ً‬ ‫اإلله أزيل‪ ،‬الكون هذا عمره معلو ٌم‪ ،‬ماذا كان الله يفعل إذا قبل الخلق؟‪ ‬‬ ‫واألجوبة املحتملة ال تخرج عن ثالث إجابات‪ :‬‬ ‫أ‪-‬اإلله كان يخلق منذ األزل‪ ،‬ولكن مبا أ ّن الحوادث تحدث منذ األزل‪ ،‬فعىل أي أساس نفرتض وجود اإلله؟ هل كل حادث‬ ‫ٍ‬ ‫محدث عاقلٍ غايئ؟ إذًا من خلق األملاس؟ أوليست اإلجابة عن هذا السؤال شافي ٌة كافية بـ"كيف" وليس‬ ‫يحتاج إىل‬ ‫بـ"من"؟‪ ‬‬ ‫و من قال أننا نعرف املادة‪ ،‬فهو ي ّدعي ما ال ي ّدعيه أي أحد ‪ .‬‬ ‫عقل ( حسب‬ ‫طيب مبا أ ّن االرتداد الالنهايئ بالحوادث ممكن عند إلهكم‪ ،‬أال يعني هذا أ ّن االرتداد الالنهايئ هو ممك ٌن ً‬ ‫قاعدتكم يف حرص قدرة اإلله عىل املمكنات العقلية ) ؟‬ ‫ب‪ -‬اإلله خارج الزمان وال يجوز السؤال عن قبل الخلق مبتى‪ ،‬و لكن أليس الزمان هو عالق ٌة بني األجزاء املتحركة؟ فإذا‬ ‫هناك عالقة (قبل\بعد) بني اإلله والكون‪ ،‬ونحن نسأل ماذا كان يفعل قبل الخلق ولست أسألك ماذا كان يفعل قبل‬ ‫ٍ‬ ‫ساعات‪ .‬‬ ‫‪16‬مليار سن ٍة و‪5‬‬ ‫إال لكنتم تقولون بقول هوكينج ال زمان قبل الكون‪ ،‬وهنا تقعون يف مأزقٍ آخر‪ ،‬حيث إنه دون عالقات (قبل\بعد)‪،‬‬ ‫إلهكم يضطر أن يخلق وال يخلق بنفس الوقت‪ ،‬يعني مش عارف كيف رصاحة ممكن تقولوا هالحيك وتكلمونا بعدها‬ ‫عقل‪.‬‬ ‫عن املمكنات ً‬ ‫معطل قبل الخلق‪ :‬من عطّله؟إن قلتم أ ّن هناك من عطّله فلنعبد ذلك املعطّل القادر عىل اإلله‪ .‬‬ ‫ً‬ ‫جـ‪ -‬اإلله كان‬ ‫وإن كان إلهكم عطّل نفسه؛ تفتحون املجال للتالعب باإلله إن قلنا إنه يقدر عىل نفسه‪ ،‬فإننا مربرون هنا يف سؤالنا‬ ‫(هل يقدر عىل قتل نفسه)‪ .‬‬

‫‪112‬‬


‫‪Jordani Agnosto‬‬

‫وجها لوجه‬ ‫عقالنية وجود الله وإمكانية أن يكون اإلسالم‬ ‫ورسالة محمد من عند الله‬

‫‪Mohammad Riyad‬‬

‫ونتساءل‪ ،‬إن كانت اإلحداث واملالبسات التي سبقت خلق الكون لديكم ال ميكن معرفتها لنا‪ ،‬أال ترون هذا يزيل إلهكم‬ ‫مر ًة أخرى‪ ،‬ألنه يف هذه الحالة هو مجرد إضاف ٍة ال تقدم وال تؤخر يف املسألة؟‪ ‬‬ ‫هل يرفض الالديني وجود عل ٍة أوىل؟ حتى املاديني مل يرفضوا عل ًة أوىل‪ ،‬مع أنهم مل يعرتضوا عىل إمكانية االرتداد الالنهايئ‬ ‫ألنهم ببساط ٍة يعلمون أ ّن كون عقول البرش تحتاج نقطة بداي ٍة تستند عليها‪ ،‬فهذا ال يجرب الكون عىل يش ٍء أب ًدا‪ ،‬بل إ ّن‬ ‫ٍ‬ ‫جزيئات ولي ٍة أزلي ٍة ‪ ،‬ونحن نسمع كالم هذا الفيلسوف العمالق قاد ًما من‬ ‫النظرية الذرية ليدموقراطيس تكلمت عن‬ ‫أعامق التاريخ (قبل ‪ 2600‬سن ًة تقري ًبا) وتردد صداه معامل ومختربات العامل املتحرض أجمع‪ .‬‬ ‫إذا كان األمر هكذا‪ ،‬ملاذا الالأدرية إذًا؟‬ ‫أل ّن الخيار ليس بني إله األديان‪ ،‬واملادية فقط الخيارات كاآليت‪ :‬‬ ‫‪1.1‬مادية‪ ‬‬ ‫‪2.2‬وحدة وجود‪ .‬‬ ‫‪3.3‬ربوبية‪ .‬‬ ‫‪4.4‬إله األديان‬ ‫و لكن عندما تنظر للموضوع بعني املنطق وتطبق املنهج العلمي تطبيقًا صار ًما تخرج باألفكار اآلتية‪:‬‬ ‫أ‪-‬العبث سيد املوقف هو ليس من الكون أو منا‪ ،‬هو نتيجة حتمية اجتامع عقولنا وال معقولية الكون‪ ،‬رشح مثال من‬ ‫ٍ‬ ‫رشاشات ثقيل ٍة بهراو ٍة خشبي ٍة‪..‬وهنا يكون القول باملادية أو اإلله هو مج ّرد قفز ٍة منطقي ٍة خيالية‪ .‬‬ ‫يواجه فصيل‬ ‫أما أنا فأنا ال أقول أعرف أكرث مام أعرف‪ ،‬وال أملك إال ما أملك ‪ ،‬والخياالت اترك السباحة فيها ملحبي الغطس‪ .‬‬ ‫ب‪-‬ألين ممكن أن أكون مخطئ‪ ،‬االحتامل األخري قابل للتكذيب بسبب االدعاءات املبارشة التي يقوم هذا اإلله ( وهذه‬ ‫للجزء الثاين )‪ ،‬لكن يبقى لديك ثالثة احتامالت ممكنه بشكلٍ أو بآخر‪ ،‬أو باألصح درجة أو أخرى‪.‬‬ ‫و لكن لنتذكر القاعدة األساسية يف حجج األديان‪ :‬‬ ‫أهم يشء عند اخرتاع إله‪ ،‬هو أن تجعله ال يرى ال يسمع وال ميكن الشعور به بأي شكلٍ من األشكال‪ ،‬و إال‪ ،‬سوف يشكك‬ ‫به الناس عندما ال يظهر ألي أحد‪ ،‬يبقى صامتًا‪ ,‬وال يفعل أي يشء‪.‬‬

‫‪113‬‬


‫‪Jordani Agnosto‬‬

‫وجها لوجه‬ ‫عقالنية وجود الله وإمكانية أن يكون اإلسالم‬ ‫ورسالة محمد من عند الله‬

‫‪Mohammad Riyad‬‬

‫رد حجة التصميم الذيك ‪ :‬‬ ‫حج ٌة من أيام نيوتن حيث كان االعتقاد مبيكانيكية الكون‪ ،‬املهم طب ًعا أيام نيوتن راحت و انقضت‪ ،‬ولكن كالعادة مازال‬ ‫اجرتار الحجج القدمية يف مسألة الوجود هو سيد املوقف‪.‬‬ ‫طب ًعا ممكن الرد بأكرث من أسلوب عىل هذه الحجة‪ ،‬وتوضيح عوار منطقها من أكرث من جهة‪ ،‬وسوف أحاول بأرسع‬ ‫وقت‪.‬‬ ‫‪1.1‬األكوان املتعددة ‪ :‬عد ٌد ال نها ٌّيئ من االحتامالت‪ ،‬يؤدي إىل إعطاء إمكاني ٍة كبري ٍة لوجود كل أنواع األكوان املمكنة‪،‬‬ ‫باإلضافة إىل أنه كام ما أرشنا سابقًا‪ ،‬تجعل اإلله زائد عن الحاجة ( عند من يقولون إن اإلله خالق أزيل‪ ،‬ومن يقول أنه‬ ‫غي رأيه وجعله يخلق لو سمحتم‬ ‫أتت عليه فرت ٌة كان معطل فيها‪ ،‬أحب أن أعرف ماذا كان يعمل قبلها وما الذي ّ‬ ‫أصل لبيان فساد املنطق يف هذه الحجة الهشة‪ ،‬ولكن أتينا‬ ‫) بالش األكوان املتعددة ملن يرفضونها‪ ،‬إننا ال نحتاجها ً‬ ‫بذكرها من باب العلم باليشء فقط‪ ،‬يك ال يغضب جامعة اإللحاد الفيزيايئ ال أكرث‪.‬‬ ‫‪2.2‬ما معني قانون طبيعي‪ :‬هو مج ّرد مالحظات ومتوسط حسايب لها‪ ،‬هو كام وصفه ديفيد هيوم‪ ،‬ترصف املادة يف‬ ‫ٍ‬ ‫ظرف محد ٍد ج ًدا‪ ،‬وهو ال يكون منطقي أو ال منطقي‪ ،‬هو ‪ matter of fact‬يعني مش فرمان إلهي وال حاجة‪ ،‬إال‬ ‫إلهي‪ ،‬مج ّرد وصف لترصف املادة‬ ‫لو كنت تظن أن نسبة ظهور ‪6‬و‪ 6‬عن رمي نردين التي تساوي ‪1‬من‪ 36‬هي فرما ٌن ٌ‬ ‫ال أكرث وال أقل‪ .‬‬ ‫يعني بكل بساط ٍة فيك أو بدونك موجود‪ ،‬ليس نسب ًيا لك أو مرتبطًا بعقلك أو وجودك بشكلٍ أو بآخر‪ ،‬هو موجو ٌد سواء‬ ‫أتيت أنت أم ال‪ .‬وأنت أتيت حسب املوجود وليس املوجود جاء ألجلك‪" .‬من الواضح أ ّن األنف ُصمم ليحمل النظارات"‬ ‫قال فولتري ساخ ًرا‪ ،‬ومقولة فولتري هي ال ّرد األنسب برأيي عىل القول بحجة الضبط‪.‬‬ ‫طيب بالش‪ ،‬فلنفرض أنها فرماناتٌ إلهي ٌة‪ ،‬يك نأخد املنطق املؤلّه إىل نهاياته‪ .‬‬ ‫جميل‪ :‬‬ ‫ً‬ ‫إينشتاين سأل سؤالً‬ ‫"هل كان لإلله خيا ٌر يف خلق الكون"‪ ‬‬ ‫أي‪ ،‬هل كان الب ّد عىل اإلله اختيار هذه القوانني والفرمانات بالرضورة؟ أم أنه مل يكن مج ًربا عليها؟‬ ‫إن كان البد من استخدامه لهذه القوانني بهذه الطريقة‪ ،‬فهو مثل املهندس الذي يبني بنا ًء هو صان ٌع ذيكٌّ ولكنه محكو ٌم‬ ‫بقانون الجاذبية األرضية‪ ،‬فهنا نجد أ ّن القوانني الطبيعية سابق ٌة لإلله وهو محكو ٌم بها‪.‬‬

‫‪114‬‬


‫‪Jordani Agnosto‬‬

‫وجها لوجه‬ ‫عقالنية وجود الله وإمكانية أن يكون اإلسالم‬ ‫ورسالة محمد من عند الله‬

‫‪Mohammad Riyad‬‬

‫مخي‪ ،‬ملاذا اختار هذه القوانني وليس غريها؟‪ ‬‬ ‫مخي؟ طيب؛ ّ‬ ‫كان ّ‬ ‫هل هو مج ّرد اختيا ٌر اعتباطي؟‪ ‬أم أنها حكم ٌة ال يعلمها إال هو؟‪ ‬‬ ‫إن كانت حكم ٌة ال يعلمها إال هو‪ ،‬فإ ّن هذا التفسري يعني أ ّن الله ال يقدم أو يؤخر يف املعضلة‪ ،‬فال وجوده أزال الغاممة‬ ‫عن القوانني الكونية‪ ،‬وال عدم وجوده زاد التعقيد يف املسألة‪.‬‬ ‫التعقيد‪ ،‬التعقيد الذي ال ميكن اختزاله‪ ،‬كل ٍ‬ ‫مصمم هو الب ّد أن يكون أعقد مام ابتدع‪ ،‬إذا‬ ‫معقد هو ال ب ّد مصم ٌم ‪ ،‬كل‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫مصمم‪ ،‬وهكذا‪ ،‬حتى منل ونضجر‪ ،‬فنتوقف عن اإلله املناسب لنا‪ ،‬فإن أردت فام موقفنا‬ ‫محتاج إىل‬ ‫مهندس‬ ‫كان كل‬ ‫ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫عنده ومن أراد أودين وقف يف موقف أودين‪ ،‬وأوبيس الخيال مايش بينا وكل واحد ينزل عن اإلله الذي يعجبه‪.‬‬ ‫التصميم الذيك يعتمد عىل مغالطتني منطقيتني يف االحتجاج‪ :‬‬ ‫منطق دائري‪ ،‬هو الب ّد هكذا ألنه عندي هكذا وغري هكذا ال ميكن أن يكون‪ .‬‬ ‫املصادرة عىل املطلوب‪:‬‬‫ٌ‬ ‫االحتجاج بالجهل‪ :‬أنت ال تعرف كيف أىت هذا‪ ،‬إذًا الله ص ّممه‪ ،‬هذا مدهش‪ ،‬الله ص ّممه‪ ،‬واإلحصائيات والتنظريات‬‫أصل غلط بغلط‪ .‬ويف النهاية يختم عليها بختم (علم زائف)‪.‬‬ ‫واملوازين والثوابت‪ ،‬استخدام جامعة التصميم الذيك إلها ً‬ ‫و سوف نرى يف الجزء الثاين ذلك املصمم الذي يدعونا إىل لعبادته‪.‬‬ ‫كالمك عن الغاية أستاذي الحبيب‪ ،‬ذكّرين بر ٍّد لنيل ديجرايس تايسون عىل سؤا ٍل ُوجه له من معهد متبلتون لو يسمح يل‬ ‫باقتباسه‪.‬‬ ‫هل للكون ٌ‬ ‫هدف ؟‬ ‫أي أحد ي ّدعي أنه ميلك إجاب ًة محدد ًة ومفصل ًة لذلك السؤال يكون قد بنى إجابته عىل ٍ‬ ‫أسس غري‬ ‫برصاح ٍة ال أعلم‪ ،‬لكن‪ّ ،‬‬ ‫أسس األدلة االمربقلية والتجريبية‪ ،‬وأسلوب التفكري هذا يعترب شائ ًعا ج ًدا يف األديان وبعض أفرع الفلسفة إال أنه فشل‬ ‫فشل ذري ًعا يف جهوده السابقة للفهم‪ ،‬وبالتايل توقع أسلوب عمل الكون وماهية مكاننا فيه‪.‬‬ ‫ً‬ ‫هل النتيجة املرجوة هي وجود حيا ٍة كربوني ٍة ومنها تأيت الرئيسيات التي منها البرش؟ بالطبع عدم وجود اإلنسان ليسأل‬ ‫بذخي غري‬ ‫عن هدف الكون ل‪ 99,999%‬من زمن وجود الكون يجعل هذه النتيجة تعني أ ّن تصميم الكون هو تصمي ٌم‬ ‫ٌّ‬ ‫ف ّعال يف الواقع‪.‬‬ ‫وإن كانت النتيجة والهدف املرغوب هو خلق ٍ‬ ‫مالئم للحياة‪ ،‬فحقيقة أن الحياة خالل وجودها عىل األرض لـ‬ ‫مهد ٍ‬ ‫‪3,5‬مليارات عام‪ ،‬كانت مالحق ًة بالكوارث الطبيعية واآلفات واملوت والخراب‪ ،‬بحيث أ ّدى ذلك إىل هالك ‪ 99,9%‬من‬ ‫الحياة التي ُوجدت عىل األرض‪ ،‬تفيض بك إىل نفس النتيجة من عدم فعالية و بذخية التصميم للكون‪.‬‬ ‫‪115‬‬


‫‪Jordani Agnosto‬‬

‫وجها لوجه‬ ‫عقالنية وجود الله وإمكانية أن يكون اإلسالم‬ ‫ورسالة محمد من عند الله‬

‫‪Mohammad Riyad‬‬

‫ماذا عن البرش‪ ،‬إن كنت متدي ًنا فأنت تعتقد أن هدفنا هو خدمة الله وعبادته‪ ،‬ولكن إن كنت واح ًدا من الـ ‪100‬مليار‬ ‫أحاديات الخلية التي تعيش وتعمل يف ‪1‬سم من أمعائك الدقيقة‪ ،‬فأنت سوف تعتقد أ ّن الهدف من وجودك هو خلق‬ ‫بيئ ٍة الهوائي ٍة من املخلفات والفضالت‬ ‫بالتايل‪ ،‬يف غياب الغرور و الكربياء البرشي‪ ،‬نجد أ ّن الكون يبدو عشوائ ًيا أكرث فأكرث‪ ،‬حيث إ ّن األحداث والوقائع التي‬ ‫تبدو يف مصلحتنا تتعادل مع تلك التي ضدها‪.‬‬ ‫من هنا نجد أنه من الصعب إن مل يكن من املستحيل الجزم بوجود ٍ‬ ‫هدف للكون‪ .‬ففي حني أين ال أستطيع فعل ًيا الجزم‬ ‫بعدم هدفية الكون‪ ،‬إال أ ّن كل األدلة ّ‬ ‫تدل عىل صحة ما أميل إليه من االعتقاد‪ ،‬ولكن ببساط ٍة ‪ 99,99999%‬ال تساوي‬ ‫‪ 100%‬إال أنها أقرب ما يكون إليها‪ ،‬وتزداد قوةً‪ ،‬ذلك االعتقاد عند كل من يرى الكون كام هو وليس كام يتمناه أن‬ ‫يكون‪.‬‬ ‫نيل ديجرايس تايسن" يف إجاب ٍة عن سؤا ٍل مطرو ٍح عىل مؤسسة متبلتون"‪ ‬‬ ‫سهم وبالتايل الب ّد للسهم من غاي ٍة ومن ر ٍام‪ ،‬فقط بنا ًء عىل‬ ‫ببساط ٍة شديد ٍة‪ ،‬أنت مثل من ي ّدعي أ ّن هناك من رمى ً‬ ‫أصل بسبب نفيس مقتنع مسبقًا أن هناك من يراقبه‬ ‫خشب طوحت بها الريح من أمامه‪ ،‬فقط ألنه هو ً‬ ‫مشاهدته لكرسة‬ ‫ٍ‬ ‫ويتلصص عليه ‪( PARANOIA‬هنا طبعا تكون املصادرة عىل املطلوب)‪ .‬هناك قال كلمته يف يوم من األيام يل (الله كله‬ ‫عبار ٌة عن مصادر ٍة عىل املطلوب)‬ ‫انتهى‪ ،‬اعتذر بشد ٍة عن أخذي املزيد من الوقت‪ ،‬فاملوضوع ذو شجونٍ كام يعرف الجميع وأحببت تغطية كل الجوانب‬ ‫عىل قدر املستطاع‪.‬‬

‫‪Mohammad Riyad‬‬

‫األستاذ العزيز جورداين كنت أو ّد لو تعرضت للرباهني والحجج املطروحة بالرتتيب حتى ال يضيع املتابع‪ ،‬عىل العموم‪:‬‬ ‫‪ .1‬بالنسبة لحجة العلة األوىل‪ ،‬أنت تقول ال نستطيع التكهن بها أل ّن األمر أكرب من عقولنا‪ ،‬ولكن يا عزيزي أنا أفكر بعقيل‬ ‫ضمن قدراته املعرفية املتوافرة‪ ،‬والذي يلزمني بالقول بال إمكانية االرتداد الالنهايئ للوراء‪ ،‬أل ّن املنهج العقيل يفرتض أ ّن‬ ‫لكل تسلسلٍ نقطة بداية‪ ،‬أما إذا كان هناك تفس ٌري آخر فوق عقيل ال أعلمه أنا وال أنت كام تقول‪ ،‬فحني أعلمه سأناقشه‬ ‫لكن لن أغلق عقيل وأخرس إمياين ملجرد افرتاضك أ ّن هناك رمبا شيئاً ما يفرس نشوء الكون غري وجود صانعٍ ال نعلمه‪.‬‬ ‫يل عىل افرتاض أنه رمبا كان هناك تفس ٌري ما أكرب من عقولنا حول نشأة الوجود‪،‬‬ ‫يعني أنت تبني معرفتك بشكلٍ كاملٍ وك ٍّ‬ ‫أنا أعمل ضمن املعطيات العقلية التي أملكها وال أرضب يف املجهول وضمن هذه املعطيات أجد نفيس ملز ًما بالقول إنه‬ ‫عقل‪ .‬وباختصار‪ ،‬أنت تقامر‪ ،‬أ ّما أنا فال أحب املقامرة يف املعرفة‪.‬‬ ‫باطل ً‬ ‫ضمن ما تعرفه عقولنا فإن االرتداد الالنهايئ للوراء ٌ‬ ‫‪116‬‬


‫‪Jordani Agnosto‬‬

‫وجها لوجه‬ ‫عقالنية وجود الله وإمكانية أن يكون اإلسالم‬ ‫ورسالة محمد من عند الله‬

‫‪Mohammad Riyad‬‬

‫أصل ضمن الرباهني األربعة وهي نظرية التصميم الذيك‪ ،‬حيث أ ّن ما طرحته هو‬ ‫‪ .2‬تعرتض عىل نظري ٍة أنا مل أطرحها ً‬ ‫ٍ‬ ‫احتامالت تك ّون الظروف املحيطة بالكون بطريقة عشوائية هي غاية يف الضآلة‬ ‫نظرية ضبط اإليقاع وتتحدث عن أ ّن‬ ‫وأوردت لك آراء علام ٍء غربيني كبار ٍيف هذا‪ ،‬نظرية التصميم الذيك تختلف يا عزيزي‪ ،‬فأنا مل أستخدمها ولذلك ال أدري‬ ‫ملا أفردت كل تلك املساحة يف الرد عليها‪ ،‬أريد منك ر ًدا منضبطًا عىل نظرية ضبط النغمة‪.‬‬ ‫كذلك مل ترد عىل برهان القصد والتصميم الوظيفي‪.‬‬ ‫بالنسبة ملوضوع أ ّن افرتاض وجود الله هو مصادر ٌة معرفي ٌة كام تقول فهذا ال يستقيم وكومة املقدمات العقلية التي‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫مقدمات عقلي ٍة أي أنها استنتاج بغري ٍ‬ ‫أساس‪،‬‬ ‫استنتاجات عقلي ٍة عليها‪ ،‬فاملصادرة تكون معرف ًيا حني ال توجد‬ ‫أوردتها لبناء‬ ‫ٍ‬ ‫مقدمات عقلي ٍة ( مصادرة ) بغض النظر عن اتفاقك أو اختالفك معه‪ٌ ،‬‬ ‫مثال السهم‬ ‫لكن ال يسمى االستنتاج املؤسس عىل‬ ‫سهم ٍ‬ ‫واحد رمي وانتهى املوضوع نحن نتحدث عن عدد ال‬ ‫الذي أوردته ال يستقيم ً‬ ‫أيضا ألننا ال نتحدث عن مج ّرد ٍ‬ ‫عقل من افرتاض ٍ‬ ‫قصد وغاي ٍة‪.‬‬ ‫متناهي من السهام تصيب أهدافًا دقيق ًة يف كل مرة وخالل آخر مليون سنة‪ ،‬هنا ال بد ً‬

‫‪Jordani Agnosto‬‬ ‫"أنت تقول ال نستطيع التكهن بها أل ّن األمر أكرب من عقولنا‪ ،‬ولكن يا عزيزي أنا أفكر بعقيل ضمن قدراته املعرفية‬ ‫املتوافرة‪ ،‬والذي يلزمني بالقول بال إمكانية االرتداد الالنهايئ للوراء‪ ،‬ألن املنهج العقيل يفرتض أن لكل تسلسلٍ نقطة‬ ‫بداي ٍة‪ ،‬أما إذا كان هناك تفس ٌري آخر‪ ‬فوق عقيل ال اعلمه أنا وال أنت كام تقول‪ ،‬فحني أعلمه سأناقشه لكن لن أغلق عقيل‬ ‫وأخرس إمياين ملجرد افرتاضك أن هناك رمبا شيئاً ما يفرس نشوء الكون غري وجود صانع ال نعلمه"‬ ‫صديقي انظر إىل األعىل‪ ،‬مسافة ‪ 5‬كيلو مرت ٍ‬ ‫ات و الكون ال يقيم اعتبا ًرا لك بعدها ويقلك يف ملح البرص‪ ،‬ما خنقًا أو بر ًدا‬ ‫أو سقوطًا للمفارقة‪ .‬‬ ‫انظر تحت قدميك ‪ ,‬بضعة أمتا ٍر فقط تفصلك بني أن يقتلك الكون ويقتل عقلك‪.‬‬ ‫حق تفرض عىل الكون أن يكون كام أنت‪ ،‬يجب أن ننظر للكون كام هو وليس كام ينبغي أن يكون برأينا ‪ .‬لكن‬ ‫فبأي ٍّ‬ ‫الفكرة أبسط بكثري من كل النقاش‪.‬‬ ‫الفكرة اعرف قدراتك واعمل عليها‪ ،‬وابتعد عن القفزات يف عامل املعرفة‪.‬‬ ‫اإلميانيات الشخصية يا مرحبًا بها يف عامل املعرفة‪ ،‬ال أحد ينكرها عليك يا أخي العزيز ولكن لنعلم أنها إميانياتٌ وليست‬ ‫حقائق‪ .‬‬ ‫َ‬ ‫أصل ضمن الرباهني األربعة‪...‬الخ‬ ‫هذه هي كل الفكرة‪ .‬تعرتض عىل نظري ٍة أنا مل أطرحها ً‬ ‫أستاذي‪ ،‬الضبط والتصميم وجهان لعمل ٍة واحد ٍة ( أال لو كان هناك عشوائي ٌة مضبوط ٌة فدلني عليها ) ‪ ‬‬ ‫‪117‬‬


‫‪Jordani Agnosto‬‬

‫وجها لوجه‬ ‫عقالنية وجود الله وإمكانية أن يكون اإلسالم‬ ‫ورسالة محمد من عند الله‬

‫‪Mohammad Riyad‬‬

‫مثل‪ :‬يف كالمي ذكرت مقول ًة شهري ًة لفولتري وأهديتها لألدمن أحمد‪ ،‬ألنه دامئاً يعتب عيل عندما أذكرها‪ .‬‬ ‫ً‬ ‫وهي أ ّن النظارة هي من أتت لتناسب األنف‪ ،‬وليس العكس‪ ،‬وهذه أظنها ٌ‬ ‫واضح يوضح لك املغالطة التي تقع‬ ‫مثال‬ ‫ٌ‬ ‫فيها صديقي ‪.‬‬ ‫أال وهي افرتاض عشوائية الطبيعة وتجاهل االنتقاء الطبيعي الذي يعترب امتحانًا شاقًأ إما أن تتخطاه الكائنات أو تفنى‬ ‫فإن كانت الطفرة عشوائي ًة فاالنتقاء نصله حا ٌد ج ًدا زمييل العزيز ‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫إميانيات شخصي ٍة‪ .‬‬ ‫ليست سها ًما عزيزي‪ ،‬ال عند من يريدونها سها ًما بسبب‬ ‫و لكن من قال بالرمية و الرامي‪ ،‬فليدلونا عىل الهدف عىل األقل مبا أنك قلت أنها أصابت الهدف‪ .‬‬ ‫و هذا كان القصد من االقتباس الذي اقتبسته أنا من نيل ديجرايس تاسيون‬

‫‪Mohammad Riyad‬‬

‫صديقي العزيز جورداين ر ًدا عىل براهني ‪ 3‬و ‪ 4‬التي أوردتها ردو ًدا عام ًة مفادها أننا ال نعرف ورمبا هناك يش ٌء أكرب منا‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وآليات الكون‪ ،‬لكن صديقي‬ ‫ظروف‬ ‫رص عنده عن إدراك‬ ‫لذلك علينا أال نتعب أنفسنا يف التفكري العقيل أل ّن العقل قا ٌ‬ ‫العزيز مل ينتبه إىل أنه‪ ‬‬ ‫مبا أن الظواهر الكونية تخضع للقوانني التي يصوغها العقل اإلنساين‪ ،‬فام ينطبق علينا ينطبق عىل الكون‪ ،‬لذلك وبنا ًء‬ ‫عىل مذهب صديقي عليه أن ينصح علامء الفلك بالتخيل عن وضع نظرياتهم حول نشأة الكون وتطوره ومتدده وما‬ ‫هو سائ ٌر إليه وعليه أن ينصح ناسا أن تغلق أبوابها أل ّن ما أدواتنا العقلية والعلمية غري قادر ٍة عىل معرفة كنه الكون‬ ‫حسب تصوره‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫مقدمات‬ ‫ال يا أستاذ جورداين لو اتبع العلامء طريقتك يف التفكري ملا خرج داروين بتصوره عن نشأة الحياة بنا ًء عىل‬ ‫أيضا‪ .‬العقل البرشي قاد ٌر أن يتساءل وأن يصل إىل‬ ‫وملا خرج هيل بنموذجه لالنفجار العظيم بنا ًء عىل مقدمات عقلية ً‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫مقدمات منضبطة‪.‬‬ ‫استنتاجات معرفي ٍة صحيح ٍة بنا ًء عىل‬ ‫ويف النهاية مل يجب صديقي جورداين عىل برهاين ‪ 1‬و ‪ 2‬خاص ًة برهان ضبط النغمة والذي يشري إىل توافق العلامء عىل‬ ‫ٌ‬ ‫ريايض شبه مهملٍ ألنه يعادل واحد إىل ‪ 10‬وأمامها عد ٌد ال‬ ‫احتامل‬ ‫أ ّن وجود الكون بطريق ٍة عشوائي ٍة أو مصادف ٍة هو‬ ‫ٌّ‬ ‫متنا ٍه من األصفار‪ .‬يف الختام شك ًرا ملجهود صديقي العزيز جورداين ومشاركته لنا يف هذا الحوار املثمر واملفيد‬

‫‪118‬‬


‫‪Jordani Agnosto‬‬

‫وجها لوجه‬ ‫عقالنية وجود الله وإمكانية أن يكون اإلسالم‬ ‫ورسالة محمد من عند الله‬

‫‪Mohammad Riyad‬‬

‫‪Jordani Agnosto‬‬

‫سوف أضع املرافعة املع ّدة مسبقًا‪ ،‬وأنتظر ر ّد األستاذ الكريم عليها‪.‬‬ ‫أبل كل‬ ‫ومصمم وعل ٍة غائي ٍة أوىل‪ ( ،‬بالعامي رح ّ‬ ‫تصميم‬ ‫يف هذا الجزء‪ ،‬سوف أسلّم ملحاوري بكل ما أراده عن وجود‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫أوضح أ ّن طلبه لعبادة إله القرآن‪ ،‬هو مثل من يطلب التسليم بأن األحجية التي يظهر‬ ‫كالمي وارشب أنا ميته ) وسوف ّ‬ ‫فيها صورة خرطوم وأنياب عاجية وأذنني كبريتني مع فراغ يف وسط الوجه‪ ،‬هي صورة بطيخ ٍة‪ ،‬فقط ملجرد أنه أثبت أنه‬ ‫حل بالرضورة‪ .‬‬ ‫يجب أن يكون لتلك األحجية ٌّ‬ ‫و سوف أنظر هنا ملا يدعوين إليه محاوري من إله‪ ،‬لرنى هل يتوافق ذلك اإلله مع ما يحاول محاوري جاه ًدا إثبات‬ ‫وجوده ؟‪ ‬‬ ‫أصل ال يعبده ويرفض عبادته‪ ،‬هو يدعوين فعل ًيا لنسخته املعدلة من اإلله‬ ‫محاوري يدعوين لألسف لإلمبان بإل ٍه هو ً‬ ‫اإلسالمي‪ ،‬كيف هذا ؟ قد يتساءل البعض‪ .‬‬ ‫أصدقايئ هو يدعوين إلله اإلسالم‪ ،‬اإلسالم املعتزيل‪ ،‬ولكن ليس إلله القرآن‪ ،‬ظ ًنا منه أين تركت الدين مصدو ًما مشدو ًها‬ ‫بأفعال الوهابية واالثني عرشية والجعفرية والسنية املهولة‪ .‬‬ ‫ٍ‬ ‫مقدمات لنلقي نظر ًة عىل إله القرآن واألفعال التي صدرت عنه وليس‬ ‫هو يقول إن إلهه هو إله القرآن‪ ،‬بالتايل ودون‬ ‫األوامر التي تنسب إليه‪.‬‬ ‫أفضل أنواع القيادة هو ‪ LEADING BY EXAMPLE‬وأسوء أنواع املربّني هو من يريب ابنه عىل أن يفعل كام يقول‬ ‫ال كام يفعل‪ .‬‬ ‫ممكن تكون جملتي غامض ٌة ولكن سيتوضح معناها بعد قليل ‪ .‬‬ ‫خالق متعا ٍل منفصلٍ عن الكون ومطلق الصفات‪ ...‬الخ‬ ‫طب ًعا سلّمنا ملحاورنا بكل ما طلب من وجوب وجود ٍ‬ ‫وأال يقول لنا محاورنا إن ذلك املطلق أنزل كتاب‪ ،‬الكتاب يحتوي عىل أفعال اإلله عرب التاريخ مع البرش ( ترك الكون‬ ‫تعاليم مبارش ٍة جاءت للبرش‪ ،‬لتهدي العوام منا سواء السبيل ليك ال يكون‬ ‫كله وتفرغ لتلقيح بويضة مريم ) باإلضافة إىل‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ألحد حج ًة وقت الحساب والعقاب‪ .‬‬

‫‪119‬‬


‫‪Jordani Agnosto‬‬

‫وجها لوجه‬ ‫عقالنية وجود الله وإمكانية أن يكون اإلسالم‬ ‫ورسالة محمد من عند الله‬

‫‪Mohammad Riyad‬‬

‫طيب مايش‪ .‬أنا رح انظر للوجه األخالقي والعلمي يف أفعال اإلله نفسها وبعض ادعاءاته طب ًعا‪.‬‬ ‫لننظر هنا إىل أفعال الله‪.‬‬ ‫رجل وامرأة‪ ،‬يعصيانه‪ ،‬بالتايل يسلط علينا الشياطني بجرير ٍة ما فعلها آباؤنا‪ ،‬وبنفس الوقت يقول لنا‬ ‫قصة الخلق‪ ،‬يخلق ٌ‬ ‫أنه ال تزر وازر ٌة وزر أخرى‪ ،‬وي ّدعي أنه ٌ‬ ‫عادل ( ما العربة األخالقية هنا ؟ جواز أخذ الساللة كامل ًة بجريرة الجد األكرب ؟‬ ‫عىل ماذا أعدم صدام حسني إذًا وعىل ماذا تكرهون ستالني يا مؤمنني ؟ )‬ ‫تلك القصة الخرافية بكل املقاييس‪ ،‬أن أردنا التحقق منها‪ ،‬فهل ميكن لنا التحقق ؟‪ ‬‬ ‫نعم ميكن ج ًدا البحث عن عنق زجاج ٍة سكاين يؤكد تولد البرشية من فردين فقط ال غري (طب ًعا هنا قد يظهر لنا البعض‬ ‫ٍ‬ ‫ويكلمنا عن حواء امليتوكوندريا‪ ،‬ولكنه سيكشف جهله باملوضوع‪ ،‬أل ّن حواء امليتوكوندريا أقرب ٍ‬ ‫مشرتك‪ ،‬وال يوجد‬ ‫سلف‬ ‫أصل دم كروموسومات يف زمنها)‪ ‬‬ ‫لها ً‬ ‫هل يوجد هذا اليشء؟‪ ‬‬ ‫رس الضعف يف جيناته واكتشف‬ ‫نعم ت ّم إيجاده‪ ،‬وتطبيق األسلوب هذا يف تجرب ٍة شهري ٍة عىل الفهد الرشق أفريقي لتفسري ّ‬ ‫أنه متت إعادة بناء أعداده من ‪ 5-6‬أفراد بعد أحد االنقراضات الكبرية‪.‬‬ ‫هل ُوجد يف اإلنسان‪ ،‬نعم خمسة عرش ألف نسمة كان هو أضيق عنق زجاج ٍة سكاين مرت به البرشية‪ .‬‬ ‫فام بال مصممك ومصدر أخالقك األزيل صديقي العزيز يؤلف لنا الروايات الالأخالقية والالعلمية ويتجاهل أبسط‬ ‫البسائط؟‬ ‫قصة نوح ‪:‬‬ ‫ دعوة‪ ،‬إنكار‪ ،‬يليهام إغراق األخرض واليابس وإهالك الحرث والنسل‪ ،‬وطب ًعا البد أنه كان يوجد أطفال وأبناء وعبيد‬‫يل‪ ،‬هي‬ ‫ونساء ال ناقة لهم وال جمل باملوضوع كله ( طب ًعا الطوفان غطى الجبال‪ ،‬ومحاوالت البعض يف القول إنه مح ٌّ‬ ‫قارب وقت وصول‬ ‫محاوالتٌ يائس ٌة نابع ٌة من القصة األصلية يف تراث بالد ما بني الرافدين عن رجلٍ أنقذ بعض الناس عىل ٍ‬ ‫طوفان‪ ،‬ولكنها ال تشابه طوفان القرآن الذي ال تعصم من الجبال أح ًدا ) ‪ ‬‬ ‫العربة األخالقية‪ :‬هل نستنتج أن إبادة األخرض واليابس وسياسة األرض املحروقة هي الحل األمثل للتعامل مع مخالفيك؟‬ ‫أليس قتل الحيوانات دون سبب هو أحد مؤرشات عداء املجتمع يف األطفال‪ ،‬وتعذيب الحيوانات هو أحد العوامل‬ ‫املشرتكة بني أشهر القتلة املتسلسلني يف التاريخ الحديث؟ ( طب ًعا انسوا حكاية العدد‪ ،‬تخيل أ ّن كل الحيوانات عدا اثنني‬ ‫من كل نوع متت إبادتها ) ‪ ‬‬ ‫‪120‬‬


‫‪Jordani Agnosto‬‬

‫وجها لوجه‬ ‫عقالنية وجود الله وإمكانية أن يكون اإلسالم‬ ‫ورسالة محمد من عند الله‬

‫‪Mohammad Riyad‬‬

‫اض عظيم‪ ،‬وإعادة بنا ٍء للتعداد السكاين‪ ،‬إذًا مطلوب عنق زجاج ٍة سكا ٍّين آخر يف جميع الكائنات ويف نفس‬ ‫علم ًيا‪ :‬انقر ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫روايات قدمي ٍة ال أظن محمدا ً نفسه يعلم‬ ‫القصة مجرد أكذوب ٍة مبني ٍة عىل‬ ‫الفرتة الزمنية‪ ،‬هل هو موجود؟ ال طب ًعا ألن ّ‬ ‫أساسا‪.‬‬ ‫أصلها ً‬ ‫قصة سليامن‪ :‬كل تلك املباين‪ ،‬وكل تلك الرصوح واآلثار‪ ،‬واإلذالل مللوك الدول القريبة والبعيدة‪ ،‬وأنت كفلسطيني أعلم‬ ‫الناس مبا أنفقت إرسائيل يف محاوالت إثبات أي أث ٍر لها‪ .‬‬ ‫أي من هذا الكالم‬ ‫أي دليلٍ عىل ٍّ‬ ‫هات لنا ّ‬ ‫لن تجد‪ ،‬وعىل رهانٍ ‪ ،‬سوف تجد سليامن بن داود‪ ،‬لكن شتان بني سليامن وسليامن وداود وداود‪ .‬سوف تجد الكثري من‬ ‫وخصوصا يف األساطري اإلرسائيلية‪ ،‬التي طب ًعا رددها محمد كنو ٍع من الفلكلور الشائع يف عرصه عىل‬ ‫هذه التضاربات‪،‬‬ ‫ً‬ ‫أنها حقائق‪ .‬‬ ‫محاب للتوراة وتجاهلوا أ ّن التوراة تؤ ّرخ‬ ‫وكذلك قصص موىس ( الذي ا ّدعوا كذبًا أنه خرج يف عهد رمسيس بنا ًء عىل كالم ّ‬ ‫القتال مع الفلسطينني والخروج وغري ذلك‪ ،‬بتواري ٍخ متناقض ٍة ج ًدا –راجع النبي إبراهيم والتاريخ املفقود‪ ،‬والنبي موىس‬ ‫حس وال خ ٌرب حتى يف ما كان يكتب من تاريخ املوىت‬ ‫و آخر أيام تل العامرنة للقمني) يطبق البحر عىل رأس إله مرص‪ ،‬وال ٌّ‬ ‫داخل قبورهم (عاد ٌة معروف ٌة كانت يف مرص الفرعوني ًة)‬ ‫عىل سرية موىس‪ ،‬لننظر ألحد أهم أحداث تلك األسطورة املفرتاة‪ ،‬عذابات مرص وقتل الفتى مع الخرض‪.‬‬ ‫كالعادة طب ًعا نجد مالمح التجرب والتعسف‪ ،‬وبكل رصاح ٍة الغضب املجنون تجاه كل املرصيني‪ ،‬بالدم والقمل والضفادع‪...‬‬ ‫وخصوصا أن أغلب املرصيني مل يكونوا معنيني ال ببني إرسائيل وال برصاع موىس وفرعون حول‬ ‫الخ‪ .‬بجريرة بعض املرتفني‪،‬‬ ‫ً‬ ‫املوضوع‪ ،‬ولكن كام جرت العادة الجميع يدفع الثمن‪ .‬‬ ‫(طب ًعا نبيل فياض يفرس هذه العذابات الوحشية بالحقد الدفني من الرعويني العربانيني عىل كل الحضارات التي كانت‬ ‫تتقاذفهم بني أقدامها)‬ ‫ٍ‬ ‫طفل‪ ،‬والتربير كان سوف يكرب ويتعب أهله‪( .‬هل نفهم أن‬ ‫رحالت‪ ،‬و يراه يقتل فيها ً‬ ‫طبعا بعدها يذهب مع رجلٍ يف‬ ‫واضح ج ًدا من القصة أال وهو أنه ال حرية‬ ‫اإلله يطلب منا الطاعة العمياء دون سؤا ٍل أم أنه يريد أن يفهمنا ما هو‬ ‫ٌ‬ ‫إراد ٍة فعلية؟)‬ ‫‪121‬‬


‫‪Jordani Agnosto‬‬

‫وجها لوجه‬ ‫عقالنية وجود الله وإمكانية أن يكون اإلسالم‬ ‫ورسالة محمد من عند الله‬

‫‪Mohammad Riyad‬‬

‫فهل هذه الترصفات من الحكمة أو العدل أو األخالق من يشء؟ أنت دكتور قانون صديقي‪ ،‬وتعيش يف أمريكا‪ ،‬ما قولك‬ ‫يف ‪ :‬املمنوعة؟ ‪CRULE AND UNUSUAL PUNISHMENT‬‬ ‫تؤسس مزرعة منلٍ صغري ٍة يف صندوقٍ‬ ‫زجاجي وتعطي لكل منل ٍة اسامً‪...‬الخ أكيد تقدر عىل ‪10‬‬ ‫هل تقدر أنت عىل أن ّ‬ ‫ٍّ‬ ‫أيضا‪ ،‬ولكن‬ ‫ً‬ ‫ٍ‬ ‫نصوص مقدس ٍة هو نو ٌع من االشتغال بالناقص‬ ‫هل من الحكمة أن يشتغل الكامل بالناقص؟ وهل ما تدعوين إليه من‬ ‫من أجل مصلحة الناقص؟‬ ‫أنتم تلقون بكل املصائب عىل ظهر محمد بن عبد الوهاب‪ ،‬ولكن أتحداك أن تأتيني ولو بأي مقتطع ٍة يف القرآن يكون‬ ‫فيها تحرير العبيد هو أكرث من مج ّرد قربانٍ‬ ‫مادي أو كفار ٍة مادية‪ .‬أتحداك أن تنكر أن القرآن أنقص شهادة املرأة ومرياثها‬ ‫ٍّ‬ ‫عن الرجل وأباح رضبها (وحكاية مرب ٍح‪ ،‬غري مرب ٍح هي أمو ٌر فضفاض ٌة ج ًدا وليست يف القرآن) ‪ .‬أتحداك أن تنكر وجود‬ ‫ٍ‬ ‫اطي يف القرآن (كونها تتضارب مع اآليات املكية فهذا أمر يعترب حج ًة عىل‬ ‫آيات ّ‬ ‫تحض عىل إنشاء ٍ‬ ‫حكم شمو ٍّيل وثيوقر ٍّ‬ ‫القرآن وليس له)‪ ...‬الخ محمد بن عبد الوهاب مل ِ‬ ‫يأت بيشء من عنده صديقي ‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫سؤال بسيط‪ :‬تخيل مجموع ًة من األطفال تاهت يف الصحراء‪ ،‬ومل يكن معهم إال القرآن كدليلٍ لحياتهم‪ ،‬ال يعرفون محمد‬ ‫بن عبد الوهاب‪ ،‬وال يعرفون ابن تيميه وال واصل بن عطاء ‪ .‬‬ ‫ما مصري هؤالء األطفال و ما شكل الحياة التي سوف ينتجها اتباعهم للدليل القرآين؟‪ ‬‬ ‫أنا ال أعلم مصريهم‪ ،‬ولكن بإمكاين أخبارك عن مصري أصحاب محمد ومحمد إن أردت‪ ،‬لكن هذه األمور معروف ٌة للجميع‬ ‫( جميع من يقرأ تاريخ هؤالء خارج كتب الربوبجندا الدينية وداخل كتب التاريخ السنية والشيعية ) وما زلت ترى أثر‬ ‫يوم تكافح لتنال أبسط‬ ‫السياسة القرآنية يف قتل وإبادة املخالف إىل اليوم يف رصاعاتهم الدينية‪ .‬وال زالت ترى املرأة كل ٍ‬ ‫حقوق العبيد من الرجال وكله ناب ٌع من القرآن ‪ .‬‬ ‫خالصة الكالم‪ :‬‬ ‫إن كان هناك إل ٌه‪ ،‬فأنتم تعبدون شيطاناً‪.‬‬

‫‪Mohammad Riyad‬‬

‫جميل جدا ً‪ ،‬وألنه معي ‪ 20‬دقيقة فقط للرد‪ ،‬فليسمح يل محاوري ببعض االختصار‪،‬‬ ‫القرآن يا عزيزي نزل بلغتنا العربية بالتايل حني نفهمه ضمن قواعد اللغة وضمن تصورنا العقيل عن أفعال اإلله ال يع ّد‬ ‫ٍ‬ ‫أدوات منضبطة‪ .‬قولك يا عزيزي‪ ‬إن اإلله قد أشغل نفسه مبعاقبة الحيوانات‬ ‫هذا تلفيقًا بل هو منهجي ٌة علمي ٌة تستند إىل‬ ‫‪122‬‬


‫‪Jordani Agnosto‬‬

‫وجها لوجه‬ ‫عقالنية وجود الله وإمكانية أن يكون اإلسالم‬ ‫ورسالة محمد من عند الله‬

‫‪Mohammad Riyad‬‬

‫وبوضع بويض ٍة يف رحم مريم ومبعاقبة املرصين وبخلق الطوفان وغري ذلك‪ ،‬فيه مصادراتٌ كبري ٌة أهمها‪:‬‬ ‫أ‪ .‬اإلله القادر مطلق القدرة يقدر عىل فعل الكل والجزء ويقدر عىل تسيري املجرات كام يقدر عىل خلق البويضات‪،‬‬ ‫دليل عىل مطلق قدرته‪.‬‬ ‫القدرة عىل الجزء ليست عي ًبا يف مطلق القدرة بل ٌ‬ ‫منشغل بعقوبة الحيوانات أو األبرياء‪ ،‬لكن مبا أنه ٌحكي ٌم خب ًري ومطلق القدرة يتدخل بفعله لألصلح يف‬ ‫ً‬ ‫ب‪ .‬اإلله ليس‬ ‫إدارة شؤون من خلق‪ ،‬ومع اعرتايض عىل تفاصيل القمل والضفادع وعمومية طوفان نوح وغريها من القصص التي أدخل‬ ‫ٍ‬ ‫أصل‪ ،‬فإن نظريت لإلله تتعلق بكون فعله ضمن حدود قدرته أم ال فإن‬ ‫سيناريوهات إضافي ٍة ال نعرتف بها ً‬ ‫فيها محاوري‬ ‫كان ضمن حدود قدرته عندها نبدأ بدراسة األسباب والحكمة والصالح يف الفعل أو متحيص تفاصيل الفعل الشائعة من‬ ‫ناحي ٍة موضوعي ٍة‪.‬‬ ‫ج‪ .‬ال يصح االعرتاض عىل مبدأ وجود إل ٍه عاد ٍل لتعرضنا لفعل ضامن نطاق قدرته ال ندرك كيفيته وتفاصيله‪ ،‬وما أدرانا‬ ‫صالح للبرشية وللحيوانات أو مفسد ٌة ؟ عدم إدراكنا لتفاصيل‬ ‫كيف ومتى كان الطوفان ومداه وهل كان يف هذا الفعل ٌ‬ ‫األحداث املشار إليها بإشار ٍ‬ ‫ات عام ٍة يف القرآن ال يجعل منها عبثية‪ ،‬األمر فقط يدعونا للدراسة والتمحيص‪.‬‬ ‫ضيق لها حسب فهمه هو‪ ،‬وهذا ال‬ ‫يل تبني تفسريٍ ٍ‬ ‫د‪.‬بالنسبة لتعاليم القرآن املشار إليها‪ ،‬فإن محاوري يريد أن يفرض ع ّ‬ ‫عقل‪ ،‬فأنا ال أفهمها كام فهمها هو‪ ،‬كذلك علينا إدراك أن القرآن ورد بلغته ضمن سياقٍ‬ ‫تاريخي محد ٍد‪ ،‬وخاطب‬ ‫يصح ً‬ ‫ٍّ‬ ‫أهل ذلك الزمان بلغ ٍة عملي ٍة قابل ٍة للتطبيق والفهم بينهم‪ ،‬لذلك فإن إخراج بعض منطوق اآليات خارج سياقها التاريخي‬ ‫فيه مصادر ٌة كبرية‪.‬‬ ‫أصل ؟ من ناحي ٍة عملي ٍة‪،‬‬ ‫كيف كنت تريد أن يحرم القرآن الرق يا أخ جورداين قبل أربعة عرش قرنًا ؟ هل كان هذا ممكن ً‬ ‫يل متقد ٌم ورد‬ ‫الرق كان يشكل ظاهر ًة اجتامعي ًة مرتبط ًة عضويًا بوجود تلك املجتمعات‪ ،‬وبالتايل فالقرآن ترشي ٌع عم ٌّ‬ ‫ضمن سياقٍ‬ ‫أسسا عام ًة نفهم منها وتوصلنا اليوم إىل أ ّن‬ ‫تاريخي ليقدم ً‬ ‫حلول عملي ًة يف نطاق ذلك الزمان‪ ،‬لكنه ترك لنا ً‬ ‫ٍّ‬ ‫ما نستقبحه من قبائح األفعال تعد رش ًعا من الله‪ ،‬فحيثام كان العدل ُوجد رشع الله‬ ‫انتهى التعليق‬

‫‪Jordani Agnosto‬‬

‫جميل ج ًدا‪ ،‬قولك يا عزيزي إن اإلله قد أشغل نفسه مبعاقبة الحيوانات وبوضع بويض ٍة يف رحم مريم ومبعاقبة املرصين‬ ‫وبخلق الطوفان وغري ذلك‪ ،‬فيه مصادراتٌ كبري ٌة أهمها‪:‬‬ ‫مبدئ ًيا‪ ،‬أنا علقت عىل أخذه الصالح بالطالح و العقوبات الشمولية‪ ،‬أو ما يسمى بلغة القانون الدستور األمرييك ‪cruel‬‬ ‫‪and unusual punishment‬ولكل الناس بجريرة بعض الناس ‪ .‬‬ ‫و هو ما مل تعلق عليه صديقي‪ ،‬أ ّن اإلله القادر مطلق القدرة يقدر عىل فعل الكل والجزء ويقدر عىل تسيري املجرات كام‬ ‫دليل عىل مطلق قدرته‪.‬‬ ‫يقدر عىل خلق البويضات‪ ،‬القدرة عىل الجزء ليست عي ًبا يف مطلق القدرة بل ٌ‬ ‫‪123‬‬


‫‪Jordani Agnosto‬‬

‫وجها لوجه‬ ‫عقالنية وجود الله وإمكانية أن يكون اإلسالم‬ ‫ورسالة محمد من عند الله‬

‫‪Mohammad Riyad‬‬

‫أنا سلّمت لك أستاذي مبطلقية القدرة‪ ،‬مقد ًما‪ .‬‬ ‫أيضا سلّمت لك بالحكمة املطلقة و العدل املطلق‪ ،‬واعرتايض كان عىل عدالة أخذه الصالح بالطالح من الناس‬ ‫و لكن ً‬ ‫بجريرة ٍ‬ ‫أصل ‪.‬‬ ‫بعض من البرش‪ ،‬مع علمه التام أنهم ال عالقة لهم باملوضوع وال كلمة لهم ً‬ ‫منشغل بعقوبة الحيوانات أو األبرياء‪ ،‬لكن مبا أنه خب ٌري حكي ٌم ومطلق القدرة يتدخل بفعله لألصلح يف إدارة‬ ‫ً‬ ‫ألله ليس‬ ‫شؤون من خلق‬ ‫مبدئيًا‪ ،‬مفهوم الخطة الكربى يتناقض مع حرية اإلرادة لألفراد‪ .‬‬ ‫ٍ‬ ‫تعديالت‪،‬‬ ‫وثان ًيا‪ :‬يا أستاذي العزيز‪ ،‬أال ترى يف أ ّن طوفان نوح ( الذي أوردت القصة القرآنية فقط فيه ومل أضف عليها أي‬ ‫غضب عارم ٍة وعشوائي ٍة ‪ .‬‬ ‫بل ورددت مسبقًا عىل بعض الردود املعلومة عىل الحكاية )‪ .‬كان موجة‬ ‫ٍ‬ ‫وخصوصا أ ّن مشكلته كانت مع بعض البرش ال أكرث وال أقل ‪.‬‬ ‫فلامذا اإلبادة التامة لكل يشء؟‬ ‫ً‬ ‫أمتنى أن ترشح لنا كيف ميكن أن يتوافق مفهوم اإلله‪ ،‬والعدل والحرية الفردية‪ ،‬مع وجود خط ٍة عظمى نسري عليها وال‬ ‫أي من الرضبات اإللهية فيها لو سمحت ‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫يحق لنا االعرتاض عىل تلقي ٍّ‬ ‫صالح للبرشية وللحيوانات أو مفسدة؟ عدم إدراكنا‬ ‫وما أدرانا كيف ومتى كان الطوفان ومداه وهل كان يف هذا الفعل ٌ‬ ‫لتفاصيل األحداث املشار إليها بإشار ٍ‬ ‫ات عام ٍة يف القرآن ال يجعل منها عبثية‪ ،‬األمر فقط يدعونا للدراسة والتمحيص‪.‬‬ ‫هل القدرة والقوة هي فقط صفات اإلله ( هذه هي صفاته عند التوراتيني القدامى عىل فكرة‪ ،‬دامئًا غضبان و ينفث‬ ‫الدخان من منخريه ‪...‬الخ ) ‪ .‬‬ ‫هل إلهكم يفتقد إىل الحكمة صديقي؟ ال أظنكم تقولون هذا ‪ .‬‬ ‫أليس من التضليل أن تكون عاملًاً بكل يشء؟ مطلق الحكمة؟ و تدلنا عىل فعل له أثر جيني واضح كام يفرتض يف الكائنات‬ ‫الحية ( أل ّن القصة القرآنية قالت أنه ال عاصم من أمر الله‪ ،‬وأ ّن ابن نوح مل تعصمه الجبال من الطوفان )‪ .‬‬ ‫ومن ثم تخفي كل تلك اآلثار عن البرش الذين زرعت فيهم الفضولية‪ ،‬حتى تصبح تلك اإلشارة للطوفان إحدى أهم أدلة‬ ‫التكذيب للروايات القرآنية ؟ كيف كنت أريد من القرآن أن يحرم العبودية؟ بنفس األسلوب الذي حرم فيه الوالء القبيل‬ ‫الذي هو أقوى روابط البدو االجتامعية و التاريخية إىل اليوم‪. ‬‬ ‫صديقي‪ ،‬ال يوجد تحريم‪ ،‬والدليل أنه يف عهد املأمون كان الرجل بني جواريه واملعتزلة حوله ‪ .‬‬ ‫ٌ‬ ‫احتامل لتعطيل الترشيع البرشي؟ كتابًا ينزل بني البدو‪،‬‬ ‫فان كنا نحن البرش مصدر الترشيع‪ ،‬فلامذا ينزل إلينا كتابًا فيه‬ ‫ويقول لهم أن آباءهم وإخوانهم وأخواتهم وأمهاتهم هم كمرشكني "نجس!"‪ ‬‬ ‫ويقبلونها منه ويقتل أحدهم أباه‪ ،‬ويقسم أبو بكر أنه لو رأى ابنه يوم بد ٍر لقتله!‪ ‬‬ ‫و بعدها يرتدد يف تحريم العبودية‪ ،‬حتى تحرمها الدول الغربية‪.‬‬ ‫دليل لألغبياء والعوام حتى ال تكون لهم حج ٌة يوم الحساب ‪ .‬‬ ‫وإن قلت صديقي جملتك املعهودة‪ ،‬إن القرآن ٌ‬ ‫دليل لألخالقيات إال القرآن ( السؤال مستوحى‬ ‫فانظر إىل سؤايل األخري‪ ،‬عن جامعة األطفال التائهة يف الصحراء وال متلك ً‬ ‫من رواية أمري الذباب املعروفة )‪ ،‬وأجبني عىل النتيجة التي تتوقعها لهؤالء األطفال‪.‬‬ ‫‪124‬‬


‫‪Jordani Agnosto‬‬

‫وجها لوجه‬ ‫عقالنية وجود الله وإمكانية أن يكون اإلسالم‬ ‫ورسالة محمد من عند الله‬

‫‪Mohammad Riyad‬‬

‫‪Mohammad Riyad‬‬

‫مبدئياً أنا علقت عىل أخذه الصالح بالطالح والعقوبات الشمولية‪ ،‬أو ما يسمى بلغة القانون الدستور األمرييك ‪cruel‬‬ ‫‪and unusual punishment‬ولكل الناس بجريرة بعض الناس ‪ .‬‬ ‫و هو ما مل تعلق عليه صديقي‪.‬‬ ‫علقت يا صديقي وقلت ال ميكننا الحكم عىل تجرب ٍة معين ٍة من غري اإلملام الدقيق بكامل تفاصيلها‪ ،‬ليست لدينا إشاراتٌ‬ ‫عام ٌة فقط‪ ،‬ومعرفة أ ّن اإلله يعمل وفق قدرته عىل العمل‪ ،‬بالتايل الحكم عىل العقوبة أنها ‪ unusual‬‬ ‫‪ And crule‬ال يصح مع عدم توافر حيثيات كافية توصلنا لهذا الحكم‪ ،‬ألنني قد أرضب إدعائك بجملة واحدة وهي أ ّن‬ ‫ٍ‬ ‫وحكيم بشكلٍ‬ ‫اإلله إذا كان خب ًريا بشكلٍ‬ ‫مبحث كهذا وإمنا أقول‬ ‫مطلق‪ ،‬ففعله مرب ٌر بإطالقٍ ‪ ،‬ولكني لن أدخل يف‬ ‫مطلق‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫إ ّن الحكيم ال يفعل العبث‪ ،‬هذا ما يلزمني به عقيل ومبا أنه ليست عندي حيثياتٌ كافي ٌة عن التفاصيل؛ فال أستطيع أن‬ ‫أحكم كام ال تستطيع أن تحكم أنت عىل توصيف النتائج‪.‬‬ ‫تقول‪ :‬أنا سلّمت لك أستاذي مبطلقية القدرة‪ ،‬مقد ًما ‪ .‬‬ ‫أيضا سلّمت لك بالحكمة املطلقة والعدل املطلق‪ ،‬واعرتايض كان عىل عدالة أخذه الصالح بالطالح من الناس‬ ‫و لكن ً‬ ‫بجريرة ٍ‬ ‫أصل‪.‬‬ ‫بعض من البرش‪ ،‬مع علمه التا ّم أنهم ال عالقة لهم باملوضوع وال كلمة لهم ً‬ ‫قلت لك‪ ،‬كيف تحكم عىل عدالة فعلٍ من غري أن يكون عندك معرفة بالحيثيات التفصيلية ومبا آلت إليه األمور بعد‬ ‫ذلك‪ ،‬لكن العقل يلزم أنه أي اإلله إن كان موجو ًدا فيجب أن يكون مطلق القدرة‪ ،‬وإن كان مطلق القدرة فيجب أن‬ ‫يكون مطلق العلم ‪ ،‬وإن كان مطلق العلم فيجب أن يكون مطلق الحكمة‪ ،‬أل ّن القادر بالرضورة العقلية خب ٌري والخبري‬ ‫أيضا حكي ٌم والحكيم ال يفعل العبث ألنه مستغنٍ عنه‪.‬‬ ‫بالرضورة ً‬ ‫لذلك فاستنتاجك بعدم وجود الحكمة أو العدالة يف الفعل فيه مصادر ٌة كبري ٌة عىل رضورات عقلي ٍة ملزم ٍة من اإلميان‬ ‫مطلق‪.‬‬ ‫بوجود قاد ٍر‬ ‫ٍ‬ ‫نقطة الطوفان رددت عليها يف ضمن الردود أعاله‪.‬‬ ‫عزيزي جورداين ما أريد قوله؛ هو أ ّن اإلميان برسالة النبي محمد وأن القرآن من عند الله ال يجب أن يستند عىل قفز ٍ‬ ‫ات‬ ‫استنتاجي ٍة كهذه‪ ،‬محمد رسول ألن العقل يلزمنا بافرتاض أ ّن اإلله القادر ال يرتك خلقه الذي أعطاه حرية الفعل من غري‬ ‫اتصا ٍل به عن طريق رسول‪ ،‬وإال لكان خلقه عبثًا‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫يل الحكمة‪،‬‬ ‫محمد نبي ألنه جاء برسال ٍة تحدد‬ ‫يل القدرة‪ ،‬ك ّ‬ ‫صفات وأحكا ًما لهذا اإلله‪ ،‬تتوافق واستنتاجات العقل ( ك ّ‬ ‫خبري‪ ،‬عادل‪ ...‬الخ )‬ ‫لو مل يكن محمد نب ًيا لص ّور إلهه عىل أنه إلهه فقط‪ ،‬ومن آمن به وأنه يعادي بقية األجناس كام نرى يف الكتب املح ّرفة‬ ‫أسسا كامل ًة يف نظرة من تتهمه أنه ينقل عنهم إللههم‪.‬‬ ‫التي تتهم محمد إنه نقل عنها‪ ،‬وال أدري كيف يعاكس الناقل ً‬ ‫‪125‬‬


‫‪Jordani Agnosto‬‬

‫وجها لوجه‬ ‫عقالنية وجود الله وإمكانية أن يكون اإلسالم‬ ‫ورسالة محمد من عند الله‬

‫‪Mohammad Riyad‬‬

‫ناقل من كتب األقدمني‪ ،‬لنقل أساطريهم حرفيًا‪ ،‬فذبيح إبراهيم هو إسامعيل عند محمد وليس إسحق‬ ‫لو كان محمد ً‬ ‫كام هو يف التوراة‪ ،‬وريب يوسف هو العزيز عند محمد وليس فرعون كام ورد يف التوراة‪ ،‬وطوفان نوح كان محل ًيا عند‬ ‫محمد وليس عا ًما كام يف التوراة‪ ...‬وهكذا األمثلة كثريةٌ‪ ،‬الناقل الكاذب يا عزيزي ال يغامر مبخالفة من نقل عنهم إال إذا‬ ‫كان واثقًا أن روايته هي األصوب!!‬ ‫بالنسبة ملثال األطفال التائهني‪ ،‬ليس هذا تصورنا عن اإلله‪ ،‬فنحن نؤمن أن اإلنسان مقتد ٌر بعقله عىل متييز الحسن من‬ ‫ٌ‬ ‫مشرتك عند كل أهل العقول يف األرض‪ ( ،‬تحريم القتل والرسقة والكذب وغري ذلك ) وما‬ ‫القبيح‪ ،‬ما أمرنا به اإلسالم هو‬ ‫أيضا من املشرتكات العقلية ( الصدق األمانة الوفاء الخ ) لهذا فإن وجود هذه املنظومة األخالقية عند جميع‬ ‫دعانا إليه ً‬ ‫دليل بح ّد ذاته أن اإلله ركب هذه املعرفة فيهم عندما خلقهم ومل يرتكهم أطفالً تائهني يف الصحراء حسب‬ ‫البرش لهو ٌ‬ ‫مثالك‬ ‫ٍ‬ ‫دقيق ألحكام الذات اإللهية وصفات‬ ‫األسس العقلية إلثبات نب ّوة محمد تتلخص يف كون رسالته تحتوي عىل‬ ‫توصيف ٍ‬ ‫أفعال اإلله‪ ،‬وأنها جاءت بأخبار ٍخالفت فيها املعارف املوجودة املحيطة عند أهل الكتب األخرى وكانت يف ذلك أكرث‬ ‫منطقية وألنها الرسالة الوحيدة التي تؤصل لألصل املنطقي وهو أن معيار الحساب هو العمل عند الله ضمن حدود‬ ‫املشرتكات العقلية التي هي من مركبات العقول عند جميع البرش‪.‬‬

‫‪Jordani Agnosto‬‬

‫طب ًعا هذه املرافعة الختامية يل‪ .‬‬ ‫رجل مبكانته‬ ‫أي يش ٍء‪ ،‬أو ّد أن أشكر األستاذ الدكتور محمد رياض عىل منحه يل هذه الفرصة القيمة ألناظر ً‬ ‫وقبل أن أقول ّ‬ ‫العظيمة واملعروفة للجميع‪ ،‬وعىل تربعه بوقته الثمني للمساهمة يف إيصال معلوم ٍة وفائد ٍة ألعضاء املجموعة الكرام ‪.‬‬ ‫أستاذي وصديقي الدكتور ‪ ‬‬ ‫سوف أبدأ كالمي من تعليقك األخري‪ .‬فأنت تقول إ ّن رسالة محمد وصفت الصفات اإللهية الكاملة‪ .‬ألنها خالفت أهل‬ ‫الكتب األخرى ببعض األخبار ‪ .‬‬ ‫حكيم ألننا سلّمنا مسبقًا بأن اإلله الب ّد أن يكون‬ ‫املعذرة أستاذي الكريم‪ ،‬فكونك تحكم عىل الفعل بأنه الب ّد أن يكون‬ ‫ً‬ ‫حكيم‪ ،‬فهو ٌ‬ ‫مثال مبس ٌط عىل املصادرة عىل املطلوب‪ ،‬وكأنك تقول "القانون منع كذا‪ ،‬إذًا الب ّد أن كذا سيئ وإال ملا منعه‬ ‫ً‬ ‫القانون" وهذه مصادر ُة بأوضح صورها ‪.‬‬ ‫نعم أنا سلّمت لك أن اإلله إن ُوجد فهو إل ٌه حكي ٌم‪ ،‬ولكن مل أسلّم لك أ ّن إله القرآن هو نفس ذلك اإلله الحكيم ‪ ،‬لهذا كالمك‬ ‫طبيعي يف حوا ٍر للمذاهب أو بني املسلمني‪ ،‬ألنكم متفقني عىل املسلّامت ) ‪.‬‬ ‫يُعترب مصادر ًة حني يو ّجه يل ( يف حني أنه‬ ‫ٌّ‬ ‫وخصوصا أننا من املعلومات األثرية و األنرثوبولجية‬ ‫فأنت بهذه املصادرة تكون فعل ًيا ترفض اإلجابة عىل تربير الفعل‪،‬‬ ‫ً‬ ‫والتواريخ املسجلة‪ ،‬نعلم متا ًما بدق ٍة مدهش ٍة نوع املجتمعات املرصية والرافدية بسبب الحضارة العمالقة التي كانت‬ ‫‪126‬‬


‫‪Jordani Agnosto‬‬

‫وجها لوجه‬ ‫عقالنية وجود الله وإمكانية أن يكون اإلسالم‬ ‫ورسالة محمد من عند الله‬

‫‪Mohammad Riyad‬‬

‫وال زالت يف تلك الدول‪.‬‬ ‫فال أدري أين تجد الحكمة يف تلك املجازر الجامعية واإلبادات العظيمة التي ارتضاها الله لنفسه‪ ،‬وال أين تكون الحكمة‬ ‫وخصوصا مثل هذا االشتغال يف القرآن‪.‬‬ ‫أصل‬ ‫من اشتغال الكامل بالناقص ً‬ ‫ً‬ ‫و أما كالمك عن اإلله الب ّد أن يتواصل معنا‪ ،‬فالب ّد أ ّن محمد هو الوسيلة‪ ،‬فيه من الترسع الشديد ما ال يخفى عىل أحد ‪ .‬‬ ‫وأي من األوامر ‪..‬الخ‪ ‬‬ ‫فأنت ً‬ ‫أي من األحداث‪ٍّ ،‬‬ ‫أيضا يا صديقي ترفض تفسري ٍّ‬ ‫أيضا تستدل بأمو ٍر ال تدل إال عىل نقص معرفة محمد األمي بالكتب‪ ،‬واعتامده عىل النقل السمعي والدارج يف األماكن‬ ‫و ً‬ ‫التي زارها يف تجارته‪ .‬‬ ‫و األطفال صديقي‪ ،‬لو اعتمدوا عىل القرآن ألصبحوا بحالنا نحن اليوم ‪ .‬‬ ‫عىل كل حال‪ ،‬فأنا أترك األمر بني يدي املتابعني‪ .‬‬ ‫رس نجاح اجتامعنا املبارك اليوم‬ ‫و أشكرهم كام شكرت محاوري الكريم‪ ،‬ألنهم ً‬ ‫أيضا هم ّ‬ ‫أمت ّنى لكم كل الخري و السعادة‪ .‬‬ ‫إىل اللقاء‬

‫‪Mohammad Riyad‬‬ ‫حكيم وإن‬ ‫يل بحت وليست فيه قفزات‪ ،‬إذا ُوجد إل ٌه مطلق القدرة البد أن يكون‬ ‫ً‬ ‫عزيزي األستاذ جورداين‪ ،‬املبحث عق ٌّ‬ ‫كان حكيامً ال بد أن يتواصل مع من َخلَق‪ ،‬ووسيلة التواصل مع البرش الب ّد أن تكون من جنسهم أي برشية كذلك‪ ،‬ومن‬ ‫ٍ‬ ‫محمد تعطي صور ًة أكرث منطقي ًة تتوافق وإلزامي العقل عن تصور اإلله وأفعاله‬ ‫تحليلنا ملا عندنا من رسل نجد أن رسالة‬ ‫إذ الب ّد أن تكون هي أو غريها إن أثبت ذلك‪ .‬عزيزي وصديقي األستاذ جورداين استمتعت بكل دقيق ٍة من دقائق هذا‬ ‫الحوار املعريف الراقي الذي أرجو أن تع ّم فائدته ومنفعته عىل الجميع‪ ،‬شك ًرا لك ولوقتك الثمني صديقي العزيز‪ .‬شكرا ً‬ ‫ملتابعتكم وإىل اللقاء‪.‬‬

‫‪127‬‬


128


‫"الشف الجنيس" بني الله وداروين‬ ‫مفهوم ّ‬ ‫لوحة الغالف من موقع‬

‫‪artnow.ru‬‬

‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫عزيزي ال ّرجل‪ :‬ملاذا تخىش أن‬ ‫متارس نساؤك الجنس مع اآلخرين ؟‬ ‫وخصوصا العريب املسلم‪،‬‬ ‫الصعب رؤية هوس الذّكر‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ليس من ّ‬ ‫مبسألة رشفه الجنيس‪ ،‬والذّي يتجىل يف سعيه ال ّدائم لضامن أ ّن إناثه (زوجته‬ ‫الشعية‪.‬‬ ‫وأخته وابنته وأ ّمه ‪ ..‬الخ) مل وال ولن ميارسن الجنس مع غرباء خارج األطر ّ‬ ‫‪129‬‬


‫"الشف الجنيس" بني‬ ‫مفهوم ّ‬ ‫الله وداروين‬

‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫فلو الحظنا فقط تش ّدد األب "العادي" يف مجتمعاتنا تجاه ابنته‪ ،‬من ناحية مراقبته اللّصيقة ملالبسها وتحركاتها واتصاالتها‬ ‫‪ ..‬الخ‪ ،‬ويف التّشدد املامثل الذّي نراه من األخ تجاه أخته‪ ،‬ومن ال ّزوج تجاه زوجته ‪ ..‬الخ؛ ذلك التّشدد الذّي يصاحبه‬ ‫االنتشار الكبري للحجاب وال ّنقاب يف مجتمعاتنا‪ ،‬ولو الحظنا الهلع الذّي يصيب األرسة حني الشّ ك أ ّن إحدى اإلناث فيها‬ ‫تقيم عالق ًة جنسي ًة خارجي ًة؛ ذلك الهلع املرتبط بال ّرعب من كلمة " العار"‪ ،‬الذّي قد يصل يف عنفه إىل القتل‪ ،‬سواء‬ ‫الشف"‬ ‫قتل ال ّرجل املعتدي عىل نسائنا‪ ،‬أم قتل الفتاة ذاتها أو املرأة ال ّزانية التي جلبت لنا العار‪ ،‬فيام يُسمى "جرائم ّ‬ ‫أيضا تجد انتشا ًرا كب ًريا يف مجتمعاتنا‪ ،‬ولو الحظنا مسارعة كثريٍ من األهل لتزويج بناتهم‪ ،‬سوا ٌء يف سنٍ صغري ٍة غري‬ ‫التي ً‬ ‫مناسب ٍة‪ ،‬أو للشخص غري املناسب؛ ذلك ال ّزواج الذّي يكون دافعه‪ ،‬باإلضافة طب ًعا إىل عوامل اقتصادية واالهتامم املحموم‬ ‫بـ "سرت" الفتاة يف أبكر ٍ‬ ‫وقت ممكنٍ ‪ ،‬رمبا تحس ًبا ملا قد يصيب األرسة من "العار" إن هي ‪-‬ال ق ّدر الله‪ -‬مارست الجنس‬ ‫مع أحدهم‪ ،‬ولو الحظنا اختزال أخالق املرأة عند الكثريين يف سلوكها الجنيس‪ ،‬وتقييمها أخالق ًيا من خالل كمية القامش‬ ‫التي تغطي جسدها‪ ،‬حيث أ ّن الوصف ال ّدارج عندنا المرأ ٍة أو فتا ٍة أنّها "أخالقية" ال يعني بشكلٍ‬ ‫حرصي أكرث من أنّها‬ ‫ٍ‬ ‫مثل أو أمانتها‬ ‫ملتزم ٌة يف ملبسها تجاه الجنس اآلخر عمو ًما‪ ،‬رمبا دون أن ميتد وصف األخالق هنا ليناقش مدى صدقها ً‬ ‫رجل‪ ،‬يف مقابل الحط‬ ‫أو إخالصها يف العمل ‪ ..‬الخ‪ ،‬وذلك مع اإلعالء االجتامعي لشأن الفتاة "البكر" التي مل يعارشها ٌ‬ ‫االجتامعي ‪-‬بطريق ٍة أو بأخرى‪ -‬من شأن املطلقة أو التي لها عالقاتٌ سابق ٌة‪.‬‬ ‫ث ّم نالحظ ال ّنظرة إىل ال ّدين (وخاص ًة عند عامة املسلمني) وكأ ّن‬ ‫من أهم أدواره أن يكون العاصم األكرب للمرأة من الفنت‪ ،‬حيث‬ ‫يجربها بتعاليمه عىل العفّة والفضيلة‪ ،‬ويساهم بنصوصه يف‬ ‫سرتها وتغطيتها‪ ،‬ومينعها بوصاياه من التّربج والتّعطر‪،‬‬ ‫ويحثها بأوامره عىل التزام املنزل وتج ّنب الخروج منه‬ ‫لغري رضور ٍة‪ ،‬وينصحها دو ًما بطاعة زوجها واالستسالم‬ ‫ألي ذك ٍر آخر تعيش تحت كنفه‪ ،‬كام نسمع‬ ‫له‪ ،‬أو ّ‬ ‫يف حديث املشايخ يف كل مكانٍ ؛ وذلك مع توفري‬ ‫الصارم الغيور‬ ‫مكان ٍة معنوي ٍة محرتم ٍة لذلك ال ّرجل ّ‬ ‫لكل ذك ٍر‬ ‫لقب ُمه ٍني ج ًدا ّ‬ ‫عىل نسائه‪ ،‬مقابل إلصاق ٍ‬ ‫يتهاون يف كبح جامح نسائه‪ ،‬وهو لقب "ال ّديوث"؛‬ ‫وال ننىس رفع ال ّدين أيضا ملكان ٍة "البكورية" بشكلٍ‬ ‫رش‪ ،‬من أول التّفنن يف تحقري املرأة‬ ‫رش وغري مبا ٍ‬ ‫مبا ٍ‬ ‫مثل بتمجيد أحد ال ّرموز‬ ‫"ال ّزانية" أو "املطلقة"‪ ،‬مرو ًرا ً‬ ‫ال ّدينية الكربى (املسيح) عن طريق تأكيد "عذرية" أمه‪،‬‬ ‫وصول إىل ترصيح القرآن‬ ‫حيث أنها مل متارس الجنس مع أحد‪ً ،‬‬ ‫جميالت‪ ،‬وأيضا عذر ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫اوات‬ ‫مبنح الله للمؤمنني يف الجنة نسا ًء‬ ‫‪130‬‬


‫"الشف الجنيس" بني‬ ‫مفهوم ّ‬ ‫الله وداروين‬

‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫طاهر ٍ‬ ‫إنس قبلهم وال جان؛ ذلك ال ّنوع الخاص ج ًدا من االلتزام األخالقي وال ّديني الجنيس‪ ،‬الذّي يجعل‬ ‫ات‪ ،‬مل يطمثهن ٌ‬ ‫اللدينية‪ ،‬فيقفز اإللحاد من ذهنه مبارش ًة ‪ٍ -‬‬ ‫ٍ‬ ‫بربط‬ ‫كلامت مثل الحرية أو االنفتاح أو حتى ّ‬ ‫املؤمن التّقليدي أول ما يسمع‬ ‫حسيب؛ ولو الحظنا الشّ تائم واإلهانات‬ ‫رقيب أو‬ ‫ٍ‬ ‫عجيب للغاية ‪ -‬إىل الجنس والعري ونكاح املحارم انحالل ال ّنساء دون ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫املتبادلة بني عوا ّم الشباب والرجال لبعضهم البعض‪ ،‬وطريقة تركيزها عىل ال ّنساء وأعضائهن الجنسية (بشكلٍ ال يقترص‬ ‫عىل شتائم العرب عىل كل حا ٍل)‪ ،‬وكيفية تفننها يف األوصاف التّخيلية ملدى االنحالل الجنيس لنساء املشتوم املسكني‪ :‬أ ّمه‬ ‫أو أخته أو زوجته‪ ،‬أو رمبا قريباته أو جاراته أو ساكنات ح ّيه‪ ،‬أو حتى نساء بلده عمو ًما ملن أراد توسيع الشّ تم‪.‬‬ ‫"الشف الجنيس" وخطورته‪ ،‬حيث أ ّن املواطن العريب املسلم ال ّنموذجي‪ ،‬ال يخاف‬ ‫بعد كل ذلك‪ ،‬سنكتشف مدى أهمية ّ‬ ‫حرب عاملي ٍة‬ ‫من املرض أو اإلفالس أو املوت‪ ،‬قدر خوفه من "العار الجنيس"‪ ،‬وهو ال يجزع من احتال ٍل يصيب بالده أو ٍ‬ ‫نووي ٍة تد ّمر كوكبه‪ ،‬بقدر خوفه الحار العميق ‪-‬الذّي يصل إىل مقام الهسترييا أو الفوبيا املؤرقة ج ًدا ‪ -‬من أن تنفلت‬ ‫ودب عىل قارعة الطريق‪ ،‬بل إن مج ّرد تأمل بعض الكلامت‬ ‫هب ّ‬ ‫نساؤه يف الشّ وارع‪ ،‬ليامرسن الفسوق مع كل من ّ‬ ‫ٍ‬ ‫دالالت‬ ‫"الشف‪ ،‬العار‪ ،‬العورة‪ ،‬ال ّزنا‪ ،‬الغرية‪ ،‬ال ّدياثة‪ ،‬البكورية‪ ..‬الخ"‪ ،‬مع ما تحمله تلك الكلامت من‬ ‫التي م ّرت بنا‪ ،‬مثل ّ‬ ‫التاث العريب خاص ًة‪ ،‬تربط الجنس مبكانة اإلنسان االجتامعية وال ّدينية‪ ،‬كل هذا يؤكد حجم املسألة‬ ‫عميق ٍة راسخ ٍة يف ّ‬ ‫و عمقها وخطورتها‬ ‫بالشف والعار يف أذهاننا ومجتمعاتنا؟ ما مربراته‬ ‫السبب الفعيل لربط الجنس ّ‬ ‫لكن‪ ،‬بعي ًدا عن اإلدانة أو التّأييد‪ :‬ت ُرى ما ّ‬ ‫الحقيقية واألصيلة؟‬

‫العار‪ ،‬و الحرام‪ ،‬و اختالط األنساب‪:‬‬

‫عىل األرجح لو سألت صاحبنا الغيور مبارشةً‪ :‬ما أكرث ما يخيفك من أن تتعرى نساؤك أو ميارسن الجنس مع غرباء؟ فلن‬ ‫تخرج اإلجابة عن ع ّدة أمو ٍر قليل ٍة محفوظ ٍة‪:‬‬ ‫‪131‬‬


‫"الشف الجنيس" بني‬ ‫مفهوم ّ‬ ‫الله وداروين‬

‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫أولها‪ :‬كلامتٌ ونعوتٌ سلبي ٌة يتم رفعها‪ ،‬مثل "إ ّن هذا ال يصح ولو قبلت هذا األمر لكنت ديوث ًا قوا ًدا ‪ ..‬الخ" وهي بح ّد‬ ‫ٍ‬ ‫لكلامت ت ُرسخ نفس املبدأ الذّي مررنا به‪ ،‬وهو الخوف من أن‬ ‫ذاتها كلامتٌ ال تعطي إجاب ٌة حقيقي ٌة‪ ،‬إنّ ا تكرا ٌر ببغا ٌّيئ‬ ‫السلبية املحفوظة‪ ،‬لكن الذي ال يصلح بح ّد ذاته‬ ‫يلحق "العار" بالذّكر؛ ذلك الخوف الذّي يتم التّعبري عنه بتلك ال ّنعوت ّ‬ ‫السؤال‪ :‬ملاذا االتهام بال ّدياثة يرهبك إىل هذا الحد؟‬ ‫كتفسريٍ‪ ،‬ببساط ٍة ألنّه هو بح ّد ذاته بحاج ٍة إىل تفسريٍ؛ وبالتّايل يظل ّ‬ ‫ملاذا تهمة "العار" املخيفة تالحق كل من متارس نساؤه الجنس الفوضوي مع اآلخرين؟‬ ‫ثانيها‪ :‬ستكون ديني ًة‪ ،‬وستتضمن القول‪ :‬إ ّن ال ّزنا "حرام" رش ًعا‪ ،‬أي أنّه يخالف أوامر الله وأنبيائه يف ال ّنصوص املقدسة؛‬ ‫أيضا ال تكفي إلشفاء الغليل‪ ،‬فمن ناحي ٍة أوىل هذا الكالم سيعني ‪-‬ضم ًنا‪ -‬أنّه لو مل يكن الله قد ح ّرم ال ّزنا ‪-‬أو‬ ‫لكن هذه ً‬ ‫منطقي وغري‬ ‫ودب! وهو ما نعلم أنّه غري‬ ‫هب ّ‬ ‫رمبا لو أمر به‪ -‬ل َقبِل املسلم أن متارس أ ّمه وأخته الجنس مع كل من ّ‬ ‫ٍّ‬ ‫صحي ٍح؛ ومن ناحي ٍة ثاني ٍة فإنّنا ال نرى يف الواقع أ ّن املسلم املتوسط يكون ملتز ًما بجميع األوامر ال ّدينية بهذه الحامسة‬ ‫الشعية دون أن‬ ‫واإلخالص املفرطني‪ ،‬وهو يف حياته اليومية لن يجد مان ًعا من ارتكاب العديد من األخطاء واملخالفات ّ‬ ‫رس تركيزه املحموم عىل هذا األمر اإللهي بالذّات دون غريه‪ ،‬بشكلٍ نراه حتى عند ٍ‬ ‫أناس ال يقيمون‬ ‫يجد كارث ًة يف هذا‪ ،‬فام ّ‬ ‫الصالة وال يعرفون حتى عدد سور القرآن؟!‬ ‫ّ‬ ‫حريص عىل عدم‬ ‫السواء‪ ،‬إلّ أنّنا نرى أ ّن الذّكر املسلم‬ ‫ٌ‬ ‫ومن ناحي ٍة ثالثة نرى أ ّن ال ّدين يح ّرم الزنا عىل الرجل واملرأة عىل ّ‬ ‫زنا نسائه‪ ،‬بأكرث بكثريٍ مام نرى حرصه عىل عدم زنا "رجاله" (أخوه وأبوه وابنه) الذّي يكاد ينعدم؛ بل كث ًريا ما نرى تفاخر‬ ‫رشعي‪ ،‬رمبا تجاه نساء اآلخرين‪ُ ،‬ملحقًا العار بهم هم‪ ،‬ولو لفظيًا يف سبيل الشّ تم‬ ‫الذّكر مبامرسته هو للجنس دون إطا ٍر‬ ‫ٍ‬ ‫محضا لرأينا مساوا ًة يف ذلك الجانب‪ ،‬وليس تركي ًزا عىل ال ّنساء‬ ‫كام ذكرنا‪ ،‬بينام لو كانت املسألة تقوى وخشو ًعا إميانِ ًيا ً‬ ‫عوضا عن االكتفاء بإبرازها وإدانتها‬ ‫دون ال ّرجال بهذا الشّ كل (تلك االزدواجية التي سنهتم هنا مبحاولة فهمها وتفسريها ً‬ ‫ولوم صاحبها كام يُفعل عادةً) ‪.‬‬ ‫"الشف الجنيس" دافعها األه ّم هو ال ّدين‪ ،‬بل هي تتجاوزه متا ًما‪ ،‬حيث إ ّن‬ ‫هكذا نستنتج أنّه ال يبدو نهائيًا أ ّن غريزة ّ‬ ‫"الشف الجنيس" وليس العكس‪ ،‬فاألخري هو الغاية‪ ،‬بينام ال ّدين هنا‬ ‫التّحريم ال ّديني يتم استخدامه لتدعيم مفهوم ّ‬ ‫مجرد وسيل ٍة‪.‬‬ ‫وأي يكن األمر‪ ،‬فكام تساءلنا عن‬ ‫السلبية‪ ،‬وال التّحريم ال ّديني‪ ،‬يكفيان‬ ‫ٍ‬ ‫كأسباب لربطنا للجنس ّ‬ ‫بالشف؛ ٌّ‬ ‫إذًا‪ ،‬ال األوصاف ّ‬ ‫أيضا التساؤل‬ ‫الس األخالقي يف هلع الذّكر من االتهام بال ّدياثة‪ ،‬وعن املربر االجتامعي إللحاق العار بال ّديوث‪ ،‬فمن حقنا ً‬ ‫ّ‬ ‫بدل من‬ ‫السبب الحقيقي والجذري لألمر‪ً ،‬‬ ‫عن رس تحريم الله لل ّزنا؛ تلك األسئلة ستؤدي إىل أن نحرك بحثنا لألمام‪ ،‬إىل ّ‬ ‫الوقوف عند األسباب الثّانوية املتفرعة‪.‬‬ ‫‪132‬‬


‫"الشف الجنيس" بني‬ ‫مفهوم ّ‬ ‫الله وداروين‬

‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫ثالثها‪ :‬ترديد الذّكر العريب املسلم‪ ،‬الذي يُ ْسأل عن سبب هلعه من احتامل انفالت نسائه جنسيًا‪ ،‬ملا يسميه الفقهاء‬ ‫"خشية اختالط األنساب" حيث إ ّن انتشار ال ّزنا قد يفسد املجتمع‪ ،‬مسب ًبا فيه الفوىض وتحلل ال ّروابط‪ ،‬وعدم معرفة م ْن‬ ‫اِب ُن م ْن‪.‬‬ ‫حس ًنا‪ ،‬هذه عىل األقل إجاب ٌة تختلف عن سابقتيها‪ ،‬حيث تحمل ‪-‬أخ ًريا‪ -‬رائحة التّفسري االجتامعي الواقعي؛ هنا ال نرى‬ ‫شعار ٍ‬ ‫نفعي)‪ :‬تفيش االنحالل الجنيس‬ ‫ات عميا َء متذرع ًة بال ّدين واألخالق تطالب أال ت ُناقش‪ ،‬إنّ ا ٌ‬ ‫سبب عم ٌّ‬ ‫يل براغاميتٌ ( ٌ‬ ‫يف املجتمع يؤدي إىل انحالله وتفككه اجتامع ًيا‪ ،‬أل ّن أنساب البرش ستختلط‪ ،‬وال ّنتيجة فوىض اجتامعي ٌة مدمرةٌ‪.‬‬ ‫ممتازٌ؛ لكن عزيزي الذّكر الغيور عىل نسائه‪ ،‬الذّي يدافع عن غريته بدعوى الخوف من اختالط األنساب‪ :‬هل تقبل‬ ‫أن متارس أ ّمك أو أختك أو ابنتك أو زوجتك‪ ،‬الجنس مع أحدهم‪ ،‬مع استخدام وسائل ملنع الحمل‪ ،‬مع منحك جميع‬ ‫مستقبل الختالط األنساب؟‬ ‫ً‬ ‫أي حملٍ قد يؤدي‬ ‫ّ‬ ‫الضامنات التي تطلبها لعدم حدوث ّ‬ ‫تخميني الشّ خيص أ ّن صاحبنا سريفض‬ ‫بشد ٍة‪ ،‬وحتى لو مل ميتلك األسباب‬ ‫الجدلية الكافية لل ّدفاع عن موقفه!‬ ‫أي رجل دينٍ ‪ ،‬أو حتى‬ ‫وكذلك‪ ،‬فإ ّن ّ‬ ‫ٍ‬ ‫محافظ غيورٍ‪ ،‬سريفض بشد ٍة‬ ‫ذك ٍر‬ ‫اقرتا ًحا لتوزيع وسائل منع الحمل‬ ‫عىل الشباب والشابات يف مجتمعه‪،‬‬ ‫وسريى أ ّن هذا األمر املُخزي يعد‬ ‫دعو ًة رصيح ًة للفسق والفجور‪.‬‬ ‫هذا يرينا أ ّن حجة "اختالط‬ ‫السبب الوحيد‬ ‫األنساب" ليست هي ّ‬ ‫املبارش لغرية من ينطق بها وربطه‬ ‫بالشف؛ لكن هذا ال مينع‬ ‫للجنس ّ‬ ‫أ ّن تلك اإلجابة هي األكرث اقرتابًا من‬ ‫الحقيقة‪ ،‬كام سرنى‪.‬‬ ‫‪133‬‬


‫"الشف الجنيس" بني‬ ‫مفهوم ّ‬ ‫الله وداروين‬ ‫مباذا يخربنا ال ّتطور؟‬

‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫يتضح لنا مام سبق‪ ،‬أ ّن الشّ خص املتحمس الذّي يغار عىل نسائه بشكلٍ حا ٍد قد يصل إىل القتل‪ ،‬هو غالبًا ال ميتلك التّفسري‬ ‫الكامل الذّي ي ّربر نزعته هذه‪ ،‬ما يجعلنا أمام نزع ٍة "غريزي ٍة" بامتيازٍ‪ ،‬و إن تكن غريز ًة سلوكي ًة اجتامعي ًة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫واآلن‪ ،‬كام نعلم فإ ّن حسب نظرية التّطور ال ّداروينية‪ ،‬فالكائنات تتغري وتتنوع باستمرا ٍر مع كل جيلٍ بشكلٍ‬ ‫طفيف‬ ‫(الطّفرات)؛ ث ّم إ ّن األفراد أصحاب التّنوعات اإليجابية‪ ،‬أي الذين تساعدهم أشكالهم وأعضاؤهم وسلوكياتهم عىل البقاء‬ ‫والتّناسل بنجا ٍح‪ ،‬يكون حظّهم سعي ًدا‪ ،‬حيث ينجحون يف التّكيف وتنتقل مورثاتهم إىل أجيا ٍل أخرى‪ ،‬بينام من يفشل يف‬ ‫البقاء والتّناسل تندثر مورثاته‪ ،‬ومعها صفاته (االنتخاب الطّبيعي) ‪.‬‬ ‫السنني من عمل اآلليتني ال ّرئيسيتني للتّطور (الطّفرات واالنتخاب الطّبيعي)‪ ،‬هي أ ّن األعضاء‬ ‫وال ّنتيجة الكلية عرب ماليني ّ‬ ‫والسلوكيات الغريزية التي ميتلكها الكائن‪ ،‬هي أعضا ٌء وصفاتٌ وسلوكياتٌ تبدو كأنّها موجه ٌة جمي ًعا نحو‬ ‫ّ‬ ‫والصفات ّ‬ ‫هدف ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫رئييس‪ :‬البقاء‪ ،‬عن طريق التّناسل ومترير املورثات إىل أجيا ٍل تالي ٍة بنجا ٍح ‪.‬‬ ‫واحد‬ ‫ٍ‬

‫لكن ماذا يعني ذلك؟‬

‫ٍ‬ ‫السلوك يف ضامن‬ ‫سلوك إنسا ٍين أو حيوا ٍين أو‬ ‫أي شعو ٍر أو‬ ‫ٍ‬ ‫يعني ببساط ٍة أنّه ميكننا دراسة ّ‬ ‫غريزي‪ ،‬يف ضوء دور ذلك ّ‬ ‫الصفات وصلت إلينا؛‬ ‫عملية البقاء واالستمرار؛ الجوع‪ ،‬العطش‪ ،‬األمل‪ ،‬الخوف‪ ،‬الشّ هوة‪ ،‬األمومة ‪ ..‬الخ‪ ،‬كل صف ٍة من تلك ّ‬ ‫وحتم ميكننا تحليلها يف هذا اإلطار‪.‬‬ ‫ألنّها ساعدت أجدادنا عىل البقاء‪ ،‬جذبتهم ناحية منفع ٍة أو دفعت عنهم خط ًرا‪ً ،‬‬ ‫مثل‪،‬‬ ‫السلوكيات االجتامعية واألخالقية‪ ،‬ولنأخذ سلوك "االنتامء" ً‬ ‫وينطبق األمر نفسه ‪ -‬بدرج ٍة أو بأخرى‪ -‬عىل معظم ّ‬ ‫عشائري؛ هو تح ّيز اإلنسان ناحية جامعته‪ ،‬وهو غريز ٌة اجتامعي ٌة‬ ‫يل أو‬ ‫قومي أو‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وطني أو ٍ‬ ‫سواء عىل مستوى ٍ‬ ‫طائفي أو قب ٍ‬ ‫واضح‪ -‬تساهم يف بقاء الجامعات ونجاحها‪ ،‬فقبيل ٌة أفرادها متامسكون متعاونون هي أقدر عىل‬ ‫موجودةٌ‪ ،‬ألنّها ‪-‬كام هو ٌ‬ ‫السلوكيات االجتامعية الغريزية‪،‬‬ ‫البقاء من قبيل ٍة أفرادها متفرقون ال يربط بينهم يش ٌء؛ نفس األمر ينطبق عىل سائر ّ‬ ‫كالتّعاون واإليثار واملحبة والتّنافس ومحاباة األقارب‪ ..‬الخ‪ ،‬كلها غرائ ٌز فائدتها ال ّرئيسية مساعدة األفراد والجامعات عىل‬ ‫البقاء‪.‬‬ ‫أيضا‪ ،‬حيث‬ ‫السلوكيات عند الحيوان الذي ميتلك نو ًعا بدائيًا من االنتامء ً‬ ‫لهذا ليس مستغربًا أنّنا نجد مالمح من تلك ّ‬ ‫ٍ‬ ‫رس متآلف ٍة متكاتف ٍة‪ ،‬ما يساعد يف تعاون األفراد بشكلٍ‬ ‫جامعي مينع عنهم‬ ‫اب‬ ‫تتجمع عىل شكل قطعانٍ وأرس ٍ‬ ‫وجامعات وأ ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫السلوكيات البدائية التّطورية للحيوانات‬ ‫األخطار ويساعدهم يف الحصول عىل الغذاء والجنس‪ ،‬وهكذا نجد أنّه من أهم ّ‬ ‫ما يسمى "اصطفاء القرابة ‪ Kin selection‬وهو امليل الغريزي للكائن ملحاباة أقاربه وحاميتهم‪ ،‬وحتى لو تطلب األمر‬ ‫السعي لبقاء الجامعة (العشرية)‬ ‫والسبب التّطوري الواضح للمسألة هو ّ‬ ‫املخاطرة بنفسه من أجل هذا يف بعض األحيان؛ ّ‬ ‫ككل‪.‬‬ ‫‪134‬‬


‫"الشف الجنيس" بني‬ ‫مفهوم ّ‬ ‫الله وداروين‬

‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫السلوك الذي نناقشه‪ ،‬وهو"الغرية الذّكورية"؛ لنتصور م ًعا مجتم ًعا بدائ ًيا صغ ًريا‪ ،‬يعيش ‪ -‬كام‬ ‫بعد هذه املقدمة نصل إىل ّ‬ ‫كان حال أغلب أجدادنا‪ -‬يف ٍ‬ ‫بيئات شاقّ ٍة متقلب ٍة صعب ٍة قليلة املوارد‪ ،‬محاطني باألخطار واألعداء املرتبصني‪ ،‬سوا ٌء من‬ ‫الكائنات األخرى‪ ،‬أم حتى من أبناء جنسه من الجامعات املنافسة‪.‬‬ ‫هنا من الواضح أ ّن متاسك القبيلة وقوة غريزة االنتامء بني أفرادها‪ ،‬هي من أهم العوامل التي ستساعدهم عىل‬ ‫البقاء؛ أفراد القبيلة مع الوقت سيتعلمون محبة بعضهم البعض والوثوق يف بعضهم والتعاون فيام بينهم‪ ،‬مقابل الحذر‬ ‫والتبص والكراهية تجاه أفراد القبائل األخرى‪ ،‬الذين قد يتحولون إىل أعدا ٍء محاربني عند أول ٍ‬ ‫نقص حا ٍد يف موارد الطّعام‬ ‫ّ‬ ‫أو املاء‪ ،‬أو ال ّنزاع عىل األرايض املميزة‪ ..‬الخ ‪.‬‬ ‫وهنا من الطّبيعي أن تكون مكانة القرابة وصالت األرحام مكان ٌة مميز ٌة وشديدة األهمية‪ ،‬بشكلٍ ميثل امتدا ًدا لغريزة‬ ‫أيضا أن تزداد تلك املشاعر من التّامسك‬ ‫"اصطفاء القرابة" لدى سائر الكائنات‪ ،‬ويحقّق نفس الغرض‪ ،‬ومن الطّبيعي ً‬ ‫والتّآزر وكراهية اآلخرين‪ ،‬بشكلٍ‬ ‫طردي كلام ازدادت قسوة حياة تلك القبيلة وتفاقمت املخاطر التي تحيط بها‪ ،‬ما‬ ‫ٍ‬ ‫الصارم يف مواجهة اآلخرين‪،‬‬ ‫يضاعف ّ‬ ‫بالضورة من أهمية متاسك أفراد الجامعة بكل شد ٍة‪ ،‬ويزيد من حتمية تكاتفهم ّ‬ ‫وسط هذا اإلطار‪ ،‬تصو ْر معي ما الذي سيحدث لو أ ّن إحدى فتيات القبيلة‪ ،‬قد حملت من أحد ذكور قبيل ٍة أخرى؟ ثم‬ ‫تصور لو أنّها أنجبت بالفعل أولئك األبناء‪ ،‬وكربوا ليصريوا شبابًا يافعني؟‬ ‫بعض من أفراد عائلتهم ظاهريًا‪ ،‬يعيشون بينهم يأكلون‬ ‫هنا سيكون لدينا وض ٌع مع ّق ٌد للغاية بال ّنسبة للقبيلة‪ ،‬لديهم ٌ‬ ‫ويرشبون معهم‪ ،‬إال أنّهم يف حقيقة األمر ينتمون (بال ّنسب والجسد) إىل جامع ٍة أخرى منافس ٍة‪ ،‬ورمبا عدو ٍة محارب ٍة‪ ،‬إن‬ ‫مل يكن اليوم فغ ًدا‪ ،‬يف أجواء متقلب ٍة ال تعرف استقرا ًرا اجتامع ًيا سياس ًيا‪.‬‬ ‫أفرا ٌد من جامع ٍة أخرى يعني أنهم ليسوا منا؛ مهام عاشوا وسطنا وأكلوا من طعامنا‪ ،‬فهم بالنهاية ينتمون فعل ًيا إىل‬ ‫اآلخرين (ولنتذكر أ ّن األوالد ‪-‬يف نظر القدماء‪ -‬هم أبناء آبائهم‪ ،‬وما األمهات إلّ أوعي ٌة حامل ٌة لبذرة اآلباء)؛ ما يعني يف‬ ‫وحتم ستكون سيوفهم ضدنا‬ ‫حرب فسنجد هؤالء األعداء بيننا‪ ،‬عارفني كل أرسارنا ونقاط ضعفنا‪ً ،‬‬ ‫ال ّنهاية أنّه لو قامت ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫احتامالت أخرى‪ ،‬فأولئك األفراد الغرباء قد‬ ‫ومع أقاربهم املعادين لنا‪ ،‬وقد يستفحل األمر أكرث لو تفرعت األمور إىل‬ ‫مناصب عليا وخطري ًة يف قبيلتنا‪ ،‬ما قد يهدد الجامعة كلها بالهالك وقت الجد‪.‬‬ ‫يتبوؤن ‪-‬بشكلٍ ما‪-‬‬ ‫َ‬ ‫إذًا ‪ ،‬فهذا الذّكر املعتدي‪ ،‬قد وضع بذرته يف وعائنا‪ ،‬وسينتج أبنا ًء من ذريته هو‪ ،‬يستهلكون مواردنا‪ ،‬ويعرفون أرسارنا‪،‬‬ ‫أي جامع ٍة؟!‬ ‫وقد يشكلون خط ًرا علينا يف املستقبل؛ هل ميكن أن توجد مصيب ٌة أكرب من هذه عىل ّ‬ ‫‪135‬‬


‫"الشف الجنيس" بني‬ ‫مفهوم ّ‬ ‫الله وداروين‬

‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫ماذا عن أنثى القبيلة صاحبة تلك الفعلة؟ ألن يكون أقل ما يُقال عنها إنها قد جلبت العار لجامعتها؟! ويف تلك الحالة‬ ‫اللأخالقية بها‪ ،‬وبكل من يحيطها من‬ ‫هل ستكون مبالغ ًة لو أنّنا طالبنا بقتل تلك املرأة امللعونة‪ ،‬وإلحاق أبشع التّهم ّ‬ ‫احل‪ ،‬لتنتقل إىل‬ ‫ال ّرجال الذّين تساهلوا معها حتى ارتكبت تلك الفاجعة التي تتخطى مسألة "املتعة الجنسية" مبر َ‬ ‫الخيانة أو الجاسوسية‪ ،‬وتصل يف خطورتها إىل احتامل تهديد بقاء الجامعة بشكلٍ ما‪.‬‬ ‫السنني املاضية‪ ،‬قد‬ ‫هكذا من الواضح أن هذا الخطر ّ‬ ‫والضر‪ ،‬ككل األخطار واألرضار التي واجهت أجدادنا عرب ماليني ّ‬ ‫أنتج بال ّنهاية غريز ًة دفاعي ًة ضده‪ ،‬هي الغرية‪ ،‬أو ميكن تلخيصها أنّها حامية نسائنا بكل األشكال من البذرة الجنسية‬ ‫بالضورة‪ّ ،‬إل أنّها يف‬ ‫علم أ ّن هذه الغريزة‪ ،‬ككل الغرائز‪ ،‬ال تعمل بشكلٍ انتقا ٍيئ واض ٍح‪ ،‬وال يفهمها صاحبها ّ‬ ‫لذكور الغري؛ ً‬ ‫املايض قد عملت مبا يكفي ليك تؤمن ألجدادنا بقاءهم ومتريرهم لجيناتهم‪.‬‬ ‫إ ّن الذّكر الذّي ال يغري عىل نسائه وال يحميهن‪ ،‬فمصريه ببساط ٍة أ ّن رجالً آخرين سيحلون محله‪ ،‬وينجحون يف مترير‬ ‫رش (زوجته لو حمل َْت من آخرٍ‪،‬‬ ‫بذراتهم ونسلهم يف أجساد ال ّنساء من حوله‪ ،‬بشكلٍ يهدد بقاءه هو‪ ،‬إ ّما بشكلٍ مبا ٍ‬ ‫رش‬ ‫فهذا سيعطل حصوله هو عىل نسلٍ ‪ ،‬وبالتّايل سيتنازل عن مزية مترير جيناته‪ ،‬ملصلحة ذك ٍر آخر)‪ ،‬وإ ّما بشكلٍ غري مبا ٍ‬ ‫(ابنته أو أخته أو قريباته لو أنجنب من رجا ٍل آخرين‪ ،‬فسيظهر يف أرسته غرباء ينافسونه وينافسون ذريته إن وجدت‬ ‫التاخي يف‬‫الصفة ّ‬ ‫ويزاحموهن يف املوارد‪ ،‬وقد يقضون عليهم فيُقطع نسله)؛ وال ّنتيجة أنّه عرب القرون‪ ،‬ت ّم وصم تلك ّ‬ ‫أيضا ‪.‬‬ ‫الصفات واالتهامات األخالقية املشينة ً‬ ‫حامية ال ّنساء جنس ًيا‪ -‬بأقذع ّ‬

‫‪136‬‬


‫"الشف الجنيس" بني‬ ‫مفهوم ّ‬ ‫الله وداروين‬

‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫ٍ‬ ‫مبشهد يلخص الفكرة ببالغ ٍة‪ ،‬ألنّه مختو ٌم بفصاحة الطّبيعة ذاتها‪ ،‬األسد الذّكر‪ ،‬حني يدخل يف منافس ٍة‬ ‫نختم هذا الجزء‬ ‫مع ٍ‬ ‫دموي‪ ،‬فيطرده من اإلقليم الذّي كان يحتلّه سابقًا‪ ،‬ويحل محله فيه‪ ،‬ويقوم بال ّزواج‬ ‫أسد آخر‪ ،‬وينترص عليه بعد رصا ٍع ٍ‬ ‫الصغار‪ ،‬واح ًدا بعد اآلخر!‬ ‫بالسيد الجديد املنترص‪ ،‬يقوم بقتل جميع أبناء األسد املنهزم‪ ،‬أشباله ّ‬ ‫من لبؤته‪ ،‬إذا ّ‬ ‫والهدف من هذه املذبحة املريعة‪ ،‬ببساط ٍة منع مترير جينات اآلخر‪ ،‬ملصلحة جيناته هو‪ ،‬وذلك حني يرشع يف إنجاب‬ ‫أبنا ٍء جد ٍد من اللبؤة الثكىل؛ هكذا تعمل الطّبيعة بقسوتها ونفعيتها‪ ،‬وهكذا تتشكل تدريج ًيا الغرائز التي تساعد ‪-‬أو‬ ‫بأي وسيل ٍة‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫لنقل التي ساعدت‪ -‬الكائنات عىل املنافسة والبقاء ومترير ال ّنسل ّ‬

‫الغرية العربية – اإلسالمية ‪:‬‬

‫قلنا‪ :‬أنّه ‪-‬منطق ًيا‪ -‬كلام ازدادت صعوبة حياة الكائن وقلّت موارده وتكالبت املخاطر عليه‪ ،‬كانت غريزة االنتامء القبيل‬ ‫والتّعصب العائيل والتّامسك املجتمعي ‪-‬ومعها الغرية‪ -‬أكرث حد ًة ووضو ًحا وعنفًا‪ ،‬ألنّها ببساط ٍة ستكون أكرث رضور ًة‬ ‫للبقاء والحفاظ عىل ال ّنسل من الغرباء؛ وهذا هو الحال مع العرب‪ ،‬قبل اإلسالم و بعده (ال ميكن تجاهل ال ّدين‪ ،‬فهو‬ ‫مجتمعي يل ّبي حاجات ذلك املجتمع يف بيئته وزمنه)‪.‬‬ ‫إفرا ٌز‬ ‫ٌّ‬ ‫لنتأمل يف آي ٍة قرآني ٍة‪ ،‬نرى أ ّن لها دالل ًة عبقري ًة يف هذا؛ يف معرض نفيه أن يكون لله كائناتٌ بناتٌ مولوداتٌ ‪ ،‬كام كانت‬ ‫قائل‪( :‬أَ ِم ات َّ َخ َذ ِم َّم يَ ْخل ُ​ُق بَ َن ٍ‬ ‫تعتقد بعض الطّوائف‪ ،‬يتساءل ً‬ ‫ض َب لِل َّر ْح َمنِ‬ ‫ش أَ َح ُد ُهم بِ َا َ َ‬ ‫ات َوأَ ْصفَاكُم بِالْ َب ِن َني؟ ‪َ -‬وإِذَا بُ ِّ َ‬ ‫َمث ًَل ظ ََّل َو ْج ُه ُه ُم ْس َو ًّدا َو ُه َو ك َِظي ٌم ‪ -‬أَ َو َمن يُ َنشَّ أُ ِف ال ِْحلْيَ ِة َو ُه َو ِف ال ِْخ َص ِام غ ْ َُي ُم ِبنيٍ؟!) ال ّزخرف ‪. 18 - 16‬‬ ‫أول ‪:‬‬ ‫السببني الذّين ق ّدمهام الستنكاره وتذمره من أن يكون لله بناتٌ ‪ ،‬وهام ً‬ ‫ما يهمنا هنا هو العبارة األخرية‪ ،‬وخاص ًة ّ‬ ‫إ ّن ال ّنساء تنشأ "يف الحلية" أي يف رفاهي ٍة ٍ‬ ‫وترف‪ ،‬وثان ًيا‪ ،‬إنّها يف الخصام (القتال أو املحاججة) فاشل ٌة غري ف ّعال ٍة ال كفاءة‬ ‫منوذجي بشكلٍ‬ ‫ذكري‬ ‫لها مثل ما لل ّرجل؛ وهو ما يتجاوز الخالف العقائدي والتّحليل والتّحريم‪ ،‬إىل ما يبدو‬ ‫ٍ‬ ‫كتقييم عر ٍيب ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫عام‪.‬‬ ‫يستحق التّأمل‪ ،‬و قد يرشح لنا موقف اإلسالم ‪-‬وسائر األديان‬ ‫بدرجات متفاوت ٍة‪ -‬من املرأة بشكلٍ ٍ‬ ‫قديم ميتاز بقسوة املعيشة وندرة املوارد‬ ‫رعوي ٍ‬ ‫لننظر إىل املسألة يف ضوء التّحليل االجتامعي ال ّنفعي‪ :‬يف مجتمعٍ‬ ‫ٍ‬ ‫رس دونية وضع املرأة وقلة حقوقها‪ ،‬سوا ٌء قبل اإلسالم أم بعده؛‬ ‫وصعوبة الحياة اليومية وخطرها‪ ،‬ميكننا تفهم متا ًما ّ‬ ‫عام‪ ،‬كام أ ّن فائدتها العملية‬ ‫فالسبب ال يخلو من‬ ‫ٍ‬ ‫منطق براغام ٍّيت واض ٍح‪ ،‬فاملرأة متثّل لهم عبئًا مال ًيا عىل األرسة بشكلٍ ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫وعائد قليلٍ ‪ ،‬وال ّنتيجة أ ّن‬ ‫يف القتال شبه معدوم ٍة‪ ،‬وهو ما ميكن ترجمته ببساط ٍة باملعايري االقتصادية إىل تكلف ٍة عالي ٍة‬ ‫املجتمع العريب ‪-‬مثل املجتمعات البدوية القاسية عمو ًما‪ -‬ينظّم أموره‪ ،‬واض ًعا املرأة يف مكانَة أشبه بـ "ملكي ٍة" أكرث منها‬ ‫فضل عن "مواطنة"‪ ،‬وهي ملكي ٌة ثنائية القطبني‪ ،‬فهي من ناحي ٍة تعكس املتعة والعز والعزوة‬ ‫كإنسانٍ كامل اإلنسانية‪ً ،‬‬ ‫‪137‬‬


‫"الشف الجنيس" بني‬ ‫مفهوم ّ‬ ‫الله وداروين‬

‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫الضعيف يف‬ ‫أيضا من ناحي ٍة أخرى قد تعكس احتامل العار والذّل واملهانة بال ّنسبة للذكر ّ‬ ‫بال ّنسبة للذكر القوي‪ ،‬لكنها ً‬ ‫أيضا دو ٌر مزدوج ال ّداللة‪ ،‬فهو‬ ‫أوقات الخطر‪ ،‬أ ّما دور املرأة يف املجتمع فيكاد ينحرص يف دور الجنس واإلنجاب‪ ،‬وهو ً‬ ‫الضعيف‬ ‫حجم ومكان ًة‪ّ ،‬إل أنّه يف ذات الوقت ال يخلو من خطور ٍة احتاملي ٍة حني يتم نزع ملكية الذّكر ّ‬ ‫ثانوي صغ ٌري ً‬ ‫ٌ‬ ‫شعب‬ ‫املهزوم يف القتال؛ فعىل طريقة األسد التي رأيناها‪ ،‬هكذا من املشاهد املعتادة يف الحروب القدمية‪ ،‬أنّه حني يغري ٌ‬ ‫والسالح والعبيد وال ّنساء‪ ،‬كأحد األمالك‪ ،‬وتكون ال ّنتيجة الكارثية عىل املغلوب ‪ -‬باإلضافة‬ ‫عىل اآلخر‪ ،‬فإنّه يغنم منه املال ّ‬ ‫أي مجتمعٍ‪،‬‬ ‫إىل إبادة ال ّرجال ‪ -‬استباحة نساء ذلك الشّ عب جنس ًيا‪ ،‬ذلك "العار" األكرب الذّي ميثّل‬ ‫كابوسا مفز ًعا لذكور ّ‬ ‫ً‬ ‫الذّي صار عا ًرا يف الوعينا الجمعي بالذّات ألنّه ‪-‬يف أصوله البيولوجية‪ -‬مرتب ٌط بفناء األفراد واملجتمعات وانقراضهم‪،‬‬ ‫خلق ‪.‬‬ ‫هكذا فالحاجة البيولوجية واالجتامعية تخلق املفاهيم األخالقية وال ّدينية خلقًا بعد ٍ‬ ‫هذا اإلطار االجتامعي املزدوج للمرأة (متع ٌة وفخ ٌر ‪ +‬عور ٌة وعا ٌر) أنتج لنا وضعية املرأة املعقّدة يف اإلسالم واألديان ذات‬ ‫متناقضا ملن ال‬ ‫الصحراوي عمو ًما‪ ،‬حامي ٌة مفرط ٌة مرتبط ٌة بحقوقٍ منقوص ٍة؛ متا ٌع وعورةٌ‪ ،‬وال ّنتيجة مزيج ‪-‬يبدو‬ ‫ً‬ ‫املزاج ّ‬ ‫ٍ‬ ‫وانتقاص للحقوق املدنية من ناحي ٍة (يف املرياث والشّ هادة وحتى قيمة ال ّدية)‪ ،‬وحامي ٍة مبالغٍ فيها‬ ‫يفهمه‪ -‬بني احتقا ٍر‬ ‫تصل إىل حد ّالحرص الشّ ديد عىل إخفائها تحت أمتا ٍر من القامش من ناحي ٍة أخرى‪ :‬هكذا نجد أ ّن املفهوم االجتامعي‬ ‫(العار) واملفهوم ال ّديني (الحرام) كالهام يتم تشكيلهام لخدمة مصلحة املجتمع اإلنساين وبقائه‪.‬‬ ‫ولو فهمنا هذا اإلطار فسنفهم بسهول ٍة تحريم اإلسالم لل ّزنا؛ فهو اجتها ٌد منه (ليس جديدا بطبيعة الحال) للحفاظ عىل‬ ‫نظام املجتمع‪ ،‬عن طريق الحفاظ عىل حقوق امللكية (ال ّنساء) بني أفراده الذّكور‪ ،‬وضامن عدم اختالط األنساب ال ّناتج‬ ‫عن الفوىض الجنسية املقلقة؛ وهي وسيل ٌة بدائي ٌة‪ ،‬ويف نفس الوقت فعال ٌة ج ًدا لضامن عدم انحالل املجتمع أو اخرتاق‬ ‫السقة مرضةٌ؛ ألنّها تسبب النزاع والرصاع العشوايئ بني الناس‪ ،‬كذلك الزنا‬ ‫الغرباء له‪ ،‬ما قد يهدده بشد ٍة‪ ،‬إذ كام أ ّن ّ‬ ‫رض؛ لتسببه بال ّنزاعات بني الذّكور بتهديده لألنساب‪ ،‬ففي تلك البيئة كان ميكن أن تقوم حربًا بسبب رجلٍ زنا بامرأ ٍة‬ ‫م ٌّ‬ ‫(أي اعتدى عىل أمالك غريه‪ ،‬وهدد بقاءه عن طريق منافسة بذرته‪ ،‬ومنعه من االستمرار البيولوجي)‪ ،‬وكام رأينا فإنّه‬ ‫ميكن الختالط األنساب أن يسبب انهيا ًرا للمجتمع كله‪.‬‬ ‫أيضا سبب فرض الحجاب عىل ال ّنساء‪ ،‬فتغطية املرأة يف اإلسالم يشبه وضعك لنقودك داخل خزان ٍة‬ ‫هذا سيوضح لنا ً‬ ‫مغلق ٍة‪ ،‬ما يحميها من أيدي الغري؛ أما لو تركتها يف الخارج فأنت تع ّرض نفسك ألن تح َمل نساؤك (ابنتك وأختك وأ ّمك‬ ‫ٍ‬ ‫حريص‬ ‫وزوجتك) بأبناء اآلخرين والغرباء‪ ،‬حينها ال تل ْم ّإل نفسك! هنا نجد ال ّديوث محتق ٌر بشد ٍة بني ال ّناس‪ ،‬كرجلٍ غري‬ ‫للضياع كنتيج ٍة لذلك اإلهامل‬ ‫عىل أمالكه (ال ّنساء) فيمكن بسهول ٍة أن يف ّرط فيها‪ ،‬ما ميكن أن يتسبب يف تعريض جيناته ّ‬ ‫غري املسؤول‪.‬‬ ‫‪138‬‬


‫"الشف الجنيس" بني‬ ‫مفهوم ّ‬ ‫الله وداروين‬

‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫الشيعة اإلسالمية‪ ،‬وهي التّفرقة بني عورة الح ّرة‪ ،‬وعورة الجارية‪ ،‬فلو كانت‬ ‫أيضا يفرس لنا ملم ًحا غري ًبا من مالمح ّ‬ ‫هذا ً‬ ‫أيضا والتّأثري عىل ال ّناظر‬ ‫املسألة من باب العفّة‪ ،‬وحفاظًا عىل األخالقيات لوجب أن تكون العورات للكل‪ ،‬فالجارية امرأ ٌة ً‬ ‫لسبب وجي ٍه ج ًدا؛ ألنّها ليست ملكي ًة خطري ًة تنتمي بقراب ٍة إىل أحد الرجال‬ ‫واح ٌد‪ ،‬لكن اإلسالم يتساهل يف عورة الجارية‬ ‫ٍ‬ ‫ال ّنافذين يف املجتمع ‪-‬بل هي أقرب إىل املشاع العام‪ -‬وال يتوقّع أن تقوم حربًا بسبب جاري ٍة‪ ،‬والتي قد تكون أجنبي ًة‬ ‫باهتامم مامثلٍ ؛ هكذا يف آية الحجاب يطالب الله نساء املؤمنني تحدي ًدا‬ ‫غريب ًة عن القبيلة‪ ،‬حيث ال يحظى نسلها‬ ‫ٍ‬ ‫بالحجاب؛ حتى ال يعرفهن ال ّرجال اآلخرون‪ ،‬وال يتع ّرض لهن ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫بتحرش‪ ،‬وكأنّه ال بأس من التّعرض للجارية املستباحة!‬ ‫أحد‬ ‫لو َص َد َق هذا التّحليل فمن املتوقع أ ّن مكانة املرأة ودورها وأهميتها يف مجتمعٍ ما‪ ،‬وبالتّايل ال ّنظرة إىل موقفها من‬ ‫الجنس‪ ،‬ستتغري تب ًعا لتغري شكل ذلك املجتمع؛ فحتى يف املجتمعات القدمية ال ّزراعية املساملة املستقرة‪ ،‬نجد منح‬ ‫العديد من الحقوق للمرأة بشكلٍ معقو ٍل‪ ،‬وال نجد تشد ًدا جنسيًا تجاهها‪ ،‬وذلك باملقارنة مع املجتمعات التي تعيش‬ ‫الصحراوية القاسية‪ ،‬حيث ال ّندرة يف املوارد واألخطار املحدقة التي ينتج عنها االحتقار للمرأة والتّقييد لها‬ ‫يف البيئات ّ‬ ‫كام ذكرنا‪.‬‬ ‫الصناعية الحديثة يف الغرب‪ ،‬حيث ال ّدول اآلمنة املستقرة‪ ،‬واملواطنون املتساوون تحت سلطة‬ ‫ثم الحقًا يف املجتمعات ّ‬ ‫رسب الغرباء إىل الدولة‪ ،‬سنجد‬ ‫القانون املنظَّم‪ ،‬وال يوجد مثة خط ٌر‬ ‫اجتامعي ٌّ‬ ‫جدي من عملية "اختالط األنساب" أو ت ّ‬ ‫ٌ‬ ‫املزيد واملزيد من منح الحقوق للمرأة‪ ،‬مقرتنًا مع "قلّة الغرية" والتّخفّف الجنيس تجاهها‪ ،‬الذي يصل إىل حد التّحلل يف‬ ‫ٍ‬ ‫ظروف أكرث قسو ًة وخطور ًة وبدائي ًة‬ ‫بعض األحيان‪ ،‬وذلك باملقارنة مع املجتمعات األقل تقد ًما ‪ ،‬التي ال تزال تعيش يف‬ ‫السنني‪ ،‬وهو‬ ‫(ذلك ألنّه‪ ،‬ومع كون الغرية وربط الجنس ّ‬ ‫بالشف والعار يبدو أم ًرا غريزيًا نشأ عن التّطور عرب ماليني ّ‬ ‫ٍ‬ ‫أي بيئ ٍة ومجتمعٍ‪ ،‬إال أنّه بال ّنهاية غريز ٌة اجتامعي ٌة سلوكي ٌة‪ ،‬ميكن أن تتباين ح ّدتها‬ ‫موجو ٌد‬ ‫بدرجات عند الذّكر العادي يف ّ‬ ‫تغي الحاجة إليها‪ ،‬والذّي يح ّدده شكل املجتمع وظروفه)‪.‬‬ ‫ويتباين التّعبري عنها‪ ،‬حسب ّ‬ ‫"الشف الجنيس" مبفاهيم األخالق‬ ‫إذًا‪ ،‬رمبا يكون من الطّريف للغاية لو أ ّن صاحبنا العريب املحافظ‪ ،‬الذي يربط مسألة ّ‬ ‫وال ّدين والعيب والعار والحرام ‪ ..‬الخ‪ ،‬ميكنه أن يكتشف يو ًما أ ّن ما يتمسك به ويتفاخر به ويدافع عنه‪ ،‬إنّ ا يرجع يف‬ ‫جذوره وأصوله إىل غريزة البقاء والتّطور‪ ،‬إىل داروين‪ ،‬وليس إىل الله!‬

‫‪139‬‬


‫مجلة شهرية بجهود فردية تصدر في الثاني عشر من كل شهر‬

‫مجلّة امللحدين العرب مجل ٌة رقمي ٌة مبني ٌة‬ ‫ج ٍه سياسي؛‬ ‫ي تو ّ‬ ‫بجهودٍ فردي ٍة؛ وال تتبنّى أ ّ‬ ‫هدفها نشر أفكار امللحدين على اختالف‬ ‫جهاتهم وانتماءاتهم بحرّي ٍة كامل ٍة‪.‬‬ ‫تو ّ‬ ‫املعلومات والرسومات واملواضيع املطروحة‬ ‫تُعتبر مسؤولية أصحابها من الناحية األدبية‬ ‫وناحية حقوق النشر وحفظ امللكية الفكرية‪.‬‬ ‫الناشرون‬ ‫امللحدين‬ ‫والالديني‬ ‫ّ‬ ‫بالنشر ‪.‬‬

‫هم من أعضاء مجموعة مجلة‬ ‫العرب‪ ،‬أو من الك ّتاب امللحدين‬ ‫ممّن مت ّ التواصل معهم ألخذ اإلذن‬

‫العامة‪،‬‬ ‫مناف لألخالق‬ ‫ُينع نشر كل ماهو‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫وكذلك التحريض أو التصريحات العنصرية‪.‬‬ ‫لهيئة التحرير احلق ّ في نشر ما تراه مناس ًبا‬ ‫من املواضيع املوجودة في مجموعة اجمللة على‬ ‫موضوع ضمنها يُعتبر‬ ‫ي‬ ‫الفيس بوك ‪ ،‬فنشر أ ّ‬ ‫ٍ‬ ‫تفويضا ً للمجلّة بنشره‪.‬‬

‫موقع املدونة اخلاصة بنا لألرشفة على اإلنترنت‪:‬‬ ‫‪www.aamagazine.blogspot.com‬‬ ‫البريد اإللكتروني‬ ‫‪el7ad.organisation@gmail.com‬‬


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.