طلعنا عالحرية / العدد 93

Page 1

‫حرية ‪ ،‬كرامة‪ ،‬مواطنة‬

‫العدد‬

‫‪93‬‬ ‫‪2021 / 4 / 16‬‬

‫مجلة شهرية‪ ،‬سياسية‪ ،‬ثقافية‪ ،‬مستقلة‬

‫رمضان كريم‬


‫ّ‬ ‫التقدم إىل الوراء!‬

‫‪2‬‬

‫نصار‬ ‫افتتاحية بقلم أسامة ّ‬

‫العدد‬

‫‪93‬‬ ‫‪2021 / 4 / 16‬‬

‫يف فيلم الخيا ل �‪The Curious Case of Benjamin But‬‬ ‫‪( ton‬رمبا ُترتجم‪ :‬الحالة العجائبية لبنيامني باتن) يبدأ البطل‬ ‫(براد بيت) حياته معكوسة عىل خط الزمن؛ أي يكون يف‬ ‫بدايتها عجوزاً هرماً‪ ،‬وك ّلام تقدم به الزمن يصغر‪ ،‬ليصبح‬ ‫الشيخ األشيب رج ًال‪ ،‬ثم شاباً فتياً‪ ،‬ثم يتقدم بالعمر أكرث‬ ‫حتى يصبح طف ًال كربوجاً يف آخر حياته (أو بالنسبة لنا‪ :‬يف‬ ‫آخر الفيلم!)!‬ ‫نقارن بني ما وصلت له الثورة السورية العظيمة أو حتى ما‬ ‫وصلت له سوريا العظيمة‪ ،‬وما كانت عليه‪ .‬ويحرض السؤال‪:‬‬ ‫هل الثورة السورية مصابة بحالة بنيامني العجيبة؟‬ ‫أستعري التشبيه من وجهني فقط؛ األول أن الثورة السورية‬ ‫بدأت أفضل وأنضج‪ ،‬ثم تولدنت‪ ،‬والثاين أنها تبدو بعد عرش‬ ‫سنوات من عمرها الزالت يف سن املراهقة‪.‬‬

‫عن الولدنة‪..‬‬

‫مدهش!‪ ..‬ما الذي حصل؟ كنّا كباراً وصغرنا‪ ،‬منلك صوتنا؛‬ ‫نسمعه ونس ِّمعه‪ ،‬فال عدنا نسمع بعضنا وال أحد يسمعنا‬ ‫أص ًال‪..‬‬ ‫بدأت الثورة كبرية وحكيمة‪ ،‬وقالت خالصة القول لحظة‬ ‫والدتها‪“ :‬حرية‪ ..‬كرامة”‪ ،‬وكانت يف أيامها األوىل تتكلم عن‬ ‫شعب واحد من املواطنني‪ .‬ترفض العنف وتواجهه بشجاعة‪،‬‬ ‫وتقول إن البلد ألهلها‪ .‬لكنها تقدمت بالعمر مثل بنيامني‬

‫العجيب؛ أي تراجعت! “ومن نع ّمره نن ّكسه يف الخلق”‪،‬‬ ‫فتغري الشعار من الكرامة والحرية إىل إسقاط النظام‪ ،‬ثم‬ ‫إىل إعدام الرئيس ثم متاهة من (الحظر الجوي مطلبنا) أو‬ ‫(قائدنا لألبد سيدنا محمد) أو غريها من شعارات مزا ِودة‪،‬‬ ‫والتي تبدو تصعيداً أو تطوراً بينام هي يف الواقع مسخاً‬ ‫وتراجعاً‪.‬‬

‫وعن املراهقة‪..‬‬

‫املراهق يتقن الرفض عىل طول الخط‪ ،‬ويتم ّرد ألجل التم ّرد‪،‬‬ ‫وال يعجبه أحد أو يشء‪ ،‬يعرف جيداً ما ال يريده‪ ،‬وال يعرف‬ ‫ما يريده‪ .‬يشعر أنه محقّ وأن العامل ال يفهمه‪ ،‬فيستغبي‬ ‫اآلخرين ِّ‬ ‫ويخطئهم ‪-‬والكل بالنسبة له‪ :‬آخرون‪.-‬‬ ‫نذهب أبعد قلي ًال؟ سيتعرف املراهق عىل رفاق سوء‪ ،‬ليتعلم‬ ‫التدخني والتن ّمر وحمل السالح‪ ،‬أو التفكري اإللغايئ‪ ،‬وتبنّى‬ ‫األفكار واملواقف بجذرية قاطعة‪ ،‬ورمبا عجز عن رؤية‬ ‫األلوان وتدرجاتها‪ ..‬أو يتعاطى املخ ّدرات وجرعات من أحالم‬ ‫حلف النيتو وخطوط أوباما الحمراء!‬ ‫وفوق كل ذلك يعيش املراهق تحت الوصاية‪ ،‬و ُيعامل‬ ‫كقارص حتى يبلغ الرشد‪ ..‬إن بلغه!‬ ‫ولعل هذا هو السؤال الجد بعد الهذر‪ :‬هل سنبلغ رشدنا؟‬ ‫هل ستعود لنا حكمة الكبار وفت ّوة الشباب وحامس‬ ‫األطفال؟‪ ..‬كلها معاً!‬

‫‪www.freedomraise.net‬‬

‫افتتاحية‬

‫املقاالت املنشورة تعرب عن آراء أصحابها أوالً‬ ‫وال تعرب بالرضورة عن آراء هيئة التحرير‬ ‫املجلة غري ملزمة بنرش كل ما يردها من مواد‬

‫مجلة شهرية تعنى بالشأن السوري‬ ‫ثقافية‪ ،‬اجتامعية‪ ،‬سياسية‬ ‫محرر ثقايف‬ ‫غسان نارص‬ ‫ّ‬

‫محررون‬ ‫كامل شيخو ‪ -‬حسن عارفة‬

‫نصار‬ ‫رئيس التحرير أسامة ّ‬

‫نائب رئيس التحرير ليىل الصفدي‬ ‫املدير اإلداري معتصم أبو الشامات‬

‫الغالف‬ ‫سمري خلييل‬

‫كاريكاتري‬ ‫سمري خلييل ‪ /‬هاين ع ّباس‬

‫تفاعل معنا عرب صفحاتنا عىل اإلنرتنت‬ ‫‪facebook.com/rising4freedom‬‬

‫‪twitter.com/freedomraise‬‬ ‫‪freedomraise@gmail.com‬‬

‫أمن رقمي ومحاسبة‬ ‫وائل موىس‬

‫زمالء مختطفون يف سوريا‬ ‫رزان زيتونة ‪ -‬ناظم حامدي‬


‫يف ضرورات النقد ومستوياته‬

‫‪3‬‬

‫سميح الصفدي‬

‫العدد‬

‫‪93‬‬

‫البقية في صفحة ‪13‬‬

‫‪2021 / 4 / 16‬‬

‫‪......‬‬

‫مقاالت‬

‫عندما ُتذكر كلمة “نقد” تتبادر إىل أذهان القراء‬ ‫أو السامعني مستويات مختلفة لهذا املفهوم‪،‬‬ ‫وذلك بحسب املستوى الثقايف للمستمع أو القارئ‬ ‫وخلفياته واهتامماته‪ .‬فقد يتبادر إىل ذهن املثقف‬ ‫النقد الفكري مبختلف اتجاهاته وتنويعاته الفكرية‬ ‫والفلسفية‪ ،‬وقد يتبادر إىل ذهن الفنّان النقد الفني‬ ‫واألديب‪ ،‬وإىل ذهن السيايس املنخرط يف العمل‬ ‫الحزيب نقد الربامج السياسية للخصوم ومنطلقاتهم‬ ‫األيديولوجية‪ ،‬وقد يتبادر إىل ذهن املرأة العاملة‬ ‫نقد جارتها ملظهرها الخارجي أو لباسها‪ ،‬أو النميمة‬ ‫التي يتناقلها الجريان بخصوص تقصريها يف واجباتها‬ ‫املنزلية‪ ،‬وقد يفكر املراهق بتعليقات أقرانه الجارحة‬ ‫وتهكامتهم‪ ،‬وقد يتبادر إىل ذهن الشيخ تقصريه يف‬ ‫حضور عزاء فالن من الناس أو ما قد تتناقله األلسن‬ ‫حول موقفه املرتدد من قضية عامة أو خاصة‪.‬‬ ‫من النادر أن تستدعي االنتقادات الشفهية الغيابية‬ ‫بحق أشخاص أو مؤسسات أو حتى دول أي ردود‬ ‫أفعال مبارشة‪ ،‬إال يف ظل األنظمة الشمولية التي قد‬ ‫ُتزهق فيها روح أنسان مثناً لكلمة‪ ،‬كالنظام السوري‪.‬‬ ‫لكن يف الغالب تبقى النميمة الشفهية غائبة عن‬ ‫الجهة أو الشخص الذي هو موضوع النقد ومن وراء‬ ‫ظهره وال تثري ردود أفعال مبارشة‪ .‬ورغم األحكام‬ ‫األخالقية الكثرية التي تدين النميمة وتعتربها عم ًال‬ ‫ناقصاً وال أخالقياً‪ ،‬إال أنها وجدت من يثمنها ويقدرها‬ ‫ويعرتف بدورها العظيم يف التاريخ البرشي‪ .‬يقول‬ ‫يوفال نوح هراري يف كتابه “العاقل‪ ،‬تاريخ مخترص‬ ‫للنوع البرشي”‪“ :‬النميمة قدرة كثرياً ما ُتعاب‪،‬‬ ‫لكنها رضورية حقاً للتعاون يف املجتمعات الكبرية؛‬ ‫فقد مكنت املهارات اللغوية الجديدة التي اكتسبها‬ ‫اإلنسان العاقل قبل نحو سبعني قرناً من تبادل‬ ‫النامئم لساعات‪ ،‬وأدت املعلومات الوثيقة حول‬ ‫من يجب أن يؤمتن إىل إمكانية توسيع املجموعات‬ ‫الصغرية إىل مجموعات كبرية‪ ،‬وإىل تطوير أنواع من‬

‫التعاون أعقد وأمنت”‪ .‬ويضيف‪“ :‬قد تبدو نظرية‬ ‫النميمة هذه مزحة‪ ،‬لكن عدداً كبرياً من الدراسات‬ ‫تؤيدها؛ فحتى اليوم تتكون الغالبية العظمى‬ ‫من التواصل البرشي‪ ،‬سوا ًء كان عىل شكل رسائل‬ ‫إلكرتونية أو اتصاالت هاتفية أو أعمدة صحفية‪ ،‬من‬ ‫منائم”‪ .‬ويصل إعجاب الكاتب بالنميمة ح ّد اعتبار‬ ‫أن اللغات اإلنسانية تطورت من أجل هذا الغرض‬ ‫بالذات‪ ،‬موضحاً أن “النامئم تركز غالباً عىل األفعال‬ ‫السيئة‪ ،‬وتجار اإلشاعات هم أصل السلطة الرابعة‪،‬‬ ‫أي الصحفيني الذين يوصلون املعلومات إىل املجتمع‬ ‫وبالتايل يحفظونه من املحتالني واملستغلني”‪.‬‬ ‫نقل التطور الثقايف والحضاري الالحق لإلنسان واخرتاع‬ ‫الكتابة‪ ،‬ثم املطبوعات ودور النرش‪ ،‬نقل النقد إىل‬ ‫مستوى جديد‪ ،‬وميكن القول إن تاريخ الفكر البرشي‬ ‫الحديث مرادف لتاريخ النقد‪ ،‬ورمبا يكون الفيلسوف‬ ‫اإلغريقي سقراط هو أول من دشن مصطلح التفكري‬ ‫النقدي رسمياً قبل ‪ 2500‬عام‪ ،‬إذ ترجع أوىل املحاوالت‬ ‫املوثقة للتفكري النقديّ إىل تعاليم سقراط التي سجلها‬ ‫أفالطون‪.‬‬ ‫وقد شدد سقراط عىل أن “الحقيقة ال ميكن بلوغها‬ ‫باالعتامد عىل هؤالء املوجودين يف “السلطة”‪ ،‬وأسس‬ ‫ألهم ّية “طرح األسئلة العميقة والتي تنفذ إىل التفكري‬ ‫قبل القبول بأي فكرة”‪.‬‬ ‫ال يبغي هذا املقال القصري التطرق لتعاريف النقد‬ ‫املختلفة واملدارس النقدية الكربى‪ ،‬إمنا ميكن القول‬ ‫باختصار اعتامداً عىل ويكيبيديا إن التعريفات‬ ‫بالعموم تتفق يف أنه “مهارة االنغامس يف فعل ما‬ ‫بتفكري شكو ّيك غري متح ّيز‪ .‬إنه عملية موجهة ّ‬ ‫ومنظمة‬ ‫ومتا َبعة ذات ًيا وتصحح نفسها بنفسها‪ .‬وهو العملية‬ ‫النشطة املتقنة لوضع املفاهيم‪ ،‬لتحليل وتركيب‬ ‫وتطبيق وتقييم املعلومات‪ ،‬من أجل الوصول إىل‬ ‫إجابة أو استنتاج‪ ،‬وهو بالرضورة يتضمن التواصل‬ ‫الف ّعال والقدرة عىل ّ‬ ‫حل املشكالت‪ ،‬وااللتزام بالتغلب‬

‫عىل األنان ّية الفطر ّية واألعراف املجتمع ّية”‪.‬‬ ‫ويفرتض يف التفكري النقدي الذي هو أرقى أنواع‬ ‫التفكري‪ ،‬أن يكون متعالياً وأن يبتعد عن الشخصنة‬ ‫والتجريح واإلهانة‪ ،‬كام يفرتض به التحرر من قيود‬ ‫األيديولوجيا واألحكام املسبقة واالصطفافات بكافة‬ ‫أشكالها‪.‬‬ ‫النقد هو روح املعرفة وروح العقل‪ ،‬وال يشتغل العقل‬ ‫من دون النقد‪ .‬لقد كان النقد عرب التاريخ مهمة أفراد‬ ‫قالئل‪ ،‬ومل يندر أن يذهبوا ضحية أفكارهم الجديدة‬ ‫من قبل السلطات الحاكمة‪ ،‬لكن تراكم النقد كان‬ ‫سبباً يف التحوالت الكربى والثورات الكربى‪ ،‬تلك‬ ‫التحوالت التي ال تلبث أن تستولد نقيضها ونفيها‬ ‫ضمن سريورة النفي ونفي النفي املستمرة التي‬ ‫وصفتها جدلية هيجل‪.‬‬ ‫يف املجتمعات الدميوقراطية الحديثة أصبح النقد‬ ‫أكرث سهولة وأقل تكلفة‪ ،‬وصار التنوع واالختالف‬ ‫فضيلة الفضائل‪ ،‬وصارت حرية التعبري من أقدس‬ ‫الحريات التي يعمل املجتمع والدولة عىل صونها‬ ‫وتنميتها‪ .‬أما يف مجتمعاتنا التي دخلت مرغمة عرص‬ ‫العوملة والقرية الكونية الواحدة‪ ،‬فتبدو اإلشكالية‬ ‫أكرث تعقيداً‪ .‬إذ ال يبدو أن هناك جهات أو أفراد أو‬ ‫مؤسسات تقبل النقد أو تتعامل معه إال استنكاراً‬ ‫ومزيد ُا من التمرتس والتعنت‪ ،‬ويبدو أن ثقافة كره‬ ‫النقد تتعمق أكرث فأكرث‪ ،‬ومن جهة أخرى انحدر‬ ‫النقد يف ظل هذا الفيض الحريايت املزيف عىل وسائل‬ ‫التواصل االجتامعي إىل محض سباب وشتائم وقلة‬ ‫أدب غالبة‪.‬‬ ‫وإذا نظرنا إىل املشهد الثقايف السوري عىل سبيل املثال‬ ‫فإننا سرنى اليوم جزراً منعزلة ومغلقة ال تتفاعل فيام‬ ‫بينها إال مبا يشبه املعارك والغزوات املوسمية‪ ،‬والتي‬


‫‪4‬‬

‫مصري جمهول لزوجات املقاتلني األجانب‪..‬‬ ‫واألبناء حمرومي القيود والنسب‬ ‫إدلب‪ :‬سهى العلي‬

‫العدد‬

‫‪93‬‬ ‫‪2021 / 4 / 16‬‬ ‫تقارير‬

‫مل يخطر يف بال الثالثينية حنان األحمد أن يتحول زواجها‬ ‫من أحد مقاتيل جبهة النرصة األجانب يف إدلب إىل كابوس‬ ‫يعكر صفو حياتها‪ ،‬وخاصة بعد غياب الزوج تاركاً لها‬ ‫طفلني دون أب أو حتى نسب! تروي حنان كيف تعرفت‬ ‫عىل زوجها “أبو عبد الله الشامي” عن طريق أخيها‬ ‫املنتسب للجبهة‪ ،‬والذي كان السبب مبوافقتها عىل الزواج‬ ‫بعد أن بالغ مبدح صفات رفيقه الجميلة وأخالقه النبيلة‪.‬‬ ‫تقدم حنان بالسن واعتبارها “عانساً” بنظر مجتمعها من‬ ‫أهم األسباب التي دفعتها للموافقة‪ ،‬بعد أن رأت بالعريس‬ ‫املتقدم لها فرصة ليس عليها أن ترفضها‪ ..‬أرادت من هذا‬ ‫الزواج “تشكيل عائلة‪ ،‬واالستقرار النفيس واالجتامعي‬ ‫كبقية البرش ليس إال” كام تقول‪ ،‬غري أن الرياح أتت مبا‬ ‫ال تشتهي السفن‪ ،‬حني خرج زوجها من املنزل دون عودة‬ ‫أو حتى معرفة أسباب غيابه‪ ،‬تاركاً لها طفليها يف “مهب‬ ‫الريح” كام عربت‪.‬‬ ‫انترشت ظاهرة زواج السوريات من مقاتلني أجانب بعد‬ ‫توافد مقاتلني ومسلحني أجانب من جنسيات غربية‬ ‫وعربية نحو الحرب الدائرة يف سوريا‪ ،‬وانضاممهم إىل‬ ‫الفصائل اإلسالمية املسلحة‪ ،‬كتنظيم (داعش) سابقاً‪،‬‬ ‫وهيئة تحرير الشام (جبهة النرصة سابقاً) والحزب‬ ‫اإلسالمي الرتكستاين ومجموعات األوزبك والقوقاز‪.‬‬ ‫هؤالء املقاتلون رسعان ما بحثوا عن الزواج بعد شعورهم‬ ‫بأن بقائهم يف سوريا سيمتد لسنوات طويلة؛ لتكون املرأة‬ ‫السورية الضحية بعد قتل الزوج أو اختفائه‪ ،‬لتعيش مع‬ ‫أبنائها حياة اجتامعية واقتصادية بالغة التعقيد‪.‬‬ ‫تنوعت األسباب التي تدفع السوريات للقبول مبثل هكذا‬ ‫زواج‪ ،‬أبرزها الفقر والجهل وقلة التوعية‪ ،‬ويضاف لها‬ ‫الخوف من العنوسة‪ ،‬ووجود من يعتقدن أنهن ال ميتلكن‬ ‫خيارات أخرى‪ ،‬إضافة إىل نساء انجذبنّ لشجاعة وبسالة‬ ‫املقاتلني‪ ،‬أو الرغبة بالتقرب من هذه التنظيامت التي‬ ‫أصبحت املسيطرة وصاحبة القوة والنفوذ يف املنطقة التي‬ ‫وجدن فيها‪ ،‬دون أدىن فكرة عن تبعات هذا الزواج أو رأي‬ ‫القانون به‪.‬‬ ‫ً‬ ‫الشابة صفاء الغريب (‪ 22‬عاما) أكرث ما يؤملها بعد وفاة‬ ‫زوجها (الداعيش) هو بقاء أطفالها دون نسب‪ ،‬وبحثها‬ ‫املستمر عن طريقة العرتاف املجتمع بهم و بهويتهم دون‬ ‫جدوى‪ ،‬خاصة وأنها ال تعرف اسم زوجها الحقيقي حتى‬ ‫لحظة وفاته؛ فكل ما تعرفه عن زوجها أن اسمه “أبو الرباء‬ ‫املغريب” دون أي تفاصيل أخرى‪ ،‬رغم إلحاحها عليه ملعرفة‬

‫اسمه الحقيقي‪ ،‬لكنه كان يتهرب من السؤال باستمرار‬ ‫بالرد أن اسمه “أبو الرباء” وحسب‪.‬‬ ‫تعيش صفاء اليوم يف إحدى مخيامت النزوح شاميل إدلب‬ ‫داخل خيمة قريبة من خيمة أخيها‪ ،‬وتعتمد يف معيشتها‬ ‫عىل ما تحصل عليه من معونات شهرية إغاثية‪.‬‬ ‫وعن السبب الذي دفعها ملثل هذا الزواج وهي صغرية‬ ‫بالسن‪ ،‬تقول إنها توقفت عن الدراسة بسبب الحرب‬ ‫وانعدام األمان‪ ،‬ونزحت مع أهلها منذ أكرث من ستة‬ ‫سنوات من ريف إدلب الجنويب باتجاه ريف اعزاز شاميل‬ ‫حلب‪ .‬تقول‪“ :‬حني تقدم أبو الرباء طالباً الزواج مني مل‬ ‫أمانع األمر‪ ،‬كنت باحثة عن حياة أفضل يف كنف حامية‬ ‫زوج يحبني ويهتم يب ومينحني االستقرار واألمان”‪.‬‬ ‫ال تخفي صفاء إعجابها بزوجها املقاتل “القوي والوسيم”‬ ‫وشعرت أنه “فارس أحالمها”‪ .‬عاشت أكرث من ثالث سنوات‬ ‫مع زوجها يف منزل “جميل” مبدينة الباب رشقي حلب‪،‬‬ ‫كان يؤمن لها جميع طلباتها واحتياجاتها ‪،‬غري أنه كان كثري‬ ‫الغياب عن املنزل وقليل الكالم أثناء حضوره داخله‪.‬‬ ‫أنجبت صفاء ثالثة أطفال من زوجها‪ ،‬أسمتهم عيل وعمر‬ ‫وخديجة‪ ،‬هم اليوم “مجهولو النسب”‪ ،‬وملّا بدأ هجوم‬ ‫التحالف عىل الرقة بداية ‪ُ 2017‬قتل الزوج‪ ،‬ونجت صفاء‬ ‫مع أطفالها بأعجوبة‪ ،‬ليستقر بها الحال يف مخيامت إدلب‪.‬‬ ‫تقول بحرقة‪“ :‬ال أعلم كيف سيكون مستقبل أبنايئ‪ ،‬فأنا‬ ‫ال أملك سوى عقد الزواج الذي نظمه أحد الرشعيني‬ ‫بالتنظيم”‪ ،‬وتساءلت بحرية‪“ :‬كيف سأدخل الصغار‬ ‫للمدرسة عندما يسألون عن اسم األب والكنية والنسب‪،‬‬ ‫هل يعقل أن يبقى أوالدي دون هوية عندما يكربون؟”‪.‬‬ ‫وتتعرض صفاء وأطفالها النتقادات مجتمعية‪ ،‬وينعتونها‬

‫بعائلة “الداعيش”‪ ،‬أما االوالد يطلقون عليهم “ابناء‬ ‫الداعيش” حتى غدت تخجل من زواجها ذاك وتحاول‬ ‫إخفاءه عن املجتمع‪.‬‬ ‫ورداً عىل انتشار الظاهرة أطلق ناشطون يف إدلب حملة‬ ‫“مني زوجك؟” لتسليط الضوء عىل ظاهرة زواج السوريات‬ ‫من مقاتلني أجانب‪ ،‬وتوعية النساء مبخاطر تلك الزيجات‬ ‫عليهن وعىل أطفالهن‪.‬‬ ‫وشملت الحملة جلسات حوارية نسائية بالتعاون مع‬ ‫عدد من املنظامت والفرق التطوعية املدنية يف املناطق‬ ‫املستهدفة‪ ،‬إضافة لحملة إعالمية عن طريق لصق بوسرتات‬ ‫وبروشورات ورسومات غرافيتي عىل الجدران واألماكن‬ ‫العامة‪ ،‬للتعريف بها عرب وسائل التواصل االجتامعي األمر‬ ‫الذي أثار حفيظة املقاتلني األجانب الذين عمدوا لتشويه‬ ‫الالفتات وإزالة اإلعالنات من الشوارع والطرقات العامة‪،‬‬ ‫ومالحقة القامئني عليها وفقاً لناشطني‪.‬‬ ‫وتهدف الحملة ملساعدة األطفال مواليد تلك الزيجات عىل‬ ‫االعرتاف بهم من قبل املجالس املحلية‪ ،‬التي منحت هؤالء‬ ‫األطفال وثائق غري رسمية متكنهم من تلقي اللقاحات‬ ‫والتعليم يف املدارس عىل األقل‪.‬‬ ‫وعن األثر القانوين املرتتب عىل زواج السوريات من‬ ‫مقاتلني أجانب‪ ،‬تحدث الحقوقي “سهيل الخاين” بأن‬ ‫“القانون السوري ال يعرتف بهذا الزواج‪ ،‬وال توجد نصوص‬ ‫تعالج هذه املسائل الشائكة حتى اللحظة”‪.‬‬ ‫ويصف الخاين زواج السوريات من جنسيات أجنبية‬ ‫بـ”الظاهرة الخطرية” مبا يتعلق مبستقبل األطفال‪ ،‬بسبب‬ ‫حرمانهم من أبسط حقوقهم وهي الجنسية والنسب‬ ‫والعائلة‪ ،‬وهم قد ُو ِضعوا مرغمني يف غياهب مستقبل‬ ‫مرير‪ ،‬وال سبيل لتوفري وثيقة تبني تفاصيل هوية األب‬ ‫واسمه الرصيح وجنسيته ودينه‪.‬‬ ‫يقول الخاين بهذا الصدد‪“ :‬فالزواج الرشعي هو الذي‬ ‫يرتتب عليه حقوق وواجبات‪ ،‬وأحكام ونتائج‪ ،‬ومصاهرة‬ ‫ونسب‪ ،‬لذا يجب أن يكون مبنياً عىل الرصاحة والوضوح‪،‬‬ ‫وهو ما ال يتوفر يف زواج السوريات من مقاتلني أجانب”‬ ‫وفق تعبريه‪.‬‬ ‫يذكر أن حملة “مني زوجك؟” أحصت السوريات‬ ‫املتزوجات من أجانب‪ ،‬وبلغ عددهنّ ‪ 1735‬امرأة‪193 ،‬‬ ‫منهن أرامل ومطلقات‪ ،‬و‪ 165‬أزواجهن مفقودون و‪1124‬‬ ‫منهن لديهن أوالد‪.‬‬


‫‪5‬‬

‫العدد‬

‫خميم اهلول شرقي سوريا‪...‬‬ ‫إناء كبري يفيض‬ ‫بالغضب واألسئلة‬

‫‪2021 / 4 / 16‬‬

‫وذكرت إدارة املخيم أن أكرث من ‪ 20‬ألفاً من العراقيني‬ ‫يريدون العودة إىل بلدهم‪ ،‬رشيطة نقلهم تحت‬ ‫إرشاف ومراقبة منظامت األمم املتحدة‪ ،‬والجهات‬ ‫الدولية اإلنسانية‪ ،‬خشية من عمليات انتقامية من‬ ‫الحشد الشعبي الذي بات يسيطر عىل مناطق كثرية‬ ‫بالعراق‪.‬‬ ‫ويقول منري محمد عن القوائم املرسلة من املكتب‬ ‫للحكومة العراقية‪" :‬األسامء رفعت عن طريق‬ ‫املفوضية السامية لشؤون الالجئني‪ ،‬والصليب األحمر‬ ‫الدويل‪ .‬ويف كل مرة‪ ،‬يصلنا إخطار باملوافقة وبدء‬ ‫الرتحيل‪ ،‬لكن يتم إيقافه ألسباب نجهلها"‪.‬‬ ‫* **‬ ‫ً‬ ‫تشاهد عىل كل حبل أو سور خيمة مزيجا من األلوان‬ ‫الزاهية‪ ،‬غري األسود الذي كانت ترتديه جميع النساء‬ ‫والفتيات اللوايت يعشن يف هذه البقعة‪ :‬الوردي‪،‬‬ ‫واألزرق‪ ،‬واألحمر‪ ،‬واألخرض‪ ،‬واألصفر‪ ،‬وهي ألوان‬ ‫املالبس املغسولة من فساتني وبيجامات وقمصان‬ ‫وجوارب أطفال‪.‬‬ ‫و ُيقتل يف املخيم شخص واحد كل يومني منذ بداية‬ ‫العام الجاري‪ ،‬حيث وصلت حصيلة الجرائم برصاص‬ ‫مجهولني خالل شهر آذار املايض فقط إىل ‪ 17‬شخصاً‪،‬‬ ‫وارتفعت ألكرث من ‪ 50‬جرمية قتل منذ بداية العام‬ ‫بحسب أرقام نرشتها منظمة الهالل األحمر الطبية‬ ‫الكردية‪ ،‬بينها ما ال يقل عن ‪ 5‬من النساء‪ ،‬وحاالت‬ ‫نحر بآلة حادة‪ ،‬فيام قتل العام املايض ‪ 40‬الجئاً عراقياً‬ ‫ونازحاً سورياً‪.‬‬

‫تقارير‬

‫تحول مخيم الهول رشقي سوريا منذ سنوات إىل إناء‬ ‫كبري يفيض بالغضب واألسئلة التي تبحث عن إجابات‬ ‫شافية‪ .‬بهذا املكان تقطن نسوة وأطفال مسلحي‬ ‫تنظيم (داعش) اإلرهايب‪ ،‬الذين تخىل عنهم أزواجهم‬ ‫وآباؤهم وخالفتهم املزعومة التي التحقوا بها؛ عالوة‬ ‫عىل حكوماتهم التي ترفض استعادة رعاياها‪ .‬إىل‬ ‫جانب مدنيني سوريني وعراقيني فروا من الحروب‬ ‫الدائرة يف مناطقهم‪ ،‬وانتهى بهم املطاف بالعيش‬ ‫تحت رحمة خيمة ال تقيهم برودة الشتاء‪ ،‬وال‬ ‫حرارة الشمس الحارقة التي تتعدى ‪ 45‬درجة مئوية‬ ‫بالصيف‪.‬‬ ‫يبعد مخيم الهول نحو (‪ 45‬كيلو مرتاً) رشق مدينة‬ ‫الحسكة‪ ،‬ويضم املخيم أكرث من ‪ 62‬ألف شخص‪90% ،‬‬ ‫منهم نساء وأطفال‪ ،‬ويشكل السوريون والعراقيون‬ ‫النسبة األعىل من تعداد قاطنيه‪ .‬وبعد انتهاء معركة‬ ‫الباغوز ربيع ‪ 2019‬والقضاء عىل سيطرة (داعش)‬ ‫العسكرية والجغرافية‪ُ ،‬نقل الرجال إىل السجون‬ ‫واملحتجزات‪ ،‬فيام ُأخرجت النساء واألطفال دون سن‬ ‫العارشة إىل مخيمي (الهول) و(روج) مبدينة الحسكة‪،‬‬ ‫أما األطفال الذين تجاوزت أعامرهم ‪ 12‬سنة فرحلوا‬ ‫إىل سجن األحداث يف قرية تل معروف التابعة ملدينة‬ ‫القامشيل الواقعة أقىص شامل رشقي سوريا‪.‬‬ ‫ويضم املخيم قس ًام خاصاً بالنساء األجانب وأطفالهن‬ ‫املتحدرين من دول غربية وعربية‪ ،‬ويبلغ عددهم‬ ‫نحو ‪ 10734‬ألفاً بحسب إدارة مخيم الهول‪ ،‬من‬ ‫بينهم ‪ 3177‬امرأة‪ ،‬أما الباقي فأطفال دون سن الـ ‪15‬‬ ‫بحسب سجالت وأرشيف إدارة املخيم‪.‬‬ ‫يخضع مخيم الهول لحراسة أمنية مشددة؛ حيث مينع‬ ‫خروج ودخول النساء إال بإذن خطي من إدارة املخيم‪،‬‬ ‫وبرفقة عنارص من قوى األمن الداخيل‪.‬‬ ‫وعن جنسيات قاطني املخيم‪ ،‬تأيت روسيا عىل رأس‬

‫القامئة‪ ،‬ويبلغ عدد النساء مع‬ ‫أطفالهن ‪ 2010‬شخصاً‪ ،‬وهناك‬ ‫‪ 50‬امرأة وطفل من هولندا‪،‬‬ ‫ومن أملانيا ‪ 160‬امرأة مع طفلها‪،‬‬ ‫ومن أوزبكستان ‪ ،458‬ومن‬ ‫كازاخستان ‪ ،640‬بينام هناك ‪ 22‬امرأة وطفلها من‬ ‫الجنسية الجورجية‪ ،‬و‪ 22‬من أذربيجان‪ ،‬وهناك ‪404‬‬ ‫من طاجيكستان‪ ،‬وهناك نحو ‪ 640‬من تركامنستان‪،‬‬ ‫ومن أوكرانيا ‪ 134‬سيدة مع طفلها‪.‬‬ ‫كام يبلغ عدد النساء العربيات "املهاجرات" وأطفالهنّ‬ ‫‪ ،1453‬عدا العراقيات‪ ،‬ويأيت املغرب عىل رأس القامئة‪،‬‬ ‫ويبلغ تعداد النساء منه ‪ ،582‬أما القادمات من مرص‬ ‫فكان عددهن ‪ 377‬امرأة وطفل‪ ،‬فيام كان عدد‬ ‫النساء الاليت يتحدرن من تونس مع أطفالهنّ ‪.251‬‬ ‫بينام الجزائريات كنّ ‪ 98‬سيدة وطفلها‪ ،‬والصومال‬ ‫‪ ،56‬ولبنان ‪ ،29‬والسودان ‪ ،24‬وليبيا ‪ ،11‬وفلسطني ‪،8‬‬ ‫والرقم نفسه من اليمن‪ ،‬و‪ 9‬من دول أخرى‪.‬‬ ‫وعىل م ّد النظر‪ ،‬متتد صفوف مرتاصة من الخيام‪ ،‬رسم‬ ‫عليها شعار املفوض ّية السامية لشؤون الالجئني‪ ،‬وسط‬ ‫هبوب رياح جافة مغربة وتلبد الغيوم‪ ،‬وأكوام من‬ ‫النفايات‪ ،‬وخزانات ضخمة حمراء اللون‪ ،‬يتزود منها‬ ‫قاطنو املخيم باملياه‪ .‬فاللجنة الدولية للصليب األحمر‬ ‫قدمت هذه الصهاريج‪ ،‬إىل جانب بناء املطابخ يف كل‬ ‫قسم‪ ،‬مع دورات املياه والحاممات‪.‬‬ ‫ومنذ سنة ‪ 2016‬يستقبل مخيم الهول الالجئني‬ ‫العراقيني ويتواجد فيه أكرث من ‪ 30‬ألفاً وهم ‪8200‬‬ ‫آالف عائلة‪ ،‬وبحسب "منري محمد" رئيس مكتب‬ ‫خروج الالجئني العراقيني‪" :‬عاد إىل العراق أكرث من ‪50‬‬ ‫ألفاً طواعية حتى نهاية ‪ .2018‬لكن منذ عام ونصف‬ ‫العام‪ ،‬ترفض السلطات الحكومية يف بغداد استقبال‬ ‫مواطنيها الراغبني بالعودة"‪.‬‬

‫‪93‬‬

‫الحسكة‪ :‬كمال شيخو‬


‫‪6‬‬

‫الدمشقيون يف رمضان ‪..2021‬‬ ‫املاليني يهددهم اجلوع والبؤس واحلرمان‬ ‫غسان ناصر‬

‫العدد‬

‫‪93‬‬ ‫‪2021 / 4 / 16‬‬

‫منذ رمضان األول بعد الثورة وحتى يومنا هذا‪ ،‬ما إن‬ ‫تب ّلل قطرة املاء األوىل شفاه الصامئني العطىش‪ ،‬تسمعهم‬ ‫يردّدون م ًعا “اللهم أعنّا عىل الصيام والقيام‪ ،‬وإسقاط‬ ‫رب العاملني”‪.‬‬ ‫النظام”‪ ،‬مبتهلني بصوت واحد “آمني يا ّ‬ ‫تبي‬ ‫ويف رمضان العارش ما بعد ثورة الحرية والكرامة‪ّ ،‬‬ ‫املؤرشات واإلحصاءات الدولية‪ّ ،‬أن “نصف السوريني يف‬ ‫خيم النزوح واللجوء”‪ ،‬معظم هؤالء صائم منذ شهور‬ ‫ً‬ ‫رغم عن أنفه‪ ،‬بسبب سياسة التجويع والحصار‪ ،‬وبعضهم‬ ‫ال يجد ما يس ّد الرمق عىل مائدة اإلفطار‪ .‬فهذا النظام‬ ‫الوحيش الذي يستخدم سالح الجوع إلخضاع السوريني‬ ‫وإعادة السيطرة عليهم ال يكرتث مبا آلت إليه أحوالهم‬ ‫سواء يف دمشق وريفها أو يف كافة املدن والبلدات‬ ‫الخاضعة لنفوذ قواته العسكرية‪ ،‬ال بل يزيد من بؤسهم‬ ‫وفقرهم املدقع مبواصلة نهب خريات وثروات البالد الذي‬ ‫يأكل بطون الناس الذين يقاسون للبقاء عىل قيد الحياة‬ ‫يف الزمن السوري الصعب‪.‬‬ ‫وعىل الرغم من شدة بؤس األوضاع اإلنسانية واالقتصادية‬ ‫واالجتامعية‪ّ ،‬‬ ‫فإن أهل الشام يحرصون عىل إضفاء أجواء‬ ‫احتفالية عىل رمضان بالرغم مام يعانونه من أوضاع‬ ‫مأساوية جراء نزوح عرشات اآلالف من العائالت عن‬ ‫بيوتهم يف دمشق وريفها بعد أن دمرت ونهبت‪.‬‬

‫تقارير‬

‫رمضان الدمشقيني أيام زمان‪ ..‬عادات وتقاليد اندثرت‬ ‫كانت أجواء رمضان يف دمشق وعموم املدن السورية‬ ‫ساحرة وغنية بالتقاليد الشعبية‪ ،‬حيث كان كل يشء‬ ‫يختلف مع إطاللة هذا الشهر املبارك بد ًءا من حركة‬ ‫األسواق ومرو ًرا باملسحرايت والحكوايت (القصاص الشعبي)‬ ‫وانتهاء بفرحة العيد‪ ،‬ورغم التبدل الكبري الذي حدث‬ ‫يف حياة الدمشقيني ّإل ّأن هناك الكثري من العادات‬ ‫املرتبطة بهذا الشهر توارثها األجيال وتناقلوها ويرصون‬ ‫عىل إحيائها كل رمضان ألنها تحايك روح الرتاث واألصالة‬ ‫واملحبة والتواصل الديني واألخالقي والحيايت فيام بينهم‪،‬‬ ‫وهي عادات تكاد أن تندثر هذه األيام ّإل من بعضها‪.‬‬ ‫غري ّأن هذه األجواء الرمضانية العريقة تغيب عن دمشق‬ ‫للعام العارش عىل التوايل‪ ،‬فدمشق التي تكاد تنفرد‬

‫بتقاليد مميزة عن مثيالتها من الحوارض العربية‬ ‫واإلسالمية يف تعايش الناس مع الشهر املبارك فيها‪،‬‬ ‫ينئ أهلها تحت وطأة الحرب واألزمات االقتصادية‬ ‫املتتالية التي أدّت إىل انهيار غري مسبوق تاريخ ًيا‬ ‫للرية السورية أمام الدوالر األمرييك (كل ‪4700‬‬ ‫ل‪.‬س تساوي دوالر أمرييك واحد يف منتصف‬ ‫آذار املايض)‪ ،‬كان الدمشقيون يستقبلون الشهر‬ ‫بالزينات واألنور واألعالم واآليات القرآنية عىل‬ ‫أبواب البيوت والدكاكني حيث تتألأل األضواء يف‬ ‫أشهر أسواق دمشق القدمية؛ سوق الحميدية‪،‬‬ ‫وسوق الحريري‪ ،‬وسوق القيشاين‪ ،‬وسوق البزورية‬ ‫وغريها من األسواق‪ .‬ويطلق الدمشقيون عىل‬ ‫العرش ُ‬ ‫األ َول من شهر رمضان “املرق” النهامك‬ ‫الناس يف أيام اليرس والخري بطعام الشهر وموائده‬ ‫املتن ّوعة‪ ،‬حيث كانت األرسة الدمشقية تهتم‬ ‫بتقديم ما ل َّذ وطاب من أصناف وألوان الطعام‬ ‫واملرشوبات‪.‬‬ ‫َ‬ ‫“الخ َرق”‪،‬‬ ‫أما ال َعرش ال ُو ْسطى من الشهر فتس ّمى ِ‬ ‫أي لرشاء ثياب وكسوة العيد ولوازمه‪ ،‬حيث كانت‬ ‫تكتظ أسواق دمشق باملتسوقني‪ ،‬فتنار أضواؤها‬ ‫وتفتح أبوابها حتى وقت السحور وتكاد ال تفرق‬ ‫بني الليل والنهار‪.‬‬ ‫أما ال َعرش األواخر من شهر رمضان فيسمونها‬ ‫“رص الورق” حيث كانت النساء تنهمك بإعداد‬ ‫ّ‬

‫حلويات عيد الفطر‪.‬‬ ‫وكان الناس يف سنوات ما قبل الثورة‪ ،‬يقصدون‬ ‫املقاهي التي كانت تحيي إرث الحكوايت يف الشهر‬ ‫الكريم‪ ،‬وتعدُّ مقهى النوفرة املحاذية للجامع‬ ‫األموي يف قلب دمشق القدمية من أشهر تلك‬ ‫املقاهي‪ ،‬حيث كان يجلس الحكوايت عىل كريس‬ ‫ويقص عىل‬ ‫مرتفع يتصدر املقهى الشعبي‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الحارضين قصص “عنرتة العبيس”‪ ،‬و”الزير سامل”‪،‬‬ ‫و”الظاهر بيربس”‪ ،‬و”أيب زيد الهاليل”‪.‬‬ ‫وعُ ّرف عن الدمشقيني قبل السنوات العرش‬ ‫العجاف‪ ،‬تحضري موائد رمضانية يحىك عنها يف‬ ‫مشارق األرض ومغاربها‪ ،‬فقد كان أهم يشء يف‬ ‫مائدة اإلفطار الدمشقية شوربة العدس أو شوربة‬ ‫الشعريية ومعها اللحم أو مرقة الدجاج‪ .‬أما صحن‬ ‫الفول فهو سيد طاولة الطعام يف رمضان‪ ،‬ثم الفتة‬ ‫أو التسقية (مك ّونة من الحمص املسلوق مع اللنب‬ ‫والطحينة والثوم والليمون واملكرسات املحمصة‬ ‫أو املقلية)‪ ،‬وأهم الوجبات هي الكبة واملحايش‬ ‫وغريها من الوجبات املحببة لدى أهل الشام‪ ،‬مع‬ ‫السلطات الغنية بالخضار أو التبولة والفتوش‪.‬‬ ‫ليأيت بعد ذلك أطباق الحلويات املشهورة دمشق ًيا‬ ‫كالعوامة واملشبك والكالج والنهش والقطايف‬ ‫العصافريي بالقشطة والجوز‪ ،‬والناعم (طبق‬ ‫شعبي من العجني مقيل بالزيت ومزين بالدبس)‪،‬‬


‫‪7‬‬

‫العدد‬

‫‪93‬‬ ‫‪2021 / 4 / 16‬‬ ‫كاركاتري‬

‫باإلضافة إىل الغريبة والربازق والكنافة‬ ‫والنمورة والبقالوة والهريسة واملعمول إىل‬ ‫جانب ما يتوفر يف املوسم من فواكه‪.‬‬ ‫ومن أشهر املرشوبات يف املائدة الرمضانية‬ ‫العرق سوس والتمر الهندي والقمر الدين‬ ‫والتوت الشامي وغري ذلك من الطيبات‪.‬‬ ‫لكنّ أغلب هذه العادات واملأكوالت الشهية‬ ‫واملرشوبات اللذيذة بعد صيام يوم طويل مل‬ ‫يعد مبقدور السواد األعظم من الدمشقيني‬ ‫تناولها اليوم بسبب ضيق ذات اليد‪.‬‬ ‫أما وجبة السحور التي كان الناس يعتمدون‬ ‫فيها عىل املعروك واألجبان واأللبان واملربيات‬ ‫والزيت والزعرت والبيض وبعض املعجنات‬ ‫وغريها ستقترص يف هذه الليايل الباردة كالحة‬ ‫الظالم عىل القليل من الخبز واللنب إن تو ّفر‬ ‫بعد أن وصل الكيلو غرام الواحد ما بني‬ ‫‪ 1300‬إىل ‪ 1500‬لرية‪.‬‬ ‫ويف هذه األيام الفضيلة يتقاسم الدمشقيون‬ ‫يف بيوتهم النفقات التي تزداد يف شهر الصيام‪،‬‬ ‫البعض منهم يقرتض والبعض يكتفي بالعيش‬ ‫بالقليل الذي لديه وال يشكو‪.‬‬ ‫كام يعمل أهل الرب واإلحسان يف الكثري‬ ‫من األحياء الدمشقية عىل توزيع وجبات‬ ‫إفطار وسحور مجانية أو سالل غذائية عىل‬ ‫املحتاجني واألرس املعوزة‪ ،‬مبساعدة املخاتري‬ ‫أو شيوخ الجوامع الذين يعرفون ما خفي من‬ ‫دواخل البيوت املستورة‪.‬‬ ‫ومع اشتداد تفيش وباء (كوفيد‪ )-19‬واإلعالن‬ ‫عن سالالت جديدة من الوباء القاتل‪ ،‬يتّخذ‬ ‫الناس ما أمكنهم من إجراءات ستحدُّ من‬ ‫أوارص املحبة واأللفة بني أفراد املجتمع‬ ‫السوري يف شهر رمضان املبارك‪ ،‬بعد أن كانوا‬ ‫يجتمعون مع أحبتهم وذويهم عىل موائد‬ ‫اإلفطار ويتبادلون تحيات الود واملحبة يف‬ ‫الجوامع بعد صالة الرتاويح‪.‬‬


‫طفل ومذيعة أسدية‬

‫‪8‬‬ ‫أوس المبارك‬

‫العدد‬ ‫‪93‬‬

‫‪2021 / 4 / 16‬‬ ‫مقاالت‬

‫تقف املذيعة داخل أحد األفران اآللية املؤسسة يف‬ ‫سبعينيات القرن املايض يف سوريا‪ ،‬وترى بني األيدي‬ ‫املتدافعة من الشباك الصغري يداً لطفل تحمل أربع‬ ‫بطاقات تتيح كل منها ربطة خبز واحدة للعائلة يومياً‬ ‫ال تصل إىل كيلوغرام واحد‪ ،‬فتنفعل فجأة وتشري إىل‬ ‫الكامريا لتقرتب من وجهه الذي ميتقع وهي تنهره قائلة‬ ‫“ال تغطيها بالطاقية”‪ ،‬فيقول املسؤول بجانبها “ممنوع‬ ‫أكرث من بطاقتني يف الدور للشخص”‪ ،‬ثم يتحدث آخر عن‬ ‫“مخالفة إدارية” ورضورة تنظيم “ضبط” يف ذلك‪ ،‬فرتد‬ ‫عليه “إنشالله تكون العقوبة رادعة”‪.‬‬ ‫ال توجد سابقة كهذه يف أي نظام إداري يف العامل‪ :‬أن‬ ‫يطلب مواطن أكرث مام تخصصه له دولته فيلقى عقاباً‬ ‫عىل ذلك‪ .‬ال يكفي أن يعطوه خبز بطاقتني وحسب‪،‬‬ ‫بل تجب معاقبته! كل هذا ال يحدث مع شخص بالغ‬ ‫وإمنا طفل مل يسأله أحد ملاذا هو ليس يف املدرسة‪ ،‬وملاذا‬ ‫يقف يف طابور خبز ملدة خمس ساعات وسطياً يف اليوم‬ ‫ليتدافع ويتشاجر مع البالغني! هذا مشهد إعالمي يلخص‬ ‫الوحشية األسدية‪.‬‬ ‫عندما ُ‬ ‫كنت يف الغوطة الرشقية‪ ،‬وقبل أن تنتهي فرق‬ ‫الخوذ البيضاء واملسعفون من انتشال األطفال من تحت‬ ‫الركام وإسعافهم بسبب الرباميل العشوائية امللقاة من‬ ‫املروحيات‪ ،‬كانت القنوات األسدية تأيت بخرب عاجل عن‬ ‫“استهداف مواقع إرهابيي جبهة النرصة برضبات ناجحة”‬ ‫من “نسور الدفاع الجوي”‪ .‬وقبل أن يجد األب الخارج‬ ‫طوال اليوم ما يكفي لرشاء طعام ألبنائه الذين يتضورون‬ ‫جوعاً ليوم أو يومني بسبب الحصار الذي فرضته قوات‬ ‫األسد لسنوات‪ ،‬كانت صواريخ الطائرات الحربية تأيت‬ ‫لتقتلهم وتريحهم من جوعهم‪.‬‬ ‫يصعب ترشيح انتهاكات عصابة األسد بحق األطفال‪،‬‬ ‫فهي مر ّكبة ومعقدة لحال ال يكفي معها ذكر االستهداف‬ ‫العشوايئ للمدنيني بطريقة إبادية‪ ،‬وال تصوير حال‬ ‫األطفال يف املخيامت خارج سيطرتها‪ ،‬أو يف مراكز اإليواء‬ ‫تحت سيطرتها‪ ،‬وال اإلذالل والتشويه النفيس يف مدارسها‪،‬‬ ‫وال تعذيبهم يف املعتقالت والسجون مبا ال يطيقه الكبار‪،‬‬ ‫وال اضطرارهم إىل العمل مع أهاليهم ومواجهة عامل الكبار‬ ‫امليلء يف سوريا بالتنازع والشجار عىل كل لرية يك يؤ ّمنوا‬

‫ما يس ّد رمق عائالتهم‪.‬‬ ‫هناك عامل وحيش كامل تعيشه “سوريا األسد” ال‬ ‫يستثنى منه أحد؛ ففي حني كان األفراد يلجؤون‬ ‫إىل دوائر اجتامعية ضيقة قبل بدء حرب األسد عىل‬ ‫سوريا يك يجدوا أمانهم االجتامعي يف عامل متوحش‬ ‫يصح اليوم القول إن هذه الدوائر ضاقت‬ ‫حولهم‪ّ ،‬‬ ‫أكرث من السابق‪ ،‬لتقترص عىل األقرباء ورمبا عىل‬ ‫األرسة الصغرية بعد االنهيار االقتصادي‪ ،‬وتاليش‬ ‫القدرة الرشائية ملتوسط دخل الفرد الشهري‬ ‫الذي أصبح يكفي االحتياجات األساسية لعدة أيام‬ ‫فقط‪ ،‬وندرة املواد املدعومة القليلة التي يضطر‬ ‫املواطن ليقف عىل دور ّ‬ ‫كل منها لساعات طويلة‬ ‫دون السامح له بأن يجلب لغريه بأكرث من بطاقة‬ ‫واحدة‪ ،‬عدا عن اقتصار الكهرباء يف معظم مناطق‬ ‫سيطرة األسد عىل ساعتني يومياً‪ ،‬وشلل املواصالت‬ ‫بسبب ندرة املحروقات وغالئها‪ ،‬واستغناء كثريين‬ ‫عن الغاز املنزيل واستبداله بطرائق بدائية‪ ،‬وعدم‬ ‫القدرة عىل االحتجاج بعد أن رأوا ما كان نصيب‬ ‫غريهم من االحتجاج‪.‬‬ ‫يحدث كل هذا يف مناطق سيطرة األسد التي‬ ‫مل تشهد منه انتهاكات حربية؛ مبعنى القصف‬ ‫اليومي والتجويع واستخدام األسلحة املح ّرمة‪ ،‬ويف‬ ‫تلك التي استعاد سيطرتها يف السنني األخرية‪ ،‬ومنها‬ ‫ما شهد تجويعاً وحصاراً يراه معظم من بقي فيها‬

‫ورفض التهجري أفضل حاالً مام يعيشونه اليوم‪.‬‬ ‫يف العيش املتوحش الذي تفرضه عصابات األسد ال‬ ‫وجود الستثناءات‪ ،‬ال لطفل أو مستضعف أو شيخ‬ ‫أو امرأة أو شابة وشاب مقبالن عىل الحياة‪ ،‬إال يف‬ ‫صور تجميلية تتصدرها “وردة الصحراء” مع أبناء‬ ‫قتىل قوات األسد أو جرحاها‪ ،‬وتقارير تلفزيونية‬ ‫وهم يتشكرون “السيدة األوىل” عىل منحة أو هبة‬ ‫ال تتعدى قيمتها بضعة دوالرات يف الشهر‪ .‬فيام‬ ‫يتبعها تقارير يف األسواق واملذيعة تتبع املخالفني‪،‬‬ ‫يرافقها مسؤول ليكتب الضبوط واملخالفات عىل‬ ‫من يبيع بزيادة ال تتجاوز أحياناً قيمتها عرشة‬ ‫سنتات ويتوجوها مبنظر الشمع األحمر عىل غلق‬ ‫املحل‪ ،‬وليستجوبوا أطفاالً عىل بسطات خرضاوات‬ ‫عن الفواتري أو بسطات خبز عن كيفية رسقتهم‬ ‫له من الفرن! وليستمعوا إىل شكاوى املواطنني‬ ‫وهم يتحدثون عن جشع التجار وتالعب الرصافني‬ ‫بسعر الدوالر وسوء تنظيم اإلداريني يف مؤسسات‬ ‫املواد املدعومة‪...‬‬ ‫ّ‬ ‫أما الذي أنفق كل موارد سوريا وباعها إىل قوات‬ ‫محت ّلة من أجل استمرار حربه‪ ،‬وأوصلها إىل‬ ‫االنهيار‪ ..‬فال وجود له‪ .‬املذنبون هم ذلك الطفل‬ ‫مع أربع بطاقات‪ ،‬واآلخر الذي ال ميلك الفواتري‪،‬‬ ‫والناس الذين يأكلون بعضهم بعضاً‪ ،‬وهذا الشعب‬ ‫الذي يستحقّ كل ما جرى له!‬


‫حياة معيشية مرتدية‪ ..‬ورمضان‬ ‫مصدر رزق لعشرات األسر يف ريف حلب‬

‫‪9‬‬

‫حسين الخطيب‬

‫العدد‬

‫‪93‬‬ ‫‪2021 / 4 / 16‬‬

‫إدلب الجنويب إىل مدينة مارع بريف حلب‬ ‫الشاميل‪ ،‬يقول‪ :‬إن “العمل الرمضاين متعب جداً‪،‬‬ ‫وال أستطيع أن أزاول مهنتي يف البناء‪ ،‬لذلك أعمل‬ ‫يف بيع أنواع التمور واملرشوبات‪ ،‬عىل بسطة‬ ‫صغرية ال تتجاوز مساحتها مرتاً مربعاً واحداً”‪.‬‬ ‫مضيفاً‪“ :‬أفتتح البسطة مع ساعات النهار األخرية‬ ‫قرب أحد األسواق‪ ،‬وأجني منها مربحاً جيداً‪ ،‬أفضل‬ ‫من الجلوس يف املنزل وانتظار الطعام‪ ،‬وال بد من‬ ‫أن نشارك بهجة رمضان حتى يف العمل للحصول‬ ‫عىل جزء من األجواء التي فقدناها خالل رحلة‬ ‫نزوحنا املتعبة”‪.‬‬ ‫الصحفي أبو العالء الحلبي من ريف حلب الشاميل‪،‬‬ ‫يقول ملجلة طلعنا عىل الحرية‪“ :‬الوضع املعييش‬ ‫يسء يف ريف حلب مقارنة مع األعوام السابقة‪ ،‬ال‬ ‫سيام غياب الحركة التجارية يف املنطقة‪ ،‬واعتامد‬ ‫الناس عىل مهن مامثلة لبعضها البعض‪ ،‬كام أن‬ ‫انهيار اللرية السورية وتنوع العمالت يف املنطقة‬ ‫لعب دوراً سلبياً يف أوضاع الناس املعيشية”‪.‬‬ ‫وأوضح‪“ :‬عائالت كثرية عزفت عن رشاء بعض‬ ‫األنواع من املواد الغذائية‪ ،‬وأصبحت مجرد حلم‬ ‫لهم‪ ،‬والبعض عمل عىل تخفيفها بسبب ارتفاع‬ ‫أسعارها مقارنة مع مستوى الدخل املعييش‬ ‫املتوفر”‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ويختم الحلبي بالقول‪“ :‬عموما غالبية املهن التي‬ ‫تزاولها فئة من الناس خالل شهر رمضان‪ ،‬ال توفر‬ ‫لهم احتياجاتهم كامل ًة‪ ،‬وإمنا تساعدهم عىل تحمل‬ ‫قسوة الحياة وشدتها‪ ،‬يف ظل سعيهم اإلجباري‬ ‫واملتواصل للحصول عىل حياة معيشية جيدة”‪.‬‬

‫تقارير‬

‫يعاين السوريون يف ريف حلب الشاميل من ظروف‬ ‫معيشية مرتدية‪ ،‬بالتزامن مع ندرة فرص العمل‬ ‫وعدم قدرة أرباب األرس عىل تأمني مصدر دخل‬ ‫يساعدهم عىل تحمل قسوة الحياة يف تدبر‬ ‫حاجيات أرسهم األساسية التي بات من املستحيل‬ ‫الحصول عليها يف ظل الوضع الراهن‪ ،‬وما يرافقه‬ ‫من انهيار اقتصادي تعاين منه اللرية السورية‬ ‫أمام الدوالر األمرييك وفارق كبري بني أجر العامل‬ ‫وأسعار االحتياجات األساسية التي من الواجب‬ ‫رب األرسة توفريها‪.‬‬ ‫عىل ّ‬ ‫ويبدو أن فئة كبرية من الناس تعاين من ضنك‬ ‫العيش‪ ،‬يف ّ‬ ‫ظل فقر مدقع؛ حيث هم ال يقدرون‬ ‫عىل توفري أمورهم املعيشية‪ ،‬التي تتمثل يف أدىن‬ ‫الحاجيات األساسية التي تبحث عنها األرس‪.‬‬ ‫ومع دخول شهر رمضان الذي ميتاز بطقوس وأجواء‬ ‫مختلفة‪ ،‬غاب البعض منها يف ظل تردي األوضاع‬ ‫املعيشية‪ ،‬التي أثرت بشكل ما عىل استقبال األرس‬ ‫للشهر‪ .‬يف حني ينظر آخرون إىل هذا الشهر من‬ ‫جانب آخر يف توفري فرصة عمل لهم كباعة جوالني‬ ‫أو عرب بسطات مصطفة أمام األسواق وعىل أرصفة‬ ‫الشوارع لبيع املأكوالت واملرشوبات الرمضانية‪.‬‬ ‫التقت مجلة طلعنا عىل الحرية مصطفى‬ ‫املحمود‪ ،‬يف اليوم األول من شهر رمضان‪ ،‬وهو‬ ‫بائع مرشوبات رمضانية متنوعة يف أسواق مدينة‬ ‫اعزاز بريف حلب الشاميل‪ ،‬والذي حدثنا عن عمله‬ ‫الرمضاين‪ ،‬املختلف متاماً عن عمله خالل األيام‬ ‫العادية باقي أيام السنة‪.‬‬ ‫يقول الرجل خالل حديثه‪“ :‬عميل خالل األيام‬ ‫العادية هو بيع الخرضوات عىل سيارة صغرية يف‬ ‫أحياء مدينة اعزاز‪ ،‬إال أنني مع بداية شهر رمضان‬ ‫من كل عام أفتح بسطة عىل قارعة أحد األسواق‬ ‫يف املدينة لبيع املرشوبات الرمضانية‪ ،‬التي يزداد‬ ‫اإلقبال عليها خالل هذا الشهر”‪.‬‬ ‫ويضيف‪“ :‬الوضع املعييش مرت ٍد جداً‪ ،‬والعمل‬ ‫خالل شهر رمضان صعب وخاص ًة أن هذا الشهر‬ ‫يكرث فيه الرصف‪ ،‬لذلك وجدت أنني بحاجة إىل‬

‫عمل قد يساهم يف توفري‬ ‫مصدر دخل آخر ألرسيت مع‬ ‫نقص االحتياجات‪ ،‬وصعوبة‬ ‫توفريها”‪ ،‬موضحاً أنه يحرض‬ ‫املرشوبات الرمضانية خالل‬ ‫النهار‪ ،‬وهي التوت الشامي‬ ‫والتمر الهندي والسوس‬ ‫وهي األكرث رواجاً يف املنطقة‪،‬‬ ‫ويختم‪“ :‬توفر يل هذه البسطة مصدر دخل‬ ‫يعينني عىل تحمل أعباء الحياة”‪.‬‬ ‫يزاول الكثري من الرجال وأرباب األرس بريف حلب‬ ‫مهناً متنوعة خالل شهر رمضان‪ ،‬ع ّلهم يحسنون‬ ‫مصدر دخلهم؛ فمنهم يف حقيقة األمر من ال‬ ‫يوجد لديه عمل محدد‪ ،‬ويعمل كلام سمحت له‬ ‫الفرصة‪ ،‬ومنهم من لديه عمل لكنه يزاول مهنة‬ ‫بيع املأكوالت الرمضانية لكسب القليل من الرزق‪.‬‬ ‫صاحب إحدى البسطات الجوالة لبيع املعجنات‬ ‫“الكعك” يف مدينة اعزاز‪ ،‬يدعى أحمد رحمو‪،‬‬ ‫وهو شاب عرشيني‪ ،‬يتجول بعربة يبيع عليها‬ ‫الكعك للامرة‪ ،‬وال ميلك عم ًال دامئاً‪ .‬يعمل يف األيام‬ ‫العادية يف العتالة‪ ،‬لكن خالل شهر رمضان يبدو‬ ‫هذا العمل مرهقاً ومتعباً فيلجأ للعمل يف بسطته‪.‬‬ ‫يقول الشاب لطلعنا عىل الحرية‪“ :‬اتفقت مع أحد‬ ‫أصحاب املتاجر التي تصنع الكعك وتبيعه‪ ،‬للعمل‬ ‫معه مقابل نسبة‪ ،‬وبدأت العمل معه منذ اليوم‬ ‫األول من رمضان‪ ،‬أبيع بنسبة ‪ 40%‬عىل املبيعات‪،‬‬ ‫ويف نهاية اليوم أحصل عىل حصتي”‪.‬‬ ‫يضيف‪ :‬حاولت أوسع نطاق عميل من خالل‬ ‫التجوال يف األسواق‪ ،‬إال أنني يف الحقيقة مل أحقق‬ ‫النسبة املطلوبة من البيع ألن الكثري من الناس‬ ‫تزاول هذه املهنة‪ ،‬لذلك توقفت بجانب أحد‬ ‫مواقف السيارات يف مدينة اعزاز أنتظر الزبائن”‪.‬‬ ‫وأوضح‪“ :‬الرشاء ضعيف جداً وإقبال الناس عىل‬ ‫رشاء املأكوالت الرمضانية مل يعد مثل السابق‪،‬‬ ‫ألنهم هم أيضاً يعانون مثيل”‪.‬‬ ‫من جهته محمود جهجاه وهو نازح من ريف‬


‫ثالثة أعوام‪ ..‬والروح هناك‬ ‫‪10‬‬ ‫قصي األحمد‬ ‫هناك‪..‬‬ ‫العدد‬

‫‪93‬‬

‫يف تلك البقعة الجغرافية الصغرية‪ ،‬والتي ال تكاد ُترى عىل الخارطة‪ ،‬كان‬ ‫يعيش بها ما يقارب ‪ 400‬ألف إنسان‪ ،‬محارصين من جهاتهم األربع‪.‬‬ ‫هناك‪ ..‬حيث كانت تجتمع املتناقضات؛ يجتمع الخوف والشجاعة‪،‬‬ ‫اليأس واألمل‪ ،‬التعب واإلرصار‪ ،‬القلة والربكة‪ ،‬الجوع والقناعة‪ ،‬رائحة‬ ‫املوت ورائحة الحياة!‬

‫‪2021 / 4 / 16‬‬

‫لن أتحدث هنا عن تاريخ الغوطة الثوري‪ ،‬ولن أتحدث أيضاً عن مجازر‬ ‫اإلبادة التي ارتكبها النظام السوري وحلفاؤه‪ ،‬فهي معروفة أيضاً‪.‬‬ ‫لكني سأتحدث عن شهر‪ ،‬أيامه تختلف عن تلك األيام التي اعتادها‬ ‫العامل‪..‬‬

‫هل سمعتم بشهر يومه كشهر؟!‬

‫أمنية واحدة‬

‫معها من عاشوا فيها أيضاً!‬

‫املر ّقد بدل خبز الشعري‪ ،‬وال بوجبة كنتايك بدل‬ ‫السبانخ املسلوقة‪ ،‬وال مبنزل تضاء فيه املصابيح‬ ‫بدل ضوء “الليدات” الخافت‪ ،‬وال بدولة يحكمها‬ ‫القانون بدل الفرد األوحد‪ ،‬وال حتى مبستقبل‬ ‫مرشق لنا وألرسنا‪..‬‬ ‫إن أمنياتنا يف ذلك الشهر اختزلت جميعها يف‬ ‫أمنية واحدة‪ ،‬أن ال يعلق الواحد منا بني أنياب‬ ‫املوت ومخالب اإلصابة‪ ،‬يف محيط ميتلئ بهام‪..‬‬ ‫كم هو مؤمل أال تستطيع الخروج لتدفن الشهيد‬ ‫يف مقربة الشهداء الذين سبقوه قبل ذلك الشهر‪،‬‬ ‫فتضطر لدفنه بني األحياء‪ ،‬ومن يدري‪ ..‬لرمبا‬ ‫يتحول املكان الذي فيه شهيد واحد‪ ،‬ملقربة‬ ‫جامعية بعد حني‪.‬‬ ‫واملؤمل أكرث‪ ،‬أن يتحول الجريح إىل مرشوع شهيد‪،‬‬ ‫وهو يف األحوال العادية أقرب إىل الحياة منه إىل‬ ‫املامت‪ ،‬ولكن القدر شاء أن يصاب يف ذلك الشهر‬ ‫الذي غري كل املوازين‪.‬‬ ‫وحني أتحدث عن األمل هناك‪ ،‬فإين أتحدث عن‬ ‫األمل الذي يرافقه ذهول‪ ،‬والذي ُيدخل اإلنسان‬ ‫يف صدمة‪ ،‬يصحو بعدها ليتجرع مرارة األمل‪،‬‬ ‫كاملريض الذي يستفيق من عملية أجريت له‬ ‫تحت التخدير‪.‬‬

‫يف ذلك الشهر امليلء بالصخب والضجيج الذي‬ ‫غالبا ما يكون مصحوباً باملوت‪ ،‬كنا نفتقد‬ ‫لضجيج من نوع آخر؛ ضجيج يحمل معه دفء‬ ‫وحالوة الحياة‪ ،‬وكان يعيدنا –قبل ذلك الشهر‪-‬‬ ‫إىل الفطرة السليمة التي خلقنا الله عليها‪.‬‬ ‫لقد أصبح ضجيجهم خافتاً‪ ،‬وتحول من ضجيج‬ ‫ميلء بالفرح إىل آخر ميلء بالخوف والرعب‪،‬‬ ‫ال ألن خوف الكبار رسى إىل نفوسهم الغضة‬ ‫فيم يختبئون‪،‬‬ ‫فحسب‪ ،‬لكن ألنهم ال يعرفون َ‬ ‫وملاذا ُيقتلون؟! وهم مل يرتكبوا بعد ذنباً يف‬ ‫هذه الحياة‪ ،‬ولكن من يدري‪ ،‬لعل هناك ذنباً‬ ‫مل ندركه حينها‪ ،‬وهو أن هؤالء الصغار عاشوا‬ ‫لبضع سنوات بعيداً عن حظرية نظام األسد‪ ،‬ورمبا‬ ‫ترسبت لنفوسهم فكرة ما عن الحرية والكرامة‬ ‫التي كنا ننشد‪ ،‬فاستحقوا بذلك الرعب والخوف‪،‬‬ ‫بل القتل‪!..‬‬

‫مل نعد نحلم ‪-‬كام كنا قبل ذلك الشهر‪ -‬بالخبز هذا هو ذنب األطفال!‬

‫مقاالت‬

‫يهتم اإلنسان ألمر ما‪ ،‬يتباطأ عداد الوقت يف نفسه‪ ،‬ألنه‬ ‫رمبا حينام ُّ‬ ‫الهم عىل نفس من األنفس‪ ،‬ثقل عىل‬ ‫كام يقول الرافعي‪“ :-‬متى ثقل ُّ‬‫ساعتها التي تكون فيها‪ ،‬فتطول كآبتها ويطول وقتها جميعاً‪ ،‬وال طبيعة‬ ‫للزمن إال طبيعة الشعور به”‪.‬‬ ‫يف مساء ‪ 18‬من شهر شباط‪ ،2018 /‬بدأ عداد الزمن يتغري يف الغوطة‬ ‫الرشقية؛ عندما بدأت صواريخ الغراد تتساقط بكثافة عىل أحد املدن‪،‬‬ ‫حينام ا ُتخذ قرار بكرس إرادة األهايل هناك‪ ..‬باملوت‪..‬‬ ‫وأي موت؟ إنه املوت خوفاً ورعباً! وحينام ميوت اإلنسان بالخوف‪ ،‬فإنه مثلام أخربنا جدي!‬ ‫يف ذلك الشهر كانت معامل الغوطة تتغري ساعة‬ ‫ميوت مرتني‪ ،‬مرة بانتظار املوت‪ ،‬ومرة بخروج الروح‪.‬‬ ‫طائرات ومدافع وصواريخ‪ ،‬تريد جعل كل ما هو حي ميتاً‬ ‫بعد أخرى عائدة إىل الوراء‪ ،‬إىل ذلك الوقت الذي‬ ‫كان أول ما بدأ به القاتل‪ ،‬املشايف! املشايف التي يتباهى العامل املتحرض كان يخربنا عنه جدي “يا بني‪ ..‬قبل ستني سنة مل‬ ‫مبدى تقدمها وتطورها‪ ،‬والتي تستخدم إلحياء النفس وإصالح الجسد‪ ..‬يكن كل هذا البناء موجوداً”‪.‬‬ ‫هناك يف الغوطة‪ ..‬دمرها القاتل‪ ،‬يف رسالة سادية منه‪ ،‬أن السبيل هناك وكان يحدثنا عن احتالل الفرنسيني لبالدنا‪،‬‬ ‫وأن بيته ومسجد الحي ظال واقفني طيلة فرتة‬ ‫إىل الحياة‪.‬‬ ‫االحتالل‪ ،‬ومل يد ّمرا إال عىل يدي رئيس ظن أن‬ ‫مقربة لألحياء!‬ ‫أصبح باطن األرض الذي ُيدفن فيه األموات عاد ًة‪ ،‬مالذاً لألحياء‪ ،‬فكان طريق القدس مير من فوق منازل وجثث شعبه!‬ ‫الناس يحفرون يف األرض ليس لدفن املوىت‪ ،‬وإمنا إلنقاذ أجساد مل لقد سويت آالف املنازل باألرض‪ ،‬آخذة معها‬ ‫تفارقها أرواحها بعد‪ .‬وغدا كل قبو وملجأ أشبه ما يكون مبقربة جامعية أحالم وذكريات من عاشوا فيها‪ ،‬وكثرياً ما أخذت‬ ‫يختبئ فيه عدد من األحياء‪ ..‬ليس املهم ما يلبسون أو يأكلون‪ ،‬وال فرق‬ ‫هناك بني غني أو فقري‪ ،‬أو كبري أو صغري‪ ،‬ما يجمع هؤالء كلهم هو‬ ‫وحدة املصري الذي ينتظرهم‪.‬‬ ‫جميع الفروق التي تضعها عادة قوانني الحياة ذابت يف شهر خرج من‬ ‫تراتبية أشهر السنة‪ ،‬ليكون نظاماً وقوانني وأعراف‪ ،‬بل حتى أمنيات‬ ‫خاصة به وحده؛ فلم يعد الواحد منا يتمنى كام اإلنسان العادي يف أي‬ ‫دولة يحكمها ديكتاتور‪ ،‬حيث إن الفرق بيننا وبينه حينها‪ ،‬كالفرق بينه‬ ‫وبني أي إنسان آخر يعيش يف دولة تعترب تلك األمنيات حقاً من حقوقه‬ ‫عليها أن تعطيها له‪.‬‬

‫و‪ ..‬كياموي!‬

‫مل يبق لنا يف نهاية هذا الشهر إال القليل من‬ ‫الهواء لنتنفسه‪ ،‬لكن جشع القاتل أىب أن يرتك‬ ‫لنا ذلك الهواء‪ ،‬فلوثه بالغازات الكياموية ليحصد‬ ‫به مئات األرواح األخرى‪ ،‬ع ّله يروي بها غريزة‬ ‫االنتقام من أناس حاولوا زعزعة مفهوم “األبد”‪.‬‬

‫لكن الروح ال زالت هناك‬

‫بعد كل هذا‪ ..‬أجربونا عىل الرحيل‪ ،‬نحن أبناء‬ ‫األرض‪ ،‬مل نرتكب ذنباً إال أننا أردنا أن نحيا‬ ‫بكرامة‪.‬‬ ‫لقد تم اقتالعنا من أرضنا‪ ،‬وتهجرينا بحافالت‬ ‫أقرب ما تكون إىل التوابيت التي ينقل بها جسد‬ ‫امليت إىل مثواه األخري‪ ،‬لكن الروح بقيت هناك‪،‬‬ ‫والجسد هو الذي فارقها‪.‬‬ ‫بدأت القافلة باملسري‪ ،‬حاملة جسدي‪ ،‬والروح‬ ‫الزالت هناك‪...‬‬


‫ثالث مقابالت مع مجال معروف‬

‫‪11‬‬

‫مصعب الحمادي‬

‫العدد‬

‫‪93‬‬

‫اللقاء الثالث مع جامل معروف كان عام‬ ‫‪ 2019‬قبل مغادريت تركيا بفرت ٍة قصرية‪.‬‬ ‫ريفي ٍّ‬ ‫رث‬ ‫بيت‬ ‫زرت الثوريّ املتقاعد يف ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ومتداع يف إحدى قرى أنطاكيا املعزولة‪ ،‬وقد‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫وانفض عنه أتباعه‪ ،‬ونسيه‬ ‫ذهب بريقه‪،‬‬ ‫الجميع‪ ،‬وما عاد ليسأل عنه أحد‪ .‬حتى‬ ‫الحكومة الرتكية يبدو أنها مل تنجح بتطويعه‬ ‫فرتكته ميوت ببطء ويدخل يف عامل النسيان‬ ‫واإلهامل‪ .‬وواقع األمر أن تركيا وغريها‬ ‫من الدول وجدوا لهم من األذيال واملطايا‬ ‫من هم أصلح من جامل معروف لتنفيذ‬ ‫أجندات تلك الدول‪ ،‬عىل حساب الثورة التي‬ ‫مل يعد يكرتث بها أحد‪.‬‬ ‫أما املعارضة يف اسطنبول‪ ،‬والتي كان من‬

‫وعىل هذا الحال هم الثوار الحقيقيون‬ ‫اليوم‪ ،‬وما جامل معروف إال ع ّين ًة ممتاز ًة‬ ‫عنهم‪ ،‬وتجسيداً حزيناً ملصري ثورة الكرامة‪.‬‬ ‫ما أغىل الكرامة!‬ ‫دفع ألجلها!‬ ‫وما أفدح الثمن الذي ُي ُ‬

‫مقاالت‬

‫التقيت جامل معروف أول مرة عام ‪ 2012‬يف بيته يف قرية دير‬ ‫سنبل يف جبل الزاوية يف إدلب‪ .‬كانت الثورة يف أوج اشتعالها‪،‬‬ ‫وكان الجيش الحر سيد األرض‪ .‬ومع أن جبل الزاوية كان ال‬ ‫يخلو من خاليا تنظيم القاعدة‪ ،‬وكتائب أحرار الشام املتط ّرفة‪،‬‬ ‫إال أن الجبل بقي بفضل حامية جامل معروف‪ ،‬حصناً منيعاً‬ ‫للثورة وللنشطاء والصحفيني‪ ،‬وحتى املراسلني األجانب‪.‬‬ ‫دخلت بيت جامل املتواضع مع زميلٍ أمري ّ‬ ‫ُ‬ ‫يك‬ ‫أذكر يومها كيف‬ ‫راح يطرح عليه أسئل ًة صعبة بينام يجيب جامل بثق ٍة وهدوء‬ ‫وعفوية‪ ،‬كام لو أنه أمىض حياته يف التد ّرب عىل املؤمترات‬ ‫الصحفية‪.‬‬ ‫كان املشهد يف الغرفة التي تم استقبالنا بها ٌ‬ ‫غاية يف البساطة‪.‬‬ ‫كريس بالستييك وراء طاولة معدنية وجلست‬ ‫جلس جامل عىل ّ‬ ‫وزمييل عىل األرض متوسطني مجموع ًة من الرجال‪ ،‬معظمهم‬ ‫مدنيون يلبسون أزيا ًء تقليدية مام يلبسه أهل الجبل؛ حتى‬ ‫إن واحداً من الرجال املتقدمني بالسنّ قلي ًال كان يسارع أحياناً‬ ‫باإلجابة عىل أسئلة زمييل قبل أن يبدأ جامل بالكالم‪ ،‬ويف‬ ‫أحيانٍ أخرى كان يقاطعه أثناء الحديث ليعطي هو الجواب‬ ‫الذي يريد‪ .‬أظن اآلن أن الرجل كان والد جامل معروف أو‬ ‫ع ّمه‪ .‬كان املوقف عفوياً ومضحكاً لكنه كان رائعاً ونق ّياً‪.‬‬ ‫فالثورة هكذا كانت‪ :‬عفوية شعبية بسيطة نابعة من أصل‬ ‫األرض‪ ،‬ومن السهل أليٍّ كان التحدّث عنها‪ ،‬وتربير أسبابها‪.‬‬ ‫التقيت جامل معروف للم ّرة الثانية عام ‪ 2014‬يف مدينة‬ ‫الريحانية الرتكية‪ .‬كان قد هرب لت ّوه من سوريا مهزوماً أمام‬ ‫واع متاماً‬ ‫زحف تنظيم القاعدة‪ .‬كان جامل يبدو مصدوماً وغري ٍ‬

‫للذي جرى معه‪ ،‬لكنّه كان ما يزال يحظى‬ ‫بالكثري من املح ّبني واألتباع الذين ازدحمت‬ ‫بهم ش ّقته يف تلك املدينة الحدودية‪ّ .‬‬ ‫ولعل‬ ‫جامل يف تلك الفرتة كان ما يزال يحظى‬ ‫خاصة من الحكومة الرتكية‪ ،‬التي‬ ‫مبعاملة ّ‬ ‫وإن راقبت القاعدة بسعادة وهي تقيض‬ ‫عىل فصائل الجيش الح ّر‪ ،‬إال أنها مل ترتدد مع‬ ‫ذلك باستقبال القادة ا ُملنسحبني من املعركة‬ ‫عىل أراضيها‪ ،‬واإلبقاء عىل االتصاالت قامئة‬ ‫معهم لغرض االستفادة منهم الحقاً‪.‬‬

‫املفرتض بها كجه ٍة رشعية االهتامم بجامل‬ ‫ورفاقه فقد قاست املسافة بينها وبني جامل‬ ‫باملسطرة الرتكية‪ ،‬ومل ُت ِعر جامل معروف أي‬ ‫اهتامم‪.‬‬ ‫وبخصوص تلك الفئة العريضة من السكان‬ ‫التي أيدت جامل معروف يوماً فقد‬ ‫قسم انتهى نازحاً يف‬ ‫انقسمت لقسمني‪ٌ :‬‬ ‫الداخل السوري عىل الحدود مع تركيا‪،‬‬ ‫وقسم آخر ركب قوارب املوت إىل بلدان‬ ‫ٌ‬ ‫اللجوء يف أوروبا‪.‬‬ ‫شجاع كجامل‬ ‫وطني‬ ‫وهكذا صار حال ثائ ٍر‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫معروف كحال ذلك البدويّ الذي ط ُعن يف‬ ‫السنّ ‪ ،‬وذهب ما ُله‪ ،‬وهجرته نساؤه‪ ،‬ومل‬ ‫يعد يسأل عنه أحدٌ ‪ ،‬فأنشد يقول من حرق ٍة‬ ‫وأمل‪:‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫أصبحت بعد زمانك املايض الذي‬ ‫بت شبيبتُه وغصنك أخرضُ‬ ‫َذهَ ْ‬ ‫كه ًال ِدعامتك العصا و ُمش َّيعاً‬ ‫ال تنتظ ْر خرباً وال ُتستخ ُرب‬

‫‪2021 / 4 / 16‬‬

‫بإمكاننا أن نتكلم عن الثورة الشعبية ض ّد نظام األسد من‬ ‫أوج ٍه كثرية؛ فالرسديات متنوعة ومتناقضة أحياناً‪ ،‬ولذلك‬ ‫يصعب ع ّمن مل تعركه الثورة كمغامرة أن يفهم ما جرى‬ ‫بالضبط‪ ،‬أو عىل األقل رضورة ما جرى من أساسه‪ ،‬وإن كانت‬ ‫الثورة بح ّد ذاتها هي التي جلبت كل هذا الركام‪ ،‬أم أن‬ ‫للعوامل الدولية كلمتها‪ ،‬وللتدخالت الخارجية إرادتها‪.‬‬ ‫وتبسيطي ملآالت‬ ‫رشح مبت َ​َس‬ ‫ّ‬ ‫سأحاول يف هذا املقال تقديم ٍ‬ ‫الثورة من خالل ثالث مقابالت أجريتها مع جامل معروف‪،‬‬ ‫قائد ألوية شهداء سوريا‪ ،‬وأحد أهم القادة الشعب ّيني الذي‬ ‫مي ّثلون برباءة مواقفهم‪ ،‬وفداحة خساراتهم املصري املحزن‬ ‫الذي آلت إليه الثورة بعد عرش سنني من انطالقتها‪.‬‬


‫‪12‬‬

‫اجملتمع والتقاليد يفرض‬ ‫“اإلجناب املبكر” رغم أخطاره‬ ‫شمس الدين مطعون‬

‫العدد‬

‫‪93‬‬ ‫‪2021 / 4 / 16‬‬ ‫تقارير‬

‫منذ الرابعة صباحاً وحتى الساعة الحادية عرشة‬ ‫بعد الظهر كانت السيدة “سها” (‪ 21‬عاماً) تعاين‬ ‫آالم املخاض يف إحدى مشايف التوليد يف محافظة‬ ‫إدلب لتضع طفلتها الثانية‪ ،‬وتنهي حملها الرابع‬ ‫بعد مرور خمس سنوات فقط عىل زواجها‪.‬‬ ‫تقول سها‪“ :‬كانت آالم الوالدة يف هذه املرة صعبة‬ ‫جداً‪ ،‬وتعرضت لنزيف حاد”‪ ،‬وتتابع وهي تنظر‬ ‫إىل طفلتها الصغرية وتضمها لصدرها بابتسامة‬ ‫متعبة‪“ :‬الحمد لله هذه املرة نجوت مع طفلتي”‪.‬‬ ‫كانت ُسها قد أجهضت حملها املايض قبل عام‪ ،‬كام‬ ‫وضعت طف ًال قبلها بعام ونصف تقريباً‪ ،‬تويف بعد‬ ‫يومني فقط من والدته‪.‬‬ ‫تزوجت ُسها يف سن مبكرة‪ ،‬وقررت مع زوجها‬ ‫عدم اإلنجاب إال بعد مرور ‪ 3‬سنوات عىل األقل‬ ‫من زواجهام‪ ،‬ولكن رسعان ما اضطرت للرتاجع عن‬ ‫هذا القرار وأنجبت طفلتها األوىل بعد سنة واحدة‬ ‫فقط من زواجها‪.‬‬ ‫تروي ُسها أنه بعد زواجها بشهر واحد بدأ الهمز‬ ‫واللمز عليها من جاراتها واألقارب‪“ :‬إن شاء الله‬ ‫بقومتك بالهنا”‪“ ،‬شو مالك مخبي يش؟”‪“ ،‬بعرف‬ ‫دكتورة شاطرة إذا بدك”‪ ..‬كانت هذه العبارات‬ ‫ترتدد عىل مسامعها ح ّد االختناق‪ ،‬لتطالب زوجها‬ ‫بقرار اإلنجاب‪“ :‬مل أعد أحتمل كالم الناس‪ ،‬ورغم‬ ‫صغر سني‪ ،‬وتحذير الطبيبة يل أن الحمل ممكن‬ ‫مرصة عىل اإلنجاب‪،‬‬ ‫أن يؤثر عىل جسدي‪ ،‬أصبحت ّ‬ ‫وبعد شهرين فقط من زواجي كنت حامال”‪ً.‬‬ ‫تعاين ُسها من مرض الضغط وترسع القلب‪،‬‬ ‫وأصيبت بدوايل القدمني وفقر الدم‪ ،‬وكام أخربتها‬ ‫طبيبة التوليد‪ ،‬فإن هذه املضاعفات جاءت نتيجة‬ ‫الحمل املتكرر يف سن صغرية‪.‬‬ ‫املولود الذكر‪:‬‬ ‫أنجبت “سناء” طفلتها األوىل بعد زواجها بعرشة‬ ‫أشهر فقط‪ ،‬وكانت بعمر ‪ 18‬عاماً‪ ،‬لتقرر بعدها‬ ‫عدم اإلنجاب بسبب الصعوبة التي عاشتها يف‬ ‫املخاض وطيلة فرتة حملها‪.‬‬ ‫“يف بادئ األمر كانت أمي تعتني بطفلتي‪ ،‬وعندما‬ ‫تبيك كنت أبيك معها‪ ..‬مل أكن أدرك معنى األمومة‬

‫وكان ذلك صعب جداً” تقول سناء‪.‬‬ ‫رسعان ما وجدت سناء نفسها أماً لثالث بنات‪،‬‬ ‫فـ”املجتمع وكالم الناس ال يرحم” كام تقول؛‬ ‫وتروي السيدة أنها عندما كانت يف فرتة نقاهتها‬ ‫بعد والدتها األوىل‪ ،‬بدأ الجميع من حولها يلقي‬ ‫عىل مسامعها عبارات‪“ :‬إن شاء الله بصبي عندك”‪،‬‬ ‫“زينها بصبي”‪“ ،‬جيبيهن كلهن وريحي راسك”!‬ ‫وأرصت أم زوجها عىل أنها ال تنجب الذكور‪ ،‬وقالت‬ ‫لها متحدية “إذا ما جبتي الصبي مالك قعدة عنا”!‬ ‫ُتيض سناء فرتة حملها الرابع بعد أن أنجبت ثالث‬ ‫بنات مبدة ال تتجاوز ثالث سنوات ونصف‪ ،‬وتأمل‬ ‫أن ترزق مبولود ذكر‪ ،‬ليك ترتاح من عناء الحمل‬ ‫الذي تسبب لها بعدة مشاكل صحية‪“ :‬البد أن‬ ‫أنجب الصبي يك ال يتزوج زوجي أخرى”!‬ ‫عدم اإلنجاب برسعة = مرض‬ ‫تقول “دعاء” (‪ 17‬عاماً) والتي مىض عام واحد‬ ‫عىل زواجها إنها زارت حتى األن خمسة أخصائيني‬ ‫باألمراض النسائية والتوليد‪ ،‬وأجرت عرشات‬ ‫التحاليل ليك تحمل‪ ،‬ولكن دون جدوى‪.‬‬ ‫أثبتت جميع التحاليل التي أجرتها دعاء أنها ال‬ ‫تعاين من أي مشكلة عضوية‪ ،‬كام قال األطباء‬ ‫إن حملها مسألة وقت ال أكرث‪ ،‬ولكن عائلتها مل‬ ‫تقتنع بآراء األطباء‪ ،‬مبن فيهم أمها‪ ،‬التي تقول إنها‬ ‫حملت وهي بعمر ‪ 15‬عاماً وكل أخوات دعاء‬ ‫حملوا مبثل سنها‪.‬‬ ‫تقول دعاء‪“ :‬مل أعد أحتمل كالم زوجي والعائلة‬ ‫التي تعاملني عىل أنني مريضة‪ ،‬ودامئاً أهدد‬ ‫بالطالق‪ ،‬أو بأن يتزوج زوجي بأخرى‪ ،‬لذلك‬ ‫أنا مضطرة لتناول عرشات األدوية يومياً‪ ،‬من‬ ‫املقويات وغريها”‪.‬‬ ‫رأي الطب‪:‬‬ ‫تجيب الدكتورة “منى الصادق” أخصائية أمراض‬ ‫نسائية وتوليد يف إدلب أنه ليس لألمراض العضوية‬ ‫عالقة بتأخر الحمل‪ ،‬وبأن اإلجراءات االستقصائية‬ ‫يف حال تأخر الحمل يلزم اتخاذها بعد سنة من‬ ‫الزواج عىل األقل وللنساء بعمر ‪ 18‬فام فوق‪.‬‬ ‫وتقول د‪ .‬الصادق إنه ملثل حالة مجتمعاتنا يجب‬

‫عدم اتخاذ أي وسيلة ملنع الحمل األول من أجل‬ ‫االستقرار النفيس لألرسة‪“ ،‬وعىل عكس ما يشاع‬ ‫فإن استخدام وسائل منع الحمل يف بداية الزواج‬ ‫ليس لها أي تأثري عىل الحمل مستقب ًال”‪.‬‬ ‫وتوضح الطبيبة أن الحمل يف سن مبكرة وخاصة‬ ‫للنساء ذوات البنية الجسمية الضعيفة من املمكن‬ ‫أن يتسبب بنقص يف بعض العنارص املهمة لجسمها‬ ‫وعىل صحة جنينها أيضاً‪.‬‬ ‫الصحة اإلنجابية “إدلب”‬ ‫كام أثبتت الدراسات أن ‪ 88%‬من املتزوجات يف‬ ‫سن املراهقة يواجهن صعوبة كبرية يف الحمل‪،‬‬ ‫منها اإلجهاض والنزف والوالدة املتعرثة بحسب‬ ‫الطبيبة “بتول الخرض” مسؤولة الصحة اإلنجابية‬ ‫مبديرية صحة إدلب‪.‬‬ ‫وتقول د‪ .‬الخرض إن “الحمل يف سن مبكرة قد‬ ‫يؤدي إىل والدة طفل هزيل أو وفاة الجنني” حيث‬ ‫يزداد معدل وفيات الرضع واألطفال تحت سن‬ ‫الخامسة عند هذه الفئة العمرية من األمهات‪.‬‬ ‫تحدد منظمة الصحة العاملية العمر األنسب‬ ‫للحمل بني ‪ 20-35‬عاماً‪ ،‬كام يجب أن تكون نسبة‬ ‫التباعد بني الوالدات بني ‪ 5 - 3‬سنوات‪.‬‬ ‫وتجري الصحة اإلنجابية بإدلب بالتعاون مع‬ ‫عامل الصحة املجتمعية ‪ CHW‬زيارات للمنازل‬ ‫واملخيامت بهدف توعية النساء الحوامل‪ ،‬من خالل‬ ‫تحديد الغذاء والدواء الالزم‪ ،‬وطرق تنظيم األرسة‪،‬‬ ‫مبناقشة السيدة بوسائل منع الحمل واملضاعفات‬ ‫التي من املمكن أن تنتج عنها وتحديد الوسيلة‬ ‫األنسب‪.‬‬


‫يف ضرورات النقد ومستوياته‬

‫‪....‬‬

‫‪13‬‬

‫تتمة من صفحة ‪3‬‬

‫العدد‬

‫‪93‬‬ ‫‪2021 / 4 / 16‬‬

‫ال تزيد التفكري إال انغالقاً والحوار إال انسداداً‪ ،‬وال‬ ‫تفيض إال بالحقد والكراهية والتنافس السقيم‪.‬‬ ‫وحتى عىل صفحات الكتّاب واملثقفني األكرث تنوراً‬ ‫من الصعب أن نرى اليوم إال لوناً واحداً وصفاً‬ ‫واحداً من املصفقني‪.‬‬ ‫لقد بدأت هذه السريورة منذ عرش سنوات‪ ،‬عمر‬ ‫الثورة السورية‪ ،‬وعمر الربيع العريب الذي تزامن‬ ‫مع ثورة السوشيال ميديا‪ ،‬عندما برزت األنوات‬ ‫املغمورة وانتفخت شيئاً فشيئاً لتعيد إنتاج صورة‬ ‫السلطة التي ثارت ضدها يف رفضها لالختالف‬ ‫والنقد ورفضها لآلخر‪.‬‬

‫شيئاً فشيئاً بدأنا نرى مشاريع مستبدين‬ ‫صغار جدد تتشكل أمام أعيننا عىل الشاشات‪،‬‬ ‫مستبدون يحبون العسكر‪ ،‬ويربرون التطرف‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وينظرون للتدخالت الخارجية‪ .‬واملفكر الحر‬ ‫صار ميارس التقريع والطرد‪ ،‬صار تقريع الخصوم‬ ‫وتغنيج التابعني والتابعات منهجاً متبعاً‪ ،‬وهذا‬ ‫الغزل باألتباع املخلصني ال يعرب يف الغالب عن‬ ‫حب أو احرتام مبقدار ما ينطوي عىل ما يشبه‬ ‫الرشوة املعنوية بغية تأبيد التعلق والتبعية‪،‬‬ ‫فالنجم يف هذا الجو املشحون يحتاج دامئاً إىل‬ ‫التصفيق ال إلرضاء غروره ونرجسيته فقط‪ ،‬إمنا‬

‫لتحصني نفسه وحاميتها من هجامت محتملة‪.‬‬ ‫وهكذا عدنا إىل ما قبل نقطة البداية؛ التمرتس‪،‬‬ ‫إلغاء التفكري والنقد والتفاعل والتحاور‪ ،‬تذويب‬ ‫الفرد يف الجامعة‪ ،‬إلغاء فرادة اإلنسان وحريته‬ ‫واستقالله‪“ ،‬مجتمعات” منفصلة تساهم يف‬ ‫هدم املجتمع الواحد‪ ،‬فردوية أنانية بدون أفراد‬ ‫مختلفني‪ ،‬واستذكر هنا كلامت راهنة للراحل‬ ‫إلياس مرقص‪“ :‬دميقراطية بال دميقراطيني‪ ،‬تغيري‬ ‫بال تغاير‪ ،‬تاريخ بال تفاوت‪ ،‬ال يعزّز إال التطرف‬ ‫األيديولوجي واالحتقان االجتامعي واالستبداد‬ ‫السيايس”‪.‬‬

‫كاركاتري‬


‫بني غالء وحنني‪..‬‬ ‫نازحات مشال غرب سوريا يستقبلن‬ ‫رمضان بطرق يفرضها الواقع!‬

‫‪14‬‬ ‫هاديا منصور‬

‫العدد‬

‫‪93‬‬ ‫‪2021 / 4 / 16‬‬ ‫تقارير‬

‫مع حلول شهر رمضان هذا العام ال تفكر الخمسينية‬ ‫سارة الصبوح بكيفية إعادة األجواء الرمضانية إىل‬ ‫خيمتها الباردة‪ ،‬وإمنا ترسح بخيالها بكيفية التأقلم‬ ‫مع واقعها‪ ،‬وقد بات رمضان بالنسبة لها نوبة حنني‬ ‫وغصة أمل ألم رحل عنها أبناؤها بني مهجر ومعتقل‪.‬‬ ‫تقول واألمل يعرص قلبها املتعب‪“ :‬فقدنا البهجة‬ ‫التي تجمع األرسة الواحدة حول مائدة اإلفطار‬ ‫منذ سنوات‪ ،‬وفقدنا معها الكثري من الطقوس‬ ‫االجتامعية الرمضانية املحببة‪ ،‬وغدونا نصارع‬ ‫البحث عن قوت يومنا وتسكني آالم جراحنا‪ ،‬أنا ال‬ ‫أتحدث عن بهجة الشهر الفضيل وحسب‪ ،‬وإمنا عن‬ ‫الحياة بأكملها”‪.‬‬ ‫أكرث من ‪ 6.9‬مليون نازح داخل سوريا وفق‬ ‫إحصائية لـ”منسقو استجابة سوريا” ّ‬ ‫يحل عليهم‬ ‫رمضان العارش كام األعوام السابقة‪ ،‬بأوضاع إنسانية‬ ‫صعبة بني ترشد وفقدان وفقر وغالء وقلة فرص‬ ‫العمل‪.‬‬ ‫ُمعيلة وحيدة يف أيام صعبة!‬ ‫ملى املعراوي نازحة من مدينة معرة النعامن إىل‬ ‫مخيامت كفر لوسني الحدودية‪ ،‬توضح أنها تعمل‬ ‫يف األرايض الزراعية طيلة اليوم مقابل أجر زهيد‬ ‫ال يتجاوز ‪ 20‬لرية تركية يومياً‪ ،‬وهي بالكاد تكفي‬ ‫لتأمني ربع احتياجات عائلتها‪ ،‬مضيفة‪“ :‬شهر‬ ‫رمضان يفرض عىل النازحة السورية تحمل املزيد‬ ‫من األعباء لتأمني وجبات اإلفطار والسحور يف ظل‬ ‫ارتفاع تكلفة املعيشة وغالء األسعار”‪.‬‬ ‫النازحة ملى املعيلة الوحيدة ألوالدها الخمسة بعد‬ ‫وفاة زوجها‪ ،‬حالها حال الكثريات ممن فقدن املعيل‬ ‫خالل الحرب‪ ،‬وبقني يواجهن صعوبات الحياة مع‬ ‫أبنائهن لوحدهن‪.‬‬ ‫ال تخفي ملى تفكريها املستمر بكيفية تأمني حياة‬ ‫الئقة ألطفالها يف هذه الظروف اإلنسانية الصعبة‪،‬‬ ‫فعملها ليس ثابتاً واملساعدات اإلغاثية خفت كثرياً‬ ‫عن السابق حسبام أكدت‪.‬‬ ‫بينام تنشغل النازحة أم أحمد بتشغيل موقد‬ ‫الحطب أمام خيمتها يف مخيم حربنوش شامل‬ ‫إدلب‪ ،‬تخربنا أن طبق رمضان اليومي مل يعد‬ ‫متنوعاً كام السابق‪ ،‬وإمنا يقترص اليوم عىل وجبة‬

‫من الرز والقليل من اللنب أو‬ ‫الربغل أو املعكرونة أو العدس‬ ‫مام يتم الحصول عليه من‬ ‫بعض الجهات الخريية‪ ،‬التي‬ ‫بات يعول عليها النازحون كثرياً‬ ‫خالل شهر رمضان‪ ،‬راجية أن‬ ‫تتسع هذه املساعدات خالل‬ ‫الشهر الفضيل‪.‬‬ ‫تؤكد أم أحمد‪“ :‬املساعدات‬ ‫اإلنسانية مل تعد كافية كام السابق‪ ،‬فهي ترتاجع‬ ‫عاماً بعد آخر وهاجس تأمني بعض احتياجاتنا يف‬ ‫شهر رمضان مؤمل حقاً‪ ،‬وخاصة مع كل هذا الغالء‬ ‫الجنوين‪ ،‬إذ بات طبق واحد من الفتوش بالخضار‬ ‫الذي اعتدنا أن نصنعه يومياً عىل سفرة اإلفطار يف‬ ‫رمضان سابقاً يساوي أكرث من ‪ 30‬لرية تركية أي ما‬ ‫يعادل ‪ 15‬ألف لرية سورية ‪ ،‬فكيف لنا أن نجاري‬ ‫األسعار يف شهر رمضان نحن الفقراء املنسيني هنا يف‬ ‫ظل أوضاعنا االقتصادية املعدمة!”‪.‬‬ ‫البحث عن حلول بديلة‬ ‫يف رمضان الحايل وبعد ارتفاع أسعار السلع الغذائية‬ ‫واستبدال العملة الرتكية بالسورية والتضخم‬ ‫الحاصل‪ ،‬تخجل النازحات اللوايت التقيناهن أمام‬ ‫أبنائهن‪ ،‬بسبب عدم متكنهن من تأمني بعض‬ ‫أصناف الطعام عىل اإلفطار ملا للشهر الكريم من‬ ‫خصوصية بالنسبة لهن‪.‬‬ ‫تزا ُمن رمضان مع فصل الربيع هذا العام‪ ،‬أتاح‬ ‫الفرصة للكثريات من األمهات املعيالت‪ ،‬لجمع أنواع‬ ‫مختلفة من النباتات الربية الصالحة إلعداد السلطة‬ ‫ووجبات الطعام الشهي‪ ،‬كالخبيزة والشويكة‬ ‫والسلبني والدردار‪ ،‬وهي طبخات بسيطة ومحبوبة‬ ‫لدى أهايل املنطقة‪.‬‬ ‫النازحة علياء العمر (‪ 30‬سنة) بدأت كالمها‬ ‫بشكرها لكرم فصل الربيع الذي يعطي الفقراء‬ ‫النازحني وجبات طعام مجانية‪ ،‬موضحة‪“ :‬نعتمد‬ ‫عىل هذه النباتات كمصدر للرزق‪ ،‬حيث نبيعها‬ ‫ونعود عىل عوائلنا ببعض الحاجيات بثمنها‪ ،‬بعض‬ ‫الطقوس الرمضانية ما زالت مستمرة بالنسبة لنا؛‬ ‫فعصري السوس والتمرهندي واملعروك مواد أساسية‬

‫عىل موائد إفطارنا حتى داخل الخيمة‪ ،‬ورغم الغالء‬ ‫الكبري أصنعها بنفيس بعد إحضار املواد األولية‬ ‫الرضورية لها”‪.‬‬ ‫تحاول علياء رغم فقرها املدقع أن تحافظ عىل‬ ‫بعض البهجة املرتبطة بقدوم شهر رمضان بالنسبة‬ ‫لعائلتها‪ ،‬من خالل صناعة بعض املعجنات‬ ‫والحلويات املرتبطة بهذا الشهر‪ ،‬والتي ترسم‬ ‫البهجة والرسور عىل وجوه أبنائها إضافة لحفاظها‬ ‫عىل عادة تبادل وجبات اإلفطار مع جاراتها يف‬ ‫املخيم‪ ،‬متمنية أن يكون رمضان هذا األخري لهم‬ ‫داخل املخيامت‪ ،‬وأن ينعموا يف رمضان القادم‬ ‫بالعودة إىل ديارهم وإزاحة غمة النزوح والفقر عن‬ ‫حياتهم بأقرب وقت‪.‬‬ ‫أولويات اإلغاثة‬ ‫من جهته قال الناشط املدين لؤي العبد (‪ 35‬سنة)‬ ‫إن أسعار املواد األساسية تضاعف أكرث من ‪120‬‬ ‫مرة حتى نهاية عام ‪ 2020‬ونسبة السوريني تحت‬ ‫خط الفقر تجاوزت ‪ ،84%‬ويتابع‪“ :‬خالل عميل‬ ‫مبنظامت املجتمع املدين نحرص عىل تأمني املواد‬ ‫األساسية للنازحني يف املخيامت‪ ،‬وخاصة األرامل‬ ‫واألرس التي تضم أشخاصاً من ذوي اإلعاقة‪ ،‬آخذين‬ ‫بالحسبان صعوبة العيش والفقر والعوز التي يعاين‬ ‫منها السواد األعظم من النازحني”‪.‬‬ ‫ويوضح أنهم يف صدد التحضري إلنشاء مطابخ‬ ‫رمضانية يتم فيها تحضري وجبات اإلفطار لعدد كبري‬ ‫من النازحني‪.‬‬ ‫ويختتم حديثه قائ ًال‪“ :‬األجواء داخل املخيامت ال‬ ‫تشبه األجواء الرمضانية السابقة‪ ،‬ولكن املدنيني هنا‬ ‫يحاولون التأقلم‪ ،‬ونحن كمنظامت وفرق تطوعية‬ ‫نساعدهم قدر اإلمكان عىل ذلك”‪.‬‬


‫املوت بال ذاكرة!‬ ‫‪15‬‬ ‫بشرى البشوات‬

‫العدد‬

‫‪93‬‬ ‫‪2021 / 4 / 16‬‬

‫وأنا ماضية جهة املوت؟ إذا كان املوت هو‬ ‫فن مثل أي يش ٍء آخر‪ ،‬فإنه يبدو كالجحيم‬ ‫وقد يبدو جحي ًام حقيقاً كام تقول “سيلفيا‬ ‫بالث”‪.‬‬ ‫إذاً‪ ،‬فبمقدورنا أن نلمس هذه الحقيقة‬ ‫ونتحاور معها كام حاورها محمود درويش‪،‬‬ ‫سلسلة التخيالت التي تحملها األحالم وتأيت‬ ‫أثناء النوم تختلف يف عقالنيتها وترابطها‪،‬‬ ‫هي وسيلة تلجأ إليها النفس إلشباع رغبات‬ ‫مكبوتة‪ ،‬وخاصة تلك التي يكون من الصعب‬ ‫إشباعها يف الواقع‪.‬‬ ‫ً‬ ‫كيف ُتشبع املوت واقعيا؟! هل كنت أبحث‬ ‫عنه؟‪ ..‬عن املوت أتحدث‪.‬‬ ‫يف األحالم يشاهد اإلنسان رغباته قد تحققت‬ ‫بشكل أو بآخر يف صورة أو مسار أو موقف‬ ‫معني‪ ،‬لكن الرغبات يف األحالم شاحبة‬ ‫مواربة‪ ،‬بحيث ال يعي الحامل نفسه فحواها‪،‬‬ ‫لذلك يرى كثري من علامء النفس بأن األحالم‬ ‫شبيهة بتفكري املجانني‪.‬‬ ‫إذاً ماذا لو أصابني َم ٌّس ما؟! وأردت أن أمىض‬ ‫دون وصايا‪ ،‬دون أن “أتحدث عن األزهار‬ ‫الجميلة وحويل كل هؤالء البرش ُيقتلون”‪.‬‬ ‫أميض‪ ..‬وحقيق ًة حدث هذا دون أن أعي‬ ‫بأنني أ ّم لطفلني‪.‬‬ ‫لقد نسيت وأنا أساق إىل املوت بأنني أ ّم‪،‬‬ ‫متاماً كام حدث مع زوجة أخي مع فارق‬

‫التوقيت؛ فأنا نسيت اآلن بعد كل هذه‬ ‫السنوات من القتل‪ ،‬أما هي فقد نسيت بعد‬ ‫أشهر قليلة عىل بدء املحرقة السورية‪.‬‬ ‫مل يكن لدي ذاكرة يف تلك األجزاء من الثانية‬ ‫التي تشكل أكرب األحالم حدثاً‪.‬‬ ‫كل الذين تحدثوا عن عودتهم من املوت‪،‬‬ ‫تحدثوا عن الروح حني تبقى‪ ،‬عن الجسد‬ ‫البارد املسجى‪ ..‬تحدثوا عن الروح تراقب‬ ‫وتسمع!‬ ‫لكن أن تعيش تجربة بانتظار ثانية املوت‪،‬‬ ‫تلك اللحظة بني نظرتك ونظرة قاتلك‪،‬‬ ‫حواسك‪ ،‬ماضيك‪ ،‬مستقبلك‪َ ،‬‬ ‫أنت وهو؛ هو‬ ‫ّ‬ ‫تشف‬ ‫قاتلك ال محالة وأنت أعزل وأبيض‬ ‫ّ‬ ‫تشف‪ ،‬ولكنك ُترى وال َترى!‬ ‫وهكذا متوت! متوت دون ضحكة من ُتحب‪،‬‬ ‫دون وجه أمك‪ ،‬دون األصدقاء‪ ،‬بعيداً عن‬ ‫الحبيبات‪ ..‬وحيداً ومعك كل هذا الحشد من‬ ‫املقتولني!‬ ‫لذلك ومن اآلن علينا أال نحزن ملوت من‬ ‫ينظر يف عني قاتله‪ ،‬فال ذاكرة ستكون معه!‬ ‫لن يحمل وجوهنا‪ ،‬ضحكاتنا‪ ،‬شجاراتنا‪،‬‬ ‫صحبنا‪..‬‬ ‫سيموت ومعه وجه واحد فقط‪ ...‬وجه الدم!‬ ‫أسأل اآلن‪ :‬يا رب‪ ..‬كيف مات كل هؤالء‬ ‫السوريني طوال السنوات املاضية دون‬ ‫ذاكرة؟!‬

‫مقاالت‬

‫الخوف هو املفتاح؛ خوف من أن ال أفهم‪ ،‬خوف من الفشل‪،‬‬ ‫من الوحدة‪ ،‬ومن األمكنة العالية‪ ..‬خوف من املوت‪ ،‬وتحمل‬ ‫املسؤولية‪ ،‬من أن أتأمل من تجربة ما‪ ،‬من السخرية يب‪ ،‬من أن‬ ‫ً‬ ‫مبتذل‪ ،‬أو غبياً‪ ،‬أو ثرثاراً‪ ،‬أو عادياً‪ ،‬خوف‬ ‫ُأهان‪ ،‬من أن أكون‬ ‫من تضي ّيع الحياة بالعيش ومن اكتشاف ذلك بعد فوات األوان‪،‬‬ ‫من التيقن املتأخر‪..‬‬ ‫“الخوف إحساس بنقص يف القوة” الشاعر حسني الربغويث‪..‬‬ ‫َ‬ ‫الخوف الذي مررت به‬ ‫وأريد أن أضيف إىل ذلك الخوف‪،‬‬ ‫وعشته رمبا لثوانٍ معدودة‪.‬‬ ‫الخوف من األحالم؛ الخوف من حلمي الشخيص‪ ،‬ذلك الحلم‬ ‫الذي ساقني دون قدمني إىل قعر الهاوية‪ ،‬فإذا كانت األحالم‬ ‫تنتج عن الرصاع النفيس بني الرغبات الالشعورية املكبوتة‬ ‫واملقاومة النفسية التي تسعى لكبت تلك الرغبات‪ ،‬يلعب‬ ‫الحلم دور (حارس النوم) حسب تحليل فرويد‪ ،‬فإن حاريس‬ ‫ليلة البارحة نيس أن ّ‬ ‫يرن الجرس‪ ،‬ومل يقم بعمله كام يجب‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ُتقدم لنا األحالم يف كثري من املرات حلوال وتعمل عىل إرجاع‬ ‫يشء من التوازن إىل شخصياتنا‪ ،‬حسب التحليل النفيس‪ ،‬لكن‬ ‫ذلك مل يحصل‪.‬‬ ‫يف أواخر صيف ‪ ،2012‬يف حي من أحياء دمشق الجنوبية حيث‬ ‫بيت أهيل‪ ،‬سقط صاروخ عىل مبنى مالصق لنا‪ ،‬أضاعت يومها‬ ‫زوجة أخي رضيعها وخرجت صارخة من بني الغبار‪“ :‬ولدي‪،‬‬ ‫ولدي‪ !”..‬رجعت أمي وأحرضت الصغري من فراشه‪.‬‬ ‫مضت السنوات وكرب الولد‪ ،‬وظلت هذه القصة محل تندّر بيننا‬ ‫وكيف أن رهبة املوت أو كام يقال “حالوة الروح” قد أنستها‬ ‫صغريها الذي ينام يف حضنها‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫أساق إىل املوت مع املئات‪،‬‬ ‫البارحة كنت أراين يف الحلم‬ ‫يحارصنا القتلة من كل جهة‪ ،‬أرتعد وال أفكر إال يف يشء واحد‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫رفعت رأيس وسقطت عيني يف عني أحد هؤالء الجنود‬ ‫إذا ما‬ ‫سيختارين حت ًام‪ ،‬وتكون نظريت مبثابة أم ٍر له‪ :‬ر ّكز ثم ص ّوب‬ ‫وأطلق‪...‬‬ ‫“يتذكر القاتل فقط نظرة القتيل”‪ ،‬يقول أحدهم “لو أن املقتول‬ ‫امتلكها حني كان ح ّياً ما كان قتل” وأقول‪ :‬يبقى ذلك حل ًام‪.‬‬ ‫دراسة األحالم وجدت أثاراً لها عىل األلواح الحجرية التي ترجع‬ ‫إىل سومر (سومر أقدم حضارة عرفتها البرشية) واعتقدت بعض‬ ‫الشعوب مثل اإلغريق بأن األحالم هبة من اآلله ِة لكشف‬ ‫معلومات عن البرش وزرع رسالة معينة يف عقل الشخص النائم‪.‬‬ ‫فأيّ رسال ٍة تلك التي خصتني بها اآللهة وأرادت زرعها يف عقيل‬


‫‪16‬‬

‫كيماوي األسد وخط أوباما “األمحر” ومطامع‬ ‫ترامب يف سوريا يف كتابني صدرا يف واشنطن‬ ‫طلعنا عاحلرية‬

‫العدد‬

‫‪93‬‬ ‫‪2021 / 4 / 16‬‬ ‫ثقافة‬

‫تصدر بني الحني واآلخر يف الواليات املتحدة األمريكية‬ ‫كتب أو مذكرات شخصية ملسؤولني أمريكان ممن‬ ‫قضوا سنوات طويلة أو حتى عدة شهور يف مواقع‬ ‫صناعة القرار يف البيت األبيض أو يف الوزارات‬ ‫السيادية‪ ،‬وكذلك لصحفيني ومراسلني خاضوا غامر‬ ‫تجارب يف ساحات الحروب والسياسة يف الدول التي‬ ‫تتدخل اإلدارات األمريكية املتعاقبة يف شؤونها حسب‬ ‫املصلحة العليا ألمريكا‪.‬‬ ‫من هذه الكتب الهامة التي صدرت يف نهايات العقد‬ ‫السوري الدامي نستعرض يف مقالتنا هذه‪ ،‬كتاب ملراسل‬ ‫صحفي بذل جهودًا استقصائية للكشف عن سياسات‬ ‫الرئيس األمرييك األسبق باراك أوباما (صاحب “الخط‬ ‫األحمر”) تجاه سوريا ونظام بشار األسد‪ ،‬إضافة إىل‬ ‫مذكرات مسؤول سابق يف إدارة الرئيس السابق دونالد‬ ‫ترامب‪ ،‬يعرف عنه أنه من صقور الجمهوريني‪ ،‬لنقف‬ ‫بالرصد والتحليل عىل سياسات اإلدارات األمريكية‬ ‫املتعاقبة تجاه الثورة السور ّية‪ ،‬التي جعل منها سفاح‬ ‫سوريا مقتلة القرن يف األلفية الثالثة‪.‬‬ ‫الكتاب األول الذي نتناوله هنا عنوانه “الخط األحمر‪:‬‬ ‫تفكيك األسلحة الكيميائية السور ّية والسباق األمرييك‬ ‫لتدمري أخطر ترسانة يف العامل”‪ ،‬ملؤلفه “جويب واريك”‬ ‫مراسل األمن القومي يف صحيفة “واشنطن بوست”‪.‬‬ ‫الكتاب الصادر مؤخ ًرا‪ ،‬يرشح لنا املفهوم الجديد‬ ‫يف عامل السياسة األمريكية لـ “الخط األحمر”‪ ،‬الذي‬ ‫ابتكره أوباما يف سوريا سنة ‪ .2013‬وبني دفتيه يسلط‬ ‫تفس‬ ‫املؤ ّلف األضواء عىل العديد من الوقائع التي ّ‬ ‫نوعًا ما سياسات إدارة أوباما ونتائجها التي دفع مثنها‬ ‫ً‬ ‫باهظا الشعب السوري‪.‬‬ ‫وكان كتاب واريك اشتهر قبل انتشاره بسبب الفصل‬ ‫األول منه الذي ظهر يف العديد من الصحف العامل ّية‪،‬‬ ‫والذي ع ّرفنا بقصة عامل الكيمياء السوري الذي كان‬ ‫ً‬ ‫عميل لصالح وكالة املخابرات املركزية األمريكية ‪،CIA‬‬ ‫رسب لهم يف مثانينيات القرن العرشين معلومات‬ ‫و ّ‬ ‫دقيقة وموثقة عن امتالك نظام األسد األب لرتسانة‬ ‫أسلحة كياموية‪ ،‬والتي تصل إىل قرابة الـ ‪ 13‬ألف طن‬ ‫من املواد السامة كالسارين وأنواع أخرى‪ ،‬األمر الذي‬ ‫انتهى بإعدام العامل الذي يدعى “أمين” بعد أن اكتشف‬

‫أمره الضابط آصف شوكت (زوج برشى حافظ األسد)‪،‬‬ ‫الذي قتل مع مسؤولني آخرين اثنني يف تفجري استهدف‬ ‫مقر األمن القومي بدمشق‪ ،‬يف ‪ 18‬متوز‪ /‬يوليو ‪.2012‬‬

‫خط أوباما األحمر ضد الشعب السوري‪..‬‬

‫أهمية الكتاب ال تكمن يف تفاصيل قصة ذلك العامل‬ ‫السوري التي حصل عليها املؤ ّلف إثر مقابالت رس ّية‬ ‫مل يفصح عنها‪ ،‬وإمنا ما هو هام هنا هو الكمية الهائلة‬ ‫التي ميتلكها النظام األسدي االستبدادي من السالح‬ ‫الكياموي‪ ،‬والتي استخدمها (االبن الوريث) الح ًقا‬ ‫إثر اندالع الثورة يف سوريا‪ ،‬األمر الذي اعتُرب تجاو ًزا‬ ‫لـ “الخط األحمر” الذي وضعه أوباما‪ ،‬والذي كان‬ ‫الهدف منه تهديد األسد‪ ،‬بل إسقاطه يف حال تجاوزه‪.‬‬ ‫لكن‪ ،‬وكام نقرأ يف الكتاب‪ ،‬وهو ما عايشناه يف سوريا‪،‬‬ ‫ّأن األسد تجاوز هذا الخط عرشات املرات‪ ،‬وبقي يف‬ ‫مكانه!‬ ‫يبدأ املؤ ّلف أحداث كتابه من العام الثاين لثورة‬ ‫السوريني‪ ،‬تحديدًا يف ‪ 25‬أيلول‪ /‬سبتمرب ‪ 2012‬إثر‬ ‫تفجري (فرع فلسطني) يف دمشق‪ ،‬ما فتح أعني اإلدارة‬ ‫األمريكية حينذاك‪ ،‬عىل مخاوف من وجود الجامعات‬ ‫اإلسالمية املسلحة‪ ،‬ومتكن هذه الجامعات من مهاجمة‬ ‫قلب العاصمة دمشق‪ ،‬ما يعني ّأن األسد مل يعد قاد ًرا‬ ‫عىل السيطرة عىل البالد‪ّ ،‬‬ ‫وأن ترسانة السالح الكياموي‪،‬‬ ‫الذي تعرف عنه الـ ‪ CIA‬بدقة منذ الثامنينيات‪،‬‬ ‫ستكون يف متناول أي جهة تسيطر ميدان ًيا عىل سوريا‪.‬‬ ‫يلخص واريك موقف إدارة أوباما و”خطه األحمر” من‬ ‫وقوع السالح الكياموي بيد اإلرهابيني‪ ،‬أما استخدام‬ ‫بشار األسد له وقتله املستمر للشعب السوري فلم‬ ‫يكن املحرك األول! ويف هذا السياق يسلط الصحفي‬ ‫األمرييك بني دفتي الكتاب كيفية استخدام األسد‬ ‫لألسلحة الكيامو ّية يف الغوطة الرشقية ويف بلدة‬

‫رساقب‪ ،‬والتي تحمل (األسلحة الكيامو ّية) ملسة‬ ‫خاصة‪ ،‬إذ طور العلامء العاملون يف مركز‬ ‫“سورية” ّ‬ ‫البحوث يف دمشق أسلو ًبا ملزج املواد الكيامو ّية قبل‬ ‫ساعات من إطالقها‪ ،‬ما يساعد عىل الحفاظ عليها يف‬ ‫التخزين لفرتات طويلة‪.‬‬ ‫وبناء عىل هذه املعلومات يتطرق واريك إىل بعثة‬ ‫املراقبني األمميني التابعني ملنظمة حظر األسلحة‬ ‫الكيامو ّية‪ ،‬وكيف رضخ األسد يف نهاية املطاف وسمح‬ ‫بدخولهم بل وقرر تسليم ترسانة أسلحته الفتاكة‬ ‫بأكملها‪ .‬لتواجه واشنطن يف هذه املرحلة مشكلة كربى‬ ‫يف التنفيذ‪ ،‬فالكمية الكبرية التي ميتلكها األسد من‬ ‫املواد الكيامو ّية تركت املراقبني ووزارة الدفاع األمريكية‬ ‫وإدارة الرئيس أوباما أمام معضلة تقن ّية‪ ،‬حيث ّأن‬ ‫نقل هذه املواد ثم التخلص منها صناع ًيا ليس باألمر‬ ‫السهل‪ ،‬والعديد من الدول رفضت استقبالها‪ ،‬ناهيك‬ ‫عن إمكانية نقلها بأمان يف سوريا التي كانت املعارك‬ ‫تشتعل فيها‪.‬‬

‫كياموي األسد و(ماكينة املارغريتا) ومازال الخطر‬ ‫مستم ًرا‪..‬‬ ‫جوهر الكتاب برأينا‪ ،‬هو تعريف املؤ ّلف مبواطنه‬ ‫الخبري باألسلحة الكيامو ّية “تيمويث باليد”‪ ،‬الذي يعمل‬ ‫الخاص باألسلحة الكيامو ّية يف البنتاغون‪ ،‬فام‬ ‫يف القسم‬ ‫ّ‬ ‫قام به هذا الخبري ‪-‬كام يذكر واريك ‪“ :-‬شبه مستحيل‪،‬‬ ‫إذ ص ّمم آلة لتفكيك األسلحة الكيامو ّية باسم (ماكينة‬ ‫املارغريتا)” وأهمية هذا اإلنجاز‪ ،‬تكمن يف نقله من‬ ‫مكان إىل اآلخر‪ّ ،‬‬ ‫وألن الهدف هو إخراج األسلحة من‬ ‫صالحا للعمل يف‬ ‫سوريا‪ ،‬طور باليد النموذج يك يصبح ً‬ ‫البحر‪ ،‬أي ضمن سفينة “كاب راي” العمالقة‪ ،‬ما يعني‬ ‫مع ترجيح احتامالت غرقها أو ترسب الكياموي منها‪-‬‬‫خط ًرا بيئ ًيا ً‬ ‫هائل‪ ،‬لكن بعد ما يقارب األربعني يو ًما‬


‫‪17‬‬

‫العدد‬ ‫ثقافة‬

‫الكتاب الثاين‪ ،‬يناقش ً‬ ‫أيضا ما وصفه بـ “التقصري”‬ ‫يف طريقة تعاطي الرئيس السابق دونالد ترامب مع‬ ‫الهجوم الكياموي الذي نفذه األسد‪ ،‬خالل األسبوع‬ ‫األول من تويل مستشار األمن القومي األمرييك جون‬ ‫بولتون‪ ،‬ملنصبه ‪-‬أواخر شهر آذار‪/‬مارس ‪2018-‬‬ ‫والذي كان سب ًبا لتامدي النظام وقيامه بهجوم مامثل‬ ‫آخر‪.‬‬ ‫يروي بولتون يف مذكراته املوسومة بـ “الغرفة‬ ‫خاصة حول رؤية‬ ‫حيث حدث ذلك” تفاصيل ّ‬ ‫ترامب‪ ،‬لسياسة بالده تجاه سوريا ونظام األسد‪،‬‬ ‫وكذلك وجهات نظر إدارة ترامب‪ ،‬مبا يشمل وزيري‬ ‫الخارجية والدفاع واملبعوث األمرييك السابق إىل‬ ‫سوريا جيمس جيفري‪.‬‬ ‫الكتاب الذي جاء يف خمسمئة صفحة‪ ،‬نالحظ فيه‬

‫‪93‬‬

‫سوريا “دولة الرمال واملوت”‪ ..‬يف مذكرات‬ ‫بولتون‬

‫تتبع مالمح السياسة الخارجية إلدارة ترامب مع سوريا‪،‬‬ ‫التي مل تربأ من الرصاعات السياسية والتدخالت الخارجية‪،‬‬ ‫والتي جاء بولتون عىل ذكرها بـ “تفاصيل مفاجئة” من‬ ‫داخل املكتب الرئايس لرتامب‪ ،‬كاش ًفا أنه مل يكن أيّ من‬ ‫ً‬ ‫“مهتم مبا‬ ‫الشخصيات الرئيسة املهمة يف إدارة ترامب‬ ‫يجري للشعب السوري”؛ إذ ّأن سوريا بالنسبة لرتامب مل‬ ‫تكن ّإل “مطم ًعا إسرتاتيج ًيا جانب ًيا” عىل أجندة إدارته‪.‬‬ ‫كام يذكر بولتون تفاصيل كشفت عن رغبة ترامب‬ ‫بالتفاوض “مرا ًرا” مع األسد إلعادة أرسى أمريكيني ُيعتقد‬ ‫أنهم محتجزون لدى النظام يف سوريا‪ ،‬وهو ما رفضه األسد‪.‬‬ ‫وبحسب املؤ ّلف‪ ،‬أوقف ترامب مساعدات مالية تقدر بـ‬ ‫‪ 200‬مليون دوالر أمرييك كانت مخصصة “لتعزيز استقرار‬ ‫املناطق املحررة”‪ .‬وجاء تربيره للقرار “صاد ًما” ‪-‬وف ًقا‬ ‫لبولتون‪-‬؛ إذ قال إنه “يريد بناء دولته وليس دولة الرمال‬ ‫واملوت”‪ ،‬كام وصف ترامب سوريا مطلع عام ‪.2019‬‬ ‫كام خاض بولتون يف مذكراته يف تفاصيل إعالن ترامب‬ ‫االنسحاب النهايئ للواليات املتحدة من سوريا يف كانون‬ ‫األول‪ /‬ديسمرب ‪ ،2018‬واملحادثات التي أجراها مع نظريه‬ ‫الرتيك‪ ،‬رجب طيب أردوغان‪ ،‬بهذا الخصوص‪ .‬مرج ًعا‬ ‫سبب رغبة ترامب باالنسحاب الكامل من سوريا إىل‬ ‫عدة أسباب‪ ،‬أبرزها تركيزه عىل حملته االنتخابية‪ ،‬وعدم‬ ‫اقتناعه برضورة وجود القوات األمريكية‪ ،‬أو وجوب تح ّمل‬ ‫الواليات املتحدة املسؤولية الرئيسة ملا يجري يف سوريا‪.‬‬ ‫وكشف بولتون عن “عدم اقتناع” ترامب بسياسة الواليات‬ ‫املتحدة املتعلقة مبحاربة تنظيم (داعش)‪ ،‬يف دول تعترب‬ ‫“عدوة” لواشنطن أو حليفتها يف سوريا (قوات سوريا‬ ‫الدميقراطية)‪.‬‬

‫‪2021 / 4 / 15‬‬

‫تم تفكيك كل املواد الكيامو ّية‪ ،‬ونقلها خارج سوريا‪.‬‬ ‫وبهذه العملية املعقدة س ّلم األسد ترسانته الكيامو ّية‬ ‫صاغ ًرا‪ ،‬ليذهب أدراج الرياح جهد أكرث من ثالثة‬ ‫عقود من األبحاث وتطوير األسلحة الكيامو ّية‪ ،‬التي‬ ‫هددت املنطقة والغرب ال لخطورة األسد بل خو ًفا‬ ‫من أن يستخدمها تنظيم الدولة اإلسالمية (داعش)‪،‬‬ ‫املصنف عامل ًيا كتنظيم إرهايب‪ ،‬والذي استهدف‬ ‫األكراد بغاز الكلور عدة مرات‪.‬‬ ‫يؤكد الصحفي األمرييك يف كتابه‪ ،‬أنه بالرغم من‬ ‫تسليم األسد لرتسانته الكيامو ّية ‪-‬كام زعم‪“ ،-‬بقي‬ ‫كثري من (املواد الكيميائ ّية) مجهول املصري”‪ .‬الفتًا‬ ‫إىل ّأن “أكرث ما يثري الحنق‪ ،‬هو استخدام األسد‬ ‫لغاز الكلور أكرث من ‪ 200‬مرة بعد تسليمه األسلحة‬ ‫الكيامو ّية‪ ،‬فهذا الغاز غري مصنف كسالح كياموي‪،‬‬ ‫لكونه ال يسبب املوت إ ّال بأعداد قليلة‪ ،‬وإنتاجه‬ ‫بكميات كبرية سهل بل و”رشعي” لكون مك ّوناته‬ ‫موجودة يف املبيدات الحرش ّية‪ ،‬وهنا تظهر ملسة‬ ‫النظام السوري مرة أخرى‪ ،‬عرب استخدام “الرباميل‬ ‫الكيامو ّية” ال املتفجرة وإلقائها عىل األحياء املدن ّية‪،‬‬ ‫األمر الذي مل يحصل منذ الحرب العامل ّية األوىل‪،‬‬ ‫لسبب بسيط‪ ،‬هو ّأن “غاز الكلور ينرش الرعب‬ ‫والفوىض أكرث مام يؤدي إىل موت العدو” بحسب‬ ‫واريك‪.‬‬

‫وكان الرئيس ترامب‪ ،‬أقال مستشاره لألمن القومي‬ ‫جون بولتون‪ ،‬يف أيلول‪ /‬سبتمرب ‪ ،2019‬عىل خلفية‬ ‫االختالف معه بوجهات النظر‪.‬‬ ‫يبي املستشار األمرييك ا ُملقال يف مذكراته‪ ،‬أنه مل يكن‬ ‫ّ‬ ‫لدى ترامب “أيّ تص ّور واقعي” ّ‬ ‫لحل امللف السوري‪،‬‬ ‫إذ كان يأمل مببادرة تدخل قوات عربية ّ‬ ‫لحل الرصاع‬ ‫السوري بدعم أمرييك‪ ،‬وهو ما مل يحصل خالل فرتة‬ ‫وجود بولتون مبنصبه‪ ،‬وال بعد إقالته‪.‬‬ ‫وقدم بولتون ً‬ ‫دليل آخر يوضح “عدم واقعية” تص ّور‬ ‫ترامب ّ‬ ‫لحل الرصاع يف سوريا من خالل اعتقاده ّ‬ ‫بأن‬ ‫دول االتحاد األورويب “ستظهر التزا ًما أكرب وترسل‬ ‫قوات إضافية إىل سوريا حال انسحاب الواليات‬ ‫املتحدة منها‪ ،‬وهو ما بقي بحدود التص ّورات ومل‬ ‫يتحقق عىل أرض الواقع”‪.‬‬ ‫إىل ذلك نقرأ هجوم بولتون عىل املبعوث األمرييك‬ ‫الخاص السابق إىل سوريا جيمس جيفري‪ ،‬ووصفه‬ ‫ّ‬ ‫بأنه كان مؤيدًا “لسياسة تركيا يف سوريا‪ ،‬وحاول رسم‬ ‫خريطة سيطرة كل من األتراك واألكراد يف سوريا‪،‬‬ ‫وهو ما تم تجاهله من قبل تركيا”‪.‬‬ ‫كام أشار بولتون يف كتابه إىل اختالفات محورية‬ ‫يف إدارة ترامب متعلقة بامللف السوري‪ ،‬وقال إنه‬ ‫شخص ًيا كان ً‬ ‫مهتم بإيران‪ ،‬بينام كان وزير الدفاع‬ ‫ً‬ ‫مهتم بتنظيم‬ ‫األمرييك السابق‪ ،‬جيمس ماتيس‪،‬‬ ‫الدولة اإلسالمية (داعش)‪ ،‬يف حني كان وزير‬ ‫الخارجية مايك بومبيو‪ً ،‬‬ ‫مهتم بإرضاء ترامب فقط‪.‬‬ ‫هذا و ُيعدُّ جون بولتون (مواليد عام ‪ ،)1948‬أحد‬ ‫أبرز رجال اإلدارة األمريكية رغم تبدل الرؤساء‬ ‫املتعاقبني عليها‪ ،‬إذ بدأ مسريته السياسية عام ‪1981‬‬ ‫حني عمل كمستشار عام للرئيس األسبق رونالد‬ ‫ريغان‪ ،‬كام شغل منصب مساعد وزير الخارجية‬ ‫األمريكية يف إدارة الرئيس جورج بوش األب يف‬ ‫الفرتة بني ‪ 1989‬و‪ .1993‬ويف عام ‪ 2001‬توىل منصب‬ ‫وكيل وزارة الخارجية ملراقبة األسلحة واألمن الدويل‪،‬‬ ‫عي بعدها مبنصب املندوب األمرييك لدى األمم‬ ‫ل ُي ّ‬ ‫املتحدة‪ ،‬وذلك بعهد الرئيس األمرييك جورج بوش‬ ‫االبن‪ ،‬واكتسب حينها لقب (الصقر) بسبب مواقفه‬ ‫املتشددة حيال روسيا وإيران وكوريا الشاملية‬ ‫وكوبا‪ ،‬كام أنه أيد حينها حرب الواليات املتحدة عىل‬ ‫العراق‪ .‬وحني استلم ترامب إدارة البيت األبيض‪،‬‬ ‫ع ّينه مبنصب مستشاره لألمن القومي‪.‬‬


‫نشرة ثقافية‬

‫‪18‬‬

‫“كسر العزلة الثق‬

‫افية”‪..‬‬ ‫كتاب جديد للشاعر والناقد لقمان حممود‬

‫العدد‬ ‫‪93‬‬

‫‪2021 / 4 / 16‬‬

‫صدر حدي ًثا‪ ،‬عن‬ ‫“دار العابر للنرش والتوزيع”‪ ،‬كتاب جديد للشاعر والناقد‬ ‫السوري الكردي ل‬ ‫قامن محمود‪ ،‬موسوم بـ “كرس العزلة الثقافية”‪ ،‬وهو عبارة عن‬ ‫الجزء األول من س‬ ‫لسلة حوارات أجراها صاحب “امتحان الحرية – سرية شعرية”‪.‬‬ ‫مام جاء يف مقدمة الكتاب التي ح ّررها لقامن‪“ :‬يلعب الحوار دو ًرا ً‬ ‫مهم يف‬ ‫النهوض باألدب‪،‬‬ ‫وكذلك يف تبادل الثقافات بني الشعوب‪ .‬والحوار األديب عامل‬ ‫تتحرك فيه األ‬ ‫حداث والحقائق‪ ،‬وتنتعش فيه الذاكرة بقوة‪ .‬هكذا نقرتب من‬ ‫جوهر األدب‪،‬‬ ‫من روح الشعوب‪ .‬هكذا‪ ،‬يصبح األدب ِسف ًرا إىل اآلخر الذي فيام‬ ‫هو يؤسس ال‬ ‫ّ ختالفه وأسئلته‪ ،‬يجعلنا نراه‪ ،‬وعندها نرى أنفسنا”‪ .‬وتابع‪“ :‬هل‬ ‫نقول ّ‬ ‫بأن الحوار‬ ‫جنس أديب غري مكتمل؟ أم ُنعيد ما قاله غابرييل غارسيا ماركيز‪:‬‬ ‫الحوار مثل مزهر‬ ‫يّـة الجدّة تساوي ثروة‪ ،‬لكن ال أحد يعرف أين يضعها‪ .‬مع هذه‬ ‫الحوارات‪ُ ،‬نعيد‬ ‫اكتشاف املش َرتك اإلنساين عىل مستوى الوعي باإلبداع‪ ،‬وعىل‬ ‫مستوى وظيفتها‬ ‫املف َرتضة داخل سياقات جغرافية وسوسيو‪ -‬ثقافية مختلفة”‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫الفتًا إىل ّأن “ال‬ ‫حاصل أن اإلبداع الكردي ينطوي عىل حلم مثايل‪ ،‬ال أثر فيه للظلم‬ ‫والطغيان‪ ،‬رغم أنه ولد يف بركة من الدماء والدموع”‪.‬‬ ‫ومن املبدعني‬ ‫الكرد الذين حاورهم لقامن عىل مدار سنوات طويلة‪ ،‬وجمعهم يف‬ ‫هذا الكتاب‪،‬‬ ‫نذكر‪( :‬شريكو بيكس‪ ،‬عمر حمدي الشهري بـ(مالفا)‪ ،‬آزاد الربزنجي‪،‬‬

‫عزالدين مص‬ ‫خياط)‪.‬‬ ‫يذكر ّأن لقامن‬ ‫محمود من مواليد مدينة عامودا يف محافظة الحسكة عام‬ ‫‪1966‬م‪ ،‬مقيم يف‬ ‫السويد‪ .‬وهو عضو اتحاد األدباء والكتاب السويديني‪ ،‬وعضو‬ ‫نادي القلم ال‬ ‫كردي‪ ،‬ويكتب باللغتني الكردية والعربية‪ ،‬ولديه حتّى اآلن‪ 20 ،‬كتا ًبا‬ ‫مطبوعًا‪ ،‬وهذا الكتاب يحمل الرقم ‪ 21‬يف سلسلة أعامله املطبوعة‪.‬‬

‫فوز موفق قات ودياال برصلي جبائزتني يف‬ ‫الكاريكاتري السياسي والرسم لألطفال‬

‫ثقافة‬

‫فاز الفنان التشكييل ورسام الكاريكاتور السوري‬ ‫موفق قات بـ “جائزة محمود كحيل” لفئة‬ ‫الكاريكاتور السيايس‪ ،‬كام ُم َ‬ ‫نحت الفنانة السورية‬ ‫الشابة دياال برصيل بنفس الجائزة لفئة رسوم‬ ‫كتب األطفال‪ .‬وأُعلن الفائزون بالجائزة يف دورتها‬ ‫السادسة‪ ،‬والتي تحمل اسم الرسام اللبناين‬ ‫الراحل محمود كحيل‪ُ ،‬وتنح يف فئات مختلفة‪،‬‬ ‫يوم الخميس املوافق الثامن من شهر نيسان‪/‬‬ ‫أبريل الجاري‪ ،‬خالل مؤمتر صحايف يف بريوت أقيم‬ ‫افرتاض ًيا بسبب جائحة كورونا‪.‬‬ ‫ومو ّفق قات (‪ 66‬عا ًما)‪ ،‬هو رسام كاريكاتور‬ ‫وصانع أفالم رسوم متحركة يعمل حال ًيا لحسابه‬ ‫يف مجال الكاريكاتور السيايس يف صحف ومجالت‬ ‫عربية عدة‪ ،‬وسبق أن نال جائزة الصحافة العربية‬ ‫لعام ‪.2016‬‬ ‫أما دياال‬ ‫برصيل‬ ‫فهي من مواليد الكويت عام‬ ‫‪ ،1980‬عادت إىل سوريا بعمر العارشة‪ .‬بدأت الرسم‬ ‫منذ صغرها‪ ،‬وهي تختص بفنون الرسوم املتحركة‬ ‫والهزلية والفنون الرقمية‪ ،‬وخالل بداية الثورة‬ ‫السورية شاركت بتصميم عدة بوسرتات لعدد من‬ ‫الحمالت‪ .‬وعرضت أعاملها يف عدة معارض مشرتكة‬ ‫منها‪ ،‬معرض بعنوان “يداي عىل األرض وقدماي يف‬ ‫السامء”‪ ،‬بالتعاون مع األمم املتحدة‪.‬‬

‫طفى رسول‪ ،‬طيب جبار‪ ،‬رؤوف بيكرد‪ ،‬آوات حسن أمني‪ ،‬واسامعيل‬

‫“اجلنة املفقودة”‪ ..‬رواية‬ ‫جديدة خلريي الذهيب‬ ‫صدرت حدي ًثا عن دار الفكر يف دمشق وبريوت‪ ،‬رواية جديدة للروايئ‬ ‫السوري خريي الذهبي‪ ،‬بعنوان “الجنة املفقودة‪ ..‬من القنوات إىل‬ ‫كفر سوسة”‪.‬‬ ‫الرواية (‪ 255‬صفحة من القطع املتوسط)‪ ،‬تستحرض املايض مشهدًا‬ ‫وشعو ًرا‪ ،‬وترصد انتقاله من قلب املؤلِّف الذي ُي ْن ِبته يف كل حرف من‬ ‫حروف روايته‪ ،‬إىل قلب القارئ‪ .‬ويستدعي املؤلف داخلها‪ ،‬فضاءات‬ ‫دمشقية‪ ،‬بعضها اختفى‪ ،‬وبعضها ال يزال يقاوم الزمن‪.‬‬ ‫ويف هذا العمل الجديد‪ ،‬كام يف كث ٍري من روايات الذهبي السابقة‪،‬‬ ‫تعود دمشق املعارصة لتكون‪ ،‬كام يقول لنا‪“ :‬مكاين الروايئ املفضل‪،‬‬ ‫املكان الذي يستحيل معي شخص ًّيا يف روايتي الجديدة‪ ،‬إىل عنرص‬ ‫فاعل ومتفاعل داخل أتون األحداث”‪.‬‬ ‫يقول نارش الرواية عنها‪«“ :‬الجنة املفقودة»؛ ليست مجرد رواية‬ ‫تتحدث عن السرية الذاتية للكاتب الدمشقي‪ ..‬بل هي رواية املكان‬ ‫يتجل فيها بوصفه ً‬ ‫بطل روائ ًّيا من دون‬ ‫بامتياز‪ ،‬وهو (أي املكان) ّ‬ ‫منازع”‪.‬‬ ‫ويف رصيد الكاتب املخرضم خريي الذهبي‪ ،‬ا ُملقيم حال ًيا يف فرنسا‪،‬‬ ‫عرشات الكتب املتضمنّة روايات ودراسات وتأمالت ومقاالت‬ ‫وسيناريوهات مسلسالت‪ .‬وح ّولت كثري من رواياته إىل أعاملٍ‬ ‫تلفزيونية‪ ،‬وهو يواصل الكتابة‪ ،‬من دون انقطاع‪ ،‬منذ سبعينيات‬ ‫القرن املايض‪.‬‬


‫إبداعات ونشاطات سورية‬ ‫طلعنا عالحرية – القسم الثقافي‬

‫‪19‬‬

‫إطالق “خارطة سوريا املوسيقية” تعيد‬ ‫الزائرين إىل سوريا عن بعد‬

‫العدد‬

‫ً‬ ‫معرض عاملي يف إسطنبول‬ ‫ختليدا‬ ‫للفنان السوري الراحل مروان قصاب باشي‬ ‫نظم غالريي “دار‬ ‫كلامت” السوري‬ ‫يف مدينة إسطنبول‬ ‫ً‬ ‫مؤخ ًرا‪،‬‬ ‫معرضا‬ ‫فن ًيا تخليدًا لذكرى‬ ‫الفنان التشكييل‬ ‫والنحات السوري‬ ‫الراحل مروان قصاب بايش‪ ،‬مبشاركة فنانني من مختلف دول العامل‪.‬‬ ‫ضم املعرض ‪ 200‬لوحة ومنحوتة لـ ‪ 82‬فنا ًنا من ‪ 20‬دولة‪ ،‬رسمت عىل الورق‪.‬‬ ‫وأشار القامئون عىل املعرض إىل ّأن قصاب بايش كان يحب األعامل الورقية‬ ‫ويستخدمها كث ًريا‪ ،‬ووفا ًءا له تم تنظيم هذا املعرض بعد خمس سنوات من وفاته‪.‬‬ ‫وقال أمني املعرض حسني أمري أوغلو‪ّ :‬إن “هذا املعرض أظهر قوة الفن العاملي من‬ ‫جديد”‪ ،‬مش ًريا إىل مشاركة فنانني من فرنسا وأملانيا والصومال واملغرب والسودان‬ ‫والجزائر وإسبانيا واألردن واململكة املتحدة‪ ،‬وبلغاريا وغريها من الدول يف هذا‬ ‫املعرض التكرميي”‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ووصف أمري أوغلو املعرض بأنه “أصبح متح ًفا أكرث من كونه‬ ‫معرضا” بفضل‬ ‫املشاركة الدولية الكبرية والواسعة‪ .‬الفتًا إىل ّأن املعرض سيستمر يف استقبال عشاق‬ ‫الفن السوري لثالثة أشهر‪.‬‬ ‫ومروان قصاب بايش من مواليد دمشق عام ‪ ،1934‬ويعد أحد أبرز الفنانني‬ ‫التشكيليني العرب يف العرص الحديث‪ ،‬ومن بني الفنانني األكرث حضو ًرا يف املعارض‬ ‫الدولية‪ .‬وكان قد د ّرس الرسم يف املعهد العايل للفنون الجميلة يف برلني منذ عام‬ ‫‪ 1977‬حتى وفاته عام ‪.2016‬‬

‫ثقافة‬

‫صدرت مؤخرا‪،‬‬ ‫ً عن دار نرش “بولويل” الربيطانية‪ ،‬مجموعة شعرية باإلنكليزية‬ ‫للشاعر وال‬ ‫كاتب‬ ‫ال‬ ‫سوري املقيم يف بريطانيا‪ ،‬حسام الدين محمد (‪ ،)1960‬بعنوان‬ ‫“‪،”Grave Seas‬‬ ‫وكذلك عن فعال ّية عىل موقع “زووم” إلطالق الكتاب دعت فيها‬ ‫عددًا‬ ‫اء‬ ‫و‬ ‫من الشعر الكتّاب وأصدقاء الكاتب واملهتمني بالثقافة والشعر‪.‬‬ ‫تضمنت املج‬ ‫موعة مقدمة بعنوان “أحجية سورية”‪ ،‬وست عرشة قصيدة‪ .‬فيام‬ ‫حمل غالف‬ ‫املج‬ ‫موعة ثالثة آراء‪ ،‬فقال الناقد السوري خلدون الشمعة‪ّ :‬إن “هذه‬ ‫املجموعة رسد‬ ‫متميز يدفعك لقراءته بأسلوب مزركش بسرية الكاتب”‪ ،‬وأنه‬ ‫“يعرض بت‬ ‫مكن‬ ‫مثري‬ ‫لإلعجاب مواد معقدة‪ ،‬حيث يستكشف النص مفهو ًما أل ًقا‬ ‫مليئًا بالقوة والرب‬ ‫اعة”‪ .‬فيام اعتربت الكاتبة والشاعرة العراقية‪ ،‬هيفاء زنكنة‪ّ ،‬أن‬ ‫الشاعر يحاول‪،‬‬ ‫عرب‬ ‫الشخوص العديدة التي تنطق يف قصائده‪“ ،‬اإلمساك بأحالم‬ ‫الحب واألمل‬ ‫ألولئك الذين يحاولون البقاء أحياء يف األزمنة املظلمة”‪ .‬أما الشاعر‬ ‫والكاتب الع‬ ‫ر‬ ‫اقي‪،‬‬ ‫ج ّبار ياسني‪ ،‬فرأى ّأن الشاعر “ينظر بوعي الغريب‪ ،‬حيث‬ ‫املكان البعيد والل‬ ‫حظة السحيقة القدم ضاعا لألبد”‪ ،‬مقار ًنا إياه بالشاعر العريب‬ ‫عىل‬ ‫القديم الواقف األطالل‪ ،‬غري ّأن قصائد حسام الدين محمد ً‬ ‫“بدل من ذلك‪،‬‬ ‫تقف أمام كوارث‬ ‫الحارض لتعزية نفسه”‪“ ،‬حيث الكلامت هي عزاء الروح”‪ .‬هذا‬ ‫وستصدر هذه‬ ‫املج‬ ‫موعة برتجمة عربية عن دار املتوسط بعنوان “قرب يف بحر”‪.‬‬

‫‪93‬‬

‫“قرب يف حبر”‪..‬‬ ‫جمموعة‬ ‫شعرية‬ ‫باإلنكليزية‬ ‫للسوري حسام‬ ‫الدين حممد‬

‫املناطق السورية قادرين عىل جمع املواد املوسيقية وإرسالها‪ ،‬هذا باإلضافة إىل‬ ‫ّأن الباحث نفسه ال ميكنه أن يغطي منطقته بأكملها بكل فروعها‪ ،‬فغال ًبا ما‬ ‫يعمل عىل نوع معني من املوسيقا يف منطقة معينة كاملوسيقا الرسيانية عىل‬ ‫سبيل املثال‪ ،‬بينام باحث يعمل عىل نوع آخر من املوسيقا لنفس املنطقة”‪.‬‬

‫‪2021 / 4 / 16‬‬

‫نرشت (منظمة العمل لألمل) السورية‪ ،‬نهاية آذار‪ /‬مارس املايض‪ ،‬مرشوعها‬ ‫الثقايف الفني املوسيقي املعنون “خارطة سوريا املوسيقية”‪ ،‬وهو مرشوع بدأ‬ ‫التفكري به منذ العام ‪ ،2018‬لكن البداية الحقيقية له كانت مع العام ‪،2020‬‬ ‫ً‬ ‫ليصبح جاهزًا‬ ‫وفعال يف الشهور األوىل من العام الحايل ‪.2021‬‬ ‫واستطاع هذا املرشوع الذي ترافق تنفيذه مع انتشار جائحة (كوفيد‪ )-19‬أن‬ ‫يجمع ما يقارب ‪ 100‬قطعة غنائية وموسيقية كمرحلة أوىل‪ ،‬ليش ّكل بداية‬ ‫ولبنة أساسية ملرشوع فني ثقايف ضخم‪ ،‬ما زال بحاجة لدعم وردف فني‬ ‫ليغطي سوريا بغزارتها الفنية والثقافية‪.‬‬ ‫وقالت بسمة الحسيني ّ‬ ‫مؤسسة ومديرة (منظمة العمل لألمل)‪ ،‬التي تبنت‬ ‫املرشوع وأرشفت عليه يف مختلف أطواره‪ ،‬عن ما واجهته املنظمة من‬ ‫صعوبات‪ّ ،‬إن “هذه الصعوبات تتعلق بتوفري باحثني بشكل كاف ضمن جميع‬



Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.