مجلة طلعنا عالحرية / العدد 104

Page 1

‫حرية ‪ ،‬كرامة‪ ،‬مواطنة‬

‫العدد‬

‫‪104‬‬ ‫‪2022 / 4 / 25‬‬

‫مجلة شهرية‪ ،‬سياسية‪ ،‬ثقافية‪ ،‬مستقلة‬


‫ّ‬ ‫َ‬ ‫وابتسم !‬ ‫جتلى‪..‬‬

‫‪2‬‬ ‫نصار‬ ‫افتتاحية العدد بقلم أسامة ّ‬

‫العدد‬

‫‪104‬‬ ‫‪2022 / 4 / 25‬‬

‫يف سهرة رمضانية عائلية أراد املضيف أن نلتفت‬ ‫إىل حديث واحد بدل الثنائيات والثالثيات‬ ‫الجانبية‪ ،‬أو رمبا بدل الرسحات الفردية لكل منّا‪.‬‬ ‫فوجه سؤاالً للجميع‪ :‬ما هي أقدم ذكرى رمضانية‬ ‫ّ‬ ‫ميكنك استحضارها اآلن؟‬ ‫املتسامرون هم قسم من ش ّلة أصدقاء وصديقات‬ ‫قدامى‪ ،‬الت ّموا من جديد عىل بعضهم ألول مرة‬ ‫يف الشتات‪ ،‬منذ فراقات السنوات العرش األخرية‪،‬‬ ‫توسعت املجموعة باتجاه األوالد والبنات‪،‬‬ ‫وقد ّ‬ ‫بعد أن تآكلت بغياب الشهداء واملعتقلني‬ ‫ومجهويل املكان واملصري!‬ ‫ياللفتة الذكية! اآلن سنبدأ باستعادة الجيل الثاين‬ ‫املغرتب إىل ثقافتنا ولغتنا‪ ،‬سنعرفه ببلده الحقيقي‬ ‫وليس البديل‪ ،‬سنحيك لهم عن نفحات رمضان‬ ‫وصالة الرتاويح‪ ،‬وعن سهرات الفوازير وحواديت‬ ‫شهرزاد‪ ،‬وقراءة ختامت القرآن‪ ،‬إحياءات العرش‬ ‫األخري‪ ،‬والعودة مع طلوع الشمس من صالة‬ ‫الفجر‪ ..‬سوق الجزماتية‪ ،‬صناعة املعمول املنزيل‪،‬‬ ‫املسحر (أبو طبلة)‪ ،‬تقاسيم‬ ‫وتقطري العرقسوس‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الناي عىل مقام الحجاز قبيل أذان املغرب‪ ،‬تحية‬ ‫اإلفطار‪ ..‬توفيق املنجد و”رمضان ّ‬ ‫تجل وابتسم”‪..‬‬ ‫“فـودّعوه”!‬ ‫وبينام بدأ الحارضون برسد ذكرياتهم‪ ،‬كنت‬ ‫أحاول دفع التداعي الذي انهمر يف ذاكريت‬

‫الرمضانية‪ ..‬تش ّوقنا لرمضان “حاسم” يف السنة‬ ‫األوىل للثورة‪ ،‬اعتصام ليلة القدر يف جامع الرفاعي‬ ‫يف ساحة كفرسوسة‪ ،‬مظاهرات بعد الرتاويح‪ ،‬أيام‬ ‫العمل بالتواري يف حواري الشام مع غياث مطر‬ ‫ونبيل ويحيى رشبجي قبل اعتقالهم‪ ،‬رمضانات‬ ‫املعتقالت‪ ،‬أو الحصارات‪ ..‬األنقاض عىل سفرة‬ ‫اإلفطار يف بيت تعرض لقصف أودى بحياة سكانه‬ ‫الصامئني يف دوما‪ ،‬أو أرسة أخرى ارتقت من مائدة‬ ‫مشابهة لكن من سلقني يف ريف إدلب‪ ..‬الشهيد‬ ‫الدكتور أسامة البارودي‪ ،‬الذي ارتقى صامئاً من‬ ‫سجن صيدنايا العسكري‪ ،‬لهفة سمرية الخليل‬ ‫ورزان زيتونة لتأمني إفطار “نوعي” تحت الحصار‬ ‫لنا نحن الصامئني‪ ..‬وابتسامة رزان ملّا ذكرت لها‬ ‫من السرية النبوية قصة “ذهب املفطرون اليوم‬ ‫باألجر”!‬ ‫يبدو أين رشدت‪..‬‬ ‫حاولت أن أحفر أعمق يف الذاكرة‪ ،‬مبتعداً عن‬ ‫ذكريات ما بعد الثورة‪ .‬وقاومت الفكرة التي‬ ‫ترتدد كل حني يف ذهني‪ :‬حياتنا انقسمت انقساماً‬ ‫حا ّداً إىل قبل ‪ 2011‬أو بعدها‪ ،‬وبتاميز واضح!‬ ‫لكن سلسلة أخرى من املآيس تدفقت لتخنقني‬ ‫من جديد‪ ..‬وفاة أيب‪ ،‬طرد مجموعة “شباب‬ ‫داريا” من جامع أنس بن مالك ملا رفضوا الخضوع‬ ‫للمشيخة املتواطئة مع املخابرات‪ ،‬عجزي أمام‬

‫‪www.freedomraise.net‬‬

‫افتتاحية‬

‫املقاالت املنشورة تعرب عن آراء أصحابها أوالً‬ ‫وال تعرب بالرضورة عن آراء هيئة التحرير‬ ‫املجلة غري ملزمة بنرش كل ما يردها من مواد‬

‫شهرية ثقافية‪ ،‬اجتامعية‪ ،‬سياسية‪،‬‬ ‫تعنى بالشأن السوري‬ ‫املدير اإلداري‬ ‫معتصم أبو الشامات‬

‫الغالف‬ ‫سمري خلييل‬

‫نظرة بائعة املعروك العجوز الفقرية املنكرسة‬ ‫يف سوق باب رسيجة‪ ،‬وهي تطالع بسطتها وقد‬ ‫دلقها صاحب املحل الجشع‪ ،‬ألنها تقف أمام‬ ‫“باب رزقـ”ـه‪.‬‬ ‫قاطعت نفيس مرة أخرى‪ :‬بال مجاملة‪ ،‬ذكريايت‬ ‫ليست لطيفة مع الشهر الكريم! وليست كلها‬ ‫متعلقة مبا بعد ‪ !2011‬بل حتى الذكريات العذبة‬ ‫تصبح صعبة ملا تستحرضها بغياب صنّاع تلك‬ ‫الذكريات وصنّاع عذوبتها‪..‬‬ ‫نخدع أنفسنا عندما نظن أن األحداث القدمية‬ ‫هي “الزمن الجميل”!‬ ‫يقرتب دوري للكالم يف سهرة األصدقاء‪ ..‬األفضل‬ ‫أن أف ّكر بيشء بسيط وخفيف‪ ..‬آه‪ ..‬نعم‪ ..‬أتذكر‬ ‫“أبو يحيى” مؤذن جامع عامر بن يارس قبالة بيتنا‬ ‫القديم يف بستان البختيار؛ الجامع املالصق لدار‬ ‫األمان لأليتام‪ ..‬نعم؛ املركز الذي ّ‬ ‫حل بشار األسد‬ ‫مع زوجته ضيفني ثقيلني قبل أيام عىل إفطار‬ ‫األطفال نزالء املركز‪ ،‬ليطبقا حرفياً حالة “األيتام‬ ‫عىل مائدة اللئام”!‬ ‫أوف! ليست املشكلة يف رمضان‪ ،‬وال فيام بعد‬ ‫‪ ..2011‬عندي ‪-‬وعند كثريين‪ -‬مهارة تعكري أيّ‬ ‫ذكرى من أيّ شهر وأيّ مكان! ّ‬ ‫فنقطب ونغوص يف‬ ‫الكمد‪ ،‬رغم أن الكريم‪ ،‬رمضان‪ّ ،‬‬ ‫تجل‪ ..‬وابتسم!‬

‫تفاعل معنا عرب صفحاتنا عىل اإلنرتنت‬ ‫‪facebook.com/rising4freedom‬‬

‫نصار‬ ‫رئيس التحرير أسامة ّ‬

‫‪twitter.com/freedomraise‬‬

‫نائب رئيس التحرير ليىل الصفدي‬

‫‪freedomraise@gmail.com‬‬

‫كاريكاتري‬ ‫سمري خلييل ‪ /‬هاين ع ّباس‬

‫أمن رقمي ومحاسبة‬ ‫وائل موىس‬

‫زمالء مختطفون يف سوريا‬ ‫رزان زيتونة ‪ -‬ناظم حامدي‬


‫‪3‬‬

‫العدد‬

‫‪104‬‬

‫‪2022 / 4 / 25‬‬

‫كاريكاتري‬


‫‪4‬‬

‫السالم غايتنا وليست احلرب وال اإلذعان‬ ‫جمال الشوفي‬

‫العدد‬

‫‪104‬‬ ‫‪2022 / 4 / 25‬‬ ‫مقاالت‬

‫أردناها حرية وسالماً وعدالة‪ ،‬فيام أرادتها آلة القتل‬ ‫وسلطات األمر الواقع حرباً مفتوحة‪ ،‬أدركنا من بدايتها‬ ‫أنها تنذر رشاً قد يغدو عاملياً‪.‬‬ ‫السالم الذي أردناه ونريده هو غاية السعادة البرشية‪،‬‬ ‫هو القدرة عىل التعايش مع املختلف معك سياسياً‬ ‫وديناً ولوناً ومصلحة‪ .‬السالم كغاية برشية وموضوعة‬ ‫حياة يومية‪ ،‬هو مسعى الشعوب لالستقرار واالستمرار‪.‬‬ ‫السالم نقيض الحرب والقتل والدمار‪ ،‬وليس هذا فقط‪،‬‬ ‫بل نقيض النفس األمارة بالسوء‪ ،‬بنزعتي الكراهية‬ ‫والعداء‪ .‬السالم كحالة سياسية تبعث عىل الطأمنينة‬ ‫يف دول الجوار واملحيط العريب واإلقليمي والعاملي‪ .‬هو‬ ‫غاية ووسيلة بآن لتحقيق الذات البرشية وكرامتها يف‬ ‫دولة وأرض ووطن‪ ،‬وكل ما جرى لليوم من حرب عىل‬ ‫الشعب واملدنيني العزل يقوض هذا السالم ويجعله‬ ‫بعيد املنال ‪..‬‬ ‫خياراتنا‪ ،‬خيارات السوريني كانت والزالت واضحة‪:‬‬ ‫السالم والعدالة والحرية‪ ،‬حتى وأن أرادها أصحاب‬ ‫سلطات األمر الواقع وامليليشيات التي تفرخت بسوريا‬ ‫من كل صنوف آالت القتل الجزايف والتي استقدمت‬ ‫خلفها شتى أنواع االحتالالت العسكرية‪ ،‬بقيت وستبقى‬ ‫هي خيارات الشعب املستضعف واملظلوم لعقود‪،‬‬ ‫ولرمبا لدهور‪ ،‬سياسياً ودينياً ومجتمعياً‪ .‬خيارات الدولة‬ ‫الوطنية‪ ،‬دولة القانون واملؤسسات‪ ،‬ال خيارات االرتزاق‬ ‫واإلرتهان للمنظومات األمنية وامليليشوية وأصحاب‬ ‫النفوذ وأباطرة املال واالحتكار‪ ،‬وبرسم القانون الذي‬ ‫يرشعه جوقة من املصفقني “املهللني”‪“ ،‬املطبلني” فيام‬ ‫يسمى مبجلس الشعب‪.‬‬ ‫ال يتحقق السالم بفرض القوة والسطوة‪ ،‬بل بالقانون‬ ‫الوضعي؛ القانون كتجسيد موضوعي للعقد االجتامعي‬ ‫بني البرش املختلفني يف األهواء واألذواق والرغبات‬ ‫واملصالح‪ ،‬وحتى باألطامع واألديان والعقائد‪ .‬القانون‬ ‫املصان قضائياً ودستورياً والذي ينص رصاحة عىل‬ ‫تحقيق العدالة واملساواة بني البرش يف الحقوق‬ ‫والواجبات‪ ،‬وكل خرق لهذه املساواة يستوجب إقامة‬

‫العدل صوناً للسالم أوالً وللعقد االجتامعي ثانياً‪..‬‬ ‫وهذا ال ميكن أن يحدث إال باإلرادات الحرة‪ ،‬بذوات‬ ‫األفراد املتحررة من نري االستبداد وقد امتلكت ذواتها‪،‬‬ ‫كمواطنني ال كرعايا وخرفان للذبح‪ ،‬وأيضاً امتلكت‬ ‫القدرة عىل التعبري عن رأيها‪ ،‬عن ذوقها‪ ،‬عن فكرها‪،‬‬ ‫عن توجهاتها وطموحاتها‪ ،‬ال عن انتامئها املهني واملذل‬ ‫لحزب أوحد‪ ،‬أو ملجموعة أحزاب ترعى يف فلكه تسمى‬ ‫جبهة وطنية‪.‬‬ ‫الحرية حرية الجميع أفراداً ومؤسسات‪ ،‬رجال ونساء‪،‬‬ ‫هي حق الله وقد أودعه أمانة بني بني البرش ألنهم‬ ‫يعقلون‪ ،‬ويفكرون‪ ،‬إلنهم بال السالم والعدالة والحرية‬ ‫يعودون لرشيعة الغاب ولغة القتل والبطش وحكم‬ ‫األقوى وفلتان املرعى واملأكل واملرشب‪..‬‬ ‫يقول قائل‪ :‬وأي سالم وعدالة وحرية تريدون وقد‬ ‫استجلبتم األجنبي لقصف سوريا؟ ويبدو أنه يخطئ ال‬ ‫يف املعنى‪ ،‬بل يف تزوير وتحريف التاريخ‪ ،‬فمن استقدم‬ ‫األجنبي؟ ويبدو أن السالم والعدالة والحرية نذ ٌر عىل‬ ‫أصحاب النفوذ وذوي القامات الرفيعة من املتملكني‬ ‫وأصحاب النزعة املخملية يف الحياة‪ ،‬ورمبا يقصد أن‬ ‫سوريا ليست سوى مزرعة لتدجني البرش وزراعة‬ ‫الحشيش وتهريب املخدرات واالتجار باألعراض‬ ‫واألعضاء البرشية‪ ،‬وما الشعب سوى حقل تجاربها‬ ‫األوسع لكل صنوف القتل والدمار واالستعباد‪...‬‬ ‫سوريا ليست جهة سياسية أو طائفية وال مدينة دون‬ ‫أخرى‪ .‬سوريا كل املدن السورية؛ كل أطفالها‪ ،‬كل‬ ‫نسائها‪ ،‬كل حاراتها‪ ..‬سوريا الوطن املسلوب والدولة‬ ‫املهدورة‪ ،‬سوريا التي مل تبقَ قوة عاملية كبرية أو صغرية‬ ‫إال وأعلنت التدخل بها‪ ،‬فقط ألنها تقوم عىل نظم‬ ‫العسكر والقبضة األمنية وسطوة الديكتاتورية البعثية‬ ‫العسكرتارية‪ ،‬تلك التي مل ت َر يف مظاهرات ومطالب‬ ‫الشعب بالسالم والعدالة والحرية سوى اغتصاباً‬ ‫لسلطاتهاونفوذها‪،‬لهيلامنهاوسطوتها‪.‬‬ ‫فإن كان الخطأ الذي ارتكبته هذه املنظومة يف قتل‬ ‫واعتقال املدنيني وترويج حرب اإلرهاب املزعومة‪،‬‬

‫والعمل عىل إذكاء النعرات الطائفية‪ ،‬وإطالق يد‬ ‫املجرمني والشبيحة يف أرزاق الناس وحياتهم‪ ،‬ومن ثم‬ ‫تهجري سكان املدن املنتفضة هو الخطأ القاتل األكرب‪.‬‬ ‫فالخطأ املاكر اآلخر هو يف حالة الجمود السيايس‬ ‫واإلفقار املتتايل واإلجحاف بتهجري من تبقى من‬ ‫الشباب السوري الذي سيصنع السالم أو العدالة‪ .‬فكل‬ ‫انتصارات العسكر تصنع كل أشكال الطاعة والرعب‬ ‫والخوف‪ ،‬ولكنها أبداً ال تصنع السالم وال العدالة وال‬ ‫حتى املصالحة الوطنية‪ ،‬وهذه طامة كربى يف عقلية‬ ‫من يروجون للسالم كرشوط إذعان وامتهان‪ .‬بينام‬ ‫املسألة السورية لليوم بحد ذاتها عقدة دولية ال ميكن‬ ‫حلها بال تجاوز مولدات أسبابها‪ ،‬وهي عقلية ووهم‬ ‫القوة واملطبلني لها‪.‬‬ ‫اليوم من سوريا إىل أوكرانيا‪ ،‬يف قلب أوروبا‪ ،‬تدور‬ ‫رحى الحرب وغطرسة القوة الروسبوتينية تقرع طبول‬ ‫الحرب العاملية الثالثة املدمرة‪ .‬فمنذ ُكشف لها درب‬ ‫قتل أبناء الشعب السوري وتهجري البقية منه‪ ،‬عىل ً‬ ‫مرئ‬ ‫من أمم األرض قاطبة ومجالس أممها ومنابر حقوق‬ ‫اإلنسان واألمم‪ ،‬تم تقويض السالم من املنطقة وها هو‬ ‫ميتد إىل ما ال تحمد عقباه عاملياً‪.‬‬ ‫السالم والعدالة والحرية ال تقتلع من نفوس البرش‬ ‫بالحرب والقتل‪ .‬والنزعة العنرصية واأليديولوجيات‬ ‫القومية املتعصبة ليست نصرية التاريخ‪ ،‬فقبل‬ ‫الروسبوتينية كانت النازية وذهبت‪ ،‬وكان عرص‬ ‫االمرباطوريات وولت‪.‬‬ ‫أما أن يكون مربر القتل والدمار العودة للمربع العاملي‬ ‫كقطب ثانٍ فهذا أبداً لن يأيت إال باحرتام هذا الثالوث‪.‬‬ ‫وعىل العامل أن يتذكر‪ :‬مل نكن كسوريني نريدها حرباً‬ ‫وال تدخالت عسكرية قاتلة؛ ال روسية وال أمريكية‪،‬‬ ‫فقط أردناها انتصاراً للمظامل املسحوقة‪ ،‬لشعب أراد‬ ‫الحياة‪ .‬فهل من أذن تسمع قبل أن تبيك البقية منا‪،‬‬ ‫ورمبا كل أمهات الكرة األرضية قاطبة إذا ما متددت‬ ‫الحرب الروسية خارج أوكرانيا‪ ،‬كام متددت قبلها خارج‬ ‫سوريا؟‬


‫أسئلة مشروعة‪...‬‬ ‫بعد عشر سنوات على الثورة‬

‫‪5‬‬

‫يوسف صادق‬

‫العدد‬

‫‪104‬‬ ‫‪2022 / 4 / 25‬‬ ‫مقاالت‬

‫ملاذا مل تنجح الثورة السورية؟‬ ‫هل تجاوز الواقع هذا السؤال؟ أم أن هناك أسئلة‬ ‫أخرى؟‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫حينام ندرك أن نظاما ميتد بجذوره العفنة إىل كل بنى‬ ‫املجتمع‪ ،‬وإىل أعامق نفوسنا وعقولنا وحتى أحالمنا‪،‬‬ ‫ويرتبط بشبكة وريد دما ٍء نجسة بكل مصالح دول‬ ‫الهيمنة واالستبداد‪ ،‬حينها ندرك كم هو السؤال بري ٌء‬ ‫ٌ‬ ‫ومجحف بحقّ السوريني‪.‬‬ ‫إذاً لنخرج من االختالط يف شبهة السؤال وآثامه‪ ،‬ونعود‬ ‫كالم جاه ٍز‬ ‫لننظر برباءة ال تعرف كل ما تعلمناه من ٍ‬ ‫لكل املناسبات‪ .‬والعودة إىل بد ٍء ال تعني نسف كل‬ ‫يش ٍء‪ ،‬بل جدلياً النفي والشك‪ ،‬لنؤسس من جديد‪.‬‬ ‫الحرب الروسية عىل أوكرانيا تعود بنا ملقولة ماركس‬ ‫“الحرب امتحان ملقدرات األمة” والسؤال املبدأ‪،‬‬ ‫والذي يتجاوز كل األسئلة السابقة‪ ،‬وال ينفيها‪ ،‬هل‬ ‫كانت الثورة مبا هي حراك شعبي ومدين ثم عسكري‪،‬‬ ‫قادرة عىل تحقيق الحرية والعدالة والدولة املدنية‬ ‫الدميوقراطية‪ ،‬كام هتفت بشعاراتها الحناجر؟ حسبنا‬ ‫طرح األسئلة يف األسطر القليلة الباقية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫من الجهة األخرى نظام الطاغية كان مستعدا بآلته‬ ‫العسكرية واألمنية واإلعالمية لسحق أي حراك ضده‪.‬‬ ‫وهذه حقيقة تثبت أن كرس جدران الخوف كان ثور ًة‪.‬‬ ‫الطاغية ه ّيأ كل يش ٍء ومنذ عقود يك يبقى‪ ،‬أفرغ‬ ‫الدستور وأفرغ الحياة املدنية والسياسية يف املجتمع‪،‬‬ ‫بل زرع بها أذرعه لتقوم مبهمته‪ ،‬بدءاً من طفولة‬ ‫الطالئع حتى قهر الشباب يف جيشه العقائدي‪ .‬ليح ّول‬ ‫لقطيع‪ ،‬أو يرمي به يف غياهب تدمر وصيدنايا‪،‬‬ ‫الشعب‬ ‫ٍ‬ ‫أو يسحق األصوات تحت سقوف البيوت يف حامه‪ .‬وال‬ ‫مجدة ومس ّوغة لكل‬ ‫يعلو إال صوت آلته اإلعالمية ُم ّ‬ ‫رشور االستبداد‪ .‬والنتيجة شعب ُمذ ّرر يف طوائف‬ ‫وعشائر وأيديولوجيا غيبية‪ ،‬منتظر للمكرمات وزيادة‬ ‫الرواتب يف نرشات األخبار‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫قد يعرتض الكثريون وهذا حقهم‪ .‬لكن الذي حصل‬ ‫إ ّبان الثورة يثبت نسبية هذه النظرة‪ .‬ففي الجهة‬ ‫املقابلة‪ ،‬بدأت الثورة‪ ،‬ثورة الكرامة‪ ،‬لتقول ّإن الشعب‬ ‫الجمعات واتسع صوت الضمري‬ ‫السوري واحدٌ ‪ ،‬فتوالت ُ‬ ‫ّ‬ ‫عىل كامل الجغرافية الوطنية‪ ،‬لكن التاريخ يعلمنا أن‬

‫نسبة نجاح هذه الثورات قليلة‪ ،‬والطاغية جاهز بآلته‬ ‫الدعائية والعسكرية للبطش بها‪.‬‬ ‫وهنا نتساءل هل كان ال ب ّد من االنتقال للثورة‬ ‫املس ّلحة؟ رمبا هو منطق الواقع‪ ،‬لكن مع هذا االنتقال‬ ‫أخرج املجتمع كل ما يرافق منطق القوة‪ ،‬وهنا نعود‬ ‫لجاهزية املجتمع املدين وقدرته عىل االستمرار‪ ،‬أو‬ ‫لنقل ّإن االمتحان كان لوعي املجتمع ملا خ ّلفه به‬ ‫االستبداد‪.‬‬ ‫فحينام مت ّكنت القوى األصولية واملتطرفة من تسلمّ‬ ‫صوت مدين أو دميقراطي‪ ،‬وما‬ ‫د ّفة القيادة‪ ،‬أقصت كل ٍ‬ ‫حصل يف الغوطتني حسب شهادة املعتقالت‪ ،‬والنساء‬ ‫الناشطات‪ ،‬بدءاً من اإلخفاء القرسي لرزان زيتونة‬ ‫ووائل الحامدة وناظم الحامدي وسمرية الخليل‪ ،‬كان‬ ‫دلي ًال عىل ما زرعه فينا االستبداد من أمراء للحرب‬ ‫ووصوليني‪ .‬ورغم ذلك استمرت املقاومة الشعبية يف‬ ‫جوبر مث ًال‪.‬‬ ‫لكن الطاغية كان جاهزاً لهذه املرحلة التي استقرت‬ ‫بها عروش األنظمة الشمولية يف كل األرجاء العربية‪،‬‬ ‫مدعي ًة املقاومة‪ .‬فاستحرض أذرعه الخارجية الحاضنة‬ ‫لنظامه الطائفي وأعاد التوازن له منذ عام ‪.2013‬‬ ‫لنقل إن تدخل سياسة القوة كان الب ّد منه‪ ،‬لكنه‬ ‫يحمل معه التهديد املبارش الستقرار األنظمة يف الرشق‬ ‫املنكوب‪ .‬وللعامل الذي يحكمه الطغيان باسم مجلس‬ ‫األمن وعدم فاعلية هيئة أممه املتحدة‪.‬‬ ‫ويكتمل هذا بالتدخل الرويس عام ‪ 2015‬لينقذ حلفاءه‬ ‫يف االستبداد وتصبح قضية الشعب السوري املطالب‬ ‫بحريته‪ ،‬قضية أممية‪ ،‬يتناولها العامل مبسار جنيف‬ ‫املعطل‪ ،‬ومسار األستانة املستند للقوة عىل األرض من‬ ‫ِقبل النظام القزم وحلفائه‪.‬‬ ‫لنقل من جديد منذ ذاك خرجت األمور من يد الشعب‬ ‫السوري‪ .‬فلم تستطع هيآته السياسية واملدنية إيجاد‬ ‫التوازن بتحالفاتها واحتضانها من القوى العظمى‬ ‫العاملية‪ ،‬مبعنى ملاذا مل يستطع املجلس الوطني ثم‬ ‫االئتالف الحاكم وهيئة التفاوض أن يكونوا عىل قدر‬ ‫آمال ومذابح شعبنا؟‬ ‫الحرب امتحان ملقدرات األمة‪ ،‬وشعبنا مل يكن لظروف‬ ‫تاريخية وعاملية ميتلك تلك املقدرات‪ .‬واآلن نجح‬

‫الطاغية بتفريغ املناطق الثائرة‪ ،‬وترشيد َمن تب ّقى‪،‬‬ ‫وتهجري َمن كان ميلك اإلرادة والحلم‪ .‬بل وباتت سوريا‬ ‫مكاناً لتصفية الحسابات العاملية‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫لعل العجالة السابقة فيها الكثري من الشبهات‪ ،‬لكنّ‬ ‫الثابت فيها بعض الوقائع واألسئلة‪:‬‬ ‫الواقعة األوىل والسؤال‪ :‬مل يكن املجتمع السوري بظل‬ ‫الحرمان من السياسة والقانون جاهزاً عىل مستوى‬ ‫مامرسة الحراك الثوري؛ ال يعني هذا أن يؤجل الشعب‬ ‫ثورته حتى ينضج‪ ،‬بل يعني أن يتساءل املحبطون هل‬ ‫خرجوا للشوارع بدافع الحلم وكرس الخوف وفقط؟‬ ‫عىل أهمية وتقدير ما كرسوه من حواجز فرضها‬ ‫النظام عىل م ّر عقود‪.‬‬ ‫والواقعة الثانية‪ :‬تتمثل بسيطرة التطرف‪ ،‬فكان ورقةً‬ ‫بيد الطاغية ليربر هدم املدن فوق ساكنيها‪ ،‬وليجلب‬ ‫ضباع العامل إىل سوريا‪ ،‬والسؤال‪ :‬أمل يدفع الحراك املدين‬ ‫السلمي والنشطاء من اإلناث والصحفيني والكتّاب‬ ‫يع النشطاء والسياسيون‬ ‫واملفكرين مثن ما جرى؟ أمل ِ‬ ‫ما أهملوه يف بنى مجتمعنا العريب من تقاليد‬ ‫وبطريريكية‪ ،‬جعلت كل التقاليد املدنية السياسية‬ ‫قرش ًة فوق مستنقع من األيديولوجيا السلطوية‬ ‫والفئوية؟‬ ‫الواقعة الثالثة تفرض نفسها مع كل التجارب الناجحة‬ ‫يف الحراك الثوري‪ :‬تنظي ًام ودعاية وتح ّرراً‪ ،‬كانت‬ ‫وما زالت أم ًال للسوريني‪ .‬كفرنبل وغريها من املدن‬ ‫السورية الثائرة‪ ،‬ما زالت تلهم أحرار العامل كيف يكون‬ ‫العمل الثوري‪.‬‬ ‫الواقعة الرابعة وليست األخرية‪ :‬مواكبة الحدث إعالمياً‬ ‫ووعي كيفية كسب املواقف سياسياً‪.‬‬ ‫كل ذلك يطرح علينا إعادة النظر للخروج من ثنائية‬ ‫الحل البوتيني‪ /‬األمرييك وكيفية تجاوز القرشة ّ‬ ‫الهشة‬ ‫التي تس ّمى االئتالف‪ ،‬لتم ّثل القوى الثورية بجسد‬ ‫سيايس قاد ٍر عىل متثيل ماليني املهجرين والنازحني‬ ‫واملعتقلني‪ ،‬وفق مرشوع مدين دميقراطي‪ ،‬مي ّثل الحد‬ ‫األدىن مام يستح ّقه السوري‪ .‬ويبقى السؤال بريئاً بعيداً‬ ‫عن شبهات املصالح سوى إرادة السوريني‪.‬‬ ‫ورمبا ننتظر الكوكب الحادي عرش‪ ،‬لتتحقق رؤيا‬ ‫يوسف‪.‬‬


‫العامل الفكري جلودت سعيد‬

‫‪6‬‬

‫نقطة ضوء‬ ‫د‪ .‬محمد العمار‬

‫العدد‬

‫‪104‬‬ ‫‪2022 / 4 / 25‬‬ ‫مقاالت‬

‫كانت حياته درساً مستمراً‪ ،‬وكان له درسان‬ ‫منتظامن‪ :‬درس أسبوعي يوم اإلثنني‪ ،‬استمر‬ ‫ألكرث من ربع قرن‪ ،‬وكنت ضيفه الدائم‪ ،‬ويشاركنا‬ ‫أحياناً بعض الحضور‪ ،‬وأضيف إليه يف السنوات‬ ‫درس بعد صالة الجمعة‪ ،‬كنت أحرضه مع‬ ‫األخرية ٌ‬ ‫أرسيت‪ .‬وكان له درس يف الخميس األول من كل‬ ‫شهر يف منزله يف دمشق‪ ،‬مل أحرضه بشكل جدي‬ ‫إال يف السنوات األخرية‪.‬‬ ‫يتميز الحضور يف دروس األستاذ‪ ،‬بأنه حضور‬ ‫مزمن‪ ،‬وأنا حالة ومثال عىل هذا الحضور‪ ،‬ويتميز‬ ‫هذا الحضور املزمن فيام يبدو يل بخاصيتني‬ ‫اثنتني‪:‬‬ ‫‪ 1‬عدم اإلحساس بامللل أو التجاوز أو التكرار‬‫الذي يشكو منه كثريون ممن حرضوا الدروس‬ ‫بشكل متباعد‪ ،‬فلم يدخلوا عامله الفكري‪ ،‬ومل‬ ‫يلحظوا منو األفكار‪ ،‬ومل يدركوا قيمتها التأسيسية‬ ‫املنقذة‪.‬‬ ‫‪ 2‬تفاوت إدراك الحارضين ملا يقال ‪-‬رغم اإلزمان‬‫الذي تحدثنا عنه‪ -‬وهذا يتضح كلام حدث حوار‬ ‫أثناء الجلسات‪ ،‬وقد كان أمراً ميسوراً؛ فميزة‬ ‫األستاذ أنه يحب أن يسمع من اآلخرين‪ ،‬وكان‬ ‫يعطي الفرصة لكل راغب يف الحديث‪.‬‬ ‫وهاتان الخاصتان ‪-‬فيام أتصور‪ -‬صدى لطبيعة‬ ‫الفكر الذي ُيعرض يف جلسات األستاذ‪ ،‬والذي‬ ‫يتميز بدوره أيضاً مبيزتني هامتني فيام نرى هام‪:‬‬ ‫الوجاهة والصدقية واملبارشة والبداهة‪.‬‬ ‫صعوبة املحاكاة واالستنساخ وإعادة اإلنتاج‪،‬‬ ‫ويبدو ذلك واضحاً كلام حاولنا إعادة اإلنتاج قوالً‬ ‫أو كتاب ًة‪.‬‬ ‫وتنبع الخاصة األوىل مام يحتويه الفكر املطروح‬

‫من مبارشة‪ ،‬ونوعية ما يتصدى له من قضايا‪ ،‬وما‬ ‫يعتمده من أسلوب‪ ،‬وما يلجأ إليه من آليات؛ يف‬ ‫اإلشارة إىل الوقائع واألحداث التي ال يلتفت أحد‬ ‫لداللتها‪ ،‬وال يهتم أحد مبعانيها‪ ،‬فذلك أسلوب يف‬ ‫البحث مل يعتده العقل العريب‪ ،‬وبشكل أكرث دقة‪،‬‬ ‫مل يعتده عقل العرص الوسيط املسيطر‪ ،‬والذي‬ ‫نص‪ ،‬مل يتعلم لغة العلم التي‬ ‫هو باملجمل عقل ّ ّ‬ ‫هي لغة (الخلق) (أي لغة من َخ َلق)‪ ،‬واملرشحة‬ ‫ألن تصبح لغة العامل‪ ،‬أو اللغة الكونية‪.‬‬ ‫فيام تنبع الخاصية الثانية من األفق الذي يتم من‬ ‫خالله الطرح الفكري؛ فام يطرح من فكر‪ ،‬ليس‬ ‫زيادة معرفية كمية‪ ،‬تتم إضافتها يف سياق نظام‬ ‫معريف سائد‪ ،‬وإمنا هي زيادة نوعية من نظام‬ ‫ثقايف مختلف‪ ،‬إنها منبهات ليس لها مستقبالت‬ ‫(إن جاز التعبري) يف الثقافة السائدة‪ ،‬إنها لغة‬ ‫جديدة ‪ ،‬تستعمل ألفاظا مستهلكة‪ ،‬مسكونة‬ ‫ومحملة مبعان قدمية فات أوانها‪ ،‬إن ما يحدث‬ ‫هو ش ّد وتوسيع ملعاين الكلامت القدمية‪ ،‬تبديل‬ ‫وتجديد وإعادة تأويل‪ ،‬إماتة لبعض املعاين‪،‬‬ ‫وإحياء ملعان أخرى ميتة‪ ،‬إنها محاولة إلعادة‬ ‫قراءة الكون والكتاب سبييل الوحي‪ ،‬من خالل‬ ‫جدل النص والواقع‪ ،‬ومعانقة آيات الكون آليات‬ ‫الكتاب‪ ،‬يف عامل تم فيه إلغاء دالالت آيات الكون‪،‬‬ ‫لصالح قراءة وحيدة ميتة متحجرة آليات الكتاب‪،‬‬ ‫إنها محاولة إلنقاذ آيات الكتاب من أرس الزمان‬ ‫واملكان‪ ،‬ورشط التاريخ‪ ،‬إلعادتها حرة طليقة‬ ‫خالدة‪ ،‬مفتوحة عىل اآلفاق واألنفس عرب الزمان‬ ‫واملكان‪ ،‬كام أراد لها الله سبحانه وتعاىل‪ ،‬إنها‬ ‫محاولة لخلق نظام معريف جديد يقوم عىل إعادة‬ ‫تأويل الواقع والقرآن واإلنسان‪ ،‬حيث يتم‪:‬‬

‫‪ 1‬استنطاق الواقع الحي املتحرك املشارك األول‬‫يف صناعة املعنى وإنتاجه‪.‬‬ ‫‪ 2‬فتح القرآن عىل الواقع الحي‪ ،‬ليستمد حياة‬‫وحرارة من حيوية الواقع وحركته‪ ،‬فيصبح رشيكاً‬ ‫يف صناعة املعنى‪ ،‬موجهاً له‪ ،‬وليس “مصدراً‬ ‫وحيداً” له‪ ،‬ألنه ال ميكن أن يكون كذلك!‬ ‫‪ 3‬إحياء دور اإلنسان وواجبه‪ ،‬باعتباره رشيكاً‬‫يف راهنية املعنى وحركيته‪ ،‬وباعتباره وسيطاً بني‬ ‫النص والكتاب‪ ،‬وكي ًال عىل جدلهام‪ ،‬رشيكاً يف‬ ‫خلق الحيوية والحياة فيهام‪ ،‬وكأمنا هام يستمدان‬ ‫من حيويته الحياة‪ ،‬ومن حركته اكتامل املعنى‪،‬‬ ‫ومن اجتهاده استنارة الواقع وحياة النص‪.‬‬ ‫يف الواقع إننا نتحدث عن محاولة خلق “بارادايم”‬ ‫جديد بحسب توماس كون‪ ،‬يقوم هذا البارادايم‬ ‫عىل قلب جذري لعامل املعنى باعتبار حركيته‪،‬‬ ‫وتعددية مصادره‪ ،‬وزيادته الدامئة‪ ،‬وحركته‬ ‫املستمرة باتجاه االكتامل والوضوح‪ ،‬ويكون لهذا‬ ‫الجهد قيمته التأسيسية‪ ،‬ومعناه الجذري‪ ،‬إذا‬ ‫أعدنا إىل األذهان حقيقة أننا من الناحية العقلية‬ ‫نتاج ثقافة نصية‪ ،‬مرجعها األول واألخري والوحيد‬ ‫هو النص‪.‬‬ ‫وعندما نطرح إعادة إحياء قيمة الوقائع‪ ،‬وإعادة‬ ‫متفصلها مع النص‪ ،‬بحيث يكون الواقع هو‬ ‫العامل األول يف صناعة املعنى‪ ،‬من خالل عالقة‬ ‫الجدل الدائم القائم بني النص والواقع‪ ،‬فنحن‬ ‫مل نصل لهذا املكان اعتباطاً أو خبطاً‪ ،‬بل اتكاء‬ ‫عىل النص املؤسس يف الثقافة العربية‪ ،‬إن النص‬ ‫املركزي أو الـتأسييس يف هذه الثقافة‪ ،‬يحدد هذا‬ ‫االتجاه لعالقة النص بالواقع‪ ،‬ولعالقتهام باملعنى‬ ‫“سني ِه ْم آ َيا ِتنَا ِف ْال َفاقِ َو ِف أَن ُف ِس ِه ْم‬ ‫يقول تعاىل‪ِ ُ :‬‬


‫‪7‬‬

‫العدد‬

‫‪104‬‬ ‫‪2022 / 4 / 25‬‬

‫اآلباء‪ ،‬فأصيب النص املؤسس بالعقم (الثانوي إن‬ ‫صح التعبري)‪ ،‬وتحول من أداة للتحرير إىل عائق‬ ‫أمام التقدم‪.‬‬ ‫النصالتأسييسيأخذ‬ ‫فمنالناحيةالنظريةنجدأن ّ‬ ‫بيدنا باتجاه عالقة صحيحة أو منتجة أو حيوية‬ ‫مع الواقع باعتبار حيوية الوقائع وتجددها‪ ،‬ولكن‬ ‫املشكلة التي تعوق حيوية هذه الجدلية وتحد‬ ‫من انفتاحها‪ ،‬أن النص املركزي واقع يف أرس اآلباء‪،‬‬ ‫يف حركيته وآفاقه ومعانيه‪ ،‬وهذا من الناحية‬ ‫الدينية نوع من الوثنية بحسب ما نفهم من‬ ‫النص ذاته‪َ “ :‬وإِ َذا ِق َ‬ ‫يل لَه ُ​ُم ا َّت ِب ُعوا َما أَ ْنز َ​َل ال َّل ُه َقا ُلوا‬ ‫َب ْل َن َّت ِب ُع َما َو َج ْد َنا َع َل ْي ِه آ َبا َء َنا أَ َولَ ْو َك َان َّ‬ ‫الش ْي َط ُان‬ ‫الس ِع ِري” [لقامن‪ ،]21:‬وهو‬ ‫اب َّ‬ ‫َيدْعُ وهُ ْم إِ َل َع َذ ِ‬ ‫من الناحية اإلنسانية إلغاء ملعنى اإلنسان‪ ،‬إذ أن‬ ‫هذا املعنى ال يتأكد إال باعتبار الفعالية العقلية‬ ‫القامئة عىل فتح السمع والبرص “أَ ْم َت ْح َس ُب أَ َّن‬

‫ون أَ ْو َي ْع ِق ُل َ‬ ‫أَ ْك َ َثهُ ْم َي ْس َم ُع َ‬ ‫ون إِ ْن هُ ْم إِ َّل َك ْالَ ْن َع ِام‬ ‫َب ْل هُ ْم أَ َض ُّل َس ِب ًيل” [الفرقان‪.]44:‬‬ ‫ملا عرفت األستاذ يف مثانينات القرن املايض كنت‬ ‫أرى آية سورة ُف ِّصلت “سرنيهم آياتنا يف اآلفاق‪”..‬‬ ‫نصاً يتي ًام‪ ،‬وبعد أن تعرفت عىل القرآن بصحبته‬ ‫ّ‬ ‫تبدّى يل القرآن دعوة مستمرة للنظر يف اآليات‪:‬‬ ‫ات َو ْالَ ْر ِض َو َما ُت ْغ ِني‬ ‫الس َم َو ِ‬ ‫“ ُق ِل ا ْن ُظ ُروا َما َذا ِف َّ‬ ‫ات َوالن ُ​ُّذ ُر عَنْ َق ْو ٍم َل ُي ْؤ ِمن َ‬ ‫ْال َي ُ‬ ‫ُون” [يونس‪،]101:‬‬ ‫وإذا مل تكف الب ّينات فالدعوة قامئة لالنتظار‬ ‫لآليات‪َ “ :‬ق َال َق ْد َو َق َع َع َل ْي ُك ْم ِمنْ َر ِّب ُك ْم ِر ْج ٌس‬ ‫َو َغ َض ٌب أَ ُت َجا ِد ُلو َن ِني ِف أَ ْس َم ٍء َس َّم ْيت ُ​ُموهَ ا أَ ْنت ُْم‬ ‫َوآ َبا ُؤ ُك ْم َما َنز َ​َّل ال َّل ُه ِب َها ِمنْ ُس ْل َطانٍ َفا ْنت َِظ ُروا إِ ِّن‬ ‫َم َع ُك ْم ِمنَ ا ْل ُم ْنت َِظ ِرينَ ” [األعراف‪.]71 :‬‬ ‫هذا هم واحد من اهتاممات متعددة كرس‬ ‫جودت سعيد لها جهده ووقته وكل ما ميلك من‬ ‫طاقة خدم ًة إلميانه وألمثاله من البرش‪.‬‬

‫مقاالت‬

‫َحتَّى َي َت َب َّ َ‬ ‫ي لَه ُْم أَ َّن ُه ا ْل َحقُّ أَ َولَ ْم َي ْك ِف ِب َر ِّب َك أَ َّن ُه‬ ‫ع َ​َل ُك ِّل َ ْ‬ ‫[فصلت‪.]53 :‬‬ ‫ش ٍء َش ِهيدٌ ” ّ‬ ‫ففي هذا النص تتجىل بوضوح أولوية الواقع يف‬ ‫صناعة املعنى وتحديده؛ فحركة الفكر تنطلق‬ ‫من الواقع حيث الوقائع والظواهر يف األنفس‬ ‫واآلفاق‪ ،‬وما ينظمها من سنن وقوانني هي‬ ‫الضابط لحركة األلفاظ‪ ،‬واملحدد التجاهات‬ ‫املعاين‪ ،‬وإذا مل نثبت حجر األساس هذا‪ ،‬نصبح‬ ‫ضحايا لعبة الكلامت‪ .‬وكثريا ما يستشهد األستاذ‬ ‫بنص لإلمام الغزايل يقول فيه‪ “ :‬ن أتبع األلفاظ‬ ‫املعاين كان كمن استدبر املغرب وهو يطلبه‪،”..‬‬ ‫وتتحول اللغة من وسيلة تخدم تبادل املعارف‬ ‫واملعاين‪ ،‬إىل دوامة لتضييع املعاين ومتييع‬ ‫الحقائق‪ ،‬وتتحول الوسيلة إىل غاية عىل حساب‬ ‫املعنى والحقيقة كام حدث يف العامل اإلسالمي‬ ‫عرب تاريخه؛ فقد تم إنشاء علوم سميت علوم‬ ‫اآللة‪ ،‬للمساعدة يف الوصول للكتاب‪ ،‬لكن هذه‬ ‫العلوم أصبحت حوائل‪ ،‬تحول بني الناس وبني‬ ‫كتاب الله‪ ،‬ومحددات لحركة العقل مع الكتاب‪،‬‬ ‫فصارت قيداً‪ ،‬وتحولت الوسائل إىل غايات‪،‬‬ ‫وضاعت الغايات األساسية‪ ،‬وتاهت العقول‬ ‫والكفاءات يف لعبة اللغة ومتاهة الكلامت‪،‬‬ ‫وانقطعت صلة النص بالواقع‪ ،‬فانطفأت فيه‬ ‫املعاين‪ ،‬فوقع النص يف أرس الكلامت‪ ،‬ومل يعد‬ ‫يتصل بالحياة‪ ،‬وحيث أن الكلامت متيل للخلود‬ ‫يف مجتمع فقد صلته بالواقع املعاش‪ ،‬اتخذت‬ ‫املعاين أشكاالً نهائية‪ ،‬ومن كرثة تكرارها اكتسبت‬ ‫نوعاً من القدسية والنهائية‪ ،‬واتخذت النصوص‬ ‫املقدسة التي أنزلها الله معان (مقدسة) أنتجها‬


‫يف مدينة القامشلي‬

‫‪8‬‬

‫ارتفاع أسعار املواد األساسية‬ ‫خيطف بهجة شهر رمضان‬ ‫القامشلي‪ :‬كمال شيخو‬

‫العدد‬

‫‪104‬‬ ‫‪2022 / 4 / 25‬‬ ‫تقارير‬

‫شهدت األسواق املركزية يف مدينة القامشيل‬ ‫ازدحاماً غري مسبوق وإقباالً شعبياً يف شهر‬ ‫رمضان‪ ،‬تزامن مع ارتفاع شديد يف أسعار السلع‬ ‫الغذائية واملواد الخاصة بطقوس الشهر‪ .‬ويواجه‬ ‫سكان املنطقة أسوأ أزمة اقتصادية عىل مدار‬ ‫األعوام املاضية جراء انخفاض العملة السورية‪،‬‬ ‫وتصاعد األسعار بشكل كبري بعد الغزو الرويس‬ ‫ألوكرانيا الشهر املايض‪ .‬ونقل تجار السوق‬ ‫املركزية إن الحرب الروسية تسببت يف زيادة‬ ‫األسعار بنحو ‪ 30‬يف املائة‪ ،‬خاصة أسعار الزيوت‬ ‫والبقوليات‪ ،‬مام أضعف األجواء االحتفالية التي‬ ‫عادة ما يخلقها الشهر الفضيل عند الناس‪.‬‬ ‫وقال سعد الدين (‪ 48‬سنة) صاحب محل سامنة‬ ‫يقع يف السوق املسقوفة وسط مدينة القامشيل‪:‬‬ ‫“أكرث املواد التي شهدت ارتفاعاً كانت الزيوت‬ ‫والسمنة والرز والربغل والبقوليات عموماً‪ ،‬أما‬ ‫التمور فارتفعت كثرياً لتباع علبة ‪ 5‬كيلو بنحو‬ ‫‪ 35‬ألف لرية” (ما يعادل ‪ 10‬دوالرات أمريكية)‪،‬‬ ‫فيام أشار خرض (‪ 55‬عاماً) والذي ميتلك متجراً‬ ‫للغذائيات إىل أن أغلب زبائنه هذا العام بشهر‬ ‫رمضان فضلوا رشاء كميات أقل بسبب ارتفاع‬ ‫األسعار‪“ :‬سابقاً الناس كانت تشرتي بالجملة يف‬ ‫رمضان‪ ،‬لكن هذا العام يشرتون بالكيلو ونصف‬ ‫كيلو بسبب الغالء الفاحش”‪.‬‬ ‫ويعزو التجار ارتفاع السلع واملواد األساسية‬ ‫إىل زيادة تكاليف النقل وطول الطرق وعدم‬ ‫استقرارها‪ ،‬إضافة لتقلب سعر رصف العمالت‬ ‫األجنبية‪ ،‬فقد سجل سعر رصف الدوالر األمرييك‬

‫يف األسواق املحلية بحدود ‪ 3800‬لرية‪.‬‬ ‫وحاولت منال (‪ 35‬سنة) املتحدرة من القامشيل‬ ‫وتعمل موظفة يف دائرة تابعة لإلدارة الذاتية‬ ‫رشاء متطلبات املنزل من مواد أساسية وبعض‬ ‫اللحوم إلعداد وجبة اإلفطار‪ .‬لكنها بعد استفسار‬ ‫عن سعر كيلو اللحم الذي تجاوز ‪ 20‬ألف لرية‬ ‫سورية وسعر كيلو الفروج الذي ارتفع إىل ‪7‬‬ ‫آالف لرية‪ ،‬خفضت من الكمية التي كانت مقررة‬ ‫رشاءها‪ ،‬وأثناء حديثها ارتسمت عالمات الحرية‬ ‫عىل وجهها وهي تدفع النقود للحام‪ ،‬لتقول‪:‬‬ ‫“ال أشرتي اللحمة إال يف أطعمة محددة‪ ،‬وآخذ‬ ‫باألوقية من أجل تغيري نكهة الطعام‪ ،‬عكس‬ ‫ما كنت عليه سابقاً ُ‬ ‫حيث كنت أشرتي اللحمة‬ ‫بالكيلوغراماتشهرياً”‪.‬‬ ‫غري أن سمية (‪ 43‬سنة) التي كانت تتبضع‬ ‫ووقفت أمام فرن مزدحم لرشاء املعجنات‪،‬‬ ‫نقلت بأن أطيب األكالت والتي درجت العادة‬ ‫بشهر رمضان أنه ال ميكن االستغناء عنها‬ ‫“املعروك أو العجوة املحشوة بالتمر والزبيب‪،‬‬ ‫إىل جانب العصائر الشعبية مثل العرقسوس‬ ‫والتمر الهندي وقمر الدين والجالب‪ ،‬وهي‬ ‫أصناف رئيسية متيز املائدة الرمضانية”‪ ،‬لكن‬ ‫هذه األصناف وغريها ارتفعت أسعارها بشكل‬ ‫جنوين‪ ،‬لتضيف بحرسة‪“ :‬املعروك سعره ‪5000‬‬ ‫لرية‪ ،‬والعصري ‪ 3000‬لرية‪ ،‬وكيلو أي صنف من‬ ‫الحلويات تجاوز سعره ‪ 10‬آالف‪ ،‬وهذه األسعار‬ ‫ال تتناسب مع مدخول األرسة”‪ ،‬وحاولت إكامل‬ ‫شح‬ ‫جولتها ورشاء بضع الحاجات عىل الرغم من ّ‬

‫املوارد املالية والرواتب‪.‬‬ ‫وأثرت زيادة األسعار عىل القدرة الرشائية لدى‬ ‫نسبة كبرية من رشائح املجتمع‪ ،‬ويعزو التجار‬ ‫ارتفاع السلع واملواد األساسية لزيادة تكاليف‬ ‫النقل‪ ،‬وطول الطرق وعدم استقرارها‪ ،‬إضافة‬ ‫لتوتر سعر رصف العمالت األجنبية‪ ،‬فقد تجاوز‬ ‫سعر رصف الدوالر األمرييك حاجز ‪ 3900‬لرية‬ ‫سورية‪ ،‬األمر الذي أشعل األسعار وخفض من‬ ‫قيمة البيع والرشاء‪ ،‬وطالت هذه الزيادة أسعار‬ ‫الفروج واللحوم‪ .‬وبحسب أصحاب مذابح‬ ‫الدجاج فقد ارتفعت أسعار املنتجات الحيوانية‬ ‫والدواجن مبتوسط نحو ‪ 500‬يف املئة؛ إذ وصل‬ ‫سعر الف ّروج الحي إىل حدود ‪ 7200‬لرية سورية‪،‬‬ ‫وطبق البيض ارتفع إىل ‪ 10‬آالف لرية‪ ،‬أما سعر‬ ‫كيلو لحم الخروف تجاوز ‪ 20‬ألفاً وهذه األسعار‬ ‫شهدتها املنطقة ألول مرة منذ بداية الحرب يف‬ ‫سوريا‪.‬‬ ‫وأجرب ارتفاع أسعار اللحوم األهايل عىل العزوف‬ ‫عن رشائها واالستعاضة عنها مبواد أخرى‪ ،‬كحال‬ ‫منري والذي يعمل موظفاً لدى “اإلدارة الذاتية”‬ ‫ويتقاىض راتباً شهرياً مقداره ‪ 260‬ألفاً (نحو ‪65‬‬ ‫دوالر أمرييك)‪ ،‬وقال‪“ :‬ال نشعر بالبهجة بشهر‬ ‫رمضان كام درجت العادة‪ ،‬فارتفاع األسعار‬ ‫وزيادتها بشكل كبري حرمنا من وجبات كثرية كنا‬ ‫نشتهي أكلها بهذا الشهر الفضيل”‪.‬‬ ‫وربط تجار السوق زيادة األسعار إىل غياب‬ ‫حالة االستقرار والتقلبات امليدانية التي تشهدها‬ ‫املنطقة‪ ،‬وكرثة الحواجز عىل الطرق الرئيسية‬


‫‪9‬‬

‫العدد‬

‫‪104‬‬ ‫‪2022 / 4 / 25‬‬

‫الواصلة بني املحافظات؛ حيث يأيت قسم من البضائع من‬ ‫الساحل السوري ومدينة حلب عرب الطريق الدويل الرسيع‪،‬‬ ‫والذي تتقاسم السيطرة عليه جهات سورية محلية ودولية‬ ‫متناقضة منذ بدء الحرب‪ ،‬وتفرض هذه الجهات املسيطرة‬ ‫زيادة الرسوم الجمركية‪ .‬كام شهدت السلع واملواد القادمة‬ ‫من تركيا ومناطق النفوذ الرتيك شاميل حلب زيادة عالية‬ ‫يف رسوم الرضائب‪ ،‬ويقول مناف (‪ 55‬سنة) املتحدر من‬ ‫القامشيل وميتلك بسطة لبيع التمور الخليجية والعراقية‪:‬‬ ‫“كل طرف يفرض الرضائب والجامرك‪ ،‬األمر الذي يؤدي إىل‬ ‫رفع األسعار بشكل ال يتناسب مع دخل املواطن يف مناطقنا”‪.‬‬

‫تقارير‬


‫‪10‬‬

‫راجعني ‪ ....‬أهالي الغوطة الشرقية يروون‬ ‫معاناتهم مع احلصار والتهجري القسري‬ ‫علي الداالتي ‪ -‬إدلب‬

‫العدد‬

‫‪104‬‬ ‫‪2022 / 4 / 25‬‬ ‫تقارير‬

‫أطلقت مجموعة من الناشطني من مهجري‬ ‫الغوطة الرشقية حملة بعنوان “راجعني” بالتزامن‬ ‫مع الذكرى السنوية الرابعة لتهجري عرشات‬ ‫اآلالف من سكان الغوطة من بيوتهم وأراضيهم‬ ‫باتجاه الشامل السوري‪.‬‬ ‫تم إجبار اآلالف عىل ترك بيوتهم وأراضيهم بعد‬ ‫سنوات من الحصار الكامل‪ ،‬وما رافق الحصار‬ ‫من مجازر وقصف‪ ،‬السيام باألسلحة الكياموية‪،‬‬ ‫والتي كانت أكربها الحملة العسكرية األخرية‬ ‫التي شنتها قوات النظام عىل الغوطة الرشقية‬ ‫بالتعاون مع امليليشيات املؤيدة لها‪ ،‬وبدعم من‬ ‫الطريان الرويس‪ ،‬ما أدى إىل انهيار املباين السكنية‬ ‫عىل رؤوس قاطنيها‪ ،‬وتهديم املدارس واملساجد‬ ‫واملشايف واألسواق التجارية‪ ،‬مخلفة مجازر ذهب‬ ‫ضحيتها آالف األبرياء‪ ،‬منها ما كان باستخدام‬ ‫األسلحةالكياموية‪.‬‬ ‫ورسد مهجرو الغوطة وريف دمشق ومهجرون‬ ‫من عموم املناطق السورية‪ ،‬قصصهم مع الحصار‬ ‫الذي عاشوه أثناء الحملة العسكرية لقوات‬ ‫النظام السوري وحلفائه عىل مناطقهم‪ ،‬والذي‬ ‫انتهى بالتهجري القرسي الذي كان يتبع تلك‬ ‫الحمالت‪.‬‬ ‫الجرميةمستمرة‬ ‫الناشط الحقوقي ثائر حجازي‪ ،‬مهجر من مدينة‬ ‫دوما وأحد مؤسيس حملة “راجعني” قال ملجلة‬ ‫طلعنا عالحرية‪“ :‬إن الحملة أطلقها ناجون‬ ‫وناجيات من الغوطة الرشقية مع مشاركة من‬ ‫نشطاء من جميع أنحاء سوريا‪ ،‬يف هذه الفرتة‬ ‫من السنة كونها أيام ال تنىس من ذاكرة أهايل‬ ‫الغوطة” وعن أهداف الحملة يوضح حجازي‬

‫أن الحملة تهدف لـ”تسليط الضوء عىل جرمية‬ ‫التهجري القرسي؛ فقوات النظام استخدمت‬ ‫الحصار واملجازر بشكل شبه يومي بحق أهايل‬ ‫الغوطة كاسرتاتيجية طويلة األمد ولعدة سنوات‬ ‫بهدف استنزاف األهايل متهيداً إلجبارهم عىل‬ ‫التهجري قرساً‪ ،‬وال سيام استخدامه للسالح‬ ‫الكياموي ضمن هذه السياسة”‪.‬‬ ‫مشرياً إىل أن الحملة “تسعى إىل تخليد ذكرى‬ ‫األرض والشهداء‪ ،‬وتطالب مبحاسبة منتهيك‬ ‫حقوق اإلنسان يف الغوطة‪ ،‬وهي كنوع من رفع‬ ‫الصوت بأن الجرائم التي حدثت وما زالت تحدث‬ ‫يف الغوطة لن ُتنىس أو ال تسقط بالتقادم‪ ،‬وال‬ ‫سيام أن جرائم النظام مازالت مستمرة بحق‬ ‫أهايل الغوطة الذين املوجودين فيها اآلن‪ ،‬ومازالوا‬ ‫يعانون من سياسة متييزية إقصائية”‪ .‬ويضيف‬ ‫حجازي عن مواجهة بروباعندا النظام وروسيا‪:‬‬ ‫“ألنهم يحاولون االلتفاف عىل قضية التهجري‬ ‫وعىل عملية إبعاد السكان قرساً عرب اللعب عىل‬ ‫املصطلحات ونرش األكاذيب‪ ،‬بأن العملية التي‬ ‫حدثت هي جزء من عملية النزوح اإلرادي!‬ ‫بالرغم من الكذب الواضح لهذه الرسدية‪ ،‬فقط‬ ‫لتضليل الرأي العام العاملي‪ ،‬خاصة يف ظل صمت‬ ‫دويل رهيب‪ ،‬فالقانون الدويل اإلنساين يوصف‬ ‫هذه ما حدث بأنه جرمية تهجري قرسي‪ ،‬وما نتج‬ ‫عنه هو أيضاً غري قانوين”‪.‬‬ ‫ويؤكد حجازي أن الحملة تهدف للتأكيد كذلك‬ ‫عىل “أن أهايل الغوطة سيعودون ملدنهم وقراهم‬ ‫ولكن يف حال زوال نظام األسد؛ فبدون هذا‬ ‫الرشط لن يعود أحد من السكان”‪ .‬كام لفت إىل‬ ‫أن الحملة مستمرة‪ ،‬وستكون جرساً بني املناطق‬

‫السورية التي تعرضت للتهجري القرسي‪ ،‬وبأنهم‬ ‫كقامئني عىل الحملة يعلنون تضامنهم مع كل‬ ‫املهجرين قرساً يف جميع أنحاء سوريا‪.‬‬ ‫ذكريات مؤملة‬ ‫أما بالنسبة للناشطة نور الشامي‪ ،‬وهي مهجرة‬ ‫من الغوطة وإحدى املشاركات يف الحملة فإن‬ ‫“الهدف األسايس للحملة هو مقاومة النسيان؛‬ ‫فبالرغم من كل الظروف ما يزال نشطاء الغوطة‬ ‫الرشقية مرصين عىل تذكري العامل مبا حصل معهم‪،‬‬ ‫من حصار ومجازر وتجويع‪ ،‬باإلضافة للتذكري‬ ‫بالتجربة الرائدة إلدارة املنطقة بعد تحريرها‬ ‫من قوات النظام؛ فمنطقة الغوطة الرشقية‬ ‫التي يقطنها مئات آالف املدنيني خاضت تجربة‬ ‫مميزة يف إدارة نفسها رغم الظروف الصعبة التي‬ ‫عاشتها”‪.‬‬ ‫وتضمنت الحملة أنشطة مختلفة‪ ،‬فقد ُن ّظمت‬ ‫عدة جلسات عرب االنرتنت ضمت مجموعة ناجني‬ ‫وناجيات تحدثوا عن معاناتهم خالل وجودهم‬ ‫بالغوطة وذكرياتهم مع الحصار والقصف‪،‬‬ ‫باإلضافة إلقامة عدة فعاليات مثل معرض صور‬ ‫يف مدينة اعزاز يروي حكاية التهجري‪ ،‬وإقامة‬ ‫عمل مرسحي يف إدلب حول جرمية التهجري من‬ ‫الغوطة‪.‬‬ ‫كام ضمت الحملة مشاركات من قبل األهايل‬ ‫بفيديوهات عرب حساباتهم عىل مواقع التواصل‬ ‫االجتامعي يرون فيها قصة تهجريهم‪.‬‬ ‫حبيبة العمري كانت إحدى الناشطات التي روت‬ ‫قصة تهجريها عرب صفحتها عىل فيسبوك؛ حيث‬ ‫قالت ‪“ :‬عند أذان فجر الخامس من نيسان‪،‬‬ ‫وصلنا منطقتي أثريا وخنارص‪ ،‬وكنت أسمع بهام‬


‫‪11‬‬

‫العدد‬

‫‪104‬‬ ‫‪2022 / 4 / 25‬‬

‫الباب إىل اعزاز ساعات طويلة‪ ،‬شعرنا فيها‬ ‫بالتعب والجوع والغثيان وامللل‪ ،‬كل الصور‬ ‫كانت متاحة يف ذهني‪ ،‬ولكنّ الصورة الحقيقية‬ ‫كانت غائبة بشكل كيل”‪.‬‬ ‫وأنهت حبيبة قصتها بوصولها إىل الخيمة التي‬ ‫ُ‬ ‫اتخذت‬ ‫“كانت كبرية جدا وفيها نساء وأطفال‪،‬‬

‫ُ‬ ‫وغططت بنوم عميق بعد رحلة‬ ‫مكاناً يل والبني‬ ‫شاقة استمرت ثالثني ساعة”‪.‬‬ ‫وبحسب مكتب األمم املتحدة لتنسيق‬ ‫الشؤون اإلنسانية فإن عدد املهجرين من‬ ‫الغوطة ‪ 78‬ألف نسمة باتجاه شاميل سوريا‪،‬‬ ‫و‪ 80‬ألف شخص باتجاه مراكز اإليواء‪.‬‬

‫تقارير‬

‫ألول مرة‪ ،‬رأيت الفتة طرقية ُكتب عليها “الرقة”‬ ‫وسهم يدلنا إىل طريقها‪ ،‬يا إلهي! بتنا قريبني من‬ ‫ٌ‬ ‫الرقة‪ ،‬كم ابتعدنا عن دوما وإىل أين نذهب؟‬ ‫أعرتف بجهيل بجغرافية بعض املناطق السورية‪،‬‬ ‫وأخجل منه‪ ،‬ولكني يومها رأيت أن وصولنا إىل‬ ‫الفتة تدلنا عىل طريق الرقة داللة عىل النفي‬ ‫الحقيقي‪ ،‬وهذا ليس انتقاصاً من الرقة ولكنه‬ ‫إحساس بري ٌء مبدى البعد عن بلدي”‪.‬‬ ‫وتتابع‪“ :‬السابعة صباحاً وصلنا معرب أبو‬ ‫الزندين عىل أطراف مدينة الباب‪ ،‬هنا توقفت‬ ‫الحافالت التي مل تتوقف أبداً من دمشق حتى‬ ‫هذه النقطة‪ ،‬كان ضوء الصباح الربيعي مرشقاً‬ ‫والشمس دافئة بطريقة مزعجة ملن سيبقى يف‬ ‫العراء تسع ساعات كاملة ينتظر إذن الدخول‬ ‫إىل الباب”!‬ ‫ُ‬ ‫“تذكرت يومها أمرين قد‬ ‫وأضافت العمري ‪:‬‬ ‫يبدوان مضحكني‪ ،‬ولكنهام‪ ،‬ومع تثاقل الحزن‬ ‫والهموم حينها‪ ،‬كانا كالشعرة التي قصمت ظهر‬ ‫البعري‪ ،‬تذكرت أن طراز معظم البيوت يف ريف‬ ‫شامل البالد (عريب) بفسحة ساموية‪ ،‬وهذا‬ ‫يعني دخول القطط إليها وأنا أكره القطط‬ ‫وأخافها‪ ،‬وأن أهل الشامل ال يأكلون الكزبرة‬ ‫الخرضاء وال يبيعونها! وهذا يعني حرماننا منها‪،‬‬ ‫ال أدري كيف كان لهذين األمرين البسيطني أن‬ ‫يثريا ّيف حزناً أكرب‪ ،‬انفجرت بسببه ببكاء طويل!‬ ‫أدرك أن القطط والكزبرة ليست السبب‪ ،‬ولكنه‬ ‫الشعور بأن كل يشء قادم لن يكون جمي ًال‪،‬‬ ‫ليس انتقاصاً من املنطقة ولكنه البعد عن‬ ‫الوطن”‪.‬‬ ‫وتتابع العمري الرسد‪“ :‬استهلك الطريق من‬


‫‪96‬‬

‫رسالة إىل فرانسواز آردي‬

‫‪12‬‬ ‫مصعب الحمادي‬

‫العدد‬

‫(فرانسواز آردي ‪ Françoise Hardy‬أشهر‬ ‫مطربة بوب فرنسية يف جيل الستين ّيات تعيش‬ ‫يف باريس وتصارع املرض والشيخوخة‪.‬‬

‫‪104‬‬

‫‪2022 / 4 / 25‬‬ ‫مقاالت‬

‫عزيزيت فرانسواز‪..‬‬ ‫قد يفاجئك أن أبدأ رسالتي بالقول إين لست من‬ ‫هواة االستامع لألغاين‪ .‬وأرجو ‪-‬كونك تتوقعني‬ ‫معجبيك‪ -‬أال تتخيليني كواح ٍد من‬ ‫طبعاً أين أحد‬ ‫ِ‬ ‫أولئك املخبولني الذين ميشون يف الطرقات ويركبون‬ ‫وسائط النقل العامة واضعني ّ‬ ‫السمعات الصغرية يف‬ ‫آذانهم ويستمعون للموسيقى وهم شاردون ع ّمن‬ ‫حولهم‪.‬‬ ‫يرسك أن تعلمي ّأن من ذلك الصنف من‬ ‫لكن قد ّ‬ ‫الناس الذين قد تسحرهم أغنية عابرة فتسحبهم‬ ‫من خواطر الدنيا ك ّلها‪ ،‬وترميهم يف الخياالت‬ ‫العجيبة التي تحدثها فيهم‪ .‬هناك يف حيايت بضع‬ ‫أغانٍ أحدثت يب هذا األثر‪ ،‬وكانت أغنيتك عن‬ ‫الصداقة ‪ l’amitie‬آخر واحد ٍة فيها‪ .‬ال تستغريب!‬ ‫ألغانيك أل ّول م ّرة‪ ،‬ومل أسمع باسمك‬ ‫فأنا أستمع‬ ‫ِ‬ ‫من قبل أبداً!‬ ‫أنا الجئ من سوريا‪ ،‬وصلت فرنسا قبل سنتني‪،‬‬ ‫وأحاول بصعوبة أن أتعلم الفرنسية وأتأقلم عىل‬ ‫حيايت الجديدة يف بالدك‪.‬‬ ‫عندما غزَتني أحاسيسك من خالل أغنية الصداقة‬ ‫شعرت أن غيم ًة حملتني من األرض إىل السامء‪.‬‬ ‫وعندما ترجمت كلامت األغنية للعربية وجدت أن‬ ‫فيها بالفعل غيم ًة وشمساً ومطراً وفصوالً‪ ،‬وهي‬ ‫ثيامت غائبة عن معظم األغاين الفرنسية هذه‬ ‫األيام‪ .‬وهكذا فأنا مل يسحرين صوتك فحسب‪ ،‬بل‬ ‫كلامت األغنية أيضاً‪ ،‬وبرصاحة جاملك األص ّ‬ ‫يل غري‬ ‫املبتذل‪ ،‬وقفتك الرزينة ولباسك الجميل املحتشم‪.‬‬ ‫هل يفاجئك أن أجنبياً جاء ليعيش يف بلدك منذ‬ ‫سنتني فقط‪ ،‬لكن أول من أعجب ُه من الفنّانني‬ ‫مطربة بلغت ذروة شعبيتها يف الستينيات؟ هل‬

‫تعلمني يا فرانسواز؟ إن فرنسا التي جئت أبحث‬ ‫عنها تتمثل عندي بالتفاصيل الدقيقة التي تطبع‬ ‫فنّك وشخصيتك‪ ،‬وهي أشياء مل أجدها يف فرنسا‬ ‫اليوم‪ .‬وقد أحزنني يا سيديت الجميلة أنك مريضة‬ ‫كام علمت عندما ذهبت أستقيص أخبارك‪ .‬هل‬

‫ٌ‬ ‫يرسك‬ ‫أقول لك شيئاً؟ إن فرنسا‬ ‫مريضة أيضاً! قد ال ّ‬ ‫هارب من املوت هذا الكالم عن بل ٍد‬ ‫أن يقول الجئ ٌ‬ ‫أعطاه اللجوء وقدّم له الحامية‪ ،‬لكنّي أب ّثك خيبة‬ ‫أميل ألن ال أح َد من الفرنسيني من حويل يفهمني‬ ‫عندما أحاول أن أسأله عن الخلل‪ .‬إن الفرنسيني يا‬ ‫فرانسواز ال يرون يف بالدهم ما يثري قلقهم وهذا‬ ‫يثري استغرايب‪ .‬هل تفهمني قصدي؟‬ ‫عىل سبيل املثال‪ ،‬لقد أعجبتني جداً كلامت من‬ ‫قبيل اإلخالص وال ّرحمة التي ذكرتيها يف األغنية‬ ‫وأنت تتحدثني عن الصداقة‪ .‬هل تعلمني يا‬ ‫فرانسواز أن هذه املعاين صارت موض ًة قدمية‪ ،‬وأن‬ ‫من يتمسك بها يعترب شخصاً غري عم ّ‬ ‫يل؟‬ ‫يف فرنسا ويف الغرب عموماً يخجل املرء أن يتحدث‬ ‫عن معاين الصداقة‪ّ .‬‬ ‫الكل يركض وراء املال‪ ،‬وإذا‬ ‫عالقات إنسانية فيجب أن تقوم عىل‬ ‫كان والب ّد من‬ ‫ٍ‬ ‫كهارب وصلت فرنسا بحثاً‬ ‫املصالح املشرتكة‪ .‬وأنا‬ ‫ٍ‬ ‫عن حريتي وكرامتي‪ ،‬مل مي ّد يل أحدٌ يده من أجل‬ ‫الصداقة‪ .‬ومل أر رحم ًة من أحد‪ .‬لقد وجدوا جيويب‬ ‫فارغة‪ .‬الجيب هو الذي يتفاضل به الناس يف فرنسا‪.‬‬ ‫وهل تعلمني ما الذي صدمني أكرث يشء يف‬

‫صداقات الفرنسيني؟ إن أفضل أصدقائهم الكالب‪،‬‬ ‫ينامون معهم يف غرف نومهم ويرافقونهم عندما‬ ‫ّ‬ ‫يتمشون أو يذهبون للنزهة‪ .‬أنا أيضاً أحب الكالب‬ ‫يا فرانسواز‪ ،‬لكن ملاذا ال ّ‬ ‫يتمش الفرنسيون مع‬ ‫بعضهم البعض؟‬ ‫عندما فتشت يف اليوتيوب بحثاً عن أغانيك األخرى‬ ‫ذوبتني تلك األغاين التي تتحدث عن الحب‪ .‬الحب‬ ‫يا فرانسواز هو الذي يعطي الحياة طعمها‪ ،‬وأنا‬ ‫جئت من بيئ ٍة طاملا ساد االعتقاد فيها أن باريس‬ ‫رومنيس‬ ‫شعب‬ ‫مدينة الحب‪ ،‬وأن الفرنسيني أكرث‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫يف العامل‪ .‬لقد وجدت كل ذلك صحيحا يف عينيك‬ ‫الحب الذي تحيك عنه الصحف‬ ‫ويف أغانيك‪ .‬لكن ّ‬ ‫الحب‬ ‫ووسائل اإلعالم عند الفرنسيني اليوم هو‬ ‫ّ‬ ‫داخل الجنس الواحد‪ .‬صار الحب بني الذكر‬ ‫واألنثى موضة قدمية مل يعد يكرتث بها أحد‪ .‬لكني‬ ‫يا فرانسواز ما زلت أرى الفرنسيات جميالت‬ ‫بالحب‪ .‬الحسن يف عيون الفرنسيات‬ ‫ات‬ ‫وجدير ٍ‬ ‫ّ‬ ‫يطغى عىل قلوب أعتى الرجال‪ ،‬لكن كثريات منهنّ‬ ‫ال يعبأن بالرجال‪ ،‬ومعظمهن ال يرغنب باإلنجاب‪.‬‬ ‫هل كان األمر كذلك يف الستينيات؟ أعلم أن إجابتك‬ ‫ستكون بالنفي ولذلك فأنت ستتف ّهمني صدمتي‬ ‫التي ال تنتهي بأحوال فرنسا‪.‬‬ ‫إن أ ُذين هي التي أسست للعالقة بيني وبينك يف‬ ‫هذا العامل‪ .‬األذن يا فرانسواز فيها كثري من أرسار‬ ‫برشيتنا وكم حزنت عندما علمت أنك مصابة‬ ‫بالرسطان يف أذنك‪ .‬هل فقدت السمع؟ إن فرنسا‬ ‫ٌ‬ ‫مصابة بالصمم يا فرانسواز‪ .‬إنها ال تسمع‬ ‫نفسها‬ ‫اآلخرين أبداً‪ ،‬وخصوصاً إذا كانوا مختلفني‪.‬‬ ‫والرسطان! هذا العدو الرشس للحياة؛ أمتنى أن‬ ‫ينسحب أمام ر ّقتك وإنسانيتك‪ .‬أنا أعرف الرسطان‬ ‫جيداً يا فرانسواز‪ .‬لقد ُأصيب به أخي قبل ثالث‬ ‫سنني وكرس قلبي يومها‪ .‬واسمحي يل أن أعرتف لك‬ ‫أن قلبي ينكرس اليوم من أجلك‪ ،‬ومن أجل فرنسا‬ ‫ّ‬ ‫ولعل أكون مخطئاً‪ -‬تسري نحو الهاوية‪.‬‬‫التي أراها‬


‫إيزابيل الليندي أيقونة تشيلي‬ ‫بشرى البشوات‬

‫العدد‬

‫‪104‬‬ ‫‪2022 / 4 / 25‬‬ ‫مقاالت‬

‫“إنها تجربة سكون غريبة‪.‬‬ ‫األيام تقاس حبة حبة يف ساعة رملية صبورة‪ ،‬أيام‬ ‫تضيع يف التقويم لشدة بطئها‪ ،‬ويبدو يل وكأنني‬ ‫أقيم منذ األزل يف هذه املدينة الشتائية‪ ،‬بني‬ ‫الكنائس والتامثيل والجادات اإلمرباطورية‪.‬‬ ‫أساليب السحر أبدت عدم جدواها‪ ،‬إنها مثل‬ ‫رسالة نلقي بها إىل البحر يف قارورة عىل أمل‬ ‫العثور عليها يف ضفة أخرى ليأيت أحد وينقذنا‪،‬‬ ‫ولكننا مل نتلق جواباً حتى اآلن”‪.‬‬ ‫إيزابيل الليندي كتبت هذا يف روايتها “باوال”‪.‬‬ ‫حني قرأت رواية إيزابيل الليندي قبل سنوات من‬ ‫اآلن‪ ،‬وعرفت بأنها تكتب قصة حقيقية عن ابنتها‬ ‫الشابة التي توفيت جراء مرض نادر وهي بعد يف‬ ‫العرشين من العمر‪ ،‬متلكني حزن غريب‪ ،‬وحامت‬ ‫يف رأيس عالمة استفهام كبرية؛ كيف استطاعت‬ ‫أن تكتب كل هذا وهي تجلس عىل كريس يف‬ ‫إحدى املستشفيات بانتظار أن تستفيق ابنتها من‬ ‫تصح منها أبداً‪.‬‬ ‫غيبوبتها‪ ،‬التي مل ُ‬ ‫حقيقة مل أجد جواباً لسؤايل‪ .‬يف ما بعد واصلت‬ ‫الغرق يف عامل هذه السيدة صغرية الق ّد التي تدعى‬ ‫إيزابيل الليندي‪.‬‬ ‫إيزابيل الليندي واحدة من أشهر الكاتبات يف‬ ‫زمننا‪ ،‬كتبت ما يزيد عن عرشين كتاباً ورواية‪ ،‬وقد‬ ‫ترجمت رواياتها ألزيد من خمسني لغة‪ ،‬من بينها‬ ‫اللغة العربية‪ ،‬وحازت عىل العديد من الجوائز‪.‬‬ ‫تتمتع إيزابيل بحب وإعجاب القراء الكبري لها‪.‬‬ ‫تكتب إيزابيل الليندي عىل صفحتها الشخصية‬ ‫عىل فيسبوك فتقول‪“ :‬أنا رومانسية ال أقهر‪ .‬لقد‬ ‫وقعت يف الحب دامئًا منذ سن السابعة حتى يومنا‬ ‫هذا‪ .‬لذلك ال عجب أن يظهر الحب باستمرار يف‬ ‫كتابايت‪ .‬أعتقد أنه أقوى قوة يف العامل‪ ،‬وقعت فيه‬ ‫بطرق مختلفة‪ ،‬إنه يحرك كل يشء يف الطبيعة‪.‬‬ ‫يف سن الشيخوخة سأبلغ الثامنني يف هذا العام‪.‬‬ ‫أقدّر الحب أكرث من أي وقت مىض‪.‬‬ ‫كثرياً ما يسألونني كيف يكون الحب يف هذه‬ ‫املرحلة؟ أقول بأن األمر أشبه بالوقوع يف الحب‬ ‫يف الشباب‪ ،‬ولكن مع املزيد من الصرب والتسامح‬ ‫والدعابة الجيدة واإلحساس بأن لدينا القليل من‬ ‫الوقت املتبقي‪ ..‬يجب أن نستمتع به”‪.‬‬

‫بدأت إيزابيل القراءة يف الخامسة من عمرها‪،‬‬ ‫حني أعطاها عمها كتاباً مصوراً عن األساطري‬ ‫اإلسكندنافية؛ رسوم مللكات وأمريات‪ ،‬رسوم‬ ‫للدببة والثلوج‪ .‬وقد سحرها ذلك ألنها مل ت َر الثلج‬ ‫من قبل يف حياتها‪.‬‬ ‫َتعترب إيزابيل أن كتابها األمتع هو رواية “نداء‬ ‫ال ِّرب َّية” التي ُنرشت يف عام ‪ ،1903‬وهي من أبرز‬ ‫روائع املؤلف األمرييك الشهري جاك لندن‪ ،‬بل‬ ‫وتعده عمله الفني األكرث متيزًا‪ .‬وهي تروي قصة‬ ‫كلب اسمه “باك” يتم اختطافه من حياة الدّعة‬ ‫والراحة التي كان يحياها كحيوان مدلل يف منزل‬ ‫القايض ميلر يف وادي سانتا كالرا الذي تغمره‬ ‫الشمس‪ ،‬و ُيلقى به إىل فوىض منطقة كلونديك‬ ‫أناسا من كل حدب وصوب بعد‬ ‫التي استقبلت ً‬ ‫اكتشاف معدن الذهب هناك‪ .‬يواجه “باك”‬ ‫قسوة الحياة ومشاقها عىل الثلوج وهو يجر‬ ‫الزالجات‪ .‬ورغم ذلك‪ ،‬يكتشف “باك” يف داخله‬ ‫قوة مل يكن يعرفها‪ ،‬وغرائز ورثها عن أسالفه من‬ ‫كالب الرب ّية‪ ،‬والتي كانت تكشف عن نفسها‬ ‫كلام تعرض للخطر‪ .‬ويف النهاية‪ ،‬يلبي “باك” نداء‬ ‫الرب ّية‪ ،‬ويعيش يف أحضانها بعد رحيل سيده جون‬ ‫ثورنتون (السيد الوحيد الذي أحبه) فتنقطع‬ ‫صلته بعامل البرش‪ ،‬ويعود إىل عامله األصيل يف‬ ‫الرب ّية‪.‬‬ ‫حكاية الكلب ومعاناته حفرت يف قلبها؛ فهي‬ ‫تكنّ حباً ج ًام للحيوانات‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫قرأت كتاب ألف ليلة وليلة يف بريوت‪ ،‬وقد كانت‬ ‫وقتها يف طور املراهقة‪ ،‬وتقول بأن هذا الكتاب‬ ‫غي كثرياً يف حياتها‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫أما إدواردو غاليانو الكاتب والصحفي والروايئ‬ ‫غي تفكريها‪ ،‬قرأت كتابه الشهري‬ ‫األوروغواري فقد ّ‬ ‫“رشايني أمريكا الالتينية املفتوحة” عندما كانت‬ ‫تبلغ من العمر ‪ 29‬عاماً‪ ،‬وبفضله أصبحت واعية‬ ‫بالوضع السيايس واالجتامعي ألمريكا الالتينية‪،‬‬ ‫خاصة لبلدها تشييل‪.‬‬ ‫تقول إيزابيل‪“ :‬كتبت العديد من الروايات‬ ‫التاريخية فأصبحت أهتم باملايض وكيفية تشكيل‬ ‫الحارض‪ .‬شخصيايت ليست منفصلة عن العامل‬ ‫الحقيقي؛ فاألحداث االجتامعية والسياسية تؤثر‬

‫عىل حياتهم‪.‬‬ ‫حيايت الخاصة حددتها أحداث خارجية مل أستطع‬ ‫التحكم بها‪ .‬ال ميكنني أن أروي حيايت بدون‬ ‫اإلشارة إىل تلك الظروف‪ .‬وبنفس الطريقة‪ ،‬ال‬ ‫ميكنني إنشاء شخصيات ميكن تصديقها ‪-‬معقدة‬ ‫ومتناقضة كام هم األشخاص الحقيقيون‪ -‬دون‬ ‫وصف الوقت واملكان الذي يعيشون فيه”‪.‬‬ ‫املكان وتفاصيله تلعب دوراً أساس ًيا يف رواياتها‬ ‫وحكاياتها‪ .‬تقول الليندي إن رواية “مئة عام من‬ ‫حب الكتابة‪.‬‬ ‫العزلة” هي من حركت فيها ّ‬ ‫كانت يف األربعني من العمر‪ ،‬يف وظيفة بسيطة‪،‬‬ ‫وقد َك ُب األوالد قلي ًال فلم يعودوا بحاجة إليها‪.‬‬ ‫فحدث أن قراءة رواية مئة عام من العزلة جعلتها‬ ‫تريد كتابة تاريخ عائلتها وبلدها تشييل‪.‬‬ ‫بدأت بكتابة روايتها األوىل “بيت األرواح” يف ذلك‬ ‫الوقت‪.‬‬ ‫أصبحت رواية “بيت األرواح” األفضل مبيعاً‬ ‫واألنجح نقد ّياً حال صدورها عام ‪ ،1985‬وقد‬ ‫حازت الكاتبة عىل هذه الرواية جائزة األدب‬ ‫البانورامي‪ ،‬كام أنها ترجمت إىل ما يقارب الثالثني‬ ‫لغة!‬ ‫تعترب الليندي األعامل الشعرية لشاعر تشييل‬ ‫األول بابلو نريدوا‪ ،‬هي مصدر الراحة والسالم‬ ‫األهم بالنسبة لها‪ ،‬لذلك تعود إىل قراءتها دامئاً‪،‬‬ ‫وبتاريخ محدد‪ ،‬وهو السابع من كانون الثاين من‬ ‫كل عام‪ ،‬ومع هذه القراءة تعود إىل إسبانيتها‬ ‫وترثي مخيلتها‪.‬‬ ‫تقول بأنها “قد تنقلت طيلة حياتها‪ ،‬ونريدوا فقط‬ ‫يعيدها إىل منبتها وجذورها”‪.‬‬ ‫صدرت روايتها األخرية فيوليتا يف كانون الثاين ‪2022‬‬ ‫باللغتني اإلنجليزية واإلسبانية‪ .‬تقول إيزابيل‪:‬‬ ‫“أهديت هذه الرواية إىل فيليب برييوس ديل‬ ‫سوالر‪ ،‬صديقي املفضل وملهم شخصية كاميلو‪.‬‬ ‫مكب نفايات يف شامل‬ ‫يعمل فيليب مع الفقراء يف ّ‬ ‫تشييل‪ ،‬دينه يتعلق بالرحمة‪ ،‬الشمول‪ ،‬التسامح‪،‬‬ ‫الخدمة‪ ،‬الحب غري املرشوط‪ ،‬النضال من أجل‬ ‫العدالة والتغيري االجتامعي‪.‬‬ ‫إنه ميلء بالشكوك حول الكنيسة‪ ،‬ولكن ليس لديه‬ ‫شكوك حول إميانه”‪.‬‬

‫‪13‬‬


‫‪14‬‬

‫‪-‬‬

‫رمضان يف خميمات إدلب‬ ‫يف ظالل الفقر والغالء وأمل النزوح‬

‫علي الداالتي وسونيا العلي – إدلب‬

‫العدد‬

‫‪104‬‬ ‫‪2022 / 4 / 25‬‬ ‫تقارير‬

‫“تتعاقب املناسبات واأليام ونحن يف هذه الخيام‪،‬‬ ‫أخىش أن نظل بقية عمرنا هنا” بهذه الكلامت تعرب‬ ‫سميحة الجاسم (‪ 45‬عاماً) عن حزنها بحلول شهر‬ ‫رمضان وهي بعيدة عن مدينة معرة النعامن‪ ،‬وعن‬ ‫شوقها للعودة إىل منزلها للعام الثالث عىل التوايل‪،‬‬ ‫بعد نزوحها من بيتها نهاية عام ‪ .2019‬وأمام باب‬ ‫خيمتها البالية تجلس الجاسم قبالة موقد طيني‪،‬‬ ‫لتع ّد طبق الشوربة مبكوناته البسيطة‪ ،‬ألرستها املؤلفة‬ ‫من خمسة أفراد‪ .‬وعن مائدة فطور العائلة تقول‪:‬‬ ‫“نعيش وسط ظروف صعبة تالزمنا منذ سنوات‪،‬‬ ‫ونعتمد عىل ما يصلنا من مساعدات إغاثية”‪ ،‬إىل‬ ‫جانب ما يجنيه زوجها من عمله يف ورشة لغسيل‬ ‫السيارات‪ ،‬لكنها تضيف بحرسة‪“ :‬نعجز يف كثري من‬ ‫األيام عن رشاء حاجياتنا األساسية من السوق بسبب‬ ‫الغالء وضيق الحال‪ ،‬كام نلجأ لتقنني احتياجاتنا‪،‬‬ ‫والقبول بنوعيات قليلة الجودة مقابل رشائها بثمن‬ ‫أقل”‪.‬‬ ‫وتزامن قدوم شهر رمضان املبارك لدى الكثري من‬ ‫العائالت السورية النازحة القاطنة يف املخيامت مع‬ ‫الغصة‪ ،‬كحال سميحة التي‬ ‫إثارة مشاعر الفقد و ّ‬ ‫يحارصها الفقر والغالء ومرارة النزوح‪ ،‬وتقايس‬ ‫األم ّرين لتأمني قوت يومها‪ ،‬وهي تستذكر أياماً‬ ‫مضت‪ ،‬فتفتقد اللمة واأللفة التي كانت تعيشها‬ ‫العائالت خالل الشهر الفضيل‪.‬‬ ‫وتستذكر سميحة رمضان منزلها قبل النزوح‪“ :‬كنا‬ ‫نزين البيوت وننتظر مجيء رمضان والبهجة متأل‬ ‫قلوبنا‪ ،‬كام يعج السوق الشعبي باملارة لتجهيز‬ ‫املأكوالت والعصائر‪ ،‬ويدعو األقارب بعضهم لتناول‬ ‫اإلفطار‪ ،‬ويساعد الغني الفقري بروح من التكافل‬ ‫والتعاون”‪ ،‬كام تستذكر اجتامعاتها مع نساء الحي‬ ‫للذهاب إىل املسجد وأداء صالة الرتاويح‪“ ،‬أما اليوم‬ ‫نفتقد الفرحة التي كان يحملها الشهر الفضيل؛ فال‬ ‫طقوس رمضانية ونحن مبعدين عن منازلنا وأرزاقنا”‪.‬‬ ‫وأشارت سميحة إىل أن أرستها كانت تعتمد عىل‬

‫ما تجود به أراضيها الزراعية من خريات يف مسقط‬ ‫رأسها‪ ،‬لكن بعد نزوحها تعيش أوضاعاً معيشية‬ ‫مرتدية تزداد سوءاً يوماً بعد يوم‪.‬‬ ‫الغالء‪ ..‬ضيف رمضان الثقيل‬ ‫يتجول مصطفى منصور وهو نازح يقطن يف إحدى‬ ‫املخيامت عىل أطراف مدينة إدلب بني عربات‬ ‫الخضار يف سوق الخضار املركزية يف مدينة إدلب‪،‬‬ ‫يف رحلة البحث عن خضار لطبخة اليوم تتناسب مع‬ ‫يوميته البالغة نحو ‪ 30‬لرية تركية (حوايل ‪ 2‬دوالر‬ ‫أمرييك) غري إنه يفشل يف إيجاد ما يناسبه‪ ،‬لتنتهي‬ ‫رحلته يف محل مخصص لبيع املساعدات اإلنسانية‬ ‫ليشرتي كيلو برغل وعلبة مرىب بندورة سيتكون‬ ‫منهام إفطارهم اليوم‪ .‬ويقول مصطفى يف حديثه‬ ‫ملجلة طلعنا عالحرية‪“ :‬اليوم أصبحت الخرضوات‬ ‫من املحرمات علينا‪ ،‬كام نسينا طعم اللحوم‪ ،‬واليوم‬ ‫علينا أن ننىس الخرضوات أيضاً؛ فالغالء أصبح ال‬ ‫يحتمل‪ ،‬واألسعار تتضاعف‪ ،‬بينام أجرتنا ذاتها ال‬ ‫تتغري”‪ ،‬الفتاً إىل أن ال أحد يهتم بأمرهم‪ ،‬فحتى‬ ‫الخبز املدعوم توقف‪“ :‬ال أحد يتدخل ملساعدتنا؛ ال‬ ‫املنظامت وال الحكومة‪ ،‬فاليوم نحن بني سندان غالء‬ ‫األسعار ومطرقة رخص أجورنا كعامل”‪.‬‬ ‫وبحسب خرباء اقتصاديني فإن قلة الطلب عىل اليد‬ ‫العاملة‪ ،‬وارتفاع نسبة البطالة‪ ،‬جعلت أجور العمل‬ ‫تصل إىل أدىن مستوياتها يف تلك املناطق البعيدة عن‬ ‫األسواق االقتصادية والصناعية‪ ،‬ما جعلها ال تتناسب‬ ‫مع أسعار السلع األساسية يف السوق املحلية‪ ،‬وبالتايل‬ ‫تسببت بعجز األرس عن توفري االحتياجات األساسية‪،‬‬ ‫كام فاقمت الحرب يف أوكرانيا األزمة الغذائية‪ ،‬وازداد‬ ‫ارتفاع أسعار الغذاء عاملياً‪ ،‬وبدأ الدعم األوريب يتوجه‬ ‫ألوكرانيا‪.‬‬ ‫ويقول عبد السالم اليوسف مدير مخيم (أهل التح)‬ ‫يف حديث لطلعنا عالحرية إن قدوم شهر رمضان‬ ‫بالشامل السوري تزامن مع موجة فاحشة جديدة يف‬ ‫الغالء “قد أثرت سلباً عىل الحالة املعيشية للسكان؛‬

‫فاليوم غالبية سكان الخيام عاجزون عن رشاء أبسط‬ ‫لوازم اإلفطار”‪ ،‬ويضيف بأن عرشات العائالت تخرج‬ ‫من املخيم بغية رشاء لوازم اإلفطار ليعودوا وأيديهم‬ ‫خاوية بسبب الغالء‪“ :‬أصبحت األمور البسيطة‬ ‫كصحن الفتوش وقطعة املعروك حل ًام لديهم؛‬ ‫حيث يقترص طعامهم عىل ماديت الربغل واملعكرونة‬ ‫املسلوقة دون طهي‪ ،‬بسبب ارتفاع أسعار الزيت‬ ‫والسمنة الالزمة لعملية الطهي”‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وتروي فدوى الشيخ أحمد (‪ 55‬عاما) املتحدرة من‬ ‫مدينة رساقب ونازحة يف مخيم (حر بنوش) بريف‬ ‫إدلب الشاميل‪ ،‬إنها أم لستة أبناء فقدت أحدهم‬ ‫بقصف قوات النظام عىل مسقط رأسها بداية عام‬ ‫‪ ،2020‬وسافر ابنها الثاين للعمل يف تركيا‪ ،‬فيام يقيم‬ ‫أكربهم مع أرسته يف مخيامت (قاح)‪ ،‬وتقاوم لحظات‬ ‫الحنني وتعترص قلبها مشاعر الشوق للمة العائلة‬ ‫عىل مائدة إفطار واحدة‪ ،‬لتقول‪“ :‬مل يعد لدي يف آخر‬ ‫العمر إال خيمة قامشية تؤويني‪ ،‬وبعض األمراض‬ ‫التي ترافقني ّ‬ ‫السكري‪ ،‬التي أصبت بها‬ ‫كالضغط و ّ‬ ‫بسبب الحزن”‪ ،‬وتضيف وقد ارتسمت الحرسة عىل‬ ‫تجاعيد وجهها‪“ :‬ال يربطني بأوالدي سوى هاتف‬ ‫محمول ألسمع صوتهم بني الحني واآلخر بعد أن‬ ‫فرقنا النزوح‪ ،‬وأصبح من الصعب اجتامعنا يف مكان‬ ‫واحد”‪ ،‬وأكدت أنهم يف السابق كانوا يجتمعون مع‬ ‫األبناء واألقارب عىل مائدة اإلفطار يف كل أيام شهر‬ ‫رمضان أو يف أغلبها “أما اآلن فقد أصبحت هذه اللمة‬ ‫حل ًام لدينا بعد تشتت العائلة وتفرق األبناء”‪.‬‬ ‫نساء يواظنب عىل العمل يف شهر رمضان‬ ‫عىل الرغم من الصيام والتعب تضطر بعض النساء‬ ‫املعيالت للخروج إىل أعاملهن لكسب ما تيرس من‬ ‫لقمة العيش الالزمة للحياة‪ ،‬كحال جميلة الحمود‬ ‫(‪ 41‬عاماً) وهي نازحة من مدينة خان شيخون‬ ‫وتقطن مخيم (كفر عروق)‪ ،‬حيث فقدت زوجها‬ ‫بغارة حربية منذ عام ‪ ،2018‬وتتحمل شظف العيش‬ ‫يف الخيام دون مورد للرزق‪ ،‬وال متلك املال لرشاء ما‬


‫‪......‬‬

‫العدد‬

‫‪104‬‬ ‫‪2022 / 4 / 25‬‬ ‫فقد ارتفعت بنسبة ‪ ،42.3%‬والزيوت النباتية بنسبة ‪ ،62%‬واأللبان بنسبة ‪ ،% 17.9‬وأسعار‬ ‫السكر بنسبة ‪ ،54%‬وأسعار اللحوم بأنواعها بنسبة ‪ ،34%‬أما الخضار والفاكهة بنسبة ‪.48%‬‬ ‫وأكد البيان أن ارتفاع أسعار املواد يتزامن مع العجز الواضح يف عمليات االستجابة اإلنسانية‬ ‫من قبل املنظامت املحلية‪ ،‬وخاصة مع مقارنة أول يومني من شهر رمضان بالعام املايض‬ ‫وانخفاض بنسبة ‪ 34%‬عن العام السابق‪.‬‬ ‫وطالب البيان بزيادة الرقابة عىل أسعار املواد بشكل عام يف املنطقة‪ ،‬إضاف ًة إىل تحسني‬ ‫األوضاع اإلنسانية للمدنيني يف املنطقة‪ ،‬من خالل زيادة نسبة االستجابة اإلنسانية الفعالة‬ ‫وخاصة يف الشهر الحايل‪ ،‬وخاصة أن اآلالف من العائالت مل تعد قادرة عىل تأمني قوت‬ ‫يومها‪.‬‬

‫تقارير‬

‫يلزم إلعداد وجبات اإلفطار ألبنائها الثالثة‪ ،‬األمر الذي يضطرها‬ ‫للخروج إىل الحقول القريبة من املخيم لجمع نباتات الدردار‬ ‫والخبيزة‪ ،‬لتحضري شوربة خضار بسيطة إلطعام أرستها بعد‬ ‫يوم طويل‪ ،‬كام تبيع ما تجمعه من أعشاب طبية لالستفادة‬ ‫من مثنها‪ .‬وعن معاناتها تقول‪“ :‬رغم عميل أضطر لالستدانة‬ ‫من املحل التجاري املوجود يف املخيم‪ ،‬حتى وقت توزيع سلة‬ ‫إغاثية ألبيع جزءاً منها لسداد الدين”‪ .‬لتزيد وهي تستجمع‬ ‫ذكرياتها أنها قبل نزوحها كانت تتدبر مرصوف املنزل من‬ ‫خالل تربية األغنام واالستفادة من منتجاتها‪ ،‬وزراعة الخضار‬ ‫املوسمية يف املساحة املوجودة حول منزلها‪“ ،‬أما اليوم نكافح‬ ‫للبقاء عىل قيد الحياة‪ ،‬ونعيش يف خيام ضيقة ومتالصقة‬ ‫شح يف املياه وكافة مقومات العيش”‪.‬‬ ‫وسط ّ‬ ‫ورغم النزوح وضيق الحال ال تزال بعض العوائل تحافظ‬ ‫عىل عادات رمضانية متأصلة ومتجذرة يف حياتهم‪ ،‬ونقلت‬ ‫ردينة (‪ 33‬عاماً) النازحة من بلدة حاس‪ ،‬وهي واحدة من‬ ‫ربات هذه العائالت وتعيش مع زوجها وأوالدها األربعة يف‬ ‫مخيم تابع لبلدة حزانو بريف إدلب الشاميل‪ ،‬كيف تجهز‬ ‫طعام اإلفطار قبل أذان املغرب بنصف ساعة لتجعل لجريانها‬ ‫نصيباً منه‪ ،‬وعن ذلك تقول‪“ :‬يعود علينا الشهر الفضيل‬ ‫مثق ًال بالحرمان والغالء‪ ،‬ولكن رغم قسوة الظروف وضيق‬ ‫العيش وخلو مأكوالتنا من اللحوم أو الدسم‪ ،‬إال أننا ال نزال‬ ‫نحافظ عىل عادة السكبة املحببة‪ ،‬والتي تعزز قيم التكافل‬ ‫االجتامعي واملبادرات الخرية‪ ،‬وتسهم يف تفقد الفقري الذي‬ ‫مل يتمكن من طهي الطعام يف منزله لسوء أحواله املادية”‪.‬‬ ‫وتأمل ردينة أن يعود هذا الشهر عليها وعىل كافة النازحني‬ ‫بأحوال أفضل‪ ،‬وبطي صفحة معاناة املخيامت وعذاباتها‪،‬‬ ‫ومرارة الترشد والبعد عن األرض‪.‬‬ ‫وبحسب فريق “منسقو استجابة سوريا” بلغ عدد املخيامت‬ ‫يف الشامل السوري ‪ 1489‬مخي ًام‪ ،‬فيام بلغ عدد النازحني‬ ‫‪ 1.512.764‬نازحاً‪.‬‬ ‫وأكد الفريق يف بيان مع بداية شهر رمضان أن وباء جديد‬ ‫يصيب مناطق شامل غرب سوريا يتمثل بارتفاع ملحوظ‬ ‫ألسعار املواد الغذائية وغري الغذائية بالتزامن مع بداية شهر‬ ‫رمضان‪ ،‬حيث ارتفعت أسعار املواد الغذاء بنسبة ‪،% 33.4‬‬ ‫فيام ارتفعت أسعار الحبوب بنسبة ‪ ،29.2%‬أما أسعار القمح‬

‫‪15‬‬


‫قرارات لدعم اخلبز يف إدلب‪..‬‬

‫من الطوابري إىل احلرمان من الرغيف‬

‫‪16‬‬ ‫طلعنا عالحرية‬

‫العدد‬

‫‪104‬‬ ‫‪2022 / 4 / 25‬‬ ‫تقارير‬

‫اتخذ الحاج أبو محمود من سكان مدينة إدلب‬ ‫قراراً مبقاطعة رشاء الخبز‪ ،‬بعد أن أصبح عبءاً‬ ‫إضافياً مع ارتفاع سعر الرابطة وتقلص وزنها‪.‬‬ ‫يقول أبو محمود ‪ 61‬عاماً إنه قبل أسابيع قليلة‬ ‫كان يتحمل عناء الذهاب إىل الفرن مع طلوع‬ ‫أشعة الشمس األوىل ليصطف يف طابور طويل‬ ‫بانتظار رشاء ربطة الخبز املدعومة مبدينة إدلب‪.‬‬ ‫ويروي الحاج أنه كان يواظب عىل رحلته اليومية‬ ‫للحصول عىل ربطة الخبز التي كانت تحوي عىل‬ ‫‪ 14‬رغيف بسعر ‪ 5‬لريات تركية‪ ،‬عىل حني تباع‬ ‫دون دعم بنفس السعر ولكن بعدد ‪ 9‬أرغفة‬ ‫فقط‪ .‬يقول أبو محمود‪“ :‬ميكنني الحصول عىل‬ ‫ربطة واحدة فقط‪ ،‬ألن عدد أفراد أرسيت أقل من‬ ‫‪ 4‬أشخاص”‪ .‬ويضيف‪“ :‬ينتهي البيع حوايل الساعة‬ ‫العارشة لذلك أنا مضطر للقدوم باكراً‪ ،‬وإال لن‬ ‫أمتكن من الحصول عىل الخبز وتوفري بضع لريات‬ ‫نضعها يف التزامات أخرى”‪.‬‬ ‫بدأت قصص طوابري الخبز يف مناطق سيطرة‬ ‫النظام أوالً‪ ،‬والتي تعاين من نقص يف كميات‬ ‫الطحني وتراجع دعم حكومة األسد ملعظم املواد‬ ‫األساسية‪ ،‬بينام كان أهايل محافظة إدلب الخاضعة‬ ‫لسيطرة هيئة تحرير الشام املتمثلة بحكومة‬ ‫اإلنقاذ تتمتع بوفرة الخبز يف معظم األفران‬ ‫وبكميات جيدة‪ ،‬ولكن بسعر مرتفع بعض اليشء‪،‬‬ ‫حيث تعتمد املنطقة عىل الطحني املستورد‪.‬‬ ‫ومنذ أن شهدت اللرية الرتكية تراجعاً بقيمة‬ ‫رصفها (وهي العملة املتداولة يف هذه املنطقة)‪،‬‬ ‫تراجعت كميات الخبز‪ ،‬وتقلص عدد األرغفة يف‬ ‫الربطة الواحدة‪ ،‬تزامناً مع ارتفاع سعرها؛ ما دفع‬ ‫األهايل لتنظيم احتجاجات ضد حكومة اإلنقاذ‬ ‫كان شعارها “إال رغيف الخبز يا حكومة” مطالبني‬ ‫بدعم هذه املادة‪.‬‬ ‫وكان مجلس الشورى العام قد عقد مع مجلس‬ ‫حكومة اإلنقاذ اجتامعاً طارئاً يف معرب باب الهوى‬ ‫بحضور زعيم هيئة تحرير الشام أبو محمد‬ ‫الجوالين‪ ،‬يف ‪ 23‬من ترشين الثاين‪ /‬نوفمرب املايض‪،‬‬ ‫قرروا خالله تثبيت سعر ربطة الخبز بـ ‪ 2.5‬لرية‬ ‫تركية بوزن ‪600‬غ ضمن خطة متثلت بدعم ‪40‬‬

‫فرن كمرحلة‬ ‫أوىل‪ ،‬مببلغ قدره‬ ‫‪ 3‬مليون دوالر‪،‬‬ ‫لتنتقل بعدها‬ ‫لدعم باقي األفران‪،‬‬ ‫والتي يبلغ عددها‬ ‫‪ 116‬يف عموم‬ ‫مناطق إدلب‪ .‬كام‬ ‫انتهى االجتامع‬ ‫بتقديموعودبعدم‬ ‫تأثر سعر رابطة الخبز بأي عوامل اقتصادية أخرى‪ ،‬إال أنه‬ ‫بعد فرتة وجيزة أعادت الحكومة رفع سعر ربطة‬ ‫الخبز املدعوم لـ ‪ 5‬لريات بعدد ‪ 14‬رغيف للخبز‬ ‫املدعوم‪ ،‬و‪ 9‬أرغفة للخبز الحر‪.‬‬ ‫“أي دعم ‪ ...‬ليش ضل دعم؟” بهذه العبارة أجاب‬ ‫أحد أصحاب أفران مدينة إدلب طالباً عدم ذكر‬ ‫اسمه‪.‬‬ ‫وأوضح صاحب الفرن نفسه لطلعنا عالحرية‬ ‫أنه مع بداية تقديم الطحني املدعوم للفرن كان‬ ‫البيع يستمر حتى منتصف النهار‪ ،‬وتدريجياً بدأ‬ ‫باالنخفاض حتى الظهر‪ ،‬ثم صارت ساعات البيع‬ ‫ال تتجاوز العارشة صباحاً‪ .‬حيث بدأت كميات‬ ‫الطحني املدعوم من حكومة اإلنقاذ بـ ‪ 9‬طن‪ ،‬ثم‬ ‫انخفضت حتى ‪ 4‬طن‪ ،‬وإىل أقل من ‪ 2‬طن خالل‬ ‫الفرتة األخرية‪ ،‬وهو ما كان يدفع عرشات األهايل‬ ‫للوقوف بطابور الخبز باكراً للحصول عىل ربطة‬ ‫خبز مدعوم‪.‬‬ ‫ووفق صاحب الفرن فإن الحكومة دعمت الطحني‬ ‫عندما سجلت اللرية الرتكية ‪ 18‬أمام الدوالر‪ ،‬وبدأ‬ ‫دعم األفران يتناقص مع تحسن سعر رصف اللرية‪.‬‬ ‫ورغم مشقة الحصول عىل الخبز املدعوم إال أن‬ ‫عرشات األهايل كانوا مضطرين للحصول عليه‪ ،‬ال‬ ‫سيام األرس التي لديها عدد أفراد كبري‪ ،‬خاصة مع‬ ‫تراجع القدرة الرشائية وندرة فرص العمل‪ .‬ولكن‬ ‫حكومة اإلنقاذ يف إدلب عادت لتقلص وزن ربطة‬ ‫الخبز‪ ،‬قبل أن تقرر إيقاف دعمه أيضاً‪ ،‬لتصبح‬ ‫الربطة بوزن ‪ 650‬غرام‪ ،‬وبنفس سعرها ‪ 5‬لريات‬ ‫تركية للربطة الواحدة‪.‬‬

‫وبررت الحكومة سبب االرتفاع بغالء أسعار‬ ‫الطحني‪ ،‬وكانت قد أوقفت يف ‪ 8‬آذار‪ /‬مارس‬ ‫املايض عملية بيع الخبز املدعوم‪ ،‬ووعدت بإعداد‬ ‫خطة جديدة لدعمه‪ ،‬إال أنها بقيت يف طي‬ ‫النسيان بحجة أنها قيد الدراسة‪ ،‬وفق ما أوضح‬ ‫نشطاء يف إدلب‪.‬‬ ‫ويقول أبو محمد‪ ،‬وهو تاجر يف ريف إدلب‪ ،‬إن‬ ‫أسعار الطحني انخفضت منذ أكرث من أسبوعني‪،‬‬ ‫كام شهدت أسعار املحروقات انخفاضاً طفيفاً‪،‬‬ ‫عىل حني بقي سعر ربطة الخبز عىل حاله‪ ،‬ويعلق‬ ‫أبو محمد‪“ :‬لو صار غال فوراً بريفعوا السعر‪ ..‬أما‬ ‫بالرخص بينتظروا كتري”‪.‬‬ ‫وكانت قرارات مؤمتر دعم الخبز‪ ،‬قد أكدت عىل‬ ‫تثبت سعر الربطة املدعومة مهام طرأت تغريات‬ ‫عىل سعر رصف اللرية‪ ،‬إال أن قرار تخفيض الدعم‬ ‫قبل إلغائه اتخذ بشكل غري مبارش عرب خفض‬ ‫كميات الطحني‪ ،‬وتضييق الخناق عىل أصحاب‬ ‫األفران بفرض رشوط “تعجيزية” ن ّفرت عرشات‬ ‫أصحاب األفران الذي رفضوا العمل بالطحني‬ ‫املدعوم‪ ،‬بسبب املشاكل التي سببها لهم مع‬ ‫األهايل؛ حيث تنرش الرواية الرسمية لإلنقاذ أنها‬ ‫كانت تدعم األفران بكميات كافية‪ ،‬عىل حني مل‬ ‫تكن تلتزم بالكميات املعلن عنها‪.‬‬ ‫وكان قرار إيقاف دعم الخبز قد أسهم بإنهاء‬ ‫مشكلة الطوابري التي كانت تزدحم عىل أبواب‬ ‫األفران‪ ،‬لكنه ّ‬ ‫أحل مكانها مشكلة أدهى وأمر‬ ‫تجلت يف عدم قدرة عرشات األهايل عىل تأمني‬ ‫قوت العيش املتمثل برغيف الخبز‪.‬‬


‫رمضان يف الرقة‪..‬‬ ‫شهر الرمحة مل يعد كذلك!‬

‫‪17‬‬

‫الرقة ‪ -‬عبد اهلل الخلف‬

‫العدد‬

‫‪104‬‬ ‫‪2022 / 4 / 25‬‬

‫واحدة دلواً يف يدها بانتظار أن يجهز الطعام‪.‬‬ ‫يقول إسامعيل اللجي املرشف عىل عمل املطبخ‬ ‫إنهم كانوا يعانون يف السنوات املاضية من أجل‬ ‫إيجاد متربعني‪ ،‬ولكن هذا العام تكفل شخص‬ ‫واحد من امليسورين بتكاليف املطبخ طيلة شهر‬ ‫رمضان‪ .‬ويرشح اللجي‪“ :‬املطبخ يعمل طيلة أيام‬ ‫السنة‪ ،‬يف األيام العادية يتم توزيع وجبتني كل‬ ‫أسبوع‪ ،‬أما يف رمضان فيتم تقديم وجبة كل يوم‪،‬‬ ‫كوننا نعرف معاناة الناس يف هذا الشهر‪ ،‬ونرى‬ ‫بعيننا الكثري من الحاالت املأساوية” ويضيف‪:‬‬ ‫“يف أول يوم من رمضان دخلنا عىل عائلة‬ ‫ووجدناهم يفطرون عىل صحن زبدة فقط!”‪.‬‬ ‫ومن أشهر املبادرات التطوعية يف الرقة هي‬ ‫مرشوع إفطار صائم‪ ،‬الذي يستمر للسنة‬ ‫السابعة عىل التوايل‪ ،‬ومصدر هذه املبادرة‬ ‫كام باقي املبادرات التربعات من امليسورين يف‬ ‫الداخل واملغرتبني الذين يعتربون األكرث تربعاً‪.‬‬ ‫وتضم املبادرة العرشات من املتطوعني الذين‬ ‫تتنوع مهامهم ما بني جمع التربعات ورشاء املواد‬ ‫الغذائية‪ ،‬وتجهيزها وتسليمها لألرس املستفيدة‪،‬‬ ‫ويقول أحد املتطوعني يف املبادرة إنهم يوزعون‬ ‫قرابة ‪ 800‬سلة غذائية يف اليوم الواحد‪.‬‬ ‫موضحاً بأن العدد يرتفع يوماً بعد آخر‬ ‫نتيجة زيادة التربعات‪ ،‬مشرياً إىل أنهم‬ ‫يستهدفون العوائل التي ال دخل لها فقط‬ ‫بعد أن يتم تقييم وضعهم املعييش‪ ،‬وهم‬ ‫كثريون يف مدينة الرقة حسبام يقول‪.‬‬ ‫وبحسب عيىس السطم وهو ناشط مدين‬ ‫من الرقة‪ ،‬فإن املبادرات التطوعية الخريية‬ ‫تناقصت هذا العام‪ ،‬وذلك ألن األوضاع‬ ‫االقتصادية زادت سوءاً؛ فالكثري من املتربعني‬

‫مل يعد بإمكانهم التربع بسخاء كام األعوام‬ ‫الفائتة‪ ،‬واملتطوعون مل تعد لديهم القدرة عىل‬ ‫ذلك بسبب الظروف املعيشية كام يقول‪.‬‬ ‫رمـضـان شـهـر زيـادة األربـاح!‬ ‫يشري السطم إىل أن الكثري من تجار املواد الغذائية‬ ‫قاموا برفع األسعار بنسب كبرية مع بداية‬ ‫شهر رمضان‪ ،‬فهو “فرصة لتحقيق أرباح عالية‬ ‫بالنسبة لهم‪ ،‬والرقابة عىل األسواق شبه غائبة”‬ ‫حسب تعبريه‪ .‬ويقول‪“ :‬مع أول أيام رمضان‬ ‫الحظنا أن األسعار ارتفعت بشكل مفاجئ‪ ،‬كيلو‬ ‫البندورة قبل رمضان بيوم كان ‪ 2000‬لرية‪ ،‬ومع‬ ‫أول يوم رمضاين أصبح ‪ ،4000‬واألمر ينطبق‬ ‫عىل الزيت والرز وغريها من املواد الغذائية”‪.‬‬ ‫من جانبه يوضح كامل البزي نائب رئيس‬ ‫دائرة حامية املستهلك التابعة ملجلس الرقة‬ ‫املدين أن هناك بعض التجار يستغلون رمضان‬ ‫لزيادة أرباحهم‪ ،‬ولكن بشكل عام سبب‬ ‫ارتفاع األسعار ظروف خارجية وهناك ارتفاع‬ ‫عاملي لألسعار‪ .‬وينوه إىل أنهم وضعوا نقاطاً‬ ‫الستقبال الشكاوى من رفع األسعار يف عدة‬ ‫أماكن مبدينة الرقة‪“ :‬عندما نتلقى الشكوى‬ ‫نقوم مبتابعة األمر عىل الفور‪ ،‬يف حال تأكدنا‬ ‫أن هناك رفع للسعر املحدد نقوم بإغالق املحل‬ ‫لفرتة ترتاوح بني يوم وأسبوع‪ ،‬وتغريم صاحبه‬ ‫مالياً‪ ،‬ومنذ بداية رمضان أغلقنا أربعة محالت‬ ‫لبيع املواد الغذائية بسبب رفع األسعار”‪.‬‬ ‫ووفقاً لربنامج األغذية العاملي فإن ‪90%‬‬ ‫من سكان سوريا يعيشون تحت خط‬ ‫الفقر‪ ،‬حيث يعاين أكرث من ‪ 12.4‬مليون‬ ‫سوري من إجاميل عدد السكان املقدر‬ ‫بحوايل ‪ 16‬مليون من انعدام األمن الغذايئ‪.‬‬

‫تقارير‬

‫يف شارع القوتيل بقلب املدينة تتجول أم فارس (‪ 62‬سنة)‬ ‫حائر ًة بني عربات الخضار‪ ،‬ال تعرف ماذا ستشرتي إلعداد‬ ‫فطور اليوم‪ ،‬ال يوجد يف جيبها سوى ‪ 5000‬لرية سورية‪،‬‬ ‫وهذا املبلغ ال يكفي لرشاء كيلوغرامني من البندورة!‬ ‫وبعد جولة متعبة ال جدوى منها اشرتت أم فارس الخبز باملبلغ‬ ‫الذي كان معها‪ ،‬وعادت لبيتها ليستقبلها أحفادها الخمسة‬ ‫خائبني ألنها مل تحرض شيئاً سوى الخبز! وبدالً من املائدة الكبرية‬ ‫التي كانت تعدها يف السنوات املاضية لإلفطار يف شهر رمضان‪،‬‬ ‫أفطرت أم فارس وأحفادها وزوجة ابنها خبزاً مع الشاي فقط!‬ ‫إفـطـار بـطـعـم الـقـهـر‬ ‫تعيش السيدة الستينية مع زوجة ابنها وأحفادها بعد وفاة‬ ‫ولدها الوحيد مبرض عضال‪ ،‬والذي كان املعيل الوحيد لهذه‬ ‫األرسة‪ ،‬ليصبح رمضان شهراً للمعاناة بالنسبة لهم‪ ،‬تقول أم‬ ‫فارس‪“ :‬يف السنني املاضية كنا نفطر ما لذ وطاب‪ ،‬كان ابني‬ ‫عام ًال‪ ،‬ورغم أن مردوده قليل ولكن كان يكفينا للعيش‪ ،‬أما‬ ‫اليوم فنأكل الفتات وال نعرف يف الغد إن كنا سنأكل أم ال!”‪.‬‬ ‫يف اليوم التايل قررت أم فارس الذهاب ألحد املطابخ‬ ‫الخريية للحصول عىل وجبة إفطار مجانية‪ ،‬تلثمت بغطاء‬ ‫رأسها خوفاً من أن يراها أحد يعرفها‪ ،‬يعز عليها أن‬ ‫تكون بهذه الصورة بعد أن كانت سيد ًة مكرم ًة يف بيتها‪.‬‬ ‫شهر رمضان بات صعباً عىل الكثريين‪ ،‬وأصحاب الدخل‬ ‫املحدود حائرين كيف سيؤمنون مصاريف هذا الشهر‪ ،‬محمد‬ ‫خري (‪ 46‬سنة) يعمل سائق سيارة أجرة‪ ،‬يرتاوح دخله اليومي‬ ‫بني ‪ 25 - 15‬ألف لرية سورية‪ ،‬ورغم ذلك فهو يعاين أيضاً!‬ ‫يقول محمد إنه يستطيع تأمني األكل لإلفطار‪ ،‬ولكنه غري قادر‬ ‫عىل تأمني أشياء أخرى يشتهيها أوالده عىل مائدة اإلفطار‪:‬‬ ‫“أوالدي يطلبون مني رشاء املعروكة كل يوم‪ ،‬وأتحجج لهم‬ ‫بأن املعروكة يف السوق ليست لذيذة! سعرها ‪ 10‬آالف لرية‬ ‫سورية‪ ،‬وأنا بالكاد أمتكن من جلب الخبز وطعام الفطور‪ ،‬أشعر‬ ‫بالقهر وأنا أضطر للكذب عىل أوالدي يف الشهر الفضيل!”‪.‬‬ ‫مـبـادرات خـيـريـة‬ ‫ومع بداية شهر رمضان تنشط العديد من املبادرات‬ ‫الخريية‪ ،‬التي تهدف إلفطار الصامئني من الفقراء والنازحني‪،‬‬ ‫تتنوع تلك املبادرات ما بني مطابخ خريية‪ ،‬وخيم‬ ‫رمضانية‪ ،‬باإلضافة لفرق تطوعية توزع املواد الغذائية‪.‬‬ ‫مطبخ باب بغداد الخريي الذي ذهبت أم فارس لجلب وجبة‬ ‫الفطور منه‪ ،‬يوزع قرابة ‪ 300‬وجبة عىل العوائل الفقرية بشكل‬ ‫يومي‪ ،‬طابور طويل أمام املطبخ‪ ،‬جميعهم من النساء‪ ،‬تحمل كل‬


‫“يف مديح الوقت”‬ ‫ٌ‬ ‫نصوص خارج حدود السياج‬

‫‪18‬‬ ‫ياسمين نهار‬

‫العدد‬

‫‪104‬‬ ‫‪2022 / 4 / 25‬‬ ‫ثقافة‬

‫الشاعر والنّاقد مرزوق الحلبي تضع ّ‬ ‫ّإن نصوص ّ‬ ‫كل‬ ‫مرجع ّية معيار ّية موضع تساؤل سواء أكانت املرجع ّية‬ ‫سياس ّية أم دين ّية أم اجتامع ّية‪ ...‬ومن يتع ّمق يف‬ ‫هذه النّصوص ي َر أنها اختارت موضع املسافة ‪-‬إن مل‬ ‫نقل املواجهة‪ -‬بينها وبني املس ّبقات والتّقاليد البالية‬ ‫ّ‬ ‫والطغيان بأشكاله كا ّفة‪.‬‬ ‫خاصاً يتن ّفس فيه بحر ّية‬ ‫وقد اختار الحلبي فضا ًء ّ‬ ‫وترب‬ ‫بعيداً عن الح ّيز‬ ‫الجامعي املشرتك الذي نشأ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ضمن األطر الشمول ّية أو العقائد ّية أو األصول ّية‪ ...‬لذا‬ ‫ابتعدت نصوصه عن املنرب وجمهوره‪ ،‬وا ّتجهت إىل ق ّلة‬ ‫قليلة تخاطب وعيهم‪ ،‬وتكشف مكامن الحقائق ا ُملغ َّي َبة‬ ‫عندهم‪.‬‬ ‫عن مجموعته “يف مديح الوقت” كان لنا هذا الحوار‪:‬‬ ‫ـ ُ‬ ‫السياسة‬ ‫ملست يف نصوصك رغب ًة يف التّح ّرر من قيود ّ‬ ‫والدّين واملجتمع‪ ..‬كيف يستطيع ّ‬ ‫الشاعر العر ّيب أن‬ ‫يجد نفسه وشعره خارج هذه القيود التي ك ّبلت‬ ‫ال ّثقافة منذ أكرث من خمسة عرش قرناً؟ وكيف ينجح‬ ‫ّ‬ ‫الشاعر يف تحقيق هويّته املتف ّردة املتجاوزة حدود‬ ‫السياس ّية أو الدّين ّية الض ّيقة؟‬ ‫االنتامءات الجغراف ّية أو ّ‬ ‫م‪ .‬الحلبي‪“ :‬إنها يف نهاية األمر مسألة وعي وخيارات‬ ‫ويوجهها‪ .‬أعرف نفيس منذ شبايب‬ ‫ُيحدّدها هذا الوعي ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ومسائل يف كل يشء‪ُ ،‬معارضا ونقد ًّيا يف‬ ‫األ ّول مستأن ًفا‬ ‫األرسة واملجتمع والحزب الذي انتميت إليه‪ .‬ووجدت‬ ‫نفيس الح ًقا من أتباع املدرسة التفكيكية التقويض ّية‬ ‫أقصد ّأل أبقي حج ًرا عىل حجر ّ‬ ‫ألن املباين التي أنشأتها‬ ‫الثقافة العرب ّية مبا يف ذلك يف العرص الحديث ظ ّلت‬ ‫أسرية املايض واملوروث‪ .‬حتى الحركة القومية العربية‬ ‫عىل مدّها وجزرها قبلت ال ّرواية القائلة بأن املايض‬ ‫ً‬ ‫مستقبل‪ .‬قد تكون ال ّثقافة‬ ‫ُيكن أن ُيناسب ليكون‬ ‫العرب ّية خاضت حرب تح ّرر من االستعامر والغريب‬ ‫واألجنبي بتضحيات جسيمة‪ ،‬لكنها مل تتح ّرر من إسارها‬ ‫ّ‬ ‫هي‪ ،‬من أرس اإلقامة يف ماضيها وتاريخها‪ ،‬ويف تص ّورها‬ ‫لذاتها ككاملة ونهائ ّية طاملا هي نتاج اإلسالم دينًا الذي‬ ‫نص بشكل مل ُيناقشه أحد تقري ًبا ـ أننا خري أ ّمة أخرجت‬ ‫ّ‬ ‫للناس‪ .‬هذا التّص ّور عىل مظاهره املزمنة ال ّراسخة يف‬ ‫اللغة والخطاب والوعي يعني شيئًا واحدًا وحيدا‪ :‬أن‬ ‫نراوح أماكننا يف نوع من ال ّرضا والتكرار واال ّتباع‪ .‬فلامذا‬ ‫ّ‬ ‫سنظل خري أ ّمة؟‬ ‫نجتهد ونحن ـ كيفام كنّا ومهام فعلنا ـ‬

‫وأنا‪ ،‬عىل اعتقاد بأن علينا نحن أبناء هذه ال ّثقافة أن‬ ‫نؤسس لقطيعة معها يك نبقي‬ ‫نكرس أصنامنا هذه وأن ّ‬ ‫عىل احتامالت للعيش والنهوض”‪.‬‬ ‫ـ معظم ما أبدعه العر ّيب يف مجاالت الفنون والفلسفة‬ ‫والعلوم ّإنا أبدعه وهو يف حالة صدام مع املرجع ّيات‬ ‫أو تساؤل حولها‪ .‬كيف يستطيع الكتّاب يف وقتنا‬ ‫يعبوا بحريّة عن املوضوعات التي تؤ ّرقهم‬ ‫ال ّراهن ّأن ّ‬ ‫أو أن يطرحوا األسئلة املعرف ّية حول تلك املرجع ّيات؟‬ ‫م‪ .‬الحلبي “أوافقك الرأي أن اإلبداع يأيت من عمليات‬ ‫والصدع واملواجهة املقصودة‪“ .‬السلطة” ـ أي‬ ‫الكرس ّ‬ ‫ُسلطة ـ تسعى بطبيعتها وغايتها إىل فرض تص ّورها‬ ‫والسيطرة عىل “الوضع” وفرض “الهدوء” ـ ومن هنا‬ ‫فهي تخاف أي تغيري ولو طفيف يف الوضع القائم‬ ‫ويف حقول الحياة املمتدّة‪ .‬يف السياسة كام يف ال ّلغة‬ ‫ويف الن ّ​ّص كام يف الكالم ّ‬ ‫الشفويّ ‪ ،‬ويف االقتصاد كام يف‬ ‫األكادمييا‪ .‬من هنا أهم ّية أن يحرص املبدعُ ‪/‬ة يف كل‬ ‫مجاالت اإلبداع عىل عدم التنازل عن ح ّقه يف املواجهة‬ ‫باعتبارها ً‬ ‫رشطا لإلبداع‪ .‬باعتقادي أن ثورة االتصاالت‬ ‫ّ‬ ‫والشبكات وامليديا الحديثة العالية التكنولوجيا متنحنا‬ ‫مقص‬ ‫فرصة أن ند ّون و ُننتج علًّ وصورة أرسع من ّ‬ ‫الرقيب وقادرة عىل جعل ع َ​َسس السلطان مضحكة”‪.‬‬ ‫نص “أبعد من حدود القوافل” دعوة رصيحة‬ ‫ـ يف ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫إىل تجديد اللغة‪ ،‬ورأيت أن اللغة تعاين من “عقدة‬ ‫القداسة” أي أ ّنها حبيسة ذاكرة ماضويّة متنعها من‬ ‫االنطالق والتّح ّرر‪ .‬كيف ميكن تجاوز هذه العقدة‬ ‫إبداع ّياً؟‬ ‫م‪ .‬الحلبي‪“ :‬هذا سؤال املليون! يف دراستي األكادميية‬ ‫خاص بالعالقة بني ال ّلغة املستعملة‬ ‫اهتممت بشكل ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ـ الخطاب املتداول ـ وبني الثقافة‪ .‬بني اللغة وبني‬ ‫“السلطة” ـ وأيقنت أن ال ّلغة ينبغي أن تتح ّرر من‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫قبضة الطاغية والشيخ األصويل ومن “القداسة” التي‬ ‫ُيقصد بها فرض الوصاية عىل النّاس وال ّثقافة وليس عىل‬ ‫“النص املقدّس” و”كلمة الله”‪.‬‬ ‫اللغة ـ باعتبارها لغة‬ ‫ّ‬ ‫أيضا‪ .‬مبعنى إلّ‬ ‫لن تنهض األ ّمة ّإل إذا نهضت لغتها‪ً ،‬‬ ‫إذا تخ ّلصت من جثث وهياكل عظمية ومقابر ورماد‬ ‫وخراب يف معجمها واعتمدت ال ّلغة املتداولة اآلن‪،‬‬ ‫وانفتحت عىل العامل وأخذت منه وأعطته‪ .‬فتص ّوري‬ ‫ال ّلغة العربية بدون املعارف اإلنسان ّية يف مجال علم‬

‫االجتامعي وعلم اجتامع الحداثة وما بعده؟‬ ‫النّفس‬ ‫ّ‬ ‫تص ّوريها بدون معارف املنجزات العلم ّية والتكنولوجية‬ ‫والطب ّية وثورة العلوم املدمجة؟ ال ّثقافة العرب ّية يف‬ ‫أفعالها تعكس وضعاً لغو ّياً قارصاً ومحدوداً‪ ،‬ويوازيه‬ ‫قصور معر ّيف واضح ال س ّيام يف العلوم االجتامع ّية‬ ‫حي‬ ‫املتّصلة بالدّولة واالجتامع الحديث‪ .‬اللغة كيان ّ‬ ‫أراده اإلسالميون والقوميون العرب م ّيتاً أو ُمحارصاً يف‬ ‫عقائدهم الض ّيقة”‪.‬‬ ‫نص “استغاثة”‪“ :‬املايض حارض بكثافة هنا‬ ‫ـ تقول يف ّ‬ ‫‪ّ /‬‬ ‫بكل طواغيته ‪ /‬ال مستقبل يل سوى هناك ‪ /‬فمن‬ ‫يد ّربني عىل احتامل ال ّرحيل؟”‬ ‫الطغاة ‪ّ /‬‬ ‫تك ّررت لفظتا ّ‬ ‫الطواغيت يف نصوصك فمن‬ ‫هم هؤالء ّ‬ ‫الطواغيت؟ وما العالقة التي تجمع بينهم؟‬ ‫م‪ .‬الحلبي‪ّ :‬‬ ‫السلطات عىل‬ ‫“الطواغيت هم رموز ّ‬ ‫اختالفها‪ .‬أنا أريد ّ‬ ‫الطريان من ثقافتي ومكاين وهناك‬ ‫جناحي أو قنيص‪ .‬أنا املتحدث‬ ‫َمن تد ّربوا عىل قصقصة‬ ‫ّ‬ ‫املتوسط‪ ،‬كان يف فلسطني أو سواها‬ ‫هنا هو العر ّيب‬ ‫ّ‬ ‫من مواقع‪ .‬لقد حاولت حركات التح ّرر يف العامل أن‬ ‫تتواصل وترتبط ببعضها يك يعظم أثرها‪ ،‬لكن الذين‬ ‫نجحوا باالرتباط فع ًال هم ّ‬ ‫“الطواغيت” من ّ‬ ‫كل صنف‬ ‫ولون‪ .‬هم الذين صبغوا العامل ك ّله بال ّلون األحمر لدماء‬ ‫يسفكونها يف كل مكان دون حساب‪ .‬فأنا من الذين‬ ‫الصلة الوثيقة بني محنة فلسطني ومحنة سور ّية‬ ‫يرون ّ‬ ‫ّ‬ ‫والعراق واليمن وليبيا‪ ،‬وبني الطواغيت هنا وهناك‪ .‬قد‬ ‫يبدو الطواغيت كديوك الحارة يتقاتلون هنا أو هناك‬ ‫ـ لكنهم يف نهاية النّهار يذهبون إىل موقعهم ويقتلون‬ ‫الناس التي تعارض أو يسجنونها أو يسلخون جلودها‪.‬‬ ‫كل ّ‬ ‫الطواغيت أخوة‪ .‬يختلفون يف ّ‬ ‫ّ‬ ‫كل يشء ويتّفقون يف‬ ‫وجوب قهر النّاس ودوس الحقوق والكرامات كجزء من‬ ‫تكريس سؤددهم”‪.‬‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫السوريّة أسميته “ورد‬ ‫ـ‬ ‫أفردت فص ًال خاصّ ا للأمساة ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الشام” سلطت فيه الضوء عىل حاالت إنسان ّية مؤملة‬ ‫السوريّة‪ .‬من يقرأ تلك النّصوص يشعر بأ ّنك‬ ‫من املحنة ّ‬ ‫ُ‬ ‫يف قلب الحدث تعايش مآسيه اليوم ّية‪.‬‬ ‫ما أسباب د ّقة رصدك لتلك التفاصيل وصدق عرضها؟‬ ‫كفلسطيني َخ َب تلك املآيس اليوم ّية مع‬ ‫هل ملعاناتك‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الصهيوين دور يف هذا ال ّرصد أم مثة أسباب‬ ‫العد ّو ّ‬ ‫أخرى؟‬


‫‪.....‬‬

‫العدد‬

‫‪104‬‬ ‫‪2022 / 4 / 25‬‬

‫تأ ّمل وإىل ثقافة ومعرفة وأدوات اكتشاف وحفر‪ ،‬وإىل‬ ‫االستعارة من العلوم كافة يك يكتمل معامره”‪.‬‬ ‫ـ ا ّتخذت من قصيدة النّرث وسيلة للتّعبري هل لهذا‬ ‫التّح ّرر من ّ‬ ‫الشك ّ‬ ‫الطغيان ّ‬ ‫يل عالقة برغبتك يف التّح ّرر‬ ‫من ّ‬ ‫الطغيان بأشكاله كا ّفة؟‬ ‫م‪ .‬الحلبي‪“ :‬هذا الربط بني التح ّرر من الطغيان واملباين‬ ‫القامئة وبني التحرر من أشكال أنتجها‪ ،‬ربط يف مكانه‪.‬‬ ‫أمقت ّ‬ ‫صف الكالم يف طوابري كأننا أمام عرض عسكريّ ‪.‬‬ ‫أقصد أن أح ّرر ّ‬ ‫الشعر من مبانيه يف إطار سعيي إىل‬ ‫هتك املباين املتداولة كجزء من إرث حقب تاريخية‬ ‫تقادمت وصارت ثقيلة‪ .‬املباين تلك هي وليدة ال ّثقافة‬ ‫العرب ّية كثقافة مسموعة‪ .‬االنتقال إىل الثقافة املكتوبة‬ ‫ُيعطينا فرصاً جديدة‪ .‬أرى من مشاهدايت أن حياة‬ ‫ً‬ ‫الشعر معززة مك ّرمة وح ّرة أكرث يف قصيدة النّرث‪ .‬من‬ ‫حيث املبدأ‪ ،‬أنا مع التجريب‪.‬‬ ‫ـ هل تعتقد ّأن ّ‬ ‫الشعر قادر عىل تغيري العامل أو عىل‬ ‫ّ‬ ‫األقل ترويض ّ‬ ‫الشور التي تقودنا ـ نحن العرب ـ نحو‬ ‫الهاوية؟‬ ‫م‪ .‬الحلبي‪“ :‬دعينا نعتربه إحدى الوسائل النافذة‪ .‬وهي‬ ‫إن مل تضعضع بنيان الطغيان فإنها ُتشعر مستعملها‬ ‫باالقتدار عىل التحدّي وطرح البديل‪ّ .‬‬ ‫والشعر ثورة ضد‬ ‫والتصحر يف الجغرافيا ويف الروح والفكر”‪.‬‬ ‫ال ُقبح‬ ‫ّ‬

‫ثقافة‬

‫حلبي من ريف حلب‪ .‬من‬ ‫م‪ .‬الحلبي‪ “ :‬أنا باألصل‬ ‫ّ‬ ‫قرية ذكرها والدي عىل مسامعي وإن كان ولد هو‬ ‫يف فلسطني مثيل‪ .‬من “كفارمو”‪ .‬فأنا شامي يف األصل‬ ‫وشامي الهوى وال ّروح‪ّ .‬‬ ‫وألن ـ كام ذكرت ـ أقيم عالقة‬ ‫وثيقة بني محنة الفلسطيني والسوريّ وسواهام من‬ ‫أش ّقاء عرب‪ ،‬فقد ضبطتني املحنة السور ّية وأنا يف‬ ‫سيايس فكريّ عابر للحدود والجغرافيا وينفذ إىل‬ ‫وعي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫جوهر الوجود اإلنساين‪ .‬رأيتني أتتبع خطا السوريني‬ ‫الذين غ ّيبهم الطاغية كام أتتبع خطا الفلسطينيني الذي‬ ‫يقصف أعامرهم االستعامر الصهيوين‪ .‬وأكرث‪ ،‬وجدتني‬ ‫أخرج ض ّد ّ‬ ‫كل فلسطيني وقف يف هذه املحنة إىل جانب‬ ‫ّ‬ ‫الطاغية يف ّ‬ ‫الشام عىل أن يف موقفه هذا “مامنعة”‬ ‫أو “مقاومة” أو ما شابه إلرسائيل‪ .‬نعم‪ ،‬رأيت نفيس‬ ‫السورية وضحاياها يك أحمل قض ّيتهم‬ ‫مك ّرساً للمحنة ّ‬ ‫الفلسطيني القبيح صاحب مثل هذا املوقف‬ ‫يف وجه‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ويف وجه إله بليد وعامل عنرصيّ ‪ .‬إنه املوقف املناهض‬ ‫لكل ّ‬ ‫الطواغيت عىل لغاتهم‪ .‬يف كثري من منعطفات‬ ‫السور ّية وجدتني أعيش مقبوض الروح والقلب‬ ‫املحنة ّ‬ ‫ً‬ ‫منعزل يك أحفظ إنسانيتي من أذى املشهد املرتسم‪.‬‬ ‫كتبت للشام وأهلها يف محاولة يائسة للمقاومة‪ .‬ذهبت‬ ‫إىل مضايا وجوبر والقلمون والقصري وحلب وحمص‬ ‫والحسكة وتتبعت خطا املعارضني يك أضمد جرحاً نازفاً‬ ‫أو أقرأ الفاتحة عىل روح طفلة ماتت وحيدة‪ .‬إ ّنه خيط‬ ‫الحياة املمت ّد من أ ّول األرض إىل آخرها ومن أ ّول الوقت‬ ‫إىل األزل”‪.‬‬ ‫ـ يف نصوصك حضور ألح ّبة تربطك بهم وشائج قرابة‬ ‫كاألم واألب واالبنة‪ ،‬وآخرين تربطك بهم عالقات‬ ‫صداقة أو تقارب فكريّ ‪ /‬ثقا ّيف‪ .‬أريد هنا أن أتوقف‬ ‫عند عالقتك مع والدتك هل استحضار ّ‬ ‫الشاعر أل ّمه يف‬ ‫قصائده دليل عىل شوقه إىل مرابع ّ‬ ‫الطفولة أم حنني إىل‬ ‫دفء ال ّرحم األ ّول؟‬ ‫م‪ .‬الحلبي‪ “ :‬للعالقات اإلنسانية عندي ثقل وازن‪ .‬وقد‬ ‫نشأت يف أرسة دافئة ومنفتحة تقدّس كرامة أفرادها‬ ‫والحي الذي ترعرت فيه كان‬ ‫مسها أو خدشها‪.‬‬ ‫وتح ّرم ّ‬ ‫ّ‬ ‫عىل نهج األرسة‪ ،‬متامسك متشابك وحميم‪ .‬كان لوالدي‬ ‫ووالديت دورهام يف تنشئتنا عىل احرتام الناس ومح ّبتهم‬ ‫وحفظ الو ّد وعىل الكتاب والكلمة ّ‬ ‫والشعر‪ .‬وكانت‬ ‫جدّيت تقول‪ :‬عليكم بالكلمة الط ّيبة ألنها ُتخرج الح ّية‬ ‫من جحرها‪ .‬والديت ال تزال بيننا أزورها يوم ًّيا ألرى ما‬ ‫تصنعه يداها وهي يف السابعة والتسعني من عمرها‪،‬‬ ‫ُتنتج الحياة إىل يومنا هذا‪ ،‬و ُتنتج الجميل املدهش‬

‫من أشغال‪ .‬ال أزال أمكث يف بيتها للمبيت كمناوب‬ ‫يف قضاء ال ّليايل معها‪ .‬اهتاممي بها هو اهتامم بالنّاس‬ ‫حويل وخالصة العالقة بهم‪ .‬هم حارضون يف حيايت‬ ‫وأديب واهتاممايت‪ .‬يل خصوصيتي لكن وجودي متصل‬ ‫بوجودهم‪ .‬طفولتي تتجدّد كلام زرت بيت طفولتي‪ .‬بل‬ ‫أخالها مل تغادرين أص ًال‪”.‬‬ ‫الحب عندك ّ‬ ‫كالشعر طاقة خ ّالقة تتجاوز حدود‬ ‫ـ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُّ‬ ‫بنص‪“ :‬خارج‬ ‫املكان والزّمان واللغة أستدل عىل ذلك ّ‬ ‫الصورة التي أردت أن تعكسها‬ ‫األشياء” ما الفكرة أو ّ‬ ‫نصوصك عن املرأة؟‬ ‫ّ‬ ‫“الحب والشعر كالهام طاقة‪ .‬وكالهام‬ ‫م‪ .‬الحلبي‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫يحتاج إىل رعاية وصيانة وتجديد منابع‪ .‬واملرأة من‬ ‫حيث هي قض ّية وجود ّية واختبار للرجل عىل مدار‬ ‫اليوم فإنني أسعى إىل أن أتجاوز هذا االختبار كل يوم‬ ‫برشف‪ .‬يف العالقة مع أ ّمي وأخوايت الثالث وزوجتي‬ ‫دالية وابنتي شادن ومع زميلتي يف العمل ّ‬ ‫والطالبة‬ ‫التي أد ّرسها‪ .‬ال أقدّس املرأة وال أمثلنها لكنّي أحرص‬ ‫كل الحرص عىل أ ّنها متساوية معي يف ّ‬ ‫ّ‬ ‫كل يشء‪ ،‬وهذا‬ ‫ما يضعني يف مواجهة متواصلة مع املوروث والعرف‬ ‫االجتامعي الذكوريّ واملجتمع البطريريك عىل غري ذلك‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫املرأة سؤال كالهو ّية ال أتنازل عن حقي وإراديت أن‬ ‫اصوغ إجابتي الشخص ّية له‪”.‬‬ ‫ـ حرض املكان يف نصوصك بأبعاده املاديّة والنّفس ّية‪:‬‬ ‫السوريّة‪..‬‬ ‫بيت األرسة‪ ،‬املدن الفلسطين ّية‪ ،‬املدن ّ‬ ‫َ‬ ‫ورأيت ّأن املدن العرب ّية مرايا تعكس صوراً متشابهة‬ ‫عن حياة تلك املدن‪ ،‬ولش ّد ما استوقفني تعاملك‬ ‫الصادق مع املدن الغرب ّية البعيد عن التّعايل األجوف‬ ‫ّ‬ ‫أو التّبع ّية العمياء‪ .‬ما طبيعة عالقتك باألمكنة؟ وماذا‬ ‫أضافت لك أسفارك؟‬ ‫م‪ .‬الحلبي‪“ :‬السف ُر فرصة للخروج من الروتني واإلطار‬ ‫والعاديّ والصورة ذاتها للكون‪ ،‬فرصة للتأ ّمل والتف ّكر‬ ‫واألهم للمقارنة‪ .‬األمكنة بالنسبة يل ليست طبيعة‬ ‫جامدة أو معامل أو آثار تاريخية أو معامر ّية‪ ،‬بل هي‬ ‫الناس واالجتامع فيها‪ .‬هي مرآة الفعل اإلنسا ّين تعكس‬ ‫والسفر غرباً يدفع إىل النّظر رشقاً‬ ‫روحه وطاقاته‪ّ .‬‬ ‫وجنوباً من علٍ ‪ ،‬من مسافة لغو ّية وحضار ّية وثقافية‪،‬‬ ‫أحتاجها يك أتأمل ذايت ّ‬ ‫الشق ّية والعرب ّية وأقارنها‪ .‬أسافر‬ ‫كعامل اجتامع وإناسة وكمعامريّ ومهندس وشاعر‬ ‫ومث ّقف وإنسان ورجل اقتصاد ـ فأحاول أن ألتقط‬ ‫معاين األمكنة والنّاس فيها وأتع ّلم عن مجتمعاتها من‬ ‫اعتقادي بإمكانية حصول التّكامل والحوار بديال للتبع ّية‬

‫والتذ ّيل ّ‬ ‫والشعور بالنّقص‪ .‬وأعود إىل مكاين وهويتي‬ ‫باعتبارها ميناء مفتوحاً وليس حصناً مغلقاً أموت فيه‬ ‫من الحرسة”‪.‬‬ ‫ـ معظم ّ‬ ‫الشعراء الذين خ ّلد التّاريخ أسامءهم كانوا‬ ‫عىل درجة عالية من ال ّثقافة برأيك ماذا تقدّم ال ّثقافة‬ ‫للتّجربة ّ‬ ‫الشعريّة؟‬ ‫م‪ .‬الحلبي‪“ :‬أنا املثقف هو أنا الشاعر‪ّ .‬‬ ‫والشعر بحاجة‬ ‫إىل الثقافة كحاجته إىل ال ّلغة وإىل املوهبة‪ .‬ال إىل‬ ‫“الفسلفي” خلف الظواهر‪ ،‬إىل إدراك‬ ‫املعلومات بل إىل‬ ‫ّ‬ ‫األشياء وأرسارها‪ ،‬إىل معرفة تفكيك املباين يف ال ّلغة‬ ‫واالجتامعي يك نرى تحتها‪ ،‬إىل‬ ‫والسياسة واإلقتصاد‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫قدرة عىل تفكيك املعاين والدّالالت املض ّللة أو القابضة‪،‬‬ ‫يك نسميها من جديد‪ .‬يف تدرييس لبعض املواضيع‬ ‫أعرث عىل الشعر يف أعامل باحثني يف الرتبية واالقتصاد‬ ‫واألدب‪ ،‬فأجدهم “شعراء” أل ّنهم يستثمرون معارفهم‬ ‫لتسمية ّ‬ ‫الظواهر وتفكيكها‪ .‬أنا بحاجة إىل املعرفة يك‬ ‫يكون لشعري معنى أعمق ومؤ ّثراً وقادراً عىل النفاذ‬ ‫إىل الجوهريّ واإلتيان بإضافة فلسف ّية تأ ّملية إىل ما‬ ‫ُكتب‪ّ .‬‬ ‫الشعر عندي تأليف ال تسلية‪ .‬والتأليف بحاجة‬

‫‪19‬‬



Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.