طلعنا عالحرية / العدد 88

Page 1

‫العدد ‪88‬‬

‫‪2019 / 3 / 18‬‬

‫لماذا عدنا‬

‫مجلة مستقلة‪ ،‬تعنى بشؤون الثورة السورية‪ ،‬نصف شهرية‬


‫طلعنا عالحرية‬ ‫‪2‬‬

‫العدد ‪-‬‬

‫‪2019 / 3 / 18 - 88‬‬

‫سنتان كاملتان مرتا عىل توقف طلعنا عالحرية عن‬ ‫الصدور يف آذار ‪.2017‬‬ ‫ومنذ حينها اكتفى موقع املجلة وصفحاتها عىل االنرتنت‬ ‫بنرش متابعات للمشكلة وتداعياتها والتي كان منها‬ ‫توقف املجلّة‪ .‬وحتى هذه «املتابعات» ش ّحت وانعدمت‬ ‫بعد أسابيع قليلة‪.‬‬ ‫ورغم مطالبات تكررت للفريق القديم‪ ،‬مل تنجح أو مل‬ ‫حل مناسب للقضية؛‬ ‫تكتمل عدة محاوالت منه إليجاد ّ‬ ‫كإعادة اإلصدار أو حتى الوصول ملآل الئق للمرشوع‪.‬‬ ‫خاصة بعد أن استفتت املجلة جميع الصحافيني والكتّاب‬ ‫ّ‬ ‫الذين كانت لهم مشاركات يف املجلّة منذ صدورها‬ ‫عرب استبيان وصلهم بالربيد اإللكرتوين حول املشكلة‬ ‫وتداعياتها ومصري املجلة‪.‬‬ ‫ت ّم نرش نتائج االستبيان عىل موقع املجلّة‪ ،‬وفيه قال‬ ‫‪ 80‬باملئة من املشاركني إن الحادثة التي أمل ّت باملجلة‬ ‫متس املجتمع كلّه‪ ،‬وال تقترص‬ ‫وتبعاتها هي قضية عامة ّ‬ ‫عىل الصحافة أو طلعنا عالحرية وحدها‪ .‬كام ذهبت‬ ‫لنفس الرأي مجموعة من الناشطني وأصحاب الرأي‬ ‫الذين استفتيتهم بنقاشات شخص ّية عىل م ّر األشهر‬ ‫السابقة‪.‬‬ ‫تغيات كثرية وكبرية يف ظروف السوريني والثورة‬ ‫ورغم ّ‬ ‫لعل أبرزها يف هذا السياق‬ ‫السورية يف السنتني األخريتني‪ّ ،‬‬ ‫هو تفكيك املنطقة املحررة يف الغوطة الرشقية وتهجري‬ ‫يخص املجلّة يؤخذ باالعتبار‬ ‫الث ّوار منها قرسا ً‪ ..‬ومبا ّ‬ ‫توقّف التمويل‪ ،‬وإغالق املنظمة املس ّجلة يف كندا والتي‬ ‫تم إنشاؤها لغرض إصدار املجلة‪ ،‬باإلضافة لقرب توقف‬ ‫املوقع والخدمات املأجورة املشابهة بسبب توقف الدفع‪.‬‬

‫كلمة‬

‫مجلة نصف شهرية تعنى بشؤون الثورة‬

‫رغم كل ذلك‪ ،‬اتفقت دائرة صغرية من الزمالء عىل‬ ‫تول زمام املجلّة ملرحلة (انتقالية) أبرز ما فيها هو‬ ‫ّ‬ ‫إعادة اإلصدار بالطريقة املعتادة قبل توقّف املجلة‪،‬‬ ‫ويت ّم نرش اإلصدارات عىل موقع املجلة دون توزيع‬ ‫نسخ مطبوعة حتى حني‪.‬‬ ‫ومل ّا بدأ هذا الفريق الصغري مبراسلة الزمالء‬ ‫الستكتابهم‪ ،‬ملسنا روحاً عالية ومتح ّمسة‪ ،‬ال تشبه‬ ‫انعدام املبادرات يف السنتني املنقضيتني؛ حيث‬ ‫حورص املرشوع بني طرفني؛ أحدهام يتكلّم عن‬ ‫الظروف ويقف عندها‪ .‬وطرف آخر يطرح الشعارات‬ ‫املحقّة املنادية بحرية الصحافة لك ّنه يفتقر لآلليات‪،‬‬ ‫وتصعب عليه املبادرة‪..‬‬ ‫الروح الجديدة تقول إن املجلّة عادت وانترصت‪..‬‬ ‫وهكذا!‬ ‫سأذكر هنا بواحدة من بديهيات الصحافة‪ ،‬وهي أن‬ ‫املجلة ال تتب ّنى بالرضورة آراء ما ينرش فيها‪.‬‬ ‫للمجلة خط عام‪ .‬نعم؛ «حرية – كرامة – مواطنة»‬

‫يرشفها أن تنحاز له‪ ،‬وهي تعلنه عىل كل غالف مثلام‬ ‫تعلن البديهية السابقة‪ .‬وعن مسألة انتصار املجلة‬ ‫بعودتها أو انتصارها بغض النظر عن عودتها‪ ..‬أتركها‬ ‫تخص طلعنا‬ ‫برسم من يرى أن القضية عامة‪ ،‬وال ّ‬ ‫عالحرية وحدها‪.‬‬ ‫وبناء عىل ذلك‪ ،‬يوجه الفريق الحايل دعوة مفتوحة‬ ‫للمهتمني‪ ،‬ملناقشة املوضوع‪ ،‬واملبادرة القرتاح مآل‬ ‫الئق للعمل عليه‪ .‬سواءا ً مبتابعة العمل يف هذا‬ ‫املرشوع أو حتى بإعالن إنهائه‪ ،‬أو بأي طريق ينشد‬ ‫الحقيقة والعدالة وكرامة املهنة وأصحابها‪.‬‬ ‫‪--‬‬‫ال ب ّد من اإلشارة ‪-‬مع شكر وتحية كبريين‪ -‬ملجموعة‬ ‫الزمالء املشاركني يف هذا اإلصدار الخاص والروح‬ ‫اإليجابية التي أبدوها‪ ،‬والتي جعلت بعض الزمالء‬ ‫يتذكر األيام األوىل لطلعنا عالحرية وكذلك لثورة‬ ‫الكرامة وهي تطوي عامها الثامن‪..‬‬ ‫الثورة التي بسببها طلعنا عالحرية!‬

‫‪www.freedomraise.net‬‬

‫تفاعل معنا عبر صفحاتنا على اإلنترنت‬

‫املقاالت املنشورة تعرب عن آراء أصحابها أوالً‬ ‫وال تعرب بالرضورة عن آراء هيئة التحرير‬

‫‪facebook.com/freeraise‬‬

‫املجلة غري ملزمة بنرش كل ما يردها من مواد‬

‫‪freedomraise@gmail.com‬‬

‫تنويه‪:‬‬

‫نصار‬ ‫أسامة ّ‬

‫‪twitter.com/freedomraise‬‬ ‫‪info@freedomraise.net‬‬

‫ترحب املجلّة مبشاركات القراء والزمالء الصحافيني واإلعالميني‪ ،‬علامً أن العمل اآلن‬ ‫تطوعي وال توجد مخصصات أو مكافآت مالية‪.‬‬


‫ديني‪ ..‬علماني‪ ..‬خذالن مزدوج !‬

‫العدد ‪2019 / 3 / 18 - 88 -‬‬

‫يف محنتنا التي اختربناها‪ ،‬كان‬ ‫غريباً أن يك ّذب املتطرفون‬ ‫ترصيحي مبسؤوليتي عن نرش‬ ‫املقال‪ ،‬وذلك رغبة منهم يف‬ ‫ذبح أسامة! بينام صدقت‬ ‫غالبية شلل العلامنيني‬ ‫ومنظامت “املجتمع املدين”‬ ‫نفس الترصيح! وذلك‪ ..‬يك يغتالوين‪.‬‬ ‫الجانبان أرادا كبش فداء ينحرونه‪ ..‬الجانبان أرادا االنتقام!‬ ‫مل يقترص الظلم الذي عانيته خالل هذه املحنة وبعدها عىل التمييز الطائفي واعتباري‬ ‫ابنة أقلية كافرة تعبث باملعتقدات اإلسالمية‪ ،‬فعىل الجانب اآلخر مل تكن “األقلية”‬ ‫أقل ظل ًام‪ ،‬وال كان املعارضني “املثقفني” أقل حامقة‪ ،‬فعنجهيتهم “العلامنوية” ال‬ ‫تستوعب وال تفهم موقفاً يساير املحظورات الدينية حتى لو جاء حقناً للدماء‪.‬‬ ‫ال أريد أن أسهب يف استعراض مظلومية خاصة من الصعب نقل تفاصيلها الدقيقة‪،‬‬ ‫لكن من املناسب أن نتحدث عن أزمة عامة تعانيها النخب السورية‪ .‬أزمة كره‬ ‫املثقفني لبعضهم البعض‪ ،‬أزمة الغرق يف الذاتوية‪ ،‬وأزمة انكفاء املؤسسات املتس ّلقة‬ ‫عىل أكتاف السوريني عن القيام بواجباتها‪ ،‬أزمة انشغالها املفرط باملنح والجوائز‪،‬‬ ‫أزمة جبنها ووجع خذالنها لكل من يحتاج إىل دعمها‪.‬‬ ‫كنت قد قلت سابقاً يف حديث مع أحد املواقع ال أعرف إن كان قد نرش أم ال إن‬ ‫البقية يف صفحة ‪...8‬‬

‫مقاالت‬

‫عندما قمنا بنرش مقال الكاتب شوكت غرز الدين “يا بابا شيلني”‬ ‫يف العدد ‪ 86‬من مجلتنا “طلعنا عالحرية” قبل نحو العامني‪ ،‬ثارت‬ ‫زوبعة مفتعلة إىل ح ّد كبري‪ ،‬يبدو أنه قد تم تضخيمها من “أصدقاء”‬ ‫قبل األعداء! ومل يكن كافياً نرش اعتذارين وسحب املقال من املوقع‬ ‫اإللكرتوين للمجلة‪ ،‬فلقد وجدت نفيس مع تطورات األحداث املتسارعة‬ ‫ومن موقعي املهني أمام موقف أخالقي دعاين إىل تحمل املسؤولية‬ ‫الكاملة عن هذا “الخطأ” وذلك بدافع حامية كوادر املجلة يف الغوطة‬ ‫الرشقية التي كانت خاضعة لسلطة مستبدة “جيش اإلسالم”‪ ،‬هذه‬ ‫السلطة التي نصب قادتها أنفسهم “خلفاء الله يف األرض”‪.‬‬ ‫مل أتخيل يومها للحظة واحدة أن “أصدقاء” كرث إضافة إىل عدد‬ ‫محدود من زمالء العمل سوف يتلقفون هذا اإلعالن لـ “إدانتي”‬ ‫فعلياً ولتقدميي كبش فداء والتضحية يب دون رفة جفن‪.‬‬ ‫بدأت األصوات تتعاىل مطالبة بتحمييل املسؤولية الكاملة‪ ،‬وبدأ يردين‬ ‫الكالم الجارح من كل حدب وصوب‪ ،‬من أناس اعتربتهم حتى ذلك‬ ‫الوقت أخوة وأصدقاء ورفاق درب‪ .‬ورغم اتفاقي مع زمييل أسامة‬ ‫عىل رضورة خوض معركة ّ‬ ‫مرشفة‪ ،‬وهو الذي كان مياالً إلعالن استقالة‬ ‫جامعية تشبه االحتجاج لكامل فريق املجلة‪ ،‬إال أنني ضعفت وانهرت‬ ‫وأجربين خويف عىل األصدقاء يف الغوطة من جانب‪ ،‬ومرارة الخذالن‬ ‫من جانب آخر عىل اتخاذ قرار االستقالة‪.‬‬ ‫مل تكن مجلة طلعنا عالحرية يوماً بالنسبة يل‪ ،‬ولزمييل أسامة بالتأكيد‪،‬‬ ‫مجرد عمل أو وظيفة‪ !..‬كانت تاريخاً للثورة والحلم‪ ،‬وسنوات من‬ ‫العمل الطوعي الدؤوب‪ ،‬كانت أيضاً تاريخاً من املعاناة واألمل‪..‬‬ ‫الوجدان واألمل واألصدقاء الرائعني الذين عملنا معهم‪ ،‬التنسيقيات‬ ‫التي كانت تقود النضال السلمي وتتوىل طباعة املجلة وتوزيعها عدداً‬ ‫تلو اآلخر‪ ،‬األصدقاء الذين فقدناهم‪ ..‬من استشهدوا ومن غيبتهم‬ ‫غياهب السجون وجيوش اإلسالم التي تريد أن تحاكمنا اليوم وتكمم‬ ‫أفواهنا‪ ،‬وها هم “األصدقاء”‪ ،‬بقصد أو بغري قصد‪ ،‬يصطفون خلف‬ ‫هذا الجيش!‬ ‫مرت أيام ولحظات كاشفة وموجعة مثل كابوس‪ ،‬أترفع عن الخوض‬ ‫يف تفاصيلها اليوم‪ ،‬مثلام آثرت الصمت خالل عامني لرضورات السالمة‬ ‫لفريق الداخل‪ ،‬وكم من مرة أجهشت وحيدة بالبكاء وأنا أرى ما‬ ‫تبقى من حلمي وهويتي يهويان عىل األرض ركاماً يشبه ركام الوطن‪.‬‬ ‫ومل تكن بيانات “االنصياع” التالية التي نرشها “فريق األزمة” الحقاً‬ ‫أقل إيالماً‪.‬‬ ‫كنت بأمس الحاجة آنذاك إىل التعاطف الصادق‪ ،‬كان ميكن لكلامت‬ ‫قليلة من أصدقاء محبني أن تنتشلني من ضعفي ومن خيبتي‪ ،‬اختفى‬ ‫األصدقاء وغابوا‪ ،‬إنه بخل “املثقفني” املعروف واستكثارهم‪ ،‬رمبا كان‬ ‫هذا سمة مالزمة ملجتمعات القهر حيث الكل يرتبص بالكل‪ ..‬ال فرق‬ ‫يف ذلك بني متطرفني أو معتدلني‪ ..‬متدينني أو علامنيني‪ ،‬محافظني أو‬ ‫ليرباليني‪ .‬يف مجتمع القهر وحدهم الطغاة والقتلة هم الناجون من‬ ‫قسوة املجاميع‪.‬‬

‫ليلى الصفدي‬

‫‪3‬‬


‫‪4‬‬

‫لماذا كان علينا أن نعود إليكم؟‬ ‫آراء لسبعة ُكتاب سوريين عن معنى وجدوى العودة‬

‫العدد ‪2019 / 3 / 18 - 88 -‬‬

‫كانت انطالقة “طلعنا عالحرية” يف أوائل عام ‪ ،2012‬من رحم لجان التنسيق املحلية يف الثورة السورية‪ ،‬لتكون‬ ‫صوت الثوار األحرار ومنرباً حراً ألقالم السور ّيني بحرية من أيّ قيود مرجعية من سلطات األمر الواقع‪ ،‬أو من‬ ‫بصوت ح ٍر عالٍ ” وهذا‬ ‫رقابة التيارات املتش ّددة املتعددة عىل األرض السورية‪ ،‬وكان قرارها هو “أنا هنا ألعيش‬ ‫ٍ‬ ‫ما حدث عىل مدار ‪ 87‬عدد صدروا خالل خمس سنوات من عمرها‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫اليوم بعد توقفنا عن الصدور منذ آذار‪ /‬مارس ‪ ،2017‬نستعرض آراء سبعة من الكتّاب السور ّيني حول معنى‬ ‫وإمكانية عودتنا إليكم ملحاولة تقديم صحافة ترقى لتطلعاتكم وآمالكم‪ ،‬ونحن عىل عتبة السنة التاسعة لثورتنا‬ ‫العظيمة بتضحياتكم‪ .‬فكان هذا التحقيق‪..‬‬ ‫طلعنا عالحرية – غسان نارص‬

‫استطالع رأي‬

‫الكاتب والباحث األكادميي يف العلوم السياسية‬ ‫والعالقات الدولية سالم الكواكبي‪( ،‬رئيس‬ ‫مؤسسة “اتجاهات ‪ -‬ثقافة‬ ‫مجلس أمناء ّ‬ ‫مستق ّلة”‪ ،‬واملدير التنفيذي للمركز العريب‬ ‫لألبحاث ودراسة السياسات يف باريس‪ ،‬ورئيس‬ ‫منظمة “مبادرة من أجل سوريا جديدة”)‪:‬‬ ‫ إعالء مسألة حرية التعبري كهدف أسمى‪..‬‬‫يقول عبد الرحمن الكواكبي‪“ :‬ملّا كان ُ‬ ‫ضبط‬ ‫أخالق الطبقات العليا من النّاس أهم األمور‪،‬‬ ‫أطلقت األمم الح ّرة حرية الخطابة والتأليف‬ ‫واملطبوعات مستثني ًة القذف فقط‪ ،‬ورأت أن‬ ‫تحمل َّ‬ ‫مرضة الفوىض يف ذلك خري التحديد؛ أل َّنه‬ ‫ال مانع للح ّكام ْأن يجعلوا ّ‬ ‫الشعرة من التقييد‬ ‫سلسلة من حديد‪ ،‬ويخنقون بها عد ّوتهم‬ ‫الطبيعة‪ ،‬أي الحرية”‪.‬‬ ‫أين نحن من هذا القول بعد أكرث من قرن عىل‬ ‫نرشه؟ يف حالة مزرية بالتأكيد‪ .‬فاإلعالم العريب‬ ‫عموماً والسوري خصوصاً عاش قهراً وقمعاً‬ ‫طوال عقود ما بعد االستقالل‪ .‬حتى‪ ،‬وللمفارقة‪،‬‬ ‫ميكن القول يف حالة اإلعالم السوري بأ ّنه عرف‬ ‫نوعاً من الحرية النسبية إ ّبان االحتالل الفرنيس‬ ‫مل يعرفها بعد انقالب ‪ 8‬آذار (مارس) ‪.1963‬‬

‫وبينهام‪ ،‬ازدهرت الصحافة السورية يف فرتات‬ ‫الدميقراطية الجنينية وحتى يف ّ‬ ‫ظل االنقالبات‬ ‫العسكرية التي تتالت عىل البالد قبل صعود‬ ‫الشمولية إىل الواجهة ولغة الحزب الواحد‬ ‫وتهجني التعبري‪.‬‬ ‫لقد ش ّكلت مجلة “طلعنا عالحرية”‪ ،‬كام عدد‬ ‫من وسائل اإلعالم الجديدة التي انبثقت عن‬ ‫جوع حقيقي للتعبري غري املقيد بعد انتفاضة‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫صحية ونتيجة من‬ ‫‪ ،2011‬جزءا من ظاهرة ّ‬ ‫النتائج اإليجابية لالنتفاضة‪ .‬وخالل سنوات‬ ‫قليلة‪ ،‬حظيت مبصداقية مهمة يف ّ‬ ‫ظل تجربة‬ ‫السور ّيني السلبية مع صحافة حكومية أو‬ ‫خاصة مت ّيزت بالخطاب الخشبي وإضافة إىل‬ ‫ّ‬ ‫أ ّنها مارست الكذب والتضليل والنفاق طوال‬ ‫عقود‪ .‬وكان ملا سامه البعض بالصحافة البديلة‬ ‫مجال واسع ميكن لها أن تخرتقه وتثبت أقدامها‬

‫فيه من خالل إعالء مسألة حرية التعبري كهدف‬ ‫أسمى‪ .‬وقد ب ّينت التجربة ّ‬ ‫بأن هذا املشوار‬ ‫تع ّرض للكثري من الهنات البنيوية وكام أساء إليه‬ ‫ممولوه من حيث تفاوت نسب الدعم املرتبطة‬ ‫بأجندات سياسية معينة‪.‬‬ ‫االستبداد وتكميم األفواه صارا يف الفعل‬ ‫السوري منطان لعقليات وليس فقط ألنظمة‪.‬‬ ‫فكثري ممن ادعى وص ًال باملعارضة مارس قمعاً‬ ‫شبيهاً وأحياناً أقىس ض ّد حرية التعبري وض ّد ّ‬ ‫كل‬ ‫من خالفه بالرأي‪ .‬وتصري هذه املامرسات أشد‬ ‫وأقىس عندما تستند إىل مرجعية مقدسة‪ .‬لقد‬ ‫تعرضت الصحافة الجديدة يف سوريا إىل قمع‬ ‫وعنف “ذوي القرىب” إن جاز التعبري‪ ،‬وهو أشد‬ ‫مرارة من ظلم الظامل الرسمي واملتعارف عليه‪.‬‬ ‫فعدد اإلعالميني الذين قتلوا واعتقلوا يف مناطق‬ ‫تسيطر عليها فصائل إرهابية أو ‪ /‬ومتطرفة‬ ‫يشكل خطراً ماحقاً لحرية التعبري التي ثار‬ ‫بعض السور ّيني من أجلها‪.‬‬ ‫مربوك العودة واالستفادة من اللجوء ! كواحة‬ ‫حرية للتعبري بعيداً عن املحر ّمات املدمرة للفكر‬ ‫ولإلبداع مهام كان مصدرها‪ :‬سلطة سياسية‬ ‫مستبدة أو سلطة دينية ظالمية أو حتى سلطة‬ ‫اقتصادية متحكمة‪.‬‬


‫العدد ‪- 88 -‬‬ ‫‪2019 / 3 / 18‬‬

‫عىل صفحاتها أسئلة املنكوبني‪ ،‬وتساؤالت‬ ‫التواقني للحرية والخالص‪ .‬يدفعها الحس‬ ‫النقدي إىل معاينة الوعي السوري املهجوس‬ ‫بالتغيري‪ ،‬والذهاب نحو أقىص ممكنات البوح‬ ‫بال قيود‪ ،‬وتسليط الضوء عىل حيوات ومطارح‬ ‫وهوامش‪ ،‬تعكس املخاض السوري يف تح ّوالته‬ ‫الكربى‪ ،‬ما بني عوامل الحرب والحصار‪ ،‬وما‬ ‫حفرته محنة السور ّيني من دروب اآلالم واألمل‪.‬‬ ‫“طلعنا عالحرية” مل تكن مرشوعاً ينزف حرباً‬ ‫بال مثن‪ ،‬وال مرشوعاً لتدوير الكلامت يف فضاء‬ ‫الال معنى‪ ،‬ولذلك دفعت رضيبة باهظة عىل‬ ‫مقصلة إسكاتها‪ .‬ليس عقوبة عىل مقالٍ تجاوز‬ ‫حدود املمكن‪ ،‬بل أل ّنها أغضبت برسالتها‬ ‫الخارجة عن سلطة اإلذعان‪ ،‬تلك العقول التي‬ ‫ورثت أزمنة االستبداد وتشوهاته‪ ،‬وأقامت‬ ‫محاكم التفتيش باسم سلطة القضاء ا ُملكبل‬ ‫بأوهامها وقيودها‪.‬‬ ‫اليوم تعاود “طلعنا عالحرية” صدورها‪ ،‬وهي‬ ‫أكرث مراساً وأشد رسوخاً مبا تؤمن به‪ ،‬ويف ّ‬ ‫ظل‬ ‫حاجة سورية ُم ّلحة‪ ،‬ألصوات حرة ومستقلة‪،‬‬ ‫تكابد دفاعاً عن الحق املقدس يف حرية الرأي‬ ‫والتعبري‪ ،‬ومن ض ّمخت أنفاس الحرية رسالتهم‬ ‫النبيلة ال يعرفون دونها سبيال‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫كل التقدير ملن رفضوا تغييب “طلعنا‬ ‫عالحرية”‪ ،‬وإسكات دورها يف نرش الكلمة‬ ‫الراعفة بالحق والحقيقة‪ ،‬والدعم إلرصارهم‬

‫استطالع رأي‬

‫الكاتب والروايئ عبد الرحمن مطر (مدير مركز‬ ‫الدراسات املتوسطية “نورس”)‬ ‫ الحرية أوالً‪ ..‬ودامئاً‬‫يبدو املس ّمى اليوم‪ ،‬ال لبس فيه‪ ،‬وال ّمثة تفسري‬ ‫آخر له‪“ :‬طلعنا عالحرية”‪ .‬يف املرة األوىل تعني‬ ‫خطاب السور ّيني‪ :‬حالتهم وتوقهم األبدي‪.‬‬ ‫ويف الثانية اختصت بحالة املجلة التي منعت‬ ‫لقرابة عامني من العمل والصدور‪ ،‬عامني من‬ ‫الحرمان املجحف بحق املجلة وكادرها‪ .‬وهو‬ ‫حرمان ال ميكن ألحد وضع أيّ توصيف يشتمل‬ ‫عىل املشاعر التي أملت بفريق العمل‪ ،‬قبل‬ ‫القراء ومتابعي املجلة‪ .‬هذا الشعور‪ ،‬يف غالب‬ ‫األحيان تخون فيه العبارة‪ ،‬العربة‪ ،‬واألمل‪ .‬ومن‬ ‫مل يكتو مبثل هذا الحرمان‪ ،‬ال ميكنه أن يقف‬ ‫عىل هذه الحالة املريرة‪ :‬الحرمان من الحرية‪،‬‬ ‫ومن حرية التعبري معاً‪.‬‬ ‫بال أدىن شك‪ ،‬كان قرار إيقاف “طلعنا عالحرية”‪،‬‬ ‫مبا فيها األحكام التي لحقت برئيسة التحرير‬ ‫وكاتب املقال‪ ،‬هو مخالف للقواعد القانونية‬ ‫املتعارف عليها‪ ،‬وفقاً للرشعة الدولية لحقوق‬ ‫اإلنسان‪ ،‬وهي قواعد آمرة‪ ،‬باعتبار حق التعبري‪،‬‬ ‫والحريات املتصلة به‪ ،‬هو حق أسايس‪ ،‬ال يجوز‬ ‫حجبه‪ ،‬أو الحيلولة دون مامرسته بأيّ وسيلة‬ ‫كانت مبا فيها القضاء‪ ،‬ومهام تكن األسباب‪.‬‬ ‫مبا فيها السبب الذي ذهبت إليه محكمة‬

‫“جيش اإلسالم” قبل زوال منظومته وتفككها‪:‬‬ ‫أي التعرض للدين اإلسالمي “اإلساءة للذات‬ ‫اإللهية”‪ .‬وهو رأي ُبني وفقاً لتفسري وفهم‬ ‫مجموعة تحتكم إىل السالح‪.‬‬ ‫ليس من حق أحد مصادرة حرية التعبري‪ ،‬وهي‬ ‫حرية غري محدودة‪ ،‬مرتبطة باملسؤولية‪ ،‬وال‬ ‫سقف لها‪ .‬وليس يف الدين اإلسالمي ما يح ّد‬ ‫منها‪ ،‬وال يف أيّ دين أو رشعة أخرى‪ ،‬وليس من‬ ‫حق أيّ سلطة كانت سياسية أم اجتامعية أم‬ ‫خاصة يف حالتنا‬ ‫دينية‪ ،‬يف أيّ زمان أو مكان‪ّ ،‬‬ ‫السورية‪ .‬التعدي عليها وانتهاك حقوق األفراد‬ ‫والجامعات بذلك‪ ،‬هي جرمية كربى‪.‬‬ ‫لقد خرج السور ّيون من أجل الحرية‪ ،‬ويف‬ ‫سبيلها ما تزال التضحيات ترتَى‪ ،‬ويف مقدمها‬ ‫حق التعبري‪ :‬القول والكتابة‪ ،‬املكاشفة‪ ،‬قول‬ ‫الحقيقة‪ ،‬كشف الفساد‪ ،‬وتعرية االستبداد‪.‬‬ ‫مبارك لنا جميعاً استعادة الحرية‪“ :‬طلعنا‬ ‫عالحرية” من جديد!‬ ‫الكاتب واملحامي الفلسطيني السوري أمين‬ ‫أبو هاشم (املنسق العام للتجمع الفلسطيني‬ ‫السوري الحر “مصري”)‪:‬‬ ‫ صوت الحقيقة يف مواجهة ثقافة الخوف‪..‬‬‫منذ صدورها ولغاية توقفها بحكم قضايئ‬ ‫مجحف‪ ،‬أكدت مجلة “طلعنا عالحرية”‪،‬‬ ‫انتامءها إىل الصحافة املستقلة‪ ،‬وأخذت‬ ‫مكانتها املتميزة‪ ،‬كمنرب مفتوح أمام أصحاب‬ ‫اآلراء واألقالم الحرة‪ .‬مل تحد عن رسالتها يف‬ ‫تنمية ثقافة مجتمعية‪ ،‬تؤمن بحرية الرأي‬ ‫والتعبري وتنافح يك تكون صوت الحقيقة يف‬ ‫مواجهة ثقافة الخوف والتعمية‪ .‬متسكت طيلة‬ ‫الخاصة يف‬ ‫أعدادها السبعة والثامنني‪ ،‬بهويتها‬ ‫ّ‬ ‫زمن السري بني حقول األلغام‪ ،‬وحافظت عىل‬ ‫املوضوعية يف تناول قضايا وهموم الناس‪،‬‬ ‫دون أن تهادن أو تجامل عىل حساب مسايرة‬ ‫النزعات الغاشمة‪ .‬شقت طريقها بال كلل ّ‬ ‫وبكل‬ ‫إرصار عىل اجرتاح أفكار ورؤى مستنرية‪ ،‬فأثارت‬

‫‪5‬‬


‫‪6‬‬

‫لماذا كان علينا أن نعود إليكم؟‬

‫العدد ‪2019 / 3 / 18 - 88 -‬‬

‫عىل استمرار صوتها الحر رغم تعدد وتعسف‬ ‫الرقباء‪...‬‬

‫استطالع رأي‬

‫الكاتب والصحايف حافظ قرقوط‪:‬‬ ‫ سوريا بحاجة إىل اإلعالم الحر‬‫ّإن القرار الذي صدر بحق املجلة واعتباره‬ ‫حينئ ٍذ قراراً قضائياً كان أمراً مؤسفاً من تسلط‬ ‫حكم األمر الواقع‪ ،‬وقد جاء بعد تقديم مئات‬ ‫آالف الشهداء يف سبيل حرية سوريا‪ ،‬لقد‬ ‫عشنا عقوداً عجافاً من حكم الديكتاتورية‬ ‫العسكرية وتسلطها عىل ّ‬ ‫يخص حياة‬ ‫كل ما ّ‬ ‫الناس‪ ،‬ومصادرتها ّ‬ ‫لكل الوسائل اإلعالمية‬ ‫وإبقائها ناطقة باسم السلطة ومسوقة لها‬ ‫فقط‪ ،‬والجميع يدرك ّأن نظام األسد كان يخون‬ ‫ّ‬ ‫كل من ال يتوافق مع رأيه‪ ،‬وإذ بالسور ّيني بعد‬ ‫الثورة تتحكم بيومياتهم دكتاتورية جديدة‬ ‫تتسرت بغطاء الدين لتفرض أمراً واقعاً تعطي‬ ‫صكوك اإلميان والكفر عىل طريقة األسد مبا‬ ‫يحقق مصالحها‪.‬‬ ‫بغض النظر عن مضمون أيّ مقال إن كنا‬ ‫نوافق كاتبه أم ال‪ ،‬علينا أن نتعود بأ ّنه مجرد‬ ‫وجهة نظر شخصية ميكن مقابلتها بالكلمة ال‬ ‫بسلطة قانون يحتمي بسالح وسجون قوة األمر‬ ‫الواقع‪ ،‬فالتلطي خلف مفردات دينية ال يعني‬ ‫ّأن القامئني عليها يتمتعون بصفة الحق والعدل‬

‫واإلنصاف‪ ،‬اآلن من يحاسب من تحكم مبعابر‬ ‫األكل واإلغاثة ومن أنشأ السجون‪ ،‬كام تسببت‬ ‫حروبهم الداخلية كفصائل بوقوع العديد من‬ ‫الضحايا‪ .‬لريحلوا أخرياً ويرتكوا الناس ملصريها‪.‬‬ ‫جاءت الثورة السورية لرد االعتبار إىل سوريا‬ ‫وإنسانها ووضعها عىل خارطة الفعل الحضاري‬ ‫الحر من جديد‪ ،‬فتحكمت قوى األمر الواقع‬ ‫لألسف مبصري الناس وأفكارها وقوت يومها‪،‬‬ ‫وميكن القول ّإن املحاكم التي أنشأتها غري‬ ‫قانونية ألنها ال تتبع لدستور دولة كام محاكم‬ ‫األسد العرفية‪ ،‬بل كانت اجتهادات مناطقية‬ ‫لتغطية عيوب أفعال داخلية بعناوين كبرية‪،‬‬ ‫وعىل الرغم من ذلك اضطرت هيئة تحرير‬ ‫املجلة لالنصياع لتلك السلطات وقدمت‬ ‫اعتذارها يف حينها خوفاً عىل كادرها‪ّ ،‬إل ّأن‬ ‫سلطات األمر الواقع كام النظام مهمتها إقصاء‬ ‫رشائح كبرية من السور ّيني وقد تابعت غيها‬ ‫بالوقوف بوجه أيّ عمل مدين ال ينضوي تحت‬ ‫عباءتها‪.‬‬ ‫سوريا بحاجة إىل اإلعالم الحر كحاجتها إىل‬ ‫الهواء وهو الذي ميكنه أن يساهم بتشكيل‬ ‫رأي عام سليم ويقف بوجه ّ‬ ‫كل أشكال‬ ‫الديكتاتورية‪ ،‬فهي التي ذهبت مبجتمعاتنا إىل‬ ‫الجحيم‪ ،‬مجلة “طلعنا عالحرية” شكلت حينها‬ ‫خطوة ضمن خطوات السور ّيني كان يجب‬ ‫أن تبقى وتط ّور نفسها ككل التجارب‪ ،‬تخطئ‬ ‫وتصيب وتنمو وهذا طبيعي لرناكم النجاح‪،‬‬ ‫والخطأ هنا بكلمة أو تعبري وليس برصاصة‬ ‫قاتلة‪.‬‬ ‫الكاتب واملحلل السيايس أحمد مظهر سعدو‪:‬‬ ‫ الوقوف يف وجه ّ‬‫كل أنواع الطغيان‪..‬‬ ‫مل يكن خروج الشعب السوري يف ثورته‬ ‫أواسط آذار‪ /‬مارس ‪ّ 2011‬إل يف مواجهة‬ ‫العسف األسدي‪ ،‬وكم األفواه وكبت األنفاس‬

‫التي عمل عليها املقبور حافظ األسد‪ ،‬ثم تبعه‬ ‫ابنه بشار‪ ،‬فكانت ثورة الشعب السوري ثورة‬ ‫الحرية والكرامة‪ ،‬ومل تكن ثورة الجياع‪ ،‬كام‬ ‫كانت سواها يف غري مكان من العامل‪ .‬لقد رأينا‬ ‫كيف كانت دموع الفرح السوري تنهمر‪ ،‬بينام‬ ‫يجد نفسه (هذا السوري) املقموع واملمنوع‬ ‫من إمكانية الكالم أو التعاطي بالسياسة خارج‬ ‫مسموحات النظام‪ ،‬وبعيداً عن محدداته ذات‬ ‫التابعية‪ ،‬واالرمتاء يف أحضان الدجل البعثي‪،‬‬ ‫واملديح البائس‪ ،‬لذلك فإن الشعب السوري‬ ‫يدرك أهمية أن يتحرر من العبودية‪ ،‬وميلك‬ ‫فاعلية الخروج يف مواجهة القمع األسدي‪،‬‬ ‫ليكرس حاجز الخوف‪ ،‬ويحطم ثقافة الخوف‬ ‫التي طاملا منعته ولجمت حراكه وتعبرياته‪ ،‬إال‬ ‫عرب الرموز والرمزية املفرطة‪ ،‬التي دأب عىل‬ ‫التعاطي بها ّ‬ ‫كل من يعاقر السياسة يف سورية‪.‬‬ ‫كانت دموع الفرح تنهمر من مقلتيه‪ ،‬وهو‬ ‫يعيش حالة االخرتاق القوية لحاجز الخوف‪.‬‬ ‫فهل ميكن وهو كذلك أن يقبل مبامرسات‬ ‫قمعية أو الجمة للحرية‪ ،‬من أيّ جهة كانت‬ ‫حتى لو كانت بأسامء شتى‪ ،‬أو ممن يدعون‬ ‫االنتامء للثورة؟ ّ‬ ‫بكل وضوح وتأكيد نقول‬ ‫ال‪ ،‬ألن من وقف يف وجه الطاغية‪ ،‬سيقف‬ ‫يف وجه ّ‬ ‫كل أنواع الطغيان‪ ،‬ولن يسمح لثلة‬


‫‪7‬‬

‫العدد ‪- 88 -‬‬

‫الكاتب والروايئ ضاهر عيطة‪:‬‬ ‫ االنتصار عىل االستبداد الديني والسيايس‬‫أن تتحكم بالفكر والحرية‪ ،‬جهات تفرتق متاماً‬ ‫عن مثل هذه القيم السامية‪ ،‬و أال تتحسس‬ ‫وجودها وكيانها‪ ،‬إال إذا ما متاهت مع القمع‬ ‫واالستبداد والغيبيات واألساطري‪ ،‬نكون أمام‬ ‫مأساة حقيقية‪ ،‬تخطط لها جهات خارجة عن‬ ‫نطاق العقل واملنطق‪ ،‬فام اتخذ من قرارات‬ ‫بغرض إيقاف مجلة “طلعنا عالحرية” حينام‬

‫‪2019 / 3 / 18‬‬

‫ينتج عن هذا الرأي رضر ّبي (رصيح) وأك ّرر‬ ‫مبقياس عامة الناس عرب العصور واملجتمعات‪،‬‬ ‫وليس مبقياس فئوية عقائدية دينية مهام‬ ‫كربت! أو مبقياس فرتة تاريخية مهام تطاولت!‬ ‫الجواب الرصيح عىل ذلك‪ :‬ليس ّمثة رضر‬ ‫يرتتب عىل أيّ إنسان بسبب قول أو نرش تبنّي‬ ‫هكذا آراء‪.‬‬ ‫هذه أمور تحتمل االختالف وال ينبغي للدولة‬ ‫أو السلطة مبعناها االعتباري إلزام الناس بأيّ‬ ‫رأي مخصوص بها‪.‬‬ ‫عىل النقيض مث ًال من قول أحدهم‪ :‬يجب منع‬ ‫املساجد أو الكنائس أو يجب عدم توظيف‬ ‫املسلمة املحجبة أو قول أحدهم ّ‬ ‫بأن دين‬ ‫رئيس الدولة يجب أن يكون حرصاً اإلسالم أو‬ ‫املسيحية مث ًال‪.‬‬

‫أصدرت ما عرف بـ(محكمة بداية الجزاء‬ ‫الثانية) يف دوما يف الغوطة الرشقية بتاريخ‬ ‫‪ّ 11‬متوز (يوليو) ‪ 2017‬قراراً بشأنها‪ ،‬بحجة‬ ‫اإلساءة للذات اإللهية‪ّ ،‬إنا كان أصحاب هذا‬ ‫القرار يتخيلون تلك اإلساءة وقد طالتهم هم‪،‬‬ ‫بوصفهم أشباه آلهة عىل األرض‪ ،‬وهم الذين‬ ‫تتلمذوا وتخرجوا من مدارس وسجون األسد‪،‬‬ ‫وقد أصبحوا يف خرب كان‪ ،‬حاملا انتهت مهمتهم‪،‬‬ ‫فكيف باإلمكان االحتكام لجهات من هذا‬ ‫النوع‪ ،‬تتمتع ببنية عقائدية وفكرية‪ ،‬تعادي يف‬ ‫أساسها الحرية والعقل؟ بينام املنطق يقول‪ّ :‬إن‬ ‫الرد عىل الحجة‪ ،‬يكون بالحجة‪ ،‬وليس باإللغاء‪،‬‬ ‫ذلك اإللغاء الذي يثبت ّأن الطرف الذي‬ ‫اعتمده‪ ،‬ال يستطيع البقاء إال بإعدام الطرف‬ ‫اآلخر ‪ ،‬متاماً كام هو منطق نظام األسد‪ ،‬ومن‬ ‫هنا ليس مصادفة أن يعادي “جيش اإلسالم”‪،‬‬ ‫الذي كان يتحكم بحياة الناس يف غوطة‬ ‫دمشق‪ ،‬ما كان‪ ،‬وما زال يعاديه نظام األسد‪،‬‬ ‫فكالهام يرى يف ذاته آلهة تستمد وجودها‬ ‫وكيانها‪ ،‬من خالل استعباد الناس‪ ،‬وإعدام‬ ‫عقولهم وحريتهم‪.‬‬ ‫وحينام تولد مجدداً مجلة “طلعنا عالحرية”‪،‬‬ ‫وتعاود تنفسها من تحت الركام‪ ،‬إمنا يعني‬ ‫ذلك‪ ،‬انتصارها عىل االستبداد الديني والسيايس‪،‬‬ ‫املنايف لجميع القيم واملعاين اإلنسانية والفكرية‪.‬‬

‫استطالع رأي‬

‫هنا أو هناك مبنعه من التعبري عام يجول يف‬ ‫مخياله‪ ،‬وليس هناك من إمكانية للقبول مبن‬ ‫يهدر إنسانية اإلنسان أو يكم األفواه‪ ،‬و ُيغ ِّيب‬ ‫من قالوا بالعمل من أجل كشف املستور‪،‬‬ ‫وفضح (عرب التوثيق املنهجي)‪ّ ،‬‬ ‫كل ما هو مانع‬ ‫للحرية‪ ،‬وحاجز لها‪ ،‬ومن ُيغ ِّيب رزان زيتونة‬ ‫ووائل حامدة ورفقاءهام ‪ ،‬ليس غريباً عنه منع‬ ‫صحيفة جاءت لدعم الحرية والكرامة‪ ،‬ومن‬ ‫ثم منعها من الصدور تحت ذرائع شتى‪ ،‬غري‬ ‫مقنعة ألحد‪.‬‬ ‫الكاتب والشاعر حمزة رستناوي‪:‬‬ ‫ يف حدود حرية التعبري‬‫األصل يف الحياة هو الحرية‪ ،‬والتقييد يجب أن‬ ‫يكون لرضورات يقبلها عامة الناس عرب العصور‬ ‫واملجتمعات‪ ،‬أو ما سوف نصطلح عىل تسميته‬ ‫“مرجعية البداهة الحيوية الكونية للمصالح‬ ‫املشرتكة” وفقاً لنظرية املنطق الحيوي‪.‬‬ ‫أولوية الحياة مث ًال سابقة ألولوية الحرية‬ ‫فالخوف عىل حياة صحفي يف ظروف صعبة‬ ‫معي‪،‬‬ ‫معينة‪ُ ،‬ي ّربر متام االمتناع عن نرش مقال ّ‬ ‫كان من ح ّقه يف الظروف االعتيادية كتابته‬ ‫ونرشه دومنا قيود‪ ،‬وهذا ما حدث متاماً يف‬ ‫قضية مجلة “طلعنا عالحرية” عام ‪2017‬‬ ‫والحكم الصادر غيابياً بإيقافها وسجن الكاتب‬ ‫مع رئيسة التحرير‪.‬‬ ‫لنفرتض ّأن شخصاً قال أو صحفياً كتب مقاالً‬ ‫يتضمن رأيه يف عدم وجود الله أو ّأن محمد‬ ‫ليس نبياً‪ ،‬أو ّأن الصحفي أعلن براءته من‬ ‫اإلسالم‪ ،‬أو ّأن القرآن مجرد كتابة برشية‪ ،‬أو‬ ‫ّأن عيل بن أيب طالب ليس إماماً‪ ،‬أو أن أبو‬ ‫بكر الصديق ارتكب خطأ فيام ُيسمى “حروب‬ ‫الردة” مث ًال! أو ّأن املسيح شخصية غري حقيقية‪،‬‬ ‫أو ّأن آدم مجرد أسطورة‪ ..‬إلخ‪.‬‬ ‫هنا يجب أن نسأل أنفسنا السؤال التايل‪ :‬هل‬


‫رحل جيش اإلسالم‪..‬‬ ‫‪8‬‬

‫وستبقى طلعنا عالحرية‬

‫ديني‪ ..‬علماني‪..‬‬ ‫خذالن مزدوج !‬ ‫ليلى الصفدي‬

‫نبيل شوفان‬

‫العدد ‪2019 / 3 / 18 - 88 -‬‬

‫مقاالت‬

‫بدون مقدمات‪ ،‬أصبح من املؤكد أن ما يسمى‬ ‫“جيش اإلسالم” مل يكن ميتلك أجندات وطنية‪ ،‬وال‬ ‫حتى إسالمية‪ ،‬بل كانت أجنداته سياسية ومن النوع‬ ‫ضحوا بحيواتهم‬ ‫الضيق‪ ،‬وقودها شباب الغوطة الذين ّ‬ ‫معتقدين أنهم يعملون ملا فيه خري البلد‪ ،‬لكن عىل‬ ‫األرض كنا نرى مامرسات جيش اإلسالم غري األخالقية‪،‬‬ ‫وغري الوطنية‪ ،‬والبعيدة كل البعد عن واقع الثورة‪ ،‬هي‬ ‫السمة األبرز لحقبته هناك‪ ،‬وكنا نصمت‪ ،‬خائفني من‬ ‫فضح أنفسنا‪ ،‬وكأننا إذا كشفنا مامرساته سنتحمل ذنب‬ ‫فشلٍ محتمل للثورة‪ ،‬عل ًام أن صمتنا أدى عملياً إىل‬ ‫فشلنا‪ ،‬وأدى بأولئك إىل تغليب مصالحهم الشخصية‬ ‫الضيقة عىل مصلحة الوطن‪ ،‬حني مل يعد لديهم خوف‬ ‫من رقيب‪ ،‬أو ناقل لحقيقتهم‪.‬‬ ‫لقد رأى كل الصحفيني السوريني صورة قائد جيش‬ ‫اإلسالم بعد خروجه من الغوطة الرشقية‪ ،‬وهو من مل‬ ‫ينترص يف أي معركة‪ ،‬اللهم سوى معركته ض ّد القلم‪ ،‬حني‬ ‫أغلق بيوم من األيام مجلة “طلعنا عالحرية” بداعي‬ ‫تأثريها السلبي عىل املجتمع‪ ،‬كيف له أن يقرر بصفقة‬ ‫مخابراتية إقليمية‪ ،‬االنسحاب من غوطة دمشق إىل‬ ‫تركيا‪ ،‬ليفتتح هناك سلسلة مشاريع تجارية‪ ،‬تاركاً وراءه‬ ‫كل هذا الخراب‪ ،‬وآالف املدنيني الذين اضطروا ملصالحة‬ ‫نظام ثاروا عليه‪ ،‬وآالف الشباب الذين سيقوا إىل‬ ‫الخدمة العسكرية اإلجبارية‪ ،‬أي خيانة هذه؟! وكيف‬ ‫للمدافعني عن اإلسالم أن يختزلوه ويخترصوه بالدفاع‬ ‫عن أشخاص متد ّنني كهؤالء‪ ،‬وجامعات ومنظامت ليس‬ ‫لها من اإلسالم سوى األسامء!‬ ‫لست شامتاً‪ ،‬وال أحاول التشفي بهذا الجيش‪ ،‬وال‬ ‫بقادته‪ ،‬لكن قبل عامني وقبل أن يقوم جيش اإلسالم يف‬ ‫الغوطة الرشقية بإغالق مجلة طلعنا عالحرية‪ ،‬مل أكن‬ ‫يف هذه الصحيفة بالذات أستطيع تناول جيش اإلسالم‬ ‫بهذه الطريقة لسببني‪ ،‬أصبح بينهام ارتباطاً وثيقاً؛‬ ‫األول هو أن جيش اإلسالم كان سيغلقها منذ البداية‪،‬‬ ‫فكان الكتاب يراعون وضعه كسلطة أمر واقع‪ ،‬وبالتايل‬ ‫فإن نقل جزء من الحقيقة أفضل من عدم وصولها‬ ‫إىل هناك‪ ،‬ما ُأدرك الحقاً أن السكوت عن تفاصيل‪،‬‬ ‫يف سبيل الحفاظ عىل العناوين‪ ،‬خلق طبقات من‬ ‫التجاهل والنكران‪ ،‬حالت بني الشعب السوري وبني‬

‫معرفته الحقيقة‪ ،‬وك ّرست هذه الطبقات فيام بعد جه ًال‬ ‫كام ًال بطبيعة هذه املجموعات املسلحة ومن يديرها‪،‬‬ ‫وماذا كانت متلك من مال وأسلحة ومخازن غذاء‪ ،‬يف‬ ‫منطقة منكوبة كالغوطة‪ ..‬أغرقتنا تلك التفاصيل التي‬ ‫مل يعرفها سوى الصحفيون‪ ،‬ومعها غرقت عناوين الثورة‬ ‫وشعاراتهاالرنانة!‬ ‫حني تهرب الجيوش‪ ،‬يعود أصحاب األقالم‪ ،‬ليكونوا‬ ‫األقوى‪ ،‬ليكملوا الطريق‪ ،‬ليتعلموا من دروسهم‬ ‫السابقة‪ ،‬ليطالبوا الشعب بالسري خلف عقله‪ ،‬ال خلف‬ ‫عاطفته‪ ،‬للوصول إىل التغيري املقصود‪ ،‬نكمل نحن ما‬ ‫بدأناه ويتفرغ قائد جيش اإلسالم ملشاريعه التجارية يف‬ ‫اسطنبول الرتكية‪ .‬إنه مشهد يؤكد أن من قال‪“ :‬الكالم‬ ‫أقوى من الرصاص” مل يكن يسفطط‪ ،‬لذا فعندما‬ ‫يسكت الرصاص وتنفد الذخرية‪ ،‬أو تباع األوطان‪ ،‬تبقى‬ ‫الكلمة الحق فص ًال‪ ،‬وتبقى الفكرة‪ ،‬وتبقى الطموحات‬ ‫بوطن حر‪ ،‬ودولة مواطنة‪ ،‬تحفظ حق الحياة الكرمية‬ ‫للجميع بدون استثناء‪.‬‬ ‫بعد كل هذه التضحيات ال يجب عىل السوريني ترهيب‬ ‫أصحاب األقالم‪ ،‬حتى لو فضحوا الحقيقة عارية‪ ،‬وال‬ ‫يجب عىل أصحاب األقالم الخوف من إثارة غضب‬ ‫الشعوب‪ ،‬بتكسري أصنامها وتابوهاتها‪ ،‬وبالتايل محاباتها‪.‬‬ ‫الصحيح هو أن كل يف موقع مسؤولياته‪ ،‬والحرب بني‬ ‫الدميقراطية والشمولية هي حرب تبدأ بذواتنا وال‬ ‫تنتهي بني الدول‪ .‬إن الفقراء ما زالوا ميوتون‪ ،‬والنخبة‬ ‫التي تجلس يف أماكن آمنة‪ ،‬مل تضطلع مبسؤولياتها‬ ‫الحقيقية حتى اللحظة‪.‬‬ ‫لن نستغني عن أفكارنا‪ ،‬وعن مبادئنا‪ ،‬لصالح األجندات‪.‬‬ ‫إن بقع الضوء التي أنتجتها الثورة السورية‪ ،‬عكرت‬ ‫وتعكر وستبقى َ‬ ‫الليل الذي يحاول الجميع فرضه عىل‬ ‫السوريني‪ ،‬وإن أسمى ما ميكن للصحفي مامرسته‪،‬‬ ‫هو نقل الحقيقة؛ له أم عليه‪ ،‬مبا ال يزرع الفتنة بني‬ ‫الشعوب‪ ،‬أو الحروب بني األخوة‪ ،‬فالكلمة مسؤولية‬ ‫كبرية ق ّلام يدرك حجمها مامرسو الشتيمة والتخوين‬ ‫والكذابون‪.‬‬ ‫رحل جيش اإلسالم‪ ،‬وتعود اليوم صحيفة طلعنا عالحرية‬ ‫ولسان حالها يقول إنها غري قابلة لالندثار‪.‬‬ ‫هل سمع أحدكم برصاصة غاشمة اغتالت فكرة جيدة‪.‬‬

‫‪ ....‬تتمة من صفحة ‪3‬‬ ‫التفاعل مع قضية طلعنا عالحرية ال يبرش بالخري‪،‬‬ ‫ال عىل مستوى الصحافة والصحفيني والناشطني‪،‬‬ ‫وال عىل مستوى الثقافة واملثقفني‪ ،‬وال حتى عىل‬ ‫مستوى ما يسمى “املؤسسات املدنية” وال تلك‬ ‫املنظامت والهيئات التي تدّعي أنها تعمل من‬ ‫أجل حامية الصحفيني بالذات وصيانة حرية‬ ‫التعبري “املقدسة”‪.‬‬ ‫“التضامن” الذي حصل‪ ،‬والذي تم استثنايئ منه‪،‬‬ ‫مل يتجاوز عتبة الكلامت‪ ،‬وانفرط عقده بعد عودة‬ ‫“مؤسسات” الغوطة ملامرسة “أعاملها”‪ ،‬وانتهى‬ ‫األمر دون أي مبادرة جدية أو دعوة ملموسة قد‬ ‫تعيد ماء الوجه للضحايا أصحاب القضية‪.‬‬ ‫كان من األنسب واألكرث احرتاماً أن يتم التضامن‬ ‫عىل مستوى املبدأ والقضية‪ ،‬قضية الحريات‬ ‫وعىل رأسها حرية التعبري‪ ،‬وذلك من دون االختباء‬ ‫وراء حجج واهية تتعلق مبستوى املقال مث ًال‪ ،‬أو‬ ‫البحث والتنقيب عن املسؤول عن هذا “الخطأ”‪..‬‬ ‫أو تقزيم القضية للتضامن مع شخص أسامة‬ ‫بعينه‪ ،‬والذي يستحق التضامن وأكرث بكل تأكيد‪..‬‬ ‫لكنه يستحق تضامناً يليق به ومبستوى قضيته‪.‬‬ ‫هي بضع كلامت كان ال بد يل أن أقولها‪ ،‬رمبا تعيد‬ ‫للوجه ماءه وترمم يف الروح بعض االنكسارات‪،‬‬ ‫والغصات املخنوقة ال ميكن‬ ‫فالجروح العالقة‬ ‫ّ‬ ‫مداواتها إال بالبوح‪ ،‬رمبا سيغضب البعض مام‬ ‫كتبت‪ ..‬رمبا سأكسب أعداء جدداً فوق القدماء‪..‬‬ ‫ال ضري يف ذلك فلقد أدمنا نحن السوريني العداء!‬ ‫رغم السوداوية اإلجبارية‪ ،‬أريد أن أحرص‬ ‫يف الختام عىل أال يفوتني أن أشكر األصدقاء‬ ‫املعدودين‪ ..‬الذين شعرت حقاً بتضامنهم وقلقهم‪،‬‬ ‫شكراً لوجودكم ولدعمكم‪ ،‬أريد أن أخص بالذكر‬ ‫األصدقاء والزمالء الفلسطينيني السوريني الشباب‬ ‫الذين كانت مقاربتهم للمشكلة مختلفة متاماً‪،‬‬ ‫رمبا علينا أن نتعلم منهم فلقد صقلتهم تجربتهم‬ ‫الطويلة مع الظلم والفرقة‪ ،‬كام أريد أن أشكر‬ ‫كل من ساهم وعمل من أجل أن يرى هذا العدد‬ ‫النور بعد صمت دام عامني كاملني‪.‬‬


‫مرة ُكنت؟ وكم ً‬ ‫كم ً‬ ‫مرة ُمتّ‪ ،‬وولدت؟‬ ‫‪9‬‬

‫إبراهيم األصيل‬

‫العدد ‪2019 / 3 / 18 - 88 -‬‬

‫مقاالت‬

‫ليس عدالً أننا نستخدم األ ّيام والسنني لقياس طول الثورات‬ ‫والحروب‪ ،‬والحصار واالعتقال‪ ،‬والحب والفقد والشوق‪ ،‬فكل‬ ‫ذلك يأخذك لفر ٍاغ ُتبحر فيه وحدك يف عاملٍ يتضاءل فيه‬ ‫كلامت مثل “جرمية”‬ ‫دور الزمن‪ .‬وليس عدالً أننا نستخدم‬ ‫ٍ‬ ‫لوصف قتل آالف األطفال‪ ،‬أو “قصف” للحديث عن إبادة‬ ‫مدينة بأحالمها وس ّكانها‪ .‬الزمن أضيق من الثورات‪ ،‬وكثرياً ما‬ ‫تخذلك اللغة أمام جرائم الطغاة‪.‬‬ ‫يف سنواتنا الثامن‪ ،‬حلمنا وكربنا بآمالنا حتى غدا الواقع عىل‬ ‫ثم متاهت الوجوه حتى تشابه شكل من نثق بهم‬ ‫الهامش‪ً ،‬‬ ‫مع مالمح من يخوننا‪ .‬وتداخلت الكلامت حتى أضحى أي‬ ‫رصاخ مبدأ ال يحتمل الجدل‪ ،‬وتكاثرت اإلشارات حتى مل يعد‬ ‫لالتجاهات معنى‪ .‬الهدف غامض والبوصلة ضائعة‪ .‬فامذا‬ ‫تع ّلمنا بعد أن اقتتنا عىل أشهى أحالمنا؟ ال الر ّقة ألهلها وال‬ ‫عفرين ألهلها‪ ،‬والغوطة وحلب ودرعا اغرتبت يف مكانها‪،‬‬ ‫وتخندقنا يف مواقفنا حتى غبنا عن سطح األرض‪.‬‬ ‫كان هدفنا أن نجعل من هذه األرض وطناً‪ .‬والوطن ليس‬ ‫خبز التنّور وال قهوة الصباح وال كل هذه الرومانسيات عىل‬ ‫جاملها‪ ،‬ولكنه املكان الذي ميلك فيه أهله حقوقاً متساوية‪،‬‬ ‫بغض النظر عن دينهم ودخلهم وعرقهم وجنسهم‪ ،‬وحكومة‬ ‫منهم تعمل لخدمتهم وتحت رقابتهم‪ .‬الوطن ليس الهمسات‬ ‫يف الحارات القدمية تحت ضوء القمر‪ ،‬وال الطعام الشهي وال‬ ‫كؤوس الشاي‪ ،‬الوطن عقد واتفاق يربط س ّكانه ببعضهم‪.‬‬ ‫نحن كسوريني مل نعش هذه التجربة التي تدعى وطن يوماً‪،‬‬ ‫طريق كان أشقّ‬ ‫هي فكرة يف مخيلتنا‪ ،‬حملناها وسعينا لها يف‬ ‫ٍ‬ ‫وأطول من أسوأ كوابيسنا‪ ،‬ولكن املحزن حقاً‪ ،‬أننا تركنا من‬ ‫يخرج من بيننا ليقتل هذه الفكرة ويفرض ما يريد‪ ،‬بالسالح‬ ‫وااليديولوجيا العفنة والتط ّرف‪.‬‬ ‫لسنا أول املظلومني وال آخرهم‪ .‬الحياة ال تقف عند أحد‪ ،‬مل‬ ‫تقف عند رحيل غياث مطر أو يحيى رشبجي‪ ،‬مل تقف عند‬ ‫اختطاف رزان زيتونة أو سمرية الخليل‪ ،‬وال يف تهجري أهل‬ ‫حمص وال حلب‪ ،‬ولن تقف ال يف شامل سوريا وال جنوبها‪.‬‬ ‫الحياة ستميض وتكمل طريقها معنا أو بدوننا‪ ،‬غري مكرتثة‬ ‫مبيزان الحق والباطل‪ ،‬أو بالضحايا أو املخطوفني‪ .‬البرش هم‬ ‫من يحملون امليزان‪ ،‬وهم من يناضلون ألجل قضاياهم‪.‬‬ ‫إذا كان لهذه القصة بقية‪ ،‬فنحن من يكتبها‪ ،‬وعندما نروي‬ ‫قصة أحالمنا‪ ،‬ونعيد هتافات ضحايانا‪ ،‬ونطالب مبعرفة مصري‬ ‫معتقلينا ومخطوفينا‪ ،‬فكل هذا ألننا ال نريد أن متيض الحياة‬ ‫بدوننا‪ ،‬وبدون العدالة ملن أحببنا وشاركنا الحلم وقدّم له‬ ‫كل يشء‪.‬‬ ‫لنسأل أنفسنا‪ :‬كيف سنميض يف هذه الحياة نحن السوريني‬ ‫داخل بالدنا وخارجها؟ أمامنا خياران ال ثالث لهام‪ :‬إما أن‬

‫نكمل الرحلة الشاقة فرادى‪ ،‬أو نكملها كمجموعة؟ إ ّما أن نبصم عىل أوراق فنائنا‪،‬‬ ‫أو أن نوقن بأنه ال ب ّد لنهرنا من أن يشقّ مجراه يف هذا الصخر‪ .‬وإذا كانت الثانية‪،‬‬ ‫فالبداية تكون ّ‬ ‫بأل ننىس مطالبنا وال نساوم عىل أيٍّ من مبادئنا‪ .‬مل يعد هناك ما‬ ‫نخرسه‪ ،‬لنقل بوضوح عن امليليشيات التي اعتقلت وعذبت من الناشطني ما‬ ‫استطاعت واختبأت خلف علم الثورة يك نصحح مجرى تاريخنا‪ ،‬لنذكر مخطويف دوما‬ ‫وكيف كانوا رمزاً للغدر بالثورة وأهلها واغتيالها من الداخل‪ ،‬ولنعمل عىل الوقوف‬ ‫عىل أرجلنا أينام كنّا‪ ،‬ليعلم من حولنا أننا ما زلنا هنا‪ ،‬وليعلم طاغيتنا أننا كالشمس‬ ‫تطلع بشغف الوجود كل صباح‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫تكس عاد محاوالً‪،‬‬ ‫ام‬ ‫ل‬ ‫ك‬ ‫املوج‪،‬‬ ‫كعناد‬ ‫ولكن‬ ‫افئ‪،‬‬ ‫ر‬ ‫امل‬ ‫تلفظه‬ ‫ني‪ ،‬وبني ُمبح ٍر‬ ‫ّ‬ ‫متزّقنا بني سج ٍ‬ ‫يوقن أن الشواطئ امتداد البح ِر ال ال ّرمال‪.‬‬ ‫تبقيك عندما‬ ‫تعبت‪ ،‬وال جدار تستندين عليه‪ ،‬فاجمعي ما تناثر من أحالمك‪ ،‬وحدها‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الجمع إلفنائك‪.‬‬ ‫يسعى‬ ‫ُ‬

‫عمل للفنانة دمية نشاوي‬


‫‪10‬‬

‫المرأة السورية زمن الثورة والحرب‬ ‫في ثالثة كتب‬ ‫طلعنا عالحرية‬

‫العدد ‪2019 / 3 / 18 - 88 -‬‬

‫الكتاب األول بعنوان “تسع عرشة امرأة –‬ ‫سور ّيات يروين” للكاتبة والروائية السورية سمر‬ ‫يزبك املقيمة يف باريس‪ .‬وهو صادر مؤخراً عن‬ ‫ويضم مجموعة‬ ‫“منشورات املتوسط” يف ميالنو‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫حوارات كانت أجرتها صاحبة ّ‬ ‫“املشاءة” مع خمس‬ ‫وخمسني امرأة يف البلدان التي َ‬ ‫لجأن إليها‪ :‬تركيا‪،‬‬ ‫فرنسا‪ ،‬أملانيا‪ ،‬كندا‪ ،‬لبنان‪ ،‬بريطانيا وهولندا‪،‬‬ ‫وكذلك يف الداخل السوري‪ .‬لكنها اختارت منها‬ ‫تسع عرشة شهادة فقط‪ ،‬بسبب الشبه املتكرر‬ ‫يف تجارب النساء‪ ،‬والذي يظهر جزءاً من الجحيم‬ ‫الذي قاومنّه بشجاعة يف سوريا‪ ،‬وهو جزء من‬ ‫جحيم تعيشه النساء يف العامل العريب ويف مناطق‬ ‫أخرى من العامل‪ ،‬فكانت األولوية يف االختيار‬ ‫ملسألة التن ّوع الجغرايف السوري‪ ،‬لتشكيل مشهدية‬ ‫أوسع عن الذاكرة‪.‬‬ ‫إىل الحفيدات‪“ :‬مل نغلق الباب وراءنا‪ ،‬ومل نرتكه‬ ‫للريح”‬ ‫بدأت سمر يزبك كتابها بإهداء مؤمل يرسم‬ ‫ما آل إليه حالنا بعد مثانية سنوات من هذه‬ ‫الثورة املجيدة‪ ،‬اليتيمة‪ ،‬إذ كتبت‪“ :‬إىل حفيداتنا‬ ‫وأحفادنا‪ :‬كنا نتطلع إىل قامة مستحيلة‪ ،‬اسمها‬ ‫العدالة‪ ،‬مل نغلق الباب وراءنا‪ ،‬ومل نرتكه للريح!”‪.‬‬ ‫اشتغلت صاحبة “جبل الزنابق” عىل توثيق الذاكرة‬ ‫السورية يف كتابيها “تقاطع نريان”‪ ،‬و”بوابات أرض‬ ‫العدم”‪ .‬ويشكل كتاب “تسع عرشة امرأة” الجزء‬ ‫الثالث من شغلها عىل هذه الذاكرة‪.‬‬ ‫عن اشتغالها عىل هذا الكتاب تقول يزبك‪“ :‬ذهب‬ ‫هاجس السؤال عندي إىل مسؤول ّيتنا كأفراد يف‬ ‫تك ّون ذاكرة حقيقية وفعلية‪ ،‬مضادّة لتلك التي‬ ‫تسعى إىل تربير الجرمية‪ ،‬ذاكرة قادرة عىل تثبيت‬ ‫رسد ّية موازية تنصف قضيتنا العادلة‪ ،‬و ُتظهر جزءاً‬ ‫من الحقائق ساطعاً وبليغاً‪ .‬لقد رأيت ّأن أساس‬ ‫البدايات هو التّحديق والبحث يف صورتنا ا ُملفرتضة‬ ‫كهوية جمعية‪ ،‬وتفكيكها‪ ،‬ومكاشفتها‪ .‬ببساطة‬ ‫كانت هذه ال ّذوات التي ش ّكلتها النساء جزءاً من‬ ‫ذلك البحث املحموم الذي قادين إىل التّحديق‬ ‫املهول يف تلك الهوية”‪.‬‬ ‫تشدّد صاحبة “صلصال”‪ ،‬عىل ّأن “هذا الكتاب هو‬ ‫أحد طرائقي يف املقاومة‪ ،‬وجزء من إمياين بدورنا‬ ‫كمث ّقفني و ُكتّاب يف تح ّمل مسؤول ّيتنا األخالق ّية‬ ‫والوطن ّية تجاه العدالة وإنصاف الضحايا‪ ،‬والتي‬ ‫ّ‬ ‫يتجل أهم وجوهها يف حربنا ضد النسيان”‪.‬‬

‫انخرطت املرأة السورية يف الثورة منذ رصخة الحرية األوىل يف آذار‪ /‬مارس ‪ ،2011‬متحدية‬ ‫بجسارة قل نظريها مخاطر القمع والقتل اليومي يف ميادين الحراك السلمي كافة‪ .‬وعىل‬ ‫مدار مثاين سنوات كانت ثورتها ضد النظام الحاكم وضد كل السلطات واملامرسات والقوانني‬ ‫التي قيدتها وأهدرت كرامتها يف العقود الخمسة املاضية‪ ،‬لكن مع موجات القمع الدموي‬ ‫ً‬ ‫الذي طاول جميع املحتجني يف كل املناطق السورية‪ ،‬وجدت نفسها تصارع مصرياً‬ ‫مجهول‬ ‫يف السجون ومخيامت اللجوء والنزوح‪ ،‬أو تحت سامء الوطن النازف لتكون الخارس األكرب يف‬ ‫هذه الثورة التي ح ّولها الطغاة والغزاة إىل حرب طاحنة‪.‬‬ ‫عن هذه الحرب التي كلفت نساء سوريا أمثاناً فادحة‪ ،‬وعن نضاالت وعذابات النساء السوريات‬ ‫التي ح ّول القتلة آمالهنّ إىل آالم‪ ،‬صدرت يف السنوات املاضية عدّة كتب وثقت لدورهنّ‬ ‫ومكانتهنّ وتضحياتهنّ ‪“ ...‬طلعنا عالحرية” اختارت ثالثة من هذه الكتب الستعراضها ههنا‪..‬‬

‫نقرأ من الكتاب‪ ،‬الذي جاء يف ‪ 280‬صفحة من‬ ‫القطع الوسط‪ ،‬شهادة جاء فيها‪“ :‬يف اليوم األخري‬ ‫وقبل خروجي النّهايئ من حلب‪ُ ،‬‬ ‫أردت إيصال‬ ‫معونات غذائ ّية إىل مجموعة عائالت‪ ،‬كانت عىل‬ ‫وشك املوت جوعاً‪ُ .‬‬ ‫كنت أركض يف منطقة فيها‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫سقطت‬ ‫فرأيت س ّيارة مشتعلة إثر قذيفة‬ ‫قنّاصة‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫عليها‪ ،‬وفيها ناس يحرتقون‪ .‬مل أتوقف ألسعفهم‪،‬‬ ‫فقد كانوا موىت‪ ،‬وأنا أعرف ّأن هناك أطفاالً‬ ‫ُ‬ ‫وصلت إىل مكان وجود‬ ‫جائعني يف انتظاري‪ .‬عندما‬ ‫العائالت‪ ،‬وقبل أن ُأس ِّلمها ّ‬ ‫ْ‬ ‫سقطت قذيفة‬ ‫الطعام‪،‬‬ ‫فوقنا‪ .‬يف الدّقائق العرش األوىل‪ ،‬مل أ َر سوى الدّخان‬ ‫ثم بدأ ما حويل يتّضح شيئاً فشيئاً من‬ ‫األسود‪ّ ،‬‬ ‫عشت من جديد! ُ‬ ‫ُ‬ ‫وقلت يف نفيس‪:‬‬ ‫جثث وأشالء‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫يا للكارثة! لقد ُ‬ ‫أمضيت ثالثة أرباع الساعة‬ ‫عشت!‬ ‫أبحث عن سيارة لنقل الجرحى‪ .‬كان املصابون‬ ‫ُ‬ ‫حييت! مات الجرحى‬ ‫ُك ُثاً‪ .‬لن أنىس ذلك اليوم ما‬ ‫أمامي‪ ،‬ومل أستطع إنقاذهم‪ .‬كانوا أفراد عائالت‬ ‫جائعني‪ ،‬تح ّولوا فجأة خالل دقائق أشالء متناثرة‬ ‫أمامي! حدث هذا يف َح ّي “أغيور” يف ّ‬ ‫الشهر‬ ‫الحادي عرش من عام ‪ .2016‬حتّى اآلن ال أصدّق‬ ‫كيف بقيت عىل قيد الحياة‪ .‬لقد خرجت عرشات‬

‫امل ّرات من تحت األنقاض وال ّركام وانتشلت جثث‬ ‫أصدقايئ”‪.‬‬ ‫موجع وصادم‪ ،‬وهو وثيقة مهمة لتوثيق‬ ‫الكتاب‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫كاتبة وروائية جريئة‪ ،‬ال تعرتف بالخطوط الحمراء‪،‬‬ ‫شهادات لنساء كنّ شجاعات وصادقات حتى‬ ‫يف رواية “سقطات” الثورة‪ ،‬وكل من تاجر بها‬ ‫وليس النظام فقط‪ ،‬ما يجعل من تلك الشهادات‬ ‫الجحيمية‪ ،‬والتي يصعب تصديقها أحياناً‪ ،‬رسد ّيات‬ ‫موازية ال تربئ أيّ طرف مام حدث يف سوريا‪،‬‬ ‫التي صارت أكرب مسلخ برشي يف العامل يف العرص‬ ‫الحديث‪.‬‬ ‫“إىل أن قامت الحرب”‪ ..‬شهادات ضد االستبداد‬ ‫والطغيان الوطني‬ ‫جوالن الحاجي الكاتب والشاعر واملرتجم الكردي‬ ‫السوري‪ ،‬املقيم يف فرنسا‪ ،‬عمل هو اآلخر عىل‬ ‫موضوع النساء يف الثورة السورية‪ ،‬من خالل‬ ‫تجاربهنّ ‪ ،‬ومآسيهنّ ‪ ،‬وشجاعتهنّ ‪ ،‬وإحباطاتهنّ ‪،‬‬ ‫ومفاهيمهنّ ‪ ،‬وآمالهنّ ‪ ،‬التي كثرياً ما قادتهنّ إىل‬ ‫معتقالت النظام واملوت تحت التعذيب‪.‬‬ ‫“إىل أن قامت الحرب ‪ -‬نساء يف الثورة السورية”‬ ‫كتاب جاء يف‬ ‫(دار رياض الريس – بريوت‪ /‬لندن)‪ٌ ،‬‬


‫العدد ‪2019 / 3 / 18 - 88 -‬‬

‫‪ 213‬صفحة من القطع املتوسط‪ ،‬وهو مثرة عمل‬ ‫دؤوب‪ ،‬جامع‪ ،‬متعدد‪ ،‬يتناول شهادات لنساء‬ ‫سوريات‪ ،‬ال يذكر الكاتب أسامءهنّ الحقيقية‪،‬‬ ‫عن حياتهنّ ومشاركتهنّ يف الثورة السورية ضد‬ ‫االستبداد والطغيان الوطني‪ ،‬قبل أن تتح ّول إىل‬ ‫حرب طاحنة تغذيها قوى إقليمية ودولية ما‬ ‫جعلها مستمرة حتى اآلن‪.‬‬ ‫أساس الكتاب عبارة عن شهادات ومقابالت‬ ‫أنجزتها منظمة “استيقظت” السورية‪ ،‬التي تعنى‬ ‫بشؤون النساء السوريات‪ ،‬مبجموع يصل لستني‬ ‫مقابلة‪ /‬شهادة‪ ،‬تحدثنّ فيها هؤالء النسوة عن‬ ‫حياتهنّ ومشاركتهنّ يف الثورة السورية‪.‬‬ ‫صاحب “ميزان األذى”‪ ،‬انتقى من الستني مقابلة‪/‬‬ ‫نصاً فقط‪ ،‬ليصوغ النصوص‬ ‫شهادة سبعة عرش ّ‬ ‫ً‬ ‫املنتقاة بعناية بأسلوبه األديب‪ ،‬محتفظا بتفاصيل‬ ‫الشهادات كام روتها النساء السبع عرشة بني‬ ‫دفتي الكتاب‪.‬‬ ‫يبدأ الكتاب بجمع الشهادات أو املقابالت يف‬ ‫ربيع عام الثورة األول ‪ 2011‬وينهيها يف ربيع‬ ‫العام ‪ ،2013‬أي خالل املرحلة األوضح لثورة‬ ‫السوريني‪ ،‬لنتعرف من خالل شهادات لنساء‬ ‫قرويات ومدنيات من مختلف املناطق واملدن‬ ‫السورية‪ ،‬كداريا ودوما وحرستا وغريها‪ ،‬عىل‬ ‫املآيس التي عايشها السوريون طيلة نصف قرن‬ ‫من ظلم وفساد وفقر واعتقاالت سياسية وإخفاء‬ ‫قرسي وتعذيب للعقول واألجساد‪ ،‬بحسب ما‬ ‫ورد يف الكتاب‪.‬‬ ‫يف الكتاب تتعدد مناذج نساء الثورة السورية‪،‬‬

‫إذ ّإن بعضهنّ محافظات وبعضهنّ أكرث انفتاحاً‬ ‫أو “علامنيات” كام يصفن أنفسهنّ ‪ ،‬ويؤكدن‬ ‫يف شهاداتهنّ أنهنّ مل يشاركن يف الثورة طمعاً‬ ‫بنجومية أو شهرة أو الحتالل الشاشات‪ّ ،‬‬ ‫وإنا‬ ‫شاركن‪ ،‬إلكامل ثغرة ما يف إنسانيتهنّ املنقوصة‪.‬‬ ‫املتحاورات‪ ،‬كام ورد يف الكتاب‪ ،‬أكدن ّأن ثورة‬ ‫تونس ثم مرص ح ّمستا السوريني عىل الثورة عىل‬ ‫الظلم والبطش والعنف الالحق بهم‪.‬‬ ‫تنتهي املقابالت بصوتني المرأتني يف املنفى‬ ‫السوري‪ ،‬واحدة برجوازية توضح دور طبقتها‬ ‫يف سوريا واملعارضة السياسية وأسباب فشلها؛‬ ‫واملرأة الثانية كردية تظهر الوضع املزري الالحق‬ ‫بأكراد سوريا املحرومني من مامرسة لغتهم وحتى‬ ‫من استخدام أسامئهم‪ ،‬وتعت ّز بالنساء الكرديات‬ ‫اللوايت حملنّ السالح وحاربن يف سبيل حقوق‬ ‫شعبهنّ ‪.‬‬ ‫املؤلف س ّلط الضوء عىل دور السوريات يف الثورة‬ ‫منذ الرصخة األوىل‪ ،‬فيخربنا كيف أصدرت النساء‬ ‫صحفاً ثورية‪ ،‬وصممن الشعارات وامللصقات‪،‬‬ ‫ورسمن صوراً كاريكاتورية و ّزعنها لي ًال مع‬ ‫شح‬ ‫الصحف عىل البيوت واملحالت املغلقة؛ وحني ّ‬ ‫املصل واألدوية والدم وغريها‪ ،‬عملن عىل تأمينها‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫أظهرن شجاعة‬ ‫حتى النساء اللوايت فقدن أبناءهنّ‬ ‫نادرة‪.‬‬ ‫واقع املرأة السورية زمن الحرب واألفق املنشود‪..‬‬ ‫الكتاب الثالث الذي نتوقف عنده‪ ،‬هو “املرأة‬ ‫السورية يف ظل النزاع”‪ ،‬للكاتبة واملحامية‬ ‫السورية سحر حويجة‪ ،‬التي تناولت فيه بالدراسة‬

‫والتحليل ظاهرة العنف ض ّد املرأة ودور األوضاع‬ ‫الراهنة يف انتشاره وازدياد عدد ضحاياه‪ ،‬وظهور‬ ‫أشكال جديدة منه‪ ،‬يف ظل ما يحدث يف سوريا‪.‬‬ ‫جاء الكتاب الصادر عن دار “الرحبة للنرش”‬ ‫بدمشق عام ‪ ،2016‬يف ‪ 167‬صفحة من القطع‬ ‫املتوسط‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫يف مقدمته ترى املؤلفة أن “الحروب تعترب أحد‬ ‫أشكال العنف السيايس‪ ،‬يتولد عنها مبارشة‪،‬‬ ‫أشكال متعددة ومختلفة من أشكال العنف‬ ‫األخرى‪ ،‬لكن ال يوزع املوت بالتساوي يف الحروب‪،‬‬ ‫بل ضحايا الحروب من الرجال أكرث من النساء‪،‬‬ ‫باعتبارهم الطرف الرئييس يف القتال‪ ،‬وعليه يف‬ ‫محصلة أيّ حرب‪ ،‬باألخص الطويلة منها نجد‬ ‫تأثريها الكبري عىل التوزيع الدميغرايف للسكان من‬ ‫حيث الجنس‪ ،‬وما لذلك من التأثري امللحوظ عىل‬ ‫التوازن االجتامعي يف املجتمع”‪.‬‬ ‫تبني حويجة ّأن أبرز نتائج الحرب عىل النساء‬ ‫هو ما تخلفه من نسب كبرية من األرامل‪ ،‬ما‬ ‫يرتك املرأة منفرد ًة لتحمل عبء تربية األوالد‬ ‫عىل املستوى االقتصادي واالجتامعي وما ينتج‬ ‫عن ذلك من انعكاسات نفسية كبرية عىل املرأة‬ ‫واألوالد‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الفتة إىل أنه يف الحرب نجد أن العنف الجسدي‬ ‫وإزهاق األرواح ينال من جميع أفراد املجتمع‪،‬‬ ‫لكن العنف املعنوي واإليذاء النفيس ينال من‬ ‫املرأة بشكل أكرب‪ ،‬إضافة إىل ذلك فإ ّنه أثناء‬ ‫الحرب يظهر وبنسبة كبرية أشد أنواع العنف‬ ‫ضد املرأة‪ ،‬ومنها‪ :‬االعتقال والخطف‪ ،‬واالغتصاب‪،‬‬ ‫واالتجار بالنساء والترشد‪ .‬أضف إىل هذا كله‬ ‫انتشار ظاهرة اللجوء والنزوح هرباً من املوت‪.‬‬ ‫تؤكد املؤلفة أ ّنه عندما تنتهي الحرب يف بالدنا‪،‬‬ ‫ستكون سوريا عىل أبواب مرحلة جديدة وحاسمة‬ ‫يف انتظار إيجاد حل لجملة من القضايا التي‬ ‫تحقق آمال الشعب السوري والوطن السوري‬ ‫ومنها قضايا املرأة‪.‬‬ ‫مشدّدة عىل ّأن قضية حرية املرأة‪ ،‬ومساواتها مع‬ ‫الرجل‪ ،‬والعمل عىل تغيري القوانني التمييزية‪ ،‬هي‬ ‫قضية من صلب القضايا األساسية كالدميقراطية‬ ‫والحرية واملواطنة يف مجتمعاتنا‪ ،‬وليست شأناً‬ ‫خاصاً تعرب عن مصالح خاصة تتعلق بنضال‬ ‫النساء‪ ،‬بل ّإن هذه القضية ‪-‬من وجهة نظرها‪-‬‬ ‫ترتبط بعملية بناء الدولة السورية الحديثة‬ ‫املنشودة‪.‬‬

‫‪11‬‬


‫‪12‬‬

‫هل نحتاج إلى ثورة إعالمية؟‬ ‫حسن عارفة‬

‫العدد ‪- 88 -‬‬ ‫‪2019/3/18‬‬

‫مقاالت‬

‫يف عام ‪ 2015‬حرضت مؤمتر اإلذاعات‬ ‫السورية مبدينة غازي عنتاب الرتكية‪ ،‬وقتها‪،‬‬ ‫استضافت “حاضنة اإلعالم السوري” أكرث من‬ ‫‪ 15‬إذاعة نشأت بعد الثورة‪ ،‬وإذاعات من‬ ‫العراق واليمن واألردن وتونس والبوسنة‬ ‫ورصبيا‪ ،‬لتبادل الخربات‪ ،‬واالستفادة من‬ ‫تجارب الجميع‪.‬‬ ‫الحاضنة السورية تلك‪ ،‬كانت مدعومة من‬ ‫الوكالة الفرنسية للتعاون اإلعالمي‪ ،‬طامحة‬ ‫الستضافة فعاليات كثرية مشابهة للم شمل‬ ‫وسائل اإلعالم السورية الحديثة‪ ،‬مبختلف‬ ‫أنواعها‪ ،‬يف مؤمترات وورشات‪ ،‬وأيضاً‪ ،‬تنظيم‬ ‫دورات إعالمية ونشاطات مشابهة‪ ،‬لكن مل‬ ‫تصمد تلك الحاضنة يف غازي عنتاب وأغلقت‬ ‫مكتبها الحقاً!‬ ‫منذ ‪ 4‬أعوام كان هناك أكرث من ‪ 35‬إذاعة‬ ‫سورية محلية‪ ،‬وأكرث من ‪ 350‬وسيلة إعالمية‬ ‫مطبوعة‪ ،‬كلها ُولدت بعد الثورة‪ ،‬لكن حالياً‪،‬‬ ‫مل يبقَ من تلك الوسائل إال القليل‪ ،‬واألسباب‬ ‫كثرية‪ ،‬فساد‪ ،‬اعتامد عىل املمول وعدم فهم‬ ‫كيفية متويل الوسيلة اإلعالمية‪ ،‬قلة مهنية‪،‬‬ ‫انتهاكات من أطراف مسيطرة عىل األرض‬ ‫وأسباب أخرى‪.‬‬ ‫وبعيداً عن األسباب املذكورة‪ ،‬فكل منها‬ ‫يحتاج لتحقيق أو أكرث‪ .‬لنحيك باختصار هنا‬ ‫عن االنتهاكات‪ ،‬التي قضت عىل وسائل إعالم‬ ‫عديدة يف سوريا‪ ،‬وكان أبرزها‪ ..‬قصة مجلة‬ ‫طلعنا عالحرية‪.‬‬ ‫يف شهر آذار عام ‪ 2017‬توقفت مجلة‬

‫طلعنا عالحرية عن الصدور‪ ،‬أعدمت بقرار‬ ‫من سلطات األمر الواقع يف غوطة دمشق‬ ‫التي نسقت القرار مع نظرياتها يف الشامل‬ ‫السوري ويف درعا‪ ،‬إذ نحت تلك السلطات‬ ‫كل خالفاتها جانباً واجتمعت عىل قتل‬ ‫مجلة! وكان التوقف صاعقة عىل الكثري‬ ‫من الصحفيني‪ ،‬وعىل جمهور الوسيلة‪ .‬أذكر‬ ‫وقتها اإلحباط الذي أصابني والكثريين غريي‪،‬‬ ‫كصحفيني متابعني لهذه املجلة كونها أول‬ ‫مجلة نصف شهرية تنطلق بعد الثورة‪ ،‬كيف‬ ‫أعدمت وملاذا أعدمت‪ ،‬يبدو أننا محكومون‬ ‫يف سوريا‪ ،‬بهذه املصائر!‬ ‫بعد نحو سنتني من اإلعدام‪ ،‬تعود املجلة‪،‬‬ ‫يف فرتة أفول قسم كبري من اإلعالم السوري‬ ‫الذي ُولد بعد الثورة عام ‪ .2011‬تعود‬ ‫طلعنا عالحرية هنا لتعطي أم ًال للصحفيني‬ ‫والناشطني وجميع العاملني يف هذا القطاع‪،‬‬ ‫بأن االستمرار بأحالمهم ليس مستحي ًال‪ ،‬طاملا‬ ‫ملكوا النية واإلرادة لذلك‪ .‬تعود لتؤكد أن‬ ‫سلطات األمر الواقع التي نابت عن النظام‬ ‫يف رضب األصوات املنادية بالحرية واملدنية‬ ‫واملواطنة‪ ،‬ال متلك الحق بقتل أي مرشوع‬ ‫وطني مؤمن بالثورة‪.‬‬ ‫متر عىل واقع اإلعالم بسوريا حالياً يف مناطق‬ ‫سيطرة النظام السوري وغريها‪ ،‬فرتة صعبة‪،‬‬ ‫هيئة تحرير الشام تسيطر عىل مناطق‬ ‫املعارضة بشاميل وغريب البالد‪ ،‬ويف مناطق‬ ‫سيطرة ما بقي من الجيش الحر شامالً‪ ،‬تبدو‬ ‫األمور أقل سوءاً‪ ،‬ونحن عىل موعد شهرياً مع‬

‫توثيق انتهاكات بحق أحد العاملني يف املجال‬ ‫اإلعالمي‪ ،‬بداية من مناطق النظام مروراً‬ ‫باألماكن األخرى‪ .‬أحدث هذه التوثيقات لـ‬ ‫(املركز السوري للحريات الصحفية يف رابطة‬ ‫الصحفيني السوريني) الذي وثق خالل شهر‬ ‫شباط املايض ‪ 9‬انتهاكات ضد اإلعالم يف‬ ‫سوريا‪ ،‬مؤكداً أن هناك ارتفاع ملحوظ عام‬ ‫تم توثيقه خالل شهر كانون الثاين املايض‬ ‫سجل فيه انتهاكني فقط‪.‬‬ ‫حيث ّ‬ ‫يف وضع صعب يسجل فيه شهرياً انتهاكات‬ ‫بحق اإلعالم‪ ،‬مؤسسات وأفراد‪ ،‬تبدو الحاجة‬ ‫كبرية لعودة الكثري من وسائل اإلعالم السورية‬ ‫التي ُولدت وماتت بعد الثورة‪ ،‬لعودتها‬ ‫إىل الحياة‪ ،‬متعلمة من تلك الدروس التي‬ ‫أنهتها أو قتلتها‪ ،‬ومتحدية ألي جهة كانت‬ ‫سبباً يف حكم اإلعدام عليها‪ ،‬فثامين سنوات‬ ‫مدة كفيلة بتعليم أي مهنة بطرق احرتافية‬ ‫ومهنية‪.‬‬ ‫أذكر أن مؤمتر اإلذاعات الذي حرضته‪ ،‬خرج‬ ‫بتوصيات لوسائل اإلعالم السورية وللامنحني‪،‬‬ ‫منها أن نجاح العمل الصحفي يقوم عىل‬ ‫خطاب إعالمي يركز عىل إحالل قيم العدالة‪،‬‬ ‫ووضع خطط اسرتاتيجيات لتطوير العمل‬ ‫اإلعالمي يف كل إذاعة‪ ،‬وغري ذلك‪ ،‬فهل تكون‬ ‫عودة مجلة طلعنا عالحرية‪ ،‬فاتحة لثورة‬ ‫إعالمية جديدة يف سوريا‪ ،‬يكون فيها اإلعالم‬ ‫السوري محركاً لحلم سوريا التي أردنا‪ ،‬بعيدة‬ ‫عن االنتهاكات وقمع الحريات واالستفتاءات‬ ‫الرئاسية!؟‬


‫‪ 5‬سنوات و‪ 4‬أشهر ‪...‬‬ ‫ُ‬ ‫رزان ووائل وسميرة وناظم! أين هم؟‬

‫‪13‬‬

‫كمال شيخو‬

‫العدد ‪2019 / 3 / 18 - 88 -‬‬

‫أما وائل حامدة‪ ،‬زوج رزان ورشيكها بالنشاط‬ ‫السيايس والحقوقي‪ .‬اعتُقل وعُ ّذب مرتني لدى‬ ‫املخابرات الج ّوية يف دمشق بداية الثورة‪ ،‬لكنه‬ ‫بقي يناضل باملجال الحقوقي‪ ،‬وعمل يف اإلغاثة‬ ‫ويف توثيق االنتهاكات والجرائم التي يرتكبها‬ ‫النظام السوري والفصائل املقاتلة‪.‬‬ ‫وائل من مواليد دوما التابعة لغوطة دمشق‬ ‫الرشقية سنة ‪ .1976‬قبل اندالع االنتفاضة كان‬ ‫وائل يحرض غالبية جلسات محاكامت املعارضني‬ ‫السياسيني ويتابع قضاياهم‪ .‬قرر أن ينتقل إىل‬ ‫دوما برفقة زوجته بعد خروجه من السجن‪،‬‬ ‫وتابع نشاطه حتى آخر لحظة قبل اختطافه‪.‬‬ ‫بينام ناظم حامدي يعد أحد أبرز الناشطني‬ ‫الحقوقيني الذين عملوا قبل الحراك الشعبي‬ ‫وبعده؛ فهو محام وشاعر عمل يف الحقل املدين‬ ‫والحقوقي منذ بدايات ربيع دمشق مع األلفية‬ ‫الجديدة‪ .‬كام كان متطوعاً يف فريق الدفاع عن‬ ‫معتقيل ربيع دمشق وإعالن دمشق‪.‬‬ ‫ً‬ ‫عمل يف بدايات شبابه ممث ًال مرسحيا‪ ،‬قدم‬ ‫مرسحيتني قام بدور البطولة فيهام‪ ،‬لكن مل تلقيا‬ ‫الصدى الذي متنّاه‪ .‬كام له ديوان شعر مطبوع‪.‬‬ ‫بقي ناظم يف دمشق إىل صيف العام ‪،2013‬‬ ‫يعمل ويتنقل بني أزقة دمشق‪ .‬يلتقي الناشطني‬ ‫والناشطات يف لجان التنسيق‪ .‬كان مطلوباً‬ ‫للمخابرات السورية‪ ،‬مام دفعه أخرياً لاللتحاق‬ ‫برفاقه يف الغوطة‪ .‬وانضم لفريق مركز توثيق‬ ‫االنتهاكات يف دوما‪ .‬مل يكن قد مىض عىل وصوله‬ ‫إىل دوما سوى خمسة أشهر حني اختطف مع‬ ‫باقي رفاقه‪.‬‬ ‫لرفاقي األربعة‪ ،‬رزان ووائل وسمرية وناظم‪:‬‬ ‫الحرية لكم ولكل السوريني والسوريات‪،‬‬ ‫املختطفني واملختطفات‪ ،‬واملغيبني واملغيبات‬ ‫واملختفني واملختفيات‪.‬‬

‫مقاالت‬

‫قبل نحو ‪ 5‬سنوات و‪ 4‬أشهر وتحديداً يف التاسع‬ ‫من شهر كانون األول (ديسمرب) من العام ‪،2013‬‬ ‫اقتيدت رزان زيتونة وناظم حامدي وسمرية‬ ‫الخليل ووائل حامدة إىل جهة مجهولة‪ .‬مييض‬ ‫الزمن برسعة دون معرفة أي معلومات عن‬ ‫مصريهم‪ .‬وال يعلم أحد مكان احتجازهم أو إن‬ ‫كانوا اليزالون عىل قيد الحياة!‬ ‫الرفاق األربعة كانوا ناشطني بارزين يف مجال‬ ‫حقوق اإلنسان‪ .‬عملوا طوال سنوات اندالع‬ ‫حركة االحتجاجات يف سوريا ومن قبلها‪ ،‬لكنهم‬ ‫اختطفوا عشية ذكرى اليوم العاملي لحقوق‬ ‫اإلنسان؛ ومع احتفال العامل بهذه الذكرى يف‬ ‫‪ 10‬كانون األول (ديسمرب) من كل عام‪ .‬هذا‬ ‫اليوم له رمزية لدى نشطاء وجامعات حقوق‬ ‫اإلنسان‪ ،‬لكن رمزية تاريخ االختطاف وتوقيته‬ ‫لدى الجامعة أو الجامعات التي قامت بالجرمية‪،‬‬ ‫كانت مبثابة رسالة إىل نشطاء حقوق اإلنسان‬ ‫واملجتمع املدين يف سوريا‪ ،‬مفادها‪ّ :‬‬ ‫“أن العدالة‬ ‫والحريات ال مكان لها يف زمن الحروب”‪.‬‬ ‫شخصياً‪ ،‬انتقلت نهاية عام ‪ 2005‬إىل العاصمة‬ ‫السورية دمشق طلباً للدراسة‪ ،‬آنذاك كنت‬ ‫أنشط مبجال حقوق اإلنسان وتعرفت عىل‬ ‫الشخصيات األربعة‪.‬‬ ‫فاملحامية واملدافعة عن حقوق اإلنسان رزان‬ ‫زيتونة‪ ،‬من مواليد دمشق سنة ‪ .1977‬تخرجت‬ ‫من كلية الحقوق بجامعة دمشق عام ‪،1999‬‬ ‫ويف سنة ‪ 2001‬بدأت عملها كمحامية تحت‬ ‫التدريب‪.‬‬ ‫منذ يومذاك‪ ،‬وهبت رزان نفسها للدفاع عن‬ ‫املعتقلني واملعارضني السياسيني‪ ،‬كانت ترتافع‬ ‫عنهم أمام املحكمة العسكرية بدمشق‪ ،‬وتتابع‬ ‫قضاياهم يف دوائر القضاء املدين ومحكمة أمن‬ ‫الدولة العليا‪.‬‬ ‫كل يوم إثنني من األسبوع كانت رزان تذهب‬ ‫إىل مقر محكمة أمن الدولة القريب من ساحة‬ ‫السبع بحرات وسط دمشق‪ ،‬لتستمع إىل‬ ‫شكاوى أهايل املعتقلني املحالني إىل املحكمة‬

‫سيئة الصيت‪ ،‬وتوثق حاالتهم وطريقة االعتقال‬ ‫وتجمع املعلومات الخاصة بهم‪.‬‬ ‫وبعد انطالقة االنتفاضة الشعبية املناهضة لنظام‬ ‫الحكم يف سوريا ربيع عام ‪ ،2011‬كانت رزان‬ ‫من بني مؤسيس لجان التنسيق املحلية يف سوريا‪،‬‬ ‫وفيام بعد أسست مركز توثيق االنتهاكات يف‬ ‫سوريا‪.‬‬ ‫إال أن املالحقة األمنية من قبل أجهزة املخابرات‬ ‫السورية‪ ،‬أفقدتها قدرتها عىل التحرك والتنقل؛‬ ‫األمر الذي دفعها للهروب والنزوح إىل مدينة‬ ‫دوما‪ ،‬مسقط رأس رشيك حياتها وائل حامدة‪.‬‬ ‫وبقيت يف دوما قرابة مثانية أشهر‪ ،‬بعدها‬ ‫اختطفت مع زوجها ورفاقها سمرية وناظم‪.‬‬ ‫أما الناشطة سمرية الخليل‪ ،‬وهي من مواليد‬ ‫قرية املخرم فوقاين ‪ ،1961‬والتي تنحدر من‬ ‫مدينة حمص وسط سوريا‪ ،‬فقد أمضت أربع‬ ‫سنوات يف سجون نظام األسد األب بني عامي‬ ‫‪.1987-1991‬‬ ‫التقيت بها يف ‪ 17‬ترشين األول (أكتوبر) من‬ ‫العام ‪ ،2006‬يومها كانت ذكرى اليوم الدويل‬ ‫للقضاء عىل الفقر‪ .‬نظمنا اجتامعاً مبكتب‬ ‫الصحايف والكاتب السوري فايز سارة‪ ،‬مع عدد‬ ‫آخر من األصدقاء للبحث يف إمكانية إطالق‬ ‫جمعية تعنى بالفقر‪ ،‬وتقديم مبادرات وأفكار‬ ‫ملشاريع صغرية ومتوسطة لتعيل األرس والعوائل‬ ‫الفقرية‪ ،‬سيام بالريف السوري‪ .‬سمرية وبحكم‬ ‫تجربتها بعد خروجها من املعتقل‪ ،‬كانت لديها‬ ‫عرشات األفكار‪.‬‬ ‫بيد ّأن سمرية بقيت متوارية عن األنظار بني‬ ‫عامي ‪ 2011‬و‪ ،2013‬أل ّنها كانت مطلوبة ألجهزة‬ ‫املخابرات السورية‪ ،‬ويف ‪ 18‬أيار (مايو) من‬ ‫العام ‪ 2013‬قررت سمرية الهروب إىل غوطة‬ ‫دمشق الرشقية‪ ،‬لتلتحق بزوجها الكتاب السوري‬ ‫ياسني الحاج صالح‪ ،‬ورفيقتها رزان زيتونة حيث‬ ‫سبقاها مبدة قصرية‪.‬‬ ‫بدأت سمرية تعمل يف غوطة دمشق‪ ،‬تروج‬ ‫لحملة املشاريع والورش املنزلية الصغرية‪ ،‬وكانت‬

‫نساء وفتيات الغوطة يرتددن إليها مبقر مركز‬ ‫توثيق االنتهاكات يف دوما‪ ،‬للتدرب والتعلم عىل‬ ‫إنشاء هذه املشاريع‪.‬‬


‫نشرة ثقافية‬

‫‪14‬‬

‫“مي‬ ‫سلون” تصدر كتاب عن الحاضرة المغيبة رزان زيت‬

‫ونة‬

‫العدد ‪2019 / 3 / 18 - 88-‬‬

‫صدر مؤخراً عن دار “مي‬ ‫سلون للطباعة والنرش” التابعة مبن باتت ُتعرف بـ “أيقونة الثورة السورية”‪.‬‬ ‫لـ(مركز حرمون للدراسات املعارصة) ال‬ ‫سوري املعارض رزان زيتونة (‪ 40‬عاماً) الناشطة الحقوقية‪ ،‬قبل الثورة‬ ‫ومقره الدوحة‪ ،‬كتاب عن املناضلة‬ ‫الحقوقية البارزة وخاللها‪ ،‬ومو ّثقة انتهاكات حقوق اإلنسان التي ض ّيق‬ ‫رزان زيتون‪ ،‬التي اختفت من غري أثر‬ ‫ليلة ‪ 10 - 9‬كانون عليها النظام السوري الخناق‪ ،‬فابتعدت إىل مدينة دوما‬ ‫األول‪ /‬ديسمرب ‪ ،2013‬يف‬ ‫مدينة دوما بضاحية دمشق‪ ،‬يف الغوطة الرشقية‪ ،‬وهناك تع ّرضت لالختطاف‪.‬‬ ‫حيث لجأت رزان ِ‬ ‫وحسبت أنها مبأمن‪.‬‬ ‫وكان أن شاركت مع اندالع الثورة‪ ،‬يف أوىل التظاهرات‬ ‫كتاب “رزان زيتون‪ ..‬الحضور والغياب”‬ ‫الذي أعده فادي التي انطلقت من مدينة حرستا‪ُ ،‬تنادي بالحرية التي‬ ‫كحلوس‪ ،‬وراجعه حسام السعد‪ ،‬جاء‬ ‫ضمن (سلسلة نشدتها‪ ،‬وشاركت مشاركة بنّاءة يف معظم فعاليات‬ ‫شخ‬ ‫صيات سورية)‪ ،‬وهو يستعرض تفاصيل كثرية من الثورة‪ّ ،‬‬ ‫ونسقت خططاً للتظاهرات‪ ،‬وأسهمت يف تأسيس‬ ‫مسرية املناضلة الحارضة ال‬ ‫ُغائبة‪ ،‬رزان زيتونة‪ ،‬من خالل عدد من التنسيقيات‪ ،‬وجمعتها ّ‬ ‫مبسمى (لجان التنسيق‬ ‫كتاباتها‪ ،‬واملقاالت التي كتبت عنها‪،‬‬ ‫وكذلك شهادات املحلية)‪ ،‬ونقلت أخبار الثورة السورية إىل الرأي العام‬ ‫امل‬ ‫قربني ‪-‬وغري املقربني‪ -‬منها‪ ،‬وال سيام الشهادات التي العاملي‪ ،‬وإىل املؤس‬ ‫سات‬ ‫الح‬ ‫قوقية‬ ‫و‬ ‫ال‬ ‫دولية‬ ‫وو‬ ‫و‬ ‫ال‬ ‫كاالت‬ ‫دعم‪،‬‬ ‫إىل‬ ‫أن‬ ‫اخ‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫طفت‬ ‫يف‬ ‫كانون األول‪ /‬يناير ‪،2013‬‬ ‫ّ‬ ‫خص بها أصحابها هذا ال‬ ‫كتاب‪ ،‬يف محاولة إلبقاء قصة األنباء‪ ،‬وأسست (مركز توثيق االنتهاكات‬ ‫يف‬ ‫س‬ ‫وريا)‪،‬‬ ‫وهي‬ ‫عىل‬ ‫ر‬ ‫أس‬ ‫عملها‬ ‫مع‬ ‫زوجها‬ ‫و‬ ‫ائل‬ ‫ح‬ ‫امدة‪،‬‬ ‫وز‬ ‫مالئها‬ ‫االختطاف حارضة يف وجدان السوريني‪ ،‬ولتعريف القراء وساعدت عدداً كب ً‬ ‫ريا من التنسيقيات والنشطاء يف العمل ناظم حامدي وسمرية الخليل‪.‬‬

‫جائزتان للفيلم السوري “يوم أضعت ظلي” في‬ ‫مهرجان للمرأة في كندا‬

‫ثقافة‬

‫حقق الفيلم السوري الروايئ الطويل “يوم‬ ‫أضعت ظيل” للمخرجة سؤدد كعدان‪ ،‬فوزاً‬ ‫مزدوجاً هذا األسبوع بحصوله عىل (جائزة‬ ‫أفضل فيلم)‪ ،‬وحصول بطلته النجمة وسن‬ ‫أرشيد عىل (جائزة أفضل أداء)‪ ،‬يف “مهرجان‬ ‫املرأة يف الفيلم والتلفاز” يف فانكوفر يف كندا‪،‬‬ ‫يف نسخته الرابعة عرش لهذا العام‪.‬‬ ‫مشرتك‪ ،‬ومن بطولة سوسن أرشيد‪ ،‬وسامر‬ ‫كعدان‪ ،‬نرشت يف صفحتها عىل موقع إسامعيل‪ ،‬وتم تصويره عىل الحدود السورية‬ ‫(فيسبوك)‪ ،‬الخميس ‪ 14‬آذار‪ /‬مارس الحايل‪ ،‬اللبنانية عام ‪.2017‬‬ ‫خرب حصول الفيلم عىل الجائزتني‪.‬‬ ‫ويتناول أحداثاً مفرتضة يف شتاء العام ‪،2012‬‬ ‫وعرض املوقع اإللكرتوين للمهرجان مقطع عن سناء (سوسن أرشيد) التي تعيش أحداث‬ ‫فيديو لخطاب قبول الجائزة الذي أرسلته ٌ‬ ‫كل الحرب وتالحق حلمها الباقي بالحصول عىل‬ ‫من كعدان واملمثلة سوسن أرشيد‪.‬‬ ‫أنبوبة غاز للطهي لتتمكن من تحضري وجبة‬ ‫وشكرت املخرجة اللجنة‪ ،‬متحدثة عن أهمية طعام البنها‪ ،‬فتعلق عىل طرف مدينة “دوما”‬ ‫دعم املرأة يف اإلنتاج والتمويل لتتمكن من املحارصة‪ ،‬حيث تكتشف أن الناس يفقدون‬ ‫إنجاز أفالمها‪.‬‬ ‫ظاللهم بسبب الحرب‪.‬‬ ‫أما املمثلة سوسن أرشيد فقالت‪“ :‬إنه من تقول املخرجة سؤدد كعدان عن عملها‪،‬‬ ‫الرشف لها إلقاء الضوء عىل معاناة النساء “الفيلم كتب يف بالد فيها الغد هو فكرة غري‬ ‫السوريات خالل الحرب”‪ ،‬وأشارت إىل أنها قابلة للتخيل‪ ،‬ما هو الغد إن كنت تعيش‬ ‫“تنحني تواضعاً لنساء سوريا اللوايت علمنها تحت القصف املتواصل‪ ،‬الغد أصبح رفاهية‪،‬‬ ‫القوة واملرونة والشجاعة واألمومة”‪ ،‬متعهد ًة لهذا ال يحيك الفيلم أو يتنبأ باملستقبل‪ ،‬إنه‬ ‫بأن تبقى صوتاً لهم‪.‬‬ ‫فقط عن ثالثة أيام يف حياة سناء يف اللحظة‬ ‫الفيلم من إنتاج سوري‪ ،‬لبناين‪ ،‬فرنيس‪ ،‬قطري الراهنة من تاريخ دمشق”‪.‬‬

‫«سيناريو» العمل الروائي الثاني‬ ‫لسليم البيك‬

‫صدرت مؤخراً رواية “سيناريو”‬ ‫للكاتب الفلسطيني السوري‬ ‫الشابسليمالبيك‪،‬الذييعيش‬ ‫حالياً يف باريس‪ ،‬وذلك عن دار‬ ‫“األهلية للنرش والتوزيع” يف‬ ‫ّ‬ ‫عمن‪ ،‬وهي الرواية الثانية له‬ ‫بعد “تذكرتان إىل صفورية”‪،‬‬ ‫والكتاب الخامس‪.‬‬ ‫يف رواية “سيناريو”‪ ،‬التي تقع يف ‪ 188‬صفحة‪ ،‬يواصل البيك طرح‬ ‫أسئلته التي تتع ّلق باملكان والهو ّية واملنفى لدى فلسطيني سوري‬ ‫هشة حيث تكون األسئلة‬ ‫هو الجئ عن البلدين‪ ،‬إمنا كحالة فردية ّ‬ ‫التي يعيشها كريم شك ًال من أشكال القلق والالطأمنينة التي تتخللّ‬ ‫يومياته وهواجسه ورغباته‪ ،‬يف األمكنة املذكورة أعاله ومع النّساء‬ ‫كل منهنّ ‪ .‬يجري كل ذلك يف مدينة‬ ‫واحتامالت أن يكون يف عالقة مع ّ‬ ‫باريس‪ ،‬يف أحد أحيائها‪ ،‬ويف أيام تك ّثفت فيها اللقاءات والحوارات‬ ‫واألفكار واألحداث‪.‬‬ ‫منحتي من مؤسسة “املورد‬ ‫ْ‬ ‫ُيذكر ّأن مرشوع رواية “سيناريو” قد نال‬ ‫الثقايف” ومؤسسة “اتجاهات‪-‬ثقافة مستقلة”‪ ،‬وأتت الرواية بعد‬ ‫“تذكرتان إىل صفورية” (‪ )2017‬التي نال مرشوعها منحة من مؤسسة‬ ‫“آفاق”‪ ،‬واملجموعة القصصية “كرز أو فاكهة حمراء للتشيزكيك”‬ ‫(‪ )2011‬التي فازت بجائزة “عبد املحسن القطان” للكاتب الشاب‪،‬‬ ‫عليك سوى املاء” (‪.)2014‬‬ ‫واملجموعة الشعرية “ليس ِ‬


‫إبداعات ونشاطات سورية‬ ‫طلعنا عالحرية – القسم الثقافي‬

‫‪ 4‬شباب سوريين يحوزون‬ ‫على منح “المورد الثقافي” دورة عام ‪2019‬‬

‫ومُجتمعاً وحياة ُمرتاكمة ومرتاكبة من عديد األجيال‬ ‫والحساسيات والرؤى‪ .‬سوريا التي صارت بؤرة ألفظع ما يف‬ ‫العامل املعارص‪ ،‬واألكرث أملاً فيه‪ ،‬لذا تستحق أن يُرسد عنها‬ ‫أعمق وأسهل ما ُيكن قوله‪.‬‬ ‫نقرأ من ال ِكتاب‪ ،‬من شهادة الروائية الشابة روزا ياسني‬ ‫حسن‪“ :‬فيام كانت الطالبة س ِّيئة ّ‬ ‫الحظ ما تزال ترتجف‪،‬‬ ‫كعنزة وقعت يف ساقية‪ ،‬وشفتاها زرقاوان‪ ،‬راحت اآلنسة‬ ‫“جهينة” تدور بني صفوفنا املر ّتبة كجيش ذاهب لل ّت ّو إىل‬ ‫املعركة‪ .‬ليست صفوفنا وحدها التي كان عليها أن تكون‬ ‫كصفوف الجند‪ ،‬ولكنْ ‪ ،‬أشكالنا أيضاً‪ ،‬أيّ َملمح أنثوي قد‬ ‫يبدو عىل إحدانا سيكون كفي ًال بجعلها تدفع الثمن غالياً‪.‬‬ ‫أيّ َملمح‪ ،‬وأقصد بالفعل أيّ َملمح‪ :‬ظفر خرج قلي ًال عن‬ ‫األصبع ستح ّفه اآلنسة “جهينة” بالحائط حتّى ينزل الدم‬ ‫من السالميات! بقايا ال مرئية ُلحمرة شفاه من ليلة البارحة‬ ‫ستُك ّلف صاحبتها صف َعت َْي مهولَت َْي عىل الفم‪ ،‬تجعله يتو ّرم‬ ‫أل ّيام‪ ،‬فيبدو كمنقار ّ‬ ‫البطة! جوارب مل ّونة مخف ّية تحت‬ ‫البنطال العسكري الطويل ستُجرب مرتديتها عىل أن تقطع‬ ‫الساحة املكشوفة أربع م َّرات زحفاً عىل أكواعها وركبها!”‪.‬‬

‫ثقافة‬

‫صدر حديثاً عن “منشورات املتوسط” يف مدينة ميالنو‬ ‫اإليطالية‪ ،‬كتاب بعنوان “صفحات من دفرت قديم‪ ،‬سبعة‬ ‫ُكتّاب سور ّيني يروون سريهم املدرس ّية”‪ ،‬من إعداد رستم‬ ‫محمود‪ ،‬وتقديم الكاتب اللبناين أحمد بيضون‪ ،‬ومبشاركة‬ ‫كل من‪ :‬فاروق مردم بك‪ ،‬ممدوح عزّام‪ ،‬صالح الحاج‬ ‫صالح‪ ،‬كوليت بهنا‪ ،‬سالم كواكبي‪ ،‬روزا ياسني حسن‪،‬‬ ‫ورستم محمود‪.‬‬ ‫جاء الكتاب يف ‪ 328‬صفحة من القطع الوسط‪ ،‬وهو كام‬ ‫ورد يف مقدمة بيضون‪ ،‬يحاول تقديم قراءة ما عن أحد‬ ‫أوجه تاريخ سوريا‪ ،‬اجتامعياً وسياسياً واقتصادياً ومعرفياً‪،‬‬ ‫من خالل رسد حكايات ورؤى ومشاهدات للحياة‬ ‫املدرس ّية‪ ،‬لعدد من ُ‬ ‫الكتّاب السور ّيني‪ ،‬ا ُملنتمني لحساسيات‬ ‫ومناطق وأزمنة سورية مُختلفة‪ .‬وليس يف ال ِكتاب ُخالصات‬ ‫أو نتائج‪ .‬لكنه يف املقابل يحبو نحو القول بأن الخطوط‬ ‫الحمراء‪ ،‬السياسية والدينية واالجتامعية والثقافية‪،‬‬ ‫الطائفية واملذهبية والقومية والجامعاتية‪ ،‬العامة والذاتية‬ ‫منها عىل ح ٍد سواء‪ ،‬إمنا منعت وكبتت الكثري من املساعي‬ ‫لقول الكثري من األشياء عن سوريا‪ ،‬باعتبارها ُجغرافيا‬

‫سبعة ُكتاب سوريين‬ ‫يروون سيرهم‬ ‫المدرسية في كتاب‬

‫حيث يناضلون ض ّد ّ‬ ‫التسلط اإلسالمي الجهادي وقمع‬ ‫النظام يف الوقت نفسه‪.‬‬ ‫ويف مجال فنون األداء‪ ،‬حازت الكاتبة واملخرجة الشابة‬ ‫رامة حيدر‪ ،‬منحة عن عرض مرسحي بعنوان “أهل‬ ‫الهوى”‪ ،‬وهو عمل يبحث يف أزمة الهوية واالغرتاب‬ ‫عن طريق تناول قصة فراغ حياة الدكتور نبيل وزوجته‬ ‫ندى وخلوها من أي حدث يُذكر وبقاؤهام وحيدين‬ ‫يف ملجئهام الجديد بعد انزياحهام عن مدينتهام‬ ‫دمشق خالل الحرب‪ .‬يسعى العمل إىل تسليط الضوء‬ ‫عىل الواقع االجتامعي املعاش اليوم يف دول اللجوء‬ ‫وتصوير حالة البؤس والرتهل الفكري التي أصابت‬ ‫املجتمع نتيجة لكثري من خيبات األمل والعنف الذي‬ ‫تع ّرض له ثقافياً وفكرياً ونفسياً‪.‬‬ ‫وكان قد تقدّم لفريق (برنامج املنح اإلنتاجية)‬ ‫مبؤسسة “املورد الثقايف” ‪ 371‬استامرة‪ ،‬اختارت منها‬ ‫لجان التحكيم ‪ 21‬مرشوعاً‪.‬‬

‫العدد ‪2019 / 3 / 18 - 88 -‬‬

‫حاز أربعة من الشباب السوريني املب‬ ‫دعني عىل منحة مختطف يف سجون تنظيم (داعش) منذ آب‪/‬‬ ‫مؤسسة “املورد الثقايف” دورة عام‬ ‫‪ 2019‬من (برنامج أغسطس ‪ ،2013‬تحاول عائلته معرفة مصريه فتعيش‬ ‫املنح اإلنتاجية)‪ ،‬الذي يهدف إىل دعم‬ ‫وتشجيع جيل يوميات مرارة االختفاء القرسي‪ .‬يستخدم أفراد العائلة‬ ‫جديد من الفنانني واألدباء من املنطقة‬ ‫العربية‪ ،‬وذلك مجموعة كامريات أثناء البحث‪ ،‬تص ّور حكاياتهم‬ ‫بدعم مشاريعهم اإلبداعية األوىل يف م‬ ‫جاالت املوسيقى وقصصهم يف مدينة الرقة السورية وسجون (داعش)‬ ‫والسينام وفنون األداء والفنون البرصية واألدب‪.‬‬ ‫فيها‪ ،‬وهروبهم إىل تركيا ثم أملانيا‪ ،‬ثم مواصلة البحث‬ ‫املوسيقي وعازف عود السوري مهند‬ ‫نرص‪ ،‬حاز عىل داخل الرقة مجدداً بعد خروج مناطق واسعة منها عن‬ ‫منحة عن ألبومه “الحمراء” وهو مجموعة مقطوعات سيطرةالتنظيم‪.‬‬ ‫موسيقية أصلية مبنية عىل مكونات‬ ‫ّ املوسيقى العربية كام حازت املخرجة الشابة دانا صالح‪ ،‬عىل منحة‬ ‫وإمكانيات مزجها مع موسيقى‬ ‫الفالمينكو والجاز‪ .‬تطوير وإنتاج فيلم وثائقي روايئ بعنوان “يش‬ ‫ويعكس األلبوم رحلة املؤلف من‬ ‫سوريا إىل أوروبا بريفع الراس!”‪ .‬دانا‪ ،‬الراوية‪ ،‬فتاة استثنائية ولدت‬ ‫مروراً بلبنان وإسبانيا‪ ،‬يف بحث عن‬ ‫تلك التقاطعات يف السعودية ثم انتقلت إىل دمشق ضمن مجتمع‬ ‫الخفية بني موسيقى الشعوب‪ .‬تبدأ ال‬ ‫رحلة من شارع محافظ‪ ،‬لتبدأ مواجهة املجتمع يف عام ‪ 2011‬عندما‬ ‫الحمراء يف بريوت كرمز للتنوع والتع‬ ‫ددية‪ ،‬وتستمر إىل تقوم بزيارة مدينة استثنائية يف الثورة السورية تدعى‬ ‫قرص الحمراء يف غرناطة كرمز لتأثري‬ ‫الثقافة العربية “كفرنبل”‪ .‬تبدأ بتصوير مسلسل كان قد كتبه وأعدّه‬ ‫التاريخي والتقاطع بني العامل العريب‬ ‫وأوروبا‪ .‬ويقدّم للعرض شباب املكتب اإلعالمي للمدينة يك ينقلوا من‬ ‫األلبوم‪ ،‬يف مثانية مقطوعات موس‬ ‫يقية‪ ،‬نخبة من خالله‪ ،‬بأسلوب كوميدي ساخر‪ ،‬معاناتهم مع الطريان‬ ‫املوسيقيني من العامل العريب وإسبانيا‪.‬‬ ‫الحريب الذي يقصف املدينة بشكل شبه يومي‪ .‬يعيد‬ ‫يف املجال السيناميئ‪ ،‬حاز املخرج ال‬ ‫شاب ميزر مطر‪ ،‬املسلسل حكاية تفاصيل من الواقع املضطرب الذي‬ ‫عىل منحة إنتاج فيلم وثائقي طويل بعنوان “أزهار تعيشه املدينة‪ّ .‬‬ ‫يوضح فيلم “يش بريفع ال ّراس!” قصة‬ ‫البالستيك”‪ .‬الفيلم من إخراج مشرتك‬ ‫مع عامر مطر‪ ،‬جيل من الشباب السوري الذي وجد نفسه يف دوامة‬ ‫تدور أحداثه حول رحلة بحث‬ ‫طويلة عن صحفي الحرب بعد أحالم الثورة والحرية والعدالة االجتامعية‪،‬‬

‫‪15‬‬



Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.