Jaami magazine _ 9th Issue

Page 1



‫ﺍﻟﻌﺪﺩ ﺍﻟﺘﺎﺳﻊ ‪ /‬ﺷﻌﺒﺎﻥ ‪ ١٤٢٩‬ﻫـ ‪ /‬ﺁﺏ ‪ -‬ﺃﻏﺴﻄﺲ ‪ ٢٠٠٨‬ﻡ‬

‫في احلديث الشريف الذي رواه الشيخان‪:‬‬ ‫قيل يا رسول اهلل ‪ ،‬ما يعدل اجلهاد في‬ ‫سبيل اهلل ؟ قال ‪ ( :‬ال تستطيعوه ) ‪،‬‬ ‫فأعادوا عليه مرتني أو ثالثا ً ‪ ،‬كل ذلك يقول‪:‬‬ ‫( ال تستطيعوه ) ‪ ،‬وقال في الثالثة‪( :‬مثل‬ ‫اجملاهد في سبيل اهلل كمثل الصائم القائم‬ ‫القانت بآيات اهلل ‪ ،‬ال يفتر من صيام وال‬ ‫صالة حتى يرجع اجملاهد في سبيل اهلل)‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫وصف عظيم ألولئك الذين ش ّرفهم‬ ‫اهلل بحمل لواء اإلسالم والدفاع عن‬ ‫ٌ‬ ‫وصف يدل على عظم الفعل‬ ‫بيضته ‪،‬‬ ‫وعظم املسؤولية فيه ‪ ،‬فإن اجلهاد محفوف‬ ‫باملتاعب واخملاطر من التشريد واألسر ‪ ،‬أو‬ ‫التعذيب والقتل أو احلرمان من الوظائف ‪،‬‬ ‫ومفارقة املال واألهل والولد والوطن ‪ ..‬لذا‬ ‫احتاجت النفوس إلى مرغبات ودوافع تُهون‬ ‫عليها ذلك كله ‪ ،‬وجتعلها تستعذب كل‬ ‫شيء في سبيل أدائها لواجبها ‪ ،‬والظفر‬ ‫برضوان اهلل ‪ ‬وجنته ‪.‬‬

‫وألن اجلهاد مشتق من اجلهد – أي املشقة‬ ‫ببذل أقصى ما في الطاقة والوسع – كان‬ ‫ال بُد أن يكون من يحمله هو من أولئك‬ ‫الرجال األشداء ‪ ،‬الواثقون باهلل ‪ ،‬الراغبون‬ ‫مبا عند اهلل ‪ ،‬الذين ال تتوق أنفسهم لغير‬ ‫اجلنة ‪.‬‬ ‫أخوتي اجملاهدين ‪:‬‬ ‫إن تشربت نفوسنا مبثل هذه الصفات‬ ‫كنا أهالً للنصر ولتلك املكافأة العظيمة‪،‬‬ ‫املكافأة التي (فيها ال عني رأت ‪ ،‬وال أذن‬ ‫سمعت ‪ ،‬وال خطر على قلب بشر ) ‪ ..‬جن ٌة‬ ‫{ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ }‪ ..‬أرواح‬ ‫الشهداء فيها في حواصل طير خضر‬ ‫تسرح من حول العرش ‪ ،‬كل ذلك بأن جنعل‬ ‫نيتنا خالصة لوجه اهلل الكرمي وابتغاء‬ ‫مرضاته ‪ ،‬ومعها النصر للدين في هذه‬ ‫الدنيا ‪..‬‬ ‫{ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ‬ ‫ﯜ ﯝ ﯞ} سورة محمد ‪.. 7 :‬‬

‫‪1‬‬


‫ﺍﻟﻌﺪﺩ ﺍﻟﺘﺎﺳﻊ ‪ /‬ﺷﻌﺒﺎﻥ ‪ ١٤٢٩‬ﻫـ ‪ /‬ﺁﺏ ‪ -‬ﺃﻏﺴﻄﺲ ‪ ٢٠٠٨‬ﻡ‬

‫ب��ات الع��راق " حال��ة لبناني��ة " ‪ ..‬حتولت في��ه الهوية‬ ‫الوطني��ة إل��ى هويات طائفي��ة ومذهبية ‪ ،‬فب��ات العراقي‬ ‫يتعرف على نفس��ه من خالل طائفته أو مذهبه ‪ ..‬وهو أمر‬ ‫يدفع إلى القول بأن املش��هد العراقي الراهن ال يبشر قريبا ً‬ ‫باخل��روج من دوامة العنف ‪ ،‬وه��ذا ما يبدو واضحا ً من خالل‬ ‫إعادة املهجرين الت��ي أصبحت طائفية مائة باملائة ‪ ،‬والذي‬ ‫يطلع على وثيقة تعويض الساكنني في مبنى اخملابرات في‬ ‫بغ��داد يدرك ه��ذا األمر بجالء ‪ ،‬كما تبدو اس��تعادة الدولة‬ ‫العراقية كيانا ً موحدا ً أش��به بس��راب ال يؤهل هذا الوضع‬ ‫الول��وج في خيار ( دميقراطي ) يعيد للعراق وحدته وعروبته‬ ‫‪ ،‬ب��ل تؤش��ر الوقائع إلى حرب اس��تنزاف أهلية مفتوحة ال‬ ‫قعرا ً مرئيا ً لها ‪ ،‬وقانون االنتخابات وعملية التصويت عليه‬ ‫قبل أيام خير دليل على هذا الكالم ‪ ،‬حيث األكراد يرفضون‬ ‫بفيتو طالباني ‪ ،‬والشيعة يؤيدون بفيتو أميركي ‪ ،‬والتوافق‬ ‫منقسمون بال فيتو ‪.‬‬ ‫االحتالل األميركي يعاني مأزقا ً راهنا ً في أكثر من مكان‬ ‫في املنطقة ‪ ،‬ولكن خطته العدوانية متلك زخما ً يس��تمد‬ ‫أب��رز مقوماته من االنهي��ار البنيوي الداخل��ي أوال ً والعربي‬ ‫ثانيا ً وانفكاك التضامن العربي وبروز حاجة عربية في أكثر‬ ‫من مكان للحماية األميركية املباشرة ‪.‬‬ ‫ال تبدو األصوات السياس��ية املبشرة بقرب االنسحاب‬

‫‪2‬‬

‫األميرك��ي م��ن املنطقة تض��رب ف��ي املي��دان الصحيح ‪،‬‬ ‫خصوص��ا ً إذا م��ا أدركن��ا أن أصحاب هذه األص��وات الهثة‬ ‫لعالقة ما م��ع الواليات املتح��دة األميركية لالنضواء حتت‬ ‫خيمتها ‪ ،‬إمنا بالش��روط األميركية املعتمدة مع غير نظام‬ ‫عربي في املنطقة ‪.‬‬ ‫العالق��ة ( االتفاقي��ة بني الع��راق واالحت�لال ) هي في‬ ‫مجملها ثمرة سعى لها االحتالل سعيا ً حثيثا ً مع حلفائه‬ ‫الذين نصبهم وينصبهم كل يوم ‪ ،‬سواء كانت هذه الثمرة‬ ‫محلية بتفتيت كتلة العراق املوحد والهيمنة على الثقافة‬ ‫الفكري��ة العام��ة للمنطق��ة ‪ ،‬أو إقليمية عب��ر إنهاء كل‬ ‫معارضة في املنطقة أصولية كانت أم اقتصادية ‪ ،‬متمثلة‬ ‫بإيران والسعودية وسوريا ‪ ،‬ومن ثم تتفرغ الواليات املتحدة‬ ‫ألعدائها املستقبليني املفترضني ( الصني والهند وأوروبا )‪..‬‬ ‫والداع��ون إلى التوقيع على هذه املعاهدة يعيش��ون صراع‬ ‫" اإلق��دام ‪ -‬اإلحج��ام " ‪ ،‬فأنهم وإن رأوا ف��ي التوقيع إبعادا ً‬ ‫خلط��ر إيران ( صنيعة االحتالل ) فهم يرون في التوقيع على‬ ‫االتفاقي��ة خيانة وطنية كبرى ‪ ،‬بل وحتى ش��رعية أيضا ً ‪...‬‬ ‫فإذا كان التعاون مع احملتل مسموحا ً وفق مبدأ ( الضرورات‬ ‫الش��ر بش ّر أهون إلى حني انتفاء‬ ‫تبيح احملظورات ) ‪ ،‬أو ( دفع‬ ‫ّ‬ ‫الش ّرين ) ‪ ،‬فإن التوقيع على اتفاقية مع محتل ص َبر الناس‬ ‫على بقائه خمس سنوات يعني ‪ ( :‬بيع الوطن ) ! ‪.‬‬


‫ﺍﻟﻌﺪﺩ ﺍﻟﺘﺎﺳﻊ ‪ /‬ﺷﻌﺒﺎﻥ ‪ ١٤٢٩‬ﻫـ ‪ /‬ﺁﺏ ‪ -‬ﺃﻏﺴﻄﺲ ‪ ٢٠٠٨‬ﻡ‬

‫اجلديد في االتفاقية هو املس��مى وليس اجلوهر ‪ ،‬حيث‬ ‫قام��ت قوات االحتالل بتغيير مس��مى االتفاق األمني إلى‬ ‫بروتوك��ول أمن��ي ال يفرق كثيرا ً في جوه��ره عن االتفاقية‬ ‫‪ ،‬لك��ن الذي يفرق فيه هو احلركة ال��دءوب لالحتالل ألجل‬ ‫ح��ث كل " السياس��يني " ألجل التوقيع عل��ى املعاهدة أو‬ ‫البروتوكول أو " سند البيع " ‪ ،‬حيث يقوم السفير األميركي‬ ‫رايان كروكر ومسؤول ملف العراق في اخلارجية األمريكية‬ ‫الس��فير ديفيد س��اترفيلد بجوالت مكوكي��ة واالتصال‬ ‫بعدد كبير من املس��ئولني والنواب م��ن أجل إقناع اجلميع‬ ‫بتوقي��ع االتفاقية األمنية كما كان مقررًا لها قبل ش��هر‬ ‫متوز ‪ -‬يوليو احلالي ‪.‬‬ ‫من جانبه ‪ ،‬أكد مكتب جالل طالباني أن األخير ( بحث‬ ‫مع كروكر وديفيد ساترفيلد ما توصلت إليه املفاوضات بني‬ ‫الوفدين العراقي واألميركي إلقامة عالقات إس��تراتيجية‬ ‫طويلة األمد بني البلدين )‪.‬‬ ‫وهذا ما يبدو واضحا ً من خ�لال التهيئة العملية من‬ ‫قوات االحتالل لدمج وجود القواعد األميركية في اجملتمع‬ ‫العراق��ي ‪ ،‬حي��ث خصصت قوات االحت�لال مبلغا ً قدره ‪4‬‬ ‫ملي��ارات دوالر لتش��جيع إقامة مش��اريع حرفية بالقرب‬ ‫من القواعد العس��كرية لقوات االحتالل ‪ ،‬حيث تبدو هذه‬ ‫املش��اريع مبثابة " رش��وة " يقدمها األميركان للقطاعات‬ ‫الفقيرة من الشعب بهدف احتواء الرفض الشعبي املتزايد‬ ‫إلقامة قواعد عسكرية دائمة على األراضي العراقية ‪.‬‬ ‫وقد قال اللواء " تيموثي ماكهيل " مدير التعبئة واألفراد‬ ‫واملوارد في القوات املتعددة اجلنس��يات في مؤمتر صحفي‬ ‫عقده ببغداد إنه قد مت ( االتفاق مع احلكومة العراقية على‬ ‫تنفيذ مش��روعني كبيرين خصص لهما اجليش األميركي‬ ‫‪ 4‬ملي��ارات دوالر هم��ا ( الع��راق أوال ً ) و( منطقة الصناعة‬ ‫العراقي��ة ) بالقرب م��ن القواعد العس��كرية األميركية)‬ ‫‪ ،‬مش��يرا ً إلى أنهم��ا يهدفان ملواجه اإلره��اب بصورة غير‬ ‫مباش��رة من خالل دعم االقتصاد وامتصاص البطالة في‬ ‫العراق ‪.‬‬ ‫إذن االتفاقي��ة ماضي��ة ‪ ،‬ش��اء السياس��يون أم أب��و ‪،‬‬ ‫وأرضية هذه االتفاقية موجودة ومتمثلة في ش��خصيات‬ ‫وهيئات تستس��يغ كل ما يصدر من قوات االحتالل ‪ ،‬كما‬ ‫حدث في قضية الدستور ‪.‬‬ ‫هذه الشخصيات وهذه الهيئات وبعد سنوات خمس‬ ‫عجاف من فقدان السيادة نسيت أو تناست أنها أتت بإذن‬ ‫ومببارك��ة من االحتالل ‪ ،‬وفي أكثر من مناس��بة يذكر هذا‬ ‫املس��خ الش��ائه صنائعه بهذه احلقيقة املرة ‪ ،‬األمر الذي‬ ‫يبقي هذه الشراذم حتت رحمة وإمرة أسياده على الدوام ‪،‬‬

‫وهذه حقيقة معها ال يستطيع أي واحد منهم أي ينبس‬ ‫ببنت شفة ليعارض أو ليغير حسب هواه ‪..‬‬ ‫أم��ا ه��ذه الزوبع��ة الت��ي تفتع��ل بش��أن االتفاقية‬ ‫واملظاهرات " العفوية " والبكاء على س��يادة وأمن وثروات‬ ‫العراق ‪ ،‬ما هي إال اس��تهالك محلي وتلميع لصورة "أولي‬ ‫األمر" الكلحاء ‪ ،‬ببيعها لسيادة العراق قبل الغزو بسنوات‬ ‫طويلة ‪.‬‬ ‫نسي هؤالء أن أس��يادهم هم من أسبغ عليهم ستر‬ ‫السياسة بعد أن كان تغطيهم سرابيل اجلرمية والسرقة‪،‬‬ ‫جملوهم وألبس��وهم لباس الوطنية وقالوا لهم سنعيد‬ ‫لك��م ذيل الس��يادة ‪ ،‬لكن يبقى رأس��ها ومفتاح التحول‬ ‫فيها بيدنا‪ ،‬فلم ينته بعد س��يناريو اللعبة في املنطقة ‪،‬‬ ‫َمثلهم مثل ما قال الشاعر أحمد مطر ‪:‬‬

‫الب ِام َك ْه ‪:‬‬ ‫يا أيُّها رَ‬ ‫الس رْ َ‬ ‫ت َل ُك ْم‬ ‫َمن َو َض َع ِّ‬ ‫ب ُو ْسع ِه أن يَه ِت ْ‬ ‫كه‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َو َمن َحباكم ِب َد ٍم‬ ‫ِمن َح ِّق ِه أن يَس ِف َك ْه‬ ‫قد َت َ‬ ‫ب َت ُه‬ ‫رك املاضي لكم ِع رْ َ‬ ‫ما َت َ‬ ‫ُ‬ ‫رك ْه‬ ‫ب َة مِ ّ‬ ‫فلتأخذوا ال ِع رْ َ‬ ‫يف ِظِّل ُك ْم مَ ْ‬ ‫ل نك َت ِس ْب‬ ‫إّ‬ ‫هل َ‬ ‫ال ا َ‬ ‫الك َو ْح َد ُه‬ ‫أجسادُنا ُمنه َُ‬ ‫َكة‬ ‫أرواحنا ُمنت َه َك ْه‬ ‫ُ‬ ‫ُخ ْطوا ُتنا ُمرتبكهْ‬ ‫أوطا ُننا ُمف ّك َك ْه‬ ‫ال َشي َء خَنشى َف ْق َد ُه‬ ‫ني حَ ُ‬ ‫ِح َ‬ ‫ت ُّل الد ْ‬ ‫َّرب َك ْه‬ ‫بْ‬ ‫َل إ ّننا ‪...‬‬ ‫َسنش ُك ُر المَ َ‬ ‫وت إذا َم َّر ِبنا‬ ‫يف د َْرب ِه ِل َن ْح ِر ُ‬ ‫ك ْم !‬ ‫َف ُك ُّل َش ٍّر يف الدُّنا‬ ‫ي‪ ..‬أَما َم َش ِّر ُ‬ ‫ك ْم‬ ‫َخ رْ َُ‬ ‫َوب َْع َد ب َْلوانا ِب ُك ْم ‪..‬‬ ‫ك ُّل ال َباليا ب َ‬ ‫ُ‬ ‫َركهْ !‬

‫‪3‬‬


‫ﺍﻟﻌﺪﺩ ﺍﻟﺘﺎﺳﻊ ‪ /‬ﺷﻌﺒﺎﻥ ‪ ١٤٢٩‬ﻫـ ‪ /‬ﺁﺏ ‪ -‬ﺃﻏﺴﻄﺲ ‪ ٢٠٠٨‬ﻡ‬

‫إن جهازا اس��تخباريا ً س��ريا ً لديه معلومات خفية من‬ ‫مصادره��ا املتنوع��ة ميكنه أن يس��اهم بقس��ط كبير في‬ ‫العمليات السياسية والعسكرية للتنظيم ‪ ،‬فاملعلومات‬ ‫هي عني القيادة وأذنها وذراعها الس ّري الضارب وبها توضع‬ ‫اخلطط السليمة وحتقق الغايات ‪.‬‬ ‫وق��د كت��ب عمر ‪ ‬لس��عد ب��ن أبي وق��اص ‪ ‬قبيل‬ ‫معركة القادسية يقول ‪:‬‬ ‫" اكتب لنا أين بل��غ جمعهم ‪ ،‬ومن يلي مصادماتكم ‪،‬‬ ‫فإنه قد منعني من بعض ما أردت الكتاب به ق ّلة علمي مبا‬ ‫هجمتم عليه ‪ ،‬والذي استقر عليه أمر عدوكم ‪ ،‬فصف لنا‬ ‫منازل املس��لمني وحالهم والبلد ال��ذي بينكم وبني املدائن‬ ‫صفة كأني أنظر إليها ‪ ،‬واجعلني من أمركم على اجللية"‪.‬‬ ‫فكان عمر ‪ ‬حريصا ً على تفاصيل ودقائق املعلومات‬ ‫عن جيش��ه وعن جي��ش عدوه وعن طبيع��ة األرض ‪ ،‬فكان‬ ‫يصدر قراراته العسكرية على هدى وبصيرة ‪.‬‬ ‫وكتب املفكر العسكري الصيني القدمي " صن تزو " في‬ ‫كتابه الشهير " فن احلرب " ‪:‬‬ ‫" إذا عرفت عدوك وعرفت نفسك فليس هناك ما يدعو‬ ‫إلى أن تخاف نتيجة مئة معركة ‪ ،‬وإذا عرفت نفس��ك ولم‬ ‫تعرف عد ّوك فإنك تقاس��ي من هزمي��ة مقابل كل انتصار ‪،‬‬ ‫وإذا لم تعرف نفسك ولم تعرف عد ّوك فإنك أحمق وسوف‬ ‫تواجه الهزمية في كل معركة " ‪.‬‬ ‫إن االستخبارات العسكرية في مفهوم حرب العصابات‬ ‫تش��كل عنصرا ً هاما ً للغاية من عناصر تشكيل التنظيم‬ ‫وركيزة رئيسية في هيكليته التنظيمية ‪ ،‬وقد استوعبت‬ ‫معظم التنظيمات وحركات التحرر في العالم وعبر التاريخ‬ ‫أهمية االس��تخبارات بالشكل الذي ّ‬ ‫مكنها من االستفادة‬ ‫منها على مختلف املس��تويات وفي شتى اجملاالت وخاصة‬

‫‪4‬‬

‫العس��كرية منها وذلك من قناعاته��م بأهمية املعلومات‬ ‫وحيويتها في احلرب ‪ ،‬ومن قناعاتهم أن إيجاد هذه األجهزة‬ ‫هو من األمور املمكنة مهما كانت الظروف ‪.‬‬ ‫وق��د اعتمدوا على النوع ال الكم في تكوين أجهزتهم‬ ‫االس��تخبارية ‪ ،‬حيث أثبتت التج��ارب أن فردا ً واحدا ً يتحلى‬ ‫باخلصائص املطلوبة ميكنه أن يكون أنفع من العش��رات ‪-‬‬ ‫بل واملئات أحيانا ً ‪ -‬في حتقيق األهداف املرجوة وضرب العدو‬ ‫وإحلاق اخلس��ائر الفادحة به ‪ ،‬وال ننسى الرجل املئة والرجل‬ ‫األلف والرواحل في تاريخنا اإلسالمي ‪.‬‬ ‫وميكن تلخيص أهمية االس��تخبارات العسكرية في‬ ‫التنظيمات اإلسالمية في النقاط التالية ‪:‬‬ ‫‪ .1‬أهمية االستخبارات العسكرية اإلسرتاتيجية‬ ‫‪ ‬ضرورة شرعية ومصلحة تنظيمية إستراتيجية ‪.‬‬ ‫‪ ‬رافد أس��اس للتنظيم بالكوادر املؤهل��ة والقيادية من‬ ‫داخل التنظيم وعامل ارتقاء وتأهيل ‪.‬‬ ‫‪ ‬املس��اهمة في تقدير املوقف اآلني واملس��تقبلي وطرح‬ ‫األسس الالزمة لذلك وجمع املعلومات املناسبة ‪.‬‬ ‫‪ ‬تكوين أرش��يف معلوماتي متميز يخدم جميع أقسام‬ ‫العمل‪.‬‬ ‫‪ ‬استثمار االستخبارات واجملهود االستخباري في العالقات‬ ‫اخلارجية للتنظيم ‪.‬‬ ‫الفعالة في التخطيط والعمل العسكري‬ ‫‪ ‬املس��اهمة ّ‬ ‫في عمق العدو االستراتيجي ‪.‬‬ ‫‪ ‬املس��اهمة ف��ي التغلب عل��ى اخللل الكبي��ر في ميزان‬ ‫القوى املادية ‪.‬‬ ‫‪ .2‬أهمية االستخبارات العسكرية التكتيكية‬ ‫‪ ‬ضرورة ميدانية وركيزة عسكرية أساسية ‪.‬‬ ‫‪ ‬تسهيل عمل اخلاليا العسكرية امليدانية برفدها مبلفات‬


‫ﺍﻟﻌﺪﺩ ﺍﻟﺘﺎﺳﻊ ‪ /‬ﺷﻌﺒﺎﻥ ‪ ١٤٢٩‬ﻫـ ‪ /‬ﺁﺏ ‪ -‬ﺃﻏﺴﻄﺲ ‪ ٢٠٠٨‬ﻡ‬

‫عملياتية ‪.‬‬ ‫‪ ‬تس��اهم في تدعيم خط الدفاع وتقوية قلب الهجوم‬ ‫في حاالت الطوارئ ‪.‬‬ ‫‪ ‬ذراع لوجس��تي جلمي��ع أش��كال العم��ل التنظيم��ي‬ ‫(العسكري واألمني خاصة) ‪.‬‬ ‫‪ ‬تكوي��ن اخلالي��ا االس��تخبارية اخلاص��ة ( اس��تخبارية‬ ‫وعسكرية تنفيذية ) ‪.‬‬ ‫‪ ‬متابعة التطورات العس��كرية واألمنية املوجهة ضد‬ ‫التنظيم والتصدي لها ‪.‬‬ ‫‪ ‬املساهمة في التخطيط العسكري امليداني ‪.‬‬ ‫‪ ‬تأمني خيارات واس��عة للتنظيم حتقق املرونة املطلوبة‬ ‫ودميومة العمل العسكري ‪.‬‬ ‫‪ ‬تطوير قدرات التنظيم االستخبارية واألمنية ‪.‬‬

‫إسرتاتيجية االستخبارات العسكرية يف حرب العصابات‬

‫‪ .1‬املعلومة السرية هي قوة سر ّية ألي جهاز س ّري ‪.‬‬ ‫‪ .2‬العم��ل اخليط��ي والف��ردي ه��و اخلي��ار األكي��د فيم��ا‬ ‫يتعل��ق بالعناص��ر امليداني��ة االس��تخبارية إالّ في حاالت‬ ‫استثنائية‪.‬‬ ‫‪ .3‬العم��ل عل��ى حتقي��ق عنص��ر املفاجأة ف��ي العمليات‬ ‫العسكرية من حيث اختيار الهدف والوقت واملكان ‪.‬‬ ‫‪ .4‬نقل املعركة إلى عمق العدو االس��تراتيجي واجلغرافي‬ ‫واالقتصادي ‪.‬‬ ‫‪ .5‬اس��تنزاف قدرات العدو املادية واملعنوية والبشرية من‬ ‫خ�لال العمل العس��كري واحلرب النفس��ية وإدامة حالة‬ ‫احلرب‪.‬‬

‫وظيفة االستخبارات العسكرية‬

‫متت��از وظيفة االس��تخبارات بصفة الس�� ّرية ف��ي الدول‬ ‫فكيف في التنظيمات السر ّية ‪ ،‬وهذه الصفة حتمل ثالثة‬ ‫معان هامة هي ‪:‬‬ ‫‪ .1‬مهم��ة االس��تخبارات ه��ي احلصول عل��ى املعلومات‬ ‫واألسرار وحماية األسرار واستنباط األسرار مما هو متاح ‪.‬‬ ‫تامة ‪.‬‬ ‫‪ .2‬النشاط ميارس بسرية ّ‬ ‫‪ .3‬إنش��اء اجلهاز االس��تخباري نفس��ه ال بد أن يظل طي‬ ‫الكتم��ان إلى أبعد م��ا ميكن كي ال يرص��د وال توضع في‬ ‫وجهه العراقيل ‪.‬‬ ‫وتتلخص وظائف االس��تخبارات العس��كرية في النقاط‬ ‫التالية ‪:‬‬ ‫‪ .1‬جم��ع املعلوم��ات من املصادر العلني��ة واملفتوحة عن‬ ‫جميع شؤون العدو " عن بعد " ‪.‬‬ ‫‪ .2‬جم��ع املعلومات عن العدو من خ�لال عناصر ميدانية‬

‫داخل أرض العدو وعل��ى حدود هذه األرض وذلك من خالل‬ ‫إنش��اء خاليا ميدانية واإلش��راف على عمل ه��ذه اخلاليا‬ ‫وتطويره��ا ومتابعتها وتوجيهه��ا ‪ ،‬وبالتزامن إعداد خاليا‬ ‫ضاربة ( استخبارية بالدرجة األولى وعسكرية تنفيذية )‬ ‫وتفعل عسكريا ً حسب الظروف‪.‬‬ ‫تقوم بعمل استخباري‬ ‫ّ‬ ‫‪ .3‬جمع املعلومات عن وح��ول ارتباطات العدو وامتداداته‬ ‫في اخلارج ضمن ملفات خاصة وس ّرية ‪.‬‬ ‫‪ .4‬إنشاء وتكوين ملفات معلوماتية عملياتية عسكرية‬ ‫ونفس��ية وأمنية ض��د الع��دو ‪ ،‬واختيار أه��داف منتقاة‬ ‫(سياسية وعسكرية واقتصادية وأمنية وعلمية ودينية‪،‬‬ ‫بش��رية ومادية ومعنوية ) ‪ ،‬وبن��اء قاعدة معلومات لهذه‬ ‫األه��داف تك��ون تفصيلية ّ‬ ‫متكن من فه��م عقد االتصال‬ ‫والسيطرة وأهم نقاط القوة اإلستراتيجية لديه ومعرفة‬ ‫مفاصل قوة العدو بشكل كامل والعمل على بلورة الئحة‬ ‫أه��داف به��ا ‪ ،‬وحتوي هذه امللف��ات أيضا ً عل��ى معلومات‬ ‫دقيق��ة وافية تس��مح للتنظيم باتخاذ األس��اليب التي‬ ‫تس��اعده في علمياته العس��كرية والنفسية خالل كل‬ ‫مراحل العمل واإلعداد له ‪.‬‬ ‫‪ .5‬جمع املعلومات التي من ش��أنها تطوير قدرات احلركة‬ ‫وخاص��ة على الصعيد العس��كري وحتدي��دا ً فيما يتعلق‬ ‫بتطوي��ر األس��لحة مث��ل األس��لحة الصاروخي��ة بعيدة‬ ‫املدى‪ ،‬واألسلحة الكيماوية والسموم وتفعيلها ميدانياً‪،‬‬ ‫واملش��اركة في حتدي��د االحتياجات اللوجس��تية للعمل‬ ‫العسكري ‪.‬‬ ‫‪ .6‬التحلي��ل والدراس��ات والبحوث ‪ :‬وه��ي وظيفة تعنى‬ ‫بتحليل املعلومات االستخبارية وإنتاجها في قالب ميكن‬ ‫االس��تفادة منه في مجاالت مختلفة ‪ ،‬والقيام بدراسات‬ ‫وأبحاث عس��كرية واس��تخبارية ذات أه��داف مختلفة ‪،‬‬ ‫وعقد ال��دورات – اس��تخبارية وعس��كرية متخصصة –‬ ‫التدريبية والتثقيفية وهدفها تطوير الكوادر العسكرية‬ ‫واألمنية للتنظيم ‪.‬‬ ‫‪ .7‬اإلمل��ام التام بطبيعة مس��رح العملي��ات وخصائصه‬ ‫ومراقبة هذا املسرح باستمرار وفي كل االجتاهات ‪.‬‬ ‫‪ .8‬تقدي��ر املوقف العس��كري واألمني للع��دو وللتنظيم‬ ‫بشكل عام أو مرحلي أو حلظي آني ‪.‬‬ ‫‪ .9‬األرش��يف ‪ ،‬وتتمث��ل وظيف��ة األرش��يف ف��ي جتمي��ع‬ ‫املعلومات وتصنيفها من مصادرها اخملتلفة وتنس��يقها‬ ‫وحتويله��ا للمحللني وملن يهمه األمر ومن ثم حفظها في‬ ‫قاع��دة بيانات خاصة بش��كل ّ‬ ‫ميكن من االس��ـــــتفادة‬ ‫منها ‪.‬‬

‫‪5‬‬


‫ﺍﻟﻌﺪﺩ ﺍﻟﺘﺎﺳﻊ ‪ /‬ﺷﻌﺒﺎﻥ ‪ ١٤٢٩‬ﻫـ ‪ /‬ﺁﺏ ‪ -‬ﺃﻏﺴﻄﺲ ‪ ٢٠٠٨‬ﻡ‬

‫‪ ‬ضرورة التنظري والرؤية املنهجية لسياق اجلهاد‬

‫إن التقومي��ات اجلزئية واألحداث ُ‬ ‫متيل بنا إلى أن نعتقد‬ ‫عامة للمقاومة اجلهادية العراقية"‪،‬‬ ‫ضرورة "صياغة نظرية ّ‬ ‫نـبدي من خاللها ارتباط حيثيات أعمال املقاومة املتنوعة‬ ‫ُ‬ ‫وتطور‬ ‫‪،‬‬ ‫وإيج��اب‬ ‫س��لب‬ ‫من‬ ‫هناك‬ ‫وما‬ ‫‪،‬‬ ‫ببع��ض‬ ‫بعضه��ا‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وتعويق ‪ ،‬وما هو أهم من ذلك من بيان وجوب تكامل أنواع‬ ‫األعمال غير القتالية ‪ ،‬من سياس��ة إعالمية وفكرية ‪ ،‬مع‬ ‫يخرج‬ ‫العم��ل القتالي ‪ ،‬وما ها هنا في هذه الرس��الة إمنا‬ ‫ُ‬ ‫مخ��رج احملاولة التنظيرية ألعمال املقاومة العراقية ‪ ،‬ومن‬ ‫َ‬ ‫املفي��د جدا ً أن ينت��دب أحد الدعاة الوعاة نفس��ه لتطوير‬ ‫وبحث مستفيض‪،‬‬ ‫موسع‬ ‫كتاب‬ ‫هذه الرسالة األولية إلى‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫زعم‬ ‫عبر الش��رح وذكر الشواهد ٍواألدلة التي تشهد لكل ٍ‬ ‫بعمل توثيقي ألطراف وتفاصيل القضية‪،‬‬ ‫نزعمه ‪ ،‬والقيام‬ ‫ٍ‬ ‫ث��م إضافة أش��ياء وحقائق نس��يناها وذهلن��ا عنها ‪ ،‬مع‬ ‫تق��ومي ونق ٍد ‪ ،‬ورص��د ظواهر وحتليلها ‪ ،‬رمب��ا حتتاج صراحة‬ ‫ال منلكه��ا وال ي��أذن بها ظرفنا اخل��اص ‪ ،‬وإذا صدر مثل هذا‬ ‫الكت��اب فإن�� ُه س��يكو ُن منب��ع إيجابيات كثي��رة تؤثر في‬ ‫س��لوك اجملاه��د وطريقة تفكي��ر ه‪ ،‬كم��ا أن حيثيات هذه‬ ‫الرس��الة ستكون يوما ً ما كتل ًة مفيد ًة لكل مؤرخ وقيادي‬ ‫يريد حتليل التجربة ‪ ،‬ف��إن مثل هذه اخلواطر وااللتفاتات‬

‫يحتاج لها‬ ‫بضع س��نوات من‬ ‫والتبويبات قد ينس��اها بعد‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫لترشيد خطوات الحق ٍة له ‪ ،‬ولكن عملنا هذا في حفظها‬ ‫وترتيبه��ا ميك��ن أن يكون في ِع��دادِ التدوين��ات التاريخية‬ ‫املوس��ع أج��درُ عندئذ أن يحوز‬ ‫املفي��دة ‪ ،‬والكتاب املقترح‬ ‫ّ‬ ‫كم‬ ‫هذه الصفة التاريخية إضافة إلى ما سيكون فيه من ٍ‬ ‫كبي��ر من فقه الدعوة واجلهاد ‪ ،‬وه��ذا النمط الذي نحاول‬ ‫من خالله وضع "نظرية عراقية لدفع االحتالل " ‪ :‬نحس��به‬ ‫جديدا ً في س��احة الفكر السياسي واجلهادي ‪ ،‬وهو بهذه‬ ‫الصف��ة يعتبر إبداعا ً أوحت به س��جاالت احل��وار الدعوي ‪،‬‬ ‫واس��تجاب ًة حلاجة رمبا كان يش��عر بها كثير من اجملاهدين‬ ‫من دون أن يجدوا تخريجا ً وسياقا ً وصفيا ً وتقعيديا ً ‪.‬‬ ‫ومن هنا ننتظر أن تك��ون هذه احملاولة اخملتصرة محورا ً‬ ‫تدور حوله إضافات مشابهة عديدة يبديها الدعاة اجملربون‪،‬‬ ‫وأن تكون أساس��ا ً له��ذا التنظير املهم الذي ش��عرنا بأن‬ ‫افتقاده كان ميثل نقصا ً في األداء اجلهادي ‪ ،‬وإمنا نس��تنبط‬ ‫ذلك من خالل جتارب املفكرين والساس��ة والشعوب واألمم‬ ‫أم��ر مهم رئيس ‪ ،‬إذ ف��ي التنظير ِمن ٌَح‬ ‫ف��ي التنظير لكل‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫الكفيل بأن يُطلع أهل كل ش��أن على منظر‬ ‫عديدة ‪ ،‬وهو‬ ‫شمولي لس��احة ش��أنهم ‪ ،‬فيرون الثغرات والنقص عبر‬ ‫اكتشاف منطق التسلس��ل وتتابع القضايا اجلزئية ‪ ،‬فإذا‬


‫ﺍﻟﻌﺪﺩ ﺍﻟﺘﺎﺳﻊ ‪ /‬ﺷﻌﺒﺎﻥ ‪ ١٤٢٩‬ﻫـ ‪ /‬ﺁﺏ ‪ -‬ﺃﻏﺴﻄﺲ ‪ ٢٠٠٨‬ﻡ‬

‫الحظ��وا انقطاع��ا ً في موطن م��ا ‪ :‬أدركوا‬ ‫وج��وب س��ده واكتش��اف نوعه م��ن دون‬ ‫بقفز ‪ ،‬كم��ا أن هذه‬ ‫أن يأذن��وا ألنفس��هم‬ ‫ٍ‬ ‫اإلطاللة الفوقية متكنهم من إعادة ترتيب‬ ‫األولويات حس��ب أهميته��ا املوضوعية‪،‬‬ ‫إذ رمب��ا تك��ون األولويات قد رتبت حس��ب‬ ‫تاري��خ حدوثه��ا وتسلس��لها الزمني ال‬ ‫املوضوع��ي ‪ ،‬وتبقى منافع التنظير أكبر‬ ‫م��ن ذلك ‪ ،‬إذ هو علم خاص ضمن علوم‬ ‫املنهجي��ة ‪ ،‬واملاه��ر فيه يس��تطيع أن‬ ‫يكتش��ف عبر مناقالت بقـلمه عل��ى ورق مجرد إذ هو في‬ ‫مكتبه يتأم��ل ويفكر ما يقرب ُه من الص��واب ويعفيه من‬ ‫أن يق��دم ثمنا ً جتريبيا ً عمليا ً قد يص��ل إلى تفجير دماء أو‬ ‫هدر أوقـات موس��م كامل ‪ ،‬ومن ذاق التنظير ‪َ :‬عرف مغزى‬ ‫هذه اإلشارات ‪ ،‬واحملروم املستغرب لها نغريه عبر مثل هذه‬ ‫احملاوالت أن يتخذ التنظير حالً‬ ‫ً‬ ‫أساس��ا ألنواع إش��كاالته ‪،‬‬ ‫ومن جرب مثل جتربتنا ‪ :‬عرف مثل معرفتنا ‪.‬‬ ‫‪ ‬املفاصل السبعة املتكاملة لبناء املقاومة‬ ‫ولي��س من الالزم أن يكون جزء التنظير أو املفصل من‬ ‫مفاصل��ه واضح الدالل��ة واالرتباط‬ ‫كعمل يريد صاحب القضية أن يبادر‬ ‫ٍ‬ ‫إلى إنشائه ضمن س��ياق تكوينات‬ ‫القضي��ة الت��ي يريده��ا ‪ ،‬فهذا هو‬ ‫األص��ل ‪ ،‬ولكن ميكن أن تكون بعض‬ ‫مف��ردات القضي��ة هي م��ن أفعال‬ ‫الط��رف اآلخ��ر ال��ذي نعامل��ه ‪ ،‬أو‬ ‫هي تش��كل ظرفا ً وبيئ ًة محيط ًة‪،‬‬ ‫وبذل��ك يكون ن��وع تعاملن��ا ورد‬ ‫فعلنا مفصالً أيضا ً من مفاصل‬ ‫تنظي��ر القضية ‪ ،‬ومن أمثل��ة ذلك ف��ي تنظيرنا للجهاد‬ ‫العراقي أن مبحث نقاط القوة أو مبحث اإلس��ناد العاملي‬ ‫املطل��وب هما مفص�لان واضح��ان ‪ ،‬لكن مبح��ث نقاط‬ ‫ٌ‬ ‫واضح باعتباره‬ ‫مفصل غي��ر‬ ‫الضع��ف األميركي مثالً هو‬ ‫ٍ‬ ‫تقريرا ً لصفة العدو ‪ ،‬إال أن ما ينبني على حقائق الضعف‬ ‫من خطط نس��تثمرها لصالح اجله��اد يجعل املبحث من‬ ‫جملة مفاص��ل التنظير ‪ ،‬فليفهم الداعي��ة هذا املنحى‬ ‫جيدا ً ليزول عنه اإلش��كال املوضوعي ‪ ،‬ولتظهر عنده َع ْبر‬ ‫التنظير ُكتلة األفكار اجلزئية واألحداث التفصيلية كتل ًة‬

‫منسجم ًة في تتابعها وترتيبها ‪.‬‬ ‫وال��ذي يتوصل إلي��ه توجهنا‬ ‫األ ّول��ي أن " نظري��ة دفع االحتالل "‬ ‫ميك��ن التعرف عليها عبر س��بعة‬ ‫مفاصل رئيس��ة ه��ي ‪ :‬نقاط قوة‬ ‫املقاوم��ة ‪ ،‬وحاجاته��ا الناقص��ة‬ ‫‪ ،‬والتعوي��ق ‪ ،‬ومواط�� ُن الضع��ف‬ ‫األميرك��ي ‪ ،‬ومظاه�� ُر فداح��ة‬ ‫الظل��م االس��تعماري ‪ ،‬وطرائ��ق‬ ‫اإلسناد احمللي والعاملي للمقاومة ‪،‬‬ ‫وأخيراً‪ :‬املرونة املطلوبة من املقاومة مقابل بعض احلقائق‬ ‫املس��تجدة ‪ ،‬ومن مجموع حيثيات هذه املفاصل السبعة‬ ‫نأمل أن تتو ّلد رؤية إستراتيجية شمولية لقضية االحتالل‬ ‫واملقاوم��ة ‪ ،‬ونأمل أن تتوازى مع هذه الرؤية كتل ٌة أخرى من‬ ‫املنطق السياسي واملنحى التخطيطي والفقه التجريبي‬ ‫سيجد الداعية بعض تفاصيلها كامن ًة في ثنايا احليثيات‬ ‫املبحوثة ‪ ،‬وتلك م��ن عطايا اخلروج من الصمت إلى البوح‬ ‫والتعبير ‪ ،‬فإن في كل خواطر املؤمنني ‪ ،‬بركة ‪ ،‬ولرمبا يكو ُن‬ ‫م��ا يتلقا ُه املؤمن من فوائد جانبية لم يكن يحس��بها ما‬ ‫هو في مقداره ُ‬ ‫مثل الفوائد الرئيسة التي‬ ‫كان يقصدها ‪.‬‬ ‫أول ما ّ‬ ‫يش ُد االنتباه ‪ :‬أن املقاومة متتلك‬ ‫نقاط ق��وة عديدة متكنها من االس��تمرار‬ ‫والنجاح وبكف��اءة جيدة ‪ ،‬وأن��ه أُتيح لها‬ ‫ما ل��م يتح للثورات االس��تقاللية األخرى‬ ‫التي أُضطرت لتحريك الشعوب الساكنة‬ ‫بعد مدة من خضوعها لالستعمار ‪ ،‬فقد‬ ‫جاء الرد الثوري مباش��رة بعد االحتالل من‬ ‫غير فاصل زمني ‪ ،‬بس��بب توفر املعطيات‬ ‫والوسائل ‪ ،‬وأهم هذه اإليجابيات التي كانت في االبتداء أو‬ ‫التي أفرزتها استمرارية املقاومة هي ‪:‬‬ ‫‪ ‬نثروا له السيوف‪..‬فاختار الصمصامة !!‬ ‫‪ .1‬توفر الس�لاح الكثير في أي��ادي املقاومني من بقايا‬ ‫س�لاح اجليش العراقي الواس��ع عددا ً واملتخم بالتسليح‬ ‫اخلفيف تبع��ا ً العتماده الكبير في حروبه الس��ابقة على‬ ‫جنود صنف املش��اة ‪ ،‬الذين كانوا أكث��ر من نصف مليون‬ ‫جندي مش��اة ‪ -‬ع��دا جنود ال��دروع واملدفعي��ة والصنوف‬ ‫األخ��رى ‪ ، -‬وهذا يعني أن احل��رب األميركية وهزمية اجليش‬

‫‪7‬‬


‫ﺍﻟﻌﺪﺩ ﺍﻟﺘﺎﺳﻊ ‪ /‬ﺷﻌﺒﺎﻥ ‪ ١٤٢٩‬ﻫـ ‪ /‬ﺁﺏ ‪ -‬ﺃﻏﺴﻄﺲ ‪ ٢٠٠٨‬ﻡ‬

‫العراقي وانحالله قد تركت مئات‬ ‫أل��وف من بن��ادق الكالش��نكوف‬ ‫ف��ي أي��ادي الش��عب ‪ ،‬ومثل ذلك‬ ‫من قذائ��ف ‪ RPG‬اخلارقة للدروع‪،‬‬ ‫ومث��ل ذلك م��ن األلغ��ام ‪ ،‬وألوف‬ ‫الصواري��خ الصغي��رة ‪ ،‬كل ذلك‬ ‫وقع بأيدي الن��اس ‪ ،‬فمنهم من‬ ‫أدخره للمقاوم��ة ‪ ،‬ومنهم من‬ ‫رصده للبي��ع واملتاجرة ويبيعه‬ ‫جانب إيجابي توفر أول‬ ‫مخفض ألي مجاهد ‪ ،‬وه��ذا‬ ‫بثم��ن‬ ‫ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫ي��وم لبدء املقاومة ‪ ،‬وال جت ُد كتائب اجملاهدين مش��كل ًة في‬ ‫التسليح كالتي جابهتها ثورة اجلزائر مثالً ‪ ،‬بل ميلك الشعب‬ ‫العراق��ي عددا ً كبيرا ً من املهندس�ين الذين يس��تطيعون‬ ‫تق��دمي خبراتهم ف��ي تطوير الس�لاح وحتويره ملا يناس��ب‬ ‫طبائ��ع معارك املقاومة ‪ ،‬حتى مدافع الهاون وقذائفها من‬ ‫عي��ارات مختلفة كانت وم��ا تزا ُل متوف��رة ‪ ،‬بل قد حصل‬ ‫إط�لاق صواريخ ثقيلة عل��ى مطار بغ��داد وقواعد أخرى ‪،‬‬ ‫ب��ل أكثر من ه��ذا فإن بعض تكنولوجيا الغازات الس��امة‬ ‫التي امتلكها صدام أيام حربه مع إيران يمُ كن أن تـتس��رب‬ ‫إلى بع��ض اجملاهدين ‪ُ ،‬‬ ‫وكل ذلك يعتبر نقطة‬ ‫وبخاصة إمكانية استعمال‬ ‫ترجيح متميزة ‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الغاز السام ‪ ،‬ألن اإلدارة األميركية رمبا تُـفكر‬ ‫في أح��د حلولها أن تس��حب جيش��ها من‬ ‫ش��وارع بغداد واملدن وتظل قابع ًة في قواعد‬ ‫تتيح لها التدخل املستقبلي‬ ‫خاصة بعيدة‬ ‫ُ‬ ‫عند احلاجة ‪ ،‬ولكن س��معة الغازات تقذف‬ ‫ف��ي قلبها الرهبة ‪ ،‬والي��وم تكاد أن تكتمل‬ ‫عملي��ات إنش��اء أكثر من عش��رين قاعدة‬ ‫عس��كرية أميركية في العراق فيما يُقال‬ ‫نقالً عن بعض املهندس�ين ‪ ،‬لكن السؤال‬ ‫ما دام يجثم على صدور اإلدارة ‪ :‬هل أن بإمكانهم إس��كان‬ ‫جنودهم فيها أم أن الغازات ستالحقهم ؟!‬ ‫‪ُ ‬ر ّب حامل فق ٍه وسالح ألفقه منه وأشجع‬ ‫‪ .2‬توفر س�لاح آخر على ش��كل إمداد لبعض فصائل‬ ‫املقاوم��ة أو غيره��ا م��ن ميليش��يات األحزاب الش��يعية‬ ‫وغيرها يأتيها من إيران وس��وريا ‪ ،‬وهذا وإن لم يستفد منه‬ ‫املقاوم وال يعطى له مباش��رة إال أن فصائل املقاومة اجلادة‬ ‫ُ‬ ‫يصل‬ ‫تستطيع شراءه بس��هولة وبثمن معتدل من الذين‬ ‫ٌ‬ ‫فاعل‬ ‫له��م ‪ ،‬فه��و إذا ً طريق تس��ليح غير مباش��ر ‪ ،‬لكنه‬

‫‪8‬‬

‫ومكافئ ‪ ،‬واحلال أش��به مبا كان أيام أفغانس��تان‬ ‫ح�ين كانت أمي��ركا تعطي الس�لاح الوفير إلى‬ ‫فصائل صغيرة موالية لها من أمثال ( ُمجددي)‪،‬‬ ‫فيبيع��ه بدوره إل��ى الفصائ��ل الفاعل��ة أمثال‬ ‫( جماع��ة حكمت ي��ار ) ‪ ،‬ودور إيران ه��و األكبر ‪،‬‬ ‫واخملابرات اإليرانية اس��تطاعت توزيع الكثير من‬ ‫السالح اخلفيف والديناميت واأللغام ‪.‬‬ ‫فج َّد اجلهاد‬ ‫‪ ‬هزلت احلياة ‪َ ...‬‬ ‫‪ .3‬ولكن ما ه��و أعتى من األلغام املتفجرة ‪:‬‬ ‫األلغام البش��رية العراقية ‪ ،‬وذلك أن احلروب العديدة التي‬ ‫خاضها العراق ‪ ،‬ثم احلصار القاس��ي ‪ :‬كل ذلك قد س��حق‬ ‫ودمر ُه نفسيا ً ‪ ،‬وحرمه لذائذ احلياة ‪ ،‬وركنه‬ ‫العراقي سحقا ً ‪ّ ،‬‬ ‫إلى بطال��ة مهينة ‪ ،‬وإلى تأخر زواج��ه ‪ ،‬وصعوبة بناء داره‬ ‫‪ ،‬فأصب��ح العراقي قنبلة موقوت��ة ‪ ،‬أو قنبل ًة تنفجر بأدنى‬ ‫ضغط آخر ‪ ،‬وصار املوت مألوفا ً ‪ ،‬واحلياة رخيصة ‪ ،‬وملا أضيف‬ ‫إل��ى ذلك عامل التحدي السياس��ي ملس��تعمر غازٍ ظالم‬ ‫‪ ،‬ث��م حصلت صيح ٌة إمياني ٌة تس��تعي ُد ال��ركاز العقائدي ‪:‬‬ ‫أسرعت أعداد كبيرة من العراقيني إلى االنتماء إلى صفوف‬ ‫املقاومة ‪ ،‬وصارت تتسابق وما زالت ‪ ،‬حتى أصبح هناك بني‬ ‫تنافس وتفاخ ٌر ‪ :‬أيها‬ ‫العش��ائر‬ ‫ٌ‬ ‫أثخ�� َن ف��ي العدو أكث��ر ؟ وهذه‬ ‫نقطة متيز أخرى ‪ ،‬إذ ليس هناك‬ ‫ف��ي التجني��د إش��كال وال في‬ ‫الرفد واملدد ‪ ،‬وذلك عامل حيوي‬ ‫في إدامة املقاومة واستمرارها ‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫خوف وهل ٌع لدى اجلندي‬ ‫يقابل��ه‬ ‫األميركي املس��ترزق ‪ ،‬وكم من‬ ‫عراق��ي رأى ثالثة س��يارات من‬ ‫نوع ( َه َمرْ ) محشورة باملارينـز ‪،‬‬ ‫فيضرب مجاه ٌد إحداها بسالح‬ ‫ُ‬ ‫‪ّ RPG‬‬ ‫فتف ُر الثنتان وال ينجد املتورطني أحد إال أن تأتي طائرة‬ ‫هيليكوبتر بعد وقت‪.‬‬ ‫غائب حاضر‬ ‫‪َ ‬م َد ٌد أصيل ‪ ...‬من ٍ‬ ‫‪ .4‬وأخط��أت اإلدارة األميركي��ة خط��أ ً عظيما ً في هذا‬ ‫الس��ياق حني أقدم��ت على ّ‬ ‫حل اجليش العراقي وتس��ريح‬ ‫قطاعات��ه وضباطه وأف��راده ‪ ،‬فإنها قدم��ت بذلك عناصر‬ ‫الـم َدرَبني تدريب��ا ً عاليا ً ليقودوا قيادة‬ ‫كثيرة م��ن الضباط ُ‬ ‫ميداني��ة الكثير من العمليات اجلهادي��ة ‪ ،‬حتى ولو كانت‬ ‫القي��ادة السياس��ية لفصائل اجملاهدين مدني��ة ‪ ،‬ويظاهر‬


‫ﺍﻟﻌﺪﺩ ﺍﻟﺘﺎﺳﻊ ‪ /‬ﺷﻌﺒﺎﻥ ‪ ١٤٢٩‬ﻫـ ‪ /‬ﺁﺏ ‪ -‬ﺃﻏﺴﻄﺲ ‪ ٢٠٠٨‬ﻡ‬

‫الضب��اط ويعينهم أيضا ً ع��دد كبير م��ن ضباط الصف‬ ‫والفنيني الذين يتقنون استعمال السالح ‪ ،‬بل حتى عامة‬ ‫الن��اس كانوا ق��د لبثوا ف��ي اجليش‬ ‫س��نني طويلة عبر اخلدمة اإللزامية‬ ‫أثن��اء احل��روب واس��توعبوا الدروس‬ ‫احلربية عبر معارك طاحنة في احلرب‬ ‫اإليراني��ة بخاص��ة ‪ ،‬وكل ذلك يبدو‬ ‫أن��ه لم يك��ن في حس��اب اخملطط‬ ‫األميرك��ي ‪ ،‬إذ م��ا عس��ى أن يكون‬ ‫م��ن نقص في مقاوم��ة مثالية إذا‬ ‫توفر الضابط املدرب الكفؤ ليقود‪،‬‬ ‫وإذا توف��ر اجلن��دي الذي خاض من‬ ‫قب��ل املعارك الكب��رى ‪ ،‬أو إذا توفر‬ ‫العاطل الفقي��ر الذي أرهقته املعاناة واحلصار وصار لُغما ً‬ ‫ٌ‬ ‫ضاغط عليه ؟‬ ‫ينفجر مع أول ضغط ٍة يضغطها‬ ‫إن أمي��ركا خس��رت نص��ف معركتها م��ع املقاومة‬ ‫بغفلتها عن هذه احلقائق الغريبة التي ليس لها مثال في‬ ‫حروب االستقالل األممية ‪ ..‬نعم ‪ :‬استفادت الثورة اجلزائرية‬ ‫من ثلة م��ن الضباط الذين خدموا في اجليش الفرنس��ي‬ ‫أثناء احلرب العاملية الثانية ‪ ،‬مثل ( ابن ب ّال ) وأصحابه ‪ ،‬لكن‬ ‫أولئك كانوا ثل ًة صغيرة ‪ ،‬وأما عدد الضباط الذين سرحوا‬ ‫من اجليش العراقي فهم عش��رات ألوف ‪ ،‬ولو أراد تس��عة‬ ‫من كل عش��رة منهم أن يقاطعوا املقاومة وعاونها واح ٌد‬ ‫فقط لكان ف��ي ذلك قيام اجلانب القي��ادي امليداني تاما ً ‪،‬‬ ‫وذل��ك هو عنصر تف��وق اس��تراتيجي للمقاومة الت حني‬ ‫اس��تدراك األمي��ركان عليه مهما أغروا جيالً واس��عا ً من‬ ‫الضباط السابقني باخلدمة في اجليش اجلديد ‪.‬‬ ‫‪ُ ‬مفاصلة شعبية واسعة مع الوجود االستعماري‬ ‫‪ .5‬وم��ن نق��اط القوة ل��دى املقاومة ‪ :‬أنه��ا بدأت فور‬ ‫انتهاء حرب االحتالل ‪ ،‬فلم يستطع األميركان أن يحكموا‬ ‫قبضتهم على اجملتمع العراقي ‪ ،‬نعم ‪ :‬تعاون معهم عدد‬ ‫كبي��ر من العراقيني بس��بب مذهبي أو قوم��ي ‪ ،‬أو تعاون‬ ‫السني وعشائره‪،‬‬ ‫معهم بعض أفراد من أهالي مدن املثلث ُ‬ ‫ولك��ن ل��م تس��تطع اإلدارة االس��تعمارية أو جيوش��ها‬ ‫املقاتلة النفاذ إلى عم��ق اجملتمع العراقي وحتقيق معرف ٍة‬ ‫اس��تخبارية كالتي كان عليها االس��تعمار البريطاني أو‬ ‫الفرنس��ي مثالً ‪ ،‬حني َح َكما بعض البالد طويالً وعرفا كل‬ ‫فردٍ وقاما بتجنيد اجلواس��يس ‪ ،‬ولذلك نرى تأييدا ً واس��عا ً‬ ‫السني للمجاهدين حتَّى أن اليافعني‬ ‫من كل أبناء املثلث ُ‬

‫نراه��م يرقصون على حطام الدباب��ات املدمرة بال وجل وال‬ ‫خوف ‪.‬‬ ‫‪ ‬جها ٌد مينح ِعزة رادعة‬ ‫‪ .6‬وم��ن نقاط ق��وة املقاومة أيضاً‪:‬‬ ‫الت�لازم احلاص��ل في عال��م الواقع بني‬ ‫الس��نة اجله��ادي ض��د‬ ‫موق��ف أه��ل ُ‬ ‫االحت�لال ‪ ،‬وموقفه��م الدفاع��ي ضد‬ ‫االحتم��االت الس��لبية الت��ي يفرزه��ا‬ ‫التنافس املتولد من االنقسام املذهبي‬ ‫العري��ق في اجملتمع العراق��ي ‪ ،‬ذلك أن‬ ‫القي��ادات الش��يعية ق��د حتالفت مع‬ ‫اخلط��ة األميركية حتالفا ً عميقا ً وعلى‬ ‫مدى س��نني قبل احلرب عب��ر مؤمترات‬ ‫املعارضة في بريطانيا وزيارات األحزاب لواشنطن ‪ ،‬مما أوحى‬ ‫الس��نة مبعنى تفوق عليهم ليس من الس��هل‬ ‫لدى أهل ُ‬ ‫الس��نة طيلة الش��هور األولى بعد‬ ‫إغفال��ه ‪ ،‬ولب��ث أهل ُ‬ ‫احلرب في حال ٍة من القلق الشديد أن يحصل لهم اجتياح‬ ‫في مناطق التماس في الوسط وفي البصرة ‪ ،‬ولكن طروء‬ ‫معارك املقاوم��ة وانتصاراتها املتتابعة في معاركها ضد‬ ‫الس��نة وشعورا ً‬ ‫جيش االحتالل أوجد ثق ًة في نفوس أهل ُ‬ ‫بوجود مدافع عنهم مترس وكسب الساحة وباستطاعته‬ ‫أن يستثمر فوزه ‪ ،‬فتطورت هذه الثقة خالل بضعة أشهر‬ ‫تام وشعور بتالزم العملني معا ً ضد مصدري‬ ‫إلى اطمئنان ٍ‬ ‫السني بتوكيل‬ ‫اخلطر ‪ ،‬مما أرسى ش��عورا ً عاما ً في املثلث ُ‬ ‫املقاوم��ة ف��ي الدفاع ع��ن قضيتهم احمللية ي��وازي توكل‬ ‫املقاوم��ة أص�لاً بدفع الق��وة العاملية ‪ ،‬فحدث إحس��اس‬ ‫الس��ني كأنه املدد‬ ‫بوحدة املصير وصار كل فرد في املثلث ُ‬ ‫للمقاوم��ة والظهير‬ ‫النصير ‪ ،‬وهذا عنصر‬ ‫تف��وق اس��تراتيجي‬ ‫ب��دوره ل��و قارن��اه‬ ‫بانقس��ام الش��عب‬ ‫األميركي إلى فئتني‬ ‫في أمر غزو العراق‪،‬‬ ‫أو انقس��ام اإلدارة‬ ‫األميركي��ة إل��ى‬ ‫مدرس��تني ‪ ،‬أو‬ ‫الهزمية النفسية التي تعصف بأكثر جنود االحتالل ‪.‬‬

‫‪9‬‬


‫ﺍﻟﻌﺪﺩ ﺍﻟﺘﺎﺳﻊ ‪ /‬ﺷﻌﺒﺎﻥ ‪ ١٤٢٩‬ﻫـ ‪ /‬ﺁﺏ ‪ -‬ﺃﻏﺴﻄﺲ ‪ ٢٠٠٨‬ﻡ‬

‫ف��ي معركة ب��در ‪ ،‬يس��تنهض رس��ول اهلل ‪ ‬الهمم‬ ‫ويدفع بالرجال خلوض غمار املعركة بقوله ‪ ( :‬قوموا إلى جنة‬ ‫عرضها الس��موات واألرض ) ‪ ..‬فيتقد لذلك عمير بن احلمام‬ ‫األنصاري ‪ ‬وبيده مترات يأكلهن إذا ما جاعت البطن وفقد‬ ‫البدن قوته ملواصلة املعركة ‪ ..‬ولكنها اجلنة‪ ..‬فآثر اجلنة على‬ ‫التم��رات وقال ‪ :‬بخ بخ ‪ ،‬لئ��ن أنا حيت حتى آكل متراتي هذه‬ ‫إنها حلياة طويلة ‪ ..‬ورمى بالتمرات وقاتل حتى استشهد ‪.‬‬ ‫موقف آخر لش��يخ مجاهد من ش��يوخ الصحابة ‪ ،‬إنه‬ ‫عب��د اهلل األنصاري ‪ .. ‬ففي ح��وار هادئ ميتلئ بالروحانية‬ ‫الصادق��ة الت��ي ال غموض وال خداع فيها م��ع ولده الوحيد‬ ‫جاب��ر ‪ ..‬يقول االبن البار ‪ :‬أبتي ‪ ،‬أنت ش��يخ كبير وقد عذرك‬ ‫اهلل ‪ ،‬أنا أخرج مكانك ‪ ..‬فيجيب األب ‪ :‬إنها اجلنة يا بني ‪ ،‬ولو‬ ‫كانت غيرها آلثرتك فيها ‪.‬‬ ‫وموقف مجاهدة من أم عمارة يوم اُحد ‪ ،‬إذ يحيط جنود‬ ‫الش��يطان برسول اهلل ‪ ‬لقتله ‪ ،‬فإذا بهذه اجملاهدة تهرول‬ ‫مس��رعة للذب عن رس��ول اهلل ‪ ، ‬فيقول لها احلبيب ‪: ‬‬ ‫(من يطيق ما تطيقني يا أم عمارة ؟ )‪ ،‬فقالت ‪ :‬أطيق وأطيق‬ ‫يا رسول اهلل ‪ ،‬ولكني أسالك رفقتك في اجلنة ‪.‬‬ ‫إنه��ا اجلنة يا أحباب اهلل ‪ ..‬يا من اخت��رمت طريق اجلهاد‪..‬‬ ‫تدف��ع بأصحاب محم��د ‪ ‬رجالهم ونس��اؤهم وصغارهم‬ ‫خلوض غمار املعارك ‪ ،‬وحتمل بارقة الس��يوف وضربات الهام‬ ‫وفعل العجائب التي تبيض وجوه يوم تبيض وجوه وتس��ود‬ ‫وجوه ‪..‬‬ ‫اجلنة ‪ ..‬سلعة اهلل الغالية ملن جاهد مباله ونفسه {ﯖ‬

‫ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ‬ ‫ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ‬ ‫ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ‬ ‫ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ } التوبة ‪. 111 :‬‬

‫‪10‬‬

‫وكل ش��يء يهون ما دام اجلزاء اجلنة ‪ ( ..‬وموضع س��وط‬ ‫في اجلنة خير م��ن الدنيا وما فيها ) {ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ‬ ‫ﰗ ﰘ ﰙ } الزمر ‪.. 10 :‬‬ ‫اجلنة فيها ما ال عني رات وال أذن س��معت وال خطر على‬ ‫قلب بشر ‪ ،‬فيه الشجرة الواحدة يسير الراكب في ظاللها‬ ‫وقطوفه��ا الدانية أربعني عام��ا ً ال يقطعها ‪ ،‬للمؤمن فيها‬ ‫خيم��ة من لؤلؤ ‪ ،‬لبناتها الذه��ب والفضة ‪ ،‬لهم فيها حلم‬ ‫طي��ر مما يش��تهون ‪ ،‬ولهم فيه��ا زوجات من احل��ور العني ‪،‬‬ ‫الكواعب األتراب ‪ ،‬وللشهيد ثنتان وسبعني زوجة من احلور‪..‬‬ ‫يرى املؤمن اجملاهد ُ‬ ‫عظم س��اقها م��ن وراء اللحم ‪ ،‬بل ويرى‬ ‫مالمح وجهه إذا ما نظر في وجهها وكأن وجهها مرآة ‪ ،‬وأن‬ ‫نصيفها ليضئ الهل الدنيا ليلهم فيصبح نهارا ً ‪..‬‬ ‫جن��ة اجلار فيه��ا أحمد ‪ .. ‬غراس��ها ( س��بحان اهلل‬ ‫واحلم��د هلل وال إل��ه إال اهلل واهلل أكب��ر ) ‪ ،‬أرضه��ا املس��ك‬ ‫والزعف��ران ‪ ،‬ويكش��ف ألهل الدرجات العل��ى في اجلنة من‬ ‫فوقهم وجه اهلل العظي��م{ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ‬ ‫ﭠ} القيامة‪.23-22:‬‬ ‫أهل اجلنة يومئذ في نعيم ال يدنيه نعيم ‪ ..‬ما مر باملؤمن‬ ‫في الدنيا من ضيق وكرب وشدائد وبأس وضراء ‪ ،‬كل ذلك مر‬ ‫عليه في س��نوات عمره الطويلة ‪ ،‬لو أنه غمس غمسة في‬ ‫نعي��م اجلنة حلظة واحدة وس��اله اهلل ‪ : ‬هل مر بك بأس‬ ‫ق��ط ؟ فيجيب ذلك املؤمن املتنعم بنعيم اجلنة للحظة ‪ :‬ال‬ ‫يا رب ‪ ،‬ما مر بي بأس في الدنيا ‪.‬‬ ‫غمس��ة واحدة ‪ ،‬تنس��يك محنا ً أتعبتك في الدنيا ‪ ،‬بل‬ ‫وأقعدت العقالء ‪ ..‬غمسة أنستك رباك ليلة أو ليلتني أو قل‬ ‫ليالي طواال ً ‪ ..‬غمسة أنستك صنيع امليليشيات الطائفية‪،‬‬ ‫أنس��تك صنيع احملت��ل في أرض بالدك ‪ ،‬أنس��تك كدر الدنيا‬ ‫وسوء خلق أهلها وجفاء األصحاب أحيانا ً ‪..‬‬


‫ﺍﻟﻌﺪﺩ ﺍﻟﺘﺎﺳﻊ ‪ /‬ﺷﻌﺒﺎﻥ ‪ ١٤٢٩‬ﻫـ ‪ /‬ﺁﺏ ‪ -‬ﺃﻏﺴﻄﺲ ‪ ٢٠٠٨‬ﻡ‬

‫ولك��ن مقابل هذا النعيم الواس��ع ‪ :‬أين أنت من جهاد‬ ‫الصحاب��ة ‪ ‬؟ هذا الذي يربط على بطنه احلجر واحلجرين‬ ‫من ش��دة اجلوع ويصبر ألن الثواب اجلنة ‪ ،‬وذلك الذي يسهر‬ ‫ليل��ة ويقطع نوم��ه والثواب اجلنة ‪ ،‬وآخر يقطع الس��هول‬ ‫والودي��ان والبحار واجلبال لينفع أرض��ا ً تعبد اهلل ‪ ‬ويعبر‬ ‫عل��ى األذى واجل��زاء اجلن��ة ‪ ،‬وذل��ك الذي يتحمل من يش��ق‬ ‫جسده فيفرقه نصفني ألن وراءه اجلنة‪.‬‬ ‫ألقي ابن تيمية ‪ -‬رحمه اهلل ‪ -‬في س��جن القلعة ظنا ً‬ ‫من األعداء أنه سيضعف ويرجع عن ثباته فاذا به يقول ‪:‬‬ ‫م��ا يصنع أعدائي بي ‪ ،‬فإن جنتي وبس��تاني في قلبي ‪،‬‬ ‫وقلبي بني يدي ربي ‪ ..‬إن حبس��وني فهي خلوة مع اهلل ‪ ،‬وإن‬ ‫قتلوني فهي شهادة ‪ ،‬وإن نفوني فهي سياحة ‪..‬‬ ‫نع��م ‪ ،‬إنها جن��ة الدنيا ( األنس ب��اهلل ) ‪ ،‬ومن ال يدخل‬ ‫جن��ة الدنيا لن يدخل جنة اآلخ��رة ‪ ،‬حتى يذكر املؤرخون أن‬ ‫آخر عه��د ابن تيمية في هذه الدنيا وهو س��جني كان يردد‬ ‫{ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ‬ ‫ﭶ } القمر ‪ ، 55-54:‬ثم فارقت روحه إلى باريها ‪.‬‬ ‫وهذا أبو مسلم اخلوالني يضع سوطا ً على حائط داره ‪،‬‬ ‫يقوم الليل ‪ ،‬فإذا ما وجد فتورا ً في عبادته قام إلى س��وطه‬ ‫ويضرب بس��اقه قائالً ‪ :‬أيظن أصح��اب محمد ‪ ‬أنهم لم‬ ‫يخلفوا بعدهم رجاال ً ؟؟‬ ‫واهلل لنزاحمهم على محمد ‪ ‬على الركب ؟‬ ‫وه��ذا أمير املؤمنني س��يدنا عمر ب��ن اخلطاب ‪ ‬يولي‬ ‫أب��ا عبيدة على الش��ام ‪ ،‬حتى إذا ما مرت األيام والش��هور‬ ‫عل��ى تلك الوالية املباركة يأتي أمي��ر املؤمنني عمر الفاروق‬ ‫‪ ‬ليتفق��د أموال الش��ام فيطلب من أميره��ا أبو عبيدة‬ ‫بأن يذهب إل��ى داره فيقول أبو عبيدة ‪ :‬ما تريد إال أن تعصر‬ ‫عيني��ك ي��ا أمير املؤمن�ين ‪ ،‬قال عم��ر ‪ :‬إن كان وال بد ‪ ..‬يريد‬ ‫س��يدنا عمر أن يتفقد حال داره ودار أمني األمة ‪ ..‬فإذا بهما‬ ‫يدخالن الدار فيجول عمر بنظره عينه مينة ويس��رة فال يرى‬ ‫إال حصي��رة أكلتها األرض ‪ ،‬فيس��ال عمر ‪ :‬أب��ا عبيدة ‪ ،‬أين‬ ‫متاع��ك ؟ قال ‪ :‬أعددناه ل��دار في اآلخرة ‪ ..‬ق��ال عمر ‪ :‬وأين‬ ‫طعامك ؟ فيذهب أبو عبيدة فيأتي بكس��يرات خبز يابسة‬ ‫فيق��ول عمر ‪ :‬أهذا طعامك ؟ قال أبو عبي��دة ‪ :‬بلى يا أمير‬ ‫املؤمن�ين ‪ ،‬فتخرج الدموع من عيني الف��اروق ويقول ‪ :‬لقد‬ ‫غيرتنا الدنيا وما غيرتك يا أبا عبيدة ‪.‬‬ ‫إنها اجلنة ‪ ..‬سلعة اهلل الغالية ‪ ،‬فأين املشمرون ؟ وأين‬ ‫فرسان النهار ورهبان الليل ؟ { ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ‬ ‫ﯦ } املطففني ‪. 26 :‬‬

‫‪11‬‬


‫ﺍﻟﻌﺪﺩ ﺍﻟﺘﺎﺳﻊ ‪ /‬ﺷﻌﺒﺎﻥ ‪ ١٤٢٩‬ﻫـ ‪ /‬ﺁﺏ ‪ -‬ﺃﻏﺴﻄﺲ ‪ ٢٠٠٨‬ﻡ‬

‫املفاجأة واملباغتة‬

‫وتعن��ي الظهور أمام العدو في وق��ت ال يقدره وبصورة‬ ‫ال يتوقعها وبأس��لوب يجهل��ه ‪ ،‬وتنتج عن ضرب العدو في‬ ‫مكان أو زمان أو طريقة بشكل ال يتوقعه أو بشكل هو غير‬ ‫مستعد له ‪ ،‬وهي من أقوى العوامل وأبعدها أثرا ً في احلرب‪،‬‬ ‫مل��ا لها م��ن تأثير معنوي ونفس��ي على الع��دو ‪ ،‬مما يجعل‬ ‫االضط��راب يدب في عمله وعقله ونفس��يته ‪ ،‬وهناك عدة‬ ‫وسائل ميكن احلصول بها على املباغتة ‪:‬‬ ‫أ‪ .‬كتمان االس��تعدادات للخطط احلربية ‪ ،‬وذلك نتيجة‬ ‫الس��رعة واخلدعة مع تطبيق القوة القتالية ‪ ،‬واالستطالع‬ ‫الفعال ‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ب‪ .‬التنق��ل الس��ريع للقطعات من نقط��ة إلى أخرى‬ ‫متهيدا ً إلنزال الضربة على موقع ال يتوقعه العدو ‪.‬‬ ‫ت‪ .‬استخدام األرض الصعبة أو بعبور املوانع التي تعتبر‬ ‫قدر العدو أهميتها ‪.‬‬ ‫غير قابلة للعبور أو في جبهة ال ي ُ ّ‬ ‫ث‪ .‬استخدام أس��لحة جديدة غير متوقعة أو أساليب‬ ‫تعبوية جديدة ‪ ،‬أو بقوات كبيرة العدد لم تكن في احلسبان‬ ‫‪ ،‬وقد تك��ون املفاج��أة تكتيكية في مي��دان املعركة ‪ ،‬وقد‬ ‫تكون إستراتيجية خارج ميدان املعركة ‪.‬‬

‫‪12‬‬

‫وال ب��د م��ن معرفة العوام��ل التي تس��اعد في حتقيق‬ ‫املفاجأة ومن أهمها ‪ :‬السرعة – اخلدعة – السرية – سهولة‬ ‫احلركة – التفكير بكل االحتماالت املتوقعة ‪.‬‬ ‫يق��ول مولتك��ه ‪ " :‬أالح��ظ أن هن��اك دائما ً ث�لاث طرق‬ ‫مفتوح��ة أمام العدو ولكن��ه يأخذ عادة الطري��ق الرابع " ‪،‬‬ ‫واملباغتة كان لها دور كبير في احلروب اإلسالمية سواء في‬ ‫املكان أو في الزمان أو في األسلوب ‪.‬‬ ‫فلقد أخفى الرسول ‪ ‬نواياه في غزوة فتح مكة حتى‬ ‫ع��ن أهله وصديقه أب��ي بكر ‪ ، ‬دخل أبو بك��ر على ابنته‬ ‫عائش��ة زوج النب��ي وهي تهي��ئ جهاز الرس��ول ‪ ، ‬فقال‬ ‫له��ا‪ :‬أي بنية ‪ ،‬أأمركم رس��ول اهلل أن جتهزوه ؟ قالت ‪ :‬نعم‬ ‫‪ ،‬فتجه��ز ‪ ،‬قال الصديق ‪ :‬فأين ترين��ه يريد ؟ قالت ‪ :‬واهلل ال‬ ‫أدري ‪.‬‬ ‫بهذا الكتمان ‪ ،‬اس��تطاع الرس��ول ‪ ‬أن يحرك جيشا ً‬ ‫كبيرا ً من عشرة آالف مجاهد لفتح مكة دون أن تستطيع‬ ‫قريش معرفة وقت حركته وال نواياه ‪ ،‬مما أنطق أبو س��فيان‬ ‫فق��ال لقومه ‪ " :‬هذا محمد قد جاءكم مبا ال قبل لكم به"‪،‬‬ ‫وكان م��ن أث��ر املباغتة أن دخل املس��لمون مك��ة دون قتال‬ ‫منتصرين ‪ ،‬واضطرت قريش إلى التسليم ‪.‬‬


‫ﺍﻟﻌﺪﺩ ﺍﻟﺘﺎﺳﻊ ‪ /‬ﺷﻌﺒﺎﻥ ‪ ١٤٢٩‬ﻫـ ‪ /‬ﺁﺏ ‪ -‬ﺃﻏﺴﻄﺲ ‪ ٢٠٠٨‬ﻡ‬

‫وف��ي غزوة خيب��ر حترك الرس��ول ‪‬‬ ‫إلى الرجيع قريب��ا ً من ديار غطفان ‪ ،‬وبعد‬ ‫أن أرس��ل مف��رزة صغيرة إلى معس��كر‬ ‫غطفان عاد بقواته الرئيس��ة إلى خيبر ‪،‬‬ ‫وبهذه احلركة أوهم غطفان بأنه يريدهم‬ ‫‪ ،‬وأوه��م يه��ود خيب��ر بأن��ه ال يريدهم ‪،‬‬ ‫فباغ��ت الطرف�ين ومن��ع تعاونهما في‬ ‫قتال املسلمني ‪.‬‬ ‫وم��ن أمثلة املباغتة في األس��لوب‬ ‫املباغت��ة ف��ي اخلن��دق ‪ ،‬حي��ث أق��ام‬ ‫املس��لمون نوع��ا ً جدي��دا ً م��ن الدفاع‬ ‫كان��ت قري��ش وحلفاؤها يجهلون��ه ‪ ،‬ألن الع��رب لم تكن‬ ‫تعرف إنش��اء اخلن��ادق لغ��رض احلماية ‪ ،‬ومث��ال آخر حيث‬ ‫قاتل الرس��ول ‪ ‬بأس��لوب الصف جتاه قريش التي قاتلته‬ ‫بأسلوب الكر والفر ‪.‬‬ ‫ولقد استخدم الرسول القائد ‪ ‬املنجنيقات والدبابات‬ ‫في غزوة حصار الطائف ‪ ،‬كل هذه أمثلة تدل على عبقرية‬ ‫الرسول القائد وتطبيقه مبدأ املفاجأة في غزواته ‪.‬‬ ‫ولقد طبق الرس��ول القائد ‪ ‬املفاجأة اإلستراتيجية‬ ‫وذل��ك بإخفاء نية الهجوم ووق��ت الهجوم وحجم القوات‬ ‫املهاجمة ومكان الهجوم ‪ ،‬وقد كان يعتمد على الس��رية‬ ‫التام��ة في التخطيط وفي حش��د الق��وات وتعبئتها مع‬ ‫اتباع أساليب املفاجأة في اجملال السياسي‬ ‫والعسكري ‪.‬‬ ‫وقد طبق أيض��ا ً املفاجأة التكتيكية‬ ‫وذل��ك ف��ي نط��اق القت��ال التكتيك��ي ‪،‬‬ ‫فاتبع أساليب مبتكرة في القتال وطبق‬ ‫االندفاع من اجتاه غير متوقع مع السرعة‬ ‫ف��ي حتري��ك الق��وات ملعاجل��ة املواق��ف‬ ‫والوص��ول إلى الهدف بأق��ل وقت وأقل‬ ‫التكالي��ف ‪ ،‬وهذا ليس باألمر امليس��ور‬ ‫حتقيق��ه إالّ بتخطيط يك��ون غاية في‬ ‫املهارة واحلذق ‪.‬‬

‫العمل التعرضي‬

‫ويعن��ي ال��روح الهجومي��ة الت��ي يتحلى به��ا القائد‬ ‫نحو مواجه��ة املواقف التي ال بد م��ن وقوعها بقوة وإرادة‬ ‫مصممة على القتال ‪ ،‬وهو ضروري ‪:‬‬ ‫‪ .1‬لتحقي��ق النتائج احلاس��مة وللحف��اظ على حرية‬ ‫العمل ‪ ،‬فاملهاجم أقوى من املدافع ألنه ميتلك زمام املبادرة‬ ‫ويتميز جنوده باملعنوي��ات العالية ‪ ،‬ويولد لديهم التفكير‬ ‫اخلالق بالنسبة للحرب ‪.‬‬

‫‪ .2‬كم��ا ينتخ��ب املهاج��م‬ ‫النقطة املناس��بة الت��ي يهاجمها‬ ‫وبذلك يستثمر نقاط ضعف العدو‬ ‫ويواجهه بحزم وقوة التطورات غير‬ ‫املتوقع��ة ‪ ،‬أما بالنس��بة للمدافع‬ ‫فيج��ب أن يك��ون قوي��ا ً ف��ي كل‬ ‫مكان ألن��ه ال يعرف م��ن أين عدوه‬ ‫سيهاجمه ‪.‬‬ ‫وميك��ن اعتب��ار كاف��ة غ��زوات‬ ‫النب��ي ‪ ‬تعرضية ما ع��دا غزوتي‬ ‫أحد واخلندق ‪ ،‬إذا أن املش��ركني هم‬ ‫الذين حش��دوا قواتهم ملواجهة املس��لمني ‪ ،‬والتعرض في‬ ‫دولة اإلس�لام ليس معناه التحرش واالعت��داء والتعطش‬ ‫لسفك الدماء بل املبادرة من قبل القائد ملنح قواته احلوافز‬ ‫املعنوية ملواجهة العدو بأق��ل وقت وأقل التكاليف وأعلى‬ ‫كفاءة ‪.‬‬ ‫ويوضح األستاذ محمد فرج في كتابه القيم ( املدرسة‬ ‫العس��كرية اإلس�لامية ) مفه��وم التعرض في اإلس�لام‬ ‫فيقول‪:‬‬ ‫( فف��ي عه��د النب��ي ‪ ‬كان املس��لمون ف��ي غالبية‬ ‫غزواته��م ه��م املهاجمون ‪ ،‬وفي عهد أب��ي بكر ‪ ‬هاجم‬ ‫املس��لمون املرتدي��ن ومانع��ي الزكاة ‪ ،‬وف��ي عهد عمر ‪‬‬ ‫انتقلت اجليوش اإلسالمية إلى خارج‬ ‫اجلزيرة ‪ ،‬وكانت معاركهم كلها في‬ ‫أرض أعدائهم ‪ ،‬ففي الش��ام حيث‬ ‫تقدم��وا م��ن موق��ع إلى آخ��ر ‪ ،‬من‬ ‫اليرموك إلى دمش��ق إلى حمص ‪..‬‬ ‫وفي الع��راق حي��ث اجتاحوا األرض‬ ‫مبن عليها من مواقع متعددة بدأها‬ ‫خالد بن الولي��د ‪ ‬في الكواظم ‪،‬‬ ‫حيث حتقق أول انتصار على الفرس‬ ‫‪ ،‬وأنهاها س��عد بن أب��ي وقاص ‪‬‬ ‫ف��ي القادس��ية حيث قض��ى على‬ ‫دولتهم ورفع راية اإلسالم ‪.‬‬ ‫إنن��ا لنرجو ‪ -‬ونحن نقول إن اإلس�لام اس��تخدم مبدأ‬ ‫التعرض ( أي الهجوم ) ‪ -‬أالّ يفهم أن اإلسالم كان معتديا ً ‪،‬‬ ‫فالتعرض اإلسالمي كان نوعا ً من الدفاع عمالً باملبدأ الذي‬ ‫يقول ‪ " :‬إن الهجوم هو خير وس��ائل الدفاع " ‪ ،‬فكان دفاعا ً‬ ‫عن الدين والوجود والكيان اإلسالمي ‪.‬‬

‫اختيار القصد وإدامته‬

‫يج��ب توجي��ه كل عملي��ة حربية نحو ه��دف واضح‬

‫‪13‬‬


‫ﺍﻟﻌﺪﺩ ﺍﻟﺘﺎﺳﻊ ‪ /‬ﺷﻌﺒﺎﻥ ‪ ١٤٢٩‬ﻫـ ‪ /‬ﺁﺏ ‪ -‬ﺃﻏﺴﻄﺲ ‪ ٢٠٠٨‬ﻡ‬

‫وحاس��م ‪ ،‬محدد جي��دا ً ‪ ،‬ممك��ن التحقيق ‪،‬‬ ‫ويجب أن يساهم هدف كل عملية في حتقيق‬ ‫هدف احلرب املستخلص من اإلستراتيجية‪،‬‬ ‫وعل��ى جميع الق��ادة فهم وحتدي��د الهدف‬ ‫وتقييم جمي��ع األعمال التي تُطلب منهم‬ ‫نسبة لذلك الهدف ‪.‬‬ ‫ويتم اس��تخالص هدف احلرب عادة من‬ ‫اإلستراتيجية ويكون الهدف على املستوى‬ ‫االس��تراتيجي متوافق��ا ً ومنس��جما ً مع‬ ‫جغرافي��ة البل��د ومعتقداته��ا وقدراتها‬ ‫العسكرية املادية واملعنوية ‪ ،‬أما الصورة‬ ‫على املستوى التعبوي فهي كما يلي ‪:‬‬ ‫أ‪ .‬تستبدل اجلغرافية باألرض والطقس ‪.‬‬ ‫ب‪ .‬تس��تبدل املعتقدات بالتدري��ب والعقيدة القتالية‬ ‫والتعبوية والتنظيم ‪.‬‬ ‫ت‪ .‬تس��تبدل الق��درة االقتصادي��ة بالقطع��ات ونظام‬ ‫التسليح واالتصاالت والنقل ‪.‬‬ ‫كان الرس��ول ‪ ‬يخت��ار قصده وهدف��ه بدقة ووضوح‬ ‫ويحدده ثم يفكر في أفضل طريقة للوصول إليه ‪ ،‬ثم يقرر‬ ‫خطة مناس��بة للحصول عليه ‪ ،‬ولق��د ظهر مبدأ ( اختيار‬ ‫القص��د ) في أول معاهدة عقدها الرس��ول ‪ ‬بعد هجرته‬ ‫إلى املدينة ‪ ،‬ولنرَ ماذا قررت من النواحي العسكرية ‪:‬‬ ‫أ‪ .‬قيادة رس��ول اهلل ‪ ‬لكافة سكان املدينة مسلمني‬ ‫ومشركني ويهود ‪ ،‬فإليه يرجع األمر كله ‪ ،‬وله أن يحكم في‬ ‫كل اختالف يقع بني س��كان املدينة وبذلك أصبح س��يدنا‬ ‫محمد ‪ ‬هو القائد العام في املدينة ‪.‬‬ ‫ب‪ .‬تع��اون أهل املدين��ة جميعا ً ف��ي رد كل اعتداء يقع‬ ‫عليها من اخلارج ‪.‬‬ ‫ت‪ .‬في حالة احلرب ل��رد العدوان عن املدينة ‪ ،‬تتولى كل‬ ‫طائفة اإلنفاق على نفس��ها " على اليهود نفقتهم وعلى‬ ‫املسلمني نفقتهم وأن بينهم النصر على‬ ‫من حارب أهل هذه الصحيفة " ‪.‬‬ ‫وبهذا العمل السياسي واالستراتيجي‬ ‫الب��ارع ‪ ،‬حق��ق الرس��ول ‪ ‬وح��دة املدينة‬ ‫ومتاس��ك اجلبهة الداخلية وجع��ل أهلها‬ ‫جميع��ا ً على اخت�لاف دينهم ي��دا ً واحدة‬ ‫على أعدائهم‪.‬‬ ‫ويظه��ر لن��ا ف��ي ذل��ك بأن م��ن حق‬ ‫الرس��ول ‪ ‬أن تك��ون قري��ش مقص��ده‬ ‫النهائي الذي يخت��اره ويوحد عليه أهل‬

‫‪14‬‬

‫املدينة جميعهم حتى يتسنى له‬ ‫أن يص��ل إلى هدف��ه النهائي ضد‬ ‫قريش التي أخرجته من بالده ظلما ً‬ ‫وعدوانا ً ‪.‬‬ ‫ولع��ل من أب��رز أمثل��ة اختيار‬ ‫القصد ‪ ،‬ما فعله الرس��ول ‪ ‬في‬ ‫غ��زوة احلديبية ‪ ،‬فق��د كان هدفه‬ ‫النهائ��ي م��ن تلك الغ��زوة التأثير‬ ‫على معنويات قريش من غير قتال‪،‬‬ ‫فخرج ُمحرم��ا ً وتف��ادى بحنكته‬ ‫ومرونته االشتباك مع قريش حتى‬ ‫وصل بقواته إلى احلديبية ‪ ،‬وبقي هناك مصرا ً على مقصده‬ ‫فأفس��ح اجملال للمفاوضات والتي نتج عنها عقد هدنة بني‬ ‫املسلمني وقريش ‪ ،‬وكانت النتائج كالتالي ‪:‬‬ ‫مساو لقريش ‪ ،‬وهذا اعتراف‬ ‫أ‪ .‬اعتبار املسلمني كطرف‬ ‫ٍ‬ ‫رسمي بدولة اإلسالم من أعدائها ‪.‬‬ ‫ب‪ .‬الهدوء واألمن الذي يس��مح بحرية الدعوة وانتشار‬ ‫اإلسالم ‪.‬‬ ‫ت‪ .‬كس��ب املس��لمني الرأي العام والتش��هير بقريش‬ ‫لصدهم عن البيت احلرام ‪ ،‬وهذا مما جعل القبائل تتعاطف‬ ‫وتساعد اإلسالم متهيدا ً لفتح مكة في املستقبل ‪.‬‬ ‫ث‪ .‬جناح املسلمني في احلصول على احلياد املسلح ‪.‬‬

‫االقتصاد باجلهد‬

‫يس��مى هذا املبدأ أيضا ً في بعض املراجع العسكرية (‬ ‫االقتصاد بالقوات ) ‪ ،‬ويدل على االس��تخدام املتوازن للقوى‬ ‫والتص��رف احلكي��م بجمي��ع امل��واد لغرض احلص��ول على‬ ‫التحشد املؤثر في الزمان واملكان احلاسمني ‪.‬‬ ‫إن هذا املبدأ في مجال اإلستراتيجية العظمى يتضمن‬ ‫أنه يجب استخدام ذلك اجلزء من املصادر املتوفرة في مجال‬ ‫احل��رب الثنائية مع املكاس��ب املتوقع احلص��ول عليها من‬ ‫حتقيق األهداف السياسية للحرب‪.‬‬ ‫إن مب��دأ االقتص��اد باجله��د‬ ‫يع��زز نظرية أو مبدأ وح��دة القيادة‬ ‫واخملاطرة احملسوبة ووضوح القصد ‪،‬‬ ‫وتظه��ر قيمة هذا املبدأ حني يكون‬ ‫اتس��اع اجلبهة كبيرا ً جدا باملقارنة‬ ‫مع حجم الق��وات ‪ ،‬أو عندما يكون‬ ‫العدو متفوقا ً استراتيجيا ً ‪ ،‬ويجب‬ ‫التذكي��ر هنا بأن جوه��ر هذا املبدأ‬ ‫يخت��ص مبس��ألة االحتي��اط ‪ ،‬كما‬


‫ﺍﻟﻌﺪﺩ ﺍﻟﺘﺎﺳﻊ ‪ /‬ﺷﻌﺒﺎﻥ ‪ ١٤٢٩‬ﻫـ ‪ /‬ﺁﺏ ‪ -‬ﺃﻏﺴﻄﺲ ‪ ٢٠٠٨‬ﻡ‬

‫يختص بحس��ن توزيع القوات ويؤمن للقائد حرية احلركة‬ ‫بتجنب نش��ر جميع القوات على خ��ط واحد خاصة عند‬ ‫وجود جبهة واسعة ‪.‬‬ ‫وقد ُع ّرف من قب��ل كالوزفيتز بأنه‪:‬‬ ‫" حش��د القائد جملموع قوات��ه على أالّ‬ ‫ينفصل منها سوى ما تتطلبه احلاجة‬ ‫القصوى " ‪ ،‬ولقد عرفها نابليون بأنه ‪" :‬‬ ‫حشد أعظم قوة جتاه الغرض األساس‬ ‫مع تخصيص القوات األقل للعمليات‬ ‫الثانوية " ‪ ،‬وفي املدرس��ة العسكرية‬ ‫اإلس�لامية راعى الرس��ول القائد ‪‬‬ ‫مبدأ االقتصاد باجلهد في كل غزواته‬ ‫‪ ،‬فكان��ت القوة في غزواته تناس��ب‬ ‫املوقف ‪ ،‬ففي أحد أمر الرس��ول ‪‬‬ ‫جماعة من الصحابة على رأس��ها‬ ‫الزبير ب��ن العوام ‪ ‬وقال له ‪" :‬اس��تقبل خالد بن الوليد‬ ‫وكن بإزائه" ‪ ،‬كما كلف جماعة أخرى على رأسها عبد اهلل‬ ‫بن جبير ‪ ‬بأن يقيموا على جبل صغير حلماية املسلمني‬ ‫م��ن اخللف وأصدرا لهم أمرا ً بقول��ه ‪ " :‬احموا لنا ظهورنا‬ ‫‪ ،‬فإنن��ا نخ��اف أن يجيئوا من ورائن��ا ‪ ،‬والزموا مكانكم ‪ ،‬ال‬ ‫تبرح��وا منه وإن رأيتمونا نقتل فال تعينونا وال تدفعوا عنا‬ ‫وإمنا عليكم أن ترش��قوا خيلهم بالنبل فإن اخليل ال تقدم‬ ‫على النبل " ‪.‬‬

‫حشد القوة‬

‫يتضمن احلشد توفير قوة قتالية متفوقة على العدو‬ ‫في النقطة احلاس��مة وفي املكان والوقت املناسبني ‪ ،‬وقد‬ ‫عرفت أيضا ً بأنها ‪ :‬حشد أعظم قوة أدبية وبدنية ومادية‬ ‫واس��تخدامها في الزمان واملكان اجلازمني ‪ ،‬وحشد القوة‬ ‫يعن��ي جمع أكبر قوة في مواجهة العدو بحيث تناس��ب‬ ‫القوة املوقف وفي املكان والزمان املناسبني ‪.‬‬ ‫ولقد طبق هذا املبدأ بصورة واضحة في حروب نابليون‬ ‫الذي أكد على حشد القوة بقوله ‪ :‬إن كل فن احلرب ممكن‬ ‫تلخيصه مبب��دأ واحد وهو ‪ :‬أن جتمع في جبهة واحدة ق ّوة‬ ‫أكبر من قوة عدوك ‪.‬‬ ‫وجند أن القيادة اإلسالمية في عهد الرسول ‪ ‬نفذت‬ ‫حشد القوة وصرحت عليها في حدود إمكانيات املسلمني‬ ‫وحسب الدخول اإلسالم ونشر الدعوة ‪ ،‬والتي تعني ازدياد‬ ‫سواد املسلمني وحتشدهم ‪.‬‬ ‫فاجله��اد في اإلس�لام لم يبدأ إال بعد إجناز التحش��د‬ ‫بحده األدنى ‪ ،‬فنجد بأنه عندما أنهى الرس��ول ‪ ‬حتشده‬ ‫ّ‬ ‫ف��ي املدين��ة وعاهد أهلها مش��ركني ويهود ‪ :‬ب��دأ القتال‬ ‫إلع�لاء كلمة اهلل إل��ى أن بلغ عدد اجليش اإلس�لامي في‬

‫آخر غزوة قام بها رس��ول اهلل ‪ ( ‬غ��زوة تبوك ) في العام‬ ‫التاسع الهجري أكثر من ثالثني ألفا ً من الصحابة معهم‬ ‫عشرة آالف من اخليل ‪.‬‬ ‫ولقد اهتم أصحاب رس��ول‬ ‫اهلل ‪ ‬م��ن بعده مببدأ احلش��د‬ ‫‪ ،‬وكان هذا املب��دأ ينال اهتماما ً‬ ‫بالغا ً م��ن القيادات التي خلفت‬ ‫رس��ول اهلل ‪ ، ‬فح�ين أراد‬ ‫الصدي��ق ‪ ‬أن يحارب املرتدين‬ ‫ومانع��ي ال��زكاة حش��د له��م‬ ‫أحد عش��ر لواء ‪ ،‬وحني أحس أن‬ ‫ألويته التي أرسلها حملاربة الروم‬ ‫ف��ي اليرموك ال تتناس��ب كما ً‬ ‫مع عدد أعدائهم ‪ ،‬س ّير إليهم‬ ‫خالد بن الولي��د ‪ ‬من العراق‬ ‫دعما ً وقوة ‪.‬‬ ‫ولعمر الفاروق ‪ ‬خطوت��ان جديرتان بالذكر في هذا‬ ‫اجملال‪:‬‬ ‫أوالهما ‪ :‬أنه س��مح للمثنى بن حارثة ‪ ‬خالل قتاله‬ ‫ف��ي العراق أن يض��م إلى قواته بعضا ً م��ن نصارى العرب‬ ‫املقيم�ين هناك ‪ ،‬كنصارى تغلب ونصارى بني النمر الذين‬ ‫قاتلوا بجانب املس��لمني في شجاعة نادرة حتى أن مهران‬ ‫الهمذان��ي قائد الفرس لقي مصرعه على يد أحد نصارى‬ ‫تغلب ‪.‬‬ ‫ثانيهما ‪ :‬أنه ‪ ‬س��مح للمس��لمني الذي��ن كان تيار‬ ‫ال��ردة قد جرفهم ث��م عادوا ثانية إلى اإلس�لام ‪ ،‬س��مح‬ ‫لهم باملش��اركة في القتال أمالً في أن يزيد حجم احلشد‬ ‫اإلس�لامي في مواجهة عدو له تفوق بش��ري كبير ‪ ،‬وكان‬ ‫أبو بكر ‪ ‬من قبله قد رفض الس��ماح لهم باملش��اركة‬ ‫في القتال ‪ ،‬ولكن عمر رأى أن يكس��ب بهم قوة ومينحهم‬ ‫ش��رف القت��ال وأن يعطيه��م فرصة التكفي��ر عن خطأ‬ ‫وقعوا فيه ‪.‬‬ ‫لق��د اهت��م املس��لمون باحلش��د اهتمام��ا ً يتفق مع‬ ‫إمكانياته��م وقدراتهم وحرصوا على أن يكون التحش��د‬ ‫متناس��با ً مع حجم العدو وحجم املعركة ‪ ،‬ولكنهم مع‬ ‫هذا االهتمام واحلرص كان��وا يخوضون املعارك معتمدين‬ ‫أساسا ً ( بعد اعتمادهم على اهلل تعالى ) على معنوياتهم‬ ‫بغض النظ��ر عن حجم عدوهم ‪ ،‬وكثاف��ة جنده ‪ ،‬وكثرة‬ ‫ُع ّدته ‪ ،‬في ضوء قوله سبحانه وتعالى ‪ { :‬ﮆ ﮇ ﮈ‬ ‫ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ‬ ‫ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ } ‪.‬‬

‫‪15‬‬


‫ﺍﻟﻌﺪﺩ ﺍﻟﺘﺎﺳﻊ ‪ /‬ﺷﻌﺒﺎﻥ ‪ ١٤٢٩‬ﻫـ ‪ /‬ﺁﺏ ‪ -‬ﺃﻏﺴﻄﺲ ‪ ٢٠٠٨‬ﻡ‬

‫ﺍﻹﺻﺪﺍﺭ ﺍﳌﺮﺋﻲ ﺍﻟﺜﺎﻣﻦ‬

‫ﺍﳌﺪﺓ ‪:‬‬ ‫‪٥‬‬ ‫‪٤‬‬ ‫ﺩ‬ ‫ﻭ‪ ٤٠‬ﻗﻴﻘﺔ‬ ‫ﺛﺎﻧﻴﺔ‬

‫ق��ال س��يد اجملاهدين ُمحم��د ‪ ( : ‬ال هج��رة بعد الفتح‬ ‫ولكن جهاد ونية وإذا استنفرمت فانفروا ) رواه الشيخان‬ ‫من هذا احلديث النبوي الش��ريف جاءت تس��مية اإلصدار‬ ‫املرئ��ي الثام��ن لكتائ��ب صالح الدي��ن األيوبي "جه��اد ونية" ؛‬ ‫واملتأمل لواقع العراق اليوم ال يجد عمالً أجدى وأرضى هلل من‬ ‫ب��ذل اجلهد في الدفاع عن الدي��ن واألرض والعرض ‪ ،‬وهو اجلزء‬ ‫األول م��ن العنوان ‪ ،‬أما املقصود بـ " ني��ة " فهو العمل بالنية‬ ‫الصاحل��ة الصادقة واالندفاع واملس��ارعة إلى فع��ل اخليرات ‪..‬‬ ‫و " جام��ع " مرش��حة برجالها امليامني حلم��ل القضية وحتمل‬ ‫أعبائها وإب��راز الهوية احلقيقية للجماعة الظاهرة على احلق‬ ‫والتي ال يضرها من خالفها وال من خذلها ‪...‬‬ ‫انفري "جــــــامع" أنـــــــت الهوية‬ ‫واحملــــي بني يديــك القضية‬ ‫يفتتح اإلصدار بعد البس��ملة باحلديث النبوي ( ال هجرة‬ ‫بع��د الفت��ح ‪ ) ...‬ثم يظه��ر موجز ألهم ما تضمن��ه اإلصدار‬ ‫من عمليات ‪ ،‬فتترادف بش��كل س��ريع لتظهر بعدها كلمتا‬ ‫العنوان مع زئير االس��د ‪ ..‬والكلمت��ان يحتضنهما في اخللف‬ ‫شعار الكتائب ‪ ..‬ومن ثم تبتدئ مقاطع اإلصدار لتعرض علينا‬ ‫ما مت تصويره من عمليات عس��كرية ضد احملتل األميركي في‬ ‫كافة قواط��ع العمليات على امتداد س��بعة محافظات في‬ ‫داخل عراقنا األبي ‪.‬‬ ‫العبوات الناسفة‬ ‫وه��ي التي تخرق آليات الع��دو وتهاجمها من األرض بعد‬ ‫حتكم أحد األبطال بها ‪ ..‬والعمليات هنا بالعشرات ‪ ،‬تبدأ أوال ً‬

‫‪16‬‬

‫بصورة تظهر رتالً من شاحنات املؤن الناقلة الحتياجات العدو‬ ‫‪ ،‬فم��ا هي إال حلظ��ات وإذا بإحدى اآلليات ترتفع في الس��ماء‬ ‫ألكثر من مترين بعد أن تنفجر حتتها عبوة ناس��فة ‪ ...‬وتتوالى‬ ‫من بعدها العبوات لتس��جل عش��رات الهجمات ما بني ليل‬ ‫ونهار ‪ ،‬وف��ي أيام متتابعة طويلة وثقيل��ة على العدو احملتل ‪،‬‬ ‫لكنها يسيرة وقصيرة على اجملاهدين في كتائبنا ‪..‬‬ ‫لقد أصبح البذل والتضحية س��جية عن��د مجاهدينا ‪،‬‬ ‫وهم يطلقون رسالة مفتوحة إلى األمة أن توقظ في نفسها‬ ‫ه��ذه املعان��ي ‪ ..‬عن ابن عم��ر رضي اهلل عنه وع��ن أبيه قال ‪:‬‬ ‫سمعت رسول اهلل ‪ ‬يقول ‪ ( :‬لئن أنتم اتبعتم أذناب البقر ‪،‬‬ ‫وتبايعتم بالعينة ‪ ،‬وتركتم اجلهاد في سبيل اهلل ‪ :‬ليلزمنكم‬ ‫اهلل مذل��ة في أعناقكم ‪ ،‬ثم ال تنزع منكم حتى ترجعون إلى‬ ‫ما كنتم عليه وتتوبون إلى اهلل ) رواه أحمد ‪.‬‬ ‫ال تبديل ملنهجنا‬ ‫وف��ي فاصل نك��رره دوما ً من أجل رس��التنا إل��ى أهلنا ‪..‬‬ ‫يكمن مجاهدين اثنني ينتظران قدوم الرتل األميركي لتنفيذ‬ ‫عملي��ة تفجير عب��وة ناس��فة ‪ ،‬وإذا بصاح��ب مركبة مدني‬ ‫عراقي يتوقف فوق العب��وة على جانب الطريق ‪ ...‬ويأتي الرتل‬ ‫األميرك��ي ‪ ..‬وأيدي اجملاهدين على زر التنفيذ ‪ ..‬فيس��ترجعان‬ ‫ويتراجع��ان ويؤجالن التنفي��ذ الحتمالية إصاب��ة هذا الرجل‬ ‫املدني ومركبته‪ ...‬وينتهي الرتل دون تنفيذها ‪ ،‬ويتحرك صاحب‬ ‫املركب��ة وهو ال يدري أن اجملاهدي��ن في كتائبنا ضحوا بوقتهم‬ ‫وعملهم في س��بيل احلفاظ عليه وعل��ى مركبته ‪ ...‬فهنيئا‬ ‫لألمة بهذه األخالق ‪ ،‬وهنيئا ً لها بهؤالء البواسل ‪.‬‬


‫ﺍﻟﻌﺪﺩ ﺍﻟﺘﺎﺳﻊ ‪ /‬ﺷﻌﺒﺎﻥ ‪ ١٤٢٩‬ﻫـ ‪ /‬ﺁﺏ ‪ -‬ﺃﻏﺴﻄﺲ ‪ ٢٠٠٨‬ﻡ‬

‫ق��ال عبادة بن الصامت ‪ ‬للمقوقس حاكم مصر ‪ " :‬إن‬ ‫همن��ا اجلهاد في س��بيل اهلل ‪ ،‬وابتغاء رضوانه ‪ ،‬وليس لرغبة‬ ‫في الدنيا وال االستزادة منها " ‪ ،‬فيرد عليه املقوقس ‪ " :‬لعمري‬ ‫ما بلغتم ما بلغتم إال مبا ذكرت ‪ ،‬وما ظهرمت على أعدائكم إال‬ ‫حلبهم للدنيا ورغبتهم فيها " ‪.‬‬ ‫قذائف اهلاون‬ ‫من املعلوم لكل متابع أن جيش االحتالل اتخذ له قواعد‬ ‫ينطل��ق منها في عدوانه في كل ربوع العراق ‪ ،‬ولكي ال يهدأ‬ ‫له ب��ال فيها يحرص اجملاه��دون على رميه ف��ي عقر قواعده‬ ‫بقذائف الهاون املتعددة األعيرة ‪ ،‬وتكون إصابتهم دقيقة بإذن‬ ‫اهلل تعال��ى ‪ ،‬فالرمي رميه ولي��س رميهم ‪ ..‬وفي هذا املقطع‬ ‫نش��اهد إنطالق عش��رات القذائف وس��قوطها على رؤوس‬ ‫العدو ‪ ..‬وقد يس��تقل القاع��دون هذا العمل ‪ ..‬وهنا يذكرهم‬ ‫أبطالنا بحادثة س��عيد بن املس��يب حني خرج إلى الغزو وقد‬ ‫ذهب��ت إحدى عينيه فقي��ل له ‪ :‬إنك عليل ‪ ،‬فقال‪":‬اس��تنفر‬ ‫اهلل اخلفيف والثقيل ‪ -‬إش��ارة لقوله تعال��ى ( انفروا خفافا ً‬ ‫وثقاالً)‪ ،-‬فإن لم ميكني احلرب كثرت سواد املسلمني وحرست‬ ‫املتاع " ‪.‬‬ ‫فاي��ن رم��اة القذائف ؟ وأين الش��باب ؟ هلموا إلى تكثير‬ ‫سواد اجملاهدين وحراسة شوكتهم وقوتهم ‪.‬‬ ‫لعشاق القناصة‬ ‫فاصل ملع��ارك حقيقية بني اجليش األميركي ومجموعة‬ ‫من الشباب اجملاهد ‪ ،‬ومن بينهم قناص ‪ ...‬ويظهر في الفاصل‬ ‫صورة القن��اص وهو يوجه عدة إطالقات م��ن قناصته باجتاه‬ ‫الهدف ‪ ..‬ومن ثم كلمات في وصف جنود كتائب صالح الدين‬ ‫األيوبي ‪...‬‬ ‫إنهم شباب تعاهدوا على نصرة احلق ‪...‬‬ ‫شعارهم ( وعجلت إليك رب لترضى ) ‪..‬‬ ‫أرواحهم في أكفهم ‪ ..‬يسعون مشمرين ‪..‬‬ ‫ال يضرهم من خذلهم وال من خالفهم ‪...‬‬ ‫اهلل غايتهم والرسول قدوتهم ‪..‬‬ ‫واجلهاد سبيلهم ‪..‬‬ ‫واملوت في سبيل اهلل أسمى أمانيهم ‪..‬‬ ‫الصواريخ‬ ‫على صوت األنشودة احلماسية " هيبة صالح الدين ‪ ..‬هاي‬ ‫أفعالها ‪ ...‬سنان واحد من صنيع أبطالها " ‪ ..‬تنطلق عشرات‬ ‫الصواري��خ لت��دك أوكار العدو احملتل ‪ ،‬نبتدأه��ا بصاروخ على‬ ‫قاع��دة العدو في املدائن جنوب بغ��داد ‪ ...‬والصواريخ تنطلق‬ ‫م��ن قاعدة محلية الصنع ‪ ...‬فهنيئا ً ملن صنع تلك القواعد ‪..‬‬ ‫أتدري ملاذا ؟ إن كنت ال تدري فاسمع منا هذه القصة ‪:‬‬ ‫قام منص��ور بن عمار ‪ -‬وهو أح��د التابعني ‪ -‬يحض على‬ ‫اجلهاد ‪ ،‬وكان من بني السامعني امرأة ‪ ،‬فطرحت رقعة كتبت‬

‫فيه��ا ‪ :‬رأيتك ي��ا ابن عمار حتض عل��ى القت��ال ‪ ،‬وقد ألقيت‬ ‫ذؤابت��ي – أي ضفائر ش��عرها ‪ -‬فلس��ت أمل��ك واهلل غيرها ‪،‬‬ ‫فباهلل اجعلها قيد فرس غاز في سبيل اهلل ‪ ،‬فعسى اهلل أن‬ ‫يرحمني بها ‪ .‬فارجت اجمللس بعد قراءة هذه الرقعة بالبكاء تأثرا ً‬ ‫‪ ،‬وتسابق الناس للجهاد في سبيل اهلل ‪.‬‬ ‫فمن قدم ش��يئا ً للمجاهدين في س��بيل اهلل ‪ -‬ولو كان‬ ‫يسيرا ً ‪ -‬فعسى اهلل تعالى أن يغفر له ويرحمه به ‪.‬‬ ‫غضب صـــالح الديــــن يحمله الغ ُد‬ ‫هــ ّزي عروش الكفــر َحـــان املوع ُد‬ ‫رمانة " جامع "‬ ‫من يطبق اليوم فرض اهلل ‪ ‬علينا بإعداد العدة ملالقاة‬ ‫العدو ؟ والعدة هي ‪ :‬القوة والسالح ‪.‬‬ ‫كتائبنا استجابت لهذا الفرض والواجب الشرعي ‪ ،‬وقد‬ ‫قامت بفضل اهلل ‪ ‬بتصنيع رمانة يدوية ش��ديدة االنفجار‬ ‫والتأثي��ر ‪ ..‬وف��ي فاصل مؤثر ومع تالوة اآلية الكرمية نش��اهد‬ ‫مراح��ل تصنيعها وتنفي��ذ االختب��ار االول له��ا ‪ ...‬فبوركت‬ ‫الس��واعد الت��ي أنتج��ت ‪ ،‬وبورك��ت العق��ول الت��ي فكرت‬ ‫وخططت‪ ،‬وبورك ألصح��اب الدعم مبالهم وإعمارهم ‪ ،‬فأمة‬ ‫اإلسالم ما زالت بألف خير ما دام فيها مثل هكذا رجال ‪.‬‬ ‫أبطال البصرة‬ ‫كلما ذكرن��ا اجملاهدين في البصرة تذكرنا صاحب النقب‬ ‫وقصت��ه املعروفة ‪ ..‬في ه��ذا اإلصدار نكش��ف عن أصحاب‬ ‫النق��ب – نقص��د أهل البصرة األبط��ال – ‪ ..‬وقد وضعنا لهم‬ ‫مجموع��ة من العمليات ‪ ،‬وما خف��ي كان أعظم وأفخر بإذن‬ ‫اهلل تعال��ى ‪ ...‬وكأنهم يرددون قول خالد بن الوليد ‪ " : ‬وما‬ ‫من عمل ش��يء أرجى عندي بعد ال إله إال اهلل من ليلة بتها‬ ‫وأنا مترس والس��ماء تهمل مطرا ً إلى صباح حتى نغير على‬ ‫الكفار " ‪.‬‬ ‫فهي إذن لقطات توثيقية جلهاد اهل البصرة ‪..‬‬ ‫وصلت إلى أميركا وشعبها ‪..‬‬ ‫َ‬ ‫ألرضك أوصلناها ‪..‬‬ ‫أفالم التمكني‬ ‫وكرامة جُ ندك يا هذا ‪ -‬بوش ‪ -‬أهدرناها‪..‬‬ ‫الصواريخ املوجهة‬ ‫حزم��ة من الصواريخ املوجهة على آليات العدو وقواعده‬ ‫تراها هنا في املقطع األخير من اإلصدار ‪ ...‬ومن بينها صاروخ‬ ‫في ليلة حالكة الظالم ينطلق بش��كل مس��تقيم ليصيب‬ ‫جس��د آلي��ة أميركية ناقلة للمؤن فيس��تقر في وس��طها‬ ‫ويحرقه��ا ‪ ،‬ف��ي لقط��ة جميل��ة ش��افية لص��دور املؤمنني‬ ‫ومغيضة لقلوب العدا ‪...‬‬ ‫فبوركت تلك السواعد وحيا اهلل رجالها وقادتها‪...‬‬

‫‪17‬‬


‫ﺍﻟﻌﺪﺩ ﺍﻟﺘﺎﺳﻊ ‪ /‬ﺷﻌﺒﺎﻥ ‪ ١٤٢٩‬ﻫـ ‪ /‬ﺁﺏ ‪ -‬ﺃﻏﺴﻄﺲ ‪ ٢٠٠٨‬ﻡ‬

‫‪ ‬أخربك املتحدثون يف حفل التخرج العسكري أنه عليك‬ ‫أن خترج وتغري العامل ‪ ،‬حسنا لديك عام واحد تفعل فيه‬ ‫هذا ‪ ،‬ففي العام القادم سوف تتخرج دفعة جديدة وسيتم‬ ‫إخبارها نفس الشيء ‪.‬‬ ‫األدميرال هيمان ريكوفر‬

‫‪ ‬ليس للحروب قانون مطلق يستعصي على االستثناء ‪،‬‬ ‫هناك يف احلروب تزدهر معارك اإلبداع ‪.‬‬ ‫نابليون‬

‫‪ ‬إن معتقدات األمس مل تعد تطبق اليوم ‪ ...‬ال بد وأن‬ ‫نفكر بلغة الغد ‪ ،‬ال بد أن تضع يف اعتبارك أن صوارخيك‬ ‫اإلسرتاتيجية ذاتها من املمكن أن تصبح طرازاً قدمي ًا يف‬ ‫املستقبل القريب ‪.‬‬ ‫اجلنرال هنري أرنولد‬

‫‪18‬‬

‫إننا نخش��ى التغيير أكثر من أي شيء آخر ‪ ،‬ليس هناك‬ ‫ش��ك في هذا ‪ ،‬إنها طبيعة النفس البشرية ‪ ،‬هناك شعور‬ ‫بالراح��ة عندما نقوم بعمل األش��ياء بنفس الطريقة التي‬ ‫اعتدنا عليها دائما ً كوس��يلة للحفاظ على تواصل املاضي‬ ‫حتى لو كانت الطريقة القدمية خطأ ‪.‬‬ ‫يقول رائد اإلدارة احلديثة بيتر دراكار ‪:‬‬ ‫إن املؤسس��ة – عس��كرية أو مدنية – التي تس��تمر في‬ ‫عمل األش��ياء التي جعلتها تنجح في املاضي ‪ ،‬مهما كان‬ ‫حجم هذا النجاح ‪ ،‬سوف ينتهي بها احلال للفشل ‪.‬‬ ‫ي��ا له من اته��ام ! هذا يعني أنه على كل مؤسس��ة أن‬ ‫تتغير وإال فش��لت ‪ ،‬ملاذا تبدو الصورة عل��ى هذا احلال ؟ ألن‬ ‫بيئتنا املعاصرة بشكل عام هي واحدة من البيئات املتغيرة‬ ‫بش��كل مستمر فكيف يكون ذلك في البيئة العسكرية !‬ ‫فتكنولوجيا اليوم ليست هي تكنولوجيا األمس ولن تكون‬ ‫هي نفس��ها غدا ً ‪ ،‬وكذلك معدتنا العس��كرية وس��لوكنا‬ ‫وأفكارنا وقدراتنا ‪ ..‬جميعها تتغير مع الوقت ‪ ،‬وقد أدرك‬


‫ﺍﻟﻌﺪﺩ ﺍﻟﺘﺎﺳﻊ ‪ /‬ﺷﻌﺒﺎﻥ ‪ ١٤٢٩‬ﻫـ ‪ /‬ﺁﺏ ‪ -‬ﺃﻏﺴﻄﺲ ‪ ٢٠٠٨‬ﻡ‬

‫اجلن��راالت ذل��ك ‪ ،‬ليس هن��اك قاعدة مطلق��ة ال تبيح‬ ‫االستثناءات ‪.‬‬ ‫وخالصة ذلك ‪:‬‬ ‫سوف حتارب اجليوش كل اجليوش التغيير بكل ما لديها‬ ‫من قوة إلى درجة قبولها الفشل ‪.‬‬ ‫ليس هناك قانون مطلق في السياسة أو احلرب أو حتى‬ ‫احلياة ‪.‬‬ ‫ال تخش التغيير أبدا ً ‪ ،‬إنه ش��يء حتمي ميكنه أن يبدل‬ ‫األشياء لألفضل ‪.‬‬ ‫إذا ل��م نقب��ل التغيير ونش��جعه فس��وف ينتهي بنا‬ ‫املطاف إلى الفشل ‪.‬‬ ‫كن مس��تعدا للتطور ‪ ،‬واحلياة ليس��ت ثابتة ‪ ،‬وأولئك‬ ‫الذين ال يس��تطيعون تغيير عقوله��م وبالتالي أفعالهم‬ ‫هم سكان املقابر املوتى واجملانني ‪.‬‬ ‫عليك مبراعاة مسألة التوقيت بالنسبة ألي قرار يهدف‬ ‫لعملية تغيير واسعة ألنه ‪:‬‬ ‫القرار غير املناسب في الوقت غير املناسب = الكارثة‬ ‫القرار غير املناسب في الوقت املناسب = اخلطأ‬ ‫القرار املناسب في الوقت غير املناسب = العزوف‬ ‫القرار املناسب في الوقت املناسب = النجاح‬

‫‪ ‬إذا أبدينا غري ما نكون مقتنعني به إرضاءاً للناس ‪،‬‬ ‫فكيف ندافع عن أعمالنا بعد ذلك ؟ دعنا نطرح قاعدة‬ ‫ميكن أن تعمل احلكمة واألمانة بها معا ‪.‬‬ ‫جورج واشنطن‬

‫‪ ‬إن الش��خصية املتميزة تكس��ب القائد ثقة بنفس��ه‬ ‫وبها يفرض سلطته على رجاله ‪ ،‬وهاتان املقدرتان " الثقة‬ ‫والسلطة ميثالن اجلانب املعنوي من الرباعة العسكرية‪.‬‬ ‫جنرال جي إف فالير‬

‫‪ ‬عندم��ا جتتم��ع حكمة ال��رأي مع روعة الش��خصية‬ ‫يولد القائد العظيم ‪.‬‬ ‫جنرال هنري جوماني‬

‫‪ ‬إن الش��خصية هي حجر األس��اس الذي يستند إليه‬ ‫صرح القي��ادة كله ‪ ،‬وهي العنصر األس��اس الذي تهتدي به‬ ‫املؤسسة العس��كرية يف تقييم أعضائها ‪ ،‬وبها ميكن للفرد‬ ‫أن يزي��د ق��دره ‪ ،‬وبدونه��ا – خاصة يف اجملال العس��كري –‬ ‫حت��دث كوارث احلروب ‪ ،‬أو يف أفضل األحوال تكون النتائج‬ ‫متوسطة ‪.‬‬ ‫جنرال ماثيو ريدجواى‬

‫م��ن املهم أن ن��درك ما ال��ذي يعنيه اجلن��راالت عندما‬ ‫يتحدثون ع��ن الش��خصية ‪ ،‬إنهم يتحدثون ع��ن التفوق‬ ‫املعنوي ‪ ،‬عن مس��توى مرتفع من الس��لوك القومي ال ميكن‬ ‫جتاهله ‪.‬‬ ‫يقول جومينى الذي ألف واحدا ً من كالسيكيات الكتب‬ ‫عن احلرب ‪:‬‬ ‫إن الرأي ( القدرة ) يرتبط بالشخصية القومية التي تعد‬ ‫من املقومات الضرورية الت��ي تصنع القائد املتميز بصرف‬ ‫النظر عن مس��تواه على سلم الرتب العسكرية ‪ ،‬ويسري‬ ‫هذا ال��كالم ويكون صحيحا ً بالنس��بة لقادة السياس��ة‬ ‫والدي��ن املتميزي��ن أيضا ً ‪ ،‬ويش��ير أح��د اجلن��راالت إلى أن‬ ‫ش��خصية القائد الكرزمية هي عنصر حاس��م بالنسبة‬ ‫ملستقبل األمم ‪ ،‬فال شك أنه بدون الشخصية سوف نفشل‬ ‫ف��ي جعل اآلخرين يؤمنون بنا وبنظامنا وقراراتنا ونضالنا ‪،‬‬ ‫فالشخصية هي حجر األساس في القيادة داخليا ً وخارجيا‬ ‫‪ ،‬وبدونها ال قيمة ألي جيش أو مؤسسة عسكرية ‪ ،‬أو على‬ ‫أفضل تقدير تظل في مكانها بدون تقدم أو متيز ‪ ،‬مما يعني‬ ‫أنها تتراجع مع تقدم الزمن وتطور من حولها ‪.‬‬ ‫إذن ‪ ،‬فإن الش��خصية أو ما تعنيه بالتميز املعنوي ‪ ،‬هي‬ ‫ش��يء مهم جدا ً ‪ ،‬وإن ما نقوم به محدد بش��خصيتنا ‪ ،‬إن‬ ‫ش��خصيتنا تتحدد مب��ا نفكر به ‪ ،‬وما نفك��ر به محدد مبا‬ ‫نتعلمه وجنربه ‪ ،‬وإن ما جنربه محدد مبا نتعرض له ومبا نقوم‬ ‫وينميها ‪.‬‬ ‫به جتاهه ‪ ،‬وكل ذلك يبني شخصيتنا ّ‬ ‫وخالصة القول عن الشخصية ‪:‬‬ ‫الش��خصية هي أن يكون لدينا الشجاعة في التعبير‬ ‫عم��ا نؤمن به ‪ ،‬وأن نفعل ونقول ما هو صواب وليس ما هو‬ ‫خطأ ‪.‬‬ ‫ال بد وأن ن��درب جنودنا على أن يكونوا قادة ‪ ،‬فمن يدري‬ ‫ماذا يحمل الغد ؟‬ ‫ال بد وأن يكون لدينا غابة من القيادات ‪ ،‬وعندما حتدث‬ ‫ثغ��رة في موق��ع قيادي وال جن��د بديالً مناس��با ً لها عندها‬ ‫ستكون الهزمية حليفتنا ‪.‬‬ ‫عندم��ا جتتمع الش��خصية مع املق��درة يول��د القائد‬ ‫العظي��م ف��ي أي مج��ال أو تخص��ص ‪ ،‬فلنبح��ث عنهم‬ ‫وننميهم ‪.‬‬ ‫تكس��بنا الش��خصية ثق��ة بأنفس��نا وتأثي��را ً عل��ى‬ ‫اآلخرين‪.‬‬ ‫الش��خصية ه��ي حجر األس��اس في القي��ادة وعنصر‬ ‫حاسم في مستقبل املؤسسات العسكرية والسياسية‬ ‫واملدنية ‪.‬‬

‫‪19‬‬


‫ﺍﻟﻌﺪﺩ ﺍﻟﺘﺎﺳﻊ ‪ /‬ﺷﻌﺒﺎﻥ ‪ ١٤٢٩‬ﻫـ ‪ /‬ﺁﺏ ‪ -‬ﺃﻏﺴﻄﺲ ‪ ٢٠٠٨‬ﻡ‬

‫إن محطة الربانية محط��ة مباركة ومهمة في طريق‬ ‫اجملاهد في هذه احلياة وهو يسير إلى اهلل ‪ .. ‬هذه احملطة‬ ‫التي إذا وضع اجملاهد رحاله فيها تنسم نسائم اإلميان وتزود‬ ‫التقوى وأصبح اجملاهد ذلك اإلنسان الصالح واملؤمن التقي‬ ‫واملسلم الورع والرجل اخمللص ‪.‬‬ ‫إن الرباني��ة للمجاه��د ه��ي الطاق��ة املولدة حملاس��بة‬ ‫النف��س ‪ ،‬وهي مصدر فتوحات اهلل عل��ى عباده اجملاهدين‪،‬‬ ‫وإذا خ�لا اجملاهد م��ن هذه الربانية خل��ت حياته من كل أثر‬ ‫وعطاء وحرك��ة ‪ ،‬وتخبط في دياجير النف��اق والرياء والتي‬ ‫بس��ببها يس��حب على وجهه في النار ‪ ،‬وكذلك تعثر في‬ ‫أوحال الغرور واألنانية والكبرياء وسعى جهده في أن يقاتل‬ ‫ليقال جريء ‪ ،‬وال يقاتل ألجل إعالء كلمة اهلل ‪ ،‬بل واألدهى‬ ‫يذه��ب بعمله وأدائه ليبني أمجادا ً لنفس��ه ال لإلس�لام ‪،‬‬ ‫ولدنياه ال آلخرته ‪.‬‬ ‫ف��اذا كان��ت الربانية به��ذه االهمية فما هو الس��بيل‬ ‫للوص��ول إليها ؟ وما هي الس��بيل التي تغذيها وتقويها ؟‬ ‫وما أثرها في إصالح وتغيير حال األمة ؟‬ ‫إن الس��بيل للوصول إلى ربانية اجملاهد يبينه كتاب ربنا‬ ‫‪ ‬في معرض توضيح املنهج العملي في إعداد اإلنس��ان‬ ‫روحي��ا ً وتكوين��ه إميانيا ً وتربيته نفس��يا ً ‪ ،‬إذ يقول اهلل ‪:‬‬ ‫{ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ‬ ‫ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ}‬ ‫األنف��ال ‪ ،29 :‬ويقول تعالى ‪ { :‬ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ‬ ‫ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ } الط�لاق ‪ ، 2 -3 :‬فبع��د التأم��ل‬ ‫ف��ي هذه اآلي��ات جند أن تق��وى اهلل ‪ ‬هي أس��اس األنوار‬ ‫والفتوح��ات والعطاء وبها مييز املؤمن ب�ين احلق والباطل ‪،‬‬ ‫وبها يس��ير اجملاهد ‪ ،‬إذ أنها نور وس��ط ظلمات الفنت واحملن‬ ‫التي يبتلى بها اجملاهد ‪.‬‬ ‫يقول س��يد قطب ‪ -‬رحمه اهلل‪ -‬في تفس��ير الظالل ‪3‬‬ ‫‪ ( : 1499/‬إن تقوى اهلل جتعل في القلب فرقانا ً يكشف له‬ ‫متعرجات الطري��ق ‪ ،‬ولكن هذه احلقيقة ‪ -‬حقيقة التقوى‬

‫‪20‬‬

‫ ه��ي ككل حقائق العقيدة ال يعرفها إال من ذاقها فعالً‪..‬‬‫إن الوص��ف ال ينقل مذاق هذه احلقيقة ملن لم يذقها ‪ ..‬وإن‬ ‫احلق في ذاته ال يخفى على الفطرة ‪ ،‬ولكنه الهوى هو الذي‬ ‫يح��ول بني احل��ق والفطرة ‪ ،‬الهوى هو الذي ينش��ر الغبش‬ ‫ويحج��ب الرؤية ويعمي املس��الك ويخفي الدروب ‪ ..‬الهوى‬ ‫ال تدفع��ه احلجة إمنا تدفعه التق��وى ‪ ..‬تدفعه مخافة اهلل‬ ‫ومراقبته في الس��تر والعلن ‪ ..‬ومن ثم ه��ذا الفرقان الذي‬ ‫ينير البصيرة ويرفع اللبس ويكشف الطريق ) ‪.‬‬ ‫ف��إذا كان للتق��وى ه��ذه األهمي��ة البالغ��ة ‪ ..‬فما هي‬ ‫حقيقتها ؟‬ ‫إنه��ا كما يقول العلماء ( أن ال ي��راك اهلل حيث نهاك ‪،‬‬ ‫وأن ال يفتقدك حيث أمرك ) أو هي ( اتقاء عذاب اهلل بعمل‬ ‫صالح واخلش��ية منه في السر والعلن ) ‪ ..‬وأن يخلو املؤمن‬ ‫بنفس��ه بين��ه وبني ربه يق��ول لها ‪ :‬إنك ي��ا نفس أعطيت‬ ‫العهد هلل في الوقفات اليومية التي تقفني فيها بني يديه‬ ‫{ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ } ‪ ..‬وكذلك أن يراقب املؤمن‬ ‫نفس��ه قبل الب��دء بالعمل وف��ي أثنائه ‪ ،‬ه��ل كان حتركه‬ ‫للعمل والطاعة مبرضاة اهلل وابتغاء ثوابه أم غير ذلك ؟‬ ‫قال احلس��ن البصري رحمه اهلل ‪ ( :‬رحم اهلل عبدا ً وقف‬ ‫عن��د نفس��ه وهمه ‪ ،‬ف��إن كان هلل َفعل��ه ‪ ،‬وإن كان لغيره‬ ‫تأخر) ‪.‬‬ ‫وكذلك أن يحاسب املؤمن نفسه بعد العمل ‪ ،‬وحقيقة‬ ‫احملاس��بة ه��ي أن ينظ��ر املؤمن ف��ي رأس املال وف��ي الربح‬ ‫واخلسارة ليتبني له الزيادة من النقصان على عادة التجار ‪،‬‬ ‫فرأس املال هو هذا الدين وما اش��تمل عليه من أوامر ونوا ٍه‬ ‫وتكالي��ف وأح��كام ‪ ،‬وأما الربح فهو فع��ل الطاعات وترك‬ ‫املنهي��ات ‪ ،‬وأما اخلس��ارة فهي ارتكاب الذن��وب واملعاصي‬ ‫واآلثام ‪ ..‬وإذا ما حاسب اجملاهد الرباني نفسه على الصغيرة‬ ‫والكبي��رة وعقد العزم على أن تكون له س��اعة آخر النهار‬ ‫يخل��و فيها مع رب��ه لينظر ماذا قدم الي��وم املعاد فإنه بال‬ ‫شك يسير في طريق الربانية ويصل في نهاية املطاف إلى‬


‫ﺍﻟﻌﺪﺩ ﺍﻟﺘﺎﺳﻊ ‪ /‬ﺷﻌﺒﺎﻥ ‪ ١٤٢٩‬ﻫـ ‪ /‬ﺁﺏ ‪ -‬ﺃﻏﺴﻄﺲ ‪ ٢٠٠٨‬ﻡ‬

‫منازل املتقني األبرار ‪.‬‬ ‫وأما السبيل للوصول إلى هذه الربانية وتقويتها فهي‬ ‫جانبان ‪ :‬جانب قلبي وجانب س��لوكي عملي في اجلوارح‪..‬‬ ‫ففي اجلانب القلبي الشعوري فيمكن تنميته وتغذيته من‬ ‫خ�لال دوام املراقبة هلل ‪ ،‬ويس��تحضر امل��وت دائما ً وما بعد‬ ‫امل��وت ‪ ،‬ويس��تعرض اآلخرة وأحوالها ‪ ،‬أي يك��ون من الذين‬ ‫يحملون هم اآلخرة فيستعرضون أحوالهم من املوت حتى‬ ‫البعث ثم الوقوف على س��احة احلش��ر ودنو الشمس من‬ ‫رؤوس اخلالئق وتطاير الصحف والوقوف بني يدي اهلل ووضع‬ ‫امليزان والصراط واملصير اجملهول إلى اجلنة أم إلى النار‪.‬‬ ‫وأم��ا ما يرتبط ف��ي اجلان��ب العملي فيمك��ن تنميته‬ ‫وتغذيت��ه بت�لاوة وتتدبر آي��ات القرآن الكرمي ف��ي كل يوم ‪،‬‬ ‫وكذل��ك مصاحب��ة النبي ‪ ‬في س��يرته العط��رة لكونه‬ ‫األسوة والقدوة الصالح ‪ ،‬وكذلك مصاحبة األخيار وأصحاب‬ ‫القلوب وأهل املعرفة باهلل تعالى ‪ ،‬وكذلك مداومة اجملاهد‬ ‫ذكر اهلل ‪ ‬ف��ي كل األوقات واألحوال ‪ ..‬وكذلك بكاؤه في‬ ‫خلوة من خشية اهلل واحلرص على التزود من عبادة النافلة‬ ‫( صيام وصالة وصدقة وغيرها ) على الدوام ‪.‬‬ ‫إن اجملاهد ح�ين يكون بهذه األح��وال وهاتيك اجملاهدات‬ ‫فإذا قال أس��مع ‪ ،‬وإذا ضرب أوج��ع ‪ ،‬وأينما وقع نفع ‪ ،‬ورأيت‬ ‫اإلمي��ان يبرق م��ن عينيه ‪ ،‬واإلخالص يش��رق من تقاس��يم‬ ‫وجهه‪ ،‬والصدق بني من جنان صوته وخشوع هيئته وإشارة‬ ‫يده‪ ،‬تراه ش��خصا ً قد أعد عدته ‪ ،‬وأخذ أهبته ‪ ،‬وملك عليه‬ ‫الفك��ر فيما هو فيه نواحي نفس��ه وجوان��ب قلبه ‪ ،‬فهو‬ ‫دائم التفكير ‪ ،‬عظيم االهتمام ‪ ،‬على قدم االستعداد أبداً‪،‬‬ ‫إن دع��ي أجاب أو نودي لبى ‪ ،‬غ��دوه ورواحه وحديثه وكالمه‬ ‫وج��ده ولعب��ه ال يتعدى املي��دان الذي أعد نفس��ه له ‪ ،‬وال‬ ‫يتناول سوى املهمة التي وقف عليها حياته وإرادته يجاهد‬ ‫في سبيلها ‪ ،‬تقرأ في قسمات وجهه وترى في بريق عينه‪،‬‬ ‫وتسمع من فلتات لسانه ما يدلك على ما يضرم في قلبه‬ ‫من جوى وألم وما تفيض به نفسه من عزمية صادقة وهمة‬ ‫عالي��ة وغاية بعيدة ‪ ،‬أما الذي ينام ملء جفنه ويأكل ملء‬ ‫ماضغيه ويضحك ملء ش��دقيه ويقضي وقته الهيا ً العبا ً‬ ‫عابث��ا ً ماجن��ا ً ‪ ،‬هيهات أن يكون م��ن الفائزين أو يكتب في‬ ‫عداد اجملاهدين ‪.‬‬ ‫وح�ين يتحلى اجملاهد باالخالص والص��دق وحرارة اإلميان‬ ‫وقوة الس��اعد فإنه ينطلق ف��ي ميادين الدع��وة والتبليغ‬ ‫واجلهاد حتى يرى أمة االس�لام قد ثابت إلى رشدها وجنود‬ ‫الباط��ل قد هزموا وولوا األدب��ار‪ ،‬وراية احلق قد خفقت فوق‬ ‫الرايات جميعا ً ‪ ..‬فعندئذ يفرح لنصر اهلل وتأييده إياه ‪.‬‬

‫‪21‬‬


‫ﺍﻟﻌﺪﺩ ﺍﻟﺘﺎﺳﻊ ‪ /‬ﺷﻌﺒﺎﻥ ‪ ١٤٢٩‬ﻫـ ‪ /‬ﺁﺏ ‪ -‬ﺃﻏﺴﻄﺲ ‪ ٢٠٠٨‬ﻡ‬

‫نحن فرع من أصل ثابت ‪ ..‬استقام ظلنا باستقامة عوده‬ ‫{ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ‬ ‫ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ} األعراف ‪.58 :‬‬ ‫نحن أتباع أولي العزم من األنبياء الذين جاهدوا ونافحوا‬ ‫من أجل أن تكون كلمة اهلل هي العليا وكلمة الذين كفروا‬ ‫هي السفلى ‪ ،‬ونحن أتباع محمد ‪ ‬وصحبه األخيار الذين‬ ‫ما وجدت الدنيا جيالً كجيلهم وهمما ً كهممهم‪ ،‬فراح‬ ‫التاريخ يسطر بطوالتهم وجوالت اجملاهدين فيهم على‬ ‫أحرف انطلق منها نورٌ يضيئ ملن بعدهم الطريق إلى‬ ‫ٍ‬ ‫اهلل‪. ‬‬ ‫وقبل كل شيء ‪{ ..‬ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ}آل عمران‪19:‬‬ ‫وفي مستدرك احلاكم قول النبي محمد ‪ ( : ‬كان بني نوح‬ ‫وأدم عشرة قرون كلهم على شريعة من احلق ) ‪ ،‬وكذلك‬ ‫قول النبي ‪( :‬إن مثلي ومثل األنبياء كمثل رجل بنى بيتا ً‬ ‫فأحسنه وأجمله إال موضع لبنة ‪ ،‬فجعل الناس يطوفون‬ ‫بالبيت ويقولون ‪ :‬ما أحسنه وما أجمله لوال موضع هذه‬ ‫اللبنة ‪ ،‬فانا موضع اللبنة وأنا خامت األنبياء ) فكله دين واحد‬ ‫وكله بناء واحد ‪.‬‬ ‫وأمة اإلسالم أمة لم ولن متوت ‪ ،‬يقول املصطفى ‪: ‬‬ ‫(إن اهلل زوى لي االرض فرأيت مشارقها ومغاربها ‪ ،‬وإن ملك‬ ‫أمتي سيصل ما زوي لي منها) ‪ ..‬يقول تعالى { ﮫ‬ ‫ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ } الروم ‪ ، 47 :‬ويقول ‪ { : ‬ﭥ‬ ‫ﭦ ﭧﭨﭩﭪﭫﭬ ﭭﭮﭯ‬ ‫ﭰ } غافر ‪ ، 51 :‬وغيرها من النصوص التي بينت أن هذه‬ ‫األمة ‪ -‬أمة اإلسالم ‪ -‬أمة منصورة وغالبة ولو كره اجملرمون‪...‬‬ ‫فلِ َم اليأس واجلزع يا أمتي ؟!‬

‫وماذا فعلت لدين اهلل ؟!‬

‫أنبياء اهلل دعوا أقوامهم لعبادة اهلل ‪ ‬وصبروا على‬

‫‪22‬‬

‫أذى الناس وحتملوا الكثير ‪ ،‬فهذا نبي اهلل نوح ‪ ‬ظل‬ ‫يدعو قومه ‪ 950‬سنة فكم من الناس آمن به ؟ { ﮇ‬ ‫ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ } هود ‪ ، 40 :‬وقيل بأن الذين اتبعوه‬ ‫ثمانون فردا ً ‪ ،‬أي أن فردا ً يؤمن بدعوته في كل ‪ 12‬سنة ‪ ،‬فمن‬ ‫يتحمل هذه خاصة إذا ما قرانا آيات القران التي تقصص‬ ‫علينا همة سيدنا نوح ‪ ‬طوال هذه الفترة الزمنية‬ ‫{ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ} ‪{ ..‬ﯯ ﯰ ﯱ‬ ‫ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ } نوح ‪..9-8:‬‬ ‫عمل متواصل طوال الليل والنهار وجهاد دؤوب ‪ ،‬ثم إنه‬ ‫يواجه بشتى أنواع األذى ‪ ،‬فيتهم مرة بالضالل{ ﭾ ﭿ‬ ‫ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ }‪ ،‬ويتهم تارة باجلنون {ﭫ ﭬ‬ ‫ﭭ ﭮ } ‪ ،‬واتهم بالتخبط كاملمسوس من اجلن {ﯜ‬ ‫ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ} ‪ ،‬ويهدده قومه بالقتل رجما ً {ﭬ‬ ‫ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ } الشعراء ‪،116 :‬‬ ‫ويسخرون منه{ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ‬ ‫ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ}هود ‪،38 :‬‬ ‫وكذلك {ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ‬ ‫ﯬ ﯭ ﯮ } نوح ‪ ، 7 :‬فتحمل سيدنا نوح ‪‬‬ ‫غال رغم أن الطريقة محفوفة باخملاطر‬ ‫هذا كله ألن دين اهلل ٍ‬ ‫واألشواك ‪.‬‬ ‫خذ همة أخرى من همم األنبياء أولي العزم ‪ ،‬فهذا‬ ‫نبي اهلل إبراهيم ‪ ‬يدعو قومه إلى عبادة الواحد األحد‪،‬‬ ‫يلقونه في النار فيتحمل ويصبر وينتصر ألنه يجاهد‬ ‫ويواصل جهاده ليكون الدين كله هلل ‪...‬‬ ‫وهذا نبينا محمد ‪ ‬يسير إلى الطائف ‪ 100 ..‬كم على‬ ‫قدميه ‪ ،‬فوقف أهل الطائف صفني واستقبلوه باحلجارة ‪،‬‬ ‫وعمره ‪ ‬آنذاك خمسون سنة ‪ ،‬يجري واحلجارة تأتيه من‬


‫ﺍﻟﻌﺪﺩ ﺍﻟﺘﺎﺳﻊ ‪ /‬ﺷﻌﺒﺎﻥ ‪ ١٤٢٩‬ﻫـ ‪ /‬ﺁﺏ ‪ -‬ﺃﻏﺴﻄﺲ ‪ ٢٠٠٨‬ﻡ‬

‫كل مكان حتى احتضن سيدنا زيد بن حارثة ‪ ‬النبي‬ ‫‪ ‬ليحميه من احلجارة ‪ ،‬فأغرقت احلجارة رأس زيد وقدم‬ ‫النبي‪ .. ‬ودعا النبي ‪ ‬ربه قائالً ‪ ( :‬اللهم إليك أشكو‬ ‫ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس ) ‪.‬‬ ‫تخيل حجم املعاناة وكم حجم الثبات من أجل الدين ‪،‬‬ ‫وتخيل لو كان رجال آخر بهذه السن هل يتحمل ما حتمله‬ ‫النبي ‪ ‬؟!‬ ‫وهناك اليوم من املسلمني من ال يستطيع رباط ساعة‬ ‫في سبيل اهلل أو القيام لصالة الفجر أو صبر ساعة في‬ ‫طلب العلم أو تدبر آليات القران !!‬ ‫سنسال عن األمانة التي في أعناقنا ‪ ..‬أمانة هذا‬ ‫الدين‪ ..‬سنسال عنها يوم القيامة ‪ ..‬فماذا سنقول هلل؟‬ ‫ومباذا نخبر رسول اهلل ‪ ‬؟! كم من الدماء أريقت ومن‬ ‫النفوس أزهقت ومن احلرمات انتهكت ومن األطفال يتمت‬ ‫ومن النساء ترملت ليصل إلينا هذا الدين ؟! فلماذا أصبح‬ ‫املسلمون هكذا ؟ ملاذا هان عليهم ديننا ؟‬ ‫هل علمتم ما جرى لسيدنا أبي بكر الصديق ‪ ، ‬قال‬ ‫سيدنا علي بن أبي طالب ‪ : ، ‬بينما كان النبي ‪ ‬مرة‬ ‫في وسط قريش فالتف حول ُه عشرة ‪ ،‬هذا يضربه وهذا‬ ‫يجذبه واختلفت أيديهم عليه ‪ ،‬فلم يستطع أحد من‬ ‫أن يتدخل فوقفنا ننظر ‪ ،‬فكان أشجعنا أبو بكر فدخل‬ ‫بينهم يدفعهم ويقول لهم ‪ :‬أتقتلون رجالً أن يقول ربي‬ ‫اهلل ‪ ،‬فتركوا النبي ‪ ‬وأخذوا أبا بكر ‪ ،‬فدفعه عقبة بن‬ ‫أبي معيط فسقط أبو بكر على ظهره ووقف عقبه على‬ ‫بطن أبي بكر وخلع حذاءه وظل يضرب أبا بكر على وجهه‬ ‫فانتفخ ‪ ،‬فلم نعرف له وجها ً من أنف ‪ ،‬فحملوه إلى بيته‬ ‫ال يشكون أنه سيموت ‪ ،‬وعندما أفاق قال ‪ : ‬ماذا فعل‬ ‫رسول اهلل ‪ ‬؟ فقالوا ‪ :‬هو بخير ‪ ،‬فقال ‪ :‬ال أتذوق حتى‬ ‫أنظر إليه بعيني ‪.‬‬ ‫وهذا خباب بن األرت ‪ ‬يأخذه املشركون فيوقدون‬ ‫فحماًُ ويطرحونه على خباب ‪ ،‬فيقول خباب ‪ :‬فما يطفئ‬ ‫الفحم إال شحم ظهري ‪.‬‬ ‫هذا وغيره الكثير جرى على أنبياء اهلل وأصحابهم‪،‬‬ ‫يتحملون األذى من أجل اإلسالم ولتبقى األرض عامرة‬ ‫بحب اهلل وبحب دينه ‪ ،‬وهكذا كما وعد اهلل ‪ ...‬لقد حتملوا‬ ‫كل هذا لنكون أنا وأنت ومن قبلنا ومن بعدنا مسلمني إلى‬ ‫قيام الساعة ‪.‬‬

‫اإلسالم ‪َ ..‬مهر امرأة‬

‫هل تعرف أخي اجملاهد أسبابا ً أخرى وراء هذا الصبر‬ ‫الكبير غير اإلسالم ؟‬

‫إن اإلسالم كان يجري في عروق األنبياء وأتباعهم‬ ‫مجرى الدم ‪ ،‬وكان شعار الصحابة في اُحد ( دينك دينك‪..‬‬ ‫حلمك ودمك ) ‪ ،‬فيا شباب اإلسالم ‪ ..‬لو أجريتم حتليالً‬ ‫لعينة من دمائكم ‪ ..‬فيا ترى ‪ :‬هل ستجدون اإلسالم حتت‬ ‫اجملهر ؟‬ ‫هذه أم سليم رضي اهلل عنها مات زوجها فتقدم لها‬ ‫أبو طلحة ولم يزل مشركا ً فرفضت وقالت ‪ :‬إن رسول‬ ‫اهلل‪ ‬حرم علينا أن نتزوج إال مبسلم ‪ ،‬قال لها ‪ :‬ولكني‬ ‫أرغب فيك ‪ ..‬قالت ‪ :‬وأنا ال أتزوجك من غير إسالم ‪ ،‬فذهب‬ ‫وعاد إليها يطلبها ‪ ،‬فقالت له ‪ :‬يا أبا طلحة ‪ ،‬أليس‬ ‫صنمك الذي تسجد له ينحته فالن النحات ؟ قال ‪ :‬نعم‪،‬‬ ‫قالت ‪ :‬أليس إذا اشتعلت فيه النار احترق ‪ ،‬قال ‪ :‬نعم‪،‬‬ ‫قالت ‪ :‬عيب عليك وهذا عقلك أن تعبد هذا ‪ ،‬فقال ‪:‬‬ ‫أشهد أن ال إله اال اهلل وأن محمدا ً رسول اهلل ‪ ،‬فقالت ‪:‬‬ ‫فهذا مهري ‪ ،‬مهري إسالمك ‪ ..‬فكانت أعظم امرأة مهرا ً‬ ‫في التاريخ ‪.‬‬ ‫قلوب حترتق على اإلسالم‬ ‫في إحدى املعارك بني املسلمني والفرس ‪ ..‬ظهر فيها‬ ‫املسلمون على عدوهم بقيادة املثنى بن حارث ‪ ،‬إال أن‬ ‫الفرس استطاعوا أن يتوغلوا في ميمنة املسلمني لوجود‬ ‫قبيلة بني بكر وكانت متخاذلة ‪ ،‬بدا اجليش املسلم‬ ‫ينتصر ولكن بقيت امليمنة ضعيفة فكتب املثنى بن‬ ‫حارثة ورقة صغيرة لبني بكر بها ثالث كلمات فقط ‪:‬‬ ‫(من املثنى إلى بني بكر ‪ ..‬ال تفضحوا املسلمني)‪ ،‬فانتصر‬ ‫اجليش انتصارا ً تاما ً وسبب متام النصر هم بنو بكر ‪..‬‬ ‫انقلبوا أسودا ً بسبب كلمة ( ال تفضحوا املسلمني) ‪.‬‬ ‫فاسأل نفسك أي اُخي ‪ :‬كم نصيب دينك من‬ ‫وقتك؟‬ ‫إن من يقتل وقته إمنا يقتل نفسه ‪ ،‬واحلياة باإلسالم‬ ‫حياة مضاعفة األجر والبركة ‪ ،‬واعلم بأن ساعات عمرك‬ ‫هي خزائنك فامألها باخلير ‪ ،‬الواحد منا يعيش يومه ‪24‬‬ ‫ساعة ‪ ،‬ينام منها ‪ 8‬ساعات ‪ ،‬ويقضي حاجاته في ‪8‬‬ ‫ساعات أخرى ‪ ،‬فثلث عمرك نائم ‪ ،‬وثلث عمرك تقضي‬ ‫به حاجاتك ‪ ،‬وتبقى لك ثلث ‪ ،‬فحرام عليك أن تضيعه ‪،‬‬ ‫واتق اهلل في هذه األنفاس إذا ما ذهبت فهي رأس مالك‬ ‫الذي ال يعود إليك أبدا ً ‪ ..‬ونحن فرع طاب أصله ‪ ..‬فر ٌع‬ ‫سما في سماء اهلل ألنه من أصل ثابت تكفل اهلل‬ ‫َ‬ ‫برعايته وحمايته ‪ ..‬فال خوف وال باس ‪.‬‬

‫‪23‬‬


‫ﺍﻟﻌﺪﺩ ﺍﻟﺘﺎﺳﻊ ‪ /‬ﺷﻌﺒﺎﻥ ‪ ١٤٢٩‬ﻫـ ‪ /‬ﺁﺏ ‪ -‬ﺃﻏﺴﻄﺲ ‪ ٢٠٠٨‬ﻡ‬

‫في ظل الظروف الصعبة الراهنة تلتبس كثير من املسائل‬ ‫على الناس سيما األمور الشرعية والعقائدية منها ‪ ،‬خاصة‬ ‫بغياب شريحة واسعة من العلماء والدعاة ( بسبب التقتيل‬ ‫والتهجير ) ‪ ،‬الدعاة الذين ينيرون الدرب لكل من سلكه وملن أراد‬ ‫أن يسلكه ‪ ،‬في ظل هذه الظروف تشكل على شريحة واسعة‬ ‫من الناس األمور العقائدية بسبب جهلهم بها ‪ ،‬وتشكل على‬ ‫آخرين لظنهم أنها من صلب دينهم غير عاملني بأنها عقائد‬ ‫مستوردة دخيلة على دينهم ‪ ،‬لهذا فإن البعض يعتقد ما‬ ‫ال يعلم ماهيته وحقيقته ‪ ،‬والبعض يعتقد ما يظن أنه من‬ ‫عقيدته ‪ ،‬لذلك نرى أبناء املسلمني اليوم يعتقدون مبسائل‬ ‫تغضب اهلل تعالى ‪ ،‬بل ويتلفظون بالفاظ لو مزجت مباء البحر‬ ‫ملزجته كدرة وظلمة " إن أحدكم ليتكلم بالكلمة ال يلقي لها‬ ‫باال ً تهوي به في جهنم سبعني خريفا ً " ‪.‬‬ ‫ومن األمور التي تشكل على بعض الناس في ظل غياب‬ ‫العلماء والدعاة ووقوع البلوى ‪...‬هي قضية احلذر ‪ ،‬فالناس فيه‬ ‫بني اإلفراط والتفريط ‪ ،‬فنرى بعضهم يتلكئ بأداء عمله اجلهادي‬ ‫ونصرة دينه ‪ ،‬ورمبا يترك ما افترضه اهلل تعالى عليه بحجة احلذر‪،‬‬ ‫وقد يفرط آخر أكثر فيترك العمل اجلهادي نهائيا ً بحجة احلذر‬ ‫أيضا ً من باب جلب املصلحة ودرء املفسدة مبا يترتب على فعله‬ ‫"العمليات اجلهادية " ‪ ،‬ونرى باملقابل التفريط بذلك كمن ال يبالي‬ ‫سواء أدى عمله "اجلهادي" اليسير إلى هالك نفسه أم ال!!‬ ‫من هنا كان لزاما ً علينا أن نبني هذه املسالة ‪ ،‬احلذر ‪ ،‬ملا له‬ ‫متاس مباشر مع الواقع الذي نعيشه اليوم ‪ ،‬فإرادة اهلل تعالى‬ ‫نافذة ال محالة سواء كانت إرادة كونية أم إرادية ‪ ،‬فالكونية‬ ‫كتبها اهلل تعالى منذ األزل ‪ ،‬وهي واقعة ال محالة ‪ ،‬حيث ال‬ ‫تغيير فيها وال نسخ وال تبديل ‪ ،‬واإلرادية كذلك إال ما شاء اهلل‬ ‫تعالى ‪ ،‬فيمكن أن يدفعها أو مينعها مانع شرعي " كالعمل‬ ‫الصالح ‪ ،‬والدعاء ‪ ، ".... ،‬لذلك فإن األمر ‪ -‬خيره وشره ‪ -‬إذا ما وقع‬ ‫فإمنا يقع بقدر اهلل تعالى { ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ‬ ‫ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ } النساء ‪.78 :‬‬ ‫علينا أن نعلم أن احلذر من قدر اهلل ‪ -‬سواء كان بال ًء أو غيره‬ ‫‪ -‬ال يجدي نفعا ً ‪ ،‬حيث ال مينع قدر اهلل إال قدر اهلل ‪ ،‬فإذا ما جنوت‬

‫‪24‬‬

‫فإمنا تنجو بقدر اهلل ‪ ‬ال بحذرك ( واعلم أن ما أصابك لم يكن‬ ‫ليخطاك ‪ ،‬وما أخطاك لم يكن ليصيبك ) ‪.‬‬ ‫واحلذر نوعان ‪ :‬احلذر احملمود ‪ ،‬واحلذر املذموم ‪:‬‬ ‫احلذر احملمود‬ ‫وهو الذي أمر اهلل تعالى ورسوله به عند وقته وتوفر شروطه‬ ‫بقوله تعالى ‪{ :‬ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ‬ ‫ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ} النساء ‪ ، 71 :‬وقد فعله النبي ‪ ‬في‬ ‫حياته كثيرا ً ‪ ،‬وخير ما يجسد ذلك قوله ‪ ‬ألبي بكر ‪ ‬وقت‬ ‫الهجرة ‪ ( :‬أخرج من عندك) ‪ ،‬بل جعله ‪ ‬من صفات املؤمنني‬ ‫كيس َفطن ) ‪.‬‬ ‫بقوله ( املؤم ُن‬ ‫ٌ‬ ‫هذا النوع من احلذر ال بد للمسلم منه خصوصا ً في زمن‬ ‫البالء والفنت واحملن والهرج ‪ ،‬ولو استقرئنا قصص األنبياء عليهم‬ ‫السالم في كتاب اهلل وواقع النبي ‪ ‬وصحابته في سيرتهم‬ ‫العطرة جند حذرهم من الوقوع في الزلل وحذرهم من مكر‬ ‫األعداء بهم واضحا ً جليا ً ‪.‬‬ ‫فهذا واقع سيدنا موسى مع فرعون حيث ذكر القرآن قول‬ ‫فرعون ‪ {:‬ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ } ‪ ،‬فما كان من سيدنا‬ ‫موسى ‪ ‬إال أن يثق مبعية اهلل تعالى ‪.‬‬ ‫وهذا حال سيدنا لوط ‪ ‬حينما قال قومه ‪{ :‬ﭘ‬ ‫ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ} ما كان منه ‪ ‬إال أن‬ ‫استجاب ألمر اهلل ‪{:‬ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ‬ ‫ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ} احلجر ‪. 65 :‬وقصص‬ ‫القرآن في احلذر كثير ‪.‬‬ ‫وهذا النبي ‪ ‬في حادثة الهجرة يضرب لنا املثل األعلى‬ ‫في استخدامه للحذر من االبتالء واملكائد ‪ ،‬كخروجه وقت‬ ‫الظهيرة ‪ ،‬وسلوكه االجتاه الغير معهود‪ ...‬كما هو معلوم ‪ ،‬وفي‬ ‫قول سيدنا عمر ‪ ( : ‬لست باخلب وال اخلب يخدعني ) داللة‬ ‫واضحة على استعمالهم احلذر في مكانه احملمود ‪ ،‬ونحن علينا‬ ‫كذلك ألن ديدن أهل الباطل احلرص على إبادة هذا الدين وأهله‬ ‫وحال ‪ ،‬فهذا القران الكرمي يقص حالهم‬ ‫ومكان‬ ‫زمان‬ ‫في كل‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫على األزل‪{:‬ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ}‪،‬‬ ‫{ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ }‪،‬‬


‫ﺍﻟﻌﺪﺩ ﺍﻟﺘﺎﺳﻊ ‪ /‬ﺷﻌﺒﺎﻥ ‪ ١٤٢٩‬ﻫـ ‪ /‬ﺁﺏ ‪ -‬ﺃﻏﺴﻄﺲ ‪ ٢٠٠٨‬ﻡ‬

‫{ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ‬ ‫ﯗ} ‪ { ،‬ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ‬ ‫ﮖﮗ } ‪.‬‬

‫احلذر املذموم‬

‫وهو ما يكون زائدا ً عن حده بحيث يكون مدعا ًة لترك‬ ‫العمل‪ ،‬والناس فيه بني اإلفراط والتفريط كما أشرنا سابقا ً ‪،‬‬ ‫وفي قوله تعالى ‪{ :‬ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ‬ ‫ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ} داللة مخالفة على إن احلذر الذي‬ ‫يكون مدعاة لترك العمل غير مأمور به فهو مذموم ‪.‬‬ ‫إذا ً فاحلذر كلمة ال بد احلذر منها ‪ ،‬ففي ظل الهفوت‬ ‫واألخطاء الشائعة وغياب كلمة احلق وشيوع األخالق الزائفة‬ ‫من الغدر واخليانة واخلباثة واخلسة والتجسس والنميمة واملراء‬ ‫والذنوب واملعاصي ‪ ،‬فال بد لنا من احلذر ‪ ،‬وعلينا أن نحذر من‬ ‫مكر اهلل وامهاله ‪.‬‬ ‫وإذا ما تركت العمل في ظل هذه االوضاع األمنية املتشددة‬ ‫من باب احلذر فترقد وال حترك ساكنا ً ليتوفاك اهلل تعالى بعيدا ً‬ ‫عن امليدان وقد كنت يوما ً من األيام فارس فيه ال تترجل ‪،‬‬ ‫وأذكرك بقوله تعالى ‪{ :‬ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ‬ ‫ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ} ‪ ،‬فكما أن اهلل تعالى‬ ‫رحيم بعباده رؤوف بهم فإن من أسماءه وصفاته أنه املنتقم ‪،‬‬ ‫وأذكرك بقوله تعالى ‪{ :‬ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ‬ ‫ﯿﰀﰁ ﰂﰃ ﰄﰅﰆﰇﰈ ﰉﰊﰋ‬ ‫ﰌ} ‪ { ،‬ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ}‪( ،‬إن‬ ‫اهلل ليملي للظالم ‪ ،‬حتى إذا أخذه لم يفلته) ‪ ..‬فاحذر أخي‬ ‫احلبيب إمهال اهلل تعالى لك ‪ ،‬وال تغتر بالتحسن األمني‬ ‫املزعوم ‪ ،‬فما نراه اليوم خير دليل على أنه الهدوء الذي يسبق‬ ‫العاصفة ‪.‬‬

‫احلذر من النفس ‪..‬‬

‫عليك أخي اجملاهد أن حتذر من نفسك التي بني جنبيك‪:‬‬ ‫{ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ} ‪ ،‬ومن املعلوم أن طريق اجلنة شائك‬ ‫صعب ‪ُ ( :‬حفت اجلنة باملكاره ) والنفس اإلنسانية مجبولة على‬ ‫الدعة والراحة ‪ ،‬فاحذر أن حتاكيك التي بني جنبيك بوسواس‬ ‫السوء حتى تكرهك على ترك البذل والعطاء واجلهاد في سبيل‬ ‫اهلل بحجة احلذر ‪ ،‬خاصة وأن الظروف احلالية مواتية لذلك ‪..‬‬ ‫فاحذر سرعة االستجابة لها ‪ ،‬وعليك بإمساك زمام األمور ‪،‬‬ ‫فإن ذلك أول الطريق لترك اجلهاد في سبيل اهلل ‪ ،‬ثم ال تزال‬ ‫بك حتى اذا ما ضعفت واستجبت لها جرتك إلى رغباتها‬ ‫وشهواتها ‪ ،‬وال ترضى عنك إال أن يكون مصيرك النار والعياذ‬ ‫باهلل ‪ ( ..‬وحفت النار بالشهوات ) ‪ { ..‬ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ‬ ‫ﯣ ﯤﯥﯦ ﯧﯨ ﯩ } ‪.‬‬

‫وأذكرك بأن الواقع احلالي ظاهره فيه الرحمة وباطنه من‬ ‫قبله العذاب ‪ ،‬فيظن كثي ٌر من الناس بأن الوضع األمني قد‬ ‫حتسن ‪ ،‬وما زالت نفسه توسوس له حتى تالشى عنده حس‬ ‫اجلهاد ‪ ،‬فاحذر ‪ ،‬فإنه باب من أبواب الشيطان ‪ ،‬حتى كدنا نرى‬ ‫في اآلونة األخيرة من ال يستطيع أن يتطرق إلى سمعه كلمة‬ ‫" اجلهاد " واأللفاظ ذات الصلة ‪ { :‬ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ‬ ‫ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ } ‪ ،‬وعلينا احلذر حتى من أهلنا وأموالنا‬ ‫وأوالدنا {ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ‬ ‫ﮐ ﮑ ﮒﮓ } ‪ ..‬فرمبا يحيل األهل واملال والولد‬ ‫بينك وبني طاعة اهلل تعالى ومن بينها اجلهاد في سبيل اهلل‬ ‫{ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ‬ ‫ﮃﮄﮅﮆﮇﮈ ﮉ‬ ‫ﮊﮋﮌﮍﮎﮏ ﮐﮑﮒ‬ ‫ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ } ‪..‬‬ ‫فاحلذر احلذر من هذه الفنت ‪ ،‬فمن وقع فيهن أهلكنه ‪ ،‬فال جتري‬ ‫ورائهن ‪..‬‬ ‫وأذكرك أخي اجملاهد احلبيب بقصة مالك األشجعي ‪،‬‬ ‫فكلما أراد اجلهاد في سبيل اهلل قام إليه زوجه وولده فيقولون‬ ‫له ‪( :‬إلى من تتركنا ؟ وكيف لو قتلت ؟ ماذا نفعل باحلياة من‬ ‫بعدك؟) ‪ ..‬فيرق قلبه لهم ويجلس وال يجاهد ‪ ،‬فنزل فيه قول‬ ‫اهلل تعالى‪{ :‬ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ‬ ‫ﮐ ﮑ ﮒﮓ } ‪..‬‬ ‫واعلم بأنك مفارق هذه الدنيا ال محال ألنها من سنن اهلل‬ ‫الكونية ( ُ‬ ‫نفس ذائق ُة املوت ) ‪ ،‬واعلم أن ورائك يوم ال ينفع‬ ‫كل‬ ‫ٍ‬ ‫فيه أهل وال مال وال بنون ‪.‬‬

‫احلذر من رفقاء السوء‬

‫واحذر أخي الفاضل كل احلذر ممن ترافق ‪ ،‬فال يزال رفيق‬ ‫السوء بك حتى يعينك على التقاعس والقعود عن عملك‬ ‫السامي ‪ ( :‬مثل اجلليس الصالح واجلليس السوء كحامل‬ ‫املسك ونافخ الكير ‪ { ، ) ...‬ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ‬ ‫ﭸ ﭹ ﭺ} ‪ ،‬فاحرص أخي املبارك على صحبة أولي‬ ‫العزائم ‪ ،‬فالصاحب ساحب كما يقال ‪.‬‬ ‫إن في شرعنا الوسائل الكفيلة كي ال تقع باحملذور ‪،‬‬ ‫فاستخدام املعاريض والتخفي واالستتار والكذب اجلائز وتغيير‬ ‫الهيئة والتشبه املسموح به والتفرق وحدانا ً دون التجمع من‬ ‫األمور التي تعينك على املقصود ‪ ،‬وفي شرعنا ما يدل عليها‬ ‫داللة واضحة من حيث اجلواز ‪ ،‬واحلرب خدعة‪.‬‬ ‫فاربأ أخي احلبيب بنفسك عن تلك املفاهيم اخلاطئة ‪ ،‬فال‬ ‫يغني حذر من قدر ‪:‬‬ ‫{ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ ‪} .‬‬

‫‪25‬‬


‫ﺍﻟﻌﺪﺩ ﺍﻟﺘﺎﺳﻊ ‪ /‬ﺷﻌﺒﺎﻥ ‪ ١٤٢٩‬ﻫـ ‪ /‬ﺁﺏ ‪ -‬ﺃﻏﺴﻄﺲ ‪ ٢٠٠٨‬ﻡ‬

‫مهما اختلفت موازين القتال ‪ ،‬وتباينت مستويات‬ ‫القوى ‪ ،‬يبقى هناك حقائق وموجبات ظفر ال تتبدل أو‬ ‫تتحول ‪ ،‬وهي أن فريق القتال مهما كان قويا ً في عدته‬ ‫وعدده ‪ ،‬فإنه يؤتى من ضعف معنويات أفراده ‪ ،‬ومهما يكن‬ ‫الفريق قليالً في العدد والعدة ‪ ،‬لكن عظم صبره واميانه‬ ‫كفيالن بالغلبة وليكونا من أسباب النصر والظفر ‪.‬‬ ‫أما اجلراح ‪ ،‬فكال الفريقني تصيبه ‪ ،‬لكنها تخذل ضعيف‬ ‫اإلميان ‪ ،‬وتعزز ضعيف العدد ‪ ..‬وأما القتل ‪ ،‬فال مناص أن‬ ‫يصيبهما وإن تباينت نسبة اإلعداد ‪ ،‬لكنها لصاحب اإلميان‬ ‫شرف وقوة ‪ ،‬ولصاحب الباطل وهن وضعف ‪.‬‬ ‫واليوم ‪ -‬وما أشبه اليوم بالبارحة ‪ -‬يتعامل حاملو راية‬ ‫اجلهاد من مقاتلني وموجهني مع املواجهة بروح قوية ‪ ،‬ال‬ ‫تنثني إذا الريح أثنت غيرهم ‪ ،‬ألمنا هم من يثبت الناس‬ ‫بهم ‪ ،‬وحتفظ بيضة الدين بثباتهم وإقدامهم ‪.‬‬ ‫وإذا ق ّلت األعداد ‪ ،‬وتعبت السواعد ‪ ،‬فإن اإلميان في‬ ‫نفوس اجملاهدين كفيل أن يعيد احلياة إلى األبدان ‪ ،‬والدماء‬ ‫إلى العروق ‪ ،‬فالبطل الذي حتتمي به األمة ‪ ،‬كل األمة ‪،‬‬ ‫رجالها ونساؤها وأطفالها وزرعها وكرامتها ‪ ،‬هذا البطل‬ ‫عليه أن ال ينسى حلظة أنه سبب من أسباب اهلل في‬ ‫كرامة هذه األمة وعزها ونصرها ورفع احليف عنها ‪.‬‬ ‫واليوم ‪ -‬أيها اجملاهد البطل ‪ -‬رايتك واضحة ‪ ،‬وعزميتك‬ ‫ظاهرة ‪ ،‬وصبرك مجرب ‪ ،‬وصدقك في اللقاء شهدناه ‪،‬‬ ‫عليك اليوم أن تري الناس منك صبرا ً جميالً ‪ ،‬ألن النصر‬

‫‪26‬‬

‫ألصبر الفريقني وأكرم اجلندين ‪ ..‬وإن تثبت ثباتا ً يستقي‬ ‫منه الفتيان ‪ ،‬ويتأسى به الشباب ‪ ،‬ويطمئن اليه الكبار ‪،‬‬ ‫حتى يروا فيك األسوة املباركة التي ينتفع بها كل مسلم ‪..‬‬ ‫فتقوى عزائمهم ‪ ،‬وتفتح لهم أبواب الكرامة والشجاعة ‪،‬‬ ‫فتهون عليهم لذات الدنيا وشهواتها من أجل لذات اآلخرة‬ ‫األزلية ‪ ،‬فيصيغوا لإلسالم لوح ًة من األمجاد جديدة ‪،‬‬ ‫ويضيفوا إلى سفر األبطال البطوالت والكرامات ‪ ،‬ويتغنى‬ ‫بفعالهم أشبال املسلمني ‪ ،‬ويصيغوا من مواقفهم حلنا ً‬ ‫وشعرا ً وتاريخا ً ‪.‬‬ ‫وهذا الصبر والثبات هو مهر الظفر ‪ ،‬فال مناص من‬ ‫دفعه ‪ ،‬وأحلى الدفع ما كان نقدا ً ‪ ،‬وقد يحلو إن كان‬ ‫فقداً‪..‬‬ ‫في معركة ذات السالسل ‪ ،‬بلغ هرمز أن جيش خالد‬ ‫قد تواعدوا احلفير ‪ -‬ماء لبني باهلة على أربعة أميال من‬ ‫البصرة ‪ ،‬فمال إليها ليبادر خالدا ً فيها ‪ ،‬ونزل بها وعبأ‬ ‫قواته وجعل على ميمنته عباد وعلى ميسرته أنوشجان‪،‬‬ ‫وهما أخوان ينتسبان إلى آل ساسان البيت املالك في‬ ‫الدولة ‪ ،‬واختلفوا حول ربط اجلند في السالسل ‪ ،‬فقال من‬ ‫لم يرَ هذا الرأي ملن أخذ به ‪ " :‬قيدمت أنفسكم لعدوكم‪،‬‬ ‫فال تفعلوا فإن هذا طائر سوء " ‪ ،‬فأجابوهم ‪ " :‬أما أنتم‬ ‫فيحدثوننا إنكم تريدون العرب " ‪ ،‬فعلم خالد ‪ ‬وهو‬ ‫في الطريق بنزول هرمز باحلفير ‪ ،‬وعلم أنهم على تعبئة‬ ‫مقترنون في السالسل ‪ ،‬ولعل خالدا ً أراد أن يرهقهم ‪ ،‬أو‬


‫ﺍﻟﻌﺪﺩ ﺍﻟﺘﺎﺳﻊ ‪ /‬ﺷﻌﺒﺎﻥ ‪ ١٤٢٩‬ﻫـ ‪ /‬ﺁﺏ ‪ -‬ﺃﻏﺴﻄﺲ ‪ ٢٠٠٨‬ﻡ‬

‫إنه لم يشأ أن ينزل بعد مسيره الطويل على قوم قد تع ّبوا‬ ‫له وصفوا صفوفهم ‪ ،‬فعدل طريقه إلى كاظمة " مكان‬ ‫ماء " وبلغ هرمز ذلك فبادر إلى كاظمة وسبق خالدا ً إليها‬ ‫فنزلها وقد استبد به الغيض وأعاد تعبئة جنده واقترنوا‬ ‫مرة أخرى في السالسل وقد استحوذوا على املاء فهو في‬ ‫أيديهم ‪ ،‬ومعهم فيل من أفيال القتال ‪.‬‬ ‫وجاء خالد فنزل على غير ماء ‪ ،‬فقالوا له في ذلك فأمر‬ ‫مناديه فنادى ‪:‬‬ ‫( أال فانزلوا وحطوا أثقالكم ‪ ،‬ثم جالدوهم على املاء ‪،‬‬ ‫فلعمري ليصيرن املاء ألصبر الفريقني وأكرم اجلندين ) ‪.‬‬ ‫وإننا واهلل عندنا الكثير لنجالد العدو عليه ‪ ،‬فعندنا‬ ‫شرف نسائنا ‪ ،‬وكرامة ديارنا ‪ ،‬وتاريخ أمتنا ‪ ،‬وعزة ديننا ‪،‬‬ ‫ووضوح غايتنا ‪ ،‬وسمو أمانينا ‪ ،‬ورفعة منازلنا ‪ ،‬وبسمة‬ ‫أطفالنا ‪ ،‬وآذان مساجدنا ‪ ،‬وصيحات أمهاتنا ‪ ،‬وصرخات‬ ‫أيتامنا ‪ ،‬كل هذا وغيره يدعونا للنزول فنحط رحالنا وجنالد‬ ‫عدو اهلل عليه ‪..‬‬ ‫ُ‬ ‫الليـــــل في أشـــالء ُجرحي‬ ‫ينا ُم‬ ‫بح‬ ‫ويصحو الفجــــ ُر من‬ ‫أشــواق ُ‬ ‫ِ‬ ‫ص ِ‬ ‫وتنتفض القصائــــد في دمائـــي‬ ‫ُ‬ ‫لـــح‬ ‫لص‬ ‫اق ُ‬ ‫وتلع ُن كل ســــــ َّب ٍ‬ ‫ِ‬ ‫فال جتنح لغيــــر الســـيف فيهم‬ ‫برمــــح‬ ‫وال تلــــق العــــدا إال‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫قنديـــــل ثأري‬ ‫وأشـــعل باللظى‬ ‫ــــدد دَينَنا ذَبحـــا ً‬ ‫بذبـــــح‬ ‫وس‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫سأل ملك الروم أهل دين النصرانية ‪ " :‬إنكم اليوم أكثر‬ ‫عددا ً وأغزر مددا ً من العرب وأكثر جمعا ً وأكثر خياما ً وأعظم‬ ‫قوة ‪ ،‬فمن أين لكم هذا اخلذالن وكانت الفرس والترك‬ ‫واجلرامقة تهاب سطوتكم وتفزع من حربكم وشدتكم‬ ‫وقد قصدوا إليكم مرارا ً ورجعوا منكسرين ؟ واآلن قد‬ ‫عال عليكم العرب وهم أضعف اخللق عراة األجساد جياع‬ ‫األكباد وال عدد وال سالح وقد غلبوكم على بصرى وحوران‬ ‫وأجنادين ودمشق وبعلبك وحمص ؟! " ‪.‬‬ ‫سكت امللوك عن جوابه ‪ ..‬فعندها قام قسيس كبير‬ ‫عالم بدين النصرانية وقال ‪ " :‬أيها امللك ‪ :‬أما تعلم لم نصر‬ ‫املسلمون علينا ؟ " ‪.‬‬ ‫قال ‪ " :‬ال وحق املسيح " ‪.‬‬ ‫فقال القسيس ‪:‬‬ ‫" أيها امللك ‪ ،‬ألن قومنا بدلوا دينهم ‪ ،‬وغيروا ملتهم‪،‬‬ ‫وجحدوا املسيح عيسى بن مرمي صلوات اهلل وسالمه‬ ‫عليه ‪ ،‬وظلموا بعضهم ‪ ،‬وليس فيهم من يأمر باملعروف‬

‫وينهى عن املنكر ‪ ،‬وليس فيهم عدل وال إحسان ‪ ،‬وال‬ ‫يفعلون الطاعات ‪ ،‬وضيعوا أوقات الصلوات ‪ ،‬وأكلوا الربا ‪،‬‬ ‫وارتكبوا الزنا ‪ ،‬وفشت فيهم املعاصي والفواحش ‪ ،‬وهؤالء‬ ‫املسلمون طائعون لربهم ‪ ،‬متبعون لدينهم ‪ ،‬رهبا ٌن في‬ ‫الليل ‪ ،‬ص ّوام بالنهار ‪ ،‬وال يفترون عن ذكر ربهم ‪ ،‬وال عن‬ ‫الصالة على نبيهم ‪ ،‬وليس فيهم ظلم وال عدوان ‪ ،‬وال‬ ‫يتكبر بعضهم على بعض ‪ ،‬شعارهم الصدق ‪ ،‬ودثارهم‬ ‫العبادة ‪ ،‬وإن حملوا علينا ال يرجعون ‪ ،‬وإن حملنا عليهم‬ ‫فال يولون ‪ ،‬وقد علموا أن الدنيا دار الفناء ‪ ،‬وأن اآلخرة هي‬ ‫دار البقاء " ‪.‬‬ ‫فلما سمع القوم وامللك هرقل ما قاله القسيس قالوا‪:‬‬ ‫" وحق املسيح لقد صدقت ‪ ،‬بهذا نصرت العرب علينا ال‬ ‫محالة ‪ ،‬وإذا كان فعل قومنا ما ذكرت فال حاجة لنا في‬ ‫نصرتهم " فتوح الشام ‪.161 / 1‬‬ ‫لهذا ‪ -‬أيها األبطال ‪ -‬نحن أكرم اجلندين ‪ ،‬بطاعتنا هلل‬ ‫‪ ، ‬وبصدقنا وتوجهنا إليه ‪ ..‬لهذا نصرنا ‪ ‬في مواطن‬ ‫كثيرة ونحن فئة قليلة ‪ ،‬لكنها الفئة املؤمنة الصابرة‬ ‫{ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ‬ ‫ﮏ ﮐ ﮑ } البقرة ‪. 249 :‬‬ ‫قال سعيد احلميري ‪:‬‬ ‫" كنت ممن حضر اليرموك من أوله إلى آخره ‪ ،‬فلما‬ ‫أشرفت عساكر الروم باليرموك نحونا صعدت على محل‬ ‫من األرض مرتفع ‪ ،‬وأقبلت الروم بالرايات والصلبان ‪ ،‬فعددت‬ ‫عشرين راية ‪ ،‬فلما استقرت الروم باليرموك بعث األمير أبو‬ ‫عبيدة ‪ ‬روماس صاحب بصرى ليحزر عدد القوم ‪ ،‬فتنكر‬ ‫روماس وغاب عنا يوما ً وليلة ثم عاد إلينا ‪ ،‬فلما رأيناه‬ ‫اجتمعنا عنده وسأل أبو عبيدة روماس عن ذلك فقال ‪:‬‬ ‫"سمعت القوم يذكرون أن عددهم ألف ألف ‪ ،‬فال أدري أهم‬ ‫يتحدثون بذلك ليسمع جواسيسنا أم ال ؟ " ‪.‬‬ ‫فقال أبو عبيدة‪ " :‬يا روماس ‪ ،‬كم عهدك بهم ؟ وكم‬ ‫يكون حتت كل راية من عساكر الروم ؟ "‬ ‫فقال ‪ ":‬أيها األمير ‪ ،‬أما ما عهدت في عساكر الروم‬ ‫فتحت كل راية خمسون ألف فارس " ‪ ،‬فلما سمع أبو‬ ‫عبيدة ذلك قال ‪:‬‬ ‫" اهلل أكبر ‪ ،‬أبشروا بالنصر على األعداء " ‪ ..‬ثم قرأ اآلية‬ ‫{ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ‬ ‫ﮏ ﮐ ﮑ } فتوح الشام ‪. 163 / 1‬‬ ‫فنحن عندنا العزم واإلميان ‪ ..‬ولدينا الصبر والصدق ‪..‬‬ ‫وفينا الشجاع املقدام ‪ ...‬فالصبر الصبر ‪ ..‬فالنصر قادم‬ ‫بإذن اهلل ‪..‬‬

‫‪27‬‬


‫ﺍﻟﻌﺪﺩ ﺍﻟﺘﺎﺳﻊ ‪ /‬ﺷﻌﺒﺎﻥ ‪ ١٤٢٩‬ﻫـ ‪ /‬ﺁﺏ ‪ -‬ﺃﻏﺴﻄﺲ ‪ ٢٠٠٨‬ﻡ‬

‫يتخيل البعض أن اختيار راية اجلهاد والقتال في سبيل‬ ‫اهلل من املفترض أن يقابله معية خالصة من اهلل ‪، ‬‬ ‫ونزول املالئكة املسومني للقتال بجانب املؤمنني ‪ ،‬وإحلاق‬ ‫الهزمية املاحقة باألعداء ‪ ،‬وهذا قد يكون صحيحا ً ولكن‬ ‫بعد اجتياز وتخطي العقبات ‪ ،‬التي من خاللها يتبني صدق‬ ‫الرغبة في اجلهاد والقتال ‪ ،‬وينتصر فيها املرء على نفسه‬ ‫أوال ً ‪.‬‬ ‫لقد أبى اهلل تعالى إال أن ينتصر لعباده الصادقني‬ ‫الصابرين أصحاب اإلرادة القوية والعزمية الصادقة والهمة‬ ‫العالية التي انتصرت على نفوسها طاعة هلل ‪ ،‬فنصرها‬ ‫اهلل على غيرها { ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ‬ ‫ﯜ ﯝ ﯞ } سورة محمد‪ ){7 :‬ﭺ ﭻ ﭼ‬ ‫ﭽﭾ ) احلج ‪ ، 40 :‬وهذا واضح وجلي في قصص القرآن‬ ‫الكرمي ليتعلم املؤمنون أن متطلبات النصر أمورا ً عالية‬ ‫ولكنها في حدود طاقتهم البشرية شاقة ومجهدة‬ ‫ولكنها قابلة ألن تكون أمرا ً واقعا ً ‪ ،‬فقد ورد في القرآن‬ ‫قصص كثيرة عن بني إسرائيل ‪ ،‬عن طبائعهم وأسباب‬ ‫التفضيل لهم ‪ ،‬أسباب املسخ والتيه والذل والهوان الذي‬ ‫القوه نتيجة انحرافهم عن الصراط املستقيم وجترؤهم‬ ‫على اهلل ‪ ،‬وضعف إرادتهم التي ساقتهم إلى مرحلة‬ ‫االستضعاف ‪ ،‬وعندما أراد اهلل أن يكتب لهم النصر وأن‬ ‫يعزوا بعد ذلهم ويختبر صدقهم ‪ ،‬كان ال بد من االمتحان‬ ‫والتمحيص ‪.‬‬ ‫والقصة التي حكاها القرآن تبني موضع اختبار اإلرادة‬ ‫الصلبة القوية التي انتصرت بها قلة مؤقتة صابرة كانت‬ ‫في أول أمرها كثر ًة ظاهر َة الرغبة في اجلهاد والقتال في‬ ‫ٌ‬ ‫قليل‬ ‫سبيل اهلل ولكنها ضعيف ٌة إرادتها ‪ ،‬خائر ٌة عزميتها ‪،‬‬ ‫عملها ‪ ،‬كثي ٌر كالمها ‪ ،‬رغم حتذير نبيهم لهم ‪ {:‬ﭽ‬ ‫ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗ ﭘﭙﭚﭛﭜ ﭝ ﭞ‬ ‫ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ‬

‫‪28‬‬

‫ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ } البقرة ‪. 246 :‬‬ ‫فاحلماسة والرغبة في القتال ال تعني قوة اإلرادة أو‬ ‫الصمود على متطلبات النصر والثبات أمام عقبات اجلهاد‬ ‫‪ ،‬فالظروف التي دفعت بني إسرائيل للقتال كانت قوية‬ ‫وحاضرة في أذهانهم {ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ‬ ‫ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ} البقرة ‪. 246 :‬رغم هذا‬ ‫الدافع القوي إال أن مجموعة من الكثرة الراغبة قد قعدت‬ ‫في أول اختبار لها ‪ ،‬وهو اختالفهم على من اختاره اهلل‬ ‫ملكا ً عليهم {ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ‬ ‫ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ } البقرة ‪، 247:‬‬ ‫فهناك قعد البعض في اختبار اإلرادة األول فكان االختبار‬ ‫الثاني وهو عدم من الشرب من النهر ‪ ،‬فرغم التنبيه‬ ‫ولفت االنتباه إلى أن هذا النهر واملرور فيه هو اختبار لهم‬ ‫إال أن الكثير ضعفت نفسه وكسرت إرادته فشربوا منه‬ ‫إال قليالً منهم{ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ‬ ‫ﭘ ﭙ ﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡ‬ ‫ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ‬ ‫ﭮﭯ} البقرة ‪.249:‬‬ ‫ثم كان االختبار الثالث وفيه حكمت على األمور‬ ‫بظواهرها ‪ ،‬فأمام هول العدو خارت العزائم وزلزلت القلوب‬ ‫{ ﭰﭱﭲﭳﭴﭵ ﭶ ﭷﭸ‬ ‫ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ} ‪ ،‬وثبتت فئة قليلة صدقت‬ ‫في إرادتها وصدقت في رغبتها في القتال واجلهاد {ﭾ‬ ‫ﭿ ﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇ‬ ‫ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ}البقرة‬ ‫وكانت النتيجة برغم أن الفئة التي بقيت مع طالوت‬ ‫كانت قليلة بالنسبة إلى فئة جالوت إال أن النصر كان‬ ‫حليفها {ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ‬ ‫ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ}‬ ‫البقرة ‪. 251 :‬‬

‫أما جيل الرسول ‪ ‬فكانت اختبارات اإلرادة لهم كثيرة‬


‫ﺍﻟﻌﺪﺩ ﺍﻟﺘﺎﺳﻊ ‪ /‬ﺷﻌﺒﺎﻥ ‪ ١٤٢٩‬ﻫـ ‪ /‬ﺁﺏ ‪ -‬ﺃﻏﺴﻄﺲ ‪ ٢٠٠٨‬ﻡ‬

‫‪ ،‬منها ما كان في غزوة تبوك ‪ :‬العسرة والشدة واالبتالء‬ ‫وهي كانت امتحانا ً إلرادة املستنفرين للجهاد بحق ‪ ،‬فلقد‬ ‫كانت في وقت الشدة حيث طاب الثمر وحان اقتطافه‬ ‫واشتد احلر ورغبت النفس في الراحة ‪ ،‬وكانت الدعوة إلى‬ ‫النفير عامة لم تستثن أحدا ً في بداية أمرها { ﭑ‬ ‫ﭒ ﭓ } التوبة ‪. 41 :‬‬ ‫فتختلف كثي ٌر عن الركب وقعدوا مع القاعدين ‪ ،‬فكانوا‬ ‫منوذجا ً لضعف الهمة وانكسار اإلرادة وعلموا ألنفسهم‬ ‫تلك الهزمية{ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ} التوبة ‪{ ، 81 :‬ﭢ‬ ‫ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ}‬ ‫التوبة ‪ ، 49 :‬وهكذا تعللوا بأعذار وهمية ليخفوا هزميتهم‬ ‫الداخلية املتمثلة في انكسار إرادتهم أمام مغريات احلياة‪،‬‬ ‫فاألمة اجملاهدة بحاجة إلى إرادة صلبة ثابتة في مشوار‬ ‫جهادها الطويل من أجل الوصول إلى حياة كرمية وخالفة‬ ‫على منهاج النبوة في ظل نصر مرغوب و تطهير األمة‬ ‫اجملاهدة من أمثال هؤالء أصحاب اإلرادة املسلوبة وقاية لها‬ ‫من التخلخل والهزمية ‪.‬‬ ‫يجب أن نعلم بأن الفترة التي تسبق النصر دائما ً هي‬ ‫فترة انكسار وضعف وذل واستسالم بعد هزمية ساحقة‬ ‫ابتليت بها ‪ ،‬واألمة التي ترغب في اجلهاد وتغيير وضعها‬ ‫كمثل األم احلامل ال بد لها أن متر مبخاض عسير ( ضعف‬ ‫وألم تعب ) ثم تكون الوالدة ‪ ،‬كذلك األمة حتى تتنتصر‬ ‫متر مبختلف البالءات كالقتل والتشريد والتهجير ‪ ،‬فهذه‬ ‫أرملة وذاك يتيم وآخر معتقل ‪ ،‬وأمة هذا حالها يجب أن‪:‬‬ ‫‪ .1‬تنتصر أوال ً على نفسها وتقوي إرادتها في التغيير من‬ ‫خالل اتصال القلوب باهلل لتغيير املوازين أو التصورات‪.‬‬ ‫‪ .2‬ترى تلك القلوب بعني اهلل النافذة ‪ ،‬فصاحب القلب‬ ‫املتصل باهلل يستصغر قوة عدوه األكثر عدة وعتادا ً أمام‬ ‫قدرة العلي األعظم ‪ ،‬وهذا ما دفع القلة الصابرة حني‬ ‫رأت جالوت وجنوده لقولهم {ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ‬ ‫ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ } ‪ ،‬ولم‬ ‫يكونوا كالبقية الذين قالوا {ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ‬ ‫ﭼ} ‪.‬‬ ‫‪ .3‬تلجأ وتتضرع إلى اهلل { ﮒ ﮓ ﮔ‬ ‫ﮕﮖﮗﮘ ﮙﮚﮛﮜ‬ ‫ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ} البقرة ‪. 250 :‬‬ ‫‪ .3‬وضوح الرؤية لطبيعية طريق اجلهاد واجملاهدة وهو‬ ‫طريق كله صعاب ‪.‬‬ ‫‪ .4‬الرغبة القوية في الوصول إلى الهدف ‪ ،‬فإذا صدق‬ ‫العبد في رغبته أعانه اهلل {ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ‬ ‫ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ} العنكبوت ‪. 69 :‬‬

‫‪29‬‬


‫ﺍﻟﻌﺪﺩ ﺍﻟﺘﺎﺳﻊ ‪ /‬ﺷﻌﺒﺎﻥ ‪ ١٤٢٩‬ﻫـ ‪ /‬ﺁﺏ ‪ -‬ﺃﻏﺴﻄﺲ ‪ ٢٠٠٨‬ﻡ‬

‫إن حركات اجملاهدين في سبيل اهلل وسكناتهم وجوعهم‬ ‫وظمأهم وتعبهم ونفقاتهم ‪ -‬صغرت أم كبرت ‪ -‬وإغاضتهم‬ ‫الكفار بأي نوع من أنواع األذى املشروع الذي يلحقونه بهم ‪ :‬كل ذلك‬ ‫يكتبه اهلل لهم عمالً صاحلا ً ويجزيهم أحسن ما كانوا يعملون‪،‬‬ ‫ألن اجملاهدين ال يرغبون بأنفسهم عن نفس نبيهم ‪ ‬التي بذلها‬ ‫طوال حياته في سبيل ربه ‪ ،‬وكذلك ال يرغبون بأنفسهم عن نفوس‬ ‫قادتهم اجملاهدين التي يبذلونها في سبيل ربهم مقتدين بنبيهم‬ ‫محمد ‪ ، ‬كذلك كان لهم هذا الفضل العظيم الذي فضل اهلل‬ ‫كل دقيقة من عملهم في سبيل اهلل ليغريهم بثوابه الشامل‬ ‫وفضله العميم ‪ ،‬ولكن ملاذا كل ذلك ؟‬ ‫ذلك ألن هؤالء اجملاهدين علموا وبذلوا ‪ ،‬علموا أنها صفقة‬ ‫وجتارة رابحة عقدها أولياء اهلل لتوصلهم إلى رضى ربهم وأسماها‬ ‫اإلميان باهلل ورسوله واجلهاد في سبيل اهلل ‪ ،‬وربحها غفران اهلل‬ ‫ودخول اجلنات ‪ ،‬ويضاف إلى ذلك نصر اهلل ألوليائه على أعدائه‪،‬‬ ‫وهي الصفقة املعقودة بني اهلل وبني عباده املؤمنني كما قال‬ ‫تعالى {ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ‬ ‫ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ‬ ‫ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ‬ ‫ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ }‬ ‫التوبة ‪. 111 :‬‬ ‫فاجملاهد تاجر يتعامل مع اهلل الذي يشتري منه نفسه التي‬ ‫هو خالقها وماله الذي هو معطيه ‪ ،‬ويعطيه ثمن نفسه وماله‬ ‫اجلنة نقدا ً ال سيئة فيه مضمونا ً وال خوف من فقده ‪ ،‬اهلل ‪ ‬هو‬ ‫املشتري وهو الذي وعد به ‪ ،‬وهل توجد جتارة رابحة مثل التجارة‬ ‫التي تكون مع اخلالق ‪ ‬؟‬ ‫وعلى أساس هذه التجارة وهذه الصفقة الربانية بني العبد‬ ‫وربه ‪ ،‬ينطلق اجملاهد في سبيل اهلل خرجة واحدة في أول النهار‬ ‫وال يدري متى يرجع ‪ ،‬فتكون خرجته هذه خيرا ً من الدنيا وما فيها ‪،‬‬ ‫يقول املصطفى ‪ ( : ‬الغدوة في سبيل اهلل أو روحة خير من الدنيا‬ ‫وما فيها ) رواه البخاري ‪.‬‬ ‫ولك أخي اجملاهد أن تقيس هذه الغدوة برباط مجاهد من أول‬ ‫الليل إلى آخره ‪ ،‬بل قل رباط الليالي الطوال من أجل احلصول على‬ ‫الفريسة التي يتحرق شوقا ً ليتقرب بها إلى اهلل ذي الفضل‬ ‫والثواب بجنة عرضها السموات واألرض ‪ ،‬ورباط ليلة كاملة‬ ‫يتحمل حجرها أو قد يكون العدو قد صنع كمينا ً له وألخوته‬ ‫اجملاهدين ‪ ،‬فهكذا يتحملون ما يأتي من اجلو من برد ‪ ،‬وقد يسقط‬ ‫الثلج ويتحملون ما يأتي من العدو ‪ ،‬وقد يجبرون على الغطس في‬ ‫ماء البزل البارد ‪ ،‬وتأمل مدد اهلل لهم ‪ ،‬وهم بني هذا‬

‫وذاك يغشاهم النعاس أمنة من اهلل ‪ ،‬فيذهب اهلل عنهم وساوس‬ ‫الشيطان واخلوف من األعداء والبرد الشديد ‪.‬‬ ‫لقد حترك اجملاهد في سبيل اهلل إلى دار السالم "اجلنة" بفعل‬ ‫االيات واألحاديث التي يستقون منها ما يعلي الهمم ويأخذ‬ ‫بالنفس إلى اجلنة ومجالسة األنبياء واألولياء والشهداء وحسن‬ ‫أولئك رفيقاً‪.‬‬ ‫يبدأ اجملاهد يومه بصالة الفجر في جماعة في املسجد مع‬ ‫إخوته أو في بيته مع أسرته ‪ ،‬ثم ينطلق في قراءة آيات من القران‬ ‫محافظا ً على صلته اليومية مع اهلل ‪ ،‬ثم يتبعها بتالوة أذكار‬ ‫الصباح من آيات وأدعية مأثورة عن النبي ‪ ، ‬ثم ميارس التمارين‬ ‫الرياضية محتسبا ً ذلك هلل ‪ ،‬ومن أجل أن يكون قوي البدن ‪،‬‬ ‫كل‬ ‫فـ(املؤمن القوي خير‬ ‫ُّ‬ ‫وأحب إلى اهلل من املؤمن الضعيف وفي ٍ‬ ‫ً‬ ‫خير) ‪ ،‬ثم بعدها ينطلق في ساح احلياة ساعيا في طلب الرزق أو‬ ‫طلب العلم ‪ ،‬وفي طريقه مييط األذى ويأمر باملعروف وينهى عن‬ ‫املنكر ما استطاع في ذلك سبيالً ‪ ،‬يتعب نفسه في العمل متقنا ً‬ ‫منتجا ً ‪ ،‬ثم وهو منهمك في عمله يتذكر رجوع التائبني وصالة‬ ‫األوابني فيصلي الضحى ‪ ،‬ثم يواصل عمله ليكون عنصر بناء‬ ‫ال عنصر هدم ‪ ،‬مفتاحا ً للخير مغالقا ً للشر ‪ ،‬حتى إذا ما أحس‬ ‫بالتعب تذكر جلد أهل الباطل وعملهم احلثيث من أجل قضيتهم‬ ‫وباطلهم وتذكر أن كل دقيقة ‪ -‬بل كل ثانية ‪ -‬متر قد تكون حسرة‬ ‫يوم القيامة ‪.‬‬ ‫بعد هذه التأمالت التي ح َّدث بها نفسه واصل عمله رغم تعبه‬ ‫حتى إذا ما جاء املساء أقبل بجسد متعب وبقلب يهفو لذكر اهلل‬ ‫( ومن أمسى كاال ً من عمل يده أمسى مغفورا ً له ) ‪ ،‬ولم ينس‬ ‫صاحبنا اجملاهد أن يواسي اجلراح ويوزع االبتسامة في وجوه املتعبني‬ ‫واملقهورين من املؤمنني ‪ ،‬ولم ينس صاحبنا هذا وهو يعمل أن يذكر‬ ‫اهلل كثيرا ً ويستغفره ‪ ،‬ألنه يعلم أن ال قيمة للمرء في احلياة بدون‬ ‫صلة توبة مستمرة باهلل ‪ .. ‬ثم يأتي املساء وتأتي أذكاره مجدداً‪،‬‬ ‫ويلتئم شمل العائلة املسلمة الذاكرة الشاكرة هلل التي تغمر‬ ‫البيت بقراءة آيات القرآن ‪ ،‬بيت متلؤه املالئكة وتطرد منه الشياطني‬ ‫وفي حلظة يتصل بصاحبنا منادي حي على اجلهاد ‪ ،‬وقد يكون‬ ‫بني أحضان زوجته كما كان حنظلة غسيل املالئكة ‪ ،‬فيخرج وهو‬ ‫يريد إحدى احلسنيني ‪ ،‬إما ظفر وإما شهادة بعدها اجلنة ‪ ،‬فهو‬ ‫مستعد للقاء اهلل وهو خارج وهو مرابط وهو يكمن للعدو وهو‬ ‫يواجه الباطل في ساحة املعركة ‪ ،‬تأتي اللحظة وتتحقق األمنية‬ ‫( الشهادة ) ‪ ،‬وجرى دمه على األرض ليسقي بها أشجار اإلميان‬ ‫وتنصب راية احلق من جديد ‪ ..‬وهكذا باع ‪ ،‬واهلل اشترى ‪ ،‬زرع ‪ ،‬واهلل‬ ‫بارك في الزرع ‪ ،‬وَقع ‪ ،‬وبه اهلل نفع ‪.‬‬


‫ﺍﻟﻌﺪﺩ ﺍﻟﺘﺎﺳﻊ ‪ /‬ﺷﻌﺒﺎﻥ ‪ ١٤٢٩‬ﻫـ ‪ /‬ﺁﺏ ‪ -‬ﺃﻏﺴﻄﺲ ‪ ٢٠٠٨‬ﻡ‬

‫ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ‬ ‫ﯦ}آل عمران ‪. 153 :‬‬ ‫يقول الشيح محمد بن صالح بن عثيمني رحمه اهلل‪:‬‬ ‫( والذي حصل أنه ملا كانت الغلبة للمؤمنني ورأى بعض‬ ‫الرماة أن املشركني انهزموا ‪ :‬تركوا املوضع الذي أمرهم‬ ‫‪ ‬أال يبرحوه وذهبوا مع الناس ‪ ،‬وبهذا كر العدو عليهم‬ ‫من اخللف ‪ ،‬وحصل ما حصل من االبتالء والتمحيص‬ ‫للمؤمنني ‪ ،‬وقد أشار اهلل تعالى إلى هذه العلة بقوله ‪:‬‬ ‫{ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ‬ ‫ﮄﮅﮆ ﮇﮈﮉﮊﮋ‬ ‫ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ‬ ‫ﮖ ﮗ ﮘ ﮙﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ‬ ‫ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ }‬

‫سبب الهزمية واحد ال ينبغي جتاهله باألعذار الواهية‪،‬‬ ‫إنه سبب داخلي ‪ ..‬وهذا هو احلق بعينه والذي ال يختلف‬ ‫عليه العقالء ‪ ..‬إذا ما انهزم املسلمون في ميادين الدعوة‬ ‫واجلهاد فعليهم أن يتهموا أنفسهم ويق ّوموا مسيرتهم‬ ‫ويزنوا أعمالهم مبيزان احلق ‪.‬‬ ‫يقول اهلل تعالى في كتابه العظيم ‪{ :‬ﯽ ﯾ‬ ‫ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ}‬ ‫الشورى ‪ ، 30 :‬ويقول ‪ { : ‬ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ‬ ‫ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋﰌ ﰍ ﰎ ﰏ‬ ‫ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ} آل عمران ‪.165 :‬‬ ‫ومن سنن اهلل أنه ال يغير ما بقوم وال يغير نعمة‬ ‫أنعمها على قوم حتى يغيروا أو يبدلوا ما بأنفسهم من‬ ‫اعوجاج ‪ ..‬ومن سننه أيضا ً ‪ :‬أن النصر ال يكون إال بإخالص‬ ‫النية هلل وحسن التوكل عليه واألخذ بكافة األسباب ‪ ،‬آل عمران ‪. 152 :‬‬ ‫هذه املعصية التي فات بها نص ٌر انعقدت أسبابه‬ ‫فال يستحق نصر اهلل من تنكر لهذه السنن واعتمد على‬ ‫بسبب معصية واحدة والرسول ‪ ‬بني أظهرهم ‪ ،‬فكيف‬ ‫قوته وصولته وكثرة جنده ‪.‬‬ ‫باملعاصي اليوم ؟ لهذا فإن املعاصي من آثارها أن اهلل‬ ‫صدق اهلل وعده ‪ ..‬إمنا النصر ثواب املخلصني ‪..‬‬ ‫{ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ} النساء‪ ..141:‬يسلط بعض الظاملني على بعض مبا كانوا يكسبون‬ ‫وعد حقيقي ال يختص بعصر دون عصر ‪ ،‬حقيقة ال يحفظ ويفوتهم من أسباب النصر والعزة بقدر ما ظلموا فيه‬ ‫تاريخنا اإلسالمي وقعة تخالفها ‪ ..‬فنقول في ثقة بوعد أنفسهم )‪.‬‬ ‫الثغرة يف ُحنني‬ ‫اهلل ‪ :‬إن الهزمية ال تلحق ولن تلحق باملؤمنني إلى قيام‬ ‫الساعة إال من خالل ثغرة ‪ ،‬وبقدر هذه الثغرة تكون {ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ‬ ‫الهزمية ثم يعود النصر للمؤمنني ‪ ..‬ففي معركة اُحد ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ‬ ‫كانت الثغرة ترك طاعة الرسول ‪ ‬والطمع بالغنيمة ‪ ،‬ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ}‬ ‫حنني كانت الثغرة باالغترار بالكثرة واإلعجاب بها التوبة ‪. 25 :‬‬ ‫وفي ُ‬ ‫العجب تسرب إلى قلوب‬ ‫بينّ اهلل ‪ ‬أن شيئا ً من ُ‬ ‫( لن نغلب اليوم من قلة ) ومن اخلير لألمة أن تدرك ذلك‬ ‫املسلمني ملا رأوا عددهم ‪ ،‬فقد قال ٌ‬ ‫رجل منهم ( لن نُغلب‬ ‫جيدا ً ‪.‬‬ ‫اليوم من قلة ) فشق ذلك على النبي ‪ ‬فكانت الهزمية ‪.‬‬ ‫الثغرة يف اُحد‬ ‫وهكذا لو تتبعنا التاريخ لوجدنا أن املسلمني ما‬ ‫ويظهر ذلك في مخالفة الرماة األمر النبي ‪ ‬ووقوعهم‬ ‫في اخلطا الفظيع الذي قلب املوازين ‪ ،‬وأدى إلى اخلسائر انهزموا إال ألسباب داخلية ‪ ،‬لقد طرقت األمة كل األبواب‬ ‫الفادحة التي حلقت باملسلمني ‪ ،‬ونلحظ من خالل أحداث ومدت أياديها مستخذية كل األمم فجاءت بالفشل ولم‬ ‫معركة احد أن املسلمني انتصروا في بادئ األمر حينما حتقق ما تريد ‪ ،‬فإن بقيت على حالها فهي بحاجة إلى‬ ‫امتثلوا األوامر الرسول ‪ ‬وانقادوا لتعليمات قائدهم لطمات وضربات وصفقات توقظها حتى تعي ‪ ،‬وستعي‬ ‫وأميرهم عبد اهلل بن جبير ‪ ، ‬ولكنهم ُهز ُموا حينما اليوم أو غدا ً ‪ ،‬فإن قالت في خضم محنتها ‪ :‬أنى هذا ؟‬ ‫ِ‬ ‫خالفوا أمره ‪ ‬ونزل الرماة من اجلبل جلمع الغنائم مع قلنا بقول اهلل ‪: ‬‬ ‫{ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅﰆ‬ ‫بقية الصحابة ‪ ،‬قال اهلل تعالى ‪{:‬ﮪ ﮫ ﮬ‬ ‫ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ}‬ ‫آل عمران ‪.165 :‬‬ ‫ﯕﯖ ﯗﯘﯙﯚﯛ‬

‫‪31‬‬


‫ﺍﻟﻌﺪﺩ ﺍﻟﺘﺎﺳﻊ ‪-‬ﺭﺟﺐ ‪ ١٤٢٨‬ﻫـ ‪ /‬ﺗﻤﻮﺯ ‪ ٢٠٠٨‬ﻡ‬

‫ض الوغ���ى ال أه���ا ُب ال ِقتا ْل‬ ‫أخو ُ‬ ‫اذا لن���ا بع�� َ�د ُذل البــــــ�ل� ْ‬ ‫اد‬ ‫فمــــ���‬ ‫ِ‬

‫جلبـــ���ا ْل‬ ‫أن���ا ه���ا ُهنا ِمث�� ُ�ل ُش��� ِّ‬ ‫ـــم ا ِ‬ ‫اُن���ادي به���م ‪ :‬أقبل���وا ي���ا رج���ا ْل‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫ــــــــــــــــباقة للردى‬ ‫َّ‬ ‫وح َس���‬ ‫لنـــدا ل��� ِك ال�� ُّ�ر ُ‬ ‫اح " ُتن���ادي أجبنــــ���ا ا ِّ‬ ‫" ص�ل� ُ‬ ‫ري َســــــــــــي ِف اجلــــه ْاد‬ ‫س هلم غ َ‬ ‫حر ال ِعــــــــــــــدا فلي َ‬ ‫ض املنايـــــــــا َ‬ ‫لد‬ ‫أخو ُ‬ ‫ِ‬ ‫ـــــــــــــــــــ ْاة إلسالمهم طلقوا ُمغريات احلي ْاة‬ ‫ففي "جامع" َق ْد تنادى األب‬ ‫ٍ‬ ‫ْ مُـــــــــ���ا ُة احلم���ى أقويا ٌء ِش��� ْ‬ ‫داد‬ ‫ِ‬ ‫كربي���ا َء الغ���زاة ح‬ ‫ِل َي ْل��� ُوا بنريانه���م ِ‬ ‫ُ ق���د رفعن���ا اجلب ْ‬ ‫ني‬ ‫�دى ي���ا مُح���ا َة العريـ��� ْن ِبصوالتك���م‬ ‫أ ُس���و َد اهل��‬ ‫وع��� ْاد‬ ‫الح فيك���م َ‬ ‫واحك�� ْ�م دني���ا وديـــ��� ْن و جَم��� ُد األىل َ‬ ‫ف ًصنت���م بأر ِ‬ ‫ان وق ُت الف���دا وال ِكف ْاح‬ ‫ُ اد ْت جن���و َد "الصالح" لقد ح��� َ‬ ‫ف���ـ "حطني" ن���‬ ‫ون الب�ل�ا َد وحيم���ي العب ْاد‬ ‫اح يص��� ُ‬ ‫���وا هل���ا ‪ ...‬م���ا هلا غ�ي� ُر ال ِس�ل� ْ‬ ‫وه ّب‬ ‫ُ‬

‫‪32‬‬




Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.