ﺍﻟﻌﺪﺩ ﺍﻟﺘﺎﺳﻊ /ﺷﻌﺒﺎﻥ ١٤٢٩ﻫـ /ﺁﺏ -ﺃﻏﺴﻄﺲ ٢٠٠٨ﻡ
في احلديث الشريف الذي رواه الشيخان: قيل يا رسول اهلل ،ما يعدل اجلهاد في سبيل اهلل ؟ قال ( :ال تستطيعوه ) ، فأعادوا عليه مرتني أو ثالثا ً ،كل ذلك يقول: ( ال تستطيعوه ) ،وقال في الثالثة( :مثل اجملاهد في سبيل اهلل كمثل الصائم القائم القانت بآيات اهلل ،ال يفتر من صيام وال صالة حتى يرجع اجملاهد في سبيل اهلل). ٌ وصف عظيم ألولئك الذين ش ّرفهم اهلل بحمل لواء اإلسالم والدفاع عن ٌ وصف يدل على عظم الفعل بيضته ، وعظم املسؤولية فيه ،فإن اجلهاد محفوف باملتاعب واخملاطر من التشريد واألسر ،أو التعذيب والقتل أو احلرمان من الوظائف ، ومفارقة املال واألهل والولد والوطن ..لذا احتاجت النفوس إلى مرغبات ودوافع تُهون عليها ذلك كله ،وجتعلها تستعذب كل شيء في سبيل أدائها لواجبها ،والظفر برضوان اهلل وجنته .
وألن اجلهاد مشتق من اجلهد – أي املشقة ببذل أقصى ما في الطاقة والوسع – كان ال بُد أن يكون من يحمله هو من أولئك الرجال األشداء ،الواثقون باهلل ،الراغبون مبا عند اهلل ،الذين ال تتوق أنفسهم لغير اجلنة . أخوتي اجملاهدين : إن تشربت نفوسنا مبثل هذه الصفات كنا أهالً للنصر ولتلك املكافأة العظيمة، املكافأة التي (فيها ال عني رأت ،وال أذن سمعت ،وال خطر على قلب بشر ) ..جن ٌة { ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ } ..أرواح الشهداء فيها في حواصل طير خضر تسرح من حول العرش ،كل ذلك بأن جنعل نيتنا خالصة لوجه اهلل الكرمي وابتغاء مرضاته ،ومعها النصر للدين في هذه الدنيا .. {ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ} سورة محمد .. 7 :
1
ﺍﻟﻌﺪﺩ ﺍﻟﺘﺎﺳﻊ /ﺷﻌﺒﺎﻥ ١٤٢٩ﻫـ /ﺁﺏ -ﺃﻏﺴﻄﺲ ٢٠٠٨ﻡ
ب��ات الع��راق " حال��ة لبناني��ة " ..حتولت في��ه الهوية الوطني��ة إل��ى هويات طائفي��ة ومذهبية ،فب��ات العراقي يتعرف على نفس��ه من خالل طائفته أو مذهبه ..وهو أمر يدفع إلى القول بأن املش��هد العراقي الراهن ال يبشر قريبا ً باخل��روج من دوامة العنف ،وه��ذا ما يبدو واضحا ً من خالل إعادة املهجرين الت��ي أصبحت طائفية مائة باملائة ،والذي يطلع على وثيقة تعويض الساكنني في مبنى اخملابرات في بغ��داد يدرك ه��ذا األمر بجالء ،كما تبدو اس��تعادة الدولة العراقية كيانا ً موحدا ً أش��به بس��راب ال يؤهل هذا الوضع الول��وج في خيار ( دميقراطي ) يعيد للعراق وحدته وعروبته ،ب��ل تؤش��ر الوقائع إلى حرب اس��تنزاف أهلية مفتوحة ال قعرا ً مرئيا ً لها ،وقانون االنتخابات وعملية التصويت عليه قبل أيام خير دليل على هذا الكالم ،حيث األكراد يرفضون بفيتو طالباني ،والشيعة يؤيدون بفيتو أميركي ،والتوافق منقسمون بال فيتو . االحتالل األميركي يعاني مأزقا ً راهنا ً في أكثر من مكان في املنطقة ،ولكن خطته العدوانية متلك زخما ً يس��تمد أب��رز مقوماته من االنهي��ار البنيوي الداخل��ي أوال ً والعربي ثانيا ً وانفكاك التضامن العربي وبروز حاجة عربية في أكثر من مكان للحماية األميركية املباشرة . ال تبدو األصوات السياس��ية املبشرة بقرب االنسحاب
2
األميرك��ي م��ن املنطقة تض��رب ف��ي املي��دان الصحيح ، خصوص��ا ً إذا م��ا أدركن��ا أن أصحاب هذه األص��وات الهثة لعالقة ما م��ع الواليات املتح��دة األميركية لالنضواء حتت خيمتها ،إمنا بالش��روط األميركية املعتمدة مع غير نظام عربي في املنطقة . العالق��ة ( االتفاقي��ة بني الع��راق واالحت�لال ) هي في مجملها ثمرة سعى لها االحتالل سعيا ً حثيثا ً مع حلفائه الذين نصبهم وينصبهم كل يوم ،سواء كانت هذه الثمرة محلية بتفتيت كتلة العراق املوحد والهيمنة على الثقافة الفكري��ة العام��ة للمنطق��ة ،أو إقليمية عب��ر إنهاء كل معارضة في املنطقة أصولية كانت أم اقتصادية ،متمثلة بإيران والسعودية وسوريا ،ومن ثم تتفرغ الواليات املتحدة ألعدائها املستقبليني املفترضني ( الصني والهند وأوروبا ).. والداع��ون إلى التوقيع على هذه املعاهدة يعيش��ون صراع " اإلق��دام -اإلحج��ام " ،فأنهم وإن رأوا ف��ي التوقيع إبعادا ً خلط��ر إيران ( صنيعة االحتالل ) فهم يرون في التوقيع على االتفاقي��ة خيانة وطنية كبرى ،بل وحتى ش��رعية أيضا ً ... فإذا كان التعاون مع احملتل مسموحا ً وفق مبدأ ( الضرورات الش��ر بش ّر أهون إلى حني انتفاء تبيح احملظورات ) ،أو ( دفع ّ الش ّرين ) ،فإن التوقيع على اتفاقية مع محتل ص َبر الناس على بقائه خمس سنوات يعني ( :بيع الوطن ) ! .
ﺍﻟﻌﺪﺩ ﺍﻟﺘﺎﺳﻊ /ﺷﻌﺒﺎﻥ ١٤٢٩ﻫـ /ﺁﺏ -ﺃﻏﺴﻄﺲ ٢٠٠٨ﻡ
اجلديد في االتفاقية هو املس��مى وليس اجلوهر ،حيث قام��ت قوات االحتالل بتغيير مس��مى االتفاق األمني إلى بروتوك��ول أمن��ي ال يفرق كثيرا ً في جوه��ره عن االتفاقية ،لك��ن الذي يفرق فيه هو احلركة ال��دءوب لالحتالل ألجل ح��ث كل " السياس��يني " ألجل التوقيع عل��ى املعاهدة أو البروتوكول أو " سند البيع " ،حيث يقوم السفير األميركي رايان كروكر ومسؤول ملف العراق في اخلارجية األمريكية الس��فير ديفيد س��اترفيلد بجوالت مكوكي��ة واالتصال بعدد كبير من املس��ئولني والنواب م��ن أجل إقناع اجلميع بتوقي��ع االتفاقية األمنية كما كان مقررًا لها قبل ش��هر متوز -يوليو احلالي . من جانبه ،أكد مكتب جالل طالباني أن األخير ( بحث مع كروكر وديفيد ساترفيلد ما توصلت إليه املفاوضات بني الوفدين العراقي واألميركي إلقامة عالقات إس��تراتيجية طويلة األمد بني البلدين ). وهذا ما يبدو واضحا ً من خ�لال التهيئة العملية من قوات االحتالل لدمج وجود القواعد األميركية في اجملتمع العراق��ي ،حي��ث خصصت قوات االحت�لال مبلغا ً قدره 4 ملي��ارات دوالر لتش��جيع إقامة مش��اريع حرفية بالقرب من القواعد العس��كرية لقوات االحتالل ،حيث تبدو هذه املش��اريع مبثابة " رش��وة " يقدمها األميركان للقطاعات الفقيرة من الشعب بهدف احتواء الرفض الشعبي املتزايد إلقامة قواعد عسكرية دائمة على األراضي العراقية . وقد قال اللواء " تيموثي ماكهيل " مدير التعبئة واألفراد واملوارد في القوات املتعددة اجلنس��يات في مؤمتر صحفي عقده ببغداد إنه قد مت ( االتفاق مع احلكومة العراقية على تنفيذ مش��روعني كبيرين خصص لهما اجليش األميركي 4ملي��ارات دوالر هم��ا ( الع��راق أوال ً ) و( منطقة الصناعة العراقي��ة ) بالقرب م��ن القواعد العس��كرية األميركية) ،مش��يرا ً إلى أنهم��ا يهدفان ملواجه اإلره��اب بصورة غير مباش��رة من خالل دعم االقتصاد وامتصاص البطالة في العراق . إذن االتفاقي��ة ماضي��ة ،ش��اء السياس��يون أم أب��و ، وأرضية هذه االتفاقية موجودة ومتمثلة في ش��خصيات وهيئات تستس��يغ كل ما يصدر من قوات االحتالل ،كما حدث في قضية الدستور . هذه الشخصيات وهذه الهيئات وبعد سنوات خمس عجاف من فقدان السيادة نسيت أو تناست أنها أتت بإذن ومببارك��ة من االحتالل ،وفي أكثر من مناس��بة يذكر هذا املس��خ الش��ائه صنائعه بهذه احلقيقة املرة ،األمر الذي يبقي هذه الشراذم حتت رحمة وإمرة أسياده على الدوام ،
وهذه حقيقة معها ال يستطيع أي واحد منهم أي ينبس ببنت شفة ليعارض أو ليغير حسب هواه .. أم��ا ه��ذه الزوبع��ة الت��ي تفتع��ل بش��أن االتفاقية واملظاهرات " العفوية " والبكاء على س��يادة وأمن وثروات العراق ،ما هي إال اس��تهالك محلي وتلميع لصورة "أولي األمر" الكلحاء ،ببيعها لسيادة العراق قبل الغزو بسنوات طويلة . نسي هؤالء أن أس��يادهم هم من أسبغ عليهم ستر السياسة بعد أن كان تغطيهم سرابيل اجلرمية والسرقة، جملوهم وألبس��وهم لباس الوطنية وقالوا لهم سنعيد لك��م ذيل الس��يادة ،لكن يبقى رأس��ها ومفتاح التحول فيها بيدنا ،فلم ينته بعد س��يناريو اللعبة في املنطقة ، َمثلهم مثل ما قال الشاعر أحمد مطر :
الب ِام َك ْه : يا أيُّها رَ الس رْ َ ت َل ُك ْم َمن َو َض َع ِّ ب ُو ْسع ِه أن يَه ِت ْ كه ِ ُ ْ َو َمن َحباكم ِب َد ٍم ِمن َح ِّق ِه أن يَس ِف َك ْه قد َت َ ب َت ُه رك املاضي لكم ِع رْ َ ما َت َ ُ رك ْه ب َة مِ ّ فلتأخذوا ال ِع رْ َ يف ِظِّل ُك ْم مَ ْ ل نك َت ِس ْب إّ هل َ ال ا َ الك َو ْح َد ُه أجسادُنا ُمنه َُ َكة أرواحنا ُمنت َه َك ْه ُ ُخ ْطوا ُتنا ُمرتبكهْ أوطا ُننا ُمف ّك َك ْه ال َشي َء خَنشى َف ْق َد ُه ني حَ ُ ِح َ ت ُّل الد ْ َّرب َك ْه بْ َل إ ّننا ... َسنش ُك ُر المَ َ وت إذا َم َّر ِبنا يف د َْرب ِه ِل َن ْح ِر ُ ك ْم ! َف ُك ُّل َش ٍّر يف الدُّنا ي ..أَما َم َش ِّر ُ ك ْم َخ رْ َُ َوب َْع َد ب َْلوانا ِب ُك ْم .. ك ُّل ال َباليا ب َ ُ َركهْ !
3
ﺍﻟﻌﺪﺩ ﺍﻟﺘﺎﺳﻊ /ﺷﻌﺒﺎﻥ ١٤٢٩ﻫـ /ﺁﺏ -ﺃﻏﺴﻄﺲ ٢٠٠٨ﻡ
إن جهازا اس��تخباريا ً س��ريا ً لديه معلومات خفية من مصادره��ا املتنوع��ة ميكنه أن يس��اهم بقس��ط كبير في العمليات السياسية والعسكرية للتنظيم ،فاملعلومات هي عني القيادة وأذنها وذراعها الس ّري الضارب وبها توضع اخلطط السليمة وحتقق الغايات . وق��د كت��ب عمر لس��عد ب��ن أبي وق��اص قبيل معركة القادسية يقول : " اكتب لنا أين بل��غ جمعهم ،ومن يلي مصادماتكم ، فإنه قد منعني من بعض ما أردت الكتاب به ق ّلة علمي مبا هجمتم عليه ،والذي استقر عليه أمر عدوكم ،فصف لنا منازل املس��لمني وحالهم والبلد ال��ذي بينكم وبني املدائن صفة كأني أنظر إليها ،واجعلني من أمركم على اجللية". فكان عمر حريصا ً على تفاصيل ودقائق املعلومات عن جيش��ه وعن جي��ش عدوه وعن طبيع��ة األرض ،فكان يصدر قراراته العسكرية على هدى وبصيرة . وكتب املفكر العسكري الصيني القدمي " صن تزو " في كتابه الشهير " فن احلرب " : " إذا عرفت عدوك وعرفت نفسك فليس هناك ما يدعو إلى أن تخاف نتيجة مئة معركة ،وإذا عرفت نفس��ك ولم تعرف عد ّوك فإنك تقاس��ي من هزمي��ة مقابل كل انتصار ، وإذا لم تعرف نفسك ولم تعرف عد ّوك فإنك أحمق وسوف تواجه الهزمية في كل معركة " . إن االستخبارات العسكرية في مفهوم حرب العصابات تش��كل عنصرا ً هاما ً للغاية من عناصر تشكيل التنظيم وركيزة رئيسية في هيكليته التنظيمية ،وقد استوعبت معظم التنظيمات وحركات التحرر في العالم وعبر التاريخ أهمية االس��تخبارات بالشكل الذي ّ مكنها من االستفادة منها على مختلف املس��تويات وفي شتى اجملاالت وخاصة
4
العس��كرية منها وذلك من قناعاته��م بأهمية املعلومات وحيويتها في احلرب ،ومن قناعاتهم أن إيجاد هذه األجهزة هو من األمور املمكنة مهما كانت الظروف . وق��د اعتمدوا على النوع ال الكم في تكوين أجهزتهم االس��تخبارية ،حيث أثبتت التج��ارب أن فردا ً واحدا ً يتحلى باخلصائص املطلوبة ميكنه أن يكون أنفع من العش��رات - بل واملئات أحيانا ً -في حتقيق األهداف املرجوة وضرب العدو وإحلاق اخلس��ائر الفادحة به ،وال ننسى الرجل املئة والرجل األلف والرواحل في تاريخنا اإلسالمي . وميكن تلخيص أهمية االس��تخبارات العسكرية في التنظيمات اإلسالمية في النقاط التالية : .1أهمية االستخبارات العسكرية اإلسرتاتيجية ضرورة شرعية ومصلحة تنظيمية إستراتيجية . رافد أس��اس للتنظيم بالكوادر املؤهل��ة والقيادية من داخل التنظيم وعامل ارتقاء وتأهيل . املس��اهمة في تقدير املوقف اآلني واملس��تقبلي وطرح األسس الالزمة لذلك وجمع املعلومات املناسبة . تكوين أرش��يف معلوماتي متميز يخدم جميع أقسام العمل. استثمار االستخبارات واجملهود االستخباري في العالقات اخلارجية للتنظيم . الفعالة في التخطيط والعمل العسكري املس��اهمة ّ في عمق العدو االستراتيجي . املس��اهمة ف��ي التغلب عل��ى اخللل الكبي��ر في ميزان القوى املادية . .2أهمية االستخبارات العسكرية التكتيكية ضرورة ميدانية وركيزة عسكرية أساسية . تسهيل عمل اخلاليا العسكرية امليدانية برفدها مبلفات
ﺍﻟﻌﺪﺩ ﺍﻟﺘﺎﺳﻊ /ﺷﻌﺒﺎﻥ ١٤٢٩ﻫـ /ﺁﺏ -ﺃﻏﺴﻄﺲ ٢٠٠٨ﻡ
عملياتية . تس��اهم في تدعيم خط الدفاع وتقوية قلب الهجوم في حاالت الطوارئ . ذراع لوجس��تي جلمي��ع أش��كال العم��ل التنظيم��ي (العسكري واألمني خاصة) . تكوي��ن اخلالي��ا االس��تخبارية اخلاص��ة ( اس��تخبارية وعسكرية تنفيذية ) . متابعة التطورات العس��كرية واألمنية املوجهة ضد التنظيم والتصدي لها . املساهمة في التخطيط العسكري امليداني . تأمني خيارات واس��عة للتنظيم حتقق املرونة املطلوبة ودميومة العمل العسكري . تطوير قدرات التنظيم االستخبارية واألمنية .
إسرتاتيجية االستخبارات العسكرية يف حرب العصابات
.1املعلومة السرية هي قوة سر ّية ألي جهاز س ّري . .2العم��ل اخليط��ي والف��ردي ه��و اخلي��ار األكي��د فيم��ا يتعل��ق بالعناص��ر امليداني��ة االس��تخبارية إالّ في حاالت استثنائية. .3العم��ل عل��ى حتقي��ق عنص��ر املفاجأة ف��ي العمليات العسكرية من حيث اختيار الهدف والوقت واملكان . .4نقل املعركة إلى عمق العدو االس��تراتيجي واجلغرافي واالقتصادي . .5اس��تنزاف قدرات العدو املادية واملعنوية والبشرية من خ�لال العمل العس��كري واحلرب النفس��ية وإدامة حالة احلرب.
وظيفة االستخبارات العسكرية
متت��از وظيفة االس��تخبارات بصفة الس�� ّرية ف��ي الدول فكيف في التنظيمات السر ّية ،وهذه الصفة حتمل ثالثة معان هامة هي : .1مهم��ة االس��تخبارات ه��ي احلصول عل��ى املعلومات واألسرار وحماية األسرار واستنباط األسرار مما هو متاح . تامة . .2النشاط ميارس بسرية ّ .3إنش��اء اجلهاز االس��تخباري نفس��ه ال بد أن يظل طي الكتم��ان إلى أبعد م��ا ميكن كي ال يرص��د وال توضع في وجهه العراقيل . وتتلخص وظائف االس��تخبارات العس��كرية في النقاط التالية : .1جم��ع املعلوم��ات من املصادر العلني��ة واملفتوحة عن جميع شؤون العدو " عن بعد " . .2جم��ع املعلومات عن العدو من خ�لال عناصر ميدانية
داخل أرض العدو وعل��ى حدود هذه األرض وذلك من خالل إنش��اء خاليا ميدانية واإلش��راف على عمل ه��ذه اخلاليا وتطويره��ا ومتابعتها وتوجيهه��ا ،وبالتزامن إعداد خاليا ضاربة ( استخبارية بالدرجة األولى وعسكرية تنفيذية ) وتفعل عسكريا ً حسب الظروف. تقوم بعمل استخباري ّ .3جمع املعلومات عن وح��ول ارتباطات العدو وامتداداته في اخلارج ضمن ملفات خاصة وس ّرية . .4إنشاء وتكوين ملفات معلوماتية عملياتية عسكرية ونفس��ية وأمنية ض��د الع��دو ،واختيار أه��داف منتقاة (سياسية وعسكرية واقتصادية وأمنية وعلمية ودينية، بش��رية ومادية ومعنوية ) ،وبن��اء قاعدة معلومات لهذه األه��داف تك��ون تفصيلية ّ متكن من فه��م عقد االتصال والسيطرة وأهم نقاط القوة اإلستراتيجية لديه ومعرفة مفاصل قوة العدو بشكل كامل والعمل على بلورة الئحة أه��داف به��ا ،وحتوي هذه امللف��ات أيضا ً عل��ى معلومات دقيق��ة وافية تس��مح للتنظيم باتخاذ األس��اليب التي تس��اعده في علمياته العس��كرية والنفسية خالل كل مراحل العمل واإلعداد له . .5جمع املعلومات التي من ش��أنها تطوير قدرات احلركة وخاص��ة على الصعيد العس��كري وحتدي��دا ً فيما يتعلق بتطوي��ر األس��لحة مث��ل األس��لحة الصاروخي��ة بعيدة املدى ،واألسلحة الكيماوية والسموم وتفعيلها ميدانياً، واملش��اركة في حتدي��د االحتياجات اللوجس��تية للعمل العسكري . .6التحلي��ل والدراس��ات والبحوث :وه��ي وظيفة تعنى بتحليل املعلومات االستخبارية وإنتاجها في قالب ميكن االس��تفادة منه في مجاالت مختلفة ،والقيام بدراسات وأبحاث عس��كرية واس��تخبارية ذات أه��داف مختلفة ، وعقد ال��دورات – اس��تخبارية وعس��كرية متخصصة – التدريبية والتثقيفية وهدفها تطوير الكوادر العسكرية واألمنية للتنظيم . .7اإلمل��ام التام بطبيعة مس��رح العملي��ات وخصائصه ومراقبة هذا املسرح باستمرار وفي كل االجتاهات . .8تقدي��ر املوقف العس��كري واألمني للع��دو وللتنظيم بشكل عام أو مرحلي أو حلظي آني . .9األرش��يف ،وتتمث��ل وظيف��ة األرش��يف ف��ي جتمي��ع املعلومات وتصنيفها من مصادرها اخملتلفة وتنس��يقها وحتويله��ا للمحللني وملن يهمه األمر ومن ثم حفظها في قاع��دة بيانات خاصة بش��كل ّ ميكن من االس��ـــــتفادة منها .
5
ﺍﻟﻌﺪﺩ ﺍﻟﺘﺎﺳﻊ /ﺷﻌﺒﺎﻥ ١٤٢٩ﻫـ /ﺁﺏ -ﺃﻏﺴﻄﺲ ٢٠٠٨ﻡ
ضرورة التنظري والرؤية املنهجية لسياق اجلهاد
إن التقومي��ات اجلزئية واألحداث ُ متيل بنا إلى أن نعتقد عامة للمقاومة اجلهادية العراقية"، ضرورة "صياغة نظرية ّ نـبدي من خاللها ارتباط حيثيات أعمال املقاومة املتنوعة ُ وتطور ، وإيج��اب س��لب من هناك وما ، ببع��ض بعضه��ا ٍ ٍ وتعويق ،وما هو أهم من ذلك من بيان وجوب تكامل أنواع األعمال غير القتالية ،من سياس��ة إعالمية وفكرية ،مع يخرج العم��ل القتالي ،وما ها هنا في هذه الرس��الة إمنا ُ مخ��رج احملاولة التنظيرية ألعمال املقاومة العراقية ،ومن َ املفي��د جدا ً أن ينت��دب أحد الدعاة الوعاة نفس��ه لتطوير وبحث مستفيض، موسع كتاب هذه الرسالة األولية إلى ّ ٍ ٍ ّ زعم عبر الش��رح وذكر الشواهد ٍواألدلة التي تشهد لكل ٍ بعمل توثيقي ألطراف وتفاصيل القضية، نزعمه ،والقيام ٍ ث��م إضافة أش��ياء وحقائق نس��يناها وذهلن��ا عنها ،مع تق��ومي ونق ٍد ،ورص��د ظواهر وحتليلها ،رمب��ا حتتاج صراحة ال منلكه��ا وال ي��أذن بها ظرفنا اخل��اص ،وإذا صدر مثل هذا الكت��اب فإن�� ُه س��يكو ُن منب��ع إيجابيات كثي��رة تؤثر في س��لوك اجملاه��د وطريقة تفكي��ر ه ،كم��ا أن حيثيات هذه الرس��الة ستكون يوما ً ما كتل ًة مفيد ًة لكل مؤرخ وقيادي يريد حتليل التجربة ،ف��إن مثل هذه اخلواطر وااللتفاتات
يحتاج لها بضع س��نوات من والتبويبات قد ينس��اها بعد ُ ِ لترشيد خطوات الحق ٍة له ،ولكن عملنا هذا في حفظها وترتيبه��ا ميك��ن أن يكون في ِع��دادِ التدوين��ات التاريخية املوس��ع أج��درُ عندئذ أن يحوز املفي��دة ،والكتاب املقترح ّ كم هذه الصفة التاريخية إضافة إلى ما سيكون فيه من ٍ كبي��ر من فقه الدعوة واجلهاد ،وه��ذا النمط الذي نحاول من خالله وضع "نظرية عراقية لدفع االحتالل " :نحس��به جديدا ً في س��احة الفكر السياسي واجلهادي ،وهو بهذه الصف��ة يعتبر إبداعا ً أوحت به س��جاالت احل��وار الدعوي ، واس��تجاب ًة حلاجة رمبا كان يش��عر بها كثير من اجملاهدين من دون أن يجدوا تخريجا ً وسياقا ً وصفيا ً وتقعيديا ً . ومن هنا ننتظر أن تك��ون هذه احملاولة اخملتصرة محورا ً تدور حوله إضافات مشابهة عديدة يبديها الدعاة اجملربون، وأن تكون أساس��ا ً له��ذا التنظير املهم الذي ش��عرنا بأن افتقاده كان ميثل نقصا ً في األداء اجلهادي ،وإمنا نس��تنبط ذلك من خالل جتارب املفكرين والساس��ة والشعوب واألمم أم��ر مهم رئيس ،إذ ف��ي التنظير ِمن ٌَح ف��ي التنظير لكل ٍ ُ الكفيل بأن يُطلع أهل كل ش��أن على منظر عديدة ،وهو شمولي لس��احة ش��أنهم ،فيرون الثغرات والنقص عبر اكتشاف منطق التسلس��ل وتتابع القضايا اجلزئية ،فإذا
ﺍﻟﻌﺪﺩ ﺍﻟﺘﺎﺳﻊ /ﺷﻌﺒﺎﻥ ١٤٢٩ﻫـ /ﺁﺏ -ﺃﻏﺴﻄﺲ ٢٠٠٨ﻡ
الحظ��وا انقطاع��ا ً في موطن م��ا :أدركوا وج��وب س��ده واكتش��اف نوعه م��ن دون بقفز ،كم��ا أن هذه أن يأذن��وا ألنفس��هم ٍ اإلطاللة الفوقية متكنهم من إعادة ترتيب األولويات حس��ب أهميته��ا املوضوعية، إذ رمب��ا تك��ون األولويات قد رتبت حس��ب تاري��خ حدوثه��ا وتسلس��لها الزمني ال املوضوع��ي ،وتبقى منافع التنظير أكبر م��ن ذلك ،إذ هو علم خاص ضمن علوم املنهجي��ة ،واملاه��ر فيه يس��تطيع أن يكتش��ف عبر مناقالت بقـلمه عل��ى ورق مجرد إذ هو في مكتبه يتأم��ل ويفكر ما يقرب ُه من الص��واب ويعفيه من أن يق��دم ثمنا ً جتريبيا ً عمليا ً قد يص��ل إلى تفجير دماء أو هدر أوقـات موس��م كامل ،ومن ذاق التنظير َ :عرف مغزى هذه اإلشارات ،واحملروم املستغرب لها نغريه عبر مثل هذه احملاوالت أن يتخذ التنظير حالً ً أساس��ا ألنواع إش��كاالته ، ومن جرب مثل جتربتنا :عرف مثل معرفتنا . املفاصل السبعة املتكاملة لبناء املقاومة ولي��س من الالزم أن يكون جزء التنظير أو املفصل من مفاصل��ه واضح الدالل��ة واالرتباط كعمل يريد صاحب القضية أن يبادر ٍ إلى إنشائه ضمن س��ياق تكوينات القضي��ة الت��ي يريده��ا ،فهذا هو األص��ل ،ولكن ميكن أن تكون بعض مف��ردات القضي��ة هي م��ن أفعال الط��رف اآلخ��ر ال��ذي نعامل��ه ،أو هي تش��كل ظرفا ً وبيئ ًة محيط ًة، وبذل��ك يكون ن��وع تعاملن��ا ورد فعلنا مفصالً أيضا ً من مفاصل تنظي��ر القضية ،ومن أمثل��ة ذلك ف��ي تنظيرنا للجهاد العراقي أن مبحث نقاط القوة أو مبحث اإلس��ناد العاملي املطل��وب هما مفص�لان واضح��ان ،لكن مبح��ث نقاط ٌ واضح باعتباره مفصل غي��ر الضع��ف األميركي مثالً هو ٍ تقريرا ً لصفة العدو ،إال أن ما ينبني على حقائق الضعف من خطط نس��تثمرها لصالح اجله��اد يجعل املبحث من جملة مفاص��ل التنظير ،فليفهم الداعي��ة هذا املنحى جيدا ً ليزول عنه اإلش��كال املوضوعي ،ولتظهر عنده َع ْبر التنظير ُكتلة األفكار اجلزئية واألحداث التفصيلية كتل ًة
منسجم ًة في تتابعها وترتيبها . وال��ذي يتوصل إلي��ه توجهنا األ ّول��ي أن " نظري��ة دفع االحتالل " ميك��ن التعرف عليها عبر س��بعة مفاصل رئيس��ة ه��ي :نقاط قوة املقاوم��ة ،وحاجاته��ا الناقص��ة ،والتعوي��ق ،ومواط�� ُن الضع��ف األميرك��ي ،ومظاه�� ُر فداح��ة الظل��م االس��تعماري ،وطرائ��ق اإلسناد احمللي والعاملي للمقاومة ، وأخيراً :املرونة املطلوبة من املقاومة مقابل بعض احلقائق املس��تجدة ،ومن مجموع حيثيات هذه املفاصل السبعة نأمل أن تتو ّلد رؤية إستراتيجية شمولية لقضية االحتالل واملقاوم��ة ،ونأمل أن تتوازى مع هذه الرؤية كتل ٌة أخرى من املنطق السياسي واملنحى التخطيطي والفقه التجريبي سيجد الداعية بعض تفاصيلها كامن ًة في ثنايا احليثيات املبحوثة ،وتلك م��ن عطايا اخلروج من الصمت إلى البوح والتعبير ،فإن في كل خواطر املؤمنني ،بركة ،ولرمبا يكو ُن م��ا يتلقا ُه املؤمن من فوائد جانبية لم يكن يحس��بها ما هو في مقداره ُ مثل الفوائد الرئيسة التي كان يقصدها . أول ما ّ يش ُد االنتباه :أن املقاومة متتلك نقاط ق��وة عديدة متكنها من االس��تمرار والنجاح وبكف��اءة جيدة ،وأن��ه أُتيح لها ما ل��م يتح للثورات االس��تقاللية األخرى التي أُضطرت لتحريك الشعوب الساكنة بعد مدة من خضوعها لالستعمار ،فقد جاء الرد الثوري مباش��رة بعد االحتالل من غير فاصل زمني ،بس��بب توفر املعطيات والوسائل ،وأهم هذه اإليجابيات التي كانت في االبتداء أو التي أفرزتها استمرارية املقاومة هي : نثروا له السيوف..فاختار الصمصامة !! .1توفر الس�لاح الكثير في أي��ادي املقاومني من بقايا س�لاح اجليش العراقي الواس��ع عددا ً واملتخم بالتسليح اخلفيف تبع��ا ً العتماده الكبير في حروبه الس��ابقة على جنود صنف املش��اة ،الذين كانوا أكث��ر من نصف مليون جندي مش��اة -ع��دا جنود ال��دروع واملدفعي��ة والصنوف األخ��رى ، -وهذا يعني أن احل��رب األميركية وهزمية اجليش
7
ﺍﻟﻌﺪﺩ ﺍﻟﺘﺎﺳﻊ /ﺷﻌﺒﺎﻥ ١٤٢٩ﻫـ /ﺁﺏ -ﺃﻏﺴﻄﺲ ٢٠٠٨ﻡ
العراقي وانحالله قد تركت مئات أل��وف من بن��ادق الكالش��نكوف ف��ي أي��ادي الش��عب ،ومثل ذلك من قذائ��ف RPGاخلارقة للدروع، ومث��ل ذلك م��ن األلغ��ام ،وألوف الصواري��خ الصغي��رة ،كل ذلك وقع بأيدي الن��اس ،فمنهم من أدخره للمقاوم��ة ،ومنهم من رصده للبي��ع واملتاجرة ويبيعه جانب إيجابي توفر أول مخفض ألي مجاهد ،وه��ذا بثم��ن ٌ ٍ ي��وم لبدء املقاومة ،وال جت ُد كتائب اجملاهدين مش��كل ًة في التسليح كالتي جابهتها ثورة اجلزائر مثالً ،بل ميلك الشعب العراق��ي عددا ً كبيرا ً من املهندس�ين الذين يس��تطيعون تق��دمي خبراتهم ف��ي تطوير الس�لاح وحتويره ملا يناس��ب طبائ��ع معارك املقاومة ،حتى مدافع الهاون وقذائفها من عي��ارات مختلفة كانت وم��ا تزا ُل متوف��رة ،بل قد حصل إط�لاق صواريخ ثقيلة عل��ى مطار بغ��داد وقواعد أخرى ، ب��ل أكثر من ه��ذا فإن بعض تكنولوجيا الغازات الس��امة التي امتلكها صدام أيام حربه مع إيران يمُ كن أن تـتس��رب إلى بع��ض اجملاهدين ُ ، وكل ذلك يعتبر نقطة وبخاصة إمكانية استعمال ترجيح متميزة ، ّ الغاز السام ،ألن اإلدارة األميركية رمبا تُـفكر في أح��د حلولها أن تس��حب جيش��ها من ش��وارع بغداد واملدن وتظل قابع ًة في قواعد تتيح لها التدخل املستقبلي خاصة بعيدة ُ عند احلاجة ،ولكن س��معة الغازات تقذف ف��ي قلبها الرهبة ،والي��وم تكاد أن تكتمل عملي��ات إنش��اء أكثر من عش��رين قاعدة عس��كرية أميركية في العراق فيما يُقال نقالً عن بعض املهندس�ين ،لكن السؤال ما دام يجثم على صدور اإلدارة :هل أن بإمكانهم إس��كان جنودهم فيها أم أن الغازات ستالحقهم ؟! ُ ر ّب حامل فق ٍه وسالح ألفقه منه وأشجع .2توفر س�لاح آخر على ش��كل إمداد لبعض فصائل املقاوم��ة أو غيره��ا م��ن ميليش��يات األحزاب الش��يعية وغيرها يأتيها من إيران وس��وريا ،وهذا وإن لم يستفد منه املقاوم وال يعطى له مباش��رة إال أن فصائل املقاومة اجلادة ُ يصل تستطيع شراءه بس��هولة وبثمن معتدل من الذين ٌ فاعل له��م ،فه��و إذا ً طريق تس��ليح غير مباش��ر ،لكنه
8
ومكافئ ،واحلال أش��به مبا كان أيام أفغانس��تان ح�ين كانت أمي��ركا تعطي الس�لاح الوفير إلى فصائل صغيرة موالية لها من أمثال ( ُمجددي)، فيبيع��ه بدوره إل��ى الفصائ��ل الفاعل��ة أمثال ( جماع��ة حكمت ي��ار ) ،ودور إيران ه��و األكبر ، واخملابرات اإليرانية اس��تطاعت توزيع الكثير من السالح اخلفيف والديناميت واأللغام . فج َّد اجلهاد هزلت احلياة َ ... .3ولكن ما ه��و أعتى من األلغام املتفجرة : األلغام البش��رية العراقية ،وذلك أن احلروب العديدة التي خاضها العراق ،ثم احلصار القاس��ي :كل ذلك قد س��حق ودمر ُه نفسيا ً ،وحرمه لذائذ احلياة ،وركنه العراقي سحقا ً ّ ، إلى بطال��ة مهينة ،وإلى تأخر زواج��ه ،وصعوبة بناء داره ،فأصب��ح العراقي قنبلة موقوت��ة ،أو قنبل ًة تنفجر بأدنى ضغط آخر ،وصار املوت مألوفا ً ،واحلياة رخيصة ،وملا أضيف إل��ى ذلك عامل التحدي السياس��ي ملس��تعمر غازٍ ظالم ،ث��م حصلت صيح ٌة إمياني ٌة تس��تعي ُد ال��ركاز العقائدي : أسرعت أعداد كبيرة من العراقيني إلى االنتماء إلى صفوف املقاومة ،وصارت تتسابق وما زالت ،حتى أصبح هناك بني تنافس وتفاخ ٌر :أيها العش��ائر ٌ أثخ�� َن ف��ي العدو أكث��ر ؟ وهذه نقطة متيز أخرى ،إذ ليس هناك ف��ي التجني��د إش��كال وال في الرفد واملدد ،وذلك عامل حيوي في إدامة املقاومة واستمرارها ، ٌ خوف وهل ٌع لدى اجلندي يقابل��ه األميركي املس��ترزق ،وكم من عراق��ي رأى ثالثة س��يارات من نوع ( َه َمرْ ) محشورة باملارينـز ، فيضرب مجاه ٌد إحداها بسالح ُ ّ RPG فتف ُر الثنتان وال ينجد املتورطني أحد إال أن تأتي طائرة هيليكوبتر بعد وقت. غائب حاضر َ م َد ٌد أصيل ...من ٍ .4وأخط��أت اإلدارة األميركي��ة خط��أ ً عظيما ً في هذا الس��ياق حني أقدم��ت على ّ حل اجليش العراقي وتس��ريح قطاعات��ه وضباطه وأف��راده ،فإنها قدم��ت بذلك عناصر الـم َدرَبني تدريب��ا ً عاليا ً ليقودوا قيادة كثيرة م��ن الضباط ُ ميداني��ة الكثير من العمليات اجلهادي��ة ،حتى ولو كانت القي��ادة السياس��ية لفصائل اجملاهدين مدني��ة ،ويظاهر
ﺍﻟﻌﺪﺩ ﺍﻟﺘﺎﺳﻊ /ﺷﻌﺒﺎﻥ ١٤٢٩ﻫـ /ﺁﺏ -ﺃﻏﺴﻄﺲ ٢٠٠٨ﻡ
الضب��اط ويعينهم أيضا ً ع��دد كبير م��ن ضباط الصف والفنيني الذين يتقنون استعمال السالح ،بل حتى عامة الن��اس كانوا ق��د لبثوا ف��ي اجليش س��نني طويلة عبر اخلدمة اإللزامية أثن��اء احل��روب واس��توعبوا الدروس احلربية عبر معارك طاحنة في احلرب اإليراني��ة بخاص��ة ،وكل ذلك يبدو أن��ه لم يك��ن في حس��اب اخملطط األميرك��ي ،إذ م��ا عس��ى أن يكون م��ن نقص في مقاوم��ة مثالية إذا توفر الضابط املدرب الكفؤ ليقود، وإذا توف��ر اجلن��دي الذي خاض من قب��ل املعارك الكب��رى ،أو إذا توفر العاطل الفقي��ر الذي أرهقته املعاناة واحلصار وصار لُغما ً ٌ ضاغط عليه ؟ ينفجر مع أول ضغط ٍة يضغطها إن أمي��ركا خس��رت نص��ف معركتها م��ع املقاومة بغفلتها عن هذه احلقائق الغريبة التي ليس لها مثال في حروب االستقالل األممية ..نعم :استفادت الثورة اجلزائرية من ثلة م��ن الضباط الذين خدموا في اجليش الفرنس��ي أثناء احلرب العاملية الثانية ،مثل ( ابن ب ّال ) وأصحابه ،لكن أولئك كانوا ثل ًة صغيرة ،وأما عدد الضباط الذين سرحوا من اجليش العراقي فهم عش��رات ألوف ،ولو أراد تس��عة من كل عش��رة منهم أن يقاطعوا املقاومة وعاونها واح ٌد فقط لكان ف��ي ذلك قيام اجلانب القي��ادي امليداني تاما ً ، وذل��ك هو عنصر تف��وق اس��تراتيجي للمقاومة الت حني اس��تدراك األمي��ركان عليه مهما أغروا جيالً واس��عا ً من الضباط السابقني باخلدمة في اجليش اجلديد . ُ مفاصلة شعبية واسعة مع الوجود االستعماري .5وم��ن نق��اط القوة ل��دى املقاومة :أنه��ا بدأت فور انتهاء حرب االحتالل ،فلم يستطع األميركان أن يحكموا قبضتهم على اجملتمع العراقي ،نعم :تعاون معهم عدد كبي��ر من العراقيني بس��بب مذهبي أو قوم��ي ،أو تعاون السني وعشائره، معهم بعض أفراد من أهالي مدن املثلث ُ ولك��ن ل��م تس��تطع اإلدارة االس��تعمارية أو جيوش��ها املقاتلة النفاذ إلى عم��ق اجملتمع العراقي وحتقيق معرف ٍة اس��تخبارية كالتي كان عليها االس��تعمار البريطاني أو الفرنس��ي مثالً ،حني َح َكما بعض البالد طويالً وعرفا كل فردٍ وقاما بتجنيد اجلواس��يس ،ولذلك نرى تأييدا ً واس��عا ً السني للمجاهدين حتَّى أن اليافعني من كل أبناء املثلث ُ
نراه��م يرقصون على حطام الدباب��ات املدمرة بال وجل وال خوف . جها ٌد مينح ِعزة رادعة .6وم��ن نقاط ق��وة املقاومة أيضاً: الت�لازم احلاص��ل في عال��م الواقع بني الس��نة اجله��ادي ض��د موق��ف أه��ل ُ االحت�لال ،وموقفه��م الدفاع��ي ضد االحتم��االت الس��لبية الت��ي يفرزه��ا التنافس املتولد من االنقسام املذهبي العري��ق في اجملتمع العراق��ي ،ذلك أن القي��ادات الش��يعية ق��د حتالفت مع اخلط��ة األميركية حتالفا ً عميقا ً وعلى مدى س��نني قبل احلرب عب��ر مؤمترات املعارضة في بريطانيا وزيارات األحزاب لواشنطن ،مما أوحى الس��نة مبعنى تفوق عليهم ليس من الس��هل لدى أهل ُ الس��نة طيلة الش��هور األولى بعد إغفال��ه ،ولب��ث أهل ُ احلرب في حال ٍة من القلق الشديد أن يحصل لهم اجتياح في مناطق التماس في الوسط وفي البصرة ،ولكن طروء معارك املقاوم��ة وانتصاراتها املتتابعة في معاركها ضد الس��نة وشعورا ً جيش االحتالل أوجد ثق ًة في نفوس أهل ُ بوجود مدافع عنهم مترس وكسب الساحة وباستطاعته أن يستثمر فوزه ،فتطورت هذه الثقة خالل بضعة أشهر تام وشعور بتالزم العملني معا ً ضد مصدري إلى اطمئنان ٍ السني بتوكيل اخلطر ،مما أرسى ش��عورا ً عاما ً في املثلث ُ املقاوم��ة ف��ي الدفاع ع��ن قضيتهم احمللية ي��وازي توكل املقاوم��ة أص�لاً بدفع الق��وة العاملية ،فحدث إحس��اس الس��ني كأنه املدد بوحدة املصير وصار كل فرد في املثلث ُ للمقاوم��ة والظهير النصير ،وهذا عنصر تف��وق اس��تراتيجي ب��دوره ل��و قارن��اه بانقس��ام الش��عب األميركي إلى فئتني في أمر غزو العراق، أو انقس��ام اإلدارة األميركي��ة إل��ى مدرس��تني ،أو الهزمية النفسية التي تعصف بأكثر جنود االحتالل .
9
ﺍﻟﻌﺪﺩ ﺍﻟﺘﺎﺳﻊ /ﺷﻌﺒﺎﻥ ١٤٢٩ﻫـ /ﺁﺏ -ﺃﻏﺴﻄﺲ ٢٠٠٨ﻡ
ف��ي معركة ب��در ،يس��تنهض رس��ول اهلل الهمم ويدفع بالرجال خلوض غمار املعركة بقوله ( :قوموا إلى جنة عرضها الس��موات واألرض ) ..فيتقد لذلك عمير بن احلمام األنصاري وبيده مترات يأكلهن إذا ما جاعت البطن وفقد البدن قوته ملواصلة املعركة ..ولكنها اجلنة ..فآثر اجلنة على التم��رات وقال :بخ بخ ،لئ��ن أنا حيت حتى آكل متراتي هذه إنها حلياة طويلة ..ورمى بالتمرات وقاتل حتى استشهد . موقف آخر لش��يخ مجاهد من ش��يوخ الصحابة ،إنه عب��د اهلل األنصاري .. ففي ح��وار هادئ ميتلئ بالروحانية الصادق��ة الت��ي ال غموض وال خداع فيها م��ع ولده الوحيد جاب��ر ..يقول االبن البار :أبتي ،أنت ش��يخ كبير وقد عذرك اهلل ،أنا أخرج مكانك ..فيجيب األب :إنها اجلنة يا بني ،ولو كانت غيرها آلثرتك فيها . وموقف مجاهدة من أم عمارة يوم اُحد ،إذ يحيط جنود الش��يطان برسول اهلل لقتله ،فإذا بهذه اجملاهدة تهرول مس��رعة للذب عن رس��ول اهلل ، فيقول لها احلبيب : (من يطيق ما تطيقني يا أم عمارة ؟ ) ،فقالت :أطيق وأطيق يا رسول اهلل ،ولكني أسالك رفقتك في اجلنة . إنه��ا اجلنة يا أحباب اهلل ..يا من اخت��رمت طريق اجلهاد.. تدف��ع بأصحاب محم��د رجالهم ونس��اؤهم وصغارهم خلوض غمار املعارك ،وحتمل بارقة الس��يوف وضربات الهام وفعل العجائب التي تبيض وجوه يوم تبيض وجوه وتس��ود وجوه .. اجلنة ..سلعة اهلل الغالية ملن جاهد مباله ونفسه {ﯖ
ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ } التوبة . 111 :
10
وكل ش��يء يهون ما دام اجلزاء اجلنة ( ..وموضع س��وط في اجلنة خير م��ن الدنيا وما فيها ) {ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ } الزمر .. 10 : اجلنة فيها ما ال عني رات وال أذن س��معت وال خطر على قلب بشر ،فيه الشجرة الواحدة يسير الراكب في ظاللها وقطوفه��ا الدانية أربعني عام��ا ً ال يقطعها ،للمؤمن فيها خيم��ة من لؤلؤ ،لبناتها الذه��ب والفضة ،لهم فيها حلم طي��ر مما يش��تهون ،ولهم فيه��ا زوجات من احل��ور العني ، الكواعب األتراب ،وللشهيد ثنتان وسبعني زوجة من احلور.. يرى املؤمن اجملاهد ُ عظم س��اقها م��ن وراء اللحم ،بل ويرى مالمح وجهه إذا ما نظر في وجهها وكأن وجهها مرآة ،وأن نصيفها ليضئ الهل الدنيا ليلهم فيصبح نهارا ً .. جن��ة اجلار فيه��ا أحمد .. غراس��ها ( س��بحان اهلل واحلم��د هلل وال إل��ه إال اهلل واهلل أكب��ر ) ،أرضه��ا املس��ك والزعف��ران ،ويكش��ف ألهل الدرجات العل��ى في اجلنة من فوقهم وجه اهلل العظي��م{ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ} القيامة.23-22: أهل اجلنة يومئذ في نعيم ال يدنيه نعيم ..ما مر باملؤمن في الدنيا من ضيق وكرب وشدائد وبأس وضراء ،كل ذلك مر عليه في س��نوات عمره الطويلة ،لو أنه غمس غمسة في نعي��م اجلنة حلظة واحدة وس��اله اهلل : هل مر بك بأس ق��ط ؟ فيجيب ذلك املؤمن املتنعم بنعيم اجلنة للحظة :ال يا رب ،ما مر بي بأس في الدنيا . غمس��ة واحدة ،تنس��يك محنا ً أتعبتك في الدنيا ،بل وأقعدت العقالء ..غمسة أنستك رباك ليلة أو ليلتني أو قل ليالي طواال ً ..غمسة أنستك صنيع امليليشيات الطائفية، أنس��تك صنيع احملت��ل في أرض بالدك ،أنس��تك كدر الدنيا وسوء خلق أهلها وجفاء األصحاب أحيانا ً ..
ﺍﻟﻌﺪﺩ ﺍﻟﺘﺎﺳﻊ /ﺷﻌﺒﺎﻥ ١٤٢٩ﻫـ /ﺁﺏ -ﺃﻏﺴﻄﺲ ٢٠٠٨ﻡ
ولك��ن مقابل هذا النعيم الواس��ع :أين أنت من جهاد الصحاب��ة ؟ هذا الذي يربط على بطنه احلجر واحلجرين من ش��دة اجلوع ويصبر ألن الثواب اجلنة ،وذلك الذي يسهر ليل��ة ويقطع نوم��ه والثواب اجلنة ،وآخر يقطع الس��هول والودي��ان والبحار واجلبال لينفع أرض��ا ً تعبد اهلل ويعبر عل��ى األذى واجل��زاء اجلن��ة ،وذل��ك الذي يتحمل من يش��ق جسده فيفرقه نصفني ألن وراءه اجلنة. ألقي ابن تيمية -رحمه اهلل -في س��جن القلعة ظنا ً من األعداء أنه سيضعف ويرجع عن ثباته فاذا به يقول : م��ا يصنع أعدائي بي ،فإن جنتي وبس��تاني في قلبي ، وقلبي بني يدي ربي ..إن حبس��وني فهي خلوة مع اهلل ،وإن قتلوني فهي شهادة ،وإن نفوني فهي سياحة .. نع��م ،إنها جن��ة الدنيا ( األنس ب��اهلل ) ،ومن ال يدخل جن��ة الدنيا لن يدخل جنة اآلخ��رة ،حتى يذكر املؤرخون أن آخر عه��د ابن تيمية في هذه الدنيا وهو س��جني كان يردد {ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ } القمر ، 55-54:ثم فارقت روحه إلى باريها . وهذا أبو مسلم اخلوالني يضع سوطا ً على حائط داره ، يقوم الليل ،فإذا ما وجد فتورا ً في عبادته قام إلى س��وطه ويضرب بس��اقه قائالً :أيظن أصح��اب محمد أنهم لم يخلفوا بعدهم رجاال ً ؟؟ واهلل لنزاحمهم على محمد على الركب ؟ وه��ذا أمير املؤمنني س��يدنا عمر ب��ن اخلطاب يولي أب��ا عبيدة على الش��ام ،حتى إذا ما مرت األيام والش��هور عل��ى تلك الوالية املباركة يأتي أمي��ر املؤمنني عمر الفاروق ليتفق��د أموال الش��ام فيطلب من أميره��ا أبو عبيدة بأن يذهب إل��ى داره فيقول أبو عبيدة :ما تريد إال أن تعصر عيني��ك ي��ا أمير املؤمن�ين ،قال عم��ر :إن كان وال بد ..يريد س��يدنا عمر أن يتفقد حال داره ودار أمني األمة ..فإذا بهما يدخالن الدار فيجول عمر بنظره عينه مينة ويس��رة فال يرى إال حصي��رة أكلتها األرض ،فيس��ال عمر :أب��ا عبيدة ،أين متاع��ك ؟ قال :أعددناه ل��دار في اآلخرة ..ق��ال عمر :وأين طعامك ؟ فيذهب أبو عبيدة فيأتي بكس��يرات خبز يابسة فيق��ول عمر :أهذا طعامك ؟ قال أبو عبي��دة :بلى يا أمير املؤمن�ين ،فتخرج الدموع من عيني الف��اروق ويقول :لقد غيرتنا الدنيا وما غيرتك يا أبا عبيدة . إنها اجلنة ..سلعة اهلل الغالية ،فأين املشمرون ؟ وأين فرسان النهار ورهبان الليل ؟ { ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ } املطففني . 26 :
11
ﺍﻟﻌﺪﺩ ﺍﻟﺘﺎﺳﻊ /ﺷﻌﺒﺎﻥ ١٤٢٩ﻫـ /ﺁﺏ -ﺃﻏﺴﻄﺲ ٢٠٠٨ﻡ
املفاجأة واملباغتة
وتعن��ي الظهور أمام العدو في وق��ت ال يقدره وبصورة ال يتوقعها وبأس��لوب يجهل��ه ،وتنتج عن ضرب العدو في مكان أو زمان أو طريقة بشكل ال يتوقعه أو بشكل هو غير مستعد له ،وهي من أقوى العوامل وأبعدها أثرا ً في احلرب، مل��ا لها م��ن تأثير معنوي ونفس��ي على الع��دو ،مما يجعل االضط��راب يدب في عمله وعقله ونفس��يته ،وهناك عدة وسائل ميكن احلصول بها على املباغتة : أ .كتمان االس��تعدادات للخطط احلربية ،وذلك نتيجة الس��رعة واخلدعة مع تطبيق القوة القتالية ،واالستطالع الفعال . ّ ب .التنق��ل الس��ريع للقطعات من نقط��ة إلى أخرى متهيدا ً إلنزال الضربة على موقع ال يتوقعه العدو . ت .استخدام األرض الصعبة أو بعبور املوانع التي تعتبر قدر العدو أهميتها . غير قابلة للعبور أو في جبهة ال ي ُ ّ ث .استخدام أس��لحة جديدة غير متوقعة أو أساليب تعبوية جديدة ،أو بقوات كبيرة العدد لم تكن في احلسبان ،وقد تك��ون املفاج��أة تكتيكية في مي��دان املعركة ،وقد تكون إستراتيجية خارج ميدان املعركة .
12
وال ب��د م��ن معرفة العوام��ل التي تس��اعد في حتقيق املفاجأة ومن أهمها :السرعة – اخلدعة – السرية – سهولة احلركة – التفكير بكل االحتماالت املتوقعة . يق��ول مولتك��ه " :أالح��ظ أن هن��اك دائما ً ث�لاث طرق مفتوح��ة أمام العدو ولكن��ه يأخذ عادة الطري��ق الرابع " ، واملباغتة كان لها دور كبير في احلروب اإلسالمية سواء في املكان أو في الزمان أو في األسلوب . فلقد أخفى الرسول نواياه في غزوة فتح مكة حتى ع��ن أهله وصديقه أب��ي بكر ، دخل أبو بك��ر على ابنته عائش��ة زوج النب��ي وهي تهي��ئ جهاز الرس��ول ، فقال له��ا :أي بنية ،أأمركم رس��ول اهلل أن جتهزوه ؟ قالت :نعم ،فتجه��ز ،قال الصديق :فأين ترين��ه يريد ؟ قالت :واهلل ال أدري . بهذا الكتمان ،اس��تطاع الرس��ول أن يحرك جيشا ً كبيرا ً من عشرة آالف مجاهد لفتح مكة دون أن تستطيع قريش معرفة وقت حركته وال نواياه ،مما أنطق أبو س��فيان فق��ال لقومه " :هذا محمد قد جاءكم مبا ال قبل لكم به"، وكان م��ن أث��ر املباغتة أن دخل املس��لمون مك��ة دون قتال منتصرين ،واضطرت قريش إلى التسليم .
ﺍﻟﻌﺪﺩ ﺍﻟﺘﺎﺳﻊ /ﺷﻌﺒﺎﻥ ١٤٢٩ﻫـ /ﺁﺏ -ﺃﻏﺴﻄﺲ ٢٠٠٨ﻡ
وف��ي غزوة خيب��ر حترك الرس��ول إلى الرجيع قريب��ا ً من ديار غطفان ،وبعد أن أرس��ل مف��رزة صغيرة إلى معس��كر غطفان عاد بقواته الرئيس��ة إلى خيبر ، وبهذه احلركة أوهم غطفان بأنه يريدهم ،وأوه��م يه��ود خيب��ر بأن��ه ال يريدهم ، فباغ��ت الطرف�ين ومن��ع تعاونهما في قتال املسلمني . وم��ن أمثلة املباغتة في األس��لوب املباغت��ة ف��ي اخلن��دق ،حي��ث أق��ام املس��لمون نوع��ا ً جدي��دا ً م��ن الدفاع كان��ت قري��ش وحلفاؤها يجهلون��ه ،ألن الع��رب لم تكن تعرف إنش��اء اخلن��ادق لغ��رض احلماية ،ومث��ال آخر حيث قاتل الرس��ول بأس��لوب الصف جتاه قريش التي قاتلته بأسلوب الكر والفر . ولقد استخدم الرسول القائد املنجنيقات والدبابات في غزوة حصار الطائف ،كل هذه أمثلة تدل على عبقرية الرسول القائد وتطبيقه مبدأ املفاجأة في غزواته . ولقد طبق الرس��ول القائد املفاجأة اإلستراتيجية وذل��ك بإخفاء نية الهجوم ووق��ت الهجوم وحجم القوات املهاجمة ومكان الهجوم ،وقد كان يعتمد على الس��رية التام��ة في التخطيط وفي حش��د الق��وات وتعبئتها مع اتباع أساليب املفاجأة في اجملال السياسي والعسكري . وقد طبق أيض��ا ً املفاجأة التكتيكية وذل��ك ف��ي نط��اق القت��ال التكتيك��ي ، فاتبع أساليب مبتكرة في القتال وطبق االندفاع من اجتاه غير متوقع مع السرعة ف��ي حتري��ك الق��وات ملعاجل��ة املواق��ف والوص��ول إلى الهدف بأق��ل وقت وأقل التكالي��ف ،وهذا ليس باألمر امليس��ور حتقيق��ه إالّ بتخطيط يك��ون غاية في املهارة واحلذق .
العمل التعرضي
ويعن��ي ال��روح الهجومي��ة الت��ي يتحلى به��ا القائد نحو مواجه��ة املواقف التي ال بد م��ن وقوعها بقوة وإرادة مصممة على القتال ،وهو ضروري : .1لتحقي��ق النتائج احلاس��مة وللحف��اظ على حرية العمل ،فاملهاجم أقوى من املدافع ألنه ميتلك زمام املبادرة ويتميز جنوده باملعنوي��ات العالية ،ويولد لديهم التفكير اخلالق بالنسبة للحرب .
.2كم��ا ينتخ��ب املهاج��م النقطة املناس��بة الت��ي يهاجمها وبذلك يستثمر نقاط ضعف العدو ويواجهه بحزم وقوة التطورات غير املتوقع��ة ،أما بالنس��بة للمدافع فيج��ب أن يك��ون قوي��ا ً ف��ي كل مكان ألن��ه ال يعرف م��ن أين عدوه سيهاجمه . وميك��ن اعتب��ار كاف��ة غ��زوات النب��ي تعرضية ما ع��دا غزوتي أحد واخلندق ،إذا أن املش��ركني هم الذين حش��دوا قواتهم ملواجهة املس��لمني ،والتعرض في دولة اإلس�لام ليس معناه التحرش واالعت��داء والتعطش لسفك الدماء بل املبادرة من قبل القائد ملنح قواته احلوافز املعنوية ملواجهة العدو بأق��ل وقت وأقل التكاليف وأعلى كفاءة . ويوضح األستاذ محمد فرج في كتابه القيم ( املدرسة العس��كرية اإلس�لامية ) مفه��وم التعرض في اإلس�لام فيقول: ( فف��ي عه��د النب��ي كان املس��لمون ف��ي غالبية غزواته��م ه��م املهاجمون ،وفي عهد أب��ي بكر هاجم املس��لمون املرتدي��ن ومانع��ي الزكاة ،وف��ي عهد عمر انتقلت اجليوش اإلسالمية إلى خارج اجلزيرة ،وكانت معاركهم كلها في أرض أعدائهم ،ففي الش��ام حيث تقدم��وا م��ن موق��ع إلى آخ��ر ،من اليرموك إلى دمش��ق إلى حمص .. وفي الع��راق حي��ث اجتاحوا األرض مبن عليها من مواقع متعددة بدأها خالد بن الولي��د في الكواظم ، حيث حتقق أول انتصار على الفرس ،وأنهاها س��عد بن أب��ي وقاص ف��ي القادس��ية حيث قض��ى على دولتهم ورفع راية اإلسالم . إنن��ا لنرجو -ونحن نقول إن اإلس�لام اس��تخدم مبدأ التعرض ( أي الهجوم ) -أالّ يفهم أن اإلسالم كان معتديا ً ، فالتعرض اإلسالمي كان نوعا ً من الدفاع عمالً باملبدأ الذي يقول " :إن الهجوم هو خير وس��ائل الدفاع " ،فكان دفاعا ً عن الدين والوجود والكيان اإلسالمي .
اختيار القصد وإدامته
يج��ب توجي��ه كل عملي��ة حربية نحو ه��دف واضح
13
ﺍﻟﻌﺪﺩ ﺍﻟﺘﺎﺳﻊ /ﺷﻌﺒﺎﻥ ١٤٢٩ﻫـ /ﺁﺏ -ﺃﻏﺴﻄﺲ ٢٠٠٨ﻡ
وحاس��م ،محدد جي��دا ً ،ممك��ن التحقيق ، ويجب أن يساهم هدف كل عملية في حتقيق هدف احلرب املستخلص من اإلستراتيجية، وعل��ى جميع الق��ادة فهم وحتدي��د الهدف وتقييم جمي��ع األعمال التي تُطلب منهم نسبة لذلك الهدف . ويتم اس��تخالص هدف احلرب عادة من اإلستراتيجية ويكون الهدف على املستوى االس��تراتيجي متوافق��ا ً ومنس��جما ً مع جغرافي��ة البل��د ومعتقداته��ا وقدراتها العسكرية املادية واملعنوية ،أما الصورة على املستوى التعبوي فهي كما يلي : أ .تستبدل اجلغرافية باألرض والطقس . ب .تس��تبدل املعتقدات بالتدري��ب والعقيدة القتالية والتعبوية والتنظيم . ت .تس��تبدل الق��درة االقتصادي��ة بالقطع��ات ونظام التسليح واالتصاالت والنقل . كان الرس��ول يخت��ار قصده وهدف��ه بدقة ووضوح ويحدده ثم يفكر في أفضل طريقة للوصول إليه ،ثم يقرر خطة مناس��بة للحصول عليه ،ولق��د ظهر مبدأ ( اختيار القص��د ) في أول معاهدة عقدها الرس��ول بعد هجرته إلى املدينة ،ولنرَ ماذا قررت من النواحي العسكرية : أ .قيادة رس��ول اهلل لكافة سكان املدينة مسلمني ومشركني ويهود ،فإليه يرجع األمر كله ،وله أن يحكم في كل اختالف يقع بني س��كان املدينة وبذلك أصبح س��يدنا محمد هو القائد العام في املدينة . ب .تع��اون أهل املدين��ة جميعا ً ف��ي رد كل اعتداء يقع عليها من اخلارج . ت .في حالة احلرب ل��رد العدوان عن املدينة ،تتولى كل طائفة اإلنفاق على نفس��ها " على اليهود نفقتهم وعلى املسلمني نفقتهم وأن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة " . وبهذا العمل السياسي واالستراتيجي الب��ارع ،حق��ق الرس��ول وح��دة املدينة ومتاس��ك اجلبهة الداخلية وجع��ل أهلها جميع��ا ً على اخت�لاف دينهم ي��دا ً واحدة على أعدائهم. ويظه��ر لن��ا ف��ي ذل��ك بأن م��ن حق الرس��ول أن تك��ون قري��ش مقص��ده النهائي الذي يخت��اره ويوحد عليه أهل
14
املدينة جميعهم حتى يتسنى له أن يص��ل إلى هدف��ه النهائي ضد قريش التي أخرجته من بالده ظلما ً وعدوانا ً . ولع��ل من أب��رز أمثل��ة اختيار القصد ،ما فعله الرس��ول في غ��زوة احلديبية ،فق��د كان هدفه النهائ��ي م��ن تلك الغ��زوة التأثير على معنويات قريش من غير قتال، فخرج ُمحرم��ا ً وتف��ادى بحنكته ومرونته االشتباك مع قريش حتى وصل بقواته إلى احلديبية ،وبقي هناك مصرا ً على مقصده فأفس��ح اجملال للمفاوضات والتي نتج عنها عقد هدنة بني املسلمني وقريش ،وكانت النتائج كالتالي : مساو لقريش ،وهذا اعتراف أ .اعتبار املسلمني كطرف ٍ رسمي بدولة اإلسالم من أعدائها . ب .الهدوء واألمن الذي يس��مح بحرية الدعوة وانتشار اإلسالم . ت .كس��ب املس��لمني الرأي العام والتش��هير بقريش لصدهم عن البيت احلرام ،وهذا مما جعل القبائل تتعاطف وتساعد اإلسالم متهيدا ً لفتح مكة في املستقبل . ث .جناح املسلمني في احلصول على احلياد املسلح .
االقتصاد باجلهد
يس��مى هذا املبدأ أيضا ً في بعض املراجع العسكرية ( االقتصاد بالقوات ) ،ويدل على االس��تخدام املتوازن للقوى والتص��رف احلكي��م بجمي��ع امل��واد لغرض احلص��ول على التحشد املؤثر في الزمان واملكان احلاسمني . إن هذا املبدأ في مجال اإلستراتيجية العظمى يتضمن أنه يجب استخدام ذلك اجلزء من املصادر املتوفرة في مجال احل��رب الثنائية مع املكاس��ب املتوقع احلص��ول عليها من حتقيق األهداف السياسية للحرب. إن مب��دأ االقتص��اد باجله��د يع��زز نظرية أو مبدأ وح��دة القيادة واخملاطرة احملسوبة ووضوح القصد ، وتظه��ر قيمة هذا املبدأ حني يكون اتس��اع اجلبهة كبيرا ً جدا باملقارنة مع حجم الق��وات ،أو عندما يكون العدو متفوقا ً استراتيجيا ً ،ويجب التذكي��ر هنا بأن جوه��ر هذا املبدأ يخت��ص مبس��ألة االحتي��اط ،كما
ﺍﻟﻌﺪﺩ ﺍﻟﺘﺎﺳﻊ /ﺷﻌﺒﺎﻥ ١٤٢٩ﻫـ /ﺁﺏ -ﺃﻏﺴﻄﺲ ٢٠٠٨ﻡ
يختص بحس��ن توزيع القوات ويؤمن للقائد حرية احلركة بتجنب نش��ر جميع القوات على خ��ط واحد خاصة عند وجود جبهة واسعة . وقد ُع ّرف من قب��ل كالوزفيتز بأنه: " حش��د القائد جملموع قوات��ه على أالّ ينفصل منها سوى ما تتطلبه احلاجة القصوى " ،ولقد عرفها نابليون بأنه " : حشد أعظم قوة جتاه الغرض األساس مع تخصيص القوات األقل للعمليات الثانوية " ،وفي املدرس��ة العسكرية اإلس�لامية راعى الرس��ول القائد مبدأ االقتصاد باجلهد في كل غزواته ،فكان��ت القوة في غزواته تناس��ب املوقف ،ففي أحد أمر الرس��ول جماعة من الصحابة على رأس��ها الزبير ب��ن العوام وقال له " :اس��تقبل خالد بن الوليد وكن بإزائه" ،كما كلف جماعة أخرى على رأسها عبد اهلل بن جبير بأن يقيموا على جبل صغير حلماية املسلمني م��ن اخللف وأصدرا لهم أمرا ً بقول��ه " :احموا لنا ظهورنا ،فإنن��ا نخ��اف أن يجيئوا من ورائن��ا ،والزموا مكانكم ،ال تبرح��وا منه وإن رأيتمونا نقتل فال تعينونا وال تدفعوا عنا وإمنا عليكم أن ترش��قوا خيلهم بالنبل فإن اخليل ال تقدم على النبل " .
حشد القوة
يتضمن احلشد توفير قوة قتالية متفوقة على العدو في النقطة احلاس��مة وفي املكان والوقت املناسبني ،وقد عرفت أيضا ً بأنها :حشد أعظم قوة أدبية وبدنية ومادية واس��تخدامها في الزمان واملكان اجلازمني ،وحشد القوة يعن��ي جمع أكبر قوة في مواجهة العدو بحيث تناس��ب القوة املوقف وفي املكان والزمان املناسبني . ولقد طبق هذا املبدأ بصورة واضحة في حروب نابليون الذي أكد على حشد القوة بقوله :إن كل فن احلرب ممكن تلخيصه مبب��دأ واحد وهو :أن جتمع في جبهة واحدة ق ّوة أكبر من قوة عدوك . وجند أن القيادة اإلسالمية في عهد الرسول نفذت حشد القوة وصرحت عليها في حدود إمكانيات املسلمني وحسب الدخول اإلسالم ونشر الدعوة ،والتي تعني ازدياد سواد املسلمني وحتشدهم . فاجله��اد في اإلس�لام لم يبدأ إال بعد إجناز التحش��د بحده األدنى ،فنجد بأنه عندما أنهى الرس��ول حتشده ّ ف��ي املدين��ة وعاهد أهلها مش��ركني ويهود :ب��دأ القتال إلع�لاء كلمة اهلل إل��ى أن بلغ عدد اجليش اإلس�لامي في
آخر غزوة قام بها رس��ول اهلل ( غ��زوة تبوك ) في العام التاسع الهجري أكثر من ثالثني ألفا ً من الصحابة معهم عشرة آالف من اخليل . ولقد اهتم أصحاب رس��ول اهلل م��ن بعده مببدأ احلش��د ،وكان هذا املب��دأ ينال اهتماما ً بالغا ً م��ن القيادات التي خلفت رس��ول اهلل ، فح�ين أراد الصدي��ق أن يحارب املرتدين ومانع��ي ال��زكاة حش��د له��م أحد عش��ر لواء ،وحني أحس أن ألويته التي أرسلها حملاربة الروم ف��ي اليرموك ال تتناس��ب كما ً مع عدد أعدائهم ،س ّير إليهم خالد بن الولي��د من العراق دعما ً وقوة . ولعمر الفاروق خطوت��ان جديرتان بالذكر في هذا اجملال: أوالهما :أنه س��مح للمثنى بن حارثة خالل قتاله ف��ي العراق أن يض��م إلى قواته بعضا ً م��ن نصارى العرب املقيم�ين هناك ،كنصارى تغلب ونصارى بني النمر الذين قاتلوا بجانب املس��لمني في شجاعة نادرة حتى أن مهران الهمذان��ي قائد الفرس لقي مصرعه على يد أحد نصارى تغلب . ثانيهما :أنه س��مح للمس��لمني الذي��ن كان تيار ال��ردة قد جرفهم ث��م عادوا ثانية إلى اإلس�لام ،س��مح لهم باملش��اركة في القتال أمالً في أن يزيد حجم احلشد اإلس�لامي في مواجهة عدو له تفوق بش��ري كبير ،وكان أبو بكر من قبله قد رفض الس��ماح لهم باملش��اركة في القتال ،ولكن عمر رأى أن يكس��ب بهم قوة ومينحهم ش��رف القت��ال وأن يعطيه��م فرصة التكفي��ر عن خطأ وقعوا فيه . لق��د اهت��م املس��لمون باحلش��د اهتمام��ا ً يتفق مع إمكانياته��م وقدراتهم وحرصوا على أن يكون التحش��د متناس��با ً مع حجم العدو وحجم املعركة ،ولكنهم مع هذا االهتمام واحلرص كان��وا يخوضون املعارك معتمدين أساسا ً ( بعد اعتمادهم على اهلل تعالى ) على معنوياتهم بغض النظ��ر عن حجم عدوهم ،وكثاف��ة جنده ،وكثرة ُع ّدته ،في ضوء قوله سبحانه وتعالى { :ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ } .
15
ﺍﻟﻌﺪﺩ ﺍﻟﺘﺎﺳﻊ /ﺷﻌﺒﺎﻥ ١٤٢٩ﻫـ /ﺁﺏ -ﺃﻏﺴﻄﺲ ٢٠٠٨ﻡ
ﺍﻹﺻﺪﺍﺭ ﺍﳌﺮﺋﻲ ﺍﻟﺜﺎﻣﻦ
ﺍﳌﺪﺓ : ٥ ٤ ﺩ ﻭ ٤٠ﻗﻴﻘﺔ ﺛﺎﻧﻴﺔ
ق��ال س��يد اجملاهدين ُمحم��د ( : ال هج��رة بعد الفتح ولكن جهاد ونية وإذا استنفرمت فانفروا ) رواه الشيخان من هذا احلديث النبوي الش��ريف جاءت تس��مية اإلصدار املرئ��ي الثام��ن لكتائ��ب صالح الدي��ن األيوبي "جه��اد ونية" ؛ واملتأمل لواقع العراق اليوم ال يجد عمالً أجدى وأرضى هلل من ب��ذل اجلهد في الدفاع عن الدي��ن واألرض والعرض ،وهو اجلزء األول م��ن العنوان ،أما املقصود بـ " ني��ة " فهو العمل بالنية الصاحل��ة الصادقة واالندفاع واملس��ارعة إلى فع��ل اخليرات .. و " جام��ع " مرش��حة برجالها امليامني حلم��ل القضية وحتمل أعبائها وإب��راز الهوية احلقيقية للجماعة الظاهرة على احلق والتي ال يضرها من خالفها وال من خذلها ... انفري "جــــــامع" أنـــــــت الهوية واحملــــي بني يديــك القضية يفتتح اإلصدار بعد البس��ملة باحلديث النبوي ( ال هجرة بع��د الفت��ح ) ...ثم يظه��ر موجز ألهم ما تضمن��ه اإلصدار من عمليات ،فتترادف بش��كل س��ريع لتظهر بعدها كلمتا العنوان مع زئير االس��د ..والكلمت��ان يحتضنهما في اخللف شعار الكتائب ..ومن ثم تبتدئ مقاطع اإلصدار لتعرض علينا ما مت تصويره من عمليات عس��كرية ضد احملتل األميركي في كافة قواط��ع العمليات على امتداد س��بعة محافظات في داخل عراقنا األبي . العبوات الناسفة وه��ي التي تخرق آليات الع��دو وتهاجمها من األرض بعد حتكم أحد األبطال بها ..والعمليات هنا بالعشرات ،تبدأ أوال ً
16
بصورة تظهر رتالً من شاحنات املؤن الناقلة الحتياجات العدو ،فم��ا هي إال حلظ��ات وإذا بإحدى اآلليات ترتفع في الس��ماء ألكثر من مترين بعد أن تنفجر حتتها عبوة ناس��فة ...وتتوالى من بعدها العبوات لتس��جل عش��رات الهجمات ما بني ليل ونهار ،وف��ي أيام متتابعة طويلة وثقيل��ة على العدو احملتل ، لكنها يسيرة وقصيرة على اجملاهدين في كتائبنا .. لقد أصبح البذل والتضحية س��جية عن��د مجاهدينا ، وهم يطلقون رسالة مفتوحة إلى األمة أن توقظ في نفسها ه��ذه املعان��ي ..عن ابن عم��ر رضي اهلل عنه وع��ن أبيه قال : سمعت رسول اهلل يقول ( :لئن أنتم اتبعتم أذناب البقر ، وتبايعتم بالعينة ،وتركتم اجلهاد في سبيل اهلل :ليلزمنكم اهلل مذل��ة في أعناقكم ،ثم ال تنزع منكم حتى ترجعون إلى ما كنتم عليه وتتوبون إلى اهلل ) رواه أحمد . ال تبديل ملنهجنا وف��ي فاصل نك��رره دوما ً من أجل رس��التنا إل��ى أهلنا .. يكمن مجاهدين اثنني ينتظران قدوم الرتل األميركي لتنفيذ عملي��ة تفجير عب��وة ناس��فة ،وإذا بصاح��ب مركبة مدني عراقي يتوقف فوق العب��وة على جانب الطريق ...ويأتي الرتل األميرك��ي ..وأيدي اجملاهدين على زر التنفيذ ..فيس��ترجعان ويتراجع��ان ويؤجالن التنفي��ذ الحتمالية إصاب��ة هذا الرجل املدني ومركبته ...وينتهي الرتل دون تنفيذها ،ويتحرك صاحب املركب��ة وهو ال يدري أن اجملاهدي��ن في كتائبنا ضحوا بوقتهم وعملهم في س��بيل احلفاظ عليه وعل��ى مركبته ...فهنيئا لألمة بهذه األخالق ،وهنيئا ً لها بهؤالء البواسل .
ﺍﻟﻌﺪﺩ ﺍﻟﺘﺎﺳﻊ /ﺷﻌﺒﺎﻥ ١٤٢٩ﻫـ /ﺁﺏ -ﺃﻏﺴﻄﺲ ٢٠٠٨ﻡ
ق��ال عبادة بن الصامت للمقوقس حاكم مصر " :إن همن��ا اجلهاد في س��بيل اهلل ،وابتغاء رضوانه ،وليس لرغبة في الدنيا وال االستزادة منها " ،فيرد عليه املقوقس " :لعمري ما بلغتم ما بلغتم إال مبا ذكرت ،وما ظهرمت على أعدائكم إال حلبهم للدنيا ورغبتهم فيها " . قذائف اهلاون من املعلوم لكل متابع أن جيش االحتالل اتخذ له قواعد ينطل��ق منها في عدوانه في كل ربوع العراق ،ولكي ال يهدأ له ب��ال فيها يحرص اجملاه��دون على رميه ف��ي عقر قواعده بقذائف الهاون املتعددة األعيرة ،وتكون إصابتهم دقيقة بإذن اهلل تعال��ى ،فالرمي رميه ولي��س رميهم ..وفي هذا املقطع نش��اهد إنطالق عش��رات القذائف وس��قوطها على رؤوس العدو ..وقد يس��تقل القاع��دون هذا العمل ..وهنا يذكرهم أبطالنا بحادثة س��عيد بن املس��يب حني خرج إلى الغزو وقد ذهب��ت إحدى عينيه فقي��ل له :إنك عليل ،فقال":اس��تنفر اهلل اخلفيف والثقيل -إش��ارة لقوله تعال��ى ( انفروا خفافا ً وثقاالً) ،-فإن لم ميكني احلرب كثرت سواد املسلمني وحرست املتاع " . فاي��ن رم��اة القذائف ؟ وأين الش��باب ؟ هلموا إلى تكثير سواد اجملاهدين وحراسة شوكتهم وقوتهم . لعشاق القناصة فاصل ملع��ارك حقيقية بني اجليش األميركي ومجموعة من الشباب اجملاهد ،ومن بينهم قناص ...ويظهر في الفاصل صورة القن��اص وهو يوجه عدة إطالقات م��ن قناصته باجتاه الهدف ..ومن ثم كلمات في وصف جنود كتائب صالح الدين األيوبي ... إنهم شباب تعاهدوا على نصرة احلق ... شعارهم ( وعجلت إليك رب لترضى ) .. أرواحهم في أكفهم ..يسعون مشمرين .. ال يضرهم من خذلهم وال من خالفهم ... اهلل غايتهم والرسول قدوتهم .. واجلهاد سبيلهم .. واملوت في سبيل اهلل أسمى أمانيهم .. الصواريخ على صوت األنشودة احلماسية " هيبة صالح الدين ..هاي أفعالها ...سنان واحد من صنيع أبطالها " ..تنطلق عشرات الصواري��خ لت��دك أوكار العدو احملتل ،نبتدأه��ا بصاروخ على قاع��دة العدو في املدائن جنوب بغ��داد ...والصواريخ تنطلق م��ن قاعدة محلية الصنع ...فهنيئا ً ملن صنع تلك القواعد .. أتدري ملاذا ؟ إن كنت ال تدري فاسمع منا هذه القصة : قام منص��ور بن عمار -وهو أح��د التابعني -يحض على اجلهاد ،وكان من بني السامعني امرأة ،فطرحت رقعة كتبت
فيه��ا :رأيتك ي��ا ابن عمار حتض عل��ى القت��ال ،وقد ألقيت ذؤابت��ي – أي ضفائر ش��عرها -فلس��ت أمل��ك واهلل غيرها ، فباهلل اجعلها قيد فرس غاز في سبيل اهلل ،فعسى اهلل أن يرحمني بها .فارجت اجمللس بعد قراءة هذه الرقعة بالبكاء تأثرا ً ،وتسابق الناس للجهاد في سبيل اهلل . فمن قدم ش��يئا ً للمجاهدين في س��بيل اهلل -ولو كان يسيرا ً -فعسى اهلل تعالى أن يغفر له ويرحمه به . غضب صـــالح الديــــن يحمله الغ ُد هــ ّزي عروش الكفــر َحـــان املوع ُد رمانة " جامع " من يطبق اليوم فرض اهلل علينا بإعداد العدة ملالقاة العدو ؟ والعدة هي :القوة والسالح . كتائبنا استجابت لهذا الفرض والواجب الشرعي ،وقد قامت بفضل اهلل بتصنيع رمانة يدوية ش��ديدة االنفجار والتأثي��ر ..وف��ي فاصل مؤثر ومع تالوة اآلية الكرمية نش��اهد مراح��ل تصنيعها وتنفي��ذ االختب��ار االول له��ا ...فبوركت الس��واعد الت��ي أنتج��ت ،وبورك��ت العق��ول الت��ي فكرت وخططت ،وبورك ألصح��اب الدعم مبالهم وإعمارهم ،فأمة اإلسالم ما زالت بألف خير ما دام فيها مثل هكذا رجال . أبطال البصرة كلما ذكرن��ا اجملاهدين في البصرة تذكرنا صاحب النقب وقصت��ه املعروفة ..في ه��ذا اإلصدار نكش��ف عن أصحاب النق��ب – نقص��د أهل البصرة األبط��ال – ..وقد وضعنا لهم مجموع��ة من العمليات ،وما خف��ي كان أعظم وأفخر بإذن اهلل تعال��ى ...وكأنهم يرددون قول خالد بن الوليد " : وما من عمل ش��يء أرجى عندي بعد ال إله إال اهلل من ليلة بتها وأنا مترس والس��ماء تهمل مطرا ً إلى صباح حتى نغير على الكفار " . فهي إذن لقطات توثيقية جلهاد اهل البصرة .. وصلت إلى أميركا وشعبها .. َ ألرضك أوصلناها .. أفالم التمكني وكرامة جُ ندك يا هذا -بوش -أهدرناها.. الصواريخ املوجهة حزم��ة من الصواريخ املوجهة على آليات العدو وقواعده تراها هنا في املقطع األخير من اإلصدار ...ومن بينها صاروخ في ليلة حالكة الظالم ينطلق بش��كل مس��تقيم ليصيب جس��د آلي��ة أميركية ناقلة للمؤن فيس��تقر في وس��طها ويحرقه��ا ،ف��ي لقط��ة جميل��ة ش��افية لص��دور املؤمنني ومغيضة لقلوب العدا ... فبوركت تلك السواعد وحيا اهلل رجالها وقادتها...
17
ﺍﻟﻌﺪﺩ ﺍﻟﺘﺎﺳﻊ /ﺷﻌﺒﺎﻥ ١٤٢٩ﻫـ /ﺁﺏ -ﺃﻏﺴﻄﺲ ٢٠٠٨ﻡ
أخربك املتحدثون يف حفل التخرج العسكري أنه عليك أن خترج وتغري العامل ،حسنا لديك عام واحد تفعل فيه هذا ،ففي العام القادم سوف تتخرج دفعة جديدة وسيتم إخبارها نفس الشيء . األدميرال هيمان ريكوفر
ليس للحروب قانون مطلق يستعصي على االستثناء ، هناك يف احلروب تزدهر معارك اإلبداع . نابليون
إن معتقدات األمس مل تعد تطبق اليوم ...ال بد وأن نفكر بلغة الغد ،ال بد أن تضع يف اعتبارك أن صوارخيك اإلسرتاتيجية ذاتها من املمكن أن تصبح طرازاً قدمي ًا يف املستقبل القريب . اجلنرال هنري أرنولد
18
إننا نخش��ى التغيير أكثر من أي شيء آخر ،ليس هناك ش��ك في هذا ،إنها طبيعة النفس البشرية ،هناك شعور بالراح��ة عندما نقوم بعمل األش��ياء بنفس الطريقة التي اعتدنا عليها دائما ً كوس��يلة للحفاظ على تواصل املاضي حتى لو كانت الطريقة القدمية خطأ . يقول رائد اإلدارة احلديثة بيتر دراكار : إن املؤسس��ة – عس��كرية أو مدنية – التي تس��تمر في عمل األش��ياء التي جعلتها تنجح في املاضي ،مهما كان حجم هذا النجاح ،سوف ينتهي بها احلال للفشل . ي��ا له من اته��ام ! هذا يعني أنه على كل مؤسس��ة أن تتغير وإال فش��لت ،ملاذا تبدو الصورة عل��ى هذا احلال ؟ ألن بيئتنا املعاصرة بشكل عام هي واحدة من البيئات املتغيرة بش��كل مستمر فكيف يكون ذلك في البيئة العسكرية ! فتكنولوجيا اليوم ليست هي تكنولوجيا األمس ولن تكون هي نفس��ها غدا ً ،وكذلك معدتنا العس��كرية وس��لوكنا وأفكارنا وقدراتنا ..جميعها تتغير مع الوقت ،وقد أدرك
ﺍﻟﻌﺪﺩ ﺍﻟﺘﺎﺳﻊ /ﺷﻌﺒﺎﻥ ١٤٢٩ﻫـ /ﺁﺏ -ﺃﻏﺴﻄﺲ ٢٠٠٨ﻡ
اجلن��راالت ذل��ك ،ليس هن��اك قاعدة مطلق��ة ال تبيح االستثناءات . وخالصة ذلك : سوف حتارب اجليوش كل اجليوش التغيير بكل ما لديها من قوة إلى درجة قبولها الفشل . ليس هناك قانون مطلق في السياسة أو احلرب أو حتى احلياة . ال تخش التغيير أبدا ً ،إنه ش��يء حتمي ميكنه أن يبدل األشياء لألفضل . إذا ل��م نقب��ل التغيير ونش��جعه فس��وف ينتهي بنا املطاف إلى الفشل . كن مس��تعدا للتطور ،واحلياة ليس��ت ثابتة ،وأولئك الذين ال يس��تطيعون تغيير عقوله��م وبالتالي أفعالهم هم سكان املقابر املوتى واجملانني . عليك مبراعاة مسألة التوقيت بالنسبة ألي قرار يهدف لعملية تغيير واسعة ألنه : القرار غير املناسب في الوقت غير املناسب = الكارثة القرار غير املناسب في الوقت املناسب = اخلطأ القرار املناسب في الوقت غير املناسب = العزوف القرار املناسب في الوقت املناسب = النجاح
إذا أبدينا غري ما نكون مقتنعني به إرضاءاً للناس ، فكيف ندافع عن أعمالنا بعد ذلك ؟ دعنا نطرح قاعدة ميكن أن تعمل احلكمة واألمانة بها معا . جورج واشنطن
إن الش��خصية املتميزة تكس��ب القائد ثقة بنفس��ه وبها يفرض سلطته على رجاله ،وهاتان املقدرتان " الثقة والسلطة ميثالن اجلانب املعنوي من الرباعة العسكرية. جنرال جي إف فالير
عندم��ا جتتم��ع حكمة ال��رأي مع روعة الش��خصية يولد القائد العظيم . جنرال هنري جوماني
إن الش��خصية هي حجر األس��اس الذي يستند إليه صرح القي��ادة كله ،وهي العنصر األس��اس الذي تهتدي به املؤسسة العس��كرية يف تقييم أعضائها ،وبها ميكن للفرد أن يزي��د ق��دره ،وبدونه��ا – خاصة يف اجملال العس��كري – حت��دث كوارث احلروب ،أو يف أفضل األحوال تكون النتائج متوسطة . جنرال ماثيو ريدجواى
م��ن املهم أن ن��درك ما ال��ذي يعنيه اجلن��راالت عندما يتحدثون ع��ن الش��خصية ،إنهم يتحدثون ع��ن التفوق املعنوي ،عن مس��توى مرتفع من الس��لوك القومي ال ميكن جتاهله . يقول جومينى الذي ألف واحدا ً من كالسيكيات الكتب عن احلرب : إن الرأي ( القدرة ) يرتبط بالشخصية القومية التي تعد من املقومات الضرورية الت��ي تصنع القائد املتميز بصرف النظر عن مس��تواه على سلم الرتب العسكرية ،ويسري هذا ال��كالم ويكون صحيحا ً بالنس��بة لقادة السياس��ة والدي��ن املتميزي��ن أيضا ً ،ويش��ير أح��د اجلن��راالت إلى أن ش��خصية القائد الكرزمية هي عنصر حاس��م بالنسبة ملستقبل األمم ،فال شك أنه بدون الشخصية سوف نفشل ف��ي جعل اآلخرين يؤمنون بنا وبنظامنا وقراراتنا ونضالنا ، فالشخصية هي حجر األساس في القيادة داخليا ً وخارجيا ،وبدونها ال قيمة ألي جيش أو مؤسسة عسكرية ،أو على أفضل تقدير تظل في مكانها بدون تقدم أو متيز ،مما يعني أنها تتراجع مع تقدم الزمن وتطور من حولها . إذن ،فإن الش��خصية أو ما تعنيه بالتميز املعنوي ،هي ش��يء مهم جدا ً ،وإن ما نقوم به محدد بش��خصيتنا ،إن ش��خصيتنا تتحدد مب��ا نفكر به ،وما نفك��ر به محدد مبا نتعلمه وجنربه ،وإن ما جنربه محدد مبا نتعرض له ومبا نقوم وينميها . به جتاهه ،وكل ذلك يبني شخصيتنا ّ وخالصة القول عن الشخصية : الش��خصية هي أن يكون لدينا الشجاعة في التعبير عم��ا نؤمن به ،وأن نفعل ونقول ما هو صواب وليس ما هو خطأ . ال بد وأن ن��درب جنودنا على أن يكونوا قادة ،فمن يدري ماذا يحمل الغد ؟ ال بد وأن يكون لدينا غابة من القيادات ،وعندما حتدث ثغ��رة في موق��ع قيادي وال جن��د بديالً مناس��با ً لها عندها ستكون الهزمية حليفتنا . عندم��ا جتتمع الش��خصية مع املق��درة يول��د القائد العظي��م ف��ي أي مج��ال أو تخص��ص ،فلنبح��ث عنهم وننميهم . تكس��بنا الش��خصية ثق��ة بأنفس��نا وتأثي��را ً عل��ى اآلخرين. الش��خصية ه��ي حجر األس��اس في القي��ادة وعنصر حاسم في مستقبل املؤسسات العسكرية والسياسية واملدنية .
19
ﺍﻟﻌﺪﺩ ﺍﻟﺘﺎﺳﻊ /ﺷﻌﺒﺎﻥ ١٤٢٩ﻫـ /ﺁﺏ -ﺃﻏﺴﻄﺲ ٢٠٠٨ﻡ
إن محطة الربانية محط��ة مباركة ومهمة في طريق اجملاهد في هذه احلياة وهو يسير إلى اهلل .. هذه احملطة التي إذا وضع اجملاهد رحاله فيها تنسم نسائم اإلميان وتزود التقوى وأصبح اجملاهد ذلك اإلنسان الصالح واملؤمن التقي واملسلم الورع والرجل اخمللص . إن الرباني��ة للمجاه��د ه��ي الطاق��ة املولدة حملاس��بة النف��س ،وهي مصدر فتوحات اهلل عل��ى عباده اجملاهدين، وإذا خ�لا اجملاهد م��ن هذه الربانية خل��ت حياته من كل أثر وعطاء وحرك��ة ،وتخبط في دياجير النف��اق والرياء والتي بس��ببها يس��حب على وجهه في النار ،وكذلك تعثر في أوحال الغرور واألنانية والكبرياء وسعى جهده في أن يقاتل ليقال جريء ،وال يقاتل ألجل إعالء كلمة اهلل ،بل واألدهى يذه��ب بعمله وأدائه ليبني أمجادا ً لنفس��ه ال لإلس�لام ، ولدنياه ال آلخرته . ف��اذا كان��ت الربانية به��ذه االهمية فما هو الس��بيل للوص��ول إليها ؟ وما هي الس��بيل التي تغذيها وتقويها ؟ وما أثرها في إصالح وتغيير حال األمة ؟ إن الس��بيل للوصول إلى ربانية اجملاهد يبينه كتاب ربنا في معرض توضيح املنهج العملي في إعداد اإلنس��ان روحي��ا ً وتكوين��ه إميانيا ً وتربيته نفس��يا ً ،إذ يقول اهلل : {ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ} األنف��ال ،29 :ويقول تعالى { :ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ } الط�لاق ، 2 -3 :فبع��د التأم��ل ف��ي هذه اآلي��ات جند أن تق��وى اهلل هي أس��اس األنوار والفتوح��ات والعطاء وبها مييز املؤمن ب�ين احلق والباطل ، وبها يس��ير اجملاهد ،إذ أنها نور وس��ط ظلمات الفنت واحملن التي يبتلى بها اجملاهد . يقول س��يد قطب -رحمه اهلل -في تفس��ير الظالل 3 ( : 1499/إن تقوى اهلل جتعل في القلب فرقانا ً يكشف له متعرجات الطري��ق ،ولكن هذه احلقيقة -حقيقة التقوى
20
ه��ي ككل حقائق العقيدة ال يعرفها إال من ذاقها فعالً..إن الوص��ف ال ينقل مذاق هذه احلقيقة ملن لم يذقها ..وإن احلق في ذاته ال يخفى على الفطرة ،ولكنه الهوى هو الذي يح��ول بني احل��ق والفطرة ،الهوى هو الذي ينش��ر الغبش ويحج��ب الرؤية ويعمي املس��الك ويخفي الدروب ..الهوى ال تدفع��ه احلجة إمنا تدفعه التق��وى ..تدفعه مخافة اهلل ومراقبته في الس��تر والعلن ..ومن ثم ه��ذا الفرقان الذي ينير البصيرة ويرفع اللبس ويكشف الطريق ) . ف��إذا كان للتق��وى ه��ذه األهمي��ة البالغ��ة ..فما هي حقيقتها ؟ إنه��ا كما يقول العلماء ( أن ال ي��راك اهلل حيث نهاك ، وأن ال يفتقدك حيث أمرك ) أو هي ( اتقاء عذاب اهلل بعمل صالح واخلش��ية منه في السر والعلن ) ..وأن يخلو املؤمن بنفس��ه بين��ه وبني ربه يق��ول لها :إنك ي��ا نفس أعطيت العهد هلل في الوقفات اليومية التي تقفني فيها بني يديه { ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ } ..وكذلك أن يراقب املؤمن نفس��ه قبل الب��دء بالعمل وف��ي أثنائه ،ه��ل كان حتركه للعمل والطاعة مبرضاة اهلل وابتغاء ثوابه أم غير ذلك ؟ قال احلس��ن البصري رحمه اهلل ( :رحم اهلل عبدا ً وقف عن��د نفس��ه وهمه ،ف��إن كان هلل َفعل��ه ،وإن كان لغيره تأخر) . وكذلك أن يحاسب املؤمن نفسه بعد العمل ،وحقيقة احملاس��بة ه��ي أن ينظ��ر املؤمن ف��ي رأس املال وف��ي الربح واخلسارة ليتبني له الزيادة من النقصان على عادة التجار ، فرأس املال هو هذا الدين وما اش��تمل عليه من أوامر ونوا ٍه وتكالي��ف وأح��كام ،وأما الربح فهو فع��ل الطاعات وترك املنهي��ات ،وأما اخلس��ارة فهي ارتكاب الذن��وب واملعاصي واآلثام ..وإذا ما حاسب اجملاهد الرباني نفسه على الصغيرة والكبي��رة وعقد العزم على أن تكون له س��اعة آخر النهار يخل��و فيها مع رب��ه لينظر ماذا قدم الي��وم املعاد فإنه بال شك يسير في طريق الربانية ويصل في نهاية املطاف إلى
ﺍﻟﻌﺪﺩ ﺍﻟﺘﺎﺳﻊ /ﺷﻌﺒﺎﻥ ١٤٢٩ﻫـ /ﺁﺏ -ﺃﻏﺴﻄﺲ ٢٠٠٨ﻡ
منازل املتقني األبرار . وأما السبيل للوصول إلى هذه الربانية وتقويتها فهي جانبان :جانب قلبي وجانب س��لوكي عملي في اجلوارح.. ففي اجلانب القلبي الشعوري فيمكن تنميته وتغذيته من خ�لال دوام املراقبة هلل ،ويس��تحضر امل��وت دائما ً وما بعد امل��وت ،ويس��تعرض اآلخرة وأحوالها ،أي يك��ون من الذين يحملون هم اآلخرة فيستعرضون أحوالهم من املوت حتى البعث ثم الوقوف على س��احة احلش��ر ودنو الشمس من رؤوس اخلالئق وتطاير الصحف والوقوف بني يدي اهلل ووضع امليزان والصراط واملصير اجملهول إلى اجلنة أم إلى النار. وأم��ا ما يرتبط ف��ي اجلان��ب العملي فيمك��ن تنميته وتغذيت��ه بت�لاوة وتتدبر آي��ات القرآن الكرمي ف��ي كل يوم ، وكذل��ك مصاحب��ة النبي في س��يرته العط��رة لكونه األسوة والقدوة الصالح ،وكذلك مصاحبة األخيار وأصحاب القلوب وأهل املعرفة باهلل تعالى ،وكذلك مداومة اجملاهد ذكر اهلل ف��ي كل األوقات واألحوال ..وكذلك بكاؤه في خلوة من خشية اهلل واحلرص على التزود من عبادة النافلة ( صيام وصالة وصدقة وغيرها ) على الدوام . إن اجملاهد ح�ين يكون بهذه األح��وال وهاتيك اجملاهدات فإذا قال أس��مع ،وإذا ضرب أوج��ع ،وأينما وقع نفع ،ورأيت اإلمي��ان يبرق م��ن عينيه ،واإلخالص يش��رق من تقاس��يم وجهه ،والصدق بني من جنان صوته وخشوع هيئته وإشارة يده ،تراه ش��خصا ً قد أعد عدته ،وأخذ أهبته ،وملك عليه الفك��ر فيما هو فيه نواحي نفس��ه وجوان��ب قلبه ،فهو دائم التفكير ،عظيم االهتمام ،على قدم االستعداد أبداً، إن دع��ي أجاب أو نودي لبى ،غ��دوه ورواحه وحديثه وكالمه وج��ده ولعب��ه ال يتعدى املي��دان الذي أعد نفس��ه له ،وال يتناول سوى املهمة التي وقف عليها حياته وإرادته يجاهد في سبيلها ،تقرأ في قسمات وجهه وترى في بريق عينه، وتسمع من فلتات لسانه ما يدلك على ما يضرم في قلبه من جوى وألم وما تفيض به نفسه من عزمية صادقة وهمة عالي��ة وغاية بعيدة ،أما الذي ينام ملء جفنه ويأكل ملء ماضغيه ويضحك ملء ش��دقيه ويقضي وقته الهيا ً العبا ً عابث��ا ً ماجن��ا ً ،هيهات أن يكون م��ن الفائزين أو يكتب في عداد اجملاهدين . وح�ين يتحلى اجملاهد باالخالص والص��دق وحرارة اإلميان وقوة الس��اعد فإنه ينطلق ف��ي ميادين الدع��وة والتبليغ واجلهاد حتى يرى أمة االس�لام قد ثابت إلى رشدها وجنود الباط��ل قد هزموا وولوا األدب��ار ،وراية احلق قد خفقت فوق الرايات جميعا ً ..فعندئذ يفرح لنصر اهلل وتأييده إياه .
21
ﺍﻟﻌﺪﺩ ﺍﻟﺘﺎﺳﻊ /ﺷﻌﺒﺎﻥ ١٤٢٩ﻫـ /ﺁﺏ -ﺃﻏﺴﻄﺲ ٢٠٠٨ﻡ
نحن فرع من أصل ثابت ..استقام ظلنا باستقامة عوده {ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ} األعراف .58 : نحن أتباع أولي العزم من األنبياء الذين جاهدوا ونافحوا من أجل أن تكون كلمة اهلل هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى ،ونحن أتباع محمد وصحبه األخيار الذين ما وجدت الدنيا جيالً كجيلهم وهمما ً كهممهم ،فراح التاريخ يسطر بطوالتهم وجوالت اجملاهدين فيهم على أحرف انطلق منها نورٌ يضيئ ملن بعدهم الطريق إلى ٍ اهلل. وقبل كل شيء { ..ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ}آل عمران19: وفي مستدرك احلاكم قول النبي محمد ( : كان بني نوح وأدم عشرة قرون كلهم على شريعة من احلق ) ،وكذلك قول النبي ( :إن مثلي ومثل األنبياء كمثل رجل بنى بيتا ً فأحسنه وأجمله إال موضع لبنة ،فجعل الناس يطوفون بالبيت ويقولون :ما أحسنه وما أجمله لوال موضع هذه اللبنة ،فانا موضع اللبنة وأنا خامت األنبياء ) فكله دين واحد وكله بناء واحد . وأمة اإلسالم أمة لم ولن متوت ،يقول املصطفى : (إن اهلل زوى لي االرض فرأيت مشارقها ومغاربها ،وإن ملك أمتي سيصل ما زوي لي منها) ..يقول تعالى { ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ } الروم ، 47 :ويقول { : ﭥ ﭦ ﭧﭨﭩﭪﭫﭬ ﭭﭮﭯ ﭰ } غافر ، 51 :وغيرها من النصوص التي بينت أن هذه األمة -أمة اإلسالم -أمة منصورة وغالبة ولو كره اجملرمون... فلِ َم اليأس واجلزع يا أمتي ؟!
وماذا فعلت لدين اهلل ؟!
أنبياء اهلل دعوا أقوامهم لعبادة اهلل وصبروا على
22
أذى الناس وحتملوا الكثير ،فهذا نبي اهلل نوح ظل يدعو قومه 950سنة فكم من الناس آمن به ؟ { ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ } هود ، 40 :وقيل بأن الذين اتبعوه ثمانون فردا ً ،أي أن فردا ً يؤمن بدعوته في كل 12سنة ،فمن يتحمل هذه خاصة إذا ما قرانا آيات القران التي تقصص علينا همة سيدنا نوح طوال هذه الفترة الزمنية { ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ} { ..ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ } نوح ..9-8: عمل متواصل طوال الليل والنهار وجهاد دؤوب ،ثم إنه يواجه بشتى أنواع األذى ،فيتهم مرة بالضالل{ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ } ،ويتهم تارة باجلنون {ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ } ،واتهم بالتخبط كاملمسوس من اجلن {ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ} ،ويهدده قومه بالقتل رجما ً {ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ } الشعراء ،116 : ويسخرون منه{ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ}هود ،38 : وكذلك {ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ } نوح ، 7 :فتحمل سيدنا نوح غال رغم أن الطريقة محفوفة باخملاطر هذا كله ألن دين اهلل ٍ واألشواك . خذ همة أخرى من همم األنبياء أولي العزم ،فهذا نبي اهلل إبراهيم يدعو قومه إلى عبادة الواحد األحد، يلقونه في النار فيتحمل ويصبر وينتصر ألنه يجاهد ويواصل جهاده ليكون الدين كله هلل ... وهذا نبينا محمد يسير إلى الطائف 100 ..كم على قدميه ،فوقف أهل الطائف صفني واستقبلوه باحلجارة ، وعمره آنذاك خمسون سنة ،يجري واحلجارة تأتيه من
ﺍﻟﻌﺪﺩ ﺍﻟﺘﺎﺳﻊ /ﺷﻌﺒﺎﻥ ١٤٢٩ﻫـ /ﺁﺏ -ﺃﻏﺴﻄﺲ ٢٠٠٨ﻡ
كل مكان حتى احتضن سيدنا زيد بن حارثة النبي ليحميه من احلجارة ،فأغرقت احلجارة رأس زيد وقدم النبي .. ودعا النبي ربه قائالً ( :اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس ) . تخيل حجم املعاناة وكم حجم الثبات من أجل الدين ، وتخيل لو كان رجال آخر بهذه السن هل يتحمل ما حتمله النبي ؟! وهناك اليوم من املسلمني من ال يستطيع رباط ساعة في سبيل اهلل أو القيام لصالة الفجر أو صبر ساعة في طلب العلم أو تدبر آليات القران !! سنسال عن األمانة التي في أعناقنا ..أمانة هذا الدين ..سنسال عنها يوم القيامة ..فماذا سنقول هلل؟ ومباذا نخبر رسول اهلل ؟! كم من الدماء أريقت ومن النفوس أزهقت ومن احلرمات انتهكت ومن األطفال يتمت ومن النساء ترملت ليصل إلينا هذا الدين ؟! فلماذا أصبح املسلمون هكذا ؟ ملاذا هان عليهم ديننا ؟ هل علمتم ما جرى لسيدنا أبي بكر الصديق ، قال سيدنا علي بن أبي طالب : ، بينما كان النبي مرة في وسط قريش فالتف حول ُه عشرة ،هذا يضربه وهذا يجذبه واختلفت أيديهم عليه ،فلم يستطع أحد من أن يتدخل فوقفنا ننظر ،فكان أشجعنا أبو بكر فدخل بينهم يدفعهم ويقول لهم :أتقتلون رجالً أن يقول ربي اهلل ،فتركوا النبي وأخذوا أبا بكر ،فدفعه عقبة بن أبي معيط فسقط أبو بكر على ظهره ووقف عقبه على بطن أبي بكر وخلع حذاءه وظل يضرب أبا بكر على وجهه فانتفخ ،فلم نعرف له وجها ً من أنف ،فحملوه إلى بيته ال يشكون أنه سيموت ،وعندما أفاق قال : ماذا فعل رسول اهلل ؟ فقالوا :هو بخير ،فقال :ال أتذوق حتى أنظر إليه بعيني . وهذا خباب بن األرت يأخذه املشركون فيوقدون فحماًُ ويطرحونه على خباب ،فيقول خباب :فما يطفئ الفحم إال شحم ظهري . هذا وغيره الكثير جرى على أنبياء اهلل وأصحابهم، يتحملون األذى من أجل اإلسالم ولتبقى األرض عامرة بحب اهلل وبحب دينه ،وهكذا كما وعد اهلل ...لقد حتملوا كل هذا لنكون أنا وأنت ومن قبلنا ومن بعدنا مسلمني إلى قيام الساعة .
اإلسالم َ ..مهر امرأة
هل تعرف أخي اجملاهد أسبابا ً أخرى وراء هذا الصبر الكبير غير اإلسالم ؟
إن اإلسالم كان يجري في عروق األنبياء وأتباعهم مجرى الدم ،وكان شعار الصحابة في اُحد ( دينك دينك.. حلمك ودمك ) ،فيا شباب اإلسالم ..لو أجريتم حتليالً لعينة من دمائكم ..فيا ترى :هل ستجدون اإلسالم حتت اجملهر ؟ هذه أم سليم رضي اهلل عنها مات زوجها فتقدم لها أبو طلحة ولم يزل مشركا ً فرفضت وقالت :إن رسول اهلل حرم علينا أن نتزوج إال مبسلم ،قال لها :ولكني أرغب فيك ..قالت :وأنا ال أتزوجك من غير إسالم ،فذهب وعاد إليها يطلبها ،فقالت له :يا أبا طلحة ،أليس صنمك الذي تسجد له ينحته فالن النحات ؟ قال :نعم، قالت :أليس إذا اشتعلت فيه النار احترق ،قال :نعم، قالت :عيب عليك وهذا عقلك أن تعبد هذا ،فقال : أشهد أن ال إله اال اهلل وأن محمدا ً رسول اهلل ،فقالت : فهذا مهري ،مهري إسالمك ..فكانت أعظم امرأة مهرا ً في التاريخ . قلوب حترتق على اإلسالم في إحدى املعارك بني املسلمني والفرس ..ظهر فيها املسلمون على عدوهم بقيادة املثنى بن حارث ،إال أن الفرس استطاعوا أن يتوغلوا في ميمنة املسلمني لوجود قبيلة بني بكر وكانت متخاذلة ،بدا اجليش املسلم ينتصر ولكن بقيت امليمنة ضعيفة فكتب املثنى بن حارثة ورقة صغيرة لبني بكر بها ثالث كلمات فقط : (من املثنى إلى بني بكر ..ال تفضحوا املسلمني) ،فانتصر اجليش انتصارا ً تاما ً وسبب متام النصر هم بنو بكر .. انقلبوا أسودا ً بسبب كلمة ( ال تفضحوا املسلمني) . فاسأل نفسك أي اُخي :كم نصيب دينك من وقتك؟ إن من يقتل وقته إمنا يقتل نفسه ،واحلياة باإلسالم حياة مضاعفة األجر والبركة ،واعلم بأن ساعات عمرك هي خزائنك فامألها باخلير ،الواحد منا يعيش يومه 24 ساعة ،ينام منها 8ساعات ،ويقضي حاجاته في 8 ساعات أخرى ،فثلث عمرك نائم ،وثلث عمرك تقضي به حاجاتك ،وتبقى لك ثلث ،فحرام عليك أن تضيعه ، واتق اهلل في هذه األنفاس إذا ما ذهبت فهي رأس مالك الذي ال يعود إليك أبدا ً ..ونحن فرع طاب أصله ..فر ٌع سما في سماء اهلل ألنه من أصل ثابت تكفل اهلل َ برعايته وحمايته ..فال خوف وال باس .
23
ﺍﻟﻌﺪﺩ ﺍﻟﺘﺎﺳﻊ /ﺷﻌﺒﺎﻥ ١٤٢٩ﻫـ /ﺁﺏ -ﺃﻏﺴﻄﺲ ٢٠٠٨ﻡ
في ظل الظروف الصعبة الراهنة تلتبس كثير من املسائل على الناس سيما األمور الشرعية والعقائدية منها ،خاصة بغياب شريحة واسعة من العلماء والدعاة ( بسبب التقتيل والتهجير ) ،الدعاة الذين ينيرون الدرب لكل من سلكه وملن أراد أن يسلكه ،في ظل هذه الظروف تشكل على شريحة واسعة من الناس األمور العقائدية بسبب جهلهم بها ،وتشكل على آخرين لظنهم أنها من صلب دينهم غير عاملني بأنها عقائد مستوردة دخيلة على دينهم ،لهذا فإن البعض يعتقد ما ال يعلم ماهيته وحقيقته ،والبعض يعتقد ما يظن أنه من عقيدته ،لذلك نرى أبناء املسلمني اليوم يعتقدون مبسائل تغضب اهلل تعالى ،بل ويتلفظون بالفاظ لو مزجت مباء البحر ملزجته كدرة وظلمة " إن أحدكم ليتكلم بالكلمة ال يلقي لها باال ً تهوي به في جهنم سبعني خريفا ً " . ومن األمور التي تشكل على بعض الناس في ظل غياب العلماء والدعاة ووقوع البلوى ...هي قضية احلذر ،فالناس فيه بني اإلفراط والتفريط ،فنرى بعضهم يتلكئ بأداء عمله اجلهادي ونصرة دينه ،ورمبا يترك ما افترضه اهلل تعالى عليه بحجة احلذر، وقد يفرط آخر أكثر فيترك العمل اجلهادي نهائيا ً بحجة احلذر أيضا ً من باب جلب املصلحة ودرء املفسدة مبا يترتب على فعله "العمليات اجلهادية " ،ونرى باملقابل التفريط بذلك كمن ال يبالي سواء أدى عمله "اجلهادي" اليسير إلى هالك نفسه أم ال!! من هنا كان لزاما ً علينا أن نبني هذه املسالة ،احلذر ،ملا له متاس مباشر مع الواقع الذي نعيشه اليوم ،فإرادة اهلل تعالى نافذة ال محالة سواء كانت إرادة كونية أم إرادية ،فالكونية كتبها اهلل تعالى منذ األزل ،وهي واقعة ال محالة ،حيث ال تغيير فيها وال نسخ وال تبديل ،واإلرادية كذلك إال ما شاء اهلل تعالى ،فيمكن أن يدفعها أو مينعها مانع شرعي " كالعمل الصالح ،والدعاء ، ".... ،لذلك فإن األمر -خيره وشره -إذا ما وقع فإمنا يقع بقدر اهلل تعالى { ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ } النساء .78 : علينا أن نعلم أن احلذر من قدر اهلل -سواء كان بال ًء أو غيره -ال يجدي نفعا ً ،حيث ال مينع قدر اهلل إال قدر اهلل ،فإذا ما جنوت
24
فإمنا تنجو بقدر اهلل ال بحذرك ( واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطاك ،وما أخطاك لم يكن ليصيبك ) . واحلذر نوعان :احلذر احملمود ،واحلذر املذموم : احلذر احملمود وهو الذي أمر اهلل تعالى ورسوله به عند وقته وتوفر شروطه بقوله تعالى { :ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ} النساء ، 71 :وقد فعله النبي في حياته كثيرا ً ،وخير ما يجسد ذلك قوله ألبي بكر وقت الهجرة ( :أخرج من عندك) ،بل جعله من صفات املؤمنني كيس َفطن ) . بقوله ( املؤم ُن ٌ هذا النوع من احلذر ال بد للمسلم منه خصوصا ً في زمن البالء والفنت واحملن والهرج ،ولو استقرئنا قصص األنبياء عليهم السالم في كتاب اهلل وواقع النبي وصحابته في سيرتهم العطرة جند حذرهم من الوقوع في الزلل وحذرهم من مكر األعداء بهم واضحا ً جليا ً . فهذا واقع سيدنا موسى مع فرعون حيث ذكر القرآن قول فرعون {:ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ } ،فما كان من سيدنا موسى إال أن يثق مبعية اهلل تعالى . وهذا حال سيدنا لوط حينما قال قومه { :ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ} ما كان منه إال أن استجاب ألمر اهلل {:ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ} احلجر . 65 :وقصص القرآن في احلذر كثير . وهذا النبي في حادثة الهجرة يضرب لنا املثل األعلى في استخدامه للحذر من االبتالء واملكائد ،كخروجه وقت الظهيرة ،وسلوكه االجتاه الغير معهود ...كما هو معلوم ،وفي قول سيدنا عمر ( : لست باخلب وال اخلب يخدعني ) داللة واضحة على استعمالهم احلذر في مكانه احملمود ،ونحن علينا كذلك ألن ديدن أهل الباطل احلرص على إبادة هذا الدين وأهله وحال ،فهذا القران الكرمي يقص حالهم ومكان زمان في كل ٍ ٍ ٍ على األزل{:ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ}، {ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ }،
ﺍﻟﻌﺪﺩ ﺍﻟﺘﺎﺳﻊ /ﺷﻌﺒﺎﻥ ١٤٢٩ﻫـ /ﺁﺏ -ﺃﻏﺴﻄﺲ ٢٠٠٨ﻡ
{ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ} { ،ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ } .
احلذر املذموم
وهو ما يكون زائدا ً عن حده بحيث يكون مدعا ًة لترك العمل ،والناس فيه بني اإلفراط والتفريط كما أشرنا سابقا ً ، وفي قوله تعالى { :ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ} داللة مخالفة على إن احلذر الذي يكون مدعاة لترك العمل غير مأمور به فهو مذموم . إذا ً فاحلذر كلمة ال بد احلذر منها ،ففي ظل الهفوت واألخطاء الشائعة وغياب كلمة احلق وشيوع األخالق الزائفة من الغدر واخليانة واخلباثة واخلسة والتجسس والنميمة واملراء والذنوب واملعاصي ،فال بد لنا من احلذر ،وعلينا أن نحذر من مكر اهلل وامهاله . وإذا ما تركت العمل في ظل هذه االوضاع األمنية املتشددة من باب احلذر فترقد وال حترك ساكنا ً ليتوفاك اهلل تعالى بعيدا ً عن امليدان وقد كنت يوما ً من األيام فارس فيه ال تترجل ، وأذكرك بقوله تعالى { :ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ} ،فكما أن اهلل تعالى رحيم بعباده رؤوف بهم فإن من أسماءه وصفاته أنه املنتقم ، وأذكرك بقوله تعالى { :ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀﰁ ﰂﰃ ﰄﰅﰆﰇﰈ ﰉﰊﰋ ﰌ} { ،ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ}( ،إن اهلل ليملي للظالم ،حتى إذا أخذه لم يفلته) ..فاحذر أخي احلبيب إمهال اهلل تعالى لك ،وال تغتر بالتحسن األمني املزعوم ،فما نراه اليوم خير دليل على أنه الهدوء الذي يسبق العاصفة .
احلذر من النفس ..
عليك أخي اجملاهد أن حتذر من نفسك التي بني جنبيك: {ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ} ،ومن املعلوم أن طريق اجلنة شائك صعب ُ ( :حفت اجلنة باملكاره ) والنفس اإلنسانية مجبولة على الدعة والراحة ،فاحذر أن حتاكيك التي بني جنبيك بوسواس السوء حتى تكرهك على ترك البذل والعطاء واجلهاد في سبيل اهلل بحجة احلذر ،خاصة وأن الظروف احلالية مواتية لذلك .. فاحذر سرعة االستجابة لها ،وعليك بإمساك زمام األمور ، فإن ذلك أول الطريق لترك اجلهاد في سبيل اهلل ،ثم ال تزال بك حتى اذا ما ضعفت واستجبت لها جرتك إلى رغباتها وشهواتها ،وال ترضى عنك إال أن يكون مصيرك النار والعياذ باهلل ( ..وحفت النار بالشهوات ) { ..ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥﯦ ﯧﯨ ﯩ } .
وأذكرك بأن الواقع احلالي ظاهره فيه الرحمة وباطنه من قبله العذاب ،فيظن كثي ٌر من الناس بأن الوضع األمني قد حتسن ،وما زالت نفسه توسوس له حتى تالشى عنده حس اجلهاد ،فاحذر ،فإنه باب من أبواب الشيطان ،حتى كدنا نرى في اآلونة األخيرة من ال يستطيع أن يتطرق إلى سمعه كلمة " اجلهاد " واأللفاظ ذات الصلة { :ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ } ،وعلينا احلذر حتى من أهلنا وأموالنا وأوالدنا {ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ } ..فرمبا يحيل األهل واملال والولد بينك وبني طاعة اهلل تعالى ومن بينها اجلهاد في سبيل اهلل {ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄﮅﮆﮇﮈ ﮉ ﮊﮋﮌﮍﮎﮏ ﮐﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ } .. فاحلذر احلذر من هذه الفنت ،فمن وقع فيهن أهلكنه ،فال جتري ورائهن .. وأذكرك أخي اجملاهد احلبيب بقصة مالك األشجعي ، فكلما أراد اجلهاد في سبيل اهلل قام إليه زوجه وولده فيقولون له ( :إلى من تتركنا ؟ وكيف لو قتلت ؟ ماذا نفعل باحلياة من بعدك؟) ..فيرق قلبه لهم ويجلس وال يجاهد ،فنزل فيه قول اهلل تعالى{ :ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ } .. واعلم بأنك مفارق هذه الدنيا ال محال ألنها من سنن اهلل الكونية ( ُ نفس ذائق ُة املوت ) ،واعلم أن ورائك يوم ال ينفع كل ٍ فيه أهل وال مال وال بنون .
احلذر من رفقاء السوء
واحذر أخي الفاضل كل احلذر ممن ترافق ،فال يزال رفيق السوء بك حتى يعينك على التقاعس والقعود عن عملك السامي ( :مثل اجلليس الصالح واجلليس السوء كحامل املسك ونافخ الكير { ، ) ...ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ} ،فاحرص أخي املبارك على صحبة أولي العزائم ،فالصاحب ساحب كما يقال . إن في شرعنا الوسائل الكفيلة كي ال تقع باحملذور ، فاستخدام املعاريض والتخفي واالستتار والكذب اجلائز وتغيير الهيئة والتشبه املسموح به والتفرق وحدانا ً دون التجمع من األمور التي تعينك على املقصود ،وفي شرعنا ما يدل عليها داللة واضحة من حيث اجلواز ،واحلرب خدعة. فاربأ أخي احلبيب بنفسك عن تلك املفاهيم اخلاطئة ،فال يغني حذر من قدر : {ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ } .
25
ﺍﻟﻌﺪﺩ ﺍﻟﺘﺎﺳﻊ /ﺷﻌﺒﺎﻥ ١٤٢٩ﻫـ /ﺁﺏ -ﺃﻏﺴﻄﺲ ٢٠٠٨ﻡ
مهما اختلفت موازين القتال ،وتباينت مستويات القوى ،يبقى هناك حقائق وموجبات ظفر ال تتبدل أو تتحول ،وهي أن فريق القتال مهما كان قويا ً في عدته وعدده ،فإنه يؤتى من ضعف معنويات أفراده ،ومهما يكن الفريق قليالً في العدد والعدة ،لكن عظم صبره واميانه كفيالن بالغلبة وليكونا من أسباب النصر والظفر . أما اجلراح ،فكال الفريقني تصيبه ،لكنها تخذل ضعيف اإلميان ،وتعزز ضعيف العدد ..وأما القتل ،فال مناص أن يصيبهما وإن تباينت نسبة اإلعداد ،لكنها لصاحب اإلميان شرف وقوة ،ولصاحب الباطل وهن وضعف . واليوم -وما أشبه اليوم بالبارحة -يتعامل حاملو راية اجلهاد من مقاتلني وموجهني مع املواجهة بروح قوية ،ال تنثني إذا الريح أثنت غيرهم ،ألمنا هم من يثبت الناس بهم ،وحتفظ بيضة الدين بثباتهم وإقدامهم . وإذا ق ّلت األعداد ،وتعبت السواعد ،فإن اإلميان في نفوس اجملاهدين كفيل أن يعيد احلياة إلى األبدان ،والدماء إلى العروق ،فالبطل الذي حتتمي به األمة ،كل األمة ، رجالها ونساؤها وأطفالها وزرعها وكرامتها ،هذا البطل عليه أن ال ينسى حلظة أنه سبب من أسباب اهلل في كرامة هذه األمة وعزها ونصرها ورفع احليف عنها . واليوم -أيها اجملاهد البطل -رايتك واضحة ،وعزميتك ظاهرة ،وصبرك مجرب ،وصدقك في اللقاء شهدناه ، عليك اليوم أن تري الناس منك صبرا ً جميالً ،ألن النصر
26
ألصبر الفريقني وأكرم اجلندين ..وإن تثبت ثباتا ً يستقي منه الفتيان ،ويتأسى به الشباب ،ويطمئن اليه الكبار ، حتى يروا فيك األسوة املباركة التي ينتفع بها كل مسلم .. فتقوى عزائمهم ،وتفتح لهم أبواب الكرامة والشجاعة ، فتهون عليهم لذات الدنيا وشهواتها من أجل لذات اآلخرة األزلية ،فيصيغوا لإلسالم لوح ًة من األمجاد جديدة ، ويضيفوا إلى سفر األبطال البطوالت والكرامات ،ويتغنى بفعالهم أشبال املسلمني ،ويصيغوا من مواقفهم حلنا ً وشعرا ً وتاريخا ً . وهذا الصبر والثبات هو مهر الظفر ،فال مناص من دفعه ،وأحلى الدفع ما كان نقدا ً ،وقد يحلو إن كان فقداً.. في معركة ذات السالسل ،بلغ هرمز أن جيش خالد قد تواعدوا احلفير -ماء لبني باهلة على أربعة أميال من البصرة ،فمال إليها ليبادر خالدا ً فيها ،ونزل بها وعبأ قواته وجعل على ميمنته عباد وعلى ميسرته أنوشجان، وهما أخوان ينتسبان إلى آل ساسان البيت املالك في الدولة ،واختلفوا حول ربط اجلند في السالسل ،فقال من لم يرَ هذا الرأي ملن أخذ به " :قيدمت أنفسكم لعدوكم، فال تفعلوا فإن هذا طائر سوء " ،فأجابوهم " :أما أنتم فيحدثوننا إنكم تريدون العرب " ،فعلم خالد وهو في الطريق بنزول هرمز باحلفير ،وعلم أنهم على تعبئة مقترنون في السالسل ،ولعل خالدا ً أراد أن يرهقهم ،أو
ﺍﻟﻌﺪﺩ ﺍﻟﺘﺎﺳﻊ /ﺷﻌﺒﺎﻥ ١٤٢٩ﻫـ /ﺁﺏ -ﺃﻏﺴﻄﺲ ٢٠٠٨ﻡ
إنه لم يشأ أن ينزل بعد مسيره الطويل على قوم قد تع ّبوا له وصفوا صفوفهم ،فعدل طريقه إلى كاظمة " مكان ماء " وبلغ هرمز ذلك فبادر إلى كاظمة وسبق خالدا ً إليها فنزلها وقد استبد به الغيض وأعاد تعبئة جنده واقترنوا مرة أخرى في السالسل وقد استحوذوا على املاء فهو في أيديهم ،ومعهم فيل من أفيال القتال . وجاء خالد فنزل على غير ماء ،فقالوا له في ذلك فأمر مناديه فنادى : ( أال فانزلوا وحطوا أثقالكم ،ثم جالدوهم على املاء ، فلعمري ليصيرن املاء ألصبر الفريقني وأكرم اجلندين ) . وإننا واهلل عندنا الكثير لنجالد العدو عليه ،فعندنا شرف نسائنا ،وكرامة ديارنا ،وتاريخ أمتنا ،وعزة ديننا ، ووضوح غايتنا ،وسمو أمانينا ،ورفعة منازلنا ،وبسمة أطفالنا ،وآذان مساجدنا ،وصيحات أمهاتنا ،وصرخات أيتامنا ،كل هذا وغيره يدعونا للنزول فنحط رحالنا وجنالد عدو اهلل عليه .. ُ الليـــــل في أشـــالء ُجرحي ينا ُم بح ويصحو الفجــــ ُر من أشــواق ُ ِ ص ِ وتنتفض القصائــــد في دمائـــي ُ لـــح لص اق ُ وتلع ُن كل ســــــ َّب ٍ ِ فال جتنح لغيــــر الســـيف فيهم برمــــح وال تلــــق العــــدا إال ِ ْ َ قنديـــــل ثأري وأشـــعل باللظى ــــدد دَينَنا ذَبحـــا ً بذبـــــح وس ّ َ ِ سأل ملك الروم أهل دين النصرانية " :إنكم اليوم أكثر عددا ً وأغزر مددا ً من العرب وأكثر جمعا ً وأكثر خياما ً وأعظم قوة ،فمن أين لكم هذا اخلذالن وكانت الفرس والترك واجلرامقة تهاب سطوتكم وتفزع من حربكم وشدتكم وقد قصدوا إليكم مرارا ً ورجعوا منكسرين ؟ واآلن قد عال عليكم العرب وهم أضعف اخللق عراة األجساد جياع األكباد وال عدد وال سالح وقد غلبوكم على بصرى وحوران وأجنادين ودمشق وبعلبك وحمص ؟! " . سكت امللوك عن جوابه ..فعندها قام قسيس كبير عالم بدين النصرانية وقال " :أيها امللك :أما تعلم لم نصر املسلمون علينا ؟ " . قال " :ال وحق املسيح " . فقال القسيس : " أيها امللك ،ألن قومنا بدلوا دينهم ،وغيروا ملتهم، وجحدوا املسيح عيسى بن مرمي صلوات اهلل وسالمه عليه ،وظلموا بعضهم ،وليس فيهم من يأمر باملعروف
وينهى عن املنكر ،وليس فيهم عدل وال إحسان ،وال يفعلون الطاعات ،وضيعوا أوقات الصلوات ،وأكلوا الربا ، وارتكبوا الزنا ،وفشت فيهم املعاصي والفواحش ،وهؤالء املسلمون طائعون لربهم ،متبعون لدينهم ،رهبا ٌن في الليل ،ص ّوام بالنهار ،وال يفترون عن ذكر ربهم ،وال عن الصالة على نبيهم ،وليس فيهم ظلم وال عدوان ،وال يتكبر بعضهم على بعض ،شعارهم الصدق ،ودثارهم العبادة ،وإن حملوا علينا ال يرجعون ،وإن حملنا عليهم فال يولون ،وقد علموا أن الدنيا دار الفناء ،وأن اآلخرة هي دار البقاء " . فلما سمع القوم وامللك هرقل ما قاله القسيس قالوا: " وحق املسيح لقد صدقت ،بهذا نصرت العرب علينا ال محالة ،وإذا كان فعل قومنا ما ذكرت فال حاجة لنا في نصرتهم " فتوح الشام .161 / 1 لهذا -أيها األبطال -نحن أكرم اجلندين ،بطاعتنا هلل ، وبصدقنا وتوجهنا إليه ..لهذا نصرنا في مواطن كثيرة ونحن فئة قليلة ،لكنها الفئة املؤمنة الصابرة {ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ } البقرة . 249 : قال سعيد احلميري : " كنت ممن حضر اليرموك من أوله إلى آخره ،فلما أشرفت عساكر الروم باليرموك نحونا صعدت على محل من األرض مرتفع ،وأقبلت الروم بالرايات والصلبان ،فعددت عشرين راية ،فلما استقرت الروم باليرموك بعث األمير أبو عبيدة روماس صاحب بصرى ليحزر عدد القوم ،فتنكر روماس وغاب عنا يوما ً وليلة ثم عاد إلينا ،فلما رأيناه اجتمعنا عنده وسأل أبو عبيدة روماس عن ذلك فقال : "سمعت القوم يذكرون أن عددهم ألف ألف ،فال أدري أهم يتحدثون بذلك ليسمع جواسيسنا أم ال ؟ " . فقال أبو عبيدة " :يا روماس ،كم عهدك بهم ؟ وكم يكون حتت كل راية من عساكر الروم ؟ " فقال ":أيها األمير ،أما ما عهدت في عساكر الروم فتحت كل راية خمسون ألف فارس " ،فلما سمع أبو عبيدة ذلك قال : " اهلل أكبر ،أبشروا بالنصر على األعداء " ..ثم قرأ اآلية { ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ } فتوح الشام . 163 / 1 فنحن عندنا العزم واإلميان ..ولدينا الصبر والصدق .. وفينا الشجاع املقدام ...فالصبر الصبر ..فالنصر قادم بإذن اهلل ..
27
ﺍﻟﻌﺪﺩ ﺍﻟﺘﺎﺳﻊ /ﺷﻌﺒﺎﻥ ١٤٢٩ﻫـ /ﺁﺏ -ﺃﻏﺴﻄﺲ ٢٠٠٨ﻡ
يتخيل البعض أن اختيار راية اجلهاد والقتال في سبيل اهلل من املفترض أن يقابله معية خالصة من اهلل ، ونزول املالئكة املسومني للقتال بجانب املؤمنني ،وإحلاق الهزمية املاحقة باألعداء ،وهذا قد يكون صحيحا ً ولكن بعد اجتياز وتخطي العقبات ،التي من خاللها يتبني صدق الرغبة في اجلهاد والقتال ،وينتصر فيها املرء على نفسه أوال ً . لقد أبى اهلل تعالى إال أن ينتصر لعباده الصادقني الصابرين أصحاب اإلرادة القوية والعزمية الصادقة والهمة العالية التي انتصرت على نفوسها طاعة هلل ،فنصرها اهلل على غيرها { ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ } سورة محمد ){7 :ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ) احلج ، 40 :وهذا واضح وجلي في قصص القرآن الكرمي ليتعلم املؤمنون أن متطلبات النصر أمورا ً عالية ولكنها في حدود طاقتهم البشرية شاقة ومجهدة ولكنها قابلة ألن تكون أمرا ً واقعا ً ،فقد ورد في القرآن قصص كثيرة عن بني إسرائيل ،عن طبائعهم وأسباب التفضيل لهم ،أسباب املسخ والتيه والذل والهوان الذي القوه نتيجة انحرافهم عن الصراط املستقيم وجترؤهم على اهلل ،وضعف إرادتهم التي ساقتهم إلى مرحلة االستضعاف ،وعندما أراد اهلل أن يكتب لهم النصر وأن يعزوا بعد ذلهم ويختبر صدقهم ،كان ال بد من االمتحان والتمحيص . والقصة التي حكاها القرآن تبني موضع اختبار اإلرادة الصلبة القوية التي انتصرت بها قلة مؤقتة صابرة كانت في أول أمرها كثر ًة ظاهر َة الرغبة في اجلهاد والقتال في ٌ قليل سبيل اهلل ولكنها ضعيف ٌة إرادتها ،خائر ٌة عزميتها ، عملها ،كثي ٌر كالمها ،رغم حتذير نبيهم لهم {:ﭽ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗ ﭘﭙﭚﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ
28
ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ } البقرة . 246 : فاحلماسة والرغبة في القتال ال تعني قوة اإلرادة أو الصمود على متطلبات النصر والثبات أمام عقبات اجلهاد ،فالظروف التي دفعت بني إسرائيل للقتال كانت قوية وحاضرة في أذهانهم {ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ} البقرة . 246 :رغم هذا الدافع القوي إال أن مجموعة من الكثرة الراغبة قد قعدت في أول اختبار لها ،وهو اختالفهم على من اختاره اهلل ملكا ً عليهم {ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ } البقرة ، 247: فهناك قعد البعض في اختبار اإلرادة األول فكان االختبار الثاني وهو عدم من الشرب من النهر ،فرغم التنبيه ولفت االنتباه إلى أن هذا النهر واملرور فيه هو اختبار لهم إال أن الكثير ضعفت نفسه وكسرت إرادته فشربوا منه إال قليالً منهم{ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ} البقرة .249: ثم كان االختبار الثالث وفيه حكمت على األمور بظواهرها ،فأمام هول العدو خارت العزائم وزلزلت القلوب { ﭰﭱﭲﭳﭴﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ} ،وثبتت فئة قليلة صدقت في إرادتها وصدقت في رغبتها في القتال واجلهاد {ﭾ ﭿ ﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ}البقرة وكانت النتيجة برغم أن الفئة التي بقيت مع طالوت كانت قليلة بالنسبة إلى فئة جالوت إال أن النصر كان حليفها {ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ} البقرة . 251 :
أما جيل الرسول فكانت اختبارات اإلرادة لهم كثيرة
ﺍﻟﻌﺪﺩ ﺍﻟﺘﺎﺳﻊ /ﺷﻌﺒﺎﻥ ١٤٢٩ﻫـ /ﺁﺏ -ﺃﻏﺴﻄﺲ ٢٠٠٨ﻡ
،منها ما كان في غزوة تبوك :العسرة والشدة واالبتالء وهي كانت امتحانا ً إلرادة املستنفرين للجهاد بحق ،فلقد كانت في وقت الشدة حيث طاب الثمر وحان اقتطافه واشتد احلر ورغبت النفس في الراحة ،وكانت الدعوة إلى النفير عامة لم تستثن أحدا ً في بداية أمرها { ﭑ ﭒ ﭓ } التوبة . 41 : فتختلف كثي ٌر عن الركب وقعدوا مع القاعدين ،فكانوا منوذجا ً لضعف الهمة وانكسار اإلرادة وعلموا ألنفسهم تلك الهزمية{ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ} التوبة { ، 81 :ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ} التوبة ، 49 :وهكذا تعللوا بأعذار وهمية ليخفوا هزميتهم الداخلية املتمثلة في انكسار إرادتهم أمام مغريات احلياة، فاألمة اجملاهدة بحاجة إلى إرادة صلبة ثابتة في مشوار جهادها الطويل من أجل الوصول إلى حياة كرمية وخالفة على منهاج النبوة في ظل نصر مرغوب و تطهير األمة اجملاهدة من أمثال هؤالء أصحاب اإلرادة املسلوبة وقاية لها من التخلخل والهزمية . يجب أن نعلم بأن الفترة التي تسبق النصر دائما ً هي فترة انكسار وضعف وذل واستسالم بعد هزمية ساحقة ابتليت بها ،واألمة التي ترغب في اجلهاد وتغيير وضعها كمثل األم احلامل ال بد لها أن متر مبخاض عسير ( ضعف وألم تعب ) ثم تكون الوالدة ،كذلك األمة حتى تتنتصر متر مبختلف البالءات كالقتل والتشريد والتهجير ،فهذه أرملة وذاك يتيم وآخر معتقل ،وأمة هذا حالها يجب أن: .1تنتصر أوال ً على نفسها وتقوي إرادتها في التغيير من خالل اتصال القلوب باهلل لتغيير املوازين أو التصورات. .2ترى تلك القلوب بعني اهلل النافذة ،فصاحب القلب املتصل باهلل يستصغر قوة عدوه األكثر عدة وعتادا ً أمام قدرة العلي األعظم ،وهذا ما دفع القلة الصابرة حني رأت جالوت وجنوده لقولهم {ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ } ،ولم يكونوا كالبقية الذين قالوا {ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ} . .3تلجأ وتتضرع إلى اهلل { ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖﮗﮘ ﮙﮚﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ} البقرة . 250 : .3وضوح الرؤية لطبيعية طريق اجلهاد واجملاهدة وهو طريق كله صعاب . .4الرغبة القوية في الوصول إلى الهدف ،فإذا صدق العبد في رغبته أعانه اهلل {ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ} العنكبوت . 69 :
29
ﺍﻟﻌﺪﺩ ﺍﻟﺘﺎﺳﻊ /ﺷﻌﺒﺎﻥ ١٤٢٩ﻫـ /ﺁﺏ -ﺃﻏﺴﻄﺲ ٢٠٠٨ﻡ
إن حركات اجملاهدين في سبيل اهلل وسكناتهم وجوعهم وظمأهم وتعبهم ونفقاتهم -صغرت أم كبرت -وإغاضتهم الكفار بأي نوع من أنواع األذى املشروع الذي يلحقونه بهم :كل ذلك يكتبه اهلل لهم عمالً صاحلا ً ويجزيهم أحسن ما كانوا يعملون، ألن اجملاهدين ال يرغبون بأنفسهم عن نفس نبيهم التي بذلها طوال حياته في سبيل ربه ،وكذلك ال يرغبون بأنفسهم عن نفوس قادتهم اجملاهدين التي يبذلونها في سبيل ربهم مقتدين بنبيهم محمد ، كذلك كان لهم هذا الفضل العظيم الذي فضل اهلل كل دقيقة من عملهم في سبيل اهلل ليغريهم بثوابه الشامل وفضله العميم ،ولكن ملاذا كل ذلك ؟ ذلك ألن هؤالء اجملاهدين علموا وبذلوا ،علموا أنها صفقة وجتارة رابحة عقدها أولياء اهلل لتوصلهم إلى رضى ربهم وأسماها اإلميان باهلل ورسوله واجلهاد في سبيل اهلل ،وربحها غفران اهلل ودخول اجلنات ،ويضاف إلى ذلك نصر اهلل ألوليائه على أعدائه، وهي الصفقة املعقودة بني اهلل وبني عباده املؤمنني كما قال تعالى {ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ } التوبة . 111 : فاجملاهد تاجر يتعامل مع اهلل الذي يشتري منه نفسه التي هو خالقها وماله الذي هو معطيه ،ويعطيه ثمن نفسه وماله اجلنة نقدا ً ال سيئة فيه مضمونا ً وال خوف من فقده ،اهلل هو املشتري وهو الذي وعد به ،وهل توجد جتارة رابحة مثل التجارة التي تكون مع اخلالق ؟ وعلى أساس هذه التجارة وهذه الصفقة الربانية بني العبد وربه ،ينطلق اجملاهد في سبيل اهلل خرجة واحدة في أول النهار وال يدري متى يرجع ،فتكون خرجته هذه خيرا ً من الدنيا وما فيها ، يقول املصطفى ( : الغدوة في سبيل اهلل أو روحة خير من الدنيا وما فيها ) رواه البخاري . ولك أخي اجملاهد أن تقيس هذه الغدوة برباط مجاهد من أول الليل إلى آخره ،بل قل رباط الليالي الطوال من أجل احلصول على الفريسة التي يتحرق شوقا ً ليتقرب بها إلى اهلل ذي الفضل والثواب بجنة عرضها السموات واألرض ،ورباط ليلة كاملة يتحمل حجرها أو قد يكون العدو قد صنع كمينا ً له وألخوته اجملاهدين ،فهكذا يتحملون ما يأتي من اجلو من برد ،وقد يسقط الثلج ويتحملون ما يأتي من العدو ،وقد يجبرون على الغطس في ماء البزل البارد ،وتأمل مدد اهلل لهم ،وهم بني هذا
وذاك يغشاهم النعاس أمنة من اهلل ،فيذهب اهلل عنهم وساوس الشيطان واخلوف من األعداء والبرد الشديد . لقد حترك اجملاهد في سبيل اهلل إلى دار السالم "اجلنة" بفعل االيات واألحاديث التي يستقون منها ما يعلي الهمم ويأخذ بالنفس إلى اجلنة ومجالسة األنبياء واألولياء والشهداء وحسن أولئك رفيقاً. يبدأ اجملاهد يومه بصالة الفجر في جماعة في املسجد مع إخوته أو في بيته مع أسرته ،ثم ينطلق في قراءة آيات من القران محافظا ً على صلته اليومية مع اهلل ،ثم يتبعها بتالوة أذكار الصباح من آيات وأدعية مأثورة عن النبي ، ثم ميارس التمارين الرياضية محتسبا ً ذلك هلل ،ومن أجل أن يكون قوي البدن ، كل فـ(املؤمن القوي خير ُّ وأحب إلى اهلل من املؤمن الضعيف وفي ٍ ً خير) ،ثم بعدها ينطلق في ساح احلياة ساعيا في طلب الرزق أو طلب العلم ،وفي طريقه مييط األذى ويأمر باملعروف وينهى عن املنكر ما استطاع في ذلك سبيالً ،يتعب نفسه في العمل متقنا ً منتجا ً ،ثم وهو منهمك في عمله يتذكر رجوع التائبني وصالة األوابني فيصلي الضحى ،ثم يواصل عمله ليكون عنصر بناء ال عنصر هدم ،مفتاحا ً للخير مغالقا ً للشر ،حتى إذا ما أحس بالتعب تذكر جلد أهل الباطل وعملهم احلثيث من أجل قضيتهم وباطلهم وتذكر أن كل دقيقة -بل كل ثانية -متر قد تكون حسرة يوم القيامة . بعد هذه التأمالت التي ح َّدث بها نفسه واصل عمله رغم تعبه حتى إذا ما جاء املساء أقبل بجسد متعب وبقلب يهفو لذكر اهلل ( ومن أمسى كاال ً من عمل يده أمسى مغفورا ً له ) ،ولم ينس صاحبنا اجملاهد أن يواسي اجلراح ويوزع االبتسامة في وجوه املتعبني واملقهورين من املؤمنني ،ولم ينس صاحبنا هذا وهو يعمل أن يذكر اهلل كثيرا ً ويستغفره ،ألنه يعلم أن ال قيمة للمرء في احلياة بدون صلة توبة مستمرة باهلل .. ثم يأتي املساء وتأتي أذكاره مجدداً، ويلتئم شمل العائلة املسلمة الذاكرة الشاكرة هلل التي تغمر البيت بقراءة آيات القرآن ،بيت متلؤه املالئكة وتطرد منه الشياطني وفي حلظة يتصل بصاحبنا منادي حي على اجلهاد ،وقد يكون بني أحضان زوجته كما كان حنظلة غسيل املالئكة ،فيخرج وهو يريد إحدى احلسنيني ،إما ظفر وإما شهادة بعدها اجلنة ،فهو مستعد للقاء اهلل وهو خارج وهو مرابط وهو يكمن للعدو وهو يواجه الباطل في ساحة املعركة ،تأتي اللحظة وتتحقق األمنية ( الشهادة ) ،وجرى دمه على األرض ليسقي بها أشجار اإلميان وتنصب راية احلق من جديد ..وهكذا باع ،واهلل اشترى ،زرع ،واهلل بارك في الزرع ،وَقع ،وبه اهلل نفع .
ﺍﻟﻌﺪﺩ ﺍﻟﺘﺎﺳﻊ /ﺷﻌﺒﺎﻥ ١٤٢٩ﻫـ /ﺁﺏ -ﺃﻏﺴﻄﺲ ٢٠٠٨ﻡ
ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ}آل عمران . 153 : يقول الشيح محمد بن صالح بن عثيمني رحمه اهلل: ( والذي حصل أنه ملا كانت الغلبة للمؤمنني ورأى بعض الرماة أن املشركني انهزموا :تركوا املوضع الذي أمرهم أال يبرحوه وذهبوا مع الناس ،وبهذا كر العدو عليهم من اخللف ،وحصل ما حصل من االبتالء والتمحيص للمؤمنني ،وقد أشار اهلل تعالى إلى هذه العلة بقوله : { ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄﮅﮆ ﮇﮈﮉﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ }
سبب الهزمية واحد ال ينبغي جتاهله باألعذار الواهية، إنه سبب داخلي ..وهذا هو احلق بعينه والذي ال يختلف عليه العقالء ..إذا ما انهزم املسلمون في ميادين الدعوة واجلهاد فعليهم أن يتهموا أنفسهم ويق ّوموا مسيرتهم ويزنوا أعمالهم مبيزان احلق . يقول اهلل تعالى في كتابه العظيم { :ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ} الشورى ، 30 :ويقول { : ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ} آل عمران .165 : ومن سنن اهلل أنه ال يغير ما بقوم وال يغير نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا أو يبدلوا ما بأنفسهم من اعوجاج ..ومن سننه أيضا ً :أن النصر ال يكون إال بإخالص النية هلل وحسن التوكل عليه واألخذ بكافة األسباب ،آل عمران . 152 : هذه املعصية التي فات بها نص ٌر انعقدت أسبابه فال يستحق نصر اهلل من تنكر لهذه السنن واعتمد على بسبب معصية واحدة والرسول بني أظهرهم ،فكيف قوته وصولته وكثرة جنده . باملعاصي اليوم ؟ لهذا فإن املعاصي من آثارها أن اهلل صدق اهلل وعده ..إمنا النصر ثواب املخلصني .. {ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ} النساء ..141:يسلط بعض الظاملني على بعض مبا كانوا يكسبون وعد حقيقي ال يختص بعصر دون عصر ،حقيقة ال يحفظ ويفوتهم من أسباب النصر والعزة بقدر ما ظلموا فيه تاريخنا اإلسالمي وقعة تخالفها ..فنقول في ثقة بوعد أنفسهم ). الثغرة يف ُحنني اهلل :إن الهزمية ال تلحق ولن تلحق باملؤمنني إلى قيام الساعة إال من خالل ثغرة ،وبقدر هذه الثغرة تكون {ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ الهزمية ثم يعود النصر للمؤمنني ..ففي معركة اُحد ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ كانت الثغرة ترك طاعة الرسول والطمع بالغنيمة ،ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ} حنني كانت الثغرة باالغترار بالكثرة واإلعجاب بها التوبة . 25 : وفي ُ العجب تسرب إلى قلوب بينّ اهلل أن شيئا ً من ُ ( لن نغلب اليوم من قلة ) ومن اخلير لألمة أن تدرك ذلك املسلمني ملا رأوا عددهم ،فقد قال ٌ رجل منهم ( لن نُغلب جيدا ً . اليوم من قلة ) فشق ذلك على النبي فكانت الهزمية . الثغرة يف اُحد وهكذا لو تتبعنا التاريخ لوجدنا أن املسلمني ما ويظهر ذلك في مخالفة الرماة األمر النبي ووقوعهم في اخلطا الفظيع الذي قلب املوازين ،وأدى إلى اخلسائر انهزموا إال ألسباب داخلية ،لقد طرقت األمة كل األبواب الفادحة التي حلقت باملسلمني ،ونلحظ من خالل أحداث ومدت أياديها مستخذية كل األمم فجاءت بالفشل ولم معركة احد أن املسلمني انتصروا في بادئ األمر حينما حتقق ما تريد ،فإن بقيت على حالها فهي بحاجة إلى امتثلوا األوامر الرسول وانقادوا لتعليمات قائدهم لطمات وضربات وصفقات توقظها حتى تعي ،وستعي وأميرهم عبد اهلل بن جبير ، ولكنهم ُهز ُموا حينما اليوم أو غدا ً ،فإن قالت في خضم محنتها :أنى هذا ؟ ِ خالفوا أمره ونزل الرماة من اجلبل جلمع الغنائم مع قلنا بقول اهلل : { ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅﰆ بقية الصحابة ،قال اهلل تعالى {:ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ} آل عمران .165 : ﯕﯖ ﯗﯘﯙﯚﯛ
31
ﺍﻟﻌﺪﺩ ﺍﻟﺘﺎﺳﻊ -ﺭﺟﺐ ١٤٢٨ﻫـ /ﺗﻤﻮﺯ ٢٠٠٨ﻡ
ض الوغ���ى ال أه���ا ُب ال ِقتا ْل أخو ُ اذا لن���ا بع�� َ�د ُذل البــــــ�ل� ْ اد فمــــ��� ِ
جلبـــ���ا ْل أن���ا ه���ا ُهنا ِمث�� ُ�ل ُش��� ِّ ـــم ا ِ اُن���ادي به���م :أقبل���وا ي���ا رج���ا ْل ِ َ ٌ ــــــــــــــــباقة للردى َّ وح َس��� لنـــدا ل��� ِك ال�� ُّ�ر ُ اح " ُتن���ادي أجبنــــ���ا ا ِّ " ص�ل� ُ ري َســــــــــــي ِف اجلــــه ْاد س هلم غ َ حر ال ِعــــــــــــــدا فلي َ ض املنايـــــــــا َ لد أخو ُ ِ ـــــــــــــــــــ ْاة إلسالمهم طلقوا ُمغريات احلي ْاة ففي "جامع" َق ْد تنادى األب ٍ ْ مُـــــــــ���ا ُة احلم���ى أقويا ٌء ِش��� ْ داد ِ كربي���ا َء الغ���زاة ح ِل َي ْل��� ُوا بنريانه���م ِ ُ ق���د رفعن���ا اجلب ْ ني �دى ي���ا مُح���ا َة العريـ��� ْن ِبصوالتك���م أ ُس���و َد اهل�� وع��� ْاد الح فيك���م َ واحك�� ْ�م دني���ا وديـــ��� ْن و جَم��� ُد األىل َ ف ًصنت���م بأر ِ ان وق ُت الف���دا وال ِكف ْاح ُ اد ْت جن���و َد "الصالح" لقد ح��� َ ف���ـ "حطني" ن��� ون الب�ل�ا َد وحيم���ي العب ْاد اح يص��� ُ ���وا هل���ا ...م���ا هلا غ�ي� ُر ال ِس�ل� ْ وه ّب ُ
32