وأّما بالنسبة للحكام التي يجب أن َيحكم بها الحاكم ،فقد حددها الشارع له فألزمه أن يحكم بكتاب ا وسّنة رسوله، وجعل له حق الجتهاد فيهما ،ونهاه عن أن يتطلع لغير السلم، أو أن يأخذ من غير السلم شيئا مطلقا .أّما تحديد الحكم بالكتاب والسّنة فواضح من آيات القرآن ،قال تعالى) :وَمن لم يحكم بما أنزل ا فأولئك هم الكافرون( ،وقال تعالى) :وَمن لم يحكم بما أنزل ا فأولئك هم الفاسقون( ،وقال) :وَمن لم يحكم بما أنزل ا فأولئك هم الظالمون( .وهذا يعني حصر الحكم بما أنزله ا .والذي أنزله ا على رسوله سيدنا محمد صلى ا عليه وآله وسلم هو القرآن لفظا ومعنى ،والسّنة معنى ل لفظا .فيكون الحاكم مقيدا في حكمه بحدود الكتاب والسّنة .وقد أجاز له الشارع الجتهاد في الكتاب والسّنة ،أي بذل الُوسع في فهمهما واستنباط الحكام منهما .فقد ُروي )أن الرسول صلى ا عليه وسلم أرسل معاذا إلى اليمن فقال له :بم تحكم؟ قال :بكتاب ا .قال :فإن لم تجد؟ قال :بسّنة رسول ا .قال :فإن لم تجد: قال :أجتهد رأيي .قال :الحمد لله الذي وفق رسول رسول ا لما يحبه ا ورسوله( .وقد جعل للحاكم أجرا إذا أخطأ بالجتهاد، وبذلك يشجع الحاكم على الجتهاد ،ويبعد عن الجمود عند ظاهر النصوص .فقد روى البخاري عن عمرو بن العاص أنه سمع رسول ا صلى ا عليه وسلم يقول) :إذا حكم الحاكم فاجَتَهد ثم أصاب فله أجران وإذا حكم فاجَتَهد ثم أخطأ فله أجر(. وقد بالغ الشرع في تحديد الحكام التي يحكم بها الحاكم بأنها السلم ليس غير .ومع كونه جعل للحاكم حق الجتهاد ولو أخطأ ،فإنه شدد في حصر الحكم بالسلم ،ونهى عن أن يحكم بغيره ،بل عن أن َيسأل عن حكم ِمن غير السلم ،أو أن يشرك مع السلم شيئا ليس منه .قال تعالى مخاطبا الرسول) :وأ ِ ن كم بينهم بما أنزل ا ول تّتبع أهواءهم واحَذرهم أن يفتنوك اح ُ عن بعض ما أنزل ا إليك( ،وقال) :فاحكم بينهم بما َأنزل ا ول تّتبع أهواءهم عما جاءك من الحق( ،وخطاب الرسول خطاب لّمته ،فهو خطاب لكل حاكم .وروى مسلم عن عائشة قالت :قال رسول ا صلى ا عليه وسلم) :وَمن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو َرّد( ،وفي رواية أخرى عنها )َمن عمل عمل ً ليس عليه أمرنا فهو َرّد( ،وروى البخاري عن عبيدا بن -72-