Concepts_of_Hizb_ut-Tahrir

Page 1

‫مفاهيم‬

‫حزب التحرير‬ ‫‪1372‬هـ – ‪1953‬م‬ ‫من منشورات‬

‫حزب التحرير‬ ‫‪--------------‬‬‫الطبعة الرابعة‬


‫مفاهيم‬

‫حزب التحرير‬ ‫‪1372‬هـ – ‪1953‬م‬ ‫من منشورات‬

‫حزب التحرير‬ ‫‪--------------‬‬‫الطبعة الرابعة‬


‫بسم ا الرحمن الرحيم‬ ‫مفاهيم حزب التحرير‬ ‫منذ أواسط القرن الثاني عشر الهجري ‪-‬الثامن عشر الميليدي‪-‬‬

‫والعالم السلمي ينحدر عن المستوى اللقئق به انحدارا سريعا ‪،‬‬

‫ويهبط إلى هوة النحطاط هبوطا فظيعا ‪ .‬وبالرغم من قيام محاولت‬

‫عديدة لنهاضه ‪ ،‬أو الحيلولة يدون استمرار انحداره ‪ ،‬لم تنجح ول‬ ‫محاولة واحدة من هذه المحاولت ‪ ،‬وظل العالم السلمي يتخبط‬

‫في يدياجير الفوضى والنحطاط ‪ ،‬ول يزال يعاني آلم هذا التأخر‬ ‫والضطراب ‪.‬‬

‫أما سبب انحطاطه فيرجع إلى شيء واحد ‪ ،‬هو الضعف الشديد‬

‫الذي طرأ على الهذهان في فهم السلم ‪ .‬وسبب هذا الضعف هو‬

‫فصل الطاقة العربية عن الطاقة السلمية حين أهمل أمر اللغة العربية‬ ‫في فهم السلم وأيداقئه منذ أواقئل القرن السابع الهجري ‪ .‬فما لم‬

‫تمزج الطاقة العربية بالطاقة السلمية بأن تجعل اللغة العربية ـ التي‬ ‫هي لغة السلم ـ جزءا جوهريا ل ينفصل عنه فسيبقى النحطاط‬ ‫‪1‬‬


‫يهوى بالمسلمين ‪ ،‬لنها الطاقة اللغوية التي حملت طاقة السلم‬

‫فامتزجـت بها ‪ ،‬بحيث ل يمكن أيداء السلم أيداء كامل إل بها ‪،‬‬

‫ولن بإهمالها سيبقى الجتهايد بالشرع مفقويدا ‪ ،‬ول يمكن الجتهايد‬ ‫بالشرع إل باللغة العربية ‪ ،‬لنها شرط أساسي فيه ‪ .‬والجتهايد‬

‫ضروري للمة ‪ ،‬لنه ل تقدم للمة إل بوجويد الجتهايد ‪.‬‬

‫وأما سبب إخفاق المحاولت التي قامت لنهاض المسلمين‬

‫بالسلم فيرجع إلى ةثلةثة أمور ‪ :‬أحدها عدم فهم الفكرة السلمية‬ ‫من قبل القاقئمين بالنهضة فهما يدقيقا ‪ ،‬وةثانيها عدم وضوح طريقة‬

‫السلم لديهم في تنفيذ فكرته وضوحا تاما ‪ ،‬وةثالثها عدم ربطهم‬ ‫الفكرة السلمية بالطريقة السلمية ربطا محكما غير قـابل‬ ‫للنفصال ‪.‬‬

‫أما الفكرة فقد طرأ عليها من عوامل التغشية ما أبهم الكثير من‬

‫يدقاقئقها على الكثير من المسلمين ‪ .‬وعوامل التغشية هذه قد بدأت‬ ‫منذ أواقئل القرن الثاني للهجرة حتى مجيء الستعمار ‪ ،‬فقد كان‬

‫للفلسفات الجنبية كالهندية والفارسية واليونانية أةثر على بعض‬

‫المسلمين حملهم على ارتكاب محاولت للتوفيق بين السلم وبين‬ ‫‪2‬‬


‫هذه الفلسفات ‪ ،‬مع التناقض التام بينها وبين السلم ‪ .‬فأيدت‬ ‫محاولت التوفيق هذه إلى التأويل والتفسير الذي أبعد بعض‬

‫الحقاقئق السلمية عن الهذهان ‪ ،‬كما أضعف إيدراكها إياها ‪.‬‬

‫وعلوة على هذلك كان لدخول بعض الحاقدين على السلم‬

‫المبغضين له في حظيرته ـ نفاقا ـ أةثر في أن تدس على السلم‬ ‫مفاهيم لـيست منه ‪ ،‬بل مناقضة له ‪ .‬وقد أيدى هذلك إلى فهم‬

‫السلم فهما مغلوطا عند كثير من المسلمين ‪ ،‬ةثم أضيف إلى هذلك‬ ‫في القرن السابع الهجري إهمال اللغة العربية في حمل السلم ‪.‬‬

‫فكان هذا كله مؤهذنا بانحطاط المسلمين ‪ .‬وزايد عليه منذ أواخر‬

‫القرن الحايدي عشر الهجري ‪-‬السابع عشر الميليدي‪ -‬حتى الن‬

‫الغزو الثقافي والتبشيري ‪ ،‬ةثم الغزو السياسي من المغرب ‪ ،‬فكان‬

‫ضغثا على إبالة ‪ ،‬وعقدة جديدة في المجتمع السلمي تضاف إلى‬ ‫العقد السابقة ‪ .‬فكان لذلك كله الةثر الفعال في خطأ تصور‬

‫المسلمين للفكرة السلمية ‪ ،‬حتى فقدت التبلور الحقيقي في‬

‫الهذهان ‪.‬‬

‫‪3‬‬


‫وأما الطريقة السلمية فإنهم فقدوا وضوح تصورها بالتدريج ‪.‬‬

‫وهذلك أنه بعد أن كانوا يعرفون أن وجويدهم في الحياة إنما هو من‬ ‫أجل السلم ‪ ،‬وأن عمل المسلم في الحياة هو حمل الدعـوة‬ ‫السلمية ‪ ،‬وعمل الدولة السلمية هو تطبيق السلم وتنفيذ‬

‫أحكامه في الداخل وحمل الدعوة إليه في الخارج ‪ ،‬وأن طريقة هذلك‬

‫الجهايد تحمله الدولة ـ نقول ‪ :‬أن المسلمين ‪ ،‬بعد أن كانوا يعرفون‬ ‫هذلك ‪ ،‬صاروا يرون أن عمل المسلم كسب الدنيا أول ‪ ،‬والوعظ‬

‫والرشايد إهذا واتت الظروف ةثانيا ‪ ،‬وصارت الدولة ل ترى أي تقصير‬

‫أو أي حرج في تساهلها في تنفيذ أحكام السلم ‪ ،‬ول ترى أي‬

‫غضاضة في القعويد عن الجهايد في سبيل ال لنشر السلم ‪ ،‬ةثم‬ ‫صار المسلمون ‪ ،‬بعد أن فقدوا يدولتهم ـ على ما فيها من هزال‬

‫وتقصيـر ـ يرون عويد السلم في بناء المساجد ‪ ،‬وإصدار المؤلفات‬

‫‪ ،‬وتربية الخلق ‪ ،‬ويسكتون عن سيايدة الكفر عليهم واستعماره‬ ‫إياهم ‪.‬‬

‫هذا من حيث الفكرة والطريقة ‪ ،‬أما من حيث ربطهما فإن‬

‫المسلمين صاروا يرون الحكام الشرعية المتعلقة بمعالجة المشاكل‬ ‫‪4‬‬


‫‪ ،‬أي المتعلقة بالفكرة ‪ ،‬ول يعنون أنفسهم في الحكام التي تبين‬ ‫كيفية المعالجة ‪ ،‬أي التي تبين الطريقة ‪ ،‬فغلبت عليهم يدراسة‬

‫الحكام ‪ ،‬منفصلـة عن طريقة تنفيذها ‪ ،‬وغلبت عليهم يدراسة أحكام‬ ‫الصلة والصوم ‪ ،‬والنكاح والطلق ‪ ،‬وأهملوا يدراسة أحكام الجهايد‬ ‫والغناقئم وأحكام الخلفة والقضاء وأحكام الخراج وما شابهها ‪،‬‬

‫ففصلوا بذلك الفكرة عن الطريقة ‪ ،‬حتى نتج عن هذلك عدم إمكان‬ ‫تنفيذ الفكرة يدون طريقتها ‪.‬‬

‫وقد أضيف إلى هذلك في أواخر القرن الثالث عشر الهجري‬

‫‪-‬التاسع عشر الميليدي‪ -‬الخطأ في فهم الشريعة السلمية‬

‫لتطبيقها على المجتمع ‪ ،‬فصار السلم يفسر بما ل تحتمله‬ ‫نصوصه ليوافق المجتمع الحاضر ‪ ،‬وكان الواجب أن يغير المجتمع‬

‫ليوافق السلم ‪ ،‬ل أن يحاول تفسير السلم ليوافق المجتمع ‪ ،‬لن‬ ‫القضية هي أن هناك مجتمعا فاسدا يرايد إصلحه بمبدأ ‪ ،‬فيجب أن‬

‫يطبق المبدأ كما هو ‪ ،‬ويغير المجتمع برمته تغييرا انقلبيا على‬

‫أساس هذا المبدأ ‪ ،‬أي كان لزاما على المحاولين للصلح أن‬ ‫يطبقوا أحكام السلم كما جاءت ‪ ،‬يدون نظر إلى المجتمع أو‬ ‫‪5‬‬


‫العصر أو الزمان أو المكان ‪ ،‬ولكنهم لم يفعلوا هذلك ‪ ،‬بل أولوا‬

‫أحكام السلم ليوافق العصر ‪ .‬وقد أوغلوا في هذا الخطأ في‬

‫الكليات والجزقئيات ‪ .‬واستنبطوا قواعد كلية وأحكاما جزقئية تتفق‬

‫مع هذه النظرة ‪ ،‬إهذ وضعوا عدة قواعد كلية خاطئة مثل< ل ينكر‬

‫تغير الحكام بتغير الزمان> ومثل < العايدة محكمة> وغير هذلك ‪،‬‬ ‫وأفتوا بأحكام ل سند لها من الشرع ‪ ،‬بل أفتوا بأحكام تعارض نص‬

‫القرآن القطعي ‪ .‬فأجازوا الربا القليل بحجة أنه غير مضاعـف‬

‫وبحجة الضرورة لمال القاصر ‪ ،‬وصار القاضي الذي يسمى "القاضي‬ ‫الشرعي" يحكـ ــم بالربا في صنايديق اليتام ‪ ،‬كما صار القاضي الذي‬

‫سموه "قاضيا نظاميا" يحكم بالربا أيضا ‪ ،‬وأفتوا بوقف الحدويد ‪،‬‬ ‫وأجازوا أخذ قوانين العقوبات من غير السلم ‪ ،‬وهكذا وضعوا‬

‫أحكاما تخالف الشرع بحجة موافقتها للعصر ‪ ،‬وضرورة أن يوافق‬ ‫الشرع كل عصر وكل زمان ومكان ‪ .‬وقد نتج عن هذلك أن أبعد‬

‫السلم عن الحياة ‪ ،‬واتخذ أعداء السلم من هذا الفهم المغلوط‬ ‫وهذه الحكام الباطلة وسيلة أيدخلوا بها على المسلمين قوانينهم‬ ‫ومبايدقئهم يدون أن يجد المسلمون فيها أي تناقض مع يدينهم لما‬ ‫‪6‬‬


‫تركز في أهذهانهم من جراء الفهم المغلوط ‪ ،‬أن السلم يتفق مع كل‬ ‫زمان ومكان ‪ ،‬وصار تأويل السلم على لسان الكثيرين ليوافق كل‬ ‫مذهب ‪ ،‬وكل مبدأ ‪ ،‬وكل حايدةثة ‪ ،‬وكل قاعدة ‪ ،‬ولو خالف مبدأ‬

‫السلم ووجهة نظره ‪ ،‬فكان هذا مساعدا على إبعايد السلم عن‬ ‫الحياة ‪ .‬ولذلك كان إخفاق كل حركة إصلحية تسير حسب هذا‬

‫الفهم السقيم أمرا محتوما ‪.‬‬

‫وقد أضيف إلى هذلك في أواقئل القرن العشرين ما ركز الحواجز‬

‫التي قامت بين السلم وبين الحياة ‪ ،‬وزايد الصعوبات القاقئمة في‬

‫وجه الحركات السلمية صعوبات أخرى ‪ .‬وهذلك أن المسلميـن ‪،‬‬

‫ول سيما العلماء والمتعلمين ‪ ،‬كانت تغلب عليهم في هذا الوقت‬ ‫ةثلةثة أشياء ‪:‬‬

‫أحدها أنهم كانوا يدرسون السلم يدراسة تخالف طريقة السلم‬

‫الدراسية في فهمه ‪ ،‬لن طريقة السلم الدراسية أن تدرس أحكام‬ ‫الشريعة كمساقئل عملية للتطبيق من قبل الدولة فيما يختص بها ‪،‬‬

‫ومن قبل الفريد فيما هو من شأنه ‪ .‬ولذلك عرف العلماء الفقه بأنه‬

‫"علم بالمساقئل الشرعية العملية المستنبطة من أيدلتها التفصيلية" ‪.‬‬ ‫‪7‬‬


‫وبذلك تكون الدراسة منتجة علما للدارس ‪ ،‬وعمل للمجتمع في‬ ‫الدولة والفريد ‪ .‬غير أن هؤلء العلماء والمتعلمين ‪ ،‬بل جمهرة‬

‫المسلمين ‪ ،‬يدرسوا السلم للعلم النظري المجريد ‪ ،‬كأنه فلسفة‬

‫نظرية خيالية ‪ .‬وبذلك صارت الحكام الفقهية فرضية غير عملية ‪،‬‬ ‫وصار الشرع يدرس مساقئل روحية وأخلقية ‪ ،‬وليس أحكاما تعالج‬ ‫مشاكل الحياة ‪ ،‬هذا بالنسبة للدرس ‪ ،‬أما بالنسبة للدعوة إلى‬

‫السلم ‪ ،‬فكانت تغلب عليها طريقة الوعظ والرشايد التي يتبعها‬

‫المبشرون ‪ ،‬وليس طريقة التعليم التي يريدها السلم ‪ ،‬وبهذا صار‬

‫المتعلمون للسلم ‪ :‬أما علماء جامدين كأنهم كتب متحركة ‪ ،‬وأما‬

‫وعاظا مرشدين يكررون للناس القوال "الخطب" المملولة ‪ ،‬يدون أن‬ ‫يحدث هذلك في المجتمع أي أةثر ‪ .‬ولم يفهموا معنى التثقيف‬

‫بالسلم الذي يعني تعليم المسلمين أمور يدينهم تعليما يؤةثر في‬ ‫مشاعرهم ‪ ،‬ويخوفهم عذاب ال وسخطه ‪ ،‬حتى يصبح المسلم‬

‫طاقة مؤةثرة حين ترتبط مشاعره بعقله ‪ ،‬من جراء تعلم آيات ال‬

‫وطريقة تعليمها ‪ .‬نعم لم يفهموا هذلك ‪ ،‬وجعلوا مكان طريقة التعليم‬

‫المؤةثرة العميقة طريقة الوعظ والرشايد التي تنحصر في القوال‬ ‫‪8‬‬


‫"الخطب" السطحية المبتذلة ‪ .‬فكان من جراء هذلك أن رؤى أن بين‬

‫معالجة مشاكل المجتمع وبين الدين السلمي تناقضا أو شبه‬

‫تناقض ‪ ،‬يحتاج إلى التوفيق ‪ ،‬حتى صار تأويل السلم ليوافق‬

‫العصر أمرا مألوفا عند الناس !‬

‫وعلوة على هذلك ‪ ،‬فإنهم أساءوا فهم قولة تعالى ))وما كان‬

‫المؤمنون لينفروا كافة فلول نفر من كل فرقة منهم طاقئفة ليتفقهوا‬ ‫في الدين ولينذروا قومهم إهذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون ((‬

‫وفسروها بأن ينفر لطلب العلم من كل جماعة فئة يتعلمون الدين‬

‫ويرجعون ليعلموا قومهم ‪ ،‬وبذلك جعلوا تعلم الدين فرض كفاية ‪،‬‬

‫وخالفوا بذلك الحكم الشرعي ‪ ،‬كما خالفوا معنى الية ‪.‬‬

‫أما الحكم الشرعي فهو أنه يجب على كل مسلم بالغ عاقل أن‬

‫يتفقه في الدين المور التي تلزمه في الحياة ‪ ،‬لنه مأمور أن يسير‬ ‫أعماله كافة بأوامر ال ونواهيه ‪ .‬ول سبيل إلى هذلك إل بمعرفة‬

‫الحكام الشرعية المتعلقة بأعماله ‪ .‬وعلى هذلك يكون التفقه في‬ ‫الدين للحكام اللزمة للمسلم في معترك الحياة فرض عين ل فرض‬

‫كفايـة أما الجتهايد لستنباط الحكام فهو فرض كفاية ‪ .‬وأما‬ ‫‪9‬‬


‫مخالفتهم لمعنى الية فإن الية آية جهايد ‪ ،‬وهي تعني أنه ل يجوز‬

‫للمسلمين أن يخرجوا جميعا للجهايد ‪ ،‬فهل خرج للجهايد جماعة‬

‫وبقيت فئة تتعلم الحكام على الرسول عليه السلم ‪ ،‬حتى إهذا رجع‬

‫المجاهدون علمهم الباقون ما فاتهم من أحكام ال تعليما يؤةثر فيهم‬ ‫‪ ،‬ويدل على هذلك أيضا ما كان عليه الصحابة رضوان ال عليهم من‬

‫حرص على تعلم أحكام الدين وملزمة الرسول عليه السلم ‪ ،‬فقد‬ ‫كان يخرج بعضهم في السرايا للجهايد ‪ ،‬ويبقى الباقون ليتعلموا‬

‫أحكام الدين ‪ .‬ةثم يرجع المجاهدون فيعلمهم الباقون ما فاتهم من‬ ‫أحكام ‪.‬‬

‫ةثانيها أن الغرب الحاقد المبغض للسلم والمسلمين هاجم‬

‫الدين السلمي ‪ ،‬وصار يطعن فيه فيفتري عليه من جهة ‪ ،‬ويقبح‬

‫بعض أحكامه من جهة أخرى ‪ ،‬مع أنها هي المعالجات الصحيحة‬ ‫لمشاكل الحياة ‪ .‬فكان للمسلمين ولسيما المتعلمين ‪ ،‬موقف أمام‬ ‫هذا الهجوم يغلب عليه الضعف ‪ ،‬إهذ قبلوا أن يكون السلم متهما‬

‫وصاروا يدافعون عنه ‪ ،‬وجرهم هذا إلى محاولت لتأويل أحكام‬

‫السلم ‪ ،‬فمثل أولوا الجهايد بأنه حرب يدفاعية ل هجومية ‪ ،‬وخالفوا‬ ‫‪10‬‬


‫بذلك حقيقة الجهايد ‪ .‬مع أن الجهايد حرب لكل من يقف في وجه‬

‫الدعوة السلمية ‪ ،‬سواء أكان معتديا أم غير معتد ‪ .‬وبعبارة أخـرى ‪،‬‬ ‫هو إزالة لكل حاجز يقف في وجه يدعوة السلم ‪ ،‬أو هو الدعوة‬

‫إلى السلم ‪ ،‬والقتال في سبيلها ‪ ،‬أي في سبيل ال ‪ .‬والمسلمون‬ ‫حين هاجموا فارس والروم ومصر وشمال أفريقيا والندلس وغيرها‬

‫إنما هاجموها لن الدعوة تقتضي الجهايد لنشرها في هذه البليد ‪،‬‬ ‫فذلك التأويل للجهايد خطأ نتج عن الضعف في قبول السلم متهما‬

‫‪ ،‬والدفاع عنه يدفاعا يظهر فيه إرضاء المتهمين "بكسر الهاء" ‪.‬‬

‫ومثل هذلك مسألة تعديد الزوجات ‪ ،‬ومسألة قطع يد السارق ‪ ،‬وغير‬

‫هذلك من المساقئل التي حاول المسلمون أن يريدوا فيها على الكفار ‪،‬‬ ‫فصاروا يحاولون تأويل السلم تأويل يناقضه ‪ .‬وكان من جراء هذلك‬

‫كله إبعايد المسلمين عن فهم السلم ‪ ،‬وبالتالي إبعايد السلم عن‬ ‫العمل به ‪.‬‬

‫ةثالثها أنه كان من جراء تقلص ظل الدولة السلمية عن كثير من‬

‫القطار السلمية ‪ ،‬وخضوعها لحكم الكفر ‪ ،‬ةثم من جراء انهيار‬ ‫الدولة السلمية والقضاء عليها ‪ ،‬أن حصل في أهذهان المسلمين‬ ‫‪11‬‬


‫استبعايد وجويد الدولة السلمية ‪ ،‬واستبعايد الحكم بالسلم وحده ‪،‬‬ ‫ولذلك صاروا يرضون أن يحكموا بغير ما أنزل ال ‪ ،‬ول يرون بأسا‬

‫في هذلك ما يدام يحافظ على اسم السلم ‪ ،‬ولو لم يحكم به ‪،‬‬

‫وينايدون بوجوب الستفايدة من المذاهب والمبايدئ الخرى لتساعد‬

‫على تطبيق السلم في الحياة ‪ ،‬فنتج عن هذا قعويد عن العمل‬

‫لعايدة الدولة السلمية وسكوت عن تطبيق أحكام الكفر على‬ ‫المسلمين بأيدي المسلمين ‪.‬‬

‫فكان من جراء ما تقدم أن أخفقت جميع الحركات الصلحية‬

‫التي قامت لنهاض المسلمين ولعايدة مجد السلم ‪ .‬وكان طبيعيا‬

‫أن تخفق ‪ ،‬لنها وإن كانت حركات إسلمية ‪ ،‬لكنها كانت في‬

‫سوء فهمها للسلم تزيد العقدة ‪ ،‬وتعقد المشكلة ‪ ،‬وتبعد المجتمع‬ ‫عن السلم ‪ ،‬بدل أن تعمل لتطبيقه فيه ‪.‬‬

‫ولهذا كان ل بد من حركة إسلمية تفهم السلم فـكرة وطريقة ‪،‬‬

‫وتربط بينهما ‪ ،‬وتعمل لستئناف حياة إسلميـة في أي قطر من‬

‫القطار السلمية حتى يكون هذا القطر نقطة ابتداء ‪ ،‬تنبثق منها‬

‫الدعوة السلمية ‪ ،‬ةثم نقطة انطلق للدعوة إلى السلم ‪.‬‬ ‫‪12‬‬


‫وعلى هذا الساس وجد حزب التحرير ‪ ،‬وقام يعمل لستئناف‬

‫حياة إسلمية في البليد العربية ‪ ،‬ينتج عنها ـ طبيعيا ـ استئناف الحياة‬ ‫السلمية في العالم السلمي بإيجايد الدولة السلمية في قطر أو‬

‫أقطار نقطة ارتكاز للسلم ‪ ،‬ونواة الدولة السلمية الكبرى ‪ ،‬التي‬ ‫تستأنف الحياة السلمية ‪ ،‬بتطبيق السلم كامل في جميع البليد‬

‫السلمية ‪ ،‬وحمل الدعوة السلمية إلى العالم كله ‪.‬‬

‫وبعد الدراسة والفكر والبحث تبنى حزب التحرير هذا أحكاما‬

‫شرعية منها ما هو متعلق بمعالجات المشاكل الفريدية التي تقع بين‬ ‫الفرايد وفي علقات الفرايد بعضهم مع بعض مثل منع إجارة الرض‬ ‫للزراعة ‪ ،‬ومنها ما هو متعلق بالراء العامة التي تقع بين عامة‬

‫المسلمين وغيرهم وفي علقات عامة المسلمين مع غيرهم مثل‬

‫جواز المعاهدات الضطرارية ‪ ،‬والدعوة إلى السلم قبل البدء‬

‫بالقتال ‪ ،‬وما شابه هذلك ‪ ،‬ومنها ما هو متعلق بالفكار ‪ ،‬وهي أحكام‬

‫شرعية كساقئر الحكام الشرعية ‪ ،‬وهذلك كالقواعد الكلية والتعاريف‬ ‫مثل قاعدة <ما ل يتم الواجب إل به فهو واجب> ومثل تعريف‬

‫الحكم الشرعي بأنه خطاب الشارع المتعلق بأفعال العبايد ‪ ،‬وما شابه‬ ‫‪13‬‬


‫هذلك ‪ .‬فقد تبنى الحزب في كل نوع من هذه النواع من الحكام‬

‫أحكاما معينة ‪ ،‬وأخذ يدعو لها إهذ يدعو للسلم ‪ .‬وهي آراء وأفكار‬ ‫وأحكام إسلمية ليس غير ‪ ،‬وليس فيها أي شيء غير إسلمي ول‬

‫متأةثرة بأي شيء غير إسلمي ‪ ،‬بل هي إسلمية فحسب ‪ ،‬ل تعتمد‬

‫غير أصول السلم ونصوصه ‪ .‬ويعتمد الحزب فيها على الفكر‬

‫ويرى أن الدعوة إلى السلم يجب أن تقوم على الفكر ‪ ،‬وأن تحمل‬

‫قيايدة فكرية ‪ ،‬لن الفكر المستنير هو الذي تتركز عليه الحياة‬

‫وينهض النسان على أساسه ‪ ،‬وهو الذي يرى حقاقئق الشياء فتدرك‬

‫إيدراكا صحيحا ‪ .‬والفكر حتى يكون مستنيرا ل بد أن يكون عميقا ‪،‬‬ ‫والفكر العميق هو النظرة العميقة للشياء ‪ .‬والفكر المستنير هو‬

‫النظرة العميقة للشياء ولحوالها وما يتعلق بها والستدلل بذلك‬

‫للوصول إلى النتاقئج الصايدقة ‪ ،‬وبعبارة أخرى هو النظرة العميقة‬

‫المستنيرة للشياء ‪ ،‬ولذلك كان ل بد من النظرة العميقة المستنيرة‬

‫للكون والنسان والحياة ‪ ،‬ول بد من النظرة العميقة المستنيرة‬

‫للنسان ولعمال النسان ‪ ،‬حتى يمكن إيدراك الحكام المـترتبة‬

‫عليها ‪.‬‬

‫‪14‬‬


‫والنظرة العميقة للكون والنسان والحياة هي التي تعطي الفكرة‬

‫الكلية عنها ‪ ،‬وهي التي تحل العقدة الكبرى للنسان ‪ ،‬وهي التي‬

‫تكون العقيدة عند النسان ‪ ،‬وهي التي تعين للنسان غاية الحياة ‪،‬‬ ‫وغاية العمال التي يقوم بها في الحياة ‪ ،‬لن النسان يحيـا في‬

‫الكـون ‪ ،‬فما لم تحل عنده العقدة الكبرى عن نفسه ‪ ،‬وعن الحياة‬ ‫التي تقوم فيه ‪ ،‬وعن الكون الذي هو مكان حياته ووجويده ‪ ،‬ل‬

‫يمكن أن يعرف السلوك الذي ينبغي أن يسلكه ‪ .‬ولذلك كان أساس‬

‫كل شيء هو العقيدة ‪.‬‬

‫والنظرة العميقة المستنيرة إلى الكون والنسان والحياة تؤيدي إلى‬

‫العقيدة السلمية فيظهر بوضوح أنها مخلوقة لخالق ‪ ،‬وأن هذا‬

‫الخالق هو وحده الذي يدبرها ‪ ،‬ويقوم بحفظها وتسييرها وفق نظـام‬

‫مخصوص ‪ ،‬وأن هذه الحياة الدنيا ليست أزلية ول أبدية ‪ ،‬فيوجد ما‬

‫قبلها وهو خالقها ومدبرها ‪ ،‬ويوجد ما بعدها وهو يوم القيامة ‪ ،‬وأن‬

‫أعمال النسان في هذه الحياة الدنيا يجب أن تكون ساقئرة وفق‬

‫أوامر ال و نواهيه ‪ ،‬وأن النسان سيحاسب عليها يوم القيامة وهو‬

‫‪15‬‬


‫يوم الحساب ‪ ،‬ولذلك كان لزاما على النسان أن يتقيد بشرع ال‬ ‫الذي بلغه إياه رسول ال سيدنا محمد عليه الصلة والسلم ‪.‬‬

‫والنظرة العميقة المستنيرة للكون والحياة والنسان ترى أنها مايدة‬

‫فقط ‪ ،‬وليست روحا ‪ ،‬ول مركبة من المايدة والروح ‪ .‬والمرايد بالمايدة‬

‫هنا الشيء المدرك المحسوس ‪ ،‬سواء عرفت المايدة بأنها ما أشغلت‬

‫حيزا وكان لها ةثقل ‪ ،‬أو عرفت بأنها الطاقة المشحونة ظاهـرة أو‬ ‫خفية ‪ ،‬إهذ ليس البحث عن ماهية المايدة بل البحث عن الكون‬

‫والحياة والنسان ـ هذه الشياء المحسوسة المدركة ـ من ناحية‬

‫كونها مخلوقة لخالق ‪ .‬والمرايد بالروح هنا إيدراك الصلة بال ‪ ،‬وليس‬ ‫المرايد سر الحياة ‪ ،‬إهذ ليس البحث عن الروح بمعنى سر الحياة ‪،‬‬

‫وإنما البحث عن علقة الكون والحياة والنسان بالمغيب عنا أي‬

‫بالخالق ‪ ،‬وعن إيدراك هذه العلقة أي هل إيدراك صلة الكون والحياة‬

‫والنسان بخالقها جزءا منها أو ليس جزءا منها ‪.‬‬

‫فالنظرة العميقة المستنيرة للكون والحياة والنسان ـ من حيث‬

‫معنى الروح بأنها إيدراك الصلة بال ل من حيث الروح سر الحياة ـ‬

‫ترى أنها مايدة فقط وليست روحا ول مركبة من المايدة والروح ‪ .‬أما‬ ‫‪16‬‬


‫أنها مايدة فظاهر غير خفي لنها مدركة محسوسة ‪ .‬وأما أنها ليست‬ ‫روحا فذلك أن الروح هي إيدراك النسان صلته بال تعالى ‪ ،‬وهذا‬

‫اليدراك من النسان لصلته بال ليس هو الكون ول النسان ول‬ ‫الحياة ‪ ،‬بل هو شيء غيرها ‪ .‬وأما أنها ليست مركبة من المايدة‬

‫والروح فظاهر في الكون والحياة ‪ ،‬وأما في النسان فإن إيدراكه‬

‫لصلته بال ليس جزءا من تركيبه بل صفة طارقئة ‪ ،‬بدليل أن الكافر‬

‫المنكر لوجويد ال ل يدرك صلته بال ومع هذلك فهو إنسان ‪.‬‬

‫وعلى هذا فإن ما يقوله بعض الناس من أن النسان مركب من‬

‫مايدة وروح ‪ ،‬فإهذا غلبت فيه المايدة على الروح كان شريرا وإهذا‬

‫غلبت فيه الروح على المايدة كان خيرا ‪ ،‬وأن عليه أن يغلب الروح‬ ‫على المايدة ليكون خيرا ‪ ،‬هذا القول غير صحيح ‪ ،‬فالنسان ليس‬

‫مركبا من المايدة والروح ‪ ،‬وهذلك لن الروح المبحوث عنها في هذا‬

‫الباب عند جميع البشر الذين يؤمنون بوجويد اله هي أةثر الخالق أو‬ ‫ما يشاهد من آةثار للناحية الغيبية أو كون الشيء مدركا فيه ما ل‬

‫يوجد إل من ال أو بهذا المعنى ‪ ،‬أي هي بمعنى الروحانية أو‬ ‫الناحية الروحية ‪ ،‬والروح بمعنى الروحانية أو الناحية الروحية‬ ‫‪17‬‬


‫الموجويدة في النسان ليست هي سر الحياة ول ناشئة عن سر‬

‫الحياة ول علقة لها بسر الحياة ‪ ،‬بل هي شيء غيرها قطعا ‪ ،‬بدليل‬

‫أن الحيوان فيه سر الحياة ومع هذلك ليس لديه روحانية ول ناحية‬

‫روحية ‪ ،‬ول أحد يقول عنه أنه مركب من المايدة والروح ‪ ،‬مما يقطع‬

‫بأن الروح بهذا المعنى ليست سر الحياة ول ناشئة عن سر الحياة‬

‫ول علقة لها بسر الحياة ‪ ،‬فكما أن الحيوان ليس مركبا من المايدة‬ ‫والروح مع أن فيه سر الحياة فكذلك النسان ليس مركبا من المايدة‬

‫والروح ولو كانت فيه سر الحياة ‪ ،‬لن الروح التي يتميز بها النسان‬ ‫والتي توجد لديه ليست متعلقة بسر الحياة ول ناشئة عنه وإنما هي‬

‫إيدراك الصلة بال فل يقال أنها جزء من تركيب النسان بحجة أن‬ ‫فيه سر الحياة ‪.‬‬

‫وما يدامت الروح المبحوث عنها في هذا الباب هي إيدراك الصلة‬

‫بال ول علقة لها بسر الحياة فإنها ل تكون جزءا من تركيب‬

‫النسان ‪ ،‬لن إيدراك الصلة ليس جزءا من تركيبه ‪ ،‬بل هو صفة‬ ‫طارقئة ‪ ،‬بدليل أن الكافر المنكر لوجويد ال ل يدرك صلته بال ومع‬

‫هذلك فهو إنسان ‪.‬‬

‫‪18‬‬


‫ومع أن الكون والنسان والحيـاة مايدة وليست روحا ‪ ،‬ولكن‬

‫الناحية الروحية بالنسبة لها ‪ ،‬هي كونها مخلوقة لخالـق ‪ ،‬أي هي‬ ‫صلتها ‪ ،‬بوصفها مخلوقة ‪ ،‬بال تعالى خالقها ‪ ،‬فالكون مايدة ‪ ،‬وكونه‬ ‫مخلوقا لخالق هو الناحية الروحية التي يدركها النسان ‪ .‬والنسان‬

‫مايدة ‪ ،‬وكونه مخلوقا لخالق هو الناحية الروحية التي يدركـها النسان‬

‫‪ .‬والحياة مايدة ‪ ،‬وكونها مخلوقة لخالق هي الناحية الروحية التي‬

‫يدركها النسان ‪ .‬فالناحية الروحية ليست آتية من هذات الكون أو‬

‫الحياة أو النسان ‪ ،‬بل هي من كونها مخلوقة لخالق خلقها هو ال‬

‫تعالى ‪ .‬فهذه الصلة هي الناحية الروحية ‪.‬‬

‫والصل في معنى الروح أن الناس الذين يؤمنون بوجويد الله‬

‫يريديدون كلمة الروح والروحانية والناحية الروحية ‪ ،‬ويريدون بها أةثر‬

‫الخالق في المكان أو ما يشاهد من آةثار للناحية الغيبية ‪ ،‬أو كون‬ ‫الشيء مدركا فيه ما ل يوجد إل من ال أو بهذا المعنى ‪ .‬فهذه‬

‫المعاني التي يطلقون عليها الروح والروحانية والناحية الروحية ومـا في‬ ‫معناها ‪ ،‬معاني عامة غامضة مبهمة غير مبلورة ‪ ،‬فهي لها واقع في‬

‫هذهنهم ولها واقع في الخارج لديهم إل وهو المغيب المدرك وجوه‬ ‫‪19‬‬


‫وغير المدرك هذاته وأةثر هذا المغيب في الشياء ‪ ،‬ولكن هذا الواقع‬

‫الذي يحسونه يقع إحساسهم عليه فعل ولكنهم غير مستطيعين‬

‫تعريفه وغير مبلور لديهم ‪ .‬وكان من جراء عدم بلورة هذه المعاني أن‬

‫اضطرب تصورها لديهم ‪ ،‬فكان أن اختلطت عند بعضهم بالروح‬

‫التي هي سر الحياة وصاروا يطلقون على النسان بأنه مركب من‬

‫مايدة وروح لحساسهم بوجويد الروح فيه التي هي سر الحياة ولوجويد‬

‫الروح بمعنى الروحانية أو الناحية الروحية فظنوا أن هذه هي تلك أو‬ ‫أنها ناشئة عن تلك ولم يتلفتوا إلى أن الحيوان فيه روح أي سر‬

‫الحياة وليس لديه الروحانية أو الناحية الروحية ‪ .‬وكان أيضا من جراء‬

‫عدم بلورتها أن صار يطلق على ما يجده النسان من انتعاش نفسي‬ ‫بأنه روحانية فيقول الشخص عن نفسه أحسست بروحانية فاقئقة أو‬

‫فلن لديه روحانية عظيمة ‪ ،‬وكان أيضا من جراء عدم بلورتها أن‬

‫صار يؤتى إلى المكان فيحس فيه انشراح أو تجلى فيقال في هذا‬ ‫المكان ناحية روحية أو روحانية ‪ ،‬وكان من جراء عدم بلورتها أن‬

‫صار الشخص يجيع نفسه ويعذب جسده ويضعف جسمه زاعما أنه‬ ‫يريد تقوية روحه ‪ .‬كل هذلك لعدم بلورة معنـى الروح ومعنى الروحانية‬ ‫‪20‬‬


‫ومعنى الناحية الروحية ‪ .‬فهو يشبه واقع العقل عند القدامى ‪ ،‬فإن‬ ‫العقل كلمة يرايد منها اليدراك والحكم على الشيء وما في هذا‬

‫المعنى ‪ ،‬ولكن القدامى كانوا يتصورون أن هذه الشياء من إيدراك‬

‫وغيره هي آةثار العقل وليست العقل ‪ ،‬والعقل له واقع عندهم‬

‫يحسون به ولكن ل يتبينون حقيقته وهو غير مبلور لديهم ‪ ،‬وكان من‬

‫جراء عدم بلورته لديهم أن اختلف تصورهم له واضطرب تصورهم‬ ‫لمكانه واختلط عليهم إيدراك حقيقته ‪ ،‬فمنهم من يقول هو في‬

‫القلب ومنهم من يقول هو في الرأس ومنهم من يقول هو الدماغ‬

‫ومنهم من يقول غير هذلك ‪ ،‬ولما جاءت هذه العصور انصرف بعض‬ ‫المفكرين لبلورة معنى العقل وتعريفه فاختلط عليهم لعدم إيدراك‬

‫واقعه فقال بعضهم هو انعكاس الدماغ على المايدة وقال آخرون هو‬

‫انعكاس المايدة على الدماغ إلى أن عرف التعريف الصحيح بأنه نقل‬ ‫الواقع إلى الدماغ بواسطة الحساس ومعلومات سابقة تفسر هذا‬

‫الواقع ‪ ،‬وبهذا التعريف صار يدرك ما هو العقل ‪ .‬فكذلك ل بد أن‬ ‫ينصرف بعض المفكرين لبلورة معنى الروح والروحانية والناحية‬

‫الروحية وما في هذا المعنى بلورة تجعل الذهن يدركها ويـدرك واقعها‬ ‫‪21‬‬


‫‪ .‬لن هناك واقعا للروح والروحانية والناحية الروحية ‪ ،‬إهذ المشاهد‬ ‫المحسوس للنسان أن هناك أشياء مايدية يحس بها النسان وقد‬

‫يلمسها كالرغيف وقد يحسها ول يلمسها كخدمة الطبيب ‪ ،‬وهناك‬ ‫أشياء معنوية يحسها ول يلمسها كالفخر وكالثناء ‪ ،‬وهناك أشياء‬

‫روحية يحسها ول يلمسها كخشية ال وكالتسليم له في الشداقئد ‪،‬‬

‫فهذه معاني ةثلةثة لها واقع يحس به النسان ‪ ،‬ويتميز أحدها عن‬

‫الخر ‪ ،‬فتكون الروح أو الناحية الروحية أو الروحانية واقعا مشخصا‬ ‫يقع الحس عليه فل بد من تعريف هذا الواقع لبلورته للناس كما‬

‫عرف العقل وبلور للناس ‪.‬‬

‫وبالتدقيق في واقع الروح والروحانية والناحية الروحية يتبين أنها‬

‫غير موجويدة عند الملحد المنكر لوجويد ال وأنها موجويدة فقط عند‬ ‫المؤمنين بوجويد إله ‪ ،‬وهذا يعني أنها متعلقة باليمان بال ‪ ،‬توجد‬

‫حيث يوجد هذا اليمان وتنعدم حيث ينعدم ‪ .‬واليمان بوجويد ال‬ ‫يعني التصديق الجازم بأن الشياء مخلوقة لخالق خلقها يقينا ‪،‬‬

‫فيكون موضوع البحث هو الشياء من حيث كونها مخلوقة لخالق ‪،‬‬

‫فالقرار بأنها مخلوقة لخالق إيمان ‪ ،‬وإنكار أنها مخلوقة لخالق كفر‬ ‫‪22‬‬


‫وفي حالة القرار والتصديق الجازم توجد الناحية الروحية ‪ ،‬والذي‬ ‫أوجدها هو التصديق ‪ ،‬وفي حالة عدم القرار والنكار ل توجد‬ ‫الناحـية الروحية ‪ ،‬والذي جعلها لم توجد هو النكار ‪ ،‬فتكون‬

‫الناحية الروحية هي كون الشياء مخلوقة لخالق ‪ ،‬أي هي صلة‬ ‫الشياء بخالقها من حيث الخلق واليجايد من عدم ‪ .‬فهذه الصلة ‪،‬‬

‫أي كونها مخلوقة لخالق ‪ ،‬إهذا أيدركها العقل ‪ ،‬حصل من جراء هذا‬ ‫اليدراك شعور بعظمة الخالق ‪ ،‬وشعور بالخشية منه ‪ ،‬وشعور‬

‫بتقديسه ‪ ،‬فكان هذا اليدراك ‪ ،‬الذي ينتج هذا الشعور ‪ ،‬لهذه‬

‫الصلة ‪ ،‬هو الروح ‪ .‬فتكون الروح هي إيدراك الصلة بال ‪ .‬وبذلك‬

‫يتبلور معنى الناحية الروحية ‪ ،‬ومعنى الروح والناحية الروحية ليست‬ ‫كلمات لها مدلول لغوي يرجع فيه إلى اللغة ‪ ،‬ول هي مصطلحات‬ ‫تصطلح عليها كل قوم يشاءون ‪ ،‬وإنما هي معاني لها واقع معين‬ ‫مهما أطلق عليها من ألفاظ ‪ ،‬فالبحث هو عن واقع هذه المعاني‬

‫وليس عن مدلول كلمات لغوية ‪ ،‬وواقع هذه المعاني هو هذا ‪ ،‬وهو‬ ‫أن الروح من حيث الناحية الروحية في النسان هي إيدراك الصلة‬ ‫بال ‪ ،‬والناحية الروحية في الكون والنسان والحياة هي كونها‬ ‫‪23‬‬


‫مخلوقة لخالق ‪ ،‬فحيثما أطلقت هذه اللفاظ إنما يرايد بها هذه‬

‫المعاني لنها هي التي لها واقع محسوس يقوم البرهان عليه ‪ ،‬ولن‬ ‫هذا الواقع المحسوس هو الواقع الذهني والخارجي لها عند البشر‬ ‫المؤمنين بوجويد إله أي بوجويد خـالق للشياء ‪.‬‬

‫أما الروح التي هي سر الحياة فهي موجويدة قطعا وةثابتة بنص‬

‫القرآن القطعي ‪ ،‬واليمان بوجويدها أمر حتمي ‪ ،‬وهي ليست موضوع‬ ‫هذا البحث ‪.‬‬

‫ولفظ الروح لفظ مشترك كالعين لها عدة معان ‪ ،‬فكما أن العين‬

‫تطلق على أشياء كثيرة فتطلق على العين الجارية والباصرة‬

‫والجاسوس والذهب والفضة وغير هذلك ‪ ،‬فكذلك الروح تطلق على‬ ‫عدة معان ‪ .‬وقد وريدت في القرآن بمعاني متعديدة ‪ ،‬فوريدت الروح‬

‫وأريد بها سر الحياة ))يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما‬ ‫أوتيتم من العلم إل قليل(( ووريدت وأريد بها جبريل عليه السلم‬

‫))نزل به الروح المين على قلبك لتكون من المنذرين(( ووريدت‬ ‫وأريد بها الشريعة ))وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا(( وهذه‬

‫المعاني كلها ليست هي المقصويدة من القول فيه ناحية روحية أو‬ ‫‪24‬‬


‫هذا شيء روحي أو فصل المايدة عن الروح أو ما شابه هذلك ‪ .‬ول‬

‫علقة لهذا القول عن الروح بمعاني الروح الواريدة في القرآن ‪ ،‬بل‬ ‫المعنى المقصويد من الروح في هذه الطلقات الخيرة هو المعنى‬

‫المتعلق بخلق المايدة أي من حيث كون الشياء مخلوقة لخالق هو‬

‫ال تعالى وإيدراك النسان لصلة الشياء بخالقها ‪.‬‬

‫والنظرة العميقة المستنيرة للنسان ترى أنه يعيش في يداقئرتين ‪:‬‬

‫إحداهما تسيطر عليه ‪ ،‬والخرى يسيطر عليها ‪ .‬أما التي تسيطر‬

‫عليه فهي الداقئرة التي تنطبق فيها عليه أنظمة الوجويد ‪ ،‬فهو يسير‬ ‫والكون والحياة طبق نظام مخصوص ل يتخلف ‪ ،‬ولذلك تقع‬

‫العمال عليه في هذه الداقئرة على غير إرايدة منه ‪ ،‬وهو فيها مسير‬ ‫وليس بمخير ‪ ،‬فقد أتى إلى هذه الدنيا على غير إرايدة منه ‪،‬‬

‫وسيذهب عنها على غير إرايدته ‪ ،‬وهو ل يملك أن يخرج على نظام‬

‫الكون ‪ .‬ولذلك ل يسأل عن العمال التي تحصل منه أو عليه في‬

‫هذه الداقئرة ‪ .‬وأما الداقئرة التي يسيطر عليها فهي الداقئرة التي يسير‬

‫فيها مختارا ضمن النظام الذي يختاره ‪ ،‬سواء شريعة ال أو غيرها ‪.‬‬ ‫وهذه الداقئرة هي التي تقع فيها العمال التي تصدر من النسان أو‬ ‫‪25‬‬


‫عليه بإرايدته ‪ ،‬فهو يمشي ويأكل ويشرب ويسافر في أي وقت يشاء‬

‫‪ ،‬ويمتنع عن هذلك في أي وقت يشاء ‪ :‬يفعل مختارا ‪ ،‬ويمتنع عن‬

‫الفعل مختارا ‪ ،‬ولذلك يسأل عن العمال التي يقوم بها ضمن هذه‬

‫الداقئرة ‪.‬‬

‫وهو ـ أي النسان ـ يحب أشياء تقع منه أو عليه في الداقئرة التي‬

‫يسيطر عليها والداقئرة التي تسيطر عليه ‪ ،‬ويكره أشياء فيهما ‪،‬‬

‫فيحاول أن يفسر هذا الحب وهذه الكراهية بالخير والشر ‪ ،‬ويميل‬

‫لن يطلق على ما يحب أنه الخير ‪ ،‬وعلى ما يكره أنه الشر ‪.‬‬

‫وكذلك أطلق على أفعال أنها خير وعلـى أفعال أخرى أنها شر على‬

‫أساس ما أصابه منها من نفع ‪ ،‬أو ما لحقه منها من ضرر ‪.‬‬

‫والحقيقـة أن العمال التي تقع من النسان في يداقئرته ل توصف‬

‫بأنها خير أو شر لذاتها ‪ ،‬لنها مجريد أفعال فقط ليس لها وصف‬ ‫الخير أو الشر باعتبار هذاتها ‪ ،‬وإنما جاء كونها خيرا أو شرا بناء‬

‫على اعتبارات خارجة عن هذات العمال ‪ ،‬فقتل النفس النسانية ل‬ ‫يسمى خيرا ول شرا ‪ ،‬وإنما يسمى قتل فقط ‪ .‬وكونه خيرا أو شرا‬ ‫إنما جاء من وصف خارج عنه ‪ .‬ولذلك كان قتل المحارب خيرا‬ ‫‪26‬‬


‫وقتل المواطن أو المعاهد أو المستأمن شرا ‪ ،‬فيكافأ القاتل الول ‪،‬‬ ‫ويعاقب القاتل الثاني ‪ ،‬مع أنهما عمل واحد ليس فيه تمييز ‪ .‬وإنما‬

‫الخير والشر آت من العوامل التي تسير النسان للقيام بالعمل‬

‫والغاية التي يهدف إليها من القيام به ‪ .‬فالعوامل التي سيرت النسان‬

‫للعمل والغاية التي يهدف إليها هما اللذان عينا وصـف العمل بالخير‬

‫والشر ‪ ،‬سواء أحب النسان أم كره ‪ ،‬وسواء أصابه منه نفع أو ضرر‬

‫‪.‬‬

‫وعلى هذا كان لزاما أن تبحث العوامل المسيرة للنسان للقيام‬

‫بالعمل وأن تبحث الغاية التي يهدف إليها ‪ ،‬فيفهم حينئذ متى‬

‫يوصف العمل بالخير أو الشر ‪ .‬ومعرفة العوامل المسيرة والغاية التي‬ ‫يسعى إليها تتوقف على نوع العقيدة التي يعتقدها النسان ‪.‬‬

‫فالمسلم الذي يؤمن بال ويؤمن بأنه أرسل سيدنا محمدا صلى ال‬ ‫عليه وسلم بشريعة السلم التي تبين أوامر ال ونواهيه وتنظم علقته‬ ‫بربه وبنفسه وبغيره ‪ :‬هذا المسلم يجب أن تسيره في أعماله أوامر‬

‫ال ونواهيه ‪ ،‬وتكون الغاية التي يهدف إليها من هذا التسيير نوال‬

‫رضوان ال ‪ .‬ولهذا كان العمل موصوفا بأنه يغضب ال أو يرضيه ‪،‬‬ ‫‪27‬‬


‫فإن كان مما يغضب ال لمخالفته لوامره واتباع نواهيه فهو شر ‪،‬‬ ‫وأن كان مما يرضي ال بإطاعة أوامره واجتناب نواهيه فهو خير ‪.‬‬ ‫وعلى هذلك نستطيع أن نقول ‪ :‬أن الخير في نظر المسلم ما‬

‫أرضى ال والشر هو ما أسخطه ‪.‬‬

‫وهذا ينطبق على الفعال التي تحصل من النسان أو عليه في‬

‫الداقئرة التي يسيطر عليها ‪.‬‬

‫وأما الفعال التي تحصل من النسان أو عليه في الداقئرة التي‬

‫تسيطر عليه فإن النسان يصفها بالخير أو الشر تبعا لمحبته‬

‫وكراهيته ‪ ،‬أو نفعه وضرره ‪)) ،‬إن النسان خلق هلوعا إهذا مسه الشر‬

‫جوعا وإهذا مسه الخير منوعا(( ))وإنه لحب الخير لشديد(( لكن‬ ‫هذا الوصف ل يعني أنه وصف لها في حقيقتها ‪ ،‬فقد يرى شيئا‬

‫خيرا وهو شر ‪ ،‬وقد يراه شرا وهو خير ))وعسى أن تكرهوا شيئا‬ ‫وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم وال يعلم وأنتم‬

‫ل تعلمون(( ‪.‬‬

‫والنظرة العميقة المستنيرة لعمال النسان ترى أنها مايدة فقط‬

‫باعتبار هذاتها مجريدة عن كل ملبساتها واعتباراتها ‪ .‬وكونها مايدة ل‬ ‫‪28‬‬


‫توصف بالحسن أو القبح لذاتها ‪ ،‬وإنما توصف بذلك من قبل‬

‫ملبسات خارجة عنها ‪ ،‬واعتبارات آتية من غيرها ‪ .‬وهذا الغير‬

‫الذي يبين الفعل من كونه حسنا أو قبيحا إما أن يكون العـقل وحده‬

‫‪ ،‬أو الشرع وحده ‪ ،‬وأما أن يكون العقل والشرع يدليـل عليه ‪ ،‬أو‬

‫الشرع والعقل يدليل عليه ‪ .‬أما وصفها من ناحية العقل وحده فباطل‬

‫‪ :‬لن العقل عرضة للتفاوت والختلف والتناقض ‪ ،‬إهذ قياسات‬ ‫العقل للحسن والقبح تتأةثر بالبيئة التي يعيش فيها بل تتفاوت‬

‫وتختلف بالعصور على تعاقبها ‪ ،‬فإهذا ترك قياس القبح والحسن‬ ‫للعقل كان الشيء قبيحا عند فئة من الناس وحسنا عند آخرين ‪ ،‬بل‬

‫قد يكون الشيء الواحد حسنا في عصر ‪ ،‬قبيحا في عصر آخر ‪.‬‬

‫والسلم بوصفه المبدأ العالمي الخالد يقضي أن يكون وصف الفعل‬

‫بالقبح أو الحسن ساريا على جميع بني النسان في جميع العصور ‪.‬‬ ‫ولذلك كان ل بد أن يكون بيان الفعل من كونه حسنا أو قبيحا آتيا‬ ‫من قوة وراء العقل ‪ ،‬فكان ل بد أن يكون آتيا من قبل الشرع ‪،‬‬

‫لذلك كان وصف الفعل النساني بالقبح أو الحسن آتيا من قبل‬ ‫الشرع ‪ .‬ومن هنا كان الغدر قبيحا ‪ ،‬وكان الوفاء حسنا ‪ ،‬وكان‬ ‫‪29‬‬


‫الفسق قبيحا ‪ ،‬وكانت التقوى حسنة ‪ ،‬وكان الخروج على الدولة‬

‫السلمية قبيحا ‪ ،‬وكان تصحيح اعوجاجها إهذا انحرفت فعل حسنا‬ ‫‪ ،‬لن الشرع بين هذلك ‪ .‬أما جعل الشرع يدليل على ما يدل عليه‬

‫العقل فهو يقضي بجعل العقل حكما في الحسن والقبح ‪ ،‬وقد بينا‬

‫بطلنه ‪ ،‬وأما جعل العقل يدليل على ما يدل عليه الشرع فهو يقضي‬

‫بجعل العقل يدليل على الحكم الشرعي مع أن الحكم الشرعي يدليله‬ ‫النص وليس العقل ‪ ،‬ومهمة العقل هي فهم الحكم الشرعي ل جعله‬

‫يدليل عليه ‪ .‬ومن هنا كان الحسن والقبح شرعيين فقط وليسا‬ ‫عقليين ‪.‬‬

‫والفرق بين وصف الفعال بالخير والشر وبين وصفها بالحسن‬

‫والقبح أن وصفها بالخير والشر إنما هو من حيث أةثرها في نظر‬

‫النسان ‪ ،‬ومن حيث القدام عليها والحجام عنها ‪ ،‬فالنسان أطلق‬ ‫على ما يضره أو ما يكرهه من الفعال بأنه شر ‪ ،‬وأطلق على ما‬

‫ينفعه وما يحبه من الفعال بأنه خير من أةثر هذلك عليه بغض النظر‬

‫عن الحسن والقبح فإنه ليس واريدا عنده في هذه الحالة ‪ ،‬وبناء على‬ ‫هذه النظرة يقدم على الفعل ويحجم عنه ‪ ،‬فجاء التصحيح لهذه‬ ‫‪30‬‬


‫النظرة بأن الفعل ل يقال أنه خير أو شر حسب الكراهية والحب أو‬ ‫النفع والضر ‪ ،‬وإنما قياس كونه خيرا أو شرا هو مرضاة ال تعالى ‪.‬‬

‫فهنا البحث من حيث مقياس الخير والشر الذي تعارف الناس عليه‬ ‫وليس من حيث الفعل نفسه ‪.‬‬

‫أما وصف الفعال بالحسن والقبح فإنه من حيث الحكم عليها‬

‫من قبل النسان ومن حيث العقاب والثواب عليها ‪ ،‬فالنسان أعطى‬ ‫نفسه صلحية الحكم على الفعل بأنه حسن أو قبيح قياسا على‬

‫الشياء ‪ ،‬فإنه لما وجد أنه استطاع أن يحكم على الشيء المر بأنه‬ ‫قبيح وعلى الشيء الحلو بأنه حسن ‪ ،‬وعلى الشكل البشع بأنه‬

‫قبيح وعلى الشكل الجميل بأنه حسن رأى أنه يستطيع الحكم على‬ ‫الصدق بأنه حسن وعلى الكذب بأنه قبيح وعلى الوفاء بأنه حسن‬

‫وعلى الغدر بأنه قبيح ‪ ،‬فأعطى نفسه صلحية الحكم على الفعال‬ ‫بأنها حسنة أو قبيحة بغض النظر عن موضوع الخير والشر فإنه ليس‬ ‫واريدا عنده في هذه الحالة ‪ ،‬وبناء على حكمه هذا وضع العقوبات‬

‫على الفعل القبيح ووضع المكافآت على الفعل الحسن ‪ .‬فجاء‬

‫التصحيح لهذا الحكم بأن الفعل ل يقاس على الشيء ‪ ،‬فإن الشيء‬ ‫‪31‬‬


‫يدرك الحس فيه المرارة والحلوة والبشاعة والجمال فيمكنه أن‬

‫يحكم عليه ‪ ،‬بخلف الفعل فإنه ل يوجد فيه شيء يحسه النسان‬ ‫حتى يحكم عليه هو بالقبح أو الحسن ‪ ،‬فل يتأتى أن يحكم عليه‬ ‫بالحسن أو القبح مطلقا من نفس الفعل ‪ ،‬فل بد أن يأخذ هذا‬

‫الحكم من غيره وهو ال تعالى ‪ .‬فهنا البحث من حيث الحكم على‬ ‫الفعل وليس من حيث مقياسه وهنا البحث من حيث العقوبات على‬

‫الفعال والةثابة عليها وليس من حيث القدام عليها والحجام عنها‬

‫‪ ،‬ولذلك كان هناك فرق بين الخير والشر وبين الحسن والقبح ‪،‬‬ ‫وكانا بحثين منفصلين تماما ‪.‬‬

‫هذا بالنسبة لوصف العمال ‪ .‬أما بالنسبة للقصد من العمل فإنه‬

‫ل بد أن يكون لكل عامل قصد قد قام بالعمل من أجله ‪ .‬وهذا‬

‫القصد هو قيمة العمل ‪ .‬ولذلك كان حتما أن تكون لكل عمل قيمة‬

‫يراعى النسان تحقيقها حين القيام بالعمل ‪ ،‬وإل كان مجريد عبث ‪.‬‬ ‫ول ينبغي للنسان أن يقوم بأعماله عبثا من غير قصد ‪ ،‬بل ل بد أن‬

‫يراعى تحقيق قيم العمال التي قصد القيام بالعمل من أجلها ‪.‬‬

‫‪32‬‬


‫وقيمـة العمل إما أن تكون قيمة مايدية ‪ ،‬كالعمال التجارية والزراعية‬ ‫والصناعية ونحوها ‪ ،‬فإن المقصويد من القيام بهذه العمال هو‬

‫إيجايد فواقئد مايدية منها ‪ ،‬وهي الربح ‪ ،‬وهي قيمة لها شأنها في‬

‫الحياة ‪ ،‬وإما أن تكون قيمة العمل إنسانية كإنقاهذ الغرقى وإغاةثة‬ ‫الملهوفين ‪ ،‬فإن المقصويد منها إنقاهذ النسان بغض النظر عن لونه‬

‫وجنسه ويدينه أو أي اعتبـار آخر غير النسانية ‪ ،‬وإما أن تكون قيمة‬

‫العمل أخلقية ‪ ،‬كالصدق والمانة والرحمة ‪ ،‬فإن المقصويد منها‬

‫الناحية الخلقية بغض النظر عن الفواقئد وبغض النظر عن النسانية ‪،‬‬

‫إهذ قد يكون الخلق مع غير النسان ‪ ،‬كالرفق بالحيوان والطير ‪،‬‬

‫وقد تحصل من العمل الخلقي خسارة مايدية ‪ ،‬ولكن تحقيق قيمته‬ ‫واجبة ‪ ،‬أل وهي الناحية الخلقية ‪ .‬وأما أن تكون قيمة العمل روحية‬ ‫كالعبايدات ‪ ،‬فإنه ليس المقصويد منها الفواقئد المايدية ‪ ،‬ول النواحي‬ ‫النسانية ول المساقئل الخلقية ‪ ،‬بل المقصويد منها مجريد العبايدة ‪،‬‬

‫ولذلك يجب أن يراعى تحقيق قيمتها الروحية فحسب بغض النظر‬ ‫عن ساقئر القيم ‪.‬‬

‫‪33‬‬


‫هذه هي القيم للعمال جميعها ‪ ،‬وهي التي يعمل لتحقيقها‬

‫النسان عند القيام بكل عمل من أعماله ‪.‬‬

‫وقياس المجتمعات النسانية في حياتها الدنيوية إنما يكون‬

‫حسب هذه القيم ‪ ،‬ويكون بقدر ما يتحقق منها في المجتمع ‪ ،‬وما‬ ‫يضمن تحقيقها من رفاهية وطمأنينة ‪ .‬ولذلك كان على المسلم أن‬

‫يبذل وسعه لتحقيق القيمة المقصويدة من كل عمل يقوم به حين أيداء‬ ‫هذا العمل ومباشرته ‪ ،‬حتى يساهم في رفاهية المجتمع ورفعتــه ‪،‬‬ ‫ويضمن ـ في نفس الوقت ـ رفاهية نفسه وطمأنينتها ‪.‬‬

‫وهذه القيم ليست متفاضلة ول متساوية لذاتها ‪ ،‬لنه ل توجد‬

‫بينها خصاقئص تتخذ قاعدة لمساواتها ببعضها أو تفضيل بعضها‬

‫على بعض ‪ ،‬وإنما هي نتاقئج قصدها النسان حين القيام بالعمل ‪.‬‬

‫ولذلك ل يمكن وضعها في ميزان واحد ‪ ،‬ول تقاس بمعيار واحد ‪،‬‬

‫لنها متخالفـة إن لم تكن متناقضة ‪ .‬غير أن النسان من شأنه أن‬ ‫يفاضل بين القيم ليختار أفضلها ‪ ،‬وإن لم تكن متفاضلة ‪ ،‬ول‬

‫متساوية ‪ ،‬إل أن النسان ل يرضى بذلك بل يفاضل ويساوي بينها ‪،‬‬

‫وهذه المفاضلة والمساواة ل تكون بناء على نفس القيمة ‪ ،‬بل بناء‬ ‫‪34‬‬


‫على ما يصيبه هو منها ‪ ،‬وعلى هذلك بنى النسان التفاضل‬

‫والتساوي بين القيم على نفسه ‪ ،‬وما تجره هذه القيمة له من نفع أو‬

‫ضر ‪ .‬ولذلك يجعل نفسه المقياس أو يجعل الةثر الذي يصيب هذاته‬ ‫من هذه القيم هو المقياس ‪ ،‬فتكون في الحقيقة مفاضلة بين آةثار‬

‫هذه القيم على نفسه ل بين القيم هذاتها ‪ .‬وبما أن استعدايدات بني‬

‫النسان تختلف بالنسبة لةثار القيم ‪ ،‬لذلك تختلف مفاضلتهم بينها‬ ‫‪.‬‬

‫فالشخاص الذين تتغلب عليهم المشاعر الروحية ويملكهم‬

‫الميل لها ويهملون القيمة المايدية يفضلون القيمة الروحية على‬

‫القيمـة المايدية ‪ ،‬فينصرفون للعبايدات ويزهدون في المايدة ‪ .‬ولذلك‬

‫يعطلون الحياة لنها مايدة ‪ ،‬ويسببون تأخرها المايدي ‪ ،‬وينخفض‬ ‫بسببهم مستوى المجتمع الذي يعيشون فيه ‪ ،‬بما يشيع فيه من‬

‫كسل وخمول ‪.‬‬

‫والشخاص الذين تتغلب عليهم الميول المايدية وتملكهم‬

‫الشهوات ويهملون القيمة الروحية يفضلون القيمة المايدية وينصرفـون‬

‫‪35‬‬


‫لتحقيقها ‪ .‬ولذلك تتعديد عندهم المثل العليا ‪ ،‬ويضطرب بسببهم‬

‫المجتمع الذي يعيشون فيه ‪ ،‬ويشيع فيه الشر والفسايد ‪.‬‬

‫ولهذا كان من الخطأ أن يترك للنسان تقدير هذه القيم ‪ ،‬بل‬

‫يجب أن تقدر القيم من قبل خالق النسان وهو ال ‪ .‬ولذلك كان‬ ‫ل بد أن يكون الشرع هو الذي يحديد للنسان هذه القيم ويحديد‬ ‫وقت القيام بها ‪ ،‬وبحسبها يأخذها النسان ‪.‬‬

‫وقد بين الشرع معالجات مشاكل الحياة بأوامر ال ونواهيه ‪،‬‬

‫وألزم النسان بالسير في هذه الحياة حسب هذه الوامر والنواهي ‪،‬‬ ‫كما بين العمال التي تحقق القيمة الروحية ‪ ،‬وهي العبايدات التي‬

‫أوجبها وسنها ‪ .‬كما بين الصفات التي تحقق القيمة الخلقية ‪ .‬وترك‬ ‫للنسان أن يحقق القيمة المايدية التي تلزمه ليسد بها ضروراته‬ ‫وحاجاته ‪ ،‬وما هو فوق الضروريات والحاجات ‪ ،‬وفق نظام‬

‫مخصوص بينه له ‪ ،‬وأمره أن ل يحيد عنه ‪ .‬وما على النسان إل أن‬

‫يعمل لتحقيق هذه القيم وفق أوامر ال ونواهيه ‪ ،‬وأن يقدرها بالقدر‬ ‫الذي بينه الشرع ‪.‬‬

‫‪36‬‬


‫وبذلك تتحقق في المجتمع القيم بالقدر الذي يلزمه كمجتـمع‬

‫معين ‪ .‬ويقاس هذا المجتمع بمقاييسها ‪ .‬وعلى هذا الساس يجب‬ ‫أن يعمل لتحقيق القيم ‪ ،‬ليوجد المجتمع السلمي حسب وجهة‬ ‫نظر السلم في الحياة ‪.‬‬

‫وعلى هذلك فإن العمل النساني مايدة يقوم به النسان قياما مايديا‬

‫إل أنه حين يقوم به يدرك صلته بال من كون هذا العمل حلل أو‬

‫حراما ‪ ،‬فيقوم به أو يمتنع عنه على هذا الساس ‪ ،‬وهذا اليدراك من‬ ‫النسان لصلته بال هو الروح ‪ .‬وهو الذي يجبر النسان أن يعرف‬

‫شرع ال ليميز أعماله ‪ ،‬فيفهم الخير من الشر حين يعرف ما يرضي‬ ‫ال من العمال وما يسخطه ‪ ،‬ويميز القبيح من الحسن حين يعين‬ ‫له الشرع الفعل الحسن والفعل القبيح ‪ ،‬وليرى القيم التي تلزم‬

‫للحياة السلمية في المجتمع السلمي حسب ما يعينها الشرع ‪.‬‬ ‫وبهذا يمكنه حين يقوم بالعمل ويدرك صلته بال أن يقدم على العمل‬

‫أو يحجم عنه حسب هذا اليدراك ‪ ،‬لنه يعلم نوع العمل ووصفه‬

‫وقيمته ‪ .‬ومن هنا كانت فلسفة السلم مزج المايدة بالروح أي جعل‬

‫العمال مسيرة بأوامر ال ونواهيه ‪ .‬وكانت هذه الفلسفة يداقئمية‬ ‫‪37‬‬


‫لزمة لكل عمل مهما قل أو كثر ‪ ،‬يدق أو جل ‪ .‬وكانت هي تصوير‬ ‫الحياة ‪ ،‬ولما كانت العقيدة السلمية هــي أساس الحياة ‪ ،‬وهي‬

‫أساس الفلسفة ‪ ،‬وهي أساس النظمة ‪ ،‬كانت الحضارة السلمية ـ‬ ‫التي هي مجموع المفاهيم عن الحياة من وجهة نظر السلم ـ مبنية‬

‫على أساس واحد روحي ‪ ،‬وهو العقيدة ‪ ،‬وكان تصويرها للحياة هو‬

‫مزج المايدة بالروح ‪ ،‬وكان معنى السعايدة في نظرها هو رضوان ال ‪.‬‬ ‫وإهذا كانت العقيدة التي تحل العقدة الكبرى هي أساس أعمال‬

‫النسان ‪ ،‬وهي التي تتركز عليها وجهة النظر في الحياة والفلسفة‬

‫هي التي تضبط هذه العمال ‪ ،‬فإن النظمة التي تنبثق عن العقيدة‬

‫هي التي تعالج مشاكل النسان وتنظم أعماله تنظيما يدقيقا ‪ .‬ولذلك‬ ‫كان تطبيقها هو مقياس اعتبار الدار يدار كفر أو يدار إسلم ‪.‬‬

‫فالدار التي تطبق فيها أنظمة السلم ويحكم فيها بما أنزل ال‬

‫تعتبر يدار إسلم ولو كان أكثر أهلها من غير المسلمين ‪ ،‬وتعتبر‬

‫الدار التي يحكم فيها بغير ما أنزل ال يدار كفر ولو كان أكثر أهلها‬ ‫من المسلمين ‪ ،‬ومن هنا كان المعول ـ بعد العقيدة ـ على أنظمة‬

‫السلم وعلى تطبيقها في معترك الحياة ‪ ،‬لن تطبيق هذه النظمة‬ ‫‪38‬‬


‫مع العقيدة يكون في المة العقلية السلمية ‪ ،‬والنفسية السلمية ‪،‬‬

‫تكوينا طبيعيا ‪ ،‬ويجعل المسلم شخصية سامية متميزة ‪.‬‬

‫وقد نظر السلم إلى النسان على أنه كل ل يتجزأ ‪ ،‬ونظم‬

‫أعماله بأحكام شرعية تنظيما واحدا متسقا ‪ ،‬مهما تعديدت هذه‬

‫العمال وتنوعت ‪ .‬وهذه الحكام الشرعية هي النظمة السلمية‬ ‫التي تعالج مشاكل النسان ‪ ،‬إل أنها حين تعالج مشاكله تعالجها‬

‫على اعتبار أن كل مشكلة تحتاج إلى حل أي باعتبار أنها مسألة‬

‫تحتاج إلى حكم شرعي ‪ .‬أي يعالج المشاكل كلها معالجة واحدة‬

‫بوصفها مشكلة إنسانية ل بأي وصف آخر ‪ ،‬فهو حين يعالج‬

‫مشكلة اقتصايدية كالنفقة مثل ‪ ،‬أو مشكلة حكم كنصب خليفة ‪،‬‬

‫أو مشكلة اجتماع كالزواج ‪ ،‬ل يعالجها بوصفها مشكلة اقتصايدية‬ ‫أو بوصفها مشكلة حكم ‪ ،‬أو مشكلة اجتماع بل يعالجها بوصفها‬ ‫مشكلة إنسانية فيستنبط لها حل أي باعتبارها مسألة يستنبط لها‬

‫حكم شرعي ‪ ،‬وللسلم طريقة واحدة في معالجة مشاكل النسان‬ ‫هي فهم المشكلة الحايدةثة واستنباط حكم ال فيها من اليدلة‬ ‫الشرعية التفصيلية ‪.‬‬

‫‪39‬‬


‫والنظمة السلمية أحكام شرعية تتعلق بالعبايدات والخلق‬

‫والمطعومات والملبوسات والمعاملت والعقوبات ‪.‬‬

‫فالحكام الشرعية المتعلقة بالعبايدات والخلق والمطعومات‬

‫والملبوسات ل تعلل ‪ ،‬قال عليه الصلة والسلم ‪) :‬حرمت الخمرة‬ ‫لعينها( ‪ .‬وأما الحكام الشرعية المتعلقة بالمعاملت والعقوبات فإنها‬

‫تعلل ‪ ،‬لن الحكم الشرعي فيها مبنى على علة كانت سببا لوجويد‬ ‫الحكم ‪ ،‬وقد اعتايد الكثيرون أن يعللوا جميع الحكام بالنفعية ‪،‬‬

‫متأةثرين بالقيايدة الفكرية الغربية والحضارة الغربية التي تجعل النفعية‬

‫البحتة أساسا لجميع العمال ‪ .‬وهذا يناقض القيايدة الفكرية‬

‫السلمية التي تجعل الروح أساسا لكل العمال ‪ ،‬وتجعل مزجها مع‬ ‫المايدة الضابط للعمال ‪ .‬وعلى هذا فإن الحكام الشرعية المتعلقة‬

‫بالعبايدات والخلق والمطعومات والملبوسات ل تعلل مطلقا ‪ ،‬لنه‬

‫ل علة لهذه الحكام ‪ ،‬وإنما تؤخذ كما وريدت بالنص ول تبنى على‬ ‫علة مطلقا ‪ ،‬فالصلة والصيام والحج والزكاة وكيفية الصلة وعديد‬ ‫ركعاتها ومشاعر الحج وأنصبة الزكاة وما شاكل هذلك تؤخذ توقيفا‬

‫كما وريدت ‪ ،‬وتتلقى بالقبول والتسليم بغض النظر عن علتها ‪ ،‬بل ل‬ ‫‪40‬‬


‫تلتمس لها علة ‪ .‬وكذلك تحريم الميتة ولحم الخنزير وغير هذلك ل‬

‫تلتمس له علة أبدا ‪ ،‬بل من الخطأ والخطر أن تلتمس علة له ‪ ،‬لنه‬ ‫لو التمست علة لحكام هذه الشياء لترتب على هذلك أنه لو زالت‬

‫العلة لزال الحكم ‪ ،‬لن العلة تدور مع المعلول وجويدا وعدما ‪ .‬فلو‬

‫فرضنا أن علة الوضوء النظافة ‪ ،‬وعلة الصلة الرياضة ‪ ،‬وعلة الصوم‬

‫الصحة ‪ ،‬وهكذا ‪ ،‬لترتب على هذلك أنه في حال عدم وجويد العلة ل‬

‫يوجد الحكم ‪ ،‬مع أن المر ليس كذلك ‪ .‬ولهذا كان التماس العلة‬

‫خطرا على الحكم ‪ ،‬وعلى القيام به ‪ ،‬فوجب أن تؤخذ أحكام‬

‫العبايدات كما هي يدون التماس علة لها ‪ .‬وأما الحكمة فإن ال‬

‫وحده هو الذي يعلمها ‪ ،‬وعقلنا ل يمكنه إيدراك حقيقة هذات ال ‪،‬‬ ‫فل يدرك حكمته ‪ .‬أما ما وريدت به النصوص من حكم ‪ ،‬كقوله‬

‫تعالى ))إن الصلة تنهى عن الفحشاء والمنكر(( وكقوله ))ليشهدوا‬ ‫منافع لهم(( وكقوله ))وما آتيتم من زكاة تريدون وجه ال فأولئك هم‬ ‫المضعفون(( وغير هذلك من حكم نصت عليها النصوص ‪ ،‬فإنه‬

‫يقتصر فيها على النص وتؤخذ منه ول يقاس عليه ‪ .‬وما لم يريد‬

‫بحكمته نص ل تلتمس له حكمة ‪ ،‬كما ل تلتمس له علة ‪.‬‬ ‫‪41‬‬


‫هذا في العبايدات ‪ ،‬وأما الخلق فإنها قيمة جعلت لها أحكام‬

‫في بيان الفضاقئل والمكارم وأضدايدها ‪ ،‬كما جعلت من نتاقئج‬

‫العبايدات ‪ ،‬ومما يجب أن يلحظ في المعاملت ‪ ،‬لن السلم‬

‫يهدف في تشريعه السير بالنسان في طريق الكمال ‪ ،‬حتى يصل‬ ‫إلى أعلى مرتبة يستطيعها ‪ ،‬فيحرص على اتصافه بعليا الصفات‬ ‫ويحرص على بقاء التصاف بها ‪ .‬والخلق الحسن قيمـة يراعى‬

‫تحقيقها حين التصاف به ‪ ،‬فهو خاص بالفضاقئل التي نص عليها‬

‫الشرع ‪ ،‬وتراعى قيمته حين القيام بهذه الفضاقئل وحين التصاف بها‬

‫‪ .‬والخلق جزء من الشريعة السلمية ‪ ،‬وقسم من أوامر ال‬

‫ونواهيه ‪ ،‬ل بد من تحقيقها في نفس المسلم ليتم عمله بالسلم‬

‫ويكمل قيامه بأوامـر ال ونواهيه ‪.‬‬

‫والصفات الخلقية ل يتصف بها المسلم لذاتها ول لما فيها من‬

‫منفعة ‪ ،‬بل يتصف بها لن ال أمر بها فقط ل لي شيء آخر ‪ ،‬فل‬

‫يتصف المسلم بالصدق لذات الصدق ول لما فيه من منفعة ‪ ،‬بل‬ ‫لن الشرع أمر به ‪.‬‬

‫‪42‬‬


‫أما عدم اتصاف المسلم بالخلق لذات الخلق فيرجع إلى وصف‬

‫الفعال ‪ ،‬فقد يكون الفعل الذي فعله النسان لذاته قبيحا هو يظنه‬ ‫حسنا فيقوم به ‪ ،‬وقد تكون الصفة التي اتصف بها لذاتها صفة‬

‫قبيحة وهو يظنها صفة حسنة فيتصف بها وهنا يقع الخطأ من قيام‬

‫النسان بالخلق لذات الخلق ‪ .‬وما لم يعين السلم الصفات‬ ‫الحميدة والصفات الريديئة ‪ ،‬ويقوم بها المسلم على أساس هذا‬

‫البيان ‪ ،‬ل يمكن أن يكون اتصافه بهذه الصفات متفقا مع الحكام‬ ‫الشرعية ‪ ،‬ولذلك ل يجوز للمسلم أن يتصف بالصدق لذات‬

‫الصدق ‪ ،‬ول يرحم الضعيف لذات الرحمة ‪ ،‬ول يتصف بكافة‬

‫الخلق لذات الخلق ‪ ،‬بل يتصف بها لن ال أمر بها ‪ ،‬إهذ أن‬ ‫هذه الخلق إنما تستند إلى العقيدة السلمية ‪ ،‬وهذا هو المر‬

‫الجوهري فيها ‪ .‬وهذا هو الذي يكفل تمكن الخلق من النفس ‪،‬‬ ‫وبقاءه مطهرا لها من كل يدنس ‪ ،‬ويجعلها بعيدة عن أن تتسرب إليها‬

‫أسباب تفسدها ‪ .‬ولذلك كانت الوقاية للخلق ‪ ،‬أن يقتصر فيه على‬ ‫ما وريد به النص ‪ ،‬وأن يحصر في الساس الروحي ويبنى على‬ ‫العقيدة السلمية ‪.‬‬

‫‪43‬‬


‫وأما عدم اتصاف النسان بالخلق لما فيه من منفعة فهو يرجع‬

‫إلى أن المنفعة ليست مقصويدة من الخلق ‪ .‬ول يجوز أن تكون‬ ‫مقصويدة ‪ ،‬لئل تفسده ولئل تجعله يداقئرا معها حيث يدارت ‪.‬‬

‫والخلق صفات ل بد أن يتصف بها النسان طوعا واختيارا بدافع‬ ‫تقوى ال ‪ .‬ول يقوم المسلم بالعمال الخلقية لنها تنفع أو تضر‬

‫في الحياة ‪ ،‬بل يقوم بها إجابة لوامر ال ونواهيه ‪ .‬وهذا هو الذي‬ ‫يجعل التصاف بالخلق الحسن يداقئميا وةثابتا ‪ :‬ل يدور حيث تدور‬ ‫المنفعة ‪.‬‬

‫وهذه الخلق القاقئمـة على تبايدل المنفعة تجعل صاحـبها منافقا‬

‫‪ :‬يكون باطنه غير ظاهره ‪ ،‬لن الخلق عنده بنى على المنفعة ‪،‬‬

‫فيدور في نفسه حيثما تدور المنفعة ‪ ،‬لن النسان يدير الحكام‬ ‫المعللة على عللها ‪ ،‬ول يعتقد بوجويدها ول بوجوبها إهذا رأى أن‬

‫علتها قد زالت ‪.‬‬

‫ولذلك كانت الخلق غير معللة ‪ ،‬ول يجوز أن تعلل مطلقا ‪،‬‬

‫بل تؤخذ كما وريد بها الشرع بغض النظر عن أي علة من العلل ‪.‬‬

‫‪44‬‬


‫ومن الخطأ والخطر تعليل الخلق ‪ ،‬حتى ل يبطل التصاف بها‬

‫بزوال علتها ‪.‬‬

‫ومن هنا يتبين أن المقصويد من العبايدات القيمة الروحية فقط ‪،‬‬

‫والمقصويد من الخلق القيمة الخلقية فقط ‪ .‬ويجب أن يقتصر بها‬ ‫على هذه القيمة المقصويدة منها يدون غيرها ‪ .‬ول يجوز بيان ما في‬ ‫العبايدات والخلق من فواقئد ومنافع ‪ ،‬لن هذا البيان خطر عليها‬

‫يسبب النفاق في المتعبدين والمتخلقين ‪ ،‬ويجر إلى ترك العبايدات‬

‫والخلق حين ل تظهر فواقئدها ول تبرز منافعها ‪.‬‬

‫وأما الحكام الشرعية المتعلقة بأعمال النسان في علقته مع‬

‫النسان فإن النصوص الواريدة أيدلة لها منها ما اشتمل على علة‬

‫كقوله تعالى في إعطاء فيء بني النضير للمهاجرين يدون النصار‬

‫))كيل يكون يدولة بين الغنياء منكم(( ومنها ما لم يشتمل على علة‬

‫كقولة تعالى ))وأحل ال البيع وحرم الربا(( فما وريد النص فيه من‬

‫الحكام معلل فإنه يعلل ويقاس عليه ‪ ،‬وما وريد النص فيه غير معلل‬ ‫ل يعلل مطلقا وبالتالي ل يقاس عليه ‪ .‬والعلة المعتبرة إنما هي العلة‬

‫الشرعية أي التي يدل عليها النص الشرعي من الكتاب والسنة لنهما‬ ‫‪45‬‬


‫وحدهما النصوص الشرعية ‪ .‬ولذلك كانت العلة التي بنى عليها‬

‫الحكم الشرعي المعلل علة شرعية وليست علة عقلية ‪ ،‬أي أنها‬ ‫يجب أن تكون قد وريد بها النص إما صراحة أو يدللة أو استنباطـا أو‬

‫قياسا ‪ ،‬وهذه العلة تدور مع المعلول وجويدا وعدما ‪ ،‬فتدور الحكام‬ ‫مع عللها حيث يدارت ‪ ،‬فترى الشيء الواحد يمنع في حال لعلة‬

‫شرعية فإهذا زالت هذه العلة جاز هذا الشيء ‪ ،‬فالحكم الشرعي‬

‫يدور مع العلة وجويدا وعدما ‪ ،‬فإهذا وجدت العلة وجد الحكم وإهذا‬

‫عدمت العلة عدم الحكم ‪.‬‬

‫إل أن انتفاء الحكم لنتفاء علته ل يعني مطلقا أن الحكم تغير‬

‫بل الحكم الشرعي للمسألة هو هو لم يتغير وإنما زال الحكم بزوال‬ ‫علته ويرجع الحكم برجوع علته ‪.‬‬

‫وكون الحكم يدور مع العلة وجويدا وعدما ل يعني تغير هذه‬

‫الحكام بتغير الزمان والمكان ‪ ،‬بدعوى أن جلب المصالح ويدرء‬

‫المفاسد هي علة للحكام الشرعية وهذه تتغير بتغير الزمان والمكان‬ ‫فيتغير الحكم بتغيرها ‪ ،‬وهذلك لن جلب المصالح ويدرء المفاسد‬

‫ليسا علة للحكام الشرعية مطلقا ‪ ،‬فإنه لم يريد أي نص يدل على‬ ‫‪46‬‬


‫أن جلب المصالح ويدرء المفاسد علة للحكام الشرعية ‪ ،‬ول وريد‬ ‫أي نص يدل على أنها علة لحكم معين ‪ ،‬فل تكون علة شرعية ‪.‬‬

‫ةثم أن العلة الشرعية إنما يدل عليها الشرعي فل بد أن يتقيد به‬

‫وأن يوقف عند يدللته ‪ ،‬وهو لم يدل على جلب مصلحة ول على‬ ‫يدرء مفسدة ‪ ،‬فتكون العلة الشرعية هي ما جاء به وليست جلب‬

‫المصلحة ول يدرء المفسدة ‪ ،‬وهذا الذي جاء به النص لم يدل عليه‬

‫الزمان والمكان ‪ ،‬ول يدل عليه الفعل ‪ ،‬وإنما يدل عليه النص‬

‫الشرعي في بيان علة الحكم ‪ ،‬وهذا النص ل يتغير مطلقا فل قيمة‬

‫للزمان والمكان هنا كما أنه ل قيمة لجلب المصلحة ويدرء‬ ‫المفسدة ‪.‬‬

‫وعلى هذلك فإن الحكام الشرعية ل تتغير بتغير الزمان والمكان‬

‫بل الحكم الشرعي هو هو ل يتغير مهما اختلفت الزمنة والمكنة ‪.‬‬ ‫وأما تغير العرف والعايدة عند الناس فل يؤةثر في تغير الحكم ‪،‬‬

‫لن العرف ليس علة للحكم ول أصل له ‪ .‬فالعرف أما أن يكون‬

‫مخالفا للشرع أو غير مخالف ‪ ،‬فإن كان مخالفا للشرع فالشرع‬

‫جاء لينسخه ويغيره ‪ ،‬لن من عمل الشريعة تغيير العراف والعايدات‬ ‫‪47‬‬


‫الفاسدة ‪ ،‬لنها هي التي تسبب فسايد المجتمع ‪ .‬ولذلك ل تتخذ‬

‫أصل للحكم الشرعي ول علة له ‪ ،‬ول يتغير الحكم من أجلها ‪ .‬وإن‬ ‫كان غير مخالف للشرع يثبت الحكم بدليله وعلته الشرعية ل بهذا‬ ‫العرف ‪ ،‬ولو لم يخالف الشرع ‪ .‬وعلى هذلك فل تحكم العايدة‬

‫بالشرع ‪ ،‬بل يحكـم الشرع بالعراف والعايدات ‪ ،‬وعليه فللحكام‬

‫الشرعية يدليل هو النص ولها علة شرعية ‪ ،‬وليس العرف والعايدة من‬

‫هذلك مطلقا ‪.‬‬

‫وأما صلحية الشريعة السلمية لكل زمان ومكان فهي آتية من‬

‫جهة أن الشريعة السلمية تعالج مشاكل النسان في جميع الزمنة‬ ‫والمكنة بأحكامها ‪ ،‬وتتسع لمعالجة كافة مشاكل النسان مهما‬

‫تجديدت وتنوعت ‪ ،‬لنها حين تعالج مشاكل النسان إنما تعالجه‬ ‫بوصفه إنسانا ل بأي وصف آخر ‪.‬‬

‫والنسان في كل زمان ومكان هو النسان في غراقئزه وحاجاته‬

‫العضوية ل يتغير أبدا ‪ ،‬فكذلك أحكام معالجاته ل تتغير والمتغير‬

‫هو أشكال حياة النسان ‪ ،‬وهذه ل تؤةثر على وجهة نظره في الحياة‬ ‫‪ .‬أما ما يتجديد من مطالب متعديدة للنسان فهو ناجم عن تلك‬ ‫‪48‬‬


‫الغراقئز والحاجات العضوية ‪ ،‬وقد جاءت الشريعة واسعة لمعالجة‬ ‫هذه المطالب المتجديدة والمتعديدة مهما تنوعت ومهما تغيرت‬

‫أشكالها ‪ .‬وقد كان هذلك سببا من أسباب نمو الفقه ‪ .‬إل أن هذه‬

‫السعة في الشريعة ل تعني أنها مرنة بحيث تكون منطبقة على كل‬

‫شيء ولو ناقضها ‪ ،‬ول تعني أنهـا متطورة بحيث تتبدل مع الزمن ‪،‬‬ ‫بل يعني اتساع النصوص لستنباط أحكام متعديدة ‪ ،‬ويعني اتساع‬

‫الحكام لنطباقها على مساقئل كثيرة ‪ ،‬فمثل يقول ال تعالى ))فإن‬ ‫أرضعن لكم فآتوهن أجورهن(( فإن هذه الية يستنبط منها حكم‬

‫شرعي هو أن المطلقة تستحق أجرة الرضاع ‪ ،‬ويستنبط منها حكم‬

‫شرعي أيضا أن الجير أيا كان يستحق الجرة إهذا قام بعمله ‪ ،‬سواء‬ ‫أكان أجيرا خاصا أو أجيرا عاما ‪ .‬وهذا الحكم ينطبق على مساقئل‬

‫عديدة منها أن موظف الحكومة ‪ ،‬والعامل في المصنع ‪ ،‬والفلح‬

‫في المزرعة ‪ ،‬ومن شاكلهم يستحق كل منهم أجرته إهذا أتم عمله ‪،‬‬ ‫لنه أجير خاص ‪ .‬وأن النجار الذي عمل الخزانة ‪ ،‬والخياط الذي‬

‫خاط الثوب ‪ ،‬والحذاء الذي صنع الحذاء ومن شاكلهم يستحق كل‬ ‫منهم أجرته إهذا قام بعمله لنه أجير عام ‪ .‬وبما أن الجارة عقد بين‬ ‫‪49‬‬


‫مستأجر وأجير فإنه ل يدخل فيها الحاكم ‪ ،‬لنه غير أجير عند المة‬

‫‪ ،‬وإنما هو منفذ للحكام الشرعية ‪ ،‬أي مطبق للسلم ‪ ،‬وعلى‬

‫هذلك ل يستحق الخليفة أجره على قيامه بعمله ‪ ،‬لنه بويع لتنفيذ‬

‫الشرع وحمل الدعوة السلمية فهو ليس أجيرا عند المة وكذلك‬ ‫معاونوه أعضاء الهيئة التنفيذية والولة ل يستحقون أجرة على القيام‬

‫بعملهم لن أعمالهم حكم فهم ليسوا أجراء ‪ ،‬ولذلك ل يأخذون‬

‫أجرة وإنما يقدر لهم مقدار ما يقوم بحاجاتهم لنشغالهم عن القيام‬ ‫بأمورهم الخاصة ‪.‬‬

‫فهذا التساع بالنصوص لستنباط أحكام متعديدة ‪ ،‬والتساع‬

‫بالحكام لنطباقها على مساقئل كثيرة ‪ ،‬وهو الذي جعل الشريعة‬ ‫السلمية وافية بمعالجة كافة مشاكل الحياة في كل زمان ومكان‬

‫وكل أمة وجيل وهو ليس مرونة ول تطورا ‪ .‬ويدليل الحكم الشرعي‬

‫من النص كتابا كان أو سنة إنما هو لمعالجة المشكلة القاقئمة ‪ ،‬لن‬

‫الشارع قصد اتباع المعاني ل الوقوف على النصوص ‪ ،‬ولذلك يراعى‬ ‫في استنباط الحكام وجه العلة من الحكم ‪ ،‬أي تراعى في النص‬ ‫حين استنباط الحكم من الناحية التشريعية ‪.‬‬ ‫‪50‬‬


‫والدليل إما أن يكون مشتمل على علة الحكم أو تؤخذ العلة من‬

‫يدليل آخر أو من مجموع أيدلة ‪ ،‬والحكم وأن كان يستنبط من يدليله‬

‫لكن يراعى فيه وجه العلة ول تلتزم فيه الصورة الواريدة في النص التي‬

‫جاءت لمعالجة المشكلة التي كانت قاقئمة ‪ ،‬مثال هذلك قول ــه تعالى‬ ‫))وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو‬

‫ال وعدوكم(( فالحكم هو إعدايد القوة ‪ ،‬والمشكلة التي كانت‬

‫قاقئمة تعالج بإعدايد القوة ومنها رباط الخيل ‪ ،‬ووجه العلة من الحكم‬ ‫هو إرهاب العدو ‪ .‬فحين نستنبط اليوم من هذا الدليل حكم‬

‫العدايد نراعى وجه العلة من الحكم فنعد ما يحقق إرهاب العدو ‪،‬‬ ‫ول نلتزم ما عولجت به المشكلة التي كانت قاقئمة ‪ ،‬بما وريد في‬ ‫النص من رباط الخيل ‪.‬‬

‫وهكذا يعمل في كل يدليل يستنبط منه حكم لن المرايد تحقيق‬

‫وجه العلة من الحكم ‪ .‬وعلى هذلك فالشرع السلمي يقضي في‬

‫الحكام المتعلقة بين الناس في المعاملت أن تبنى على عللها وأن‬ ‫تراعى في النصوص عند استنباط الحكام منها الناحية التشريعية ل‬ ‫الصورة الواريدة في النص ‪.‬‬

‫‪51‬‬


‫وكما يكون نص الكتاب والسنة يدليل شرعيا على الحكم‬

‫فكذلك الجماع والقياس يعتبران من اليدلة الشرعية ‪ .‬وعلى هذلك‬ ‫فاليدلة الشرعية التفصيلية للحكام الشرعية هي الكتاب والسنة‬

‫والجماع والقياس ‪ ،‬وأما مذهب الصحابي في مساقئل الجتهايد فل‬ ‫يكون يدليل شرعيا لن الصحابي من أهل الجتهايد والخطـأ ممكن‬ ‫عليه ‪ ،‬على أن الصحابة اختلفوا في مساقئل وهذهب كل واحد إلى‬

‫خلف مذهب الخر ‪ ،‬فلو جعل مذهب الصحابي حجة لكانت‬

‫حجج ال مختلفة متناقضة ‪ .‬وبذلك ل يعتبر مذهب الصحابي يدليل‬ ‫شرعيا وإنما هو كباقي المذاهب المعتبرة يجوز الخذ به ‪ .‬أما ما‬ ‫اتفق عليه الصحابة من أحكام فهو ليس مذهبا لهم وإنما هو‬

‫الجماع ‪.‬‬

‫وأما شرع من قبلنا فإنه ل يعتبر شرعا لنا ول يعتبر من اليدلة‬

‫الشرعية ‪ .‬وانه وإن كانت العقيدة السلمية توجب اليمان بالنبياء‬

‫والرسل جميعهم وبالكتب التي أنزلت عليهم لكن معنى اليمان بهم‬ ‫هو التصديق بنبوتهم ورسالتهم وبما أنزل عليهم من كتاب ‪ ،‬وليس‬ ‫معنى اليمان بهم اتباعهم ‪ ،‬لنه بعد بعثة محمد عليه الصلة‬ ‫‪52‬‬


‫والسلم أصبح جميع الناس مطالبين بترك أيديانهم واعتناق السلم‬

‫لنه لم يبق اعتبار لدين غير يدين السلم ‪ ،‬قال تعالى ))إن الدين‬ ‫عند ال السلم(( وقال تعالى ))ومن يبتغ غير السلم يدينا فلن‬

‫يقبل منه(( وهذا صريح ‪ .‬وقد استنبط منه قاعدة <شرع من قبلنا‬ ‫ليس شرعا لنا> والدليل على هذلك هو أن الصحابـة أجمعوا على أن‬

‫شريعة محمد صلى ال عليه وسلم ناسخة لجميع الشراقئع السالفة ‪.‬‬

‫ولن ال تعالى يقول ‪)) :‬وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين‬ ‫يديه من الكتاب ومهيمنا عليه(( أي مسيطرا ومسلطا ‪ ،‬وهيمنة‬

‫القرآن على الكتب السالفة هي نسخ للشراقئع السالفة ‪ .‬أي مصدقا‬

‫بها وناسخا لها ‪ .‬وروي عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه رأى مع‬

‫عمر بن الخطاب قطعة من التوراة ينظر فيها فغضب وقال )ألم آت‬

‫بها بيضاء نقية ولو أيدركني أخي موسى لما وسعه إل اتباعي( على أن‬ ‫كثيرا من مشاعر الحج كالطواف حول الكعبـة ولمس الحجر‬

‫السويد وتقبيله والسعي بين الصفا والمروة كانت في أيام الجاهلية ‪،‬‬ ‫ونحن حين نعملها ونتعبد بها ل نقوم بها باعتبارها مشاعر لشريعة‬

‫سابقة بل نقوم بها باعتبارها شريعة إسلمية ‪ ،‬لن السلم جاء بها‬ ‫‪53‬‬


‫أحكاما شرعية جديدة ‪ ،‬ل إقرارا بشريعة سابقة ‪ ،‬وكذلك كل ما جاء‬

‫في جميع الديانات السابقة ل نقوم به مطلقا ‪ ،‬ونقوم بما جاءت به‬

‫الشريعة السلمية فقط ‪ .‬ولذلك كان النصراني واليهويدي مخاطبين‬

‫بشريعة السلم ومأمورين بترك شريعتهما ‪ ،‬لن السلم نسخ‬

‫شريعتهما ‪ .‬فإهذا كان هذلك واجبا على اتباع الشريعة اليهويدية وهم‬ ‫اليهويد والنصارى ‪ ،‬فيكف يطلب من المسلم أن يتخذ شريعة من‬ ‫قبله شريعة له ؟ أما قوله تعالى ))إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى‬

‫نوح(( فإن المرايد أنه أوحى إليه كمــا أوحى إلى غيره من النبيين‬

‫وقوله تعالى ))شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا(( معناه شرع‬

‫اصل التوحيد وهو ما وصى به نوحا ‪ .‬وقوله تعالى ))ةثم أوحينا إليك‬ ‫أن اتبع ملة إبراهيم(( معناه اتبع أصل التوحيد لن الملة معناها أصل‬ ‫التوحيد ‪ .‬والمرايد بجميع هذه اليات وما شابهها بيان أنه عليه‬

‫الصلة والسلم ليس بدعا من الرسل بل أرسل كما أرسل غيره ‪،‬‬

‫وأن أصل التوحيد هو الدين وهو ما اشترك به جميع النبياء والرسل‬ ‫‪ ،‬أما ما عدا هذلك فكل رسول أرسل بدين ‪ ،‬قال تعالى ))لكل جعلنا‬ ‫منكم شرعة ومنهاجا(( ‪.‬‬

‫‪54‬‬


‫وعلى هذلك فإن شرع من قبلنا ليس شرعا لنا ول يعتبر من اليدلة‬

‫الشرعية التي تستنبط منها الحكام ‪.‬‬

‫والصل في استنباط الحكام أن يكون للمجتهدين لن معرفة‬

‫حكم ال في المسألة ل تكون إل بالجتهايد ‪ ،‬ولذلك كان ل بد من‬ ‫الجتهايد ‪ .‬وقد نص علماء الصول على أن الجتهايد فرض كفاية‬

‫على المسلمين ول يجوز أن يخلو عصر من العصار من مجتهد ‪،‬‬ ‫وإهذا اتفق الكل على ترك الجتهايد أةثموا ‪ ،‬وهذلك لن طريق معرفة‬

‫الحكام الشرعية إنما هو الجتهايد ‪ ،‬فلو خل العصر من مجتهد‬ ‫يمكن الستنايد إليه في معرفة الحكام أفضى هذلك إلى تعطيل‬

‫الشريعة واندراس الحكام وهذلك ل يجوز ‪ .‬إل أن للجتهايد شروطا‬

‫فصلها علماء الصول وهو يحتاج إلى إطلع واسع وفهم صحيح‬ ‫للنصوص ومعرفة كافية للغة العربية ‪ .‬ويحتاج إلى فقه بالمساقئل‬ ‫الشرعية ووقوف على أيدلتها ‪.‬‬

‫ولذلك ل يسمى أخذ الحكم يدون روية ول إنعام نظر استنباطا ‪،‬‬

‫كما ل يسمى مجريد ظهور مصلحة في حكم ما ةثم الحتيال على‬

‫‪55‬‬


‫النصوص وتحميلها ما ل يقصد منها لستنباط هذا الحكم اجتهايدا ‪،‬‬

‫بل هذلك جرأة على يدين ال يستحق المقدم عليها العذاب من ال ‪.‬‬ ‫نعم إن باب الجتهايد مفتوح ولكنه مفتوح للعلماء ل للجهلء ‪.‬‬

‫والمجتهدون ةثلةثة ‪ :‬مجتهد مطلق ‪ ،‬ومجتهد مذهب ‪ ،‬وهذا النوعان‬ ‫لهما شروط خاصة ‪ .‬وأما الثالث فهو مجتهد المسألة الواحدة ‪.‬‬

‫وهو القايدر على فهم النص وتتبع المسألة الواحدة ويدليلها ويدليل‬ ‫المجتهدين فيها ‪ .‬وهو لزم لكل مسلم يريد أن يعرف أحكام ال ‪.‬‬

‫فإن الشرع جعل الصل في المسلم أن يأخذ بنفسه الحكم من‬

‫الدليل ‪ ،‬أي أن يكون مجتهدا في الدين في المساقئل التي تلزمه ‪.‬‬

‫ولكن بعد تدوين مذاهب المجتهدين وتركيز القواعد والحكام‬

‫ضعفت فكرة الجتهايد في النفوس وقل المجتهدون فغلب على‬

‫المسلمين التقليد وندر فيهم الجتهايد ‪ ،‬حتى وصل طغيان فكرة‬

‫التقليد أن وجد من يقول بإقفال باب الجتهايد وبوجوب التقليد ‪،‬‬

‫ومن أجل هذلك صارت الكثرية الساحقة في المسلمين إن لم يكن‬ ‫كلهم من المقلدين ‪.‬‬

‫‪56‬‬


‫والمقلد فريقان ‪ :‬متبع وعامي ‪ ،‬والفرق بين المتبع والعامي أن‬

‫المتبع يأخذ الحكم الذي استنبطه أحد المجتهدين بعد اقتناعه‬

‫بالدليل الذي استند إليه ول يتبعه يدون أن يعرف يدليله ‪ ،‬وأما العامي‬

‫فهو الذي يقلد المجتهد بالحكم الشرعي يدون أن يبحث عن الدليل‬ ‫‪ .‬والمتبع أحسن حال من العامي وقد كان المتقدمون أكثرهم من‬ ‫المتبعين لعنايتهم باليدلة ‪ ،‬ولما جاء العصر الهابط وتعسر على‬

‫الناس التباع صاروا يقلدون القئمة والمجتهدين بالحكام من غير‬

‫بحث عن الدليل ‪ ،‬وقد شجعهم على هذلك سكوت العلماء ورضاهم‬ ‫بأن يكون الشخص عاميا ولو كان من المتعلمين ‪ ،‬وإنما سكت‬

‫العلماء عن هذلك لن التقليد من حيث هو جاقئز سواء أكان المقلد‬ ‫متبعا أو عاميا إل أن الصل في المسلم أن يأخذ الحكم من يدليله‬

‫ولكنه يجوز له أن يقلد فيجوز له أن يكون متبعا ‪ ،‬أي يعرف الحكم‬ ‫ويعرف يدليله ويقتنع به ‪ ،‬وهذا يجعل المسلم أهل للجتهايد ولو في‬

‫المسألة الواحدة ‪ .‬وهذا يلزمنا في العصر الحاضر ‪ .‬وليست الفتاوى‬ ‫من باب الجتهايد في المسألة الواحدة ‪ ،‬لنها ل تدخل في الجتهايد‬

‫‪ ،‬بل هي أحط أنواع التأليف في الفقه ‪ ،‬وهذلك أنه أتى بعد عصر‬ ‫‪57‬‬


‫المجتهدين عصر تلميذهم وتلميذ تلميذهم ‪ ،‬وانصرف هؤلء إلى‬

‫شرح آراء المذهب وبيان قواعده وتركيز آراقئه ‪ .‬ويعتبر هذا العصر‬ ‫هو العصر الزاهر للفقه ألفت فيه أمهات كتب الفقه في مختلف‬ ‫المذاهب ‪ .‬وهي التي تعتبر عمدة المراجعة للمساقئل الفقهية ‪.‬‬

‫واستمر هذا حتى القرن السابع الهجري ‪ ،‬ةثم جاء بعد عصور‬

‫النحطاط الفقهي وهي عصور الشروح والتحشية ‪ ،‬وأكثرها خال من‬ ‫البداع والستنباط والجتهايد حتى في المسألة الواحدة ‪ ،‬ةثم جاء‬

‫بعد هذلك عصر أحط جاء فيه علماء جروا على طريقة سريد المساقئل‬

‫والحكام يدون إيرايد وجوهها وفروعها ‪ ،‬وسميت هذه المساقئل‬

‫بالفتاوى ‪ .‬ولذلك ل يصح أن تتخذ مرجعا للحكام كما ل يصح‬

‫أن تتخذ هذه الفتاوى مرجعا للحكام الشرعية لبعدها عن طريقة‬ ‫الجتهايد في استنباط الحكام ‪.‬‬

‫وكذلك ل يجوز أن تتخذ المراجع التي ألفت على طريقة التقنين‬

‫التشريعي مرجعا للحكام الشرعية ومستندا لها ‪ ،‬لنها مظهر من‬ ‫مظاهر التقليد للقوانين الغربية ‪ ،‬ولن هذا التقنين يسير بشكل‬

‫اختصار للفقه ويغلب عليها أخذ المساقئل الفقهية التي ليس لها‬ ‫‪58‬‬


‫يدليل أو ضعيفة الدليل ‪ ،‬كما تغلب عليها روح مسايرة العصر‬

‫والتأويل ليوافق وجهة نظر الغرب في حل المشاكل ‪ ،‬فضل عن‬

‫انعدام الناحية التشريعية وانعدام الجتهايد فيها ‪ .‬فهي ل تصلح لن‬

‫تطبق كما ل تصلح لن تكون مرجعا ‪ .‬ووجويدها كان وبال على‬

‫الفقـه والتشريع ‪ ،‬لنها كانت محاولة تقليدية أضعفت معرفة الناس‬

‫بالفقه السلمي ‪ ،‬مع أن الثروة الموجويدة في الفقه السلمي غزيرة‬ ‫جدا ‪ .‬وهي أوسع الثروات الفقهية عند جميع المم ‪ .‬وهي ضرورية‬ ‫للقضاة والحكام ‪ ،‬ولكن صوغها بشكل تقليدي على الصورة‬

‫القانونية قد اختصرها ومسخها ‪ ،‬وجعل القضاة جهلء في الفقه‬

‫حين يقتصرون على معرفة هذه القوانين ‪ ،‬فضل عن أنها تفقد‬

‫الصوغ القانوني ‪ ،‬لنها عبارة عن مجموعة نصوص فقهية لبعض‬

‫الفقهاء أوريدت تحت أرقام متسلسلة ‪ ،‬ولم يحاول فيها إيجايد قواعد‬

‫عامة تكون هي موضوع الموايد ‪ ،‬وتخضع لها المساقئل ‪ ،‬بل جعلت‬

‫المساقئل نفسها هي الموايد ‪ .‬وهذا ما ل يتفق مع الصياغة القانونية ‪،‬‬

‫حتى أن ما جاء من بعض الموايد في قواعد قد جاء بقواعد غير‬ ‫شاملة وما هي إل تعاريف منقولة عن كتب الفقه وتكايد تكون‬ ‫‪59‬‬


‫جميعها على هذا المنوال ‪ .‬ولذلك ل يجوز أن تؤخذ هذه القوانين‬ ‫ول تتخذ مرجعا لفسايد أسلوبها وضحالة معلوماتها وبعدها عن‬

‫الحكام الشرعية المعتبرة المستندة إلى اليدلة التفصيلية ‪.‬‬

‫ولوضع الدستور والقوانين لضمان فقه القضاة والحكام لها‬

‫تسلك في التشريع الطريق التية ‪:‬‬

‫‪ 1‬ـ أن تدرس المشاكل النسانية وأن يوضع يدستور عام لها‬

‫يكون بشكل قواعد كلية عامة أو أحكام شرعية كلية ‪ ،‬وأن تكون‬

‫مستمدة من الفقه السلمي ‪ ،‬على أن تؤخذ إما من رأي مجتهد من‬

‫المجتهدين مع معرفة أيدلتها والقتناع بها ‪ ،‬وإما من الكتاب والسنة‬

‫أو الجماع أو القياس ولكن باجتهايد شرعي ولو اجتهايدا جزقئيا وهو‬ ‫اجتهايد المسألة ‪ ،‬وأن يشار في السباب الموجبة في كل مايدة إلى‬ ‫المذهب الذي اعتمدت عليه ويدليله أو إلى الدليل الذي استنبطت‬ ‫منه ‪ ،‬وأن ل ينظر إلى الواقع السيئ عند المسلمين ول إلى واقع‬

‫المم الخرى ول إلى النظمة غير السلمية مطلقا ‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ أن توضع الحكام الشرعية مشاريع لقوانين العقوبات‬

‫والحقوق والبينات وغيرها على الساس السابق وفق الدستور مع‬ ‫‪60‬‬


‫الشارة للمذهب والدليل ‪ ،‬على أن يكون الصوغ قانونيا بقواعد‬ ‫عامة ليكون مرجعا فقهيا للقضاة والحكام ‪.‬‬

‫‪3‬ـ أن تجعل النصوص الشرعية والفقه السلمي وعلم أصول‬

‫الفقه المرجع لتفسير الدستور والقانون للقضاة والحكام حتى تهيأ‬ ‫لهم وساقئل الفهم العميق ‪.‬‬

‫وليس للقاضي أن يحكم بما يخالف ما تبنته الدولة من أحكام‬

‫شرعية لن أمر المام نافذ ظاهرا وباطنا وأما ما قد يريد عليه من‬

‫قضايا لم تتبن الدولة لها أحكاما فالقاضي يحكم بالحكم الشرعي‬ ‫الذي يجده منطبقا على القضية سواء أكان هذا رأيا لمجتهد من‬ ‫المجتهدين أو رأيا استنبطه هو باجتهايده ‪.‬‬

‫‪ 4‬ـ أن يلحظ حين استنباط الحكام وحين تبنيها فهم الواقع‬

‫والفقه فيه وفهم الواجب في معالجة الواقع من الدليل الشرعي وهو‬ ‫فهم حكم ال الذي حكم به في هذا الواقع ‪ ،‬ةثم يطبق أحدهما على‬

‫الخر ‪ ،‬وبعبارة أخرى أن يتوصل بمعرفة الواقع والتفقه فيه إلى معرفة‬ ‫حكم ال ‪.‬‬

‫‪61‬‬


‫وتنفذ الدولة الشرع السلمي على كل من يحمل التابعية ‪،‬‬

‫سواء من كان مسلما أو غير مسلم ‪ .‬أما غير المسلمين فيتركون وما‬ ‫يعتقدون وما يعبدون ‪ ،‬ويعاملون في أمور المطعومات والملبوسات‬

‫حسب أيديانهم ضمن النظام العام ‪ ،‬وتفصل أمور الحوال الشخصية‬ ‫بينهم كالزواج والطلق مثل حسب أيديانهم ‪ .‬وأما باقي أمور‬

‫الشريعة السلمية من معاملت وعقوبات ومن نظم حكم واقتصايد‬

‫وغيرها فإنها تنفذ على الجميع ‪ ،‬ويكون تنفيذها على المسلمين‬

‫وعلى غير المسلمين سواء ‪ .‬وأما المسلمون فإن الدولة تنفذ عليهم‬ ‫الشرع السلمي جميعه من عبايدات وأخلق ومعاملت وعقوبات‬

‫الخ ‪ . . .‬وواجب الدولة أن تطبق السلم كامل ‪ ،‬وأن تعتبر تطبيقـه‬ ‫على غير المسلمين يدعوة لهم إلى السلم ‪ ،‬لن الشرع عام لبنى‬

‫النسان ‪ ،‬فتطبقه الدولة في أي بليد تحكمها ‪ ،‬لحمل الدعوة لها ‪،‬‬

‫لن سر الفتوحات السلمية إنما هو حمل يدعوة السلم ‪.‬‬

‫والسلم عقيدة ينبثق عنها نظام ‪ ،‬وهذا النظام هو الحكام‬

‫الشرعية المستنبطة من اليدلة التفصيلية ‪ .‬وقد بين السلم في‬

‫النظام الكيفية التي تنفذ بها أحكامه بأحكام شرعية ‪ .‬وهذه الحكام‬ ‫‪62‬‬


‫الشرعية التي تبين كيفية التنفيذ هي الطريقة وما عداها هو الفكرة ‪،‬‬

‫ومن هنا كان السلم فكرة وطريقة ‪ .‬فالعقيدة والحكام الشرعية‬ ‫التي تعالج مشاكل النسان هي الفكرة ‪ ،‬والحكام الشرعية التي‬

‫تبين كيفية تنفيذ هذه المعالجات والمحافظة على العقيدة ‪ ،‬وحمـل‬

‫الدعوة ‪ ،‬هي الطريقة ‪ ،‬ولهذا كانت طريقة السلم من جنس فكرته‬

‫وكانت جزءا منه ‪ .‬فل يجوز أن يقتصر في الدعوة إلى السلم على‬

‫بيان فكرته بل يجب أن تشمل الطريقة أيضا ‪ .‬ولهذا كان المبدأ هو‬ ‫مجموع الفكرة والطريقة ‪ .‬واليمان بالطريقة كاليمان بالفكرة ‪،‬‬

‫فكان لزاما أن تكون الطريقة مع الفكرة كل ل يتجزأ وأن تربطا معا‬ ‫ربطا محكما بحيث ل تستعمل في تنفيذ الفكرة السلمية إل‬

‫الطريقة السلمية ويكون مجموعهما هو السلم الذي يحكم به‬

‫وتحمل الدعوة له ‪ .‬ومايدامت الطريقة موجويدة في الشريعة فيجب‬ ‫أن يقتصر فيها على ما وريد به الشرع وما يستنبط من نصوصه ‪.‬‬

‫وكما وريدت في الكتاب والسنة أحكام الفكرة كذلك وريدت فيهما‬

‫أحكام الطريقة ‪ ،‬فقوله تعالى ))وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم‬

‫على سواء(( من أحكام الطريقة ‪ ،‬وكذلك قوله عليه السلم )ل‬ ‫‪63‬‬


‫تتمنوا لقاء العدو وإهذا لقيتموه فاةثبتوا( من أحكام الطريقة ‪ ،‬وهكذا‬

‫ساقئر أحكام الطريقة تستنبط بالجتهايد من الكتاب والسنة والجماع‬ ‫والقياس كساقئر الحكام ‪ .‬ولما كانت السنة مبنية للكتاب كانت‬

‫الفكرة المجملة في الكتاب مفصلة في السنة وكانت الطريقة كذلك‬ ‫مجملة في القرآن مفصلة في السنة ‪ .‬ولذلك كان لزاما علينا أن‬

‫نجعل نبراس الهدى سيدنا محمدا رسول ال فنأخذ أحكام الطريقة‬ ‫من عمله الموجويد في سيرته ومن قوله وسكوته كما نأخذها من‬

‫القرآن لن هذلك كله شريعة ‪ ،‬ونجعل قدوتنا في فهم السيرة الخلفاء‬ ‫الراشدين وساقئر الصحابة ‪ ،‬كما نجعل عقلنا اليداة الفعالة للفهم‬ ‫والستنباط حسب الوجه الشرعي ‪.‬‬

‫والحكام الشرعية التي تبين كيفية التنفيذ تدل على أعمال ‪ ،‬فل‬

‫بد من القيام بهذه العمال ‪ ،‬سواء منها ما يتعلق بالتطبيق وما يتعلق‬

‫بحمل الدعوة ‪ .‬وليست هذه العمال وساقئل لن الوسيلة أيداة تتخذ‬ ‫أةثناء القيام بالعمل وتختلف باختلف العمال ‪ ،‬وتتغير حسب‬

‫الظروف ‪ ،‬ويقررها نوع العمل ‪ .‬ولذلك ل تلتزم فيها حال معينة ‪ ،‬أما‬

‫العمال التي تدل عليها الطريقة فإنها ل تتغير ‪ ،‬بل يقام بها حسب‬ ‫‪64‬‬


‫يدللة النص ‪ ،‬ول يجوز أن يؤتى بعمل غير الذي بينـه الشرع ‪ .‬ول‬ ‫يقام بعمل في غير الموضع الذي بينه الحكم الشرعي ‪.‬‬

‫والمدقق في هذه العمال التي يدلت عليها الحكام الشرعية‬

‫المتعلقة بالطريقة يجد أنها أعمال مايدية تحقق نتاقئج محسوسة‬

‫وليست هي أعمال تحقق نتيجة غير محسوسة ‪ ،‬حتى لو كان هذان‬

‫النوعان من العمال يحققان قيمة واحدة ‪ .‬فمثل الدعاء عمل يحقق‬ ‫قيمة روحية ‪ ،‬والجهايد عمل مايدي يحقق قيمة روحية ‪ ،‬لكن الدعاء‬

‫وإن كان عمل مايديا فإنه يحقق نتيجة غير محسوسة وهي الثواب ‪،‬‬ ‫وإن كان قصد القاقئم بالدعاء تحقيق قيمة روحية ‪ ،‬بخلف الجهايد‬

‫فإنه قتال العداء وهو عمل مايدي يحقق نتيجة محسوسة وهي فتح‬ ‫الحصن أو المدينة أو قتل العدو وما شاكل هذلك ‪ ،‬وأن كان قصد‬

‫المجاهد هو تحقيق القيمة الروحية ‪ .‬ومن هنا كانت أعمال الطريقة‬ ‫أعمال مايدية تحقق نتاقئج محسوسة وتختلف عن العمال الخرى ‪.‬‬

‫ولذلك ل يتخذ الدعاء طريقة للجهايد وان كان المجاهد يدعو ال ‪،‬‬

‫كما ل يتخذ الوعظ طريقة لريدع السارق وإن كان يوعظ ويوجه ‪.‬‬

‫‪65‬‬


‫قال تعالى ))وقاتلوهم حتى ل تكون فتنة ويكون الدين كله ل((‬ ‫وقال تعالى ))والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما(( ‪.‬‬

‫ولذلك ينكر كل النكار أن تكون جميع العمال التي يرايد بها‬

‫تنفيذ فكرة السلم أعمال تحقق نتيجة غير محسوسة ويعتبر هذلك‬

‫مخالفا لطريقة السلم ‪ ،‬ول فرق بين العمال التي تستعمل لتنفيذ‬

‫الحكام المتعلقة بمعالجة المشاكل وبين العمال التي تستعمل‬

‫لحمل الدعوة السلمية ‪ ،‬فمثل الصلة تعتبر من الفكرة ‪ ،‬وطريقة‬ ‫تنفيذها هي الدولة ‪ ،‬فل يجوز أن تتخذ الدولة التعليم والتوجيه‬

‫فحسب طريقة لقيام الناس بالصلة ‪ ،‬بل يجب أن تعاقب تارك‬

‫الصلة عقابا مايديا كالسجن مثل ‪ ،‬وإن كانت تقوم بالتعليم‬

‫والتوجيه ‪ .‬ومثل هذلك أيضا حمل الدعوة السلمية فإنه فكرة ‪،‬‬

‫وطريقة تنفيذها من قبل الدولة الجهايد أي قتال العداء ‪ .‬فل يجوز‬ ‫أن تستعمل قراءة صحيح البخاري في إزالة الحواجز المايدية من‬

‫أمامها ‪ ،‬بل ل بد أن تستعمل الجهايد وهو قتال العداء قتال مايديا‬

‫‪ ،‬وهكذا جميـع العمال ‪.‬‬

‫‪66‬‬


‫إل أنه يجب أن يعلم أنه وإن كان العمل الذي يدلت عليه‬

‫الطريقة عمل مايديا له نتاقئج محسوسة ‪ ،‬لكن ل بد أن يسير هذا‬ ‫العمل بأوامر ال ونواهيه ‪ ،‬وأن يقصد من تسييره بأوامر ال ونواهيه‬ ‫رضوان ال ‪ .‬كما أنه ل بد أن يسيطر على المسلم إيدراكه لصلته‬

‫بال تعالى فيتقرب إليه بالصلة والدعاء وتلوة القرآن ونحوها ‪،‬‬

‫ويجب أن يعتقد المسلم أن النصر من عند ال ‪ .‬ولذلك كان ل بد‬ ‫من التقوى المتركزة في الصدور لتنفيذ أحكام ال ‪ ،‬وكان ل بد من‬

‫الدعاء ول بد من هذكر ال ‪ ،‬ول بد من يدوام الصلة بال عند القيام‬ ‫بجميع العمال ‪.‬‬

‫هذا من ناحية الطريقة وكونها أحكاما شرعية يجب أن نلتزم بها‬

‫ول نخالفها ‪ ،‬ومن ناحية العمال وكونها أعمال تحقق نتاقئـج‬

‫محسوسة ‪ .‬أما من ناحية الوصول إلى نتاقئج فيجب أن تتبع القاعدة‬

‫العملية ‪ ،‬وهي أن يكون العمل مبنيا على الفكر ‪ ،‬ويكون من أجل‬

‫غاية معينة ‪ .‬وهذلك أن الحساس بالواقع مع المعلومات السابقة‬ ‫يجب أن ينتج فكرا ‪ ،‬ويجب أن يقترن هذا الفكر بالعمل ‪ ،‬وأن‬

‫يكون الفكر والعمل من أجل غاية معينة ‪ ،‬وأن يكون هذلك كله مبنيا‬ ‫‪67‬‬


‫على اليمان حتى يبقى النسان ساقئرا في الجو اليماني سيرا يداقئميا‬ ‫‪ .‬ول يجوز مطلقا أن يفصل العمل عــن الفكر أو عن الغاية المعينة‬ ‫أو عن اليمان ‪ ،‬فإن في هذا الفصل ـ مهما قل ـ خطرا على العمل‬

‫نفسه ‪ ،‬وعلى نتاقئجه ‪ ،‬وعلى استمراره ‪ ،‬ولذلك كان ل بد أن تكون‬ ‫الغاية المعينة مفهومة وواضحة لكل من يحاول العمل حتى يبدأ به ‪.‬‬

‫وكان لزاما أن يكون منطق الحساس هو الساس ‪ ،‬أي أن يكون‬

‫الفهم والتفكير ناجمين عن إحساس ل عن مجريد فروض لقضايـا‬

‫خيالية ‪ ،‬وأن يكون الحساس بالواقع مؤةثرا في الدماغ ‪ ،‬موجدا مع‬

‫المعلومات السابقة الحركة الدماغية التي هي الفكر ‪ ،‬وهذا هو‬ ‫الذي يحقق العمق في التفكير والنتاج في العمل ‪ .‬ومنطق‬

‫الحساس يؤيدي إلى الحساس الفكري أي إلى الحساس الذي‬

‫يقويه عند النسان الفكر ‪ .‬ولهذا يكون إحساس حملة الدعوة مثل‬

‫بعد تفهمها أقوى من إحساسهم قبل هذلك ‪.‬‬

‫ومن الخطر أن ينتقل من الحساس إلى العمل رأسـا ل إلى‬

‫الفكر ‪ ،‬لن هذا ل يغير الواقع بل يجعل النسان واقعيا رجعيا ‪:‬‬

‫يسير في عقلية منخفضة ‪ ،‬ويجعل الواقع مصدر التفكير ل موضع‬ ‫‪68‬‬


‫التفكير ‪ .‬فل بد أن يؤيدي الحساس إلى الفكر أول ‪ ،‬ةثم يؤيدي هذا‬

‫الفكر إلى العمل ‪ .‬وهذا هو الذي يمكن من الرتفاع عن الواقع ‪،‬‬

‫ويمكن العمل للنتقال إلى الوضاع الحسنة انتقال انقلبيا ‪ .‬فالذي‬

‫يحس بالواقع ةثم يعمل ‪ ،‬ل يعمل لتغيير الواقع بل يعمل لتكييف‬

‫نفسه حسب الواقع ‪ ،‬فيبقى متأخرا منحطا ‪ .‬والذي يحس بالواقع‬

‫ةثم يفكر في كيفية تغييره ‪ ،‬ةثم يعمل بناء على هذا التفكير ‪ ،‬هذا هو‬ ‫الذي يكيف الواقع حسب مبدقئه ويغيره تغييرا كليا ‪ .‬وهذا هو الذي‬ ‫يتفق مع الطريقة النقلبية التي هي الطريقة الوحيدة لستئناف‬

‫الحياة السلمية ‪ ،‬لن هذه الطريقة تفرض أن يكون الفكر ناتجا‬

‫عن إحساس ‪ ،‬وأن يتبلور هذا الفكر بحيث يرسم المخطوط‬

‫الهندسي للفكرة والطريقة في الذهن ‪ ،‬فيدرك النسان المبدأ إيدراكا‬

‫صحيحا يؤيدي إلى العمل ‪ ،‬حتى يكون الفكر قد حدث فيه انقلب‬ ‫كامل ‪ ،‬فيسير حينئذ في تهيئة الشخاص والمجتمعات والجواء‬ ‫بهذا الفكر ‪ ،‬ليحدث انقلبا في الرأي العام بعد أن يوجد الوعي‬

‫العام على المبدأ فكرة وطريقة ‪ ،‬ةثم يبدأ عن طريق الحكم في تطبيق‬ ‫المبدأ تطبيقا انقلبيا يدون قبول أي تدرج أو ترقيع ‪ .‬وهذه الطريقة‬ ‫‪69‬‬


‫النقلبية توجب أن يكون الفكر ناتجا عن إحساس ‪ ،‬وأن يقترن‬

‫بالعمل من أجل غاية معينة ‪ .‬ول يؤيدي إلى هذا إل الفكر العميق ‪.‬‬ ‫وهذا الفكر العميق يحتاج إلى ما يوجده ‪ ،‬أو ينميه ويخصبه ‪.‬‬

‫وتحتاج الطريقة النقلبية إلى إعدايد الشخاص بالمبدأ السلمي ‪،‬‬ ‫وإلى إعدايد المجتمع به ‪ .‬وإيجايد هذا الفكر العميق وإعدايد‬

‫الشخاص بالمبدأ يقتضي يدرس السلم من قبل أولئك الذين‬ ‫يريدون العمل ‪ ،‬ويقتضي كذلك يدرس المجتمع ‪ ،‬ول يتأتى هذلك إل‬

‫عن طريق تثقيف الذهن بالمعلومات ‪ .‬والدراسة أسهل الطرق وأقربها‬ ‫ليصال هذه المعلومات للذهن لتساعد إلى إيجايد الفكر ‪.‬‬

‫وللسلم طريقة خاصة في الدرس ‪ .‬واتباعها هو الذي ينتج الةثر‬

‫لهذه الدراسة ‪ .‬تلك الطريقة هي أنه يجب أن تدرس المعلومات‬

‫للعمل بها ‪ ،‬وأن يتلقاها الدارس تلقيا فكريا مؤةثـرا ‪ :‬يؤةثر في مشاعره‬

‫حتى يكون إحساسه بالحياة وتبعاتها إحساسا ناتجا عن فكر مؤةثر ‪،‬‬ ‫حتى يوجد في نفس الدارس التلهب والحماس والفكر وغزارة‬

‫المعرفة في آن واحد ويصبح التطبيق نتيجة طبيعية ‪ .‬وهذه الطريقة‬

‫في الدراسة فضل عن كونها تحدث الفهم عند الدارس ‪ ،‬وتحدث‬ ‫‪70‬‬


‫فيه القدرة على أيداء ما فهم بشكل مؤةثر ‪ ،‬فإنها توسع الفكر وتربط‬

‫الفكر بالشعور ‪ ،‬وتعلم الدارس الحقاقئق التي يعالج بها مشاكل‬

‫الحياة ‪ .‬ولهذا يجب أن تتجنب الدراسة لمجريد العلم فقط ‪ ،‬حتى‬

‫ل يكون الدارس كتابا يتحرك ‪ ،‬وأن ل تكون مجريد مواعظ‬

‫وإرشايدات ‪ ،‬وإل كانت سطحية خالية من حرارة اليمان ‪ .‬ويجب‬

‫أن ل يعتبر الدارس للسلم الدراسة مجريد علم ومواعظ ‪ ،‬بل يعتبر‬ ‫كونها علما ومواعظ خطرا على العمل ‪ ،‬والهاء وتخديرا عنه ‪.‬‬

‫وللوصول إلى لغاية التي كان من أجلها العمل يجب أن يتصور‬

‫أن هذه الغاية يحتاج الوصول إليها إلى الجد والهتمام ‪ ،‬والتقيد‬ ‫بالتزامات توجبها التبعة الحزبية بالضافة إلى التزامات السلم ‪.‬‬

‫وللسلم التزامات معينة ‪ :‬سلبية وإيجابية ‪ .‬وهي هذات تكاليف مالية‬ ‫وجسدية ونفسية ‪ .‬وهذه اللتزامات منها ما هو فرض وواجب على‬

‫كل واحد ‪ ،‬ومنها ما هو فوق الفروض والواجبات ‪ ،‬يقوم به اختيارا‬

‫أولئك الذين لديهم السمو الروحي والعقلي ‪ ،‬وهم الذين يريدون أن‬

‫يزيدايدوا تقربا من ال تعالى ‪ .‬والقيام بهذه اللتزامات ل بد منه‬

‫للوصول إلى الغاية ‪ .‬ولذلك يجب أن توطد النفس وتجبر على‬ ‫‪71‬‬


‫القيام باللتزامات المفروضة بجميع نواحيها ‪ :‬مالية وجسدية ونفسية‬

‫‪ ،‬حتى يوجد المل بالوصول إلى الغاية ‪.‬‬

‫ولنتاج العمل ل بد من تحديد المكان الذي يبدأ فيه ‪،‬‬

‫والجماعة التي يبدأ العمل بها ‪ .‬نعم إن السلم عالمي وهو ينظر‬ ‫إلى النسانية كلها ‪ ،‬ويعتبر جميع بني النسان سواء ‪ ،‬ول يقيم وزنا‬

‫لختلف البيئات والمناخ والتربة وما شاكل هذلك في الدعوة ‪ ،‬بل‬ ‫يعتبر جميع بني النسان صالحين لعتناق الدعوة ‪ ،‬ويعتبر‬

‫المسلمين مسؤولين عن تبليغ هذه الدعوة لجميع بني النسان ‪،‬‬

‫ولكنه مع هذلك ل يبدأ بالعالم لن البدء به يعتبر عمل مخفقا ول‬

‫يؤيدي إلى نتيجة مطلقا ‪ ،‬بل ل بد أن يكون البدء بالفريد ‪ ،‬وأن يكون‬ ‫النتهاء بالعالم ‪ .‬ولذلك وجب أن تحمل الدعوة في مكان تتركز فيه‬

‫حتى يصبح نقطة ابتداء ‪ ،‬ةثم يؤخذ هو أو غيره من المكنة التي‬ ‫تركزت فيها الدعوة ويتخذ نقطة انطلق تنطلق منها الدعوة في‬

‫طريقها ‪ ،‬ةثم يتخذ هو أن غيره نقطة ارتكاز تقوم فيها الدولة التي‬

‫تركز فيها الدعوة وتسير في طريقها الطبيعي ‪ :‬طريق الجهايد ‪ ،‬غير‬ ‫أنه وإن كانت المكنة تتخذ موضع العمل في كل نقطة ‪ ،‬إل أن‬ ‫‪72‬‬


‫الذي ينتقل من نقطة إلى نقطة هو الدعوة وليس المكان ‪ ،‬فتنتقل‬

‫الدعوة في جميع المكنة التي تعمل فيها في آن واحد ‪ ،‬وأنه وإن‬ ‫كان لزاما أن يحديد المكان ليكون نقطة ابتداء ةثم توجد نقطة‬

‫النطلق ونقطة الرتكاز ‪ ،‬إل أن تحديد المكان في كل نقطة من‬ ‫هذه النقاط الثلث ليس يداخل في الداقئرة التي يسيطر عليها‬

‫النسان ‪ ،‬لنه ل يملكه ‪ ،‬ول يستطيع أن يملكه ‪ ،‬وإنما هو يداخل‬ ‫في الداقئرة التي تسيطر على النسان ‪ .‬وما على النسان إل أن‬

‫يسير في العمال التي تدخل في الداقئرة التي يسيطر عليها ‪ .‬وأما‬

‫العمال التي في الداقئرة الخرى فـتأتي حسب مشيئة ال وقضاقئه ‪.‬‬ ‫وأما تعيين نقطة البتداء فتكون ـ قطعا ـ في المكان الذي يوجد‬

‫فيه من تشرق في هذهنه اللمعة الولى للدعوة ‪ ،‬ويهيأه ال لحملها ‪.‬‬

‫وقد يتحسس عدة أشخاص بهذه الحاسيس ‪ ،‬ولكن الذي هيأه ال‬ ‫لحمل الدعوة ل يعرف حتى يوجد فتبدأ الدعوة في المكان الذي‬

‫يكون فيه ‪ ،‬ويكون هذلك المكان نقطة ابتداء ‪.‬‬

‫أما نقطة النطلق فإنها تتوقف على استعدايد المجتمعات ‪ ،‬لن‬

‫المجتمعات تتفاوت في الفكار والمشاعر والنظمة ‪ ،‬فالمكان‬ ‫‪73‬‬


‫الذي يكون فيه المجتمع أصلح والجو أوفق ‪ ،‬يكون نقطة النطلق‬

‫‪ ،‬وفي الغالب يكون المكان الذي كان نقطة ابتداء هو نقطة‬ ‫النطلق ‪ ،‬وإن كان هذلك ليس ضروريا لن أصلح المكنة‬

‫للنطلق المكان الذي يكثر فيه الظلم السياسي والقتصايدي‬ ‫ويستفحل فيه اللحايد والفسايد ‪.‬‬

‫وأما نقطة الرتكاز فإنها تتوقف كذلك على نجاح الدعوة في‬

‫المجتمع ‪ ،‬فالمكان الذي لم تؤةثر الدعوة في مجتمعه ‪ ،‬ولم تستطع‬

‫أن توجد لنفسها أجواء ‪ ،‬ل يصلح لن يكون نقطة ارتكاز مهما كثر‬ ‫عديد الحاملين للمبدأ ‪ .‬والمكان الذي تهضم فيه الفكرة والطريقة‬

‫من قبل المجتمع وتسيطر على أجواقئه يصلح لن يكون نقطة ارتكاز‬

‫مهما كان عديد الحاملين للمبدأ ‪.‬‬

‫ولذلك ل يجوز لحملة الدعوة أن يقيسوا الدعوة بعديد الحاملين‬

‫لها ‪ ،‬فهذا القياس خطأ محض وخطر على الدعوة لنه يصرف حملة‬

‫الدعوة عن المجتمع إلى الشخاص ‪ ،‬وهذا يسبب البطء ‪ ،‬وربما‬

‫سبب الخفاق في هذلك المكان ‪ .‬والسر في هذلك هو أن المجتمع‬ ‫ليس مؤلفا من أفرايد كما يتوهم الكثيرون وإنما الفرايد أجزاء في‬ ‫‪74‬‬


‫الجماعة والذي يجمع بين هؤلء الفرايد في المجتمع أجزاء أخرى‬ ‫هي الفكار والمشاعر والنظمة ‪ .‬ولذلك تبعث الدعوة لتصحيح‬

‫الفكار والمشاعر والنظمة ‪ ،‬وهذه يدعوة جماعية ويدعوة للمجتمع‬

‫ل للفرايد ‪ .‬وما إصلح الفرايد إل ليكونوا أجزاء في كتلة جماعية‬

‫تحمل الدعوة إلى المجتمع ‪ .‬ولذلك يعتمد حملة الدعوة الفاهمون‬ ‫لحقيقتها على المجتمع لحمل الدعوة له ‪ ،‬ويعتبرون أن إصلح‬

‫الفريد ل يمكن أن يصلح المجتمع بل ل يمكن أن يصلحه هو‬

‫إصلحا يداقئميا ‪ ،‬وإنما يكون إصلح الفريد بإصلح المجتمع ‪،‬‬ ‫فمتى أصلح المجتمع أصلح الفريد ‪ .‬ولذلك يجب أن يوجه هم‬

‫الدعوة إلى المجتمعات وأن تكون القاعدة <أصلح المجتمع يصلح‬ ‫الفريد ويستمر إصلحه > ‪.‬‬

‫على أن المجتمع يشبه الماء في القدر الكبير ‪ :‬إهذا وضعت‬

‫تحته أو حوله ما يسبب البرويدة جمد الماء وتحول إلى جليد‬

‫"ةثلج" ‪ ،‬وكذلك إهذا وضعت في المجتمع المبايدئ الفاسدة جمد‬

‫على الفسايد وظل في التدهور والنحطاط ‪ ،‬وإهذا وضعت فيه‬

‫المبايدئ المتناقضة ظهرت فيه التناقضات ‪ ،‬وظل المجتمع يتخبط‬ ‫‪75‬‬


‫في تناقضاته وميوعته ‪ ،‬وإهذا وضعت تحت القدر نارا مشتعلة ملتهبة‬

‫سخن الماء ةثم غلى إلى فصار بخارا يدافعا محركا ‪ .‬وكذلك إهذا‬

‫وضعت في المجتمع المبدأ الصحيح كان شعلة في المجتمع حولته‬

‫حرارتها إلى غليان ةثم إلى حـركة واندفاع ‪ ،‬فيطبق المبدأ ويحمل‬

‫يدعوته لغيره من المجتمعات ‪ ،‬وأنه وإن كان تحول المجتمع من‬

‫حال إلى حالة مناقضة ‪ ،‬أو بعبارة أخرى ‪ :‬انقلبه من حال إلى حال‬ ‫ل يشاهد ‪ ،‬كما ل يشاهد تحول الماء في القدر ‪ ،‬ولكن العليمين‬

‫بالمجتمعات والواةثقين من أن المبدأ الذي يحملونه نار ونور تحرق‬

‫وتضئ يعلمون أنه في حال تحول ‪ ،‬وأنه سيصل إلى يدرجة الغليان ةثم‬

‫يدرجة الحركة والدفع قطعا ‪ ،‬ولذلك يعنون بالمجتمعات ‪.‬‬

‫ولهذا فإن المكان الذي يصلح لن يكون ارتكازا ل نعلمه ‪ ،‬لنه‬

‫يتوقف على استعدايد المجتمع ل على قوة الدعوة فحسب ‪ ،‬فإن‬

‫الدعوة السلمية في مكة كانت قوية ‪ ،‬ومع هذلك فإن مكة ‪ ،‬وإن‬

‫كانت نقطة ابتداء لها ‪ ،‬وصلحت لن تكون نقطة انطلق فانطلقت‬

‫فيها الدعوة ‪ ،‬ولكنها لم تكن صالحة لن تكون نقطة ارتكاز ‪ ،‬وإنما‬ ‫كانت نقطة الرتكاز في المدينة ‪ ،‬ولذلك هاجر إليها الرسول صلى‬ ‫‪76‬‬


‫ال عليه وسلم بعد أن اطمأن إلى مجتمعها ‪ ،‬وأقام فيها الدولة التي‬ ‫انطلقت بقوة الدعوة إلى باقي أنحاء الجزيرة ةثم إلى أنحاء الدنيا ‪.‬‬

‫ومن هنا نستطيع أن نقول أن حملة الدعوة ل يمكنهم أن يعلموا‬

‫المكان الذي يصلح لن يكون نقطة انطلق ‪ ،‬ول المكان الذي‬

‫يصلح لن يكون نقطة ارتكاز ‪ ،‬ول يمكنهم معرفته مهما أوتوا من‬

‫هذكاء وتحليل ‪ ،‬وإنما علم هذلك عند ال تعالى ‪ .‬ولهذا يجب أن‬

‫يكون استنايد حملة الدعوة إلى شيء واحد هو اليمان بال تعالى ‪،‬‬ ‫وأن يكون كل عملهم مرتكزا فقط عل هذا اليمان ل على غيره ‪.‬‬ ‫وباليمان بال ل بغيره يكون نجاح الدعوة ‪.‬‬

‫واليمان بال يوجب صحة التوكل عليه ‪ ،‬واستمدايد العون منه ‪،‬‬

‫لنه وحده الذي يعلم السر وأخفى ‪ ،‬وهو الذي يوفق حملة الدعوة‬ ‫ويهديهم سبيل الرشايد وطريق الهدى ‪ .‬ولذلك كان ل بد من قوة‬

‫اليمان ول بد من كمال التوكل على ال ويدوام استمدايد العون منه‬ ‫تعالى ‪ .‬واليمان يحتم على المؤمن اليمان بالمبدأ ‪ ،‬أي اليمـان‬

‫بالسلم ‪ ،‬لنه من عند ال تعالى ‪ .‬ويحتم أن يكون هذا اليمان‬

‫إيمانا راسخا ةثابتا ل ارتياب فيه ‪ .‬ول يحتمل أن يتطرق إليه ارتياب ‪،‬‬ ‫‪77‬‬


‫لن كل خطرة ريب في المبدأ تجر إلى الخفاق ‪ ،‬بل ربما جرت‬ ‫إلى الكفر والتمريد والعياهذ بال ‪.‬‬

‫وهذا اليمان القوى الذي ل يتطرق إليه ريب أمر حتمي لحملة‬

‫الدعوة ‪ ،‬لنه هو الذي يضمن يدوام سير الدعوة بخطى سريعة واسعة‬ ‫في طريقها المستقيم ‪ ،‬وهذا اليمان يوجب أن تكون الدعوة سافرة‬

‫متحدية كل شيء ‪ ،‬متحدية العايدات والتقاليد ‪ ،‬والفكار السقيمة ‪،‬‬

‫والمفاهيم المغلوطة ‪ ،‬متحدية حتى الرأي العام إهذا كان خاطئا ‪ ،‬ولو‬

‫تصدت لكفاحه ‪ ،‬متحدية العقاقئد واليديان ولو تعرضت لتعصب‬ ‫أهلها ‪ .‬ولذلك تتميز الدعوة المبنية على العقيـدة السلمية‬

‫بالصراحة ‪ ،‬والجرأة والقوة ‪ ،‬والفكر ‪ ،‬وتحدى كل ما يخالف‬

‫الفكرة والطريقة ‪ ،‬ومجابهته لبيان زيفه ‪ ،‬بغض النظر عن النتاقئج ‪،‬‬

‫وعن الوضاع ‪ ،‬وبغض النظر عما إهذا وافق المبدأ جمهـور الشعب أم‬

‫خالفه ‪ ،‬قبل به الناس أم رفضوه وقاوموه ‪ ،‬ولذلك ل يتملق حامل‬

‫الدعوة الشعب ول يداهنه ‪ ،‬ول يداجي من بيدهم ةثقل المجتمع من‬ ‫الحكام وغيرهم ول يجاملهم ‪ ،‬بل يتمسك بالمبدأ وحده يدون أن‬

‫يدخل في الحساب أي شيء سوى المبدأ ‪.‬‬ ‫‪78‬‬


‫وهذا اليمان يوجب أيضا أن تجعل السيايدة للمبدأ وحده أي‬

‫للسلم وحده يدون سواه ‪ ،‬وأن يعتبر غيره من المبايدئ كفرا مهما‬ ‫تنوعت واختلفت تلك المبايدئ ))إن الدين عند ال السلم(( ‪،‬‬

‫فكل من ل يؤمن بالسلم كافر في نظر السلم ‪ ،‬ولذلك ل يجوز‬ ‫مطلقا لحاملي الدعوة السلمية أن يقولوا لمن يحملون غير السلم‬

‫سواء أكان يدينا أم مبدأ ‪ :‬تمسكوا بمبدقئكم ويدينكم ‪ ،‬بل يجب أن‬

‫يدعوهم للسلم بالحكمة والموعظة الحسنة ليعتنقوه ‪ ،‬لن الدعوة‬ ‫تحتم على حملتها أن يعلموا لن تكون السيايدة للسلم وحده ‪،‬‬ ‫وليس معنى ترك غير المسلمين وما يدينون به وما يعتقدون إقرارا‬

‫بأيديانهم بل هو إجابة لمر ال الذي أوجب عدم إكراه الناس على‬ ‫اعتناق السلم ‪ ،‬وأوجب ترك الفرايد وعقاقئدهم وأيديانهم وعبايداتهم‬

‫على أن تبقى فريدية ل جماعية وأن ل يكون لها كيان في يداخل‬ ‫كيان السلم ‪ ،‬ولذلك يمنع السلم وجويد أحزاب أو تكتلت‬

‫سياسية غير إسلمية تقوم على أساس يناقض السلم ‪ ،‬ويسمح‬

‫بالحزاب والتكتلت يداخل حدويد السلم ‪ ،‬وهكذا يقتضي اليمان‬ ‫بالمبدأ إفرايده وحده بالمجتمع ‪ ،‬وأن ل يشترك معه سواه ‪.‬‬ ‫‪79‬‬


‫واليمان بالسلم غير فهم أحكامه وتشريعاته ‪ ،‬لن اليمان به‬

‫ةثبت عن طريق العقل ‪ ،‬أو عن طريق ةثبت أصلها بالعقل ‪ ،‬ولذلك ل‬ ‫يتطرق إليه ارتياب ‪ .‬أما فهم أحكامه فل يتوقف على العقل وحده‬

‫وإنما يتوقف على معرفة اللغة العربية ووجويد قوة الستنباط ‪ ،‬ومعرفة‬ ‫الحايديث الصحيحة من الضعيفة ‪ ،‬ولذلك كان على حملة الدعوة‬

‫أن يعتبروا فهمهم للحكام فهما صوابا يحتمل الخطأ ‪ ،‬وأن يعتبروا‬ ‫فهم غيرهم خطأ يحتمل الصواب ‪ ،‬حتى يتسنى لهم أن يدعوا‬

‫للسلم ولحكامه حسب فهمهم لها واستنباطهم إياها ‪ ،‬وأن يحولوا‬ ‫إفهام الخرين التي يعتبرونها خطأ يحتمل الصواب إلى أفهامهم التي‬ ‫يعتبرونها صوابا يحتمل الخطأ ‪ .‬ولذلك ل يصح أن يقول حملة‬

‫الدعوة عن فهمهم ‪ ،‬أن هذا هو رأي السلم ‪ ،‬بل عليهم أن يقولوا‬

‫عن رأيهم ‪ ،‬أن هذا رأي إسلمي ‪ .‬وكان أصحاب المذاهب من‬

‫المجتهدين يعتبرون استنباطهم للحكام صوابا يحتمل الخطأ ‪ ،‬وكان‬

‫كل واحد منهم يقول ‪ :‬إهذا صح الحديث فهو مذهبي واضربوا بقولي‬ ‫عرض الحاقئط ‪ .‬وكذلك يجب أن يعتبر حملة الدعوة آراقئهم التي‬

‫يتبنونها ‪ ،‬أو يصلون إليها من السلم باعتبار فهمها ‪ ،‬آراء صاقئبة‬ ‫‪80‬‬


‫تحتمل الخطأ ‪ ،‬في حين أن إيمانهم بالسلم عقيدة ل يجوز أن‬ ‫يتطـرق إليها أي ارتياب ‪ .‬وإنما يعتبر حملة الدعوة فهمهم هذا‬

‫العتبار لن الدعوة تغرس في نفوس أهلها النزوع إلى الكمال ‪،‬‬

‫وتفرض فيهم أن ينقبوا يداقئما عن الحقيقة وأن يقلبوا يدوما في كل ما‬ ‫عرفوه وفهموه ‪ ،‬حتى ينقوه مما عسى أن يكون قد علق به من شيء‬ ‫غريب عنه ‪ ،‬ويبعدوا عنه كل ما يؤيدي قربه منه إلى احتمال أن‬ ‫يلصق بـه ويعتبر جزءا منه ‪ ،‬وهذلك حتى يظل الفهم صحيحا ‪،‬‬

‫والفكر عميقا ‪ ،‬وحتى تبقـى الفكرة نقية صافية ‪ ،‬لنه بقدر صفاء‬

‫الفكرة ونقاقئها يمكنهم أن يقوموا بالدعـوة ‪ ،‬لن صفاء الفكرة‬

‫ووضوح الطريقة هو الضمان الوحيد للنجاح ولستمرار النجاح ‪.‬‬ ‫إل أن هذا التنقيب عن الحقيقة والبحث عن الصواب ‪ ،‬ل يعني‬

‫مطلقا أن يكون فهمهم في مهب الريح ‪ ،‬بل يجب أن يكون فهما‬

‫ةثابتا لنه ناتج عن فكر عميق ‪ ،‬ولذلك فهو فهم أةثبت من كل فهم‬

‫سواه ‪ ،‬ولهذا كان على حملة الدعوة أن يكونوا يقظين على يدعوتهم‬ ‫‪ ،‬وعلى فهمهم لها ‪ ،‬حذرين من أن يفتنهم غيرهم عن هذا الفهم ‪،‬‬

‫وهذه الفتنة هي أخطر ما يكون على الدعوة ‪ ،‬ولذلك حذر ال نبيه‬ ‫‪81‬‬


‫صلى ال عليه وسلم منها فقال له ))واحذرهم أن يفتنوك عن بعض‬ ‫ما أنزل ال إليك(( وقال سيدنا عمر لقاضيه شريح حين أوصاه‬

‫بالنظر في كتاب ال ‪ ،‬قال له ‪ " :‬ول يلفتنك عنه الرجال " ولذلك‬

‫يجب أن يحذر حملة الدعوة من كلمة قد تصدر من مخلص ‪ ،‬أو‬ ‫رأى قد يراه حريص على الدعوة ويلقنه بحجة المصلحة ‪ ،‬وهو‬

‫يخالف السلم ‪ ،‬فليحذروا منه ‪ ،‬ول يمكنوا أحدا من هذلك ‪ ،‬لن‬ ‫في هذا الضلل المبين ‪ ،‬ويجب التفريق بين الدعوة إلى السلم‬ ‫والدعوة إلى استئناف حياة إسلمية ‪ ،‬وإلى أنه يجب التفريق بين‬

‫الدعوة يحملها جماعة في أمة ككتلة إسلمية وبين الدعوة التي‬

‫تحملها الدولة السلمية ‪.‬‬

‫أما التفريق بين الدعوة إلى السلم ‪ ،‬والدعوة إلى استئناف حياة‬

‫إسلمية ‪ ،‬فهو لمعرفة الغاية التي تسير إليها الدعوة ‪ ،‬والفرق بينهما‬ ‫هو أن تحمل الدعوة للسلم إلى غير المسلمين ‪ ،‬فيدعوا لعتناقه‬

‫والدخول في حظيرته ‪ ،‬وهؤلء تكون الطريقة العملية لدعوتهم أن‬

‫يحكموا بالسلم من قبل الدولة السلمية حتى يروا نور السلم ‪،‬‬

‫وأن يدعوا إلى السلم في بيان عقاقئده وأحكامه حتى يدركوا عظمة‬ ‫‪82‬‬


‫السلم ‪ .‬ولذلك كان لزاما أن تحمل الدعوة إلى السلم يدولة‬ ‫إسلمية ‪.‬‬

‫وأما الدعوة إلى استئناف حياة إسلمية فيجب أن تحملها كتلة‬

‫ل أفرايد ‪ .‬وهذه الدعوة إلى استئناف حياة إسلمية هي ‪ :‬أن‬

‫المجتمع الذي يكون أفرايده بجملتهم مسلمين ويحكمون بغير‬

‫السلم ‪ ،‬يكون مجتمعا غير إسلمي ‪ ،‬وينطبق عليه أنه يدار كفر ‪،‬‬ ‫فيدعى فيه لن تقوم يدولة إسلمية تطبق السلم فيه ‪ ،‬وتحمل يدعوته‬ ‫إلى غيره ‪ ،‬هذا إن لم تكن هنالك يدولة إسلمية قط ‪ ،‬وإن كانت‬ ‫هنالك يدولة إسلمية تطبق السلم كامل ‪ ،‬يدعى فيه لن يصبح‬

‫إقليما من أقاليم الدولة السلمية ‪ ،‬ليحكم من قبلها بالسلم ‪،‬‬

‫ويصبح جزءا منها ‪ ،‬يحمل الدعوة السلمية ‪ ،‬حتى يصبح مجتمعا‬

‫إسلميا ويصدق عليه حينئذ أنه يدار إسلم ‪ .‬لنه ل يجوز للمسلم‬ ‫أن يعيش في يدار الكفر ‪ ،‬بل عليه إهذا أصبحت يدار السلم التي‬

‫يعيش فيها يدار كفر أن يعمل لجعلها يدار إسلم ‪ ،‬أو أن يهاجر إلى‬

‫يدار السلم ‪.‬‬

‫‪83‬‬


‫وأما التفريق بين الدعوة التي يحملها جماعة في أمة إسلمية ‪،‬‬

‫وبين الدعوة التي تحملها يدولة إسلمية ‪ ،‬فهو لمعرفة نوع العمل‬ ‫الذي يقوم به حملة الدعوة ‪ .‬والفرق بينهما هو أن الدعوة التي‬

‫تحملها الدولة السلمية ‪ ،‬تتمثل فيها الناحية العملية ‪ ،‬فهي تطبق‬ ‫السلم في الداخل تطبيقا كامل شامل حتى يسعد المسلمون في‬ ‫الحياة ‪ ،‬ويرى غير المسلمين ممن يعيشون في كنف الدولة‬

‫السلمية نور السلم فيدخلوا فيه طوعا واختيارا عن رضا واطمئنان‬

‫‪ ،‬وتحمل ‪-‬أي الدولة‪ -‬الدعوة إلى الخارج ‪ ،‬ل بطريق الدعاية‬

‫وشرح أحكام السلم فقط ‪ ،‬بل بإعدايد القوة للجهايد في سبيل ال‬

‫‪ ،‬لحكم البليد التي تليهم بالسلم ‪ ،‬باعتبار أن حكمها إياهم هو‬

‫الطريقة العملية للدعوة ‪ ،‬وهي الطريقة التي استعملها الرسـول صلى‬

‫ال عليه وسلم ‪ ،‬كما استعملها خلفاؤه من بعده حتى آخر الـدولة‬ ‫السلمية ‪ ،‬ولذلك كان حمل الدعوة من قبل الدولة هو الناحية‬ ‫العملية في الدعوة يداخليا وخارجيا ‪.‬‬

‫وأما الدعوة التي تحملها جماعة أو كتلة ‪ ،‬فهي أعمال تتعلق‬

‫بالفكر ول تتعلق بالقيام بأعمال أخرى ‪ ،‬ولذلك تأخذ الناحية‬ ‫‪84‬‬


‫الفكرية ‪ ،‬ل الناحية العملية ‪ ،‬فتقوم بما يفرضه عليها الشرع في مثل‬

‫هذه الحالة ‪ ،‬حتى توجد الدولة السلمية ةثم تبدأ الناحية العملية في‬ ‫الدولة ‪ .‬ولذلك فهي مع كونها تدعو مسلمين إنما تدعوهم لتفهم‬

‫السلم حتى يستأنفوا الحياة السلمية ‪ ،‬وتكافح من يقفون في‬ ‫وجه هذه الدعوة بالسلوب الذي يستوجبه كفاحهم ‪.‬‬

‫ويجب أن تؤخذ حياة الرسول صلى ال عليه وسلم في مكة‬

‫أسوة للسير حسبها في الدعوة ‪ ،‬فتبدأ في خطوة الدراسة والتفهم‬

‫مع القيام بالتزامات السلم ‪ ،‬كما كان الحال في يدار الرقم ‪ ،‬ةثم‬

‫ينتقل الدارسون الفاهمون للسلم المؤمنون الصايدقون إلى التفاعل‬

‫مـع المة ‪ ،‬حتى تتفهم السلم وتتفهم ضرورة وجويد يدولة إسلمية ‪،‬‬

‫وعلى الكتلة أن تبايدئ الناس بذكـر مفاسدهم وتعيبها ‪ ،‬وتتحداهم‬

‫في مفاهيمهم المغلوطة وآراقئهم الفاسدة وتسفهها ‪ ،‬وتبين لهم‬

‫حقيقة السلم وجوهر يدعوته ‪ ،‬حتى يتكون لديهم الوعي العام على‬

‫الدعوة ويكون رجال الدعوة جزءا من المة ‪ ،‬وتكون المة معهم‬

‫كل ل يتجزأ ‪ ،‬فتعمل المة في مجموعها العمل المنتج تحت قيايدة‬

‫كتلة الدعوة ‪ ،‬حتى يصلوا إلى الحكم ‪ ،‬فيوجدوا الدولة السلمية ‪،‬‬ ‫‪85‬‬


‫وحينئذ تتخذ حياة الرسول صلى ال عليه وسلم في المدينة قدوة‬

‫للسير بحسبها في تطبيق السلم وحمل الدعوة له ‪ .‬ولهذا كان ل‬ ‫شأن للكتلة السلمية التي تحمل الدعوة بالنواحي العملية ‪ ،‬ول‬ ‫تشتغل بشيء غير الدعوة ‪ ،‬وتعتبر القيام بأي عمل من العمال‬

‫الخرى ملهيا ومخدرا ومعيقا عن الدعوة ‪ ،‬ول يجوز الشتغال بها‬

‫مطلقا ‪ .‬فالرسول صلى ال عليه وسلم كان يدعو للسلم في مكة‬

‫وهي مملوءة بالفسق والفجور ‪ ،‬فلم يعمل شيئا لزالته ‪ ،‬وكان الظلم‬ ‫والرهاق ‪ ،‬والفقر العوز ظاهرا كل الظهور ‪ ،‬ولم يرو عنه أنه قام‬

‫بعمل ليخفف من هذه الشياء ‪ ،‬وكان في الكعبة والصنام تطل من‬

‫فوق رأسه ‪ ،‬ولم يرو عنه أنه مس صنما منها ‪ ،‬وإنما كان يعيب‬

‫آلهتهم ‪ ،‬ويسفه أحلمهم ‪ ،‬ويزيف أعمالهم ‪ ،‬ويقتصر على القول ‪،‬‬ ‫وعلى الناحية الفكرية ‪ ،‬ولكنه حين صارت لديه الدولة ‪ ،‬وفتح مكة‬

‫لم يبق شيئا من تلك الصنام ‪ ،‬ول من هذلك الفسق والفجور ‪ ،‬ول‬ ‫الظلم ول الرهاق ‪ ،‬ول الفقر ول العوز ‪.‬‬

‫ولهذا ل يجوز للكتلة ‪ ،‬وهي تحمل الدعوة ‪ ،‬أن تقوم ككتلة‬

‫بأي عمل من العمال الخرى ‪ ،‬ويجب أن تقتصر على الفكر‬ ‫‪86‬‬


‫والدعوة ‪ ،‬غير أن الفرايد ل يمنعون من القيام بما يرغبون من أعمال‬

‫خيرية ‪ ،‬ولكن الكتلة ل تقوم بها ‪ ،‬لن عملها إقامة يدولة لحمل‬ ‫الدعوة ‪.‬‬

‫ومع أنه يجب أن تتخذ حياة الرسول صلى ال عليه وسلم في‬

‫مكة قدوة للسير حسبها ‪ ،‬فإنه ينبغي أن يلحظ أن الفارق بين أهل‬ ‫مكة ويدعوتهم للسلم ‪ ،‬وبين المسلمين الن ويدعوتهم لستئناف‬ ‫حياة إسلمية ‪ ،‬هو أن الرسول صلى ال عليه وسلم كان يدعو‬

‫كفارا لليمان ‪ ،‬وأما الدعوة الن فهي يدعوة مسلمين لتفهم السلم‬ ‫والعمل به ‪ ،‬ولذلك كانت الدعوة الن أسهل وأقرب ‪.‬‬

‫ولهذا كان لزاما على الكتلة أن ل تعتبر نفسها غير المة التي‬

‫تعيش معها ‪ ،‬بل تعتبر نفسها جزءا من هذه المة ‪ ،‬لن الناس‬

‫مسلمون مثلهم ‪ ،‬وهم ليسوا بأفضل من أحد المسلمين ‪ ،‬وأن‬

‫فهموا السلم وعملوا له ‪ ،‬ولكنهم أةثقل المسلمين حمل ‪ ،‬وأشدهم‬ ‫تبعة في تحمل مسؤولية خدمة المسلمين أمام ال والعمل للسلم ‪.‬‬

‫وعلى رجال الكتلة السلمية أن يعلموا أنه ل قيمة لهم مهما كثر‬

‫عديدهم بغير المة التي يعملون فيها ‪ .‬ولهذا كانت مهمتهم التفاعـل‬ ‫‪87‬‬


‫مع المة ‪ ،‬والسير معها في الكفاح وإشعارها أنها هي التي تعمل ‪.‬‬

‫ويجب أن تبعد الكتلة عن كل عمل أو قول أو إشارة توهم انفصالها‬ ‫عن المة بأي شيء صغر أم كبر ‪ ،‬لن هذا يبعد المة عنها وعـن‬

‫يدعوتها ‪ ،‬ويجعلها عقدة من عقد المجتمع التي تحول يدون نهوضه ‪،‬‬ ‫فالمة كل ل يتجزأ ‪ ،‬تقوم الكتلة لتقيم الدولة ‪ ،‬وتظل حارسا على‬

‫السلم في المة والدولة ‪ ،‬حتى إهذا لحظت في المة تنكبا ‪ ،‬نبهت‬ ‫فيها إيمانها وعبقريتها ‪ ،‬وإهذا لحظت في الدولة اعوجاجا اشتركت‬ ‫مع المة في تقويمها بما يفرضه السلم ‪ ،‬وبذلك تسير الدعوة‬

‫السلمية التي تحملها كتلة في طريقها الطبيعي سيرا ممتازا ‪ .‬وإهذن‬

‫فغاية الكتلة استئناف الحياة السلمية في البليد السلمية وحمل‬ ‫الدعوة السلمية إلى العالم ‪ ،‬وطريقتها إلى هذلك الحكم ‪ ،‬ومن‬

‫طريقتها إلى الحكم يدراسة السلم وتفهمه ‪ ،‬وتثقيف الناس به تثقيفا‬

‫يحدث الةثر في إيجايد العقلية السلمية والنفسية السلمية ‪،‬‬

‫لتكوين الشخصية السلمية وكذلك التفاعل مع المة في إفهامها‬

‫السلم ‪ ،‬وإفهامها حقيقة مصالحها ‪ ،‬ومعالجة السلم لها ‪،‬‬

‫وضمان تحقيقها ‪ ،‬وتبنى مصالح المة ‪ ،‬على أن يجري التفاعل‬ ‫‪88‬‬


‫والكفاح في سبيل الدعوة مع الدراسة في آن واحد ‪ .‬وهذا العمل‬ ‫من الكتلة الحزبية هو عمل سياسي ‪ ،‬ولذلك كان ل بد أن يكون‬

‫الوجه البارز على هذه الكتلة هو الوجه السياسي ‪ ،‬لنه الطريق‬

‫العملي الول الذي يبدأ فيه للدعوة إلى السلم ‪ ،‬وهذا ل يعني‬ ‫الدعوة إلى السياسية فقط ‪ ،‬أو إلى الحكم وحده ‪ ،‬بل يعني الدعوة‬ ‫إلى السلم ‪ ،‬والكفاح السياسي للوصول إلى الحكم كامل ‪،‬‬

‫ليجايد الدولة السلمية التي تطبق السلم وتحمل يدعوته ‪ .‬ولذلك‬ ‫يجب أن تكون الكتلة التي تحمل الدعوة السلمية كتلة سياسية ‪،‬‬

‫ول يجوز أن تكون كتلة روحية ول كتلة أخلقية ‪ ،‬ول كتلة علميـة ‪،‬‬ ‫ول كتلة تعليمية ول شيئا من هذلك ‪ ،‬ول ما يشبهه ‪ ،‬بل يجب أن‬ ‫تكون كتلة سياسية ‪ .‬ومن هنا كان حزب التحرير ـ وهو حزب‬

‫إسلمي ـ حزبـا سياسيا ‪ ،‬يشتغل بالسياسة ‪ ،‬ويعمل لن يثقف المة‬ ‫ةثقافة إسلمية ‪ ،‬تبرز فيها الناحية السياسية ‪ ،‬وينكر ما يفعله‬

‫الستعمار وعملؤه من منع الطلب والموظفين من السياسة ‪ ،‬ومن‬ ‫محاولة إبعايد عامة الناس عنها ‪ ،‬ويرى أنه يجب أن يعرف الناس‬

‫السياسة ‪ ،‬وأن تظهر عليهم التربية السياسية ‪ .‬وليس من العمل‬ ‫‪89‬‬


‫السياسي أن يبين أن السلم يشمل السياسة ‪ ،‬ول أن القواعد‬

‫السياسية في السلم هي كيت وكيت ‪ ،‬بل السياسة هي أن ترعى‬ ‫مصالح المة جميعها يداخلية وخارجية ‪ ،‬وأن تسير تسييرا إسلميا‬

‫ليس غير ‪ ،‬وأن يكون هذلك من قبل الدولة ‪ ،‬ومن قبل المة تحاسب‬ ‫فيه الدولة ‪ ،‬وحتى يتأتى هذلك عمليا ل بد أن يكون الحزب هو‬

‫الذي يتولى هذلك في المة وفي الحكم ‪ ،‬ولذلك يحمل الدعوة إلى‬ ‫السلم يدعوة شاملة ويبين للمة الحكام الشرعية التي تعالج‬

‫مشاكل الحياة ‪ ،‬ويعمل لن يحكم بالسلم وحده ويجاهد الكافر‬

‫المستعمر لقلعه من جذوره ‪ ،‬ويكافح عملء الستعمار ‪ ،‬سواء‬

‫الذين يحملون قيايدته الفكرية ومبايدقئه والذين يحملون سياسته‬ ‫وأفكاره ‪.‬‬

‫وحمل الدعوة السلمية والكفاح السياسي في سبيلها ‪ ،‬إنما‬

‫يكون في المجتمع الذي يحديده الحزب مجال له ‪ .‬وحزب التحرير‬

‫يعتبر المجتمع في العالم السلمي كله مجتمعا واحدا ‪ ،‬لن قضيته‬

‫كلها قضية واحدة هي قضية السلم ‪ .‬ولكنه يجعل نقطة البتداء‬ ‫البليد العربية ‪ ،‬بوصفها جزءا من البليد السلمية ‪ ،‬ويرى أن قيام‬ ‫‪90‬‬


‫يدولة إسلمية في البليد العربية نواة للدولة السلمية هو الخطوة‬ ‫الطبيعية في هذلك ‪.‬‬

‫والمجتمع في العالم السلمي ‪ ،‬في مستوى سياسي سيئ ‪ ،‬فهو‬

‫في جملته قد استعمر من قبل الدول الغربية ‪ ،‬ول يزال مستعمرا‬

‫رغم ما يبدو عليه من مظاهر الحكم الذاتي ‪ ،‬فهو خاضع للقيايدة‬

‫الفكرية الرأسمالية الديمقراطية ‪ ،‬خضوعا تاما ‪ ،‬وتطبق عليه في‬ ‫الحكم والسياسة النظمة الديمقراطية ‪ .‬وفي القتصايد النظام‬

‫الرأسمالي ‪ ،‬وفي الناحية العسكرية مقويد للجنبي في أسلحته ‪،‬‬ ‫وتدريبه ‪ ،‬وساقئر الفنون العسكرية ‪ ،‬وفي السياسة الخارجية تابع‬

‫للسياسة الجنبية المستعمرة له ‪ ،‬ولذلك نستطيع أن نقول أن البليد‬ ‫السلمية بليد ل تزال مستعمرة ‪ ،‬ول يزال يتركز فيها الستعمار ‪،‬‬

‫لن الستعمار هو فرض السيطرة العسكرية والسياسية والقتصايدية‬ ‫والثقافية على الشعوب المستضعفة لستغللها ‪ ،‬وهو يسخر جميع‬

‫القوى من أجل فرض قيايدته الفكرية وتركيز وجهة نظرها في الحياة ‪،‬‬ ‫وأشكال الستعمار المختلفة تشمل ضم البلد المغلوب على أمره‬ ‫إلى أراضي البلد الفاتح وإنشاء المستعمرات وإقامة الحكومات‬ ‫‪91‬‬


‫المستقلة اسميا والخاضعة للدولة الستعمارية عمليا ‪ .‬وهذا هو‬

‫الواقع في البليد السلمية فإنها كلها خاضعة للسيطرة الغربية ‪،‬‬ ‫وتسير وفق البرامج الستعمارية الغربية من ناحية ةثقافية ‪ ،‬ومع‬

‫خضوعها لسيطرة الستعمار الغربي ‪ ،‬فإنها في نفس الوقت هدف‬ ‫للغزو الروسي ‪ ،‬لن روسيا تعمل فيها بواسطة عملقئها لعتناق‬

‫الناس للشيوعية ‪ ،‬ولسيطرة قيايدتها الفكرية ووجهة نظرها في الحياة‬

‫بالدعوة إلى المبدأ الشيوعي ‪.‬‬

‫وعلـى هذلك فالبليد السلمية مستعمرة للدول الغربية ‪ ،‬ومسرح‬

‫للقيايدات الفكرية الجنبية ‪ ،‬ومحط أنظار روسيا ‪ ،‬وهدف لغزوها‬

‫واحتللها ل لستعمارها ‪ ،‬بل لتحويلها من بليد إسلمية إلى بليد‬ ‫شيوعية ‪ ،‬وتحويل المجتمع كله إلى مجتمع شيوعي يمحى فيه أةثر‬

‫السلم ‪.‬‬

‫ومن هنا كان لزاما أن يقوم العمل السياسي لمكافحة الستعمار‬

‫الحالي لمحاربة القيايدات الفكرية الجنبية والعمل على اتقاء خطر‬

‫الغزو الجنبي الذي يستهدف بليدنا ‪ .‬أما الغزو الروسي فإن خطره‬

‫الن غير ملموس من ناحية سياسية وإن كان موجويدا وهو محصور‬ ‫‪92‬‬


‫في الدعاة الذين يحملون قيايدته الفكرية في البليد ‪ ،‬ويستغلون‬ ‫الظلم السياسي والقتصايدي الذي يصيبنا من الستعمار الغربي‬

‫لتركيز هذه القيايدة ‪ .‬ولذلك كانت مكافحة الستعمار الغربي تؤيدي‬

‫إلى مكافحة خطر الغزو الروسي ‪ ،‬وحمل الدعوة السلمية حمل‬ ‫صحيحا يكافح خطر القيايدات الفكرية الجنبية ‪ .‬وإهذن يجب أن‬

‫تكون مكافحة الستعمار الغربي حجر الزاوية في الكفاح السياسي ‪.‬‬ ‫والكفاح السياسي يوجب عدم الستعانة بالجنبي أيا كـان جنسه‬

‫‪ ،‬وأيا كان نوع هذه الستعانة ‪ ،‬ويعتبر كل استعانة سياسية بأي‬

‫أجنبي وكل ترويج له خيانة للمة ويوجب أيضا العمل لبناء الكيان‬

‫الداخلي في العالم السلمي بناء سليما ‪ ،‬ليكون قوة عالمية لها‬

‫كيانها المتميز ‪ ،‬ومجتمعها السامي ‪ .‬وهذه القوة تعمل لخذ زمام‬ ‫المبايدرة من كل المعسكرين لتحمل الدعوة السلمية إلى العالم‬

‫وتتولى قيايدته ‪ .‬ويوجب الكفاح السياسي أيضا محاربة النظمة‬ ‫والقوانين والشراقئع الغربية ‪ ،‬وكافة الوضاع الستعمارية ‪ ،‬كما‬

‫يوجب رفض جميع المشاريع الغربية ‪ ،‬ول سيما البريطانية والميركية‬

‫‪ ،‬سواء المشاريع الفنية والمالية على اختلفها ‪ ،‬أو المشاريع‬ ‫‪93‬‬


‫السياسية على تنوعها ‪ .‬ويوجب أيضا نبذ الحضارة الغربية مطلقا ‪،‬‬

‫ول يعني هذلك نبذ الشكال المدنية ‪ ،‬لن المدنية يجب أن تؤخذ‬ ‫إهذا كانت ناتجة عن العلم والصناعة ‪ ،‬ويوجب أيضا قلع القيايدة‬

‫الفكرية الجنبية من جذورها ‪ .‬ويوجب كذلك نبذ الثقافة الجنبية‬

‫التي تتناقض مع وجهة النظر السلمية ‪ .‬ول يعني هذلك العلم ‪ ،‬لن‬ ‫العلم عالمي ‪ ،‬ويجب أن يؤخذ من أي جهة لنه من أهم أسباب‬ ‫التقدم المايدي في الحياة ‪.‬‬

‫والكفاح السياسي يقتضي أن نعلم أن الستعماريين الغربيين ول‬

‫سيما البريطانيين والمريكان يعمدون في كل بلد مستعمر إلى‬ ‫مساعدة عملقئهم من الرجعيين الظلميين ‪ ،‬ومن المروجين‬

‫لسياستهم وقيايدتهم الفكرية ‪ ،‬ومن الفئات الحاكمة ‪ ،‬فيهرعون إلى‬

‫إسداء المعونة لهؤلء العملء في مختلف القاليم ‪ ،‬لوقف هذه‬ ‫الحركة السلمية ‪ ،‬وسيمدونهم بالمال ‪ ،‬وغير المال ‪ ،‬وبكافة‬

‫القوى التي تلزمهم للقضاء عليها ‪ ،‬وسيقوم الستعمار مع عملقئه‬ ‫بحمل علم الدعاية ضد هذه الحركة التحريرية السلمية ‪ ،‬باتهامها‬

‫بمختلف التهم ‪ :‬بأنها مأجورة للستعمار ‪ ،‬ومثيرة للفتن الداخلية ‪،‬‬ ‫‪94‬‬


‫وساعية لتأليب العالم ضد المسلمين ‪ ،‬وبأنها تخالف السلم ‪ ،‬وما‬

‫شابه هذلك من التهم ‪ .‬ولهذا يجب أن يكون المكافحون واعين على‬ ‫السياسية الستعماريـة ‪ ،‬وعلى أساليبها ‪ ،‬حتى يكشفوا خططها‬

‫الستعمارية يداخليا وخارجيا في حينها ‪ ،‬لن كشف خطط الستعمار‬ ‫في حينها يعتبر من أهم أنواع الكفاح ‪.‬‬

‫ولهذا فإن حزب التحرير يعمل لتحرير القاليم السلمية من‬

‫الستعمار كله ‪ .‬فهو يحارب الستعمار حربا ل هوايدة فيها ‪ ،‬ولكن‬

‫ل يطلب الجلء فقط ‪ ،‬ول يطلب الستقلل المزيف ‪ ،‬بل يعمل‬

‫لقتلع الوضاع التي أقامها الكافر المستعمر من جذورها ‪ ،‬بتحرير‬ ‫البليد ‪ ،‬والمعاهد والفكار ‪ ،‬من الحتلل ‪ ،‬سواء أكان هذا‬

‫الحتلل عسكريا ‪ ،‬أو فكريا ‪ ،‬أو ةثقافيا ‪ ،‬أو اقتصايديا ‪ ،‬أو غير‬

‫هذلك ‪ .‬ويحارب كل من يدافع عن أي ناحية من نواحي الستعمار‬ ‫حتى تستأنف الحياة السلمية بإقامة الدولة السلمية التي تحمل‬ ‫رسالة السلم للعالم كافة ‪ ،‬وال نسأل ‪ ،‬وإليه نبتهل ‪ ،‬أن يمدنا‬

‫بعون من عنده ‪ ،‬للقيام بهذه التبعات الجسام ‪ ،‬إنه سميع مجيب ‪.‬‬

‫‪95‬‬


‫حزب التحرير‬ ‫‪--------‬‬

‫حزب التحرير حزب سياسي ‪ ،‬مبدؤه السلم ‪ ،‬وغايته استئناف‬ ‫الحياة السلمية بإقامة يدولة إسلمية تنفذ نظم السلم وتحمل‬

‫يدعوته إلى العالم ‪ .‬وقد هيأ هذا الحزب ةثقافة حزبية ضمنها أحكاما‬ ‫إسلمية في شؤون الحياة ‪ .‬والحزب يدعو للسلم قيايدة فكرية‬ ‫تنبثق عنها النظمـة التي تعالج مشاكل النسان جميعها سياسية‬

‫واقتصايدية وةثقافية واجتماعية وغير هذلك ‪ .‬وهو حزب سياسي يضم‬

‫إلى عضويته النساء كما يضم الرجال ‪ ،‬ويدعو جميع الناس للسلم‬ ‫ولتبنـي مفاهيمه ونظمه ‪ ،‬وينظر إليهم مهما تعديدت قومياتهم‬

‫ومذاهبهم نظرة السلم ‪ .‬وهو يعتمد على التفاعل مع المة للوصول‬ ‫إلى غايته ‪ ،‬ويكافح الستعمار بجميع أشكاله ومسمياته لتحقيق‬

‫تحرير المة من قيايدته الفكرية واجتثاث جذوره الثقافية والسياسية‬ ‫والعسكرية والقتصايدية وغيرها من تربة الـبليد السلمية ‪ ،‬وتغيير‬

‫المفاهيم المغلوطة التي أشاعها الستعمار من قصر السلم على‬ ‫العبايدة والخلق ‪.‬‬ ‫‪96‬‬


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.