مفاهيم
حزب التحرير 1372هـ – 1953م من منشورات
حزب التحرير --------------الطبعة الرابعة
مفاهيم
حزب التحرير 1372هـ – 1953م من منشورات
حزب التحرير --------------الطبعة الرابعة
بسم ا الرحمن الرحيم مفاهيم حزب التحرير منذ أواسط القرن الثاني عشر الهجري -الثامن عشر الميليدي-
والعالم السلمي ينحدر عن المستوى اللقئق به انحدارا سريعا ،
ويهبط إلى هوة النحطاط هبوطا فظيعا .وبالرغم من قيام محاولت
عديدة لنهاضه ،أو الحيلولة يدون استمرار انحداره ،لم تنجح ول محاولة واحدة من هذه المحاولت ،وظل العالم السلمي يتخبط
في يدياجير الفوضى والنحطاط ،ول يزال يعاني آلم هذا التأخر والضطراب .
أما سبب انحطاطه فيرجع إلى شيء واحد ،هو الضعف الشديد
الذي طرأ على الهذهان في فهم السلم .وسبب هذا الضعف هو
فصل الطاقة العربية عن الطاقة السلمية حين أهمل أمر اللغة العربية في فهم السلم وأيداقئه منذ أواقئل القرن السابع الهجري .فما لم
تمزج الطاقة العربية بالطاقة السلمية بأن تجعل اللغة العربية ـ التي هي لغة السلم ـ جزءا جوهريا ل ينفصل عنه فسيبقى النحطاط 1
يهوى بالمسلمين ،لنها الطاقة اللغوية التي حملت طاقة السلم
فامتزجـت بها ،بحيث ل يمكن أيداء السلم أيداء كامل إل بها ،
ولن بإهمالها سيبقى الجتهايد بالشرع مفقويدا ،ول يمكن الجتهايد بالشرع إل باللغة العربية ،لنها شرط أساسي فيه .والجتهايد
ضروري للمة ،لنه ل تقدم للمة إل بوجويد الجتهايد .
وأما سبب إخفاق المحاولت التي قامت لنهاض المسلمين
بالسلم فيرجع إلى ةثلةثة أمور :أحدها عدم فهم الفكرة السلمية من قبل القاقئمين بالنهضة فهما يدقيقا ،وةثانيها عدم وضوح طريقة
السلم لديهم في تنفيذ فكرته وضوحا تاما ،وةثالثها عدم ربطهم الفكرة السلمية بالطريقة السلمية ربطا محكما غير قـابل للنفصال .
أما الفكرة فقد طرأ عليها من عوامل التغشية ما أبهم الكثير من
يدقاقئقها على الكثير من المسلمين .وعوامل التغشية هذه قد بدأت منذ أواقئل القرن الثاني للهجرة حتى مجيء الستعمار ،فقد كان
للفلسفات الجنبية كالهندية والفارسية واليونانية أةثر على بعض
المسلمين حملهم على ارتكاب محاولت للتوفيق بين السلم وبين 2
هذه الفلسفات ،مع التناقض التام بينها وبين السلم .فأيدت محاولت التوفيق هذه إلى التأويل والتفسير الذي أبعد بعض
الحقاقئق السلمية عن الهذهان ،كما أضعف إيدراكها إياها .
وعلوة على هذلك كان لدخول بعض الحاقدين على السلم
المبغضين له في حظيرته ـ نفاقا ـ أةثر في أن تدس على السلم مفاهيم لـيست منه ،بل مناقضة له .وقد أيدى هذلك إلى فهم
السلم فهما مغلوطا عند كثير من المسلمين ،ةثم أضيف إلى هذلك في القرن السابع الهجري إهمال اللغة العربية في حمل السلم .
فكان هذا كله مؤهذنا بانحطاط المسلمين .وزايد عليه منذ أواخر
القرن الحايدي عشر الهجري -السابع عشر الميليدي -حتى الن
الغزو الثقافي والتبشيري ،ةثم الغزو السياسي من المغرب ،فكان
ضغثا على إبالة ،وعقدة جديدة في المجتمع السلمي تضاف إلى العقد السابقة .فكان لذلك كله الةثر الفعال في خطأ تصور
المسلمين للفكرة السلمية ،حتى فقدت التبلور الحقيقي في
الهذهان .
3
وأما الطريقة السلمية فإنهم فقدوا وضوح تصورها بالتدريج .
وهذلك أنه بعد أن كانوا يعرفون أن وجويدهم في الحياة إنما هو من أجل السلم ،وأن عمل المسلم في الحياة هو حمل الدعـوة السلمية ،وعمل الدولة السلمية هو تطبيق السلم وتنفيذ
أحكامه في الداخل وحمل الدعوة إليه في الخارج ،وأن طريقة هذلك
الجهايد تحمله الدولة ـ نقول :أن المسلمين ،بعد أن كانوا يعرفون هذلك ،صاروا يرون أن عمل المسلم كسب الدنيا أول ،والوعظ
والرشايد إهذا واتت الظروف ةثانيا ،وصارت الدولة ل ترى أي تقصير
أو أي حرج في تساهلها في تنفيذ أحكام السلم ،ول ترى أي
غضاضة في القعويد عن الجهايد في سبيل ال لنشر السلم ،ةثم صار المسلمون ،بعد أن فقدوا يدولتهم ـ على ما فيها من هزال
وتقصيـر ـ يرون عويد السلم في بناء المساجد ،وإصدار المؤلفات
،وتربية الخلق ،ويسكتون عن سيايدة الكفر عليهم واستعماره إياهم .
هذا من حيث الفكرة والطريقة ،أما من حيث ربطهما فإن
المسلمين صاروا يرون الحكام الشرعية المتعلقة بمعالجة المشاكل 4
،أي المتعلقة بالفكرة ،ول يعنون أنفسهم في الحكام التي تبين كيفية المعالجة ،أي التي تبين الطريقة ،فغلبت عليهم يدراسة
الحكام ،منفصلـة عن طريقة تنفيذها ،وغلبت عليهم يدراسة أحكام الصلة والصوم ،والنكاح والطلق ،وأهملوا يدراسة أحكام الجهايد والغناقئم وأحكام الخلفة والقضاء وأحكام الخراج وما شابهها ،
ففصلوا بذلك الفكرة عن الطريقة ،حتى نتج عن هذلك عدم إمكان تنفيذ الفكرة يدون طريقتها .
وقد أضيف إلى هذلك في أواخر القرن الثالث عشر الهجري
-التاسع عشر الميليدي -الخطأ في فهم الشريعة السلمية
لتطبيقها على المجتمع ،فصار السلم يفسر بما ل تحتمله نصوصه ليوافق المجتمع الحاضر ،وكان الواجب أن يغير المجتمع
ليوافق السلم ،ل أن يحاول تفسير السلم ليوافق المجتمع ،لن القضية هي أن هناك مجتمعا فاسدا يرايد إصلحه بمبدأ ،فيجب أن
يطبق المبدأ كما هو ،ويغير المجتمع برمته تغييرا انقلبيا على
أساس هذا المبدأ ،أي كان لزاما على المحاولين للصلح أن يطبقوا أحكام السلم كما جاءت ،يدون نظر إلى المجتمع أو 5
العصر أو الزمان أو المكان ،ولكنهم لم يفعلوا هذلك ،بل أولوا
أحكام السلم ليوافق العصر .وقد أوغلوا في هذا الخطأ في
الكليات والجزقئيات .واستنبطوا قواعد كلية وأحكاما جزقئية تتفق
مع هذه النظرة ،إهذ وضعوا عدة قواعد كلية خاطئة مثل< ل ينكر
تغير الحكام بتغير الزمان> ومثل < العايدة محكمة> وغير هذلك ، وأفتوا بأحكام ل سند لها من الشرع ،بل أفتوا بأحكام تعارض نص
القرآن القطعي .فأجازوا الربا القليل بحجة أنه غير مضاعـف
وبحجة الضرورة لمال القاصر ،وصار القاضي الذي يسمى "القاضي الشرعي" يحكـ ــم بالربا في صنايديق اليتام ،كما صار القاضي الذي
سموه "قاضيا نظاميا" يحكم بالربا أيضا ،وأفتوا بوقف الحدويد ، وأجازوا أخذ قوانين العقوبات من غير السلم ،وهكذا وضعوا
أحكاما تخالف الشرع بحجة موافقتها للعصر ،وضرورة أن يوافق الشرع كل عصر وكل زمان ومكان .وقد نتج عن هذلك أن أبعد
السلم عن الحياة ،واتخذ أعداء السلم من هذا الفهم المغلوط وهذه الحكام الباطلة وسيلة أيدخلوا بها على المسلمين قوانينهم ومبايدقئهم يدون أن يجد المسلمون فيها أي تناقض مع يدينهم لما 6
تركز في أهذهانهم من جراء الفهم المغلوط ،أن السلم يتفق مع كل زمان ومكان ،وصار تأويل السلم على لسان الكثيرين ليوافق كل مذهب ،وكل مبدأ ،وكل حايدةثة ،وكل قاعدة ،ولو خالف مبدأ
السلم ووجهة نظره ،فكان هذا مساعدا على إبعايد السلم عن الحياة .ولذلك كان إخفاق كل حركة إصلحية تسير حسب هذا
الفهم السقيم أمرا محتوما .
وقد أضيف إلى هذلك في أواقئل القرن العشرين ما ركز الحواجز
التي قامت بين السلم وبين الحياة ،وزايد الصعوبات القاقئمة في
وجه الحركات السلمية صعوبات أخرى .وهذلك أن المسلميـن ،
ول سيما العلماء والمتعلمين ،كانت تغلب عليهم في هذا الوقت ةثلةثة أشياء :
أحدها أنهم كانوا يدرسون السلم يدراسة تخالف طريقة السلم
الدراسية في فهمه ،لن طريقة السلم الدراسية أن تدرس أحكام الشريعة كمساقئل عملية للتطبيق من قبل الدولة فيما يختص بها ،
ومن قبل الفريد فيما هو من شأنه .ولذلك عرف العلماء الفقه بأنه
"علم بالمساقئل الشرعية العملية المستنبطة من أيدلتها التفصيلية" . 7
وبذلك تكون الدراسة منتجة علما للدارس ،وعمل للمجتمع في الدولة والفريد .غير أن هؤلء العلماء والمتعلمين ،بل جمهرة
المسلمين ،يدرسوا السلم للعلم النظري المجريد ،كأنه فلسفة
نظرية خيالية .وبذلك صارت الحكام الفقهية فرضية غير عملية ، وصار الشرع يدرس مساقئل روحية وأخلقية ،وليس أحكاما تعالج مشاكل الحياة ،هذا بالنسبة للدرس ،أما بالنسبة للدعوة إلى
السلم ،فكانت تغلب عليها طريقة الوعظ والرشايد التي يتبعها
المبشرون ،وليس طريقة التعليم التي يريدها السلم ،وبهذا صار
المتعلمون للسلم :أما علماء جامدين كأنهم كتب متحركة ،وأما
وعاظا مرشدين يكررون للناس القوال "الخطب" المملولة ،يدون أن يحدث هذلك في المجتمع أي أةثر .ولم يفهموا معنى التثقيف
بالسلم الذي يعني تعليم المسلمين أمور يدينهم تعليما يؤةثر في مشاعرهم ،ويخوفهم عذاب ال وسخطه ،حتى يصبح المسلم
طاقة مؤةثرة حين ترتبط مشاعره بعقله ،من جراء تعلم آيات ال
وطريقة تعليمها .نعم لم يفهموا هذلك ،وجعلوا مكان طريقة التعليم
المؤةثرة العميقة طريقة الوعظ والرشايد التي تنحصر في القوال 8
"الخطب" السطحية المبتذلة .فكان من جراء هذلك أن رؤى أن بين
معالجة مشاكل المجتمع وبين الدين السلمي تناقضا أو شبه
تناقض ،يحتاج إلى التوفيق ،حتى صار تأويل السلم ليوافق
العصر أمرا مألوفا عند الناس !
وعلوة على هذلك ،فإنهم أساءوا فهم قولة تعالى ))وما كان
المؤمنون لينفروا كافة فلول نفر من كل فرقة منهم طاقئفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إهذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون ((
وفسروها بأن ينفر لطلب العلم من كل جماعة فئة يتعلمون الدين
ويرجعون ليعلموا قومهم ،وبذلك جعلوا تعلم الدين فرض كفاية ،
وخالفوا بذلك الحكم الشرعي ،كما خالفوا معنى الية .
أما الحكم الشرعي فهو أنه يجب على كل مسلم بالغ عاقل أن
يتفقه في الدين المور التي تلزمه في الحياة ،لنه مأمور أن يسير أعماله كافة بأوامر ال ونواهيه .ول سبيل إلى هذلك إل بمعرفة
الحكام الشرعية المتعلقة بأعماله .وعلى هذلك يكون التفقه في الدين للحكام اللزمة للمسلم في معترك الحياة فرض عين ل فرض
كفايـة أما الجتهايد لستنباط الحكام فهو فرض كفاية .وأما 9
مخالفتهم لمعنى الية فإن الية آية جهايد ،وهي تعني أنه ل يجوز
للمسلمين أن يخرجوا جميعا للجهايد ،فهل خرج للجهايد جماعة
وبقيت فئة تتعلم الحكام على الرسول عليه السلم ،حتى إهذا رجع
المجاهدون علمهم الباقون ما فاتهم من أحكام ال تعليما يؤةثر فيهم ،ويدل على هذلك أيضا ما كان عليه الصحابة رضوان ال عليهم من
حرص على تعلم أحكام الدين وملزمة الرسول عليه السلم ،فقد كان يخرج بعضهم في السرايا للجهايد ،ويبقى الباقون ليتعلموا
أحكام الدين .ةثم يرجع المجاهدون فيعلمهم الباقون ما فاتهم من أحكام .
ةثانيها أن الغرب الحاقد المبغض للسلم والمسلمين هاجم
الدين السلمي ،وصار يطعن فيه فيفتري عليه من جهة ،ويقبح
بعض أحكامه من جهة أخرى ،مع أنها هي المعالجات الصحيحة لمشاكل الحياة .فكان للمسلمين ولسيما المتعلمين ،موقف أمام هذا الهجوم يغلب عليه الضعف ،إهذ قبلوا أن يكون السلم متهما
وصاروا يدافعون عنه ،وجرهم هذا إلى محاولت لتأويل أحكام
السلم ،فمثل أولوا الجهايد بأنه حرب يدفاعية ل هجومية ،وخالفوا 10
بذلك حقيقة الجهايد .مع أن الجهايد حرب لكل من يقف في وجه
الدعوة السلمية ،سواء أكان معتديا أم غير معتد .وبعبارة أخـرى ، هو إزالة لكل حاجز يقف في وجه يدعوة السلم ،أو هو الدعوة
إلى السلم ،والقتال في سبيلها ،أي في سبيل ال .والمسلمون حين هاجموا فارس والروم ومصر وشمال أفريقيا والندلس وغيرها
إنما هاجموها لن الدعوة تقتضي الجهايد لنشرها في هذه البليد ، فذلك التأويل للجهايد خطأ نتج عن الضعف في قبول السلم متهما
،والدفاع عنه يدفاعا يظهر فيه إرضاء المتهمين "بكسر الهاء" .
ومثل هذلك مسألة تعديد الزوجات ،ومسألة قطع يد السارق ،وغير
هذلك من المساقئل التي حاول المسلمون أن يريدوا فيها على الكفار ، فصاروا يحاولون تأويل السلم تأويل يناقضه .وكان من جراء هذلك
كله إبعايد المسلمين عن فهم السلم ،وبالتالي إبعايد السلم عن العمل به .
ةثالثها أنه كان من جراء تقلص ظل الدولة السلمية عن كثير من
القطار السلمية ،وخضوعها لحكم الكفر ،ةثم من جراء انهيار الدولة السلمية والقضاء عليها ،أن حصل في أهذهان المسلمين 11
استبعايد وجويد الدولة السلمية ،واستبعايد الحكم بالسلم وحده ، ولذلك صاروا يرضون أن يحكموا بغير ما أنزل ال ،ول يرون بأسا
في هذلك ما يدام يحافظ على اسم السلم ،ولو لم يحكم به ،
وينايدون بوجوب الستفايدة من المذاهب والمبايدئ الخرى لتساعد
على تطبيق السلم في الحياة ،فنتج عن هذا قعويد عن العمل
لعايدة الدولة السلمية وسكوت عن تطبيق أحكام الكفر على المسلمين بأيدي المسلمين .
فكان من جراء ما تقدم أن أخفقت جميع الحركات الصلحية
التي قامت لنهاض المسلمين ولعايدة مجد السلم .وكان طبيعيا
أن تخفق ،لنها وإن كانت حركات إسلمية ،لكنها كانت في
سوء فهمها للسلم تزيد العقدة ،وتعقد المشكلة ،وتبعد المجتمع عن السلم ،بدل أن تعمل لتطبيقه فيه .
ولهذا كان ل بد من حركة إسلمية تفهم السلم فـكرة وطريقة ،
وتربط بينهما ،وتعمل لستئناف حياة إسلميـة في أي قطر من
القطار السلمية حتى يكون هذا القطر نقطة ابتداء ،تنبثق منها
الدعوة السلمية ،ةثم نقطة انطلق للدعوة إلى السلم . 12
وعلى هذا الساس وجد حزب التحرير ،وقام يعمل لستئناف
حياة إسلمية في البليد العربية ،ينتج عنها ـ طبيعيا ـ استئناف الحياة السلمية في العالم السلمي بإيجايد الدولة السلمية في قطر أو
أقطار نقطة ارتكاز للسلم ،ونواة الدولة السلمية الكبرى ،التي تستأنف الحياة السلمية ،بتطبيق السلم كامل في جميع البليد
السلمية ،وحمل الدعوة السلمية إلى العالم كله .
وبعد الدراسة والفكر والبحث تبنى حزب التحرير هذا أحكاما
شرعية منها ما هو متعلق بمعالجات المشاكل الفريدية التي تقع بين الفرايد وفي علقات الفرايد بعضهم مع بعض مثل منع إجارة الرض للزراعة ،ومنها ما هو متعلق بالراء العامة التي تقع بين عامة
المسلمين وغيرهم وفي علقات عامة المسلمين مع غيرهم مثل
جواز المعاهدات الضطرارية ،والدعوة إلى السلم قبل البدء
بالقتال ،وما شابه هذلك ،ومنها ما هو متعلق بالفكار ،وهي أحكام
شرعية كساقئر الحكام الشرعية ،وهذلك كالقواعد الكلية والتعاريف مثل قاعدة <ما ل يتم الواجب إل به فهو واجب> ومثل تعريف
الحكم الشرعي بأنه خطاب الشارع المتعلق بأفعال العبايد ،وما شابه 13
هذلك .فقد تبنى الحزب في كل نوع من هذه النواع من الحكام
أحكاما معينة ،وأخذ يدعو لها إهذ يدعو للسلم .وهي آراء وأفكار وأحكام إسلمية ليس غير ،وليس فيها أي شيء غير إسلمي ول
متأةثرة بأي شيء غير إسلمي ،بل هي إسلمية فحسب ،ل تعتمد
غير أصول السلم ونصوصه .ويعتمد الحزب فيها على الفكر
ويرى أن الدعوة إلى السلم يجب أن تقوم على الفكر ،وأن تحمل
قيايدة فكرية ،لن الفكر المستنير هو الذي تتركز عليه الحياة
وينهض النسان على أساسه ،وهو الذي يرى حقاقئق الشياء فتدرك
إيدراكا صحيحا .والفكر حتى يكون مستنيرا ل بد أن يكون عميقا ، والفكر العميق هو النظرة العميقة للشياء .والفكر المستنير هو
النظرة العميقة للشياء ولحوالها وما يتعلق بها والستدلل بذلك
للوصول إلى النتاقئج الصايدقة ،وبعبارة أخرى هو النظرة العميقة
المستنيرة للشياء ،ولذلك كان ل بد من النظرة العميقة المستنيرة
للكون والنسان والحياة ،ول بد من النظرة العميقة المستنيرة
للنسان ولعمال النسان ،حتى يمكن إيدراك الحكام المـترتبة
عليها .
14
والنظرة العميقة للكون والنسان والحياة هي التي تعطي الفكرة
الكلية عنها ،وهي التي تحل العقدة الكبرى للنسان ،وهي التي
تكون العقيدة عند النسان ،وهي التي تعين للنسان غاية الحياة ، وغاية العمال التي يقوم بها في الحياة ،لن النسان يحيـا في
الكـون ،فما لم تحل عنده العقدة الكبرى عن نفسه ،وعن الحياة التي تقوم فيه ،وعن الكون الذي هو مكان حياته ووجويده ،ل
يمكن أن يعرف السلوك الذي ينبغي أن يسلكه .ولذلك كان أساس
كل شيء هو العقيدة .
والنظرة العميقة المستنيرة إلى الكون والنسان والحياة تؤيدي إلى
العقيدة السلمية فيظهر بوضوح أنها مخلوقة لخالق ،وأن هذا
الخالق هو وحده الذي يدبرها ،ويقوم بحفظها وتسييرها وفق نظـام
مخصوص ،وأن هذه الحياة الدنيا ليست أزلية ول أبدية ،فيوجد ما
قبلها وهو خالقها ومدبرها ،ويوجد ما بعدها وهو يوم القيامة ،وأن
أعمال النسان في هذه الحياة الدنيا يجب أن تكون ساقئرة وفق
أوامر ال و نواهيه ،وأن النسان سيحاسب عليها يوم القيامة وهو
15
يوم الحساب ،ولذلك كان لزاما على النسان أن يتقيد بشرع ال الذي بلغه إياه رسول ال سيدنا محمد عليه الصلة والسلم .
والنظرة العميقة المستنيرة للكون والحياة والنسان ترى أنها مايدة
فقط ،وليست روحا ،ول مركبة من المايدة والروح .والمرايد بالمايدة
هنا الشيء المدرك المحسوس ،سواء عرفت المايدة بأنها ما أشغلت
حيزا وكان لها ةثقل ،أو عرفت بأنها الطاقة المشحونة ظاهـرة أو خفية ،إهذ ليس البحث عن ماهية المايدة بل البحث عن الكون
والحياة والنسان ـ هذه الشياء المحسوسة المدركة ـ من ناحية
كونها مخلوقة لخالق .والمرايد بالروح هنا إيدراك الصلة بال ،وليس المرايد سر الحياة ،إهذ ليس البحث عن الروح بمعنى سر الحياة ،
وإنما البحث عن علقة الكون والحياة والنسان بالمغيب عنا أي
بالخالق ،وعن إيدراك هذه العلقة أي هل إيدراك صلة الكون والحياة
والنسان بخالقها جزءا منها أو ليس جزءا منها .
فالنظرة العميقة المستنيرة للكون والحياة والنسان ـ من حيث
معنى الروح بأنها إيدراك الصلة بال ل من حيث الروح سر الحياة ـ
ترى أنها مايدة فقط وليست روحا ول مركبة من المايدة والروح .أما 16
أنها مايدة فظاهر غير خفي لنها مدركة محسوسة .وأما أنها ليست روحا فذلك أن الروح هي إيدراك النسان صلته بال تعالى ،وهذا
اليدراك من النسان لصلته بال ليس هو الكون ول النسان ول الحياة ،بل هو شيء غيرها .وأما أنها ليست مركبة من المايدة
والروح فظاهر في الكون والحياة ،وأما في النسان فإن إيدراكه
لصلته بال ليس جزءا من تركيبه بل صفة طارقئة ،بدليل أن الكافر
المنكر لوجويد ال ل يدرك صلته بال ومع هذلك فهو إنسان .
وعلى هذا فإن ما يقوله بعض الناس من أن النسان مركب من
مايدة وروح ،فإهذا غلبت فيه المايدة على الروح كان شريرا وإهذا
غلبت فيه الروح على المايدة كان خيرا ،وأن عليه أن يغلب الروح على المايدة ليكون خيرا ،هذا القول غير صحيح ،فالنسان ليس
مركبا من المايدة والروح ،وهذلك لن الروح المبحوث عنها في هذا
الباب عند جميع البشر الذين يؤمنون بوجويد اله هي أةثر الخالق أو ما يشاهد من آةثار للناحية الغيبية أو كون الشيء مدركا فيه ما ل
يوجد إل من ال أو بهذا المعنى ،أي هي بمعنى الروحانية أو الناحية الروحية ،والروح بمعنى الروحانية أو الناحية الروحية 17
الموجويدة في النسان ليست هي سر الحياة ول ناشئة عن سر
الحياة ول علقة لها بسر الحياة ،بل هي شيء غيرها قطعا ،بدليل
أن الحيوان فيه سر الحياة ومع هذلك ليس لديه روحانية ول ناحية
روحية ،ول أحد يقول عنه أنه مركب من المايدة والروح ،مما يقطع
بأن الروح بهذا المعنى ليست سر الحياة ول ناشئة عن سر الحياة
ول علقة لها بسر الحياة ،فكما أن الحيوان ليس مركبا من المايدة والروح مع أن فيه سر الحياة فكذلك النسان ليس مركبا من المايدة
والروح ولو كانت فيه سر الحياة ،لن الروح التي يتميز بها النسان والتي توجد لديه ليست متعلقة بسر الحياة ول ناشئة عنه وإنما هي
إيدراك الصلة بال فل يقال أنها جزء من تركيب النسان بحجة أن فيه سر الحياة .
وما يدامت الروح المبحوث عنها في هذا الباب هي إيدراك الصلة
بال ول علقة لها بسر الحياة فإنها ل تكون جزءا من تركيب
النسان ،لن إيدراك الصلة ليس جزءا من تركيبه ،بل هو صفة طارقئة ،بدليل أن الكافر المنكر لوجويد ال ل يدرك صلته بال ومع
هذلك فهو إنسان .
18
ومع أن الكون والنسان والحيـاة مايدة وليست روحا ،ولكن
الناحية الروحية بالنسبة لها ،هي كونها مخلوقة لخالـق ،أي هي صلتها ،بوصفها مخلوقة ،بال تعالى خالقها ،فالكون مايدة ،وكونه مخلوقا لخالق هو الناحية الروحية التي يدركها النسان .والنسان
مايدة ،وكونه مخلوقا لخالق هو الناحية الروحية التي يدركـها النسان
.والحياة مايدة ،وكونها مخلوقة لخالق هي الناحية الروحية التي
يدركها النسان .فالناحية الروحية ليست آتية من هذات الكون أو
الحياة أو النسان ،بل هي من كونها مخلوقة لخالق خلقها هو ال
تعالى .فهذه الصلة هي الناحية الروحية .
والصل في معنى الروح أن الناس الذين يؤمنون بوجويد الله
يريديدون كلمة الروح والروحانية والناحية الروحية ،ويريدون بها أةثر
الخالق في المكان أو ما يشاهد من آةثار للناحية الغيبية ،أو كون الشيء مدركا فيه ما ل يوجد إل من ال أو بهذا المعنى .فهذه
المعاني التي يطلقون عليها الروح والروحانية والناحية الروحية ومـا في معناها ،معاني عامة غامضة مبهمة غير مبلورة ،فهي لها واقع في
هذهنهم ولها واقع في الخارج لديهم إل وهو المغيب المدرك وجوه 19
وغير المدرك هذاته وأةثر هذا المغيب في الشياء ،ولكن هذا الواقع
الذي يحسونه يقع إحساسهم عليه فعل ولكنهم غير مستطيعين
تعريفه وغير مبلور لديهم .وكان من جراء عدم بلورة هذه المعاني أن
اضطرب تصورها لديهم ،فكان أن اختلطت عند بعضهم بالروح
التي هي سر الحياة وصاروا يطلقون على النسان بأنه مركب من
مايدة وروح لحساسهم بوجويد الروح فيه التي هي سر الحياة ولوجويد
الروح بمعنى الروحانية أو الناحية الروحية فظنوا أن هذه هي تلك أو أنها ناشئة عن تلك ولم يتلفتوا إلى أن الحيوان فيه روح أي سر
الحياة وليس لديه الروحانية أو الناحية الروحية .وكان أيضا من جراء
عدم بلورتها أن صار يطلق على ما يجده النسان من انتعاش نفسي بأنه روحانية فيقول الشخص عن نفسه أحسست بروحانية فاقئقة أو
فلن لديه روحانية عظيمة ،وكان أيضا من جراء عدم بلورتها أن
صار يؤتى إلى المكان فيحس فيه انشراح أو تجلى فيقال في هذا المكان ناحية روحية أو روحانية ،وكان من جراء عدم بلورتها أن
صار الشخص يجيع نفسه ويعذب جسده ويضعف جسمه زاعما أنه يريد تقوية روحه .كل هذلك لعدم بلورة معنـى الروح ومعنى الروحانية 20
ومعنى الناحية الروحية .فهو يشبه واقع العقل عند القدامى ،فإن العقل كلمة يرايد منها اليدراك والحكم على الشيء وما في هذا
المعنى ،ولكن القدامى كانوا يتصورون أن هذه الشياء من إيدراك
وغيره هي آةثار العقل وليست العقل ،والعقل له واقع عندهم
يحسون به ولكن ل يتبينون حقيقته وهو غير مبلور لديهم ،وكان من
جراء عدم بلورته لديهم أن اختلف تصورهم له واضطرب تصورهم لمكانه واختلط عليهم إيدراك حقيقته ،فمنهم من يقول هو في
القلب ومنهم من يقول هو في الرأس ومنهم من يقول هو الدماغ
ومنهم من يقول غير هذلك ،ولما جاءت هذه العصور انصرف بعض المفكرين لبلورة معنى العقل وتعريفه فاختلط عليهم لعدم إيدراك
واقعه فقال بعضهم هو انعكاس الدماغ على المايدة وقال آخرون هو
انعكاس المايدة على الدماغ إلى أن عرف التعريف الصحيح بأنه نقل الواقع إلى الدماغ بواسطة الحساس ومعلومات سابقة تفسر هذا
الواقع ،وبهذا التعريف صار يدرك ما هو العقل .فكذلك ل بد أن ينصرف بعض المفكرين لبلورة معنى الروح والروحانية والناحية
الروحية وما في هذا المعنى بلورة تجعل الذهن يدركها ويـدرك واقعها 21
.لن هناك واقعا للروح والروحانية والناحية الروحية ،إهذ المشاهد المحسوس للنسان أن هناك أشياء مايدية يحس بها النسان وقد
يلمسها كالرغيف وقد يحسها ول يلمسها كخدمة الطبيب ،وهناك أشياء معنوية يحسها ول يلمسها كالفخر وكالثناء ،وهناك أشياء
روحية يحسها ول يلمسها كخشية ال وكالتسليم له في الشداقئد ،
فهذه معاني ةثلةثة لها واقع يحس به النسان ،ويتميز أحدها عن
الخر ،فتكون الروح أو الناحية الروحية أو الروحانية واقعا مشخصا يقع الحس عليه فل بد من تعريف هذا الواقع لبلورته للناس كما
عرف العقل وبلور للناس .
وبالتدقيق في واقع الروح والروحانية والناحية الروحية يتبين أنها
غير موجويدة عند الملحد المنكر لوجويد ال وأنها موجويدة فقط عند المؤمنين بوجويد إله ،وهذا يعني أنها متعلقة باليمان بال ،توجد
حيث يوجد هذا اليمان وتنعدم حيث ينعدم .واليمان بوجويد ال يعني التصديق الجازم بأن الشياء مخلوقة لخالق خلقها يقينا ،
فيكون موضوع البحث هو الشياء من حيث كونها مخلوقة لخالق ،
فالقرار بأنها مخلوقة لخالق إيمان ،وإنكار أنها مخلوقة لخالق كفر 22
وفي حالة القرار والتصديق الجازم توجد الناحية الروحية ،والذي أوجدها هو التصديق ،وفي حالة عدم القرار والنكار ل توجد الناحـية الروحية ،والذي جعلها لم توجد هو النكار ،فتكون
الناحية الروحية هي كون الشياء مخلوقة لخالق ،أي هي صلة الشياء بخالقها من حيث الخلق واليجايد من عدم .فهذه الصلة ،
أي كونها مخلوقة لخالق ،إهذا أيدركها العقل ،حصل من جراء هذا اليدراك شعور بعظمة الخالق ،وشعور بالخشية منه ،وشعور
بتقديسه ،فكان هذا اليدراك ،الذي ينتج هذا الشعور ،لهذه
الصلة ،هو الروح .فتكون الروح هي إيدراك الصلة بال .وبذلك
يتبلور معنى الناحية الروحية ،ومعنى الروح والناحية الروحية ليست كلمات لها مدلول لغوي يرجع فيه إلى اللغة ،ول هي مصطلحات تصطلح عليها كل قوم يشاءون ،وإنما هي معاني لها واقع معين مهما أطلق عليها من ألفاظ ،فالبحث هو عن واقع هذه المعاني
وليس عن مدلول كلمات لغوية ،وواقع هذه المعاني هو هذا ،وهو أن الروح من حيث الناحية الروحية في النسان هي إيدراك الصلة بال ،والناحية الروحية في الكون والنسان والحياة هي كونها 23
مخلوقة لخالق ،فحيثما أطلقت هذه اللفاظ إنما يرايد بها هذه
المعاني لنها هي التي لها واقع محسوس يقوم البرهان عليه ،ولن هذا الواقع المحسوس هو الواقع الذهني والخارجي لها عند البشر المؤمنين بوجويد إله أي بوجويد خـالق للشياء .
أما الروح التي هي سر الحياة فهي موجويدة قطعا وةثابتة بنص
القرآن القطعي ،واليمان بوجويدها أمر حتمي ،وهي ليست موضوع هذا البحث .
ولفظ الروح لفظ مشترك كالعين لها عدة معان ،فكما أن العين
تطلق على أشياء كثيرة فتطلق على العين الجارية والباصرة
والجاسوس والذهب والفضة وغير هذلك ،فكذلك الروح تطلق على عدة معان .وقد وريدت في القرآن بمعاني متعديدة ،فوريدت الروح
وأريد بها سر الحياة ))يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إل قليل(( ووريدت وأريد بها جبريل عليه السلم
))نزل به الروح المين على قلبك لتكون من المنذرين(( ووريدت وأريد بها الشريعة ))وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا(( وهذه
المعاني كلها ليست هي المقصويدة من القول فيه ناحية روحية أو 24
هذا شيء روحي أو فصل المايدة عن الروح أو ما شابه هذلك .ول
علقة لهذا القول عن الروح بمعاني الروح الواريدة في القرآن ،بل المعنى المقصويد من الروح في هذه الطلقات الخيرة هو المعنى
المتعلق بخلق المايدة أي من حيث كون الشياء مخلوقة لخالق هو
ال تعالى وإيدراك النسان لصلة الشياء بخالقها .
والنظرة العميقة المستنيرة للنسان ترى أنه يعيش في يداقئرتين :
إحداهما تسيطر عليه ،والخرى يسيطر عليها .أما التي تسيطر
عليه فهي الداقئرة التي تنطبق فيها عليه أنظمة الوجويد ،فهو يسير والكون والحياة طبق نظام مخصوص ل يتخلف ،ولذلك تقع
العمال عليه في هذه الداقئرة على غير إرايدة منه ،وهو فيها مسير وليس بمخير ،فقد أتى إلى هذه الدنيا على غير إرايدة منه ،
وسيذهب عنها على غير إرايدته ،وهو ل يملك أن يخرج على نظام
الكون .ولذلك ل يسأل عن العمال التي تحصل منه أو عليه في
هذه الداقئرة .وأما الداقئرة التي يسيطر عليها فهي الداقئرة التي يسير
فيها مختارا ضمن النظام الذي يختاره ،سواء شريعة ال أو غيرها . وهذه الداقئرة هي التي تقع فيها العمال التي تصدر من النسان أو 25
عليه بإرايدته ،فهو يمشي ويأكل ويشرب ويسافر في أي وقت يشاء
،ويمتنع عن هذلك في أي وقت يشاء :يفعل مختارا ،ويمتنع عن
الفعل مختارا ،ولذلك يسأل عن العمال التي يقوم بها ضمن هذه
الداقئرة .
وهو ـ أي النسان ـ يحب أشياء تقع منه أو عليه في الداقئرة التي
يسيطر عليها والداقئرة التي تسيطر عليه ،ويكره أشياء فيهما ،
فيحاول أن يفسر هذا الحب وهذه الكراهية بالخير والشر ،ويميل
لن يطلق على ما يحب أنه الخير ،وعلى ما يكره أنه الشر .
وكذلك أطلق على أفعال أنها خير وعلـى أفعال أخرى أنها شر على
أساس ما أصابه منها من نفع ،أو ما لحقه منها من ضرر .
والحقيقـة أن العمال التي تقع من النسان في يداقئرته ل توصف
بأنها خير أو شر لذاتها ،لنها مجريد أفعال فقط ليس لها وصف الخير أو الشر باعتبار هذاتها ،وإنما جاء كونها خيرا أو شرا بناء
على اعتبارات خارجة عن هذات العمال ،فقتل النفس النسانية ل يسمى خيرا ول شرا ،وإنما يسمى قتل فقط .وكونه خيرا أو شرا إنما جاء من وصف خارج عنه .ولذلك كان قتل المحارب خيرا 26
وقتل المواطن أو المعاهد أو المستأمن شرا ،فيكافأ القاتل الول ، ويعاقب القاتل الثاني ،مع أنهما عمل واحد ليس فيه تمييز .وإنما
الخير والشر آت من العوامل التي تسير النسان للقيام بالعمل
والغاية التي يهدف إليها من القيام به .فالعوامل التي سيرت النسان
للعمل والغاية التي يهدف إليها هما اللذان عينا وصـف العمل بالخير
والشر ،سواء أحب النسان أم كره ،وسواء أصابه منه نفع أو ضرر
.
وعلى هذا كان لزاما أن تبحث العوامل المسيرة للنسان للقيام
بالعمل وأن تبحث الغاية التي يهدف إليها ،فيفهم حينئذ متى
يوصف العمل بالخير أو الشر .ومعرفة العوامل المسيرة والغاية التي يسعى إليها تتوقف على نوع العقيدة التي يعتقدها النسان .
فالمسلم الذي يؤمن بال ويؤمن بأنه أرسل سيدنا محمدا صلى ال عليه وسلم بشريعة السلم التي تبين أوامر ال ونواهيه وتنظم علقته بربه وبنفسه وبغيره :هذا المسلم يجب أن تسيره في أعماله أوامر
ال ونواهيه ،وتكون الغاية التي يهدف إليها من هذا التسيير نوال
رضوان ال .ولهذا كان العمل موصوفا بأنه يغضب ال أو يرضيه ، 27
فإن كان مما يغضب ال لمخالفته لوامره واتباع نواهيه فهو شر ، وأن كان مما يرضي ال بإطاعة أوامره واجتناب نواهيه فهو خير . وعلى هذلك نستطيع أن نقول :أن الخير في نظر المسلم ما
أرضى ال والشر هو ما أسخطه .
وهذا ينطبق على الفعال التي تحصل من النسان أو عليه في
الداقئرة التي يسيطر عليها .
وأما الفعال التي تحصل من النسان أو عليه في الداقئرة التي
تسيطر عليه فإن النسان يصفها بالخير أو الشر تبعا لمحبته
وكراهيته ،أو نفعه وضرره )) ،إن النسان خلق هلوعا إهذا مسه الشر
جوعا وإهذا مسه الخير منوعا(( ))وإنه لحب الخير لشديد(( لكن هذا الوصف ل يعني أنه وصف لها في حقيقتها ،فقد يرى شيئا
خيرا وهو شر ،وقد يراه شرا وهو خير ))وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم وال يعلم وأنتم
ل تعلمون(( .
والنظرة العميقة المستنيرة لعمال النسان ترى أنها مايدة فقط
باعتبار هذاتها مجريدة عن كل ملبساتها واعتباراتها .وكونها مايدة ل 28
توصف بالحسن أو القبح لذاتها ،وإنما توصف بذلك من قبل
ملبسات خارجة عنها ،واعتبارات آتية من غيرها .وهذا الغير
الذي يبين الفعل من كونه حسنا أو قبيحا إما أن يكون العـقل وحده
،أو الشرع وحده ،وأما أن يكون العقل والشرع يدليـل عليه ،أو
الشرع والعقل يدليل عليه .أما وصفها من ناحية العقل وحده فباطل
:لن العقل عرضة للتفاوت والختلف والتناقض ،إهذ قياسات العقل للحسن والقبح تتأةثر بالبيئة التي يعيش فيها بل تتفاوت
وتختلف بالعصور على تعاقبها ،فإهذا ترك قياس القبح والحسن للعقل كان الشيء قبيحا عند فئة من الناس وحسنا عند آخرين ،بل
قد يكون الشيء الواحد حسنا في عصر ،قبيحا في عصر آخر .
والسلم بوصفه المبدأ العالمي الخالد يقضي أن يكون وصف الفعل
بالقبح أو الحسن ساريا على جميع بني النسان في جميع العصور . ولذلك كان ل بد أن يكون بيان الفعل من كونه حسنا أو قبيحا آتيا من قوة وراء العقل ،فكان ل بد أن يكون آتيا من قبل الشرع ،
لذلك كان وصف الفعل النساني بالقبح أو الحسن آتيا من قبل الشرع .ومن هنا كان الغدر قبيحا ،وكان الوفاء حسنا ،وكان 29
الفسق قبيحا ،وكانت التقوى حسنة ،وكان الخروج على الدولة
السلمية قبيحا ،وكان تصحيح اعوجاجها إهذا انحرفت فعل حسنا ،لن الشرع بين هذلك .أما جعل الشرع يدليل على ما يدل عليه
العقل فهو يقضي بجعل العقل حكما في الحسن والقبح ،وقد بينا
بطلنه ،وأما جعل العقل يدليل على ما يدل عليه الشرع فهو يقضي
بجعل العقل يدليل على الحكم الشرعي مع أن الحكم الشرعي يدليله النص وليس العقل ،ومهمة العقل هي فهم الحكم الشرعي ل جعله
يدليل عليه .ومن هنا كان الحسن والقبح شرعيين فقط وليسا عقليين .
والفرق بين وصف الفعال بالخير والشر وبين وصفها بالحسن
والقبح أن وصفها بالخير والشر إنما هو من حيث أةثرها في نظر
النسان ،ومن حيث القدام عليها والحجام عنها ،فالنسان أطلق على ما يضره أو ما يكرهه من الفعال بأنه شر ،وأطلق على ما
ينفعه وما يحبه من الفعال بأنه خير من أةثر هذلك عليه بغض النظر
عن الحسن والقبح فإنه ليس واريدا عنده في هذه الحالة ،وبناء على هذه النظرة يقدم على الفعل ويحجم عنه ،فجاء التصحيح لهذه 30
النظرة بأن الفعل ل يقال أنه خير أو شر حسب الكراهية والحب أو النفع والضر ،وإنما قياس كونه خيرا أو شرا هو مرضاة ال تعالى .
فهنا البحث من حيث مقياس الخير والشر الذي تعارف الناس عليه وليس من حيث الفعل نفسه .
أما وصف الفعال بالحسن والقبح فإنه من حيث الحكم عليها
من قبل النسان ومن حيث العقاب والثواب عليها ،فالنسان أعطى نفسه صلحية الحكم على الفعل بأنه حسن أو قبيح قياسا على
الشياء ،فإنه لما وجد أنه استطاع أن يحكم على الشيء المر بأنه قبيح وعلى الشيء الحلو بأنه حسن ،وعلى الشكل البشع بأنه
قبيح وعلى الشكل الجميل بأنه حسن رأى أنه يستطيع الحكم على الصدق بأنه حسن وعلى الكذب بأنه قبيح وعلى الوفاء بأنه حسن
وعلى الغدر بأنه قبيح ،فأعطى نفسه صلحية الحكم على الفعال بأنها حسنة أو قبيحة بغض النظر عن موضوع الخير والشر فإنه ليس واريدا عنده في هذه الحالة ،وبناء على حكمه هذا وضع العقوبات
على الفعل القبيح ووضع المكافآت على الفعل الحسن .فجاء
التصحيح لهذا الحكم بأن الفعل ل يقاس على الشيء ،فإن الشيء 31
يدرك الحس فيه المرارة والحلوة والبشاعة والجمال فيمكنه أن
يحكم عليه ،بخلف الفعل فإنه ل يوجد فيه شيء يحسه النسان حتى يحكم عليه هو بالقبح أو الحسن ،فل يتأتى أن يحكم عليه بالحسن أو القبح مطلقا من نفس الفعل ،فل بد أن يأخذ هذا
الحكم من غيره وهو ال تعالى .فهنا البحث من حيث الحكم على الفعل وليس من حيث مقياسه وهنا البحث من حيث العقوبات على
الفعال والةثابة عليها وليس من حيث القدام عليها والحجام عنها
،ولذلك كان هناك فرق بين الخير والشر وبين الحسن والقبح ، وكانا بحثين منفصلين تماما .
هذا بالنسبة لوصف العمال .أما بالنسبة للقصد من العمل فإنه
ل بد أن يكون لكل عامل قصد قد قام بالعمل من أجله .وهذا
القصد هو قيمة العمل .ولذلك كان حتما أن تكون لكل عمل قيمة
يراعى النسان تحقيقها حين القيام بالعمل ،وإل كان مجريد عبث . ول ينبغي للنسان أن يقوم بأعماله عبثا من غير قصد ،بل ل بد أن
يراعى تحقيق قيم العمال التي قصد القيام بالعمل من أجلها .
32
وقيمـة العمل إما أن تكون قيمة مايدية ،كالعمال التجارية والزراعية والصناعية ونحوها ،فإن المقصويد من القيام بهذه العمال هو
إيجايد فواقئد مايدية منها ،وهي الربح ،وهي قيمة لها شأنها في
الحياة ،وإما أن تكون قيمة العمل إنسانية كإنقاهذ الغرقى وإغاةثة الملهوفين ،فإن المقصويد منها إنقاهذ النسان بغض النظر عن لونه
وجنسه ويدينه أو أي اعتبـار آخر غير النسانية ،وإما أن تكون قيمة
العمل أخلقية ،كالصدق والمانة والرحمة ،فإن المقصويد منها
الناحية الخلقية بغض النظر عن الفواقئد وبغض النظر عن النسانية ،
إهذ قد يكون الخلق مع غير النسان ،كالرفق بالحيوان والطير ،
وقد تحصل من العمل الخلقي خسارة مايدية ،ولكن تحقيق قيمته واجبة ،أل وهي الناحية الخلقية .وأما أن تكون قيمة العمل روحية كالعبايدات ،فإنه ليس المقصويد منها الفواقئد المايدية ،ول النواحي النسانية ول المساقئل الخلقية ،بل المقصويد منها مجريد العبايدة ،
ولذلك يجب أن يراعى تحقيق قيمتها الروحية فحسب بغض النظر عن ساقئر القيم .
33
هذه هي القيم للعمال جميعها ،وهي التي يعمل لتحقيقها
النسان عند القيام بكل عمل من أعماله .
وقياس المجتمعات النسانية في حياتها الدنيوية إنما يكون
حسب هذه القيم ،ويكون بقدر ما يتحقق منها في المجتمع ،وما يضمن تحقيقها من رفاهية وطمأنينة .ولذلك كان على المسلم أن
يبذل وسعه لتحقيق القيمة المقصويدة من كل عمل يقوم به حين أيداء هذا العمل ومباشرته ،حتى يساهم في رفاهية المجتمع ورفعتــه ، ويضمن ـ في نفس الوقت ـ رفاهية نفسه وطمأنينتها .
وهذه القيم ليست متفاضلة ول متساوية لذاتها ،لنه ل توجد
بينها خصاقئص تتخذ قاعدة لمساواتها ببعضها أو تفضيل بعضها
على بعض ،وإنما هي نتاقئج قصدها النسان حين القيام بالعمل .
ولذلك ل يمكن وضعها في ميزان واحد ،ول تقاس بمعيار واحد ،
لنها متخالفـة إن لم تكن متناقضة .غير أن النسان من شأنه أن يفاضل بين القيم ليختار أفضلها ،وإن لم تكن متفاضلة ،ول
متساوية ،إل أن النسان ل يرضى بذلك بل يفاضل ويساوي بينها ،
وهذه المفاضلة والمساواة ل تكون بناء على نفس القيمة ،بل بناء 34
على ما يصيبه هو منها ،وعلى هذلك بنى النسان التفاضل
والتساوي بين القيم على نفسه ،وما تجره هذه القيمة له من نفع أو
ضر .ولذلك يجعل نفسه المقياس أو يجعل الةثر الذي يصيب هذاته من هذه القيم هو المقياس ،فتكون في الحقيقة مفاضلة بين آةثار
هذه القيم على نفسه ل بين القيم هذاتها .وبما أن استعدايدات بني
النسان تختلف بالنسبة لةثار القيم ،لذلك تختلف مفاضلتهم بينها .
فالشخاص الذين تتغلب عليهم المشاعر الروحية ويملكهم
الميل لها ويهملون القيمة المايدية يفضلون القيمة الروحية على
القيمـة المايدية ،فينصرفون للعبايدات ويزهدون في المايدة .ولذلك
يعطلون الحياة لنها مايدة ،ويسببون تأخرها المايدي ،وينخفض بسببهم مستوى المجتمع الذي يعيشون فيه ،بما يشيع فيه من
كسل وخمول .
والشخاص الذين تتغلب عليهم الميول المايدية وتملكهم
الشهوات ويهملون القيمة الروحية يفضلون القيمة المايدية وينصرفـون
35
لتحقيقها .ولذلك تتعديد عندهم المثل العليا ،ويضطرب بسببهم
المجتمع الذي يعيشون فيه ،ويشيع فيه الشر والفسايد .
ولهذا كان من الخطأ أن يترك للنسان تقدير هذه القيم ،بل
يجب أن تقدر القيم من قبل خالق النسان وهو ال .ولذلك كان ل بد أن يكون الشرع هو الذي يحديد للنسان هذه القيم ويحديد وقت القيام بها ،وبحسبها يأخذها النسان .
وقد بين الشرع معالجات مشاكل الحياة بأوامر ال ونواهيه ،
وألزم النسان بالسير في هذه الحياة حسب هذه الوامر والنواهي ، كما بين العمال التي تحقق القيمة الروحية ،وهي العبايدات التي
أوجبها وسنها .كما بين الصفات التي تحقق القيمة الخلقية .وترك للنسان أن يحقق القيمة المايدية التي تلزمه ليسد بها ضروراته وحاجاته ،وما هو فوق الضروريات والحاجات ،وفق نظام
مخصوص بينه له ،وأمره أن ل يحيد عنه .وما على النسان إل أن
يعمل لتحقيق هذه القيم وفق أوامر ال ونواهيه ،وأن يقدرها بالقدر الذي بينه الشرع .
36
وبذلك تتحقق في المجتمع القيم بالقدر الذي يلزمه كمجتـمع
معين .ويقاس هذا المجتمع بمقاييسها .وعلى هذا الساس يجب أن يعمل لتحقيق القيم ،ليوجد المجتمع السلمي حسب وجهة نظر السلم في الحياة .
وعلى هذلك فإن العمل النساني مايدة يقوم به النسان قياما مايديا
إل أنه حين يقوم به يدرك صلته بال من كون هذا العمل حلل أو
حراما ،فيقوم به أو يمتنع عنه على هذا الساس ،وهذا اليدراك من النسان لصلته بال هو الروح .وهو الذي يجبر النسان أن يعرف
شرع ال ليميز أعماله ،فيفهم الخير من الشر حين يعرف ما يرضي ال من العمال وما يسخطه ،ويميز القبيح من الحسن حين يعين له الشرع الفعل الحسن والفعل القبيح ،وليرى القيم التي تلزم
للحياة السلمية في المجتمع السلمي حسب ما يعينها الشرع . وبهذا يمكنه حين يقوم بالعمل ويدرك صلته بال أن يقدم على العمل
أو يحجم عنه حسب هذا اليدراك ،لنه يعلم نوع العمل ووصفه
وقيمته .ومن هنا كانت فلسفة السلم مزج المايدة بالروح أي جعل
العمال مسيرة بأوامر ال ونواهيه .وكانت هذه الفلسفة يداقئمية 37
لزمة لكل عمل مهما قل أو كثر ،يدق أو جل .وكانت هي تصوير الحياة ،ولما كانت العقيدة السلمية هــي أساس الحياة ،وهي
أساس الفلسفة ،وهي أساس النظمة ،كانت الحضارة السلمية ـ التي هي مجموع المفاهيم عن الحياة من وجهة نظر السلم ـ مبنية
على أساس واحد روحي ،وهو العقيدة ،وكان تصويرها للحياة هو
مزج المايدة بالروح ،وكان معنى السعايدة في نظرها هو رضوان ال . وإهذا كانت العقيدة التي تحل العقدة الكبرى هي أساس أعمال
النسان ،وهي التي تتركز عليها وجهة النظر في الحياة والفلسفة
هي التي تضبط هذه العمال ،فإن النظمة التي تنبثق عن العقيدة
هي التي تعالج مشاكل النسان وتنظم أعماله تنظيما يدقيقا .ولذلك كان تطبيقها هو مقياس اعتبار الدار يدار كفر أو يدار إسلم .
فالدار التي تطبق فيها أنظمة السلم ويحكم فيها بما أنزل ال
تعتبر يدار إسلم ولو كان أكثر أهلها من غير المسلمين ،وتعتبر
الدار التي يحكم فيها بغير ما أنزل ال يدار كفر ولو كان أكثر أهلها من المسلمين ،ومن هنا كان المعول ـ بعد العقيدة ـ على أنظمة
السلم وعلى تطبيقها في معترك الحياة ،لن تطبيق هذه النظمة 38
مع العقيدة يكون في المة العقلية السلمية ،والنفسية السلمية ،
تكوينا طبيعيا ،ويجعل المسلم شخصية سامية متميزة .
وقد نظر السلم إلى النسان على أنه كل ل يتجزأ ،ونظم
أعماله بأحكام شرعية تنظيما واحدا متسقا ،مهما تعديدت هذه
العمال وتنوعت .وهذه الحكام الشرعية هي النظمة السلمية التي تعالج مشاكل النسان ،إل أنها حين تعالج مشاكله تعالجها
على اعتبار أن كل مشكلة تحتاج إلى حل أي باعتبار أنها مسألة
تحتاج إلى حكم شرعي .أي يعالج المشاكل كلها معالجة واحدة
بوصفها مشكلة إنسانية ل بأي وصف آخر ،فهو حين يعالج
مشكلة اقتصايدية كالنفقة مثل ،أو مشكلة حكم كنصب خليفة ،
أو مشكلة اجتماع كالزواج ،ل يعالجها بوصفها مشكلة اقتصايدية أو بوصفها مشكلة حكم ،أو مشكلة اجتماع بل يعالجها بوصفها مشكلة إنسانية فيستنبط لها حل أي باعتبارها مسألة يستنبط لها
حكم شرعي ،وللسلم طريقة واحدة في معالجة مشاكل النسان هي فهم المشكلة الحايدةثة واستنباط حكم ال فيها من اليدلة الشرعية التفصيلية .
39
والنظمة السلمية أحكام شرعية تتعلق بالعبايدات والخلق
والمطعومات والملبوسات والمعاملت والعقوبات .
فالحكام الشرعية المتعلقة بالعبايدات والخلق والمطعومات
والملبوسات ل تعلل ،قال عليه الصلة والسلم ) :حرمت الخمرة لعينها( .وأما الحكام الشرعية المتعلقة بالمعاملت والعقوبات فإنها
تعلل ،لن الحكم الشرعي فيها مبنى على علة كانت سببا لوجويد الحكم ،وقد اعتايد الكثيرون أن يعللوا جميع الحكام بالنفعية ،
متأةثرين بالقيايدة الفكرية الغربية والحضارة الغربية التي تجعل النفعية
البحتة أساسا لجميع العمال .وهذا يناقض القيايدة الفكرية
السلمية التي تجعل الروح أساسا لكل العمال ،وتجعل مزجها مع المايدة الضابط للعمال .وعلى هذا فإن الحكام الشرعية المتعلقة
بالعبايدات والخلق والمطعومات والملبوسات ل تعلل مطلقا ،لنه
ل علة لهذه الحكام ،وإنما تؤخذ كما وريدت بالنص ول تبنى على علة مطلقا ،فالصلة والصيام والحج والزكاة وكيفية الصلة وعديد ركعاتها ومشاعر الحج وأنصبة الزكاة وما شاكل هذلك تؤخذ توقيفا
كما وريدت ،وتتلقى بالقبول والتسليم بغض النظر عن علتها ،بل ل 40
تلتمس لها علة .وكذلك تحريم الميتة ولحم الخنزير وغير هذلك ل
تلتمس له علة أبدا ،بل من الخطأ والخطر أن تلتمس علة له ،لنه لو التمست علة لحكام هذه الشياء لترتب على هذلك أنه لو زالت
العلة لزال الحكم ،لن العلة تدور مع المعلول وجويدا وعدما .فلو
فرضنا أن علة الوضوء النظافة ،وعلة الصلة الرياضة ،وعلة الصوم
الصحة ،وهكذا ،لترتب على هذلك أنه في حال عدم وجويد العلة ل
يوجد الحكم ،مع أن المر ليس كذلك .ولهذا كان التماس العلة
خطرا على الحكم ،وعلى القيام به ،فوجب أن تؤخذ أحكام
العبايدات كما هي يدون التماس علة لها .وأما الحكمة فإن ال
وحده هو الذي يعلمها ،وعقلنا ل يمكنه إيدراك حقيقة هذات ال ، فل يدرك حكمته .أما ما وريدت به النصوص من حكم ،كقوله
تعالى ))إن الصلة تنهى عن الفحشاء والمنكر(( وكقوله ))ليشهدوا منافع لهم(( وكقوله ))وما آتيتم من زكاة تريدون وجه ال فأولئك هم المضعفون(( وغير هذلك من حكم نصت عليها النصوص ،فإنه
يقتصر فيها على النص وتؤخذ منه ول يقاس عليه .وما لم يريد
بحكمته نص ل تلتمس له حكمة ،كما ل تلتمس له علة . 41
هذا في العبايدات ،وأما الخلق فإنها قيمة جعلت لها أحكام
في بيان الفضاقئل والمكارم وأضدايدها ،كما جعلت من نتاقئج
العبايدات ،ومما يجب أن يلحظ في المعاملت ،لن السلم
يهدف في تشريعه السير بالنسان في طريق الكمال ،حتى يصل إلى أعلى مرتبة يستطيعها ،فيحرص على اتصافه بعليا الصفات ويحرص على بقاء التصاف بها .والخلق الحسن قيمـة يراعى
تحقيقها حين التصاف به ،فهو خاص بالفضاقئل التي نص عليها
الشرع ،وتراعى قيمته حين القيام بهذه الفضاقئل وحين التصاف بها
.والخلق جزء من الشريعة السلمية ،وقسم من أوامر ال
ونواهيه ،ل بد من تحقيقها في نفس المسلم ليتم عمله بالسلم
ويكمل قيامه بأوامـر ال ونواهيه .
والصفات الخلقية ل يتصف بها المسلم لذاتها ول لما فيها من
منفعة ،بل يتصف بها لن ال أمر بها فقط ل لي شيء آخر ،فل
يتصف المسلم بالصدق لذات الصدق ول لما فيه من منفعة ،بل لن الشرع أمر به .
42
أما عدم اتصاف المسلم بالخلق لذات الخلق فيرجع إلى وصف
الفعال ،فقد يكون الفعل الذي فعله النسان لذاته قبيحا هو يظنه حسنا فيقوم به ،وقد تكون الصفة التي اتصف بها لذاتها صفة
قبيحة وهو يظنها صفة حسنة فيتصف بها وهنا يقع الخطأ من قيام
النسان بالخلق لذات الخلق .وما لم يعين السلم الصفات الحميدة والصفات الريديئة ،ويقوم بها المسلم على أساس هذا
البيان ،ل يمكن أن يكون اتصافه بهذه الصفات متفقا مع الحكام الشرعية ،ولذلك ل يجوز للمسلم أن يتصف بالصدق لذات
الصدق ،ول يرحم الضعيف لذات الرحمة ،ول يتصف بكافة
الخلق لذات الخلق ،بل يتصف بها لن ال أمر بها ،إهذ أن هذه الخلق إنما تستند إلى العقيدة السلمية ،وهذا هو المر
الجوهري فيها .وهذا هو الذي يكفل تمكن الخلق من النفس ، وبقاءه مطهرا لها من كل يدنس ،ويجعلها بعيدة عن أن تتسرب إليها
أسباب تفسدها .ولذلك كانت الوقاية للخلق ،أن يقتصر فيه على ما وريد به النص ،وأن يحصر في الساس الروحي ويبنى على العقيدة السلمية .
43
وأما عدم اتصاف النسان بالخلق لما فيه من منفعة فهو يرجع
إلى أن المنفعة ليست مقصويدة من الخلق .ول يجوز أن تكون مقصويدة ،لئل تفسده ولئل تجعله يداقئرا معها حيث يدارت .
والخلق صفات ل بد أن يتصف بها النسان طوعا واختيارا بدافع تقوى ال .ول يقوم المسلم بالعمال الخلقية لنها تنفع أو تضر
في الحياة ،بل يقوم بها إجابة لوامر ال ونواهيه .وهذا هو الذي يجعل التصاف بالخلق الحسن يداقئميا وةثابتا :ل يدور حيث تدور المنفعة .
وهذه الخلق القاقئمـة على تبايدل المنفعة تجعل صاحـبها منافقا
:يكون باطنه غير ظاهره ،لن الخلق عنده بنى على المنفعة ،
فيدور في نفسه حيثما تدور المنفعة ،لن النسان يدير الحكام المعللة على عللها ،ول يعتقد بوجويدها ول بوجوبها إهذا رأى أن
علتها قد زالت .
ولذلك كانت الخلق غير معللة ،ول يجوز أن تعلل مطلقا ،
بل تؤخذ كما وريد بها الشرع بغض النظر عن أي علة من العلل .
44
ومن الخطأ والخطر تعليل الخلق ،حتى ل يبطل التصاف بها
بزوال علتها .
ومن هنا يتبين أن المقصويد من العبايدات القيمة الروحية فقط ،
والمقصويد من الخلق القيمة الخلقية فقط .ويجب أن يقتصر بها على هذه القيمة المقصويدة منها يدون غيرها .ول يجوز بيان ما في العبايدات والخلق من فواقئد ومنافع ،لن هذا البيان خطر عليها
يسبب النفاق في المتعبدين والمتخلقين ،ويجر إلى ترك العبايدات
والخلق حين ل تظهر فواقئدها ول تبرز منافعها .
وأما الحكام الشرعية المتعلقة بأعمال النسان في علقته مع
النسان فإن النصوص الواريدة أيدلة لها منها ما اشتمل على علة
كقوله تعالى في إعطاء فيء بني النضير للمهاجرين يدون النصار
))كيل يكون يدولة بين الغنياء منكم(( ومنها ما لم يشتمل على علة
كقولة تعالى ))وأحل ال البيع وحرم الربا(( فما وريد النص فيه من
الحكام معلل فإنه يعلل ويقاس عليه ،وما وريد النص فيه غير معلل ل يعلل مطلقا وبالتالي ل يقاس عليه .والعلة المعتبرة إنما هي العلة
الشرعية أي التي يدل عليها النص الشرعي من الكتاب والسنة لنهما 45
وحدهما النصوص الشرعية .ولذلك كانت العلة التي بنى عليها
الحكم الشرعي المعلل علة شرعية وليست علة عقلية ،أي أنها يجب أن تكون قد وريد بها النص إما صراحة أو يدللة أو استنباطـا أو
قياسا ،وهذه العلة تدور مع المعلول وجويدا وعدما ،فتدور الحكام مع عللها حيث يدارت ،فترى الشيء الواحد يمنع في حال لعلة
شرعية فإهذا زالت هذه العلة جاز هذا الشيء ،فالحكم الشرعي
يدور مع العلة وجويدا وعدما ،فإهذا وجدت العلة وجد الحكم وإهذا
عدمت العلة عدم الحكم .
إل أن انتفاء الحكم لنتفاء علته ل يعني مطلقا أن الحكم تغير
بل الحكم الشرعي للمسألة هو هو لم يتغير وإنما زال الحكم بزوال علته ويرجع الحكم برجوع علته .
وكون الحكم يدور مع العلة وجويدا وعدما ل يعني تغير هذه
الحكام بتغير الزمان والمكان ،بدعوى أن جلب المصالح ويدرء
المفاسد هي علة للحكام الشرعية وهذه تتغير بتغير الزمان والمكان فيتغير الحكم بتغيرها ،وهذلك لن جلب المصالح ويدرء المفاسد
ليسا علة للحكام الشرعية مطلقا ،فإنه لم يريد أي نص يدل على 46
أن جلب المصالح ويدرء المفاسد علة للحكام الشرعية ،ول وريد أي نص يدل على أنها علة لحكم معين ،فل تكون علة شرعية .
ةثم أن العلة الشرعية إنما يدل عليها الشرعي فل بد أن يتقيد به
وأن يوقف عند يدللته ،وهو لم يدل على جلب مصلحة ول على يدرء مفسدة ،فتكون العلة الشرعية هي ما جاء به وليست جلب
المصلحة ول يدرء المفسدة ،وهذا الذي جاء به النص لم يدل عليه
الزمان والمكان ،ول يدل عليه الفعل ،وإنما يدل عليه النص
الشرعي في بيان علة الحكم ،وهذا النص ل يتغير مطلقا فل قيمة
للزمان والمكان هنا كما أنه ل قيمة لجلب المصلحة ويدرء المفسدة .
وعلى هذلك فإن الحكام الشرعية ل تتغير بتغير الزمان والمكان
بل الحكم الشرعي هو هو ل يتغير مهما اختلفت الزمنة والمكنة . وأما تغير العرف والعايدة عند الناس فل يؤةثر في تغير الحكم ،
لن العرف ليس علة للحكم ول أصل له .فالعرف أما أن يكون
مخالفا للشرع أو غير مخالف ،فإن كان مخالفا للشرع فالشرع
جاء لينسخه ويغيره ،لن من عمل الشريعة تغيير العراف والعايدات 47
الفاسدة ،لنها هي التي تسبب فسايد المجتمع .ولذلك ل تتخذ
أصل للحكم الشرعي ول علة له ،ول يتغير الحكم من أجلها .وإن كان غير مخالف للشرع يثبت الحكم بدليله وعلته الشرعية ل بهذا العرف ،ولو لم يخالف الشرع .وعلى هذلك فل تحكم العايدة
بالشرع ،بل يحكـم الشرع بالعراف والعايدات ،وعليه فللحكام
الشرعية يدليل هو النص ولها علة شرعية ،وليس العرف والعايدة من
هذلك مطلقا .
وأما صلحية الشريعة السلمية لكل زمان ومكان فهي آتية من
جهة أن الشريعة السلمية تعالج مشاكل النسان في جميع الزمنة والمكنة بأحكامها ،وتتسع لمعالجة كافة مشاكل النسان مهما
تجديدت وتنوعت ،لنها حين تعالج مشاكل النسان إنما تعالجه بوصفه إنسانا ل بأي وصف آخر .
والنسان في كل زمان ومكان هو النسان في غراقئزه وحاجاته
العضوية ل يتغير أبدا ،فكذلك أحكام معالجاته ل تتغير والمتغير
هو أشكال حياة النسان ،وهذه ل تؤةثر على وجهة نظره في الحياة .أما ما يتجديد من مطالب متعديدة للنسان فهو ناجم عن تلك 48
الغراقئز والحاجات العضوية ،وقد جاءت الشريعة واسعة لمعالجة هذه المطالب المتجديدة والمتعديدة مهما تنوعت ومهما تغيرت
أشكالها .وقد كان هذلك سببا من أسباب نمو الفقه .إل أن هذه
السعة في الشريعة ل تعني أنها مرنة بحيث تكون منطبقة على كل
شيء ولو ناقضها ،ول تعني أنهـا متطورة بحيث تتبدل مع الزمن ، بل يعني اتساع النصوص لستنباط أحكام متعديدة ،ويعني اتساع
الحكام لنطباقها على مساقئل كثيرة ،فمثل يقول ال تعالى ))فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن(( فإن هذه الية يستنبط منها حكم
شرعي هو أن المطلقة تستحق أجرة الرضاع ،ويستنبط منها حكم
شرعي أيضا أن الجير أيا كان يستحق الجرة إهذا قام بعمله ،سواء أكان أجيرا خاصا أو أجيرا عاما .وهذا الحكم ينطبق على مساقئل
عديدة منها أن موظف الحكومة ،والعامل في المصنع ،والفلح
في المزرعة ،ومن شاكلهم يستحق كل منهم أجرته إهذا أتم عمله ، لنه أجير خاص .وأن النجار الذي عمل الخزانة ،والخياط الذي
خاط الثوب ،والحذاء الذي صنع الحذاء ومن شاكلهم يستحق كل منهم أجرته إهذا قام بعمله لنه أجير عام .وبما أن الجارة عقد بين 49
مستأجر وأجير فإنه ل يدخل فيها الحاكم ،لنه غير أجير عند المة
،وإنما هو منفذ للحكام الشرعية ،أي مطبق للسلم ،وعلى
هذلك ل يستحق الخليفة أجره على قيامه بعمله ،لنه بويع لتنفيذ
الشرع وحمل الدعوة السلمية فهو ليس أجيرا عند المة وكذلك معاونوه أعضاء الهيئة التنفيذية والولة ل يستحقون أجرة على القيام
بعملهم لن أعمالهم حكم فهم ليسوا أجراء ،ولذلك ل يأخذون
أجرة وإنما يقدر لهم مقدار ما يقوم بحاجاتهم لنشغالهم عن القيام بأمورهم الخاصة .
فهذا التساع بالنصوص لستنباط أحكام متعديدة ،والتساع
بالحكام لنطباقها على مساقئل كثيرة ،وهو الذي جعل الشريعة السلمية وافية بمعالجة كافة مشاكل الحياة في كل زمان ومكان
وكل أمة وجيل وهو ليس مرونة ول تطورا .ويدليل الحكم الشرعي
من النص كتابا كان أو سنة إنما هو لمعالجة المشكلة القاقئمة ،لن
الشارع قصد اتباع المعاني ل الوقوف على النصوص ،ولذلك يراعى في استنباط الحكام وجه العلة من الحكم ،أي تراعى في النص حين استنباط الحكم من الناحية التشريعية . 50
والدليل إما أن يكون مشتمل على علة الحكم أو تؤخذ العلة من
يدليل آخر أو من مجموع أيدلة ،والحكم وأن كان يستنبط من يدليله
لكن يراعى فيه وجه العلة ول تلتزم فيه الصورة الواريدة في النص التي
جاءت لمعالجة المشكلة التي كانت قاقئمة ،مثال هذلك قول ــه تعالى ))وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو
ال وعدوكم(( فالحكم هو إعدايد القوة ،والمشكلة التي كانت
قاقئمة تعالج بإعدايد القوة ومنها رباط الخيل ،ووجه العلة من الحكم هو إرهاب العدو .فحين نستنبط اليوم من هذا الدليل حكم
العدايد نراعى وجه العلة من الحكم فنعد ما يحقق إرهاب العدو ، ول نلتزم ما عولجت به المشكلة التي كانت قاقئمة ،بما وريد في النص من رباط الخيل .
وهكذا يعمل في كل يدليل يستنبط منه حكم لن المرايد تحقيق
وجه العلة من الحكم .وعلى هذلك فالشرع السلمي يقضي في
الحكام المتعلقة بين الناس في المعاملت أن تبنى على عللها وأن تراعى في النصوص عند استنباط الحكام منها الناحية التشريعية ل الصورة الواريدة في النص .
51
وكما يكون نص الكتاب والسنة يدليل شرعيا على الحكم
فكذلك الجماع والقياس يعتبران من اليدلة الشرعية .وعلى هذلك فاليدلة الشرعية التفصيلية للحكام الشرعية هي الكتاب والسنة
والجماع والقياس ،وأما مذهب الصحابي في مساقئل الجتهايد فل يكون يدليل شرعيا لن الصحابي من أهل الجتهايد والخطـأ ممكن عليه ،على أن الصحابة اختلفوا في مساقئل وهذهب كل واحد إلى
خلف مذهب الخر ،فلو جعل مذهب الصحابي حجة لكانت
حجج ال مختلفة متناقضة .وبذلك ل يعتبر مذهب الصحابي يدليل شرعيا وإنما هو كباقي المذاهب المعتبرة يجوز الخذ به .أما ما اتفق عليه الصحابة من أحكام فهو ليس مذهبا لهم وإنما هو
الجماع .
وأما شرع من قبلنا فإنه ل يعتبر شرعا لنا ول يعتبر من اليدلة
الشرعية .وانه وإن كانت العقيدة السلمية توجب اليمان بالنبياء
والرسل جميعهم وبالكتب التي أنزلت عليهم لكن معنى اليمان بهم هو التصديق بنبوتهم ورسالتهم وبما أنزل عليهم من كتاب ،وليس معنى اليمان بهم اتباعهم ،لنه بعد بعثة محمد عليه الصلة 52
والسلم أصبح جميع الناس مطالبين بترك أيديانهم واعتناق السلم
لنه لم يبق اعتبار لدين غير يدين السلم ،قال تعالى ))إن الدين عند ال السلم(( وقال تعالى ))ومن يبتغ غير السلم يدينا فلن
يقبل منه(( وهذا صريح .وقد استنبط منه قاعدة <شرع من قبلنا ليس شرعا لنا> والدليل على هذلك هو أن الصحابـة أجمعوا على أن
شريعة محمد صلى ال عليه وسلم ناسخة لجميع الشراقئع السالفة .
ولن ال تعالى يقول )) :وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه(( أي مسيطرا ومسلطا ،وهيمنة
القرآن على الكتب السالفة هي نسخ للشراقئع السالفة .أي مصدقا
بها وناسخا لها .وروي عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه رأى مع
عمر بن الخطاب قطعة من التوراة ينظر فيها فغضب وقال )ألم آت
بها بيضاء نقية ولو أيدركني أخي موسى لما وسعه إل اتباعي( على أن كثيرا من مشاعر الحج كالطواف حول الكعبـة ولمس الحجر
السويد وتقبيله والسعي بين الصفا والمروة كانت في أيام الجاهلية ، ونحن حين نعملها ونتعبد بها ل نقوم بها باعتبارها مشاعر لشريعة
سابقة بل نقوم بها باعتبارها شريعة إسلمية ،لن السلم جاء بها 53
أحكاما شرعية جديدة ،ل إقرارا بشريعة سابقة ،وكذلك كل ما جاء
في جميع الديانات السابقة ل نقوم به مطلقا ،ونقوم بما جاءت به
الشريعة السلمية فقط .ولذلك كان النصراني واليهويدي مخاطبين
بشريعة السلم ومأمورين بترك شريعتهما ،لن السلم نسخ
شريعتهما .فإهذا كان هذلك واجبا على اتباع الشريعة اليهويدية وهم اليهويد والنصارى ،فيكف يطلب من المسلم أن يتخذ شريعة من قبله شريعة له ؟ أما قوله تعالى ))إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى
نوح(( فإن المرايد أنه أوحى إليه كمــا أوحى إلى غيره من النبيين
وقوله تعالى ))شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا(( معناه شرع
اصل التوحيد وهو ما وصى به نوحا .وقوله تعالى ))ةثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم(( معناه اتبع أصل التوحيد لن الملة معناها أصل التوحيد .والمرايد بجميع هذه اليات وما شابهها بيان أنه عليه
الصلة والسلم ليس بدعا من الرسل بل أرسل كما أرسل غيره ،
وأن أصل التوحيد هو الدين وهو ما اشترك به جميع النبياء والرسل ،أما ما عدا هذلك فكل رسول أرسل بدين ،قال تعالى ))لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا(( .
54
وعلى هذلك فإن شرع من قبلنا ليس شرعا لنا ول يعتبر من اليدلة
الشرعية التي تستنبط منها الحكام .
والصل في استنباط الحكام أن يكون للمجتهدين لن معرفة
حكم ال في المسألة ل تكون إل بالجتهايد ،ولذلك كان ل بد من الجتهايد .وقد نص علماء الصول على أن الجتهايد فرض كفاية
على المسلمين ول يجوز أن يخلو عصر من العصار من مجتهد ، وإهذا اتفق الكل على ترك الجتهايد أةثموا ،وهذلك لن طريق معرفة
الحكام الشرعية إنما هو الجتهايد ،فلو خل العصر من مجتهد يمكن الستنايد إليه في معرفة الحكام أفضى هذلك إلى تعطيل
الشريعة واندراس الحكام وهذلك ل يجوز .إل أن للجتهايد شروطا
فصلها علماء الصول وهو يحتاج إلى إطلع واسع وفهم صحيح للنصوص ومعرفة كافية للغة العربية .ويحتاج إلى فقه بالمساقئل الشرعية ووقوف على أيدلتها .
ولذلك ل يسمى أخذ الحكم يدون روية ول إنعام نظر استنباطا ،
كما ل يسمى مجريد ظهور مصلحة في حكم ما ةثم الحتيال على
55
النصوص وتحميلها ما ل يقصد منها لستنباط هذا الحكم اجتهايدا ،
بل هذلك جرأة على يدين ال يستحق المقدم عليها العذاب من ال . نعم إن باب الجتهايد مفتوح ولكنه مفتوح للعلماء ل للجهلء .
والمجتهدون ةثلةثة :مجتهد مطلق ،ومجتهد مذهب ،وهذا النوعان لهما شروط خاصة .وأما الثالث فهو مجتهد المسألة الواحدة .
وهو القايدر على فهم النص وتتبع المسألة الواحدة ويدليلها ويدليل المجتهدين فيها .وهو لزم لكل مسلم يريد أن يعرف أحكام ال .
فإن الشرع جعل الصل في المسلم أن يأخذ بنفسه الحكم من
الدليل ،أي أن يكون مجتهدا في الدين في المساقئل التي تلزمه .
ولكن بعد تدوين مذاهب المجتهدين وتركيز القواعد والحكام
ضعفت فكرة الجتهايد في النفوس وقل المجتهدون فغلب على
المسلمين التقليد وندر فيهم الجتهايد ،حتى وصل طغيان فكرة
التقليد أن وجد من يقول بإقفال باب الجتهايد وبوجوب التقليد ،
ومن أجل هذلك صارت الكثرية الساحقة في المسلمين إن لم يكن كلهم من المقلدين .
56
والمقلد فريقان :متبع وعامي ،والفرق بين المتبع والعامي أن
المتبع يأخذ الحكم الذي استنبطه أحد المجتهدين بعد اقتناعه
بالدليل الذي استند إليه ول يتبعه يدون أن يعرف يدليله ،وأما العامي
فهو الذي يقلد المجتهد بالحكم الشرعي يدون أن يبحث عن الدليل .والمتبع أحسن حال من العامي وقد كان المتقدمون أكثرهم من المتبعين لعنايتهم باليدلة ،ولما جاء العصر الهابط وتعسر على
الناس التباع صاروا يقلدون القئمة والمجتهدين بالحكام من غير
بحث عن الدليل ،وقد شجعهم على هذلك سكوت العلماء ورضاهم بأن يكون الشخص عاميا ولو كان من المتعلمين ،وإنما سكت
العلماء عن هذلك لن التقليد من حيث هو جاقئز سواء أكان المقلد متبعا أو عاميا إل أن الصل في المسلم أن يأخذ الحكم من يدليله
ولكنه يجوز له أن يقلد فيجوز له أن يكون متبعا ،أي يعرف الحكم ويعرف يدليله ويقتنع به ،وهذا يجعل المسلم أهل للجتهايد ولو في
المسألة الواحدة .وهذا يلزمنا في العصر الحاضر .وليست الفتاوى من باب الجتهايد في المسألة الواحدة ،لنها ل تدخل في الجتهايد
،بل هي أحط أنواع التأليف في الفقه ،وهذلك أنه أتى بعد عصر 57
المجتهدين عصر تلميذهم وتلميذ تلميذهم ،وانصرف هؤلء إلى
شرح آراء المذهب وبيان قواعده وتركيز آراقئه .ويعتبر هذا العصر هو العصر الزاهر للفقه ألفت فيه أمهات كتب الفقه في مختلف المذاهب .وهي التي تعتبر عمدة المراجعة للمساقئل الفقهية .
واستمر هذا حتى القرن السابع الهجري ،ةثم جاء بعد عصور
النحطاط الفقهي وهي عصور الشروح والتحشية ،وأكثرها خال من البداع والستنباط والجتهايد حتى في المسألة الواحدة ،ةثم جاء
بعد هذلك عصر أحط جاء فيه علماء جروا على طريقة سريد المساقئل
والحكام يدون إيرايد وجوهها وفروعها ،وسميت هذه المساقئل
بالفتاوى .ولذلك ل يصح أن تتخذ مرجعا للحكام كما ل يصح
أن تتخذ هذه الفتاوى مرجعا للحكام الشرعية لبعدها عن طريقة الجتهايد في استنباط الحكام .
وكذلك ل يجوز أن تتخذ المراجع التي ألفت على طريقة التقنين
التشريعي مرجعا للحكام الشرعية ومستندا لها ،لنها مظهر من مظاهر التقليد للقوانين الغربية ،ولن هذا التقنين يسير بشكل
اختصار للفقه ويغلب عليها أخذ المساقئل الفقهية التي ليس لها 58
يدليل أو ضعيفة الدليل ،كما تغلب عليها روح مسايرة العصر
والتأويل ليوافق وجهة نظر الغرب في حل المشاكل ،فضل عن
انعدام الناحية التشريعية وانعدام الجتهايد فيها .فهي ل تصلح لن
تطبق كما ل تصلح لن تكون مرجعا .ووجويدها كان وبال على
الفقـه والتشريع ،لنها كانت محاولة تقليدية أضعفت معرفة الناس
بالفقه السلمي ،مع أن الثروة الموجويدة في الفقه السلمي غزيرة جدا .وهي أوسع الثروات الفقهية عند جميع المم .وهي ضرورية للقضاة والحكام ،ولكن صوغها بشكل تقليدي على الصورة
القانونية قد اختصرها ومسخها ،وجعل القضاة جهلء في الفقه
حين يقتصرون على معرفة هذه القوانين ،فضل عن أنها تفقد
الصوغ القانوني ،لنها عبارة عن مجموعة نصوص فقهية لبعض
الفقهاء أوريدت تحت أرقام متسلسلة ،ولم يحاول فيها إيجايد قواعد
عامة تكون هي موضوع الموايد ،وتخضع لها المساقئل ،بل جعلت
المساقئل نفسها هي الموايد .وهذا ما ل يتفق مع الصياغة القانونية ،
حتى أن ما جاء من بعض الموايد في قواعد قد جاء بقواعد غير شاملة وما هي إل تعاريف منقولة عن كتب الفقه وتكايد تكون 59
جميعها على هذا المنوال .ولذلك ل يجوز أن تؤخذ هذه القوانين ول تتخذ مرجعا لفسايد أسلوبها وضحالة معلوماتها وبعدها عن
الحكام الشرعية المعتبرة المستندة إلى اليدلة التفصيلية .
ولوضع الدستور والقوانين لضمان فقه القضاة والحكام لها
تسلك في التشريع الطريق التية :
1ـ أن تدرس المشاكل النسانية وأن يوضع يدستور عام لها
يكون بشكل قواعد كلية عامة أو أحكام شرعية كلية ،وأن تكون
مستمدة من الفقه السلمي ،على أن تؤخذ إما من رأي مجتهد من
المجتهدين مع معرفة أيدلتها والقتناع بها ،وإما من الكتاب والسنة
أو الجماع أو القياس ولكن باجتهايد شرعي ولو اجتهايدا جزقئيا وهو اجتهايد المسألة ،وأن يشار في السباب الموجبة في كل مايدة إلى المذهب الذي اعتمدت عليه ويدليله أو إلى الدليل الذي استنبطت منه ،وأن ل ينظر إلى الواقع السيئ عند المسلمين ول إلى واقع
المم الخرى ول إلى النظمة غير السلمية مطلقا .
2ـ أن توضع الحكام الشرعية مشاريع لقوانين العقوبات
والحقوق والبينات وغيرها على الساس السابق وفق الدستور مع 60
الشارة للمذهب والدليل ،على أن يكون الصوغ قانونيا بقواعد عامة ليكون مرجعا فقهيا للقضاة والحكام .
3ـ أن تجعل النصوص الشرعية والفقه السلمي وعلم أصول
الفقه المرجع لتفسير الدستور والقانون للقضاة والحكام حتى تهيأ لهم وساقئل الفهم العميق .
وليس للقاضي أن يحكم بما يخالف ما تبنته الدولة من أحكام
شرعية لن أمر المام نافذ ظاهرا وباطنا وأما ما قد يريد عليه من
قضايا لم تتبن الدولة لها أحكاما فالقاضي يحكم بالحكم الشرعي الذي يجده منطبقا على القضية سواء أكان هذا رأيا لمجتهد من المجتهدين أو رأيا استنبطه هو باجتهايده .
4ـ أن يلحظ حين استنباط الحكام وحين تبنيها فهم الواقع
والفقه فيه وفهم الواجب في معالجة الواقع من الدليل الشرعي وهو فهم حكم ال الذي حكم به في هذا الواقع ،ةثم يطبق أحدهما على
الخر ،وبعبارة أخرى أن يتوصل بمعرفة الواقع والتفقه فيه إلى معرفة حكم ال .
61
وتنفذ الدولة الشرع السلمي على كل من يحمل التابعية ،
سواء من كان مسلما أو غير مسلم .أما غير المسلمين فيتركون وما يعتقدون وما يعبدون ،ويعاملون في أمور المطعومات والملبوسات
حسب أيديانهم ضمن النظام العام ،وتفصل أمور الحوال الشخصية بينهم كالزواج والطلق مثل حسب أيديانهم .وأما باقي أمور
الشريعة السلمية من معاملت وعقوبات ومن نظم حكم واقتصايد
وغيرها فإنها تنفذ على الجميع ،ويكون تنفيذها على المسلمين
وعلى غير المسلمين سواء .وأما المسلمون فإن الدولة تنفذ عليهم الشرع السلمي جميعه من عبايدات وأخلق ومعاملت وعقوبات
الخ . . .وواجب الدولة أن تطبق السلم كامل ،وأن تعتبر تطبيقـه على غير المسلمين يدعوة لهم إلى السلم ،لن الشرع عام لبنى
النسان ،فتطبقه الدولة في أي بليد تحكمها ،لحمل الدعوة لها ،
لن سر الفتوحات السلمية إنما هو حمل يدعوة السلم .
والسلم عقيدة ينبثق عنها نظام ،وهذا النظام هو الحكام
الشرعية المستنبطة من اليدلة التفصيلية .وقد بين السلم في
النظام الكيفية التي تنفذ بها أحكامه بأحكام شرعية .وهذه الحكام 62
الشرعية التي تبين كيفية التنفيذ هي الطريقة وما عداها هو الفكرة ،
ومن هنا كان السلم فكرة وطريقة .فالعقيدة والحكام الشرعية التي تعالج مشاكل النسان هي الفكرة ،والحكام الشرعية التي
تبين كيفية تنفيذ هذه المعالجات والمحافظة على العقيدة ،وحمـل
الدعوة ،هي الطريقة ،ولهذا كانت طريقة السلم من جنس فكرته
وكانت جزءا منه .فل يجوز أن يقتصر في الدعوة إلى السلم على
بيان فكرته بل يجب أن تشمل الطريقة أيضا .ولهذا كان المبدأ هو مجموع الفكرة والطريقة .واليمان بالطريقة كاليمان بالفكرة ،
فكان لزاما أن تكون الطريقة مع الفكرة كل ل يتجزأ وأن تربطا معا ربطا محكما بحيث ل تستعمل في تنفيذ الفكرة السلمية إل
الطريقة السلمية ويكون مجموعهما هو السلم الذي يحكم به
وتحمل الدعوة له .ومايدامت الطريقة موجويدة في الشريعة فيجب أن يقتصر فيها على ما وريد به الشرع وما يستنبط من نصوصه .
وكما وريدت في الكتاب والسنة أحكام الفكرة كذلك وريدت فيهما
أحكام الطريقة ،فقوله تعالى ))وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم
على سواء(( من أحكام الطريقة ،وكذلك قوله عليه السلم )ل 63
تتمنوا لقاء العدو وإهذا لقيتموه فاةثبتوا( من أحكام الطريقة ،وهكذا
ساقئر أحكام الطريقة تستنبط بالجتهايد من الكتاب والسنة والجماع والقياس كساقئر الحكام .ولما كانت السنة مبنية للكتاب كانت
الفكرة المجملة في الكتاب مفصلة في السنة وكانت الطريقة كذلك مجملة في القرآن مفصلة في السنة .ولذلك كان لزاما علينا أن
نجعل نبراس الهدى سيدنا محمدا رسول ال فنأخذ أحكام الطريقة من عمله الموجويد في سيرته ومن قوله وسكوته كما نأخذها من
القرآن لن هذلك كله شريعة ،ونجعل قدوتنا في فهم السيرة الخلفاء الراشدين وساقئر الصحابة ،كما نجعل عقلنا اليداة الفعالة للفهم والستنباط حسب الوجه الشرعي .
والحكام الشرعية التي تبين كيفية التنفيذ تدل على أعمال ،فل
بد من القيام بهذه العمال ،سواء منها ما يتعلق بالتطبيق وما يتعلق
بحمل الدعوة .وليست هذه العمال وساقئل لن الوسيلة أيداة تتخذ أةثناء القيام بالعمل وتختلف باختلف العمال ،وتتغير حسب
الظروف ،ويقررها نوع العمل .ولذلك ل تلتزم فيها حال معينة ،أما
العمال التي تدل عليها الطريقة فإنها ل تتغير ،بل يقام بها حسب 64
يدللة النص ،ول يجوز أن يؤتى بعمل غير الذي بينـه الشرع .ول يقام بعمل في غير الموضع الذي بينه الحكم الشرعي .
والمدقق في هذه العمال التي يدلت عليها الحكام الشرعية
المتعلقة بالطريقة يجد أنها أعمال مايدية تحقق نتاقئج محسوسة
وليست هي أعمال تحقق نتيجة غير محسوسة ،حتى لو كان هذان
النوعان من العمال يحققان قيمة واحدة .فمثل الدعاء عمل يحقق قيمة روحية ،والجهايد عمل مايدي يحقق قيمة روحية ،لكن الدعاء
وإن كان عمل مايديا فإنه يحقق نتيجة غير محسوسة وهي الثواب ، وإن كان قصد القاقئم بالدعاء تحقيق قيمة روحية ،بخلف الجهايد
فإنه قتال العداء وهو عمل مايدي يحقق نتيجة محسوسة وهي فتح الحصن أو المدينة أو قتل العدو وما شاكل هذلك ،وأن كان قصد
المجاهد هو تحقيق القيمة الروحية .ومن هنا كانت أعمال الطريقة أعمال مايدية تحقق نتاقئج محسوسة وتختلف عن العمال الخرى .
ولذلك ل يتخذ الدعاء طريقة للجهايد وان كان المجاهد يدعو ال ،
كما ل يتخذ الوعظ طريقة لريدع السارق وإن كان يوعظ ويوجه .
65
قال تعالى ))وقاتلوهم حتى ل تكون فتنة ويكون الدين كله ل(( وقال تعالى ))والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما(( .
ولذلك ينكر كل النكار أن تكون جميع العمال التي يرايد بها
تنفيذ فكرة السلم أعمال تحقق نتيجة غير محسوسة ويعتبر هذلك
مخالفا لطريقة السلم ،ول فرق بين العمال التي تستعمل لتنفيذ
الحكام المتعلقة بمعالجة المشاكل وبين العمال التي تستعمل
لحمل الدعوة السلمية ،فمثل الصلة تعتبر من الفكرة ،وطريقة تنفيذها هي الدولة ،فل يجوز أن تتخذ الدولة التعليم والتوجيه
فحسب طريقة لقيام الناس بالصلة ،بل يجب أن تعاقب تارك
الصلة عقابا مايديا كالسجن مثل ،وإن كانت تقوم بالتعليم
والتوجيه .ومثل هذلك أيضا حمل الدعوة السلمية فإنه فكرة ،
وطريقة تنفيذها من قبل الدولة الجهايد أي قتال العداء .فل يجوز أن تستعمل قراءة صحيح البخاري في إزالة الحواجز المايدية من
أمامها ،بل ل بد أن تستعمل الجهايد وهو قتال العداء قتال مايديا
،وهكذا جميـع العمال .
66
إل أنه يجب أن يعلم أنه وإن كان العمل الذي يدلت عليه
الطريقة عمل مايديا له نتاقئج محسوسة ،لكن ل بد أن يسير هذا العمل بأوامر ال ونواهيه ،وأن يقصد من تسييره بأوامر ال ونواهيه رضوان ال .كما أنه ل بد أن يسيطر على المسلم إيدراكه لصلته
بال تعالى فيتقرب إليه بالصلة والدعاء وتلوة القرآن ونحوها ،
ويجب أن يعتقد المسلم أن النصر من عند ال .ولذلك كان ل بد من التقوى المتركزة في الصدور لتنفيذ أحكام ال ،وكان ل بد من
الدعاء ول بد من هذكر ال ،ول بد من يدوام الصلة بال عند القيام بجميع العمال .
هذا من ناحية الطريقة وكونها أحكاما شرعية يجب أن نلتزم بها
ول نخالفها ،ومن ناحية العمال وكونها أعمال تحقق نتاقئـج
محسوسة .أما من ناحية الوصول إلى نتاقئج فيجب أن تتبع القاعدة
العملية ،وهي أن يكون العمل مبنيا على الفكر ،ويكون من أجل
غاية معينة .وهذلك أن الحساس بالواقع مع المعلومات السابقة يجب أن ينتج فكرا ،ويجب أن يقترن هذا الفكر بالعمل ،وأن
يكون الفكر والعمل من أجل غاية معينة ،وأن يكون هذلك كله مبنيا 67
على اليمان حتى يبقى النسان ساقئرا في الجو اليماني سيرا يداقئميا .ول يجوز مطلقا أن يفصل العمل عــن الفكر أو عن الغاية المعينة أو عن اليمان ،فإن في هذا الفصل ـ مهما قل ـ خطرا على العمل
نفسه ،وعلى نتاقئجه ،وعلى استمراره ،ولذلك كان ل بد أن تكون الغاية المعينة مفهومة وواضحة لكل من يحاول العمل حتى يبدأ به .
وكان لزاما أن يكون منطق الحساس هو الساس ،أي أن يكون
الفهم والتفكير ناجمين عن إحساس ل عن مجريد فروض لقضايـا
خيالية ،وأن يكون الحساس بالواقع مؤةثرا في الدماغ ،موجدا مع
المعلومات السابقة الحركة الدماغية التي هي الفكر ،وهذا هو الذي يحقق العمق في التفكير والنتاج في العمل .ومنطق
الحساس يؤيدي إلى الحساس الفكري أي إلى الحساس الذي
يقويه عند النسان الفكر .ولهذا يكون إحساس حملة الدعوة مثل
بعد تفهمها أقوى من إحساسهم قبل هذلك .
ومن الخطر أن ينتقل من الحساس إلى العمل رأسـا ل إلى
الفكر ،لن هذا ل يغير الواقع بل يجعل النسان واقعيا رجعيا :
يسير في عقلية منخفضة ،ويجعل الواقع مصدر التفكير ل موضع 68
التفكير .فل بد أن يؤيدي الحساس إلى الفكر أول ،ةثم يؤيدي هذا
الفكر إلى العمل .وهذا هو الذي يمكن من الرتفاع عن الواقع ،
ويمكن العمل للنتقال إلى الوضاع الحسنة انتقال انقلبيا .فالذي
يحس بالواقع ةثم يعمل ،ل يعمل لتغيير الواقع بل يعمل لتكييف
نفسه حسب الواقع ،فيبقى متأخرا منحطا .والذي يحس بالواقع
ةثم يفكر في كيفية تغييره ،ةثم يعمل بناء على هذا التفكير ،هذا هو الذي يكيف الواقع حسب مبدقئه ويغيره تغييرا كليا .وهذا هو الذي يتفق مع الطريقة النقلبية التي هي الطريقة الوحيدة لستئناف
الحياة السلمية ،لن هذه الطريقة تفرض أن يكون الفكر ناتجا
عن إحساس ،وأن يتبلور هذا الفكر بحيث يرسم المخطوط
الهندسي للفكرة والطريقة في الذهن ،فيدرك النسان المبدأ إيدراكا
صحيحا يؤيدي إلى العمل ،حتى يكون الفكر قد حدث فيه انقلب كامل ،فيسير حينئذ في تهيئة الشخاص والمجتمعات والجواء بهذا الفكر ،ليحدث انقلبا في الرأي العام بعد أن يوجد الوعي
العام على المبدأ فكرة وطريقة ،ةثم يبدأ عن طريق الحكم في تطبيق المبدأ تطبيقا انقلبيا يدون قبول أي تدرج أو ترقيع .وهذه الطريقة 69
النقلبية توجب أن يكون الفكر ناتجا عن إحساس ،وأن يقترن
بالعمل من أجل غاية معينة .ول يؤيدي إلى هذا إل الفكر العميق . وهذا الفكر العميق يحتاج إلى ما يوجده ،أو ينميه ويخصبه .
وتحتاج الطريقة النقلبية إلى إعدايد الشخاص بالمبدأ السلمي ، وإلى إعدايد المجتمع به .وإيجايد هذا الفكر العميق وإعدايد
الشخاص بالمبدأ يقتضي يدرس السلم من قبل أولئك الذين يريدون العمل ،ويقتضي كذلك يدرس المجتمع ،ول يتأتى هذلك إل
عن طريق تثقيف الذهن بالمعلومات .والدراسة أسهل الطرق وأقربها ليصال هذه المعلومات للذهن لتساعد إلى إيجايد الفكر .
وللسلم طريقة خاصة في الدرس .واتباعها هو الذي ينتج الةثر
لهذه الدراسة .تلك الطريقة هي أنه يجب أن تدرس المعلومات
للعمل بها ،وأن يتلقاها الدارس تلقيا فكريا مؤةثـرا :يؤةثر في مشاعره
حتى يكون إحساسه بالحياة وتبعاتها إحساسا ناتجا عن فكر مؤةثر ، حتى يوجد في نفس الدارس التلهب والحماس والفكر وغزارة
المعرفة في آن واحد ويصبح التطبيق نتيجة طبيعية .وهذه الطريقة
في الدراسة فضل عن كونها تحدث الفهم عند الدارس ،وتحدث 70
فيه القدرة على أيداء ما فهم بشكل مؤةثر ،فإنها توسع الفكر وتربط
الفكر بالشعور ،وتعلم الدارس الحقاقئق التي يعالج بها مشاكل
الحياة .ولهذا يجب أن تتجنب الدراسة لمجريد العلم فقط ،حتى
ل يكون الدارس كتابا يتحرك ،وأن ل تكون مجريد مواعظ
وإرشايدات ،وإل كانت سطحية خالية من حرارة اليمان .ويجب
أن ل يعتبر الدارس للسلم الدراسة مجريد علم ومواعظ ،بل يعتبر كونها علما ومواعظ خطرا على العمل ،والهاء وتخديرا عنه .
وللوصول إلى لغاية التي كان من أجلها العمل يجب أن يتصور
أن هذه الغاية يحتاج الوصول إليها إلى الجد والهتمام ،والتقيد بالتزامات توجبها التبعة الحزبية بالضافة إلى التزامات السلم .
وللسلم التزامات معينة :سلبية وإيجابية .وهي هذات تكاليف مالية وجسدية ونفسية .وهذه اللتزامات منها ما هو فرض وواجب على
كل واحد ،ومنها ما هو فوق الفروض والواجبات ،يقوم به اختيارا
أولئك الذين لديهم السمو الروحي والعقلي ،وهم الذين يريدون أن
يزيدايدوا تقربا من ال تعالى .والقيام بهذه اللتزامات ل بد منه
للوصول إلى الغاية .ولذلك يجب أن توطد النفس وتجبر على 71
القيام باللتزامات المفروضة بجميع نواحيها :مالية وجسدية ونفسية
،حتى يوجد المل بالوصول إلى الغاية .
ولنتاج العمل ل بد من تحديد المكان الذي يبدأ فيه ،
والجماعة التي يبدأ العمل بها .نعم إن السلم عالمي وهو ينظر إلى النسانية كلها ،ويعتبر جميع بني النسان سواء ،ول يقيم وزنا
لختلف البيئات والمناخ والتربة وما شاكل هذلك في الدعوة ،بل يعتبر جميع بني النسان صالحين لعتناق الدعوة ،ويعتبر
المسلمين مسؤولين عن تبليغ هذه الدعوة لجميع بني النسان ،
ولكنه مع هذلك ل يبدأ بالعالم لن البدء به يعتبر عمل مخفقا ول
يؤيدي إلى نتيجة مطلقا ،بل ل بد أن يكون البدء بالفريد ،وأن يكون النتهاء بالعالم .ولذلك وجب أن تحمل الدعوة في مكان تتركز فيه
حتى يصبح نقطة ابتداء ،ةثم يؤخذ هو أو غيره من المكنة التي تركزت فيها الدعوة ويتخذ نقطة انطلق تنطلق منها الدعوة في
طريقها ،ةثم يتخذ هو أن غيره نقطة ارتكاز تقوم فيها الدولة التي
تركز فيها الدعوة وتسير في طريقها الطبيعي :طريق الجهايد ،غير أنه وإن كانت المكنة تتخذ موضع العمل في كل نقطة ،إل أن 72
الذي ينتقل من نقطة إلى نقطة هو الدعوة وليس المكان ،فتنتقل
الدعوة في جميع المكنة التي تعمل فيها في آن واحد ،وأنه وإن كان لزاما أن يحديد المكان ليكون نقطة ابتداء ةثم توجد نقطة
النطلق ونقطة الرتكاز ،إل أن تحديد المكان في كل نقطة من هذه النقاط الثلث ليس يداخل في الداقئرة التي يسيطر عليها
النسان ،لنه ل يملكه ،ول يستطيع أن يملكه ،وإنما هو يداخل في الداقئرة التي تسيطر على النسان .وما على النسان إل أن
يسير في العمال التي تدخل في الداقئرة التي يسيطر عليها .وأما
العمال التي في الداقئرة الخرى فـتأتي حسب مشيئة ال وقضاقئه . وأما تعيين نقطة البتداء فتكون ـ قطعا ـ في المكان الذي يوجد
فيه من تشرق في هذهنه اللمعة الولى للدعوة ،ويهيأه ال لحملها .
وقد يتحسس عدة أشخاص بهذه الحاسيس ،ولكن الذي هيأه ال لحمل الدعوة ل يعرف حتى يوجد فتبدأ الدعوة في المكان الذي
يكون فيه ،ويكون هذلك المكان نقطة ابتداء .
أما نقطة النطلق فإنها تتوقف على استعدايد المجتمعات ،لن
المجتمعات تتفاوت في الفكار والمشاعر والنظمة ،فالمكان 73
الذي يكون فيه المجتمع أصلح والجو أوفق ،يكون نقطة النطلق
،وفي الغالب يكون المكان الذي كان نقطة ابتداء هو نقطة النطلق ،وإن كان هذلك ليس ضروريا لن أصلح المكنة
للنطلق المكان الذي يكثر فيه الظلم السياسي والقتصايدي ويستفحل فيه اللحايد والفسايد .
وأما نقطة الرتكاز فإنها تتوقف كذلك على نجاح الدعوة في
المجتمع ،فالمكان الذي لم تؤةثر الدعوة في مجتمعه ،ولم تستطع
أن توجد لنفسها أجواء ،ل يصلح لن يكون نقطة ارتكاز مهما كثر عديد الحاملين للمبدأ .والمكان الذي تهضم فيه الفكرة والطريقة
من قبل المجتمع وتسيطر على أجواقئه يصلح لن يكون نقطة ارتكاز
مهما كان عديد الحاملين للمبدأ .
ولذلك ل يجوز لحملة الدعوة أن يقيسوا الدعوة بعديد الحاملين
لها ،فهذا القياس خطأ محض وخطر على الدعوة لنه يصرف حملة
الدعوة عن المجتمع إلى الشخاص ،وهذا يسبب البطء ،وربما
سبب الخفاق في هذلك المكان .والسر في هذلك هو أن المجتمع ليس مؤلفا من أفرايد كما يتوهم الكثيرون وإنما الفرايد أجزاء في 74
الجماعة والذي يجمع بين هؤلء الفرايد في المجتمع أجزاء أخرى هي الفكار والمشاعر والنظمة .ولذلك تبعث الدعوة لتصحيح
الفكار والمشاعر والنظمة ،وهذه يدعوة جماعية ويدعوة للمجتمع
ل للفرايد .وما إصلح الفرايد إل ليكونوا أجزاء في كتلة جماعية
تحمل الدعوة إلى المجتمع .ولذلك يعتمد حملة الدعوة الفاهمون لحقيقتها على المجتمع لحمل الدعوة له ،ويعتبرون أن إصلح
الفريد ل يمكن أن يصلح المجتمع بل ل يمكن أن يصلحه هو
إصلحا يداقئميا ،وإنما يكون إصلح الفريد بإصلح المجتمع ، فمتى أصلح المجتمع أصلح الفريد .ولذلك يجب أن يوجه هم
الدعوة إلى المجتمعات وأن تكون القاعدة <أصلح المجتمع يصلح الفريد ويستمر إصلحه > .
على أن المجتمع يشبه الماء في القدر الكبير :إهذا وضعت
تحته أو حوله ما يسبب البرويدة جمد الماء وتحول إلى جليد
"ةثلج" ،وكذلك إهذا وضعت في المجتمع المبايدئ الفاسدة جمد
على الفسايد وظل في التدهور والنحطاط ،وإهذا وضعت فيه
المبايدئ المتناقضة ظهرت فيه التناقضات ،وظل المجتمع يتخبط 75
في تناقضاته وميوعته ،وإهذا وضعت تحت القدر نارا مشتعلة ملتهبة
سخن الماء ةثم غلى إلى فصار بخارا يدافعا محركا .وكذلك إهذا
وضعت في المجتمع المبدأ الصحيح كان شعلة في المجتمع حولته
حرارتها إلى غليان ةثم إلى حـركة واندفاع ،فيطبق المبدأ ويحمل
يدعوته لغيره من المجتمعات ،وأنه وإن كان تحول المجتمع من
حال إلى حالة مناقضة ،أو بعبارة أخرى :انقلبه من حال إلى حال ل يشاهد ،كما ل يشاهد تحول الماء في القدر ،ولكن العليمين
بالمجتمعات والواةثقين من أن المبدأ الذي يحملونه نار ونور تحرق
وتضئ يعلمون أنه في حال تحول ،وأنه سيصل إلى يدرجة الغليان ةثم
يدرجة الحركة والدفع قطعا ،ولذلك يعنون بالمجتمعات .
ولهذا فإن المكان الذي يصلح لن يكون ارتكازا ل نعلمه ،لنه
يتوقف على استعدايد المجتمع ل على قوة الدعوة فحسب ،فإن
الدعوة السلمية في مكة كانت قوية ،ومع هذلك فإن مكة ،وإن
كانت نقطة ابتداء لها ،وصلحت لن تكون نقطة انطلق فانطلقت
فيها الدعوة ،ولكنها لم تكن صالحة لن تكون نقطة ارتكاز ،وإنما كانت نقطة الرتكاز في المدينة ،ولذلك هاجر إليها الرسول صلى 76
ال عليه وسلم بعد أن اطمأن إلى مجتمعها ،وأقام فيها الدولة التي انطلقت بقوة الدعوة إلى باقي أنحاء الجزيرة ةثم إلى أنحاء الدنيا .
ومن هنا نستطيع أن نقول أن حملة الدعوة ل يمكنهم أن يعلموا
المكان الذي يصلح لن يكون نقطة انطلق ،ول المكان الذي
يصلح لن يكون نقطة ارتكاز ،ول يمكنهم معرفته مهما أوتوا من
هذكاء وتحليل ،وإنما علم هذلك عند ال تعالى .ولهذا يجب أن
يكون استنايد حملة الدعوة إلى شيء واحد هو اليمان بال تعالى ، وأن يكون كل عملهم مرتكزا فقط عل هذا اليمان ل على غيره . وباليمان بال ل بغيره يكون نجاح الدعوة .
واليمان بال يوجب صحة التوكل عليه ،واستمدايد العون منه ،
لنه وحده الذي يعلم السر وأخفى ،وهو الذي يوفق حملة الدعوة ويهديهم سبيل الرشايد وطريق الهدى .ولذلك كان ل بد من قوة
اليمان ول بد من كمال التوكل على ال ويدوام استمدايد العون منه تعالى .واليمان يحتم على المؤمن اليمان بالمبدأ ،أي اليمـان
بالسلم ،لنه من عند ال تعالى .ويحتم أن يكون هذا اليمان
إيمانا راسخا ةثابتا ل ارتياب فيه .ول يحتمل أن يتطرق إليه ارتياب ، 77
لن كل خطرة ريب في المبدأ تجر إلى الخفاق ،بل ربما جرت إلى الكفر والتمريد والعياهذ بال .
وهذا اليمان القوى الذي ل يتطرق إليه ريب أمر حتمي لحملة
الدعوة ،لنه هو الذي يضمن يدوام سير الدعوة بخطى سريعة واسعة في طريقها المستقيم ،وهذا اليمان يوجب أن تكون الدعوة سافرة
متحدية كل شيء ،متحدية العايدات والتقاليد ،والفكار السقيمة ،
والمفاهيم المغلوطة ،متحدية حتى الرأي العام إهذا كان خاطئا ،ولو
تصدت لكفاحه ،متحدية العقاقئد واليديان ولو تعرضت لتعصب أهلها .ولذلك تتميز الدعوة المبنية على العقيـدة السلمية
بالصراحة ،والجرأة والقوة ،والفكر ،وتحدى كل ما يخالف
الفكرة والطريقة ،ومجابهته لبيان زيفه ،بغض النظر عن النتاقئج ،
وعن الوضاع ،وبغض النظر عما إهذا وافق المبدأ جمهـور الشعب أم
خالفه ،قبل به الناس أم رفضوه وقاوموه ،ولذلك ل يتملق حامل
الدعوة الشعب ول يداهنه ،ول يداجي من بيدهم ةثقل المجتمع من الحكام وغيرهم ول يجاملهم ،بل يتمسك بالمبدأ وحده يدون أن
يدخل في الحساب أي شيء سوى المبدأ . 78
وهذا اليمان يوجب أيضا أن تجعل السيايدة للمبدأ وحده أي
للسلم وحده يدون سواه ،وأن يعتبر غيره من المبايدئ كفرا مهما تنوعت واختلفت تلك المبايدئ ))إن الدين عند ال السلم(( ،
فكل من ل يؤمن بالسلم كافر في نظر السلم ،ولذلك ل يجوز مطلقا لحاملي الدعوة السلمية أن يقولوا لمن يحملون غير السلم
سواء أكان يدينا أم مبدأ :تمسكوا بمبدقئكم ويدينكم ،بل يجب أن
يدعوهم للسلم بالحكمة والموعظة الحسنة ليعتنقوه ،لن الدعوة تحتم على حملتها أن يعلموا لن تكون السيايدة للسلم وحده ، وليس معنى ترك غير المسلمين وما يدينون به وما يعتقدون إقرارا
بأيديانهم بل هو إجابة لمر ال الذي أوجب عدم إكراه الناس على اعتناق السلم ،وأوجب ترك الفرايد وعقاقئدهم وأيديانهم وعبايداتهم
على أن تبقى فريدية ل جماعية وأن ل يكون لها كيان في يداخل كيان السلم ،ولذلك يمنع السلم وجويد أحزاب أو تكتلت
سياسية غير إسلمية تقوم على أساس يناقض السلم ،ويسمح
بالحزاب والتكتلت يداخل حدويد السلم ،وهكذا يقتضي اليمان بالمبدأ إفرايده وحده بالمجتمع ،وأن ل يشترك معه سواه . 79
واليمان بالسلم غير فهم أحكامه وتشريعاته ،لن اليمان به
ةثبت عن طريق العقل ،أو عن طريق ةثبت أصلها بالعقل ،ولذلك ل يتطرق إليه ارتياب .أما فهم أحكامه فل يتوقف على العقل وحده
وإنما يتوقف على معرفة اللغة العربية ووجويد قوة الستنباط ،ومعرفة الحايديث الصحيحة من الضعيفة ،ولذلك كان على حملة الدعوة
أن يعتبروا فهمهم للحكام فهما صوابا يحتمل الخطأ ،وأن يعتبروا فهم غيرهم خطأ يحتمل الصواب ،حتى يتسنى لهم أن يدعوا
للسلم ولحكامه حسب فهمهم لها واستنباطهم إياها ،وأن يحولوا إفهام الخرين التي يعتبرونها خطأ يحتمل الصواب إلى أفهامهم التي يعتبرونها صوابا يحتمل الخطأ .ولذلك ل يصح أن يقول حملة
الدعوة عن فهمهم ،أن هذا هو رأي السلم ،بل عليهم أن يقولوا
عن رأيهم ،أن هذا رأي إسلمي .وكان أصحاب المذاهب من
المجتهدين يعتبرون استنباطهم للحكام صوابا يحتمل الخطأ ،وكان
كل واحد منهم يقول :إهذا صح الحديث فهو مذهبي واضربوا بقولي عرض الحاقئط .وكذلك يجب أن يعتبر حملة الدعوة آراقئهم التي
يتبنونها ،أو يصلون إليها من السلم باعتبار فهمها ،آراء صاقئبة 80
تحتمل الخطأ ،في حين أن إيمانهم بالسلم عقيدة ل يجوز أن يتطـرق إليها أي ارتياب .وإنما يعتبر حملة الدعوة فهمهم هذا
العتبار لن الدعوة تغرس في نفوس أهلها النزوع إلى الكمال ،
وتفرض فيهم أن ينقبوا يداقئما عن الحقيقة وأن يقلبوا يدوما في كل ما عرفوه وفهموه ،حتى ينقوه مما عسى أن يكون قد علق به من شيء غريب عنه ،ويبعدوا عنه كل ما يؤيدي قربه منه إلى احتمال أن يلصق بـه ويعتبر جزءا منه ،وهذلك حتى يظل الفهم صحيحا ،
والفكر عميقا ،وحتى تبقـى الفكرة نقية صافية ،لنه بقدر صفاء
الفكرة ونقاقئها يمكنهم أن يقوموا بالدعـوة ،لن صفاء الفكرة
ووضوح الطريقة هو الضمان الوحيد للنجاح ولستمرار النجاح . إل أن هذا التنقيب عن الحقيقة والبحث عن الصواب ،ل يعني
مطلقا أن يكون فهمهم في مهب الريح ،بل يجب أن يكون فهما
ةثابتا لنه ناتج عن فكر عميق ،ولذلك فهو فهم أةثبت من كل فهم
سواه ،ولهذا كان على حملة الدعوة أن يكونوا يقظين على يدعوتهم ،وعلى فهمهم لها ،حذرين من أن يفتنهم غيرهم عن هذا الفهم ،
وهذه الفتنة هي أخطر ما يكون على الدعوة ،ولذلك حذر ال نبيه 81
صلى ال عليه وسلم منها فقال له ))واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل ال إليك(( وقال سيدنا عمر لقاضيه شريح حين أوصاه
بالنظر في كتاب ال ،قال له " :ول يلفتنك عنه الرجال " ولذلك
يجب أن يحذر حملة الدعوة من كلمة قد تصدر من مخلص ،أو رأى قد يراه حريص على الدعوة ويلقنه بحجة المصلحة ،وهو
يخالف السلم ،فليحذروا منه ،ول يمكنوا أحدا من هذلك ،لن في هذا الضلل المبين ،ويجب التفريق بين الدعوة إلى السلم والدعوة إلى استئناف حياة إسلمية ،وإلى أنه يجب التفريق بين
الدعوة يحملها جماعة في أمة ككتلة إسلمية وبين الدعوة التي
تحملها الدولة السلمية .
أما التفريق بين الدعوة إلى السلم ،والدعوة إلى استئناف حياة
إسلمية ،فهو لمعرفة الغاية التي تسير إليها الدعوة ،والفرق بينهما هو أن تحمل الدعوة للسلم إلى غير المسلمين ،فيدعوا لعتناقه
والدخول في حظيرته ،وهؤلء تكون الطريقة العملية لدعوتهم أن
يحكموا بالسلم من قبل الدولة السلمية حتى يروا نور السلم ،
وأن يدعوا إلى السلم في بيان عقاقئده وأحكامه حتى يدركوا عظمة 82
السلم .ولذلك كان لزاما أن تحمل الدعوة إلى السلم يدولة إسلمية .
وأما الدعوة إلى استئناف حياة إسلمية فيجب أن تحملها كتلة
ل أفرايد .وهذه الدعوة إلى استئناف حياة إسلمية هي :أن
المجتمع الذي يكون أفرايده بجملتهم مسلمين ويحكمون بغير
السلم ،يكون مجتمعا غير إسلمي ،وينطبق عليه أنه يدار كفر ، فيدعى فيه لن تقوم يدولة إسلمية تطبق السلم فيه ،وتحمل يدعوته إلى غيره ،هذا إن لم تكن هنالك يدولة إسلمية قط ،وإن كانت هنالك يدولة إسلمية تطبق السلم كامل ،يدعى فيه لن يصبح
إقليما من أقاليم الدولة السلمية ،ليحكم من قبلها بالسلم ،
ويصبح جزءا منها ،يحمل الدعوة السلمية ،حتى يصبح مجتمعا
إسلميا ويصدق عليه حينئذ أنه يدار إسلم .لنه ل يجوز للمسلم أن يعيش في يدار الكفر ،بل عليه إهذا أصبحت يدار السلم التي
يعيش فيها يدار كفر أن يعمل لجعلها يدار إسلم ،أو أن يهاجر إلى
يدار السلم .
83
وأما التفريق بين الدعوة التي يحملها جماعة في أمة إسلمية ،
وبين الدعوة التي تحملها يدولة إسلمية ،فهو لمعرفة نوع العمل الذي يقوم به حملة الدعوة .والفرق بينهما هو أن الدعوة التي
تحملها الدولة السلمية ،تتمثل فيها الناحية العملية ،فهي تطبق السلم في الداخل تطبيقا كامل شامل حتى يسعد المسلمون في الحياة ،ويرى غير المسلمين ممن يعيشون في كنف الدولة
السلمية نور السلم فيدخلوا فيه طوعا واختيارا عن رضا واطمئنان
،وتحمل -أي الدولة -الدعوة إلى الخارج ،ل بطريق الدعاية
وشرح أحكام السلم فقط ،بل بإعدايد القوة للجهايد في سبيل ال
،لحكم البليد التي تليهم بالسلم ،باعتبار أن حكمها إياهم هو
الطريقة العملية للدعوة ،وهي الطريقة التي استعملها الرسـول صلى
ال عليه وسلم ،كما استعملها خلفاؤه من بعده حتى آخر الـدولة السلمية ،ولذلك كان حمل الدعوة من قبل الدولة هو الناحية العملية في الدعوة يداخليا وخارجيا .
وأما الدعوة التي تحملها جماعة أو كتلة ،فهي أعمال تتعلق
بالفكر ول تتعلق بالقيام بأعمال أخرى ،ولذلك تأخذ الناحية 84
الفكرية ،ل الناحية العملية ،فتقوم بما يفرضه عليها الشرع في مثل
هذه الحالة ،حتى توجد الدولة السلمية ةثم تبدأ الناحية العملية في الدولة .ولذلك فهي مع كونها تدعو مسلمين إنما تدعوهم لتفهم
السلم حتى يستأنفوا الحياة السلمية ،وتكافح من يقفون في وجه هذه الدعوة بالسلوب الذي يستوجبه كفاحهم .
ويجب أن تؤخذ حياة الرسول صلى ال عليه وسلم في مكة
أسوة للسير حسبها في الدعوة ،فتبدأ في خطوة الدراسة والتفهم
مع القيام بالتزامات السلم ،كما كان الحال في يدار الرقم ،ةثم
ينتقل الدارسون الفاهمون للسلم المؤمنون الصايدقون إلى التفاعل
مـع المة ،حتى تتفهم السلم وتتفهم ضرورة وجويد يدولة إسلمية ،
وعلى الكتلة أن تبايدئ الناس بذكـر مفاسدهم وتعيبها ،وتتحداهم
في مفاهيمهم المغلوطة وآراقئهم الفاسدة وتسفهها ،وتبين لهم
حقيقة السلم وجوهر يدعوته ،حتى يتكون لديهم الوعي العام على
الدعوة ويكون رجال الدعوة جزءا من المة ،وتكون المة معهم
كل ل يتجزأ ،فتعمل المة في مجموعها العمل المنتج تحت قيايدة
كتلة الدعوة ،حتى يصلوا إلى الحكم ،فيوجدوا الدولة السلمية ، 85
وحينئذ تتخذ حياة الرسول صلى ال عليه وسلم في المدينة قدوة
للسير بحسبها في تطبيق السلم وحمل الدعوة له .ولهذا كان ل شأن للكتلة السلمية التي تحمل الدعوة بالنواحي العملية ،ول تشتغل بشيء غير الدعوة ،وتعتبر القيام بأي عمل من العمال
الخرى ملهيا ومخدرا ومعيقا عن الدعوة ،ول يجوز الشتغال بها
مطلقا .فالرسول صلى ال عليه وسلم كان يدعو للسلم في مكة
وهي مملوءة بالفسق والفجور ،فلم يعمل شيئا لزالته ،وكان الظلم والرهاق ،والفقر العوز ظاهرا كل الظهور ،ولم يرو عنه أنه قام
بعمل ليخفف من هذه الشياء ،وكان في الكعبة والصنام تطل من
فوق رأسه ،ولم يرو عنه أنه مس صنما منها ،وإنما كان يعيب
آلهتهم ،ويسفه أحلمهم ،ويزيف أعمالهم ،ويقتصر على القول ، وعلى الناحية الفكرية ،ولكنه حين صارت لديه الدولة ،وفتح مكة
لم يبق شيئا من تلك الصنام ،ول من هذلك الفسق والفجور ،ول الظلم ول الرهاق ،ول الفقر ول العوز .
ولهذا ل يجوز للكتلة ،وهي تحمل الدعوة ،أن تقوم ككتلة
بأي عمل من العمال الخرى ،ويجب أن تقتصر على الفكر 86
والدعوة ،غير أن الفرايد ل يمنعون من القيام بما يرغبون من أعمال
خيرية ،ولكن الكتلة ل تقوم بها ،لن عملها إقامة يدولة لحمل الدعوة .
ومع أنه يجب أن تتخذ حياة الرسول صلى ال عليه وسلم في
مكة قدوة للسير حسبها ،فإنه ينبغي أن يلحظ أن الفارق بين أهل مكة ويدعوتهم للسلم ،وبين المسلمين الن ويدعوتهم لستئناف حياة إسلمية ،هو أن الرسول صلى ال عليه وسلم كان يدعو
كفارا لليمان ،وأما الدعوة الن فهي يدعوة مسلمين لتفهم السلم والعمل به ،ولذلك كانت الدعوة الن أسهل وأقرب .
ولهذا كان لزاما على الكتلة أن ل تعتبر نفسها غير المة التي
تعيش معها ،بل تعتبر نفسها جزءا من هذه المة ،لن الناس
مسلمون مثلهم ،وهم ليسوا بأفضل من أحد المسلمين ،وأن
فهموا السلم وعملوا له ،ولكنهم أةثقل المسلمين حمل ،وأشدهم تبعة في تحمل مسؤولية خدمة المسلمين أمام ال والعمل للسلم .
وعلى رجال الكتلة السلمية أن يعلموا أنه ل قيمة لهم مهما كثر
عديدهم بغير المة التي يعملون فيها .ولهذا كانت مهمتهم التفاعـل 87
مع المة ،والسير معها في الكفاح وإشعارها أنها هي التي تعمل .
ويجب أن تبعد الكتلة عن كل عمل أو قول أو إشارة توهم انفصالها عن المة بأي شيء صغر أم كبر ،لن هذا يبعد المة عنها وعـن
يدعوتها ،ويجعلها عقدة من عقد المجتمع التي تحول يدون نهوضه ، فالمة كل ل يتجزأ ،تقوم الكتلة لتقيم الدولة ،وتظل حارسا على
السلم في المة والدولة ،حتى إهذا لحظت في المة تنكبا ،نبهت فيها إيمانها وعبقريتها ،وإهذا لحظت في الدولة اعوجاجا اشتركت مع المة في تقويمها بما يفرضه السلم ،وبذلك تسير الدعوة
السلمية التي تحملها كتلة في طريقها الطبيعي سيرا ممتازا .وإهذن
فغاية الكتلة استئناف الحياة السلمية في البليد السلمية وحمل الدعوة السلمية إلى العالم ،وطريقتها إلى هذلك الحكم ،ومن
طريقتها إلى الحكم يدراسة السلم وتفهمه ،وتثقيف الناس به تثقيفا
يحدث الةثر في إيجايد العقلية السلمية والنفسية السلمية ،
لتكوين الشخصية السلمية وكذلك التفاعل مع المة في إفهامها
السلم ،وإفهامها حقيقة مصالحها ،ومعالجة السلم لها ،
وضمان تحقيقها ،وتبنى مصالح المة ،على أن يجري التفاعل 88
والكفاح في سبيل الدعوة مع الدراسة في آن واحد .وهذا العمل من الكتلة الحزبية هو عمل سياسي ،ولذلك كان ل بد أن يكون
الوجه البارز على هذه الكتلة هو الوجه السياسي ،لنه الطريق
العملي الول الذي يبدأ فيه للدعوة إلى السلم ،وهذا ل يعني الدعوة إلى السياسية فقط ،أو إلى الحكم وحده ،بل يعني الدعوة إلى السلم ،والكفاح السياسي للوصول إلى الحكم كامل ،
ليجايد الدولة السلمية التي تطبق السلم وتحمل يدعوته .ولذلك يجب أن تكون الكتلة التي تحمل الدعوة السلمية كتلة سياسية ،
ول يجوز أن تكون كتلة روحية ول كتلة أخلقية ،ول كتلة علميـة ، ول كتلة تعليمية ول شيئا من هذلك ،ول ما يشبهه ،بل يجب أن تكون كتلة سياسية .ومن هنا كان حزب التحرير ـ وهو حزب
إسلمي ـ حزبـا سياسيا ،يشتغل بالسياسة ،ويعمل لن يثقف المة ةثقافة إسلمية ،تبرز فيها الناحية السياسية ،وينكر ما يفعله
الستعمار وعملؤه من منع الطلب والموظفين من السياسة ،ومن محاولة إبعايد عامة الناس عنها ،ويرى أنه يجب أن يعرف الناس
السياسة ،وأن تظهر عليهم التربية السياسية .وليس من العمل 89
السياسي أن يبين أن السلم يشمل السياسة ،ول أن القواعد
السياسية في السلم هي كيت وكيت ،بل السياسة هي أن ترعى مصالح المة جميعها يداخلية وخارجية ،وأن تسير تسييرا إسلميا
ليس غير ،وأن يكون هذلك من قبل الدولة ،ومن قبل المة تحاسب فيه الدولة ،وحتى يتأتى هذلك عمليا ل بد أن يكون الحزب هو
الذي يتولى هذلك في المة وفي الحكم ،ولذلك يحمل الدعوة إلى السلم يدعوة شاملة ويبين للمة الحكام الشرعية التي تعالج
مشاكل الحياة ،ويعمل لن يحكم بالسلم وحده ويجاهد الكافر
المستعمر لقلعه من جذوره ،ويكافح عملء الستعمار ،سواء
الذين يحملون قيايدته الفكرية ومبايدقئه والذين يحملون سياسته وأفكاره .
وحمل الدعوة السلمية والكفاح السياسي في سبيلها ،إنما
يكون في المجتمع الذي يحديده الحزب مجال له .وحزب التحرير
يعتبر المجتمع في العالم السلمي كله مجتمعا واحدا ،لن قضيته
كلها قضية واحدة هي قضية السلم .ولكنه يجعل نقطة البتداء البليد العربية ،بوصفها جزءا من البليد السلمية ،ويرى أن قيام 90
يدولة إسلمية في البليد العربية نواة للدولة السلمية هو الخطوة الطبيعية في هذلك .
والمجتمع في العالم السلمي ،في مستوى سياسي سيئ ،فهو
في جملته قد استعمر من قبل الدول الغربية ،ول يزال مستعمرا
رغم ما يبدو عليه من مظاهر الحكم الذاتي ،فهو خاضع للقيايدة
الفكرية الرأسمالية الديمقراطية ،خضوعا تاما ،وتطبق عليه في الحكم والسياسة النظمة الديمقراطية .وفي القتصايد النظام
الرأسمالي ،وفي الناحية العسكرية مقويد للجنبي في أسلحته ، وتدريبه ،وساقئر الفنون العسكرية ،وفي السياسة الخارجية تابع
للسياسة الجنبية المستعمرة له ،ولذلك نستطيع أن نقول أن البليد السلمية بليد ل تزال مستعمرة ،ول يزال يتركز فيها الستعمار ،
لن الستعمار هو فرض السيطرة العسكرية والسياسية والقتصايدية والثقافية على الشعوب المستضعفة لستغللها ،وهو يسخر جميع
القوى من أجل فرض قيايدته الفكرية وتركيز وجهة نظرها في الحياة ، وأشكال الستعمار المختلفة تشمل ضم البلد المغلوب على أمره إلى أراضي البلد الفاتح وإنشاء المستعمرات وإقامة الحكومات 91
المستقلة اسميا والخاضعة للدولة الستعمارية عمليا .وهذا هو
الواقع في البليد السلمية فإنها كلها خاضعة للسيطرة الغربية ، وتسير وفق البرامج الستعمارية الغربية من ناحية ةثقافية ،ومع
خضوعها لسيطرة الستعمار الغربي ،فإنها في نفس الوقت هدف للغزو الروسي ،لن روسيا تعمل فيها بواسطة عملقئها لعتناق
الناس للشيوعية ،ولسيطرة قيايدتها الفكرية ووجهة نظرها في الحياة
بالدعوة إلى المبدأ الشيوعي .
وعلـى هذلك فالبليد السلمية مستعمرة للدول الغربية ،ومسرح
للقيايدات الفكرية الجنبية ،ومحط أنظار روسيا ،وهدف لغزوها
واحتللها ل لستعمارها ،بل لتحويلها من بليد إسلمية إلى بليد شيوعية ،وتحويل المجتمع كله إلى مجتمع شيوعي يمحى فيه أةثر
السلم .
ومن هنا كان لزاما أن يقوم العمل السياسي لمكافحة الستعمار
الحالي لمحاربة القيايدات الفكرية الجنبية والعمل على اتقاء خطر
الغزو الجنبي الذي يستهدف بليدنا .أما الغزو الروسي فإن خطره
الن غير ملموس من ناحية سياسية وإن كان موجويدا وهو محصور 92
في الدعاة الذين يحملون قيايدته الفكرية في البليد ،ويستغلون الظلم السياسي والقتصايدي الذي يصيبنا من الستعمار الغربي
لتركيز هذه القيايدة .ولذلك كانت مكافحة الستعمار الغربي تؤيدي
إلى مكافحة خطر الغزو الروسي ،وحمل الدعوة السلمية حمل صحيحا يكافح خطر القيايدات الفكرية الجنبية .وإهذن يجب أن
تكون مكافحة الستعمار الغربي حجر الزاوية في الكفاح السياسي . والكفاح السياسي يوجب عدم الستعانة بالجنبي أيا كـان جنسه
،وأيا كان نوع هذه الستعانة ،ويعتبر كل استعانة سياسية بأي
أجنبي وكل ترويج له خيانة للمة ويوجب أيضا العمل لبناء الكيان
الداخلي في العالم السلمي بناء سليما ،ليكون قوة عالمية لها
كيانها المتميز ،ومجتمعها السامي .وهذه القوة تعمل لخذ زمام المبايدرة من كل المعسكرين لتحمل الدعوة السلمية إلى العالم
وتتولى قيايدته .ويوجب الكفاح السياسي أيضا محاربة النظمة والقوانين والشراقئع الغربية ،وكافة الوضاع الستعمارية ،كما
يوجب رفض جميع المشاريع الغربية ،ول سيما البريطانية والميركية
،سواء المشاريع الفنية والمالية على اختلفها ،أو المشاريع 93
السياسية على تنوعها .ويوجب أيضا نبذ الحضارة الغربية مطلقا ،
ول يعني هذلك نبذ الشكال المدنية ،لن المدنية يجب أن تؤخذ إهذا كانت ناتجة عن العلم والصناعة ،ويوجب أيضا قلع القيايدة
الفكرية الجنبية من جذورها .ويوجب كذلك نبذ الثقافة الجنبية
التي تتناقض مع وجهة النظر السلمية .ول يعني هذلك العلم ،لن العلم عالمي ،ويجب أن يؤخذ من أي جهة لنه من أهم أسباب التقدم المايدي في الحياة .
والكفاح السياسي يقتضي أن نعلم أن الستعماريين الغربيين ول
سيما البريطانيين والمريكان يعمدون في كل بلد مستعمر إلى مساعدة عملقئهم من الرجعيين الظلميين ،ومن المروجين
لسياستهم وقيايدتهم الفكرية ،ومن الفئات الحاكمة ،فيهرعون إلى
إسداء المعونة لهؤلء العملء في مختلف القاليم ،لوقف هذه الحركة السلمية ،وسيمدونهم بالمال ،وغير المال ،وبكافة
القوى التي تلزمهم للقضاء عليها ،وسيقوم الستعمار مع عملقئه بحمل علم الدعاية ضد هذه الحركة التحريرية السلمية ،باتهامها
بمختلف التهم :بأنها مأجورة للستعمار ،ومثيرة للفتن الداخلية ، 94
وساعية لتأليب العالم ضد المسلمين ،وبأنها تخالف السلم ،وما
شابه هذلك من التهم .ولهذا يجب أن يكون المكافحون واعين على السياسية الستعماريـة ،وعلى أساليبها ،حتى يكشفوا خططها
الستعمارية يداخليا وخارجيا في حينها ،لن كشف خطط الستعمار في حينها يعتبر من أهم أنواع الكفاح .
ولهذا فإن حزب التحرير يعمل لتحرير القاليم السلمية من
الستعمار كله .فهو يحارب الستعمار حربا ل هوايدة فيها ،ولكن
ل يطلب الجلء فقط ،ول يطلب الستقلل المزيف ،بل يعمل
لقتلع الوضاع التي أقامها الكافر المستعمر من جذورها ،بتحرير البليد ،والمعاهد والفكار ،من الحتلل ،سواء أكان هذا
الحتلل عسكريا ،أو فكريا ،أو ةثقافيا ،أو اقتصايديا ،أو غير
هذلك .ويحارب كل من يدافع عن أي ناحية من نواحي الستعمار حتى تستأنف الحياة السلمية بإقامة الدولة السلمية التي تحمل رسالة السلم للعالم كافة ،وال نسأل ،وإليه نبتهل ،أن يمدنا
بعون من عنده ،للقيام بهذه التبعات الجسام ،إنه سميع مجيب .
95
حزب التحرير --------
حزب التحرير حزب سياسي ،مبدؤه السلم ،وغايته استئناف الحياة السلمية بإقامة يدولة إسلمية تنفذ نظم السلم وتحمل
يدعوته إلى العالم .وقد هيأ هذا الحزب ةثقافة حزبية ضمنها أحكاما إسلمية في شؤون الحياة .والحزب يدعو للسلم قيايدة فكرية تنبثق عنها النظمـة التي تعالج مشاكل النسان جميعها سياسية
واقتصايدية وةثقافية واجتماعية وغير هذلك .وهو حزب سياسي يضم
إلى عضويته النساء كما يضم الرجال ،ويدعو جميع الناس للسلم ولتبنـي مفاهيمه ونظمه ،وينظر إليهم مهما تعديدت قومياتهم
ومذاهبهم نظرة السلم .وهو يعتمد على التفاعل مع المة للوصول إلى غايته ،ويكافح الستعمار بجميع أشكاله ومسمياته لتحقيق
تحرير المة من قيايدته الفكرية واجتثاث جذوره الثقافية والسياسية والعسكرية والقتصايدية وغيرها من تربة الـبليد السلمية ،وتغيير
المفاهيم المغلوطة التي أشاعها الستعمار من قصر السلم على العبايدة والخلق . 96