الوهّابية تحافظ على آثار اليهود

Page 1

‫الوهّابية تحافظ على آثار‬ ‫اليهود‪ ...‬وتهدم آثار النبوّة‬ ‫والتوحيد‪! ...‬؟‬ ‫تمثل السعودية الوهابية‪ ،‬اليوم ـ ومثلت منذ نشأتها ـ معول التدمير‬ ‫والتخريب في األمة‪ ،‬بل إنها تساوي التدمير والدمار‪ ،‬وتكاد تكون كما‬ ‫المعادلة الكيميائية ثابتة المدخالت والمخرجات‪ ،‬إذ ال يمكن لها أن تنتج‬ ‫إال ما أنتجته من تشويه لإلسالم وتدمير لقضايا العرب‪ ،‬وللعامة والخاصة‬ ‫أن يمعنوا البحث والنظر في مواقف ملوكها وأمرائها وممارساتهم‪ ،‬وفي‬ ‫الفتاوى التي تصدر عن شيوخها الذين ينزعون إلى تجاوز حدود الدين‬ ‫والشرع غلواً وتشدداً‪ ،‬إفراطاً وتفريطاً‪ ،‬ومجافاة للتنزيل‪.‬‬ ‫فنظام آل سعود تمارس عصاباته اإلرهابية في كل من سورية والعراق‬ ‫ولبنان واليمن ومناطق أخرى‪ ،‬كل أشكال التكفير وقتل اآلخر المختلف‪،‬‬ ‫وتدنيس وهدم مقدساته وتهجيره من أرضه من أجل إقامة اإلمارة الوهابية‬ ‫التكفيرية‪ ...‬وسمة هذه الحرب الوهابية الهّدامة‪ ،‬أن تقتلع جذور الشخصية‬ ‫‪1‬‬


‫اإلسالمية من جذور ذاكرتها وثقافتها ورموز عقيدتها في األزمنة واألمكنة‬ ‫واألشخاص‪.‬‬ ‫ويكفي للتدليل على جهل الحركة الوهابية وعقم تفكيرها‪ ،‬وضحالة‬ ‫مضمونها اإلصالحي‪ ،‬إقدامها على هدم المشاهد والمعالم الدينية‪ ،‬وتدمير‬ ‫كل الشواهد واآلثار والقباب واألضرحة في مكة والمدينة وباقي األماكن‬ ‫والمدائن في جزيرة العرب وسواها‪ ،‬بدعوى أنها من وسائل الشرك والغلو‬ ‫في األنبياء واألولياء الصالحين‪ ،‬حتى إن قبور الصحابة وآل البيت لم تسلم‬ ‫من معاول أولئك الهدامين الذين ال يقيمون وزناً للمعالم الدينية والحضارية‬ ‫والتاريخية‪.‬‬ ‫وفي وقت سابق نشرت صحيفة ''االندبندنت'' اللندنية تقريراً كشف فيه‬ ‫الصحافي البريطاني ''أندرو جونسون'' عن أن المملكة العربية السعودية‬ ‫تخطط لنقل قبر الرسول ودفن رفاته في مقابر البقيع في قبر غير معلوم‪.‬‬ ‫ونقلت الصحيفة عن الباحث السعودي عرفان علوي الذي تقول الصحيفة‬ ‫إنه مدير مؤسسة التراث اإلسالمي لألبحاث في لندن انتقاده لعمليات‬ ‫التوسعة للحرمين في مكة والمدينة‪ ،‬والتي تم بسببها تدمير العديد من‬ ‫المعالم التاريخية‪.‬‬ ‫أما الدكتور على أبو الحسن رئيس لجنة الفتوى باألزهر الشريف سابقاً فقد‬ ‫أكد أنّ قبر الرسول ليس بداخل المسجد وال يجوز بتاتاً نقل جثمان النبي‬ ‫‪2‬‬


‫(صلى اهلل عليه واله وسلم) ألن هناك قاعدة تقول''قبور األنبياء ال تغير‬ ‫أبداً''‪.‬‬ ‫ومن باب األمانة البد لنا أن نؤكد‪ ،‬انّ اآلثار في بالد الحجاز‪ ،‬لو أنها بقيت‬ ‫مصانة لشكلت مادة تراثية بالغة الغنى‪ ،‬و لكان باإلمكان استقراء الكثير‪ ،‬وها‬ ‫نحن نرى أثر المواقع الدينية‪ ،‬حيث وُجدت‪ ،‬سياحياً‪ ،‬وثقافياً‪ ،‬ونفسياً‪،‬‬ ‫واستلهاماً‪ ،‬غير أنّ الوهّابية التّكفيريّة قامتْ‪ ،‬أو األصحّ أنها (أقيمتْ) لتلعب‬ ‫هذا الدّور التّدميري‪ ،‬ولتنحرف باإلسالم عن فطرته السّمحة هذا االنحراف‬ ‫المتطرّف الخطير‪ ،‬واعتمدتْ على عقل بدويّ‪ ،‬بدائيّ‪ ،‬متخلّف‪ ،‬فشحنتْه‬ ‫شحناً مخيفاً‪ ،‬حتى ظنّ من رفعوا لواءه أنهم يؤدون واجباً مقدَساً‪ ،‬سيوصلهم‬ ‫إلى جنان الرّحمن‪ ،‬ولذا وجدنا أنّ التّطرف الذي بلغ حدّ الوحشيّة‪،‬‬ ‫والتّدمير‪ ،‬وحرق الكتب والمكتبات‪ ،‬وأخالق الغزو الجاهليّة‪...‬‬ ‫نفذه أولئك (األعراب)‪ ،‬وال يمكن لمن عرف شيئاً من قيمة المدنيّة‬ ‫والحضارة أن يقوم بتلك األفعال‪ ،‬والتي كرّستها الوهّابيّة‪ ،‬والتي هي طبخة‬ ‫إنجليزيّة‪ ،‬أرستْ دعائمها لتأخذ شكل ومنهج (الدّين)‪ ،‬ليس هذا فحسب‪،‬‬ ‫ل‬ ‫بل هي الدّين الحقّ‪ ،‬وما عداها هو الباطل! فصارت فيما بعد موئالً لك ّ‬ ‫الحركات الدّينيّة المتطرّفة‪ ،‬وهذا يكشف المهمّة السياسيّة الموكلَة إليها‬ ‫باسم الدّين‪ ،‬فكلّ جماعة اإلسالم السياسي‪ ،‬حين تضيق بهم‪ ،‬يذهبون إلى‬ ‫الحكّام السّعوديّين‪ ،‬وبذلك تبدو تلك البالد أنّها موئل الخائفين من‬

‫‪3‬‬


‫جماعات (األخوان)‪ ،‬كما أنّها تؤدّي الدّور التّاريخي الذي من أجله أقيم‬ ‫ذلك العرش‪.‬‬ ‫وليس بخفي على قارئ التاريخ أن يعلم أن ما سمي الدولة السعودية (نسبة‬ ‫إلى رجل يقال له سعود) قامت على الغزو والقتل ألشراف الجزيرة العربية‬ ‫(هم من ساللة رسولنا الكريم) تحت عين الرضى البريطانية ودعمها‪ ،‬وأن‬ ‫المدعو ''بيرسي كوكس'' المعتمد البريطاني للجزيرة العربية والخليج‬ ‫العربي والتابع لمكتب الهند اإلمبراطوري آنذاك كان له الدور الهام في‬ ‫تأسيس هذه الدولة الوهابية ألهداف وسياسات تكمن في هدم الدين‬ ‫اإلسالمي الحق وتفتيت المنطقة العربية وحماية المصالح واألطماع الغربية‬ ‫في منطقتنا‪ .‬ومن ثم جاء دور الواليات المتحدة األميركية لتحمل مهمة‬ ‫حماية ودعم هذه العائلة السعودية‪ ،‬فانتقلت المهمة األساسية في العالقات‬ ‫من لندن إلى واشنطن‪ ،‬التي تعهدت بحماية ودعم أسرة آل سعود مقابل أن‬ ‫تكون هذه الدولة السعودية هي اليد الطولى ألميركا في المنطقة العربية‪....‬‬ ‫وككل حركة دينية مذهبية وشمولية تستقوي بالسلطان السياسي‪ ،‬وككل‬ ‫سلطان سياسي يبحث لنفسه عن خطابات أيديولوجية تتيح له فرص‬ ‫التمكين لسلطانه‪ ،‬وجد (ابن عبد الوهاب) غايته عبر سلطان (ابن سعود)‬ ‫ووجد الثاني غايته عبر األول‪.‬‬ ‫فباسم وحدة الدين لدى األول‪ ،‬وباسم وحدة الدولة لدى الثاني‪ ،‬أطلق‬ ‫(ابن سعود) يد (ابن عبد الوهاب)‪ ،‬الذي قال ''بهدم القبور واآلثار''‪،‬‬ ‫‪4‬‬


‫بوصفها بدعة وخروجاً على اإلسالم‪ ،‬وهي الدعوة التي انتشرت في مرحلة‬ ‫بدأ فيها وكأن الناس خرجوا من صافي إيمانهم باهلل إلى إيمان بالخوارق‬ ‫والنذور‪ ،‬واستبدال الحقائق بالظواهر‪ ،‬لكن سرعان ما انغلقت هذه الدعوة‬ ‫على نفسها‪ ،‬وتحولت من دعوة لإلصالح‪ ،‬في عيون مريديها‪ ،‬وفي ظرف‬ ‫تاريخي محدد‪ ،‬إلى سالح ديني بيد أسرة (آل سعود) تشهر الدين في وجه‬ ‫معارضيها السياسيين‪ ،‬واستخداماً لتبرير استمرارها‪ ،‬وحكمها‪ ،‬وكأنها جزء‬ ‫ال يتجزأ من اإلسالم!‬ ‫والذين تابعوا مسيرة ''الوهابية''‪ ،‬وبخاصة في مرحلة الدولة الثالثة‪ ،‬التي‬ ‫بدأت بـ (عبد العزيز) يستطيعون أن يلمسوا دور الدين في تثبيت حكم‬ ‫األسرة‪ ،‬أكثر من دور الدين في تثبيت اإليمان‪ .‬إذ حققت قوات ''اإلخوان‬ ‫الوهابيين'' لـ ''عبد العزيز'' السلطة‪ ،‬ووفرت له أسباب التوسع‪ ،‬وما أن‬ ‫أيقن أنها صارت قوة مستقلة‪ ،‬خطرة‪ ،‬وأثارت له المتاعب مع جواره‪ ،‬حتى‬ ‫ضربها‪ ،‬وأعانه اإلنجليز على ذلك أي عون‪ .‬ومع ذلك فقد ظلت عقيدة‬ ‫هؤالء ''اإلخوان'' تقود السلطة‪ ،‬فعلياً‪ ،‬بعد أن رأت السلطة السعودية في‬ ‫تلك العقيدة عوناً لها وتثبيتاً لحكمها‪ ،‬وإشهاراً لقوتها وعصبية رجالها‪ ،‬في‬ ‫وجه خصومها‪ ،‬ولكنها ظلت ـ كذلك ـ تمسك بزمام هذه الجماعة‪،‬‬ ‫وتروضها‪ ،‬كلما خرجت أو استشرت‪ ،‬كي تُقصر مهمتها على دعم النظام‪،‬‬ ‫ال أكثر‪.‬‬

‫‪5‬‬


‫بيد أن الالفت‪ ،‬أن عقيدة ''االخوان الوهابيين'' شكلت النواة المركزية لتيار‬ ‫''اإلسالم السياسي''‪ ،‬منذ قرنين ونصف القرن‪ ،‬من قلب العالم اإلسالمي‪،‬‬ ‫والتي وجدت بشائر صداها في (مصر) بتأسيس جماعة بنفس اإلسم‬ ‫''اإلخوان''‪ ،‬في العام ‪ ،8291‬والتي نهلت من األصل الوهابي وروافده‬ ‫الباكستانية مثل (أبو األعلى المودودي)‪ ،‬وغيره‪ ،‬فقوبلت‪ ،‬وقوبل ما تفرع‬ ‫عنها من حركات أخرى‪ ،‬بالرعاية السعودية والدولية‪ ،‬إلى أن بلغ ''الخطاب‬ ‫الوهابي'' حدود المؤسسة األزهرية‪ ،‬وغيرها من مؤسسات العلم اإلسالمي‪،‬‬ ‫في غير بلد‪ ،‬بعد أن شحب خطابها‪ ،‬ونالته علل الجمود واألحادية الفقهية‪،‬‬ ‫حتى صار ''الخطاب الوهابي'' معزوفة أساسية في خطابات مختلف الفرق‬ ‫والمؤسسات السنية‪ ،‬وخصوصاً ضد كل ما يتصل بالفكر العصري ومنجزاته‬ ‫الحضارية‪ ،‬من علوم وفنون‪ ،‬إلى حد إزالة آثار اإلسالم في أرضه األولى‪،‬‬ ‫مُنهية بجهلها‪ ،‬وبقصد من هو خلفها‪ ،‬حقباً كثيرة من تطور اإلسالم ورموزه‬ ‫الغنية‪.‬‬ ‫وهو ما حمل معارضاً سعودياً‪ ،‬في تسعينيات القرن المنصرم على وصف‬ ‫ما جرى بأنه ''هدم لإلسالم''‪ ،‬وإلى اتساع الحملة اإلعالمية والسياسية‪ ،‬من‬ ‫جانب المعارضين السعوديين‪ ،‬خارج المملكة‪ ،‬ألجل حماية ما تبقى من‬ ‫اآلثار اإلسالمية في (الحجاز) من الهدم‪ ،‬ودخول صحف غربية‪ ،‬على خط‬ ‫الحملة‪ ،‬والتي تحدثت عن تدمير العمارة اإلسالمية ليحل محلها ''حضارة‬ ‫الكونكريت''‪ ،‬في عشية إقدام ملك السعودية (فهد بن عبد العزيز) على‬ ‫‪6‬‬


‫هدم بيت النبي (ص) ومحو المحيط الداخلي ''للحرم المكي''‪ ،‬بما يتضمنه‬ ‫من نقوش وآثار‪ ،‬يمتد عمرها إلى مائة وألف عام‪ ،‬بإسم توسعة ''الحرم''!‪.‬‬ ‫وكان (ابن سعود الكبير) قد سبق الملك فهد في النيل من أغلب هذه‬ ‫اآلثار‪ ،‬بمساندة أتباعه من ''اإلخوان الوهابيين''‪ ،‬إال أن الدولة العثمانية‬ ‫أعادت تعمير وتشييد ما جرى هدمه في (مكة) و(المدينة)‪ ،‬ومنها‬ ‫''األضرحة'' والمساجد‪ ،‬بعد تدمير دولة (ابن سعود) في العام ‪ ،8181‬على‬ ‫يد الحاكم العثماني لـ (مصر)‪ ،‬آنذاك (محمد علي)‪.‬‬ ‫وكما أدت توسعات األب (عبد العزيز) لـ ''الحرم'' في عشرينيات القرن‬ ‫الفائت إلى اختالط النشاط التجاري بالنشاط الروحي حتى ضاق الحجاج‬ ‫ذرعاً به‪ ،‬أدت توسعات شبله الملك فهد‪ ،‬في تسعينيات نفس القرن‪ ،‬إلى‬ ‫تجريد ''الحرم'' من تاريخه الحضاري المسلم‪ ،‬والتضييق على الحجيج‪،‬‬ ‫في ضوء الحوادث الدامية‪ ،‬المتتالية‪ ،‬طوال السنوات التي تلت هذا التوسع‪،‬‬ ‫وحتى اليوم!‪ ،‬بحيث صارت تلك التوسعات ـ بقديمها وجديدها ـ عمالً‬ ‫عشوائياً ومنهكاً لقاصدي فريضة الحج‪ ،‬ناهيك عن طمس الخصوصية‬ ‫التاريخية والثقافية لـ (مكة) و''بيتها المحرم''‪ ،‬على نحو ما فصلته باحثة‬ ‫سعودية معاصرة‪ ،‬خالل االحتفال باختيار (مكة)‪ ،‬عاصمة ثقافية في العام‬ ‫‪. 9002‬‬ ‫لقد قام آل سعود بتدمير لمعظم تراث النبي والصحابة والمسلمين في‬ ‫األماكن المقدسة‪ ...‬ولو خضنا في البحث عما دمروه من آثار إسالمية دينية‬ ‫‪7‬‬


‫تاريخية في الجزيرة العربية لعجزنا عن إحصائها‪ ،‬ولكن نقول على سبيل‬ ‫المثال‪ ،‬هدم آل سعود البيت الذي ولد فيه النبي العربي محمد بمكة‪ ،‬بيت‬ ‫السيدة خديجة زوجة النبي‪ ،‬بيت أبي بكر الصديق‪ ،‬البيت الذي ولدت فيه‬ ‫فاطمة بنت الرسول‪ ،‬بيت حمزة بن عبد المطلب‪ ،‬بيت األرقم أول بيت كان‬ ‫يجتمع به الرسول مع أصحابه‪ ،‬وفي هذا البيت أعلن عمر بن الخطاب إيمانه‬ ‫برسالة محمد‪.‬‬ ‫كما هدم آل سعود قبور شهداء مكة وبعثروا رفاتهم‪ ،‬وكذلك هدموا مكان‬ ‫العريش ''التاريخي'' الذي نصب للنبي العربي‪ ،‬والبيت الذي ولد فيه علي‬ ‫بن أبي طالب والحسن والحسين‪ ،‬وبقيع الغرقد في المدينة المنورة حيث‬ ‫يرقد المهاجرون واألنصار من صحابة محمد وبعثروا رفاتهم‪ ،‬القبة التي‬ ‫تظلل وتضم جثمان صاحب الرسالة المحمدية محمد بن عبد اهلل ونبشوا‬ ‫ضريحه‪ ،‬لكنهم توقفوا حينما وقف الشعب وبعض العلماء الصالحين ومن‬ ‫البالد اإلسالمية كافة رافضين هذه اإلجراءات وخرجوا في التظاهرات‪.‬‬ ‫وسرق آل سعود الذهب الموجود في القبة‪ ،‬وحالما دخل جند االحتالل‬ ‫السعودي مكة المكرمة‪ ،‬اتجهوا لتدمير كل ما هو ورق… وكل ما هو كتب‪،‬‬ ‫وكل ما هو وثائق وصور‪ ،‬وكل ما هو تاريخي… من ذلك على سبيل المثل‬ ‫ما ارتكبوه ''بالمكتبة العربية'' التاريخية العلمية التي أحرقوها‪ ،‬وهي التي‬ ‫تعد من أثمن المكتبات في العالم قيمة تاريخية‪ ،‬إذ ال تقدر بثمن أبداً‪.‬‬

‫‪8‬‬


‫لقد كان بهذه المكتبة (‪ )00000‬كتاب من الكتب النادرة الوجود‪ ،‬وفيها‬ ‫(‪ )00000‬مخطوطة نادرة الوجود من مخطوطات ''جاهلية'' خطت‬ ‫كمعاهدات بين طغاة قريش واليهود تكشف الغدر اليهودي وعدم ارتباط‬ ‫اليهود بالدين والوطن من قديم الزمان وتكشف مؤامرات اليهود على‬ ‫الرسول محمد‪ ،‬وفي هذه المكتبة وغيرها من مكتبات المدينة التي أحرقها‬ ‫ودمرها آل سعود بعض المخطوطات المحمدية التي كتبت بخط النبي‬ ‫محمد وبخط علي بن أبي طالب وأبي بكر وعمر وخالد بن الوليد وطارق‬ ‫بن زياد وعدد من الصحابة‪ .‬لقد أحرقوا كل الوثائق التي تهتم باألشراف‬ ‫الذين هم من ساللة الرسول الكريم‪ .‬لقد أراد آل سعود بذلك أال يبقى أي‬ ‫أثر يذكر تاريخنا‪ ،‬وأال يبقى للعرب من تاريخهم إال اإلسم السعودي‬ ‫المزيف المهين‪.‬‬ ‫وحين دعا عبد العزيز آل سعود لمؤتمر إسالمي‪ ،‬عُقد في الحجاز‪ ،‬ألهداف‬ ‫تدعيميّة‪ ،‬وقف في ذلك المؤتمر الشيخ الظواهرين من مصر‪ ،‬و قال‪:‬‬ ‫إنني أريد ان أتكلم لك يا عبد العزيز‪ ،‬في شيء مهمّ‪ ،‬وهو أننا زرنا اليوم‬ ‫المآثر والمقابر فرأينا ما فتت أكبادنا‪ ،‬وأسال دموعنا‪ ،‬وما ال يقرّه دين‪ ،‬وال‬ ‫شرف‪ ،‬وال إنسانيّة‪ ،‬فقد رأينا الكالب ترتع وتبول على أرض مسّها جسم‬ ‫النبيّ العربيّ عليه السالم‪ ،‬وهدمتم كلّ آثار هذا النبيّ‪ ،‬مآثر جهاده في سبيل‬ ‫إعالء الشريعة والسّماحة والمساواة والحريّة‪ ،‬وأصبحت كلّ هذه المآثر‬ ‫قاعاً بلقعاً تتكاثر فيه الكالب‪ ،‬وقلنا‪ :‬الشكّ أنّ حاكماً فعل هذا بإسم الدّين‬ ‫‪9‬‬


‫هو من الدّين براء‪ ،‬بل هو لم يأت إالّ لخراب الدّين وقواعده وأسسه‪ ،‬وكلّ‬ ‫ما يدلّ على تاريخه‪ ،‬يا عبد العزيز‪ ،‬إنّ مَن كان قبلكم من الفاتحين‬ ‫المسلمين كانوا يحوّلون معابد غير اهلل إلى مساجد ومنابر لحريّة الرأي‪،‬‬ ‫ومهما قلتم في أسباب هدمكم لمآثر النبوّة والرسالة اإلنسانيّة فلن يبلغ إلى‬ ‫مرتبة التصديق‪.‬‬ ‫وكما أدى عدوان األب (عبد العزيز) ومناصريه‪ ،‬من ''اإلخوان الوهابيين''‬ ‫على اآلثار اإلسالمية المكرمة‪ ،‬في ذلك الوقت‪ ،‬إلى استنكار جمهرة‬ ‫المسلمين‪ ،‬في مختلف األقطار‪ ،‬وإقدام الحكومات على إعالن االحتجاج‬ ‫الرسمي‪ ،‬مثل (مصر) ـ التي امتنعت عن إرسال الحجاج‪ ،‬ووجه مسلمو‬ ‫(الهند) برقيات االحتجاج‪ ،‬أدى عدوان الملك فهد‪ ،‬المدعوم من نفس فئة‬ ‫مناصري أبيه‪ ،‬إلى استياء إسالمي واسع النطاق‪ ،‬وإن وقع في ظل أغلبية من‬ ‫الحكومات اإلسالمية الصامتة!‬ ‫وكانت النتيجة‪ ،‬في عهد (عبد العزيز)‪ ،‬أن فرض كل من مؤتمري (مكة)‬ ‫عام ‪ ،8290‬و(الرياض)‪ ،‬عام ‪ ،8291‬المذهب الوهابي ـ إن جاز وصفه‬ ‫بذلك ـ على أتباع المذاهب األخرى‪ ،‬وعبر حمالت إعالمية وتثقيفية‬ ‫وضغوط إرهابية قمعية وإغراءات وتطميعات مادية‪ ،‬مما خلق حالة من‬ ‫العداء المذهبي والتعصب الطائفي المقيت‪ ،‬ال شبيه له في أي بلد إسالمي‬ ‫آخر‪ ،‬بينما جرى استغالل موسم الحج للترويج لذلك المذهب‪ ،‬عبر طبع‬ ‫الكتب التي تبشر به‪ ،‬وتندد بالمخالفين له‪ ،‬إلى أن تمكن ''الخطاب‬ ‫‪11‬‬


‫الوهابي'' من احتكار مواسم الحج‪ ،‬وبعد أن حالت السلطة السعودية بين‬ ‫شيوخ المسلمين‪ ،‬من أتباع المذاهب األخرى‪ ،‬وبين بسط رؤاهم‪ ،‬خالل‬ ‫هذه المواسم‪ ،‬بينما لم يكف المرشدون الوهابيون عن تحريم االقتراب من‬ ‫ضريح النبي (ص) بناء على فتوى (ابن تيمية)‪ ،‬المثيرة للجدل‪.‬‬ ‫في شيوع الخطاب الوهابي كان من نتيجة ذلك‪ ،‬في عهود خلفاء (عبد‬ ‫العزيز) وبخاصة منذ الطفرة الهائلة في أسعار النفط‪ ،‬في السبعينيات من‬ ‫القرن الماضي ـ أن شاع ''الخطاب الوهابي'' وتمدد‪ ،‬في طول وعرض‬ ‫العالم اإلسالمي‪ ،‬ووجد موالوه ومناصروه المنظمون‪ ،‬بين عامة الناس‬ ‫وخاصتهم‪ ،‬من حركات باسم ''إسالم سياسي''‪ ،‬و''دعاة تقليديون''‪ ،‬في‬ ‫رداءات مستجدة‪ ،‬و''دعاة مستحدثون''‪ ،‬في رداءات مُقلدة‪ ،‬ولسان الجميع‬ ‫ينطق بقطعية التحريم اإلسالمي للفنون‪ ،‬بقديمها وحديثها‪ ،‬كأحد الثمار‬ ‫المرة لـ ''خطاب اإلخوان الوهابيين''‪ ،‬ومسلكهم المناوئ لآلثار اإلسالمية‪،‬‬ ‫التي تقع في قلب األصيل اإلبداعي في فنون العمارة‪،‬‬ ‫وبات كل ما ينتمي إلى هذا الفن‪ ،‬من نحت وصور مجسمة‪ ،‬أمراً مستنكراً‪،‬‬ ‫استناداً إلى مفهومها المبكر‪ ،‬في الدعوة اإلسالمية إلى التوحيد‪ ،‬بين وثنيي‬ ‫شبه جزيرة العرب‪ ،‬وهو أمر يطمس أربعة عشر قرناً من الزمان اإلسالمي‪،‬‬ ‫حضارة وعلماً وإيماناً‪ ،‬ويرتد بها إلى سابق عهده األول‪ ،‬حيث ''الفئة‬ ‫المؤمنة'' بين الوسط الوثني‪ ،‬ولكن‪ ،‬هذه المرة بين ''الفئة الوهابية''‪ ،‬ومن‬ ‫واالها‪ ،‬والفضاء اإلسالمي‪ ،‬المتعدد المذاهب والمشارب واألنظار‪.‬‬ ‫‪11‬‬


‫ليصير األمر إلى أحادية مذهبية وهابية متجبرة‪ ،‬تعادي كل من ال يواليها‪،‬‬ ‫بعد أن جردته من االنتساب إلى أصل الدين‪ ،‬الذي جردته ـ بدوره ـ من‬ ‫آثاره‪ ،‬بوصفها ـ وللمفارقة ـ معادية لهذا الدين! إلى حد اإلقرار بهذه‬ ‫المشروعية المصطنعة‪ ،‬بعد أن كانت حركة (طالبان) في (أفغانستان) قد‬ ‫أقدمت ـ قبل سنوات ـ على تدمير تماثيل (بوذا)‪ ،‬في أراضيها‪ ،‬رغم كل‬ ‫الوساطات اإلسالمية والدولية لثنيها عن ذلك الفعل‪ .‬وبذلك تجاوز‬ ‫''الخطاب الوهابي'' فضاءه المكاني إلى فضاء مترامي األطراف‪ ،‬ليرتد‬ ‫بمواليه الكثر إلى روح االعتصام بالقديم التي تتشبث بآلية جامدة للذاكرة‪،‬‬ ‫وتقلص الحياة إلى أشكالها البدائية‪.‬‬ ‫ويبدو أن اشتعال الخصومة بين اإلبداع والتعلق بالقديم الموهوم ـ بفعل‬ ‫هذا الخطاب ـ داخل العالم اإلسالمي قد تزامن مع ما آل إليه من إحباط‬ ‫وعجز عن إعادة البناء‪ ،‬منذ عقود‪ ،‬ومع زحف أنماط الحياة الريعية‬ ‫واالستهالكية‪ ،‬بسطوتها على األفراد والجماعات‪ ،‬حتى استلب ما لديهم‪،‬‬ ‫من بداهات األشياء ومنطق األمور‪ ،‬فصاروا كيانات صماء‪ ،‬عاجزة‪ ،‬ال تدري‬ ‫من أمرها‪ ،‬ومن أمر ذاكرتها اإلسالمية المتواترة‪ ،‬شيئاً‪ ،‬وفي مقدمتها (القرآن‬ ‫الكريم)‪ ،‬نفسه‪ ،‬الذي يستخدم أساليب التصوير الفني‪ ،‬كما يذهب الكاتب‬ ‫اإلسالمي (سيد قطب) ـ قبل تحوله إلى روح ''الوهابية'' ـ وهو تصوير‬ ‫يجري عبر طرق‪ ،‬تشمل التشخيص بواسطة التخييل والتجسيم‪ ،‬لذا يخلع‬ ‫(القرآن) ـ أحياناً ـ الحياة على األشياء الجامدة‪ ،‬ويلجأ ـ أحياناً أخرى ـ‬ ‫‪12‬‬


‫إلى الصور الحسية والحركية‪ ،‬للتعبير عن حالة من الحاالت‪ ،‬أو معنى من‬ ‫المعاني‪ ،‬إلى جانب دور اإليقاع الموسيقي في (القرآن)‪ ،‬وهو متعدد‬ ‫المعاني‪ ،‬ويتسق مع الجو النفسي‪ ،‬ليؤدي وظيفة أساسية في البيان‪ ،‬حيث ال‬ ‫يرد المعنى الفعلي العام‪ ،‬في القرآن‪ ،‬بطريقة تقريرية‪ ،‬بل يتوهج بصورة‬ ‫متعددة‪ ،‬لتشع في نفس القارئ إحساساً وتأثيراً‪ ،‬يتغلغل إلى كل جنبات‬ ‫الكيان والوجدان‪ ،‬فيرهف ويرق‪'' :‬وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى‬ ‫أعينهم تفيض من الدمع''‪.‬‬ ‫إذن‪ ،‬ففي أصول التطور العقائدي نحن بصدد إيمانين متعارضين يعكسهما‬ ‫قول (سيد قطب) اآلنف الذكر وأقوال ''اإلخوان الوهابيين''‪ ،‬كما بسطنا‬ ‫جانباً منها أعاله‪ ،‬وذلك فيما يتصل بالنظر اإلسالمي إلى دور اإلبداع الفني‬ ‫في تثبيت اإليمان‪ ،‬من عدمه‪ .‬وتبدو أقوال (قطب)‪ ،‬السابقة‪ ،‬قريبة ـ إلى‬ ‫حد كبير ـ من العلوم التي اختصت بدرس التطور العقائدي لإليمان‪ ،‬حيث‬ ‫ينقل أحد االختصاصيين الفرنسيين في هذا المجال‪ ،‬وهو(شارل جنييبيرت)‪،‬‬ ‫عن (أوجست ساباتييه) قوله‪'' :‬إن استيقاظ المشاعر يسبق في حياتنا دائماً‬ ‫استيقاظ الفكر''‪ ،‬ذلك أن الدين ـ كما يقول جنييبيرت ـ يُحس ويعاش‪،‬‬ ‫قبل أن يكون فكراً‪ ،‬ولهذا ليست العقائدية هي التي تنظم اإليمان وتحكمه‪،‬‬ ‫بل إن اإليمان هو الذي تتولد عنه العقائد‪.‬‬

‫‪13‬‬


‫ويضيف (جنييبيرت)‪'' :‬نعلم أن كثيراً من العقائد تتولد أثناء صراعات‬ ‫اإليمان‪ ،‬وأنها‪ ،‬من بعض الوجوه تحمل طابع اإلمكان‪ ،‬وأنها تحبس نفسها‪،‬‬ ‫إن صح التعبير‪ ،‬في الصيغ التي تمليها الظروف''‪.‬‬ ‫صيغة ''العقيدة الوهابية'' هي ـ إذن ـ بنت ظروفها التي تواءمت مع الجو‬ ‫العقلي واألخالقي الذي تحتم عليها أن تحيا فيه‪ ،‬وهي أجواء البادية‬ ‫(النجدية)‪ ،‬بوحشتها وقسوتها وجفائها‪ ،‬مقارنة بأجواء (الحجاز) المدنية‬ ‫الباذخة‪ ،‬وفسيفسائها اإلبداعي والثقافي والحضاري‪ ،‬وهو وسط ال تجد فيه‬ ‫هذه العقيدة أي ارتباط لها به‪ ،‬حيث يرفضها الحس المشترك‪ ،‬وحينئذ فإنها‬ ‫تتجمد‪ ،‬غير أنه يمكنها‪ ،‬ولفترة محدودة‪ ،‬أن تتعزى بتصور أنها قادرة‪،‬‬ ‫وحدها‪ ،‬على الصمود‪ ،‬ومجابهة كل شيء‪ ،‬وهو تماسك يصفه (جنييبيرت)‬ ‫بأنه تماسك مهيب‪ ،‬لكنه غير مُجدٍ‪ ،‬إذ تكون عوامل الموت قد تسربت‬ ‫إليها‪ ،‬وليس مهماً‪ ،‬بعد ذلك‪ ،‬تقدير الوقت الالزم الختفاء آخر مظاهر الحياة‬ ‫في جسدها الخامد‪ ،‬وال معرفة الساعة التي يختفي فيها آخر رجل يستمد‬ ‫منها شجاعته وعزاءه وآماله‪.‬‬ ‫بيد أن العقائد المتهالكة والمحطمة ـ كـ (الوهابية)‪ ،‬بعد انهيار الدولة‬ ‫السعودية األولى‪ ،‬أو بعد الحادي عشر من أيلول ‪ 9008‬ـ ال يكون مصيرها‬ ‫العدم‪ ،‬ألن الفكر اإلنساني الذي أوجدها ال يتحلل من تبعاتها‪ ،‬تحلالً تاماً‪،‬‬ ‫إنه سرعان ما يتناولها مرة أخرى‪ ،‬ويدخل عليها بعض التعديالت‪ ،‬ثم‬ ‫يسلكها في نظام جديد‪ ،‬ويدخلها ـ بذلك ـ ضمن بناء ديني آخر‪ ،‬وهو ما‬ ‫‪14‬‬


‫تسرب إلى بعض أوجه الخطاب األزهري التقليدي‪ ،‬فرغم انتمائه إلى‬ ‫المذهب الشافعي‪ ،‬إال أنه أخذ ينطق بلسان المذهب الحنبلي المتشدد ـ‬ ‫الذي ترى (الوهابية) فيه أحد مرجعياتها ـ على نحو ما يتبدى في‬ ‫أطروحات بعض من ممثلي ''الخطاب األزهري'' ـ والذي تبوأ بعض منهم‬ ‫مشيخة األزهر‪ ،‬أو مسؤولية دار اإلفتاء أو الدعوة العامة‪ ،‬منذ (عبد الحليم‬ ‫محمود) و(عبد الرحمن بيصار) إلى (الشعراوي)‪ ،‬في سبعينيات القرن‬ ‫الماضي وثمانينياته‪ ،‬حتى (فريد واصل) و(علي جمعة)‪ ،‬في مطالع القرن‬ ‫الجاري!‬ ‫وذلك فيما يتصل بمشروعية الفنون‪ ،‬أو حدود الحرية التي تقف عندها‪،‬‬ ‫وهو الغطاء الذي كان يخفي إما خطيئة الصمت‪ ،‬وإما ذنوب التواطؤ على‬ ‫الجُرم السعودي ـ الوهابي تجاه اآلثار اإلسالمية في (الحجاز)‪ ،‬والتي يظل‬ ‫الحفاظ عليها جزءاً عزيزاً ـ ليس فقط ـ من اإليمان اإلسالمي‪ ،‬بل من تراث‬ ‫اإلبداعية اإلنسانية‪ ،‬شاء الكارهون لها أو نددوا!‪.‬‬ ‫وإذا نظرنا إلى الذين يرتابون من الفن بذرائع دينية‪ ،‬أللفينا الكثير منهم ممن‬ ‫يرتعدون ـ فرقاً ـ من حرية التفسير واالجتهاد‪ ،‬ويتجمدون عند الحرف‪،‬‬ ‫خشية ما تؤدي إليه الحرية من تحطيم عالمهم المستقر‪ ،‬الذي يجدون فيه‬ ‫األمن والنفوذ‪ ،‬فكأنهم يمثلون فرقة من ''الكهنوتية الشمولية'' ـ إن أبيح‬ ‫ذلك التعبير ـ تشغب على كل من يحاول اإلفالت من سطوة تفسيراتهم‬ ‫الجامدة‪ ،‬أو ممن يجعلون من الدين أداة بطش وترويع ليستمدوا منه‬ ‫‪15‬‬


‫سلطانه‪ ،‬أو ممن يخشون على أنفسهم من الفتنة والتفكير‪ ،‬فيسمرون أقدامهم‬ ‫حيث تقف عقولهم‪ ،‬ويتدثرون بما يحجبها عن التأثر بأية مشاعر أو أفكار‪،‬‬ ‫أو ممن أتخموا في شبابهم باآلثام والخطايا‪ ،‬ثم يحاولون التكفير عما‬ ‫اقترفوه باتخاذ مواقف متطرفة من مهنهم السابقة‪ ،‬أو ماضيهم القديم‪ ،‬أو‬ ‫ممن تسطحت عقولهم‪ ،‬بفعل الجهل‪ ،‬بكل شيء‪ ،‬وضمرت تجاربهم‪ ،‬فال‬ ‫يسيغون إال ما يتملق جهلهم وضيق أفقهم‪.‬‬ ‫وال ريب في أن حال هؤالء أو أولئك يتعارض مع دور العمل الفني الذي‬ ‫يتميز بشحذ قدرات اإلنسان على إنتاج أشكال جديدة‪ ،‬دون أن يكون‬ ‫منافساً لغيره من المجاالت‪ ،‬فيهدي أصحاب المجاالت األخرى‪ ،‬من خالل‬ ‫تلك األشكال الجديدة إلى اكتشاف الينابيع النضاحة للحياة‪ ،‬واإلمكانات‬ ‫الثرية للوجود‪ ،‬ويلفتهم إلى قدراتهم الواعدة إلعادة النظر وتعديل المسار‪،‬‬ ‫تمهيداً للتقدم في مجاالتهم خطوات أبعد وأفضل‪.‬‬ ‫أما ما يخالف ذلك من فنون هابطة أو رديئة فإنها ال تدرج ضمن معايير‬ ‫الفن‪ ،‬التي تبرز فاعلية اإلنسان في كل مجاالتها‪ ،‬على األرض المحايدة‬ ‫للسديم المتجانس‪ ،‬ومن ذلك عمارة الفن اإلسالمي‪ ،‬في قديمها وحديثها‪،‬‬ ‫التي نالت ـ وال تزال ـ من التعرض‪ ،‬الكثير على يد (آل سعود) و(اإلخوان‬ ‫الوهابيين)‪ ،‬ومن واالهم‪ ،‬في العالم اإلسالمي‪...‬‬ ‫وال ريب أن الوهابية حينما تهدف إلى إفساد الدين وتشويه إسمه وسمعته‬ ‫وصورته‪ ،‬فهي الوجه اآلخر لمشاريع تمزيق الخريطة اإلسالمية انطالقاً من‬ ‫‪16‬‬


‫تقطيع أوصال الشرق األوسط باحتالل عقل األمة وتزوير معاييرها فال تعرف‬ ‫الصادق من اآلفك وال الناسك من الفاتك وال اإلرهابي من المقاوم‪.‬‬ ‫وها هنا نقف على مكمن الداللة الرمزية العميقة لمعنى آثار الرسول وآل‬ ‫بيته وصحابته‪ ،‬ومقاماتهم المباركة‪ ،‬ومعنى أن نقول بوجوب أن نرد عنهم‬ ‫المخالب واألنياب ألنهم موصولون بنهج التزامنا الشرعي في الدفاع عن‬ ‫الشجرة الطيبة والكلمة الطيبة واألسرة الطيبة والذرية الطيبة‪ ،‬وهذا هو منهاج‬ ‫القرآن الذي لم يدع سورة من سوره إال أدخل عليها قضية االستقامة وحفظ‬ ‫الوعي السليم في كل معترك يحتدم فيه الحق والباطل‪ ،‬ذلك أن المصيبة‬ ‫الجلى أن يصاب المسلم في دينه وعقله ومباني قبلته ووحدته منذ نزل‬ ‫القرآن بقوله تعالى‪'' :‬واتخِذوا مِن مقامِ إِبراهيمَ مُصَلى وعَهِدنَا إلى إِبراهِيمَ‬ ‫وإِسمَاعِيلَ أَن طَهّرا بَيتِيَ لِلطائِفين والعاكِفِينَ وَالركعِ السجود'' ِ(البقرة‪:‬‬ ‫‪.)892‬‬ ‫ونجد حين نتأمل في موقف النبي وأصحابه من آثار األمم السابقة التي‬ ‫كانت موجودة في مصر والشام والعراق ومدائن صالح وما بها من آثار‬ ‫ألمم وحضارات سابقة‪ ،‬نجد أنه لم ينقل عن النبي أنه أمر بإزالتها أو طمسها‬ ‫أو التحذير منها‪ ،‬ومازال كثير منها باقياً إلى هذه الساعة‪ ،‬وهي أمام نظر‬ ‫علماء اإلسالم من القرون األولى‪ ،‬ولم ينقل عنهم اإلنكار أو الدعوى إلى‬ ‫الطمس واإلزالة‪.‬‬

‫‪17‬‬


‫والمخزي للوهابيين ومن يقف وراءهم‪ ،‬أنه إزاء ما فعلوه ويفعلونه بآثار‬ ‫النبوة والتوحيد‪ ،‬فإن آثار اليهود في المدينة المنورة باقية‪ ،‬فما زال حصن‬ ‫كعب بن األشرف موجوداً في منطقة السد في المدينة‪ ،‬ومكتوب عنده‬ ‫(منطقة أثرية)‪ ،‬وكذلك بالنسبة لخيبر‪.‬‬ ‫ويتسائل كل شريف في هذا العالم‪ :‬كيف يحافظ آل سعود الوهابيون على‬ ‫آثار اليهود وال يحافظون على آثار النبي وآل بيته وصحابته‪...‬؟!‬ ‫وفي ظل ما نحن به‪ ،‬والدور الوهابي المتصاعد على ساحة إهدار الدم‬ ‫العربي‪ ،‬وتهديم التراث العربي وبخاصة اإلسالمي منه‪ ،‬البد من وجوب‬ ‫إدارة للمقدسات اإلسالمية بعيداً عن الخلفيات الوهابية التكفيرية‪،‬‬ ‫فالضرورة تقتضي تحييد المدن الدينية واألماكن المقدسة بعيداً عن األنشطة‬ ‫السياسية الوهابية المتغيرة‪ ،‬وإعادة الدور التوفيقي للحجاز الذي أصبح‬ ‫منتدى لألفكار الوهابية المتطرفة وتحولت أرض الحجاز اإلسالمية إلى‬ ‫كيان ال هوية له‪ ،‬بعدما كانت تحتوي جميع المذاهب والمدارس اإلسالمية‪.‬‬ ‫فالدولة السعودية مسؤولة مسؤولية كاملة ألنها تقوم بالترويج للمذهب‬ ‫الوهابي الذي يحظى بثقتها وتمويلها‪ ،‬وبسبب ذلك مسخت هوية الحجاز‬ ‫وهدمت آثار الرسول وآل بيته وصحابته‪ .‬والبد هنا من تأصيل علم اآلثار‬ ‫الدينية واعتباره علماً إسالمياً لما يترتب عليه من أحكام شرعية‪ ،‬ولو أنفق‬ ‫على هذا العلم وخبرائه مقدار ما أريق من الوقت والحبر والجهود على ما‬ ‫‪18‬‬


‫نراه من غث في المكتبات ودور النشر‪ ،‬لكان ذلك أجدى في حفظ الذاكرة‬ ‫اإلسالمية عقيدة وثقافة وهوية‪.‬‬

‫‪19‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.