الوحدة الإسلامية والاشكالات النّفسية و السّياسيّة

Page 1

‫الوحدة اإلسالمية واالشكاالت النّفسية و‬ ‫السّياسيّة‬

‫العالمة املرجع السيد حممد حسني فضل اهلل‬ ‫‪٤٩٩١/٣/٤١‬‬ ‫‪/‬‬ ‫‪02‬شوال ‪4141‬هـ‬ ‫أحبّ يف البداية أن أتساءل‪ :‬هل إنَّ‬ ‫مشكلة املسلمني يف كلّ تارخيهم‪،‬‬ ‫يف ما اختلفوا فيه من شؤون‬ ‫العقيدة وتفاصيلها املعروفة يف‬ ‫علم الكالم‪ ،‬والَّ يذأ أصرّوا فيه على‬ ‫أن يبقى الفكر واحداً يف كلّ‬ ‫م يذهب‪ ،‬فال يتغري‪ ،‬سواء يف شوؤن املوضوعات العقيدية‪ ،‬أو يف ما اختلفوا فيه من‬ ‫شؤون الفقه‪ .‬ففي ه يذا اإلطار‪ ،‬يصعب أن ترى فقيهًا شيعياً يلتزم يف مرحلة من‬ ‫املراحل فقهاً سنياً‪ ،‬ولو يف بعض املسائل‪ ،‬أو ترى فقيهاً سنيًا مبثل ه يذه الطريقة‪.‬‬ ‫والسؤال‪ :‬هل ما نثريه ميثّل مشكلة فكرية فحسب‪ ،‬أو أنَّها مشكلة نفسيّة أيضاً؟‬ ‫املشكلة نفسية ال فكرية‪:‬‬ ‫لقد انطلق التاريخ ـ حتى لدى العلماء ـ على صعيد الفكر الكالمي والفكر الفقهي ـ‬ ‫إذا صحّ التعبري ـ سن ّياً على طول اخلط‪ ،‬مهما حبث الباحثون‪ ،‬وشيعياً يف اجلانب‬


‫اآلخر على طول اخلط‪ ،‬مهما حبث الباحثون‪ ،‬حتى إذا اقرتب أحدهم فاكتشف‬ ‫إمكانية صواب يف فكر اآلخر‪ ،‬حاول أن يلف ويدور ليتكلّف الكثري ممّا جيعله يقف‬ ‫عند مواقعه من دون أن يتحرك خطوة واحدة‪.‬‬ ‫لـم حيصل يف كلّ التاريخ‪ ،‬ويف كلّ الكتب اليت أُلّفت‪ ،‬تطور باملعنى الكبري يف‬ ‫مستوى األحباث اليت حبثت‪ ،‬وإنّين أتساءل‪ :‬هل ميكن أن تكون هناك جمموعات من‬ ‫النّاس جامدة أمام نصوص ميكن أن يتنوع فيها االجتهاد؟ وهل ميكن أن تبقى عند‬ ‫إن املشكلة ليست مشكلة فكر‬ ‫موقع واحد ال تتحرك خطوة واحدة؟ ماذا يعين ذلك؟ َّ‬ ‫إن املشكلة هي مشكلة نفسية‪،‬‬ ‫بني علماء املسلمني‪ ،‬وال أتكلم عن الشعوب اإلسالمية‪َّ ،‬‬ ‫باعتبار أنَّ الشيعي يقرر أن يبقى شيعياً مهما كلفه ذلك من تآويل‪ ،‬وأنَّ السين‬ ‫يقرر أن يبقى سنياً يف مجيع احلاالت‪.‬‬ ‫ليست لدينا ـ يف ما نراه ـ م يذهبية فكرية‪ ،‬إنَّما لدينا م يذهبية طائفية ‪.‬حنن نتحرك‬ ‫بروحية عشائرية يف ما نتفق عليه يف ك ّل دائرة من الدوائر اإلسالمية‪ ،‬فهناك‬ ‫عشرية السنّة وعشرية الشيعة‪ ،‬واملنطق العشائرأ هو ال يذأ يفرض نفسه‪ ،‬ال امل يذهب‬ ‫الفكرأ السنّي أو امل يذهب الفكرأ الشيعي‪ ،‬يف ما يعيشه الوجدان الشيعي أو السنّي‪.‬‬ ‫وملا كانت املشكلة نفسية‪ ،‬حصل الرفض املتبادل‪ ،‬فالشيعي يفكر يف أن يكون شيعياً‬ ‫قبل أن يفكر يف أن يكون مسلماً يف خط التشيع‪ ،‬والسنّي يفكر يف أن يكون سنياً قبل‬ ‫أن يفكر يف أن يكون مسلماً يف خط التسنن‪ ،‬ولو كان اإلسالم هو الفكر ال يذأ‬ ‫نلتزمه‪ ،‬ألمكننا أن نضيء اإلسالم على كلّ ما اختلفنا فيه‪ ،‬لنجد نور احلقيقة يف‬ ‫وألن املشكلة كانت نفسية‪ ،‬بقيت الظروف القاسية املتنوعة تزيد ه يذا‬ ‫ذلك كلّه‪َّ .‬‬ ‫التشنج والتوتر النفسي سوءاً‪ ،‬ل يذلك‪ ،‬انطلقت آالف الكتب واألحباث يف علم‬ ‫تستطيع أن ختشع أمامه لعمقه ودقته‪ ،‬ولكنَّ النفوس كانت يف اجتاه آخر‪ ،‬فكان‬ ‫العقل يكتب الفكرة‪ ،‬وكانت النفوس تنسف الفكرة‪.‬‬ ‫محالت التكفري متنع حرية الفكر‪:‬‬


‫ولنا أن نتساءل حول ه يذه املسألة‪ :‬هل تتمحور حول قضية تفاهم فكرأ أو هي قضية‬ ‫حاجز نفسي جيعلنا منتنع عن أن نفكر ولو للحظة‪ ،‬يف إمكانية أن نلتزم شيئاً من‬ ‫الفكر اآلخر؟ حتى إنّنا إذا أردنا أن ندرس الواقع يف أوضاع ه يذه امل يذاهب‪ ،‬لرأينا أنَّ‬ ‫هناك حالة قمع فكرأ يف داخل كلّ م يذهب‪ .‬هل يتجرأ عالـم سنّي يف الدائرة‬ ‫العلمية أن يتبنى رأياً شيعياً يف مسألة كالمية أو فقهية؟ وهل يتجرأ عالـم شيعي‬ ‫قاده اجتهاده إىل ما يوافق الفكر السين يف مسألة كالمية أو فقهية أن يتبنى الفكر‬ ‫السين؟ إنّنا نالحظ يف مثل ه يذه احلالة هنا وهناك‪ ،‬أنَّ هناك محلة تشويه وتشهري‬ ‫وتضليل وتفسيق‪ ،‬وإذا تساحمنا كما تساحمنا يف التكفري‪ ،‬فال مانع من أن تكون‬ ‫هناك محلة تكفري بطريقة وبأخرى‪.‬‬ ‫إنَّنا كثرياً ما نتحدث يف املسألة السياسية عن قمع احلريات السياسية‪ ،‬فالشعب يف‬ ‫ه يذا البلد أو ذاك ال ميلك احلرية يف أن يعبّر عن رأيه السياسي‪ ،‬نتيجة ضغط‬ ‫احلكام بشكل عام‪ ،‬ولكن املفارقة يف الوقت نفسه‪ ،‬أنَّنا ال منلك يف جمتمعاتنا ـ حتى‬ ‫العلمية ـ مثل ه يذه احلرية على املستوى الفكرأ والفقهي‪ ،‬باعتبار أنَّه ممنوع على‬ ‫الشيعي أن جيتهد خارج نطاق ه يذا اخلطّ‪ ،‬وممنوع على السين أن جيتهد خارج‬ ‫نطاق ه يذا اخلط‪.‬‬ ‫املنهج القرآني ونقاش املسلّمات‪:‬‬ ‫إنَّنا نالحظ أنَّ هناك سجاالً بكلّ صراحة يف ك ّل مفردات اخلالف بني السنّة‬ ‫والشيعة‪ ،‬يف ما هو الفكر السين ال يذأ ينتقده عالـم شيعي‪ ،‬أو الفكر الشيعي ال يذأ‬ ‫ينتقده عالـم سين‪ ،‬ولكن قولوا لي‪ :‬هل تُبحث قضايا كلّ م يذهب يف داخله‪ ،‬وال سيما‬ ‫يف املسألة الكالمية‪ ،‬بالطريقة اليت يبحث فيها ما خيتلف فيه الفكر السين عن‬ ‫الفكر الشيعي؟ ومن املعروف أنَّ املسألة الكالمية يف اإلطار الشيعي واإلطار السين‬ ‫تتحرك على أساس إبقاء املسلّمات اليت قد ال تكون مسلّمات عندما ندرسها دراسة‬ ‫علمية‪.‬‬


‫ول يذلك‪ ،‬فإنَّين أتصور أنَّ علينا العودة إىل املسألة الفكرية اليت تتحرك مبوضوعية‪،‬‬ ‫إن اإلنسان يقف أمام القضية وقفة حيادية أمام ما يلتزمه‪ ،‬وحنن نقرأ القرآن‬ ‫حبيث َّ‬ ‫كثرياً‪ ،‬ولكن لو أردنا أن ندرس املنهج يف كلّ حوزاتنا وجامعاتنا‪ ،‬لرأينا أنَّنا بعيدون‬ ‫عن أن نهتدأ بهدأ القرآن يف أسلوب البحث ‪.‬هناك آية قد ال يكتشفها الكثريون‪،‬‬ ‫كمْ‬ ‫توحي إىل النيبّ(ص) كيف يكون أسلوبه يف حوار الكفار‪ ،‬اآلية تقول{ ‪:‬أَوْ إِيَّا ُ‬ ‫َل َعلَى ُهدًى أَوْ فِي ضَاللٍ مُّبِنيٍ]‪ ،}[1‬وهي توضح أنَّ الشك هو ال يذأ حيكم حركة‬ ‫البحث يف الفكرة‪ ،‬وهي توجّه احملاور أن ال ينطلق إىل الفكرة على أساس أنَّ احلقّ‬ ‫معه وأنَّ الباطل مع اآلخر‪ ،‬حتى لو كان مقتنعاً ب يذلك‪ ،‬بل أن ينطلق على أساس‬ ‫أنَّه واآلخر يقفان على أرض واحدة‪ ،‬الفكرة أمام االثنني وال أحد ميلك إال أن‬ ‫يرددها بني الضالل واهلدى‪ ،‬وعند ذلك‪ ،‬جيرأ البحث املوصل إىل الفكرة‪ ،‬وليست‬ ‫القناعات السابقة هي اليت تؤثر يف االلتزام بالفكرة‪.‬‬ ‫وهل يذا‪ ،‬كنت أقول إنَّ األسلوب القرآني يتقدم على األسلوب املعروف لدى كثري من‬ ‫علمائنا املتقدمني‪ ،‬وهو أسلوب يأخ يذ به النّاس‪" :‬رأيي صواب حيتمل اخلطأ ورأأ‬ ‫غريأ خطأ حيتمل الصواب"‪ ،‬ويف رأيي‪ ،‬إنَّ ه يذا األسلوب حيمل قدراً من ال يذاتية‪،‬‬ ‫رأيي صواب بنسبة ‪ ،%07‬ورأأ غريأ خطأ بنسبة ‪ ،%07‬القرآن ال يقول ذلك‪ ،‬فهو ال‬ ‫كمْ َلعَلَى ُهدًى أَوْ فِي‬ ‫يدخل املسألة ال يذاتية يف املسألة العلمية وإنَّما يقول{ ‪:‬أَوْ إِيَّا ُ‬ ‫ضَاللٍ مُّبِنيٍ‪}[2].‬‬ ‫كاً وهو ال يذأ جاء بالصدق وصدّق به؟ لـم تكن القضية‬ ‫هل كان النيبّ (ص) شا ّ‬ ‫ك يذلك‪ ،‬ولكنَّ أسلوب البحث كان يتحرك يف ه يذا االجتاه‪ .‬يف القرآن الكريم‪،‬‬ ‫ينطلق أسلوب البحث من البعد عن اجلو اجلمعي ال يذأ يتحرك فيه النّاس ليكفروا‬ ‫ظكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ‬ ‫وليفسقوا وليؤيدوا{ قُلْ إِنَّمَا أَعِ ُ‬ ‫َتتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِ ِبكُم مِّن جِنَّةٍ ‪}[3].‬ولقد حترك املوقف وفق ه يذه الصورة‪ ،‬وكان‬ ‫اجلميع يهتفون "هو جمنون"‪ ،‬ولـم يردّ عليهم النيبّ(ص)‪ ،‬حسبما جاء يف القرآن‪،‬‬ ‫بأني لست جمنوناً‪ ،‬ألنَّ الصوت ال يُسمع يف الضجيج‪ ،‬ولكنَّه قال هلم ختلصوا من‬


‫ه يذا اجلو االنفعالي‪ ،‬ألنَّكم ال تستطيعون يف ظلّه أن متلكوا فكركم ورأيكم‪ ،‬ولكن‬ ‫تفرقوا مثنى وفرادى‪ ،‬وستعرفون النتيجة من خالل الفكر‪ ،‬الفكر اهلادئ والعقل‬ ‫اهلادئ املوضوعي‪.‬‬ ‫ل يذلك‪ ،‬أخشى‪ ،‬أيُّها األحبة‪ ،‬أنَّنا حتوّلنا إىل مقلدين يف املسألة الكالمية‪ ،‬إذا كنّا‬ ‫حنرك االجتهاد يف املسألة الفقهية‪ ،‬وه يذه نقطة أحبّ أن أثريها على مستوى املنهج‪.‬‬ ‫بني الفقه اإلسالمي واخلصوصيات امل يذهبية‪:‬‬ ‫وهناك نقطة ثانية يف ه يذا االجتاه‪ ،‬وهي أنّي أالحظ‪ ،‬يف ك ّل ما يتم إثارته داخل‬ ‫حوزاتنا وجامعاتنا‪ ،‬أنَّ هناك تشديداً على التقسيمات الفقهيّة؛ الفقه الشيعي‪،‬‬ ‫الفقه السين‪ ،‬احلنفي‪ ،‬املالكي‪ ،‬الشافعي‪ ،‬إىل آخر ما هناك؛ حماولني دوماً أن نؤكد‬ ‫الفواصل‪ ،‬وأن نضع احلواجز بني فقه وفقه‪ ،‬يف الوقت ال يذأ نعرف أنَّ كلّ الفقهاء‬ ‫من سنّة وشيعة‪ ،‬إنَّما تبنّوا ه يذا الرأأ أو ذاك الرأأ‪ ،‬انطالقاً من فهم معني هل يذه‬ ‫أن ه يذا الشيء‬ ‫أن ه يذا الشيء واجب‪ ،‬أو َّ‬ ‫اآلية القرآنية أو تلك‪ ،‬وب يذلك يتم حتديد َّ‬ ‫مستحب وما إىل ذلك‪.‬‬ ‫لـم ينطلق أحدهم يف أحباثه وفهمه من صفة سنية باملعنى ال يذاتي للصفة‪ ،‬أو من‬ ‫صفة شيعية‪ ،‬حتى إنَّنا عندما نالحظ بعض األشياء اليت مثّلت حداً فاصالً يف‬ ‫الغالب بني السنّة والشيعة‪ ،‬كما يف القياس‪ ،‬نرى أنَّ الكثريين من السنّة ال يذين‬ ‫تبنّوا حجية القياس‪ ،‬إنَّما تبنوه على أساس ما قدموه من اآليات اليت يرون أنَّها تدل‬ ‫على حجية القياس‪ ،‬أو من األحاديث الواردة يف السنّة اليت تدل على حجية القياس‪،‬‬ ‫وعندما نفى اآلخرون من السنّة‪ ،‬كامل يذهب الظاهرأ والشيعة‪ ،‬حجية القياس‪،‬‬ ‫أن األحاديث اليت أكدت دعوى‬ ‫أن ه يذه اآليات ال تدل عليه‪ ،‬كما َّ‬ ‫نفوها من موقع َّ‬ ‫صحته‪ ،‬ال تثبت أمام النقد من خالل السند‪ ،‬وال تثبت أمام النقد من خالل املوقف‪.‬‬


‫إذاً‪ ،‬املسألة كانت أنَّ هؤالء يتحدثون على أساس الكتاب والسنّة‪ ،‬وأنَّ أولئك‬ ‫يتحدثون على األساس نفسه‪ ،‬ليست هناك خصوصية شيعية يف ه يذا الرأأ الرافض‪،‬‬ ‫وليست هناك خصوصية سنية يف ه يذا الرأأ املوافق‪ ،‬حتى إنَّ الشيعة ال يذين نقلوا‬ ‫أحاديث أئمتهم عن "أنَّ السنّة إذا قيست حمق الدين"(‪ ،)4‬لـم ينقلوها على أساس‬ ‫أنَّها حالة تعبدية‪ ،‬إنَّما أشاروا إىل احلديث اآلخر الوارد عن أئمة أهل البيت(ع) "أنَّ‬ ‫دين اللّه ال يصاب بالعقول"(‪ ،)2‬وقالوا إنَّ مشكلة القياس جتعلنا ال نستطيع أن‬ ‫نفهم عمق املصاحل واملفاسد اليت تتحرك يف خلفيات األحكام‪ ،‬وإذا لـم نعرف‬ ‫املصلحة بشكل قطعي وإنَّما بشكل ظنّي‪ ،‬فإنَّما نكون قد جانبنا الصواب‪ ،‬ألنَّ الظنّ‬ ‫ال يغين من احل ّق شيئاً‪ ..‬وكانت القضية تتحرك يف ه يذا االجتاه‪.‬‬ ‫لـم ينطلق القياس يف الرفض الفقهي الشيعي من حالة تعبدية‪ ،‬وإنَّما انطلق من‬ ‫حالة أصولية عامة تتمحور حول حجية الظنّ أو عدم حجيته يف ما لـم نصل فيه‬ ‫إىل القطع‪ ،‬وإال فالسنّة والشيعة يتفقون على حجية القياس يف العلة املنصوصة‬ ‫القطعية أو يف القطعيات اليت ميكن أن نقطع فيها‪ ،‬كما يف بعض القضايا الفكرية‬ ‫الشرعية‪.‬‬ ‫وهك يذا عندما نأتي إىل ما خيتلف فيه الشيعة والسنّة يف فهم القرآن‪ ،‬أو ما خيتلفون‬ ‫فيه يف عموم القرآن واألحاديث‪ ،‬وال سيما يف مسألة التوثيق وما إىل ذلك‪ ،‬فإنَّنا‬ ‫نالحظ أنَّ هناك فقهاً إسالمياً قد يتبناه شخص ويرفضه شخص آخر‪ ،‬متامًا كما‬ ‫هي املسألة يف الدائرة السنية‪ ،‬وكما هي املسألة يف الدائرة الشيعية‪ ،‬ل يذلك أتساءل‪:‬‬ ‫ملاذا ال ننطلق على أساس أن نطرح الفقه إسالمياً‪ ،‬أأ بعيداً عن كلّ خصوصية‬ ‫شيعية أو سنية‪ ،‬فيتحدث العلماء كلّ حبسب دليله املنطلق من املصادر األساسية‬ ‫حلجية التشريع‪ .‬وحنن نالحظ أنَّ من علماء املسلمني الشيعة من تبنى ه يذا‬ ‫األسلوب‪ ،‬وهو العالّمة احللي يف كتاب (املنتهى) ويف كتاب (الت يذكرة)‪ ،‬فقد كان‬ ‫ينقل املسألة ويثري األدلة الواردة عن طريق أهل السنة على نسق ما يثري األدلة عن‬


‫طريق أهل الشيعة‪ ،‬ويتحدث عن اخلالف بأشكال متداخلة‪ ،‬فال املسألة الشيعية‬ ‫تفصل عن املسألة السنية وال العكس‪.‬‬ ‫ل يذا‪ ،‬احلديث عن الفقه املقارن‪ ،‬أو الفقه على امل يذاهب األربعة‪ ،‬أو الفقه على امل يذاهب‬ ‫اخلمسة‪ ،‬ميثّل تأكيداً للفواصل‪ .‬ويف رأيي‪ ،‬أنَّه ال بُدَّ من االنطالق على أساس أن‬ ‫يكون فقهنا املستقبلي فقهاً إسالمياً يعرض األقوال بدون تعقيد‪ .‬وعلى ه يذا‬ ‫األساس‪ ،‬فإنَّين أقرتح على أخوتنا يف جممع التقريب‪ ،‬ال يذين فكروا يف إنشاء جامعة‬ ‫امل يذاهب األربعة أو امل يذاهب اخلمسة‪ ،‬أن يسموها ‪(:‬اجلامعة اإلسالمية)‪ ،‬ألنَّ ذلك‬ ‫يؤكد فكرة أنَّنا مسلمون عندما خنتلف‪ ،‬كما أنَّنا مسلمون عندما نتفق‪ ،‬ويؤكد‬ ‫أنَّ خالفنا من داخل اإلسالم وليس من خارجه‪ ،‬وإذا استطعنا أن نعيش حقيقة أنَّ‬ ‫خالفنا من داخل اإلسالم وليس من خارجه‪ ،‬فسيؤدأ ذلك إىل أن ميتنع بعضنا من‬ ‫أن يكفّر اآلخر‪ ،‬ألنَّ لعبة التكفري ه يذه اليت فرضت نفسها على الواقع‪ ،‬يعود سببها‬ ‫إىل أنَّنا جتاوزنا املفهوم القرآني للكفر واإلميان‪ ،‬وأصبحنا نتحدث عن الكفر‬ ‫واإلميان على أساس آخر‪ ،‬لقد وسّعنا دائرة مفهوم الكفر ليشمل إنساناً خالف‬ ‫حديثاً قَ ِبلَهُ آخر‪ ،‬أو اجتهد يف مفهوم قرآني لـم يتقبله آخر‪ ،‬علماً أنَّ معايري اخلالف‬ ‫استندت على أساس القرآن والسنة‪.‬‬ ‫االستعمار وانقسام املسلمني‪:‬‬ ‫وهناك نقطة أخرية أحبّ أن أثريها‪ ،‬وتنتسب إىل الواقع ال يذأ نعيشه اآلن‪ ،‬ففي‬ ‫أن مسألة التمزق بني املسلمني ال تعود إىل األسباب الفكرية‪ ،‬ألن املسلمني‬ ‫تصورأ‪َّ ،‬‬ ‫استطاعوا أن يتعرفوا إىل كلّ ما عند بعضهم البعض‪ ،‬سواء ما تعلّق خبرافات‬ ‫موجودة يف كتب السنّة والشيعة ال يلتزمها السنّة والشيعة‪ ،‬أو قضايا علمية‪ ،‬بعد‬ ‫أن جرى جدل طويل طول الزمن يف املسائل الفكرية‪.‬‬ ‫إن املشكلة اليت أصبحت تفرض نفسها على الواقع اإلسالمي هي مشكلة سياسية‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫وال أريد أن أقول إنَّها مشكلة سياسية من خالل األوضاع الداخلية للمسلمني‪ ،‬ولكنّي‬


‫أتصور ـ وال أحتـدث عـن ذلـك استنتاجـاً‪ ،‬ولكنّـي أحتـدث عنـه علـى أساس متابعـة‬ ‫ومعلومات ـ أنَّ هناك تعاونًا أساسيًا سياسياً بني االستكبار العاملي املتمثل يف أمريكا‬ ‫وأوروبا وروسيا اآلن ودول أخرى‪ ،‬ودوائر التبشري‪ ،‬لضرب أأ توجه إسالمي وحدوأ‪ .‬ال‬ ‫نريد به يذا احلديث أن نثري مسألة اإلسالم واملسيحية‪ ،‬ولكنَّنا نريد أن نثري مسألة‬ ‫الدوائر املوجودة يف العالـم اليت تقف يف مواجهة اإلسالم كلّه‪ .‬وقد عرفنا ذلك يف‬ ‫ما عشناه من مسألة البوسنة واهلرسك‪ ،‬ونعرف ذلك يف أكثر من موقع يُفرض‬ ‫على املسلمني فيه ـ كما يف أندونيسيـا وغريها ـ أن يغريوا أمساءهم أو دينهم وما إىل‬ ‫ذلك‪ .‬ال أريد أن أدخل يف ه يذا اجلدل‪ ،‬ولكنَّ االستكبار العاملي يعمل على أن ميزق‬ ‫وحدة املسلمني‪.‬‬ ‫إن االستكبار العاملي ـ أيُّها األحبة ـ قد وظف عندنا ملوكاً ورؤساء وأمراء ومجعيات‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫من أجل أن مينع التقارب بني املسلمني‪ ،‬ومن أجل أن مينع الوحدة اإلسالمية‪ ،‬ألنَّه ال‬ ‫يريد لإلسالم أن يعود ـ من جديد ـ قوة فكرية روحية تشريعية حركية تصنع للحياة‬ ‫قوتها يف خط اهلل ورسوله‪ ،‬وختطط هلا طريقها يف منهج الشريعة‪ ،‬وحترك هلا‬ ‫خطواتها يف ساحات الصراع‪ ،‬من أجل أن تكون كلمة اهلل هي العليا وكلمة‬ ‫الشيطان هي السفلى‪ ،‬ولينطلق الوعد اإلهلي للمستضعفني املؤمنني بوراثة األرض‬ ‫وإمامتها يف خط اإلميان واحلقّ والعدل‪.‬‬ ‫إنَّنا ـ أيُّها األخوة ـ نريد هل يذه املؤمترات اإلسالمية الوحدوية‪ ،‬أن تتحرك يف الساحة‬ ‫من أجل التغيري العملي‪ ،‬من خالل اخلطوط املتحركة فـي الواقـع بالوسائـل‬ ‫الواقعيـة‪ ،‬وال تكون ـ كأمثـالـها ـ جمـرد اجتماعات للمزيد من اخلطابات احلماسيـة‬ ‫أو األحباث التجريدية والقرارات املتنوعة‪ ،‬اليت ال تعين شيئاً لواضعيها وسامعيها‪،‬‬ ‫حتى ال يكون اجلهد الكبري ضائعاً{ وَقُلِ اعْ َملُواْ َفسَيَرَى اللَّهُ عَ َم َلكُمْ وَ َرسُولُهُ‬ ‫وَالْمُ ْؤمِنُونَ‪}[4].‬‬ ‫*جملة الثقافة اإلسالمية‪ ،‬العدد ‪4147 ،70‬هـ‪4991 ،‬م‪.‬‬


‫( ]‪[1‬سبأ؛‪)21‬‬ ‫( ]‪[2‬سبأ؛‪)21‬‬ ‫( ]‪[3‬سبأ؛‪)14‬‬ ‫( ]‪[4‬التوبة؛‪)477‬‬


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.