بسم الله الرحمن الرحيم

Page 1

‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬ ‫احلمد هلل رب العاملني و الصالة و السالم على سيدنا حممد و آله الطاهرين‪.‬‬ ‫قال تعاىل يف حمكم كتاب‪:‬‬ ‫«و اعتصموا حببل اهلل مجيعا و ال تفرقوا‪ ،‬و اذكروا نعمة اهلل عليكم إذ كنتم‬ ‫أعداء فألف بني قلوبكم فأصبحتم بنعمته اخوانا‪ ،‬و كنتم على شفا حفرة من‬ ‫النار فأنقذكم منها‪ ،‬كذلك يبني اهلل لكم آياته لعلكم تهتدون‪ ،‬و لتكن منكم أمة‬ ‫يدعون إىل اخلري و يأمرون باملعروف و ينهون عن املنكر و أولئك هم املفلحون‪ ،‬و ال‬ ‫تكون كالذين تفرقوا و اختلفوا من بعد ما جاءتهم البينات و أولئك هلم عذاب‬ ‫عظيم»‪.‬‬

‫(‪)1‬‬

‫هذه اآليات الشريفة و آيات أخرى ليست قليلة وردت يف الذكر احلكيم تدعو‬ ‫املسلمني إىل االلتفاف حول دين اهلل سبحانه و تعاىل و االعتصام حببله و‬ ‫التمسك بالكتاب الكريم و ما جاء به الرسول األعظم (ص)‪ ،‬كما تأمرهم بنبذ‬ ‫الفرقة و االختالف و احلفاظ على الوحدة و االئتالف‪.‬‬ ‫«إن امتكم أمة واحدة و أنا ربكم فاعبدون»‬

‫(‪)2‬‬

‫«و أطيعوا اهلل و رسوله و ال تنازعوا فتفشلوا و نذهب رحيكم و اصربوا إن اهلل مع‬ ‫الصابرين» (‪. )3‬‬ ‫و على هذا النهج جرت السنة النبوية الشريفة و سنة األئمة املعصومني(ع)‪.‬‬ ‫فقد ورد عن رسول اهلل(ص) أنه قال‪:‬‬

‫‪1‬‬


‫«مثل املؤمنني يف توادهم و ترامحهم و تعاطفهم كمثل اجلسد إذا اشتكى منه‬ ‫عضو تداعى له سائر اجلسد بالسهر و احلمى» (‪. )4‬‬ ‫و قال‪« :‬املؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا»‪.‬‬

‫(‪)5‬‬

‫و قال‪« :‬من فارق اجلماعة شربا فقد خلع ربقة االسالم من عنقه»‪.‬‬

‫(‪)6‬‬

‫و هذا النص االخري روي من طرق الشيعة االمامية أيضا بهذا الشكل‪:‬‬ ‫«من فارق مجاعة املسلمني فقد خلع ربقة االسالم من عنقه» قيل يا رسول اهلل‪ ،‬و‬ ‫ما مجاعة املسلمني؟ قال‪« :‬مجاعة أهل احلق و إن قلوا‪.‬‬

‫(‪)7‬‬

‫من هذه النصوص يتبني ان االسالم دين الوحدة‪ ،‬دين االلفة و املودة‪ ،‬دين االجتماع‬ ‫و التكاتف‪ ،‬االسالم دين أساسه كلمة التوحيد‪ ،‬و اإلخالص و الناس كلهم عباد‬ ‫اهلل‪« ،‬إن اكرمكم عنداهلل أتقاكم»‪.‬‬

‫(‪)8‬‬

‫العبادات االسالمية و األحكام الشرعية جتسد هذا املنهج القويم و تكرس هذا‬ ‫االجتاه‪.‬‬ ‫فصالة اجلماعة مثال‪ ،‬عبادة يومية جعلت منها الشريعة املقدسة مظهرا من‬ ‫مظاهر االحتاد و التآلف‪ ،‬فهم جيتمعون عدة مرات يف اليوم الواحد يف تظاهرة‬ ‫وحدوية تنظم صفوفهم خلف إمام واحد‪ ،‬يف اجتاه واحد‪ ،‬و قلوبهم حنو هدف‬ ‫واحد‪ ،‬هو طاعة اهلل و امتثال أمره و أداء فرضه ‪.‬‬ ‫و صالة اجلمعة‪ ،‬مظهر آخر من مظاهر االحتاد و االجتماع‪ ،‬و هي دورة تعبوية‬ ‫اسالمية‪ ،‬سياسية و عبادية ضمن املنهج االسالمي‪.‬‬ ‫و األعياد االسالمية العظيمة أيضا تظاهرة احتاد و تألف بني املسلمني‪ ،‬فعن االمام‬ ‫الرضا عليه السالم و قد سئل عن علة جعل يوم الفطر عيدا‪ ،‬قال‪« :‬ألن يكون‬ ‫‪2‬‬


‫للمسلمني جممع جيتمعون فيه و يربزون إىل اهلل عز و جل فيحمدونه على ما من‬ ‫عليهم‪ ،‬فيكون يوم عيد و يوم اجتماع و يوم فطر و يوم زكاة و يوم رغبة و يوم‬ ‫تضرع»‪.‬‬

‫(‪)9‬‬

‫و لعل حج بيت اهلل احلرام من أبرز املظاهر العبادية اليت يتجلى من خالهلا اجلانب‬ ‫الوحدوي‪ ،‬إذ أنه أعظم مؤمتر جيتمع إليه املسلمون من مجيع أقطار الدنيا التلبية‬ ‫لنداء ربهم و ليؤدوا مناسكهم يف عبادة مجاعية تضم املسلمني على اختالف لغاتهم‬ ‫و ألوانهم و أجناسهم و أحواهلم‪ ،‬يف قلوب خاشعة خاضعة مل يوحدها سوى االسالم‬ ‫و مل جيمع بينها إال التقوى‪.‬‬ ‫هذه العبادات اليومية و املومسية اليت شرعها الدين االسالمي و غريها من‬ ‫العبادات و األحكام االخرى تكشف عن اهتمام الشريعة املقدسة ببناء جمتمع‬ ‫متحد متعاون متكافل كاجلسد الواحد و كالبنيان املرصوص‪ .‬و لقد أكد‬ ‫الرسول صلى اهلل عليه و آله علي أهمية األلف و االحتاد منذ اللحظات األوىل‬ ‫لدخول املدينة املنورة‪ ،‬و نفذ ذلك عمليا يف حركة التآخي الفريدة فآخى بني‬ ‫املهاجرين و األنصار و بني األنصار أنفسهم و املهاجرين أنفسهم‪ ،‬فقد كان اجملتمع‬ ‫االسالمي آنذاك يف مستهل تشكيله و يف بداية نشوئه‪ ،‬و هو مقبل على امتحان‬ ‫عسري تفرضه طبيعة الدين اجلديد و الوضع السياسي احمليط باملدينة املنورة‪ ،‬فهو‬ ‫أحوج ما يكون إىل االحتاد و رص الصفوف و إزالة مجيع عوامل االختالف و التفرق‬ ‫ليتمكن ـ على ضعف امكاناته ـ من الصمود يف وجه األعاصري اليت توشك أن‬ ‫تعصف من خمتلف االجتاهات‪.‬‬ ‫لقد قام صلى اهلل عليه و آله باملؤاخاة بني املسلمني ليجعل من االسالم حمور‬ ‫وحدتهم و أساس ارتباطهم و قطب حركتهم‪ ،‬و ليجعل هذه القرابة اجلديدة أقوى‬ ‫من قرابة الرحم و النسب و ليجعل هذه الرابطة أوثق من رابطة القبيلة و الوطن‪.‬‬ ‫لقد قضى بذلك صلى اهلل عليه و آله على العصبيات اجلاهلية و النزعات‬ ‫‪3‬‬


‫املختلفة اليت كانت متزق اجملتمع آنذاك و أحل حملها حالة من األلفة و اإلخوة‬ ‫مل يذق ذلك اجملتمع طعمه من قبل‪ ،‬فصنع من ذلك اجملتمع الناشىء الصغري‬ ‫قوة كربى دافعت عن االسالم واحتضنته بقوة و أفشلت كل املؤامرات اليت‬ ‫استهدفت القضاء عليه‪ ،‬ثم محلت رايته املنتصرة لرتفعها فوق ربوع اجلزيرة‬ ‫العربية يف مدة يسرية ثم منها إىل أقطار املعمورة‪ .‬إن من فضول القول احلديث عن‬ ‫إهتمام االسالم باالحتاد و االلفة‪ ،‬و رفضه لعوامل التشتت و النزاع‪.‬‬

‫عوامل الشتت و االفرتاق‪:‬‬ ‫قد يتصور البعض أن احلديث عن «الوحدة االسالمية» يف هذا العصر فيه نوع من‬ ‫املثالية و ضرب من اخليال‪ ،‬نظرا ملا آل إليه املسلمون من التفوق و االختالف حتى‬ ‫أصبحوا طرائق قددا‪ ،‬األمر الذي جيعل من مل الشمل و اعادة اللحمة قضية‬ ‫عسرية جدا‪.‬‬ ‫و هذا باحلقيقة يدفع الكثري إىل اليأس و االستسالم للواقع املر‪ ،‬و هو ال يزيد‬ ‫الشقة إال عمقا و اجلرح إال اتساعا‪.‬‬ ‫و يف املقابل هناك العديد من املخصلني الذين نذروا أنفسهم للتقريب بني املذاهب‬ ‫االسالمية و سعوا جهدهم لردم اهلوة املصطنعة و تضميد اجلراح‪ .‬هؤالء انطلقوا‬ ‫يف جهودهم تلك على أساس من االحساس باملسؤولية و الشعور بالتكليف الشرعي‬ ‫و احلرص على وحدة الصف‪.‬‬ ‫و كل سعي يف هذا اجملال إذا أريد له النجاح فال بد أن يقوم أوال على دراسة وافية‬ ‫لعوامل التفرقة اليت أدت باملسلمني إىل ما هم عليه‪ ،‬و بعد ذلك التخطيط الزالة‬

‫‪4‬‬


‫تلك العوامل و حتصني اجملتمع االسالمي ضدها‪ ،‬و استبداهلا بدواعي االحتاد و‬ ‫االلفة‪ ،‬و ميكن تقسيم تلك العوامل إىل قسمني‪:‬‬ ‫القسم األول‪ :‬عوامل داخلية‪.‬‬ ‫و القسم الثاني‪ :‬عوامل خارجية‪.‬‬ ‫أما العوامل الداخلية‪ :‬فتتمثل يف النوازع البشرية املختلفة من قبيل حب الرئاسة و‬ ‫التسلط و حب الذات و لو على حساب حقوق اآلخرين اما يدفع اىل الظلم و‬ ‫اجلور‪ ،‬و االقبال على الدنيا مبا يتجاوز احلدود الطبيعية‪ ،‬و هذه األمور هي‬ ‫األساس الذي يتولد عنه النزاع و الضغائن و االحقاد‪ ،‬و رمبا جرت إىل التعدي و‬ ‫الطغيان و سفك الدماء و سحق احلريات‪ ،‬و ما إىل ذلك من التجاوزات اليت‬ ‫تفتت اجملتمع و تشتت األمة‪ ،‬كما أن اجلهل يشكل عامال مهما يف بث الفرقة ‪.‬‬ ‫و هذا النوع من العوامل الخيلو منه جمتمع بشري منذ بداية اخلليفة و حتى‬ ‫اآلن‪ ،‬و لعل من أهم أهداف الدين االسالمي بل كافة األديان السماوية معاجلة‬ ‫هذه النزعات البشرية و القضاء عليها و ذلك من خالل الربامج الرتبوية و‬ ‫القوانني الشرعية‪.‬‬ ‫و نظام العبادات يف االسالم يهدف إىل هذه النقطة عندما يربي االنسان على‬ ‫العبودية هلل و الطاعة املطلقة و حيرره من قيود الشهوات احليوانية و النوازع‬ ‫النفسانية‪.‬‬ ‫كما أن الدراسات األخالقية تتكفل مبعاجلة هذا اجلانب‪ ،‬و وظيفة األمر باملعروف‬ ‫و النهي عن املنكر يف حقيقتها تشكل حالة من التكافل االجتماعي للوقاية من‬ ‫تلك األمراض‪ ،‬و نظام احلدود و التعزيرات أيضا شرع لذلك الغرض‪.‬‬

‫‪5‬‬


‫و أما القسم الثاني‪ :‬فهو عبارة عن العوامل اخلارجية‪ ،‬و نقصد بها العوامل‬ ‫الدخيلة على اجملتمع االسالمي‪ ،‬و اليت تستهدف جتزئة هذا اجملتمع‪ ،‬و حتطيم‬ ‫االواصر‪ ،‬و بث الفرقة‪ ،‬و إثارة النزاعات و احلروب الضعاف اجملتمع و السيطرة‬ ‫عليه‪ ،‬أو تشويه االسالم و احليلولة دون انتشاره و اتساع رقعته‪.‬‬ ‫و قد يستفيد املخططون هلذه األهداف من القسم األول من العوامل و يعملون‬ ‫على تنميتها و استغالهلا كأدوات فعالة خلدمة مآربهم‪ ،‬وحنن إمنا فصلناها ألنها‬ ‫يف نفسها تشكل أحيانا عوامل مستقلة و ان كانت أيضا بالنسبة للقسم الثاني‬ ‫تشكل أرضية مالئمة هلا و أدوات فعالة خلدمتها‪.‬‬ ‫و بالطبع فإن أعداء االسالم الذين يرتبصون بنا الدوائر قد يستفيدون من الكثري‬ ‫من نقاط الضعف و ينفذون إىل خمططاتهم من خالل العديد من الثغرات‪ ،‬و‬ ‫يستخدمون من األدوات ما يتيسر هلم‪ ،‬و قد ختتلف هذه األدوات من زمان إىل زمان‬ ‫و من مكان إىل آخر‪ ،‬و قد تصبغ األدوات أحيانا بصبغة دينية‪ ،‬و أخرى بصبغة‬ ‫اقتصادية‪ ،‬و رمبا استخدمت وسائل حملية ختفى على الكثريين و ال يدرك‬ ‫حقيقتها إال ذو البصائر‪.‬‬ ‫و أشد األدوات فتكا تلك اليت تعمل بوحي األعداء دون أن تدري‪ ،‬بل رمبا تصورت‬ ‫نفسها ختدم الدين و حترص على مصاحل املسلمني‪.‬‬ ‫دور اخلالفات الفكرية و املذهبية‪:‬‬ ‫هنا رؤية مفادها أن اخلالفات الفكرية و املذهبية على مستوى املعتقد و على‬ ‫مستوى املنهج الفقهي و األصولي تشكل عامال أساسيا من عوامل التشتت و‬ ‫االفرتاق‪ ،‬و سدا منيعا أمام كل مساعي الوحدة و التقارب بني املذاهب االسالمية و‬ ‫ألجل هذا كرس أصحاب هذه الرؤية كل جهودهم فى جمال معاجلة هذه‬ ‫اخلالفات فراحوا يبحثون تارة عن نقاط االلتقاء و أخرى عن الطرق اليت رمبا‬ ‫‪6‬‬


‫توصل إىل تقريب وجهات النظر يف مسائل اخلالف‪ .‬و لعل البعض قد حقق جاحا‬ ‫ملموسا يف هذا املضمار إال أنه بقي حمصورا يف حدود دائرة ضيقة‪ ،‬و مل حتل‬ ‫املشكل جذريا‪.‬‬ ‫و احلقيقة أن االختالفات الفكرية ال تشكل عامال من عوامل االفرتاق بقدر ما هي‬ ‫أداة تستخدم يف اثارة النزاعات‪ ،‬و قد استخدمت بالفعل و جعلت أساس لذلك‪.‬‬ ‫إن اخلالفات الفكرية مبنزلة إختالف اللغة و اختالف القومية و أمثال ذلك‪،‬‬ ‫ليست يف واقعها من عوامل االفرتاق و النزاع‪ ،‬و لكنها تستغل من قبل دعاة التفرقة‬ ‫و التجزئة و تشكل أرضية خصبة لنشاطهم‪.‬‬ ‫اخلالفات الفكرية قد تكون يف نفسها دليل حياة و دليل قوة شرط أن تكون وليدة‬ ‫حالة طبيعية و أن تبقى يف حدود الدائرة الفكرية‪ ،‬فتعدد اآلراء و النظريات من‬ ‫شأنه أن يثري احلركة الفكرية و يدفعها حنو التكامل و الرشد‪ .‬نعم هناك حاالت‬ ‫من اخلالف الفكري تنشأ من التقليد األعمى و التعصب البغيض‪ ،‬فتولد حالة‬ ‫القصور الفكري و اجلمود‪ ،‬و هذه بال شك من األمراض اليت تتطلب العالج‪.‬‬ ‫يف الساحة االسالمية هناك نوعان من اخلالف الفكري‪:‬‬ ‫النوع األول‪ :‬اخلالف بني املسلمني و غريهم امن ال يعتنقون الدين االسالمي من‬ ‫املالحدة أو أهل الكتاب‪ ،‬و ال شك أن هذه الدائرة من اخلالف ليست حمل كالمنا‪،‬‬ ‫و لكنها ميكن أن تؤخذ منوذجا لدراسة املنهج الذي رمسه االسالم لنا يف كيفية‬ ‫التعامل مع اخلالفات الكفرية بشكل عام‪ ،‬و هذا النوع بشكل خاص‪.‬‬ ‫ففي دائرة اخلالف مع امللحدين‪ ،‬ال يقطع االسالم حبل الوصال معهم و امنا هو‬ ‫خياطب عقوهلم باعتبار أنه القدر املشرتك بني كل البشر‪ ،‬و يتابع منهج احلوار‬

‫‪7‬‬


‫الفكري ما دام ذلك امكنا ‪ .‬إذ أن هدف االسالم االساسي هو الوصول بالناس ـ‬ ‫كل الناس ـ إىل احلق و االرتباط باحلق ليس أكثر‪.‬‬ ‫«ادع إىل سبيل ربك باحلكمة و املوعظة احلسنة و جادهلم باليت هى أحسن إن‬ ‫ربك هو أعلم مبن ضل عن سبيله و هو أعلم باملهتدين» (‪. )11‬‬ ‫و مل ينكر االسالم على الناس الشك يف شىء إذا كان ذلك يف طريق طلب‬ ‫احلقيقة و يف سبيل الوصول اىل اليقني و امنا انكر على املشككني الذين يرفضون‬ ‫احلقيقة دون حجة و ال بينة‪ ،‬و امنا يدفعهم إىل ذلك حالة العناد و التقليد‬ ‫االعمى‪.‬‬ ‫هذا هو املنهج القرآني يف طرح احلقيقة و الدعوة إليها فهو تارة يدعوهم للتدبر يف‬ ‫اآليات الكونية و أخرى يطلب منهم التأمل بأنفسهم و اعمال عقوهلم و ثالثة‬ ‫ينقض عليهم دعاواهم‪ ،‬و هكذا يرسم منهج احلوار مع الفكر و خماطبة العقول‪.‬‬ ‫و ال يلجأ إىل القوة و احلسم إال إذا مارسوا الطغيان و جلوا يف العناد و تنكروا‬ ‫للعقل و الدليل‪ ،‬و هو مع ذلك يرتك الباب مفتوحا إذا ما استجابوا لنداء العقل و‬ ‫ختلوا عن العناد و رضوا باحلق‪.‬‬ ‫و من النوع األول أيضا اخلالف مع أهل الكتاب‪ ،‬لكن املسألة هنا ختتلف من حيث‬ ‫سعة دائرة املشرتكات‪ ،‬فهم يؤمنون باهلل و يصدقون باملعاد و بوجود الرساالت‬ ‫السماوية ـ باجلملة ـ‪ ،‬فاحلوار معهم كان مبنيا على أساس املسلمات املشرتكة‪.‬‬ ‫«و ال جتادلوا أهل الكتاب إال باليت هي أحسن‪ ،‬إال الذين ظلموا منهم‪ ،‬و قولوا آمنا‬ ‫بالذي أنزل إلينا و أنزل إليكم و إهلنا و إهلكم واحد و حنن له مسلمون» (‪. )11‬‬

‫‪8‬‬


‫«قل يا أهل الكتاب تعالوا إىل كلمة سواء بيننا و بينكم أال نعبد إال اهلل و ال نشرك‬ ‫به شيئا و ال يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون اهلل فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا‬ ‫مسلمون» ‪.‬‬

‫(‪)12‬‬

‫و كذلك هنا ال خيرج عن دائرة احلوار الفكري و خماطبة العقول و االحتجاج‬ ‫باملسلمات عندهم و إقامة الدليل و الربهان‪ ،‬إال إذا أعرضوا عن هذا االسلوب و‬ ‫أخذتهم العصبية و جلوا يف العناد‪ ،‬و هو مع ذلك يتدرج معهم يف املقارعة و النزاع‪.‬‬ ‫«فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا و أبناءكم و‬ ‫نسآءنا و نساءكم و أنفسنا و أنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة اهلل على الكاذبني»‪.‬‬ ‫(‪)13‬‬

‫فاذا جتاوزوا ذلك ـ و قد جتاوزوه بالفعل‪ ،‬و أخذوا يتآمرون على االسالم و املسلمني‬ ‫ـ كان ال بد من االنتقال إىل ساحة الصراع العسكري و استعمال القوة‪.‬‬ ‫النوع الثاني‪ :‬اخلالف الفكري بني املسلمني أنفسهم‪.‬‬ ‫هناك أصول مشرتكة بني مجيع املسلمني و هي االميان باهلل و توحيده و االميان‬ ‫بنبوة الرسول حممد صلى اهلل عليه و آله و بالقرآن الكريم كتاب اهلل املنزل و‬ ‫باملعاد «يوم القيامة» ‪.‬‬ ‫و ال يشك أحد من املسلمني بأن القرآن الكريم و السنة النبوية الشريفة هما‬ ‫املصدران الرئيسيان ملعرفة أحكام الشريعة و املعارف االسالمية‪ ،‬و مع ذلك فهناك‬ ‫الكثري من اخلالفات ترجع كلها إىل كيفية فهم الكتاب و السنة احيانا‪ ،‬و إىل‬ ‫الطرق اليت تثبت بها السنة النبوية الشريفة أحيانا أخرى‪.‬‬

‫‪9‬‬


‫فهي خالفات ال متس األصول األساسية للشريعة و إمنا هي خالفات فكرية داخل‬ ‫إطار تلك األصول متليها طبيعة تعدد األنظار و اآلراء و تفاوت درجات اإلدراك و‬ ‫الفهم‪ .‬و هو بالتالي أمر ال بد منه يف اجلملة‪.‬‬ ‫و من املسلم أن هناك بعض الظروف اليت قد تلعب دورا يف تعميق هذه اخلالفات و‬ ‫تطويرها‪ ،‬فتخلق األرضية املناسبة الستغالهلا من قبل اعداء االسالم‪ ،‬و هذه‬ ‫الظروف كما يلي‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ التأثر باألجواء االجتماعية املوروثة أو الدخيلة على اجملتمع االسالمي و اليت‬ ‫تطبع الفكر بطابع خاص و جتعله أسريا لنهج فكري معني يقوده إىل الوقوع يف‬ ‫احنرافات أو سلوك اجتاه قد ال يصيب احلقيقة‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ التأثر بذوي النفوذ السياسي أو املكانة االجتماعية الذي جير عادة إىل اتباع‬ ‫منهجهم الفكري و االبتعاد عن املناهج االخرى‪ ،‬و بالتالي يتحول ذلك إىل مذهب‬ ‫خاص له مؤيدوه و املدافعون عنه‪.‬‬ ‫‪ 3‬ـ امليول و املصاحل السياسية و االقتصادية اليت هلا تأثريها الكبري يف تب ي نوع‬ ‫خاص من الرؤية مبا يتناسب مع تلك امليول‪ .‬و قد تدفع أحيانا إىل تشجيع‬ ‫الوضاعني و الدساسني الذين يتاجرون بالدين ملآرب شخصية‪ ،‬فيقومون بوضع‬ ‫احلديث‪ ،‬أو اختالق تفسري و تأويل خاص خيدم تلك املصاحل‪ ،‬فيؤدي إىل اختالط‬ ‫احلق على الناس‪ ،‬و ينشأ عنه تعدد يف النظرات و اآلراء و رمبا أدى إىل والدة فرقة أو‬ ‫مذهب‪.‬‬ ‫‪ 4‬ـ من أسباب تعميق اخلالف‪ ،‬احلركات السرية للمنافقني و اليهود الذين يهدفون‬ ‫إىل زعزعة أركان الدين االسالمي و تشويه حقائقه‪ ،‬و ذلك عرب أساليب كثرية‪،‬‬ ‫كإثارة الشبهات و التشكيكات‪ ،‬و ادخال بعض االفكار الغريبة بطريق و آخر‪ ،‬و رمبا‬

‫‪11‬‬


‫مارسوا عملية الوضع أيضا باالجتاه الذي خيدم أهواءهم‪ .‬و هذا النمط من‬ ‫العوامل أوجد هذه الكمية من االسرائيليات اليت ابتلي بها احلديث عندنا‪.‬‬ ‫‪ 5‬ـ و األهم من كل هذه األمور‪ ،‬الدور الذي يلعبه أعداء االسالم‪ ،‬باستغالل هذه‬ ‫العوامل و االستفادة منها يف اثارة النزاعات و بذر الشقاق‪ ،‬و بث العداوات‪ .‬و قد‬ ‫شهد القرن األخري تصعيدا يف هذا النشاط و حقق املستعمرون أغراضهم و مآربهم‪،‬‬ ‫عندما عمدوا إىل تقسيم العامل االسالمي على أساس القوميات و اختالف اللغات‬ ‫و األقاليم‪ ،‬و أثريت احلروب بني املسلمني ألغراض ال ختدم إال االستعمار‪ ،‬و قد هزم‬ ‫املسلمون يوم تناسوا املشرتكات بينهم و املصاحل العامة‪ ،‬و ختلوا عن أسس‬ ‫وحدتهم و حبل اعتصامهم الذي جيمعهم و يؤلف بينهم و قدموا االنتساب إىل‬ ‫القومية و إىل االقليم و إىل اللغة على االنتساب إىل الدين‪ ،‬على خالف تعاليم‬ ‫الكتاب العزيز و سرية الرسول الكريم صلى اهلل عليه و آله‪.‬‬ ‫و لقد استطاع املستعمرون أن يصنعوا من الوطن االسالمي الكبري كيانات صغرية‬ ‫متعددة فاقدة ملقومات القوة و احلياة و االستمرار‪ ،‬و حرصوا أشد احلرص على‬ ‫إضعافها و خلق املعضالت السياسية و االقتصادية هلا لكي تبقى أسرية احلاجة و‬ ‫فريسة الصراعات‪ ،‬ليتسنى هلم التحكم مبصائر شعوبها و السيطرة على ثرواتها و‬ ‫مقدراتها‪.‬‬ ‫العامل االسالمي اليوم و بفعل أولئك املستعمرين بات يشكل بؤرة الفقر و الفاقة و‬ ‫ميدان الصراعات املعقدة‪ ،‬بينما تدار عجلة الصناعة يف الغرب بوقوده و زيته‪ ،‬و‬ ‫تقوم املاكنة االقتصادية على خرياته و كنوزه املودعة فيه‪.‬‬ ‫مل يعد أولئك املستعمرين اليوم حباجة الرسال قواتهم و املخاطرة جبيوشهم‬ ‫لقمع حركات التحرر‪ ،‬و تأديب من يفكر بالتمرد‪ ،‬أو يهدد مصاحلهم اخلاصة‪،‬‬

‫‪11‬‬


‫فهم ميسكون بقياد اجليوش يف أكثر البالد االسالمية‪ ،‬و يتحكمون بالدفة‬ ‫السياسية فيها‪ ،‬فعمالؤهم يكفونهم املؤونة و يؤدون املطلوب على أفضل وجه‪.‬‬ ‫و لسنا حباجة إىل شواهد الثبات ذلك و يف كل يوم لنا شاهد‪ ،‬و كل حلظة لنا‬ ‫دليل‪.‬‬ ‫عوامل أم أدوات‪:‬‬ ‫إن تعدد اآلراء و اختالف وجهات النظر بني العلماء و املفكرين ال تشكل حالة‬ ‫مرضية و امنا هي دليل حياة‪ ،‬دليل قوة حركة العقل و الفكر‪ ،‬و املؤسف أن الكثري‬ ‫من الناس يعتقد أن اختالف وجهات النظر هو السبب الكامن وراء الفرقة و‬ ‫التشتت فرتاهم يشعرون باجلزع و األسى إذا اختلف الفقهاء يف الفتوى مثال‪ ،‬أو‬ ‫تباينت اآلراء يف مسألة معينة‪ ،‬و قد غفلوا عن حقيقة مفادها أن الغاء مثل هذه‬ ‫االختالفات ال يتم إال اذا عطل الكفر عند البشر و منع العقل من امارسة نشاطه‪.‬‬ ‫نعم‪ ..‬إن اختالف وجهات النظر ثغرة قد يستغلها األعداء و زارعوا الفنت‪ ،‬فيتخذون‬ ‫منها ذريعة لبث الفرقة و النزاع و اخلصومة‪ .‬و ألجل هذا يفرتض باملسلمني أن‬ ‫ينتبهوا اىل هذه احلقيقة و يتعاملون مع االختالفات الفكرية على أنها ظاهرة‬ ‫صحية‪ ،‬و أنها حالة طبيعية‪ ،‬و من ثم حيصروها يف إطار البحث العلمي‪ ،‬و ال‬ ‫يسمحوا هلا بالتعدي و التجاوز لتصبح أدوات فتك و أسلحة دمار‪.‬‬ ‫و لعل أوضح دليل على ما نقول‪ ،‬ما جده من اختالف اآلراء بني علماء الفريق‬ ‫الواحد الذي قد يبلغ مقدارا ال يقل عن اختالف االراء بني الفرق املتعددة‪ ،‬و مع‬ ‫ذلك ال يؤدي يف احلالة األوىل إىل اخلصومة و النزاع بينما يف احلالة الثانية‬ ‫يشكل مادة لذلك‪ ،‬و السبب يكمن يف طبيعة التعاطي مع تلك االختالفات و‬ ‫استغالهلا تارة يف النزاع و اخلصومة و عدم استغالهلا أخرى‪.‬‬

‫‪12‬‬


‫فاختالف اآلراء ليس عامال من عوامل الفرقة و التشتت مبقدار ما هو أداة تستغل‬ ‫فيها‪ .‬مثله مثل السالح الذي يدخر حلاالت النزاع و احلرب‪ ،‬فقرار احلرب ال يتولد‬ ‫عن وجود السالح و امنا يتخذ لتوفر عوامل أخرى تؤدي إىل اشعال ناره‪ ،‬فإذا اختذ‬ ‫قرار احلرب جلأ كل فريق إىل أسلحته ليفتك باآلخر‪.‬‬ ‫و ما نشاهده اليوم عندما تشهر املسائل اخلالفية يف النزاعات املذهبية فهو من هذا‬ ‫القبيل ‪.‬‬ ‫فالبد إذن أن منيز بني عوامل االفرتاق و التشتت بني األدوات اليت تستخدم فيه‪ .‬و‬ ‫بالتالي يفرتض أن ينطلق العالج على اساس القضاء على العوامل و صيانة‬ ‫األدوات عن االعداء و عدم السماح هلم باستغالهلا‪.‬‬ ‫خطوات عملية يف طريق الوحدة‪:‬‬ ‫من خالل االستعارض املتقدم ميكن أن خنلص إىل وضع برنامج توحيدي يتمثل‬ ‫خبطوات‪:‬‬ ‫أوال‪ :‬ليس من الضروري أبدا تركيز اجلهود التقريبية على أساس تقريب وجهات‬ ‫النظر‪ ،‬و تعليق كل اآلمال على النجاح يف هذا اجلانب‪ ،‬و ان كان تقريب وجهات‬ ‫النظر و التقليل من اخلالفات الفكرية يف نفسه مطلوبا‪.‬‬ ‫ثانيا‪ :‬االسالم واحد و احلقيقة واحدة‪ ،‬و االختالفات ناجتة من اختالف النظر و‬ ‫طريقة الفهم‪ ،‬فهي وليدة قصور الفكر البشري‪ ،‬و أثر احلوار الفكري يف األجواء‬ ‫الطبيعية كبري جدا يف تكامل ذلك الفكر و اقرتابه من احلقيقة‪ ،‬فاملفرتض أن‬ ‫حيرص اجلميع على توفري األجوار املالئمة و الظروف الصحية للحوارات الفكرية‬ ‫و تشجيعها و رعايتها‪.‬‬

‫‪13‬‬


‫ثالثا‪ :‬اخلطوات العملية على طريق وحدة املسلمني ال تنتظر نتائج احلوارات‬ ‫الفكرية و ال تتوقف عليها‪ ،‬بل تنطلق على قاعدة املشرتكات اليت وحدنا االسالم‬ ‫على أساسها‪ ،‬و هي شهادة أن ال إله اال اهلل و أن حممدا رسول اهلل صلى اهلل عليه و‬ ‫آله و سلم‪.‬‬ ‫فمن قاهلا حقن دمه و عصم ماله‪ ،‬و صار له ما للمسلمني و عليه ما على املسلمني‪،‬‬ ‫و هذه أهم قاعدة توحيدية‪.‬‬ ‫رابعا‪ :‬قرائة كل فريق لغريه من الفرقاء ال بد أن تكون بعني الباحث عن احلقيقة‬ ‫و الواقع‪ ،‬ال بعني الباحث عن العيوب و الثغرات‪ ،‬و تقصي العثرات‪ ،‬فان الكثري من‬ ‫األقالم اليت تصدت لدراسة الفرق و املذاهب‪ ،‬مل تتجرد عن عصبياتها و عدائها‬ ‫املسبق للفرق األخرى‪ ،‬فساهمت تلك الكتابات بتعميق اجلراحات و تشويه الصور‪.‬‬ ‫يف هذا اجملال أحب أن أشري إىل أن القراءة الصحيحة للمذاهب و الفرق هي التى‬ ‫تعتمد على ما كتبه أصحاب تلك املذاهب و علماء تلك الفرق‪ ،‬جيب الرجوع اىل‬ ‫أهل اآلراء ملعرفة آرائهم‪ ،‬فهم أقدر على عرضها و أدق يف تصويرها‪ ،‬و تصوير أدلتها‪.‬‬ ‫أما إذا رجع الباحث يف دراسته لفرقة من الفرق و ملذهب من املذاهب إىل خمالفيهم‬ ‫فلن حيصل على نتائج دقيقة و لن يرى متام احلقيقة و لن يقف على تفصيل‬ ‫معتقداتهم و آرائهم‪ .‬و املؤسف أن هذا حيدث كثريا بيننا و البعض منا يب ي‬ ‫نظراته جتاه اآلخرين على ذلك‪.‬‬ ‫قد تسمع حبادثة بسيطة و شجار خمتصر بني اثنني من أصحابك‪ ،‬و تكون يف‬ ‫ذهنك صورة من خالل ما مسعت‪ ،‬لكنك ستفاجأ إذا استمعت إىل ذوي العالقة‬ ‫ملقدار االختالف بني الواقع و النقل‪ ،‬هذا مع احتاد الواسطة فكيف اذإ تعددت‪ ،‬و‬ ‫كيف إذا رافق ذلك سوء ظن و عصبية و ما شابه ‪.‬‬

‫‪14‬‬


‫فنحن ندعوا الباحثني إىل التجرد‪ ،‬و التحلي باإلنصاف‪ ،‬و أخذ معلوماتهم من‬ ‫املنابع الصافية و املصادر املباشرة‪.‬‬ ‫و هناك نقاط أخرى جتدر االشارة إليها‪ ،‬تتعلق بكيفية دراسة فكر اآلخرين و‬ ‫التعرف على آرائهم‪:‬‬ ‫األوىل‪ :‬التفريق بني الرواية و الرأي‪ ،‬فإن وجود رواية يف كتب قوم ال يدل أبدا على‬ ‫أنهم يفتنون مبضمونها أو يعتقدون صحتها و يعملون بها‪ ،‬فكثريا ما نراهم يثبتون‬ ‫النصوص يف مصادرهم و يرتكون أمر دراستها إىل جمال آخر أو إىل أهل الفن‪،‬‬ ‫فرمبا ناقشوا سندها أو متنها‪ ،‬و رمبا كانت معارضة بغريها‪ ،‬و رمبا كانت ختالف‬ ‫الكتاب أو السنة القطعية اما يقتضي طرحها ‪ .‬و النتيجة أنه ال تالزم بني الرواية و‬ ‫االعتقاد‪.‬‬ ‫الثانية‪ :‬رأي أحد العلماء ال ميثل أبدا رأي الطائفة أو املذهب‪ ،‬و ان كان منتسبا‬ ‫إليهما ‪ .‬فكثريا ما ينفرد شخص برأي خاص يف مسألة من املسائل أو فرع من‬ ‫الفروع بينما يكون رأي الطائفة على خالفه‪ ،‬فال يصح حتميل الطائفة ذلك‬ ‫الرأى‪ .‬و هذا اخلطأ قد وقع فيه بعض الباحثني‪ ،‬وجهوا انتقاداتهم للطائفة بناء‬ ‫على ذلك القول الشاذ‪.‬‬ ‫و ملعرفة رأي طائفة معينة يف مسألة من املسائل ال بد من مالحظة ما جيمعون‬ ‫عليه أو ما يكون مشهورا بينهم يذهب إليه أغلب علمائهم و مفكريهم‪ ،‬و ال ينظر‬ ‫إىل الشاذ‪.‬‬ ‫الثالثة‪ :‬يفرتض بالباحث أن يعتمد األسلوب العلمي بالبحث‪ ،‬و أن يتجنب‬ ‫املغالطات‪ ،‬و الدخول يف النزاعات املبنائية‪ ،‬و نقصد بها املسائل اخلالفية اليت‬ ‫يرجع اخلالف فيها إىل االختالف على املب ي العلمي املعتمد‪ ،‬فمثال قد يكون هناك‬ ‫قاعدة أصولية مقبولة عند شخص و غري مقبولة عند آخر‪ ،‬أو رواية تصح حبسب‬ ‫‪15‬‬


‫قواعد هذا الفريق و ال تصح على قواعد ذاك الفريق‪ ،‬فال بد من حصر البحث يف‬ ‫القاعدة املختلف فيها و سوق األدلة الثبات أو نفي ذلك املب ي‪ ،‬دون الدخول يف‬ ‫الفروع املرتبة اليت ستكون بطبعها تابعة للمباني‪.‬‬ ‫و أخريا فانه ليس من الضروري أبدا نقل اخلالفات إىل دائرة أوسع و االلتزام مبا ال‬ ‫يلزم‪ ،‬و ترتيب آثار العداء جتاه من خنتلف معهم إذا مل نوفق من خالل للحوار‬ ‫للوصول إىل وفاق يف الرأى و اتفاق يف النظر‪.‬‬ ‫و بعبارة أخرى ال بد من حصر اخلالفات الفكرية يف دائرتها و عدم السماح ألعدائنا‬ ‫باستغالهلا و االستفادة منها‪ ،‬و عندئذ لن يكون هناك أي حمذور من فتح احلوارات‬ ‫و تشكيل الندوات لتدارس نقاط اخلالف‪ ،‬و ال بد من تناسي اخلالفات املذهبية و‬ ‫كتمانها فيما لو ظهر من أعداء االسالم أي حترك للعب على وترها‪.‬‬ ‫و من اخلطوات العملية يف جمال التقريب و مل الشمل إزالة احلاجز النفسي‬ ‫املصطنع الذي وضعه أعداؤنا بني أتباع الفرق و املذاهب املختلفة‪ ،‬و هذا األمر له‬ ‫أهمية كربى للوصول إىل الصورة احلقيقية و الرؤية الصحيحة لبعضنا البعض‪.‬‬ ‫فان البعد و اجلفاء يرتك أسوء األثر على النفوس و يزرع الضغائن و االحقاد‪ ،‬و‬ ‫بالتالي ميهد الطريق ملثريي الفنت و النزاعات ‪.‬‬ ‫فنحن ندعو اجملاميع العلمية و احلوزات و املعاهد عند املذاهب االسالمية كافة أن‬ ‫تنفتح على بعضها‪ ،‬و تضع حدا هلذا االنغالق على النفس‪ ،‬حنن ندعو علماء‬ ‫املذاهب و الفرق االسالمية لزيادة حوزاتنا العلمية و معاهدنا و حضور الندوات و‬ ‫املباحثات العلمية‪ ،‬ال نقصد الزيارات الرمسية و الدبلوماسية‪ ،‬و امنانع ي الزيارات‬ ‫االستطالعية العلمية املفتوحة‪ ،‬و باملقابل نأمل أن يقوم علماء و مفكروا الشيعة‬ ‫بزيارات اماثلة باجتاه املذاهب األخرى‪.‬‬

‫‪16‬‬


‫اجلامعات و املؤسسات العلمية بامكانها أيضا أن تؤدي دورا فعاال يف هذا اجملال و‬ ‫ذلك بافتتاح أقسام خاصة للدراسة املذاهب االسالمية شرط أن يعهد إىل أساتذة‬ ‫كفوئني من كل مذهب اسالمي لتدريس مذهبهم‪.‬‬ ‫ملا ذا يضع كل فريق سدا فوالذيا أمام النتاجات الكفرية للفريق اآلخر‪ ،‬و ال تدرس‬ ‫إال خبلفية البحث عن العيوب و الثغرات إذا كنا نريد احلفاظ على نقاوة الفكر و‬ ‫صفائه فالبد من إطالق عنانه و إعطائه حريته‪.‬‬ ‫ال يفوتنا أن نسجل أسفنا ملا يعانيه الكتاب الشيعي يف العديد من البالد االسالمية‬ ‫من حصار و حظر‪ .‬فإن البعض يضع الكتاب الشيعي يف الئحة الكتب املمنوعة‪ ،‬و‬ ‫يتعامل معها أسوأ اما يتعامل مع كتب الكفر و الضالل‪.‬‬ ‫ملا مينع املاليني من املسلمني املثقفني من اإلطالع على واقع املذاهب األخرى بينما‬ ‫يباح هلم قراءة املطبوعات املشحونة بالكفر و االحنراف و الفساد األخالقي‪.‬‬ ‫ملا يسمح لالعالم الغربي املعادي لالسالم بالدخول إىل كل بيت و مكتب و مدرسة‬ ‫من بالدنا االسالمية‪ ،‬و ال يسمح لالعالم االسالمي أن يأخذ مكانه‪.‬‬ ‫إنه الواقع األليم الذي نعيشه يف العديد من البالد‪.‬‬ ‫مطلق اإلحتاد أو االحتاد يف دائرة احلق‪:‬‬ ‫ال شك أن االحتاد عامل قوة‪ ،‬و كل مسلم يف أعماقه رغبة شديدة و شوق كبري‬ ‫لرؤية االسالم يشمخ علوا‪ ،‬و ترف رايته على كل رابية‪ ،‬كل مسلم حيب أن يرى‬ ‫العامل االسالمي قويا عزيزا منيعا‪ ،‬و االسالم عندما يدعو لاللتزام باجلماعة و‬ ‫اصالح ذات البني و ينهى عن الفرقة و التشتت يريد بذلك التمحور حول الدين و‬

‫‪17‬‬


‫حول احلق‪ ،‬و إال فان االتفاق على كلمة الفكر و االلتزام باجلماعة و ان كانت‬ ‫على باطل اما ال ميكن أن يدعو إليه الدين و ال حيبه اهلل ‪.‬‬ ‫و قد ورد عن رسول اهلل (ص) أنه قال‪:‬‬ ‫«مجاعة أميت أهل احلق و ان قلوا»‪.‬‬

‫(‪)14‬‬

‫و عنه صلى اهلل عليه و آله و سلم أيضا‪:‬‬ ‫«إن القليل من املؤمنني كثري»‪.‬‬

‫(‪)15‬‬

‫و ورد عن أمري املؤمنني عليه السالم قوله‪:‬‬ ‫«اجلماعة أهل احلق و إن كانوا قليال و الفرقة أهل الباطل و ان كانوا كثريا»‪.‬‬ ‫(‪)16‬‬

‫فالكثرة مبا هى كثرة ليست غاية يف نظر االسالم و امنا املطلوب هو التزام سبيل‬ ‫اهلل و االجتماع على هذا السبيل و االتفاق عليه‪ ،‬ال جمرد االتفاق و االجتماع‬ ‫كيفما كان و كيفما اتفق‪ ،‬و على هذا األساس ميكن أن نفهم مراد الرسول‬ ‫(ص) من اجلماعة يف األحاديث املروية عنه يف النهي عن مفارقة اجلماعة‪ ،‬فإنه‬ ‫ليس املقصود مطلق اجلماعة و لو كانوا مجاعة الباطل و أعداء الدين‪،‬و لذا كان‬ ‫التعبري الوارد فى بعض النصوص «مجاعة املسلمني»‪.‬فاحلق هو املالك‪ ،‬و االسالم‬ ‫هو الغاية‪ ،‬و االجتماع عليه يكسبه قوة و منعة و حيقق أهدافه‪.‬‬ ‫الوحدة و التبليغ للمذهب‬ ‫كل فرد منا حيمل قناعات و يبت ي أراء‪ ،‬و حيب أن يعرض هذه القناعات و اآلراء‬ ‫على اآلخرين إما باعتبار أنها من نتاجات فكره أو ألنها هي احلق و الصواب بنظره‪،‬‬ ‫و إذا توسعنا قليال جد أن أصحاب املدارس الفكرية كذلك حيبون عرض‬ ‫‪18‬‬


‫مدرستهم و دعمها باألدلة و الرباهني و الدفاع عنها‪ ،‬و كذلك األمر على مستوى‬ ‫املذاهب و الفرق الكبرية‪ ،‬فقد يتوهم البعض أن التبليغ و الدعوة ملذهب معني ينايف‬ ‫الوحدة و االجتماع و يؤدي إىل الفرقة و اخلالف‪.‬‬ ‫و احلقيقة أن التبليغ و الدعوة حبد ذاتهما ال يؤديان إىل ذلك ما مل يوافقهما‬ ‫حالة من التعصب‪ ،‬و حالة من اجلمود الفكري‪.‬‬ ‫و قد قيل إن‪« :‬الصراع الفكري دليل صحة و دليل يقظة ما مل يؤد إىل انشقاق يف‬ ‫صفوف األمة و مواجهة عدائية»‪ )17( ،‬و هذا اما ال حيصل عادة يف األطر الصحيحة‬ ‫لعرض األفكار و اآلراء و يف أجواء احلوار الفكري اخلالص عن شوائب احلقد و‬ ‫التعصب‪.‬‬ ‫و هل ميكن ألمة أن تبلغ رشدها الفكري إذا أوصدت باب حرية الفكر و سدت منافذ‬ ‫احلوار و مجدت الطاقات املخزونة يف العقول البشرية؟‬ ‫و الفرق كبري بني االقتناع بالفكرة و تب ي الرأي و بني التعصب هلما‪ ،‬بني قبول‬ ‫العقيدة ألن الدليل ساقه إليها و بني التقليد األعمي‪ ،‬بني احلوار من أجل الوصول‬ ‫إىل الصواب و بني اجلدال بهدف إفحام اآلخرين و تبكيتهم و اسقاطهم‪.‬‬ ‫و النتيجة أنا ال نرى أن من الشروط العملية للوحدة منع أرباب الفرق و مذاهب‬ ‫من الدعوة و التبليغ‪ ،‬بل ندعو لنبذ العصبية‪ ،‬و التجرد عن النظرة العدائية جتاه‬ ‫بعضنا البعض‪ ،‬ثم ليعرض كل انسان فكره و عقيدته‪ ،‬و ليكن ميزان العقل هو‬ ‫األساس يف قبول ذلك أو رده‪.‬‬ ‫لقد اتبع هذا االسلوب أكرب العلماء من خمتلف املذاهب‪ ،‬مل حيل االختالف‬ ‫الفكري دون اجتماعهم و حتاورهم و أخذ بعضهم عن بعض‪ .‬و إذا كان االجتهاد‬ ‫قد قاد بعضهم إىل رأي‪ ،‬فانه قد ساق اآلخرين إىل رأى آخر‪ ،‬و ما دام الدليل هو‬ ‫‪19‬‬


‫احملكم فاألمر يف اطاره الصحيح و طريقه السليم‪ ،‬نعم عندما حياول أحد أن‬ ‫يفرض رأيه فرضا‪ ،‬و يقبل الدليل و الربهان إذا كان يؤيد فكرته و يرفضها إذا مل‬ ‫يكونا كذلك فعندئذ ميكن أن يقال إن هذا النحو من الصراع ـ الذي قد يسمى‬ ‫فكريا و ليس كذلك ـ أول الطريق حنو التشتت و الفرقة‪ .‬و ليس االعالن بالرأي‬ ‫و الدعوة إليه هو السبب يف ذلك‪ ،‬و امنا املشكلة أولئك الذين ال يتحملون احلوار‬ ‫الفكري القائم على القواعد االستداللية‪ ،‬و يتأذون امن ال يقبل أراءهم أو ينقدها‪.‬‬ ‫و كلمة أخرية‪:‬‬ ‫إن زرع و تنمية روح اإلخوة و تقبل احلقيقة و غسل القلوب مرحلة متقدمة رتبة‬ ‫على احلوارات الفكرية‪ ،‬بل هي أرضية البد منها الجاحها و تقحيق مآربها‪ ،‬و إال‬ ‫كانت احلوارات ساحة الشعال نار النزاعات و تغذية الصراعات‪.‬‬ ‫إن دعاة التفرقة مرجفون ـ حسب تعبري الشيخ شلتوت ـ يرتبصون بنا الدوائر و ال‬ ‫يعجبهم أن يروا املسلمني يدا واحدة على أعدائهم‪ ،‬و صفا واحدا يف موجهتهم‪.‬‬ ‫إذا كان «إصالح ذات البني أفضل من عامة الصالة و الصوم»‪ )18( ،‬فألن فيه حفظ‬ ‫االسالم و قوته و متاسك أهله‪ ،‬و ألجله قال صلى اهلل عليه و آله و سلم يف تتمة‬ ‫احلديث‪:‬‬ ‫«و إن املبرية احلالقة للدين فساد ذات البني‪ ،‬و ال قوة اال باهلل العلي العظيم» (‪. )19‬‬ ‫اهلوامش‪:‬‬ ‫‪ )1‬سورة آل عمران‪ 113 :‬ـ ‪115.‬‬ ‫‪ )2‬سورة املؤمنون‪52. :‬‬

‫‪21‬‬


‫‪ )3‬سورة االنفال‪46. :‬‬ ‫‪ )4‬صحيح مسلم ـ شرح النووي ‪141. / 16‬‬ ‫‪ )5‬صحيح مسلم ـ شرح النووي ‪139. / 16‬‬ ‫‪ )6‬كنز العمال للمتقي اهلندي ‪ 886 / 1‬و يف معناه بألفاظ متقاربة ‪ 1193 / 1‬ـ‬ ‫‪1145.‬‬ ‫‪ )7‬اجمللسي‪ :‬حبار االنوار ‪67. / 27‬‬ ‫‪ )8‬سورة احلجرات‪13. :‬‬ ‫‪ )9‬اجمللسي‪ :‬حبار االنوار ‪362. / 91‬‬ ‫‪ )11‬سورة النحل‪125. :‬‬ ‫‪ )11‬سورة العنكبوت‪46. :‬‬ ‫‪ )12‬سورة آل عمران‪64. :‬‬ ‫‪ )13‬سورة آل عمران‪61. :‬‬ ‫‪ )14‬اجمللسي‪ :‬حبار االنوار ‪ 265 / 2‬و ‪67. / 27‬‬ ‫‪ )15‬اجمللسي‪ :‬حبار االنوار ‪266. / 2‬‬ ‫‪ )16‬اجمللسي‪ :‬حبار االنوار ‪266. / 2‬‬ ‫‪ )17‬يف سبيل الوحدة االسالمية‪59. :‬‬

‫‪21‬‬


‫‪ )18‬املتقي اهلندي‪ :‬كنز العمال ‪ ،5487 / 2‬و اجمللسى‪ :‬حبار األنوار ‪ 43 / 76‬عن‬ ‫النيب صلى اهلل عليه و آله و سلم‪.‬‬ ‫‪ )19‬الكلي ي‪ :‬الكايف ‪51 / 1‬‬

‫‪22‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.