كارهو الحياة ج1- د.عدنان إبراهيم

Page 1

‫‪2014‬‏‬

‫د‪/‬عدنان‏إبراهيم‬ ‫تفريغ وتنسيق الكتاب‪ :‬د‪/‬منى زيتون‬ ‫‪24/10/2014‬‬


‫كارهو الحياة ج‪1‬‬ ‫د‪/‬عدنان‬ ‫الجمعة‬ ‫خطبة‬ ‫‪ 24‬أكتوبر ‪2244‬‬

‫‪1‬‬

‫إبراهيم‬


‫اكرهو احلياة ج‪1‬‬

‫زوروا‏موقعنا‪:‬‏‬ ‫‪http://www.dradnanibrahim.net‬‬

‫‪0‬‬

‫‪2‬‬


‫كارهو الحياة ج‪1‬‬ ‫د‪ .‬عدنان إبراهيم‬

‫خطبة الجمعة ‪ 24‬أكتوبر ‪2014‬م‬ ‫تفريغ‪ :‬د‪/‬منى زيتون‬

‫وسيئات أعمالنا‪ ،‬مف ييده اهلل فبل مضؿ لو‪ ،‬ومف يضمؿ فبل ىادي لو‪ ،‬وأشيد‬ ‫أف ال إلو إال اهلل وحده ال شريؾ لو‪ ،‬وأشيد أف محمداً عبده ورسولو وصفوتو مف‬ ‫خمقو وأمينو عمى وحيو‪ ،‬صمى اهلل تعالى عميو وعمى آلو الطيبيف الطاىريف‪،‬‬ ‫وصحابتو المباركيف المياميف وأتباعيـ بإحساف إلى يوـ الديف وسمـ تسميماً‬ ‫كثي اًر‪.‬‬ ‫عباد اهلل‪ ...‬أوصيكـ ونفسي الخاطئة بتقوى اهلل العظيـ ولزوـ طاعتو‪،‬‬ ‫كما أحذركـ وأحذر نفسي مف عصيانو سبحانو ومخالفة أمره لقولو جؿ مف‬

‫قائؿ "من ع ِمل ص ِ‬ ‫اِلا فَلِنَ ف ِس ِ‬ ‫ك بِظَالٍَّم‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫و‬ ‫َساء فَ َعلَي َها َوَما َربُّ َ‬ ‫َ​َ َ‬ ‫َ َ َ َ ً‬ ‫لِّلعبِ ِ‬ ‫يد"‪.‬‬ ‫َ‬ ‫‪3‬‬

‫قصة س يدان يونس عليه السالم‬

‫إف الحمد هلل‪ ..‬نحمده ونستعينو ونستغفره‪ ،‬ونعوذ باهلل مف شرور أنفسنا‬


‫ثـ أما بعد أييا اإلخوة المسمموف األحباب‪ ..‬أيتيا األخوات المسممات‬

‫الفاضبلت يقوؿ الحؽ جؿ مجده في كتابو العزيز‪ :‬بعد أف أعوذ باهلل مف‬

‫الشيطاف الرجيـ‪ ..‬بسـ اهلل الرحمف الرحيـ "يا أَيُّها الَّ ِذين آمنُوا أ ِ‬ ‫َط ُيعوا اللَّ َو‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ورسولَو والَ تَولَّوا عنو وأَنتم تَسمعو َن (‪ )20‬والَ تَ ُكونُوا َكالَّ ِ‬ ‫ين قَالُوا‬ ‫ذ‬ ‫َ​َ ُ ُ َ َ َ ُ َ ُ‬ ‫َُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ََِسعنَا وُىم الَ يسم ُعو َن (‪ )21‬إِ‬ ‫َّ‬ ‫الص ُّم البُك ُم‬ ‫الد‬ ‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ند اللَّ ِو ُّ‬ ‫َّو ِّ‬ ‫َّ‬ ‫اب ِع َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫الَّ ِ‬ ‫ين الَ يَع ِقلُو َن (‪َ )22‬ولَو َعلِ َم اللَّوُ فِي ِهم َخي ًرا َّ​َّلَ​َسَ َع ُهم َولَو أَ​َسَ َع ُهم‬ ‫ذ‬ ‫َ‬ ‫ضو َن (‪ )23‬يا أَيُّها الَّ ِذين آمنُوا استَ ِجيبوا لِلَّ ِو ولِ َّلرس ِ‬ ‫ول إِ َذا‬ ‫لَتَ َولَّوا َّوُىم ُّمع ِر ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫دعا ُكم لِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ْي ال َمرِء َوقَلبِ ِو َوأَنَّوُ إِلَي ِو‬ ‫ب‬ ‫ول‬ ‫ُي‬ ‫و‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫َن‬ ‫أ‬ ‫ا‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫اع‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ك‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ُي‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ​َ‬ ‫َ ُ َ​َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫يَب الَّ ِ‬ ‫ُ​ُت َشرو َن (‪ )24‬واتَّ ُقوا فِت نَةً الَّ تُ ِ‬ ‫اصةً َواعلَ ُموا‬ ‫ذ‬ ‫ص‬ ‫َّ‬ ‫ين ظَلَ ُموا ِمن ُكم َخ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫اب (‪ )25‬واذ ُكروا إِذ أَنتم قَلِ‬ ‫أ َّ​َن اللَّو ش ِ‬ ‫يد العِ َق ِ‬ ‫يل ُّمستَض َع ُفو َن ِ​ِف‬ ‫د‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫َ ُ‬ ‫َّ‬ ‫اَّلَر ِ‬ ‫آوا ُكم َوأَيَّ َد ُكم بِنَص ِرهِ َوَرَزقَ ُكم ِّم َن‬ ‫َّاس فَ َ‬ ‫ض َ​َتَافُو َن أَن يَتَ َخط َف ُك ُم الن ُ‬ ‫ات لَعلَّ ُكم تَش ُكرو َن (‪ )26‬يا أَيُّها الَّ ِ‬ ‫الطَّيِّب ِ‬ ‫ين َآمنُوا الَ َ​َتُونُوا اللَّ َو‬ ‫ذ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ول َوَ​َتُونُوا أ َ​َمانَاتِ ُكم َوأَنتُم تَعلَ ُمو َن (‪َ )27‬واعلَ ُموا أََّ​َّنَا أَم َوالُ ُكم‬ ‫الر ُس َ‬ ‫َو َّ‬ ‫نده أَجر ع ِظيم (‪ )28‬يا أَيُّها الَّ ِ‬ ‫وأَوال ُد ُكم فِت نَةٌ وأ َّ​َن اللَّو ِ‬ ‫ين َآمنُوا إِن‬ ‫ذ‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ٌ‬ ‫َ ُ ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫تَتَّ ُقوا اللَّوَ َ​َي َعل لَّ ُكم فُرقَاناً َويُ َكفِّر َعن ُكم َسيِّئَاتِ ُكم َويَغ ِفر لَ ُكم َواللَّوُ ذُو‬ ‫ال َفض ِل الع ِ‬ ‫ظي ِم (‪{ )29‬سورة األنفال}‪ .‬صدؽ اهلل العظيـ وبمغ رسولو الكريـ‬ ‫َ‬ ‫ونحف عمى ذلكـ مف الشاىديف‪ .‬الميـ اجعمنا مف شيداء الحؽ القائميف‬

‫بالقسط‪ .‬آميف الميـ آميف‪.‬‬ ‫‪4‬‬


‫إخواني وأخواتي‪" ..‬استَ ِجيبوا لِلَّ ِو ولِ َّلرس ِ‬ ‫ول إِ َذا َد َعا ُكم لِ َما ُ​ُييِي ُكم"‪.‬‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ‬

‫قمنا ذات مرة مف قريب أنو مف الخطأ بؿ مف الكارثة أف يحدد اإلسبلـ وسمي ًا‬

‫–أي وسائمياً‪ ،-‬وأنو ينبغي أف يحدد بغاياتو قبؿ أف يحدد بوسائمو‪ ،‬واال فيي‬

‫الكارثة الكارثة‪ .‬حيف تشيع العدمية بكؿ ما تستجره وتستتميو وتستتبعو مف‬ ‫التدميرية‪ ،‬مف النزعة النحرية واالنتحارية‪ ،‬مف الجنوف المنفمت يصير السؤاؿ‬

‫ىو سؤاؿ المعنى‪ ،‬وتعمؽ سائر األسئمة إلى وقت آخر؛ فبل تغدو أسئمة‬

‫المحظة أي ال تغدو أسئمة تكتسي أىمية في المحظة المعيشة‪ .‬إنما السؤاؿ ىو‬ ‫سؤاؿ المعنى‪ .‬معنى الوجود‪ .‬معنى الحياة وأعني الحياة اإلنسانية‪ ،‬واذا ذكر‬ ‫اإلنساف وحياة اإلنساف ذ كر سؤاؿ معنى الديف‪ ،‬معنى األخبلؽ‪ ،‬معنى األدب‬ ‫والفف‪ ،‬معنى الفكر والعمـ والمعرفة والفمسفة‪ .‬إذف فالسؤاؿ ىو سؤاؿ المعنى‬

‫"ما معنى ىذا كمو؟"‪ ،‬كي نفيـ معنى لبل معنى‪ ،‬ولحالة العدمية التي نعيشيا‬

‫ال بد أف نعود إلى سؤاؿ المعنى الذي يبدو أننا لـ نطرحو بشكؿ جيد ولـ‬ ‫نتعانى البحث عف جواب أو جوابات لو مف منظورات مختمفة ليست بالضرورة‬

‫متعارضة وانما متعددة‪ .‬يأتي سؤاؿ المعنى قبؿ سؤاؿ اليدؼ‪ ،‬فبل معنى‬

‫لمسؤاؿ عف اليدؼ قبؿ أف نجيب سؤاؿ المعنى ألف اليدؼ يتمو المعنى‪.‬‬

‫بالضرورة إذا تعيف المعنى سيؿ تحديد اليدؼ‪ ،‬أما أف ننبعث في إدعاء وفي‬

‫تحديد أىداؼ دوف أف نجيب عف سؤاؿ المعنى ىذا معناه أننا نتآكؿ نتحمؿ‬

‫نذوب نتعارض نتفارؽ باستمرار‪ .‬طبعاً أعني ىنا الػ "نحف" بالمعنى الوجودي‬

‫العريض العميؽ‪ ،‬أي الػ "نحف" المعرفية الثقافية الدينية الحضارية‪ .‬كؿ شيء‬

‫ينتيي‪ .‬كؿ شيء يذوب ويتحالؿ‪ ،‬يتفارؽ ويتعارض‪ ،‬يتآكؿ وال يتكامؿ‪.‬‬ ‫‪5‬‬


‫بالضبط ىذ ه ىي الحالة التي نعيشيا اآلف كأمة مسممة؛ فنحف أمة في طور‬ ‫التحمؿ والذوباف والتفكؾ‪ .‬واضح أنيا تعيش ىذه الحالة مف أسؼ شديد‪.‬‬ ‫يعنينا في ىذا المقاـ‪ ،‬ونحف نطرح السؤاؿ الكبير‪ ،‬ولعمو أكبر األسئمة‬

‫"سؤاؿ المعنى" أف نجتزيء ونكتفي لمبررات ال تخفى عميكـ وعميكف بسؤاؿ‬

‫"معنى الديف" ألف روح ىذه العدمية التي نعاني ونكابد لؤلسؼ ىي روح دينية؛‬ ‫فجذرىا ديني‪ .‬شئنا أـ أبينا‪ ،‬وأذكر بما تعرفونو جيداً أف السماء بخير‪ ،‬وحاليا‬ ‫عمى ما يراـ؛ فميس فييا خصومات‪ ،‬ليس فييا نزاعات‪ ،‬ليس فييا إرادات‬

‫لمييمنة والتسمط واإللغاء واإلقصاء‪ .‬السماء بخير؛ لذلؾ يجب أف نكوف‬ ‫واضحيف مع سؤاؿ الديف؛ فالديف ليس لمسماء‪ .‬كؿ تفسير وكؿ تأويؿ يحاوؿ‬

‫أف يفيـ أف الديف لمسماء وأف التديف لمسماء ىو فاشؿ بؿ خبيث ومخادع‬

‫ٍ‬ ‫وممتو يخفي في النياية إرادة ىيمنة‪ .‬ستقوؿ "ال‪ ،‬بؿ إرادة تغييب"‪ ،‬وأنا أرد بأف‬ ‫اإلرادة األبعد ىي دائماً إرادة ىيمنة‪ ،‬فانتبيوا‪.‬‬ ‫لو سئمت عف الشر األكبر الذي يمكف انتزاعو –ال أدري بانتزاع جيناتو‪،‬‬

‫حتى الجينات الثقافية أعني جينات دوكنز "الميمات"‪ -‬بضربة واحدة‪ ،‬وىو‬ ‫شر وحيد‪ ،‬أي إذا كاف لنا الخيار أف ننتزع ش اًر وحيداً مف اإلنساف مف بيف‬ ‫عشرات إف لـ يكف مئات وآالؼ الشرور فأنا لف أتردد في أف ىذا الشر‬

‫األكبر واألعظـ واألدىى الذي ينبغي مباشرة أف نجتزيء بتنحيتو وازالتو ىو‬ ‫إرادة الييمنة‪ .‬إرادة تسمط اإلنساف عمى اإلنساف‪ .‬أكثر ما كرث ودمر‬ ‫المجتمعات البشرية‪ ،‬وأكثر ما لوث وسمـ الديف والقيـ واألخبلقيات والمثؿ‬

‫وكؿ المعاني النبيمة دائماً ىي إرادة الييمنة‪ .‬ىيمنة شعب عمى شعب‪ ،‬ىيمنة‬ ‫‪6‬‬


‫أمة عمى أمة‪ ،‬ىيمنة دولة عمى دولة‪ ،‬ىيمنة حزب عمى حزب‪ ،‬ىيمنة جماعة‬ ‫عمى جماعة‪ ،‬ىيمنة طائفة عمى طائفة‪ ،‬ىيمنة رجؿ عمى جماعة‪ ،‬ىيمنة رجؿ‬

‫عمى طائفة‪ .‬مرة بؿ مرات كثيرة باسـ الديف‪ ،‬ومرات باسـ السياسة والمصالح‬

‫واالقتصاد؛ فإرادة الييمنة ىي المعنة الكبرى‪ .‬في نظري أف أعظـ عبلج إلرادة‬

‫الييمنة ىي اإليماف‪ ،‬لكف ليس اإليماف الوثني؛ فمعظـ أنماط وصور اإليماف‬

‫التي ينطوي عمييا المتدينوف مف سائر األدياف ىي أنماط وثنية‪ .‬اإليماف باهلل‬ ‫تبارؾ وتعالى عمى أنو األكبر واألوحد واألعظـ والمطمؽ في كؿ صفاتو‬ ‫ونعوتو ال إلو إال ىو يعد أعظـ عبلج‪ ،‬وفي نظري ىو العبلج األخير واألوحد‬

‫لكؿ صنوؼ النرجسية اإلنسانية‪ ،‬ولكؿ صنوؼ األنانيات‪ ،‬ومف ثـ لكؿ صور‬

‫وأنماط الييمنة‪ ،‬لكف لؤلسؼ الشديد فإف ىذا العبلج العظيـ الذي تكرمت بو‬ ‫السماء عمى األرض مباشرة عبث بو الرجاؿ؛ رجاؿ الديف بالذات ورجاؿ‬

‫السياسة معيـ‪ ،‬والحمؼ متواصؿ مف قديـ بيف ىؤالء وىؤالء‪ ،‬بيف أصحاب‬

‫العرش وبيف رجاؿ الكينوت‪ .‬حمؼ متواصؿ باستمرار لؤلسؼ الشديد في كؿ‬

‫األمـ‪ ،‬وكؿ لمصالحو والعتبارات تخصو‪ .‬مباشرة كاف يتـ توثيف مفيوـ‬

‫اإليماف باهلل‪ .‬مباشرة كانت تغتصب وتختزؿ وتخفض ىذه الصورة المعتقدية –‬

‫كما أدعوىا‪ -‬لتخدـ أغراضاً مختزلة ودنيئة دائماً‪ ،‬فيي دائماً دنيئة إذ ال يمكف‬

‫أف تكوف رفيعة ونبيمة؛ فباسـ اهلل وباإلحالة عمى اهلل تبرر أبشع صور الجرائـ‬

‫والكوارث‪ .‬في يوـ مف األياـ صاح أحد رجاؿ الديف ىنا في الغرب الكاثوليكي‬

‫يقوؿ‪" :‬آه يا اهلل‪ ..‬كـ باسمؾ كرىنا بعضنا البعض وذبحنا بعضنا‬ ‫البعض"!!!‪ .‬ىذا يتـ باسـ اهلل وليس فقط باسـ الحرية!!‬ ‫‪7‬‬


‫أذكر اآلف المحظة حيف شب النزاع المشيور بيف الديمقراطييف أعداء‬

‫الرئيس األمريكي السادس عشر إبراىاـ لينكولف‪ ،‬وبيف رجاؿ حزبو الجميورييف‬

‫حوؿ التعديؿ الثالث عشر في الدستور األمريكي‪ ،‬وىو التعديؿ الذي اقترحو‬

‫لينكولف لتحرير العبيد والغاء مؤسسة العبودية مغام اًر بمستقبمو السياسي‬

‫برمتو‪ .‬بعض الجميورييف وكؿ الديمقراطييف كانوا ضد ذلؾ‪ ،‬لكف الرجؿ كاف‬

‫نبيبلً وكاف نافذ البصر‪ .‬كاف ذا بصيرة‪ ،‬وألح‪ .‬عمى كؿ حاؿ‪ ،‬في رسالة‬ ‫الكونجرس دارت نقاشات محتدمة ألسابيع‪ ،‬وقاـ أحد الديمقراطييف البمغاء‬

‫أصحاب األلسنة السميطة واأللفاظ القوية المعبرة الموحية ليقوؿ‪" :‬ىذا التعديؿ‬

‫معارض إلرادة الرب!!!! ولشرع اهلل تبارؾ وتعالى الذي أراد لمبشر أف يكونوا‬

‫مختمفيف‪ ،‬فيو خمقيـ أسود وأبيض كي يستعبد األبيض األسود!!!"‪ ،‬يقوؿ ىذه‬

‫إرادة اهلل!!!‪ ،‬طبعاً يتحدث باسـ اهلل‪ ،‬والكؿ يتحدث باسـ اهلل لتبرير العبودية‪،‬‬

‫كؿ أشكاؿ العبودية‪ ،‬فميست عبودية البشر السود أو الممونيف فقط بؿ عبودية‬

‫البشر كبشر‪ ،‬ممونيف وغير ممونيف‪ ،‬ودائماً باسـ اهلل!!!‪ ،‬فالمذابح حيث يذبح‬

‫اآلخروف وتتـ تصفيتيـ تتـ باسـ اهلل وعمى أنو الجياد في سبيؿ اهلل‪ .‬ىذا ىو‬ ‫الجياد!! ىذا مراد اهلل تبارؾ وتعالى!!‪ ،‬ىكذا يقاؿ أف اهلل يريد ىذا!!!‪.‬‬

‫عجيب‪ ،‬أليذ ه الدرجة يمكف أف نتج أر عمى اهلل تبارؾ وتعالى‪ ،‬وأف نغتصب‬ ‫صبلحيات اهلل‪ ،‬وأف نتكمـ باسـ السماء بمثؿ ىذا العنفواف ومثؿ ىذا الغرور‬

‫وىذا االنتفاخ الساذج؟!!!‬

‫بالمناسبة‪ ،‬حيف تدققوف وحيف تمعنوف النظر تجدوا أف كؿ الحروفييف‪،‬‬ ‫كؿ الجامديف‪ ،‬كؿ الذيف يتعامموف مع النص الكريـ المقدس بمجانية –فيو‬ ‫‪8‬‬


‫غير مكمؼ‪ -‬وباستخفاؼ –إذ يستخفوف تماماً أف يعزوا إلى اهلل ما شاءوا والى‬ ‫رسولو والى األدياف والى الفطرة والطبيعة والى قانوف اهلل الكوني‪ ،‬كؿ ىؤالء‬ ‫يعانوف مف إعاقة –أعتقد أنيا إعاقة في الدماغ عمى المستوى العصبي‪،-‬‬ ‫وأتكمـ اآلف بمغة العمـ الطبيعي الذي يمكف أف تستقصى فيو الحاالت تجريبياً‬

‫وليس تأممياً‪ .‬كؿ الحروفييف الجامديف يكرىوف المجاز فيـ يفشموف دائماً في‬ ‫أف يمضوا مع النص خطوة فضبلً عمى أف يمضوا خطوات في طريؽ الرمزية‬ ‫والمجاز‪ ،‬في طريؽ ما ىو أبعد مف الحرؼ المباشر الذي يمكف أف يتمقاه‬

‫اإلنساف األكثر عادية أو اعتيادية‪ ،‬األكثر سذاجة وأمية ثقافية‪ .‬ىـ يفشموف‬

‫في ىذا ويكرىونو ويؤصموف ليذا بطرؽ نظرية‪ .‬اآلف في عمـ األعصاب –عمـ‬ ‫الدماغ‪ -‬يعتبر ىذا مرضاً؛ ذلؾ أنو تـ اكتشاؼ أف الذيف يعانوف مف انقطاع‬

‫بعض االتصاالت –وسنبسط الحديث‪ -‬يعانوف مف ىذا كأعراض لممرض‪،‬‬

‫فمف الصعب عمييـ جداً أف يتخيموا‪ ،‬وىـ ال يفيموف المغة الرمزية‪ .‬أحيان ًا‬ ‫يعاني الواحد منا مف بعض الناس حيف تذىب تمازحو وتفاكيو فيأخذ األمر‬

‫دائماً عمى ٍ‬ ‫نحو جد‪ .‬ىذا يعاني لديو مشكمة عصبية ال يفيـ الشيء رمزي ًا‬ ‫مجازياً‪ .‬ال يعرفوف وال يستطيعوف ىذا‪ ،‬فيـ يفشموف ألف عندىـ عجز واعاقة‬

‫عصبية‪ ،‬وحيف يصبح ىؤالء منتجيف لفكر‪ ،‬منتجيف لتأويؿ ولتفسير الديف فيذه‬ ‫ىي الكارثة‪ .‬العواـ المساكيف ال يعرفوف سوى المظاىر –المحية والجمباب‬

‫واأللقاب‪ -‬ويصدقوف‪ .‬ال نموـ عمييـ ولكف نموـ عمى أىؿ الفكر‪ .‬أنتيز ىذه‬ ‫الفرصة كي أقوؿ‪ :‬نموـ ونموـ وال بد أف نموـ بمقدار التقاعس والعجز والكسؿ‬

‫وعدـ إبراء الذمة مف مسئولية الوقت‪.‬‬

‫‪9‬‬


‫قميؿ مف حنظؿ الشر يفسد الكثير والكثير جداً مف عسؿ الخير‪ .‬نحف‬

‫نعيش ىذا دائماً‪ ،‬فيذا شيء يومي أصبح مبتذالً‪ .‬أنت يمكف أف تحسف إلى‬

‫أحد الناس عشر سنيف ثـ تسيء مرة فينسى كؿ إحسانؾ ويتذكر دائماً ىذه‬ ‫المرة‪ .‬عمى ٍ‬ ‫كؿ ىذا شيء سيء جداً ولكنو في نياية المطاؼ في التحميؿ‬ ‫األخير إنساني‪ ،‬فيذ ا طبع اإلنساف الفرد والجماعة‪ .‬يمكف ألمة أف تقدـ الكثير‬

‫لغيرىا ولمحضارة ولممعرفة البشرية ثـ تسيء مرة أو مرات فتضخـ ىذه‬ ‫اإلساءة باستمرار‪ .‬ىذه طبيعة البشر‪ .‬سبحاف اهلل ىـ ال يحتفوف كثي اًر بالخير‬ ‫وبالجانب اإليجابي‪ ،‬لكف يفتحوف عيونيـ فناجيف عمى الشر وعمى الذلة‪ ،‬عمى‬

‫الفضيحة وعمى الخطأ‪ .‬يحبوف ىذا جداً‪ ،‬ولذلؾ تعاني اآلف األمة اإلسبلمية‪.‬‬

‫اإلسبلـ نفسو يعاني مف أخطاء بعض أبنائو‪ ،‬وكما نقوؿ دائماً ىـ نسبة‬

‫ضئيمة –وىذا ليس كبلمي بؿ نتائج إحصائيات عممية في االتحاد األوروبي‬

‫جالوب وغيرىا‪ .-‬اإلحصائيات تقوؿ أف أكثر مف ‪ %59‬مف المسمميف وبعض‬ ‫اإلحصائيات تقوؿ بؿ أكثر مف ‪ %59‬مف المسمميف مسالموف طيبوف‬

‫وادعوف‪ .‬حياتيـ تؤكد ىذا؛ فأكثر الضحايا عمى وجو األرض ىـ مف‬ ‫المسمميف‪ .‬نحف أكثر الناس ضحايا‪ .‬نحف أكثر الناس الذيف نظمـ‪ ،‬لكف البقية‬

‫لدييـ موقؼ مختمؼ‪ .‬ىذه الدراسات العممية تؤكد –وىذا شيء جيد ومف‬

‫إنصاؼ ىذه الدراسات‪ -‬أنو حتى ىذه البقية المبررات الحقيقية لمواقفيا‬ ‫المتشددة سياسية في الجوىر‪ .‬يسعدني أف يكوف األمر كذلؾ ولكف أنا كمسمـ‬

‫ال أحب أف أغرر بنفسي فبل أوافؽ عمى ىذا تماماً ألف ىناؾ شيء ال بد مف‬ ‫إيضاحو أنو لو كانت البواعث الحقيقية سياسية وىي كذلؾ إلى حد بعيد جداً‪،‬‬ ‫بمعنى أنو لو لـ يكف ىناؾ ظمـ نزؿ وحاؽ بالمسمميف في ببلدىـ وأوطانيـ‪،‬‬ ‫‪10‬‬


‫بشعوبيـ بأىمييـ‪ ،‬لما انبعثت كؿ ىذه الحركات المجنونة المتطرفة التي صار‬ ‫أك ثر مف يعاني منيا اآلف ىـ المسمموف أنفسيـ في ببلدىـ وعمى أرضيـ‪.‬‬ ‫إذف ىناؾ أسباب سياسية واضحة أو لنقؿ ذات طبيعة سياسية‪ ،‬فيذه بواعث‬ ‫ال نستطيع أف ننكرىا ولكف انتبيوا‪ ،‬ما ىي الوسيمة التي يتوسميا ىؤالء‬ ‫الغاضبوف الناقموف الساخطوف المحبطوف؟ اإلجابة‪ :‬ىي الديف‪ .‬ما ىو‬

‫الخطاب الذي ينطمقوف منو يظيروف بو أىدافيـ ويبررونيا؟ اإلجابة‪ :‬ىي‬

‫الديف‪ .‬ىذه ىي المصيبة اآلف‪ ،‬والديف يدفع الثمف‪ .‬مف الصعب أف تفيـ‬ ‫إنساناً غير متمرس بالدرس العممي وباألسموب واآلليات العممية أف ىؤالء‬

‫مظيرىـ ديني ويتكمموف لغة دينية ويبرروف أفعاليـ بنصوص الديف –قاؿ اهلل‬

‫وقاؿ الرسوؿ‪ -‬ثـ تقوؿ أف اإلسبلـ براء!!! اإلسبلـ ال عبلقة لو!!!!‪ ،‬مف‬ ‫الصعب جداً أف يفيـ اآلخر ىذ ا‪ ،‬خاصة اآلخر غير المسمـ‪ ،‬فالمسمـ نفسو‬

‫مف الصعب أف يفيـ ىذا‪ ،‬فكيؼ بغير المسمـ؟!!! خاصةً وأف قميبلً مف الشر‬

‫–كما قمت لكـ‪ -‬يعفي عمى كثير في سجؿ الخير‪ .‬طبعاً الشر بطبيعتو ىكذا‪،‬‬ ‫فيو ناري جحيمي‪ .‬ش اررة واحدة يمكف أف تحرؽ مدينة أو تحرؽ غابة‪ .‬الشر‬ ‫مف طبيعة نارية‪ ،‬ومف طبيعة فوضوية‪ ،‬ليس لو خطة‪ ،‬وليس لو منطؽ‪ ،‬مثؿ‬

‫النار حيف تستشري ليس ليا منطؽ معيف‪ ،‬فمف الصعب بؿ مف المستحيؿ أف‬

‫نتنبأ بمسارىا بدقة‪ ،‬كذلؾ الحاؿ مع نار الشر فيي مف طبيعة فوضوية‪.‬‬

‫تفكروا مثبلً في معمومة تصؿ إلى ىيئة مطار يعج بألوؼ المسافريف‬

‫والمتحركيف فيو جيئة وذىاباً‪ ،‬مجرد معمومة عف فرد انتحاري في ىذا المطار‪،‬‬

‫فإف ىذه المعمومة تكوف كافية أف تجعؿ ىذه األلوؼ الكثيرة مف الناس تعاني‬ ‫‪11‬‬


‫اإلجراءات األمنية المشددة مف أجميا –مف أجؿ مصمحتيا‪ ،-‬فقط بسبب‬

‫شخص واحد مجنوف بمغت عنو معمومات أنو ٍ‬ ‫منتو أف يفجر نفسو ويحدث‬

‫التفجير في المطار‪ .‬طبعاً الكؿ سيعاني‪ .‬قد يحدث ىذا عمى مستوى مدينة‬ ‫فيعاني كؿ أىؿ المدينة بسبب مجنوف واحد‪ ،‬لكف مف أجميـ في نياية‬

‫المطاؼ‪ .‬ىذه ىي طبيعة الشر‪ .‬اآلف األمة اإلسبلمية وىي أكثر مف مميار‬

‫ونصؼ تعاني في كؿ مكاف‪ .‬أنت مسمـ عميؾ –تقريباً‪ -‬أف تخجؿ!!! لماذا‬

‫أخجؿ مف ديني؟! ماذا فعمت أنا؟!! ماذا فعؿ ىو أو ىي؟! اإلجابة‪ :‬ىكذا‬ ‫فأنت مسمـ!‪ ،‬المسمموف ىكذا وضعيـ!!‪ ،‬وضعونا في موضع ال نحسد عميو‪.‬‬

‫أصبحنا محرجيف حقيقة رغماً عنا‪ .‬ال نستطيع أف ننكر ىذا‪ .‬نحف محرجوف‪.‬‬ ‫أحرجونا وأحرجوا دينيـ تماماً وأحرجوا أمتيـ‪ .‬ىذا بسبب ىؤالء‪ ،‬لكف –ولذلؾ‬

‫نقوؿ أننا نموـ ونموـ ونموـ‪ -‬لماذا واألكثرية ىي التي تعاني بسبب ىذه األقمية‬

‫المنذورة ال نرى تصدياً فاعبلً مف ىذه األكثرية؟‪ ،‬ما الذي يحدث؟‪ ،‬لماذا ال‬

‫نجد أصواتاً كثيرة ترتفع باإلدانة وبالدمغ وبالتحميؿ والتفسير والتفكيؾ بؿ‬ ‫وبالتعقيـ؟‪ ،‬أيف التعقيـ الثقافي؟‪ ،‬أيف التعقيـ الفكري؟‪ ،‬ال يوجد تعقيـ‪ .‬أنا ال‬

‫أشاىد تعقيماً بؿ عمى العكس فأنا أشاىد لغة –في األكثر‪ -‬تبريرية‪ .‬لغة‬

‫(نعـ‪ -‬طيب‪ -‬ولكف)‪ .‬لغة (لكف)!!!‪ ،‬أسميتيـ مرة (أبناء ابف لكف)!!!! ىذه‬ ‫المغة التبريرية (ولكف) تستخدـ باستمرار‪ ،‬والشباب يفيموف الرسالة بأف المسألة‬

‫ليست بتمؾ الدرجة مف السوء‪ ،‬ليست بتمؾ الكارثية‪ ،‬بالتالي يمكف لؾ أف‬ ‫تصبح في يوـ مف األياـ مف ىؤالء‪ ،‬مف ىذا الحزب‪ .‬لماذا؟ ىذا ىو السؤاؿ‪،‬‬

‫وىو سؤاؿ محير جداً‪ :‬لماذا األكثرية صامتة؟‬ ‫‪12‬‬


‫في خمسينيات القرف العشريف المنصرـ عانى الغرب األوروبي‬

‫واألمريكي مف حالة مشابية؛ إذ خرج مف حرب عالمية ثانية بزىاء ‪ 08‬مميوف‬

‫ضحية‪ .‬كانت حرباً مدمرة‪ .‬بالمناسبة فإف القرف العشريف –كما وصفو‬ ‫بريجنسكي‪ -‬ىو أكثر القروف دموية في تاريخ البشرية‪ .‬اإلحصاءات تت ارواح‬

‫ما بيف ‪ 08‬مميوف في الحرب العالمية الثانية مضاؼ إلييا ‪ 28‬مميوف في‬ ‫الحرب العالمية األولى بإجمالي ‪ 088‬مميوف عمى أقؿ تقدير‪ ،‬تصؿ في‬

‫تقديرات أعمى لبعض الدراسات لممختصيف إلى ‪ 008‬مميوف كإجمالي ضحايا‬ ‫القرف العشريف‪ .‬شيء كارثي لـ تشيد البشرية في تاريخيا مثؿ القرف العشريف‬

‫الذ ي وصمنا فيو لقمة العمـ والتكنولوجيا والفمسفة!!‪ ،‬كانت ىذه ىي الحالة‬

‫وىي حالة مخيفة‪ ،‬فمماذا؟‪ ،‬واآلف نريد أف نشبؾ بيف حالتيف ووضعيف‪ .‬عمى‬ ‫كؿ حاؿ ىي خرجت مف حرب عالمية ثانية أحرقت األخضر واليابس‪ ،‬دمرت‬

‫كؿ شيء وأحالت العامر إلى خراب كمي‪ ،‬وبدأ التحضر لحرب نووية‪ .‬تعمموف‬ ‫أنو في فترة الحرب الباردة كاف ىناؾ احتماؿ انفبلت العقاؿ في أي لحظة وأف‬

‫تشب الحرب النووية والتي كانت ستنسي كؿ حروب التاريخ البشري إف قامت‬

‫بيف القوتيف العظمييف‪ .‬العجيب كما سجؿ المحمؿ والمفكر اإلنساني الكبير‬ ‫ايريؾ فروـ أنو لوحظ أف الجماىير الكثيرة‪ ،‬تمؾ المبلييف المممينة لـ ِ‬ ‫تبد‬ ‫فاعمية حقيقية ممموسة في إنكار الوضع‪ ،‬كأنيا تقوؿ ال نبالي! لماذا؟!!!‪،‬‬

‫يقوؿ فروـ أنو قدمت تفسيرات كثيرة تفسر جوانب وتعجز عف تفسير سائر‬ ‫الجوانب‪ .‬قاؿ‪ :‬الذي اقترحتو أنا –ويبدو أنو تفسير صائب إلى حد بعيد‪ -‬أف‬ ‫السبب الجوىري والعميؽ ىو كره الناس لمحياة!!‪ ،‬أي أنو قاؿ أف الشعوب‬

‫ليست فقط غير مبالية بؿ ىي شعوب كارىة لمحياة وتقريباً مفتتنة بالموت!‪،‬‬ ‫‪13‬‬


‫فقد أصبحت تعشؽ الدمار‪ ،‬تعشؽ الخراب‪ ،‬تعشؽ الموت!!‪ ،‬وبمغة المحمميف‬ ‫النفسييف ىي "شعوب نيكروفيمية"‪ .‬الشخص النيكروفيمي ىو ىذا العاشؽ‬

‫لمدمار والعاشؽ لمموت‪ ،‬وىو مفيوـ أوسع مف كونو عاشقاً لمجثث فقط‬

‫والمقصود بو التعاطي الجنسي مع الجثث‪ ،‬فالنيكروفيمية مفيوـ أوسع مف ىذا‬ ‫النطاؽ الضيؽ بكثير‪ ،‬لكف بكممة واحدة ىي عشؽ الموت‪ ،‬عشؽ الخراب‪،‬‬

‫عشؽ الدمار‪.‬‬

‫كيؼ؟ ىؿ الحضارة الغربية انبثقت فييا فمسفة تعشؽ الخراب والدمار؟‬

‫نعـ ىذا الذي حدث‪ ،‬وىذا الذي يفسر قياـ حربيف مجنونتيف في ربع قرف فقط‪،‬‬ ‫وىو شيء ال يكاد يصدؽ‪ .‬األولى انتيت ‪ 0500‬والثانية بدأت ‪ .0595‬طبعاً‬ ‫ألف الفمسفة العامة ىنا ىي فمسفة آليينية (آلية) تجريبية ميكانيكية تتعاطى مع‬

‫اإلنساف عمى أنو شيء مف األشياء‪ .‬بالكاد تراه إنساناً‪ .‬ىي ميكانيكية آلية‬

‫تشيء اإلنساف‪ .‬ىذ ا منافي لطبيعة الحياة فعمى العكس الحياة طبيعتيا‬ ‫عضوية مختمفة تماماً عف الطبيعة اآللية الميكانيكية مف كؿ وجو تقريباً‪.‬‬

‫يقوؿ فروـ‪ :‬ولقد لمست ىذا االفتتاف بالموت حتى في األمثمة والكممات‪،‬‬ ‫ولؤلسؼ ىذا يوجد عند العرب اآلف –وعند أكثر الشعوب‪ ،-‬فنجد العربي‬ ‫يقوؿ‪" :‬بأحبو موت" !!‪ ،‬كيؼ "أحبو موت"؟‪" ،‬حبو يقتمني" كما يقوؿ اإلنجميز‬

‫"ىذا يقتمني"!! أي أنو جميؿ جداً!!‪" ،‬يقتمني!! إذف ىو شيء فظيع!!‪" ،‬أحبو‬ ‫موت"!! ىو حب الموت إذف‪ .‬يحيا الموت إذف‪ ،viva la muerte .‬ىذا‬

‫شعار العدمييف‪ .‬شعار القتمة‪" .‬يحيا الموت"!!!‪ .‬سألتقط ىذا الخيط ‪-‬انتيبوا‪،-‬‬ ‫كي أقوؿ لكـ أنو ليس اكتشافاً أف ىذه ىي الثقافة اإلسبلمية وأعني ثقافة‬ ‫‪14‬‬


‫المتعصبيف الجامديف اإلرىابييف التدميرييف وتسمى الثقافة الجيادية ظمماً‬

‫وعدواناً‪ ،‬فأنا ال يمكف إال أف أؤكد عمى الطابع اإلنساني لمجياد القرآني الذي‬ ‫ىو إنساني بكؿ معنى اإلنسانية‪ .‬إي واهلل ىو إنساني بكؿ معنى اإلنسانية‪.‬‬

‫كاتبة ييودية ال أدرية ‪– Lesley Hazleton‬ليست ممحدة‪ ،-‬ليست‬

‫متدينة بالديانة الييودية لكف ىي ييودية أمريكية تتحدث عف قراءة القرآف في‬ ‫محفؿ عاـ في الواليات المتحدة األمريكية ‪-‬قدمت كممة في مؤتمر مف‬

‫مؤتمرات ‪ - TED‬وتقوؿ‪" :‬يتيـ القرآف بأنو يميؿ إلى العنؼ ويتعاطؼ مع‬ ‫العنؼ‪ ،‬وتحدث في آيات كثيرة عف القتاؿ والجياد‪ ،‬بينما أنا وجدت القرآف‬

‫حيف يتحدث عف القتاؿ والجياد يسمح بالقتاؿ والجياد والعنؼ‪ ،‬ويتعاطى مع‬

‫العنؼ ولكف كيؼ؟ تقوؿ بشروط بسيطة‪ ،‬وىي ىنا تمزح وتسخر مف ىؤالء‬ ‫الذيف يكذبوف عمى القرآف –وىي الييودية األمريكية البل أدرية وال عبلقة ليا‬

‫باألدياف أصبلً!!‪ -‬تقوؿ‪ " :‬القرآف يقوؿ أنو يمكف أف يسمح لكـ أف تقاتموىـ‬ ‫بشروط‪ :‬الشرط األوؿ أف يقاتموكـ ىـ أوالً‪ ،‬والشرط الثاني أف القاعدة أال يكوف‬

‫ىذا في الحرـ إال أف يكوف رداً لمعدواف بمثمو‪ ،‬والشرط الثالث أف تنقضي مدة‬ ‫السماح –تشير إلى آية سورة التوبة‪ ،-‬والشرط الرابع أف تمتزموا بمبدأ التناسبية‬

‫أي مكافأة رد الفعؿ لمفعؿ‪ ،‬فيو اعتدى عميؾ وأنت ترد العدواف لكف بطريقة‬

‫متكافئة‪ ،‬يسمى بمغة عصرنا عدـ اإلفراط في استخداـ القوة فيذا ممنوع‪ ،‬ثـ‬ ‫مع كؿ الشروط وألف اهلل رحيـ وغفور وصفوح فكأنو يقوؿ لكـ أنو مف األفضؿ‬

‫أال تقتموىـ في نياية المطاؼ!!!"‪ .‬ىذا ىو القتاؿ القرآني‪ ،‬فعف أي عنؼ‬ ‫نتحدث؟ أنا ال أستطيع أف أستوعب شخصياً كإنساف قرأت التاريخ تاريخ‬ ‫‪15‬‬


‫األفكار وتاريخ الحضارات‪ ،‬واف لـ يستوعب ىذا ولكف بالعكس ىؤالء‬ ‫المنتفخوف أدعياء الثقافة والفكر الذيف يطعنوف في القرآف وفي محمد‪ .‬ىـ ال‬

‫يفقيوف شيئاً‪ ،‬وأقوليا بكؿ تواضع‪ .‬ييودية مثؿ تمؾ المرأة قرأت القرآف في‬ ‫شيور فقيت ورأت ما لـ يره ىؤالء األدعياء مف أبناء المسمميف‪ ،‬وىذا لؤلسؼ‬

‫الشد يد‪ .‬ال أستطيع أف أفقو وال أف أفيـ كيؼ كاف يمكف أف ينبثؽ مثؿ ىذا‬ ‫التشريع‪ ،‬ومثؿ ىذ ا التقييد لجنوف الحرب في القروف الوسطى‪ ،‬وبالذات في‬ ‫مجتمع الجزيرة العربية‪ ،‬وبالذ ات مف طرؼ المسمميف إزاء األطراؼ األخرى‬ ‫التي حزمت أمرىا وآلت إال أف تستأصميـ مف جذورىـ‪ ،‬تمؾ القوى التي‬

‫أقسمت أال يكوف لمحمد وأصحابو حؽ في الحياة والوجود‪ ،‬وفي المقابؿ يكوف‬

‫ىذا ىو رد فعؿ محمد؟!!‪ ،‬ال أستطيع أف أفيـ ىذا إال انو فعبلً ديف إليي‪.‬‬ ‫ديف رب أغنى مف أف ينتقـ مف البشر‪ ،‬ومف أف يتصرؼ بنزؽ إنساني‪ .‬البشر‬

‫ىو الذي ينتقـ‪ .‬قؿ لي أيف مفيوـ االنتقاـ في القتاؿ اإلسبلمي؟ تحدثنا عف‬ ‫مبدأ التناسبية‪ ،‬فأيف االنتقاـ؟‪ ،‬طبعاً يتفرع مف مبدأ التناسبية مبدأ التكافؤ وىو‬

‫تحريـ االنتقاـ‪ .‬ماذا يقوؿ اهلل تبارؾ وتعالى؟ "فَِإ َذا لَِقيتم الَّ ِ‬ ‫ين َك َفُروا‬ ‫ذ‬ ‫َ‬ ‫ُ​ُ‬ ‫الرقَ ِ‬ ‫اق فَِإ َّما َمنًّا بَع ُد َوإَِّما‬ ‫وىم فَ ُش ُّدوا ال َوثَ َ‬ ‫ب ِّ‬ ‫فَ َ‬ ‫اب َح َّ ىَت إِ َذا أَث َخنتُ ُم ُ‬ ‫ضر َ‬ ‫فِ َداء"‪ .‬عجيب أنو ال يوجد انتقاـ‪ .‬فاالنتقاـ حؽ هلل تبارؾ وتعالى‪ .‬محمد ال‬ ‫ً‬

‫ينتقـ‪ .‬الصحابة ال ينتقموف‪ .‬الجندي المسمـ الحؽ القرآني ال ينتقـ‪ .‬ال يوجد‬

‫انتقاـ‪ .‬أحدىـ يقوؿ لـ أفيـ‪ ،‬كيؼ يوجد قتاؿ وعنؼ وضرب الرقاب وال يوجد‬

‫انتقاـ؟! ما المقصود؟!‬

‫‪16‬‬


‫يتحدث العمماء والمختصوف عف أنماط أربعة عمى األقؿ مف العنؼ‬

‫تناوليا فروـ وغيره‪:‬‬

‫‪ ‬النمط األوؿ وىو األكثر اعتيادية ىو نمط عادي وطيب يسمى بالعنؼ‬ ‫المعوب‪ ،‬باعثو ليس الكره وغايتو ليست التدمير كالرياضات العسكرية‬ ‫الحربية والتي ال تنتيي إلى قتؿ‪ ،‬تيدؼ إلى شحف القوى وتنشيطيا‬

‫وتيذيبيا واظيار الميارة والمياقة فقط‪ ،‬فيي نوع مف األلعاب دوف‬

‫اإلضرار باآلخر‪ ،‬فيذا العنؼ المعوب اإلنساني الذي ينتمي إلى مجاؿ‬

‫اإلنساف‪ ،‬فيو ينتمي إلى الحياة ويخدـ الحياة كما يقوؿ الدارسوف‪.‬‬

‫‪ ‬النمط الثاني وىو العنؼ االرتكاسي‪ ،‬وىو أشيع أنماط العنؼ‪ ،‬والذي‬

‫يجد جذره في الخوؼ‪ .‬باختصار ‪-‬وكي نبتعد عف المغة الفنية‪ -‬فالعنؼ‬ ‫االرتكاسي ىو عنؼ رد العدواف‪ .‬حيف يعتدى عمى حياتي فرداً أو‬

‫جماعة –قد تكوف الجماعة أمة أو شعباً‪ ،-‬حيف يعتدى عمى حريتي‬

‫وكرامتي وعمى ممتمكاتي ال بد أف أرد‪ .‬ىذا تصرؼ طبيعي فاإلنساف‬

‫يحب أف ينجى وينجو وينجو مف معو‪ .‬ىي غريزة ببل شؾ‪ ،‬وطبع ًا‬ ‫تكوف المعالجة عنفية أي عمى مستوى المخ الزواحفي‪.‬‬

‫بحسب نظرية المخ الثالوثي لمدكتور بوؿ ماكميف لدينا ثبلثة أمخاخ‪،‬‬

‫ففي العنؼ والقتاؿ والقتؿ والدفاع والصراع مف أجؿ البقاء نستخدـ‬

‫وننطمؽ ونخضع لممخ الغرزي مف حيث األصؿ‪ ،‬لكف بالطبع ىناؾ‬

‫المخ العاطفي –مخ الثدييات األوسط‪ -‬يتدخؿ‪ ،‬وبعد ذلؾ يتدخؿ المخ‬ ‫العاقؿ الراشد الموجود بالقشرة الدماغية‪ .‬فيذا ىو اإلنساف يكوف مركب‪.‬‬ ‫‪17‬‬


‫العنؼ والقتاؿ والدـ ينشأ مف المخ الغرزي –مخ الزواحؼ‪ -‬حيث ال‬ ‫توجد عاطفة –التمساح يأكؿ أبناءه وال يعرؼ ما ىي العاطفة‪ .-‬نحف‬ ‫لدينا مخ الزواحؼ‪ ،‬وبعض الناس يعيش معظـ حياتو بمخ الزواحؼ‪.‬‬

‫مخ الثدييات –المخ العاطفي‪ -‬الذي تتسـ بو القطط والكبلب والخنازير‬ ‫واألبقار والشمبانزي ال يعرفو ىؤالء!!!‪ ،‬ىذا عجيب أف يفتقد الواحد‬

‫منيـ العاطفة والبكاء والرحمة والحب والتواصؿ والعبلقات االجتماعية‪،‬‬

‫فبل يعرفيا!!!‪ .‬مثؿ ىذا الشخص ىو وحش كاسر كالتمساح‪ ،‬يعيش‬

‫كتمساح ويمتح مف ثقافة تمساحية زواحفية‪ ،‬وعار عمى اإلنساف أف‬

‫يعيش ىذا‪ .‬يقاؿ أف ىذه ىي المسيرة التطورية لمدماغ البشري وأنو مف‬ ‫عشرة مبلييف سنة كاف لدينا مخ الزواحؼ ثـ تبله مخ الثدييات ومف‬

‫نص ؼ مميوف سنة فقط تميزنا بالمخ الواعي الراشد في قشرة المخ‪ .‬ىذا‬

‫نحف‪ .‬ىذا ىو البشر ككائف عاقؿ‪ .‬ىذا ما يميزنا مف الحيوانات؛ مف‬ ‫الزواحؼ بالخصوص ثـ مف الثدييات‪.‬‬ ‫ىذ ا العنؼ يعمؿ عمى المستوى الغرزي ببل شؾ ولكف يرشده المخ‬

‫الحديث العاقؿ الراشد‪ ،‬فيحدد حدود العنؼ فيقؼ عند حدود الدفاع بأف‬

‫أدفع األذية عف نفسي‪ ،‬فإذا حصؿ ىذا أكتفي وال أنتقـ‪ .‬ال آكؿ‬

‫خصمي‪ .‬ال أطبخو‪ .‬ال أقطعو‪ .‬ال أعمؽ رأسو مثمما تعمؽ مبلبس‬ ‫الغسيؿ‪ .‬ال أضعو في قدور وأتصور إلى جانبو‪ .‬ال يمكف لئلنساف أف‬

‫يفعؿ ىذا‪ .‬فقط التماسيح تفعؿ ىذا‪ ،‬أما البشر فبل يفعؿ ىذا بؿ يرفضو‬ ‫عمى مستوى القشرة الدماغية التي تحدد المخ العاقؿ اإلنساني‪ .‬ىذا‬ ‫‪18‬‬


‫غير مقبوؿ بالمرة لكف كزاحؼ أنت تقبمو فأنت حر أف تعيش ككائف‬ ‫زاحؼ‪ ،‬أما البشر العاقؿ –ونكرر‪ -‬ال يمكف أف يقبمو‪ ،‬فما بالنا ببشر‬

‫عاقؿ متديف!!! ىذا مستحيؿ ألف المسافة فمكية كي نقبؿ ىذا‪ .‬طبعاً ال‬

‫ي عني أف كونؾ ترفع شعار بشرية وشعار ديف أنؾ أصبحت تتحرؾ‬ ‫بالمخ العاقؿ‪ .‬انتبو‪ ،‬فالشعارات ال تغني شيئاً‪ .‬السموؾ والفيـ والتجذر‬ ‫الثقافي والروحي المذ اف يعطياف العمؽ الروحي والعمؽ المعرفي –عمؽ‬

‫التجربة والخبرة‪ -‬ىذا ما يحيمؾ إلى بشر حقيقي والى إنساف كامؿ‪،‬‬ ‫يتكامؿ في سبيؿ بشرية راشدة عاقمة معقمنة ومتروحنة متصمة بالسماء‪.‬‬

‫فيذا ىو العنؼ االرتكاسي الذي ىو دفاعي ال ينتيي –كما ذكرنا‪ -‬إلى‬ ‫االنتقاـ‪.‬‬

‫‪ ‬النمط الثالث ىو العنؼ االنتقامي‪ .‬ىذا النوع مف العنؼ يخطو خطوة‬ ‫نحو اإلمراض‪ ،‬أي نحو العنؼ المرضي (التعويضي)‪ ،‬فالنيكروفيمية‬

‫ىي مرض والعياذ باهلل‪ .‬ىي اختبلؿ يشرخ الشخصية تماماً‪ ،‬بؿ يذيبيا‬

‫ويحمميا ويدمرىا ويفسدىا تماماً‪ .‬لماذا؟‬

‫الفرؽ بيف العنؼ الدفاعي االرتكاسي والعنؼ االنتقامي ىو أنني حيف‬

‫أدافع عف نفسي فأنا أدفع األذى المتوقع أو الواقع‪ ،‬وحيف يندفع األذى‬

‫ينتيي كؿ شيء وأعود إلى حالتي وسيرتي األولى‪ .‬األمر ينتيي فبل‬ ‫مجاؿ لمعنؼ بعد ذلؾ‪.‬‬ ‫أستغؿ ىذه الفرصة ألقوؿ أنو مما يزعج ويقمؽ جداً أف يغمب عمى‬

‫خطاب بعض الناس–عشنا سنوات وال زاؿ الناس يعيشوف‪ -‬عمى منابر‬ ‫‪19‬‬


‫رسوؿ اهلل –كما أسمييا ألف رسوؿ اهلل ىو مف أعطانا ىذا الحؽ بأف‬ ‫نقؼ عمى ىذه المنابر‪ ،‬وىو حؽ غير طبيعي واستثنائي تماماً‪،-‬‬

‫يزعجنا أف يغمب عمى خطابيـ ما نسمعو‪ .‬يقؼ إنساف المفترض أف‬

‫تتوفر فيو شروط كثيرة لمغاية كي يخاطب ىذا اإلنساف الطبيب‬ ‫والميندس والمؤرخ والفيمسوؼ والعامي والسائؽ والعامؿ وكؿ طبقات‬

‫الناس عمى اختبلفيـ خاصة مف ىـ مثمو أو أرقى منو‪ ،‬ويأخذ مف‬

‫وقتيـ كؿ أسبوع عشريف دقيقة أو ساعة أو ساعة وعشريف دقيقة مثمما‬

‫يفعؿ العبد الفقير لؤلسؼ‪ .‬ىذا الشخص ال بد أف تتوفر فيو صفات‬

‫كثيرة جداً واال فما عنده الحؽ لسرقة أوقات الناس‪ .‬أنت عندما تخطب‬

‫في ألؼ إنما تأخذ ألؼ ساعة مف حياة األمة‪ ،‬فماذا تقوؿ ليـ؟ دائماً‬

‫في كؿ خطبة يقولوف‪" :‬وصمى اهلل عمى محمد الضحوؾ القتاؿ!!"‪.‬‬ ‫ىؤالء الناس تصدر عف منطؽ حربي باستمرار!!‪ ،‬كأننا في ساحة‬

‫حرب!!‪ ،‬وساحة الحرب ىي تمؾ التي ينبعث إلييا اإلنساف بتأثير المخ‬

‫الزواحفي وىي حالة استثنائية‪ .‬أعود زاحفاً –مف حيث األصؿ‪ -‬ولكف‬

‫متقيد بالعقبلنية بمستويات مختمفة‪ .‬ىذه حالة استثنائية تماماً‪ ،‬والقرآف‬ ‫يعرض ليا عمى أنيا حالة استثنائية‪ .‬دعونا مف الفقو اإلسبلمي‪ ،‬مف‬

‫فقو بعض الفقياء الذيف قالوا‪" :‬ال‪ ،‬الحرب ىي الحالة األصمية!!!"‪ .‬ىذا‬ ‫جنوف وليس فقط خطأ فقيي‪ .‬كيؼ أف الحرب ىي الحالة األصمية؟ قد‬ ‫يقوؿ قائؿ أنيا في القروف الوسطى كانت كذلؾ‪ ،‬وىذا صحيح‪ ،‬وىذا‬

‫الذ ي يخفؼ مف دمغنا لحدة ما أسميناه الجنوف‪ ،‬وما كاف ينبغي ربما‬

‫أف نسميو الجنوف‪ ،‬لكف ىذا ال يعفييـ مف مسئولية أنيـ قصروا عف أف‬ ‫‪20‬‬


‫يرتقوا إلى مصاؼ القرآف العظيـ‪ ،‬فمو أحسنوا فيـ كتاب اهلل تبارؾ‬ ‫وتعالى ولـ يخضعوا لضغط الظروؼ غير السوية غير الطبيعية ألدوا‬

‫رسالة القرآف عمى وجو أحسف بكثير‪ ،‬ولما ظمموا دينيـ‪ ،‬وبالتالي‬ ‫ٍ‬ ‫بشكؿ أو بآخر‪ .‬قوليـ بأف "األصؿ ىو الحرب وأف‬ ‫أنفسيـ واآلخريف‬ ‫السبلـ ىو االستثناء" قوؿ غير صحيح‪ .‬لف نخوض في ىذا الموضوع‬

‫فيو موضوع آخر‪ .‬حدثتكـ فيو عمى كؿ حاؿ قبؿ ذلؾ‪ .‬األصؿ ىو‬

‫السبلـ والحرب ىي االستثناء‪ .‬المفترض أف يكوف الوضع ىكذا واال‬

‫نعيش في غاب‪ ،‬ويصبح العود إلى الغاب أفضؿ لنا‪ ،‬فمنترؾ حتى‬

‫السافانا ونرجع إلى الغابات األفريقية مع ذوات األربع ونتسمؽ‪ ،‬فأفضؿ‬

‫لنا أف نعيش ىذا الوضع!!‪ ،‬لكف كبشر ال بد أف نفكر عمى مستوى‬ ‫مختمؼ تماماً لنقرر أف السبلـ ىو األصؿ والحرب ىو الطاريء‪ ،‬ويوـ‬ ‫أف يط أر الطاريء سنتخذ لو عدتو ونتكمـ بمنطقو في ساحتو‪ ،‬في ساحة‬

‫الحرب وما تستتبع‪ ،‬لكف ليس اآلف وطواؿ األربع وعشريف ساعة خبلؿ‬

‫االثنا عشر شي اًر وفي كؿ السنيف نتكمـ بمغة حربية بمنطؽ حربي!!!!!‪،‬‬

‫يبدو األمر كأننا مخموقوف –نحف المسمموف بالذات‪ -‬وديننا منزؿ مف‬ ‫السماء العمية مف أجؿ أف نعادي البشر وأف يعادونا وأف نكوف في حالة‬

‫عداء مستمر‪ ،‬ونتقوؿ بنصرة اإلسبلـ ونصرة الديف!!!‪ ،‬ما ىذا؟!!‪،‬‬

‫نحف ال نعيش حالة حرب مستمرة عمى ديننا‪ .‬ما ىذا المنطؽ؟!‪ ،‬ىذا ما‬ ‫شوه عقوؿ الشباب ونفوسيـ وجعميـ عدمييف محبيف لمموت ولمتدمير‬

‫كارىيف لمحياة –سنعود إلى ىذا الموضوع بالتفصيؿ بعد قميؿ‪ ،‬فيذا‬ ‫موضوع خطبة اليوـ‪.-‬‬

‫‪21‬‬


‫عمى كؿ حاؿ‪ ..‬فالعنؼ االرتكاسي يختمؼ عف العنؼ االنتقامي مف‬ ‫حيث أف األوؿ ينقطع ويتوقؼ عند حد رد األذية‪ ،‬أما العنؼ االنتقامي‬

‫فمؤلسؼ يخطو نحو المرض خطوة –قد تكوف فسيحة وبعيدة‪ -‬فينتقـ‪.‬‬

‫لماذا طالما أف األذية ارتفعت وانتيى كؿ شيء‪ ،‬والعدو انيزـ‬ ‫وانكسر؟!! ننتقـ اآلف وننكؿ باألعداء ونمنعيـ كؿ الحقوؽ التي لمبشر‪.‬‬ ‫نصبح نحف اآلف غير بشر ألنو ال يمكف لؾ أف تتعامؿ ببل إنسانية مع‬

‫إنساف وتبقى إنساناً‪ .‬ىذا ىو بيت القصيد‪ ،‬لذلؾ أنا أقوؿ أنو حتى لو‬ ‫كاف التفكير –ولو كاف تفكير فقياء وأئمة كبار‪ -‬ىو التفكير الذي يبرر‬

‫العدواف فيو مرفوض‪ .‬حدثتكـ مرة عف فقياء عبر العصور ومنيـ‬ ‫فقياء معاصروف كبار‪ ،‬عمماء ومفكروف لف أذكرىـ مرة أخرى حتى ال‬ ‫أسيء إلييـ رحمة اهلل عمى أرواحيـ وغفر اهلل لنا وليـ جميعاً‪ .‬ىؤالء‬

‫يقولوف ‪-‬كما قمت لكـ‪" :-‬نحف ال نعطي السبلـ مجاناً كيدية إلى‬ ‫العالـ‪ ،‬أبداً بؿ ىي حالة مدفوعة الثمف‪ ،‬فبل بد لمعالـ أف يدفع ثمف ذاؾ‬

‫السبلـ!!!"‪ .‬طبعاً ىذ ا إف جاز في القروف الوسطى ألننا كنا األمة‬ ‫األقوى واألمة األعنؼ فيذا ال يجوز اآلف فنحف األمة األضعؼ‪ .‬ال‬

‫يمكف أف يصدر منا ىذا المنطؽ‪ ،‬فيذا المنطؽ يقتمنا‪ ،‬لكنو يصدر‬

‫منيـ ويصروف عميو!!!!‪ ،‬وىذه حالة انفصاـ عف الواقع‪ .‬حالة مرضية‬ ‫جنونية‪ .‬مف أنت حتى تتحدث ىذه المغة؟ أنت األضعؼ يا مسكيف‪.‬‬

‫واهلل الذي ال إلو إال ىو لو أف عدوؾ تبنى مثؿ ىذا المنطؽ ما بقيت‬

‫عمى وجو األرض يوماً واحداً‪ .‬تخيؿ أنت اليوـ أف أوروبا أو الواليات‬

‫المتحدة األمريكية تتبنى مثؿ ىذ ا المنطؽ‪ ،‬وتوافؽ عميو الشعوب الغربية‬ ‫‪22‬‬


‫فكـ تبقى األمة اإلسبلمية عمى وجو األرض؟ أجيبؾ "وال يوـ واحد‪،‬‬ ‫ألف لدييـ القدرة أف يبيدوا كؿ المسمميف‪ .‬لدييـ قنابؿ ذرية معدة تمقى‬

‫تباعاً فبل يبقى أحد‪ ،‬بؿ لف نقوؿ قنابؿ ذرية بؿ أقؿ مف ذلؾ أيضاً وال‬ ‫يبقى مسمـ عمى وجو األرض‪ .‬ىـ ال يفعموف ىذا وشعوبيـ ترفض ىذا‪،‬‬

‫فمماذا نحف نقبمو باسـ الديف ونعزوه إلى اهلل والى الرسوؿ ونقوؿ ىذا‬ ‫ديننا؟!!!!!!!!!‪ ،‬لماذا نقوؿ لمعالـ ال طماعية لكـ في السبلـ حتى‬

‫تدفعوا ثمنو؟!!‪ ،‬أف تؤدوا ثمنو خضوعاً وجزية!!!‪ ،‬فتخضعوف لنا بعد‬ ‫أف تشب المعارؾ التي نشعميا نحف!!!‪ ،‬نبتدؤىا نحف عميكـ!!! فإذا‬

‫دفعتـ الجزية وخضعتـ وخضضنا شوكتكـ وكسرنا كبرياءكـ بذلنا لكـ‬

‫سبلماً مييناً‪ .‬أي إنساف يقبؿ ىذا؟ أي حضارة تقبؿ ىذا اآلف؟ أي‬

‫ثقافة؟ في أي عصر نعيش؟ ىذه أفكار المودودي وأفكار الشييد سيد‬

‫قطب رحمة اهلل عمى الجميع‪ .‬ىذ ا دمار وعار فكري وثقافي‪ .‬ابعد عف‬ ‫منطؽ الحرب‪ .‬منطؽ ىـ أقوى ونحف أضعؼ‪ .‬نحف أعنؼ‪ .‬نحف أجف‪.‬‬

‫ابعد ىذا المنطؽ وحاوؿ أف ترى تأثير وردة فعؿ العقبلء مف البشر في‬ ‫كؿ األمـ عمى ىكذا منطؽ‪ .‬يقوؿ لؾ رد فعميـ‪ٍ :‬‬ ‫"أؼ لمثؿ ىذا الفقو‪.‬‬

‫ال نريده‪ .‬نحف لـ نعد حتى نحترمكـ‪ .‬كنا ال نحبكـ واآلف نحف ال‬

‫نحترمكـ‪ .‬ال ندري ماذا أنتـ؟ كيؼ تتحدثوف بيذه المغة؟ أيف‬ ‫أخبلقياتكـ؟ كيؼ تتبنوف ىذا المنطؽ وىذا الفقو وىذا الديف؟"‪ ،‬والمشكمة‬

‫اآلف ىي اغتصاب النص الديني لؤلسؼ الشديد –إف جاز التعبير‪،-‬‬

‫أو لنقؿ االفتئات عمى النص‪.‬‬

‫‪23‬‬


‫بالمناسبة فالنصوص كثيرة فميست فقط ما يزيد عف الستة آالؼ ومائتي‬

‫آية وعشرات ألوؼ األحاديث‪ ،‬بؿ حتى ىذه اآليات كثيرة‪ ،‬فالنصوص‬

‫كثيرة!!!‪ .‬تصبح النصوص كثيرة جداً حيف تنتزع مف سياقاتيا‪ ،‬فتصبح‬

‫كثيرة جداً جداً جداً‪ .‬فقط العب ىذه المعبة الحقيرة بانتزاع النصوص مف‬ ‫سياقاتيا وعندىا ستصبح النصوص تقريب ًا ال متناىية‪ ،‬وستبرر تمؾ‬

‫النصوص كؿ ما يراد ليا أف تبرره‪ ،‬لكف إذا خضعت لمشرط المنيجي‬

‫الميثودولوجي العممي بأف تسيؽ النصوص –أي تضع كؿ نص في‬

‫سياقو‪ -‬عندىا ستصبح النصوص قميمة جداً بؿ أقؿ مما ىي‪ ،‬ألنو لف‬

‫يصبح لديؾ خمسوف أو ستوف آية في القتاؿ بؿ سيصبح لديؾ آيتاف‬

‫فقط يتحصبلف لديؾ‪ ،‬وفي نياية المطاؼ فالنتيجة التي تنتيي إلييا أنو‬

‫ال قتاؿ إال أف يكوف رداً لعدواف‪ ،‬واذا وقع ىذا القتاؿ ال ينتيي باالنتقاـ‬ ‫ألف االنتقاـ مف حؽ الرب ال إلو إال ىو‪ ،‬فميس لدينا انتقاـ!!!‪ ،‬لذلؾ‬

‫يقوؿ تعالى‪:‬‬

‫اق"‬ ‫وىم فَ ُش ُّدوا ال َوثَ َ‬ ‫" َح َّ ىَت إِذَا أَث َخنتُ ُم ُ‬

‫أي األسر‬

‫فينكسروا‪ ،‬ثـ ماذا بعد أف نأسرىـ ىؿ ننتقـ؟ ال بؿ يقوؿ الو تعالى‪:‬‬

‫"فَِإ َّما َمنًّا بَع ُد َوإَِّما فِ َداءً"‪،‬‬

‫أي إما أف تمف عميو فتطمؽ إساره ببل‬

‫شيء أو تفاديو فتأخذ مقابمو فدية وتطمؽ أسره‪ ،‬وينتيي األمر‪ .‬أيف‬ ‫االنتقاـ؟ ال يوجد‪ ،‬وىذا يدؿ أف العنؼ اإلسبلمي ىو عنؼ أخبلقي‪.‬‬

‫نحف رأينا تمؾ السيدة المفجوعة بابنيا‪ ،‬وىنا ال يعنيني خمفية السيدة‬

‫وخمفية ابنيا‪ ،‬بؿ يعنيني أنو كاف أسي اًر وكاف مدنياً لـ يكف محارباً بؿ‬ ‫كاف صحفياً‪ ،‬وبعض ىؤالء األسرى إغاثي يغيث المسمميف في ببلد‬ ‫‪24‬‬


‫المسمميف‪ ،‬وأمو ناشدت زعيـ ىذ ا التنظيـ وىي تتكمـ بمغة باكية محزنة‬ ‫منكسرة وترجوه أال يحرميا فرحة أف ترى أحفادىا مف ابنيا الوحيد‪ .‬واهلل‬

‫الذي ال إلو إال ىو لو كاف عنده ذرة ال أقوؿ مف إسبلـ بؿ مف إنسانية‬

‫لمباىا ولعفا عنو‪ .‬الرسوؿ عميو الصبلة وأفضؿ السبلـ يوـ أف قتؿ‬ ‫النضر بف الحارث –وىو ليس مجرد كافر بؿ مجرـ حرب فيو شيخ‬

‫كبير كاف دائماً يؤلب عمى رسوؿ اهلل وعمى المسمميف في السمـ‬ ‫والحرب‪ ،‬فيو مؤلب ويعد مف مجرمي الحرب‪ -‬يوـ أف وقع في يد‬ ‫النبي فالنبي قتمو كمجرـ حرب ألنو يشعؿ نيراف الحروب باستمرار‪،‬‬

‫بكاءا أليماً وقالت شع اًر تخاطب رسوؿ اهلل‪ ،‬فمما تمي ىذا‬ ‫فبكتو أختو ً‬ ‫الشعر عمى مسامع أرحـ الخمؽ وأعرفيـ بالحؽ بكى وقاؿ "لو بمغني‬ ‫ىذا قبؿ قتمو لمننت عميو"‪ .‬ياه عمى عظمة رسوؿ اهلل فيذا النضر ليس‬

‫رجبلً عادياً ليس إغاثياً وال صحفياً‪ ،‬بؿ ىو النضر بف الحارث‪ ،‬ولكنيا‬

‫رحمة الرسوؿ بأختو فإنيا تحب أف نطمقو فما كاف ضرنا لو عفونا‬

‫عنو‪ .‬كما قالت ىي في شعرىا "ما كاف ضرؾ لو مننت وربما ***‬

‫مف الفتى وىو المغيط المحنؽ"‪ ،‬أي ما ضرؾ لو عفوت؟‪ ،‬فالرسوؿ‬ ‫صدؽ عمى كبلميا بأنو بالفعؿ ما كاف سيضر وينكسر لو كاف عفا‬

‫عنو‪ ،‬وبكى النبي‪ .‬أما ىؤالء ال يبكوف وال يرحموف دموع مف يبكي‪ .‬ال‬

‫يعرفوف فميس لدييـ ىذا المنطؽ بؿ منطقيـ ىو منطؽ انتقاـ يقولوف‬

‫ىذا ىو الديف‪ ،‬ال بؿ ىذا ليس ىو الديف‪ ،‬بؿ ىذا تصوير لمعنؼ‬ ‫االنتقامي بعد العنؼ االرتكاسي‪.‬‬

‫‪25‬‬


‫‪ ‬العنؼ المرضي‪ .‬يبقى ىذا الشكؿ المرضي مف العنؼ المتمحض مف‬

‫المرض النفسي ‪-‬وربما كاف المرض العقمي أيضاً‪ .-‬ىذا ىو العنؼ‬

‫التعويضي فاحذروه وحذروا منو وعالجوه تربوياً ثـ فكرياً وثقافياً ومعرفي ًا‪.‬‬

‫العنؼ التعويضي ىو عنؼ الفشمة والعجزة‪ .‬عنؼ شخص شعر بأنو قد‬

‫أخؿ بتوازنو‪ .‬ىو يشعر أنو كاف يقدر أف يسير عشر خطوات ولكنو لـ‬

‫يسر إال خطوتيف‪ ،‬فيشعر باأللـ وباإلحباط‪ ،‬وقد يكوف المسئوؿ ىو‬

‫المجتمع متمثبلً في السمطة السياسية والظروؼ المحمية أو اإلقميمية‪،‬‬

‫فالظروؼ منعتو‪ .‬وفي باطنو لديو ذلؾ الوعي بالمأساة وباأللـ‪ ،‬فيذا‬ ‫الشخص يعي ىذ ا‪ .‬يعي أف لديو القدرة أف يخطو عشر خطوات‪ ،‬فمماذا‬

‫اعتقمت خطواتو فمـ يخطو إال خطوتيف؟‪ ،‬وأنت مف المفترض أال تخاؼ‬ ‫مف شخص تراه أمياً وىو بالفعؿ أمياً عمى مستوى الوعي‪ ،‬فميس لديو‬

‫الوعي والتنبو الذ اتي‪ ،‬فيو ال يفيـ أنو كاف مف الممكف أف يكوف في‬

‫حاؿ أفضؿ مما ىو عميو‪ ،‬فيو ر ٍ‬ ‫اض‪ ،‬وما ىو فيو ىو منتيى المراد‬ ‫مف رب العباد‪ ،‬وفي حالة انبساط‪ ،‬ويعيش بأقؿ اإلمكانيات –كما تقوؿ‬

‫العواـ في ببلدنا يعيش عمى قطعة خبز وبصمة‪ ،-‬وال ييمو شيء مف‬ ‫أمر الدنيا‪ .‬ىذا الشخص عمى ىذه الشاكمة ال يمكف أف يكوف عنيف ًا‬

‫تعويضياً‪ ،‬فمثمو يعيش ويموت مسالماً وادعاً –غمباناً بتعبير العامة‪،-‬‬ ‫لكف يمكف لشخص آخر أمي أيضاً فيو لـ يكتب ولـ يق أر تشعر أنو‬ ‫ينطوي عمى م اررة عظيمة‪ ،‬فتعتصره مشاعر اإلحباط واليأس والغضب‬

‫السافر‪ ،‬وحيف تكاشفو ترى أنو ينطوي بالفعؿ عمى إمكانات أكثر مف‬

‫ذاؾ األوؿ‪ ،‬بؿ قد تكوف أكثر بكثير‪ ،‬بمعنى أنو بالفعؿ كاف يمكف ليذا‬ ‫‪26‬‬


‫الشخص األمي لو اتيحت لو الفرصة وتسنت وتييأت لو الظروؼ‬ ‫المناسبة أف يخرج منو شيء كبير وأف يشغؿ مكانة كبيرة في المجتمع‪،‬‬

‫وىو يعي ىذا‪.‬‬

‫ستقوؿ لي‪ :‬واحسرتاه‪ ،‬يبدو أنو قدر لنا ونحف منذوروف اآلف لمعيش في‬

‫حقبة حضارية تجعؿ أكثرنا عرضة ألف يكوف عنيفاً تعويضياً بسبب‬

‫التواصؿ الكبير بفعؿ أف العالـ بالفعؿ أصبح قرية صغيرة ‪-‬بؿ وصغيرة‬

‫جداً كحي في مدينة صغيرة‪ ،-‬بمعنى أف ىذا الوضع قد رفع مستوى‬ ‫التطمعات ومستوى الطموحات ومستوى التحديات والمقارنات إلى آفاؽ‬

‫ومصاؼ غير مسبوقة‪ .‬لـ يعد اآلف التحدي أف أكوف أفضؿ مف جاري‬

‫في قرية أجدادي‪ -‬حيث كاف يتفوؽ عمى جدي ببضعة آالؼ مف‬‫الجنييات‪ .‬ال‪ ،‬بؿ التحدي مع أصحاب المبلييف اآلف‪ ،‬وتراىـ كؿ يوـ‪،‬‬

‫وألنؾ تراىـ تظف أنؾ تممكيـ‪ ،‬باألحرى يممككـ سياؽ واحد‪ .‬ىو بشر‬

‫وأنا بشر –خاصة إف كاف عربي ًا‪ ،-‬فيو عربي وأنا عربي‪ ،‬وىو مسمـ‬

‫وأنا مسمـ‪ ،‬وىو مصري وأنا مصري‪ ،‬فما القصة؟ لما عنده مبلييف‬ ‫وليست عندي مبلييف؟‪ ،‬لما عنده فمؿ وليس عندي؟‪ ،‬وعنده وعنده‬

‫وليس لدي أي شيء‪ ،‬فتغضب جداً‪ .‬لماذا ىذا الشخص عنده ىذه‬

‫الشيادات العميا وىذا العمـ وىذه الشيرة العالمية وأنا ليس عندي؟ وطبع ًا‬ ‫المقارنة ليست مع جارؾ األستاذ الذي يتفوؽ عميؾ بشيادة دبموـ أخذىا‬

‫في ستة أشير ‪-‬فميس تحدياً بسيطاً عمى مستوى دبموـ في ستة أشير‪-‬‬

‫‪ ،‬بؿ عمى مستوى جائزة نوبؿ وأنت ال شيء ما زلت تحبو‪ .‬ىذا‬ ‫‪27‬‬


‫يغضبؾ ويحبطؾ‪ .‬ىذا ىو عالمنا‪ .‬بالمناسبة‪ ..‬فممذيف خيبتيـ الثورات‬ ‫العربية‪ ،‬وقالوا أنو بعد الثورات وجدنا الشباب ال يحبوف أف يشتغموا أو‬ ‫يعمموا بؿ يريدوف كؿ شيء ببل عمؿ‪ .‬أكثر مف بمد عربي تعاني مف‬

‫ىذه الظاىرة‪ .‬وما ذكرنا يفسره تقريباً أو لنقؿ ىو شيء مف تفسيره‪.‬‬

‫عمى كؿ حاؿ فالعنؼ التعويضي ىو عنؼ شخص فاشؿ وعاجز‪،‬‬

‫وألسباب كثيرة فقد تكوف ىناؾ أسباب موضوعية حقيقية‪ ،‬وقد يكوف‬

‫جزء مف األسباب –قميؿ أو كثير‪ -‬يعزى إليو لتقصير منو‪.‬‬

‫ىذا ىو العنؼ التعويضي‪ ،‬فاحذروا العاجز والفاشؿ ألنو يريد أف يرد‬ ‫كرامتو السميبة‪ ،‬أف يرد اعتباره لنفسو‪ ،‬يريد أف يعيد أو يستعيد التوازف‬

‫الذي شعر أنو أخؿ بو‪ ،‬ولكف ليس بالطريقة الصحيحة بؿ بطريقة‬ ‫العنؼ‪ .‬ىذا الشخص يكوف خطي اًر جداً‪.‬‬

‫ىذا النوع مف العنؼ قد يكوف سبباً في أشياء كثيرة تحدث عمى مستوى‬

‫األسر إف كاف ىناؾ فارؽ عممي أو ثقافي بيف الزوج والزوجة فبنسبة‬

‫‪ %58‬تكوف الحياة مؤىمة ومرشحة في النياية أف تنتيي إلى كارثة‪،‬‬

‫ألنو –سواء كاف الزوج أو الزوجة‪ -‬في مقتبؿ العمر وبداية الحياة يكوف‬ ‫المستقبؿ في األماـ وليس الخمؼ‪ ،‬وأعني مستقبؿ ذلؾ الطرؼ أو ذاؾ‬

‫الطرؼ‪ .‬الميـ أنو ال توجد مشكمة فزوجي أكثر تعمماً مني وأرفع منزلة‬

‫واعتبا اًر اجتماعياً مني ال مشكمة وسألحقو ألف المستقبؿ أمامي‪ ،‬وكذا‬ ‫الحاؿ لمزوج عندما تكوف زوجتو سيقوؿ نفسو أف المستقبؿ أمامو‪ .‬حتى‬

‫اآلف تكوف األمور متماشية‪ ،‬أما بعد عشر سنوات أو عشريف سنة‬ ‫‪28‬‬


‫عندما ندخؿ في الشيخوخة ال يعد ىناؾ مجاؿ لمتحصيؿ وال لمعمـ‬ ‫والشيادات واإلنجاز‪ ،‬عندىا تعتصر ىذا الطرؼ مشاعر الم اررة‬ ‫واإلحباط والغضب واليأس‪ ،‬ويريد أف يحمؿ الطرؼ اآلخر المسئولية‪،‬‬

‫فمثبلً الزوجة متعممة ولدييا شيادات وليس لديو مثميا وعندىا تبدأ‬ ‫المشاكؿ‪ .‬طبعاً كاف عمييما أف يفيما ىذا منذ البداية وأف يحذراه وأف‬

‫يعمبل عمى أال يصبل إلى ىذه النياية بالعمؿ واإلبداع واالجتياد‪ .‬ىذا‬ ‫ىو بالعمؿ والتكامؿ وليس الكسؿ وبالقعود‪ ،‬ثـ ندمر بمشاعر اإلحباط‬

‫والغضب‪ .‬ىذا خطأ‪ .‬ىذا يحدث أيضاً عمى مستوى الجماعات‬ ‫واألحزاب والطوائؼ والفرؽ‪ .‬وعمينا أف ننتبو أف الحؿ الحقيقي لمعنؼ‬

‫التعويضي ىو العمؿ والعمؿ والعمؿ‪ ،‬وأعني اإلبداع والخبلقية واإلنتاج‬ ‫وباستمرار‪ ،‬فالعبلقة عكسية بيف العنؼ التعويضي وبيف العمؿ واإلبداع‬

‫واإلنتاج‪.‬‬

‫أعود إلى موضوعي وأحوصؿ فأقوؿ يبدو أف ثقافة نيكروفيمية كارىة‬ ‫لمحياة محبة لمموت قد شاعت بيننا في العقود األخيرة‪ .‬أحدىـ قد يقوؿ أف ىذه‬

‫دعوى كبيرة‪ .‬ىذ ا نوع مف التطبيؽ واإلسقاط أنت تدعيو‪ ،‬وأجيبو ال‪ ،‬فغير‬ ‫طبيعي بالمرة أف يكثر الحديث عف الموت وعف القبر وعذاب القبر وما يتعمؽ‬

‫بالقبر بشكؿ غير مسبوؽ‪ ،‬فقد مرت فترة مف الفترات ربما متواصمة تعطى‬ ‫خطب ودروس باستمرار‪ ،‬وتطالعنا بكائيات وحزف ولطيـ‪ .‬ما ىذه النغمة؟!‪،‬‬

‫ىذ ا شيء مرعب ومخيؼ‪ ،‬وأصبح مف الضروري لمف يؤـ الناس أف يأتي‬ ‫بآيات مثؿ‬

‫"وجاءت سكرةُ المو ِ‬ ‫ت بِاِلَ ِّق"‪.‬‬ ‫َ​َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫‪29‬‬

‫ال بد أف يكوف ىناؾ حديث‬


‫عف الموت وأف يبكي ويتباكى ويبكي مف خمفو كأف ديننا جاء كي نستقيؿ مف‬ ‫الحياة‪ .‬طبعاً يردوف ال قطع اهلل لسانؾ بؿ ىذا استعداد لمموت‪ ،‬وأنا أقوؿ لكـ‬

‫أف االستعداد ال يكوف باإلعبلف عنو‪ .‬تخيؿ أف ضيفاً كريماً سيحؿ عميؾ في‬

‫بيتؾ أو دارؾ –والموت فعبلً ضيؼ سيحؿ عمينا فيو خير غائب ًينتظر‬

‫لممؤمف الصالح كما قاؿ الصحابي معاذ بف جبؿ رضواف اهلل عمى الصحابة‬

‫أجمعيف‪ -‬فيؿ يكوف االستعداد الستقبالو بأف تجمس أنت وزوجؾ وأبناؤؾ‬ ‫تتحدثوف وتكرروف بأنو "ينبغي أف نستعد ليذا الضيؼ‪ .‬استعدوا يا إخواني‪.‬‬

‫ينبغي أف نستعد‪ .‬ىيا ن ستعد‪ .‬االستعداد جميؿ‪ .‬استعدوا لمضيؼ الكريـ"‪.‬‬

‫مستحيؿ فيذا كبلـ فارغ‪ ،‬ويطب عميؾ الضيؼ والبيت حالو سيئة ال يصمح‬

‫الستقبالو‪ .‬ليس ىكذ ا يكوف االستعداد‪ ،‬فاالستعداد يكوف بكممة وبإعبلف واحد‬ ‫ثـ يبدأ العمؿ‪ .‬االستعداد لمموت‬

‫"لِيَب لُ َوُكم أَيُّ ُكم أَح َس ُن َع َمالً"‪.‬‬

‫أي أف‬

‫االستعداد لو يكوف بالعمؿ وليس بالكبلـ‪ ،‬وأف نقضي األربعة والعشريف ساعة‬ ‫يومياً في مواعظ عف الموت والقبر والعذاب والنكير والمنكر‪ .‬ليس بالكبلـ‪،‬‬ ‫ليس بيذه الكيفية‪ .‬ىذا خطأ بؿ يكوف بالعمؿ‪ .‬بتعميـ الناس أف يجودوا العمؿ‬

‫وأف يحسنوا نمط حياتيـ وطرؽ تفكيرىـ وانتاجيـ وابداعيـ‪ .‬ىذا ىو االستعداد‬ ‫لمموت‪ ،‬لذلؾ يقوؿ تعالى‪:‬‬

‫َّمت لِغَ ٍد"‪،‬‬ ‫س َما قَد َ‬ ‫" َولتَ نظُر نَف ٌ‬

‫فالغرض ىو‬

‫التقديـ أي أف أقدـ بأف أفعؿ الخير وأبذؿ المعروؼ وأجعؿ الحياة مكاناً أفضؿ‬

‫لمناس‪ .‬أجعؿ قريتي أو مدينتي أفضؿ‪ ،‬أو بالنسبة لئلنساف الكبير العظيـ مف‬

‫الذيف خمقيـ اهلل ليحسنوا مستوى الدنيا‪.‬‬

‫‪30‬‬


‫اىا فَ َكأََّ​َّنَا أَحيَا‬ ‫أنا اليوـ أفكر وأنا في طريقي إليكـ في آية " َوَمن أَحيَ َ‬ ‫النَّاس َِ‬ ‫يعا"‪ ،‬وبصراحة حسدت العالـ لويس باستير مؤسس عمـ‬ ‫َج‬ ‫ً‬ ‫َ‬

‫الميكروبيولوجي‪ .‬حسدتو وأقسـ عمى ىذا باهلل ألنني فكرت باآلية مف زاوية‬

‫ثانية‪ ،‬حيث أف ىذه اآلية تتناوؿ مف؟‪ ،‬عندما أفكر في فمسفة حياة وفمسفة‬ ‫موت‪ ،‬ثقافة حياة وثقافة موت فالقرآف يقوؿ‪:‬‬

‫النَّاس َِ‬ ‫َج ًيعا"‪،‬‬ ‫َ‬

‫اىا فَ َكأََّ​َّنَا أَحيَا‬ ‫" َوَمن أَحيَ َ‬

‫وبالمناسبة ىؤالء كارىو المجاز المصابوف بخمؿ عصبي –كما‬

‫ذكرت لكـ‪ -‬يجعميـ أعجز مف أف يمضوا مع اآلية مجازياً ورمزياً سيقوؿ لؾ‬ ‫أحدىـ في تفسير ىذه اآلية –وىذا طبعاً نموذج جاىز ساذج في التفسير‪ -‬أف‬

‫ىذه اآلية ال تمزمني ألنيا مف شرع بني إسرائيؿ‪ ،‬بؿ وسيتيمني بالجيؿ‬

‫ويدعوني لقراءتيا!!!!‪ ،‬فاآلية تقوؿ في أوليا‪ِ " :‬من أَج ِل ىَذلِ‬ ‫ك َكتَب نَا َعلَ ىى‬ ‫َ‬ ‫س أَو فَ َس ٍاد ِ​ِف اَّلَر ِ‬ ‫بَِ​ِن إِسَرائِيل أَنَّوُ َمن قَتَل نَف ًسا بِغَ ِْي نَف ٍ‬ ‫ض فَ َكأََّ​َّنَا قَتَ َل‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫يعا"‪ ،‬فيذا شرع بني‬ ‫َّاس َ​َج ًيعا َوَمن أَحيَ َ‬ ‫َّاس َ​َج ً‬ ‫اىا فَ َكأَ​َّنَا أَحيَا الن َ‬ ‫الن َ‬ ‫إسرائيؿ وليس شرعاً لنا إذا عارض شرعنا ففي شرعنا عمى األرجح أف دماء‬

‫ا لناس ليست متساوية‪ ،‬اإلنسانية ليست متساوية‪ ،‬فالمؤمف ليس كالكافر وال‬ ‫يقتؿ مسمـ بكافر‪ ،‬وىذا رأي الجماىير خبلفاً ألبي حنيفة ومف شايعو مف‬ ‫فقياء الكوفة وغير فقياء الكوفة‪ .‬ىذا نرد عميو ونقوؿ‪" :‬استيقظ" أو كما يقوؿ‬

‫العامة‪" :‬صح النوـ"‪" .‬كؿ عاـ وأنت بخير وبارؾ اهلل فيؾ"‪ .‬مثؿ ىذا ال يعمـ‬

‫أنو ال يعمـ أنو تورط بيذ ا القوؿ بدعوييف بؿ بتقريريف خطيريف لمغاية‪ .‬التقرير‬ ‫األوؿ‪ :‬أف دينو ليس ىو األعظـ أخبلقية‪ ،‬بالنسبة لو ليست لديو مشكمة في‬ ‫‪31‬‬


‫اإلقرار بذلؾ‪ ،‬فبل مشكمة لديو أف يقوؿ "ديني ليس أكثر أخبلقية!!! بؿ ديف‬ ‫بني إسرائيؿ ىو األكثر أخبلقية!!" ألنو في عرفو أف القاعدة تقوؿ أف "شرع‬

‫مف قبمنا ليس شرعاً لنا"‪ .‬لـ يتنبو ىو وكذا الفقياء الذيف وضعوا ىذه القواعد‬ ‫أنو في مثؿ ىذا المورد بالذات‬

‫ِ‬ ‫ك ‪"...‬‬ ‫" ِمن أَج ِل ىَذل َ‬

‫أف اآلية جاءت في‬

‫سياؽ قصة قابيؿ وىابيؿ مأساة البشرية األولى‪ ،‬فالقرآف ىنا يدعوؾ إلى‬

‫االنفتاح األخبلقي حتى المديات األبعد ويقوؿ لؾ إذا استطعت –وقد قالو‬

‫بالفعؿ تفصيبلً‪ -‬أف تحقؽ اكتساحاً وتفوقاً أخبلقياً عمى ىذه الشريعة أيضاً‬ ‫فافعؿ فأنا أريد ىذا‪ ،‬ولذ لؾ دعاؾ القرآف إلى أف تعفو وتغفر وتصفح حتى‬

‫عمف قتمؾ بؿ مف قتمؾ عمداً‪ ،‬وأخبرؾ أف ىذا الذي أحبو‪ ،‬فيذا يتجاوز نفس‬

‫بنفس وعيف بعيف‪ .‬ىذا الشخص كاره المجاز المصاب بيذا العوؽ العصبي لـ‬

‫يفيـ ىذا بؿ يقوؿ بتفاخر‪" :‬ىذا شرع ال يمزمني!!"‪ ،‬كأنو يقوؿ بالفـ المآلف‬

‫والضرس القاطع‪" :‬ديني ليس أكثر أخبلقية‪ ،‬وال يضيرني!!"‪" ،‬وديني ىو‬ ‫الحؽ!!!"‪ ،‬وكأنو يقوؿ بعبارة ثانية أف الحؽ يمكف أف يتعارض مع‬

‫األخبلقية!!!‪ ،‬وأف عقمو يقبؿ الحؽ والبلأخبلقية متجاوريف بؿ متعايشيف!!‪،‬‬

‫ىذه كوارث حقيقية!!‪ .‬يعطي شيكاً عمى بياض لآلخريف‪ .‬يقوؿ ليـ‪" :‬دينكـ‬ ‫أكثر تقدماً مني وأكثر إنسانية!!"‪ .‬مرحباً بالجيؿ وبالعار باسـ الديف وباسـ‬ ‫أصوؿ الفقو وباسـ الفقو‪ .‬ما ىذا الذي نعيشو؟‪ ،‬أقوؿ قولي ىذا وأستغفر اهلل‬

‫لي ولكـ‪.‬‬

‫‪32‬‬


‫الخطبة الثانية‪:‬‬ ‫الحمد هلل‪ ..‬الحمد هلل الذي يقبؿ التوبة عف عباده ويعفو عف السيئات‪،‬‬ ‫ويعمـ ما تفعموف‪ ،‬ويستجيب الذيف آمنوا وعمموا الصالحات ويزيدىـ مف فضمو‬ ‫والكافروف ليـ عذاب شديد‪ ،‬وأشيد أف ال إلو إال اهلل وحده ال شريؾ لو‪ ،‬وأشيد‬ ‫أف محمداً عبده ورسولو‪ ،‬صمى اهلل تعالى عميو وعمى آلو وأصحابو وسمـ‬ ‫تسميماً كثي اًر‪.‬‬ ‫أما بعد‪ ..‬ليس طبيعياً وليس عادياً وليس مفيوماً أف تشيع أيضاً تمؾ‬ ‫الكتب والكتيبات والكاسيتات والمحاضرات باأللوؼ –بؿ ربما بمئات األلوؼ‪-‬‬ ‫حوؿ أشراط الساعة وقرب انتياء العالـ و دفور الدنيا‪ .‬ىذا شيء ال يكاد‬ ‫يصدؽ‪ .‬ادخؿ عمى موقع اليوتيوب واكتب "نياية الدنيا" أو "نياية العالـ"‬ ‫وستجد أف مئات ألوؼ المتابعيف يشاىدوف ويتابعوف مثؿ ىذه النوعية مف‬ ‫الفيديوىات‪ .‬يرونيا أشياء جميمة‪ .‬قد يتعجب أحدىـ ويقوؿ‪" :‬ماذا في ىذا؟‪،‬‬ ‫فيذا مف ديننا"‪ ،‬بؿ ىذ ا ديف يمشي عمى رأسو‪ ،‬فحتى القتؿ والقتاؿ ديف ولكف‬ ‫ىناؾ أولويات وبنية وتركيب معيف لمديف‪ ،‬فيذا الذي يحدث ىو تشويو لمديف‪.‬‬ ‫الشيء الصغير تجعمو عظيماً جداً مثمما قاؿ نيتشو مرة‪" :‬تخيموا رجبلً طاؿ‬ ‫أنفو حتى غدا متريف مثبلً وقصرت ساقاه حتى غدت عشرة سنتيمترات‪ ،‬فكيؼ‬ ‫سيكوف شكؿ ىذا المسخ؟!"‪ ،‬أنتـ تتدينوف بديف ممسوخ‪ ،‬ىذا مسخ لمديف‪،‬‬ ‫‪33‬‬


‫فالحديث عف الساعة والقيامة يكوف فقط كالحديث عف الموت لبلستعداد‪ ،‬كي‬ ‫تكوف مستعداً‪ .‬صحيح أف الساعة ربما لف تقوـ في حياتؾ ولكف اعمؿ ألنؾ‬ ‫إف مت قامت قيامتؾ كما أشار النبي إلى ىذا المعنى في أحد األحاديث‪،‬‬ ‫فاإلنساف حيف يموت تقوـ قيامتو‪ .‬إذف فالقيامة قريبة بؿ ىي أقرب مف شراؾ‬ ‫نعمؾ‪ ،‬فيي قريبة كالموت تماماً‪ ،‬وذلؾ بقرب الموت‪ .‬إذف اعمؿ‬

‫َّمت لِغَ ٍد"‪.‬‬ ‫س َما قَد َ‬ ‫نَف ٌ‬

‫" َولتَ نظُر‬

‫بؿ إف الصادؽ المصدوؽ لو كممة في ىذا المقاـ‪،‬‬

‫وىنا أتحدى أف تأتوا مف كؿ تراث البشرية ‪-‬كممة عف بوذا أو المسيح أو‬ ‫كونفشيوس أو موسى أو أرسطو أو أفبلطوف أو أي أحد تريدوف‪ -‬بمثؿ ىذه‬ ‫الكممة مفعمية بالحياة والعمراف والتمديف واإلبداع واإلنجاز والعطاء‪ .‬يقوؿ‬

‫صمى اهلل عميو وسمـ‪" :‬إف قامت الساعة وبيد أحدكـ فسيمة –فرخ نبات يزرع‬ ‫في األرض‪ -‬فإف استطاع أف ال يقوـ حتى يغرسيا فميفعؿ"‪ .‬يا اهلل يا رسوؿ‬ ‫اهلل!!!‪ ،‬فممف ىذه وأنت تقوؿ أف الساعة تقوـ وقتيا؟! فربما كانت النجوـ‬ ‫تنكدر أو العالـ يضطرب ويمور‪ ،‬وفي يدي فسيمة ويمكف أف أغرسيا قبؿ أف‬ ‫ينيار كؿ شيء!!!‪ ،‬ىنا يأتي األمر النبوي‪" :‬اغرسيا"‪ .‬إذف فيؿ النبي يريد أف‬ ‫تعمر األرض أـ تعمر النفس؟‪ ،‬بؿ النفس‪ ،‬فالنبي يريد ىذه النفس أف تعمر‬ ‫وأف تخضر وأف تورؽ‪ ،‬يريدىا أف تصبح جنائف وارفة فينانة ذات بيجة‪.‬‬ ‫فاليدؼ ىي النفس واال فاألرض تقوـ قيامتيا بعد دقيقة‪ ،‬والنبي يعرؼ ىذا‬ ‫ويأمر "فميغرسيا"‪.‬‬ ‫‪34‬‬


‫أقوؿ لكـ ‪-‬وىذا شيء ميـ وتحميؿ في العمؽ اآلف‪ -‬أنو ال يعد مبر اًر‬ ‫وال مسوغاً بأي وجو مف الوجوه أف مف أحب لنفسو الموت –فبعض الناس‬ ‫يحب الموت‪ ، -‬ونحف لـ نحفظ مف تاريخ الجياد اإلسبلمي كمو مثمما حفظنا‬ ‫تمؾ العبارة‪" :‬فمنبعثف إليكـ‪ ،‬فمنأتينكـ بقوـ يحرصوف عمى الموت حرصكـ‬ ‫عمى الحياة"‪ ،‬وىذا منطؽ حرب وجيد أف يقاؿ في الحرب‪ ،‬ولكف إياؾ أف‬ ‫تقولو في السبلـ‪ ،‬إياؾ أف تقولو مثبلً في ىذا المسجد في ىذه الحالة‪ ،‬ذلؾ أف‬ ‫الحرص عمى الموت ال يكوف إال لمشخص المدمر النيكروفيمي العدمي كاره‬ ‫الحياة‪ ،‬لكف الناس تفيـ خطأ أف الشخص إذا كانت لديو شجاعة واخبلص‬ ‫في طمب الموت حتى بنحر نفسو وبتفجير نفسو فيذا يقدـ مبر اًر لبلستخفاؼ‬ ‫بحيوات اآلخريف‪ ،‬فإذا قتؿ جر معو في الطريؽ مائة أو مائتيف وربما ألفاً‬ ‫وألفيف‪ .‬يدمر بمداً كاممة ويصير مجاىد عظيـ!!‪ ،‬وستجد مف يدافع عنو ويقوؿ‬ ‫لؾ‪" :‬يكفيو يا أخي –قطع اهلل لسانؾ‪ -‬أنو ضحا بنفسو"‪ ،‬وأنا أقوؿ بؿ قطع‬ ‫اهلل أمثالؾ وأمثالو فمثمكـ جديروف بالقطع وليس لساني ألف ىذا عدو الحياة‪،‬‬ ‫كاره لمحياة‪ .‬يحتاج إلى تحميؿ ودراسة لنفسيتو وعقميتو‪ .‬ليس لنا دخؿ بو‪ .‬لديو‬ ‫مشكمة –كاف مف المفترض أف تكوف الخطبة اليوـ ىي نوع مف التحميؿ‬ ‫النفسي لشخصيات ىؤالء النيكروفيمييف‪ ،‬ولكف نعد بيذا في الخطبة القادمة إف‬ ‫شاء اهلل‪ .-‬ىذ ا حمو أف نبحث في مشكمتو ببحث الثقافة التي تغذى عمييا في‬ ‫البيت في المدرسة في المسجد‪ ،‬فيذا شخصية متداعية‪ ،‬فميست ىذه ىي‬ ‫‪35‬‬


‫الشخصية المحمدية القرآنية‪ ،‬ليس ىذا ىو المؤمف‪ .‬ليس ىذا ىو الحي محب‬ ‫الحياة ومحب العمراف‪ .‬يقوؿ تعالى‪:‬‬

‫فِ َيها"‪.‬‬

‫" ُى َو أَن َشأَ ُكم ِم َن اَّلَر ِ‬ ‫ض َواستَ ع َمَرُكم‬

‫ليس ىذا ابف النص اإلسبلمي "فميغرسيا"‪ .‬يقولوف‪" :‬طالما أنو يحب‬

‫الموت فبل مشكمة!!"‪ .‬مثؿ ىذا يبرر لو إماتتو –قتمو‪ -‬وتدميره لآلخريف‪ ،‬ونحف‬

‫نرد بأف ىذا ال يبرر لو بأي حاؿ مف األحواؿ‪ ،‬فافيموا ىذا جيداً‪.‬‬ ‫إذف فشيوع ثقافة القبر والموت وأمثاليا أمر غير طبيعي‪ ،‬وكذا شيوع‬ ‫ثقافة عبلمات الساعة وأشراطيا وكيؼ ستقوـ الدنيا‪ ،‬وطباعة مجمدات‪ ،‬وبث‬ ‫حمقات متمفزة قد تصؿ إلى خمسيف أو ستيف حمقة‪ ،‬كؿ ىذا عار‪ .‬ماذا نريد‬ ‫مف ىذا؟‪ ،‬بدالً مف ستيف حمقة عف عبلمات الساعة أريد ستة آالؼ حمقة عف‬ ‫إعادة بناء الثقافة والمعرفة والحضارة‪ ،‬وكيؼ تستعيد ىذه األمة اإلسبلمية‬ ‫مكانتيا بيف األمـ‪ ،‬ولف أتطاوؿ ألف أقوؿ ولتتصدر الركب فبل زلنا بعيدوف‬ ‫جداً عمى أف نتصدر‪ ،‬لكف عمى األقؿ لنستعيد مكانتنا وتكوف لنا مكانة‪.‬‬ ‫عندما أسمع رجبلً كفاروؽ الباز العبلمة المصري الكبير المعروؼ لمجميع‬ ‫يقوؿ أنو يحزنني أنو مف العالـ العربي كمو ‪-‬وىـ ثمانمائة مميوف بشر عمى‬ ‫األقؿ‪ -‬تقريباً ال يوجد واحد أو اثنيف يقدموف دكتوراه في عموـ الفضاء‪ .‬عموـ‬ ‫فضاء ماذ ا؟!!‪ ،‬لدينا مائة ألؼ شيخ يحثوف عمى العنؼ والقتؿ والدمار‬ ‫ويقولوف اذبحوىـ واكرىوىـ‪ ،‬ويقولوف أف تمؾ عبلمة الصحوة!!‪ ،‬عف أي‬ ‫‪36‬‬


‫صحوة نتحدث؟ ىذه غفوة الموت والعياذ باهلل‪ .‬ال أحد يطمب معرفة وال ييتـ‬ ‫بالمعرفة‪ .‬أنا أقوؿ لكـ ‪-‬وأنتـ ربما تعمموف ىذا‪ -‬أف خطبة مثؿ ىذه منكورة‬ ‫مرفوضة في كؿ منابر العالـ اإلسبلمي‪ .‬سيقولوف ىذه ليست خطبة بؿ ىذه‬ ‫محاضرة‪ ،‬خمطت فييا الفمسفة بعمـ النفس بالتاريخ‪ ،‬وأتت عمى ذكر المبلحدة‬ ‫والكفار وغيرىـ‪ .‬سيقولوف ما ىذا؟ ليس ىذا الديف؟‪ ،‬بؿ ىذا ىو الديف في‬ ‫عمقو‪ .‬يريدوف ديف ترديدي "قاؿ اهلل وقاؿ الرسوؿ"‪ ،‬وبالمعنى الذي يفيمونو –‬ ‫معنى التكاره والبغضاء والتناحر‪ .-‬يكمؿ فاروؽ الباز فيقوؿ‪" :‬فأما مف اليند‬ ‫وأما مف الصيف فحدث وال حرج فكؿ عاـ يسجؿ مئات في ىذا التخصص"‪،‬‬ ‫فأكثر شعب يبعث أبناءه لمتسجيؿ في الدكتوراه في تخصص عموـ الفضاء‬ ‫ىي اليند‪ ،‬مف سنوات –عمى ما أذكر‪ -‬ذ كر الرقـ وقاؿ أف عددىـ يصؿ إلى‬ ‫‪ 088‬سنوياً‪ ،‬رغـ أف الشعب اليندي ىو شعب فقير جداً لكف ىناؾ ديمقراطية‬ ‫حقيقية وارادة نيوض وحياة وبناء‪ .‬توجد عظمة ديمقراطية وتنوع في شغؿ‬ ‫المناصب القيادية في الدولة بيف أبناء الديانات المختمفة ما بيف مسمميف‬ ‫وسيخ وىندوس!!!‪ ،‬بينما نحف نقوؿ أننا أمة واحدة وال نستحي أف نؤذف في‬ ‫اليوـ والميمة خمس مرات ونتذابح‪ .‬الشيعي يؤذف كما يؤذف السني كما الزيدي‬ ‫كما اإلباضي ونتذابح ونتكاره والكؿ يؤلب عمى الكؿ‪ .‬تباً لنا‪ ،‬ىذا عار عمينا‬ ‫إذ ندعي أننا أمة واحدة!!!!‪ .‬أيف ىذه الوحدة؟ أفيموني أيف ىي؟ بينما ىذه‬ ‫شعوب تتعايش فييا كؿ األدياف وكؿ الطوائؼ ويتقاسموف ويتشاركوف الحكـ‬ ‫‪37‬‬


‫في أعمى مستوياتو‪ .‬ىذه عظمة نحتاج إلييا‪ .‬ينبغي أف نتوؽ إلييا‪ .‬ينبغي أف‬ ‫نعمميا‪.‬‬ ‫لؤلسؼ أدركنا الوقت‪ ،‬وكما وعدتكـ فيذه الخطبة إف شاء اهلل ليا تتمة‪.‬‬ ‫فكروا معي في األسبوع المقبؿ في سمات الشخصية كارىة الحياة محبة‬ ‫الموت‪ .‬فكروا فييا وادرسوىا عممياً‪ ،‬وبعد ذلؾ نحاوؿ أف نطبؽ فيؿ فعبلً لدينا‬ ‫في العقود األخيرة ثقافة كارىة لمحياة محبة لمموت‪ ،‬وبالتالي ىي ثقافة تدميرية‬ ‫ونحرية وانتحارية؟ أو ليس لدينا تمؾ الثقافة‪ ،‬ونأمؿ أال تكوف لدينا‪ .‬سوؼ‬ ‫نرى‪.‬‬ ‫الميـ إنا نسألؾ اليدى والتقى والعفاؼ والغنى‪ .‬عممنا ما ينفعنا‪ ،‬وانفعنا‬ ‫بما عممتنا‪ ،‬وزدنا عمماً‪ .‬الميـ اىدنا فيمف ىديت‪ ،‬وعافنا فيمف عافيت وتولنا‬ ‫فيمف توليت‪ ،‬وبارؾ الميـ لنا فيما أعطيت‪ .‬اغفر لنا ولوالدينا‪ ،‬ولممسمميف‬ ‫والمسممات‪ ،‬ولمف حضر األحياء منيـ واألموات‪ ،‬برحمتؾ يا أرحـ الراحميف‪.‬‬ ‫وقنا الفتف ما ظير منيا وما بطف‪ .‬عباد اهلل‪ ..‬إف اهلل يأمر بالعدؿ واإلحساف‬ ‫وايتاء ذي القربى‪ ،‬وينيى عف الفحشاء والمنكر والبغي‪ ،‬يعظكـ لعمكـ تذكروف‪.‬‬ ‫فستذكروف ما أقوؿ لكـ‪ ،‬وأفوض أمري إلى اهلل إف اهلل بصير بالعباد‪ ،‬وأقـ‬ ‫الصبلة‪.‬‬

‫‪38‬‬


39


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.