ليبيا

Page 1


‫ودائما‬ ‫ليبيا أوال‪..‬‬ ‫ً‬



‫حسن طاطاناكي‬

‫ودائما‬ ‫ليبيا أوال‪..‬‬ ‫ً‬


‫ليبيا أوال‪ ..‬ودائمًا‬ ‫تأليف‪ :‬حسن طاطاناكي‬ ‫© جميع الحقوق محفوظة‬ ‫مجلة‬ ‫أسبوعية سياسية شاملة‬ ‫طبع في يونيو ‪2015‬‬ ‫مطابع األهرام‬ ‫جمهورية مصر العربية‬ ‫المدير الفني وتصميم الغالف‪ :‬سامح الكاشف‬ ‫اإلخراج الفني والتنفيذ‪ :‬أحمد نجدي‬


‫المحتويات‬ ‫الحرب األهلية ليست صناعة ليبية!‪7................................‬‬

‫متى تصدر مذكرات القبض على القتلة؟! ‪15.....................‬‬

‫والمهجرون ليسوا مل ًفا لالستثمار السياسي ‪25....‬‬ ‫النازحون‬ ‫ّ‬

‫حكومة «الوفاق الوطني» الفتة مخادعة! ‪33.......................‬‬ ‫األخطاء العشرة لإلخوان المسلمين في ليبيا ‪41................‬‬

‫هل يقبل الليبيون بحكم الكيانات اإلرهابية؟! ‪47.............‬‬ ‫الليبيون أمام سؤال التحرير! ‪53............................................‬‬

‫طرابلس على عتبة التحرير ‪59...............................................‬‬

‫المحاصصة السياسية تعني إلغاء سيادة الشعب ‪67...........‬‬ ‫بناء الدولة وإشكال ّيات ما بعد الحرب ‪75...........................‬‬

‫لماذا ال يفرض الشعب وجوده ‪81........................................‬‬


‫على المشهد السياسي؟! ‪81..................................................‬‬ ‫الديكتاتورية تعود إلى ليبيا!!‪89............................................‬‬

‫االنقالب الثاني على الشعب ‪97...........................................‬‬

‫«دمي يقاتلني اآلن» ‪103............................................................‬‬ ‫القضية الجنائية األولى ‪111......................................................‬‬

‫حتى ال ينهار الجدار األخير ‪117.............................................‬‬

‫ألغام ما بعد الحرب!! ‪123.......................................................‬‬ ‫الشعب يتّهم‪129...................................................................!..‬‬

‫مهمة وطنية عاجلة ‪135.............................................................‬‬ ‫ّ‬ ‫جريمة المحاصصة السياسية! ‪141.........................................‬‬


‫حوار جنيف‪ ..‬والمغالطات الكبرى(((‬

‫الحرب الأهلية لي�ست �صناعة ليبية!‬ ‫هل اختلط األمر على األمم المتحدة فلم تعد تعرف كيف‬ ‫تصف األحداث الجارية في ليبيا اآلن؟‬

‫هل ضاعت الخريطة من المراقبين والمبعوثين الدوليين‬ ‫إلى درجة أنهم يصفون الحرب ضد اإلرهاب في ليبيا بأنها‬ ‫حرب أهلية؟‬

‫إن أشدّ ما يثير غيظي هو أن من يسمعون وصف‬ ‫الحرب األهلية سوف يتوقعون أن الليبيين مثل الهوتو‬ ‫والتوتسي!!‬ ‫حرب الهوتو والتوتسي في رواندا كانت حر ًبا أهلية مات‬

‫((( مجلة المستقل‪ ،‬العدد األول‪ 8 ،‬فبراير ‪.2015‬‬ ‫‪7‬‬


‫ذبحا بالمنجل ألنهم ينتمون‬ ‫فيها عشرات اآلالف من الناس ً‬ ‫إلى أكثر من عرق‪ ..‬فهل الليبيون اآلن مثلهم؟!‬ ‫إن أخطر ما في وصف «الحرب األهلية الليبية» هو أنه‬ ‫يوحي بأن الليبيين ينقسمون إلى أعراق أو أديان مختلفة‪ ،‬وأن‬ ‫هذه األعراق أو األديان أصبحت غير قادرة على التعايش‪،‬‬ ‫وأن الحرب بالتالي هي نتيجة منطقية للتركيبة الليبية اجتماع ًيا‬ ‫ودين ًيا‪ ..‬باختصار‪ :‬هذا الوصف الذي تحاول بعض األطراف‬ ‫الدولية تمريره هو من قبيل الوصف الظالم الذي يلوي عنق‬ ‫الحقائق وال صلة له بما يحدث اآلن في ليبيا‪.‬‬

‫إن الحقيقة التي ال مراء فيها هي أن ليبيا لم تعرف الحرب‬ ‫األهلية في تاريخها الحديث‪ ،‬بل هي تشهد اآلن حر ًبا مصيرية‬ ‫ضد اإلرهاب‪ .‬وبالرغم من اتساع دائرة الحرب ضد اإلرهاب‬ ‫إال أنها لم ـ ولن ـ تتحول إلى حرب أهلية‪ ،‬ألن العوامل‬ ‫المكونة للحرب ضد اإلرهاب تختلف جذر ًيا عن العوامل‬ ‫ّ‬ ‫المكونة للحرب األهلية‪ ..‬والذين يحاولون اآلن تسريب‬ ‫صفة «الحرب األهلية» يريدون في الحقيقة تمرير «أجندة»‬ ‫محدّ دة ليست في صالح ليبيا أو الليبيين‪.‬‬ ‫لقد بدأت الحرب ضد اإلرهاب في ليبيا منذ أن بدأت‬ ‫العصابات اإلرهابية والتشكيالت المس ّلحة التي يقودها‬ ‫‪8‬‬


‫المتطرفون تأخذ مكانها في المشهد السياسي‪ ،‬وكانت بداية‬ ‫دعما‬ ‫معركة الكرامة التي يقودها الجيش الليبي والتي تشهد ً‬ ‫كبيرا هي البداية الفعلية للمواجهة المسلحة‪.‬‬ ‫شعب ًيا ً‬

‫لقد اصطف الشعب الليبي بأسره (باستثناء المض ّللين‬ ‫منهم) وراء عملية الكرامة التي يقودها الجيش الليبي ضد‬ ‫فرق اإلرهاب وتشكيالته المس ّلحة‪ ،‬سواء كانت هذه الفرق‬ ‫والتشكيالت ليبية أو وافدة‪ ،‬ولم يعد هناك مجال لمداراة‬ ‫الحقيقة أو وصف ما يحدث بأكثر من ذلك‪ ..‬إنها حرب ضد‬ ‫اإلرهاب حفا ًظا على ليبيا بالدرجة األولى‪ ،‬وحفا ًظا على أمن‬ ‫المتوسط والعالم ‪.‬‬ ‫وأخيرا حفا ًظا على أمن دول‬ ‫دول الجوار‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫* * *‬

‫هناك فرق واضح إذن بين الحرب على اإلرهاب وبين‬ ‫الحرب األهلية‪ .‬ففي العالم الحديث أصبح اإلرهاب ظاهرة‬ ‫أممية‪ ،‬أما في الشرق األوسط تحديدً ا فإن اإلرهاب أصبح‬ ‫صفة لصيقة بالمتأسلمين المتطرفين الذين يتخذون اإلسالم‬ ‫غطاء لجرائمهم وما يرتكبونه من أعمال وحشية ال صلة لها‬ ‫بالعقيدة اإلسالمية‪ .‬وإذا ركّزنا أكثر على ليبيا فإننا سنجد أن‬ ‫اإلخوان المسلمين هم رأس البالء‪ ،‬وسبب الكوارث التي‬ ‫نعاني منها اآلن‪.‬‬ ‫‪9‬‬


‫فالتشكيالت المسلحة من الدواعش أو القاعدة أو أنصار‬ ‫الشريعة (وهي تشكيالت وافدة أو مختلطة) لم تكن لتصمد‬ ‫وتستمر لوال أنها وجدت في االنقالبيين من اإلخوان حلي ًفا‬ ‫لها يزودها بغطاء سياسي ومالي ‪.‬‬ ‫وفجر ليبيا وشورى الثوار وغيرها من الجماعات (وهي‬ ‫تشكيالت مسلحة تم تفريخها في ليبيا) لم تكن لتخرج إلى‬ ‫الوجود لوال دعم اإلخوان وتمويلهم والتمهيد لهم لكي يسيطروا‪.‬‬ ‫والتدخل الخارجي من قطر وتركيا والسودان ما كان له‬ ‫ليحدث لوال فتح الباب لهذه الدول من قبل اإلخوان الذين‬ ‫انقلبوا على الشرعية وأقاموا حكومة موازية ال شرعية لها‪.‬‬

‫وهكذا فإن النسخة الليبية من التنظيم الدولي لإلخوان‬ ‫المسلمين وجدت أن الوسيلة التي تحقق لها السيطرة على‬ ‫الحكم هي التحالف الميداني مع التشكيالت المسلحة‬ ‫وتكوين المزيد من التشكيالت لتعمل كأذرع عسكرية لها‪،‬‬ ‫أي فرض السيطرة بالقوة مثل أي انقالب عسكري‪.‬‬ ‫أمام هذا الوضع كانت حركة الكرامة التي قادها الجيش‬ ‫ملتحما بالشعب الذي طفح به الكيل من وجود‬ ‫الليبي‬ ‫ً‬ ‫اإلرهابيين وسعيهم من أجل السيطرة على ليبيا‪.‬‬ ‫* * *‬


‫ليبيا بلد ال توجد فيه عدّ ة أعراق متصارعة‪ ..‬وإذا ما ذكرنا‬ ‫األمازيغ والتبو والطوارق ً‬ ‫مثل‪ ،‬فهذه المكونات ليست جزءا‬ ‫من الصراع الدائر في ليبيا وهو الصراع الذي ال عالقة له‬ ‫باألسباب اإلثنية أو االجتماعية‪.‬‬ ‫وليبيا بلد ال أديان مختلفة وال طوائف فيه‪ ،‬وإذا ما ذكرنا‬ ‫األباضية فإننا نعرف جيدً ا أن هذا المذهب أقرب إلى‬ ‫المالكية‪ ،‬والمحصلة أنه ال يوجد في ليبيا مذاهب مختلفة‬ ‫ً‬ ‫وفضل عن‬ ‫لدين واحد‪ ..‬فالليبيون جمي ًعا على دين واحد‪،‬‬ ‫ذلك فإنهم على مذهب واحد‪ .‬والصراع الدائر ال عالقة له‬ ‫باألسباب المذهبية أو الطائفية‪.‬‬

‫وليبيا بلد ال اختالفات طبقية حا ّدة في بنيته االقتصادية‪،‬‬ ‫ألنها دولة ريع ّية منذ خمسينات القرن العشرين‪ ،‬وتم ّثل ثروة‬ ‫النفط موردها الوحيد الذي لم يتم احتكاره‪ ،‬وهو يغذي‬ ‫الموازنة العامة للدولة التي تقوم بإنفاقه على مرافقها ‪.‬‬

‫أما افتراض أن الصراع هو بين أطراف ليبية متساوية‪،‬‬ ‫وال بد بالتالي من إجبارها عن طريق األمم المتحدة‬ ‫لكي تنخرط في حوار سياسي وتجلس م ًعا على طاولة‬ ‫أيضا نتيجة خاطئة ومتجن ّية ألنها‬ ‫المفاوضات‪ ..‬فهو ً‬ ‫ببساطة تجعل الشعب الليبي ومجلس النواب الشرعي‬ ‫‪11‬‬


‫والحكومة المنبثقة عنه في كفة‪ ،‬بينما تجعل الجماعات‬ ‫اإلرهابية في الك ّفة الثانية!! هل يستقيم هذا الميزان أيتها‬ ‫األمم؟‪.‬‬

‫عندما ننظر إلى خارطة الحرب التي تدور في العراق‬ ‫اآلن نجد أنها حرب أهلية مدمرة استثمر فيها تنظيم داعش‬ ‫وجر البالد إلى حرب شاملة‬ ‫االختالف بين السنّة والشيعة ّ‬ ‫ال تكاد تنجو منها مدينة أو قرية‪ ..‬ومع ذلك فإن األمم‬ ‫والمتحدة والعالم يتعامل مع هذه الحرب على أساس أنها‬ ‫حرب ضد اإلرهاب‪ ،‬وليست حر ًبا أهلية‪.‬‬ ‫فلماذا ليبيا تحديدً ا‪ ..‬لماذا يتم الترويج إلى أن الحرب‬ ‫التي يخوضها الليبيون وجيشهم ضد الجماعات اإلرهابية‬ ‫تصر األمم المتحدة‬ ‫على أنها حرب أهلية؟! ولمصلحة َمن ّ‬ ‫وبعض الدول الكبرى على إقامة حوار والتمهيد لظهور‬ ‫يسمى «حكومة وفاق وطني»؟ حوار بين َمن و َمن؟ ووفاق‬ ‫ما ّ‬ ‫مع َمن؟‬

‫أساس الحوار ال بد أن يستند على قاعدة صحيحة وغير‬ ‫ّ‬ ‫هشة‪ ،‬فقد يكون الحوار بين جزئين من شعب واحد مختلفين‬ ‫عرق ًيا أو سياس ًيا‪ ،‬وقد يكون الحوار بين إقليمين متنازعين‪،‬‬ ‫ولكن الحوار ال يكون أبدً ا بين شعب وعصابة إرهابية تريد‬ ‫‪12‬‬


‫أن تسيطر على هذا الشعب‪ ..‬هذا ما يريد حوار جنيف أن‬ ‫يفرضه على الليبيين اآلن‪.‬‬ ‫إن الحديث عن حوار ينتهي بحكومة وفاق وطني يضعنا‬ ‫أمام أسئلة مريرة ً‬ ‫فعل‪:‬‬

‫ـ هل الحكومة التوافقية تعني أن نساوي بين من د ّمر‬ ‫مطارات الدولة ونهب مرافقها السيادية‪ ،‬وأحرق ورشفانة‬ ‫وشرع القتل والتهجير‪ ..‬وبين من‬ ‫وبني وليد وأسر درنة‪ّ ،‬‬ ‫سعى لبناء دولة مدنية ديمقراطية ودفع حياته ثمنًا لها؟‬ ‫ـ هل الحكومة التوافقية تعني إسباغ صفة المجاهدين‬ ‫على القتلة (أمثال بادي وشعبان هدية وبلحاج وبن‬ ‫قمو وغيرهم)؟ ومساواة هؤالء بالشهداء األبرار أمثال‬ ‫عبدالفتاح يونس والمدني وعلي حدوث وبوحليقة‬ ‫وسلوى بوقعيقيص وعبد السالم المسماري؟‬

‫لقد انتقدت شعوب كثيرة سياسات األمم المتحدة‬ ‫ووصفتها في أكثر من حدث دولي بأنها تكيل بمكيالين‪ ،‬أما‬ ‫بشأن ليبيا فإنها باإلضافة إلى ذلك تمارس قلب الحقائق‬ ‫عما يحدث على أنه حرب أهلية‪،‬‬ ‫وتقديم صورة ّ‬ ‫مشوشة ّ‬ ‫بالرغم من أن الجميع يعرفون أنها حرب ضد اإلرهاب‪.‬‬ ‫‪13‬‬


‫لنفترض أن الهدف األخير ألي حوار هو الوصول إلى‬ ‫حكومة توافقية‪ ،‬فماذا يعني ذلك؟‬

‫يقرها مجلس‬ ‫إنه يعني أن أي حكومة مقترحة يجب أن ّ‬ ‫النواب ً‬ ‫أول‪ ،‬فالمجلس هو المم ّثل الشرعي الوحيد الذي‬ ‫تم انتخابه‪ ،‬والمعترف به من قبل دول العالم‪ ،‬ونزع الشرعية‬ ‫عن هذا المجلس خطوة سيادية ال يملكها إال الشعب‬ ‫الليبي وحده‪.‬‬

‫تتعرض اآلن لالحتالل من قبل‬ ‫أيها الليب ّيون إن بالدكم ّ‬ ‫التنظيم الدولي لإلخوان المسلمين‪ ،‬الذي استعان باإلرهابيين‬ ‫من الداخل والخارج‪ ،‬وإن حربكم اآلن هي حرب مصيرية‬ ‫إلنقاذ أنفسكم وأنقاذ بالدكم من مخ ّطط يريد أن ينهب‬ ‫وكرا‬ ‫مواردكم‪ ،‬ويصادر مستقبلكم‪ ،‬ويجعل من بلدكم ً‬ ‫مسارا واحدً ا‬ ‫لإلرهاب في العالم‪ ..‬وليس أمامكم اآلن إال‬ ‫ً‬ ‫ال غير‪ ،‬إما أن تصبحوا شع ًبا ً‬ ‫ذليل تتحكم فيه وتحكمه‬ ‫جماعات من ّ‬ ‫شذاذ اآلفاق من إخوان ودواعش وقاعدة‬ ‫وأنصار وغيرهم‪ ...‬وإما أن تواصلوا حربكم المصيرية هذه‬ ‫لكي تقضوا على اإلرهاب بجميع أشكاله‪ ،‬وتحرروا أنفسكم‪،‬‬ ‫وتبسطوا سيادتكم على كامل أرضكم‪ ،‬وتبنوا دولة ديمقراطية‬ ‫آمنة تسودها المؤسسات وين ّظمها القانون ويحميها الجيش‪.‬‬ ‫‪14‬‬


‫حتى ال يدخل الليبيون في دوامة الثأر واالنتقام(((‬

‫ّ‬

‫متى ت�صدر مذكرات القب�ض على القتلة؟!‬ ‫تمر بمرحلة انتقالية ـ‬ ‫تعرضت ليبيا ـ مثل كل الدول التي ّ‬ ‫ّ‬

‫إلى أوضاع من الفوضى والنزاعات السياسية‪ ،‬وظهرت فيها‬

‫عدة مشاريع نظرية إلعادة البناء وترميم الموجود‪ ،‬وبينما كان‬ ‫ويتلمسون طريقهم نحو‬ ‫الليبيون يمضون في مسار جديد‬ ‫ّ‬

‫مستقرة‪ ،‬تستعيد كيانها‪ ،‬وتسودها‬ ‫حرة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫بناء دولة ديمقراطية ّ‬ ‫تتسرب بينهم ظواهر‬ ‫المؤسسات وين ّظمها القانون‪ ..‬بدأت ّ‬

‫جديدة لم يحتكوا بها من قبل‪ ،‬حيث ظهرت في ليبيا جماعات‬ ‫وتشكيالت إرهابية مس ّلحة بعضها كان محل ًيا‪ ،‬وبعضها كان‬ ‫وافدً ا‪ ،‬وبعضها كان مختل ًطا‪.‬‬

‫((( مجلة المستقل‪ ،‬العدد الثاني‪ 15 ،‬فبراير ‪.2015‬‬ ‫‪15‬‬


‫الليبيون الذين كانت بالدهم تنتقل من مرحلة إلى أخرى‬ ‫لم ينتبهوا في البداية إلى الخطر المحدق بدولتهم‪ ،‬واعتقدت‬ ‫األغلبية العظمى منهم أن هذه المكونات الجديدة سوف‬ ‫التنوع والقبول‬ ‫تكون جزءا من دولة ديمقراطية يسودها ّ‬ ‫َ‬ ‫شرط أن يلتزم الجميع بمبدأ‬ ‫باآلخر مهما كان اختالفه‪،‬‬ ‫الحرية والتعايش مع اآلخرين في ظل مناخ ديمقراطي‬ ‫سلمي‪.‬‬ ‫لم تكد السنة األولى بعد ‪ 2011‬تمضي‪ ،‬حتى ظهرت‬ ‫ّ‬ ‫تحتل مكانًا‬ ‫وضوحا‪ ،‬وبدأت‬ ‫صورة هذه المكونات أكثر‬ ‫ً‬

‫بارزا في المشهد السياسي الليبي‪ ..‬كانت تتمثل في‪:‬‬ ‫ً‬

‫ـ اإلرهابيين والمطلوبين للعدالة الباحثين عن موطأ قدم‬ ‫لهم يحميهم من المالحقة‪.‬‬

‫ـ شذاذ اآلفاق والمرتزقة الباحثين عن حروب جديدة‬ ‫يعيشون عليها ويقتاتون منها‪.‬‬

‫ـ المهووسين بالسلطة ودعاة االستئثار واالحتكار الراغبين‬ ‫في السيطرة على الحكم‪.‬‬

‫ـ المراهقين سياس ًيا والفارغين من هواة الظهور اإلعالمي‬ ‫واالستعراض‪.‬‬ ‫‪16‬‬


‫ـ المصابين بالنوستالجيا السياسية من المنادين بعودة‬ ‫النظام القديم‪.‬‬

‫هذه الظواهر نشأت مثل النبتة الطفيلية أو مثل الطحالب‬ ‫التي تؤذي غيرها‪ ،‬فهي ليست قادرة على العيش بمفردها‪،‬‬ ‫وهي ال تترك النباتات الفارعة ذات األصل الثابت تنمو‬ ‫بشكل سليم‪.‬‬

‫بدأت الجماعات اإلرهابية باستثمار الفوضى ً‬ ‫أول‪ ،‬فقامت‬ ‫بتأجيج الفتن والتشكيك في إمكانية البناء‪ ،‬وكان معظمها يرفع‬ ‫شعارا مخاد ًعا هم اإلسالم السياسي‪ ،‬الذي حظي في بداية‬ ‫ً‬ ‫األمر بقبول البعض ثم سرعان ما ّ‬ ‫تكشف وجهه الحقيقي‪،‬‬ ‫فهذه الجماعات ال تتخذ اإلسالم إال واجه ًة لها‪ ،‬بينما هي‬ ‫تحتكم إلى قواعد دموية بشعة ال ترعى إالّ وال ذ ّمة‪ ،‬وال تقيم‬ ‫وزنًا لإلسالم أو الم ُثل أو األخالق‪ ..‬بل هي على استعداد‬ ‫ألن تنصب مشنقة أو تشعل محرقة لكل من يعارضها‪.‬‬ ‫مر الليبيون بتجارب مريرة وقاسية‪ ،‬عانوا‬ ‫اآلن‪ ..‬وبعد أن ّ‬ ‫األمرين‪ ،‬فإنه يطرحون ـ وبقوة ـ ً‬ ‫سؤال ال بد من اإلجابة‬ ‫فيها ّ‬ ‫عليه‪ :‬متى تتم محاكمة القتلة‪ ،‬وإيقافهم أمام العدالة؟‬

‫إن صحائف االتهام كثيرة‪ ،‬واألدلة قاطعة‪ ،‬وما زال العالم‬ ‫يشاهد المجرمين وهم يواصلون تنفيذ مخططاتهم اإلجرامية‪:‬‬ ‫‪17‬‬


‫‪ 1‬ـ المؤتمر المنحل متهم بتدمير الدولة والعبث بمقدراتها‪،‬‬ ‫وتمكين اإلرهابيين من احتالل العاصمة‪ ،‬وتدمير بني‬ ‫وليد وقتل وأسر سكانها‪ ،‬والسكوت عن تهجير سكان‬ ‫تاورغاء وتدمير مدينتهم‪ ،‬والتعاون مع دول خارجية‬ ‫والسماح لها بالتدخل مثل قطر وتركيا والسودان‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ جماعة اإلخوان المسلمين الليبيين ـ الذين هم جزء‬ ‫من التنظيم الدولي لإلخوان ـ متهمة باالنقالب‬ ‫على الشرعية والتآمر للسيطرة على الحكم في ليبيا‪،‬‬ ‫وتسهيل دخول أطياف من القاعدة وداعش وتشكيل‬ ‫فرق مسلحة غير شرعية وموازية للجيش الليبي‪.‬‬ ‫‪ 3‬ـ فجر ليبيا متهمة بتدمير المطار العالمي وإعاثة الفساد‬ ‫في طرابلس‪ ،‬وقصف ورشفانة وتهجير أهاليها‪،‬‬ ‫وإرهاب سكان المدن والقرى في المنطقة الغربية‪،‬‬ ‫ومحاولة السيطرة على الحكم بالقوة‪.‬‬

‫‪ 4‬ـ تنظيم أنصار الشريعة متهم بتنفيذ مخطط داعش‬ ‫للسيطرة على شرق ليبيا‪ ،‬وتنظيم فرق اغتياالت طالت‬ ‫قادة الجيش الليبي ورموز مدنية أخرى‪.‬‬ ‫‪ 5‬ـ طائفة شورى الثوار متهمة بالتواطؤ مع القاعدة وداعش‬ ‫واإلخوان للسيطرة على الحكم‪.‬‬ ‫‪18‬‬


‫‪ 6‬ـ فلول القاعدة متهمة بالسيطرة على مدينة صبراته وتجيير‬ ‫البيئة االجتماعية الرخوة لمساندة فجر ليبيا واإلخوان‪.‬‬

‫إن جميع هذه التشكيالت مهما اختلفت أسماؤها قد‬ ‫اتحدت في مصلحة واحدة هي الوصول إلى حكم ليبيا‬ ‫عن طريق الدم وإشاعة الفوضى وإعاثة الفساد‪ ،‬وقد تسبب‬ ‫تحالفها هذا في ارتكاب أبشع الجرائم واعتماد سياسة‬ ‫األرض المحروقة والتصفيات الجماعية المباشرة للسيطرة‬ ‫بقوة السالح على أكبر قدر من األرض الليبية حتى تكتسب‬ ‫ورقة رابحة الستخدامها في التفاوض أمام الشعب الليبي‪،‬‬ ‫ولكي تدعم موقفها أمام أنظار العالم‪.‬‬ ‫* * *‬

‫السؤال الذي ير ّدده الليبيون هو‪ :‬لماذا لم يعمد مجلس‬ ‫النواب حتى اآلن إلى إصدار مذكرات القبض على هؤالء‬ ‫المجرمين؟‬

‫إننا ال نريد تبرير هذا التأخير‪ ،‬ولكن هذا المجلس ـ باعتباره‬ ‫هو المم ّثل الشرعي الوحيد للشعب الليبي ـ تشوب إجراءاته‬ ‫ومستويات أدائه بعض البطء وعدم الحسم‪ ،‬ألنه استلم ترك ًة‬ ‫حول البالد إلى خراب‬ ‫ثقيلة من المؤتمر العام المنحل الذي ّ‬ ‫بفعل تواطئه وعدم وطنيته ونظرته القاصرة إلدارة الدولة‪.‬‬ ‫‪19‬‬


‫ماذا على الليبيين أن يفعوا إذن؟ وكيف يدعمون شرعية‬ ‫مجلس النواب؟‬

‫إن األعمال العدوانية التي يقوم بها الخوارج والمرتزقة‬ ‫ومن تواطأ معهم في الداخل هي أعمال ذات صفة عسكرية‪،‬‬ ‫أي إنها ليست سياسية محضة‪ ،‬ويجب بالتالي مواجهتها‬ ‫بردود من جنسها وطبيعتها‪ ،‬فليبيا اآلن دولة في حالة طوارئ‪،‬‬ ‫الملحة‬ ‫ويجب أن يط ّبق فيها قانون الطوارئ‪ ،‬والخطوة األولى‬ ‫ّ‬ ‫التي يجب اتخاذها هي أن يقوم مجلس النواب بإعادة تنظيم‬ ‫الجهاز القضائي للدولة‪ ،‬وما يستتبعه ذلك من إجراءات‬ ‫جديدة تناسب حالة الطوارئ التي تعيشها البالد‪ ،‬وعلى‬ ‫رأس ذلك االستعانة بكل من‪:‬‬ ‫ـ القضاة المدنيين المعروفين بنزاهتهم وشرفهم المهني‪.‬‬ ‫ـ وكالء النيابة‪.‬‬

‫ـ المحامين األفراد المستقلين‪.‬‬

‫ـ أعضاء الشرطة القضائية‪.‬‬

‫على أن تتم االستعانة بهم لتفعيل المحاكم العسكرية من‬ ‫خالل وزارة الدفاع‪ ،‬وتحت إشراف مجلس النواب‪ ،‬للنظر‬ ‫على وجه السرعة في القضايا الملحة وإصدار األحكام التي‬ ‫‪20‬‬


‫تناسبها‪ ،‬وال يجب أن ُيفهم من ذلك العودة إلى المحاكم‬ ‫االستثنائية أو اصطناع محكمة على غرار المحكمة الثورية‬ ‫سيئة الصيت‪ ،‬بل العودة إلى اللوائح المن ّظمة لعمل المحكمة‬ ‫العسكرية‪ ،‬بشكل علني‪ ،‬أي بقضاة ووكالء نيابة ومحامين من‬ ‫الجيش الليبي‪ ،‬مع االستعانة بقضاة ووكالء نيابة ومحامين‬ ‫ً‬ ‫مستقبل‬ ‫من القضاء المدني‪ ..‬األمر الذي سيحمي البالد‬ ‫دوامة الثارات وعمليات االنتقام وتنفيذ‬ ‫من الدخول في ّ‬ ‫الجزاءات التي ينص عليها العرف االجتماعي‪.‬‬ ‫انضم دون إكراه إلى إحدى التشكيالت‬ ‫إن أي مدني‬ ‫ّ‬ ‫اإلرهابية المسلحة‪ ،‬وأصبح جند ًيا في سراياها وكتائبها‪ ،‬قد‬ ‫تورط‬ ‫أسقط عن نفسه تلقائ ًيا حقوقه المدن ّية‪ ..‬وإن أي مدني ّ‬ ‫في عمل مس ّلح مضاد‪ ،‬أو ساهم أو عاون اإلرهابيين على‬ ‫تنفيذ أعمالهم اإلجرامية‪ ،‬أو قام بتنفيذ أوامرهم ـ عن وعي‬ ‫ومعرفة مسبقة ـ يكون قد صنّف نفسه بنفسه على الطرف‬ ‫المعادي للشعب الليبي‪ ،‬وأصبح بذلك منقل ًبا على الشرعية‪،‬‬ ‫وخائنًا للدولة الليبية‪ ،‬ويجب أن تتم محاكمته على الفور‬ ‫باستنفار جهاز القضاء المدني والعسكري الذي يجب أن‬ ‫يعمل في هذه المرحلة كجهاز واحد من أجهزة الدولة الليبية‪.‬‬

‫هذا هو المبدأ الذي يجب أن يتبناه الليبيون جمي ًعا ـ شع ًبا‬ ‫‪21‬‬


‫ً‬ ‫وجيشا ـ وللتمهيد إلقرار هذا المبدأ يترتب على‬ ‫ومجلسا‬ ‫ً‬ ‫وزارة الدفاع أن تف ّعل اآلن المحكمة العسكرية التابعة لها‪،‬‬ ‫وأن تصدر بيانًا عا ًما تحدّ د فيه جميع الجرائم التي تقع تحت‬ ‫طائلة لوائحها القانونية‪ ،‬سواء قام بها ون ّفذها على األرض‬ ‫الليبية عسكريون أو مدن ّيون‪ ،‬من الليبيين أو من غيرهم‪.‬‬

‫مقتصرا في هذه المرحلة‬ ‫إن دور الجيش الليبي ليس‬ ‫ً‬ ‫على الجبهات العسكرية في قتاله ضد فلول اإلرهابيين‬ ‫والخوارج بل يمتد إلى أكثر من ذلك‪ ..‬إنه يمتد إلى دعم‬ ‫عوامل االستقرار والمساهمة في البناء‪ ،‬وحماية الشعب الذي‬ ‫التحم مع قواته المسلحة إلنقاذ ما يمكن إنقاذه‪ ،‬وتخليص‬ ‫بالده من فلول اإلرهابيين وأطيافهم‪ ،‬وتطهير البالد من ّ‬ ‫كل‬ ‫ما يعوق نهوضها واستقرارها وتقدّ مها‪.‬‬ ‫إن جهود جميع الوطنيين (مدنيين وعسكرين) يجب أن‬ ‫تنتقل من إنقاذ ما هو موجود في ليبيا إلى ترميم وجود الليبيين‬ ‫مر ببالدنا حتى اآلن هو أحد أكبر الكوارث‬ ‫أنفسهم‪ ..‬فما ّ‬ ‫التي شهدتها دول العالم في العصر الحديث‪ ،‬وإذا ما نظرنا‬ ‫إلى حجم هذه الكارثة سوف يصيبنا اليأس واإلحباط‪ ،‬ومع‬ ‫ٍ‬ ‫مساو له في الحجم‬ ‫ذلك ـ وف ًقا لقاعدة لكل فعل رد فعل‬ ‫ومضاد في االتجاه ـ فإننا على ثقة كبيرة بأن الليبيين بقدر‬ ‫‪22‬‬


‫ما كانوا ً‬ ‫لتحمل اآلالم وتك ّبد المعاناة فإنهم مقبلون‬ ‫أهل‬ ‫ّ‬ ‫على تأسيس مجتمعهم على أسس قويمة صلبة‪ ،‬وبناء دولة‬ ‫ديمقراطية ال مكان فيها لالستبداد أو االستئثار أو االحتكار‬ ‫أو اإلقصاء‪.‬‬

‫‪23‬‬


24


‫المواطنون أحرار ال وصاية عليهم(((‬

‫والمهجرون‬ ‫النازحون‬ ‫ّ‬ ‫لي�سوا ً‬ ‫ملفا لال�ستثمار ال�سيا�سي‬ ‫جميع الحكومات التي توالت على ليبيا في تاريخها‬ ‫السياسي الحديث كانت تنظر إلى الليبيين على أنهم رعايا‬ ‫وليسوا مواطنين‪.‬‬ ‫الفرق بين الرعية والمواطنين أن الرع ّية ليس أمامها‬ ‫إال الطاعة والسكوت‪ ..‬أما المواطنون فإن أمامهم أدوار‬ ‫إيجابية فاعلة ألنهم جزء أساسي ثابت من الدولة‪ ،‬وبدون‬ ‫وجود هذه األدوار اإليجابية الفاعلة ال تنشأ الدولة‪ ،‬بل‬ ‫ال توجد ً‬ ‫أصل‪.‬‬

‫((( مجلة المستقل‪ ،‬العدد الثالث‪ 22 ،‬فبراير ‪.2015‬‬ ‫‪25‬‬


‫إن الشعوب باقية ألنها أساس بناء الدول‪ ،‬أما الحكومات فهي‬ ‫عابر مهما كان زمنها ً‬ ‫طويل‪.‬‬ ‫متغيرة ومؤقتة وزائلة‪ ،‬ووجودها ٌ‬

‫يتمسك بها الليبيون جمي ًعا‪،‬‬ ‫هذه هي الحقيقة التي يجب أن ّ‬ ‫ويجب أن تفهمها النخبة من حكومات وأحزاب وقياديين‬ ‫في مختلف الكيانات السياسية‪ ،‬دون أن تمارس هذه النخبة‬ ‫أي نوع من الوكالة أو الوصاية على المواطنين‪.‬‬ ‫ّ‬

‫مرت على ليبيا عقود طويلة كانت فيها الوصاية‬ ‫لقد ّ‬ ‫مفروضة على شعب بأسره‪ ،‬ولم تكن بالدهم دول ًة مستقرة‬ ‫قادرة على النمو والتطور‪ ..‬كانت تمر من تجربة فاشلة‬ ‫إلى تجربة أخرى أكثر ً‬ ‫فشل وهكذا‪ ..‬لم ينتظم التعليم‪،‬‬ ‫يتحسن مستوى المؤسسة الصحية‪ ،‬ولم تتطور البنية‬ ‫ولم‬ ‫ّ‬ ‫تطورا عمران ًيا (باستثناء‬ ‫التحتية‪ ،‬ولم تشهد المدن والقرى‬ ‫ً‬ ‫بعض العمران في طرابلس ومصراتة)‪ ..‬باختصار كانت ليبيا‬ ‫مجتم ًعا ريع ًيا يقتات على النفط‪ ،‬دون أن يتم التفكير في تفعيل‬ ‫الموارد األخرى التي تمتلئ بها البالد‪.‬‬

‫ولكن أسوأ ما كان يحدث في ليبيا طوال هذه الفترة هو ما‬ ‫عرضت الناس البسطاء إلى االستغالل‬ ‫شهدته من ديكتاتورية ّ‬ ‫حرصا على الناس من الناس‬ ‫من طرف أفراد يدّ عون أنهم أكثر ً‬ ‫أنفسهم‪ ،‬فهم بهذه الطريقة لم يسلبوهم حقوقهم فقط‪ ،‬بل‬ ‫‪26‬‬


‫قاصرا تجوز عليه الوالية مثل‬ ‫نظروا إليهم باعتبارهم شع ًبا‬ ‫ً‬ ‫األطفال الذين لم يبلغوا سن الرشد‪.‬‬ ‫هذه هي مصيبة الليبيين مع جميع القياديين في الماضي‬ ‫والحاضر‪.‬‬

‫«الموال» القديم عندما‬ ‫وها نحن نعود اآلن إلى نفس‬ ‫ّ‬ ‫ويصرحون على المأل‬ ‫نرى بعض القياديين وهم يحاضرون‬ ‫ّ‬ ‫وكأن الشعب الليبي قد منحهم وكالة مطلقة للحديث نياب ًة‬ ‫عنهم‪ ،‬أو كأن الليبيين قد فوضوهم لتقرير مصيرهم ورسم‬ ‫مستقبل دولتهم‪.‬‬ ‫من هم الذين يم ّثلون هذا الدور اآلن؟ من هم الذين‬ ‫يستغ ّلون الليبيين ويريدون أن يعيدوهم إلى المربع األول؟‬ ‫من هم الذين يتاجرون بقضية الشعب لمصلحتهم الخاصة؟‬ ‫على رأس هؤالء فئتان تجمع بينهما المصلحة الواحدة‬ ‫حتى وإن اختلفت األساليب‪:‬‬ ‫ـ الفئة األولى هي بعض القيادات من النظام السابق التي‬ ‫وجدت في ملف الصراعات السياسية واالقتتال ورقة‬ ‫رابحة لجلب انتباه اآلخرين وتعاطفهم والسماح لهم‬ ‫بقيادتهم‪.‬‬ ‫‪27‬‬


‫ـ الفئة الثانية هي األصوليين وقيادات التيار اإلسالمي‬ ‫تسوق من ورائه برنامجها‬ ‫ستارا ّ‬ ‫التي اتخذت من الدين ً‬ ‫السياسي ومشروعها للسيطرة على الحكم في ليبيا‪.‬‬

‫الفئة األولى تتاجر بأمن الليبيين واستقرارهم‪ ،‬والفئة الثانية‬ ‫تتاجر بعقيدتهم‪ ..‬وهم يشتركون جمي ًعا في التضليل وقلب‬ ‫الحقائق‪ ،‬وها هم اآلن يستغ ّلون في الوقت نفسه ملف النازحين‬ ‫والمهجرين ويتخذون منه ذريعة لكي يصل صوتهم إلى الجميع‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫بينما هم في واقع األمر يسعون إلى تمرير مشاريعهم وإثبات‬ ‫وجودهم من خالل مأساة اآلخرين‪ ..‬إنهم يتاجرون بمعاناة‬ ‫الليبيين وآالمهم‪ ،‬وهم على استعداد ألن ينكّلوا بالليبيين‬ ‫بال رحمة أو شفقة في سبيل الوصول إلى أهدافهم‪.‬‬

‫والمهجرين‪ ..‬فإننا نقول إنهم ليسوا في‬ ‫أما بشأن النازحين‬ ‫ّ‬ ‫حاجة إلى من يمنحهم هبة أو صدقة‪ ..‬إنهم يريدون استرداد‬ ‫ما تم انتزاعه منهم بقوة السالح والترهيب‪ ..‬يريدون العودة‬ ‫إلى ديارهم وممتلكاتهم التي صادرتها المليشيات‪ ..‬يريدون‬ ‫استعادة بالدهم التي اختطفتها المليشيات ومن يدعمها من‬ ‫إخوان وغيرهم‪.‬‬ ‫والمهجرون أن يكونوا في ليبيا بكرامتهم‪،‬‬ ‫يريد النازحون‬ ‫ّ‬ ‫جوالين في البلدان الغريبة‪ ..‬هذا هو‬ ‫وال يريدون أن يكونوا ّ‬ ‫‪28‬‬


‫جوهر الموضوع‪ ،‬فلماذا نلتف عليه؟ لماذا تتحدثون عن‬ ‫اإلمكانيات المادية الكفيلة بتسهيل بقائهم خارج البالد؟‬ ‫لب الموضوع وهو عودتهم إلى ديارهم واستعادتهم‬ ‫وتتركون ّ‬ ‫لوجودهم باعتبارهم مواطنين وليسوا رعايا‪.‬‬

‫يجب على الحكومة الليبية التي تكتفي بتقديم الصدقات‬ ‫أن تخجل من نفسها‪ ،‬وأن تبادر إلى وضع خطة بديلة تحافظ‬ ‫المهجرون‬ ‫بها على ماء وجهها أمام التاريخ وذلك بأن يعود‬ ‫ّ‬ ‫مكرمين طالما أنهم غير‬ ‫والنازحون إلى ديارهم‪ّ ،‬‬ ‫معززين ّ‬ ‫مدانين قضائ ًيا بجريمة ما‪.‬‬ ‫نحن جمي ًعا نعرف بأنه ليس بين الليبيين في حدّ ذاتهم‬ ‫خالف غير قابل للحل‪ ..‬ولكن مشكلتهم األولى تكمن‬ ‫ّ‬ ‫وصي عليهم‪ ،‬وهؤالء الذين‬ ‫في من يتحدّ ث باسمهم وكأنه‬ ‫ّ‬ ‫يريدون الوصاية على الليبيين (سواء كانوا من قياديي‬ ‫النظام السابق أو األصوليين المتسترين بالدين والخوارج‬ ‫والمليشيات التي تتبعهم) هم فئة واحدة ذات هدف واحد‪،‬‬ ‫تبحث عن مصالح شخصية ومناصب تؤهلها الستعباد‬ ‫الشعب الليبي مرة ثانية‪.‬‬ ‫اتركوا ليبيا لليبيين‪ ..‬واتركوا الليبيين لمشاكلهم وهم‬ ‫كفيلون بالخروج منها وتسويتها‪ ،‬ألن هذا الشعب الذي‬ ‫‪29‬‬


‫قادر على إعادة ترتيب‬ ‫اختبرته األزمنة بأسوأ الكوارث ٌ‬ ‫المعطيات والخروج من هذه التجربة أقوى مما كان‪.‬‬

‫إن أمام الليبيين اآلن مرحلة حاسمة ال بد من المرور‬ ‫بها إذا أرادوا الخروج من عنق الزجاجة الذي وضعهم فيه‬ ‫أدعياء الوصاية‪:‬‬

‫أوال‪ :‬ال بد من جمع كافة األسلحة من الشوارع‪ ،‬ووضع‬ ‫ضوابط قانونية صارمة لحيازة األسلحة والسماح باقتنائها‪،‬‬ ‫ويمكن في هذا الجانب االستفادة من اللوائح والتشريعات‬ ‫الموجودة في دول العالم‪.‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬ال بد من محاكمة كل من يطاله القانون لجريمة من‬ ‫جرائم الدم أو العرض أو المال العام‪ .‬ألن ما يفصل بين‬ ‫الجميع هو القضاء النزيه‪ ،‬وليس الرغبات الفردية‪ ،‬ونستطيع‬ ‫القول أن الليبيين ـ جميع الليبيين ـ على استعداد ألن يقبلوا‬ ‫ويستوعبوا أبناءهم مهما كانت آراؤهم‪ ،‬بشرط واحد هو أن‬ ‫ال يكونوا قد اقترفوا جر ًما يعاقب عليه القانون‪.‬‬

‫ثال ًثا‪ :‬ال بد من رفع الوصاية عن المواطنين‪ ،‬وتركهم‬ ‫يقومون بأدوارهم‪ ،‬والقبول بهم كمواطنين عليهم أن يشاركوا‬ ‫في بناء دولتهم وتسييرها‪ ،‬ال باعتبارهم رعي ًة عليها أن تقبل‬ ‫ّ‬ ‫كل ما يختاره لها اآلخرون‪.‬‬ ‫‪30‬‬


‫أخيرا‪..‬‬ ‫ً‬

‫نقول للذين يريدون المتاجرة بأمن الليبيين واستقراراهم‪:‬‬ ‫ً‬ ‫استغالل للوطن والمواطن‪ ،‬كفاكم عب ًثا بمصائر الناس‪،‬‬ ‫كفاكم‬ ‫كفاكم ضحكًا على الشعب‪ .‬لقد ش ّبت ليبيا عن الطوق‪ ،‬وهي‬ ‫قادرة على أن تتبوأ المكانة التي تليق بها بين األمم‪.‬‬

‫أما الذين يتاجرون بعقيدة الناس‪ ،‬فإننا نقول لهم‪ :‬ال صلة‬ ‫لكم باإلسالم أيها الخوارج‪ ..‬اإلسالم ديانتنا الوسط ّية‬ ‫السمحاء التي هدانا إليها الله سبحانه وتعالى‪ ،‬وهو منكم‬ ‫براء‪ ،‬والليبيون ليسوا في حاجة إليكم ليعرفوا ربهم ويعبدوه‬ ‫حق عبادته كما أمرهم‪.‬‬ ‫ّ‬

‫‪31‬‬



‫الليبيون قادرون على تجديد ثورتهم(((‬

‫حكومة «الوفاق الوطني» الفتة مخادعة!‬ ‫قائمة الشهداء في ليبيا تزدادا كل يوم‪ّ ،‬‬ ‫وكل من استشهد‬ ‫وتغمده برحمته‬ ‫في سبيل الوطن فإن الله في عليائه أكرمه‬ ‫ّ‬ ‫وأسكنه جنّة الخلد بين أبرار وصدّ يقين‪.‬‬

‫هؤالء الشهداء قدّ موا حياتهم ثمنًا للحرية‪ .‬لم يرض أحد‬ ‫منهم أن يظل حبيس نظام استبدادي يبني وجوده على قدرته‬ ‫على اإلقصاء وتهميش المواطنين وسحق تطلعاتهم‪ .‬لذلك‬ ‫ل ّبوا نداء الثورة وتقدّ موا وكلهم أمل في أن يبدّ ل الله بالدهم‬ ‫من حال إلى حال‪.‬‬ ‫تقدّ موا وهم ال يعرفون أحدً ا خارج ليبيا‪ ،‬لم يكونوا‬

‫((( مجلة المستقل‪ ،‬العدد الرابع‪ 1 ،‬مارس ‪.2015‬‬ ‫‪33‬‬


‫يتحدثون باسم تنظيم أو حزب أو دولة أجنبية‪ ،‬بل كانوا‬ ‫يتعمدوا‬ ‫شع ًبا انتفض بعد عقود من المرارة واأللم‪ ..‬لم ّ‬ ‫المناورة السياسية‪ ،‬وال اللعب على األماني‪ ،‬بل أرادوا أن‬ ‫يحرروا بالدهم‪ ..‬ثم يعودون أدراجهم‬ ‫يحرروا أنفسهم‪ ،‬وأن ّ‬ ‫ّ‬ ‫إلى أسرهم وعائالتهم‪.‬‬

‫انتهت الثورة في ليبيا‪ .‬وجاء وقت بناء الدولة‪ ،‬كان‬ ‫على التكنوقراط الليبيين أن يقودوا المرحلة االنتقالية‪،‬‬ ‫أن يعيدوا ترتيب المعطيات‪ ،‬وأن يضعوا الليبيين أمام‬ ‫خياراتهم االستراتيجية لكي يبدأ البناء على أسس سليمة‬ ‫وقو ّية‪.‬‬

‫اآلن يتساءل أهالي وأسر الشهداء من آباء وأمهات عن‬ ‫حقيقة ما حدث ويحدث! هل قدّ م أبناؤهم أنفسهم فدا ًء‬ ‫لما نراه اآلن؟‬

‫مرا وحيا ًة ملؤها‬ ‫إن أهالي الشهداء يعيشون اآلن واقع ًّ‬ ‫التعب ـ نفس ًيا وماد ًيا ـ لسببين‪:‬‬ ‫ً‬ ‫أول‪ :‬ألنهم يتحسرون على اآلالف من أبنائهم الذين‬ ‫استشهدوا‪.‬‬

‫وثان ًيا‪ :‬ألن تضحيات أبنائهم لم يتح ّقق منها شيء حتى اآلن‪.‬‬ ‫‪34‬‬


‫إنهم يسألون‪ :‬إلى متى؟ إلى متى يستمر مسلسل الفوضى؟‬ ‫ضحى أبناؤهم بأرواحهم؟‬ ‫ولماذا ّ‬

‫إننا عندما ننظر إلى خارطة المشهد الليبي فإننا يجب أن‬ ‫نبادر قبل كل شيء آخر إلى مساندة أسر الشهداء وأبنائهم‬ ‫متحررة‬ ‫وأهاليهم‪ ..‬فلوال هؤالء الشهداء لما كانت ليبيا‬ ‫ّ‬ ‫ضحى بحياته من أجل تحرير البالد‪ ،‬وها هي‬ ‫أبدً ا‪ ..‬هم من ّ‬ ‫تحررت‪ ،‬فماذا بعد؟‬ ‫قد ّ‬

‫لقد دخل الشعب الليبي معرك ًة جديد ًة ليواجه فيها المتسلقين‬ ‫ومعدومي الضمير وشدّ اد اآلفاق الذين جاؤوا من كل حدب‬ ‫يمر من سيء إلى أسوأ‪.‬‬ ‫وصوب‪ ،‬وأصبح الشأن العام ّ‬

‫وواضحا‪ ،‬أما اآلن فإن األعداء كثر‪،‬‬ ‫كان عدو الليبيين مرئ ًيا‬ ‫ً‬ ‫وهم غير مرئيين‪ ،‬مر ًة يتسترون باسم الدين‪ ،‬وكأن الليبيين‬ ‫غير مسلمين‪ ،‬ومر ًة يتسترون باسم القضاء‪ ،‬وكأنه غير خاضع‬ ‫لتهديداته‪ ،‬ومر ًة يتسترون باسم الثورة‪ ،‬وكأنهم هم وحدهم‬ ‫من قام بهذه الثورة وليس الليبيين أنفسهم‪.‬‬

‫بدؤوا ينسجون مؤامرتهم على ليبيا من كل اتجاه‪،‬‬ ‫فتم االنقالب على الشرعية‪ ،‬وتم استحداث جيش من‬ ‫المليشيات‪ ،‬ثم تنصيب حكومة موازية‪ ،‬في الوقت نفسه‬ ‫الذي كان فيه تنفيذ االغتياالت يجري في بنغازي‪ ،‬ويتم‬ ‫‪35‬‬


‫تهجير أهالي تاورغاء‪ ،‬وقصف بني وليد‪ ،‬وتشريد ورشفانة‪،‬‬ ‫وتأجيج الفتنة بين قبائل ومدن الجنوب‪ ،‬واختطاف طرابلس‬ ‫ودرنة وصبراتة‪ ،‬وأخونة زوارة‪ ،‬ويتم اآلن تدعيشها‪.‬‬ ‫بعد كل هذه المصائب المتالحقة يقولون لنا تعالوا‬ ‫للحوار! أي حوار هذا؟!‬

‫إننا ال ولن نرضى بحوار مع القتلة وسفاكي الدماء الذين‬ ‫المحرمات وانتهكوا المقدسات الدينية واإلنسانية‪..‬‬ ‫استباحوا‬ ‫ّ‬ ‫حوار مع َمن أيها العقالء؟‬ ‫ٌ‬

‫إن «الحوار الوطني» هو مجرد الفتة مخادعة ُيقصد‬ ‫بها تمرير مسرحية دولية على ليبيا هدفها إعطاء الشرعية‬ ‫لمرتكبي الجرائم وتمكينهم من لعب دور سياسي‪ .‬هذا‬ ‫هو الموقف‪ ،‬وهذه هي الحقيقة التي ال يجرؤون على‬ ‫التصريح بها واإلفصاح عنها‪ ،‬ألنهم ال يستطيعون كشف‬ ‫حقيقة الخوارج واإلرهابيين والقتلة والدواعش والقاعدة‬ ‫وفجر ليبيا واألنصار والمقاتلة واإلخوان‪ ..‬هؤالء جمي ًعا‬ ‫كتلة واحدة تقف اآلن معادي ًة للشعب الليبي الذي يريد أن‬ ‫يبني دول ًة قوي ًة حباها الله بكل الموارد واإلمكانيات‪.‬‬ ‫فماذا إذا ّقررنا الموافقة على ما يسمى بالحوار مع هؤالء؟‬ ‫يجرون الليبيين إلى تشكيل ما يسمى بحكومة‬ ‫سوف ّ‬ ‫‪36‬‬


‫وستغض الدول الغربية الطرف في البداية‬ ‫«الوفاق الوطني»‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫عن وجود الخوارج ومن يوالونهم من عناصر إرهابية في‬ ‫تلك الحكومة‪ ،‬وتدريج ًيا سوف تتحول ليبيا إلى وكر من‬ ‫مسرحا مناس ًبا‬ ‫أوكار اإلرهاب في العالم‪ ،‬وسيجد الخوارج‬ ‫ً‬ ‫لالمعان في ارتكاب جرائمهم‪ ،‬ليس في ليبيا وحدها‪ ،‬بل في‬ ‫دول الجوار‪ ،‬وفي العالم‪.‬‬ ‫في المرحلة التالية ستستغل الدول الغربية جرائم هؤالء‬ ‫الخوارج وأعمالهم الالإنسانية الشنيعة لتقوم بتبرير التدخل‬ ‫الخارجي في ليبيا‪ ،‬وإعادة استعمارها‪ ،‬بحجة تخليص العالم‬ ‫من حكومة تحت سيطرة اإلرهابيين‪ ،‬وبحجة إنقاذ شعب ليبيا‬ ‫المغلوب على أمره‪.‬‬

‫هذا ما يحدث اآلن في الكواليس الدولية إلدارة المشهد‬ ‫السياسي في ليبيا‪ ،‬وهذا ما نريد من جميع الليبيين أن يكونوا‬ ‫واعين به ومنتبهين له‪ .‬وإننا نلقي بالمسؤولية جراء ما يحدث‬ ‫اآلن في بالدنا على جميع من يتبوأ سدّ ة المسؤولية على‬ ‫واجهة المشهد العام‪ ،‬بدءا من أعضاء مجلس النواب إلى‬ ‫أعضاء الحكومة المؤقتة إلى أعضاء المجتمع المدني إلى‬ ‫قيادات الجيش والشرطة إلى اإلعالميين إلى الكتّاب‪ ..‬وإلى‬ ‫كل من يعنيه الشأن الليبي العام‪.‬‬ ‫‪37‬‬


‫هدرا للبالد‬ ‫ونقول ألولئك المسؤولين‪ :‬كفى‪ ..‬كفى ً‬ ‫ووقتها وإمكانياتها ومستقبلها‪ .‬وكفى تضيي ًعا لمكانتها بين‬ ‫أمم العالم‪.‬‬ ‫استهتارا بشعبكم‪ ..‬لقد صبر المواطنون‬ ‫نقول لهم‪ :‬كفى‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫طويل على تهميشهم وعدم احترامهم‪ ،‬وعندما‬ ‫الليبيون‬ ‫نارا‬ ‫طفح بهم الكيل قلبوا ظهر المجن‪ ،‬وأشعلوا األرض ً‬ ‫تحت أقدام المستبدين‪.‬‬

‫ً‬ ‫وجهل‪ ..‬ورحم الله امر ًأ عرف قدر‬ ‫نقول لهم‪ :‬كفى ا ّدعا ًء‬ ‫نفسه‪ ،‬فإذا لم تكونوا ً‬ ‫أهل للمسؤولية فلماذا تقحمون الليبيين‬ ‫ُشرد عائالتهم‪،‬‬ ‫في المزيد من المصائب‪ ،‬ل ُيقتل أبناؤهم وت ّ‬ ‫ويضيع مستقبل أطفالهم‪.‬‬

‫نقول لهم‪ :‬احفظوا للتاريخ كلمته وتراجعوا خطوةً‪ ،‬ومن‬ ‫المهمة الوطنية التي ُأوكلت له‬ ‫كان منكم غير قادر على أداء‬ ‫ّ‬ ‫فلينسحب‪ ،‬ولسوف يقدّ ره الليبيون ويكافئونه ويحترمون‬ ‫قراره‪.‬‬ ‫هذه هي رسالتنا لكم‪ ..‬فال تجبروا الليبيين على اتخاذ‬ ‫موقف ٍ‬ ‫معاد منكم يساويكم بالخوارج واإلرهابيين‪.‬‬

‫أما إذا أصررتم على المضي في تأجيج الوضع العام‬ ‫‪38‬‬


‫بتهاونكم وخذالنكم وقصور أدائكم وجهلكم بحقائق األمور‬ ‫فإن الليبيين جمي ًعا يقولون لكم‪:‬‬ ‫نحن أعطينا الشرعية ونحن من ننزعها‪.‬‬

‫نحن من قمنا بالثورة ونحن على استعداد لتجديدها‪.‬‬

‫نحن أهل الوطن ونحن نؤ ّمنه بدماء أبنائنا وبكل ما نملك‪.‬‬

‫أخيرا‪ ..‬نقول للجميع‪ :‬تضامنوا‪ ..‬قفوا كت ًفا بكتف‪..‬‬ ‫ً‬ ‫واعملوا يدً ا بيد‪ ..‬إن علينا أن نق ّلص من حجم الكارثة‬ ‫المقبلة‪ ،‬التي ـ ما لم يتم اتخاذ إجراءات حقيقية ـ فإنها‬ ‫سوف تكون أشدّ وطأ ًة من جميع الكوارث التي شهدتها‬ ‫بالدنا حتى اآلن‪.‬‬

‫‪39‬‬



‫الأخطاء الع�شرة للإخوان الم�سلمين في ليبيا(((‬

‫المجتمع الدولي ينظر إلى اإلخوان المسلمين والتيارات‬ ‫اإلسالموية األخرى بنظرة خاصة تختلف عن الليبيين‪،‬‬ ‫والمجتمعات العربية عمو ًما‪ .‬فالمجتمع الدولي يرى أن اإلسالم‬ ‫المعتدل يتناسب تما ًما مع المجتمع الليبي المحافظ الذي يم ّثل‬ ‫فيه اإلسالم نسبة ‪ ،% 100‬كما أن الليبيين عبر تاريخهم لم يشهدوا‬ ‫نشأة وانتشار المتطرفين والمتشددين بينهم‪.‬‬

‫هذا صحيح من الناحية النظرية‪ ،‬ولكن ما ال يقيم له‬ ‫مؤخرا‬ ‫اعتبارا هو أن التجربة الليبية أثبتت‬ ‫المجتمع الدولي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫أن اإلسالمويين بمختلف أطيافهم أصبحوا كتلة واحدة‬ ‫وسطي‬ ‫تحكمها مصلحة واحدة‪ ،‬وال فرق في ذلك بين‬ ‫ّ‬ ‫ومتطرف‪.‬‬ ‫ّ‬

‫((( مجلة المستقل‪ ،‬العدد الخامس‪ 8 ،‬مارس ‪.2015‬‬ ‫‪41‬‬


‫فاإلخوان المسلمون ً‬ ‫مثل ـ والذين كان تنظيمهم الدولي‬ ‫يدعي الوسطية واالعتدال ـ لم يمانعوا على اإلطالق من‬ ‫متطرف جرى‬ ‫التحالف مع أنصار الشريعة‪ ،‬وهي تنظيم‬ ‫ّ‬ ‫تصنيفه محل ًيا ودول ًيا على أنه تنظيم إرهابي يجب إيقافه‬ ‫والقضاء عليه‪.‬‬ ‫واإلخوان المسلمون تركوا الحبل على الغارب لرجال‬ ‫«الحسبة» الذين أعلنوا والءهم ألمير داعش‪ ،‬وهم يجوبون‬ ‫اآلن شوارع طرابلس ويقيمون ما يعتقدون أنه حدود الله‪،‬‬ ‫بينما هي حدودهم هم‪ ،‬وال عالقة لها بالحدود اإلسالمية‬ ‫التي ال بد لها من آلية واضحة معروفة عند الناس‪ ،‬وال بد لمن‬ ‫ين ّفذها أن يستند إلى تكليف شرعي‪ ،‬وإال اعتبر عمله انتهاكًا‬ ‫للحدود وإساء ًة للعقيدة اإلسالمية‪.‬‬

‫مهدوا ودعموا مليشيات فجر‬ ‫واإلخوان المسلمون ّ‬ ‫ليبيا التي سيطرت على طرابلس ود ّمرت مطارها العالمي‪،‬‬ ‫وهجرت‬ ‫العزل وهم بداخلها‪،‬‬ ‫وأحرقت بيوت المواطنين ّ‬ ‫ّ‬ ‫السكان‪ ،‬وأنشأت سجونًا موازية للدولة وهي سجون غير‬ ‫خاضعة للقانون وتضم اآلن عشرات اآلالف من السجناء‬ ‫واألبرياء من مختلف األعمار من الرجال والنساء‪.‬‬

‫كان على اإلخوان المسلمين الذين قدّ موا أنفسهم في‬ ‫‪42‬‬


‫البداية باعتبارهم حز ًبا سياس ًيا أن يلتزموا بالقواعد السياسية‬ ‫التي تفرض عليهم دخول المعترك االنتخابي والقبول بنتائجه‬ ‫دون اعتراض‪ ،‬فماذا فعلوا؟‬

‫عندما فشل اإلخوان المسلمون في االنتخابات‬ ‫النيابية‪ ،‬وخرجوا منها خاليي الوفاض‪ ،‬قرروا أن ينقلبوا‬ ‫حركوا الدروع التي‬ ‫على الشرع ّية باستخدام ّ‬ ‫القوة‪ ،‬وهنا ّ‬ ‫ذراعا عسكرية لهم‪ ،‬وأعلنوا استمرار‬ ‫أرادوا أن تكون‬ ‫ً‬ ‫بمجرد أن انتخب‬ ‫عمل المؤتمر العام الذي انتهى فعل ًيا‬ ‫ّ‬ ‫للنواب‪ ،‬ثم قاموا برعاية عملية قسورة التي‬ ‫الليبيون‬ ‫مجلسا ّ‬ ‫ً‬ ‫اجتاحت المطار العالمي وقامت بحرقه وتدميره على يد‬ ‫مليشيا فجر ليبيا‪ ،‬وسيطروا بقوة السالح على المقرات‬ ‫اإلدارية الحكومية في العاصمة‪ ،‬وفرضوا سلطتهم على‬ ‫وأخيرا لم يخفوا تحالفهم مع كل‬ ‫المصرف المركزي‪،‬‬ ‫ً‬ ‫من يعارض مجلس النواب الشرعي أو يحارب الجيش‬ ‫الليبي‪ ..‬مهما كان هؤالء المتحالفين‪ :‬قاعدة‪ ،‬داعش‪،‬‬ ‫أنصار‪ ..‬إلخ‪ ،‬وذلك لغرض واحد فقط هو أن يسيطروا‬ ‫على الحكم في ليبيا‪.‬‬ ‫لقد مارس اإلخوان المسلمون في ليبيا أبشع أشكال‬ ‫المكيافيلة وعلى رأسها استغالل العقيدة والقيم اإلسالمية‬ ‫‪43‬‬


‫الخالدة لتحقيق أهدافهم السياسية الزائلة‪ ،‬وقد أوضحت‬ ‫التجربة القصيرة لهم في ليبيا عن أخطأ عشرة ارتكبها هذا‬ ‫التنظيم‪ ،‬وهي أخطاء قاتلة بالنسبة لكل حزب سياسي‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ استغالل العقيدة اإلسالمية لتكون أدا ًة في سبيل‬ ‫مصلحة سياسية‪ ،‬وهذا إثم ديني وخطأ سياسي‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ التفريط في المصلحة العليا للدولة الليبية في مقابل‬ ‫مكاسب حزبية‪.‬‬

‫‪ 3‬ـ عدم احترام إرادة الشعب الليبي من خالل عدم القبول‬ ‫بنتائج االنتخابات‪.‬‬

‫‪ 4‬ـ تكوين ودعم أجنحة عسكرية مس ّلحة األمر الذي‬ ‫يناقض سياسة العمل الحزبي‪.‬‬

‫ومجرم‬ ‫محرم‬ ‫ّ‬ ‫‪ 5‬ـ التعامل سر ًيا مع دول أجنبية وهو أمر ّ‬ ‫دستور ًيا‪.‬‬

‫‪ 6‬ـ التحالف مع جماعات مصنّفة دول ًيا بأنها تنظيمات‬ ‫إرهابية‪.‬‬ ‫‪ 7‬ـ تهديد أمن المنطقة وتعريض دول الجوار للخطر‪.‬‬ ‫‪ 8‬ـ السرقة واالختالس من الميزانية العامة للدولة‪.‬‬ ‫‪44‬‬


‫‪ 9‬ـ تشويه الكيانات السياسية الحزبية المناقضة لها والعمل‬ ‫على تدميرها‪.‬‬

‫‪ 10‬ـ التآمر على إقصاء أو قتل الفعاليات السياسية وقيادات‬ ‫المجتمع المدني التي ال تتفق معها‪.‬‬

‫بعبارة أخرى‪ :‬لقد أتاح الشعب الليبي أمام اإلخوان‬ ‫المسلمين فرصة تاريخية للعمل السياسي بشرف‪ ،‬وفسح‬ ‫وصحة طرحهم‪ ،‬وكانت‬ ‫المجال أمامهم إلثبات جدّ يتهم‬ ‫ّ‬ ‫االحتماالت بالنسبة لهم متساوية مع غيرهم لعرض برنامجهم‬ ‫لبناء الدولة والتخطيط لمستقبلها المدني‪ ..‬ولكنهم أبوا‬ ‫إال أن يستهينوا بإرادة هذا الشعب‪ ،‬وسعوا من أجل السيطرة‬ ‫بالخديعة والتزوير تارة‪ ،‬وباستخدام القوة تارة أخرى‪ ،‬وعندما‬ ‫فشلت هذه األساليب قاموا باالنقالب رسم ًيا على الشرعية‬ ‫التي منحها المجتمع الدولي اعترافه وثقته‪.‬‬

‫اإلخوان اآلن يقفون دون سند في ليبيا‪ ،‬فالمواطنون‬ ‫غاضبون جدً ا من عمليتهم االنقالبية على السلطة ألن هذه‬ ‫حق المواطنين في ممارسة السيادة؛ كما أن‬ ‫العملية ألغت ّ‬ ‫اإلخوان يقفون دون سند لهم في العالم‪ ،‬باستثناء قطر وتركيا‪،‬‬ ‫ً‬ ‫طويل‪.‬‬ ‫يستمر دعمهما لإلخوان‬ ‫اللتان لن‬ ‫ّ‬ ‫بعبارة مختصرة‪ :‬لقد حكم تنظيم اإلخوان على نفسه‬ ‫‪45‬‬


‫بالخروج من الحياة السياسية في ليبيا‪ ،‬ولسوف نشاهد‬ ‫في المدى القريب حظر هذا التنظيم ومنعه من العمل‪ ،‬بل‬ ‫قرارا يصنّف فيه اإلخوان‬ ‫ربما سيصدر الليبيون دون تر ّدد ً‬ ‫المسلمين باعتبارهم جماعة إرهابي ًة يجب إيقافها وتفتيت‬ ‫كيانها ّ‬ ‫وحل الجمعيات المنبثقة عنها‪.‬‬ ‫الحرة اآلمنة ستكون بلدً ا يخلوا من تنظيم اإلخوان‬ ‫ليبيا ّ‬ ‫المسلمين والتنظيمات اإلرهابية المتحالفة معه‪.‬‬

‫‪46‬‬


‫الحل الوحيد في دعم الشرعية(((‬

‫هل يقبل الليبيون بحكم الكيانات الإرهابية؟!‬ ‫مسرحية الحوار أصبحت نو ًعا من الكوميديا السوداء‪،‬‬ ‫شر البل ّية ما يضحك‪.‬‬ ‫وإن ّ‬

‫إن كل يوم يمر يدفع الليبيون ثمنه من دمائهم‪ ،‬وإن كل‬ ‫ساعة تمر تزداد فيها معاناة الليبيين أكثر من ذي قبل‪ ،‬وتزداد‬ ‫آالمهم وهم يرون أعداءهم يستخدمون اسمهم ويجلسون‬ ‫على طاولة المفاوضات‪.‬‬

‫من أعطى هؤالء االنقالبيين الحق في الحديث باسم‬ ‫الليبيين؟‬ ‫إنهم انقالبيون من صنيعة تنظيم اإلخوان المسلمين الذين‬

‫((( مجلة المستقل‪ ،‬العدد السادس‪ 15 ،‬مارس ‪.2015‬‬ ‫‪47‬‬


‫تغلغلوا في المجتمع باستخدام الخديعة وا ّدعاء الوسطية‬ ‫واالعتدال‪ ،‬وعندما خسروا الجولة األولى في االنتخابات‬ ‫يتورعوا‬ ‫النيابية قاموا باالنقالب على اختيارات الناخبين‪ ،‬ولم ّ‬ ‫عن ارتكاب جرائم القتل واالغتيال واالبتزاز واالختالس‪،‬‬ ‫تسوغها شريعة‪..‬‬ ‫وبقية قائمة الجرائم التي ال يغفرها دين وال ّ‬ ‫فمن أعطى لهم الحق في الحديث عن الدولة الليبية وباسمها؟‬ ‫على الطرف المقابل يجلس عدد من أعضاء مجلس‬ ‫يوجه سؤال آخر‪َ :‬من أعطاكم الحق‬ ‫النواب‪ ،‬وإلى هؤالء ّ‬ ‫ّ‬ ‫في الجلوس مع االنقالبيين؟ أنتم تم ّثلون الشعب الليبي‬ ‫بحكم نتيجة االنتخاب‪ ،‬ولكن الليبيين اختاروكم لكي يتم‬ ‫بناء سلطة تشريعية تنبثق عنها سلطة تنفيذية بمؤازرة السلطة‬ ‫القضائية‪ .‬هذه فقط هي حدود صالحياتكم‪ ،‬أما جلوسكم مع‬ ‫االنقالبيين للحديث عن مستقبل ليبيا والليبيين فهذه خيانة‬ ‫سياسي ال يملكه إال الشعب الذي‬ ‫حق‬ ‫لألمانة‪ ،‬وتفريط في ّ‬ ‫ّ‬ ‫انتخبكم‪ ،‬والذي يستطيع أن ينزع منكم صالحياتكم؟‬ ‫إن الليبيين ينظرون إلى مجلس النواب باعتباره كيانًا َ‬ ‫منتخ ًبا‬ ‫انتخا ًبا ديمقراط ًيا‪ ،‬وهو المؤسسة الوحيدة التي بإمكانها تمثيل‬ ‫ً‬ ‫تمثيل رسم ًيا ضمن الحدود التي يتم إعالم‬ ‫الشعب الليبي‬ ‫الشعب بها واستفتاؤه عليها‪.‬‬ ‫‪48‬‬


‫أما أعضاء المجلس فهم شيء آخر غير المجلس نفسه‪،‬‬ ‫ألن بعضهم محكوم بأهوائه واختياراته الخاصة التي ال تصب‬ ‫في مصلحة الوطن‪ ،‬وبعضهم متر ّدد بين االنتماء للشرعية أو‬ ‫االصطفاف مع التحالفات التي يختارها بنفسه دون مراعاة‬ ‫الختيارات ناخبيه‪ ..‬وبعبارة أخرى فإن جميع ما يخالف‬ ‫محرم على المنتخبين‪ ..‬هذه قاعدة‬ ‫اختيارات الناخبين يعتبر َّ‬ ‫أساسية في العمل الديمقراطي وال ُيسمح بتجاوزها‪ ..‬وإذا ما‬ ‫تحول مجلس‬ ‫كان األعضاء على هذا النحو فإن النتيجة هي ّ‬ ‫النواب إلى مجلس مغ َّيب ال صلة له بإدارة الدولة وتسييرها‪.‬‬ ‫(المسمى‬ ‫إن ما يعمل من أجله المكلف بتوجيه الحوار اآلن‬ ‫ّ‬ ‫برناردينو ليون) هو الخروج بموافقة األطراف على «حكومة‬ ‫وفاق وطني»‪ ،‬والطرح النظري لمثل هذه الحكومة ال يكون‬ ‫صائ ًبا إال عندما تكون األطراف المتحاورة على القدر نفسه‬ ‫من الحرص على بناء دولة ليبيا‪ ،‬أما أن يجمع الحوار بين‬ ‫منتخبين باسم كيان شرعي وآخرين باسم كيان انقالبي فهذا‬ ‫تناقض غير مقبول‪ ،‬وتمييع لجوهر األزمة في ليبيا‪ ،‬وتضييع‬ ‫للحلول‪ ،‬وعبث بمصير الشعب الليبي‪.‬‬ ‫إن أبسط ما يمكن أن ُيقال على الجلسات المتق ّطعة للحوار‬ ‫الذي يجري اآلن بضغط من أطراف دولية هو أنه حوار يتم‬ ‫‪49‬‬


‫بمعزل عن الشعب الليبي‪ ،‬صاحب المصلحة الحقيقية في‬ ‫كل ما يجري اآلن‪ .‬فالليبيون ال عالقة لهم بالذهاب إلى‬ ‫طاولة الحوار التي ال يجلس عليها اآلن إال طرفان إثنان فقط‪:‬‬ ‫ـ الطرف األول (يدفعه الرغبة في الوصول إلى السلطة‬ ‫بأي ثمن كان) ويمثله األشخاص الذين تريد لهم دول‬ ‫معينة أن يكونوا جزءا من المشهد السياسي الليبي‪ ،‬وعلى‬ ‫رأسهم تنظيم اإلخوان‪.‬‬

‫ـ الطرف الثاني (يدفعه الحرص على إنقاذ ما يمكن من‬ ‫بقايا الدولة الليبية) وهو مجلس النواب الذي ارتضى أن‬ ‫حاضرا حتى ال تنتهي جلسات الحوار بمخرجات‬ ‫يكون‬ ‫ً‬ ‫تصب في غير مصلحة ليبيا والليبيين‪.‬‬

‫قد ينجح برناردينو في استقطاب بعض األسماء من‬ ‫الطرف الثاني‪ ،‬مدفو ًعا في ذلك بمصلحة شخصية تتم ّثل‬ ‫في إضافة بعض «اإلنجازات» إلى سيرته الذاتية‪ ،‬ولو كان‬ ‫األمرين منذ سنوات‪ ..‬نعم‪ ،‬قد‬ ‫ذلك على حساب شعب يعاني ّ‬ ‫ينجح في إتمام المهمة المك ّلف بها‪ ،‬ولكن الجميع يعرفون‬ ‫أن التهدئة التي قد تنتج عن هذا الحوار سوف تكون تهدئة‬ ‫مرحلي ًة مؤقتة‪ ،‬وسوف تعود األمور إلى أسوأ مما كانت‪،‬‬ ‫لسببين رئيسيين‪:‬‬ ‫‪50‬‬


‫ً‬ ‫أول‪ :‬برناردينو (ومن معه من متابعين دوليين) يتحدث‬ ‫باسم األمم المتحدة‪ ،‬ولكنه يع ّبر في الحقيقة عن‬ ‫رغبة عدد محدَّ د من الدول على رأسها الواليات‬ ‫المتحدة وبريطانيا‪ ،‬وهو غير م ّطلع على حقيقة‬ ‫األزمة في ليبيا وتفاصيلها المتداخلة التي لم يفهمها‬ ‫حتى اآلن‪ ،‬بدليل تصريحاته الكثيرة وهي عامة‬ ‫تمس واقع ما يحدث‪ ..‬فهو يتحدّ ث عن‬ ‫جدً ا‪ ،‬وال ّ‬ ‫شعارات فضفاضة مثل السالم والهدنة واالستقرار‪،‬‬ ‫دون أن يكون لكلماته عالقة بما يحدث ً‬ ‫فعل على‬ ‫األرض الليبية‪ ..‬واألسوأ من كل ذلك أن برنامج‬ ‫الحوار بر ّمته ال يصب في واقع األمر سوى في‬ ‫مصلحة الدول المذكورة والتي تحاول تمرير‬ ‫مصلحتها عن بوابة طريق األمم المتحدة‪.‬‬ ‫ثان ًيا‪ :‬الطرف الذي يدعمه برناردينو ـ بما يتوافق مع‬ ‫رغبات تلك الدول ـ هو طرف يعتبر جزءا من‬ ‫األزمة‪ ،‬وتفاقمها واستمرارها‪ ،‬وليس جزءا من‬ ‫الحل الذي يريده الليبيون‪ ،‬وهذا الطرف الذي يم ّثله‬ ‫تنظيم اإلخوان المسلمين لم يلتزم بقواعد اللعبة‬ ‫الديمقراطية بشرف ونزاهة‪ ،‬بل انقلب على الشرعية‬ ‫‪51‬‬


‫عندما خسر جولته اإلنتخابية األولى ثم تحالف مع‬ ‫التنظيمات اإلرهابية وعلى رأسها أنصار الشريعة‪،‬‬ ‫تنظيما إرهاب ًيا جديدً ا اسمه فجر ليبيا ‪.‬‬ ‫ثم صنع‬ ‫ً‬

‫ما ّ‬ ‫الحل إذن في ظل هذه الظروف المتداخلة والتي يعمد فيها‬ ‫رعاة الحوار إلى بث المزيد من الفتنة والشقاق بين الليبيين؟‬

‫إن الحل الوحيد بالطبع هو دعم الشرعية في صورتها‬ ‫المباشرة‪ ،‬دون االلتفاف عليها‪ ..‬وألن رغبة الشعب الليبي‬ ‫ّ‬ ‫تتلخص في القضاء على اإلرهاب وإعادة بناء دولة ديمقراطية‬ ‫مستقرة‪ ،‬فإننا من هذا الجانب نستطيع القول بأن على األمم‬ ‫المتحدة ـ إذا أرادت ً‬ ‫فعل أن تنهي هذه األزمة ـ فعليها أن تعود‬ ‫إلى الشعب الليبي نفسه‪ ،‬وعليها أن تفكّر في أكثر األساليب‬ ‫عما‬ ‫احترا ًما لهذا الشعب‪ ،‬أي أن تقوم بإجراء استفتاء مباشر ّ‬ ‫إذا كان الليبيون يقبلون بالكيانات اإلرهابية التي تعمل تحت‬ ‫عباءة تنظيم اإلخوان‪ ،‬وما أذا كانوا يوافقون على أن تكون‬ ‫هذه الكيانات جز ًءا من دولتهم‪ ..‬على أن يكون هذا االستفتاء‬ ‫بحضور منظمات دول ّية ش ّفافة حريصة على إنهاء هذه األزمة‬ ‫وتمكين الشعب الليبي من الوصول إلى ّبر األمان دون أن‬ ‫يضطر إلى التضحية بالمزيد من دماء أبنائه‪.‬‬ ‫‪52‬‬


‫الليبيون �أمام �س�ؤال التحرير!(((‬

‫تحرر الليبيون؟‬ ‫هل ّ‬

‫إن سؤال التحرير ال يقبل إجابات متر ّددة‪ ..‬وليس أمامنا‬ ‫اآلن إال أن نجيب بنعم أو بال‪ ،‬مقتنعين أن اإلنسان ال يمكن‬ ‫متحرر ونصف مستعبد‪ ،‬في الوقت نفسه‪،‬‬ ‫أن يكون نصف‬ ‫ّ‬ ‫حرا وذا سيادة على بعض‬ ‫كما أن الوطن ال يمكن أن يكون ًّ‬ ‫ّ‬ ‫محتل اإلرادة في البعض اآلخر‪.‬‬ ‫شؤونه‪ ،‬وخاضع أو‬ ‫حرا أو ال تكون‪ ..‬هذا هو سؤال التحرير‪.‬‬ ‫أن تكون ً‬

‫إننا إذا رأينا ما يقبع خلف األزمة الحالية في ليبيا من ٍ‬ ‫مآس‬ ‫كبيرة وكوارث متّصلة ومعاناة شديدة نجد أن حلم الليبيين‬ ‫حرة ذات سيادة‪ ..‬قد أصبح يتالشى بفعل‬ ‫بدولة مستقلة ّ‬ ‫((( مجلة المستقل‪ ،‬العدد السابع‪ 22 ،‬مارس ‪.2015‬‬ ‫‪53‬‬


‫تتعرض له البالد من مؤامرات يتم تدبيرها في الداخل‬ ‫ما ّ‬ ‫والخارج‪،‬‬

‫مرارا ـ هو أن يستعيد الشعب‬ ‫التحرير ـ كما نؤكّد‬ ‫ً‬ ‫حقوقه المسلوبة‪ ،‬وأن يرى مطالبه المشروعة التي خرج‬ ‫من أجلها قد تحققت‪ ،‬وعلى رأسها الحرية والعدالة‬ ‫االجتماعية والكرامة‪ ،‬وأقول هنا «تح ّققت» ً‬ ‫فعل‪ ،‬وليس‬ ‫على طريقة الدعاة السياسيين والمن ّ‬ ‫ظرين الذي تمتلئ‬ ‫أشداقهم وتُمطرنا ألسنتهم بهذه الكلمات التي أصبحت‬ ‫بال معنى في عقولهم‪.‬‬

‫كان الليبيون يحلمون أن يستعيدوا بالدهم بعد أن‬ ‫ضحوا على الشكل الذي رآه العالم أجمع‪ ،‬وكانوا يأملون‬ ‫يوجهوها إلى التنمية‬ ‫أن يسيطروا على موارد بالدهم وأن ّ‬ ‫والبناء‪ ،‬وأن يعيشوا في بلد يرتقي فيه مستوى الخدمات إلى‬ ‫المستقرة المتقدمة‪ ،‬ولم يكن‬ ‫أفضل ما يمكن‪ ،‬أسو ًة بالبلدان‬ ‫ّ‬ ‫شيء يمنعهم من ذلك‪ ..‬اإلرادة كانت قو ّية‪ ،‬والموارد تحت‬ ‫أقدامهم‪ ،‬والناس خرجت من هيمنة الطغيان واالستئثار‬ ‫واالحتكار‪ ..‬كانت كل المعطيات تشير في البداية إلى أن ليبيا‬ ‫ستصبح في زمن قياسي ً‬ ‫مثال يحتذى به بين جيرانها‪ ...‬هذه‬ ‫باختصار كانت أحالم الليبيين المشروعة‪ ،‬فما الذي حدث؟!‬ ‫‪54‬‬


‫ويسرب عناصره‪،‬‬ ‫بين ظهراني الليبيين كان هناك من يتس ّلل ّ‬ ‫وإذا بهم يركبون موجة الثورة والتغيير‪ ،‬ويعلنون دون مواربة‬ ‫أو خجل أنهم أحق بليبيا من الليبيين أنفسهم‪.‬‬

‫أول هؤالء وعلى رأس قائمتهم السوداء هم تنظيم اإلخوان‬ ‫المسلمين الذين اعتمدوا على ما يصل إليهم من دعم مادي‬ ‫وسياسي من دول وحكومات بعينها كانت تريد لهم أن يتولوا‬ ‫قيادة ليبيا إلى نقطة محدّ دة وهي أن يجعلوا منها بؤرة تلتقي‬ ‫فيها جميع التشكيالت واألطياف المتأسلمة التي تتستر‬ ‫بالدين بينما هي تعمل من أجل هدف سياسي محض‪.‬‬

‫لعب تنظيم اإلخوان على ورقة االنتخابات‪ ،‬واستطاعوا‬ ‫في بداية األمر أن يخدعوا الشعب بدعاياتهم التي تستعير من‬ ‫الخطاب الديني ما يطمئن إليه الناس‪ ،‬ولكن الناس لم يكونوا‬ ‫على قدر من السذاجة والغفلة كما توقع اإلخوان‪ ،‬إذ في أول‬ ‫الجوالت االنتخابية إلفراز تشكيلة السلطة التشريعية في ليبيا‬ ‫سقط اإلخوان سقو ًطا مدو ًيا ولم يعودوا قادرين على تمرير‬ ‫خدعهم الماكرة‪ ،‬وكما تقول العبارة المتداولة‪ :‬تستطيع أن‬ ‫تخدع بعض الناس بعض الوقت‪ ،‬ولكنك ال تستطيع أن‬ ‫تخدع كل الناس كل الوقت‪.‬‬ ‫قادرا على تمرير وتنفيذ أجنداته‬ ‫لم يعد تنظيم اإلخوان ً‬ ‫‪55‬‬


‫السياسية باسم الدين‪ ،‬وإذا كانت نجحت خطوتهم األولى‬ ‫قد نجحت بادئ األمر فألنهم دخلوا إلى المشهد السياسي‬ ‫وهم يستغلون حالة الفراغ التي حدثت بعد إعالن التحرير‪،‬‬ ‫واستطاعوا بذلك أن ينجحوا في إغراء واستقطاب بعض‬ ‫الشباب‪ ..‬ولكنهم ـ عندما حصحص الحق ـ لم يجدوا‬ ‫يلتف حولهم‪ ،‬باستثناء أولئك الذين التحقوا بهم ساب ًقا‬ ‫أحدً ا ّ‬ ‫إما بغسيل أدمغتهم‪ ،‬وإما بتحفيز شهوة الطمع في نفوسهم‪..‬‬ ‫وبعبارة أخرى‪ :‬لم يعد خاف ًيا أن من يرتبطون اآلن باإلخوان‬ ‫هم إما من ذوي العقيدة الفاسدة أو من المرتزقة‪.‬‬

‫عندما انكشف ستار اإلخوان لم يجدوا سوى إعالن‬ ‫االنقالب على الشرعية‪ ،‬ولكي يدعموا موقفهم كانت أقصر‬ ‫الطرق هي أن يفرضوا أنفسهم بقوة السالح والتحكم في أكبر‬ ‫نسبة من األرض تصل إليها أيديهم‪ .‬هكذا بدؤوا تأسيس‬ ‫وتسليح أدواتهم وهي الدروع‪ ،‬وعندما عجزت هذه عن‬ ‫تحقيق الدور المرسوم لها‪ ،‬جمعوا من استطاعوا استقطابه‬ ‫جرت‬ ‫وشراءه وأطلقوا عليهم اسم فجر ليبيا وهي مليشيا ّ‬ ‫وخربت وأجبرت‬ ‫الويالت على ليبيا‪ ،‬فنهبت وأحرقت‬ ‫ّ‬ ‫الناس على النزوح واللجوء في الداخل والخارج‪ ،‬وأصبح‬ ‫مسرحا لعصابات هذه المليشيا‪ ،‬ونجحوا لألسف‬ ‫غرب ليبيا‬ ‫ً‬ ‫‪56‬‬


‫في تجنيد مدن بأكملها لكي تن ّفذ لهم مخططاتهم كمدينة‬ ‫مصراتة‪ ،‬التي استغلوا بعض قياداتها في تجنيد شباب المدينة‬ ‫والدفع بهم في معارك االنقالب على الشرعية‪ .‬كانوا شياطين‬ ‫إلى درجة أنهم عمدوا إلى إفساد القبائل بالتغلغل فيها ّ‬ ‫وبث‬ ‫عقيدتهم الفاسدة‪.‬‬

‫ولكي يدعم اإلخوان موقفهم في شرق ليبيا قاموا بالتحالف‬ ‫مهدوا لتس ّلل عناصر تنظيم الدولة‬ ‫مع أنصار الشريعة‪ ،‬ثم ّ‬ ‫المسماة إسالمية (داعش)‪ ،‬واستقبلوا عناصرها الوافدين من‬ ‫ّ‬ ‫كل مكان‪ ،‬من اليمن‪ ،‬والعراق‪ ،‬وسوريا‪ ،‬وتونس‪ ،‬والجزائر‪،‬‬ ‫وتغاضوا عن جرائمهم في سرت ودرنة وصبراتة‪ ،‬وطرابلس‪.‬‬

‫إن اإلخوان هم رأس كل هذه الفتن والكوارث‪ ،‬ولقد أدرك‬ ‫مستقرة يعيش فيه‬ ‫الليبيون اآلن أن حلمهم بدولة ديمقراطية‬ ‫ّ‬ ‫المؤسسات‪ ،‬وين ّظمها‬ ‫أحرارا‪ ،‬دولة تُبنى على‬ ‫المواطنون‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫القانون‪ ،‬وتسودها العدالة االجتماعية‪ ،‬وتتبوأ المكانة التي‬ ‫تليق بها بين دول العالم‪ ..‬هذا الحلم لن يكون إال على أنقاض‬ ‫يسمى اإلخوان المسلمين‪.‬‬ ‫ذلك التنظيم الذي ّ‬ ‫تحرر الليبيون ً‬ ‫فعل؟‬ ‫ونعود إلى سؤال التحرير‪ ..‬هل ّ‬

‫حر ونصف عبد في‬ ‫أكرر بأن اإلنسان ال يكون نصف ّ‬ ‫ّ‬ ‫الوقت نفسه‪ .‬ولن نقدّ م هنا إجابة متر ّددة‪ ،‬بل يجب علينا أن‬ ‫‪57‬‬


‫نذهب مباشر ًة إلى عمق السؤال‪ ،‬وأن نجيب‪ :‬ما لم يتخ ّلص‬ ‫الليبيون من جميع الكيانات اإلرهابية التي تحتل بالدهم‪..‬‬ ‫وما لم ينتزعوا دولتهم من مخالب اإلخوان وحلفائهم‬ ‫أحرارا‪ ،‬وليس أمام الجميع اآلن‬ ‫المتأسلمين فهم ليسوا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫(جيشا وشع ًبا) إال اإلتحاد يدً ا بيد وكت ًفا بكتف إلى أن يتم‬ ‫تطهير الوطن من جميع هذه الشراذم اإلرهابية التي تقف‬ ‫ً‬ ‫حائل دون بناء واستقرار دولة ليبيا‪.‬‬

‫‪58‬‬


‫حتى ال تتكرر األخطاء(((‬

‫ّ‬

‫طرابل�س على عتبة التحرير‬ ‫طرابلس اآلن على عتبة التحرير‪ ..‬هذا الحدث الذي‬ ‫ننتظره يذكّرنا بتجربة سابقة يجب أن نتوقف عنها لكي نستفيد‬ ‫من دروسها‪.‬‬

‫عندما وصلت ثورة الليبيين إلى يوم ‪ 2011 /8 /20‬كان‬ ‫تحررت‪ ،‬وأنهم مقبلون على‬ ‫األهالي يعتقدون أن بالدهم قد ّ‬ ‫عصر جديد ال استبداد فيه وال ديكتاتورية وال طغيان‪.‬‬

‫كان الناس يعتقدون أنه بوجود المجلس االنتقالي سوف‬ ‫تنبثق حكومة مؤقتة من الليبيين قادرة على اإليفاء بجميع‬ ‫ما يريدونه‪ ،‬وظنوا أن عصر الحرية قد بدأ بعد عقود من‬

‫((( مجلة المستقل‪ ،‬العدد الثامن‪ 29 ،‬مارس ‪.2015‬‬ ‫‪59‬‬


‫الكبت واإلقصاء واالستئثار بالسلطة والثروة‪ ..‬ولكن في‬ ‫عدة أشهر بسيطة أصبحت تلك األحالم الوردية كوابيس‬ ‫مقرا للعصابات اإلرهابية التي‬ ‫مزعجة‪ ،‬وأصبحت العاصمة ً‬ ‫يدعمها اإلخوان المسلمون ويتستّرون عليها‪.‬‬

‫تتكرر المأساة‪ ..‬فطرابلس اآلن‬ ‫إنني أذكّركم حتى ال ّ‬ ‫على عتبة التحرير‪ ..‬وأنا أدعو جميع الليبيين إلى االنتباه‬ ‫وأخذ الحيطة والحذر‪ ،‬حتى ال يصابوا بخيبة أمل أخرى‪.‬‬ ‫تتحرر العاصمة سوف يخرج علينا أكثر من اسم‬ ‫وعندما‬ ‫ّ‬ ‫يدّ عي أنه البطل الذي قاد معركة التحرير األخيرة‪ ،‬فكونوا‬ ‫على حذر منذ اآلن‪ ...‬تحرير طرابلس هو جهد جماعي‬ ‫يقوم به الجيش الوطني ومن يسانده من المدنيين‪ ..‬الفضل‬ ‫فيه لله ً‬ ‫أول ولجهود أبناء الوطن الشرفاء‪.‬‬

‫ستحررون‬ ‫حرركم‪ ..‬ألنكم‬ ‫ّ‬ ‫ال تتركوا أحدً ا يدّ عي أنه ّ‬ ‫أنفسكم بوقوفكم مع جيشكم الوطني ومن يسانده من‬ ‫متطوعين مدنيين أبوا أن يروا بالدهم ترزح تحت وطأة‬ ‫اإلرهابيين الذين يستبيحونها دون أن يردعهم شيء‪..‬‬ ‫ال وطن‪ ،‬وال دين‪ ،‬وال أخالق‪.‬‬ ‫ً‬ ‫(جيشا وشع ًبا) سوف تردعون الجماعات اإلرهابية‬ ‫أنتم‬ ‫وسوف تردون كيدها إلى نحرها‪ ،‬فثقوا في قدرتكم على‬ ‫‪60‬‬


‫اجتراح المستحيالت‪ ،‬وتأكدوا أن النصر قريب‪ ،‬وأن الخير‬ ‫خير وأبقى‪.‬‬ ‫الذي تم ّثلونه ٌ‬

‫أمامكم اآلن قواتكم المسلحة تتقدّ م لتستعيد وطنًا استباحه‬ ‫الخوارج والمعتدون‪ ،‬وأمامكم شرطتكم التي ستستعيد أمن‬ ‫الشوارع‪ ،‬وأمامكم أنفسكم لتعيدوا بناء مدينتكم كما حلمتم‬ ‫دائما أن تكون‪.‬‬ ‫ً‬

‫الجي�ش‬

‫الجيش الذي يواصل قيادة معركة التحرير سوف يتزايد‬ ‫عدد أفراده مع كل خطوة بخطوها‪ ،‬ألن المدنيين يلتحقون‬ ‫به كل يوم وهم يرون بالدهم تخوض معركة حاسمة ضد‬ ‫اإلرهابيين (من الداخل) وشذاذ اآلفاق (من الخارج) بعد أن‬ ‫توحدوا لكي يسيطروا على ليبيا‪ ..‬ولكن هيهات أن ينجحوا‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ألن ً‬ ‫مغوارا كالجيش الليبي‪ ،‬وشع ًبا مقاو ًما كالشعب‬ ‫جيشا‬ ‫ً‬ ‫الليبي‪ ،‬سوف يقطع الطريق على هؤالء الخوارج و ُيسكت‬ ‫صوتهم إلى األبد‪.‬‬ ‫ال�شرطة‬

‫إن شرطة طرابلس أدرى من الجميع بأمورها‪ ،‬ويجب أن‬ ‫تعيد الشرطة تكوين نفسها واالنتظام في عملها بشكل مباشر‬ ‫‪61‬‬


‫حتى تكون ً‬ ‫أهل إلدارة األمور األمنية في طرابلس وحماية‬ ‫المرافق السيادية والممتلكات الخاصة والعامة‪ ،‬فالشرطة‬ ‫محضا‪ ،‬وهي األقرب إلى‬ ‫لها طابع مدني وليس عسكر ًيا‬ ‫ً‬ ‫المواطنين ألنها بينهم وال تعيش في معسكرات أو ثكنات‬ ‫منفصلة‪ ،‬أما الجيش فمهمته في هذه المرحلة هي تأمين‬ ‫مداخل ومخارج العاصمة‪ ،‬حتى يقطع الطريق على تس ّلل‬ ‫اإلرهابيين‪.‬‬ ‫الأهالي‬

‫دائما ً‬ ‫والتحضر‬ ‫مثال للرقي‬ ‫ّ‬ ‫إن أهالي طرابلس كانوا ً‬ ‫مر تاريخنا الحديث‬ ‫والوطن ّية‪ ،‬وكانت مدينتهم على ّ‬ ‫ملتقى لجميع األصوات والفعاليات السياسية الوطنية‪،‬‬ ‫ولم يسمح أهالي طرابلس ألحد أن يفرض هيمنته على‬ ‫العاصمة دون مقاومة مدن ّية او عسكرية‪ ..‬هكذا ع ّلمنا‬ ‫دائما أب ّي ٌة على أعدائها بفضل وطن ّية‬ ‫التاريخ‪ ..‬فطرابلس ً‬ ‫أهلها وعدم رضوخهم‪.‬‬ ‫تتحرر العاصمة‪.‬‬ ‫باألهالي ـ إذن ـ وبالجيش الليبي سوف ّ‬

‫أيضا ـ وبالشرطة سوف تستعيد العاصمة‬ ‫وباألهالي ـ ً‬ ‫أمنها‪.‬‬ ‫‪62‬‬


‫هكذا سوف يكتمل تحرير العاصمة‪ ،‬باشتراك الجيش‬ ‫والشرطة وأبناء الوطن الشرفاء‪ ..‬ال فضل في ذلك لسين‬ ‫أو صاد فقط‪ ،‬بل الجميع شركاء في هذا الوطن وانتصاراته‪.‬‬

‫ومن طرابلس ـ لكونها العاصمة والمدينة األكبر ـ سوف‬ ‫تبدأ إعادة بناء دولة ليبيا كما حلم بها الليبيون‪ ..‬دول ٌة ديمقراطية‬ ‫آمنة مستقرة تقدّ س حقوق اإلنسان وتحترم المواثيق والعهود‬ ‫التي تكفل الحرية‪ ..‬دول ٌة دعامتها األساسية هي المؤسسات‬ ‫المتكاملة‪ ،‬وااللتزام بما يفرضه مفهوم المواطنة من حقوق‬ ‫وواجبات‪.‬‬

‫هذه باختصار هي الدولة التي يأمل الليبيون أن يعيدوا‬ ‫تأسيسها‪ ،‬وهو األمل الذي ثاروا من أجله فقدموا التضحيات‬ ‫وبذلوا النفيس والغالي في سبيل تحقيقه‪ ..‬استشهد من‬ ‫تغمده الله برحمته‪ ،‬ونزح من نزح منهم‪ ،‬أعاده‬ ‫استشهد منهم‪ّ ،‬‬ ‫الله إلى دياره آمنًا‪ ..‬ولكن الليبيين استيقظوا فجأة على زمرة‬ ‫من االنقالبيين الذين س ّفهوا اختيارات الشعب بعد انتخابات‬ ‫نزيهة شاهدها العالم أجمع‪ ..‬شرذم ٌة من اإلخوان استطاعت‬ ‫أن تثير الفتنة وأن ّ‬ ‫تدق األسافين بين المدن والقبائل‪ ،‬وأن‬ ‫تعلن حكومة تهيمن بها على طرابلس وما جاورها بدعم من‬ ‫دول أجنبية تهدف إلى السيطرة على موارد ليبيا ومستقبلها‪،‬‬ ‫‪63‬‬


‫جر اآلخرين إلى حوار وهمي ال عالقة له‬ ‫ثم عمدت إلى ّ‬ ‫بالليبيين‪ ،‬وال صلة له بالشرعية‪.‬‬

‫حول اإلخوان ثورة الليبيين إلى مط ّية لهم يسعون بها‬ ‫لقد ّ‬ ‫إلى السلطة‪ ..‬لم تردعهم تضحيات الشهداء الذين ماتوا‪،‬‬ ‫ولم يحترموا تضحيات شعب بأكمله‪ ،‬بل عمدوا إلى التحالف‬ ‫مع كل من يك ّن العداء للشعب الليبي‪ ..‬تحالفوا مع أنصار‬ ‫الشريعة‪ ،‬وتستّروا على داعش‪ ،‬وسمحوا لفلول القاعدة‬ ‫وأخيرا قاموا بتشكيل أداة عسكر ّية لهم‬ ‫بالظهور والعمل‪..‬‬ ‫ً‬ ‫اسمها «فجر ليبيا» لكي ُيحكموا السيطرة على طرابلس‬ ‫والمدن المجاورة لها‪.‬‬ ‫وهجروا‬ ‫لقد دمروا المرافق السيادية‪ ،‬وقصفوا المدن‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫السكان‪ ،‬ونهبوا المال العام‪ ،‬وأيقضوا الفتنة في البالد‪،‬‬ ‫ونشروا أوكار اإلرهاب‪ ،‬وتآمروا مع الدول األجنبية‪ ..‬هذا‬ ‫ما صنعه اإلخوان وحلفاؤهم بليبيا والليبيين‪ ..‬وهذا هو‬ ‫السبب الرئيسي الذي دفع بالجيش إلى االنتفاض مجدّ ًدا‬ ‫لكي يخ ّلص البالد من معاناتها‪ ،‬ولكي يفسح أمام الليبيين‬ ‫المجال إلعادة السيطرة على دولتهم وتفعيل مقدّ راتها وبناءها‬ ‫من جديد‪.‬‬ ‫وأكرر القول‪.‬‬ ‫ّ‬

‫‪64‬‬


‫إن طرابلس اآلن على عتبة التحرير‪ ..‬فلتنتبهوا ولتأخذوا‬ ‫حذركم حتى ال تصابوا بخيبة أمل أخرى‪.‬‬

‫إن تحرير العاصمة هو ثمرة نضال األهالي وعدم صمتهم‬ ‫على وجود الخوارج واإلرهابيين بينهم‪ ،‬فال تتركوا أحدً ا‬ ‫حرركم‪ ..‬أنتم من سيؤ ّمن طرابلس‪ ،‬وأنتم من‬ ‫يدّ عي أنه ّ‬ ‫سيخرج بها آمنة مستقرة من سيطرة اإلخوان وحلفائهم‪..‬‬ ‫فاصبروا وصابروا‪ ..‬إنما النصر صبر ساعة‪.‬‬

‫‪65‬‬



‫الغائبون عن حوار الطرشان(((‬

‫المحا�ص�صة ال�سيا�سية تعني �إلغاء �سيادة ال�شعب‬ ‫تم حشر األزمة الليبية في زاوية الحوار‪ ،‬وكأن األزمة‬ ‫هي خالف سياسي بين أطراف متساوية‪ ..‬أو ّ‬ ‫كأن األطراف‬ ‫المتحاورة اآلن برعاية األمم المتحدة تملك ً‬ ‫فعل الحق في‬ ‫أن تنوب عن جميع أبناء ليبيا ومواطنيها‪.‬‬ ‫إن المتحاورين يتحدثون باسم الدولة الليبية‪ ..‬فمن‬ ‫ً‬ ‫وكيل عا ًما عن قرارات الليبيين السيادية لكي‬ ‫نصبهم‬ ‫ّ‬ ‫يتحدثوا باسم الشعب؟ ثم أين هو هذا الشعب الذي‬ ‫يتحدثون باسمه؟ وهؤالء المتحاورون دون غيرهم كانوا‬ ‫وراء مأساة قرابة نصف عدد سكان ليبيا‪ ..‬الذين أصبحوا‬

‫((( مجلة المستقل‪ ،‬العدد التاسع‪ 5 ،‬أبريل ‪.2015‬‬ ‫‪67‬‬


‫ومشرد‪ ..‬أما البقية الباقية التي‬ ‫مهجر ونازح وسجين‬ ‫بين ّ‬ ‫َّ‬ ‫تقع في نطاق سيطرتهم فإنها تلتزم الصمت خو ًفا على‬ ‫حياتها بعد أن سيطرت العصابات اإلرهابية على العاصمة‬ ‫وما جاورها غر ًبا‪.‬‬ ‫ماذا جرى لكي يعترف ممثل األمم المتحدة بهؤالء الذين‬ ‫ونصبوا أنفسهم وكالء عن ليبيا؟‬ ‫انقلبوا على الشرعية ّ‬

‫لقد ذكرنا ساب ًقا أن ممثل األمم المتحدة ال يعي طبيعة‬ ‫األوضاع في ليبيا على حقيقتها‪ ..‬وانه يمضي في المسار‬ ‫الخطأ عندما يعطي لإلخوان المسلمين «وزنًا سياس ًيا»‪،‬‬ ‫وكأن اإلخوان يع ّبرون ً‬ ‫ّ‬ ‫فعل عن آمال الليبيين وآالمهم‪،‬‬

‫ال عن تنظيمهم الدولي‪ ..‬إن ما يحدث هو نوع من‬ ‫«الكوميديا السوداء» التي تضع الجالد متحد ًثا باسم‬ ‫الضح ّية!‪.‬‬ ‫ولكن ما يجهله برناردينو ليون يعرفه الليبيون حق المعرفة‪.‬‬

‫لقد حاول اإلخوان المسلمون ـ الذين يفرضون أنفسهم‬ ‫اآلن على أجندة الحوار ـ أن يستولوا على حكم ليبيا وأن‬ ‫يقيموا دولة ألعضائهم المشتتين في العالم بكل الطرق‪.‬‬ ‫التحول السياسي في ليبيا‬ ‫عندما وجدوا أن العالم يشاهد‬ ‫ّ‬ ‫‪68‬‬


‫رضخوا لقواعد اللعبة االنتخابية فحققوا فيها بعض الحظ‬

‫ألنهم استطاعوا خديعة الناخبين بالحديث عن القيم الدينية‬ ‫وكأنهم أوصياء على الدين‪ ،‬وعندما عرف الناخبون حقيقتهم‬ ‫أسقطوهم من اعتبارهم ففشلوا ً‬ ‫فشل ذري ًعا في االنتخابات‬ ‫التشريعية‪.‬‬

‫في المرحلة الثانية أبان اإلخوان عن وجههم الحقيقي‬

‫فقاموا باالنقالب على الشرعية‪ ،‬ولكي يدافعوا عن‬ ‫انقالبهم بقوة السالح قاموا بإطالق تشكيالت مس ّلحة‬

‫مهدوا لخروج تشكيل‬ ‫أطلقوا عليها اسم الدروع‪ ،‬ثم ّ‬ ‫مس ّلح آخر على أسس قبلية وجهوية اسمه «فجر ليبيا»‪،‬‬ ‫وأفسحوا أمامهم المجال ً‬ ‫قتل ونه ًبا وتخري ًبا‪ ،‬ولكي يحكم‬

‫تنظيم اإلخوان المسلمين سيطرته سمح للتنظيمات‬ ‫اإلرهابية مثل داعش وفلول القاعدة بأن يتواجدوا في‬

‫أكثر من مدينة وقرية ليبية‪.‬‬

‫جرب تنظيم اإلخوان االنخراط في العمل السياسي‬ ‫لقد ّ‬

‫الليبي لفترة قصيرة جدً ا‪ ،‬ولكن معظم تجربتهم في ليبيا‬ ‫ّ‬ ‫تتلخص في االنقالب على الشرعية وممارسة العنف‪..‬‬ ‫وها هم اآلن ـ بدعم من دول محدّ دة مثل قطر وتركيا ـ‬ ‫‪69‬‬


‫يجلسون على طاولة الحوار من أجل الوصول إلى «حكومة‬ ‫وفاق» يضمنون بها استمرارهم‪.‬‬

‫هذا هو ما حدث أيها البرناردينو ليون‪ ..‬وهذا هو ما يسعى‬ ‫الليبيون أن تفهمه لكي ال تستمر في المسار الخطأ‪.‬‬ ‫إن حوار الطرشان الذي مازالت جلساته تعقد من حين‬ ‫إلى آخر ـ إضافة إلى الفهم الخاطئ لطبيعة األوضاع‬ ‫في ليبيا ـ كل ذلك سيؤدي إلى محاصصة سياس ّية قذرة‬ ‫تعتمد قبل كل شيء على إلغاء حق الليبيين في االختيار‪..‬‬ ‫وكأنهم ال وجود لهم‪ .‬فهل يعرف ممثل األمم المتحدة‬ ‫أنه بذلك ينطبق عليه القول الشائع‪« :‬أعطى من ال يملك‬ ‫لمن ال يستحق»؟‬

‫هذه هي الجريمة التي يقودنا إليها الحوار اآلن‪ ..‬فال ليون‬ ‫يملك الحق في إفساح المجال لتنظيم اإلخوان لكي يسيطروا‬ ‫على ليبيا ويكونوا ً‬ ‫بديل عن الليبيين أنفسهم‪ ..‬وال اإلخوان‬ ‫يستح ّقون أن يكونوا جزءا من الحياة السياسية في ليبيا‪ ..‬هذه‬ ‫هي الحقيقة التي ال مراء فيها‪.‬‬

‫إننا قد نسأل أنفسنا عن موقف الشعب الليبي‪ ..‬أين هو‬ ‫في ظل هذه الظروف الحالكة؟ لماذا ال يعلن عن موقفه‬ ‫ويؤجج النار تحت أقدام‬ ‫بكل قوة؟ لماذا لم يتظاهر ويعتصم‬ ‫ّ‬ ‫‪70‬‬


‫العصابات اإلرهابية التي تسيطر على جزء من أرضه‪ ،‬وتسعى‬ ‫إلى مصادرة مصيره إلى األبد؟‬

‫لقد قاوم الليبيون وبذلوا الغالي والنفيس من دمائهم‬ ‫وأبنائهم عندما كانت الحرب مباشرة بين جبهتين فقط‪:‬‬ ‫جبهة الطغيان وجبهة الحرية‪ ،‬أما اآلن فإن هناك أكثر من‬ ‫جبهة يعتبر الكثير منها جبهات «مفتعلة» لتشتيت جهود‬ ‫الليبيين وإقحامهم في حرب استنزاف سياسية واجتماعية‬ ‫واقتصادية‪ ..‬وهو مخ ّطط إخواني يتم تنفيذه باستغالل أصالة‬ ‫الليبيين وصدقهم‪.‬‬

‫إذا عدنا إلى الوراء ً‬ ‫قليل نجد أن الليبيين كانوا يعتقدون‬ ‫تحرروا من الطغيان واالستبداد متطلعين‬ ‫إبان الثورة أنهم ّ‬ ‫إلى بناء دولة جديدة على أسس قويمة‪ ،‬أي أنهم لم يفكّروا‬ ‫آنذاك أن شرور الطغيان يمكن أن تأتي بأكثر من شكل وبأكثر‬ ‫من أسلوب‪.‬‬

‫كانت تجربتهم األولى هي مواجهة الطغيان في أكثر‬ ‫ووضوحا‪ ،‬أما اآلن فإنهم يواجهون طغيانًا‬ ‫أشكاله بدائية‬ ‫ً‬ ‫أكثر قدرة على التخ ّفي والتل ّبس بألف شكل وشكل‪ ..‬هذه‬ ‫المرة يواجه الليبيون طغاة من نوع جديد لم يعرفوهم في‬ ‫تاريخهم السياسي الحديث‪ ..‬إنهم طغاة يتسترون باسم‬ ‫‪71‬‬


‫الدين أحيانًا‪ ،‬وباسم الديمقراطية أحيانًا أخرى‪ ..‬وكلما‬ ‫خسر هؤالء الطغاة معركة من معاركهم استطاعوا أن يغيروا‬ ‫من وجوههم وأزيائهم‪ ،‬وأن يخرجوا على الليبيين بخدعة‬ ‫جديدة‪ ..‬وآخر هذه الخدع هي «حكومة التوافق» التي يسعى‬ ‫الحوار إلى إقناع العالم بها‪.‬‬ ‫فماذا تعني حكومة التوافق حرف ًيا؟‬

‫إنها تعني أن يرضخ الليبيون إلى محاصصة سياس ّية يتم‬ ‫فيها تقاسم السلطة مع األعداء‪ ..‬نعم‪ ،‬هذه هي النتيجة التي‬ ‫تلوح في األفق‪ ..‬ما لم يكن لليبيين شأن آخر يفرضون فيه‬ ‫كلمتهم‪.‬‬

‫إذ هل ُيعقل أن يسمح الليبيون ألعدائهم من اإلخوان‬ ‫وصنيعتهم من التشكيالت المسلحة (سواء المصنّعة محل ًيا‬ ‫أو الوافدة) أن تحكمهم بأمر من ممثل األمم المتحدة؟‬ ‫كيف س ُيحاكم اإلرهاب ّيون؟ و َمن سيقتص من مرتكبي‬ ‫الجرائم؟‬ ‫ماذا عن دمار ٍ‬ ‫دولة بأكملها؟ و َمن س ُيدان على ما تم نهبه‬ ‫وتدميره؟‬ ‫عما سبق‪ ،‬وأن‬ ‫هل يعتقد أحدٌ من الليبيين أن التغاضي ّ‬ ‫‪72‬‬


‫استمرار وجود تنظيم اإلخوان في المشهد العام‪ ..‬سوف‬ ‫يح ّقق هدنة دائمة‪ ،‬ويصل بالدولة الليبية إلى ّبر األمان؟‬

‫اإلجابة باختصار هي أن التاريخ السياسي الحديث قد‬ ‫دائما أن تنظيم اإلخوان هو رأس الشرور في كل مكان‬ ‫أثبت ً‬ ‫ُوجد فيه‪ ،‬والنتيجة التي علينا أن نخلص إليها هي أن ليبيا‬ ‫حرة آمن ًة ما لم ينزاح عن كاهلها شرور اإلخوان‪..‬‬ ‫لن تعيش ّ‬ ‫فوجودهم يعني تغييب الليبيين وجعلهم رع ّية بائسة في دولة‬ ‫إخوانية جائرة‪.‬‬

‫‪73‬‬



‫االستعداد للمرحلة القادمة(((‬

‫بناء الدولة و�إ�شكال ّيات ما بعد الحرب‬ ‫عندما ثار الليبيون على الطغيان لم يتو ّقعوا ألحد من‬ ‫المتطرفة والمتز ّمتة‪..‬‬ ‫أبنائهم أن ينساق وراء التيارات‬ ‫ّ‬ ‫كانوا يخوضون حر ًبا من أجل استعادة بالدهم وإعادة‬ ‫بنائها‪ ،‬وكانوا يقاتلون في جبهة واحدة‪ ..‬متضامنين‬ ‫ومتحدين‪ ،‬وبذلوا أثناء ذلك الغالي والنفيس من دمائهم‬ ‫تحررت‪ ،‬وأن‬ ‫وأبنائهم‪ .‬وعندما اعتقد الجميع أن البالد قد ّ‬ ‫المواطنين أصبحوا سادة أنفسهم‪ ،‬وأن بإمكانهم اختيار‬ ‫يعوضون به ما فاتهم طوال عقود طويلة‪..‬‬ ‫طريق ديمقراطي ّ‬ ‫عندما حدث ذلك اكتشفوا أنهم قد دخلوا ً‬ ‫مظلما‬ ‫نفقا‬ ‫ً‬ ‫ال يعرفون نهايته‪ ،‬ورأوا عد ًدا من التنظيمات واألفراد‬ ‫((( مجلة المستقل‪ ،‬العدد العاشر‪ 12 ،‬أبريل ‪.2015‬‬ ‫‪75‬‬


‫يقفزون إلى واجهة المشهد وهم يدّ عون أنهم أحق بليبيا‬ ‫من الليبيين أنفسهم‪.‬‬

‫حاول الليبيون أن يعتمدوا على األسلوب الديمقراطي‬ ‫الذي طالما حلموا به‪ ،‬وعندما حان موعد االنتخابات‬ ‫التشريعية التي ستضع أمام الناس برلمانًا منتخ ًبا منهم‪ ،‬اختار‬ ‫مجلسا متوازنًا غير جهوي أو مؤدلج‪.‬‬ ‫الناخبون‬ ‫ً‬

‫كان تنظيم اإلخوان الذي بسط سيطرته ساب ًقا على المؤتمر‬ ‫العام بعدد من الخدع والحيل قد مني في االنتخابات بهزيمة‬ ‫فادحة فأصبح يتح ّين الفرص للعودة إلى واجهة المشهد‪،‬‬ ‫واختار التوقيت المناسب ليعلن انقالبه على الشرعية‪ ،‬وليلغي‬ ‫اختيار الليبيين وكأنه أحق من جميع الليبيين بالسيطرة على‬ ‫الحكم‪ ،‬ولو بقوة السالح‪.‬‬

‫هكذا تحالف هذا التنظيم مع جميع المارقين الخارجين‬ ‫ومهد الطريق أمام تنظيمات إرهابية أخرى‬ ‫على الشرعية‪ ،‬بل ّ‬ ‫وافدة جاءت من خارج ليبيا‪ ،‬وفتح على الليبيين أكثر من جبهة‪،‬‬ ‫وبعد أن كانوا يقفون في حربهم السابقة ضد الطغيان في جبهة‬ ‫واحدة‪ ،‬أصبح أمامهم عدة جبهات مشتعلة في نفس الوقت‪.‬‬ ‫إن الحقيقة التي يجب أن يعرفها الجميع هي أن معظم‬ ‫الجبهات الحالية مفتعل ٌة وهي تندرج ضمن مخ ّطط اإلخوان‬ ‫‪76‬‬


‫لتشتيت جهود الليبيين وإقحامهم في حرب استنزاف سياسية‬ ‫واجتماعية واقتصادية‪ ،‬وليس هناك ‪.‬‬

‫هناك جبهة واحدة حقيقية بين جميع هذه الجبهات وهي‬ ‫التي يقوم فيها الجيش بمحاربة اإلرهابيين والخارجين عن‬ ‫شرعية الدولة‪ ،‬وهي حرب ستنتهي بكل تأكيد بانتصار الليبيين‬ ‫مستقرا‪.‬‬ ‫على أعدائهم‪ ،‬وعودة ليبيا بلدً ا آمنًا‬ ‫ً‬

‫حرب الجيش الليبي‪ ،‬ومن خلفه الشعب‪ ،‬على اإلرهاب‬ ‫مستمرا‪ ،‬وليس أمام‬ ‫هي حرب متواصلة‪ ،‬وهي تحقق تقدّ ًما‬ ‫ً‬ ‫الليبيين إال أن يعدّ وا العدة لمستقبل يتخ ّلصون فيه من‬ ‫إشكاليات ما بعد الحرب دون أن يسمحوا لها بأن تترك‬ ‫أثرا قد ال ينتهي بسهولة إذا ما تم إهماله والسكوت عليه‪.‬‬ ‫فيهم ً‬ ‫فما هي هذه اإلشكاليات المتوقعة‪.‬‬

‫أثرا‬ ‫السنوات الحالية التي يعيشها الليبيون اآلن ستترك ً‬ ‫مر على ليبيا خالل‬ ‫ً‬ ‫واضحا دون شك على هذا الشعب‪ ،‬فما ّ‬ ‫هذه السنوات قد ال تنتهي آثاره بسهولة ما لم يكن المواطنون‬ ‫متي ّقظين إلى الحلول التي يستطيعون بها معالجة ما سيطرأ‬ ‫تحوالت‪.‬‬ ‫على الحياة العامة من ّ‬ ‫إننا نتحدث عن الخروج من األزمة‪ ،‬وتسوية األوضاع بأسرع‬ ‫‪77‬‬


‫وقت‪ ،‬ولكننا نهمل صورة المستقبل بما يحمله من تفاصيل‬ ‫تتو ّلد عن التفاعالت الحالية‪ .‬وعلى رأس األولويات القادمة‬ ‫للشعب الليبي سوف نواجه عدة إشكاليات تقتضي من الجميع‬ ‫أن يتحلوا بالصبر والحكمة لمعالجتها‪ .‬من هذه اإلشكاليات‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ نبذ العنف بجميع أشكاله‬

‫يمضي الليبيون اآلن في طريق ال عودة عنه وهو محاربة‬ ‫اإلرهاب وتطهير البالد من أطياف اإلجرام وتشكيالته‬ ‫المسلحة مهما كان الثمن‪ .‬والليبيون شعب مثابر وعنيد‪،‬‬ ‫منتصرا‪ ،‬ولكن علينا أن نضع‬ ‫ويستطيع الخروج من حربه هذه‬ ‫ً‬ ‫أمام أعيننا قائمة من األولويات التي يجب أن نعالجها ً‬ ‫أول حتى‬ ‫ال ندخل في دوامة أخرى أثناء بناء الدولة وإعادة تأسيسها‪.‬‬

‫إن انتصار الشعب الليبي على أعدائه من الخوارج‬ ‫والمارقين يستوجب من جميع الفعاليات السياسية من‬ ‫كيانات وأحزاب وأفراد مستقلين‪ ،‬أي جميع من تنطبق عليه‬ ‫شروط المشاركة في العملية السياسية‪ ،‬أن يلتزموا بميثاق‬ ‫أي من األساليب‬ ‫ينص على عدم اللجوء إلى ٍّ‬ ‫شرف وطني ّ‬ ‫غير السلم ّية لممارسة العمل السياسي‪ ،‬أو توجيه الناخبين‬ ‫بطرق غير ديمقراطية‪ ،‬أو إقصاء الخصوم السياسيين بطريقة‬ ‫أخرى غير التنافس السلمي‪.‬‬ ‫‪78‬‬


‫‪ 2‬ـ نبذا استغالل الدين سياس ًيا‬

‫لقد كان استغالل العقيدة اإلسالمية لتحقيق مآرب سياسية‬ ‫الغرض منها السيطرة على الحكم‪ ،‬سم ًة بارزة ألكثر من حزب‬ ‫أنتجه تنظيم اإلخوان المسلمين في ليبيا‪ّ ،‬‬ ‫ولعل أول أسباب‬ ‫حالة الفوضى التي تعيشها البالد اآلن هي وجود األحزاب‬ ‫ستارا لما ترتكبه من أعمال‬ ‫والتنظيمات التي تتخذ الدين ً‬ ‫يقرها دين أو أخالق‪ ،‬ألن التجربة أثبتت أنها‬ ‫إجرامية ال ّ‬ ‫األكثر قابلية لممارسة العنف واالعتماد على األساليب غير‬ ‫السلم ّية لتحقيق المكاسب‪.‬‬

‫من هنا يجب أن ُيحظر عمل األحزاب السياسية التي تتستّر‬ ‫وراء الدين أو تتخذه ذريعة النتهاك الحقوق‪ ،‬وعلى األخص‬ ‫يتورع عن ممارسة الدّ جل والخداع‬ ‫تنظيم اإلخوان الذي لم ّ‬ ‫وإشاعة الفتنة واستخدام القوة‪ ..‬ولكن جميع الليبيين اآلن قد‬ ‫اكتشفوا أالعيب هذا التنظيم ولن يسمحوا ألحد من اإلخوان‬ ‫أن يستمر في تضليلهم باسم الدين‪.‬‬ ‫‪ 3‬ـ رأب الصدع االجتماعي‬

‫تمزقات اجتماعية كبرى تم ّثلت‬ ‫تعرض المجتمع إلى ّ‬ ‫لقد ّ‬ ‫في تهجير مدن بأكملها‪ ،‬وقصف مدن أخرى‪ ،‬وتأجيج الفتنة‬ ‫والصراع بين أكثر من مدينة‪ ..‬وهذا مظهر آخر من مظاهر‬ ‫‪79‬‬


‫الحرب األهلية الصامتة التي حدثت في ليبيا‪ ،‬وعودة المجتمع‬ ‫الليبي إلى توا ّده وتراحمه مرهون برأب هذا الصدع الخطير‬ ‫في بنية المجتمع‪ ،‬ولن يكون ذلك ممكنًا إال باالعتراف‬ ‫بحقوق اآلخرين من خالل تحكيم العقالء من القوم لنشر‬ ‫الهدوء وبسط الطمأنينة بين الناس‪ ،‬وإقرار الحق‪ ..‬وعودة‬ ‫عما‬ ‫جميع النازحين‬ ‫ّ‬ ‫والمهجرين إلى ديارهمـ‪ ،‬وتعويضهم ّ‬ ‫تعرضوا له من ظروف مأساوية قاسية‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫‪ 4‬ـ العودة إلى الحياة النمط ّية‬

‫رابع هذه اإلشكاليات هو قدرة الليبيين على العودة إلى‬ ‫ما نعرفه بالحياة النمط ّية التي ال مفاجآت فيها‪ ،‬وليست عرض ًة‬ ‫المستقرة‬ ‫للتحوالت غير المتوقعة‪ ،‬وبعبارة أخرى‪ :‬الحياة‬ ‫ّ‬ ‫سياس ًيا واقتصاد ًيا واجتماع ًيا‪.‬‬

‫ويترتّب على عودة الليبيين إلى حياة نمط ّية مستقرة‬ ‫تفعيل ما تم تعطيله من مؤسسات تعليمية وصحية وإدارية‬ ‫وقانونية ‪ ..‬إلخ‪ .‬أي عودة الدولة بأكملها إلى حياة يسودها‬ ‫القانون وتغلب عليها مظاهر الحضارة والمدن ّية‪.‬‬

‫‪80‬‬


‫دعوة إلى التنسيق بين عناصر الدولة الثالثة(((‬

‫لماذا ال يفر�ض ال�شعب وجوده‬ ‫على الم�شهد ال�سيا�سي؟!‬ ‫تتساءلون عن موقف الليبيين كشعب‪ ،‬أين هو؟ لماذا‬ ‫ال يفرض الليبيون وجودهم على المشهد السياسي‬ ‫الحالي؟ ما الذي جعلهم يتراجعون خطوة إلى الوراء‬ ‫يسمون أنفسهم نخ ًبا سياسية‬ ‫ليتركوا أولئك الذين‬ ‫ّ‬ ‫يتصرفون ً‬ ‫نيابة عنهم؟‬ ‫ّ‬

‫الليبيون شعب واحد‪ ،‬وهو كتلة اجتماعية متضامنة‪..‬‬ ‫ال طبقات متناقضة‪ ،‬ال طوائف متصارعة‪ ،‬ال اختالفات عرقية‬ ‫حا ّدة‪ ،‬فلماذا تبدو هذه النّخب التي تتحدث باسم الشعب‬ ‫((( مجلة المستقل‪ ،‬العدد الحادي عشر‪ 19 ،‬أبريل ‪.2015‬‬ ‫‪81‬‬


‫مختلفة ومتناقضة وتسعى إلى افتعال التناقض والخالف‬ ‫حتى درجة الحرب؟‬

‫هذا نموذج من األسئلة التي يطرحها الكثيرون‪ ،‬وإذا أردنا‬ ‫اإلجابة عن هذه األسئلة يجب أن نعيد التفكير في ما يحدث‬ ‫اآلن ً‬ ‫فعل‪.‬‬

‫يبدو الليبيون وكأنهم مترددون بين أكثر من طرف‪،‬‬ ‫والحقيقة أنه ال أحد منهم يوافق على وجود المليشيات التي‬ ‫تحولت إلى جماعات إرهابية محلية أو وافدة من الخارج‪..‬‬ ‫ولكن الليبيين ال يعرفون حقيقة أن جميع المليشيات اإلرهابية‬ ‫إما هي من صنع تنظيم اإلخوان المسلمين أو برعايتهم‪ ،‬ولهذا‬ ‫السبب نجد عد ًدا من الليبيين يتسامح مع وجود اإلخوان‪،‬‬ ‫كأنهم «إخوان» ً‬ ‫فعل‪ ،‬أو كأنهم «مسلمين» كما يقولون‪.‬‬

‫عندما نتذكّر األحداث التي جرت مباشرة بعد ‪2011‬‬ ‫نجد أن اإلخوان المسلمين ركّزوا جهودهم على األدوات‬ ‫اإلعالمية والعسكرية‪ ،‬وبهذه األدوات فرضوا وجودهم‬ ‫السياسي في غرب البالد‪ ،‬بعد االنقالب على الشرعية التي‬ ‫أنتجها اختيار الليبيين عبر انتخاب شاهده العالم بأسره‪..‬‬ ‫والجميع يعرفون أحداث وتفاصيل هذا االنقالب‪.‬‬ ‫إن المواطنين الليبيين بدون استثناء يعترفون بالشرعية ‪،‬‬ ‫‪82‬‬


‫ولكن عد ًدا منهم لم يكتشف حتى اآلن أبعاد المؤامرة التي‬ ‫ن ّفذها اإلخوان على الشرعية‪ ،‬بل إن بعضهم يصدّ ق خديعة‬ ‫الدائرة الدستورية في المحكمة العليا ويعتقد أن مجلس‬ ‫النواب المنتخب قد فقد سنده الدستوري‪ ،‬وأن المؤتمر العام‬ ‫المنتهي الصالحية ما زال ً‬ ‫فعل على قيد الحياة‪ .‬وهي ظاهرة‬ ‫نجدها منتشرة هنا وهناك في جزء من طرابلس ومصراتة‬ ‫والزاوية‪ ،‬أي في المنطقة التي يهيمن عليها تنظيم اإلخوان‬ ‫المسلمين‪ ،‬ولكننا ال نجدها على اإلطالق في بقية أنحاء‬ ‫وربوع ومدن وقرى ليبيا‪ ..‬ولهذه الظاهرة أكثر من سبب‪.‬‬ ‫أساسا بالوالء لإلخوان الذين استطاعوا‬ ‫فمصراتة تدين‬ ‫ً‬ ‫أيضا‬ ‫تشكيل مليشيا فجر ليبيا من هذه المدينة‪ ،‬أما الزاوية فإنها ً‬ ‫بؤرة من بؤر اإلخوان منذ زمن بعيد‪ ،‬فماذا عن طرابلس؟‬

‫تجمع سكاني وهي ال تختلف‬ ‫العاصمة كانت تعتبر أكبر ّ‬ ‫اآلن عن بنغازي أو غيرها من المدن الليبية بعد أن غادرتها‬ ‫نسبة كبيرة من سكانها باتجاه المدن والقرى الداخلية‪ ،‬أو‬ ‫خارج ليبيا‪ ،‬فثلث سكان ليبيا اآلن هم من النازحين أو‬ ‫المهجرين‪ ،‬وغالبية هذه النسبة من سكان طرابلس وحدها‪..‬‬ ‫ّ‬ ‫وفي ظل هذا المشهد نستطيع أن نعرف أن السبب المباشر‬ ‫لصمت طرابلس اآلن وعدم قدرة المواطنين الشرفاء على‬ ‫‪83‬‬


‫االنتفاضة هو القمع المباشر الذي تمارسه المليشيات التابعة‬ ‫لإلخوان‪ ،‬األمر الذي يضطر المواطنين الشرفاء إلى الهدوء‬ ‫ً‬ ‫قليل في انتظار ساعة الحسم‪.‬‬

‫هذا من ناحية‪ ..‬فإذا عدنا إلى السؤال األساسي‪ ..‬وتساءلنا‪:‬‬ ‫أين هو الشعب الليبي اآلن ولماذا ال يفرض وجوده على‬ ‫المشهد السياسي في بقية المدن والقرى؟‬

‫اإلجابة ـ بناء على ما تقدم من معطيات ـ هي أن المواطنين‬ ‫تعرضوا لنوع من التشتيت‪ ،‬بل التغييب‪ ،‬بفعل حجب‬ ‫قد ّ‬ ‫المعلومات عنهم‪ ،‬وبفعل التضليل الذي تمارسه اآللة‬ ‫اإلعالمية لإلخوان المسلمين‪.‬‬

‫إن المواطن الليبي ـ في شخصه ـ غير مالم أبدً ا‪ ،‬ألن‬ ‫المعلومات ال تقدّ م له بطريقة رسمية ومنتظمة‪ ،‬عبر القنوات‬ ‫التي يؤمن بشرعيتها‪ ،‬والتي تعتبر الناطق الرسمي باسم ليبيا‪.‬‬

‫المالم إذن هو مجلس النواب ً‬ ‫أول‪ ،‬ألن هذا الكيان‬ ‫الشرعي يعتمد في سلوكه اإلعالمي على ما يسميه «سر ّية‬ ‫المعلومات»‪ ..‬ولنا أن نتساءل‪َ :‬من يقنع المواطنين الليبيين‬ ‫بأن بعض اإلجراءات والقرارات التي يتم اتخاذها تشملها‬ ‫سر ّية المعلومات؟‬ ‫‪84‬‬


‫إننا إذا كنا نتحدث عن ‪ 200‬عضو برلماني‪ ،‬يرافقهم في‬ ‫الحد األدنى ‪ 200‬من موظفين اإلداريين والخدمات العامة‪..‬‬ ‫سر ّية نتحدّ ث هنا؟‬ ‫فعن أي ّ‬

‫عدم إذاعة ونشر تفاصيل الجلسات البرلمانية بحجة‬ ‫الدواعي األمنية هي أشبه ما تكون بـ«خرافة أم بسيس» التي‬ ‫يعرفها الجميع‪ ،‬ومن الواضح أن المعلومات ـ وكل ما يحدث‬ ‫من تفاصيل في الجلسات النيابية ـ يتم تسريبها لتصل إلى‬ ‫الطرف اآلخر قبل أن يعرفها الليبيون‪.‬‬

‫لقد أصبح من المؤكّد اآلن أن من يجهل حقيقة الموقف‬ ‫السياسي في ليبيا هم الليبيون أنفسهم‪ ،‬أعني المواطنين الذين‬ ‫وضعوا ثقة كاملة في أعضاء مجلس النواب وهم يتوقعون‬ ‫يزودهم المجلس بتفاصيل ومستجدات ما يحث ً‬ ‫أول‬ ‫أن ّ‬ ‫بأول‪ ،‬فإذا بهم ـ أي المواطنون ـ أصبحوا آخر من يعلم‪،‬‬ ‫أساسا‪.‬‬ ‫هذا إذا علموا ً‬

‫إن الليبيين عندما اختاروا أعضاء مجلس النواب كانوا‬ ‫يؤسسوا أهم عناصر بناء الدولة‪ ..‬بحيث يصبح‬ ‫يريدون أن ّ‬ ‫المجلس هو المسؤول عن رسم السياسات العامة للدولة‪..‬‬ ‫وعندما اختار المجلس الحكومة المؤقتة فإنه وضع بذلك‬ ‫أداة تنفيذية في خدمة الشعب‪ ..‬أما عندما تمت إعادة تأسيس‬ ‫‪85‬‬


‫ً‬ ‫مسؤول عن حماية الوطن‪..‬‬ ‫الجيش الليبي فإنه أصبح بذلك‬ ‫هذه عناصر ثالثة تجعل سفينة الدولة قادرة على مقاومة‬ ‫األمواج العاتية ووصول الليبيين إلى بر األمان‪ ..‬وهي ثالثة‬ ‫مهمة الستقرار وبناء دولة ليبيا‪.‬‬ ‫عناصر أساسية ّ‬ ‫هذا هو األساس‪ ،‬وعلى هذه العناصر الثالثة أن تعمل‬ ‫بتنسيق متكامل بين بعضها البعض في جهد جماعي‬ ‫متضامن‪ ..‬أما غياب التنسيق فإنه يؤدي إلى ضياع الكثير‬ ‫من الجهد المبذول‪.‬‬

‫عندما يكون مجلس النواب في وادي‪ ..‬والحكومة في‬ ‫يتحرك في غياب التنسيق العام‪ ،‬فإن‬ ‫وادي آخر‪ ..‬والجيش ّ‬ ‫هذه العناصر تصبح ثالثة كيانات متجاورة ولكنها ليست‬ ‫أيضا‬ ‫متّحدة أو تع ّبر عن هدف واحد‪ ..‬األمر الذي يعرقل ً‬ ‫تطورات ومستجدات‬ ‫تفاعل الشعب الليبي مع ما يحدث من ّ‬ ‫يجب أن تقدّ م له في حينها وعبر قناة رسمية واحدة متّفق عليها‬ ‫بين العناصر الثالثة‪ :‬مجلس النواب‪ ،‬والحكومة المؤقتة‪،‬‬ ‫والجيش الوطني‪.‬‬

‫البد لهذه العناصر الثالثة أن تعمل ككيان واحد‪ ،‬هذا هو‬ ‫التفوق في جميع الميادين‪ :‬التشريعي والتنفيذي‬ ‫ما يح ّقق ّ‬ ‫والعسكري‪ ،‬وينعكس إيجا ًبا على جميع المستويات‪:‬‬ ‫‪86‬‬


‫السياسي واالقتصادي واالجتماعي‪ ،‬أما بغير تكامل الجهد‬ ‫الجماعي بين عناصر الدولة األساسية فإن الجهود المبذولة‬ ‫تصبح بال جدوى‪ ،‬وتكون نتيجته تشتيت آراء المواطنين‬ ‫وتغييبهم عن المشهد السياسي العام‪.‬‬

‫‪87‬‬



‫المواطنون خارج المشهد السياسي(((‬

‫الديكتاتورية تعود �إلى ليبيا!!‬ ‫االنتقال من الديكتاتورية إلى الديمقراطية هو انتقال من‬ ‫األقوال إلى األفعال‪ ..‬ففي األنظمة الديكتاتورية يتم تجاهل‬ ‫مطالب الشعب الذي يقبل ما ُيقدَّ م له أو ُيفرض عليه دون‬ ‫أن يعترض‪ ..‬أما في األنظمة الديمقراطية فإن الشعوب تبادر‬ ‫إلى المشاركة في جميع البرامج والخدمات التي يتم تنفيذها‪،‬‬ ‫وتمارس حق المتابعة والمراقبة على أداء الحكومة‪ ..‬بل إن‬ ‫هذه الممارسة هي جزء أصيل من مفهوم المواطنة‪.‬‬ ‫ديمقراط ًيا كل فرد من أفراد المجتمع هو مواطن كامل‬ ‫السيادة‪ ،‬أما في المجتمعات التي تتحكم فيها األنظمة‬ ‫((( مجلة المستقل‪ ،‬العدد الثاني عشر‪ 3 ،‬مايو ‪.205‬‬ ‫‪89‬‬


‫مجرد رع ّية ال تملك إال الطاعة‬ ‫الديكتاتورية فإن المواطنين هم ّ‬ ‫تمسكوا بصفة المواطنين‪ ،‬ألن الفرق‬ ‫والخضوع‪ ،‬حتى إذا ّ‬ ‫دائما‪.‬‬ ‫الجوهري هو أن المواطن يبقى في دائرة المسؤولية ً‬

‫سمع صوتها‪ ،‬ومن أجل‬ ‫نضال الشعوب من أجل أن ُي َ‬ ‫أن تكون سيد ًة على أرضها‪ ،‬وتنتقل من دور الرعية إلى‬ ‫دور المواطن ّ‬ ‫يلخص لنا تقري ًبا تاريخ الثورات والتغييرات‬ ‫السياسية في العالم‪.‬‬ ‫حرا‪ ..‬وما لم تتح ّقق حريته فإنه‬ ‫لقد ُولد اإلنسان ليكون ًّ‬ ‫لن يكون إنسانًا أبدً ا‪ ..‬ألن الحرية هي شرط وجود اإلنسان‪.‬‬ ‫هذا هو مبدأ الديمقراطية التي تسعى من أجلها الشعوب في‬ ‫ثوراتها وانتفاضاتها‪ ..‬وهذا هو جوهر الحياة الكريمة‪.‬‬

‫الثورات ال تقوم إال إذا شعرت الشعوب بأنها أصبحت‬ ‫وتم تحويلها‬ ‫وسلبت سيادتها‪ّ ،‬‬ ‫تفقد جزءا من إنسانيتها‪ُ ،‬‬ ‫مجرد أدوات لخدمة المستبدين والطغاة‪ ..‬أي تم‬ ‫إلى ّ‬ ‫استعبادها وتحويلها إلى رع ّية عليها أن تقدّ م فروض الوالء‬ ‫دائما هي‬ ‫والطاعة‪ ..‬ولقد كانت الثورات واالنتفاضات ً‬ ‫نقطة العودة إلى األصل‪ ،‬إلى الحرية التي ُفطر عليها‬ ‫اإلنسان منذ أن ُولد‪.‬‬ ‫هذا هو السياق الذي ينتظم فيه تاريخ البشر‪ ،‬وهذا هو‬ ‫‪90‬‬


‫يفسر لنا ثورات الشعوب عبر التاريخ القديم‬ ‫المسار الذي ّ‬ ‫والحديث‪ ..‬فهل سأل الليبيون أنفسهم‪ :‬ماذا تح ّقق على‬ ‫األرض منذ أن قامت الثورة؟‬

‫لقد ثار الليبيون وانتفضوا ضد كل أشكال الطغيان‬ ‫والجبروت‪ ،‬السياسي واالقتصادي والثقافي‪ ..‬بل وضد‬ ‫أحرارا في دولة‬ ‫أيضا‪ ..‬أرادوا أن يعيشوا‬ ‫الكبت النفسي ً‬ ‫ً‬ ‫يبادرون إلى بنائها بأنفسهم ويكونون مسؤولين عنها‪ ،‬دون أن‬ ‫ّ‬ ‫يستغل شعبها لتمرير‬ ‫يسمحوا ألحد بأن يستأثر بمواردها‪ ،‬أو‬ ‫رغباته وأجندته الغريبة‪ ،‬أو يجعل من ليبيا مكانًا غري ًبا عنهم‬ ‫وهم يعيشون فيه‪ ..‬لهذا ثار الليبيون وانتفضوا‪.‬‬

‫المقررة‬ ‫قاموا بعد مرحلة قصيرة انتهت فيها الفترة‬ ‫َّ‬ ‫للمجلس االنتقالي بتسليم السلطة إلى مؤتمر عام اعتقدوا‬ ‫أنه سيكون وف ًيا لهم‪ ،‬كما كانوا أوفياء له‪ ،‬دون أن يدروا بأن‬ ‫تسرب إليه المتستّرون باإلسالم السياسي‪،‬‬ ‫المؤتمر العام قد ّ‬ ‫وعلى رأسهم اإلخوان المسلمين‪ ،‬وأنهم قد سيطروا على‬ ‫إدارة هذا المؤتمر تمهيدً ا للعودة إلى االستئثار والطغيان‬ ‫المرة‪.‬‬ ‫واالستبداد‪ ،‬ولكن تحت غطاء الدين هذه ّ‬ ‫لقد انتهز الليبيون أول فرصة انتخابية لكي يعيدوا ترتيب‬ ‫أوضاعهم‪ ،‬وفي هذه المرة نبذوا المتسترين باإلسالم الذين‬ ‫‪91‬‬


‫ال ينفكّون يمارسون الدجل والتزوير والكذب على اآلخرين‪،‬‬ ‫وكانت النتيجة الماحقة‪ ،‬وهي أن الناخبين لم يدلوا بأصواتهم‬ ‫إلى هؤالء‪ ..‬كانت تلك ضربة قاضية ُو ّجهت لتنظيم اإلخوان‬ ‫المسلمين ومن حالفهم‪ ،‬وانتخب الليبيون كيانًا تشريع ًيا‬ ‫هم‬ ‫جديدً ا هو مجلس النواب الذي سادت فيه أغلبية وطنية ال ّ‬ ‫لها إال خدمة الوطن والمواطن‪ ،‬وليفرز هذا المجلس بعد‬ ‫ذلك حكومة تنفيذية ّ‬ ‫توخى فيها أن تكون خير أداة تنفيذية‬ ‫للسلطة التشريعية التي اختارها الليبيون‪.‬‬ ‫هذا ما حدث‪ ..‬ولكن هل ن ّفذ المجلس وحكومته المؤقتة‬ ‫بعد ذلك مطالب الشعب؟‬

‫هذا سؤال ير ّدده المواطنون الليبيون وهم يراجعون هذه‬ ‫المراحل القصيرة من عمرهم السياسي الجديد‪ ..‬إنه سؤال‬ ‫يبرره‪ ،‬بعد أن الحظوا الحظوا أن النخبة‬ ‫ٌ‬ ‫مشروع تما ًما‪ ،‬وله ما ّ‬ ‫السياسية التي تشكّلت تحت غطاء الشرعية تجاهلت تلك‬ ‫المطالب ولم تخرج بعد من سلوكيات أي نظام ديكتاتوري‬ ‫متخ ّلف‪ ،‬خاصة وأن الكثيرين منهم يتصارعون اآلن ويكيلون‬ ‫االتهامات لبعضهم البعض‪.‬‬

‫تم انتخاب هؤالء ليقوموا بوضع الحواجز بينهم‬ ‫ـ هل ّ‬ ‫وبين الشعب الذي انتخبهم؟‬ ‫‪92‬‬


‫ـ هل تم انتخابهم ليصبحوا مجرد واجه ًة سياسية تلتفت‬ ‫إلى الخارج فقط دون أن تشعر بما يجري تحت أقدامها؟‬ ‫ـ هل تم انتخابهم ليبحثوا عن مآرب وأغراض خاصة‬ ‫تحقق لهم المكاسب على حساب دماء الليبيين وأبنائهم‬ ‫البررة؟‬

‫ـ هل تم انتخابهم ليتسامحوا مع الخوارج والمجرمين‬ ‫والمنقلبين على الشرعية ويتغاضوا عن جرائمهم‬ ‫وما يرتكبونه من أفعال شنيعة في حق الشعب الليبي؟‬

‫ـ هل تم انتخابهم ليجلسوا في حوار ال معنى له مع أعداء‬ ‫الشعب الليبي بهدف المحاصصة السياسية وتقسيم غنائم‬ ‫السلطة ومنحها لرؤساء ورعاة المليشيات اإلرهابية؟‬ ‫ـ أهذه هي الديمقراطية التي ناضل الليبيون من أجلها‬ ‫فقاموا بثورتهم وبذلوا كل ثمين وغالي من دمائهم‬ ‫وقوتهم ومكانتهم وبذلوا ما يستطيعون في سبيل أن‬ ‫مستقرا آمنًا؟‬ ‫يروا بالدهم بلدً ا ديمقراط ًيا‬ ‫ً‬

‫أوجه هذا النداء لليبيين جمي ًعا‪:‬‬ ‫أمام كل هذه النقاط‪ّ ..‬‬ ‫عليكم أن تسألوا أنفسكم‪ ..‬هل نحن ٌ‬ ‫أهل للديمقراطية أم ال؟‬ ‫إذا كان الليبيون أهال للديمقراطية ومسؤوليتها عليهم‬ ‫‪93‬‬


‫أن يضعوا حدًّ ا لما يحدث اآلن من عبث سوف يؤدي إلى‬ ‫نتائج ال تحمد عقباها‪ ،‬فعندما يكون المندوبون غير قادرين‬ ‫على إقناع المجتمع الدولي بحقيقة األوضاع في ليبيا‪ ،‬فلن‬ ‫جمع في الحوار الذي يعقده‬ ‫نلوم المجتمع الدولي الذي ّ‬ ‫أطرا ًفا بعضها محسوب على الكيانات اإلرهابية‪ ،‬ألنه ربما‬ ‫يجهل الواقع الليبي‪ ،‬ولكن نلوم بالتأكيد أولئك المندوبين‬ ‫عما يحدث على‬ ‫الذين فشلوا في إيصال الصورة الحقيقية ّ‬ ‫أرض الواقع‪.‬‬

‫من هنا‪ ..‬على الشعب أن يتّخذ أحد طريقين ال ثالث لهما‪:‬‬

‫ـ إما أن يغ ّير المندوبين الذين يتحدثون باسمه نياب ًة عنه‪.‬‬

‫ـ وإما أن يدعو ممثلي المجتمع الدولي ألن يقفوا على‬ ‫حقيقة األوضاع بأنفسهم وعلى أرض الواقع‪.‬‬

‫إن الدم يسيل ويهدر دون رحمة أو شفقة‪ ،‬وأمام من ُيقتَل‬ ‫سجن لم يعد أحد ينتبه إلى أولئك المندوبين‬ ‫هجر أو ُي َ‬ ‫أو ُي َّ‬ ‫الذين يتصارعون في ما بينهم ويكيلون االتهامات لبعضهم‬ ‫البعض‪ ..‬هذه هي حقيقة ما يحدث اآلن‪ ،‬ومن واجب الليبيين‬ ‫ً‬ ‫وجيشا) وهم يواصلون‬ ‫ومجلسا‪ ،‬وحكوم ًة‪،‬‬ ‫جمي ًعا (شع ًبا‪،‬‬ ‫ً‬ ‫يكرروا على أسماع‬ ‫حربهم ضد اإلرهابيين والخوارج أن ّ‬ ‫يسوق لها‬ ‫العالم أن ما يحدث في ليبيا ليس حر ًبا أهلية كما ّ‬ ‫‪94‬‬


‫البعض‪ ،‬بل هي حرب ضد اإلرهاب‪ ،‬وعلى المجتمع الدولي‬ ‫الذي يريد أن ّ‬ ‫يتدخل في أسس بناء الدولة وشكلها السياسي‬ ‫أن يدعم الليبيين في حربهم ضد اإلرهابيين والخوارج القتلة‬ ‫قبل كل شيء آخر‪.‬‬

‫‪95‬‬



‫من يحجب المعلومات عن الليبيين؟!(((‬

‫االنقالب الثاني على ال�شعب‬ ‫هل تعرف الحكومة الليبية ماذا تفعل؟ هل هي ملتزمة‬ ‫بخارطة طريق محدّ دة تبدأ بتأكيد بتكيدبتأكيدإثبات الشرعية‬ ‫وتنتهي بتطهير البالد من اإلرهاب وتخليصها من معاناتها؟‬

‫هذا هو السؤال الذي يطرحه كل متابع لألحداث وتطوراتها‬ ‫النواب اآلن؟ أم أنهم اعتادوا على‬ ‫في ليبيا‪ .‬فماذا يفعل السادة ّ‬ ‫الكراسي وأ ّبهة المناصب‪ ،‬ولم يعودوا يتذكرون المهام التي‬ ‫أوكلت لهم من قبل الشعب الليبي؟‬

‫إن المواطنين الليبيين اآلن أمام عدة جبهات‪ ،‬وهم يقفون‬ ‫ضد عصابات اإلرهاب والمليشيات الخارجة عن القانون‪،‬‬

‫(((مجلة المستقل‪ ،‬العدد الثالث عشر‪ 3 ،‬مايو ‪.2015‬‬ ‫‪97‬‬


‫وضد االنقالب على الشرعية‪ً ..‬‬ ‫فضل عن معاناتهم اليومية‬ ‫من أجل الحياة بكرامة وتوفير الحياة الكريمة ألبنائهم ومتابعة‬ ‫تعليمهم والسهر على سالمتهم‪ ،‬فهل يشعر أعضاء المجلس‬ ‫بهذا؟!‬

‫نعرف أن الجبهات أصبحت متعدّ دة‪ ..‬فلنعد إلى الخطوة‬ ‫األساسية في كل حرب مفتوحة كالحرب التي نعيشها اآلن‪..‬‬ ‫إن أولى الخطوات هي ضرورة تنسيق الجهود وتضافر‬ ‫اإلمكانيات والتخطيط بشكل متزامن لتنفيذ خطوات‬ ‫ميدانية متقدمة تحرز المزيد من النجاحات دون أن تسمح‬ ‫بثغرة غير محسوبة في مسار المعركة‪ ..‬أي باختصار‪:‬‬ ‫النظر إلى األحداث في صورة شاملة وعدم االقتصار على‬ ‫جزئية واحدة‪ ..‬ومن المهم أثناء ذلك أن يكون المواطنون‬ ‫الليبيون على علم بكل هذه التفاصيل‪ ،‬ألنهم يم ّثلون العمق‬ ‫االستراتيجي والسند المباشر للمجلس والحكومة المؤقتة‬ ‫والجيش الوطني‪.‬‬

‫هذه ضرورة تمليها األحداث وتطوراتها‪ ..‬فأين مجلس‬ ‫النواب‪ ،‬والحكومة المؤقتة‪ ،‬والجيش الليبي‪ ..‬من كل ذلك؟!‬ ‫نقول بكل وضوح‪ :‬ليس أمام مجلس النواب اآلن إال أن‬ ‫يؤجل جميع الملفات التي ال تقود إلى إنهاء المعركة والقضاء‬ ‫ّ‬ ‫‪98‬‬


‫على فلول الخوارج واإلرهابيين والخارجين عن الشرعية‬ ‫والقانون‪.‬‬

‫هذا هو المسار الذي يجب أن يعمل فيه المجلس‪ ،‬وأن‬ ‫يوجه الحكومة وف ًقا له‪ ..‬وما لم يتم اتخاذ هذا المسار فإن‬ ‫ّ‬ ‫لسان حال المواطنين جمي ًعا يقول لكم‪ :‬إما أن تلتزموا‬ ‫شاغرا‬ ‫بما انتخبناكم من أجله‪ ..‬وإما أن تتركوا المكان‬ ‫ً‬ ‫حرصا منكم وأكثر قدرة على توجيه د ّفة‬ ‫ليشغله من هو أكثر‬ ‫ً‬ ‫قادرا على إحراز النصر والسير بليبيا‬ ‫المعركة‬ ‫ً‬ ‫توجيها سليما ً‬ ‫نحو مصاف االستقرار والديمقراطية والبناء‪.‬‬ ‫تحمل المعاناة‬ ‫لقد أثبت الليبيون أنهم شعب قادر على ّ‬ ‫والوقوف في وجه الصعاب‪ ،‬ولكن ـ أمام ما يحدث أمامهم‬ ‫اآلن ـ يبدو وكأنهم يفعلون ذلك بدون مساعدة فعلية من‬ ‫أحد‪ .‬صحيح أنهم انتخبوا المجلس وقاموا بتزكية الحكومة‬ ‫المؤقتة وتضامنوا ماد ًيا ومعنو ًيا مع الجيش الوطني‪ ،‬ولكنهم‬ ‫أصبحوا مغيبين عن األحداث بفعل حجب المعلومات التي‬ ‫على مجلس النواب والحكومة المؤقتة أن يضعاها أمام‬ ‫الشعب ً‬ ‫عما يحدث‬ ‫يتم تغييب الشعب ّ‬ ‫أول بأول‪ .‬أما أن ّ‬ ‫على األرض فهو إقصاء له‪ ،‬وتجاوز لسيادة الشعب الذي‬ ‫منح هؤالء ثقته وجعلهم واجهة سياسية له‪.‬‬ ‫‪99‬‬


‫إن المعركة ليست بين مجلس النواب والحكومة المؤقتة‬ ‫من جهة وبين المؤتمر العام المنتهي الصالحية وحكومته‬ ‫التي يسميها «حكومة إنقاذ» من جهة أخرى ‪ ..‬بل المعركة‬ ‫أساسا هي بين الشعب الليبي من جهة والمنقلبين على‬ ‫ً‬ ‫الشرعية من جهة أخرى‪ ،‬وما مجلس النواب إال الواجهة‬ ‫السياسية المنتخبة من قبل المواطنين الذين يملكون الشرعية‬ ‫لتغيير هذه الواجهة واستبدالها بأخرى متى أثبت المجلس‬ ‫أو الحكومة فشلهما في أداء المهام الدستورية والتنفيذية‬ ‫الموكلة لهما‪.‬‬

‫من هنا فإن عدم العودة إلى الشعب الليبي في جميع‬ ‫ً‬ ‫إخالل بحق‬ ‫القضايا السياسية واالقتصادية المصيرية يعتبر‬ ‫ال يملك أحدٌ تجاوزه أو عدم االلتزام به‪ ،‬وهو انتهاك للميثاق‬ ‫الضمني بين الناخبين والمنتخبين‪.‬‬

‫وهكذا فأن يقوم أعضاء من مجلس النواب ـ ً‬ ‫مثل ـ‬ ‫بالجلوس على طاولة الحوار مع االنقالبيين الذين يمثلون‬ ‫تنظيم اإلخوان المسلمين والجماعات اإلرهابية المسلحة‪،‬‬ ‫دون الرجوع إلى الشعب‪ ،‬يعتبر خيانة لألمانة التي أقسموا‬ ‫أمام المواطنين جمي ًعا بااللتزام بها‪.‬‬ ‫اختيارا بالنسبة لليبيين‪،‬‬ ‫إن الحرب على اإلرهاب لم تكن‬ ‫ً‬ ‫‪100‬‬


‫بل كانت ضرورة‪ ،‬ألن هذه الحرب تم ّثل سيادة ليبيا‪ ،‬وهي‬ ‫لن تتوقف حتى ينتهي اإلرهاب ويتخ ّلص الوطن من‬ ‫الجماعات والتنظيمات اإلرهابية ومن يدعمها من أحزاب‬ ‫ويطهر البالد منهم إلى األبد‪.‬‬ ‫وكيانات سياسية‪..‬‬ ‫ّ‬

‫لقد رأينا اآلن بعض أعضاء مجلس النواب يميلون إلى‬ ‫تمرير أجندة الحوار الذي يتواصل مسلسله برعاية األمم‬ ‫المتحدة دون أن يضعوا قيدً ا أو شر ًطا على المتحاورين وكأن‬ ‫الهدف األول واألخير هو الخروج من األزمة بأي طريقة‬ ‫كانت‪ ،‬حتى ولو كان ذلك الموافقة على جميع مخرجات‬ ‫الحوار والقبول بنفوذ اإلخوان المسلمين (الذين يدعمون‬ ‫الجماعات اإلرهابية)‪ ،‬وسيطرتهم على الحكم في ليبيا‪.‬‬

‫إن قاعدة (إذا جنحوا للسلم ‪ )..‬ال تنطبق على اإلطالق‬ ‫على من يد ّبر المكيدة ويضمر الخديعة دون أن يكون في‬ ‫قرارة نفسه قد اختار السلم واالستقرار‪ ،‬بل أراد فرض حالة‬ ‫فينقض من جديد على سيادة‬ ‫من الهدنة وفك االشتباك ليعود‬ ‫ّ‬ ‫ويكرر مأساة االنقالب على الشرعية دون‬ ‫الدولة ومقدراتها ّ‬ ‫أن يهتم ً‬ ‫جراء ذلك من‬ ‫كثيرا لما يعانيه المواطنون ّ‬ ‫قليل أو ً‬ ‫آثار وخيمة‪.‬‬ ‫إن من يم ّثل الجماعات والتنظيمات اإلرهابية إذا جنح‬ ‫‪101‬‬


‫للسلم‪ ..‬فإن عليه أن يلتزم بالشرط األساسي للحوار وهو‪:‬‬ ‫إدانة اإلرهاب الذي انقلب على الشرعية ود ّمر المؤسسات‬ ‫العزل‪ ..‬وبغير ذلك‬ ‫وهجر الناس ّ‬ ‫السيادية وهدّ م مرافق الدولة ّ‬ ‫فهو بعبارة أخرى يعدّ النقالبه الثاني على الشعب الليبي‪.‬‬

‫إن األطراف المتحاورة اآلن ال تملك شرعية عقد هذا‬ ‫الحوار (باستثناء رغبة األمم المتحدة في إقامته ظنًا منها‬ ‫أنه سينهي األزمة)‪ ،‬واألساس هو العودة إلى الشعب الليبي‬ ‫الذي يعاني وحده من استمرار الصراع المسلح والتناحر‬ ‫على السلطة‪.‬‬

‫ً‬ ‫مجال للمساومة‪ ،‬وهي ليست موضو ًعا‬ ‫سيادة ليبيا ليست‬ ‫للحوار‪ ..‬أما «حوار الطرشان» الذي لم ينته بعد‪ ،‬فإن نتائجه‬ ‫ال تعني سوى المتحاورين أنفسهم‪ ،‬أي ببساطة‪ ..‬ال عالقة‬ ‫له بالليبيين‪ ،‬وإذا أراد أحد أن يحظى بقبول الشعب الليبي ـ‬ ‫وربما تزكيته ـ فإن أول ما عليه أن يفعله هو أن يلقي السالح‬ ‫يتحمل جريرة األخطاء والمآسي‬ ‫وأن يخضع للقانون وأن‬ ‫ّ‬ ‫التي تس ّبب فيها‪.‬‬

‫‪102‬‬


‫أشرس الحروب في التاريخ الليبي (((‬

‫«دمي يقاتلني الآن»‬ ‫«دمي يقاتلني اآلن» عبارة كان ير ّددها الشاعر الراحل‬ ‫الفزاني‪ ،‬وكأنه كان يتن ّبأ بما سيحدث بعد وفاته‪ .‬فحرب‬ ‫علي ّ‬ ‫الليبيين ضد اإلرهاب هي اآلن أشرس الحروب التي خاضها‬ ‫هذا الشعب النبيل‪ ،‬ولكن نسب ًة من األعداء هم من الليبيين‬ ‫الذين يحملون السالح ضد أهاليهم وأبناء بلدهم‪ ..‬هذه هي‬ ‫المرة التي يجب أن نفكّر فيها بهدوء‪.‬‬ ‫الحقيقة ّ‬

‫لقد كانت ليبيا في تاريخها السياسي الوسيط والحديث‬ ‫دائما للحروب التي افتعلها غير الليبيين‪ ،‬بالرغم‬ ‫ً‬ ‫مسرحا ً‬ ‫تحملوا‬ ‫من أنها حروب ال صلة لليبيين بأسبابها‪ ،‬إال أنهم ّ‬ ‫((( مجلة المستقل‪ ،‬العدد الرابع عشر‪ 10 ،‬مايو ‪.2015‬‬ ‫‪103‬‬


‫األمرين بسببها‪ ،‬وعانوا من وطأتها‪ ،‬وقدموا في سبيل إنهائها‬ ‫ّ‬ ‫والتخ ّلص منها الغالبية العظمى من السكّان الذين استشهدوا‬ ‫على محرقة تلك الحروب‪.‬‬

‫لم يذهب الليبيون لكي يحتلوا أرض أحد‪ ،‬ولم يخ ّططوا‬ ‫لمواجهة أعدائهم على أرض غير أرضهم‪ ..‬ولكن‬ ‫تعرضت لمختلف صنوف االستعمار واالحتالل‬ ‫بالدهم ّ‬ ‫ومحاوالت االستيطان‪ ،‬من اإلمبراطورية العثمانية‪ ،‬إلى‬ ‫اإلمبراطورية الفاشستية‪ ،‬إلى تمركز البريطانيين والفرنسيين‬ ‫واألمريكان في بؤر استراتيجية بعد الحرب العالمية الثانية‪..‬‬ ‫أما اآلن فإن أشرس الحروب جميعها هي الحرب ضد‬ ‫اإلرهابيين الذين خرجوا دون سابق إنذار من بين ظهراني‬ ‫الليبيين أنفسهم‪.‬‬ ‫إن القول بأن جميع اإلرهابيين وافدون على التراب الليبي‬ ‫ليس ً‬ ‫صحيحا بأكمله‪ ،‬فالعديد من العناصر اإلرهابية هم‬ ‫قول‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وأخيرا ليبيون وجدوا في الفراغ السياسي الذي حدث‬ ‫أول‬ ‫ً‬

‫بعد الثورة فرصة مناسبة لإلعالن عن انتماءاتهم الغريبة‪ ،‬تار ًة‬ ‫باسم الدين‪ ،‬وتارة باسم الجهو ّية القبلية أو المناطقية‪ ،‬وتارة‬ ‫دائما هو الوصول‬ ‫باسم تنظيم من خارج ليبيا‪ ...‬وكان الهدف ً‬ ‫إلى السلطة وحكم ليبيا على جثث الليبيين أنفسهم‪ ،‬والتحكم‬ ‫‪104‬‬


‫في مواردها الطبيعية الغن ّية واستغالل موقعها االستراتيجي‬ ‫وق ّلة عدد سكانها‪.‬‬

‫المنخرطون في مليشيا «فجر ليبيا» (وهي أداة مس ّلحة‬ ‫لتنظيم اإلخوان المسلمين) ولدوا وترعرعوا في مصراتة‪،‬‬ ‫والغالبية من مجلس شورى الثوار هم من بنغازي‪ ،‬والنسخة‬ ‫الليبية من داعش هم أبناء درنة‪ ،‬والنسخة الليبية من القاعدة‬ ‫أيضا من أبناء صبراتة وغيرها من المناطق غرب ليبيا‪..‬‬ ‫هم ً‬ ‫إلى آخر القائمة‪ .‬أما حلفاؤهم الذين وفدوا من اليمن والعراق‬ ‫وسوريا ومصر وتونس والجزائر‪ ...‬فهم ق ّلة قليلة من الخوارج‬ ‫والرعاع والمهووسين والمرضى الذين ال شأن لها‪ ،‬وسوف‬ ‫ّ‬ ‫بمجرد انتهاء تلك التنظيمات وح ّلها نهائ ًيا‪.‬‬ ‫ينتهون إلى األبد‬ ‫ّ‬

‫تكون بسبب‬ ‫لقد استغ ّلت هذه التنظيمات فرا ًغا سياس ًيا ّ‬ ‫المرحلة االنتقالية دون أن ينتبه الشعب إلى ذلك‪ ،‬فبينما كان‬ ‫الليبيون منشغلين بتثبيت أسس البناء الجديد وما يتط ّلبه من‬ ‫ضرورات سياسية ودستورية كانت هذه التنظيمات تتغلغل‬ ‫وبؤرا‬ ‫في أوساطهم‬ ‫ّ‬ ‫وتتوزع على جغرافيا ليبيا لتبني جيو ًبا ً‬ ‫وخاليا نائمة‪.‬‬ ‫تحالفت جميعها مع تنظيم األخوان المسلمين الذي‬ ‫عمل كواجهة سياسية لإلرهاب تستطيع التعامل ـ ليس‬ ‫‪105‬‬


‫أيضا مع الدول‬ ‫مع التنظيمات والمليشيات فقط ـ بل ً‬ ‫الداعمة لهذا التنظيم مثل قطر وتركيا‪ ،‬وكذلك الواليات‬ ‫أقرتا ـ ضمن دعمهما االستراتيجي‬ ‫المتحدة وبريطانيا اللتان ّ‬ ‫للمسارات المتناقضة في الشرق األوسط ـ إمكانية التعامل‬ ‫مع تنظيم اإلخوان‪ ،‬في مخ ّطط واضح لقيام هذا التنظيم‬ ‫وحلفائه بخوض المعارك نياب ًة عنهما‪.‬‬ ‫* * *‬

‫في ظل هذا الوضع المتداخل محل ًيا ودول ًيا‪ ..‬ماذا على‬ ‫الليبيين اآلن أن يعملوا؟!‬ ‫ً‬ ‫أول‪ :‬على المستوى الداخلي (الحرب ضد اإلرهاب)‬

‫‪ 1‬ـ عليهم (من خالل مجلس النواب) أن يقوموا بتعليق‬ ‫المتورطين في االنتماء‬ ‫الجنسية الليبية لدى جميع‬ ‫ّ‬ ‫للتنظيمات اإلرهابية أو االنخراط في أعمال العنف‬ ‫أو حمل السالح واستخدامه خارج اإلطار الشرعي‬ ‫الوحيد (الجيش والشرطة)‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ إحالة جميع العناصر اإلرهابية التي تصنّف نفسها‬ ‫باعتبارها «من القيادات» إلى المحاكمة الفور ّية‬ ‫بموجب مذكرات تصدر عن القضاء المؤ ّيد للشرعية‪،‬‬ ‫‪106‬‬


‫وبتزكية من محكمة الجنايات الدولية وغيرها من‬ ‫المنظمات الدولية ـ بطلب من مجلس النواب ـ‬ ‫لمحاكمة الجناة والقصاص منهم أمام العالم‪.‬‬

‫أخيرا فإن الوضعية الناشئة عن هاتين الخطوتين سوف‬ ‫‪3‬ـ ً‬ ‫تعطي الحق للدولة الليبية أمام العالم في اتخاذ ما‬ ‫تراه مناس ًبا من إجراءات لالنتهاء من األزمة الحالية‬ ‫وحسمها نهائ ًيا‪.‬‬ ‫ثان ًيا‪ :‬على المستوى الخارجي (العالقات السياسية مع الدول)‬ ‫‪ 1‬ـ يجب أن يقوم مجلس النواب بإعادة ترتيب صورة‬ ‫األوضاع المحلية بد ّقة ونزاهة‪ ،‬ووضعها أمام جميع‬ ‫دول العالم من خالل األمم المتحدة‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ بناء على الموقف من الصراع مع التنظيمات‬ ‫والمليشيات اإلرهابية يمكن تحديد طبيعة ونوعية‬ ‫ويتنوع ذلك‬ ‫العالقة السياسية بكل دولة على حدة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫من التحالف إلى القطيعة‪ ،‬بحسب تكامل أو تناقض‬ ‫رؤية كل طرف إزاء ما يحدث في ليبيا‪.‬‬ ‫أخيرا فإن الوضعية الناشئة عن هاتين الخطوتين سوف‬ ‫‪3‬ـ ً‬ ‫تعطي الحق للدولة الليبية في إعادة ترتيب مكانتها في‬ ‫‪107‬‬


‫العالم وتحديد طبيعة ونوعية عالقتها الدبلوماسية مع‬ ‫الدول األخرى‪.‬‬

‫الحرب ضد اإلرهاب ـ مع ما يبذله الشعب الليبي من‬ ‫تضحيات جسام‪ ،‬ومع ما يتم ّيز به من إصرار على الحسم ـ‬ ‫مما تتو ّقع المليشيات وحلفاؤها في‬ ‫سوف تنتهي بأسرع ّ‬ ‫الداخل والخارج‪ ..‬ولكن المعركة الكبرى أمام ليبيا سوف‬ ‫تكون المعركة القادمة‪.‬‬

‫المعركة القادمة ستكون هي األشد ً‬ ‫ثقل واألطول زمنًا‪،‬‬ ‫ألنها معركة البناء واستعادة الذات الوطن ّية والنهوض بليبيا‬ ‫ومستقر ًة سياس ًيا‪ ،‬وقادر ًة‬ ‫لكي تصبح دول ًة آمن ًة اجتماعيا‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫على التقدّ م واإلنجاز والمنافسة اقتصاد ًيا‪.‬‬

‫لم تكن ليبيا أبدً ا منغلقة على نفسها فهي جزء من منظومة‬ ‫عربية وإفريقية وأوروبية متكاملة األجزاء‪ ،‬ولن يسمح الليبيون‬ ‫لإلرهاب والدول الراعية له بأن يتم تحويل بالدهم إلى‬ ‫مجتمع متخ ّلف مغلق‪.‬‬ ‫ولم تكن ليبيا لترضى عن نفسها تحت حكم استبدادي‬ ‫شعاره االستئثار واإلقصاء‪ ،‬لذلك خاضت إحدى أعنف‬ ‫الثورات في العالم‪ ،‬لكي تستر ّد ح ّقها الطبيعي في الحرية‬ ‫والديمقراطية‪ ،‬ولن يسمح الليبيون لإلرهاب والدول الراعية‬ ‫‪108‬‬


‫له بأن يتم تحويل بالدهم إلى نظام حكم ديكتاتوري تحت‬ ‫واجهة اإلسالم السياسي أو تحت واجهة القبل ّية أو الجهوية‬ ‫السياسية‪.‬‬

‫ولم يكن اقتصاد ليبيا في يوم من األيام ليب ًيا صر ًفا‪ ،‬فنحن‬ ‫جزء من منظومة عالمية نؤ ّثر فيها ونتأ ّثر بها‪ ،‬ولن يسمح‬ ‫الليبيون بأن يقع اقتصاد بالدهم رهين ًة في يد اإلرهاب والدول‬ ‫الراعية له مهما كانت المشاق‪ ،‬ومهما بلغت التضحيات‪..‬‬ ‫ليبيا هي ليبيا‪ ..‬وإن طال النضال‪.‬‬

‫‪109‬‬



‫أول» مؤسسة من أجل ضحايا اإلرهاب(((‬ ‫«العدالة ً‬

‫الق�ضية الجنائية الأولى‬ ‫كثيرا لكي ّ‬ ‫يتدخل القضاء المح ّلي والدولي‬ ‫انتظر الليبيون ً‬ ‫فيضع حدً ا للمأساة التي يعيشونها بسبب التنظيمات اإلرهابية‬ ‫الدخيلة على المجتمع الليبي‪ ،‬ولكن‪ ..‬ال حياة لمن تنادي‪.‬‬

‫انتظر المصابون واليتامى واألرامل وأولياء الدم‬ ‫والمتضررون والمكلومون والسجناء والمظلومون‬ ‫وشرد‬ ‫والنازحون‬ ‫ّ‬ ‫والمهجرون والذين ُسلبت ممتلكاتهم ّ‬ ‫أبناؤهم ولكن‪ ..‬ال حياة لمن تنادي‪.‬‬ ‫المنظمات والمؤسسات الدولية لم ت ِ‬ ‫ُقدم على خطوة‬ ‫ّ‬ ‫تهتم بمأساة الليبيين أو ترغب‬ ‫عمل ّية واحدة تشير إلى أنها ّ‬ ‫((( مجلة المستقل‪ ،‬العدد الخامس عشر‪ 17 ،‬مايو ‪.2015‬‬ ‫‪111‬‬


‫في استقرار وانتعاش وعودة الحياة إلى هذه البالد‪ ،‬ال أحد‬ ‫عما يحدث في ليبيا وكأنها‬ ‫يدري‪ :‬لماذا استشرى الصمت ّ‬ ‫ليست جزءا من العالم؟‪.‬‬ ‫المنظمات والمؤسسات المحل ّية تبدو وكأنها مغلوبة‬ ‫على أمرها‪ ،‬وغير قادرة على فعل شيء‪ ،‬فهي لم تقم بأكثر‬ ‫من اإلدانة واالستنكار وإصدار البيانات والخطب‪ ،‬وكأن ما‬ ‫مجرد ظاهرة إعالمية يمكن الر ّد عليها‬ ‫يحدث في ليبيا هو ّ‬ ‫بالعمل اإلعالمي وحده؟‪.‬‬

‫أمام هذا الصمت والالجدوى بادرت نخبة من المواطنين‬ ‫الليبيين إلى إنشاء مؤسسة جديدة أطلق عليها اسم «مؤسسة‬ ‫العدالة ً‬ ‫أول» لتكون قادرة على المطالبة أمام العالم بإرساء‬ ‫العدالة وحماية الحقوق ووضع حدّ نهائي للمليشيات‬ ‫اإلرهابية والمرتزقة الذين يعيثون في األرض فسا ًدا‪.‬‬

‫الذين بادروا إلى القيام بهذه الخطوة يدركون جيدً ا أن‬ ‫تحرك قضية‬ ‫عملهم يجب أن ينتهي إلى مخرجات جديدة ّ‬ ‫حقوق اإلنسان ومقاومة اإلرهاب‪ ،‬ويعرفون تما ًما أنهم‬ ‫مقبلون على «حرب قانونية» يجب أن يخوضوا غمارها منذ‬ ‫البداية‪ ..‬إن القضية أكبر من أن نوجزها في كلمات بسيطة‪،‬‬ ‫ألنها قضية وطن بأسره‪ ،‬ولكن ما يدفعنا إلى المضي قد ًما‬ ‫‪112‬‬


‫في هذا الخيار هو إيماننا المطلق بأن األسباب التي كانت‬ ‫وراء إنشاء هذه المؤسسة هي أسباب وطن ّية ال يمكن إغفالها‬ ‫أو التغاضي عنها‪.‬‬ ‫لهذه األسباب ُولدت «مؤسسة العدالة ً‬ ‫أول»‪.‬‬

‫ـ لكي ّ‬ ‫تغذي اإليمان بضرورة العمل على إقامة دولة مدنية‬ ‫تحتكم إلى القانون‪ ،‬وتستلهم قيم الحق والعدالة‪ ،‬وتلتزم‬ ‫بحقوق اإلنسان التي تلتقي حولها المنظومة األممية على‬ ‫اختالف توجهاتها السياسية ومشاربها القومية‪.‬‬

‫ـ لكي تدعم الجهود المضنية من أجل ترسيخ قيم‬ ‫الديمقراطية والحداثة‪ ،‬وعودة ليبيا إلى مصاف الدول‬ ‫القادرة على النهوض والتنمية وبناء المستقبل‪.‬‬

‫ً‬ ‫سجل مو ّث ًقا‬ ‫ـ لكي تضع أمام للعالم ـ بكل وضوح ـ‬ ‫بالجرائم اإلرهابية واالنتهاكات الدامية التي ارتكبت‬ ‫في حق الليبيات والليبيين‪ ،‬حتى ال يفلت مرتكبو هذه‬ ‫الفظائع من القصاص‪ ،‬وحتى يقتص منهم كل ذي حق‬ ‫تقره الشرائع والقوانين‪.‬‬ ‫بما ّ‬

‫ـ لكي يتم إرساء بنية قانونية قو ّية ال تقبل التعطيل أو‬ ‫التأجيل‪ ،‬بل تبادر إلى استنفار جميع المنظمات‬ ‫‪113‬‬


‫والمؤسسات القانونية والقضائية والعدل ّية لكي تقف‬ ‫متراصا ضد جرائم اإلرهاب‪.‬‬ ‫ص ًفا واحدً ا‬ ‫ً‬

‫ـ لكي تكون عقب ًة كأداء في وجه اإلرهاب الذي يعتقد‬ ‫من ّفذوه أنهم سيفلتون من المسؤولية‪ ،‬وحتى ال يفكّر أحد‬ ‫في ارتكاب عمليات إرهابية أو الخروج عن الشرعية‪،‬‬ ‫أو التحالف مع العصابات والمليشيات في الداخل أو‬ ‫في الخارج‪.‬‬

‫ـ لكي تكون سندً ا قو ًيا للوطنيين من المحامين والقضاة‬ ‫والحقوقيين والمثقفين واإلعالميين الذين يل ّبون نداء‬ ‫الوطن ويبذلون قصارى جهدهم حتى تستعيد ليبيا أمنها‬ ‫المفقود‪.‬‬

‫لهذه األسباب المباشرة قامت نخبة من أبناء الوطن‬ ‫بإقامة «مؤسسة العدالة ً‬ ‫أول»‪ ،‬وهي النقاط التي تقف وراء‬ ‫مشروعيتها‬ ‫ضمن مسارين متكاملين‪ ،‬هما‪:‬‬

‫األول‪ :‬جوهر العدالة الذي ال يختلف عليه اثنان مهما كان‬ ‫اختالف القاعدة السياسية أو العرقية أو الثقافية أو‬ ‫الجغرافية‪.‬‬ ‫‪114‬‬


‫الثاني‪ :‬اآللية القضائية الكفيلة بتت ّبع جميع االنتهاكات‬ ‫والجرائم التي يقترفها اإلرهابيون والخارجون عن‬ ‫الشرعية والقانون‪.‬‬

‫وبعبارة أخرى‪ ،‬فإن مرجعية هذه المؤسسة تستمد أصولها‬ ‫من المبادئ والمعايير السائدة في القانون الدولي‪ ،‬وعلى‬ ‫رأسها وثيقة حقوق اإلنسان‪ ،‬والقوانين الجنائية الدولية‪،‬‬ ‫والمواثيق اإلقليمية الحقوقية السارية‪ ،‬واألنظمة والتشريعات‬ ‫المحلية الليبية الشبيهة‪.‬‬

‫لقد تم اختيار اسم «مؤسسة العدالة ً‬ ‫أول»‪ ،‬ألن العدالة هي‬ ‫الفيصل الحقيقي بين الحق واإلرهاب‪ ،‬بين الظلم والعدل‪،‬‬ ‫بين الجناة ور ّد االعتبار‪ ،‬بين العدوان والقصاص ‪ ..‬أي بين‬ ‫يصطف مع الحياة واألمن والتقدّ م‪ ..‬وبين من يعمل على‬ ‫من‬ ‫ّ‬ ‫وأد الحياة وإثارة االضطراب والدفع باآلخرين إلى مجاهل‬ ‫التخ ّلف والدون ّية واإلرهاب‪.‬‬

‫هذا هو ـ تقري ًبا ـ مجمل القواعد المن ّظمة لعمل «مؤسسة‬ ‫العدالة ً‬ ‫أول»‪ ..‬على أنها لن تكون مؤسسة مؤقتة تنتهي‬ ‫بانتهاء أطياف اإلرهاب وتنظيماته وعصاباته من ليبيا‪ ،‬بل‬ ‫دائما‪ ،‬ألن حقوق اإلنسان ليست مؤقتة‪،‬‬ ‫سيستمر عملها ً‬ ‫وألن ضرورة األمن واألمان ليست مؤقتة‪ ،‬وألن استمرار‬ ‫‪115‬‬


‫أيضا‬ ‫سنّة الحياة بما تعنيه من تضامن وتوافق وهدوء هي ً‬ ‫شرط من شروط البقاء اإلنساني‪.‬‬

‫ختا ًما‪ ..‬إن ّ‬ ‫كل من يؤمن بهذه القواعد المن ّظمة لعمل‬ ‫«مؤسسة العدالة ً‬ ‫وطني ينظر إلى األحداث‬ ‫أول» هو شخص‬ ‫ّ‬ ‫بعين المصلحة العامة للبالد‪ ،‬وال يؤمن بالتش ّفي أو االنتقام‪،‬‬ ‫أو األخذ بالشبهة والظن‪ ،‬أو اإلدانة على الهو ّية السياسية أو‬ ‫الجهوية‪.‬‬ ‫أعضاء هذه المؤسسة ـ ً‬ ‫أول وقبل كل شيء آخر ـ هم‬ ‫ليبيون وطن ّيون يؤمنون بأن المصالحة الوطنية تبقى فوق‬ ‫كل اعتبار‪ ،‬وأنها وقاية ضمنية للدولة من مخاطر التفكّك‬ ‫واالنقسام‪ ،‬كما يؤمنون بأن ثقافة القانون يجب أن تكون‬ ‫ً‬ ‫راسخا في المجتمع لكي تنجح فيه مبادرات‬ ‫أساسا بنيو ًيا‬ ‫ً‬ ‫العفو والتسامح والتضامن‪.‬‬

‫‪116‬‬


‫شيوخ وأعيان القبائل الليبية(((‬

‫حتى ال ينهار الجدار الأخير‬ ‫لقاءاتي السابقة مع شيوخ وأعيان القبائل أثبتت لي أنهم‬ ‫وحرصا على الوطن من القيادات والنخب السياسية‬ ‫أكثر وع ًيا‬ ‫ً‬ ‫الموجودة اآلن على الساحة‪ .‬فشيوخ وأعيان القبائل يتعاملون‬ ‫تمر بها البالد وما يتع ّلق‬ ‫ـ إلى حد كبير ـ مع واقع األزمة التي ّ‬ ‫بها من قضايا راهنة باعتبارهم مسؤولين مسؤولية مباشرة‬ ‫عن جميع أبناء قبائلهم وعشائرهم الذين ينظرون لهم كآباء‬ ‫حريصين على مصلحة أبنائهم وأمنهم واستقرارهم‪.‬‬ ‫شيوخ القبائل وأعيانها ال يتحدثون باسم حزب أو تنظيم‪،‬‬ ‫وال ينطلقون في رؤيتهم للقضايا العامة من أيديولوجيا سياسية‬

‫((( مجلة المستقل‪ ،‬العدد السادس عشر‪ 24 ،‬مايو ‪.2015‬‬ ‫‪117‬‬


‫مع ّينة‪ ..‬ولكنهم معن ّيون ً‬ ‫وأخيرا بالعمل على استتباب‬ ‫أول‬ ‫ً‬ ‫الهدوء بين القبائل ّ‬ ‫وحل خالفاتها والوصول بجميع المشاكل‬ ‫العالقة إلى وسط تنال رضا جميع األطراف‪ ،‬وهم يتحركون‬ ‫في ذلك من واقعهم االجتماعي دون وصاية من أحد‪ ،‬ودون‬ ‫تنفيذ ألي أجندة مهما كانت‪.‬‬

‫لهذه األسباب فإن إعادة الدور المفقود لهؤالء الشيوخ‬ ‫واألعيان هو الخطوة األولى التي يجب أن نبدأ بها إعادة‬ ‫ترتيب المعطيات واألولويات في ليبيا‪.‬‬

‫إننا ال نطالب بدور سياسي لشيوخ القبائل‪ ،‬بقدر ما نقول أن‬ ‫المطلوب اآلن هو إفساح المجال لهم لكي يقوموا بالتصرف‬ ‫بما تمليه عليهم األعراف والتقاليد التي ال يختلف عليها اثنان‬ ‫من أبناء القبائل لضمان استتباب األمن والهدوء في جميع‬ ‫أنحاء ليبيا‪ ،‬فمن يبقى خارج هذا اإلطار بالتالي سيكون‬ ‫تقض مضجع‬ ‫إما أحد أعضاء التنظيمات اإلرهابية التي ّ‬ ‫رافضا ومناوئًا لجهود استقرار البالد‬ ‫الليبيين اآلن‪ ،‬أو يكون ً‬ ‫وأمنها‪.‬‬ ‫لقد أتاح لي لقائي بهم أثناء مؤتمر إشهار مؤسسة «العدالة‬ ‫ً‬ ‫المهم الذي يضطلعون به في‬ ‫أول» التأكيد على الدور الحيوي‬ ‫ّ‬ ‫ظل الظروف الحرجة التي تمر بها البالد اآلن‪ ،‬فوجودهم على‬ ‫‪118‬‬


‫أيضا لعودة القرار‬ ‫يمهد ً‬ ‫رأس المكونات االجتماعية الليبية ّ‬ ‫السياسي إلى الشعب الليبي من خالل آليات ديمقراطية متّفق‬ ‫عليها وغير قابلة للنقض من طرف فرد أو تنظيم أو غير ذلك‪.‬‬

‫في هذا المؤتمر كانت كلمتهم بهذا الخصوص واضحة‬ ‫جل ّية‪ ،‬حيث عبروا عن التزامهم القطعي بانضمامهم شخص ًيا‬ ‫ـ ومن ورائهم أبناء قبائلهم ـ إلى الوقوف ص ًفا واحدً ا ضد‬ ‫مرتكبي الجرائم اإلرهابية أو انتهاك حقوق المدنيين‪.‬‬ ‫يقول النص الذي و ّقعوا عليه جمي ًعا بكل وضوح‪« :‬نحن‬ ‫الحاضرون في مؤتمر تدشين مؤسسة «العدالة ً‬ ‫أول» نيابة عن‬ ‫عموم القبائل قد قطعنا على أنفسنا أن نلتزم نحن وكافة أبناء‬ ‫قبائلنا بعدم ارتكاب جرائم ضد اإلنسانية أو جرائم حرب‬ ‫ضد المدنيين أو التشجيع عليها أو التواطؤ في ارتكابها»‪.‬‬

‫إن العودة إلى القبيلة وتحكيم التقاليد واألعراف‬ ‫االجتماعية لضمان األمن واالستقرار بين المواطنين هو‬ ‫الخطوة األولى التي يجب علينا أن نفكر فيها بشكل جاد‬ ‫ألن هذه الخطوة هي الضمان الوحيد لنجاح الدعوات‬ ‫والمبادرات التي تسعى من أجل تنقية البالد وتطهيرها من‬ ‫ظاهرة اإلرهاب والجماعات اإلرهابية‪.‬‬ ‫عندما تكون القبائل الليبية متآلف ًة في ما بينها‪ ،‬وعندما‬ ‫‪119‬‬


‫تتفق على أن تتناسى أحقاد األمس وخالفات اليوم‪ ،‬فإنها‬ ‫تحصن كياناتها االجتماعية ضد‬ ‫بذلك تكون قادرة على أن ّ‬ ‫االختراقات التي تستهدف التغرير بأبنائها واستقطابهم على‬ ‫يد جماعات اإلرهاب وتنظيماته‪.‬‬

‫إن حماية المجتمع من كارثة ظواهر اإلرهاب التي‬ ‫يقرها المجتمع تبدأ من القبائل‪ ،‬وتجني‬ ‫ال يبيحها الدين وال ّ‬ ‫أيضا‪ ،‬فالمجتمع الليبي رغم ا ّدعاءات الحداثة‬ ‫ثمارها القبائل ً‬ ‫والتمدّ ن يبقى حتى اآلن مجتم ًعا قبل ًيا عشائر ًيا‪ ..‬وإلى القبائل‬ ‫يتعرض له المجتمع من‬ ‫يعود القول الفصل في جميع ما ّ‬ ‫أحداث‪.‬‬

‫أما النخب السياسية فإنها تتبع أهواءها‪ ..‬وهي تدافع عن‬ ‫مصالح أحزابها وتنظيماتها وتحالفاتها‪ ،‬وتجعل المجتمع‬ ‫والدولة بذلك في مرتبة متأخرة من اهتماماتها‪ ،‬على العكس‬ ‫تما ًما من القبائل التي ربما ال تكون معن ّية بالقضايا السياسية‬ ‫واالستراتيجية‪ ،‬وتحصر معظم اهتمامها بأبنائها‪ ،‬ولكن‬ ‫المجتمع الليبي آخر األمر هو مجموع هذه القبائل والعشائر‬ ‫والعائالت‪ ..‬فإذا عملت كل قبيلة على مستوى أبنائها واكتفت‬ ‫بتحصينهم وسالمتهم فإن المجتمع ككل يكون بذلك قد‬ ‫توصل إلى ضمان أمنه واستقراره وسالمته‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫‪120‬‬


‫هذه هي معادلة الدور القبلي بكل بساطة‪ ..‬إننا ال ندعو‬ ‫دورا‬ ‫إلى االعتماد المطلق على القبيلة‪ ،‬أو إلى إعطاء القبائل ً‬ ‫ال يتواءم مع تكوينها وبنيتها‪ ،‬كما ال ندعو إلى إقحام الشيوخ‬ ‫واألعيان في خضم العمل السياسي العام‪ ،‬ولكننا نقول‬ ‫للجميع‪ :‬إن القبيلة هي الحصن االجتماعي الذي يجب أن‬ ‫يبقى صامدً ا ألنه آخر حصن يلجأ إليه األفراد إذا أرادوا ضمان‬ ‫أمنهم وحياتهم‪ ..‬وبعبارة أخرى‪ :‬بالنسبة لليبيين جمي ًعا تعتبر‬ ‫القبيلة هي «الجدار األخير» الذي ال يجب السماح بانهياره‬ ‫وتحولها إلى غابة بمعنى الكلمة‪.‬‬ ‫ألن ذلك يعني انهيار البالد‬ ‫ّ‬

‫‪121‬‬



‫الشباب‪ ..‬مشكلة التوطين وضرورات التنمية(((‬

‫�ألغام ما بعد الحرب!!‬ ‫عندما يعود الجندي الشاب إلى مسقط رأسه ليبحث عن‬ ‫أسرته وأبيه وأمه وأخوته‪ ..‬قد يتفاجأ بأن بيته مهجور‪ ،‬وأن‬ ‫أسرته نزحت إلى مكان آخر‪ ..‬وقد يجد بيته مهدّ ًما‪ ..‬وسوف‬ ‫يكون بال دخل يعينه على بدء حياته من جديد‪ ..‬إلى آخر هذه‬ ‫االحتماالت‪ ،‬وسيكون على ذلك الجندي الشاب في كل‬ ‫األحوال أن يعيد بناء حياته من الصفر‪.‬‬

‫الشعب الليبي طلب من شبابه أن يصبحوا جنو ًدا‪ ،‬وأن‬ ‫ضروسا ضد اإلرهاب‪ ،‬فالتحقوا بصفوف‬ ‫يخوضوا حر ًبا‬ ‫ً‬ ‫وطني مقدّ س‬ ‫الجيش وقاموا ـ وما زالوا يقومون ـ بدور‬ ‫ّ‬ ‫((( مجلة المستقل‪ ،‬العدد السابع عشر‪ 31 ،‬مايو ‪.2015‬‬ ‫‪123‬‬


‫لكي يحموا األسر والعائالت الليبية‪ ،‬ولكي ينقذوا بالدهم‬ ‫من براثن اإلرهابيين الذين عاثوا في األرض فسا ًدا‪.‬‬ ‫ولقيامهم بهذه المهام القتالية فإن الجميع يقفون أمامهم‬ ‫ملحة ال بد من التفكير‬ ‫بكل إجالل وإكبار‪ ،‬ولكننا أمام أسئلة ّ‬ ‫فيها والبحث عن إجابات واقع ّية ومجدية لها‪:‬‬ ‫ـ ماذا أعددنا للشباب في مرحلة ما بعد الحرب؟‬

‫ـ إذا عادوا إلى بيوتهم المهدّ مة ووجدوا أمامهم الفراغ‬ ‫والخراب‪ ..‬ماذا سيحدث آنذاك؟‬ ‫ـ كيف نعالج األضرار المادية والنفسية قدر اإلمكان؟‬

‫ـ كيف نجعل من شبابنا بعد هذه الحرب ركنًا أساس ًيا في‬ ‫إعادة البناء وتنمية البالد؟‬

‫هذه األسئلة ـ وغيرها ـ تن ّبه الجميع إلى ضرورة التفكير‬ ‫استباق ًيا وعلى مدى بعيد في مستقبل أبناء ليبيا ومدى قدرة‬ ‫الدولة على استيعابهم واحتضانهم بعد التجارب المريرة‬ ‫مروا بها نياب ًة عن الشعب بأسره‪.‬‬ ‫التي ّ‬ ‫إن ما أخشاه في واقع األمر هو أن يتم إهمال التفكير في‬ ‫هذه القضية‪ ،‬وأن نتركها للمستجدات دون إعداد مسبق‪،‬‬ ‫مجرد احتمال إلى كارثة حقيقية‪.‬‬ ‫فتتحول بذلك من ّ‬ ‫‪124‬‬


‫ما لم يتم االستعداد لهذه المرحلة ـ مرحلة ما بعد‬ ‫الحرب ـ فإننا قد نجد أن األوان قد فات للتفكير في هذه‬ ‫القضية ومعالجتها‪ ،‬فماذا سيحدث آنذاك؟‬

‫سوف يتكرر السيناريو السابق وسوف يتم استنساخ حالة‬ ‫المليشيات مجد ًدا‪ ،‬فأولئك الشباب الذين يقاتلون اآلن مع‬ ‫الجيش ضد الجماعات اإلرهابية‪ ..‬يعودون وهم مس ّلحون‬ ‫دون عمل‪ ،‬دون برنامج محدّ د الستيعابهم‪ ،‬ودون أن يجدوا‬ ‫من يحتضنهم ويسعى من أجل تأمين مستقبلهم وتعويضهم‬ ‫ـ معنو ًيا وماد ًيا ـ عن سنوات من المعاناة وبذل الجهد في‬ ‫سبيل القضية الوطنية‪ ،‬وعند ذلك سوف يواجه الجميع كارثة‬ ‫أخرى إذا لم يتم وضع برنامج متكامل المتصاص اآلثار‬ ‫السلبية لمرحلة ما بعد الحرب التي تحيط بهؤالء الشباب‪.‬‬

‫من هذا الجانب نقول أن الحل الوحيد لتدارك المرحلة‬ ‫المقبلة هي ضرورة إشراك هؤالء الشباب في برنامج التنمية‬ ‫والبناء منذ البداية‪ ،‬أي علينا التفكير في أن المسار الصحيح‬ ‫الذي يستوعب هذه المشاكل المؤجلة هو المسار الذي‬ ‫تتزامن فيه معركة البناء مع معركة القضاء على اإلرهاب‪،‬‬ ‫وعلى الحكومة المؤقتة‪ ،‬بإشراف مباشر من مجلس النواب‪،‬‬ ‫أن تبدأ منذ اآلن في وضع خطط تكاملية تجمع بين الجدوى‬ ‫‪125‬‬


‫االقتصادية واالجتماعية‪ ،‬أي بين إعادة البناء واستيعاب جميع‬ ‫الشباب الليبيين الذين شتتهم األزمة بين مقاتل في صفوف‬ ‫الجيش وبين نازح وشريد‪.‬‬

‫بهذه الطريقة االستباقية يكون الليبيون قد ضمنوا عودة‬ ‫أبنائهم واحتضانهم اجتماع ًيا ووظيف ًيا‪ ،‬وضمنوا إنقاذهم من‬ ‫أن يكونوا عال ًة على مجتمعهم أو سب ًبا في إشكالية جديدة‬ ‫قد تؤدي إلى ما ال تحمد عقباه‪.‬‬

‫في األحياء المحررة في جميع المدن الليبية ينبغي أن تبدأ‬ ‫عملية البناء حتى يحس كل مواطن بأن هناك دولة ال تقف‬ ‫على األطالل بعد أن أصابها الخراب والدمار جراء المعارك‬ ‫والحروب المتتالية‪ ،‬بل دولة تسعى الستعادة عافية الوطن‪،‬‬ ‫وهمتهم وتوجيههم إيجاب ًيا‬ ‫وتنهض به من جديد بسواعد أبنائه ّ‬ ‫ليكونوا هم أول من يساهم في بناء الوطن بعد أن تولوا مهمة‬ ‫حمايته والدفاع عنه وتطهيره من اإلرهاب‪.‬‬

‫وفي هذه األحياء المحررة سيكون من الضروري ترميم‬ ‫وإعادة مراكز الشرطة إلى عملها‪ ،‬فمراكز الشرطة في المدن‬ ‫هي األداة التي تحمي المحيط المحلي للحي أو المدينة‪،‬‬ ‫مثلما أن الجيش هو األداة التي تحمي المحيط الوطني‬ ‫للبالد بأكملها‪.‬‬ ‫‪126‬‬


‫أما األحياء التي تقع خارج إطار المدن الليبية فال ننسى أن‬ ‫الدور األول يقع على عاتق القبيلة‪ ،‬فالقبيلة حاضنة اجتماعية‬ ‫تستطيع أن تحمي أبناءها وأن توفر لهم الوقاية من االستقطاب‬ ‫والتغرير الذي تمارسه جماعات المتطرفين واإلرهابيين‬ ‫تسربت إلى عمق المجتمع الليبي في ظل ما شهده من‬ ‫التي ّ‬ ‫فراغ سياسي وما عاناه من أزمات قاتلة‪ .‬ال فرق في ذلك‬ ‫بين استقطاب الشباب وصغار السن للجريمة والخروج عن‬ ‫القانون‪ ،‬وبين استقطابهم للتطرف واإلرهاب‪.‬‬ ‫إذن‪ ..‬مثلما يواصل الشعب الليبي اآلن السير قد ًما لكي‬ ‫يرتّب شؤونه الداخلية وهو يخوض حربه األخيرة ضد اإلرهاب‬ ‫ويطهر بالده من فلول المرتزقة ووأصحاب‬ ‫والتطرف المقيت ّ‬ ‫ّ‬ ‫العقيدة الفاسدة‪ ،‬فإنه يستطيع كذلك تأمين مستقبل أبنائه الذين‬ ‫سيخرجون منتصرين في هذه الحرب وذلك بالحفاظ عليهم‬ ‫من الوقوع في ّ‬ ‫فخ الفراغ أو الشعور بإنكار الجميل‪ ،‬وتحصينهم‬ ‫من اآلثار السلبية لمرحلة ما بعد الحرب‪.‬‬ ‫أوجه هذه الكلمات إلى الجميع‪ ..‬مواطنين‬ ‫لقد أردت أن ّ‬ ‫وساسة‪ ،‬لكي يتداركوا المرحلة القادمة بشكل استباقي‬ ‫يتضمن رؤية استراتيجية مدروس ًة ومخ َّطط لها بعناية وحكمة‬ ‫ّ‬ ‫وحرص على المصلحة العامة لليبيا وشعبها وأبنائها‪.‬‬ ‫‪127‬‬


‫بهذا الشكل يستطيع الليبيون أن يواصلوا تحرير أنفسهم‪،‬‬ ‫وتحرير بالدهم‪ ،‬وضمان مستقبل شبابهم‪ ..‬ال سبيل آخر‬ ‫للحفاظ على ذلك بدون التفكير في المستقبل‪.‬‬ ‫لقد قام الليبيون بالثورة ولكنهم لم يخ ّططوا لما بعدها‪،‬‬ ‫ً‬ ‫سؤال رئيس ًيا‪ :‬وماذا‬ ‫أرادوا الحرية دون أن يسألوا أنفسهم‬ ‫بعد؟‬

‫ها أنتم اآلن أحرار‪ ،‬ولكن المعارك تتوالى على ليبيا‪،‬‬ ‫والمرتزقة الوافدون عليكم بأفكار وعناصر وتنظيمات من‬ ‫الخارج قاموا بالتغرير بأبنائكم‪ ،‬تدعمهم دول مثل قطر وتركيا‬ ‫لتحقيق مآربها الخاصة في شمال إفريقيا‪ ،‬قطر تطمع في‬ ‫استغالل موقعكم االستراتيجي وثرواتكم الطائلة‪ ،‬وتركيا‬ ‫تحلم أن تستعيد أمجاد اإلمبراطورية العثمانية الغازية‪..‬‬ ‫فانظروا ما أنتم فاعلون!!!‬

‫‪128‬‬


‫المؤسسات السيادية تخرج عن المسار الديمقراطي(((‬

‫ال�شعب ي ّتهم‪!..‬‬

‫عندما انتخب الليبيون مجلس النواب ليم ّثل الجهاز‬ ‫التشريعي للدولة‪ ،‬وعندما قام مجلس النواب بتكليف‬ ‫الحكومة المؤقتة لتم ّثل الجهاز التنفيذي للدولة‪ ،‬وعندما‬ ‫بدأت إدارة الدولة على هذا األساس لم يكن في تصور‬ ‫أي من الجهازين نفسه عن المتابعة أو‬ ‫الليبيين أن يحجب ّ‬ ‫المساءلة أو االستجابة لمطالب الشعب‪ ،‬فالخطوة األولى‬ ‫في الديمقراطية هي أن يكون الشعب هو األساس في العملية‬ ‫السياسية‪ ،‬أما الخطوة األولى في الديكتاتورية فهي أن يحجب‬ ‫أدوارا‬ ‫المنتخبون والمك ّلفون أنفسهم عن الشعب ليمارسوا‬ ‫ً‬ ‫مجهولة أو غامضة ال يعرف عنها أحدٌ شي ًئا‪.‬‬ ‫((( مجلة المستقل‪ ،‬العدد الثامن عشر‪ 7 ،‬يونيو ‪.2015‬‬ ‫‪129‬‬


‫ً‬ ‫طويل يبدو اآلن أنها‬ ‫الديمقراطية التي حلم الليبيون به‬ ‫خطيرا في هذه اآلونة عندما نرى المؤسسات‬ ‫تحو ًل‬ ‫تعاني ّ‬ ‫ً‬ ‫السيادية أول من يخرج عن المسار الديمقراطي الذي طالب‬ ‫به الشعب وضحى من أجله‪.‬‬

‫خيرا بتحققها على‬ ‫الديمقراطية التي استبشر الليبيون ً‬ ‫أرض الواقع بعد ‪ 2011‬أصبحوا اآلن يتشكّكون في إقامتها‬ ‫وتحقيقها على أرضهم بعد أن مارس عليهم مجلس النواب‬ ‫والحكومة المؤقتة نو ًعا من التغييب والتجهيل‪..‬‬ ‫إننا ّ‬ ‫نحذر من مغبة االستهانة بمطالب الشعب‪ ،‬وندعو‬ ‫إلى وضع صورة المشهد العام أمامه بكل تفاصيلها‪ ،‬وعدم‬ ‫اتخاذ خطوات أو قرارات أو إجراءات تتصل بالشأن العام‬ ‫ما لم يكن قد أبدى عليها موافقته المسبقة‪ ..‬وهذه القاعدة‬ ‫تتصل بالعديد من األحداث الماضية التي تمت دون أن يتم‬ ‫تمكين الشعب من إبداء موافقته عليها‪.‬‬

‫فالحوار ـ ً‬ ‫مثل ـ مع المؤتمر العام المنتهي الصالحية‬ ‫يقرره الليبيون‪،‬‬ ‫وحكومته المسماة بحكومة اإلنقاذ‪ ،‬لم ّ‬ ‫ٍ‬ ‫أعضاء من المجلس في هذا الحوار ال يحظى بتزكية‬ ‫وتورط‬ ‫ّ‬ ‫الشعب‪.‬‬ ‫وهناك إجراءات أخرى كثيرة أقدمت عليها الحكومة‬ ‫‪130‬‬


‫المؤقتة لم تقم معها باستشارة الليبيين أو طلب موافقتهم‬ ‫عليها‪ ،‬وكأنهم في كوكب آخر‪.‬‬

‫إن الخطوة األولى نحو الديكتاتورية هي أن يقوم ممثلو‬ ‫يبررونها بالعمل على المصلحة‬ ‫الشعب باتخاذ خطوات معينة ّ‬ ‫العامة للشعب دون أن ينالوا الموافقة من الذين يم ّثلونهم‪،‬‬ ‫يخمنون ذلك‪ ،‬ولكن الديمقراطية ليست تخمينًا‪ ،‬وليست‬ ‫بل ّ‬ ‫امتيازا يمنحه اإلنسان لنفسه دون أن يقدّ مه له اآلخرون‪،‬‬ ‫ً‬ ‫األساس في الديمقراطية هو نيل الثقة من اآلخرين للتحدّ ث‬ ‫باسمهم وتحقيق مطالبهم‪ ،‬أما بغير هذه الثقة فإن ذلك يعني‬ ‫التصرف بمعزل عنهم وتغييبهم واالستئثار بصالحية القرار‬ ‫ّ‬ ‫والتنفيذ‪ ..‬وهذه أولى صفات الديكتاتورية‪ .‬فالديمقراطية‬ ‫ً‬ ‫يقرره‬ ‫أول‬ ‫وأخيرا هي التزام المنتخبين والمك ّلفين بما ّ‬ ‫ً‬ ‫الناخبون‪ ،‬دون استثناء‪ ،‬ودون تجاوز لحدود الصالحيات‬ ‫الممنوحة لهم ديمقراط ًيا‪.‬‬

‫من هنا‪ ..‬يجب على مجلس النواب والحكومة المؤقتة‬ ‫علما‬ ‫أن يلتزما بآل ّية واضحة وشفافة تحيط بها الشعب الليبي ً‬ ‫بما يتع ّلق بكل شؤونه‪ ،‬وعلى األخص القرارات السيادية التي‬ ‫تًعلن باسمه ونيابة عنه‪.‬‬ ‫إن ما يح ّقق االستجابة التلقائية لجهود المجلس والحكومة‬ ‫‪131‬‬


‫المؤقتة هو التزامهم بالسياق الديمقراطي الذي يمنحهم حق‬ ‫التصرف بالنيابة وال يكون ذلك إال باستيفاء النيابة شروطها‬ ‫ّ‬ ‫الديمقراطية التي تبدأ من االستفتاء إلى االستشارة إلى االنتخاب‬ ‫إلى غير ذلك من اإلجراءات الدستورية المتعارف عليها‪.‬‬

‫هذا هو المسار الذي يجنّب الجميع تهمة االستئثار‬ ‫أيضا على عدة‬ ‫واإلقصاء واالستبداد بالرأي‪ ،‬وهو ما يجيب ً‬ ‫تساؤالت ير ّددها الليبيون اآلن‪:‬‬ ‫ـ كيف نتوقع للحرب على اإلرهاب أن تمضي قد ًما وأن‬ ‫تنتصر ليبيا من خالل الصمت على تجاوزات البعض‬ ‫إلرادة الناخبين‪ ،‬حتى وإن كانت هذه اإلرادة قد صدرت‬ ‫من باب الحرص على المصلحة العامة‪ ،‬ما لم يكن‬ ‫الشعب نفسه قد أبدى موافقته ومنح تزكيته لجميع‬ ‫الخطوات المنجزة؟‪.‬‬

‫ـ كيف نتوقع للدولة أن تستقر إذا كانت كل مؤسسة سيادية‬ ‫تغرد خارج السرب وتعتقد‬ ‫من مجلس وحكومة وجيش ّ‬ ‫األصح هو أن ينشأ تنسيق‬ ‫أنها تفعل الصواب؟ أليس‬ ‫ّ‬ ‫واضح شفاف بين هذه المؤسسات السيادية وأن تتم‬ ‫العودة مباشرة للشعب لكي يقوم بدعم وتغذية هذه‬ ‫الجهود معنويا وماديا؟ وحتى ال تكون ليبيا بؤرة دولية‬ ‫‪132‬‬


‫لإلرهاب‪ ،‬وهو األمر الذي ع ّبرت عنه مؤسسات دولية‬ ‫مؤخرا عندما اعتبرت ليبيا من بين الخمس دول المصنفة‬ ‫ً‬ ‫دول ًيا في إطار المخاطر اإلرهابية ذات األثر اإلقليمي‪.‬‬

‫ـ كيف نتوقع النجاح في تدشين معركة التنمية التي توقفت‬ ‫لعدة سنوات حتى اآلن؟ وال مبرر لهذا الجمود والتو ّقف‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫متواز مع معركة‬ ‫ألن معركة البناء يجب أن تمضي بشكل‬ ‫الحرب على اإلرهاب لضمان استيعاب الشباب وإعادة‬ ‫ترتيب المستقبل االقتصادي واالجتماعي في الوقت‬ ‫نفسه‪ ،‬وحتى ننزع ليبيا من دائرة الفراغ األمني الذي يد ّمر‬ ‫البنية االجتماعية والبناء االقتصادي‪ ،‬وهو األمر الذي‬ ‫مؤخرا الوكاالت ووسائل اإلعالم العالمية وهي‬ ‫تداولته‬ ‫ً‬ ‫تعلن في دورياتها ونشراتها وأخبارها بأن الفراغ األمني‬ ‫يد ّمر اقتصاد ليبيا ويهدم مستقبل شبابها‪.‬‬

‫ـ كيف يمكن ضمان تكاتف جميع أبناء ليبيا وانخراطهم‬ ‫جمي ًعا في جميع مراحل بناء الدولة منذ بدايتها وتحقيق‬ ‫عوامل االستقرار والمصالحة دون أن تتم االستعانة‬ ‫بالقبائل الليبية‪ ..‬إننا ال نقول بأن القبائل بديل عن‬ ‫مؤسسات الدولة‪ ،‬ولكننا نقول بأنها الحاضنة االجتماعية‬ ‫تؤهل هذه المؤسسات ألن تنشأ وتنمو في مناخ‬ ‫التي ّ‬ ‫‪133‬‬


‫نصر على عدم إهمالها أو العمل‬ ‫صحي سليم‪ ،‬ولهذا ّ‬ ‫بمعزل عنها‪ ،‬وكأنها غير موجودة أو غير ذات أثر‪.‬‬

‫هذه ـ أيها السادة ـ بعض األولويات التي يجب اآلن على‬ ‫مجلس النواب والحكومة المؤقتة أن يبادرا إلى إعادة ترتيبها‬ ‫برؤية استراتيجية مستقبلية تبدأ اآلن‪ ،‬وحتى ال يضع أحدٌ‬ ‫مجلس النواب أو الحكومة المؤقتة في موقف حرج‪ ،‬فإن‬ ‫عليهم جمي ًعا أن يتوقفوا عن اتخاذ المزيد من الخطوات التي‬ ‫تؤدي إلى تغييب الشعب أو تجهيله أو العمل بمعزل عنه‪.‬‬ ‫عليهم أن يعودوا للتفكير في نقطة البداية‪ ،‬وأن يقوموا‬ ‫بترميم مسارهم السياسي الذي تشوبه الكثير من المآخذ‬ ‫والفجوات‪.‬‬ ‫عليهم أن يؤمنوا أن صالحياتهم تنتهي عند عتبة الشعب‬ ‫الحق في منح الصالحيات أو سحبها‪.‬‬ ‫الذي يملك وحده ّ‬

‫عليهم أن يؤمنوا أن مواقعهم الحالية قد صادق عليها‬ ‫يجمد هذه‬ ‫الشعب في أول األمر‪ ..‬ويستطيع الشعب أن ّ‬ ‫المواقع إذا أراد‪.‬‬

‫ـ الشعب يتّهم مؤسساته المنتخبة‪ ..‬فما هي الخطوة‬ ‫القادمة؟‬ ‫‪134‬‬


‫جبهات متعدّ دة لمعركة واحدة‪)((((:‬‬

‫مهمة وطنية عاجلة‬ ‫ّ‬ ‫سيطرة داعش على سرت وتمدّ دها إلى الجفرة وبحثها‬ ‫عن مناطق نفوذ قريبة مع تفعيلها للجيوب الكامنة في‬ ‫المناطق المجاورة تجعل الجميع من ليبيين وغيرهم‬ ‫ينتبهون إلى حجم الكارثة التي تحيط بليبيا‪ ،‬ودول الجوار‪،‬‬ ‫والعالم بأكمله‪.‬‬

‫إن فلول داعش والقاعدة والمقاتلة قد استغلوا حالة‬ ‫وكرا من أوكار‬ ‫ليؤسسوا ألنفسهم ً‬ ‫الفوضى السياسية في ليبيا ّ‬ ‫اإلرهاب في العالم‪ ،‬تحت حماية بعض الحكومات التي تريد‬ ‫أن تمكّن هذه الجماعات اإلرهابية من إعادة تشكيل نفسها‬

‫((( مجلة المستقل‪ ،‬العدد التاسع عشر‪ 14 ،‬يونيو ‪.2015‬‬ ‫‪135‬‬


‫على أرض ليبيا‪ ،‬واستخدامها قاعد ًة لها لالنطالق إلى الدول‬ ‫المجاورة في إفريقيا وأوروبا‪.‬‬

‫ولكن ً‬ ‫بدل من التصدّ ي لهذه الظاهرة التي تهدّ د الجميع‪،‬‬ ‫عمدت أطراف دولية إلى افتعال مشاريع أخرى الغرض‬ ‫منها تأجيج األزمات في ليبيا وإجهاض محاوالت الخروج‬ ‫بحلول مناسبة‪ ،‬ومنها‪:‬‬ ‫ـ عدم تسليح الجيش الليبي الذي يأتمر بالممثل الشرعي‬ ‫الوحيد وهو مجلس النواب‪.‬‬ ‫ـ تسليط الضوء على الحوار الوهمي‪ ،‬وإقحام أكبر عدد من‬ ‫السياسيين الليبيين فيه‪ ،‬وتهديدهم في حالة االنسحاب منه‪.‬‬

‫لجر ليبيا‬ ‫ـ الدفع باتجاه المزيد من تأزيم الوضع القائم ّ‬ ‫إلى معادلة النفط والغذاء‪ ،‬وتكرار تجربة العراق في‬ ‫شمال إفريقيا‪.‬‬

‫وأمام هذا المخطط الذي يستهدف القضاء نهائ ًيا على‬ ‫إمكانية بناء الدولة يتوجب على جميع الليبيين اآلن أن‬ ‫يطرحوا على أنفسهم األسئلة التالية‪:‬‬ ‫ـ من هو المستفيد من عدم تسليح الجيش الليبي؟ ومن‬ ‫يخشى تحقيق الجيش النتصار نهائي في معركته ضد‬ ‫‪136‬‬


‫اإلرهاب؟ إنهم اإلرهابيون قط ًعا وحماتهم ورعاة‬ ‫تغلغلهم في المجتمع‪.‬‬

‫التمسك بالحوار الوهمي؟ إنهم‬ ‫ـ من المستفيد من‬ ‫ّ‬ ‫مهدوا‬ ‫اإلخوان المسلمون رعاة اإلرهابيين الذين ّ‬ ‫لهم الطريق للتغلغل في المجتمع الليبي ونشر جيوب‬ ‫اإلرهاب بمختلف مسمياتها‪.‬‬

‫متأزم؟‬ ‫ـ من المستفيد من تأزيم الوضع القائم أكثر مما هو ّ‬ ‫إنهم الذين يعملون على تمكين اإلرهابيين من تثبيت‬ ‫موطأ قدمهم بقوة‪ ،‬وذلك حتى يتم فرض الوصاية على‬ ‫ليبيا وبموافقة دولية‪ ،‬والهدف النهائي هو إيصال البالد‬ ‫إلى القبول بمعادلة النفط مقابل الغذاء‪ ،‬أي تكرار تجربة‬ ‫العراق التي أثبتت جدواها للدول الغازية حتى اآلن‬ ‫بالرغم من مأساة الشعب العراقي التي تحدث يوم ًيا‬ ‫وعلى مرأى ومسمع العالم أجمع‪.‬‬

‫بهذا الشكل ـ أيها السادة ـ تلتقي مصلحة الجماعات‬ ‫اإلرهابية مع مصلحة الدول التي تعرقل بناء الدولة الليبية‬ ‫وتثبيت كيانها الشرعي المنتخب‪ ،‬ال للسيطرة على حكم‬ ‫ليبيا فحسب‪ ،‬بل ولمصادرة النفط الذي يعدّ المصدر الوحيد‬ ‫الذي يغذي االقتصاد الليبي‪.‬‬ ‫‪137‬‬


‫إن الموقف الصحيح للخروج من هذه الدائرة المفتعلة‬ ‫يتمثل في خطوات محدّ دة يجب اإلصرار على إنجازها‬ ‫والعمل على تفعيلها وإنجاحها‪ ،‬وهي‪:‬‬ ‫ـ العمل على تسليح الجيش الليبي بكل اإلمكانيات‬ ‫المتاحة‪ ،‬شاء من شاء وأبى من أبى‪ ،‬وذلك حتى‬ ‫يتمكن من إنجاز انتصاره النهائي على فلول الجماعات‬ ‫اإلرهابية‪.‬‬

‫ـ قطع الطريق على محاولة تمييع القضية الليبية بتحويلها‬ ‫إلى حوار غير متكافئ ً‬ ‫أصل‪ ،‬وعدم تطبيع العالقة مع‬ ‫رعاة اإلخوان وغيرهم‪ ،‬وإيقاف مشاريعهم التدميرية‪.‬‬

‫ـ االنتباه إلى خطر تكرار تجربة العراق من خالل القبول‬ ‫التدريجي بمعادلة النفط والغذاء‪.‬‬

‫إن الخطوة الضرورية في هذا الوقت العصيب هي محاكمة‬ ‫مهد الطريق أمام الجماعات‬ ‫جميع من ساهم أو شارك أو ّ‬ ‫اإلرهابية‪ ،‬وعلى رأسهم اإلخوان الذين انقلبوا على الشرعية‬ ‫ونصبوا أنفسهم بأنفسهم بعد أن عملوا على تكوين أذرع‬ ‫ّ‬ ‫عسكرية تتحالف مع فلول القاعدة وداعش والمقاتلة‪.‬‬

‫يحمل المسؤولية لجميع األطراف التي‬ ‫إن الشعب الليبي ّ‬ ‫‪138‬‬


‫مهدت لهذه الجيوب اإلرهابية من‬ ‫ساهمت أو شاركت أو ّ‬ ‫االنتشار في مدن وقرى البالد‪ ،‬سواء كانت هذه األطراف من‬ ‫الليبيين أو غيرهم‪ ،‬وسواء كانوا من األفراد أو من الكيانات‬ ‫السياسية‪ ،‬كالسفارات وبعض الحكومات‪ ،‬وقد حان الوقت‬ ‫لرفع قضايا محدّ دة تدعمها الشواهد والقرائن واألدلة أمام‬ ‫الهيئات الدولية للقصاص من هؤالء العابثين بأمن ليبيا‪،‬‬ ‫والمسؤولين عن استخدامها كبؤرة للظواهر اإلرهابية التي‬ ‫تهدّ د أمن المنطقة والعالم‪ ،‬وتسعى من أجل مصادرة مستقبل‬ ‫الليبيين جمي ًعا بفرض الوصاية عليهم والتحكم في ثرواتهم‬ ‫بحجة وضع حد لـ»الحرب األهلية»‪ ،‬بينما نعرف جمي ًعا أن‬ ‫ما يحدث في ليبيا ال عالقة بأي شكل من األشكال بالحرب‬ ‫األهلية‪ ،‬ألنه ً‬ ‫وأخيرا حرب على اإلرهاب يقوم بها‬ ‫أول‬ ‫ً‬ ‫الليبيون نيابة عن جيرانهم ونيابة عن العالم أجمع‪.‬‬

‫إن من ير ّدد اسطوانة «الحرب األهلية» إما أن يكون أعمى‬ ‫ال يستطيع رؤية ما يحدث أمامه وغير قادر على التفرقة‬ ‫بين أطراف النزاع‪ ،‬وإما أنه يتبنى مخ ّطط الوصاية على ليبيا‬ ‫ومصادرة حقها في بناء دولة مدنية ديمقراطية‪ ..‬ال توجد‬ ‫منطقة وسطى بين هذين الطرفين‪.‬‬ ‫ال يمكن ألحد أن يحجب الحقيقة‪ ..‬والمعركة المصيرية‬ ‫‪139‬‬


‫التي يخوضها الجيش ومن خلفه الشعب ضد اإلرهابيين‬ ‫أي كان أن يلتف عليها أو يق ّلل من أهميتها‬ ‫لن يستطيع ّ‬ ‫وضرورتها‪ ..‬أو حتى أن يحصرها في الجاني العسكري‬ ‫الميداني فقط‪ ،‬فالمعركة شاملة وتقتضي استنفار كافة‬ ‫ليتفرغ بعدها الشعب‬ ‫اإلمكانيات حتى ُيختصر زمنها‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫لمشروع التنمية المستدامة الذي كان وما زال أحد مطالبه‬ ‫األساسية‪.‬‬ ‫أيها السادة‪..‬‬

‫إن الجبهات متعددة ـ عسكر ًيا وسياس ًيا وقانون ًيا ـ ولكن‬ ‫المعركة واحدة‪ ،‬وال سبيل أمامنا إال التنسيق بين هذه الجبهات‬ ‫إلحراز النصر على جيوب اإلرهاب التي تتغذى من مصادر‬ ‫خارجية لدول تريد أن تفرض أجنداتها ومخططاتها ولو كان‬ ‫ذلك على جثث الليبيين جمي ًعا‪.‬‬

‫إن المعركة القانونية ال تقل أهمية عن المعركة العسكرية‬ ‫ٍ‬ ‫ظرف قياسي‬ ‫والمعركة السياسية‪ ،‬وباإلمكان خوضها في‬ ‫توحد القانونيين ورجال القضاء والنشطاء الحقوقيين‪،‬‬ ‫متى ّ‬ ‫ّ‬ ‫وسخروا جل وقتهم وجهودهم للمهمة الوطنية العاجلة‪.‬‬

‫‪140‬‬


‫طط ليون في ليبيا(((‬ ‫مخ ّ‬

‫جريمة المحا�ص�صة ال�سيا�سية!‬ ‫التفاعالت التي أدت لها المسو ّدة الرابعة‪ ،‬والردود عليها‪،‬‬ ‫كانت في مجملها متو ّقعة‪.‬‬

‫لقد نجح برناردينو ليون في تجاوز أكبر عقبة كانت‬ ‫أمامه وهي الرفض الشعبي لفكرة الحوار وآلياته واألعضاء‬ ‫المشاركين فيه‪ ..‬تجاوز هذه العقبة بلعبة ماكرة انطلت على‬ ‫الجميع وهي «إغراق الجميع» في دوامة التفاصيل الصغيرة‬ ‫واالنهماك في مناقشتها ً‬ ‫بدل من أن يتجهوا إلى رفضها‪.‬‬

‫إذا تتبعنا مراحل الحوار ومسوداته سوف نكتشف هذه‬ ‫الحقيقة‪ ..‬سوف نكتشف أن المبعوث األممي لكي يس ّلط‬ ‫((( مجلة المستقل‪ ،‬العدد العشرون‪ 21 ،‬يونيو ‪2015‬‬ ‫‪141‬‬


‫األضواء على مشروعه المشبوه عمد إلى إبداء استعداده‬ ‫إلعطاء كل طرف على حدة كل ما يريد‪ّ ،‬‬ ‫ولعل هذا هو ما جعل‬ ‫ينجرون إلى الخديعة‪.‬‬ ‫أعضاء من مجلس النواب ّ‬

‫في خطوة تالية طرح أمامهم معطيات المحاصصة‪،‬‬ ‫بقاعدة بسيطة تقول‪« :‬لكي تحصلوا على ما تريدون ال بد‬ ‫أن تسمحوا لآلخرين بأن ينالوا شي ًئا بالمقابل»‪ ،‬وفرح الجميع‬ ‫بهذه القاعدة الماكرة‪ ،‬وكان كل طرف يعتقد أنه‪ ،‬هو فقط‪،‬‬ ‫سيجر الطرف اآلخر إلى‬ ‫من يمسك خيوط اللعبة‪ ،‬وأنه‬ ‫ّ‬ ‫الرضوخ لشروطه المسبقة‪ .‬أما الشعب الليبي فهو ليس في‬ ‫حسبان أحد منهم‪.‬‬

‫ترسخت‬ ‫في الجولة الثالثة كانت فكرة المحاصصة قد ّ‬ ‫في أذهان المتحاورين‪ ،‬وأصبح الفوز في السباق يتم ّثل في‬ ‫الحصول على الجزء األكبر من الغنيمة‪ ،‬مع ضمانات من‬ ‫ليون نفسه بأن ينتهي الحوار إلى نتيجة ترضي الجميع‪.‬‬ ‫ً‬ ‫تفاعل ألن النتائج األولية بدأت‬ ‫الجولة الرابعة كانت أكثر‬ ‫تظهر‪ ،‬وبعض األسماء بدأت تلوح في األفق المظلم‪.‬‬

‫اتفق الجميع على أن «مجلس الدولة» سيكون ذا طبيعة‬ ‫استشارية (فقط)‪ ،‬وعليه في كل األحوال أن ينال تزكية مجلس‬ ‫النواب على كل قرار يتخذه‪ ..‬أما المؤتمر العام الذي انتهت‬ ‫‪142‬‬


‫واليته‪ ،‬أي انتهى وجوده السياسي فعل ًيا‪ ،‬فهو يضم أطيا ًفا‬ ‫عديدة‪ ،‬ورغم أن اإلخوان يسيطرون على واجهة المؤتمر‪،‬‬ ‫فإن أعضاءه ليسوا جمي ًعا من اإلخوان‪ ،‬فليكن المجلس إذن‬ ‫بنسبة ثلثين إلى ثلث‪ ،‬ما الذي يضير مجلس النواب الذي‬ ‫سيكون المرجعية التشريعية الوحيدة التي تقبل أو ترفض‬ ‫قرارات مجلس الدولة‪ .‬وهذا ـ آخر األمر ـ لن يجعل اإلخوان‬ ‫يفوزون بالنصيب األكبر‪ ،‬حتى وإن كانت واجهة السباق‬ ‫ستنكشف عن اسمهم ً‬ ‫أول‪ ،‬ألن ماراثون الحوار طويل جدً ا‬ ‫ولم ينته جزءه األول بعد‪ ..‬وسوف يرضخ المتحاورون‬ ‫جمي ًعا لهذه السياسة الماكرة‪ ،‬وكل طرف يعتقد بأنه الفائز‬ ‫األول‪ ..‬وأن الطرف اآلخر هو الخاسر على المدى البعيد‪.‬‬ ‫إذا ّ‬ ‫تكشفت جلسات الحوار عن اعتماد هذه المسطرة‪..‬‬ ‫سوف يبرز للجميع وبشكل مفاجئ أن «الطبيعة االستشارية»‬ ‫المتفق عليها للمجلس المقترح أصبحت في خبر كان‪.‬‬

‫هذا هو مخ ّطط ليون لتفعيل لقاء الفرقاء‪ ..‬ولكنه لألسف‬ ‫نسي ـ أو أهمل ـ الالعب الرئيسي على المدى البعيد في كل‬ ‫تسوية سياسية يمكن أن تحدث في ليبيا‪ ..‬إنه الشعب‪.‬‬

‫ً‬ ‫حلول‬ ‫الشعب الليبي ـ مثل أي شعب في العالم ـ ال يعرف‬ ‫وس ًطا‪ ،‬وال تهمه المحاصصة عندما بتع ّلق األمر بالدولة‪.‬‬ ‫‪143‬‬


‫قد توافق قبيلة ما‪ ،‬أو مدينة ما‪ ،‬على الرضوخ مؤقتًا‬ ‫لتسوية عامة‪ ،‬يشترك الجميع في مزاياها‪ ،‬ويتحمل الجميع‬ ‫عواقبها‪ ،‬ولكن هذه القاعدة االجتماعية ال تسري عاد ًة‬ ‫سوى على القضايا الداخلية ذات األطراف المحدودة‪،‬‬ ‫كأن يكون خال ًفا بين قبيلتين أو بين تحالفين قبليين‪،‬‬ ‫أما على مستوى الشعب بأكمله‪ ،‬بقبائله وتحالفاته القبلية‬ ‫ومدنه وقراه‪ ..‬أي بعموم مواطنيه على مستوى الدولة‪ ،‬فإن‬ ‫مختلف تما ًما‪.‬‬ ‫األمر‬ ‫ٌ‬ ‫إننا نتحدّ ث هنا عن (الشعب) ال عن كتل قبل ّية أو جهو ّية‪..‬‬ ‫نتحدث (عن المواطنين) ال عن أبناء هذه القبيلة أو تلك‪..‬‬ ‫نتحدّ ث عن مفهوم (المواطنة) ال عن مزايا اجتماعية تعتبر‬ ‫ح ًقا حصر ًيا لمجموعة دون أخرى‪.‬‬ ‫هذا هو الفرق أيها المتحاورون‪ ..‬هذا هو الفرق بين أن‬ ‫يكون أحدكم ً‬ ‫ممثل لقبيلته أو حزبه أو مدينته‪ ..‬وبين أن يكون‬ ‫ً‬ ‫ممثل للشعب بأسره‪.‬‬

‫لقد أثبت تفاعلكم مع جوالت الحوار الماراثوني أنكم‬ ‫تنظرون من زوايا ضيقة وغير قادرين على استيعاب المشهد‬ ‫يتحرك فيها شعب دولة‬ ‫ككل‪ ،‬أو رؤية الصورة الكبرى التي ّ‬ ‫اسمها ليبيا‪.‬‬ ‫‪144‬‬


‫أنتم تتحدثون بمنطق المحاصصة‪ ،‬والشعب ينتظر ح ّ‬ ‫ال‬ ‫ً‬ ‫شامل‪.‬‬

‫أنتم تتحدثون بتأثير من مجموعات الضغط (القبلي‪،‬‬ ‫والجهوي‪ ،‬والحزبي)‪ ،‬والشعب ينتظر خروج الدولة بأسرها‬ ‫من أزمتها القاتلة‪.‬‬

‫أنتم تريدون الخروج من ماراثون ليون بقصب السبق‪،‬‬ ‫والشعب ينتظر خروج بالده من متاهتها‪.‬‬

‫‪145‬‬



‫صدر في هذه السلسلة‬ ‫‪ 1‬ـ (قراءات في السلم والحرب)‪ ،‬عبدالمنعم المحجوب‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ (حبر المنفى)‪ ،‬عمر الكدي‪.‬‬

‫‪ 3‬ـ (خاليا نائمة)‪ ،‬محمود البوسيفي‪.‬‬ ‫‪ 4‬ـ (أوراق تاريخية)‪ ،‬مختار الجدال‪.‬‬ ‫‪ 5‬ـ (ما وراء الحجاب)‪ ،‬فتحي بن عيسى‪.‬‬ ‫‪ 6‬ـ (منفى)‪ ،‬ديوان شعر ـ عمر الكدي‪.‬‬ ‫‪ 7‬ـ (مفهوم القوة في السياسة الدولية)‪ ،‬خالد الحراري‬ ‫جو ْك)‪ ،‬قصائد محكية بلهجة ليبية‪ ،‬سالم العالم‪.‬‬ ‫‪ 8‬ـ ( َعلى ّ‬ ‫‪ 9‬ـ (موسوعة الجهل النسبي)‪ ،‬مقاالت‪ ،‬الصدِّ يق بودوارة‪.‬‬ ‫‪ 10‬ـ (راهنية التأويل (‪-)2‬سؤال الكيان)‪ ،‬عبد المنعم المحجوب‪.‬‬

‫‪ 11‬ـ (الدولة البيزنطية في ضوء إصداراتها القانونية)‪ ،‬خيرية فرج َحفالِش‪.‬‬

‫‪ 12‬ـ (من الذاكرة)‪ ،‬حسين نصيب المالكي‪.‬‬


‫‪ 13‬ـ (اليد الواحدة)‪ ،‬عبدالباسط أبوبكر محمد‪.‬‬ ‫‪ 14‬ـ (أصحاب المغيب)‪ ،‬سالم الهنداوي‪.‬‬ ‫‪ 15‬ـ (داعشلوجيا)‪ ،‬عبدالواحد حركات أبوبكر‪.‬‬ ‫‪ 16‬ـ (ديوان‪ :‬صالح الشنطة)‪ ،‬جمع وتحقيق‪ /‬د‪ .‬عمر غيث قرميل‪.‬‬ ‫‪ 17‬ـ (زغاريد ودموع ‪ ..‬من حياة النجوع)‪ ،‬فرج عبد الحميد المسماري‪.‬‬ ‫‪ 18‬ـ (تفاحة البرلمان)‪ ،‬عبد الرحمن سالمة‪.‬‬ ‫‪ 19‬ـ (سطوة الكالب)‪ ،‬عوض الشاعري‪.‬‬ ‫‪ 20‬ـ (ديجالون)‪ ،‬المختار الجدال‪.‬‬






Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.