مجلة الملحدين العرب / العدد السادس والتسعون / نوفمبر تشرين ثاني / 2020

Page 1

‫مجلة شهرية بجهود فردية تصدر يف الثاين عرش من كل شهر‬

‫ستالني‪ :‬أعظم إله يف التاريخ‬

‫‪Alexander Ambrose‬‬

‫إبليس يَشكُو مأساتَه‬ ‫ويُدافع عن ن ِ‬ ‫َفسه‬

‫مصطفى ح ّجي‬

‫املعضلة األخالقية‬

‫العدد السادس والتسعون من مجلة امللحدين العرب للثاين عرش من شهر نوفمرب ‪ /‬ترشين الثاين لسنة ‪2020‬‬

‫نورما باسييل‬

‫خواطر حول‬ ‫سورة البقرة‬

‫‪Moussa Eiughtyzz‬‬ ‫تهدف مجلّة امللحدين العرب إىل نرش وتوثيق أفكار امللحدين العرب املتنوعة وبحريّ ٍة كاملة‪ ،‬وهي مجلّ ٌة رقمي ٌة غري ربح ًّية‪ ،‬مبني ٌة‬ ‫أي توج ٍه سيايس‪ .‬املعلومات واملواضيع املنشورة يف املجلّة متثل آراء كاتبيها فقط‪ ،‬وهي مسؤل ّيتهم من‬ ‫بجهو ٍد طوعي ٍة ال تتبع َّ‬ ‫الناحية األدب ّية ومن ناحية حقوق النرش وحفظ امللك ّية الفكريّة‪.‬‬


‫كلمة تحرير املجلة‬

‫فريق التحرير‬

‫لقد كانت األحداث املنرصمة هذا الشهر تذك ًريا بحقيق ٍة‬ ‫يحاول املسلمون حول العامل إنكارها‪ .‬فبعد تداعيات قتلِ‬ ‫املدرس الفرنيس عىل يد أحد املتطرفني ساد ج ٌو من الخوف‬ ‫والقلق بأن الحرية الفرنسية ستقع ضحية اإلرهاب وترضخ‬ ‫له عىل غرار بعض الدول املجاورة التي فضلت أحزابها‬ ‫وقواها الداخلية الرضوخ لألجندات اإلسالمية سوا ًء لخوفها‬ ‫من اإلرهاب اإلسالمي أو لتملقها للرشائح اإلسالمية واليسارية‬ ‫بغرض ضامن أصواتها‪.‬‬ ‫فام كان من القيادة الفرنسية إال إعالن عدم تخليها عن قيم‬ ‫حرية التعبري وأنها لن ترضخ ألي بلطج ٍة مهام كانت‪ .‬قامت‬ ‫ٍ‬ ‫ورسومات من مجلة شاريل‬ ‫الحكومة الفرنسية بعرض صو ٍر‬ ‫إيبدو الساخرة والتي اعتربها املسلمون مسيئ ًة لنبيهم كنو ٍع‬ ‫من الترصيح بأن جرائم اإلرهاب لن تجعل الفرنسيني يتخلوا‬ ‫أيضا لن ترضخ‬ ‫عن مبادئ حرية التعبري والنقد وأن الحكومة ً‬ ‫لهذه الضغوطات‪ .‬مع أن الرئيس الفرنيس أعلن يف أكرث من‬ ‫فرص ٍة بأنه ال يتفق مع محتوى املجلة ‪ -‬التي لطاملا سخرت‬ ‫منه وانتقدته وتطاولت عليه هو شخص ًيا ‪ -‬وال مع السخرية‬ ‫عام ولكنه يدافع عن قيم حرية التعبري وحق النقد‬ ‫بشكلٍ ٍ‬ ‫والسخرية والتطاول ما مل يكن دعو ًة إىل عنف‪.‬‬ ‫ما حدث بعد ذلك مل يكن صاد ًما أب ًدا ولكنه بالتأكيد‬ ‫يُظهر نفاق الرشائح اإلسالمية التي ت ّدعي أنها منارص ٌة لقيم‬ ‫الحرية والحداثة والتعايش املشرتك والتنديد باإلرهاب‪...‬‬ ‫إلخ‪ ،‬وباملقابل تقوم مبحاربة قيم الحرية وتطالب بامتياز ٍ‬ ‫ات‬ ‫خاص ٍة وتثور يف هيسترييا أمام أي ٍ‬ ‫نقد أو تعبريٍ عن الرأي‬ ‫ال يعجبها‪ .‬حيث اجتمعت كل الجامعات والدول اإلسالمية‬ ‫عىل مقاطعة املنتجات الفرنسية كنو ٍع من االبتزاز االقتصادي‬ ‫ر ًدا عىل متسك فرنسا بقيم حرية التعبري‪ .‬باإلضافة إىل اليسار‬ ‫املنارص للقوى اإلسالمية يف الداخل‪ ،‬كل هذه الضغوطات‬ ‫‪2‬‬

‫املشارك يف هذا العدد‬

‫رئيس التحرير‬ ‫الغراب الحكيم‬ ‫أعضاء هيئة التحرير وبناء املجلة‬ ‫‪John Silver‬‬ ‫أسامة البني (الوراق)‬ ‫‪Alia’a Damascéne‬‬ ‫غيث جابري‬ ‫‪Abdu Alsafrani‬‬ ‫‪Raghed Rustom‬‬ ‫‪Johnny Adams‬‬ ‫ليث رواندي‬ ‫‪Rama Salih‬‬ ‫إيهاب فؤاد‬ ‫‪Yonan Martotte‬‬ ‫‪RoRo Evil-Girl‬‬

‫ٍ‬ ‫موقف حر ٍج للقيادة يف فرنسا‪،‬‬ ‫أ ّدت إىل‬ ‫ومازال الوضع قامئًا إىل اليوم‪ ،‬لكن ورغم‬ ‫أننا حياديون سياس ًيا يسعدنا ج ًدا متسك‬ ‫القيادة الفرنسية بقيم حرية التعبري وعدم‬ ‫رضوخها لالبتزازات والبلطجات من ِقبل‬ ‫التيار اإلسالمي وحلفائه‪.‬‬

‫الغراب الحكيم‬


‫الفهرس‬ ‫كلمة تحرير املجلة‬

‫‪2‬‬

‫الفهرس‬

‫‪3‬‬

‫«وأنت كذلك»‪ ،‬مغالطة املتطرف اإلسالمي‬ ‫ضد العلامنية‬ ‫د‪ .‬عبد العزيز القناعي‬

‫‪5‬‬

‫محاول ٌة يف نقد الديانات الساموية الجزء الخامس‬ ‫زاهد عزت حرش‬

‫‪9‬‬

‫املعضلة األخالقية‬ ‫نورما باسييل‬

‫‪19‬‬

‫مثة من يعرفني‬ ‫‪Nour Amel‬‬

‫‪24‬‬

‫خواطر حول سورة البقرة‬ ‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫‪26‬‬

‫إبليس يَشكُو مأساتَه ويُدافع عن ن ِ‬ ‫َفسه‬ ‫مصطفى ح ّجي‬

‫‪36‬‬

‫ستالني‪ :‬أعظم إله يف التاريخ‬ ‫‪Alexander Ambrose‬‬

‫‪45‬‬

‫ما هي األسباب وراء النهي عن التفكر يف ‪51‬‬ ‫ذات الله؟‬ ‫ويف نوري جعفر‬ ‫كاريكاتور‬

‫‪57‬‬

‫‪3‬‬


‫«وأنت كذلك»‬

‫مغالطة املتطرف اإلسالمي ضد العلامنية‬ ‫د‪.‬عبد العزيز القناعي‬

‫تلقيت العديد من الطلبات والرسائل واالتصاالت التي‬ ‫تدعوين إلفراد إحدى مقااليت للحديث عن مسأل ٍة يرونها‪،‬‬ ‫أيضا‪ ،‬مهم ًة وتستحق الكتابة حولها‪ ،‬أي حول‬ ‫وأراها أنا ً‬ ‫ما يقوم به البعض من رجال الدين‪ ،‬ومن بعض املثقفني‪،‬‬ ‫ومن بعض الغوغاء والعامة‪ ،‬بإيجاد ر ٍ‬ ‫ابط أو صل ٍة أو متاز ٍج‬ ‫وتوافق‪ ،‬بني التطرف اإلسالمي وما يُسمونه أو يطلقون‬ ‫عليه بالتطرف العلامين‪.‬‬

‫تُق ِّدم العديد من القواميس واملرجعيات اللغوية العربية‪،‬‬ ‫مفهوم ومصطلح التطرف بأنه «تجاوز ح ّد االعتدال» أو‬ ‫وأيضا «نزع ٌة سياسي ٌة‬ ‫«عدم اعتدال‪ ،‬إفراط مجاوزة الحد»‪ً ،‬‬ ‫قامئ ٌة عىل العنف»‪.‬‬ ‫للتطرف أنوا ٌع مختلفة‪ ،‬منها التطرف الديني‪ ،‬والتطرف‬ ‫املذهبي‪ ،‬والتطرف السيايس‪ ،‬والتطرف الفكري والتطرف‬ ‫االقتصادي‪ .‬وميكن لنا أن نُضيف مصطلح التطرف عىل كل‬ ‫شخص يتعصب لظاهر ٍة أو ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫حدث أو فكر ٍة أو دين‪ ،‬تجعل‬ ‫هذا الفرد قاد ًرا عىل اإليذاء والتنمر واالعتداء عىل اآلخرين‬ ‫ملجرد اعتقاده بأفضلية ما يؤمن به‪.‬‬

‫وقبل أن ندخل إىل تفاصيل وتفنيد الفرق بني املامرسة‬ ‫حري بنا أن نق ّدم التعريف‬ ‫اإلسالمية واملامرسة العلامنية‪ٌّ ،‬‬ ‫املناسب للتطرف‪ ،‬حتى ميكننا أن نفهم نتائجه‪ ،‬وما‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وأخالقيات‬ ‫سلوكيات ممجوج ٍة‬ ‫ميكن أن يؤدي إليه من‬ ‫بائس ٍة وثقاف ٍة داعم ٍة للرش والعنف والقتل يف أحيانٍ‬ ‫خصوصا إذا ما اندمج التطرف بالفكر األيديولوجي‬ ‫كثرية‪،‬‬ ‫ً‬ ‫لألفكار واملعتقدات والثقافات املختلفة‪.‬‬

‫فالتطرف هو الغلو والتشدد‪ ،‬وهو أحد األمراض النفسية‬ ‫املنترشة مؤخ ًرا بعد االنفتاح العلمي والتكنولوجي والسيايس‪،‬‬ ‫وبعد التحديات السياسية واالقتصادية والعسكرية التي‬ ‫فرضتها القوى املختلفة عىل الشعوب األخرى‪.‬‬ ‫‪4‬‬


‫«وأنت كذلك» مغالطة املتطرف اإلسالمي ضد العلامنية‬ ‫وتحدي ًدا برز مصطلح التطرف املو ّجه للمسلمني بعد أحداث سبتمرب يف العام‬ ‫ٍ‬ ‫مواجهات عسكري ٍة ضد اإلسالم السيايس وتيارات الجهاد‬ ‫‪ 2001‬وما أفرزته من‬ ‫الراديكالية؛ مام جعل البعض من العرب واملسلمني يأخذ منحى التشدد‬ ‫والتطرف يف محاربة الثقافة الغربية والشعوب الغربية يف أكرب صور ٍة للصدام بني‬ ‫الحضارات كام ق ّدمها صامويل هانتينغون يف كتابه الشهري «صدام الحضارات‪...‬‬ ‫إعادة صنع النظام العاملي»‪ ،‬حيث يقول فيه‪:‬‬ ‫سيايس أو أيديولوجي‪،‬‬ ‫اقتصادي أو‬ ‫«أن االختالفات بني األمم مل تعد ذات طابعٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍّ‬ ‫فالرصاعات الحديثة ذات منشأٍ‬ ‫متعلق بالفروقات الثقافية بني الشعوب‬ ‫ٍ‬ ‫واألمم»‪.‬‬ ‫وهذا الجانب املتطرف لدى األفراد يجد بيئته الحاضنة يف املجتمعات املنغلقة واألحادية وذات التعليم املنخفض‪ ،‬ورغم‬ ‫وشعوب معينة‪ ،‬كام حدث يف عدة دو ٍل غربي ٍة دميقراطي ٍة علامني ٍة بحدوث‬ ‫عدم اقتصار التطرف عىل مجتمعٍ محد ٍد‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫عدة تفجري ٍ‬ ‫خلفيات عقائدي ٍة وميينية‪ ،‬إال أن الظاهرة العامة الواضحة للتطرف كام‬ ‫ات إرهابي ٍة قام بها متطرفون ذوو‬ ‫سنناقشها يف هذا املقال‪ ،‬تسكن مجتمعاتنا العربية واإلسالمية يف صور ٍة محايث ٍة لنمط الثقافة والتعليم والسياسة‬ ‫واالقتصاد والتاريخ‪.‬‬ ‫وهنا ننتقل إىل لب املوضوع‪ ،‬ونقاش خفايا العقول‪ ،‬واتهامات الفاعل واملفعول به‪ .‬يقول أوسكار وايلد‪« :‬يف جميع‬ ‫أيضا‪« :‬إن أضمن طريق ٍة إلفساد الشباب هي أن توعز له أن‬ ‫مسائل الرأي‪ ،‬فإن خصومنا دامئًا مجانني»‪ .‬ويقول نيتشه ً‬ ‫ٍ‬ ‫يعطي أكرب تقدي ٍر ألولئك الذين يفكرون مثله ال أولئك الذين يفكرون بشكلٍ‬ ‫مختلف عنه»‪ .‬ويف علم النفس‪ ،‬ميارس‬ ‫املتطرف اإلسالمي حيل ًة ذهني ًة داخلي ًة يف تربير تطرفه أمام تفوق ما يراه عدوه‪ ،‬والعدو هنا دامئًا يف العقلية املتطرفة‪،‬‬ ‫ذلك التفوق الكبري والتقدم العمالق الذي يرنو إىل هزمية تطرفه وعنفه وسيطرته ونفوذه عىل الناس واملجتمع‪ ،‬وهو‬ ‫العلامنية الحداثية بكل ما تحويه من ٍ‬ ‫آليات سياسي ٍة وثقافي ٍة‬ ‫أعتقد أن علينا يف بداية جلسة اليوم أن نتعامل‬ ‫وفلسفي ٍة وأخالقي ٍة ودميقراطية‪ ،‬ق ّدمت وال تزال‪ ،‬العديد من‬ ‫مع محاولتك تقليد شكيل‪.‬‬ ‫التجارب الناجحة والدول العظمى والتاريخ الناصع يف التخلص‬ ‫من هيمنة الكهنوت الديني لصالح العقل واإلنسانية والحضارة‪.‬‬ ‫تتهمني أنا بتقليدك؟؟ أعتقد أن‬ ‫هنا ميارس املتطرف اإلسالمي‪ ،‬يف اتهام العلامنية بالتطرف‬ ‫والعلامين باملتطرف‪ ،‬عملية ما يسمى باإلسقاط‪ ،‬وهي حيل ٌة‬ ‫دفاعي ٌة يستخدمها املتطرف للتخلص من تأثري التوتر النفيس‬ ‫ٍ‬ ‫وعنف‬ ‫وعيوب‬ ‫بتفوق غريه‪ ،‬بنقل ما يشعر به من أخطا ٍء‬ ‫ٍ‬ ‫وتشدد‪ ،‬إىل غريه املتفوق وهو هنا العلامنية باتهام الفرد‬ ‫أيضا لحامية نفسه وإبعاد الشبهات عن‬ ‫العلامين بالتطرف ً‬ ‫تطرفه‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫مشكلة اإلسقاط عندك قد تفاقمت!‬


‫«وأنت كذلك» مغالطة املتطرف اإلسالمي ضد العلامنية‬ ‫هنا ينكر املتطرف وجود النواقص يف داخله لريميها بكل‬ ‫بساط ٍة عىل غريه يف وسيل ٍة إلقناع الناس‪« :‬بأنني لست‬ ‫املتطرف الوحيد»‪ ،‬وبأن ما تدعونه من علامني ٍة وليربالية‪ ،‬هي‬ ‫أيضا يف داخلها ٌ‬ ‫تطرف وتشد ٌد وعنف‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ٍ‬ ‫إسقاط التي ميارسها املتطرف اإلسالمي‬ ‫وقد ظهرت كلمة‬ ‫بكل جدارة‪ ،‬ألول مر ٍة يف علم النفس يف عام ‪ 1894‬عندما‬ ‫كتب فرويد مقال ًة عن عصاب القلق‪ ،‬ومنذ ذلك الوقت اتسع‬ ‫استخدامها ليشمل العديد من أنواع السلوك البرشي ضد‬ ‫اآلخر املختلف‪.‬‬ ‫نفيس يقول إن محاولة املتطرف اإلسالمي إلصاق تهمة التطرف إىل العلامنية والعلامين‪ ،‬هو مبثابة‬ ‫نصل هنا إىل ٍ‬ ‫فهم ٍّ‬ ‫شعوري يحمي املتطرف نفسه بإلصاق عيوب التطرف باآلخرين‪ ،‬كام أن عملية اإلسقاط التي ميارسها املتطرف‬ ‫هجوم ال‬ ‫ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫شكل من أشكال لوم اآلخرين عىل ما فشل فيه املتطرف اإلسالمي بتحقيق ما يصبو إليه غالبًا وهو‬ ‫اإلسالمي ما هي إال ٌ‬ ‫تحويل العقل الفردي الحر إىل عقلٍ‬ ‫جمعي مستنس ٍخ من أفكار التطرف وغلوائه‪.‬‬ ‫ٍّ‬ ‫ولكن بعد أن رشحنا عقلية املتطرف اإلسالمي يف دفاعه عن تط ّرفه عرب اتهام غريه بالتطرف كحلٍ للتخلص من تفوق‬ ‫حقيقي وجدي ٍر بالطرح‪ ،‬ورمبا هو سبب كتابة املقال‪ ،‬لتفنيد أو‬ ‫العلامنية وعقالنية العلامين‪ ،‬نجد أنفسنا أمام سؤا ٍل آخر‬ ‫ٍّ‬ ‫توضيح ما تعنيه كلمة املتطرف العلامين‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫أساسا؟‬ ‫ومفهوم ومصطل ٍح‬ ‫فهل العلامنية كفكر ٍة‬ ‫ٍ‬ ‫متطرف ً‬ ‫معنوي أو جسدي؟‬ ‫وهل التطرف مسا ٌر ينتهي بالدفاع عن الفكرة والرأي دون أي أذًى‬ ‫ٍّ‬ ‫أم ينتقل إىل العنف واألذى والقتل؟‬ ‫وهل الدول العلامنية اليوم ٌ‬ ‫دول متطرف ٌة قاتل ٌة كام يتهمها املتطرف اإلسالمي؟‬ ‫أم ٌ‬ ‫دول حضاري ٌة إنسانية يلجأ إليها الكثري من العرب واملسلمني هربًا من بطش أنظمتهم اإلسالمية؟‬ ‫ٍ‬ ‫دفاعي‬ ‫بتطرف‬ ‫يف الحقيقة ال ميكن املقارنة أب ًدا بني التطرف الديني والتطرف العلامين‪ ،‬إن ُوجد‪ ،‬يف أي مجال‪ ،‬وهذا ليس‬ ‫ٍّ‬ ‫رأي قد يكون صحي ًحا أو خاطئًا باملرة‪ ،‬ولكن ما يثبته هنا هو الدليل والربهان‪،‬‬ ‫عن العلامنية كام يتم اتّهامي دامئًا‪ ،‬بل ٌ‬ ‫وليس إلقاء الكالم عىل عواهنه ليص ّدقه الغوغاء والدهامء ومن ال عقل له‪.‬‬ ‫لننتقل إذن إىل االتهامات التي يلقيها املتطرف اإلسالمي يك نستطيع أن نق ّدم األدلة عىل متانة ورزانة العلامنية من أي‬ ‫شخيص له مآرب أخرى‪ .‬يقول املتطرف اإلسالمي بأن العلامنية قتلت املاليني أيام هتلر وموسوليني سابقًا‪ ،‬وحال ًيا‬ ‫اتهام‬ ‫ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫أيام أمريكا وبريطانيا وفرنسا‪.‬‬ ‫‪6‬‬


‫«وأنت كذلك» مغالطة املتطرف اإلسالمي ضد العلامنية‬ ‫ولكل مطّلعٍ عىل التاريخ‪،‬‬ ‫يف الحقيقة ّ‬ ‫يجد أن العلامنية مل تكن تحكم يف زمن‬ ‫هتلر وموسوليني وغريهام يف زمن‬ ‫املستبدين والطغاة‪ ،‬ورغم أن هتلر‬ ‫ٍ‬ ‫بانتخابات دميقراطية‪ ،‬إال أن‬ ‫قد جاء‬ ‫العلامنية ال تتوقف عند االنتخابات‪،‬‬ ‫حكم وإدارة دول ٍة‬ ‫بل هي منهجية ٍ‬ ‫وتنظيم مجتمع‪ ،‬وهذه جمي ًعا ال‬ ‫ٍ‬ ‫مجتمعات ودو ٍل تُحكم‬ ‫تتواجد يف‬ ‫بالفرد الواحد والشمولية املطلقة‪.‬‬ ‫كام أن العلامنية من جه ٍة أخرى‪ ،‬ويف مفهومها االصطالحي هي فصل الدين عن الدولة أو عن السلطة السياسية‪ ،‬وال‬ ‫ٍ‬ ‫حاكم مستبد‪ ،‬فهنا تسقط بالرضورة علامنية الدولة لتكون مجرد شعا ٍر‬ ‫ترصف‬ ‫تتحمل‪ ،‬بل وال متثّل أي‬ ‫سيايس يقوم به أي ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫إلبعاد تُهم القتل واالستبداد عن النظام الحاكم‪.‬‬ ‫أيضا ضد العلامنية‪ ،‬بأن بعض األنظمة العربية‪ ،‬مثل سوريا‬ ‫وكث ًريا ما نرى يف مجتمعاتنا العربية هنا‪ ،‬من ي ّدعي‪ ،‬كتهم ٍة ً‬ ‫ولبنان والعراق أيام صدام حسني‪ ،‬بأنها ٌ‬ ‫دول علامني ٌة ولكن أنظر إىل أين وصلنا معهم‪ ،‬وهنا يغفل من يتهم العلامنية‬ ‫رئيس دائم‪ ،‬وال تقمع الحريات‪ ،‬وال يكون الدستور كتاب طبخ‪ ،‬وال تكون املرأة مجرد‬ ‫بهذا‪ ،‬بأن العلامنية ال يتواجد فيها ٌ‬ ‫كائنٍ جنيس‪ ،‬وال يختفي أي إنسانٍ ملجرد أنه يعارض الحاكم‪ ،‬وال يُقتل أي إنسانٍ ملجرد أنه ارتد عن اإلسالم‪.‬‬ ‫أيضا يقول املتطرف‪ ،‬لتحسني صورة األنظمة القمعية‪ ،‬بأن بعض دول الخليج هي ٌ‬ ‫دول علامنية‪ ،‬مثل اإلمارات العربية‬ ‫ً‬ ‫املتحدة والكويت وحال ًيا السعودية‪ ،‬ولكن ال تزال األنظمة فيها وراثي ًة قبلي ًة مشيخي ًة‪ ،‬وللرد عىل هذا األمر‪ ،‬نوضح بأن‬ ‫التوجه العلامين والقرارات العلامنية ال تعني أن الدولة والنظام علامين‪ ،‬بل كام أسلفنا تستخدم بعض األنظمة هذه‬ ‫التوجهات االنفتاحية لتقليص الغضب الشعبي وادعاء اإلصالحات السياسية ومحاباة الدول الغربية‪ ،‬فكلنا نعلم أن‬ ‫ٍ‬ ‫وهويات ديني ٍة ودساتري صوري ٍة تحكم بالدين واإلسالم‪ .‬فالعلامنية ٌ‬ ‫مجال عا ٌم‬ ‫العلامنية ال تتواجد ضمن أنظم ٍة قبلي ٍة‬ ‫بغض النظر عن التصنيفات الفرعية‪.‬‬ ‫للمجتمع‪ ،‬حيث يحمل جميع املواطنني فيه قيم ًة واحد ًة أمام القانون ّ‬ ‫خاصا للفرد بحامية الدولة والقوانني العلامنية الخاصة حول حرية‬ ‫بينام يكون اإلسالم وغريه من الديانات أم ًرا شخص ًيا ً‬ ‫االعتقاد‪ ،‬كام تحمي العلامنية متا ًما حرية عدم االعتقاد‪ ،‬وتلك الحرية معدوم ٌة متا ًما وساقط ٌة سياس ًيا واجتامع ًيا يف دولنا‬ ‫العربية واإلسالمية‪.‬‬ ‫وأيضا يق ّدم املتطرف اإلسالمي‪ ،‬ولألسف بعض املثقفني‪ ،‬بأن العلامنية ليست واحد ًة أو ال تحمل تفس ًريا واح ًدا‪ ،‬فهناك‬ ‫ً‬ ‫علامني ٌة كاملة‪ ،‬وعلامني ٌة شاملة‪ ،‬وعلامني ٌة مستبد ٌة كام يف تونس أيام أبورقيبة وأتاتورك أيام نشأة تركيا الحديثة‪.‬‬ ‫‪7‬‬


‫«وأنت كذلك» مغالطة املتطرف اإلسالمي ضد العلامنية‬ ‫توصل إليه غالبية الفالسفة واملفكرين‬ ‫ولتفنيد أو توضيح هذه التهمة‪ ،‬نقول بأن العلامنية فكر ٌة واحد ٌة‬ ‫ٌ‬ ‫وتعريف واح ٌد ّ‬ ‫شعب إىل آخر ومن‬ ‫حاكم إىل آخر ومن ٍ‬ ‫يف عرص األنوار والنهضة األوروبية‪ ،‬بينام مامرستها عىل أرض الواقع تختلف من ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وصف وتقديم‪ ،‬ولكن نقول‬ ‫وعي إىل آخر‪ .‬هنا ال نقول وال ندعي بأن العلامنية مثالي ٌة ولن يصل إليها أح ٌد مع هكذا‬ ‫ٍّ‬ ‫بشكلٍ واض ٍح بأن العلامنية أثناء مامرستها ت ُصحح األخطاء وتق ِّوم العرثات وتراقب وتحاسب الحكام واملسؤولني ومجالس‬ ‫ٍ‬ ‫وحريات فردي ٍة ومجتمعٍ مد ٍّين مستقل‪ .‬فالعلامنية ليست‬ ‫النواب من خالل تواجد قضا ٍء عاد ٍل مستقلٍ وسلط ٍة تنفيذي ٍة‬ ‫مثالي ًة وال نهائي ًة وال مقدس ًة‪ ،‬كام يُق ّدم املتطرف اإلسالمي تراثه يف محاول ٍة منه ملنع النقد واإلصالح‪.‬‬ ‫بل العلامنية والليربالية والدميقراطية هي آخر ما توصل إليه الفكر الحديث‬ ‫يف قيادة الدول واملجتمعات واألفراد‪ ،‬كام قال املفكر األمرييك فوكوياما يف‬ ‫نظريته «نهاية التاريخ واإلنسان األخري» باعتبار الليربالية والرأساملية هام‬ ‫ٍ‬ ‫ونظريات لل ُحكم والقيادة‪.‬‬ ‫النرص الحاسم والنهايئ عىل كل ما عداهم من أفكا ٍر‬ ‫وأيضا يتهم املتطرف اإلسالمي العلامنية والعلامين باالنحالل والدعوة إىل الفسق‬ ‫ً‬ ‫والفجور والشذوذ وغريها من التهم األخالقية يف محاول ٍة لوصم دعاة العلامنية‬ ‫بهذه الصفات ووصم العلامنية نفسها بأنها الداعية إىل مثل تلك األخالقيات‪.‬‬ ‫ويتناىس املتطرف اإلسالمي نفسه وتاريخه اإلسالمي القديم الحافل مبثل تلك األمور‪ ،‬ينىس بيوت الخلفاء والصحابة‬ ‫وغريهم املمتلئة بالجواري واإلماء وسبايا الغزو والحروب‪ ،‬يتناىس ُدور البغاء وأسواق النخاسة وشذوذ بعض الخلفاء‬ ‫وغريزي يحتاجه اإلنسان مثل‬ ‫طبيعي‬ ‫يف العصور اإلسالمية‪ ،‬يتناىس هذا املتطرف اإلسالمي بأن الرغبات الجنسية أم ٌر‬ ‫ٌّ‬ ‫ٌّ‬ ‫الطعام والرشاب والنوم‪ ،‬ولكن الفرق بني ما ي ّدعيه عن العلامنية‪ ،‬بأن العلامنية واضح ٌة يف تلبية مثل تلك الرغبات وفق‬ ‫ٍ‬ ‫رشوط صحي ٍة ومر ٍ‬ ‫مسموح وغري مسمو ٍح بها؛ بينام يف عامله الخيايل‬ ‫اقبات طبي ٍة وتصاريح أمني ٍة وأوقات عملٍ وأعام ٍر‬ ‫ٌ‬ ‫املتطرف ميارس اإلنسان ما يريد وميتلئ منزل املتطرف يف التاريخ اإلسالمي بعرشات الجواري واإلماء والسبايا‪ ،‬باإلضافة‬ ‫إىل الزوجات والغلامن وكل ما يرغب به‪.‬‬ ‫جانب آخر‪ ،‬ال يكون هدف العلامنية النهايئ مثل هذه األمور‬ ‫ومن‬ ‫ٍ‬ ‫الداخلة ضمن الحريات الفردية‪ ،‬بل العلامنية كام يُخفي حقيقتها‬ ‫املتطرف اإلسالمي؛ العلامنية هي التي خلقت املعجزات العلمية‬ ‫والطبية واالقتصادية والتعليمية والحضارية‪ ،‬العلامنية هي التي‬ ‫وصلت إىل الفضاء وغزت الكواكب واكتشفت عالج األمراض‪،‬‬ ‫رشعت حامية اإلنسان ومساواة املرأة مع الرجل‬ ‫العلامنية التي ّ‬ ‫وتعزيز املواطنة والعدالة االجتامعية‪ ،‬العلامنية التي وضعت مواثيق‬ ‫حقوق اإلنسان والدفاع عن األرسى وحامية األطفال‪ ،‬العلامنية التي‬ ‫أتاحت للعقل البرشي أن يبدع ويخلق ويصنع يف ج ٍّو من التنافس‬ ‫والحريات والعدالة واألخالق‪ ،‬العلامنية التي لوالها لعاش ذلك‬ ‫‪8‬‬


‫«وأنت كذلك» مغالطة املتطرف اإلسالمي ضد العلامنية‬ ‫متوجسا مرتع ًبا من زوار الفجر ومن حوض األسيد الذي سيذوب فيه لو عارض‬ ‫املتطرف يف ظل دولته اإلسالمية خائفًا‬ ‫ً‬ ‫الحاكم أو ارتد عن اإلسالم أو كتب رأيًا ال يعجب الغوغاء والحكام ورجال الدين‪.‬‬ ‫وحتى ال أطيل يف تفنيد اتهامات املتطرف اإلسالمي‪ ،‬وأعتقد أن ما ذكرته قد يكون كاف ًيا حتى اآلن؛ نقول لهؤالء وكل‬ ‫من يتهم العلامنية بالتطرف‪ ،‬بأن العلامنية ليست دي ًنا حتى يتم تقديسه أو منع انتقاده كام تفعلون مع أديانكم‬ ‫ومذاهبكم‪ ،‬بل هي املجال الذي يعمل ضمن االختالف‪ ،‬ويعيش مع وقع التعددية والتنوع‪ ،‬وينمو حني يتم نقده‬ ‫ومكاشفته وإصالح عطبه‪.‬‬ ‫يوم من األيام داعي ًة‬ ‫العلامنية لن تكون يف ٍ‬ ‫للرش أو محرض ًة عىل القتل أو تفتي لدعاتها‬ ‫واملؤمنني بها بأهمية ورضورة قتل غري‬ ‫العلامين كام يفعل ويدعو املتطرف اإلسالمي‪.‬‬ ‫فغاية العلامنية ورجاء العلامين هو يف التغيري‪،‬‬ ‫مقال أو يستمع‬ ‫أن يقرأ اإلنسان كتابًا أو ً‬ ‫يغي رأيه وحتى يزيد وعيه‪،‬‬ ‫ملحارض ٍة حتى ّ‬ ‫بينام غاية املتطرف اإلسالمي يف التغيري هو يف‬ ‫فرض الرشيعة اإلسالمية يف الحكم‪ ،‬يف إعادة‬ ‫إحياء كتب الرتاث وتدريسها يف املناهج‪ ،‬يف تحريم وتكفري الفلسفة والنقد والحريات والعلامنية‪ ،‬يف تحجيب النساء‬ ‫وفرض الوصاية والرقابة عليهن‪ ،‬يف عودة الغزوات اإلسالمية وقتل اآلخر املختلف وفرض الجزية‪ ،‬يف حكم الدين كحلٍ‬ ‫واحد‪ ،‬تختفي معه كل حلو ٍل أخرى وكل أفكا ٍر أخرى وكل ٍ‬ ‫نفس برشيّ ٍة تُعارض أو تنتقد أو ترفض‪.‬‬

‫اﻟﺤﺮﻳﺔ ﻟﺮاﺋﻒ ﺑﺪوي‬ ‫‪#FreeRaif‬‬ ‫ﻓﻲ اﻟﺴﺠﻦ ﻣﻨﺬ‬ ‫‪2012‬‬ ‫‪9‬‬


http://arabatheistbroadcasting.com/aamagazine https://www.aamagazine.blogspot.com https://www.facebook.com/pages/AAMagazine/498136386890299 https://issuu.com/928738

10


‫محاول ٌة يف نقد‬ ‫الديانات الساموية‬

‫الجزء الخامس‬

‫زاهد عزت حرش‬

‫تراكمت وتعددت اآللهة من عصو ٍر‬ ‫قدمية‪ ،‬وتوالت عىل مدى الزمان‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ديانات وخرافات‪.‬‬ ‫أساطري‬ ‫ٍ‬ ‫ديانات‬ ‫تكدس من‬ ‫ويف محاول ٍة لفهم ما ّ‬ ‫عرب التاريخ‪ ،‬وكيفية تطورها وإرساء‬ ‫مفاهيمها وتقديس معطياتها‪ ،‬علينا‬ ‫العودة إىل مقدا ٍر منها‪ ،‬رمبا نجد‬ ‫يف ذلك بعضً ا مام يذهب إليه‬ ‫«املؤمنون» يف وقتنا الحارض‪.‬‬

‫‪11‬‬


‫محاول ٌة يف نقد‬ ‫الديانات الساموية‬ ‫الجزء الخامس‬

‫زاهد عزت حرش‬

‫استنا ًدا إىل ما ختمت به املقالة الرابعة‪ ،‬ولِام جاء يف مقالة‬ ‫الشاعر الفلسطيني الكبري محود درويش‪ ،‬التي أق ّر فيها بأن‬ ‫الثورة اإليرانية لعبت دو ًرا ها ًما يف تأجيج الرصاع املذهبي‪:‬‬ ‫«أن الثورة اإلسالمية (اإليرانية) يف مطالع الثامنينات وجدت‬ ‫صداها يف العامل العريب بفعل عوامل كانت كامن ًة‪ ،‬موجود ًة‬ ‫ومفقود ًة يف نفس الوقت داخل الذات العربية»‪ ،‬محمد‬ ‫حسنني هيكل‪ ،‬حرب الخليج ص‪.109‬‬ ‫دليل إضا ٌّيف بأن الفكر السلفي الذي ّأسس له أبو الحسن عيل األشعري البغدادي‪ ،‬واستمر خالل فرتة حكم الدولة‬ ‫وهذا ٌ‬ ‫العثامنية عىل مدى أربعة قرون‪ .‬حيث ساهم ذلك يف تفاقم التخلف والردة يف املجتمعات العربية اإلسالمية‪ ،‬حتى‬ ‫أنبتت الفكر املتجدد يف الحركة الوهابية وحركة اإلخوان املسلمني‪ .‬حركة اإلخوان املسلمني ّأسسها حسن البنا يف مرص‬ ‫يف آذار‪ /‬مارس عام ‪1928‬م كحرك ٍة إسالمية‪ ،‬ورسعان ما انترش فكر هذه الجامعة‪ ،‬فنشأت جامعاتٌ أخرى تحمل فكر‬ ‫اإلخوان يف العديد من الدول‪ ،‬حتى وصلت اآلن إىل ‪ 72‬دول ًة تضم كل الدول العربية‪ ،‬ودولً إسالمي ًة وغري إسالمي ٍة يف‬ ‫القارات الست‪.‬‬ ‫فت اإلمربيالية العاملية يف عرص تقدم التواصل االجتامعي‪ -‬بواسطة شبكة اإلنرتنت‪ -‬كيف تخرتق صفوف‬ ‫من هنا ع َر ْ‬ ‫الجامهري يف كافة األوساط الشعبية والشعبوية‪ ،‬عىل اختالف مستوياتها العلمية والثقافية واالقتصادية‪ ،‬فنشأت بواسطة‬ ‫ذلك جمو ٌع من املتعصبني لفكرة «الجهاد» بأشكا ٍل متعددة‪ ،‬أتاحت لعد ٍد من شيوخ الدين «املرتزقة» أن يطلقوا‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ومواصفات متعدد ٍة مسند ٍة إىل األمئّة‪ ،‬وساهم هؤالء الشيوخ‬ ‫بصفات‬ ‫الفتاوي جزافًا‪ ،‬من «نكاح الجهاد» إىل «الجهاد»‬ ‫ٍ‬ ‫أقليات مذهبي ٍة‬ ‫عىل مر التاريخ اإلسالمي يف تجذّر التخلف يف صفوف عد ٍد كبريٍ من املسلمني‪ ،‬فجاءت مبعظمها ضد‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ديانات ومذاهب أخرى؛ وما حدث يف سوريا خاص ًة هو أكرب دليلٍ عىل ذلك‪ .‬كام ولِ َدت منذ‬ ‫وأقليات من‬ ‫إسالمية‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫حركات جهادي ٍة إسالمي ٍة بُح ّجة العداء للشيوعية‪ ،‬تلك الدعوة‬ ‫التدخل السوف ّيتي يف أفغانستان يف العام ‪1979‬م‪ ،‬عدة‬ ‫التي ك ّونتها ومدتها بالسالح واملال اإلمربيالية العاملية وعىل رأسها أمريكا‪ ،‬ودعمتها بالرجال واملال والعقيدة الدول‬ ‫اإلسالمية الخليجية خاص ًة ٌ‬ ‫ودول إسالمي ٌة أخرى عام ًة‪.‬‬ ‫مل يستفد املسلمون يف الوطن العريب من هذا الجهاد‪ ،‬إذ مل يتم توجيهه ضد أعدائهم‪ ،‬فأ ّدى ذلك بهم إىل الرتاجع ألف‬ ‫عام إىل الوراء‪ ،‬بالفكر والعقيدة والعلم واالقتصاد والسياسة الداخلية والخارجية‪ .‬حتى تفكّك العامل العريب املسلم ومل‬ ‫ٍ‬ ‫رش عىل قضية الرصاع العريب اإلرسائييل‪،‬‬ ‫تعد تجمع ُه ال وحد ٌة وطني ٌة وال قومي ٌة وال سياسية‪ .‬كام أث ّر ذلك بشكلٍ مبا ٍ‬ ‫وخاصة عىل القضية الفلسطينية‪.‬‬ ‫‪12‬‬


‫محاول ٌة يف نقد‬ ‫الديانات الساموية‬ ‫الجزء الخامس‬

‫زاهد عزت حرش‬

‫حيث أفسح املجال أمام امل ُ َخطط الصهيوين أن يستغل‬ ‫سيايس‬ ‫ذلك املد العنرصي ل ُيح ّول الرصاع‪ ،‬من رصا ٍع‬ ‫ٍ‬ ‫ديني ومذهبي‪ ،‬إذ أعلنت‬ ‫قومي‬ ‫ووطني إىل رصا ٍع ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫إرسائيل منذ بدايتها‪ ،‬أنها هي الوطن لكل يهوديي‬ ‫العامل‪ ،‬وأن إرسائيل دول ٌة يهودي ٌة قبل كل يش ٍء وبعد‬ ‫كل يشء‪.‬‬ ‫وقد س ّهل هذا الواقع املستجد أمام إرسائيل وربيبتها‬ ‫أمريكا‪ ،‬إىل العمل عىل عقد مؤمتر أوسلو‪ ،‬الذي جا َء انحدا ًرا تراجع ًيا آخر يف حقيقة الدفاع عن القضية الفسلطينية‪،‬‬ ‫بعد الرتاجع الذي حدث يف اتفاقيتي «السالم» بني إرسائيل وكلٍ من مرص واألردن‪.‬‬ ‫بعد اتفاقية أوسلو بني الفلسطينيني وإرسائيل‪ ،‬عمدت الحركة اإلسالمية وحركة حامس وحركة الجهاد اإلسالمي إىل القيام‬ ‫ٍ‬ ‫أطفال‬ ‫ً‬ ‫بعمليات انتحاري ٍة لقتل اليهود ملجرد أنهم يهود‪ ،‬دون أي اعتبا ٍر ملكان التفجري وضحاياه‪ ،‬إن كانوا مدنيني أم ال‪،‬‬ ‫أم مسنيني‪ .‬وكان ذلك مبثابة هدي ٍة إلرسائيل حتى تتنصل من كل تعهداتها الدولية‪ ،‬وساهم يف انخفاض التأييد للقضية‬ ‫حروب‬ ‫الفلسطينية‪ ،‬فش ّددت إرسائيل قبضتها عىل املناطق الفلسطينية املحتلة يف الضفة الغربية وغزة‪ ،‬وقامت بشن‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫متطرف‬ ‫وحشي ٍة قتلت فيها العديد من األبرياء‪ ،‬بحج ٍة باهت ٍة متكررة؛ وأدى ذلك إىل اغتيال رئيس وزرائها رابني عىل يد‬ ‫فتنصلت من كل يشء‪ ،‬حتى أنها اقتحمت الضفة الغربية ووصلت إىل مقر قيادة الرئيس الراحل يارس عرفات‪،‬‬ ‫يهودي‪ّ ،‬‬ ‫ودمرت الكثري من البلدات الفلسطينية يف الضفة الغربية املحتلة ويف قطاع غزة‪.‬‬ ‫تذكروا أن الشعارات التي رفعها الفلسطينيون يف رصاعهم ضد الصهيونية‪ ،‬كانت شعار ٍ‬ ‫ات سياسي ًة وطني ًة تحمل يف‬ ‫مفهومها الدفاع عن فلسطني‪ ،‬كل فلسطني‪ ،‬فتحولت يف هذا الوقت إىل شعار ٍ‬ ‫ات ديني ٍة فارغ ٍة من كل مضمون‪ ،‬فبدل‬ ‫شعار «بالروح بالدم نفديك يا فلسطني» أصبح الشعار األكرث روا ًجا «بالروح بالدم نفديك يا أقىص» وشعار ال يقل عنه‬ ‫روا ًجا «الله أكرب ولله الحمد»‪ ،‬هتافاتٌ فارغ ٌة من كل مضمون‪.‬‬ ‫وهذا بالتحديد ما أرادته إرسائيل وفكرها الصهيوين العنرصي‪ ،‬بأن يتحول الرصاع من ركنه األسايس القومي والسيايس‪،‬‬ ‫إالهي مقدس‪ .‬وها‬ ‫ديني‬ ‫إىل ركنه الغيبي الديني املذهبي‪ ،‬يك تعيد إىل فضاء العامل أن حق اليهود يف فلسطني هو ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫حق ٌ‬ ‫هو العامل العريب ٌ‬ ‫ممزق بني شيع ٍة وسنة‪ ،‬بني إيران «والية الفقيه» وبني تركيا وحلم «الخالفة العثامنية‪ ،‬وبني دو ٍل أخرى‬ ‫تدور يف فلك «العم سام»‪ ،‬أمريكا‪ ،‬والغرب‪ ،‬ودو ٍل تدور يف فلك الفقر والعوز املدقع‪ ،‬دون أن تستطيع تقديم أي عونٍ‬ ‫للفلسطينيني‪ ،‬بل إن الفلسطينيني أنفسهم خضعوا للّعبة الصهيونية واإلمربيالية‪ ،‬فغدو منقسمني عىل أنفسهم‪ ،‬ما يف ّرق‬ ‫بينهم أكرث مام يُج ّمع‪.‬‬ ‫‪13‬‬


‫محاول ٌة يف نقد‬ ‫الديانات الساموية‬ ‫الجزء الخامس‬

‫زاهد عزت حرش‬

‫هناك رصخ ٌة أطلقها عميد اللغة العربية‪ ،‬طيب الذكر‪ ،‬الكاتب طه حسني منذ عرشات‬ ‫السنني‪ ،‬وهي‪:‬‬ ‫«إن الدين‪ ،‬مهام بلغت أهميته العاطفية‪ ،‬ال يستطيع أن يوجه الحياة السياسية‪ .‬ففكرة‬ ‫األمة يجب أن تقوم عىل مفاهيم غري املفاهيم الدينية»!!‬ ‫فكيف ميكننا إعادة القضية إىل مربّعها األول‪ ،‬مربعها الذي منه تنطلق الثورة نحو‬ ‫هدفها األول واألخري‪ ،‬بالتحرير واملساواة والحرية‪ ،‬بالوعي والعلم واملعرفة!! مل تكن‬ ‫قضيتنا الفلسطنية مبني ًة عىل ٍ‬ ‫مذهبي أو ديني‪ ،‬بل كانت قضي ًة إنساني ًة‬ ‫عقائدي‬ ‫خالف‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وطني ًة سياسي ًة‪ ،‬ضد من َسلب الوطن وه ّجر أهله وهدم مقوماته‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫متخلف أصو ٍيل ساهم‬ ‫فلامذا انزلق هذا التحدي ليصل إىل ما يريده األعداء‪ ،‬مبساهم ٍة متوارث ٍة عرب السنني واألجيال لفك ٍر‬ ‫يف ذلك؟‬ ‫«يجب النظر منذ البداية إىل قضية الدين عىل أنها مسأل ٌة بني اإلنسان وربه‪ .‬والحساب فيها يكون أمام الله والضمري»‪ ،‬و‬ ‫استغالل‬ ‫ً‬ ‫«اليهودية ديان ٌة ونحن ال نحارب األديان‪ ...‬أما الصهيونية فهي حرك ٌة سياسي ٌة متعصب ٌة تهدف إىل استغالل الدين‬ ‫عنرصيًا ضد الشعب العريب»‪ ،‬رجاء النقاش‪ ،‬أصواتٌ غاضبة‪ ،‬ص‪ 34‬وص‪.36‬‬ ‫مل يتوا َن عباقرة شعبنا العريب يف تناول‬ ‫هذه األمور منذ ٍ‬ ‫عهد بعيد‪ ،‬ففي عرص‬ ‫النهضة‪ ،‬أي ما قبل بداية القرن العرشين‪،‬‬ ‫دأب العديد منهم عىل البحث والتأمل‬ ‫والدعوة إىل التصدي لألخطار املرتبصة‬ ‫باألمة من الخارج‪ ،‬ومن الداخل خاص ًة‪.‬‬ ‫رصا‪ ،‬رشيد رضا‪ ،‬ألربت‬ ‫ومنهم مثالً ال ح ً‬ ‫حوراين‪ ،‬لطفي السيد‪ ،‬الشيخ محمد‬ ‫عبده‪ ،‬فرح أنطون‪ ،‬والطبيب شبيل‬ ‫الشميل‪ ،‬والعديد العديد من األسامء‬ ‫التي ال يتسع املجال لذكرها هنا‪.‬‬ ‫‪14‬‬


‫محاول ٌة يف نقد‬ ‫الديانات الساموية‬ ‫الجزء الخامس‬

‫زاهد عزت حرش‬

‫رصف‪:‬‬ ‫بيد أن هناك ما يجب ذكره للحقيقة والتاريخ‪ ،‬أُورد ُه هنا بت ّ‬ ‫رسالة أمني الريحاين‪ ،‬حول توحيد األديان‪ ،‬قال الريحاين‪ ...« :‬أن الدين الز ٌم‬ ‫وواجب عليه‪ ،‬لكن الشعور الديني الذي يَحمل الناس عىل تفضيل‬ ‫لإلنسان‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫األنبياء والرسل بعضهم عىل ٍ‬ ‫رض‪.‬‬ ‫بعض هو غري ٍ‬ ‫الزم وغري واجب‪ ،‬بل هو م ّ‬ ‫وهذا الشعور الديني هو آفة الرشق الكربى‪ .‬فإن كانت كلمة «الكفر» تعني‬ ‫نبذ هذا الشعور فالكفر للرشق الزم‪.‬‬ ‫أما الدين أي اإلدراك الروحي والصلة الروحية بني اإلنسان واملك ّون األعظم –‬ ‫مصدر الحب والرحمة والعافية والجامل – الصلة الروحية يف أسمى حاالتها‪،‬‬ ‫رقي اإلنسان‪ .‬وال‬ ‫بدون واسط ٍة نبوي ٍة أو الهوتية‪ ،‬فهي الربهان األكرب عىل ّ‬ ‫رقي لألمم الرشقية والغربية إال إذا عم هذا الدين أبناءها‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫محمد وزرادتشت ّإل يف الجزئيات‬ ‫مثل واملسيح‪ ،‬أو بني‬ ‫واألنبياء والرسل متّفقون يف ما هو الدين‪ ،‬فال تجد خالفًا بني بوذا ً‬ ‫متفق عليه‪ ،‬وارتفعنا يف روحياتنا إىل الله – إىل املصدر اإللهي األعىل‪ ،‬إىل ينبوع الحب‬ ‫غري الجوهرية‪ .‬فإذا أخذنا ما هو ٌ‬ ‫والرحمة والعافية والجامل – بَ ّعدنا عن مصدر الخالف وما ينجم عنه من شقاقٍ وشقاء‪.‬‬ ‫وأن عظموا كيوان َعظمت واح ًدا يكون ل ُه كيوان أول ساجد‬ ‫أثواب مختلفة العقيدة‪ ،‬يف الجوهر واحدة‪ .‬واألثواب ال تهمني‪ .‬وال يجب‬ ‫أما املسيحية واإلسالم واليهودية والبوذية فهي ٌ‬ ‫رقي للرشقيني إال يف نبذها‪.‬‬ ‫أن ته ّم أح ًدا من الناس‪ .‬األثواب واألسامء هي بلية الرشق والرشقيني‪ .‬وال خري للرشق وال ّ‬ ‫والسالم عليكم ورحمة الله‬ ‫املخلص‬ ‫أمني الريحاين‬ ‫الفريكه ‪ 28‬متوز‪ /‬يوليو ‪1926‬‬ ‫«مجلة اإلخاء السنة الثالثة العدد العارش – كانون الثاين‪ /‬يناير ‪ 1927‬ص ‪»824 – 823‬‬

‫‪15‬‬


‫محاول ٌة يف نقد‬ ‫الديانات الساموية‬ ‫الجزء الخامس‬

‫عبنا مخاضها سوي ًة‪ ،‬الكاتب والقراء‪،‬‬ ‫وعرب محاولة املكاشفة املستفزة هذه‪ ،‬التي َ‬ ‫من عىل صفحات مجلة امللحدين العرب الغراء‪ ،‬فإنني أعلنها رصخ ًة ال تر ّدد وال‬ ‫رفضا مطلقًا‪،‬‬ ‫تراجع عنها‪ ،‬بأنني أرفض كل الديانات الساموية واألرضية الغيبية‪ً ،‬‬ ‫وضد كل املذاهب وامللل املتفرعة منها‪.‬‬ ‫وأعتنق مبلئ إراديت ووعيي العقيدة اإلنسانية‪ ،‬عىل رأسها العقيدة املاركسية‬ ‫املتجددة املتفاعلة مع ديالكتيك الزمان واملكان‪ .‬ومع كل فك ٍر وعقيد ٍة إنساني ٍة‬ ‫تحمي حقوق الناس والشعوب عىل اختالف مشاربهم وانتامءاتهم ووجودهم‪.‬‬ ‫«أنا مجرد طفلٍ ال يكرب أب ًدا‪ ،‬ال أزال أسأل‬ ‫باستمرا ٍر كيف وأين؟ وبني الفينة واألخرى‬ ‫أعرث عىل إجاب ٍة ما!»‪،‬‬

‫اﳌﻮﻗﻊ اﻟﺮﺋﻴﺴﻲ ﳌﺆﺳﺴﺔ‬ ‫اﳊﻮار اﳌﺘﻤﺪن‬ ‫ﻳﺴﺎرﻳﺔ‪ ،‬ﻋﻠﻤﺎﻧﻴﺔ‪ ،‬دﳝﻤﻘﺮاﻃﻴﺔ‬ ‫»ﻣﻦ أﺟﻞ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﻣﺪﻧﻲ ﻋﻠﻤﺎﻧﻲ‬ ‫دﳝﻘﺮاﻃﻲ ﺣﺪﻳﺚ ﻳﻀﻤﻦ اﳊﺮﻳﺔ‬ ‫اﻟﻌﺪاﻟﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻟﻠﺠﻤﻴﻊ«‬

‫ستيفن هوكينغ‪.‬‬

‫‪http://www.ahewar.org‬‬

‫‪16‬‬


https://www.facebook.com/groups/arbangroup/

17


‫املعضلة األخالقية‬ ‫تعريف األخالق‪:‬‬ ‫هي القدرة عىل التمييز بني ما يصح وما ال يصح‬ ‫من نوايا وقرارات وأفعال الفرد‪ ،‬قد تكون األخالق‬ ‫عبار ًة عن مجموعة املعايري واملبادئ‪ ،‬التي قد‬ ‫يقتبسها األفراد من الفلسفة أو العقيدة أو الثقافة‪،‬‬ ‫أو حتى من مجموعة مبادئٍ يعتقد البعض برضورة‬ ‫نرشها وتعميمها‪ .‬وقد يراد باألخالق التعبري عن الخري‬ ‫أو الصواب‪.‬‬

‫نورما باسييل‬

‫‪18‬‬


‫املعضلة األخالقية‬ ‫نورما باسييل‬

‫يتضمن تعبري الفلسفة األخالقية مجموعة األخالق ال ُعليا التي تستعرض قضايا متجرد ًة مثل األنطولوجيا األخالقية‪،‬‬ ‫ونظرية املعرفة األخالقية‪ ،‬واألخالق املعيارية‪ ،‬التي تشمل أنظم ًة أكرث واقعي ًة لصنع القرارات األخالقية‪ .‬ومن األمثلة عىل‬ ‫ونصه‪:‬‬ ‫الفلسفة األخالقية املعيارية‪ :‬القاعدة الذهبية التي تنص عىل هذا املبدأ‪ّ ،‬‬ ‫«يجب عىل املرء أن يعامل اآلخرين بالطريقة التي يود أن يعامله بها اآلخرون»‪.‬‬ ‫وكل ما يخالف التعريف املذكور أعاله يُعترب ال أخالق ًيا وبعي ًدا عن الوعي باملعايري واملبادئ األخالقية‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫إجابات محدد ًة وصحيح ًة لألسئلة األخالقية‪،‬‬ ‫شغلت املعضلة األخالقية أذهان العديد من الدارسني‪ ،‬فالبرش دامئًا ينتظرون‬ ‫ولكن يف كثريٍ من األحيان تجربنا الظروف عىل االختيار بني اليسء واألكرث سو ًءا‪ ،‬وأشهر مثا ٍل عىل ذلك هو قصة األسد‬ ‫الجائع والغزال الهارب من مصريٍ محتوم‪ ،‬وتضعنا هذه القصة بني اختيارين أحالهام مر‪ ،‬إما أن نحكم عىل األسد بأنه‬ ‫مجر ٌم ويجب علينا إنقاذ الغزال من براثنه‪ ،‬ويف هذه الحالة سيموت األسد جو ًعا‪ ،‬أو نرتكه يفعل ما متليه عليه غريزته‬ ‫فهو جائ ٌع والبد أن يأكل حتى يبقى ح ًيا‪ ،‬ولكن إذا فعل ذلك فسيكون الغزال هو الضحية‪.‬‬ ‫رش ولكن يختلف نسبيًا من حال ٍة إىل أخرى‪ ،‬فقتل‬ ‫نستنتج من هذه القصة أن الرش يش ٌء نسبي‪ً ،‬‬ ‫فمثل القتل عمو ًما هو ٌ‬ ‫عمل بطول ًيا يستحق‬ ‫عمل رشي ٌر وغري ُم َّربر‪ ،‬لكن قتل املعتدي لغرض الدفاع عن النفس أو الوطن يُعترب ً‬ ‫األبرياء هو ٌ‬ ‫التقدير والثناء‪ ،‬ألنه لغرض حامية الفرد والجامعة‪.‬‬ ‫فإذا اتفقت مجموع ٌة من البرش عىل أن ترصفًا ما يُع ّد خطأً‪،‬‬ ‫فعندما يقرتف أحدهم هذا الترصف سيعاقبه أفراد هذه‬ ‫أخالقي‬ ‫املجموعة أو رمبا ينبذوه‪ ،‬بحجة أنه اقرتف ترصفًا غري‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫ومخالف ألعراف هذه املجموعة‪.‬‬ ‫ويف نفس السياق‪ ،‬تعرضت بعض الدراسات إىل رشح الفرق‬ ‫بني األخالق القبلية واألخالق اإلقليمية‪ ،‬فاألوىل تتميز بالعديد‬ ‫من املعايري والقوانني الصارمة التي تفرضها الجامعة عىل الفرد‬ ‫بشكلٍ‬ ‫تعسفي وقاطعٍ وإلزامي‪.‬‬ ‫ٍّ‬ ‫وعىل النقيض نجد أن األخالق اإلقليمية ت ُعنى فقط باملِلكية‬ ‫عام وقد ت ُلزِم الفرد بعدم التعدي عىل‬ ‫الخاصة لألفراد بشكلٍ ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫سلوكيات محددةً‪ ،‬لذلك‬ ‫ممتلكات الغري‪ ،‬كام أنها ال تفرض عليه‬ ‫ميكننا القول بأنها تعتمد عىل قواعد عاملي ٍة وعام ٍة ومنطقية‪.‬‬ ‫‪19‬‬


‫املعضلة األخالقية‬ ‫نورما باسييل‬

‫ٍ‬ ‫ترشيعات تستند إىل فك ٍر مع ٍني أو عقيد ٍة ما أو رمبا ديانة‪ ،‬فتتحول من‬ ‫وعندما تتطور األخالق القبلية ميكن أن تصل إىل‬ ‫منزلة الفضيلة واألخالق ال ُعليا‪ ،‬التي تخاطب الضمري اإلنساين بشكلٍ مبارش‪ ،‬إىل قوانني إلهي ٍة جامد ٍة ال رحمة أو تهاون‬ ‫بها‪ ،‬يجب تطبيقها أو التعرض للعقاب األبدي‪.‬‬ ‫ديني ويف إطار األوامر اإللهية‬ ‫واجب‬ ‫فمثل إذا تحول القتل من جرمي ٍة يجب نبذها ورفضها إىل‬ ‫ً‬ ‫ٍ‬ ‫اجتامعي تحت غطا ٍء ٍّ‬ ‫ٍّ‬ ‫فسيتحول القتل فو ًرا إىل فضيل ٍة أو يش ٍء مقبو ٍل ومح ّبب‪ ،‬خاص ًة إذا كان مردود هذا الفعل مج ٍز أو كانت تنتظره مكافئ ٌة‬ ‫يف الجنة أو هدفه تطهري املجتمع أو إنقاذ املؤمنني‪ ...‬إلخ‪.‬‬ ‫واألمثلة عىل ذلك كثرية‪ ،‬فقتل املرتد يف العهد القديم‬ ‫واجب (سفر التثنية إصحاح ‪ 13‬العدد ‪ 6‬إىل ‪ ،)11‬كام هو‬ ‫أيضا (سورة التوبة آية ‪.)29‬‬ ‫يف اإلسالم ً‬ ‫فبمجرد اقتناع الفرد بأنه يُنفذ أم ًرا إله ًيا بهدف حامية‬ ‫مجتمعه والعبور به لرب األمان‪ ،‬يتحول قتل النفس البرشية‬ ‫حل‬ ‫إىل عمل خريٍ ومقبول‪ ،‬أو عىل أقل تقدي ٍر يراه املؤمن ًّ‬ ‫ال رضر من اللجوء إليه‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫عقوبات عىل رسقة‬ ‫كام أن األديان مل ت ُح ّرم العبودية أو االت ّجار بالبرش (‪ )Human trafficking‬بل نظّمتها ووضعت‬ ‫العبد واألمة من املالك األصيل لهام (سفر الخروج ‪ 21‬آية ‪ ،)16‬أو‪:‬‬ ‫رجل أعطى يب ثم غدر‬ ‫«عن أيب هريرة‪ :‬ثالث ٌة أنا خصمهم يوم القيامة ٌ‬ ‫ورجل استأجر أج ًريا فاستوىف منه ومل ِ‬ ‫يعط أجره»‬ ‫ٌ‬ ‫ورجل باع ح ًّرا فأكل مثنه‬ ‫ٌ‬ ‫(صحيح البخاري)‪.‬‬ ‫فالذي ح ّرم االت ّجار بالبرش ومنع استعباد بعضهم لبعض‪ ،‬هو تط ّور اإلنسانية والعقل‬ ‫البرشي‪ ،‬الذي ارتأى أن من الفضيلة واملنطق‪ ،‬أنه يجب عىل اإلنسان االمتناع عن‬ ‫هذه املامرسات الكريهة العنرصية‪ ،‬ومل يتّخذ اإلله ذلك القرار وهو الذي يؤمن‬ ‫البعض بوجوده وأنه هو من خلق البرش‪ ،‬الذي رغم امتالكه لكل هذه القدرات‪ ،‬إال‬ ‫أنه عجز عن تحريم مثل هذه العادات القبيحة‪ ،‬حيث قامت هيئة األمم املتحدة‬ ‫رص ًة عىل تقنني تجارة البرش‪.‬‬ ‫بفرض العقوبات عىل الدول التي الزالت م ّ‬ ‫‪20‬‬


‫املعضلة األخالقية‬ ‫نورما باسييل‬

‫وتجد عقاب السارق يف العهد القديم من الكتاب املق ّدس عىل سبيل املثال هو القتل (سفر يشوع إصحاح ‪ 7‬العدد‬ ‫‪ 22‬إىل ‪ ،)26‬حيث قام شعب الله املختار برجم وحرق السارق إلخامد غضب الله واستجداء عطفه‪ ،‬دون التوقف ولو‬ ‫للحظ ٍة ملنح الجاين فرص ًة للتوبة عن طريق إصالحه من خالل عقوبة السجن أو إعادة تأهيله وتهذيبه‪ .‬وه ْم بذلك مل‬ ‫أيضا بال أدىن رحم ٍة أو‬ ‫يختلفوا كث ًريا عن املسلم‪ ،‬الذي يط ّبق رشيعته بقطع يد السارق‪ ،‬وتشويهه من الداخل والخارج ً‬ ‫إنسانية‪.‬‬ ‫تُحتم األخالق واإلنسانية عىل األفراد العاقلني‪ ،‬تقديم الحد األدىن من‬ ‫أيضا وبنفس القدر‪.‬‬ ‫احرتام الذات واحرتام اآلخرين ً‬ ‫فمن غري املنطقي أو املعقول أن يتم احتقار ٍ‬ ‫شخص ما عىل أساس لونه‬ ‫فعلت األديان‪:‬‬ ‫أو عرقه أو جنسه‪ ،‬مثل التقليل من شأن املرأة كام‬ ‫ْ‬ ‫«فقالت له املرأة السامرية‪ :‬كيف تطلب مني لترشب‪ ،‬وأنت يهودي وأنا‬ ‫امرأ ٌة سامرية؟ ألن اليهود ال يعاملون السامريني» (إنجيل يوحنا ‪،)9 :4‬‬ ‫أو «لتصمت نساؤكم يف الكنائس‪ ،‬ألنه ليس مأذونًا لهن أن يتكلمن‪ ،‬بل‬ ‫أيضا» (رسالة بولس الرسول األوىل ألهل‬ ‫يخضعن كام يقول الناموس ً‬ ‫كورنثوس ‪.)34 :14‬‬ ‫وأيضا نجِد يف القرآن‪:‬‬ ‫ً‬

‫َْ َ َ ْ ُ​ُ ّ َ َ َ​َْ َ‬ ‫َ‬ ‫َْ َ َ َ َ ٌ ّ ُ ّ َ َْ‬ ‫ت ُدوا َم ًاء ف َت َي َّم ُموا﴾ (النساء‪،)43 :‬‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫ف‬ ‫اء‬ ‫س‬ ‫الن‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫أ‬ ‫ط‬ ‫ائ‬ ‫غ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫﴿أو جاء أحد مِنكم مِن ال ِ‬

‫فإشارة اإلله هنا واضح ٌة أن النساء فقط من دون‬ ‫الرجال ينقضن الوضوء بسبب نجاستهن‪ .‬وقوله‬ ‫(ارضبوهن) يف سورة النساء آية ‪ 34‬من األدلة‬ ‫الواضحة عىل اإلمعان يف إذالل املرأة‪.‬‬ ‫فكام رأينا يف األمثلة السابقة التناقض الصارخ يف‬ ‫تعاليم ووصايا األديان اإلبراهيمية‪ ،‬فكام تنهى‬ ‫عن القتل والرسقة والزنا والكذب‪ ،‬فهي تأمر‬ ‫شعوب أخرى‪،‬‬ ‫بقتل الكافر وتأمر باالعتداء عىل‬ ‫ٍ‬ ‫وأس أبنائها وبناتها‬ ‫والسطو عىل القوافل ورسقتها ْ ِ‬ ‫‪21‬‬


‫املعضلة األخالقية‬ ‫نورما باسييل‬

‫ٍ‬ ‫حاالت وهي‬ ‫واغتصابهن‪ ،‬هذا باإلضافة إلباحة الزنا يف الحياة اآلخرة رغم تحرميه يف الحياة الدنيا‪ ،‬وإباحة الكذب يف ثالث‬ ‫الحرب واإلصالح بني الناس وحديث األزواج (حديث صحيح أخرجه مسلم)‪ ،‬مام يضع املؤمن يف حري ٍة شديد ٍة من أمره‬ ‫بسبب الخلط الشديد بني الصواب والخطأ الذي تفرضه عليه عقيدته‪ ،‬وطريقه الوحيد للفرار من هذا املأزق هو تحكيم‬ ‫ضمريه واتّباع ما ميليه عليه عقله ووعيه‪.‬‬ ‫فليس من العدل أب ًدا أن يخضع العقالء واملثقفون لرجال الدين أو يرتكونهم يق ّررون لهم مصريهم ويسيطرون عىل‬ ‫حياتهم‪ ،‬فمن الطبيعي أن تغضب عندما ترى جرمي ًة ألنك إنسا ٌن وا ٍع ومنطقي‪ ،‬ولكن من غري الطبيعي أن تو ّجه هذا‬ ‫وأل تشعر بالغضب أو األمل أو حتى األسف والحرسة تجاه املوقف ككل‪.‬‬ ‫الغضب صوب الضحية وتتحيز للمجرم‪ّ ،‬‬ ‫فإذا فقدت هذه املشاعر ومل يكن لديك رد فعل‪ ،‬فاعلم أن ضمريك قد مات أو أن القامئني عىل عقيدتك قد نجحوا يف‬ ‫قتله‪ ،‬وجعلوا منك كائ ًنا غري وا ٍع فاقد القدرة عىل التمييز بني الصواب والخطأ‪ ،‬بال أخالقٍ وبال مبادئٍ وبال ُمثُلٍ ُعليا‪.‬‬ ‫فالشخص االنتحاري الذي يُف ّجر نفسه يف مجموع ٍة من األفراد ملجرد أنهم مل يؤمنوا بدينه‪ ،‬ما هو إال مس ٌخ قد تم تشويهه‬ ‫من الداخل وتدمري عقله بأفكا ٍر ووعو ٍد خيالي ٍة لن تتحقق‪.‬‬

‫‪www.facebook.com/M-80-II-941772382615672‬‬

‫‪s‬‬

‫‪22‬‬


‫اﺷﺘﺮك اﻵن‬ ‫ﻓﻲ ﻗﻨﺎﺗﻨﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻴﻮﺗﻴﻮب‬ ‫‪https://www.youtube.com/c/ahmedzayedchannel‬‬

‫ﻗﺮاﺑﺔ ‪ 10‬ﻣﻠﻴﻮن ﻣﺸﺎﻫﺪة‬ ‫ﻣﺸﺘﺮك‬ ‫أﻟﻒﻣﺸﺎﻫﺪة‬ ‫و‪70‬ﻣﻠﻴﻮن‬ ‫ﻗﺮاﺑﺔ اﻟﻌﴩة‬

‫أﺣﻤﺪ ﺳﻌﺪ زاﻳﺪ‬

‫ﻗﻨﺎة أﺣﻤﺪ ﺳﻌﺪ زاﻳﺪ ﻋﲆ اﻟﻴﻮﺗﻴﻮب ﻫﻲ ﻗﻨﺎة ﻣﻌﻨﻴﺔ ﺑﺎﻟﺘﻨﻮﻳﺮ اﻟﻔﻜﺮي واﻟﺜﻘﺎﰲ وﻫﻲ ﻣﺤﺎوﻟﺔ ﻟﻠﺘﻔﻜ اﳌﻮﺿﻮﻋﻲ اﻟﻌﻘﻼ ﻣ ًﻌﺎ‪.‬‬ ‫وﺗﺠﺪون ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺴﻼﺳﻞ وﻣﻨﻬﺎ‪:‬‬

‫أﻟﻒ ﺑﺎء ﻓﻠﺴﻔﺔ ﻟﺘﺒﺴﻴﻂ اﳌﻌﺮﻓﺔ اﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ‬

‫ﻟﻠﺘﻮاﺻﻞ ﻣﻌﻨﺎ ﻋﲆ ﺻﻔﺤﺔ اﻟﻘﻨﺎة ﻋﲆ اﻟﻔﻴﺴﺒﻮك‪:‬‬ ‫‪https://www.facebook.com/aszayedtv‬‬

‫ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﺤﻀﺎرة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻻﺳﻼﻣﻴﺔ‬

‫ﺳﻠﺴﻠﺔ ﺗﻌﺮﻳﻔﻴﺔ ﺑﺮﻣﻮز ﻓﻜﺮﻳﺔ ﻋﺮﺑﻴﺔ وﻏﺮﺑﻴﺔ‬

‫ﺻﻔﺤﺔ أﺣﻤﺪ ﺳﻌﺪ زاﻳﺪ اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ‪:‬‬ ‫‪https://www.facebook.com/ahmedsaadzayed‬‬

‫ﻛﺎﳌﻌﺮي واﻟﺮازي وأرﺳﻄﻮ وﻣﺎرﻛﺲ وراﺳﻞ‬

‫ﺳﻠﺴﻠﺔ ﺑﺘﺤﻠﻴﻞ ﺧﻼﻓﺎت اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ وﻗﺘﺎﻟﻬﻢ‬

‫ﺳﻠﺴﺔ ﺗﻄﻮر ﺗﺎرﻳﺦ اﻹﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻴﺎت اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ واﻟﻔﻠﺴﻔﺎت‬

‫وﻏ ذﻟﻚ ﻛﺜ ﻣﻦ ﻣﺤﺎﴐات وﻣﻘﺎﺑﻼت ﻟﺮﻣﻮز ﻓﻜﺮﻳﺔ ﻓﺎﻟﻘﻨﺎة ﺑﻬﺎ أﻛ ﻣﻦ ‪ 700‬ﻣﺤﺎﴐة‪ ،‬وﻫﻲ ﺟﻬﺪ ﻃﻮﻳﻞ وﻣﺘﻮاﺿﻊ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﻞ‬ ‫اﻟﺜﻘﺎﰲ وﻣﺤﺎوﻟﺔ ﻧﴩ اﻟﻮﻋﻲ واﻟﻌﻘﻼﻧﻴﺔ واﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﻗﺪر اﳌﺴﺘﻄﺎع ﻟﻠﻤﺘﺤﺪﺛ ﺑﺎﻟﻌﺮﺑﻴﺔ‪.‬‬ ‫ﻟﺪﻋﻢ اﻟﻘﻨﺎة‪:‬‬

‫‪https://www.patreon.com/ahmedzayed‬‬

‫‪23‬‬

‫‪https://www.paypal.me/ahmedsaadzayed/100‬‬


‫ثمة من يعرفني‬

‫هل ثمة من يعرف من أكون؟‬ ‫ٍ‬ ‫شبح‬ ‫قطعت الصحراء وا�لكثبان الرملية كظل‬ ‫تاركة ً خلفي كل هويتي‪،‬‬ ‫كل أشيائي الجميلة التي انتميت لها وانتمت لي يوم ًا‬ ‫‪ ‬ضاعت مني‪ ...‬‬ ‫ل ُأساق إليه مسلوبة الإرادة‪...‬‬ ‫ل مجهو ٍ‬ ‫نحو مستقب ٍ‬ ‫نحو صحراء أسير مغمضة العينين‪...‬‬ ‫أشعر أن الرمال تبتلعني و ُأدفن فيها شيئًا فشيئًا‪...‬‬ ‫أنا التي كنت أغتسل بماء النيل كل يوم‪...‬‬ ‫أصبحت متفحمة ً شهباء بالرمال الحارة‪...‬‬ ‫هل انتبه أهلي لدموعي وأنا ُأساق كهدية ٍ للأعراب؟‬

‫أشعر بالظمأ‪ ...‬ظمأ ٌ شديد‪...‬‬ ‫جف حلقي وأنا أتوسل عشيرتي البقاء في أرضي‪ ...‬اذبحوني‬ ‫ّ‬ ‫قربان ًا وألقوا بي في النيل ولا تنفوني إلى الصحراء‪...‬‬ ‫ّحت عيوني وأنا أستجدي الرحمة من أهلي وعشيرتي أنا‬ ‫تقر ْ‬ ‫وشقيقتي‪...‬‬ ‫فهل هناك من يأبه لمصير فتاتين بائستين ضعيفتين أصبحتا‬ ‫كبش فداء؟‬ ‫وإلى الصحراء القاحلة اقتيدتا كنعجتين مسلوبتي الإرادة‪...‬‬ ‫لعنت أنوثتي عشر مرات‪...‬‬ ‫‪ ‬وجمالي الفرعوني ألف مرة ٍ لعنته‪...‬‬ ‫ذنب اقترفناه أيها المقوقس حتى اخترتنا لصاحبك‬ ‫ٍ‬ ‫أي‬ ‫العربي؟‬ ‫‪ ‬بحق مريم البتول لماذا تفعل هذا بنا؟‪ ‬‬ ‫ألم ْ يقل عيسى عليه السلام‪ :‬لا تطرحوا اللؤلؤ إلى ال�خنزير‪ ،‬فإن‬ ‫ال�خنزير لا تصنع باللؤلؤ شيئًا‪...‬‬ ‫فل ِم َ تطرحنا لهؤلاء ببرودة ٍ أيها المقوقس؟!‬ ‫فهل ثمة من تعرف عليّ أنا وأختي؟‬

‫بقلم‪Nour Amel :‬‬ ‫‪24‬‬


25


‫خواطر حول‬ ‫سورة البقرة‬

‫ومحاول ٌة لقراء ٍة تاريخي ٍة جديد ٍة‬ ‫ٍ‬ ‫مبعزل عن السرية الرسمية‬

‫ً‬ ‫أول‪ :‬البقرة لها مكان ٌة خاصة‪ :‬هي أطول سور ٍة باملصحف‪،‬‬ ‫ورمبا األوىل لو استبعدنا الفاتحة‪ .‬والالفت أن مثة مصد ٌر‬ ‫نقل عن كتاب الهاجرية)‬ ‫مسيحي قديم (راهب بيت حلة‪ً ،‬‬ ‫ٌ‬ ‫مييز بني القرآن وسورة البقرة وكأنهام مصدران مختلفان‬ ‫للرشيعة اإلسالمية‪ ،‬فلو سلّمنا أنه يتحدث عن نفس السورة‬ ‫التي بأيدينا‪ ،‬فإن هذا يعكس (عىل األقل) أهمية السورة ‪Moussa Eightyzz‬‬ ‫و ِقدمها وأصالتها‪.‬‬ ‫‪26‬‬


‫خواطر حول‬ ‫سورة البقرة‬ ‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫حسب التاريخ الرسمي فهي أول سور ٍة نزلت باملدينة بعد الهجرة‪ ،‬ومكمن أهميتها بنظري أنها تعكس بداية العالقة‬ ‫ٍ‬ ‫محمد واليهود‪ ،‬وتطور تلك العالقة دينيًا وسياسيًا‪ ،‬من التامهي واملديح إىل االنفصال والعتاب ثم العداء والحرب‪.‬‬ ‫بني‬ ‫ٍ‬ ‫بحديث يبدو عا ًما عن «ذلك الكتاب» وعن اإلميان والكفر واملنافقني والجنة والنار‪ ،‬وقصة آدم‬ ‫ثان ًيا‪ :‬تبدأ السورة‬ ‫والشجرة‪ ،‬مام يحتل اآليات األوىل األربعني‪.‬‬ ‫سؤال‪ :‬هل اآليات السابقة تخاطب‬ ‫ومنذ اآلية ‪ 40‬يبدأ توجيه الخطاب لليهود ألول مر ٍّة بشكلٍ واضح‪ .‬مام يستدعي ً‬ ‫املرشكني أم اليهود؟‬ ‫يبدو يل أنها الثانية‪ ،‬حيث نجده يتّهمهم بأنهم ينقضون عهد الله من‬ ‫بعد ميثاقه (‪ ،)27‬مام ال يبدو أنه يتامىش مع املرشكني وإمنا ينطبق عىل‬ ‫اليهود املشهورين بالعهد اإللهي‪ ،‬كام ورد يف التوراة‪ ،‬وكام سيتم اإلشارة‬ ‫كث ًريا إىل عهد اليهود وميثاقهم مع الله يف سورة البقرة نفسها‪ ،‬يف اآليات‬ ‫‪ 40‬و‪ 63‬و‪ 80‬و‪ 83‬و‪ 84‬و‪.93‬‬ ‫أيضا أن رسد قصة آدم وحواء جاء هنا موافقًا للنسخة اليهودية‬ ‫ونالحظ ً‬ ‫املطابقة ليس فقط للتوراة وإمنا لألدب الحاخامي‪ ،‬مام ير ّجح أننا داخل‬ ‫سياقٍ يهودي‪.‬‬ ‫ولو تذكرنا أن سورة البقرة‪ -‬حسب الرسد اإلسالمي الرسمي‪ -‬نزلت يف املدينة (عند اليهود) وليس يف مكة (عند املرشكني)‬ ‫فسيتأكد لنا أن اليهود هم املقصودون منذ بداية السورة‪.‬‬ ‫أيضا‪ ،‬خاص ًة أن هناك مقابل ًة مامثل ًة بني اآلية‬ ‫وحتى يف ذكر املنافقني بأول السورة‪ ،‬فال يوجد ما مينع أنه يقصد يهو ًدا ً‬ ‫‪ ،14‬والتي تتحدث عن املنافقني املتظاهرين باإلميان‪ ،‬واآلية ‪ 76‬التي تتحدث عن اليهود بنفس األلفاظ‪ ،‬مام يرجح أن‬ ‫الحديث يف الحالني عن نفس الفئة‪.‬‬ ‫لو صح أن السورة تخاطب اليهود من أولها‪ ،‬فيمكن تأويل اتهام القرآن للخصوم بأنهم يجعلون لله أندا ًدا (رشكاء) (‪،)22‬‬ ‫أصل (‪ )28‬ميكن تأويلها بشكلٍ مشاب ٍه لتكفري القرآن لخصومه بوج ٍه عام‪ ،‬واتهامه يف موضعٍ آخر‬ ‫وبأنهم ال يؤمنون بالله ً‬ ‫ألهل الكتاب بأنهم اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله (سورة التوبة ‪ ،)31‬ومام رش َحته أحد األحاديث النبوية‬ ‫بأنهم يسمحون لرجال الدين عندهم بالتحليل والتحريم‪ ،‬فذلك هو اتخاذ األنداد‪.‬‬ ‫‪27‬‬


‫خواطر حول‬ ‫سورة البقرة‬ ‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫رش وطويل‪ ،‬يُذكّرهم بعهد‬ ‫ثالثًا‪ :‬يف اآليات التالية (‪ 40‬وما بعدها) سيتو ّجه بالخطاب املبارش إىل بني إرسائيل بشكلٍ مبا ٍ‬ ‫الله ونعمه عليهم‪ ،‬ويطالبهم باإلميان والتزام العبادات‪ ،‬ويُذكّرهم بتاريخهم الديني من كتبهم‪ ،‬ويعاتبهم عىل ظلمهم‬ ‫ويطالبهم بالتوبة وباإلميان بالنبي الجديد القادم‪.‬‬ ‫نالحظ عدة أمو ٍر يف تلك اآليات‪ ،‬فبعد‬ ‫أن يُذكّرهم بعهد الله يطالبهم باإلميان‬ ‫ُ َ ّ ً َ َ َ ُ‬ ‫مبا أنزل الله‪﴿ :‬مصدِقا‪ ‬ل ِما مع‬ ‫ك ْم﴾‬ ‫(‪ )41‬وقط ًعا يقصد التوراة ورمبا بقية‬ ‫أيضا‪.‬‬ ‫كتبهم ً‬ ‫هنا يظهر محم ٌد باعتباره مج ِّد ًدا للعهد‬ ‫ومكمل له‪ ،‬كام‬ ‫ً‬ ‫اإلرسائييل مع الله‬ ‫نالحظ أنه يربط وحيه الخاص بالكتب‬ ‫املوجودة بني أيدي اليهود خاص ًة التوراة‪،‬‬ ‫علم بأن وصف الوحي املحمدي بأنه‬ ‫ً‬ ‫جاء «مصدقًا للتوراة» سيتكرر عدة‬ ‫ات يف ٍ‬ ‫مر ٍ‬ ‫آيات تالي ٍة ‪ 89‬و‪ 91‬و‪ 97‬و‪.101‬‬ ‫َ‬

‫َ َ َ‬

‫َ َ ُ‬ ‫كونُوا‪ ‬أ َّول‪ ‬كف ٍِر‪ ‬بِهِ﴾‪ .‬هذه العبارة‬ ‫قائل‪ ..﴿ :‬ول‪ ‬ت‬ ‫وبنفس اآلية (‪ )41‬ترِد إشار ٌة أراها خطريةً‪ ،‬هي أنه يكمل العبارة ً‬ ‫تبدو شديدة الغرابة لو تذكرنا ما ت ُقدمه لنا السرية الرسمية أن محم ًدا يف األصل أُرسل إىل عرب مكة‪ ،‬فاآلية تشري إىل أن‬ ‫محم ًدا ذهب أولً إىل اليهود!‬ ‫اء ُه ْم ك َِت ٌ‬ ‫وهي ليست اآلية الوحيدة التي ميكن فهمها عىل هذا النحو‪ ،‬حيث سنقرأ الحقًا يف اآلية ‪َ ﴿ 89‬ول َ َّما َج َ‬ ‫اب ّم ِْن‬ ‫ٌ ّ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ​َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ َ ْ ُ َّ‬ ‫َّ‬ ‫َ ْ ُ َ ْ َ ْ ُ َ َ َ َّ َ َ َ ُ َ َ َّ َ َ ُ‬ ‫عِن ِد اللِ ُم َص ّدِق ل َِما َم َع ُه ْم َوكنوا مِن قبل يستفتِحون ع الِين كفروا فلما ج‬ ‫اءهم َّما ع َرفوا كف ُروا بِهِ ۚ فلع َنة اللِ‬ ‫َ​َ‬ ‫ع الْ َكف ِر َ‬ ‫ين﴾‪.‬‬ ‫ِ‬

‫الحظ «جاءهم» ‪ُ « -‬م َص ِّد ٌق ل َِّم َم َع ُه ْم» ‪َ « -‬وكَانُوا ِمن قَ ْب ُل يَ ْستَ ْف ِت ُحو َن َع َل ال َِّذي َن كَ َف ُروا»‪ ،‬وبخصوص التعبري األخري‬ ‫نبي مقاتلٍ يقودهم ويساندهم‪.‬‬ ‫فمجمل التفاسري اإلسالمية تشري إىل أن اليهود كانوا يه ّددون جريانهم العرب بظهور ٍّ‬ ‫‪28‬‬


‫خواطر حول‬ ‫سورة البقرة‬ ‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫فهل ق ّدم محم ٌد نفسه لليهود باعتباره ذلك النبي الذي سيقاتل معهم؟‬ ‫ٍ‬ ‫محمد باليهودية ومدى التشابه بني الدينني خاص ًة يف تلك املرحلة األوىل‬ ‫هذا ال يبدو مستغربًا متا ًما لو تذكرنا مدى تأثر‬ ‫من الهجرة‪ ،‬حيث كان الشعار هو التوحيد مع استلهام قصة موىس وأنبياء التناخ (الكتاب املقدس العربي)‪ ،‬بل وحسب‬ ‫ٍ‬ ‫محمد وجامعته تتجه ليس إىل كعبة مكة‪ ،‬وإمنا نحو ساحة الهيكل بالقدس‪.‬‬ ‫السرية فقد كانت صالة‬ ‫ٍ‬ ‫محمد (تعاليم يعقوب‬ ‫أجنبي يذكر اسم‬ ‫خارجي‬ ‫أيضا أدل ٌة من خارج الرسدية اإلسالمية‪ ،‬حيث أن أقدم مصد ٍر‬ ‫لدينا ً‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫محمد بعامني فقط‪ ،‬أي قبل كتابة السرية اإلسالمية بأكرث من‬ ‫‪ ،Διδασκαλία Ἰακώβου‬الذي كُتب بعد وفاة‬ ‫«نبي ظهر بني الرساسنة‬ ‫قرن)‪ ،‬يتحدث عنه باعتباره ٌ‬ ‫(العرب) يقاتل بالسيف‪ ،‬وأنه أعلن أنه جاء ليبرش‬ ‫بقدوم املسيح (اليهودي)‪.‬‬ ‫أيضا ما كتبه سيبيوس األرمني‬ ‫ومن أقدم النصوص ً‬ ‫ٍ‬ ‫سيايس‬ ‫حلف‬ ‫بالقرن السابع‪ ،‬والذي تحدث عن‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫محمد واليهود‪ ،‬وهو ما نجِده يف‬ ‫عسكري ُعقد بني‬ ‫ٍّ‬ ‫الرتاث اإلسالمي بداي ًة مبا يُسمى حلف املدينة بعد‬ ‫الهجرة مبارشةً‪ ،‬ولكن الفارق األخطر بني املصادر‬ ‫اإلسالمية وبعض املصادر املسيحية أن األخرية تتكلم‬ ‫وكأن ذلك الحلف استمر إىل ما بعد غزو فلسطني!‬

‫الرساسنة بحسب تصور نحت خشبي أملاين من القرن ‪15‬‬

‫راب ًعا‪ :‬عو ًدا للبقرة‪ ،‬نالحظ أن املتكلم يكرر األمر لليهود بالصالة والزكاة والتي يقول أنها جز ٌء من امليثاق اإللهي (اآليات‬ ‫ٍ‬ ‫محمد واليهود بأكرث مام نتصور‪.‬‬ ‫ديني بني جامعة‬ ‫‪ 43‬و‪ 45‬و‪ 83‬و‪ ،)110‬مام يوحي بتداخلٍ ٍّ‬ ‫ثم إنه يستمر يف تذكريهم بتاريخهم‪ ،‬وكأمنا يحاول إظهار علمه بأحوالهم‪ ،‬مربزًا مواطن الخيانة والظلم والكفر التي قاموا‬ ‫مستغل ذلك ملطالبتهم بالتوبة والعودة إىل اإلميان املستقيم‪.‬‬ ‫ً‬ ‫بها‪،‬‬ ‫نبي مجد ٌد داخل السياق اليهودي‪ ،‬مذك ًرا‬ ‫وال يبدو هنا أن محم ًدا يق ّدم نفسه باعتباره صاحب دينٍ جديد‪ ،‬وإمنا هو ٌّ‬ ‫بالعهد التورايت ومعتم ًدا عىل كتاب اليهود الذي يتنبأ به‪ ،‬والذي يقوم هو بالتصديق عليه‪ ،‬بل وميكن القول أنه ال ميكن‬ ‫القطع بذكر القرآن نفسه يف سورة البقرة‪.‬‬ ‫‪29‬‬


‫خواطر حول‬ ‫سورة البقرة‬ ‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫بل نالحظ أن ذكر «الكتاب» بالسورة يأيت بصيغة املفرد نحو ‪ 24‬مرةً‪ُ ،‬ويف الغالبية العظمى منها يتضح أن الحديث‬ ‫َّ َ َ ْ َ ُ‬ ‫اه ُم الْك َِت َ‬ ‫ِين أوتُوا الْك َِت َ‬ ‫تحدي ًدا عن التوراة‪ ،‬حيث يكون الحديث عن «أهل الكتاب» أو « َّال َ‬ ‫اب» أو «الِين آتين‬ ‫اب» أو‬ ‫يقول أن الله قد آىت موىس الكتاب‪ ،‬أو أن اليهود يكتمون الكتاب‪ ،‬أو أن بعضهم يتلونه حق تالوته‪...‬إلخ‪ ،‬إضاف ًة إىل مر ٍ‬ ‫ات‬ ‫ٍ‬ ‫أصل‪.‬‬ ‫مقدس ً‬ ‫كتاب‬ ‫يبدو فيها الحديث ليس عن ٍ‬ ‫كتاب (كتابني أو كتب)‪،‬‬ ‫وال يوجد ذك ٌر أب ًدا ألكرث من ٍ‬ ‫رصيح يؤكد لنا أن الحديث عن‬ ‫نص‬ ‫كام ال يوجد ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫وحي‬ ‫القرآن‪ ،‬رمبا باستثناء اآلية ‪ 4‬التي تتحدث عن ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫محمد إىل جوار الوحي الذي أُنزل من‬ ‫أُنزل عىل‬ ‫قبله‪ ،‬وأما اآلية األوىل (بعد األحرف) التي تتحدث‬ ‫عن الكتاب الذي ال ريب فيه‪ ،‬فيصعب تحديد إن‬ ‫كان املقصود هو القرآن أم الكتاب اآلخر الغالب‬ ‫عىل السورة‪ :‬التوراة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫بكتاب جديد‪ ،‬بقدر ما كان إظهار معاين‬ ‫محمد الرئييس مل يكن اإلتيان‬ ‫بل من سياق بعض اآليات ميكن القول أن دور‬ ‫ٍ‬ ‫الكتاب األصيل (التوراة) ورشح معانيها للناس‪.‬‬ ‫حيث الحقًا سنجد أن إبراهيم يدعو الله أن يرسل يف ذريته رسولً «يعلمهم الكتاب» (‪ ،129‬ويتكرر التعبري يف ‪،)151‬‬ ‫ويف موضعٍ آخر نجد القرآن يعاتب الذين يكتمون الكتاب (‪ )174‬ويدين الذين يختلفون يف الكتاب (‪ )176‬وال يُعقل‬ ‫أنه يتحدث عن القرآن‪ ،‬بل ميكن التخمني هنا أن «ما أُنزل عىل محمد» ليس سوى ترجم ٍة للتوراة أو بيانٍ ملا خفي من‬ ‫نصها أو من معانيها‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ملحات مثري ًة عن الجداالت الدينية‬ ‫ويبدو أن التوراة كانت محور اهتامم جامعة محمد‪ ،‬حيث نقرأ يف اآليات ‪ 75‬حتى ‪79‬‬ ‫بني املؤمنني واليهود‪ ،‬حيث يتهم القرآن اليهود بأنهم يحرفون كالم الله‪ ،‬ويخفونه عن املؤمنني متظاهرين باإلميان‪ ،‬ومن‬ ‫ثم يشري إىل أن بعض اليهود أميون ال يعلمون الكتاب «إال أماين» (تالو ًة شفهي ًة)‪ ،‬ثم يهدد الذين يكتبون الكتاب بأيديهم‬ ‫ثم ينسبونه لله ليتكسبوا منه املال‪.‬‬ ‫فام القصة هنا؟ ما الذي يجعل املؤمنني‪ ،‬أصحاب محمد ‪ -‬وهو منبع الوحي وخاتم األنبياء‪ -‬أن يرتكوا الكتاب املهيمن‬ ‫نصوصا من التوراة من عند اليهود‪ ،‬إىل درجة استعدادهم ملنح املال من أجلها؟‬ ‫الذي بني أيديهم ويتسولوا‬ ‫ً‬ ‫‪30‬‬


‫خواطر حول‬ ‫سورة البقرة‬ ‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫هنا يبدو أننا أمام جامعتني متداخلتني دين ًيا‪ :‬األوىل متبوعة‪ ،‬هم «أهل الكتاب» اإلرسائيليون‪ ،‬أصحاب الرسالة التوحيدية‬ ‫كتاب وإمنا يستلهمون الدين والنصوص‬ ‫األصلية والعارفون بالدين والتدوين‪ ،‬والثانية أتباع‪ ،‬هم «األميون» الذين ليس لهم ٌ‬ ‫شفاه ًة من جريانهم‪ ،‬وينافسونهم يف تعلم الكتاب املشرتك بينهم ومحاولة تفسريه‪.‬‬ ‫علم ودي ًنا ‪ -‬بني األميني وأهل الكتاب‪ -‬يربز أحد األميني محا ًوال بذل جهده يف أن يحظى‬ ‫يف ظل تلك العالقة غري املتكافئة ً‬ ‫باعرتاف أهل الكتاب بنبوته‪ ،‬مقابل ٍ‬ ‫فضلهم عىل العاملني (اآلية‬ ‫وعد بأن ينرصهم كام كانوا يتمنون‪ ،‬فيعرتف لهم بأن الله ّ‬ ‫‪ ،)47‬ولكنه بنفس الوقت يتمرد عىل نظرتهم العنرصية الضيقة‪ ،‬حيث يُذكرهم بخطاياهم ويؤكد لهم أن الجنة ليست‬ ‫وأيضا ‪ ،)111-112‬وإمنا الجنة لكل من يؤمن ويعمل صال ًحا‪ ،‬كام نقرأ يف اآلية‬ ‫رصا (كام نقرأ يف اآليات ‪ً ،82 - 80‬‬ ‫لهم ح ً‬ ‫‪ 62‬أن كل من آمن بالله واليوم اآلخر فال ٌ‬ ‫خوف عليهم‪...‬‬ ‫خامسا‪ :‬ويتضح هنا التامزج بني الديني والسيايس‪ ،‬وهو أحد األمور املشرتكة واملميزة للديانة اليهودية ولإلسالم الحقًا‪،‬‬ ‫ً‬ ‫حيث نسمع حديثًا مشوقًا من اآلية ‪ :84‬يُذكّر القرآن اليهود بأن امليثاق بني الله وبني إرسائيل يتضمن أن يتوقفوا عن‬ ‫سفك دمائهم وإخراج بعضهم البعض من ديارهم‪ ،‬ثم يف اآليتني التاليتني (‪ 85‬و‪ )86‬يقرعهم بسبب مخالفتهم لذلك‬ ‫فريق منهم ضد اآلخر‪ ،‬فيطردونهم ويتخذون منهم‬ ‫العهد حيث أنهم يقاتلون ويه ّجرون بعضهم البعض‪ ،‬حيث يتظاهر ٌ‬ ‫أرسى‪.‬‬ ‫مظلوم ضد اآلخر الظامل‪،‬‬ ‫فريق‬ ‫املعنى واضح‪ :‬القرآن يتحدث عن ٍ‬ ‫حرب داخلي ٍة بني اليهود وبعضهم‪ ،‬ونجده يتعاطف مع ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ويطالبهم بنبذ تلك الحرب‪.‬‬ ‫ولو انتقلنا إىل اآلية ‪ ،89‬والتي تتحدث‬ ‫لنبي يقاتل معهم ضد‬ ‫عن انتظار اليهود ٍّ‬ ‫الكفار‪ ،‬فسنجد املعنى أكرث وضو ًحا‪:‬‬ ‫محم ٌد يطالب اليهود بالتحالف معه‬ ‫والقتال ضد الكفار‪ ،‬ويؤكد بأن الكتاب‬ ‫الذي بيده جاء إليهم‪ ،‬ومصدقًا ملا‬ ‫معهم‪.‬‬ ‫ويف اآليتني ‪ 95 - 94‬نجده يعاتب اليهود عىل متسكهم بالحياة الدنيا‪ ،‬ولو ربطنا تلك اإلشارة باآليات السابقة التي تتحدث‬ ‫عن نكوص بعض اليهود عن ات ّباع النبي املقاتل الذي كانوا يستفتحون به ضد الكفار‪ ،‬رغم تعرضهم لألرس والتهجري من‬ ‫ٍ‬ ‫محمد تحريض فئ ٍة مضطهد ٍة من اليهود ليك يؤمنوا به ويتّبعوه‪.‬‬ ‫خصومهم‪ ،‬فقد يرسم لنا ذلك صور ًة عن محاولة‬ ‫‪31‬‬


‫خواطر حول‬ ‫سورة البقرة‬ ‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫سادسا‪ :‬بداي ًة من اآلية ‪ 111‬نجد دخول النصارى عىل ساحة السورة‪ ،‬وذلك لو استثنينا ذكرهم العابر يف اآلية ‪ 62‬التي‬ ‫ً‬ ‫تجعل الجنة لكل من آمن بالله واليوم اآلخر‪.‬‬ ‫ديني متباد ٍل بني اليهود والنصارى‪ ،‬وبعدها يندد‬ ‫أما اآليات ‪ 117-113‬فهي تحيك لنا سيناريو مشوقًا آخر‪ :‬يبدأ بتكفريٍ ٍّ‬ ‫القرآن بظلم جه ٍة ما قامت مبنع الناس من الصالة يف مساجد الله‪ ،‬بل وسعوا يف تخريب تلك املساجد‪.‬‬ ‫تلك اآلية قد يتم تفسريها يف سياق القصة الرسمية‪ ،‬أن املقصود هو طرد املهاجرين من مكة‪ ،‬ولكن الحقيقة أن السياق‬ ‫يهودي نرصا ٍّين بحت‪.‬‬ ‫قبلها وبعدها يتحدث عن رصا ٍع‬ ‫ٍ‬ ‫التسلسل مهم‪ :‬فبعد التكفري والطرد والتخريب نجد اآلية التالية (‪ )115‬تخاطب الناس قائل ًة أن لله املرشق واملغرب‬ ‫فيمكنكم أن تولوا وجوهكم أينام شئتم‪.‬‬ ‫ثم اآليتان التاليتان (‪ )117-116‬تنددان عىل ما يبدو بالعقيدة املسيحية وأنهم جعلوا لله ول ًدا‪...‬‬ ‫ٍ‬ ‫جامعات من اليهود من مساجد الله‪ ،‬وتخريب قبلتهم التي‬ ‫يبدو يل هنا أن الحديث يدور حول قيام مسيحيني بطرد‬ ‫كانوا يصلّون إليها‪ ،‬فيدين القرآن هذا الرصاع ويعلن إمكانية الصالة إىل أي قبل ٍة أخرى‪ .‬فهل حدث ذلك يف بيئة محمد؟‬ ‫قليل عن تاريخ تلك الفرتة لن يجد صعوب ًة يف إيجاد املرشح املثايل لتلك األحداث‪:‬‬ ‫من يعرف ً‬

‫هدم مرشوع املعبد اليهودي الثالث بالقدس‪.‬‬ ‫لنتذكر القصة‪ :‬نعرف أن الرومان قاموا بهدم املعبد‬ ‫اليهودي بالقرن األول للميالد‪ ،‬ومنذ حينها واليهود‬ ‫تبيك قلوبهم حزنًا وشوقًا للعودة مر ًة أخرى إىل‬ ‫حكم القدس وإعادة بناء الهيكل السليامين‪ ،‬مام‬ ‫يرتبط مبجيء املسيح املنتظر الذي سيقاتل أعداء‬ ‫ظلم وجو ًرا‪،‬‬ ‫اليهود وميأل األرض عدلً بعد أن ُملئت ً‬ ‫كام نعلم أن ذلك الحلم تبلور عدة مر ٍ‬ ‫ات يف شكل‬ ‫حروب وثور ٍ‬ ‫ات بني اليهود والرومان‪ ،‬نتج عنها حظر‬ ‫ٍ‬ ‫اليهود من دخول مدينتهم املقدسة‪.‬‬ ‫‪32‬‬


‫خواطر حول‬ ‫سورة البقرة‬ ‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫جديد يساعدهم عىل استعادة مدينتهم وهيكلهم وحلمهم‪.‬‬ ‫حليف‬ ‫ومل ييأس شعب الله من إيجاد‬ ‫يف أوائل القرن السابع‪ ،‬يف نفس عام بدء‬ ‫الدعوة املحمدية حسب التاريخ الرسمي‬ ‫(‪ 610‬للميالد) نجح خصوم بيزنطة‬ ‫األقوياء ‪ -‬الفرس الساسانيون‪ -‬يف غزو‬ ‫املنطقة ودخلوا فلسطني عام ‪ ،614‬تلك‬ ‫الواقعة التي سجلها القرآن يف أول سورة‬ ‫الروم‪ ،‬يف شكل نبوءة‪.‬‬ ‫وكانت بني صفوف الفرس جامعاتٌ يهودي ٌة مقاتلة‪ ،‬رسعان ما بدأوا يف إعادة إحياء طقوس الذبح واألضاحي‪ ،‬ورشعوا يف‬ ‫بناء هيكلهم من جديد‪.‬‬ ‫ولكن التبدالت السياسية الرسيعة مل متهلهم‪ ،‬فبعد شهو ٍر قليل ٍة ت ّم ترك العنان للسكان املسيحيني الذين انتفضوا ٍ‬ ‫بعنف‬ ‫ذابحني اآلالف من اليهود‪ ،‬وهادمني الهيكل اليهودي نصف املش ّيد‪ ،‬ومحولني الساحة إىل مزبل ٍة للقاممة‪ ،‬والحقًا قام‬ ‫ٍ‬ ‫سنوات بانسحاب الفرس وعودة املنطقة إىل حكم‬ ‫الفرس مبذبح ٍة مضاد ٍة للمسيحيني‪ ،‬وسينتهي السجال بعد نحو عرش‬ ‫بيزنطة مبعاهدة سالم‪.‬‬ ‫هذه األحداث ‪ -‬عن هزمية اليهود وهدم معبدهم‪ -‬سيسجلها القرآن مر ًة ثالث ًة يف أول سورة اإلرساء‪ ،‬حني يتحدث ‪ -‬يف‬ ‫شكل نبوءة‪ -‬عن هزمية اليهود أمام العباد أويل البأس الشديد (الرومان) والذين سيدخلون املسجد كام دخلوه أول مرة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫محمد الستاملة اليهود والحصول عىل اعرتافهم بنبوته‪ ،‬مع‬ ‫ساب ًعا‪ :‬لرناجع الوضع إذن‪ :‬لدينا محاول ٌة (فاشل ٌة) من ِقبل‬ ‫وجذب بني الجامعتني‪ ،‬ثم لدينا رصاعاتٌ إقليمي ٌة بني اليهود واملسيحيني نتجت عنها هزمي ٌة ساحق ٌة لليهود‪ ،‬وهد ٌم‬ ‫ش ٍّد‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫محمد تصيل إليه‪.‬‬ ‫للمعبد اليهودي الذي كانت جامعة‬ ‫وهنا ‪ -‬يف منتصف السورة‪ ،‬منذ نحو اآلية ‪ 120‬التي تؤكد أنه لن ترىض عنك اليهود وال النصارى حتى تتّبع ملتهم ‪-‬‬ ‫ٍ‬ ‫محمد وجامعته‪ :‬من التبعية لليهود إىل االستقالل الديني والسيايس‪.‬‬ ‫سيحدث التحول الكبري يف توجه‬ ‫سيرب ُز ‪ -‬ألول مرة‪ -‬اسم األب املشرتك لليهود والعرب‪ :‬إبراهيم‪ ،‬وسيصبح من اآلن هو بطل املرحلة‪ ،‬وسيرتاجع ذكر البطل‬ ‫اليهودي موىس‪.‬‬ ‫‪33‬‬


‫خواطر حول‬ ‫سورة البقرة‬ ‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫فبينام امتأل ذكر الجزء األول مبوىس (نحو عرش مرات)‪ ،‬ومل نجد ِذك ًرا واح ًدا إلبراهيم قبل اآلية ‪ ،124‬إذا بإبراهيم ميأل‬ ‫السورة ويظهر اسمه يف اآليات ‪ 124‬و‪ 125‬و‪ 126‬و‪ 127‬و‪ 130‬و‪ 132‬و‪ 133‬و و‪ 135‬و‪ 136‬و‪ 140‬وغريها‪.‬‬ ‫سنكتشف اآلن ألول مر ٍة أن اإلمامة والعهد إلبراهيم وذريته عمو ًما‪ ،‬وألول مر ٍة سيأيت الحديث عن «البيت» الذي بناه‬ ‫إبراهيم وإسامعيل (أبو العرب) وط ّهراه من األصنام‪ ،‬والذي دعا إبراهيم ربه أن يرزق أهله بالخري ويرسل فيهم نب ًيا‪.‬‬ ‫ونالحظ عالم ًة أخرى مميز ًة للسورة فيام يخص الكتابة‪ ،‬إذ نعرف أن االسم التورايت إلبراهيم هو إبراهام‪ ،‬فام الذي قلب‬ ‫الياء ألفًا بالعربية؟‬ ‫سورة البقرة تجيب‪ :‬فاسم إبراهيم يُكتب هنا بصيغ ٍة خاص ٍة ال نجدها يف سائر القرآن‪ ،‬بدون ياء‪ ،‬إذ ت ُنطق وال ت ُكتب‪.‬‬ ‫فعل‪ ،‬لكن ألن ألف املد ال‬ ‫أيضا‪ ،‬فهذا قد يعني أن االسم رمبا كان إبراهام ً‬ ‫ولو تذكّرنا أن النربة بالقرآن قد ت ُنطق ألِفًا ً‬ ‫تُكتب فقد أخطأ البعض وحسبوه ياء‪ ،‬وهكذا أُضيفت الياء الحقًا يف السور املتأخرة‪.‬‬ ‫ مع مالحظة أن إحدى القراءات (ابن ذكوان عن ابن عامر) تقرأ االسم‪:‬‬‫إبراهام‪ ،‬كام قيل أن أهل الشام كانوا يقرأونها كذلك باأللف‪ ،‬ثم تغريت‬ ‫تدريجيًا إىل الياء‪.‬‬ ‫دليل آخر عىل ِقدم السورة وأنها أكرث ارتباطًا بالجذر‬ ‫هذا ميكن اعتباره ً‬ ‫العربي الذي خرج منه اإلسالم‪.‬‬ ‫أما بعد‪ ،‬فلم يعد محم ٌد نبيًا لليهود إذن وإمنا للعرب‪ ،‬وصارت الجامعة مستقل ًة عن الجامعتني السابقتني‪ ،‬كام ترصح‬ ‫َ َ ُ ْ ُ ُ ْ ُ ً َ ْ َ َ َ َ ْ َ ُ ْ ُ ْ َ ْ َّ َ ْ َ َ َ ً َ َ َ َ َ ْ ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫شك ِني﴾ واآلية ‪140‬‬ ‫اآلية ‪﴿ :135‬وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا قل بل م َِلة إِبراهِيم حن ِيفا َ وما كن مِن ال َم َ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ ُ ُ َ َّ ْ َ َ ْ َ َ ْ َ َ َ َ ْ ُ َ َ ْ َ َ َ ُ ْ ُ ً ْ َ َ َ ُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ ِ َّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫﴿أم تقولون إِن إِبراهِيم ِإَوسماعِيل ِإَوسحاق ويعقوب واألسباط كنوا هودا أو نصارى قل أأنتم أعلم أم الل﴾؟‬ ‫وجاءت الخطوة الطبيعية التالية‪ :‬تحويل القبلة (اآليات ‪.)150 – 142‬‬ ‫مل تعد تجدي الصالة إىل ٍ‬ ‫أصل‪ ،‬طاملا لدينا بيت العرب املنسوب إلبراهيم‪،‬‬ ‫متهدم يقدسه أولئك املعاندون املزعجون ً‬ ‫بيت‬ ‫ٍ‬ ‫الذي يجب إعادة إحياء ملّته‪ :‬الحنيفية‪.‬‬ ‫ولن ينتهي الجدل مع اليهود ومع املرشكني ومع املنافقني‪ ،‬ولكنه سيتخذ أرضي ًة جديد ًة مختلف ًة‪ ،‬هي عقيد ٌة إبراهيمية‪،‬‬ ‫وعربية‪ ،‬مستقلة‪ ...‬وسيولد اإلسالم من رحم اليهودية‪.‬‬ ‫‪34‬‬


‫ﻣﺠﻠﺲ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ‬ ‫اﻟﺴﺎﺑﻘﯿﻦ ﻓﯽ ﺑﺮﯾﻄﺎﻧﯿﺎ‬

‫‪Council of Ex-Muslims of Britain‬‬ ‫‪www.ex-muslim.org.uk‬‬

‫ﻧﺤ‬

‫ﻦﻣ‬ ‫ﺴ‬ ‫ﻠ‬ ‫ﻤ‬ ‫ﻮ‬ ‫نﻧ‬

‫ﺒﺬ‬

‫ﻧﺎ دﻳﻨﻨﺎ‬

‫ﺑﱰﻛﻨﺎ اﻹﺳﻼم ﻧﻜﴪ ﻣﺤ ّﺮﻣﺎﺗﻪ‪ ،‬ﻟﻜﻨﻨﺎ ﰲ ذات اﻟﻮﻗﺖ ﻧﻌﻤﻞ ﻋﲆ ﺗﺪﻋﻴﻢ اﻟﻌﻘﻼﻧﻴﺔ واﻟﺤﻘﻮق واﻟﻘﻴﻢ اﻟﻌﺎﳌﻴﺔ‬ ‫واﻟﻌﻠﻧﻧﻴﺔ‪ .‬وﰲ ﻧﺸﺎﻃﻨﺎ ﻧﻄﺎﻟﺐ ﺎﺎ ﻳﲇ‪:‬‬ ‫ﺑﺎﻟﺤﻘﻮق اﻟﻌﺎﳌﻴﺔ واﻟﺘﺴﺎوي ﰲ اﳌﻮاﻃﻨﺔ ﺑ اﻟﺠﻤﻴﻊ‪.‬‬ ‫ﺑﺎﻟﺤﺮﻳﺔ ﰲ ﻧﻘﺪ اﻟﺪﻳﻦ‪.‬‬ ‫ﺑﺎﻟﺤﺮﻳﺔ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ واﻹﻟﺤﺎد‪.‬‬ ‫ﻓﺼﻞ اﻟﺪﻳﻦ ﻋﻦ اﻟﺪوﻟﺔ واﻟﻨﻈﺎﻣ‪ ،،‬اﻟﻘﺎﻧﻮ واﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻲ‬ ‫ﺣﻈﺮ اﳌررﺳﺎت واﻟﻌﺎدات واﻟﻘﻮاﻋﺪ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺘﻬﻚ ﺣﻘﻮق اﻟﻨﺎس وﺗﻀﻴﻖ ﻋﲆ ﺣ ّﺮﻳﺎﺗﻬﻢ‪.‬‬ ‫إزاﻟﺔ ﻛﻞ اﻟﻌﺎدات اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻀﻄﻬﺪ اﳌﺮأة وﺗﻨﺘﻘﺺ ﻣﻦ ﺣﻘﻮﻗﻬﺎ واﺳﺘﻘﻼﻟﻬﺎ‪ ،‬وﺣﻈﺮ ﻓﺼﻞ اﻟﺠﻨﺴ‪..‬‬ ‫ﺣﻈﺮ اﻟﺘﺪﺧﻞ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ أﻳﺔ ﺳﻠﻄﺔ ﻋﺎﺋﻠﻴﺔ أو رﺳﻤﻴﺔ ﰲ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ واﻟﻌﺎﻃﻔﻴﺔ واﻟﺠﻨﺴﻴﺔ ﻟﻠﻨﺎس‪.‬‬ ‫ﺣﻳﻳﺔ اﻷﻃﻔﺎل ﻣﻦ اﻟﺘﻼﻋﺐ ﺑﻬﻢ واﻹﺳﺎءة إﻟﻴﻬﻢ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ اﻟﺪﻳﻦ واﳌﺆﺳﺴﺎت اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ‪.‬‬ ‫ﺣﻈﺮ اﻟﺪﻋﻢ اﻟﺮﺳﻤﻲ ﻟﻠﺪﻳﻦ ﺳﻮاء اﳌﺎدي أو اﳌﻌﻨﻮي‪.‬‬ ‫ﺣﻈﺮ ﺟﻤﻴﻊ أﻧﻮاع اﻟﺘﺨﻮﻳﻒ واﻟﺘﻬﺪﻳﺪ اﻟﺪﻳﻨﻲ‪.‬‬ ‫‪35‬‬


‫إبليس َيشكُو مأساتَه‬ ‫و ُيدافع عن ن ِ‬ ‫َفسه‬

‫مصطفى ح ّجي‬

‫قصتي باختصار‪:‬‬ ‫نعم‪ ،‬أنا هو الشيطان إبليس‪ ،‬وإليكم ّ‬ ‫أنا أ ّول َمن حيك َْت له الكامئن ‪,‬أنا أ ّول َمن رفض السجود لغري الله‪..‬‬ ‫ما كنت ألسجد لبرش‪ ،‬فكيف أو ّحد الله ثم ألتفت بالسجود إىل غريه؟!‬ ‫رشا مخلوقًا ِمن ط ٍني بالسجود له‪.‬‬ ‫حق قدره فرفض أن يُ ِ‬ ‫أنا أول َمن أعطى الله ّ‬ ‫رشك معه ب ً‬

‫‪36‬‬


‫إبليس يَشكُو مأساتَه‬ ‫و ُيدافع عن ن ِ‬ ‫َفسه‬ ‫مصطفى ح ّجي‬

‫ورفضت أن أُساوي بينه وبني‬ ‫حق طاعته‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫إين لَم أخالف أمر الله‪ ،‬بل أطعته ّ‬ ‫آدم‪ ،‬وهل يستوي الخالق واملخلوق؟!‬ ‫وكيف كافأين الله؟‬ ‫كافأين بأن وعدين بالخلود يف الجحيم‪ ،‬وأشاع عني أين مصدر الرش‪ ،‬وسلّطني‬ ‫عىل البرش إلغوائهم ال إلراديت أنا‪ ،‬بل ٍ‬ ‫لهدف يريده هو‪.‬‬ ‫لست أريده أنا بعدما كنت س ّيد املالئكة‪ ،‬فأصبحت يف لحظ ٍة‬ ‫سيين ملصريٍ ُ‬ ‫ّ‬ ‫واحد ٍة قائ ًدا للشياطني‪.‬‬ ‫كيف هذا؟‬ ‫وضح لكم بأين مؤم ٌن أن الله تعاىل إلهي وإله الخلق‬ ‫يل أن أُ ِّ‬ ‫قبل كل يش ٍء ع ّ‬ ‫عم يفعل وعن قدرته ومشيئته‪ ،‬وأي يش ٍء‬ ‫أجمعني‪ ،‬عاملٌ قاد ٌر حكيم‪ ،‬وال يُسأل ّ‬ ‫أراد اكتفى بالقول له‪« :‬كُ ْن فَ َيكُونُ»‪ ،‬وهو الحكيم العليم‪.‬‬ ‫يل أن أذكر لكم قصتي كام وردت يف بعض آيات القرآن‪ ،‬ثم أبدأ‬ ‫بداي ًة َوجب ع ّ‬ ‫برسد مأسايت لكم وأعرض لكم وجهة نظري ودفاعي عن نفيس‪.‬‬ ‫ورد يف سورة البقرة‪:‬‬

‫َْ‬ ‫َ ْ َ َ ّ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫ٌ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ِيها َمنْ‬ ‫ِيف ًة قَالُوا َأ َتْ َع ُل ف َ‬ ‫﴿ِإَوذ قال َر ُّبك ل ِل َملئِكةِ إ ِ ِن َجاعِل ِف الر ِض خل‬ ‫َ َ َ َ ّ َ َْ‬ ‫ُْ ُ َ َ​َْ ُ ّ َ َ َْ ُ‬ ‫َُ‬ ‫دلم‬ ‫اء َون ُن ن َس ّب ِ ُح ِبَ ْمد َِك َونق ّ ِد ُس لك قال إ ِ ِن أعل ُم َما‬ ‫يفسِد فِيها ويسفِك ا ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َّ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫آد َم ال ْس َم َ‬ ‫ون‬ ‫اء ك َها ث َّم َع َرض ُه ْم‬ ‫ل ت ْعل ُمون ‪ ٪‬وعلم‬ ‫ع الم ْلئِكةِ َّفقال أنبِئ ِ‬ ‫َ ُ ُ ْ َ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫بأَ ْس َماءِ َه ُؤ َلءِ إ ْن ُكنْ ُت ْم َصادِق َ‬ ‫ِني ‪ ٪‬قالوا سب‬ ‫حانك ل عِل َم لَا إِل َما َعل ْم َت َنا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ َ َ ْ َ ْ َ ُ ْ َ ُ َ َ َ َ‬ ‫آد ُم َأنْبئْ ُه ْم بأَ ْس َمائه ْم فَلَ َّما َأنْ َبأَ ُه ْم بأَ ْس َمائهمْ‬ ‫إِنك أنت العل ِيم الكِيم ‪ ٪‬قال يا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ​ِ‬ ‫ِ َْ ِ​ِ‬ ‫َ​َ ْ َ ُ َ ُُْ َ‬ ‫َ َ َ​َْ َُْ َ ُ‬ ‫ون َوماَ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ك ْم إ ّن أَ ْعلَ ُم َغيْب الس َم َ‬ ‫قال ألم أقل ل‬ ‫ات َوالر ِض وأعلم ما تبد‬ ‫او ِ‬ ‫ِ​ِ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ُْ ْ َ ْ ُ ُ َ‬ ‫ون ‪ِ ٪‬إَوذ قل َنا ل ِل َملئكةِ ْ‬ ‫ج ُدوا ِل َد َم ف َس َ‬ ‫اس ُ‬ ‫ج ُدوا إل إبْل َ‬ ‫ِيس‬ ‫كنتم تكتم‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ​َ َ َْ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ ْ َ َ َ ُ ْ ُ ْ َ ْ َ َ َ ْ ُ َ ْ َ َّ َ‬ ‫َ‬ ‫كَ​َ‬ ‫ب َوكن م َِن الكف ِر َ‬ ‫ين ‪ ٪‬وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك النة‬ ‫أب واست‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َ َ َ َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َُ ْ‬ ‫الظالِم َ‬ ‫ني ‪٪‬‬ ‫َوك مِن َها َرغ ًدا َحيْث شِئ ُت َما َول تق َر َبا ه ِذه ِ الشجرة فتكونا مِن‬ ‫ِ‬ ‫َ َ َّ‬ ‫َّ‬ ‫ُْ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ َ ْ َ​َ ْ‬ ‫ْ ُ ُ‬ ‫فأ َزل ُه َما الشيْ َطان عن َها فأخ َر َج ُه َما م َِّما كنا فِيهِ َوقل َنا اهب ِ ُطوا َبعضك ْم لِ َ ْع ٍض‬ ‫َْ‬ ‫ُ ْ َ َ ٌّ َ َ َ ٌ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ُ ٌّ َ َ ُ ْ‬ ‫ِني﴾‪( .‬البقرة‪.)36-30 :‬‬ ‫عدو ولكم ِف الر ِض مستقر ومتاع إِل ح ٍ‬

‫‪37‬‬


‫إبليس يَشكُو مأساتَه‬ ‫و ُيدافع عن ن ِ‬ ‫َفسه‬ ‫مصطفى ح ّجي‬

‫كام جاء يف سورة الحجر‪:‬‬

‫َ​َ َ‬ ‫ْ َ َ َ ُّ َ ْ َ َ َ‬ ‫َ َ َ َّ ْ ُ ُ َ َ َ ْ‬ ‫شا م ِْن َصلْ َصال م ِْن َ َ‬ ‫حإ َم ْس ُ‬ ‫خ ُ‬ ‫كةِ إ ّن َخال ٌِق ب َ َ ً‬ ‫ت فِيهِ م ِْن ُر ِ‬ ‫وح فق ُعوا ُل‬ ‫ون ‪ ٪‬فإِذا سويته ونف‬ ‫ن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫﴿ِإَوذ قال ربك ل ِلملئ ِ‬ ‫َ ٍ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ ْ ُ َ َ َ َ َّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ج َد ال ْ َملئكة ك ُه ْم أ َ‬ ‫ِين ‪ ٪‬فَ َس َ‬ ‫كون َم َع َّ‬ ‫الساجد َ‬ ‫َساجد َ‬ ‫ِيس أب أن ي‬ ‫ج ُعون ‪ ٪‬إِل إِبل‬ ‫ِين ‪ ٪‬قال يا إِبل ِيس ما لك أل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ ْ ُ ْ ْ َ َ َّ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ ْ َ َ‬ ‫ج َد ل ِبَ‬ ‫ِين ‪ ٪‬قال ل ْم أك ْن ِلس ُ‬ ‫كون َم َع َّ‬ ‫ْ‬ ‫الساجد َ‬ ‫ت‬ ‫ون ‪ ٪‬قال فاخرج مِنها فإِنك‬ ‫ِ‬ ‫ش خلقته مِن صلص ٍ‬ ‫ال مِن ح ٍإ مسن ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ َ َ ْ َ‬ ‫َ َ ّ َ ْ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ َ َّ َ‬ ‫ك م َِن ال ُمنْ َظر َ‬ ‫َرج ٌ‬ ‫ب فأن ِظ ْر ِن إِل يَ ْو ِم ُيبْ َعثون ‪ ٪‬قال فإِن‬ ‫ين ‪ ٪‬قال ر‬ ‫دل‬ ‫ت‬ ‫يم ‪ِ ٪‬إَون عليْك اللع َنة إِل يَ ْو ِم ا ّ ِ‬ ‫ين ‪ ٪‬إِل يَ ْو ِم ال َوق ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ َ َ ّ َ َ ْ َ ْ َ َ ُ َ ّ َ َّ َ‬ ‫َْ ْ ُ‬ ‫ْ َ ْ َ َ ُ ْ َ َّ ُ ْ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫المعل ِوم ‪ ٪‬قال ر ِب بِما أغويت ِن لزي ِن لهم ِف الر ِض ولغوِينهم أجعِني﴾‪( .‬الحجر‪.)39-28 :‬‬

‫أيضا يف سورة األعراف‪:‬‬ ‫ً‬

‫َ َ‬ ‫َ َ َ ْ َ َ ْ َ ُ ْ ُ َّ َ َّ ْ َ ُ ْ ُ َّ ُ ْ َ ْ َ َ َ‬ ‫َ َ َ َ َ ُ َّ ْ َ َ ْ َ ُ‬ ‫كةِ ْ‬ ‫اس ُ‬ ‫ك ْن م َِن َّ‬ ‫الساجد َ‬ ‫ج ُدوا ِلدم فسجدوا إِل إِبل ِيس لم ي‬ ‫ِين ‪ ٪‬قال‬ ‫ِ‬ ‫﴿ولقد خ َلقناكم ثم َصورناكم َثم قلنا ل ِلملئ ِ‬ ‫َ َ َ ْ ْ ْ َ َ َ َ ُ ُ َ َ َْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َ َ َّ َ ْ ُ َ ْ َ ْ ُ َ‬ ‫ي مِنْ ُه َخل ْق َتن م ِْن نَار َو َخل ْق َت ُه م ْ‬ ‫ك قَ َال أنَا َخ ْ ٌ‬ ‫ِني ‪ ٪‬قال فاهبِط مِنها فما يكون لك أن‬ ‫ط‬ ‫ِن‬ ‫ما منعك أل تسجد إِذ أمرت‬ ‫ٍ‬ ‫َ ِ َ ٍ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َِْ ُ َُْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َّ َ َ َ ْ ُ ْ َّ َ‬ ‫َ َّ َ‬ ‫ك م َِن َّ‬ ‫ين ‪ ٪‬قَال أن ْ ِظ ْ‬ ‫الصاغِر َ‬ ‫ك م َِن ال ُمنْ َظر َ‬ ‫تتكب فِيها فاخرج إِن‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫ال‬ ‫ق‬ ‫‪٪‬‬ ‫ون‬ ‫ث‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫ن‬ ‫ر‬ ‫ين ‪ ٪‬قال فب ِ َما أغ َويْت ِن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ ْ ُ َ َّ َ ُ ْ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫لقعدن لهم ِصاطك المستقِيم﴾‪( .‬األعراف‪.)16-11 :‬‬

‫تبدو قصتي كام وردت يف هذه اآليات‬ ‫بسيط ًة يف ظاهرها‪ ،‬لقد أمرين الله أن أخ َّر‬ ‫ساج ًدا آلدم فرفضت‪ ،‬غري أنه لو أردتم‬ ‫أن تتجاوزوا هذه النظرة السطحية إىل‬ ‫مشكلتي مع الله وآدم لرجعتم إىل فكر ٍة‬ ‫هامة (قال بها بعض علامء املسلمني) وهي‬ ‫التمييز بني األمر اإللهي وبني املشيئة أو‬ ‫اإلرادة اإللهية‪ ،‬فاألمر بطبيعة الحال إما‬ ‫أن يُطاع وينفَّذ وإما أن يُعىص‪ ،‬وللأممور‬ ‫الخيار يف ذلك‪ .‬أما املشيئة اإللهية فال‬ ‫تنطبق عليها مثل هذه االعتبارات ألنّها‬ ‫بطبيعتها ال ت ُرد‪ ،‬وكل ما تتعلق به املشيئة‬ ‫اإللهية واق ٌع بالرضورة‪.‬‬ ‫لوقعت‬ ‫أي أنه باستطاعتكم القول بأن الله أمرين بالسجود آلدم ولكنه شاء يل أن أعيص أمره‪ ،‬ولو شاء الله يل أن أسجد‬ ‫ُ‬ ‫ساج ًدا عىل الفور‪ ،‬إذ ال حول يل وال ق ّوة عىل رد املشيئة اإللهية‪.‬‬ ‫‪38‬‬


‫إبليس يَشكُو مأساتَه‬ ‫و ُيدافع عن ن ِ‬ ‫َفسه‬ ‫مصطفى ح ّجي‬

‫عندما تعيدون النظر يف اآليات القرآنية التي ذكرت ُها يف البداية سيتبني لكم أن الله أراد للمالئكة «أن يسبحوا‬ ‫بحمده ويقدسوا له»‪ ،‬ويقول الطربي يف تفسريه إن «التسبيح والتقديس» هام توحيد الله وتنزيهه وتربئته مام‬ ‫يضيفه إليه أهل الرشك به‪ .‬أي بعبار ٍة أُخرى يُشكِّل التوحيد واجب املالئكة األول واملطلق نحو خالقهم‪ ،‬ولذلك‬ ‫نراهم منغمسني يف أدائه بكل كيانهم ووجودهم‪ ،‬أما بقية الواجبات املفروضة عىل املأل األعىل فتُعترب عرضي ًة‬ ‫وثانوي ًة بالنسبة للواجب املطلق الذي ينبع من املشيئة اإللهية نفسها‪.‬‬ ‫نت الفارق بني الواجب املطلق نحو مشيئة الله‬ ‫بعد أن ب ّي ُ‬ ‫وبني واجبات الطاعة الجزئية ألوامر الله بإمكانكم اآلن أن‬ ‫تفهموا وتستوعبوا وجهة نظري يف رفيض للسجود آلدم‪.‬‬ ‫رفضت‬ ‫خالفت األمر اإللهي عندما‬ ‫ال شك يف أنني قد‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫منسجم متام االنسجام مع‬ ‫كنت‬ ‫السجود آلدم غري أنني ُ‬ ‫ً‬ ‫املشيئة اإللهية ومع واجبي املُطلق تجاه ريب‪.‬‬ ‫فرضا استجبت لألمر وسجدت آلدم لخرجت عن حقيقة‬ ‫لو ً‬ ‫التوحيد وعصيت واجبي املُطلق نحو إلهي‪ ،‬إذ أ ّن السجود‬ ‫لغري الله ال يجوز عىل اإلطالق ألنه ِش ٌك به‪.‬‬ ‫كنت يف محنتي تلك إ ّما أن أسجد آلدم بأم ٍر من الله أو‬ ‫ّإن ُ‬ ‫أن أُذ ِعن ملتطلّبات املشيئة اإللهية الداعية للتوحيد والتسبيح‬ ‫وال تسمح يل بالسجود ٍ‬ ‫ألحد سوی الله‪ ،‬فاخرتتُ االلتزام‬ ‫وعصيت بذلك أمر السجود فطُرِدت ولُ ِعنت‪.‬‬ ‫باملشيئة‬ ‫ُ‬ ‫يف الواقع قد يثري اختياري بعدم اإلذعان ألمر الله سؤالً ها ًّما لديكم وهو‪ :‬هل تكمن الطاعة الحقيقية يف اإلذعان لألمر‬ ‫أم يف الخضوع للمشيئة؟ هل يكمن الصالح يف االنصياع للواجب املطلق أم لواجبات الطاعة الجزئية؟‬ ‫حقيق ًة لو كانت اإلجابة عىل هذا السؤال بسيط ًة وواضح ًة ملا ُو ِجدتْ املأساة يف حياة اإلنسان‪ ،‬وملا وجدتُ نفيس يف هذه‬ ‫وقعت بني براثن األمر واملشيئة‪.‬‬ ‫املحنة‪ ،‬وملا‬ ‫ُ‬ ‫‪39‬‬


‫إبليس يَشكُو مأساتَه‬ ‫و ُيدافع عن ن ِ‬ ‫َفسه‬ ‫مصطفى ح ّجي‬

‫فعليكم إذن أن تعرفوا أ ّن موقفي ميثّل اإلرصار التام عىل التوحيد يف أصفى معانيه وأنقى تجلياته‪ ،‬وكأين أقول عندما‬ ‫رفضت السجود آلدم‪« :‬جب ٌني َس َجد للخالِق األحد‪ ،‬لن يسجد يف الوجود املخلوق ألحد‪ ،‬هذا ما َج َبلَني عليه الله»‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ثم إن يف هذه املسألة مفارق ًة خطريةً‪ ،‬حيث أن الله أمرين بالسجود آلدم‪ ،‬لكنه شاء يل ّأل أسجد‪ ،‬فلعنني بنا ًء عىل مشيئته‬ ‫هو ال عىل خيا ٍر اخرتته أنا بنفيس‪.‬‬ ‫غيبي أع ًمى كام تؤمنون به أنتم‪ ،‬بل‬ ‫إين وعىل عكس بني البرش املؤمنني ُ‬ ‫كنت قري ًبا من الله‪ ،‬أي مل أكن مؤم ًنا به بشكلٍ ً‬ ‫كنت أرى الله ِ‬ ‫شاخ ًصا يف ُعاله‪ .‬إ ّن مكانتي كانت مرموق ًة يف املأل األعىل فقد خلقني الله بي ّد قدرته‪ ،‬وأطلعني عىل بدائع‬ ‫صنعته‪ ،‬ودعاين إىل حرضة قربته‪ ،‬وألبسني ثوب توحيده‪ ،‬وت ّوجني بتاج تقديسه وتحميده‪ ،‬وجعلني أجول يف مجال‬ ‫أرشب‬ ‫مالئكته فيقتبسون من نوري ويستأنسون بحضوري‪ ،‬ويهتدون بعلمي ويقتدون بعميل؛ فام‬ ‫ُ‬ ‫برحت يف املأل األعىل‪ُ ،‬‬ ‫كنت للمالئكة معل ًِّم وعىل املُق َّربني من الله ُمق َّد ًما‪.‬‬ ‫بالكأس (األمىل)‪ ،‬وأتلذذ بالخطاب األحىل‪ ،‬طاملا ُ‬ ‫حق املعرفة لقريب السابق من‬ ‫لذلك إين أكرث املخلوقات معرف ًة بالقدرة اإللهية‪ُ ،‬‬ ‫كنت أعلم نعيمه وجحيمه فقد عرفتهام ّ‬ ‫بنعيم ال ُ َيل منه‪ ،‬وإن سخط عىل أحد مخلوقاته فإنه سيعاقبه‬ ‫الله‪ ،‬كنت أعلم أنه إن ريض عن أحد مخلوقاته فسيكافئه ٍ‬ ‫أليم ال مناص منه‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫بعذاب ٍ‬ ‫كنت أعلَم كل هذا عن الله وكنت من أقرب املالئكة إليه فكيف‬ ‫ُ‬ ‫يل أن أفكِّر ولو للحظ ٍة بعصيان أوامره؟!‬ ‫إنه من املستحيل عىل من يع ِقل أن يخرج عن طاعته‪ ،‬بل إن‬ ‫اإلرادة الحرة تفرض عىل صاحبها االلتزام بأوامره طم ًعا بنعيمه‬ ‫وتجن ًبا لعذاب جحيمه‪ ،‬فام الذي دفعني لعدم السجود آلدم‬ ‫عندما قال «اسجدوا» وأنا أكرث العالِمني معرف ًة بالله وبعقابه‬ ‫وعذابه؟‬ ‫إن السبب مل يكُن كِ ًربا مني وال غرو ًرا‪ ،‬بل إن السبب املنطقي‬ ‫الوحيد الذي دفعني لعصيان أمر السجود آلدم هو أن الله مل يُرِد‬ ‫يل السجود آلدم رغم أمره بالسجود‪ ،‬إن املشيئة واإلرادة اإلله ّية‬ ‫مل تكن يف صفّي‪ ،‬أرادت يل العصيان فعصيت‪.‬‬ ‫‪40‬‬


‫إبليس يَشكُو مأساتَه‬ ‫و ُيدافع عن ن ِ‬ ‫َفسه‬ ‫مصطفى ح ّجي‬

‫يل مسبقًا بأين سأخالف أمره وأعصيه‪ ،‬هي كانت خط ًة من الله يك يبدأ بها سرية الخلق اآلدمي‪،‬‬ ‫إن الله كان قد كتب ع ّ‬ ‫خط ٌة بالنسبة له كان ال بد منها حتى وإن كانت عىل حساب مأسايت التي ال ي ّد يل فيها‪.‬‬ ‫َعلَّكم اآلن عرفتم أ ّن قصتي‪ -‬كام وردت يف اآليات القرآنية التي ذكرتُها بداي ًة وكام وردتْ يف أقوايل السابقة‪ -‬ليست‬ ‫وقعت ‪-‬أنا‬ ‫بالبساطة التي كنتم تتخيلونها؛ هي ليست قصة رصا ٍع بني الخري والرش والحق والباطل‪ .‬إمنا يف الحقيقة قد‬ ‫ُ‬ ‫يل أن أقع بني خيارين‬ ‫إبليس‪ -‬بني مطرقة املشيئة اإلله ّية من ناحي ٍة وسندان األمر اإللهي من الناحية األُخرى‪ ،‬فقد كُ ِتب ع ّ‬ ‫مصرييّني‪ ،‬بني واجبي املطلق يف التوحيد لله وااللتزام مبشيئته وإرادته‪ ،‬وبني واجبي الجزيئ يف طاعة أمر الله الذي أمرين‬ ‫به‪ ،‬فجاءت قصتي مليئ ًة بالعنارص املأساوية‪.‬‬ ‫ثم وعىل فرض أننا نَ َّحينا اإلرادة اإلله ّية جان ًبا وقلنا أنه مل يكن لها‬ ‫أي دو ٍر يف قراري‪ ،‬أي مل تجربين إرادة الله عىل عصيان أمره‪ ،‬بل كان‬ ‫يل مطلق الحرية يف اختيار قراري بني االستجابة ألمر السجود وبني‬ ‫رفضت السجود بنا ًء عىل قراري الخاص‪ ،‬لنفرتض أن هذا‬ ‫رفضه‪ ،‬ثم‬ ‫ُ‬ ‫فعل فإين بهذه الحالة قد ب ّررتُ رفيض للسجود آلدم تربي ًرا‬ ‫ما حصل ً‬ ‫منطق ًّيا إذ قُلت‪« :‬أنا خ ٌري منه‪ ،‬خلقتني من نا ٍر وخلقته من طني»‪.‬‬ ‫عندما متعنون النظر يف حجتي هذه ستجدون بأنها تتألّف من‬ ‫مفاضل ٍة بني جوهري (النار) وبني جوهر آدم (الصلصال)‪ ،‬أي أنها مل‬ ‫تكن استكبا ًرا بقدر ما كانت استذكا ًرا لحقيق ٍة أساسي ٍة شاءها الله‬ ‫وأوجدها عىل ما هي عليه‪ ،‬وهذه الحقيقة هي أن الله مل يخلق‬ ‫املخلوقات عىل درج ٍة واحد ٍة من السم ّو‪ ،‬وإمنا م ّيز بينها‪ ،‬وما النار‬ ‫والطني إال ض ّدان ال يتوافقان‪.‬‬ ‫كنت أمتلِك معرف ًة مسبق ًة بأن آدم وذريته‬ ‫ُح ّجتي الثانية هي أين ُ‬ ‫أيضا شعور‬ ‫سيعيثون يف األرض فسا ًدا وسيسفكون الدماء‪ ،‬وكان هذا ً‬ ‫َ​ََُْ َ َ ُْ ُ َ َ​َْ ُ‬ ‫جميع املالئكة حيث قالوا لله‪« :‬أتعل فِيها من يفسِد فِيها ويسفِك‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ّ‬ ‫ادل َِم َاء َونْ ُن ن َس ّب ِ ُح ِبَ ْمد َِك َو ُن َق ّد ُِس ل َك»‪ ،‬أي أنني واملالئكة كُ ّنا عىل ِع ٍلم‬ ‫فاستغربت واستنكرتُ أ ْن‬ ‫مبا سريتكبه آدم وذريته من الكبائر واملعايص‬ ‫ُ‬ ‫يخلق الله َمن يعصيه ويسفك الدماء يف األرض‪ ،‬وبنا ًء عىل تلك املعرفة‬ ‫رفضت السجود ملن سيعيث يف األرض فسا ًدا هو وذريّته‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫‪41‬‬


‫إبليس يَشكُو مأساتَه‬ ‫و ُيدافع عن ن ِ‬ ‫َفسه‬ ‫مصطفى ح ّجي‬

‫وقصتي ومحنتي ومأسايت مع الله وآدم‪ ،‬وسأطرحها‬ ‫ح ّجتي الثالثة تكمن يف إجاب ٍة لسبعة أسئل ٍة أو َج َبتها عندي تجربتي ّ‬ ‫تال ًيا‪.‬‬

‫األول‪:‬‬

‫بأن سأعصيه؟‬ ‫إ َّن الله قبل أ ْن يخلقني كان قد علم كل يش ٍء سيصدر عني ويحصل مني فلِ َم خلقني وهو يعلم ّ‬ ‫وما الحكمة يف خلقه إياي؟‬

‫الثاين‪:‬‬

‫إ ْن كان قد خلقني عىل مقتىض إرادته ومشيئته فلِ َم كلّفني مبعرفته وطاعته‪ ،‬وما الحكمة يف هذا التكليف طاملا أنه ال‬ ‫ينتفع بطاع ٍة وال يترضر مبعصية؟‬

‫الثالث‪:‬‬

‫إ ْن كان قد خلقني وكلّفني فالتزمت بتكليفه باملعرفة والطاعة فعرفته وأطعته فلِ َم أمرين بالسجود آلدم‪ ،‬وما الحكمة‬ ‫من هذا األمر عىل الخصوص طاملا أنه ال يزيد ذلك يف تع ّبدي وطاعتي إيّاه؟‬

‫الرابع‪:‬‬

‫إ ْن كان قد خلقني وكلّفني بعبادته‪ ،‬وإذا مل أسجد آلدم‪ ،‬فلِ َم لعنني وأخرجني من الجنة‪ ،‬وما الحكمة يف ذلك طاملا أنني‬ ‫مل أرتكب معصي ًة إال قويل «ال أسجد إال لك»؟ (وال أظّنها معصي ًة بل هي التزا ٌم م ّني بعدم السجود ِسوى لله خالقي)‪.‬‬

‫الخامس‪:‬‬

‫إ ْن كان قد خلقني وكلّفني بعبادته وطاعته‪ ،‬ومل أُ ِطعه بالسجود آلدم فلعنني وطردين من الجنة‪ ،‬فلِ َم جعل يل طريقًا يك‬ ‫أدخل إىل الج ّنة مر ًة ثاني ًة وسمح يل بأن أُوسوس آلدم وأفتنه‪ ،‬ليأكل من الشجرة التي نهاه عنها الله‪ ،‬ففعل آدم وأخرجه‬ ‫من الجنة معي‪ ،‬وما الحكمة من ذلك؟‬ ‫وملاذا مل مينعني باألصل من الدخول إىل الجنة يك يسرتيح مني آدم ليبقى خال ًدا‬ ‫فيها؟‬

‫السادس‪:‬‬

‫إ ْن كان قد خلقني وكلّفني بطاعته فعصيته بعدم السجود آلدم‪ ،‬ثم طردين من‬ ‫الجنة‪ ،‬ثم سمح يل بالتسلل إليها مر ًة ثاني ًة فكانت الخصومة بيني وبني آدم‪ ،‬فلِ َم‬ ‫سلّطني عىل أبنائه وجعل وسوستي تؤث ِّر فيهم وجعلني أراهم من حيث ال يرونني؟‬ ‫مجال‬ ‫وما الحكمة من ذلك‪ ،‬وملاذا لَ ْم يخلقهم عىل الفطرة دون أن يرتك يل ً‬ ‫لوسوستهم فيعيشوا طاهرين سامعني مطيعني‪ ،‬أليس أل َيق بالحكمة اإللهية أن‬ ‫يفعل هذا؟‬ ‫‪42‬‬


‫إبليس يَشكُو مأساتَه‬ ‫و ُيدافع عن ن ِ‬ ‫َفسه‬ ‫مصطفى ح ّجي‬

‫والسابع‪:‬‬

‫ّمت بهذا كلِّه‪ ،‬خلقني وكلّفني‪ ،‬فلم أطعه فلعنني وطردين‪ ،‬وإذا أردت دخول الجنة ثاني ًة سمح يل بأن‬ ‫لنفرتض أين سل ُ‬ ‫جعل يل طريقًا للوصول آلدم ألوسوسه‪ ،‬ثم أخرجني ثم سلطني عىل بني آدم‪ ،‬فلِ َم عندما استمهلته أمهلني إىل يوم‬ ‫القيامة وسمح يل بأن أُغوي عباده وأُ ِضلّهم؟‬ ‫َ َ ْ َْ ْ َْ ْ ُ‬ ‫َ َ َ ّ َ​َْ ْ َ َِْ ُ َُْ َ‬ ‫َ َ َ َّ َ َ ْ ُ ْ َ‬ ‫وم ‪ ٪‬قَ َال َر ّب بماَ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ت المعل‬ ‫ب فأن ِظر ِن إِل يوم يبعثون ‪ ٪‬قال فإِنك مِن المنظ ِرين ‪ ٪‬إِل يوم الوق ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫حيثُ قلت‪﴿ :‬قال ر ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ ْ َ َ ُ َ ّ َ َّ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫أغويت ِن لزي ِن لهم ِف الر ِض ولغوِينهم أجعِني﴾ (الحجر‪.)39-36 :‬‬

‫وما الحكمة يف ذلك؟ وملاذا مل يهلكني يف الحال فيسرتيح آدم وأبناؤه مني‪ ،‬وملاذا مل مينعني من كل هذا باألصل يك ال‬ ‫يكون للرش وجو ٌد يف العامل؟ ‪ ,‬أليس بقاء العامل عىل الخري أفضل من امتزاجه بالرش؟‬ ‫توجد إجاب ٌة واحد ٌة عىل كل أسئلتي السبع اآلنفة‪ ،‬وسأل ّخصها بالتايل‪:‬‬ ‫كنت خاض ًعا يف أحوايل واختياري‪ ،‬وعباديت ومعصيتي‪ ،‬ولعني وطردي‪،‬‬ ‫ّإن ُ‬ ‫وتسليطي عىل الناس وتشويه صوريت إىل أحكام اإلرادة واملشيئة اإللهية‬ ‫ولقضاء الله الذي ال يُ َرد‪ ،‬فكنت مج ًربا بحكمته ومقهو ًرا مبشيئته بدليل قوله‪:‬‬ ‫َ‬ ‫َّ ُ َّ‬ ‫ك َ ْ‬ ‫﴿إِنا‬ ‫ش ٍء َخل ْق َناهُ ب ِ َق َد ٍر﴾ (القمر‪.)49 :‬‬ ‫سي حسب مشيئة الله‪،‬‬ ‫نهاي ًة‪ ،‬ما أريد قوله وإيصاله لكم هو أنني عب ٌد ُم ّ ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫يل‪ ،‬عبدتُ الله وخدمته‬ ‫بيدق ال خيار عندي سوى أن أقوم مبا شاءه الله ع ّ‬ ‫يل وجعلني وج ًها‬ ‫والتزمت بتوحيده‪ ،‬فام كان جزايئ ّإل أن سلّط ساديّته ع ّ‬ ‫للرش (الذي لست عليه حقيق ًة) وسلّطني عىل بني آدم وجعلني ُح ّج ًة لديه‬ ‫عىل البرش يك يستمتع بتعذيبهم وحرقهم يف جه ّنم‪.‬‬ ‫إلهي أراد به مترير أجندته لتحقيق مشيئته اإللهية‪ .‬نعم‪ ،‬لقد‬ ‫إن اللعنة التي نزلت ع ّ‬ ‫يل ال أستحقها‪ ،‬بل ما هي ّإل مك ٌر ٌّ‬ ‫كنت ضح ّي ًة ملؤامرة إله ّية‪ ،‬وما أنتم ّإل جز ٌء منها ولستُم خارجها‪ .‬أُنهي دفاعي عن نفيس بهذا القدر‪ ،‬والسالم‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ُم ِح ُّبكُم‪ :‬إبليس‪.‬‬ ‫‪43‬‬


‫قناة جسور | ‪Bridges.TV‬‬

‫رب ملن ال منرب له‪ ،‬وقنا ٌة لحرية التعبري والتواصل والتعايش مع‬ ‫قناة جسور هي من ٌ‬ ‫املختلف ولتالقح األفكار بصور ٍة حضارية‪ ..‬صوتك مقبول هنا مهام كان‪.‬‬ ‫عنوان القناة عىل اليوتيوب‪:‬‬

‫‪https://www.youtube.com/channel/UChuvYgfSwGXkLtZYmSGc8eQ‬‬ ‫صفحة جسور عىل الفيسبوك‪:‬‬

‫‪https://www.facebook.com/Bridgestv2‬‬ ‫انضموا إلينا يف مجموعة جمهورية الردة‪:‬‬

‫‪https://www.facebook.com/groups/186192008960773/‬‬ ‫إمييل القناة‪:‬‬

‫للتواصل عرب سكايب‪:‬‬

‫‪Bridgestv1‬‬

‫‪bridgestv1@gmail.com‬‬

‫لدعم القناة عىل الـ‪:PayPal‬‬

‫‪https://www.paypal.me/SalBridgesTV‬‬

‫‪44‬‬


‫ستالني‬

‫أعظم إل ٍه يف تاريخ اآللهة‬

‫نعلم جمي ًعا من خالل االطّالع عىل األوضاع‬ ‫السياسية للدول‪ ،‬ومن خالل مطالعة كتب‬ ‫التاريخ والبحث البسيط‪ ،‬أن الدول املبنية‬ ‫عىل أساس الشمولية والجامعة والقطيع‬ ‫هي ٌ‬ ‫دول فاشل ٌة بامتياز‪ ،‬سوا ٌء أكانت هذه‬ ‫الشمولية مبني ًة عىل أساس خر ٍ‬ ‫افات‬ ‫ديني ٍة كاإلسالم والدول اإلسالمية‬ ‫املهرتئة‪ ،‬أو بسبب األيديولوجيا‬ ‫الفاشلة‪ ،‬كالفاشية والنازية‬ ‫والشيوعية السوفييتية‪.‬‬

‫‪Alexander Ambrose‬‬ ‫‪45‬‬


‫ستالني‬

‫أعظم إل ٍه يف تاريخ اآللهة‬ ‫‪Alexander Ambrose‬‬

‫قليل يف هذا املوضوع لوجدنا محو ًرا أساس ًيا يربط بني هذه األفكار والذي يتسبب بسقوط الدول رغم توافر‬ ‫ولو تع ّمقنا ً‬ ‫مقومات النجاح املختلفة‪ ،‬وهذا املحور هو ‪-‬كام ذكرنا‪ -‬الشمولية وعقلية القطيع‪.‬‬ ‫ويف هذا املنشور سنناقش ما أُحب تسميته بالديانة الستالينية‪ ،‬وملاذا كان ستالني أعظم إل ٍه يف تاريخ اآللهة؟؟‬ ‫‪ ‬‬ ‫فبعد سقوط اإلمرباطورية الروسية بعد الحرب العاملية األوىل‪ ،‬خرج الشعب الرويس من قرونٍ طويل ٍة مليئ ٍة باستغالل‬ ‫وتسلّط الكنيسة ورجال الدين عىل حياة الشعب‪ ،‬وكان القيرص خليفة الله عىل األرض‪ ،‬يستمد ق ّوته من دينٍ وأيديولوجيا‬ ‫شمولي ٍة فاشلة‪ ،‬وعندما الحظ ستالني هذا األمر قام باستغالله أحسن استغالل‪...‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫رصا‬ ‫حيث رسم صورة القائد العظيم‪ّ ،‬‬ ‫ونصب نفسه قي ً‬ ‫وإل ًها يف آنٍ واحد‪ ،‬حيث م ّد نفوذه من خالل استغالل‬ ‫املناصب الحساسة بعد موت لينني‪ ،‬وأجهز عىل منافسيه‬ ‫السياسيني‪ ،‬فيام يعرف اليوم باسم التطهري العظيم‪،‬‬ ‫جل من يعارضه أو حتى ومن‬ ‫حيث قام ستالني بجمع ّ‬ ‫معارض له أو من تج ّرأ عىل مناقشته‬ ‫يشك يف أنّه‬ ‫ٌ‬ ‫وجداله ومعارضته يف الرأي‪ ،‬زا ًّجا بهم جمي ًعا يف أقبية‬ ‫السجون واملعتقالت التي س ّميت باسم الغوالغ‪ ،‬وفرض‬ ‫ق ّوته وشخصية الرجل الحديدي عىل الصغري والكبري‪.‬‬ ‫‪ ‬الصورة ملعتقيل الغوالغ أثناء أعاملهم الشاقة عند حفر قناة البحر األبيض‪ ،‬‬ ‫منفصل عن شخصية ستالني‪ ،‬فكان جوزيف جوكاجفييل (اسم ستالني الحقيقي) مجرد رجلٍ يؤدي‬ ‫ً‬ ‫حتى أنه شخص ًيا صار‬ ‫مهم ًة ووظيف ًة معين ًة وهي قيادة الشعب‪ ،‬وأما ستالني فهو اإلله وشخصي ٌة اختلقها جوزيف لتحل محل قداسة اإلله‬ ‫مستغل اسم والده ستالني ليفرض احرتامه‬ ‫ً‬ ‫والقيرص‪ ،‬ففي إحدى امل ّرات جاء ابنه ڤاسييل بعد أن ارتكب بعض الحامقات‬ ‫قائل‪:‬‬ ‫قائل «أنت لست ستالني‪ ،‬حتى أنا لست ستالني مش ًريا إىل صور ٍة له عىل الجدار ً‬ ‫عىل الناس‪ ،‬فوبّخه ستالني ً‬ ‫«هذا هو ستالني‪ ،‬ستالني هو القوة السوفييتية‪ ،‬وهو الرجل الذي توجد صوره يف الصحف وعىل الرايات‪ ،‬أنت لست‬ ‫ستالني وال حتى أنا !! »‪.‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫وهذا ما يقودنا إىل النقطة األهم وهو صناعة األيديولوجيا والتي تشبه إىل حد التطابق صناعة األديان‪ ،‬فعىل أساس هذه‬ ‫الخلفية الفكرية لجوزيف جوكاجفييل‪ ،‬والبيئة الدينية املتفشية التي مت ّيز بها الشعب الرويس ميكننا استنتاج املقارنة‬ ‫البسيطة التالية‪...‬‬ ‫‪46‬‬


‫ستالني‬

‫أعظم إل ٍه يف تاريخ اآللهة‬ ‫‪Alexander Ambrose‬‬

‫فام مييز األديان يف رأيي عن باقي الخرافات البرشية األخرى هو تنظيمها وغسيل مخ أتباعها!! فهي منذ الطفولة تضع‬ ‫الشخص يف منطق ٍة محدد ٍة مانع ًة إياه من الحركة أو الترصف أو التفكري مبا يخالف املبتغى واملوجود ضمن إطار الخرافة‬ ‫ٍ‬ ‫الدينية‪ ،‬وهذا ما فعله جوزيف مع تغيريٍ‬ ‫طفيف يف التسميات والشخصيات عن الخرافات الدينية‪ ،‬ولكن مع إبقاء‬ ‫املضمون االستبدادي كام هو عليه‪.‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫ٍ‬ ‫بشخص‬ ‫فاملؤمن املولود ألبوين متدينني‪ ،‬هو أشبه‬ ‫معتقلٍ يف معسكرات الغوالغ الستالينية‪ ،‬حيث كانوا‬ ‫يضعون الناس فارضني عليهم األيديولوجيا السوفييتية‪،‬‬ ‫ومعرضينهم ليل نهار «ملزاياها» و«فضائلها»‪ ،‬وهذا‬ ‫كله بالتزامن مع األعامل الشاقة والتعذيب والقتل يف‬ ‫بعض الحاالت‪.‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫ورغم كل ذلك‪ ،‬ترى املعتقلني السوفييت بعد فرت ٍة‬ ‫قصري ٍة يف السجون‪ ،‬يخرجون مهللني بروعة الشيوعية‬ ‫(الستالينية) مكربين باسم ستالني اإلله الواحد األحد‪.‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫وستالني سبحانه صنع دينه الشيوعي هذا بنا ًء عىل العقلية الجمعية للشعب الرويس‪ ،‬املبنية حول مؤسسات الدين‬ ‫وخرافاته التي سيطرت لقرونٍ عىل الشعب وكيانه وعقله‪ ،‬والتي عملت ي ًدا ٍ‬ ‫بيد مع القيارصة عىل كبح عقول الناس‬ ‫ووضعهم ضمن قوقعة الدين وداخل سجنه الفكري‪.‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫ومن خالل هذا الكالم نجد أن جوزيف كان قد اخرتع شخصية ستالني اإلله‪ ،‬وستالني القائد‪ ،‬وستالني الكامل‪ ،‬بنا ًء عىل‬ ‫مستغل به حامقة وجهل‬ ‫ً‬ ‫ديني عىل م ّر العصور ليصنع من خاللها دي ًنا شمول ًّيا أيديولوج ًّيا‬ ‫ما كان متعارفًا عليه من قمعٍ ٍّ‬ ‫غالبية الشعب الرويس يف ذاك الوقت‪.‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫ويف مثا ٍل آخر‪ ،‬وتحدي ًدا بعد موت ستالني‪ ،‬نرى نهاية الغطرسة يف سجون الغوالغ (معسكرات االستعباد والعمل الشاق‪،‬‬ ‫والتي ُخصصت للمعارضني السياسيني وغريهم ِمن َمن ال يتناسبون مع الدين الستاليني)‪ ،‬حيث تنفس الحرس هواء‬ ‫الحرية قبل السجناء أنفسهم‪ ،‬فصاروا يتعاملون مع املعتقلني باحرت ٍام وإنسانية‪ ،‬بعد أن كانوا يحقرونهم ويقتلونهم ألتفه‬ ‫األسباب خوفًا من نفوذ اإلله وزبانيته‪ ،‬ناهيكم طب ًعا عن الرعب والخوف من البطش اإللهي الستاليني الذي كان يلحق‬ ‫بأي ٍ‬ ‫شخص يعارضه أو ال يعارضه‪ ،‬فهو سبحانه كان يقتل ويعتقل من يشاء ويحب ويدعم من يشاء‪!!...‬‬ ‫‪47‬‬


‫ستالني‬

‫أعظم إل ٍه يف تاريخ اآللهة‬ ‫‪Alexander Ambrose‬‬

‫ومن خالل هذا الربط واملقارنة بني األديان وما‬ ‫جاء به ستالني نرى التشابه الذي قد يصل إىل‬ ‫ح ّد التطابق‪ ،‬فمن يقول بأن ستالني كان ملح ًدا‪،‬‬ ‫غلطا ٌن ‪ ،100%‬فستالني كان إل ًها جاء بِدينٍ‬ ‫مبني عىل نفس الفكر الشمويل الديني‬ ‫بديل‪ٌ ،‬‬ ‫املعروف‪ ،‬حيث استغل غباء الشعب الرويس‬ ‫وتدينه وفكره املبني عىل القطيع والراعي‪ ،‬أو‬ ‫الحاكم واملحكوم‪ ،‬ال عىل الفردية والتعددية‬ ‫والعلامنية كام هو الحال يف دول التنوير التي‬ ‫بُنيت عىل أفكار (كانت وهيوم ولوك وغريهم)‬ ‫من املفكرين وعلامء السياسة واالجتامع‪.‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫شعوب ظلت مقموع ًة‬ ‫وختا ًما أود التنويه لعالقة هذا كلّه بحارضنا يف الرشق األوسط وشامل أفريقيا ففي هذه الدول‬ ‫ٌ‬ ‫مسحوق ًة مدحورةً‪ ،‬بني مطرقة السلطة وسندان الدين لقرونٍ طويل ٍة ج ًدا متا ًما كالشعب الرويس يف املثال السابق‪،‬‬ ‫فاإلسالم فاق التخلف العقيل املسيحي بأشواط‪ ،‬حيث صار الحاكم والدين واح ًدا‪ ،‬والسلطة الدينية مدموج ًة متا ًما‬ ‫بالسلطة السياسية مع تعاونهام عىل قمع الشعب‪ ،‬عىل عكس أوروبا التي فصلت بني الحاكم ورجل الدين‪.‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫والذي مكّن األوربيني فيام بعد للفصل بني الحاكم والكنيسة‪ ،‬يف عصور التنوير والنهضة‪ ،‬ووضع الدين جان ًبا يف أمور‬ ‫الدولة والسياسية والعلم‪ ،‬مام مكنهم من فتح املجال للحريات الفردية والتطور نحو األفضل‪.‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫واليوم يف دول الرشق األوسط مل يتغري يشء!!‬ ‫فدولنا هذه حديث ٌة ماديًا ومتخلف ٌة فكريًا وعقل ًيا‪ ،‬فال نزال عالقني إىل يومنا هذا‪ ،‬بني مطرقة الحاكم وسندان الدين‪ ،‬ملقني‬ ‫باللوم يف بعض األحيان عىل الحاكم (إن كان من طائف ٍة ديني ٍة مختلفة)‪ ،‬متناسني ومستغفلني للسندان العالقني فوقه‪،‬‬ ‫حاكم جدي ًدا لينزل عليهم بالحل السحري وهم عالقون فوق سندان التخلف الديني‪ ،‬والذي إذا ما رآه الحاكم‬ ‫منتظرين ً‬ ‫سال لعابه وبطش بهم ونزل عليهم بغضبه اإللهي وسلطانه الالمتناهي كمن سبقه من حكّام‪.‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫فهم يف النهاية كالقطيع‪ ،‬والحاكم هو الراعي ورجل الدين هو الكلب الذي يبقي األشخاص ضمن هذا القطيع بنباحه‬ ‫شخص ما الخروج والتحرر‪.‬‬ ‫وإرهابه‪ ،‬إن اراد ٌ‬ ‫‪48‬‬


‫ستالني‬

‫أعظم إل ٍه يف تاريخ اآللهة‬ ‫‪Alexander Ambrose‬‬

‫ستالني كان خري مثا ٍل عىل صناعة اآللهة‪ ،‬فالبيئة الدينية املتخلفة‬ ‫وما يرافقها من جهلٍ هي من تأيت لنا باألفكار املسمومة والتخلف‬ ‫واالنحطاط‪ ،‬واألديان هي التي تدفع الحكّام للتامدي واقرتاف‬ ‫املصائب واملجازر‬ ‫فعل يف دولنا وحكّامهم الستالينيني‪ ،‬وطاملا استم ّرت‬ ‫وهذا ما حدث ً‬ ‫الخرافات الدينية بحبس عقول الشعوب سرنى املزيد واملزيد من‬ ‫الحكام اآللهة واستبدادهم «املق ّدس» واملبارك من كالبهم النابحة‪.‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫املصادر ملن يحب قراءة املزيد عن هذا املوضوع‪:‬‬ ‫‪- The Gulags A History.‬‬ ‫‪- Stalin the court of the red tzar.‬‬ ‫‪- The young Stalin.‬‬ ‫‪- The Romanovs: 1613-1918.‬‬ ‫‪- Lenin the man the dictator and the master of terror.‬‬

‫ﻣﻦ ﻧﺤﻦ؟‬ ‫ﻧﺤﻦ ﻣﺠﻤﻮﻋﻪ ﻣﻦ ﻣﺴﻠﻤني ﺳﺎﺑﻘني وﻣﺴﻠﻤني ﺑﺪرﺟﺎت ﻣﺘﻔﺎوﺗﻪ ﻣﻦ اﻟﺘﺪﻳﻦ‪.‬‬ ‫ﻣﺎذا ﻧﺮﻳﺪ؟‬ ‫ﻧﺮﻳﺪ أن ﻧﺠﺪ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ‪ ،‬ﻣﻬام ﻛﺎﻧﺖ‪ ،‬و أن ﻧﺤﺎرب ﻣﻦ أﺟﻞ ﺣﻘﻨﺎ ﰲ اﺗﺒﺎﻋﻬﺎ‪،‬‬ ‫ﻧﺮﻳﺪ أن ﻧﺨﻠﻖ ﻣﻜﺎﻧﺎ آﻣ ًﻨﺎ ﻟﻠﻨﺎس ﻟﻴﺘﺒﺎدﻟﻮا ﻓﻴﻪ اﻷﻓﻜﺎر اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻠﻤﻨﺎ أﻻ ﻧﺘﺤﺪث ﻋﻨﻬﺎ‪،‬‬ ‫ﻧﺮﻳﺪ أن ﻧﺴﺎﻧﺪ ﺑﻌﻀﻨﺎ وﻧﺴﺎﻋﺪ ﺑﻌﻀﻨﺎ ﻋﲆ ﻣﻮاﺟﻬﺔ أﺳﺌﻠﺔ اﻷﻫﻞ واﳌﺠﺘﻤﻊ‪ ،‬وﺗﻜﻮﻳﻦ إﺟﺎﺑﺎت ﻟﻬﺎ‪،‬‬ ‫ﻧﺮﻳﺪ أن ﻧﻌﻄﻲ اﻟﻼدﻳﻨﻴني )ﺳﻮاء ﻣﻠﺤﺪﻳﻦ‪ ،‬رﺑﻮﺑﻴني أو ﻏريﻫﻢ( ﰲ اﻟﺒﻼد اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺻﻮﺗ ًﺎ ﻷﻧﻬﻢ‬ ‫ﺳﻴﻘﺘﻠﻮن إذا ﻋﻠﺖ أﺻﻮاﺗﻬﻢ‪.‬‬

‫‪49‬‬

‫مسلمش |‬

‫‪www.muslimish.com‬‬


‫ﻣﺴﻠﻤﻮ ﺃﻣﺮﻳﻜﺎ ﺍﻟﺸﻤﺎﻟﻴﺔ ﺍﻟﺴﺎﺑﻘﻮﻥ‬

Ex-Muslims of North America NO BIGOTRY, NO APOLOGY

‫دون ﺗﻌﺼﺐ أو اﻋﺘﺬار‬ ‫ﻧﺒﻨﻲ ﺟﻤﺎﻋﺎﺕ ﺩﺍﻋﻤﺔ‬

Building Communities

‫ﻧﻨﺸﺮ ﺍﻟﻘﻴﻢ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﻧﻴﺔ‬

Promoting Secular Values

‫ﻧﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺗﺨﻔﻴﻒ ﻋﻮﺍﻗﺐ ﺍﻟﺮﺩﺓ‬

Mitigating Costs of Apostasy

‫ﻧﺴﻌﻰ ﻟﺘﻄﺒﻴﻊ ﺍﻻﻧﺸﻘﺎﻕ ﺍﻟﺪﻳﻨﻲ‬

Normalizing Religious Dissent

facebook.com/exmna

exmna.org

@exmuslimsofna

theexmuslim.com

E MNA 50


‫ما هي األسباب وراء النهي‬ ‫عن التفكر يف ذات الله؟‬

‫ويف نوري جعفر‬

‫ال يهم عند أتباع األديان التأكد من‬ ‫طبيعة وهوية وماهية إلههم الديني‪،‬‬ ‫الذي يهمهم فقط هو اإلميان به‬ ‫والتصديق بوجوده‪ .‬وألنهم يعتقدون‬ ‫بصحة أديانهم وكتبهم املقدسة‬ ‫والتي صورت لهم بأن إلههم كيل‬ ‫القدرة والحكمة وميلك كل يشء‪،‬‬ ‫لذا ال مجال ألتباع األديان إال‬ ‫التصديق والتسليم التام بصحة‬ ‫وجود إلههم‪.‬‬ ‫‪51‬‬


‫ما هي األسباب وراء النهي‬ ‫عن التفكر يف ذات الله؟‬ ‫ويف نوري جعفر‬

‫ويف بعض األديان كاإلسالم هناك أحاديث ورواياتٌ ديني ٌة تنهى أتباع الدين وتحذرهم من التفكر والخوض يف ذات الله‪.‬‬ ‫أول أضع لكم بعض النصوص الواردة حول النهي عن التفكر‬ ‫وهنا نسأل ملاذا تم النهي عن التفكر يف ذات الله؟ دعوين ً‬ ‫يف ذات الله وصفاته‪:‬‬ ‫قال محم ٌد‪« :‬تفكّروا يف كل يش ٍء وال تفكّروا يف ذات‬ ‫يل‪« :‬من تفكّر يف ذات الله ألحد وتزندق»‪،‬‬ ‫الله»‪ ،‬وقال ع ٌّ‬ ‫رص‪ ،‬أو يحيط‬ ‫وقال الرضا‪« :‬هو ُّ‬ ‫أجل من أن يدركه ب ٌ‬ ‫به وه ٌم‪ ،‬أو يضبطه عقل»‪ ،‬وكام جاء يف الصحيحني‬ ‫قال محم ٌد‪« :‬يأيت الشيطان أحدكم فيقول‪ :‬من خلق‬ ‫كذا وكذا حتى يقول له من خلق ربك‪ ،‬فإذا بلغ ذلك‬ ‫فليستعذ بالله ولينت ِه»‪.‬‬ ‫نصوص أخرى تدعو وتشجع أتباع الدين‬ ‫طب ًعا يف مقابل هذه النصوص الرافضة والناهية عن التفكّر بذات الله‪ ،‬هناك‬ ‫ٌ‬ ‫عىل التفكر يف (مخلوقات الله) بدلً من التفكر يف الله‪ ،‬وطب ًعا هذه محاول ٌة واضح ٌة الستخدام منطق السببية والتحايل‬ ‫عليه وذلك من خالل القفز عىل سلسلة األسباب والنتائج واستخدام مغالطة التوسل باملجهول (الله) أو مغالطة رجل‬ ‫القش‪ ،‬ألنه مبجرد أن تدعي بأن شيئًا ما هو الخالق‪ ،‬هذا يعني أنك أقررت بأن هذا اليشء هو الذي خلق املخلوقات‪،‬‬ ‫ومبا أن املخلوقات موجود ٌة وميكن للجميع مشاهدتها ومراقبتها والتعرف عليها‪ ،‬إذن فال حاجة ملعرفة هوية وماهية‬ ‫الخالق وال الخوض والبحث عنها!‬ ‫طبيعي ج ًّدا‬ ‫وألن األمر بر ّمته صناع ٌة برشية‪ ،‬لذلك حتى م ّدعي األديان ال ميلكون أي معرف ٍة أو دليلٍ عىل خالقهم‪ ،‬وأم ٌر‬ ‫ٌّ‬ ‫أنهم ال يعرفون أي يش ٍء عن ماهيته وكينونته‪ ،‬فهو بالنسبة لهم مجهول الهوية وال ميكن التوصل إليه والتعرف عليه‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫حديث عن آلهة األديان‪ ،‬أو حسب زعم كل دينٍ بأن إلههم هو (الخالق)‪ ،‬هي‬ ‫ولعل أغلبنا يعلم بأن كل ما ورد من‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ادعاءات ومزاعم فارغ ٍة بال دليل‪ ،‬وكل ما ميلكونه هو نسب وإلصاق كل يش ٍء بخالقهم املزعوم‪ .‬وإليكم األمثلة‬ ‫مجرد‬ ‫التالية عىل هذه املزاعم‪:‬‬ ‫ُ َّ‬ ‫َ َُْ َ َ​َ َْ ُْ َ​َ ُْ‬ ‫ُ ْ َ ُ ُ َ َ َ َ ٰ َ ْ ً َ َّ َ َ ُ ُ َ ُ ُ ْ َ َ ُ ُ‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫﴿ه َو الِي ي ِي وي ِميت ۖ فإِذا قض أمرا فإِنما يقول ل كن فيكون‬ ‫ي وما ت ِف الصدور﴾‪،‬‬ ‫وهو‬ ‫﴾‬ ‫﴿يعلم خائِنة الع ِ‬ ‫َ َْ ْ َ َ َُ َ َ َ َ َ​َ ْ َْ َ َ‬ ‫َّ َّ َ ُ ْ ُ‬ ‫ِك َّ‬ ‫ِيما َغ ُف ً‬ ‫ك ُه َما م ِْن أَ َحد ّمِن َب ْع ِده ِ ۚ إنَّ ُه َك َن َحل ً‬ ‫الس َم َ‬ ‫ورا﴾‪.‬‬ ‫ات والرض أن تزول ۚ ولئِن زالا إِن أمس‬ ‫و ﴿إِن الل يمس‬ ‫او ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬

‫وكام أن ُه ال يوجد أي دليلٍ عىل إلههم‪ ،‬فكذلك ال يوجد أي دليلٍ يثبت أن املوت والحياة بيد إلههم‪ ،‬وال يوجد أي دليلٍ‬ ‫‪52‬‬


‫ما هي األسباب وراء النهي‬ ‫عن التفكر يف ذات الله؟‬ ‫ويف نوري جعفر‬

‫عىل الـ «كن فيكون» حتى ميكن للجميع اختبارها وإثباتها‪ ،‬وكذلك ال يوجد أي دليلٍ عىل أن إلههم يعلم خائنة األعني‬ ‫وأيضا ال يوجد أي ٍ‬ ‫إثبات عىل أن خالقهم هو من ميسك الساموات واألرض أن تزوال‪ ،‬أو إثبات صحة‬ ‫وما تخفي الصدور‪ً ،‬‬ ‫أنه ميسك السامء أن تقع عىل األرض (طب ًعا مع التحفظ عىل هذا الكالم السطحي)‪ ،‬وهناك الكثري من هذا الهراء يف‬ ‫واضح عىل األسباب والنتائج والتوسل باملجهول فقط!‬ ‫الكتب املقدسة‪ ،‬وكلها ادعاءاتٌ بال دليل‪ ،‬فهو قف ٌز‬ ‫ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫صفات وأفعا ٍل جعلوها مطلق ًة وكامل ًة وألصقوها به‪ ،‬وحينام متعن النظر يف‬ ‫وألن اإلله مجهول‪ ،‬فقد عمدوا إىل تخ ُّيل‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫لصفات وأفعا ٍل برشية‪:‬‬ ‫وإسقاطات واضح ًة‬ ‫انعكاسات‬ ‫صفات وأفعال إلههم‪ ،‬تجدها‬ ‫َّ‬

‫ُ‬

‫َْ‬

‫َْ‬

‫َّ‬

‫ْ‬

‫ُ‬ ‫ُْ ُ ْ َ ُ ََُ ُْ ُ ْ َ َ ُ‬ ‫يف َ‬ ‫الب ِ ُري ﴾ (األنعام‪.)103 :‬‬ ‫ار ۖ َوه َو الل ِط‬ ‫﴿ل تدرِكه البصار وهو يدرِك البص‬

‫لطيف خبري؟ أليست هذه الصفات واألفعال هي إسقاطاتٌ برشية؟!‬ ‫كيف يدرك األبصار؟ وكيف أنه ٌ‬ ‫ُ ْ َ ُّ َ ْ َ ْ َ ُ َ َ َ ً ُ َّ ُ َ ٌ َ ْ َ َ ْ َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫أو كام هو موجو ٌد يف هذا النص‪﴿ :‬قل أي ش ٍء أكب شهادة ۖ ق ِل الل ۖ ش ِهيد بي ِن وبينكم ۚ﴾‪( .‬األنعام‪.)19 :‬‬

‫هنا يتضح أن الله يشء‪ ،‬وألنهم ال يعلمون عنه أي يشء‪ ،‬فحينام تسألهم هل إلهكم يشء؟ يقعون يف إحرا ٍج وإشكا ٍل‬ ‫فيلتفون بإجابتهم ويقولون‪:‬‬ ‫هو يش ٌء ال كاألشياء‪ ،‬أو ليس كمثله يشء‪،‬‬ ‫وطب ًعا هذه النصوص الواردة يف الكتب املقدسة‬ ‫عندما يطّلع عليها الشخص العاقل واملتجرد من‬ ‫التقديس يجدها كفيل ًة بنسف كل االدعاءات‬ ‫الواردة بحق إلههم املزعوم‪ ،‬فاليشء بهذا املعنى‬ ‫مثيل حتى ولو بنسب ٍة بسيط ٍة ج ًّدا‪ ،‬ألن‬ ‫يكون له ٌ‬ ‫اليشء لغ ًة وعرفًا هو املوجود املادي‪ ،‬وال ميكن أن‬ ‫يجتمع النقيضان يف آنٍ واحد‪ ،‬مبعنى أنه ال ميكن‬ ‫لليشء أن يكون ال شيئًا يف آنٍ واحد‪.‬‬ ‫ولهذا تجد أتباع الدين يستمرون يف دورانهم‬ ‫ومحاوالتهم للدفاع عن إلههم املجهول وتلميع‬ ‫وجهه وصفاته وذلك من خالل االسرتسال‬ ‫‪53‬‬


‫ما هي األسباب وراء النهي‬ ‫عن التفكر يف ذات الله؟‬ ‫ويف نوري جعفر‬

‫بفلسفتهم الدائرية‪ ،‬مام جعلهم ينقسمون إىل فرقٍ ومدارس‪:‬‬ ‫إثبات للشيئية ولكن بال تشبيه!‬ ‫فمنهم من يجسمه ومنهم من يشَ ِّبهه ومنهم من يقول إنه ٌ‬ ‫ورد يف الحديث‪،‬‬ ‫قال يل الرضا‪ :‬ما تقول إذا قيل لك‪ :‬أخربين عن الله عز وجل يش ٌء‬ ‫فقلت له‪ :‬قد أثبت الله عز وجل نفسه شيئًا يقول‪:‬‬ ‫أم ال؟ َ قال‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ٌ َْ َ ََْ ُ‬ ‫ب ش َهادةً ۖ قل ُ‬ ‫ش ٍء أك َ ُ‬ ‫﴿قُ ْل أ ُّي ْ‬ ‫الل ۖ ش ِهيد بي ِن وبين‬ ‫ك ْم ۚ﴾‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫فأقول‪ :‬إنه يش ٌء ال كاألشياء‪ ،‬إذ يف نفي الشيئية عنه إبطاله ونفيه‪،‬‬ ‫قال يل‪ :‬صدقت وأصبت‪ ،‬ثم قال يل الرضا‪ :‬للناس يف التوحيد ثالثة‬ ‫مذاهب‪ :‬نفي‪ ،‬وتشبيه‪ ،‬وإثباتٌ بغري تشبيه‪ ،‬فمذهب النفي ال‬ ‫يجوز‪ ،‬ومذهب التشبيه ال يجوز ألن الله ال يشبهه يشء‪ ،‬والسبيل‬ ‫يف الطريقة الثالثة إثباتٌ بال تشبيه!‬ ‫ٍ‬ ‫بنصوص غامض ٍة عن اإلله‪،‬‬ ‫الحظوا معي حجم الكارثة التي أحدثها مؤلفو األديان وصانعوها بأتباعهم‪ ،‬فقد أتوا لهم‬ ‫وبهذه الطريقة املاكرة متكنوا من خداع أتباعهم البسطاء‪ ،‬مع العلم‪ ،‬هم يعلمون جي ًدا أن السحر سينقلب عليهم وأن‬ ‫الكارثة ستحل بدينهم وبإلههم املزعوم حينام يخوض أتباعهم يف البحث والسؤال عن ماهية وطبيعة اإلله‪ ،‬ويف أغلب‬ ‫وأيضا سيكتشفون زيف األديان‪ ،‬ألنه ال ميكن ألحد‬ ‫األحيان ستكون النتيجة واحد ًة وهي الشك يف هذا اإلله ويف وجوده‪ً ،‬‬ ‫البحث والسؤال أو الكشف عن املجهول والالممكن إدراكه وتصوره‪.‬‬ ‫وبهذه الطريقة تم إغالق وط َّي صفحة الذات اإللهية‪ ،‬وبنفس الوقت تم طي وإغالق العقل البرشي من خالل السيطرة‬ ‫عليه وإخضاعه يف دوامة التقديس األعمى التي ال ميكن الخروج منها بسهولة‪ .‬فقد متكنوا من تعطيل أدوات بحثه‬ ‫فعل الخالق الذي خلق هذه املوجودات‬ ‫ليتعرف عىل ذات ووجود هذا الخالق املزعوم‪ ،‬أو حتى التأكد من صحة أنه ً‬ ‫وليست أسبابًا أخرى أدت إىل ظهور كل ما يحيط بهم من كائنات!‬ ‫ومثلام تم النهي عن التفكر يف ذات الله لعلمهم بالنتائج الوخيمة املرتتبة عليه‪ ،‬كذلك تم النهي والتحريم يف اقتناء ما‬ ‫يزعمون أنها كتب الضالل‪ ،‬وحسب زعمهم فالهدف من تحرميهم لكتب الضالل هو حفظ املسلمني من أي انحر ٍ‬ ‫اف‬ ‫خصوصا مع جهله مببادئ اإلسالم‬ ‫قد يحصل لدى ضعاف اإلميان منهم‪ ،‬ألن ضعيف اإلميان قد يتأثر بتلك الكتب سل ًبا‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وأصوله لكونه مل يتعلمها ومل يهتم بها‪ ،‬واملراد من حرمة حفظ كتب الضالل هو إتالفها ومحوها من الوجود بأية طريق ٍة‬ ‫كانت‪ ،‬سوا ٌء بالتمزيق أو الحرق أو الرمي يف األماكن التي يصعب وصول الناس إليها وإتالفها بطريق ٍة ال يعود من املمكن‬ ‫االستفادة منها!‬ ‫‪54‬‬


‫ما هي األسباب وراء النهي‬ ‫عن التفكر يف ذات الله؟‬ ‫ويف نوري جعفر‬

‫ومن هنا نفهم كيف متكَّن كهنة وصانعو األديان منذ بدء دعوتهم من السيطرة عىل عقول البسطاء من أتباعهم‬ ‫قالب ال ميكن‬ ‫وإخضاعها تار ًة بالقوة واإلجبار‪ ،‬وتار ًة بالرتغيب والرتهيب‪ ،‬وتار ًة أخرى بتغييب عقولهم وتجميدها يف ٍ‬ ‫الخروج منه إال بشق األنفس‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫وبصوت عا ٍل‪،‬‬ ‫ولو أتيحت الفرصة للجميع يف التفكري بحري ٍة‬ ‫سوا ٌء يف البحث عن ذات الله وصفاته أو يف التحقق من‬ ‫صدق ما جاء به مروجو األديان و ُم َّدعوها‪ ،‬أو من خالل‬ ‫القراءة واالطالع عىل ما حرموه من كتب الضالل‪ ،‬ملا كنا اليوم‬ ‫نسمع عن املليارات الزائفة للمؤمنني باألديان‪ ،‬بل سنجدهم‬ ‫يتحدثون عن بضعة ماليني من املؤمنني أو رمبا أقل من ذلك!‬ ‫ٍ‬ ‫صفات‬ ‫من يقرأ الكتاب املقدس لليهود واملسيحيني سيجد‬ ‫ٍ‬ ‫وترصفات شاذ ًة للرب ال تستسيغها حتى عقول‬ ‫وأفعال‬ ‫ً‬ ‫األطفال‪.‬‬ ‫مالحظة‪ :‬كل األديان عىل األرض هي من صنع البرش!‬

‫‪55‬‬


http://www.thelandofsands.blogspot.com

56


‫‪Amgd Sameh‬‬

‫هل الله قادر عىل تغيري ما‬ ‫كتبه باللوح املحفوظ؟‬ ‫أن استطاع فهو كاذب بأدعائه‬ ‫العلم بالغيب وان مل يستطع‬ ‫فهو عاجز وكاذب بتلبيته‬ ‫الدعاء‬ ‫الله يف مازق‬ ‫‪Shady Sroor‬‬

‫من غباء الدعاء ان الذي يدعو‬ ‫الله يعلم ان الله يعرف دعاءه‬ ‫مسبقاً دون الحاجة ان يدعو‬ ‫لكنه يدعو‬ ‫الدعاء عبارة عن االعرتاض‬ ‫باللوح املحفوظ ويطلب من‬ ‫الله ان يغريه‬ ‫‪Mustafa Hajee‬‬

‫وهنا يتوضَّ ح للجميع بأ َّن‬ ‫الدعاء لله ال يختلف عن‬ ‫الدعاء للوح الصابون‪.‬‬ ‫بل إ َّن يف لوح الصابون بعض‬ ‫الفائدة عىل عكس الله ^_^‬

‫‪57‬‬


‫مجلة شهرية بجهود فردية تصدر في الثاني عشر من كل شهر‬

The Arab Atheists Magazine is a digital publication Arab Atheists is a digital publication produced producedMagazine by volunteers and committed to promoting entirelythebythought volunteers freedom of thought, inf andcommitted writings oftoatheists of various persuaormative andcomplete enlightening articles regardlessdoes of not ethnicity sions with freedom. The Magazine adopt gender ororpersuasion with autonomy, complete independence endorse any form of political ideology or affiliation and most importantly free from geopolitical censorship. Contributors bear the full responsibility of the content, illustraThetions Magazine doesthey not provide adopt orinsofar endorse formcopyright of political and topics as itany covers and ideology or affiliation. Contributors will assume full responsibility issues of intellectual property for the content, illustrations and topics they provide pertaining to infringement of copyrightfor andtoissues of intellectual property. Express permission publish in the Magazine is provided by contributors, whether they are members of the Arab Atheists TheMagazine expressed permission to publish in the Magazine is Group of other atheists and non-religious contributors provided by contributors, whether they are members of the Arab Atheists Magazine Editorialdoes or other atheistsmaterial and non-religious contributors. The Magazine not publish that is unethical or that incites racism or bigotry The Magazine does not publish unethical material that amongst other things perpetuateBoard incitement racism The Editorial reservestothe rightortobigotry. republish content originally published on the Magazine’s Facebook group, as Thepublishing Editorial there Boardimplicitly reserves contains the right to republish content consent for republication originally shared on our magazine’s Facebook page in thepublishing Magazine there gives implicit consent to republish to the Magazine.

:‫موقع املدونة اخلاصة بنا لألرشفة على اإلنترنت‬ www.aamagazine.blogspot.com ‫البريد اإللكتروني‬ el7ad.organisation@gmail.com magazine@arabatheistbroadcasting.org


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.