مجلة الملحدين العرب / العدد التسعون / مايو أيار / 2020

Page 1

‫مجلة شهرية بجهود فردية تصدر يف الثاين عرش من كل شهر‬

‫الشتات العريب بني الدين‬ ‫واملعرفة‬ ‫د‪.‬عبد العزيز القناعي‬

‫الصعاليك‪ :‬الجزء الثاين‬

‫كنان أحمد‬

‫ال تنتظر الرب‬

‫العدد التسعون من مجلة امللحدين العرب ‪ -‬مايو ‪ /‬أيار لسنة ‪.2020‬‬

‫نورما باسييل‬

‫املرأة بني الواقع‬ ‫والتحدي‬

‫د‪ .‬سمرياميس العامري‬ ‫تهدف مجلّة امللحدين العرب إىل نرش وتوثيق أفكار امللحدين العرب املتنوعة وبحريّ ٍة كاملة‪ ،‬وهي مجلّ ٌة رقمي ٌة غري ربح ّية‪ ،‬مبني ٌة‬ ‫أي توج ٍه سيايس‪ .‬املعلومات واملواضيع املنشورة يف املجلّة متثل آراء كاتبيها فقط‪ ،‬وهي مسؤول ّيتهم من‬ ‫بجهو ٍد طوعي ٍة ال تتبع َّ‬ ‫الناحية األدب ّية ومن ناحية حقوق النرش وحفظ امللك ّية الفكريّة‪.‬‬


‫كلمة تحرير املجلة‬

‫ربا يثقل فيه العبء عىل كاهل املجتمعات‬ ‫يف الوقت الذي ّ‬ ‫العربية باعتبارها دول عا ٍمل ٍ‬ ‫ثالث ودو ٍل نامي ٍة تحت قوانني‬ ‫العزل‪ ،‬ورغبة الكثريين بالعودة ملواصلة حياتهم الطبيعية كام‬ ‫كانت‪ ،‬وإعادة فتح املَحال والرشكات واملصانع‪ ،‬وإعادة إنعاش‬ ‫هذا االقتصاد الذي عاىن مع هذا الفايروس كام يعاين املصابون‬ ‫به‪ ،‬وجب علينا إدراك الدور الذي يلعبه أوالئك الذين يقومون‬ ‫بواجبهم الوطني واإلنساين بدون توقعٍ أي اعرت ٍ‬ ‫اف أو متجيد‪،‬‬ ‫وهنا أتكلم عن الجندي املجهول يف هذه الحرب وهم مق ّدمي‬ ‫عمل نظاف ٍة ومهندسني وطواقم طبي ٍة‬ ‫الخدمات األساسية من ّ‬ ‫وعامل نقل املنتجات الرضورية عىل نقاط التوزيع‪ ،‬هؤالء عاد ًة‬ ‫ما يهملهم املجتمع وال يعرتف بدورهم وعطائهم‪ ،‬وأعتقد أننا‬ ‫يجب أن نق ّدم لهم الشكر والعرفان لتضحياتهم يف هذه األوقات‬ ‫العصيبة عىل الجميع‪.‬‬ ‫ثقيل عىل االقتصاد فهو‬ ‫العزل الصحي الذي من ّر به وإن كان ً‬ ‫رسمي ملواجهة هذا الوباء‪،‬‬ ‫رضوري يف ظل غياب أي عال ٍج أو لقا ٍح‬ ‫ٌ‬ ‫ٍّ‬ ‫وعلينا أن نتذكر أن الحياة بعد هذا الفايروس ستكون مختلفة‬ ‫سيغي الكثري من سلوكنا االجتامعي‬ ‫عن الحياة قبله‪ ،‬حيث أنه ّ‬ ‫عالج يف املستقبل‪ .‬ومن‬ ‫لقاح أو ٌ‬ ‫وعاداتنا العامة حتى لو ُوجد ٌ‬ ‫هذه النقاط املهمة يف مجتمعاتنا هي الطقوس الدينية التي‬ ‫ٍ‬ ‫وتالصق بني مؤديي الشعائر‪.‬‬ ‫تجمعات كبري ٍة‬ ‫كانت دو ًما تتضمن‬ ‫ٍ‬ ‫خصوصا دعوات‬ ‫علينا أن نواجه كمتنورين عمو ًما وكملحدين‬ ‫ً‬ ‫التجمهر لتأدية الطقوس الدينية بالنصح والتوعية ملن حولنا‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫فالدين بشكله العام يرى العلم كنو ٍع من املنافسة‪ ،‬وبسبب قرص‬ ‫أفق الفكر الديني واعتقاده بأن الكون يطوف يف فَلكه‪.‬‬

‫فريق التحرير‬

‫املشارك يف هذا العدد‬

‫رئيس التحرير‬ ‫الغراب الحكيم‬ ‫أعضاء هيئة التحرير وبناء املجلة‬ ‫‪John Silver‬‬ ‫أسامة البني (الوراق)‬ ‫‪Alia’a Damascéne‬‬ ‫غيث جابري‬ ‫‪Abdu Alsafrani‬‬ ‫‪Raghed Rustom‬‬ ‫‪Johnny Adams‬‬ ‫ليث رواندي‬ ‫‪Rama Salih‬‬ ‫إيهاب فؤاد‬ ‫‪Yonan Martotte‬‬

‫ومثقفني علينا مواجهة هذا التيار املعاكس‬ ‫الذي يحارب العلم والسالمة العامة عن‬ ‫جهلٍ وغرو ٍر مدركني أننا إن بقينا صامتني‬ ‫قد تتضاعف أعداد الضحايا عرشات املرات‬ ‫بسبب الجهل والعنجهية ونظريات املؤامرة‬ ‫ينظر الكثري من املتدينني لهذا الحجر الصحي كمحاول ٍة إلضعاف من الجانب املصاب بلعنة التفكري الغيبي‪.‬‬ ‫نفوذ الدين وسيطرته‪ ،‬ومبظلوميته املعتادة ستنترش نظريات واجبنا كمتنورين أن نحاول إنقاذ الجميع‪.‬‬ ‫املؤامرة عن أن هذا الفايروس والحظر ما هو إال وسيل ٌة إلبعاد حتى وإن كانوا يعملون ضد مصلحتهم‪.‬‬ ‫وإرغام للمؤمنني عىل التخيل عن الله‪،‬‬ ‫املؤمنني عن ُدور العبادة‬ ‫ٍ‬ ‫حيث بدأت بوادر هذه الخرافات ونظريات املؤامرة بالتربعم‬ ‫وجامعات نعترب أنفسنا متنورين الغراب الحكيم‬ ‫ٍ‬ ‫يف مجتمعاتنا… كأفرا ٍد‬ ‫‪2‬‬


‫الفهرس‬ ‫كلمة تحرير املجلة‬

‫‪2‬‬

‫الفهرس‬

‫‪3‬‬

‫الشتات العريب بني الدين واملعرفة‬ ‫د‪ .‬عبد العزيز القناعي‬

‫‪4‬‬

‫حول األزمات واإلنسان‬ ‫مهند الرشعة‬

‫‪8‬‬

‫الصعاليك‪ :‬الجزء الثاين‬ ‫كنان أحمد‬

‫‪14‬‬

‫علّمني والدي‬ ‫پاميال غانم‬

‫‪24‬‬

‫املرأة بني الواقع والتحدي‬ ‫د‪ .‬سمرياميس العامري‬

‫‪27‬‬

‫للتوثيق‪:‬‬ ‫سورة كورونا وحرية الرأي يف تونس‬

‫‪49‬‬

‫ال تنتظر الرب‬ ‫نورما باسييل‬

‫‪54‬‬

‫جورج سميث اإللحاد‪ :‬مس ِّو ُغ نبذ اإلله جـ ‪2‬‬ ‫مصطفى ح ّجي‬

‫‪59‬‬

‫كورونا أنهت النقاش!!‬ ‫‪Mahmoud Albayati‬‬

‫‪65‬‬

‫كاريكاتور‬

‫‪74‬‬

‫‪3‬‬


‫الشتات العريب بني الدين واملعرفة‬ ‫د‪.‬عبد العزيز القناعي‬

‫الضعف والهوان العربيان املستمران منذ عقو ٍد طويل ٍة‬ ‫قضي ٌة شغلت العديد من الباحثني واملختصني واملفكرين‬ ‫العرب‪.‬‬

‫وخصوصا يف العرص العبايس‬ ‫حياة التطور واالزدهار والقوة‬ ‫ً‬ ‫واألموي‪ .‬فام هي األسباب الكامنة وراء تطور الشعوب‬ ‫الغربية اليوم؟ وأسباب تراجعنا حاليًا؟ وما هي الحلول‬ ‫الواقعية للنهوض باألمة العربية واإلسالمية؟‬

‫وأيضا انشغل باالنحطاط العريب الكثري من الفالسفة‬ ‫ً‬ ‫واملثقفني يف الغرب نظ ًرا ملا يحتله العرب من موقعٍ‬ ‫وسيايس يف العرص الحديث تحدي ًدا‪.‬‬ ‫واقتصادي‬ ‫تاريخي‬ ‫ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍّ‬

‫ال شك أن لكل أم ٍة تراث ًا وماض ًيا وديان ًة تستند إليها‬ ‫وتعتربها موروث ًا صحي ًحا يساهم يف تطورها وتهذيب‬ ‫أخالقها وتربية أجيالها‪.‬‬

‫وتُركز العديد من الدراسات واألبحاث عىل هذا األمر‬ ‫وتُرجعه إىل العديد من العوامل واملسببات والعوائق‪،‬‬ ‫فقد قال عيل عزت بيجوفيتش‪« :‬إن أسباب نهضة أم ٍة ما‬ ‫أو انحطاطها‪ ،‬تكون دامئًا أسبابًا معقد ًة ومتعددة األبعاد‬ ‫والجوانب»‪.‬‬

‫ولكن ما يغيب عن العرب هو أن التطور والتقدم عملي ٌة ال‬ ‫تتوقف عىل الدين وتعاليمه‪ ،‬أو عىل البناء الفخم والسكن‬ ‫أيضا هي‬ ‫الفاخر واملالبس الغالية والطعام الصحي‪ ،‬بل ً‬ ‫عملي ٌة تطال البنية الذهنية والعقلية للفرد‪.‬‬

‫فإذا كان العرب قد شهدوا قد ًميا نقل ًة نوعي ًة من حياة‬ ‫البادية والقبائل واإلغارات‪ ،‬إىل ٍ‬ ‫قريب من‬ ‫منط شبه مد ٍّين ٍ‬

‫فنحن بكل بساط ٍة نعيش يف العرص الحديث ولكن نفكر‬ ‫كام فكّر آباؤنا وأجدادنا وصحابتنا وأنبياؤنا وهم يعالجون‬

‫‪4‬‬


‫الشتات العريب بني الدين واملعرفة‬ ‫قضاياهم ومشاكلهم يف أزمن ٍة وأماك َن أخرى‪ ،‬فحدث االنفصام‬ ‫والتناقض التاريخي بني املايض والواقع‪.‬‬ ‫فهل ميكن اعتبار اإلسالم كديان ٍة السبب الرئييس لهذا التخلف‬ ‫الذي يقبع به العرب منذ قرون؟؟ أم أن هناك أسبابًا أخرى؟؟‬ ‫فال ميكن منطق ًيا تحميل التعاليم الدينية كل هذا التخلف‬ ‫السيايس واالجتامعي واالقتصادي وإغفال العديد من العوامل‬ ‫املؤسسة كاألنظمة والحكام والجهل والفساد والتعليم ومنط‬ ‫ِّ‬ ‫عامل واح ٌد من عوامل كثري ٍة ال تُحىص‪.‬‬ ‫االقتصاد‪ .‬فاإلسالم ٌ‬ ‫حل من الحلول للمشكالت واألزمات الحديثة‪.‬‬ ‫أيضا ليس ً‬ ‫فالقرب من اإلسالم ال يعني أنه يسء‪ ،‬ولكنه ً‬ ‫فعلينا أن نف ّرق بني الدين كعباد ٍة فردي ٍة وبني دور اإلنسان يف خلق الواقع وتغيري املستحيل وبناء املستقبل‪.‬‬ ‫ففي ٍ‬ ‫تعاط ساذ ٍج مع أزماتنا يعزو الكثري من رجال الدين والفقهاء أن السبب الرئييس لرتاجعنا حضاريًا هو يف بُعدنا‬ ‫وأيضا يف معاصينا ومخالفتنا ألوامر الدين واتّباعنا للشهوات واستسالمنا للفنت ما‬ ‫عن اإلسالم وعدم تطبيق الرشيعة‪ً ،‬‬ ‫ظهر منها وما بطن إىل آخر تلك األسطوانة التاريخية منذ نشوء اإلسالم وحرصه عىل قولبة العقل املسلم داخله دون أي‬ ‫محاول ٍة للخروج من هذا النمط من التفكري واإلميان‪.‬‬ ‫وبينام تستمر األنظمة يف السامح ملثل تلك األيديولوجية والرىض عنها بل والدفاع عنها ضد من ينتقدها لِام تخلقه‬ ‫من كسلٍ وجمو ٍد وابتعا ٍد عن التفكري العلمي والعقالين يف األسباب الحقيقية التي متس األنظمة مبؤسساتها وأفرادها‬ ‫وهيكلها‪.‬‬ ‫فإنها وبنفس الوقت تستمر يف تبديد طاقات الشباب ويف استكامل السطو عىل الرثوات ويف خداع الشعوب العربية‬ ‫بقضايا التنمية والحريات وحقوق اإلنسان دون أي تغيريٍ‬ ‫جذري يف عالقات اإلنتاج املجتمعية أو يف نظم التعليم أو يف‬ ‫ٍّ‬ ‫نظام الحكم ومتكني الدميقراطية‪ .‬فام زالت مجتمعاتنا يف الدرك األسفل من التطور والتقدم العلمي والتكنولوجي‪ ،‬وما‬ ‫زالت حدودنا مرس ًحا للرصاعات الطائفية والحروب الدولية ومصالح الدول الكربى‪ ،‬وما زالت الشعوب غارق ًة بالجهل‬ ‫والفقر والوصاية والخوف‪ .‬بل والطامة الكربى تكمن يف نسيان أن الغرب تفوق علينا دون أن يتمسك بتعاليمه الدينية‬ ‫أو بالرتدد عىل الكنائس واألديرة واملعابد اليهودية‪.‬‬ ‫اختعت الطابعة يف‬ ‫تاريخ ًيا‪ ،‬ميكن اعتبار فتوى تحريم الطباعة يف العامل اإلسالمي نقطة بداية انحدار العرب‪ .‬فعندما ُ‬ ‫وسمح فقط ألصحاب الذمة من‬ ‫الغرب قام علامء الدولة العثامنية بإصدار فتا ٍو متنع دخولها إىل دول الخالفة اإلسالمية‪ُ .‬‬ ‫اليهود والنصارى باستعاملها‪ ،‬وفقط لطباعة كتبهم‪ ،‬ويجب أال تكون باللغة العربية‪.‬‬ ‫‪5‬‬


‫الشتات العريب بني الدين واملعرفة‬ ‫وهكذا تعطل العقل املسلم وتوقف عن الرتجمة والقراءة واالستفادة من كل ما يتعلق بالطباعة والكتب والنرش‬ ‫والتوزيع واكتفى بالدين وتفاسريه القدمية بعد أن تم التخلص من كتب الفالسفة واملفكرين باعتبارها كتبًا تحض وتدعو‬ ‫إىل الزندقة والكفر واإللحاد‪.‬‬ ‫فعل أن التقدم التكنولوجي والتطور له عالقٌة باألديان واالنتامء العرقي أو النسب كام ذكرنا‪ ،‬أم أنه يعتمد عىل‬ ‫لكن هل ً‬ ‫رغبة البرش يف املعرفة واالكتشاف واقتحام املجهول؟ فالواقع يقول‪ :‬بينام أن اإلنسان العريب يعيش مستهلكًا جهود غريه‬ ‫والع ًنا للكفار واملرشكني‪ ،‬فإن يف العامل اآلخر شعوبًا تنتج وتعمل وتفكر وتقرأ‪.‬‬ ‫فالتقدم هو تطو ٌر يف العديد من املجاالت العلمية والتعليمية ودراسة أسباب ومسببات ونتائج‪ ،‬مثل نسبة األمية‬ ‫واملتعلمني‪ ،‬قوة املناهج الدراسية‪ ،‬عدد العلامء واملخرتعني‪.‬‬ ‫ويف الجانب االقتصادي‪ ،‬ماهي قوة اقتصاد الدولة‪ ،‬وازدهار الصناعة والزراعة ومنط االستثامر؟ ويف الجانب االجتامعي‬ ‫نتحدث عن حقوق املرأة وانتشار العدل واألمن واالستقرار؛ كام وأن متاسك املجتمع ومدى حصول اإلنسان عىل حقوقه‬ ‫وحرياته من أهم قضايا تطور الجانب االجتامعي‪.‬‬ ‫ويف الجانب الصحي‪ ،‬ما هو عدد األطباء املختصني واملراكز الطبية‪ ،‬نسبة الوالدات والوفيات وطرق العالج والصحة؟ ويف‬ ‫الجانب السيايس ما هو نظام الحكم؟ وهل الدولة دول ٌة علامني ٌة ليربالي ٌة أم شمولية؟ وغريها من املعايري التي من خاللها‬ ‫ميكن تصنيف الدول إىل متقدم ٍة ومتخلفة‪.‬‬ ‫فمقولة أن العرب ليسوا متطورين ألنهم غري متمسكني بدينهم‪ ،‬هي مقول ٌة تكذّب التاريخ والواقع‪ .‬فإلقاء نظر ٍة عىل‬ ‫املجازر الُمرتكبة باسم النظام الديني السيايس‪ ،‬والنهب واالستعباد تكفي لنعرف مدى الظلم واالستبداد والقهر والتعطيل‬ ‫ٌ‬ ‫احتالل ألرايض الغري‬ ‫الذي حدث للشعوب واملجتمعات‪ ...‬نعم كان هناك علامء يف التاريخ اإلسالمي‪ ،‬ولكن كان هناك‬ ‫للرسقة وخطف النساء كجوا ٍر وأطفالهن كعبيد‪ ،‬نعم كان هناك علامء‪ ،‬لكن أغلبهم مل يكونوا عربًا من األساس بل تم‬ ‫تكفريهم والحكم عليهم بالردة‪.‬‬ ‫ِيسلَ ْر‪« :‬أن اإلسالم ُبني عىل‬ ‫يقول الباحث الفرنيس جاك ر ْ‬ ‫ستة أركانٍ وليس عىل خمسة فقط»‪ ،‬حيث يضيف الجهاد‬ ‫ٍ‬ ‫سادس لإلسالم‪ ،‬بعدما شاهد قوة العمليات اإلرهابية‬ ‫كَ ُركْنٍ‬ ‫واعتامدها عىل مصطلح الجهاد كارتكا ٍز يف العودة إىل الدين‪،‬‬ ‫وإغفال املعرفة والفلسفة والفنون والحريات والدميقراطية‬ ‫كأكرب العوامل يف التقدم والتطور الحضاري واإلنساين‪ .‬ومن هذا‬ ‫املنطلق ميكننا الجزم بأن العرب أم ٌة ضعيف ٌة وستظل كذلك‬ ‫طاملا أنها تبتعد عن األخذ بأسباب التقدم الحقيقية وتكتفي‬ ‫ٍ‬ ‫موروثات وثقاف ٍة مل تعد صالح ًة لالستهالك‪.‬‬ ‫مبا لديها من‬ ‫‪6‬‬


https://www.facebook.com/groups/arbangroup/

7


‫حول األزمات واإلنسان‬

‫مهند الرشعة‬

‫مستغل‬ ‫ّ‬ ‫تكمن مشكلة األزمات دامئًا يف‬ ‫هذه األزمات‪ ،‬هذا الصنف الغريب من‬ ‫البرش الذي يسعى لتحويل أزم ٍة سوا ٌء حربًا‬ ‫مرضا إىل يش ٍء مربح‪ ،‬سوا ٌء‬ ‫أو كارث ًة بيئي ًة أو ً‬ ‫أكان هذا الربح ماديًا أو معنويًا‪ ،‬ولنا يف‬ ‫التاريخ والحارض أمثل ًة ميكن أن تساعدنا يف‬ ‫فهم هذا النوع من الشخصيات التافهة‪.‬‬ ‫يف البداية أود الحديث عن أهمية األزمة‪،‬‬ ‫فهي تُشكل تحديًا لألفراد والجامعات‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫مستويات‬ ‫وهذا التحدي إذا ما كان ضمن‬ ‫معين ٍة وكانت االستجابة من ِقبل األفراد‬ ‫واملجتمعات له ضمن مست ًوى مع ٍني‬ ‫فإنه يكون داف ًعا للتغيري والتطوير‬ ‫نحو األفضل‪،‬‬ ‫‪8‬‬


‫حول األزمات واإلنسان‬ ‫مهند الرشعة‬

‫ٍ‬ ‫رشوط أهمها طبيعة تفكري‬ ‫ولكن ذلك يحتاج لعدة‬ ‫األفراد واملجتمعات‪ ،‬وملعرفة طبيعة تفكريهم فإننا‬ ‫نحتاج لفهم واقعهم ومنط إنتاجهم‪ ،‬فنمط اإلنتاج هو‬ ‫ما يحدد طبيعة البنى الفوقية ملجتمعٍ ما‪ ،‬ويف هذا‬ ‫العامل فإن منط اإلنتاج السائد عىل العموم هو منط‬ ‫اإلنتاج الرأساميل بأشكاله املختلفة والتي لن نخوض‬ ‫فيها اآلن‪ ،‬وهو ما ساعد عىل عوملة العامل‪ ،‬وفتحه عىل‬ ‫بعضه البعض‪ ،‬كام يجعل من نظرية أثر الفراشة أم ًرا‬ ‫واق ًعا‪.‬‬ ‫أشكال مختلف ًة من التفكري ُأسسها‪ :‬حب التملك‪ ،‬حب االستهالك‪ ،‬األنانية‪ ،‬البحث عن الربح‪،‬‬ ‫ً‬ ‫إن منط اإلنتاج هذا يُن ّمي‬ ‫وين ّمي طُرق تفكريٍ غرائزي ٍة شهوانية‪ ،‬وهذه األخرية تتم تنميتها من خالل وسائل اإلعالم عىل وجه الخصوص‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫مجاالت مختلف ٍة وذلك من خالل طريق ٍة جدلية‪ ،‬فهي تؤثر عىل األفراد من‬ ‫وهذه األسس هي التي تو ّجه تفكري البرش يف‬ ‫خالل املؤسسات‪ ،‬وتؤثر عىل املؤسسات من خالل األفراد‪ ،‬بهذه الطريقة تتجىل هذه األفكار يف األرسة‪ ،‬والتعليم‪ ،‬والعمل‪،‬‬ ‫والدين‪ ،‬والفن‪ ،‬والعلم‪ ،‬وتعامالت األفراد االجتامعية املختلفة‪ ،‬وتصبح معيا ًرا للشطارة والفهلوة‪.‬‬ ‫وجود هذا النوع من التفكري يف األوقات العادية لن يزاح ألجل أنواع التفكري األسمى التي تكرس قيم الحب والتضامن‬ ‫يوم وليل ٍة إطالقًا‪ ،‬ولذلك فخالل األيام العصيبة يظهر هذا التفكري‬ ‫واألخ ّوة والعدالة يف األيام الصعبة‪ ،‬فاإلنسان ال يتغري يف ٍ‬ ‫السلبي بشكلٍ أكرث قسوةً‪ ،‬ومن خالله تتشكل ظواهر مختلف ًة‪ ،‬كخطابات الكراهية‪ ،‬االحتكار‪ ،‬االستغالل‪ ،‬التخيل عن‬ ‫اآلخرين‪ ،‬ارتفاع نسبة العنف وكرس القانون‪ ،‬التقوقع عىل الذات‪...‬إلخ إلخ‪.‬‬ ‫من هنا تظهر عدة ظواهر علينا الحديث عنها ضمن مجاالتها السياسية واالقتصادية واالجتامعية والفكرية‪:‬‬ ‫‪ .1‬السياسة‪ :‬ضمن املجال السيايس‪ ،‬فإن أوقات األزمات تعد األكرث تحبيذًا عند السياسيني‪ ،‬وهم يحبون خلقها‬ ‫ٍ‬ ‫خطابات كث ًريا ما تكون متناقض ًة وتتسم‬ ‫وإنتاجها من أجل كسب الشعبية‪ ،‬وتكوين القواعد الجامهريية‪ ،‬لذلك يق ّدمون‬ ‫بالدمياغوجية والشعبوية‪ ،‬وهو ما يؤدي إىل زيادة الكارثة‪ ،‬خاص ًة إذا مل يأخذ السياسيون بأقوال املختصني من أهل العلم‪،‬‬ ‫ويف أزمة كورونا لدينا مثالني‪ :‬إيطاليا وأمريكا‪ ،‬ولألسف بسبب حامقة بعض السياسيني املوجودين يف مناصب هام ٍة يفقد‬ ‫العديد من األبرياء حياتهم‪.‬‬ ‫‪9‬‬


‫حول األزمات واإلنسان‬ ‫مهند الرشعة‬

‫إن سياسات العقوبات التي فُرضت عىل بعض‬ ‫الدول بجانبها الصحي قد أث ّرت كث ًريا ليس عىل‬ ‫أيضا‪،‬‬ ‫أنظمة هذه الدول فقط‪ ،‬بل عىل شعوبها ً‬ ‫وبغض النظر عن الخالفات السياسية فإن من‬ ‫ّ‬ ‫ميوت جراء هذا الجانب من العقوبات هم‬ ‫األبرياء الذين تريد الدول العظمى أن تحررهم‬ ‫كام ت ّدعي؛ إن هؤالء األبرياء لن يقوموا من‬ ‫قبورهم ليثوروا عىل أحد‪ ،‬ولن يتمكنوا من‬ ‫الحياة إذا مل يجدوا رعاي ًة طبي ًة تحفظ لهم‬ ‫رش حق الحياة‪ ،‬هذا الحق املقدس والذي‬ ‫كب ٍ‬ ‫يجب أن ننظر إليه بعني االعتبار‪.‬‬ ‫إن السياسة اليوم وصلت ملرحل ٍة سيئ ٍة من الالأخالقية‪ ،‬وقد سقطت أقنعة السياسيني بعد أن أصبح العامل مفتو ًحا وفضا ًء‬ ‫معرف ًيا منفت ًحا بحيث ميكن رؤية التناقض بني الترصيحات واألحداث‪ ،‬ولكن هذا املرض ليس كاألسلحة التي تصيب‬ ‫الناس وال تصيب السياسيني‪ ،‬فالكثريين منهم تعرضوا له وهو يهدد حياتهم شخص ًيا وبشكلٍ أكرب‪ ،‬جراء اختالطهم هم‬ ‫و ِفرقهم باملصابني‪.‬‬ ‫‪ .2‬االقتصاد‪ :‬يف كل أزم ٍة هناك من يسعى لجعل هذه األزمة تدر عليه رب ًحا‪ ،‬بل ويسعى لتأجيجها‪ ،‬فالحروب هي‬ ‫أكرث ما يُفرح رشكات السالح‪ ،‬وطب ًعا ت ُفرح تجار العقارات الذين تعلّموا قاعد ًة يف الحروب وهي‪ :‬تاجِر يف العقارات؛‬ ‫وخالل األزمات خاص ًة يف بدايتها يبدأ التجار برفع األسعار‪ ،‬وهذا الرفع ال عالقة له فقط بقانون العرض والطلب‪ ،‬وإمنا‬ ‫يتحول الستغالل هلع الناس وحاجتهم من أجل تحقيق الكسب‪ ،‬كام تبدأ ظاهرة احتكار السلع من أجل رفع قيمتها‬ ‫الحقًا‪ ،‬كام ويسعى بعض االقتصاديني إلطالة عمر األزمة وذلك من خالل استخدام السياسيني لذلك‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫أدوات بيد أصحاب القرار االقتصادي‪ ،‬وأحيانًا كثري ًة يكونون منهم‪ ،‬ولنأخذ ترامب كمثال‪،‬‬ ‫فهؤالء السياسيني ليسوا سوى‬ ‫فهو الذي رفض إغالق الحدود وتطبيق حج ٍر مبك ٍر من أجل عجلة االقتصاد‪ ،‬األمر الذي أخذ البالد نحو الكارثة‪ ،‬ولكنه مل‬ ‫يتعلم فأخذ ير ّوج لجهاز ٍ‬ ‫فحص ملرض كورونا من أجل جني املال‪.‬‬ ‫بدوام جز ٍّيئ ورواتب جزئية‪،‬‬ ‫ً‬ ‫عملهم عىل العمل ٍ‬ ‫وأيضا نرى معارضة الكثري من رجال املال للحظر واإلغالق بل ويجربون ّ‬ ‫وتساعدهم عىل ذلك سياسات دولهم‪ ،‬كام حدث يف بعض دول الخليج‪ ،‬وإننا لنتساءل هل هؤالء العامل واملوظفون هم‬ ‫مج ّرد ٍ‬ ‫عبيد لهؤالء األشخاص الذين انتُزعت من قلوبهم العاطفة والرحمة؟!‬ ‫‪10‬‬


‫حول األزمات واإلنسان‬ ‫مهند الرشعة‬

‫‪ .3‬االجتامعي‪ :‬لو تحدثنا عن العالقات االجتامعية يف هذا العرص لوجدنا أنها عالقاتٌ قد فقدت معناها وقي َمها يف‬ ‫الغالب‪ ،‬فعالقات الحب والصداقة والتعاطف والتضامن قد فقدت معانيها لصالح املصالح املتبادلة‪ ،‬ويف وقت األزمات‬ ‫يسعى الفرد للنجاة هو وأقاربه الجينيني‪ ،‬فنجد هل ًعا تجاه األسواق‪ ،‬وتخزي ًنا سيئًا للسلع و ُمبال ًغا فيه‪ ،‬ويفقد البرش الثقة‬ ‫جسدي أو‬ ‫فيام بينهم‪ ،‬ويرتصدون أخطاء بعضهم البعض‪ ،‬بل وتصل بهم األمور نحو اإلرضار املبارش ببعضهم‪ ،‬سوا ٌء كرض ٍر‬ ‫ٍّ‬ ‫معنوي من خالل زيادة الشعور بالكراهية نحو اآلخرين‪ ،‬وتحميلهم أخطاء ليس عليهم أن‬ ‫اعتدا ٍء عىل امللكيات أو إرضا ٍر‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫مؤسسات اجتامعي ٍة تسعى الستغالل األزمات‬ ‫يحملوها‪ .‬وهذا نتيجة السياسة واالقتصاد؛ كذلك لدينا شخصياتٌ تعمل يف‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫حامقات‬ ‫كشخصيات مؤثر ٍة ومشهورة‪ ،‬وميارسون‬ ‫علم أو فهم‪ ،‬وهؤالء ه ّمهم الظهور‬ ‫من خالل توعية الناس ولكن دون ٍ‬ ‫كنرش االشاعات واالستهتار والجهل وقلة الوعي‪ ،‬وهو ما يقودنا نحو االتجاه الفكري‪.‬‬ ‫شعب ما أو فر ٍد ما عىل الصعيد اإلنساين ال التقني‪ ،‬فالتقدم التقني ال يعني‬ ‫عب عن مدى تطور ٍ‬ ‫‪ .4‬الفكر‪ :‬إن الفكر يُ ّ‬ ‫تقد ًما إنسانيًا‪ ،‬ولألسف هذه مشكلة البرشية اليوم‪ ،‬فالردة نحو التدين الساذج والقومية ومختلف أشكال اليمني آخذ ٌة‬ ‫أشخاصا يتح ّدون الوباء من خالل دوافع ديني ٍة‬ ‫يف الظهور واالنتشار‪ ،‬وتتعاىل أصواتها اليوم‪ ،‬وخالل هذه األزمات نرى‬ ‫ً‬ ‫حل لهذا‬ ‫شعبوي ٍة وجربية‪ ،‬فهناك من يقول إنها مجرد مؤامر ٍة ملنع الناس من شعائرهم‪ ،‬وهناك من يرى يف الشعائر ًّ‬ ‫الوباء‪ ،‬وهناك من يقول إنها إرادة الله فيستهرت بنفسه وباآلخرين‪ ،‬وهناك من يرى فيها غضبًا من الله فيأخذ بالدعوة‬ ‫مختل‪ .‬إن هذا النوع من التفكري يعكس جهل البرش وعقليتهم التي تعتقد أن‬ ‫والتبشري وبهذا يجعل من ربه مجر ًما ً‬ ‫هناك من يتآمر عليهم‪ ،‬سوا ٌء شيطا ٌن أو جامع ٌة أخرى‪ ،‬وهذا يظهر عىل شكل نظريات املؤامرة‪ ،‬كاالعتقاد بأنه ال وجود‬ ‫لكورونا وإمنا هو غا ٌز يف الجو‪ ،‬أو أن ذلك مؤامرة‪ ،‬وهذا النوع من التفكري ظهر عند بعض أتباع األديان الثالثة عىل وجه‬ ‫أيضا عقلي ًة جربي ًة ترى أن الله هو فاعل كل يشء‪ ،‬وترضب بعرض الحائط قوانني الطبيعة‪،‬‬ ‫الخصوص‪.‬كام يعكس ً‬ ‫وهو أم ٌر أ ّدى إىل انتشار املرض‪ ،‬فمامرسة‬ ‫رغم عن القوانني التي منعت‬ ‫الطقوس الدينية ً‬ ‫التجمعات‪ ،‬ورضبًا بعرض الحائط لالحتياطات‬ ‫قد أ ّدت إىل انتشار املرض بشكلٍ أكرب‪ ،‬وهو ما‬ ‫حدث عند جامع ٍة ديني ٍة يف كوريا الجنوبية‪،‬‬ ‫ومسلمني يف ماليزيا‪ ،‬ومسلمني يف إيران‪ ،‬ويهود‬ ‫الحريديم الذين مثّلوا ‪ 60%‬من إصابات‬ ‫الكورونا يف إرسائيل رغم أنهم يشكّلون أقل من‬ ‫‪ 12%‬من مجمل السكان‪ ،‬وليست املسيحية‬ ‫بأقل‪ ،‬فإرصار البعض عىل طقوس التناول‬ ‫أو الهرع ألرضحة القديسني ساهم بتفيش‬ ‫العدوى‪ ،‬وال أعرف إن كانت آلهتهم موجود ًة‬ ‫هل ستقبل بهذه السذاجة أم ال؟!‬ ‫‪11‬‬


‫حول األزمات واإلنسان‬ ‫مهند الرشعة‬

‫أما األشكال الشوفينية فهي تلك التي تدعو لالنغالق القومي والوطني‪ ،‬وعدم تقديم املساعدة لآلخرين‪ ،‬أو طرد املغرتبني‪،‬‬ ‫أسسا‬ ‫وهذه األشكال ترضب بعرض الحائط انفتاح العامل اإلجباري عىل بعضه‪ .‬إضاف ًة إىل ذلك هناك‬ ‫ٌ‬ ‫أشخاص ال ميتلكون ً‬ ‫علمي ًة أو ثقافي ًة ير ّوجون لغبائهم بأساليب جذاب ٍة تجعلهم مؤثرين بطريق ٍة أو بأخرى‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫أشخاص ي ّدعون العلمية‪ ،‬ويجعلون من الداروينية االجتامعية‬ ‫أيضا‪ ،‬ننصدم ببعض اآلراء من‬ ‫وعىل الصعيد الفكري ً‬ ‫شيئًا علم ًيا وصح ًيا‪ ،‬فيتح ّدثون عن موت املرىض بأمر ٍ‬ ‫اض مزمن ٍة تثبط مناعتهم والكبار يف السن واألشخاص من ذوي‬ ‫ورضوري خالل هذه الكارثة‪ ،‬هذا الكالم ال عالقة له بالعلم‪،‬‬ ‫طبيعي‬ ‫االحتياجات الخاصة بأنه أم ٌر‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫أشخاص أصحاء‪ ،‬ومن املمكن ظهور أوبئ ٍة أخرى يف املستقبل أو ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫حروب‬ ‫أزمات أو‬ ‫فمن املمكن أن يؤدي هذا الوباء ملوت‬ ‫ٍ‬ ‫تؤدي إىل ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫مبسدس يستطيع أن يقتل‬ ‫فطفل‬ ‫موت عشوايئ‪ ،‬ويتناىس هؤالء أن مفهوم القوة اليوم هو مفهو ٌم بات مختلفًا‪ٌ ،‬‬ ‫مالكم بقوة محمد عيل كالي‪ ،‬وبهذه نرى غباء هذا النوع من التفكري‪ ،‬الذي كان آخر من اعتنقه هم النازيون‪ ،‬وال أحد‬ ‫ً‬ ‫ميتلك عقلي ًة سوي ًة يفكر بهذه الطريقة؛ فالحياة حق‪ ،‬وكل حيا ٍة هي مقدسة‪ ،‬وال أعتقد أن هذا النوع من البرش سيتقبل‬ ‫أي ٍ‬ ‫أحد من أهله‪ ،‬وإن ُوجد من يتق ّبل هذا فهو بحاج ٍة إىل مصح ٍة نفسية‪.‬‬ ‫تطبيق هذه األفكار عىل والديه أو ّ‬ ‫حل من العلم وعال ًجا ولقا ًحا‪ ،‬وتعمل عىل‬ ‫ويف الوقت الحايل ننتظر ًّ‬ ‫ذلك عدة مخترب ٍ‬ ‫ات ودول‪ ،‬ولكن أكرث ما نخشاه أن يتحول هذا‬ ‫العالج واللقاح إىل وسيل ٍة لتحقيق املصالح واملكاسب‪ ،‬وهذا ما ال‬ ‫سوي‪.‬‬ ‫يريده أح ٌد ّ‬ ‫إن كل ذلك يقودنا إىل التساؤل ماذا سيحدث بعد األزمة؟ أعتقد‬ ‫قليل‪ ،‬خاص ًة أن‬ ‫أن األمور ستعود إىل ما كانت عليه‪ ،‬بل وستسوء ً‬ ‫البرش فقدوا الثقة ال بحكوماتهم وحسب‪ ،‬وإمنا ببعضهم البعض‬ ‫أيضا‪ ،‬وهذا ما يجعلني غري متفائلٍ مبستقبل البرشية عىل‬ ‫وبأنفسهم ً‬ ‫املدى القريب عىل أقل تقدير‪ ،‬فإذا مل نعي ما يحدث بنا وحولنا فلن‬ ‫نتمكن من تجاوز هذا التفكري نحو إنساني ٍة حقّة‪ ،‬إنساني ٍة تك ّرس‬ ‫قيم الحب والتضامن واألخوة والعدالة واملساواة‪ ،‬فنحن بحاج ٍة إىل‬ ‫تقدم عىل الصعيد الفكري والثقايف واألخالقي‪ ،‬وهذا لن يتحقق‬ ‫ٍ‬ ‫يف ظل منط اإلنتاج الرأساميل‪ ،‬وهذه ليست دعو ًة للشيوعية‪ ،‬وإمنا‬ ‫دعو ٌة إليجاد بديلٍ يعيد لإلنسان إنسانيته املستلبة‪.‬‬ ‫‪12‬‬


http://arabatheistbroadcasting.com/aamagazine https://www.aamagazine.blogspot.com https://www.facebook.com/pages/AAMagazine/498136386890299 https://issuu.com/928738

13


‫الصعاليك‬

‫الجزء الثاين‬

‫كث ًريا ما ترتدد عىل مسامعنا كلامت‬ ‫«صعلوك» و«الصعاليك» لدرجة أننا إن‬ ‫أردنا أن نذ ّم أح ًدا فإننا نقول بأنه صعلوك‪.‬‬ ‫من هو الصعلوك؟‬ ‫الصعلوك لغ ًة هو قليل املال والدعم‬ ‫والذي ليس له سن ٌد يدافع عنه‬ ‫وهي كلم ٌة عربي ٌة قدمي ٌة ج ًدا‬ ‫كانت العرب تستعملها من‬ ‫قبل اإلسالم ولكن هل‬ ‫هي بنفس هذا املعنى‬ ‫الدارج اآلن؟‬

‫كنان أحمد‬ ‫‪14‬‬


‫الصعاليك‬ ‫الجزء الثاين‬

‫كنان أحمد‬

‫محمد وزواجه من خديجة‬ ‫‪-4‬‬ ‫ٌ‬ ‫يف تلك األثناء ُولد محم ٌد وترعرع يف بيت جده عبد املطلب‬ ‫والذي كان صديقًا لورقة بن نوفل‪ ،‬وكانا صديقني‪ ،‬بل أكرث من‬ ‫صديقني‪ .‬كانا إخو ًة حتى وفاة عبد املطلب‪.‬‬ ‫ورقة عرف محم ًدا منذ صغره يف غار حراء الذي كانوا يجتمعون‬ ‫ويجلسون ويتفكرون به‪ ،‬والذي ورث هذه العادة ابن ابنه محم ٌد‬ ‫بعد موت جده‪ ،‬حيث قال ابن األثري يف الكامل يف التاريخ‪ :‬وهو‬ ‫أول من تحنث بحراء فكان إذا دخل شهر رمضان صعد حراء‬ ‫وأطعم املساكني جميع الشهر‪.‬‬ ‫وتويف وله مائ ًة وعرشون سن ًة‪ ،‬وكان قد عمي‪ .‬وقيل غري ذلك(‪.)1‬‬

‫ور َد يف السرية الحلبية(‪:)2‬‬ ‫وعن ٍ‬ ‫قريش يف الجاهلية»‪،‬‬ ‫عبيد بن عبيد‪« :‬كان رسول الله يجاور يف حراء يف كل سن ٍة شه ًرا‪ ،‬وكان ذلك مام تتحنث فيه ٌ‬ ‫أي املتألهني منهم‪ :‬أي وكان أول من تحنث فيه من ٍ‬ ‫قريش جده عبد املطلب‪ ،‬فقد قال ابن األثري‪ :‬أول من تحنث بحراء‬ ‫عبد املطلب‪ ،‬كان إذا دخل شهر رمضان صعد حراء وأطعم املساكني ثم تبعه عىل ذلك من كان يتأله‪ :‬أي يتعبد كورقة‬ ‫بن نوفلٍ وأيب أمية بن املغرية‪ ،‬وقد أشار إىل تعبده صاحب الهمزية بقوله‪:‬‬ ‫طفل وهكذا النجباء‬ ‫ألِف النسك والعبادة والخلـ ** ـوة ً‬ ‫وإذا حـلت الهــدايـة قـلــ ًبا ** نشطت يف العبادة األعضاء‬ ‫طفل‪ ،‬ومثل هذا الشأن العيل شأن الكرام‪ ،‬وإمنا كان هذا شأن الكرام‪ ،‬ألنه إذا‬ ‫أي ألِف العبادة والخلوة يف حال كونه ً‬ ‫حلت الهداية قل ًبا نشطت األعضاء يف العبادة‪ ،‬ألن القلب رئيس البدن املعول عليه يف صالحه وفساده‪ ،‬ولعل الخلوة يف‬ ‫كالم صاحب الهمزية املراد بها مطلق اعتزاله للناس‪ ،‬وأراد بطفلٍ زمن رضاعه عند حليمة(‪.)3‬‬ ‫‪ -1‬الكامل يف التاريخ ص‪.618‬‬ ‫‪ -2‬عيل الحلبي‪ ،‬السرية الحلبية‪ ،‬السرية الحلبية ‪ -‬ج ‪ - 1‬الصفحة ‪.382‬‬ ‫‪ -3‬عيل الحلبي‪ ،‬السرية الحلبية‪ ،‬السرية الحلبية – باب بدء الوحي له ‪ -‬ج ‪ - 1‬الصفحة ‪.334‬‬

‫‪15‬‬


‫الصعاليك‬ ‫الجزء الثاين‬

‫كنان أحمد‬

‫وابن نوفل ورقة كان مسيح ًيا نرصان ًيا أبيون ًيا عىل األغلب رغم ادعاء املسلمني عكس هذا‪ ،‬وهو ليس بحثنا اآلن فيام كان‬ ‫بعضا‬ ‫يتدين به ومباذا يعتقد‪ ،‬ولكن ما يهمنا هنا هو أن ورقة بن نوفل كان يعرف محم ًدا يف صغره وعىل األغلب أخذ ً‬ ‫من علومه بسبب االحتكاك به عن طريق جده‪،‬‬ ‫وعندما كرب محم ٌد وأصبح يف الخامسة والعرشين من العمر قاد قافل ًة لخديجة إىل الشام وربح فيها الكثري‪ ،‬وهنا أتساءل‪،‬‬ ‫علم فكيف وضعت خديجة أموالها بني يديه وأمتنته عىل قافل ٍة لها‬ ‫حيث يقول املسلمون أنه كان أم ًيا وليس بصاحب ٍ‬ ‫فعل هو‬ ‫وهو جاهل‪ ،‬وعىل العموم ليس هذا بحثنا هنا وإمنا هو تساؤل خطر ببايل أثناء كتابة هذا املقال وما استغربته ً‬ ‫أمل خديجة بأن يكون محم ٌد هو نبي األمة‪ ،‬وقد حاولت الزواج به طم ًعا بهذا‪ ،‬حيث أسقت أباها خم ًرا ليوافق عليه‬ ‫ثوب ووضعت‬ ‫ثوب فوق ٍ‬ ‫بعد أن قال لها وهل أعطي ابنتي ليتيم عبد املطلب‪ ،‬وبعد أن أسكرته ألقت عليه حل ًة وهي ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫محمد وأراد أن يعود عن هذا الكالم فام زالت تراجعه وتقول‬ ‫عليه عط ًرا‪ ،‬فلام أفاق قالت له قد وافقت عىل زواجي من‬ ‫له أال تستحي وتريد أن تسفّه نفسك عند قريش‪.‬‬ ‫ثوب فوق‬ ‫وعن‬ ‫ّ‬ ‫الزهري أن املز ّوج لها أبوها خويلد بن أسد وكان سكرانًا من الخمر‪ ،‬فألقت عليه خديجة حل ًة وهي ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫مخلوط بزعفران فلام صحا من سكره قال‪ :‬ما‬ ‫بطيب‬ ‫ثوب‪ ،‬ألن األعىل يحل فوق األسفل‪ ،‬وضمخته بخلوق‪ :‬أي لطخته‬ ‫ٍ‬ ‫هذه الحلة والطيب؟ فقيل له‪ :‬ألنك أنكحت محم ًدا خديجة وقد ابتنى بها فأنكر ذلك‪ ،‬ثم رضيه وأمضاه‪ :‬أي ألن خديجة‬ ‫استشعرت من أبيها أنه يرغب عن أن يزوجها له‪ ،‬فصنعت له طعا ًما ورشابًا‪ ،‬ودعت أباها ونف ًرا من ٍ‬ ‫قريش فطعموا‬ ‫ورشبوا‪ ،‬فلام سكر أبوها قالت له‪ :‬إن محم َد بن عبد الله يخطبني فز ِّوجني إياه‪ ،‬فز ّوجها‪ ،‬فخلّقته وألبسته‪ ،‬ألن ذلك‪:‬‬ ‫أي إلباس الحلة وجعل الخلوق به كان عادتهم إن األب ز ّوج بنته‪ ،‬فلام صحا من سكره قال‪ :‬ما هذا؟ قالت له خديجة‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫محمد بن عبد الله‪ ،‬قال‪ :‬أنا أز ّوج يتيم أيب طالب؟ ال لعمري‪ ،‬فقالت له خديجة‪ :‬أال تستحيي‪ ،‬تريد أن‬ ‫زوجتني من‬ ‫تسفه نفسك عند قريش‪ ،‬تخربهم أنك كنت سكرانًا؟ فلم تزل به حتى ريض‪ :‬أي وهذا مام يدل عىل أن رشب الخمر كان‬ ‫عندهم مام يتنزه عنه‪.‬‬ ‫فلم تزل حتى ريض ‪-‬السرية الحلبية البن هشام باب تزوجه خديجة بنت خويلد (ريض الله عنها) بن أسد بن عبد العزى‬ ‫بن قيص‪.‬‬

‫وذكر الفاكهي عن أنس‪:‬‬ ‫طالب يف أن يتوجه إىل خديجة‪ :‬أي ولعله بعد أن طلبت منه الحضور إليها‬ ‫أن النبي كان عند أيب طالب‪ ،‬فاستأذن أبا ٍ‬ ‫وذلك قبل أن يتزوجها‪ ،‬فأذن له وبعث بعده جاري ًة له يقال لها نبعة‪ ،‬فقال‪ :‬انظري ما تقول له خديجة‪ ،‬فخرجت خلفه‪،‬‬ ‫فلام جاء إىل خديجة أخذت بيده فضمتها إىل صدرها ونحرها‪ ،‬ثم قالت‪ :‬بأيب أنت وأمي‪ ،‬والله ما أفعل هذا اليشء‪،‬‬ ‫‪16‬‬


‫الصعاليك‬ ‫الجزء الثاين‬

‫كنان أحمد‬

‫ولكني أرجو أن تكون أنت النبي الذي سيبعث‪ ،‬فإن تكن هو فاعرف حقي ومنزلتي‪ ،‬وادع اإلله الذي سيبعثك يل‪ ،‬فقال‬ ‫لها والله لنئ كنت أنا هو لقد اصطنعت عندي ما ال أض ّيعه أب ًدا‪ ،‬وإن كان غريي فإن اإلله الذي تصنعني هذا ألجله ال‬ ‫طالب بذلك(‪.)4‬‬ ‫يضيعك أب ًدا‪ ،‬فرجعت نبعة وأخربت أبا ٍ‬ ‫عم إين قد رغبت فيك لقرابتك‪ ،‬وأمانتك وحسن خلقك‪ ،‬وصدق حديثك‪،‬‬ ‫ويف رواي ٍة أنها عرضت نفسها عليه فقالت‪ :‬يا ابن ٍ‬ ‫فذكر ذلك ألعاممه‪ ،‬فخرج معه عمه حمزة بن عبد املطلب حتى دخل عىل خويلد بن أسد فخطبها إليه فز ّوجها‪.‬‬ ‫ومام سبق نجد أنها تقول لعله يكون النبي فقد تزوجته ألجل هذا‪ ،‬وكان أبو بك ٍر الص ّديق جا ًرا له‪ ،‬كون محم ٌد سكن‬ ‫عند خديجة يف بيتها‪.‬‬

‫‪ -5‬أبو بك ٍر الصديق‬ ‫يجب علينا التطرق أليب بك ٍر الصديق كونه أول من آمن‪ ،‬فمن هو أبو بكر؟‬ ‫من املعروف ج ًدا أن العرب اهتموا كث ًريا باألنساب ومل يض ّيعوا نسب أحد‪ ،‬وكانت وال زالت أهمية ادعاء األبناء آلبائهم‬ ‫حتى ال تختلط األنساب موجود ًة حتى عرصنا الحايل‪ .‬أبو بك ٍر الصديق هو أول املؤمنني بالرسول وأول خليف ٍة للمسلمني‬ ‫ومن العرشة املبرشين بالجنة وهو صاحب الرسول وأحبهم إليه‪ ،‬ونجد يف كتب السرية والرتاجم أن أبا بك ٍر هو أبو بك ٍر‬ ‫بن أيب قحافة وأمه أم الخري ولكن هذا ال يعد نس ًبا‪.‬‬ ‫رصح أن اسمه هو‪:‬‬ ‫‪ -1‬كتاب أسد الغابة ّ‬ ‫ش التيمي‪ ،‬أَبُو بَ ْك ٍر‬ ‫َع ْبد اللَّه بْن عثامن بْن َعا ِمر بْن َع ْمرو بْن كعب بْن سعد بْن تيم بْن مرة بْن كعب بْن لؤي الْ ُق َر ِ ّ‬ ‫الصديق بْن أَ ِب قُحافة‪ ،‬واسم أَ ِب قحافة‪ :‬عثامن‪.‬‬ ‫‪ -2‬ولكن ورد يف كتاب أنساب األرشاف‪:‬‬ ‫حدثني بك ُر بن الهيثم‪ ،‬ثنا عبد الرزاق بن هامم عن معم ٍر عن ابن سريين قال‪ :‬اسم أيب بك ٍر هو عتيق بن عثامن‪.‬‬ ‫‪ -3‬وورد يف كتاب إكامل تهذيب الكامل‪:‬‬ ‫وذكر الزمخرشي يف «ربيعة»‪ :‬قالت عائشة كان أليب قحافة ثالث ٌة من الولد أسامؤهم عتيق ومعتقا ومعيتقا‪،‬‬ ‫فإذًا كان اسمه عتيق‪.‬‬

‫‪ -4‬عيل الحلبي‪ ،‬السرية الحلبية‪ ،‬باب تزوجه خديجة بنت خويلد ريض الله عنها ابن أسد بن عبد العزى بن قيص‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.199‬‬

‫‪17‬‬


‫الصعاليك‬ ‫الجزء الثاين‬

‫كنان أحمد‬

‫‪ -4‬تاريخ الطربي‬ ‫ورد أن اسمه هو عبد الرحمن حيث يقول الطربي يف تاريخه _تاريخ الرسل وامللوك _ أيب بكر‪ -‬واسمه عتيق بْن أيب‬ ‫قحافة‪ ،‬وهو عثامن‪ -‬ويقال عبد الرحمن بن عثامن‪ -‬بن عام ِر بن َع ْمرو بن كعب بن َس ْع ِد بْنِ تيم بن مرة‪.‬‬ ‫‪ -5‬كتاب الجوهرة يف نسب النبي وأصحابه العرشة‬ ‫وكام ورد أن اسمه عبد الكعبة‪ ،‬حيث ورد يف الكتاب«وكان اسم أيب بك ٍر يف الجاهلية عبد الكعبة»‪ .‬ويف التنبيه واإلرشاف‪:‬‬ ‫«وكان اسمه يف الجاهلية عبد الكعبة»‪ .‬ونجد أن املسلمني توافقوا عىل اسمه وهو عبد الله رغم أن لديه ول ًدا اسمه‬ ‫أيضا‪ ،‬وال أعلم سبب عدم معرفة املسلمني لشخصية أيب بك ٍر ولِم هذا التمويه والتعتيم حوله رغم أن العرب‬ ‫عبد الله ً‬ ‫اشتهروا مبعرفة األنساب ومعرفة اآلباء واألبناء والجدود‪ ،‬ولكن شخصي ًة مهم ًة كشخصية أيب بك ٍر يُختلف يف نسبها‪ ،‬وما‬ ‫متفق عليه هو عبد الرحمن أبو بك ٍر الصديق‪ ،‬فمن هو بكر؟‬ ‫هو ٌ‬ ‫أبو بك ٍر الصديق ال يوجد عنده ول ٌد اسمه بك ٌر رغم أن العرب كانت تكني باسم ولدها البِكر‪ .‬من س ّمى أبا بك ٍر بهذا‬ ‫االسم هو جربيل كام ورد يف البخاري‪:‬‬ ‫الس َلم‪ :‬إِن قو ِمي َل يصدقوين‪،‬‬ ‫َوذكر ابْن سعد أَن ال َّنبِي صىل الله َعلَ ْي ِه َوسلم‪« :‬ملا أ ِ‬ ‫رسي ِب ِه ق َ​َال لجربيل َعلَ ْي ِه َّ‬ ‫الص َلة َو َّ‬ ‫الصديق»(‪.)5‬‬ ‫فَق َ​َال لَ ُه ج ِْبِيل‪ :‬يصدقك أَبُو بكر‪َ ،‬و ُه َو ّ‬ ‫فاسم أيب بك ٍر أىت من السامء حسب االدعاء‪ ،‬ومن هذا الحديث نجد أن أبا بك ٍر مل يؤمن لبعد رحلة اإلرساء واملعراج‬ ‫املزعومة والتي حدثت يف السنة العارشة من البعثة عىل رأي األغلبية‪ ،‬حيث ورد يف الحديث كام قرأنا أن جربيل أخرب‬ ‫محم ًدا أنه سيؤمن بك أبو بكر‪ ،‬أي أنه لآلن مل يؤمن‪.‬‬ ‫وكان أبو بك ٍر ذا شأنٍ‬ ‫عظيم يف قومه ومل يرشب الخمر وكان يُسمى نسابة العرب لعلمه باألنساب‪ ،‬وكان مبتع ًدا عن‬ ‫ٍ‬ ‫طويل مع األحناف الذين اعتزلوا األصنام ومنهم قس بن ساعدة اإليادي وزي ُد‬ ‫األصنام‪ ،‬وحسب ما ورد أنه كان يجلس ً‬ ‫بن عمرو بن نفيلٍ وورقة بن نوفل‪ ،‬يستمع إليهم ويعجبه قولهم ويصغي إىل كلامتهم ويتّبعها‪ ،‬ولكن هؤالء كانوا عاكفني‬ ‫عىل أنفسهم‪ ،‬ال يحملون دعو ًة منظم ًة‪ ،‬وال دي ًنا جدي ًدا يهدد قريشً ا ووثنيتها وتقاليدها‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫محمد املثل األعىل والقدوة‪ ،‬إذ رآه ال يسجد لألصنام‪ ،‬وال يلهو‬ ‫وقد جمعتْه بالنبي صحب ٌة قبل البعثة بسنني‪ ،‬وكان يرى يف‬ ‫مع الالهني؛ ويروي املؤرخون أنه كان مع النبي يف رحلته مع عمه التي قابل فيها الراهب بحريى(‪.)6‬‬ ‫أول كيف آمن؟‬ ‫وهذ ما وصلنا حسب الروايات ولكن لِام كان أليب بك ٍر من تأثريٍ يف اإلسالم وجب أن نعرف ً‬ ‫‪ -5‬صحيح البخاري \كتاب أصحاب النبي صىل الله عليه وسلم \باب مناقب املهاجرين وفضلهم \حديث رقم ‪.3485‬‬ ‫‪ -6‬محمود عبد الفتاح رشف الدين‪ ،‬أبو بكر الصديق وبنوه‪ :‬سجل يف العزة والعزم والرشف الرفيع‪ ،‬مكتبة اآلداب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ص‪.17‬‬

‫‪18‬‬


‫الصعاليك‬ ‫الجزء الثاين‬

‫كنان أحمد‬

‫‪ -6‬إميان أيب بكر‬ ‫مام سبق نجد أن أبا بك ٍر كان من كبار القوم وعليتهم وتاج ًرا غن ًيا وال تعجبه األصنام‪ ،‬ولكن ما نعلمه عن إميان أيب بك ٍر‬ ‫أنه كان أول املؤمنني وأول املصدقني فكيف آمن أبو بكر؟‬ ‫قليل‪:‬‬ ‫يف الحقيقة إميان أيب بك ٍر قدي ٌم من قبل البعثة بكثريٍ كام سنجد الحقًا‪ ،‬فلنتكلم عنه ً‬ ‫وحي من‬ ‫ ُروي عن ابن عساكر عن ٍ‬‫كعب ريض الله عنه قال‪ :‬كان سبب إسالم أيب بك ٍر الصديق ريض الله تعاىل عنه ٌ‬ ‫السامء‪ ،‬وذلك أنه عندما كان تاج ًرا بالشام رأى رؤيا فقصها عىل بحريى الراهب فقال له من أين أنت فقال من مكة فقال‬ ‫نبي من قومك تكون وزيره يف‬ ‫من أيها فقال من قريش فقال أي يش ٍء أنت قال تاج ٌر قال ص ّدق الله رؤياك فإنه يُبعث ٌ‬ ‫رسها أبو بك ٍر حتى بُعث النبي فقال‪ :‬يا محمد ما الدليل عىل ما تدعي؟ قال‪ :‬الرؤيا التي‬ ‫حياته وخليفته بعد موته فأ ّ‬ ‫رأيت بالشام فعانقه وق ّبل بني عينيه وقال أشهد أنك رسول الله(‪.)7‬‬ ‫َ‬ ‫مبحمد منذ زمنٍ ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫بعيد حيث ورد الحديث اآليت(‪:)8‬‬ ‫أيضا يف لوامع األنوار البهية عن إميان أيب بك ٍر ومعرفته‬ ‫وورد ً‬ ‫يل أفضل أم أبو بك ٍر وعمر؟ قال‪ :‬فارتعد‬ ‫«وأخرج أبو ٍ‬ ‫نعيم عن فرات بن السائب‪ ،‬قال‪ :‬سألت ميمون بن مهران قلت‪ :‬ع ٌ‬ ‫حتى سقطت عصاه من يده‪ ،‬ثم قال‪ :‬ما كنت أظن أين أبقى إىل زمانٍ يُعدل بهام لله درهام‪ ،‬كانا رأس اإلسالم‪ .‬قلت‪ :‬فأبو‬ ‫بك ٍر كان أول إسال ًما أم عيل؟ قال‪ :‬والله لقد آمن أبو بك ٍر بالنبي ‪ -‬صىل الله عليه وسلم ‪ -‬زمن بحريى الراهب حني مر‬ ‫به‪ ،‬واختلف فيام بينه وبني خديجة حتى أنكحها إياه‪ ،‬وذلك كله قبل أن يُولد عيل»‪.‬‬ ‫رسها أبو‬ ‫فكام نرى بأن هذه القصة قدمي ٌة وقد أ ّ‬ ‫علم بأن‬ ‫بك ٍر لحني البعثة‪ ،‬ويظهر لدينا أنه كان عىل ٍ‬ ‫هناك نب ًيا سيظهر عندما كان يف الشام وقابل بحريى‪،‬‬ ‫بنبي يُنتظر أو يُبعث‬ ‫ألنه يف مكة أكد أنه مل يسمع ٍّ‬ ‫حيث ورد يف أسد الغابة يف أيب بك ٍر اآليت(‪:)9‬‬

‫‪ -7‬رائد العقالء إىل فهم أرسار خالفة الخلفاء الجزء األول الصفحة ‪.83‬‬ ‫‪ -8‬محمد السفاريني‪ ،‬لوامع األنوار البهية وسواطع األرسار األثرية لرشح الدرة املضية يف عقد الفرقة املرضية‪ ،‬املكتبة اإلسالمية‪-‬دار الخاين‪1990 ،‬م‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪.311‬‬ ‫‪ -9‬ابن األثري‪ ،‬أبو الحسن‪ ،‬أسد الغابة ط العلمية‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.310‬‬

‫‪19‬‬


‫الصعاليك‬ ‫الجزء الثاين‬

‫كنان أحمد‬

‫الصلْت فقال‪:‬‬ ‫جالسا بفنا ِء الكعبة‪ ،‬وكان زي ُد بن عمرو بن نُ َفيْل قاع ًدا‪ ،‬فمر به أُ َميَّة بن أَيب َّ‬ ‫قال أَبو بك ٍر الصديق‪« :‬كنت ً‬ ‫كيف أَصبحت يا باغي الخري؟ قال‪ :‬بخري‪ .‬قال‪ :‬هل وجدت؟ قال‪ :‬ال‪ ،‬ومل ُآل ِم ْن طلب‪ .‬فقال‪:‬‬ ‫كل ِديْنٍ يَ ْو َم الْ ِق َيا َمـــــــــــــ ِة إِالَّ َما ق َ​َض ا�لْلَّ ُه َوالْ َح ِن ْي َف ُة بور‬ ‫أَما إِن هذا النبي الذي ينتظر ِم َّنا أَو منكم‪ ،‬أَو من أَهل فلسطني‪.‬‬ ‫فخرجت أُريد َو َرقَ َة بن نوفلٍ وكان كثري النظر يف السام ِء‪،‬‬ ‫سمعت قبل ذلك ب َنبي ٍء يُ ْنتَظَر أَو يُ ْب َعث‪ .‬قال‪:‬‬ ‫قال‪ :‬ومل أَكن‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫هل الكتاب والعلام ُء إِال‬ ‫الصدر قال‪ :‬فاستوقفتُه ثم اقتصصت عليه الحديث‪ ،‬فقال‪ :‬نَ َعم يا ابن أَخي‪ ،‬أَ َب أَ ُ‬ ‫كثري َه ْم َه َم ِة َ‬ ‫أَن هذا النبي الذي يُنتظر من أَوسط العرب نس ًبا‪ ،‬ويل عل ٌم بالنسب‪ ،‬وقومك أَوسط العرب نس ًبا‪ .‬قال‪ :‬قلت‪ :‬يا َع ِّم‪ ،‬وما‬ ‫وصدقت»‪.‬‬ ‫آمنت‬ ‫ُ‬ ‫يقول النبي؟ قال‪ :‬يقول‪ .‬ما قيل له إِال أَنه ال ظُلْ َم وال تظاملُ‪ .‬فلام بُ ِعث النبي َص َّل الله عليه وسلم ُ‬ ‫وتؤكد املرويات أن قصة الشام والراهب بحريى ليست هي الوحيدة التي تسببت بإميان أيب بك ٍر بل كانت هناك نبوء ٌة‬ ‫ٍ‬ ‫محمد النبوة بفرت ٍة قليل ٍة ج ًدا ألنه كان‬ ‫باليمن‪ ،‬قص ٌة حدثت معه أثناء تجارته باليمن وكانت تقري ًبا قبل معرفته ادعاء‬ ‫ينتظر خروج هذا النبي حسب نبوءة الراهب بحريى والراهب نسطورة‪ ،‬حيث أن أبا بك ٍر عندما كان يف اليمن قابل‬ ‫بشه بالنبي حيث ورد بأسد الغابة ما ييل‪:‬‬ ‫شي ًخا َّ‬ ‫عن عبد اللّه بن مسعو ٍد قال‪ :‬قال أَبو بك ٍر الصديق‪ :‬إِنه خرج إىل اليمن قبل أَن يُبعث النبي َص َّل الله عليه وسلم‪،‬‬ ‫فنزلت عىل شي ٍخ من األَزْد عا ٍمل قد قرأَ الكتب‪ ،‬و َعلَم من علم الناس كث ًريا‪ ،‬فلام رآين قال‪ :‬أَحسبك ِح ْر ِم ًّيا؟ قال أَبو بك ٍر‬ ‫قلت‪ :‬نعم‪ ،‬أَنا من أَهل ال َحرم‪ .‬قال‪ :‬وأَحسبك ق َر ِش ًّيا؟ قال قلت‪ :‬نعم‪ ،‬أَنا من قُ َريْش‪ .‬قال‪ :‬وأَحسبك ت َ ْي ِم ًيا قال قلت‪ :‬نعم‪،‬‬ ‫أَنا من ت َ ْيم بن ُم َّرة‪ ،‬أَنا عب ُد اللّه بن عثامن‪ ،‬من ولد كعب بن سعد بن تيم بن ُم َّرة‪.‬‬ ‫قال‪ :‬بَ ِق َيت يل فيك واحدةً‪ .‬قلت‪ :‬ما هي؟ قال‪ :‬تكشف عن بطنك‪ .‬قلت‪ :‬ال أَفعل أَو تُ ْخ ِ َبين لِم ذاك؟ قال‪ :‬أَجد يف العلم‬ ‫الصحيح الصادق أَن نب ًيا يُبعث يف الحرم‪ ،‬يعاون عىل أَمره فتًى وكهل‪ ،‬فأَما الفتى فخ ّواض َغ َم َرات و َدفَّاع ُم ْع ِضالت‪ ،‬وأَما‬ ‫سى َعالَمة‪ ،‬وما عليك أَن تريني ما سأَلتك‪ ،‬فقد تكاملت يل فيك‬ ‫بيض ٌ‬ ‫ال َك ْهل فأَ ُ‬ ‫نحيف‪ ،‬عىل بطنه شَ ا َم ٌة‪ ،‬وعىل فخذه ال ُي ْ َ‬ ‫سيت‪.‬‬ ‫الصفة إِال ما خفي َع َ َّ‬ ‫ل‪ .‬قال أَبو بكر‪ :‬فكشفت له عن بطني‪ ،‬فرأَى شَ ا َم ًة َس ْو َدا َء فـوق ُ َّ‬ ‫وامليل عن الهدى‪،‬‬ ‫فقال‪ :‬أَنت هو ورب الكعبة‪ ،‬وإِين متق ّد ٌم إِليك يف أَم ِر فا ْحذَره‪ .‬قال أَبو بك ٍر قلت‪ :‬وما هو؟ قال‪ :‬إِياك َ‬ ‫وتَ ََّسك بالطريقة املثىل الوسطى‪ ،‬و َخف الله فيام َخ َّولك وأَ ْعطاك‪.‬‬ ‫‪20‬‬


‫الصعاليك‬ ‫الجزء الثاين‬

‫كنان أحمد‬

‫قال أَبو بكر‪ :‬فقضيت باليمن أَريب‪ ،‬ثم أَتيت الشيخ ألُو ِّدعه‪ ،‬فقال‪ :‬أَ َحا ِمل عني أَبياتًا من الشعر قلتها يف ذلك النبي؟‬ ‫قلت‪ :‬نعم‪ ،‬فذكر أَبيات ًا‪.‬‬ ‫قال أَبو بكر‪« :‬فقدمت مكة‪ ،‬وقد بُ ِعث النبي َص َّل الله عليه وسلم‪ ،‬فجا َءين عقبة بن أَيب ُم َع ْيط‪ ،‬وشَ ْي َبة‪ ،‬و َربيعة‪ ،‬وأَبو‬ ‫البخرتي‪ ،‬وصناديد قريش‪ ،‬فقلت لهم‪ :‬هل نابتَكم نائبة‪ ،‬أَو ظهر فيكم أَم ٌر؟ قالوا‪ :‬يا أَبا بكر‪ ،‬أَعظم ال َخطْب‪:‬‬ ‫َج ْهل‪ ،‬وأَبو‬ ‫ّ‬ ‫يتيم أَيب طالب يزعم أَنه نبي‪ ،‬ولوال أَنت ما انتظرنا به‪ ،‬ف ِإذ قد جئت فأَنت الغاية والكفاية‪ .‬قال أَبو بكر‪ :‬فرصفتهم عىل‬ ‫الباب‪ ،‬فخرج إِيل‪ ،‬فقلت‪ :‬يا‬ ‫أَحسن َم ِّس وسأَلت عن النبي َص َّل الله عليه وسلم‪ ،‬فقيل‪ :‬يف منزل خديجة‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫فقرعت عليه َ‬ ‫محمد‪ ،‬فقدت من منازل أَهلك‪ ،‬وتركت دين آبائك وأَجدادك؟ قال‪« :‬يا أَبا بكر‪ ،‬إِين ُ‬ ‫رسول الله إِليك وإِىل الناس كلهم‪،‬‬ ‫لقيت باليمن؟ قال‪:‬‬ ‫فآ ِم ْن بالله»‪ .‬فقلت‪ :‬ما دليلك عىل ذلك؟ قال‪« :‬الشيخ الذي لقيت باليمن»‪ .‬قلت‪ :‬وكم من شي ٍخ ُ‬ ‫«الشيخ الذي أَفادك األَبيات»‪ .‬قلت‪ :‬ومن َخ َّ َب َك بهذا يا حبيبي؟ قال‪« :‬ا َلمل َُك املعظم الذي يأَيت األَنبيا َء قبيل»‪ .‬قلت‪ُ :‬م َّد‬ ‫يَ َدك‪ ،‬فأَنا أَشهد أَن ال إِله إِال الله‪ ،‬وأَنك رسول الله‪.‬‬ ‫قال أَبو بكر‪« :‬فانرصفت وما بني الَبَتَ ْيها أَشد ُسو ًرا من رسول الله َص َّل الله عليه وسلم ب ِإسالمي» (‪.)10‬‬ ‫ومن قراءتنا لألحداث املاضية نجد أن إميان أيب بك ٍر بدأ يف مكة عندما أخربه ورقة بن نوفل والذي هو ابن عم خديجة‬ ‫ٍ‬ ‫محمد ومعلمه الراهب بحريى وتأكدت البشارة يف الشام عىل يد معلم ابن نوفل الراهب بحريى وانتهت باليمن‬ ‫زوجة‬ ‫عىل يد الشيخ العامل اليمني األزدي‪.‬‬ ‫‪ -10‬أسد الغابة ‪ -‬ابن األثري ‪ -‬ج ‪ - 3‬الصفحة ‪.208‬‬

‫‪21‬‬


‫الصعاليك‬ ‫الجزء الثاين‬

‫كنان أحمد‬

‫لنعد صياغة ما فهمناه ً‬ ‫قليل ونعيد ترتيب األفكار‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫سعت خديجة وبشكلٍ‬ ‫محمد رغم عدم موافقة أبيها‪ ،‬وفعلت ما فعلت لتتزوجه‪ ،‬وز ّوجها إياه‬ ‫غريب إىل أن تتزوج من‬ ‫ٍ‬ ‫بشه بالنبوة التي مل يؤمن بها‪،‬‬ ‫ورقة بن نوفلٍ الذي كان صديق جده والذي كان محم ٌد معج ًبا به‪ ،‬وهو نفسه الذي ّ‬ ‫وخديجة أكدت كالمه عندما جلس عىل فخذها األيرس وألقت خامرها وحرست عن صدرها وسألته هل تراه اآلن فقال‬ ‫يوم حتى قالت ما قالت!! كام أنه معلم‬ ‫ال فقالت أبرش إن هذا إال مالك‪ ،‬واتضح أن لها خرب ًة باملالئكة فهي تراهم كل ٍ‬ ‫نبي ثم‬ ‫نسطورة الذي قابل محم ًدا وميرسة‪ ،‬وكان محم ٌد تحت الشجرة فسأل عنه وقال ما نزل تحت هذه الشجرة إال ٌ‬ ‫حلم وأنهى‬ ‫نبي وأكمل هذا املوضوع بحريى يف تأويل ٍ‬ ‫بعدها زرع ورقة أول بذر ٍة يف نفس أيب بك ٍر حيث قال له سيخرج ٌ‬ ‫هذه البذرة الشيخ العامل اليمني األزدي‪.‬‬ ‫يبش وأماكن متباعد ٌة‬ ‫يبش وشي ٌخ ّ‬ ‫اهب ّ‬ ‫صد ٌر يكشف املالئكة من الشياطني وشجر ٌة ينزل تحتها األنبياء وعاملٌ ٌ‬ ‫قس ر ٌ‬ ‫شخص ٍ‬ ‫والكالم عن ٍ‬ ‫واحد يف أماكن وأزمن ٍة مختلفة!!‬ ‫أنا لست مؤم ًنا بنظرية املؤامرة ولكن ما قرأناه ما هو إال املؤامرة‪ ،‬وأكاد أقسم أين لو كنت بدل أيب بك ٍر آلمنت بالنبي‬ ‫الذي س ُيبعث وسأظن أن الله يحبني وخصني بهذا‪.‬‬ ‫اكتشاف أيب بك ٍر بأن محم ًدا هو النبي املوعود كانت بالنسبة له مبثابة ربحه للجائزة الكربى يف اليانصيب‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫مبحمد وكان من أقوى املدافعني عنه وبذل أمواله أمامه وكان صادقًا يف محبته للنبي‬ ‫هذا ما حدث وعمو ًما آمن أيب بك ٍر‬ ‫الجديد محمد‪.‬‬

‫‪22‬‬


‫قناة جسور | ‪Bridges.TV‬‬

‫رب ملن ال منرب له‪ ،‬وقنا ٌة لحرية التعبري والتواصل والتعايش مع‬ ‫قناة جسور هي من ٌ‬ ‫املختلف ولتالقح األفكار بصور ٍة حضارية‪ ..‬صوتك مقبول هنا مهام كان‪.‬‬ ‫عنوان القناة عىل اليوتيوب‪:‬‬

‫‪https://www.youtube.com/channel/UChuvYgfSwGXkLtZYmSGc8eQ‬‬ ‫صفحة جسور عىل الفيسبوك‪:‬‬

‫‪https://www.facebook.com/Bridgestv2‬‬ ‫انضموا إلينا يف مجموعة جمهورية الردة‪:‬‬

‫‪https://www.facebook.com/groups/186192008960773/‬‬ ‫إمييل القناة‪:‬‬

‫للتواصل عرب سكايب‪:‬‬

‫‪Bridgestv1‬‬

‫‪bridgestv1@gmail.com‬‬

‫لدعم القناة عىل الـ‪:PayPal‬‬

‫‪https://www.paypal.me/SalBridgesTV‬‬

‫‪23‬‬


‫علّمني والدي‬

‫پاميال غانم‬

‫علّمني والدي أن تقديس رجال الدين واحرتامهم‬ ‫ملجرد أنهم يلبسون بطريق ٍة مختلف ٍة ع ّنا‪ ،‬يجعلنا‬ ‫عبي ًدا للثوب‪.‬‬ ‫‏أيب ليس ملح ًدا‪ ...‬قد يكون ربوب ًيا‪ ...‬قد يكون مؤم ًنا‬ ‫مببادئ املسيحية املوجودة يف اإلنجيل‪ .‬لكنه‪ ،‬وبدون‬ ‫بغض النظر إىل‬ ‫أدىن شك‪ ،‬العدو األول لرجال الدين‪ّ ،‬‬ ‫دين انتموا‪.‬‬ ‫أي ٍ‬ ‫دين‬ ‫سألته ذات م ّرة‪ ،‬ملاذا تعمم؟ أليس هناك من رجل ٍ‬ ‫تقي ورع‪ ،‬يط ّبق تعاليم دينه السمحة؟‬ ‫ٍّ‬ ‫‪24‬‬


‫علمني والدي‬ ‫پاميال غانم‬

‫أجابني أن ليس كل رجال الدين س ّيئني‪ ،‬هناك الصالح والطالح‪ ،‬لك ّنهم ليسوا كعا ّمة الشعب‪ ،‬هم قدو ٌة ٌ‬ ‫ومثال أعىل‬ ‫ولديهم تأث ٌري كب ٌري عىل الناس‪ ،‬وبالتايل‪ ،‬الطالح منهم يؤث ّر بشكلٍ‬ ‫سلبي عىل سلوكيات العديد من األشخاص يف املجتمع‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫التلطي وراء املقدسات واستغالل عقول الناس ملآرب خبيثة‪ ،‬ال يزال مسترشيًا حتى يومنا هذا يف منطقة الرشق األوسط‬ ‫ويف البلدان النامية األخرى‪ ،‬والسبب‪ ،‬تلك الهالة املقدسة ووجوب االحرتام ألي رجلٍ يلبس عامم ًة أو ثوبًا‪ ،‬ألي ٍ‬ ‫شخص‬ ‫ٍ‬ ‫نصوص مبهم ٍة ال يفهمها أح ٌد سواه‪ ،‬مام يُس ّهل عليه استغالل عقول الناس وتنفيس كبته الجنيس من‬ ‫يتحكم بالبرش عرب‬ ‫دون أي رادع‪.‬‬ ‫عد ٌد كب ٌري من رجال الدين‪ ،‬مسلمني كانوا أو مسيحيني أو غريهم‪ ،‬ال ه ّم لهم يف الحياة سوى إشباع رغبات قضبانهم‬ ‫وبطونهم‪ .‬يف الوقت الذي يحتاجهم الشعب للتوعية وزرع املحبة والتسامح يف قلوب الناس‪ ،‬ينغمسون يف امللذّات‬ ‫ويح ّرضون الشعوب عىل بعضها‪.‬‬ ‫حس ًنا فعل الغرب حني أعتزلهم لينزووا يف كنائسهم وم َنعهم من التد ّخل يف السياسة‪.‬‬ ‫أما نحن يف الرشق األوسط‪ ،‬فقد اِبتُلينا بهم وبفسادهم وتخريفاتهم خاص ًة بتدخالتهم يف شؤون السياسة والجنس‬ ‫الحمم‪.‬‬ ‫والطعام وحتى كيفية دخول ّ‬ ‫رصف‪ ،‬أغلبهم موجودون يف الرشق‬ ‫الناس املحتاجة إىل رجل دينٍ ليخربها ماذا تفعل‪ ،‬كيف تأكل‪ ،‬ماذا تلبس وكيف تت ّ‬ ‫األوسط‪ ،‬حيث ال يشء يعلو فوق سلطة الدين ورجاله‪.‬‬ ‫أ ّما اليوم‪ ،‬بعد أن غادرت تلك البقعة املشؤومة من‬ ‫األرض‪ ،‬أدركت أننا بحاج ٍة لسنني ضوئي ٍة يك نصل إىل ما‬ ‫تطبيق ملبادئ العلامنية التي تفصل‬ ‫وصل إليه الغرب من‬ ‫ٍ‬ ‫الدين عن الدولة‪.‬‬ ‫كام أدركت بعد أن عشت يف مجتمعٍ علام ّين‪ ،‬أن األخالق‬ ‫ليست بحجم الصليب عىل صدر القسيس وال املسبحة‬ ‫التي بيد الشيخ‪ ،‬بل أن كل هذه األغراض هي مجرد‬ ‫ٍ‬ ‫أدوات يستخدمونها للسيطرة عىل القطيع املؤدلج‪،‬‬ ‫املربمج منذ الصغر عىل عبادة اآللهة وتقديس العاممات‪.‬‬ ‫‪25‬‬


TV

25 OCTOBER 2014

3rd Year

www.freemindmag.com 26


‫املرأة بني الواقع والتحدي‬

‫«املجتمع هو الذي ساهم يف خلق الصورة النمطية للمرأة‬ ‫لتكون أنثى خاضع ًة للرجل»‪.‬‬ ‫سيمون دو بوفوار (الجنس االخر)‬ ‫د‪ .‬سمرياميس العامري‬ ‫‪27‬‬


‫املرأة بني الواقع والتحدي‬ ‫د‪ .‬سمرياميس العامري‬

‫مقدمة‪:‬‬ ‫تُشكِّل قضايا املرأة يف العامل محو ًرا اسرتاتيج ًيا وحقوق ًيا متعدد االهتاممات واألطروحات‪ ،‬إذ يُنظر لقضيتها بعني الخوف‬ ‫والرتقب‪ ،‬والتي تعتمدها شتى املجتمعات لتعكس سلوكيات الدول وشعوبها يف جوانب الحياة املختلفة‪ .‬وليست قضية املرأة‬ ‫ٍ‬ ‫ات أكادميي ٍة أو در ٍ‬ ‫يف البند العاملي مج ّرد محارض ٍ‬ ‫موضوعات تنموية‪ ،‬أو حتى سلسل ٍة من الرؤى تجاه ٍ‬ ‫جنس‬ ‫اسات بحثي ٍة أو‬ ‫أساس وركيز ٌة بدرج ٍة أوىل تط ّرقت إليها األحكام الدولية أو املجتمعية‪.‬‬ ‫ما‪ ،‬إمنا هي ٌ‬ ‫وقد ظهرت مصطلحاتٌ عديد ٌة يف طرح موضوع املرأة منها‪ :‬مشكلة املرأة‪ ،‬أزمة املرأة‪ ،‬إشكالية املرأة‪ ،‬وقضية املرأة‪ ،‬لكن‬ ‫تظل قضية املرأة يف جوهرها إنساني ًة ومجتمعية‪.‬‬ ‫فام هي التحديات التي تواجه جهود متكني املرأة من حقوقها واندماجها الكامل يف املجتمع وما مستوى الطموحات التي‬ ‫وأيضا يف ظل املُستجدات العاملية؟‬ ‫تسعى املرأة العربية لتحقيقها يف ظل القوانني والثقافة املُجتعية السائدة ً‬ ‫خصوصا فمن املحال أن يتحدث نصف املجتمع أو يتق ّدم دون نصفه اآلخر‪ .‬عىل أنه ال‬ ‫وإذا ركّزنا عىل املجتمعات العربية‬ ‫ً‬ ‫يجوز النظر إىل هذا التقسيم من الزاوية اإلحصائية الخالصة‪ ،‬بل من زاوية التكامل الرضوري والوحدة الجدلية بني الجنسني؛‬ ‫لتوكيد حقيقة أن وجود املرأة يف املجتمع ال تختلف بأي مع ًنى من املعاين عن وجود الرجل فيها‪ ،‬وأن مساعي التنمية‬ ‫االجتامعية يجب أن تتجه إىل تنمية الجنسني عىل قدم املساواة‪.‬‬ ‫والحديث عن حرية الفرد وحقوق اإلنسان يجب أن يستبعد‬ ‫اإليحاء الذكوري لعباريت الفرد واإلنسان؛ اإليحاء الذي يجعل‬ ‫الذهن ينرصف إىل أن حرية الفرد تعني حرية الرجل‪ .‬حقوق‬ ‫اإلنسان تعني حقوق الرجل واملرأة م ًعا دون انفصال ٍ‬ ‫واحد عن‬ ‫اآلخر أو تغلب ٍ‬ ‫طرف عىل اآلخر‪.‬‬ ‫بحكم صيغة التذكري الظاهرة للكلمتني‪ ،‬وكذلك يف كلمة املواطن‬ ‫وغريها‪ ،‬فاللغة تحمل سامت املجتمع الذي أنتجها‪ ،‬ويعيد‬ ‫إنتاجها‪ ،‬وخصائصه الذهنية النفسية‪.‬‬ ‫كل منها تاريخها الداليل‬ ‫إن للكلامت سحرها ومكرها‪ ،‬إذ تختزن ٌ‬ ‫والقيمي وتفرضه عىل املتلقي‪.‬‬ ‫‪28‬‬


‫املرأة بني الواقع والتحدي‬ ‫د‪ .‬سمرياميس العامري‬

‫وال يجوز التخصيص كقولنا إن املرأة هي نصف املجتمع‪ ،‬يف حني هي مربيته ومعلمته‪ .‬وكونها قضي ًة خاص ًة يجعلها قضية‬ ‫النساء‪ ،‬يف سعيهن إىل التحرر واملساواة‪ .‬مقدم ٌة ال بد منها للحرية التي ترقى بقضية املرأة إىل الصعيد العام‪.‬‬ ‫يل إال مع الثاين‪ ،‬وليس للثاين من مع ًنى أو من قيم ٍة إال مع‬ ‫وال فصل ميكانيك ًيا بني العام والخاص؛ فليس لألول من وجو ٍد فع ٍّ‬ ‫مكسب تحرزه املرأة يف سعيها إىل التحرر إمنا تهديه للمجتمع؛‬ ‫األول‪ .‬ذلك أن كل‬ ‫ٍ‬ ‫مام يعني أن قضية املرأة لن ت ُحسم يف نهاية األمر إال عىل صعيد املجتمع ونظامه العام وشكل وجودها القانوين والسيايس‪.‬‬ ‫وهذه العالقة الجدلية بني مستويي القضية العام والخاص تتأسس وتتجىل يف العالقة النوعية بني املرأة والرجل‪ ،‬أعني العالقة‬ ‫الجنسية األكرث حميمي ًة التي يعيد بها الجنس إنتاج وجودها االجتامعي‪ ،‬ولذلك ُسميت عالق ًة جنسي ًة‪ ،‬وهذا ما يرقى بها عن‬ ‫أي شكلٍ من أشكال االبتذال أو اإلسفاف‪.‬‬

‫‪ -1‬تاريخ قضية املرأة‬ ‫تاريخ األنثى العادية (غري املنتسبة لعائل ٍة ملكية) أنها كانت تتسم بالتهميش‬ ‫واإلبعاد والدونية عىل املستويني االجتامعي والقانوين يف حني كان املربر‬ ‫مرتبطًا بشكلٍ‬ ‫أسايس بالفروقات الجسدية بينها وبني الرجل‪.‬‬ ‫ٍّ‬ ‫وباملقابل اعتربت املرأة امللكية عىل أنها سيد ٌة تتمتع بقوة وفضائل أسلوبها‬ ‫بالرجل‪ .‬إن قضية املرأة قضي ٌة تاريخي ٌة ترضب جذورها عميقًا يف حياة‬ ‫الجامعة البرشية إىل الزمن الذي ظهرت فيه املِلكية الخاصة‪ ،‬وظهر معها‬ ‫استغالل اإلنسان لإلنسان‪.‬‬ ‫وما يجعلنا منيل إىل ترجيح ذلك أن املرأة ال تزال ت ُعامل عىل أنها ملكي ٌة‬ ‫خاص ٌة للرجل‪ ،‬شأنها شأن ما كان ميلكه الرجل من ٍ‬ ‫عبيد ونسا ٍء خاص ًة للمتعة‪.‬‬ ‫بل نكاد نقول أنها األثر املتبقي من النظام العبودي القديم‪ ،‬واملتخفي يف ثنايا‬ ‫النظام العبودي الجديد الذي رفع املِلكية الخاصة إىل مصاف املقدسات‪ ،‬بل‬ ‫وفصلها عن املجتمع‪ ،‬ثم عن العائلة‪.‬‬ ‫جعلها املق ّدس الوحيد يف الواقع الفعيل‪َ ،‬‬ ‫ويظهر هذا يف الفكر العبودي يف الثقافة السائدة عىل الصعيد العاملي‪ ،‬وال سيام يف املجتمعات الدينية املتأخرة كمجتمعاتنا‬ ‫الرشقية والعربية‪.‬‬ ‫‪29‬‬


‫املرأة بني الواقع والتحدي‬ ‫د‪ .‬سمرياميس العامري‬

‫حيث ما تزال وضعية املرأة يف هذه املجتمعات أقرب إىل ما كانت عليه‪ ،‬ومن الصعب أن يجد املرء تفس ًريا آخر الستمرار‬ ‫دونية املرأة وتبعيتها للرجل إلّ بسبب نتائج العالقات والقيم االجتامعية عن شكل املُكية‪ ،‬بل عن منط اإلنتاج االجتامعي‬ ‫الذي يتحدد بها‪ ،‬مبعنى إنتاج الرثوات املادية والروحية عىل السواء‪ :‬كل إنتا ٍج هو متلك‪ :‬كل إنتا ٍج هو استهالك‪.‬‬

‫‪ -2‬العالقة الحميمية بني الرشيكني‪..‬‬ ‫الجنس قضي ٌة جد حساس ٌة يف حياة اإلنسان فر ًدا ومجتم ًعا‪ ،‬فهو مرتب ٌط باستمرار النوع اإلنساين بيولوج ًيا‪ ،‬كام أنه مرتب ٌط‬ ‫بالتكوين الحيوي والنشاط الجسدي والنفيس والذهني والفكري للكيان الفردي‪ ،‬ومرتب ٌط بالعالقة املبارشة مع اآلخر اإلنساين‬ ‫محوري يف تأسيس األرسة كخطو ٍة أساسي ٍة يف املجتمع‪،‬‬ ‫بصفته الجنسية‪ ،‬ومرتب ٌط جوهريًا بالنظام االجتامعي مبا له من دو ٍر‬ ‫ٍ‬ ‫ففي رشقنا املؤمن الفاضل يُعترب اإلنسان عب ٌد للرب اإللهي املزعوم‪ ،‬الذي ال ميكن إثبات وجوده بالعقل الحقيقي‪ ،‬ولكن‬ ‫باسم هذه الربوبية املزعومة يُرغم اإلنسان عىل العبودية لهذا اإلله املفرتض وطاعة دينه املفروض‪ ،‬والرضوخ لخلفاء هذا‬ ‫الرب وممثليه عىل األرض من شيوخ الدين وأصحاب السلطان‪ ،‬فإن رفض إنسا ٌن ما هذا‪ ،‬فله الويل والثبور عىل ما اقرتفه‬ ‫من كف ٍر يف الدنيا واآلخرة‪.‬‬ ‫الحالة املثىل هي يف الجنس كأية‬ ‫حال ٍة مثىل أخرى‪ ،‬حل ٌم فوق‬ ‫ٌ‬ ‫أسايس من‬ ‫محرك‬ ‫الواقع‪ ،‬ولكنه‬ ‫ٌ‬ ‫محركاته‪ ،‬أما عىل أرض الواقع‪،‬‬ ‫فهناك دو ًما تغ ٌري وتطور‪ ،‬والغرب‬ ‫اليوم حقق قفز ًة ثوري ًة إىل األمام يف‬ ‫مجال العالقات الجنسية‪ ،‬فقد تم‬ ‫كحق من حقوق‬ ‫االعرتاف بالجنس ٍ‬ ‫اإلنسان وكحري ٍة من حرياته‪ ،‬بشكلٍ‬ ‫ال تنفصل فيه هذه الحرية وهذا‬ ‫الحق عن بعضهام البعض‪ ،‬والغرب‬ ‫بذلك جعل رشعية العالقة الجنسية مقرتن ًة بإرادة الرشيكني اللذين يشرتكان فيها‪ ،‬وهي رشعي ٌة ذاتي ٌة حر ٌة تقوم عىل إرادتهام‬ ‫ٍ‬ ‫رشعيات أخرى من الخارج‪ ،‬وهذا ما جعل التعامل الجنيس‬ ‫املشرتكة بأن تقوم بينهام هذه العالقة‪ ،‬التي مل تعد بحاج ٍة إىل أية‬ ‫وميسا‪ ،‬ومل يعد «مشكل ًة عويص ًة» كام هو الحال يف الثقافات الدينية املتزمتة‪.‬‬ ‫أم ًرا بسيطًا ّ ً‬ ‫‪30‬‬


‫املرأة بني الواقع والتحدي‬ ‫د‪ .‬سمرياميس العامري‬

‫تلك هي إيجابيات «الثورة الجنسية الغربية»‪ ،‬لكن سيئاتها‬ ‫هي أنه ُهيمن عليها من قبل ثقافة االستهالك الطاغية‬ ‫يف الغرب‪ ،‬ما جعلها تفقد يف املحصلة مضمونها اإلنساين‬ ‫الحقيقي‪ ،‬وتتحول إىل عالق ٍة استهالكي ٍة محضة‪ ،‬ينحدر فيها‬ ‫ٍ‬ ‫اإلنسان كفاعلٍ‬ ‫كرشيك يف الجنس ويصبح موضو ًعا‬ ‫جنيس‬ ‫ٍ‬ ‫سهل ورسي ًعا‪.‬‬ ‫لقضاء حاج ٍة ملحة‪ ،‬ويصبح التواصل الجنيس ً‬ ‫وهذه املشكلة – كام تم القول أعاله‪ -‬ليس سببها الحرية‬ ‫الجنسية نفسها‪ ،‬وإمنا سببها انتشار ثقافة االستهالك‪ ،‬لذا فال‬ ‫ميكن توقع أي شكلٍ أفضل للجنس يف الغرب‪ ،‬إن مل تتغري‬ ‫الثقافة الحياتية الغربية كلها باتجاه األفضل‪ ،‬وتتحرر من‬ ‫هيمنة االستهالك‪ ،‬لتتجه باتجاه الرتكيز عىل النمو اإلنساين‬ ‫للفرد واملجتمع‪ ،‬وهذا يقتيض يف ما يقتيض‪ ،‬استعادة البعد الروحي لإلنسان‪ ،‬واستعادته للمقدس‪ ،‬الذي فقده يف انجرافه‬ ‫يف الحضارة املادية االستهالكية‪ ،‬واملقدس الذي يتم الحديث عنه هنا‪ ،‬ليس هو املقدس الديني التقليدي‪ ،‬فهذا يش ٌء انتهت‬ ‫مقدس ال ينفصل عن ذات اإلنسان‪،‬‬ ‫صالحيته يف الغرب ولن تُستعاد‪ ،‬فاملق ّدس املقصود هنا‪ ،‬هو مقدس الرتابط العاطفي‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫ساموات متعالي ٍة مزعومة‪ ،‬وهذا يقتيض من اإلنسان أن يرى ذاته اإلنسانية غري محصور ٍة‬ ‫وينبع من ذاته‪ ،‬وال يتن ّزل من أية‬ ‫فقط يف حدود الجسد! وعليه أن يتجاوز الجسد‪ ،‬دون أن يقع يف َخطاَء القطيعة مع الجسد أو تجاهل أو كبت الجسد‬ ‫بل أن يضعه يف موقعه املتكامل مع الكيان اإلنساين كله بكل أبعاده والتي يُرى فيها اإلنسان كائ ًنا روح ًيا تتكامل روحيته‬ ‫وجسديته يف وحد ٍة واحدة‪.‬‬

‫‪ -3‬اصحاب الفكر الحر وقضية املرأة‬ ‫مثّلت املرأة أكرث القضايا اإلنسانية التي حازت عىل‬ ‫اهتامم الكثريين من أصحاب الفكر والسياسية‬ ‫واملنظرين الحقوقيني‪ ،‬فهذه القضية قدمي ٌة ب ِقدم وجود‬ ‫اإلنسان واإلنسانية‪.‬‬ ‫وهي ال تخص األنثى فحسب‪ ،‬فهي قضية الرجل‬ ‫أيضا وحلها يخدم تطور اإلنسانية‪.‬‬ ‫واملجتمع ً‬ ‫‪31‬‬


‫املرأة بني الواقع والتحدي‬ ‫د‪ .‬سمرياميس العامري‬

‫ودون تخطي النواقص املوجودة يف الدراسات والتحليالت‬ ‫التي ما انفكت تخوض يف موضوع املرأة وحريتها ومتكينها‬ ‫وحقوقها‪ ،‬فال ميكننا فهم صريورة التاريخ وال فهم الحارض‬ ‫وحالة الفوىض واألزمات التي تعيشها البرشية يف يومنا‬ ‫الراهن‪ ،‬ال ميكن أن تكون مبعز ٍل عن قضية املرأة‪ ،‬فإيجاد‬ ‫الدواء يكمن يف التشخيص السليم للداء‪ ،‬هكذا هي حقيقة‬ ‫ظاهرة املرأة ومسألة حريتها املرتبطتني بالواقع االقتصادي‬ ‫واالجتامعي والثقايف والسيايس واملدين والديني‪.‬‬ ‫فمن املعروف أن تاريخ املجتمعات اإلنسانية‪ ،‬قامت‬ ‫بالكامل عىل املرأة ودورها املؤثر يف عملية االنتقال إىل‬ ‫املجتمعات املتطورة‪ ،‬فهي أول من اكتشفت الزراعة‬ ‫وترويض وتدجني الحيوانات ورعاية األطفال واملسكن‬ ‫(‪)1‬‬ ‫واكتشاف النار‪ ...‬وغريها‪ ،‬والتي ُسميت بالثورة النيوليتية‬ ‫املتطورة يف مزوبوتاميا(‪ )2‬أي بالد الرافدين‪ ،‬ويف تلك املرحلة‬ ‫ط ّورت املرأة العالقات االجتامعية والوعي االجتامعي‬ ‫املتمثل بالطوطمية(‪.)3‬‬ ‫‪ -1‬تدل تسمية «نيوليتي» عىل عالقة بالحجر‪ ،‬مثل تسمية «باليوليتي»‪ .‬وقد حاول الناس أحيانًا متييز مراحل ضمن العرص الحجري‪ ،‬فصاروا يتحدثون عن حقبة «ميزوليتية»‪.‬‬ ‫وكام هي الحال يف جميع التقسيامت األخرى يف ما قبل التاريخ‪ ،‬تبدأ هاتان الحقبتان وتنتهيان يف أزمان تختلف باختالف املناطق‪ ،‬ومل تحدث فيهام تغريات مفاجئة‪ ،‬فالناس‬ ‫خصوصا أساليب صنع أدوات معينة من الحجر‪ ،‬وهي‬ ‫مل يستيقظوا يف يوم من األيام ليجدوا أنفسهم يف حقبة جديدة‪ ،‬بل إن أساليب قيامهم باألشياء كانت تتغري رويدًا رويدًا‬ ‫ً‬ ‫أسهل األمور تتب ًعا عىل علامء اآلثار‪ ،‬ولكن رغم أن هذا التغري كان متدر ًجا فإن نتيجته النهائية واضحة‪ ،‬ومازالت املجتمعات وهي أشياء معقدة تتغري بالطريقة نفسها‪ ،‬ولو أن‬ ‫ذلك يجري اليوم برسعة أكرب‪ .‬والتهمنا الحقبة امليزوليتية ألغراضنا هنا رغم أهميتها للمختصني‪ ،‬أما الحقبة النيوليتية فهي تدل عىل مرحلة هامة جدًا يف تطور البرشية‬ ‫ولكن ما سبب هذه األهمية الكبرية؟ إن علامء اآلثار ال يستخدمون تسمية «نيوليتي» مبعناها الدقيق إال للداللة عىل ثقافة حلت فيها األدوات الحجرية املشحوذة واملصقولة‬ ‫عىل األدوات املصنوعة بقرش الرقائق‪ .‬وقد ال يبدو هذا التطور بحد ذاته أم ًرا مث ًريا‪ ،‬ولكن الحقيقة أن املوضوع ينطوي عىل أشياء أكرث بكثري‪ ،‬فقد أتت املرحلة النيوليتية من‬ ‫وجود اإلنسان بعدد من التغريات ذات األهمية العظيمة والتي تفوق بكثري أهمية التطور يف صنع األدوات الحجرية‪ ،‬ولو كانت األخرية طريقة مناسبة لتحديد مراحله‪ .‬صحيح‬ ‫أن تلك التغريات قد تعود جذورها إىل املايض السحيق‪ ،‬إال أنها ما كانت لتبلغ مستواها الكبري ومداها الجغرايف الواسع إال بفضل اكتشاف الزراعة قبلها‪ .‬فالزراعة هي التي‬ ‫مكنت من ظهور مجموعة من التطورات سميت «الثورة النيوليتية»‪ ،‬وإذا كنا نفصلها إىل عنارص متميزة فام ذلك إال لتسهيل وصفها‪ .‬إن املجتمعات البرشية كلها مرتابطة‬ ‫بأساليب معقدة‪ ،‬ويتعلق عمل كل قسم وتطوره بوجود األقسام األخرى‪ ،‬وعندما ندرك األهمية العظيمة لتوافر كميات أكرب من الغذاء بفضل الزراعة‪ ،‬ال تعود بك حاجة ملحة‬ ‫العتبار هذه الناحية أو تلك حاسمة‪ .‬لنبدأ إذن عند نقطة واضحة‪ ،‬ولو أن اختيارها اعتباطي‪ ،‬هي تقنية شغل الحجارة‪ ،‬وهي التي أعطت هذه الحقبة اسمها‪.‬‬ ‫‪ -2‬نسبة اىل بالد ما بني النهرين‪ ،‬العراق اليوم‬ ‫‪ Totem -3‬حيوان يرتبط باسم العشرية عند الشعوب البدائية‪ ،‬ويعترب اكل لحمه حرام عىل افراد العشرية النهم يؤمنون أنهم منحدرين منه‪ .‬هناك عشائر تتخذ طواطمها من‬ ‫النباتات او الجامدات الطبيعية وحتى من ظواهر الطبيعة ىف حاالت قليلة‪ .‬ىف هذا النظام تحرم العالقات الجنسيه بني إثنني من العشرية ذاتها ألنهم ينحدرون من طوطم واحد‪.‬‬ ‫النظام الطوطمي منترش بني قبائل االبوريجينال ‪ aboriginal‬ىف اسرتاليا ‪ ،‬وىف ميالنيزيا ‪ ،‬وعند هنود امريكا الشامليه‪ .‬ال يوجد نظرية مقبوله بخصوص اصل هذا النظام‪ .‬اهتم‬ ‫علامء االنرثوبولوجيا بدراسة هذا النظام وكتبت عنه دراسات كثرية من اشهرها واهمها دراسات االنرثوبولوجي جيمس فريزر ‪ ،‬ولعامل النفس سيجموند فرويد كتاب مشهور عنه‬ ‫اسمه الطوطم والتابو ‪.Totem and Tabu‬‬

‫‪32‬‬


‫املرأة بني الواقع والتحدي‬ ‫د‪ .‬سمرياميس العامري‬

‫ٍ‬ ‫ومازالت هذه املرحلة تعيش يف ذاكرة املجتمع والتاريخ وتُظهِر نفسها ولو بشكلٍ‬ ‫ومكبوت يف الديانات الفلسفية‬ ‫مخفي‬ ‫ٍ‬ ‫الباطنية(‪ )4‬والطوائف واملذاهب التي مل تخضع للرتاتبية البطرياكية(‪ )5‬يف النظام األبوي‪ ،‬الذي يحاول إخفاء حقيقة دور املرأة‬ ‫نقيض لجوهر املرأة‪ ،‬واعتامد هذه السلطة‬ ‫يف بناء التاريخ البرشي ليحافظ عىل نفوذه التسلطي‪ ،‬فالسلطة االستبدادية هي ٌ‬ ‫عىل الفروقات الطبقية والهرمية متخضت عن الدولة والجيش والتمييز الجنيس والعنرصي واقتبست العقائد الدينية املطلقة‬ ‫املتطورة عىل كافة مقدسات اآللهة‪ -‬األنثى تيامات(‪ )6‬بعد رسقتها يد اآللهة‪ -‬الذكر أنيك(‪.)7‬‬

‫‪ -4‬الثورة الحضارية واملرأة‬ ‫مرحلة التحرض أو ثورة الحضارة هي ثورة الرجل‪ ،‬واقترصت‬ ‫مسرية التقدم بالرجل وعزلت املرأة عن التاريخ وهمشت‬ ‫ٍ‬ ‫سقوط لإلنسانية‬ ‫دورها‪ ،‬فعانت األخرية من السقوط وهي مبثابة‬ ‫والشعوب‪ .‬لذلك اعترب اسرتداد املرأة للحقيقة الجوهرية العائدة‬ ‫للعهد األمومي خياالت التحرر للبرشية برمتها‪.‬‬ ‫‪ -4‬مشتقة من الكلمة اليونانية إيسوترييكوس ‪ esoterikos‬وهي كلمة مركبة من كلمتني احداهام ‪ eso‬مبعنى الباطن‪ ،‬االمر الذي يجعل هذا املصطلح عىل اتصال مبارش مبفهوم‬ ‫الروحانية والتصوف ويقابله ‪ exo‬ظاهر‪ .‬وتعنى اصطلحا اىل الحركات الدينية التي يعتمد منارصوها اىل متيز معتقداتهم ومامرساتهم وتجاربهم الروحية عن تلك التقاليد العامة‬ ‫املتعارف عليها‪ .‬ومن الحركات الباطنية نذكر‪ :‬السيمياء( الكيمياء القدمية ) والصوفية النرصانية القدمية والبنائون االحرار والغنوصية والقيااله واالفالطونية الحديثة وصوفية‬ ‫املركبة االلهية (صوفية العرش االلهي) وديانة الصليب الوردي‬ ‫‪ -5‬البطريرك ‪:‬كلمة يونانية مكونة من شطرين‪ ،‬ترجمتها الحرفية «األب الرئيس»؛ ومن حيث املعنى فهي تشري إىل من ميارس السلطة بوصفه األب‪ ،‬عىل امتداد األرسة‪ ،‬ولذلك‬ ‫فإن النظام املعتمد عىل سلطة األب‪ ،‬يدعى «النظام البطريريك»‪ .‬أما يف املسيحية‪ ،‬فتتخذ الكلمة معنى رئيس األساقفة يف الكنائس األرثوذكسية والكاثوليكية؛ ويدعى مكتب‬ ‫البطريرك البطريركية‪ .‬أما املؤرخون العرب فقد اصطلحوا عىل الكلمة لفظ «بطريق»‪ .‬من حيث الصالحيات‪ ،‬فإن البطريرك هو أسقف مقدم‪ ،‬وله حق الوالية عىل جميع‬ ‫األساقفة مبن فيهم رؤساء األساقفة‪ ،‬وعىل سائر اإلكلريوس والعلامنيني يف واليته الجغرافية أو طائفته حسب القواعد التي رسمتها املجامع املسكونية‪ ،‬والقواعد الكنسية الالحقة‪.‬‬ ‫ويؤلف البطاكة مع مجامعهم املرجع األول يف كل أمور البطريركية ولهم الحق يف إنشاء أبرشيات جديدة وتعيني األساقفة وإدارة السلطة التعليمية وتنظيم األعامل الطقسية‬ ‫املختلفة‪ ،‬واملوافقة عىل نرشها وتعميمها‪ ،‬ومباركة املريون والشعب وتوجيه الرسائل‪ ،‬ويف الكنيسة الكاثوليكية فإن للبابا حق التدخل عند الرضورة‪ .‬املؤسسة البطريركية أطلقت‬ ‫عىل خمس يف القديم‪ :‬روما‪ ،‬واإلسكندرية وأنطاكية والقسطنطينية والقدس‪ ،‬غري أنها الحقًا أطلقت عىل مواقع مختلفة من العامل كالبندقية والربتغال وروسيا ورومانيا وأثيو‬ ‫بيا والهند ومناطق أخرى‪ .‬أما يف أصل استعامل اللقب‪ ،‬فالظاهر أنه يف القرن األول كان يطلق عىل رئيس الجالية اليهودية يف أنطاكية‪ ،‬ومن ثم لقب أسقفها بطريرك بوصفه‬ ‫رئيس املجموعة املسيحية فيها‪ ،‬وقد جاء يف رسالة كتبها بطرس الثالث أن بطريرك أنطاكية وحده اختص بهذا اللقب يف القديم‪ ،‬وأن لقبي روما واإلسكندرية هام بابا يف حني‬ ‫القسطنطينية والقدس اكتفوا برؤساء أساقفة‪ ،‬غري أن املجامع املسكونية وكذلك التقاليد الالحقة‪ ،‬قد منحت رؤساء األساقفة الخمسة الكبار لقب بطريرك‬ ‫‪ -6‬إلهة املحيط يف ديانات حضارات ما بني النهرين القدمية (السومرية واألشورية واألكدية والبابلية) التي تتزوج من أبزو إله املياه العذبة لينتجا آلِهة أصغر‪ .‬ترمز تيامات‬ ‫لفوىض الخلق البدائية وتصور بهيئة أمراة متثل األنوثة والجامل بشكل متأليلء هناك شقان لهذه األسطورة‪ ,‬إحداهام تقول إن تيامات هي إِلهة خالقة من خالل زواج مقدس‬ ‫سلمي بني امللح واملياه العذبة حيث خلق الكون خالل األجيال املتعاقبة يف الجزء الثاين من ملحمة فوىض الخلق تظهر أسطورة تيامات كتجسيد وحيش للفوىض البدائية وتصور‬ ‫تيامات بها عىل شكل ثعبان البحر او تنني‪.‬‬ ‫‪ -7‬إنيك أو إنقي هو أحد أهم اآللهة يف األساطري السومرية‪ ،‬والذي ُعر َِف فيام بعد باسم إئا أو إيا يف األساطري األكادية والبابلية‪ .‬بُ ِدئَت عبادته بوصفه الراعي‬ ‫األكرب إلريدو يف سومر‪ ،‬ثم انترشت عبادته يف جميع أنحاء بالد ما بني النهرين‪ ،‬وتعدتها إىل بالد الحثيني والحوريني‪ .‬كان إله ِ‬ ‫والص ْنعات واالخرتاعات‬ ‫الح َرف واملِ َهن َّ‬ ‫( َجشَ م)‪ ،‬والذكاء والحكمة (ج ِْستو‪ ،‬وتعني حرف ًيا «األذن»‪ ،‬وهذه عالقة قدمية بني السمع والفهم)‪ ،‬وهو إله املياه العذبة والخصوبة‪ ،‬وال َخلْق (نودميّود ‪ :‬نو‪ ،‬شبه‪ ،‬ديم مود‪،‬‬ ‫يحمل‪ ،‬أي «حامل الشبه»‪ ،‬وهو اإلنسان‪ ،‬وهذا أصل قديم للمفهوم الديني يف األديان اإلبراهيمية عن أن اإلنسان ُخلِ َق عىل صورة الرب)‪ ،‬أي خالق الروح والجسد‪ ،‬وهو الشايف‬ ‫املعايف من األمراض (إله الدواء)‪ ،‬وهو محيي املوىت‪ ،‬وحامي الحضارة البرشية والوجود اإلنساين‪ .‬الرقم املقدس الخاص باسمه هو «‪.»40‬‬

‫‪33‬‬


‫املرأة بني الواقع والتحدي‬ ‫د‪ .‬سمرياميس العامري‬

‫فاملراحل التاريخية بد ًءا من العبودية ومرو ًرا باإلقطاعية والرأساملية‪ ،‬جردت املرأة من ق ّوتها وإرادتها وجعلتها غريب ًة عن‬ ‫ذاتها‪ ،‬لتخلق منها امرأ ًة عبد ًة متسلح ًة بالفتنة والفساد واملكائد‪ ،‬بعدما كانت نبع الحب والعطاء‪ ،‬وأصبحت ماد ًة جنسي ًة‬ ‫وسلع ًة مجرد ًة من التفكري واألحاسيس والرغبات‪ ،‬ورغم بروز الشخصيات النسائية (خاصة يف املرحلة الربجوازية وما بعدها)‬ ‫إال أنها مل تستطع تجاوز األطر املرسومة لها من ِقبل النظام الذكوري ونتيجتها كانت إما املساومة مع الرجل أو املطالبة‬ ‫بحري ٍة مجرد ٍة وفظة‪.‬‬

‫‪ -5‬الفكر املاركيس واملرأة‬ ‫كام سعت االشرتاكية املاركسية للوصول إىل املساواة والعدالة والحرية واحتوت عىل حرية املرأة يف أهدافها إال أن معايشتها‬ ‫للنواقص الجدية عىل الصعيد األيديولوجي مل متكّنها من طرح الحلول األكرث عملي ًة وواقعي ًة لقضايا اإلنسانية ولقضية املرأة‪،‬‬ ‫كام أن التطبيقات الخاطئة لالشرتاكية حالت دون أن تكون البديل الكايف للحضارات الطبقية‪ ،‬فاملرأة يف االشرتاكية مل تقم‬ ‫برصا ٍع مري ٍر تجاه الهيمنة الذكورية و ُر ِس َمت حدود حريتها من ِقبل الرجل الذي كبح التطور الخالق لجنس املرأة‪.‬‬

‫‪ -6‬القرن الواحدوالعرشون واملراة‪:‬‬ ‫وبحلول القرن الحادي والعرشين احتلت قضية املرأة مرتبة الصدارة بني القضايا اإلنسانية املطروحة التي خلقتها أزمة‬ ‫اإلمربيالية (تلوث البيئة واألسلحة النووية‪ ،‬التضخم السكاين واالستهالك‪ ،‬واملشاكل الصحية واألمراض املزمنة ودمار الطبيعة…‬ ‫إلخ)‪ ،‬وهي متتاز (القضية) بأهمي ٍة أكرث من القضايا الوطنية والطبقية‪ ،‬فعرصنا الراهن هو مبثابة مرحل ٍة انتقالي ٍة من املجتمع‬ ‫الطبقي إىل مجتمعٍ يعتمد اإلبداع والخلق للفرد واملجتمع والذي يُسمى «عرص الحضارة الدميقراطية»‪ ،‬املتسم بخاصية‬ ‫(دمقرطة) املجتمع والسياسة والدولة ويويل االهتامم ملسألة الحقوق (حقوق اإلنسان وحرية املرأة) اللذان يشكّالن الركيزتني‬ ‫األساسيتني لتطوير حركة (دمقرطة) املجتمع‪ ،‬وبالتايل تطور الدميقراطية تعني حرية املرأة (عىل األغلب) وكام تعني متهيد‬ ‫الطريق للمرأة لتخطو خطواتها األوىل لتفجري طاقاتها الكامنة والتي ستخ ّولها الستالم مهمة الريادة لتحقيق السالم والحرية‬ ‫والدميقراطية‪.‬‬

‫‪ -7‬أثر املرأة يف التاريخ اإلنساين‬ ‫لعبت منطقة الهالل الخصيب وشامل أفريقيا دو ًرا يف والدة الحضارات اإلنسانية منذ فجر التاريخ‪ ،‬والسبب يعود إىل الغنى‬ ‫املادي وكرثة املوارد الطبيعية والظروف املناخية املالمئة لتأمني حيا ٍة مستقر ٍة لإلنسان وبناء الحضارة‪.‬‬ ‫‪34‬‬


‫املرأة بني الواقع والتحدي‬ ‫د‪ .‬سمرياميس العامري‬

‫وكام هو معلو ٌم أن املرأة هي من بدأت بالتاريخ يف هذه املنطقة‬ ‫وزادت من الحياة بها ًء عندما عملت بالزراعة وأنشأت القرى وأوجدت‬ ‫اآلالت كالصحون والفأس‪ ،‬املحراث‪ ،‬وآالت الحياكة‪ ،‬طحن الحبوب‬ ‫واكتشاف النار…وغريها من األدوات‪.‬‬ ‫تنظيم‬ ‫وكانت الرائدة يف عملية تغيري الفكر اإلنساين حيث شكّلت‬ ‫ً‬ ‫متمحو ًرا حولها وخلقت منط حيا ٍة يعتمد عىل الحرية‪ ،‬وانعكس هذا‬ ‫األمر بأن يُ َرمز للمرأة باأللوهية‪ ،‬فالنساء ك ّن اآللهة املبدعات للحياة‬ ‫ووهنب كل يش ٍء من ذواتهن‪ :‬تيامات وأنانا –عشتار(‪ )8‬ونينهورساغ(‪.)9‬‬ ‫فبرسقة الذكر الرب‪ -‬إنيك قوانني الربة ‪-‬األنثى تيامات‪ ،‬وكل ما يعود لها‪ ،‬ومع تطور أوىل الحضارات الطبقية املتمثّلة يف‬ ‫وترسخت‬ ‫الحضارة السومرية‪ ،‬سعى الرجل للحوز عىل كافة امتيازات املرأة وإنكار الثقافة األمومية‪ ،‬معل ًنا نفسه امللك‪-‬الرب‪ّ .‬‬ ‫الهيمنة الذكورية هذه أكرث فأكرث يف املراحل املتتابعة من التاريخ املرتكزة عىل ٍ‬ ‫أسس أيديولوجي ٍة تسلطي ٍة وذهني ٍة دوغامئية‪،‬‬ ‫عقب ُمث ِم َر ًة عن الدولة واملُلكية والعسكرية والويالت والحروب‪ ،‬وتنكرت لوجود تاري ٍخ صنعته‬ ‫رأسا عىل ٍ‬ ‫فقلبت التاريخ ً‬ ‫املرأة‪ ،‬ليحل محله تاري ٌخ مشحو ٌن بقصص الخيانة والكذب والخداع‪.‬‬ ‫يف حني أن التيارات اإلنسانية الفلسفية لزرادشت وماين والحركات الباطنية يف املجتمع ناهضت النظام األبوي واقرتبت يف‬ ‫جوهرها من الحقيقة األنثوية لتفصح عن القيم املستنبطة من الثورة النيوليتية املتعششة يف ذاكرة اإلنسانية‪ .‬وبقيت منطقة‬ ‫ٍ‬ ‫شخصيات نسائي ٍة عظيم ٍة عرب التاريخ (من فرت ٍة ألخرى) كأمثال سمرياميس التي امتازت‬ ‫أرضا خصب ًة لظهور‬ ‫الرشق األوسط ً‬ ‫بجسارتها يف الحرب‪ ،‬وامللكة زنوبيا رمز حب الوطن والشعب التي ر ّجحت املوت عىل العيش يف الذل واإلهانة‪ ،‬وكليوباترا‬ ‫ٍ‬ ‫بصامت نسوي ٍة‬ ‫يف مرص القدمية دافعت عن وطنها وجاهدت لتحقيق آمالها وطموحاتها‪ ،‬فك ّن نسا ًء يف القمة متكّن من ترك‬ ‫عىل مر التاريخ‪.‬‬ ‫ولكن ما بني القرنني الثامن وإىل بدايات القرن الحادي والعرشين تراجعت الذهنية يف الرشق األوسط بشكلٍ أعمق‪ ،‬بسبب‬ ‫تزمت الذهنية الدينية اليهودية واملسيحية فاإلسالمية القامئة عىل دونية املرأة‪ ،‬منبع الرش والجحيم األريض‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫لقي الستار عىل حقيقة املرأة يف مرسح الحياة‪ ،‬وأُنزلَت من مرتبة األلوهية إىل منزلة حواء املذنبة ومن ثم إىل مريم‬ ‫وحينئذ أُ َ‬ ‫حاملة الجنني(‪ ،)10‬ومن بعدها إىل امرأ ٍة زائل ٍة منفي ٍة منطوي ٍة عىل خياالتها يف لقاء مستقبلٍ أرحم‪.‬‬ ‫‪ -8‬عشتار آلهة الخصب والحب والحرب والجامل والتضحية يف الحروب يف حضارات بالد الرافدين‬ ‫‪ -9‬ننخرساج او نينهورساج هي زوجة اله الحكمة واملاء انيك والهه الوالدة‬

‫‪35‬‬


‫املرأة بني الواقع والتحدي‬ ‫د‪ .‬سمرياميس العامري‬

‫‪ -8‬تفاعل البالد العربية املختلفة مع قضية املرأة‬ ‫والبد من األخذ بعني االعتبار أن هذه املنطقة شكّلت موزاييك المتالكها الغنى الثقايف وتعددية شعوبها‪ .‬ورغم امتالك هذه‬ ‫القوميات لعقائد ديني ٍة متاميز ٍة وبُ ًنى فكري ٍة متفرق ٍة إال أنها استطاعت العيش يف أجوا َء مسامل ٍة تتّسم بالتبادل الفكري‬ ‫والتامزج الثقايف والتي أثرت عىل حياة الشعوب سوا ٌء بشكلٍ ايجا ٍيب أو سلبي‪.‬‬ ‫تتميز املنطقة بربوز العنرص العشائري والطائفي والديني القائم واملتغذي عىل الهيمنة والتسلط الذكوري‪ ،‬لبس املرأة‬ ‫باألحكام الدينية املثقلة باألعراف البالية لتغلل البنى التقلدية السلفية بكل متظهراتها‪.‬‬ ‫قائم عىل املساواة‬ ‫تعددي ٍ‬ ‫رغم انتفاخ بعض الدول العربية كتونس ولبنان عىل حقوق املرأة وأهمية دورها يف بناء مجتمعٍ‬ ‫ٍ‬ ‫الحقيقة‪ ،‬إال أنها مل تتجاوز الحالة التخلفية‪ .‬كام أن الحركات النسوية التي ظهرت يف القرن العرشين وخاص ًة يف أواخره مل تكن‬ ‫أيديلوجي يُعنى بقضايا املرأة‪ ،‬فبقيت محصور ًة بالنضال الوطني عاجز ًة بذات الوقت‬ ‫فهم‬ ‫باملستوى املطلوب للوصول إىل ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وحقيقي يف قضية املرأة‪.‬‬ ‫جذري‬ ‫إىل تحر ٍر‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫فالنساء اللوايت جاهدن بفضح حقيقة وضعهن املتدهور منذ عقود طويلة لقني من الصعوبات والعراقيل ما مل تلقه غريهن‬ ‫يف بقية الحضارات واملجتمعات‪ ،‬عاجز ٍ‬ ‫حقيقي بني النسويات عامة‪.‬‬ ‫نسوي‬ ‫أيديلوجي‬ ‫ات عىل انفتا ٍح وعىل اصال ٍح‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫رغم الفروقات القومية والدينية والطبقية التي ميزت وضعية املرأة‪ ،‬فقد عاشت نفس املآيس وذاقت مرارة الحياة من عادت‬ ‫املجتمع وانحرافاته و ُحرمت من أهم وأبسط حقوقها‪ ،‬وتعرضت إىل كل أصناف الذل واإلهانة وكل أشكال العنف املادي‬ ‫واملعنوي والجنيس والجندري‪ .‬وخاص ًة مع األنظمة الحاكمة بعد‪2011‬م أو ما يسمى خطأً بالربيع العريب‪ ،‬فجعلت من املرأة‬ ‫يف أتون الحروب املفتعلة ضحي ًة للنزاعات املسلحة وأزمة األنظمة السياسية واملجتمع ونالت املرأة الحصة األكرب من الفوىض‬ ‫العارمة‪.‬‬ ‫وأفرزت هذه املقدمات لنتائج عرب ذلك الرصاع عىل ثالث تيارات‪:‬‬ ‫أولها‪ :‬التصورات الزائفة للنظام الرأساميل التي ربطت الحرية بالفعاليات والنشاطات التي حطت من شأن املرأة والكرامة‬ ‫اإلنسانية كاإلباحية وغريها‪.‬‬ ‫‪ -10‬نسيبة ملريم العذراء وابنها عيىس‬

‫‪36‬‬


‫املرأة بني الواقع والتحدي‬ ‫د‪ .‬سمرياميس العامري‬

‫ثان ًيا‪ :‬التيار الفاميني‪ -‬النسوي(‪ ،)11‬ال ميكن االستهتار مبساعيها ووجودها‪ ،‬وخاص ًة الفتقارها إىل الدعامة التنظيمية املتينة‬ ‫وعجزها عن تطوير فلسف ٍة خاص ًة بها‪ ،‬جعلتها بعيد ًة عن تخطي الدميقراطية ذات التوجه الغريب‪ .‬وميكن اعتبارها خطو ًة‬ ‫حقيق ًة متكنت من االنتباه للمشكلة القامئة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫وإمكانيات للمرأة‪ ،‬ولكنها ال تأيت تلقائ ًيا وإمنا عىل املرأة أن تبذل‬ ‫فرصا‬ ‫ثالثًا‪ :‬الدميقراطية الوليدة إثر ‪ ،2011‬والتي منحت ً‬ ‫مساعيها وتؤسس تنظيمها وتح ّدد أهدافها الخاصة بها لتثبت حقيقتها كأطروح ٍة مضاد ٍة للتيارات املغايرة‪.‬‬ ‫العالقة النوعية بني الجنسني هي الحب بكل ما تنطوي عليه الكلمة من معان‪ .‬فقد وضع (أريك فروم) مقولة الحب تحت‬ ‫مقولة التملك‪ ،‬ومقولة التملك تحت مقولة االستهالك‪ ،‬لتغدو مقولة الحب تحت مقولة االستهالك؛ فكانت النتائج التي وصل‬ ‫إليها أقرب إىل تفسري العالقات االجتامعية القامئة يف املجتمعات الغربية وتسويغها‪ .‬وانطلق من مق ّدم ٍة خاطئ ٍة جعلته يعطّل‬ ‫العالقة الجدلية بني اإلنتاج واالستهالك‪ .‬الوضع الصحيح للمسألة هو أن نضع مقولة الحب تحت مقولة اإلنتاج التي ت ُع ِّرف‬ ‫مقولة التملك ومقولة االستهالك؛ وإال فسوف نصل إىل نتيج ٍة مؤداها أن العالقات االجتامعية القامئة اليوم تتسق ومنطق‬ ‫أيضا‪ ،‬بحسب هيغل‪.‬‬ ‫واقعي عقالين‪ ،‬وكل ما هو عقال ٌين‬ ‫الرضورة العقلية‪ .‬واألمر ليس كذلك‪ ،‬فكل ما هو‬ ‫واقعي ً‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫العالقات االجتامعية القامئة عقالني ٌة بالطبع‪ ،‬ألنها ممكنات الواقع التي تحققت بالفعل‪ ،‬ولكنها تنحو أكرث فأكرث نحو‬ ‫الالعقالنية املباطنة لكل ما هو عقالين‪ .‬وذلك بحكم منو املعرفة والعمل‪ ،‬بحكم تقدم الوعي ومنو الروح اإلنساين‪ ،‬أي بحكم‬ ‫فاعلية العقل نفسه‪ ،‬وهي فاعلية نفي ونفي النفي وهي ال تفرت وال تتوقف إال حني يعيش الناس الحارض بداللة املايض‪ ،‬أو‬ ‫حني يحجر املايض عىل الحارض وميسك األموات بتالبيب األحياء فيحددون وعيهم وأمناط سلوكهم‪ .‬إن ما كان عقالن ًيا ذات‬ ‫يوم يكف عن كونه كذلك مع تقدم الوعي بصفته الوجود مدركًا‪ ،‬أي مع انبساط الروح اإلنساين يف العامل ويف التاريخ‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫وإلشباع الحاجات الجذرية‪ ،‬يف الوقت ذاته‪ .‬من هذه الزاوية نستطيع تف ُّهم عطش كثريٍ من الفالسفة واملفكرين واألدباء‬ ‫والفنانني إىل جعل الحب «دي ًنا إنسان ًيا»‪ .‬فالحب هو العالقة اإليجابية األصلية التي تعكرها التعارضات الناجمة عن شكل‬ ‫تقسيم للعمل وتوزيعٍ للدخل‪ ،‬وما تع ِّينه لألفراد من مواقع اجتامعي ٍة متفاوت ٍة تبعث الحسد والكراهية‬ ‫املُلكية وما تفرضه من‬ ‫ٍ‬ ‫حل أيجابيًا وجذريًا لقضية املرأة مبا هي قضية املجتمع‪ ،‬يجب أن نؤكد أن‬ ‫فضل عن التنافس والرصاع‪ .‬فإذا أردنا ً‬ ‫والبغضاء ً‬ ‫قابل‬ ‫الحب هو األصل يف العالقات االجتامعية واإلنسانية‪ .‬وهو مبدأ العالقات االجتامعية واإلنسانية وغايتها‪ .‬وهذا مبدأٌ ٌ‬ ‫للبناء عليه وغاي ٌة جدير ٌة بالسعي إليها‪ .‬ومن ثم فإن قضية املرأة مفهومة‪.‬‬ ‫‪ -11‬الفامينية ت ُعرف بشكل عام ضمن أوساط املرأة؛ مبجموع النشاطات والتعليقات التي تختص باملرأة‪ ،‬أي التعليقات النسوية التي تهتم بشؤون املرأة عىل وجه الخصوص‪.‬‬ ‫واعتبا ًرا من انطالقتها تم تعريفها بشكل عام عىل هذا النحو؛ تخوض النضال بهدف تحقيق املساواة يف الحقوق وفرص الحياة بني الرجل واملرأة‪ ،‬وتنظم نفسها عىل شكل‬ ‫الجمعيات واملنظامت النسائية‪.‬‬

‫‪37‬‬


‫املرأة بني الواقع والتحدي‬ ‫د‪ .‬سمرياميس العامري‬

‫‪ -9‬الحرية والسعادة‪:‬‬ ‫هدف يف حد ذاتها ال وسيل ٌة ٍ‬ ‫يف إطار قضية الحرية واالنعتاق أو قضية السعادة‪ ،‬وهي ٌ‬ ‫مثل‪ ،‬آية ذلك أن‬ ‫لهدف آخر كالتق ّدم ً‬ ‫التقدم يقاس بدرجة متتع املرأة والرجل عىل السواء بحريتهام وحقوقهام وليس العكس‪ .‬يف مثل هذا الوضع تندرج قضية‬ ‫رص‬ ‫املرأة يف املرشوع النهضوي الذي ال بد أن يتأسس عىل مبدأٍ يستمد مرشوعيته وقيمته ومسوغاته من ذاته‪ ،‬ال من أي عن ٍ‬ ‫خارجي‪ ،‬وهذا املبدأ هو حرية اإلنسان وانعتاقه وسعادته‪.‬‬ ‫ومييل املرء إىل االعتقاد أن السبب الرئيس إلخفاق محاوالت النهوض عندنا هو أن اإلنسان مل يكن مبدأها وغايتها‪ ...‬وهنا‬ ‫تحرض بكل ثقلها إشكالية التأخر التاريخي التي تستدعي ثور ًة معرفي ًة تغري زاوية نظر اإلنسان إىل ذاته وإىل العامل؛ والتي‬ ‫تستدعي يف سبيل ذلك االعرتاف اعرتافًا مبدئيًا ونهائيًا بأن تاريخنا جز ٌء من تاريخ العامل‪ ،‬وأن األمم املتأخرة تتعلم يف مدرسة‬ ‫األمم املتقدمة‪ ،‬وأن مايض هذه األمم املتقدمة القريب ميكن أن يكون مستقبلنا القريب‪ .‬أليس الفتًا للنظر أننا ال نزال إىل‬ ‫اليوم «نستقدم» األفكار والنظريات دون مبادئها ومناهجها وقيمها‪ ،‬ونستورد التقانات دون الحاضنة املعرفية التي أنتجتها‪،‬‬ ‫ونأخذ العلوم الحديثة من دون أن ندرك أنها فرو ٌع مختلف ٌة من شجرة املعرفة‪ ،‬وحني نقطع أيًا منها عن تلك الشجرة إمنا‬ ‫نجفف نسغه ونزهق روحه؟‬ ‫ويف ظل االستالب أو االغرتاب أو الضياع‪ ،‬وهي أسامء ملس ًمى واحد‪ ،‬وهو علة مايشوب العالقات االجتامعية‪ ،‬يف كل مجتمعٍ‬ ‫عىل حدة‪ ،‬وما يشوب العالقات اإلنسانية عىل صعيد العامل‪ ،‬من عنارص تجعل من اإلنسان عد ًوا لإلنسان وال تجيل ماهيته‪.‬‬ ‫ومن ثم فإن توق األنا لبلوغ كاملها ومتامها باآلخر قد ترسب يف الالوعي الجمعي محتفظًا بصيغته الفطرية‪ ،‬وأكاد أقول‬ ‫الغريزية‪ ،‬التي ت ُضفي عىل الحب طابع الشهوة اآلمثة‪ ،‬شهوة التملك األناين أو االستهالك النهايئ‪ ،‬واالستمتاع الذايت الفاسق‪،‬‬ ‫أو شهوة االفرتاس‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫وتبكيت‬ ‫إيالم متباد ٍل‬ ‫فالسادية واملازوشية تبطنان العالقات اإلنسانية وتتبادالن املواقع لدى النساء والرجال‪ ،‬يف صيغة ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫مشرتك للذات‪ ،‬عىل الرغم من كل ما يالبس هذه العالقات ويغلفها من محايالت وإيهامات‪ .‬وتلكم هي أهم أسباب التعاسة‬ ‫والشقاء وأعمقها غو ًرا يف حياتنا‪ ،‬وال سيام الشقاء الجنيس الذي يلف املجتمع‪ ،‬وشقاء املرأة بوج ٍه خاص‪ .‬مام يضع للسعادة‬ ‫تعريفًا يرادف تعريف الحرية‪ ،‬أعني حذف استالب اإلنسان بأشكاله املقدسة وغري املقدسة‪.‬‬ ‫حتى يغدو بوسع أحدنا أن يخاطب من يحب بقوله‪ :‬يا أنا‪ .‬يف ظل االستالب تغدو كل عالق ٍة بني اثنني‪ ،‬أو اثنتني‪ .‬ولطاملا كانت‬ ‫ٍ‬ ‫دالالت رمزي ًة للحب املفقود‪ .‬ففي ظل االستالب‬ ‫األشياء واملتع الحسية ‪ُ -‬متع االستهالك النهايئ‪ -‬توسطاتٌ رضوري ٌة تحمل‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫عالقات بني أشياء‪،‬‬ ‫عالقات اجتامعي ًة وإنساني ًة‪ ،‬والعالقات االجتامعية واإلنسانية الفعلية تغدو‬ ‫تغدو العالقات بني األشياء‬ ‫‪38‬‬


‫املرأة بني الواقع والتحدي‬ ‫د‪ .‬سمرياميس العامري‬

‫أصنام يق ّدم لها منتجوها فروض الطاعة والعبادة‪.‬‬ ‫كام قال كارل ماركس‪ .‬ويف هذه الحال تتحول منتجات العمل البرشي إىل ٍ‬ ‫وإزاء «صنمية السلعة» تقوم صنمية السلطة‪ ،‬ومنها سلطة الرجال عىل النساء وقوامتهم عليهن‪.‬‬ ‫وأن العنف الذي غدا أساس العالقات االجتامعية‪ ،‬وال سيام العنف حيال املرأة‪ ،‬يرجع إىل هذه الوضعية املأزقية‪ ،‬وضعية‬ ‫التملك األناين واالستهالك النهايئ واالستمتاع الذايت الفاسق وشهوة االفرتاس التي ينجم عنها اإليالم املتبادل وتبكيت الذات‪.‬‬ ‫وإنها لحلق ٌة جهنمي ٌة ودائر ٌة مفرغة‪ ،‬كل نقط ٍة عىل محيطها هي البداية والنهاية‪ .‬املقدمة هي النتيجة‪ .‬إذ ال يستطيع أحدنا‬ ‫أن يعامل املرأة عىل أنها خرق ٌة من دون أن يعرتف ضم ًنا بإنسانيتها؛ وإذ يشعر‪ ،‬ولو عىل نح ٍو غامض‪ ،‬أنه إمنا يهني ذاته‬ ‫ويزدري ماهيته بإهانتها وازدرائها‪ ،‬يلجأ إىل نفي إنسانيتها‪ ،‬ويجهد يف إقناع نفسه بدونيتها وعدم استحقاقها االحرتام‪ ،‬بل‬ ‫وعدم استحقاقها الحياة‪ ،‬ومن ثم يغدو مجرد اإلبقاء عىل حياتها‪ ،‬بحكم الحاجة إليها‪ ،‬هو ذروة الرحمة وكرم األخالق‪.‬‬ ‫والتدابري القانونية اإلجرائية‪ ،‬عىل أهميتها‪ ،‬ال تستطيع حل هذه املعضلة‪ ،‬مهام كانت صارم ًة ورادع ًة‪ ،‬ما مل يبلغ املجتمع‬ ‫تجل العقل يف زمانٍ‬ ‫تجل الروح اإلنسانية‪ّ ،‬‬ ‫درج ًة من الوعي يدرك معها ماهية القانون يف صيغته العامة واملجردة بصفته ّ‬ ‫ومكانٍ محددين‪ .‬أي ما مل يدرك املجتمع «روح القوانني»؛ أي ما مل يدرك املجتمع املعني أن روح القوانني هي قوانني الروح‪.‬‬ ‫ويغدو القانون قو ًة روحي ًة داخلي ًة يف الفرد واملجتمع مرادف ًة للحرية ومقرتن ًة بها‪ ،‬ال مجرد قو ٍة خارجي ٍة غريب ٍة ليست سوى‬ ‫ٍ‬ ‫قيد عىل الحرية‪ .‬هكذا فقط ت ُؤسس فكرة سمو القانون‪.‬‬ ‫أليس رضوريًا أن نتساءل‪ :‬ملاذا يعامل املرء حيوانًا عىل نح ٍو أفضل مام يعامل امرأته أو مام تعامل املرأة رشيكهاا؟ إن سبب‬ ‫ذلك إىل أن الرجل واملرأة يدركان عىل نح ٍو قاطعٍ حيوانية الكلب ويعامالنه عىل أساس هذا اإلدراك الصايف‪ ،‬يف ح ٍني ال تزال‬ ‫إنسانيتهام ملتبس ًة‪ .‬هل أقول‪ :‬أن أحدنا حني يحب كلبه هذا الحب ويعامله هذه املعاملة إمنا يحب حيوانيته أو طبيعيته‪ ،‬أو‬ ‫ذاته الطبيعية يف الكلب‪ ،‬يف حني يعجز عن حب إنسانيته‪ ،‬أو ذاته اإلنسانية يف اآلخر؟ ولطاملا ظننت أن املسألة هي مسألة‬ ‫«إنساني ٌة ملتبسة»‪ ،‬فاإلنسان أشكل عليه اإلنسان‪ ،‬كام قال أبو حيان التوحيدي‪.‬‬ ‫مناسب بهذه القضية التي يقاس بها تقدم املجتمعات ورقيها‪ .‬ويف مقدمة ذلك‪ ،‬تع ّرف صورة املرأة‬ ‫وعي‬ ‫ٍ‬ ‫لذلك ال بد من نرش ٍّ‬ ‫يف ذهن املرأة نفسها‪ ،‬أو تع ّرف وعي املرأة لذاتها‪ ،‬يف سائر تجلياته يف األدب والفن وسائر فروع الثقافة وأمناط السلوك؛ ألن‬ ‫تصور املرأة عن نفسها هو الذي يحدد‪ ،‬بصورة نهائية‪ ،‬تص ّورها عن الرجل وعن املجتمع والدولة‪ ،‬وهو الذي يحدد موقفها‬ ‫من الرجل خاص ًة‪ ،‬وموقف الرجل منها‪ ،‬وال سيام أنها أم الرجل ومربيته ومعلمته‪ ،‬ورشيكته يف األرسة‪ ،‬نواة املجتمع األساسية‪.‬‬ ‫ويشمل ذلك وضع املرأة يف املجتمع وموقعها يف سائر مجاالت الحياة العامة‪ ،‬ومدى انعكاسهام يف الترشيعات والقوانني‬ ‫النافذة‪ ،‬وأهمية العمل يف سبيل تطوير هذه الترشيعات والقوانني مبا يكـفل اتساق شخصية املرأة القانونية وشخصيتها‬ ‫االجتامعية واألخالقية‪ ،‬ومساواتها بالرجـل‪ .‬واالرتقاء بقضية املرأة من مجرد قضي ٍة نسوي ٍة إىل قضي ٍة اجتامعي ٍة هي قضية‬ ‫‪39‬‬


‫املرأة بني الواقع والتحدي‬ ‫د‪ .‬سمرياميس العامري‬

‫املرأة والرجل عىل السواء‪ .‬فكام تكون املرأة يف املجتمع يكون الرجل‪ .‬وكام تكون صورة الرجل يف ذهن املرأة تكون صورتها‬ ‫يف ذهنه‪ ،‬وكام تكون رؤيتها لذاتها تكون رؤيتها للرجل‪ ،‬وبالعكس‪ .‬األنوثة الحرة هي رشط الرجولة الحرة‪ ،‬وبالعكس‪ ،‬وأكاد‬ ‫أقول الحقيقية يف الحالتني‪ ،‬لوال ذلك العنرص الطبيعي غري املرفوع‪.‬‬

‫‪ -10‬ما هو الحل إلنصاف املرأة؟‬ ‫يف ضوء ما تقدم ميكن اإلسهام يف إعادة بناء قضية املرأة‪ ،‬أو مسألة تحررها‪ ،‬وحريتها‪ ،‬وفق مبدأ حرية الفرد وحقوق اإلنسان‬ ‫واملواطن‪ ،‬انطالقًا من حقيقة أن اإلنسان غاي ٌة يف ذاته‪ ،‬بل هو غاية الغايات‪ ،‬وأن حريته هي أهم مظاهر إنسانيته وأهم‬ ‫مضامينها؛ فال يجوز النظر إليه عىل أنه وسيل ٌة ألي غاي ٍة أخرى‪ ،‬مهام سمت تلك الغاية‪ ،‬ناهيكم عن التعامل معه عىل هذا‬ ‫األساس‪ .‬فإن االعرتاف باملرأة ذات ًا إنساني ًة حرةً‪ ،‬وفردي ًة مستقل ًة‪ ،‬مساوي ًة للرجل يف الكرامة اإلنسانية‪ ،‬ويف سائر الحقوق‪،‬‬ ‫ومعاملتها عىل هذا األساس‪ ،‬هام املقدمة األوىل لتحرر املجتمع وتق ّدمه‪ .‬وإن تح ّرر النساء رش ٌط الز ٌم لتحرر الرجال‪.‬‬ ‫واملجتمع هنا‪ ،‬يف مفهومه وواقعه‪ ،‬هو‪ ،‬كام ع ّرفه ماركس‪ ،‬اإلنسان نفسه وقد غدا موضوعيًا‪« .‬املجتمع هو اإلنسان مموض ًعا»‪.‬‬ ‫وليس هناك يش ٌء يف املجتمع والدولة غري موجو ٍد يف اإلنسان بالقوة‬ ‫وبالفعل‪ .‬وحينام ننظر إىل املجتمع وإىل الدولة عىل هذا النحو ندرك‬ ‫ماهيتنا الفعلية يف قدرتها غري املحدودة عىل إنتاج أشكال الحياة‬ ‫االجتامعية والثقافية والسياسية؛ فاإلنسان ال ينتج عامله وتاريخه‬ ‫فحسب‪ ،‬بل ينتج ذاته يف العامل ويف التاريخ‪.‬‬ ‫وهذا اإلنتاج هو ما يُطلق عليه اسم الثقافة والحضارة والعمران‬ ‫واملدنية‪ .‬فحني نضع مقولة املجتمع تحت مقولة اإلنسان تغدو جميع‬ ‫املقوالت والصفات والتعيينات األخرى تابع ًة‪ .‬اإلنسان هو مبدأ التاريخ‬ ‫وغايته‪ ،‬التاريخ الذي ال بد أن يغدو تاريخ اإلنسان بدلً من كونه تاريخ‬ ‫استالب اإلنسان وضياع ماهيته‪.‬‬ ‫يف هذا القول الذي قد يبدو ألنصاف البرش وأرباعهم أقرب إىل موعظ ٍة‬ ‫جذري عىل األنصاف واألرباع‪ ،‬بل عىل التنصيف‬ ‫احتجاج‬ ‫أخالقي ٍة‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫والرتبيع اللذين متارسهام ذاتٌ عليا مغرتب ٌة تدعي لنفسها مرشوعي ًة‬ ‫ميتافيزيق ًة مستوحا ًة من كلي ٍة ما تزال وهمي ًة إىل ح ٍّد كبري‪ .‬هذه الذات‬ ‫‪40‬‬


‫املرأة بني الواقع والتحدي‬ ‫د‪ .‬سمرياميس العامري‬

‫العليا املغرتبة‪ ،‬أعني املجتمع و‪ /‬أو الدولة‪ ،‬ال متارس التنصيف والرتبيع إال ألنها تنكرت ألساسها الطبيعي والعقيل واألخالقي‪،‬‬ ‫فضل عن صفتيه االجتامعية والسياسية‬ ‫أي تنكرت للفرد (ذك ًرا وأنثى) بصفته التجسيد الواقعي العياين للكلية اإلنسانية‪ً ،‬‬ ‫النابعتني من عضويته يف املجتمع والدولة‪ .‬املجتمع والدولة عندنا ال يعرتفان بالفرد إال بصفته وجو ًدا عضويًا بيولوج ًيا هام ًدا‪،‬‬ ‫أو وجو ًدا فيزيق ًيا هام ًدا؛ ويعمالن بال كللٍ عىل نفي إنسانيته لتسويغ رضوب العسف والظلم واالستغالل واإلذالل واالمتهان‪.‬‬ ‫ولذلك ما يزال املجتمع والدولة كلي ًة وهمي ًة إىل ح ٍّد بعيد‪.‬‬ ‫ويقتيض ذلك أن يعمل جميع املؤمنني بأهمية قضية املرأة وراهنيتها‪ ،‬أفرا ًدا وهيئات‪ ،‬يف حقول الثقافة والرتبية والقانون‪،‬‬ ‫يف سبيل التعريف بجميع الرشوط التي جعلت‪ ،‬وتجعل‪ ،‬من املرأة كائ ًنا ضعيفًا ومهانًا‪ ،‬ونقدها‪ .‬ونقد هذه الرشوط هو‬ ‫املقدمة الرضورية لتحسينها أو لحذفها‪ .‬فإن ُضعف النساء الفعيل‪ ،‬يف مجتمعنا‪ ،‬هو قوة الرجال الوهمية‪ ،‬وهو‪ ،‬يف النتيجة‪،‬‬ ‫ضعف املجتمع الفعيل‪ ،‬ومصدر مظاهر العجز والتواكل والالمباالة واإلذعان واالمتثال و»الخوف من الحرية»‪ ،‬وغريها من‬ ‫املظاهر السلبية التي تسم حياته‪ .‬وه ٌّم كل ما نسميه‪ ،‬أو يسمونه تقد ًما‪ ،‬وقبض الريح‪ ،‬ما مل ينجز مجتمعنا ثور ًة كوبرنيكي ًة‬ ‫نوعي خنثى‪ ،‬أو وحدة الذكر واألنثى‬ ‫عىل صعيد الوعي‪ ،‬تضع اإلنسان يف مركز العامل‪ ،‬وتجعله هدفًا للتقدم‪ .‬واإلنسان كائ ٌن ٌ‬ ‫وماهيتهام‪ .‬وإن أحـد الوجوه القبيحة للتقدم الحاصل‪ ،‬عندنا‪ ،‬هو إعادة إنتاج العبوديـة واستغالل اإلنسان لإلنسان‪ ،‬وإبقاء‬ ‫املرأة عبدة العبد ومستغلة املستغل‪ .‬والعبد‪ ،‬كام ع ّرفه أرسطو‪ ،‬هو من ضعف روحه و ِقلّة حيلته فأتبع نفسه لغريه‪ .‬فارتقاء‬ ‫املرأة واالرتقاء بها من «حرمة» إىل إنسان‪ ،‬هو ذاته ارتقاء الرجل واالرتقاء به من عبد غريه إىل سيد نفسه‪.‬‬ ‫وما من ٍ‬ ‫شك يف أن قضية املرأة مرتبط ٌة بقضية األرسة‪ ،‬النواة‬ ‫األساسية للمجتمع‪ .‬الفرد والعائلة هام «مقدمتا املجتمع‬ ‫املدين‪ ،‬يجعالن نفسيهام بنفسيهام مجتم ًعا مدن ًيا»‪ ،‬ودول ًة‬ ‫تعب عن الكلية االجتامعية؛ فال بد من إيالء األرسة‬ ‫سياسي ًة‪ّ ،‬‬ ‫قيم إنساني ٍة‬ ‫عناي ًة خاص ًة‪ ،‬والسعي يف سبيل إرساء حياتها عىل ٍ‬ ‫واجتامعي ٍة حديثة‪ ،‬كأن تقوم عىل مبدأ الحقوق املتساوية‬ ‫يف جميع املجاالت‪ ،‬وعىل مبدأ االختيار الحر والتشارك التـام‬ ‫يف جميع شؤون الحياة‪ .‬وهذا هو رشط الحب اإلنساين‬ ‫الذي يتلقاه األوالد فيكسبهم توازنًا انفعال ًيا‪ ،‬ويوفر لهم‬ ‫الرشوط الذاتية للسعادة‪ .‬وحق الطالق املتساوي للزوجني‬ ‫هو أحد رشوط هذه الرشاكة املتكافئة‪ ،‬وهو أم ٌر ال بد أن‬ ‫يُرتك حسمه للقضاء املدين النزيه واملستقل واملحايد يف هذه‬ ‫املسألة خاص ًة‪ .‬بيد أن حق الطالق ال يعني وجوبه‪ ،‬بل يعني‬ ‫أن رباط الزوجية هو الحرية مرشوط ٌة باملسؤولية وبالنظام‬ ‫‪41‬‬


‫املرأة بني الواقع والتحدي‬ ‫د‪ .‬سمرياميس العامري‬

‫العام يف املجتمع الذي ال ميكن أن يكون ح ًرا إال إذا كان جميع أفراده‬ ‫أحرا ًرا‪ .‬وهذا ال يعني إمكانية بلوغ الحرية املطلقة واستئصال جذور‬ ‫العسف واالستبداد والتسلط‪ ،‬والتمييز ضد النساء من العامل‪ ،‬بل يعني‬ ‫أن يبلغ املجتمع مرحل ًة من الرقي يتخذ فيها موقفًا روح ًيا وأخالق ًيا‬ ‫مناهضا للعسف واالستبداد والتسلط والتمييز‪ ،‬أو مرحل ًة يقول فيها‪،‬‬ ‫ً‬ ‫عىل األقل‪،‬عن الظلم أنه ظلم‪ ،‬وعن االستبداد والتسلط أنهام استبدا ٌد‬ ‫وتسلط‪ ،‬بغض النظر عن قدرته عىل وضع ح ٍّد لهام‪ .‬إن روح عرصنا‬ ‫مل تعد تقبل والية الرجل عىل املرأة‪ ،‬ناهيكم عن استعبادها‪ ،‬فإن من‬ ‫يستعبد اآلخر ال يستطيع أن يكون ح ًرا‪.‬‬ ‫وقضية املرأة يف أحد أهم وجوهها هي قضية الرتبية والتعليم واملناهج‬ ‫والكتب املدرسية‪ ،‬قضية سعاد تكنس وعباس يلعب‪ .‬التي تحيل عىل‬ ‫التقسيم الجنيس للعمل وتحديد أقدار األفراد باألعامل التي ميارسونها‪،‬‬ ‫وقضية احتقار العمل والنفور منه‪ .‬هذه املسألة ال تختزل إىل ذكورية‬ ‫التعليم تعب ًريا عن ذكورية املجتمع‪ ،‬بل تتعداها إىل منط الثقافة السائدة‪،‬‬ ‫بوج ٍه عام‪ ،‬وإىل األيديولوجية التقليدية السائدة بوج ٍه خاص‪ .‬الثقافة‬ ‫التي تتوهم أن الذكورة محـدد ٌة بذاتها ال باألنوثة‪.‬‬ ‫والتي تقيم فروقًا جوهري ًة بني األفراد وفق اعتبارات األصل والنسب والرثوة والجاه والقوة‪ ،‬وال تعرتف بأنه ال تفاوت وال‬ ‫تفاضل يف اإلنسانية‪ ،‬ويف املواطنة‪ .‬الثقافة التي ال تعرتف بأن الست هي الجارية وأن ابن الست هو ابن الجارية‪ .‬وتلكم هي‬ ‫جدلية القهر وعالقة السيد والعبد‪ :‬الظامل هو املظلوم‪ ،‬والسيد هو العبد‪.‬‬ ‫هذه الثقافة التقليدية املليئة بعنارص االستبداد هي مضمون العالقات االجتامعية القامئة‪ ،‬عالقات االستغالل واالستعباد‪،‬‬ ‫وليس بالوسع تحسني هذه العالقات أو تطويرها وتحديثها أو تغيريها ما مل يتغري محتواها املعريف والثقايف‪.‬‬

‫‪ -11‬دور الدولة يف حل اإلشكال‪:‬‬ ‫لكن للدولة ‪-‬بصفتها االفرتاضية‪ -‬مملكة الحقوق والقوانني‪ ،‬والتجسيد الواقعي للحرية وظيف ًة تربوي ًة‪ ،‬متارسها من خالل‬ ‫سيادة القانون عىل القوي والضعيف وعىل الغني والفقري وعىل الحاكم واملحكوم‪ ،‬فال بد من العمل الدؤوب يف سبيل ترجمة‬ ‫‪42‬‬


‫املرأة بني الواقع والتحدي‬ ‫د‪ .‬سمرياميس العامري‬

‫ٍ‬ ‫ترشيعات وقوانني تكفل حرية الفرد وحقوق اإلنسان وتصونها‪.‬‬ ‫القيم اإلنسانية‪ ،‬وال سيام املساواة بني املرأة والرجل‪ ،‬إىل‬ ‫فالدولة وحدها من يستطيع تعميم القيم واملبادئ اإلنسانية والدميقراطية‪ ،‬يف مناهج الرتبية والتعليم وبرامج التنمية‬ ‫االجتامعية‪ ،‬وال سيام برامج التدريب والتأهيل‪ ،‬ومن خالل املؤسسات الثقافية واإلعالمية والخدمات االجتامعية‪ .‬فليس‬ ‫بوسع األفراد والجمعيات واألحزاب السياسية تغيري العالقات االجتامعية من دون هذه الرافعة السياسية‪ ،‬التي هي الدولة‪،‬‬ ‫دولة الحق والقانون‪ ،‬املقدمة الالزمة منطق ًيا وتاريخ ًيا للنظام الدميقراطي والدولة الدميقراطية‪ .‬وهنا يبدو جل ًيا أن قضية‬ ‫املرأة‪ ،‬عىل النحو الذي أرشنا إليه‪ ،‬هي قضي ٌة دميقراطي ٌة إن مل نقل إنها قضية الدميقراطية‪.‬‬ ‫ألي منها قيم ًة مطلق ًة‪ ،‬بل أن لها‬ ‫إن جميع محموالتنا ومكتسباتنا الثقافية‪ ،‬نحن النساء والرجال‪ ،‬هي تحديداتنا الذاتية‪ ،‬ليس ٍّ‬ ‫مبطلق ٍ‬ ‫واحد هو اإلنسان‪ ،‬وكذلك مواقعنا يف شبكة العالقات االجتامعية واالقتصادية والسياسية‪،‬‬ ‫قيم نسبي ًة محدد ًة‬ ‫ٍ‬ ‫جمي ًعا ً‬ ‫ومواقعنا عىل سلم اإلنتاج االجتامعي‪ ،‬ألنها جمي ًعا من إنتاجنا وإبداعنا‪ ،‬وهي مع َّرف ٌة باإلضافة إلينا‪.‬‬ ‫ومن ثم فإنها قابل ٌة للنمو والتطور‬ ‫والتحسن والتغري قابلية اإلنسان لذلك‪.‬‬ ‫وكل ما رفعته البرشية يف تاريخها إىل‬ ‫مستوى املقدسات إمنا ُوجد من أجل‬ ‫اإلنسان‪ ،‬ومل يوجد اإلنسان من أجله‪.‬‬ ‫وكل ما يشـوب هذه املحموالت‬ ‫ويحـدد تلك املواقع من ٍ‬ ‫وظلم‬ ‫عسف ٍ‬ ‫واستغال ٍل واستعبا ٍد إمنا يرجـع إىل‬ ‫منط تقسيم العمل وتوزيع الرثوة‬ ‫وشكل ملكية وسائل اإلنتاج‪.‬‬ ‫ومن ثم فإن قضية املرأة‪ ،‬بوصفها قضي ًة إنساني ًة واجتامعي ًة‪ ،‬هي قضية جهاد املعرفة لوعي استالب اإلنسان واغرتابه عن‬ ‫ناتج عمله وعن عامله وعن ذاته‪ ،‬بالدرجة األوىل‪ ،‬متهي ًدا لحذفه‪ .‬الطابع الجذري لهذه القضية يقتيض معالجتها‪ ،‬عىل صعيد‬ ‫الفكر أولً ‪ ،‬بصور ٍة جذري ٍة تتعدى جميع التابوات والتحرميات‪ ،‬وتخضع جميع املسائل والظاهرات لسلطان العقل ومطالب‬ ‫صحيح أن الفكر ال يصنع التاريخ بصور ٍة مبارشة‪ ،‬ولكن ال تاريخ ممك ًنا بدونه‪ .‬وال يغري الله ما بقوم حتى‬ ‫الروح اإلنساين‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫يغريوا ما بأنفسهم‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫تفاوت يف النمو بني األقطار العربية‪ ،‬حققت كث ًريا من املكاسب ونالت كث ًريا‬ ‫وال مناري يف أن املرأة العربية‪ ،‬عىل ما هناك من‬ ‫من الحقوق‪ ،‬وال سيام يف مجاالت العلم والعمل‪ ،‬ويف مجال القوانني اإلجرائية‪ ،‬أهدتها كلها للمجتمع كام أسلفت‪ ،‬لكن جهل‬ ‫‪43‬‬


‫املرأة بني الواقع والتحدي‬ ‫د‪ .‬سمرياميس العامري‬

‫معظم النساء بتلك املكاسب وهذه الحقوق يجعلها كأنها مل تكن‪ ،‬ويبقي املرأة حبيسة العرف والعادة والتقاليد واألفكار‬ ‫مثل اضطها ًدا مضاعفًا للمرأة العاملة‪ ،‬يف ظل عدم تطور رشطها االجتامعي‬ ‫املوروثة‪ ،‬ويجعل من حق العمل املتساوي ً‬ ‫واإلنساين‪ .‬لذلك ال بد من تعريف املرأة بحقوقَها املكتسبة‪ ،‬ومتكينها من التمتع بها‪ ،‬ليك تستطيع املطالبة بحقوقها األخرى‪،‬‬ ‫وال سيام عىل صعيد األحوال الشخصية‪.‬‬ ‫مدخل إىل تحسني‬ ‫مكسب فائق األهمية‪ ،‬برشط أن يكون ً‬ ‫وال شك يف أن حق املرأة املساوي لحق الرجل يف التعليم والعمل‬ ‫ٌ‬ ‫رشطها االجتامعي واإلنساين والحقوقي والسيايس‪ ،‬وتغيريه؛ وإال فإنه سيعزز دونيتها ويزيد من شقائها‪ ،‬ويضاعف استغاللها‪،‬‬ ‫ما دامت أسس الرتبية ومناهج التعليم والكتب املدرسية والجامعية محكوم ًة برشوط التقليد وأُسسه املعرفية واألخالقية‪.‬‬ ‫وإن وض َع هذا الحق يف موضعه الصحيح يقتيض إعادة النظر يف أسس الرتبية والتعليم‪ ،‬ويف املناهج والكتب املدرسية‪ ،‬وفق‬ ‫مبدأ املساواة‪ ،‬ويف مبدأ الفصل بني الجنسني يف املدارس واملعاهد‪.‬‬

‫‪ -12‬أثر القوانني السائدة‬ ‫كام يقتيض إعادة النظر يف رشوط العمل‪ ،‬وضامن حق املرأة يف عائد عملها املرتاكم يف ثروة األرسة‪ ،‬مبا يف ذلك العمل‬ ‫املنزيل بصفته قيم ًة مضاف ًة يف إنتاج األرسة يجب احتسابه يف الناتج املحيل‪ ،‬ووضع‬ ‫الترشيعات الكفيلة بحصول الزوجة عىل حقها يف عائد عملها املرتاكم يف هذه الرثوة‪،‬‬ ‫يف حال انفصالها عن زوجها‪.‬‬ ‫بل إن األدىن إىل العدالة هو أن تحصل الزوجة عىل نصف ثروة األرسة‪ ،‬يف حال‬ ‫انفصالها عن زوجها‪ ،‬برشط أن تق ّيد ثروة املرأة وحصتها يف ثروة أرستها قبل الزواج‪،‬‬ ‫إضاف ًة إىل ثروة الرجل ونصيبه من ثروة أرسته قبل الزواج‪ ،‬يف الدوائر املالية والعقارية‪،‬‬ ‫عىل أنها ثروة الزوجني املشرتكة مناصف ًة أو مساهم ًة بحسب اتفاقهام يف عقد الزواج‪،‬‬ ‫وأن تنال املرأة عند انفصالها عن زوجها هذا النصف أو السهم من ثروة األرسة حني‬ ‫سبب من األسباب‪.‬‬ ‫وقوع املخالعة أو الطالق‪ ،‬ألي ٍ‬ ‫وهو ما يجعل الطالق أم ًرا صعبًا من جهة‪ ،‬ويحول دون تعدد الزوجات من جه ٍة‬ ‫أخرى؛ إذ يغدو زواج الرجل من امرأ ٍة أخرى مرشوطًا بالرضورة بتطليق زوجته وإعطائها نصف ثروة األرسة‪ ،‬مهام بلغت‪ ،‬أو‬ ‫ينص عليه عقد الزواج‪.‬‬ ‫أسهم منها‪ ،‬بحسب ما ّ‬ ‫ً‬ ‫ويف هذه الحال تنتفي الحاجة إىل املهر والسياق‪ ،‬إال يف صيغتهام الرمزية والشعائرية ملن يشاء‪ ،‬لتحل محلهام الهدايا املتبادلة‬ ‫‪44‬‬


‫املرأة بني الواقع والتحدي‬ ‫د‪ .‬سمرياميس العامري‬

‫فضل عام يف ذلك من فائد ٍة للمجتمع كله من حيث وضع ٍ‬ ‫حد لرتاكم الرثوة والقوة والسلطة لدى القلة‪ .‬فال يظل‬ ‫والهبات‪ً .‬‬ ‫تقسيم الرثوة مقصو ًرا عىل املواريث‪.‬‬ ‫واألدعى إىل العدالة‪ ،‬يف جميع األحوال‪ ،‬أن تكون ثروة األرسة مناصف ًة بني الزوجني يقسامنها بني أوالدهام بالتساوي عند زواج‬ ‫أي منهم أو منهن‪ ،‬ويو ّرثانها بالتساوي بني األوالد والبنات‪.‬‬ ‫ٍّ‬ ‫وأفرتض أن الزواج املدين‪ ،‬العلامين‪ ،‬الثنايئ‪ ،‬القائم عىل االختيار الحر والقبول املتبادل‪ ،‬وعىل التعارف والتفاهم املتبادلني‪،‬‬ ‫وأساسا‪ ،‬هو املدخل‬ ‫وفهم ً‬ ‫بكل ما لهذين التعبريين من مع ًنى يحيل عىل املعرفة والفهم‪ ،‬بل عىل الحب بصفته معرف ًة ً‬ ‫أول ً‬ ‫حل جذريًا‪.‬‬ ‫الرضوري واملقدمة الالزمة لحل هذه املشكلة ً‬ ‫هذه املقدمة الرضورية الالزمة ستغدو يف النتيجة زوا ًجا حديثًا‪ ،‬يكف عن كونه شقا ًء للطرفني‪ .‬وال ميكن أن يكون كذلك‬ ‫فضل عن كون الزواج املدين العلامين رشطًا الز ًما‪ ،‬وليس كاف ًيا‪،‬‬ ‫ما مل تتوافر له الرشوط املادية والضامنات القانونية املناسبة‪ً .‬‬ ‫لتحقيق االندماج القومي واالجتامعي‪ ،‬واالنتقال من مفهوم امللة إىل مفهوم األمة الذي يتجسد يف املجتمع املدين والدولة‬ ‫الوطنية ‪ /‬القومية‪.‬‬ ‫وملّا كان القانون‪ ،‬بصفته العامة واملجردة‪ ،‬هو مبدأ وحدة املجتمع وماهية الدولة‪ ،‬فإن الزواج املدين هو املدخل الرضوري‬ ‫لتوحيد القانون مقدم ًة الزم ًة لتوحيد املجتمع؛ فال يعقل أن نتحدث عن مجتمعٍ مدين‪ ،‬أو عن وحد ٍة وطني ٍة يف ظل قوانني‬ ‫متعدد ٍة يف «املجتمع» الواحد‪ ،‬وال سيام يف مجال األحوال الشخصية؛ إذ ال تزال هناك قوانني خاص ٌة بالجامعات العربية غري‬ ‫مدخل‬ ‫ً‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬وبالجامعات اإلسالمية غري السنية‪ ،‬عىل نحو ما كان األمر عليه يف نظام امللل العثامين‪ ،‬النظام الذي كان‬ ‫لتسييس مسألة األقليات‪ ،‬وفرض مبدأ «حامية األقليات»‪ ،‬وتفكيك اإلمرباطورية العثامنية‪ ،‬وتعزيز االنقسامات العمودية يف‬ ‫املجتمع ‪ /‬املجتمعات العربية فيام بعد‪.‬‬ ‫لذلك ال يزال املجتمع العريب إىل اليوم يعاين من ٍ‬ ‫رس صلبي يف بُناه‬ ‫نقص يف اندماجه القومي واالجتامعي‪ ،‬بل من تك ٍ‬ ‫رس لجم وال يزال يلجم عملية اندماج املجتمع وتوحيد مجاله السيايس‪ ،‬ويلجم من ثم‬ ‫االجتامعية والثقافية والسياسية‪ ،‬تك ٌ‬ ‫عملية تحرره وتقدمه‪ .‬هذا التكرس الصلبي عالمة بارزة عىل سيادة الوعي الوسطوي‪ ،‬اململويك العثامين‪ ،‬وعىل عرص الحريم‪،‬‬ ‫أي عىل تأخر الفكر والوعي العربيني ومفارقتهام للعرص الحديث والفكر الحديث واملجتمع الحديث‪.‬‬ ‫ومن ثم فإن قضية املرأة تتصل‪ ،‬من هذا الجانب‪ ،‬بقضية علمنة املجتمع العريب وعقلنته وتحديثه وجعله فضا ًء مشرتكًا من‬ ‫الحرية‪.‬‬ ‫‪45‬‬


‫املرأة بني الواقع والتحدي‬ ‫د‪ .‬سمرياميس العامري‬

‫‪ -13‬دور الرتبية والتنشئة الصحيحة‬ ‫إن الرتبية الناشئة من الجنسني يف فضاء الحرية الذي ميثله املجتمع املدين هو رشط التعارف والتفاهم اللذين افرتضهام‬ ‫مقدمة الزواج املدين‪ ،‬وال سيام حني يُنظر إىل الزواج عىل أنه رشاك ٌة كاملة‪ ،‬بل وحد ٌة روحي ٌة ومادي ٌة تجسدها األرسة التي‬ ‫رسا حرةً‪ ،‬وتوفِّر الرشوط املوضوعية والذاتية ملجتمعٍ حر‪ .‬وليس من معيا ٍر لحب‬ ‫مبقدار ما تكون جميع عنارصها حر ًة تولِد أ ً‬ ‫األبوين ألوالدهام أفضل من تنشئتهام عىل الحرية واالستقالل مقرتنني باملسؤولية واحرتام القانون‪.‬‬ ‫الحب والحرية صنوا ٌن ال يستغني أحدهام عن اآلخر‪ .‬وهام كذلك لدى جميع الكائنات الحية‪ ،‬لكن اإلنسان وحده يخلصهام‬ ‫شيئًا فشيئًا من قيود الرضورة العمياء‪.‬‬ ‫هذا كله يقتيض االعرتاف برضورة العالقة بني الجنسني‪ ،‬قبل الزواج‪ ،‬وبأهميتها للتعارف والتفاهم‪ ،‬وبرضورة إخراج هذه‬ ‫العالقة من دائرة العيب واإلثم‪ ،‬ونقل موطن الرشف من بني ساقي املرأة والرجل إىل رأسيهام وقلبيهام‪ .‬ويضارع ذلك يف‬ ‫األهمية الكف عن ازدراء الجسد واالعرتاف بأنه كثيف النفس لطيف الجسد‪ ،‬كام قال أبو حيان التوحيدي‪.‬‬ ‫يف اعتقادي أن قضية املرأة يف مجتمعنا كام يف سائر‬ ‫وثوري يف الوقت‬ ‫املجتمعات املتأخرة‪ ،‬ذات طابعٍ تنويري‪،‬‬ ‫ٍّ‬ ‫ذاته‪ .‬مع أن الكثريين عندنا باتوا ال يحبون كلمة «ثوري»‪،‬‬ ‫وقد يكونون عىل حق‪ .‬ألن هذه القضية تستهدف النواة‬ ‫الصلبة لأليديولوجية التقليدية السائدة‪ ،‬مبا هي أيديولوجي ٍة‬ ‫ذكورية‪ ،‬بل أيديولوجية ذكور ٍة وهمية‪ ،‬وأكاد أقول مخصية‪.‬‬ ‫رصا يف‬ ‫وإن طابعها املركب‪ ،‬التنويري والثوري‪ ،‬يكمن ح ً‬ ‫اعتبارها قضية اإلنسان وقضية املجتمع‪ ،‬عىل الصعيدين‬ ‫اإلنساين العام واالجتامعي الخاص‪ ،‬وقضية الدميقراطية عىل‬ ‫الصعيد السيايس‪.‬‬ ‫وال محيد عن معالجتها عىل نح ٍو جذري‪ ،‬عىل الصعيد‬ ‫النظري‪ ،‬لتحرير رقاب األحياء من قبضة األموات‪ ،‬وكسب‬ ‫املعركة النظرية مع التقليد‪ ،‬املعركة التي يتوقف عىل كسبها‬ ‫مرشوع التقدم العريب كله‪.‬‬ ‫‪46‬‬


‫املرأة ‪ ..‬ﰲ ﺻﻮرﺗني‬ ‫اﳌﻮت‬ ‫بني الواقع والتحدي‬

‫التأخراﻟﻨﻮع ﻣﻦ‬ ‫(جعل ﻫﺬا‬ ‫ﺗﺬﻛﺮت أن‬ ‫ﻛﺘﺎﺑﺔ‬ ‫اﻟﻌﺪو‪.‬بنرشهام‬ ‫ﻫﻮا وعا ًرا‬ ‫اﻷﺳﺌﻠﺔشي ًن‬ ‫واالستبداد أشد‬ ‫واﻹﻧﺠﻴﻞ؟يفﺛﻢسبيل‬ ‫اﻟﻘﺮآنمن العمل‬ ‫لذلك ال بد‬ ‫ألسباب شتى‪ ،‬وقد‬ ‫عىل املأل)‪ ،‬ونقد األوضاع العربية التي باتت دون مستوى النقد‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫اﻟﺠﺎذﺑﻴﺔ ﻋﲆ ﻧﺎر ﺟﻬﻨﻢ وﻫﻞ ﻣﻦ اﳌﻤﻜﻦ أن‬ ‫أهمهاﺗﺄﺛري‬ ‫ﺗﺮىمنﻣﺎ ﻫﻮ‬ ‫ﻧﻔﴘ ﻳﺎ‬ ‫وأبرزها‪.‬‬ ‫القضية‬ ‫ﺳﺄﻟﺖ هذه‬ ‫تكون‬ ‫ﺛﻘﺐ أﺳﻮد ﺑﺴﺒﺐ ازدﻳﺎد ﻛﺘﻠﺘﻬﺎ؟ ﻣﻦ اﳌﻌﺮوف أن اﻟﻜﻔﺎر ﻛ ٌرث وأﻏﻠﺐ‬ ‫ﺗﺘﺤﻮل إﱃ ٍ‬ ‫ﺳﻜﺎن اﻷرض ﺳﻴﻨﺘﻬﻲ ﺑﻬﻢ اﳌﻄﺎف ﻫﻨﺎ‪ .‬ﻛﻢ ﻣﻠﻴﺎر إﻧﺴﺎنٍ ﺗﺤﺘﺎج ﺟﻬﻨﻢ ﻟﺘﻨﻬﺎر ﻋﲆ‬ ‫الخامتة‪:‬‬ ‫ﻟﺜﻘﺐ أﺳﻮد؟‬ ‫ﻧﻔﺴﻬﺎ‬ ‫وﺗﺘﺤﻮل ٍ‬ ‫ﻟﻜﻦ ٍ‬ ‫مستقبل‬ ‫جدال‪،‬‬ ‫منافس وال‬ ‫ﻣﺤﻤﻮد‪ ،‬بال‬ ‫قضيةﻏرياملستقبل‬ ‫اإلطار‪،‬‬ ‫قضيةأناملرأة‪،‬‬ ‫اﳌﻌﻠﻢ ﺑﻌﻘﻞٍ‬ ‫ﺧﻠﻘﻨﻲ‬ ‫ﳌﺎذا‬ ‫اﻷﺳﺌﻠﺔ‬ ‫هذاﻣﻦ‬ ‫ﻫﺬا يفاﻟﻨﻮع‬ ‫تبدوﺗﺬﻛﺮت‬ ‫ﺛﻢ‬ ‫أن‬ ‫يني‬ ‫ال‬ ‫الذي‬ ‫النمو‬ ‫بتفاوت‬ ‫الوثيق‬ ‫الرتباطها‬ ‫وذلك‬ ‫العامل‪،‬‬ ‫ومستقبل‬ ‫أمتنا‪،‬‬ ‫ﻳﻄﺮح ﻫﺬه اﻷﺳﺌﻠﺔ وﻳﺤﺎﻛﻢ اﳌﻌﻠﻮﻣﺎت‪ ،‬ﺛﻢ ﻳﻌﺎﻗﺒﻨﻲ ﻋﲆ اﺳﺘﺨﺪام ﻣﺎ ﺧﻠﻘﻪ ﱄ؟‬ ‫واملستباحة‪،‬‬ ‫واملهمشة‬ ‫واألطراف‬ ‫املتقدم من‬ ‫بني‪ ،‬القسم‬ ‫أن أﻛﻮن داﺧﻞ‬ ‫املتأخرةﻻ ﺗﻌﻮض‬ ‫ﻟﻜﻨﻬﺎ ﻓﺮﺻ ٌﺔ‬ ‫العاملاﻷﺑﺪ‬ ‫ﺳﺄﺣﱰق إﱃ‬ ‫ﺻﺤﻴﺢ أﻧﻨﻲ‬ ‫يتعمقأﺳﺌﻠ ًﺔ‬ ‫ﻛﻔﻰ‬ ‫ٌ‬ ‫عىل األطراف من كلِ ٍف إنسانية واجتامعية‬ ‫العامل‬ ‫من‬ ‫املتقدم‬ ‫القسم‬ ‫يفرضه‬ ‫وما‬ ‫ٍ‬ ‫ﺗﻔﺎﻋﻼت وأرﺻﺪﻫﺎ دون أن أﻣﻮت‪.‬‬ ‫ﻫﻜﺬا‬ ‫واقتصادية‪ ،‬ومن إلز ٍ‬ ‫امات ثقافي ٍة وسياسي ٍة للحفاظ عىل تفوقه وامتيازه؛ والرتباطها‬ ‫وانقسام‬ ‫العريب‪،‬‬ ‫ﻟﻜﻨﻲالوطن‬ ‫االجتامعي‪ ،‬يف‬ ‫مسألة‬ ‫االجتامعية‪،‬‬ ‫باملسألة‬ ‫الوثيق‬ ‫وﺟﻮد ﻛﺎﻣريا‬ ‫ﻻﺣﻈﺖ‬ ‫التفاوت وأﺗﻌﺬب‪،‬‬ ‫وأﻧﺎ أﴏخ‬ ‫اﻟﻌﺬاب‬ ‫ﺟﻬﻨﻢ وﺑﺪأ‬ ‫دﺧﻠﺖ ﻧﺎر‬ ‫وأربعةاﻟﺠﻨﺔ ٍ‬ ‫املهمشني‪ ،‬وال حرية‬ ‫ﻟيكمن الفق‬ ‫أخامس‬ ‫ﻋﺬايباألغنياء‬ ‫خمس من‬ ‫مجتمعاته إىل‬ ‫ﻳﺘﻤﺘﻌﻮاراءﺑﻌﺬايب‪.‬‬ ‫وﺗﺒﺜﻪ ﻷﻫﻞ‬ ‫ﺟﻬﻨﻢ ﺗﺼ ّﻮ ٍر‬ ‫ﰲ أﻋﲆ‬ ‫مع الفقر والتهميش‪.‬‬

‫اﳌﺆﻣﻨﻮن اﻟﺬﻳﻦ ﺗﺤﻤﻠﻮا ﻣﻘﺎﻻيت اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ اﻟﻴﻮم ﻳﺴﺘﻄﻴﻌﻮن أن ﻳﺸﻔﻮا ﻏﻠﻴﻠﻬﻢ‪،‬‬ ‫الحقوقي‬ ‫مسألةاﺋﻚالنظام‬ ‫السياسية‪،‬‬ ‫أﺣﱰقباملسألة‬ ‫والرتباطها‬ ‫الصعيدين‪:‬اﳌﻌﻠﻢ ﻣﻦ‬ ‫عىلمبﺎ أﻋﻄﺎﻫﻢ‬ ‫العامﻓﺮﺣني‬ ‫ﻣﺘﻜﺌﻮن‪،‬‬ ‫ﻋﲆ اﻷر‬ ‫وأﺗﻌﺬب وﻫﻢ‬ ‫ﻫﺎ أﻧﺎ‬ ‫بالتالزم‬ ‫واألخالقية‬ ‫الثقافية‬ ‫باملسألة‬ ‫وبعده‪،‬‬ ‫ذلك‬ ‫قبل‬ ‫الوثيق‪،‬‬ ‫والرتباطها‬ ‫والسيايس‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫وإﺟﺎص وﻧﺒﻴﺬ‪ ،‬اﻟﺬﻛﻮر ﻳﻀﺎﺟﻌﻮن اﻟﺤﻮرﻳﺎت واﻟﻨﺴﺎء ﻳﺸﺎﻫﺪن أزواﺟﻬﻦ‬ ‫ﻓﺎﻛﻬ ٍﺔ‬ ‫لكتلة األمة؛ الوعي الذي ال يزال متأخ ًرا عن‬ ‫االجتامعي‬ ‫الوعي‬ ‫مسألة‬ ‫الرضوري‪،‬‬ ‫وﻳﺤﻔّﺰﻧﻬﻢ ﻋﲆ اﳌﺰﻳﺪ‪ .‬ﻛﻢ ﻫﻢ ﺳﻌﺪاء؟!‬ ‫مامرسة املجتمعات العربية بوج ٍه عام‪.‬‬ ‫ﺳﻴﺒﻘﻮن ﻋﲆ اﻷراﺋﻚ ﻣﺘﻜﺌني إﱃ اﻷﺑﺪ‪ ،‬ﻳﺄﻛﻠﻮن اﻹﺟﺎص وﻳﺘﻀﺎﺟﻌﻮن دون ﺗﻮﻗﻒ‪،‬‬ ‫ﴫ ﻫﻨﺎ وذاك ﻟﻪ ٌ‬ ‫ﻣﻨﺰل ﻫﻨﺎك‪.‬‬ ‫ﻫﺬا ﻟﻪ ﻗ ٌ‬ ‫ﻳﻮﺟﺪ أﻧﻬﺎ ٌر ﻣﻦ اﻟﻨﺒﻴﺬ اﻟﺬي ﻻ ﻳﺴﻜﺮ أو ﻣﺎ ﻛﻨﺎ ﻧﺴﻤﻴﻪ ﻋﺼ ًريا ﻋﲆ اﻷرض‪ ،‬أﻧﻬﺎ ٌر‬ ‫ﻣﻦ اﻟﻌﺼري‪.‬‬ ‫ﻓﺠﺄ ٌة ﺧﻄﺮت ﰲ ﺑﺎﱄ ﻓﻜﺮة‪ ،‬ﻣﺎ ﻫﻲ اﻟﻐﺎﻳﺔ ﻣﻦ ﺟﻨﺎنٍ ﻟﻠﻤﻀﺎﺟﻌﺔ إﱃ اﻷﺑﺪ؟ ﻛﻴﻒ‬ ‫ﺗﻜﻮن ﻫﺬه اﻟﺠﻨﺎن ﻫﻲ اﻟﺠﻮاب ﻋﲆ اﻟﻮﺟﻮد وﻋﻈﻤﺔ اﻟﻜﻮن؟ ﺛﻢ ﺗﺬﻛﺮت أن ﻫﺬا‬ ‫اﻟﻨﻮع ﻣﻦ اﻷﺳﺌﻠﺔ ﻫﻮ اﻟﺬي ﻗﴣ ﻋﲇ‪.‬‬ ‫‪47‬‬ ‫‪36‬‬

‫ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻋﲆ اﻟﻔﻴﺴﺒﻮك‬


‫اﺷﺘﺮك اﻵن‬ ‫ﻓﻲ ﻗﻨﺎﺗﻨﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻴﻮﺗﻴﻮب‬ ‫‪https://www.youtube.com/c/ahmedzayedchannel‬‬

‫ﻗﺮاﺑﺔ ‪ 10‬ﻣﻠﻴﻮن ﻣﺸﺎﻫﺪة‬ ‫ﻣﺸﺘﺮك‬ ‫أﻟﻒﻣﺸﺎﻫﺪة‬ ‫و‪70‬ﻣﻠﻴﻮن‬ ‫ﻗﺮاﺑﺔ اﻟﻌﴩة‬

‫أﺣﻤﺪ ﺳﻌﺪ زاﻳﺪ‬

‫ﻗﻨﺎة أﺣﻤﺪ ﺳﻌﺪ زاﻳﺪ ﻋﲆ اﻟﻴﻮﺗﻴﻮب ﻫﻲ ﻗﻨﺎة ﻣﻌﻨﻴﺔ ﺑﺎﻟﺘﻨﻮﻳﺮ اﻟﻔﻜﺮي واﻟﺜﻘﺎﰲ وﻫﻲ ﻣﺤﺎوﻟﺔ ﻟﻠﺘﻔﻜ اﳌﻮﺿﻮﻋﻲ اﻟﻌﻘﻼ ﻣ ًﻌﺎ‪.‬‬ ‫وﺗﺠﺪون ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺴﻼﺳﻞ وﻣﻨﻬﺎ‪:‬‬

‫أﻟﻒ ﺑﺎء ﻓﻠﺴﻔﺔ ﻟﺘﺒﺴﻴﻂ اﳌﻌﺮﻓﺔ اﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ‬

‫ﻟﻠﺘﻮاﺻﻞ ﻣﻌﻨﺎ ﻋﲆ ﺻﻔﺤﺔ اﻟﻘﻨﺎة ﻋﲆ اﻟﻔﻴﺴﺒﻮك‪:‬‬ ‫‪https://www.facebook.com/aszayedtv‬‬

‫ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﺤﻀﺎرة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻻﺳﻼﻣﻴﺔ‬

‫ﺳﻠﺴﻠﺔ ﺗﻌﺮﻳﻔﻴﺔ ﺑﺮﻣﻮز ﻓﻜﺮﻳﺔ ﻋﺮﺑﻴﺔ وﻏﺮﺑﻴﺔ‬

‫ﺻﻔﺤﺔ أﺣﻤﺪ ﺳﻌﺪ زاﻳﺪ اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ‪:‬‬ ‫‪https://www.facebook.com/ahmedsaadzayed‬‬

‫ﻛﺎﳌﻌﺮي واﻟﺮازي وأرﺳﻄﻮ وﻣﺎرﻛﺲ وراﺳﻞ‬

‫ﺳﻠﺴﻠﺔ ﺑﺘﺤﻠﻴﻞ ﺧﻼﻓﺎت اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ وﻗﺘﺎﻟﻬﻢ‬

‫ﺳﻠﺴﺔ ﺗﻄﻮر ﺗﺎرﻳﺦ اﻹﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻴﺎت اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ واﻟﻔﻠﺴﻔﺎت‬

‫وﻏ ذﻟﻚ ﻛﺜ ﻣﻦ ﻣﺤﺎﴐات وﻣﻘﺎﺑﻼت ﻟﺮﻣﻮز ﻓﻜﺮﻳﺔ ﻓﺎﻟﻘﻨﺎة ﺑﻬﺎ أﻛ ﻣﻦ ‪ 700‬ﻣﺤﺎﴐة‪ ،‬وﻫﻲ ﺟﻬﺪ ﻃﻮﻳﻞ وﻣﺘﻮاﺿﻊ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﻞ‬ ‫اﻟﺜﻘﺎﰲ وﻣﺤﺎوﻟﺔ ﻧﴩ اﻟﻮﻋﻲ واﻟﻌﻘﻼﻧﻴﺔ واﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﻗﺪر اﳌﺴﺘﻄﺎع ﻟﻠﻤﺘﺤﺪﺛ ﺑﺎﻟﻌﺮﺑﻴﺔ‪.‬‬ ‫ﻟﺪﻋﻢ اﻟﻘﻨﺎة‪:‬‬

‫‪https://www.patreon.com/ahmedzayed‬‬

‫‪48‬‬

‫‪https://www.paypal.me/ahmedsaadzayed/100‬‬


‫صفحة إخبارية‬ ‫متعلقة بقضايا‬ ‫الملحدين‬

‫سورة كورونا وحرية الرأي يف تونس‬ ‫آمنة الرشقي ناشط ٌة تونسي ٌة يف منظمة املفكرين األحرار‪ ،‬تبلغ‬ ‫من العمر ‪ 27‬عا ًما‪ ،‬شاركت عىل حسابها الشخيص يف الفيسبوك‬ ‫مكتوب‬ ‫نصا نرثيًا ساخ ًرا بعنوان‪ :‬سورة كورونا‪.‬‬ ‫صور ًة تتضمن ً‬ ‫ٌ‬ ‫بأسلوب السجع الذي تسري عليه نصوص القرآن‪ ،‬وما هي إال‬ ‫ساعاتٌ حتى كانت صورها تنترش بني بعض الغوغاء مطالب ًة‬ ‫مبعاقبتها واالنتقام منها‪ .‬وانهالت عليها رسائل التكفري والوعيد‬ ‫بالسحل والذبح والقصاص‪ ،‬عىل شاكلة‪« :‬خليني نذبحك يا‬ ‫كافرة‪ ...‬سأذبحك من الوريد إىل الوريد‪ 15 ...‬مليونًا ملن يأيت‬ ‫برأسك‪.»...‬‬ ‫يف الخامس من أيار‪ /‬مايو‪ ،‬استدعت الرشطة العدلية آمنة إلبالغها‬ ‫بأنها مطلوب ٌة للنيابة العامة للتحقيق‪ .‬ويف اليوم التايل‪ ،‬توجهت‬ ‫آمنة الرشقي بصحبة ثالثة محامني إىل النيابة العامة حيث تم‬ ‫استجوابها أمام وكيل الجمهورية ملحكمة تونس االبتدائية وست ٍة‬ ‫من معاونيه‪ ،‬بعد منع املحامني من الدخول بحجة غياب فصلٍ‬ ‫قانو ٍّين يخ ّول لهم حضور مراحل االستجواب األوىل‪ ،‬أرصت آمنة‬ ‫عىل أنها مل ترتكب أي خطأ‪ ،‬وبأنها مارست حقها يف التعبري الحر عىل حائط حسابها الشخيص يف فيسبوك‪ .‬وأضافت‬ ‫بأنها ملحد ٌة وتتبنى قضية حرية الرأي واملعتقد‪ ،‬وهي‬ ‫مستعد ٌة للدفاع عنها حتى النهاية‪ ،‬مام أثار غضب ممثيل‬ ‫النيابة العامة فرصخوا بأنها ال متلك الحق يف التعبري عن‬ ‫رأيها؛ مرتكبني بهذا الترصيح مخالف ًة رصيح ًة لدستور‬ ‫الدولة الذي تم إقراره سنة ‪ 2014‬يف فصله الثالثني عىل‬ ‫أن‪« :‬حرية الرأي والفكر والتعبري واإلعالم والنرش مضمون ٌة‬ ‫وال يجوز مامرسة رقاب ٍة مسبق ٍة عىل هذه الحريات»‪.‬‬ ‫وعندما أبلغت آمنة ممثيل النيابة السبعة أنها ضحية‬ ‫جرمية التهديد بالقتل‪ ،‬أجابها ممثل النيابة العامة‪« :‬هذا‬ ‫طبيعي بعد فعلتك هذه!»‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫‪49‬‬


‫تقول آمنة‪« :‬رمبا كانوا يتوقعون مني االعرتاف بالذنب وطلب الصفح‬ ‫اتفق املحققون‬ ‫واملغفرة‪ ،‬ولكني فاجأتهم مبوقفي الثابت وردودي الهادئة‪َ .‬‬ ‫السبعة عىل إطالق رساحي‪ ،‬عىل أن يكون هناك جلسة محكم ٍة يف الثامن‬ ‫والعرشين من أيار‪ /‬مايو‪ ،‬ت ُحال إىل الدائرة الجناحية الثالثة باملحكمة‬ ‫االبتدائية يف تونس ملقاضايت بتهمة الدعوة إىل الكراهية بني األديان واألجناس‬ ‫والسكان‪ ،‬وذلك بالتحريض عىل التمييز واستعامل الوسائل العدائية والنيل‬ ‫من إحدى الشعائر الدينية املُر ّخص بها ِطبقًا للفصلني ‪ 52‬و‪ 53‬من املرسوم‬ ‫عام وغرام ٌة قدرها ألفي‬ ‫‪ 115‬لسنة ‪ .2011‬وهذه الجنحة عقوبتها سج ٌن ملدة ٍ‬ ‫دينا ٍر تونيس»‪.‬‬

‫آمنة الرشقي‬

‫يف ظل هذا االتهام التعسفي‪ ،‬انربى مثانية محامني للدفاع‬ ‫عن حق آمنة بالتعبري والنرش‪ ،‬عىل رأسهم املحامية‬ ‫إيناس طرابليس التي أكدت أن النيابة العامة استدعت‬ ‫موكلتها بنا ًء عىل الفصل السادس من الدستور‪ ،‬مع أن‬ ‫القانون ال يسمح بإحالة املتهم عىل أساس ٍ‬ ‫نص دستوري‪.‬‬ ‫معرب ًة عن دهشتها الستدعاء موكلتها للتحقيق بدون‬ ‫وجود تهم ٍة أو شك ًوى مق ّدم ًة بحقها‪ .‬وأضافت‪« :‬لقد‬ ‫تم منعنا من الحضور خالل االستامع أمام النيابة‪،‬‬ ‫وت ّم منعنا من حق الدفاع أمام النيابة العمومية‪ ،‬وتم‬ ‫انتهاك حق املحاكمة العادلة‪ ،‬وأعلمتني موكلتي أنه ت ّم‬ ‫استجوابها من ِقبل سبع ٍة من ممثيل النيابة العمومية»‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫شخصيات حقوقي ٍة وثقافية‪،‬‬ ‫أثارت قضية آمنة احتجاج‬ ‫اب سياسية‪،‬‬ ‫واعرتاض منظامت املجتمع املدين وأحز ٍ‬ ‫معتربين القضية متثّل محاكم ًة لحريّات التعبري والتفكري‬ ‫والضمري‪ .‬فأصدر املرصد الوطني للدفاع عن مدنية‬ ‫الدولة بيانًا ن ّدد فيه بتقاعس النيابة العامة عن مالحقة‬ ‫من ه ّدد آمنة بالقتل‪ ،‬واتهام الضحية بالتحريض عىل‬ ‫العنف‪.‬‬ ‫‪50‬‬


‫نص ساخر‪ ،‬معترب ًة ذلك رضبًا لحريّة‬ ‫واستنكرت منظامتٌ وجمعياتٌ حقوقي ٌة استدعاء املد ِّونة للتحقيق معها بسبب ٍّ‬ ‫التعبري التي يكفلها الدستور‪ ،‬منها‪ :‬الهيئة العليا لحقوق اإلنسان والحريات األساسية‪ ،‬والرابطة التونسية للدفاع عن‬ ‫حقوق اإلنسان‪ ،‬والجمعية التونسية للنساء الدميقراطيات األورومتوسطية لحقوق اإلنسان‪ ،‬واللجنة من أجل احرتام‬ ‫الحريات وحقوق اإلنسان‪ ،‬وغريها‪...‬‬ ‫ودعت املتحدثة السابقة باسم رئاسة الجمهورية سعيدة قراش إىل إطالق‬ ‫رساح آمنة الرشقي وعدم العودة إىل مربع التكفري والتضييق عىل حرية‬ ‫رصحت نائبة رئيسة رابطة الناخبات التونسيات تركية الشايب بأن‬ ‫الضمري‪ .‬و ّ‬ ‫قضية آمنة الرشقي تندرج ضمن سياسة تكميم األفواه املنافية للترشيعات‬ ‫التونسية التي تكفل حرية التعبري واملعتقد‪.‬‬ ‫رصح نقيب الصحفيني التونسيني ناجي البغوري بأ ّن اعتقال املد ِّونة آمنة‬ ‫و ّ‬ ‫رش خط ٌري عىل عودة سياسة القمع وتكميم األفواه‪ ،‬مستغربًا‬ ‫الرشقي مؤ ٌ‬ ‫تح ّول األمر إىل النيابة العمومية التي تدخلت رسي ًعا وبشكلٍ ذايتٍّ‬ ‫دون تلقّي دعو ٍة لرفع قضي ٍة من أي طرف‪ ،‬واستنك َر عدم تدخل النيابة‬ ‫ٍ‬ ‫وتهديد بالقتل‪.‬‬ ‫العمومية للتحرك ضد ما تعرضت له املدونة من (هرسلة)‬ ‫عب فيه عن مساندته‬ ‫كام نرش حزب املسار الدميقراطي االجتامعي بيانًا ّ‬ ‫املطلقة للمدونة آمنة الرشقي أمام حمالت التحريض التي تطالها ويدعو‬ ‫إىل توفري الحامية الجسدية لها‪ .‬كام طالب حزب القطب بإسقاط الدعوى‬ ‫عىل آمنة الرشقي املتهمة باملس باملقدسات لنرشها لتدوين ٍة عىل صفحتها‬ ‫الخاصة‪.‬‬

‫سعيدة قراش‬

‫ناجي البغوري‬

‫إ ّن مجلة امللحدين العرب ترى يف محاكم ازدراء األديان نسخ ًة معارص ًة من محاكم التفتيش التي سادت يف عصور الظالم‪.‬‬ ‫ومع تأكيد أرسة التحرير عىل حق اإلنسان بالتعبري عن الرأي ونقد األفكار والعقائد الظالمية كاف ًة‪ .‬ت ُح ِّمل النيابة العامة‬ ‫التونسية املسؤولية الكاملة عن أي أذًى يلحق آمنة الرشقي ج ّراء تهاون من اؤمتن عىل حامية القانون وضامن تطبيقه‪.‬‬ ‫وتطالب بالتوقف عن استغالل القضاء إلسعاف األديان املتهالكة التي عفا عليها الزمن وباتت قيو ًدا تحول دون تق ّدم‬ ‫وتحضها‪ .‬وليأخذ القضاء دوره الحقيقي يف مالحقة املجرمني ممن ال يتح ّرج من تهديد أصحاب الرأي بالقتل‪.‬‬ ‫الشعوب‬ ‫ّ‬ ‫‪51‬‬


‫عينة من التهديدات التي تلقتها آمنة الرشقي‬

‫ونختم بكلامت آمنة بلهجتها التونسية املح ّببة‪:‬‬ ‫«نحب نقول كالم من قلبي ونعرب عاليل يف مخي‪ ،‬منحبش نخبي أفكاري ورأيي‪ .‬تخافوا من األفكار؟ من الرأي اآلخر؟‬ ‫من االختالف؟ أنا ال أدعو للعنف! أنا ضد كل من يدعو إىل العنف! أنا نقف ونتضامن مع أي ضحية مع ّرضة للعنف‬ ‫مهام كانت ديانتها‪ .‬أنا نقف مع الحريّة‪ .‬أنا آمنة الرشقي ملحدة باقتناع وهذا حقي‪ .‬أنا ضد الكراهية‪ ،‬أدعو إىل حرية‬ ‫التعبري‪ ،‬وأتوسل الدولة أن تتبناها‪ .‬أنا أطالب بحامية امللحدين وكل من يتبنى معتقد غري مسلم بقانون يضمن الحريات‪،‬‬ ‫علامنية الدولة هي الحل‪ ،‬علامنية تحمينا الكل‪ .‬باش نجمو نتعايشو مع بعضنا الكل بالحب»‪.‬‬ ‫إعداد‪ :‬نضال الغريس وغيث جابري‬

‫‪52‬‬


‫ﺍﻟﻤﺰﺩﺭﻱ‬ ‫وﻟﻴﺪ اﻟﺤﺴﻴﻨﻲ‬

‫اﻟﺜﻤﻦ اﻟﺬي دﻓﻌﺘﻪ ﻟﱰ اﻹﺳﻼم‬

‫اﻟﻜﺘــﺎب وﺛﻴﻘــﺔ ﻣﻬﻤــﺔ ﻳــﺮوي ﻓﻴﻬــﺎ وﻟﻴــﺪ اﻟﺤﺴــﻴﻨﻲ ﻗﺼــﺔ اﳌﻌﺎﻧــﺎة اﻟﺘــﻲ ﻣــﺮ ﺑﻬــﺎ ﻣــﻦ‬ ‫ﺟـﺮاء ﺗﺮﻛــﻪ ﻟﻺﺳــﻼم وﺟﻬــﺮه ﺑﺬﻟــﻚ‪ ،‬ﺑــﺪ ًءا ﻣــﻦ ﺗﺴــﺎؤﻻت ـــﺮ ﺑﻬــﺎ ﻛﻠﻨــﺎ إﱃ ﻧﻘــﺪه اﻟﺴــﺎﺧﺮ‬ ‫ﻟﻠﺪﻳــﻦ‪ ،‬ﻓﺴــﺠﻨﻪ وﺗﻌﺮﺿــﻪ ﻟﻠﺘﻌﺬﻳــﺐ واﻧﺘﻬــﺎء ﺑﻠﺠﻮﺋــﻪ إﱃ ﻓﺮﻧﺴــﺎ ﺣﻴــﺚ ﻻ زال ﻳﻌﻤــﻞ‬ ‫ﺑــﺪأب ﰲ ﻣﴩوﻋــﻪ اﻟﻔﻜــﺮي‪ .‬ﻇﻬــﺮ ﻛﺘﺎﺑــﻪ »اﳌــﺰدري« ﺑﺎﻟﻔﺮﻧﺴــﻴﺔ ﺗﺤــﺖ ﻋﻨــﻮان‬ ‫‪ Blasphémateur‬وﻣﺆﺧ ًﺮا ﺖﺖ ﺗﺮﺟﻤﺘﻪ إﱃ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰﻳﺔ ﺑﻌﻨﻮان ‪ ،Blasphemer‬وﻫﻮ ﻣﱰﺟ ٌﻢ‬ ‫أﻳﻀﺎ إﱃ اﻟﭙﻮﻟﻨﺪﻳﺔ واﻟﺪﺎﺎرﻛﻴﺔ‪ .‬اﻟﻨﺴﺨﺔ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰﻳﺔ ﻣﻮﺟﻮدة ﻋﲆ ﻣﺘﺠﺮ أﻣﺎزون ‪Amazon.com‬‬ ‫ً‬

‫‪53‬‬


‫ال تنتظر الرب‬

‫نورما باسييل‬

‫ال يجد املؤمن غضاض ًة يف االعتقاد‬ ‫بأن اإلله الذي أرسل البالء والكوارث‬ ‫واملصائب‪ ،‬هو نفس اإلله الذي سيتحول‬ ‫فجأ ًة إىل ٍ‬ ‫منقذ للبرشية‪ ،‬ويص ّحح خطأه‬ ‫ويرسل العون واملساعدة‪ ،‬ويخرج البرش‬ ‫من تعاستهم إىل بر النجاة والسالمة‪.‬‬ ‫رغم أنه من الصعب أن يستقيم العدل‬ ‫يف وجود الظلم‪ ،‬أو أن يتصالح الخري‬ ‫مع الرش‪ ،‬وال يصح أن يق ّدم اإلله‪،‬‬ ‫الذي يصفه املؤمن بكيل العدل‬ ‫وكيل املحبة وكيل القدرة‪،‬‬ ‫‪54‬‬


‫ال تنتظر الرب‬ ‫نورما باسييل‬

‫كل هذا الكم من الرش املتمثل يف إفناء البرش بالطوفان‪ ،‬ورضبهم‬ ‫باألمراض أو قتل أطفالهم‪ ،‬ثم إرسالهم بعد املوت إىل جهنم‬ ‫(الجحيم)‪ ،‬حيث العقاب األبدي ألنهم مل يؤمنوا به‪.‬‬ ‫فيلجأ للصالة والترضع إىل هذا الكائن الذي أذاه‪ ،‬لريفع عنه‬ ‫وبا ًء مثل الفايروس املسبب للـ‪ ،COVID-19‬أو يُشفي من‬ ‫أصيبوا به‪ ،‬غري آب ٍه ملا يق ّدمه العلم من حقائق عن مصدر هذا‬ ‫الفايروس وغريه من الكائنات الدقيقة‪ ،‬أو عمرها عىل األرض‬ ‫وكيفية تطورها الرسيع‪ ،‬وطريقة اخرتاقها لخاليا جسد ضحيتها‪،‬‬ ‫أو حتى سبل الوقاية والعالج‪ .‬فهو يظن أن إلهه غضب عليه‪،‬‬ ‫لذلك أرسل هذا الفايروس ليصيب عن طريقه املؤمن والكافر‪،‬‬ ‫فيخترب إميان ومحبة وصرب األول‪ ،‬ويعاقب األخري عىل ضالله‬ ‫لعله يرتجع (مثل الرضبات العرش التي رضب بها فرعون مرص‬ ‫يف سفر الخروج)‪.‬‬ ‫فمثل‪ ،‬اآلية القائلة «فَق َ​َال لَ ُه ْم يَ ُسو ُع‪ :‬لِ َع َد ِم إِميَانِ ُك ْم‪ .‬فَالْ َح َّق أَق ُ​ُول لَ ُك ْم‪ :‬لَ ْو كَا َن لَ ُك ْم إِميَا ٌن ِمث ُْل َحبَّ ِة َخ ْر َدل لَ ُك ْنتُ ْم تَقُولُو َن‬ ‫ً‬ ‫ش ٌء غ ْ َ​َي ُم ْم ِكنٍ لَ َديْ ُك ْم» (متّى ‪،)20 :17‬‬ ‫لِهذَا الْ َج َبلِ ‪ :‬انْتَ ِق ْل ِم ْن ُه َنا إِ َل ُه َن َاك فَ َي ْنتَ ِق ُل‪َ ،‬والَ يَكُو ُن َ ْ‬ ‫ٍ‬ ‫مقياس ملقدار إميانه بإلهه‪ ،‬فهو مبوجب هذا الترصيح‬ ‫هي يف ح ّد ذاتها تحديًا للمؤمن يف صلب عقيدته‪ ،‬وت ُعد مبثابة‬ ‫اإللهي يستطيع القيام مبعجز ٍ‬ ‫ات وعجائب مبهرة‪ ،‬ويف نفس الوقت تحفز املسيحي عىل إثبات قوة إميانه الخارقة‪ ،‬وصحة‬ ‫مجال‪.‬‬ ‫دينه التي ال تدع للشك ً‬ ‫مقدسا‪ ،‬يشفي من األمراض ويصنع املعجزات‪.‬‬ ‫وقد تجدهم مقتنعني متا ًما‪ ،‬بأن هناك أيقونات أو لوحات تقطر زيتًا‬ ‫ً‬ ‫أو تجدهم يص ّدقون أن حفن ًة من تراب قرب بعض «القديسني» ميكن تناولها مع بعض املاء‪ ،‬لنيل الربكات والتحصني من‬ ‫الرشور والبالء‪.‬‬ ‫تعج بهذه القصص الخرافية‪ ،‬التي ُر ِويَت عىل مدار عصو ٍر طويلة‪ ،‬بال ٍ‬ ‫سند‬ ‫وعىل سبيل املثال تجد الكنيسة املرصية ّ‬ ‫علمي أو أدل ٍة حقيقي ٍة أو ملموسة‪ ،‬مثل قصة سمعان الخراز‪ ،‬الذي قيل أنه ظل يصيل إللهه لينقل جبل املقطم بالقاهرة‪،‬‬ ‫ٍّ‬ ‫متحديًا الخليفة املعز لدين الله الفاطمي حاكم مرص الذي أرسل لبطريرك األقباط‪ ،‬طال ًبا منه إثبات آية الجبل (املذكورة‬ ‫يف إنجيل متّى ‪ )20: 17‬أو اعتناق اإلسالم أو ترك البالد أو أن يختار املوت‪.‬‬ ‫‪55‬‬


‫ال تنتظر الرب‬ ‫نورما باسييل‬

‫وبنا ًء عليه‪ ،‬قبل املسيحيون التحدي‪ ،‬وقيل أنهم‬ ‫استطاعوا نقل الجبل‪ ،‬عن طريق الصوم والصالة‪.‬‬ ‫ولكن لآلن مل يتقدم أحدهم بالدليل عىل وجود‬ ‫الجبل سابقًا يف موقع غري موقعه الحايل‪،‬‬ ‫وال منتلك مصاد ًرا إسالمي ًة تؤكد الواقعة‪ ،‬ومل ن َر‬ ‫سابق ًة تاريخي ًة أو جيولوجي ًة تثبت احتاملية انتقال‬ ‫الجبال من مكانٍ آلخر‪ ،‬سوى إميان األقباط املرصيني‪.‬‬ ‫أيضا ذُك َر يف سفر أعامل الرسل‪ ،‬أن املؤمنني كانوا يعالجون مرضاهم‪ ،‬مبجرد ملس أردية رسل يسوع‪ ،‬امللطخة بدمائهم‬ ‫ً‬ ‫ومغطا ٍة بالجراثيم وآثار القرح والجروح‪َ « ،‬وكَا َن الل ُه يَ ْص َن ُع َع َل يَ َد ْي بُول َُس قُ َّو ٍ‬ ‫ات غ ْ َ​َي الْ ُم ْعتَا َد ِة‪َ ،‬حتَّى كَا َن يُ ْؤ َت َع ْن‬ ‫َج َس ِد ِه بِ َ َنا ِد َيل أَ ْو َمآ ِز َر إِ َل الْ َم ْر َض‪ ،‬فَتَ ُز ُ‬ ‫الشي َر ُة ِم ْن ُه ْم» (أعامل الرسل ‪،)11-12 :19‬‬ ‫ول َع ْن ُه ُم األَ ْم َر ُ‬ ‫اض‪َ ،‬وت َ ْخ ُر ُج األَ ْر َو ُ‬ ‫اح ِّ ِّ‬ ‫وأن بطرس وبولس كانا يشفيان املرىض‪ ،‬مبجرد ذكر اسم يسوع‪ ،‬دون الحاجة إىل الطب والعلم والدواء‪ .‬رغم أننا نرى‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫مبستشفيات أمريكي ٍة وأوروبية‪ ،‬وال‬ ‫يف وقتنا الحارض‪ ،‬جميع الكهنة واألساقفة واآلباء والرهبان يهرولون نحو العالج‬ ‫يعتمدون عىل ُرفات القديسني ومالبسهم وصورهم الشخصية يف الشفاء من األمراض‪ ،‬لعل إميانهم كان أضعف من‬ ‫االكتفاء بالصالة والصوم والدعاء‪.‬‬ ‫ويرجع اإلميان بهذه الخرافات لتاري ٍخ أبعد من معجزات وأساطري الكنيسة‪ ،‬وميتد للعهد القديم (يف الكتاب املقدس)‪،‬‬ ‫ورمبا ألديانٍ عديد ٍة تسبقه‪ ،‬ولكن هذه األديان ليست موضوعنا اليوم‪.‬‬ ‫ففي التوراة‪ ،‬يظهر حرص الكاتب عىل إبراز مسأل ٍة تؤرق كل مؤمن‪ ،‬وهي الغضب العارم الذي يعرتي اإلله‪ ،‬إذا ما عىص‬ ‫أليم وقاس ًيا‪:‬‬ ‫املؤمنون أوامره‪ ،‬أو حادوا عن املسار الذي خطّطه هو لهم‪ ،‬فيكون العقاب ً‬ ‫ضبَ ِة ال َ َْب ِص لِتَ ْح َف َظ ِج ًّدا َوت َ ْع َم َل َح َس َب ك ُِّل َما يُ َعلِّ ُم َك الْ َك َه َن ُة ال َّال ِويُّونَ‪ .‬ك َ​َم أَ َم ْرتُ ُه ْم تَ ْحر ُِصو َن أَ ْن ت َ ْع َملُوا»‬ ‫«اِ ْحر ِْص ِف َ ْ‬ ‫(التثنية ‪.)8 :24‬‬ ‫«يُل ِْص ُق ب َِك ال َّر ُّب الْ َوبَأَ َحتَّى يُبِي َد َك َعنِ األَ ْر ِض الَّ ِتي أَنْ َت َد ِ‬ ‫اخ ٌل إِلَيْ َها لِ َ ْ‬ ‫ِالس ِّل َوالْ ُح َّمى َوال ُ َْب َدا ِء‬ ‫ك تَ ْتَلِ َك َها‪ .‬يَ ْ ِ‬ ‫ضبُ َك ال َّر ُّب ب ِّ‬ ‫اب َوالْ َجف ِ‬ ‫َاف َواللَّ ْف ِح َوال ُّذبُو ِل‪ ،‬فَتَتَّ ِب ُع َك َحتَّى ت ُ ْف ِن َي َك» (التثنية ‪.)21-22 :28‬‬ ‫َوااللْ ِت َه ِ‬ ‫ضبُ َك ال َّر ُّب ِب ُج ُنونٍ َو َع ًمى َو َح ْ َي ِة‬ ‫ص َوبِالْ َب َو ِاسريِ َوالْ َج َر ِب َوال ِْح َّك ِة َحتَّى الَ ت َْستَ ِطي َع الشِّ فَا َء‪ .‬يَ ْ ِ‬ ‫«ي َ ْ ِ‬ ‫ضبُ َك ال َّر ُّب ِب ُق ْر َح ِة ِم ْ َ‬ ‫قَل ٍْب» (التثنية ‪.)27-28 :28‬‬ ‫‪56‬‬


‫ال تنتظر الرب‬ ‫نورما باسييل‬

‫ضبُ َك ال َّر ُّب ِب َق ْر ٍح َخب ٍ‬ ‫الساق َْيِ‪َ ،‬حتَّى الَ ت َْستَ ِطي َع الشِّ فَا َء ِم ْن أَ ْسفَلِ قَ َد ِم َك إِ َل ِق َّم ِة َرأْ ِس َك»‬ ‫«ي َ ْ ِ‬ ‫ِيث َع َل ال ُّركْ َبتَ ْ ِي َو َع َل َّ‬ ‫(التثنية ‪.)35 :28‬‬ ‫ويف آية رقم ‪ 45-46‬من نفس اإلصحاح يقول‪َ « :‬وتَأْ ِت َعلَ ْي َك َج ِمي ُع ِ‬ ‫هذ ِه اللَّ َع َن ِ‬ ‫ات َوتَتَّ ِب ُع َك َوت ُ ْد ِرك َُك َحتَّى تَ ْهلِ َك‪ ،‬ألَنَّ َك لَ ْم‬ ‫ت َْس َم ْع لِ َص ْو ِت ال َّر ِّب إِله َِك لِتَ ْح َف َظ َو َصايَا ُه َوفَ َرائِ َض ُه الَّ ِتي أَ ْو َص َاك ِب َها‪ .‬فَتَكُو ُن ِف َيك آيَ ًة َوأُ ْع ُجوبَ ًة َو ِف نَ ْسلِ َك إِ َل األَبَ ِد‪..».‬‬ ‫ضبَ ٍة لَ ْم ت ُ ْكتَ ْب ِف ِس ْف ِر ال َّنا ُم ِ‬ ‫وس هذَا‪ ،‬يُ َسلِّطُ ُه ال َّر ُّب َعلَ ْي َك َحتَّى تَ ْهلِ َك‪».‬‬ ‫وآية رقم ‪« :61‬أَيْ ًضا ك ُُّل َم َر ٍض َوك ُُّل َ ْ‬ ‫الحظوا أن يهوه هنا يتفنن يف ألوان العقاب‪ ،‬وعىل األغلب يكون هذا العقاب عىل شكل أمر ٍ‬ ‫اض وأوبئة‪ ،‬أو كوارثَ ‪.‬‬ ‫أيوب الذي كان با ًرا تقيًا‪ ،‬ومع‬ ‫وأحيانًا يرسل هذه املحن لشعبه‪ ،‬عىل سبيل االختبار أو االبتالء‪ ،‬مثل ما حدث يف قصة َ‬ ‫ذلك أصيب بأمر ٍ‬ ‫اض عديد ٍة وفقد كل أمواله وممتلكاته حتى أنه فقد جميع أبنائه‪ ،‬لكن هذا اإلله املتغطرس مل يكن‬ ‫هدفه اختبار هذا املسكني أو امتحان صربه ومحبته لله‪ ،‬ولكنه كان يف حالة ٍ‬ ‫تحد ومبارا ٍة مع الشيطان‪ ،‬فقد كان الرهان‬ ‫بني الله وإبليس عىل إميان أيوب املسكني دون أي ذنب‪:‬‬ ‫«فَق َ​َال ال َّر ُّب لِلشَّ ْيطَانِ ‪َ :‬ه ْل َج َعل َْت قَلْ َب َك َع َل َع ْب ِدي‬ ‫وب؟ ألَنَّ ُه لَ ْي َس ِمثْلُ ُه ِف األَ ْر ِض‪َ .‬ر ُج ٌل كَا ِم ٌل َو ُم ْستَ ِقي ٌم‪،‬‬ ‫أَيُّ َ‬ ‫اب الشَّ ْيطَا ُن ال َّر َّب‬ ‫الش‪ .‬فَأَ َج َ‬ ‫يَتَّ ِقي الل َه َويَ ِحي ُد َعنِ َّ ِّ‬ ‫وب الل َه؟ أَلَ ْي َس أَنَّ َك َس َّي ْج َت‬ ‫َوق َ​َال‪َ :‬ه ْل َم َّجانًا يَتَّ ِقي أَيُّ ُ‬ ‫َح ْولَ ُه َو َح ْو َل بَيْ ِت ِه َو َح ْو َل ك ُِّل َما لَ ُه ِم ْن ك ُِّل نَ ِ‬ ‫احيَ ٍة؟‬ ‫شتْ َم َو ِاشي ِه ِف األَ ْر ِض‪َ .‬ول ِكنِ‬ ‫بَا َرك َْت أَ ْع َم َل يَ َديْ ِه فَانْتَ َ َ‬ ‫ابْ ِس ْط يَ َد َك اآل َن َو َم َّس ك َُّل َما لَ ُه‪ ،‬فَ ِإنَّ ُه ِف َو ْجه َِك يُ َج ِّد ُف‬ ‫َعلَ ْي َك‪ .‬فَق َ​َال ال َّر ُّب لِلشَّ ْيطَانِ ‪ُ :‬ه َوذَا ك ُُّل َما لَ ُه ِف يَ ِد َك‪،‬‬ ‫َوإِنَّ َا إِلَي ِه الَ تَ ُ َّد يَ َد َك‪ .‬ث َّم َخ َر َج الشَّ ْيطَا ُن ِم ْن أَ َم ِام َو ْج ِه‬ ‫ال َّر ِّب» (أيوب ‪.)8-12 :1‬‬ ‫لذلك أصبح املؤمن اآلن يف حري ٍة من أمره‪ ،‬فهو ال يعلم إذا كان رس انتشار هذا الفايروس يف أنحاء األرض هو غضب الرب‪،‬‬ ‫أم امتحا ٌن لصرب املؤمن «ولكن الذي يصرب إىل املنتهى فهذا يخلص» ‪ -‬إنجيل متى ‪ ،)13 :24‬أو أن األمر مجرد لعبة قام ٍر‬ ‫بني الله وإبليس‪ ،‬فإذا كانت هذه النصوص واقعي ًة‪ ،‬وتأكدنا من وجود هذا اإلله‪ ،‬فالبد أن يتخىل أتباعه عن عبادته‪ ،‬ألنه‬ ‫شخص رشي ٌر وأنا ٌّين وضعيف‪.‬‬ ‫أثبت لهم وبالدليل‪ ،‬أنه ٌ‬ ‫**أمتنى الصحة والسالمة للجميع‪ ،‬ابقوا مبنازلكم**‪.‬‬

‫‪57‬‬


‫ﻣﺠﻠﺲ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ‬ ‫اﻟﺴﺎﺑﻘﯿﻦ ﻓﯽ ﺑﺮﯾﻄﺎﻧﯿﺎ‬

‫‪Council of Ex-Muslims of Britain‬‬ ‫‪www.ex-muslim.org.uk‬‬

‫ﻧﺤ‬

‫ﻦﻣ‬ ‫ﺴ‬ ‫ﻠ‬ ‫ﻤ‬ ‫ﻮ‬ ‫نﻧ‬

‫ﺒﺬ‬

‫ﻧﺎ دﻳﻨﻨﺎ‬

‫ﺑﱰﻛﻨﺎ اﻹﺳﻼم ﻧﻜﴪ ﻣﺤ ّﺮﻣﺎﺗﻪ‪ ،‬ﻟﻜﻨﻨﺎ ﰲ ذات اﻟﻮﻗﺖ ﻧﻌﻤﻞ ﻋﲆ ﺗﺪﻋﻴﻢ اﻟﻌﻘﻼﻧﻴﺔ واﻟﺤﻘﻮق واﻟﻘﻴﻢ اﻟﻌﺎﳌﻴﺔ‬ ‫واﻟﻌﻠﻧﻧﻴﺔ‪ .‬وﰲ ﻧﺸﺎﻃﻨﺎ ﻧﻄﺎﻟﺐ ﺎﺎ ﻳﲇ‪:‬‬ ‫ﺑﺎﻟﺤﻘﻮق اﻟﻌﺎﳌﻴﺔ واﻟﺘﺴﺎوي ﰲ اﳌﻮاﻃﻨﺔ ﺑ اﻟﺠﻤﻴﻊ‪.‬‬ ‫ﺑﺎﻟﺤﺮﻳﺔ ﰲ ﻧﻘﺪ اﻟﺪﻳﻦ‪.‬‬ ‫ﺑﺎﻟﺤﺮﻳﺔ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ واﻹﻟﺤﺎد‪.‬‬ ‫ﻓﺼﻞ اﻟﺪﻳﻦ ﻋﻦ اﻟﺪوﻟﺔ واﻟﻨﻈﺎﻣ‪ ،،‬اﻟﻘﺎﻧﻮ واﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻲ‬ ‫ﺣﻈﺮ اﳌررﺳﺎت واﻟﻌﺎدات واﻟﻘﻮاﻋﺪ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺘﻬﻚ ﺣﻘﻮق اﻟﻨﺎس وﺗﻀﻴﻖ ﻋﲆ ﺣ ّﺮﻳﺎﺗﻬﻢ‪.‬‬ ‫إزاﻟﺔ ﻛﻞ اﻟﻌﺎدات اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻀﻄﻬﺪ اﳌﺮأة وﺗﻨﺘﻘﺺ ﻣﻦ ﺣﻘﻮﻗﻬﺎ واﺳﺘﻘﻼﻟﻬﺎ‪ ،‬وﺣﻈﺮ ﻓﺼﻞ اﻟﺠﻨﺴ‪..‬‬ ‫ﺣﻈﺮ اﻟﺘﺪﺧﻞ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ أﻳﺔ ﺳﻠﻄﺔ ﻋﺎﺋﻠﻴﺔ أو رﺳﻤﻴﺔ ﰲ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ واﻟﻌﺎﻃﻔﻴﺔ واﻟﺠﻨﺴﻴﺔ ﻟﻠﻨﺎس‪.‬‬ ‫ﺣﻳﻳﺔ اﻷﻃﻔﺎل ﻣﻦ اﻟﺘﻼﻋﺐ ﺑﻬﻢ واﻹﺳﺎءة إﻟﻴﻬﻢ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ اﻟﺪﻳﻦ واﳌﺆﺳﺴﺎت اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ‪.‬‬ ‫ﺣﻈﺮ اﻟﺪﻋﻢ اﻟﺮﺳﻤﻲ ﻟﻠﺪﻳﻦ ﺳﻮاء اﳌﺎدي أو اﳌﻌﻨﻮي‪.‬‬ ‫ﺣﻈﺮ ﺟﻤﻴﻊ أﻧﻮاع اﻟﺘﺨﻮﻳﻒ واﻟﺘﻬﺪﻳﺪ اﻟﺪﻳﻨﻲ‪.‬‬ ‫‪58‬‬


‫صفحة ثابتة‬ ‫نقدم فيها قراءة‬ ‫ألحد الكتب‬ ‫القيمة‬

‫جورج سميث‬

‫اإللحاد‪:‬‬

‫مس ِّو ُغ نبذ اإلله جـ ‪2‬‬

‫ال حدود لصفات الله‪ ،‬صفاته ُمطلَقة‪ ،‬ووجوده‬ ‫ُمطلَق‪ ،‬هو صاحب القدرة املطلقة‪ ،‬هو ُمطلَق‬ ‫كل يش ٍء‬ ‫الرحمة ومطلق العدل وهو عىل ّ‬ ‫قدير‪.‬‬ ‫بتلك الجملة اآلنف ِذكرها سريد املؤمنون‬ ‫يف محاول ٍة يائس ٍة أخري ٍة عندما يعجزون عن‬ ‫إجابة سؤال اإللحاد للمؤمنني «ما هي طبيعة‬ ‫اإلله وماه ّيته؟»‪.‬‬

‫‪59‬‬

‫مصطفى ح ّجي‬


‫اإللحاد‪ :‬مس ِّو ُغ نبذ اإلله‬

‫جورج سميث‬

‫لكن‪ ...‬هل تنجح الصفات املطلقة التي اخرتعها املؤمنون وألبسوها إللههم العجيب يف انتشاله من مستنقع التناقض‬ ‫الذي يغوص فيه؟ واقع األمر يختلف متا ًما‪...‬‬

‫أ ّو ًل‪ :‬سفسطة الصفات املُطلَقة تتناقض مع األُ ُسس التي يقوم عليها إدراك اإلنسان للوجود‪.‬‬ ‫بصفات ِ‬ ‫وس ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫امت مح ّدد ٍة مع ّينة‪ ،‬واملؤمنون يرفضون تحديد إلههم‬ ‫إدراكنا لوجود اليشء يعني أ ْن نُدرك وجود يش ٍء مح ّد ٍد‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫سامت ألنّهم يُدركون أ ّن التحديد يَبني حدو ًدا والحدود تقتل األلوه ّية‪.‬‬ ‫بصفات أو‬ ‫الصفات املطلقة أو الالمحدودة املسبوغة عىل اإلله هي لعب ٌة مكشوف ٌة فاشلة‪ ،‬ألنّها تُناقض نفسها مثل « ُمطلَق الرحمة‬ ‫ومطلق العدل و ُمطلَق القُدرة» ‪...‬‬ ‫لنفرتض أ ّن الله اآلن يُحاكِم قاتِ ًل أمامه‪ ،‬وكونه ُمطلَق العدل فصفته‬ ‫هذه ت ُجربه عىل أ ْن يُعا ِقب املجرم بقدر جرمه‪ ،‬أ ّما كونه مطلق‬ ‫الرحمة فهذه الصفة تُجربه عىل أن يَصفَح ويعفو عن املجرم‪...‬‬ ‫تلك صفتان يستحيل أ ْن تجتمعا م ًعا لدى كيانٍ واحد‪ ،‬بالتايل َو َجب‬ ‫عىل اإلله اآلن تعطيل إحدى الصفتني ِلك يَحكُم باألُخرى‪ ،‬لك ّننا‬ ‫نتحدث عن «اإلطالق» هنا وهذا مينع تعطيل الصفة املُطلقة فهي‬ ‫موجود ٌة وتعمل دامئًا وغري محدود ٍة وعص ّي ٍة عىل التعطيل‪ ،‬حسب‬ ‫تعريف اإلطالق نفسه‪.‬‬ ‫نرى مام سبق أن الجمع بني صفتي «مطلق الرحمة ومطلق العدل»‬ ‫مستحيل منطق ًّيا‪ ،‬كام أ ّن تعطيل إحداها الستمراريّة األُخرى يُلغي‬ ‫ٌ‬ ‫صفة اإلطالق منها وبهذا تكون صف ًة محدودةً‪ ...‬هنا سيقف اإلله‬ ‫أيضا أم ٌر يناقض صفة «مطلق‬ ‫عاج ًزا أمام تناقض الصفات‪ ،‬وهذا ً‬ ‫توضح لدينا من املثال السابق عجزه‬ ‫القدرة» لدى اإلله نفسه فقد ّ‬ ‫حل ملعضلة التوفيق بني الصفات املُطلَقة غري املحدودة‪.‬‬ ‫عن إيجاد ٍّ‬ ‫‪60‬‬


‫اإللحاد‪ :‬مس ِّو ُغ نبذ اإلله‬

‫جورج سميث‬

‫ثان ًيا‪ :‬نفي املؤمن ملا نُدركه من «ماه ّيات» وجوديّ ٍة عن الله يجعل منه عد ًما‪،‬‬ ‫نفي لجميع أشكال الوجود‪.‬‬ ‫أل ّن العدم يف جوهره ٌ‬ ‫يتغي‪ ،‬وأنا أقول‬ ‫املؤمن يقول أ ّن الله ليس مبا ّدة‪ ،‬وأنا أقول والعدم كذلك‪ ،‬املؤمن يقول أ ّن الله صم ٌد ٌ‬ ‫ثابت خال ٌد ال ّ‬ ‫خفي عن األنظار‪ ،‬وأنا أقول والعدم كذلك‪ ،‬املؤمن يقول الله ال تح ُّده حدو ٌد وأنا أقول‬ ‫والعدم كذلك‪ ،‬املؤمن يقول الله ٌّ‬ ‫والعدم كذلك‪...‬‬ ‫وهكذا ميكننا املرور عىل جميع ماهيّات الوجود التي يتذاىك علينا املؤمن بها وننسبها للعدم‪ ،‬فام الفرق بني إلهه‬ ‫والعدم؟ ما الفرق بني الله وبني الالوجود؟‬ ‫إ ّما أ ْن يكون الله يساوي العدم أو أ ْن ميتلك ماه ّي ًة أو صف ًة مت ِّيزه عنه‪ ،‬ماه ّي ٌة «تح ِّدد هويته» بشكلٍ واض ٍح ال ل ْب َس فيه‪.‬‬

‫ثالثًا‪ :‬دون معرف ٍة مسبق ٍة لطبيعة الله ال ميكن الجزم مبا هو ليس عليه‪.‬‬ ‫عندما أصف طعم الليمون بالقول أنّه «ليس حل ًوا» فهذا يعني امتاليك معرف ًة مسبق ًة عن طعم الليمون ألعلم مبا هو‬ ‫ليس عليه وبالتايل أُ ِق ّر بأ ّن طعمه «ليس حل ًوا»‪ ،‬وكذلك حني يقول املؤمن أن الله «ليس مادةً» أو ال يتك ّون ِم ْن ذ ّرات‬ ‫ماديّة‪ ،‬أو حني يقول أ ّن الله «ليس طاق ًة» أو ال يتك ّون من «كوانتم» فهو يقول ضمن ًّيا أنّه يعرف شيئًا عن الله يؤ ِّهله‬ ‫إلسباغ هذه «الصفات» عليه‪...‬‬ ‫بعبار ٍة أُخرى‪ :‬عندما ينفي املؤمن ِس ٍ‬ ‫امت معيّن ًة عن الله فهذا يستوجب معرفته لسامت الله الفعليّة‪ ،‬لكن يف الواقع هو‬ ‫أي ِسم ٍة أو ص َف ٍة إللهه ل ُيخربنا بها‪ ،‬بالتايل نف ُيه ال يستند عىل أي معرف ٍة بطبيعة اإلله املزعوم وهنا يكون قد‬ ‫ال ميتلك ّ‬ ‫وقع يف مغالط ٍة شائك ٍة يستحيل عليه الخروج منها‪.‬‬ ‫وبهذا نعود إذًا إىل املربّع األ ّول‪ :‬املؤمنون عاجزون عن رشح فكرة اإلله املزعوم‪ ،‬أل ّن الصفات املطلقة التي يُراد بها إنقاذ‬ ‫فكرة اإلله تفرتض معرف ًة مسبق ًة بفكرة اإلله أولً !‪...‬‬ ‫تناقض ودورا ٌن وتخ ُّب ٌط يف متاهات‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫وحينام يواجه املؤمنون حتم ّية فشل «الصفات املطلقة» تجدهم يعودون ويختبؤون خلف جدار «عج ُز اإلنسان عن‬ ‫معرفة الله» وبهذا يكونون «كَمن ف َّس املاء باملاء»‪.‬‬ ‫‪61‬‬


‫اإللحاد‪ :‬مس ِّو ُغ نبذ اإلله‬

‫جورج سميث‬

‫يعودون للحديث عن إدراك ما ال ميكن إدراكه وفهم ما ال ميكن فهمه ورشح ما ال ميكن رشحه‪ ،‬يعودون إىل التناقض‬ ‫املذكور سابقًا فام عساهم يفعلون اآلن وكيف سينقذون فكرة اإلله من كل هذه التناقضات؟‪...‬‬ ‫للخالص من إشكال ّية الصفات «املطلقة» املتناقضة مع نفسها والتي تُضيف املزيد من الغموض إىل فكرة اإلله الغامضة‬ ‫أساسا‪ ،‬يَلجأ املؤمنون إىل بعض الصفات الحقيقية «أو املفهومة» علّها تنقذ فكرة اإلله من الغرق يف بحر التناقضات‪...‬‬ ‫ً‬ ‫الرحمة‪ ،‬الحكمة‪ ،‬اإلرادة‪ ،‬العدل‪ ،‬وغريها العديد من الصفات التي ُيكن للعاقل إدراك معناها وكُ ْن َهها وداللتها‪ ،‬صفاتٌ‬ ‫تشكِّل غالب ّية أسامء اإلله اإلسالمي واألب املسيحي ويتّفق املؤمنون عىل أ ّن إلههم املعجز ميتاز بها‪.‬‬ ‫لكن هذه الصفات تفشل يف إضفاء ما من شأنه أ ْن يجعل اإلله املزعوم فكر ًة أقرب إىل ِ‬ ‫أسباب‬ ‫الذهن واإلدراك لع ّدة‬ ‫ٍ‬ ‫وهي‪:‬‬ ‫صح التعبري وال ترشح ماه ّيته‪« ...‬الله غفو ٌر رحيم» أو «الله‬ ‫ جميع هذه الصفات ثانويّة‪ ،‬ترشح «شخص ّية» اإلله إ ْن ّ‬‫ُفس ماه ّية هذا «الكيان» الرحيم واملحب‪.‬‬ ‫مح ّبة»‪ ،‬ال ت ِّ‬ ‫قبل أن يُلبِس املؤمنون لفكرة اإلله صف ًة ت ُح ِّدد شخص ّيته عليهم أ ْن يرشحوا ماه ّية وطبيعة املوصوف‪ ،‬وهذا أم ٌر تعجز‬ ‫الصفات املذكورة عنه‪.‬‬ ‫ إدراك هذه الصفات قائ ٌم عىل أساس قياسها عىل الطبيعة البرشيّة لك ّنها تفقد معانيها ما أ ْن نُسبِغها عىل موصوف‬‫برشي وغري محدود» حسبام ي ّدعي املؤمنون‪.‬‬ ‫«غري ٍّ‬ ‫حي نعرفه؟ إ ْن كان الجواب باإليجاب فهذا‬ ‫حي مثل كل كائنٍ ٍّ‬ ‫حي فهل يقصدون أنّه ٌّ‬ ‫عندما ي ّدعي املؤمنون أن الله ٌّ‬ ‫مادي يَحيا بفعل بعض «العمل ّيات البيولوج ّية» وميوت يف نهاية املطاف عند توقّفها‪...‬‬ ‫يعني أ ّن الله كائ ٌن ٌّ‬ ‫حني يقول املؤمنون أ ّن الله حكي ٌم فهل يتح ّدثون عن صفة الحكمة مبفهومها البرشي؟ إن كان الجواب باإليجاب فهذا‬ ‫حكيم عالِ ٍم ميكن رغم حكمته وعلمه أ ْن يُ ِ‬ ‫أي إنسانٍ‬ ‫خطئ يف م ّر ٍة من‬ ‫ٍ‬ ‫ال يعصم اإلله من الوقوع يف الخطأ‪ ،‬شأنه شأن ّ‬ ‫امل ّرات‪ ،‬و َهلُ ّم ج ًّرة بالنسبة لباقي الصفات البرشيّة املسبوغة عىل اإلله‪.‬‬ ‫‪62‬‬


‫اإللحاد‪ :‬مس ِّو ُغ نبذ اإلله‬

‫جورج سميث‬

‫ٍ‬ ‫صفات حقيق ّي ًة معقول ًة عىل فكرة الله أو اإلله مع الحفاظ عىل مفهومها البرشي فإنّهم‬ ‫إ ْن حاول املؤمنون أ ْن يُل ِْصقُوا‬ ‫(ربا نو ٍع جبّا ٍر مثل سوبرمان)‪ ،‬ولتاليف هذا ي ّدعون أ ّن معنى الصفات عندما‬ ‫ينزلون بإلههم إىل نو ٍع من الحياة املا ّدية ّ‬ ‫يُسبغونها عىل اإلله يختلف عن معناها حني نَ ِص ُف بها البرش‪ ...‬وهنا يقعون يف مأزقٍ جديد‪،‬‬ ‫الحي الذي نُدركه ونفهمه ال ينطبق عىل الله؟ وما معنى القول أ ّن الله حكي ٌم‬ ‫فام معنى أن يكون الله ح ًّيا إن كان معنى ّ‬ ‫إ ْن كانت الحكمة مبفهومنا البرشي ال تنطبق عىل اإلله؟ ‪...‬‬ ‫مفهوم لنا ميتلك صف ًة غري‬ ‫حي حكيم» فهم يف الحقيقة يقولون أ ّن كائ ًنا غري‬ ‫ٍ‬ ‫وبهذا فعندما ي ّدعي املؤمنون أ ّن «الله ٌّ‬ ‫مفهوم ٍة لنا تتناسب مع طبيعته غري املفهومة لنا‪.‬‬ ‫بقي إذًا ِم ْن فكرة الله؟ كيف ميكن للمؤمنني أ ْن يَرشحوا ما يقصدونه حني يقولون «الله»؟!‬ ‫ماذا َ‬ ‫«الله» فكر ٌة عصيّ ٌة عىل اإلدراك والفهم حسبام ي ّدعي املؤمنون فيكف يدركونها ويفهمونها ك ًُّل أو جز ًءا؟‬ ‫«الله» ِفكر ٌة ضباب ّي ٌة ُهالم ّي ٌة دون معامل‪ ،‬الله ِفكر ٌة أَش َبه بالرمال املُتح ِّركَة التي يغرق املؤمنون يف تناقضاتها كُلّام فتحوا‬ ‫أفواههم محاولني رشحها‪.‬‬ ‫«الله» كلم ٌة ِم ْن دون معنى‪ ،‬وإلضفاء العقالن ّية عىل ما هو غري معقو ٍل يُحارب املؤمنون به عقولهم ويُحاولون رشح‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫بتناقضات داخليّ ٍة تَنسف ال ِفكْرة ِم ْن أساسها‪ ،‬وإذ بهم يعودون ليعرتفوا‬ ‫ليست بصفات‪ ،‬لينتهوا‬ ‫صفات‬ ‫ال ِفكرة بإسباغها‬ ‫ْ‬ ‫بأ ّن الفكرة غري قابل ٍة للرشح والفهم واإلدراك!‬ ‫أول وأخ ًريا‪.‬‬ ‫وكأن بهم يدورون يف حلق ٍة ُمف َرغ ٍة ُمكَابَر ًة و َخيال َء و ُهم ال يُكابِرون إلّ عىل حساب عقالن ّيتهم ومنطق ّيتهم ً‬ ‫ّ‬ ‫أفضل ما ُيكن لهم أ ْن يفعلوا هو أ ْن يَلوذوا بالصمت ِع َو َض الحديث عن الله املزعوم‪ ،‬فام عساهم يَرشحون وال ِفكرة ال‬ ‫َ‬ ‫ُيكن رشحها كام يَعرتفون؟ كيف بهم يُف َِّسون فكر ًة عص ّي ًة عىل التفسري كام ي ّدعون؟‬ ‫مم نعلم نحن‬ ‫ما زالوا هم أنفسهم ال يعلمون عن إلههم أكرث ّ‬ ‫حتم أَع َجز ِم ْن أ ْن يُح ّدثونا مبا ال يعلمون‪« ،‬ونحن نعلم»‪.‬‬ ‫فهم ً‬ ‫والسالم عىل َمنِ ات َّ َبع ُه َدى العقل‪.‬‬

‫‪63‬‬


64


‫كورونا أنهت النقاش!!‬ ‫ينتهي النقاش حول العلم واإلسالم دامئًا‬ ‫يف دائر ٍة مفرغة‪ ،‬تاركًا األطراف املشاركة‬ ‫فيه‪ ،‬سوا ٌء املؤيد منها أو املعارض‪ ،‬يف‬ ‫حال ٍة من عدم الرضاء‪ .‬وألنني أالحظ‬ ‫هذا دامئًا يف البلوغ ففكرت أن‬ ‫أساعد بحسم املوضوع وإنهاء‬ ‫الخالف‪.‬‬ ‫يف الواقع أن اللوم‪ ،‬كالعادة‪،‬‬ ‫يقع عىل هؤالء امللحدين‬ ‫والالدينيني والعلامنيني‪،‬‬ ‫الذين يُص ّدقون ما‬ ‫يقوله العلامء لهم‪.‬‬

‫‪Mahmoud Albayati‬‬ ‫‪65‬‬


‫كورونا أنهت النقاش!!‬ ‫‪Mahmoud Albayati‬‬

‫فعل أن فريوس كورونا‬ ‫تصوروا أن بعض هؤالء يص ّدق ً‬ ‫تسبب فيه الصينيون أو أنه غا ٌز نتج عن تجرب ٍة رسيّ ٍة‬ ‫وما إىل ذلك من نظريات املؤامرة‪،‬‬ ‫بدل التفسري العاقل بأن رب الرمال هو الذي أرسل‬ ‫الفريوس ليعاقب مخلوقاته ألنهم ال يصلّون عىل‬ ‫النبي كلّام ذُكر اسمه حسب التعليامت‪ ،‬وسوف‬ ‫يُهلك الذين كفروا مثل قوم نو ٍح ٍ‬ ‫ولوط الذين كانوا‬ ‫رصح به الطفل‬ ‫ميارسون الشذوذ الجنيس مثلام ّ‬ ‫املعجزة مقتدى الصدر‪.‬‬ ‫ال أحد يُنكر أهمية الدين اإلسالمي يف بالد الرمال‪ ،‬فكيف سنختلف عىل ما يجوز وما ال يجوز‪ ،‬وبدع ٍة وغري بدعة‪،‬‬ ‫سنسب بعضنا ونقول يالرافيض ويا أيها الناصبي يا ابن الكلب الصليبي‬ ‫وحجاب وجلباب‪ ،‬وكيف سنتقاتل بدونه؟ كيف‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫فعل‪ ،‬كم ستكون الحياة ممل ًة بدون اإلسالم!‬ ‫ويا أيها امللحد حفيد القرد داروين؟ ً‬ ‫ومع هذا‪ ،‬ومن أجل سالمة النقاش‪ ،‬يجب أن نقوم مبحاول ٍة لتضييق الهوة بني املختلفني يف موضوع العلم واإلسالم حتى‬ ‫تتوحد األمة‪ .‬ولكن كيف؟‬ ‫سهل أن أجد قاعد ًة أستطيع من خاللها املقارنة‪ .‬رغم أنني حككت رأيس عدة مرات‪ ،‬وأخذت يف االعتبار‬ ‫مل يكن شيئًا ً‬ ‫الدوافع الرشيرة للملحدين الذين يريدون أن يشجعوا العلامنية‪ ،‬التي ستشجع املادية‪ ،‬والتي ستؤدي بدورها إىل انعدام‬ ‫رب الرمال فيصيبنا بالفقر والعوز والحاجة‪ ،‬مثلام حدث‬ ‫األخالقيات عندنا أكرث مام هي منعدمة‪ ،‬األمر الذي س ُيغضب ّ‬ ‫يف سويرسا وهولندا واليابان‪.‬‬ ‫أول‪ ،‬ومن ثم مبجهو ٍد عجىل جبار‪ ،‬مل أكن ألمتكن منه‪ .‬ثان ًيا‪ ،‬سأحاول تلخيص أفضال العلم‬ ‫وبتوفيق من رب الرمال ً‬ ‫وأخ ًريا‬ ‫ٍ‬ ‫كل منهام يف خدمة أمم بالد الرمال والعامل‪:‬‬ ‫وأفضال اإلسالم‪ ،‬وما ق ّدمه وساهم به ٌّ‬ ‫‪66‬‬


‫كورونا أنهت النقاش!!‬ ‫‪Mahmoud Albayati‬‬

‫‪ -1‬النظافة من اإلميان‬ ‫ما شاء الله تبارك الله! كان هذا هو املبدأ الخالد الذي أىت‬ ‫به الدين ليُعلّمنا أن نهتم بالنظافة‪ ،‬ونبتعد عن الوساخة‪.‬‬ ‫فامذا فعل اإلسالم لتحقيق ذلك؟ وماذا قدم العلم باملقابل‬ ‫يف هذا املجال؟‬ ‫يف خالل األلف وأربعامئة سن ٍة املاضية قام اإلسالم بتقديم‬ ‫مممم‪ ...‬أعوذ بالله من النسيان‪ ...‬فكروا معي! آه وال‬ ‫فعل وال يشء‪.‬‬ ‫يشء! أقصد ً‬ ‫ناقصا وخط ًريا عىل الصحة‪ ،‬و(طراطيش) مرسوق ًة‬ ‫وال حاجة مفيدة يف تعزيز مبدأ النظافة‪ .‬فمفهومه عن الطهارة بقي ً‬ ‫من عقيدة الطهارة اليهودية‪ .‬ومام ال يعرفه كث ٌري من العربان أن كلمة طهار ٍة نفسها هي كلم ٌة عربي ٌة يهودي ٌة وتُنطَق‬ ‫بنفس الطريقة عند اليهود‪ .‬فالوضوء ظل ليومنا هذا طريق ًة فاسد ًة يف إهدار الرثوة املائية الشحيحة يف بالد الرمال بدون‬ ‫أي كفاء ٍة يف تحقيق نظافة الجسم‪ .‬كام أن االستنجاء باستخدام الحىص امللوثة بدل أوراق التواليت‪ ،‬والتي يلتقطونها من‬ ‫ٍ‬ ‫التهابات غري مريحة‪ ،‬إحم! يف تلك املناطق التي يحكّونها بها‪.‬‬ ‫األرض بعد قضاء الحاجة‪ ،‬كث ًريا ما يسبب لهم‬

‫أما العلم‪ ،‬فقد اكتشف املطهرات والصابون‪ ،‬وعلّم‬ ‫اإلنسان ما مل يعلم من الطريقة الصحيحة لالغتسال‬ ‫لتجنب االلتهابات واملوبقات من األمراض‪ .‬وبينام مل يعرف‬ ‫املسلمون حتى كيفية تطهري املياه وتنقيتها من التلوث‬ ‫وجعلها صحي ًة صالح ًة للرشب كام فعل العلم‪ ،‬فقد كانوا‬ ‫ٍ‬ ‫قريب يتوضؤون من نفس املاعون والحوض‪.‬‬ ‫ولوقت ٍ‬ ‫‪67‬‬


‫كورونا أنهت النقاش!!‬ ‫‪Mahmoud Albayati‬‬

‫‪ -2‬مكافحة األمراض‬ ‫األمراض وعالجها بصور ٍة خاص ٍة كانت أحد مناطق فشل اإلسالم بل أن هذا الفشل مستمر‪ .‬فاملسلمون اليوم يعودون إىل‬ ‫اعتقاد السلف الصالح بأن املتسبب باألمراض هو العني الحارة (اليل مصلتش عالنبي)‪ ،‬أو دخول الجان والعفاريت إىل‬ ‫األبدان‪ .‬أما العلم فقد اكتشف أن املتسبب باألمراض هو امليكروبات والبكترييا والفريوسات وعلّمنا كيف تنترش هذه‬ ‫بالعدوى وكيف نُط ّهر املناطق املوبوءة منها وكيف نتحصن‪ ،‬ليس بالرقية الرشعية‪ ،‬بل باملضادات الحيوية‪ ،‬وهو ما أنقذ‬ ‫حياة املاليني من الناس يف بالد الرمال‪.‬‬ ‫رشح لنا العلم كذلك كيف تعمل هذه الفريوسات والبكترييا وكيف تقاوم األمصال والعقاقري بطريقة تطورها وتح ّورها‬ ‫املستمر املتوافق مع ما قاله نبي العلم داروين عليه السالم‪ .‬ز ّودنا العلم كذلك وبنا ًء عىل هذا بأدوات مقاومتها‬ ‫املستمرة حتى أن بعض أنواعها واألمراض املتسببة بها قد انقرضت من هذه األرض مثل الجدري وغريه من األمراض‬ ‫التي يف طريقها إىل الزوال مثل شلل األطفال والدفترييا‪.‬‬ ‫ولكن والحق يقال‪ ،‬يجب أال ننىس مجهودات اإلسالم العمالقة فيام يتعلق (بشوية) عسل مع حبة الربكة‪ ،‬وقراءة قليلٍ‬ ‫من القرآن ففيه شفا ٌء للناس‪ ،‬وخاص ًة املعوذتني‪ ،‬والحجامة واليك بالنار‪.‬‬

‫‪ -3‬إطالة حياة اإلنسان‬ ‫صار اإلنسان اليوم يف بالد الرمال يعيش حيا ًة أطول وهذه ليست صدف ًة وال بربكة‬ ‫السامء‪ ،‬بل باستخدام العلم لتطوير الطب‪ ،‬ومستوى النظافة‪ ،‬وقبل ذلك كله إتاحة‬ ‫فرص الحياة لألطفال وجعل حاالت وفيات األطفال شيئًا ناد ًرا نسب ًيا اليوم بالتطعيم‬ ‫ٍ‬ ‫محمد الوحيد إبراهيم‪ ،‬مل يستطع‬ ‫والعناية الطبية املتطورة‪ .‬وحني مرض ومات ابن‬ ‫هو وال رب الرمال أن يقوم بيش ٍء حيال ذلك‪ ،‬واعتربها محم ٌد حني ذاك اختبا ًرا له‪.‬‬ ‫عظيم وذا قيمة‪ ،‬مقابل اإلسالم‪.‬‬ ‫إن هذا ما يجعل العلم‬ ‫ً‬ ‫‪68‬‬


‫كورونا أنهت النقاش!!‬ ‫‪Mahmoud Albayati‬‬

‫‪ -4‬وسائل االتصاالت‬ ‫ٍ‬ ‫مساحات شاسع ٍة من األرض‬ ‫يقوم الناس اليوم باالتصال ببعضهم عرب‬ ‫وتستطيع اليوم أن تتكلم مع (القريل فريند) وهي يف أمريكا‪ ،‬أو تتصل‬ ‫أنت بزوجتك من لندن‪ ،‬أو تكتشف (القريل فريند) أمرك‪ ،‬فتتصل هي‬ ‫بزوجتك مبارشةً! وقد تشاء أن ترسل رسال ًة نصي ًة (باملوبايل) من بوينس‬ ‫آيرس إىل أخيك يف املحكمة املتهم بتجارة املخدرات لصالح حزب الله‪ ،‬أو‬ ‫إمييل من موسكو إىل ابن عمك يف واح ٍة بصحراء ليبيا الذي انضم‬ ‫تبعث ً‬ ‫شيعي إيرا ٍّين عن‬ ‫بحريني مع‬ ‫شيعي‬ ‫للت ّو لداعش‪ ،‬أو يتحاور عرب املاسنجر‬ ‫ٍّ‬ ‫ٌّ‬ ‫ٌّ‬ ‫موعد تسليم شحنة أسلح ٍة وينكشف أمره (ويروح فيها مؤبد)‪.‬‬ ‫رغم أن اإلسالم مل يستطيع أن يساهم بيش ٍء يف تطور هذه التكنولوجيا‪،‬‬ ‫جاهل بكيفية استخدام اإلمييل أو الفاكس أو حتى‬ ‫ً‬ ‫واعتمد دامئًا عىل مرسال املراسيل (يس) جربيل األمني الذي كان‬ ‫التليغراف والتليفون (أبو الرتنك)‪.‬‬ ‫يف الحقيقة أن اإلسالم نفسه يستعني بكل ما ق ّدمه الكافر بيل جيتس للدعوة‪ .‬ومع أن اإلسالم يطالبنا مبقاطعة املنتجات‬ ‫األمريكية اآلن‪ ،‬إال أنه يستثني اإلنرتنت واإلمييل املباركني اللذين ُ ِ‬ ‫اختعا يف بالد العم سام‪ .‬ويستخدم اإلسالم كل‬ ‫تكنولوجيا االتصال التي اخرتعها العلم لينرش الخرافة‪ ،‬دون أن يخجل من عجزه عن حل أصل مشكلة االتصاالت منذ‬ ‫أكرث من ٍ‬ ‫ألف وأربعامئة سنة‪.‬‬

‫‪ -5‬إنتاج الغذاء وتوزيعه‬ ‫سوا ًء كنت ممن يأكل ليعيش أو يعيش ليأكل‪ ،‬فأنت تحتاج إىل الطعام‪ .‬وقد شجع اإلسالم إعطاء الطعام للمحتاج‬ ‫مسلم فقط‪ ،‬إال أنه مل يكتشف أو يساهم حتى يف طرق إنتاج املحاصيل وتطويرها أو زيادة غلتها‪،‬‬ ‫واملحروم إذا كان‬ ‫ً‬ ‫اللهم إال بالدعاء الصالح‪.‬‬ ‫‪69‬‬


‫كورونا أنهت النقاش!!‬ ‫‪Mahmoud Albayati‬‬

‫ويف السنوات األخرية ويف خالل املائة وخمسني سن ٍة املاضية فقط‪ ،‬نقل العلم اإلنسان إىل طفر ٍة غذائية مل يسبق لها‬ ‫ٍ‬ ‫كميات أكرب يف أر ٍ‬ ‫اض أصغر وباستخدام ميا ٍه‬ ‫مثيل‪ .‬فلقد متكن العلم بطريق ٍة هندسي ٍة من زيادة غزارة الغالت وزراعات‬ ‫أقل‪ .‬واستخدم العل ُم الكيمياء للتخلص من آفات الزراعة والتعديل الجيني للزراعة لتكبري الحبوب والثمرات وأقلمتها‬ ‫مع أجواء الطقس املختلفة ومقاومتها للجفاف والربودة وامللوحة‪ .‬ومتكن العلم اليوم من زيادة الرثوة الحيوانية وأقام‬ ‫مزارع ليس للحيوانات والطيور بل حتى لألسامك‪ .‬والعلم اليوم هو من يُطعم اإلنسان وليس رب الرمال الذي مل ينجح‬ ‫مبنع املجاعات بالصلوات واألدعية وتطبيق الرشيعة وقطع األيادي‪.‬كام متكن العلم كذلك من اخرتاع (الربادات) والسفن‬ ‫وطرق التجفيف والحفظ والتعليب لنقل الطعام إىل اإلنسان أينام كان عىل هذا الكوكب‪.‬‬

‫‪ -6‬خلق موا ٍد جديدة‬ ‫مع إرصار القرآن بأن الحديد سقط علينا من السامء مثله مثل الحجر األسود والكوكاكوال ونيسان جي يت ار‪ ،‬إال أن العلم‬ ‫رغم عن الدين من خلق أنوا ٍع جديد ٍة من املواد مل يسمع بها صلعم وال ربه من قبل‪.‬‬ ‫متكن ً‬ ‫فرب الرمال مل يخلق لنا البالستيك وال الفايربغالس وال البالتني وال الفوالذ وال األلومنيوم‪ ،‬وال حتى السيلكون الذي يف‬ ‫كومبيوترك ويف صدر باميال أندرسون‪ .‬وهذه املواد الجديدة ساهمت يف تطور الطب والعمليات الجراحية والطريان‬ ‫واخرتاق الفضاء‪ ،‬و(أووبس)! واكتشاف بأن الشهب ليست مصمم ًة لقصف الجن والعفاريت وأبو سعلوة‪.‬‬

‫‪ -7‬فهم العملية الجنسية والتكاثر البرشي‬ ‫ٍ‬ ‫معلومات قيم ًة ال ت ُحىص وال ت ُق ّدر حول الجنس والوالدة‪ ،‬فنحن اآلن نعرف كيف يتم كل يش ٍء بالضبط‪،‬‬ ‫لقد ق ّدم العلم‬ ‫وما هي األسباب التي تؤدى إىل أمراض العقم‪ ،‬ونتمكن من إصالحها‪ ،‬واليوم يستطيع كث ٌري من األزواج عالج هذه الحاالت‬ ‫واإلنجاب‪.‬‬ ‫‪70‬‬


‫كورونا أنهت النقاش!!‬ ‫‪Mahmoud Albayati‬‬

‫واإلسالم اعترب الجنس محر ًما إال يف حدود الزواج‪ ،‬وسمح للمرأة بذك ٍر ٍ‬ ‫واحد فقط والزوج بأربعة ٍ‬ ‫إناث كالديك بني‬ ‫اهتامم بقضية الشهوات والعورات وأكربها املرأة التي اعتربها قذار ًة برمتها تستدعي طقوس اغتسا ٍل‬ ‫الدجاج‪ ،‬واهتم ّأيا‬ ‫ٍ‬ ‫للطهارة‪ ،‬من ضمنها أن تغسل املرأة شعرها بعد الجنس‪ ،‬وهو يش ٌء مل يستطع العلم أن يفهمه حتى اآلن! وقال لنا رب‬ ‫الرمال أن األبناء زينة الحياة الدنيا‪ ،‬وهو فقط الذي يرزق الناس بهم كام يشاء‪ ،‬إال أن العلم جعل كالمه يطلع (فالصو)‪.‬‬

‫‪ -8‬أين نحن يف هذا الكون؟‬ ‫نحن ال نستطيع الحركة إن مل نعرف أين نحن‪ .‬ولقد ساعدنا العلم عىل معرفة األوضاع واملواقع والخرائط واخرتع لنا‬ ‫الجي يب إس وقوقل إيرث وعلّمنا عن موقع كوكبنا يف املجموعة الشمسية وموقع مجرتنا يف هذا الكون‪ .‬أما اإلسالم فقد‬ ‫قال لنا فقط أن مكة هي مركز األرض‪ ،‬وليست محطة قطارات العالوي كام كنت أظن يف طفولتي‪ ،‬ورشح لنا مهارته‬ ‫أيام ورسد لنا كيف دحاها وبسطها وعجنها وأحياها‪ ،‬ونيس ديناصوراتها‪ ،‬األمر الذي طلع غلطًا!‬ ‫يف خلق األرض يف ستة ٍ‬ ‫أيضا غلطًا‪ .‬وكيف أن الليل والنهار يتعاقبان بدون أن يرتبطا‬ ‫وكيف جعل الشمس تجرى حول األرض‪ ،‬األمر الذي طلع ً‬ ‫أيضا‪.‬‬ ‫بالشمس وهو غل ٌط ً‬ ‫أيضا‪ ،‬وأنها تذهب لتنام وتشخر تحت عرش الرحمن‬ ‫وقال إن الليل هو ما يغطي الشمس وأنه ليس نتيج ًة لغروبها‪ ،‬غل ٌط ً‬ ‫يف الليل‪ ،‬وأحيانًا عندما تزعل عليه‪( ،‬تروح تنام) يف ع ٍني حمئ ٍة وهذا أم ٌر أتركه لهارون يحيى و(يس زغاليليو أفندي) ليثبتا‬ ‫أيضا‪.‬‬ ‫لنا أنه ليس غلطًا ً‬ ‫ليس اإلسالم فقط بل كل أديان العامل فشلت يف تفسري واكتشاف حقيقة الكون واختلقت أساطري وقصص أطفا ٍل هزلي ٍة‬ ‫تهاوت أمام قلعة العلم‪.‬‬ ‫وقد يقول أحدكم‪ :‬ولكن يا بيايت أنت ق ّدمت أشياء مادي ًة فقط‪ .‬فام أهمية نظافة املياه ومكافحة األمراض وإنتاج الغذاء‬ ‫بدون القيمة الروحية التي يق ّدمها اإلسالم لإلنسان؟‬

‫‪71‬‬


‫كورونا أنهت النقاش!!‬ ‫‪Mahmoud Albayati‬‬

‫وسأجيبه‪( :‬روح تغذى) روحيًّا بدون أكل‪ ،‬وشوف إن مل متُت‪ ،‬إن قدرة العلم عىل تحسني ظروف الحياة بدون الدعاء‬ ‫أيضا الفارق الرهيب بني هذه القدرة وقدرة اإلسالم الذي ال يستطيع حتى أن‬ ‫والصالة واضح ٌة كالشمس‪ ،‬كام هو‬ ‫واضح ً‬ ‫ٌ‬ ‫يقرتب من هذه اإلنجازات‪.‬‬ ‫فلامذا ولِ َم كل هذا الفرق الشاسع بني إنجازات االثنني؟‬ ‫العلم يعتمد عىل األسلوب العلمي املادي يف البحث‪ .‬ويخترب االدعاءات خارج نطاق الخرافة وال يقبل أي يش ٍء ملجرد‬ ‫مادي ونتاج هذه الطبيعة‪ ،‬ليس من عا ٍمل يعيش فيه‬ ‫أنه مقدس‪ .‬واملادية أحبايئ هي أن نُق ّر ونعرتف بأن كل ما حولنا ٌّ‬ ‫ٍ‬ ‫مختف عن األبصار‪ ،‬ميارس علينا الخوف والرتهيب والرتغيب والخيال‪ ،‬وحلم الجنة ومامرسة الجنس مع الحوريات‪.‬‬ ‫إل ٌه‬ ‫إن فشل اإلسالم يف التطور ومواكبة العلم سببه عدم اعرتافه مبادية الكون والطبيعة والحياة‪ .‬ولقد فشلت كل األديان‬ ‫يف هذا‪ ،‬ليس اإلسالم فقط‪ ،‬وعىل مدى آالف السنني‪ ،‬بينام نجح العلم يف هذا كله خالل مائتي سن ٍة فقط‪ .‬أفال تعقلون؟‬

‫كتاب أخطاء القرآن حيصر أكثر من‬ ‫ألفني ومخسمائة خطأ لغوي يف القرآن‬ ‫ويرتجم النص القرآني لثالث لغات‬ ‫ويقدمه ألول مرة بالرتتيب التارخيي‬ ‫الصحيح‬ ‫ً‬ ‫متوفر اآلن على موقع أمازون وجمانا‬ ‫على الرابط التايل‬ ‫‪goo.gl/emoQDp‬‬

‫األخطاء اللغوية يف‬

‫ال���� ال��ي�‬ ‫د‪ .‬سامي الذيب‬

‫‪72‬‬


s www.facebook.com/M-80-II-941772382615672

73


‫‪Hamd Ayman‬‬

‫يعني إذا صار معك مصيبة‬ ‫وأستنجدت بنفس الشخص الذي‬ ‫هو مدبر املصيبة‬ ‫فأنت أهبل «ج ًدا»‬ ‫منطق يالمس العقل السليم‬ ‫‪Ihab Ghazal‬‬

‫عىل اساس أن له وجود و بيسمع‬ ‫كامن ‪..‬‬ ‫آيريسكامي‬

‫ال تفكر وال تحتار اللوح املحفوظ‬ ‫هو االختيار‬

‫‪Tahseen AL Mayahi‬‬

‫صح هذا احسن يش ألن مسبقاً‬ ‫كاتب لهم كيف سيعيشون ( زين‬ ‫سويت ) بس املشكلة هم يعرفون‬ ‫بذلك بس طمعانيني بليك تغري رايك‬ ‫‪ ،،‬عموماً خليك عىل رايك االول‬

‫‪Nawras Affufe‬‬

‫فهامن هالرب‪ ..‬بيسمع للكل بس‬ ‫ما بينفذ غري اليل براسو‪.‬‬

‫‪74‬‬


‫مجلة شهرية بجهود فردية تصدر في الثاني عشر من كل شهر‬

The Arab AtheistsisMagazine a digital publication Arab Atheists Magazine a digitalispublication produced produced by volunteers and committed to promoting entirely by volunteers committed to freedom of thought, inf thought and writings of atheists of various persuaormativetheand enlightening articles regardless of ethnicity sionsorwith complete with freedom. The Magazine not adopt gender persuasion autonomy, completedoes independenc endorse anyfree form of political ideology or affiliation e and mostorimportantly from geopolitical censorship. Contributors bear the responsibility the form content, illustraThe Magazine does notfull adopt or endorseofany of political tions and topics theyContributors provide insofar it covers and ideology or affiliation. will as assume fullcopyright responsibility issues intellectual property for the content, illustrations and topics theyofprovide pertaining to infringement of copyright and issues of intellectual property. Express permission for to publish in the Magazine is provided contributors,permission whether they members the Arab Atheistsis Theby expressed to are publish in ofthe Magazine Magazine Group of other atheists non-religious contributors provided by contributors, whether theyand are members of the Arab Atheists Magazine Editorial or other atheists and non-religious contributors. The Magazine does not publish material that is unethical or that racism bigotry The Magazine does not publish unethicalincites material thatoramongst other things perpetuate incitement to racism or bigotry. The Editorial Board reserves the right to republish content originally published theright Magazine’s Facebook group, as The Editorial Board reservesonthe to republish content origipublishing there contains consent republication nally shared on ourimplicitly magazine’s Facebook page for publishing there in the Magazine gives implicit consent to republish to the Magazine.

:‫موقع املدونة اخلاصة بنا لألرشفة على اإلنترنت‬ www.aamagazine.blogspot.com ‫البريد اإللكتروني‬ el7ad.organisation@gmail.com magazine@arabatheistbroadcasting.org


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.