مجلة الملحدين العرب / العدد التاسع والثمانون / أبريل نيسان / 2020

Page 1

‫مجلة شهرية بجهود فردية تصدر يف الثاين عرش من كل شهر‬

‫الدائرة املغلقة‬

‫د‪ .‬عبد العزيز القناعي‬

‫ياسمينة عىل رضيح الله‪:‬‬

‫الفتاة التي هزمت ُمح ّمدًا واملسيح!‬

‫راوند دلعو‬

‫افردي جناحيك‬

‫العدد التاسع والثامنون من مجلة امللحدين العرب للثاين عرش من شهر أبريل ‪ /‬نيسان لسنة ‪2020‬‬

‫سارة العظمة‬

‫الصعاليك‬ ‫الجزء األول‬

‫كنان أحمد‬

‫تهدف مجلّة امللحدين العرب إىل نرش وتوثيق أفكار امللحدين العرب املتنوعة وبحريّ ٍة كاملة‪ ،‬وهي مجلّ ٌة رقمي ٌة غري ربح ًّية‪ ،‬مبني ٌة‬ ‫أي توج ٍه سيايس‪ .‬املعلومات واملواضيع املنشورة يف املجلّة متثل آراء كاتبيها فقط‪ ،‬وهي مسؤل ّيتهم من‬ ‫بجهو ٍد طوعي ٍة ال تتبع َّ‬ ‫الناحية األدب ّية ومن ناحية حقوق النرش وحفظ امللك ّية الفكريّة‪.‬‬


‫كلمة تحرير املجلة‬

‫مم عاد يُعرف‬ ‫شه ٌر آخر مي ّر علينا يتّسم باملزيد من الضغوط والقلق ّ‬ ‫عاملي جديد كوفيد‪ 19-‬الذي يسببه أحد ڤريوسات الكورونا‪،‬‬ ‫رسم ًيا بوبا ٍء ٍّ‬ ‫يومي‪ ،‬وتخرج ٌ‬ ‫دول من عنق الزجاجة‬ ‫حيث ترتفع أعداد الحاالت بشكلٍ ٍّ‬ ‫لتدخل ٌ‬ ‫أيام كهذه وجب أن نتذكر أن هذا الوباء‬ ‫دول أخرى‪ ،‬ولكن يف ٍ‬ ‫العاملي هو أول وبا ٍء من نوعه يحظى بهذه الدرجة من الوعي والتغطية‬ ‫والعمل عىل محاربته‪ .‬كام أنه (ول ُحسن الحظ) أقل وبا ٍء يتم استغالله‬ ‫ٍ‬ ‫أجندات سوا ٌء ديني ًة أم سياسي ًة عىل الرغم مام نراه من حولنا يف‬ ‫لتمرير‬ ‫وسائل التواصل االجتامعي من استغالل بعض الشيوخ للذعر الجامهريي‬ ‫لتمرير الدين كمخل ٍّص أو لبعض املنظّرين الذين يُبدعون أروع نظريات‬ ‫املؤامرة‪ ،‬وننىس أن األوبئة يف املايض (قبل الطب الحديث) كانت تقيض‬ ‫عىل أعدا ٍد كبري ٍة من الناس وت ُسبب انقراضً ا جامع ًّيا يف بعض املدن‪.‬‬ ‫ننىس أن وبا ًء مثل اإلنفلونزا اإلسبانية بني عام ‪1918‬م وعام ‪1920‬م‬ ‫أصاب ما يق ّدر ب ‪ 500‬مليون‪ ،‬وهم ربع تعداد سكان العامل يف ذلك‬ ‫الوقت‪ ،‬وأن عدد الوفيات قُ ِّدر ب ‪ 50‬مليون وفاة‪.‬‬ ‫مرض ال ُجدري الذي حدث منذ أواخر القرن التاسع عرش وحتى عام‬ ‫‪1950‬م‪ ،‬قُ ِّدرت عدد اإلصابات به ب‪ 50‬مليون إصاب ٍة يف السنة حول‬ ‫العامل‪ ،‬وكان يحصد ما يقارب الـ ‪ 400000‬حيا ٍة كل سن ٍة يف أوروبا‬ ‫وحدها‪ ،‬إىل أن استطاع العلم تطوير لقا ٍح فعا ٍل مكّن العامل من القضاء‬ ‫عاملي‬ ‫عىل هذا املرض سنة ‪1979‬م مام ح ّول الوباء بالتدريج من وبا ٍء ٍّ‬ ‫مرعب إىل أول وبا ٍء يتم القضاء عليه نهائ ًيا حول العامل… هذه األرقام‬ ‫ٍّ‬ ‫املرعبة ال تُقا َرن بأعداد املصابني أو أعداد الوفيات التي تحدث اليوم‬ ‫بسبب وباء الكوفيد‪ 19-‬املستجد‪ .‬وأعتقد أننا نستطيع أن نهزمه‪...‬‬ ‫لقد فعلنا ذلك سابقًا مع أوبئ ٍة أخرى‪ ،‬وهنا يجب أن ندرك أن ثقتنا‬ ‫باملشعوذين واملنظّرين واالنتهازيني الذين ال يتوانون عن بيع الخرافات‬ ‫مللء جيوبهم حتى وإن أودت بحياة األبرياء‪ ،‬وتلك ثق ٌة لن تنفع أح ًدا‪...‬‬ ‫أي ٍ‬ ‫أي‬ ‫أحد من ّ‬ ‫الخوارق واملعجزات ال تحدث وال يقوم اإلميان بحامية ّ‬ ‫مرض…‬ ‫ثقتنا الحقيقية يجب أن تكون يف العلم والواقع والحقيقة‪ ،‬وعلينا حتى‬ ‫نتجاوز هذه املحنة أن نستمع ملا يقوله أهل العلم من أطباء وعلامء‬ ‫ٍ‬ ‫ومنظامت عاملي ٍة طبية‪ ،‬واإلجراءات والسلوكيات التي يجب أن نتبناها‬ ‫يف حياتنا ليك تدفع عنا العدوى‪ ،‬وكنقطة ضو ٍء يف آخر النفق قد ننجح‬ ‫حقًّا يف تجاوز هذا الوباء الجديد‪ ،‬وألول مر ٍة عرب التاريخ نستطيع تحويله‬ ‫إىل أقل األوبئة العاملية فتكًا باألرواح واألقل تأث ًريا وذالك مبجرد معرفتنا‬

‫‪2‬‬

‫فريق التحرير‬

‫املشارك يف هذا العدد‬

‫رئيس التحرير‬ ‫الغراب الحكيم‬ ‫أعضاء هيئة التحرير وبناء املجلة‬ ‫‪John Silver‬‬ ‫أسامة البني (الوراق)‬ ‫‪Alia’a Damascéne‬‬ ‫غيث جابري‬ ‫‪Abdu Alsafrani‬‬ ‫‪Raghed Rustom‬‬ ‫‪Johnny Adams‬‬ ‫ليث رواندي‬ ‫‪Rama Salih‬‬ ‫إيهاب فؤاد‬ ‫‪Yonan Martotte‬‬ ‫‪RoRo Evil Girl‬‬

‫للجهة التي يجب أن نصغي إليها؛ أستطيع القول‬ ‫ٌ‬ ‫احتامل وار ٌد ج ًدا‬ ‫أنني أتأمل هذا وأعتقد أنه‬ ‫بسبب ثورة املعلومات واالتصاالت والتكنولوجيا‬ ‫التي مل يتمتع بها العامل من قبل‪ ،‬وألننا أيضً ا أكرث‬ ‫وع ًيا وحكم ًة ممن سبقونا وإن مل يبدو ذلك‬ ‫واض ًحا اليوم‪ ،‬أمتنى للجميع السالمة والصحة‪،‬‬ ‫ونراكم قري ًبا عىل خري‪.‬‬

‫الغراب الحكيم‬


‫الفهرس‬ ‫كلمة تحرير املجلة‬

‫‪2‬‬

‫الفهرس‬

‫‪3‬‬

‫الدائرة املغلقة‬ ‫د‪ .‬عبد العزيز القناعي‬

‫‪4‬‬

‫افردي جناحيك‬ ‫سارة العظمة‬

‫‪9‬‬

‫مالحظات نقدي ٌة‬ ‫ٌ‬ ‫عىل اقرتاح التصميم الذيك للكائنات الحية‬ ‫طائر حر‬

‫‪17‬‬

‫الصعاليك جـ‪1‬‬ ‫كنان أحمد‬

‫‪24‬‬

‫ياسمينة عىل رضيح الله‪ :‬الفتاة التي هزمت ‪36‬‬ ‫ُمح ّمدً ا واملسيح‬ ‫راوند دلعو‬ ‫قراءة يف كتاب «اإللحاد‪ :‬مس ّوغ نبذ اإلله» جـ ‪48 1‬‬ ‫لجورج سميث بقلم مصطفى حجي‬ ‫هي الثورة‬ ‫پاميال غانم‬

‫‪53‬‬

‫كاريكاتور‬

‫‪57‬‬ ‫‪3‬‬


‫الدائرة املغلقة‬ ‫د‪.‬عبد العزيز القناعي‬

‫يحترض اإلنسان إذا حان موعد رحيله عن الحياة‪ ،‬وكذلك‬ ‫وأيضا تفعل ذلك الحضارات‬ ‫تفعل بقية الكائنات الحية‪ً ،‬‬ ‫والدول واملجتمعات‪ ،‬ليس من ناحية امتالكها ألعضا َء‬ ‫حيوي ٍة أو أجسا ٍد مادية‪ ،‬وإمنا ملا متثله الدول واملجتمعات‬ ‫ٍ‬ ‫وتواجد لثقافتها وإنجازاتها وإبداعاتها‬ ‫من حيا ٍة ألفرادها‬ ‫التي تنطق بالحياة والفرح واإلنجاز واملستقبل‪.‬‬

‫إذا ما اختفت أو اختفى أحدها فالدولة سوف تنهار‪.‬‬ ‫ففي هذا التشابه العضوي والفكري بني اإلنسان والدولة‬ ‫والحضارات تكمن الدائرة املغلقة التي تتكون منها الحياة‬ ‫األبدية إىل ما ال نهاية‪ ،‬سوا ٌء يف كوننا أو يف األكوان األخرى‬ ‫أو املوازية‪.‬‬ ‫وبائسا‬ ‫لكن ما الذي يجعل اإلنسان يف عاملنا العريب عاج ًزا ً‬ ‫ومحبطًا عن استكامل دائرته الحضارية املمتدة إىل عوامل‬ ‫أخرى؟‬

‫ولعل ابن خلدون يف مقدمته الشهرية قد ناقش هذه‬ ‫القضية باستفاض ٍة عميق ٍة ركز فيها عىل أن الدول لها‬ ‫دورة حيا ٍة مثلها بالضبط مثل اإلنسان‪ ،‬أي ت ُولَد ويقوى‬ ‫عودها وتشتد وتهرم‪ ،‬ثم متوت‪.‬‬ ‫وأيضا ق ّدم املؤرخ األمرييك ويل ديورانت نظريته حول‬ ‫ً‬ ‫هذا الشأن يف مقا ٍل شهريٍ له بعنوان «ما هي الحضارة؟»‬ ‫الذي خلُص فيه إىل أن الدول لها مقوماتٌ سياسي ٌة‬ ‫واجتامعي ٌة وديني ٌة واقتصادي ٌة وأخالقي ٌة وتعليمي ٌة‬

‫فالتاريخ يسجل دامئًا دميومة األفكار واإلبداعات‬ ‫ٍ‬ ‫لفئات من الناس واألعراق‪،‬‬ ‫والحضارات التي تُنسب‬ ‫يأخذونها ويستكملون مشاريعها لتنبض بالحياة‬ ‫واالكتشافات كام هو الحال مع الحضارات اليونانية‬ ‫والرومانية والسومرية والبابلية وحال ًيا األوروبية والغربية‪.‬‬ ‫‪4‬‬


‫الدائرة املغلقة‬ ‫لقد ق ّدم العرب تاريخهم بشكلٍ‬ ‫سلبي يهيمن عليه‬ ‫ٍّ‬ ‫وكثي من املؤرخني‬ ‫ما وصفه ابن خلدون سابقًا ٌ‬ ‫واملسترشقني بالعصبية والتطرف واالنغالق والتكرار‬ ‫واالجرتار‪ ،‬وهو ما يصيب أي أم ٍة بالعطالة والتوقف‬ ‫ثم االنهيار‪.‬‬ ‫فالجمود الفكري والديني والسيايس الذي طال البنى‬ ‫السياسية والفكرية واالجتامعية يف املنطقة العربية‬ ‫طويل إىل يومنا هذا‪.‬‬ ‫قد استمر ً‬ ‫ولعل ال أبالغ كث ًريا حني أقول بأن السكون والجمود‬ ‫ّ‬ ‫طويل ج ًدا مع مؤرشات استمرار تفضيل‬ ‫قد يستمران ً‬ ‫النقل عىل العقل وبقاء أمناط الحكم الديني والقبيل‬ ‫والطائفي والعسكري وهيمنة رجال الدين والفقهاء‬ ‫عىل اإلنسان واملجتمع‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫مجهودات عظيم ًة ووع ًيا متقد ًما وثقاف ًة عقالني ًة تكرس ما هو ثابتًا وتُراجع ما هو‬ ‫فالخروج من الدوائر املغلقة يتطلب‬ ‫ٍ‬ ‫وإبداعات برشي ًة ال تطالها الخطوط الحمراء أو املكروهات واملمنوعات‪،‬‬ ‫مق ّد ًسا يك تبني علو ًما جديد ًة ومعارف مختلف ًة‬ ‫سوا ٌء الدينية أو السياسية‪.‬‬ ‫فمجتمعاتنا العربية قد أصابها اليوم الوهن والرثاثة والتخلف‪ ،‬ورغم ما مييّز مجتمعاتنا من حصولها عىل هبات الطبيعة‬ ‫املادية‪ ،‬إال أن استغالل تلك املوارد جاء بشكلٍ استهاليكٍّ من الخارج‪ ،‬فالدول الغربية هي من تقوم باستخراج تلك املوارد‬ ‫ومن ثم إعادة تصديرها إلينا لنقوم باستهالكها دون أن نفكر بإنتاجها وتصنيعها أو حتى استيعاب قيم العمل والتفكري‬ ‫واإلنجاز والتقنية التي تصاحب عمليات االستخراج والتصنيع‪.‬‬ ‫وهذا مر ّده إىل عوامل مختلفة‪ ،‬ليس من بينها بالتأكيد مسألة املؤامرة أو هيمنة القوى االستعامرية عىل أوطاننا‪ ،‬ولكن‬ ‫ٍ‬ ‫يل وفشلٍ ذا ٍّيت يف التقدم الحدايث واستيعاب منجزات الحضارة يف ال ُحكم‬ ‫األمر يرجع يف املقام األول إىل‬ ‫ضعف داخ ٍّ‬ ‫واملجتمع والحريات والدميقراطية‪.‬‬ ‫رجسا من عمل الشيطان وبنفس الوقت‬ ‫فالغالبية من الشعوب العربية ترفض منجزات الحداثة الغربية باعتبارها ً‬ ‫وتسهيل لحياتهم‪ .‬وهذه األفكار هي نتاج تر ٍ‬ ‫اث‬ ‫ً‬ ‫بنهم منجزاتها باعتبارها مس ّخر ًة من الله لخدمة املسلمني‬ ‫تستخدم ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫بسياجات دوغامئي ٍة مل يتم تفكيكها حتى اليوم‪ .‬فالعالقة بني العرب واآلخر هي‬ ‫ومحاط‬ ‫حظي بقدسي ٍة تام ٍة‬ ‫موروث َ‬ ‫عالق ٌة يشوبها الكثري من االستعالء والدونية واألفضلية بحكم أن العرب يحملون الدين األفضل واللغة املقدسة التي نزلت‬ ‫يف الكتاب املقدس‪.‬‬ ‫‪5‬‬


‫الدائرة املغلقة‬ ‫ومل تتخلص الشعوب العربية من تلك العالقة املسمومة بفضل مناهج التعليم املستمرة يف طرحها الشوفيني ونرجسيتها‬ ‫ٍ‬ ‫مؤسسات حكومي ٍة وقوانني جائر ٍة تقمع الحريات وتدعم‬ ‫ضد اآلخر املختلف‪ ،‬كذلك استمرت األنظمة العربية يف توليد‬ ‫الجهل وتغييب الشعوب مبناهج األسلمة والقبلية والطائفية يف أسوأ أشكالها الرتبوية دون إتاحة أي فرص ٍة إلحداث‬ ‫التغيري يف منط التفكري والسؤال والنقد‪.‬‬ ‫وعقول مؤدلج ًة تعيش عىل الفتات وتقبل بالظلم والفساد وانعدام املجال‬ ‫ً‬ ‫فغدت غالبية الشعوب العربية نُس ًخا مكرر ًة‬ ‫الفردي الخاص‪ .‬وبهكذا مواقف وثقافات‪ ،‬تكرب الدوائر املغلقة التي تعيش بداخلها تلك الشعوب دون أي بصيص أملٍ‬ ‫يف التخلص منها واالنفتاح عىل العامل الحديث‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫تساؤالت منطقي ٍة أو‬ ‫يوم لتمنع أية‬ ‫فالسجون يف مجتمعاتنا كبري ٌة ج ًدا وقوانني الردة والتكفري واالزدراء تتوسع يو ًما بعد ٍ‬ ‫أفكا ٍر خارج صندوق النظام والدين والتقاليد‪.‬‬ ‫إن الثقافة التي نعيش فيها اليوم يف مجتمعاتنا‬ ‫العربية هي ثقافة املوت والجهل واالستبداد‪ ،‬ثقاف ٌة‬ ‫تُعلمنا الخوف وعدم طرح السؤال واستهجان النقد‬ ‫ومعارضة الثوابت‪ ،‬ثقاف ٌة تكره الحياة والتعايش‬ ‫واالنفتاح‪ ،‬ثقاف ٌة صنعت قوالب إبستمولوجي ًة جامد ًة‬ ‫عن السياسة والدين واملجتمع‪ ،‬ثقاف ٌة مل تق ّدم إىل‬ ‫العامل سوى اإلرهاب والالجئني وقصص هروب النساء‬ ‫والرجال واألطفال من املوت والتعذيب والقسوة‪.‬‬ ‫مل تأخذ الشعوب العربية من الحداثة الغربية سوى‬ ‫كاملياتها التكنولوجية بينام رفضت كل أفكارها‬ ‫التقدمية واملعرفية والتاريخية‪.‬‬ ‫رفضت تلك الشعوب أن تتعلم كيف تبني طرقًا آمن ًة يف‬ ‫التعايش والحكم واملجتمع‪ ،‬رفضت تلك الشعوب أن‬ ‫تكون شعوبًا حضاري ًة وأم ًة تاريخي ًة متعلم ًة‪ ،‬رفضت‬ ‫أن تخرج من قوقعتها املاضوية وأن ترفض قيودها وأن‬ ‫تصنع يومها ومستقبلها‪ ،‬رفضت تلك الشعوب وكأنها‬ ‫تعطي اإلذن للتاريخ أن يسحقها ويجعلها تعيش‬ ‫داخل دوائر مغلق ٍة مستمر ٍة من الجهل والوصاية‬ ‫وانعدام الكرامة اإلنسانية‪.‬‬ ‫‪6‬‬


http://arabatheistbroadcasting.com/aamagazine https://www.aamagazine.blogspot.com https://www.facebook.com/pages/AAMagazine/498136386890299 https://issuu.com/928738

7


‫افردي جناحيك‬

‫سارة العظمة‬

‫وقفت امرأتان‬ ‫منذ فرت ٍة قصرية‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫سوريتان عىل السجادة الحمراء يف‬ ‫حفل األوسكار أمام أضواء وكامريات‬ ‫العامل بأرسه‪ .‬واحد ٌة منهام‪ ،‬السيدة أماين‬ ‫َّلت سوريا (بالبانطو) والحجاب‬ ‫بلور مث ْ‬ ‫اإلسالمي‪.‬‬ ‫انتقدت رداءها الذي وص ْفتُه‬ ‫عندما‬ ‫ُ‬ ‫بالزي السيايس امل َو َّحد أثارت كلاميت‬ ‫الغضب يف العديد من األوساط‬ ‫السورية والعربية‪ .‬كان الرد من‬ ‫كثريٍ من النساء‪« :‬يا للتفاهة!‬ ‫إنها مجرد قطع قامش»‪.‬‬ ‫‪8‬‬


‫افردي جناحيك‬ ‫سارة العظمة‬

‫سمحت لنفيس بانتقاد رداء السيدة أماين بلور ألنني‬ ‫أحرتمها وأعتربها ن ًّدا ورشيك ًة بالنضال يف آنٍ م ًعا‪ .‬إنها‬ ‫رمز املرأة الواقفة بني ظلمة املايض وعتبة املستقبل‪،‬‬ ‫وأيضا العاجزة‬ ‫الناجحة الفاعلة الثائرة القوية الشجاعة‪ً ،‬‬ ‫عن تحرير جسدها‪ .‬إنها ثنائية القوة والضعف بأفضل‬ ‫تجلياتها‪.‬‬ ‫هل كان توقيت انتقادي خاطئًا؟ ال بالتأكيد‪ .‬هل كان‬ ‫مضمون انتقادي خاطئًا؟ ال بكل تأكيد‪.‬‬ ‫اليوم أتوجه بخطايب ِ‬ ‫إليك أيتها املرأة املسلمة الرشق أوسطية‪ ،‬ليس دفا ًعا عن نفيس بل دفا ًعا عن حقك ِ‬ ‫أنت بحيا ٍة حر ٍة‬ ‫كرمية‪.‬‬

‫التغيري خيا ٌر وليس قد ًرا‪.‬‬ ‫هل تعلمني الرسعة التي ت َّم فيها إسقاط األسوار القدمية‪ ،‬تلك األحجار املرتاكمة عرب دهو ِر من سيادة النظام األبوي‬ ‫أيضا كث ٌري من دول آسيا مثل الصني واليابان وكوريا الجنوبية؟‬ ‫الذكوري يف كثريٍ من دول العامل؟ ليس فقط دول الغرب‪ ،‬بل ً‬ ‫رب ٍ‬ ‫بيت إىل رشيك‪ ،‬ومن س ّي ٍد إىل صديق‪.‬‬ ‫يف دو ٍل عديد ٍة‬ ‫ْ‬ ‫نجحت النساء بتحويل الرجل من ِّ‬ ‫مجتمعاتنا فقط يف دول الرشق األوسط ما تزال تحمي املعادلة التاريخية الظاملة من رياح التغيري عرب حجاب (ستار)‬ ‫وتنفخ فيها األوكسجني اصطناع ًيا ساعي ًة لعزلها عن تطورات العرص‪.‬‬ ‫عندما تقف النسويات يف الدول التي وصل َْت فيها املرأة لحقوقها األساسية ليحتفلْ َن اليوم س ُي ْعلِ َّن كالعادة االتفاق عىل‬ ‫املبادئ األساسية التي أصبحت « ُم َسل ٍ‬ ‫َّامت» ال تختلف عليها نسويتان‪ .‬نعم‪ ،‬يف الجانب امليضء من نضال الحركة النسوية‬ ‫من السهل االتفاق والعناق‪ ،‬فقد وصلت املعركة لنهايتها وأُو ِد َع ْت فصولُها مبعاركها الحامية متاحف التاريخ‪ .‬ليس هناك‬ ‫أح ٌد ضد حق التصويت للمرأة‪ ،‬أو حق العمل يف أية مهن ٍة كانت‪ ،‬أو حق مامرسة الرياضة االحرتافية اليوم‪ .‬ولك ّن مجرد‬ ‫قراء ٍة رسيع ٍة لتاريخ الحركة النسوية خالل سبعني عا ًما فقط يظهر بوضو ٍح تنوع اآلراء واحتدام الرصاع الفكري بني‬ ‫حقب من الزمن‪.‬‬ ‫النساء‪ ،‬ال التجانس عرب ٍ‬ ‫وصلت إليه مجتمعات دو ٍل عديد ٍة اليوم هو النتيجة‬ ‫يبدو خط التاريخ للناظر للخلف منطق ًيا ومفهو ًما‪ ،‬ويُه َّيأ لنا أن ما‬ ‫ْ‬ ‫الوحيدة املقبولة‪ ...‬ال بل النتيجة الوحيدة املمكنة‪...‬أليس فكر املساواة‪ ،‬حق التصويت والعمل للمرأة بديه ًيا؟!‬ ‫‪9‬‬


‫افردي جناحيك‬ ‫سارة العظمة‬

‫نُجيب‪ :‬بالطبع!‬ ‫هذه غاية التاريخ‪ ،‬أن تخرتق النساء‬ ‫ٍ‬ ‫ممنوعات من الوصول ملركز‬ ‫الاليت كُ َّن‬ ‫السلطة االجتامعية والسياسية‪ ،‬كل‬ ‫الجبهات املزروعة عىل طول الطريق‬ ‫من قبل الفئات الدينية الرجعية‬ ‫واملدافعني عن املجتمع التقليدي عىل‬ ‫ح ٍّد سواء‪ .‬ستتواىل الخطب اليوم لتعلن‪:‬‬ ‫نعم‪ ،‬كان من الطبيعي أن تحتل املرأة مكانها الطبيعي‪ ،‬املساواة يف الحقوق والواجبات مع الرجل‪ ،‬أن تصبح رئيسة وزراء‬ ‫ووزيرة دفاع‪ ،‬وقبطان سفين ٍة تجارية‪ ،‬ولك ْن‪...‬‬ ‫فعل بهذه البديهية؟ هل توجد غاي ٌة للتاريخ؟‬ ‫هل كان املسار ً‬ ‫هل مثة خارط ٍة لطريق حرك ٍة نضالي ٍة يحملها الفرد املناضل ويتعرف فيها عىل الوجهة املطلوبة‪ ،‬ويكتشف من خاللها‬ ‫أقرص الطرق؟‬ ‫رضبت جذورها يف النفوس‬ ‫هل كانت املرأة األوروبية التي ناضلت من أجل حق التصويت يف مجتمعٍ ُمشْ َبعِ بأفكا ٍر قد‬ ‫ْ‬ ‫والثقافة الشعبية‪ ،‬وحتى ِضمن أوساط النخبة املثقفة‪ ،‬واثق ًة متا ًما بأنها عىل حق‪ ،‬وبأن أساليب مقاومتها هي التي‬ ‫ستثمر حقوقًا عىل أغصان شجرة الحرية؟؟‬ ‫أمل ي ْنتَبْ َها الشك‪ ،‬أمل ينهش صدرها الخوف‪ ،‬ولرمبا دفعها رد الفعل الجامعي للرتاجع؟ أمل يك ْن هناك م ٌّد وجزر؟‬ ‫عندما وقفت األغلبية العظمى من النساء ضدها‪ ،‬ونب َذتْها الجارات يف الحي الفقري وقاطَ ْع َنها اجتامع ًيا بعد أن طردها‬ ‫صاحب املصنع بسبب مطالبتها بأجو ٍر قريب ٍة من املستوى اإلنساين لنفسها وزميالتها النساء؟‬ ‫بقيت واثق ًة من عدل قضيتها؟؟‬ ‫هل ْ‬ ‫خلقت واق ًعا جدي ًدا مل يكن ليتجسد إال من خاللها‪ ،‬كام أن اخرتاع‬ ‫ال‪ ،‬مل يكن املسار قَد ًرا‪ ،‬بل كان خيا ًرا‪ .‬الحركات النسوية‬ ‫ْ‬ ‫آل ٍة ما ليس حتمي ًة تاريخي ًة‪ .‬التغيري ال يحصل إال عرب الفعل البرشي‪.‬‬ ‫كفيل بالتغيري‪ .‬صاحب السلطة ال مينح املفاتيح طو ًعا‪ .‬أي مسار تحر ٍر يعني بالرضورة انتزاع أدوات‬ ‫الزمن لوحده ليس ً‬ ‫السلطة‪.‬‬ ‫‪10‬‬


‫افردي جناحيك‬ ‫سارة العظمة‬

‫أين نحن نساء الرشق األوسط يف ملحمة التاريخ؟‬ ‫وقت للحديث؟ فأنا ال أريد أن أكتب ِ‬ ‫أنت وأنا‪ .‬هل ِ‬ ‫كث ًريا ما أفكّر بواقعنا وباملعركة التي نخوضها اليوم ِ‬ ‫عنك‪ ،‬بل‬ ‫لديك ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أن أتحدث ِ‬ ‫ومخاوفك ليست موضو ًعا ميكن معالجته باختصا ٍر عرب مقال ٍة يف صحيف ٍة أوعرب ٍ‬ ‫نقاش‬ ‫وحاجاتك‬ ‫أفكارك‬ ‫معك‪.‬‬ ‫شعبوي هزيل‪.‬‬ ‫ٍّ‬ ‫لدينا الكثري من املواضيع التي نحتاج للخوض فيها‪ :‬عن الواقع الذي نعيشه وتطلعاتنا وأحالمنا‪ ،‬عن الرىض واإلكراه‪،‬‬ ‫والتشابك بينهام حتى يف داخل الواحدة منا‪ ،‬عن الجسور التي علينا بناؤها نحو األفق‪ ،‬والحواجز التي علينا تحطيمها‬ ‫أو القفز فوقها وتجاوزها‪ .‬كيف نبدأ هذه املحادثة العسرية؟‬

‫فلنبدأ من نقطة البداية الطبيعية‪ ،‬من أول القصة‪:‬‬ ‫جنس اإلنسان بقطبني‪ .‬بعد فجر التاريخ مىض نها ٌر وليل‪ ،‬ثم نها ٌر آخر‪.‬‬ ‫يف اليوم السادس خلق الله الذكر واألنثى‪ُ .‬خلِ َق ُ‬ ‫دارتْ عجلة الحياة دون توقّف وتب ّدل مضمون الهوية الجنسية والدور االجتامعي للذكر واألنثى من خالل خيارات‬ ‫اإلنسان وأفعاله ومفاوضاته‪ ،‬ما يسمى بالعقد االجتامعي‪ .‬الجنس حقيق ٌة بيولوجية‪ ،‬وهو بالطبع ليس كردا ٍء نخلعه عن‬ ‫أجسادنا متى شئنا‪ ،‬ولكنه يف الوقت نفسه مفهو ٌم َم ِر ٌن وليس قَد ًرا اجتامع ًيا‪ .‬مل يخلق الله حواء لتنتج نس ًخا كربوني ًة من‬ ‫جنس النساء‪ .‬بعد فعل الخلق األول ولدت النسا ُء النسا َء‪ ،‬وخلق املجتمع النساء والرجال عىل صورته‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫تأملت مبا يتم تخزينه يف أرديتنا‪ ،‬يف الثياب؟ كانت حواء عاري ًة‪ ،‬ثم غطت‬ ‫قليل‪ .‬هل‬ ‫عىل ذكر الرداء‪ ،‬دعينا نتوقف عنده ً‬ ‫أعضاءها التناسلية بورق الشجر‪ .‬كيف وصلنا لتغطية أجسادنا كلها‪ ،‬مبا فيها الوجه بأردي ٍة سوداء؟ هذا هو السؤال!‬ ‫ثياب بريئ ٍة من حمل املعنى‪ ،‬حيادية‪ ،‬بل تخفي ثيابنا بني طياتها دامئًا قواعد املنظومة‬ ‫دعيني أخربك أنه ليس مثة ٍ‬ ‫االجتامعية واألعراف والقيم السائدة‪.‬‬ ‫بإحكام حول الصدر والخرص وهياكل خشبي ٍة‬ ‫يف الفرتات التي كان رداء املرأة األوروبية عبار ًة عن َص َّدار ٍة يتم ش ُّدها‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫طبقات من القامش‪ ،‬وأحيانًا ما يزيد عن هذا‪ ،‬كانت املرأة تتعرث يف‬ ‫أو معدني ٍة لنفخ تنانري الفساتني املك َّونة من عرش‬ ‫خطواتها‪ ،‬بالكاد تتنفس‪ ،‬ويصيبها اإلغامء لو مشت ملساف ٍة طويل ٍة من ثقل وضغط ثيابها‪ .‬يف تلك املرحلة كان الفكر‬ ‫ٌ‬ ‫مخلوق لتزيني البيت ووالدة أطفال الرجل‪ .‬معظم نساء تلك األيام مل يخطر بباله ّن‬ ‫السائد هو أن املرأة متع ٌة للنظر‪،‬‬ ‫لباسا آخر‪ ،‬حيا ًة أخرى‪ ،‬وكُ َّن أول من اعرتض جامع ًيا لو خرقت امرأ ٌة‬ ‫مجرد االحتجاج عىل الرداء غري املريح ومل يتخ َّيلْ َن ً‬ ‫ما ُع ْر َف باللباس النسوي‪.‬‬ ‫‪11‬‬


‫افردي جناحيك‬ ‫سارة العظمة‬

‫الص َّدارة‪ .‬سقط الهيكل الخشبي املعيق للحركة‪،‬‬ ‫رياح فكري ٌة حملت معها بذور التغيري‪ ،‬انفك َّْت عقدة رشيط َ‬ ‫َه َّب ْت ٌ‬ ‫جنب‬ ‫أصبحت التنورة أقرص وت ّم تقليص عدد طبقاتها‪ .‬هذا التغيري الجذري يف العادات املتعلقة باللباس سار جن ًبا إىل ٍ‬ ‫مع تغيريٍ يف النظرة ملكانة املرأة ودورها االجتامعي‪ .‬خرجت املرأة من البيت إىل املكاتب واملصانع‪ .‬هل كان ذلك محض‬ ‫صدفة؟‬ ‫منذ ما يقارب الخمسني عا ًما اجتمعت رائدات الحركة النسوية وألقني بحامالت الصدر يف نا ٍر أوق ْدنَها يف وسط ساح ٍة‬ ‫ِ‬ ‫تكتف الواحدة منهن بخلع حاملة‬ ‫وعىل مرأى الحشد من املندهشني والساخرين والغاضبني‪ .‬ملاذا فعلْ َن هذا؟ ملاذا مل‬ ‫ٍ‬ ‫هام رأيْ َن من مه َّم ِت ِه َّن‬ ‫صدرها‬ ‫بصمت ووضعها يف در ٍج بخزانتها؟ الجواب هو أن تلك النسويات ك َّن قد توصلْ َن الستنتا ٍج ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫كمناضالت أن يخ ْرب َن الجميع به عرب فعل املرسح السيايس الرمزي‪.‬‬

‫الثياب ليست حيادي ًة‬ ‫الثياب‪ ،‬الزي‪ ،‬الرداء ينزل من فوق (السلطة الدينية أو السياسية)‪ ،‬يأيت‬ ‫من الخارج (املجتمع وممثليه)‪ ،‬أي يتم تصميمه من قبل البنى الفكرية‬ ‫رصا من عنارص تعريف املجتمع عن نفسه‪.‬‬ ‫ويصبح عن ً‬ ‫عندما ترتديه املرأة يصبح زيها اليومي تأكي ًدا عىل الخضوع للقانون‬ ‫االجتامعي املكتوب وغري املكتوب‪ ،‬ومع الوقت (وهنا النقطة األهم)‬ ‫يبدأ هذا الرداء بالتغلغل لداخل املرأة والتأثري عىل فهمها لذاتها وهويتها‬ ‫ومكانتها االجتامعية‪ ،‬ويؤثر بكل ٍ‬ ‫تأكيد وبدون أدىن ٍ‬ ‫شك عىل نفسيتها‬ ‫وسلوكها وطريقة حركتها‪ ،‬وال أقصد بالحركة التجول يف األماكن العامة‬ ‫أيضا حركات الجسد ويف نطاقٍ ٍ‬ ‫أيضا‪.‬‬ ‫خاص ً‬ ‫وحسب‪ ،‬بل ً‬ ‫جديت كانت تلبس املالءة‪ ،‬الزي التقليدي للمرأة يف الشام القدمية‪ ،‬وكانت تغطي وجهها بالكامل ككل نساء املدينة يف‬ ‫ذلك الوقت‪ .‬أنج َب ْت طفلها األول وهي بعمر أربعة عرشة سن ًة‪ ،‬وكانت سيدة منز ٍل مل تغادر بيتها إال ناد ًرا‪ .‬كانت إنسان‬ ‫النطاق الخاص‪ ،‬نصف املجتمع غري املريئ التابع للرجال واملن ِتج لألطفال‪ .‬أم زهري‪ ،‬مل يستعمل أح ٌد اسمها الخاص يو ًما‪،‬‬ ‫مل أعلم به إال صدفة‪ .‬صورتُها وهي جالس ٌة قرب مدفأة املازوت مرتدي ًة رداء الصالة األبيض واملسبحة بيدها ما تزال‬ ‫محفور ًة يف ذاكريت‪ .‬ك ْن ُت الطفلة‪ ،‬ثم املراهقة‪ ،‬وكانت تقول يل عندما ترشح يل كيف ينبغي أن أعيش‪( :‬جناحات البنت‬ ‫مقصوصة لك بنتي)‪.‬‬ ‫كم ك ْن ُت أكره هذه املقولة‪ ،‬هذه القاعدة الشعبية!! كم كنت أغضب عند سامعها مر ًة أخرى‪ ،‬وأخرى!!‬ ‫‪12‬‬


‫افردي جناحيك‬ ‫سارة العظمة‬

‫األس الذي أطلقه املجتمع عىل املرأة العربية‪ ،‬لتقنني اختصار دورها‬ ‫مع الوقت تح َّولت هذه الصورة يف مخيلتي لحكم ْ‬ ‫تصب فيه حتى بعض الحقوق املكتسبة للمرأة يف خانة الرجل‪.‬‬ ‫بالحياة املنزلية والعائلية‪ ،‬للحياة ضمن مربعٍ مقفلٍ ّ‬ ‫(الزم تتعلمي يا بنتي وتصري معك شهادة‪ ،‬الخطابني ما عادوا يدقوا بواب البنات اليل مو متعلمة‪ ،‬شهادة الجامعة منيحة‬ ‫حتى تعريف تحيك مع جوزك‪ ،‬تع ّبي راسه‪ ،‬وحتى تقدري تساعدي أوالدك بالوظائف‪ ،‬ادريس يا بنتي الله يرىض عليك)!‬ ‫كان هذا عىل زمني‪ ،‬اليوم أتخيل أن الجدة ستقول لحفيدتها‪( :‬تعلمي يا بنتي حتى تشتغيل وتسندي جوزك مبصاريف‬ ‫البيت)‪.‬‬

‫الجنس اآلخر‪ ،‬طائ ٌر ُمشَ َّوه‬ ‫املرأة هي السند‪ ،‬التابع‪ ،‬اإلنسان الثانوي‪ .‬هذه املكانة مخ َّزن ٌة مبقول ٍة من الرتاث‬ ‫الشعبي عمرها مئات السنني‪( :‬البنت جناحاتها مقصوصة)‪.‬‬ ‫هل رسالتي ِ‬ ‫إليك يا بنت الرشق األوسط بأمثل ٍة عن نضال النسويات األجنبيات إيحا ًء مني بأن علينا أن نحتذي‬ ‫مل أستَ ّ‬ ‫فهم ٍ‬ ‫جيد ألوضاعنا ولثقافتنا‬ ‫حذوه ّن‪ ،‬ال‪ ،‬نحن نساء الرشق األوسط علينا أن نعرث عىل طريقنا‪ .‬علينا أن نبني نضالنا عىل ٍ‬ ‫وللتحديات التي تواجهنا‪ .‬نحن بحاج ٍة ألدوات تحري ٍر نستخرجها من تراثنا وتاريخنا ومخزوننا الثقايف‪ ،‬ال السترياد‬ ‫استنتاجات النضال املعلَّ َبة من الخارج‪.‬‬ ‫وألنني أعلم أهمية البحث عن الحل يف املخزون الثقايف‪ ،‬كانت سعاديت عظيم ًة عندما فه ْم ُت فجأ ًة أن مفتاح الحرية‬ ‫موجو ٌد يف القيد التاريخي نفسه‪ ،‬هل تص ّدقني هذا؟!‬ ‫لب الفكر التقليدي عن تحجيم مكانة ودور املرأة‪ .‬انظري جي ًدا! إنها‬ ‫(جناحات البنت مقصوصة)‪ ،‬هذه العبارة هي ّ‬ ‫تحوي يف طياتها عىل بذرة الثورة‪.‬‬ ‫مل يس ِّجل تراثنا الشعبي أن املرأة كائ ٌن بدون أجنحة‪ ،‬بل اعرتف بأن لها جناحني‪.‬‬ ‫خلل تكوين ًيا‪ ،‬مل يفعل!! ماذا أعل َن؟‬ ‫مل يزعم تراثنا الشعبي أن أجنحتها غري قابل ٍة للنمو‪ ،‬أن فيها ً‬ ‫ناتج عن فعل فاعل! الفاعل هو شخص‪ ،‬سلطة‪ ،‬قانون‪ ،‬والفعل هو قص‬ ‫مكانة املرأة الثانوية يف مجتمعاتنا العربية هي ٌ‬ ‫أجنح ٍة سليم ٍة طبيعي ٍة ومنعها من النمو لتقوم بوظيفتها‪.‬‬ ‫هذا ليس فك ًرا نسويًا غرب ًيا مستور ًدا‪ .‬هذا تراثنا!!‬ ‫‪13‬‬


‫افردي جناحيك‬ ‫سارة العظمة‬

‫وكل ما يلزمنا للتحرر من القيود‬ ‫نحن نساء الرشق األوسط طائ ٌر مهزو ٌم مشَ َّوه‪ُ .‬ولِ ْدنَا للحرية‪ ،‬للتحليق يف كل أفق‪ُّ ،‬‬ ‫القص املستمرة لنسمح ألجنحتنا بالنمو‪ .‬ولكن عندها ستأيت مرحل ٌة جديدة‪،‬‬ ‫التاريخية هو النضوج‪ ،‬أن نوقف عمليات ّ‬ ‫وعلينا أن نتحمل آالم النمو‪ ،‬وهي آال ٌم تصاحب النضج الفكري والثقايف يف أي مجتمعٍ برشي‪.‬‬

‫الحجاب‪ ،‬أثقال التاريخ عىل رأسك‬ ‫يصلني صوتك اآلن ِ‬ ‫وأنت تحتجني كام فعلتي يف كثريٍ من نقاشاتنا السابقة‪ ،‬تزعمني أنك حر ٌة متا ًما وكاملة النضوج‪.‬‬ ‫اعذريني‪ ،‬أنا ال أصدقك‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫لست مق ِنع ًة يا امرأة الرشق األوسط عندما تتحدثني عن سلطتك عىل الجسد والقرار من داخل قفصك التاريخي‪ .‬أسمع‬ ‫نغم ًة نشازًا يف أغنيتك عن الحرية الشخصية ِ‬ ‫وأنت غارق ٌة تحت طبقات الثياب والحجاب‪ .‬قويل يل‪ ،‬هل من املمكن تحرير‬ ‫الفكر بدون تحرير الجسد؟؟ أليست هذه مسار ٍ‬ ‫ات متشابك ًة بالرضورة؟ التفكري‪...‬الوعي‪ ...‬الجسد؟‬ ‫هل تص ّدقني حقًا أن مبقدورك ترك العش والتحليق واكتشاف عوامل جديد ٍة ِ‬ ‫وأنت تحملني أثقال التاريخ عىل رأسك‬ ‫وكتفيك؟!‬ ‫أفهم أن الحجاب مسأل ٌة معقدة‪ ،‬هو ردا ٌء ديني‪ ،‬و سيايس‪ ،‬واجتامعي‪ ...‬هو إعالن انتام ٍء للرشق وسخ ٌط عىل الغرب‪ ،‬هو‬ ‫استمرا ٌر للاميض‪ ،‬وهو تعب ٌري عن املعارصة‪.‬‬ ‫نعم‪ ،‬أعلم أن العديد من املتناقضات مغزول ٌة يف القامش الذي تغطني به جسدك‪ :‬الحجاب هو حريتك وهو زنزانتك‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أيضا ِ‬ ‫ِ‬ ‫خضوعك (لسلطة أخرى)‪.‬‬ ‫أيضا‬ ‫قدرك‪ .‬إنه‬ ‫أيضا عارك‪ .‬إنه‬ ‫متردك عىل السلطة‪ ،‬وهو ً‬ ‫خيارك وهو ً‬ ‫إنه فخرك وهو ً‬ ‫رضوخك الصامت الستمالك اآلخر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫لك‪.‬‬ ‫أيضا‬ ‫إنه‬ ‫صيحتك املطالبة باحرتام اآلخر (الرجل)‪ ،‬وهو ً‬ ‫طريق تختارين يا امرأة الرشق األوسط؟‬ ‫أي‬ ‫من هذه السلسلة من املتناقضات قد يولد فج ٌر جدي ٌد أو يسقط ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫ليل دامس‪ُّ .‬‬ ‫ماذا تختارين ِ‬ ‫لك‪ ،‬يل‪ ،‬ولرشقنا؟‬ ‫هل تقلّصني تراثنا وانتامءنا وهويتنا العربية اإلسالمية ألسوأ بدع ٍة ديني ٍة وعاد ِة اجتامعي ٍة ابتكرها أسالفنا؟؟ غطا ٌء عىل‬ ‫الرأس!! خيم ٌة حول الجسد!! هل هذا ما ِ‬ ‫عرثت عليه يف كنوز التاريخ امليلء باإلبداع وبذور املساواة االجتامعية كعالم ٍة‬ ‫لالنتامء؟!‬ ‫‪14‬‬


‫افردي جناحيك‬ ‫سارة العظمة‬

‫ال حضارة بغياب الحرية الفردية‬ ‫اعلمي أن الخيار بيدك اليوم‪ .‬لقد فقدتْ السلطات التي تح َّك َم ْت‬ ‫يتبق منها إال الهياكل‬ ‫بنا نحن النساء عرب التاريخ سلطتها ومل َ‬ ‫ال َج ْوفاء‪ .‬مل تعد سلطة تعريفك كامرأ ٍة وتحديد مكانتك بيد الفقيه‬ ‫واألب وشيخ العشرية‪.‬‬ ‫يف القرن الواحد والعرشين ويف زمن املعلومات واإلنرتنت والنقاشات‬ ‫أصبحت قوة التعريف قضي ًة عام ًة ِ‬ ‫ٌ‬ ‫مشارك‬ ‫أنت عض ٌو‬ ‫املستمرة‬ ‫ْ‬ ‫تعبين عنه فأنت بالحقيقة تشاركني باملفاوضات‬ ‫فيها‪ ،‬عرب كل ٍ‬ ‫رأي ّ‬ ‫االجتامعية الجارية وترسمني الخطوط الجديدة ملجتمع املستقبل‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫طويل عىل الخلق األول‪ ...‬عىل اليوم السادس‪.‬‬ ‫أنت تخلقني اآلن نفسك من جديد‪ ،‬وتعيدين خلقها‪ ،‬وتعديلها‪ .‬م ّر زم ٌن ٌ‬ ‫أنت متسكني اآلن بريشة الرسام‪.‬‬ ‫وأنا أسمح لنفيس بالحلم ألنني عىل ثق ٍة تام ٍة بك يا امرأة الرشق األوسط‪ .‬نساء الدول األخرى لسن أفضل منا نحن نساء‬ ‫الرشق األوسط بيشء‪ .‬أنا عىل ثق ٍة بالقدرات الكامنة فينا وبأرسار التحرر وبُذوره امللقاة هنا وهناك يف تراثنا وتاريخنا‬ ‫والتي تنتظر أن نكتشفها ونستخرجها من باطن الكتب‪.‬‬ ‫كانت جديت تقول يل‪( :‬الست الزم متيش من الحيط للحيط وتقول يا رب السرتة)‪،‬‬ ‫زمن جديت مىض‪ .‬اآلن زم ٌن جديد‪.‬‬

‫سارة العظمة‪ ،‬كاتب ٌة مستقل ٌة مختص ٌة بدراسات الرشق األوسط‪.‬‬

‫‪15‬‬


https://www.facebook.com/groups/arbangroup/

16


‫مالحظات نقدي ٌة‬ ‫ٌ‬ ‫عىل اقرتاح التصميم الذيك‬ ‫للكائنات الحية‬

‫طائر حر‬

‫من الواضح أن مظاهر الحياة األرضية وظواهرها‬ ‫املتمثلة يف أنظم ٍة ذاتية التحكم ندعوها بالكائنات‬ ‫الحية‪ ،‬ت ُعترب يف ظل معرفتنا الحديثة أكرث الظواهر‬ ‫الطبيعية تعقي ًدا‪ ،‬وحتى مع املستوى العايل من التقدم‬ ‫التكنولوجي الذي حققناه تظل بعض األنظمة الحية أكرث‬ ‫نظام آ ٍّيل صنعه البرش‪.‬‬ ‫تعقي ًدا بكثريٍ من أي ٍ‬ ‫وهذا التعقيد ليس ظاهريًا عىل اإلطالق كام كان يعتقد‬ ‫بعض القدماء مثل من كانوا يعتقدون يف النشأة التلقائية‬ ‫خاطئ بأن تلك‬ ‫فهم‬ ‫ٍ‬ ‫لريقات الحرشات من الطني عىل ٍ‬ ‫الحرشات يف جوهرها أنظم ٌة بسيط ٌة تافه ٌة ميكن أن تنشأ‬ ‫ٍ‬ ‫مركبات كيميائي ٍة غري معقدة‪ ،‬وإمنا‬ ‫رش من‬ ‫تلقائ ًيا بشكلٍ مبا ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ألبسط األنظمة الحية مثل البكترييا‬ ‫هذا التعقيد البالغ حتى‬ ‫حقيقي ال سبيل إلنكاره كام تخربنا العلوم الحديثة‬ ‫هو تعقي ٌد‬ ‫ٌّ‬ ‫املتعلقة بظاهرة الحياة‪.‬‬ ‫‪17‬‬


‫مالحظات نقدي ٌة‬ ‫ٌ‬

‫عىل اقرتاح التصميم الذيك للكائنات الحية‬ ‫طائر حر‬

‫ٍ‬ ‫وتخطيط مسبق‪،‬‬ ‫بوعي‬ ‫هذا التعقيد البالغ هو الباعث الرئييس يف عرصنا الحايل القرتاح أن الكائنات الحية قد ُصممت ٍّ‬ ‫خاص ًة وأنها تعمل ذات ًيا وبكفاء ٍة منقطعة النظري‪.‬‬ ‫رصا‬ ‫مع التنبيه عىل أننا هنا ال نتع ّرض القرتاح التصميم الذيك للكون ككلٍ من وجهة نظ ٍر فيزيائي ٍة وكالمنا مقصو ٌر ح ً‬ ‫ٍ‬ ‫مالحظات‬ ‫عىل الحياة فقط‪ ،‬وبالنظر إىل ُأسس قيام الدعوى كام يس ّوقها أصحابها ومنارصوها فإنه توجد عدة‬ ‫يجب أخذها يف االعتبار قبل الترسع يف االعتقاد بصحة الفكرة والتحمس لها‪ ،‬ومن هذه املالحظات ما ييل‪:‬‬

‫‪ -1‬عدم قابلية التعقيد وغريه من الصفات الباعثة القرتاح التصميم املسبق للقياس الكمي‪.‬‬ ‫مبني عىل معايري موضوعية‪ ،‬لذلك‬ ‫شخيص ٍّ‬ ‫كم‬ ‫وهذا يجعل ال ُحكم عىل احتامل كون النظام ُمص َّم ًم بوعي ُح ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫ذات وغري ٍّ‬ ‫تجد الدعوى يف النهاية من نوع‬ ‫ٍ‬ ‫وتخطيط مسبق؟» وليست من نوع «مستوى التعقيد‬ ‫وعي‬ ‫«هل يُعقل أن يكون كل هذا التعقيد واالتقان نشأ بدون ٍّ‬ ‫واالنضباط يف النظام يتجاوز قدرة قوانني الفيزياء عىل إنتاجه طبيع ًيا بنا ًء عىل معايري كذا وكذا‪».‬‬ ‫وكمثا ٍل ٍ‬ ‫بسيط ج ًدا عىل أهمية االلتزام مبعايري موضوعي ٍة حتى نثق يف حكمنا بهذا الشأن‪ ،‬فلنفرتض أننا رصدنا سقوط‬ ‫ٍ‬ ‫نيزك منخفض الرسعة من الفضاء عىل أحد املسطحات املائية وإننا بعد انتشال بقاياه وفحصها فوجئنا بأن من بينها‬ ‫كراتٌ معدني ٌة تامة االستدارة والتكور مثل كرات‬ ‫البولينج وأن دقة استدارتها وتكورها فائق ٌة بشكلٍ ال‬ ‫ٍ‬ ‫انبعاجات ولو طفيفة‪ ،‬فحينئذ‬ ‫يُصدق وخالي ٌة من أي‬ ‫مبا أننا نبذل جه ًدا واع ًيا وتخطيطًا مسبقًا لنصنع أشباه‬ ‫تلك الكرات‪،‬‬ ‫قد يفرتض معظمنا تلقائ ًيا أن هذه الكرات مصمم ٌة‬ ‫بوعي وتخطيط‪ ،‬بل قد يثري البعض مزاعم‬ ‫ومصنوع ٌة ٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫كائنات فضائي ٍة ذكية‪ ،‬وتنترش التفسريات عن‬ ‫وجود‬ ‫ٍ‬ ‫مركبات فضائي ٍة افرتاضي ٍة‬ ‫وظائف هذه الكرات يف‬ ‫لحضار ٍ‬ ‫ات غري أرضي ٍة تكون قد تحطمت ع َر ًضا‪ ،‬وكل‬ ‫هذا طب ًعا عىل أساس عدم القدرة عىل تصور إمكانية‬ ‫تك ّون هذا الشكل الهنديس املميز (الكرة تامة االستدارة‬ ‫ٍ‬ ‫والتكور) بشكلٍ‬ ‫ظروف طبيعي ٍة ممكنة‪.‬‬ ‫طبيعي يف أي‬ ‫ٍّ‬ ‫‪18‬‬


‫مالحظات نقدي ٌة‬ ‫ٌ‬

‫عىل اقرتاح التصميم الذيك للكائنات الحية‬ ‫طائر حر‬

‫لكن كل هذا الزخم االفرتايض يف هذا املثال ليس مرجح الحدوث‬ ‫ألن التفسريات الطبيعية املوضوعية ستكون صادم ًة يف بساطتها‪،‬‬ ‫فإن بعض القوانني الفيزيائية البسيطة تسطيع بسهول ٍة صنع الكرات‬ ‫ٍ‬ ‫ظروف مختلفة‪ ،‬ودون الخوض يف تفاصيل‬ ‫تامة االستدارة والتكور يف‬ ‫تلك القوانني فإن الشكل املميز لقطرة املياه أثناء سقوطها إمنا هو‬ ‫نتيجة الجاذبية ودون تلك القوة كانت قطرة املياه ستصبح كر ًة‬ ‫سائل ًة تامة االستدارة والتكور حال انعدام أو ضعف تأثري عوامل‬ ‫أخرى‪ ،‬والقوانني التي تؤدي إىل هذه الظاهرة ق ّوتها قد تكون أكرب‬ ‫بكثريٍ يف موا ٍد غري املياه مثل بعض املعادن املنصهرة والسائلة ‪-‬‬ ‫قليل بقطر ٍة صغري ٍة من الزئبق تناثرت‬ ‫وكل من عبث ً‬ ‫من ترمومرتٍ مكسو ٍر يعرف متا ًما ما أتحدث عنه ‪-‬‬ ‫وهكذا سيتو ّجه تفكرينا تلقائ ًيا إىل البحث عن مسار‬ ‫النيزك االفرتايض واحتامل عبوره بالقرب من أحد‬ ‫النجوم كالشمس أثناء رحلته يف الفضاء البارد الخايل‬ ‫من عوامل التأثري األخرى التي نعتربها بحكم خرباتنا‬ ‫الحياتية أم ًرا شائ ًعا وعاديًا‪.‬‬

‫‪ -2‬بطالن املقارنة بني مصدر نشأة األنظمة الحية ومصدر نشأة األنظمة البرشية الصناعية‬ ‫لعدم اشرتاكهام يف أساس املقارنة عىل املستوى الفردي‪ .‬فإن األنظمة‬ ‫الحية الفردية لها خاصي ٌة فريد ٌة تتعلق بنشأتها غري متوفر ٍة يف أي‬ ‫نظام آ ٍّيل صنعه البرش‪ ،‬وهي قدرتها عىل التكاثر الذايت‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫فلو عقدنا مقارن ٌة بني سيار ٍة ما وخلي ٍة بكتريي ٍة سنجد أن السيارة‬ ‫غري قادر ٍة عىل صنع نس ٍخ من نفسها بنفسها بينام الخلية البكتريية‬ ‫نشأت بهذه الطريقة‪ ،‬وعىل هذا يصح أن نفرتض ‪-‬لو ك ّنا جاهلني‬ ‫خارجي يف حالة السيارة قام بصناعتها‬ ‫نظام‬ ‫بذلك‪ -‬وجوب وجود ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫(وهو املصنع)‪ ،‬مام يستدعي فكرة التصميم املسبق ويدعمها‪،‬‬ ‫‪19‬‬


‫مالحظات نقدي ٌة‬ ‫ٌ‬

‫عىل اقرتاح التصميم الذيك للكائنات الحية‬ ‫طائر حر‬

‫بينام يف حالة البكترييا هذا االستدعاء ليس له دا ٍع أو عىل األقل ليس رضوريًا بنفس الدرجة (عىل مستوى الخلية‬ ‫ٍ‬ ‫الحتامالت أخرى يف‬ ‫املفردة)‪ ،‬مام يجعل املقارنة بهدف إثبات التصميم املسبق بني كال املثالني باطل ًة‪ ،‬ويفتح املجال‬ ‫حالة البكترييا إذا خرجنا للمستوى العام‪ ،‬ال ميكن اقرتاحها يف حالة السيارات (وهذه إشار ٌة مبارش ٌة طب ًعا للتطور باالنتقاء‬ ‫الطبيعي كتفسريٍ للتعقيد)‪.‬‬

‫‪ -3‬كون ما يسمى بـ»التعقيد غري القابل لالختزال» زع ٌم غري قابلٍ لإلثبات بشكلٍ عام‪.‬‬ ‫حي يُصبح بال وظيف ٍة داعم ٍة للحياة عىل اإلطالق حال اختزاله بأي كيفي ٍة يقتيض‬ ‫فإن افرتاض أن نظا ًما فرع ًيا يف كائنٍ ٍّ‬ ‫بيولوجي يُحتمل وجوده بني األسالف عىل االستفادة من أي نو ٍع‬ ‫إثباته بالرضورة إثبات عدم قدرة النظام العام ألي كائنٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫مختز ٍل بأي كيفي ٍة من النظام الفرعي وهذا أم ٌر غري ممكنٍ ألنه يتطلب بحث آلية عملٍ ألنظم ٍة افرتاضي ٍة عددها هو‬ ‫حاصل رضب مجالني لالحتامل كل منهام يكاد يكون ال نهايئ (النظام العام بجميع تحوراته العكسية املمكنة يف األسالف‪،‬‬ ‫والنظام الفرعي بجميع كيفيات اختزاله املمكنة )‪.‬‬

‫‪ - 4‬تجاهل أو التقليل من أهمية الهدف والغاية فيام يُفرتض كونه ُمص َّم ًم بوعي‪.‬‬ ‫قد ال تكون هذه املالحظة قوي ًة يف نقد االقرتاح‬ ‫بشكلٍ مجر ٍد ولكنها تكتسب قو ًة كبري ًة عند نقد‬ ‫مناذج محدد ٍة من االقرتاح العام مثل بعض األديان‪،‬‬ ‫مثل يرد بوضو ٍح هدف تصميم‬ ‫فالدين اإلسالمي ً‬ ‫كافة األنواع دون البرش إىل خدمة اإلنسان ودعم‬ ‫استمرار وجوده ويرد هدف تصميم اإلنسان إىل‬ ‫عبادة املصمم‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫هدف وغاي ٌة ألشكا ٍل من‬ ‫ولكن هذا يستوجب‬ ‫الحياة مثل الرسخس العتيق والعلجوم الذهبي‬ ‫علم بأنها قد انقرضت جمي ًعا وما‬ ‫واملاموث وال ً‬ ‫زلنا هنا مل نهلك بعد أو تلحقنا أرضا ٌر خطري ٌة ج ّراء‬ ‫انقراض تلك األنواع‪.‬‬ ‫‪20‬‬


‫مالحظات نقدي ٌة‬ ‫ٌ‬

‫عىل اقرتاح التصميم الذيك للكائنات الحية‬ ‫طائر حر‬

‫ٍ‬ ‫‪ -5‬بُطالن املطالبة بتفسريٍ بديلٍ مكتملٍ‬ ‫كرشط لرد االقرتاح‪.‬‬ ‫فليس معنى عدم متكننا من تفسري كل ظاهر ٍة حياتي ٍة عىل أساس التطور هو عج ٌز يف النظرية واألسس التي تقوم عليها‬ ‫وإمنا العجز هو عجزنا نحن يف استخدامها ملحدودية إمكانياتنا‪ ،‬ومن الخطأ الشنيع مقارنة علامء البيولوجيا التطورية‬ ‫باآللهة ومطالبتهم بتفسري كل أنظمة الحياة عىل ٍ‬ ‫تطوري دفع ًة واحدةً‪،‬‬ ‫أساس‬ ‫ٍّ‬ ‫ٌ‬ ‫علوم أخرى كالفيزياء رغم عجزها‬ ‫وهذا املوقف من مؤيدي اقرتاح التصميم‬ ‫متطرف ج ًدا بدليل أنهم ال يتخذونه تجاه ٍ‬ ‫حتى اآلن عن تفسري كل الظواهر الفيزيائية‪ .‬ولكن إذا التزمنا قد ًرا من املوضوعية فإن كل نجا ٍح يف تفسريٍ جز ٍّيئ ال يهدم‬ ‫مع ما سبق من تفسري ٍ‬ ‫دعم لألسس املشرتكة يف التفسري وخطو ًة جديد ًة نحو تفسريٍ مكتمل‪.‬‬ ‫ات جزئي ٍة أخرى‪ ،‬يُع ّد ً‬

‫‪ -6‬عدم منطقية رفض التفسريات البديلة مع تقبل األسس القامئة عليها‪.‬‬ ‫فمعظم الناس يتقبل بسهول ٍة أسس النظرية التطورية وأدلة حدوثها حال االطّالع عليها‪ ،‬مثل التاميز بالطفرات واالنتقاء‬ ‫الطبيعي واالستنواع‪ ،‬لكن نسب ًة أقل بكثريٍ منهم تتقبل التفسريات املبنية عىل هذه األسس وهذا أم ٌر غريب‪،‬‬ ‫رش للتطور الصغروي «‪»Microevolution‬‬ ‫فام التطور الكربوي «‪ »Macroevolution‬غري املنظور إال امتدا ٌد وتراك ٌم مبا ٌ‬ ‫املنظور‪.‬‬ ‫رفض‬ ‫ويبدو األمر كام لو أنه ٌ‬ ‫بِنا ًء عىل عدم القدرة عىل‬ ‫التصور‪ .‬كام لو أن معارض‬ ‫التطور يقول‪:‬‬ ‫«مبا أنني أستطيع تصور‬ ‫الجزئيات وتوجد أدل ٌة عليها‬ ‫فإين أقبلها ولكن مبا أنني ال‬ ‫أستطيع تصور التفسري العام‬ ‫رغم سالمة بنائه املنطقي‬ ‫عىل الجزئيات فإين أرفضه»‪.‬‬ ‫‪21‬‬


‫مالحظات نقدي ٌة‬ ‫ٌ‬

‫عىل اقرتاح التصميم الذيك للكائنات الحية‬

‫‪ -7‬تفضيل االقرتاح عىل بدائله بنا ًء عىل بساطة التفسري‪.‬‬ ‫فأول اقرتاح التصميم املسبق‬ ‫ومام يستخدم يف هذا خطأ ما يُسمى بشفرة أوكام‪ً ،‬‬ ‫هو رد تفسري ما هو معق ٌد إىل ما قد يكون أكرث تعقي ًدا «املصمم»‪ ،‬وبهذا ال يكون‬ ‫إجامل أبسط من بدائله (أعني التطور عىل وجه الخصوص)‪،‬‬ ‫ً‬ ‫التفسري‬ ‫غري أن شفرة أوكام ال هي بقانونٍ طبيعي وال قاعد ٌة بال استثناءات‪ ،‬فبتخصيص‬ ‫شفرة أوكام عىل الحياة املعقدة التي نعرفها وتفسرياتها التطورية من املمكن أن‬ ‫نجد أنظم ًة حي ًة ميكن تبسيطها نظريًا دون اإلخالل مبدى صالحيتها للحياة يف‬ ‫بيئتها الطبيعية وهذا ال يتعارض إطالقًا مع النظرية التطورية‪ ،‬ولكنه بالعكس‬ ‫قد يتعارض مع اقرتاح التصميم‪،‬‬ ‫فلامذا يتكلف املصمم مشقة تصميم ما هو بالغ التعقيد يف حني أن التصميم‬ ‫املكافئ األبسط نسبيًا ممكن؟‬

‫رش عىل هذا‪ ،‬األجزاء غري الفعالة من ال‪ DNA‬والتي تطفّرها ال‬ ‫وكمثا ٍل مبا ٍ‬ ‫يؤدي إىل أي تغريٍ يف بنية أعضاء الكائن الحي ووظائفها‪.‬‬ ‫وسأكتفي بهذه املالحظات فهي بالفعل كافي ٌة لرد املقرتح األمني عن الترسع‬ ‫والحامس املبالغ فيه‪.‬‬ ‫‪22‬‬


‫اﺷﺘﺮك اﻵن‬ ‫ﻓﻲ ﻗﻨﺎﺗﻨﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻴﻮﺗﻴﻮب‬ ‫‪https://www.youtube.com/c/ahmedzayedchannel‬‬

‫ﻗﺮاﺑﺔ ‪ 10‬ﻣﻠﻴﻮن ﻣﺸﺎﻫﺪة‬ ‫ﻣﺸﺘﺮك‬ ‫أﻟﻒﻣﺸﺎﻫﺪة‬ ‫و‪70‬ﻣﻠﻴﻮن‬ ‫ﻗﺮاﺑﺔ اﻟﻌﴩة‬

‫أﺣﻤﺪ ﺳﻌﺪ زاﻳﺪ‬

‫ﻗﻨﺎة أﺣﻤﺪ ﺳﻌﺪ زاﻳﺪ ﻋﲆ اﻟﻴﻮﺗﻴﻮب ﻫﻲ ﻗﻨﺎة ﻣﻌﻨﻴﺔ ﺑﺎﻟﺘﻨﻮﻳﺮ اﻟﻔﻜﺮي واﻟﺜﻘﺎﰲ وﻫﻲ ﻣﺤﺎوﻟﺔ ﻟﻠﺘﻔﻜ اﳌﻮﺿﻮﻋﻲ اﻟﻌﻘﻼ ﻣ ًﻌﺎ‪.‬‬ ‫وﺗﺠﺪون ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺴﻼﺳﻞ وﻣﻨﻬﺎ‪:‬‬

‫أﻟﻒ ﺑﺎء ﻓﻠﺴﻔﺔ ﻟﺘﺒﺴﻴﻂ اﳌﻌﺮﻓﺔ اﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ‬

‫ﻟﻠﺘﻮاﺻﻞ ﻣﻌﻨﺎ ﻋﲆ ﺻﻔﺤﺔ اﻟﻘﻨﺎة ﻋﲆ اﻟﻔﻴﺴﺒﻮك‪:‬‬ ‫‪https://www.facebook.com/aszayedtv‬‬

‫ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﺤﻀﺎرة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻻﺳﻼﻣﻴﺔ‬

‫ﺳﻠﺴﻠﺔ ﺗﻌﺮﻳﻔﻴﺔ ﺑﺮﻣﻮز ﻓﻜﺮﻳﺔ ﻋﺮﺑﻴﺔ وﻏﺮﺑﻴﺔ‬

‫ﺻﻔﺤﺔ أﺣﻤﺪ ﺳﻌﺪ زاﻳﺪ اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ‪:‬‬ ‫‪https://www.facebook.com/ahmedsaadzayed‬‬

‫ﻛﺎﳌﻌﺮي واﻟﺮازي وأرﺳﻄﻮ وﻣﺎرﻛﺲ وراﺳﻞ‬

‫ﺳﻠﺴﻠﺔ ﺑﺘﺤﻠﻴﻞ ﺧﻼﻓﺎت اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ وﻗﺘﺎﻟﻬﻢ‬

‫ﺳﻠﺴﺔ ﺗﻄﻮر ﺗﺎرﻳﺦ اﻹﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻴﺎت اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ واﻟﻔﻠﺴﻔﺎت‬

‫وﻏ ذﻟﻚ ﻛﺜ ﻣﻦ ﻣﺤﺎﴐات وﻣﻘﺎﺑﻼت ﻟﺮﻣﻮز ﻓﻜﺮﻳﺔ ﻓﺎﻟﻘﻨﺎة ﺑﻬﺎ أﻛ ﻣﻦ ‪ 700‬ﻣﺤﺎﴐة‪ ،‬وﻫﻲ ﺟﻬﺪ ﻃﻮﻳﻞ وﻣﺘﻮاﺿﻊ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﻞ‬ ‫اﻟﺜﻘﺎﰲ وﻣﺤﺎوﻟﺔ ﻧﴩ اﻟﻮﻋﻲ واﻟﻌﻘﻼﻧﻴﺔ واﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﻗﺪر اﳌﺴﺘﻄﺎع ﻟﻠﻤﺘﺤﺪﺛ ﺑﺎﻟﻌﺮﺑﻴﺔ‪.‬‬ ‫ﻟﺪﻋﻢ اﻟﻘﻨﺎة‪:‬‬

‫‪https://www.patreon.com/ahmedzayed‬‬

‫‪23‬‬

‫‪https://www.paypal.me/ahmedsaadzayed/100‬‬


‫الصعاليك‬ ‫الجزء األول‬

‫كث ًرياماترتددعىلمسامعناكلامت«صعلوك»و«الصعاليك»‬ ‫لدرجة أننا إن أردنا أن نذ ّم أح ًدا فإننا نقول بأنه صعلوك‪.‬‬ ‫فمن هو الصعلوك؟‬ ‫‪24‬‬

‫كنان أحمد‬


‫ا لصعا ليك‬

‫الجزء األول‬

‫كنان أحمد‬

‫‪ -1‬مقدمة‬ ‫الصعلوك لغ ًة هو قليل املال والدعم والذي ليس له سن ٌد يدافع عنه وهي كلم ٌة عربي ٌة قدمي ٌة ج ًدا كانت العرب تستعملها‬ ‫من قبل اإلسالم ولكن هل هي بنفس هذا املعنى الدارج اآلن؟‬ ‫يقول الدكتور شوقي الضيف يف كتابه (العرص الجاهيل)‪« :‬الصعلوك يف اللغة هو الفقري الذي ال ميلك من املال ما يعينه عىل‬ ‫أعباء الحياة» (‪ .)1‬أما األزهري فيقول‪« :‬هو الفقري الذي ال مال له وال اعتامد»(‪.)2‬‬ ‫والصعلوك تأيت مبع ًنى آخر وهو املتسكع الذي يعيش عىل الهامش‪ ،‬وقولهم صعاليك العرب أي لصوصهم‪ ،‬وقد ورد يف تاج‬ ‫العروس أن ذؤبان العرب هم لصوصهم وصعاليكهم الذين يتلصصون ويتصعلكون ألنهم كالذئاب(‪.)3‬‬ ‫ٍ‬ ‫صعلوك أُطلقت عىل األفراد الذين قاموا بأعام ٍل تخريبي ٍة وجرمي ٍة شائن ٍة وهربوا من قبائلهم اتقاء العقوبات‪ ،‬أي‬ ‫وكلمة‬ ‫ألسباب عديدة‪ ،‬ولكن يف النهاية ينسلخ الصعلوك انسال ًخا كل ًيا عن عشريته ويعيش وحي ًدا‬ ‫خرجوا عن عاداتهم وتقاليدهم‬ ‫ٍ‬ ‫معتم ًدا عىل نفسه ويكون مطلوبًا لقبيلته‪ ،‬وحتى أ ّن القبيلة ال ت ُؤا َخذ مبا يفعله‪ ،‬فكان لديهم نظا ٌم يُسمى الخلع‪ ،‬فالصعلوك‬ ‫بالنسبة للمجتمع هو مجر ٌم طائش‪ ،‬لذلك تخلعه قبيلته وتتربأ منه‪ ،‬ويكون الخلع عاد ًة بإعالن تلك القبيلة التربؤ منه يف الحج‬ ‫ويف سوق عكاظ وأسواقٍ أخرى ويقال‪:‬‬ ‫(‪)4‬‬ ‫«إمنا خلعنا فالنًا فال نأخذ أح ًدا بجناي ٍة ت ُجنى عليه وال نؤخذ بجنايته التي يجنيها» ‪ ،‬وهكذا يكونون قد أهدروا دمه‪.‬‬ ‫ومبا أن الصعاليك هم املنبوذون من القبائل فقد التحق بهم سودان العرب الذين‬ ‫أىت السواد إليهم من أمهاتهم وشُ بِّهوا بالغربان للونهم‪ ،‬فتصعلكوا النتقاص أهلهم‬ ‫لهم وعدم اعرتاف آبائهم ببنوتهم لهم كونهم أبناء إماء فازدراهم قومهم‪ .‬ويجب‬ ‫علينا أن نعلم أ ّن ليس كل الصعاليك أصحاب إجر ٍام وأفعا ٍل شائنة‪ ،‬فمنهم من‬ ‫نادى بتوزيع الرثوات‪ ،‬حيث أن أسياد القبيلة ميلكون من املوايش واملال الكثري‬ ‫وأفراد القبيلة ال ميلكون شيئًا‪ ،‬ويف موجات الجفاف واملجاعات ال يق ّدمون شيئًا‬ ‫ألفراد القبيلة وطب ًعا ال نع ّمم هنا؛ ونجد أن رغم صعلكتهم حافظوا عىل أخالق‬ ‫العرب يف الكرم واملروءة وتب ّنوا فكرة أنهم ظُلموا وكل يش ٍء لهم فيه حق‪.‬‬ ‫فبإمكاننا وصفهم يف زمننا هذا بأنهم الخارجون عىل القانون‪.‬‬ ‫‪ -1‬شوقي الضيف‪ ،‬العرص الجاهيل من تاريخ األدب العريب‪ ،‬دار املعارف‪ ،‬ص ‪.375‬‬ ‫‪ -2‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬املجلد الرابع‪ ،‬ص ‪.318‬‬ ‫‪ -3‬الزبيدي‪ ،‬تاج العروس‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬ص ‪.487‬‬ ‫محمد التونجي‪ ،‬املعجم املفصل يف األدب‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ص ‪.415‬‬

‫‪25‬‬


‫ا لصعا ليك‬

‫الجزء األول‬

‫كنان أحمد‬

‫ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫مرتصد له يقتفي‬ ‫خائف من طالب ثأ ٍر‬ ‫يوم واملوت‬ ‫محدق به‪ٌ ،‬‬ ‫كان الصعلوك دائم الخوف عىل حياته لذلك كان يعيش كل ٍ‬ ‫أثره محاولً إنهاء حياته‪ ،‬لذلك نجده ال يأبه باملوت‪ ،‬قايس القلب وال يثق بأحد‪ ،‬ونراه قد تكتّل مع أفرا ٍد من نوعه فشكّلوا‬ ‫وجامعات أصبحت ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫خطر ًة ج ًدا عىل املجتمع‪ ،‬وهذه التكتالت كانت تعطيهم حامي ًة ومرجعي ًة وانتام ًء‬ ‫عصابات‬ ‫بهذا التكتل‬ ‫لهم بعدما فقدوها يف عشريتهم‪ ،‬وأصبح أفراد هذه املجموعة هم عشريتهم ويتآخون بها ويساعدون بعضهم يف أمور‬ ‫صعلكتهم ويصبح مصريهم واح ًدا‪.‬‬ ‫ومن هنا نرى أن الصعاليك كانت تتنامى يف داخلهم مشاعر الحقد والكراهية والضغينة والنقمة والتمرد عىل مجتمعاتهم‪،‬‬ ‫ووحوش يف سلبهم وباألخص مع أبناء عشريتهم‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫وال تربد هذه املشاعر إال بأخذ الثأر ممن خلعهم‪ ،‬لذلك هم قسا ٌة‬ ‫جانب‬ ‫ومبا أن املوت محي ٌط بهم من كل‬ ‫ٍ‬ ‫ويرتبط بهم بشكلٍ يومي‪ ،‬تراهم شجعانًا عابثني‬ ‫مقدامني يتح ّدون املخاطر ومقاتلني رشسني‪،‬‬ ‫ويف أشعارهم نجد املرارة والوحدة واألمل وال‬ ‫نص َري لهم سوى سيوفهم كام قال الشنفرى(‪:)5‬‬ ‫إذا أتتني منيتي مل أبالها ومل تذر خااليت الدموع وعمتي‬ ‫ٌ‬ ‫قاتل أو مقتولً كالذئب‪.‬‬ ‫معروف بقساوته ودامئًا ما يجد نفسه إما ً‬ ‫والشنفرى‬ ‫ونجد أخالقياتهم وسلوكهم وتوجهاتهم قد أُعدمت كونهم يعيشون ليومهم وه ّمهم الوحيد هو العيش أطول فرت ٍة ممكنة‬ ‫من مبدأ الغاية تربر الوسيلة‪ -‬لذلك ال يطمئ ّنون ٍ‬‫ألحد ويفتكون حتى بأصحابهم لو اقتىض األمر‪ ،‬ونذكر هنا قص ًة مشهور ًة‬ ‫رجل من كندة من التجار‬ ‫بني األخينس بن كعب الجهني والحصني بن عمرو وكانا من أعنف الصعاليك؛ خرجا للسلب فوجدا ً‬ ‫فقتاله واقتسام الغنيمة بينهام‪ ،‬ولكن األخينس طمع بحصة الحصني فقام بغدره وقتله وسلبه حصته؛ فام كان من زوجة‬ ‫الحصني إال أن تسأل الناس والقوافل عن زوجها فجاء الخرب من األخينس الجهني يف ٍ‬ ‫بيت قاله(‪:)6‬‬ ‫ت َُسائِ ُل َع ْن ُح َص ْ ٍي ك َُّل َرك ٍْب * َو ِع ْن َد ُج َه ْي َن َة ال َخ َ ُب ال َي ِق ُني‬ ‫قاتل الحصني بن عمرو‪ ،‬وأصبح هذا الشطر من أمثال العرب‪.‬‬ ‫وجهينة قائل هذا البيت هو األخينس الجهني ُ‬ ‫سابق عىل اإلسالم‪ ،‬مبا يس ّميه املسلمون العرص الجاهيل‪ ،‬ويقال أن مصدر اسمه يرجع لشكل شفتيه الكبريتني‪[ .‬تحرير املجلة]‪.‬‬ ‫‪ -5‬قصيدة «التائية للشنفرى»‪ .‬والشنفرى شاع ٌر ٌ‬ ‫‪ -6‬جواد العيل‪ ،‬املفصل يف تاريخ العرب قبل اإلسالم‪ ،‬دار الساقي‪ ،‬الطبعة ‪ ،4‬املوسوعة الشاملة‪.5981/1 ،‬‬

‫‪26‬‬


‫ا لصعا ليك‬

‫الجزء األول‬

‫كنان أحمد‬

‫‪ -2‬صفات الصعاليك‬ ‫تتلخص صفاتهم باآليت‪:‬‬

‫‪ -1‬يرون أن من حقّهم أخذ كل ما يروه مفيدًا لهم ولو كان هذا بقتل أفراد عشريتهم‪ ،‬كيف ال وهم من سلبوهم حقوقهم‬ ‫وأصبحوا دون ُمعيل‪ ،‬وكان هذا سببًا لشقائهم فأصبحوا دون مالبس تقيهم الحر والربد(‪.)7‬‬ ‫‪ -2‬كانوا يعيبون عىل كل من ريض بعيشة الذل والخنوع والترشد من الصعاليك ويرون أن الخالص من هذا هو بالحصول عىل‬ ‫املال بالسيف وإلّ لكان من العيال‪.‬‬ ‫قال السليك(‪:)8‬‬ ‫فَال ت َِصـيل ب ُِص ٍ‬ ‫إِذا أَمـىس يُ َعــ ُّد ِم َن العيـَا ِل‬ ‫ؤوم‬ ‫علوك نَ ٍ‬ ‫َولَ ِكن ك ُّ​ُل ُص ٍ‬ ‫ِ‬ ‫الس ِ‬ ‫هامات الرِجا ِل‬ ‫يف‬ ‫وب‬ ‫علوك َض ٍ‬ ‫ِب َنصلِ َ‬ ‫‪ -3‬حقهم بسلب اآلخرين بسبب بخلهم‪ ،‬والسبي هذا مدفو ٌع لهم من الله حيث أنه حقهم وقد أعطاه الله لهم من األموال‬ ‫التي ُمنعت منها الحقوق وأ ّن الله أرسلهم لهم عقابًا‪ ،‬أي أنّهم ينظرون ألنفسهم بأنهم جند الله وهذه آتي ٌة من فلسفة الثواب‬ ‫والعقاب‪.‬‬ ‫قال عروة(‪)9‬‬ ‫‪:‬‬ ‫لعل انطالقي يف البالد وعزمتي وشدي حيازم املطية بالرحل‬ ‫سيدفعني يو ًما إىل رب هجم ٍة يدافع عنها بالعقوق والبخل‬ ‫‪ -4‬مل يكن لهم مبدأٌ أو فك ٌر واحدٌ وما يجمعهم أنّهم مخلوعون من‬ ‫قبائلهم‪ ،‬فنجد منهم الكريم املمتدح ببذل القَرى ومعاناة الطوى وتح ّمل‬ ‫الكلفة ومنهم البخيل الجامع واللئيم الراضع كام قال أحدهم(‪:)10‬‬ ‫أعددت لألضياف كل ًبا ضاريًا‬ ‫وقال آخر(‪:)11‬‬ ‫وإين ألجفو الضيف من غري بغض ٍة‬

‫عندي وفضل هراو ٍة من أْرزَن‬ ‫مخافة أن يُغرى بنا فيعود‪.‬‬

‫‪ -7‬جواد العيل‪ ،‬املفصل يف تاريخ العرب قبل اإلسالم‪ ،‬دار الساقي‪ ،‬الطبعة ‪ ،4‬املوسوعة الشاملة‪5971/1 ،‬‬ ‫‪ -8‬جواد العيل‪ ،‬املفصل يف تاريخ العرب قبل اإلسالم‪ ،‬دار الساقي‪ ،‬الطبعة ‪ ،4‬املوسوعة الشاملة‪5971/1 ،‬‬ ‫‪ -9‬جواد العيل‪ ،‬املفصل يف تاريخ العرب قبل اإلسالم‪ ،‬دار الساقي‪ ،‬الطبعة ‪ ،4‬املوسوعة الشاملة‪5972/1 ،‬‬ ‫‪ -10‬البيت يف عيون األخبار ‪.3/242‬‬ ‫‪ -11‬البيت يف عيون األخبار ‪.3/242‬‬

‫‪27‬‬


‫ا لصعا ليك‬

‫الجزء األول‬

‫كنان أحمد‬

‫وقال األصمعي(‪« :)12‬مر ابن حاممة بالحطيئة‪ ،‬فقال‪ :‬السالم عليك‪ .‬قال‪ :‬قلت ما ال ينكر‪ .‬قال‪ :‬إين أردت الظل‪ .‬قال‪ :‬دونك‪،‬‬ ‫الجبل حتى يفيء عليك‪ .‬قال‪ :‬إين خرجت من عند أهيل بغري زاد‪ .‬قال ما ضمنت ألهلك قراك‪ .‬قال‪ :‬إين ابن حاممة‪ .‬قال‪:‬‬ ‫آيسا‪.‬‬ ‫كن ابن نعامة‪ .‬فمىض عنه ً‬ ‫عصا‪ ،‬فقال له رجل‪ :‬ما هذه؟ قال‪ :‬عجرا ُء من َسلَم‪ .‬قال‪ :‬إين ضيف‪ .‬قال‪ :‬للضيف‬ ‫قال‪ :‬وخرج الحطيئة يو ًما من خبائه وبيده ً‬ ‫أعددتها»‪.‬‬ ‫والحطيئة من ِ‬ ‫امللحفني يف السؤال املستجدين الذين ال يخجلون من االستجداء‪ ،‬فكان يلح يف شعره بالطلب‪ ،‬ويحاول بكل‬ ‫عي عم ُر «علقمة‬ ‫الطرق جمع املال‪ ،‬حتى أهان نفسه‪ ،‬ومل يرتك ً‬ ‫رجل معروفًا إال ذهب إليه يسأله أن يعطيه ّ‬ ‫مم عنده‪ .‬فلام ّ‬ ‫بن عالثة» عىل حوران‪ ،‬قصده الحطيئة‪ ،‬فوجده قد مات‪ ،‬فقال(‪:)13‬‬ ‫قالئل‬ ‫وما كان بيني لو لقيتك ساملًا وبني الغنى إال ليا ٍل ُ‬ ‫فأعطاه ولده مائة ناق ٍة مع أوالدها‪.‬‬ ‫وقد عاب «األعىش» «علقمة بن عالثة»‪ ،‬بقوله (‪:)14‬‬ ‫تبيتون يف املشتى ِمال ًء بطونكم‬

‫وجاراتكم َغ ْرىث يب ِْت خامئصا‬

‫‪ -5‬القتل والفتك باآلخرين‪:‬‬ ‫وجد الصعاليك يف األغنياء البخالء هدفًا‪ ،‬ف ُهم أصحاب ما ٍل وهم جياع‪ ،‬فلذلك كان ال حرج من مباغتتهم وسلبهم بعض ما‬ ‫ٌ‬ ‫مألوف وهو ليس بيش ٍء بنظرهم‪-‬‬ ‫ميلكون وإذا ما امتنع أحدهم تسليم ما عنده فال بأس من قتله ألن القتل لديهم يش ٌء‬ ‫والصعلوك نفسه ال يدري متى يُقتل؟‪ -‬ويراه كأنه رشبة ما ٍء(‪.)15‬‬ ‫يومئذ من بني قشري أبا ٍ‬ ‫وقد أغار قيس بن الحدادية عىل جموع هوزان فأصاب سبيًا ومالً وقتل ٍ‬ ‫زيد وعروة وعام ًرا ومرو ًحا‬ ‫كالب خلوفًا واستاق أموالهم وسب ًيا(‪.)16‬‬ ‫وأصاب أبياتًا من َ‬ ‫‪ -12‬الخرب يف األغاين ‪.2/142‬‬ ‫‪ -13‬جواد العيل‪ ،‬املفصل يف تاريخ العرب قبل اإلسالم‪ ،‬دار الساقي‪ ،‬الطبعة ‪ ،4‬املوسوعة الشاملة‪.5972/1 ،‬‬ ‫‪ -14‬البيت لألعىش يف ديوانه ‪ .149‬جواد العيل ‪.5972/1‬‬ ‫‪ -15‬جواد العيل ‪.3795/1‬‬ ‫‪ -16‬األغاين لألصفهاين ج‪7‬ص‪.145‬‬

‫‪28‬‬


‫ا لصعا ليك‬

‫الجزء األول‬

‫كنان أحمد‬

‫‪ -6‬قساوة الصعاليك‬ ‫نجدهم قساة القلوب يقتلون اآلباء ويسلبون ويرتكون األطفال والنساء ليخاف الناس منهم‪ ،‬كيف ال والجوع دائم املالزمة‬ ‫لهم وكلام هربوا منه وجدوه ينتظرهم؟ ويُروى عن عروة بن الورد أن الجوع كان ينزل به حتى يكاد يُهلكه؛ والسليك يف‬ ‫أشعاره يقول أن الجوع كان يغشاه يف الصيف حتى إذا قام تواله إغام ٌء شدي ٌد تُظلِم يف عينيه الدنيا من أثر الجوع فأصبح‬ ‫كالحيوان الكارس ال يخاف جموع وال فرادى‪ ،‬وهان املوت أمام الصعلوك ولذلك أخذ يف نفسه فلسفة اآلجال‪ ،‬أي كل ٍ‬ ‫نفس‬ ‫لها أجلها وأنه مهام عاش وع ّمر ال بد له من املوت يف ساع ٍة فرضها اإلله عليه‪.‬‬ ‫قال أبو الطمحان(‪:)17‬‬

‫آلف‬ ‫ٌ‬ ‫اجيل‬ ‫تحرس بابه أر ُ‬ ‫وأغض ُف ُ‬ ‫أحبوش َ‬ ‫لو ُ‬ ‫كنت يف رميا َن ُ‬ ‫قائف‪.‬‬ ‫كنت من ّيتي ي ُخ ُّب بها ها ٍد‬ ‫بأمري ُ‬ ‫إذن ألتتني حيثُ ُ‬ ‫َ‬

‫تشف منهم بتلك األقوام‪ ،‬فنجد الشنفرى‬ ‫ومنه وجدوا إن هم تركوا األطفال والنساء ل ُزرع األمل فيهم مثلام يتأملون وكأنه ٍّ‬ ‫يصف غار ًة قام بها أنها مألت الرعب يف قلوب من وقعت عليهم وأنّه قام بها يف ليل ٍة بارد ٍة عاد منها ساملًا ِفر ًحا مبا تركه من‬ ‫قتلٍ‬ ‫وسلب وأ ٍمل يف نفوس النساء واألطفال إذ يقول(‪:)18‬‬ ‫ٍ‬ ‫فأي ُت نِ ْس َوانَاً وأيْتَ ْم ُت إلْ َدة َو ُعدْتُ كام أبْ َدأْتُ واللَّ ْي ُل ألْ َي ُل‬ ‫َّ ْ‬ ‫والسليك خرج مع صعلوكني يريدون الغارة‬ ‫فساروا حتى أتوا بيتًا متطرفًا ووجدوا شي ًخا قد‬ ‫البد وقد أخذته غفو ٌة ومعه‬ ‫غطّى وجهه من َ‬ ‫إبله ترعى‬ ‫فأرسع اليه ورضبه بسيفه فقتله ونهبوا إبله‬ ‫وعادوا بها مرسعني فرحني(‪.)19‬‬ ‫‪ -17‬جواد العيل ‪.5975/1‬‬ ‫‪ -18‬الشعراء الصعاليك‪ ،‬صفحة ‪.49‬‬ ‫‪ -19‬الشعراء الصعاليك‪ ،‬صفحة ‪.182‬‬

‫‪29‬‬


‫ا لصعا ليك‬

‫الجزء األول‬

‫كنان أحمد‬

‫‪ -7‬اعتامد الصعلوك منهم عىل نفسه وق ّوته الجسدية وسالحه الذي يحارب به‪ ،‬فكان يقاتل برضاو ٍة قتال املستميت ألنه إن‬ ‫مل يفعل هذا فسوف يهلك‪ ،‬وال بأس لديه بالفرار من ٍ‬ ‫محتم وهو فرا ٌر يؤدي به إىل معاودة الغارة والتلصص‪ ،‬إذ ال مورد‬ ‫موت ٍ‬ ‫له يف هذه الحياة يتعيش منه غري هذين املوردين‪ ،‬فحاله يف هذا الفرار حال «أيب خر ٍاش» الهذيل حيث يقول‪:‬‬ ‫جبنت فإنني أفـــ ُّر وأَرمــي مـ ّر ًة كل ذلك‬ ‫فـإن تَـ ْز ُعمـي أين‬ ‫ُ‬ ‫املهالك(‪)20‬‬ ‫ِ‬ ‫خفت بعض‬ ‫ُ‬ ‫أقاتل حتى ال أَرى يل ُمقَات ًَل وأنجو إذا ما ُ‬ ‫‪ -8‬اعتمد أكرثهم عىل أرجلهم يف طلب رزقهم وخفة حركتهم ورسعتهم‬ ‫يف الهرب يف حالة الفشل أو النجاح نظ ًرا لفقرهم وعدم استطاعتهم رشاء‬ ‫أفراس‪ ،‬وقد ُضب املثل ببعضهم يف رسعة ع ْد ِوه‪ ،‬فمنهم السليك بن‬ ‫السلكة (ولقبه سليك املقانب) وهو عدا ٌء ُضب به املثل ويقال «أعدى‬ ‫رشا وعمرو بن الرباق ٍ‬ ‫وأسيد بن جابر»(‪.)21‬‬ ‫من السليك‪ ،‬ومن العدائني تأبط ً‬ ‫‪ -9‬متثيلهم بأجساد الناس‬ ‫رجل يقطع رجله ويرمي عينه(‪.)22‬‬ ‫ورد يف األغاين‪ :‬وكان بعضهم ميثّل بأجساد الناس مثل الشنفرى‪ ،‬فعندما يرمي ً‬ ‫أشتات ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫‪ -10‬ولصعوبة تصعلك الرجل مبفرده‪ ،‬تك ّتل الصعاليك ً‬ ‫وأمناط من الرجال‪ ،‬فيهم‬ ‫كتل‪ ،‬وك ّونوا لهم ِفرقًا‪ ،‬تكونت من‬ ‫الحر الثائر‪ ،‬وفيهم الضال الغاوي‪ ،‬وفيهم األسود العبد‪ ،‬وفيهم القاتل الفاتك‪ .‬وهم بالطبع من قبائل مختلف ٍة ومن بطونٍ‬ ‫متنافرة‪ ،‬فال تجمعهم عصبية القبيلة‪ ،‬وال نخوة العشرية‪،‬‬ ‫ومع ذلك فبينهم رابط ٌة قوية‪ ،‬ووحد ٌة جمعت بينهم‪ ،‬هي وحدة الدفاع عن النفس‪ ،‬والذود عنها‪ ،‬والكفاح يف سبيل املعيشة‪،‬‬ ‫بأي سبيل‪ ،‬وبأيّة طريق ٍة ُوجدت ووقعت(‪.)23‬‬ ‫ّ‬ ‫‪ -11‬تقسيم الغنيمة فيام بينهم‬

‫كان عروة بن الورد يجمع الصعاليك ويكرمهم ويغري بهم ويجعل ألصحابه الباقني نصيبه من الغنيمة(‪.)24‬‬

‫وورد يف «األغاين»(‪ :)25‬كذلك أن حاج ًزا بن ٍ‬ ‫عوف أحد زعامء الصعاليك كان ع ّمه يأخذ الربع من الغنيمة‪.‬‬ ‫‪« -20‬ديوان الهذليني» (‪ ،)169 /2‬و«حامسة الخالديني» مخطوطة ورقة رقم ‪.397‬‬ ‫‪ -21‬جواد العيل ‪.5978/1‬‬ ‫‪ -22‬األغاين لألصفهاين‪ ،‬الجزء الثامن‪ ،‬ص ‪.287‬‬ ‫‪ -23‬جواد العيل ‪.5981/1‬‬ ‫‪ -24‬األغاين لألصفهاين‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬ص ‪.270‬‬ ‫‪ -25‬األغاين لألصفهاين‪ ،‬الجزء الخامس‪ ،‬ص‪.278 .‬‬

‫‪30‬‬


‫ا لصعا ليك‬

‫الجزء األول‬

‫كنان أحمد‬

‫ٍ‬ ‫قيسا بن الحدادية ُخلع‬ ‫تنصلهم من قبائلهم وأخذ الثأر منهم وتكوين‬ ‫‪ّ -12‬‬ ‫عصابات لإلغارة عليهم فقد ورد يف األغاين أن ً‬ ‫من قومه وهم خزاعة فجمع الصعاليك ليغري عليهم(‪)26‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪ -13‬تفضيلهم املوت عىل البقاء يف حالة الفقر واستبسالهم يف القتال والهجوم ولو كانوا قل ًة وخري مثا ٍل هنا قول عروة بن‬ ‫الورد (‪:)27‬‬ ‫فـقيـ ًرا‪ ،‬ومـن مـ ْو ًل ِتد ُّب عقا ِربُ ْه‬ ‫فلَل َموتُ خ ٌري للفَتى م ْن َحياتِ ِه‬ ‫و َمن ُ‬ ‫حيل؟ وسائِلٍ‬ ‫الصعلوك‪ :‬أي َن مذاه ُب ْه‬ ‫وسـائل ٍة‪ :‬أي َن ال ّر ُ‬ ‫يسأل ّ‬ ‫إذا َضــ ّن عنــه‪ ،‬بالفَعـا ِل‪ ،‬أقاربُـه‬ ‫جاج عـريضـ ٌة‬ ‫َمـذا ِه ُب ُه أ ّن ال ِف َ‬ ‫رسا‪،‬‬ ‫‪ -14‬محاولتهم الحصول عىل النساء إلرضاء غريزتهم‪ ،‬فالصعلوك خلي ٌع محرو ٌم من كل يش ٍء وحينها سيصبح أس ًدا كا ً‬ ‫فها هو السليك يف بعض غزواته مير ٍ‬ ‫ببيت من خثعم أهله ٌ‬ ‫خلوف فرأى فيهم امرأ ًة بض ًة شاب ًة فتس ّنمها ومىض‪ ،‬و أخذ عروة‬ ‫بعض أصحابه الصعاليك ونزل بهم مبوضعٍ يقال له ماوان فقتل ً‬ ‫رجل وسبى جِامله وزوجته(‪.)28‬‬ ‫قيس بن ال ُحدادية فأغار عىل جموع هوزان وأصاب سب ًيا ومالً وقتل ٍ‬ ‫يومئذ من بني قشري أبا زي ًدا وعروة وعام ًرا ومرو ًحا‬ ‫أما ٌ‬ ‫واستاق أموالهم وسب ًيا(‪.)29‬‬ ‫وأما املغرية بن شعبة الذي كان من دهاة العرب فقد أحصن يف اإلسالم ألف امرأ ٍة(‪ ،)30‬وهذا يف اإلسالم فكم يف الجاهلية؟؟؟؟!!!!‬ ‫‪ -15‬الغدر والخداع وقد تكلمنا عنه سابقًا وسنورد أمثل ًة هنا‪:‬‬ ‫رشا مع الصعاليك إىل بالد هذيل وسأل راع ًيا لهم‪ ،‬فقال له عن ٍ‬ ‫بيت من بيوت عتري‬ ‫ذهب تأبط ً‬ ‫(وهي بط ٌن من بطون هذيل) كثري املال وب ّيتهم صاحب البيت ولكن الصعاليك قتلوا كل سكان البيت ورسقوا األموال(‪.)31‬‬ ‫ٍ‬ ‫صعاليك عىل قبيل ٍة من‬ ‫رشا عندما أغار مع ستة‬ ‫‪ -16‬يواجهون األعداد الكثرية بقل ٍة منهم وال يهربون‪ ،‬ونذكر هنا قص ًة لتأبط ً‬ ‫رجل من خثعم َ ومعهم كبري القوم فقتل الصعاليك منهم عد ًدا وهرب الباقون(‪.)32‬‬ ‫خثعم فخرج أربعون ً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ ُ ّ ُ ْ ْ ُ َ‬ ‫ب َح ّر ِض ال ُم ْؤ ِمن َ‬ ‫وكم ت ُذكرنا هذه القصة باآلية ﴿يَا أ ُّي َها انلَّ ُّ‬ ‫ِشون َصاب ِ ُرون َيغل ُِبوا‬ ‫ِني ع القِ َتا ِل ۚ إِن يكن مِنكم ع‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫مِائَتَ ْيِ‪( ﴾...‬األنفال‪.)65 :‬‬ ‫‪ -26‬األغاين لألصفهاين‪ ،‬الجزء السادس‪ ،‬ص ‪.64‬‬ ‫‪ -27‬ديوان عروة بن الورد‪.‬‬ ‫‪ -28‬األغاين لألصفهاين‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬ص ‪.270‬‬ ‫‪ -29‬األغاين لألصفهاين‪ ،‬الجزء السادس‪ ،‬ص ‪.64‬‬ ‫‪ -30‬السرية الحلبية‪ ،‬الجزء الثاين‪ ،‬ص ‪.699‬‬ ‫‪ -31‬األغاين لألصفهاين‪ ،‬الجزء الثامن‪ ،‬ص ‪.281‬‬ ‫‪ -32‬األغاين لألصفهاين‪ ،‬الجزء الثامن‪ ،‬ص ‪.276-277‬‬

‫‪31‬‬


‫ا لصعا ليك‬

‫الجزء األول‬

‫كنان أحمد‬

‫‪ -17‬وجود الروح اإلنسانية فيهم رغم كل العنف الصادر منهم‪:‬‬ ‫وعىل الرغم من هذا العنف‪ ،‬ومن هذه القساوة العنيفة‪ ،‬التي تصل‬ ‫إىل الوحشية‪ ،‬نرى عند بعضهم‪ ،‬رو ًحا إنساني ًة‪ ،‬فيها العطف عىل‬ ‫الضعيف ومساعدة املحتاج وبذل املال والنجدة‪ ،‬والرب لألهل واألقارب‬ ‫أيضا‪ .‬بل نجد هذه الروح أحيانًا حتى عند القساة منهم‪،‬‬ ‫بل وللغريب ً‬ ‫وسبب ذلك أن الصعالكة يف ثور ٍ‬ ‫ات نفسية‪ ،‬يعيشون عيش ًة قلق ًة‬ ‫مضطرب ًة‪ ،‬فإذا كانوا يف ثور ٍة جامح ٍة من جو ٍع وحاج ٍة وتأل ٍّم مبا حل‬ ‫بهم ومبا هم فيه من سوء حال‪ ،‬هاجوا فكفروا بكل يشء‪ ،‬وثاروا عىل‬ ‫كل يش ٍء وعىل كل أحد‪ ،‬وصاروا ال يبالون ٍ‬ ‫بعرف وال س ّنة‪ ،‬يقتلون ألتفه‬ ‫األسباب‪ ،‬ألنهم مع ِّرضون أنفسهم يف كل لحظة للقتل‪.‬‬ ‫ثم أن القتل ال يشء بالنسبة إىل تلك األيام‪ ،‬وإن تعاظم يف نظرنا‪ .‬فهم يف ذلك مثل األسود الجائعة‪ ،‬ال تأبه بيشء‪ ،‬وكل همها‬ ‫الحصول عىل فريس ٍة لتأكلها فتعيش عليها‪ ،‬فإذا وجد الصعلوك غنيم ًة‪ ،‬وعاد إىل مقره ساملًا ارتخت أعصابه‪ ،‬وهدأت سورته‪،‬‬ ‫وتذكّر نفسه وما يقاسيه من أ ٍمل وجوع‪ ،‬فيعود إنسانًا آخر‪ ،‬با ًرا بأصحابه حنونًا عليهم‪ ،‬ناد ًما عىل حيا ٍة يعيشها جعلته يعيش‬ ‫مثل الوحوش الكارسة‪ ،‬كرميًا يعطي مام ناله بق ّوته وسالحه وذكائه‪.‬‬ ‫عروة بن الورد وأبو خر ٍاش الهذيل وغريهام‪ ،‬نجد فيهم النقيضني‪ ،‬نجد فيهم القسوة بل الوحشية‪ ،‬ثم نجد فيهم العطف‬ ‫والشفقة والرحمة واإلشفاق عىل الضعفاء‪ ،‬وما الجمع بني النقيضني إال من واقع هذه الظروف النفسية واالقتصادية‬ ‫واالجتامعية والسياسية واإلدارية التي كانوا يعيشونها قبل اإلسالم‪.‬‬ ‫امتداح للكرم ولكرامة اإلنسان يف الحياة‪ ،‬وترفّعٍ عن املذلة وتبا ٍه بإيثار الغري عىل‬ ‫ويف شع ٍر يُنسب إىل «أيب خراش» الهذيل‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫نفسه‪ ،‬مع أنه فق ٌري صعلوك‪ ،‬فيقول(‪:)33‬‬ ‫فيذهب مل يدنَ ْس ثِيايب وال َح َرمي‬ ‫وأين ألثوي الجو َع حتى َيلّني‬ ‫ُ‬ ‫َعـم‬ ‫واغتــبق املا َء ال َق َر َاح فأنتَـهِي إذا الزا ُد أ ْم َس لل ُمزلَّج ذا ط ِ‬ ‫ُ‬ ‫أر ُّد شـجا َع البطنِ قد تـعلَمي َنه وأُؤثِـ ُر غَريي من ِع ِ‬ ‫ّعم‬ ‫يـالك بالط ِ‬ ‫غم‪.‬‬ ‫مخـافة أن أَحيـا ِب ُرغ ٍْـم و ِذلَّـ ٍة وللموت خيـ ٌر من حيا ٍة عىل َر ِ‬ ‫‪ -33‬األغاين لألصفهاين‪ ،‬ص ‪ .21/239‬كذلك‪ :‬زيدان‪ ،‬التمرد والغربة يف الشعر الجاهيل‪ ،‬ص ‪ ،50‬و جواد العيل ‪.5983/1‬‬

‫‪32‬‬


‫ا لصعا ليك‬

‫الجزء األول‬

‫كنان أحمد‬

‫‪ -3‬الصعاليك يف مكة‬ ‫وكام رأينا أن الصعاليك كانوا‬ ‫موجودين خالل ٍ‬ ‫قريب من‬ ‫عهد ٍ‬ ‫اإلسالم‪ ،‬وعارصهم محم ٌد بن‬ ‫عبد الله‪ ،‬حيث أنهم أصبحوا‬ ‫ق ّو ًة ال يُستهان بها‪ ،‬فلجأ اليهم‬ ‫رجال ألخذ‬ ‫من أراد أن يستأجر ً‬ ‫حرب‬ ‫ثأ ٍر أو إغار ٍة أو استعام ٍل يف ٍ‬ ‫كام املرتزقة يف أيامنا هذه‪،‬‬ ‫وكانوا‪ ،‬أي‪ ،‬الصعاليك ال ميانعون‬ ‫عىل هذه األمور كونهم يأخذون‬ ‫األجر عليه ولو كان عىل قبيلتهم‪،‬‬ ‫فهم يف النهاية عصاباتٌ تنقلت‬ ‫من مكانٍ إىل مكانٍ تسلب املارة‬ ‫وت ُغري عىل أحياء العرب‪،‬‬ ‫وأكرث هؤالء الصعاليك من الشباب الطائشني الخارجني عىل األعراف ال يبالون وال يخشون أح ًدا‪ ،‬وعىل ما ظهر من أخبار‬ ‫العرب أن مكة كانت مكانًا آوى إليه الصعاليك والخلعاء حتى كرث عددهم بها لِام وجدوه فيها من حامي ٍة ومعونة‪ ،‬وكان‬ ‫أحدهم إذا جاء نادى قريشً ا نداء النخوة لتؤويه وتجريه فيقوم أرشافها بحاميته وتقديم الجوار إليه‪،‬‬ ‫وسالم لحرمة هذه املدينة وحرمة حقوق الجار‪ ،‬وقد تكون‬ ‫ومن هنا نجد الفُتاك وأهل الغي والضالل يجوسون خاللها يف أمنٍ‬ ‫ٍ‬ ‫قريش من هذا اإليواء هي السبب األول الذي جعل كرباؤها يق ّدمون العون والجوار‬ ‫املصالح االقتصادية التي كانت تجنيها ٌ‬ ‫أي من الجرائم واملوبقات أو عمل أي عملٍ يأيت باألذى عىل من أحسن‬ ‫لهم‪ ،‬وهم الذين كانوا ال يتورعون عن اإلقدام عىل ٍّ‬ ‫إليهم ولو وقعت منهم يف الحرم‪.‬‬ ‫فقد كان بوسع تجار ٍ‬ ‫حرسا يخرجون مع قوافلهم‬ ‫قريش تأمني تجارتهم باإلحسان إليهم بل كان بإمكانهم استخدامهم ً‬ ‫لحراستها من باقي الصعاليك‪،‬‬ ‫‪33‬‬


‫ا لصعا ليك‬

‫الجزء األول‬

‫كنان أحمد‬

‫بقريش أو أموال‬ ‫وكان باستطاعتهم االستفادة من الفُتاك للفتك مبن يناصبهم العداء ويف القضاء عىل كل من يريد التحرش‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫قريش أو حلفائهم(‪.)34‬‬ ‫جندب الهذيل األخذ بثأر جارين‬ ‫أيضا أن يستخدم صعلوكًا كان يأيت ملكة بسبب تواجد الكثريين هناك‪ ،‬فلام أراد أبو‬ ‫ٍ‬ ‫ومن أراد ً‬ ‫قدم مكة فأخذ جامع ًة من خلعاء بك ٍر وخزاع َة وخرج بهم عىل بني لحيان وكان قد ِ‬ ‫له قتلهام بنو لحيان ِ‬ ‫قدم مكة فوا َعد‬ ‫ٍ‬ ‫وفاتك يف الحرم أن يأتوه يوم كذا وكذا فيصيب بهم قومه ليثأر ألخيه(‪,)35‬‬ ‫كل خليعٍ‬ ‫وأما «أبو الطمحان» القيني وهو «حنظلة بن الرشقي» من بني القني بن جرس‪ ،‬وكان فاسقًا‪ ،‬نازلً مبكة عىل الزبري بن عبد‬ ‫املطلب‪ ،‬وكان ند ًميا له يف الجاهلية‪ ،‬وكان ينزل عليه الخلعاء‪ .‬اختلف فيه‪ ،‬فمنهم من قال إنه جاهيل‪ ،‬ومنهم من قال إنه‬ ‫أدرك اإلسالم(‪ ،)36‬ويُذكر أنه كان ندميًا للزبري بن عبد املطلب(‪.)37‬‬

‫وكام رأينا بقول الدكتور جواد العيل‪ ،‬فإن الزبري بن عبد املطلب كان ينزل عليه الخلعاء ويجريهم‪،‬‬ ‫غريب عن بيت النبوة‪.‬‬ ‫وهكذا نجد أن الصعاليك ليسوا بيش ٍء ٍ‬ ‫يتبع‪..‬‬ ‫‪ -34‬جواد العيل ‪.1\5990‬‬ ‫‪ -35‬جواد العيل ‪.1\5988‬‬ ‫‪ -36‬جواد العيل ‪.6015‬‬ ‫‪ -37‬االصابة يف متييز الصحابة ص‪156‬‬

‫‪34‬‬


http://www.thelandofsands.blogspot.com

35


‫ياسمينة‬ ‫عىل رضيح الله‬

‫راوند دلعو‬

‫الفتاة التي هزمت‬ ‫ُمح ّم ًدا واملسيح‬ ‫‪36‬‬


‫ياسمينة عىل رضيح الله‬ ‫الفتاة التي هزمت ُمح ّم ًدا واملسيح‬ ‫راوند دلعو‬

‫نرسي ُن فتا ٌة محمديّ ٌة حسناء‪ ،‬يَنتابُها البدر يوم ًّيا صباح مساء‪...‬‬ ‫فتُق ِمر يف سامء القرية مزاحم ًة شمس الصباح إرشاقًا‪ ،‬ونجوم الليل‬ ‫ملعانًا رقراقًا‪ ،‬لتستف ّز الله من فوق عرشه غري ًة من جاملها‪ ،‬فيطلق‬ ‫بات ّجاهها أرسابًا من عرائش الياسمني يك تتسلّق جدائلها‪...‬‬ ‫لتشتعل الحرب بني الجدائل والعرائش‪ ...‬فتُسفر عن أثريٍ من ماليني‬ ‫(البيق) والعطور املتناثرة يف شعرها ووجنتيها‪...‬‬ ‫األرائج وح ّبات ِ ّ‬ ‫ٍ‬ ‫رضوس تستخدم فيها كل أنواع األسلحة الـ (بارفان ّية)‬ ‫حرب‬ ‫ث ّم بعد ٍ‬ ‫والـ(مكياج ّية) عىل طول اليوم‪ ،‬ينترص النرسين بنو ٍر يرشق من‬ ‫شفتيها ما بني عريش ٍة ُمضم ّخ ٍة باألريج و َجديل ٍة ُملطّخ ٍة بالعبري‬ ‫ٍ‬ ‫مشهد هادئٍ من ماليني‬ ‫والـ(مكاييج)‪ ...‬ث ّم لتتوقّف الحرب عىل‬ ‫الجثامني الياسمينيّة واألشالء الزنبقيّة املتناثرة عند ضفاف خ ّديها‬ ‫تحت أوشح ٍة حريريّ ٍة من أضواء األقامر ولُ َمعِ النجوم‪ ،‬لتعود الحرب‬ ‫يوم جديد!!‬ ‫إىل بداياتها مع صباح ٍ‬ ‫اإللهي‪ ...‬ومالحم ال ُحسن املتناهي‪.‬‬ ‫إنها حديق ٌة متكامل ٌة من جامل ّيات البهرج‬ ‫ّ‬ ‫الس ّنية‪ ،‬وكانت تعشق امليش عرب حقول السوسن‬ ‫كانت نرسين فتا ًة بسيط ًة تنتمي لعائل ٍة من الطبقة الوسطى املح ّمدية ُ‬ ‫وشقائق النعامن يف الجوار‪ ...‬تطارد رفرفات الفراشات وتطعم الب ّط والبالبل عند البحريات‪ ،‬ث ّم تحيص عدد الف ُّل والقرنفل‬ ‫إىل أن تتعب فتستلقي عىل تلّ ٍة صغري ٍة من الن ّوار‪...‬‬ ‫م ّرت األيّام‪ ،‬وبدأ قلب نرسين ّ‬ ‫مسيحي من‬ ‫شاب‬ ‫يدق‪ُ ...‬دق ُدق دق‪ ،‬ث ّم روي ًدا روي ًدا بدأت أوتاره تعزف املوسيقا لقلب ٍّ‬ ‫ٍّ‬ ‫نفس القرية يُدعى ماريو‪ ...‬والذي بادلها موسيقاها مبوسيقاه‪ ،‬وعزفُها بعزفه‪ ،‬وتراقصها برتاقصه‪ ...‬ليتناغم املقام باملقام‬ ‫وظل حبيبها ماريو الذي تهيّم‬ ‫الربيعي حول فستان نرسين‪ّ ،‬‬ ‫ولتلتف األحالم باألحالم‪ ...‬وهكذا أخذ الرسور ميارس القفز‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫حي عىل العشق والسعادة والوئام‪!...‬‬ ‫حي عىل الغرام‪ّ !...‬‬ ‫بها حتى تت ّيم‪ ....‬ث ّم ما لبث أن نادى املنادي‪ّ :‬‬ ‫الحب يأكل الكبدين حتى الجنون‪ ...‬يف واح ٍة من مرم ٍر وزيزفون‪ ...‬تتالقى فيها العيون‪ ...‬تحت ظالل‬ ‫وهكذا راح‬ ‫ّ‬ ‫امللحمي املجنون‪...‬‬ ‫الحب‬ ‫الشجون‪ ...‬يف واحد ٍة من أروع قصص ّ‬ ‫ّ‬ ‫التي مل تشهد القرية مثلها من قبل‪ ،‬ال يف الواقع وال يف الظنون!‬ ‫‪37‬‬


‫ياسمينة عىل رضيح الله‬ ‫الفتاة التي هزمت ُمح ّم ًدا واملسيح‬ ‫راوند دلعو‬

‫وبعد أن أفصحت شائعات الزمان تحيك لبيوتات القرية حكايتهام‪ ،‬وض ّجت الفراشات والعصافري واأللوان يف الحقول‬ ‫بقصتهام‪ ،‬وفاح األريج عرب الساموات من سام إىل سام‪ ،‬ق ّرر ماريو وحبيبته الزواج‪ ...‬وأن تتالقى األوداج باألوداج عىل‬ ‫ّ‬ ‫جسد ٍ‬ ‫الحب ورائق املزاج‪ ،‬وأن يتح ّوال إىل ٍ‬ ‫واحد أحد‪ ،‬عىل طول الدهر الصمد‪ ...‬إىل أبد أبد األبد‪...‬‬ ‫صفاء الرسيرة ونقاء ّ‬ ‫ويف لحظ ٍة رومنس ّي ٍة حامل ٍة بني العاشقني‪ ،‬كتب ماريو لنرسينه قيثاريّة النرسين‪:‬‬ ‫« حبيبتي‪...‬‬ ‫نرسين ٌة تغفو عىل نيساين‬ ‫شل ٌل من ذابالت جفونها‪ ...‬من ثغرها النعسانِ ‪...‬‬ ‫والعطر ّ‬ ‫قص ًة‪....‬‬ ‫عودي إىل صفحات عمري ّ‬ ‫مشكول ًة بالهمس‪ ،‬بالتِّ ْحنانِ !‬ ‫ولتفعي إكليل عط ٍر أسمر‪ ...‬من لحدي املرشوش باأللوانِ‬ ‫َ‬ ‫ولْتمنحيني قُبل ًة محفوف ًة‬ ‫عبقري الشَ فتني‪ ....‬من دافق الوجدانِ‬ ‫من‬ ‫ّ‬ ‫خافت‬ ‫رقيق‬ ‫ٌ‬ ‫فالضوء سيال ٌن ٌ‬ ‫من شهق ِة اللّمعانِ‬ ‫فحبيبتي‬ ‫نرسين ٌة‬ ‫تغفو‬ ‫عىل‬ ‫يس ِان »‪.‬‬ ‫نَ َ‬ ‫األبدي‪ ...‬ث ّم خبّأت قيثاريّة‬ ‫كتفي ماريو لتمنحه قبلة العشق‬ ‫ّ‬ ‫قرأتْ نرسين القصيدة فلم تتاملك نفسها‪ ،‬إذ تسلّقت ْ‬ ‫الرسمدي وأن يتّحد‬ ‫الحب‬ ‫النرسين يف قلبها تسقيها مباء عينيها ّ‬ ‫كل ٍ‬ ‫ّ‬ ‫يوم يك ال تعطش وتذبل‪ ...‬وعاهدت ماريو عىل ّ‬ ‫الجسدان يف رو ٍح واحد ٍة إىل األبد!‬ ‫أفصحت أحقاد وحواجز املوروثات الدين ّية‬ ‫لك ّن الصاعقة عىل الحبيبني حلّت‪ ،‬عندما رفض أهلهام مباركة زواجهام‪ ،‬حيث‬ ‫ْ‬ ‫خصوصا‪ ،‬ملنع هذا الزواج والحؤول دون‬ ‫املحمدي عمو ًما وعائلة نرسين‬ ‫عن نفسها‪ ...‬فارتفع صوت الرفض يف الوسط‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫تنكيس لراية مح ّم ٍد أمام‬ ‫رجل من غري ديان ٍة مهام كلّف األمر‪ ،‬ففي هذا‬ ‫يحق يف دينهم ملحمديّ ٍة أن تتز ّوج ً‬ ‫وقوعه‪ ،‬إذ ال ّ‬ ‫ٌ‬ ‫الديانات األخرى‪ ،‬و(تعلي ٌم) عىل جبني الديانة املحمديّة وأتباعها‪ ،‬ومخالف ٌة رصيح ٌة لتعاليم القرآن ‪-‬كتابهم املُق ّدس‪!-‬‬ ‫‪38‬‬


‫ياسمينة عىل رضيح الله‬ ‫الفتاة التي هزمت ُمح ّم ًدا واملسيح‬ ‫راوند دلعو‬

‫املسيحي! ال س ّيام وجهاء املسيح ّية يف القرية‪ ،‬إذ كيف‬ ‫كام ارتفع صوت الرفض هو اآلخر يف عائلة ماريو وعموم الوسط‬ ‫ّ‬ ‫مسيحي طاه ٍر ُمع ّم ٍد أن يعقد رباطه املُق ّدس عىل إحدى املحمديّات أتباع ُم ّدعي النبوءة الكذّاب!!؟؟‬ ‫لشاب‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍّ‬ ‫تبي للحبيبني ردود أفعال الناس ورفضهم مباركة هذا الزواج‪ ،‬حزِنا حزنًا شدي ًدا‪ ،‬وقال ماريو لنرسين‪:‬‬ ‫وعندما ّ‬ ‫ما أظلم هذا القدر املجرم يا نرسينتي!!! إ ّن قلبي يحرتق حزنًا وأملًا‪ ...‬فمن أجل رجلني م ّرا عىل هذا الكوكب منذ مئات‬ ‫السنني‪ ،‬أحدهام يُقال أنه مات منذ ألفي سنة واسمه يسوع‪ ،‬واآلخر يُ َّدعى أنه مات منذ ٍ‬ ‫ألف وأربعامئة سن ٍة واسمه‬ ‫مح ّمد‪ ،‬ال نستطيع أنا ِ‬ ‫وأنت الزواج وتقرير مصرينا اليوم؟ أمن أجل ظنونٍ‬ ‫وأوهام وأساطري خلت يد ّمر الج ّهال آمالنا‬ ‫ٍ‬ ‫ويفسدون حياتنا اليوم؟‬ ‫بأل ِ‬ ‫أتركك ولو كلّفني هذا األمر حيايت‪ ...‬فحبُّنا حقيق ٌة‬ ‫ثم متالك ماريو دموعه وض ّم نرسين إىل صدره وقال‪ :‬لكنني أعدك ّ‬ ‫صادق ٌة أما ا ّدعاءاتهم ف ُمج ّرد أوهام!‬ ‫كل عمري‪...‬‬ ‫أتخل عنك يا ّ‬ ‫فقالت له نرسين‪ :‬وأنا لن ّ‬ ‫رص الحبيبان عىل االرتباط املُق ّدس‬ ‫وفعل‪ ،‬لقد ب ّر الحبيبان بقسمهام‪ ،‬فبالرغم من ّ‬ ‫ً‬ ‫كل الرفض الذي ووجِه به هذا ّ‬ ‫الحب‪ ،‬أ ّ‬ ‫ولو كلّفهام ذلك حياتهام!‬ ‫وعندها حدثت الكارثة الكربى التي‬ ‫صدمت عائلة نرسين وزلزلتها‪ ،‬فبحرك ٍة‬ ‫جريئ ٍة وسابق ٍة قلّام تحدث يف الوسط‬ ‫املح ّمدي‪ ،‬هربت نرسين مع حبيبها‬ ‫ماريو وتز ّوجته يف كو ٍخ صغريٍ مهجو ٍر عىل‬ ‫أحد أطراف القرية‪ ،‬لتحقّق بذلك حلمها‬ ‫بالعيش مع الروح التي عشقتها‪...‬‬ ‫كل لسانٍ يف القرية‪ ،‬وبات الشارع املح ّمدي يغيل مطالِ ًبا بدم الفاجرة املرت ّدة‪!...‬‬ ‫فدارت الحادثة عىل ّ‬ ‫مسيحي باطل‪ ،‬بل هو مبثابة اعتناقها للمسيح ّية‪ ،‬وهذه ِر ّد ٌة رصيح ٌة عن املح ّمدية‪ ،‬فأفتى الشيوخ املح ّمديون‬ ‫فزواجها من‬ ‫ٍّ‬ ‫بوجوب قتلها أل ّن مح ّم ًدا قال‪« :‬من ب ّدل دينه فاقتلوه»!‬ ‫رجل كافر!‬ ‫كام أنه قال‪« :‬ال يعلو كاف ٌر امرأةً»‪ ...‬وماريو ٌ‬ ‫‪39‬‬


‫ياسمينة عىل رضيح الله‬ ‫الفتاة التي هزمت ُمح ّم ًدا واملسيح‬ ‫راوند دلعو‬

‫املسيحي‪ ،‬فيجب قتلها رش ًعا!‬ ‫وانترش بني املحمديّني أ ّن هناك فتا ًة محمديّ ًة هربت مع حبيبها‬ ‫ّ‬ ‫وم ّرت األيام وعاشت نرسين مع ماريو بعي ًدا عن الناس يف كوخهام الصغري عند أحد أطراف القرية‪ ،‬ثم ما لبثت أن زف ّْت‬ ‫له خرب حملها منه‪ ،‬فطارت بهام السعادة إىل أعايل السامء‪...‬‬ ‫لكن ‪-‬وا حرستاه‪ -‬مل تكتمل فرحتهام‪ ،‬حيث سقط املوت بجسد نرسين إىل باطن األرض‪ ،‬وذلك عندما تسلّل أحد‬ ‫املحمديّني املُلثّمني إىل كوخها أثناء غياب زوجها‪ ،‬فذبحها مدفو ًعا برغبته يف اسرتداد رشف الطائفة!‬ ‫فتُوفّيت املسكينة غارق ًة بدمائها الطاهرة‪...‬‬ ‫وقد كانت يف األيّام األخرية من حملها‪ ،‬فامت معها الجنني الذي يف بطنها!‬ ‫ماتت نرسين!!!‬ ‫ماتت نرسين فبكاها زوجها ماريو بكاء ٍ‬ ‫قيس للياله!!‬ ‫بىك وبىك إىل أن تر ّمد الجفن وماتت القزحيّة واسو ّد البياض‬ ‫وتأخدد البؤبؤ لكرثة ما سال من مدرار الدمع‪ ....‬ماتت فاحتضنها‬ ‫حتى كاد أن يكرس الضلوع بالضلوع‪ ...‬وكم مت ّنى أن تخرج روحه‬ ‫من جسده لتدخل جسدها فيموت ويحييها! لكن هيهات أن‬ ‫ميت إىل الحياة! هيهات!‬ ‫يعود ٌ‬ ‫كم بالقصاص من القاتل ويسلّمه للعدالة‪...‬‬ ‫وبعد أن استفاق من وقع الكارثة أقسم ّأل يدفنها حتى يأخذ ُح ً‬ ‫كم من كبري رجال الدين املسيح ّيني يقيض بالبحث عن القاتل والقصاص منه‪ ،‬فرفض‬ ‫فذهب إىل الكنيسة للحصول عىل ُح ٍ‬ ‫حكم يف قض ّي ِة محمديّ ٍة هاربة‪ ،‬عليك بالذهاب إىل مفتي الطوائف‬ ‫رئيس الكنيسة طلبه وقال‪ :‬نحن غري ُمخ ّولني بإصدار ٍ‬ ‫املحمديّة‪ ،‬فمحاكمنا تختلف عن محاكمهم!‬ ‫لكن خاف ماريو أن يذهب بنفسه إىل املفتي املح ّمدي خشية أن يت ّم قتله بسبب زواجه من مح ّمدية‪ ،‬فأرسل أحد‬ ‫حكم بالقصاص من قاتل املح ّمدية إن تز ّوجت‬ ‫أصدقائه املحمديّني ً‬ ‫عوضا عنه ليسأل املفتي عن كيف ّية الحصول عىل ٍ‬ ‫ني أخرب زوجها أنها قد نالت عقابها وأ ّن ال قصاص‬ ‫مسيح ًّيا ثم قتلها أهلها انتقا ًما‪ ،‬فقال‬ ‫املفتي لصديق ماريو‪ :‬لألسف يا بُ ّ‬ ‫ّ‬ ‫عىل الجاين‪ ،‬أل ّن دمها ُهدر وفق رشيعتنا‪ ،‬إذ يجوز قتلها غيل ًة ألنها ُمرت ّدة‪ ،‬حيث خالفت املتواتر عن نب ّينا وتز ّوجت‬ ‫مسيح ًّيا كاف ًرا‪!...‬‬ ‫‪40‬‬


‫ياسمينة عىل رضيح الله‬ ‫الفتاة التي هزمت ُمح ّم ًدا واملسيح‬ ‫راوند دلعو‬

‫جواب الشيخ ورئيس الكنيسة‪ ،‬وشعر بأنه يصارع طواحني الهواء وحي ًدا‪ ...‬وأ ّن جميع الهيئات الدين ّية‬ ‫ُ‬ ‫فصعق ماريو من َ‬ ‫تست املح ّمديون عىل القاتل الذي‬ ‫حتم‪ ...‬فق ّرر البحث عن الجاين بنفسه لكن دون جدوى‪ ،‬فقد ّ‬ ‫والكهنوت ّية ستقف ض ّده ً‬ ‫كان من أفراد عائلة نرسين‪ ،‬فهو بنظرهم البطل الذي استعاد كرامة الطائفة وحفظ ماء وجهها‪....‬‬ ‫كأس مهر ٌاق من ِآسنِ املاء‪!...‬‬ ‫فدم نرسين بنظرهم ليس كالدماء‪ ،‬وإمنا ٌ‬ ‫بعضا من دموعه ومتالك ما تبقّى من أنفاسه‬ ‫وعندما أدرك ماريو أ ّن ال أحد يقيم وزنًا و ُحرم ًة لدماء نرسين‪ ،‬كفكف ً‬ ‫وأراد أن يكرمها فيواريها وطفله الذي يف أحشائها الرثى‪ ....‬لك ّن األمور مل تكن بهذه السهولة‪ ،‬حيث اختصم يف مدفنهام‬ ‫املح ّمديون واملسيحيّون‪ ...‬إذ رفضوا دفنها يف مقابرهم!‬ ‫يا للصاعقة!! حتى مقابر األديان رفضت احتواء جثامنها!‬ ‫يحق للكافر‬ ‫أما املح ّمديون فرفضوا دفن نرسين يف مقابرهم أل ّن الطفل الذي يف بطنها‬ ‫مسيحي‪ ،‬فدين الطفل ألبيه‪ ،‬وال ّ‬ ‫ّ‬ ‫أن يُدفن يف مقابر املح ّمديني‪!...‬‬ ‫للمحمدي أن يُدفن يف مقابر‬ ‫يحق‬ ‫وأما املسيحيون فرفضوا دفنها يف مقابرهم‪ ،‬ألنها محمديّ ٌة ولن تدخل امللكوت‪ ،‬وال ّ‬ ‫ّ‬ ‫املسيحيّني!‬ ‫ٍ‬ ‫وبعد ِس ٍ‬ ‫وجداالت بني الشيوخ والقساوسة‪ ،‬ق ّرروا وباإلجامع دفنها يف خراب ٍة مهجور ٍة خلف روضة أطفا ٍل صغري ٍة‬ ‫جاالت‬ ‫املسيحي من القرية‪...‬‬ ‫املحمدي والقسم‬ ‫تقع عىل الخ ّط الفاصل بني القسم‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫فاستجاب ماريو ُمكر ًها لقرار رجال الدين‪ ،‬فال خيار لديه‪!...‬‬

‫‪41‬‬


‫ياسمينة عىل رضيح الله‬ ‫الفتاة التي هزمت ُمح ّم ًدا واملسيح‬ ‫راوند دلعو‬

‫وعند الغروب حمل ماريو جثامن زوجته وحي ًدا عىل ظهره املكسور إىل تلك الخرابة‪،‬‬ ‫ثم راح يحفر قربها بيديه‪ ...‬جلس عند قربها باك ًيا يعزف قيثاريّة النرسين التي كتبها لها‪:‬‬ ‫« حبيبتي‪...‬‬ ‫يساين‬ ‫نرسين ٌة تغفُو عىل نَ َ‬ ‫شل ٌل من ذابالت جفونها‪ ...‬من ثغرها ال ّنعسانِ‬ ‫والعط ُر َّ‬ ‫عودي إىل صفحات عمري قص ًة‪....‬‬ ‫مشكول ًة بالهمس‪ ،‬بالتِّ ْحنانِ‬ ‫ولرتفعي إكليل عط ٍر أسمر‪ ...‬من لحدي املرشوش باأللوانِ‬ ‫ولتمنحيني قُبل ًة محفوف ًة‬ ‫دافق الوجدانِ‬ ‫من‬ ‫عبقري الشّ فتنيِ‪ ....‬من ِ‬ ‫ّ‬ ‫خافت‬ ‫رقيق‬ ‫ٌ‬ ‫فالضوء سيال ٌن ٌ‬ ‫من شهق ِة اللَّمعانِ‬ ‫فحبيبتي‬ ‫نرسين ٌة‬ ‫تغفو‬ ‫عىل‬ ‫يساين »‪.‬‬ ‫نَ َ‬ ‫دفنها ويف بطنها طفله الذي مل ي َر النور‪ ...‬دفنها‬ ‫والدمع يأكل سويداء قلبه‪ ...‬دفنها وإذا به يدفن روحه‬ ‫بجوارها!‪...‬‬ ‫صليب عند رأس نرسين ألنها مح ّمدية‪ ،‬كام مل يستطع‬ ‫وبعد أن أت ّم دفنها يف الخرابة املهجورة‪ ،‬مل يستطع ماريو وضع‬ ‫ٍ‬ ‫كل يوم‪...‬‬ ‫عوضا عن ذلك عند رأسها ياسمين ًة بيضاء يسقيهام بدموعه ّ‬ ‫وضع هال ٍل أل ّن جنينها‬ ‫مسيحي‪ ....‬فغرس ً‬ ‫ّ‬ ‫قائل‪:‬‬ ‫ث ّم خاطب الياسمينة ً‬ ‫أنت األمل ال متويت‪ِ ...‬‬ ‫عيني‪ِ ...‬‬ ‫أنت ما تبقّى من ٍ‬ ‫بياض يف هذه البالد‪...‬‬ ‫«ياسمينتي ال متويت‪ ...‬إليك روحي ونور ّ‬ ‫أرجوك ال متويت‪ِ ...‬‬ ‫ِ‬ ‫تحتك املحبّة وفوقك السالم‪ ...‬ال متويت‪ ...‬ال متويت!!»‪.‬‬ ‫‪42‬‬


‫ياسمينة عىل رضيح الله‬ ‫الفتاة التي هزمت ُمح ّم ًدا واملسيح‬ ‫راوند دلعو‬

‫وبعد أن دفن ماريو زوجته بيديه‪ ،‬مل يستطع مغادرة الخرابة‪ ،‬وذلك من ش ّدة ح ّبه للرتاب الذي ض ّم جسدها‪ ،‬كام أنه‬ ‫تعلّق بأصوات األطفال التي تتعاىل يف الصباح من وراء جدار الروضة التي تحاذي القرب‪ ،‬فهي أصواتٌ تذكّره بطفله الذي‬ ‫كان يتم ّنى أن يراه ماش ًيا عىل األرض‪...‬‬ ‫ٍ‬ ‫بصوت‬ ‫فبنى لنفسه بيتًا من صفي ٍح بجوار قرب نرسين‪ ،‬وراح يسقي الياسمينة البيضاء يوميًّا‪ ،‬ويغ ّني قيثاريّة النرسين‬ ‫عذب ينسفح حزنًا من عىل أوتا ٍر نديّ ٍة لقيثار ٍة خشب ّي ٍة كانت قد أهدته إيّاها نرسين‪!...‬‬ ‫شجي ولحنٍ ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫الحق أقول لكم ‪:‬‬ ‫الحق ّ‬ ‫ّ‬ ‫ادفنوين إىل جوار الياسمينة البيضاء‪ ،‬هناك عند منبت النور‪ ...‬منبت املح ّبة‬ ‫والحبور‪...‬‬ ‫ع ّمدوين برائحة ترابها‪ ،‬دث ّروين ببتالتها‪ ،‬بأريج طلعها‪ ،‬بأنغام قيثاريّة النرسين‪...‬‬ ‫حب اإلنسان لإلنسان‪...‬‬ ‫تلك التي تعزف ّ‬ ‫بعي ًدا عن حواجز األديان!‬ ‫ادفنوين هناك يف تلكم الخرابة بالقرب من روضة األطفال حيث يلعبون‪...‬‬ ‫يرتاكضون‪ ....‬يتدافعون‪ ...‬يتخاصمون‪ ...‬يتضاربون بعفويّ ٍة وبراءة‪،‬‬ ‫قلب ونقاء خاطر‪....‬‬ ‫ث ّم يتصالحون عن طيب ٍ‬ ‫يف مرحلة ما قبل الطائف ّية والتصنيف‪ ،‬ما قبل الديانات التي ف ّرقت بني البرش‪...‬‬ ‫ما قبل األسلحة والسيوف‪...‬‬ ‫ادفنوين هناك حيث تتعاىل صيحات الطفولة والصدق والبياض‪...‬‬ ‫يف مرحلة ما قبل الطقوس والخرافة والكراهية والحواجز واألديان والكهنة‪.‬‬ ‫ادفنوين هناك بجوار الشهيدة نرسين‪ ،‬يك أصغي بهدو ٍء إىل قيثاريّة النرسين‪،‬‬ ‫عندما يعزفها ماريو يف تلك الخرابة املهجورة‪ ،‬عند الياسمينة املُق ّدسة‪ ،‬ألنني‬ ‫إنسان‪...‬‬ ‫أحب الربيع واألطفال واملوسيقا والنرسين وشهر نيسان‪...‬‬ ‫ألنني إنسا ٌن ّ‬ ‫حيث تتع ّدد األلوان‪ ...‬وترتاكب األلحان‪...‬‬ ‫دوري وزَرزُو ٍر و ِوروا ٍر وكروان‪...‬‬ ‫وتحلّق الطيور ما بني‬ ‫ٍّ‬ ‫‪43‬‬


‫ياسمينة عىل رضيح الله‬ ‫الفتاة التي هزمت ُمح ّم ًدا واملسيح‬ ‫راوند دلعو‬

‫نعم‪ ،‬واحرستاه ماتت نرسين‪ ،‬لكن نبتت الياسمينة عند رأسها يسقيها ماريو من ألحان قيثاريّة النرسين‪!...‬‬ ‫فلتشهدي يا سامء عىل قيثاريّة النرسينة التي ماتت ذب ًحا بسيف الرصاعات الدين ّية‪...‬‬ ‫ولتبيك يا طيور تلك النرسينة التي طُعنت بخنجر الكراهية!‬ ‫وبعد عرشين سن ٍة من وفاة نرسين وميالد الياسمينة‪ ،‬رضب الله القرية بجربوته‪ ،‬حيث اشتعلت الحرب املُق ّدسة األكرب‬ ‫يف تاريخ القرية‪ ،‬ما بني أتباع الله من املحمديّني‪ ،‬وأتباع الله من املسيح ّيني‪...‬‬ ‫وكل ذلك مبباركة الله وتحريض نصوصه املُق ّدسة‪...‬‬ ‫ّ‬ ‫مكبا‪:‬‬ ‫فصاح‬ ‫ّ‬ ‫املحمدي ّ ً‬ ‫حي عىل الجهاد ويا خيل الله اركبي!‬ ‫الله أكرب ّ‬ ‫ّ‬ ‫الصليبي األجراس‪ ،‬ثم ُرفعت األناجيل والصلبان‪ ،‬وارشأبّت اليسوع ّية يف قلوب رجال الدين املسيح ّيني تدعو للثأر‪...‬‬ ‫ودق‬ ‫ّ‬ ‫الرب هبوا لنرصة كنيستكم‪!...‬‬ ‫يا جنود ّ‬ ‫وكلّام هجم املح ّمديون عىل حار ٍة مسيح ّي ٍة أبادوها عن بكرة أبيها‪ ،‬لري ّد املسيح ّيون بالثأر وإبادة حار ٍة مح ّمدية‪...‬‬ ‫وهكذا‪...‬‬ ‫الديني وارتفعت‬ ‫فانترشت املذابح الجامع ّية وعمل ّيات التطهري‬ ‫ّ‬ ‫الثارات يف املساجد والكنائس والحارات‪ ،‬واستح ّر القتل يف الشوارع‬ ‫كل املساجد‬ ‫إىل أن نزح معظم الناس بعد أن ت ّم هدم وحرق ّ‬ ‫والكنائس يف القرية التي اغتسلت بدمائها وأُنهكت بثاراتها‪...‬‬ ‫وبعد أشه ٍر من اندالع الحرب الدين ّية‪...‬‬ ‫ٍ‬ ‫عائالت من أصو ٍل‬ ‫قرر من تبقّى من سكّان القرية ‪-‬وهم بضع‬ ‫مسيح ّي ٍة ومحمديّ ٍة متصاهر ٍة غري مكرتث ٍة ألمر الدين والتديّن‪ -‬أن‬ ‫ٍ‬ ‫يبحثوا لهم عن مكانٍ‬ ‫محايد يك يختبئوا فيه‪ ،‬ليدرأوا عن أنفسهم‬ ‫إجرام من تبقّى من امليليش ّيات الطائف ّية التي أفنت القرية‪،‬‬ ‫فخرجوا يبحثون عن مكانٍ عىل الحياد بني الطائفتني‪ ...‬ال إىل‬ ‫هؤالء وال إىل هؤالء!‬ ‫‪44‬‬


‫ياسمينة عىل رضيح الله‬ ‫الفتاة التي هزمت ُمح ّم ًدا واملسيح‬ ‫راوند دلعو‬

‫وبعد طول ٍ‬ ‫بحث ومسري‪ ،‬توقّف أحد الرجال وقال‪:‬‬ ‫عبق رائع‪ ...‬أستطيع أن أشت ّمه من هنا!! كام أنني أرى‬ ‫«انظروا هناك‪ ...‬إنها ياسمين ٌة وارفة الظالل ريّانة األغصان‪ ...‬لها ٌ‬ ‫تحتها منطق ًة ظليل ًة تتّسع للجميع‪ ...‬فلنكمل السري إليها علّنا نسرتيح بظلّها!»‪.‬‬ ‫رجل آخر‪« :‬أنصتوا‪ ...‬استمعوا‪ ....‬يا إلهي ما هذا اللحن؟!‪ ...‬لكأين أسمع‬ ‫وعندما اقرتبوا من الياسمينة أكرث وأكرث‪ ،‬قال ٌ‬ ‫هارب من الج ّنة‪ ...‬إنه لح ٌن يُعزف‬ ‫صوت قيثارٍة تعزف لح ًنا يأخذ العقل!! يا لهذا اللحن الرائع الحزين‪ ...‬كأنه لح ٌن‬ ‫ٌ‬ ‫للمح ّبة بني الناس!! إنه لحن السالم!»‪.‬‬ ‫ث ّم اقرتب القوم روي ًدا روي ًدا‪ ،‬فإذا برجلٍ ذي لحي ٍة بيضاء كالثلج يلبس ثوبًا أبيض وقد جلس عند ق ٍرب تحت الياسمينة‪،‬‬ ‫يعزف قيثاريّة النرسين عند الغروب!!!‬ ‫ٍ‬ ‫شجي حزينٍ قيثاريّة النرسين‪:‬‬ ‫إنه الزوج املخلص ماريو‪ ...‬يبيك عند قرب حبيبة روحه نرسين‪ ...‬يغ ّني لها‬ ‫بصوت ٍّ‬ ‫«حبيبتي‪...‬‬ ‫يساين‬ ‫نرسين ٌة تغفو عىل نَ َ‬ ‫ِ‬ ‫ذابالت جفونها‪ ...‬من ثغرِها‬ ‫شل ٌل من‬ ‫والعط ُر ّ‬ ‫ال ّنعسانِ ‪...‬‬ ‫عودي إىل صفحات عمري قص ًة‪....‬‬ ‫مشكول ًة بالهمس‪ ،‬بالتِّ ْح َنانِ !‬ ‫ولتفعي إكليل عط ٍر أسمر‪ ...‬من لحدي املرشوش‬ ‫َ‬ ‫باأللوان‬ ‫ولتمنحيني قُبل ًة محفوف ًة‬ ‫عبقري الشَّ فتنيِ‪ ....‬من دافق الوجدانِ‬ ‫من‬ ‫ّ‬ ‫خافت‬ ‫رقيق‬ ‫ٌ‬ ‫فالضوء سيال ٌن ٌ‬ ‫من شهق ِة اللَّمعانِ‬ ‫فحبيبتي‬ ‫نرسين ٌة‬ ‫تغفو‬ ‫عىل‬ ‫يس ِان»‪.‬‬ ‫نَ َ‬ ‫‪45‬‬


‫ياسمينة عىل رضيح الله‬ ‫الفتاة التي هزمت ُمح ّم ًدا واملسيح‬ ‫راوند دلعو‬

‫إنه ماريو‪ ...‬ميارس طقوس الوفاء لدماء زوجته نرسين‪...‬‬ ‫تلك الوردة التي قطفها الدين يف ريعان شبابها‪...‬‬ ‫تلك الوردة التي ُذبِحت بسكني العاطفة الدينيّة التي أ ّججها تحريض الله وكتبه املُق ّدسة‪!...‬‬ ‫الحق أقول لكم‪:‬‬ ‫الحق ّ‬ ‫ّ‬ ‫مل يجد الناجون من املذابح الطائف ّية مكانًا يلوذون به إال ظالل الياسمينة عند قرب نرسين‪ ،‬هناك حيث يعيش ماريو‬ ‫وحي ًدا مع ذكريات زوجته الشهيدة نرسين‪ ،‬يسقي الياسمينة ويغ ّني للمح ّبة واألمل واللون األبيض‪...‬‬ ‫ويعزف قيثاريّة النرسين‪....‬‬ ‫يتبق إال ياسمينة نرسين وقيثاريّة النرسين‪...‬‬ ‫ماتت كل ورود القرية ومل َّ‬ ‫ليستظل من تبقّى‬ ‫ّ‬ ‫ابيضت لحيته وكربت الياسمينة‬ ‫عرشون عا ًما وماريو يسقي الياسمينة يوم ًّيا مباء الثلج الصايف‪ ،‬إىل أن ّ‬ ‫من سكّان القرية بظاللها‪ ...‬بعي ًدا عن رمضاء الطائفيّة الدينيّة وأوهام األديان والكهنة‪...‬‬ ‫لينبعث النور من جديد‪ ،‬وتورق براعم اإلنسان من جديد‪ ....‬وتستم ّر قيثاريّة النرسين‪.‬‬ ‫ومن هناك‪ ...‬من تلك الخرابة‪ ،‬ومن تحت ظالل الياسمينة‪،‬‬ ‫وبالتحديد عند قرب نرسين‪ ،‬تشكّلت نواة قري ٍة جديد ٍة من‬ ‫عائالت هجين ٍة متصاهر ٍة ذات أصو ٍل مسيح ّي ٍة ومحمديّة‪...‬‬ ‫حيث أدرك الناجون من املذابح الطائف ّية التي قضت عىل‬ ‫كل َمن تبقّى وأ ّن األديان لن تزيدهم إال فُرق ًة وخصوم ًة‬ ‫وكراهي ًة‪...‬‬ ‫فق ّرروا أن يبدأوا حيا ًة ال طائف ّية فيها وال كراهية وال دين‪،‬‬ ‫وال ُمق ّد ٌس إال العقل واإلنسان‪...‬‬ ‫هزمت مح ّم ًدا‬ ‫وأدرك الناجون حينها أ ّن نرسين فتا ٌة قد‬ ‫ْ‬ ‫واملسيح‪ ،‬وأ ّن الياسمينة كانت عىل رضيح الله‪ ،‬وأ ّن‬ ‫املعزوفة كانت قيثاريّة النرسين‪.‬‬ ‫‪46‬‬


‫قناة جسور | ‪Bridges.TV‬‬

‫رب ملن ال منرب له‪ ،‬وقنا ٌة لحرية التعبري والتواصل والتعايش مع‬ ‫قناة جسور هي من ٌ‬ ‫املختلف ولتالقح األفكار بصور ٍة حضارية‪ ..‬صوتك مقبول هنا مهام كان‪.‬‬ ‫عنوان القناة عىل اليوتيوب‪:‬‬

‫‪https://www.youtube.com/channel/UChuvYgfSwGXkLtZYmSGc8eQ‬‬ ‫صفحة جسور عىل الفيسبوك‪:‬‬

‫‪https://www.facebook.com/Bridgestv2‬‬ ‫انضموا إلينا يف مجموعة جمهورية الردة‪:‬‬

‫‪https://www.facebook.com/groups/186192008960773/‬‬ ‫إمييل القناة‪:‬‬

‫للتواصل عرب سكايب‪:‬‬

‫‪Bridgestv1‬‬

‫‪bridgestv1@gmail.com‬‬

‫لدعم القناة عىل الـ‪:PayPal‬‬

‫‪https://www.paypal.me/SalBridgesTV‬‬

‫‪47‬‬


‫صفحة ثابتة‬ ‫نقدم فيها قراءة‬ ‫ألحد الكتب‬ ‫القيمة‬

‫جورج سميث‬

‫اإللحاد‪:‬‬

‫مس ِّو ُغ نبذ اإلله جـ ‪1‬‬

‫تعريف اإلله‪ ،‬ماه ّيته وطبيعته‪ ...‬هي‬ ‫أي‬ ‫أمو ٌر ناد ًرا ما يخوض فيها املؤمنون أل ّن ّ‬ ‫محاول ٍة لرشح طبيعة ذلك اإلله ستصطدم‬ ‫بجبلٍ من التناقضات ال قدرة لهم عىل‬ ‫تح ّمل تبعاتها‪ ،‬ناهيك عن الخوض فيها‬ ‫ألغام ما يكادون يضعون‬ ‫فهي أشبه بحقل ٍ‬ ‫أقدامهم فيه حتى ينفجر ناث ًرا أفكارهم‬ ‫عن إلههم الوهمي أدراج الرياح‪.‬‬ ‫‪48‬‬

‫مصطفى ح ّجي‬


‫اإللحاد‪ :‬مس ِّو ُغ نبذ اإلله‬ ‫جورج سميث‬

‫ٍ‬ ‫ومفهوم لفكرة‬ ‫تعريف واض ٍح‬ ‫من املهم ج ًّدا وقبل أن يُغرِقنا املؤمن بأدلّ ٍة كال َهباء املنثور عن وجود اإلله أن نُلزمه بوضع‬ ‫ٍ‬ ‫هذا اإلله‪ .‬كيف ميكن أن يُقنعني بوجود كيانٍ ما قبل أن يرشح ماه ّية هذا الكيان الذي يتح ّدث عنه؟ فام معنى القول‬ ‫دليل عىل وجود «الله» ما مل ترشح يل ماذا تقصد بفكرة «الله» هذه؟!‬ ‫أ ّن وجود الكون واألرض والحياة ٌ‬ ‫تختلف أفكار املؤمنني عن إلههم باختالف ثقافاتهم وأديانهم‪ ،‬لكن ميكننا القول أ ّن أبسط وأشد املصطلحات اختصا ًرا‬ ‫مصطلح‬ ‫لوصف ذلك «الكيان» الذي يدعوه املؤمن «إل ًها» هو‪ :‬كائ ٌن فوق الطبيعة ‪ -‬ال تح ّده الطبيعة ‪ -‬خارق للطبيعة‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫بسي ٌط ويتّفق معه من يؤمن بإل ٍه سوا ٌء كان إبراهيمي الديانة (مسلم \مسيحي\يهودي) أو كان عىل غريها من األديان‪.‬‬ ‫تجدر اإلشارة هنا إىل أ ّن املقصود مبصطلحات «فوق ‪ -‬وراء ‪ -‬خارق للطبيعة» ليس أن الله يجلس يف مكانٍ ما خارج‬ ‫الكون أو الوجود‪ ،‬بل هو تعب ٌري عن عدم تق ُّيد اإلله بالقوانني الطبيعية‪ ،‬فهو واضعها ومصدرها وميلك قدرة التد ّخل فيها‬ ‫وتغيريها ّأن شاء وكيفام شاء‪.‬‬ ‫استثناء اإلله من الطبيعة وأحكامها له تبعاتٌ مه ّمة‪ ،‬فهو يجعل‬ ‫الله فكر ًة فوق اإلدراك أو عصيّ ًة عليه‪ ،‬إذ ال ميكن فهم أو إدراك‬ ‫فكرة ما فوق الطبيعة أو خارق ٍة للطبيعة‪ ،‬وكل معرف ٍة عن اإلله‬ ‫ال بُد أن تكون غري مكتمل ٍة ولن تحيط بطبيعة الله بصور ٍة تا ّمة‪،‬‬ ‫وهو أم ُر يتّفق مع فكرة املؤمن عن هذا اإلله الذي يختبئ أب ًدا‬ ‫خلف الستار وراء كواليس العالَم‪.‬‬ ‫الوجود «الخارق للطبيعة» أو «فوق الطبيعي» هو خارج مدى‬ ‫اإلدراك البرشي‪ ،‬فلو كان الله كائ ًنا «طبيع ًّيا» ألمكننا تفسري أفعاله‬ ‫وجوهره عىل أساس القوانني الطبيعية‪ ،‬وألمكننا فهمه وإدراكه‪.‬‬ ‫لكن ما أن نفعل هذا ‪-‬أي ما أن نفهم طبيعة الله‪ -‬فلن يعود الله‬ ‫«فوق الطبيعة» وعصيًّا عىل الفهم‪.‬‬ ‫عيص عىل فهم وإدراك اإلنسان حسب تعريف‬ ‫بعبار ٍة أُخرى‪ :‬الله ٌّ‬ ‫فكرة اإلله نفسها‪.‬‬ ‫‪49‬‬


‫اإللحاد‪ :‬مس ِّو ُغ نبذ اإلله‬ ‫جورج سميث‬

‫تعريف ال يُخربنا شيئًا البتّة عن الله‪ُ ،‬ج ّل ما يُخربنا به هو أ ّن الله فوق‬ ‫أ ّول تح ٍّد يواجه املؤمن مع هذا التعريف هو أنّه‬ ‫ٌ‬ ‫بأي يش ٍء عن الله نفسه‪ .‬ومل يُقّربنا قيد أُمنل ٍة إىل فهم هذه الفكرة‪.‬‬ ‫الطبيعة وقوانينها‪ ،‬لكنه ال يُخربنا ّ‬ ‫املشكلة الثانية هي عبارة «فوق الطبيعة»‪ ،‬فام املقصود بكائنٍ ال تح ّده الطبيعة وال ترسي عليه قوانني الوجود؟ وكيف‬ ‫ميكن إدر ُاك موجو ٍد ال تنطبق عليه صفات الوجود؟‬ ‫ٍ‬ ‫وخواصا مح ّددةً؛‬ ‫صفات‬ ‫كل يش ٍء يف الوجود ميتلك‬ ‫أ ْن يوجد «اليشء» أو «الكيان» فهذا يعني أ ْن يكون شيئًا مح ّد ًدا‪ُّ .‬‬ ‫ً‬ ‫صفات اليشء تح ّدد كينونته نفسها وت ُع ِّرف هويّته‪.‬‬ ‫وإن شئنا أن نرشح هذه البديهية بطريق ٍة فلسف ّي ٍة فسنقول‪ :‬أن يكون «اليشء» هو أن يكون هو نفسه ال غريه (أي أن‬ ‫»س« هي »س« وليست »ص« وال يجوز أن تكون كذلك)‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫صفات ت ُح ِّدد طبيعة‬ ‫خواص «اليشء» أو «الكيان» ت ُح ِّدد ما يقدر وما ال يقدر عىل فعله‪ ،‬ففكرة «الشجرة» تحمل معها‬ ‫وهويّة الشجرة‪ ،‬ودون هذا التحديد ال يعود لكلمة «شجر ٍة» أي مع ًنى وتصبح مج ّرد تجميعٍ عشوا ٍيئ للحروف‪ ،‬متا ًما مثل‬ ‫كلمة «نيحثظ»‪.‬‬ ‫أسايس يف بناء‬ ‫صفات «الكيان» أو «اليشء» تخربنا ميزاته وعيوبه ونواقصه‪ ،‬وما يقدر عىل فعله وما يعجز عنه‪ ،‬هذا أم ٌر‬ ‫ٌّ‬ ‫الوجود‪.‬‬ ‫أيضا‪ ،‬فعندما نقول أن «لون اللوح أبيض» فنحن‬ ‫الصفات‪ ،‬وبقدر ما ت ُح ّدد ماه ّية اليشء فهي ت ُح ِّدد ما هو ليس عليه ً‬ ‫ٍ‬ ‫تحديدات‬ ‫ح ّددنا أنه أبيض اللون ويف نفس الوقت ليس أسو َد أو أحم َر أو أي لونٍ آخر‪ ،‬وفكرة «اإلنسان» تحمل معها‬ ‫ذيل‪ ،‬ال يقدر أ ْن يتنفّس تحت املاء‪ ،‬وهكذا دواليك)‪ ...‬الصفات والخواص ترسم هويّة‬ ‫ع ّدة‪( :‬ال يقدر أن يطري‪ ،‬ال ميلك ً‬ ‫«اليشء» وتضع له حدو ًدا واضح ًة‪.‬‬ ‫هذا هو جوهر الوجود الطبيعي‪ ،‬الوجود الذي يريد املؤمن أن يجعل إلهه «فوقه» أو «خارجه»‪ ،‬الوجود الوحيد الذي‬ ‫ٍ‬ ‫وخواص مح ّددة‪.‬‬ ‫لصفات‬ ‫نعرفه والذي ميكن أن نعرفه؛ ألن إدراكنا لوجود اليشء يستلزم امتالك اليشء‬ ‫ٍّ‬

‫‪50‬‬


‫اإللحاد‪ :‬مس ِّو ُغ نبذ اإلله‬ ‫جورج سميث‬

‫ال مف ّر من أن يكون اإلله مستث ًنى من رشط الصفات التي تُح ّدد هويته‪ ،‬فأي إسبا ٍغ لصف ٍة ما عىل اإلله يعني «الهبوط‬ ‫به» إىل الوجود الطبيعي‪ ،‬وجودنا الذي نعرفه وندركه‪ ،‬وهذا التحديد يكفي لنزع صفة األلوهية من ذلك الكيان‪ ،‬الخيار‬ ‫الوحيد املتبقّي هو ت َص ُّور «كيانٍ » دون هويّ ٍة مح ّددة‪ ،‬كيانٍ دون ٍ‬ ‫خواص أو صفات‪ ،‬كيان أطلَق عليه املؤمن وصف «إله»‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وخواص وهويّ ٍة واضح ٍة ومح ّددة‪.‬‬ ‫لصفات‬ ‫لكن «كيانًا» مثل هذا يُخالف مبدأ ال ُوجود الذي يَستلزم امتالك «الكيان»‬ ‫املصطلح البسيط الذي بدأنا معه إذًا يقود إىل ٍ‬ ‫وجوهري يف فكرة اإلله املزعوم ذاتها‪ ،‬فليك يكون «الكيان»‬ ‫أسايس‬ ‫تناقض‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫صفات وميز ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وخواص تُشكِّل هويّته وكينونته‪ ،‬وبنزع كل هذه عن اإلله ال يعود‬ ‫ات‬ ‫موجو ًدا ال ب ّد أن يكون مح ّد ًدا‪ ،‬ذا‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫أساسا حسب فكرة اإلله نفسها!‬ ‫بصفات‬ ‫موجو ًدا‪ ،‬أ ّما إسباغها عليه فيعني تحديده‬ ‫وخواص وهو غري محدو ٍد ً‬ ‫عيص عىل الفهم؟ كل السفسطة اآلنفة مل ت ُثب ِْت ِسوى هذه‬ ‫كيف ير ّد املؤمن عىل هذا؟ سيقول‪« :‬أَلَم أقُل َلك أ ّن الله ٌّ‬ ‫غموض ذلك‬ ‫دليل جدي ًدا عىل‬ ‫الحقيقة البسيطة»‪ ،‬أي أ ّن املؤمن وعىل فرض اقتناعه بشكلٍ أعمى مبا أسلَف فإنّه س ُيدرِك ً‬ ‫َ‬ ‫اقض يف وجود كيانٍ فوق الطبيعة كالله»‪.‬‬ ‫اإلله‪ ،‬بل إنّه س َيجِد ً‬ ‫تناقضا داخل ًّيا يف فكرة اإلله نفسها‪« ،‬تَ َن ٌ‬

‫كتاب أخطاء القرآن حيصر أكثر من‬ ‫ألفني ومخسمائة خطأ لغوي يف القرآن‬ ‫ويرتجم النص القرآني لثالث لغات‬ ‫ويقدمه ألول مرة بالرتتيب التارخيي‬ ‫الصحيح‬ ‫ً‬ ‫متوفر اآلن على موقع أمازون وجمانا‬ ‫على الرابط التايل‬ ‫‪goo.gl/emoQDp‬‬

‫األخطاء اللغوية يف‬

‫ال���� ال��ي�‬ ‫د‪ .‬سامي الذيب‬

‫‪51‬‬


| ‫ﻣﺴﻠﻤﺶ‬

www.muslimish.com

52


‫هي الثورة‬ ‫ُ‬

‫ِّ َ َ َّ ُ َ َ‬ ‫ون َع النِّ َسا ِء‪ ،‬آي ٌة يجب أن‬ ‫الرجال قوام‬ ‫يُضاف إليها «ولكن ليس يف لبنان‪ ،‬والعراق‬ ‫وفلسطني والسودان»‪.‬‬

‫ما نراه اليوم عىل الطرقات ويف‬ ‫الساحات‪ ،‬أكرب دليلٍ عىل أن املرأة‬ ‫أصبحت جاهز ًة لتسلّم زمام األمور‪.‬‬ ‫آيات املايض «اإللهية» تدحضها‬ ‫نظريات الحارض العلم ّية‪.‬‬ ‫فها هي املرأة تقود نفسها‬ ‫بالكيان‪ ،‬باملكنون‪ ،‬بالسابق‬ ‫والالحق‪...‬‬

‫پاميال غانم‬ ‫‪53‬‬


‫هي الثورة‬ ‫پاميال غانم‬

‫ٍ‬ ‫بأكتاف صلبة‪ ،‬تطرق مبطرقة العدل ليصدح صوت ال ُحكم باسم الضمري‪ ...‬ال من يقوم عليها‪ ...‬بل‬ ‫ها هي تعتيل الكريس‬ ‫هي من تق ّوم املجتمعات‪.‬‬ ‫هنا نجح التطور الفكري بتعديل اآلية لتصبح‪« :‬الرجال والنساء» قوامون عىل الوجود وعىل الحضارة البرشيّة‪ ...‬املرأة‬ ‫اليوم أمست هي اليوم كل ُه‪.‬‬ ‫مل تكن املرأة العربية‪ ،‬عىل م ّر السنني‪ ،‬رشيك ًة حقيق ًة ومل تساهم يف صناعة القرار منذ نشأة البلدان العربية يف شكلها‬ ‫الحايل‪ ،‬أي بعد خروج جيوش االنتداب الفرنيس واإلنجليزي‪.‬‬ ‫والسبب ال يعود لعدم قدرتها أو حتى عدم محاولتها خوض تجربة الرتشّ ح لالنتخابات‪ ،‬بل ألنها مل ت ُ َع َط أي فرص ٍة بسبب‬ ‫تخلّف املجتمعات الذكورية والعقلية الرجعية املتفشية يف املجتمعات الرشق أوسطية‪.‬‬ ‫برأيي أن املرأة اليوم قادر ٌة عىل استالم دول ٍة فاسد ٍة وتحويلها إىل دول ٍة قوي ٍة ناجحة‪.‬‬ ‫فهي ال متيل إىل خوض الحروب والقتال‪ ،‬ال تريد إثبات كرب حجم عضوها التناسيل ومقارنته مع غريه كام يفعل معظم‬ ‫الحكام‪ -‬مجازيًا وفعل ًيا ‪-‬هي ال ترغب بالسلطة يك تتحكّم بالناس وتحقق مآربها الشخصية‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫بصفات تجعلها أفضل من الرجل يف‬ ‫املرأة تتمتع‬ ‫الحكم‪ ،‬كطول البال والقدرة عىل االستامع إىل اآلخر‪،‬‬ ‫كالتف ّهم واملسايسة والدبلوماسية‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ضعف‬ ‫كل هذه النقاط التي كانت ت ُحتسب كنقاط‬ ‫ّ‬ ‫هي يف الحقيقة ما يجعل املرأة أقدر من الرجل‬ ‫خاص ًة يف الظروف الصعبة التي مت ّر بها بلداننا‪.‬‬ ‫ال يخفى عىل ٍ‬ ‫أحد ما يحصل يف شوارع العراق ولبنان‬ ‫ٍ‬ ‫سنوات‬ ‫اليوم‪ .‬ثور ٌة شعبي ٌة عىل الفساد والظلم وعىل‬ ‫من القمع املمنهج‪ .‬ولكن الجديد يف هذه الصورة‪،‬‬ ‫بروز دور املرأة عىل أرض املعركة‪،‬‬ ‫‪54‬‬


‫هي الثورة‬ ‫پاميال غانم‬

‫فالنساء من كل الطبقات االجتامعية واملستويات العلمية‪،‬‬ ‫تو ّجهن إىل الشارع ألن الكيل قد طفح‪.‬‬ ‫بإمكاين أن أذكر ع ّدة أسامء برزت يف الفرتة األخرية‪ ،‬فعىل‬ ‫سبيل املثال‪ ،‬تعمل جومانة حداد‪ ،‬الكاتبة والناشطة‬ ‫املعروفة‪ ،‬ي ًدا ٍ‬ ‫بيد مع الث ّوار من الشباب والشابات الذين‬ ‫وتستغل شهرتها‬ ‫ّ‬ ‫يسعون إىل التغيري‪ ،‬فرناها تقود املسريات‬ ‫عىل مواقع التواصل االجتامعي لنرش الوعي ولحثّ الناس‬ ‫عىل النزول إىل الشارع‪ ،‬خاص ًة النساء‪ ،‬للمطالبة بحقوقهن‬ ‫كإلغاء األحكام الرشعية فيام يتعلّق بالزواج والطالق‬ ‫واملرياث‪ ،‬واملطالبة بقوانني مدني ٍة تكفل حقوق املرأة‬ ‫بعي ًدا عن تسلّط رجال الدين‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫لشابات عىل مواقع التواصل‪ ،‬نراه ّن يقاتلن ويرصخن يف الشارع‪ ،‬ويعملن عىل تغذية هذه الثورة‬ ‫كام برزت أسام ُء أخرى‬ ‫طعام‬ ‫واستمراريتها‪ ،‬منه ّن من أسست صفحة «منقوش ٌة من أجل لبنان» التي جمعت أكرث من ‪ 100‬ألف دوال ٍر لتأمني ٍ‬ ‫للناس يف الثورة‪ ،‬وغريها من التحركات والجمعيات التي نراها تعمل يوم ًيا عىل أرض الواقع والتي ترأسها أو تقودها‬ ‫إحدى الشابات الطَموحات إىل التغيري‪.‬‬ ‫وعت املرأة العربية عىل أهمية دورها يف انتشال‬ ‫بلدانها من بؤرة الفساد والتعصب الطائفي‬ ‫واملذهبي وذلك عرب الرتكيز يف مطالبتها عىل بناء‬ ‫دول ٍة مدني ٍة وقوانني تفصل الدين عن الدولة‪،‬‬ ‫وبالتايل تكون هذه البلدان قد خطت أ ّول خطو ٍة‬ ‫يف طريق اإلصالح والتغيري الحقيقيني‪.‬‬ ‫فالتغيري يبدأ عندما تعي مجتمعاتنا أهمية دور‬ ‫املرأة يف السياسة والقضاء؛ فيام ال تزال بعض البلدان‬ ‫تعترب أنها ناقصة عقلٍ وال ميكنها أن تكون قاضي ًة أو‬ ‫وزيرةً‪ ،‬فيام بلدانهم غري صالح ٍة للعيش ألنّهم ولّوا‬ ‫حكمهم للرجال‪ ،‬والنتيجة واضح ٌة عىل م ّر السنني‪.‬‬ ‫‪55‬‬


s www.facebook.com/M-80-II-941772382615672

56


‫‪Hinori Haji‬‬

‫االسالم بس مشغول يف املرأة‪ .‬واي يش تسويه تكون ملعونة‬ ‫يعني يلعنها بذاتها وخالص‪ .‬وال كان ما خلقها وريح نفسه‬

‫‪Samir Nasser‬‬

‫غيبوبة الله عن أعاصري االرض وعقله محصور بني فرج املرأة ورشفها‪.‬‬ ‫‪Luffy SA‬‬

‫ثم يأيت مسلم ويقول اإلسالم دين العقل واملنطق‬ ‫‪Abdellatif Fentazi‬‬

‫وجود الكثري من السافرات امللعونات هو ما جعلني أسلّط عليهم تلك األشياء‪ ،‬إنه‬ ‫عقاب م ّني لهم!‬

‫‪57‬‬


‫مجلة شهرية بجهود فردية تصدر في الثاني عشر من كل شهر‬

Arab Atheists Magazine a digitalis publication produced The Arab Atheists isMagazine a digital publication entirelyproduced by volunteers committed freedom oftothought, inf by volunteers andtocommitted promoting ormativetheand enlightening articlesofregardless ethnicitypersuagender thought and writings atheists ofof various or persuasion with autonomy, complete independence andadopt most sions with complete freedom. The Magazine does not importantly fromany geopolitical censorship. or free endorse form of political ideology or affiliation The Magazine bear does the notfull adopt or endorseofany form of illustrapolitical Contributors responsibility the content, ideology or affiliation. willasassume fullcopyright responsibility tions and topics theyContributors provide insofar it covers and for the content, illustrations and topics they provide pertaining issues of intellectual propertyto infringement of copyright and issues of intellectual property. Express permission for to publish in the Magazine is provided Theby expressed to arepublish Magazine contributors,permission whether they membersin of the the Arab Atheistsis provided by contributors, whether theyand are members of thecontributors Arab Atheists Magazine Group of other atheists non-religious Magazine Editorial or other atheists and non-religious contributors. The Magazine does not publish material that is unethical or that The Magazine does not publish unethical material amongst other incites that racism or bigotry things perpetuate incitement to racism or bigotry. The Editorial Board reserves the right to republish content The Editorial Board reservesonthethe right to republish contentgroup, originaloriginally published Magazine’s Facebook as ly publishing shared on our magazine’s Facebook page publishing there gives there implicitly contains consent for republication implicit consent to republish to the Magazine. in the Magazine

:‫موقع املدونة اخلاصة بنا لألرشفة على اإلنترنت‬ www.aamagazine.blogspot.com ‫البريد اإللكتروني‬ el7ad.organisation@gmail.com magazine@arabatheistbroadcasting.org


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.