مجلة الملحدين العرب / العدد الثامن والثمانون / مارس آذار / 2020

Page 1

‫مجلة شهرية بجهود فردية تصدر يف الثاين عرش من كل شهر‬

‫فكرة السعادة‪:‬‬ ‫ما بني الديني واإلنساين‬ ‫د‪.‬عبد العزيز القناعي‬

‫املعرفة‪ :‬ما هي؟ وكيف‬ ‫نحصل عليها؟‬

‫طائر حر‬

‫مسيلمة رحمن الياممة‪...‬‬ ‫الجزء الثالث واألخري‬

‫العدد الثامن والثامنون من مجلة امللحدين العرب للثاين عرش من شهر مارس ‪ /‬آذار لسنة ‪2020‬‬

‫مصطفى ح ّجي‬

‫ملحدا؟‬ ‫ملاذا ِص ُت ً‬ ‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫تهدف مجلّة امللحدين العرب إىل نرش وتوثيق أفكار امللحدين العرب املتنوعة وبحريّ ٍة كاملة‪ ،‬وهي مجلّ ٌة رقمي ٌة غري ربح ًّية‪ ،‬مبني ٌة‬ ‫أي توج ٍه سيايس‪ .‬املعلومات واملواضيع املنشورة يف املجلّة متثل آراء كاتبيها فقط‪ ،‬وهي مسؤل ّيتهم من‬ ‫بجهو ٍد طوعي ٍة ال تتبع َّ‬ ‫الناحية األدب ّية ومن ناحية حقوق النرش وحفظ امللك ّية الفكريّة‪.‬‬


‫كلمة تحرير املجلة‬

‫يُطل علينا شه ٌر جدي ٌد مح ّم ٌل بالقلق واملصائب والتحديات‪،‬‬ ‫ويبدو أن عام ‪2020‬م قد ش ّد العزم وقرر بجدي ٍة أن يجعل‬ ‫البرشية جمعاء تعيش حال ًة من التخبط والذعر‪ ،‬وال يخفى عىل‬ ‫ٍ‬ ‫أحد أن هذه الصعوبات واملشاكل واملخاطر عندما تثمر يف ٍ‬ ‫أرض‬ ‫خصب ٍة من وسائل التواصل االجتامعي الحديثة الغارقة يف ردود‬ ‫األفعال العاطفية غري الناضجة والتي ال تعري أي قيم ٍة للحقائق‪.‬‬ ‫ومن جه ٍة أخرى‪ ،‬فإن اإلعالم الكالسييك اليائس ِ‬ ‫العطش ألي‬ ‫اهتامم ومتابعة أي مشكل ٍة وإن كانت محتمل ًة‪ ،‬يح ّولها حينها إىل‬ ‫ٍ‬ ‫كارث ٍة طبيعي ٍة مهولة‪ ،‬ومن السهل ج ًدا أن يقودنا هذا جمي ًعا إىل‬ ‫قعر اليأس أو يرمي بنا إىل أمواج الذعر وعدم االستقرار؛ ولكن‬ ‫رش بطبعنا نتأثر أكرث باألفكار السلبية مقارن ًة‬ ‫ما ننساه هو أننا كب ٍ‬ ‫باألفكار اإليجابية‪ .‬ذلك محفو ٌر يف غريزتنا التي تطورت عرب ماليني‬ ‫السنني لتعطي أهمي ًة وأولوي ًة للمشاعر التي تساعدنا عىل البقاء‬ ‫مقابل املشاعر اإليجابية التي قد تودي بحياتنا‪ ،‬وكام يقول املثل‬ ‫أن الخرب اليسء يسافر أرسع من الخرب السار‪ .‬ما أحاول قوله هو‬ ‫أننا يجب ألّ نفقد قدرتنا عىل وضع األمور يف نصابها وحجمها‬ ‫الصحيحني وأن يكون لنا منظو ٌر متواز ٌن ملا يحدث وإن بدا أن‬ ‫الجميع ٌ‬ ‫غارق يف هذه املعمعة والفوىض والذعر‪.‬‬ ‫وعلم‬ ‫من واجبنا كأفرا ٍد نتمتع ‪ -‬أو نطمح أن نتمتع ‪-‬‬ ‫بوعي ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫وإدر ٍ‬ ‫اك لقيمة الحقائق أن نحافظ عىل التوازن يف مجتمعنا وأن‬ ‫نكون قو ًة تسهم يف الثبات ال املزيد من الضياع‪ ،‬وأن نواجه‬ ‫سيول الشائعات املُرضة لنا وملن حولنا بالحقائق والدعم اإليجايب‬ ‫وتثبيت األقدام بدل سحب السجادة من تحتها‪.‬‬

‫فريق التحرير‬

‫املشارك يف هذا العدد‬

‫رئيس التحرير‬ ‫الغراب الحكيم‬ ‫أعضاء هيئة التحرير وبناء املجلة‬ ‫‪John Silver‬‬ ‫أسامة البني (الوراق)‬ ‫‪Alia’a Damascéne‬‬ ‫غيث جابري‬ ‫‪Abdu Alsafrani‬‬ ‫‪Raghed Rustom‬‬ ‫‪Johnny Adams‬‬ ‫ليث رواندي‬ ‫‪Rama Salih‬‬ ‫إيهاب فؤاد‬ ‫‪Yonan Martotte‬‬ ‫‪RoRo Evil Girl‬‬

‫واجِهوا الذعر ور ّدات الفعل العاطفية فيكم‬ ‫قبل أن تواجهوها يف َمن حولكم ممن‬ ‫تح ّبون وتكرهون أن تحملهم أمواج الفوىض‬ ‫واملعلومات الخاطئة‪ ،‬حاولوا أن تكونوا‬ ‫أنتم املرساة التي تحافظ عىل املركب من‬ ‫إذا ما سمعت من يتكلم عن مؤامر ٍة كوني ٍة حا ِول أن تُق ّدم الغرق يف هذه العاصفة‪ .‬فجميعنا عىل هذا‬ ‫بعض الحقائق التي تص ّحح األفكار الخاطئة‪ .‬وإذا‬ ‫َ‬ ‫سمعت من القارب‪ ...‬واملرساة يف السفينة الغارقة تغرق‬ ‫ٍ‬ ‫ينرش‬ ‫أيضا‪.‬‬ ‫معلومات خاطئ ًة عن هذا املرض أو ذاك الفريوس ق ِّدم مع السفينة ً‬ ‫لهم املعلومات الصحيحة ليك تحد من الذعر‪ .‬حا ِولوا أن تكونوا‬ ‫ذالك العامل اإليجايب يف دائرتكم الصغرية ومجتمعكم األعم‪ .‬الغراب الحكيم‬ ‫‪2‬‬


‫الفهرس‬ ‫كلمة تحرير املجلة‬

‫‪2‬‬

‫الفهرس‬

‫‪3‬‬

‫فكرة السعادة ما بني الديني واإلنساين‬ ‫د‪ .‬عبد العزيز القناعي‬

‫‪4‬‬

‫املعرفة‪ :‬ما هي؟ وكيف نحصل عليها؟‬ ‫طائر حر‬

‫‪9‬‬

‫ٌ‬ ‫مقال يف ال ِدين‬ ‫‪Yusuf Askar‬‬

‫‪14‬‬

‫ملاذا ِص ُت ملحدً ا؟‬ ‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫‪21‬‬

‫عىل مقهى اآللهة‬ ‫وليد‬

‫‪36‬‬

‫مسيلمة رحمن الياممة‪...‬‬ ‫وما أدراك ما الرحمن! جـ ‪3‬‬ ‫مصطفى ح ّجي‬

‫‪52‬‬

‫كاريكاتور‬

‫‪62‬‬

‫مالحظة‪ :‬عناوين املقاالت هي روابط‪ ،‬انقروا عليها لتأخذكم مبارش ًة إىل املقال‬

‫‪3‬‬


‫فكرة السعادة ما بني الديني واإلنساين‬ ‫د‪.‬عبد العزيز القناعي‬

‫حدد اإلسالم رشوط البهجة والفرح والرسور والسعادة‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وتنبيهات مستمرة‪،‬‬ ‫ومحرمات دامئ ٍة‬ ‫محددات فقهي ٍة‬ ‫يف‬ ‫الغرض منها حبس املسلم ضمن أشكا ٍل محدد ٍة من‬ ‫وأيضا للحفاظ عىل اإلطار العام للعالقات‬ ‫السعادة‪ً ،‬‬ ‫الجنسية أو العالقات ما بني الرجال والنساء أو يف اإلطار‬ ‫العام للمجتمع ومؤسساته مبا يتعلق بالسلوك واألفكار‬ ‫والتعابري الفنية واألخالقية والسلوكية‪ ،‬سوا ٌء يف األماكن‬ ‫العامة أو الخاصة‪.‬‬

‫* أن نفرح بهدايتنا لإلسالم‪ ،‬الدين الخاتم واتّباعنا للرسول‬ ‫ٍ‬ ‫صل الله عليه وسلم‪ ،‬وأن الله تعاىل أنقذنا بذلك‬ ‫محمد ّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫الل َوب َر َ‬ ‫حتِهِ فبِذٰل ِك فل َيف َر ُحوا ه َو‬ ‫من النار‪﴿ :‬قل بِفض ِل ِ ِ‬ ‫َ ْ ٌ َّ َ ْ َ ُ َ‬ ‫خي مِما يمع‬ ‫ون﴾ (يونس‪.)58:‬‬ ‫* الفرح بنرص الله تعاىل للمؤمنني‪ ،‬وهزمية أعداء الدين‬ ‫ْ‬ ‫وتحقيق التمكني لدين الله يف األرض‪َ ﴿ :‬و َي ْو َمئ ِ ٍذ َيف َر ُح‬

‫ُْ ْ ُ َ‬ ‫َّ‬ ‫ون ‪ ٪‬ب َن ْ‬ ‫اء ۖ َو ُه َو الْ َعز ُ‬ ‫ص َم ْن ي َ َش ُ‬ ‫اللِ ۚ َينْ ُ ُ‬ ‫يز‬ ‫ص‬ ‫المؤمِن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الرح ُ‬ ‫َّ‬ ‫ِيم﴾ (الروم‪ ،)5-4 :‬وهو مع ًنى عزي ٌز عىل نفس املؤمن‬

‫فالقرآن املقدس لدى العرب واملسلمني حدد أنواع الفرح‬ ‫ٍ‬ ‫بثالث بحسب موقع بصائر عىل اإلنرتنت‪.‬‬

‫الصادق‪ ،‬ألنه يف شوقٍ‬ ‫حقيقي لهذا النرص‪ .‬وأما املنافق‬ ‫ٍّ‬ ‫فيُظهر الفرح بانتصار أعداء اإلسالم أو بهزمية املؤمنني‬ ‫والتضييق عىل الدعاة العاملني‪.‬‬

‫ديني ينفع املسلم يف دنياه‬ ‫ويتعلق بالفرح لتحصيل أم ٍر ٍّ‬ ‫وآخرته ومنه‪:‬‬

‫خي لصاحبه‪ ،‬كام أنه أبعد عن‬ ‫* الفرح املتوازن وهو ٌ‬ ‫إثارة الحسد والغيظ عند اآلخرين ممن مل يحصل عىل ما‬ ‫حصلت عليه‪.‬‬

‫فرح محمود‪:‬‬ ‫األول‪ٌ :‬‬

‫‪4‬‬


‫فكرة السعادة ما بني الديني واإلنساين‬

‫فرح مذموم‪:‬‬ ‫الثاين‪ٌ :‬‬

‫فرح مبا يُغضب الله أو مبا يرض‬ ‫ويف اإلجامل هو ٌ‬ ‫صاحبه خاص ًة يف اآلخرة ومنه‪ * :‬الفرح باملال الذي‬ ‫يؤدي بصاحبه إىل الطغيان واإلعراض عن ذكر الله‬ ‫ْ َ َ َ ُ َ ْ ُ ُ َ َ ْ َ ْ َّ َّ َ َ‬ ‫الل ل‬ ‫مثل قارون‪﴿ :‬إِذ قال ل قومه ل تفرح ۖ إِن‬ ‫ِب الْ َفرح َ‬ ‫ُي ُّ‬ ‫ِني﴾ (القصص‪.)76 :‬‬ ‫ِ‬ ‫* الفرح باملعصية كمن يفاخر بالزنا ويح ّدث مبا‬ ‫فعله‪.‬‬

‫والنوع الثالث‪:‬‬

‫محبب إىل نفوسنا أو تحقيق َ إنجا ٍز سعينا إليه يف أي أم ٍر من‬ ‫هو الفرح املباح وهو الفرح الذي يالزمنا عند تحصيل أم ٍر‬ ‫ٍ‬ ‫أمور الدنيا‪ ،‬ومنه ما ورد يف حديث الرجل الذي وجد دابته بعد أن أضاعها‪:‬‬ ‫وب إِلَ ْي ِه ِم ْن أَ َح ِدكُ ْم كَا َن َع َل َر ِ‬ ‫شابُ ُه‬ ‫«�لَلَّ ُه أَشَ ُّد فَ َر ًحا ِبتَ ْوبَ ِة َع ْب ِد ِه ِح َني يَتُ ُ‬ ‫احلَ ِت ِه ِبأَ ْر ِض ف َ​َل ٍة فَانْ َفلَتَ ْت ِم ْن ُه َو َعلَ ْي َها طَ َعا ُم ُه َو َ َ‬ ‫َاضطَ َج َع ِف ِظلِّ َها قَ ْد أَي َِس ِم ْن َر ِ‬ ‫احلَ ِت ِه فَ َب ْي َنا ُه َو كَ َذلِ َك إِذَا ُه َو ِب َها ق َِائَ ًة ِع ْن َد ُه فَأَ َخ َذ ب ِ​ِخطَا ِم َها ث ُ َّم‬ ‫فَأَي َِس ِم ْن َها فَأَ َت شَ َج َر ًة ف ْ‬ ‫ق َ​َال ِم ْن ِش َّد ِة الْ َف َر ِح اللَّ ُه َّم أَنْ َت َع ْب ِدي َوأَنَا َربُّ َك أَ ْخطَأَ ِم ْن ِش َّد ِة الْ َف َر ِح» (رواه البخاري)‪.‬‬ ‫أيضا ولكن بحسب هيمنة املؤسسات الدينية ورجال الدين عىل‬ ‫وبهذا املستوى‪ ،‬قد يزيد ً‬ ‫قليل يف التحريم وقد يتناقص ً‬ ‫متعارض متا ًما مع طاقة اإلنسان ومشاعره التي ت ُظهر السعادة يف‬ ‫املجتمع‪ ،‬نرى أن الفرح والسعادة باملفهوم اإلسالمي‬ ‫ٌ‬ ‫أشكا ٍل مختلف ٍة وغريب ٍة وحتى غري متوقع ٍة يكون فيها اإلنسان ح ًرا ومتوافقًا مع ذاته وعاطفته ومسؤوليته‪.‬‬ ‫بينام تخضع ثقافة الفرح والسعادة يف غالبية مجتمعاتنا تحت أط ٍر وقوانني ميكن إجاملها بالثوابت والتابوهات املحرمة‬ ‫منذ قديم الزمان‪ ،‬وهي الجنس والدين والسياسة‪.‬‬ ‫فتاريخ مجتمعاتنا العربية ٌ‬ ‫غارق بالبؤس والحرمان والتطرف الناتج عن الكبت والقمع واالستبداد‪ ،‬فقد امتأل بالتحرشات‬ ‫الجنسية واالغتصابات وزنا املحارم والبيدوفيليا وعالقات الرس والخفاء عىل طول الوطن العريب وعرضه‪.‬‬ ‫فوض جنسي ٍة مبقابل الكبت العام أو مخالفة قوانني مجتمعاتنا‪ ،‬ولكن بالتأكيد ندعو إىل إعادة‬ ‫وهنا ال ندعو بالتأكيد إىل ً‬ ‫النظر يف مفاهيم السعادة والعالقات العاطفية وإعطاء الرجل واملرأة الحق يف الحرية الفردية يف وضح النهار بدلً من‬ ‫التخفّي تحت أستار الليل والخوف من الفضيحة ومباحث اآلداب ومقصلة الوعي الجمعي املثقل بالوصاية والعقاب‬ ‫الشديد لكل من يخرج عن نطاق العيب والحرام‪.‬‬ ‫‪5‬‬


‫فكرة السعادة ما بني الديني واإلنساين‬ ‫وعاطفي‬ ‫ونفيس‬ ‫طبيعي‬ ‫ديني يكفي اإلنسان يف العرص الحديث أن يعيش حياته باستقرا ٍر‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍّ‬ ‫فهل الفرح املحدد بشكلٍ ٍّ‬ ‫خصوصا أن الفرح املباح ال يذكر قيمة‬ ‫ألنه مؤم ٌن فقط أو ألنه يؤ ّدي الطقوس الدينية أو يهدي فر ًدا آخر إىل اإلسالم؟!!‬ ‫ً‬ ‫السعادة العاطفية وإمنا يُرجعها إىل أشكا ٍل تقليدي ٍة مل تعد تدخل ضمن مفهوم السعادة بالشكل اإلنساين الحديث مثل‬ ‫أصل للجامعة الدينية‪،‬‬ ‫أعامل الخري املحددة ً‬ ‫أو يُرجعها إىل السكن الزوجي لتفريغ الطاقة الجنسية‬ ‫وفق ضوابط وتقاليد غال ًبا ما تكون قمعي ًة وال إرادي ًة‪،‬‬ ‫بل يف بعض الدول ال يكون للمرأة الحق يف الرفض أو‬ ‫االختيار ألنها يف النهاية ووفق املنظور الفقهي عور ٌة‬ ‫وناقصة عقلٍ وال يجب أن يكون لها السلطة واإلرادة‬ ‫والسعادة الجنسية واالرتباط مبن تحب وتقبل به‪،‬‬ ‫ناهيك عن االرتباط ما قبل الزواج الذي يعترب من أشد‬ ‫الكبائر واملحرمات لدى الحكومات العربية والفقهاء‪.‬‬ ‫ورغم أن الدين ال ميكن أن يقلل أو يحبط العالقات‬ ‫الجنسية تحت أي مس ًمى ويف أي مكانٍ نظ ًرا الرتباط‬ ‫الجنس كغريز ٍة فطري ٍة بتكوين اإلنسان نفسه‪.‬‬ ‫فهذه الشابة الباكستانية (سابيكا خان) التي هزت‬ ‫مواقع التواصل االجتامعي بعد اعرتافها عن تعرضها‬ ‫للتحرش الجنيس وهي يف مكة أثناء قيامها مبناسك‬ ‫الحج قد أكدت أن الجنس غريز ٌة ال ميكن قمعها حتى‬ ‫يف أشد األماكن قداس ًة‪.‬‬

‫سابيكا خان‬

‫ٍ‬ ‫تحرشات جنسي ٍة وقعت يف موسم الحج حصلت‬ ‫كام ونرشت محطة يب يب يس الربيطانية عىل موقعها العريب تقري ًرا حول‬ ‫مع فتا ٍة تدعى (آنجي أنجوين) وأختها حول تع ّرضهام للتحرش مبوسم الحج يف عام ‪.2010‬‬ ‫باإلضافة إىل ما ذكرته صحيفة الدييل ميل يف فرباير ‪ 2018‬كمقا ٍل للسيدة سارة مالْم (‪ )Sara Malm‬عن ٍ‬ ‫قصص لنسا ٍء‬ ‫ٍ‬ ‫مسلامت من شتى أنحاء العامل تع ّرضن للتحرش الجنيس يف مكة داخل الحرم أثناء الطواف‪.‬‬ ‫إن السعادة والفرح والبهجة‪ ،‬جميعها صو ٌر إنساني ٌة بإمكانها خلق التواصل والتعايش والحب‪ ،‬فيمكنك أن تعشق من‬ ‫ابتسام ٍة وأن تستلهم فكر ًة أو قصيد ًة أو لحظة غر ٍام من حالة فر ٍح وانسجام‪ ،‬وبإمكانك أن تخفف األمل وتضمد الجراح‬ ‫العاطفية بابتسام ٍة وحضنٍ وقبلة‪.‬‬ ‫‪6‬‬


‫فكرة السعادة ما بني الديني واإلنساين‬ ‫وبإمكانك أن تقلل خسائر الحروب والكوارث بالوقوف مع املصابني ودعمهم عاطف ًيا وإنسان ًيا‪.‬‬ ‫علينا اليوم أن نفهم أن مفهوم السعادة ال يجب حرصه ٍ‬ ‫فقهي قد انتهى مع زمانه ومل يعد قاد ًرا عىل تقديم‬ ‫ديني أو ٍّ‬ ‫بإرث ٍّ‬ ‫السعادة الحقيقية لإلنسان يف مجتمعاتنا العربية واإلسالمية‪ .‬فالسعادة بنظر إفالطون‬ ‫«يجب أن تقوم عىل نو ٍع مع ٍني من التناغم واالنسجام بني الرغبات واألهداف يف حالة تعددها»‪،‬‬ ‫ويعد إفالطون السعادة هي الخري األسمى‪ .‬بينام يف كتاب األخالق لسبينوزا يقول بأن السعادة‬ ‫«هي الغبطة التي ندركها حينام نتحرر من عبودية األهواء ومن الخرافات واألحكام املسبقة»‪.‬‬ ‫فالسعادة هي شعو ٌر ممك ٌن دامئًا وغري محصو ٍر بفت ًوى أو عصا الرشطي أو قانونٍ للدولة‪.‬‬ ‫السعادة ال تكمن يف الطعام والرشاب والجنس فقط‪ ،‬بل هي بهجة الحياة حينام نرى الوجود الكوين واإلنساين ينساب‬ ‫بني أحالمنا وضحكاتنا‪ ،‬وحينام نسعد مع سعادة اآلخرين وأفراحهم‪،‬‬ ‫وحينام نحظى بحضنٍ دافئٍ ينسينا آالم اليوم والعمل‪،‬‬ ‫وحينام نقدم املساعدة من أجل مسح الدموع وتعليم البنات ومنع األذى عن األطفال‪،‬‬ ‫وحينام نسعد بكل تغيريٍ نفعله يف العقول والنفوس واألفكار‪.‬‬

‫‪7‬‬


http://arabatheistbroadcasting.com/aamagazine https://www.aamagazine.blogspot.com https://www.facebook.com/pages/AAMagazine/498136386890299 https://issuu.com/928738

8


‫املعرفة‪ :‬ما هي؟‬ ‫وكيف نحصل عليها؟‬

‫طائر حر‬

‫هذه نقطة ٍ‬ ‫خالف واضح ٌة بشكلٍ عا ٍّم بني‬ ‫املؤمنني باألديان وغري املؤمنني بها‪.‬‬ ‫لست يف موقف دفا ٍع ها هنا عن ٍ‬ ‫طرف ضد‬ ‫طرف‪ ،‬ولكنه نق ٌد للتطرف يف كال االتجاهني‪.‬‬ ‫فبالفعل يُرص بعض امللحدين عىل أننا‬ ‫نولد بعقلٍ فار ٍغ متا ًما يتعلم كل يش ٍء‬ ‫من الخارج بعد امليالد‪ ،‬وال ينبغي لنا‬ ‫أن نص ّدق ونعتقد إال فيام تراه أعيننا‬ ‫وتلمسه أيدينا بشكلٍ مبارش‪.‬‬

‫‪9‬‬


‫املعرفة‪ :‬ما هي؟‬ ‫وكيف نحصل عليها؟‬ ‫طائر حر‬

‫بينام يقول الكثري من املتدينني بحصيل ٍة معرفي ٍة ضخم ٍة نولد بها يس ّمونها أحيانًا «الفطرة»‪ ،‬تعلو يف أهميتها وصدقها ما‬ ‫نلمسه من واقع‪ ،‬باإلضافة إىل مصادر أخرى صادق ٍة غري ملموس ٍة للمعرفة يس ّمونها الحدس والبديهة واإللهام‪.‬‬

‫ً‬ ‫أول‪ ،‬جز ٌء كب ٌري من الخالف ينحرص يف تعريف الكلمة‪ :‬املعرفة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫تعريف محد ٍد للمعرفة‬ ‫لألسف لن تفيدنا املعاجم والقواميس كث ًريا يف حل هذا الخالف ألنه حتى يف حال االتفاق عىل‬ ‫ٍ‬ ‫شخص ويحذف منه ويعدل فيه ثم يدعوه بكلم ٍة أخرى ومن ثم يجادل بنا ًء عىل‬ ‫ميكن ببساط ٍة أن يضيف إليه أي‬ ‫مفهومه الجديد‪ .‬غري أن معاين الكلامت واملقصود بها ليس بالتعريف القامويس ولكنه باملنترش بني الناس‪ .‬ومبا أن الناس‬ ‫ٍ‬ ‫عىل ٍ‬ ‫طريق مسدود‪ .‬لذلك يلزم مراعاة‬ ‫خالف فيام تعنيه حقًّا الكلمة‪ ،‬فيبدو أن الحكم انطالقًا من‬ ‫تعريف ٍ‬ ‫صارم محدد‪ٌ ،‬‬ ‫مرونة املفهوم واألخذ يف االعتبار االحتامالت املتعددة ملا ميكن أن يشمله ويقصيه‪.‬‬ ‫ثان ًيا‪ ،‬بعد تجاوز نقطة التعريف‪ ،‬وبنا ًء عىل ما هو متوف ٌر من معلومات‪ ،‬فإذا كانت املعرفة تشمل املهارات العقلية‬ ‫فبالتأكيد نحن نولد بيش ٍء من ذلك‪ ،‬لهذا ال يصدق القول بأننا نولد بحصيل ٍة معرفي ٍة صفرية‪ .‬ولكن هل املهارات العقلية‬ ‫ٍ‬ ‫مبعلومات محدد ٍة واضح ٍة عن العامل‪،‬‬ ‫ميكن أن متدنا‬ ‫أم أنها مجرد استعدا ٍد لتلقّي املعلومات الخارجية وفهمها واستيعابها؟‬ ‫ﺑﺮوﻛﺎ‬ ‫ﭬﻧﻧﻴﻚ‬ ‫ٌ‬ ‫مثال أراه مالمئًا ج ًّدا هو اللغة‪ .‬حسب املثبت من العلم الطبيعي أنه‬ ‫توجد مناطق من الدماغ مسؤول ٌة عن تسهيل تعلمنا للّغات الطبيعية‬ ‫واستخدامها اليومي مثل منطقتي بروكا ‪ Broca‬وفرينيك ‪،Wernicke‬‬ ‫بعطب أو خللٍ يف هاتني املنطقتني تتأثر بالسلب قدرتهم عىل‬ ‫فاملصابون‬ ‫ٍ‬ ‫فهم الرتاكيب اللغوية وإنتاجها‪ .‬ولكن هل هذا يعني أننا نولد متعلمني‬ ‫للّغات؟‬

‫اﳌﺆﺧﺮة‬

‫ﻣﻨﻈﺮ ﺟﺎﻧﺒﻲ ﻣﻦ اﻟﻴﺴﺎر‬

‫اﳌﻘﺪﻣﺔ‬

‫فصحيح أن جميع مفردات اللغة نكتسبها بالتعلم ولذلك مع االختالف‬ ‫الواقع يقول بغري ذلك ولكن ليس بشكلٍ حاسم‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫الجذري ملفردات لغ ٍة ما عن أخرى‪ ،‬تتطلب كل لغ ٍة تعلم مفرداتها الخاصة ليفهمها اإلنسان ويستطيع التواصل بها‪.‬‬ ‫ولكن عىل الجانب اآلخر تشري الكثري من الدراسات إىل أن الرتاكيب اللغوية وقواعدها النحوية تتشابه يف جميع اللغات‬ ‫الطبيعية أو معظمها كأنها ترث أمناطًا محدد ًة مع نشأتها املستقلة تاريخ ًّيا‪ .‬والتفسري األكرث رجحانًا لهذا هو أن األدمغة‬ ‫التي أنتجت هذه اللغات «أدمغة البرش» مصمم ٌة لتتعامل مع هذه األمناط املحددة بشكلٍ خاص‪.‬‬ ‫‪10‬‬


‫املعرفة‪ :‬ما هي؟‬ ‫وكيف نحصل عليها؟‬ ‫طائر حر‬

‫هذا املثال يطرح الكثري من األسئلة‪ ،‬من أهمها ألجل غايتنا‪:‬‬ ‫هل معنى أن دماغ اإلنسان مهيأٌ لتكوين واستيعاب ٍ‬ ‫أمناط لغوي ٍة‬ ‫بعينها دون الباقي من العدد الالنهايئ ملا ميكن أن يو َجد من ٍ‬ ‫أمناط‬ ‫تستطيع كائناتٌ اجتامعي ٌة استخدامها للتواصل‪ ،‬إن هذه األمناط‬ ‫مثل‪،‬‬ ‫خاص كأن تتبع أنساقًا رياضي ًة مثالي ًة ً‬ ‫مميز ٌة طبيعيًّا بشكلٍ ٍّ‬ ‫فيوجد بذلك ما ميكن تسميته «معرف ٌة لغوي ٌة فطرية» ترقى‬ ‫لتكون معرف ًة مجرد ًة مرتبط ًة بقواعد الرياضيات واملنطق؟ إىل‬ ‫هنا وتعجز حصيلتي املعرفية عن اإلجابة عىل هذا السؤال‪ ،‬لكن‬ ‫ال أرى شيئًا يدعونا إىل رفض هذا بالكلية أو التشبث به‪.‬‬ ‫وبهذا نصل إىل الباعث الرئييس لنبذ التطرف يف هذا الشأن وهو أننا ما زلنا ال نعلم يقي ًنا بشكلٍ واض ٍح حجم ونوعية‬ ‫وملكات ومهار ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ما نولد به من قدر ٍ‬ ‫ات عقلي ٍة ميكن أن تقع تحت تعريف املعرفة‪.‬‬ ‫ات‬ ‫وأما إذا كانت املعرفة هي املعلومات الرصيحة وليست الضمنية وبهذا ال تشمل املهارات العقلية الطبيعية‪ ،‬فإن الجدل‬ ‫يكاد يكون محسو ًما‪ .‬فمعرفة الطفل لكيفية الرضاعة ومعرفة أسامك القرش املولودة حديثًا لكيفية السباحة دون تَ َعل ٍُّم‬ ‫ال تعني إملامهم مباهية أي يش ٍء عن العامل الخارجي وإمنا األمر نزعاتٌ سلوكي ٌة مربمج ٌة مسبقًا دون معرف ٍة حقيقية‪ ،‬واألمر‬ ‫أيضا عىل مثال اللغة‪.‬‬ ‫ينطبق ً‬ ‫صحيح أن البديهة والحدس وما‬ ‫ثالثًا وهو األهم‪ ،‬ما هو املنهاج الذي ينبغي علينا أن نتبعه لتحصيل املعرفة الصادقة؟‬ ‫ٌ‬ ‫فمثل استخدم قدماء‬ ‫أيضا ميكن أن تؤدي إىل أوهام‪ً .‬‬ ‫يشابههام من مفاهيم ميكن أن تؤدي إىل معرف ٍة صادقة‪ ،‬ولكنها ً‬ ‫الفالسفة يف اليونان حدسهم وبديهيتهم يف تحديد العنارص املادية األساسية يف الطبيعة‪ ،‬وبعد التناوب بني االنتصار للامء‬ ‫كمكونٍ أو ٍّيل لكل يش ٍء وتار ٍة أخرى الهواء‪ ،‬استقروا‪ ،‬أو كادوا‪ ،‬عىل أن كل املوجودات املادية تتكون من ٍ‬ ‫خليط من أربعة‬ ‫عنارص أساسي ٍة هي العنارص األصلية يف الطبيعة‪ :‬املاء‪ ،‬والهواء‪ ،‬والرتاب‪ ،‬والنار‪.‬‬ ‫وهذه النظرية «إن جاز لنا أن نس ّميها نظرية» انترشت وشاعت عرب التاريخ والجغرافيا إىل يومنا هذا‪ .‬وكام نعرف‬ ‫رص أو يزيد‪ ،‬ميثل العنارص املادية األساسية للموجودات‬ ‫جمي ًعا اآلن أن الجدول الدوري الذي يضم ما يربو عىل املائة عن ٍ‬ ‫مركب من عنرصين هام األكسجني والهيدروجني وأن‬ ‫الطبيعية (من وجهة نظر الفيزياء الكالسيكية)‪ ،‬واتضح أن املاء هو ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫أيضا‬ ‫ُعب عن م ًدى واسعٍ من عدة‬ ‫أخالط من العنارص والجزيئات الغازية وأن الرتاب ً‬ ‫الهواء هو كلم ٌة عام ٌة ميكن أن ت ّ‬ ‫تفاعل كيميايئ‪.‬‬ ‫رص ولكنها ٌ‬ ‫كذلك‪ ،‬وأن النار ليست بعن ٍ‬ ‫‪11‬‬


‫املعرفة‪ :‬ما هي؟‬ ‫وكيف نحصل عليها؟‬ ‫طائر حر‬

‫تفصيل‪ ،‬خاص ًة عىل املستوى الباطن الذي ال نعيه والذي ميثل‬ ‫ً‬ ‫لهذا‪ ،‬فمع اإلقرار بجهلنا بعقولنا وأدمغتنا وآليات عملها‬ ‫أيضا بوجود الحدس الذي ميثل وج ُه ُه النموذجي من‬ ‫أضعاف أضعاف أضعاف ما ميكن أن نعيه باالستبطان‪ ،‬ومع اإلقرار ً‬ ‫الحدس الريايض (وأضمن لك عزيزي القارئ الكثري من املتعة يف البحث يف هذا)‪ ،‬إال أن املعرفة ليك تكون‬ ‫وجهة نظري‬ ‫َ‬ ‫رص ٍ‬ ‫واحد ال ينبغي أن يجادل يف أهميته إال املجانني وهو‪« :‬الدليل»‪.‬‬ ‫صادق ًة أكيدةً‪ ،‬تحتاج لعن ٍ‬ ‫دليل بالطبع وإال ملا احتاجت الحدسيات الرياضية إىل براهني‪.‬‬ ‫والحدس يف حد ذاته ال يُع ّد ً‬ ‫ٍ‬ ‫عب يف شكلها البسيط عن ٍ‬ ‫معلومات معروف ٍة مسبقًا بالفعل‪ ،‬وبهذا‬ ‫آليات الستنباط حقائق جديد ٍة من‬ ‫أما البديهة‪ ،‬فتُ ّ‬ ‫رش عىل مصادر املعلومات األولية ومدى صدقها‪.‬‬ ‫فإ َّن ِصدق نتائج البديهة يعتمد بشكلٍ مبا ٍ‬ ‫شخص ما بأنني «أعلم أن الله‬ ‫رصح‬ ‫ٌ‬ ‫قد يكون رأيي األخري هذا يف البديهة خاطئًا‪ ،‬ولكن حسب ما أرى ال يجوز أن ي ّ‬ ‫موجو ٌد بالبديهة» ويسكت‪.‬‬ ‫فهذه سفسط ٌة فارغة‪ ،‬وإال لصارت البديهة مرادفًا للمشاعر الشخصية‪ ،‬واالستدالل باملشاعر الشخصية هو أكرث أنواع‬ ‫االستدالل جدار ًة بالشفقة والرثاء‪.‬‬

‫ﻣﻦ ﻧﺤﻦ؟‬ ‫ﻧﺤﻦ ﻣﺠﻤﻮﻋﻪ ﻣﻦ ﻣﺴﻠﻤني ﺳﺎﺑﻘني وﻣﺴﻠﻤني ﺑﺪرﺟﺎت ﻣﺘﻔﺎوﺗﻪ ﻣﻦ اﻟﺘﺪﻳﻦ‪.‬‬ ‫ﻣﺎذا ﻧﺮﻳﺪ؟‬ ‫ﻧﺮﻳﺪ أن ﻧﺠﺪ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ‪ ،‬ﻣﻬام ﻛﺎﻧﺖ‪ ،‬و أن ﻧﺤﺎرب ﻣﻦ أﺟﻞ ﺣﻘﻨﺎ ﰲ اﺗﺒﺎﻋﻬﺎ‪،‬‬ ‫ﻧﺮﻳﺪ أن ﻧﺨﻠﻖ ﻣﻜﺎﻧﺎ آﻣ ًﻨﺎ ﻟﻠﻨﺎس ﻟﻴﺘﺒﺎدﻟﻮا ﻓﻴﻪ اﻷﻓﻜﺎر اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻠﻤﻨﺎ أﻻ ﻧﺘﺤﺪث ﻋﻨﻬﺎ‪،‬‬ ‫ﻧﺮﻳﺪ أن ﻧﺴﺎﻧﺪ ﺑﻌﻀﻨﺎ وﻧﺴﺎﻋﺪ ﺑﻌﻀﻨﺎ ﻋﲆ ﻣﻮاﺟﻬﺔ أﺳﺌﻠﺔ اﻷﻫﻞ واﳌﺠﺘﻤﻊ‪ ،‬وﺗﻜﻮﻳﻦ إﺟﺎﺑﺎت ﻟﻬﺎ‪،‬‬ ‫ﻧﺮﻳﺪ أن ﻧﻌﻄﻲ اﻟﻼدﻳﻨﻴني )ﺳﻮاء ﻣﻠﺤﺪﻳﻦ‪ ،‬رﺑﻮﺑﻴني أو ﻏريﻫﻢ( ﰲ اﻟﺒﻼد اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺻﻮﺗ ًﺎ ﻷﻧﻬﻢ‬ ‫ﺳﻴﻘﺘﻠﻮن إذا ﻋﻠﺖ أﺻﻮاﺗﻬﻢ‪.‬‬

‫‪12‬‬

‫مسلمش |‬

‫‪www.muslimish.com‬‬


https://www.facebook.com/groups/arbangroup/

13


‫ٌ‬ ‫مقال يف ال ِد ين‬ ‫‪Yusuf Askar‬‬

‫مقدمة‪:‬‬ ‫ليس الدين محض صدفة‪ ،‬وال هو مسأل ٌة طارئ ٌة يف‬ ‫حياتنا‪ ،‬وال حدثٌ عاب ٌر يتعلق بتجرب ٍة برشي ٍة عابر ٍة‬ ‫يف رحل ٍة ما من تاريخنا يف هذا العامل‪ ،‬إنه وليد العقل‬ ‫اإلنساين وصنيعته واملنتَج الطبيعي لبيئته‪.‬‬ ‫قد بدأ بشكلٍ ما لدى اإلنسان القديم متامه ًيا معه يف‬ ‫مدركاته ومالحظاته للحياة والكون من حوله‪ ،‬حتى سيطرته‬ ‫عليه!‬ ‫كانت مغامر ًة منه‪ ،‬أي اإلنسان السالف‪ ،‬محاول ٌة لفهم كيف‬ ‫تسري األشياء حوله‪ ،‬ولتبديد فضوله وطرد مخاوفه‪ ،‬وتلبي ًة‬ ‫لحاجاته وميوله وغرائزه‪ ،‬فتطور الدين بتطور العقل اإلنساين‬ ‫ومر بتحوالته وقفزاته بد ًءا من أشكالها الدنيا مرو ًرا بارتقائه‬ ‫السلّم الحضاري وحتى حداثته‪،‬‬ ‫‪14‬‬


‫ٌ‬ ‫مقال يف ال ِد ين‬ ‫‪Yusuf Askar‬‬

‫فكان الرفيق املالزم للذهنية البرشية يف غالب أفكارها وفلسفتها وحصيلتها املعرفية العتيدة‪ ،‬أما والحال هذه‪ ،‬والفكر‬ ‫والدين صنوان‪ ،‬فقد شغل حي ًزا ومساح ًة واسع ًة من الجداالت العقلية والفلسفية و«الدينية الدينية» يف ميادين املعرتك‬ ‫النقايش اإلنساين‪.‬‬ ‫فاحصا للدين و ُمراج ًعا‪ ،‬والبعض اآلخر كان حافظًا و ُمداف ًعا معززًا له وخاد ًما‪.‬‬ ‫ً‬ ‫بعضهم كان ثائ ًرا متمر ًدا‬ ‫متسائل‪ً ،‬‬ ‫وهنا سوف لن أتناول الظاهرة الدينية من حيث األصل والنشأة‪ ،‬واألسباب والتفاصيل التي شكّلت منطلقاتها األوىل‬ ‫وفحصا‪ ،‬إمنا أحببت عرض الدين وبإيجا ٍز ٍ‬ ‫كنمط واتجا ٍه ملجموع ٍة‬ ‫وبواعثها‪ ،‬فهناك من أعطى هذا الجانب حقه بحثًا‬ ‫ً‬ ‫من األفراد املرتبطني برابطه واملتمسكني بعروة وثائقه‪ ،‬والسلوكيات األخالقية واآلثار املرتتبة عنها يف حياة الفرد اإلنساين‬ ‫وفاحصا وناق ًدا‪ ،‬وبيش ٍء من الترصف‪،‬‬ ‫نقل ألفكار من تطرق لهذه الزاوية شار ًحا‬ ‫واملجتمع ككل‪ ،‬وهذا العرض هو ٌ‬ ‫ً‬ ‫أنه الفيلسوف األملاين‪/‬األمرييك آريك فروم‪ ،‬والذي قام بتأليف عدة‬ ‫ُتب لعل من أهمها كتابه (التحليل النفيس والدين)‪ ،‬حيث استحوذ‬ ‫ك ٍ‬ ‫هذا الكتاب املهم عىل إعجاب الكثريين ملا فيه من مالمس ٍة لواقعنا‪،‬‬ ‫بأسلوب سهلٍ ممتعٍ يشبع ظأم‬ ‫وتحليلٍ لحارضنا وقراء ٍة ملستقبلنا‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫وبنهم للمعرفة والفهم‪.‬‬ ‫العقل ال ُحر الساعي‬ ‫ٍ‬ ‫فقد قسم الكاتب الدين يف سريورته إىل قسمني‪ :‬دي ٌن إنساين ودي ٌن‬ ‫كل منهام بصفته وفعاليته ال من تو ّجهه‬ ‫تسلّطي‪ ،‬وهو بدوره يصف ً‬ ‫الشخيص وميله ألحدهام عىل اآلخر‪ ،‬وللقارئ ال ُحر املجال للتفكر بها‬ ‫إذ هي حوله ال تزال قامئ ًة وفاعل ًة حتى اللحظة‪ ،‬ولهذا اقتىض التنويه!‬

‫الدين اإلنساين‪:‬‬ ‫هو دي ٌن يتمحور يف جوهر فكره عن اإلنسان وق ّوته وقدرته عىل فهم نفسه‪ ،‬إضاف ًة لقدراته الذاتية عىل الفهم والتحصيل‬ ‫سعي حثيثٌ نحو السمو والتعايل الروحي اإلنساين من أجل بناء قواه الشخصية‪،‬‬ ‫املعريف ّ‬ ‫وتبي الحقائق الحياتية من حوله‪ٌ ،‬‬ ‫وكينونته الخاصة به‪ ،‬هادفًا لجعل اإلنسان يرى املحيط به بعني املحبة واالحرتام‪ ،‬والرغبة بالتعايش السلمي ٍ‬ ‫بنمط‬ ‫تضامني مع الطبيعة وكافة مكوناتها وأشكالها األخرى‪.‬‬ ‫يل‬ ‫تكاف ٍّ‬ ‫ٍّ‬ ‫‪15‬‬


‫ٌ‬ ‫مقال يف ال ِد ين‬ ‫‪Yusuf Askar‬‬

‫الدين اإلنساين يركّز عىل اإلنسان نفسه‪ ،‬وترقية روحه وسمو آماله وتطلعاته‪ ،‬وسعادته الداخلية النابعة من عقله وقلبه‪.‬‬ ‫واإلله فيه يرمز للقوة يف اإلنسان‪ ،‬للقدرات الروحية واملعرفية التي يتحصل عليها يف حياته فتكون هي مصدر ق ّوته‬ ‫وانطالقته يف هذا العامل‪.‬‬ ‫واألديان اإلنسانية نرى مالمحها عرب ديانات املرشق األقىص كمثل الديانة الطاوية والكونفشيوسية والبوذية‪ ،‬هذه‬ ‫الديانات التي تنشد استنارة الروح اإلنسانية والسالم والطأمنينة مع النفس والناس والعامل‪.‬‬

‫الدين التسلّطي‪:‬‬ ‫يقوم هذا الدين وبشكلٍ‬ ‫أسايس عىل مبدأ إخضاع‬ ‫ٍّ‬ ‫اإلنسان وإذالله واستعباده وجعله يتقبل التبعية بكل‬ ‫أريحي ٍة ورِضا! تحت وطأة ق ًوى كوني ٍة ما أعىل منه‪،‬‬ ‫ساموي ٌ‬ ‫خارق للعادة وبشكلٍ خرا ٍّيف متفوقٍ عليه‬ ‫كائ ٌن‬ ‫ٌّ‬ ‫وأكرث قو ًة منه‪ .‬هذا الدين ميارس دوره هذا بهدف خلق‬ ‫إنسانٍ ُمذعنٍ وطائعٍ ومن ثم إرغامه ج ًربا عىل الخضوع‬ ‫التام لها وعدم معصيته‪ .‬فتكون الفضيلة فيه الطاعة‬ ‫واالتّباع األعمى له واالنسياق خلفه واالستحواذ التام‬ ‫والكامل عليه واستالب عقله وروحه وجسده وتطويعها‬ ‫له ليكون عب ًدا لها‪ ،‬بدلً عن االرتقاء والسمو يف الحس‬ ‫والعقل اإلنساين وروحه الحرة‪.‬‬ ‫والخطيئة يف هذا الدين تكون مبعصيته والتمرد عليه‪ ،‬أو حتى مجرد الشك بجدواه ورجاحته وعقالنيته وصالحيته لإلنسان والعقل‬ ‫البرشي‪ ،‬ونتيج ًة لهذا كله فقد أفرز الدين التسلّطي عد ًدا من العوامل النفسية الخطرية التي قط ًعا ستُالحظون أثرها حولكم!‬ ‫فاإلنسان يف الدين التسلطي وجد نفسه أمام فكرة اإلله املُطلق الك ُّل والكامل‪ ،‬وهو أمامه ال يشء‪ ،‬قيم ٌة ُدنيا ال تساوي جناح‬ ‫بعوضة! فاستصغر اإلنسان قيمته أمامه‪ ،‬وتنامت دونيته حتى متلّكته عقدة النقص والعجز التام أمام هذا الدين وكائنه الساموي‬ ‫املُهيب!‬ ‫األمر األخطر هنا أن هذا اإلنسان املُهان يف إنسانيته ما فتىء يوهم نفسه والناس من حوله أنه كائ ٌن طبيعي ج ًدا وغري متوهم‪،‬‬ ‫وقوي وسط كل ُعقد النقص واملكانة املتدنية التي زرعها الدين التسلطي يف نفسه!‬ ‫وأنه عزي ٌز ٌ‬ ‫فأدت املامرسة اإلنسانية لهذا الدين إىل خلق وجهني له‪ ،‬وكالهام أبشع من اآلخر!‬ ‫‪16‬‬


‫ٌ‬ ‫مقال يف ال ِد ين‬ ‫‪Yusuf Askar‬‬

‫الوجه األول‪:‬‬

‫ساموي كاألديان التوحيدية‪.‬‬ ‫وج ٌه ماورا ٌيئ‬ ‫ٌ‬

‫الوجه الثاين‪:‬‬

‫أريض دنيوي‪ ،‬مثل تحول الدولة أو العرق أو اإليديولوجيا السياسية أو الحزب القائد للمجتمع والقائد الرمز املُلهم‬ ‫وج ٌه ٌ‬ ‫إىل درجة األلوهية املقدسة واملعبود الذي يسلّم له اإلنسان كل يشء‪ ،‬تحت شعار ٍ‬ ‫ات يتم بها حشو دماغه كالوطنية‪،‬‬ ‫فيكون مستع ًدا للتضحية بكل يش ٍء يف سبيل الوطن دون السؤال عن أسباب وخلفيات هذه التضحية وصحة موقفها‬ ‫أيضا عىل التعصب‬ ‫وموقفه الشخيص منها‪ ،‬أو التساؤل عام سوف يحصد أثر هذه التضحية بالنهاية‪ ،‬وهذا ينسحب ً‬ ‫العرقي والقبيل واملذهبي والقومي التي ميكن أن ينساق خاللها اإلنسان إىل مواقف ال يفهمها‪ ،‬وإىل ٍ‬ ‫موت ال يشعر به!‬ ‫وكاستطرا ٍد جانبي فموجة ُسعار الوطنية املتفشية لدينا يف ُدولنا هي ٌ‬ ‫حي عىل هذا الوجه الدنيوي لألديان‬ ‫مثال ٌّ‬ ‫التسلطية‪ ،‬فقد استبدلنا نحن بالسعودية التشدد الديني والصالفة الصحوية مبا يسمى بالفاشية الوطنية‪ ،‬فانترش الشك‬ ‫والتخوين واملزايدة يف محبة الوطن من خالل موقف اإلنسان السعودي من ال ُحكم السعودي‪ ،‬وأصبح والؤك لألرسة‬ ‫مقياسا لوطنيتك‪ ،‬وصمتك عن كيل التعظيم واملديح و«التطبيل» لها هو خيان ٌة وطني ٌة تستحق السجن‪...‬‬ ‫الحاكمة‬ ‫ً‬ ‫وممكن قياس هذا عىل الفكرة االشرتاكية‪/‬الشيوعية يف بداياتها‪،‬‬ ‫كمثا ٍل آخر‪ ،‬والتي كان الكثريون مستعدين لبذل حياتهم من‬ ‫أجل إقامتها‪ ،‬هذان الوجهان‪ ،‬الساموي والدنيوي‪ ،‬ينبعان من‬ ‫نفس قواعد الدين التسلطي‪ ،‬وبنفس التأثري عىل حياة اإلنسان‬ ‫وسلوكياته‪ ،‬عرب الحط من قَدر اإلنسان الفرد العابد املطيع وسلب‬ ‫إرادته ليشعر بعجزه بتدبري أمور حياته وعامله ونرش ثقافة‬ ‫التبعية والخنوع والقطعان املؤدلجة املخمورة املنتشية بعقائد‬ ‫ديني ٍة أو حزبي ٍة أو قومي ٍة وخالفه‪ ،‬وزرع الخوف الخارجي فيه‬ ‫وأهمية الجامعة له‪ ،‬ويصبح الدفاع عن الله أو الزعيم أو القائد أو‬ ‫اإليديولوجية يف مفهوم هذا اإلنسان أفضل العبادات‪ ،‬وتأيت قيمته‬ ‫الذاتية كإنسانٍ عرب إنكاره لهذه القيمة أمام اآللهة التي يعبدها‬ ‫إن كانت آله ًة ساموي ًة أو أرضي ًة‪ ،‬أو القادة الذين يتبعهم‪.‬‬ ‫هذا الدين‪/‬األديان التسلطية هي املسؤولة عن زرع بذور التعصب‬ ‫كل منها‬ ‫واألحقاد والكراهية والتقوقع املتفيش حولنا‪ ،‬بسبب ادعاء ٍّ‬ ‫للحقيقة املطلقة واملوقف السليم واستحقاقه ألن يكون الجهة‬ ‫املُثىل لتدبري شؤون الحياة وقيادة العامل!‬ ‫‪17‬‬


‫ٌ‬ ‫مقال يف ال ِد ين‬ ‫‪Yusuf Askar‬‬

‫يف املقابل فاألديان اإلنسانية تتحدث عن العقل اإلنساين وقدراته بعي ًدا عن أي ق ًوى ساموي ٍة ماورائية‪ ،‬وأن الضمري‬ ‫منطلق إنسا ٍّين ٍ‬ ‫بحت ال‬ ‫اإلنساين فيها هو صوت اإلنساين الداخيل القادر عىل تصويب أعاملنا وسلوكياتنا الحياتية من‬ ‫ٍ‬ ‫تسلطي ينتهج معنا مبدأ الثواب والعقاب واملكافأة الدنيوية واألخروية عرب نيل الجنة‬ ‫غيبي‬ ‫خوفًا ً‬ ‫ٍّ‬ ‫وتذلل من صوت كائنٍ ٍّ‬ ‫أو الخلود بالنار!‬ ‫وإن أسوأ ما انتجته األديان التسلطية هي فكرة الحياة ما بعد املوت‪ ،‬والتي ح ّولت اإلنسان ملجرد «كائن ُم ِ‬ ‫نتظر» لهذا‬ ‫الحساب األخروي‪ ،‬خان ٌع ٌ‬ ‫فاشل يعيش للموت ال للحياة التي هي بدورها محطة عبو ٍر واختبا ٍر للعامل اآلخر املتخيل‬ ‫كسول ٌ‬ ‫يف ذهنيته؛ وبِكال الوجهني للدين‪ ،‬اإلنساين والتسلطي‪ ،‬يكون جوهر اإلميان بها ناب ًعا عن رغب ٍة غريزي ٍة حيواني ٍة لالرمتاء‬ ‫يف حضن القطيع املؤمن‪ ،‬املعتقد الجمعي‪ ،‬للتامهي معها كنو ٍع من االطمئنان النفيس‪ ،‬حتى لو كان هذا عىل حساب‬ ‫العقل واملنطق واملُثل اإلنسانية ال ُعليا‪.‬‬ ‫يتكرر املشهد وبشكلٍ ٍ‬ ‫الفت حتى لدى أولئك املدفوعني بالتساؤل واململوئني بالشك‪ ،‬والذين وإن خرجوا عن دائرة الدين‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ومعتقدات فلسفي ٍة واقتصادي ٍة واجتامعي ٍة بل ويضعون صو ًرا ألشخاص‬ ‫نظريات‬ ‫والتدين إال أنهم رسعان ما ينخرطون يف‬ ‫يوم فاعلني يف ِحقب ٍة حياتي ٍة ما يف هذا العامل‪ .‬إن هؤالء يف حقيقتهم‪ ،‬وليس كلهم‪ ،‬وبشكلٍ ال‬ ‫قاد ٍة ومؤثرين لها كانوا ذات ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫مامرسات تسلطي ٍة فُرضت عليهم وبقت أثارها فيهم حتى مرحلة التن ّور العقيل والخروج عن دائرة الدين‬ ‫وا ٍع هم نتاج‬ ‫السائد واملوروث‪.‬‬ ‫وبالختام‪ ،‬وإذ أننا نستعرض طيفًا من مالمح األديان‬ ‫اإلنسانية بيش ٍء من التقدير واإلعجاب‪ ،‬إال أننا ال‬ ‫نبش بها ولسنا دعا ًة لها‪ ،‬وال يعني هذا سالمتها‬ ‫ّ‬ ‫وصحتها مقارن ًة باألديان التسلطية من حيث‬ ‫البداية واملضمون واملنشأ‪ ،‬وال أؤمن شخص ًيا بها‪،‬‬ ‫بل هي نتيج ٌة تحليلي ٌة نلتمسها كام ميكن للقارئ‬ ‫أيضا وبعقلٍ نزي ٍه رصدها باملطالعة بها والقراءة‬ ‫ً‬ ‫عنها‪ ،‬كذلك فإن الدين باملجمل هو عقيد ٌة نفسي ٌة‬ ‫متالزم ٌة لعقلنا اإلنساين‪ ،‬فتتعدد صورها وتختلف‬ ‫أشكالها بغرض إشباع الجزء امليتافيزيقي فينا‪،‬‬ ‫وشغل املكان املضطرب يف وعينا‪ ،‬فكُن ح ًرا‪...‬‬ ‫‪18‬‬


‫اﺷﺘﺮك اﻵن‬ ‫ﻓﻲ ﻗﻨﺎﺗﻨﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻴﻮﺗﻴﻮب‬ ‫‪https://www.youtube.com/c/ahmedzayedchannel‬‬

‫ﻗﺮاﺑﺔ ‪ 10‬ﻣﻠﻴﻮن ﻣﺸﺎﻫﺪة‬ ‫ﻣﺸﺘﺮك‬ ‫أﻟﻒﻣﺸﺎﻫﺪة‬ ‫و‪70‬ﻣﻠﻴﻮن‬ ‫ﻗﺮاﺑﺔ اﻟﻌﴩة‬

‫أﺣﻤﺪ ﺳﻌﺪ زاﻳﺪ‬

‫ﻗﻨﺎة أﺣﻤﺪ ﺳﻌﺪ زاﻳﺪ ﻋﲆ اﻟﻴﻮﺗﻴﻮب ﻫﻲ ﻗﻨﺎة ﻣﻌﻨﻴﺔ ﺑﺎﻟﺘﻨﻮﻳﺮ اﻟﻔﻜﺮي واﻟﺜﻘﺎﰲ وﻫﻲ ﻣﺤﺎوﻟﺔ ﻟﻠﺘﻔﻜ اﳌﻮﺿﻮﻋﻲ اﻟﻌﻘﻼ ﻣ ًﻌﺎ‪.‬‬ ‫وﺗﺠﺪون ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺴﻼﺳﻞ وﻣﻨﻬﺎ‪:‬‬

‫أﻟﻒ ﺑﺎء ﻓﻠﺴﻔﺔ ﻟﺘﺒﺴﻴﻂ اﳌﻌﺮﻓﺔ اﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ‬

‫ﻟﻠﺘﻮاﺻﻞ ﻣﻌﻨﺎ ﻋﲆ ﺻﻔﺤﺔ اﻟﻘﻨﺎة ﻋﲆ اﻟﻔﻴﺴﺒﻮك‪:‬‬ ‫‪https://www.facebook.com/aszayedtv‬‬

‫ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﺤﻀﺎرة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻻﺳﻼﻣﻴﺔ‬

‫ﺳﻠﺴﻠﺔ ﺗﻌﺮﻳﻔﻴﺔ ﺑﺮﻣﻮز ﻓﻜﺮﻳﺔ ﻋﺮﺑﻴﺔ وﻏﺮﺑﻴﺔ‬

‫ﺻﻔﺤﺔ أﺣﻤﺪ ﺳﻌﺪ زاﻳﺪ اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ‪:‬‬ ‫‪https://www.facebook.com/ahmedsaadzayed‬‬

‫ﻛﺎﳌﻌﺮي واﻟﺮازي وأرﺳﻄﻮ وﻣﺎرﻛﺲ وراﺳﻞ‬

‫ﺳﻠﺴﻠﺔ ﺑﺘﺤﻠﻴﻞ ﺧﻼﻓﺎت اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ وﻗﺘﺎﻟﻬﻢ‬

‫ﺳﻠﺴﺔ ﺗﻄﻮر ﺗﺎرﻳﺦ اﻹﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻴﺎت اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ واﻟﻔﻠﺴﻔﺎت‬

‫وﻏ ذﻟﻚ ﻛﺜ ﻣﻦ ﻣﺤﺎﴐات وﻣﻘﺎﺑﻼت ﻟﺮﻣﻮز ﻓﻜﺮﻳﺔ ﻓﺎﻟﻘﻨﺎة ﺑﻬﺎ أﻛ ﻣﻦ ‪ 700‬ﻣﺤﺎﴐة‪ ،‬وﻫﻲ ﺟﻬﺪ ﻃﻮﻳﻞ وﻣﺘﻮاﺿﻊ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﻞ‬ ‫اﻟﺜﻘﺎﰲ وﻣﺤﺎوﻟﺔ ﻧﴩ اﻟﻮﻋﻲ واﻟﻌﻘﻼﻧﻴﺔ واﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﻗﺪر اﳌﺴﺘﻄﺎع ﻟﻠﻤﺘﺤﺪﺛ ﺑﺎﻟﻌﺮﺑﻴﺔ‪.‬‬ ‫ﻟﺪﻋﻢ اﻟﻘﻨﺎة‪:‬‬

‫‪https://www.patreon.com/ahmedzayed‬‬

‫‪19‬‬

‫‪https://www.paypal.me/ahmedsaadzayed/100‬‬


‫ملحدا؟‬ ‫ملاذا ِص ُت ً‬ ‫رص للنقاط التي جعلتني أُعيد النظر‬ ‫هذه محاول ٌة مني لإلجابة عن السؤال‪ ،‬بطر ٍح مخت ٍ‬ ‫غي موقفي من األديان‪...‬‬ ‫وأُ ّ‬ ‫ملل من الرحلة الواقعية‪ ،‬التي‬ ‫تنظيم ورمبا ً‬ ‫مع مالحظة أن العرض بالطبع سيكون أكرث ً‬ ‫ّبات ورص ٍ‬ ‫تتضمن تقل ٍ‬ ‫اعات نفسي ًة وتجارب شخصي ًة تأخذ وقتها حتى اللحظة املناسبة‪.‬‬ ‫‪20‬‬

‫‪Moussa Eightyzz‬‬


‫ملحد ا؟‬ ‫ملاذا ِصت‬ ‫ً‬ ‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫‪ .1‬األسئلة‬

‫تبدأ بطرح األسئلة الوجودية الكربى‪ :‬كيف نشأ الكون؟ وكيف جئنا إىل‬ ‫الحياة؟ وماذا بعد املوت؟ وكيف ينبغي أن نعيش؟ وكيف نتيقن من أي‬ ‫حقيقة؟‬

‫‪ .2‬اإلجابة الدينية‬

‫ٍ‬ ‫إجابات عاد ًة نتلقاها من الدين الذي ُولدنا عليه‪ :‬فالله هو من خلق‬ ‫أول‬ ‫الكون‪ ،‬كام خلق البرش ليك يعبدوه‪ ،‬أو ألنه يحبهم‪ ،‬وأ ّما مصرينا بعد املوت‬ ‫ُجسد‬ ‫فيتوقف عىل مدى إمياننا باإلله وطاعتنا لتعاليمه يف الحياة‪ ،‬والتي ت ِّ‬ ‫الحق والعدل والخري‪ ،‬ممثل ًة يف النصوص املقدسة التي جاء بها األنبياء‪،‬‬ ‫وهكذا متت إجابة جميع األلغاز دفع ًة واحد ًة بتلك القصة اللطيفة‪.‬‬

‫‪ .3‬الشكوك‬

‫لكنك قد تبدأ بطرح املزيد من التساؤالت حول ذلك السيناريو الديني ذاته‪ :‬ما الله؟ وملاذا يحتاج الكامل إىل الخلق؟ وما‬ ‫أبدي فقط ألنهم مل يؤمنوا به؟ وكيف أعرف أن ديني هو‬ ‫سبب وجود الرشور واآلالم؟ وملاذا الله يعاقب البعض‬ ‫ٍ‬ ‫بعذاب ٍّ‬ ‫أصل؟ باإلضافة إىل وجود مشاكل عديد ٍة يف النصوص املق ّدسة عىل املستوى‬ ‫الصحيح؟ وما الدليل عىل صحة القَصص الديني ً‬ ‫مشاكل يسعى أتباع األديان للرد عليها‪ ،‬سوا ٌء بالحجة أو بالتالعب العاطفي عىل مشاعر‬ ‫ُ‬ ‫املنطقي واألخالقي والعلمي وهي‬ ‫الخوف والجهل والعجز اإلنسانيني‪.‬‬

‫‪ .4‬البدء من جديد‬

‫مخلصا إزاحة املوروث والبدء من‬ ‫إن مل ت ُقنعك إجابات أهل الدين فهنا قد تحاول ً‬ ‫الصفر‪ ،‬ولكن هل نبدأ من األسئلة الوجودية أم من اإلجابات الدينية؟‬ ‫لو بدأنا من الجانب الوجودي الغامض فقد نظل أرسى اإلجابات الوحيدة املتاحة‬ ‫أمامنا‪ ،‬وهي األديان‪ ،‬فيضطرنا العجز والجهل لالستسالم لهذا السيناريو املحفوظ‬ ‫أول‪،‬‬ ‫واملوروث‪ ،‬فرمبا إذًا يكون البديل الثاين أفضل‪ :‬محاولة تقييم اإلجابات الدينية ً‬ ‫فلو كانت صحيح ًة فليكن‪ ،‬ولو كانت غري ذلك نكون قد تخلّصنا من اإلجابات‬ ‫الخاطئة‪ ،‬وبعد ذلك نحاول إعادة التفكري يف املسائل الوجودية بِحرية‪.‬‬ ‫‪21‬‬


‫ملحد ا؟‬ ‫ملاذا ِصت‬ ‫ً‬ ‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫‪ .5‬أديا ٌن ال دين‬

‫رصا وأ ّن‬ ‫يوجد عىل كوكبنا اآلالف من األديان واملذاهب‪ ،‬تختلف حول كل يش ٍء تقري ًبا‪ ،‬وي ّدعي ٌّ‬ ‫كل منها امتالك الحق ح ً‬ ‫األديان األخرى زائف ٌة أو ُمح ّرفة‪ ،‬وبسبب تناقضها ال ميكن أن تكون كلها عىل حق‪ ،‬وهكذا نجد املؤمن بدينٍ مع ٍني يعرتف‬ ‫مم يستدعي سؤالً ‪ :‬أليس هناك‬ ‫بأ ّن البرش قاموا بصياغة آالف األديان (األخرى) وكتبوا العديد من الكتب املقدسة (األخرى) ّ‬ ‫ٌ‬ ‫برشيي مثل هؤالء؟ وأنك ِمثلهم اقتنعت به فقط بدافع الوراثة والشحن العاطفي وغسيل‬ ‫أيضا‬ ‫احتامل أ ّن دينك وكتابك ً‬ ‫ّ‬ ‫الدماغ؟‬

‫‪ .6‬األصل‬

‫أصل ٌ‬ ‫مشرتك ناب ٌع من طبيعة البرش‪ :‬أحالمهم ومخاوفهم وأحوالهم‬ ‫لعل جميع الديانات لها ٌ‬ ‫ّ‬ ‫االجتامعية والسياسية‪ ،‬فمنذ ال ِقدم يبدو أ ّن اإلنسان ق ّدس كل ما يؤثر فيه‪ ،‬مثل مظاهر‬ ‫ٍ‬ ‫شخصيات ترىض وتغضب‪ ،‬ومثل األجداد الذين حسبوا‬ ‫الطبيعة(اإلحيائية) التي حسبها‬ ‫أ ّن وجودهم سيستمر بشكلٍ روحا ٍّين بعد املوت‪ ،‬يف الذكرى واألحالم (تقديس األسالف)‪،‬‬ ‫رص‬ ‫وهكذا صارت ِّ‬ ‫لكل قبيل ٍة رمو ٌز مق ّدسة (طوطم) هم أجدا ٌد عظامء تجسدوا يف عن ٍ‬ ‫طبيعي أو حيوان‪ ،‬وهي الصورة األوىل لآللهة‪ ،‬كام ولّدت الطقوس البدائية والسحرية مثل‬ ‫ٍ‬ ‫الصلوات والقرابني التي يرشف عليها ساحر القبيلة كمحاول ٍة السرتضاء تلك األرواح‪.‬‬

‫‪ .7‬الوثنية‬

‫من تلك العنارص البدائية (اإلحيائية وعبادة األسالف والطواطم والسحر) جاءت املرحلة التالية وهي الوثنية‪ ،‬حيث نجد‬ ‫ٍ‬ ‫وحيوانات وعنارص طبيعية‪ ،‬واألرجح أنها ترجع‬ ‫رش‬ ‫مئات اآللهة يف مرص والعراق والهند واليونان وغريها‪ ،‬يف شكل أنصاف ب ٍ‬ ‫ألسامء ٍ‬ ‫ملوك حكموا البالد قدميًا‪ ،‬وكان لتلك آللهة زوجاتٌ وأبناء‪ ،‬وكانوا يولَدون ويكربون ويتصارعون وميوتون أحيانًا‪ ،‬وهكذا‬ ‫صار لكل مدين ٍة آلهتها وكهنتها ومعابدها وطقوسها‪ ،‬وحني اتّحدت تلك املدن صار إله العاصمة هو اإلله األهم‪ ،‬بينام صارت‬ ‫اآللهة األخرى مبثابة مساعدين أو أعداء له‪ ،‬وتكفّل الكهنة (وهم خلفاء سحرة القبائل) بتأليف األساطري‪ ،‬وهي حكاياتٌ‬ ‫مشوق ٌة تخدم تلك الرتاتبية وتربر الطقوس‪.‬‬

‫‪ .8‬التوحيد‬

‫ٍ‬ ‫اطوريات مركزي ًة‪ ،‬وكانت النتيجة أ ّن مكانة اآللهة الثانوية للمدن‬ ‫توسعت الدول لتصبح إمرب‬ ‫يف منطقة الرشق األوسط ّ‬ ‫ٍ‬ ‫تجليات له‪ ،‬وهكذا ظهرت نزعاتٌ توحيدي ٌة يف ظل‬ ‫استمرت يف الرتاجع لصالح إله العاصمة األكرب‪ ،‬حتى صارت مجرد‬ ‫اطوري صغريٍ لبعض القبائل الكنعانية*‪:‬‬ ‫إمرباطوريات مرص والعراق وفارس‪ ،‬حتى ظهور التوحيد الصارم يف مرشو ٍع إمرب ٍّ‬ ‫اليهود‪ ،‬وأ ّما يف أماكن أخرى فقد ظهرت أفكا ٌر مختلفة‪ ،‬مثل وحدة الوجود الهندوسية (الكون هو الله) أو حتى أفكا ٌر‬

‫مثل‪:‬‬ ‫مختلف عليه‪ ،‬لكن إحدى النظريات تردّهم إىل الكنعانيني‪ .‬راجعوا ً‬ ‫* أصل القبائل اإلرسائيلة األصلية‬ ‫ٌ‬ ‫‪Israel Finkelstein, Neil Asher Silberman, The Bible Unearthed, Simon and Schuster 2002, p. 104.‬‬

‫‪22‬‬


‫ملحد ا؟‬ ‫ملاذا ِصت‬ ‫ً‬ ‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫تتجاهل الله متا ًما (مثلام يف البوذية والجاينية الهنديتني‪ ،‬ويف الكونفوشية والطاوية الصينيني) أو القول بوجود إلهني‪ ،‬واح ٌد‬ ‫للخري (النور) والثاين للرش‪ /‬الظالم (مثل الديانات الثنوية يف فارس)‪.‬‬

‫‪ .9‬اليهودية‬

‫يف كنعان وج َدت العديد من القبائل واملاملك واألديان واآللهة الوثنية‪ ،‬بعضها أصوله‬ ‫تحالف‬ ‫من مرص أو العراق؛ ويف مرحل ٍة ما بالقرن السابع ق‪.‬م‪،‬‬ ‫وألسباب سياسي ٍة ظهر ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫مم استلزم صياغة عقيد ٍة موحد ٍة تدعم ذلك‬ ‫َموح حول مدينة القدس‪ّ ،‬‬ ‫يل ط ٌ‬ ‫ق َب ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وقصص محلي ٍة‬ ‫وطقوس ورشائ َع ورمو ٍز مق ّدس ٍة‬ ‫الحلف‪ ،‬فقام الكهنة بانتقاء عقائ َد‬ ‫كتاب مق ّدس (التوراة) مع الرتكيز‬ ‫متنوع ٍة تنتمي لتلك القبائل‪ ،‬وجمعوها م ًعا يف ٍ‬ ‫عىل إلهني محليني إيل ويهوه والذين ت ّم دمجهام م ًعا ليصبحا إل ًها واح ًدا‪ ،‬وهكذا‬ ‫ُولدت الديانة اليهودية‪ ،‬والتي تحمل عنارص مرصية (مثل التوحيد والختان وتحريم‬ ‫الخنزير) وعنارص عراقية (مثل قصص الخلق والطوفان والعطلة األسبوعية)‪ ،‬والحقًا‬ ‫سوف تستمد عنارص أخرى من الفارسية (مثل املالئكة والشياطني واملخلص املنتظر‬ ‫إسطوري يخدم تلك العقيدة وذلك ِ‬ ‫الحلف‪.‬‬ ‫وقيامة املوىت)‪ ،‬ومتّت صياغة تاري ٍخ‬ ‫ٍّ‬

‫‪ 10‬املسيحية‬

‫ظل اليهود يحلمون بقدوم ٍ‬ ‫ملك قومي (ممسو ٍح بالزيت‪،‬‬ ‫بعد سقوط مملكة إرسائيل ّ‬ ‫مسيح) يُعيد إليهم أمجادهم‪ ،‬وهو الدور الذي حاول الكثريون لعبه‪ ،‬وكان منهم داعي ٌة‬ ‫مم‬ ‫يهودي عاش بالقرن األول يُدعى يسوع‪ ،‬وتبعه عد ٌد من اليهود حتى ت ّم صلبه‪ّ ،‬‬ ‫ٌّ‬ ‫جعل األكرثية يعتربونه مجرد مسي ٍح ز ٍ‬ ‫ائف فاشلٍ آخر‪ ،‬ولكن بعد ذلك ا ّدعى أتباعه‬ ‫ٍ‬ ‫خلفيات‬ ‫أنّه قام من املوت م ّر ًة أخرى‪ ،‬وسعوا يف نرش تلك الدعوة بني غري اليهود من‬ ‫يوناني ٍة ورومانية‪ ،‬وهكذا ُولدت املسيحية حيث انفصلت عن اليهودية األم واختلطت‬ ‫بالوثنيات‪ ،‬وقام الداخلون إليها بإسقاط الرشيعة والختان وتقديس السبت) الذي ت ّم‬ ‫يهودي‬ ‫استبداله باألحد‪ ،‬يوم الشمس) كام متركز اإلميان باليهودية حول رم ٍز هج ٍني‬ ‫ٍّ‬ ‫رش من نسل داود‪ ،‬لكنه ابن الله‪ ،‬وهو واح ٌد لكنه ضمن ٍ‬ ‫ثالوث عىل النمط‬ ‫وثني‪ ،‬فهو ب ٌ‬ ‫الوثني‪ ،‬وقد كُتبت عدة ِسريٍ لحياته (أناجيل) باليونانية ت ّم انتقاء بعضها لتصبح كتابًا‬ ‫مقدسا للدين الجديد‪ ،‬إىل جوار الكتاب اليهودي الذي صار اسمه «العهد القديم»‪ ،‬ثم‬ ‫ً‬ ‫عاملي والقت حظًا أكرب‬ ‫مع اعتناق بعض األباطرة الرومان لتلك الديانة انترشت بشكلٍ ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫من أمها املحلية‪ ،‬وقامت بالقضاء عىل الديانات الوثنية املحلية بشكلٍ‬ ‫عنيف وممنهج‪.‬‬ ‫‪23‬‬


‫ملحد ا؟‬ ‫ملاذا ِصت‬ ‫ً‬ ‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫‪ .11‬اإلسالم‬

‫ظلت بعض الفرق الكتابية واقف ًة يف املنتصف بني األصل اليهودي والفرع‬ ‫املسيحي‪ ،‬فهم يؤمنون مبسيحانية يسوع‪ ،‬وبنفس الوقت يتمسكون‬ ‫بالرشيعة اليهودية والختان ويحلمون بالعودة إىل القدس حاكمني‪،‬‬ ‫وتع ّرضت تلك ال ِفرق النرصانية واإلبيونية لالضطهاد الروماين فهاجروا إىل‬ ‫الجزيرة العربية حيث احتكوا بالوثنيني العرب وعلّموهم التوحيد والنسب‬ ‫اإلبراهيمي وتحالفوا معهم‪ ،‬وكان من تالميذ النصارى تاج ٌر يُدعى مح ّم ًدا‪،‬‬ ‫النبي املنتظر الذي جاء يُبرش بعودة‬ ‫رسعان ما التقط الخيط وا ّدعى أنّه ّ‬ ‫املسيح‪،‬‬ ‫مم منحه قو ًة عسكري ًة متنامي ًة‪ ،‬وبعد أن رفضه اليهود بدأ يتحول إىل تقديس كعبة‬ ‫وسعى لنرش دعوته بني قبائل العرب ّ‬ ‫العرب الصحراوية واملنسوبة إلبراهيم‪ ،‬ثم مع تبدل موازين القوى تراجعت اإلمرباطوريتان الفارسية والبيزنطية‪ ،‬وبرز نجم‬ ‫العرب بدينهم الجديد‪ ،‬ويف العرص العبايس سيتم صياغة الرتاث الحديثي والفقهي والتفسريي‪ ،‬وهكذا ُولد اإلسالم‪.‬‬

‫‪ .12‬شجرة الديانات‬

‫الخالصة أن املسيحية واإلسالم هام يف األصل مذهبان يهوديان انفصال عن الدين األم‪ ،‬واح ٌد بصياغ ٍة روماني ٍة والثاين بصياغ ٍة‬ ‫عربية‪ ،‬ويف الحاالت الثالثة ميكننا مالحظة قوة العالقة بني الدين والسياسة‪ ،‬ومدى قدرة التوحيد الديني عىل دعم املشاريع‬ ‫اإلمرباطورية بضامن جمع القوة الروحية يف قبض ٍة كهنوتي ٍة واحدة‪ ،‬فال عجب أ ّن الشعوب الغازية قامت بفرض إلهها الواحد‬ ‫عىل الشعوب املغزوة‪ ،‬مع مالحظة أن الديانات املذكورة هي التي سادت واشتهرت‪ ،‬ولكن بجانبها كانت هناك عقائد أخرى‬ ‫انترشت قدميًا ثم ذوت‪ ،‬مثل امليرثائية واملانوية واملزدكية والصابئة‪ ،‬وحتى عصو ٍر حديث ٍة ظلت الديانات والنبوات الجديدة‬ ‫تظهر‪ ،‬مثل البهائية والقاديانية يف فارس والهند‪ ،‬ومثل املورمونية يف أمريكا‪ ،‬وغريها‪ ،‬ناهيك عن تعدد املذاهب داخل كل‬ ‫دين‪ ،‬مام يجعلنا أمام ٍ‬ ‫آالف ورمبا مئات اآلالف من الطوائف عىل هذا الكوكب‪.‬‬

‫‪ .13‬األديان ثقافاتٌ برشية‬

‫وهكذا ميكن القول أ ّن كل الديانات تقتبس عن بعضها‪ ،‬وأ ّن جميع العنارص املوجودة يف اليهودية واملسيحية واإلسالم وغريها‬ ‫(مثل الله الواحد واملالئكة والشياطني والج ّنة والنار وقصص الخلق والطوفان واألنبياء‪ ،‬وكذلك جميع الطقوس والرشائع‬ ‫واألعياد‪ ...‬إلخ) هي منقول ٌة عن أصو ٍل وثني ٍة يف مرص والعراق وسوريا وفارس‪ ،‬وبينام ي ّدعي بعض املؤمنني أ ّن جميع األديان‬ ‫أصلُها واحد (الوحي اإللهي) وأ ّن ذلك هو سبب التشابهات فيام بينها‪ ،‬إال أننا نالحظ أ ّن الديانات تتشكل حسب البيئة‬ ‫والزمان‪ ،‬فديانات البدو تختلف عن ديانات الفالحني وهكذا‪ ،‬كام نالحظ أن األديان تتشابه كلام تقاربت جغراف ًيا وزمن ًيا‪،‬‬ ‫مثل‪ ،‬كام‬ ‫فمثل اليهودية تشبه ديانات مرص والعراق وفارس‪ ،‬أي املناطق التي نشأ اليهود وسطها‪ ،‬وال تشبه ديانات أسرتاليا ً‬ ‫ً‬ ‫‪24‬‬


‫ملحد ا؟‬ ‫ملاذا ِصت‬ ‫ً‬ ‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫أ ّن املسيحية تشبه اليهودية والديانات اليونانية والرومانية التي تبلورت جوارها‪ ،‬وال تشبه ديانات الهنود الحمر البعيدة‪،‬‬ ‫كام أن اإلسالم يشبه املسيحية واليهودية والوثنية العربية القريبة منه‪ ،‬وال يشبه ديانات الصني البعيدة‪ ،‬وهكذا فنمط تشابه‬ ‫الديانات يجعلنا نقول أنها ثقافاتٌ تنشأ وتتطور وتقتبس عن بعضها‪ ،‬وذلك يفرس األمر بأفضل مام يفرسه افرتاض وحدة‬ ‫مصد ٍر مزعومة‪.‬‬

‫‪ .14‬تاريخية الدين‬

‫من الناحية العلمية والتاريخية ال يوجد أدىن دليلٍ عىل وجود شخصيات وأحداث الرتاث العرباين مثل آدم ونوح (وطوفانه)‬ ‫وسام وحام وأيوب ويونس وإبراهيم ولوط ويعقوب وإسحاق ويوسف وإخوته وموىس وهارون (وخروجهام) وسليامن‬ ‫ومملكته‪ ...‬إلخ؛ وقد اجتهد اآلثاريون والباحثون املؤمنون يف إيجاد حج ٍر ٍ‬ ‫واحد يؤكد تلك األحداث دون نجاح‪ ،‬بل اكتشفوا ما‬ ‫يعارض تلك األحداث ويكذّبها‪ ،‬فهي ساقط ٌة تاريخ ًيا كام هي ساقط ٌة منطق ًيا‪ ،‬باإلضافة إىل أ ّن كث ًريا من قصص أولئك األنبياء‬ ‫بعضها يعكس شذر ٍ‬ ‫مم يوحي بأننا أمام خر ٍ‬ ‫ات‬ ‫افات مقتبس ٍة عن بعضها‪ ،‬ورمبا ُ‬ ‫يتشابه بشكلٍ كبريٍ مع أساطري أقدم باملنطقة‪ّ ،‬‬ ‫حقيقي تم تشويهه واملبالغة فيه وإضافة الخرافات إليه بغرض خدمة أغر ٍ‬ ‫اض قومي ٍة وديني ٍة محلية‪.‬‬ ‫من تاري ٍخ‬ ‫ٍ‬

‫‪ .15‬تصور األديان للكون‬

‫من أبرز عالمات برشية النصوص اإلبراهيمية املق ّدسة هي صورة الكون التي تُقدمها لنا‪ ،‬والتي تبدو متشابه ًة متا ًما لتصور‬ ‫ٍ‬ ‫بسقف‬ ‫مسطح له أطراف‪ ،‬وأ ّما السامء فأشبه‬ ‫قرص‬ ‫الوثنيني القدامى للكون‪ ،‬فاألرض يف آيات التوراة واألناجيل والقرآن هي ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫مصابيح ملتصق ٌة به هي الشمس والقمر والنجوم‪ ،‬والتي تدور حول األرض‬ ‫ُرص ُعه‬ ‫ٍ‬ ‫صلب أو بنا ٍء مرفو ٍع كالخيمة فوقنا‪ ،‬ت ّ‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫جالسا‬ ‫مثل)‪ ،‬ث ّم نجد فوق السامء رمبا تكمن‬ ‫فترشق وتغرب تحتها (يف ع ٍني حمئ ٍة ً‬ ‫ساموات أخرى‪ ،‬بأعالها يوجد الله نفسه ً‬ ‫ٍ‬ ‫أبواب تفتح يف‬ ‫نبي صعو ًدا يف‬ ‫رحالت معراجي ٍة مير فيها عرب ٍ‬ ‫عىل عرشه محاطًا باملالئكة‪ ،‬وهو املكان الذي زاره أكرث من ٍّ‬ ‫السقف الساموي الصلب‪ ،‬ونجد أنّه يوم القيامة سيتم متزيق تلك الخيمة الساموية وتد َّمر الشمس والقمر وتسقط النجوم‬ ‫عىل األرض‪ ،‬ويُظهر الله نفسه ليرشق بنوره عىل الخلق‪ ،‬محمولً عىل عرشه الطائر تحمله املالئكة املجنحة‪ ،‬ليقيم املوىت‬ ‫ويحاسب البرش‪.‬‬

‫‪ .16‬خرافات األديان‬

‫وكام أ ّن النصوص الدينية متتلئ باألخطاء التاريخية واملغالطات املنطقية وبالتناقضات الداخلية‪ ،‬فهي كذلك تتناقض بشد ٍة‬ ‫توصلنا إليها‪ ،‬مثل زعمها أ ّن البرش مخلوقون من طني‪ ،‬أو أ ّن اإلنسان يُخلق من نطف ٍة دون ِذك ٍر‬ ‫مع املكتشفات العلمية التي ّ‬ ‫لدور بويضة املرأة‪ ،‬أو أن ت َشكّل العظام يسبق ت َشكّل اللحم‪ ،‬أو أ ّن األرض بل النباتات ُخلقت قبل الشمس‪ ،‬أو أ ّن كل يش ٍء‬ ‫مخلوق من زوجني‪ ،‬أو أ ّن الجبال أوتا ٌد تثبّت قرشة األرض‪ ،‬أو أ ّن هناك حرش ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫ات متتلك أربعة أرجل‪ ،‬أو أ ّن األرنب يجرت‪ ،‬أو أ ّن‬ ‫الحمري والنمل تتكلم‪ ،‬أو أ ّن الحيتان ميكنها ابتالع البرش أحياء‪ ،‬أو أ ّن القلب هو مركز التفكري والتعقل‪ ،‬أو أ ّن السامء تحتوي‬ ‫‪25‬‬


‫ملحد ا؟‬ ‫ملاذا ِصت‬ ‫ً‬ ‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫جبالً من الثلج‪ ،‬أو أنه ال عدوى‪ ،‬إىل غري ذلك من األخطاء العلمية الواضحة‪ ،‬ناهيك عن مزاعم الخوارق واملعجزات التي مل‬ ‫ٌ‬ ‫منقول عن خرافات القدماء‪ ،‬وفوق ذلك‬ ‫يكن املؤمن ليص ّدقها لوال أنها وردت يف كتابه املقدس‪ ،‬ولعله ال يدري أن أكرثها‬ ‫فالدين يرضب املنهج العقالين نفسه يف مقتل‪ ،‬حني يتصور أ ّن عاملنا نشأ ويُدار بواسطة ق ًوى سحري ٍة غيبي ٍة هي فوق املادة‬ ‫وفوق املنطق‪.‬‬

‫‪ .17‬ال إعجاز علمي باألديان‬

‫وأ ّما محاوالت البعض الستخراج ٍ‬ ‫دجل‬ ‫آيات علمي ٍة من الكتب املقدسة‪ ،‬فهو ٌ‬ ‫يقوم عىل الكذب أو التالعب باللغة ملنح الكلامت معان ًّيا جديد ًة مل ترد عند‬ ‫القدماء‪ ،‬ولو كان هناك إعجا ٌز حقًا لتمكن أهل الدين من الوصول إىل النظريات‬ ‫العلمية قبل الكفار‪ ،‬وهذا ما مل يحدث ولو م ّر ًة واحدةً‪ ،‬وإن ما يحصل هو أن‬ ‫بكل كسلٍ ظهور النظرية العلمية‪ ،‬ثم يسارعون بتلفيق أي‬ ‫املؤمنني ينتظرون ّ‬ ‫ٍ‬ ‫نصوص تبدوا مالمئ ًة لها من كتبهم‪ ،‬مع مالحظة أ ّن تلك املحاوالت نفسها هي‬ ‫ضمني بإفالس الدين وتفوق العلوم الطبيعية‪ ،‬بدليل أن املؤمن صار‬ ‫اعرت ٌاف‬ ‫ٌ‬ ‫دعم ملقدساته اإللهية يف أروقة املكتشفات العلمية البرشية‪.‬‬ ‫يبحث عن ٍ‬

‫‪ .18‬األخالق الدينية‬

‫ٍ‬ ‫تحض عىل األخالق وتؤدي لتامسك املجتمع‪ ،‬ولكن بتأملٍ‬ ‫بسيط ميكن مالحظة أ ّن األخالق الدينية‬ ‫يزعم البعض أ ّن األديان ّ‬ ‫ليست سوى عادات القدماء‪ ،‬فقد الحظ البرش منذ زمنٍ أن القتل والرسقة والتخريب والفوىض الجنسية هي أمو ٌر ترض‬ ‫باملجتمعات‪ ،‬فقاموا بتجرميها أو تنظيمها‪ ،‬ث ّم وجد ذلك املنع طريقه إىل تعاليم األنبياء‪ ،‬فاألديان عكست األخالق املوجودة‬ ‫ومل تخرتعها‪ ،‬وعىل الجانب اآلخر نجد أ ّن األخالق الدينية فاسد ٌة وتتسم بعدة ٍ‬ ‫سامت سلبية‪ ،‬فهي ٌ‬ ‫أخالق متضاربة ّ‬ ‫(كل دينٍ‬ ‫له منظومته األخالقية التي تعارض أختها)‪ ،‬كام أنها ٌ‬ ‫أخالق انتهازية (فاملؤمن يفعل الخري خوفًا من عقاب الله وطم ًعا يف‬ ‫رش أحرا ٍر عقالء)‪ ،‬وهي كذلك ٌ‬ ‫أخالق محلي ٌة ذاتية‬ ‫مكافأته‪ ،‬حسب سياسة العصا والجزرة الجديرة بحيوانات السريك وليس بب ٍ‬ ‫(فقد تجد دي ًنا يُح ّرم القتل والرسقة واالغتصاب داخل مجتمعه‪ ،‬ولكنه يبيح تلك األمور يف الحروب الجهادية حني توجهه‬ ‫ٍ‬ ‫عقوبات قاسي ًة‬ ‫لألعداء‪ ،‬ويسميها بغري أسامئها)‪ ،‬ويف ثنايا النصوص الدينية نجد أوامر بالقتل والتخريب والغزو‪ ،‬كام نجد‬ ‫ٍ‬ ‫مخالفات بسيط ٍة تافهة‪ ،‬كام أننا ال نجد أ ّن هناك دي ٌن واح ٌد قام بتحريم العبودية واسرتقاق البرش‪ ،‬وفوق‬ ‫همجي ًة‪ ،‬أحيانًا عىل‬ ‫ذلك نجد احتقا ًرا كب ًريا للمرأة التي توصف بالنقص والتبعية والنجاسة والفتنة‪ ...‬إلخ‪،‬‬ ‫وهذا ينطبق عىل الديانات الرشقية (كالبوذية) كام ينطبق بالطبع عىل اليهودية واملسيحية واإلسالم‪ ،‬والخالصة أ ّن أكرث‬ ‫األخالقيات الدينية ال تصلح لعرصنا‪ ،‬هذا إن سلّمنا بأنها كانت تصلح لعرصها‪.‬‬ ‫‪26‬‬


‫ملحد ا؟‬ ‫ملاذا ِصت‬ ‫ً‬ ‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫‪ .19‬عبثية االختبار و«العدالة» الدينية‬

‫من أبرز السامت التي ّ‬ ‫تدل عىل عبثية منظومة العدل يف‬ ‫األديان‪ ،‬خاص ًة اإلبراهيمية‪ ،‬هي أنها ترهن الرضا اإللهي‬ ‫باإلميان قبل كل يشء‪ ،‬مام ال يحقق عدلً وال يبني مجتم ًعا‬ ‫فعلت‪،‬‬ ‫سليم‪ ،‬فإن كنت من جامعتنا فذنوبك مغفور ٌة مهام َ‬ ‫ً‬ ‫وإن كنت من الجامعة األخرى فمصريك العذاب األبدي ولو‬ ‫مخيف ميتلئ‬ ‫سادي ٌ‬ ‫عذاب ٌ‬ ‫كنت أفضل الناس إحسانًا‪ ،‬وهو ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫بأوصاف ناري ٍة مرعب ٍة ال تخرج من مخيل ٍة رحيم ٍة سوية‪ ،‬وإن‬ ‫رأى البعض أ ّن الحياة هي «اختبار» فال أدري ما جدوى ذلك‬ ‫االختبار العبثي الذي يطلب من البرش التصديق بال دليلٍ‬ ‫واالتّباع األعمى للكهنة؟ ويغضب م ّمن يتشكك أو يستخدم‬ ‫عقله بشكلٍ متحرر‪ ،‬كام يتوقع من البرش أن يجدوا ضالتهم‬ ‫وسط آالف املذاهب والطوائف املختلفة‪.‬‬

‫‪ .20‬اإلله الديني‬

‫متعصب ضيق األفق يجلس عىل ٍ‬ ‫عرش ساموي‪ ،‬يُحب ويكره‬ ‫أ ّما صورة الخالق الذي تقدمه تلك األديان‪ ،‬فهي صورة طاغي ٍة جبا ٍر‬ ‫ٍ‬ ‫ويفرح ويغضب ويندم ويتحرس‪ ،‬ثم أنه خلق ذلك الكون الواسع فقط ليك يتسىل باستعباد و ٍ‬ ‫احد من أشباه القرود‪ ،‬فيلعب‬ ‫معهم لعبة الغميضة‪ ،‬ويختربهم بيش ٍء هو يعرف نتائجه مسبقًا‪ ،‬ويُريض غروره بسامع صلواتهم وثنائهم عليه وتوسالتهم له‪،‬‬ ‫كام أ ّن صاحبنا يغضب بشد ٍة ممن يتجاهله أو يشكّك يف وجوده‪ ،‬وهي صور ٌة بائس ٌة ال تليق حتى بإنسانٍ عقال ٍين حكيم‪ ،‬ناهيك‬ ‫عن خالق املجرات املزعوم‪ ،‬وهي صور ٌة مستمد ٌة من شخصيات الحكّام وامللوك القدامى يف املنطقة والذين كانوا يجلسون‬ ‫عىل العروش ويطلبون الطاعة والتمجيد ويعاقبون الخونة ويحيطون أنفسهم بالخدم والكتبة ويبعثون الرسل إىل املدن برسائل‬ ‫تحذيري ٍة تأمر أهلها بالخضوع والوالء للملك املركزي الواحد‪ ،‬ال رشيك له‪.‬‬

‫‪ .21‬الرتقيع الديني‬

‫هي مرحل ٌة مير بها كل مؤمنٍ يفكر‪ ،‬ويالحظ القصور املنطقي والعلمي واألخالقي لألديان‪ ،‬لكنه بنفس الوقت ال يجد يف نفسه‬ ‫الجرأة عىل رفضها متا ًما‪ ،‬وذلك بسبب ارتباطه نفس ًيا باملوروث وكذلك عجزه عن إجابة األسئلة الوجودية‪ ،‬والنتيجة أنه يجتهد يف‬ ‫إعادة تأويل الدين ويل عنق نصوصه ليتناسب مع عقلِه وضمريه‪ ،‬فتجد البعض يقول أن قصة الخلق الديني هي قص ٌة رمزي ٌة ال‬ ‫رص آخرون أن آيات‬ ‫يجب أخذها حرفيًا‪ ،‬وكذلك الحال مع النصوص ذات الطابع العلمي التي تتكلم عن الكون والطبيعة‪ ،‬بينام ي ّ‬ ‫القتل والقتال هي حاالتٌ خاص ٌة يجب أخذها يف سياقها وعدم تعميمها‪ ،‬وتصل املسألة بالبعض إىل إنكار عذاب الجحيم والنتيجة‬ ‫ومؤسسيه األصليني‪،‬‬ ‫أننا أمام إعادة صياغ ٍة كاريكاتوري ٍة للدين بحيث يتم تفريغه من مضمونه بشكلٍ مل يقل به أصحاب الدين ّ‬ ‫وهي كذلك اعرتافاتٌ ضمني ٌة بأن الدين يف حالته األصلية ال يصلح للعرص‪ ،‬وال يتالءم مع العقل والضمري‪.‬‬ ‫‪27‬‬


‫ملحد ا؟‬ ‫ملاذا ِصت‬ ‫ً‬ ‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫‪ .22‬األديان تأثريها سلبي‬

‫األديان بتعريفها الشامل هي منظومات تفكري وحياة القدماء‪،‬‬ ‫وال ميكن القول بأن كلها رش‪ ،‬بل وال ميكن إنكار دور األديان‬ ‫يف الحفاظ عىل متاسك بعض املجتمعات ويف منح الناس‬ ‫الراحة والطأمنينة يف أوقات الصعاب‪ ،‬ولكن هذا ال مينع أ ّن‬ ‫تلك املنظومات خاص ًة اإلبراهيمية ر ّوجت للخرافات داخل‬ ‫املجتمع‪ ،‬وقامت بتعطيل العقل الحر والبحث العلمي‪،‬‬ ‫ورسخت للدكتاتورية بأن جعلت الشعوب‬ ‫وعادت الحريات ّ‬ ‫ٍ‬ ‫خالفات تافه ٍة‬ ‫لعب ًة يف أيدي الكهنة والحكام‪ ،‬وأوقعت الناس يف‬ ‫نتيجة اإلميان الغيبي وتقديس النصوص‪ ،‬خاص ًة مع غموض‬ ‫تلك النصوص وإبهامها‪،‬‬ ‫كام أنها وقفت بشد ٍة يف طريق التعايش والتعددية املجتمعية واملساواة بني البرش ومنح العبيد والنساء واألقليات حقوقها‪،‬‬ ‫كام أ ّن كث ًريا من الحروب والفنت الطائفية قامت أو تضخمت أو طالت بسبب وجود العنرص الديني فيها‪ ،‬وال شك أ ّن‬ ‫جسدت أسوأ األنظمة التي عرفها البرش‪ ،‬كام ال شك أ ّن التحرر من سلطة األديان يساهم يف تقدم‬ ‫الحكومات الدينية ّ‬ ‫املجتمعات سياس ًيا واقتصاديًا‪.‬‬

‫‪ .23‬األديان تستحق السخرية‬

‫هذه ليست ُح ّج ًة منطقي ًة بقدر ما هي خطو ًة نفسي ًة مهم ًة‪ ،‬فتلك األديان التي تُعطّل العقل واألخالق وتعادي قيم العلم‬ ‫والتسامح والتعايش وحتى السعادة‪ ،‬مل تنترش إالّ بدعم السلطات السياسية‪ ،‬ثم استمرت يف العيش ليس ألنها األكرث وجاه ًة‬ ‫ومنطقًا‪ ،‬وإمنا ألنها تتالعب مبواطن العجز البرشي‪ ،‬وال تسمح ألفكار غريها بالتواجد عىل الساحة‪ ،‬وألنها تحيط نفسها بهال ٍة‬ ‫من الرهبة والقداسة غري املربرة‪ ،‬فأكرث عنارص األديان كانت بالحقيقة لتثري الضحك أو االشمئزاز (أو كليهام) لوال أنها ارتبطت‬ ‫علم وال يقدمون أي خدم ٍة للمجتمع‪ ،‬ويستمدون االحرتام فقط من‬ ‫مبوروث اآلباء املق ّدس وتم إحاطتها بكهن ٍة ال ميلكون ً‬ ‫ٍ‬ ‫لقبعات مرتفعة‪ ،‬وبالتايل فتناول األديان وآلهتها بالسخرية هو خطو ٌة رضورية‪ ،‬ليس بغرض اإلساءة أو جرح مشاعر‬ ‫ارتدائهم‬ ‫املؤمنني‪ ،‬ولكن بغرض إزالة هالة القداسة املهيبة الزائفة التي أحاطت األديان نفسها بها عرب القرون‪ ،‬وبالتايل تعريتها لرؤيتها‬ ‫يف حجمها الحقيقي‪.‬‬

‫‪ .24‬ماذا عن الله؟‬

‫إذا اتفقنا عىل برشية األديان فسننتقل إىل القضية الوجودية ونسأل‪ :‬ولكن ماذا عن الكون والحياة‪ ،‬هل جاءا هكذا بالصدفة‬ ‫خالق أو رب؟ ولكن لنطرح سؤالً مختلفًا‪ :‬إذا سلّمنا برضورة وجود «جه ٍة ما» خلقت الكون والحياة‪ ،‬فام الذي يجعلنا‬ ‫بال ٍ‬ ‫‪28‬‬


‫ملحد ا؟‬ ‫ملاذا ِصت‬ ‫ً‬ ‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫نَصف تلك الجهة بأنها َر ٌب أو إله؟ وملاذا الربويب أحيانًا يصف تلك الجهة بالكامل أو الخري أو الحكمة أو املحبة أو العدل‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫كائنات رشير ٍة اتفقت فيام بينها عىل‬ ‫مثل مجموعة‬ ‫وملاذا يتحدث عنها بصفة املفرد واملذكر؟ ملاذا ال تكون تلك الجهة هي ً‬ ‫خلق الكون؟ الجواب الوحيد أ ّن الربويب ما يزال متأث ًرا بصورة اإلله الديني املذكورة خاص ًة يف الديانات اإلبراهيمية‪ ،‬والتي هي‬ ‫كام ذكرنا مستمد ٌة من صورة الحاكم العظيم قد ًميا‪ ،‬وهذا يعني أن فكرة اإلله هي فر ٌع عن الدين‪ ،‬وليس العكس‪ ،‬وهذه‬ ‫نقط ٌة غاي ًة يف األهمية تجعلنا نكتشف أ ّن الله ال يختلف عن آمون رع أو زيوس أو كريشنا‪ ،‬آلهة املرصيني أو اليونانيني أو‬ ‫سبب ٍ‬ ‫كاف ألن نتخلص من الربوبية مع تخلصنا من األديان‪ ،‬مع االحتفاظ باحتاملية‬ ‫الهنود؛ وها هو إله اليهود والعرب وهو ٌ‬ ‫وجود جه ٍة ما غامض ٍة خلقت هذا الكون‪.‬‬

‫‪ .25‬تناقضات الكامل‬

‫فمثل ملاذا يحتاج الكامل الحكيم إىل خلق الكون‬ ‫خالق كاملٍ يخلق الكثري من املعضالت والتناقضات املنطقية‪ً :‬‬ ‫افرتاض وجود ٍ‬ ‫والبرش أو فعل أي يشء؟ إن كانت ت ُحركه الرضورة فهو ناقص القدرة‪ ،‬وإن كان يفعل بال رضور ٍة فهو ناقص الحكمة‪ ،‬كذلك‬ ‫كيف ميكن أن يكون كامل الرحمة والعدل بنفس الوقت؟ بينام كامل أحدهام ينقص من اآلخر‪ ،‬فلو عاقب املذنب فهو‬ ‫ناقص الرحمة‪ ،‬ولو عفا عنه فهو ناقص العدل‪ ،‬وكيف يكون كامل العلم والقدرة بنفس الوقت؟ فهل يستطيع تغيري ما َعلم‬ ‫مسبقًا أنه سوف يفعله؟ إن قلنا نعم فعلمه ناقص‪ ،‬وإن قلنا ال فقدرته ناقصة‪ ،‬وكذلك هل يستطيع خلْق صخر ٍة يعجز عن‬ ‫حملها؟ يف الحالتني نجد أن قدرته ناقص ٌة والخالصة إ ّن فكرة الكامل نفسها فكر ٌة مستحيلة الوجود ألنها متناقض ٌة داخل ًيا‪.‬‬

‫‪ .26‬معضلة الرش‬

‫وخي‪ ،‬وتسري كاآليت‪:‬‬ ‫هي معضل ٌة قدمي ٌة وتصلح ملخاطبة من يؤمن بإل ٍه كاملٍ ِّ‬ ‫هل اإلله يريد منع الرش ولكنه ال يقدر؟ إذًا هو عاجز‪،‬‬ ‫هل هو قاد ٌر عىل منع الرش ولكنه ال يريد؟ إذن هو رشير‪،‬‬ ‫هل يريد وقادر؟ إذًا من أين يأيت الرش؟‬ ‫والخالصة أ ّن وجود الرشور حولنا‪ :‬األمراض والحروب والزالزل والرباكني هي شواه ُد عىل استحالة وجود إل ٍه كاملٍ‬ ‫ورحيم‬ ‫ٍ‬ ‫وعاد ٍل وعليم‪ ،‬يحاول البعض الرد عىل تلك املعضلة بعدة أمور‪ :‬منها القول بأ ّن تعريف الرش ملتبس‪ ،‬ولكن هذا غري صحي ٍح‬ ‫لفظي ميكن‬ ‫فالرش هو األمل واملعاناة‪ ،‬خاص ًة غري الرضوريني‪ ،‬ويحاولون القول بأ ّن الرش هو فقط غياب الخري‪ ،‬وهو‬ ‫ٌ‬ ‫تالعب ٌ‬ ‫رضوري ليك نشعر بالخري‪ ،‬ولكن هذا يبدو عجي ًبا مع وجود‬ ‫عكسه بالقول أن الخري ليس إال غياب الرش‪ ،‬ويقولون أ ّن الرش‬ ‫ٌ‬ ‫أبدي ال رش فيه‪،‬‬ ‫إل ٍه مطلق القدرة‪ ،‬ومطلق الخري‪ ،‬وي ِع ُدنا ٍ‬ ‫بنعيم ٍ‬ ‫ويقولون أ ّن الرش منبعه اإلنسان وحريته‪ ،‬ولكن يفوتهم مالحظة الرشور يف الطبيعة مثل األمراض والكوارث الطبيعية‬ ‫والخالصة إ ّن كل محاوالت الردود ال تزيل املعضلة أو تحلها‪.‬‬ ‫‪29‬‬


‫ملحد ا؟‬ ‫ملاذا ِصت‬ ‫ً‬ ‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫‪ .27‬الدعاء ال يستجاب‬

‫يوم وميكنها أن تثبت‬ ‫هذه من التجارب العملية البسيطة التي تحدث أمامنا كل ٍ‬ ‫وجود أو عدم وجود إل ٍه قاد ٍر يراقبنا ويرعانا‪ :‬ببساط ٍة ارفع يديك إليه بالدعاء‪،‬‬ ‫وستجد أن النتيجة إحصائ ًيا مطابِق ٌة لتوجهك بالدعاء إىل أي إل ٍه آخر‪ ،‬أو حتى إىل‬ ‫حج ٍر أصم‪ ،‬فام تتمناه قد يحدث أو ال يحدث‪ ،‬وذلك تب ًعا لسهولته واحتامليته‬ ‫مبرض ٍ‬ ‫الواقعية ولرضبات الحظ‪ ،‬فلو أنك أُصبت ٍ‬ ‫طبيب ماه ٍر‬ ‫بسيط وذهبت إىل‬ ‫ٍ‬ ‫فعىل األرجح أنّك ستُشفى رسي ًعا‪ ،‬ولو أُصبت ٍ‬ ‫مبرض خطريٍ ومل ترشع بالعالج فعىل‬ ‫األرجح أن أمورك ستسوء‪ ،‬وذلك بغض النظر عن اإلله الذي تتوجه إليه بالدعاء‪،‬‬ ‫وميكنك التأكد من ذلك حني ترى املؤمن يهرع إىل األطباء قبل أن يدعو‪ ،‬وحني ترى الكوارث الطبيعية تصيب الجميع بال‬ ‫تفرقة‪ ،‬وحني ترى متوسط العمر مرتف ًعا يف املجتمعات املتقدمة تقن ًيا وطب ًيا‪ ،‬وحني ترى الفقر والجوع والجرمية منترش ٌة يف‬ ‫البالد املنهارة سياس ًيا واقتصاديًا‪ ،‬والتي أكرث سكانها مؤمنون مخلصون‪ ،‬ولكنك مع ذلك ال ترى أث ًرا لتدخل اآللهة فيها‪ ،‬إالّ لو‬ ‫كانت آلهة الرش والخراب‪.‬‬

‫‪ .28‬العامل يسري بقوانني ثابتة‬

‫اغمض عينيك وحاول أن تتخيل كونًا يسري بإرادة ٍ‬ ‫شخص مهيمنٍ مطلق القدرة‪ ،‬واآلن تخ ّيل كونًا يسري بقوانني ميكانيكي ٍة‬ ‫علوي له شخصي ٌة‬ ‫ثابت ٍة مثل الساعة املضبوطة‪ ،‬أال ترى أن الصورتني تتناقضان نظريًا؟ إ ّما أ ّن األمور تسري حسب قرارات كائنٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫عقل أو إراد ٌة شخصية‪ ،‬وال‬ ‫وإراد ٌة وأغراض‪ ،‬يُحب ويكره ويفرح ويغضب‪ ،‬وإ ّما أ ّن األمور تسري بخصائص طبيعي ٍة ال يسريها ٌ‬ ‫وكل الشواهد تشري إىل أننا نعيش يف عا ٍمل من النوع الثاين‪،‬‬ ‫ميكن الجمع بني التصورين ّ‬ ‫ونجد أ ّن كل مزاعم الخوارق واملعجزات هي ادعاءاتٌ تاريخي ٌة أسطوري ٌة أو معارص ٌة من قبيل الحكايات الشعبية التي‬ ‫يحاول كل أصحاب دينٍ الرتويج ألنفسهم من خاللها‪ ،‬والتي ميكن تفسريها طب ًيا ونفس ًيا وفيزيائ ًيا‪ ،‬وواقع ًيا مل يُث َبت أ ّن قوانني‬ ‫الطبيعة ت ّم خرقها ولو مر ًة واحدةً‪.‬‬

‫‪ .29‬عبث املعجزات‬

‫حتى لو سلّمنا جدلً بوجود الخوارق املعجزة قدميًا أو حديثًا‪ ،‬فهذا إن صح فلن يثبت شيئًا بالحقيقة‪ ،‬إالّ أ ّن معرفتنا ناقص ٌة‬ ‫شخصا جاءنا فأحيا املوىت أمام‬ ‫أو أ ّن علومنا خاطئة‪ ،‬وهذا لن يربهن بالرضورة عىل وجود أي عفاريت ساموية‪ ،‬فلو فرضنا أن ً‬ ‫أعيننا وطار يف السامء وح ّول املاء إىل نبيذ‪ ،‬فام الذي سيثبته ذلك؟ أنه مدعو ٌم من خالق الكون؟ ال‪ ،‬ليس بالرضورة‪ ،‬فقد يعني‬ ‫مثل أو ميتلك تكنولوجيا خارق ًة أو رمبا جاء من املستقبل أو حتى مدعو ًما من‬ ‫أشياء أخرى منها أ ّن هذا الشخص ساح ٌر ماه ٌر ً‬ ‫ٍ‬ ‫كائنات فضائية‪ ...‬إلخ‪ ،‬االحتامالت كثرية‪،‬‬ ‫‪30‬‬


‫ملحد ا؟‬ ‫ملاذا ِصت‬ ‫ً‬ ‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫فاملعجزة تعني أن شيئًا ما ليس عىل ما يرام‪ ،‬ولكنها ال تثبت شيئًا‪ ،‬أل ّن اإلثبات‬ ‫بالتعريف هو عملي ٌة منظم ٌة ممنهج ٌة تقوم عىل دراسة القوانني املعروفة‪ ،‬واملعجزة‬ ‫أيضا هي ٌ‬ ‫خرق للنظام واملألوف‪ ،‬فهي تصلح للتشكيك يف املعرفة ولكنها ال‬ ‫بالتعريف ً‬ ‫تصلح إلرساء معرف ٍة جديدة‪ ،‬فال يجتمعان‪ ،‬هذا املعنى نجده يف ثنايا النصوص الدينية‬ ‫نفسها‪ ،‬حني ترى النبي يحاول الربهنة عىل صحة رسالته عن طريق القيام مبعجزة‪ ،‬ويف‬ ‫نفس الوقت يحذّر أتباعه من تصديق أي م ّدعي نبو ٍة آخر أو مسي ٍح د ّجال‪ ،‬مهام جاء‬ ‫مبعجزات‪ ،‬ألنها يف تلك الحالة تكون سح ًرا أو من الشيطان وهكذا‪ ،‬فتصديق املعجزات‬ ‫ال يؤدي إىل اإلميان بالدين‪ ،‬وإمنا اإلميان بالدين هو الذي يؤدي إىل تصديق املعجزات‪.‬‬

‫‪ .30‬التطور‬

‫مبس ٍط نسب ًيا وتعقّدت ببط ٍء‬ ‫الحياة ظاهر ٌة كيميائية‪ ،‬والكائنات الحية مل ت ُخلق فجأ ًة بشكلٍ سحري‪ ،‬وإمنا نشأت بشكلٍ ّ‬ ‫ٍ‬ ‫مهندس‬ ‫تدريجي عرب مليارات السنني‪ ،‬وهذا التطور مل يحدث عن طريق سلسل ٍة متصل ٍة من املصادفات‪ ،‬وليس عن طريق‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫ثالث هو ٍ‬ ‫طريق ٍ‬ ‫قليل‬ ‫بسامت مختلفة ً‬ ‫آليات طبيعية‪ ،‬فبسبب الطفرات (العشوائية) نجد أ ّن الكائنات تُولد‬ ‫مصمم‪ ،‬وإمنا عن ٍ‬ ‫عن سامت الوالدين‪ ،‬ثم إ ّن الكائن الذي ميتلك ٍ‬ ‫سامت تؤهله للبقاء وسط ظروف بيئته ينجح يف التناسل ومترير جيناته‪ ،‬بينام‬ ‫ٍ‬ ‫سامت سلبي ٍة ميوت (االنتقاء الطبيعي)‪ ،‬والنتيجة النهائية هي أ ّن األنواع تتطور باستمرار‪ ،‬وتصري أقوى‬ ‫الكائن الذي ميتلك‬ ‫وأرسع وأنسب لظروفها‪ ،‬كام تتفرع إىل أنوا ٍع جديدة؛ ذلك التطور هو حقيق ٌة علمي ٌة ثابتة ّ‬ ‫تدل عليها الحفريات والترشيح‬ ‫والجينات‪ ،‬وهي مباحث مختلف ٌة لكنها تتفق جمي ًعا يف رسم نفس الصورة التي فطن لها تشارلز داروين من قبل‪.‬‬

‫‪ .31‬خرافة الروح‬

‫روح وجسد‪ ،‬تلك الثنائية خراف ٌة أخرى‬ ‫من الناحية العلمية ليس هناك ٌ‬ ‫ساقطة‪ ،‬وأن كل ما نشعر به ونفكر فيه هو نتاج عمل املخ املادي‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫متبادل بني الفكر واملادة‪ ،‬فاإلشارات العصبية‬ ‫ولهذا نجد أ ّن التأثر‬ ‫ت ُحرك أطرافنا‪ ،‬واملخدرات تُعطّل عقولنا‪ ،‬وحدوث األمل قد يُسبب‬ ‫آالم جسدية‪ ،‬فال‬ ‫لنا الحزن‪ ،‬كام أ ّن االستغراق يف الحزن قد يؤدي إىل ٍ‬ ‫نبعت‬ ‫فصل بني النفس والجسد كام نتوهم‪ ...‬وأما الروح فهي خراف ٌة ْ‬ ‫من مالحظة القدماء أ ّن امليت ال يتنفس‪ ،‬أي أن رياح ‪ /‬روح الحياة‪،‬‬ ‫أو النفس‪ ،‬قد خرجت منه‪ ،‬والنتيجة أ ّن الحديث عن وجود حيا ٍة بعد‬ ‫ناتج عن نشاط‬ ‫املوت هو كذلك حديثٌ غري علمي‪ ،‬حيث أ ّن الوعي ٌ‬ ‫املخ‪ ،‬ويزول بزواله‪.‬‬ ‫‪31‬‬


‫ملحد ا؟‬ ‫ملاذا ِصت‬ ‫ً‬ ‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫‪ .32‬الكون ال يبدو مخلوقًا‬

‫ال يوجد نظا ٌم يحكم الكون كام يزعم البعض‪ ،‬وإن ما لدينا هو خصائص طبيعي ٌة لألشياء‪ ،‬نس ّميها قوانني الطبيعة‪ ،‬وهي ال‬ ‫مهندس لوضعها‪ ،‬ومل ت ُن ِتج سوى كر ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ات صخري ًة وناري ًة تدور وتتصادم ملاليني السنني بال هدف‪ ،‬ولكن تلك الفوىض‬ ‫تحتاج إىل‬ ‫لوقت ٍ‬ ‫حني تشغل مساح ًة كافي ًة وتستمر ٍ‬ ‫كاف فقد تخلق أمناطًا محدود ًة من الرتتيب غري املقصود‪ ،‬وهو ما حدث يف بعض‬ ‫مناطق كوكبنا‪ ،‬وذلك مع مالحظة أ ّن كوننا ال يبدو مصنو ًعا من أجلنا‪ ،‬وأكرث الكواكب والنجوم واملساحات الفضائية ال تصلح‬ ‫ظل الكون لنحو‬ ‫إلقامة حياة‪ ،‬بل أن أكرث كوكبنا مبحيطاته وصحاريه ال يصلح‪ ،‬باإلضافة إىل أ ّن الحياة ظاهر ٌة حديث ٌة فقد ّ‬ ‫عرشة مليارات سن ٍة بال حيا ٍة فلامذا الخالق العظيم يحتاج إىل كل تلك املساحة وكل ذلك الوقت؟ هذا كله ال يٌنبئ بأ ّن هناك‬ ‫تخطيطًا أو غاي ًة‪ ،‬وإمنا هي تقلباتٌ طبيعي ٌة صادفت حظًا سعي ًدا‪ ،‬ومن يرى غري ذلك يشبه مساف ًرا يف الصحراء صادف واح ًة‬ ‫خصيصا من أجله‪.‬‬ ‫خرضاء صغري ًة وسط الرمال‪ ،‬فظ ّن أن هناك من وضعها هنا‬ ‫ً‬

‫‪ .33‬الخلق خرافة‬

‫يستند املؤمنون أحيانًا إىل مبدأ السببية ملحاولة إثبات أ ّن الكون مخلوق‪ ،‬ولكن حتى املؤمن ال يعترب أن قانون السببية‬ ‫مطلق‪ ،‬فهو يستثني الله منه‪ ،‬حيث قام بالخلق بشكلٍ‬ ‫سبب يؤثر عليه‪ ،‬ورمبا كذلك يستثني الروح اإلنسانية من‬ ‫عفوي دون ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫السببية (ألنه يؤمن بِحرية اإلرادة العفوية)‪ ،‬وكذلك من الجانب العلمي نجد أن ميكانيكا الكم (فيزياء الجسيامت الصغرية)‬ ‫ال تخضع ملبدأ السببية التقليدي الذي نعرفه‪ ،‬والخالصة أن كال الفريقني يؤمن أن السببية ميكن كرسها‪ ،‬وأ ّن هذا حدث يف‬ ‫بداية الكون‪ ،‬ولكن تخربنا الفيزياء أ ّن مفهوم العدم هو وهم‪ ،‬وأنه حتى الفراغ ينبض بذبذبات الطاقة‪ ،‬وأن مبادئ الفيزياء‬ ‫ٍ‬ ‫جسيامت يف ذلك الفراغ‪ ،‬كام تخربنا أن طاقة الكون الكلية تساوي صف ًرا‪ ،‬ألن مجموع املادة (طاقة إيجابية)‬ ‫تسمح بظهور‬ ‫خلق وإمنا تح ّو ٌل للطاقة من صور ٍة إىل أخرى‪.‬‬ ‫يساوي مجموع الجاذبية (طاقة سلبية) والنتيجة أننا لسنا أمام ٍ‬

‫‪ .34‬إله الفجوات‬

‫توصل إىل جميع اإلجابات بشكلٍ كامل‪ ،‬فقضايا مثل نشأة الحياة األوىل ورس الوعي وبداية‬ ‫مام سبق ال يعني أ ّن العلم قد ّ‬ ‫الكون هي قضايا ما يزال العلامء يبحثون فيها‪ ،‬ولكن يجب مالحظة أ ّن نقص العلم أو حتى الجهل ليس سب ًبا كاف ًيا لالستسالم‬ ‫للخرافات‪ ،‬وإالّ ك ّنا مثل اإلنسان البدايئ الذي عجز عن تفسري ظاهرة الربق والرعد فقال بأن اآللهة غاضبة‪ ،‬أو مثل القروسطي‬ ‫الذي عجز عن فهم سبب املرض فقال بأنها شياطني‪ ...‬إلخ‪،‬‬ ‫فحتى مع نقص العلوم نجد أنفسنا ُملزمني بالبحث املنطقي والطبيعي القائم عىل الرصد والتفكري املنظم‪ ،‬وليس عىل تصديق‬ ‫خياالت بدو الصحاري‪ ،‬وهكذا يبقى التنظري العلمي أقرب إىل التصديق ألنه يفرس األشياء باإلحالة إىل سامت الطبيعة التي‬ ‫ميكن رصدها ومعرفتها وإثباتها‪ ،‬وال يفرتض وجود عفاريت غيبي ٍة قامت باألمر وكشفته لفر ٍد ٍ‬ ‫واحد يف ٍ‬ ‫كهف خفي‪ ،‬وهكذا‬ ‫حقيقي أمام التفكري العلمي‪ ،‬ألنها ت ُق ّدم لنا وهم املعرفة‪ ،‬وهو أخطر من الجهل‪.‬‬ ‫عائق‬ ‫تبقى املعتقدات الدينية ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫‪32‬‬


‫ملحد ا؟‬ ‫ملاذا ِصت‬ ‫ً‬ ‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫‪ .35‬معنى الحياة‬

‫يرى البعض أنه بدون الدين حياتنا هي عبثٌ تام‪ ،‬جئنا من العدم ومصرينا إىل العدم‪ ،‬بال معنى أو غاية‪ ،‬وأول ما يخطر‬ ‫خفي خلقنا لنؤمن به ونعبده دون رؤيته‪ ،‬ولنطيع أوامره دون فهمها‪،‬‬ ‫بذهني هنا هو‪ :‬أين املعنى العظيم يف وجود كائنٍ ٍ‬ ‫وذلك ليك يضعنا يف حديق ٍة كبري ٍة منرح فيها إىل األبد؟‬

‫وعىل الجانب اآلخر فالكون بالفعل ال يبدو أن له غاي ًة معين ًة شامل ًة‪ ،‬فالقصدية هي سم ٌة حديث ٌة ناشئ ٌة لدى الكائنات‬ ‫والسيام البرش‪ ،‬ومن الغباء الشديد أن نُسقط سامتنا عىل الكون ذاته‪ ،‬كام أنه من الغباء الظن بأ ّن توقنا للمعنى والعدالة‬ ‫والخلود يجب أن يعني بالرضورة وجود تلك األشياء‪ ،‬وكأ ّن الكون موجود لتلبية رغبات أشباه قرو ٍد تعيش عىل ذلك الكوكب‬ ‫حلن‪:‬‬ ‫بأطراف مجر ٍة ضمن مئات املليارات من املجرات‪ ،‬وأمام تلك الحقيقة القاسية (غياب املعنى) أمامنا ّ‬ ‫إما أن نخرتع مع ًنى نخدع به أنفسنا فنوهمها بأننا مركز اهتامم الوجود كله‪،‬‬ ‫وإما أن نتقبل املسألة ونسعى نحن لخلق معانٍ متعدد ٍة ومحدود ٍة لحياتنا نعيش من أجلها‪.‬‬

‫‪ .36‬اإللحاد هو البداية ال النهاية‬

‫لقد اعتدنا عىل أ ّن الدين هو منظوم ٌة شامل ٌة تجيبنا عىل جميع األسئلة وتدير كل شؤون حياتنا‪ ،‬لكن البعض يرتك تلك‬ ‫وظل االعتقاد موجو ًدا عند البعض بأ ّن اإللحاد البد وأن يكون منه ًجا فكريًا أو (دي ًنا موازيًا)‬ ‫املنظومة إىل الالدينية أو اإللحاد‪ّ ،‬‬ ‫يُجيب بدوره عىل األسئلة ويدير الحياة‪ ،‬وهذا عبث‪،‬‬ ‫فالخروج من األديان يعني أنك قد تحررت من القطيع ورصت فر ًدا تبني أفكارك بنفسك من خالل القراءة والبحث‪ ،‬وال‬ ‫وكل ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫قابل للخطأ‪ ،‬والعلم التجريبي‪ ،‬وإن كان‬ ‫شخص ٌ‬ ‫قابل للتشكيك ّ‬ ‫فكل يش ٍء ٌ‬ ‫مقدس أو كاهن‪ُّ ،‬‬ ‫كتاب‬ ‫تتلقاها جاهز ًة من ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫يظل أدا ًة‬ ‫إجابات متاح ٍة عن أسئلة الوجود والنشأة‪ ،‬إال أنّه ّ‬ ‫توصل لها البرش‪ ،‬وإن كان يُقدم لنا أفضل‬ ‫أفضل أداة معرف ٍة ّ‬ ‫محدود ًة ومتطور ًة باستمرار‪ ،‬ال ت ّدعي ال ِعصمة أو الكامل‪ ،‬وأ ّما بناء مفاهي َم عن األخالق واملعنى فهي مهمة البرش جمي ًعا‪،‬‬ ‫وهم قادرون عىل إنجازها بشكلٍ مستقلٍ عن خرافات العرص الربونزي‪.‬‬

‫‪33‬‬


s www.facebook.com/M-80-II-941772382615672

34


‫عىل مقهى اآللهة‬

‫وليد‬ ‫‪35‬‬


‫عىل مقهى اآللهة‬ ‫وليد‬

‫أصابني منظر أحباب الله يف كارثة تسونامي وهم ملقون جثثًا‬ ‫هامدة‪ ،‬بحالة كآب ٍة شديد ٍة وذهبت كعاديت لخلويت يف غاري‬ ‫فضل يف جبل املقطم أناجي اإللـٰه وأعاتبه عىل ما فعله بأحبابه‬ ‫امل ُ ّ‬ ‫وتركه أعداءه يهيمون يف كل وا ٍد يف األرض ميألونه فسا ًدا‪ .‬وعندما‬ ‫عال نحيبي وزاد عتايب ثقّلت رأيس وسمعت صلص ًة كصوت الجرس‬ ‫هاتف من‬ ‫فأدركت أنني يف سبيل لقاء حبيبي مر ًة أخرى‪ .‬وجاءين ٌ‬ ‫داخيل مأل عقيل وإحسايس حتى أصبح الصوت كل ما أشعر من‬ ‫دنياي‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫تكتف مبا قلت‬ ‫قائل‪ :‬وليد م ّر ًة أخرى! ماذا تريد؟ أمل‬ ‫لقد أىت الله ً‬ ‫لك؟!‬ ‫رب‪.‬‬ ‫ ال أشبع من حديثك يا ّ‬‫ وماذا تريد هذه امل ّرة؟‬‫ ملاذا هذه القسوة عىل أحبابك الصغار؟‬‫تعالت ضحكاته‪ :‬أحبايب؟! ليس يل أحباب‪ .‬من قال لك هذا؟ هل تعلم كيف مات هؤالء؟‬ ‫ غرقًا‪.‬‬‫ بل كانت خسار ًة كبري ًة يل‪.‬‬‫ مل أسمع أ ّن اإلله يخرس‪.‬‬‫ وهل تظ ّن أ ّن تلك األرض التي تعيشون عليها متثّل أي مع ًنى يل؟ أال تعلم كم هي صغري ٌة وحقري ٌة يف هذا الكون؟‬‫أصل؟‬ ‫ نعم أعلم‪ .‬ولكن ما دامت حقري ًة بهذا الشكل فلامذا كانت ً‬‫ إنها يل كرقعة الشطرنج أو الرند‪.‬‬‫اضطربت أعصايب عندما علمت أنني كقطع ٍة يف لعبة‪.‬‬ ‫وقلت‪ :‬هكذا فقط ترفعني من مكانٍ لتضعني يف مكانٍ آخر؟‬ ‫ ألست ح ًّرا فيام أفعل؟‬‫أيضا‪ .‬أريد أن أراك وأنت تلعب بهذه‬ ‫طأطأت رأيس وقلت‪ :‬نعم‪ .‬ث ّم انتفضت وجاءتني الفكرة وقلت‪ :‬أريد أن ألعب أنا ً‬ ‫رب ألرى ما تفعله وكيف متيش األمور وكيف تسري هذه الدنيا‪ ،‬كيف تح ّرك هذا‬ ‫األرض ومع من تلعب‪ ،‬أريد فرص ًة يا ّ‬ ‫وتقتل هذا وتصارع هذا‪.‬‬ ‫ أمجنو ٌن أنت؟ ماذا تقول؟ إ ّن هذه لعبة ال يتقنها ّإل اآللهة‪.‬‬‫ألست قاد ًرا عىل كل يشء؟ اجعلني إل ًها أو حتى نصف إل ٍه ألرى هذه اللعبة؟‬ ‫ألست ح ًّرا فيام تريد؟‬ ‫‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫‪36‬‬


‫عىل مقهى اآللهة‬ ‫وليد‬

‫طويل وقال‪ :‬ال مانع‪ ،‬إ ّن هذا األمر سيكون جدي ًدا‪.‬‬ ‫صمت وقتًا ً‬ ‫َ‬ ‫انتابني شعو ٌر بالنشوة أن أكون إل ًها‪.‬‬ ‫ لك ّنك لن تكون إل ًها‪ ،‬سأجعلك متاب ًعا فقط‪.‬‬‫مل أكن ألرفض‪...‬‬ ‫ إذًا وماذا بعد؟‬‫ سآخذك إىل املكان الذي تجتمع فيه اآللهة وترى كيف تجري األمور عىل أرضكم وكيف يحرك كل إل ٍه قطع ًة عىل‬‫الرقعة‪.‬‬ ‫ تقصد األرض؟‬‫ رقعة أرض‪ ،‬ال يهم‪ ،‬ما يهم هو ما يجري فوقها‪.‬‬‫بعيني وال أسمع‬ ‫أحسست جسدي ينفصل عام حويل‪ ..‬مل أعد أرى‬ ‫ّ‬ ‫بأذ ّين‪ ،‬أحسست أين أصعد برسع ٍة كبري ٍة لألعىل‪ ،‬أصبحت أرى األرض من‬ ‫غريب‬ ‫دامسا‪ ،‬شعو ٌر‬ ‫بعيد‪ ،‬إنها تبعد وتبعد‪ ،‬أصبح الكون أمامي ظال ًما ً‬ ‫ٌ‬ ‫بالوحشة والظلمة وما زلت أحس أنني أبعد وأبعد‪ ..‬مل أعد أرى األرض‪،‬‬ ‫يدي لكنني مل‬ ‫عيني‪ ،‬مددت ّ‬ ‫حتى الظالم بدأ يختفي‪ٌ ،‬‬ ‫وهج شدي ٌد يقتحم ّ‬ ‫أجد ي ًدا وال عينني‪ ،‬مل أدري ماذا أصبحت‪ ،‬الوهج يكاد يقتلني من شدته‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫شديد واألمل يكاد يقتلع رأيس الذي ال أجده‪ ،‬ماذا أنا؟ ال‬ ‫أصبت بدوا ٍر‬ ‫أعلم‪ ،‬رصخت بأعىل ما ّيف‪ ،‬أين أنا؟ أين أنت يا الله؟ ماذا يحدث يل؟‬ ‫أفقت عىل صوت ضحكات‪ ،‬بدأت عيناي تعتادان عىل الوهج الشديد‪،‬‬ ‫كنت أحس كأنني طائ ٌر وجسمي ال أبعاد له‪ .‬أرى ما حويل وال أرى نفيس‪،‬‬ ‫ال أستطيع أن أفعل شيئًا سوى أن أرى‪ .‬جاء صوته من بعيد‪ ،‬أحسست‬ ‫بغربتي تزول عندما سمعت صوته‪:‬‬ ‫ ال تقلق! قلت لك ستتابع فقط‪.‬‬‫قائل‪:‬‬ ‫رأيت العديد من الكائنات التي مل أرها يف حيايت‪ .‬ابتدرين أحدهم ً‬ ‫أنثوي رائع‪ :‬أنا عشتار‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أهل أنا زيوس مرحبًا بك‪ .‬وجاءين صوت ٌّ‬ ‫بدأت أتطلع حويل‪.‬‬ ‫ أق ّدم لك آمون‪ ،‬وذاك كْرِشْ َنا الجالس هناك وحوله شلّ ٌة من اآللهة‪.‬‬‫قلت بيني وبني نفيس‪ :‬لو ذهبت إليهم ألضعت عمري كله قبل أن‬ ‫‪37‬‬


‫عىل مقهى اآللهة‬ ‫وليد‬

‫أعرفهم‪ ،‬لكن انظر من هناك‪.‬‬ ‫ م ّد يدك وصافح إنه ُه َبل‪.‬‬‫رشفت مبقابلتك‪ .‬دعني أكتشف بنفيس التي بجانبك‪ِ ،‬‬ ‫أنت أكيد الالت‪.‬‬ ‫ت ّ‬‫مت وقالت‪ :‬وكيف عرفت؟‬ ‫تبس ْ‬ ‫ّ‬ ‫قلت‪ :‬وهل تخفي الغرانيق ال ُعىل‪.‬‬ ‫أمضيت وقتًا ممت ًعا أتنقل بني هذا وذاك‪ .‬أعجبني مازْدا كث ًريا‪ ،‬إنه شخصي ٌة شديدة املرح أما عزازيل املدع ّو بإبليس فكان‬ ‫يكف عن النظر إ ّيل‪ ،‬ألقيت عليه التحية فأومأ يل برأسه‪ .‬ال تُتاح الفرصة كث ًريا للتنقّل بني اآللهة‪ .‬إنها كائناتٌ لطيف ٌة‬ ‫ال ّ‬ ‫ج ًّدا‪ .‬تذكّرت فجأ ًة أنني مل أكن هنا للتعارف‪.‬‬ ‫قلت للّه‪ :‬ملاذا تجتمعون هنا؟‬ ‫ أمل ترد أن تعرف ماذا نفعل باألرض؟‬‫ كيف تلعبون؟‬‫كل يفعل ما يشاء‪ .‬املنترص هو من يحصل عىل أكرب ك ّمي ٍة من القواشيط‪.‬‬ ‫ القواعد هنا أنه ال قاعدة‪ٌّ ،‬‬‫ القواشيط تعني بها اإلنسان؟‬‫ نعم هناك القشاط األبيض واألسود واألصفر واملُل ّون‪ ،‬كل إلـٰ ٍه يحاول أن يحصل عىل أكرب ق ْد ٍر من البرش واإلله املنترص‬‫هو من يكسب جميع القواشيط‪.‬‬

‫‪38‬‬


‫عىل مقهى اآللهة‬ ‫وليد‬

‫ وكيف تسيطر عىل البرش؟‬‫لكل إل ٍه يضع األفكار التي يراها ليستميل أكرب ق ْد ٍر من البرش ليحملوا اسمه عىل الرقعة‪.‬‬ ‫ هذا راج ٌع ّ‬‫ تقصد األرض‪.‬‬‫ نعم‪ .‬كام ترى بعض اآللهة خرجوا من اللعبة متا ًما‪ ،‬أنا شخص ًّيا استطعت يف حرك ٍة واحد ٍة إزاحة ثالثة آله ٍة من الرقعة‪،‬‬‫هبل ومناة والالت‪ ،‬غري الرضبات املوجعة التي و ّجهتها ليهوه‪ .‬حقيق ًة ال نرتاح ٍ‬ ‫لبعض أب ًدا‪.‬‬ ‫ لكن ال تنكر أنك تتع ّرض اآلن لرضبات موجعة‪.‬‬‫ ال يه ّمني‪ ،‬فقد حصلت عىل أعدا ٍد هائل ٍة من القواشيط ال ميكن التأثري فيها بسهولة‪ ،‬أحاول كسب املزيد ولكن تواجهني‬‫مشاكل كبرية‪.‬‬ ‫ قل يل كيف تح ّولت من إل ٍه ال متلك ّإل العدد القليل من القواشيط إىل إل ٍه متلك كل هذه األعداد الغفرية؟‬‫الكل وراءها‪ .‬لقد أعجبتني فكرة يهوه لكنه مل‬ ‫ انظر! املوضوع كلّه يعتمد عىل فكر ٍة جديد ٍة تستهوي البرش ويندفع ّ‬‫يستغلها ج ّي ًدا‪ ،‬لقد قام برتقية ٍ‬ ‫نبي ليستميلوا بقية القواشيط إىل صفّهم‪ ،‬إ ّن البرش بهم حاج ٌة‬ ‫بعض من قواشيطه إىل رتبة ٍّ‬ ‫دامئ ٌة لكسب املزيد وإذا جاءهم من يقنعهم بأ ّن ما بيد غريهم سيصبح لهم سيتبعونه دامئًا إذا ظ ّنوا أ ّن النرص حليفهم‬ ‫وأ ّن هناك ق ّو ٌة كربى تؤيّدهم‪.‬‬ ‫ لقد أرسل يهوه الكثري من الرسل‪.‬‬‫فشل ذري ًعا ألنه اعتقد أ ّن البرش يريدون أشياء روحي ًة فقط‪ ،‬أما أنا بحرك ٍة واحد ٍة وبرتقي ٍة واحد ٍة استطعت‬ ‫ لك ّنه فشل ً‬‫أن أجعله يجلس ويندهش‪ ،‬لقد عرفت ماذا يريد البرش‪ :‬يريدون كل يشء‪ ،‬يريدون أن يحصلوا عىل كل الخري يف حياتهم‬ ‫خاصا بكم وحدكم هاكم‪ ...‬تريدون‬ ‫ّ‬ ‫وكل الخري بعد مامتهم‪ ،‬أرسلت لهم من يقول ما يريدون سامعه‪ ،‬تريدون إل ًها جدي ًدا ًّ‬ ‫غنائم ما عند غريكم من القبائل والشعوب هاكم وبالحالل‪ ،‬تريدون نسا ًء وسب ًيا هاكم‪ ،‬تريدون حكم األرض باسمي‬ ‫هاكم‪ ،‬تريدون أن تعيشوا أب ًدا وألّ متوتوا احصلوا عىل ذلك‪ ،‬تريدون ُمت ًعا لكم ولن يحصل عليها غريكم‪.‬‬ ‫ لكن مل تنجح دعوتك هذه يف البداية‪.‬‬‫ نعم عندما قلّدت يهوه ومشيت عىل خطته يف البداية‪ ،‬لكن عندما غريت خطتي وبدأت أحصد الغنائم بدأ الكل‬‫يتبعني‪ ،‬كنت أولً أدعو إىل األخالق فقط وهذا ما ال يستهوي إال القليل‪ ،‬أما عندما أصبحت أوزع الغنائم وأحصل عليها‬ ‫يل الجموع وعندما ع ّدلت خطّتي إىل االنتشار يف كل األرض مل يقف أمامي أح ٌد وقتها‪.‬‬ ‫ألتباعي بالحالل تهافتت ع ّ‬ ‫ّبت عىل بقية اآللهة وقتها؟‬ ‫ وكيف تغل َ‬‫أيضا‪ :‬من ميوت يف سبييل ال ميوت‪ ،‬هل مثّة إلـٰ ٌه عرض هذه الفكرة من قبل‪ :‬من ميوت يف سبييل يحصل‬ ‫ فكر ٌة جديد ٌة ً‬‫أي عد ٍد من النساء؟؟‬ ‫عىل ّ‬ ‫ لذلك كانت أفكارك ذكورية‪.‬‬‫مهم وال عند غريي‬ ‫ طب ًعا فلم تكن النساء ليساهم َن يف الحروب وإضافة املزيد من القواشيط‪ ،‬مل يكن وجوده ّن عندي ًّ‬‫من اآللهة‪ ،‬كل أفكاري كانت الكتساب الذكور فهم األداة الناجعة وقتها‪.‬‬ ‫فشلت يف قهر يسوع!‬ ‫لكن ال تنكر أنك‬‫َ‬ ‫‪39‬‬


‫عىل مقهى اآللهة‬ ‫وليد‬

‫ ليس متا ًما‪.‬‬‫تفس أنه ما يزال يحتفظ بأكرب ق ْد ٍر من القواشيط عىل األرض رغم‬ ‫ كيف ّ‬‫أنه مل يعتمد أفكارك القتالية؟‬ ‫تنس أنه نزل بنفسه عىل األرض وكانت هذه فكر ًة ج ّبار ًة مل يسبقه إليها‬ ‫ال َ‬‫الكثري كام أنني مل أكن قد جئت هنا يف األرض وقتها فقد كنت يف رقع ٍة‬ ‫أخرى‪ .‬وعندما جئت كان قد استطاع كسب العديد من البرش‪.‬‬ ‫لكنه اآلن ميسك مبفاتيح اللعبة‪.‬‬‫ليس متا ًما لقد انسحب الكثري من أتباعه وأصبحوا محايدين‪.‬‬‫ٍ‬ ‫بتخطيط منك!‬ ‫لك ّن هذا مل يكن بسببك أو‬‫لقد اهتدى إل ٰـ ٌه جدي ٌد جاء إىل تلك الرقعة منذ فرت ٍة قليل ٍة إىل فكر ٍة‬‫جديد ٍة مل يسبقه إليها أحد‪ ،‬إنه يحفّز البرش عىل القراءة والتفكري لكنه ال‬ ‫يكسب أتبا ًعا بقدر ما يُف ِقد اآلخرين أتباعهم‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫جديد الجتذاب القواشيط واآلن‬ ‫جئت بفك ٍر‬ ‫تغيوها‪ .‬فقد‬ ‫كسبت املعركة قد ًميا عندما َ‬ ‫َ‬ ‫لقد ات ّبعتم أفكا ًرا قدمي ًة ومل ّ‬‫تدور الدائرة ليأيت فك ٌر جديد‪.‬‬ ‫ال لن يأخذها مني بسهول ٍة‪ ،‬فأنا أمنع أتباعي من االقرتاب من األفكار الجديدة وآمرهم بتكفريها‪.‬‬‫تتغي‪.‬‬ ‫لكني أرى الرقعة ّ‬‫تصاعدت ح ّدة النقاش بيننا واجتذب النقاش بقية اآللهة‪ ،‬لقد اعتادوا ألّ يناقشهم أحد‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬لكن أال ترى أ ّن لعبتكم هذه بال نهاية؟‬ ‫قائل‪ :‬أنا مردوخ‪ ،‬لقد‬ ‫تق ّدم م ّني إل ٌه ع ّرفني بنفسه باعتزا ٍز وشمو ٍخ ً‬ ‫الكل‪ .‬انظر أيها اإلنسان! إ ّن اآللهة ال تظهر عىل‬ ‫أتيت إىل الرقعة قبل ّ‬ ‫هذه الرقعة عندما تشاء بل عندما تكون البرشية ُمه ّيأ ًة الستقبالها‪،‬‬ ‫لقد ظهرت عىل هذه الرقعة وتس ّيدت ُها فقط عندما ظهر امللك‬ ‫حمورايب‪ ،‬لقد استطعت االنتصار عىل كل اآللهة وقتها وتح ّولت من‬ ‫ابن إل ٍه إىل إل ٍه ُمطلق القدرة واملعرفة يف نفس الوقت الذي متكّن‬ ‫األريض واخرتت مدينة بابل كأقدس‬ ‫فيه حمورايب من بناء العامل‬ ‫ّ‬ ‫أيضا بيتي عىل األرض يف أقدم مكانٍ يف‬ ‫قطع ٍة عىل األرض وبنيت ً‬ ‫مم جئت به ونسبوا إ ّيل أماكن أخرى‬ ‫العامل (بابل)‪ ،‬لقد استفاد غريي ّ‬ ‫نفس املزاعم‪ ،‬إنها األقدم واألقدس‪ ،‬انظر إىل إبليس إنه مل يظهر أب ًدا‬ ‫عندما كنتم تعتقدون بوجود آله ٍة كثري ٍة يف نفس الوقت‪،‬‬ ‫‪40‬‬


‫عىل مقهى اآللهة‬ ‫وليد‬

‫محيا كام أصبح عندما اعتقد بعضكم يف إل ٰـ ٍه واحد‪ ،‬ما دمنا نتصارع كآله ٍة كان‬ ‫رش ميثّل موضو ًعا ّ ً‬ ‫مل يكن الخري أو ال ّ‬ ‫فلكل زمانه ومكانه‪.‬‬ ‫وجود الخري والرش ّمفهو ًما فال يغرنّك ما تسمعه من غريي ٍّ‬ ‫هل تريد أن تقول يل أنكم القطع ونحن املح ّركون لها؟‬‫نعم عزيزي‪ ،‬املوضوع أكرث تعقي ًدا‪.‬‬‫تد ّخل الله فجأة‪...‬‬ ‫ال تستمع لهذا املخبول! إ ّن مرارة الهزمية تص ّور له أفكا ًرا مجنون ًة مثله‪ .‬إنه ال يصدق أنه خرج من الرقعة‪.‬‬‫فكل اآللهة تظهر يف بقع ٍة من األرض ويكون انتشارها جغراف ًّيا‪ .‬هل تستطيع‬ ‫لكن أرى كالمه عىل ق ْد ٍر من الحقيقة ّ‬‫مثل يف أمريكا الجنوبية أو‬ ‫تفس يل ملاذا هذا التوزيع الجغرا ّيف لألديان؟ ملاذا مل تستطع أنت أن تكسب أي قواشيط ً‬ ‫أن ّ‬ ‫أسرتاليا؟ ملاذا كان بيتك يف مكّة كام كان بيت مردوخ يف بابل؟‬ ‫ كام قلت لك لست وحدي عىل الرقعة‪.‬‬‫ لكن هذه األماكن دانت إىل غريك‪.‬‬‫لكن ال تنكر أنها تح ّولت إىل غريي عندما استُخدم نفس أسلويب يف الحرب املُق ّدسة فام زلت صاحب الريادة‪.‬‬‫ّفت‬ ‫لكن لهذا ً‬‫أيضا مل تعد قاد ًرا عىل كسب املزيد من القواشيط عندما أصبحت الحرب املقدسة لعب ًة قدمية‪ ،‬لقد توق َ‬ ‫متا ًما عن اكتساب املزيد‪.‬‬ ‫ال بل زرعت أفكا ًرا عن التناسل والتوالد بكرثة فأصبحت أحصل عىل قواشيط إضافي ٍة باستمرار‪.‬‬‫وجهل من غريهم؟‬ ‫لكن أال ترى أنه نتيج ًة لهذا األفكار أصبح أتباعك أكرث فق ًرا ً‬‫حتى يصبحوا دامئًا يف حاج ٍة يل‪.‬‬‫ٍ‬ ‫موجودات سابقًا عىل تلك الرقعة؟ ملاذا‬ ‫لكن ملاذا كل اآللهة الجديدة ذكو ٌر بينام أرى العديد من اآللهة اإلناث كن‬‫اختفني فجأ ًة وتركن الرقعة لكم؟ دعني أذهب إليه ّن‪ .‬تلفّت خلفي‪ .‬لقد مللت النقاش يف نفس األمور‪ ،‬إ ّن ما أقوله عىل‬ ‫رب البرش‪ ،‬مل أعد أدري من الذي خلق‬ ‫األرض أصبح هو نفسه ما أقوله هنا‪ ،‬ال يوجد فرق بينام يف عقل البرش وما عند ّ‬ ‫الحب والخصب تجلس مع عشتار‪ ،‬ترى ماذا يتذكّران من املايض؟ ُسعدت كث ًريا يب‪ ،‬مل تكن تتوقّع‬ ‫من! ها هي إنانا إلهة ّ‬ ‫خرجت منذ زمنٍ طويلٍ من الرقعة‪ ،‬أزاحها الذكور‪ ،‬تن ّهدتْ وقالت‪ :‬أنا عشتار‪ ،‬أنا األ ّول‬ ‫أ ّن هناك من يزال يتذكّرها‪ ،‬لقد‬ ‫ْ‬ ‫وأنا األخر‪ ،‬أنا البغية وأنا القديسة‪ ،‬أنا الزوجة وأنا العذراء‪ ،‬أنا األ ّم وأنا االبنة‪ ،‬أنا العاقر وكث ٌري هم أبنايئ‪ ،‬أنا يف ٍ‬ ‫عرس كبريٍ‬ ‫ومل أتّخذ زو ًجا‪ ،‬أنا القابلة ومل أنجب أح ًدا‪ ،‬أنا العروس وأنا العريس وزوجي من أنجبني‪ ،‬أنا أ ّم أيب وأخت زوجي وهو‬ ‫من نسيل‪.‬‬ ‫تجمعت حويل اإلل ٰـهات إيزيس وأفروديت وفينوس‬ ‫أثار صوتها الحزين أشجان األخريات‪ ،‬وجدت ُني ُمحاطًا فجأ ًة وقد‬ ‫ْ‬ ‫ونوت والالت والعزى ومناة‪ .‬يبدو أنهن مل يتلقّني تحيًّة من إنسانٍ منذ فرتة‪.‬‬ ‫‪41‬‬


‫عىل مقهى اآللهة‬ ‫وليد‬

‫وقفت وقلت‪ :‬مل ِ‬ ‫آت لتقديم القرابني‪ .‬أجلستني أفروديت‪ ،‬مل أكن ألعرتض‪ ،‬مل يكن أح ٌد يف الحقيقة لريفض‪ ،‬إن كل ما فيها‬ ‫ٍ‬ ‫تنزعج لكن مل يعد يتح ّدث‬ ‫أنثوي رائعٍ يليق بإل ٰـهة‪ :‬ال‬ ‫بصوت‬ ‫يدعوك للتأ ّمل‪ ،‬ثم التأ ّمل ث ّم االستسالم يف النهاية‪ .‬قالت‬ ‫ٍّ‬ ‫ْ‬ ‫وسعدنا عندما رأيناك تثور يف وجه اآللهة الذكور‪.‬‬ ‫إلينا أح ٌد منذ فرت ٍة كبري ٍة ُ‬ ‫ أرجوك ّن أنا مل ِ‬‫حول وال ق ّوة‪ ،‬لست طرفًا يف هذه اللعبة بل ُمج ّرد قطع ٍة‬ ‫ضعيف ال ميلك ً‬ ‫آت للمشاكل‪ .‬ما أنا إلّ إنسا ٌن‬ ‫ٌ‬ ‫يت ّم تحريكها فال تتوقّعا م ّني أكرث من هذا‪.‬‬ ‫قالت عشتار‪ :‬لقد ك ّنا أ ّول من بدأ هذه اللعبة‪ ،‬مل يكن يف البداية‬ ‫أي ذكور‪ .‬اندهشْ ت‪ .‬قالت‪ :‬ال تندهش! فعندما كانت البرشية‬ ‫ّ‬ ‫حروب وال أطام ٌع ومل يظهر التنافس‬ ‫يف البداية مل تكن هناك‬ ‫ٌ‬ ‫بني البرش‪ ،‬وقد كانت األرض آنذاك أُ ًّما للجميع تعطي بغري‬ ‫حساب وكان خري األرض ُمشا ًعا وعندها ربط اإلنسان القديم‬ ‫ٍ‬ ‫بني أ ّمه األنثى التي توفّر اللنب من ثديها وتخرج اإلنسان من‬ ‫حساب وبني ما يراه‬ ‫جسدها وتفيض عليه من مشاعرها بغري‬ ‫ٍ‬ ‫من الطبيعة التي ينهل منها بغري ك ٍّد أو عملٍ فآمن بأ ّن اإلله‬ ‫الذي يعطي بغري انتظا ٍر ال بُ ّد أن يكون أنثى‪.‬‬ ‫كل منك ّن‬ ‫ وفيم كان تنافسك ّن إذا كيف كانت تجتذب ٌّ‬‫القواشيط؟‬ ‫ٍ‬ ‫مساملات فقد خلقنا الكائنات األخرى كالوحوش‬ ‫ لقد ك ّنا‬‫والضواري ليلجأ إلينا البرش‪ ،‬كان اإلنسان يخاف من أبسط‬ ‫األمور كالرعد والربق واملطر فيحتاجني لكننا أب ًدا مل ند ُع إىل‬ ‫القتال لكن عندما بدأ ينظر إىل ما يف يد غريه عندما ذاق الطمع‬ ‫أيضا إلـٰ ًها يستعبد غريه وبدأ يبحث‬ ‫والرغبة يف أن يكون هو ً‬ ‫ع ّمن يحقّق له ذلك ومل يعد يحتاجنا فقد احتاج إىل ٍ‬ ‫قائد وإل ٰـ ٍه‬ ‫يحمي مصالحه الشخصية‪ ،‬يس ّن له القوانني ليأخذ ما بيد غريه‪،‬‬ ‫عندها ظهرت اآللهة الذكور وروي ًدا روي ًدا فقدنا كل ما لدينا‬ ‫من قواشيط‪.‬‬ ‫‪42‬‬


‫عىل مقهى اآللهة‬ ‫وليد‬

‫ وكيف ترين األمر اآلن؟ هل سينترص أحد؟‬‫ نعم سينترص ذلك اإللـٰه الجديد إلـٰه الفكر‪ ،‬إنه مينح أتباعه النرص والريادة‪ ،‬إنه يتق ّدم ببط ٍء ولكن انظر إنه ال يرتاجع‬‫أب ًدا‪ ،‬إ ّن اآللهة القدمية بدأت تتساقط كام تساقطنا فقد ظهروا وأصبحوا غري قادرين عىل نرص أتباعهم‪ ،‬انظر ماذا يفعل‬ ‫حل مشكلة الزواج يف املجتمع يقول لك ال‬ ‫ليحل مشكل ًة كالرسقة إنه يقول لك «اقطع اليد» وإذا أردْتَ ّ‬ ‫اإللـٰه اآلن ّ‬ ‫اختالط امنع اإلناث من أن يراه ّن أح ٌد وإذا سألته عن موقفه من معاريض أفكاره فسيقول لك «قاتلهم ِ‬ ‫واقض عليهم»‬ ‫حل‪ ،‬إنه‬ ‫يحل ولكنه ببساط ٍة يلغي أطراف املشكلة حتى لتظ ّن أ ّن املشكلة ستُ ّ‬ ‫حتى يكون األمر له أو لك ال فرق‪ ،‬إنه ال ّ‬ ‫كمن يريد ّ‬ ‫فك ُعقد ٍة يف حبلٍ فيأمر مبنع صناعة الحبال حتى مينع وجود ال ُعقد‪ ،‬ولك ّن إلـٰه الفكر بدأ يضع حلولً حقيقي ًة‬ ‫تجتذب الكثري من القواشيط‪.‬‬ ‫أصل أبناء إل ٰـهة القمر وعند جميع البرش هم أبناؤنا‬ ‫تد ّخلت هذه امل ّرة فينوس‪ :‬هل تعلم أ ّن كل هذه اآللهة الذكور كانوا ً‬ ‫وانقلبوا علينا عندما أراد البرش ذلك؟‬ ‫ويح للقمر ِ‬ ‫منك يا فينوس لو رآك البرش ما مدحوا القمر!‬ ‫وملاذا القمر؟ ٌ‬‫نثوي‪ :‬راحت أيّامي ولن تعود فلقد أصبحت األحقاد واألطامع متأل قلوب البرش كآلهتهم متا ًما‪ ،‬اإللـٰه‬ ‫ْ‬ ‫ضحكت يف دال ٍل أُ ّ‬ ‫سألت أح ًدا‬ ‫الحب والطمع يف ٍ‬ ‫قلب واحد؟ فكلّام َ‬ ‫يريد السيطرة بالحرب والقتل واالستعباد‪ ،‬فأين سأكون أنا؟ هل يجتمع ّ‬ ‫ملاذا تراجع اله ّم سيقول ألننا تركنا الجهاد وأعداء اإلل ٰـه يعيشون بال رادع‪ ...‬ال مكان يل عىل هذه الرقعة اآلن‪.‬‬ ‫رآك البرش لندموا أش ّد الندم عىل ضياع حياتهم يف تفكريهم كيف يضيفون قواشيط جديد ًة لإلله‪ِ ،‬‬ ‫لو ِ‬‫لكنك مل تكميل يل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وداللك بعي ًدا عن املوضوع‪.‬‬ ‫صوتك‬ ‫موضوع القمر لقد أخذين‬ ‫ربط البرش قد ًميا بني اإلل ٰـه األنثى والقمر فالدورة الشهرية لهام متساوية‪ ،‬واألرض والخصب مرتبطان بالقمر والقمر‬‫ٌ‬ ‫محاق ويو ٌم بدر‪ ،‬إنها املرأة يا عزيزي‪ .‬وعندما جاء‬ ‫شكل جديد فيو ٌم‬ ‫يوم له ٌ‬ ‫يرشق من مكانٍ ويغرب يف مكان‪ّ ،‬‬ ‫وكل ٍ‬ ‫الرجل حطّم املرأة القمر فمردوخ إلـٰه بابل األعظم حطّم رمز أ ّمه القمر ث ّم تح ّول إىل كبري اآللهة عىل يد حمورايب‬ ‫اإلغريقي س ّيد البانثيون مل يكن سوى ابن اإلل ٰـهة األ ّم الكريتية الكربى وتح ّول إىل اإلل ٰـه األكرب عندما ثار عىل األ ّم‬ ‫وزيوس‬ ‫ّ‬ ‫رمز القمر‪ ،‬إنها الثورة عىل األنثى املعطاءة ليبدأ عرص الذكر عرص املصالح القومية‪.‬‬ ‫الكل فبدأن يتكلّمن‪.‬‬ ‫يبدو أ ّن الحديث أثار ّ‬ ‫أيضا كنت رمز القمر وكذلك مناة والعزى؟ حتى اآلن ما يزال أتباع الله يحملون نفس رمزي‬ ‫قالت الالت‪ :‬هل تعرف أنني ً‬ ‫الهالل‪ ،‬لقد ح ّولوا اسمي إىل ُمذكّ ٍر واحتفظوا برمزي‪.‬‬ ‫حقًّا؟‬‫‪43‬‬


‫عىل مقهى اآللهة‬ ‫وليد‬

‫رس وجود الهالل فوق املساجد؟ هل تعرف ملاذا اختار قواشيطكم هذا الرمز بالذات؟‬ ‫ هل سألت نفسك يو ًما ما ّ‬‫بدأت أتف ّهم ولكني يف شوقٍ ملعرفة املزيد‪.‬‬ ‫مسك ٌني أنت أيها اإلنسان! عمرك لن يطول أب ًدا لتعرف الحقيقة‪ ،‬ستفتّش عنها يف كل مكانٍ وهي بداخلك‪ ،‬أنت الحقيقة‬‫الوحيدة يف حياتك‪ .‬اسأل نفسك‪ ،‬صارحها سرتشدك‪.‬‬ ‫التفت ألرى مصدر الصوت ووجدت إلـٰهني يجلسان سويًّا‪ .‬قالت الالت‪ :‬هذا بعل والذي بجانبه أيل‪ ،‬لقد كانا أسياد هذه‬ ‫ّ‬ ‫األرض ولكن كام تعلم يجلسان اآلن يراقبان‪.‬‬ ‫لكني أراه نسخ ًة طبق األصل من يهوه‪ ،‬إنهام كالتوأم‪.‬‬‫قوي املالحظة!‬ ‫ضحك أيل ضحك ًة أفزعتْني‪ :‬نعم نعم! كم أنت ّ‬ ‫عذ ًرا ال أجد يف ذلك ق ّو ًة فأنتام متطابقان ولستام متشابهني‪ ،‬هل أنتام من أ ٍّم واحدة؟‬‫اقرتب م ّني! يبدو أنك ظريف! أيها اإلنسان أمل أقل لك أنك مسك ٌني؟ ها أنت ترى الحقيقة بأ ّم عينيك‪ ،‬فهل ستصدقّها؟‬‫ْ‬ ‫أي حقيق ٍة تتكلّم عنها؟‬‫ّ‬ ‫أنا أيل أو إيلوهيم أو الله ّم أو يهوه ال فرق‪ ،‬إننا نتبادل األدوار‪ ،‬اإلنسان ٌ‬‫ملول يخلق إل ٰـهه الخاص‪ ،‬القاعدة هنا‪ :‬ال تفقد‬ ‫القواشيط يا عزيزي‪.‬‬ ‫ال أفهم شيئًا! أرجوك! أنا إنسا ٌن كام تعلم وليس يل يف هذه اللعبة يشء‪ ،‬هل توضح يل؟‬‫هذا بعل لقد كان س ّيد األرض وتحالف مع عشتار‪ ،‬اكتسبا القواشيط إىل صفّهام باملُتع الجنسية‪ ،‬لقد استامل البرش‬‫بفكر ٍة يص ُعب أن يقهرها أحد‪ :‬الجنس (الدعارة املُق ّدسة)‪ .‬أصبح التق ّرب إليه باملُتع الجسدية‪ ،‬مل أعرف كيف أقهره يف‬ ‫نبي اسمه إبراهيم‪ ،‬لقد‬ ‫البداية حتى‬ ‫ْ‬ ‫حدثت هزمي ٌة مللك كنعان وجه بعل يف األرض عندها أطلقت قشاطًا وح ّولته إىل ٍّ‬ ‫كانت حرك ًة قلبت معها املوازين‪.‬‬ ‫ضحك بعل‪ :‬ال تذكّرين باملايض لقد أصبتني يف مقتل‪ ،‬ال بأس! فأنت اآلن بجانبي تكلّ ْم عزيزي فنحن اآلن سواء‪.‬‬ ‫مل تعجب كلامته أيل بالرغم من الصداقة الظاهرة إلّ أنهام يحمالن حق ًدا دفي ًنا أدركا أنه لن يق ّدم أو يؤ ّخر اآلن‬ ‫فاستسلام للواقع‪.‬‬ ‫تن ّهد أيل‪ :‬إبراهيم كان ورقتي الرابحة وكنت ورقة إبراهيم الناجعة‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬لكنني أعلم أ ّن إبراهيم مل يكن يف أرض كنعان‪.‬‬ ‫نعم أيها اإلنسان‪ ،‬لقد كان إبراهيم من بالد الرافدين من أور الكلدانية‪ ،‬هاجر هو وقومه إىل كنعان ومعه ابن أخيه‬‫لوط‪ ،‬عندما أىت أرض كنعان كان أتباعي قليلني ج ًّدا‪ .‬فمن كان ليؤمن يب وبتز ّمتي أمام من يؤمنون ببعل؟! عند الهزمية‬ ‫وأن أيل سوف أنتقم‪.‬‬ ‫ظهر إبراهيم يقول أ ّن الهزمية نتيج ٌة لالنحالل الذي ساد ّ‬ ‫‪44‬‬


‫عىل مقهى اآللهة‬ ‫وليد‬

‫ٍ‬ ‫منافس وج ّردين من زوجتي‬ ‫بعد الهزمية مل يكن أمام أتباع بعل إلّ أن يختربوا أيل‪ .‬ودعا إبراهيم إ ّيل ودعاين إلـٰ ًها واح ًدا بال‬ ‫ٍ‬ ‫أ ّما بقية اآللهة التي كان يؤمن بها أهل كنعان معي فقد أبقى عليها عىل شكلٍ‬ ‫جديد س ّميناه املالئكة ونسبوا أسامءهم‬ ‫وأيضا جربائيل وميخائيل وغريهام‬ ‫فبدل من إلـٰه املطر أصبح املالك ميكائيل‪ً ،‬‬ ‫إ ّيل‪ً ،‬‬ ‫وبدل من إلـٰه املوت تح ّول إىل عزرائيل ً‬ ‫وس ّمي ابنه إسامئيل‪.‬‬ ‫من اآللهة التي ح ّولها إبراهيم إىل مالئك ٍة تقتبس من نوري بل ُ‬ ‫ وملاذا استم ّرت هذه األسامء حتى اآلن ألتباع يهوه ويسوع والله بالرغم من غيابك من الرقعة؟‬‫أيضا ح ّولوا بعل إىل شيطانٍ لع ٍني سموه بعل زبول‪ .‬ث ّم انتابته‬ ‫يبدو أ ّن املوضوع جعله يشعر بالزهو فانتىش وقال أيل‪ً :‬‬ ‫نوب ٌة من الضحك وقال‪ :‬ما أغباكم أيها البرش! أصبح بعل معبودكم األ ّول شيطانًا ألنكم ُهزمتم يف معركة!‬ ‫انتفض بعل‪ :‬ما يل أراك تضحك وكأنك متلك األرض وما عليها؟!‬ ‫البرشي أ ّن أتباع الله ما زالوا يستخدمون ألقاب اآللهة التي ح ّولها إبراهيم إىل مالئكة؟‪...‬‬ ‫قال أيل‪ :‬أمل تسمع قول هذا‬ ‫ّ‬ ‫اصمت يا شيطان!‬ ‫قال بعل‪ :‬هل صدقت نفسك؟؟ أنا شيطان؟!‬ ‫قلت‪ :‬اهدؤوا يا جامعة! و ّحدوا الله!‬ ‫اب‪ ،‬وقال أيل‪ :‬أنا أ ّول من ُو ّحد يف األديان‪.‬‬ ‫نظر يل أيل وبعل باستغر ٍ‬ ‫ ال عليك! مل تقل يل حتى اآلن ما عالقتك بيهوه‪.‬‬‫تد ّخل هنا بعل‪ :‬دعني أقول لك كيف انتهى أمر هذا املغرور بنفيس‪ ،‬بدأ املوضوع عندما ق ّررت املرأة زوجة إبراهيم‬ ‫سارة طرد هاجر‪ ،‬لقد غضبت من هاجر زوجته الثانية وطردتها إىل صحراء النقب يف برئ سبعٍ هي وابنها إسامعيل وأبقت‬ ‫ليستقل ابنه يعقوب وينصب نفسه راع ًيا أليل وس ّمى نفسه‬ ‫ّ‬ ‫ابنها اسحـٰق يف أرض كنعان ورسعان ما اختلف ابني اسحق‬ ‫إرسائيل أي املختار أو املصطفى من أيل‪ ،‬ومن ساللة إرسائيل جاء موىس يف ٍ‬ ‫وقت كان أتباع أيل يف حال ٍة يُرىث لها من ّ‬ ‫الذل‬ ‫واالستعباد‪ ،‬ودخل مع أيل الكثري من اآللهة يف أرض مرص‪ .‬كان موىس املو ّحد الوحيد‪ ،‬ولقد سئم قوم موىس عبادة أيل‬ ‫نبي مخاط ًبا إيّاه باسمي‪.‬‬ ‫ألنه تركهم أذلّ ء‪ ،‬عندها ظهر يهوه وح ّول موىس إىل ٍّ‬ ‫رب آبائك إبراهيم وإسحـٰق ويعقوب‪.‬‬ ‫أنا ّ‬‫تغي االسم وبقي املضمون لذلك ال فرق بينهام‬ ‫لقد علم موىس أ ّن ال فرق بني أيل ويهوه ولكن كان أيل قد فقد بريقه‪ّ ،‬‬‫كام ترى‪ .‬أصبح اسم أيل إيلوهيم أحيانًا ويهوه أحيانًا أخرى‪ .‬أ ّما أبناء إسامعيل فانترشوا جنوبًا حتى جزيرة العرب‬ ‫وحملوا معهم التعاليم األيلية التي ورثوها عن إبراهيم وكام أصبح إيلوهيم يهوه عند موىس‪ ،‬صار نفسه يُنطق الله ّم‬ ‫الكل؟‬ ‫فهمت ملاذا هذا التشابه بني ّ‬ ‫عند أبناء إسامعيل ونادى بها أبناء إسامعيل أيل «لبّيك الله ّم لبّيك»‪ .‬هل‬ ‫َ‬ ‫فهمت لك ّن األمور متداخل ٌة وكثرية‪ .‬هل استق ّر األمر ليهوه بعد ذلك؟‬‫‪45‬‬


‫عىل مقهى اآللهة‬ ‫وليد‬

‫انتىش بعل‪ :‬ال كنت له باملرصاد فعندما عاد موىس ليدخل األرض يف كنعان كنت قد‬ ‫استعدت زمام األمور م ّر ًة أخرى وحتى بعد دخول بني إرسائيل كنت مسيط ًرا‪ ،‬امللك‬ ‫سليامن بنى يل معب ًدا كام بناه ليهوه‪ ،‬كان قائ ًدا ُمح ّنكًا يعرف يك يريض الجميع‪.‬‬ ‫دهشت وقلت‪ :‬هل عبدك سليامن؟ هذه كذب ٌة منك‪.‬‬ ‫ال تكذب اآللهة عزيزي كام أ ّن هذا موجو ٌد يف كتب أتباع يهوه‪.‬‬‫هل لك أن توضح؟‬‫قال بعل‪ :‬بنى سليامن بيتًا أليل‪ ،‬فقد كان أيل يطلب دامئًا من داود أبوه أن يبني‬ ‫له بيتًا ليسكن فيه بيت أيل الحرام لك ّن داود مل يعطه أكرث من خيم ٍة متنقّل ٍة‬ ‫لسكناه وذلك أل ّن اليهود كانوا ال يستطيعون البناء‪ ،‬ومل يكونوا أصحاب حضار ٍة لكن‬ ‫ّسليامن كان ملكًا سياس ًّيا ُمخرض ًما استعان مبلك صور املدع ّو حريام وبنى الهيكل‬ ‫الذي ق ّدسه من بعده أتباع أيل أو يهوه وليك ال يفقد سليامن و ّد أتباعه عبد بعل‬ ‫وعشرتوت‪ ،‬وتق ّدم إليهم بالقرابني وهذا ما ظهر واض ًحا بعد موته فانقسم بنوه إىل‬ ‫قسمني‪ :‬قس ٌم يعبدين وهم األكرثية‪ ،‬وقس ٌم ات ّبع يهوه وهم األقلية واستم ّر الش ّد‬ ‫والجذب بني أتباعي وأتباع أيل ويهوه‪ ،‬تا ّر ًة أتق ّدم‪ ،‬تا ّر ًة يتق ّدم‪ ،‬وتا ّر ًة نتصالح‪.‬‬ ‫قليل‪ ،‬قال أيل هذا فجأ ًة عندما ملح إلـٰ ًها‬ ‫أنت أنت تعال هنا! دعنا نضحك ً‬‫أتبي القادم‪ ،‬إنه إبليس‪.‬‬ ‫أتبي مالمحه يف البداية‪ .‬انتظرت أن ّ‬ ‫يتح ّرك مل ّ‬ ‫قال أيل‪ :‬تعال يا إبليس اجلس‪ .‬غمزين وقال‪ :‬إنه هنا مزحة‬ ‫القوم‪.‬‬ ‫قلت متع ّج ًبا‪ :‬إبليس!! هو مزحتكم؟؟! هل تريد أن تقول‬ ‫يل أنه عبيط؟‬ ‫أيضا‪.‬‬ ‫ضحك أيل‪ :‬نعم وأهبل ً‬ ‫كف وقلت له م ّر ًة أخرى‪ :‬إبليس؟‬ ‫رضبت كفًّا عىل ٍّ‬ ‫قال أيل‪ :‬مت ّهل‪ .‬جاء إبليس‪.‬‬ ‫انتابتني نوب ٌة من الضحك عندما رأيت وجهه يقرتب م ّني‪ ،‬ال أدري بدا يل وهو‬ ‫مييش كأنه إسامعيل ياسني‪ ،‬وتع ّمدت ّأل أنظر إليه مبارش ًة حتى ال ينتبه إىل ضحيك‪،‬‬ ‫عشت عمري كلّه أعتقد أ ّن إبليس هذا داهية‪.‬‬ ‫اب ٍ‬ ‫شديد فقال يل‪ :‬ملاذا تتع ّجب؟؟‬ ‫أحس بعل أنني يف استغر ٍ‬ ‫ّ‬ ‫قلت‪ :‬أال تدري؟ عشت عمري كلّه يف ٍ‬ ‫خوف منه‪ ،‬كلّام نصحني أح ٌد كان يحذّرين‬ ‫من أالعيبه ومكره ث ّم تقوالن يل أنه يف الحقيقة عبيطٌ‪.‬‬ ‫‪46‬‬


‫عىل مقهى اآللهة‬ ‫وليد‬

‫وعندما رأيته مييش ورأيت تعبريات وجهه البلهاء انتابتني نوب ٌة من الضحك ال أدري هل هي عىل نفيس أم عليه‪.‬‬ ‫أي ٍ‬ ‫قشاط يف حياته بل كان دامئًا موجو ًدا‬ ‫قال بعل‪ :‬مل يطمح هذا املسكني أبدا للرصاع عىل القواشيط بل مل يحصل عىل ّ‬ ‫عىل الرقعة كخيال مآتة‪ ،‬مل ينتبه إليه أح ٌد يف البداية‪ ،‬لكن عندما بدأ الرصاع بيني وبني أيل كان أيل يريد أن يكون إلـٰ ًها‬ ‫ديكتاتوريًّا ال يعارضه أح ٌد لذلك نادى بالتوحيد وأ ّن كل األمور راجع ٌة إليه فهو األ ّول واآلخر والقادر واملسيطر عىل جميع‬ ‫رش لهم وهم أنصاره كيف‬ ‫رش موجو ٌد وعندما سأله أتباعه من أين يأيت ال ّ‬ ‫األمور و ُمجرياتها لك ّنه نيس يف البداية أ ّن ال ّ‬ ‫كنت يا إلـٰهنا الوحيد‬ ‫أساسا وهو الخري خاطبوه قائلني‪ :‬إذا َ‬ ‫يؤذيهم باملرض والهزمية وهو قاد ٌر عىل منعها بل ملاذا خلقها ً‬ ‫محض‪ ،‬فمن أين أتت الرشور يف هذا العامل؟ تك ّرر هذا مع يسوع ومع الله وأهورامزدا ومل يجدوا معتو ًها غري هذا‬ ‫خ ٌري ٌ‬ ‫رش املحض‪ ،‬من غريه لكان األمر عس ًريا أن يكونوا بال رشيك‪.‬‬ ‫ليقبل هذا الدور‪ ،‬ال ّ‬ ‫سمعت حوا ًرا بدأ بني أيل وإبليس‪ ،‬أحببت أن أستمع إلبليس هذه امل ّرة‬ ‫بنفيس دون أن يجري م ّني مجرى الدم‪ ،‬تق ّدمت مقرتبًا منه يف ٍ‬ ‫ثبات‬ ‫ُمصطنعٍ فام زالت نفيس تهابه رغم بالهته الظاهرة‪.‬‬ ‫ مرح ًبا إبليس‪.‬‬‫الكل‪.‬‬ ‫أهل بك‪ .‬من أنت؟ أراك تتحاور مع ّ‬‫ً‬ ‫ال عليك‪ .‬زائ ٌر من األرض‪.‬‬‫ريفي تائ ٌه يف املدينة وجد‬ ‫انفرجت أساريره عندما سمع سرية األرض وكأنه ٌّ‬ ‫من يعرفه فجأة‪.‬‬ ‫من أبناء آدم؟‬‫ نعم هل رأيته؟‬‫من؟؟‬‫آدم أيب‪.‬‬‫ مل أره يف حيايت‪.‬‬‫ إذن ملاذا تسألني عنه؟‬‫وسعدت ّأيا‬ ‫ أو ّد أن أعرف من هو آدم الذي يتكلّمون عنه يف الرقعة ُ‬‫قلت يل أنك من أبنائه‪.‬‬ ‫سعاد ٍة عندما َ‬ ‫ألست السبب يف خروجه إىل األرض بعد أن ك ّنا يف الج ّنة؟‬‫َ‬ ‫ماذا أفعل بك اآلن يا سبب شقايئ؟‬ ‫أية ج ّنة؟ وأية أرض؟ وهل بيدي أن أفعل شيئًا دون إذن اآللهة؟ إنني‬‫الكل‪ :‬افعل يا إبليس! حارض‪ .‬وسوس يا إبليس! حارض‪ .‬ارقص‬ ‫لعب ٌة يف يد ّ‬ ‫يا إبليس! حارض‪.‬‬ ‫‪47‬‬


‫عىل مقهى اآللهة‬ ‫وليد‬

‫إذًا ما دورك يف الرقعة؟ وملاذا تجلس هنا؟‬‫دخلت إل ٰـ ًها يف البداية مع مزدا لكننا مل نصمد عىل اللوحة كث ًريا‪ ،‬فخرج مزدا مذمو ًما مدحو ًرا‪ .‬أ ّما أنا فعلمت أ ّن قدرايت‬‫ال تتجاوز ما أنا فيه اآلن‪ ،‬وعندما عرض يهوه أن أشاركه الدور عىل الرقعة عرفت أنني ال أملك خيا ًرا‪ .‬قل يل من هو آدم‬ ‫هذا الذي يلعنني يف كل مناسب ٍة وأنا ال أعرفه‪.‬‬ ‫آدم هذا‪ ،‬هو القشاط الذي يتصارع عليه اآللهة وليك يحصلوا عىل املزيد منه كانوا يخيفونه بك‪ ،‬وأنه لو اتّبعهم‬‫ألنقذوه من براثنك‪.‬‬ ‫براثني أنا؟؟! وماذا كنت سأفعل بهم؟‬‫األبدي معك يف النهاية‪.‬‬ ‫الغريب أ ّن أح ًدا مل يقل ماذا ستفعل بهم‪ ،‬واألغرب أنهم هم أنفسهم يتو ّعدونه بالعذاب‬‫ّ‬ ‫رضا وال نف ًعا‬ ‫ما أنا ّإل كخيال مآت ٍة ال روح ّيف لكنني أشبه اإلل ٰـه من بعيد‪ ،‬أتكرهونني إىل هذا الح ّد وأنا ال أملك لكم ًّ‬‫رصا؟‬ ‫وال أُرزِق وال أمنع رزقًا وال أنرص وال أمنع ن ً‬ ‫نعم‪ ،‬بل أنت أصبحت كعبيط القرية الذي يرجمه الصبية بالحجارة ومل يعرفوا عنه شيئًا‪.‬‬‫وملاذا يكرهني أبناء آدم إذن؟‬‫رضا‪ .‬هل كان بإمكانه أن يقول ال؟ انتبهت عىل صوت الله‬ ‫وقفت لفرت ٍة أبحث عن إجاب ٍة فهو مثيل يلعب د ًورا وال ميلك ًّ‬ ‫يأتيني‪....‬‬ ‫أين كنت؟ بحثت عنك‪.‬‬‫كنت أتج ّول بني الالعبني‪ .‬إنهم جمي ًعا متح ّمسون لجمع القواشيط ما عدا إبليس‪.‬‬‫رمق الله إبليس وقال له‪ :‬ماذا تفعل هنا؟ أمل أوكل لك مجموع ًة من القواشيط يك تؤزّهم أزًّا‪ .‬ارتبك إبليس وقال‪ :‬نعم‬ ‫خيل ورجالً يك أضلّهم عن سبيلك‪.‬‬ ‫أرسلت عليهم ً‬ ‫استعجبت وقلت للّٰه‪ :‬هل تكسب القواشيط أم تضلّها؟؟‬ ‫أضل من أشاء‪ ،‬وأهدي من أشاء‪ ،‬يك يكون هنالك من يعتقد أنني‬ ‫ابتسم ث ّم اعتدل وقال‪ :‬تلك أصول اللعبة يا عزيزي‪ّ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫بواحد يك أحصل عىل عرشة‪.‬‬ ‫اخرتته دونًا عن الباقي فيفرح يب ويبذل ماله ونفسه من أجيل فأحصل عىل املزيد‪ ،‬أض ّحي‬ ‫وماذا يفعل إبليس؟‬‫ال يشء‪ .‬أنا أضمن له دو ًرا عىل الرقعة وهو يتح ّمل كل ما يلعنه البرش من أفعايل‪.‬‬‫هناك ٌ‬‫نبي؟‬ ‫سؤال يشغل بايل‪ :‬ملاذا‬ ‫َ‬ ‫توقفت عن ترقية بعض القواشيط إىل رتبة ّ‬ ‫النبي فقد تط ّورت مفاهيم القواشيط كث ًريا ومل تعد‬ ‫ضحك كث ًريا‪ :‬نعم لقد أصبح البرش أكرث كث ًريا لك ّن املشكلة مل تعد يف ّ‬ ‫هذه اللعبة تنطيل عليهم كام كان يحدث يف املايض‪.‬‬ ‫حاولت تكرار هذا األمر مع الباب والبهاء وعندما فشلوا ألصقتهم يب وكأنهم كانوا من أتباعي‪.‬‬ ‫تد ّخل إبليس‪ :‬لك ّنك‬ ‫َ‬ ‫ّمت ألهبطك ّن يف األرض مع هذا القشاط‪.‬‬ ‫قال الله‪ :‬اصمت أنت‪ .‬ال دخل لك بهذا األمر‪ ،‬ما أنت إلّ منف ٌذ ألفكاري ولو تكل َ‬ ‫‪48‬‬


‫عىل مقهى اآللهة‬ ‫وليد‬

‫قلت‪ :‬مر ًة أخرى؟‬ ‫قال‪ :‬وهل حدث أ ّول؟‬ ‫قلت‪ :‬أمل تهبط آدم مع إبليس يف األرض قبل ذلك؟‬ ‫أيضا سمعت ذلك‪.‬‬ ‫إبليس ببالهته وقال‪ :‬أنا ً‬ ‫ابتسم ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫حكايات‬ ‫قص ٌة قدمية‪ ،‬أنت تعرف أ ّن القواشيط مشغول ٌة بأمر مصدرها ومصريها بعد املوت‪ ،‬وأنا أحيك لهم‬ ‫أجاب الله‪ :‬آه! هذه ّ‬ ‫مسلي ًة يك ال يفكّروا كث ًريا‪ ،‬إ ّن التفكري الكثري بتلك األسئلة «كيف» و«ملاذا» يفتح عقولهم عىل أمو ٍر ال أريد أن يفكّروا فيها ألين ال‬ ‫أريد أن أك ّرر نفس خطأ يسوع‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬وما هذا الخطأ؟‬ ‫قال‪ :‬ترك قواشيطه واستهرت بهذه األسئلة‪ ،‬ففكّر القواشيط وعلموا مدى جهلهم وأنهم كانوا يعيشون خدع ًة كبري ًة فبدأوا يرتكونه‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬وماذا تفعل أنت؟‬ ‫قال‪ :‬أحاول أن أجعل من يفكّر من أتباع إبليس ّ‬ ‫وكل ما يقولونه كف ٌر وبذلك أؤ ّجل الوقت‪ .‬لكن‪ ،‬حقيق ًة اآلن مل أعد أدري ما‬ ‫العمل‪ ،‬أتباع يسوع القدامى اخرتعوا أدو ٍ‬ ‫ات تفوق قدرات هذه اآللهة مجتمع ًة ومل أعد أعرف إىل أين سينتهي األمر وأتباعي‬ ‫مثل للضعف والجهل والتخلّف ومل أعد قاد ًرا عىل مساعدتهم أو إيهامهم كام كنت أفعل قد ًميا‪.‬‬ ‫أصبحوا ً‬ ‫وماذا كنت تفعل قدميًا؟‬‫أستغل جهلهم‪ ،‬فإذا انترصوا قلت لهم أ ّن هذا النرص بسبب‬ ‫ّ‬ ‫كنت‬‫إرسايل ملالئك ٍة تحارب معهم وإذا ُهزموا قلت أ ّن هذا ابتال ٌء واختبا ٌر‬ ‫ريح أوه ْمتهم أنني من أرسلتها‪ ،‬أ ّما اآلن فلم تعد تنفع‬ ‫وإذا قامت ٌ‬ ‫هذه األمور‪ ،‬أصبح للقواشيط األخرى مالئك ٌة حقيقي ٌة تطري يف السامء‬ ‫وأصبح عندهم أجهزة اختبا ٍر حقيقي ٍة تعلم ظروف الج ّو والرياح‬ ‫وأصبح لديهم مقاييس حقيقي ٌة لالختبار‪ ..‬ساعدين‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬أنا؟؟؟ وهل أملك من األمر شيئًا؟‬ ‫قال يل‪ :‬بصفتك من القواشيط كيف أستميل البرش إيل مر ًة أخرى؟‬‫املوضوع بسيطٌ‪ ،‬ولكن من يقدر عىل ذلك؟ مل يستطع إل ٰـ ٌه منكم‬‫أب ًدا أن يهب للبرشية‪ :‬العدل ‪ ,‬الص ّحة‪ ،‬األمان‪ ،‬احرتام اإلنسانية‪...‬‬ ‫لذلك كلكم فشلتم‪ ،‬كنتم سب ًبا يف الحروب واالستعباد واالستبداد‪.‬‬ ‫أرجعني حيث كنت‪ ،‬إنكم تلعبون مبشاعرنا وأحاسيسنا وال تفكّرون‬ ‫يف احرتام إنسانيّتنا‪.‬‬ ‫كلكم خارسون‪ .‬كلكم خارسون‪ .‬كلكم خارسون!‬ ‫‪49‬‬


50


‫مسيلمة رحمن الياممة‪...‬‬ ‫وما أدراك ما الرحمن!‬ ‫سلسل ٌة من أربعة أجزاء نرشنا جزئيها األولني م ًعا‬ ‫يف العدد ‪ ،86‬ثم الجزء الثالث يف العدد ‪،87‬‬ ‫واآلن نقدم الجزء األخري‪.‬‬

‫الجزء الثالث‪ :‬منهجه‪ ،‬تحالفاته‪،‬‬ ‫حروبه ونهايته‪.‬‬ ‫التاريخ يكتبه املنترص‪ ،‬لكن ذلك‬ ‫ال مينع ترسيب ومرور بعض‬ ‫األخبار الصحيحة والصائبة‪،‬‬ ‫وإ ْن كانت صعب ًة يف اإليجاد‬ ‫وتتطلّب البحث الطويل‬ ‫املتأن‪ ،‬والكثري من‬ ‫ّ‬ ‫االجتهاد والصرب‪.‬‬ ‫منهج مسيلم َة‬ ‫يف نرش دينه‬

‫مصطفى ح ّجي‬ ‫‪51‬‬


‫مسيلمة رحمن الياممة‪...‬‬

‫الجزء الثالث واألخري‪:‬‬ ‫منهجه‪ ،‬تحالفاته‪ ،‬حروبه ونهايته‪.‬‬

‫مصطفى ح ّجي‬

‫منهج مسيلم َة يف نرش دينه‬ ‫مل تذكر كتب التاريخ اإلسالمي كيفية انتشار دين‬ ‫مسيلمة وهي تخلوا متا ًما من أخباره‪ ،‬رغم أن تأثريه‬ ‫كان ممت ًّدا ومت َو ِّس ًعا يف رشق وشامل الجزيرة العربية‬ ‫خاص ًة بعد أن أقام مسيلمة تحالفاته مع سجاح وبني‬ ‫ّ‬ ‫متيم‪...‬‬ ‫وأنا هنا أقول «تأثريه» ألننا ال نجد يف مصادر املسلمني‬ ‫وكتب تاريخهم أنه غزا قبيل ًة أو قو ًما أو مدين ًة‪ ،‬وال‬ ‫حرب أو معركة‪ ،‬بل عىل العكس‬ ‫نجد أنه أقام أي ٍ‬ ‫متا ًما‪ ،‬قُبيل تحالفه مع سجاح ت ُق ّرر سجاح أن تُحاربه‬ ‫وقد قادت جيشً ا كب ًريا فينجح مسيلمة بج ّرها إىل‬ ‫ٍ‬ ‫تحالف معه‪ ،‬بل إن مسيلمة نجح يف جعل‬ ‫إقامة‬ ‫سجاح تتنازل له عن النبوة املزعومة واقرتحت عليه‬ ‫أن يتز ّوجها حيث قالت‪:‬‬ ‫«إن مثيل ال يجري أمرها هكذا‪ ،‬ولكن إذا خرجت اعرتفت لك بالحق‪ ،‬واخطبني إىل قومي فإنهم يز ّوجونك‪ ،‬ثم أقود بني‬ ‫أيضا‪« :‬أن مسيلمة حينام اجتمعت به قرأ عليها ما نزل عليه من الوحي فوجدته حقًّا‪ ،‬فقالت له‪:‬‬ ‫متيم معك»‪ ،‬وقالت ً‬ ‫«قد سلّمت األمر إليك»(‪.)1‬‬ ‫ٍ‬ ‫محمد بن عبد الله أن يتحالف ويتقاسم النب ّوة معه لكن‬ ‫كام نجد أن مسيلمة ‪-‬حسب املصادر اإلسالمية‪ -‬قد عرض عىل‬ ‫مح ّم ًدا رفض ذلك‪...‬‬ ‫هذان الحدثان ـ تحالفه مع سجاح ورغبته يف التحالف مع محمد ‪ -‬ميكن أن يكونا مفتا ًحا لقراءة منهج مسلمة الحنفي‬ ‫خاصا بني أحناف الجيل األول باستخدام (التأثري وليس الفرض) يف نرش الدعوة لعبادة‬ ‫يف االنتشار‪ ،‬فالرجل يتبع منه ًجا ًّ‬ ‫ٍ‬ ‫محمد يف مكة يف بدايات ا ّدعائه للنبوة‪ ،‬حيث كان يتبع شعار «ال إكراه يف الدين»*‪،‬‬ ‫أيضا أسلوب‬ ‫الرحمن‪ ،‬وهو كان ً‬ ‫(حاكم) مطا ًعا وأصبح شعاره «قاتلوا الذين ال يؤمنون بالله‪.»...‬‬ ‫ثم انقلب الحقًا عىل هذا املنهج عندما أصبح يف يرثب‬ ‫ً‬ ‫‪ -1‬الفخري‪.74-75:‬‬ ‫ٍ‬ ‫* تعترب هذه اآلية مدنية‪ ،‬لكن روحها متثل حال محمد يف الفرتة املكية‪ ،‬وهي آي ٌة يرى مسلمون عديدون أنها منسوخة بآية مثل «قاتلوا الذين ال يؤمنون بالله‪[ .»...‬تحرير املجلة]‬

‫‪52‬‬


‫مسيلمة رحمن الياممة‪...‬‬

‫الجزء الثالث واألخري‪:‬‬ ‫منهجه‪ ،‬تحالفاته‪ ،‬حروبه ونهايته‪.‬‬

‫مصطفى ح ّجي‬

‫ولقد ظل مسيلمة عىل منهجه الخاص حتى بعد أن أصبح لديه‬ ‫من االتباع ما ميكن أن يغزو به أماكن كثريةً‪ ،‬بل كان من املمكن‬ ‫أن يغزو يرثب ومكة‪ ،‬لكن مسيلمة مل يفعل هذا‪.‬‬ ‫وحتم يبدو أن منهج مسيلمة هذا‪ ،‬التأثري‪ ،‬قد كان ناج ًحا‪ ،‬فقد‬ ‫ً‬ ‫حتم سيكونون‬ ‫استطاع أن يحوز عىل والء اتباعه متا ًما‪ ،‬فاالتباع ً‬ ‫فرضا‪ ،‬والذي يدعم‬ ‫أقل إميانًا مام لو كان دينهم قد فُرِض عليهم ً‬ ‫استنتاجي هذا هو رفض بني حنيفة املساهمة يف حروب الردة‬ ‫مع املسلمني بعد مقتل مسيلمة‪ ،‬فقد اكتفوا مبنع الياممة من‬ ‫ساكني ٍ‬ ‫نجد وتهامة‪ ،‬ورفضوا أن يصطفوا مع مثامة(‪.)2‬‬ ‫ٍ‬ ‫فرضا إال‬ ‫هذا عىل عكس منهج‬ ‫محمد الذي اعتمد عىل الغزوات والفَرض (ال التأثري)‪ ،‬فام كان ِممن اتّبعوا دين مح ّم ٍد ً‬ ‫أن تركوا اإلسالم فور سامعهم مبوته‪ ،‬وقد ذكرت كتب املسلمني بأن غالبية من اتّبعوا دين مح ّم ٍد يف الجزيرة العربية قد‬ ‫ٍ‬ ‫محمد إلّ يرثب «املدينة» ومكّة‪ ،‬بل إنه حتّى مكّة كادت أن ترتد‪.‬‬ ‫يبق عىل دين‬ ‫ارت ّدوا‪ ،‬ومل َ‬

‫ِصاع التن ّبؤات‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫محمد بن عبد الله يكشف لنا الرصاع الخفي بني النبوءات التي كانت‬ ‫تحالف مع‬ ‫إن خرب رغبة مسلمة الحنفي يف إقامة‬ ‫وقت ٍ‬ ‫سائد ًة يف ٍ‬ ‫كل من‪:‬‬ ‫واحد بتلك الفرتة‪ ،‬والتي متثّلت يف ٍّ‬ ‫ نبوء ٌة يف الياممة (مسلمة الحنفي) وهي أقدم النبوءات‪ ،‬وقد تل ّخصت بالدعوة إىل عبادة (الرحمن)‪ ،‬والياممة أو‬‫العروض التي تشمل رشق الجزيرة العربية بالكامل‪ ،‬وقيل أنها العروض العرتاضها بني ٍ‬ ‫نجد واليمن(‪ ،)3‬وكان العالء بن‬ ‫الحرضمي «وقد ّوله محم ٌد عىل البحرين ومل يعزله أبو بكر»(‪ )4‬كان يردد نصوص مسلمة بصفتها نتا ًجا حنيفيًّا حتى نهاه‬ ‫أبو بك ٍر عن ذلك بعد أن تم القضاء عىل نبوءة الياممة بقتل مسيلمة وإبادة أتباعه زمن أيب بكر‪.‬‬ ‫ نبوء ُة يف الحجاز (مكة ـ يرثب ‪ -‬الطائف) (محم ٌد بن عبد الله) بدأت بالدعوة إىل عبادة الله ثم أدخلت الرحمن ضمن‬‫أيضا‪« ،‬ولقد مات محم ٌد وهو نبي الحجاز فقط»‪ ،‬وميكن االستدالل عىل ذلك مام جاء‬ ‫منظومتها فأصبح الله هو الرحمن ً‬ ‫يف وصيّته‪ :‬أخرجوا يهود الحجاز(‪ ،)5‬بينام كان له أتبا ٌع يف اليمن ويف العروض ويُشكّلون أقلي ًة‪.‬‬ ‫‪ -2‬كتاب الردة‪.239:‬‬ ‫‪ -3‬األدب العريب وتاريخه‪.23:‬‬ ‫‪ -4‬جمهرة أنساب العرب‪461.:‬‬ ‫‪ -5‬املسند للشايش‪.298 :‬‬

‫‪53‬‬


‫مسيلمة رحمن الياممة‪...‬‬

‫الجزء الثالث واألخري‪:‬‬ ‫منهجه‪ ،‬تحالفاته‪ ،‬حروبه ونهايته‪.‬‬

‫مصطفى ح ّجي‬

‫ٍ‬ ‫محمد بن عبد الله عن طريق االغتيال(‪ ،)6‬ورد عن العنيس‬ ‫ نبوء ٌة يف اليمن (عبهلة العنيس)‪ ،‬تم القضاء عليها قبل وفاة‬‫يبق من نصوصه ّإل ُج َمل ت ُنسب يف األعم األغلب إىل‬ ‫أنه كان كاه ًنا‪ ،‬يسبي قلوب من سمع منطقه‪ُ ،‬ولِد يف خ ّبان ومل َ‬ ‫مسيلمة الحنفي‪...‬يايس‪.)20 :‬‬ ‫إضاف ًة إىل هذه النبوءات كانت هنالك نبوءاتٌ متأ ّخرة (أو هذا ما ا ّدعته كتب األخبار اإلسالمية) مثل سجاح يف بني متيم‬ ‫وتغلب‪ ،‬وطلحة بن خويلد األسدي يف بني ٍ‬ ‫أسد وغطفان وفزارة(‪ ،)7‬وقد س ّمته املؤسسة اإلسالمية «طليحة» تصغ ًريا له‬ ‫أيضا إىل عبادة الرحمن فقد ورد أن «جعونة بن مرثد األسدي»‬ ‫أسو ًة مبسيلمة‪ ،‬ويبدو أنه كان يدعو ً‬ ‫قال مخاط ًبا بني أسد‪:‬‬

‫وأقسم بالرحمن أن قد غويتم‬ ‫بني أسد‪ ،‬فاستأخروا أو تقدموا‬ ‫فإن وإن عبتم عيل سفاه ًة‬ ‫ّ‬ ‫حنيف عىل دين النبي ومسلم(‪)8‬‬ ‫ٌ‬

‫من تيار الحنيفية يف شبه الجزيرة انطلق األنبياء العرب‪ ،‬لذا كانت الحنيفية هي الخيمة التي يتحركون تحتها‪ ،‬ولهذا‬ ‫نجد تقديم الحنيفية عىل اإلسالم يف املتبقي من املحاججات كان سائ ًدا أثناء الرصاع الذي تم حسمه يف النهاية لصالح‬ ‫املسلمني فأصبح االكتفاء بذكر اإلسالم دون الحنيفية‪ .‬ميكن تل ُّمس منو الحنيفية إىل اإلسالم من خالل قول «أُمية بن أيب‬ ‫الصلت» أمام زيد بن عمرو بن نفيل‪:‬‬ ‫«كل دينٍ يوم القيامة ‪-‬عند الله‪ِ -‬سوى الحنيفية زور»‪.‬‬ ‫أساسا‪ ،‬بينام اإلسالم‬ ‫فإذا تت ّبعنا ذلك يف نصوص القرآن وجدنا ورود «حنيفًا‬ ‫ً‬ ‫مسلم» بتقديم الحنيفية باعتبارها إطا ًرا أو ً‬ ‫كفر ٍع منها‪ ،‬حتّى أصبح فيام بعد «الدين عند الله اإلسالم»‪...‬‬ ‫تنافس بني هذه النب ّوات‪ ،‬عىل العكس متا ًما‪ ،‬كانت هناك تحالفاتٌ خفي ٌة عىل تقاسم األرض يوم‬ ‫ومل يكن يف البداية مثّة‬ ‫ٌ‬ ‫كان محم ٌد مبكة (ميكن اعتامد رسالة مسلمة الحنفي سن ًدا لهذا الرأيي)‪ ،‬ثم أن النبوءات كلها كانت تجري ضمن مجرى‬ ‫ربا يف عدد الصلوات وطريقة أدائها‪،‬‬ ‫الحنيفية العام‪ ،‬كان الجميع حنيفًا‪ ،‬وكان االختالف طفيفًا‪ّ ،‬‬ ‫‪ -6‬االغتيال السيايس‪.20 :‬‬ ‫‪ -7‬الردة‪.100 :‬‬ ‫‪ -8‬كتاب الردة‪.115-116:‬‬

‫‪54‬‬


‫مسيلمة رحمن الياممة‪...‬‬

‫الجزء الثالث واألخري‪:‬‬ ‫منهجه‪ ،‬تحالفاته‪ ،‬حروبه ونهايته‪.‬‬

‫مصطفى ح ّجي‬

‫فعند طلحة بن خويلد «أن الله ال يحتاج إىل تعفري وجوهكم‪ ،‬وفتح أدباركم‪ ،‬وال يريد منكم ركو ًعا وال سجو ًدا‪ ،‬ولكن‬ ‫ربا اختلفوا يف كيفية الصيام أو يف عدد أيّامه فقد ورد عن‬ ‫يريدكم أن تذكروه قيا ًما وقعو ًدا» (كتاب الردة‪ ،)9()134 :‬أو ّ‬ ‫ربا اختلفوا يف كيفية الصيام أو يف عدد‬ ‫مسلمة الحنفي أنه قال مخاطبًا قوم سجاح «أتصومون يو ًما‪ ،‬وتكلفون يو ًما» أو ّ‬ ‫أيّامه فقد ورد عن مسلمة الحنفي أنه قال مخاط ًبا قوم سجاح «أتصومون يو ًما‪ ،‬وتكلفون يو ًما»‬ ‫(تاريخ ال ُّر ُسل وامللوك‪ :‬أحداث سنة ‪.)10()11‬‬ ‫إال أ ّن احتواء مح ّم ٍد ملركز الجزيرة بعد فتح مكّة‪ ،‬أ ّدى إىل من ّوه كق ّو ٍة ساسي ٍة تُه ِّدد أمن القبائل والنبوءات األُخرى‪.‬‬

‫تحالف النبوءات‬ ‫تز ّوج مسلمة الحنفي من سجاح نبية بني متيم وتغلب‪،‬‬ ‫وكانت قد سارت إليه‪ ،‬وسلّمت عليه بالنب ّوة‪،‬‬ ‫وقالت‪« :‬بلغني أمرك‪ ،‬وسمعت نب ّوتك‪ ،‬وقد أقبلت عليك‪،‬‬ ‫وأحببت أن أتزوجك»(‪ .)11‬وأنها بعد أن استمعت إىل ُس َو ٍر‬ ‫نبي‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫من قرآن مسيلمة قالت مؤمن ًة به‪« :‬أشهد أنك ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫«هل ِ‬ ‫وقومك العرب»‪ ،‬قالت‪:‬‬ ‫أتزوجك فآكل بقومي‬ ‫لك أن‬ ‫نعم»(‪ ،)12‬بينام يذكر العسكري أن مسلمة قال لسجاح‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫«هل ِ‬ ‫نفسك‪ ،‬فيكون املُلك بيننا‪ ،‬ونُخفِّف‬ ‫لك أن تزوجيني‬ ‫عن عشريتنا»(‪)13‬؟ وأعتقد أن رواية العسكري أكرث قربًا‬ ‫ملنهج مسلمة الحنفي‪ ،‬فالفرق شاس ٌع ما بني «آكل بقومي‬ ‫وقومك العرب» وبني «نخفّف عن عشريتنا»‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫محمد بن عبد الله وخليفته أيب بك ٍر الصديق باالنتشار عىل‬ ‫تحالف ثنا ٌيئ ضد طموح‬ ‫أيضا‪ ،‬فهو‬ ‫كان للزواج بُع ٌد‬ ‫ٌ‬ ‫سيايس ً‬ ‫ٌ‬ ‫حساب النبوءات األخرى املوجودة يف شبه الجزيرة‪ ،‬ميكن تل ّمس ذلك من نص مسلمة الحنفي‪« :‬إن بني متيم قو ٌم طُ ْه ٌر‬ ‫لقاح‪ ،‬ال مكروه عليهم وال إتاوة‪ ،‬نجاورهم ما حيينا بإحسان‪ ،‬مننعهم من كل إنسان‪ ،‬فإذا متنا فأمرهم إىل الرحمن»(‪،)14‬‬ ‫فعل فقد تراجعت سجاح عن مرشوعها‬ ‫حب الرتكيز عىل جملة «مننعهم» فإنها ت ُ ِق ُّر الدفاع وال تُ ِق ُّر الهجوم‪ ،‬وهو ما تم ً‬ ‫وأُ ُّ‬ ‫يف غزو يرثب‪ ،‬وهذا يُس ِقط رواية الطربي «آكل بقومي وقومك العرب»‪ ،‬ويثبت رواية العسكري «نخفّف عن عشريتنا»‪.‬‬ ‫‪ -9‬كتاب الردة‪.134 :‬‬ ‫‪ -10‬تاريخ الرسل وامللوك‪ :‬أحداث سنة ‪.11‬‬ ‫‪ -11‬الردة‪.170/171 :‬‬ ‫‪ -12‬تاريخ الرسل وامللوك‪ :‬أحداث سنة ‪.11‬‬ ‫‪ -13‬األوائل‪.292 :‬‬ ‫‪ -14‬تاريخ الرسل وامللوك‪ :‬أحداث سنة‪.11‬‬

‫‪55‬‬


‫مسيلمة رحمن الياممة‪...‬‬

‫الجزء الثالث واألخري‪:‬‬ ‫منهجه‪ ،‬تحالفاته‪ ،‬حروبه ونهايته‪.‬‬

‫مصطفى ح ّجي‬

‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ولقريش‬ ‫محمد بن عبد الله التي يقول فيها‪« :‬لنا نصف األرض‬ ‫ويبدو أن الرسالة التذكريية من مسلمة الحنفي إىل‬ ‫النصف‪ّ ،‬إل أن قريشً ا قو ٌم يعتدون» ‪-‬يف بعض املصادر إنها كانت جز ًءا من قرآن مسلمة‪ -‬يبدو أنّها جعلت محم ًدا بفكِّر‬ ‫بغزو الشامل‪ ،‬فات ّجهت عينه إىل خارج شبه الجزيرة‪ ،‬حيث (مؤتة) دون أن يفكِّر باالنتشار رشقًا حيث كان النصف‬ ‫يتوله مسلمة الحنفي‪ ،‬بل إن محم ًدا مل يفكِّر باغتياله كام فعل مع عبهلة العنيس يف ال َيمن‪ ،‬وهذا ما يدفعني إىل‬ ‫الذي ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫محمد له بالكذّاب‪ ،‬بل حتّى التشكيك ِ‬ ‫محمد بن عبد الله‪ ،‬وأن قول مسلمة‪« :‬لنا نصف‬ ‫بص ّحة رد‬ ‫التشكيك بص ّحة اتهام‬ ‫ٍ‬ ‫فعل‪ ،‬وأ ّن مح ّم ًدا كان معرتفًا بهذا‪.‬‬ ‫ولقريش النصف» هو جز ٌء من قرآنه ً‬ ‫األرض‬

‫حروب مسيلمة مع املسلمني بعد موت محمد‬

‫ملْ يَرِد يف كتب األخبار أ ّن مسلمة الحنفي حارب قو ًما أو غزا غزوةً‪ ،‬عىل العكس متا ًما‪ ،‬كان يسعى إىل التحالف مع أي‬ ‫جه ٍة ميكن أن تهدد أمن الياممة‪ ،‬هذا ما ذكره املؤرخون يف تحالفه مع سجاح‪ ،‬وقد كانت تنوي غزو الياممة‪ ،‬ث ّم تتجه‬ ‫بعدها إىل غزو يرثب‪ ،‬غري أ ّن مسلمة بتحالفه معها ر ّدها عن فكرة الغزو توافقًا مع منهجه يف االنتشار عرب التأثري ال‬ ‫الفرض‪.‬‬ ‫ومع هذا فقد أُ ِ‬ ‫جب يف النهاية عىل خوض الحرب مع إسالم قريش‪ ،‬املمثل اآلخر للحنيفية يف شبه الجزيرة العربية‪.‬‬

‫هل هي حروب ر ّد ٍة حقًّا؟‬ ‫ٍ‬ ‫محمد بن عبد الله يف السنة الحادية عرشة للهجرة‪ ،‬كام أنها‬ ‫تتح ّدث كتب األخبار اإلسالمية عن ارتداد أكرث العرب بعد موت‬ ‫تتحدث عن ظهور أنبياء يف صنعاء والياممة وأماكن أخرى من شبه الجزيرة العربية‪ ،‬وتؤكد بعض األخبار أ ّن بعض هؤالء‬ ‫ٍ‬ ‫محمد كأنبياء‪ ،‬حتى أنه ‪-‬أي مح ّمد‪ -‬قد خطّط الغتيال عبهلة العنيس أحد م ّدعي‬ ‫الدعاة كانوا موجودين يف حياة النبي‬ ‫ٍ‬ ‫محمد إزاء مسلمة الحنفي ِسوى رسال ٍة يَتّهِمه‬ ‫النب ّوة يف صنعاء وتحقّق له ذلك قبل وفاته‪ ،‬دون أن يرد خ ٌرب بخصوص موقف‬ ‫فيها بالكذب‪ ،‬وال أرى ّإل أ ّن هذه الرسالة قد ُو ِض َع ْت عليه فيام بعد وأنَّها ليست ِمن مو ِقف مح ّم ٍد تجاه مسلمة يف يشء‪.‬‬ ‫‪56‬‬


‫مسيلمة رحمن الياممة‪...‬‬

‫الجزء الثالث واألخري‪:‬‬ ‫منهجه‪ ،‬تحالفاته‪ ،‬حروبه ونهايته‪.‬‬

‫مصطفى ح ّجي‬

‫املؤ ِّرخ اللبناين (فيليب حتي) يف كتابه «العرب تاري ٌخ موجز» ينفي صفة‬ ‫ٍ‬ ‫قائل‪« :‬إن املقاطعات‬ ‫محمد بن عبد الله ً‬ ‫ال ِر ّدة عن الحروب التي تلت وفاة‬ ‫وخضعت لسلطته مل تتجاوز عىل ما نعتقد �ثُلُث‬ ‫التي أسلمت يف حياة النبي‬ ‫ْ‬ ‫الجزيرة‪ ،‬وذلك لصعوبة املواصالت‪ ،‬ولعدم قيام الدعوة املنظّمة‪ ،‬ول ِقرص امل ّدة‬ ‫ٍ‬ ‫محمد ووفاته‪ .‬والحجاز نفسه مل يُسلِم بأكمله حتّى سنتني‬ ‫الواقعة بني بعثة‬ ‫بعد وفاة محمد‪ ،‬فحروب الردة التي قام بها أبو بك ٍر إذن مل يكن املقصود منها‬ ‫إعادة املرتدين إىل حظرية اإلسالم ‪-‬كام يزعم املؤرخون‪ -‬بل كان الهدف منها‬ ‫هو إدخال العرب غري املسلمني يف حظريته»(‪ ،)15‬وهذا يعني متا ًما أ ّن الجهاد‬ ‫مل يكن يف سبيل الدعوة إىل الدين‪ ،‬وإبالغ رسالته إىل العاملني‪ ،‬وما يكون لنا أن‬ ‫نفهم ّإل أنّه كان يف سبيل ا ُلملْك‪ ،‬ولتكوين الحكومة اإلسالمية‪.‬‬ ‫وقد سبق أن ناقشنا مسألة عدم دخول مسلمة الحنفي يف اإلسالم‪ ،‬وبالتايل ال ميكن اعتباره مرت ًّدا‪ ،‬فكيف يرتد عن فكر ٍة‬ ‫أصل؟!!!‬ ‫ما مل يؤمن بها ً‬ ‫وما كانت حروب أيب بك ٍر ض ّد مسيلمة ّإل إبقا ًء لسلطة ٍ‬ ‫قريش عىل الجزيرة العربية ومن ًعا النتشار ُسلطة الياممة عىل‬ ‫حساب ُسلطة ٍ‬ ‫والسلم املُقامان «غالِبًا» بني مح ّم ٍد ومسيلمة(‪.)16‬‬ ‫قريش يف الحجاز رغم التحالف ِّ‬ ‫حروب نفو ٍذ بني أطياف الحنيفية يف شبه الجزيرة‬ ‫وعليه فام ات ُّ ِفق عىل تسميتها بحروب الردة مل تكن يف الحقيقة إلّ‬ ‫َ‬ ‫العربية استُ ِ‬ ‫مت اإلبادة فيها كوسيل ٍة لالنتشار‪ ،‬وقد بدأها املسلمون تحت ذريعة لجوء بعض اتباعهم إىل ات ِّباع أنبياء‬ ‫خد ْ‬ ‫آخرين غري مح ّم ٍد بعد موته‪.‬‬

‫املرتدين لدين اإلسالم‪ ،‬كانت حروب إبادة‪...‬‬ ‫مل تكن حروبًا إلعادة ّ‬ ‫لخالد بن الوليد وكان قد ت َو ّجه لبني حنيفة بعد انتصاره عىل بني ٍ‬ ‫جاء يف وصية أيب بك ٍر ٍ‬ ‫أسد وغطفان‪« :‬إيّاك يا ابن‬ ‫فإن عصيت فيك من مل ِ‬ ‫أعصه يف يش ٍء قط‪ ،‬فانظر بني حنيفة‪ ،‬فإنّك لَ ْم تل َْق قو ًما يشبهونهم‪،‬‬ ‫الوليد ونخوة بني املغرية‪ّ ،‬‬ ‫كلّهم عليك ولهم بال ٌد واسعة‪ .‬فإذا قدمت ِ‬ ‫فباش األمر بنفسك‪ ،‬واسترش َمن معك ِمن أصحاب رسول الله‪ ،‬واعرف لهم‬ ‫فضلهم‪ .‬فإذا لقيت القوم فأعد لألمور أقرانها‪ .‬فإن أظفرك الله بهم فإيّاك واإلبقاء عليهم‪ .‬أَ ْج ِه ْز عىل جريحهم‪ ،‬واطلب‬ ‫ُمدبِّرهم‪ ،‬واحمل أسريهم عىل السيف‪ ،‬و َه ِّول فيهم القتل‪ ،‬وخ ِّوفهم بالنار‪ .‬وإيّاك أ ْن تخالف أمري‪ .‬والسالم»(‪ ،)17‬ويف‬ ‫ُبق منهم أح ًدا»(‪.)18‬‬ ‫رواي ٍة أُخرى «فإن أظفرك الله بهم‪ ،‬فال ت ِ‬ ‫‪ -15‬العرب تاري ٌخ موجز‪.198 :‬‬ ‫‪ -16‬راجعوا األجزاء السابقة من البحث‪.‬‬ ‫‪ -17‬مخترص سرية الرسول‪.186 :‬‬ ‫‪ -18‬مخترص سرية الرسول‪.193 :‬‬

‫‪57‬‬


‫مسيلمة رحمن الياممة‪...‬‬

‫الجزء الثالث واألخري‪:‬‬ ‫منهجه‪ ،‬تحالفاته‪ ،‬حروبه ونهايته‪.‬‬

‫مصطفى ح ّجي‬

‫نقل عن الواقدي أثناء‬ ‫وإليضاح معنى قول أيب بكر‪« :‬وخ ِّوفهم بالنار»‪ ،‬نجد أ ّن الشيخ محم ًدا بن عبد الوهاب يورد ً‬ ‫خالد مع بني ٍ‬ ‫حديثه عن حرب ٍ‬ ‫أسد وعامر‪« :‬أ ّن خال ًدا جمع األرسى يف الحظائر‪ ،‬ثم أرضمها عليهم فاحرتقوا أحياء(‪.)19‬‬ ‫تؤكِّد كتب األخبار أ ّن املسلمني هم من ذهبوا بد ًءا ملحاربة مسلمة الحنفي يف الياممة‪ ،‬وقد ب َّي ّنا فيام سلَف كيف أنّه ر ّد‬ ‫(سجاح) عن فكرة غزو يرثب‪ ،‬وهذه إشار ٌة رصيح ٌة إىل أ ّن حروبه مع املسلمني كانت حروبًا دفاعي ًة وليست هجومي ًة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫كل من دين مسلمة ودين مح ّم ٍد الذي يعتمد يف انتشاره عىل‬ ‫جذري يف منهج االنتشار لدى ٍّ‬ ‫اختالف‬ ‫ناتج عن‬ ‫ٍ‬ ‫وهذا ٌ‬ ‫السيف‪.‬‬ ‫خاض مسلمة ثالث معارك دفاعي ٍة مع جيوش املسلمني‪ ،‬انترص يف اثنتني منها‪،‬‬ ‫َ‬ ‫وقُ ِتل يف الثالثة‪...‬‬ ‫املعركة األوىل كان يقود جيش املسلمني فيها عكرمة بن أيب جهل‪ ،‬وعكرمة هذا‬ ‫فرضا وقد دخل‬ ‫لَ ْم يُسلِم إلّ بعد فتح مكّة‪ ،‬أي إنّه كان ممن فُرِض عليهم اإلسالم ً‬ ‫اإلسالم رهب ًة‪.‬‬ ‫املعركة الثانية كان جيش املسلمني تحت إمرة رشحبيل بن حسنة أحد كَتَ َبة وحي‬ ‫مح ّمد‪ .‬انتهت املعركة بهزمية املسلمني كام املعركة األوىل‪ ،‬األمر الذي نفخ روح‬ ‫الثقة يف بني حنيفة‪.‬‬ ‫أُ ِ‬ ‫جب مسلمة يف النهاية عىل خوض معرك ٍة دفاعي ٍة ثالث ٍة يف منطقة «عقرباء»‬ ‫انتهت مبقتله‪ ،‬وكان يقود املسلمني حينها خال ٌد بن الوليد‪ ،‬أحد الذين دخلوا‬ ‫ثقل‬ ‫اإلسالم يف السنة السابعة للهجرة‪ ،‬أي بعد أن أصبحت كفّة مح ّم ٍد أكرث ً‬ ‫وظهو ًرا عىل حساب قريش‪.‬‬ ‫أظ َه َرت الحرب الثالثة شجاعة مسلمة وقومه‪ ،‬فقد اتّسمت بالكر والفر‪ ،‬وقد‬ ‫طالت املعركة ليومني‪ ،‬وتذكُر كتب األخبار أ ّن املسلمني قد قَتَلوا قرابة العرشين‬ ‫ألف رجلٍ من جيش مسلمة قبل مقتله‪ ،‬ومع ذلك كان ال يزال جيش مسلمة‬ ‫حسم ّإل بقتل مسيلمة(‪.)20‬‬ ‫صام ًدا‪ ،‬وقد أيقن خال ٌد أن األمر لن يُ َ‬ ‫‪ -19‬مخترص سرية الرسول‪.180 :‬‬ ‫‪ -20‬تاريخ الرسل وامللوك‪ :‬أحداث سنة ‪.11‬‬

‫‪58‬‬


‫مسيلمة رحمن الياممة‪...‬‬

‫الجزء الثالث واألخري‪:‬‬ ‫منهجه‪ ،‬تحالفاته‪ ،‬حروبه ونهايته‪.‬‬

‫مصطفى ح ّجي‬

‫مقتل مسلمة‪...‬‬ ‫استمر القتال يف املعركة الثالثة طيلة نهارين بني كَ ٍّر وفَ ٍّر حتى استطاعت كَفّة املسلمني أن متيل لصالحهم يف الساعات‬ ‫األخرية‪ ،‬وقد كانت مذبح ًة يف بستان يعود ملسلمة‪.‬‬

‫عدي رأى مسلمة وقد ألجأه املسلمون إىل جانب الحديقة فقصده‪،‬‬ ‫ذكر الواقدي أن وحشيًا خادم جبريٍ بن‬ ‫ٍ‬ ‫مطعم بن ٍ‬ ‫رجل من األنصار يُقال له عبد الله بن زيد‪ ،‬فنظر إليهام مسلمة وقد قصداه‪ ،‬فحمل عليهام‪ ،‬فبدره األنصاري‬ ‫أيضا ٌ‬ ‫وقصده ً‬ ‫قتيل(‪ ،)21‬ويف رواي ٍة أُخرى‬ ‫وحيش بحربته‪ ،‬فطعنته الحربة يف خارصته‪ ،‬فسقط عن فرسه ً‬ ‫برضب ٍة عىل رأسه‪ ،‬فأوهنه‪ ،‬ورمى‬ ‫ٌ‬ ‫جمل أورق‪ ،‬ثائر الراس‪ ،‬فرميته بحربتي فوضعتها بني‬ ‫رجل قائ ٌم كأنه ٌ‬ ‫وحيش أنه قال‪ :‬خرجت مع الناس فإذا ٌ‬ ‫عىل لسان‬ ‫ٍ‬ ‫رجل من األنصار عىل هامته(‪.)22‬‬ ‫ثدييه حتى خرجت من بني كتفيه‪ ،‬ورضبه ٌ‬ ‫وقد أوشك بنو حنيفة عىل االنقراض استبسالً بالدفاع عن مسلمة ودينه‪ ،‬وقد ورد خ ٌرب أنه عندما انحرس القتال يف‬ ‫قائل‪« :‬ويحكم يا معرش بني حنيفة‪ ،‬اعلموا أ ّن هذه الحديقة حديقة املوت‪ ،‬فقاتِلوا‬ ‫رجل من بني حنيفة ً‬ ‫الحديقة صاح ٌ‬ ‫أب ًدا حتّى متوتوا كِرا ًما»(‪.)23‬‬ ‫رسخ الدين اإلسالمي إىل يومنا هذا‬ ‫(وهنا ينبغي اإلشارة إىل أ ّن انتصار املسلمني يف حربهم ض ّد مسلمة الحنفي هو الذي ّ‬ ‫باعتباره املمثِّل الوحيد للحنيفية‪ ،‬ولو أن األمر كان ملسلمة الحنفي لسار تاريخ العرب والحنيفية يف مج ًرى آخر أقل ما‬ ‫أقل عنفًا ودموي ًة)‪.‬‬ ‫يُقال عنه أنّه ُّ‬ ‫‪ -21‬الردة‪.206 :‬‬ ‫‪ -22‬السرية الحلبية‪.23/3 :‬‬ ‫‪ -23‬كتاب الردة‪.202 :‬‬

‫‪59‬‬


‫مسيلمة رحمن الياممة‪...‬‬

‫الجزء الثالث واألخري‪:‬‬ ‫منهجه‪ ،‬تحالفاته‪ ،‬حروبه ونهايته‪.‬‬

‫مصطفى ح ّجي‬

‫يل أ ْن أذكرها‪ ،‬حوا ٌر يف ساحة املعركة دار بني رجلٍ جري ٍح من بني حنيفة وبني ٍ‬ ‫مسلم‬ ‫قائد‬ ‫ٍ‬ ‫وأخ ًريا‪ ...‬هنالك نقط ٌة ع َّ‬ ‫بعد موت مسلمة‪ ،‬حوا ٌر يُ َو ِّضح لنا صورة مسلمة لدى قو ِمه ويُظْهِر لنا مدى تأثريه عىل قومه وق ّوة تش ُّبث بني حنيفة‬ ‫بدينه‪...‬‬ ‫يروي الشيخ محم ٌد عبد الوهاب عن أيب سعيد الخدري قال‪:‬‬ ‫«دخلنا الحديقة‪ ،‬حني جاء وقت الظهر‪ ،‬واشت ّد القتل‪ ،‬فأمر خالد املوذِّن‪ ،‬فأذّن‬ ‫عىل جدار الحديقة بالظهر‪ ،‬والقوم ُمقبِلون عىل القتل‪ ،‬حتّى انقطعت الحرب‬ ‫فصل بنا خال ٌد الظهر والعرص‪ ،‬ثم بَعثَ السقاة يطوفون عىل‬ ‫بعد العرص‪ّ ،‬‬ ‫القتىل‪ ،‬فطفت معهم‪ ،‬فمررت بعام ٍر بن ٍ‬ ‫رجل ِم ْن بني حنيفة‬ ‫ثابت وإىل جنبِه ٌ‬ ‫به ِجراح‪ ،‬فسقيت عام ًرا‪ ،‬فقال الحنفي‪ :‬اسقني ف ًدى َلك أيب وأمي‪ .‬فقلت‪ :‬ال‪ ،‬وال‬ ‫كرامة‪ ،‬ولكن أُجهِز عليك‪ .‬فقال الحنفي‪ :‬أحسنت‪ ،‬أسألك مسال ًة ال يشء عليك‬ ‫فيها‪ .‬قلت‪ :‬ما هي؟ قال‪ :‬أبو مثامة «مسيلمة»‪ ،‬ما فَعل؟ قلت‪ :‬والله قُ ِتل‪ .‬فقال‪:‬‬ ‫نبي ض ّيعه قومه»(‪.)24‬‬ ‫ٌّ‬ ‫ٍ‬ ‫جهات عديدة‪ ،‬لكن ما يهمني الرتكيز عليه هنا هو الشخص الحنفي الذي ميوت وهو‬ ‫هذه الحادثة ميكن قراءتها من‬ ‫عىل يق ٍني من أ ّن مسلمة نبي‪ ،‬وأنّه عىل الحق‪.‬‬ ‫الحنفي ينتظر الشهادة عىل يد املسلم‪ ،‬إن مل يقلها رصاح ًة فقد قال ر ًّدا عىل جواب الخدري ـ لكن أُجهِز عليك ‪ -‬ثم سأل‬ ‫«نبي ضيَّعه قومه»‪.‬‬ ‫عن مسلمة َّ‬ ‫فلم علِ َم مبوته قال‪ٌّ :‬‬ ‫أريد أن أُكَثِّف الرتكيز عىل الحوار مر ًة أُخرى‪...‬‬ ‫إجابة أيب ٍ‬ ‫سعيد الخدري‪:‬‬ ‫ كال وال كرامة ‪ ،‬ولكن أُجهِز عليك‪.‬‬‫أقول كام لو أ ّن هذه اإلجابة قد أَكّدت للحنفي أ ّن مسلمة كان عىل الحق‪ ،‬لِذا قال‪:‬‬ ‫ أحسنت‪.‬‬‫أي تأكّد للر ُجل الحنفي يقينه الذايت بدين مسيلمة بحرمانه من املاء واإلجهاز عليه‪.‬‬ ‫النهاية‪.‬‬ ‫‪ -24‬مخترص سرية الرسول‪.192 :‬‬

‫‪60‬‬


‫‪http://www.ahewar.org‬‬

‫ﺍﳌﻮﻗﻊ ﺍﻟﺮﺋﻴﺴﻲ ﳌﺆﺳﺴﺔ ﺍﳊﻮﺍﺭ ﺍﳌﺘﻤﺪﻥ‬ ‫ﻳﺴﺎﺭﻳﺔ ‪ ,‬ﻋﻠﻤﺎﻧﻴﺔ ‪ ,‬ﺩﳝﻘﺮﺍﻃﻴﺔ‬ ‫"ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﻣﺪﻧﻲ ﻋﻠﻤﺎﻧﻲ ﺩﳝﻘﺮﺍﻃﻲ‬ ‫ﺣﺪﻳﺚ ﻳﻀﻤﻦ ﺍﳊﺮﻳﺔ ﻭﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻟﻠﺠﻤﻴﻊ"‬

‫‪61‬‬


‫نعم اعتمد املتدينون كثريا ً عىل الصنم الساموي ليسيطروا عىل املجتمع‬ ‫ويُرعبوا الجانب االنثوي الجميل منه ويفرضوا ذكورية خرقاء‬

‫زياد عبد الرحمن‬

‫‪Yusuf Askar‬‬

‫خطر يل سؤال من وحي الكاريكاتري وقد ال يتعلق يف مضمونه‪،‬‬ ‫ملاذا ال يكلم الله النساء؟‬

‫‪62‬‬


‫مجلة شهرية بجهود فردية تصدر في الثاني عشر من كل شهر‬

The ArabThe Atheists MagazineMagazine is a digitalis publication produced Arab Atheists a digital publication by volunteers andbycommitted promoting thetothought and produced volunteerstoand committed promoting writingsthe of thought atheists and of various persuasions complete freewritings of atheistswith of various persuadom.sions Thewith Magazine doesfreedom. not adoptThe or endorse anydoes formnot of adopt politicomplete Magazine cal ideology affiliation. or or endorse any form of political ideology or affiliation Contributors thethe fullfull responsibility of the content, illustrations Contributorsbear bear responsibility of the content, illustraandtions topicsand they provide it covers and issuesandof topics theyinsofar provideasinsofar as itcopyright covers copyright intellectual property. issues of intellectual property Express permission to publish the Magazine is provided by conExpress permission for to in publish in the Magazine is provided tributors, whether they are members the Arab by contributors, whether they are of members of Atheists the ArabMagazine Atheists Group or of other andatheists non-religious contributors.contributors Magazine Groupatheists of other and non-religious TheThe Magazine does notnot publish material thatthat is unethical or that inMagazine does publish material is unethical or that cites racism or bigotry. incites racism or bigotry The Editorial Board reserves the rightthe to republish content originally The Editorial Board reserves right to republish content published on thepublished Magazine’sonFacebook group, Facebook as publishing there originally the Magazine’s group, as implicitly contains for contains republication in the publishing thereconsent implicitly consent forMagazine. republication in the Magazine

:‫موقع املدونة اخلاصة بنا لألرشفة على اإلنترنت‬ www.aamagazine.blogspot.com ‫البريد اإللكتروني‬ el7ad.organisation@gmail.com magazine@arabatheistbroadcasting.org


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.