مجلة الملحدين العرب / العدد السابع والثمانون / فبراير شباط / 2020

Page 1

‫مجلة شهرية بجهود فردية تصدر يف الثاين عرش من كل شهر‬

‫اليهودية واملحروسة جـ ‪4‬‬ ‫محمد شومان‬

‫االنبثاق‬

‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫مسيلمة رحمن الياممة جـ ‪2‬‬

‫العدد السابع والثامنون من مجلة امللحدين العرب ‪ -‬فرباير ‪ /‬شباط لسنة ‪.2020‬‬

‫مصطفى ح ّجي‬

‫دليلك لدحض‬ ‫الخرافات‬

‫جون كوك وستيڤن ليونداوسيك‬

‫تهدف مجلّة امللحدين العرب إىل نرش وتوثيق أفكار امللحدين العرب املتنوعة وبحريّ ٍة كاملة‪ ،‬وهي مجلّ ٌة رقمي ٌة غري ربح ّية‪ ،‬مبني ٌة‬ ‫أي توج ٍه سيايس‪ .‬املعلومات واملواضيع املنشورة يف املجلّة متثل آراء كاتبيها فقط‪ ،‬وهي مسؤول ّيتهم من‬ ‫بجهو ٍد طوعي ٍة ال تتبع َّ‬ ‫الناحية األدب ّية ومن ناحية حقوق النرش وحفظ امللك ّية الفكريّة‪.‬‬


‫كلمة تحرير املجلة‬

‫عام يعادون األديان‬ ‫غال ًبا ما يظهر للع َيان أن امللحدين بشكلٍ ٍ‬ ‫وحدها وينسبون لها رشور ونكبات العامل‪ .‬ولكن إذا كنا واقع ّيني‬ ‫ورصيحني مع أنفسنا سندرك بأن هذه القراءة ليست دقيق ًة‪،‬‬ ‫فامللحد ليس ملح ًدا ألنه يكره الدين وحسب بل ألنه ط ّور عالق ًة‬ ‫كذب ألي‬ ‫وطيد ًة مع الحقيقة تُنفّره من قبول ما هو ٌ‬ ‫باطل أو ٌ‬ ‫سبب كان ومهام كان االرتباط العاطفي واالجتامعي به وطي ًدا‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ادعاءات‬ ‫هذا هو جوهر اإللحاد‪ .‬إدراك أن ما تُق ّدمه األديان من‬ ‫ليس إال أكاذيب الغرض منها الوصول لغاي ٍة سوا ٌء مادي ًة أم سياسي ًة‬ ‫أو بأبسط الدوافع لتربير الرشور وتج ّنب الضمري وتجاهل تحمل‬ ‫املسؤوليات الفردية‪.‬‬ ‫وعىل هذا االساس من الطبيعي أن تتجىل هذه العالقة مع الحقيقة‬ ‫والواقع يف أط ٍر مختلف ٍة وخارج املجال الديني‪ ،‬ولكن لألسف‬ ‫مرتصدون‬ ‫ذلك ال يظهر للع َيان غال ًبا‪ ،‬ويظهر امللحدون وكأنهم ّ‬ ‫متقصدون أن ينالوا من الدين دون غريه‪ ،‬مام يُس ّهل عىل الجانب‬ ‫ّ‬ ‫الديني أن يلعب دور الضحية وير ّوج لنظرية املؤامرة‪.‬‬

‫فريق التحرير‬

‫املشارك يف هذا العدد‬

‫رئيس التحرير‬ ‫الغراب الحكيم‬ ‫أعضاء هيئة التحرير وبناء املجلة‬ ‫‪John Silver‬‬ ‫‪Gaia Athiest‬‬ ‫أسامة البني (الوراق)‬ ‫‪Alia’a Damascéne‬‬ ‫غيث جابري‬ ‫‪Abdu Alsafrani‬‬ ‫‪Rama Saleh‬‬ ‫‪Raghed Rustom‬‬ ‫‪Johnny Adams‬‬ ‫ليث رواندي‬ ‫إيهاب فؤاد‬ ‫‪Yonan Martotte‬‬

‫أسباب تجعل من صوت امللحدين يف نقد‬ ‫أستطيع تخ ّيل بضع‬ ‫ٍ‬ ‫الدين دون غريه أعىل من باقي األصوات‪،‬أه ّمها هو جاذبية التابو‬ ‫ٍ‬ ‫تبعات حقيقي ٍة‬ ‫املتمثل بالثورة عىل السلطة الفاسدة ووجود‬ ‫مادي ٍة واجتامعي ٍة وسياسي ٍة مدمر ٍة لهذه القوى الدينية مام‬ ‫يجعل الوقوف يف وجهها واج ًبا أخالق ًّيا قبل أن يكون واج ًبا وطن ًيا‪.‬‬ ‫باإلضافة لعلو صوت املعارضة والعداء والدعاية (الربوباغاندا) من‬ ‫جانب املؤسسات الدينية ورشاستها يف ردة فعلها ضد امللحدين‬ ‫مام يجعل املعركة ضد األديان جذاب ًة أكرث وأكرث صخ ًبا مام يجعل‬ ‫املتابع من بُ ٍ‬ ‫عد يعتقد أن مشكلة امللحدين تكمن مع الدين فقط‬ ‫نحن كملحدين مشكلتنا ليست مع الدين‬ ‫ال غري‪.‬‬ ‫رش واعني نق ّدر الحقيقة ونعرف أن‬ ‫وكب‬ ‫فقط‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫سبب آخر وهو أن العقالء من املؤمنني الواقع ال يخضع لرغباتنا وأهوائنا ليس فقط‬ ‫كام أنني أستطيع إضافة ٍ‬ ‫يشرتكون مع امللحدين يف نقدهم لباقي املشاكل والظواهر يف املجال الديني بل ويف كل املجاالت‪.‬‬ ‫االجتامعية والثقافية السلبية مثل اإلميان بالسحر والشعوذة‬ ‫والتنجيم والعالج بالطاقة الروحية أو البلورات‪ .‬وحتى ال تفقد ولرمبا تجاهلنا تعريف اآلخرين بهذا لدرجة‬ ‫هذه الحركة التعاطف معها فإن امللحدين يختارون طواعي ًة أن أننا ُوضعنا يف صندوق كراهية األديان بينام‬ ‫يُق ّدموا جهودهم يف محاربة هذه اآلفات دون ذكر توجههم معركتنا الحقيقية واألكرب مع األكاذيب‬ ‫واحد مع والنصابني والعلوم الكاذبة واالدعاءات‬ ‫صف ٍ‬ ‫ورأيهم من قضية وجود اإلله‪ ،‬وبهذا يقفون يف ٍ‬ ‫العقالء من املؤمنني وبهذا يختفي ظهورهم أو بتعبريٍ أص ٍح ال الباطلة أينام ُوجدت‪.‬‬ ‫عام أقل صخ ًبا‬ ‫تنسب للملحدين تلك الجهود التي تبقى بشكلٍ ٍ‬ ‫الغراب الحكيم‬ ‫من ضجيج املعركة الدائرة بني امللحدين والدين‪.‬‬ ‫‪2‬‬


‫الفهرس‬ ‫كلمة تحرير املجلة‬

‫‪2‬‬

‫الفهرس‬

‫‪3‬‬

‫الحرية الثقافية وجدل العادات‬ ‫والتقاليد وال ِدين‬ ‫د‪ .‬عبد العزيز القناعي‬

‫‪4‬‬

‫اليهودية واملحروسة جـ ‪:4‬‬ ‫محمد شومان‬

‫‪8‬‬

‫االنبثاق‬ ‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫‪40‬‬

‫مسيلمة رحمن الياممة جـ ‪2‬‬ ‫قرآن مسيلمة‪ ،‬انتشاره وتأثريه‬ ‫مصطفى ح ّجي‬

‫‪48‬‬

‫دليلك لدحض الخرافات‬ ‫جون كوك وستيڤن ليونداوسيك‬

‫‪57‬‬

‫لقايئ مع الله (قصة قصرية)‬ ‫وليد‬

‫‪76‬‬

‫كاريكاتور‬

‫‪90‬‬

‫ﻗﺮﺁﻥ‬ ‫ُ‬ ‫ﻣﺴﻴﻠﻤﺔ‬

‫مالحظة‪ :‬عناوين املقاالت هي روابط‪ ،‬انقروا عليها لتأخذكم مبارش ًة إىل املقال‬

‫‪3‬‬

‫‪ 34-10‬ﺛﺎﻧﻴﺔ‬

‫‪ 32-10‬ﺛﺎﻧﻴﺔ‬ ‫‪ 2710‬ﻣﺌﻮﻳﺔ‬


‫د‪.‬عبد العزيز القناعي‬

‫الحرية الثقافية وجدل العادات‬ ‫والتقاليد ِ‬ ‫والدين‬

‫الثقافة والقراءة هام من يحددان سلوك ومنط مجتمعٍ ما‪،‬‬ ‫كأدا ٍة لقياس مؤرشات التنمية والحريات والتقدم العلمي‬ ‫والفكري وحتى الحضاري‪ .‬وكام أن اإلنسان يحتاج إىل‬ ‫الهواء واملاء والطعام ليعيش‪ ،‬فإن الثقافة هي من تحدد‬ ‫له طريقة مزج هذه األمور ومنط مامرستها‪ .‬ف ُكلّام كان‬ ‫املجتمع واع ًيا ومثقفًا فإنه إىل اإلبداع أقرب وإىل النجاح‬ ‫ماض‪.‬‬

‫الخصوصيات الثقافية والثوابت الوطنية والدينية‪ ،‬حتى‬ ‫أمست مجتمعاتنا مدن أشبا ٍح ال حياة فيها وال فن وال‬ ‫إبداع وال تالقح ثقافات‪ ،‬وأمست شعوبنا كأجسا ٍد فارغ ٍة‬ ‫من األمل واملستقبل واألحالم‪ .‬ونظ ًرا ألن عنرص الثقافة‬ ‫مستقبل يف الرشق األوسط‬ ‫ٌ‬ ‫والقراءة ال يُعت ّد به وليس له‬ ‫ألسباب متعدد ٍة من أبسطها نظام التعليم‬ ‫وشامل أفريقيا‬ ‫ٍ‬ ‫التلقيني ومنط املجتمع االستهاليك الرسيع‪ ،‬وإضاف ًة لذلك‬ ‫واألهم هو الح ْجر عىل اآلراء واألفكار من ِقبل املجموعات‬ ‫ٍ‬ ‫وبترشيعات سياسي ٍة ديني ٍة كانت السبب يف تكبيل‬ ‫الدينية‬ ‫الحريات وإطالق العنان للكسل والتفكري بساقط الفكر‬ ‫والكتب‪.‬‬

‫تعيش مجتمعاتنا العربية اليوم فرت ٍ‬ ‫ات متقلب ًة أقرب‬ ‫إىل التوهان الثقايف واالنغالق الحضاري يف ظل سيطرة‬ ‫التيارات الدينية واالستبدادية عىل سدة الحكم أو‬ ‫مؤسسات املجتمع املدين‪ ،‬وكنتيج ٍة لهذا الوضع الرث‪،‬‬ ‫فقد تم عزل وتجريم حرية الرأي والتفكري بحجة‬ ‫مخالفتها للعادات والتقاليد واإلسالم‪ ،‬وتم محاربة‬ ‫كل من يحمل قلم النقد والشك والسؤال بحجة هدم‬

‫ٍ‬ ‫سنوات طويل ٍة يعاين قطاع الثقافة يف‬ ‫عام ومنذ‬ ‫يف كل ٍ‬ ‫مجتمعاتنا العربية من جرمي ٍة بشعة‪ ،‬من الخوف من‬ ‫كلمة اقرأ وابحث وانتقد واسأل‪ِ .‬‬ ‫فخطط التنمية والتطور‬ ‫‪4‬‬


‫الحرية الثقافية وجدل العادات والتقاليد ِ‬ ‫والدين‬ ‫للحكومات العربية‪ ،‬جاءت عرجاء دميم ًة‪ ،‬ال مكان للكتاب العلمي والنقدي واملنهجي فيها‪ ،‬بقدر ما تتواجد كتب الفقه‬ ‫والخرافات‪ ،‬والحالل والحرام‪ ،‬وتكفري اليهود والنصارى‪ ،‬وتفسري األحالم وطبخ الطعام‪ .‬وبقي الخطاب السيايس لألنظمة‬ ‫أصل بفضل املحسوبيات والواسطات واملصالح‬ ‫دعم وتشجيعٍ لتطوير البنية الثقافية‪ ،‬املتهالكة ً‬ ‫العربية شبه فار ٍغ من أي ٍ‬ ‫الشخصية‪ ،‬حتى دخل إىل هذا القطاع من يكره القراءة والكتابة ويرى التطوير واإلنجاز هو فقط يف املحافظة عىل‬ ‫الكرايس وتقبيل األيادي ومحاباة أصحاب اإلسالم السيايس والعادات والتقاليد البالية‪ .‬بينام تكمن أهمية الجو الثقايف‬ ‫للمجتمعات املتحرضة‪ ،‬حني تقام معارض الكتب والنرش‪ ،‬واحتفاالت القراءة‪ ،‬ومهرجانات اإلبداع والتحدي‪ ،‬فيتبارى‬ ‫ومنهل يزيد به اإلنسان نهمه وشغفه إىل‬ ‫ً‬ ‫الجميع لجلب ورشاء أروع الكتب وأفْيدها من أرجاء املعمورة لتكون زا ًدا‬ ‫العلم والتعلم والتحليق مع الحضارات القدمية والجديدة واملستقبلية‪ ،‬وحتى تشتعل منارات التفكري ويختفي الظلم‬ ‫والجهل من العقول‪ ،‬وحتى تتفتح مناسم الحرية وتلقي بأصدائها عىل النفوس فتزيدها بريقًا وتوج ًها‪ ،‬يراه الظآمن ما ًء‬ ‫عذبًا زُاللً ‪ ،‬ال رسابًا ميتًا‪.‬‬ ‫إن الثقافة العربية‪ ،‬بأدواتها املؤسساتية ومضامينها‬ ‫القيمية‪ ،‬هي من صنعت اإلنسان العريب العاجز‪،‬‬ ‫ودفعته إىل القبول مبا يريد اآلخرون أن يفكروا‬ ‫بدل عنه‪ .‬وما حكايات املنع والقمع لعد ٍد من‬ ‫ً‬ ‫الكتب واألبحاث من مختلف الدول‪ ،‬ما هو إال‬ ‫ٍ‬ ‫دليل فشلٍ‬ ‫وتخلف يضاف إىل ما متلكه األنظمة‬ ‫وتيارات اإلسالم السيايس من قو ٍة وسيطر ٍة عىل‬ ‫مجريات األمور وذلك يف غفل ٍة ثقافي ٍة من ِقبل‬ ‫النخب ومفكري النهضة‪.‬‬ ‫بوعي ووضوح‪ ،‬يف بقاء البنى الفكرية والسياسية واالجتامعية‪ ،‬متخلف ًة‬ ‫إن كانت هناك مشكالتٌ كربى مل نواجهها‬ ‫ٍّ‬ ‫ومستبد ًة ورجعي ًة‪ ،‬فهي عدم مقاربتنا ملسائل حيوي ٍة ومصريي ٍة تتعلق بالثقافة والفكر والبحث يف مجتمعاتنا‪ ،‬وأهم‬ ‫تلك املشكالت‪ ،‬عالقة الدميقراطية بالثقافة واإلسالم‪ ،‬وحدود املباح والحرام يف الفكر والسؤال والنقد‪ ،‬وهل للثقافة‬ ‫حدو ٌد وزما ٌن ومكان؟ وقد يكون هذا هو السبب يف عدم مقدرتنا عىل حل املشاكل واتساعها لتطال كل مناحي‬ ‫الحياة وباألخص ما نعانيه من جفا ٍء واختفاء الروح الثقافية واعتزالها للحياة يف صور ٍة يتيم ٍة ال بايك لها‪ .‬إن تراجعنا‬ ‫املعريف أو باألحرى تخلفنا يف مختلف امليادين‪ ،‬منبعه إقصاء الدور الثقايف يف املجتمع وتحريم السؤال والنقد والشك‪،‬‬ ‫فتط ّو ُر املجتمعات ومنوها يعتمد اليوم اعتام ًدا كب ًريا عىل الدور الفكري واملعريف للمجتمع‪ ،‬فهو من يساعد عىل التقدم‬ ‫الحضاري أو الرتاجع والتخلف‪ ،‬فكيان مجتمعٍ ما أو إطاره العام يتحدد من مجموعة عاداته وتقاليده ونظامه الديني‬ ‫والسيايس وفنونه املختلفة‪ ،‬وهو ما يُعرف بالثقافة‪ ،‬وهي التي تح ّدد الحقًا دور املجتمع يف التطور أو االنكامش‪ .‬ولعل‬ ‫تجارب الدول والحضارات القدمية كالرتاث اليوناين اإلغريقي والفرعوين‪ ،‬أو الحضارات الحديثة‪ ،‬األمريكية أو الفرنسية‪،‬‬ ‫اليابانية‪ ،‬جميعهم جعلوا من الثقافة والتعليم والفكر دربًا لهم للتقدم واالزدهار فكان لهم ما أرادوا من تطو ٍر وتفوقٍ‬ ‫عىل األمم والشعوب األخرى‪.‬‬ ‫‪5‬‬


‫الحرية الثقافية وجدل العادات والتقاليد ِ‬ ‫والدين‬ ‫هذه املفاهيم (الدميقراطية‪ ،‬حرية الرأي والفكر‪ ،‬اإلسالم وحدود املنع والتحريم‪ ،‬العادات والتقاليد) تجرنا إىل طبيعة‬ ‫العالقة ما بني الثقافة املفرتضة والسلطة السياسية‪ ،‬وما هي املعايري التي تتبعها األنظمة يف سبيل تعزيز الدور الفكري‬ ‫والثقايف للشعوب واملجتمعات عام ًة؟ بال ٍّ‬ ‫شك إن األنظمة العربية اليوم عاجز ٌة متا ًما عن القيام بدورها يف الحفاظ‬ ‫ديني متارسه املؤسسات اإلسالمية‪ ،‬أو من التدخالت القبلية‬ ‫عىل املجال الفكري واملعريف والثقايف مجر ًدا من كل تدخلٍ ٍّ‬ ‫والطائفية التي متنع كل ٍ‬ ‫نقد يطالها‪ .‬وهو ما جعل من الواقع الثقايف العريب هشً ا ال يحمل الكثري من املشاريع النهضوية‬ ‫ومجتمعي ضد مواجهة الحقائق التاريخية وترشيح‬ ‫سيايس‬ ‫والفكرية الرائدة‪ .‬إذ دخل اإلسالم والعادات والتقاليد كسال ٍح‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍّ‬ ‫الذات والذهنية العربية وتطور املجال الفكري والعلمي‪.‬‬ ‫املشهد الثقايف العريب اليوم‪ ،‬يف زمن السيطرة العقلية باسم العادات والتقاليد واإلسالم‪ ،‬أخذت مفاهيم الدميقراطية‬ ‫وحرية الرأي والبحث واإلبداع‪ ،‬ترتاجع إىل أدوا ٍر مخيفة‪ ،‬جعلت من أي محاول ٍة للكتابة والتساؤل محاول ًة ت ُع ّرض صاحبها‬ ‫ٍ‬ ‫بتشارك مع قوى الظالم والرجعية واإلسالم السيايس‪ ،‬يف تحجيم دور‬ ‫إىل االعتقال أو القتل‪ ،‬وتداعت األنظمة العربية‬ ‫وأهمية الثقافة وربطها بالتغريب واإللحاد والكفر‪.‬‬ ‫إن الكلمة اليوم‪ ،‬هي األحرف التي تتداعى‪ ،‬وتحاول الوصول إىل العقول‪ ،‬لتستقر فك ًرا ومنه ًجا يف الحياة‪ ،‬فال تدعوا الظالم‬ ‫ٍ‬ ‫وأوهام وترهات‪ ،‬فحني يعجز اإلنسان عن تحقيق الحياة واألمل‪،‬‬ ‫صفقات‬ ‫يسلب هذه الحرية أمام ناظرينا من أجل‬ ‫ٍ‬ ‫وهذا ما نحن عليه‪ ،‬فكيف تريدون أن تكون مجتمعاتنا متقدم ًة ومتطور ًة ومتحرض ًة بعد سلب الحرية الثقافية منها؟‬

‫كتاب أخطاء القرآن حيصر أكثر من‬ ‫ألفني ومخسمائة خطأ لغوي يف القرآن‬ ‫ويرتجم النص القرآني لثالث لغات‬ ‫ويقدمه ألول مرة بالرتتيب التارخيي‬ ‫الصحيح‬ ‫ً‬ ‫متوفر اآلن على موقع أمازون وجمانا‬ ‫على الرابط التايل‬ ‫‪goo.gl/emoQDp‬‬

‫األخطاء اللغوية يف‬

‫ال���� ال��ي�‬ ‫د‪ .‬سامي الذيب‬

‫‪6‬‬


‫اﺷﺘﺮك اﻵن‬ ‫ﻓﻲ ﻗﻨﺎﺗﻨﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻴﻮﺗﻴﻮب‬ ‫‪https://www.youtube.com/c/ahmedzayedchannel‬‬

‫ﻗﺮاﺑﺔ ‪ 10‬ﻣﻠﻴﻮن ﻣﺸﺎﻫﺪة‬ ‫ﻣﺸﺘﺮك‬ ‫أﻟﻒﻣﺸﺎﻫﺪة‬ ‫و‪70‬ﻣﻠﻴﻮن‬ ‫ﻗﺮاﺑﺔ اﻟﻌﴩة‬

‫أﺣﻤﺪ ﺳﻌﺪ زاﻳﺪ‬

‫ﻗﻨﺎة أﺣﻤﺪ ﺳﻌﺪ زاﻳﺪ ﻋﲆ اﻟﻴﻮﺗﻴﻮب ﻫﻲ ﻗﻨﺎة ﻣﻌﻨﻴﺔ ﺑﺎﻟﺘﻨﻮﻳﺮ اﻟﻔﻜﺮي واﻟﺜﻘﺎﰲ وﻫﻲ ﻣﺤﺎوﻟﺔ ﻟﻠﺘﻔﻜ اﳌﻮﺿﻮﻋﻲ اﻟﻌﻘﻼ ﻣ ًﻌﺎ‪.‬‬ ‫وﺗﺠﺪون ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺴﻼﺳﻞ وﻣﻨﻬﺎ‪:‬‬

‫أﻟﻒ ﺑﺎء ﻓﻠﺴﻔﺔ ﻟﺘﺒﺴﻴﻂ اﳌﻌﺮﻓﺔ اﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ‬

‫ﻟﻠﺘﻮاﺻﻞ ﻣﻌﻨﺎ ﻋﲆ ﺻﻔﺤﺔ اﻟﻘﻨﺎة ﻋﲆ اﻟﻔﻴﺴﺒﻮك‪:‬‬ ‫‪https://www.facebook.com/aszayedtv‬‬

‫ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﺤﻀﺎرة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻻﺳﻼﻣﻴﺔ‬

‫ﺳﻠﺴﻠﺔ ﺗﻌﺮﻳﻔﻴﺔ ﺑﺮﻣﻮز ﻓﻜﺮﻳﺔ ﻋﺮﺑﻴﺔ وﻏﺮﺑﻴﺔ‬

‫ﺻﻔﺤﺔ أﺣﻤﺪ ﺳﻌﺪ زاﻳﺪ اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ‪:‬‬ ‫‪https://www.facebook.com/ahmedsaadzayed‬‬

‫ﻛﺎﳌﻌﺮي واﻟﺮازي وأرﺳﻄﻮ وﻣﺎرﻛﺲ وراﺳﻞ‬

‫ﺳﻠﺴﻠﺔ ﺑﺘﺤﻠﻴﻞ ﺧﻼﻓﺎت اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ وﻗﺘﺎﻟﻬﻢ‬

‫ﺳﻠﺴﺔ ﺗﻄﻮر ﺗﺎرﻳﺦ اﻹﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻴﺎت اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ واﻟﻔﻠﺴﻔﺎت‬

‫وﻏ ذﻟﻚ ﻛﺜ ﻣﻦ ﻣﺤﺎﴐات وﻣﻘﺎﺑﻼت ﻟﺮﻣﻮز ﻓﻜﺮﻳﺔ ﻓﺎﻟﻘﻨﺎة ﺑﻬﺎ أﻛ ﻣﻦ ‪ 700‬ﻣﺤﺎﴐة‪ ،‬وﻫﻲ ﺟﻬﺪ ﻃﻮﻳﻞ وﻣﺘﻮاﺿﻊ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﻞ‬ ‫اﻟﺜﻘﺎﰲ وﻣﺤﺎوﻟﺔ ﻧﴩ اﻟﻮﻋﻲ واﻟﻌﻘﻼﻧﻴﺔ واﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﻗﺪر اﳌﺴﺘﻄﺎع ﻟﻠﻤﺘﺤﺪﺛ ﺑﺎﻟﻌﺮﺑﻴﺔ‪.‬‬ ‫ﻟﺪﻋﻢ اﻟﻘﻨﺎة‪:‬‬

‫‪https://www.patreon.com/ahmedzayed‬‬

‫‪7‬‬

‫‪https://www.paypal.me/ahmedsaadzayed/100‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪4‬‬

‫محمد شومان‬

‫وصلنا إىل الجزء األخري من سلسلة مقاالت‬ ‫اليهودية واملحروسة‪ ،‬حيث نقدم هذه‬ ‫املرة األسفار الثالث والعرشين إىل السابع‬ ‫والعرشين الذي يحوي خامت ًة وخالص ًة لهذه‬ ‫الرحلة‪.‬‬

‫‪8‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪4‬‬ ‫محمد شومان‬

‫السفر الثالث والعرشون‪ :‬كلكول ودردع‬ ‫وهكذا بدأت فرتة حكم سليامن الشهري بالحكيم‪ ،‬أما‬ ‫ملاذا لقب بالحكيم فبسبب أن امرأتني اختصمتا إىل‬ ‫كل منهام ابنا‬ ‫سليامن يف موضو ٍع طريف‪ ،‬فقد ولدت ًّ‬ ‫بفارقٍ‬ ‫زمني‪ ،‬ثالثة أيام‪ ،‬فامت أحد الطفلني وادعت‬ ‫ّ‬ ‫االمرتان أن الطفل الحي هو ابنها‪ ،‬وهنا تجلت عبقرية‬ ‫سليامن فحكم بقطع الطفل إىل نصفني وتأخذ كلًّ‬ ‫منهام نصفه؟ فوافقت الكاذبة يف حني رفضت األم‬ ‫الحقيقية‪ ،‬وهنا حكم سليامن ببنوة الطفل لألم التي‬ ‫رفضت شقه نصفني‪!...‬‬ ‫غني عن القول أن هذه القصة ال تصلح للتدريس‬ ‫ٌّ‬ ‫إال يف ٍ‬ ‫معهد للمتخلفني عقل ًيا أو يف خطب ٍة كهنوتي ٍة عصامء موجه ٍة من كاهنٍ ور ٍع إىل مؤمنٍ معاقٍ ذهن ًيا‪ ،‬عىل كلٍ مل‬ ‫نكتشف نحن مكمن العبقرية والحكمة يف هذه القصة الساذجة‪ ،‬فقد كان يكفي سليامن أن يرسل إىل الداية التي‬ ‫أول هكذا بكل بساطة‪ -‬وإن كان ال اعرتاض لنا عىل تسمية سليامن‬ ‫ول ّدت االمرأتني ويسألها أيهام وضعت طفلها ً‬ ‫بالحكيم‪ -‬ولكن لنحاول أن نعرف سبب حكمته الحقيقي من طريقته يف إدارة اململكة‪.‬‬ ‫قلنا أن سليامن ابن الطاهرة بثشبع من داود قد توىل الحكم خلفًا لوالده املقدس داود متخط ًيا أخاه أدونيا األحق‬ ‫بالعرش ألنه اب ٌن رشعي أكرب للملك الراحل– هناك ٌ‬ ‫شك يف رشعية زواج املرأة من قاتل زوجها‪ ،‬فهذا الزواج ال يقبله رش ٌع‬ ‫والدي ٌن وال ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫أخالق وبالتايل يصري هناك نو ٌع من الشك حول أبناء مثل هذا الزواج وتزداد كارثة اهتزاز‬ ‫عرف وال حتى‬ ‫الرشعية هذه إذا ما علمنا أن السيد املسيح عليه السالم من نسل سليامن الذي هو مثرة هذه العالقة‪ -‬ولكننا نعلم من‬ ‫املسار التاريخي للبرشية التعساء أن الرشعية الفعلية تكون لألقوى‪.‬‬ ‫أما أدونيا الذي تنازل عن العرش وركع أمام سليامن مباي ًعا فقد كان عىل ما يبدو َحسن النية‪ ،‬إذ ذهب إىل الفاضلة‬ ‫بثشبع راج ًيا إياها أن تتوسط له عند سليامن ليك يهب له الفاتنة الصغرية أبيشج الشومنية التي أكدت لنا التوراة أن‬ ‫مهمتها قد انحرصت يف تدفئة جسد النبي الواهن‪ ،‬وأنه مل يعرفها كزوجة‪ ،‬أما رد سليامن عىل هذا الطلب الربيء فكان‬ ‫أن قال لوالدته‪:‬‬ ‫« َولِ َمذَا أَنْ ِت ت َْسأَلِ َني أَبِيشَ َج الشُّ ونَ ِيَّ َة ألَ ُدونِيَّا؟ ف َْاسأَ ِل لَ ُه الْ ُمل َْك ألَنَّ ُه أَ ِخي األَك َ ُْب ِم ِّني!» (امللوك األول ‪.)22 :2‬‬ ‫‪9‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪4‬‬ ‫محمد شومان‬

‫ٍ‬ ‫خطوات قد يتخذها أدونيا للوصول إىل العرش‪.‬‬ ‫إذن رأى سليامن يف هذا املطلب خطو ًة أوىل من‬ ‫«فَأَ ْر َس َل الْ َملِ ُك ُسلَ ْي َم ُن ِب َي ِد بَ َنايَا ُهو بْنِ يَ ُهويَا َدا َع‪ ،‬فَ َبط َ​َش ِب ِه ف َ​َمتَ » (امللوك األول ‪.)25 :2‬‬ ‫وكان هذا القرار هو أول قرارات سليامن الحكيم بعد اعتالئه للعرش وهو قتل أخيه األكرب‪ ،‬وهو قرا ٌر ال نستطيع من‬ ‫وجهة نظ ٍر إنساني ٍة أن نقول عنه أنه يش ّع حكم ًة‪ ،‬ولكن رمبا تأيت حكمته من كونه يسعى إلزاحة منافسيه عن العرش‪،‬‬ ‫حكيم‪ ،‬ولكننا ال نستطيع أن نتبني وجه الحكمة فيه من وجهة نظ ٍر إنسانية‪.‬‬ ‫أي أنه رمبا كان قرا ًرا سياس ًيا‬ ‫ً‬ ‫أما ثاين القرارات السليامنية الحكيمة فكانت من نصيب أبياثار الكاهن الذي كان من املؤيدين ألدونيا‪:‬‬ ‫ِب الْ َم ْو ِت‪َ ،‬ول َْس ُت أَقْتُل َُك ِف هذَا الْ َي ْو ِم»‬ ‫« َوق َ​َال الْ َملِ ُك ألَ ِب َياث َا َر الْكَا ِهنِ ‪« :‬ا ْذ َه ْب إِ َل َع َناث ُوثَ إِ َل ُحقُولِ َك‪ ،‬ألَنَّ َك ُم ْستَ ْوج ُ‬ ‫(امللوك األول ‪.)26 :2‬‬ ‫إذن فقد كان نفي الكاهن إىل بلدته هو‬ ‫ثاين قراراته الحكيمة‪ ،‬أما وجه الحكمة كام‬ ‫نراها يف هذا القرار فتأيت من تفهم سليامن‬ ‫للعقلية الدينية لدى الشعب‪ ،‬فاملؤمن‬ ‫الورع قد يتقبل قتل امللك ألخيه باعتباره‬ ‫أرسي داخيل‪ ،‬ولكنه أب ًدا لن يتقبل‬ ‫شأ ٌن‬ ‫ٌّ‬ ‫قتل امللك لكبري الكهنة باعتباره تع ٍّد عىل‬ ‫الذات اإللهية املتمثلة يف كاهن الرب‪ ،‬أي‬ ‫أن الشعوب البدائية‪ -‬وحتى املتحرضة‪ -‬ال‬ ‫تستطيع أن تفصل بني الصورة الذهنية‬ ‫لديها عن الرب وبني الشخص الذي ي ّدعي‬ ‫أنه ممثل هذه الصورة الذهنية‪ ،‬وبالتايل‬ ‫فقد تجلت حكمة سليامن يف اكتفائه بنفي‬ ‫بدل من قتله يف ٍ‬ ‫وقت مازال هو شخص ًيا يبحث عن تثبيت رشعيته‪.‬‬ ‫كبري الكهنة ً‬ ‫وعندما سمع قائد الجيش يوآب مبا حدث ألبياثار الكاهن حدث له ذع ٌر وتأكد بأن الخطوة التالية سوف تكون من‬ ‫نصيبه هو‪:‬‬ ‫‪10‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪4‬‬ ‫محمد شومان‬

‫وآب قَ ْد َه َر َب إِ َل َخ ْي َم ِة ال َّر ِّب َو َها ُه َو‬ ‫وآب إِ َل َخ ْي َم ِة ال َّر ِّب َوتَ ََّس َك ِب ُق ُرونِ الْ َم ْذبَ ِح‪ .‬فَأُ ْخ ِ َب الْ َملِ ُك ُسلَ ْي َم ُن ِبأَ َّن يُ َ‬ ‫«فَ َه َر َب يُ ُ‬ ‫ِب َجانِ ِب الْ َم ْذبَ ِح‪ .‬فَأَ ْر َس َل ُسلَ ْي َم ُن بَ َنايَا ُه َو بْ َن يَ ُهويَا َدا َع قَائِ ًل‪« :‬ا ْذ َه ِب ابْ ِط ْش ِب ِه» (امللوك األول ‪.)29 :2‬‬ ‫ٍ‬ ‫موقف غريب‪ ،‬قائد جيش داود املدافع عن الرشعية املتمثلة يف ابن الحالل البكر أدونيا يخاف من النبي‬ ‫وهنا نحن أمام‬ ‫أخالقي له ويحتمي يف داخل بيت الرب‪ ،‬ويف قدس أقداس هذا‬ ‫امللك الحكيم فيهرب من بطشه الذي ال يوجد مرب ٌر‬ ‫ٌّ‬ ‫البيت الذي هو املذبح‪ ،‬ولكن النبي الحكيم يرضب عرض الحائط بقداسة املكان وبرب هذه القداسة ويأمر بقتل الرجل‬ ‫حتى لو كان متعلقًا بقرون املذبح‪ ،‬ترى هل ُسمي الحكيم لهذا السبب‪...‬؟‬ ‫أيضا عبارة «ومتسك بقرون املذبح» ‪ !...‬يا إلهي أما زال اليهود حتى يف أوج مجدهم السيايس يعبدون البقرة‬ ‫ونالحظ هنا ً‬ ‫أو العجل املرصي الشهري الذي أخذوا فكرته معهم أثناء خروجهم من مرص منذ مئات السنني؟ أما زال يف املعبد املخصص‬ ‫ليهوه قرو ٌن يتمسك بها قائد الجيش؟ أيعبد اليهود العجل املرصي بعد الخروج الكبري مبئات السنني؟ وللحق أن اليهود‬ ‫كام نعتقد من دراسة توراتهم مل يؤمنوا أب ًدا بإل ٍه ٍ‬ ‫واحد كام يدعي الدارسون‪ ،‬بل عىل األرجح كان يهوه إلههم واح ًدا‬ ‫من األرباب الكثرية التي ميتلئ بها الكون‪ ،‬وكانت عبادة يهوه تطغى عىل غريها من العبادات فقط يف لحظات الضعف‬ ‫السيايس أو العسكري ليعود بعدها اليهود إىل تعدد اآللهة‪.‬‬ ‫وبعد أن اطأمن سليامن إىل خلو الساحة من املنافسني عىل العرش بدأ يبحث لنفسه عن زوج ٍة مناسبة‪:‬‬ ‫ص» (امللوك األول ‪.)1 :3‬‬ ‫« َو َصا َه َر ُسلَيْ َم ُن ِف ْر َع ْو َن َملِ َك ِم ْ َ‬ ‫وال ندري نحن عىل وجه الدقة إن كان هذا الزواج قد حدث‬ ‫فعل أم أنه مجرد هرا ٍء تورايتٍّ لرفع شأن سليامن‪ ،‬فالكثري من‬ ‫ً‬ ‫الباحثني ينكرون إمكانية وقوع مثل هذه املصاهرة‪ ،‬وإن كنا‬ ‫ٍ‬ ‫بسيط هو أن مرص يف تلك الفرتة–‬ ‫لسبب‬ ‫نحن ال نستبعدها‬ ‫ٍ‬ ‫حوايل القرن العارش قبل امليالد‪ -‬كانت إما خاضع ًة لحكم الكهنة‬ ‫الذي بدأ بالكاهن حريحور‪ ،‬أو أنها كانت قد وقعت تحت حكم‬ ‫الليبيني الذين أخذوا البلد من الكهنة‪ ،‬ويف الحالتني مل يكن الحاكم‬ ‫املغتصب للعرش ليامنع يف مصاهرة ملك إرسائيل‪ ،‬بل أننا ندعي‬ ‫أن قيام الحكم الكهنويت يف مرص الفرعونية رمبا كان من أسباب‬ ‫أيضا (وألن التاريخ قد يعيد نفسه فها هي فلسطني عىل مشارف الحكم الكهنويت بقيادة‬ ‫قيام الحكم الكهنويت يف إرسائيل ً‬ ‫حامس‪ ،‬وكذلك مرص عىل مشارف الردة الكهنوتية بعد نجاح الكهنة يف اخرتاق مجلس الشعب املرصي) ‪ ،‬كام أننا نالحظ‬ ‫‪11‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪4‬‬ ‫محمد شومان‬

‫اسم ٍ‬ ‫مللك مرصي‪ ،‬فكلهم بالنسبة لها «فرعون» مع أنها تذكر أسامء أقل شأنًا بكثري‪،‬‬ ‫أن التوراة مل تذكر عىل اإلطالق أي ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وإن ّ‬ ‫معلومات عن مرص الفرعونية عىل اإلطالق‪ ،‬أو إذا‬ ‫دل هذا عىل يش ٍء فإمنا يدل عىل أن كاتب التوراة مل يكن ميتلك أي‬ ‫تعاملنا بحسن ني ٍة قلنا أن التوراة عند كتابة وقائعها بعد حدوثها مبئات السنني أخفى الكاتب جهله بتفاصيل األحداث‬ ‫يف التغايض عن كل ما من شأنه أن يُظهر جهله‪.‬‬ ‫وتُحدثنا التوراة عن الحكمة العظيمة التي متتع بها سليامن‪:‬‬ ‫اس‪ِ ،‬م ْن إِيثَا َن األَ ْز َر ِ‬ ‫ص‪َ .‬وكَا َن أَ ْح َك َم ِم ْن َج ِميعِ ال َّن ِ‬ ‫اح ِّي‬ ‫« َوفَاق َْت ِح ْك َم ُة ُسلَيْ َم َن ِح ْك َم َة َج ِميعِ بَ ِني الْ َم ْ ِ‬ ‫شقِ َوك َُّل ِح ْك َم ِة ِم ْ َ‬ ‫ُول َو َد ْر َد َع بَ ِني َما ُح َ‬ ‫َو َه ْي َم َن َوكَلْك َ‬ ‫ول» (امللوك األول ‪.)30-31 :4‬‬ ‫وهكذا أقنعتنا التوراة بحكمة سليامن عند مقارنتها بباقي حكامء املرشق هيامن وكلكول ودردع الذين مل يسمع أحد‬ ‫أساسا ال بني بنى املرشق واليف أي جه ٍة أخرى يف العامل‪ ،‬إال إذا كان كلكول ودردع أشهر من فرعون مرص‬ ‫بأسامئهم ً‬ ‫املجهول دامئًا يف الخطاب التورايت‪...‬؟‬ ‫وبعد أن ملك الحكيم سليامن زمام األمور قرر أن يشكر‬ ‫الرب عىل نعمته عليه ويبني له معب ًدا هو األشهر يف‬ ‫التاريخ– كان الرب يهوه حتى هذه اللحظة ما يزال‬ ‫يسكن يف خيمة– وس ّخر سليامن كل جهود البلد يف‬ ‫بناء هذا املعبد العظيم‪:‬‬ ‫سائِ َيل‪َ ،‬وكَانَ ِت‬ ‫« َو َس َّخ َر الْ َملِ ُك ُسلَ ْي َم ُن ِم ْن َج ِميعِ إِ ْ َ‬ ‫ش َة‬ ‫ُّ‬ ‫الس َخ ُر �ثَالَثِ َني أَل َْف َر ُجل‪ .‬فَأَ ْر َسلَ ُه ْم إِ َل لُ ْب َنا َن َع ْ َ‬ ‫آال ٍَف ِف الشَّ ْه ِر بِال َّن ْوبَ ِة‪ .‬يَكُونُو َن شَ ْه ًرا ِف لُبْ َنا َن َوشَ ْه َريْنِ‬ ‫ِف بُ ُيوتِ ِه ْم‪َ .‬وكَا َن أَ ُدونِ َريا ُم َع َل التَّ ْس ِخريِ‪َ .‬وكَا َن لِ ُسلَ ْي َم َن‬ ‫َس ْب ُعو َن أَلْفًا يَ ْح ِملُو َن أَ ْح َم ًل‪َ ،‬و َثَانُو َن أَلْفًا يَ ْقطَ ُعو َن ِف‬ ‫الْ َج َبلِ ‪َ ،‬ما َع َدا ُر َؤ َسا َء الْ ُوكَالَ ِء لِ ُسلَ ْي َم َن ال َِّذي َن َع َل الْ َع َملِ �ثَالَث َ َة آال ٍَف َو�ثَالَثَ ِمئَ ٍة» (امللوك األول ‪.)13-16 :5‬‬ ‫إذا جمعنا األرقام التي أوردتها التوراة لعدد العامل العاملني يف مرشوع املعبد العظيم لبلغوا ‪ 183300‬عامل‪ ،‬وقضت‬ ‫ٍ‬ ‫سنوات يف تشييد الهيكل العظيم فخر اليهودية عىل مدار التاريخ إىل يومنا هذا‪ ،‬والعرص الذهبي‬ ‫هذه اآلالف حوايل سبع‬ ‫ٍ‬ ‫سنوات‬ ‫للدين والدولة اليهودية‪ ،‬ترى كم كانت مساحة هذا املعبد الذي اشرتك يف بنائه حوايل مئتي ألف عاملٍ ملدة سبع‬ ‫‪12‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪4‬‬ ‫محمد شومان‬

‫متواصلة‪ ،‬مع مالحظة أن الهرم األكرب قد اشرتك يف‬ ‫بنائه مئة ألف عاملٍ ملدة عرشين عا ًما‪ ،‬نرتك التوراة‬ ‫نفسها تخربنا عن هذا اإلنجاز اإلعجازي‪:‬‬ ‫« َوالْ َب ْي ُت ال َِّذي بَ َنا ُه الْ َملِ ُك ُسلَ ْي َم ُن لِل َّر ِّب طُولُ ُه ِستُّو َن‬ ‫شو َن ِذ َرا ًعا‪َ ،‬و َس ْم ُك ُه �ثَالَث ُو َن ِذ َرا ًعا‪.‬‬ ‫ِذ َرا ًعا‪َ ،‬و َع ْر ُض ُه ِع ْ ُ‬ ‫شو َن ِذ َرا ًعا َح َس َب‬ ‫َوال ِّر َو ُاق قُ َّدا َم َه ْيكَلِ الْ َب ْي ِت طُولُ ُه ِع ْ ُ‬ ‫ش أَ ْذ ُر ٍع قُ َّدا َم الْبَيْ ِت» (امللوك‬ ‫َع ْر ِض الْبَيْ ِت‪َ ،‬و َع ْر ُض ُه َع َ ُ‬ ‫األول ‪.)2-3 :6‬‬

‫‪ 18‬ذراع‬

‫‪5‬‬ ‫أذرع‬

‫‪35‬‬ ‫‪ 14‬ﻣﱰ‬

‫‪ 35‬ذراع‬ ‫‪ 10‬أذرع‬

‫‪ 60‬ذراع )‪ 27‬ﻣﱰ(‬

‫ﺑﺤﺮ اﻟﻨﺤﺎس‬

‫اﻟﺮواق‬

‫واآلن إذا علمنا أن الذراع اليهودي القديم يساوي ‪52‬‬ ‫سم فإن طول املعبد يكون ‪ 31‬مرت‪ ،‬وعرضه ‪ 10.5‬مرت‪ ،‬ﻣﻌﺒﺪ ﺳﻠﻴنن‬ ‫وارتفاعه ‪ 15.5‬مرت‪!...‬‬

‫اﻟﺒﻬﻮ‬ ‫اﳌﻘﺪس‬ ‫‪ 30‬ذراع‬

‫ﻗﺪس‬ ‫اﻷﻗﺪاس‬

‫‪ 20‬ذراع‬ ‫‪ 9‬ﻣﱰ‬

‫‪ 20‬ذراع‬

‫ٍ‬ ‫مرحاض يف معبد الكرنك‪!...‬؟‬ ‫أي أن هذا املعبد العظيم ال يساوي أكرث من‬ ‫ويصبح التساؤل هو كيف ميكن التوفيق بني األرقام الضخمة التي توردها التوراة وبني اإلنجاز الهزيل هذا الذي تذكره‬ ‫ٍ‬ ‫سنوات يف بناء حجر ٍة هزيل ٍة ال تقارن بحجرة استقبا ٍل يف ٍ‬ ‫ريفي‬ ‫التوراة نفسها؟ فكيف يعمل مئتا ألف فر ٍد ملدة سبع‬ ‫بيت ٍّ‬ ‫فرعوين؟ ويصبح األكرث مدعا ًة للتساؤل هو عن إميان الشعب بعظمة املعبد املزعوم عىل مدى عرشات القرون يف حني أن‬ ‫املسطور يف كتابهم أنه ليس إال بنا ًء صغ ًريا قد ال يُرى بالعني املجردة يف وسط باقي املباين‪ ،‬وال نجد أمامنا تفس ًريا منطق ًيا‬ ‫لهذه الحالة إال ما ننادي به دامئًا أو مبع ًنى أدق وهو ما نحذّر منه دامئًا‪ ،‬وهو أن الكهنة يعطيهم العرف السائد الحق يف‬ ‫تجاهل الكلامت املسطورة يف جميع الكتب املقدسة واخرتاع آراء جديد ٍة قد ال متت للكلامت املقدسة بِصلة‪ -‬هذا إذا‬ ‫أصل أن الكلامت املسطورة هي ذاتها مقدسة‪ -‬ومع ذلك ال نجد تربي ًرا لإلميان األعمى من البرش السذج بأقوال‬ ‫افرتضنا ً‬ ‫الكهنة التي تتعارض جوهريًا مع النص املقدس‪ ،‬إال إذا آمنا بأن الكهنة قد نجحوا عىل مر القرون يف تدجني املؤمنني‬ ‫ٍ‬ ‫كائنات بلهاء ال ه َّم لها إال قطف الحكمة من فوق شفاه الكهنة املعصومني من الخطأ واملدركني حتى ملا‬ ‫وتحويلهم إىل‬ ‫نفيس ليعالجهم من‬ ‫ال يدركه اإلله‪ ،‬ولعلنا نجدها فرص ًة مناسب ًة للتوسل ألتباع الكهنة أن يعرضوا أنفسهم عىل‬ ‫ٍ‬ ‫طبيب ٍّ‬ ‫مرض «عته املريض املنغويل»‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫وبإمتام بناء الهيكل املقدس رشع النبي سليامن يف إحضار تابوت عهد الرب من مدينة داود إىل أورشليم‪ -‬وكان قد مىض‬ ‫ٍ‬ ‫أخيا أن يتمتع بحياته داخل‬ ‫عىل اإلله يهوه مئات السنني وهو قان ٌع بالحياة داخل‬ ‫تابوت وسط خيم ٍة صغرية‪ ،‬وآن له ً‬ ‫‪13‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪4‬‬ ‫محمد شومان‬

‫هيكلٍ‬ ‫محرتم مثله مثل باقي اآللهة األقل شأنا‪ -‬ويف االحتفالية العظيمة بتدشني البيت وقف سليامن مخاط ًبا الرب بكل‬ ‫ٍ‬ ‫قائل‪:‬‬ ‫تواضعٍ ً‬ ‫«إِ ِّن قَ ْد بَ َن ْي ُت ل َ​َك بَ ْي َت ُس ْك َنى‪َ ،‬مكَانًا لِ ُس ْك َن َاك إِ َل األَبَ ِد» (امللوك األول ‪.)13 :8‬‬ ‫ولكنه لألسف مل يصدق يف كالمه‪ ،‬فقد طرده تيطس الروماين منه نهائ ًيا بعد بضعة قرون‪.‬‬ ‫قائل‪:‬‬ ‫الرب ً‬ ‫ثم صىل سليامن إىل ّ‬ ‫الس َم ِء ِم ْن فَ ْو ُق‪َ ،‬والَ َع َل األَ ْر ِض ِم ْن أَ ْسف َُل» (امللوك األول ‪.)23 :8‬‬ ‫سائِ َيل‪ ،‬لَيْ َس إِل ٌه ِمثْل َ​َك ِف َّ‬ ‫«أَيُّ َها ال َّر ُّب إِل ُه إِ ْ َ‬ ‫يل لقبيلة بني إرسائيل فقط‪ ،‬بينام هناك آله ٌة أخرى لألمميني‬ ‫إذن فقد كان املق ّدس سليامن يرى أن يهوه ما هو إال إل ٌه مح ٌّ‬ ‫ولكن يهوه هو األعظم بينهم‪!...‬‬ ‫وكتحي ٍة من سليامن لربه يهوه‪ ،‬قام سليامن بأكرب مجزر ٍة حيواني ٍة سمعنا عنها يف التاريخ‪:‬‬

‫‪14‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪4‬‬ ‫محمد شومان‬

‫شي َن أَلْفًا‪ ،‬فَ َدشَّ َن‬ ‫شي َن أَلْفًا‪َ ،‬و ِم َن الْ َغ َن ِم ِمئَ َة أَل ٍْف َو ِع ْ ِ‬ ‫السالَ َم ِة الَّ ِتي َذبَ َح َها لِل َّر ِّب‪ِ :‬م َن الْ َب َق ِر اث ْ َن ْ ِي َو ِع ْ ِ‬ ‫« َو َذبَ َح ُسلَ ْي َم ُن َذبَائِ َح َّ‬ ‫سائِ َيل بَ ْي َت ال َّر ِّب» (امللوك األول ‪.)63 :8‬‬ ‫الْ َملِ ُك َو َج ِمي ُع بَ ِني إِ ْ َ‬ ‫إذن فقد كانت هدية سليامن لربه عدة ماليني من الكيلو جرامات من اللحوم‪ُ ،‬حرقت عىل مذبح الرب ليشتم رائحتها‬ ‫الرب يهوه فيزداد رضاه عىل عبده الحكيم‪.‬‬ ‫ويف منتصف فرتة حكم سليامن الحكيم أي بعد عرشين سن ًة من توليه العرش يفاجئنا كاتب التوراة بأن سيطرة سليامن‬ ‫مل تكن كامل ًة حتى عىل دولة فلسطني‪ ،‬مع أن املفرتض يف الفكر الديني أن سليامن كان أعظم ملوك األرض قاطب ًة‪ ،‬وهاكم‬ ‫النص املقدس‪:‬‬ ‫الساكِ ِن َني ِف الْ َم ِدي َن ِة‪َ ،‬وأَ ْعطَا َها َم ْه ًرا البْ َن ِت ِه ا ْم َرأَ ِة‬ ‫َ‬ ‫ص َوأَ َخ َذ َجا َز َر َوأَ ْح َرقَ َها بِال َّنارِ‪َ ،‬وقَتَ َل الْ َك ْن َعانِ ِّي َني َّ‬ ‫«ص ِع َد ِف ْر َع ْو ُن َملِ ُك ِم ْ َ‬ ‫ُسلَ ْي َمنَ» (امللوك األول ‪.)16 :9‬‬ ‫إذن فقد قىض سليامن العظيم عرشين عا ًما يف الحكم عاج ًزا عن إخضاع مدين ٍة صغري ٍة هي مدينة جازر‪ ،‬مام دفع‬ ‫بفرعون مرص إىل أن يصعد إليها رمبا بكتيب ٍة من رجاله ليحرقها ويسلّمها هدي ًة منه لسليامن (أيها التاريخ الكهنويت كم‬ ‫من الجرائم ت ُرتكب باسمك)‪.‬‬ ‫ولكن كاتب التوراة ال يستحي من القول‪:‬‬ ‫ش أَل َْف فَار ٍِس» (امللوك األول ‪.)26 :4‬‬ ‫« َوكَا َن لِ ُسلَيْ َم َن أَ ْربَ ُعو َن أَل َْف ِم ْذ َو ٍد لِ َخيْلِ َم ْركَبَاتِ ِه‪َ ،‬واث ْ َنا َع َ َ‬ ‫أربعون ألف مذو ٍد للخيل‪ !...‬ترى كم كان‬ ‫عدد الخيل التي تعيش يف أربعني ألف‬ ‫مذو ٍد‪...‬؟ وأين كانت هذه الخيل وهؤالء‬ ‫الفرسان حني عجز سليامن عن فتح مدينة‬ ‫جازر ملدة عرشين عا ًما‪ ،‬أال يخجل هؤالء‬ ‫السفلة من هذا الكذب الفج؟ أال يوجد يف‬ ‫جميع املؤمنني مؤم ٌن رشيد؟‪ ،‬هل اإلميان‬ ‫يلغي العقل واملعقول واملنطق ويجعلنا‬ ‫نبلع يونس والحوت م ًعا‪...‬؟‬

‫املصل املرواين‪ ،‬موقع اسطبالت سليامن األسطورية‬ ‫ّ‬

‫‪15‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪4‬‬ ‫محمد شومان‬

‫قالت لنا التوراة سابقًا أن سليامن كان أحكم من هيامن وكلكول ودردع‪ ،‬ونحن بدورنا ال نجد لدينا اعرت ًاضا عىل كون‬ ‫سليامن أحكم من كلكول ودردع‪ ،‬بل إننا قد نذهب إىل آخر املدى ونحكم عىل املن ِكر لذلك بالخروج عن املعلوم من‬ ‫الدين بالرضورة‪ ،‬وتضيف التوراة لذلك هذا اإلنجاز التاريخي لسليامن‪:‬‬ ‫« َوكَا َن ِصيتُ ُه ِف َج ِميعِ األُ َم ِم َح َوالَ ْي ِه‪َ .‬وت َ َكلَّ َم ِبثَالَث َ ِة آال َِف َمثَل‪َ ،‬وكَانَ ْت نَشَ ائِ ُد ُه أَلْفًا َو َخ ْم ًسا» (امللوك األول ‪.)31-32 :3‬‬ ‫أما بالنسبة لألمثال املنسوبة لسليامن يف‬ ‫التوراة فيا ليتها مل تنسب إليه‪ ،‬فقد اتضح‬ ‫أنها مقتبس ٌة باملعنى أحيانًا‪ ،‬وبالنص‬ ‫يف معظم األحيان من الحكيم املرصي‬ ‫أمينيمويب‪ ،‬وعىل من يريد التأكد أن يرجع‬ ‫إىل الدراسة التي قام بها عامل املرصيات‬ ‫الشهري «جيمس هرني برستد» يف كتابه‬ ‫(فجر الضمري)‪ ،‬هذا عن األمثال‪ ،‬أما‬ ‫مخطوطة تعاليم أمينيمويب‪ ،‬املتحف الربيطاين‬ ‫أصل‬ ‫األناشيد فيا ليت التوراة مل تذكرها ً‬ ‫فهي عبا ٌرة عن مقطوع ٍة جنسي ٍة فاحشة‪ ،‬وال ندري والله كيف يتعبد بها املؤمنون واملؤمنات يف خلواتهم‪ ،‬وال ندري كيف‬ ‫محرتم أن يقرأ هذه اآليات الكرمية عىل مسامع أوالده‪:‬‬ ‫ألب‬ ‫ميكن ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ست ُِك كَأْ ٌس ُم َد َّو َرةٌ‪ ،‬الَ يُ ْع ِو ُز َها‬ ‫« َما أَ ْج َم َل ِر ْجلَيْ ِك بِال َّن ْعل ْ َِي يَا ِب ْن َت الْ َكر ِ‬ ‫ِيم! َد َوائِ ُر فَ ْخ َذيْ ِك ِمث ُْل الْ َح ِ ِّ‬ ‫ل‪َ ،‬ص ْن َع ِة يَ َد ْي َص َّناعٍ‪َّ ُ .‬‬ ‫ِالس ْو َسنِ ‪ .‬ث َ ْديَ ِ‬ ‫اك كَ َخشْ َفتَ ْيِ‪ ،‬تَ ْوأَ َم ْي ظَ ْب َي ٍة» (نشيد األنشاد ‪.)1-3 :7‬‬ ‫وج‪ .‬بَطْ ُن ِك ُص ْ َب ُة ِح ْنطَ ٍة ُم َس َّي َج ٌة ب َّ‬ ‫اب َم ْم ُز ٌ‬ ‫ش ٌ‬ ‫َ​َ‬ ‫هذا جز ٌء من ٍ‬ ‫نشيد من أناشيد الحكيم سليامن التي يحدثنا فيه بحكمته عن البطن والرسة والفخذ يف سبيل الوصول‬ ‫إىل ما هنالك‪ ،‬طب ًعا هذا ال مينع الكهنة املتنطعني أن يفرسوا هذه املقطوعة الجنسية تفس ًريا رمزيًا‪ ،‬فالرسة ليست رسة‬ ‫املرأة التي نعرفها بل هي إشار ٌة إىل العامل الدنيوي الذي ال يشبع من األكل‪ ،‬أما الثديان فريمزان إىل نقاء الصدر العامر‬ ‫باإلميان بيهوه‪ ،‬أما الفخذان فهام بالتأكيد يرمزان إىل امليش يف طريق الله‪!...‬‬ ‫ويف ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫مقدس آخر‪:‬‬ ‫نص‬ ‫َّات! قَا َمتُ ِك ِ‬ ‫هذ ِه شَ بِي َه ٌة بِال َّن ْخلَ ِة‪َ ،‬وث َ ْديَ ِ‬ ‫« َما أَ ْج َمل َِك َو َما أَ ْحال َِك أَيَّتُ َها الْ َحبِيبَ ُة بِاللَّذ ِ‬ ‫اك بِالْ َع َنا ِق ِيد‪ .‬قُل ُْت‪ :‬إِ ِّن أَ ْص َع ُد إِ َل ال َّن ْخلَ ِة‬ ‫َوأُ ْم ِس ُك ِب ُعذُو ِق َها‪َ .‬وتَكُو ُن ث َ ْديَ ِ‬ ‫اك كَ َع َنا ِق ِيد الْ َك ْر ِم‪َ ،‬و َرائِ َح ُة أَنْ ِف ِك كَالتُّفَّا ِح‪َ ،‬و َح َنك ُِك كَأَ ْج َو ِد الْ َخ ْمرِ» (نشيد األنشاد ‪.)6-9 :7‬‬ ‫‪16‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪4‬‬ ‫محمد شومان‬

‫أيضا التي يتضمنها الكتاب املقدس الذي يتعبد‬ ‫وطالع النخل هذا ليذوق حالوة ملمس الثدي من أقوال سليامن املقدسة ً‬ ‫العابدون بتالوته‪ ،‬ويرى الكهنة املق ّدسون أن هذه التعبريات الجنسية ال يجب أن تؤخذ بحرفيتها بل هي دالل ٌة مجازي ٌة‬ ‫عن اقرتان الرب يهوه بعروسه املختارة إرسائيل‪ ،‬بينام يبتسم املسيحيون يف سخري ٍة من جهل الكهنة اليهود بتفسريات‬ ‫كتابهم املقدس فهو إمنا يتحدث عن اقرتان املسيح بعروسه املختارة أي الكنيسة‪...‬؟‬ ‫دسها عىل الكتاب املقدس‬ ‫أي والله هذه هي بعض تفسريات الكهنة لهذه املقطوعة الجنسية الفاحشة التي ال ندري من ّ‬ ‫لتصبح ماد ًة للعبادة والتالوة‪ ،‬وت ُذكرنا هذه املقطوعة بحادث ٍة ذكرها أنيس منصور يف كتابه (حول العامل يف ‪ 200‬يوم)‪،‬‬ ‫يوم كان يف زيار ٍة لجامعٍ يف الهند عىل ما أذكر ووجد يف مكتبة الجامع بعض الكتب اإلسالمية التي يتبارك بها‬ ‫فذات ٍ‬ ‫العابدون وكلها مكتوب ٌة باللغة العربية التي يجهلها الهنود‪ ،‬املهم أن الكاتب فوجئ بكتاب (ألف ليلة وليلة) وكتاب‬ ‫(كليلة ودمنة) مع الكتب املقدسة ومحاط ًة بعالمات ومظاهر التبجيل‪ ،‬ونعتقد أن شيئًا من هذا القبيل قد حدث يف‬ ‫األزمان الغابرة بالنسبة لنشيد األنشاد التورايت املقدس‪!....‬‬ ‫قليل من كثريٍ مام يخص اإلبداع السليامين‪ ،‬أما عن حالة الشعب تحت هذا الحكم املبارك فيبدو أنه كان يعيش يف‬ ‫هذا ٌ‬ ‫الجنة ال عىل األرض‪:‬‬ ‫« َو َج َع َل الْ َملِ ُك الْ ِف َّض َة ِف أُو ُرشَ لِي َم ِمث َْل ال ِْح َجا َر ِة‪َ ،‬و َج َع َل األَ ْر َز‬ ‫الس ْهلِ ِف الْك ْ َ​َث ِة» (امللوك األول ‪.)27 :10‬‬ ‫ِمث َْل الْ ُج َّم ْي ِز ال َِّذي ِف َّ‬ ‫يا لها من حيا ٍة رغد ٍة عاشها الشعب تحت الحكم املبارك‬ ‫للملك الحكيم فالفضة ملقا ٌة يف الشوارع مثل الحجارة ال تجد‬ ‫من يجمعها واألرز مثل الجميز الذي يف السهل‪ ،‬ليتنا كنا هناك‬ ‫لنجمع هذه الفضة يف هذا العرص الذهبي‪ ،‬فإذا أضفنا إىل ذلك فخر الشعب مبليكه الذي أصبح محط أنظار العامل‪:‬‬ ‫«فَتَ َعاظَ َم الْ َملِ ُك ُسلَ ْي َم ُن َع َل ك ُِّل ُمل ِ‬ ‫ُوك األَ ْر ِض ِف الْ ِغ َنى َوال ِْح ْك َم ِة‪َ .‬وكَانَ ْت ك ُُّل األَ ْر ِض ُملْتَ ِم َس ًة َو ْج َه ُسلَ ْي َم َن لِتَ ْس َم َع‬ ‫ِح ْك َمتَ ُه الَّ ِتي َج َعلَ َها الل ُه ِف قَلْ ِب ِه» (امللوك األول ‪.)23-24 :10‬‬ ‫بالنسبة للحكمة علمنا أن سليامن أحكم من كلكول ودردع‪ ،‬وبالنسبة للغنى رأينا كيف جعل امللك الفضة يف الشوارع‬ ‫كالحجارة ال تجد من يحملها‪ ،‬أما بالنسبة مللوك األرض الذين تعاظم عليهم املَلك سليامن فلم تذكر التوراة سوى ملك ٍة‬ ‫بعضا من حكمته‪ ،‬هذه امللكة هي السيدة بلقيس ملكة سبأ‪ !...‬والبحث جا ٍر اآلن يف‬ ‫واحد ٍة ذهبت لزيارته لتأخذ ً‬ ‫سجالت املرشق للعثور عىل امللكة املدعوة بلقيس ملكة سبأ واألمل كب ٌري يف أن نعرث عليها ذات يوم‪.‬‬ ‫‪17‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪4‬‬ ‫محمد شومان‬

‫إذن فقد عاش اليهود جنتهم عىل األرض تحت الحكم السليامين من ع ٍّز وثرو ٍة وحكم ٍة وسلطان‪ ،‬ولكن دعونا ال نتهور‬ ‫أحكام مسبقة‪.‬‬ ‫يف‬ ‫ٍ‬

‫السفر الرابع والعرشون‪ :‬نهاية سليامن الحكيم‬

‫تقول التوراة‪:‬‬ ‫« َوأَ َح َّب الْ َملِ ُك ُسلَ ْي َم ُن نِ َسا ًء َغرِي َب ًة كَ ِث َري ًة َم َع ِب ْن ِت ِف ْر َع ْونَ» (امللوك األول ‪.)1 :11‬‬ ‫وأيضا ٍ‬ ‫رشعي له كرجلٍ‬ ‫كملك ململك ٍة عظيم ٍة الشأن‪ ،‬ولكننا نُصاب بالذعر من النص‬ ‫حق‬ ‫رشقي ً‬ ‫ومن جهتنا نرى أن هذا ٌ‬ ‫ٍّ‬ ‫ٌّ‬ ‫التايل‪:‬‬ ‫الس ِّي َد ِ‬ ‫السار ِِّي» (امللوك األول ‪.)3 :11‬‬ ‫« َوكَانَ ْت لَ ُه َس ْب ُع ِمئَ ٍة ِم َن ال ِّن َسا ِء َّ‬ ‫ات‪َ ،‬و�ثَالَثُ ِمئَ ٍة ِم َن َّ َ‬ ‫رجل واح ٌد حتى لو كان أحكم من‬ ‫يا إلهي‪ ،‬ألف امرأ ٍة يف عصمة رجلٍ واحد‪ ،‬ولن نسأل ملاذا بل نسأل كيف يستطيع ٌ‬ ‫كلكول ودردع أن يروي عطش ألف امرأة‪ ،‬وكيف كان هذا امللك الهامم يجد الوقت بعد إدارة شؤون اململكة أن يطوف‬ ‫عىل نسائه‪ ،‬بل هل كان يستطيع أن يعرف أسامئهن؟ وما نوعية األكل الذي كان يأكله ليتمكن من مضاجعة ألف امرأة‪،‬‬ ‫ونتساءل مع (ليو تاكسل) كيف كان يجد الوقت الكايف لخلع رساويلهن واحدة بعد األخرى‪ ،‬وإذا كان سليامن الجد‬ ‫ٍ‬ ‫محمد نبي اإلسالم تسعة نسو ٍة فقط؟‬ ‫األعظم للمسيح والفخر األكرب لليهود يعتيل ألف امرأة‪ ،‬فلامذا يستكرثون عىل‬ ‫وإذا كان جد املسيح يضاجع ألف امرأ ٍة فلامذا مل يَ ِس مسيحنا املبجل عىل دربه الفحويل؟ من جهتنا فنحن ال نستطيع‬ ‫‪18‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪4‬‬ ‫محمد شومان‬

‫مهام حاولنا أن نخفي حقدنا عىل فحولة النبي‬ ‫املبجل سليامن وقدرته عىل مضاجعة ألف امرأة‪،‬‬ ‫وندعو الله أن يتوب علينا ويتجاوز عن سيئاتنا‬ ‫لنصبح من عباده الفحول فلرمبا نستطيع يوما‬ ‫أن نضاجع أربع نسوة‪ ،‬وهو فقط ما يسمح به‬ ‫الرشع لنا‪.‬‬ ‫ولكن ها هو حقدنا عىل سليامن الحكيم قد أىت‬ ‫بثامره‪:‬‬ ‫« َوكَا َن ِف َز َمانِ شَ ْي ُخو َخ ِة ُسلَ ْي َم َن أَ َّن نِ َسا َء ُه أَ َملْ َن‬ ‫قَلْ َب ُه َو َرا َء آلِ َه ٍة أُ ْخ َرى‪َ ،‬ولَ ْم يَ ُك ْن قَلْ ُب ُه كَا ِم ًل َم َع‬ ‫الصي ُدونِ ِّي َني‪َ ،‬و َملْكُو َم ِر ْج ِس الْ َع ُّمونِ ِّي َني‪َ .‬و َع ِم َل ُسلَ ْي َم ُن‬ ‫ال َّر ِّب إِل ِه ِه كَ َقل ِْب َدا ُو َد أَبِي ِه‪ .‬فَ َذ َه َب ُسلَ ْي َم ُن َو َرا َء َعشْ تُو َرثَ إِل َه ِة ِّ‬ ‫وش ِر ْج ِس الْ ُموآ ِب ِّي َني َع َل الْ َج َبلِ‬ ‫الش ِف َع ْي َن ِي ال َّر ِّب‪َ ،‬ولَ ْم يَتْ َبعِ ال َّر َّب تَ َا ًما كَ َدا ُو َد أَبِي ِه‪ِ .‬حي َن ِئ ٍذ بَ َنى ُسلَ ْي َم ُن ُم ْرتَ َف َع ًة لِ َك ُم َ‬ ‫َّ َّ‬ ‫ال َِّذي تُ َجا َه أُو ُرشَ لِي َم‪َ ،‬ولِ ُمول َ​َك ِر ْج ِس بَ ِني َع ُّمونَ‪َ .‬وه َكذَا فَ َع َل لِ َج ِميعِ نِ َسائِ ِه الْ َغرِيبَ ِ‬ ‫ات اللَّ َو ِات كُ َّن يُو ِق ْد َن َويَ ْذبَ ْح َن‬ ‫آللِ َه ِت ِه َّن» (امللوك األول ‪.)4-8 :11‬‬ ‫عندما شاخ سليامن‪ ،‬رمبا مل يعد يستطيع إشباع رغبة ألف امرأ ٍة متعطش ٍة للجنس الحالل يف أحضان زوجها العجوز‬ ‫فاضطر آسفًا إىل استدعاء آلهتهن من بالدهم البعيدة ليرصف انتباه زوجاته األلف عن التفكري يف األمور الحسية‬ ‫الجنسية‪ ،‬ليتوجهن بكل قلوبهن لعبادة آلهتهن الغريبة ولكن بإرش ٍ‬ ‫رش من يهوه رب األرباب وصاحب السيطرة‬ ‫اف مبا ٍ‬ ‫الفعلية عىل باقي اآللهة‪ ،‬فاإلميان كام نعلم جمي ًعا وظيفته األساسية هي القضاء عىل أي رغب ٍة برشي ٍة يف املتع الدنيوية‬ ‫وتأجيلها إىل حني الحصول عليها هناك يف العامل اآلخر‪ ،‬إن صحت هذه النظرية فلنا أجران وحق السبق‪ ،‬وإن مل نكن عىل‬ ‫صواب يف اقرتاحنا هذا فلنا رشف املحاولة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫وهكذا كفر سليامن النبي امللك الحكيم بسبب النساء الاليت هن كام نعلم حبائل الشيطان‪ ،‬يا إلهي أيكفر سليامن‬ ‫الحكيم بالرب يهوه بعد كل ما فعله من أجله‪ ،‬أيكفر النبي الحكيم الذي أعطاه يهوه حكم ًة تفوق حكمة كلكول‬ ‫ودردع‪ ،‬وإذا كفر أحكم أهل املرشق فكيف نؤمن نحن املجردين من الحكمة ومن الصلة املبارشة باإلله؟‬ ‫ٍ‬ ‫فيلسوف حكيم‪ ،‬فامذا يضريه من إحضار آلهة زوجاته‬ ‫ولكننا نستطيع أن ندعي أن سليامن رمبا كان ينظر لألمر نظرة‬ ‫لتقيم عنده بإرش ٍ‬ ‫رش من الرب يهوه الذي هو أعظم اآللهة‪ ،‬ورمبا نظر لألديان نظرة امللك «فريدريك الثاين» الذي‬ ‫اف مبا ٍ‬ ‫كان يؤمن بأن األديان كلها متساوي ٌة يف كونها ال تساوي شيئًا‪ !...‬أو رمبا حاول سليامن الحكيم أن يطبق الدميقراطية يف‬ ‫لتطبيق الدميقراطية السياسية‪.‬‬ ‫مملكته فبدأ بتطبيق دميقراطي ٍة ديني ٍة كبداي ٍة‬ ‫ٍ‬ ‫‪19‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪4‬‬ ‫محمد شومان‬

‫كل حاولنا جاهدين أن نجد مرب ًرا لهجران سليامن لربه يهوه‪ ،‬وال يستطيع أح ٌد بعد ذلك أن يتهمنا بالتقصري يف‬ ‫عىل ٍّ‬ ‫الدفاع عن موقف سليامن من ربه يهوه‪.‬‬ ‫عقاب من الرب يهوه لعبده املرتد سليامن فقال له‪:‬‬ ‫عىل كلٍ ‪ ،‬كان البد من ٍ‬ ‫ض الَّ ِتي أَ ْو َصيْتُ َك ِب َها‪ ،‬فَ ِإ ِّن أُ َم ِّز ُق الْ َم ْملَ َك َة َع ْن َك تَ ْزِيقًا َوأُ ْع ِطي َها لِ َعبْ ِد َك‪.‬‬ ‫« ِم ْن أَ ْجلِ أَ َّن ذلِ َك ِع ْن َد َك‪َ ،‬ولَ ْم ت َ ْح َف ْظ َع ْه ِدي َوفَ َرائِ ِ َ‬ ‫إِالَّ إِ ِّن الَ أَفْ َع ُل ذلِ َك ِف أَيَّا ِم َك‪ِ ،‬م ْن أَ ْجلِ َدا ُو َد أَب َِيك‪ ،‬بَ ْل ِم ْن يَ ِد ابْ ِن َك أُ َم ِّزقُ َها» (امللوك األول ‪.)11-12 :11‬‬ ‫نالحظ أن اإلله التورايت دامئًا ما يعاقب الشخص‬ ‫الخطأ‪ ،‬فحني يدعي إبراهيم أن سارة أخته‬ ‫يأخذها الفرعون املرصي بحسن ني ٍة ويضمها إىل‬ ‫حرميه فيتجه غضب الرب إىل الفرعون املظلوم‬ ‫وليصيب الغضب اإللهي إبراهيم‪ ،‬ونفس املوقف‬ ‫أيضا‪ ،‬وعندما يزين داود مع‬ ‫يتكرر مع أبياملك ً‬ ‫بثشبع ال يعاقبه الرب بل يعاقب الطفل الربيء‬ ‫أصل باملوت‪ !...‬وكذا عندما يكفر‬ ‫الذي مل يولد ً‬ ‫سليامن يصب يهوه جام غضبه عىل ابنه الربيء‪،‬‬ ‫أما نحن بعقولنا القارصة فال منلك أن نحكم عىل‬ ‫هذه الترصفات الخرقاء بأنها خرقاء بل نكتفي‬ ‫بالقول بأن الفكر البرشي قد يعجز أحيانًا عن فهم الترصفات اإللهية التي هي بالتأكيد صائبة‪ ،‬فاآللهة ال تخطئ طب ًعا‪.‬‬ ‫ومن جهٍة أخرى نجد أنه لوال هذه الترصفات الخرقاء املنسوبة لآللهة ملا كان لوجود الكهنة مربر‪ ،‬فوظيفة الكاهن‬ ‫الثانية‪ -‬قلنا سابقًا أن وظيفته األوىل هي ابتزاز جامهري املؤمنني‪ -‬هي إيجاد تربير ٍ‬ ‫ات لألفعال غري املنطقية التي ترتكبها‬ ‫أساسا أمثال هؤالء اآللهة يف الفكر والضمري البرشي‪.‬‬ ‫اآللهة‪ ،‬فلوال الكهنة ملا ُوجد ً‬ ‫ويف سبيل تنغيص شيخوخة سليامن الحكيم الكافرة‪ ،‬أقام له الرب العديد من األعداء‪ ،‬كان أولهم السيد هدد األدومي‬ ‫الذي ف ّر من مذبح ٍة أقامها امللك داود لقومه وجاء إىل مرص‪:‬‬ ‫يس الْ َملِ َك ِة» (امللوك األول ‪.)19 :11‬‬ ‫«فَ َو َج َد َه َد ُد نِ ْع َم ًة ِف َع ْي َن ْي ِف ْر َع ْو َن ِج ًّدا‪َ ،‬و َز َّو َج ُه أُ ْخ َت ا ْم َرأَتِ ِه‪ ،‬أُ ْخ َت تَ ْح َف ِن َ‬ ‫اسم أقل أهمي ًة وهو اسم تحفنيس امللكة‪-‬‬ ‫أيضا أن كاتب التوراة ال يذكر ً‬ ‫نالحظ هنا ً‬ ‫أيضا اسم فرعون‪ ،‬يف حني يذكر ً‬ ‫باملناسبة ال توجد ملك ٌة فرعوني ٌة بهذا االسم عىل اإلطالق‪ -‬وعندما سمع هدد أن داود قد مات عاد إىل أرضه ملحاربة‬ ‫سليامن‪ ،‬وإذا أضفنا ملشكلة السيد هدد متر ًدا آخر قام به املدعو رزون بن أليداع‪ ،‬وثور ًة أخرى بقيادة يربعام عبد‬ ‫‪20‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪4‬‬ ‫محمد شومان‬

‫سليامن الذي هدد يهوه سليامن بأن يعطي اململكة لعبده‪:‬‬ ‫ص إِ َل َوفَا ِة ُسلَ ْي َمنَ» (امللوك‬ ‫ص‪َ .‬وكَا َن ِف ِم ْ َ‬ ‫ص إِ َل ِشيشَ َق َملِ ِك ِم ْ َ‬ ‫« َوطَل َ​َب ُسلَ ْي َم ُن قَتْ َل يَ ُربْ َعا َم‪ ،‬فَقَا َم يَ ُربْ َعا ُم َو َه َر َب إِ َل ِم ْ َ‬ ‫األول ‪.)40 :11‬‬ ‫لقد أصبحت مرص ملجأً لكل أعداء سليامن مع أنه كان قد تزوج من ابنة ملك مرص كام تؤكد التوراة‪ ،‬وهو ما يؤكد‬ ‫لنا أن فلسطني يف قمة مجدها كانت مجرد والي ٍة خاضع ٍة للسيادة املرصية‪ ،‬أما شيشق الذي تذكُره التوراة ألول مرة‪،‬‬ ‫فهو عىل ما يبدو امللك شيشنق الليبي مؤسس األرسة الثانية والعرشين التي انتزعت كريس الفرعون من الكهنة الذين‬ ‫انتزعوه بدورهم من الرعامسة‪.‬‬ ‫وأخ ًريا آن لسليامن الحكيم أن يسرتيح من مشاكل أعدائه‬ ‫سالم إىل العامل اآلخر‬ ‫ً‬ ‫وأيضا من واجباته الزوجية فريحل يف ٍ‬ ‫تاركًا لنا السؤال الحائر‪ :‬هل مات سليامن وهو عىل دينٍ غري‬ ‫دين رب الجنود‪ ،‬أم أنه قد تاب عىل فراش املوت؟ إن كان قد‬ ‫تاب وتراجع عن ردته فهذا هو املعقول واملتوقع منه كنبي‪،‬‬ ‫أما إن كان الفرض اآلخر –كام تخربنا التوراة ‪ -‬إذن فنحن أمام‬ ‫مأزقٍ كهنو ٍّيت حر ٍج إذ كيف ميكن لنبي أن ميوت عىل الكفر‪،‬‬ ‫أيضا‬ ‫فام بالك إذا كان هذا امللك قد أويت الحكمة مع النبوة ً‬ ‫إىل درجة أن حكمته قد فاقت حكمة كلكول ودردع شخص ًيا‪،‬‬ ‫مام قد يدفع ببعض ضعاف النفوس إىل الظن اآلثم بأن حكمة سليامن هي التي دفعته إىل اإلميان بتعدد اآللهة‪ ،‬وهناك‬ ‫بع ٌد آخر للمسألة وهو أن النبي سليامن ليس فقط أحكم أهل عرصه بل هو الجد األعظم للمسيح‪ ،‬فإذا كنا قد تغاضينا‬ ‫عن رشعية زواج أمه الفاضلة بثشبع من والده الطاهر داود‪ ،‬إال أننا ال نستطيع تجاهل إتّهام التوراة له بالكفر واملوت‬ ‫عىل اعتقا ٍد خاطئ‪ ،‬فهذا املنبع البد وأن يتسم بالطهر حتى يتسنى للمسيح عيىس أن يخرج من أكرث الينابيع طهارةً‪!..‬‬ ‫ومبوت سليامن ينتهي العرص الذهبي للدين والدولة اليهودية‪ ،‬وتبدأ اململكة يف االنقسام ما بني رحبعام بن سليامن‬ ‫الوريث الرشعي للمملكة وبني يربعام الذي كان متمر ًدا عىل السلطة منذ عهد سليامن‪ ،‬ونكتشف من سياق األحداث‬ ‫التوراتية املقدسة أن الشعب كان يعيش يف ٍ‬ ‫كبت تحت سلطة سليامن الحكيم‪ ،‬وأنه كان ينئ من وطأة الرضائب التي‬ ‫كان يحملها له‪ ،‬فقد ذهب الشعب إىل رحبعام قائلني له‪:‬‬ ‫ِّف اآل َن ِم ْن ُع ُبو ِديَّ ِة أَب َِيك الْق ِ‬ ‫«إِ َّن أَبَ َاك ق ََّس نِ َرينَا‪َ ،‬وأَ َّما أَنْ َت فَ َخف ِ‬ ‫َاس َي ِة‪َ ،‬و ِم ْن نِريِ ِه الثَّ ِقيلِ ال َِّذي َج َعلَ ُه َعلَ ْي َنا‪ ،‬فَ َن ْخ ِد َم َك»‬ ‫(امللوك األول ‪.)4 :12‬‬ ‫‪21‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪4‬‬ ‫محمد شومان‬

‫إذن فام إن وارى جثامن امللك الحكيم الرتاب حتى‬ ‫ذم فيه شعبه واشتكوا من ظلمه لهم وطلبوا من‬ ‫ابنه أن يخفف عنهم ظلم أبيه الراحل‪ ،‬ولكن الشاب‬ ‫املتهور يرفض إنصاف الشعب املقهور فينفض عنه‪،‬‬ ‫وبالتايل انقسمت اململكة إىل مملكتني‪ ،‬يهوذا يف‬ ‫الجنوب والسامرة يف الشامل‪ ،‬فتبع رحبعام بن‬ ‫سليامن سبط َْي يهوذا وبنيامني وأقاموا عاصم ًة لهم‬ ‫يف أورشليم‪ ،‬بينام تجمعت باقي األسباط يف السامرة‬ ‫وتسمت باسم إرسائيل تحت قيادة يربعام عبد‬ ‫سليامن املتمرد‪ ،‬وبالطبع قامت الحروب بينهام‪،‬‬ ‫ويستغل شيشنق ملك مرص الليبي هذا النزاع‬ ‫ويصعد إىل أورشليم ويجرد هيكل سليامن من كل‬ ‫ما فيه من كنوز‪ ،‬ويبسط سيطرته عىل إرسائيل ثاني ًة‪.‬‬

‫ﺑﺤةة ﻃﱪﻳﺎ‬

‫ﻳَ ُﺮﺑْ َﻌﺎ َم‬ ‫َر ُﺣ ْﺒﻌﺎم‬

‫دان‬

‫إﴎاﺋﻴﻞ‬

‫اﻟﺒﺤﺮ اﳌﺘﻮﺳﻂ‬

‫ﺑﻴﺖ إﻳﻞ‬

‫اﻟﺒﺤﺮ اﳌﻴﺖ‬

‫أورﺷﻠﻴﻢ‬

‫ﻳﻬﻮدا‬

‫ص إِ َل أُو ُرشَ لِي َم‪َ ،‬وأَ َخ َذ َخ َزائِ َن بَيْ ِت ال َّر ِّب َو َخ َزائِ َن بَيْ ِت الْ َملِ ِك‪،‬‬ ‫« َو ِف َّ‬ ‫الس َن ِة الْ َخا ِم َس ِة لِلْ َملِ ِك َر ُحبْ َعا َم‪َ ،‬ص ِع َد ِشيشَ ُق َملِ ُك ِم ْ َ‬ ‫ش ٍء‪َ .‬وأَ َخ َذ َج ِمي َع أَت ْ َر ِاس ال َّذ َه ِب الَّ ِتي َع ِملَ َها ُسلَ ْي َمنُ» (امللوك األول ‪.)25 :14‬‬ ‫َوأَ َخ َذ ك َُّل َ ْ‬ ‫ويدلنا هذا عىل مدى تهافت الدولة التي كان عىل رأسها حكيمنا سليامن‪ ،‬فهذه اإلمرباطورية التي يحاول الكهنة إقناعنا‬ ‫بعظمتها كانت مجرد والي ٍة خاضع ٍة لسلطة ملك مرص‪ ،‬وما كان سليامن يف قمة مجده إال مجرد وا ٍل عىل فلسطني تحت‬ ‫السيادة املرصية‪ ،‬ومبوت سليامن تنهار اململكة متا ًما وكأنها مل تكن‪.‬‬ ‫ولنا هنا وقف ٌة مع حكاية سليامن يف األديان الساموية‪ ،‬فاليهود يرون أنه أعظم امللوك وأحكم الحكامء كام سبق ورأينا‪،‬‬ ‫وبالطبع يوافق املسيحيون عىل مجمل الرتاث اليهودي ألن الديانة املسيحية هي امتدا ٌد‪ -‬حتى وإن كان غري رشعي‪-‬‬ ‫للديانة اليهودية‪ ،‬ولكن موقف اإلسالم من هذه القصة يحمل بعض الغرابة‪ ،‬فسليامن يف الفكر اإلسالمي قد امتلك ُملكًا‬ ‫أول‪ ،‬وثانيًا أن سبب هذا امللك وهذه العظمة هو ببساط ٍة «العفاريت»‪ !...‬نعم‬ ‫مل يحرزه أح ٌد من قبله وال من بعده‪ ،‬هذا ً‬ ‫العفاريت كام يرى الرتاث اإلسالمي هي التي أعطت لسليامن قواه الخارقة التي أخضع بها العامل‪ ،‬وباإلضافة للعفاريت‬ ‫أيضا التي كان سليامن يفهم لغتها‪ !...‬وفوق العفاريت والطيور كانت هناك الريح التي‬ ‫السليامنية كانت هناك الطيور ً‬ ‫تخضع لحكم النبي سليامن فريسلها إىل حيث شاء‪ !...‬فإذا ما رجعنا للتاريخ ووجدنا أن سليامن مل يستطع حتى أن يخضع‬ ‫دولة فلسطني بأكملها كام سبق ووضحنا‪ ،‬وحتى حني بدأت بعثات التنقيب املسيحية اليهودية تبحث يف منطقة فلسطني‬ ‫مذهل وهو أن مدينة أورشليم يف القرن العارش قبل امليالد كانت مجرد قري ٍة صغري ٍة ال تزيد‬ ‫ً‬ ‫فإنها اكتشفت اكتشافًا‬ ‫‪22‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪4‬‬ ‫محمد شومان‬

‫عىل أربع أو خمس هكتارات‪ ،‬أي أنها ال تسع سوى حوايل ألفي نسم ٍة عىل أقىص تقدير‪،‬‬ ‫وهو ما وضع الكهنة يف مأزق‪ ،‬فكون العاصمة بأكملها ال تسع إال ألفي نسم ٍة فهذا يعني‬ ‫يل ال يتمتع بأي نفو ٍذ خارجي‪،‬‬ ‫أن سليامن يف قمة مجده مل يكن أكرث من شيخ قبيل ٍة مح ٍّ‬ ‫أما ملاذا نقول أنه ال يتمتع بأي نفو ٍذ خارجي‪ ،‬فألننا مل نجد له أي ذك ٍر وال مر ٍ‬ ‫اسالت مع‬ ‫ملوك الدول املجاورة‪ ،‬باإلضافة إيل أننا مل نجد نقشً ا واح ًدا يحمل اسم أعظم ملوك األرض‬ ‫قاطب ًة‪ ،‬كام أن الدولة اإلرسائيلية الحالية قد قامت ومنذ أكرث من خمسني عا ًما بالتنقيب‬ ‫يف كل ش ٍرب من مدينة أورشليم للبحث عن بقايا الهيكل الجبار‪ ،‬ولكنهم لألسف مل يجدو‬ ‫يل شهريٍ هو «زئيف هريتزوغ» إىل الترصيح‬ ‫شيئًا حتى اآلن‪ ،‬وهو ما دفع بعامل آثا ٍر إرسائي ٍّ‬ ‫زئيڤ هرتزوغ‬ ‫بالقول‪:‬‬ ‫مختلق ونحن مل‬ ‫«إن الحفريات املكثفة يف أرض إرسائيل خالل القرن العرشين قد أوصلتنا إىل نتائج محبطة‪ ،‬كل يش ٍء‬ ‫ٌ‬ ‫نعرث عىل أي يش ٍء يتفق والرواية التوراتية‪ ،‬كام أن قصص اآلباء يف سفر التكوين هي مجرد أساطريٍ ونحن مل نهبط إىل‬ ‫مرص ومل نخرج منها‪ .‬مل نتُه يف صحراء سيناء ومل ندخل فلسطني بحمل ٍة عسكري ٍة صاعقة‪ .‬وأصعب هذه األمور أن اململكة‬ ‫املوحدة لـ (داوود وسليامن) كانت يف أفضل األحوال إن ُوجدت فهي مملك ٌة قبلي ٌة صغرية (مملكة املدينة)‪ .‬كام أن‬ ‫القلق سينتاب كل من يعرف أن يهوه إله إرسائيل كان متزو ًجا من اإللهة الكنعانية عشرية‪ .‬وأن إرسائيل مل تت َّنب عقيدة‬ ‫التوحيد عىل جبل سيناء وإمنا يف أواخر عهد ملوك يهوذا‪ ،‬أي حوايل (‪ 600‬ق‪.‬م) ‪ ...‬أين أدرك باعتباري واح ًدا من أبناء‬ ‫الشعب اليهودي وتلميذًا للمدرسة التوراتية‪ ،‬مدى اإلحباط الناجم عن الهوة بني آمالنا وبني الواقع وإين ألحس بثقل هذا‬ ‫ٍ‬ ‫االعرتاف عىل كاهيل ولكني ملتز ٌم باألخذ بعني االعتبار ما توصل إليه زماليئ من ٍ‬ ‫نقد وتفسريٍ‬ ‫جديد للوقائع»‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫موقف ال نُحسد عليه‪ ،‬يجعلنا نقع يف رصا ٍع بني معتقداتنا الدينية وبني معطياتنا التاريخية‪ ،‬وألننا نؤمن‬ ‫ونحن هنا أمام‬ ‫بالعقل كام سبق وادعينا ونؤمن كذلك بالدين كام سبق وأكدنا‪ ،‬لذا فإننا نضع هذا التساؤل بكل براء ٍة أمام كهنة جميع‬ ‫األديان‪ :‬أفيدونا أفادكم الله‪ ..‬أين سليامن الحكيم يف وسط هذا اللغط املقدس‪ ،‬هل كان سليامن الحكيم ملكًا ونبيًا حاز‬ ‫عىل ٍ‬ ‫ملك مل يحرزه أح ٌد من قبل وال من بعد؟ أم أنه كان مجرد شيخ قبيل ٍة حقري ٍة مل يلتفت إليها التاريخ لهوان شأنها؟‬ ‫نعلم طب ًعا أن الكهنة يعرفون اإلجابة عن جميع األسئلة حتى فيام ليس بوار ٍد يف تورا ٍة أو إنجيل أو قرآن‪ ،‬وبالتايل فنحن‬ ‫ال نتوقع منهم الجواب الشايف‪ ،‬ومن هنا فنحن نضع تساؤالتنا أمام العقول التي تبحث عن الحقيقة املجردة‪ ،‬وال ن ّدعي‬ ‫أننا نعرف الجواب‪ ،‬بل باألحرى ندعي بأننا من الباحثني عن الجواب‪!...‬‬ ‫ونعود اآلن إىل يربعام الذي أعطاه يهوه نصف مملكة سليامن لنجد أنه كان ناك ًرا لجميل الرب‪ ،‬وكانت وجهة نظره أن‬ ‫عبادة العجل خ ٌري له ولشعبه من عبادة يهوه‪:‬‬ ‫‪23‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪4‬‬ ‫محمد شومان‬

‫ل َذ َه ٍب‪َ ،‬وق َ​َال لَ ُه ْم‪ :‬كَ ِث ٌري َعلَ ْي ُك ْم أَ ْن ت َْص َع ُدوا‬ ‫« َو َع ِم َل ِع ْج َ ْ‬ ‫سائِ ُيل ال َِّذي َن أَ ْص َع ُد َوك‬ ‫إِ َل أُو ُرشَ لِي َم‪ُ .‬ه َوذَا آلِ َهتُ َك يَا إِ ْ َ‬ ‫ص» (امللوك األول ‪.)28 :12‬‬ ‫ِم ْن أَ ْر ِض ِم ْ َ‬ ‫وهكذا ارتد معظم الشعب لعبادة العجل املرصي الشهري‬ ‫لنتأكد فقر ًة بعد أخرى من أن التوحيد مل يعرف طريقه‬ ‫يوم من األيام‪ ،‬مام يدفعنا‬ ‫إىل عقل الشعب املختار يف ٍ‬ ‫إىل التساؤل عن سبب اصطفاء الشعب املختار‪...‬؟‬

‫السفر الخامس والعرشون‪ :‬إيليا‬ ‫يف خالل نصف قرنٍ من انقسام اململكة السليامنية كان الشعب بأكمله تقري ًبا قد ارتد عن العبادة اليهوية إىل عبادة‬ ‫آله ٍة أخرى‪ ،‬وألن يهوه كان قد اختار الشعب املختار ليكون هو قبلة اإلميان ومركز الرساالت‪ ،‬فيبدو أنه قد أساء االختيار‬ ‫وندم عىل ذلك يف قلبه‪ ،‬ولكنه مل يشأ أن يعلن ذلك عىل املأل حتى ال يتهمه املالحدة بالخرف‪ ،‬لذا فقد قرر يهوه إرسال‬ ‫فضله بسف ٍه عىل العاملني‪ ،‬هذا النبي هو إيليا الشهري يف الرتاث الديني مبعجزاته‬ ‫نبي كبريٍ لهداية شعبه الحبيب الذي ّ‬ ‫ٍّ‬ ‫الغريبة واملتفردة‪.‬‬ ‫وطفولة وشباب هذا النبي غري معروف ٍة لنا‪ ،‬وهي عادة معظم األنبياء‪ ،‬إما أن تكون نشأتهم غامض ًة أو أسطوري ًة‪ ،‬ولنا‬ ‫ٍ‬ ‫ومحمد أسو ٌة حسنة‪ ،‬املهم أنه يف حوايل سنة ‪ 875‬قبل امليالد ظهر النبي إيليا التشبي يف السامرة عاصمة دولة‬ ‫يف يسوع‬ ‫إرسائيل التي كان يحكمها امللك آخاب الشهري زوج السيدة إيزابل األشهر‪ ،‬وكان آخاب قد صاهر أتبعل ملك صيدون‬ ‫الوثني وتزوج من ابنته الوثنية إيزابيل‪ ،‬التي جاءت ململكة إرسائيل ومعها آلهتها الوثنية وعىل رأسهم اإلله األكرب «بعل»‪،‬‬ ‫واقتدا ًء بسنة سلفه سليامن الحكيم مل ي َر آخاب مان ًعا من إحضار اآللهة الغريبة ململكته إرضا ًء للسيدة األوىل‪ ،‬وهنا‬ ‫جاء دور النبي إيليا الذي وقف أمام امللك بكل شجاع ٍة معل ًنا أن السامء لن متطر حتى يسمح لها إيليا شخص ًيا بذلك‪:‬‬ ‫ْت أَ َما َم ُه‪ ،‬إِنَّ ُه الَ يَكُو ُن ط ٌَّل َوالَ‬ ‫سائِ َيل ال َِّذي َوقَف ُ‬ ‫« َوق َ​َال إِيلِ َّيا التِّشْ ب ُِّي ِم ْن ُم ْستَ ْو ِط ِني ِجلْ َعا َد ألَ ْخ َ‬ ‫آب‪َ :‬ح ٌّي ُه َو ال َّر ُّب إِل ُه إِ ْ َ‬ ‫َمطَ ٌر ِف ِ‬ ‫الس ِن َني إِالَّ ِع ْن َد قَ ْو ِل» (امللوك األول ‪.)1 :17‬‬ ‫هذ ِه ِّ‬ ‫ال منلك أنفسنا من اإلعجاب بشجاعة هذا النبي الذي يواجه امللك بشجاع ٍة ليعلن بأن إله إرسائيل مازال عىل قيد الحياة‪،‬‬ ‫وأنه يشعر بالغرية من منافسه اإلله بعل‪ ،‬وأنه أرسله شخصيًا ليبرش امللك املارق بالجدب‪ ،‬فاملطر لن يهطل عىل اململكة‬ ‫ٍ‬ ‫سنوات ونصف‪.‬‬ ‫ملدة ثالث‬ ‫‪24‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪4‬‬ ‫محمد شومان‬

‫وبعد أن نقل إيليا هذا التهديد للملك أمره الرب باالختباء‪:‬‬ ‫ش َب ِم َن ال َّن ْهرِ‪َ .‬وقَ ْد أَ َم ْرتُ‬ ‫«انْطَلِ ْق ِم ْن ُه َنا َواتَّ ِج ْه نَ ْح َو الْ َم ْ ِ‬ ‫شقِ ‪َ ،‬وا ْختَب ِْئ ِع ْن َد نَ ْه ِر كَرِيثَ ال َِّذي ُه َو ُمقَاب ُِل األُ ْر ُدنِّ‪ ،‬فَتَ ْ َ‬ ‫الْ ِغ ْربَا َن أَ ْن تَ ُعول َ​َك ُه َن َاك» (امللوك األول ‪.)3-4 :17‬‬ ‫أنبياء الله الصالحني ال يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون‪ ،‬ويص ّدقون ربهم يف كل ما يقوله لهم مهام كان شاذًا‬ ‫وبعي ًدا عن املنطق‪ ،‬وهكذا انطلق إيليا إىل النهر مصدقًا كلامت ربه الذي مل يخلف وعده‪ ،‬فأرسل له بالفعل الغربان‬ ‫تحمل له وجبتني يوم ًيا‪ ،‬واحد ٌة يف الصباح‬ ‫واألخرى يف املساء‪ ،‬وكان األكل عبار ًة عن خبٍز‬ ‫ولحم‪ ،‬أما الرشب فمن مياه النهر مبارشةً‪،‬‬ ‫يا لها من حيا ٍة رغد ٍة عاشها رجل الله إيليا‬ ‫مبساعدة غربان الرب‪ ،‬قد يخطر ببال أحدهم‬ ‫أن يسأل إن كانت الغربان ترسق هذا الطعام‬ ‫أم كانت تُحرضه من السامء‪ ،‬وهل كان الطعام‬ ‫يصل ساخ ًنا أم بار ًدا‪ ،‬وهل كانت تحمل قطع‬ ‫اللحم بني أسنانها أم أنه كان ملفوفًا يف ورقٍ‬ ‫من الفويل‪ ،‬ولكن ما يهم يف املوضوع أن‬ ‫رجل الله مبساعدة غربان الرب قد عاش عدة‬ ‫أشه ٍر عىل ضفاف النهر ومل يشعر بالجوع وال‬ ‫بالعطش‪ ،‬ولكن األيام الجميلة متر رسا ًعا كام نعلم جمي ًعا‪ ،‬فبدأ النهر ييبس من قلة األمطار‪ ،‬وبدأ رجل الله يشعر‬ ‫قائل‪:‬‬ ‫بالقلق‪ ،‬ولكن يهوه الرحيم ال ينىس رجاله‪ ،‬فأم َره ً‬ ‫صفَ َة الَّ ِتي لِ ِصي ُدو َن َوأَ ِق ْم ُه َن َاك‪ُ .‬ه َوذَا قَ ْد أَ َم ْرتُ ُه َن َاك ا ْم َرأَ ًة أَ ْر َملَ ًة أَ ْن تَ ُعول َ​َك» (امللوك األول ‪.)9 :17‬‬ ‫«ق ُِم ا ْذ َه ْب إِ َل ِ ْ‬ ‫عاقل محرت ٌم أن تعوله امرأة؟ ولكننا نفحمه بالقول بأن أنبياء‬ ‫رجل بال ٌغ ٌ‬ ‫قد يتساءل ضعيفو اإلميان واملالحدة كيف يقبل ٌ‬ ‫الله ليسوا كباقي البرش‪ ،‬فليك يتفرغ النبي للدعوة إىل الله فالبد وأن يعوله أحد‪ ،‬سوا ٌء كان هذا األحد غرابًا أو أرمل ًة‪،‬‬ ‫وباملثل كهنة األديان‪ ،‬فليك يتفرغوا لدراسة حياة أنبياء الله فالبد لنا من إعالتهم‪ ،‬ليس معاذ الله ألنهم زائدون عن‬ ‫الحاجة وال معنى لحياتهم‪ ،‬بل عىل العكس‪ ،‬ألن بتفرغهم للدرس يدركون ما غمض علينا من الرغبات اإللهية فيرتجموها‬ ‫ألوامر منسوب ٍة للقوى العليا‪ ،‬وبالتايل يفتحون أمامنا أبواب الجنة‪ ،‬بارك الله فيهم ولهم وعليهم وجعلهم دو ًما عال ًة عىل‬ ‫اآلخرين‪.‬‬ ‫‪25‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪4‬‬ ‫محمد شومان‬

‫املهم أن نبينا املبجل قد عاش عال ًة عىل هذه األرملة وابنها الصغري ملدة شهو ٍر إىل أن كافأها يهوه الرحيم مبوت ابنها‪،‬‬ ‫وهو ٌ‬ ‫قائل‪:‬‬ ‫أخالقي أو حتى نفعي‪ ،‬وهنا انفجر غضب إيليا ووبخ الرب ً‬ ‫فكري أو‬ ‫حقي عىل أي مست ًوى‬ ‫ٍّ‬ ‫ترصف ٌ‬ ‫ٍّ‬ ‫«أَيُّ َها ال َّر ُّب إِلهِي‪ ،‬أَأَيْ ًضا إِ َل األَ ْر َملَ ِة الَّ ِتي أَنَا نَاز ٌِل ِع ْن َد َها قَ ْد أَ َسأْتَ ِب ِإ َماتَ ِت َك ابْ َن َها؟» (امللوك األول ‪.)20 :17‬‬ ‫مل تخربنا التوراة لألسف عن األخطاء السابقة التي وقع‬ ‫فيها يهوه حتى يصغر يف عيني إيليا إىل هذا الحد‪،‬‬ ‫ويوبخه بأن أخطاءه قد زادت عن الحد حتى وصلت‬ ‫لألرملة التي تعوله‪ ،‬وال يجد نبينا املبجل ب ًدا من‬ ‫إصالح غلطة الرب الطائش فيعيد الحياة إىل الطفل‬ ‫مر ًة أخرى‪ ،‬ليصبح أول من أحيا املوىت يف التاريخ‬ ‫الديني الرسمي‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ونصف من الجفاف تأيت اللحظة‬ ‫سنوات‬ ‫وبعد ثالث‬ ‫الحاسمة حيث يأمر يهوه َرجله بالذهاب إىل السامرة‬ ‫كنبي‬ ‫حتى يُظهر ق ّوته من خالله‪ ،‬وبالفعل يذهب إيليا ليجد أن الشعب كله قد ارتد عن عبادة يهوه ومل يبق سواه ٍّ‬ ‫عادل‪:‬‬ ‫عرضا ً‬ ‫للرب‪ ،‬فعرض عىل الشعب ً‬ ‫يت نَ ِبيًّا لِل َّر ِّب َو ْح ِدي‪َ ،‬وأَنْ ِبيَا ُء الْبَ ْعلِ أَ ْربَ ُع ِمئَ ٍة َو َخ ْم ُسو َن َر ُج ًل‪ .‬فَلْيُ ْعطُونَا ث َ ْو َريْنِ ‪ ،‬فَيَ ْختَا ُروا ألَنْف ُِس ِه ْم ث َ ْو ًرا َو ِ‬ ‫اح ًدا‬ ‫«أَنَا بَ ِق ُ‬ ‫َويُ َقطِّ ُعو ُه َويَ َض ُعو ُه َع َل الْ َحط َِب‪َ ،‬ول ِك ْن الَ يَ َض ُعوا نَا ًرا‪.‬‬ ‫َوأَنَا أُقَ ِّر ُب الثَّ ْو َر اآل َخ َر َوأَ ْج َعلُ ُه َع َل الْ َحط َِب‪َ ،‬ول ِك ْن الَ‬ ‫أَ َض ُع نَا ًرا‪ .‬ث ُ َّم تَ ْد ُعو َن ب ِْاس ِم آلِ َه ِت ُك ْم َوأَنَا أَ ْد ُعو ب ِْاس ِم ال َّر ِّب‪.‬‬ ‫اب َج ِمي ُع الشَّ ْع ِب‬ ‫ِيب ِب َنا ٍر فَ ُه َو الل ُه‪ .‬فَأَ َج َ‬ ‫َوا ِإلل ُه ال َِّذي يُج ُ‬ ‫َوقَالُوا‪ :‬الْ َكالَ ُم َح َس ٌن» (امللوك األول ‪.)22-24 :18‬‬ ‫وبالفعل تهبط نا ٌر من السامء لتلحس ذبيحة إيليا‪ ،‬بينام‬ ‫يفشل أنبياء البعل يف استدعاء نار بعلهم‪ ،‬رغم أنهم‬ ‫رقصوا بحرار ٍة من الصباح وحتى الظهرية‪ ،‬وهنا انتقم‬ ‫منهم إيليا مبساعدة الشعب‪ ،‬فقتل األربعامئة وخمسني‬ ‫‪26‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪4‬‬ ‫محمد شومان‬

‫مجذوبًا هذا يف ساع ٍة واحدة‪ ،‬مع أنهم كانوا يستحقون دخول دا ٍر ملعالجة املعاقني ذهن ًيا‪:‬‬ ‫«فَق َ​َال لَ ُه ْم إِيلِيَّا‪ :‬أَ ْم ِسكُوا أَنْ ِبيَا َء الْبَ ْعلِ َوالَ يُ ْفلِ ْت ِم ْن ُه ْم َر ُج ٌل‪ .‬فَأَ ْم َسكُو ُه ْم‪ ،‬فَ َن َز َل ِب ِه ْم إِيلِيَّا إِ َل نَ ْه ِر ِقيشُ و َن َو َذبَ َح ُه ْم ُه َن َاك»‬ ‫(امللوك األول ‪.)40 :18‬‬ ‫رجل إمنا هو مذبح ٌة مبعنى الكلمة‪ ،‬ولن نقول أن هوالكو شخص ًيا مل يذبح بيده‬ ‫لن نقول أن ذبْح أربعامئ ٍة وخمسني ً‬ ‫ٍ‬ ‫شخصا‪ ،‬ولن نتعجب من قدرة رجلٍ‬ ‫واحد عىل ذبح قطيعٍ بهذا الحجم يف بضع ساعات‪،‬‬ ‫الطاهرة أربعامئة وخمسني‬ ‫ً‬ ‫أصل‪.‬‬ ‫رجل يذبح بيده هذا العدد من البرش ميتلك وال بد قلًبًا حديديًا‪ ،‬هذا إذا كان له هذا العضو ً‬ ‫ولكننا سنقول أن ً‬ ‫وهكذا أثبت إيليا شجاعته وجربوته أمام أنبياء‬ ‫البعل‪ ،‬ولكن السيدة األوىل إيزابل ملا سمعت مبا‬ ‫حدث أرسلت تهدي ًدا للنبي الجبار قائل ًة‪:‬‬ ‫«ه َكذَا تَ ْف َع ُل اآللِ َه ُة َوه َكذَا تَزِي ُد‪ِ ،‬إ ْن لَ ْم أَ ْج َع ْل‬ ‫نَف َْس َك كَ َنف ِْس َو ِ‬ ‫اح ٍد ِم ْن ُه ْم ِف نَ ْح ِو هذَا الْ َوق ِْت َغ ًدا»‬ ‫(امللوك األول ‪.)2 :19‬‬ ‫كامل‬ ‫وكان هذا إنذا ًرا غبيًا من إيزابيل أن متنحه يو ًما ً‬ ‫قبل أن تنتقم منه‪ ،‬وكان املنتظر من النبي الجبار‬ ‫قائل‪ :‬الرب راعي فال‬ ‫صاحب القلب الحديدي واليد الدموية أن يبتسم يف سخري ٍة من هذا التهديد األجوف ويرد عليها ً‬ ‫ٍ‬ ‫ساعات وقتل املئات يف لحظة‪ ،‬إذا به يتحول إىل فأ ٍر جبانٍ ويفر هاربًا‬ ‫يخ ّوفني يشء‪ ،‬ولكن النبي الذي كان جبا ًرا منذ‬ ‫من إيزابل‪ ،‬وينىس يهوه والشعب والرسالة وال يفكر إال يف حياته‪!...‬‬ ‫يوم ميرض امللك‬ ‫ولكن يهوه يتدخل وميوت امللك املارق وزوجته كذلك ويتوىل ابنهام أخزيا عرش اململكة‪ ،‬ويف ذات ٍ‬ ‫رجل إلحضار نبي الله ليشفيه‪ ،‬وبالفعل تذهب الكتيبة إىل الجبل إىل حيث يسكن رجل الله‬ ‫الجديد فريسل خمسني ً‬ ‫قائل‪:‬‬ ‫ويناديه القائد ً‬ ‫«يَا َر ُج َل الل ِه‪ ،‬الْ َملِ ُك يَق ُ‬ ‫الس َم ِء َوتَأْكُل َْك‬ ‫ِيس الْ َخ ْم ِس َني‪ :‬إِ ْن كُ ْن ُت أَنَا َر ُج َل الل ِه‪ ،‬فَلْتَ ْنز ِْل نَا ٌر ِم َن َّ‬ ‫ُول انْز ِْل‪ .‬فَأَ َج َ‬ ‫اب إِيلِيَّا َوق َ​َال لِ َرئ َ‬ ‫الس َم ِء َوأَكَلَتْ ُه ُه َو َوالْ َخ ْم ِس َني ال َِّذي َن لَ ُه» (امللوك الثاين ‪.)9 :1‬‬ ‫أَنْ َت َوالْ َخ ْم ِس َني ال َِّذي َن ل َ​َك‪ .‬فَ َن َزل َْت نَا ٌر ِم َن َّ‬ ‫‪27‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪4‬‬ ‫محمد شومان‬

‫قتيل تحرقهم نار الرب ألن قائدهم ناداه‬ ‫قتيل مل يفعلوا شيئًا سوى أنهم رسل امللك للنبي‪ ،‬خمسون ً‬ ‫يا للهول‪ ،‬خمسون ً‬ ‫قتيل ليثبت لهم أنه بالفعل رجل الله؟‬ ‫قائل‪ :‬يا رجل الله‪ ،‬خمسون ً‬ ‫ً‬ ‫رجل مر ًة ثالث ًة‪،‬‬ ‫أيضا‪ ،‬فريسل خمسني ً‬ ‫ولكن امللك املريض ال ييأس فريسل خمسني ً‬ ‫رجل آخرين ليقتلهم رجل الرب ً‬ ‫فيذهب أخ ًريا معهم نبينا املبجل بعد أن سجل إمثه يف دفرت املعجزات اليهوية الوحشية‪.‬‬ ‫وأخ ًريا يقرر نبينا املبجل أن يرحل عن عاملنا بعد أن اختار نب ًيا آخر ليخلفه‪ ،‬هو النبي الشهري «إليشع»‪ ،‬ولكن الرب يختار‬ ‫حي مل ميت بل صعد إىل سامء الرب أمام عيني تلميذه‪:‬‬ ‫له نهاي ًة مختلف ًة‪ ،‬فإيليا ٌ‬ ‫الس َم ِء‪َ .‬وكَا َن‬ ‫« َو ِف َ‬ ‫يم ُه َم يَ ِس َريانِ َويَتَ َكل َ​َّمنِ إِذَا َم ْركَ َب ٌة ِم ْن نَا ٍر َو َخ ْي ٌل ِم ْن نَا ٍر ف َ​َصل َْت بَ ْي َن ُه َم‪ ،‬ف َ​َص ِع َد إِيلِ َّيا ِف الْ َع ِاص َف ِة إِ َل َّ‬ ‫سائِ َيل َوفُ ْر َسانَ َها» (امللوك الثاين ‪.)11-12 :2‬‬ ‫صخُ‪ :‬يَا أَ ِب‪ ،‬يَا أَ ِب‪َ ،‬م ْركَبَ َة إِ ْ َ‬ ‫أَلِيشَ ُع يَ َرى َو ُه َو يَ ْ ُ‬ ‫قد يتساءل ضعاف اإلميان واملالحدة عن كيفية ركوب‬ ‫النبي إيليا يف مركب ٍة من نار‪ ،‬لكونها قد تحرق مؤخرته‬ ‫عىل األقل‪ ،‬ولكننا نلجمهم بالقول بأن النار الساموية‬ ‫اليهوية قد تكون غري النار األرضية التي نعرفها‪ ،‬أو رمبا‬ ‫تحسب يهوه لهذ املوقف فصنع ل َرجله إيليا مؤخر ًة ال‬ ‫ّ‬ ‫تتأثر بالنريان‪.‬‬ ‫وهكذا صعد إيل ًيا ح ًيا إىل سامء الرب مام دفع باليهود‬ ‫إىل اإلميان بعودته ثاني ٍة كمقدم ٍة للمسيح املخلّص‪ ،‬أي‬ ‫أن من عالمات ظهور املسيح هي رجوع إيليا ثاني ًة ليبرش‬ ‫بعودته‪.‬‬ ‫ُوب َويُو َح َّنا أَ َخا ُه َو َص ِع َد ِب ِه ْم إِ َل َج َبل َعال ُم ْن َف ِر ِدي َن‪َ .‬وتَ َغ َّ َيتْ َه ْيئَتُ ُه قُ َّدا َم ُه ْم‪،‬‬ ‫« َوبَ ْع َد ِستَّ ِة أَيَّ ٍام أَ َخ َذ يَ ُسو ُع بُطْ ُر َس َويَ ْعق َ‬ ‫وس َوإِيلِيَّا قَ ْد ظَ َه َرا لَ ُه ْم يَتَ َكل َ​َّمنِ َم َع ُه» (متّى ‪.)3-1 :17‬‬ ‫َوأَ َضا َء َو ْج ُه ُه كَالشَّ ْم ِس‪َ ،‬و َصا َرتْ ثِيَابُ ُه بَيْ َضا َء كَال ُّنورِ‪َ .‬وإِذَا ُم َ‬

‫‪28‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪4‬‬ ‫محمد شومان‬

‫السفر السادس والعرشون‪ :‬النبي األقرع‬ ‫بصعود إيليا حيًا إىل السامء يخلو منصب النبي فيشغله‬ ‫خادمه إليشع‪ ،‬ويبدأ خدمته مبعجز ٍة عظيم ٍة وهي‬ ‫شق البحر مثله مثل موىس النبي‪ ،‬ويشفي املرىض مثل‬ ‫املسيح‪ ،‬ويعيش عال ًة عىل امرأ ٍة مثل أستاذه إيليا‪،‬‬ ‫ويتخذ خاد ًما خصوص ًيا يصبح خائ ًنا له مثل يهوذا هو‬ ‫جيحزي‪ ،‬وتستضيفه يف منزلها العامر شاب ٌة ثري ٌة متزوج ٌة‬ ‫من كهلٍ غري قاد ٍر عىل اإلنجاب‪ ،‬فيحاول أن يرد لها‬ ‫قائل‪:‬‬ ‫الجميل فيسألها ً‬ ‫«ق َِد انْ َز َع ْج ِت ب َِس َب ِب َنا ك َُّل هذَا االنْ ِز َعا ِج‪ ،‬ف َ​َمذَا يُ ْص َن ُع ل َِك؟ َه ْل ل َِك َما يُتَ َكلَّ ُم ِب ِه إِ َل الْ َملِ ِك أَ ْو إِ َل َرئِ ِ‬ ‫يس الْ َج ْي ِش؟ فَقَال َْت‪:‬‬ ‫إِنَّ َا أَنَا َساكِ َن ٌة ِف َو ْس ِط شَ ْعبِي‪ .‬ث ُ َّم ق َ​َال‪ :‬ف َ​َمذَا يُ ْص َن ُع لَ َها؟ فَق َ​َال جِي ْحزِي‪ :‬إِنَّ ُه لَيْ َس لَ َها ابْ ٌن‪َ ،‬و َر ُجلُ َها قَ ْد شَ اخَ‪ .‬فَق َ​َال‪ :‬ا ْد ُع َها‪.‬‬ ‫اب‪ .‬فَق َ​َال‪ِ :‬ف هذَا الْ ِمي َعا ِد نَ ْح َو َز َمانِ الْ َح َيا ِة ت َ ْحتَ ِض ِن َني ابْ ًنا‪ .‬فَقَال َْت‪ :‬الَ يَا َس ِّي ِدي َر ُج َل الل ِه‪ .‬الَ تَك ِْذ ْب‬ ‫َت ِف الْ َب ِ‬ ‫فَ َد َعا َها‪ ،‬فَ َوقَف ْ‬ ‫َع َل َجا ِريَ ِت َك‪ .‬فَ َح ِبل َِت الْ َم ْرأَ ُة َو َولَ َد ِت ابْ ًنا ِف ذلِ َك الْ ِمي َعا ِد نَ ْح َو َز َمانِ الْ َح َيا ِة‪ ،‬ك َ​َم ق َ​َال لَ َها أَلِيشَ ُع» (امللوك الثاين ‪.)13-17 :4‬‬ ‫من الواضح طب ًعا أن حرفة اقرتاف املعجزات تجعل الساحر أو َرجل الله عىل صل ٍة مع امللك وقائد الجيش‪ ،‬إىل درجة‬ ‫أنه يستطيع أن يصدر لهام أي أم ٍر وما عليهام سوى التنفيذ‪ ،‬ولكن طلب املرأة الشابة كان أهون من ذلك فهي تريد‬ ‫طفل‬ ‫طفل وال يستطيع رجلها أن يحقق لها هذه األمنية بحكم السن‪ ،‬وهنا كان دور إليشع أن يهب لها ً‬ ‫فقط أن تنجب ً‬ ‫بكيفي ٍة مل ير الكاتب املقدس رغب ًة يف ذكرها‪ ،‬املهم أنها يف العام التايل بالفعل كانت قد وضعت مولودها األول بطريق ٍة‬ ‫ال يعلمها إال الله وإليشع‪ ،‬أما ملاذا وهب لها يهوه اب ًنا‪ ،‬فاإلجابة بسيطة‪ ،‬ليك مييته‪ ،‬نعم بعد أن كرب الطفل أماته يهوه‬ ‫بنذال ٍة تعودناها منه‪ ،‬وجاء إليشع ليعيد له الحياة مر ًة أخرى ليتمجد اسم الرب يهوه‪ ،‬وتضاف معجزة إحياء املوىت إىل‬ ‫قامئة معجزات النبي إليشع‪.‬‬ ‫يوم كان سائ ًرا يف الطريق‪:‬‬ ‫ونبينا املبجل عىل ما يبدو مل يكن يتمتع بروح الدعابة‪ ،‬فذات ٍ‬ ‫اص َع ْد يَا أَقْ َر ُع!‬ ‫يم ُه َو َصا ِع ٌد ِف الطَّر ِ‬ ‫اص َع ْد يَا أَقْ َر ُع! ْ‬ ‫ِيق إِذَا ب ِ​ِص ْب َيانٍ ِص َغا ٍر َخ َر ُجوا ِم َن الْ َم ِدي َن ِة َو َس ِخ ُروا ِم ْن ُه َوقَالُوا لَ ُه‪ْ :‬‬ ‫« َو ِف َ‬ ‫َت إِ َل َو َرائِ ِه َونَظَ َر إِلَيْ ِه ْم َولَ َع َن ُه ْم ب ِْاس ِم ال َّر ِّب‪ ،‬فَ َخ َر َج ْت ُدبَّتَانِ ِم َن الْ َو ْع ِر َواف َ َْت َستَا ِم ْن ُه ُم اث ْ َن ْ ِي َوأَ ْربَ ِع َني َولَ ًدا» (امللوك‬ ‫فَالْتَف َ‬ ‫الثاين ‪.)23-24 :2‬‬ ‫‪29‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪4‬‬ ‫محمد شومان‬

‫طفل ماتوا ألنهم قالوا للنبي‬ ‫يا إلهي اثنان وأربعون ً‬ ‫فعل أقرع‬ ‫إليشع يا أقرع‪...‬؟ فإذا ما علمنا أنه كان ً‬ ‫الزدادت دهشتنا من موقفه العجيب هذا‪ ،‬والزدادت‬ ‫دهشتنا أكرث من تنفيذ الرب يهوه لهذه املجزرة املريعة‬ ‫بدون سبب‪ ،‬ولكن رمبا كانت هناك حكم ٌة إلهي ٌة خافي ٌة‬ ‫علينا نحن السذّج من البرش املحرومني من معرفة‬ ‫الحكمة اإللهية وراء األحداث الدنيوية‪ ،‬لذا فرنجوا من‬ ‫كهنتنا املعظمني أن يبوحوا لنا بالرس الكامن وراء هذا‬ ‫املوقف العبثي‪.‬‬ ‫وبسبب هذه املعجزات العظيمة ذاع صيت النبي‬ ‫إليشع حتى وصل إىل سوريا العدوة التقليدية للمملكة‬ ‫جيش جرا ٌر للقبض عىل النبي األقرع خوفًا من معرفته املسبقة بخططهم الحربية‪ ،‬ولكن هذه الحملة‬ ‫اإلرسائيلية‪ ،‬فجاء ٌ‬ ‫فشل ذري ًعا مبعجز ٍة يهوي ٍة لطيفة‪ ،‬فبينام الجيش عىل أبواب املدينة‪ ،‬تجلت قدرة يهوه الجبار‪:‬‬ ‫فشلت ً‬ ‫ِيق‪َ ،‬والَ ِ‬ ‫وأصاب العمى كل الجيش السوري الذي جاء ليهجم عىل النبي‪« ،‬فَق َ​َال لَ ُه ْم أَلِيشَ ُع‪ :‬لَ ْي َس ْت ِ‬ ‫هذ ِه‬ ‫هذ ِه ِه َي الطَّر َ‬ ‫ون فَأَ ِس َري ِب ُك ْم إِ َل ال َّر ُجلِ ال َِّذي ت ُ َفتِّشُ و َن َعلَ ْي ِه» (امللوك الثاين ‪ ،)19 :6‬فسار بهم إىل أن أوصلهم إىل‬ ‫ِه َي الْ َم ِدي َن َة‪ .‬ات ْ َب ُع ِ‬ ‫داخل العاصمة‪.‬‬ ‫تخيل هداك الله أن جيشً ا جبا ًرا قاد ًما من‬ ‫سوريا ليقبض عىل املبجل األقرع إليشع‪ ،‬ولكن‬ ‫قبل أن يصل إليه يصاب جميع الجنود والضباط‬ ‫بالعمى‪ ،‬وألنهم جن ٌد مطيعون لسيدهم ولألوامر‬ ‫العسكرية الصارمة‪ ،‬فإنهم ال يرجعون إىل ديارهم‬ ‫بعامهم فقط ولكنهم يرصون عىل إمتام مهمتهم‬ ‫املقدسة يف القبض عىل األقرع‪ ،‬فيتحسسون‬ ‫طريقهم وراء قائدهم ليسألوا عابري السبيل‪:‬‬ ‫(ما شفتش والنبي نبيًا أقرع اسمه إليشع علشان‬ ‫نقبض عليه؟)‪ ،‬وتكون املعجزة اليهوية العظيمة‬ ‫أن يسألوا إليشع نفسه عن مكان إليشع‪ ،‬فيتقدم‬ ‫‪30‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪4‬‬ ‫محمد شومان‬

‫أقرعنا ببساط ٍة وميسك بيد قائد الجيش الذي ميسك بيد مساعده‪ ،‬وهكذا ميسك آالف الجنود كل واحد بيد رفيقه حتى‬ ‫يقودهم الدليل إىل مبتغاهم ليقبضوا عليه ثم يرجعوا بعامهم وأسريهم إىل ديارهم ساملني غامنني منفذين تعليامت‬ ‫ملكهم‪ !...‬إنها والله مهزل ٌة ديني ٌة تحت مسمى القداسة‪ ،‬شفانا الله وإياكم من معجزات الكتب املقدسة التي تؤدي إىل العته‪.‬‬ ‫كل هذه املعجزات وغريها مل تكن إبدا ًعا من نبينا األقرع املبجل‪ ،‬ولكنه وللحق ينفرد مبعجز ٍة مل يسبقه إليها أح ٌد ومل‬ ‫أيضا عىل حسب علمنا يف التاريخ الديني الرسمي‪ ،‬فقد حان أجل إليشع ومات و ُدفن بعد أن قام مبعجز ٍ‬ ‫ات جبار ٍة‬ ‫تتكرر ً‬ ‫يوم كان‬ ‫ولكنها عىل كل حا ٍل كانت مكرر ًة بشكلٍ أو بآخر‪ ،‬وبعد موته قام مبعجز ٍة غري مسبو ٍقة وال ملحوقة‪ ،‬فذات ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫مباغت من األعداء‪ ،‬فام كان منهم إال أن رموا الجثة‬ ‫لهجوم‬ ‫اليهود يف طريقهم لدفن أحد موتاهم‪ ،‬فإذا بهم يتعرضون‬ ‫ٍ‬ ‫وفروا هاربني‪:‬‬ ‫اش َوقَا َم َع َل ِر ْجلَ ْي ِه» (امللوك األول ‪.)21 :13‬‬ ‫«فَطَ َر ُحوا ال َّر ُج َل ِف ق ْ َِب أَلِيشَ َع‪ ،‬فَل ََّم نَ َز َل ال َّر ُج ُل َو َم َّس ِعظَا َم أَلِيشَ َع َع َ‬ ‫ولعل هذه املعجزة هي أعظم اخرتاعات كهنة جميع األديان‪ ،‬فقد أحيت عظام النبي األقرع جثة أحد املوىت الذي‬ ‫تصادف أن مست جثته عظام النبي املتوىف‪ ،‬والسؤال هو‪ :‬ملاذا ال يحاول الكهنة البحث عن جثة إليشع ليحيوا بها‬ ‫املوىت‪...‬؟ وهكذا نتبني أن معجزات إحياء املوىت ليست قارص ًة فقط عىل املسيح عيىس بن مريم‪ ،‬بل هي تراثٌ‬ ‫يهودي‬ ‫ٍّ‬ ‫سار عىل هديه مسيحنا املبجل‪.‬‬

‫‪31‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪4‬‬ ‫محمد شومان‬

‫ويستمر يهوه يف إرسال رسله املبجلني لشعبه املختار الذي يختار دامئًا آله ًة أخرى إلغاظة رب الجنود‪ ،‬وكانت رسله تُع ّد‬ ‫رشا يستحق الهداية إال يف هذه املنطقة‪ ،‬ورغم رفض‬ ‫باملئات‪ ،‬ولكنهم متركزوا جمي ًعا يف منطقة الشام‪ ،‬وكأن الله مل يخلق ب ً‬ ‫اليهود لعبادة يهوه إال أنه ظل عىل وفائه لشعبه املختار‪ ،‬ورغم خياناتهم املتكررة له إال أنه ظل عىل وفائه لهم‪ ،‬فالحب‬ ‫أيضا بني اململكة الجنوبية واململكة الشاملية إىل أن‬ ‫كام نعرف جمي ًعا ال يخضع للمقاييس العقلية‪ ،‬ويستمر الرصاع ً‬ ‫يحسم الجيش اآلشوري بقيادة رسجون األول املعارك الدائرة بني الفريقني باستيالئه عىل السامرة وسبي شعبها إىل آشور‬ ‫سنة ‪ 722‬ق‪ .‬م‪ ،‬ولكن مرص الصاعدة من كبوتها تحت قيادة فرعون مرص نخاو ال ترتك مستعمرتها السابقة بسهولة‪،‬‬ ‫فيذهب الفرعون بالجيش املرصي ويسرتد فلسطني ثاني ًة بعد أن يهزم ملكها النبي يوشيا يف سهل مجدو سنة ‪ 609‬ق‪.‬م‪،‬‬ ‫ويعي الشعب ابنه يهوحاز ملكًا مكانه‪ ،‬ولكن فرعون مرص يرفض‬ ‫وميوت النبي يوشيا من جراء جروحه يف املعركة الكربى ّ‬ ‫ويعي أخاه مكانه بعد أن يتعهد بدفع الجزية‬ ‫ذلك ويستدعي ملك إرسائيل إىل مرص ً‬ ‫مكبل بالحديد حيث ميوت بها‪ّ ،‬‬ ‫ملرص‪ ،‬ولكن اإلمرباطورية البابلية الصاعدة ال تسمح ملرص بامتالك فلسطني‪ ،‬فيصعد نبوخذ نرص ملحاربة نخاو وينترص‬ ‫عليه سنة ‪ 605‬ق‪.‬م ويسرتد منه فلسطني ثاني ًة‪ ،‬وبذلك تنتهي لألبد السيادة املرصية عىل فلسطني‪ ،‬وال يبقى بعد ذلك‬ ‫سوى تحريض (أبريس) فرعون مرص ل(صدقيا) ملك إرسائيل بشق عصا الطاعة عىل بابل رغم معارضة النبي أرميا‪ ،‬الذي‬ ‫كان يعرف بضعف مرص‪ ،‬وهو ما‬ ‫حدث بالفعل حيث اكتسح الجيش‬ ‫البابيل بقيادة نبوخذ نرص بيت‬ ‫املقدس سنة ‪ 586‬ق‪.‬م‪ ،‬وأرس ملكها‬ ‫صدقيا وقتل ولديه أمام عينيه قبل‬ ‫أن يفقأهام له‪ ،‬ويدمر املعبد الشهري‬ ‫ويحرقه مع قرص سليامن الحكيم‪ ،‬أما‬ ‫باقي الشعب فيأخذهم معه إىل بابل‬ ‫حيث عاشوا ما يسمى بالسبي البابيل‬ ‫الذي هو عقدة اليهود عىل مدار‬ ‫التاريخ وإىل يومنا هذا‪.‬‬ ‫ولكن هل يرتك يهوه الجبار نبوخذ نرص البابيل يسبي شعبه بدون عقاب‪...‬؟ فلند ُع نبوخذ نرص نفسه يخربنا بعقاب يهوه‬ ‫له من مذكراته الشخصية التي يوردها لنا الكتاب املقدس نفسه يف سفر دانيال‪:‬‬ ‫ص‪ ،‬فَطُ ِر َد ِم ْن بَ ْ ِي ال َّن ِ‬ ‫الس َم ِء َحتَّى‬ ‫ِ‬ ‫اس‪َ ،‬وأَك َ​َل الْ ُعشْ َب كَالثِّ َريانِ ‪َ ،‬وابْتَ َّل ج ِْس ُم ُه ِب َن َدى َّ‬ ‫«ف تِل َْك َّ‬ ‫السا َع ِة ت َ َّم األَ ْم ُر َع َل نَبُو َخ ْذنَ َّ َ‬ ‫الس َم ِء‪ ،‬فَ َر َج َع إِ َ َّل َعق ِْل‪،‬‬ ‫ص‪َ ،‬رفَ ْع ُت َع ْي َن َّي إِ َل َّ‬ ‫ط َ​َال شَ ْع ُر ُه ِمث َْل ال ُّن ُسورِ‪َ ،‬وأَظْفَا ُر ُه ِمث َْل الطُّ ُيورِ‪َ .‬و ِع ْن َد انْ ِت َها ِء األَيَّ ِام‪ ،‬أَنَا نَ ُبو َخ ْذنَ َّ ُ‬ ‫ل َو َس َّب ْح ُت َو َح َمدْتُ الْ َح َّي إِ َل األَبَ ِد» (دانيال ‪.)33-34 :4‬‬ ‫َوبَا َرك ُْت الْ َع ِ َّ‬ ‫‪32‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪4‬‬ ‫محمد شومان‬

‫ونحن بدورنا ال نشكك يف صدق الكتاب املقدس‪ ،‬وال حتى يف صدق مذكرات نبوخذ نرص‪ ،‬بل نشكك يف معطياتنا‬ ‫ٍ‬ ‫سنوات وعاش مع حيوانات الربية يف الصحراء‬ ‫التاريخية التي مل تذكر لنا أن نبوخذ نرص قد ترك كريس العرش ملدة سبع‬ ‫يأكل العشب‪ ،‬ولألسف مل يذكر لنا املؤلف املقدس كيف عاد إىل عرشه ثاني ًة بعد هذه السنني الطوال‪ ،‬ومل يذكر لنا كيف‬ ‫استقبله شعبه وال حتى ذكر لنا من كان يدير اململكة املرتامية األطراف إبان وجود ملكها مع الحيوانات يف الغابة‪...‬؟ عىل‬ ‫ثانوي مل ي َر املؤلف املقدس داع ًيا لذكره‪ ،‬ولكننا نشكر الرب عىل أننا من عباده املخلصني الذين نطمع‬ ‫ٌ‬ ‫كل‪ ،‬هذا‬ ‫ّ‬ ‫تفصيل ٌ‬ ‫يف كرمه ورحمته حتى ال يجعلنا مثل حيوانات الربيّة‪!...‬‬ ‫أما ما يهمنا يف فرتة السبي هذه فهو اليأس العام الذي خ ّيم عىل شعب الله املختار‪ ،‬مام دفعه إىل ابتداع فكرة املخلص‪،‬‬ ‫أي ذلك البطل األسطوري الذي سيظهر ليخلص شعبه من ظلم األعداء الكفرة– هذا املخلّص ظهر يف الفكر املسيحي‬ ‫تحت اسم يسوع‪ ،‬ويف الفكر اإلسالمي أيضا باسم املهدي املنتظر‪ ،‬ويف الفكر العاملي تحت اسم جودو– وألن داود النبي‬ ‫رجل من‬ ‫كان أعظم حكام إرسائيل وكان الحلم الذهبي للدين وللدولة اليهودية‪ ،‬لذا كان من املنطقي أن ينتظر اليهود ً‬ ‫نسله ليعيد إليهم العزة والكرامة التي فقدوها يف األرس البابيل‪.‬‬ ‫أيضا ألول مر ٍة يف الفكر اليهودي عقيدة اإلميان بالعامل اآلخر‪ ،‬وهذه بدورها مرتتب ٌة‬ ‫وباإلضافة لعقيدة املخلّص ظهرت ً‬ ‫عىل يأس الشعب من الحصول عىل الجنة هاهنا عىل األرض ومن ثم جعلوها يف عا ٍمل آخر مفارق‪ ،‬أو رمبا أنهم تأثروا‬ ‫بالعقيدة الفارسية التي كانت تؤمن بفردوس هناك يف العامل اآلخر– وكلمة فرودوس كلم ٌة فارسي ٌة مبعنى حديق ٌة أو‬ ‫بستان– ورمبا ظهرت الجنة يف العقيدة اليهودية يف محاول ٍة الستقطاب قورش الفاريس الذي دعوه يف الكتاب املقدس‬ ‫وضح له النبي دانيال أن بعل ال يأكل وال‬ ‫باسم «مسيح الرب» إىل الديانة اليهودية ليرتك إلهه «بعل»‪ ،‬خاص ًة بعد أن ّ‬ ‫يرشب كام كان يعتقد امللك األبله‪.‬‬ ‫مبجل يف الفكر‬ ‫ٌ‬ ‫نبي‬ ‫ويف فرتة اليأس البابيل هذه يظهر ٌ‬ ‫اليهودي‪ /‬املسيحي أال وهو النبي «حزقيال» الذي يُعد واح ًدا‬ ‫من األنبياء الكبار عند اليهود‪ ،‬وهو يف رأينا الشخيص مبد ٌع‬ ‫أىت مبا مل ِ‬ ‫يأت به األوائل وال األواخر‪ ،‬ويتمثل إبداعه يف نظرنا‬ ‫أكل فري ًدا من نوعه عند البرش أال وهو‬ ‫يف كونه كان يأكل ً‬ ‫«الخراء»‪ ،‬نعم كان النبي حزقيال عليه السالم يأكل الخراء‬ ‫تنفيذًا لوصية الرب يهوه القائلة يف كتابه املقدس بالحرف‪:‬‬ ‫« َوتَأْك ُ​ُل كَ ْعكًا ِم َن الشَّ ِعريِ‪َ .‬ع َل الْ ُخ ْر ِء ال َِّذي يَ ْخ ُر ُج ِم َن ا ِإلنْ َسانِ تَ ْخ ِب ُز ُه أَ َما َم ُعيُونِ ِه ْم» (حزقيال ‪.)12 :4‬‬ ‫‪33‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪4‬‬ ‫محمد شومان‬

‫نعلم طب ًعا أن هناك الكثري من املالحدة ضعاف اإلميان‬ ‫الذين قد يتأففون من أكل الخراء اإلنساين حتى لو‬ ‫أمرهم ربهم بهذا‪ ،‬ولكن اإلميان نعم ٌة ال تعطى لكل‬ ‫البرش‪ ،‬وهكذا ريض الرب يهوه عىل عبده حزقيال‬ ‫غي له‬ ‫وكافأه عىل طاعته له بأكل الخراء اإلنساين بأن ّ‬ ‫من صنف الطعام فقال له يف كتابه املقدس‪:‬‬ ‫«قَ ْد َج َعل ُْت ل َ​َك ِخث َْي الْ َب َق ِر بَ َد َل ُخ ْر ِء ا ِإلنْ َسانِ »‬ ‫(حزقيال ‪.)15 :4‬‬

‫خب ٌز أمرييكٌ مصنوع بحسب آية ‪ 4:9‬من حزقيال و ‪ 1:29‬من سفر التكوين‬

‫ونحن بدورنا ننظر بإكبا ٍر وانبها ٍر ألنبياء الله العظام الذين ال يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون‪.‬‬

‫ويف سنة ‪ 538‬ق‪.‬م خضعت بابل لسلطان امللك قورش الفاريس رمبا مبساعد ٍة من اليهود املسبيني‪ ،‬مام دفع بقورش إىل‬ ‫السامح لهم بالعودة ثاني ًة إىل أرض امليعاد الرباين بقيادة النبيني عزرا ونحميا وذلك يف سنة ‪ 516‬ق‪.‬م‪ ،‬بعد أن قىض‬ ‫ديني بزعامة عزرا الكاتب‬ ‫اليهود يف السبي حوايل سبعني عا ًما‪ ،‬وعندما رجع الشعب إىل الوطن ثاني ًة بدأت حركة إصال ٍح ٍّ‬ ‫الذي يُعتقد أنه كتب التوراة يف هذه الفرتة أو وجدها يف التابوت عىل حسب ادعائه‪ ،‬ويف سنة ‪ 536‬ق‪.‬م أمر مسيح‬ ‫الرب قورش بإعادة بناء الهيكل‪ -‬ثاني ًة‪ -‬الذي كان نبوخذ نرص قد دمره سابقًا‪ ،‬وظلت إرسائيل تتمتع بنو ٍع من الحكم‬ ‫الذايت تحت السيطرة الفارسية إىل أن جاءها اإلسكندر األكرب سنة‪ 331‬ق‪.‬م واستويل عليها وضمها إىل إمرباطوريته‪ ،‬ويف‬ ‫فرتة حكم خلفاء اإلسكندر قامت الثورة املكابية نسب ًة ليهوذا املكايب أي مختار يهوه– الذين كانوا من سبط الوي‪ ،‬أي‬ ‫أيضا‪ ،‬ونجحوا بالفعل يف امتالكها لبعض الوقت إىل‬ ‫فرع الكهنة يف العائلة اليهودية وسعوا إىل امتالك السلطة السياسية ً‬ ‫أن جاء «بومبي» الروماين سنة ‪ 63‬ق‪.‬م ‪ ،‬ووضع الدولة املشاغبة تحت الحكم الروماين التي ظلت تحته إىل عرص امليالد‪.‬‬

‫يافطة شارع امللك قورش يف تل أبيب‬

‫‪34‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪4‬‬ ‫محمد شومان‬

‫السفر السابع والعرشون‪ :‬خامتة‬

‫واآلن لنجمل ما فصلناه من عالق ٍة بني املحروسة واليهودية‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫احتكاك بني املحروسة واليهودية كان عىل يد إبراهيم النبي يف القرن‬ ‫أول‬ ‫الثامن عرش قبل امليالد‪ ،‬حيث حدث جو ٌع يف األرض ومل يجد النبي‬ ‫املبجل موط ًنا يحميه من املجاعة فجاء إلينا‪ ،‬فأطعمناه من جو ٍع وأم ّناه‬ ‫من خوف‪ ،‬عىل الرغم من حقارة ترصفاته ومتاجرته برشفه ورشف زوجته‬ ‫التي تركها لفرعون مرص بعد أن خدعه بخس ٍة وأوهمه أنها أخته وليست‬ ‫زوجته‪ ،‬فلام قىض منها فرعون وط ًرا وعلم أنها زوجته‪ ،‬ردها إليه معزز ًة‬ ‫أيضا‪ ،‬وهكذا خرج أبرام الطاهر من مرص وهو‬ ‫مكرم ًة ومعها جاري ٌة ً‬ ‫يحمل ثرو ًة كبري ًة من عطايا فرعون مرص الذي ترصف معه بكل رجول ٍة‬ ‫وشهامة‪ ،‬وإن كان هذا ال مينع من أن يكون الفرعون قد ك ّون يف عقله‬ ‫فكر ًة سيئ ًة عن أخالقيات أنبياء يهوه‪.‬‬ ‫أما الجارية التي أعطاها فرعون ألبرام فقد أصبحت أُ ًما إلسامعيل الذي يقال لنا أنه أبو العرب املستعربة‪ ،‬ومل يصلنا‬ ‫لحسن الحظ ما يشني أخالقيات هذه الجارية‪ ،‬فهي وإن كانت جاري ًة إال أنها تتمتع بالرشف الذي مل تكن تتمتع به‬ ‫السيدة الحرة‪.‬‬ ‫هذا عن العطايا املادية‪ ،‬أما بالنسبة للعطايا الفكرية فرمبا يكون أبرام قد تأثر بأفكار املرصيني الدينية التي كانت‬ ‫متقدم ًة للغاية منذ بداية التاريخ املدون‪ ،‬ولكن األكيد أنه‬ ‫قد تعلّم طقوس النظافة من مرص وكذا عادة الختان التي‬ ‫مرصي‬ ‫طقس‬ ‫ٌ‬ ‫نسبها فيام بعد إىل يهوه إلهه يف حني أنها ٌ‬ ‫تاريخي‪.‬‬

‫يوسف ويعقوب يف مرص‪ ،‬بريشة پونتورمو‬

‫وبعده يأيت إىل مرص الفرعونية املقدس يوسف الوسيم‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫كعبد حقريٍ مبا ًعا بثمنٍ بخس‪ ،‬ليصبح‬ ‫الذي جاء إلينا‬ ‫بطريق ٍة ما وزير زراعة حكومة فرعون‪ ،‬أو رمبا‪ -‬كام يرى‬ ‫البعض‪ -‬قد أصبح هو نفسه فرعونًا‪ ،‬وتكون فرتة تسلطه‬ ‫أو حكمه يف مرص منوذ ًجا للدناءة والخسة السياسية‬ ‫واألخالقية التي تعافها حتى الحيوانات القذرة‪ ،‬إىل درجة‬ ‫أنه يف نهاية حكمه كان قد اشرتى من املرصيني أراضيهم‬ ‫‪35‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪4‬‬ ‫محمد شومان‬

‫ومواشيهم وأخ ًريا أنفسهم لصالح فرعون البالد‪ ،‬يف مقابل إعطائهم حفنة قمح‪ ،‬يف سابق ٍة تاريخي ٍة تُعد األوىل من نوعها يف‬ ‫التاريخ املدون‪ ،‬وهي تجرب ٌة ال نرى فيها نحن لألسف أي عبقري ٍة فكري ٍة وال إلها ًما ربان ًيا‪ ،‬بل نرى فيها انحطاطًا أخالق ًيا‬ ‫نات ًجا عن تدبريٍ شيطاين‪.‬‬ ‫ويف النهاية يستدعي يوسف أباه يعقوب وباقي إخوته لينعموا باألمن واألمان يف مرصنا املحروسة يف ظل حكم يوسف‬ ‫خادم يف قرصه‪،‬‬ ‫الصديق‪ ،‬ورغم أنه كان يف السلطة إال أنه مل يستطع أن يجعل أباه وال إخوته يتناولون الطعام مع أحقر ٍ‬ ‫مدنسا من وجهة نظر املرصي‪ ،‬سوا ٌء من ناحية الدين الذي كان يُعد دي ًنا أقل يف القيمة‬ ‫فاليهودي كان يف ذلك الوقت ً‬ ‫أصل بني الحضارة املرصية والحضارة اليهودية‪ ،‬بل لعلنا‬ ‫الخلقية والفكرية‪ ،‬أو حتى من حيث التاريخ إذ ال توجد مقارن ٌة ً‬ ‫فكري من األساس‪ ،‬وال نستثني من هذا الحكم حتى الكتاب املقدس العربي‪.‬‬ ‫ال نبالغ لو قلنا أنه مل يكن لليهود إبدا ٌع‬ ‫ٌّ‬ ‫ومبوت يوسف ينقلب الشعب عىل النسل املدنس ويحولهم إىل ٍ‬ ‫عبيد لنا لعدة ٍ‬ ‫مئات من السنني‪ ،‬رمبا انتقا ًما ملا فعله‬ ‫ونبي‬ ‫يوسف باملرصيني يف فرتة تسلطه عليهم‪ ،‬إىل أن يظهر عىل مرسح األحداث مجر ٌم ٌ‬ ‫قاتل من وجهة النظر املرصية‪ٌّ ،‬‬ ‫عظي ٌم من وجهة النظر اليهودية‪ ،‬وهو موىس النبي كليم الله وقاتل املرصي املسكني‪ ،‬ويأخذ موىس العبيد ويخرج بهم‬ ‫مطرو ًدا من أرض املحروسة‪ ،‬إما بسبب الخيانة السياسية‪ ،‬وإما بسبب إصابتهم بالجذام وبعض األمراض الجلدية املعدية‬ ‫األخرى‪ ،‬وال ينىس النبي املبجل يف رحلة خروجه الشهرية أن يرسق من املرصيني ذهبهم وفضتهم بأم ٍر من الرب يهوه‬ ‫شخص ًيا‪.‬‬ ‫وبقيام اململكة يف إرسائيل يقوم الفرعون املرصي بدعم النبي العرباين سليامن امللقب بالحكيم وذلك بأن يزوجه بابنته‬ ‫كنو ٍع من الدعم املعنوي واألديب له أمام شعبه‪ ،‬ثم يقوم بإحراق مدينة جازر وتسليمها للنبي امللك الحكيم ليتمكن‬

‫‪36‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪4‬‬ ‫من فرض سيطرته عليها‪ ،‬ويرد النبي الحكيم الجميل ملرص بأن يرسق منها أقوال‬ ‫الحكيم املرصي «أمينمويب» وينسبها لنفسه يف صفاق ٍة يُحسد عليها‪ ،‬فريد الفرعون‬ ‫املرصي هذه التحية بأحسن منها‪ ،‬فيصعد بجيشه إىل أورشليم ويجرد الهيكل من‬ ‫كنوزه ويفرض سيطرته ثاني ًة عىل فلسطني‪.‬‬ ‫وظلت فلسطني عىل الدوام خاضع ًة فكريًا وعسكريًا ملرص‪ ،‬فإذا حاول أحد ملوكها‬ ‫أو أنبيائها أن يتمرد عىل السيادة املرصية‪ ،‬فسيكون مصريه إما القتل أو إحضاره‬ ‫مجرم حقري‪ ،‬إىل أن جاء نبوخذ نرص البابيل واستوىل‬ ‫إىل مرص ً‬ ‫مكبل بالحديد كأي ٍ‬ ‫عليها من الفرعون املرصي نخاو‪ ،‬لتفقد بذلك مرص سيطرتها عىل فلسطني لألبد‪.‬‬ ‫ويحق لنا اآلن أن نتساءل عن السبب الذي كان وراء رفض املرصي القديم للديانة‬ ‫اليهودية! ومن وجهة نظرنا نرى أن السبب يرجع إىل أن املرصي القديم كان‬ ‫ميتلك منظوم ًة فكري ًة ديني ًة أرقى مبراحل من منظومة اليهود الدينية‪ ،‬وثان ًيا‬ ‫أن الدين املرصي كان يَ ِعد املؤمنني بآخر ٍة ساموي ٍة يالقي فيها جزاء ما ق ّدمت‬ ‫يداه يف الدنيا‪ ،‬وهو ما حرمته منه الديانة اليهودية‪ ،‬ثالثًا أن الديانة اليهودية‬ ‫نفسها ما هي إال ابتسا ٌر للديانة التوحيدية األخناتونية التي نعتقد أنها أرقى‬ ‫من الديانة اليهودية‪ ،‬وراب ًعا أن اليهودية ديان ٌة غري تبشريي ٍة مبعنى أنها ال ترحب‬ ‫خامسا أن السلوك الخلقي‬ ‫بانضامم األغيار إليها عىل عكس املسيحية واإلسالم‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ألنبياء العهد القديم كام شاهده املرصيون مل يكن ليشجعهم عىل االنضواء تحت‬ ‫لوائهم‪ ،‬وأخ ًريا فإن املنترص هو الذي يفرض ثقافته دامئًا عىل املهزوم‪ ،‬واملرصي‬ ‫وأيضا كتاري ٍخ‬ ‫الفرعوين كان عىل الدوام أقوى من اليهودي كمنظوم ٍة خلقي ٍة ً‬ ‫حضاري‪ ،‬ولعل رأي الفرعون املرصي يف النبي موىس هو خري تعبريٍ عن رؤية‬ ‫املرصي الفرعوين لليهودي العرباين‪ ،‬فقد قال فرعون يف القرآن كتاب املسلمني‬ ‫املقدس مش ًريا إىل النبي موىس‪:‬‬

‫َ​َ‬ ‫َْ َ​َ ُْ ُ َ‬ ‫ََْ ُ َْ‬ ‫ُ ْ ُ ْ َ َ‬ ‫ون ؟ أَ ْم َأنَا َخ ْ ٌ‬ ‫﴿أليْ َس ِل ملك م‬ ‫ص‬ ‫ِص َوه ِذه ِ األنه‬ ‫ي‬ ‫ار ت ِري مِن ت ِت أفال تب ِ‬ ‫َ َ َّ‬ ‫َُ َ ٌ َ َ َ‬ ‫ّم ِْن هذا الِي هو م ِهني وال ي‬ ‫ك ُاد يُبِنيُ‪...‬؟﴾ (الزخرف‪.)52-51 :‬‬

‫ونعود من مرص الفرعونية إىل فلسطني يف عرص امليالد حيث كانت هناك عدة‬ ‫طوائف مؤثر ٍة يف الحياة الفكرية اليهودية‪ ،‬وأول هذه الطوائف هم الصدوقيون‬ ‫‪37‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪4‬‬ ‫محمد شومان‬

‫أي أتباع صادوق الذي كان كبري الكهنة عىل عهد النبي سليامن‪ ،‬وكانوا أقلي ًة يف العدد إال أنهم أصحاب ثرا ٍء ونفو ٍذ كبريٍ‬ ‫يف املجتمع بسبب مواالتهم للرومان‪ ،‬ويف مسألة الدين فقد كانوا عىل مذهب أبيقور الداعي إىل التمتع بطيبات الحياة‬ ‫واعتبار اللذة هي غاية الحياة‪ ،‬وينكرون البعث والحياة اآلخرة وينتظرون املخلّص من ساللة داود الذي سيعيد لهم‬ ‫املجد ويجعل أورشليم عاصم ًة له‪ ،‬وإليهم كانت تصل الرضائب املفروضة عىل الشعب اليهودي يف كل مكانٍ باإلضافة‬ ‫لتمسكهم بالرشيعة املوسوية‬ ‫إىل نصيبهم من الذبائح والعشور‪ ،‬وهناك ً‬ ‫أيضا طائفة الفريسيني أو املفروزين أي املميزين ّ‬ ‫‪ ،‬وكانوا أكرثي ًة يف العدد وإن مل يكن منهم أثرياء كثريون‪ ،‬وهم أقرب إىل تحكيم العقل يف مسائل الرشع من الصدوقيني‬ ‫أيضا بعض الطوائف الهامشية‬ ‫ويؤمنون بالبعث والحساب والعقاب‪ ،‬وينتظرون نب ًّيا مخل ًِّصا يُسمى املسيح‪ ،‬وهناك ً‬ ‫أيضا يف انتظار املخلّص‪.‬‬ ‫اإلسينيني والسامريني والنذريني والذين كانوا ً‬ ‫األخرى مثل ّ‬ ‫وهكذا ظلت النبوءات تتواتر بقرب ظهور املسيح املخلّص الفادي‬ ‫الذي سيأيت من سبط يهوذا ويُعيد للدولة أمجادها املسلوبة‪،‬‬ ‫والواقع أن معظم التنبؤات كانت تنتظر ملكًا قويًا يقود الشعب‬ ‫إىل االنتصارات الحربية‪ ،‬غري أنه كانت هناك بعض النبوءات‬ ‫التي تشري إىل رجل أوجاع يحمل ذنوب الشعب ويق ّدم نفسه‬ ‫ذبيح ًة للرب كام الخروف‪ ،‬وظل هذا األمل يداعب عقول أو‬ ‫قلوب اليهود إىل أن جاء القائد تيطوس ابن اإلمرباطور فسباسيان‬ ‫ودمر الهيكل متا ًما آلخر مر ٍة يف التاريخ وذلك حوايل سنة ‪ 70‬بعد‬ ‫أيضا حوايل مليون يهودي ويرشد باقي الشعب يف‬ ‫امليالد‪ ،‬ويقتل ً‬ ‫بالد األرض‪ ،‬لينهار األمل متا ًما يف قلوب شعب الله املختار ويكاد‬ ‫ينتهي ذكرهم من التاريخ‪ ،‬لوال أن ظهرت شيع ٌة يهودي ٌة منشق ٌة‬ ‫ظلت وفي ًة ألصداء العهد القديم ألنها اعتربت نفسها امتدا ًدا‬ ‫رغم عن أنف اليهود أصحاب الشأن أنفسهم‪ ،‬هذه‬ ‫رشع ًّيا لها ً‬ ‫الشيعة التي قُ ّدر لها االنتصار عىل رب الجنود وإزاحته من عىل بولس يعظ اليهود يف كنيس يف دمشق‪ ،‬فسيفساء بيزنطية‪ ،‬القرن ‪12‬‬ ‫كريس عرشه هي املسيحية التي وضعت املسيح عيىس بن مريم‬ ‫سلمي عىل السلطة اإللهية اليهوية‪ ،‬وهكذا تبدأ مرحل ٌة جديد ٌة يف املسرية‬ ‫انقالب‬ ‫إل ًها جدي ًدا محل يهوه رب الجنود يف‬ ‫ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫الدينية البرشية بانكسار الدين اليهودي أمام العبقرية الكهنوتية لبولس رسول األمم‪ ،‬ويبدأ اليهود يف اجرتار أحالم‬ ‫محسوم مقد ًما مع كهنة املسيحية املنشقني عىل الديانة اليهوية‪،‬‬ ‫املايض السعيد وذكرى األيام الخوايل والدخول يف رصا ٍع‬ ‫ٍ‬ ‫وتستعري املسيحية أجنحة اليهود لتحلّق بها بعي ًدا يف سامء الرب‪ ،‬يف حني تنكرس أجنحة اليهود منذ االنشقاق العظيم‬ ‫يف مجمع أورشليم سنة ‪ 50‬م‪ ،‬وهنا نكون قد دخلنا إىل عرص املسيحية وسيادة بولس‪ ،‬فلنطوي إذًا صفحة يهوه وكهنته‬ ‫ونتطلع بأملٍ إىل صفحة يسوع وكهنته‪.‬‬ ‫‪38‬‬


‫قناة جسور | ‪Bridges.TV‬‬

‫رب ملن ال منرب له‪ ،‬وقنا ٌة لحرية التعبري والتواصل والتعايش مع‬ ‫قناة جسور هي من ٌ‬ ‫املختلف ولتالقح األفكار بصور ٍة حضارية‪ ..‬صوتك مقبول هنا مهام كان‪.‬‬ ‫عنوان القناة عىل اليوتيوب‪:‬‬

‫‪https://www.youtube.com/channel/UChuvYgfSwGXkLtZYmSGc8eQ‬‬ ‫صفحة جسور عىل الفيسبوك‪:‬‬

‫‪https://www.facebook.com/Bridgestv2‬‬ ‫انضموا إلينا يف مجموعة جمهورية الردة‪:‬‬

‫‪https://www.facebook.com/groups/186192008960773/‬‬ ‫إمييل القناة‪:‬‬

‫للتواصل عرب سكايب‪:‬‬

‫‪Bridgestv1‬‬

‫‪bridgestv1@gmail.com‬‬

‫لدعم القناة عىل الـ‪:PayPal‬‬

‫‪https://www.paypal.me/SalBridgesTV‬‬

‫‪39‬‬


‫االنبثاق‬ ‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫حق قدرها)‬ ‫(وما قدروا املادة ّ‬ ‫هل ميكن للكيمياء أن تصنع حيا ًة ومشاعر؟‬ ‫وعي وإرادة؟‬ ‫وهل املادة الصامء قابل ٌة ألن يكون لها ٌّ‬ ‫وكيف يستطيع امللحد املادي أن يتحدث عن القيم واملعاين‬ ‫واألخالق؟‬

‫‪40‬‬


‫االنبثاق‬ ‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫هذه األسئلة‪ -‬وشبيهاتها‪ -‬تُطرح بشكلٍ‬ ‫استنكاري من ِقبل املؤمنني‪ ،‬والذين يزعمون أن الحياة والوعي والقيم واألخالق‬ ‫ٍ‬ ‫ُفس بالعلم‪ ،‬وال ميكن تفسري تلك األمور إال بافرتاض عاملٍ روحا ٍّين خارجي‪ :‬الله‪.‬‬ ‫يستحيل أن تنبع من املادة‪ ،‬وال ت َّ‬ ‫تفس شيئًا‪ ،‬بينام جوهر التفسري نفسه يقوم عىل الدقة يف الفهم والربط بني‬ ‫الخطأ األول هنا هو افرتاض أن الغيبيات ّ‬ ‫أمو ٍر ميكن فحصها‪ ،‬مبا ال ينطبق عىل الغيبيات التي تقوم عىل الجهل ال أكرث‪.‬‬ ‫تفس ظاهرة الحياة‪ ،‬وبالتايل تفرتض وجود ما يسمى «الروح»‪ ،‬فالواجب عليك إذن‬ ‫فحني تقول ‪ً -‬‬ ‫مثل‪ -‬أن الكيمياء ال ّ‬ ‫أن تخربنا ‪ -‬بدقة‪ -‬ما هو تعريف الروح؟ وما مكوناتها وما خصائصها؟ وكيف تعمل؟ ثم ترشح لنا ‪-‬بالتفصيل والربهان‪-‬‬ ‫فست شيئًا وما أضفت لنا سوى كلم ٍة أخرى‬ ‫كيف ميكن لتلك الروح املزعومة أن تخلق ظاهرة الحياة؟ فإن مل تفعل فام ّ‬ ‫غامض ٍة تزيد الطني بلّ ًة‪ ،‬يف حال ٍة كالسيكي ٍة من مغالطة «إله الفجوات»‪.‬‬ ‫مسبق بأن املادة‬ ‫والخطأ الثاين هنا هو افرت ٌ‬ ‫اض ٌ‬ ‫ال تُنتج األمور املعنوية؛ وال أدري كيف عرفت‬ ‫أنت ما الذي ال ميكن للامدة أن تفعله؟!‬ ‫هذا الفرض يقوم عىل تصو ٍر خاطئٍ وبدا ٍّيئ‬ ‫فصل وهم ًيا بني‬ ‫ثنوي ‪( dualist‬أي يتصور ً‬ ‫الروحي واملادي)‪ ،‬يتخيل أن املادة هي عبار ٌة‬ ‫عن كُر ٍ‬ ‫ات صامء‪ ،‬البد لها من نفخ ٍة روحي ٍة‬ ‫ليك تكتسب خصائص الحياة والوعي‪.‬‬ ‫ولك ّننا اليوم رصنا نعرف ما هو أفضل؛ فاملادة ‪ -‬والتي هي صور ٌة من صور الطاقة‪ ،‬وترتبط باملجاالت‪ -‬ميكنها أن تُن ِتج‬ ‫ظواهر تبدوا معنوي ًة متا ًما‪ ،‬كالحياة واملشاعر واألخالق‪.‬‬ ‫وليس الهدف من املنشور اإلجابة املفصلة عن أسئلة «كيف يحدث هذا؟»‪ ،‬فهذه تُحال للمختصني يف كل مجال‪ ،‬وهي‬ ‫مجاالتٌ مفتوح ٌة ملن يبحث؛ مع مالحظة أن اإلجابات املتاحة ليست بالرضورة كامل ًة أو قاطع ًة‪ ،‬سوا ًء عند أهل العلوم‬ ‫(حيث نجد املعارف الناقصة واملحاوالت املفتوحة املستمرة) وال هي كامل ًة وقاطع ًة عند أهل األديان (حيث نجد الجهل‬ ‫الكامل‪ ،‬والرضا ‪ -‬بل التمسك العنيد‪ -‬بهذا الجهل)‪.‬‬ ‫وإمنا الهدف املهم هنا هو مجرد اإلشارة إىل إمكانية إنتاج األمور املعنوية من املادة‪ ،‬من خالل تناول ظاهر ٍة طبيعي ٍة‬ ‫معروف ٍة وشائع ٍة تحيك لنا الكثري عن خصائص املادة التي يتكون منها الكون الذي نعيش فيه‪.‬‬ ‫‪41‬‬


‫االنبثاق‬ ‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫االنبثاق (من ويكيبيديا) هو اكتساب الكيان لخصائص‬ ‫أي من مكوناته األصلية‬ ‫جديد ٍة مل تكن موجود ًة يف ٍّ‬ ‫أي من مكونات‬ ‫منفردةً‪ ...‬تلك الخصائص ال تأيت من ٍّ‬ ‫الكيان‪ ،‬وإمنا باألحرى من ترتيب تلك املكونات‬ ‫وتكاملها م ًعا بشكلٍ محدد‪.‬‬ ‫لننظر إىل املاء عىل سبيل املثال‪ ،‬فهو مكو ٌن من‬ ‫الهيدروجني (ذرتني) واألكسجني (ذر ٍة واحدة)‪،‬‬ ‫كل منهام هو غا ٌز يساعد عىل االحرتاق‪ ،‬إال أن‬ ‫وبينام ٌ‬ ‫سائل يطفئ النار‪.‬‬ ‫اتحادهام ينتج لنا ً‬ ‫مثل خاصية التامسك‬ ‫ثم إن هذا املنتج الجديد (املاء) ميتلك خصائص جديد ًة مشوق ًة غري موجود ٍة يف مكوناته‪ :‬منها ً‬ ‫وااللتصاق (التي ينتج عنها التوتر السطحي)‪ ،‬ومنها خاصية االحتفاظ بالحرارة والتخلص منها ببطء‪ ،‬وخاصية اإلذابة‪.‬‬ ‫يغي من خصائصها‪ ،‬فتكتسب وتفقد مميز ٍ‬ ‫ات جديدة‪ ،‬فاملاء حني تزداد حرارته‬ ‫تغي درجة حرارة املواد ّ‬ ‫ثم نالحظ أن ّ‬ ‫يتحول إىل بخا ٍر فاق ًدا خصائص السيولة واالنكسار الضويئ املميزة للامء السائل‪ ،‬ويف حالة الغليان قد يبدأ بإصدار‬ ‫ظاهر ٍة جديد ٍة أخرى وهي الصوت (من الفقاقيع)‪ ،‬وأما لو ازدادت برودته فسيتحول إىل ٍ‬ ‫صلب وحينها سيكتسب‬ ‫جليد ٍ‬ ‫خصائص مثل الجمود والعتامة والتي مل تكن موجود ًة من قبل يف الغاز والسائل املائعني والشفافني‪.‬‬ ‫هذا االكتساب والفقد لعنارص جديد ٍة مل ِ‬ ‫يأت من أي إضاف ٍة خارجي ٍة للامء‪ ،‬وإمنا فقط من إعادة ترتيب نفس الجزيئات‬ ‫بشكلٍ مختلف‪ ،‬وذلك ببساط ٍة هو جوهر االنبثاق‪.‬‬ ‫وبصور ٍة أشمل فالهياكل املعقّدة تتكون من عنارص أصغر؛ ومع ترتيب تلك العنارص وتفاعلها بأشكا ٍل معينة‪ ،‬فإن النتيجة‬ ‫تكون نشأة ظواهر جديد ٍة قد تحتاج إىل قوانني جديد ٍة لدراستها‪.‬‬ ‫يف الفصل الثاين عرش من كتاب «الصورة الكربى» للفيزيايئ شون كارول‪ ،‬يتحدث عن االنبثاق وكيف أن الظواهر الطبيعية‬ ‫ٍ‬ ‫شاعري عن لوحة فان جوخ الشهرية «ليلة النجوم»‪،‬‬ ‫مستويات مختلف ٍة من الوصف؛ فيبدأ مبثا ٍل‬ ‫أحيانًا تحتاج لعدة‬ ‫ٍّ‬ ‫فيقول‪ :‬إن مكونات اللوحة‪ -‬القامش والطالء‪ -‬هي أشياء مادية‪ ،‬مام يجعل اللوحة كلها ليست أكرث من مجموعة ذرات‪،‬‬ ‫فلم يقم فان جوخ بإضافة أي مكونات طاق ٍة روحي ٍة إىل لوحته‪.‬‬ ‫‪42‬‬


‫االنبثاق‬ ‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫غالف كتاب «الصورة الكربى» إىل جانب الكاتب‪ ،‬الفيزيايئ شون كارول‬

‫ترتيب مع ٍني للذرات ليس هو الطريقة الوحيدة لوصف هذه الصنعة املادية‪،‬‬ ‫قائل أنه من الواضح أن تحديد‬ ‫ثم يُكمل ً‬ ‫ٍ‬ ‫فاللوحة تحتوي عىل ما هو أكرث من ذلك مبا يتعلق باختيار األلوان والتأثري النفيس للوحة واملكان والرسام نفسه‪ ...‬ثم‬ ‫يقول‪« :‬جميع تلك املفاهيم ذات املستوى األعىل هي أشياء تتجاوز مسألة ترتيب الذرات الجافة (والدقيقة يف الوقت‬ ‫نفسه) التي تشكّل اللوحة‪ .‬فتلك املفاهيم هي خصائص منبثقة»‪.‬‬ ‫ثم ينتقل كارول إىل مثا ٍل أكرث علمي ًة‪ ،‬فيشري إىل الهواء‬ ‫املوجود بالغرفة من حولك‪ ،‬ويقول هو عبار ٌة عن غا ٍز له‬ ‫خصائص عديد ٌة مثل الحرارة‪ ،‬الكثافة‪ ،‬الرطوبة‪ ،‬الرسعة‪...‬‬ ‫إلخ‪ ،‬وهي خصائص تنبع من تعاملنا مع الهواء باعتباره‬ ‫مائ ًعا غازيًا متدفقًا‪ ...‬ولكننا نعلم أن الهواء يف األصل‪-‬‬ ‫وعىل املستوى املجهري‪ -‬يتألف من عد ٍد كبريٍ من ذر ٍ‬ ‫ات‬ ‫ٍ‬ ‫وجزيئات منفردة‪ ،‬من النيرتوجني واألكسجني إىل جوار‬ ‫بعض الغازات األخرى‪.‬‬ ‫ليلة النجوم‪ ،‬بريشة ڤان خوخ‬

‫‪43‬‬


‫االنبثاق‬ ‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫وهنا يكون لدينا طريقتان لوصف الهواء‪ ،‬عىل مستويني مختلفني‪:‬‬ ‫األوىل هي وضع قامئ ٍة بجميع جزيئات الهواء (بأرقامها الهائلة)‬ ‫وتحديد حالة كل جزي ٍء منها‪ ،‬وهي طريق ٌة صحيح ٌة ولكن مضني ٌة‬ ‫وعمل ًيا غري ممكنة‪ ،‬وأما الطريقة الثانية فهي وصف محصالت تلك‬ ‫الجزيئات والتي تُ ثّل خصائصه املذكورة كامئع‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫مفردات مختلف ًة‬ ‫هاتان الطريقتان‪ -‬والكالم لكارول‪ -‬تستخدمان‬ ‫لوصف اليشء نفسه‪ ،‬ولكن كل نظري ٍة لها ٌ‬ ‫تطبيقي مختلف‪،‬‬ ‫نطاق‬ ‫ٌ‬ ‫كل منهام مكتفي ٌة‬ ‫ومن الواضح أن كال النظريتني صحيحة‪ ،‬ورمبا ًّ‬ ‫بذاتها وال تعتمد عىل األخرى‪ ،‬حتى وإن كانت إحداهام تنبع من األخرى فمن وجهة نظ ٍر عملي ٍة بإمكاننا أن نتحدث‬ ‫بلغة املائع دون أن نحتاج إىل اإلشارة للجزيئات وخصائصها‪.‬‬ ‫هنا يركّز كارول عىل جانب االنبثاق املتعلق برصد‬ ‫ٍ‬ ‫لنظريات‬ ‫البرش للظواهر املختلفة‪ ،‬واختيارهم‬ ‫ٍ‬ ‫مبفردات مختلف ٍة عن اليشء‬ ‫مختلف ٍة تتحدث‬ ‫نفسه‪ ،‬يف إطار النطاق التطبيقي لكل نظرية‪،‬‬ ‫وكأنه يقول إن التفرقة بني املجاالت املعرفية هي‬ ‫تفرق ٌة وضعي ٌة برشي ٌة ترجع ملنظورنا التفسريي‬ ‫لألمور‪.‬‬

‫ذرات‬

‫ﻏﻼف ﺣﻴﻮي‬

‫ﻧﻈﺎم ﺑﻴﺌﻲ‬

‫ﺟﻋﻋﺔ‬

‫ﺟﻤﻬﺮة ﻛﺎﺋﻨﺎت‬

‫ﺟﺰيء‬

‫ﺧﻠﻴﺔ‬ ‫ﻋﻀﻮ‬

‫ﻛﺎﺋﻦ ﺣﻲ‬

‫ﻧﺴﻴﺞ‬ ‫ﻧﻈﺎم‬ ‫ﺟﺴﺪي‬

‫‪44‬‬

‫ثم يقول‪« :‬عندما نتحدث عن أنظم ٍة جزيئي ٍة‬ ‫بسيطة‪ ،‬غال ًبا ما يكون ممك ًنا أن نحدد بدق ٍة‬ ‫املفردات النظرية املالمئة‪ ،‬وكذلك نقطة التحول‬ ‫من حال ٍة ألخرى‪ .‬غري أن الحدود الفاصلة تصبح‬ ‫أكرث ضبابي ًة عندما نبدأ يف مناقشة علم األحياء‬ ‫أو التفاعالت البرشية‪ ،‬ولكن مع انطباق نفس‬ ‫األفكار األساسية»‪.‬‬


‫االنبثاق‬ ‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫ٍ‬ ‫بحاالت انتقالي ٍة مهم ٍة يف تاريخ الكون‪:‬‬ ‫ثم يقوم برسد قامئ ٍة بسيط ٍة‬ ‫ تك ّون الپروتونات والنيوترونات من الكواركات والجلوونات يف بداية نشأة الكون‪.‬‬‫ اتحاد اإللكرتونات بنوى الذرات لتُك ّون الذرات‪ ،‬بعد االنفجار الكبري بعدة مئات اآلالف من السنني‪.‬‬‫ تك ّون النجوم األوىل التي مألت الكون بضو ٍء جديد‪.‬‬‫تفاعل كيميا ٌيئ مع ّق ٌد ومستمر‪.‬‬ ‫ أصل الحياة‪ٌ :‬‬‫ نشأة الكائنات متعددة الخاليا‪ :‬عندما اندمجت كائناتٌ حي ٌة مختلف ٌة لتصبح كائنا ح ًّيا واح ًدا‪.‬‬‫ نشأة الوعي‪ :‬الوعي بالذات والقدرة عىل وضع تصور ٍ‬‫ات ذهني ٍة للكون‪.‬‬ ‫ أصل اللغة والقدرة عىل تشكيل ومشاركة أفكا ٍر مجردة‪.‬‬‫ اخرتاع املاكينات والتكنولوجيا‪.‬‬‫فمثل نحن نعلم أن قوانني ميكانيكا الكم تختلف متا ًما عن قوانني الفيزياء الكالسيكية‪،‬‬ ‫وميكن إضافة املزيد من األمثلة‪ً :‬‬

‫‪ 34-10‬ﺛﺎﻧﻴﺔ‬

‫‪ 32-10‬ﺛﺎﻧﻴﺔ‬ ‫‪ 2710‬ﻣﺌﻮﻳﺔ‬

‫‪ 3‬دﻗﺎﺋﻖ‬ ‫‪ 1310‬ﻣﺌﻮﻳﺔ‬

‫‪ 300000‬ﺳﻨﺔ‬ ‫‪ 10000‬ﻣﺌﻮﻳﺔ‬

‫‪45‬‬

‫ﻣﻠﻴﺎر ﺳﻨﺔ‬ ‫‪ 200-‬ﻣﺌﻮﻳﺔ‬

‫‪ 15‬ﻣﻠﻴﺎر ﺳﻨﺔ‬ ‫‪ 270-‬ﻣﺌﻮﻳﺔ‬

‫اﻟﻴﻮم‬ ‫‪ 270-‬ﻣﺌﻮﻳﺔ‬


‫االنبثاق‬ ‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫بل ت ُعترب أكرث تعقي ًدا‪ ،‬إال أن الثانية تُعترب منبثق ًة عن األوىل‪ ،‬فالفيزياء الكالسيكية هي فيزياء الكم حني تعمل عىل الكتل‬ ‫الكبرية‪.‬‬ ‫وكذلك ميكن القول بأن علوم األحياء كلها منبثق ٌة عن الكيمياء‪ ،‬فريى العلامء أن الحياة نشأت من مرك ٍ‬ ‫ّبات كيميائي ٍة‬ ‫استطاعت تكرار نفسها وتقسيم األدوار بينها والعمل م ًعا بشكلٍ متكامل‪ ،‬ثم تطورت‪ ...‬وهكذا تتجمع الجزيئات لتخلق‬ ‫ٍ‬ ‫جزيئات أخرى لتُنتج وظائف بيولوجي ٍة أعىل وتصنع‬ ‫الربوتينات‪ ،‬التي تتجمع م ًعا لصنع هياكل معقد ٍة تتكامل م ًعا ومع‬ ‫كائ ًنا ح ًّيا‪.‬‬ ‫وكذلك فظواهر الذكاء والوعي والشعور‪ ،‬وعلم‬ ‫النفس بالكامل‪ ،‬منبثق ٌة عن األنظمة العصبية‬ ‫لتلك الكائنات الحية‪.‬‬ ‫وظاهرة األخالق إمنا هي منبثق ٌة عن وعي‬ ‫الكائنات‪ ،‬خاص ًة يف تفاعلها مع بعضها البعض‪.‬‬ ‫ويف تلك الحالة فال ميكن فصل تلك الظواهر‬ ‫ٍ‬ ‫نشاط‬ ‫املنبثقة عن مكوناتها‪ :‬فال حياة بدون‬ ‫وعي ومشاعر‪ ،‬والتي ال‬ ‫كيميايئ‪ ،‬وال أخالق بدون ٍّ‬ ‫توجد بدون مخ‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫كسل معر ٌيف واستهان ٌة بأهمية الرتتيب‬ ‫مثل) مضاف ًة لليشء بال دليلٍ هو ٌ‬ ‫مكونات خارجية (روحي ٍة ً‬ ‫وهكذا نجد أن افرتاض‬ ‫وقدرته عىل إفراز الجديد‪ ،‬وكذلك فمحاولة اختزال الظاهرة يف مكوناتها فقط يُعترب تسطي ًحا لألمور‪ ،‬فعلم االقتصاد أوسع‬ ‫كث ًريا من املال‪ ،‬وعلم النفس أوسع من املخ‪ ،‬واألخالق أوسع من املادة‪ ،‬واملشاعر أوسع من الكيمياء‪ ،‬كام أن لوحة فان‬ ‫جوخ أوسع من القامش والطالء‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫كينونات غيبي ٍة مبهمة‪ ،‬وإمنا‬ ‫ختا ًما‪ ،‬فالتجربة تخربنا أن املنهج األنسب ملحاولة فهم الظواهر حولنا ليس اختزالها يف‬ ‫تفكيكها لعنارصها األصلية وربطها ببعضها البعض‪ ،‬حينها قد نرى األشياء وكأنها مستوياتٌ من التفاعالت الطبيعية‬ ‫املعقدة‪ ،‬والتي ال تخلوا من دهش ٍة وجام ٍل وغموض‪ ،‬ولكن بشكلٍ ال يستدعي معه حرش أي افرت ٍ‬ ‫تفس‬ ‫اضات سحري ٍة ال ّ‬ ‫شيئًا‪.‬‬ ‫‪46‬‬


http://arabatheistbroadcasting.com/aamagazine https://www.aamagazine.blogspot.com https://www.facebook.com/pages/AAMagazine/498136386890299 https://issuu.com/928738

47


‫مسيلم ُة رحمن الياممة‪...‬‬ ‫وما أدراك ما الرحمن! جـ ‪2‬‬

‫قرآن مسيلمة‪ ،‬انتشاره وتأثريه‬

‫َمن قال أ ّن قرآن مح ّم ٍد ال ميكن اإلتيان‬ ‫مبثله أو بأفضل منه؟‬ ‫من قال أنه ال ميكن ألي سجعٍ أن‬ ‫يجذب أتبا ًعا يؤمنون به ِسوى سجع‬ ‫محمد؟‬ ‫من قال أ ّن القرآن فيه ِمن‬ ‫البالغة ما ليس يف غريه من‬ ‫النصوص؟‬

‫ﻗﺮﺁﻥ‬ ‫ُ‬ ‫ﻣﺴﻴﻠﻤﺔ‬

‫مصطفى ح ّجي‬ ‫‪48‬‬


‫ﻗﺮﺁﻥ‬ ‫مسيلم ُة رحمن الياممة‪ُ ...‬‬ ‫‪2‬‬ ‫جـ‬ ‫الرحمن‬ ‫ما‬ ‫اك‬ ‫ر‬ ‫أد‬ ‫وما‬ ‫ﻣﺴﻴﻠﻤﺔ‬

‫مصطفى ح ّجي‬

‫آمنت به العرب مبج ّرد سامعه‪ ،‬وهذا ما ال ميكن ألي سجعٍ آخر‬ ‫من قال أ ّن من معجزات القرآن أنه الكتاب الوحيد الذي ْ‬ ‫أو ٍ‬ ‫شخص آخر بخالف مح ّم ٍد أن يفعله؟‬ ‫صل الرحمن عليه وسلَّم قد أُ ِ‬ ‫وح َي إليه قرآنًا ُمعج ًزا آ َم َن به‬ ‫روى لنا التاريخ أ ّن نب ّينا وحبيبنا وقُ َّرة أعيننا «مسيلمة» ّ‬ ‫ولعل أوضح دليلٍ يُثب ُِت أن قرآن مسيلم َة قد ص ّدقه الكثريون هو ما نُ ِق َل إلينا عن تعداد من كان‬ ‫جم ٌع كث ٌري ِمن العرب‪ّ ،‬‬ ‫يف صفوف جيش مسيلمة الذين كانوا يَستميتون يف الدفاع عنه‪ ،‬فقد ذكر ابن كثريٍ يف «البداية والنهاية»(‪ )1‬أن تعداد‬ ‫مقاتل‪ ،‬ويف خ ٍرب آخر جاء أن العدد ‪ٍ 100‬‬ ‫ألف يف جيش مسيلمة‪.‬‬ ‫جيش مسيلمة كان ‪ 40‬ألف ً‬ ‫نستطيع أن نستنتج من هذا العدد املهول‬ ‫(من ‪ 40‬إىل ‪ 100‬ألف ُمقاتِل)‪ ،‬وهو عد ٌد‬ ‫كب ٌري ج ًدا بالنسبة لذلك الزمن‪ ،‬أ ّن غالب ّية‬ ‫سكّان رشق الجزيرة العربية كانوا يؤمنون‬ ‫مبسيلمة‪ ،‬فهذا العدد هو فقط للرجال‬ ‫املقاتلني‪ ،‬وبالتأكيد إن حسبنا ذَويهم ِمن‬ ‫النساء والشيوخ واألطفال فنجد أن عدد من‬ ‫يدينون بدين مسيلمة حينها كان يتجاوز‬ ‫املئة ٍ‬ ‫ألف عىل أقل تقدير‪ ،‬وهذا ما يدعم ما‬ ‫ذكرت ُه يف الجزء السابق عىل أن دين مسيلمة‬ ‫رشا انتشا ًرا كب ًريا وكان يُشكِّل تهدي ًدا‬ ‫كان منت ً‬ ‫عىل اإلسالم وعىل ُسلطة ٍ‬ ‫قريش بالتحديد‪.‬‬

‫حروب الردة‬

‫هذا العدد الكبري كان يُشكِّل تهدي ًدا للمسلمني‪ ،‬ويف أ ّول لقا ٍء بني جيش مسيلمة وجيش املسلمني بقيادة ٍ‬ ‫خالد بن الوليد‬ ‫خرس املسلمون املعركة‪ ،‬فقد قُ ِتل الكثري منهم وانسحبوا‪ ،‬وقد قُ ِتل كث ٌري من َح َفظَة القرآن لدرجة أن املسلمني خافوا من‬ ‫ضياع القرآن ونسيانه (ونتيج ًة لتلك الحادثة أمر أبو بك ٍر أن يُكتب القرآن عىل الجلود واألوراق «وقد كانت أ ّول عمل ّية جمعٍ‬ ‫فعليّ ٍة للقرآن»‪ ،‬فقد كان قبلها متشتِّتًا يف أذهان الكثري ِمن الصحابة فكان الحفظ هو الوسيلة الوحيدة لبقاء ِذكر القرآن)‪.‬‬ ‫ناتج عن إميانهم العميق مبسيلمة‬ ‫يت َو َّضح لنا من السابق حجم إخالص أتباع مسيلمة م ّمن يدينون بدينه‪ ،‬وهذا اإلخالص ٌ‬ ‫«صل الرحمن عليه وسلّم»‪.‬‬ ‫النبي ّ‬ ‫‪ -1‬ابن كثري‪ ،‬البداية والنهاية‪ ،‬ج ‪.6‬‬

‫‪49‬‬


‫ﻗﺮﺁﻥ‬ ‫مسيلم ُة رحمن الياممة‪ُ ...‬‬ ‫‪2‬‬ ‫جـ‬ ‫الرحمن‬ ‫ما‬ ‫اك‬ ‫ر‬ ‫أد‬ ‫وما‬ ‫ﻣﺴﻴﻠﻤﺔ‬

‫مصطفى ح ّجي‬

‫طمس املؤسسة اإلسالم ّية لقرآن مسيلمة‬ ‫ُ‬ ‫سمه الجيل األول من املسلمني بـ «قرآن‬ ‫اِمتاز مسلمة الحنفي عن باقي األحناف األوائل بأنه امتلك كتابًا ً‬ ‫خاصا به ّ‬ ‫نقل عن كتاب «املنتظم» من قرآن مسيلمة‪« :‬والشاة‬ ‫مسيلمة» أو سجع مسيلمة‪ ،‬وقد جاء يف كتاب «نشوة الطرب» ً‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫مم مل‬ ‫لعجب حمض»(‪ ،)2‬ويف هامش الصفحة جاء‬ ‫السوداء واللنب األبيض ‪ ٪‬إنه‬ ‫ٌ‬ ‫تعليق عىل هذا النص يقول‪« :‬لعلَّه ّ‬ ‫يُنرش من املنتظم»‪ .‬هذه الجملة تكشف ‪-‬دون قصد‪ -‬عمل ّية «التغييب» املتع ّمد التي مور َِست عىل غالب ّية ما يتعلّق‬ ‫مبسيلمة وقرآنه‪.‬‬ ‫ومبا أ ّن ما تبقّى من ِذك ٍر لقرآن مسيلمة قد وصل إلينا من خالل مؤسسة املؤرخني املسلمني «املؤسسة الضد» فيجب‬ ‫أيضا يوجد من املنسوب إىل مسيلمة ما هو متفاوتٌ يف‬ ‫علينا ّأل نتأ ّمل شيئًا خاليًا من التحريف والتشويه مام نقرأه‪ً ،‬‬ ‫القيمة والبالغة وهذا ما يثري الشك‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫محمد فنصوصه كثري ٌة‬ ‫السؤال الذي يجب أن نطرحه هنا‪ ،‬لقد ذكر بعض املؤرخني أن قرآن مسيلمة كان يضاهي قرآن‬ ‫وفيها بعض السجع البليغ‪ ،‬لكن أين هو هذا القرآن؟ ملاذا مل ينقلوا لنا آياته ونصوصه؟ كل ما أوردوه لنا هي بعض‬ ‫مثل؟!‬ ‫النصوص القصرية «كالفيل والضفدع» وغريها‪ ،‬ملاذا طمسوا قرآن مسيلمة ومل ينقلوه إلينا كام نقلوا أشعار الجاهلية ً‬ ‫رمبا سبب الطمس والتغييب الذي تع ّمده املسلمون‬ ‫ربا بني قرآن‬ ‫كان يك ال نكتشف أوجه التشابه ّ‬ ‫ٍ‬ ‫محمد وقرآن مسيلمة‪ ،‬أو رمبا ألن قرآن مسيلمة‬ ‫ٍ‬ ‫محمد فخافوا‬ ‫ميلك من البالغة ما يضاهي قرآن‬ ‫عىل املسلمني الذين سيقرأون سرية مسيلمة فيام‬ ‫ربا!‬ ‫بعد من أن يص ِّدقوا مسيلمة وقرآنه ويتّبعوه‪ّ ،‬‬ ‫قد يقول قائل‪ :‬املسلمون نقلوا لنا بالفعل بعض‬ ‫آيات مسيلمة ورسدوها لنا‪ ،‬لكن يبقى السؤال‪:‬‬ ‫ملاذا مل ينقلوا إلينا إلّ القليل والقليل ج ًدا عن مسيلمة‪ ،‬ثم حتّى وإن كانت هذه النصوص «كالضفدع يا ابن الضفدعني‬ ‫فلربا تكون ِمن تزييف ووضع املسلمني أنفسهم‬ ‫والفيل له خرطو ٌم طويل»‪ ،‬حتى وإن كانت ضمن ما نقله املسلمون ّ‬ ‫ليك يش ِّوهوا صورة مسيلمة ويضعونه ِ‬ ‫موضع السخرية‪.‬‬ ‫‪ -2‬ابن سعيد األندليس‪ ،‬نشوة الطرب يف تاريخ جاهلية العرب‪.631/2 ،‬‬

‫‪50‬‬


‫ﻗﺮﺁﻥ‬ ‫مسيلم ُة رحمن الياممة‪ُ ...‬‬ ‫‪2‬‬ ‫جـ‬ ‫الرحمن‬ ‫ما‬ ‫اك‬ ‫ر‬ ‫أد‬ ‫وما‬ ‫ﻣﺴﻴﻠﻤﺔ‬

‫مصطفى ح ّجي‬

‫ينبغي أن نذكر أن أتباع مسيلمة أُبيدوا ِمن ِق َبل املسلمني سوا ًء كانت إبادتهم أثناء وقوفهم إىل جانب مسيلمة يف حروبه‬ ‫ضد املسلمني‪ ،‬أو بعد مقتله‪ ،‬فقد قُ ِتل َمن قُ ِتل منهم أثناء هذه املعارك‪ ،‬ومن بَقي منهم فقد نُ ِف َي وقد دخل هؤالء البق ّية‬ ‫املنف ّيون يف اإلسالم تحت ُسلطة السيف‪ ،‬أي أ ّن الفرض ال التأثري هو الذي جعلهم يدخلون ‪-‬ظاهريًّا‪ -‬يف اإلسالم‪ ،‬لكنهم‬ ‫ظلّوا يُ ِ‬ ‫بطنون إميانهم بدينهم األ ّول «دين مسيلمة»‪ ،‬ولكن بعضهم قد َج َهروا باعتقادهم بدين مسيلمة هذا حتّى بعد‬ ‫أن سيطر املسلمون عىل جزيرة العرب والعراق وبالد الشام‪ ،‬فقد ورد أ ّن جامع ًة كثري ًة يف الكوفة عىل عهد عثام َن بن‬ ‫عفّا َن كانت تقول «أن مسيلمة كان عىل حق»(‪.)3‬‬ ‫ٍ‬ ‫مبسجد يف‬ ‫رجل‬ ‫َورد يف مص ّنف ابن أيب شيبة(‪ )4‬أنّه يف عهد عثامن َم ّر ٌ‬ ‫الكوفة وكان بنو حنيفة املنف ّيون من الياممة يأتون للصالة فيه وكانوا‬ ‫ً‬ ‫طحنا والعاجنات‬ ‫يقرأون يف صالتهم من قرآن مسيلمة «والطاحنات‬ ‫ً‬ ‫عجنا»‪ ،‬فأفىش هذا الرجل ما رآه لعثامن فأرسل عثامن لهم رسيّ ًة‬ ‫من املسلمني فت ّم قتلهم دون استتابة‪ ،‬وكام ذكر البالذري أ ّن من بني‬ ‫املقتولني يف الكوفة كان عبادة بن الحارث بن النواحة الذي قتله عبد‬ ‫الله بن مسعود وكان ابن النواحة مؤذِّن مسيلمة(‪.)5‬‬ ‫وقد وردت رواي ٌة أخرى لهذه الحادثة‪ ،‬وتقول هذه الرواية‪:‬‬ ‫«إن مررت ببعض مساجد بني حنيفة‬ ‫رجل إِ َل ابْن َم ْس ُعود فَق َ​َال‪ّ :‬‬ ‫َجا َء ٌ‬ ‫وهم يقرأون قراء ًة ما أنزلها اللَّه‪« :‬الط ِ‬ ‫َّاحنات طَ ْح ًنا‪ ،‬والعاجنات َع ْج ًنا‪،‬‬ ‫والخابزات َخ ْب ًزا‪ ،‬والثَّاردات ث َ ْر ًدا‪ ،‬والالقامت لَق ًْم»‪ .‬فأرسل إليهم عبد‬ ‫رجل و َر ُأسهم ابْن الن َّوا َحة‪ .‬ق َ​َال‪ :‬فأ َمر ِب ِه‬ ‫اللّه فأىت بهم‪ ،‬وهم سبعون ً‬ ‫َع ْبد اللَّه فقُتل‪ .‬ث ّم ق َ​َال‪ :‬ما ك ّنا ُمب ْح ِرزِين الشَّ ْيطان من َه ُؤ َل ِء‪ ،‬ولك ّنا‬ ‫لعل اللَّه أ َّن يَ ْك ِف َي َنا ُه ْم»(‪.)6‬‬ ‫نَ ْح ُدرهم إىل الشّ أْم ّ‬ ‫أيضا خ ٌرب ُمعت ٌم جاء يف كتاب «تقييد العلم»(‪ ،)7‬يتكلّم هذا الخرب عن حادث ٍة حصلت يف الكوفة أثناء خالفة عثامن‪،‬‬ ‫هنالك ً‬ ‫أناسا يف املسجد‪ ،‬فأتيتهم ذات يوم‪ ،‬فإذا عندهم‬ ‫يقول نص الخرب‪« :‬عن أشعث بن ٍ‬ ‫سليم عن أبيه‪ ،‬قال‪ :‬كنت أجالس ً‬ ‫رجل‬ ‫صحيف ٌة يقرأوها‪ ،‬فيها ِذك ٌر وحم ٌد وثنا ٌء عىل الله‪ ،‬فأعجبتني‪ ،‬فقلت لصاحبها أعطنيها فأنسخها قال‪ :‬فإين وعدت بها ً‬ ‫‪ -3‬مخترص سرية الرسول‪.27/‬‬ ‫‪ -4‬مص َّنف ابن أيب شيبة‪/‬ج‪/7‬ص ‪.597‬‬ ‫‪ -5‬فتوح البلدان‪.59/‬‬ ‫‪ -6‬تاريخ اإلسالم ت تدمري ‪.2/685‬‬ ‫‪ -7‬تقييد العلم‪55 :‬‬

‫‪51‬‬


‫ﻗﺮﺁﻥ‬ ‫مسيلم ُة رحمن الياممة‪ُ ...‬‬ ‫‪2‬‬ ‫جـ‬ ‫الرحمن‬ ‫ما‬ ‫اك‬ ‫ر‬ ‫أد‬ ‫وما‬ ‫ﻣﺴﻴﻠﻤﺔ‬

‫مصطفى ح ّجي‬

‫فأعد صحفك‪ ،‬فإذا فرغ منها‪ ،‬دفعتها إليك» فأعددت ُص ُحفي‪ ،‬فدخلت املسجد ذات يوم‪ ،‬فإذا غالم يتخطى الخلق‪،‬‬ ‫يقول‪ :‬أجيبوا عبد الله بن مسعود يف داره‪ ،‬فانطلق الناس‪ ،‬فذهبت معهم‪ ،‬فإذا تلك الصحيفة بيده‪ .‬وقال‪ :‬أال إن ما يف‬ ‫هذه الصحيفة فتن ٌة وضالل ٌة وبدعة؛ وإمنا هلك من كان قبلكم من أهل الكتب باتّباعهم الكتب‪ ،‬وتركِهم كتاب الله‪ .‬وإين‬ ‫أحرج عىل رجلٍ يعلم منها شيئًا إال دلني عليه‪ .‬فوالذي نفس عبد الله بيده‪ ،‬لو أعلم منها صحيف ًة بدير هن َد ألتيتها‪ ،‬ولو‬ ‫يل؛ فدعا مباء‪ ،‬فغسل تلك الصحيفة»‪.‬‬ ‫مش ًيا عىل رج ّ‬ ‫أفزعت‬ ‫هذه الصحيفة التي استحوذَت عىل الحضور حتى أنها‬ ‫ْ‬ ‫عبد الله بن مسعو ٍد ومن معه من املسلمني مل تكن ّإل ذك ٌر‬ ‫هائل دفعت بابن‬ ‫لله وحم ٌد وثنا ٌء عليه‪ ،‬ملاذا َمثّلت تهدي ًدا ً‬ ‫مسعو ٍد إىل أن يُ ِ‬ ‫قسم بأن ميحوها ويستأصلها ولو كانت بدير‬ ‫هند؟!‬ ‫إن األمر ال يتعلَّق مبضمون الصحيفة وأسلوبها بقدر ما‬ ‫يتعلّق مبنبعها ومصدرها‪ .‬وقد جاء الخرب دون ِذكر منبع هذه‬ ‫الصحيفة‪ ،‬إال أ ّن منبعها ميكننا استنتاجه وهو مسيلمة وأن‬ ‫بعضا من آياته‪ .‬وأعيد وأكرر‪ :‬هذا الخرب وما فيه‬ ‫مضمونها كان ً‬ ‫حدث يف عهد عثامن ويف الكوفة بالعراق‪.‬‬

‫قرآن محم ٍد أم قرآن مسيلمة؟‬ ‫ٍ‬ ‫محمد وأنه ‪-‬أقصد مسيلمة‪ -‬كان يسجع منذ بداية‬ ‫كام ذكرتُ يف الجزأين السابقني فإ ّن نب ّوة مسيلم َة كانت قبل نب ّوة‬ ‫تن ُّب ِئه‪ ،‬وأحد األدلّة التي ت ُثبت هذا هو ما َو َرد يف كتاب «الزهري»‪ :‬أ َّن محم ًدا عندما قال «بسم الله الرحمن الرحيم»‬ ‫قريش ملحمد‪ُ « :‬د ّق فوك» (أي مبعنى شُ َّل فَ ُم َك)‪ُ ،‬د َّق ف َُوك إنّ ا تَذكُر مسيلمة «رحمن الياممة»‪ ،‬وقد‬ ‫أل ّول م ّرة‪ ،‬قالت ٌ‬ ‫قليل وقال ال تجهروا بها وكذلك عندما قال محمد‬ ‫فأحس محم ٌد بأنّه تو ّرط فرتاجع ً‬ ‫عايروه بأنّه أخذها من قرآن مسيلمة‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫قريش هو رحمن الياممة مسيلمة‪.‬‬ ‫«اسجدوا للرحمن» غضب القوم وزادهم نفو ًرا؛ ألن الرحمن كام تعرفه ٌ‬ ‫وهذا أحد اإلثباتات التي ت َؤكِّد أ َّن ا ّدعاء مسيلمة للنبوة كان قبل ا ّدعاء محمد‪.‬‬ ‫اآلن‪ ،‬وبالرغم من أن املسلمني قد طمسوا غالبيّة ما يتعلّق مبسيلة وأحرقوا كُتُبه وكُتُب أتباعه ومسحوها من الوجود يف‬ ‫محاول ٍة منهم لتج ّنب كشف الناس ألرسار نب ّوة مسيلمة وبالتايل تج ُّنب معرفة الناس التشابه الكبري بني دعوة مسيلمة‬ ‫‪52‬‬


‫ﻗﺮﺁﻥ‬ ‫مسيلم ُة رحمن الياممة‪ُ ...‬‬ ‫‪2‬‬ ‫جـ‬ ‫الرحمن‬ ‫ما‬ ‫اك‬ ‫ر‬ ‫أد‬ ‫وما‬ ‫ﻣﺴﻴﻠﻤﺔ‬

‫مصطفى ح ّجي‬

‫بعضا من آيات مسيلمة والتي ن َجت من الطمس‪ ،‬واملُل ِفت للنظر أ ّن‬ ‫ودعوة محمد‪ّ ،‬إل أ ّن كُتُب األخبار قد نَ َقل َْت إلينا ً‬ ‫كشفت‬ ‫أغلبها تتشابه يف سجعها مع آيات محمد‪ ،‬ورمبا يؤكِّد هذا التشابه أ ّن محم ًدا كان يُقلِّد مسيلمة يف قرآنه‪ ،‬وقد‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫محمد فالواقع ّ‬ ‫يدل عىل العكس‪.‬‬ ‫قائل أ ّن مسيلمة رسق من‬ ‫حت أن مسيلمة تنبّأ قبل مح ّم ٍد يك ال يقول ٌ‬ ‫سابقًا َّ‬ ‫ووض ُ‬ ‫بعضا ِمن آيات مسيلمة‬ ‫وإذا صدقت األخبار التي تنقُل لنا ً‬ ‫عل من قول مسيلمة فسنالحظ بأشد الوضوح‬ ‫وكانت ِف ً‬ ‫ونجد أ ّن مسيلمة يُق ِْسم مبا يف بيئته من حوله يف آياته‬ ‫وكذا محم ٌد يُ ِ‬ ‫قسم‪ ،‬ونجد أ ّن مسيلمة قد حلّل لنفسه‬ ‫وألتباعه االستمتاع بالنساء حيث تهب النساء أنفسهن له؛‬ ‫سجاح نفسها ملسيلمة(‪ ،)8‬وكذلك َ نج ُد محم َ ًدا‬ ‫وه َب ْت‬ ‫وقد‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ َ ْ َ َ َ َّ ّ ْ َ َ‬ ‫﴿ َو ْ‬ ‫اد انلَّ ُّ‬ ‫ب أن‬ ‫ب إِن أر‬ ‫ام َرأةً ُّمؤم َِنة إِن َّوهبت نفسها ل ْ ِلن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ً‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫ك مِن ُدون ال ُم ْؤ ِمن َ‬ ‫ي َ ْستَنك َ‬ ‫ِني َ ۗ ق ْد َعل ِْم َنا َ َما‬ ‫ِح َها خال َِصة َل‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ​َ َ​َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ك ْ‬ ‫َ​َ ْ َ َ َْ ْ‬ ‫َْ‬ ‫ت أ ْي َمان ُه ْم ل ِكيْل‬ ‫ج ِهم وما مل‬ ‫فرضنا علي ِهم ِف أزوا ِ‬ ‫َ ُ َ َ َْ َ‬ ‫ك َح َر ٌج ۗ َو َك َن َّ ُ‬ ‫ورا َّرح ً‬ ‫الل َغ ُف ً‬ ‫ِيما﴾ (األحزاب‪:‬‬ ‫يكون علي‬

‫‪.)50‬‬ ‫ٍ‬ ‫ملحمد عندما نزلت هذه‬ ‫وقد أغضب هذا عائشة فقالت‬ ‫اآلية‪« :‬ما أرى ربّك إلّ يُسارِع يف هواك»‪.‬‬ ‫وقد كان ملسيلمة صال ٌة يُقرأ فيها ِمن قرآنه‪ ،‬فعن حارثة‬ ‫َرسا له ف َم َّر مبسجد بني‬ ‫رض قال‪َ :‬خرج ٌ‬ ‫بن ُم ٍ‬ ‫رجل يَط ُرق ف ً‬ ‫فصل فيه‪ ،‬فقرأ بهم إمامهم بكالم‬ ‫حنيف َة يف الياممة ّ‬ ‫مسيلمة الكذّاب(‪.)9‬‬

‫وهنا نُالحظ أ ّن مسيلمة حينها كان لديه أمئّ ٌة ي ُؤ ُّمون‬ ‫باملصلّني وله صلواتٌ ت ُقام يف مساجده‪ ،‬وس ُنالحظ تاليًا‬ ‫تطابق السجع يف قرآن مسيلمة مع قرآن محمد؛‬

‫‪ -8‬مثار القلوب‪315 :‬‬ ‫‪ُ -9‬مص َّنف ابن أيب شيبة‪ ،‬كتاب الجهاد‪ ،‬باب ما قالوا يف الرجل يُسلم ث ّم يَرتَد ما يُصنع به‪ ،‬حديث رقم ‪.17‬‬

‫‪53‬‬


‫ﻗﺮﺁﻥ‬ ‫مسيلم ُة رحمن الياممة‪ُ ...‬‬ ‫‪2‬‬ ‫جـ‬ ‫الرحمن‬ ‫ما‬ ‫اك‬ ‫ر‬ ‫أد‬ ‫وما‬ ‫ﻣﺴﻴﻠﻤﺔ‬

‫مصطفى ح ّجي‬

‫مسيلمة سألته‪ :‬ماذا أُوحي َ‬ ‫إليك؟ فقال‪:‬‬ ‫فمثل عندما ذ َه َبت سجاح إىل‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ​َ‬ ‫ّ‬ ‫فاق وحشا ‪ ٪‬إن اهلل خلق النساء أفواجا‬ ‫«ألم تر كيف فعل ربك باحلبىل ‪ ٪‬أخرج منها نسمة تسىع ‪ ٪‬من بني لك ِ‬ ‫ص ٍ‬ ‫َ‬ ‫‪ ٪‬وجعل الرجال لهن أزواجا ‪ ٪‬فنولج فيهن قعسا إيالجا ‪ ٪‬ثم خنرجها إذا شئنا إخراجا ‪ ٪‬فينتجن نلا سِخاال ن ِتاجا»‪.‬‬ ‫فقالت سجاح‪ :‬أشهد أنّك نبي(‪.)10‬‬ ‫وقال مح ّمد‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ْ َ َ َ ْ َ َ َ ُّ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫يل﴾‪.‬‬ ‫﴿ألم تر كيف فعل ربك بِأصح ِ‬ ‫اب الفِ ِ‬ ‫أيضا قال مسيلمة‪:‬‬ ‫ً‬

‫والمبذرات ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫حصدا ‪ ٪‬واذلاريات ً‬ ‫ً‬ ‫« ُ‬ ‫عجنا ‪ ٪‬واخلابزات‬ ‫طحنا ‪ ٪‬والعاجنات‬ ‫قمحا ‪ ٪‬والطاحنات‬ ‫زرع ‪ ٪‬واحلاصدات‬ ‫ُ ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ثردا ‪ ٪‬والالقمات ً‬ ‫ضلتم ىلع أهل الوبر ‪ ٪‬وما سبقكم أهل المدر ‪٪‬‬ ‫خزبا ‪ ٪‬واثلاردات‬ ‫لقما ‪ ٪‬إهالة وسمنا ‪ ٪‬لقد ف ِ‬ ‫ضيفكم فامنعوه ‪ ٪‬والمعرت فآووه ‪ ٪‬وابلايغ فناوئوه»(‪.)11‬‬

‫وقال محمد‪:‬‬

‫َ ْ ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫ُ ً‬ ‫َ ً‬ ‫َ َْ َ‬ ‫َ َْ َ‬ ‫ات ذ ِْك ًرا ‪ُ ٪‬ع ْذ ًرا أَ ْو نُ ْذراً‬ ‫ات ن َ ْ ً‬ ‫ات َع ْص ًفا ‪َ ٪‬وانلَّ ِ َ‬ ‫اصف ِ‬ ‫ت ع ْرفا ‪ ٪‬فالع ِ‬ ‫﴿ َوال ُم ْر َسل ِ‬ ‫ات ف ْرقا ‪ ٪‬فال ُملقِ َي ِ‬ ‫شا ‪ ٪‬فالفارِق ِ‬ ‫اش ِ‬ ‫َّ َ ُ َ ُ َ َ‬ ‫‪ ٪‬إِنما توعد‬ ‫ون ل َواق ٌِع﴾ سورة املرسالت‪.‬‬

‫قال مسيلمة‪:‬‬

‫َ‬ ‫َ ّ‬ ‫«إنَّا أَ ْع َطيْ َن َ‬ ‫اك ْ َ‬ ‫ال َواه ِْر ‪ ،‬ف َص ِل ل َِر ّب ِ َك َو َها ِج ْر‪ ،‬إ ِ َّن ُمبْغِ َض َك َر ُج ٌل كف ِْر»(‪.)13 ،12‬‬ ‫ِ‬

‫وقال محمد‪:‬‬

‫َْ‬ ‫ْ‬ ‫َ ّ‬ ‫َّ َ ْ َ ْ َ َ ْ َ َ‬ ‫﴿إِنا أعطين‬ ‫اك الك ْوث َر ‪ ٪‬ف َص ِل ل َِر ّب ِ َك َوانَ ْر ‪ ٪‬إ ِ َّن َشان َِئ َك ُه َو البْ َ ُت﴾ سورة الكوثر‪.‬‬

‫قال مسيلمة‪:‬‬

‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َ​َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ُ َ َ‬ ‫داها ‪ْ ،‬‬ ‫يط َ‬ ‫لبها يلغشاها ‪ ،‬فأدركها َح َّت أتاها ‪ ،‬وأطفأ‬ ‫حاها ‪ ،‬يف ضوئها ومنجالها ‪َ ،‬والليْل إِذا ع‬ ‫« َوالش ْمس وض‬ ‫نورها فمحاها»‪.‬‬

‫وقال محمد‪:‬‬

‫ّ‬ ‫َ َْ‬ ‫َّ‬ ‫َ َّ ْ َ َ ْ َ َ‬ ‫َ َّ َ َ َ َّ َ‬ ‫َ َْ َ َ َ​َ َ‬ ‫َ ُ َ َ‬ ‫َ َّ َ ِ َ َ َ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫﴿ َوالش ْم ِس وضحاها ‪ ٪‬والقم ِر إِذا تلها ‪ ٪‬وانلهارِ إِذا جلها ‪ ٪‬واللي ِل إِذا يغشاها ‪ ٪‬والسماء وما بناها ‪ ٪‬والر ِض‬ ‫َ​َ َ َ َ‬ ‫اها﴾ سورة الشمس‪.‬‬ ‫وما طح‬ ‫‪( -10‬معرفة أنساب العرب‪ )4/12:‬و (تاريخ الطربي‪.)2/270 :‬‬ ‫‪ -11‬تاريخ الطربي‪.2/279 :‬‬ ‫‪ -12‬أبو عبد الله القزويني‪ ،‬آثار البالد وأخبار العباد‪.91 :‬‬ ‫َ​َ‬ ‫َّ َ ْ َ ْ َ َ ْ َ َ ْ َ َ ّ َ ّ َ َ َ ْ َ َ ُ ْ ُ َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫‪ -13‬يف نسخ ٍة أخرى بحسب ابن تيمية يف «بغية املرتاد يف الرد عىل املتفلسفة والقرامطة والباطنية»‪« :‬إِنا أعطيناك الماهِر ‪ ،‬فص ِل ل ِرب ِك وها ِجر ‪ ،‬ولتطِع ك ساح ٍِر وكف ِر»‪.‬‬

‫‪54‬‬


‫ﻗﺮﺁﻥ‬ ‫مسيلم ُة رحمن الياممة‪ُ ...‬‬ ‫‪2‬‬ ‫جـ‬ ‫الرحمن‬ ‫ما‬ ‫اك‬ ‫ر‬ ‫أد‬ ‫وما‬ ‫ﻣﺴﻴﻠﻤﺔ‬

‫مصطفى ح ّجي‬

‫قال مسيلمة‪:‬‬

‫َّ َْ َ‬ ‫َ‬ ‫نسم ًة ْ‬ ‫« ّ‬ ‫لع ‪ ،‬اذلي ي َ َّس ىلع احلبىل ‪ ،‬فَأخرج م َ‬ ‫ِنها َ‬ ‫تسىع ‪ ،‬من بَني أحشاء َومىع ‪ ،‬فمنهم من‬ ‫سبح اسم ربك ال‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫وي ُّ‬ ‫يموت ُ‬ ‫دس يف الثى ‪َ ،‬ومِنهم من يعِيش َويبىق إِل أجل ومنتىه ‪َ ،‬واهلل يعلم الرس وأخىف ‪َ ،‬ول ختىف َعليهِ اآلخ َِرة‬ ‫َ‬ ‫َواألول»(‪.)14‬‬

‫وقال محمد‪:‬‬

‫َ َْ َْ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ َّ َ ْ‬ ‫اء أَ ْ‬ ‫﴿ َس ّبحِ ْ‬ ‫خ َر َج ال ْ َم ْر َع ‪ ٪‬فَ َ‬ ‫ج َعلَ ُه ُغ َث ً‬ ‫ح َوى ‪٪‬‬ ‫اس َم َر ّب ِك الع ‪ ٪‬الِي خل َق ف َس َّوى ‪َ ٪‬والِي ق َّد َر ف َه َدى ‪ ٪‬والِي أ‬ ‫ِ‬ ‫ّ ْ‬ ‫ََُ ّ ُ َ ْ‬ ‫َ ُْ ُ َ َ​َ َْ‬ ‫َ​َ ّ ْ ْ َ​َ‬ ‫َّ َ َ َ ّ َ َّ ُ َ ْ َ ُ ْ َ ْ َ َ َ َ ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫سنق ِرئك فل تنس ‪ ٪‬إِل ما شاء الل إِنه يعلم الهر وما يف ‪ ٪‬وني ِسك ل ِليسى ‪ ٪‬فذكِر إِن نفع ِت ا ِذلكرى﴾ سورة‬

‫األعىل‪.‬‬

‫أيضا ِمن آيات مسيلمة‪:‬‬ ‫ً‬

‫«قد سمع اهلل لمن سمع ‪ ،‬وأطعمه باخلري إذا طمع ‪ ،‬وال زال أمره يف لك ما رس نفسه جيتمع ‪ ،‬رآكم ربكم فحياكم‬ ‫‪ ،‬ومن وحشة خالكم ‪ ،‬ويوم دينه أجناكم فأحياكم ‪ ،‬علينا من الصلوات معرش أبرار ‪ ،‬ال أشقياء وال فجار ‪،‬‬ ‫يقومون الليل ويصومون انلهار ‪ ،‬لربكم الكبار ‪ ،‬رب الغيوم واألمطار»(‪.)15‬‬ ‫ْ ُ‬ ‫يل َو َما أَ ْد َر َ‬ ‫اك َما‬ ‫وإذا الحظتم فإ ّن رجال الدين املسلمني عندما يتح ّدثون عن مسيلمة ال يذكرون ِمن آياته إلّ سورة «الفِ‬ ‫َ َْ‬ ‫ْ ُ‬ ‫َ ُ َ ُّ ٌ َ ٌ‬ ‫ّ‬ ‫َ ْ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ع ابنة ضفدع ‪ ،‬ن ِّق َما تنِق َ‬ ‫يل ‪ ،‬إ ِ َّن َذل َِك م ِْن َخلْق َر ّب َنا ْ َ‬ ‫الفِيل ‪ ،‬ل زلوم طو‬ ‫د‬ ‫ف‬ ‫ض‬ ‫ا‬ ‫ي‬ ‫ال‬ ‫«‬ ‫وسورة‬ ‫»‪،‬‬ ‫ِيل‬ ‫ل‬ ‫ني ‪ ،‬أعلكِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َ ِْ‬ ‫َ َ​َ ْ َ ُ‬ ‫َ َّ َ َ‬ ‫َ َ ُ َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ني ‪ ،‬ل الشارِب تمنعِني ‪ ،‬ول الماء تك ِدرِين»‪ ،‬لن ترى مشايخ املسلمني يتح ّدثون عن آيات‬ ‫ِف الماءِ وأسفل ِ‬ ‫ك ِف ال ِط ِ‬

‫لربا تكون األخرية ِمن تزييف وتأليف ووضعِ‬ ‫مسيلمة ِسوى بهذه اآليات؛ ألنها من أسخف النصوص‪ ،‬وكام قلت سابقًا ّ‬ ‫املسلمني أنفسهم ليك يش ِّوهوا صورة مسيلمة ليضعوه ِ‬ ‫موضع السخريّة‪ ...‬لكن حتّى وإن قالها مسيلمة نفسه فيمكننا‬ ‫مالحظة أ ّن مح ّم ًدا قد استلهم من السورة األوىل «ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر»‪.‬‬ ‫وص ِّدقوين؛ آيات ‪-‬الضفدع والفيل ما الفيل‪ -‬لو افرتضنا أ ّن قائلها هو مح ّم ٌد وأنها مكتوب ٌة يف قرآن املسلمني؛ لو َجدنا شيوخ‬ ‫اإلسالم ودعاة اإلعجاز يصنعون منها إعجازًا علم ًّيا وبالغ ًّيا‪ ،‬لكنها ملسيلمة «كام يقولون» بالتايل هي هرا ٌء يف هراء‪ ،‬بعكس‬ ‫اإلعجاز البالغي والعلمي الكبري يف آيات «ليس عىل األعمى حرج‪ ،‬والبغال والحمري لرتكبوها»‪.‬‬

‫‪ -14‬ابن الثعالبي‪ ،‬مثار القلوب يف املضاف واملنسوب‪.147 :‬‬ ‫‪ -15‬عيل الحلبي‪ ،‬إنسان العيون يف سرية األمني املأمون‪ ،‬السرية الحلبية‪.‬‬

‫‪55‬‬


https://www.facebook.com/groups/arbangroup/

56


‫دليلك لدحض الخرافات‬

‫جون كوك ستيڤن ليونداوسيك‬

‫كلنا نكرب مع خر ٍ‬ ‫افات تط ّورت عىل مدى قرونٍ ورافقت أجدادنا وأجدادهم من قبلهم‬ ‫حتى صارت جز ًءا أساس ًيا من هوية ثقافتنا‪ ،‬هذه هي طبيعة البرش‪ ،‬لكن مثة خر ٍ‬ ‫افات‬ ‫هدا ًما‬ ‫ذات أم ٍد أقرص‪ ،‬تظهر أمام ناظرينا وتتح ّور وتتطور وترتك أث ًرا يكون يف الغالب ّ‬ ‫عىل املجتمع حتى لو كان فيها بعض الفائدة‪.‬‬ ‫‪57‬‬


‫دليلك لدحض الخرافات‬ ‫مقدمة املرتجم‬

‫ٍ‬ ‫معتقدات متوارث ٍة من أكرب األنظمة الخرافية يف الرتاث البرشي ومواجهة آثاره هي معرك ٌة‬ ‫لرمبا كان الدين وما يرافقه من‬ ‫وتغي ٍ‬ ‫ات مجتمعي ًة‬ ‫معقد ٌة طويلة األمد‪ ،‬لن تنجح بفعل جهو ٍد فردي ٍة متناثرة‪ ،‬وإمنا تحتاج إراد ًة شعبي ًة واسعة النطاق ّ‬ ‫جارف ًة متثّل الجهود التنويرية إحدى ظواهرها‪ ،‬وموجة ترك الدين ونقده العلني التي نشهدها يف العقدين األخريين‬ ‫تدل عىل وجود تغري ٍ‬ ‫ات مجتمعي ٍة واسعة النطاق‪ ،‬لكننا يف هذا املقال لن نتعامل مع الدين ككل من حيث هو خراف ٌة‬ ‫يل وال الدين خراف ٌة واحد ٌة باملعنى الذي سيتعامل معه املقال‪ ،‬فالرتكيز هنا سيكون‬ ‫مسترشي ٌة ميكن دحضها‪ ،‬فال األمر عم ٌ‬ ‫عىل أساليب التعامل مع الخرافات األكرث تحدي ًدا‪ ،‬ومع أن بعض األمثلة التي يوردها املقال بعيد ًة بعض اليشء عن‬ ‫القارئ العريب‪ ،‬إال أن املثال األقرب الذي ينطبق عليه املقال يف حارضنا اليوم هو خرافة اإلعجاز العلمي يف القرآن والسنة‪.‬‬ ‫غامض بعض اليشء‪ ،‬أو غري دارج‬ ‫قبل البدء ال بد من توضيح بعض املصطلحات التي سرتِد يف املقال‪ ،‬لكون املقابل العريب ٌ‬ ‫االستعامل بالطريقة املذكورة يف األصل اإلنجليزي‪.‬‬

‫تسعة‬

‫ستة‬

‫أول هذه املصطلحات هي كلمة «واقعة» كمقابلٍ‬ ‫بدل‬ ‫لكلمة ‪ ،Fact‬حيث ارتأيت ترجمتها إىل «واقعة» ً‬ ‫من «حقيقة» عىل غري ما ت ُرتجم غالبًا‪ ،‬والسبب أن‬ ‫مفهوم الحقيقة بتداعياته الفلسفية ال مكان له يف‬ ‫مشاهدات وتفسري ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ات لتلك‬ ‫العلم‪ ،‬فالعلم مك ّو ٌن من‬ ‫ٍ‬ ‫ونظريات تنظّم تلك التفسريات عىل شكلِ‬ ‫املشاهدات‬ ‫نظري يشمل إضاف ًة إىل تفسري املشاهدات عىل‬ ‫بنا ٍء‬ ‫ٍّ‬ ‫مريح‬ ‫قدرة التنبؤ باملزيد من املشاهدات املحتملة‪ ،‬وكل عملية البحث العلمي ال تشمل أي يقينيات‪ ،‬فاليقني هو وه ٌم ٌ‬ ‫يرتبط بقو ٍة بفكرة الحقيقة كام نراها يف مجال الدين بالذات‪ .‬ورغم أن املعنى اإلنجليزي للكلمة يحتوي يف شكله‬ ‫وهم مشاب ٍه نو ًعا ما‪ ،‬إال أن كلمة «حقيقة» تُقابل بشكلٍ أقرب كلمة ‪ ،Truth‬والحقيقة توحي مبعرف ٍة‬ ‫املتداول عىل ٍ‬ ‫مطلقة تتعدى عملية البحث والخطأ والتعديل وإعادة النظر التي متيز تحصيل املعرفة‪ ،‬فنحن نستطيع تحصيل املعرفة‬ ‫عن وقائع معينة لكننا إسباغ صفة اليقني عىل هذه الوقائع هو أم ٌر غري مرب ٍر وال سبيل له‪ ،‬ولذا وجب التمييز بني املعنيني‪.‬‬ ‫املصطلح الثاين هو «معلومة مضلِّلة» كرتجم ٍة لكلمة ‪ ،Misinformation‬فمع أن منت املقال نفسه يعطي تعريفًا لها‪،‬‬ ‫تضليل متعم ًدا بالرضورة‪ ،‬فاملضلِّل هنا هو املعلومة وليس مختلِق املعلومة بالرضورة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وجب إيضاح أن املقصود هنا ليس‬ ‫أيضا وصفها باملعلومة الخاطئة‪ ،‬أما النرش املتعمد ملعلوم ٍة خاطئة (مختَلَق ٍة أو نابع ٍة من سوء فهم) فهو‬ ‫لذا من املمكن ً‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫معلومات دون سياقها الحقيقي‬ ‫معلومات حقيقي ٍة بهدف اإلساءة أو‬ ‫يقابل التضليل ‪ ،Disinformation‬أو تعمد نرش‬ ‫‪ ،Malinformation‬وهذان النوعان ال ميثالن موضوع مقالنا هذا‪.‬‬ ‫‪58‬‬


‫دليلك لدحض الخرافات‬ ‫إليكم اآلن ترجمة املقال‪ ،‬وبعده أقوم بالتعقيب عليه يف سياق خرافة اإلعجاز العلمي‪:‬‬ ‫إن دحض الخرافات عملي ٌة تعرتيها إشكاالت‪ .‬فبدون توخي الحذر‪ ،‬قد تؤدي محاولة دحض معلوم ٍة مضلِّلة‬ ‫‪ Misinformation‬إىل تعزيز االعتقاد بالخرافة التي يحاول املرء تصحيحها‪.‬‬ ‫ولتجنب هذه التأثريات العكسية‪ ،‬فإن الدحض الف ّعال يتطلب ثالثة عنارص رئيسية‪:‬‬ ‫‪ -1‬أولها أن يركز النقض عىل الحقائق الجوهرية‪ ،‬ال عىل الخرافة نفسها‪ ،‬وذلك لتجنب جعل املعلومة املضلِّلة أكرث ألف ًة‪.‬‬ ‫‪ -2‬ثانيها أن أي ذك ٍر للخرافة يجب أن يكون مسبو ًقا بتحذير ٍ‬ ‫ات رصيح ٍة للقارئ بأن املعلومة التي ستيل خاطئة‪.‬‬ ‫‪ -3‬وآخر تلك العنارص أن عىل النقض أن يحتوي تفس ًريا ً‬ ‫بديل يُعلل الخصائص الهامة التي متيز املعلومة املضلِّلة األصلية‪.‬‬

‫دحض خراف ٍة متعلق ٍة بعملية الدحض نفسها‬

‫ٍ‬ ‫معلومات دقيقة‪ .‬ولكن يف قضايا عديد ٍة تستطيع‬ ‫من الجيل أن عىل املجتمعات الدميقراطية تأسيس قراراتها عىل‬ ‫املعلومات املضلِّلة التغلغل يف بعض أجزاء املجتمع‪ ،‬ال سيام إذا ما اقرتن األمر مبصالح مكتسبة(‪ .)2 ،1‬وميثّل التقليل من‬ ‫أثر املعلومات املضلِّلة تحديًا معق ًدا وصع ًبا‪.‬‬

‫فهم شائعٍ يتعلق بالخرافات ويتمثّل يف توهم سهولة إزالة أثر الخرافة عرب حشو رؤوس الناس باملزيد من‬ ‫يوجد سوء ٍ‬ ‫املعلومات‪ .‬وينطلق هذا املذهب من افرتاض أن تصورات الناس الخاطئة تنبع من ٍ‬ ‫نقص يف املعرفة‪ ،‬وأن الحل يكون‬ ‫بتوفري املزيد من املعلومات‪ .‬ويُعرف هذا املذهب يف مبحث نرش العلم ‪ Science communication‬باسم «منوذج‬ ‫نقص املعلومات» ‪ .Information deficit model‬لكن هذا النموذج خاطئ‪ ،‬فالناس ال يهضمون املعلومات بنفس‬ ‫بساطة ما يفعله قرص تخزين الحاسوب عندما يح ّمل املعلومات‪.‬‬ ‫إن نقض املعلومات املضلِّلة يقتيض التعامل‬ ‫منوذج الحوار‬ ‫منوذج نقص املعلومات‬ ‫ٍ‬ ‫عمليات إدراكي ٍة معقدة‪ ،‬فحتى ينجح‬ ‫مع‬ ‫نارش املعلومات يف مسعاه‪ ،‬يحتاج إىل فهم‬ ‫الحكومات‬ ‫الخرباء‬ ‫الكيفية التي يعالج فيها الناس املعلومات‪،‬‬ ‫نقل‬ ‫وكيفية تعديلهم للمعرفة التي بحوزتهم‪،‬‬ ‫املعلومات‬ ‫وكيفية تأثري نظرة املرء العامة إىل العامل عىل‬ ‫املجتمع‪ :‬مشارك يف‬ ‫قدرته عىل التفكري العقالين‪ ،‬فليس محتوى‬ ‫الذكاء االجتامعي‬ ‫ما يفكر به الناس هو املهم فقط‪ ،‬وإمنا‬ ‫الخرباء‬ ‫متلق‬ ‫املجتمع‪:‬‬ ‫ٍّ‬ ‫التجارة‬ ‫كيفية التفكري كذلك‪.‬‬ ‫للمعلومات‬ ‫والصناعة‬

‫‪59‬‬


‫دليلك لدحض الخرافات‬ ‫يف البداية‪ ،‬لنكن واضحني مبقصدنا من مصطلح «معلومات مضلِّلة» ‪ ،Misinformation‬فنحن نستخدمه لإلشارة إىل أي‬ ‫أصل‪ .‬نحن هنا‬ ‫معلوم ٍة يكتسبها الناس ويتبني أنها غري صحيحة‪ ،‬بغض النظر عن طريقة وسبب اكتساب تلك املعلومة ً‬ ‫ٍ‬ ‫معلومات كانوا قد اكتسبوها سابقًا‪ :‬فلو تبني لك‬ ‫مهتمون بالعمليات اإلدراكية التي تحكم كيفية معالجة الناس لتصحيح‬ ‫أن أم ًرا اعتقدت بصحته هو أم ٌر غري صحيح‪ ،‬فكيف تقوم (أو تقومني) بتحديث معرفتك وذاكرتك؟‬ ‫يف اللحظة التي يستقبل فيها الناس املعلومة املضللة من الصعب ج ًدا‬ ‫استئصال تأثريها‪ ،‬وقد تم إظهار ذلك عرب تجرب ٍة أجريت عام ‪ 1994‬تم من‬ ‫خاللها تعريض ٍ‬ ‫وهمي يف مستودع‪ ،‬ثم أعطي‬ ‫حريق‬ ‫أناس ملعلوم ٍة مضلل ٍة عن‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫هؤالء الناس تصحي ًحا يوضح األجزاء الكاذبة من القصة(‪ .)3‬ورغم تذكّر وقبول‬ ‫ذلك التصحيح‪ ،‬إال أن تأثري املعلومة املضللة استمرت بقاياه‪ ،‬حيث كان الناس‬ ‫يشريون إليها عند إجابتهم عن أسئل ٍة حول القصة‪.‬‬

‫ليس محتوى ما يفكر‬ ‫به الناس هو املهم‬ ‫فقط‪ ،‬وإمنا كيفية‬ ‫التفكري كذلك‪.‬‬

‫هل من املمكن إزالة أثر املعلومة املضللة متا ًما؟ تشري الدالئل أننا مهام حاولنا تصحيح املعلومة‪ ،‬بالتكرار والتشديد‬ ‫مثل عرب تكرار التصحيح‪ ،‬فإن أثر التضليل يظل موجو ًدا(‪ ،)4‬كام لو كان طي ًنا يلتصق بكل ما يحتك به‪.‬‬ ‫عليها‪ً ،‬‬ ‫عامل يزيد من تعقيد األمر‪ ،‬فاملشكلة ال تقترص عىل صعوبة إزالة املعلومة املضللة‪ ،‬ذلك أن محاولة‬ ‫عالو ًة عىل ذلك‪ ،‬مثة ٌ‬ ‫دحض الخرافة قد تؤدي إىل تعزيز تلك الخرافة يف أذهان الناس‪ ،‬وقد متت مالحظة العديد من هذا النوع من التأثريات‬ ‫العكسية تظهر بسبب أن فعل الدحض يجعل من الخرافة مألوف ًة أكرث (‪ ،)6 ،5‬أو بسبب كرثة الحجج املق َّدمة(‪ ،)7‬أو من‬ ‫تقديم أدل ٍة تهدد استقرار تصور املرء عن عامله وحياته(‪.)8‬‬ ‫آخر ما يريده من يحاول دحض معلوم ٍة مضلل ٍة أن يخطئ بزيادة الطني بل ًة‪ ،‬وما سريكز عليه هذا املقال هو تقديم‬ ‫نصائح عملي ٍة لدحض املعلومات املضللة بشكلٍ فعا ٍل وتجنب اآلثار العكسية املتعددة‪ .‬ولتحقيق ذلك‪ ،‬ال بد من فهم‬ ‫العمليات اإلدراكية املتعلقة باألمر‪ .‬وسنقوم بتفسري بعض األبحاث النفسية يف هذا املجال‪ ،‬ثم نختم مبثا ٍل يتم فيه نقض‬ ‫خراف ٍة شائعة‪.‬‬

‫التأثري العكيس املتأيت من األلفة ‪The Familiarity Backfire Effect‬‬

‫لدحض خراف ٍة ما‪ ،‬يضطر املرء لتكرار ذكر الخرافة‪ ،‬وإال فكيف يعرف الناس عن أي يش ٍء يدور الحديث؟ لكن هذا يؤدي‬ ‫إىل جعل الناس معتادين عىل تلك الخرافة فتصري مألوف ًة بالنسبة لهم‪ ،‬مام يُس ّهل تو ّهم صحتها وقبولها‪ .‬هل يعني هذا‬ ‫أن دحض الخرافة قد يعزز الخرافة يف عقول الناس؟‬ ‫‪60‬‬


‫دليلك لدحض الخرافات‬ ‫لفحص هذا األثر العكيس‪ ،‬تم إجراء تجرب ٍة‬ ‫قامت عىل عرض نرش ٍ‬ ‫ات مطبوع ٍة دحضت‬ ‫خر ٍ‬ ‫افات شائع ًة عن مطعوم اإلنفلونزا(‪.)5‬‬ ‫وبعد ذلك‪ ،‬طُلب إليهم التفريق بني الخرافات‬ ‫والوقائع‪ ،‬وقد متكن الناس من اإلجابة بشكلٍ‬ ‫صحي ٍح عندما طُرحت األسئلة مبارش ًة بُعيد‬ ‫قراءتهم للنرشة املطبوعة‪ ،‬وعند طرح السؤال‬ ‫بعد ميض ‪ 30‬دقيق ًة من قراءتهم النرشة‪،‬‬ ‫ُوجد أن البعض أجاب بشكلٍ أسوأ مام أجاب‬ ‫قبل قراءة النرشة‪ ،‬فعملية الدحض نفسها أدت إىل تعزيز الخرافات‪.‬‬ ‫تسيه هي حقيقة أن األلفة واالعتياد يزيدان من فرص قبول املعلومة‬ ‫إذًا‪ ،‬فالتأثري العكيس‬ ‫حقيقي وموجود‪ ،‬والقوة التي ّ‬ ‫ٌ‬ ‫عىل أنها حقيقة‪ .‬بُعيد قراءة النرشة‪ ،‬متكّن الناس من تذكر التفاصيل التي دحضت الخرافة‪ ،‬فاستطاعوا بذلك متييز‬ ‫الخرافة‪ .‬ومع مرور الوقت‪ ،‬بهتت الذاكرة‪ ،‬وكل ما تبقى يف أذهان الناس كان الخرافة وحدها دون الوسم الذي ميز لهم‬ ‫خطأها‪ .‬وهذا أكرث تأث ًريا لدى البالغني األكرب س ًنا‪ ،‬بسبب أن ذاكرتهم أكرث عرض ًة لنسيان التفاصيل‪.‬‬

‫ﺧﺮاﻓﺔ‬

‫واﻗﻌﺔ‬ ‫واﻗﻌﺔ‬ ‫واﻗﻌﺔ‬ ‫واﻗﻌﺔ‬ ‫واﻗﻌﺔ‬

‫واﻗﻌﺔ‬ ‫واﻗﻌﺔ‬ ‫واﻗﻌﺔ‬ ‫واﻗﻌﺔ‬ ‫واﻗﻌﺔ‬

‫واﻗﻌﺔ‬ ‫واﻗﻌﺔ‬ ‫واﻗﻌﺔ‬ ‫واﻗﻌﺔ‬ ‫واﻗﻌﺔ‬

‫واﻗﻌﺔ‬ ‫واﻗﻌﺔ واﻗﻌﺔ‬

‫واﻗﻌﺔ‬ ‫واﻗﻌﺔ‬ ‫واﻗﻌﺔ‬ ‫واﻗﻌﺔ‬

‫ﺧﺮاﻓﺔ‬ ‫واﻗﻌﺔ‬ ‫واﻗﻌﺔ‬ ‫واﻗﻌﺔ‬

‫واﻗﻌﺔ‬ ‫واﻗﻌﺔ‬ ‫واﻗﻌﺔ‬ ‫واﻗﻌﺔ‬ ‫واﻗﻌﺔ‬

‫ﺧﺮاﻓﺔ‪H‬‬ ‫‪TYM‬‬

‫واﻗﻌﺔ‪T‬‬ ‫‪CAF‬‬

‫‪61‬‬

‫ما السبيل لتجنب التسبب يف التأثري العكيس‬ ‫املتأيت من األلفة؟ الحل املثايل هو تجنب‬ ‫اإلتيان عىل ذكر الخرافة التي يتم دحضها‬ ‫نهائ ًيا‪ ،‬فإن أراد املرء محاربة املعلومات‬ ‫املضللة‪ ،‬فأفضل السبل هو يف الرتكيز عىل‬ ‫الوقائع (‪ )Facts‬التي يريد املرء إيصالها‬ ‫للمتلقي‪.‬‬ ‫لكن اإلحجام عن ذكر الخرافة ليس خيا ًرا عمل ًيا‬ ‫يف بعض األحيان‪ ،‬ويف حال كان األمر كذلك‪،‬‬ ‫ينصب عىل‬ ‫فإن تركيز جهد الدحض يجب أن‬ ‫ّ‬ ‫فمثل يجب االبتعاد عن األسلوب الذي‬ ‫الوقائع‪ً .‬‬ ‫يتبعه الكثريون بوضع اسم الخرافة ٍ‬ ‫بخط كبريٍ‬


‫دليلك لدحض الخرافات‬ ‫ٌ‬ ‫ﻣﺜﺎل ﻋﲆ دﺣﺾ ﺧﺮاﻓ ٍﺔ ﺗﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﺘﻐري اﳌﻨﺎﺧﻲ‬ ‫ﻇﻮاﻫﺮ اﻟﺸﻤﺲ واﳌﻨﺎخ ﺗﺴريان ﰲ اﺗﺠﺎﻫني ﻣﺘﻌﺎرﺿني‪.‬‬

‫ﻳﺘﻢ اﻟﺘﺄﻛﻴﺪ ﻋﲆ اﻟﻮاﻗﻌﺔ اﳌﺤﻮرﻳﺔ ﰲ اﻟﻌﻨﻮان‬

‫ـ‬

‫ﻋﲆ ﻣﺮ اﻟﻌﻘﻮد اﻷﺧرية ﻣﻦ اﻻﺣﺘﺒﺎس اﻟﺤﺮاري‪ ،‬أﻇﻬﺮت اﻟﺸﻤﺲ ﻧﺰﻋﺔ‬ ‫ﺑﺮو ٍد ﺿﺌﻴﻞ‪ .‬ﺗﺴري ﻇﻮاﻫﺮ اﻟﺸﻤﺲ واﳌﻨﺎخ ﰲ اﺗﺠﺎﻫﺎت ﻣﺘﻌﺎرﺿﺔ‪.‬‬ ‫وﻫﺬا ﻗﺎد ﻋﺪ ًدا ﻣﻦ اﻟﻌﻠامء إﱃ أن ﻳﺴﺘﻨﺘﺠﻮا ﺑﺸﻜﻞٍ ﻣﺴﺘﻘﻞٍ أن اﻟﺸﻤﺲ‬ ‫ﻻ ميﻜﻦ أن ﺗﻜﻮن اﻟﺴﺒﺐ ﰲ اﻻﺣﺘﺒﺎس اﻟﺤﺮاري اﻷﺧري‪.‬‬

‫ﻳﺘﻢ ﺗﻌﺰﻳﺰ اﻟﻮﻗﺎﺋﻊ اﳌﺤﻮرﻳﺔ ﰲ اﻟﻨﺺ اﻟﺘﻘﺪميﻲ‬

‫ـ‬

‫ـ‬

‫إن ﺗﺼﻮر أن اﻟﺸﻤﺲ ﻫﻲ اﻟﺴﺒﺐ ﰲ اﻻﺣﺘﺒﺎس اﻟﺤﺮاري‬ ‫ميﺜّﻞ أﺣﺪ أﻛرث اﻟﺨﺮاﻓﺎت ﺷﻴﻮ ًﻋﺎ واﻧﺘﺸﺎ ًرا ﰲ ﻣﺠﺎل اﳌﻨﺎخ‪.‬‬ ‫ﺗﺨﺘﺎر ﻫﺬه اﻟﺨﺮاﻓﺔ ﻣﻦ اﳌﻌﻠﻮﻣﺎت ﻣﺎ ﻳﻨﺎﺳﺒﻬﺎ‪ ،‬ﻋﱪ إﻇﻬﺎر ﻓﱰات‬ ‫ﺟﻨﺐ ﻣﻊ اﳌﻨﺎخ‪ ،‬ﻟﻜﻨﻬﺎ‬ ‫ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻴﻬﺎ ﺣﺎل اﻟﺸﻤﺲ ﺗﺴري ﺟﻨﺒًﺎ إﱃ ٍ‬ ‫ﺗﺘﺠﺎﻫﻞ اﻟﻌﻘﻮد اﻷﺧرية اﻟﺘﻲ اﻓﱰق ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺤﺎﻻن‪.‬‬

‫ﺧﺮاﻓﺔ‬

‫ـ‬

‫ﺗﻔﺴري اﻟﻜﻴﻔﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻀﻠﻞ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺨﺮاﻓﺔ‬ ‫)اﻟﺘﻔﺴري اﻟﺒﺪﻳﻞ(‬

‫ـ‬

‫وبدل من ذلك‪ ،‬فاألفضل وضع الحقيقة املركزية التي يريد املرء إيصالها يف العنوان‪،‬‬ ‫واض ٍح كجز ٍء من عنوان ما يكتبون‪ً ،‬‬ ‫ذلك أن الدحض يبدأ بالرتكيز عىل الوقائع‪ ،‬ال عىل الخرافة‪ ،‬والهدف يجب أن يكون زيادة ألفة القارئ بالوقائع‪.‬‬

‫التأثري العكيس املتأيت من اإلفراط ‪The Overkill Backfire Effect‬‬

‫إن أحد أهم املبادئ التي يفشل العديدون من نارشي العلم يف ات ّباعها يتمثل بعدم تقديم املحتوى العلمي بصور ٍة‬ ‫سهلة الهضم‪ .‬وسهولة الهضم تشمل‬ ‫سهولة القراءة والفهم‪ ،‬وتشمل اإليجاز‬ ‫ﺧﺮاﻓﺔ‬ ‫أيضا‪ .‬فاملعلومة التي يسهل عىل‬ ‫ً‬ ‫واﻗﻌﺔ واﻗﻌﺔ واﻗﻌﺔ‬ ‫واﻗﻌﺔ واﻗﻌﺔ واﻗﻌﺔ‬ ‫املتلقي معالجتها من السهل عليه‬ ‫ﺧﺮاﻓﺔ‬ ‫واﻗﻌﺔ واﻗﻌﺔ واﻗﻌﺔ‬ ‫فمثل‪ ،‬مبجرد زيادة‬ ‫تقبلها كحقيقة(‪ً .)7‬‬ ‫واﻗﻌﺔ واﻗﻌﺔ واﻗﻌﺔ‬ ‫تباين لون الخط املطبوع بشكلٍ يُس ّهل‬ ‫القراءة‪ ،‬سيزيد من قبول الناس لحقيقة‬ ‫املكتوب(‪.)9‬‬ ‫تنص الحكمة السائدة عىل أن نجاحك‬ ‫يف دحض األسطورة يزيد مع زيادة‬ ‫كم الحجج املضادة التي ت ُق ّدمها‪ ،‬لكن‬

‫ﺧﺮاﻓﺔ‬ ‫واﻗﻌﺔ‬ ‫واﻗﻌﺔ‬ ‫واﻗﻌﺔ‬

‫‪62‬‬

‫واﻗﻌﺔ‬


‫دليلك لدحض الخرافات‬ ‫تصح املقولة «ما قل ودل»‪ ،‬فتوليد ثالث‬ ‫الواقع إن العكس‬ ‫صحيح أحيانًا‪ ،‬فعندما تأيت املسألة إىل دحض الخرافات‪ّ ،‬‬ ‫ٌ‬ ‫مثل‪ ،‬قد يؤدي إىل فرص نجا ٍح أكرب من توليد ‪ 12‬حج ًة‪ ،‬ذلك أن هذا الوضع األخري قد يعمل عىل تعزيز‬ ‫حج ٍج ناقض ٍة ً‬ ‫سوء الفهم األويل(‪.)7‬‬ ‫وسبب حدوث التأثري العكيس املتأيت من اإلفراط هو أن هضم ومعالجة الكثري من الحجج يستغرق جه ًدا أكرب من دراسة‬ ‫عد ٍد قليلٍ من الحجج‪ ،‬فالجاذبية اإلدراكية لخراف ٍة بسيط ٍة تتغلب عىل جاذبية تصحي ٍح ُم ٍ‬ ‫عقد أكرث من اللزوم‪.‬‬ ‫وفعال وسهل القراءة‪ ،‬وجعل املحتوى سهل املعالجة يقتيض استعامل كل األدوات‬ ‫رشا ً‬ ‫والحل هو إبقاء املحتوى املقدم مبا ً‬ ‫املتاحة‪ ،‬من استعام ٍل للغة البسيطة‪ ،‬والجمل القصرية والعناوين الفرعية والتقسيم إىل فقر ٍ‬ ‫ات واالبتعاد عن اللغة‬ ‫الدرامية والتعليقات املحقرة التي ت ُنفّر الناس‪ ،‬إضاف ًة إىل رضورة االكتفاء بالوقائع‪.‬‬ ‫والخامتة يجب أن تكون رسال ًة مؤثر ًة بسيط ًة يستطيع الناس تذكرها‪ ،‬كجمل ٍة يسهل تناقلها بني األصدقاء عىل وسائل‬ ‫مثل‪ 97« :‬من كل ‪ 100‬عامل منا ٍخ يتفقون بأن البرش يتسببون يف االحتباس الحراري»؛ أو «ت ُظهر‬ ‫التواصل االجتامعي‪ً .‬‬ ‫الدراسة أن املطعوم الثاليث ‪( MMR‬الحصبة‪ ،‬النكاف والحصبة األملانية) آمن»‪ ،‬ويفضل استعامل الصور التوضيحية عند‬ ‫توفرها إليضاح النقطة املطروحة‪.‬‬ ‫لطاملا اتّبع العلامء منوذج نقص املعلومات ‪Information‬‬ ‫‪ ،Deficit Model‬والذي يوحي بأن الناس ميلكون أفكا ًرا‬ ‫خاطئ ًة لعدم امتالكهم كل املعلومات عن أم ٍر ما‪ ،‬لكن‬ ‫لزيادة كم املعلومات عن الحد أث ٌر عكيس‪ .‬بدلً من ذلك‪،‬‬ ‫األفضل استعامل منوذج «القُبلة» ‪ KISS‬وهو اختصار جملة‬ ‫«أبق األمر بسيطًا يا أبله!»* !‪.Keep It Simple, Stupid‬‬ ‫ِ‬

‫التأثري العكيس املتأيت من التصور الحيايت‬ ‫للمرء ‪The Worldview Backfire Effect‬‬

‫وحسهم‬ ‫أما ثالث التأثريات العكسية‪ ،‬ولرمبا كان أقواها أث ًرا فيحدث يف املواضيع التي تتصل بالتصور الحيايت للناس ّ‬ ‫ٍ‬ ‫علميات إدراكي ٍة قد تتسبب يف أن يعالج الناس املعلومات الشعوريًا بطريق ٍة منحازة‪،‬‬ ‫بالهوية الثقافية‪ ،‬إذ توجد عدة‬ ‫فمواجهة املتمسكني بآرائهم بقو ٍة بحج ٍج ناقض ٍة لتلك اآلراء قد تؤدي إىل زيادة متسكهم بها‪.‬‬ ‫* القاعدة هنا قاعد ٌة عامي ٌة غري ملزمة‪ ،‬لكن فكرتها توخي البساطة حيث أمكن‪[ .‬مالحظة املرتجم]‪.‬‬

‫‪63‬‬


‫دليلك لدحض الخرافات‬ ‫ويع ّد االنحياز التأكيدي ‪ Confirmation bias‬أحد‬ ‫العمليات اإلدراكية التي تساهم يف هذا التأثري‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫معلومات‬ ‫والذي يبحث املرء مبقتضاه انتقائ ًيا عن‬ ‫تُعزز من موقفه‪ .‬ففي إحدى التجارب تم تقديم‬ ‫ٍ‬ ‫معلومات عن مواضيع ساخن ٍة يف أمريكا للمشاركني‪،‬‬ ‫مثل قوانني تنظيم السالح‪ ،‬وقوانني التمييز اإليجايب*‬ ‫‪ .Affirmative action‬وقد تم وسم كل مجموعة‬ ‫ٍ‬ ‫معلومات مبصدرها بشكلٍ يُظهر بجال ٍء ما إذا كانت مع‬ ‫جانب من االجتامع السنوي لل‪NRA‬‬ ‫أو ضد (عىل سبيل املثال هل جاءت املعلومة من «اتحاد‬ ‫يبلغ عدد أعضاء املنظمة حوايل ‪ 14‬مليون أمرييك‬ ‫السالح الوطني»** ‪ ،National Rifle Association‬أم‬ ‫ٍ‬ ‫تعليامت رصيح ٍة بالتعامل العادل‬ ‫من «مواطنني ضد األسلحة اليدوية» ‪ ،Citizens Against Handguns‬ورغم وجود‬ ‫املتوازن مع املعلومات‪ ،‬فقد كان املشاركون ينتقون املصادر التي توافق آراءهم املسبقة‪ ،‬وقد وجدت تلك الدراسة أنه‬ ‫ٍ‬ ‫أصل‪.‬‬ ‫معلومات يوافقون معها ً‬ ‫حتى بتقديم مجموعة وقائع متوازنة‪ ،‬فإن الناس يع ّززون آراءهم املسبقة عرب النزوع نحو‬ ‫وقد كان االستقطاب عىل أشده يف صفوف من لديهم آرا ُء يتمسكون بها بشدة(‪.)10‬‬ ‫ما الذي يحدث عندما تزيل عامل االختيار من خالل تقديم حج ٍج تعارض التصور الحيايت للشخص؟ عند ذلك تتصدر‬ ‫عملي ٌة إدراكي ٌة أخرى الجبهة‪ ،‬وهي االنحياز النايف ‪ ،Disconfirmation Bias‬وهي الجانب اآلخر لالنحياز التأكيدي‬ ‫‪ ،Confirmation Bias‬وهذه هي الحالية التي نرى فيها الناس يقضون وقتًا أطول ويستثمرون جه ًدا فكريًا أكرب يف‬ ‫محاولة نقض الحجج املعارضة(‪.)8‬‬ ‫نرى ذلك لدى أعضاء الحزب الجمهوري األمرييك الذين اعتقدوا أن ص ّدام حسني كان عىل صل ٍة بأحداث ‪ 11‬سپتمرب‪/‬‬ ‫رشا عىل لسان الرئيس جورج بوش‬ ‫أيلول اإلرهابية‪ ،‬إذ تم إعطاؤهم أدل ًة بانعدام تلك الصلة‪ ،‬مبا يف ذلك‬ ‫ً‬ ‫اقتباسا مبا ً‬ ‫غيوا رأيهم (ومن املثري لالهتامم أن ‪ %14‬منهم نفوا أنهم اعتقدوا‬ ‫‪ George Bush‬بذاته(‪ .)11‬لكن فقط ‪ %2‬من املشاركني ّ‬ ‫رصوا عىل وجود صل ٍة بني العراق وأحداث ‪ 11‬سپتمرب‪ /‬أيلول‪،‬‬ ‫بوجود تلك الصلة ً‬ ‫أصل)‪ .‬أما الغالبية العظمى منهم فقد أ ّ‬ ‫مرتكزين عىل ٍ‬ ‫طيف واسعٍ من الحجج بغية تحييد األدلة‪ ،‬فكان الرد األكرث شيو ًعا يتمثل بتعزيز قوة موقفهم عرب استذكار‬ ‫الوقائع الداعمة لذلك املوقف وتجاهل املعارضة له‪ .‬وقد كان لتص ّدر الوقائع الداعمة الواجهة أث ًرا مقويًا للمعتقدات‬ ‫الخاطئة للمشاركني‪.‬‬ ‫* التمييز اإليجايب أو التصحيحي أو التأكيدي هو مبدأٌ يف صياغة القوانني يهدف إىل تفضيل أقليات مهضومة الحقوق بإعطائها أولوية بهدف تصحيح نقص الحقوق أو التقليل من‬ ‫ظلمٍ واقعٍ عليها‪[ .‬مالحظة املرتجم]‪.‬‬ ‫** اتحاد السالح الوطني ‪ NRA‬هو أحد أقوى املجموعات الضاغطة يف السياسة األمريكية‪ .‬يأيت مصدر القوة من التعديل الثاين عىل الدستور األمرييك الذي يعطي الحق لكل أمرييك‬ ‫باقتناء السالح‪ ،‬لدرج ٍة صار معها جز ًءا من الهوية األمريكية وموضو ًعا ساخ ًنا باستمرار يف السياسة واإلعالم‪[ .‬مالحظة املرتجم]‪.‬‬

‫‪64‬‬


‫دليلك لدحض الخرافات‬ ‫إن كانت الوقائع عاجز ًة عن تغيري قناعة الشخص لرتك معتقداته‪ ،‬بل قد تزيد الوضع سو ًءا أحيانًا‪ ،‬فكيف ميكن التقليل‬ ‫من أثر املعلومات املضللة؟ مثة مصدران لألمل هنا‪.‬‬ ‫أولهام أن التأثري العكيس املتأيت من النظرة الحياتية للمرء يكون عىل أش ّده لدى من يتمسكون بآرائهم‪ ،‬مام يعني أن‬ ‫فرصة تصحيح املعلومات املضللة تكون أعىل يف صفوف من ال يتمسكون بآرائهم بنفس الشدة يف املواضيع الساخنة‪،‬‬ ‫بدل‬ ‫أي أن فرص نجاح محاوالت التواصل مع الجمهور تكون أعىل إذا ما ُو ّجهت نحو األغلبية التي مل تحسم أمرها بعد‪ً ،‬‬ ‫من توجيهها نحو األقلية ذات الرأي الجامد الذي ال يتغري‪.‬‬ ‫فمثل‪ ،‬عندما ترتافق الرسائل‬ ‫أما ثانيهام فيتمثل يف إمكانية تقديم الرسائل بطرقٍ تقلل من املامنعة النفسية املعتادة‪ً .‬‬ ‫املهددة للتصور الحيايت للمرء مبا يسمى بالتأكيد الذايت ‪ ،Self-affirmation‬فإن الناس يصريون أكرث قابلي ًة لفحص‬ ‫مساوئ ومحاسن املعلومات بشكلٍ أكرث توازنًا(‪.)13 ،12‬‬ ‫ومن املمكن تحقيق التأكيد الذايت عرب سؤال الناس أن يكتبوا بضع ُجملٍ عن ٍ‬ ‫وقت شعروا فيه بالرضا عن أنفسهم بسبب‬ ‫ٍ‬ ‫ظروف‬ ‫تقبل لرسائل قد تكون تحت‬ ‫ترصفهم يف ظل إحدى القيم التي يعتربونها مهم ًة‪ ،‬يف تلك اللحظة‪ ،‬يصريون أكرث ً‬ ‫أخرى مه ِّدد ًة لتصورهم الحيايت‪ ،‬وذلك مقارن ًة مبن مل يتلقوا أي ٍ‬ ‫تأكيد ذايت‪ .‬ومن املثري لالهتامم أن «تأثري التأكيد الذايت»‬ ‫حسهم بقيمة ذاتهم‪.‬‬ ‫‪ Self-affirmation effect‬يكون يف أقوى صوره لدى من تلعب اإليديولوجيا دو ًرا مركزيًا يف ّ‬ ‫قبول عرب وضعها يف سياقٍ يص ّورها أقل تهدي ًدا لتصور املرء الحيايت‪ .‬فعىل سبيل املثال‪،‬‬ ‫مثة طريق ٌة أخرى لجعل املعلومة أكرث ً‬ ‫رسوم يُر َّوج لها تحت مسمى «تعويض الكربون»* ‪ Carbon offset‬لكنهم يرفضون نفس‬ ‫مييل الجمهوريون لقبول دفع ٍ‬ ‫ﻣﺎ ﻫﻮ ﻣﺒﺪأ ﻋﻤﻞ ﺗﻌﻮﻳﺾ اﻟﻜﺮﺑﻮن؟‬ ‫الرسوم إذا ما ُر ّوج لها تحت مسمى «رضيبة»‪،‬‬ ‫ﻛﻞ ﻃﻦ ﺗﻌﻮﻳﺾ ﺛﺎ أوﻛﺴﻴﺪ اﻟﻜﺮﺑﻮن ‪ CO‬ﻳﻌﺎدل ﻃﻦ ﺗﺨﻔﻴﺾ ‪CO‬‬ ‫وباملقارنة‪ ،‬فإن انتقاء الكلامت والصياغة ال تؤثر‬ ‫بنفس القدر عىل الدميقراطيني أو املستقلني‪،‬‬ ‫ألن تعبري «رضيبة» ال يتحدى قيمهم(‪.)14‬‬ ‫‪2‬‬

‫ال يهدف التأكيد الذايت والسياق املناسب‬ ‫التالعب بالناس‪ ،‬إمنا الهدف إعطاء الوقائع‬ ‫فرص ًة لتُسمع‪.‬‬

‫ﺗﻌﻮﻳﺾ اﻟﻜﺮﺑﻮن‬

‫‪2‬‬

‫اﻧﺒﻌﺎث اﻟﻜﺮﺑﻮن‬

‫تقليل يف انبعاث ثاين أوكسيد الكربون وغريه من غازات الدفيئة ‪ greenhouses gases‬بغية التعويض مكان انبعاثات غاز ٍ‬ ‫ات أخرى‪[ .‬مالحظة املرتجم]‪.‬‬ ‫* تعويض الكربون هو ٌ‬

‫‪65‬‬


‫دليلك لدحض الخرافات‬ ‫ملء الفجوة بتفسريٍ بديل‬

‫لو افرتضنا أنك متكنت من التعاطي الناجح مع التأثريات العكسية املتعددة‪ ،‬ما أنجع الطرق لدحض الخرافة؟ يكمن‬ ‫دخلت املعلومة املضلِّلة حيز عقل املرء‪ ،‬تصري إزالتها صعب ًة ج ًدا بغض النظر عام لو تقبّل‬ ‫التحدي يف حقيقة أنه متى ما‬ ‫ْ‬ ‫املر ُء التصحيح‪.‬‬ ‫حريق وقع يف مستودع(‪ ،)3 ،16 ،15‬حيث تذكر‬ ‫وقد تم إظهار ذلك بتجرب ٍة كان الناس يقرأون مبقتضاها قص ًة وهمي ًة عن‬ ‫ٍ‬ ‫القصة دهانًا وعبوات غا ٍز إضاف ًة إىل متفجرات‪ ،‬لكن يف سياق القصة يتم توضيح أن الدهان والعبوات مل يكونوا‬ ‫موجودين يف الحريق‪ .‬وحتى عندما تذكّر الناس هذه التفصيلة وتقبلوها‪ ،‬ظلوا يشريون إىل الدهان والعبوات عند‬ ‫سؤالهم عن الحريق‪ ،‬فعندما ُسئلوا‪« :‬ما سبب كل ذلك الدخان يف رأيكم؟» كان الناس يستحرضون الدهان الزيتي‪ ،‬رغم‬ ‫رضا‪.‬‬ ‫إقرارهم أنه مل يكن حا ً‬ ‫عندما يسمع الناس معلوم ًة مضلّل ًة‬ ‫ذهني تُق ّدم‬ ‫يقومون ببناء منوذ ٍج‬ ‫ٍّ‬ ‫فيه الخرافة تفس ًريا‪ ،‬وعندما يتم‬ ‫دحض الخرافة تظل هناك فجو ٌة‬ ‫يف منوذجهم الذهني‪ ،‬وللتعامل مع‬ ‫هذه املعضلة‪ ،‬يفضل الناس اللجوء‬ ‫إىل منوذ ٍج خاطئٍ عىل استعامل‬ ‫منوذ ٍج ناقص‪ ،‬فبغياب تفسريٍ ٍ‬ ‫جيد‬ ‫يختارون التفسري الخاطئ(‪.)17‬‬

‫ﺧﺮاﻓﺔ‬

‫ﺗﱰك اﻟﺨﺮاﻓﺔ‬ ‫ﺑﻌﺪ إزاﻟﺘﻬﺎ ﻓﺠﻮة‬

‫واﻗﻌﺔ‬

‫وﻳﺘﻢ اﺳﺘﺒﺪاﻟﻬﺎ‬ ‫ﺑﴪدﻳﺔ ﺑﺪﻳﻠﺔ‬

‫رسع االحرتاق يف تجربة القصة عن‬ ‫عندما كان يتم توفري تفس ٍري بديلٍ يتعلق بوجود وقود ولّ عات (ق ّداحات) وماد ٍة تُ ّ‬ ‫حريق املستودع‪ُ ،‬وجد أن إشارة الناس للدهان وعبوات الغاز عند سؤالهم عن النار كانت أقل‪ .‬فالطريق األنجع لتقليل‬ ‫أثر املعلومة املضللة هو توفري تفسريٍ بديلٍ لألحداث التي تغطيها املعلومة املضللة‪.‬‬ ‫هم بديلٍ‬ ‫ويتم تبيان هذه االسرتاتيجية بجال ٍء‬ ‫خصوصا يف محاكامت جرائم القتل الوهمية‪ ،‬حيث أن إلقاء التهمة عىل متّ ٍ‬ ‫ً‬ ‫يقلل بشكلٍ كبريٍ عدد األحكام التي تجد املتهم مذن ًبا من املشاركني الذين لعبوا دور هيئة املحلّفني (املكلفني بالحكم)‪،‬‬ ‫مقارن ًة يف الحاالت التي يتمثل فيها الدفاع برشح سبب براءة املتهم(‪.)18‬‬ ‫وحتى يتم قبول البديل‪ ،‬يحتاج البديل أن يتمكن من تفسري كل السامت املشاهدة للحادثة(‪ .)15 ،19‬عندما يدحض املرء‬ ‫‪66‬‬


‫دليلك لدحض الخرافات‬ ‫فعال‪ ،‬يجب عىل فعل الدحض أن يشتمل عىل ملء تلك‬ ‫خراف ًة‪ ،‬فإنه يخلق فجو ًة يف ذهن املتلقي‪ ،‬وحتى يكون الدحض ً‬ ‫الفجوة‪.‬‬ ‫إحدى الفجوات التي قد تطلب امللء هي‬ ‫تفسري سبب خطأ الخرافة‪ ،‬ومن املمكن‬ ‫تحقيق ذلك عرب الكشف عن األساليب‬ ‫الخطابية التي استخدمت للتضليل‪ .‬وميكن‬ ‫أن نجد يف اإلنكار* ‪ Denialism‬مرج ًعا‬ ‫ألساليب شائع ٍة تتبعها الحركات التي تنكر‬ ‫العلم‪ ،‬فام هي هذه األساليب‪ ،‬وكيف ميكن‬ ‫للعلامء الرد عليها(‪)20‬؟ تشمل تلك األساليب‬ ‫اختيار الحقائق بشكلٍ انتقا ٍّيئ واللجوء إىل‬ ‫نظريات املؤامرة والخرباء املزيفني‪.‬‬ ‫وقد تتمثل الرسدية البديلة بتفسري الكيفية التي تر ّوج فيها املعلومة املضللة للخرافة‪ ،‬حيث ُوجد أن إثارة الشك يف‬ ‫مصدر املعلومة املضللة يؤثر يف التقليل من تأثري تلك املعلومة(‪.)22 ،21‬‬ ‫ويلعب التحذير الواضح الرصيح من املعلومة املضللة دو ًرا يف عملية التفنيد‪ ،‬كأن يقول املرء قبل ذكر الخرافة‪« :‬حاذر‪،‬‬ ‫فقد تكون هذه النقطة مضلل ًة»‪ ،‬وقد تبني من التجريب باستخدام أدوات ٍ‬ ‫تفنيد متعدد ٍة أن التوليفية األنجع شملت‬ ‫توفري تفسريٍ بديلٍ يرافقه تحذي ٌر رصيح(‪.)17‬‬ ‫كام وللرسومات التوضيحية دو ٌر ها ٌم يف عداد أدوات الداحض‪ ،‬ولها أث ٌر ٌ‬ ‫فعال أكرب بكثريٍ من النصوص البحتة يف تحجيم‬ ‫نقضا يتعارض مع معتقداتهم‪ ،‬فإنهم يتمسكون بالنقاط الغامضة امللتبسة‬ ‫األمور التي يساء فهمها‪ .‬عندما يقرأ الناس ً‬ ‫ٍ‬ ‫التباس وسوء فهم‪ .‬فعىل‬ ‫لبناء تفسريٍ بديل‪ ،‬وتأيت الرسومات التوضيحية هنا لزيادة التوضيح وتقليل الفرصة لحدوث‬ ‫سبيل املثال‪ ،‬عندما متت دراسة آراء من ع ّرفوا أنفسهم كجمهوريني حول معتقداتهم بصدد االحتباس الحراري‪ ،‬فإن‬ ‫رسم بيان ًيا يوضح نزعات تغري الحرارة مقارنة مبن أُعطوا وصفًا‬ ‫عدد من تق ّبل االحتباس الحراري كان أكرب حني أُعطوا ً‬ ‫مكتوبًا(‪.)13‬‬ ‫* يُقصد هنا باإلنكار املوقف الذي يتخذ املرء بشكلٍ ممنهج لتاليف حقيق ًة مؤمل ًة أو غري مريحة‪[ .‬مالحظة املرتجم]‪.‬‬

‫‪67‬‬


‫دليلك لدحض الخرافات‬ ‫بيانات عىل شكل ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫نقاط متثل‬ ‫وجدت دراس ٌة مسحي ٌة أخرى أن الناس متكنوا من متييز نزعات زيادة الحرارة عندما أُعطوا‬ ‫الحرارة السطحية‪ ،‬وكانت تلك النتيجة صحيح ًة بغض النظر عن رأي املشاركني يف قضية االحتباس الحراري‪ )23(.‬إذًا‪ ،‬لو‬ ‫رسم توضيحي‪ ،‬فاللجوء لذلك سيكون خيا ًرا أفضل يف‬ ‫كان من املمكن متثيل املحتوى الذي تريدون تقدميه عىل شكل ٍ‬ ‫عملية الدحض‪.‬‬ ‫علمي حول دور اإلنسان يف التغري املناخي الحايل بسبب توقيع ‪31‬‬ ‫يقوم املثال التايل بدحض خرافة انعدام وجود إجام ٍع ٍ‬ ‫ألف عا ٍمل عىل عريض ٍة تنص عىل غياب أي دليلٍ عىل أثر النشاط البرشي يف إحداث خللٍ يف املناخ‪.‬‬ ‫واﻗﻌﺔ أﺳﺎﺳﻴﺔ ﺗﻢ إﻳﺼﺎﻟﻬﺎ ﰲ اﻟﻌﻨﻮان‬

‫ﻳﻮاﻓﻖ ‪ 97‬ﻣﻦ ﻛﻞ ‪ 100‬ﺧﺒري ﻣﻨﺎخ أن اﻟﺒﴩ ﻫﻢ اﻟﺴﺒﺐ ﰲ اﻻﺣﺘﺒﺎس اﻟﺤﺮاري‬ ‫وﺟﺪت ﻋﺪة در ٍ‬ ‫اﺳﺎت ﻣﺴﺤﻴّ ٍﺔ ﻣﺴﺘﻘﻠ ٍﺔ أن ‪ %97‬ﻣﻦ ﻋﻠامء اﳌﻨﺎخ اﻟﻨﺎﺷﻄني ﰲ ﻧﴩ‬ ‫أﺑﺤﺎث ﻣﻨﺎ ٍخ ﺗﺨﻀﻊ ﳌﺮاﺟﻌﺔ اﻷﻗﺮان أن اﻟﺒﴩ ﻳﺘﺴﺒﺒﻮن ﰲ اﻻﺣﺘﺒﺎس اﻟﺤﺮاري‬

‫ﺗﻢ ﺗﻌﺰﻳﺰ اﻟﻮاﻗﻌﺔ اﻷﺳﺎﺳﻴﺔ‬ ‫ﰲ اﻟﻔﻘﺮة اﻻﻓﺘﺘﺎﺣﻴﺔ‪ ،‬وﻣﻦ ﺛﻢ‬ ‫ﴍﺣﻬﺎ ﺑﺘﻔﺎﺻﻴﻞ إﺿﺎﻓﻴﺔ‬ ‫اﻟﻮاﻗﻌﺔ اﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﻣﺪ ّﻋﻤﺔ‬ ‫ﺑﺮﺳﻢ ﺗﻮﺿﻴﺤﻲ‬

‫ﺗﺤﺬﻳﺮ ﴏﻳﺢ ﻳﻨ ّﺒﻪ اﻟﻘﺎرئ‬ ‫ﺑﺄن اﻟﺬي ﺳﻴﲇ ﻫﻮ ﻣﻌﻠﻮﻣ ٌﺔ‬ ‫ﻣﻀﻠﻠﺔ‪ ،‬وﻳﺸري إﱃ ﻃﺒﻴﻌﺔ ﺗﻠﻚ‬ ‫اﳌﻌﻠﻮﻣﺔ‬

‫ﻋﻼو ًة ﻋﲆ ﻫﺬا اﻹﺟامع اﻟﻜﺎﺳﺢ‪ ،‬ﻓﺈن أﻛﺎدميﻴﺎت اﻟﻌﻠﻮم اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ ﰲ أرﺟﺎء اﻟﻌﺎمل ﺗﺼﺎدق ﻋﲆ‬ ‫ﻋﱪت ﻋﻨﻪ ﻫﻴﺌﺔ‬ ‫رأي اﻹﺟامع اﻟﻘﺎﺋﻞ ﺑﺄن اﻟﺒﴩ ﺗﺴﺒﺒﻮا ﰲ اﻻﺣﺘﺒﺎس اﻟﺤﺮاري‪ ،‬وﻫﻮ ﻣﺎ ّ‬ ‫اﻟﺘﻐري اﳌﻨﺎﺧﻲ اﻟﺤﻜﻮﻣﻴﺔ اﻟﺪوﻟﻴﺔ‪(IPCC) .‬‬ ‫ـ‬

‫ﻟﻜﻦ ﻟﻄﺎﳌﺎ ﺳﻌﺖ اﻟﺤﺮﻛﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﻨﻜﺮ اﻹﺟامع اﻟﻌﻠﻤﻲ ﻟﻄﺮح ﺷﻚ ﺑﻮﺟﻮد اﻹﺟامع‪.‬‬ ‫وأﺣﺪ أﺳﺎﻟﻴﺐ ذﻟﻚ ﻳﺘﻤﺜﻞ ﺑﺎﺳﺘﻌامل ﺧﱪاء زاﺋﻔني‪ ،‬واﻗﺘﺒﺎس ﻋﻠامء ﻻ ميﻠﻜﻮن اﻟﺨﱪة‬ ‫ﰲ ﻣﺠﺎل ﻣﻌني‪.‬‬ ‫ـ‬

‫اﻟﺨﺮاﻓﺔ‬

‫ـ‬

‫ﺗﺘﻤﺜﻞ اﻟﻔﺠﻮة اﻟﺘﻲ ﻳﺨﻠﻘﻬﺎ ﻫﺬا اﻟﺪﺣﺾ‬ ‫ﰲ اﻟﺘﺴﺎؤل ﻋﻦ ﻛﻴﻔﻴﺔ وﺟﻮد إﺟامع‬ ‫ﻟﻮ ﻛﺎن ‪ 31000‬ﻋﺎﳌ ًﺎ ﻣﻨﺸﻘّني ﻋﻨﻪ‪.‬‬ ‫وﻳﺘﻢ ﻣﻞء اﻟﻔﺠﻮة ﺑﺘﻔﺴري أن ﻏﺎﻟﺒﻴﺔ‬ ‫ﻫﺆﻻء اﻟﻌﻠامء ال‪ 31000‬ﻟﻴﺴﻮا ﻋﻠامء ﻣﻨﺎخ‪.‬‬

‫ﻓﻤﺜﻼ‪ ،‬ﻳّﺪﻋﻲ ﻣﴩوع ‪ OISM‬ﻋﺮﻳﻀﺔ أن ‪ 31000‬ﻋﺎمل ﻳﺨﺘﻠﻒ ﻣﻊ اﻹﺟامع اﻟﻌﻠﻤﻲ‬ ‫ً‬ ‫ﺣﻮل اﻻﺣﺘﺒﺎس اﻟﺤﺮاري‪.‬‬ ‫ـ‬

‫ﻟﻜﻦ ‪ %99٫9‬ﻣﻦ اﻟﻌﻠامء اﳌﺬﻛﻮرﻳﻦ ﰲ ﻣﴩوع اﻟﻌﺮﻳﻀﺔ ﻟﻴﺴﻮا ﻣﻦ ﻋﻠامء اﳌﻨﺎخ‪.‬‬ ‫ﻓﺎﻟﻌﺮﻳﻀﺔ ﻣﺘﺎﺣ ٌﺔ ﻟﻜﻞ ﻣﻦ ﻳﺤﻤﻞ ﺷﻬﺎدة اﻟﺒﻜﺎﻟﻮرﻳﻮس ﰲ اﻟﻌﻠﻮم أو ﻣﺎ ﻳﻔﻮﻗﻬﺎ‪ ،‬وﻫﺬا‬ ‫ﻳﺸﻤﻞ اﻷﻃﺒﺎء‪ ،‬واﳌﻬﻨﺪﺳني اﳌﻴﻜﺎﻧﻴﻜﻴني وﻋﻠامء اﻟﺤﺎﺳﻮب‪.‬‬ ‫ـ‬

‫ـ‬

‫ـ‬

‫ـ‬

‫‪68‬‬


‫دليلك لدحض الخرافات‬ ‫أجزاء الدحض الف ّعال‬

‫واآلن نجمع كل الخيوط م ًعا ل ُنك ّون نسي ًجا واح ًدا يصف متطلبات الدحض الف ّعال‪:‬‬ ‫‪ -1‬الوقائع األساس‪ :‬عىل عملية النقض أن تركز عىل الوقائع‪ ،‬ال عىل الخرافة نفسها‪ .‬عىل املرء تقديم الوقائع األساسية‬ ‫لتجنب التأثري العكيس املتأيت من اإلفراط‪.‬‬ ‫‪ -2‬التحذيرات الرصيحة‪ :‬وذلك بإيراد ٍ‬ ‫رسم يحذر من أن املعلومة التي ستيل خاطئة‪.‬‬ ‫نص أو ٍ‬ ‫سببي بديلٍ يوضح‬ ‫‪ -3‬التفسري البديل‪ :‬وذلك مللء أي فجو ٍة ترتكها عملية الدحض‪ ،‬وميكن تحقيق ذلك بتوفري تفسريٍ ٍ‬ ‫أيضا دوافع من قاموا بالتضليل يف ترويجهم للخرافة‪.‬‬ ‫سبب خطأ الخرافة ورمبا ً‬ ‫ٍ‬ ‫رسومات توضيحي ٍة كل ما أمكن ذلك‪.‬‬ ‫‪ -4‬الرسومات‪ :‬يجب عرض الوقائع األساسية عىل شكل‬

‫تعقيب‬

‫واآلن بعد أن ق ّدمنا لكم ترجم ًة كامل ًة للمقال األصيل‪ ،‬لنقم مبحاول ٍة أولي ٍة لتطبيق ما جاء فيه لتحليل منوذ ٍج من واقعنا‬ ‫أصل لجمهو ٍر غريب‪ ،‬لكن‪ ،‬رغم أن الكاتبني أسرتاليان‪ ،‬إال أن األمثلة الواردة تأيت‬ ‫مكتوب ً‬ ‫العريب اإلسالمي‪ ،‬ذلك أن املقال‬ ‫ٌ‬ ‫من واقع املجتمع األمرييك يف املجمل‪.‬‬ ‫لن يرقى التعقيب اآليت حول إمكانية تطبيق ما جاء يف هذا املقال عىل خرافة اإلعجاز العلمي يف القرآن إىل أكرث من‬ ‫مقال‬ ‫محاول ٍة أولي ٍة نرجوا أن تكون محف ًزا للمهتمني أن يحاولوا خوض غامر البحث الجاد فيها‪ .‬ومن السذاجة ا ّدعاء أن ً‬ ‫فيه مجموعة اقرت ٍ‬ ‫احات‪-‬مهام كانت مدروس ًة‪-‬مبقدوره توفري حلٍ‬ ‫سحري فوري‪ ،‬فهو ليس أكرث من نقطة بداية‪ ،‬وهي‬ ‫ٍ‬ ‫ليست حتى نقطة البداية الوحيدة املتاحة‪ ،‬وهذا عالو ًة عىل كون خرافة اإلعجاز ال تتعلق بخراف ٍة بعينها وإمنا بفعل‬ ‫توهم األشكال يف غامم اآليات القرآنية‪ ،‬فدحض خراف ٍة أو عدة خر ٍ‬ ‫افات منها لن ينهي الظاهرة طاملا وجد الدافع الختالق‬ ‫علمي مبه ٍر معج ٍز‬ ‫املزيد‪ ،‬ويف هذا السياق ميكن أن من ّيز خرافتني منفصلتني مفاهيم ًيا‪ :‬األوىل خرافة وجود أي محت ًوى‬ ‫ٍ‬ ‫مخ ّبأٍ يف القرآن (أو الحديث) من حيث املبدأ‪ ،‬والثانية تتعلق بالخرافات املفردة‪ ،‬كلٍ عىل حدة‪ ،‬والناظر إىل نقّاد اإلعجاز‬ ‫العلمي يجد أن هنالك نق ًدا موجو ًدا عىل الجبهتني‪.‬‬ ‫بعد هذه التمهيدات‪ ،‬لنحاول إجامل حال خرافة اإلعجاز العلمي اليوم‪.‬‬ ‫إن أوىل املالحظات املوجودة هي أن خرافة اإلعجاز العلمي اليوم ليست بذات القوة التي كانت عليها قبل عرشين عا ًما‪،‬‬ ‫ات حصلت عىل أرض الواقع أدت إىل تغيري ٍ‬ ‫أو حتى عرشة أعوام‪ ،‬فمن الواضح أن هنالك تغري ٍ‬ ‫ات يف أساليب دعاة اإلعجاز‬ ‫وإىل انحسا ٍر يف توسع تأثريهم‪ ،‬ففي حني كنا نرى أمثال زغلول النجار يق ّدمون محتواهم دون التعرض للنقد واملساءلة‪،‬‬ ‫بتنا نجدهم اليوم ال يُنتقدون وحسب‪ ،‬بل ويوا َجهون عالني ًة بالرفض واالستهزاء‪ ،‬هذا ال يعني أب ًدا أننا نوهم أنفسنا بأن‬ ‫‪69‬‬


‫دليلك لدحض الخرافات‬ ‫خرافة اإلعجاز العلمي يف طريقها إىل الزوال‪ ،‬فأتباعهم كرثٌ ودعاة اإلعجاز يبيعون‬ ‫منتَ ًجا ويربحون منه‪ ،‬أي أنهم لن يستسلموا عندما تبدأ طرقهم القدمية بالفشل‪،‬‬ ‫وسيبتدعون طرقًا جديد ًة تتأقلم مع ما يواجهون من دحض‪ .‬وهنا األمر يشابه‬ ‫املثال الذي يورده املقال بصدد الرافضني لفكرة التغري املناخي‪ ،‬ذلك أن األمر‬ ‫فهم بري ٍء ميكن تصحيحه إن تواجدت ني ٌة صافي ٌة يف املعرفة‬ ‫ليس مجرد سوء ٍ‬ ‫لدى جميع األطراف‪ ،‬فوجود املصالح وخوف أصحابها من فقدانها يصعب عملية‬ ‫الدحض ويحولها إىل رصاع‪ ،‬ذلك أن الرافضني للتغيري املناخي (كدعاة اإلعجاز‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وصناعات‬ ‫برشكات‬ ‫العلمي) لديهم مصلح ٌة مادي ٌة يف األمر‪ ،‬فكث ٌري منهم يرتبطون‬ ‫تتسبب يف التأثري السلبي عىل البيئة‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫املصح َحة بحد ذاته لن‬ ‫لقد ابتدأ املقال بدحض خرافة أن حشو العقل باملعلومات‬ ‫يؤدي إىل استنار ٍة تلقائي ٍة ينبذ الناس من خاللها الخرافة من أذهانهم‪ .‬ولكن مام‬ ‫ٍ‬ ‫منصات تكنولوجي ٍة ت ُس ّهل نرش املعلومات‬ ‫قد نالحظه يف السنوات األخرية انتشار‬ ‫وتناقلها‪ ،‬بل وانتشار مبادرات الدحض ونقد الخرافات عىل تلك املنصات‪ ،‬لذا يف‬ ‫الظاهر قد يبدو أن توفري املعلومات الصحيحة كان فيه بعض الدواء‪ ،‬لكن حقيقة‬ ‫وجود بعض االنحسار يف نفوذ مزاعم اإلعجاز العلمي يعني أن عملية الدحض‬ ‫كانت‪ ،‬ولو جزئ ًيا فعال ًة‪.‬‬ ‫إحدى املحاذير التي يذكرها املقال تتعلق مبحاولة تجنب إعطاء الخرافة حي ًزا‬ ‫كب ًريا يف خطاب الدحض نفسه‪ ،‬ذلك أن اإلكثار من ذكر الخرافة فيه نو ٌع من‬ ‫التعزيز وزيادة ألفة الخرافة يف أذهان الناس‪ ،‬لكن لنالحظ الحاصل هنا يف نقد‬ ‫اإلعجاز العلمي أو الدين عمو ًما يف الواقع العريب اليوم‪ .‬فاإلعجاز العلمي له‬ ‫آلي ٌة دعائي ٌة إعالمي ٌة قوي ٌة مدعوم ٌة ماديًا بشكل ممتاز*‪ ،‬ويف مقابله نجد جهو ًدا‬ ‫شبه شعبي ٍة غري مدعوم ٍة ماديًا يف الغالب‪ ،‬تستعمل مزايا املنصات التكنولوجية‬ ‫املجانية أو الزهيدة يف تقديم محت ًوى مضا ٍد ٍ‬ ‫ناقد ومؤث ٍّر أ ّدى إىل خلق سجا ٍل مع‬ ‫دعاة اإلعجاز‪ ،‬يقومون من خالله بالرد عىل النقد مام يدفع النقاد للرد‪ ،‬وهكذا‪.‬‬ ‫أيضا‬ ‫هذه الحلقة تديم ذكر الخرافة ال محالة ومن الصعب تجنب ذلك‪ ،‬لكنها ً‬ ‫* قامت مجلة امللحدين العرب يف العدد ‪ 77‬بنرش مقا ٍل مرتجمٍ بعنوان «الدور املحوري الذي لعبه علامء غربيون يف‬ ‫الرتويج لإلعجاز القرآين» لدانييل غولدن‪ .‬يتناول ذلك املقال جوانب من عمليات الخداع املنظم الذي يقوم به دعاة‬ ‫اإلعجاز العلمي وعىل رأسهم عبد املجيد الزنداين‪.‬‬

‫‪70‬‬


‫دليلك لدحض الخرافات‬ ‫حاسم لباب‬ ‫فبدل من أن يكون «الرد عىل الشبهات» بحسب مصطلحات أهل الدين إغالقًا‬ ‫تديم ذكر النقد وتشيعه‪ً ،‬‬ ‫ً‬ ‫النقد‪ ،‬يكون يف الواقع منص ًة جدلي ًة (ديالكتيكية) لتوليد املزيد من الردود والردود املقابلة وإيصال النقد إىل من كان‬ ‫فعل سحريًا يف عقول األتباع‪ ،‬لكنه قد يُع ّرض‬ ‫مطمئ ًنا إىل الخرافة قبل ذلك‪ .‬هذا ال يعني طب ًعا أن إيصال الردود سيفعل ً‬ ‫بعضهم إىل ٍ‬ ‫نقد قد يجده مقبولً ‪ .‬لذا‪ ،‬فمثلام أي حرك ٍة جدلية‪ ،‬سينمو خطاب الطرفني ويتطور ألن املواقف األصلية‬ ‫تتآكل وتتأقلم مع موقف الطرف اآلخر‪ ،‬وهذا يفرض عىل املتابع إعامل عقله‪ ،‬حتى ولو كانت النتيجة سلبي ًة يف كثريٍ‬ ‫من األحيان متسكًا مبا يدافع عنه‪.‬‬ ‫لكن االستامتة يف التمسك بخرافة اإلعجاز العلمي ال تأيت فقط‬ ‫من املتنفعني ماديًا‪ ،‬فهم يبيعون منت ًجا له زبائنه‪ ،‬وهؤالء‬ ‫الزبائن يشرتون مخد ًرا يطمئنهم بأن تصورهم الحيا يت �‪World‬‬ ‫وعرب يف هذا العرص الذي‬ ‫‪ view‬بخري‪ ،‬وأن هويتهم كمسلمني‬ ‫ٍ‬ ‫فضح مساوئ فكرهم ال زالت متفوق ًة عىل من تفوقوا فعل ًيا‬ ‫عليهم‪ ،‬وهذا أحد التأثريات العكسية التي أشار إليها املقال‪،‬‬ ‫ذلك أن نقّاد اإلعجاز العلمي والدين عمو ًما‪ ،‬حتى لو تو ّخوا‬ ‫النقد الناعم املبطن‪ ،‬يقومون بتهديد مبنى التصور الحيايت للمسلم النموذجي‪ ،‬وما يزيد األمر صعوب ًة أن هؤالء النقاد يف‬ ‫العادة ال ميلكون تقديم بديلٍ واض ٍح لذلك التصور الحيايت‪ ،‬والحديث هنا عن بديلٍ للتصور الحيايت ككل‪ ،‬ال عن الخرافة‬ ‫فقط كام يشري املقال‪ ،‬ذلك أن دحض اإلعجاز العلمي يف ذهنية الكثري من املسلمني يرقى إىل مرتبة هدم دينهم وهويتهم‬ ‫وإحساسهم بالقيمة‪ ،‬لذا‪ ،‬ال عجب أن نرى التمسك املستميت به‪.‬‬ ‫كفيل بفتح‬ ‫رشا‪ ،‬حيث يعترب البعض أن التثقيف غري املبارش ٌ‬ ‫رغم ذلك‪ ،‬فليس كل من ينقد يُق ّدم نق ًدا الذ ًعا رصي ًحا مبا ً‬ ‫صدام إال ما قد يحدث كتفاعلٍ‬ ‫العقول‪ .‬هذا بالفعل يتجنب ذكر الخرافة ويركز عىل عرض نظر ٍة بديل ٍة دون حدوث ٍ‬ ‫للطرفني يف ذهن املتلقي‪ .‬وهذا املسلك يختلف معه الكثريون‪ ،‬لكونه غري مبارش‪ ،‬ويتعامل مع العرض ال املرض‪ ،‬إضاف ًة‬ ‫لكون تأثريه أقل مام يرجوه املرء‪ ،‬ذلك أن البديل إن ه ّدد تصور املرء الحيايت‪ ،‬سيكون عىل املرء لزا ًما تفسري هذا البديل‬ ‫إن تق ّبله بطريق ٍة منحرف ٍة تقلل التوتر الذي سينتج من التناقض بني البديل وما هو موجو ٌد يف ذهن املرء‪.‬‬ ‫لكن هذا األسلوب غري املبارش فيه مغاال ٌة يف تاليف الصدام‪ ،‬فهو وإن كان يساهم يف زرع بذور الشك يف عقول البعض‬ ‫أسايس كام يذكر املقال)‪ ،‬إال أن مدى تأثريه ليس واض ًحا‪ ،‬وليس من العجيب أن نرى أنه يسبب إحباطًا ملن‬ ‫(وهو مك ِّو ٌن‬ ‫ٌ‬ ‫ومدروسا أكرث‪ ،‬كام هو حال مقرتحات هذا املقال‪ ،‬فال يبالغ يف‬ ‫متحمسا‪ .‬واألسلوب األنجع يحتاج أن يكون مو ّج ًها‬ ‫كان‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫تجنب املوضوع‪ ،‬وال يهاجمه بتهو ٍر منفر‪.‬‬ ‫‪71‬‬


‫دليلك لدحض الخرافات‬ ‫طب ًعا‪ ،‬علينا أن نتذكر أن اإلعجاز العلمي هو وليد القرن العرشين فعل ًيا‪ ،‬فرغم وجوده منذ القديم يف تفسريات بعض‬ ‫يل إال بعد زيادة حدة املواجهة الحضارية التي نشهدها اليوم بني املسلمني‬ ‫املسلمني‪ ،‬إال أنه مل يلعب أي دو ٍر مفص ٍ‬ ‫والغرب‪ ،‬حيث صار اإلعجاز العلمي خط دفا ٍع عن الهوية القدمية بحلّتها الجديدة‪ ،‬لذا فليس من املستحيل من حيث‬ ‫املبدأ أن ينحرس تأثريه ليحل محله يش ٌء آخر‪ ،‬وحتى دون حدوث ّ ٍ‬ ‫تغي‬ ‫جذري بهذا الصدد‪ ،‬نجد اليوم مسلمني من شتى‬ ‫ٍ‬ ‫ألسباب متعددة‪ ،‬أي أنه ليس مالز ًما رضوريًا للهوية اإلسالمية الحديثة‪.‬‬ ‫االنتامءات يرفضون فكرة اإلعجاز العلمي‬ ‫ٍ‬ ‫تطبيق محتملٍ عىل بعض جوانب اإلعجاز العلمي‪،‬‬ ‫مثة الكثري ليقال بصدد تفاصيل األساليب املقرتحة يف املقال يف‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫حاالت محدد ٍة واقترصتُ فيه عىل ذكر العموميات‪ .‬سأكتفي هنا بهذا القدر‪ ،‬وأمتنى أن يثري ذلك‬ ‫فالتعقيب مل يذكر أي‬ ‫اهتامم آخرين للتفكري واإلضافة‪.‬‬ ‫جون كوك ‪ :John Cook‬هو أستاذ بحث مساعد يف مركز اتصال التغري املناخي ‪Center for Climate Change‬‬ ‫‪ Communication‬يف جامعة جورج ميسون ‪ George Mason University‬األمريكية‪.‬‬ ‫ستيڤن ليوانداوسيك ‪ :Stephan Lewndowsky‬عامل نفس أسرتايل‬ ‫عمل يف أسرتاليا والواليات املتحدة ويعمل حال ًيا يف جامعة بريستول‬ ‫‪ University of Bristol‬الربيطانية‪ ،‬حيث يرأس قسم علم النفس‬ ‫اإلدرايك‪.‬‬ ‫قام بالرتجمة وكتابة التقديم والتعقيب‪ :‬أسامة البني (الو ّراق)‬ ‫العنوان األصيل للبحث‪ ،The Debunking Handbook :‬وتم‬ ‫نرشه باإلنجليزية عام ‪ 2011‬ثم أعيد نرش نسخ ٍة منقح ٍة منه‬ ‫عام ‪ .2012‬ومتت ترجمته إىل ‪ 12‬لغة (باإلضافة إىل ترجمتنا‬ ‫العربية هنا)‪ .‬موقع الكتاب عىل اإلنرتنت واملزيد عن التعامل مع‬ ‫التشكيك يف العلم ويف ظاهرة التغري املناخي تحدي ًدا عىل موقع‬ ‫‪:Skeptical Science‬‬ ‫‪http://sks.to/debunk‬‬

‫‪72‬‬


‫دليلك لدحض الخرافات‬ ‫مصادر ومراجع البحث‬

1. Jacques, P. J., & Dunlap, R. E. (2008). The organisation of denial: Conservative think tanks and environmental skepticism. Environmental Politics, 17, 349-385. 2. Oreskes, N., & Conway, E. M. (2010). Merchants of doubt. Bloomsbury Publishing. 3. Johnson, H. M., & Seifert, C. M. (1994). Sources of the continued influence effect: When discredited information in memory affects later inferences. Journal of Experimental Psychology: Learning, Memory, and Cognition, 20 (6), 1420-1436. 4. Ecker, U. K., Lewandowsky, S., Swire, B., & Chang, D. (2011). Correcting false information in memory: Manipulating the strength of misinformation encoding and its retraction. Psychonomic Bulletin & Review, 18, 570-578. 5. Skurnik, I., Yoon, C., Park, D., & Schwarz, N. (2005). How warnings about false claims become recommendations. Journal of Consumer Research, 31, 713-724. 6. Weaver, K., Garcia, S. M., Schwarz, N., & Miller, D. T. (2007). Inferring the popularity of an opinion from its familiarity: A repetitive voice sounds like a chorus. Journal of Personality and Social Psychology, 92, 821- 833. 7. Schwarz, N., Sanna, L., Skurnik, I., & Yoon, C. (2007). Metacognitive experiences and the intricacies of setting people straight:Implications for debiasing and public information campaigns. Advances in Experi� mental Social Psychology, 39, 127-161. 8. Nyhan, B., & Reifler, J. (2010). When Corrections Fail: The Persistence of Political Misperceptions. Politi� cal Behavior, 32, 303-330. 9. Reber, R., Schwarz, N. (1999). Effects of Perceptual Fluency on Judgments of Truth, Consciousness and Cognition, 8, 338-3426. 10. Taber, C. S., & Lodge, M. (2006). Motivated skepticism in the evaluation of political beliefs. American Journal of Political Science, 50, 755–69. 11. Prasad, M., Perrin, A. J., Bezila, K., Hoffman, S. G., Kindleberger, K., Manturuk, K., et al. (2009). “There Must Be a Reason’’: Osama, Saddam, and Inferred Justification. Sociological Inquiry, 79, 142-162.

73


‫دليلك لدحض الخرافات‬ 12. Cohen, G. L., Sherman, D. K., Bastardi, A., Hsu, L., & McGoey, M. (2007). Bridging the Partisan Divide: Self-Affirmation Reduces Ideological Closed-Mindedness and Inflexibility in Negotiation. Personality & Soc. Psych., 93, 415-430. 13. Nyhan, B., & Reifler, J. (2011). Opening the Political Mind? The effects of self-affirmation and graphical information on factual misperceptions. In press. 14. Hardisty, D. J., Johnson, E. J. & Weber, E. U. (2010). A Dirty Word or a Dirty World?: Attribute Framing, Political Affiliation, and Query Theory, Psychological Science, 21, 86-92 15. Seifert, C. M. (2002). The continued influence of misinformation in memory: What makes a correction effective? The Psychology of Learning and Motivation, 41, 265-292. 16.Wilkes, A. L.; Leatherbarrow, M. (1988). Editing episodic memory following the identification of error, The Quarterly Journal of Experimental Psychology A: Human Experimental Psychology, 40A, 361-387. 17. Ecker, U. K., Lewandowsky, S., & Tang, D. T. (2011). Explicit warnings reduce but do not eliminate the continued influence of misinformation. Memory & Cognition, 38, 1087-1100. 18. Tenney, E. R., Cleary, H. M., & Spellman, B. A. (2009). Unpacking the doubt in “Beyond a reasonable doubt:” Plausible alternative stories increase not guilty verdicts. Basic and Applied Social Psychology, 31, 1-8. 19. Rapp, D. N., & Kendeou, P. (2007). Revising what readers know: Updating text representations during narrative comprehension. Memory & Cognition, 35, 2019-2032. 20. Diethelm, P., & McKee, M. (2009). Denialism: what is it and how should scientists respond? European Journal of Public Health, 19, 2-4. 21.Lewandowsky, S., Stritzke, W. G., Oberauer, K., & Morales, M. (2005). Memory for fact, fiction and misinformation: The Iraq War 2003. Psychological Science, 16, 190-195. 22. Lewandowsky, S., & Stritzke, W. G. K., Oberauer, K., & Morales, M. (2009). Misinformation and the ‘War on Terror’: When memory turns fiction into fact. In W. G. K. Stritzke, S. Lewandowsky, D. Denemark, J. Clare, & F. Morgan (Eds.), Terrorism and torture: An interdisciplinary perspective (pp. 179-203). Cambridge, UK: Cambridge University Press. 23. Lewandowsky, S. (2011). Popular consensus: Climate change set to continue. Psychological Science, 22, 460- 463.

74


‫ﻣﺠﻠﺲ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ‬ ‫اﻟﺴﺎﺑﻘﯿﻦ ﻓﯽ ﺑﺮﯾﻄﺎﻧﯿﺎ‬

‫‪Council of Ex-Muslims of Britain‬‬ ‫‪www.ex-muslim.org.uk‬‬

‫ﻧﺤ‬

‫ﻦﻣ‬ ‫ﺴ‬ ‫ﻠ‬ ‫ﻤ‬ ‫ﻮ‬ ‫نﻧ‬

‫ﺒﺬ‬

‫ﻧﺎ دﻳﻨﻨﺎ‬

‫ﺑﱰﻛﻨﺎ اﻹﺳﻼم ﻧﻜﴪ ﻣﺤ ّﺮﻣﺎﺗﻪ‪ ،‬ﻟﻜﻨﻨﺎ ﰲ ذات اﻟﻮﻗﺖ ﻧﻌﻤﻞ ﻋﲆ ﺗﺪﻋﻴﻢ اﻟﻌﻘﻼﻧﻴﺔ واﻟﺤﻘﻮق واﻟﻘﻴﻢ اﻟﻌﺎﳌﻴﺔ‬ ‫واﻟﻌﻠﻧﻧﻴﺔ‪ .‬وﰲ ﻧﺸﺎﻃﻨﺎ ﻧﻄﺎﻟﺐ ﺎﺎ ﻳﲇ‪:‬‬ ‫ﺑﺎﻟﺤﻘﻮق اﻟﻌﺎﳌﻴﺔ واﻟﺘﺴﺎوي ﰲ اﳌﻮاﻃﻨﺔ ﺑ اﻟﺠﻤﻴﻊ‪.‬‬ ‫ﺑﺎﻟﺤﺮﻳﺔ ﰲ ﻧﻘﺪ اﻟﺪﻳﻦ‪.‬‬ ‫ﺑﺎﻟﺤﺮﻳﺔ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ واﻹﻟﺤﺎد‪.‬‬ ‫ﻓﺼﻞ اﻟﺪﻳﻦ ﻋﻦ اﻟﺪوﻟﺔ واﻟﻨﻈﺎﻣ‪ ،،‬اﻟﻘﺎﻧﻮ واﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻲ‬ ‫ﺣﻈﺮ اﳌررﺳﺎت واﻟﻌﺎدات واﻟﻘﻮاﻋﺪ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺘﻬﻚ ﺣﻘﻮق اﻟﻨﺎس وﺗﻀﻴﻖ ﻋﲆ ﺣ ّﺮﻳﺎﺗﻬﻢ‪.‬‬ ‫إزاﻟﺔ ﻛﻞ اﻟﻌﺎدات اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻀﻄﻬﺪ اﳌﺮأة وﺗﻨﺘﻘﺺ ﻣﻦ ﺣﻘﻮﻗﻬﺎ واﺳﺘﻘﻼﻟﻬﺎ‪ ،‬وﺣﻈﺮ ﻓﺼﻞ اﻟﺠﻨﺴ‪..‬‬ ‫ﺣﻈﺮ اﻟﺘﺪﺧﻞ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ أﻳﺔ ﺳﻠﻄﺔ ﻋﺎﺋﻠﻴﺔ أو رﺳﻤﻴﺔ ﰲ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ واﻟﻌﺎﻃﻔﻴﺔ واﻟﺠﻨﺴﻴﺔ ﻟﻠﻨﺎس‪.‬‬ ‫ﺣﻳﻳﺔ اﻷﻃﻔﺎل ﻣﻦ اﻟﺘﻼﻋﺐ ﺑﻬﻢ واﻹﺳﺎءة إﻟﻴﻬﻢ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ اﻟﺪﻳﻦ واﳌﺆﺳﺴﺎت اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ‪.‬‬ ‫ﺣﻈﺮ اﻟﺪﻋﻢ اﻟﺮﺳﻤﻲ ﻟﻠﺪﻳﻦ ﺳﻮاء اﳌﺎدي أو اﳌﻌﻨﻮي‪.‬‬ ‫ﺣﻈﺮ ﺟﻤﻴﻊ أﻧﻮاع اﻟﺘﺨﻮﻳﻒ واﻟﺘﻬﺪﻳﺪ اﻟﺪﻳﻨﻲ‪.‬‬ ‫‪75‬‬


‫لقايئ‬ ‫مع الله‬ ‫وليد‬

‫‪76‬‬


‫لقايئ مع الله‬ ‫وليد‬

‫قصة قصرية بقلم وليد (من منتدى شبكة امللحدين العرب)‬ ‫مجموعة القصص التي تأيت منها هذه القصة كتبها العضو وليد وقام‬ ‫بتجميعها مارسيل‬ ‫إىل وليد ‪ ...‬القلم الساحر واملبدع ‪ ...‬جليس اآللهة مع التحية والود ‪...‬‬ ‫مارسيل‪..‬‬

‫إ ّن أكرث ما متنيته هو أن أتح ّدث مع الله‪ ،‬وعندما‬ ‫جاء شهر رمضان قلت لنفيس ملاذا ال أحاول؟ سألت‪،‬‬ ‫كيف كان الذين التقوا مع الله؟ قالوا‪ :‬إ ّن الله يحب‬ ‫أن يبدأ اللقاء من فوق جبلٍ فقد صعد موىس‬ ‫الجبل ليكلم الله وتلقّى مح ّم ٌد الوحي يف غار حراء‪،‬‬ ‫وكلّم إبراهي ُم الله وهو عىل جبل‪ ،‬فقلت يف نفيس‬ ‫سأذهب إىل أعىل نقط ٍة يف القاهرة‪ ،‬يف مكانٍ ال يصل‬ ‫كل‬ ‫إليه أح ٌد وانتظر لقا ًء أو رسولً أو وسيطًا‪ ،‬ويف ّ‬ ‫رمضان كانت محاواليت تبوء بالفشل‪.‬‬ ‫ق ّررت هذه السنة أالّ أرجع من املرتفع حتى أضع ح ًدا لرغبتي تلك ‪ -‬التي ال تفارقني‪ -‬ملعرفة الحقيقة التي لن يحسمها‬ ‫إحساس بأن شيئًا ما أصبح يقلقني‪ ،‬أحسست بنبضات قلبي تتسارع ونفَيس‬ ‫إلّ اللقاء‪ ،‬وقبل الفجر بينام كنت نامئًا جاءين‬ ‫ٌ‬ ‫ينقبض فصحوت ألجد من يبتسم يل‪ ،‬كان إنسانًا عاديًا‪.‬‬ ‫جئت إىل هنا؟‬ ‫قلت له‪ :‬كيف َ‬ ‫قال‪ :‬أحب َبت لقاء الله من قلبك فأحب الله لقاءك‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬ومن أنت؟ هل أنت جربيل؟‬ ‫قال‪ :‬جربيل! ال‪ ،‬سيدي لست جربيل‪َ ،‬من جربيل هذا؟‬ ‫قلت‪ :‬أعلم أنه سفري الله إىل البرش‪.‬‬ ‫قال‪ :‬ال أعلم‪ ،‬لكني أريدك أن تأيت معي اآلن‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬إىل أين؟‬ ‫‪77‬‬


‫لقايئ مع الله‬ ‫وليد‬

‫قال‪ :‬إىل الله‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬أحدنا أصابه الجنون‪.‬‬ ‫وقت للقائك إالّ اآلن‪.‬‬ ‫قال‪ :‬لست أنا بالتأكيد‪ ،‬لكن أ ِ‬ ‫رسع ألين ال أريد التأخر‪ ،‬كام أ ّن الله ال يوجد لديه ٌ‬ ‫قلت‪ :‬مبا أنني املجنون الوحيد فسأصدقك‪.‬‬ ‫قال‪ :‬اركب معي‪.‬‬ ‫بغال‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬أركب ماذا؟ هل معك الرباق؟ أنا ال أرى ً‬ ‫قال‪ :‬مل تخطئ عندما وصفت نفسك باملجنون‪ ،‬هل سنذهب إىل الله عىل بغل؟!‬ ‫قلت‪ :‬معلومايت هكذا عن آخر رحل ٍة إىل الله‪.‬‬ ‫قال‪ :‬هل ستأيت أم أتركك؟ إنك تتكلم كث ًريا‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬ال أتركك أب ًدا‪ ،‬لقد انتظرت تلك اللحظة منذ عرش سنوات‪ ،‬أين مركوبك يا سيدي؟ ما اسمك؟‬ ‫قال‪ :‬ال يهمك اسمي أنا دوري مرش ٌد للطريق‪ ،‬اتبعني‪.‬‬ ‫مشيت وراءه وكأنني أحلم‪ ،‬فتح‬ ‫باب سيار ٍة غريب ٍة ودخل ثم فتح يل‬ ‫الباب اآلخر‪ ،‬دخلت وكانت كاألطباق‬ ‫الطائرة ولكنها تشبه سيار ًة من نوع‬ ‫مكالرين‪.‬‬ ‫قال‪ :‬اربط حزامك‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬هل متزح؟‬ ‫ﻳﻌﻔﻮر‬ ‫ضحك وقال‪ :‬هذه املرة نعم‪.‬‬ ‫انطلقت السيارة‪ ،‬أحسست أنني‬ ‫أس ُري برسع ٍة أرسع من الضوء‪،‬‬ ‫أحسست وكأن روحي تخرج‪،‬‬ ‫وضغ ُط دمي ينخفض وكأنني أحلّق يف فراغ‪ ،‬وعقيل تائ ٌه يف بح ٍر من األفكار غري املفهومة‪ ،‬ال أستطيع الرتكيز كأنني‬ ‫كل‪.‬‬ ‫أستفيق من تخدي ٍر ّ‬ ‫اديوي يف السيارة‪ ،‬سمعت أصواتًا غري مفهوم ٍة مخيف ٍة أصابتني بالذعر وأحسست قلبي يخفق وكأنه‬ ‫ْ‬ ‫لعبت يده يف جها ٍز ر ّ‬ ‫يضخ الدماء يف اتجا ٍه واحد‪ ،‬زف ٌري بال شهيق‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬كم من الوقت ستستغرق الرحلة؟‬ ‫قال‪ :‬ال يشء‪.‬‬ ‫وقت كثري‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬ولكن مىض ٌ‬ ‫‪78‬‬


‫لقايئ مع الله‬ ‫وليد‬

‫قال‪ :‬نحن يف انتظار اإلذن لنا بالهبوط يف األرض املقدسة‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬وما هي تلك األرض؟‬ ‫قال‪ :‬حيث عرش الله‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬نعم أعرفه‪ ،‬أال يحمله مثانية مالئك ٍة ويحفّون حول العرش؟‬ ‫قال‪ :‬الله يحمله مثانية ماذا؟‬ ‫قلت‪ :‬مالئكة‪ ،‬ألست مالكًا؟‬ ‫قال‪ :‬اسمع أيها اإلنسان‪ ،‬ال يوجد من يستطيع حمل عرش الله‪ ،‬كام أ ّن عرشه ال يحتاج إىل من يحمله‪ ،‬ألن الله يستطيع‬ ‫تحريكه بدون أي مساعدة‪ ،‬هل أنت من أراد رؤية الله وتظن أنه يستعمل تلك الكائنات ملساعدته حتى يجلس؟‬ ‫قلت‪ :‬ال تؤاخذين فمعلومايت قدمي ٌة منذ ‪ 1400‬سنة‪ ،‬يبدوا أنكم تتطورون مثلنا‪.‬‬ ‫أصل؟‬ ‫قال‪ :‬نتطور مثلكم؟ ومن تظن نفسك ً‬ ‫قلت‪ :‬ال عليك إذا مل تكن مالكًا فمن أنت؟ وإذا كان الله ال يحتاج مساعد ًة فامذا تفعل؟‬ ‫قال‪ :‬ستعرف كل هذا عندما تقابل الله‪ ،‬ال تتعجل‪.‬‬ ‫جاءت كلامتٌ غريب ٌة يف املستقبِل الراديوي‬ ‫الذي يرعبني صوته‪ ،‬ويبدو أنه اإلذن بالهبوط‬ ‫يف األرض املقدسة‪.‬‬ ‫كل يشء‪ ،‬وجدتني يف مكانٍ وكأنه‬ ‫فجأ ًة اختفى ّ‬ ‫حس بأي‬ ‫ٌ‬ ‫رسداب من املجهول يتحرك أمامي وال أُ ّ‬ ‫يش ٍء سوى أنني ال أملك ما أفعله عدا االنتظار‪،‬‬ ‫اختفى هذا الكائن وسيارته قبل أن يعرتف يل‬ ‫بحقيقته وها أنا ذا يف عا ٍمل ال أفهمه ثم‪ ...‬وكأنك‬ ‫أطفأت كل األصوات التي يف العامل‪ ...‬هدو ٌء‬ ‫وسكوتٌ بال حدود‪ ،‬وجاءين صوتٌ فخيم‪...‬‬ ‫قال‪ :‬وليد‪.‬‬ ‫وارتعشت أوصايل وأحسست بقشعرير ٍة ترسي يف جسدي‪.‬‬ ‫ارتعبت‬ ‫ْ‬ ‫قلت‪ :‬نعم أنا‪.‬‬ ‫قال‪ :‬ماذا تريد؟‬ ‫قلت‪ :‬أريد أن أتحدث إىل الله‪.‬‬ ‫قال‪ :‬إنني أنا الله‪.‬‬ ‫َ‬ ‫وضحك‪...‬‬ ‫ركبتي‪ ،‬ضحكته كانت فخيم ًة ولكنها مريحة‪.‬‬ ‫أحسست أن رجالي ال تستطيعان حميل‪ ،‬ورغبت أن أسجد أو أقع عىل‬ ‫ّ‬ ‫‪79‬‬


‫لقايئ مع الله‬ ‫وليد‬

‫قلت‪ :‬هل أنت الله حقًا؟‬ ‫دليل؟‬ ‫قال‪ :‬هل تريد ً‬ ‫قلت‪ :‬ليس متا ًما لكني يف الواقع ال أفهم ما يدور حويل‪ ،‬لقد كنت منذ نصف ساع ٍة نامئًا واآلن أنا أتكلم مع الله‪ ،‬إنني‬ ‫مرعوب‪.‬‬ ‫قال‪ :‬ستشعر بالطأمنينة اآلن‪ ،‬اهدأ‪.‬‬ ‫أحسست كأن جسدي ترسي به الحياة من جديد‪ ،‬وبأنني أستعيد كل قواي‪.‬‬ ‫قال‪ :‬اطأمننت اآلن؟‬ ‫قلت‪ :‬نعم‪.‬‬ ‫قال‪ :‬ماذا تريد مني؟‬ ‫قلت‪ :‬ألست الله؟ املفروض أنك تعرف حتى ما يف نفيس‪.‬‬ ‫قال‪ :‬نعم‪ ،‬تريد أن تعرف الحقائق‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬نعم‪ ،‬ملاذا األرض؟ ملاذا البرش؟ الحيوانات الكواكب؟ ملاذا كل يشء؟ هل هناك رسل؟ أديان‪ ،‬حيا ٌة أخرى؟ جنة؟ نار؟‬ ‫مهل‪ ،‬أعلم كل ما تريد‪ ،‬سأرشح لك‪.‬‬ ‫مهل ً‬ ‫قال‪ً :‬‬ ‫قلت‪ :‬ولكنني ال أرى هنا سوى فراغ‪ ،‬ال أراك وال أرى أي يش ٍء هنا‪.‬‬ ‫قال‪ :‬أنا لست محدو ًدا ليك تراين‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬وملاذا جئت يب إىل هنا؟ وملاذا هذه الرحلة؟ وما هي تلك األرض املقدسة؟ ومن هو ذلك الكائن الذي كان معي؟‬ ‫رسل وملاذا أوقفت رسلك إلينا؟‬ ‫وملاذا أرسلت إلينا ً‬ ‫قال‪ :‬جئت بك إىل هنا ألنك ال تستطيع سامعي إالّ هنا‪ ،‬وتلك البقعة التي تستطيع املخلوقات األخرى الحديث إ ّيل منها‬ ‫اسمها األرض املق ّدسة‪ ،‬أ ّما الكون والرسل فسأرشح لك‪ ،‬أولً ملاذا أنت هنا أو هناك عىل األرض؟ قل يل يا وليد هل ترى‬ ‫القاهرة كبريةً؟‬ ‫قلت‪ :‬نعم‪.‬‬ ‫قال‪ :‬من بنى القاهرة‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬جوهر الصقيل‪.‬‬ ‫قال‪ :‬مل أقصد‪ ،‬إنّ ا قصدت أ ّن‬ ‫اإلنسان هو الذي بناها بالرغم‬ ‫من أنك تراها كبريةً‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬هي كبري ٌة نسب ًيا ولكنها يف‬ ‫قدرات البرش‪.‬‬ ‫قال‪ :‬لو أخذت جز ًءا من جسدك‬ ‫يف حجم كرة الدم الحمراء‬ ‫‪80‬‬


‫لقايئ مع الله‬ ‫وليد‬

‫وجعلت لها نفس قدراتك هل تستطيع بحجمها هذا بناء القاهرة؟‬ ‫قلت‪ :‬ال أعتقد‪ ،‬فالفرق رهيب‪ ،‬فانا ال أراها بعيني‪ ،‬فحجم إبرة‬ ‫الدبوس يحتوي عىل املاليني منها‪.‬‬ ‫حجم وقدرة‪.‬‬ ‫قال‪ :‬إذًا املوضوع موضوع ٍ‬ ‫قلت‪ :‬ماذا تقصد؟‬ ‫قال‪ :‬قلت لك إنني غري محدو ٍد لرتاين‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬نعم‪.‬‬ ‫قال‪ :‬هل تستطيع كرية الدم هذه رؤيتك مر ًة واحدةً؟‬ ‫قلت‪ :‬هي بداخيل وال تستطيع لِفارق الحجم‪ ...‬آه فهمت تريد‬ ‫أن تقول إنك كب ٌري ج ًدا لدرجة أنني ال أستطيع رؤية سوى جز ٍء يسريٍ منك عىل قدر حجمي لكن حتى هذا الجزء ال أراه‪.‬‬ ‫قال‪ :‬بل تراه‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬أين هو؟‬ ‫قال‪ :‬هل ترى كل هذا الفراغ الكبري يف الكون الذي سميتموه سام ًء؟‬ ‫قلت‪ :‬نعم‪.‬‬ ‫قال‪ :‬ألُق ّربه إىل ذهنك‪ ،‬ميكنك تشبيهه بالدم الذي يف جسدك‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬تقصد أنك أنت هذا الكون؟‬ ‫قال‪ :‬ال تتعجل‪ ،‬إنك تراين يف هذه السامء لكنك ال تدركني‪.‬‬ ‫رحيم‪،‬‬ ‫قلت‪ :‬فهمت‪ ،‬وماذا عن الكواكب واملجرات وغريها؟ واألهم من ذلك كله أنا‪ ...‬هل ستعذبني بعد املوت؟ أراك ً‬ ‫أرى من كالمك أنك أفضل كث ًريا من تلك الصورة التي يف ذهني‪.‬‬ ‫فعل لن أعذب أح ًدا‪.‬‬ ‫قال‪ :‬أنت ال تريد الصرب أنا ً‬ ‫رشا يؤرقني‪ ،‬ملاذا خلقتني؟ أقصد البرش طب ًعا‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬إذًا اسمح يل أن أسألك ً‬ ‫سؤال مبا ً‬ ‫أول‪.‬‬ ‫قال‪ :‬لن تفهم حتى نكمل املوضوع ً‬ ‫قلت‪ :‬كيل آذا ٌن صاغية‪...‬‬ ‫قال‪ :‬هذا الكون الذي تراه هو جز ٌء مني‪ ،‬ولكنك ال تراين كيل لفارق حجمي عن مدى رؤيتك واألرض بداخيل واملجرات‬ ‫وسائر الكواكب والشموس كلها جز ٌء مني وتكرب معي ومترض معي وأحيانًا قد تذبل ومتوت ولكنني قاد ٌر عىل االستمرار‬ ‫والنمو‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬مترض! وهل مترض؟ تصورت أنك ال تصاب بأذًى‪.‬‬ ‫قال‪ :‬ال‪ ،‬إ ّن املوت والحياة ال معنى لهام عندي فاملرض موجو ٌد ولكن ال يؤثر ّيف كام يؤثر فيك‪ ،‬كام أنني أمنو وأكرب وأضيف‬ ‫حجم من اآلن كث ًريا ولكنني أضفت أجزا َء جديد ًة إ ّيل جعلتني‬ ‫إىل نفيس باستمرار‪ ،‬فقد كنت يف فرت ٍة من الفرتات أصغر ً‬ ‫حجم‪.‬‬ ‫أكرب وأزداد ً‬ ‫‪81‬‬


‫لقايئ مع الله‬ ‫وليد‬

‫قلت‪ :‬لكن ملاذا خلقت اإلنسان؟ مل تجاوبني‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫كائنات كثري ًة ج ًدا‪.‬‬ ‫قال‪ :‬أنا مل أخلق اإلنسان فقط‪ ،‬أنا خلقت‬ ‫قلت‪ :‬نعم‪ ،‬لكنني مهت ٌم ببني جنيس‪.‬‬ ‫قال‪ :‬إ ّن الغرض من الخلق واح ٌد للكل فاإلنسان ليس ممي ًزا عندي عن بقية الكائنات‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬إذًا ملاذا كل هذا التنوع الرهيب عىل األرض فقط؟ بينام بقية الكون فارغ‪ ،‬كنت أتخيل أ ّن الكون بكل هذا االتساع‬ ‫يجب أن يحتوي عىل الكثري من أمثالنا‪.‬‬ ‫قال‪ :‬كالمك خاطئ‪ ،‬ألنني مل أخلق الكائنات لجعلها عىل الكواكب‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬إذًا ملاذا خلقتنا عىل األرض فقط؟‬ ‫بحجم أقل من حجمي وأع ّرضه للتجارب‬ ‫قال‪ :‬إن الغرض من الخلق هو التجربة‪ ،‬فأنا أخلق شبي ًه يل يف تكويني لكن‬ ‫ٍ‬ ‫حجم وأردت االزدياد فخلقت شبي ًه يل‬ ‫يك أح ّوله إىل كائنٍ أعقد قاد ٍر عىل التوسع‪ ،‬فكام قلت لك كنت أنا نفيس أصغر ً‬ ‫تدعونه أنتم الخلية الحية‪.‬‬ ‫تعب عنك يف بدايتك؟‬ ‫قلت‪ :‬إذا أنت خلقت الخلية عىل شاكلتك عندما كنت يف البداية فهي ّ‬ ‫قال‪ :‬نعم‪ ،‬ثم بدأت أُع ّرض هذه الخلية لتجارب عد ٍة حتى تتحول إىل أشكا ٍل أعقد وأكرب بتجميعها يف مستعمر ٍ‬ ‫ات‬ ‫ٍ‬ ‫حجم‪ ،‬وعندما أصل إىل أفضل وضعٍ أط ّبق هذا األمر بشكلٍ‬ ‫واتحادها مع بعضها لتُشكّل‬ ‫كائنات متعددة الخاليا أكرب ً‬ ‫أكرب عىل نفيس ِ‬ ‫ألص َل لصور ٍة أفضل من التعقيد والحجم والتنظيم واالستقرار والتفاعل بني أجزايئ الداخلية كام تراها‬ ‫أنت مصغر ًة ج ًدا داخل الخلية أو ما هو أكرب منها‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬اآلن فهمت‪ ،‬أي أننا مثل حيوانات التجارب التي يجري عليها اإلنسان أبحاثه للوصول إىل دوا ٍء أو نتيج ٍة معينة‪.‬‬ ‫قال‪ :‬األمر شبي ٌه بهذا‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬إذًا هذا هو السبب يف وجود الكائنات عىل األرض فقط؟ والتنوع الرهيب هو عبار ٌة عن نهاية تجربة؟‬ ‫قال‪ :‬نعم‪ ،‬لذلك تالحظ التطور بني الكائنات وتدرجها‪ ،‬فهذا التطور مل يكن نتيجة طفر ٍ‬ ‫ات كام تعتقدون‪ ،‬ولك ّنه نتيجة‬ ‫تجاريب وتحوييل للكائنات من شكلٍ معق ٍّد إىل شكلٍ أكرث تعقي ًدا‪.‬‬

‫‪82‬‬


‫لقايئ مع الله‬ ‫وليد‬

‫مثل‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬لكن بعض الكائنات انقرضت كالديناصورات ً‬ ‫قال‪ :‬نعم‪ ،‬قمت بتطويرها ولكنني وجدت أنها فاشل ٌة فقمت مبسحها وعدت إىل نقط ٍة سابق ٍة وأعدت التجربة حتى‬ ‫وصلت إىل الشكل الحايل‪ ،‬اإلنسان وهو أفضل ما طورت حتى اآلن وقد عملت منه الكثري من األشكال واأللوان ليك أخترب‬ ‫أفضل النتائج التي أريدها‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬وستطوره طب ًعا مع الوقت لتحصل عىل كائنٍ أرقى وأفضل‪.‬‬ ‫قال‪ :‬بالتأكيد‪ ،‬لو نظرت لرأيت أن هذا يتم بالفعل‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫كائنات أرقى من اإلنسان‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬مل أر‬ ‫قال‪ :‬التطور ليس بالسهولة التي تراها لك ّنك‬ ‫لو رأيت أشكالً لإلنسان منذ مئة سن ٍة فقط‬ ‫مختلف وأن هذا الكائن‬ ‫ألحسست أ ّن الشكل‬ ‫ٌ‬ ‫أقدم منك‪.‬‬ ‫وأحس أ ّن‬ ‫قلت‪ :‬نعم‪ ،‬فأنا أرى أفال ًما قدمي ًة‬ ‫ّ‬ ‫صحيح أن االختالف‬ ‫أشكال البرش بها مختلفة‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫ليس ملحوظًا متا ًما لكنني أحس بفارقٍ بالتأكيد‪.‬‬ ‫قال‪ :‬هل أصبحت الصورة أوضح اآلن؟ ملاذا هناك‬ ‫األرض فقط وملاذا كل هذه الكائنات‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬نعم‪ ،‬علمت ملاذا هذا التامثل بني الكائنات‬ ‫والتطور الذي مل أفهم الغرض منه وكأنه سلسلة‪.‬‬ ‫قال‪ :‬أنت اآلن صور ٌة مصغر ٌة من هذا الكون‪،‬‬ ‫جسدك هو صور ٌة مصغر ٌة مني‪ ،‬إ ّن ما يحدث‬ ‫بداخلك هو أقىص ما استطعت تطويره‪ ،‬لقد‬ ‫أصبح اإلنسان نفسه اآلن يحاول صناعة صور ًة‬ ‫مصغر ًة منه ليقوم بنفس الدور الذي أقوم أنا به‬ ‫وسمه اإلنسان اآليل‪ ،‬إن الرغبة يف‬ ‫من‬ ‫تجارب ّ‬ ‫َ‬ ‫التطوير بداخلك جز ٌء منك ألنك جز ٌء م ّني تريد‬ ‫أن تط ّور وتخلق‪ ،‬حتى جسدك به تنا ٍه يف الصغر‬ ‫ٍ‬ ‫لكائنات مثل الفريوسات‬ ‫حتى ليبدو وكأنه الكون‬ ‫التي متاثلك أنت بداخيل‪ ،‬لذلك تلحظ التناغم بني‬ ‫الكون الكبري بداخيل والكون الصغري بداخلك‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬لكن اسمح يل‪ ،‬ملاذا هذه القسوة علينا؟‬ ‫‪83‬‬


‫لقايئ مع الله‬ ‫وليد‬

‫زالزل‪ ،‬براكني‪ ،‬موت‪ ،‬ألست قاس ًيا علينا؟‬ ‫ٍ‬ ‫كائنات أخرى ليك تعيش؟ أال‬ ‫قال‪ :‬أنت صور ٌة مني‪ ،‬ألست تقتل الكائنات األخرى ليك تعيش؟ ألست تقوم بتجارب عىل‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫لظروف ال تتحملها أنت ليك تحصل عىل النتائج املعملية؟ لتحصل عىل حيا ٍة أفضل؟ إنك‬ ‫كائنات أخرى‬ ‫تقوم بتعريض‬ ‫ٌ‬ ‫أساسا لهذا‪.‬‬ ‫تقوم بهذا ألنك جز ٌء مني وأنا أقوم بهذا ألنك‬ ‫مخلوق ً‬ ‫ٌ‬ ‫أطفال وأحيانًا شيوخ؟‬ ‫قلت‪ :‬ملاذا إذًا املرض واملوت يف أعام ٍر مختلفة؟‬ ‫ٍ‬ ‫تفاعالت معين ٍة داخل األجساد ملعرفة التطور الذي ستصل إليه وأحيانًا أنجح يف حل املشكلة فتظن‬ ‫قال‪ :‬أحتاج لوضع‬ ‫أنّك شُ فيت‪ ،‬وأحيانًا ال تنجح فتموت‪ ،‬واختالف األعامر بسبب أنني أحتاج جميع األعامر للتجربة‪ ،‬وعند استنفاذ الجسد‬ ‫للتجارب يشيخ وميوت‪.‬‬ ‫كل يش ٍء يف الكون؟‬ ‫قلت‪ :‬لذلك نتطور ثم نشيخ ومنوت وكذلك ّ‬ ‫قال‪ :‬نعم‪ ،‬ال يتحمل الجسد تجارب أكرث‪ ،‬فينتهي وميوت ليأيت غريه ويكون أكرث تطو ًرا وهكذا‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬وملاذا الذكر واألنثى؟‬ ‫قال‪ :‬أقوم بخلط جميع الصفات وأعيد توزيعها فاحصل عىل جميع االحتامالت وأختار أفضلها‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬ظننتك قاد ًرا عاملًا ال تحتاج إىل هذا‪.‬‬ ‫قال‪ :‬مل أقُل هذا‪.‬‬ ‫رسلك الذين أرسلتهم إلينا‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬قال بهذا ُ‬ ‫رسل‪.‬‬ ‫أيضا اعتباري أرسلت ً‬ ‫قال‪ :‬مل أرسل ً‬ ‫رسل بشكلٍ مبارش‪ ،‬لكن ميكنك ً‬ ‫قلت‪ :‬كيف؟‬ ‫أيضا ه ّيأت لهم الظروف ليقوموا بتلك املهمة‪ ،‬فلو أردت‬ ‫قال‪ :‬أنا مل أكلّف أح ًدا بتبليغ رسال ٍة إىل بقية البرش‪ ،‬ولكن ً‬ ‫منعهم لفعلت ولكني مل أفعل‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬وما الهدف منهم؟‬ ‫ٍ‬ ‫بصفات مشرتكة‪ ،‬يف دمك خاليا ذات فصائل مختلفة‪ ،‬وهذا يعطي لكل فئ ٍة‬ ‫قال‪ :‬جم ُع الشعوب وتجميعها وصبغها‬ ‫ٍ‬ ‫صفات يحتاجها الجسد‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬إ ّن أكرث ما يشغل بايل اآلن هو ماذا بعد املوت؟ لقد فهمت ملاذا أموت‪ ،‬ولكن ماذا بعد املوت هل تنتهي حيايت‬ ‫هكذا؟‬ ‫قال‪ :‬ال‪ ،‬بل تبدأ حيا ٌة مثري ٌة أخرى‪ ،‬إ ّن جسدك ينتهي‪ ،‬ولكن أنت يف النهاية جز ٌء م ّني‪ ،‬وأنا ال أموت‪ ،‬مجرد موتك هو‬ ‫ٍ‬ ‫مهامت أخرى‪.‬‬ ‫تحولك إىل شكلٍ آخر ميكنه التجول داخيل ألداء‬ ‫قلت‪ :‬أأكون مثل هذا الكائن الذي أىت يب إىل هنا؟‬ ‫قال‪ :‬نعم‪ ،‬وأشياء أخرى كثرية‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬مثل ماذا؟‬ ‫قال‪ :‬سأجعلك اآلن تعرب إىل تلك املرحلة وترى بنفسك‪ ،‬ال تقلق عند نهاية جولتك ستعود إ ّيل مر ًة أخرى‪.‬‬ ‫‪84‬‬


‫لقايئ مع الله‬ ‫وليد‬

‫ٍ‬ ‫همهامت‬ ‫سمعت يف رأيس طرقًا عنيفًا وأصوات‬ ‫أخف‬ ‫وأضوا ُء تأيت من بعيد‪ ،‬ثم أصبحت وكأين ّ‬ ‫من الهواء وأشعر برغب ٍة يف الطريان‪ ،‬ها أنا أطري‪،‬‬ ‫إين أستطيع الطريان‪ ،‬لكن ما هذا؟ إنني أرى‬ ‫كامل ألول مر ٍة يف حيايت‪ ،‬لقد أصبحت‬ ‫جسدي ً‬ ‫أرى وأسمع وأطري ولكن أشعر برغب ٍة كبري ٍة يف‬ ‫تأ ّمل جسدي وج ًها لوجه‪ ،‬إنه شعو ٌر غريب‪ ،‬إين‬ ‫أحاول أن أح ّرك هذا الجسد كام تعودت ولكنني‬ ‫ال أستطيع‪ ،‬شعرت مبرار ٍة يف البداية ثم بدأت‬ ‫أستمتع بقدريت الجديدة عىل التنقل بني أرجاء‬ ‫جسد الله برسع ٍة رهيبة‪ ،‬توقّفت عندما وجدت‬ ‫نفيس‪ ،‬نسيت ملاذا أنا كذلك‪ ،‬لقد وعدين الله أن‬ ‫يريني ماذا أفعل بعد املوت‪ ،‬هل سأظل أطري؟‬ ‫ثم ماذا؟ نظرت حويل فوجدت زمييل القديم‬ ‫مرشدي ولكنه كان مثيل هذه املرة هائ ٌم يف‬ ‫الكون‪.‬‬ ‫أيضا أصبحت بال جسد‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬أنت ً‬ ‫قال‪ :‬هل فهمت اآلن ماذا أكون؟ هل فهمت ما‬ ‫كان يدور يف ذهنك؟‬ ‫فلت‪ :‬نعم‪ ،‬ولكن بقي أن أعرف ماذا أفعل؟ لقد‬ ‫كنت مضطربًا يف البداية عندما رأيت جسدي ثم بدأت أستمتع بقدرايت الجديدة ثم بدأت أتساءل وماذا بعد؟ فرأيتك‬ ‫أمامي‪.‬‬ ‫أول حيث مكان الذين هم قادمون ت ًوا من الدنيا وما زالوا ال‬ ‫قال‪ :‬سنذهب اآلن لرتى مهامتك الجديدة‪ ،‬سنذهب ً‬ ‫يفهمون ما دورهم الجديد مثلك متا ًما‪ .‬سآخذك إىل رجلٍ مسنٍ مات منذ قليل‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬مثيل؟‬ ‫وقت طويل ليقضيه هنا‪.‬‬ ‫قال‪ :‬أنت ستعود‪ ،‬أ ّما هو فأمامه ٌ‬ ‫قلت‪ :‬ال أستطيع االنتظار‪.‬‬ ‫ذهبنا هذه املرة طائرين وكنت أسبقه أحيانًا سعي ًدا بقدريت الجديدة مثل األطفال‪.‬‬ ‫وصلنا‪.‬‬ ‫‪85‬‬


‫لقايئ مع الله‬ ‫وليد‬

‫الرجل‪ :‬هل قامت القيامة؟‬ ‫مرشد‪ :‬ال توجد قيامة‪ ،‬اهدأ‪.‬‬ ‫الرجل‪ :‬لقد عشت عمري كلّه أعبد الله ثم تقول يل ال توجد قيامة!‬ ‫مرشد‪ :‬لقد عشت وأ ّديت مه ّمتك واآلن ستؤدي مهم ًة جديدةً‪.‬‬ ‫أيضا؟‬ ‫الرجل‪ :‬وما يدريني هذه املرة أنها ليست خدع ًة ً‬ ‫مرشد‪ :‬ال خيار لك‪ ،‬اتبعني وليس ذنبي أنّك مل تستخدم عقلك يف التفكري كام أنك كنت سعي ًدا بإميانك ومل تخرس شيئًا‪.‬‬ ‫بعد فرت ٍة بسيطة جاءت امرأة‪ ،‬ومبجرد أن رأتنا دار بيننا هذا الحديث‪:‬‬ ‫املرأة‪ :‬كنت واملسيح سأتوب ولك ّن الرب مل ميهلني‪ ،‬أرجوكم ال أريد الذهاب إىل الجحيم‪ ،‬أرجعوين وسأؤمن بيسوع‬ ‫املخلّص‪ ،‬أين أنت يا يسوع لتخلصني؟‬ ‫مرشد‪ :‬سرتين يسوع اآلن لقد جاء هو اآلخر منذ ألفي سن ٍة‬ ‫وستسعدين بصحبته‪.‬‬ ‫أيضا؟!‬ ‫قلت‪ :‬هل األنبياء هنا ً‬ ‫قال‪ :‬الكل سواء‪ ،‬إننا تعودنا عىل هذا كث ًريا‪ ،‬وأكرث ما جعلنا نبتسم‬ ‫هي قصة ذلك الشخص الذي كان يُدعى يف حياته كارل ماركس‪،‬‬ ‫افضا ألن يتحرك ألنه ليس من املفروض أن يكون هنا بعد‬ ‫كان ر ً‬ ‫املوت ومل يقتنع إالّ بعد أن تركناه وحي ًدا مد ًة طويلة‪ ،‬وبدأ يفهم‬ ‫ما حوله‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬وما يفعل هؤالء عندما يصعدون ويأتون إىل هنا؟‬ ‫قال‪ :‬يتم إفهامهم أنهم أصبحوا بال جسد‪ ،‬وأنهم لن يستطيعوا‬ ‫فعل أي يش ٍء إال الشعور ونقل الشعور‪.‬‬ ‫كل يش ٍء وكأنني يف‬ ‫قلت‪ :‬إنه شعو ٌر غريب‪ ،‬أنا ما زلت أتذكر ّ‬ ‫الدنيا‪ ،‬ولكني ال أستطيع عمل أي يش ٍء سوى اإلحساس فقط‪.‬‬ ‫قال‪ :‬ال تقلق‪ ،‬عندما تندمج يف حياتك الجديدة ستنىس ذكرياتك القدمية‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬إين أشتاق ألهيل‪ ،‬هل هذا الشعور سيستمر مع القادمني؟‬ ‫قال‪ :‬ال‪ ،‬إنك تقول ذلك ألنك مل ترى حياتك الجديدة بعد‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬وماذا يفعل القادمون؟‬ ‫قال‪ :‬يف البداية يكونون مسؤولني عن إحداث التغريات يف الكائنات الحية كجز ٍء من العوامل التي ت ُشارك يف تهيئة جو‬ ‫التجربة‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬ال أفهم جي ًدا‪ ،‬ماذا تقصد؟‬ ‫تحس أحيانًا أن هناك أح ًدا معك يف مكانك ولكنك ال ترى أح ًدا؟‬ ‫قال‪ :‬أمل تشعر أحيانًا أنك‬ ‫ٌ‬ ‫منقبض وال تعرف ملاذا؟ أمل ّ‬ ‫‪86‬‬


‫لقايئ مع الله‬ ‫وليد‬

‫قلت‪ :‬نعم‪ ،‬تنتابني هذه األحاسيس وأحيانًا أكون سعي ًدا وفجأة أفقد الرغبة يف الحياة مع أنه مل يحدث يل يش ٌء جوهري‪.‬‬ ‫قال‪ :‬إن هذا جز ٌء من التجربة عىل الكائن‪ ،‬أمل تشعر أحيانًا أ ّن كل ًبا يترصف كاملجنون أو ديكًا يصيح بغري وقته أو رمبا‬ ‫ِق ٌط يجري فجأ ًة ٍ‬ ‫لهدف ال تراه‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬نعم‪ ،‬أنا أرى ذلك دامئًا‪ ،‬ويعتقد الكثريون بوجود ج ٍّن أو أروا ٍح أو ما شابه ذلك‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫قال‪ :‬إن هذا بسبب تأثرينا عىل الكائنات التي ما زالت يف طور التجربة‪ ،‬نحن نقوم بالتأثري والتهيئة ٍ‬ ‫حادث أو‬ ‫ملرض أو‬ ‫حي حتى لو كان سمك ًة إىل مصريٍ نريده‪.‬‬ ‫دفع كائنٍ ٍّ‬ ‫سبب‬ ‫فعل‪ ،‬أحيانًا أقرر فجأ ًة عمل يش ٍء بعد أن أكون ال أفكر فيه ً‬ ‫قلت‪ً :‬‬ ‫أصل‪ ،‬أو ينقبض قلبي من فعل يش ٍء بدون ٍ‬ ‫دخل يف أحالمي؟‬ ‫واضح‪ ،‬وهل لهم ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫جديد وهو التحدث مع الكائنات وليس التأثري فقط‪،‬‬ ‫قال‪ :‬بعد فرت ٍة وعندما ترتفع قدرة الوافد الجديد يدخل يف طو ٍر‬ ‫مثل أو توصيل معلوم ٍة ما‪ ،‬فيتم هذا عن طريق التأثري والتفاعل‪.‬‬ ‫فقد يرغب وال ٌد يف توصيل رسال ٍة إىل ابنه ً‬ ‫قلت‪ :‬إنكم تتداخلون مع البرش؟‬ ‫تحس أنت‪.‬‬ ‫كل الكائنات تحلم‬ ‫قال‪ :‬ليس البرش فقط‪ ،‬كام قلت لك‪ّ ،‬‬ ‫وتحس كام ّ‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫لشخص ما؟‬ ‫اسم آخر يف تبليغ رسال ٍة‬ ‫قلت‪ :‬وملاذا يتدخل روح‪ ،‬سأسميه رو ًحا ألنني ال أعلم ً‬ ‫قال‪ :‬إنها توجيهاتٌ من الله ليجعل عقلك يعمل‪ ،‬فمن ضمن التجارب التي يحتاجها هي نشاط العقل وقدرته عىل‬ ‫التطور كام رشح لك‪ ،‬وهذا هو الهدف من الخلق‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬أي أنها إشاراتٌ تقول لك استخدم‬ ‫عقلك ليتطور وأتطور أنا معه‪.‬‬ ‫قال‪ :‬نعم‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬وهل هناك أدوا ٌر أخرى غري التأثري يف‬ ‫الحياة واألحالم؟‬ ‫قال‪ :‬نعم‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬مثل ماذا؟‬ ‫قال‪ :‬بعد فرت ٍة يقوم الله باستقبال الوافدين‬ ‫الجدد وهناك من يح ّوله الله إىل كائنٍ‬ ‫ٍ‬ ‫جديد متا ًما‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬ماذا؟‬ ‫قال‪ :‬هناك من يحوله الله إىل أجزاء جديدة‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬كيف؟‬ ‫قال‪ :‬أال ترى تلك النباتات عىل األرض؟‬ ‫قلت‪ :‬نعم‪.‬‬ ‫‪87‬‬


‫لقايئ مع الله‬ ‫وليد‬

‫قال‪ :‬أتدري كيف تعيش؟‬ ‫قلت‪ :‬كيف؟‬ ‫أرواح قدمي ٌة كانت حي ًة وكانت يف حياتها تنفع الناس اآلخرين‪.‬‬ ‫قال‪ :‬تلك النباتات هي ٌ‬ ‫قلت‪ :‬يعني أن هذا تكري ٌم له؟‬ ‫قال‪ :‬نعم‪ ،‬تحتاج التجربة إىل تفاعلٍ مع النبات‪ ،‬والنبات يحتاج إىل حياة‪ ،‬والحياة إىل روح‪ ،‬والروح املعطاءة يف الكون‬ ‫تعود عىل شكل ٍ‬ ‫نبات يفيد اآلخرين كام أنه ينتقل إىل أجساد الكائنات األخرى يف دور ٍة معقدة‪ ،‬فعندما تأكل أنت أو‬ ‫أحد الحيوانات نبات ًا فإ ّن تلك الروح املعطاءة تحاول التأثري عليك لتأخذ جز ًءا من قدرتها عىل العطاء‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬هل متوت الروح عندما ميوت النبات؟‬ ‫قال‪ :‬الروح ال متوت ألنها جز ٌء من الله‪ ،‬والله ال ميوت‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬إذًا تعود إىل جسد الله مر ًة أخرى؟‬ ‫قال‪ :‬نعم‪ ،‬تدور وتك ّون نباتًا جدي ًدا لخدمة بقية الكون‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬وماذا لو كان الكائن يرض غريه؟‬ ‫قال‪ :‬إنّه يف النهاية جز ٌء من التجربة‪ ،‬ولو كان وجوده غري ٍ‬ ‫رضوري‪.‬‬ ‫أيضا‬ ‫مجد ملا أوجده الله‪ ،‬فالرش ً‬ ‫ّ‬ ‫قلت‪ :‬أنا أحس اآلن أنني سعي ٌد ألنني علمت أشيا َء مل أكن أعلمها قد ًميا وكنت أسمع تفسري ٍ‬ ‫ات ال تقنعني‪.‬‬ ‫قال‪ :‬عقلك هو طريقك يف الحياة‪ ،‬ال تعتقد أنك تحتاج إىل عقل غريك ليخربك‪ ،‬فلو كان القرار خاطئًا فستدفع مثن خطأك‬ ‫أنت ال مثن أخطاء غريك‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬كيف أعود إىل حيايت؟‬ ‫قال‪ :‬ستعود كام جئت‪.‬‬ ‫أرواح ال تبايل‪ ،‬كلها أمامي‪ ،‬ال أدرى كيف‬ ‫أرواح تستغرب‪ٌ ،‬‬ ‫أرواح تأيت‪ٌ ،‬‬ ‫عندما بدأت رحلة العودة بدأت أفهم ما أرى‪ٌ ،‬‬ ‫قوي وينفي عقله ألن‬ ‫يُض ّيع اإلنسان حياته يف انتظار أشيا َء بال دليلٍ ويبني ّ‬ ‫كل أحالمه ومبادئه عىل أساطري بال دليلٍ ٍّ‬ ‫غريه قرر‪.‬‬ ‫أثناء عوديت إىل األرض بدأت أفهم تلك األصوات املرعبة التي كنت أسمعها‪ ،‬إنها أصوات الحرسة عندما يكتشف الجميع‬ ‫أنه كان يعيش من أجل الله ومن أجل خدمة هذا الكون وبقاءه بينام أضاع عمره يعتقد بأ ّن الكون موجو ٌد له ولخدمته‬ ‫وأن الله كان ينتظره لخدمته يف الجنة ولتلبية رغباته املريضة‪.‬‬ ‫أحس بالزهو فأنا لن أخاف اآلن من املوت‪ ،‬إنّه دو ٌر جدي ٌد يل يجعلني جز ًءا من هذا الكون‬ ‫مشيت يف شوارع القاهرة وأنا ّ‬ ‫الكبري وأنا يف النهاية جز ٌء من منظوم ٍة كبري ٍة اسمها الله‪ ،‬لست عب ًدا له‪ ،‬بل جز ٌء من الله كام احتاجه فهو يحتاجني‪ ،‬أنا‬ ‫ٌ‬ ‫مخلوق ألكون جز ًءا من هذا العمالق‪ ،‬أنا أحتوي عىل رس الحياة‪.‬‬ ‫لست مخلوقًا لشهو ٍة أو نزوة‪ ،‬أنا‬ ‫‪88‬‬


s www.facebook.com/M-80-II-941772382615672

89


‫ال ميكن ألي مجتمع أن ينهض و يتصالح مع الحياة ما مل يتصالح مع‬ ‫‪ ..‬العلم و معاين التجديد واإلبداع‬ ‫نحن لدينا سوبرماركت‪ ،‬أنت فقط قل ما تريد ونحن نوفر لك طلبك‬

‫زياد عبد الرحمن‬

‫‪Abdu Alsafrani‬‬

‫‪Hassen Al-Ghazali AlHashemi‬‬

‫«الدوغامئية» املفرطة أو حالة الجمود الفكري مع التعصب للمعتقدات و األفكار و القناعات و التي يعاين‬ ‫منها املتدين تتضح جلية يف التناقض يف عقلية املسلم و تأييده لإلعجاز العلمي يف القرآن مع رفضه و إنكاره‬ ‫للنظريات العلمية التي ثبت صحتها و التي تتعارض مع القرآن ‪.‬‬

‫‪Samir Nasser‬‬

‫االسالم يصبح مطلق فقط عندما تفضحه بالعلم واملنطق‪ ،‬ويصبح نسبي عندما يريد نرش‬ ‫خرافاته باالعتامد عىل تفسريات شبه علمية ‪.‬‬

‫‪90‬‬


‫مجلة شهرية بجهود فردية تصدر في الثاني عشر من كل شهر‬

The Arab MagazineMagazine is a digital produced TheAtheists Arab Atheists is apublication digital publication by volunteers andbycommitted and produced volunteerstoandpromoting committedthetothought promoting writingstheofthought atheists and of various complete freewritingspersuasions of atheists with of various persuadom. Thewith Magazine doesfreedom. not adoptThe or endorse formnotof adopt politisions complete Magazineanydoes cal ideology affiliation. or or endorse any form of political ideology or affiliation Contributors of of thethe content, illustrations Contributorsbear bearthethefullfullresponsibility responsibility content, illustraandtions topicsandthey provide insofar as it covers copyright and issues topics they provide insofar as it covers copyright andof intellectual property. issues of intellectual property Express permission to publish in the Magazine is provided by conExpress permission for to publish in the Magazine is provided tributors, whether they are members of the Arab Atheists by contributors, whether they are members of the Arab Magazine Atheists Group or of other atheists and non-religious contributors. Magazine Group of other atheists and non-religious contributors TheTheMagazine does notnot publish material thatthat is unethical or or thatthat inMagazine does publish material is unethical cites racism or bigotry. incites racism or bigotry The Editorial Board reserves the rightthe to republish content originally The Editorial Board reserves right to republish content published on the Magazine’s Facebook group, as publishing originally published on the Magazine’s Facebook group,there as implicitly contains consent for republication in the Magazine. publishing there implicitly contains consent for republication in the Magazine

:‫موقع املدونة اخلاصة بنا لألرشفة على اإلنترنت‬ www.aamagazine.blogspot.com ‫البريد اإللكتروني‬ el7ad.organisation@gmail.com magazine@arabatheistbroadcasting.org


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.