مجلة الملحدين العرب / العدد السادس والثمانون / يناير كانون ثاني / 2020

Page 1

‫مجلة شهرية بجهود فردية تصدر يف الثاين عرش من كل شهر‬

‫اليهودية واملحروسة جـ ‪3‬‬ ‫راهب العلم‬

‫متناقضة اإلرادة الحرة‬

‫طائر حر‬

‫الحرية الفردية بني القمع‬ ‫اإلسالمي والعرص العلامين‬

‫العدد السادس والثامنون من مجلة امللحدين العرب ‪ -‬يناير ‪ /‬كانون ثاين لسنة ‪.2020‬‬

‫د‪ .‬عبد العزيز القناعي‬

‫مسيلمة رحمن‬ ‫الياممة‬ ‫مصطفى ح ّجي‬

‫تهدف مجلّة امللحدين العرب إىل نرش وتوثيق أفكار امللحدين العرب املتنوعة وبحريّ ٍة كاملة‪ ،‬وهي مجلّ ٌة رقمي ٌة غري ربح ّية‪ ،‬مبني ٌة‬ ‫أي توج ٍه سيايس‪ .‬املعلومات واملواضيع املنشورة يف املجلّة متثل آراء كاتبيها فقط‪ ،‬وهي مسؤول ّيتهم من‬ ‫بجهو ٍد طوعي ٍة ال تتبع َّ‬ ‫الناحية األدب ّية ومن ناحية حقوق النرش وحفظ امللك ّية الفكريّة‪.‬‬


‫كلمة تحرير املجلة‬

‫ويبدأ عا ٌم جدي ٌد ليحمل معه املزيد من عدم االستقرار السيايس واألمني يف‬ ‫املنطقة‪ ،‬مام يعني املزيد من سطوة ِ‬ ‫الدين وابتزازه لرباءة الفقراء وجهلهم‬ ‫ليتح ّولوا بدورهم لثور ٍ‬ ‫ات تنتهي باملزيد من الدماء‪ .‬وكام ع ّودتنا الحياة‬ ‫سيكون هذا جز ًءا من دائر ٍة تاريخي ٍة مغلق ٍة وحلق ٍة لعين ٍة تبدأ من املآيس إىل‬ ‫الثورات فالفساد ثم عود ًة للآميس من جديد‪.‬‬ ‫عرب تاريخنا الطويل مل يختلف األمر كث ًريا‪ ،‬فلطاملا ك ّنا تحت سطوة املستبدين‬ ‫واملستعمرين عىل اختالف ألوانهم وأشكالهم وخرافاتهم‪ ،‬ومل ِ‬ ‫ينقض علينا‬ ‫رص آخر من الظلم‪ ،‬ورمبا هذا ما جعلنا نتمتّع‬ ‫رص من الظلم إال لحقه ع ٌ‬ ‫ع ٌ‬ ‫غني وتاري ٍخ عميقٍ عرب هذا التاريخ الدموي امليلء باألمل‪،‬‬ ‫بتنو ٍع ثقا ٍيف‬ ‫وعرقي ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وجعلنا نحمل معنا تلك الشخصية املختلفة التي غالبًا ال تساعد نفسها أو‬ ‫تغني مستقبلها‪.‬‬

‫فريق التحرير‬

‫املشارك يف هذا العدد‬

‫رئيس التحرير‬ ‫الغراب الحكيم‬ ‫أعضاء هيئة التحرير وبناء املجلة‬ ‫‪John Silver‬‬ ‫‪Gaia Athiest‬‬ ‫أسامة البني (الوراق)‬ ‫‪Alia’a Damascéne‬‬ ‫غيث جابري‬ ‫‪Abdu Alsafrani‬‬ ‫‪Rama Saleh‬‬ ‫‪Raghed Rustom‬‬ ‫‪Johnny Adams‬‬ ‫ليث رواندي‬ ‫إيهاب فؤاد‬ ‫‪Yonan Martotte‬‬

‫ورصاح ًة أجلس أحيانًا ألتأمل بالفروقات الحضارية واملعرفية بني شعوبنا‬ ‫والشعوب األخرى التي ال تحمل كل هذه األمتعة التاريخية املعقّدة‪ ،‬فأجد‬ ‫ٍ‬ ‫أشخاص من تلك الشعوب يتحلّون برباء ٍة بل ورمبا بسذاج ٍة‬ ‫نفيس أمام‬ ‫فطري لآلخرين‬ ‫طبيعي‬ ‫يل بالقوانني واألعراف وتقدي ٍر‬ ‫والتز ٍام‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫عاطفي وعق ٍ‬ ‫حيث يتجنبون حتى أبسط األمور التي قد تكون مؤذي ًة ملجتمعهم‪.‬‬ ‫أجلس وأتأمل وأتساءل‪ ...‬هل هي ثقافة «أنا ومن بعدي الطوفان»؟‬ ‫هل هي ثقافة كل “ممنو ٍع مرغوب”‪ ،‬أم هي ثقاف ٌة تنعى وتدفن أي أملٍ‬ ‫حقيقي باملستقبل ٍ‬ ‫ويأس مبا هو آت؟ وبالتايل ليس لدينا إال اليوم الحارض وما‬ ‫ٍ‬ ‫ليوم آخر‪.‬‬ ‫نستطيع قضمه من جيفة الحياة لنضمن العيش عليه ٍ‬ ‫هل مشكلتنا تكمن يف عدم وجود إميانٍ باملستقبل وبأن الغد ميكن أن يكون‬ ‫أفضل وأننا نستطيع تحقيق السالم واألمن والحرية والكرامة وأن نكرس تلك‬ ‫الحلقة امللعونة التي ع ّرفت تاريخنا وهويتنا عرب الزمن؟‬ ‫رمبا ما جعلنا ممسوخني من الداخل كان كل الجيوش واألباطرة املستعمرين‬ ‫واملستبدين والسالطني وامللوك والشيوخ والقساوسة والباشوات واإلقطاعيني‬ ‫مم أ ّدى إىل نو ٍع‬ ‫والرأسامليني والسياسيني والفاسدين والخونة عرب تاريخنا ّ‬ ‫ٍ‬ ‫صوت شجا ٍع‬ ‫من االصطفاء املو ّجه عىل مر العصور الستئصال وسحق أي‬ ‫حقيقي ينادي بالحق والكرامة والحرية‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫يبق من الشعوب‬ ‫رمبا سبب ما نحن عليه اليوم هو حتمي ٌة تطوري ٌة حيث مل َ‬ ‫يف زمن االستبداد والفساد إال َمن كان األصلح‪ ،‬فالبقاء لألصلح‪ ،‬واألصلح هنا‬ ‫هو َمن تف ّنن بالغش والكذب والغدر والتملق والنفاق ‪.‬‬ ‫ورمبا مشكلتنا لن تتغري إال إذا ما أدركنا العلل والكوارث األخالقية التي‬ ‫تعشعش تحت جلودنا دون أن نراها‪ ،‬وبدأنا بالتغيري وكرس تلك الحلقة التي‬ ‫تدور وتح ّول الضحية إىل مستبد‪ ،‬وهنا ما أعنيه هو التغيري من الداخل‬ ‫باألشياء الصغرية واألحالم الكبرية‪.‬‬

‫‪2‬‬

‫يجب أن يعود لنا األمل والحلم والعمل للمستقبل‪...‬‬ ‫يجب أن نتب ّنى ثقاف ًة إيجابي ًة تزرع ال ِغراس ال تقلعها‪...‬‬ ‫يجب أن يكون لدينا تفك ٌري وتقدي ٌر لِام نقوم به وهل‬ ‫هو مؤ ٍذ لآلخرين وللمجتمع من حولنا وللوطن الذي‬ ‫نعيش فيه؟‬ ‫بيوم يرتك أث ًرا إيجاب ًيا أم سلب ًيا عىل‬ ‫هل ما أفعله يو ًما ٍ‬ ‫َمن حويل؟‬ ‫رمبا إذا ما بدأنا بهذا التغيري ستتفتّت تلك الحلقة‬ ‫اللعينة ونتح ّرر منها ولو بعد حني‪ ...‬ليك نسري م ًعا‬ ‫نحو مستقبلٍ منري‪.‬‬ ‫الغراب الحكيم‬


‫الفهرس‬ ‫كلمة تحرير املجلة‬

‫‪2‬‬

‫الفهرس‬

‫‪3‬‬

‫الحرية الفردية بني القمع اإلسالمي‬ ‫والعرص العلامين‬ ‫د‪ .‬عبد العزيز القناعي‬

‫‪4‬‬

‫نقد كتاب اليهودية (التناخ) جـ ‪:3‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬األخطاء العلمية والخرافات‬ ‫والخزعبالت‬ ‫راهب العلم‬

‫‪8‬‬

‫متناقضة اإلرادة الحرة‬ ‫طائر حر‬

‫‪23‬‬

‫اليهودية واملحروسة جـ ‪3‬‬ ‫محمد شومان‬

‫‪28‬‬

‫يا عقل دعني‪ ،‬كفاك فلسفة واعترب‬ ‫(قصيدة)‬ ‫أبو الحسن آل غزايل‬

‫‪59‬‬

‫مسيلم ُة رحمن الياممة‪ ..‬وما أدراك ما ‪62‬‬ ‫الرحمن! جـ ‪1‬‬ ‫مصطفى ح ّجي‬ ‫اقرأ الحادثة (قصة قصرية)‬ ‫وليد‬

‫‪74‬‬

‫كاريكاتور‬

‫‪95‬‬

‫مالحظة‪ :‬عناوين املقاالت هي روابط‪ ،‬انقروا عليها لتأخذكم مبارش ًة إىل املقال‬

‫‪3‬‬


‫الحرية الفردية بني القمع‬ ‫اإلسالمي والعرص العلامين‬

‫د‪.‬عبد العزيز القناعي‬

‫يف مجتمعاتنا الخليجية والعربية واإلسالمية‪ ،‬ال يزال‬ ‫املفطر يف نهار رمضان يُعاقب بالحبس أو الغرامة (إذا كان‬ ‫مواط ًنا) أو بالتسفري عن البلد إذا كان واف ًدا‪ .‬وإىل اليوم‬ ‫تفتخر مجتمعاتنا قاطب ًة بقتل املرتد وحبس من ينتقد‬ ‫الدين‪ ،‬وقتل املرأة باسم الرشف‪ ،‬وترشيع القوانني تلو‬ ‫القوانني ملعاقبة املثقفني واملفكرين بسبب آرائهم يف الدين‬ ‫والرتاث والفقه‪ ،‬وعىل رأس هذه القوانني‪ ،‬القانون يسء‬ ‫الذكر «ازدراء األديان» املعمول به يف غالبية املجتمعات‬ ‫العربية واإلسالمية (والذي تم حبيس بنا ًء عليه ملدة‬ ‫شهرين العام املايض)‪ .‬وإىل اليوم مازال الحجاب والنقاب‬ ‫مفروضا بالقوة يف بعض املجتمعات العربية واإلسالمية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أيضا يف كل املجتمعات الخليجية والعربية‬ ‫ومازالت املرأة ً‬ ‫واإلسالمية‪ ،‬تُعترب عور ًة وشهادتها أدىن من شهادة الرجل‬ ‫ومسموح أن تكون مجرد عد ٍد يف حظرية‬ ‫ومرياثها ناقص‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫الرجل‪ .‬كام وال تحظى املرأة باملشاركة السياسية العليا‪،‬‬

‫ناهيك عن صنع القرار السيايس أو وصولها إىل رئاسة‬ ‫الوزراء وما فوق ذلك‪ .‬وفوق كل هذا‪ ،‬ميكن قتلها أو‬ ‫حبسها أو ازدرائها يف املجتمع‪ ،‬فقط ألنها امرأ ٌة وليست‬ ‫رجل وذلك يف غالبية املجتمعات العربية واإلسالمية‪.‬‬ ‫َ‬ ‫هذه املقدمة رضوري ُة يك نناقش مفهوم الحرية الشخصية‬ ‫وتداعياتها يف مجتمعاتنا اإلسالمية الفاقدة لقيمتها‬ ‫فضل عن تهتك واستبداد معايشتها الحضارية‬ ‫اإلنسانية‪ً ،‬‬ ‫واألخالقية والثقافية كام أسلفنا يف البداية‪.‬‬ ‫الحرية الفردية‪ ،‬يفهمها املسلم بأن يفعل ما يريد ضمن‬ ‫حدود اإلسالم فقط (غزو اآلخر‪ ،‬فرض الرشيعة‪ ،‬قتل املرتد‪،‬‬ ‫رضب املرأة‪ ،‬تحجيب البنات الصغار وتزويجهن‪ ،‬فرض‬ ‫الجزية‪ ،‬منع األقليات من القيام بطقوسهم الدينية)‪ ،‬وما‬ ‫عدا ذلك (حرية الرأي والتعبري والفكر واالعتقاد واللبس‬ ‫‪4‬‬


‫الحرية الفردية بني القمع اإلسالمي والعرص العلامين‬ ‫واملثلية وعدم التدين) فهو كف ٌر وزندق ٌة ومخالف ٌة لرشوط وحدود الحرية يف املفهوم اإلسالمي‪ ،‬وأي محاول ٍة من أي فرد‬ ‫لقمع الحرية الشخصية للمسلم‪ ،‬أي انتقاد دينه أو منع الحجاب والنقاب أو رفض الرشيعة اإلسالمية يف الحكم‪ ،‬يُعترب‬ ‫اعتدا ًء عىل اإلسالم‪.‬‬ ‫إن إشكالية املسلم يف فهم معنى الحرية الفردية‪ ،‬بأنه قد استوعبها بنا ًء عىل تحديد اإلسالم لها‪ ،‬وليس من خالل بروزها‬ ‫وظهورها وتحديدها يف عرص الحداثة‪ .‬فهو تعلّم مسبقًا بأن الحرية يف املفهوم الحدايث عهر‪ ،‬وأن النساء الغربيات‬ ‫وعلمي وتكنولوجي‪ ،‬هو عطايا الله‬ ‫اقتصادي‬ ‫عاهرات‪ ،‬وأن دول الغرب مبا فيها من حرية تدينٍ وعدم تدينٍ وتطو ٍر‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍّ‬ ‫عذاب أكرب‪ .‬ولهذا عليه‪ ،‬أي املسلم‪ ،‬أن يحمي ممتلكاته (املرأة) ودينه وتاريخه وتراثه من‬ ‫لهم يف الدنيا‪ ،‬ولهم يف اآلخرة ٌ‬ ‫حضاري أو ثقا ٍّيف أو اجتامعي‪ ،‬انطالقًا من ثقافته الدينية التي حددت له‬ ‫تقدم وتطو ٍر يشابه الغرب‪ ،‬ومن أي متاز ٍج‬ ‫أي ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫مسبقًا مصطلحات الحضارة بالتغريب‪ ،‬والغرب بالكفار‪ ،‬واالنفتاح باالنحالل‪ ،‬وعىل هذا األساس انغلق تاريخ ًيا ومعنويًا‬ ‫ٍ‬ ‫محددات ماضوي ٍة اعتربها صالح ًة لكل زمانٍ ومكان‪.‬‬ ‫وعقليًا عىل‬ ‫بينام يف املجتمعات العلامنية‪ ،‬مل تتوقف الشعوب عند‬ ‫ماضيها‪ ،‬ومل تفرض عليه القداسة ألنها تعلم متا ًما‪ ،‬بأن‬ ‫الحقيقة الثابتة هي التغيري املستمر‪ .‬لهذا‪ ،‬تتحدد‬ ‫املصطلحات واملفاهيم بحسب تطور املجتمع ثقاف ًيا‬ ‫وفكريًا وعلميًا‪ ،‬باتجاه املزيد من االنفتاح‪ .‬إن العقل‬ ‫العريب املسلم يحمل ثقاف ًة ديني ًة جامد ًة ومنغلق ًة‪ ،‬وهوي ًة‬ ‫تراثي ًة ماضوي ًة منعزل ًة ال تستطيع املشاركة يف بناء ذاتها‬ ‫أو مجتمعها‪ ،‬فإذا ما أتيحت للعرب وللمسلمني‪ ،‬الفرصة‬ ‫مثل يف اللجوء أو الهجرة أو التواجد حتى بغرض الدراسة‬ ‫ً‬ ‫أو العمل‪ ،‬فإنه يسعى إىل فرض متظهرات دينه يف الشوارع‬ ‫والجامعات‪ ،‬كحالة ٍ‬ ‫نقص أمام التفوق الغريب (أي انظروا إلينا نحن املسلمني نتحدى وجودكم وهويتكم وحضارتكم‬ ‫باإلسالم وفرض الرشيعة عىل املجتمعات الغربية)‪ ،‬كام الحظنا مؤخ ًرا يف بعض التجمعات اإلسالمية يف الغرب (شعائر‬ ‫وطقوس عاشوراء للشيعة) ومطالبات تطبيق الرشيعة ولبس النقاب للس ّنة‪ ،‬يف (الغيتوهات‪ )Ghettos ،‬التي خلقوها‬ ‫داخل املدن الغربية‪.‬‬ ‫يبق لدى الحكومات الغربية إال إعادة النظر يف املسار الذي تركته مفتو ًحا للعرب وللمسلمني‪،‬‬ ‫أمام هذا الحراك الديني مل َ‬ ‫حرصا عىل الصالح العام وعىل األمن الوطني والقومي لبلدانهم‪ .‬وال يتعارض هذا مع العلامنية‬ ‫بأن يكون أكرث مراقب ًة‪ً ،‬‬ ‫ومبادئ حقوق اإلنسان كام يشيع املسلمون اآلن‪ ،‬فالعلامنية والليربالية مع الحريات الشخصية والفردية ومن ضمنها‬ ‫حق اللباس واالعتقاد والصالة‪ ،‬إال أن محاولة فرض التمظهرات بشكلٍ‬ ‫وقهري يزعج السالم والتعايش املجتمعي‬ ‫قرسي‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍّ‬ ‫ويرعب األطفال ويعطل مصالح املجتمع‪ ،‬وهو يف حقيقة األمر ييسء إىل مبادئ العلامنية نفسها‪.‬‬ ‫‪5‬‬


‫الحرية الفردية بني القمع اإلسالمي والعرص العلامين‬ ‫إن توجه املسلمني لفرض شعائرهم ومعتقداتهم ولباسهم‬ ‫بشكلٍ‬ ‫فوضوي وخارج معابدهم اإلسالمية‪ ،‬مل يعد أم ًرا‬ ‫ٍّ‬ ‫شخصيًا أو مطالب ًة بالحريات الفردية‪ ،‬ألنهم يف مجتمعاتهم‬ ‫وتحريم للحرية الفردية‪،‬‬ ‫األصلية يعيشون يف قمعٍ واستبدا ٍد‬ ‫ٍ‬ ‫بل اتخذ فرض التمظهرات الدينية يف الغرب طابع التحدي‬ ‫ومناكفة الشعوب الغربية وقوانينها العلامنية‪ ،‬فاإلسالم له‬ ‫تعالي ُم متنع االختالط وتحاسب عىل اعطاء املرأة حريتها‬ ‫يف اللباس‪ ،‬ولكنهم يريدون من الغرب أن يتنازل لهم يك‬ ‫يعيشوا يف فوىض الفتاوي والحرام والالقانون‪ ،‬كام يعيش‬ ‫العرب واملسلمون اليوم يف مجتمعاتهم املوبوءة بالقتل‬ ‫والحروب والطائفية والتهجري والبؤس والفساد‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ومجتمعات إسالمي ٍة الكثري ج ًدا حتى نتعلم معنى الحرية الفردية والعامة‪ ،‬ومعنى الفرق بني العلامنية‬ ‫كشعوب‬ ‫أمامنا‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫أزمات‬ ‫وترصفات عرص الغزوات اإلسالمية‪ ،‬وأمامنا أكرث حتى نتخىل عن العنرصية واالستعالء الديني الذي وضعنا أمام‬ ‫أول بذواتنا وترقيتها إىل مستوى‬ ‫متعدد ٍة كان سببها الوحيد رفضنا للتعايش‪ ،‬وأمامنا ما هو األهم‪ ،‬وهو االهتامم ً‬ ‫ٍ‬ ‫اإلنسانية‪ ،‬ومبجتمعاتنا لتحويلها إىل مدنٍ‬ ‫ومجتمعات مدني ٍة علامني ٍة تحظى بالسالم والحريات واالنفتاح حتى نشعر‬ ‫بقيمة الحرية‪ ،‬ال بقيمة االستبداد الذي نتامهى معه ونعتربه أحد مقدساتنا اإلسالمية‪ .‬فالغريب حقًا أن يدافع املسلم‬ ‫عن الحريات يف الغرب‪ ،‬بينام يف مجتمعه ال يزال فاق ًدا ألي مع ًنى للكلمة الحرة‪ ،‬وفاق ًدا ألي اعرت ٍ‬ ‫اف بحقوق اإلنسان‬ ‫والالتدين وحقوق املثليني‪ ،‬وفاق ًدا إلنسانيته التي تُنتهك أمام عينيه وهو ال يفعل شيئًا سوى الدعاء بطول العمر لحكامه‪،‬‬ ‫واعتبار فشله وتخلفه نتاج مؤامر ٍة غربي ٍة إرسائيلية‪.‬‬

‫ﻣﻦ ﻧﺤﻦ؟‬ ‫ﻧﺤﻦ ﻣﺠﻤﻮﻋﻪ ﻣﻦ ﻣﺴﻠﻤني ﺳﺎﺑﻘني وﻣﺴﻠﻤني ﺑﺪرﺟﺎت ﻣﺘﻔﺎوﺗﻪ ﻣﻦ اﻟﺘﺪﻳﻦ‪.‬‬ ‫ﻣﺎذا ﻧﺮﻳﺪ؟‬ ‫ﻧﺮﻳﺪ أن ﻧﺠﺪ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ‪ ،‬ﻣﻬام ﻛﺎﻧﺖ‪ ،‬و أن ﻧﺤﺎرب ﻣﻦ أﺟﻞ ﺣﻘﻨﺎ ﰲ اﺗﺒﺎﻋﻬﺎ‪،‬‬ ‫ﻧﺮﻳﺪ أن ﻧﺨﻠﻖ ﻣﻜﺎﻧﺎ آﻣ ًﻨﺎ ﻟﻠﻨﺎس ﻟﻴﺘﺒﺎدﻟﻮا ﻓﻴﻪ اﻷﻓﻜﺎر اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻠﻤﻨﺎ أﻻ ﻧﺘﺤﺪث ﻋﻨﻬﺎ‪،‬‬ ‫ﻧﺮﻳﺪ أن ﻧﺴﺎﻧﺪ ﺑﻌﻀﻨﺎ وﻧﺴﺎﻋﺪ ﺑﻌﻀﻨﺎ ﻋﲆ ﻣﻮاﺟﻬﺔ أﺳﺌﻠﺔ اﻷﻫﻞ واﳌﺠﺘﻤﻊ‪ ،‬وﺗﻜﻮﻳﻦ إﺟﺎﺑﺎت ﻟﻬﺎ‪،‬‬ ‫ﻧﺮﻳﺪ أن ﻧﻌﻄﻲ اﻟﻼدﻳﻨﻴني )ﺳﻮاء ﻣﻠﺤﺪﻳﻦ‪ ،‬رﺑﻮﺑﻴني أو ﻏريﻫﻢ( ﰲ اﻟﺒﻼد اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺻﻮﺗ ًﺎ ﻷﻧﻬﻢ‬ ‫ﺳﻴﻘﺘﻠﻮن إذا ﻋﻠﺖ أﺻﻮاﺗﻬﻢ‪.‬‬

‫‪6‬‬

‫مسلمش |‬

‫‪www.muslimish.com‬‬


‫قناة جسور | ‪Bridges.TV‬‬

‫رب ملن ال منرب له‪ ،‬وقنا ٌة لحرية التعبري والتواصل والتعايش مع‬ ‫قناة جسور هي من ٌ‬ ‫املختلف ولتالقح األفكار بصور ٍة حضارية‪ ..‬صوتك مقبول هنا مهام كان‪.‬‬ ‫عنوان القناة عىل اليوتيوب‪:‬‬

‫‪https://www.youtube.com/channel/UChuvYgfSwGXkLtZYmSGc8eQ‬‬ ‫صفحة جسور عىل الفيسبوك‪:‬‬

‫‪https://www.facebook.com/Bridgestv2‬‬ ‫انضموا إلينا يف مجموعة جمهورية الردة‪:‬‬

‫‪https://www.facebook.com/groups/186192008960773/‬‬ ‫إمييل القناة‪:‬‬

‫للتواصل عرب سكايب‪:‬‬

‫‪Bridgestv1‬‬

‫‪bridgestv1@gmail.com‬‬

‫لدعم القناة عىل الـ‪:PayPal‬‬

‫‪https://www.paypal.me/SalBridgesTV‬‬

‫‪7‬‬


‫نقد كتاب اليهودية (التناخ) جـ ‪:3‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬األخطاء العلمية والخرافات والخزعبالت‬ ‫اليهودي‬ ‫والسخافات يف الكتاب‬ ‫ّ‬ ‫ساطع الربهان يف فضح األديان‬ ‫األديان املقدسة‬ ‫نقدي ٌة لنصوص األديان‬

‫راهب العلم‬

‫كنا يف هذه السلسلة قد نرشنا الباب األول‬ ‫عىل جزئني‪ .‬نقدم اآلن ً‬ ‫فصل آخر من كتاب‬ ‫راهب العلم املعنون «نقد الكتاب اليهودي‬ ‫قدم الباب الثالث من‬ ‫(التناخ)»‪ ،‬حيث س ُن ّ‬ ‫الكتاب‪ ،‬والذي يتناول بعض األخطاء العلمية‬ ‫والخرافات يف الكتاب اليهودي‪.‬‬

‫‪8‬‬


‫نقد كتاب اليهودية (التناخ) جـ ‪:3‬‬ ‫األخطاء العلمية والخرافات والخزعبالت‬ ‫والسخافات يف الكتاب اليهودي‬

‫راهب العلم‬

‫الشمس؟‬ ‫يخلق‬ ‫خلق اللهُ النو َر َ‬ ‫قبل أن َ‬ ‫كيف َ‬ ‫َ‬ ‫الشمس والقم َر يف اليوم الرابع‪:‬‬ ‫خلق‬ ‫فالتوراة تقول إن النور والظالم ُخلِقا يف اليوم األول وهام الليل والنهار وأن الله َ‬ ‫َ‬ ‫الس َم َو ِ‬ ‫وح الل ِه يَر ُِّف َع َل َو ْج ِه‬ ‫ِ‬ ‫«ف الْ َب ْد ِء َخل َ​َق الل ُه َّ‬ ‫ات َواألَ ْر َض‪َ .‬وكَانَ ِت األَ ْر ُض َخ ِربَ ًة َو َخالِ َي ًة‪َ ،‬و َع َل َو ْج ِه الْ َغ ْم ِر ظُلْ َم ٌة‪َ ،‬و ُر ُ‬ ‫الْ ِم َيا ِه‪َ .‬وق َ​َال الل ُه‪ :‬لِ َي ُك ْن نُو ٌر‪ ،‬فَكَا َن نُو ٌر‪َ .‬و َرأَى الل ُه ال ُّنو َر أَنَّ ُه َح َس ٌن‪َ .‬وف َ​َص َل الل ُه بَ ْ َي ال ُّنو ِر َوالظُّلْ َم ِة‪َ .‬و َد َعا الل ُه ال ُّنو َر نَ َها ًرا‪،‬‬ ‫اح يَ ْو ًما َو ِ‬ ‫اح ًدا» (التكوين ‪.)5-1 :1‬‬ ‫َوالظُّلْ َم ُة َد َعا َها لَ ْي ًل‪َ .‬وكَا َن َم َسا ٌء َوكَا َن َص َب ٌ‬ ‫«فَ َع ِم َل الل ُه ال ُّنو َريْنِ الْ َع ِظي َم ْيِ‪ :‬ال ُّنو َر األَك َ َْب لِ ُحك ِْم ال َّن َهارِ‪َ ،‬وال ُّنو َر األَ ْص َغ َر لِ ُحك ِْم اللَّ ْيلِ ‪َ ،‬وال ُّن ُجو َم‪َ .‬و َج َعلَ َها الل ُه ِف َجل َِد‬ ‫الس َم ِء لِتُ ِن َري َع َل األَ ْر ِض‪َ ،‬ولِتَ ْح ُك َم َع َل ال َّن َها ِر َواللَّ ْيلِ ‪َ ،‬ولِتَف ِْص َل بَ ْ َي ال ُّنو ِر َوالظُّلْ َم ِة‪َ .‬و َرأَى الل ُه ذلِ َك أَنَّ ُه َح َس ٌن‪َ .‬وكَا َن َم َسا ٌء‬ ‫َّ‬ ‫اح يَ ْو ًما َرا ِب ًعا» (التكوين ‪.)19-16 :1‬‬ ‫َوكَا َن َص َب ٌ‬ ‫ِ‬ ‫قبل الشمس‪ ،‬مع أن النباتات تحتاج يف متثيلها إىل الشمس لتحيا وتربز وتنموا؟‬ ‫النباتات َ‬ ‫الرب‬ ‫كيف خلق ُّ‬ ‫« َوق َ​َال الل ُه‪ :‬لِتُ ْنب ِ​ِت األَ ْر ُض ُعشْ ًبا َوبَق ًْل يُ ْب ِز ُر ِب ْز ًرا‪َ ،‬وشَ َج ًرا ذَا َث َ ٍر يَ ْع َم ُل َث َ ًرا كَ ِج ْن ِس ِه‪ِ ،‬ب ْز ُر ُه ِفي ِه َع َل األَ ْر ِض‪َ .‬وكَا َن كَذلِ َك‪.‬‬ ‫فَأَ ْخ َر َج ِت األَ ْر ُض ُعشْ ًبا َوبَق ًْل يُ ْب ِز ُر ِب ْز ًرا كَ ِج ْن ِس ِه‪َ ،‬وشَ َج ًرا يَ ْع َم ُل َث َ ًرا ِب ْز ُر ُه ِفي ِه كَ ِج ْن ِس ِه‪َ .‬و َرأَى الل ُه ذلِ َك أَنَّ ُه َح َس ٌن‪َ .‬وكَا َن َم َسا ٌء‬ ‫ات َوأَ ْوق ٍ‬ ‫الس َم ِء لِتَف ِْص َل بَ ْ َي ال َّن َها ِر َواللَّ ْيلِ ‪َ ،‬وتَكُو َن آليَ ٍ‬ ‫َات َوأَيَّ ٍام َو ِس ِننيٍ‪.‬‬ ‫اح يَ ْو ًما ث َالِثًا‪َ .‬وق َ​َال الل ُه‪ :‬لِتَ ُك ْن أَنْ َوا ٌر ِف َجل َِد َّ‬ ‫َوكَا َن َص َب ٌ‬ ‫‪9‬‬


‫نقد كتاب اليهودية (التناخ) جـ ‪:3‬‬ ‫األخطاء العلمية والخرافات والخزعبالت‬ ‫والسخافات يف الكتاب اليهودي‬

‫راهب العلم‬

‫الس َم ِء لِتُ ِن َري َع َل األَ ْر ِض‪َ .‬وكَا َن كَذلِ َك‪ .‬فَ َع ِم َل الل ُه ال ُّنو َريْنِ الْ َع ِظي َم ْيِ‪ :‬ال ُّنو َر األَك َ َْب لِ ُحك ِْم ال َّن َهارِ‪َ ،‬وال ُّنو َر‬ ‫َوتَكُو َن أَنْ َوا ًرا ِف َجل َِد َّ‬ ‫الس َم ِء لِتُ ِن َري َع َل األَ ْر ِض» (التكوين ‪.)17-11 :1‬‬ ‫األَ ْص َغ َر لِ ُحك ِْم اللَّ ْيلِ ‪َ ،‬وال ُّن ُجو َم‪َ .‬و َج َعلَ َها الل ُه ِف َجل َِد َّ‬ ‫تفسري قوس قزحٍ بشكلٍ‬ ‫أسطوري‬ ‫ٍّ‬ ‫يف حني أنه علم ًّيا عبار ٌة عن تحليل البخار للضوء‬ ‫إىل ألوانه املوجية السبعة امل ُ َك ِّونة للضوء‪ ،‬وهذا‬ ‫زجاجي‪:‬‬ ‫يعرفه أي طفلٍ وميارسه كلعب ٍة مبنشو ٍر‬ ‫ّ‬ ‫«أُ ِقي ُم ِميثَا ِقي َم َع ُك ْم فَالَ يَ ْن َقر ُِض ك ُُّل ِذي َج َس ٍد‬ ‫أَيْ ًضا بِ ِ َيا ِه الطُّوفَانِ ‪َ .‬والَ يَكُو ُن أَيْ ًضا طُوفَا ٌن‬ ‫لِ ُي ْخر َِب األَ ْر َض‪َ .‬وق َ​َال الل ُه‪ِ :‬‬ ‫هذ ِه َعالَ َم ُة الْ ِميثَاقِ‬ ‫ال َِّذي أَنَا َو ِاض ُع ُه بَ ْي ِني َوبَ ْي َن ُك ْم‪َ ،‬وبَ ْ َي ك ُِّل َذ َو ِ‬ ‫ات‬ ‫األَنْف ُِس الْ َحيَّ ِة الَّ ِتي َم َع ُك ْم إِ َل أَ ْجيَا ِل ال َّد ْهرِ‪:‬‬ ‫ش َس َحابًا َع َل األَ ْر ِض‪َ ،‬وتَظْ َه ِر الْ َق ْو ُس‬ ‫الس َح ِ‬ ‫َو َض ْع ُت قَ ْو ِس ِف َّ‬ ‫اب فَتَكُو ُن َعالَ َم َة ِميثَاق بَ ْي ِني َوبَ ْ َي األَ ْر ِض‪ .‬فَ َيكُو ُن َمتَى أَنْ ُ ْ‬ ‫اب‪ ،‬أَ ِّن أَ ْذكُ ُر ِميثَا ِقي ال َِّذي بَ ْي ِني َوبَ ْي َن ُك ْم َوبَ ْ َي ك ُِّل نَف ٍْس َح َّي ٍة ِف ك ُِّل َج َس ٍد‪ .‬فَالَ تَكُو ُن أَيْ ًضا الْ ِم َيا ُه طُوفَانًا لِتُ ْهلِ َك‬ ‫الس َح ِ‬ ‫ِف َّ‬ ‫ص َها ألَ ْذكُ َر ِميثَاقًا أَبَ ِديًّا بَ ْ َي الل ِه َوبَ ْ َي ك ُِّل نَف ٍْس َح َّي ٍة ِف ك ُِّل َج َس ٍد َع َل‬ ‫الس َح ِ‬ ‫ك َُّل ِذي َج َس ٍد‪ .‬فَ َمتَى كَانَ ِت الْ َق ْو ُس ِف َّ‬ ‫اب‪ ،‬أُبْ ِ ُ‬ ‫األَ ْر ِض‪َ .‬وق َ​َال الل ُه لِ ُنو ٍح‪ِ :‬‬ ‫هذ ِه َعالَ َم ُة الْ ِميثَاقِ ال َِّذي أَنَا أَقَ ْمتُ ُه بَ ْي ِني َوبَ ْ َي ك ُِّل ِذي َج َس ٍد َع َل األَ ْر ِض» (التكوين ‪.)17-11 :9‬‬ ‫قص ٌة غري منطقي ٍة وال مقبول ٍة ً‬ ‫عقل‪:‬‬

‫‪10‬‬

‫ُوب‪ :‬أَألَنَّ َك أَ ِخي‬ ‫«ث ُ َّم ق َ​َال الَبَا ُن لِيَ ْعق َ‬ ‫تَ ْخ ِد ُم ِني َم َّجانًا؟ أَ ْخ ِ ْب ِن َما أُ ْج َرت َُك‪َ .‬وكَا َن‬ ‫لِالَبَا َن ابْ َنتَانِ ‪ْ ،‬اس ُم الْك ْ َُبى لَ ْيئَ ُة َو ْاس ُم‬ ‫الص ْغ َرى َر ِ‬ ‫اح ُيل‪َ .‬وكَانَ ْت َع ْي َنا لَ ْيئَ َة َض ِعي َفتَ ْيِ‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫َوأَ َّما َر ِ‬ ‫الصو َر ِة َو َح َس َن َة‬ ‫اح ُيل فَكَانَ ْت َح َس َن َة ُّ‬ ‫ُوب َر ِ‬ ‫اح َيل‪ ،‬فَق َ​َال‪:‬‬ ‫الْ َم ْنظَرِ‪َ .‬وأَ َح َّب يَ ْعق ُ‬ ‫أَ ْخ ِد ُم َك َس ْب َع ِس ِن ٍني ِب َر ِ‬ ‫الص ْغ َرى‪.‬‬ ‫اح َيل ابْ َن ِت َك ُّ‬ ‫فَق َ​َال الَبَانُ‪ :‬أَ ْن أُ ْع ِط َي َك إِيَّا َها أَ ْح َس ُن ِم ْن‬ ‫أَ ْن أُ ْع ِط َي َها لِ َر ُجل آ َخ َر‪ .‬أَ ِق ْم ِع ْن ِدي‪ .‬فَ َخ َد َم‬


‫نقد كتاب اليهودية (التناخ) جـ ‪:3‬‬ ‫األخطاء العلمية والخرافات والخزعبالت‬ ‫والسخافات يف الكتاب اليهودي‬

‫راهب العلم‬

‫ُوب ِب َر ِ‬ ‫اح َيل َس ْب َع ِس ِننيٍ‪َ ،‬وكَانَ ْت ِف َع ْي َن ْي ِه كَأَيَّ ٍام قَلِيلَ ٍة ب َِس َب ِب َم َح َّب ِت ِه لَ َها‪.‬‬ ‫يَ ْعق ُ‬ ‫ُوب لِالَبَانَ‪ :‬أَ ْع ِط ِني ا ْم َرأَ ِت ألَ َّن أَيَّا ِمي قَ ْد كَ ُمل َْت‪ ،‬فَأَ ْد ُخ َل َعلَ ْي َها‪ .‬فَ َج َم َع الَبَا ُن َج ِمي َع أَ ْهلِ الْ َمكَانِ َو َص َن َع َولِي َم ًة‪.‬‬ ‫ث ُ َّم ق َ​َال يَ ْعق ُ‬ ‫الصبَا ِح‬ ‫َوكَا َن ِف الْ َم َسا ِء أَنَّ ُه أَ َخ َذ لَيْئَ َة ابْ َنتَ ُه َوأَ َت ِب َها إِلَيْ ِه‪ ،‬فَ َد َخ َل َعلَيْ َها‪َ .‬وأَ ْعطَى الَبَا ُن ِزلْ َف َة َجا ِريَتَ ُه لِلَيْئَ َة ابْ َن ِت ِه َجا ِريَ ًة‪َ .‬و ِف َّ‬ ‫إِذَا ِه َي لَ ْيئَ ُة‪ ،‬فَق َ​َال لِالَبَانَ‪َ :‬ما هذَا ال َِّذي َص َن ْع َت ِب؟ أَلَ ْي َس ِب َر ِ‬ ‫اح َيل َخ َد ْم ُت ِع ْن َد َك؟ فَلِ َمذَا َخ َد ْعتَ ِني؟ فَق َ​َال الَبَانُ‪ :‬الَ يُ ْف َع ُل‬ ‫الص ِغ َري ُة قَ ْب َل الْ ِب ْكرِ‪ .‬أَكْ ِم ْل أُ ْس ُبو َع ِ‬ ‫هذ ِه‪ ،‬فَ ُن ْع ِط َي َك تِل َْك أَيْ ًضا‪ ،‬بِال ِْخ ْد َم ِة الَّ ِتي ت َ ْخ ِد ُم ِني أَيْ ًضا‬ ‫ه َكذَا ِف َمكَانِ َنا أَ ْن ت ُ ْعطَى َّ‬ ‫اح َيل بْ َنتَ ُه َز ْو َج ًة لَ ُه‪َ .‬وأَ ْعطَى الَبَا ُن َر ِ‬ ‫هذ ِه‪ ،‬فَأَ ْعطَا ُه َر ِ‬ ‫ُوب ه َكذَا‪ .‬فَأَكْ َم َل أُ ْس ُبو َع ِ‬ ‫اح َيل ابْ َنتَ ُه‬ ‫َس ْب َع ِس ِن ٍني أُ َخ َر‪ .‬فَ َف َع َل يَ ْعق ُ‬ ‫اح َيل أَيْ ًضا‪َ ،‬وأَ َح َّب أَيْ ًضا َر ِ‬ ‫ِبلْ َه َة َجا ِريَتَ ُه َجا ِريَ ًة لَ َها‪ .‬فَ َد َخ َل َع َل َر ِ‬ ‫اح َيل أَك َ َْث ِم ْن لَ ْيئَ َة‪َ .‬و َعا َد فَ َخ َد َم ِع ْن َد ُه َس ْب َع ِس ِن ٍني أُ َخ َر»‪.‬‬ ‫(التكوين ‪.)30-15 :29‬‬ ‫يعقوب عىل املرأة وعارشها جنس ًّيا ونام معها يف فر ٍاش ٍ‬ ‫واحد دون أن يعل َم أنها ليست زوجتَه؟! قص ٌة لل ُبلهاء‬ ‫دخل‬ ‫كيف َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫والسذج وهواة السخافة ومسطّحي العقول‪.‬‬ ‫أسطورة الوحم‬ ‫فالعلم يُثبِت ويبت حقيق َة أنه ال يش َء اسمه الوحم‪ ،‬وهو أن تنظر الزوجة أو األنثى ليش ٍء فيأيت الطفل شبي ًها به‪ ،‬أو‬ ‫تتمنى أن يأيت بشكلٍ مع ٍني فيأيت هكذا(‪.)1‬‬ ‫« َو َذكَ َر الل ُه َر ِ‬ ‫وس َف‪،‬‬ ‫اح َيل‪َ ،‬و َس ِم َع لَ َها الل ُه َوفَتَ َح َر ِح َم َها‪ ،‬فَ َح ِبل َْت َو َولَ َد ِت ابْ ًنا فَقَال َْت‪ :‬قَ ْد نَ َز َع الل ُه َعارِي‪َ .‬و َد َع ِت ْاس َم ُه يُ ُ‬ ‫قَائِلَ ًة‪ :‬يَزِي ُد ِن ال َّر ُّب ابْ ًنا آ َخ َر‪َ .‬و َح َدثَ ل ََّم َولَدَتْ َر ِ‬ ‫اصفْ ِني ألَ ْذ َه َب إِ َل َمك َِان َوإِ َل‬ ‫ُوب ق َ​َال لِالَبَانَ‪ِ ْ :‬‬ ‫اح ُيل يُ ُ‬ ‫وس َف أَ َّن يَ ْعق َ‬ ‫أَ ْر ِض‪ .‬أَ ْع ِط ِني نِ َس ِائ َوأَ ْوالَ ِدي ال َِّذي َن َخ َد ْمتُ َك ِب ِه ْم فَأَ ْذ َه َب‪ ،‬ألَنَّ َك أَنْ َت تَ ْعلَ ُم ِخ ْد َم ِتي الَّ ِتي َخ َد ْمتُ َك‪ .‬فَق َ​َال لَ ُه الَبَانُ‪ :‬لَ ْيتَ ِني‬ ‫أَ ِج ُد نِ ْع َم ًة ِف َع ْي َن ْي َك‪ .‬قَ ْد تَفَا َءل ُْت فَ َبا َركَ ِني ال َّر ُّب ب َِس َبب َِك‪َ .‬وق َ​َال‪َ :‬ع ِّ ْي ِل أُ ْج َرت َ​َك فَأُ ْع ِط َي َك‪ .‬فَق َ​َال لَ ُه‪ :‬أَنْ َت ت َ ْعلَ ُم َماذَا َخ َد ْمتُ َك‪،‬‬ ‫َو َماذَا َصا َرتْ َم َو ِاش َيك َم ِعي‪ ،‬ألَ َّن َما كَا َن ل َ​َك قَ ْب ِل قَلِ ٌيل فَق َِد ات َ​َّس َع إِ َل كَ ِثريٍ‪َ ،‬وبَا َرك َ​َك ال َّر ُّب ِف أَثَرِي‪َ .‬واآل َن َمتَى أَ ْع َم ُل أَنَا أَيْ ًضا‬ ‫ُوب‪ :‬الَ ت ُ ْع ِطي ِني شَ يْئًا‪ .‬إِ ْن َص َن ْع َت ِل هذَا األَ ْم َر أَ ُعو ُد أَ ْر َعى َغ َن َم َك َوأَ ْح َفظُ َها‪ :‬أَ ْجتَا ُز‬ ‫لِبَيْ ِتي؟ فَق َ​َال‪َ :‬ماذَا أُ ْع ِط َيك؟ فَق َ​َال يَ ْعق ُ‬ ‫بَ ْ َي َغ َن ِم َك كُلِّ َها الْ َي ْو َم‪َ ،‬وا ْعز ِْل أَنْ َت ِم ْن َها ك َُّل شَ ا ٍة َرقْطَا َء َوبَلْقَا َء‪َ ،‬وك َُّل شَ ا ٍة َس ْو َدا َء بَ ْ َي ال ِْخ ْرفَانِ ‪َ ،‬وبَلْقَا َء َو َرقْطَا َء بَ ْ َي الْ ِم ْع َزى‪.‬‬ ‫فَ َيكُو َن ِمث ُْل ذلِ َك أُ ْج َر ِت‪َ .‬ويَشْ َه ُد ِ َّف ِب ِّري يَ ْو َم غ ٍَد إِذَا ِجئْ َت ِم ْن أَ ْجلِ أُ ْج َر ِت قُ َّدا َم َك‪ .‬ك ُُّل َما لَ ْي َس أَ ْرقَ َط أَ ْو أَبْل َ​َق بَ ْ َي الْ ِم ْع َزى‬ ‫س ٌ‬ ‫وس الْ ُم َخطَّطَ َة‬ ‫وق ِع ْن ِدي‪ .‬فَق َ​َال الَبَانُ‪ُ :‬ه َوذَا لِ َي ُك ْن ِب َح َس ِب كَالَ ِم َك‪ .‬فَ َع َز َل ِف ذلِ َك الْ َي ْو ِم التُّ ُي َ‬ ‫َوأَ ْس َو َد بَ ْ َي ال ِْخ ْرفَانِ فَ ُه َو َم ْ ُ‬ ‫اض َوك َُّل أَ ْس َو َد بَ ْ َي ال ِْخ ْرفَانِ ‪َ ،‬و َدفَ َع َها إِ َل أَيْ ِدي بَ ِني ِه‪َ .‬و َج َع َل َم ِس َري َة �ثَالَث َ ِة‬ ‫َوالْ َبلْقَا َء‪َ ،‬وك َُّل الْ ِع َنا ِز ال َّرقْطَا ِء َوالْ َبلْقَا ِء‪ ،‬ك َُّل َما ِفي ِه بَ َي ٌ‬ ‫ضا ِم ْن لُبْ َنى َولَ ْو ٍز َو ُدل ٍْب‪،‬‬ ‫ُوب يَ ْر َعى َغ َن َم الَبَا َن الْبَا ِقيَ َة‪ .‬فَأَ َخ َذ يَ ْعق ُ‬ ‫ُوب‪َ ،‬وكَا َن يَ ْعق ُ‬ ‫أَيَّ ٍام بَيْ َن ُه َوبَ ْ َي يَ ْعق َ‬ ‫ُوب لِ َنف ِْس ِه ق ُْضبَانًا ُخ ْ ً‬ ‫زيد الهال ّيل والست خرضا «الرشيفة» التي كان زوجها أبيض لكن ابنها أبا ٍ‬ ‫‪ -1‬كقص ٍة شعبي ٍة لدى العرب وال سيام املرصيني‪ :‬أبو ٍ‬ ‫زيد ُولِد أسو َد ألنها (يا حبة عيني) نظرت للسامء‬ ‫أثناء حملها فشاهدت غرابًا أسود فأُعجِبت به!‬

‫‪11‬‬


‫نقد كتاب اليهودية (التناخ) جـ ‪:3‬‬ ‫األخطاء العلمية والخرافات والخزعبالت‬ ‫والسخافات يف الكتاب اليهودي‬

‫راهب العلم‬

‫ِيضا‪ ،‬ك َِاشطًا َعنِ الْ َب َي ِ‬ ‫َش َها ِف األَ ْج َرانِ ِف َم َسا ِقي ال َْم ِء‬ ‫َش ِفي َها ُخطُوطًا ب ً‬ ‫اض ال َِّذي َع َل الْق ُْض َبانِ ‪َ .‬وأَ ْوق َ​َف الْق ُْض َبا َن الَّ ِتي ق َّ َ‬ ‫َوق َّ َ‬ ‫ش َب‪ .‬فَتَ َو َّح َم ِت الْ َغ َن ُم ِع ْن َد الْق ُْض َبانِ ‪َ ،‬و َولَ َد ِت الْ َغ َن ُم‬ ‫ش َب‪ ،‬ت ُ َجا َه الْ َغ َن ِم‪ ،‬لِتَتَ َو َّح َم ِع ْن َد َمجِي ِئ َها لِتَ ْ َ‬ ‫َح ْيثُ كَانَ ِت الْ َغ َن ُم تَجِي ُء لِتَ ْ َ‬ ‫ُم َخطَّط ٍ‬ ‫ُوب ال ِْخ ْرفَا َن َو َج َع َل ُو ُجو َه الْ َغ َن ِم إِ َل الْ ُم َخط َِّط َوك ُِّل أَ ْس َو َد بَ ْ َي َغ َن ِم الَبَانَ‪َ .‬و َج َع َل لَ ُه‬ ‫َات َو ُرقْطًا َوبُلْقًا‪َ .‬وأَفْ َر َز يَ ْعق ُ‬ ‫ُوب َو َض َع الْق ُْض َبا َن أَ َما َم ُع ُيونِ الْ َغ َن ِم‬ ‫قُطْ َعانًا َو ْح َد ُه َولَ ْم يَ ْج َعلْ َها َم َع َغ َن ِم الَبَانَ‪َ .‬و َح َدثَ ُكل َ​َّم تَ َو َّح َم ِت الْ َغ َن ُم الْ َق ِويَّ ُة أَ َّن يَ ْعق َ‬ ‫ُوب‪ .‬فَات َ​َّس َع‬ ‫ِف األَ ْج َرانِ لِتَتَ َو َّح َم بَ ْ َي الْق ُْض َبانِ ‪َ .‬و ِح َني ْاستَ ْض َعف َِت الْ َغ َن ُم لَ ْم يَ َض ْع َها‪ ،‬ف َ​َصا َر ِت َّ‬ ‫الض ِعي َف ُة لِالَبَا َن َوالْ َق ِويَّ ُة لِ َي ْعق َ‬ ‫ال َّر ُج ُل كَ ِث ًريا ِج ًّدا‪َ ،‬وكَا َن لَ ُه َغ َن ٌم كَ ِث ٌري َو َج َوا ٍر َو َعبِي ٌد َوج َِم ٌل َو َح ِم ٌري) (التكوين ‪.)43-22 :30‬‬ ‫أسطورة وجود ِ‬ ‫السحر‪ ،‬واألمر بقتل السحرة‬ ‫أو مبع ًنى أدق‪:‬‬ ‫«ال ت َ َدع َس ِ‬ ‫تعيش» (الخروج ‪.)18 :22‬‬ ‫احر ًة ُ‬ ‫النص ساحر ًة ومل يذكر ِ‬ ‫ساح ًرا‪،‬‬ ‫وال أفهم لِ َم ذك َر ُّ‬ ‫أو الظاهر أن أهل األديان الرشق أوسطية‪،‬‬ ‫يعني اليهود واملسيحيني واملسلمني والصابئة‬ ‫املندائيني‪ ،‬ولنقُل األديان املسامة باإلبراهيمية‪،‬‬ ‫يتصورون السح َر أكرث من ِقبَلِ النساء‪ ،‬ويف‬ ‫َ ْ َ ّ َّ َ‬ ‫ات ِف‬ ‫ش انلَّفاث ِ‬ ‫ْالقرآن لدى املسلمني ﴿ومِن ِ‬ ‫ال ُع َق ِد﴾ (الفلق‪ ،)4 :‬ومعناها العقدة التي تُص َنع بحبلٍ أو ٍ‬ ‫خيط للسحر ويُنفَث فيها الكالم الخزعبيل من جانب املشعوذ‬ ‫أو الكاهن أو الكاهنة‪ ،‬فقال النفّاثات ومل يذكر النفّاثني(‪.)2‬‬ ‫البيطري أنه ال يوجد بها أي أرضا ٍر أو‬ ‫البرشي والطب‬ ‫تحريم الكثري من الكائنات التي يؤكد العلم الحديث والطب‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أمر ٍ‬ ‫اض أو نجاس ٍة‬ ‫مثل الجمل واألرنب وال َوبْر ِ‬ ‫والخنزير والنعام والجمربي والرسطان والكابوريا واإلستاكوزا والسبيط واألخطبوط وغريهم‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫تحرميات أكرث من اإلسالم بكثري (الالويني ‪.)11‬‬ ‫طب ًعا سنجد‬ ‫إن اليهود واملسلمني ي ّدعون بأساليب غسل املخ للسذج والجهلة وعدميي القراءة أن سبب تحريم لحم الخنزير أن‬ ‫‪ -2‬سورة الفلق آية ‪ ،4‬إال أن اليهود واملسلمني يعتقدون مبامرسة الرجال للسحر كذلك‪.‬‬

‫‪12‬‬


‫نقد كتاب اليهودية (التناخ) جـ ‪:3‬‬ ‫األخطاء العلمية والخرافات والخزعبالت‬ ‫والسخافات يف الكتاب اليهودي‬ ‫به الدودة الرشيطية وأمر ًاضا أخرى‪.‬‬ ‫لكن الخنزير رافق البرش كغريه من‬ ‫الحيوانات الداجنة عىل مدى آالف‬ ‫بأسباب‬ ‫السنني‪ ،‬والتحريم ال عالقة له‬ ‫ٍ‬ ‫طبية‪ .‬والدودة الرشيطية تحدي ًدا ال‬ ‫تأيت من الخنزير وحده وإمنا من البقر‪،‬‬ ‫وليس كل حيوانٍ‬ ‫مصاب بها‪ ،‬فاملسألة‬ ‫ٌ‬ ‫تعتمد عىل النظافة وظروف الرعاية‬ ‫بالحيوانات‪.‬‬

‫راهب العلم‬

‫ﻣﺴﺘﻤﺮ‬

‫اﺳﺘﻴﻼد أﻋﺮاق‬ ‫ﺗﻬﺠ�‬ ‫ﺗﺪﺟ�‬

‫ﺗﻔ ّﺮق‬

‫ﺣﻮاﱄ ‪200‬ﻋﺎم‬

‫ﺗﺪﺟ�‬

‫ﺣﻮاﱄ ‪ 10000‬ﻋﺎم‬

‫اﻧﻔﺼﺎل ﻗﺒﻞ ﺣﻮاﱄ ‪ 1-2‬ﻣﻠﻴﻮم ﻋﺎم‬ ‫اﻧﺘﻮاع‬

‫اﻧﺘﻮاع ﺟﻨﺲ اﻟﺨﻨﺰﻳﺮ ﻗﺒﻞ ﺣﻮاﱄ ‪ 2-4‬ﻣﻠﻴﻮن ﻋﺎم‬

‫وإيضا ًحا لحقيقة الوضع‪ ،‬نقتبس ما‬ ‫يذكره موقع «مراكز مكافحة األمراض‬ ‫واتقاؤها» ‪ ،Centers for Disease Control and Prevention‬وهو املركز األمرييك الحكومي الذي يتعامل مع األمراض‬ ‫بشكل رسمي‪ ،‬ويستقي مصداقيته من كم العلامء العاملني فيه وارتباطه اللصيق باملراكز البحثية األمريكية‪:‬‬ ‫مرض يصيب البرش وسببه رشيطية البقر ‪ Taenia saginata‬والرشيطية الوحيدة أو‬ ‫«داء الرشيطيات ‪ taeniasis‬هو ٌ‬ ‫رشيطية الخنزير ‪ Taenia solium‬والرشيطية اآلسيوية ‪ .Taenia asiatica‬يصاب البرش بهذا املرض من ج ّراء أكل اللحم‬ ‫النيء أو غري املطبوخ بشكلٍ جيد‪ ،‬حيث تأيت األوىل من البقر‪ ،‬واألخريني من الخنزير‪ ،‬ومن الصعب عىل املصاب أن يدرك‬ ‫مصاب لكون أعراض اإلصابة خفيف ٌة أو شبه معدومة‪.‬‬ ‫أنه‬ ‫ٌ‬ ‫مرض قد يتسبب يف حدوث نوبات‪،‬‬ ‫وقد يؤدي اإلصابة برشيطية الخنزير إىل داء الكيسات املذنبة ‪ cysticercosis‬وهو ٌ‬ ‫مام يستدعي املعالجة‪.‬‬ ‫توجد رشيطية البقر والرشيطية الوحيدة يف كل أرجاء العامل‪ ،‬وتحدث اإلصابة برشيطية البقر عندما يتم أكل اللحم‬ ‫مرض ناد ٌر يف الواليات املتحدة‪ ،‬وال‬ ‫البقري النيء‪ ،‬وباألخص يف رشق أوروپا‪ ،‬وروسيا‪ ،‬ورشق أفريقيا وأمريكا الالتينية‪ ،‬وهو ٌ‬ ‫يتواجد فيها إال حيث يرتكز وجود البرش مع املاشية يف ظل ظروف نظاف ٍة متدنية‪ ،‬ال سيام حول مواضع طعام املاشية‬ ‫املعرضة للرباز البرشي‪ .‬وتكرث اإلصابة بالرشيطية الوحيدة يف املجتمعات املتأخرة حيث تكون ظروف النظافة سيئة‪،‬‬ ‫نسب عالي ٍة من املرض يف أمريكا الالتينية‬ ‫وحيث يأكل الناس لحم الخنزير النيء أو غري املطبوخ جي ًدا‪ ،‬وقد تم رصد ٍ‬ ‫ورشق أوروپا‪ ،‬ودول الصحراء األفريقية والهند وآسيا‪ ،‬أما يف الواليات املتحدة‪ ،‬فتم رصده يف صفوف املهاجرين من دول‬ ‫أمريكا الالتينية‪ .‬وينحرص تواجد الرشيطية اآلسيوية يف آسيا‪ ،‬حيث يوجد يف كوريا والصني وتايوان وإندونيسيا وتايالند»‪.‬‬ ‫‪13‬‬


‫نقد كتاب اليهودية (التناخ) جـ ‪:3‬‬ ‫األخطاء العلمية والخرافات والخزعبالت‬ ‫والسخافات يف الكتاب اليهودي‬

‫راهب العلم‬

‫ٌ‬ ‫معروف أنه يف اإلسالم (واليهودية)‬ ‫قص ٌة أخرى طريفة‪،‬‬ ‫لحم الحامر محر ٌم ونجس‪ .‬يف فرت ٍة وبشكلٍ متكر ٍر يف مرص‬ ‫اكتشف مسؤولو األمن الغذايئ العديد من التجار يغشّ ون‬ ‫بقري‪ .‬عندها فزع الناس‬ ‫ويبيعون لحم ال َحمري عىل أنه لح ٌم ّ‬ ‫وبرزت عيونهم خارج مآقيها رعبًا وهل ًعا‪ ،‬خرج عليهم األطباء‬ ‫البيطريون املسلمون مبنتهى الهدوء وقالوا لهم يا جامعة‪ ،‬ال‬ ‫تخافوا ال يوجد من أكل لحم الحمري أي رضر! يف الحقيقة‬ ‫العلامء املسلمون يعلمون الحقيقة ويكتمونها من كافة فروع العلم خاص ًة يف املجاالت البيولوجية‪.‬‬ ‫جنيس‪ ،‬وكان الضحك للنخاع! وكاد املشرتون‬ ‫نفس القصة تكررت يف سوريا حني باع نصابون للناس لنب َحمريٍ عىل أنه ُمق ٍّو‬ ‫ّ‬ ‫ميوتون خوفًا‪.‬‬ ‫فلنقارن هذا بحني تم بيع لحم الكالب عىل أنه لحم أبقار‪ .‬هنا كان موقف األطباء مختلفًا متا ًما‪ ،‬وكان املوضوع ُمف ِز ًعا‬ ‫فعل ال مزاح فيه‪ ،‬لوجود فريوس ال َكلَب يف الكالب والثعالب والذئاب والضباع [والقطط]‪ ،‬ومرض بكترييا الحويصالت‬ ‫ً‬ ‫املائية الرهيب الذي تأيت عدواه من الفصيلة الكلبية السالفة ِ‬ ‫الذكر‪ ،‬وغريها من األمراض‪ .‬وللعلم‪ ،‬الدين اإلسالمي‬ ‫واليهودي يح ّرمان لحم الكالب وكل الفصيلة الكلبية من‬ ‫اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت اﻟﻄﺎﺋﺮة اﻟﻄﺎﻫﺮة ﻻوﻳ�‬ ‫‪ 19-13‬اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت اﻟﻄﺎﺋﺮة اﻟﻨﺠﺴﺔ‬ ‫‪:11‬‬ ‫وكالب وسعالة (سلعو)‪ ،‬إذن املسألة‬ ‫ثعالب‬ ‫وذئاب وضبا ٍع ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫يا جامعة ليست أننا ضد الدين والسالم‪ ،‬عىل حساب‬ ‫صحة الناس أو صحة أنفسنا‪ ،‬وكام نرى العلامء العرب ال‬ ‫اﻟﺤﴩات اﻟﻄﺎﻫﺮة ﻻوﻳ�‬ ‫‪ 23-20‬اﻟﺤﴩات اﻟﻨﺠﺴﺔ‬ ‫يستهرتون بصحة مواطنيهم فلهم كل شك ٍر وتقدير‪.‬‬ ‫‪:11‬‬ ‫سائِ َيل‬ ‫« َوكَلَّ َم ال َّر ُّب ُم َ‬ ‫وس َو َها ُرو َن قَائِ ًل لَ ُه َم‪ :‬كَل َِّم بَ ِني إِ ْ َ‬ ‫قَائِل َْيِ‪ِ :‬‬ ‫هذ ِه ِه َي الْ َح َي َوانَاتُ الَّ ِتي تَأْكُلُونَ َها ِم ْن َج ِميعِ‬ ‫الْ َب َهائِ ِم الَّ ِتي َع َل األَ ْر ِض‪ :‬ك ُُّل َما شَ َّق ِظلْفًا َوق َ​َس َم ُه ِظلْف َْيِ‪،‬‬ ‫َويَ ْج َ ُّت ِم َن الْبَ َهائِ ِم‪ ،‬فَ ِإيَّا ُه تَأْكُلُونَ‪ .‬إِالَّ ِ‬ ‫هذ ِه فَالَ تَأْكُلُو َها ِم َّم‬ ‫يَ ْج َ ُّت َو ِم َّم يَشُ ُّق الظِّل َْف‪ :‬الْ َج َم َل‪ ،‬ألَنَّ ُه يَ ْج َ ُّت ل ِك َّن ُه الَ يَشُ ُّق‬ ‫ِس لَ ُك ْم‪َ .‬والْ َوبْ َر‪ ،‬ألَنَّ ُه يَ ْج َ ُّت ل ِك َّن ُه الَ يَشُ ُّق‬ ‫ِظلْفًا‪ ،‬فَ ُه َو نَج ٌ‬ ‫ِس لَ ُك ْم‪َ .‬واألَ ْرنَ َب‪ ،‬ألَنَّ ُه يَ ْج َ ُّت ل ِك َّن ُه الَ يَشُ ُّق‬ ‫ِظلْفًا‪ ،‬فَ ُه َو نَج ٌ‬ ‫ِس لَ ُك ْم‪َ .‬وال ِْخ ْنزِي َر‪ ،‬ألَنَّ ُه يَشُ ُّق ِظلْفًا َويَق ِْس ُم ُه‬ ‫ِظلْفًا‪ ،‬فَ ُه َو نَج ٌ‬ ‫ِس لَ ُك ْم‪ِ .‬م ْن لَ ْح ِم َها الَ تَأْكُلُوا‬ ‫ِظلْف َْيِ‪ ،‬ل ِك َّن ُه الَ يَ ْج َ ُّت‪ ،‬فَ ُه َو نَج ٌ‬

‫ﺣﻴﻮاﻧﺎت اﻟﻴﺎﺑﺴﺔ اﻟﻄﺎﻫﺮة ‪:11‬ﻻوﻳ�‪ 8-3‬ﺣﻴﻮاﻧﺎت اﻟﻴﺎﺑﺴﺔ اﻟﻨﺠﺴﺔ‬

‫اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت اﳌﺎﺋﻴﺔ اﻟﻄﺎﻫﺮة ﻻوﻳ�‬ ‫‪ 12-9‬اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت اﳌﺎﺋﻴﺔ اﻟﻨﺠﺴﺔ‬ ‫‪:11‬‬

‫‪14‬‬


‫نقد كتاب اليهودية (التناخ) جـ ‪:3‬‬ ‫األخطاء العلمية والخرافات والخزعبالت‬ ‫والسخافات يف الكتاب اليهودي‬

‫راهب العلم‬

‫َو ُجثَثَ َها الَ تَلْ ِم ُسوا‪ .‬إِنَّ َها نَج َِس ٌة لَ ُك ْم‪َ .‬وهذَا تَأْكُلُونَ ُه ِم ْن َج ِميعِ َما ِف الْ ِم َيا ِه‪ :‬ك ُُّل َما لَ ُه َز َعانِ ُف َو َح ْرشَ ٌف ِف الْ ِم َيا ِه‪ِ ،‬ف الْ ِب َحا ِر‬ ‫ِيب ِف الْ ِم َيا ِه َو ِم ْن ك ُِّل‬ ‫َو ِف األَنْ َهارِ‪ ،‬فَ ِإيَّا ُه تَأْ ُكلُونَ‪ .‬ل ِك ْن ك ُُّل َما لَ ْي َس لَ ُه َز َعانِ ُف َو َح ْرشَ ٌف ِف الْ ِب َحا ِر َو ِف األَنْ َهارِ‪ِ ،‬م ْن ك ُِّل َدب ٍ‬ ‫نَف ٍْس َح َّي ٍة ِف الْ ِم َيا ِه‪ ،‬فَ ُه َو َم ْك ُرو ٌه لَ ُك ْم‪َ ،‬و َم ْك ُرو ًها يَكُو ُن لَ ُك ْم‪ِ .‬م ْن لَ ْح ِم ِه الَ تَأْكُلُوا‪َ ،‬و ُجثَّتَ ُه تَ ْك َر ُهونَ‪ .‬ك ُُّل َما لَ ْي َس لَ ُه َز َعانِ ُف‬ ‫َو َح ْرشَ ٌف ِف الْ ِم َيا ِه فَ ُه َو َم ْك ُرو ٌه لَ ُك ْم‪َ .‬و ِ‬ ‫س َواألَنُ ُ‬ ‫َاب َوال ِْح َدأَ ُة‬ ‫وق َوالْ ُعق ُ‬ ‫هذ ِه ت َ ْك َر ُهونَ َها ِم َن الطُّ ُيورِ‪َ .‬ال تُ ْؤك َْل‪ .‬إِنَّ َها َم ْك ُرو َه ٌة‪ :‬ا َل َّن ْ ُ‬ ‫اص َوالْ ُك ْر ِكُّ‬ ‫َوالْبَ ِاش ُق َع َل أَ ْج َن ِاس ِه‪َ ،‬وك ُُّل ُغ َر ٍ‬ ‫السأَ ُف َوالْبَا ُز َع َل أَ ْج َن ِاس ِه‪َ ،‬والْبُو ُم َوالْ َغ َّو ُ‬ ‫اب َع َل أَ ْج َن ِاس ِه‪َ ،‬وال َّن َعا َم ُة َوالظَّلِي ُم َو َّ‬ ‫َوالْ َب َج ُع َوالْق ُ‬ ‫ُوق َوال َّر َخ ُم َواللَّ ْقل َُق َوالْ َب ْب َغا َع َل أَ ْج َن ِاس ِه‪َ ،‬والْ ُه ْد ُه ُد ‪( »...‬الالويني‪.)19-1 :11‬‬ ‫ملاذا حتى املساء؟!‬ ‫« ِم ْن ِ‬ ‫هذ ِه تَتَ َن َّج ُسونَ‪ .‬ك ُُّل َم ْن َم َّس ُجثَثَ َها يَكُو ُن نَج ًِسا إِ َل الْ َم َسا ِء‪َ ،‬وك ُُّل َم ْن َح َم َل ِم ْن ُجثَ ِث َها يَ ْغ ِس ُل ثِيَابَ ُه َويَكُو ُن نَج ًِسا‬ ‫إِ َل الْ َم َسا ِء‪َ .‬و َج ِمي ُع الْ َب َهائِ ِم الَّ ِتي لَ َها ِظل ٌْف َول ِك ْن الَ ت َشُ ُّق ُه شَ قًّا أَ ْو الَ تَ ْج َ ُّت‪ ،‬فَه َِي نَج َِس ٌة لَ ُك ْم‪ .‬ك ُُّل َم ْن َم َّس َها يَكُو ُن نَج ًِسا‪.‬‬ ‫َوك ُُّل َما َ ْي ِش َع َل كُفُو ِف ِه ِم ْن َج ِميعِ الْ َح َي َوانَ ِ‬ ‫ِس لَ ُك ْم‪ .‬ك ُُّل َم ْن َم َّس ُجثَثَ َها يَكُو ُن نَج ًِسا إِ َل‬ ‫ات ال َْم ِش َي ِة َع َل أَ ْربَعٍ‪ ،‬فَ ُه َو نَج ٌ‬ ‫الْ َم َسا ِء‪َ .‬و َم ْن َح َم َل ُجثَثَ َها يَ ْغ ِس ُل ثِ َيابَ ُه َويَكُو ُن نَج ًِسا إِ َل الْ َم َسا ِء‪ .‬إِنَّ َها نَج َِس ٌة لَ ُك ْم» (الالويني ‪.)24-28 :11‬‬ ‫نجسا إىل املساء؟! ماذا لو استحم أو غسل يديه؟ أال يصبح طاه ًرا مام ملس؟! ملاذا يستمر‬ ‫كال ٌم‬ ‫غريب ج ًّدا! ملاذا يظل ً‬ ‫ٌ‬ ‫يوم بشكلٍ‬ ‫أسطوري غامض؟! أال يكفي بعض املاء أو الصابون؟ أو حتى ديتول أو أي مط ِّه ٍر أو معقِّم؟!‬ ‫نجسا ملدة ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫ً‬ ‫الدواب النجسة مثل الربص والسحلية والرصصور‬ ‫وتتكرر نفس املسألة‪ ،‬النجاسة إىل املساء‪ ،‬ويضيف النص التايل عليها‪ ،‬أن‬ ‫ّ‬ ‫والفأر واألرنب لو ملست فرنًا يتم هدم الفرن كله! وإن دخلت أو وقعت يف يش ٍء خز ٍّيف يتم كرس اإلناء الخز ّيف (الفخاري)!‬ ‫تعسفاتٌ ورشائع مرهق ٌة بال داعٍ‪:‬‬ ‫الض ُّب َع َل أَ ْج َن ِاس ِه‪َ ،‬وال ِْح ْر َذ ْو ُن َوالْ َو َر ُل‬ ‫ِس لَ ُك ْم ِم َن ال َّدب ِ‬ ‫ِيب ال َِّذي يَ ِد ُّب َع َل األَ ْر ِض‪ :‬اِبْ ُن ِع ْر ٍس َوالْ َفأْ ُر َو َّ‬ ‫« َوهذَا ُه َو ال َّنج ُ‬ ‫َوالْ َو َز َغ ُة َوالْ ِعظَايَ ُة َوال ِْح ْربَا ُء‪ِ .‬‬ ‫ِيب‪ .‬ك ُُّل َم ْن َم َّس َها بَ ْع َد َم ْوتِ َها يَكُو ُن نَج ًِسا إِ َل الْ َم َسا ِء‪،‬‬ ‫هذ ِه ِه َي ال َّنج َِس ُة لَ ُك ْم ِم ْن ك ُِّل ال َّدب ِ‬ ‫َوك ُُّل َما َوقَ َع َعلَ ْي ِه َو ِ‬ ‫اح ٌد ِم ْن َها بَ ْع َد َم ْوتِ َها يَكُو ُن نَج ًِسا‪ِ .‬م ْن ك ُِّل َمتَا ِع َخشَ ٍب أَ ْو ث َ ْو ٍب أَ ْو ِجل ٍْد أَ ْو بَال ٍَس‪ .‬ك ُُّل َمتَا ٍع يُ ْع َم ُل ِب ِه‬ ‫َع َم ٌل يُلْقَى ِف ال َْم ِء َويَكُو ُن نَج ًِسا إِ َل الْ َم َسا ِء ث ُ َّم يَطْ ُه ُر‪َ .‬وك ُُّل َمتَا ِع َخ َز ٍف َوقَ َع ِفي ِه ِم ْن َها‪ ،‬فَك ُُّل َما ِفي ِه يَتَ َن َّج ُس‪َ ،‬وأَ َّما ُه َو‬ ‫ش ُب ِف ك ُِّل َمتَا ٍع يَكُو ُن نَج ًِسا‪َ .‬وك ُُّل َما َوقَ َع‬ ‫ش ٍ‬ ‫اب يُ ْ َ‬ ‫ْسونَ ُه‪َ .‬ما يَأْ ِت َعلَ ْي ِه َما ٌء ِم ْن ك ُِّل طَ َع ٍام يُ ْؤك َُل يَكُو ُن نَج ًِسا‪َ .‬وك ُُّل َ َ‬ ‫فَتَك ِ ُ‬ ‫َعلَ ْي ِه َو ِ‬ ‫اح َد ٌة ِم ْن ُجثَ ِث َها يَكُو ُن نَج ًِسا‪ .‬ا َلتَّ ُّنو ُر َوالْ َم ْو ِق َد ُة يُ ْه َد َمانِ ‪ .‬إِنَّ َها نَج َِس ٌة َوتَكُو ُن نَج َِس ًة لَ ُك ْم» (الالويني ‪.)29-35 :11‬‬

‫‪15‬‬


‫نقد كتاب اليهودية (التناخ) جـ ‪:3‬‬ ‫األخطاء العلمية والخرافات والخزعبالت‬ ‫والسخافات يف الكتاب اليهودي‬

‫راهب العلم‬

‫وإذا وقعت واحد ٌة من جثثها عىل بذو ٍر مبلول ٍة تُع َت َب نجِ س ًة وال يتم زرعها يف األرض!‬ ‫ش ٍء ِم ْن ِب ْز ِر َز ْر ٍع يُ ْز َر ُع فَ ُه َو طَا ِه ٌر‪ .‬ل ِك ْن إِذَا ُج ِع َل َما ٌء َع َل ِب ْز ٍر فَ َوقَ َع َعلَ ْي ِه َو ِ‬ ‫« َوإِذَا َوقَ َع ْت َو ِ‬ ‫اح َد ٌة‬ ‫اح َد ٌة ِم ْن ُجثَ ِث َها َع َل َ ْ‬ ‫ِس لَ ُك ْم‪َ .‬وإِذَا َماتَ َو ِ‬ ‫اح ٌد ِم َن الْبَ َهائِ ِم الَّ ِتي ِه َي طَ َعا ٌم لَ ُك ْم‪ ،‬فَ َم ْن َم َّس ُجثَّتَ ُه يَكُو ُن نَج ًِسا إِ َل الْ َم َسا ِء‪.‬‬ ‫ِم ْن ُجثَ ِث َها‪ ،‬فَ ِإنَّ ُه نَج ٌ‬ ‫َو َم ْن أَك َ​َل ِم ْن ُجثَّ ِت ِه يَ ْغ ِس ُل ثِ َيابَ ُه َويَكُو ُن نَج ًِسا إِ َل الْ َم َسا ِء‪َ .‬و َم ْن َح َم َل ُجثَّتَ ُه يَ ْغ ِس ُل ثِ َيابَ ُه َويَكُو ُن نَج ًِسا إِ َل الْ َم َسا ِء»‬ ‫(الالويني ‪.)40-37 :11‬‬ ‫ترشيع ال ِنفاس‪:‬‬ ‫سائِ َيل قَائِ ًل‪ :‬إِذَا َح ِبل َِت ا ْم َرأَ ٌة َو َولَدَتْ َذكَ ًرا‪ ،‬تَكُو ُن نَج َِس ًة َس ْب َع َة أَيَّ ٍام‪ .‬ك َ​َم ِف أَيَّ ِام طَ ْم ِث‬ ‫« َوكَلَّ َم ال َّر ُّب ُم َ‬ ‫وس قَائِ ًل‪ :‬كَلِّ ْم بَ ِني إِ ْ َ‬ ‫ش ٍء ُم َق َّد ٍس الَ‬ ‫ِعلَّ ِت َها تَكُو ُن نَج َِس ًة‪َ .‬و ِف الْ َي ْو ِم الثَّا ِمنِ يُ ْخ َ ُت لَ ْح ُم ُغ ْرلَ ِت ِه‪ .‬ث ُ َّم تُ ِقي ُم �ثَالَث َ ًة َو�ثَالَثِ َني يَ ْو ًما ِف َد ِم تَطْ ِهريِ َها‪ .‬ك َُّل َ ْ‬ ‫تَ ََّس‪َ ،‬وإِ َل الْ َمق ِْد ِس الَ تَج ِْئ َحتَّى ت َ ْك ُم َل أَيَّا ُم تَطْ ِهريِ َها‪َ .‬وإِ ْن َولَدَتْ أُنْثَى‪ ،‬تَكُو ُن نَج َِس ًة أُ ْس ُبو َع ْ ِي ك َ​َم ِف طَ ْم ِث َها‪ .‬ث ُ َّم ت ُ ِقي ُم‬ ‫ِستَّ ًة َو ِستِّ َني يَ ْو ًما ِف َد ِم تَطْ ِهريِ َها‪َ .‬و َمتَى كَ ُمل َْت أَيَّا ُم تَطْ ِهريِ َها ألَ ْجلِ ابْنٍ أَ ِو ابْ َن ٍة‪ ،‬تَأْ ِت ِب َخ ُر ٍ‬ ‫وف َح ْو ِ ٍّل ُم ْح َرقَ ًة‪َ ،‬وفَ ْر ِخ َح َم َم ٍة‬ ‫اب َخيْ َم ِة اال ْج ِت َمعِ‪ ،‬إِ َل الْكَا ِهنِ ‪ ،‬فَيُ َق ِّد ُم ُه َم أَ َما َم ال َّر ِّب َويُ َك ِّف ُر َع ْن َها‪ ،‬فَتَطْ ُه ُر ِم ْن يَ ْنبُو ِع َد ِم َها‪.‬‬ ‫أَ ْو َ َيا َم ٍة َذبِي َح َة َخ ِطيَّ ٍة إِ َل بَ ِ‬ ‫شي َع ُة الَّ ِتي تَلِ ُد َذكَ ًرا أَ ْو أُنْثَى‪َ .‬وإِ ْن لَ ْم ت َ َن ْل يَ ُد َها كِفَايَ ًة لِشَ ا ٍة تَأْ ُخ ُذ َ َيا َمتَ ْ ِي أَ ْو فَ ْر َخ ْي َح َم ٍم‪ ،‬الْ َو ِ‬ ‫ِ‬ ‫اح َد ُم ْح َرقَ ًة‪َ ،‬واآل َخ َر‬ ‫هذ ِه َ ِ‬ ‫َذبِي َح َة َخ ِط َّي ٍة‪ ،‬فَ ُي َك ِّف ُر َع ْن َها الْكَا ِه ُن فَتَطْ ُه ُر» (الالويني ‪.)8-1 :12‬‬ ‫أول‪ :‬لِ َم تكون الواضعة (النفساء) نجس ًة؟!‬ ‫ً‬ ‫ثان ًيا‪ :‬لِ َم العنرصية ضد املرأة واألنثى‪ ،‬وجعل إنجاب أنثى له مدة نجاس ٍة ضعف مدة الذَكر؟!‬ ‫ثالثًا‪ :‬ما حاجة املرأة واإلنسان بكل هذه القرابني السخيفة التي ليس لها أي لزوم‪،‬‬ ‫أنفسهم ويأكلوا حام ًما ولحو ًما وأطايب‪.‬‬ ‫وإمنا وضعها وفرضها الكهنة ل ُيدللوا َ‬ ‫ونبل ومعانا ٌة ٌ‬ ‫ورشف وفضيل ٌة‬ ‫من قال أن الحمل كان يو ًما ما خط ّية؟ بل هو تضحي ٌة ٌ‬ ‫البرشي يف الوجود‪ ،‬وتحقيق غريزة األمومة أجمل‬ ‫وفعل خريٍ واستمرا ٍر للجنس‬ ‫ّ‬ ‫وأنبل الغرائز البرشية والتي لألسف ال توجد لدينا نحن الرجال‪.‬‬ ‫ثديي ميارس قرابني لإلنجاب والوضع؟!‬ ‫هل سمعتم عن أي كائنٍ ٍّ‬ ‫‪16‬‬


‫نقد كتاب اليهودية (التناخ) جـ ‪:3‬‬ ‫األخطاء العلمية والخرافات والخزعبالت‬ ‫والسخافات يف الكتاب اليهودي‬

‫راهب العلم‬

‫ترشيع لألبرص (املجذوم) يحقّر منه ويهني إنساني َته‪:‬‬ ‫ٌ‬ ‫« َوإِذَا كَا َن إِنْ َسا ٌن قَ ْد َذ َه َب شَ ْع ُر َرأْ ِس ِه فَ ُه َو أَقْ َر ُع‪ .‬إِنَّ ُه طَا ِه ٌر‪َ .‬وإِ ْن َذ َه َب شَ ْع ُر َرأْ ِس ِه ِم ْن ِج َه ِة َو ْج ِه ِه فَ ُه َو أَ ْصلَ ُع‪ .‬إِنَّ ُه طَا ِه ٌر‪.‬‬ ‫ضبَ ٌة بَ ْي َضا ُء َضا ِربَ ٌة إِ َل الْ ُح ْم َر ِة‪ ،‬فَ ُه َو بَ َر ٌص ُم ْف ِر ٌخ ِف قَ َر َع ِت ِه أَ ْو ِف َصلْ َع ِت ِه‪ .‬فَ ِإ ْن َرآ ُه‬ ‫ل ِك ْن إِذَا كَا َن ِف الْ َق َر َع ِة أَ ْو ِف َّ‬ ‫الصلْ َع ِة َ ْ‬ ‫الضبَ ِة أَبْيَ ُض َضار ٌِب إِ َل الْ ُح ْم َر ِة ِف قَ َر َع ِت ِه أَ ْو ِف َصلْ َع ِت ِه‪ ،‬كَ َم ْنظَ ِر ال َ َْب ِص ِف ِجل ِْد الْ َج َس ِد‪ ،‬فَ ُه َو إِنْ َسا ٌن‬ ‫الْكَا ِه ُن َوإِذَا نَاتِ ُئ َّ ْ‬ ‫الضبَ ُة‪ ،‬تَكُو ُن ثِ َيابُ ُه َمشْ قُوقَ ًة‪َ ،‬و َرأْ ُس ُه‬ ‫أَبْ َر ُص‪ .‬إِنَّ ُه نَج ٌ‬ ‫ضبَتَ ُه ِف َرأْ ِس ِه‪َ .‬واألَبْ َر ُص ال َِّذي ِفي ِه َّ ْ‬ ‫ِس‪ .‬فَ َي ْح ُك ُم الْكَا ِه ُن ِب َن َج َاس ِت ِه‪ .‬إِ َّن َ ْ‬ ‫ِس‪ .‬يُ ِقي ُم‬ ‫الضبَ ُة ِفي ِه يَكُو ُن نَج ًِسا‪ .‬إِنَّ ُه نَج ٌ‬ ‫ِس‪ ،‬نَج ٌ‬ ‫يَكُو ُن َمكْشُ وفًا‪َ ،‬ويُ َغطِّي شَ ا ِربَ ْي ِه‪َ ،‬ويُ َنا ِدي‪ :‬نَج ٌ‬ ‫ِس‪ .‬ك َُّل األَيَّ ِام الَّ ِتي تَكُو ُن َّ ْ‬ ‫َو ْح َد ُه‪َ .‬خار َِج الْ َم َحلَّ ِة يَكُو ُن ُمقَا ُم ُه» (الالويني ‪.)46-40 :13‬‬ ‫ِس» َ‬ ‫بدل كلمة (أبرص) أو (مريض)؟ ملاذا تكون رأسه مكشوف ًة‬ ‫ملاذا كل هذا اإلذالل لألبرص؟ ملاذا يصيح عىل نفسه «نَج ٌ‬ ‫بثوب مشقوق؟‬ ‫وهو ما يُعترب عالمة إذال ٍل لدى الشعوب القدمية‪ ،‬ألن ُعري الرأس عندهم قلة قيم ٍة لإلنسان؟ ملاذا مييش ٍ‬ ‫كل هذا اإلذالل والتحقري والعنرصية ضد ٍ‬ ‫شخص مريض‪ ،‬ملجرد أنه مختلف؟‬ ‫لِ َم ُ‬ ‫وهذا ترشي ٌع ملن شُ ِف َي من الربص‪ ،‬ولعمري إن مثة ندر ًة أو انعدا ًما لشفاء مريض الربص املسكني دون دواء املرض الذي‬ ‫طقوس سخيف ٌة ال معنى لها وال قيمة وال أي رضور ٍة أو عائد‪ ،‬سوى أنها تُ ْد ِخل طعا ًما عىل‬ ‫مل يكن وقتها متوف ًرا! كالعادة‬ ‫ٌ‬ ‫مريض ٍ‬ ‫بطون رجال الدين الكساىل املتبطلني محرتيف مهنة الخرافة والاليشء و ِمن َمن؟ من ٍ‬ ‫أبرص كان فق ًريا معد ًما ال مال‬ ‫له ألنه ال يوجد مكا ٌن ير ِّحب به للعمل‪:‬‬ ‫وس قَائِ ًل‪ِ :‬‬ ‫شي َع َة األَبْ َر ِص‪ :‬يَ ْو َم طُ ْه ِر ِه‪ ،‬يُ ْؤ َت ِب ِه إِ َل الْكَا ِهنِ ‪َ .‬ويَ ْخ ُر ُج الْكَا ِه ُن إِ َل َخا ِر ِج الْ َم َحلَّ ِة‪،‬‬ ‫هذ ِه تَكُو ُن َ ِ‬ ‫« َوكَلَّ َم ال َّر ُّب ُم َ‬ ‫ضبَ ُة ال َ َْب ِص قَ ْد بَ ِرئَ ْت ِم َن األَبْ َر ِص‪ ،‬يَأْ ُم ُر الْكَا ِه ُن أَ ْن يُ ْؤ َخ َذ لِلْ ُمتَطَ ِّه ِر ُع ْصفُو َرانِ َحيَّانِ طَا ِه َرانِ ‪،‬‬ ‫فَ ِإ ْن َرأَى الْكَا ِه ُن َوإِذَا َ ْ‬ ‫َو َخشَ ُب أَ ْر ٍز َو ِق ْر ِم ٌز َوزُوفَا‪َ .‬ويَأْ ُم ُر الْكَا ِه ُن أَ ْن يُ ْذبَ َح الْ ُع ْصفُو ُر الْ َو ِ‬ ‫اح ُد ِف إِنَا ِء َخ َز ٍف َع َل َما ٍء َح ٍّي‪ .‬أَ َّما الْ ُع ْصفُو ُر الْ َح ُّي فَ َيأْ ُخ ُذ ُه‬ ‫َم َع َخشَ ِب األَ ْر ِز َوالْ ِق ْر ِم ِز َوال ُّزوفَا َويَ ْغ ِم ُس َها َم َع الْ ُع ْصفُو ِر الْ َح ِّي ِف َد ِم الْ ُع ْصفُو ِر الْ َم ْذبُو ِح َع َل ال َْم ِء الْ َح ِّي‪َ ،‬ويَ ْن ِض ُح َع َل‬ ‫الْ ُمتَطَ ِّه ِر ِم َن ال َ َْب ِص َس ْب َع َم َّر ٍ‬ ‫الص ْح َرا ِء‪ .‬فَ َي ْغ ِس ُل الْ ُمتَطَ ِّه ُر ثِ َيابَ ُه َويَ ْحلِ ُق ك َُّل‬ ‫ات فَ ُيطَ ِّه ُر ُه‪ ،‬ث ُ َّم يُطْلِ ُق الْ ُع ْصفُو َر الْ َح َّي َع َل َو ْج ِه َّ‬ ‫السابعِ يَ ْحلِ ُق ك َُّل شَ ْع ِر ِه‪:‬‬ ‫شَ ْع ِر ِه َويَ ْستَ ِح ُّم بِ َا ٍء فَ َيطْ ُه ُر‪ .‬ث ُ َّم يَ ْد ُخ ُل الْ َم َحلَّ َة‪ ،‬ل ِك ْن يُ ِقي ُم َخار َِج َخ ْي َم ِت ِه َس ْب َع َة أَيَّ ٍام‪َ .‬و ِف الْ َي ْو ِم َّ‬ ‫ِب َعيْ َنيْ ِه َو َج ِمي َع شَ ْع ِر ِه يَ ْحلِ ُق‪َ .‬ويَ ْغ ِس ُل ثِيَابَ ُه َويَ ْر َح ُض َج َس َد ُه بِ َا ٍء فَيَطْ ُه ُر‪ .‬ث ُ َّم ِف الْيَ ْو ِم الثَّا ِمنِ يَأْ ُخ ُذ‬ ‫َرأْ َس ُه َولِ ْحيَتَ ُه َو َح َواج َ‬ ‫َخ ُروف ْ َِي َص ِحي َح ْ ِي َونَ ْع َج ًة َو ِ‬ ‫اح َد ًة َح ْولِ َّي ًة َص ِحي َح ًة َو�ثَالَث َ َة أَ ْعشَ ا ِر َد ِقيق تَق ِْد َم ًة َملْتُوت َ ًة ِب َزيْ ٍت َول َُّج َزيْ ٍت‪ .‬فَ ُيو ِق ُف الْكَا ِه ُن‬ ‫وف الْ َو ِ‬ ‫اب َخ ْي َم ِة اال ْج ِت َمعِ‪ .‬ث ُ َّم يَأْ ُخ ُذ الْكَا ِه ُن الْ َخ ُر َ‬ ‫اح َد َويُ َق ِّربُ ُه َذبِي َح َة‬ ‫الْ ُمطَ ِّه ُر ا ِإلنْ َسا َن الْ ُمتَطَ ِّه َر َوإِيَّا َها أَ َما َم ال َّر ِّب لَ َدى بَ ِ‬ ‫إِث ٍْم َم َع ل ُِّج ال َّزيْ ِت‪ .‬يُ َر ِّد ُد ُه َم ت َ ْر ِدي ًدا أَ َما َم ال َّر ِّب‪َ .‬ويَ ْذبَ ُح الْ َخ ُر َ‬ ‫وف ِف الْ َم ْو ِضعِ ال َِّذي يَ ْذبَ ُح ِفي ِه َذبِي َح َة الْ َخ ِط َّي ِة َوالْ ُم ْح َرقَ َة‬ ‫ِف الْ َمكَانِ الْ ُم َق َّد ِس‪ ،‬ألَ َّن َذبِي َح َة ا ِإلث ِْم كَ َذبِي َح ِة الْ َخ ِط َّي ِة لِلْكَا ِهنِ ‪ .‬إِنَّ َها قُ ْد ُس أَقْ َد ٍاس‪َ .‬ويَأْ ُخ ُذ الْكَا ِه ُن ِم ْن َد ِم َذبِي َح ِة ا ِإلث ِْم‬ ‫َويَ ْج َع ُل الْكَا ِه ُن َع َل شَ ْح َم ِة أُذُنِ الْ ُمتَطَ ِّه ِر الْيُ ْم َنى‪َ ،‬و َع َل إِبْ َه ِام يَ ِد ِه الْيُ ْم َنى‪َ ،‬و َع َل إِبْ َه ِام ِر ْجلِ ِه الْيُ ْم َنى‪َ .‬ويَأْ ُخ ُذ الْكَا ِه ُن ِم ْن‬ ‫‪17‬‬


‫نقد كتاب اليهودية (التناخ) جـ ‪:3‬‬ ‫األخطاء العلمية والخرافات والخزعبالت‬ ‫والسخافات يف الكتاب اليهودي‬

‫راهب العلم‬

‫سى‪َ ،‬ويَ ْن ِض ُح‬ ‫سى‪َ .‬ويَ ْغ ِم ُس الْكَا ِه ُن إِ ْص َب َع ُه الْ ُي ْم َنى ِف ال َّزيْ ِت ال َِّذي َع َل كَ ِّف ِه الْ ُي ْ َ‬ ‫ل ُِّج ال َّزيْ ِت َويَ ُص ُّب ِف ك َِّف الْكَا ِهنِ الْ ُي ْ َ‬ ‫ِم َن ال َّزيْ ِت ِب ِإ ْص َب ِع ِه َس ْب َع َم َّر ٍ‬ ‫ات أَ َما َم ال َّر ِّب‪َ .‬و ِم َّم ف َِض َل ِم َن ال َّزيْ ِت ال َِّذي ِف كَ ِّف ِه يَ ْج َع ُل الْكَا ِه ُن َع َل شَ ْح َم ِة أُذُنِ الْ ُمتَطَ ِّه ِر‬ ‫الْ ُي ْم َنى‪َ ،‬و َع َل إِبْ َه ِام يَ ِد ِه الْ ُي ْم َنى‪َ ،‬و َع َل إِبْ َه ِام ِر ْجلِ ِه الْ ُي ْم َنى‪َ ،‬ع َل َد ِم َذبِي َح ِة ا ِإلث ِْم‪َ .‬والْف ِ‬ ‫َاض ُل ِم َن ال َّزيْ ِت ال َِّذي ِف ك َِّف‬ ‫الْكَا ِهنِ يَ ْج َعلُ ُه َع َل َرأْ ِس الْ ُمتَطَ ِّهرِ‪َ ،‬ويُ َك ِّف ُر َع ْن ُه الْكَا ِه ُن أَ َما َم ال َّر ِّب‪ .‬ث ُ َّم يَ ْع َم ُل الْكَا ِه ُن َذبِي َح َة الْ َخ ِطيَّ ِة َويُ َك ِّف ُر َعنِ الْ ُمتَطَ ِّه ِر‬ ‫ِم ْن نَ َج َاس ِت ِه‪ .‬ث ُ َّم يَ ْذبَ ُح الْ ُم ْح َرقَ َة‪َ .‬ويُ ْص ِع ُد الْكَا ِه ُن الْ ُم ْح َرقَ َة َوالتَّق ِْد َم َة َع َل الْ َم ْذبَ ِح َويُ َك ِّف ُر َع ْن ُه الْكَا ِه ُن فَ َيطْ ُه ُر‪ .‬ل ِك ْن إِ ْن كَا َن‬ ‫شا َو ِ‬ ‫فَ ِق ًريا َوالَ تَ َن ُال يَ ُد ُه‪ ،‬يَأْ ُخ ُذ َخ ُروفًا َو ِ‬ ‫اح ًدا ِم ْن َد ِقيق َملْتُ ٍ‬ ‫وت ِب َزيْ ٍت لِتَق ِْد َم ٍة‪،‬‬ ‫اح ًدا َذبِي َح َة إِث ٍْم لِ َ ْت ِد ٍيد‪ ،‬ت َ ْك ِف ًريا َع ْن ُه‪َ ،‬و ُع ْ ً‬ ‫َول َُّج َزيْ ٍت‪َ ،‬و َ َيا َمتَ ْ ِي أَ ْو فَ ْر َخ ْي َح َم ٍم ك َ​َم ت َ َن ُال يَ ُد ُه‪ ،‬فَ َيكُو ُن الْ َو ِ‬ ‫اح ُد َذبِي َح َة َخ ِط َّي ٍة‪َ ،‬واآل َخ ُر ُم ْح َرقَ ًة‪َ .‬ويَأْ ِت ِب َها ِف الْ َي ْو ِم الثَّا ِمنِ‬ ‫اب َخ ْي َم ِة اال ْج ِت َم ِع أَ َما َم ال َّر ِّب‪ .‬فَ َيأْ ُخ ُذ الْكَا ِه ُن كَ ْب َش ا ِإلث ِْم َول َُّج ال َّزيْ ِت‪َ ،‬ويُ َر ِّد ُد ُه َم الْكَا ِه ُن تَ ْر ِدي ًدا‬ ‫لِطُ ْه ِر ِه إِ َل الْكَا ِهنِ ‪ ،‬إِ َل بَ ِ‬ ‫أَ َما َم ال َّر ِّب‪ .‬ث ُ َّم يَ ْذبَ ُح كَبْ َش ا ِإلث ِْم‪َ ،‬ويَأْ ُخ ُذ الْكَا ِه ُن ِم ْن َد ِم َذبِي َح ِة ا ِإلث ِْم َويَ ْج َع ُل َع َل شَ ْح َم ِة أُذُنِ الْ ُمتَطَ ِّه ِر الْيُ ْم َنى‪َ ،‬و َع َل‬ ‫سى‪َ ،‬ويَ ْن ِض ُح الْكَا ِه ُن ِب ِإ ْص َب ِع ِه‬ ‫إِبْ َه ِام يَ ِد ِه الْ ُي ْم َنى‪َ ،‬و َع َل إِبْ َه ِام ِر ْجلِ ِه الْ ُي ْم َنى‪َ .‬ويَ ُص ُّب الْكَا ِه ُن ِم َن ال َّزيْ ِت ِف ك َِّف الْكَا ِهنِ الْ ُي ْ َ‬ ‫سى َس ْب َع َم َّر ٍ‬ ‫ات أَ َما َم ال َّر ِّب‪َ .‬ويَ ْج َع ُل الْكَا ِه ُن ِم َن ال َّزيْ ِت ال َِّذي ِف كَ ِّف ِه َع َل شَ ْح َم ِة أُذُنِ‬ ‫الْ ُي ْم َنى ِم َن ال َّزيْ ِت ال َِّذي ِف كَ ِّف ِه الْ ُي ْ َ‬ ‫الْ ُمتَطَ ِّه ِر الْ ُي ْم َنى‪َ ،‬و َع َل إِبْ َه ِام يَ ِد ِه الْ ُي ْم َنى‪َ ،‬و َع َل إِبْ َه ِام ِر ْجلِ ِه الْ ُي ْم َنى‪َ ،‬ع َل َم ْو ِضعِ َد ِم َذبِي َح ِة ا ِإلث ِْم‪َ .‬والْف ِ‬ ‫َاض ُل ِم َن ال َّزيْ ِت‬ ‫ال َِّذي ِف ك َِّف الْكَا ِهنِ يَ ْج َعلُ ُه َع َل َرأْ ِس الْ ُمتَطَ ِّه ِر ت َ ْك ِف ًريا َع ْن ُه أَ َما َم ال َّر ِّب‪ .‬ث ُ َّم يَ ْع َم ُل َو ِ‬ ‫اح َد ًة ِم َن الْ َي َم َمتَ ْ ِي أَ ْو ِم ْن فَ ْر َخ ِي‬ ‫الْ َح َم ِم‪ِ ،‬م َّم ت َ َن ُال يَ ُد ُه‪َ .‬ما ت َ َن ُال يَ ُد ُه‪ :‬الْ َو ِ‬ ‫اح َد َذبِي َح َة َخ ِطيَّ ٍة‪َ ،‬واآل َخ َر ُم ْح َرقَ ًة َم َع التَّق ِْد َم ِة‪َ .‬ويُ َك ِّف ُر الْكَا ِه ُن َعنِ الْ ُمتَطَ ِّه ِر أَ َما َم‬ ‫ال َّر ِّب‪ِ .‬‬ ‫ضبَ ُة بَ َر ٍص ال َِّذي الَ ت َ َن ُال يَ ُد ُه ِف تَطْ ِهريِ ِه» (الالويني ‪.)32-1 :14‬‬ ‫هذ ِه َ ِ‬ ‫شي َع ُة ال َِّذي ِفي ِه َ ْ‬ ‫والنص التايل يفيض يف رشح املعرفة والتفريق بني البقعة ورضبة الربص يف الثوب‪ ،‬وأن البقعة ميكن أن تتسع وتنترش يف‬ ‫تخريف ال أساس له يف العلم‪.‬‬ ‫الثوب وتكرب‪ ،‬وهذا‬ ‫ٌ‬ ‫وهذا الكالم التافه السفيه الذي ينسبونه إىل الرب؛ ال ميكن أن يكون كالم الرب اإلله القدير املزعوم‪ ،‬بل هو كالم ٍ‬ ‫شخص‬ ‫ٍّ‬ ‫ضال جاهلٍ تائ ٍه ال يدري من العلوم شيئًا يف عصور ما قبل التاريخ امليالدي وقبل التقدم العلمي يف الغرب‪.‬‬ ‫نصا آخر يتحدث فيه الكاتب املُخ ِّرف عىل لسان اإلله نفسه عن الربص يف حجارة البيوت! الحق أن بعض‬ ‫ثم سنعرض ًّ‬ ‫عقول ال تفكِّر يف هكذا َهبلٍ وت ّر ٍ‬ ‫الناس املعارصين لهم ٌ‬ ‫هات وخزعبالت‪:‬‬ ‫الص ِ‬ ‫ضبَ ُة بَ َر ٍص‪ ،‬ث َ ْو ُب ُص ٍ‬ ‫وف أَ ِو الْ َكتَّانِ ‪ ،‬أَ ْو ِف ِجل ٍْد‬ ‫الس َدى أَ ِو اللُّ ْح َم ِة ِم َن ُّ‬ ‫وف أَ ْو ث َ ْو ُب كَتَّانٍ ‪ِ ،‬ف َّ‬ ‫« َوأَ َّما الثَّ ْو ُب فَ ِإذَا كَا َن ِفي ِه َ ْ‬ ‫الس َدى أَ ِو اللُّ ْح َم ِة‬ ‫ض ِة أَ ْو إِ َل الْ ُح ْم َر ِة ِف الثَّ ْو ِب أَ ْو ِف الْ ِجل ِْد‪ِ ،‬ف َّ‬ ‫الضبَ ُة َضا ِربَ ًة إِ َل الْ ُخ ْ َ‬ ‫أَ ْو ِف ك ُِّل َم ْص ُنو ٍع ِم ْن ِجل ٍْد‪َ ،‬وكَانَ ِت َّ ْ‬ ‫وب َس ْب َع َة أَيَّ ٍام‪ .‬فَ َمتَى‬ ‫ض َ‬ ‫الضبَ َة َويَ ْح ُج ُز الْ َم ْ ُ‬ ‫ضبَ ُة بَ َر ٍص‪ ،‬فَتُ ْع َر ُض َع َل الْكَا ِهنِ ‪ .‬ف َ َ​َيى الْكَا ِه ُن َّ ْ‬ ‫أَ ْو ِف َمتَا ٍع َما ِم ْن ِجل ٍْد‪ ،‬فَ ِإنَّ َها َ ْ‬ ‫الس َدى أَ ِو اللُّ ْح َم ِة أَ ْو ِف الْ ِجل ِْد ِم ْن ك ُِّل َما يُ ْص َن ُع ِم ْن‬ ‫الضبَ ُة ق َِد ا ْمتَدَّتْ ِف الثَّ ْو ِب‪ِ ،‬ف َّ‬ ‫الضبَ َة ِف الْ َي ْو ِم َّ‬ ‫السابعِ إِذَا كَانَ ِت َّ ْ‬ ‫َرأَى َّ ْ‬ ‫الص ِ‬ ‫وف أَ ِو الْ َكتَّانِ أَ ْو َمتَا ِع الْ ِجل ِْد‬ ‫الس َدى أَ ِو اللُّ ْح َم َة ِم َن ُّ‬ ‫َالضبَ ُة بَ َر ٌص ُمف ِْس ٌد‪ .‬إِنَّ َها نَج َِس ٌة‪ .‬فَ ُي ْحر ُِق الثَّ ْو َب أَ ِو َّ‬ ‫ِجل ٍْد لِلْ َع َملِ ‪ ،‬ف َّ ْ‬ ‫الس َدى‬ ‫الضبَ ُة لَ ْم تَ ْتَ َّد ِف الثَّ ْو ِب ِف َّ‬ ‫الضبَ ُة‪ ،‬ألَنَّ َها بَ َر ٌص ُمف ِْس ٌد‪ .‬بِال َّنا ِر يُ ْح َر ُق‪ .‬ل ِك ْن إِ ْن َرأَى الْكَا ِه ُن َوإِذَا َّ ْ‬ ‫ال َِّذي كَانَ ْت ِفي ِه َّ ْ‬ ‫‪18‬‬


‫نقد كتاب اليهودية (التناخ) جـ ‪:3‬‬ ‫األخطاء العلمية والخرافات والخزعبالت‬ ‫والسخافات يف الكتاب اليهودي‬

‫راهب العلم‬

‫الضبَ ُة‪َ ،‬ويَ ْح ُج ُز ُه َس ْب َع َة أَيَّ ٍام ث َانِ َي ًة‪ .‬فَ ِإ ْن َرأَى الْكَا ِه ُن بَ ْع َد‬ ‫أَ ِو اللُّ ْح َم ِة أَ ْو ِف َمتَا ِع الْ ِجل ِْد‪54 ،‬يَأْ ُم ُر الْكَا ِه ُن أَ ْن يَ ْغ ِسلُوا َما ِفي ِه َّ ْ‬ ‫وب ِف ُج ْر َد ِة بَ ِاط ِن ِه‬ ‫غ َْسلِ الْ َم ْض ِ‬ ‫ِس‪ .‬بِال َّنا ِر تُ ْح ِرقُ ُه‪ .‬إِنَّ َها نُ ْخ ُر ٌ‬ ‫الضبَ ُة‪ ،‬فَ ُه َو نَج ٌ‬ ‫الضبَ ُة لَ ْم ت ُ َغ ِّ ْي َم ْنظَ َر َها‪َ ،‬والَ ا ْمتَ َّد ِت َّ ْ‬ ‫وب َوإِذَا َّ ْ‬ ‫الس َدى أَ ِو اللُّ ْح َم ِة‪.‬‬ ‫الضبَ ُة كَا ِم َد ُة اللَّ ْونِ بَ ْع َد غ َْسلِ ِه‪َ ُ ،‬ي ِّزقُ َها ِم َن الثَّ ْو ِب أَ ِو الْ ِجل ِْد ِم َن َّ‬ ‫أَ ْو ظَا ِه ِر ِه‪ .‬ل ِك ْن إِ ْن َرأَى الْكَا ِه ُن َوإِذَا َّ ْ‬ ‫الضبَ ُة‪َ .‬وأَ َّما الثَّ ْو ُب‪،‬‬ ‫ث ُ َّم إِ ْن ظَ َه َرتْ أَيْ ًضا ِف الثَّ ْو ِب ِف َّ‬ ‫الس َدى أَ ِو اللُّ ْح َم ِة أَ ْو ِف َمتَا ِع الْ ِجل ِْد فَه َِي ُم ْف ِر َخ ٌة‪ .‬بِال َّنا ِر تُ ْحر ُِق َما ِفي ِه َّ ْ‬ ‫الضبَ ُة‪ ،‬فَيُ ْغ َس ُل ث َانِيَ ًة فَيَطْ ُه ُر‪ِ .‬‬ ‫الس َدى أَ ِو اللُّ ْح َم ُة أَ ْو َمتَا ُع الْ ِجل ِْد ال َِّذي ت َ ْغ ِسلُ ُه َوت َ ُز ُ‬ ‫ضبَ ِة ال َ َْب ِص ِف‬ ‫هذ ِه َ ِ‬ ‫َّ‬ ‫شي َع ُة َ ْ‬ ‫ول ِم ْن ُه َّ ْ‬ ‫الص ِ‬ ‫الس َدى أَ ِو اللُّ ْح َم ِة أَ ْو ِف ك ُِّل َمتَا ٍع ِم ْن ِجل ٍْد‪ ،‬لِلْ ُحك ِْم ِبطَ َها َرتِ ِه أَ ْو نَ َج َاس ِت ِه» (الالويني ‪.)59-47 :13‬‬ ‫ُّ‬ ‫وف أَ ِو الْ َكتَّانِ ‪ِ ،‬ف َّ‬ ‫وأيضا يذكر ِ‬ ‫الربص الذي يصيب حجار َة ِ‬ ‫البيت‪ ،‬وال نعلّق سوى بالتعليق السابق‪ :‬أن هذه خرافاتٌ ال تحدث‪.‬‬ ‫ً‬ ‫الس ْف ُر َ‬ ‫البرشي‪:‬‬ ‫وكالعادة املزيد من الطقوس والقرابني والسخافات وأمارات البالهة‪ ،‬وسال ٌم عىل املخ‬ ‫ّ‬ ‫ضبَ َة بَ َر ٍص ِف بَ ْي ٍت ِف أَ ْر ِض‬ ‫« َوكَلَّ َم ال َّر ُّب ُم َ‬ ‫وس َو َها ُرو َن قَائِ ًل‪َ :‬متَى ِجئْتُ ْم إِ َل أَ ْر ِض كَ ْن َعا َن الَّ ِتي أُ ْع ِطي ُك ْم ُملْكًا‪َ ،‬و َج َعل ُْت َ ْ‬ ‫ضبَ ٍة ِف الْ َب ْي ِت‪ .‬فَ َيأْ ُم ُر الْكَا ِه ُن أَ ْن يُ ْف ِرغُوا الْ َب ْي َت قَ ْب َل‬ ‫ُملْ ِك ُك ْم‪ .‬يَأْ ِت ال َِّذي لَ ُه الْ َب ْي ُت‪َ ،‬ويُ ِ ُ‬ ‫خب الْكَا ِهنِ قَائِ ًل‪ :‬قَ ْد ظَ َه َر ِل ِش ْب ُه َ ْ‬ ‫الضبَ َة‪َ ،‬وإِذَا‬ ‫الضبَ َة‪ ،‬لِئَالَّ يَتَ َن َّج َس ك ُُّل َما ِف الْ َب ْي ِت‪َ .‬وبَ ْع َد ذلِ َك يَ ْد ُخ ُل الْكَا ِه ُن لِ َ َيى الْ َب ْي َت‪ .‬فَ ِإذَا َرأَى َّ ْ‬ ‫ُد ُخو ِل الْكَا ِهنِ لِ َ َيى َّ ْ‬ ‫ض ِة أَ ْو إِ َل الْ ُح ْم َر ِة‪َ ،‬و َم ْنظَ ُر َها أَ ْع َم ُق ِم َن الْ َحائِ ِط‪ ،‬يَ ْخ ُر ُج الْكَا ِه ُن ِم َن الْ َب ْي ِت إِ َل‬ ‫الضبَ ُة ِف ِحيطَانِ الْ َب ْي ِت نُ َق ٌر َضا ِربَ ٌة إِ َل الْ ُخ ْ َ‬ ‫َّ ْ‬ ‫الضبَ ُة ق َِد ا ْمتَدَّتْ ِف ِحيطَانِ الْبَيْ ِت‪،‬‬ ‫بَ ِ‬ ‫اب الْبَيْ ِت‪َ ،‬ويُ ْغلِ ُق الْبَيْ َت َسبْ َع َة أَيَّ ٍام‪ .‬فَ ِإذَا َر َج َع الْكَا ِه ُن ِف الْيَ ْو ِم َّ‬ ‫السابعِ َو َرأَى َوإِذَا َّ ْ‬ ‫َش الْ َب ْي َت ِم ْن َد ِ‬ ‫اخل‬ ‫الضبَ ُة َويَطْ َر ُحو َها َخار َِج الْ َم ِدي َن ِة ِف َمكَانٍ نَج ٍِس‪َ .‬ويُق ِّ ُ‬ ‫يَأْ ُم ُر الْكَا ِه ُن أَ ْن يَ ْقلَ ُعوا ال ِْح َجا َر َة الَّ ِتي ِفي َها َّ ْ‬ ‫َشونَ ُه َخار َِج الْ َم ِدي َن ِة ِف َمكَانٍ نَج ٍِس‪َ .‬ويَأْ ُخذُو َن ِح َجا َر ًة أُ ْخ َرى َويُ ْد ِخلُونَ َها ِف َمكَانِ‬ ‫الت َ‬ ‫اب ال َِّذي يُق ِّ ُ‬ ‫َح َوالَ ْي ِه‪َ ،‬ويَطْ َر ُحو َن ُّ َ‬ ‫َش الْ َب ْي ِت َوتَطْيِي ِن ِه‪،‬‬ ‫الضبَ ُة َوأَفْ َر َخ ْت ِف الْ َب ْي ِت بَ ْع َد قَلْعِ ال ِْح َجا َر ِة َوق ْ ِ‬ ‫ال ِْح َجا َر ِة‪َ ،‬ويَأْ ُخ ُذ ت ُ َرابًا آ َخ َر َويُط ِّ َُي الْ َب ْي َت‪ .‬فَ ِإ ْن َر َج َع ِت َّ ْ‬ ‫ِس‪ .‬فَ َي ْه ِد ُم الْ َب ْي َت‪ِ :‬ح َجا َرت َ ُه‬ ‫الضبَ ُة ق َِد ا ْمتَدَّتْ ِف الْ َب ْي ِت‪ ،‬فَه َِي بَ َر ٌص ُمف ِْس ٌد ِف الْ َب ْي ِت‪ .‬إِنَّ ُه نَج ٌ‬ ‫َوأَ َت الْكَا ِه ُن َو َرأَى َوإِذَا َّ ْ‬ ‫اب الْبَيْ ِت‪َ ،‬ويُ ْخ ِر ُج َها إِ َل َخا ِر ِج الْ َم ِدي َن ِة إِ َل َمكَانٍ نَج ٍِس‪َ .‬و َم ْن َد َخ َل إِ َل الْبَيْ ِت ِف ك ُِّل أَيَّ ِام انْ ِغالَ ِق ِه‪ ،‬يَكُو ُن‬ ‫َوأَ ْخشَ ابَ ُه َوك َُّل ت ُ َر ِ‬ ‫الضبَ ُة‬ ‫نَج ًِسا إِ َل الْ َم َسا ِء‪َ .‬و َم ْن نَا َم ِف الْ َب ْي ِت يَ ْغ ِس ُل ثِ َيابَ ُه‪َ .‬و َم ْن أَك َ​َل ِف الْ َب ْي ِت يَ ْغ ِس ُل ثِ َيابَ ُه‪ .‬ل ِك ْن إِ ْن أَ َت الْكَا ِه ُن َو َرأَى َوإِذَا َّ ْ‬ ‫الضبَ َة قَ ْد بَ ِرئَ ْت‪ .‬فَ َيأْ ُخ ُذ لِتَطْ ِهريِ الْ َب ْي ِت ُع ْصفُو َريْنِ َو َخشَ َب‬ ‫لَ ْم تَ ْتَ َّد ِف الْ َب ْي ِت بَ ْع َد تَطْ ِي ِني الْ َب ْي ِت‪ ،‬يُطَ ِّه ُر الْكَا ِه ُن الْ َب ْي َت‪ .‬ألَ َّن َّ ْ‬ ‫أَ ْر ٍز َو ِق ْر ِم ًزا َوزُوفَا‪َ .‬ويَ ْذبَ ُح الْ ُع ْصفُو َر الْ َو ِ‬ ‫اح َد ِف إِنَا ِء َخ َز ٍف َع َل َما ٍء َح ٍّي‪َ ،‬ويَأْ ُخ ُذ َخشَ َب األَ ْر ِز َوال ُّزوفَا َوالْ ِق ْر ِم َز َوالْ ُع ْصفُو َر‬ ‫الْ َح َّي َويَ ْغ ِم ُس َها ِف َد ِم الْ ُع ْصفُو ِر الْ َم ْذبُو ِح َو ِف ال َْم ِء الْ َح ِّي‪َ ،‬ويَ ْن ِض ُح الْ َب ْي َت َس ْب َع َم َّر ٍ‬ ‫ات‪َ ،‬ويُطَ ِّه ُر الْ َب ْي َت ِب َد ِم الْ ُع ْصفُو ِر َوبِال َْم ِء‬ ‫الص ْح َرا ِء‬ ‫الْ َح ِّي َوبِالْ ُع ْصفُو ِر الْ َح ِّي َو ِب َخشَ ِب األَ ْر ِز َوبِال ُّزوفَا َوبِالْ ِق ْر ِمزِ‪ .‬ث ُ َّم يُطْلِ ُق الْ ُع ْصفُو َر الْ َح َّي إِ َل َخا ِر ِج الْ َم ِدي َن ِة َع َل َو ْج ِه َّ‬ ‫َويُ َك ِّف ُر َعنِ الْ َب ْي ِت فَ َيطْ ُه ُر‪ِ .‬‬ ‫ضبَ ٍة ِم َن ال َ َْب ِص َولِلْ َق َرعِ‪َ ،‬ولِ َ َب ِص الثَّ ْو ِب َوالْ َب ْي ِت‪َ ،‬ولِل َّناتِئِ َولِلْقُوبَا ِء‬ ‫هذ ِه ِه َي َّ ِ‬ ‫الشي َع ُة لِك ُِّل َ ْ‬ ‫َولِلُّ ْم َع ِة‪ ،‬لِلتَّ ْعلِ ِيم ِف يَ ْو ِم ال َّن َج َاس ِة َويَ ْو ِم الطَّ َها َر ِة‪ِ .‬‬ ‫شي َع ُة ال َ َْب ِص» (الالويني ‪.)57-33 :14‬‬ ‫هذ ِه َ ِ‬ ‫(ص َعت) צרעת غري مفهوم ٍة متا ًما‪ ،‬واملرض الذي‬ ‫ال بد هنا من اإلشارة إىل أن الكلمة العربية األصلية املقابلة للربص َ‬ ‫تشري إليه قد يكون الجذام ‪ leprosy‬أو البهاق ‪ ،vitiligo‬فالوصف التورايت يخلط يف الفقرات التي اقتبسناها أعاله بني‬ ‫‪19‬‬


‫نقد كتاب اليهودية (التناخ) جـ ‪:3‬‬ ‫األخطاء العلمية والخرافات والخزعبالت‬ ‫والسخافات يف الكتاب اليهودي‬

‫راهب العلم‬

‫مناعي غري ٍ‬ ‫معد‪ ،‬مام يجعل الكثري‬ ‫مرض‬ ‫أعراض الجذام والبهاق‪ .‬أما البهاق‪ ،‬فهو فقدان املادة الصبغية من الجلد‪ ،‬وهو ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫مثل‪.‬‬ ‫من املذكور غري ذي مع ًنى‪ ،‬كأن يصيب املرض حجارة البيت ً‬

‫حالة بهاق‬

‫حالة جذام‬

‫بكتريي ٍ‬ ‫معد يؤدي إىل تش ّو ٍ‬ ‫هات يف الجلد وتلف األعصاب يف األطراف والجلد‪ ،‬وقد كان املصابون‬ ‫مرض‬ ‫أما الجذام فهو ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫به من املنبوذين منذ القديم‪ ،‬لذا‪ ،‬يبدو الجذام هو األقرب للوصف التورايت‪ .‬وميكننا أن نالحظ أن هذا االرتباك يف املعنى‬ ‫قد انتقل كذلك إىل القرآن الذي يتحدث عن شفاء يسوع لألكمه واألبرص‪ ،‬والكمه نو ٌع من العمى‪ ،‬لكن الربص غري واضح‬ ‫املعنى واختلف بشأنه املفرسون‪ ،‬ويبدوا أن مرتجمي الكتاب املقدس إىل العربية استعانوا بالنص القرآين إليصال مع ًنى‬ ‫مشاب ٍه للمعنى القرآين عرب استعامل نفس ألفاظه‪ .‬عىل أن اللفظ القرآين بدوره ورث هذا اللبس من تفسريات النص العربي‪.‬‬ ‫السائل املنوي نجس‪:‬‬ ‫« َوإِذَا َح َدثَ ِم ْن َر ُجلٍ ْاض ِط َجا ُع َز ْرعٍ‪ ،‬يَ ْر َح ُض ك َُّل َج َس ِد ِه بِ َا ٍء‪َ ،‬ويَكُو ُن نَج ًِسا إِ َل الْ َم َسا ِء‪َ .‬وك ُُّل ث َ ْو ٍب َوك ُُّل ِجل ٍْد يَكُو ُن َعلَ ْي ِه‬ ‫ْاض ِط َجا ُع َز ْر ٍع يُ ْغ َس ُل بِ َا ٍء‪َ ،‬ويَكُو ُن نَج ًِسا إِ َل الْ َم َسا ِء‪َ .‬والْ َم ْرأَ ُة الَّ ِتي يَ ْضطَ ِج ُع َم َع َها َر ُج ٌل ْاض ِط َجا َع َز ْرعٍ‪ ،‬يَ ْستَ ِح َّمنِ بِ َا ٍء‪،‬‬ ‫َويَكُونَانِ نَج َِس ْ ِي إِ َل الْ َم َسا ِء» (الالويني ‪.)18-16 :15‬‬ ‫كلمة ِز َر ْع بالعربية זרע ترتبط بالزراعة حيث تعني بذر ًة ولكن أحد معانيها املني‪ ،‬باعتبار أن املني هو بذر ٌة يبذرها‬ ‫الرجل يف املرأة‪ ،‬والفكرة ذاتها نراها يف ٍ‬ ‫مثل‪ ،‬حتى صارت‬ ‫لغات أخرى‪ ،‬حيث متت الرتجمة الحرفية للكلمة إىل اإلنجليزية ً‬ ‫كلمة ‪ seed‬تعني بذور الزرع واملني‪ ،‬وإن كان استعاملها لإلشارة إىل املني باإلنجليزية غري دار ٍج كث ًريا اليوم‪ ،‬ونرى التشبيه‬ ‫َ ُ ُ ْ َ ْ ٌ َّ ُ‬ ‫ذاته يف القرآن كذلك حني يقول‪﴿ :‬ن ِساؤكم حرث ل‬ ‫ك ْم﴾ (البقرة‪ ،)223 :‬وحتى كلمة حواء‪ ،‬وهي كلم ٌة عربية األصل‬ ‫أيضا مزرع ًة‪ .‬ففي هذه األديان الذكورية بامتياز‪ ،‬ال عجب أن تُعترب املرأة مجرد أداة إنتاج سالل ٍة للرجل‪.‬‬ ‫חוה‪ ،‬تعني ً‬ ‫نجسا إىل املساء؟! أحتى لو استحم فو ًرا يف الصباح؟‬ ‫ولكن ملاذا كان املني ُم َن ِّج ًسا؟ ثم ملاذا يظل ً‬ ‫‪20‬‬


‫نقد كتاب اليهودية (التناخ) جـ ‪:3‬‬ ‫األخطاء العلمية والخرافات والخزعبالت‬ ‫والسخافات يف الكتاب اليهودي‬

‫راهب العلم‬

‫كل من أو ما يلمسها يصبح نجِ ًسا باللمسة املن ِّجسة السحرية التابوهية‪ ...‬إلخ‪،‬‬ ‫سخافات كثري ٌة حول املرأة الحائض وأن ّ‬ ‫ٌ‬ ‫أيام بعدها!‬ ‫ثم إنها بعد انقطاع الحيض ال تعترب طاه ًرا بل تنتظر سبعة ٍ‬ ‫« َوإِذَا كَانَ ِت ا ْم َرأَ ٌة لَ َها َسيْ ٌل‪َ ،‬وكَا َن َسيْلُ َها َد ًما ِف لَ ْح ِم َها‪ ،‬ف َ​َسبْ َع َة أَيَّ ٍام تَكُو ُن ِف طَ ْم ِث َها‪َ .‬وك ُُّل َم ْن َم َّس َها يَكُو ُن نَج ًِسا إِ َل‬ ‫الْ َم َسا ِء‪َ .‬وك ُُّل َما ت َْضطَ ِج ُع َعلَ ْي ِه ِف طَ ْم ِث َها يَكُو ُن نَج ًِسا‪َ ،‬وك ُُّل َما ت َ ْجلِ ُس َعلَ ْي ِه يَكُو ُن نَج ًِسا‪َ 21 .‬وك ُُّل َم ْن َم َّس ِف َراشَ َها يَ ْغ ِس ُل‬ ‫ثِ َيابَ ُه َويَ ْستَ ِح ُّم بِ َا ٍء‪َ ،‬ويَكُو ُن نَج ًِسا إِ َل الْ َم َسا ِء‪َ .‬وك ُُّل َم ْن َم َّس َمتَا ًعا ت َ ْجلِ ُس َعلَ ْي ِه‪ ،‬يَ ْغ ِس ُل ثِ َيابَ ُه َويَ ْستَ ِح ُّم بِ َا ٍء‪َ ،‬ويَكُو ُن نَج ًِسا‬ ‫إِ َل الْ َم َسا ِء‪َ .‬وإِ ْن كَا َن َع َل الْ ِف َر ِاش أَ ْو َع َل الْ َمتَا ِع ال َِّذي ِه َي َجالِ َس ٌة َعلَ ْي ِه ِع ْن َد َما َ َي ُّس ُه‪ ،‬يَكُو ُن نَج ًِسا إِ َل الْ َم َسا ِء‪َ .‬وإِنِ‬ ‫ْاضطَ َج َع َم َع َها َر ُج ٌل فَكَا َن طَ ْمثُ َها َعلَ ْي ِه يَكُو ُن نَج ًِسا َس ْب َع َة أَيَّ ٍام‪َ .‬وك ُُّل ِف َر ٍاش يَ ْضطَ ِج ُع َعلَ ْي ِه يَكُو ُن نَج ًِسا‪َ .‬وإِذَا كَانَ ِت ا ْم َرأَ ٌة‬ ‫يَ ِس ُيل َسيْ ُل َد ِم َها أَيَّا ًما كَ ِث َري ًة ِف غ ْ َِي َوق ِْت طَ ْم ِث َها‪ ،‬أَ ْو إِذَا َس َال بَ ْع َد طَ ْم ِث َها‪ ،‬فَتَكُو ُن ك َُّل أَيَّ ِام َسيَالَنِ نَ َج َاس ِت َها ك َ​َم ِف أَيَّ ِام‬ ‫طَ ْم ِث َها‪ .‬إِنَّ َها نَج َِس ٌة‪ .‬ك ُُّل ِف َر ٍاش ت َْضطَ ِج ُع َعلَ ْي ِه ك َُّل أَيَّ ِام َس ْيلِ َها يَكُو ُن لَ َها كَ ِف َر ِاش طَ ْم ِث َها‪َ .‬وك ُُّل األَ ْم ِت َع ِة الَّ ِتي ت َ ْجلِ ُس َعلَ ْي َها تَكُو ُن‬ ‫نَج َِس ًة كَ َن َج َاس ِة طَ ْم ِث َها‪َ .‬وك ُُّل َم ْن َم َّس ُه َّن يَكُو ُن نَج ًِسا‪ ،‬فَ َي ْغ ِس ُل ثِ َيابَ ُه َويَ ْستَ ِح ُّم بِ َا ٍء‪َ ،‬ويَكُو ُن نَج ًِسا إِ َل الْ َم َسا ِء‪َ .‬وإِذَا طَ ُه َرتْ‬ ‫ِم ْن َس ْيلِ َها ت َ ْح ُس ُب‪ ،‬لِ َنف ِْس َها َس ْب َع َة أَيَّ ٍام ث ُ َّم تَطْ ُه ُر» (الالويني ‪.)28-19 :15‬‬ ‫وباقي النص يتامدى يف السخافة ويوغل فيها أكرث‪ ،‬فيقول‪:‬‬ ‫« َو ِإذَا طَ ُه َرتْ ِم ْن َس ْيلِ َها ت َ ْح ُس ُب‪ ،‬لِ َنف ِْس َها َس ْب َع َة أَيَّ ٍام ث ُ َّم تَطْ ُه ُر‪َ .‬و ِف الْ َي ْو ِم الثَّا ِمنِ تَأْ ُخ ُذ لِ َنف ِْس َها َ َيا َمتَ ْ ِي أَ ْو فَ ْر َخ ْي َح َم ٍم‪،‬‬ ‫اب َخ ْي َم ِة اال ْج ِت َمعِ‪ .‬فَ َي ْع َم ُل الْكَا ِه ُن‪ :‬الْ َو ِ‬ ‫اح َد َذبِي َح َة َخ ِط َّي ٍة‪َ ،‬واآل َخ َر ُم ْح َرقَ ًة‪َ .‬ويُ َك ِّف ُر َع ْن َها الْكَا ِه ُن‬ ‫َوتَأْ ِت ِبه َِم إِ َل الْكَا ِهنِ إِ َل بَ ِ‬ ‫سائِ َيل َع ْن نَ َج َاس ِت ِه ْم لِئَالَّ َ ُيوتُوا ِف نَ َج َاس ِت ِه ْم ِبتَ ْنج ِ‬ ‫ِيس ِه ْم َم ْس َك ِن َي ال َِّذي ِف‬ ‫أَ َما َم ال َّر ِّب ِم ْن َس ْيلِ نَ َج َاس ِت َها‪ .‬فَتَ ْع ِزالَنِ بَ ِني إِ ْ َ‬ ‫َو َس ِط ِه ْم»‪( .‬الالويني ‪)31-28 :15‬‬ ‫وهذا كال ٌم فارغ‪ ،‬والحيض ظاهر ٌة جسامني ٌة طبيعي ٌة لدى املرأة تحدث كل ‪ 28‬يو ًما تقري ًبا أو شهر؛ نتيج َة طر ِد الرحم‬ ‫طقوسا‪ ،‬بل هو جسمها وتكوينها البيولوجي وطبيعتها‬ ‫املخصبة‪ .‬وهو ليس ذن ًبا لتكفّر عنه املرأة‪ ،‬ومتارس له‬ ‫للبويضة غري َّ‬ ‫ً‬ ‫طقوس لبطون كهنة ورجال الدين‬ ‫ووظيفتها‪ .‬وال معنى لكل تلك الطقوس املتعلقة بيش ٍء طبيعي‪ ،‬وليس عا ًرا وال عي ًبا‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫اليهودي‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫الطبيعي ترك الجامع فقط‪ ،‬وليس كل هذه الخزعبالت والهالوس والتهوسات الكثرية‪ .‬وال داعي العتبار انتهاء الحيض إىل‬ ‫ّ‬ ‫أيام من انقطاعه‪ ،‬بل توقفه هو وقت توقفه يف يومه‪.‬‬ ‫بعد سبعة ٍ‬ ‫‪21‬‬


https://www.facebook.com/groups/arbangroup/

22


‫متناقضة اإلرادة الحرة‬

‫طائر حر‬

‫اإلرادة الحرة موضو ٌع رغم أهميته البالغة لإلنسان يف‬ ‫سبيله إىل فهم نفسه‪ ،‬إال أن عموم الناس قلّام تفكرت فيه‬ ‫بالعمق الكايف‪ .‬فيام ييل محاول ٌة متواضع ٌة لنقض املفهوم‬ ‫وبيان استحالة وجوده‪.‬‬ ‫أول ما ينبغي أن نبدأ به هو محاولة التعريف‪...‬‬ ‫اإلرادة هي مفهو ٌم ميكن تعريفه بشكلٍ موضوعي‪ ،‬والحرية هي‬ ‫صف ٌة نضيفها لهذا املفهوم‪ .‬اإلرادة هي اسم مصد ٍر للفعل «أراد»‪،‬‬ ‫أو إن شئنا الدقة «راد»‪ .‬أن تريد شيئًا ما دون غريه‪ ،‬وهذا يعني‬ ‫امتالكك إلرادة‪ ،‬وقد يكون أو ال يكون من الرضوري أن ينتج عن‬ ‫هذا قيامك بأفعا ٍل معينة‪ ...‬لكن ما معنى أن تريد شيئًا ما‪ ،‬ومم‬ ‫تنبع هذه اإلرادة؟‬ ‫‪23‬‬


‫متناقضة اإلرادة الحرة‬ ‫طائر حر‬

‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫رغبات ودوافع‬ ‫لرغبات ودوافع تجاه ما تريد‪ .‬فاإلرادة إذًا نابع ٌة بالتعريف من‬ ‫معنى إرادة يش ٍء بعينه هو امتالكك‬ ‫ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫أهداف ال نستطيع أن نقول أنه ميتلك إرادةً‪.‬‬ ‫رغبات ودوافع وال ميكن أن توجد له‬ ‫وأهداف‪ ،‬فأي كيانٍ ال ميتلك‬ ‫رضوري لوجودها‪ ،‬وهي قد تتمثل يف الفعل‬ ‫واإلرادة بهذا التعريف ال ميكن وجودها يف أي كيانٍ بسيط‪ ،‬والتعقيد رش ٌط‬ ‫ٌّ‬ ‫أو عدم الفعل‪ ،‬فعدم الفعل ال يعني عدم وجود إراد ٍة ألن عدم الفعل ميكن أن يكون قرا ًرا إراديًا عن رغب ٍة ودافع‪.‬‬ ‫متثيل ملا يريده الكيان املتصف بها نتيجة‬ ‫وعىل هذا فاإلرادة اللحظية‪ ،‬أي لحظة الفعل أو القرار النهايئ‪ ،‬ما هي إال ٌ‬ ‫خالصة جميع الرغبات والدوافع واألهداف التي لدى ذلك الكيان يف لحظ ٍة ما‪ .‬وهذا ال يعني أن اإلرادة توجد فقط‬ ‫ٍ‬ ‫دقيق وكاف‪.‬‬ ‫قسمنا الزمن إىل‬ ‫وحدات صغري ٍة ج ًدا متساوي ٍة أعتقد أن هذا التعريف ٌ‬ ‫لحظ ًيا‪ ،‬لكن إذا ّ‬ ‫بالنسبة لإلنسان‪ ،‬رغباته ودوافعه وهي مسبباتٌ ال دخل له فيها‪ ،‬فال يستطيع أحدنا إنتاج أو تكوين رغب ٍة بشكلٍ واع‪،‬‬ ‫خارج عن النطاق الواعي‪ ،‬وتلك الرغبات والدوافع ينتج‬ ‫وحتى لو أمكن هذا فسيكون السبب هو رغب ٌة أخرى مصدرها ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫أهداف وغاياتٌ بطريق ٍة تلقائي ٍة سوا ٌء وع ْينا تلك العملية أو مل ن ِعها‪.‬‬ ‫عنها‬ ‫جدل ‪ -‬وهو ممك ٌن من‬ ‫لتوضيح املفهوم‪ ،‬إذا افرتضنا ً‬ ‫الناحية النظرية عىل األقل ‪ -‬وجود برنامج كمبيوتر أو‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫برغبات ودوافع داخلي ٍة‬ ‫معقد متّت برمجته‬ ‫روبوت‬ ‫ٍ‬ ‫مبدخالت حسية‪ ،‬بتكوين‬ ‫معلومة‪ ،‬قام بناء عىل مزجها‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫بسلوكيات وأفعال‪ ...‬وكمثا ٍل‬ ‫وغايات يريدها‪ ،‬ثم‬ ‫أهداف‬ ‫ميكن أن نتخيل برنامج كمبيوتر للعبة الشطرنج‪ ،‬دافعه‬ ‫املربمج فيه‪ ،‬الفوز يف اللعبة‪ .‬طب ًعا التطبيقات الحالية ال‬ ‫تتم برمجتها بهذا األسلوب‪ ،‬لكنه ممكن‪ .‬هذا التطبيق‬ ‫سوف يحدد هدفًا نهائ ًيا لنفسه‪ ،‬وهو قتل قطعة امللك‬ ‫العب الشطرنج العاملي غاري كاسپاروڤ يخرس أمام الكمپيوتر «ديپ بلو»‬ ‫ٍ‬ ‫حسابات مبارش ٍة منطقي ٍة ورياضي ٍة‬ ‫للخصم‪ ،‬عن طريق‬ ‫أهداف مرحلي ٍة ورسم ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫خطط تفصيلية‪ ،‬عن طريق حساب‬ ‫لتفاعل الدافع مع قوانني اللعبة‪ .‬ثم يقوم الربنامج بتحديد‬ ‫االحتامالت ومحاكاة التجربة والخطأ‪ ،‬قبل كل نقل ٍة جديدة‪ ...‬وميكنك تخ ّيل أي منوذ ٍج مناظ ٍر ألي برنام ٍج أو روبوت‪.‬‬ ‫أعتقد أننا ميكن أن ن ّدعي بيش ٍء من الثقة‪ ،‬امتالك هذا الربنامج أو الروبوت إراد ًة وإن كانت محدود ًة بحدود البيئة‬ ‫وغري حرة‪.‬‬ ‫‪24‬‬


‫متناقضة اإلرادة الحرة‬ ‫طائر حر‬

‫للتوغل أكرث يف توضيح املفهوم فإنه قد يُقال أن إرادتنا هي نفسها التي متكننا من مقاومة أي رغب ٍة أو دافع‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫برغبات‬ ‫ولكن هذا عىل النطاق الواعي‪ ،‬أي أننا نعي تلك املقاومة‪ ،‬وكبح ومقاومة الرغبات الواضحة ال يكون إال مدفو ًعا‬ ‫أخرى وإن كانت أقل وضو ًحا‪.‬‬ ‫إىل هنا فأعتقد أن فهمنا لإلرادة ٍ‬ ‫كاف ولنحاول اآلن إضافة صفة الحرية إىل هذه اإلرادة‪ ،‬من ماذا ينبغي أن نحاول‬ ‫تحريرها؟‬ ‫أعتقد أن اإلجابة ببساط ٍة هي أننا نحاول تحريرها من أي حتمية‪ ،‬فإذا كانت الحتمية عىل مستوى الدماغ والعقل‬ ‫والوعي تأيت من حتمية الرغبات والدوافع الخارجة عن نطاق اإلدراك وتفاعلها مع متغريات البيئة الخارجة عن التحكم‬ ‫والسيطرة‪ ،‬فإن إضافة صفة الحرية لها ال يكون إال بتحريرها من تلك الدوافع والرغبات‪.‬‬ ‫وهذا التحرير ال يكون إال بعشوائي ٍة يف األهداف والغايات‪ ،‬ومن ث َم يف األفعال والسلوكيات‪ .‬وإذا كان النظام الحر‬ ‫عشوائ ًيا يف أفعاله وسلوكه فهو اذا ً ال ميتلك إرادةً‪ .‬ومن هذا نستنتج ببساط ٍة أن صفة الحرية من الدوافع والرغبات‬ ‫وتأثري املتغريات البيئية عىل املستوى الكالسييك‪ ،‬مناقض ٌة لتعريف اإلرادة بالرضورة‪ ،‬لهذا فمفهوم اإلرادة الحرة به‬ ‫تناقض ذايت‪ ...‬إذا كانت إراد ًة فهي محكوم ٌة بالرغبات وليست حر ًة‪ ،‬وإذا كانت حر ًة منها فهي عشوائي ٌة وبهذا فهي‬ ‫ٌ‬ ‫ليست إراد ًة‪.‬‬ ‫قد يقول قائل‪ :‬كيف ميكن أن تكون فكرة اإلرادة الحرة‬ ‫متناقض ًة ذات ًيا‪ ،‬يف حني أننا نستطيع استيعابها وتخيلها‬ ‫بوضوح؟! فلو كان هذا صحي ًحا ملا أمكن لهذه الفكرة‬ ‫أن تستتب يف عقولنا وألدركنا هذا الخلل عىل الفور‪.‬‬ ‫ور ًدا عىل هذا أقول إن استيعاب وتصور أي فكر ٍة‬ ‫دليل عىل متاسكها املنطقي وخلوها من األخطاء‬ ‫ليس ً‬ ‫والتناقضات‪ ،‬مع األخذ يف االعتبار أن جز ًءا مؤث ًرا من‬ ‫املشكلة قد يكون لغوي األصل‪.‬‬ ‫عىل سبيل املثال‪ ،‬لنفرتض أن لدي فكر ًة معين ًة يف ذهني وأريد أن أنقلها إليك‪ ،‬وسأعرب عنها باملصطلح التايل‪« :‬الضوء‬ ‫الساكن»‪ .‬مبجرد أن نطقت أنا هذا املصطلح تكونت لديك فكر ٌة ما قد تكون متامسك ًة عىل ٍ‬ ‫حد ما عام أقصد به‪ ،‬لكن‬ ‫‪25‬‬


‫متناقضة اإلرادة الحرة‬ ‫طائر حر‬

‫إذا حاولنا تفكيك هذا املصطلح فسنكتشف أن الضوء مفهومه العام‬ ‫يتضمن خاصية الحركة كمكونٍ‬ ‫رضوري وأسايس‪ ،‬فنحن نعرف أن‬ ‫ٍّ‬ ‫رسعة الضوء يف الفراغ ‪ 300‬ألف كيلومرت يف الثانية تقري ًبا وتقل عن‬ ‫ذلك تب ًعا للوسط الذي يسري فيه‪ ،‬وعىل هذا فإن الضوء إذا انتفت‬ ‫عنه صفة الحركة مل يعد ضو ًءا‪ ،‬وصفة السكون تنفي الحركة‪ ،‬لذلك‪،‬‬ ‫حقيقي وإن كان‬ ‫متناقض ليس له مع ًنى‬ ‫الضوء الساكن هو مفهو ٌم‬ ‫ٌ‬ ‫ٌّ‬ ‫املصطلح نفسه للوهلة األوىل ال يثري يف عقولنا شكًا كب ًريا يف متاسكه‪.‬‬ ‫قد يقول قائل‪ :‬أننا بهذا التعريف نفكر يف مسببات اإلرادة بشكلٍ‬ ‫رصا عىل الرغبات والدوافع أو أنها ال تعتمد‬ ‫(ح ّدي)‪ ،‬أما أن تعتمد ح ً‬ ‫عليهام إطالقًا يف عشوائي ٍة تامة‪ ...‬لكن ماذا عن ٍ‬ ‫خليط من هذا وذاك؟‬ ‫رغباتٌ ودوافع مع يش ٍء من الحرية؟‬ ‫ٍ‬ ‫برغبات‬ ‫ور ًدا عىل هذا أقول‪ :‬أن تريد شيئًا ما‪ ،‬يعني أنك مدفو ٌع‬ ‫ٍ‬ ‫بسلوك عشوا ٍّيئ فهذا يلغي إرادتك‪ ،‬فالعشوائية‬ ‫تتحكم فيك‪ .‬وأن تقوم‬ ‫خارج ٌة عن التحكم وإال ملا صارت عشوائي ًة‪ .‬وأن تضيف قد ًرا من‬ ‫العشوائية إىل رغباتك ودوافعك‪ ،‬أو أهدافك وغاياتك‪ ،‬لن يحررها إال‬ ‫بقدر ما سيخرجها به عن مجال تحكمك‪ .‬يف كل الحاالت‪ ،‬ما تريده ال‬ ‫ٍ‬ ‫معلومات‬ ‫دخل لك يف تحديده‪ .‬رغباتٌ غريزي ٌة أو دوافع ناتج ٌة عن‬ ‫حسي ٍة أو عوامل عشوائي ٍة أو حتى مصادر ميتا فيزيائية‪ ...‬كل هذا‬ ‫خارج عن سيطرتك وإن بدا ظاهريًا أن لك سيطر ًة ما‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫ولتوضيح هذا أكرث دعني أسألك عزيزي القارئ‪ ،‬هل ميكنك أن تفعل‬ ‫شيئًا بدون أي رغب ٍة به أو ٍ‬ ‫هدف له أو دافعٍ خلفه؟‬ ‫إذا كانت إجابتك بنعم‪ ،‬ومثالك من نوع «أستطيع أن أبني اختياري‬ ‫مثل»‪ ،‬فهنا يكون الرد‪ :‬هل تستطيع‬ ‫عىل رمي عمل ٍة ذات وجهني ً‬ ‫ِ‬ ‫حينئذ أن تقول أنك اخرتت هذا االختيار دون اآلخر بإرادة؟‬

‫‪26‬‬


‫اﺷﺘﺮك اﻵن‬ ‫ﻓﻲ ﻗﻨﺎﺗﻨﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻴﻮﺗﻴﻮب‬ ‫‪https://www.youtube.com/c/ahmedzayedchannel‬‬

‫ﻗﺮاﺑﺔ ‪ 10‬ﻣﻠﻴﻮن ﻣﺸﺎﻫﺪة‬ ‫ﻣﺸﺘﺮك‬ ‫أﻟﻒﻣﺸﺎﻫﺪة‬ ‫و‪70‬ﻣﻠﻴﻮن‬ ‫ﻗﺮاﺑﺔ اﻟﻌﴩة‬

‫أﺣﻤﺪ ﺳﻌﺪ زاﻳﺪ‬

‫ﻗﻨﺎة أﺣﻤﺪ ﺳﻌﺪ زاﻳﺪ ﻋﲆ اﻟﻴﻮﺗﻴﻮب ﻫﻲ ﻗﻨﺎة ﻣﻌﻨﻴﺔ ﺑﺎﻟﺘﻨﻮﻳﺮ اﻟﻔﻜﺮي واﻟﺜﻘﺎﰲ وﻫﻲ ﻣﺤﺎوﻟﺔ ﻟﻠﺘﻔﻜ اﳌﻮﺿﻮﻋﻲ اﻟﻌﻘﻼ ﻣ ًﻌﺎ‪.‬‬ ‫وﺗﺠﺪون ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺴﻼﺳﻞ وﻣﻨﻬﺎ‪:‬‬

‫أﻟﻒ ﺑﺎء ﻓﻠﺴﻔﺔ ﻟﺘﺒﺴﻴﻂ اﳌﻌﺮﻓﺔ اﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ‬

‫ﻟﻠﺘﻮاﺻﻞ ﻣﻌﻨﺎ ﻋﲆ ﺻﻔﺤﺔ اﻟﻘﻨﺎة ﻋﲆ اﻟﻔﻴﺴﺒﻮك‪:‬‬ ‫‪https://www.facebook.com/aszayedtv‬‬

‫ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﺤﻀﺎرة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻻﺳﻼﻣﻴﺔ‬

‫ﺳﻠﺴﻠﺔ ﺗﻌﺮﻳﻔﻴﺔ ﺑﺮﻣﻮز ﻓﻜﺮﻳﺔ ﻋﺮﺑﻴﺔ وﻏﺮﺑﻴﺔ‬

‫ﺻﻔﺤﺔ أﺣﻤﺪ ﺳﻌﺪ زاﻳﺪ اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ‪:‬‬ ‫‪https://www.facebook.com/ahmedsaadzayed‬‬

‫ﻛﺎﳌﻌﺮي واﻟﺮازي وأرﺳﻄﻮ وﻣﺎرﻛﺲ وراﺳﻞ‬

‫ﺳﻠﺴﻠﺔ ﺑﺘﺤﻠﻴﻞ ﺧﻼﻓﺎت اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ وﻗﺘﺎﻟﻬﻢ‬

‫ﺳﻠﺴﺔ ﺗﻄﻮر ﺗﺎرﻳﺦ اﻹﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻴﺎت اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ واﻟﻔﻠﺴﻔﺎت‬

‫وﻏ ذﻟﻚ ﻛﺜ ﻣﻦ ﻣﺤﺎﴐات وﻣﻘﺎﺑﻼت ﻟﺮﻣﻮز ﻓﻜﺮﻳﺔ ﻓﺎﻟﻘﻨﺎة ﺑﻬﺎ أﻛ ﻣﻦ ‪ 700‬ﻣﺤﺎﴐة‪ ،‬وﻫﻲ ﺟﻬﺪ ﻃﻮﻳﻞ وﻣﺘﻮاﺿﻊ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﻞ‬ ‫اﻟﺜﻘﺎﰲ وﻣﺤﺎوﻟﺔ ﻧﴩ اﻟﻮﻋﻲ واﻟﻌﻘﻼﻧﻴﺔ واﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﻗﺪر اﳌﺴﺘﻄﺎع ﻟﻠﻤﺘﺤﺪﺛ ﺑﺎﻟﻌﺮﺑﻴﺔ‪.‬‬ ‫ﻟﺪﻋﻢ اﻟﻘﻨﺎة‪:‬‬

‫‪https://www.patreon.com/ahmedzayed‬‬

‫‪27‬‬

‫‪https://www.paypal.me/ahmedsaadzayed/100‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪3‬‬ ‫قمنا يف العددين السابقني‪ 84 ،‬و‪85‬‬ ‫من مجلة امللحدين العرب بنرش‬ ‫سلسلة املقاالت املعنونة «اليهودية‬ ‫واملحروسة» ملحمد شومان عن عالقة‬ ‫اليهود مبرص من خالل نصوصهم‪.‬‬ ‫ويف هذا العدد نستكمل بنرش‬ ‫الجزء الثالث‪.‬‬

‫محمد شومان‬ ‫‪28‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪3‬‬ ‫محمد شومان‬

‫السفر الخامس عرش‪ :‬الرضبات العرش‬ ‫بإلهام من الرب لينقذ شعبه املق ّدس‬ ‫القصة التي ير ّوجها الكهنة املحرتفون تقول بكل بساط ٍة أن موىس رمز اإلميان جاء ٍ‬ ‫بسالم إىل أرض‬ ‫من عبودية الكفرة املرصيني‪ ،‬فينجح النبي املق ّدس يف مهمته ويشق للمؤمنني طريقًا يف البحر ليخرجوا ٍ‬ ‫التيه‪ ،‬يف حني ينطبق البحر عىل الكفرة املرصيني مبن فيهم الفرعون نفسه وأرشاف البالد‪ ،‬فال يبقى يف مرص سوى الرعاع‬ ‫فقط‪ ،‬ومن هنا يصبح انهيار الحضارة املرصية العريقة كنتيج ٍة لغرق الصفوة الفكرية (اإلنتلجنسيا) املرصية يف البحر‬ ‫كخدم يف البالد‪ ،‬وهكذا ينترص اإلله يهوه وشعبه اليهودي عىل اإلله رع وشعبه‬ ‫مع َملكهم وسيادة الرعاع الذين ت ُركوا‬ ‫ٍ‬ ‫املرصي‪ ،‬ويكون من نتيجة هذا االنتصار انهيار الحضارة املرصية ونهاية التفوق املرصي عىل األمم وبداية السيادة‬ ‫املأمولة للجنس اليهودي السامي‪ ،‬ولكن أين هي الحقيقة يف وسط هذا اللغط التورايت املقدس؟‬ ‫تقول القصة التوراتية بأن أحد الفراعني أمر يف‬ ‫عهده بقتل جميع الذكور اليهود املولودين يف‬ ‫طفل وضعته أمه يف سل ٍة‬ ‫هذه السنة‪ ،‬وكان منهم ٌ‬ ‫وألقت به يف النيل لرتاه ابنة الفرعون نفسه وهي‬ ‫تستحم يف مياه النيل لتلتقطه وتتبناه وتطلق عليه‬ ‫االسم «موىس» أي املنتشل من املاء وتربيه يف‬ ‫القرص الفرعوين‪ -‬نالحظ أن هذه القصة بحذافريها‬ ‫مأخوذ ٌة عن أسطور ٍة أكدي ٍة ر ّوجها عن نفسه‬ ‫رسجون األول األكادي الذي كان ساقي القرص‬ ‫ابنة الفرعون تجد موىس‬ ‫املليك ثم أصبح هو امللك‪ ،‬فكان أول من روج أن‬ ‫من كنيس دورا أوروپوس رشق سوريا‬ ‫أمه قد وضعته يف سل ٍة من البوص وألقت بها يف‬ ‫نهر الفرات لينتشله أحد الفالحني ويربيه‪ ،‬ثم اهتمت به اإللهة عشتار وجعلته ملكًا‪ ،‬وهنا البد لنا من التنويه بشجاعة‬ ‫اسم‬ ‫األمرية الفرعونية التي تستحم يف نه ٍر ميل ٍء بالتامسيح‪ً ،‬‬ ‫وأيضا مبعرفتها باللغة العربية حتى أنها تُطلق عىل الطفل ً‬ ‫أيضا بشجاعة أم موىس التي من شدة حبها لفلذة كبدها رمته يف نهر النيل‪ !...‬كام البد لنا من اإلشارة إىل‬ ‫عربان ًيا‪ ،‬كام ننوه ً‬ ‫املعجزة اإللهية بتغيري مجرى النهر‪ ،‬فالبالط املليك يف األرسة الثامنة عرش كان يف طيبة «األقرص»‪ ،‬بينام كان اإلرسائيليون‬ ‫شامل نحو البحر املتوسط‪ ،‬وليس جنوبًا نحو طيبة‪ ،‬فاملعجزة‬ ‫يعيشون يف رشقي الدلتا‪ ،‬فالطبيعي أن تسري السلة مع التيار ً‬ ‫تكمن يف أن الصندوق قد سبح عكس التيار حواىل ألف كيلومرت حتى وصل إىل املقر املليك يف طيبة‪ ،‬فيبدو أن من اخرتع‬ ‫قصة السلة قد نيس معجزة السباحة عكس التيار‪ ،‬وها نحن نتفضل عىل الكهنة باكتشاف معجز ٍة مل يوردها الكتاب‬ ‫املقدس‪ ،‬ونطالب بحقنا يف هذا الكشف‪.‬‬ ‫‪29‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪3‬‬ ‫محمد شومان‬

‫ويرى الباحث يف املرصيات جيمس هرني برستد ‪ James Henry Breasted‬أن اسم‬ ‫مرصي أطلقته عليه األمرية‬ ‫موىس ليس عربان ًيا كام ت ّدعي التوراة بل هو باألحرى اس ٌم‬ ‫ٌ‬ ‫املرصية ألنها بالطبع مل تكن تتقن اللغة العربية‪ ،‬فكلمة «موس» مرصي ٌة مبعنى طفلٍ‬ ‫كام نجدها يف كثريٍ من األسامء الفرعونية مثل «آمون موس» أي طفل اإلله موس‪ ،‬أو‬ ‫«بتاح موس» أي طفل اإلله بتاح‪ ...‬إلخ‪.‬‬ ‫ويوافق فرويد ‪-‬عامل النفس اليهودي الشهري‪ -‬عىل افرتاض برستد ويضيف عليه رأيه بأن‬ ‫موىس كان أم ًريا مرصيًا ومل يكن لقيطًا من نسل اليهود مستن ًدا يف دعواه إىل رأي املؤرخ‬ ‫اليهودي يوسيفوس بأن موىس كان أم ًريا فرعونيًا قاد حربًا ظافر ًة لصالح مرص يف أفريقيا‪.‬‬

‫جيمس هرني برستد‬

‫ويهودي‬ ‫مرصي‬ ‫يوم رأى أمامه مشاجر ًة بني‬ ‫املهم أن موىس عاش يف القرص الفرعوين إىل أن أصبح شابًا ياف ًعا‪ ،‬وذات ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫فانحاز إىل اليهودي دون حتى أن يتبني وجه الحق ويقتل املرصي‪ ،‬ثم يفر هاربًا من وجه العدالة إىل «مدين» حيث‬ ‫شعيب عند املسلمني‪ ،‬وهنا البد لنا أن نفخر بدميقراطية أجدادنا الفراعنة‬ ‫يرعى غنم كاهنها «يرثون» الذي هو النبي‬ ‫ٌ‬ ‫حيث يهرب أم ٌري من األرسة املالكة من قرصه وبلده ألنه قتل واح ًدا من الرعاع‪ ،‬وكأن الرعاع كان لهم حق القصاص‬ ‫يف العرص الفرعوين‪ ،‬ويتزوج موىس من ابنة الكاهن– مثل يوسف‪ -‬وينجب منها ولدين يف سنوات هروبه يف صحراء‬ ‫مدين‪ ،‬إىل أن يظهر الرب يهوه ملوىس من وسط النار ليأمره بالعودة إىل مرص وإنقاذ شعبه املختار من ذل عبودية‬ ‫املرصيني‪ ،‬ويُعلّمه الرب بعض الحيل السحرية لىك يخيف بها الفرعون مثل تحويل العصا إىل ثعبانٍ وتحويل املاء إىل‬ ‫وبدل من أن يشفيه الرب اإلله من هذه‬ ‫دم‪ ...‬إلخ‪ ،‬ولكن موىس الخائف من العودة يتعلل بتأتأ ٍة تعيق لسانه عن الكالم‪ً ،‬‬ ‫التأتأة– وهو الترصف املنطقي يف هذه الحالة من الرب الكيل القدرة‪ -‬يقرتح عليه أن يأخذ معه أخاه هارون‪ ،‬مبعنى أن‬ ‫يوحي الرب ملوىس برغباته وأوامره‪ ،‬وينقل موىس هذه األوامر‬ ‫والرغبات لهارون أخيه الذي يستطيع التعامل مع تأتأة موىس‬ ‫من خالل طول ال ِعرشة‪ ،‬ويقوم السيد هارون برتجمة التأتأة‬ ‫املوسوية املقدسة إىل باقي الشعب أو إىل الفرعون عىل حسب‬ ‫األحوال‪ ،‬وهكذا عاد طريد العدالة الفرعونية ثاني ًة إىل مرص‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ومؤيد باملعجزات اليهوية العظيمة ليقف‬ ‫مقدس‬ ‫نبي‬ ‫يف هيئة ٍّ‬ ‫أسايس أال وهو السامح له ولشعبه بأكمله‬ ‫مبطلب‬ ‫أمام الفرعون‬ ‫ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫بالخروج إىل الصحراء لتقديم الذبائح لإلله يهوه برشط أن يخرج‬ ‫أيضا‪!...‬‬ ‫اليهود كلهم بأطفالهم ونسائهم وماشيتهم ً‬ ‫موىس وهارون يخطبان يف الناس‪ ،‬بريشة تيسو‬

‫‪30‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪3‬‬ ‫محمد شومان‬

‫وس َو َها ُرو ُن َوقَاالَ لِ ِف ْر َع ْونَ‪ :‬ه َكذَا يَق ُ‬ ‫سائِ َيل‪ :‬أَطْلِ ْق شَ ْعبِي لِ ُي َع ِّي ُدوا ِل ِف ال َ ِّْبيَّ ِة‪ .‬فَق َ​َال‬ ‫« َوبَ ْع َد ذلِ َك َد َخ َل ُم َ‬ ‫ُول ال َّر ُّب إِل ُه إِ ْ َ‬ ‫سائِ َيل الَ أُطْلِ ُق ُه‪ .‬فَقَاالَ‪ :‬إِل ُه الْ ِع ْ َبانِ ِّي َني ق َِد‬ ‫سائِ َيل؟ الَ أَ ْعر ُِف ال َّر َّب‪َ ،‬وإِ ْ َ‬ ‫ِف ْر َع ْونُ‪َ :‬م ْن ُه َو ال َّر ُّب َحتَّى أَ ْس َم َع لِ َق ْولِ ِه فَأُطْلِ َق إِ ْ َ‬ ‫ص‪ :‬لِ َمذَا‬ ‫الْتَقَانَا‪ ،‬فَ َن ْذ َه ُب َس َف َر �ثَالَث َ ِة أَيَّ ٍام ِف ال َ ِّْبيَّ ِة َونَ ْذبَ ُح لِل َّر ِّب إِل ِه َنا‪ ،‬لِئَالَّ يُ ِصي َب َنا بِالْ َوبَ ِإ أَ ْو ب َّ‬ ‫ِالس ْي ِف‪ .‬فَق َ​َال لَ ُه َم َملِ ُك ِم ْ َ‬ ‫وس َو َها ُرو ُن ت ُ َبطِّالَنِ الشَّ ْع َب ِم ْن أَ ْع َملِ ِه؟ اِ ْذ َه َبا إِ َل أَثْقَالِك َُم‪َ .‬وق َ​َال ِف ْر َع ْونُ‪ُ :‬ه َوذَا اآل َن شَ ْع ُب األَ ْر ِض كَ ِث ٌري َوأَنْتُ َم‬ ‫يَا ُم َ‬ ‫تُرِي َحانِ ِه ْم ِم ْن أَثْقَالِ ِه ْم»‪( .‬خروج ‪.)5-1 :5‬‬ ‫كانت وجهة نظر فرعون أنه ال يعرف إله إرسائيل هذا حتى‬ ‫يطيع أوامره فعنده آلهته ثم أنه هو نفسه إله‪ ،‬باإلضافة إىل‬ ‫أن هذا الخروج للعبادة الصحراوية سوف يعطل العبيد عن‬ ‫أعاملهم وهو ما لن يسمح به الفرعون‪ ،‬وألن املوقف أطرف‬ ‫من أن نتخطاه فتعالوا نقرأه سويًا‪:‬‬ ‫«طَ َر َح َها ُرو ُن َع َصا ُه أَ َما َم ِف ْر َع ْو َن َوأَ َما َم َعب ِ‬ ‫ِيد ِه ف َ​َصا َرتْ ث ُ ْع َبانًا‪.‬‬ ‫ص أَيْ ًضا‬ ‫فَ َد َعا ِف ْر َع ْو ُن أَيْ ًضا الْ ُحك َ​َم َء َو َّ‬ ‫الس َح َرةَ‪ ،‬فَ َف َع َل َع َّرافُو ِم ْ َ‬ ‫ب ِ​ِس ْح ِر ِه ْم كَذلِ َك‪ ،‬طَ َر ُحوا ك ُُّل َو ِ‬ ‫ص ث َ َعا ِب َني‪.‬‬ ‫اح ٍد َع َصا ُه ف َ​َصا َر ِت الْ ِع ِ ُّ‬ ‫َول ِك ْن َع َصا َها ُرو َن ابْتَلَ َع ْت ِع ِص َّي ُه ْم» (الخروج ‪.)12-10 :7‬‬

‫عصا هارون تتحول ثعبانًا وتأكل ثعابني السحرة‪ ،‬بريشة تيسو‬

‫وهكذا بدأت الحرب السحرية بني موىس وربه من ناحية‪ ،‬وبني فرعون وسحرته من ناحي ٍة أخرى‪ ،‬وبدأها هارون كام‬ ‫تقول التوراة‪ ،‬أو رمبا موىس نفسه كام يرى القرآن بتحويل العصا إىل ثعبان‪ ،‬ولكن حيلة تحويل العصا إىل ثعبانٍ كانت‬ ‫مرصي ًة صميم ًة ومل تكن كافي ًة إلقناع فرعون بنبوة موىس‪ ،‬وهكذا انتهت الجولة األوىل من الحرب بني اآللهة بالتعادل‬ ‫اإليجايب‪.‬‬ ‫وانتقل الرب إىل الخطوة التالية عىل يد موىس‪:‬‬ ‫ض َب ال َْم َء ال َِّذي ِف ال َّن ْه ِر أَ َما َم َع ْي َن ْي‬ ‫« َرفَ َع الْ َع َصا َو َ َ‬ ‫ِف ْر َع ْو َن َوأَ َما َم ُعيُونِ َعب ِ‬ ‫ِيد ِه‪ ،‬فَتَ َح َّو َل ك ُُّل ال َْم ِء ال َِّذي ِف‬ ‫الس َم ُك ال َِّذي ِف ال َّن ْه ِر َوأَنْ َ َت ال َّن ْه ُر‪،‬‬ ‫ال َّن ْه ِر َد ًما‪َ .‬و َماتَ َّ‬ ‫شبُوا َما ًء ِم َن ال َّن ْهرِ‪َ .‬وكَا َن‬ ‫فَلَ ْم يَق ِْد ِر الْ ِم ْ ِ‬ ‫صيُّو َن أَ ْن يَ ْ َ‬ ‫ص كَذلِ َك‬ ‫ص‪َ .‬وفَ َع َل َع َّرافُو ِم ْ َ‬ ‫ال َّد ُم ِف ك ُِّل أَ ْر ِض ِم ْ َ‬ ‫ب ِ​ِس ْح ِر ِه ْم»‪( .‬الخروج ‪.)22-20 :7‬‬ ‫‪31‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪3‬‬ ‫محمد شومان‬

‫كان ثاين استعام ٍل للعصا السحرية بأن حولت املاء يف نهر النيل من أقصاه إىل أقصاه إىل دم‪ ،‬مام جعل األسامك تفضل‬ ‫االنتحار عىل الحياة يف بركة الدم هذه‪ ،‬وبانتحار األسامك داخل النهر تحول هذا النهر إىل كتل ٍة من العفونة مام جعل‬ ‫أيضا النيل إىل نه ٍر من‬ ‫املرصيني ال يستطيعون الرشب منه‪ ،‬ولكن فرعون وسحرته مل يرفعوا راية االستسالم بل ح ّولوا ً‬ ‫دم مرتني متعاقبتني‪ ،‬مر ًة عىل يد يهوه‬ ‫الدماء‪ ،‬وسوف تكون تفصيل ًة تافه ًة لو تساءلنا كيف ميكن تحويل النهر إىل ٍ‬ ‫واألخرى عىل يد فرعون‪.‬‬ ‫دم يف كل مرص‪ ،‬ولكننا نتساءل كيف‬ ‫وهكذا صمد اإلله املرصي أمام اإلله العرباين يف الجولة الثانية ً‬ ‫أيضا وح ّول املاء إىل ٍ‬ ‫كان يرشب العربانيون حينئذ‪...‬؟‬ ‫ويبدأ الرب يهوه يف توجيه رضبته الثالثة عن طريق الضفادع‪ ،‬ال تتعجب إنها جنود الله كام قال معاوية بن أيب سفيان‬ ‫ذات يوم‪« :‬إن لله جنو ًدا من عسل»‪.‬‬ ‫وس‪ :‬ق ُْل لِ َها ُرونَ‪ُ :‬م َّد يَ َد َك ِب َع َص َاك َع َل‬ ‫«فَق َ​َال ال َّر ُّب لِ ُم َ‬ ‫الضفَا ِد َع َع َل أَ ْر ِض‬ ‫الس َوا ِقي َواآل َج ِام‪َ ،‬وأَ ْص ِع ِد َّ‬ ‫األَنْ َها ِر َو َّ‬ ‫الضفَا ِد ُع‬ ‫ص‪ ،‬ف َ​َص ِع َد ِت َّ‬ ‫ص‪ ،‬فَ َم َّد َها ُرو ُن يَ َد ُه َع َل ِم َيا ِه ِم ْ َ‬ ‫ِم ْ َ‬ ‫ص‪َ .‬وفَ َع َل كَذلِ َك الْ َع َّرافُو َن ب ِ​ِس ْح ِر ِه ْم‬ ‫َو َغط َّْت أَ ْر َض ِم ْ َ‬ ‫ص»‪( .‬الخروج ‪.)7-5 :8‬‬ ‫َوأَ ْص َع ُدوا َّ‬ ‫الضفَا ِد َع َع َل أَ ْر ِض ِم ْ َ‬ ‫إذن فقد امتألت الدولة املرصية بالضفادع التي تتبع‬ ‫أيضا مصادره‬ ‫يهوه إله العربانيني‪ ،‬ولكن لرع إله املرصيني ً‬ ‫أيضا‪ ،‬وهكذا‬ ‫الرسية التي يستدعي عن طريقها ضفادعه ً‬ ‫متتلئ البلد بالضفادع إىل حد أنها تصل إىل غرف النوم‪،‬‬ ‫وإن كانت الضفادع املرصية ميكن رصفها فام العمل مع الضفادع اليهوية؟‬ ‫الضفَا ِد َع َع ِّني َو َع ْن شَ ْعبِي فَأُطْلِ َق الشَّ ْع َب لِ َي ْذبَ ُحوا لِل َّر ِّب‪ .‬فَق َ​َال‬ ‫وس َو َها ُرو َن َوق َ​َال‪َ :‬صلِّ َيا إِ َل ال َّر ِّب لِ َ ْيفَ َع َّ‬ ‫«فَ َد َعا ِف ْر َع ْو ُن ُم َ‬ ‫وس لِ ِف ْر َع ْونَ‪َ :‬ع ِّ ْي ِل َمتَى أُ َص ِّل ألَ ْجلِ َك َوألَ ْجلِ َعب ِ‬ ‫الضفَا ِد ِع َع ْن َك َو َع ْن بُيُوتِ َك‪َ .‬ول ِك َّن َها تَبْقَى ِف ال َّن ْهرِ‪.‬‬ ‫ِيد َك َوشَ ْعب َِك لِ َقطْعِ َّ‬ ‫ُم َ‬ ‫الضفَا ِد ُع َع ْن َك َو َع ْن بُ ُيوتِ َك َو َعب ِ‬ ‫ِيد َك َوشَ ْعب َِك‪َ ،‬ول ِك َّن َها‬ ‫فَق َ​َال‪َ :‬غ ًدا‪ .‬فَق َ​َال‪ :‬كَ َق ْولِ َك‪ .‬لِ َ ْ‬ ‫ك تَ ْعر َِف أَ ْن لَ ْي َس ِمث ُْل ال َّر ِّب إِل ِه َنا‪ .‬ف َ َْتتَ ِف ُع َّ‬ ‫ت َ ْبقَى ِف ال َّن ْهرِ»‪( .‬الخروج ‪.)11-8 :8‬‬

‫‪32‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪3‬‬ ‫محمد شومان‬

‫إذن حني عجز فرعون عن التخلص من الضفادع اليهوية فإنه لجأ إىل موىس ليبعدها عنه‪ ،‬فيوافق موىس عىل إبعادها‬ ‫عن األرض املرصية وإن كانت ستظل يف وضع االستعداد بداخل النهر تحس ًبا ألي طارئٍ ‪ ،‬وال يجد الفرعون حر ًجا من أن‬ ‫يعرتف ملوىس بقدرة إلهه‪ ،‬ولكن هذا ال مينع من أن لفرعون إلهه هو اآلخر الذي لن يتنازل عن عبادته‪ ،‬وهو ما يرفضه‬ ‫موىس إذ يرى أن إلهه أعظم من آلهة املرصيني وال بد من تسليم الفرعون بذلك‪.‬‬ ‫الضفَا ِد ِع الَّ ِتي َج َعلَ َها َع َل ِف ْر َع ْونَ‪ ،‬فَ َف َع َل ال َّر ُّب‬ ‫وس إِ َل ال َّر ِّب ِم ْن أَ ْجلِ َّ‬ ‫ص َخ ُم َ‬ ‫«ث ُ َّم َخ َر َج ُم َ‬ ‫وس َو َها ُرو ُن ِم ْن لَ ُد ْن ِف ْر َع ْونَ‪َ ،‬و َ َ‬ ‫الضفَا ِد ُع ِم َن الْ ُب ُي ِ‬ ‫وت َوال ُّدو ِر َوالْ ُحقُو ِل‪َ .‬و َج َم ُعو َها كُ َو ًما كَ ِث َري ًة َحتَّى أَنْتَ َن ِت األَ ْر ُض‪ .‬فَل ََّم َرأَى ِف ْر َع ْو ُن‬ ‫وس‪ .‬ف َ​َمت َِت َّ‬ ‫كَ َق ْو ِل ُم َ‬ ‫أَنَّ ُه قَ ْد َح َص َل الْ َف َر ُج أَ ْغلَ َظ قَلْبَ ُه َولَ ْم يَ ْس َم ْع لَ ُه َم‪ ،‬ك َ​َم ت َ َكلَّ َم ال َّر ُّب»‪( .‬الخروج ‪.)15-12 :8‬‬ ‫وبعد أن يُخلّص موىس الفرعون من الضفادع ونقيقها املزعج يرتاجع الفرعون عن وعده بإطالق رساح اليهود‪ ،‬وهنا ميل‬ ‫اإلله يهوه فيقرر استخدام أحدث أسلحته الرسية للقضاء التام عىل خصمه العنيد رع أال وهي البعوض‪:‬‬ ‫اب األَ ْر ِض‪ ،‬ف َ​َصا َر‬ ‫ض َب ت ُ َر َ‬ ‫« َم َّد َها ُرو ُن يَ َد ُه ِب َع َصا ُه َو َ َ‬ ‫وض َع َل ال َّن ِ‬ ‫اب األَ ْر ِض َصا َر‬ ‫اس َو َع َل الْ َب َهائِ ِم‪ .‬ك ُُّل ت ُ َر ِ‬ ‫الْ َب ُع ُ‬ ‫ص»‪( .‬الخروج ‪.)17 :8‬‬ ‫بَ ُع ً‬ ‫وضا ِف َج ِميعِ أَ ْر ِض ِم ْ َ‬ ‫يا إلهي‪ ...‬تخيل حفظك الله لو أصبح كل تراب األرض‬ ‫بعوضا كيف ميكن أن نستطيع الحياة مع ٍ‬ ‫بعوض كرتاب‬ ‫ً‬ ‫األرض يف كرثته‪ ،‬ال شك أنها معجز ٌة إلهي ٌة خالد ٌة حتى أنها‬ ‫زعزعت إميان السحرة املرصيني‪:‬‬ ‫«فَق َ​َال الْ َع َّرافُو َن لِ ِف ْر َع ْونَ‪ :‬هذَا إِ ْص َب ُع الل ِه»‪( .‬الخروج ‪.)19 :8‬‬ ‫إذن فقد رأى السحرة إصبع الله يف البعوض فرفعوا راية االستسالم‪ ،‬ولكن فرعون العنيد أرص عىل موقفه املتعنت‪ ،‬مام‬ ‫جعل يهوه يلجأ إىل الحرشة التالية أقصد الخطوة التالية‪:‬‬ ‫الص َبا ِح َو ِق ْف أَ َما َم ِف ْر َع ْونَ‪ .‬إِنَّ ُه يَ ْخ ُر ُج إِ َل ال َْم ِء‪َ .‬وق ُْل لَ ُه‪ :‬ه َكذَا يَق ُ‬ ‫ُول ال َّر ُّب‪ :‬أَطْلِ ْق شَ ْعبِي‬ ‫وس‪« :‬بَ ِّك ْر ِف َّ‬ ‫«ث ُ َّم ق َ​َال ال َّر ُّب لِ ُم َ‬ ‫ون‪ .‬فَ ِإنَّ ُه إِ ْن كُ ْن َت الَ تُطْلِ ُق شَ ْعبِي‪َ ،‬ها أَنَا أُ ْر ِس ُل َعلَيْ َك َو َع َل َعب ِ‬ ‫ِيد َك َو َع َل شَ ْعب َِك َو َع َل بُيُوتِ َك ال ُّذبَّانَ‪ ،‬فَتَ ْمتَلِ ُئ بُيُوتُ‬ ‫لِيَ ْعبُ ُد ِ‬ ‫صيِّ َني ُذبَّانًا‪َ .‬وأَيْ ًضا األَ ْر ُض الَّ ِتي ُه ْم َعلَ ْي َها»‪( .‬الخروج ‪.)21-20 :8‬‬ ‫الْ ِم ْ ِ‬ ‫‪33‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪3‬‬ ‫حمم‬ ‫يف الصباح الباكر وبينام فرعون يف طريقه إىل البحر ليأخذ ّ‬ ‫الصباح اعرتض طريقه موىس وهدده بحرش ٍة جديد ٍة وهي الذبان‬ ‫اليهوي الذي سريسله الرب عىل جميع الشعب‪ ،‬ولكن الفرعون‬ ‫مل يكرتث بكالمه ومىض يف طريقه‪ ،‬ورمبا شعر بالقرف من موىس‬ ‫وربه م ًعا‪ ،‬وهكذا أطلق يهوه ذبانه ليضايق به الفرعون وشعبه‬ ‫مام أصاب فرعون بالقرف‪ ،‬فأرسل ملوىس وهارون وطلب منهام‬ ‫أن يذبحا إللههم يف داخل مرص‪ ،‬ولكنهام رفضا ذلك مؤكدين أن‬ ‫ورصيح وهو الذبح يف الصحراء وإال فال‪ ،‬فال يجد‬ ‫واضح‬ ‫الطلب‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫فرعون تحت ضغط الذبان مف ًّرا من التسليم برغبتهام فيوافق‬ ‫مضط ًرا‪ ،‬ولكن مبجرد أن يرفع موىس وهارون عنه الذبان يرتد‬ ‫فرعون إىل موقفه الغبي ثاني ًة‪ ،‬وهنا يشعر يهوه بأن الفرعون‬ ‫يسخر منه فيستشيط غض ًبا ويوجه رضبته التالية‪:‬‬

‫محمد شومان‬

‫وس‪« :‬ا ْد ُخ ْل إِ َل ِف ْر َع ْو َن َوق ُْل لَ ُه‪ :‬ه َكذَا يَق ُ‬ ‫ون‪ .‬فَ ِإنَّ ُه إِ ْن كُ ْن َت‬ ‫ُول ال َّر ُّب إِل ُه الْ ِع ْ َبانِ ِّي َني‪ :‬أَطْلِ ْق شَ ْعبِي لِ َي ْع ُب ُد ِ‬ ‫«ث ُ َّم ق َ​َال ال َّر ُّب لِ ُم َ‬ ‫تَأْ َب أَ ْن تُطْلِ َق ُه ْم َوكُ ْن َت تُ ِْس ُك ُه ْم بَ ْع ُد‪ ،‬فَ َها يَ ُد ال َّر ِّب تَكُو ُن َع َل َم َو ِاش َيك الَّ ِتي ِف الْ َحقْلِ ‪َ ،‬ع َل الْ َخ ْيلِ َوالْ َح ِمريِ َوالْج َِم ِل َوالْ َب َق ِر‬ ‫َوالْ َغ َن ِم‪َ ،‬وبَأً ث َ ِق ًيل ِج ًّدا»‪( .‬الخروج ‪.)3-1 :9‬‬ ‫كام قلنا سابقًا إن عقاب الرب يهوه دامئًا ما يكون للشخص‬ ‫وبدل من أن يعاقب الفرعون العنيد إذا‬ ‫الخطأ‪ ،‬وهذه املرة ً‬ ‫دخل يف‬ ‫بالعقاب يتجه إىل البهائم املسكينة التي مل يكن لها ٌ‬ ‫رصاع اآللهة هذا ولكن الفرعون الغبي ال يأبه باملذبحة التي‬ ‫وقعت ملواشيه وحمريه ويستمر يف عناده‪.‬‬ ‫وس َو َها ُرونَ‪ُ « :‬خذَا ِم ْل َء أَيْ ِديك َُم ِم ْن َر َما ِد‬ ‫«ث ُ َّم ق َ​َال ال َّر ُّب لِ ُم َ‬ ‫الس َم ِء أَ َما َم َع ْي َن ْي ِف ْر َع ْونَ‪ ،‬لِ َي ِص َري ُغ َبا ًرا‬ ‫وس نَ ْح َو َّ‬ ‫األَتُونِ ‪َ ،‬ولْ ُي َذ ِّر ِه ُم َ‬ ‫ص‪ .‬فَ َي ِص َري َع َل ال َّن ِ‬ ‫ص»‪( .‬الخروج ‪.)9-8 :9‬‬ ‫اس َو َع َل الْ َب َهائِ ِم َد َما ِم َل طَالِ َع ًة ِب ُبثُو ٍر ِف ك ُِّل أَ ْر ِض ِم ْ َ‬ ‫َع َل ك ُِّل أَ ْر ِض ِم ْ َ‬ ‫مهل أمل يقتل يهوه باألمس كل بهائم املرصيني‬ ‫وكانت الرضبة هذه املرة هي الدمامل التي تصيب الناس والبهائم‪ ،‬ولكن ً‬ ‫فكيف يصيبها اليوم بالدمامل‪...‬؟ عىل كلٍ حتى معجزة إحياء البهائم ليتمتع السيد يهوه برضبها بالدمامل مل تؤثر يف‬ ‫موقف الفرعون الذي يبدو أنه كان يتمتع بغبا ٍء كغباء الكهنة فيستمر يف عناده‪.‬‬ ‫‪34‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪3‬‬ ‫محمد شومان‬

‫ص‪َ :‬ع َل ال َّن ِ‬ ‫اس َو َع َل الْ َب َهائِ ِم َو َع َل ك ُِّل ُعشْ ِب الْ َحقْلِ‬ ‫وس‪ُ :‬م َّد يَ َد َك نَ ْح َو َّ‬ ‫«ث ُ َّم ق َ​َال ال َّر ُّب لِ ُم َ‬ ‫الس َم ِء لِ َيكُو َن بَ َر ٌد ِف ك ُِّل أَ ْر ِض ِم ْ َ‬ ‫الس َم ِء‪ ،‬فَأَ ْعطَى ال َّر ُّب ُر ُعو ًدا َوبَ َر ًدا‪َ ،‬و َج َرتْ نَا ٌر َع َل األَ ْر ِض‪َ ،‬وأَ ْمطَ َر ال َّر ُّب بَ َر ًدا َع َل‬ ‫وس َع َصا ُه نَ ْح َو َّ‬ ‫ص‪ .‬فَ َم َّد ُم َ‬ ‫ِف أَ ْر ِض ِم ْ َ‬ ‫ص ُم ْن ُذ َصا َرتْ أُ َّم ًة»‪.‬‬ ‫ش ٌء َع ِظي ٌم ِج ًّدا لَ ْم يَ ُك ْن ِمثْلُ ُه ِف ك ُِّل أَ ْر ِض ِم ْ َ‬ ‫أَ ْر ِض ِم ْ َ‬ ‫ص‪ .‬فَكَا َن بَ َر ٌد‪َ ،‬ونَا ٌر ُمتَ َو ِاصلَ ٌة ِف َو َس ِط ال َ َْب ِد‪ْ َ .‬‬ ‫(الخروج ‪.)24-22 :9‬‬ ‫يا إلهي‪ !...‬تخيل شفاك الله ثل ًجا هابطًا من السامء ت ُقابله نا ٌر صاعد ٌة من األرض يف كل ب ّر مرص «يش ٌء عظي ٌم ج ًدا» كام‬ ‫يقول لنا الكاتب التورايت‪ ،‬ت ُرى كم قرشً ا من الحشيش تعاطاها هذا الكاتب قبل أن يُسطّر هذه القصة‪!...‬‬ ‫قائل‪:‬‬ ‫وكانت هذه املعجزة كفيل ًة بأن يرسل فرعون ملوىس ليعرتف أمامه ً‬ ‫«أَ ْخطَأْتُ ِ‬ ‫شا ُر‪َ .‬صلِّ َيا إِ َل ال َّر ِّب‪َ ،‬وكَفَى ُح ُدوثُ ُر ُعو ِد الل ِه َوال َ َْب ُد‪ ،‬فَأُطْلِ َق ُك ْم َوالَ‬ ‫هذ ِه الْ َم َّرةَ‪ .‬ال َّر ُّب ُه َو الْ َبا ُّر َوأَنَا َوشَ ْعبِي األَ ْ َ‬ ‫تَ ُعو ُدوا تَلْبَثُونَ»‪( .‬الخروج ‪.)28-27 :9‬‬ ‫الخي يف هذه امللحمة فهو‬ ‫هنا يعرتف الفرعون العنيد املرصي بأنه رشي ٌر وأن الشعب املرصي ً‬ ‫أيضا رشير‪ ،‬أما الط ّيب ّ‬ ‫املجرم اليهودي الهارب صاحب التأتأة الشهرية وربه الدموي وشعبه اللص‪ ،‬ويتوسل الفرعون للمجرم السابق وربه‪،‬‬ ‫وبالفعل يستجيب موىس لتوسل الفرعون ويوقف الربد والنار‪:‬‬ ‫« َول ِك ْن ِف ْر َع ْو ُن ل ََّم َرأَى أَ َّن الْ َمطَ َر َوال َ َْب َد َوال ُّر ُعو َد انْ َقطَ َع ْت‪َ ،‬عا َد يُ ْخ ِط ُئ َوأَ ْغلَ َظ قَلْ َب ُه ُه َو َو َعبِي ُد ُه»‪( .‬الخروج ‪.)34 :9‬‬ ‫وهكذا يدخل موىس عىل الفرعون ثائ ًرا ومحذ ًرا من هجوم الجراد عىل البالد املرصية يف اليوم التايل إن مل يطلق رساح اليهود‪:‬‬ ‫السالِ َم َة الْ َبا ِق َي َة لَ ُك ْم ِم َن ال َ َْب ِد»‪( .‬الخروج ‪.)5 :10‬‬ ‫«فَ ُي َغطِّي َو ْج َه األَ ْر ِض َحتَّى الَ يُ ْستَطَا َع نَظَ ُر األَ ْر ِض‪َ .‬ويَأْك ُ​ُل الْف َْضلَ َة َّ‬ ‫‪35‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪3‬‬ ‫محمد شومان‬

‫وهنا يخاف عبيد فرعون من التهديد املوسوي‬ ‫والغباء الفرعوين املستحكم فيعنفوه قائلني‪:‬‬ ‫«إِ َل َمتَى يَكُو ُن هذَا لَ َنا فَ ًّخا؟ أَطْلِ ِق ال ِّر َج َال‬ ‫ص قَ ْد‬ ‫لِيَ ْعبُ ُدوا ال َّر َّب إِل َه ُه ْم‪ .‬أَلَ ْم ت َ ْعلَ ْم بَ ْع ُد أَ َّن ِم ْ َ‬ ‫َخ ِربَ ْت؟» (الخروج ‪.)7 :10‬‬ ‫ويبدو أن فرعون مل يكن قد سمع قبل ذلك‬ ‫اب فلام أخربه عبيده‬ ‫عام حدث يف البلد من خر ٍ‬ ‫بالحقيقة وافق فو ًرا عىل إطالق اليهود برشط‬ ‫ٍ‬ ‫مرشوط واعرتافا مكتوبًا من اآللهة‬ ‫أن يرتكوا نساءهم وأطفالهم رهين ًة لديه‪ ،‬ولكن يهوه القادر كان يريد استسال ًما غري‬ ‫املرصية بأنه هو اإلله األقوى‪ ،‬وهكذا أرسل يهوه جراده‪.‬‬ ‫ش ٌء ث َ ِق ٌيل ِج ًّدا لَ ْم يَ ُك ْن قَ ْبلَ ُه َج َرا ٌد ه َكذَا ِمثْلَ ُه‪َ ،‬والَ يَكُو ُن‬ ‫ص‪َ ،‬و َح َّل ِف َج ِميعِ ت ُ ُخ ِ‬ ‫وم ِم ْ َ‬ ‫«ف َ​َص ِع َد الْ َج َرا ُد َع َل ك ُِّل أَ ْر ِض ِم ْ َ‬ ‫ص‪ْ َ .‬‬ ‫بَ ْع َد ُه كَذلِ َك‪َ ،‬و َغطَّى َو ْج َه ك ُِّل األَ ْر ِض َحتَّى أَظْلَ َم ِت األَ ْر ُض‪َ .‬وأَك َ​َل َج ِمي َع ُعشْ ِب األَ ْر ِض َو َج ِمي َع َث َ ِر الشَّ َج ِر ال َِّذي ت َ َركَ ُه ال َ َْب ُد‪،‬‬ ‫ص»‪( .‬الخروج ‪.)15-14 :10‬‬ ‫ض ِف الشَّ َج ِر َوالَ ِف ُعشْ ِب الْ َحقْلِ ِف ك ُِّل أَ ْر ِض ِم ْ َ‬ ‫ش ٌء أَ ْخ َ ُ‬ ‫َحتَّى لَ ْم يَ ْب َق َ ْ‬ ‫وهكذا انترش الجراد يف سامء الدولة الفرعونية إىل درجة أنه قد حجب نور الشمس حتى أظلمت األرض‪ ،‬والخرضة‬ ‫القليلة التي مل ِ‬ ‫فعل من غباء الفرعون املستحكم‪،‬‬ ‫يقض عليها الربد قىض عليها الجراد والبد أن البلد كانت قد خربت ً‬ ‫ورغم ذلك مل يرضخ الفرعون الغبي ألوامر يهوه وتركه يعيث يف البلد فسا ًدا‪.‬‬ ‫الس َم ِء لِ َيكُو َن‬ ‫وس‪ُ :‬م َّد يَ َد َك نَ ْح َو َّ‬ ‫«ث ُ َّم ق َ​َال ال َّر ُّب لِ ُم َ‬ ‫وس‬ ‫ص‪َ ،‬حتَّى يُلْ َم ُس الظَّالَ ُم‪ .‬فَ َم َّد ُم َ‬ ‫ظَالَ ٌم َع َل أَ ْر ِض ِم ْ َ‬ ‫ص‬ ‫يَ َد ُه نَ ْح َو َّ‬ ‫الس َم ِء فَكَا َن ظَالَ ٌم َدا ِم ٌس ِف ك ُِّل أَ ْر ِض ِم ْ َ‬ ‫ص أَ َح ٌد أَ َخا ُه‪َ ،‬والَ قَا َم أَ َح ٌد ِم ْن َمكَانِ ِه‬ ‫�ثَالَث َ َة أَيَّ ٍام‪ .‬لَ ْم يُبْ ِ ْ‬ ‫سائِ َيل كَا َن لَ ُه ْم نُو ٌر ِف‬ ‫�ثَالَث َ َة أَيَّ ٍام‪َ .‬ول ِك ْن َج ِمي ُع بَ ِني إِ ْ َ‬ ‫َم َساكِ ِن ِه ْم»‪( .‬الخروج ‪)23-21 :10‬‬ ‫يا للشيطان عىل الخيال الخصب الذي يتمتع به كاتب‬ ‫ظالم ٍ‬ ‫دامس‬ ‫أيام بلياليها عاشتها البلد يف ٍ‬ ‫التوراة‪ ،‬ثالثة ٍ‬ ‫‪36‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪3‬‬ ‫محمد شومان‬

‫ومل يتحرك أح ٌد منهم من مكانه يف حني أن األنوار كانت‬ ‫تتألأل يف بيوت بني إرسائيل‪ ،‬يا لها من معجز ٍة كانت جدير ًة‬ ‫فعل بدخول موسوعة جينيس لألرقام القياسية‪،‬‬ ‫لو حدثت ً‬ ‫وبالرغم من ذلك يجد الفرعون املكابر عنده رغب ًة يف الفصال‪.‬‬ ‫وس َوق َ​َال‪ :‬ا ْذ َه ُبوا ا ْع ُب ُدوا ال َّر َّب‪ .‬غ ْ َ​َي أَ َّن َغ َن َم ُك ْم‬ ‫«فَ َد َعا ِف ْر َع ْو ُن ُم َ‬ ‫َوبَ َق َركُ ْم ت َ ْبقَى‪ .‬أَ ْوالَ ُدكُ ْم أَيْ ًضا ت َ ْذ َه ُب َم َع ُك ْم» (الخروج ‪.)24 :10‬‬ ‫إذن فقد كان فرعون يريد أن يحتجز البهائم اليهودية عنده كرهين ٍة يضمن بها عودة العبيد للعمل مر ًة أخرى‪ ،‬ولكن‬ ‫موىس يرفض أي حلٍ ٍ‬ ‫وسط مع الفرعون ويرص عىل االستسالم التام أو املوت الزؤام‪ ،‬فيختار فرعون العنيد املوت الزؤام‪.‬‬ ‫ص‪ِ ،‬م ْن ِب ْك ِر ِف ْر َع ْو َن الْ َجالِ ِس َع َل كُ ْر ِس ِّي ِه إِ َل ِب ْك ِر األَ ِسريِ ال َِّذي‬ ‫ض َب ك َُّل ِب ْك ٍر ِف أَ ْر ِض ِم ْ َ‬ ‫«فَ َح َدثَ ِف نِ ْص ِف اللَّ ْيلِ أَ َّن ال َّر َّب َ َ‬ ‫الس ْجنِ ‪َ ،‬وك َُّل ِب ْك ِر بَهِي َم ٍة‪ .‬فَقَا َم ِف ْر َع ْو ُن لَ ْي ًل ُه َو َوك ُُّل َعب ِ‬ ‫ص‪ ،‬ألَنَّ ُه لَ ْم يَ ُك ْن‬ ‫ِيد ِه َو َج ِمي ُع الْ ِم ْ ِ‬ ‫ِف ِّ‬ ‫صا ٌخ َع ِظي ٌم ِف ِم ْ َ‬ ‫صيِّ َني‪َ .‬وكَا َن ُ َ‬ ‫بَ ْي ٌت لَ ْي َس ِفي ِه َم ْي ٌت»‪( .‬الخروج ‪.)30-29 :12‬‬ ‫جدي فقام بقتل كل األبكار يف مرص‪ ،‬إىل درجة أنه‬ ‫إذن فقد ح ّول يهوه املوضوع من مبارا ٍة هزلي ٍة بني اآللهة إىل موضو ٍع ٍّ‬ ‫قتل ابن الفرعون شخص ًيا‪ ،‬وح ّول البلد إىل حال ٍة من املناحة‬ ‫أيضا كان‬ ‫مل تحدث من قبل يف بيوت مرص وكذا يف حظائرها ً‬ ‫من نتيجتها أن تنبه فرعون إىل أن إطالق رساح بعض العبيد‬ ‫أهون من مواجهة يهوه رب الجنود وخاص ًة بعد أن تأكد‬ ‫من محدودية قدرة األرباب املرصية وانكسارها أمام الرب‬ ‫الرهيب يهوه‪:‬‬ ‫وس َو َها ُرو َن لَ ْي ًل َوق َ​َال‪ :‬قُو ُموا ا ْخ ُر ُجوا ِم ْن بَ ْ ِي‬ ‫«فَ َد َعا ُم َ‬ ‫سائِ َيل َج ِمي ًعا‪َ ،‬وا ْذ َهبُوا ا ْعبُ ُدوا ال َّر َّب ك َ​َم‬ ‫شَ ْعبِي أَنْتُ َم َوبَ ُنو إِ ْ َ‬ ‫ُون أَيْ ًضا»‪( .‬الخروج ‪.)32-31 :12‬‬ ‫تَ َكلَّ ْمتُ ْم‪ُ .‬خذُوا َغ َن َم ُك ْم أَيْ ًضا َوبَ َق َركُ ْم ك َ​َم ت َ َكلَّ ْمتُ ْم َوا ْذ َه ُبوا‪َ .‬وبَا ِرك ِ‬ ‫وهنا كان االنتصار الكامل ليهوه عىل الفرعون اإلله وعىل آلهة مرص بإطالق رساح اليهود بال ٍ‬ ‫قيد وال ٍ‬ ‫رشط واألهم اقتناع‬ ‫الفرعون باإلله التورايت الرهيب إىل درجة أن يطلب من موىس أن يباركه هو شخص ًيا‪!...‬‬ ‫‪37‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪3‬‬ ‫محمد شومان‬

‫السفر السادس عرش‪ :‬الخروج الشهري‬ ‫ينس تنفيذ وصية موىس لهم برسقة املرصيني‪:‬‬ ‫وهنا تهيأ الشعب للخروج ومل َ‬ ‫صيِّ َني أَ ْم ِت َع َة ِف َّض ٍة َوأَ ْم ِت َع َة َذ َه ٍب َوثِ َيابًا‪َ .‬وأَ ْعطَى ال َّر ُّب نِ ْع َم ًة‬ ‫وس‪ .‬طَلَ ُبوا ِم َن الْ ِم ْ ِ‬ ‫سائِ َيل ِب َح َس ِب قَ ْو ِل ُم َ‬ ‫« َوفَ َع َل بَ ُنو إِ ْ َ‬ ‫صيِّ َني»‪( .‬الخروج ‪.)36-35 :12‬‬ ‫صيِّ َني َحتَّى أَ َعا ُرو ُه ْم‪ .‬ف َ​َسلَ ُبوا الْ ِم ْ ِ‬ ‫لِلشَّ ْع ِب ِف ِع ُيونِ الْ ِم ْ ِ‬ ‫نعم هكذا يقول النص التورايت املق ّدس أن الرب أمر شعبه‬ ‫املختار برسقة املرصيني الطيبني الذين أعطوا ذهبهم‬ ‫وفضتهم ومالبسهم بحسن ني ٍة لليهود عىل أمل إعادتها لهم‬ ‫طيب هذا الشعب الكافر امللعون يف كل‬ ‫مع الشكر‪ ،‬كم هو ٌ‬ ‫كتاب‪ ،‬وكم هو حق ٌري هذا الشعب املق ّدس يف كل الكتب‪.‬‬ ‫ولكن القصة املقدسة مل تنت ِه عند هذا الحد فالتوراة تخربنا‬ ‫بأن الفرعون بعد أن طرد اليهود من مرص وخروجهم منها‬ ‫بإذنه تعود لتقول‪:‬‬ ‫ص أَ َّن الشَّ ْع َب قَ ْد َه َر َب‪ ،‬ت َ َغ َّ َي قَل ُْب ِف ْر َع ْو َن َو َعب ِ‬ ‫ِيد ِه َع َل الشَّ ْع ِب»‪( .‬الخروج ‪.)5 :14‬‬ ‫«فَل ََّم أُ ْخ ِ َب َملِ ُك ِم ْ َ‬ ‫وال ندري كيف هرب الشعب بعد أن طُرد بأمر فرعون‪ ،‬ولكن املنطق يقول أنه بعد أن طرد الفرعون اليهود من البالد‬ ‫اكتشف أنهم قد رسقوا ذهب املرصيني وفضتهم فقام ليطاردهم ليسرتد ما رسقوه من شعبه‪ ،‬وهو ما تؤكده التوراة يف‬ ‫سفر الخروج‪:‬‬ ‫ص َولَ ْم يَق ِْد ُروا أَ ْن يَتَأَ َّخ ُروا‪ ،‬فَلَ ْم يَ ْص َن ُعوا ألَنْف ُِس ِه ْم زَا ًدا»‪( .‬الخروج ‪.)39 :12‬‬ ‫«ألَنَّ ُه ْم طُ ِر ُدوا ِم ْن ِم ْ َ‬ ‫منطقي وهو أن الدولة‬ ‫لسبب‬ ‫أيضا‬ ‫ٍ‬ ‫وقصة الطرد هي القصة السائدة يف التوراة يف أكرث من موضع‪ ،‬ورمبا نحبذها نحن ً‬ ‫ٍ‬ ‫كانت قد خرجت لتوها من مرحلة احتالل الهكسوس‪ ،‬ونعلم من السياق التاريخي للشعب اليهودي أنهم كانوا‬ ‫يتعاونون مع املحتل األجنبي ألي ٍ‬ ‫بلد يأويهم يف كل العصور‪ ،‬وبالتايل كان ينظر إليهم عىل أنهم خون ٌة فالطبيعي والحال‬ ‫كذلك أن يُطردوا من البلد بعد تخلصها من االحتالل الهكسويس يف أواخر األرسة السابعة عرشة‪.‬‬ ‫‪38‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪3‬‬ ‫محمد شومان‬

‫وهنا تحدث أشهر املعجزات يف التاريخ‪ ،‬فحني اقرتب الجيش الفرعوين من اللصوص املطرودين ويصبح البحر أمامهم‬ ‫والعدو وراءهم واملوت عىل األبواب يرفع موىس عصاه فينشق البحر ويجف املاء ويعرب اليهود عىل أقدامهم إىل الناحية‬ ‫األخرى‪ !...‬وحني يحاول الفرعون األبله وجنوده العبور ينطبق عليهم البحر ليغرق الجيش بكامله يف كارث ٍة تاريخي ٍة مل‬ ‫تتكرر ولن تتكرر حتى يف خياالت أعتى الحشاشني‪ ،‬ونرتك التوراة تصف هذه الحادثة التاريخية‪:‬‬ ‫ش ِق َّي ٍة شَ ِدي َد ٍة ك َُّل اللَّ ْيلِ ‪َ ،‬و َج َع َل الْ َب ْح َر يَاب َِس ًة َوانْشَ َّق ال َْم ُء‪ .‬فَ َد َخ َل‬ ‫« َو َم َّد ُم َ‬ ‫وس يَ َد ُه َع َل الْ َب ْحرِ‪ ،‬فَأَ ْج َرى ال َّر ُّب الْ َب ْح َر ِبرِي ٍح َ ْ‬ ‫صيُّو َن َو َد َخلُوا َو َرا َء ُه ْم‪.‬‬ ‫سائِ َيل ِف َو َس ِط الْ َب ْح ِر َع َل الْ َياب َِس ِة‪َ ،‬وال َْم ُء ُسو ٌر لَ ُه ْم َع ْن َيِي ِن ِه ْم َو َع ْن يَ َسا ِر ِه ْم‪َ .‬وتَ ِب َع ُه ُم الْ ِم ْ ِ‬ ‫بَ ُنو إِ ْ َ‬ ‫صيِّ َني‬ ‫ش َف َع َل َع ْس َك ِر الْ ِم ْ ِ‬ ‫َج ِمي ُع َخ ْيلِ ِف ْر َع ْو َن َو َم ْركَ َباتِ ِه َوفُ ْر َسانِ ِه إِ َل َو َس ِط الْ َب ْحرِ‪َ .‬وكَا َن ِف َهزِيعِ ُّ‬ ‫الص ْب ِح أَ َّن ال َّر َّب أَ ْ َ‬ ‫صيُّونَ‪ :‬نَ ْه ُر ُب‬ ‫الس َح ِ‬ ‫صيِّ َني‪َ ،‬و َخلَ َع بَ َك َر َم ْركَ َباتِ ِه ْم َحتَّى َساقُو َها ِبثَ ْقلَ ٍة‪ .‬فَق َ​َال الْ ِم ْ ِ‬ ‫اب‪َ ،‬وأَ ْز َع َج َع ْس َك َر الْ ِم ْ ِ‬ ‫ِف َع ُمو ِد ال َّنا ِر َو َّ‬ ‫صيِّ َني‪َ ،‬ع َل‬ ‫وس‪ُ :‬م َّد يَ َد َك َع َل الْبَ ْح ِر لِ َ ْيج َع ال َْم ُء َع َل الْ ِم ْ ِ‬ ‫سائِ َيل‪ ،‬ألَ َّن ال َّر َّب يُقَاتِ ُل الْ ِم ْ ِ‬ ‫صيِّ َني َع ْن ُه ْم‪ .‬فَق َ​َال ال َّر ُّب لِ ُم َ‬ ‫ِم ْن إِ ْ َ‬ ‫صيُّو َن َها ِربُو َن إِ َل‬ ‫الص ْب ِح إِ َل َحالِ ِه ال َّد ِائَ ِة‪َ ،‬والْ ِم ْ ِ‬ ‫وس يَ َد ُه َع َل الْ َب ْح ِر فَ َر َج َع الْ َب ْح ُر ِع ْن َد إِقْ َبا ِل ُّ‬ ‫َم ْركَ َباتِ ِه ْم َوفُ ْر َسانِ ِه ْم‪ .‬فَ َم َّد ُم َ‬ ‫صيِّ َني ِف َو َس ِط الْ َب ْحرِ‪ .‬فَ َر َج َع ال َْم ُء َو َغطَّى َم ْركَ َب ِ‬ ‫ات َوفُ ْر َسا َن َج ِميعِ َج ْي ِش ِف ْر َع ْو َن ال َِّذي َد َخ َل َو َرا َء ُه ْم‬ ‫لِقَائِ ِه‪ .‬فَ َدفَ َع ال َّر ُّب الْ ِم ْ ِ‬ ‫ِف الْ َب ْحرِ‪ .‬لَ ْم يَ ْب َق ِم ْن ُه ْم َوالَ َو ِ‬ ‫سائِ َيل فَ َمشَ ْوا َع َل الْ َياب َِس ِة ِف َو َس ِط الْ َب ْحرِ‪َ ،‬وال َْم ُء ُسو ٌر لَ ُه ْم َع ْن َيِي ِن ِه ْم َو َع ْن‬ ‫اح ٌد‪َ .‬وأَ َّما بَ ُنو إِ ْ َ‬ ‫يَ َسا ِر ِه ْم»‪( .‬الخروج ‪.)29-21 :14‬‬

‫‪39‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪3‬‬ ‫محمد شومان‬

‫أيضا بقدرة يهوه عىل إتيان‬ ‫ونحن طب ًعا نؤمن بكل ما يقوله الكهنة والكتبة املقدسون يف كل الكتب املقدسة‪ ،‬ونؤمن ً‬ ‫أرضا يابس ًة ورمبا مملوء ًة‬ ‫املعجزات الفظيعة‪ ،‬ونلغي عقولنا مؤقتًا لنؤمن بأن عصا موىس قد قامت بشق البحر وجعلته ً‬ ‫أيضا بأن نفس العصا قد قامت بإرجاع البحر إىل جريانه مر ًة أخرى فقضت عىل أكرب جيوش‬ ‫باألشجار والورود‪ ،‬ونؤمن ً‬ ‫العامل يف ذلك الوقت‪ ،‬وإن كانت هناك بعض التساؤالت التي تؤرق أذهاننا جمي ًعا‪ ،‬نتساءل أولً عن حجم الجيش‬ ‫ٍ‬ ‫كعبيد مر ًة ثاني ًة‪ ،‬فإذا أخربتنا التوراة املقدسة أن عدد الرجال القادرين عىل‬ ‫الفرعوين الذي خرج ليأرس اليهود ويعيدهم‬ ‫القتال يف شعب الخروج كان ستامئة ٍ‬ ‫ألف غري النساء واألطفال لريتفع بهم العدد إىل ثالثة ماليني نسمة‪ ،‬فيلزم منطق ًيا أن‬ ‫يكون جنود الجيش الفرعوين عىل األقل مليون رجلٍ ليستطيع إخضاع ثالثة ماليني ٍ‬ ‫لص هاربني من وجه العدالة‪ ،‬وكارث ٌة‬ ‫جندي عىل األقل كان والبد أن يعرف بها العامل كله أو عىل األقل الرشق األوسط الذي كان معظم‬ ‫مثل غرق مليون‬ ‫ٍ‬ ‫ملوكه يدفعون الجزية ملرص ومبوت الفرعون وغرق جنوده كانت هذه امللوك ستتحرر من دفع الجزية ملرص‪ ،‬ثم أن‬ ‫أي حوايل سدس سكان املحروسة ليس بالحدث الهني الذي ميكن تجاوزه بدون أن نجد عنه نقشً ا‬ ‫موت مليون‬ ‫مرصي ْ‬ ‫ٍّ‬ ‫واح ًدا من نقوش األُرسات الفرعونية‪ ،‬ثم أن هذا الخروج كان عىل األغلب يف عهد األرسة الثامنة عرش املاجدة التي كانت‬ ‫من أعظم األرسات الفرعونية وأقواها بدليل أن حدود اململكة املرصية قد وصلت إىل أقىص اتسا ٍع لها تحت حكم هذه‬ ‫األرسة‪ ،‬فكيف كانت هذه األرسة تتوسع يف الفتوحات بعد غرق جيشها يف قاع البحر‪ ،‬هذه األسئلة وغريها كانت مام‬ ‫حري املؤرخني للحقبة الفرعونية وكذا املهتمني بالشأن التورايت‪ ،‬ومن هنا نحاول أن نديل بدلونا يف هذا املوضوع الشائك‪.‬‬ ‫قلنا سابقًا أن أخناتون كان قد حاول فرض ديانته التوحيدية عىل الشعب املرصي‪ ،‬ويف سبيل ذلك دخل يف رصا ٍع مع كهنة‬ ‫املعبودات املرصية‪ ،‬ويف نهاية هذا الرصاع اختفى الفرعون سوا ٌء باملوت أو بالقتل‪ ،‬ومبوته حدثت رد ًة جامعي ًة عن ديانة‬ ‫التوحيد قام بالدور األسايس فيها كهنة آمون وتبعهم بعض املتسلقني من أتباع أخناتون‪ ،‬حتى أن امللوك الثالثة الذين‬ ‫خلفوا أخناتون قد ارتدوا بعد وفاته إىل حزب آمون وهم «سمنخكارع» أخاه‬ ‫غي اسمه إىل «توت عنخ آمون»‬ ‫وعشيقه‪ ،‬و«توت عنخ آتون» زوج ابنته الذي ّ‬ ‫و«الكاهن آي» زوج مربية أخناتون‪ ،‬وكان هؤالء الثالثة من أشد أنصار الديانة‬ ‫الجديدة ولكنهم مبوت أخناتون ارتدوا رسي ًعا إىل عبادة آمون‪ ،‬ويف عهدهم قامت‬ ‫حرب أهلي ٌة يف البالد واضطراباتٌ إىل أن جاء قائد الجيش القوي «حورمحب»‬ ‫ٌ‬ ‫وأعاد االستقرار للبالد‪ ،‬ونحن نعتقد أن الخروج اليهودي الشهري قد حدث بعد‬ ‫وفاة أخناتون وقبل تويل حورمحب للسلطة أي يف فرتة الحرب األهلية التي‬ ‫أعقبت وفاة أخناتون مبارشةً‪ ،‬وإذا كان أخناتون قد مات سنة ‪ 1358‬ق‪.‬م بينام‬ ‫توىل حورمحب العرش سنة ‪ 1350‬ق‪.‬م‪ ،‬ويصبح الخروج اليهودي الشهري يف فرتة‬ ‫ٍ‬ ‫سنوات الفاصلة بني التاريخني‪ ،‬ولعلنا منيل أكرث إىل تاريخ تويل حورمحب‬ ‫الثامين‬ ‫للعرش حيث كان من أشد أعداء الديانة الجديدة إىل حد أنه قد محا اسم‬ ‫أخناتون من عىل جميع اآلثار‪.‬‬ ‫‪40‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪3‬‬ ‫محمد شومان‬

‫ولعامل النفس اليهودي «سيجموند فرويد» وجهة نظ ٍر يف هذه املسألة مفادها أن‬ ‫موىس النبي كان أم ًريا فرعون ًيا كام سبق وأن ذكرنا‪ ،‬وأن هذا األمري كان من أتباع النبي‬ ‫أخناتون‪ ،‬فلام مات أخناتون أو قُتل وارتد عنه رجاله ظل النبي موىس عىل والئه‬ ‫للعقيدة اآلتونية‪ ،‬وكان معه بعض األمراء املرصيني من البيت املالك الفرعوين هم‬ ‫الذين سيشكلون فيام بعد الفرع الالوي يف القبيلة اليهودية أو رجال الكهنوت‪ ،‬فخرج‬ ‫موىس من البلد ومعه العبيد واملستضعفني الذين كان معظمهم من اليهود‪ ،‬ويربهن‬ ‫فرويد عىل نظريته تلك بشواهد منها أن التوراة تؤكد لنا أن لسان موىس كانت به تأتأ ٌة‬ ‫ٍ‬ ‫يهودي هو هارون‬ ‫بشخص‬ ‫يفرسها فرويد بعدم إتقانه للّغة العربية ولذلك استعان‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫كعبيد يف مرص ملئات السنني‬ ‫لىك يتفاهم من خالله مع اليهود‪ ،‬كام أن اليهود قد عاشوا‬ ‫مام جعلهم ال يصلحون نفس ًيا لقيادة شعب الخروج وبالتايل كان قادة شعب الخروج‬ ‫من املرصيني األحرار‪ ،‬ثم أن رصاع أخناتون مع كهنة آمون مل يجعل له متس ًعا من الوقت لدراسة موضوع العامل اآلخر‬ ‫أيضا‪ ،‬ثم أن الخروج اليهودي كام يقول لنا الكهنة‬ ‫والحساب والعقاب وما شابه‪ ،‬وهو ما أغفله موىس يف ديانته التوحيدية ً‬ ‫منطقي ألن فلسطني أيام رمسيس الثاين كانت خاضع ًة للنفوذ املرصي فكيف‬ ‫اض غري‬ ‫كان يف عهد رمسيس الثاين وهو افرت ٌ‬ ‫ٍّ‬ ‫أيضا‪ ،‬بل األكرث منطقي ًة أن يخرجوا يف أعقاب‬ ‫يهرب اليهود من ذل العبودية املرصية إىل منطق ٍة خاضع ٍة للحكم املرصي ً‬ ‫االنهيار العسكري الذي أحدثته فرتة حكم أخناتون التي جنحت إىل نرش الدين عىل حساب فقدان الهيمنة العسكرية‪.‬‬ ‫أما موالنا الدكتور سيد القمني فله وجهة نظ ٍر يف غاية األهمية‪،‬‬ ‫ومفادها أن أخناتون بعد أن قام بإعالن دعوته الجديدة بإعالء شأن‬ ‫آتون إلهه الجديد عىل حساب آمون اإلله املرصي األقوى وقتها‪ ،‬هنا‬ ‫تد ّخل كهنة آمون ونجحوا يف خلع أخناتون من عىل العرش وتولية‬ ‫أخيه «سمنخكارع» مكانه‪ ،‬وبعد أن يفشل أخناتون يف الرجوع‬ ‫للعرش ثاني ًة يهرب برجاله ومعه اليهود‬ ‫والعبيد واملنبوذين يف طريقهم إلقامة‬ ‫ٍ‬ ‫جديد يف فلسطني‪،‬‬ ‫دول ٍة جديد ٍة ودينٍ‬ ‫والطبيعي أن يتوىل املرصيون املنصب الكهنويت للديانة الوليدة‪ ،‬ومن هنا شكلوا فرع أو‬ ‫سبط «الوي» أي فرع الكهنة يف املسرية اليهودية‪ ،‬أي يرى موالنا القمني أن موىس هو‬ ‫نفسه أخناتون الذي فر بأتباعه وعقيدته من مرص يف حامية اليهود‪ ،‬ولكن تحدث رد ًة عىل‬ ‫رشيعة أخناتون وربه تحت سفح جبل كاترين‪ ،‬يتزعمها يشوع بن نون فيتم قتل أخناتون‬ ‫كل وجهة نظ ٍر مدعم ٍة‬ ‫ورجاله ويوضع جثامنه يف تابوت عهد الرب من يومها‪ ،‬وهي عىل ٍّ‬ ‫بالوثائق عىل من يريد االطالع عليها يف كتاب «النبي موىس وآخر أيام تل العامرنة»‪.‬‬ ‫‪41‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪3‬‬ ‫محمد شومان‬

‫أما مسألة غرق الجيش املرصي يف البحر فيبدو أنها مل تعد من‬ ‫األمور التي يأخذها الباحثون بجدية‪ ،‬فهناك اعتقا ٌد عا ٌم يُرجح أن‬ ‫اليهود مل يعربوا البحر األحمر بل عربوا بحري ًة جاف ًة أو مبعنى أدقٍ‬ ‫مستنقعٍ ارتفاع املاء فيه ال يتعدى بضع سنتيمرتات عند بحرية‬ ‫املنزلة‪ ،‬وأن الجيش الفرعوين قد واجه مشكلة عبور املستنقع‬ ‫ٍ‬ ‫بجيش يحمل أثقالً ومعه مركباتٌ ثقيل ٌة غرست يف طني املستنقع‪،‬‬ ‫وهو ما تورده التوراة قائل ًة‪:‬‬ ‫« َو َخلَ َع بَ َك َر َم ْركَ َباتِ ِه ْم َحتَّى َساقُو َها ِبثَ ْقلَ ٍة»‪( .‬الخروج ‪.)25 :14‬‬ ‫إذن فقد غرس عجل املركبات الفرعونية يف طني املستنقع حتى أن الجنود ساقوها بثقلة‪ ،‬وهكذا متكن اليهود الخفيفي‬ ‫األثقال من الهرب من مطارديهم‪.‬‬ ‫عام هي أرقا ٌم مبال ٌغ فيها إىل ح ٍّد كبري‪ ،‬فإذا ذكرت التوراة أن‬ ‫واألهم من كل ذلك أن األرقام التي توردها التوراة بشكلٍ ٍ‬ ‫شعب الخروج كان يقرتب من الثالثة ماليني نسمة‪ ،‬فلنا أن نفرتض أن عددهم قد ال يتعدى بضعة ٍ‬ ‫آالف عىل أكرث تقدير‪،‬‬ ‫أي‬ ‫يدلنا عىل ذلك أن عدة ماليني من األفراد يعيشون يف صحراء سيناء ملدة أربعني عا ًما كان وال بد أن يرتكوا أث ًرا ما يف ّ‬ ‫بقع ٍة من البقاع التي استوطنوها‪ ،‬ولكننا لألسف وحتى اآلن مل نعرث عىل‬ ‫أي آثار تجمع عمرا ٍّين ميكن أن يؤكد لنا أسطورة الخروج هذه‪ ،‬ولكننا‬ ‫نستطيع القول أن اليهود كانوا بالفعل عبي ًدا عند جدودنا ثم فر بعضهم‪-‬‬ ‫أو طُردوا‪ -‬إىل فلسطني‪ ،‬رمبا كان عددهم بضعة ٍ‬ ‫آالف وليس ماليني كام‬ ‫ي ّدعون‪ ،‬ويف هروبهم من مرص مع موىس النبي سوا ٌء أكان هذا املوىس‬ ‫مرصيًا أو يهوديًا‪ ،‬أقول يف خروجهم هذا من مرص أخذوا معهم الديانة‬ ‫األخناتونية الفرعونية ونسبوها إىل ربهم يهوه‪ ،‬يف ح ٍني فشلنا نحن كأحفا ٍد‬ ‫ألخناتون يف أن نثبت أن الديانة اليهودية ما هي إال مس ٌخ مشو ٌه من‬ ‫أيضا املصابني‬ ‫الديانة املرصية خرج بها مجر ٌم ٌ‬ ‫قاتل مع بعض العبيد ورمبا ً‬ ‫بالجذام كام يرى يوسيفوس‪ ،‬وبدأ هذا الجمع الحقري يف نرش الديانة‬ ‫الوضعية املرصية عىل أنها دي ٌن مو ًحى به من رب السامء الذي هو يهوه‪،‬‬ ‫وتشاء األقدار العبثية أن يكمل يسوع ومحم ٌد املهمة التي بدأها موىس‪ ،‬وبالتايل مينحاه رشعي ًة ال يستحقها ويسلبوا‬ ‫جمي ًعا م ّنا حقًا ننفرد به عىل العاملني‪.‬‬ ‫‪42‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪3‬‬ ‫محمد شومان‬

‫السفر السابع عرش‪ :‬التيه‬ ‫دليل يف أثناء‬ ‫وبخروج اليهود من مرص كان يلزمهم ً‬ ‫إلهي عبار ًة‬ ‫تجوالهم يف صحراء سيناء‪ ،‬وجاءهم ٌ‬ ‫دليل ٌ‬ ‫عن عمو ٍد من الدخان األسود يف أثناء النهار ويتحول‬ ‫ليل‪ ،‬ويبدو أن هذا الدليل مل‬ ‫إىل عمو ٍد من النار ً‬ ‫يكن ميتلك بوصل ًة جيد ًة فأتاههم يف صحراء سيناء‬ ‫ملدة أربعني عا ًما‪ ،‬ولكيال ينشغل شعب الله املختار‬ ‫عن عبادة الرب اإلله باألمور الدنيوية من مأكلٍ‬ ‫بيوم وهو‬ ‫ٍ‬ ‫ومرشب أرسل لهم يهوه طعامهم يو ًما ٍ‬ ‫«املن» الذي تصفه التوراة بأنه‪:‬‬ ‫سائِ َيل ْاس َم ُه « َم ًّنا»‪َ .‬و ُه َو كَ ِب ْز ِر الْ ُك ْزبَ َر ِة‪ ،‬أَبْ َي ُض‪َ ،‬وطَ ْع ُم ُه كَ ِرقَاق‬ ‫« ُه َو الْ ُخ ْب ُز ال َِّذي أَ ْعطَاكُ ُم ال َّر ُّب لِتَأْكُلُوا‪َ ...‬و َد َعا بَ ْي ُت إِ ْ َ‬ ‫ِب َع َسل»‪( .‬الخروج ‪.)31 :16 ،15 :16‬‬ ‫وهكذا مل يكتف الرب يهوه برضبات الحرشات التي رضب بها مرص‪ ،‬وال مبعجزة شق البحر للعبيد الهاربني‪ ،‬وال حتى‬ ‫معجزة تواجده شخص ًيا يف عمود الدخان‪ ،‬بل أضاف لهم معجز ًة أخرى تجعل الحجر يؤمن أال وهي معجزة األكل الطازج‬ ‫الذي كان يرسله لهم طاز ًجا يوم ًيا وهو املن الذي يشبه طعم الرقاق بالعسل‪.‬‬ ‫أما الفيلسوف الفرنيس الشهري «فولتري» فقد تغاىض عن اإلعجاز اإللهي يف األكل وعمود النار والدخان وتساءل فقط عن‬ ‫كل منهم ملدة أربعني عا ًما دون أن تبىل‪.‬‬ ‫أحذية شعب الخروج وكيف عاشت مع ٍّ‬ ‫يوم ليقابل الرب‪-‬‬ ‫ويصعد موىس إىل الجبل ذات ٍ‬ ‫هناك اعتقا ٌد عا ٌم بأن هذا الجبل هو جبل سانت‬ ‫كاترين يف جنوب سيناء‪ -‬وإن كان هناك باحثٌ‬ ‫مرصي جا ٌد هو الدكتور سيد كريم يرى أن هذا‬ ‫ٌ‬ ‫الجبل هو جبل سدر يف منطقة رأس سدر بجنوب‬ ‫سيناء‪ ،‬ويف أثناء غياب موىس فوق الجبل ينىس شعب‬ ‫الله املختار معجزات الرب معهم من شق البحر‬ ‫وإغراق املرصيني الكفرة إىل عمود الدخان الذي‬ ‫يتحول إىل نا ٍر ثم إىل معجزة املن‪...‬إلخ‪ ،‬ويتنكرون‬ ‫‪43‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪3‬‬ ‫محمد شومان‬

‫إللههم ويصنعون ِع ْج ًل من ذهب املرصيني ليعبدوه بدلً من الرب يهوه‪:‬‬ ‫وس أَبْطَأَ ِف ال ُّن ُزو ِل ِم َن الْ َج َبلِ ‪ ،‬ا ْجتَ َم َع الشَّ ْع ُب‬ ‫« َول ََّم َرأَى الشَّ ْع ُب أَ َّن ُم َ‬ ‫وس‬ ‫َع َل َها ُرو َن َوقَالُوا لَ ُه‪ :‬ق ُِم ْ‬ ‫اص َن ْع لَ َنا آلِ َه ًة ت َِس ُري أَ َما َم َنا‪ ،‬ألَ َّن هذَا ُم َ‬ ‫ص‪ ،‬الَ نَ ْعلَ ُم َماذَا أَ َصابَ ُه‪ .‬فَق َ​َال لَ ُه ْم َها ُرونُ‪:‬‬ ‫ال َّر ُج َل ال َِّذي أَ ْص َع َدنَا ِم ْن أَ ْر ِض ِم ْ َ‬ ‫ُون ِب َها‪.‬‬ ‫انْ ِز ُعوا أَقْ َرا َط ال َّذ َه ِب الَّ ِتي ِف آذَانِ نِ َسائِ ُك ْم َوبَ ِني ُك ْم َوبَ َناتِ ُك ْم َوات ِ‬ ‫فَ َن َز َع ك ُُّل الشَّ ْع ِب أَقْ َرا َط ال َّذ َه ِب الَّ ِتي ِف آذَانِ ِه ْم َوأَت َ ْوا ِب َها إِ َل َها ُرونَ‪.‬‬ ‫فَأَ َخ َذ ذلِ َك ِم ْن أَيْ ِدي ِه ْم َو َص َّو َر ُه بِا ِإل ْز ِميلِ ‪َ ،‬و َص َن َع ُه ِع ْجالً َم ْس ُبوكًا‪ .‬فَقَالُوا‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ص‪ .‬فَل ََّم نَظَ َر َها ُرو ُن‬ ‫سائِ ُيل الَّ ِتي أَ ْص َع َدت َْك ِم ْن أَ ْر ِض ِم ْ َ‬ ‫هذ ِه آلِ َهتُ َك يَا إِ ْ َ‬ ‫بَ َنى َم ْذبَ ًحا أَ َما َم ُه‪َ ،‬ونَا َدى َها ُرو ُن َوق َ​َال‪َ « :‬غ ًدا ِعي ٌد لِل َّر ِّب»‪ .‬فَ َب َّك ُروا ِف الْ َغ ِد‬ ‫َوأَ ْص َع ُدوا ُم ْح َرق ٍ‬ ‫الش ِب‬ ‫َات َوقَ َّد ُموا َذبَائِ َح َسالَ َم ٍة‪َ .‬و َجل َ​َس الشَّ ْع ُب لِألَكْلِ َو ُّ ْ‬ ‫ث ُ َّم قَا ُموا لِلَّ ِع ِب»‪( .‬الخروج ‪.)6-1 :32‬‬ ‫وما إن يهبط موىس من الجبل بعد أربعني يو ًما ويرى هذه الردة الخطرية حتى يثور عليهم ثور ًة عارم ًة فيكرس لوحي‬ ‫وكعقاب للشعب الجاحد تقوم مذبح ٌة يروح ضحيتها ثالثة‬ ‫الشهادة التي كتب فيها يهوه بإصبعه شخص ًيا الوصايا العرش‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫آالف رجلٍ من شعب الله املختار‪ ،‬وخوفًا من تكرار الردة يتواضع الرب ويقبل بأن يجري مقابالته مع موىس يف خيم ٍة يف‬ ‫ازي يضع موىس‪ -‬مبشورة حامه يرثون الكاهن‪ -‬نظا ًما كهنوت ًيا‬ ‫وسط الشعب ً‬ ‫بدل من مشقة صعود الجبل‪ ،‬وكإجرا ٍء احرت ٍ‬ ‫لحكم الشعب ليتفرغ هو ملقابالته العديدة مع الرب‪ ،‬فيختار‬ ‫رجل للسيطرة عىل الجموع التائهة وهؤالء الرجال‬ ‫موىس سبعني ً‬ ‫بإجامع املؤرخني كانوا من املرصيني‪ ،‬وبهذا تشكل فرع الكهنة‬ ‫اليهود من األحرار املرصيني‪ ،‬ويكون هارون أخوه هو رأس هذا‬ ‫النظام الكهنويت‪ -‬مع أنه هو أول من ارتد عن عبادة يهوه وصنع‬ ‫العجل بيديه‪ -‬وهو ما رفضه البعض وقاموا مبؤامر ٍة إلزاحة هارون‬ ‫عن منصبه ككبريٍ للكهنة‪ ،‬ويكتشف موىس هذه املؤامرة فيقوم‬ ‫يهودي إلرهاب كل من تسول له نفسه أن‬ ‫بقتل خمسة عرش ألف‬ ‫ٍ‬ ‫وأبدي لهذه الجزئية كان‬ ‫جذري‬ ‫وكحل‬ ‫يتطلع إىل الكريس الهاروين‪ٍّ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫البد من معجز ٍة لتثبيت رشعية هارون ونسله ككهن ٍة للرب يهوه‪،‬‬ ‫فقامت كل قبيل ٍة من القبائل االثني عرش بوضع عصاها يف خيمة‬ ‫االجتامع ليختار منهم الرب العصا التي سيصبح صاحبها هو كاهن‬ ‫الرب‪ ،‬ويف اليوم التايل يفاجأ الشعب بأن عصا هارون أزهرت بل‬ ‫‪44‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪3‬‬ ‫محمد شومان‬

‫أيضا‪ ،‬مام يعنى رغبة اإلله يف أن يصبح هارون هو كاهنه‬ ‫وأمثرت لوزًا شه ًيا ً‬ ‫األكرب ل ُيخرس صوت أي معارض ٍة مستقبلية‪ ،‬نعلم جمي ًعا أن املعارض لهارون‬ ‫ٍ‬ ‫بطل يف حني أن املعارض لهارون كمختا ٍر‬ ‫كموظف بدرجة كاهنٍ قد يصبح ً‬ ‫للرب البد وأن يكون كاف ًرا‪ ،‬ومن هنا ماتت املعارضة‪!...‬‬

‫السفر الثامن عرش‪ :‬الزانية هي فقط تحيا‬ ‫حروب وحشي ٍة يروح ضحيتها عرشات اآلالف مبباركة يهوه الرحيم ميوت موىس النبي وهو عىل مشارف أرض‬ ‫وبعد‬ ‫ٍ‬ ‫امليعاد‪ ،‬ومل يشأ يهوه الرحيم أن يجعله يدخل أرض امليعاد ألنه شك ذات مر ٍة يف قدرة يهوه الجبار عىل إخراج املاء‬ ‫من الصخر‪ ،‬فكان عقابه أن ميوت عىل مشارف أرض امليعاد ليخلفه يف قيادة الشعب يشوع بن نون الذي كان الخادم‬ ‫رجل‬ ‫الشخيص ملوىس النبي‪ ،‬ثم متت ترقيته إىل وظيفة خليفة موىس ليصبح هو قائد عملية الدخول‪ ،‬هذا اليشوع كان ً‬ ‫دمويًا وصاحب معجز ٍ‬ ‫ات رهيب ٍة مل يق َو عليها موىس النبي نفسه‪ ،‬وكانت أشهر معجزاته أنه أمر الشمس بأن تقف يف‬ ‫السامء حتى يطول النهار ليتمكن من هزمية أعدائه‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫سائِ َيل‪ :‬يَا شَ ْم ُس ُدو ِمي َع َل‬ ‫سائِ َيل‪َ ،‬وق َ​َال أَ َما َم ُع ُيونِ إِ ْ َ‬ ‫«حي َن ِئ ٍذ كَلَّ َم يَشُ و ُع ال َّر َّب‪ ،‬يَ ْو َم أَ ْسلَ َم ال َّر ُّب األَ ُمو ِريِّ َني أَ َما َم بَ ِني إِ ْ َ‬ ‫ِج ْب ُعونَ‪َ ،‬ويَا قَ َم ُر َع َل َوا ِدي أَيَّلُونَ‪ .‬فَ َدا َم ِت الشَّ ْم ُس َو َوق َ​َف الْ َق َم ُر َحتَّى انْتَ َق َم الشَّ ْع ُب ِم ْن أَ ْع َدائِ ِه»‪( .‬يشوع ‪.)13-12 :10‬‬

‫‪45‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪3‬‬ ‫محمد شومان‬

‫يوم كان اليهود يف ساحة الحرب وعندما كانوا عىل وشك االنتصار بدأت الشمس يف املغيب‪ ،‬مام يعنى توقف‬ ‫فذات ٍ‬ ‫القتال حتى صباح اليوم التايل‪ ،‬ولكن يشوع املؤيَّد بيهوه يرفع يده يف عني الشمس آم ًرا إياها بالوقوف يف كبد السامء‬ ‫حتى يتمكن من القضاء عىل أعدائه‪ ،‬وهو ما يعني أن الشمس يف ذلك العرص كانت هي التي تدور حول األرض التي‬ ‫كانت يف نظر يهوه الجاهل هي محور الكون‪ ،‬ولعلنا يف هذا السياق املق ّدس نتذكر الرب «زيوس»‪ ،‬رب األرباب اليوناين‬ ‫القديم‪ ،‬الذي هبط من عليائه ليمتطي البرشية الجميلة «ألكمينا»‪ ،‬فلام أعجبته كأنثى أطال الليل ملدة ثالث ليا ٍل سويًا‬ ‫ليتمتع جاللته بها أطول فرت ٍة ممكنة‪ ،‬مام جعلها تنجب نصف إل ٍه الذي هو هرقل الشهري‪.‬‬ ‫أما سبب شهرة هذه املعجزة فهو أنها قد جعلت الكنيسة يف العصور الوسطى تنكر نظرية كوبرنيكوس ألنها تقول أن األرض‬ ‫هي التي تدور حول الشمس مام يعنى إنكار املعجزة التوراتية الشهرية واتهام العهد القديم بالكذب أو بالجهل أو كالهام‪!...‬‬ ‫ومن املعارك التي خاضها اليهود تحت قيادة يشوع بن نون كانت معركة االستيالء عىل مدينة أريحا‪ ،‬فقد أرسل يشوع‬ ‫رجلني ليتجسسا عىل أرض أريحا متهي ًدا الحتاللها‪.‬‬ ‫اب َو ْاضطَ َج َعا ُه َن َاك»‪( .‬يشوع ‪.)1 :2‬‬ ‫«فَ َذ َه َبا َو َد َخالَ بَ ْي َت ا ْم َرأَ ٍة زَانِ َي ٍة ْاس ُم َها َرا َح ُ‬ ‫هذان الرجالن وجدا بيتًا للدعارة لعاهر ٍة اسمها راحاب‪ ،‬وألنهم‬ ‫يعيشون يف ٍ‬ ‫جنيس يف صحراء سيناء فقد باتا هناك عند هذه‬ ‫كبت‬ ‫ٍ‬ ‫الزانية‪ ،‬وال نعتقد بالطبع أنهم قد أمضوا هذه الليلة يف الصالة ويف‬ ‫دعوة هذه الزانية إىل التوبة وعبادة الرب يهوه‪ ،‬املهم أنهم يف أثناء‬ ‫الليل قد أقنعوا هذه املومس أن تخون قومها وتدلهم عىل مواطن‬ ‫الضعف يف املدينة‪ ،‬أما السؤال الذي قد يسأله أحد الخبثاء وهو‪ :‬كيف‬ ‫ٍ‬ ‫مومس ترفع الراية الحمراء فوق‬ ‫ميكن لرجلني مضطجعان يف بيت‬ ‫سقف منزلها أن يتمكنا من إقناعها باالنضامم إىل أعداء قومها‪ ،‬فهناك‬ ‫احتامالن‪ :‬األول أن هذين الرجلني أو أحدهام عىل األقل كان يتمتع‬ ‫بفحول ٍة جنسي ٍة غري معهود ٍة يف سكان أريحا‪ ،‬والثاين أن الرب يهوه قد تدخل شخصيًا يف حياة هذه املومس وأقنعها‬ ‫باإلميان به ونبذ عبادة األوثان والتوبة النصوحة والعودة لطريق اإلميان القويم‪ ،‬املهم أنه عند طلوع النهار كان هذان‬ ‫الرجالن قد متكنا بطريق ٍة ما من إقناع املومس الشهرية مبساعدة الجيش عىل الدخول إىل أريحا فيدخل يشوع بجنوده‬ ‫قائل‪:‬‬ ‫ويقتل كل من فيها حتى النساء واألطفال‪ ،‬ولكنه ن ّبه عىل رجاله ً‬ ‫اب ال َّزانِيَ ُة فَ َق ْط تَ ْحيَا» (يشوع ‪.)17 :6‬‬ ‫« َرا َح ُ‬

‫‪46‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪3‬‬ ‫محمد شومان‬

‫وبالفعل تظل راحاب الزانية الخائنة لقومها عىل قيد الحياة‪ ،‬وتصبح مثا ًرا للتساؤالت عىل مدى مئات السنني إىل أن‬ ‫يجيء متّى البشري ليخربنا أن هذه الزانية هي جدة السيد املسيح‪ !...‬وهكذا نعلم بعد مئات السنني الحكمة اإللهية من‬ ‫نجاة هذه الزانية الخائنة لقومها من مذبحة يشوع؟‬

‫السفر التاسع عرش‪ :‬عرص القضاة‬ ‫وميوت يشوع بن نون الدموي ويرتك شعبه وسط أعدائهم حيث تعددهم التوراة‪:‬‬ ‫سائِ َيل ِف َو َس ِط الْ َك ْن َعانِ ِّي َني َوال ِْحثِّ ِّي َني َواألَ ُمو ِريِّ َني َوالْ ِف ِر ِّزيِّ َني َوال ِْح ِّويِّ َني َوالْ َي ُب ِ‬ ‫وس ِّي َني»‪( .‬القضاة ‪.)5 :3‬‬ ‫«ف َ​َس َك َن بَ ُنو إِ ْ َ‬ ‫واستمرت الحرب بينهم وبني اليهود فرت ًة من الزمن يطلق عليها‬ ‫اليهود «عرص القضاة» الذي استمر لعدة ٍ‬ ‫مئات من السنني من‬ ‫القايض عثنيل إىل القايض الشهري شمشون‪ ،‬إىل أن مل اليهود عىل‬ ‫ما يبدو من هذا النظام واشتاقوا إىل أن يكون لهم ٌ‬ ‫ملك مثل األمم‬ ‫املتحرضة‪.‬‬ ‫رجل يُدعى «صموئيل»‬ ‫يف هذه الفرتة كان عىل قمة السلطة الكهنوتية ٌ‬ ‫نبي من عند الرب وكان عهده عهد انكسا ٍر لليهود إىل ٍ‬ ‫حد‬ ‫وهو ٌ‬ ‫استطاع الفلسطينيون هزمية اليهود وأرس الرب يهوه شخص ًيا حيث‬ ‫احتفظ به الفلسطينيون أس ًريا عندهم داخل تابوته لعدة أشهر‪ ،‬وليك‬ ‫يتخلص الرب من أرسه مل يجد بُ ًدا من أن يصيب الشعب املنترص بـ‬ ‫«البواسري»‪:‬‬ ‫الص ِغريِ إِ َل الْ َك ِبريِ‪َ ،‬ونَ َف َرتْ لَ ُه ُم الْ َب َو ِاس ُري»‪( !...‬صموئيل األول ‪.)9 :5‬‬ ‫ض َب أَ ْه َل الْ َم ِدي َن ِة ِم َن َّ‬ ‫« َو َ َ‬ ‫وعندما حدث أملٌ عا ٌم عند الفلسطينيني يف مؤخراتهم وعرفوا أن هذا األمل سببه معجزات يهوه األسري ردوه معززًا مكر ًما‬ ‫يهودي ألنهم تجرأوا ونظروا‬ ‫إىل بني إرسائيل‪ ،‬واحتفالً من يهوه بعودته ساملًا إىل شعبه املختار يقوم بقتل خمسني ألف‬ ‫ٍّ‬ ‫إىل داخل التابوت الذي يسكنه‪.‬‬

‫‪47‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪3‬‬ ‫محمد شومان‬

‫يوم يصعد الشعب إىل النبي صموئيل طال ًبا منه أن يجعل لهم ملكًا‪:‬‬ ‫وذات ٍ‬ ‫وب»‪( .‬صموئيل‬ ‫« َوقَالُوا لَ ُه‪ُ :‬ه َوذَا أَنْ َت قَ ْد ِش ْخ َت‪َ ،‬وابْ َن َاك لَ ْم يَ ِس َريا ِف طَرِي ِق َك‪ .‬فَاآل َن ا ْج َع ْل لَ َنا َملِكًا يَق ِْض لَ َنا ك َ​َسائِ ِر الشُّ ُع ِ‬ ‫األول ‪.)5 :8‬‬ ‫ولكن هذا الطلب مل يرق يف عيني النبي صموئيل فهو يف النهاية مجرد كاهنٍ بدرجة نبي‪ ،‬ووظيفته األساسية هي ابتزاز‬ ‫أموال الشعب تحت ستا ٍر من الدين‪ ،‬وحاول صموئيل جاه ًدا أن يثنيهم عن عزمهم يف اتخاذ ٍ‬ ‫ملك بدلً منه ألن امللك‬ ‫كخدم له وبناتهم كجوارٍ‪ ...‬إلخ‪:‬‬ ‫سوف يجعلهم عبي ًدا عنده ويأخذ بنيهم‬ ‫ٍ‬ ‫«فَ َكلَّ َم َص ُموئِ ُيل الشَّ ْع َب ال َِّذي َن طَلَبُوا ِم ْن ُه َملِكًا ِب َج ِميعِ كَال َِم ال َّر ِّب‪َ ،‬وق َ​َال‪ :‬هذَا يَكُو ُن ق َ​َضا ُء الْ َملِ ِك ال َِّذي َ ْيلِ ُك َعلَيْ ُك ْم‪:‬‬ ‫يَأْ ُخ ُذ بَ ِني ُك ْم َويَ ْج َعلُ ُه ْم لِ َنف ِْس ِه‪ ،‬لِ َم َراكِ ِب ِه َوفُ ْر َسانِ ِه‪ ،‬ف َ َْيك ُ​ُضو َن أَ َما َم َم َراكِ ِب ِه‪َ .‬ويَ ْج َع ُل لِ َنف ِْس ِه ُر َؤ َسا َء أُل ٍ‬ ‫ُوف َو ُر َؤ َسا َء َخ َم ِس َني‪،‬‬ ‫ات َو َخ َّباز ٍ‬ ‫ات َوطَ َّبا َخ ٍ‬ ‫ات َم َراكِ ِب ِه‪َ .‬ويَأْ ُخ ُذ بَ َناتِ ُك ْم َعطَّا َر ٍ‬ ‫فَ َي ْح ُرث ُو َن َح َراثَتَ ُه َويَ ْح ُص ُدو َن َح َصا َد ُه‪َ ،‬ويَ ْع َملُو َن ُع َّد َة َح ْر ِب ِه َوأَ َد َو ِ‬ ‫َات‪.‬‬ ‫ش ُز ُرو َع ُك ْم َوكُ ُرو َم ُك ْم‪َ ،‬ويُ ْع ِطي لِ ِخ ْص َيانِ ِه َو َعب ِ‬ ‫َويَأْ ُخ ُذ ُحقُولَ ُك ْم َوكُ ُرو َم ُك ْم َو َزيْتُونَ ُك ْم‪ ،‬أَ ْج َو َد َها َويُ ْع ِطي َها لِ َعب ِ‬ ‫ِيد ِه‪.‬‬ ‫ِيد ِه‪َ .‬ويُ َع ِّ ُ‬ ‫ش َغ َن َم ُك ْم َوأَنْتُ ْم تَكُونُو َن لَ ُه َعبِي ًدا‪.‬‬ ‫َويَأْ ُخ ُذ َعبِي َدكُ ْم َو َج َوا ِريَ ُك ْم َوشُ َّبانَ ُك ُم ال ِْح َسا َن َو َح ِم َريكُ ْم َويَ ْستَ ْع ِملُ ُه ْم لِشُ ْغلِ ِه‪َ .‬ويُ َع ِّ ُ‬ ‫ِيب لَ ُك ُم ال َّر ُّب ِف ذلِ َك الْيَ ْو ِم»‪( .‬صموئيل‬ ‫ص ُخو َن ِف ذلِ َك الْيَ ْو ِم ِم ْن َو ْج ِه َملِ ِك ُك ُم ال َِّذي ا ْخ َ ْتتُ ُو ُه ألَنْف ُِس ُك ْم‪ ،‬فَالَ يَ ْستَج ُ‬ ‫فَتَ ْ ُ‬ ‫األول ‪.)18-10 :8‬‬

‫السفر العرشون‪ :‬امللك والكاهن‬ ‫ورغم قصيدة الهجاء البشعة هذه يف نظام الحكم املليك إال أنهم‬ ‫أرصوا عىل مطلبهم لذا مل يجد صموئيل ب ًدا من أن يختار لهم أول‬ ‫ملوكهم وهو «شاول» من سبط بنيامني‪ ،‬الذي ما إن يصب صموئيل‬ ‫عىل رأسه الزيت املق ّدس ليمسحه ملكًا حتى يفاجأ بأنه تحول إىل‬ ‫أيضا إذ تحل عليه روح الرب يف طريق عودته إىل بيته‪ ،‬وهكذا‬ ‫نبي ً‬ ‫ٍّ‬ ‫أيضا بني األنبياء‪.‬‬ ‫يصبح شاول ً‬ ‫بحرب ناجح ٍة ضد بني عمون مام يثبت‬ ‫ويبدأ شاول فرتة حكمه‬ ‫ٍ‬ ‫كحاكم لليهود ويؤدي بالتايل إىل تهميش دور النبي صموئيل‪،‬‬ ‫رشعيته‬ ‫ٍ‬ ‫أو أن نجاح شاول يف هذه الحرب قد حسم النزاع الدائر يف وسط‬ ‫‪48‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪3‬‬ ‫محمد شومان‬

‫الشعب بني التمسك بالحكم الديني املتمثل يف حزب الكهنة وعىل رأسهم صموئيل وبني التيار العلامين املتمثل يف شاول‬ ‫ورجاله‪ ،‬ويف مناور ٍة تكتيكي ٍة يق ّدم النبي صموئيل استقالته إىل الشعب‪ -‬وكأن الشعب هو الذي ع ّينه كاه ًنا عىل درجة‬ ‫نبي‪ -‬ويرحل إىل قريته‪.‬‬ ‫يف املعركة التالية لليهود بقيادة شاول وكانت ضد ٍ‬ ‫فلسطيني عظيم ‪-‬ملحوظة‪ :‬مل يعد أح ٌد من الباحثني الجادين‬ ‫جيش‬ ‫ٍ‬ ‫يستطيع أن يأخذ األرقام التي توردها التوراة عىل محمل الجدية‪ -‬وكان عدد الجيش الفلسطيني كام تذكر التوراة‪:‬‬ ‫«�ثَالَث ُو َن أَل َْف َم ْركَبَ ٍة‪َ ،‬و ِستَّ ُة آال َِف فَار ٍِس‪َ ،‬وشَ ْع ٌب كَال َّر ْملِ ال َِّذي َع َل شَ ِاطئِ الْبَ ْح ِر ِف الْك ْ َ​َث ِة»‪( .‬صموئيل األول ‪.)5 :13‬‬ ‫ووقف الجيش اليهودي يف انتظار النبي صموئيل‬ ‫ٍ‬ ‫افتتاحي للمعركة‪،‬‬ ‫كطقس‬ ‫ليق ّدم ذبيح ًة للرب‬ ‫ٍّ‬ ‫ولكن النبي املاكر يتعمد التأخري يف هذا الظرف‬ ‫العصيب حتى متر سبعة أيام‪ ،‬فال يجد شاول ب ًدا‬ ‫من أن يق ّدم هو بنفسه الذبيحة للرب‪ ،‬وهنا يظهر‬ ‫صموئيل عىل مرسح األحداث موب ًخا شاول ألنه‬ ‫متجاهل أنه هو الذي تأخر‬ ‫ً‬ ‫تعدى اختصاصاته‬ ‫نبي بني األنبياء‬ ‫ً‬ ‫ومتجاهل ً‬ ‫أيضا أن شاول نفسه ٌ‬ ‫قائل‪:‬‬ ‫ومن حقه تقديم الذبيحة للرب‪ ،‬وهدده ً‬ ‫«ق َِد انْتَ َخ َب ال َّر ُّب لِ َنف ِْس ِه َر ُج ًل َح َس َب قَلْ ِب ِه‪َ ،‬وأَ َم َر ُه ال َّر ُّب أَ ْن يَ َ َتأَّ َس َع َل شَ ْع ِب ِه‪ .‬ألَنَّ َك لَ ْم ت َ ْح َف ْظ َما أَ َم َر َك ِب ِه ال َّر ُّب»‪!..‬‬ ‫(صموئيل األول ‪.)14 :13‬‬ ‫وهكذا يظهر الكاهن النبي صموئيل يف ٍ‬ ‫عصيب عىل شعبه ويبرش قائد املعركة بأن الرب قد اختار ملكًا آخر مكانه‬ ‫وقت‬ ‫ٍ‬ ‫مع مالحظة أن عدد جيش شاول كان قد تقلص إىل ستامئة رجلٍ فقط بسبب تأخر صموئيل وفزع الشعب من الجيش‬ ‫الفلسطيني الجبار‪ ،‬ومل يكن معهم غري سيفني فقط أحدهام مع امللك واآلخر مع يوناثان ابنه‪ .‬ملحوظة‪ :‬كان من املحظور‬ ‫عىل اليهود تصنيع السالح أو حتى العمل يف محلٍ للحدادة بأم ٍر من الفلسطينيني سادة البالد حينئذ‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫كملك يف ظل تقلص عدد رجاله وهروبهم أمام العدو‬ ‫وهكذا وقع شاول يف مأزقٍ فقد ج ّرده صموئيل من رشعيته‬ ‫أيضا يف هذه املعركة‪ ،‬ولكن هذا االنتصار ال يرفع غضب الرب عن شاول‪،‬‬ ‫الرهيب‪ ،‬ولكن يشاء القدر أن ينترص شاول ً‬ ‫قائل‪:‬‬ ‫فيأيت الرب إىل صموئيل ً‬ ‫‪49‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪3‬‬ ‫محمد شومان‬

‫«نَ ِد ْم ُت َع َل أَ ِّن قَ ْد َج َعل ُْت شَ ا ُو َل َملِكًا‪ ،‬ألَنَّ ُه َر َج َع ِم ْن َو َر ِائ َولَ ْم يُ ِق ْم كَالَ ِمي»‪( .‬صموئيل األول ‪.)11 :15‬‬ ‫أيضا مثلنا‪ ،‬ويعرتف للكاهن‬ ‫إذن فالرب التورايت يندم ً‬ ‫صموئيل بخطئه يف اختيار شاول ملكًا‪ ،‬فال يجد الكاهن‬ ‫رسا‬ ‫ب ًدا من أن يصلح غلطة اإلله وسوء اختياره‪ ،‬فيذهب ً‬ ‫وسيم يهوى املوسيقى اسمه داود‬ ‫غنم أشقر ٍ‬ ‫إىل راعي ٍ‬ ‫ويصب عىل رأسه الزيت املق ّدس ويعينه ملكا‪ -‬بأمر‬ ‫الرب‪:!...-‬‬ ‫وح ال َّر ِّب َع َل َدا ُو َد ِم ْن ذلِ َك الْ َي ْو ِم ف َ​َصا ِع ًدا»‪( .‬صموئيل األول ‪.)13 :16‬‬ ‫« َو َح َّل ُر ُ‬ ‫رشعي‬ ‫أيضا بروح الرب التي حلت فيه‪ ،‬أي أصبح إلرسائيل ملكان أحدهام‬ ‫وهكذا أصبح داود ملكًا بأمر صموئيل ونبيًا ً‬ ‫ٌ‬ ‫وميارس سلطاته‪ ،‬واآلخر يتحني الفرصة مبساعدة الكهنة لالستيالء عىل الحكم‪.‬‬ ‫وألن سلطة الكهنة عىل العقل الجمعي للشعوب جمي ًعا أقوى من سلطة امللوك لذا فقد شعر شاول بالخطر من عداء‬ ‫صموئيل وكهنته له مام أصابه بحال ٍة نفسي ٍة سيئ ٍة تسميها التوراة‪:‬‬ ‫وح َر ِدي ٌء ِم ْن ِق َبلِ ال َّر ِّب» (صموئيل ‪.)14 :16‬‬ ‫« َوبَ َغتَ ُه ُر ٌ‬ ‫وكان العالج املقرتح لهذه الحالة أن يرفّه امللك عن نفسه ببعض املوسيقى‪ ،‬وهكذا دخل املوسيقي الوسيم إىل القرص‬ ‫املليك رمبا مبساعد ٍة من حزب الكهنة الذين مهدوا له الطريق ليصبح من قواد الجيش كخطو ٍة أوىل أعقبتها قفز ٌة كبري ٌة‬ ‫بأن أصبح صه ًرا للملك شاول شخصيًا حيث تزوج من ابنته ميكال‪ ،‬وكان شاول قد طلب البنته مه ًرا قد يبدو غريبًا بعض‬ ‫اليشء وهو «مئة غلفة» من غلف الفلسطينيني‪ ،‬أي قطعة الجلد التي تقطع من العضو الذكرى ساعة الختان؟ ولكن‬ ‫داود الرومانيس يرجع ومعه مئتي جِلد ٍة قضيبي ٍة كمه ٍر لسمو األمرية‪.‬‬ ‫غنم يهوى املوسيقى إىل العازف األول للقرص املليك‪ ،‬ثم قائ ًدا للجيش‪ ،‬ثم‬ ‫وهكذا تح ّول داود بفضل الكهنة من راعي ٍ‬ ‫مثال يُحتذى يف كل‬ ‫صه ًرا للملك شاول‪ !...‬ملحوظة‪ :‬خطوات الكهنة يف سبيل وصول داود إىل العرش كانت ومازالت ً‬ ‫العصور لكهنة جميع األديان‪ ،‬ولعلها تتكرر أمامنا اآلن يف املحروسة رمبا بشكلٍ متطو ٍر ولكنها بنفس االنتهازية الكهنوتية‪،‬‬ ‫ونفس االستغالل السم اإلله واالدعاء مبعرفة رغباته وأوامره التي ال يطّلع عليها سوى صاحب أطول لحية‪!...‬‬ ‫‪50‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪3‬‬ ‫محمد شومان‬

‫وحني يكتشف شاول أن الكهنة قد ساعدوا داود يأمر بقتلهم ولكن‬ ‫حتى عبيده يعصون أمره مام يوضح لنا مدى تهافت سلطان امللك‬ ‫إذا ما تعارض مع رغبات الكهنة‪ ،‬ولكن أحد رجال امللك ينفّذ أمره‪:‬‬ ‫ض َب‬ ‫« َوقَتَ َل ِف ذلِ َك الْ َي ْو ِم َخ ْم َس ًة َو َثَانِ َني َر ُج ًل الَب ِ​ِس أَفُو ِد كَتَّانٍ ‪َ .‬و َ َ‬ ‫الس ْي ِف»‪( .‬صموئيل األول ‪.)19-18 :22‬‬ ‫وب َم ِدي َن َة الْ َك َه َن ِة ِب َح ِّد َّ‬ ‫نُ َ‬ ‫ويتصاعد العداء بني شاول وحزب الكهنة إىل أن يحسمه‬ ‫الفلسطينيون أو القدر أو رمبا يهوه شخص ًيا‪ ،‬ففي إحدى معارك‬ ‫ٍ‬ ‫مميت فينتحر‪:‬‬ ‫اليهود مع الفلسطينيني يصاب شاول بجر ٍح‬ ‫«ف َ​َمتَ شَ ا ُو ُل َوبَ ُنو ُه الثَّالَث َ ُة َو َحا ِم ُل ِسال َِح ِه َو َج ِمي ُع ِر َجالِ ِه ِف ذلِ َك‬ ‫الْ َي ْو ِم َم ًعا»‪( .‬صموئيل األول ‪.)6 :31‬‬ ‫ووجد الفلسطينيون جثته فيقطعوا رأسه ويسمروا جسده عىل الحائط‪ ،‬ثم يتسلل اليهود ليأخذوا الجثة ليحرقوها‬ ‫وينرثوا رمادها‪ ،‬وتكون هذه هي نهاية أول ملوك بني إرسائيل االنتحار ثم قطع الرقبة والتسمري وأخ ًريا الحرق‪.‬‬

‫السفر الحادي والعرشون‪ :‬املوسيقار املقدس‬ ‫ٍ‬ ‫رشعي مكان أبيه ‪ -‬كان مسح‬ ‫كملك‬ ‫ومبوت شاول اختارت معظم إرسائيل «إحدى عرش قبيل ًة» إيشبوشت ابن شاول‬ ‫ٍ‬ ‫رسا بينهام‪ -‬بينام تختار قبيلة يهوذا ابنها داود ملكًا‪ ،‬فكان من املحتم قيام الحرب بينهام التي‬ ‫صموئيل لداود مازال ً‬ ‫ٍ‬ ‫حاسم عىل اآلخر‪ ،‬إىل أن يحدث ٌ‬ ‫خالف بني إيشبوشت وبني أبنري قائد‬ ‫رصا‬ ‫استمرت لعدة‬ ‫ً‬ ‫سنوات دون أن يحقق أيهام ن ً‬ ‫جيشه‪ ،‬إذ ميتطي قائد الجيش زوج ًة كانت لشاول‪ ،‬وعندما يعاتبه إيشبوشت عىل فعلته يقرر القائد أن ينقل والءه‬ ‫لداود‪ ،‬ولكن ُحسمت املعارك مبقتل إيشبوشت ومبايعة إرسائيل بأكملها تقري ًبا للنبي داود‪.‬‬ ‫أيضا‪ ،‬وكان أول عملٍ يقوم به ٍ‬ ‫كملك عىل كل إرسائيل‬ ‫وكان داود سياس ًيا داهي ًة استطاع أن يكتسب حب الكهنة والشعب ً‬ ‫أنه اتخذ أورشليم عاصم ًة ململكته‪ ،‬ثم يقوم بإحضار تابوت عهد الرب إىل العاصمة الجديدة يف مظاهر ٍة احتفالي ٍة ضخم ٍة‬ ‫كان عىل رأسها امللك داود شخص ًيا يرقص بكل قو ٍة حتى انكشفت عورته مام حدا بامرأته ميكال إىل توبيخه قائل ًة‪:‬‬ ‫‪51‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪3‬‬ ‫محمد شومان‬

‫سائِ َيل الْ َي ْو َم‪َ ،‬ح ْيثُ تَكَشَّ َف الْ َي ْو َم ِف أَ ْع ُ ِي إِ َما ِء َعب ِ‬ ‫الس َف َها ِء» (صموئيل الثاين ‪!...)20 :6‬‬ ‫ِيد ِه ك َ​َم يَتَكَشَّ ُف أَ َح ُد ُّ‬ ‫« َما كَا َن أَكْ َر َم َملِ َك إِ ْ َ‬ ‫وال نستطيع نحن أن نلوم ميكال عىل رأيها يف زوجها املق ّدس الذي يرقص يف الشارع أمام الناس حتى تتبدى عورته كأحد‬ ‫السفهاء‪ ،‬فالرقص يف الشوارع من شيم البغايا ال امللوك‪ ،‬ولكن يهوه الجبار الذي أصبح بفضل داود يسكن العاصمة‬ ‫غضب إغالق رحم ميكال بسبب رأيها يف زوجها املقدس‪.‬‬ ‫أورشليم مل يرض باإلهانة لحبيبه داود‪ ،‬فقرر يف لحظة‬ ‫ٍ‬ ‫وذات ليل ٍة كان داود يعاين فيها من األرق فوقف عىل سطح بيته ليشاهد امرأ ًة فاتن ًة تستحم يف املنزل املقابل فلم‬ ‫يتاملك جاللته نفسه أمام جاملها الفاتن فأرسل بكل بساط ٍة ليستدعيها وميتطيها ثم يردها معزز ًة مكرم ًة إىل بيتها‪.‬‬ ‫« َو َح ِبل َِت الْ َم ْرأَةُ‪ ،‬فَأَ ْر َسل َْت َوأَ ْخ َ َبتْ َدا ُو َد َوقَال َْت‪ :‬إِ ِّن ُحبْ َل»‪( .‬صموئيل الثاين ‪.)5 :11‬‬ ‫يا لداود املسكني الذي متتع ليل ًة واحد ًة بني أحضان الفاتنة «بثشبع» وتكون‬ ‫الفضيحة والعار يف انتظاره فقد كان زوج هذه الفاتنة يجاهد يف سبيل الله‬ ‫مع جيش النبي داود ضد األعداء الكفرة‪ ،‬ويرسل النبي الطاهر داود يف‬ ‫استدعاء الزوج املخدوع «أوريا الحثي» ويسأله عن أخبار الحرب املقدسة‬ ‫التي يخوضها الجيش يف سبيل الرب ثم يرصفه إىل بيته ليضاجع امرأته‬ ‫فينسب إليه طفل الزنا القادم ولكن الجندي الشجاع يرفض دخول بيته‬ ‫والنوم مع امرأته بينام إخوانه الجنود مازالوا عىل خط النار أمام األعداء‬ ‫قائل‪:‬‬ ‫الكفرة مرب ًرا موقفه لداود ً‬ ‫وآب َو َعبِي ُد‬ ‫سائِ َيل َويَ ُهوذَا َساكِ ُنو َن ِف ال ِْخ َي ِام‪َ ،‬و َس ِّي ِدي يُ ُ‬ ‫«إِ َّن التَّابُوتَ َوإِ ْ َ‬ ‫ش َب َوأَ ْضطَج َع‬ ‫َس ِّي ِدي نَا ِزلُو َن َع َل َو ْج ِه َّ‬ ‫الص ْح َرا ِء‪َ ،‬وأَنَا ِآت إِ َل بَ ْي ِتي آلك َُل َوأَ ْ َ‬ ‫َم َع ا ْم َرأَ ِت؟ َو َح َياتِ َك َو َح َيا ِة نَف ِْس َك‪ ،‬الَ أَفْ َع ُل هذَا األَ ْم َر»‪( .‬صموئيل الثاين ‪.)11 :11‬‬ ‫رص من العصور يستحق أوريا الحثي الجندي املثايل أن نرفع له القبعة تحي ًة واحرتا ًما‪ ،‬هذا‬ ‫بكل املقاييس األخالقية ألي ع ٍ‬ ‫متثال‪ ،‬بينام عىل الجانب اآلخر يظهر ترصف داود امللك النبي يف غاية الخسة والنذالة‪ ،‬وأي مقارن ٍة عادل ٍة‬ ‫إن مل نُقم له ً‬ ‫سوف تضع داود يف مزبلة التاريخ وتعيد ألوريا تقديره املسلوب أو املغتصب منه‪ ،‬وعندما يعلم داود النبي املق ّدس بأن‬ ‫يغي من مبادئ الرجل الرشيف‪،‬‬ ‫أوريا مل يدخل بيته يستدعيه يف اليوم التايل ويُسكره حتى الثاملة‪ ،‬ولكن حتى السكر ال ّ‬ ‫أيضا يف العراء تضام ًنا مع إخوانه عىل الجبهة‪ ،‬وهنا ينفد صرب النبي داود فريسله إىل الجبهة ويرسل معه خطابًا إىل‬ ‫فينام ً‬ ‫قائد الجيش يأمره فيه أن يجعل أوريا الحثي الزوج املخدوع يف مقدمة الجيش حتى يُقتل‪...‬؟ وهو ما يحدث بالفعل‪،‬‬ ‫‪52‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪3‬‬ ‫محمد شومان‬

‫فيموت أوريا شهي ًدا وضحي ًة لجامل امرأته وشبق امللك النبي الذي ما إن يبلغه الخرب السعيد حتى يرسل يف استدعاء‬ ‫املرأة اللعوب وضمها إىل حرميه‪!...‬‬ ‫معصوم من الخطأ‪،‬‬ ‫برشي غري‬ ‫ٍ‬ ‫نبي يف حجم داود قد ميكن التغايض عنها باعتبار أنه ٌ‬ ‫الخطأ والخطيئة حتى لو كانت من ٍّ‬ ‫فترصف حق ٌري من ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫شخص‬ ‫أما استدعاء الزانية اللعوب مر ًة أخرى للقرص املليك بعد قتل زوجها وإعادة امتطائها مر ًة أخرى‬ ‫حاكم وال نب ًيا‪ ،‬وهو ما يجعلنا نعيد التساؤل عن املعايري‬ ‫أقل ما يوصف به هو أنه زانٍ قذ ٌر وال يصح أب ًدا أن يكون ً‬ ‫اليهوية يف اختيار رجاله املكرمني‪ ،‬وعن كيفية التوفيق بني أخالقياتنا النابعة من ضمرينا الخلقي وبني املثال الديني القذر‬ ‫الذي يدعونا كهنة جميع األديان إىل االقتداء به‪.‬‬ ‫ويرفض الرب يهوه هذا الترصف الدينء من امللك املبجل فريسل إليه النبي ناثان موب ًخا ومتوع ًدا باالنتقام فقال له‪:‬‬ ‫اح َد ٍة‪َ ،‬و ِ‬ ‫«كَا َن َر ُجالَنِ ِف َم ِدي َن ٍة َو ِ‬ ‫اح ٌد ِم ْن ُه َم َغ ِن ٌّي‬ ‫َواآل َخ ُر فَ ِق ٌري‪َ .‬وكَا َن لِلْ َغ ِن ِّي َغ َن ٌم َوبَ َق ٌر كَ ِث َري ٌة ِج ًّدا‪.‬‬ ‫ش ٌء إِالَّ نَ ْع َج ٌة َو ِ‬ ‫اح َد ٌة‬ ‫َوأَ َّما الْ َف ِق ُري فَلَ ْم يَ ُك ْن لَ ُه َ ْ‬ ‫َص ِغ َري ٌة ق َِد اقْتَ َنا َها َو َربَّا َها َوك ِ َ​َبتْ َم َع ُه َو َم َع‬ ‫َش ُب ِم ْن كَأْ ِس ِه‬ ‫بَ ِني ِه َج ِمي ًعا‪ .‬تَأْك ُ​ُل ِم ْن لُ ْق َم ِت ِه َوت ْ َ‬ ‫َوتَ َنا ُم ِف ِح ْض ِن ِه‪َ ،‬وكَانَ ْت لَ ُه كَابْ َن ٍة‪ .‬فَ َجا َء َض ْي ٌف‬ ‫إِ َل ال َّر ُجلِ الْ َغ ِن ِّي‪ ،‬فَ َعفَا أَ ْن يَأْ ُخ َذ ِم ْن َغ َن ِم ِه َو ِم ْن‬ ‫لض ْي ِف ال َِّذي َجا َء إِلَ ْي ِه‪ ،‬فَأَ َخ َذ نَ ْع َج َة‬ ‫بَ َق ِر ِه لِ ُي َه ِّي َئ لِ َّ‬ ‫ال َّر ُجلِ الْ َف ِقريِ َو َهيَّأَ لِل َّر ُجلِ ال َِّذي َجا َء إِلَيْ ِه‪ .‬فَ َح ِم َي غ َ​َض ُب َدا ُو َد َع َل ال َّر ُجلِ ِج ًّدا‪َ ،‬وق َ​َال لِ َناث َانَ‪َ « :‬ح ٌّي ُه َو ال َّر ُّب‪ ،‬إِنَّ ُه يُ ْقتَ ُل‬ ‫ال َّر ُج ُل الْفَا ِع ُل ذلِ َك‪َ ،‬ويَ ُر ُّد ال َّن ْع َج َة أَ ْربَ َع َة أَ ْض َع ٍ‬ ‫اف ألَنَّ ُه فَ َع َل هذَا األَ ْم َر َوألَنَّ ُه لَ ْم يُشْ ِف ْق‪ .‬فَق َ​َال نَاث َا ُن لِ َدا ُو َد‪ :‬أَنْ َت ُه َو ال َّر ُج ُل!»‬ ‫(صموئيل الثاين ‪.)1-7 :12‬‬ ‫وكان البد للرب من معاقبة داود عىل هذا الفعل‪ ،‬ولكننا نعلم من تجاربنا العديدة مع الرب يهوه أن عقابه دامئًا ما‬ ‫أيضا هذه املرة حيث يقع العقاب عىل ابن الزنا الربيء وليس عىل الزاين أو‬ ‫يصيب الشخص الخطأ‪ ،‬وهذا ما حدث ً‬ ‫الزانية‪ ،‬فيقتل الرب طفل الخطيئة هذا وكأنه هو الذي ارتكب الزنا وليس والداه‪ ،‬والالفت للنظر أن داود بعد أن وبخه‬ ‫ناثان النبي عىل لسان الرب مل يتب من فعلته القذرة‪ ،‬أو عىل األقل مل يتجنب املرأة التي زىن بها فأحبلها يف الحرام بل‬ ‫عىل العكس‪ ،‬يدخل داود عىل بثشبع ثاني ًة وميتطيها لتنجب له ابن حال ٍل هذه املرة ل ُيصبح فيام بعد هو النبي سليامن‬ ‫الحكيم ابن داود من بثشبع ولكن يف الحالل هذه املرة عىل أرجح األقوال‪!...‬‬ ‫‪53‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪3‬‬ ‫محمد شومان‬

‫فتى كيف كانت حياة األرسة الداوودية الطاهرة‪ ،‬نعلم طب ًعا أن داود هو الجد األعظم‬ ‫وإذا كان هذا هو حال رب األرسة ُ‬ ‫للمسيح والفخر األكرب لليهود ومؤسس اململكة اليهودية الحقيقي‪ ،‬فكيف نستفيد من الطهر األخالقي لهذه العائلة املباركة؟‬

‫السفر الثاين والعرشون‪ :‬العائلة املقدسة‬ ‫أي كان أن يحب حتى‬ ‫كان لداود اب ٌن اسمه أمنون‪...‬هذا األمنون وقع يف الحب‪ ،‬ونحن ال نعرتض عىل ذلك فمن حق ٍّ‬ ‫لو كان اب ًنا لنبي‪ ،‬ولكن املأساة أنه وقع يف غرام أخته‪ ،‬نعم تذكر التوراة أن هذا األمنون قد وقع يف غرام أخته الجميلة‬ ‫ثامار‪...‬؟ واستشار ابن عمه يف هذا الغرام الذي يكوي فؤاده فنصحه ابن عمه باستدراجها إىل الفراش عن طريق ادعاء‬ ‫املرض‪ ،‬يا لها من عائل ٍة محرتمة‪ ،‬األخ يشتهي أخته وابن العم يساعده عىل ارتكاب زنا املحارم ويضع له خط ًة ليتمكن‬ ‫كتاب مق ّد ٍس من الرب يهوه إىل الشعب املختار‪،‬‬ ‫من اعتالء أخته‪ ،‬وهذا الكالم ليس يف رواي ٍة جنسي ٍة إباحي ٍة بل هو يف ٍ‬ ‫وبالفعل ينجح أمنون يف استدراج أخته ثامار إىل حجرة النوم ثم‪:‬‬ ‫سائِ َيل»‪.‬‬ ‫«فَأَ ْم َس َك َها َوق َ​َال لَ َها‪ :‬ت َ َع َ ِ‬ ‫ال ْاضطَ ِج ِعي َم ِعي يَا أُ ْخ ِتي‪ .‬فَقَال َْت لَ ُه‪ :‬الَ يَا أَ ِخي‪ ،‬الَ ت ُِذلَّ ِني ألَنَّ ُه الَ يُ ْف َع ُل ه َكذَا ِف إِ ْ َ‬ ‫(صموئيل الثاين ‪.)12 :13‬‬ ‫ولكن األمري العاشق ال يستمع لتوسالت أخته ويطفئ نريان شهوته‬ ‫بني أحضانها ثم يطردها من بيته ويغلق الباب‪!...‬‬ ‫وهكذا اغتصب سمو األمري أمنون ابن امللك النبي داود أخته غري‬ ‫الشقيقة وفض غشاء بكارتها ثم طردها من منزله العامر بعد أن‬ ‫أطفأ يف أحضانها نريان شهواته‪!...‬‬ ‫وتخربنا التوراة املقدسة عن رد فعل األب داود املبارك‪:‬‬ ‫« َول ََّم َس ِم َع الْ َملِ ُك َدا ُو ُد ِب َج ِميعِ ِ‬ ‫هذ ِه األُ ُمو ِر ا ْغتَا َظ ِج ًّدا»‪( .‬صموئيل‬ ‫الثاين ‪.)21 :13‬‬ ‫نعم كان هذا هو رد فعل النبي داود حني علم أن ابنه قد اغتصب ابنته «اغتاظ ج ًدا»‪ ،‬ولكنه مل يتخذ أي إجرا ٍء ملعاقبة‬ ‫ابنه السافل هذا‪ ،‬ورمبا ما منعه من عقاب ابنه الزاين إحساسه بأنه هو شخصيًا قد مارس الزنا من قبل‪ ،‬وبالتايل فمن‬ ‫شابه أباه فام ظلم‪.‬‬ ‫‪54‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪3‬‬ ‫شقيق هو أبشالوم الذي دعا جميع إخوته عىل الغذاء ثم أمر‬ ‫وكان لثامار أ ٌخ‬ ‫ٌ‬ ‫غلامنه بقتل أخاه أمنون انتقاما لرشف أخته املهدر‪ ،‬وطب ًعا لن نستطيع نحن‬ ‫أن نلوم هذا األبشالوم‪ ،‬فإذا كان األب املبارك قد اكتفى بالغيظ فقط‪ ،‬إذن فمن‬ ‫حق األخ الشقيق أن يأخذ حقه بسيفه‪ ،‬وبالفعل يقتل الغلامن أمنون أمام باقي‬ ‫إخوته‪ ،‬فامذا كان رد فعل األمراء عىل قتل أخيهم؟‪:‬‬ ‫« فَقَا َم َج ِمي ُع بَ ِني ا لْ َملِ ِك َو َركِ ُبوا ك ُُّل َو ِ‬ ‫اح ٍد َع َل بَ ْغلِ ِه َو َه َر بُوا»‪.‬‬ ‫(صموئيل الثاين ‪.)29 :13‬‬ ‫قاتل والباقون جبناء‪.‬‬ ‫إذن فنسل داود الطاهر أحدهم زانٍ واآلخر ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫سنوات بعد حادثة القتل املريعة‬ ‫أما أبشالوم فقد هرب من أبيه ملدة ثالث‬ ‫هذه‪ ،‬والتي أقدم عليها بعد أن وجد أباه الطاهر «اغتاظ ج ًدا»‪ ،‬ثم رجع بعدها‬ ‫إىل أورشليم ثاني ًة ليعفو عنه أباه‪ ،‬فريد له أبشالوم الجميل بأن يقوم بثور ٍة ضد‬ ‫داود لخلعه عن كريس الحكم‪ ،‬فيفر داود من عاصمة ملكه تاركًا زوجاته وراءه‪،‬‬ ‫أيضا‪ ،‬ثم ينصب أبشالوم خيم ًة عىل‬ ‫ويحتل أبشالوم العاصمة والقرص املليك ً‬ ‫سطح القرص املليك ليضاجع فيها نساء أبيه العرش عالني ًة أمام الشعب ليعلم‬ ‫الجميع أن عدائه ألبيه نها ٌيئ وال رجعة فيه فيحسموا ترددهم وينضموا إليه‪،‬‬ ‫وهكذا ينصب أبشالوم خيم ًة عىل سطح القرص املليك ليشاهده الشعب وهو‬ ‫يعتيل نساء أبيه العرش يف ٍ‬ ‫جنيس مشوقٍ ويشاهده جمهور الشعب مجانًا‬ ‫عرض‬ ‫ٍ‬ ‫عىل الهواء مبارشةً‪ ،‬نعم هكذا يقول لنا النص التورايت املق ّدس أن هذا الفحل‬ ‫األبشالوم قد ضاجع زوجات أبيه العرش أمام جميع الشعب‪!...‬‬ ‫سائِ َيل‪ ،‬فَأَت َ ْوا إِ َل أُو ُرشَ لِي َم َوأَ ِخيتُوف َُل‬ ‫« َوأَ َّما أَبْشَ الُو ُم َو َج ِمي ُع الشَّ ْع ِب ِر َج ُال إِ ْ َ‬ ‫سار ِِّي أَب َِيك اللَّ َو ِات ت َ َركَ ُه َّن لِ ِحف ِْظ‬ ‫َم َع ُه ْم‪ ...‬فَق َ​َال أَ ِخيتُوف َُل ألَبْشَ الُو َم‪ :‬ا ْد ُخ ْل إِ َل َ َ‬ ‫صتَ َم ْك ُرو ًها ِم ْن أَب َِيك‪ ،‬فَتَتَشَ َّد َد أَيْ ِدي‬ ‫سائِ َيل أَنَّ َك قَ ْد ِ ْ‬ ‫الْ َب ْي ِت‪ ،‬فَ َي ْس َم َع ك ُُّل إِ ْ َ‬ ‫السطْ ِح‪َ ،‬و َد َخ َل أَبْشَ الُو ُم إِ َل‬ ‫َج ِميعِ ال َِّذي َن َم َع َك‪ .‬فَ َن َص ُبوا ألَبْشَ الُو َم الْ َخ ْي َم َة َع َل َّ‬ ‫سائِ َيل»‪( .‬صموئيل الثاين ‪.)22-21 :16 ،15 :16‬‬ ‫سار ِِّي أَبِي ِه أَ َما َم َج ِميعِ إِ ْ َ‬ ‫َ​َ‬ ‫‪55‬‬

‫ﺍﻷﺧﻄﺎﺀﺍﻟﻠﻐﻮﻳﺔ ﰲ‬

‫ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ‬ ‫ﻛﺘﺎﺏ ﺃﺧﻄﺎﺀ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﳛﺼﺮ ﺃﻛﺜﺮ‬ ‫ﻣﻦ ﺃﻟﻔﲔ ﻭﲬﺴﻤﺎﺋﺔ ﺧﻄﺄ ﻟﻐﻮﻱ ﰲ‬ ‫ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻭﻳﱰﺟﻢ ﺍﻟﻨﺺ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻲ‬ ‫ﻟﺜﻼﺙ ﻟﻐﺎﺕ ﻭﻳﻘﺪﻣﻪ ﻷﻭﻝ‬ ‫ﻣﺮﺓ ﺑﺎﻟﱰﺗﻴﺐ ﺍﻟﺘﺎﺭﳜﻲ ﺍﻟﺼﺤﻴﺢ‬ ‫ﻣﺘﻮﻓﺮ ﺍﻵﻥ ﳎﺎﻧﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﻧﱰﻧﺖ‬ ‫ﻭﻋﻠﻰ ﻣﻮﻗﻊ ﺃﻣﺎﺯﻭﻥ‬

‫‪goo.gl/ei2Jce‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪3‬‬ ‫محمد شومان‬

‫برشي أن يضاجع عرش نسا ٍء‬ ‫والسؤال املحري ليس عن كيفية أن يستطيع االبن أن يزين مع زوجة أبيه‪ ،‬بل كيف يستطيع ٌ‬ ‫واحد ٍة إثر األخرى بال توقف‪ ،‬وإن كنا ال نعرف الجواب إال أننا نتوسل لكهنة األديان أن يُطلعونا عىل رس هذه الفحولة‬ ‫لذلك النسل املقدس‪!...‬‬ ‫وأخ ًريا تنتهي ثورة أبشالوم بالفشل والقتل ويرجع داود إىل عرشه مجد ًدا بعد أن ميوت ابنه الثائر الفاشل القاتل الزاين‪،‬‬ ‫بأقدام مرتددة‪ ،‬وبدأت صحته يف التدهور بحكم السن إىل درجة أن الثياب مل تعد تكفي لتدفئة‬ ‫ومييض داود نحو النهاية‬ ‫ٍ‬ ‫جسده‪ ،‬فجاء له عبيده باآلنسة «أبيشج الشومنية»‪:‬‬ ‫« َوكَانَ ِت الْ َفتَا ُة َج ِميلَ ًة ِج ًّدا‪ ،‬فَكَانَ ْت َح ِاض َن َة الْ َملِ ِك‪َ .‬وكَانَ ْت ت َ ْخ ِد ُم ُه‪َ ،‬ول ِك َّن الْ َملِ َك لَ ْم يَ ْع ِرفْ َها»‪( .‬امللوك األول ‪.)4 :1‬‬ ‫أي أن هذه الفتاة كام تؤكد لنا التوراة ال ت ُعد زوج ًة‬ ‫باملعنى التقليدي لجاللته بل هي عبار ًة عن مدفأ ٍة‬ ‫برشي ٍة لجاللة امللك وليس أكرث‪ ،‬فام كان عليها سوى‬ ‫أن تأخذ امللك العجوز يف أحضانها اللدنة حتى يجري‬ ‫الدم يف عروقه ليشعر جاللته بالدفء يرسي يف أوصاله‪،‬‬ ‫ولكن الدم مل يكن يندفع إىل درجة أن ميارس معها عالق ًة‬ ‫زوجي ًة كامل ًة‪.‬‬ ‫تحدثنا حتى اآلن عن الحياة ال ُخلقية للعائلة الداودية املباركة كام أوردتها لنا النصوص التوراتية املقدسة‪ ،‬فاألب فنا ٌن‬ ‫مثال‬ ‫وقاتل‪ ،‬واألبناء ما بني قاتلٍ وزانٍ وجبان‪ ،‬وهي كام نرى جمي ًعا ليست ً‬ ‫موسيقي جوال‪ ،‬ثم أصبح ملكًا ونب ًيا ثم زان ًيا ً‬ ‫ٌ‬ ‫يحتذى‪ ،‬فامذا عن الحياة السياسية يف ذلك العرص املبارك‪...‬؟‬ ‫أول عن سبب قيام اململكة اإلرسائيلية يف فلسطني‪ ،‬ونعتقد أن السبب‬ ‫قبل أن نتطرق ملسرية اململكة الحربية نتساءل ً‬ ‫األسايس هو ضعف الدولة املرصية التي حكمها الكهنة منذ عهد آخر الرعامسة كام ذكرنا من قبل مام جعل قبضتها عىل‬ ‫فلسطني ترتخى نظ ًرا النشغال الدولة الفرعونية مبشاكلها الداخلية ثم دخولها يف مرحلة االحتالل الليبي‪ ،‬وهذا مام ساعد‬ ‫اليهود عىل إقامة دولتهم التي وطد دعامئها امللك شاول ببسال ٍة ووحشية‪ ،‬وجاء داود ليقيم الدولة عن طريق اإلرهاب‬ ‫فقد مترس عىل حرب العصابات منذ أيام شاول‪ ،‬ويبدو أنه قد جعل صوت إرسائيل يف منطقة فلسطني هو األعىل‪ ،‬كام‬ ‫استطاع أن يو ّحد القبائل كلها تحت قيادته‪ ،‬ويف سبيل ذلك يبدو أنه قد ألحق الكهنة ببالطه وجعلهم من موظفي الدولة‬ ‫مع َمنحهم امتياز ٍ‬ ‫ات محدود ًة حتى ال يثوروا عليه كام فعلوا مع شاول من قبل‪.‬‬ ‫‪56‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪3‬‬ ‫محمد شومان‬

‫وتبدو وحشية داود‪ -‬وهي للحق ممثل ًة للعرص أكرث من متثيلها للشخص‪ -‬حني انترص عىل بني عمون ثم‪:‬‬ ‫« َوأَ ْخ َر َج الشَّ ْع َب ال َِّذي ِفي َها َو َو َض َع ُه ْم تَ ْح َت َم َن ِاش َري َونَ َوا ِر ِج َح ِد ٍيد َوفُ ُؤ ِ‬ ‫وس َح ِد ٍيد َوأَ َم َّر ُه ْم ِف أَتُونِ اآل ُج ِّر»‪( .‬صموئيل‬ ‫الثاين ‪.)31 :12‬‬ ‫هذه الوحشية التي تتفاخر بها التوراة من تقطيع البرش‬ ‫بعد انتهاء املعركة باملناشري والفؤوس ثم إلقائهم يف‬ ‫النار رمبا كانت من أسباب الرعب الذي حل بالقبائل‬ ‫املحيطة مام جعلها تهرب من مواجهة اليهود مام س ّهل‬ ‫عليهم إقامة دولتهم– ولعل التاريخ قد كرر نفسه معنا‬ ‫أيضا يف العرص الحارض فهذه الوحشية بعينها هي التي‬ ‫ً‬ ‫مارستها عصابات اليهود يف فلسطني قبل قيام الدولة‬ ‫العربية يف القرن العرشين‪ ،‬ورمبا مازالت متارسها لآلن‪-‬‬ ‫أيضا‪،‬‬ ‫كام كانت هذه الوحشية من أسباب انهيار الدولة ً‬ ‫فلم تغفر الشعوب املحيطة لليهود ما فعلوه بهم أب ًدا‪.‬‬ ‫ويصل داود املبارك إىل مرحلة االحتضار رغم جهود اآلنسة أبيشج الشومنية يف تدفئته‪ ،‬وكان الخليفة الطبيعي له هو‬ ‫ابنه األكرب أدونيا وكان يسانده قائد الجيش «يوآب» ورئيس الكهنة «أبياثار»‪ ،‬إذن كانت مسألة اعتالئه العرش مضمون ًة‬ ‫أول باعتباره أكرب أبناء امللك املحترض بعد وفاة أبشالوم‪ ،‬ثم املساندة العسكرية املتمثلة يف قائد الجيش‪،‬‬ ‫بالحق الرشعي ً‬ ‫مناهض لحزب أدونيا ومؤي ٌد‬ ‫حزب‬ ‫ٌ‬ ‫باإلضافة للدعم الكهنويت املتمثل يف رئيس الكهنة‪ ،‬ولكن عىل الجانب اآلخر كان هناك ٌ‬ ‫لسليامن بن داود من بثشبع‪ ،‬وهذا الحزب مكو ٌن من ناثان النبي وصادوق الكاهن باإلضافة طب ًعا ألمه الطاهرة بثشبع‪،‬‬ ‫والنبي طب ًعا أقوى من رئيس الكهنة‪ ،‬وبثشبع الفاتنة أمكر وأقوى من قائد الجيوش‪ ،‬واستطاعت هذه املرأة الجبارة أن‬ ‫بدل من أدونيا‪:‬‬ ‫يعي ابنها سليامن كخليف ٍة له ً‬ ‫تقنع امللك بأن ّ‬ ‫«فَأَ َخ َذ َصا ُد ُ‬ ‫ضبُوا بِالْ ُبوقِ ‪َ ،‬وق َ​َال َج ِمي ُع الشَّ ْع ِب‪ :‬لِ َي ْح َي الْ َملِ ُك‬ ‫وق الْكَا ِه ُن قَ ْر َن ال ُّدهْنِ ِم َن الْ َخ ْي َم ِة َو َم َس َح ُسلَ ْي َمنَ‪َ .‬و َ َ‬ ‫ُسلَ ْي َمنُ»‪( .‬امللوك األول ‪.)39 :1‬‬ ‫وعندما سمع أدونيا مبا حدث خاف من انتقام ابن بثشبع منه ولكنه يف النهاية اعرتف به ٍ‬ ‫كملك وقنع بأن يصبح مجرد أمري‪:‬‬ ‫«فَأَ َت َو َس َج َد لِلْ َملِ ِك ُسلَ ْي َمنَ‪ .‬فَق َ​َال لَ ُه ُسلَ ْي َمنُ‪ :‬ا ْذ َه ْب إِ َل بَ ْي ِت َك»‪( .‬امللوك األول ‪.)53 :1‬‬ ‫‪57‬‬


58


‫ش‬ ‫يَا َعق ُْل َدع ِني إنَّ ِني ُمتَ َم ِس ٌك ب ِ​ِدينِ جدي َخري ال َب َ ِ‬ ‫ص‬ ‫َما َّ‬ ‫الضري ِف َغ ْز ِو الب َِل ِد َوفَتْ ِحها ؛فَال َغ َنائِ ُم َدامئًا لل ُمنتَ ِ ِ‬ ‫َوالفَي ُء َش ُع الل ِه أَ ْو َج َب ُخ ْم َس ُه لِ َن ِب ّي ِه ؛لِ َيق ِْض ال َوطَ َر‬ ‫الس َبايَا َح ُّق ُه؛ ك َ​َم َجا َء ِف قُرآنِ ِه ال َخ َب‬ ‫ِمل ُْك ال َي ِم ِني ِم َن َّ‬ ‫الس َحر‬ ‫خب َوك بِ ِع َرا ِج ُم َح َّم ٍد ب ِّ ِ‬ ‫ِالس ِف َوق ِْت َّ‬ ‫أَلَم يُ ِ ُ‬ ‫َو َح ِديثه َعن َسبعِ َتْ َر ٍ‬ ‫؛السم َم َع ُه ال يَ ُض‬ ‫ات أَكْلُ َها ُّ‬ ‫مس تَ ْذ َه ُب للسجو ِد لِ َر ِب َها املُستَوِي َع َل َع ِ‬ ‫رش ِه ُم ْستَ ِقر‬ ‫َوالشَّ ُ‬ ‫ُش ُق ِمن َج ِد ٍيد بِإذنِه لِ ِح ِني ال َي ْو ِم امل ُ ْنتَظَر‬ ‫َوتَ ُعو ُد ت ْ ِ‬ ‫َو َعن َج َه ٍنم ِمن أَنْف ِ‬ ‫ِ‬ ‫وللصيف َحر‬ ‫َاسها بَر ُد الشِّ تَا ِء‬ ‫ِ‬ ‫وف ولل َق َم ِر ُخ ُس ٌ‬ ‫للشمس ك ُ​ُس ٌ‬ ‫وف َصالتُ ُه َم تُ ِزيْ ُل ال َخطَر‬ ‫َو‬ ‫ُرس ُل َم َلكًا ب َِس ِ‬ ‫َو َصال ٌة ت ِ‬ ‫وط ِه؛ يَ ُس ُ‬ ‫وق َس َحابًا فَ َينزِل املَطَر‬ ‫َواملُتْ َعة أُبِي َحت ثالث ًا َو ُح ِّر َمت؛ ف َ​َصا َرت أ ْم ًرا ُمحتَقَر‬ ‫َوزَو َج ُة «ز ٍ‬ ‫َيد» لَ ُه ٌ‬ ‫حالل؛ ل ََّم ق َ​َض «زَي ٌد» ِمن َها ال َوطَر‬ ‫للنبي َح ٌ‬ ‫الل لَ ُه ُدون ال َب َش‬ ‫َوام َرأَ ٌة َو َه َبت نَف َْس َها ِ‬ ‫يُ َسا ِر ُع َربُّه لَ ُه ِف َه َواه؛ ك َ​َم َر َوت « َعائِش ُة» ال َخ َب‬ ‫أَ َحا ِديثُ‬ ‫الس َو ِر‬ ‫ٌ‬ ‫وآيات قَصص َنا َها؛ ك َ​َم َجا َء ِف ِّ‬ ‫ش‬ ‫أَ َما ِزلْت يا َعقْل شَ اكًا ِف ِدينِ جدي خري ال َب َ ِ‬ ‫ذُو ُخل ٍُق َع ِظ ٍيم شَ َّق «أُم ِقرفَة» نِصفَني؛ ك َ​َم شَ َّق ال َق َمر‬ ‫َوإ ْن لَ ْم يَ َر غَريه ِ‬ ‫انشقَاقه؛ َونَفْي (نَ َاسا) لِ َذلِ َك ال َخ َب‬ ‫‪59‬‬

‫أبو الحسن آل غزايل‬


‫يا عقل دعني‪ ،‬كفاك فلسفة واعترب‬ ‫محمد شومان‬

‫صمء» ِع َرب ًة و«أيب ٍ‬ ‫عفك» لَ َنا ِفي ِه ُمعتَ َب‬ ‫فَاغ ِت َيال «ك ٍ‬ ‫َعب» و« َع َ‬ ‫يش أَ ْسلَ َمت ِعن َد الفَت ِح؛ راغب ًة ِف ِدينِ امل ُ ْنتَ ِص‬ ‫قَ َر ٌ‬ ‫ِالس ِ‬ ‫عب َم ِس َرية شَ ْهر‬ ‫نصو ٌر بِال ُّر ِ‬ ‫يف َرح َم ًة َم ُ‬ ‫املَب ُعوث ب َّ‬ ‫السنني الَّتي كَا َن تع َدادها �ث َ َلث َة َعرش‬ ‫َوال ت َْسأَل ِني َعن ِّ‬ ‫َوال َعن «قُ َريظَة» وأخ َبارها وذَب ِح َمن أَنْ َبتَت َعانَته الشَّ عر‬ ‫َوال َعن «أَ ْوطَ ٍ‬ ‫اس» َونِ َسائِها؛ فَ َح َل ٌل َس َبايَا أَ ْهلِ ال ُكفْر‬ ‫يَا َعقْل َدع ِني؛ فَأَ ِب ق َ​َال ِل‪ :‬كَف َ​َاك فَل َْس َف ًة و اعتَ ِب‬ ‫فَأَ ْز َه ُرنَا يُ ْف ِتي ج َها ًرا؛ أَ َما ل َ​َك ِف «فَ َرج فُ ْو َدة» ُمعتَ َب‬ ‫رؤوس ك ُِّل َمن انْتَقَد أو فَكَّر‬ ‫َو َح ُّد ال ِّردة يقط ُع َ‬ ‫ْت ِف ْكرِي َو ِص ُت أُ َر ِدد‪ :‬ك َ​َم َجا َء ِف األَث َر‬ ‫فَأَ ْغلَق ُ‬ ‫السالم الذ َِّك ال َع ِطر‬ ‫َوق َ​َال الل ُه َوق َ​َال نَبِي َنا علي ِه َّ‬ ‫الصال ُة علي ِه َو َع َل آلِ ِه جدي املُصطَفَى َخري ال َب َش‬ ‫َّ‬

‫‪60‬‬


http://arabatheistbroadcasting.com/aamagazine https://www.aamagazine.blogspot.com https://www.facebook.com/pages/AAMagazine/498136386890299 https://issuu.com/928738

61


‫مسيلم ُة رحمن الياممة‪...‬‬ ‫وما أدراك ما الرحمن!‬ ‫جـ ‪1‬‬ ‫مصطفى ح ّجي‬

‫يف هذه السلسلة املك ّونة من أربعة أجزا َء أحاول التنقيب عن السرية الحقيقية ملسيلمة‪،‬‬ ‫بد ًءا بتمهي ٍد ومقدمة‪ ،‬متبوعني بجز ٍء عن املسكوت عنه‪ ،‬ثم قرآنه‪ ،‬فمنهجه وتحالفاته‬ ‫وحروبه‪ ،‬والختام بالحديث عن نهايته‪ .‬يف هذا العدد نقدم الجزئني األول والثاين‪.‬‬ ‫‪62‬‬


‫مسيلم ُة رحمن الياممة‪...‬‬ ‫وما أدراك ما الرحمن جـ ‪1‬‬

‫مصطفى ح ّجي‬

‫واملقدمة‬ ‫الجزء األول‪ :‬التمهيد‬ ‫ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫شخص ما بالتحريم‪ ،‬فإن ما يتبقى من مسريته لن‬ ‫عندما يتغلّف تاريخ‬ ‫ٍ‬ ‫نصوص مت ّر عرب آلية التشويه املتعمد‪ .‬وللوصول إىل الحقيقة‬ ‫يكون إال بقايا‬ ‫التاريخية املخفية‪ ،‬ال بد من ع ٍني ال تحرتم الوقوف أمام إشارات التحريم‬ ‫التي تجعل طريق الوصول مسدو ًدا‪.‬‬ ‫غموضا وتحرميًا يف التاريخ‬ ‫وهنا يأيت دوري يف البحث عن أكرث الشخصيات‬ ‫ً‬ ‫اإلسالمي‪ .‬إنه مسيلمة‪ ،‬م ّدعي النبوة الذي سبق محم ًدا يف ا ّدعائه‪.‬‬ ‫إن عملية البحث عن أصل مسيلمة عملي ٌة صعب ٌة ج ًّدا‪ ،‬ألن ما تبقّى من ِذك ٍر‬ ‫له مل يصل إلينا إال عن طريق مؤسسة املؤ ِّرخني املسلمني «املؤسسة الضد»‪،‬‬ ‫هذه املؤسسة التي ال مانع لديها من تشويه صور ٍة من وا َجه محم ًدا‪ ،‬أو‬ ‫من مل يخضع له‪ .‬لذلك ما سأفعله أنا يف قراءيت عن مسيلمة داخل املراجع‬ ‫اإلسالمية هو أنني سأقرأ ما بني السطور وأحاول إيضاح الصورة الحقيقية له‪.‬‬ ‫مالحظ ٌة قبل أن أدخل بصلب املوضوع‪ :‬ليس الهدف املقصود من املقال الدفاع عن مسيلمة أو إثبات نب َّوته‪ ،‬فأنا ال‬ ‫كاذب كغريه من امل ّدعني الكاذبني‪ .‬ما أود تسليط‬ ‫أؤمن بوجود اآللهة وال أؤمن بصدق األديان‪ ،‬وهو مجرد م َّد ٍع للنبوة ٍ‬ ‫الضوء عليه هو حقيقة هذا الشخص املخفية عم ًدا من املسلمني‪ ،‬باإلضافة إىل كشف املستور عنه‪ .‬ما سأفعله هنا هو‬ ‫ٍ‬ ‫مسبق عىل ما ورد يف كتب املسلمني‪.‬‬ ‫حكم‬ ‫قراءة التاريخ قراء ًة موضوعي ًة محايد ًة دون‬ ‫ٍ‬ ‫لدي أي ٍ‬ ‫تقديس ودون أن يكون َّ‬ ‫لنبدأ‪:‬‬

‫اسمه ونسبه ولقبه‬ ‫حبيب بن‬ ‫حبيب بن الحارث عند ابن حزم‪ .‬بينام لدى الزبريي هو «مسلمة» بن‬ ‫هو «مسيلمة» بن مثامة بن كثريٍ بن‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫مثامة‪ ،‬ويُك ّنى أبا مثامة(‪ ‬.)1‬وقد كان أمره يف بني حنيفة كب ًريا‪ ،‬فأنشد شاع ٌر منهم ماد ًحا مسيلمة‪:‬‬ ‫«سموت باملجد يا ابن األكرمني أبًا ‪ ...‬وأنت غيث الورى ال زلت رحامنًا»(‪.)2‬‬ ‫‪ -1‬أحمد البالذري‪ ،‬فتوح البلدان ‪.61‬‬ ‫‪ -2‬أبو عبد الله أحمد بن عمر بن مساعد الحازمي‪« ،‬رشح نظم املقصود»‪ ،‬دروس صوتية قام بتفريغها موقع الشيخ الحازمي ‪.3/12‬‬

‫‪63‬‬


‫مسيلم ُة رحمن الياممة‪...‬‬ ‫وما أدراك ما الرحمن جـ ‪1‬‬

‫مصطفى ح ّجي‬

‫حبيب أو ابن مثامة‪ ،‬فإن اسمه مل يكن «مسيلمة» عىل صيغة التصغري‪ ،‬ألن االسم التصغريي هذا هو نتاج‬ ‫وسوا ٌء أكان ابن‬ ‫ٍ‬ ‫املُنترصين املسلمني «والتاريخ يكتبه املنترص»‪ ،‬وألن العرب مل تس ِّم مسيلمة بل س ّمت «مسلمة»(‪.)3‬‬ ‫َ َ‬ ‫ِيل ل َ ُه ُم ْ‬ ‫اس ُ‬ ‫ج ُدوا‬ ‫أن ا ّدعى النبوة‪ .‬وورد يف تفسري اآلية ‪ 60‬من سورة الفرقان ﴿إِذا ق‬ ‫الياممة» بعد‬ ‫وكان يُلَقَّب بـ «رحمن‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ ْ َ ٰ َ ُ َ َ َّ ْ َ ٰ ُ ْ ُ ُ َ ُ ُ َ َ َ‬ ‫اد ُه ْم نف ً‬ ‫ورا ۩﴾‪ ،‬ورد يف تفسريها أن قريشً ا اعرتضت عىل السجود للرحمن‬ ‫ل ِلرحم ِن قالوا وما الرحمن أنسجد ل ِما تأمرنا وز‬

‫عندما أمرهم محمد بذلك‪ ،‬بأن قالوا‪ :‬ما نعرف الرحمن إال رحمن الياممة‪ ،‬يعنون مسيلمة الكذاب (تفسري القرطبي)‪.‬‬ ‫وقريش قد‬ ‫ٌ‬ ‫دليل عىل أ ّن ا ّدعاء مسيلمة للنبوة كان قبل ا ّدعاء محمد‪ ،‬بحكم أن دعوة مسيلمة كانت منترشةً‪،‬‬ ‫وهذا ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫قريش أن محم ًدا يدعو لدين مسيلمة عندما نزلت اآلية املذكورة‪.‬‬ ‫محمد للنبوة‪ ،‬وقد ظ َّنت ٌ‬ ‫سمعت بها يف بدايات ا ّدعاء‬

‫والدته وعمره‬ ‫مسلم تاريخ مولد مسيلمة‬ ‫مل يذكر أي مؤ ِّر ٍخ‬ ‫ٍ‬ ‫أو أين ُولِد‪ ،‬إال أن أغلب األخبار تؤكد عىل أنه‬ ‫عاش كث ًريا ومات وهو كب ٌري يف السن‪ ،‬وقالت‬ ‫(‪)4‬‬ ‫بعض الروايات أنه عاش مائ ًة وخمسني سنة!‬ ‫وقد ُولِد يف الياممة (شامل الرياض حاليًا)‪ .‬لكن‬ ‫من املؤكّد أن عمره مبال ٌغ فيه‪ ،‬فيستحيل أن‬ ‫يكون قد عاش مائ ًة وخمسني سن ًة وكان يف‬ ‫يومه األخري يحمل سيفه ويقاتل! والبعض من‬ ‫املؤرخني يُر ِّجح أنه عاش ‪ 80‬سن ًة وهذا أقرب‬ ‫إىل الصواب‪.‬‬

‫منظر لبعض اآلثار يف موقع الياممة‬

‫لكن إذا أخذنا باالعتبار األخبار التي تجعله مع ِّم ًرا قد تجاوز املائة عام‪ ،‬فهذا االحتامل يأخذنا إىل أن مسيلمة قد عارص‬ ‫بدايات ظهور الفكر التوحيدي لدى العرب املتمثل يف «الحنيفية»‪.‬‬ ‫ومل يذكر املؤرخون أن ملسيلمة أبناء‪ ،‬فقد قال ابن قتيبة أنه «ال عقب له»(‪ )5‬رغم أنه تز ّوج أكرث من واحدة‪.‬‬ ‫‪ -3‬لسان العرب‪ :‬مادة سلم‪.‬‬ ‫‪ -4‬تاريخ اليعقويب‪.2/88 ،‬‬ ‫‪ -5‬ابن قتيبة الدينوري‪ ،‬املعارف‪.229 ،‬‬

‫‪64‬‬


‫مسيلم ُة رحمن الياممة‪...‬‬ ‫وما أدراك ما الرحمن جـ ‪1‬‬

‫مصطفى ح ّجي‬

‫مقامه ومكانته الرفيعة يف الياممة وا ّدعاؤه للنبوة‬ ‫رجل معظ ًّم بني قومه‪ ،‬وورد يف حديث وفد حنيفة أنه عندما جاء إىل املدينة مع بعض رجال قبيلته كانوا يسرتونه‬ ‫كان ً‬ ‫تعظيم له فقد كانت تلك عادتهم فيمن يعظمونه(‪.)6‬‬ ‫بالثياب‬ ‫ً‬ ‫كان قد اعتنق الحنيفية‪ ،‬وكان تاج ًرا يجوب أسواق العرب وقد كان يدعو إىل الحنيفية فيها حتى ا ّدعى النبوة يف أماكن‬ ‫ٍ‬ ‫محمد نبي اإلسالم‪ .‬وقد كانت ظاهرة ادعاء النبوة منترش ًة وقتها بني كهنة جزيرة‬ ‫األحناف يف الياممة قبل ظهور دعوة‬ ‫العرب‪.‬‬ ‫ومن هؤالء األحناف يف ذلك الزمن خال ٌد بن سنان‪ ،‬وقس بن ساعدة‪،‬‬ ‫وعبد الله بن نفيل‪ ،‬وأم ّية بن أيب الصلت‪ ،‬وصايف بن صياد‪ ،‬والذبياين‬ ‫كل باجتهاده يدعو إىل‬ ‫وبالطبع محم ٌد بن عبد الله وغريهم‪ ،‬وكان ٌ‬ ‫عبادة «الرحمن» يف الياممة وصنعاء‪ ،‬وإىل عبادة «الله» يف مكة‪ ،‬عىل‬ ‫سبيل املثال ال الحرص‪ .‬وقال مسلمة الحنفي يف الياممة الواقعة عىل‬ ‫خ ّط القوافل من مكّة إىل موانئ الخليج بعبادة «الرحمن» وجاهر‬ ‫قائل‪« :‬أشهد‬ ‫بالنب ّوة واتّخذ مؤ ِّذنًا هو عبد الله بن نواحة‪ ،‬فكان يؤذّن ً‬ ‫أن مسلمة رسول الله»‪ ،‬ورفع كتابًا ُعرف بحسب املؤسسة اإلسالمية‬ ‫باسم «قرآن مسيلمة» وم ّرة باسم «سجع مسيلمة»‪ ،‬منه قوله فيه‪:‬‬ ‫«سمع الله ملن سمع» و «هو أمات وأحيا وإليه املنتهى»(‪.)7‬‬ ‫آمن بنو حنيفة كلهم مبسيلمة وكذلك بنو متيم‪ ،‬وكانت نصوص قرآن مسيلمة تُق َرأ يف أغلب رشق الجزيرة العربية‪ .‬وقد‬ ‫ٍ‬ ‫ورد أن العالء بن الحرضمي عندما ِ‬ ‫محمد قرأ جز ًءا من نَص مسيلمة عىل أنه جز ٌء من القرآن‪.‬‬ ‫قدم من البحرين عىل‬ ‫رشا وله أث ٌر كب ٌري يف الجزيرة العربية هو ما ورد يف املرويات اإلسالمية عىل أن أثناء‬ ‫وما يُثبِت أن دين مسيلمة كان منت ً‬ ‫حرب أيب بك ٍر عليه يف حروب الردة‪ ،‬قد قُ ِتل أكرث من عرشة آالف رجلٍ وهم يستميتون بالدفاع عن مسيلمة‪ ،‬كلهم قُ ِتلوا‬ ‫يف سبيل منع وصول املسلمني لرأس مسيلمة‪.‬‬ ‫‪ -6‬عيل الحلبي‪ ،‬إنسان العيون يف سرية األمني املأمون‪ ،‬السرية الحلبية‪.3/19 ،‬‬ ‫‪ -7‬املفصل يف تاريخ العرب‪.‬‬

‫‪65‬‬


‫مسيلم ُة رحمن الياممة‪...‬‬ ‫وما أدراك ما الرحمن جـ ‪1‬‬

‫مصطفى ح ّجي‬

‫بروباغاندا التشويه اإلسالمية‬ ‫وتُص ِّور الربوباغاندا اإلسالمية‪ ،‬التي ت ُعت َمد يف تشويه صورة‬ ‫األشخاص‪ ،‬مسيلمة بأقبح الصور واألخبار‪ ،‬فقد ح َّولوه من‬ ‫حسن املنظر والجسم إىل حرش ٍة قبيحة‪ ،‬لسبب اختالف الرأي‬ ‫فقط‪ .‬فذكر املؤرخ البالذري أن مسلمة كان قص ًريا شديد‬ ‫الصفري‪ ،‬وذكر الواقدي أنه كان أشقر وأخنس وضعيف البدن‪،‬‬ ‫«رويجل‬ ‫ٌ‬ ‫بينام نجد صفته عند الطربي وقد غلَّفها التصغري‪،‬‬ ‫أصيف ٌر أخينس»‪ ،‬إضاف ًة إىل كل هذا أسقطوا عليه صفة الشؤم‪،‬‬ ‫حل ببني حنيفة من قتلٍ‬ ‫وسبي والذي تسبب‬ ‫وجعلوه سببًا ملا َّ‬ ‫ٍ‬ ‫رجل مشؤو ًما»(‪ .)8‬ويقول أبو منصو ٍر‬ ‫به املسلمون‪« ،‬كان ً‬ ‫«فسمه املسلمون مسيلمة الكذاب‪ ،‬وأظهروا شتمه‪ ،‬وعيبه‬ ‫الثعالبي يف كتابه «مثار القلوب يف املضاف واملنسوب»‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫وتصغريه»‪ .‬وكان اإلعالم اإلسالمي يهوى إطالق األلقاب عىل الناس‪ ،‬فكان يلقِّب من يرىض عنه من املوالني ألقابًا حميد ًة‬ ‫مثل «الص ّديق» و «الفاروق» و «الزهراء»… إلخ‪ ،‬ويف املقابل كان يش ّهر مبعارضيه ويشوه صورتهم عن طريق تسميتهم‬ ‫وألقاب سيئ ٍة ومهين ٍة مثل «أبو جهل» و «مسيلمة الكذاب»‪.‬‬ ‫بأسام ٍء‬ ‫ٍ‬ ‫وحيش‬ ‫وكدليلٍ عىل أ ّن املؤسسة اإلسالمية ساهمت يف تشويه صورة مسيلمة الخلقية‪ ،‬توجد يف رواي ٍة وردت عىل لسان‬ ‫ّ‬ ‫جمل أورق‪ ،‬ثائر الرأس‪،‬‬ ‫رجل قائ ٌم‪ ،‬كأنّه ٌ‬ ‫«خرجت مع الناس فإذا ٌ‬ ‫(أحد الذين ساهموا يف قتل مسيلمة الحنفي) أنه قال‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫رجل من األنصار عىل هامته»(‪.)9‬‬ ‫فرميتُه بحربتي فوضعتُها بني ثدي ْيه حتّى َخر َجت ِمن بني كتفيه‪ ،‬ورضبَه ٌ‬ ‫التأن يف قراءة هذا الخرب يجعلنا أمام الصورة‬ ‫دليل عىل تشويه املسلمني لصورة مسيلمة؟ ذلك ألن ّ‬ ‫ملاذا أقول أن هذا ٌ‬ ‫الحقيقية ملسلمة الحنفي‪ ،‬فهو‪:‬‬ ‫«رجل»‪ ،‬وهذه تنفي عنه صفة التصغري عند الطربي؛‬ ‫‪ٌ -1‬‬ ‫جمل أورق»‪ ،‬وهذه تنفي عنه ضعف البدن الذي وصفه به الواقدي‪ ،‬وال تجعله قص ًريا كام وصفه البالذري؛‬ ‫‪« -2‬قائ ٌم كأنه ٌ‬ ‫الصفرة أو ِش َّدتها التي جاءت عند البالذري‪ ،‬فاألورق هو األحمر أو املائل إىل االحمرار‪ .‬وجاء‬ ‫‪« -3‬كأنه ٌ‬ ‫جمل أورق»‪ ،‬تنفي عنه ُ‬ ‫يف األخبار أن محم ًدا بن عبد الله «نبي اإلسالم» تذكَّر ِقس بن ساعدة األيادي فقال‪« :‬رحم الله قس بن ساعدة‪ ،‬ما أنساه‪،‬‬ ‫وكأين أنظر إليه بسوق ٍ‬ ‫بكالم عليه حالوة»(‪.)10‬‬ ‫عكاظ يف الشهر الحرام عىل جملٍ له أورق أحمر وهو يخطب الناس ويتكلم ٍ‬ ‫‪ -8‬محمد الواقدي‪ ،‬كتاب الردة‪.‬‬ ‫‪ -9‬عيل الحلبي‪ ،‬إنسان العيون يف سرية األمني املأمون‪ ،‬السرية الحلبية‪.3/23 ،‬‬ ‫‪ -10‬أبو بكر البيهقي‪ ،‬دالئل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الرشيعة‪.104 /1 ،‬‬

‫‪66‬‬


‫مسيلم ُة رحمن الياممة‪...‬‬ ‫وما أدراك ما الرحمن جـ ‪1‬‬

‫مصطفى ح ّجي‬

‫جمل أورق»‪« ،‬ثائر الرأس»‪ ،‬الصورة بأكملها ت ُؤكِّد حسن صورة ‏وحيوية ونشاط مسلمة لحظة قتله‪،‬‬ ‫«رجل قائ ٌم كأنه ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫عىل عكس ما وصفه أغلب املؤرخني املسلمني‪.‬‬ ‫هذا هو الجزء األول ِمن السلسلة‪ ،‬والذي هو عبار ٌة عن رس ٍد رسيعٍ لبداية شخصية مسيلمة التي أث َّرت بشكل ٍكبري «ولكن‬ ‫مخفي» يف التاريخ العريب‪.‬‬ ‫وأيضا سأحاول أن أكشف سبب‬ ‫ويف الجزء الثاين‪ ،‬سأسلِّط الضوء عىل قرآن مسيلمة وآياته‪ ،‬وأقارنها ببعض آيات القرآن‪ً ،‬‬ ‫عدم محاربة مح َّم ٍد ملسيلمة يف حياته (وملاذا تأ َّجلت حرب املسلمني عليه حتّى عهد أيب بك ٍر يف حروب الر َّدة)‪.‬‬

‫املسكوت عنه‬ ‫ُ‬ ‫الجزء الثاين‪:‬‬ ‫بني أسطر تاري ٍخ أقال ُمه كانت السيوف‬ ‫وحربه كان الدم‪ ،‬تكمن حقيق ٌة حمراء‬ ‫قانِيَة‪ ،‬مخفيّ ٌة غامضة‪ .‬تاري ٌخ ُسطِّ َرت‬ ‫حروفُه بالدماء‪ .‬وبني أسطُر هذا التأريخ‪،‬‬ ‫بحثت لِيك أجد الحقيقة التي ال تزوير فيها‬ ‫ُ‬ ‫وال تزييف‪ ،‬لكن هيهات فالتاريخ يَكتُ ُبه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ائف‬ ‫وكل تاري ٍخ كَتَبه‬ ‫املنتصون‪ّ ،‬‬ ‫املنتص ز ٌ‬ ‫يتناسب مع مصالحه‬ ‫خا ِدع‪ ،‬فقد كَتبه مبا َ‬ ‫وأهوائِه وسياساته‪.‬‬ ‫لكن ومع ذلك‪ ،‬ال مانع ِمن أ ْن نُعيد النظر‬ ‫يف هذا التاريخ بع ٍني محايد ٍة باحث ٍة غَري‬ ‫ِ‬ ‫خاش َية‪ ،‬فمهام بلغ التزييف والتحريف من التاريخ فإنه ال تزال توجد بعض اإلشارات التي تدل عىل الحقيقة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫محمد‬ ‫أيضا يساهم يف كشف التاريخ الخفي يف سرية‬ ‫وميكن أن يكون تاريخ مسلمة الحنفي عالمة‬ ‫استفهام غامضة‪ ،‬لكن ً‬ ‫ٍ‬ ‫بن عبد الله قبل الدعوة‪.‬‬ ‫منفصل‬ ‫ً‬ ‫حت فيه أنه كان حنيف ًّيا يدعو لعبادة «الرحمن»‪ ،‬الذي كان إل ًها‬ ‫صت يف الجزء األول بداية تن ّبؤ مسيلمة‪َّ ،‬‬ ‫ووض ُ‬ ‫لَ َّخ ُ‬ ‫عن «الله»‪ .‬واآلن سنكمل بحث ودراسة سريته‪.‬‬ ‫‪67‬‬


‫مسيلم ُة رحمن الياممة‪...‬‬ ‫وما أدراك ما الرحمن جـ ‪1‬‬

‫مصطفى ح ّجي‬

‫هل أسلم مسيلمة وارتد فيام بعد؟‬ ‫ال يوجد يف األحاديث أو األخبار املتعلِّقة مبسيلمة ما يفيد رصاح ًة أنّه قد اعتنق اإلسالم ودخل فيه‪ ،‬أ ّما األحاديث التي‬ ‫تتحدث عن مجيئه إىل يرثب فهي ال تشري إىل ذلك ُمطلقًا‪ ،‬واألخبار األُخرى التي تتحدث عنه وهو يف الياممة ال تشري إىل‬ ‫رسل ِمن «الرحمن»‪ ،‬لذلك فليس من الصائب أن نقول‪:‬‬ ‫قبوله اإلسالم كذلك‪ ،‬بل نجد فيها كلّها أنه ظ ََّل يَرى نفسه نب ًّيا ُم ً‬ ‫« ِر َّدة مسيلمة» أو نحو ذلك‪ ،‬ألنه مل يعتنق اإلسالم ثم ارتد عنه‪ ،‬حتى ننعته باملرتد‪.‬‬

‫أسبق ّية نب ّوة مسيلمة عىل محمد‬ ‫ُذكِر أن مسلمة كان مبكة يف خ ٍرب ٍ‬ ‫غامض كعادة كل األخبار التي تقرتب من الخطوط الحمراء للمؤسسة اإلسالمية‪ ،‬فقد‬ ‫قيل أنه ا ّدعى النب ّوة يف مكّة‪ ،‬كذلك نجد يف «املفصل يف تاريخ العرب» فصل (أنبيا ُء جاهليون) أن مسيلمة كان ممن‬ ‫جاء إىل مكة ودعا إىل عبادة الرحمن قبل نبوة محمد(‪.)11‬‬ ‫هشام قال‪« :‬كان مسلمة بن حبيب الحنفي‪ ،‬وقد ت َس َّمى‬ ‫أيضا خ ٌرب جاء يف كتاب «محاسن النساء» ألحمد بن‬ ‫وهناك ً‬ ‫ٍ‬ ‫نبي فإن آمن يب‬ ‫يف الجاهلية بالرحامن‪ّ ،‬‬ ‫فلم بُ ِعث رسول الله‪ ،‬أرسل يدعوه إىل اإلسالم فلم يرجع عن كذبه‪ ،‬وقال‪ :‬كالنا ٌ‬ ‫آمنت به»(‪.)12‬‬ ‫ٍ‬ ‫محمد بن عبد الله‪ ،‬ألنه تس ّمى يف الجاهلية «بالرحمن»‪ ،‬فإذا قرأنا‬ ‫هذا الخرب يجعل نبوة مسلمة الحنفي سابق ًة لنبوة‬ ‫قول ابن دريد «ملّا ذُكر النبي َ الرحمن قالت قريش‪ :‬أتدرون َمن الرحمن الذي يذكره َمحمد؟ هو كاه ٌن بالياممة‪ .‬فأنزل‬ ‫َ َ َ ْ َ ْ َ ُ َّ ُ ْ َ ُ ُ َ َّ َ ُ َ ّ ُ ُ َ َ ٌ ّ َ ُ َّ‬ ‫ُ ْ ُ َ َ ْ ْ َ ٌّ َ َ ٰ َ َ ٌ‬ ‫ب ُّمب ٌ‬ ‫ان َع َ‬ ‫ٌّ‬ ‫ه‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ج‬ ‫ع‬ ‫أ‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫ون‬ ‫د‬ ‫ح‬ ‫ل‬ ‫ي‬ ‫ِي‬ ‫ال‬ ‫الله عز وجل‪﴿ :‬ولقد نعلم أنهم يقولون إِنما يعل ِمه بشۗ ل ِسان‬ ‫ني﴾‬ ‫ر‬ ‫ِس‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ذ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫(النحل‪ .)13(»)103 ،‬وإذا قرأنا قول ابن ٍ‬ ‫دريد السابق فسنقف أمام احتاملني اثنني وهام‪ :‬نبوة مسلمة كانت قبل نبوة‬ ‫امنتي‪.‬‬ ‫محمد‪ ،‬أو أن نب ّوتهام كانتا متز ْ‬ ‫أيضا املُفكّر‬ ‫والعملية كلها ت ُّبي لنا حضور وفاعلية مسلمة الحنفي قبل أن يعلن محم ٌد نبوته‪ ،‬وهذا هو ما توصل إليه ً‬ ‫واملؤ ّرخ العراقي «جواد عيل» حني قال بعد غربلة ما ذكره أهل األخبار عن مسيلمة من أنه «تك َّهن وتن ّبأ بالياممة‪ ،‬ووجد‬ ‫له أتبا ًعا قبل نزول الوحي عىل النبي»(‪.)14‬‬ ‫‪ -11‬املفصل يف تاريخ العرب‪.6/84 ،‬‬ ‫‪ -12‬محاسن النساء‪97 :‬‬ ‫‪ -13‬االشتقاق البن دريد‪58:‬‬ ‫‪ -14‬املفصل‪.6/88 ،‬‬

‫‪68‬‬


‫مسيلم ُة رحمن الياممة‪...‬‬ ‫وما أدراك ما الرحمن جـ ‪1‬‬

‫مصطفى ح ّجي‬

‫الرحمن‬ ‫يورد ابن ٍ‬ ‫نقل عن ابن الكلبي‪ :‬أن العرب قد س َّمت يف الجاهلية‬ ‫دريد ً‬ ‫«عبد الرحمن»‪ .‬حتى أن أحد الشعراء الجاهلني قال‪:‬‬ ‫(‪)15‬‬ ‫لَقَد لَطَمت ك َُّف الفَتا ِة َهجي َنها *** أَال بَ َت ال َّرحم ُن رَبِّ َيي َنها‬ ‫ٍ‬ ‫وكتأكيد عىل أن قريشً ا كانت عىل معرف ٍة تا ّم ٍة مبسيلمة ونب ّوته‬ ‫ٍ‬ ‫محمد ما ذكره ابن اسحاق عن أن قريشً ا قالت‬ ‫يف بدايات دعوة‬ ‫رجل بالياممة‪ ،‬يُقال له الرحمن‪،‬‬ ‫للنبي‪« :‬إنّا قد بلغنا أنك إنّ ا يعلّمك ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫اآلية‪َ ﴿ :‬كذٰل ِك‬ ‫كالمهم هذا سببا يف‬ ‫فكان‬ ‫َولن ْ نؤمن ُبه أب ًدَا‪.‬‬ ‫نزول َّ‬ ‫ُ ًّ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫ْ‬ ‫أ ْر َسل َن َ‬ ‫اك ف أ َّمة ق ْد َخل ْ‬ ‫ت مِن قبْل َِها أ َم ٌم َِلَتل َو َع َّليْ ِه ُم الِي أ ْو َح ْيْ َنا‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َْ َ َ ُ ْ َ ْ ُ ُ َ‬ ‫الر ْ‬ ‫ح َمٰن ۚ قُ ْل ُه َو َر ّب ل إ َل ٰ َه إل ُه َو َعلَيْهِ تَ َو َّك ُ‬ ‫ون ب َّ‬ ‫ت‬ ‫إِلك وهم يكفر‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِإَولْهِ َم َ‬ ‫ت‬ ‫اب﴾ (الرعد‪.)16(»)30 :‬‬ ‫ِ‬

‫وعن ٍ‬ ‫سعيد بن جبريٍ قال‪« :‬كان رسول الله يجهر ببسم الله الرحمن‬ ‫الرحيم مبكة‪ ،‬قال وكان أهل مكة يدعون مسيلمة بالرحمن فقالوا‪:‬‬ ‫إن محم ًدا يدعوا إىل إله الياممة‪ ،‬فأمر رسول الله فأخفاها فام جهر بها حتّى مات»(‪.)17‬‬

‫لقاءات مح ّم ٍد ومسيلمة تم إخفاؤها‬ ‫هل التقى محم ٌد مبسيلمة قبل الدعوة؟‬ ‫ويف حال وقع اللقاء‪ ،‬متى كان ذلك؟‬ ‫وما الحوار الذي تم بينهام‪ ،‬وما نتائج هذا الحوار؟‬ ‫هشام التي توحي بأ ّن‬ ‫أسئل ٌة مرشوعة‪ ،‬لكن ال أريد أن أُجيب وأحكم ُجزافًا‪ ،‬لكنني سأعتمد عىل ما ورد يف سرية ابن‬ ‫ٍ‬ ‫محم ًدا التقى مبسيلمة ‪-‬دون أن نحدد زمن اللقاء‪ -‬أكان قبل البعثة أم بعدها مبارشةً‪ .‬فإذا قرأنا ما جاء يف «الروض‬ ‫‪ -15‬االشتقاق‪.58/59 ،‬‬ ‫‪ -16‬ابن هشام‪.1/332 ،‬‬ ‫‪ -17‬املراسيل‪.89-90 ،‬‬

‫‪69‬‬


‫مسيلم ُة رحمن الياممة‪...‬‬ ‫وما أدراك ما الرحمن جـ ‪1‬‬

‫مصطفى ح ّجي‬

‫األنف» والذي يؤكد أن مسلمة الحنفي كان من املُع ِّمرين‪ ،‬وأنه ُس ّمي بالرحمن قبل أن يُولَد عبد الله أبو محمد(‪،)18‬‬ ‫وتوقفنا عند جملة «كان ِمن املع ّمرين» واعتمدنا الرواية «املُبالَغ فيها» التي تقول أن مسلمة الحنفي حني قُ ِتل كان‬ ‫ٍ‬ ‫محمد بأكرث من ستني سن ًة!‬ ‫عمره مائ ًة وخمسني سن ًة(‪ ،)19‬نجد أن مسلمة دعا لعبادة الرحمن قبل نب ّوة‬ ‫وهذه القراءة تدعم القول بأن مسلمة كان من القدماء يف التح ُّنف «التوحيد» الذي كان موجو ًدا يف جزيرة العرب قبل‬ ‫وعاصه يف هذا‪ ،‬وكان يدعو دامئًا لعبادة إلهه الرحمن‪ ،‬هذا اإلله (أو‬ ‫اإلسالم‪ .‬وهو مل يكن فقط م َو ِّح ًدا بل سبق محم ًدا َ‬ ‫هذا االسم) الذي أصبح الحقًا‪ ،‬بفعل السياسة اإلسالمية‪ ،‬أحد أسامء إله اإلسالم‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫محمد مبسلمة الحنفي قبل الدعوة‪ ،‬ويف حال إثبات ذلك بعدها‪ ،‬فإنه‬ ‫وليس من السهل البحث يف مدى إمكانية التقاء‬ ‫من الصعب ج ًدا البحث عن ماذا كانت فحوى نقاشهام أو عن مدى عمق الحوار بينهام‪ ،‬إال أن هذا البحث سيكون‬ ‫ٍ‬ ‫ولقريش نصف األرض»‪،‬‬ ‫مهم لقراءة األسباب الخف ّية لرسالة مسلمة الحنفي التي تقول‪« :‬لنا نصف األرض‬ ‫مفتا ًحا ًّ‬ ‫وملعرفة الدافع األسايس الذي جعل محم ًدا يصفه بالكذّاب (إن كان قد وصفه بذلك حقًا)‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫هشام أورد أ ّن قريشً ا قد َع َزت‬ ‫محمد بن عبد الله مع مسلمة قبل البعثة‪ ،‬رغم أن ابن‬ ‫ومل يورد املؤرخون رصاح ًة التقاء‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫محمد إىل ت َعلُّ ِمه عىل يد رجلٍ ِمن الياممة يُدعى الرحمن‪ ،‬ويبدو ِمن صياغة الخرب كام لو أ ّن محم ًدا كان أحد‬ ‫ِعلْم‬ ‫رجل‬ ‫هشام عىل لسان قريش‪« :‬إنّا قد بَل َغنا أنّك إنّ ا يُعلِّمك ٌ‬ ‫أتباعه أو أحد الداعني إليه‪ .‬ويقول الخرب الذي أورده ابن‬ ‫ٍ‬ ‫ِمن الياممة‪ ،‬يُقال له الرحمن‪ ،‬ولن نؤمن به أب ًدا»(‪ .)20‬وميكن الخروج ِمن هذا الخرب باستنتاجني اثنني وهام‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫ملحمد ودعوته إنّ ا كانت ترفض مسلمة‬ ‫‪ -1‬الخرب ال يَتح ّدث عن لقا ٍء عابِر‪ ،‬بل عن تعليم ٍكامل‪ ،‬وأ ّن قريشً ا يف رفضها‬ ‫الحنفي‪ ،‬والرصاع هنا يبدو ِصا ًعا مناطق ًّيا ليس ّإل‪ ،‬وأن مكّة لن تتبع الياممة‪.‬‬ ‫‪ -2‬ال يُح ِّدد ال َخرب مكان التعليم‪ ،‬فلقد ت ّم اإلعالن عن هويّة املعلِّم فيه «ر ُج ٌل ِمن الياممة»‪ ،‬لكن هذا اإلعالن ال نستطيع‬ ‫أيضا يضعنا أمام احتاملني‪:‬‬ ‫استخراج مكان التعليم منه‪ ،‬لك ّنه ً‬ ‫أ ‪ -‬أنّ محمدً ا ذهب إىل مسلمة يف الياممة‪ ،‬وتعلَّم عىل يديه فيها‪ ،‬وهذا االحتامل ليس بعي ًدا فقد َذكَر ابن اسحاق‪« :‬أ َّن‬ ‫محم ًدا أىت بني حنيفة يف منازلهم «زارهم»‪ ،‬ودعاهم إىل الله‪ ،‬وعرض عليهم نفسه‪ ،‬فلم يكن أح ٌد ِمن العرب أقبح عليه‬ ‫حتم كان قبل هجرت ِه إىل املدينة (يَرثب)‬ ‫ر ًّدا منهم»(‪ ،)21‬رغم أ ّن ال َخ َب ال يُح ِّدد وقت ذهاب مح ّم ٍد إىل بني حنيفة لكنه ً‬ ‫أثناء دعوته يف مكّة‪.‬‬ ‫ب ـ أنّ مسلمة كان يزور مكّة (ب ُحكْم أ ّن مسلمة كان تاج ًرا يجوب الجزيرة العربية وأن مكّة كانت مرك ًزا للتجارة فيها)‬ ‫وأ ّن محم ًدا أخذ منه بعض تعاليمه أثناء تواجد مسلمة يف مكّة‪.‬‬ ‫‪ -18‬سرية ابن هشام‪.1/332 :‬‬ ‫‪ -19‬تاريخ اليعقويب‪.2/88 ،‬‬ ‫‪ -20‬سرية ابن هشام‪.1/332 :‬‬ ‫‪ -21‬سرية ابن هشام‪.2/66 ،‬‬

‫‪70‬‬


‫مسيلم ُة رحمن الياممة‪...‬‬ ‫وما أدراك ما الرحمن جـ ‪1‬‬

‫مصطفى ح ّجي‬

‫تحالف َخ ِفي‪ :‬قُلِ ا ْد ُعوا الل َ​َّه أَ ِو ا ْد ُعوا ال َّر ْح َٰم َن‬ ‫ٌ‬ ‫لنأخذ بالحسبان ما ذكرت ُه يف الجزء األول من مقايل بأن امل َو ِّحدين ِمن العرب يف الجاهلية كانوا منقسمني إىل قسمني‪،‬‬ ‫األول يعبد «الله» والثاين يعبد «الرحمن» وقد كانا إلهني منفصلني قبل َاإلسالم‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ ْ ُ َّ َ‬ ‫اد ُعوا َّ‬ ‫لِ ُنكِّز االنتباه هنا عىل اآلية التي اعرتضت ٌ‬ ‫الرحم ٰ َن﴾ ألنها تؤكِّد تساوي االسمني‬ ‫قريش عليها ﴿ق ِل ادعوا الل أوِ‬ ‫إسالم ًّيا يف الداللة‪ ،‬أي أنَّ‪( :‬الله = الرحمن)‪.‬‬ ‫مل يكن اسم الرحمن ضمن املنظومة اإلسالمية يف البداية‪ ،‬فقد تأ َّخر حتّى وقت نزول سورة الفاتحة حسب بعض‬ ‫أحب األسامء إىل الله هام عبد‬ ‫الروايات (وهي ليست السورة األوىل يف النزول)‪ِ ،‬ع ً‬ ‫لم أنّه أقرب أسامء الله إىل الله‪ ،‬بل إن َّ‬ ‫الله وعبد الرحمن(‪ .)22‬وهذا يعني أ ّن قراء ًة مشرتك ًة قد جمعت ت ّيارين حنيفيني كانا ينترشان يف شبه الجزيرة العربية‬ ‫يف آنٍ م ًعا‪ ،‬وهام‪:‬‬ ‫حنيفي يدعو إىل عبادة الله‪ ،‬وهو ما كان يدعو إليه أحناف مكّة والطائف ويرثب‪ ،‬وظَ َهر فيام بعد بصورته‬ ‫‪ -1‬ت ّيا ٌر‬ ‫ٌّ‬ ‫األخرية فيام دعا إليه محم ٌد بن عبد الله؛‬ ‫حنيفي يدعو إىل عبادة الرحمن‪ ،‬وهو ما كان يدعو إليه مسلمة الحنفي يف الياممة وعبهلة العنيس يف صنعاء‪،‬‬ ‫‪ -2‬ت ّيا ٌر‬ ‫ٌّ‬ ‫ويبدو أن تأثري مسلمة الحنفي كان هو األكرث وضو ًحا عىل الصعيد االجتامعي يف شبه الجزيرة‪ ،‬وميكن مالحظة انتشار‬ ‫هذا الت ّيار ِمن خالل «التلبيات» التي كانت تؤ ِّديها بعض القبائل كجز ٍء ِمن طقوس الحج قبل اإلسالم يف الجاهل ّية‪.‬‬ ‫وكمثا ٍل‪ ،‬فقد كانت تلبية قبيلة قيس عيالن‪:‬‬ ‫لبيك اللهم لبيك‬ ‫‏أنت الرحمن‬ ‫َ‬ ‫‏أتتك قيس عيالن‬ ‫‏راجليها والركبان‬ ‫‏بشيخها والولدان‬ ‫‏مذلَّ ًة للديّان‬ ‫وكانت تلبية قبيلة عك واألشعريني‪:‬‬ ‫نحج للرحمن بيتًا عجبا‬ ‫ُّ‬ ‫(‪)23‬‬ ‫‏مسترتًا‪ ،‬مضب ًبا‪ ،‬مح ّجبا ‪.‬‬

‫‪ -22‬ابن األثري الجزري‪ ،‬جامع األصول يف أحاديث الرسول‪.1/358 ،‬‬ ‫‪ -23‬محمد بن املستنري بن أحمد‪ ،‬األزمنة وتلبية الجاهلية‪.117 ،‬‬

‫‪71‬‬


‫مسيلم ُة رحمن الياممة‪...‬‬ ‫وما أدراك ما الرحمن جـ ‪1‬‬

‫مصطفى ح ّجي‬

‫الحنيفيي‪،‬‬ ‫وعليه فإ ّن دخول اسم «الرحمن» ضمن املنظومة اإلسالمية يؤكِّد أ َّن تحالفًا قد ت ّم يف مكّة جمع بني الت ّيارين‬ ‫ّ‬ ‫مناطقي بحت‪.‬‬ ‫حس‬ ‫وكان من نتائج هذا التحالف أن وقفت ٌ‬ ‫قريش ضد انتشار عبادة الرحمن يف مكّة تحت ٍّ‬ ‫ٍّ‬ ‫أيضا خ ٌرب يؤكّد أ ّن أحد الرجال ِمن بني حنيفة وقف أمام أيب بك ٍر أيام خالفته وقرأ عليه نَ ًّصا ِمن قرآن مسيلمة‪.‬‬ ‫يوجد ً‬ ‫وجاء فيه‪« :‬لنا نصف األرض‪ ،‬ولقريش نصف األرض‪ ،‬ولكن قريشً ا قو ٌم يعتدون»(‪ .)24‬وبالتأكيد فإ ّن هذا النص مل يكن‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫معروف ت ّم‬ ‫قديم‬ ‫النص الوحيد ملسلمة‪ ،‬ويبدو أ ّن من قرأه ِمن بني حنيفة أمام أيب بك ٍر أراد به اإلفصاح عن‬ ‫تحالف ٍ‬ ‫نقضه‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫سابق بني مح ّم ٍد ومسيلمة وجود خ ٍرب عن أ َّن ُم َؤذِّن مسيلمة يف الياممة كان يُنادي‪« :‬أشهد أن‬ ‫وما يدعم وجود‬ ‫تحالف ٍ‬ ‫محم ًدا ومسلمة رسوال الله» وهذا يجعلهام بنفس املقام يف النب ّوة(‪.)25‬‬ ‫وأخ ًريا ل َدعم كالمي لدي استفسا ٌر بسي ٌط وأمت ّنى من املسلمني اإلجابة إن كان هنالك إجاب ٌة لديهم‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫محمد له يف‬ ‫فإن متأكّ ٌد ِمن أ ّن محم ًدا كان متحالفًا مع مسيلمة (وهذا هو السبب وراء عدم محاربة‬ ‫ِمن كالمي السابق ّ‬ ‫سيّة أسامة بن ٍ‬ ‫زيد ليك‬ ‫سأبي هذا بالتفصيل)‪ّ .‬‬ ‫وإل فأجيبوين‪ :‬ملاذا ج َّهز محم ٌد يف آخر حياته َ ِ‬ ‫حياته ويف الجزء القادم ّ‬ ‫ٍ‬ ‫علم أن مسيلمة‬ ‫يغزو الشام ويحارب إمرباطورية الروم البعيدة نسب ًّيا عن‬ ‫محمد والتي مل تُشَ كِّل خط ًرا حقيق ًّيا عليه‪ً ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫كا َن يُ ِ‬ ‫نش دينه الخاص الذي كان يُنافس محم ًدا يف دينه‬ ‫قاسمه الجزيرة العربية وقد كان جاره «ليس‬ ‫ببعيد عنه» ويَ ُ‬ ‫ٍ‬ ‫محمد ودينه؟ ملاذا تركه يف حياته؟‬ ‫وكان له أتبا ٌع يزدادون ويُشكِّلون خط ًرا عىل‬ ‫البُد أ ّن أفضل تفسريٍ‬ ‫منطقي لهذا هو «التحالف والصداقة»‪.‬‬ ‫ٍّ‬

‫‪ -24‬ابن كثري‪ ،‬البداية والنهاية‪ِ /6 ،‬ذكر ِردّة البحرين‪.‬‬ ‫‪ -25‬ابن تيمية‪ ،‬منهاج الس ّنة النبوية يف نقض كالم الشيعة القدرية‪.8/323 ،‬‬

‫‪72‬‬


‫ﻣﺠﻠﺲ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ‬ ‫اﻟﺴﺎﺑﻘﯿﻦ ﻓﯽ ﺑﺮﯾﻄﺎﻧﯿﺎ‬

‫‪Council of Ex-Muslims of Britain‬‬ ‫‪www.ex-muslim.org.uk‬‬

‫ﻧﺤ‬

‫ﻦﻣ‬ ‫ﺴ‬ ‫ﻠ‬ ‫ﻤ‬ ‫ﻮ‬ ‫نﻧ‬

‫ﺒﺬ‬

‫ﻧﺎ دﻳﻨﻨﺎ‬

‫ﺑﱰﻛﻨﺎ اﻹﺳﻼم ﻧﻜﴪ ﻣﺤ ّﺮﻣﺎﺗﻪ‪ ،‬ﻟﻜﻨﻨﺎ ﰲ ذات اﻟﻮﻗﺖ ﻧﻌﻤﻞ ﻋﲆ ﺗﺪﻋﻴﻢ اﻟﻌﻘﻼﻧﻴﺔ واﻟﺤﻘﻮق واﻟﻘﻴﻢ اﻟﻌﺎﳌﻴﺔ‬ ‫واﻟﻌﻠﻧﻧﻴﺔ‪ .‬وﰲ ﻧﺸﺎﻃﻨﺎ ﻧﻄﺎﻟﺐ ﺎﺎ ﻳﲇ‪:‬‬ ‫ﺑﺎﻟﺤﻘﻮق اﻟﻌﺎﳌﻴﺔ واﻟﺘﺴﺎوي ﰲ اﳌﻮاﻃﻨﺔ ﺑ اﻟﺠﻤﻴﻊ‪.‬‬ ‫ﺑﺎﻟﺤﺮﻳﺔ ﰲ ﻧﻘﺪ اﻟﺪﻳﻦ‪.‬‬ ‫ﺑﺎﻟﺤﺮﻳﺔ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ واﻹﻟﺤﺎد‪.‬‬ ‫ﻓﺼﻞ اﻟﺪﻳﻦ ﻋﻦ اﻟﺪوﻟﺔ واﻟﻨﻈﺎﻣ‪ ،،‬اﻟﻘﺎﻧﻮ واﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻲ‬ ‫ﺣﻈﺮ اﳌررﺳﺎت واﻟﻌﺎدات واﻟﻘﻮاﻋﺪ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺘﻬﻚ ﺣﻘﻮق اﻟﻨﺎس وﺗﻀﻴﻖ ﻋﲆ ﺣ ّﺮﻳﺎﺗﻬﻢ‪.‬‬ ‫إزاﻟﺔ ﻛﻞ اﻟﻌﺎدات اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻀﻄﻬﺪ اﳌﺮأة وﺗﻨﺘﻘﺺ ﻣﻦ ﺣﻘﻮﻗﻬﺎ واﺳﺘﻘﻼﻟﻬﺎ‪ ،‬وﺣﻈﺮ ﻓﺼﻞ اﻟﺠﻨﺴ‪..‬‬ ‫ﺣﻈﺮ اﻟﺘﺪﺧﻞ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ أﻳﺔ ﺳﻠﻄﺔ ﻋﺎﺋﻠﻴﺔ أو رﺳﻤﻴﺔ ﰲ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ واﻟﻌﺎﻃﻔﻴﺔ واﻟﺠﻨﺴﻴﺔ ﻟﻠﻨﺎس‪.‬‬ ‫ﺣﻳﻳﺔ اﻷﻃﻔﺎل ﻣﻦ اﻟﺘﻼﻋﺐ ﺑﻬﻢ واﻹﺳﺎءة إﻟﻴﻬﻢ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ اﻟﺪﻳﻦ واﳌﺆﺳﺴﺎت اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ‪.‬‬ ‫ﺣﻈﺮ اﻟﺪﻋﻢ اﻟﺮﺳﻤﻲ ﻟﻠﺪﻳﻦ ﺳﻮاء اﳌﺎدي أو اﳌﻌﻨﻮي‪.‬‬ ‫ﺣﻈﺮ ﺟﻤﻴﻊ أﻧﻮاع اﻟﺘﺨﻮﻳﻒ واﻟﺘﻬﺪﻳﺪ اﻟﺪﻳﻨﻲ‪.‬‬ ‫‪73‬‬


‫اقرأ‬ ‫الحادثة‬ ‫وليد‬

‫‪74‬‬


‫اقرأ الحادثة‬ ‫وليد‬

‫قصة قصرية بقلم وليد (من منتدى شبكة امللحدين العرب)‬ ‫مجموعة القصص التي تأيت منها هذه القصة كتبها العضو وليد وقام‬ ‫بتجميعها مارسيل‬ ‫إىل وليد ‪ ...‬القلم الساحر واملبدع ‪ ...‬جليس اآللهة مع التحية والود ‪...‬‬ ‫مارسيل‪..‬‬

‫رهيب‬ ‫استيقظت عىل صوت صفريٍ عا ٍل مزع ٍج وأحسست بصدا ٍع‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫حديد صدئ‪ ،‬ال أدري أين‬ ‫عيني وكأن أجفاين من‬ ‫يخرتق رأيس‪ ،‬فتحت ّ‬ ‫أنا‪ ،‬ظال ٌم يف جميع األنحاء ال يقطع الصمت إالّ هذا الصفري اللعني‪،‬‬ ‫تحسست ما حويل فإذا أنا مدفو ٌن يف الرتاب‪ .‬فزعت‪ .‬رحت أتذكّر‬ ‫ّ‬ ‫أين كنت‪ ،‬وما الذي جاء يب إىل هنا‪ ،‬لقد كنت يف املستشفى باألمس‬ ‫وقال يل الطبيب وهو يبتسم ستكون بخري‪ ،‬ال أذكر سوى أين كنت‬ ‫لنوم عميق‪ ،‬كل هذا كان باألمس‪ ،‬أين أحبايئ‬ ‫أتأمل واستسلمت وقتها ٍ‬ ‫الذين كانوا حويل؟ رضبت برجيل فانفتح الغطاء‪ ،‬إنه تراب‪ ،‬نهضت ‪...‬‬ ‫أنظر إىل جسدي‪ ،‬إنني عا ٍر متا ًما ويغطيني الرتاب‪ ،‬نظرت أين أقف‪،‬‬ ‫شخص آخر يخرج من نفس القرب‪،‬‬ ‫وجدتني يف وسط قرب‪ ،‬تحتي تخبط ٌ‬ ‫يا وييل ماذا يحدث؟ الظالم والضباب ميأل املكان‪ ،‬أكاد ال أصدق‪ .‬قطع‬ ‫أشخاصا يجرون‬ ‫شخص يجري كاملجنون ويقول يل‪« :‬اجرِ‪ ،‬القيامة قامت!»‪ ،‬بدأت استوعب األحداث‪ ،‬بدأت أرى‬ ‫ً‬ ‫دهشتي ٌ‬ ‫ويهذون ولكن ال أعرف إىل أين يذهبون‪ ،‬وما املفروض يب أن أفعل‪ ،‬مل يقل يل أح ٌد من قبل أين ات ّجه يوم القيامة‪ ،‬هل أنا‬ ‫احلم؟ أم أهذي من املرض؟ لكني بصح ٍة جيد ٍة مل أكن بها من قبل‪ .‬جلست‪ ،‬نظرت إىل قربي‪ ،‬تأ ّملت الناس وهي تخرج‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫طبقات يسكنها املوىت‪ .‬مل يطل‬ ‫طبقات فوق‬ ‫من قبورها‪ ،‬لقد ُدفنوا سابقًا وتراكمت عليهم األتربة حتى أصبحت القبور‬ ‫انتظاري‪ ،‬جاءين من يقول‪« :‬اتبعني»‪ ،‬كنت أو ّد أن أقول له وإن مل أتبعك ماذا ستفعل؟ لكن الفضول كاد أن يقتلني‪.‬‬ ‫تبعته وأخذين إىل ساح ٍة كبري ٍة بها ماليني بل مليار ٍ‬ ‫ات من البرش‪ ،‬قال‪« :‬قف هناك»‪ ،‬ذهبت إىل حيث أشار يل‪ ،‬وجدت‬ ‫الكل ال يصدق أن القيامة قامت‪ ،‬يتحادثون بينهم‪ ،‬كلّهم يقولون كام كنت أقول لنفيس منذ‬ ‫رشا عىل وجوههم الرعب‪ّ ،‬‬ ‫ب ً‬ ‫قليل‪ :‬لقد كنت فقط باألمس كذا وكذا‪ ،‬بعد قليل‪ ،‬جاءين جا ٌر وسألني‪« :‬هل كنت تؤمن بهذا اليوم؟» فأجبته‪« :‬بل كنت‬ ‫أمتناه»‪ ،‬فقال يل‪« :‬وملاذا؟» فرددت عليه‪« :‬أل ّن يف نفيس الكثري من الكالم ألقوله إىل الله»‪.‬‬ ‫‪75‬‬


‫اقرأ الحادثة‬ ‫وليد‬

‫مل االنتظار ويرتقب‬ ‫فالكل ّ‬ ‫سمعت صوت ًا جهو ًرا يقول يف حزم‪ :‬هدوء‪ ،‬اسمعوا التعاليم ونفذوها بدقة‪ ،‬سكتت األصوات ّ‬ ‫ما تأيت به األحداث‪ .‬وقف هذا الكائن عال ًيا وقال‪« :‬املسلمون يذهبون إىل األمام»‪ ،‬حرك ٌة رهيبة‪ ،‬وجامعاتٌ كبري ٌة تتق ّدم‬ ‫وارتسمت البسمة عىل الشفاه‪ ،‬فها هم يُذكرون ُدونًا عن البقية‪ ،‬ال ب ّد أنهم مختارون‪ ،‬لكنني فوجئت مبن يجذبني‬ ‫ويهمس يف أذين‪« :‬أنا مسيحي‪ ،‬لقد استحق هؤالء مصريهم بالتأكيد أنهم ذاهبون إىل الجحيم طب ًعا‪ ،‬هل أنت مثيل؟»‬ ‫فقلت له‪« :‬ال»‪ ،‬فجأة يأيت نفس الصوت الجهور مر ًة أخرى‪« :‬املسيحيون إىل الخلف»‪ ،‬ابتسم زمييل وقال‪« :‬هيا إىل‬ ‫النعيم»‪ .‬فقلت له‪« :‬ال‪ ،‬أنا لست مثلك»‪ ،‬تركني ومىض برسع ٍة وكأنه خاف أن يفوته الدور‪ ،‬استمر هذا الصوت املزعج‬ ‫بالنداء‪ ،‬تار ًة يهودي تار ًة سيخي‪ ،‬تار ًة هندويس ‪ ...‬الخ‪ ،‬وأنا واقف‪ ،‬وبعد أن انتهى من املنادة وتقسيم البرش‪ ،‬نظرت حويل‬ ‫فإذا األعداد كام هي أو بدا يل ذلك‪ .‬جاء املنادي‬ ‫وقال لجاري‪ :‬ما دينك؟‬ ‫فرد عليه‪ :‬ماذا تعني بدين؟‬ ‫قال‪ :‬مباذا تؤمن؟‬ ‫رد قائالً‪ :‬ماذا يعني إميان؟‬ ‫‪76‬‬


‫اقرأ الحادثة‬ ‫وليد‬

‫قال‪ :‬أمل يأتك ٌ‬ ‫رسول من الله؟‬ ‫رد بسذاج ٍة واضحة‪ :‬ماذا يعني الله؟‬ ‫شعرت برغب ٍة يف الضحك ولكنني اسرتهبت املوقف فالرجل يتكلم بصدق‪.‬‬ ‫قال املنادي‪ :‬أال تعرف من الله؟‬ ‫رد‪ :‬ال أعرف‪ ،‬بدت الحرية عىل وجه املنادي واستدعى من يبدو عليه أنه أكرب وأكرث خربة‪.‬‬ ‫سأل الرجل‪ :‬أين كنت تعيش؟‬ ‫ر ّد الرجل‪ :‬يف ٍ‬ ‫أساسا‬ ‫كهف حجري‪ .‬آه‪ ،‬صاح املنادي ذو الخربة‪« :‬إنه من إنسا ٌن العرص الحجري ومل يكن يستطيع الكالم ً‬ ‫حتى يأتيه رسول»‪ .‬سأله‪ :‬وماذا سنفعل به؟‬ ‫قال‪ :‬ال أدري‪.‬‬ ‫اقرتب نحوي وددت أن ا ّدعي السذاجة‬ ‫وأقوم بنفس القصة‪ ،‬ولكن انطلقت استغاثة‬ ‫قريب ٌة تطلب املنادي ذو الخربة‪« :‬سيدي‬ ‫تعال إىل هنا»‪.‬‬ ‫قال‪ :‬هل كل هؤالء من العرص الحجري؟‬ ‫فرد عليه‪ :‬ال يا سيدي أن هذا اإلنسان يقول‬ ‫أنه كان معتو ًها يف حياته قبل أن يرد أو‬ ‫يفكر أو يقرر ماذا يفعل‪..‬‬ ‫ندا ٌء آخر‪ :‬سيدي هذا يقول أنه كان أصمًّ‬ ‫وأعمى ومل يعرف أصالً ماذا كان يفعل يف‬ ‫الحياة حتى جاء إىل هنا‪ .‬لقد انتابته نوب ٌة‬ ‫من الضحك عندما علم ذلك اآلن!‬ ‫امتعض وجهه ووقف مضطربًا يفكّر ثم قال‪« :‬هل هناك من يواجه مشاكل أخرى؟» جاء ندا ٌء بعيد‪« :‬نعم‪ ،‬بدأ يتمتم‬ ‫ٍ‬ ‫بكلامت مل أفهمها»‪ ،‬ما عندك؟ أقبل ‪...‬‬ ‫قال‪ :‬هناك مجموعاتٌ كامل ٌة عاقل ٌة يقولون إنهم كانوا يلبسون ريشً ا يف حياتهم‪.‬‬ ‫رد عليه ذو الخربة‪ :‬إنهم الهنود الحمر‪ ،‬ما مشكلتهم؟‬ ‫نبي أو رسول‪.‬‬ ‫رد‪ :‬قالوا إنهم مل يأتهم أح ٌد ً‬ ‫أساسا ي ّدعي أنه ٌ‬ ‫رد ذو الخربة‪ :‬اذهب ونا ِد أن كل من مل يأته ٌ‬ ‫رسول يتحرك إىل الجهة اليمنى‪ ،‬استغرقت عملية النقل هذه وقتًا كب ًريا‪ ،‬لو‬ ‫كنت مكانه لطلبت من الباقني التحرك‪ ،‬أن أعداد هؤالء تزيد عىل أعداد بقية الفرق مجتمعة‪ .‬بدأت رهبتي تزول وبدأت‬ ‫ٍ‬ ‫غريب ج ًدا‪ ،‬أن كل الذين تبقوا معي أما فالسف ٌة أو‬ ‫موقف‬ ‫أتجول وأتعرف عىل من تبقى حويل ووجدت نفيس وسط‬ ‫ٍ‬ ‫علامء وإ ّما معتوهون أو معوقون‪ ،‬ملحت غبا ًرا يتصاعد من ٍ‬ ‫بعيد والجميع من املنادين ينطلق إىل املوقع‪ ،‬انتهزت الفرصة‬ ‫‪77‬‬


‫اقرأ الحادثة‬ ‫وليد‬

‫وانطلقت‪ ،‬سمعت املنادي يقول‪« :‬ارجع مكانك‪ .»...‬توقفت‪ ،‬لكن مل يكن النداء يل‪ ،‬إنه للفرق التي انفصلت عن بعضها‪،‬‬ ‫يف بداية األمر فرق املسلمني‪ ،‬ثم فرق املسيحيني‪ .‬مل أصدق ما رأيت‪ ،‬أن كل فرق ٍة تتصارع داخل ًيا‪ ،‬املسيحيون انقسموا‪،‬‬ ‫فالكل أصالً ميت‪ .‬تص ّورت يف البداية أن الرصاع بني الفرق‬ ‫واملسلمون يكادون أن يقتتلوا‪ ،‬إالّ إنه مل يعد للقتل معنى‪ّ ،‬‬ ‫وليس داخلها‪ ،‬املنادي ينادي من جديد‪« :‬املسلمون الشيعة لألمام والس ّنة للخلف»‪ .‬مل تكتمل إال لحظات‪ ،‬رصا ٌع جديد‪،‬‬ ‫عاد الرجل إىل الفرق‪« :‬الشيعة اإلمامية لليمني واإلسامعلية إىل اليسار»‪ ،‬مل أرد االنتظار أكرث فال أدري كم ميي ًنا أصبح وال‬ ‫كم يسا ًرا‪ ،‬أخذت أتف ّرج‪ ،‬إن املنادين أصبحوا ال ه ّم لهم إال املسلمني واملسيحيني‪.‬‬

‫أردت أن أتفرج إال إنني وجدت من يضع يده عىل كتفي ويقول يل‪« :‬ماذا تفعل هنا؟» رددت‪« :‬ال أفعل شيئًا‪ ،‬فقط‬ ‫تعب إىل هذه الدرجة‪« :‬إنكم‬ ‫أتفرج»‪ ،‬ألول مر ٍة أفهم معنى أصحاب اليمني وأصحاب الشامل‪ ،‬مل أكن أعلم أن األمر ُم ٌ‬ ‫تتعبون‪ ،‬ماذا ستفعلون بهم بعد ذلك؟ بعد تقسيمهم إن استطعتم طب ًعا»‪ .‬أراد املنادي أن يندب حظه‪ ،‬لقد ُوكّل له‬ ‫أمر هذه املنطقة التي بها كل هذا املجهود بينام أصحابه يف املواقع األخرى ال يقومون بتقسيم فرقهم إىل ميني وشامل‪،‬‬ ‫ولكنه كمن وجدين أقل منه فأمرين أن أرجع‪ ،‬رجعت ووجدت املنادي الذي بجانبنا قد أخذ يغ ّط يف ُس ٍ‬ ‫بات عميق‪ ،‬فجأ ًة‬ ‫انتفض من مكانه كأن ثعبانًا لدغه‪ ،‬وأشار لنا باالنتباه واالعتدال‪ ،‬الصفري بدأ مر ًة أخرى‪ ،‬صوته لعني ‪ ...‬حرك ٌة رهيب ٌة من‬ ‫ٌ‬ ‫صفوف من املنادين متيش صفًا صفًا تحمل عرشً ا كب ًريا يش ّع‬ ‫األمام ‪ ...‬نو ٌر يعمي األبصار يف هذه الظلمة يأيت من بعيد‪،‬‬ ‫منه نو ٌر وكلّام اقرتب املوكب انتفض املنادي واصطكت أسنانه وبدأ يهذي ويحرك رأسه ميي ًنا ويسا ًرا ويقول‪« :‬الله‪ ،‬الله‪،‬‬ ‫أحس باين مدفو ٌن يف جبلٍ من الجليد‪ ،‬ماذا سأقول‬ ‫إن الله قادم»‪ ،‬لحظة الحساب اقرتبت‪ ،‬بدأت أعصايب ترتجف‪ ،‬بدأت ّ‬ ‫له؟ بدأت أرتب الكلامت سيسألني كذا فأقول كذا ‪ ...‬ال ال ال كذا بل كذا‪ ،‬إن مصدر النور يقرتب‪ ،‬نظرت إىل من معي‪،‬‬ ‫روح رشير ٌة ستنقض‬ ‫وجدت املجانني يقفزون من الفرحة‪ ،‬ويشريون إىل النور بينام رجال العرص الحجري خائفون وكأنها ٌ‬ ‫عليهم‪ ،‬لكن‪ ...‬ابتعد النور واتجه إىل الفرق األوىل‪ ،‬سيبدأ باملسلمني أو املسيحيني فهم األكرثية‪ ،‬تذكّرت لحظتها كم كنت‬ ‫‪78‬‬


‫اقرأ الحادثة‬ ‫وليد‬

‫مدرس يختربنا شفويًا حسب الحروف األبجدية وكنت دامئًا قبل األخري‬ ‫دامئًا محظوظًا وأنا يف املدرسة قدميًا حني كان ّ‬ ‫وأحيانًا يرضب الجرس قبل أن يأيت إيل‪ ،‬عىل األقل سأعرف ماذا سيفعل معهم‪ ،‬بدأت أتسلل ثاني ًة إىل مواقع املسلمني‪ ،‬إن‬ ‫املنادي الذي معي رأسه متجه ٌة مع النور كعبّاد الشمس‪ ،‬وال يراين اآلن‪ ،‬وصلت متأخ ًرا بعض اليشء‪ ،‬لقد بدأ الحساب مع‬ ‫أكرب الفئات عد ًدا‪ ،‬مل يكونوا املسيحيني أو املسلمني بل كانوا الذين مل يأتهم رسل‪ ،‬إنهم أكرث أهل األرض أعدا ًدا ووجدت‬ ‫الكثري وقد التفّت حول معاصمهم لفاف ٌة خرضاء‪ ،‬مل اعرف ما تعني يف البداية‪ ،‬ها هو أحدهم يتكلم مع الله‪.‬‬ ‫ ملاذا مل تؤمن يب؟‬‫ ومن أنت حتى أؤمن بك؟ وكيف يل أن أعرفك؟‬‫ بعقلك‪ ،‬أمل ترى كل ما حولك يقول لك إنني الخالق؟‬‫ لقد قال غريك أنه هو الخالق‪ ،‬وجاءنا مبعجز ٍ‬‫ات وا ّدعى أنه هو‬ ‫صانع تلك املعجزات‪.‬‬ ‫ وهل ص ّدقته؟ هل طلبت منه إثبات أنه اإلله؟‬‫ لقد كان يصنع املعجزات‪ ،‬ويشفي أبناءنا‪ ،‬ويرصف عنا األرواح‬‫الرشيرة‪ ،‬ويصنع لنا التعويذات لالنتصار عىل أعدائنا‪ ،‬بينام أنت‬ ‫مل نسمع عنك أو نرى منك أي دليلٍ ‪ ،‬لو قلت أو أريتنا دليالً ملا‬ ‫أنكرناك‪.‬‬ ‫أيضا أنه ميوت؟‬ ‫ ولِ َم مل تطالبه بإخفاء الشمس مثالً؟ أومل ت َر ً‬‫رش‬ ‫غي الكون ملتنا جمي ًعا‪ ،‬وأنه عندما ميوت ّ‬ ‫يحل يف ب ٍ‬ ‫ قال إنه لو ّ‬‫ٍ‬ ‫جديد ليصبح شابًا دامئًا ‪.‬‬ ‫ وهل ص ّدقته؟‬‫ وهل كان عندي بديل؟‬‫ هل تؤمن يب اآلن؟‬‫ طب ًعا‪ ،‬ولو كنت فعلت ذلك قبل اآلن ملا كفر بك أحد‪ ،‬إذا كنت تظهر اآلن وتحاسبنا فلِم مل تظهر لنا من قبل بنفس‬‫الصورة؟ ها نحن نراك ونرى عظمتك وال ننكرها‪.‬‬ ‫‪ -‬صدقت‪ .‬إشار ٌة ملنا ٍد يأيت ويلف يده برشيط أخرض‪.‬‬

‫‪79‬‬


‫اقرأ الحادثة‬ ‫وليد‬

‫امرأ ٌة يبدو أنها من الهند أو سيالن‪...‬‬ ‫ ملاذا مل تؤمني يب؟‬‫ أؤمن مباذا؟‬‫ورب نعمتك‪.‬‬ ‫ أين خالقك ّ‬‫ أي نعم ٍة تقول؟‬‫ نعمة الحياة‪.‬‬‫ حياة؟ هل تُسمي ما خلقتني فيه حياة؟‬‫ نعم‪.‬‬‫لقد كنت أعيش ال مال يل وال جامل‪ ،‬ال أحالم ال قيم ًة ال كرام ًة ال يشء‪،‬‬‫ولو سألوين هل تريدين العيش مر ًة أخرى؟ لقتلت نفيس‪.‬‬ ‫ أتكفرين يب؟‬‫ لقد عشت كسيد ٍة شكيل قبيح وال يطلبني أحد‪ ،‬فقري ًة ال أجد ما يسد‬‫رمقي حتى لو عرضت جسدي ملا طلبني أح ٌد لقبحي‪ ،‬وعندما قبلت‬ ‫الزواج قبلت من رجلٍ أقبح وأفقر مني‪ ،‬مل نرى يو ًما جميالً‪ ،‬حياتنا كانت معانا ًة دامئة‪ ،‬وحتى نستمر قبِلنا الذّل والهوان‬ ‫ومرضا وكم ًدا‪ ،‬وعندما مات زوجي حرقوين‬ ‫حتى نستطيع أن نجد لقم ًة تس ّد أبسط حاجاتنا‪ ،‬حتى أطفايل ماتوا جو ًعا ً‬ ‫حي ًة معه‪ ،‬هل أنت نفسك الذي تخلق األغنياء؟‬ ‫ نعم‪.‬‬‫ وملاذا فعلت بنا هذا؟‬‫ أنا من يحاسب‪ ،‬ولست أنت‪.‬‬‫ إذًا أي نعم ٍة تلك التي تريدين أن أقر بها وأنت تحاسبني ليك تعذبني مرة أخرى؟‬‫ هل تؤمنني يب؟‬‫أيضا عىل أنني بحثت عام يسرت جسدي ويس ّد جوعي‬ ‫ّبت يف الدنيا ث ّم تريد أن تحاسبني هنا ً‬ ‫ ما الفرق؟ إذا كنت ُعذ ُ‬‫كنت تريدين أن أبحث عن دينٍ صحي ٍح واقرأ وأتفحص؟ هل أعطيتني وقتًا لذلك؟ أو‬ ‫ويشفي أطفايل ويف وسط هذا َ‬ ‫حتى أرسلت يل من يوضح يل؟ أن ريب كان يف نظري دامئًا‪ ،‬كان من سريفع عني هواين يف دنياي‪ ،‬هل فعلت أنت ذلك‬ ‫لتحاسبني عليه اآلن؟‬ ‫أشار إىل املنادي ‪ ...‬رشي ٌط أخرض‪.‬‬

‫‪80‬‬


‫اقرأ الحادثة‬ ‫وليد‬

‫رجل يبدو عليه أنه معت ٌد بنفسه‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫ ملاذا مل تؤمن يب؟‬‫ أنا كنت كاهن القبيلة ومل أهتم مبثل تلك‬‫األمور‪.‬‬ ‫كنت ذا ما ٍل وسلطانٍ‬ ‫ هل أنا ال أعنيك؟ لقد َ‬‫ملاذا مل تشكر نعمتي عليك وأنني فضلتك عىل‬ ‫غريك؟‬ ‫ لقد حصلت عىل املال بعقيل ومجهودي‪.‬‬‫ أنا الذي أعطيتك العقل والجسد‪.‬‬‫ وكذلك لكل الناس‪ ،‬فلامذا اختصصتني بتلك‬‫النعم إن مل أكن أستحقها؟‬ ‫ يل يف ذلك حكمة‪.‬‬‫أيضا حكمتك اقتضت أال اهتدي إليك‪.‬‬ ‫ إذًا ً‬‫ أنا ال يحاسبني أحد‪ ،‬أنا العليم الحكيم البصري السميع القدير‪..‬‬‫ وأنا مل أعرتض يا سيدي‪.‬‬‫ إذًا ملاذا مل تؤمن يب بل استغللت اسمي لتحقيق مآربك؟‬‫ عذ ًرا‪ ،‬أمل تقل لتوك أنك الذي أردت ذلك بحكمتك‪ ،‬فلم تحاسبني عىل ذلك؟‬‫ أعطيتك عقالً راج ًحا وجس ًدا قويًا ولك ّني مل آمرك باستغالل اسمي‪.‬‬‫ أنت مل تأمرين بأي يشء‪ ،‬ومل أخالفك يف يشء‪ ،‬وأنا مل أتكلم باسمك‪ ،‬لقد اعتقد املغفلون من أهل قبيلتي أنك تحتاج‬‫ٍ‬ ‫وأضحيات لرتىض أما أنا فعلمت أنك من العظمة بحيث أنك ال تحتاج إىل تلك التوافه‪ ،‬فقمت بأخذها باسمك‬ ‫إىل قرابني‬ ‫حتى ال تفسد وتضيع‪ ،‬لقد كان األمر محسو ًما من البداية‪ ،‬ولو علمتك لتكلمت باسمك من البداية‪ ،‬فلم يكن اسم اإلله‬ ‫مهم بالنسبة للبرش‪ ،‬املهم كان عندهم األمل يف وجود قو ٍة خارق ٍة تصنع لهم املعجزات‪ ،‬الفقري يريد أن يصبح غن ًيا بك‬ ‫ً‬ ‫وبقدراتك بدون تعب‪ ،‬واملريض يريد أن يشفى بال ٍ‬ ‫بحث عن عالج‪.‬‬ ‫رجل‪ :‬أن هذا الرجل اغتصب زوجتي‬ ‫ أنت كنت تؤمن يب ولكنك ال تعرفني فقط ‪ ....‬رشيط أخرض‪ .‬قبل أن ينرصف صاح ٌ‬‫أشخاصا سذج ألجل مصلحته هل تكافئ القاتل واملغتصب؟‬ ‫باسمك وقتل باسمك وذبح باسمك‬ ‫ً‬ ‫ أنت‪ ،‬توقف‪ ،‬ملاذا قتلت؟‬‫ وهل منعته من االنتقام؟ مل يكن ضعيفًا وال ينقص عني شيئًا‪ ،‬بل هم كانوا أكرث مني عد ًدا وقوة ولو أردوا قتيل لفعلوا‪.‬‬‫هل تحاسب يا ريب السمك الكبري عىل أكله للسمك الصغري؟ هل تحاسب األمراض عىل القتل؟ ألسنا كلنا خلقك؟ أنت‬ ‫الذي وضعت قانون الغاب يف األرض وأنت الذي زرعت الرش يف النفوس وأنت الذي خلقت الشهوة والنفس األ ّمارة‬ ‫أيضا مل يكن خال ًيا من الرش‪،‬‬ ‫بالسوء‪ ،‬وأنت الذي جعلت الناس ترىض بالهوان انتظا ًرا لتدخلك لالنتقام لهم‪ ،‬إن هذا الرجل ً‬ ‫‪81‬‬


‫اقرأ الحادثة‬ ‫وليد‬

‫أنا قتلت الضعفاء ألين رأيت أنها ُس ّنتك يف الكون‪ ،‬ال مكان للضعيف‪.‬‬ ‫ أنت أيها الرجل‪ ،‬تعال هنا‪ ،‬أنت من يستحق العقاب‪.‬‬‫ ملاذا يا رب؟‬‫ ملاذا مل تنتقم لنفسك؟‬‫ لقد خلقتني ضعيفًا يا رب‪.‬‬‫ وماذا كان يزيد عنك الرجل؟‬‫ مل يكن يزيد عني شيئًا ولكنه كان يتكلم باسمك وكنا نخاف انتقامك لو فعلنا له شيئًا‪ ،‬وعندما علمنا ذلك اآلن علمنا‬‫نصابًا‪.‬‬ ‫أنه كان ّ‬ ‫ كيف تأك ّدت من أنه كان يتكلم باسمي؟ هل وجدت دليالً عىل ذلك؟‬‫ نعم‪ ،‬كان ي ّدعي أنه ينزل عليه كائ ٌن من السامء يقول أنه من عندك‪.‬‬‫ هل رأيت هذا الكائن؟‬‫ ال‬‫ إذًا ملاذا صدقته؟‬‫ٍ‬ ‫بركات من عندك‪ ،‬وتصبح‬ ‫ لقد وعدنا بالخري الكثري إذا صدقناه‪ ،‬وأخربنا بأنك وعدته أن من يتبعه سوف تُنزل عليه‬‫خريات األرض ملكًا له وأنه بعد املوت سيصبح لنا خ ًريا أكرث‪ ،‬دونًا عن بقية القبائل األخرى‪.‬‬ ‫طم ًعا تريد الخري ولو كنت حصلت عليه اآلن ملا اشتكيت من قتلٍ أو اغتصاب‪،‬‬ ‫ إذًا أنت مل تؤمن يب‪ ،‬بل كنت إنسانًا ّ‬‫طمع وتريد أن تحصل عىل كل الخري لنفسك‪ ،‬لقد ألغيت عقلك ألنك طمعت‪.‬‬ ‫إنك إنسا ٌن ّ‬ ‫ لست وحدي‪.‬‬‫ لكن أنت فقط الذي اعرتض‪ ،‬غريك ابتلع هزميته وغباءه وسكت‪ ،‬أما‬‫أنت فرتيد أن تطالبه بثمن غبائك يف الدنيا‪ .‬إشارة ‪ ....‬رشيط أحمر‪ ،‬أول‬ ‫إشار ٍة حمراء أراها‪ ،‬الكثري ارتجف‪ ،‬الرجل نفسه يرصخ‪ ،‬من سينقذه؟‬ ‫ال أدري‪« ،‬له الله» كلم ٌة ال معنى لها اآلن‪ ،‬الله يحاسب‪ ،‬رشائط خرضاء‬ ‫كثرية وحمراء أقل من أن تذكر‪ ،‬ال أدري معني الرشائط حتى اآلن ولكن‬ ‫ال مانع من االنتظار‪ ،‬إنه اآلن يتجه إىل أصحاب الدين والرسل‪ ،‬كم أنا‬ ‫متشوق ألرى كم رشيطًا أحمر سيحصلون عليه‪.‬‬ ‫انطلقت إىل املواقع التي يرابط بها أصحاب الدين‪ ،‬قوم نو ٍح قوم إبراهيم‬ ‫وغريهم من الرسل الذين مل يعد لهم أتبا ٌع بعد موتهم‪ ،‬إنهم أقلية‪،‬‬ ‫لقد حاسب الله معظم البرش يف وقت ليس بالكثري‪ ،‬انطلقت إىل موقع‬ ‫املسيحيني‪ ،‬ال أدري ملاذا أحس بحن ٍني إىل مرحلتي البرشية واشتاق أن‬ ‫‪82‬‬


‫اقرأ الحادثة‬ ‫وليد‬

‫أضع يدي يف جيبي وأنا أتأمل‪ ،‬فال أجد يل جيوبًا أو انظر لألرض خوفًا أن يجرح رجيل حج ٌر مع أنه ال توجد ال حجارة‬ ‫أو ما أخاف منه اآلن أو أنظر يف يدي ألتفقد مكان ساعتي ألرى كم مىض من الوقت‪ ،‬مل يعد للوقت قيم ٌة وال معنى فال‬ ‫أدري كم مىض حتى اآلن سنني؟ مئات السنني؟ أالف السنني؟ مل أعد أدري بيشء‪ ،‬فال يشء يتغري وال أخاف أن مييض يب‬ ‫العمر ألنه قد مىض فعالً وانتهى‪ .‬وقف حملة العرش أمام املسيحيني‪ٌ ..‬‬ ‫فرق كثرية‪ ،‬ما إن وصل الله حتى سكت الجميع‬ ‫بعد أن كانوا يرتاشقون منذ قليل‪.‬‬ ‫وقف‪ ،‬وقال للمنادين‪ :‬ضموهم‪ ،‬فكلهم عندي سواء‪.‬‬ ‫قال املنادون‪ :‬لقد فرقناهم ألنهم تصارعوا وانتظرنا حتى تأيت بنفسك‬ ‫لتحكم بينهم‪.‬‬ ‫ نادوا عىل املسيح‪.‬‬‫ أنا املسيح‪.‬‬‫ هل أنت من ا ّدعى أنه ابني وأين أرسلتك فدا ًء للبرشية؟‬‫ أنا مل اقل شيئًا‪ ،‬وإن كنت قلته فقد علمته‪.‬‬‫ فلامذا قالوا عنك ذلك؟‬‫ٍ‬ ‫سنوات أدعو للخري ثم قتلوين‪،‬‬ ‫ اسألهم‪ ،‬فأنا مل أعش سوى ثالث‬‫فكيف يقتلونني إن كنت إل ًها كام يدعون؟ كل ما أردته هو دعوة‬ ‫مرسل أو أين إله‪ ،‬هل تراهم يقولون‬ ‫مجتمعي لألفضل‪ ،‬مل أقل أين ٌ‬ ‫عني نفس اليشء؟ إنهم كام تراهم مختلفون ال يتفقون عىل من‬ ‫أنا‪ ،‬أو كيف أكون؟ ولو قلت شيئًا ملا اختلفوا عليه‪ ،‬ولكن كل من‬ ‫كان له ه ًوى وضعه باسم الدين‪ .‬مل أترك كنائس ومل أترك مذابح ومل‬ ‫أعزف موسيقى كنسية‪ ،‬ومل أرشع بتلك املحدثات كلها فعمري مل‬ ‫يكن ليتسع لكتابة تلك األناجيل التي ت ُنسب إ ّيل زو ًرا وبهتانًا‪ ،‬هل أخطأت عندما دعوت إىل مكارم األخالق؟ مل أحصل ال‬ ‫ومت شابًا‪.‬‬ ‫فصلبت وذقت الهوان ّ‬ ‫عىل ما ٍل وال سلطان‪ ،‬بل حصل عليه الذين تكلموا باسمي أما أنا ُ‬ ‫ هل تتربأ منهم اآلن؟‬‫ ويف كل زمان‪ ،‬إنهم أنفسهم ال يعرفون من أكون‪.‬‬‫أشار الله فتم أخذه إىل مكانٍ بعيد‪.‬‬

‫‪83‬‬


‫اقرأ الحادثة‬ ‫وليد‬

‫قديس ٌة مسيحي ٌة تريد أن تتكلم ‪ ...‬فسألها الله‪:‬‬ ‫ ملاذا اتّبعت املسيح؟ هل رأيته أو وجدت دليالً عىل أنه مخلّصك‬‫مني اليوم؟‬ ‫ ال‪ ،‬ولكن أنا بحثت عنك بكل جوارحي وأرشدين أيب وأمي أن املسيح‬‫هو طريقي للخالص‪ ،‬لقد ضحيّت بكل ما أملك من أجلك أنت‪،‬‬ ‫دخل يف اختيار املسيح‪،‬‬ ‫أمضيت عمري كله أتقرب إليك‪ ،‬مل يكن يل ٌ‬ ‫كان كل من حويل يقولون أنه مخليص ومل يخطر ببايل أن كل من‬ ‫حويل مخطئون‪ ،‬فركّزت كل همي يف إرضائك وليس يف اختيارك‪.‬‬ ‫ وهل عقلك يصدق أن خالق الساموات واألرض وهذا الكون‬‫الفسيح ينتظر منك أن تعذيب نفسك إلرضائه؟ من تظنينني؟ هل‬ ‫أجلس هنا عىل عريش وكل ما يهمني أن تتعذيب من أجيل وتحرمي‬ ‫نفسك من طيبات الحياة التي خلقتها من أجيل؟‬ ‫ هم أخربوين (تتلعثم)‪..‬‬‫أيضا أخربوك؟ هل أنت بال عقل؟‬ ‫ ً‬‫ أنا مل أفعل كل هذا إال إرضاء لك‪.‬‬‫ٍ‬ ‫بإخالص ال أن تتبعي غريك بال تفكري‪.‬‬ ‫ وهل هذا يرضيني؟ إن ما يرضيني كان أن تبحثي عني‬‫ وملاذا مل ترسل لنا من يخربنا مبا تريد؟‬‫ ومن قال أنني أريد شيئًا سوى أن تستخدمي ما خلقته تحت أمرك وطوع عقلك؟ إن عبادي هم الذين أمضوا حياتهم‬‫ينحتون صخور الجبال ال الذين أمضوها مختبئني فيها‪.‬‬ ‫ لكنني أحببتك وعملت ما أقدر عليه إلرضائك‪.‬‬‫ ولكنني لست راض‪.‬‬‫ أعطني فرص ًة أخرى‪.‬‬‫ ستأخذينها‪ ،‬ولكن بدون عقل‪ ،‬ستعودين إىل الحياة يف صورة حيوانٍ متضينها عقابًا لك عىل أنك مل تستخدمي عقلك‪.‬‬‫إشارة للمنادي ‪ ....‬رشي ٌط أخرض‪.‬‬ ‫فهمت اآلن «رشيط أخرض» يعني حيا ًة أخرى تفهم فيها غرض وجودها‪ ،‬لكنها لن تتكلم ستقوم اآلن بالحياة كام تريد‬ ‫بال قيو ٍد وال مشاكل فقط تتبع غريزتها وتحافظ عىل حياتها وتستمتع مبا خلقه الله لها‪ ،‬ال أدري هل ستكون كائ ًنا مساملًا‬ ‫ألنها كانت مسامل ًة يف حياتها األوىل؟ أم ستكون كائ ًنا متوحشً ا حتى تتخلص من سلبيتها يف الحياة؟ أم ستكون كائ ًنا‬ ‫مجهريًا يعيش هامئًا بال هدف؟ أم شجر ًة مثمر ًة كام أح ّبت أن تكون؟ إن هذا تقدي ٌر صعب بالنسبة يل‪ ،‬ولكن بالتأكيد‬ ‫هناك مع ًنى لكل حياة‪ ،‬قد تكون الحرشات عقابًا للذين عملوا أخطاء كثري ًة بقصد‪ ،‬وما أكرثهم وما أكرث الحرشات‪ .‬مل أجد‬ ‫‪84‬‬


‫اقرأ الحادثة‬ ‫وليد‬

‫رسول‪ ،‬وهذا اتبع كاه ًنا‪ ،‬وغريه ص ّدق‬ ‫فرقًا يف الردود بني أصحاب الدين وغريهم فكلهم اتبعوا أفكار غريهم‪ ،‬هذا اتبع ً‬ ‫ساح ًرا‪ ،‬أن الرسل ال يختلفون عن الفالسفة‪ ،‬أرادوا الخري ملجتمعاتهم ولكن يف النهاية موقف االتباع واحد‪ ،‬لقد سلّموا‬ ‫عقولهم لغريهم لقد تكرر ما حدث مع الذين بال رسل مع الذين جاءهم رسل‪ ،‬فالحقيقة التي اكتشفها الكل سواء‪.‬‬ ‫هل يختلف حساب املسلمني؟ سأسبق إىل هناك‪ ،‬جرى حملة العرش برسع ٍة كبري ٍة إىل مكان املسلمني‪ ،‬حاولت أن أعرف‬ ‫من أين يزيد الله رسعة العرش فلم أتبني‪ ،‬ما إن وصل العرش إىل منطقة املسلمني حتى تعالت األصوات مرحب ًة بالله‬ ‫وكل فرق ٍة تتوعد األخرى بأنها هي الفرقة الناجية وإ ّن الله قد جاء ليفصل بينهم‪ ،‬نادى الله‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫أنت‪ ،‬تعال إىل هنا‪ ،‬ملاذا أرشكت يب؟‬ ‫ َ‬‫ أنا مل أرشك بك‪ ،‬بل دعوت إىل إل ٍه ٍ‬‫واحد بال رشيك‪.‬‬ ‫ ولك ّنك قرنت اسمك يب ونسبت إيل العجز وأنني ال أستطيع أن أتكلم إالّ معك‪ ،‬كيف قرنت اسمك باسمي؟ أمل تجعل‬‫شهادة اعرتاف املسلم بك شهاد ًة يل وشهاد ًة لك سوا ٌء بسواء؟ أليس اعرتافه يب كاف ًيا؟ فلامذا يشهد لك؟ ما أهمية هذا؟‬ ‫أليست صالته يل؟ فلامذا يصيل عليك؟ لقد استغللت اسمي لتحصل عىل اعرتاف الناس بك‪.‬‬ ‫أصواتٌ تتعاىل يف كل مكان‪ :‬أهذا هو الرسول مح ّمد؟ أهذا هو حبيب الرحمن‬ ‫وشفيعنا؟!!‬ ‫اب يف الصفوف واستغراب‪..‬‬ ‫ وهل بلّغتني بيش ٍء حتى تحاسبني عليه؟ اضطر ٌ‬‫ ولكن دع َوتك كانت إبعا ًدا للناس عن التفكري‪.‬‬‫ أي تفكري؟ وهل املفكر سيتبع دعويت بال دليل؟ إنني مل اقل إال كال ًما‪ ،‬ومل ِ‬‫آت‬ ‫بربهانٍ إال كال ًما‪ ،‬ومل أضع ترشي ًعا إال كال ًما‪ ،‬فلست مسؤوالً عن من ص ّدقني‪،‬‬ ‫فهو يف األصل مل يكن إال متّبع‪ ،‬فات ّبعني‪ ،‬وأنا مل أكن ألتبع غريي بال برهان‪،‬‬ ‫أمل يكن يف دعويت الخري للجميع؟ أمل أح ّول رشاذم العرب إىل أسياد؟ أمل أجعل‬ ‫العامل كله يدين لك بالعبودية؟ ولست مسؤوالً عمن جاء بعدي‪ ،‬فلم أد ُع إىل‬ ‫يش ٍء بعدي‪ ،‬فإن شئت حاسب من جاء بعدي‪ ،‬أما أنا فعلمت أن رشاذم العرب‬ ‫لن تتبعني إال بقو ٍة غري مسبوقة‪ ،‬فكنت أنت ُح ّجتي وقويت‪ ،‬أنت الذي يحقق‬ ‫جميع األحالم بال حدود‪ ،‬فتجمعوا عليك‪ ،‬ولكن كانت نفوسهم تطمع يف ما‬ ‫عندك فعلمت أن فيهم ضعفًا فأغريتهم بالطعام واألرائك والنساء وحصلوا يف‬ ‫ٍ‬ ‫بنفوس طامح ًة لكرمك بعد البعث‪ ،‬وأنا مل افعل‬ ‫دنياهم عىل خري العامل وماتوا‬ ‫قلت وخالفت؟ بل اجتهدت‬ ‫رشا‪ ،‬ولست مبحاسبي عىل ما مل تأمر بغريه‪ ،‬فهل ُ‬ ‫ً‬ ‫حتى حصلت عىل خري ما تريد نفيس من علياء ورفع ٍة وتسيدت قومي ورست‬ ‫سرييت بني البرش وكل من جاء بعدي أضاف يل ما مل أقل ليك يحصل عىل الخري‬ ‫لنفسه كام حصلت أنا عليه‪.‬‬ ‫‪85‬‬


‫اقرأ الحادثة‬ ‫وليد‬

‫ أترى ما أحدثوا بعدك؟‬‫ وهل هذا ذنبي؟ هل أمرت بكل هذا؟ لقد كنت أبسط من كل هذا‪ ،‬دعوت ملجتمعٍ فاضل عىل قدر تفكريي ومعطيات‬‫كل منهم أنه عىل ُس ّنتي‪ ،‬ولو كانوا يطمحون إليك ما اختلفوا عليك‬ ‫عرصي‪ ،‬فح ّولوا دعويت‪ ،‬وتصارعوا عىل إريث‪ ،‬وا ّدعى ٌ‬ ‫ولكن طمحوا يف خريك وجعلوا منك سب ًبا ومني برهانًا يتنازعوه‪.‬‬ ‫ ما تظن أين فاعل بك؟‬‫رب كري ٌم ولو شئت أن تهلكني يف الدنيا ألهلكتني‪.‬‬ ‫ ٌ‬‫يشري‪ ،‬فيذهبوا به إىل جانب املسيح‪.‬‬ ‫نظرت إىل جامهري املسلمني بعد أن كانوا يرتاشقون بالكالم‪ ،‬أصابهم السكون‪ ،‬خاشع ٌة أبصارهم‪ ،‬ال يتكلمون‪ ،‬إالّ من أذن‬ ‫الله له بالكالم‪ .‬مساكني هؤالء البرش‪ ،‬ألغوا عقولهم يف الدنيا من أجل شهواتهم‪ ،‬هل تخيّلوا اإلله بهذه السخافة؟ يح ّرم‬ ‫اليشء ثم يجعل ما ح ّرمه هو املكافأة!‬ ‫املنادي يستدعي أحد األشخاص ‪...‬‬ ‫ من ربك؟‬‫ الله‪.‬‬‫ وكيف عرفت ذلك؟‬‫ من محمد‪.‬‬‫ وكيف عرفه محمد؟‬‫ من جربيل‪.‬‬‫ وكيف عرفه جربيل؟‬‫ هو يعرفك مبارشة‪.‬‬‫ وكيف ص ّدقت ذلك وأنت تؤمن بأن‬‫محم ًدا هو الذي تخطّى جربيل إىل سدرة‬ ‫املنتهى؟ أي أن جربيل مل يستطع االقرتاب‬ ‫مني ولكن محم ًدا تق ّدم فكان قاب‬ ‫قوسني أو أدىن مني‪.‬‬ ‫ لكن كان ينزل عليه الوحي‪.‬‬‫ هل رأيته؟‬‫ال‪.‬‬‫ إذًا ما الذي جعلك تؤمن به؟‬‫ رأيته يدعو إىل محاسن األخالق‪ ،‬وقومي يعبدون حجارة فدعانا إىل عبادة خالق الحجر‪.‬‬‫‪86‬‬


‫اقرأ الحادثة‬ ‫وليد‬

‫ وما الفرق بني عبادة حج ٍر ال يراك وال يسمعك وال يعقلك وإل ٍه ال تراه وال تسمعه وال تعقله ألنه ال تدركه العقول وال‬‫األبصار؟‬ ‫ إل ٌه أعظم وأرقى‪.‬‬‫ وماذا تريد من اإلله؟‬‫ أريد أن يقول يل ملاذا أعيش؟ ملاذا أموت؟ ملاذا الحياة بحلوها ومرها؟‬‫ وهل قال لك محم ٌد كل هذا؟‬‫ نعم قال أنك خلقتنا لنعبدك يف الدنيا لتكافئنا يف اآلخرة‪ ،‬وكلام اجتهدنا يف العبادة أجزلت لنا العطاء‪.‬‬‫ وهل أخلق كل هذا الكون وكل هذه الكائنات ثم أتفرغ بعد هذا ألع ّد ركعاتك وسجداتك ونياتك؟ هل تظن أين أضع‬‫ٍ‬ ‫بصحف بجانبك تع ّد عليك آهاتك ونظراتك؟ هل ترى خالق الكون يحتاج إىل ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ومالك‬ ‫مالك يساعده يف الكتابة‬ ‫مالئك ًة‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ومالك يحارب عىل ٍ‬ ‫يساعده يف ج ّر سحاب ٍة من مكانٍ إىل مكانٍ‬ ‫فرس لينرصه؟ ما‬ ‫ومالك يساعده يف محارصة أهل النار‬ ‫تظنون بخالق كل هذا العامل؟‬ ‫ قال لنا إن من يفكر بهذه األفكار فإن هذا إيحا ٌء من‬‫إبليس الرشير‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫وسيط بينام أنا خالق‬ ‫ إبليس الرشير يوسوس لك بدون‬‫الكون ال أقدر؟ إبليس يجري منك مجرى الدم بينام أنا‬ ‫ٍ‬ ‫محمد ثم معجزة؟‬ ‫الله خالقك تحتاج مني إىل جربيل ثم‬ ‫ما أحقر تفكريك وهل تستهني يب إىل هذه الدرجة؟‬ ‫ لقد أقنعنا محم ٌد بأنك أرسلته‪.‬‬‫ أقنعك مباذا؟ ما هي الحجة الدامغة التي ال ر ّد لها؟‬‫ بكالمك‪.‬‬‫ ومن قال إنه كالمي؟‬‫ محمد‪.‬‬‫ هل متازحني؟ أم أنك أبله؟‬‫ عف ًوا سيدي ولكني ال أرى أنني أخطأت‪.‬‬‫ من أين عرفت أن محم ًدا ٌ‬‫رسول من عندي؟‬ ‫ لقد تحدى أن يأيت أح ٌد مبثل هذا الكالم‪.‬‬‫ رائع‪ ،‬وهل ذلك يجعل هذا الكالم إله ًيا؟‬‫ وما املانع؟‬‫ٍ‬ ‫كلامت لتعرب عنه‪ ،‬الله الخالق إذا أراد شيئًا قال له كن فيكون‪ ،‬هل‬ ‫ املانع أن الله الذي خلق كل هذا العامل ال يحتاج إىل‬‫كالم يف جبلٍ ال يراه أحد‪،‬‬ ‫الله الخالق ال يستطيع أن يخلق دليالً دام ًغا وأسلوبًا‬ ‫مفحم إلثبات ما يريد؟ أقوى من نزول ٍ‬ ‫ً‬ ‫‪87‬‬


‫اقرأ الحادثة‬ ‫وليد‬

‫هل الله خالق كل البرش يدخل يف ٍ‬ ‫تحد مع شعراء من صنعه إلثبات وجوده؟ وكأنه يقف يف سوق عكاظ‪ ،‬إنك ساذج‪.‬‬ ‫ لكني آمنت بك يف النهاية‪.‬‬‫ وهل انتظر شهاد ًة من أحد؟ هل تعتقد أنني أجلس خائفًا من أن ينكرين أحد؟ ما هو معنى إميانك يب؟ ماذا سيقدم‬‫جلست أنتظر حكمك فيام خلقت؟‬ ‫خلقت كل هذا ثم‬ ‫أو يؤخر بالنسبة يل؟ هل‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ إذًا ملاذا خلقتنا وأحييتنا وأمتّنا وبعثتنا؟‬‫ وما دخلك أنت فيام أريد أنا‪ ،‬أفعل ما أشاء وال أبرر ترصفايت ألحد‪ ،‬لقد خلقت آالف األكوان وماليني املخلوقات ولست‬‫مطال ًبا بتقديم أسبايب ملن خلقت‪.‬‬ ‫ وماذا ستفعل بنا؟‬‫ ستعلم اآلن ‪ ...‬رشي ٌط أخرض‪ ،‬وجاء من بعده ومن بعده ومن بعده ‪...‬كال ٌم ال ينتهي‪ ،‬مللت من ال ُحجج الواهية‪ ،‬ال ج ّنة‬‫وال نار‪ ،‬بل إل ٌه ح ٌر فيام يختار‪.‬‬ ‫ذهبت انتظر حتى يأيت إ َّيل العرش‪ ،‬ال أدري‬ ‫ماذا أقول‪ ،‬بدأت أتحرك راج ًعا إىل مكاين‪ ،‬مل‬ ‫طعام أو رشاب‪،‬‬ ‫أشعر بالتعب أو أحتاج إىل ٍ‬ ‫ال جوع ال عطش ال فناء‪ ،‬مل يعد لوقتي‬ ‫مع ًنى لقد أصبحت إل ًها صغ ًريا‪ ،‬لكن ما قيمة‬ ‫اإلله بدون عبيد؟ هل أنا إل ٌه عىل نفيس؟ ما‬ ‫قيمتي؟ أدركت وقتها ملاذا خلقنا الله‪ ،‬يريد‬ ‫من يستشعر قدرته‪ ،‬يريد من يستجدي‬ ‫رحمته‪ ،‬أن لحظات الحساب هي لحظات‬ ‫األلوهية الحقّة‪ ،‬كان ميكنه أال يحاسبهم‪ ،‬كان‬ ‫ميكنه أال يناقشهم ولكنها اللحظة ليقول أنا‬ ‫الله أمام الجميع‪ ،‬ليخاف ويرتجف الجميع ويطلبوا غفرانه‪ ،‬عن ماذا؟ ال أدري‪ ،‬لو علموا أنه ال يريد إالّ تلك النظرة‬ ‫حساب وبدون‬ ‫الذليلة‪ ،‬ال يريد ج ّن ًة وال نا ًرا بل أراد أن يكون إله‪ ،‬لو عذّب الجميع أو ن ّعم الجميع من البداية دون‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وحساب من جديد‪ ،‬تداعت األفكار‬ ‫رش من جديد‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫بعث لفقد تلك اللحظة‪ ،‬إنّه يُحاسب ثم يعيد خلط األوراق ويأيت بب ٍ‬ ‫نعيم حصل؟ وصلت ‪...‬‬ ‫يف عقيل‪ ،‬همهامتٌ طوال الطريق‪ ،‬متن ّيت أن أرى صديقي الذي جرى إىل النعيم وتركني‪ ،‬عىل أي ٍ‬ ‫وج ّدت العرش وقد سبقني‪ ،‬تسللت بني الصفوف‪ ،‬أنتظر دوري‪ ،‬ال ب ّد أنه آت‪ ،‬مل أعد أخاف كام كنت‪ ،‬حتى اإلله يسعد‬ ‫ويفرح بالكلامت‪ ،‬يريد من يقول له ما يحب أن يسمعه‪ .‬أتشوق ملعرفة ملاذا خلق الله مثل هؤالء وملاذا يحاسبهم‪ ،‬ها‬ ‫هو مجنو ٌن يقف أمام الله ال عقل له ال منطق ال هدف ملاذا كان يف الدنيا‪ ،‬من سيسأل من؟ هل سيسأل الله العبد‬ ‫املجنون ملاذا مل يعرفه؟ ألنه مجنون! ثم ماذا؟ أم سيسأل املجنون الله ملاذا جعلتني مجنونًا بينام كان غريي عاقالً؟‬ ‫‪88‬‬


‫اقرأ الحادثة‬ ‫وليد‬

‫اقرتبت ألستمع‪ ،‬فجأة‪ ،‬تذكّرت أنني يف مكاين‪ ،‬لست متسلالً كام كنت دامئًا‪ ،‬اقرتبت من الصفوف األمامية فلم يعد هناك‬ ‫ما أخاف منه‪ ،‬أردت أن ألقي نظر ًة عىل حملة العرش‪ ،‬ال أدري أشعر بالشفقة عليهم‪ ،‬إنهم يحملون الله شخصيًا‪ ،‬أنها‬ ‫قو ٌة رهيب ٌة أن تحمل الله بالتأكيد‪ ،‬هل يعينهم الله عىل حمله؟ ‪ ...‬ال أفهم هل يعطيهم قو ًة قادر ًة عىل حمله الذي هو‬ ‫يف نفس الوقت معطي القوة لتحمله؟ رسحت‪..‬‬ ‫ٍ‬ ‫فخيم يقول‪ :‬أنت!! نعم أنت يا وليد‪...‬‬ ‫ما إن وصلت حتى فوجئت‬ ‫بصوت ٍ‬ ‫ هل كنت تعتقد أين ال أراك وأنت تتسلل بني الجموع يف كل مكان؟‬‫ابتسمت وتذكّرت كم يحب أن يَسمع كلامت اإلطراء‪...‬‬ ‫ أحببت أن أكون يف جوارك دامئًا‪.‬‬‫ضحك وقال‪:‬‬ ‫اقرتب مني‬‫اقرتبت ‪....‬‬ ‫ ملاذا مل تفعل كغريك وتتبع نب ًيا أو رسوالً؟‬‫ٍ‬ ‫روايات وحكايات‪ ،‬وعندها أيقنت أنك لو أردت إرسال رسو ٍل لجعلت يف كل زمانٍ‬ ‫ مل ألتق بأحدهم‪ ،‬كل ما جاءين كان‬‫ومكانٍ رسول‪ ،‬فمن يرسل لكل كائنٍ رزقه بال حساب لن يعجزه أن يرزقه نصيبه من الهداية والرسل‪ ،‬ومن خلق الرحمة‬ ‫والحب يف قلب كل ٍأم لن يرىض أن تكون هذه األمهات أكرث أهل النار أعدا ًدا‪ ،‬ومن خلق ّ‬ ‫أرق املشاعر ومستقبالت‬ ‫اإلحساس بالجامل لن يريض أن يكون هو الحاكم‬ ‫بوأدها وأن يكون إرضاؤه يف كبت تلك املشاعر‪،‬‬ ‫ومن خلق نقاط ضعفي وقويت لن يخترب صنع‬ ‫يديه ليعيد اكتشاف ما أراد‪ ،‬ومن خلق حيايت‬ ‫وقلبي وروحي ال يحتاج إىل إغوايئ بشيطانٍ أو‬ ‫غريه‪ ،‬مل أفهم ماذا يريد إل ٌه بخلق الشيطان‪ ،‬هل‬ ‫يخترب نفسه؟ إننا قطع ٌة من إبداعك كام أبدعت‬ ‫الكون‪ ،‬لقد أحسست أنك أعظم من أن تكون‬ ‫وسيل ًة لتحقيق غرائز البرش املكبوتة يف الحياة‬ ‫يف جنتك بعد الحياة وطاملا متنيت أن أسألك‬ ‫ملاذا أنت بعي ٌد عنا؟‬ ‫ مل أكن بعي ًدا بل أنا خلقت يف كل إنسانٍ ما‬‫أريد‪ ،‬لقد خلقت كل إنسانٍ كقطع ٍة فني ٍة فريد ٍة‬ ‫‪89‬‬


‫اقرأ الحادثة‬ ‫وليد‬

‫ال تتكرر‪ ،‬لقد كانت نفسك تحدثك مبا أردته منك ألنني الذي خلقها ولو أردت أن أضع شيئًا مختلفًا ملا عجزت‪.‬‬ ‫ لقد اعتقد البرش أنها ضد مصلحتهم‪.‬‬‫ أمل ينظروا خلفهم؟ لو كانت ضدهم النتهت البرشية حيث بدأت‪.‬‬‫ لكنها تتطور‪.‬‬‫ وهل كان التطور نتيجة الدين؟ ما هو التطور؟‬‫ ال أدري ما هو التطور الذي كانوا يقصدون‪ ،‬هل التطور العلمي االقتصادي االجتامعي؟ لقد أيقنت أن كل ذلك ال دخل‬‫ٍ‬ ‫رشا باسمك‪ ،‬إن التطور كان موجو ًدا دامئًا حيث يفعل اإلنسان‬ ‫له بتحريم أشياء‬ ‫رش يقتلون ب ً‬ ‫وركعات ونوافل وقرابني وب ٌ‬ ‫ما يريد دون أن يؤذي غريه وهذه هي سنتك يف الخلق التي علّمتها‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫لضعيف ال يفكر‪ ،‬ال مكان يف نعمتي ملن ال يق ّدر قيمتها‪.‬‬ ‫ ال مكان‬‫محب ال مار ٍد يتوعد بالعذاب والحرق‪ ،‬متنيت أن يضمني‬ ‫سكت! ‪ ...‬أحسست لوهل ٍة أنني مع‬ ‫أب ٍ‬ ‫صديق ال إله‪ ،‬مع ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫إىل صدره لكنني أفقت عىل من يلف رشيطا أخرض عىل معصمي ويقول تعال معي‪ .‬ذهبت وأنا هائ ٌم يف أحاسيس‬ ‫رائعة‪ ،‬نظرت خلفي أللقي عليه نظر ًة أخرية‪ ،‬ال أدري إىل أين أسري‪ ،‬وكأنه فهم ما أريد فابتسم يل‪ .‬أغمضت عيني لتكون‬ ‫ابتسامته آخر ما أراه منه‪ .‬مشيت مع املنادي سألته‪:‬‬ ‫إىل أين؟‬‫ إىل حياتك األخرى؟‬‫ وما تفعلون بنا؟‬‫ ستعرف اآلن‬‫رش كثريون‪ ،‬إشار ٍ‬ ‫ات خرضاء حمراء‪ ،‬ال‬ ‫دخلت إىل ساح ٍة كبري ٍة‪ ،‬ب ٌ‬ ‫أدري ما هي تلك الحياة األخرى‪ ،‬ارتعدت أوصايل فأغمضت عيني‬ ‫ألتذكر االبتسامة‪ .‬أخذين املنادي إىل صال ٍة كبري ٍة رائع ٍة ويف كل‬ ‫ٍ‬ ‫شاشات عمالقة‪.‬‬ ‫صال ٍة توجد ست‬ ‫قلت له‪:‬‬ ‫ ما هذا؟‬‫ هذه حياتك القادمة‪ ،‬إن لكل رو ٍح سبع أشكا ٍل من الحياة‪.‬‬‫ يعني سبع أرواح؟‬‫روح واحد ٌة بسبع أشكال‪.‬‬ ‫ ال‪ٌ ،‬‬‫ كنت أعتقد أن القط هو الوحيد الذي له سبع أرواح‪ ،‬وما هذه‬‫الشاشات؟‬ ‫ يف كل شاش ٍة سرتى روحك أين تكون‪ ،‬ستتحكم بالجسد لتحاول‬‫‪90‬‬


‫اقرأ الحادثة‬ ‫وليد‬

‫جسد إىل ٍ‬ ‫أن تعيش أكرب فرت ٍة يف الكون‪ ،‬حتى تنتهي روحك فتنتقل من ٍ‬ ‫جسد آخر‪ ،‬وإذا اخرتت أس ًدا يف مر ٍة يجب عليك‬ ‫اختيار غزا ٍل يف املرة القادمة‪ ،‬حتى تتعلم كيف توازن بني رغباتك وقيمة حياة غريك‪.‬‬ ‫ وملاذا ال أتذكر شيئًا وأنا إنسان؟‬‫سابق لها‪.‬‬ ‫ ألن هذه أول حيا ٍة لك وال يوجد ٌ‬‫ وملاذا هناك مجانني ومعوقون؟‬‫ الله يضيف كل فرت ٍة يف هذه الشاشات أشكاالً جديد ًة ويحذف‬‫ٌ‬ ‫وأهداف يف الحياة‪ ،‬وليك يصبح‬ ‫أشكاالً أخرى وكل كائنٍ له أعدا ٌء‬ ‫ٍ‬ ‫كائنات من روحه شخصيًا إلدارة هذه‬ ‫املوضوع مستم ًرا يخلق الله‬ ‫الشاشات‪ ،‬والله خلق كل يش ٍء ماعدا نفسه‪ ،‬لذلك ال يعرف كيف‬ ‫تترصف هذه األجزاء منه بدون جسد‪ ،‬فيخلق الجسد اإلنساين عىل‬ ‫صورته وينفخ فيه من روحه ليكون هو وسيلة اختبا ٍر لروحه غري‬ ‫املخلوقة‪ ،‬وعندما يعرف إمكانياتها يتوفاها هنا لتدير بقية أشكال‬ ‫الحياة‪ ،‬لذلك قد تحتاج بعض األرواح إىل شه ٍر ملعرفتها مثل الذي‬ ‫عام ملعرفة قدراتها‪ ،‬ولذلك تختلف أعامركم يف‬ ‫ميوت جني ًنا‪ ،‬أو مئة ٍ‬ ‫األرض أما املجنون أو املعوق فهو نتيج ٌة لقوة الروح يف الجسد فال‬ ‫يتحملها فيختربها الله فرت ًة ثم يعيد وضعها يف ٍ‬ ‫برشي آخر‬ ‫جسد‬ ‫ٍ‬ ‫ليحكم عليها بعد ذلك‪.‬‬ ‫ واألنبياء والرسل؟‬‫ هؤالء هم أقوى أجزاء روح الله‪ ،‬هم قادرون عىل التأثري يف البرشية جمي ًعا وأمثالهم الفالسفة وكبار العلامء‪.‬‬‫ وماذا يُفعل بهم؟‬‫ إنهم يكونون يد الله يف الكون‪ ،‬يجرون السحب ويقومون بأدوار الريح والرعد والربق املطر‪.‬‬‫ إنهم املالئكة كام نفهمهم نحن‪ ،‬إنهم أجزاء من الله أثبتت قوتها‪ ،‬مل تقل يل ما دور الذين يلبسون إشار ٍ‬‫ات حمراء؟‬ ‫ٍ‬ ‫نباتات تعطي وال تأخذ نتيجة أطامعهم وعدم‬ ‫ إنهم يصبحون نتيجة أخطائهم أروا ًحا بال قدرات‪ ،‬هم يتحولون إىل‬‫احرتامهم حياة اآلخرين‪ ،‬إنهم الذي يرسقون ويقتلون من اجل حياتهم غري مبالني بغريهم‪.‬‬ ‫ وماذا بعد انتهاء الحياة السابعة؟‬‫حساب جديد‪ ،‬ويتم توزيع أدوا ٍر أخرى إلدارة الكوكب‪ ،‬املجموعات الشمسية واملجرات‪.‬‬ ‫ تتم عملية‬‫ٍ‬ ‫ قد أصبح يو ًما مدي ًرا للمجموعة الشمسية بكاملها أو أترقى ألصبح مدي ًرا لدرب التبانة؟‬‫ٍ‬ ‫أثبت‬ ‫ أنت ومجهودك يف إدارة الكائنات التي تختارها‪ ،‬وكلام اخرتت‬‫مجموعات صعبة وأعامرها أقرص وحافظت عليها ّ‬ ‫كفاءتك‪.‬‬ ‫‪91‬‬


‫اقرأ الحادثة‬ ‫وليد‬

‫فركت يدي وأنا أستعد للدخول لحيايت األخرى‪ ،‬بدا املوضوع ممت ًعا‪ ،‬فهمت مغزى االبتسامة وودت أن أقول له كم أنت‬ ‫ٍ‬ ‫كائنات صغري ٍة مجهرية‪ ،‬من خلي ٍة واحد ٍة إىل‬ ‫عظيم‪ .‬جلست أمام الشاشة األوىل‪ ،‬ضغطت عىل زر‪ ،‬ظهرت قامئ ٌة بأشكال‬ ‫ٍ‬ ‫كائنات صغري ٍة هامئ ٍة وفريوسات‪.‬‬ ‫مل أتخيل نفيس يوما أعيش كفريوس‪ ،‬كنت أكرهه وأحاربه‪ ،‬اآلن هل سأكون هذا الكائن؟ شاشة الكائنات املجهرية‬ ‫غريب ينتابني بني الرغبة يف التحدي ومشاعري القدمية‬ ‫هي أول شاشة‪ .‬كنت إنسانًا اآلن سأكون ضد اإلنسان‪ .‬شعو ٌر‬ ‫ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫وعكات صحية‪ .‬إنني اعرف اآلن ملاذا كان الفريوس بهذا الذكاء‪ .‬إنسا ٌن آخر كان يعلم األفكار‬ ‫يف العيش بال أمراض أو‬ ‫البرشية يديره من هنا‪ ،‬يفكر اإلنسان ليتخطى مفاهيم العلم القديم ليموت ويحارب ما وصل إليه بنفسه‪ .‬يا الله‪ ..‬فعالً‬ ‫‪ ...‬إنه خري املاكرين ‪ ...‬إن العلم البرشي هو تجاوز الحد الفاصل بيني وبني من سأحاربه اآلن‪ .‬ستبدأ معرك ٌة بني الحياة‬ ‫وأعدائها سيفصلها العلم‪ ،‬معرك ٌة رائع ٌة هي إرادة الحياة‪ .‬احرتت‪ ...‬أتذكر كالم املنادي لو اخرتت كائناً يف بداية الحياة ال‬ ‫حل له سأعيش كث ًريا بال صعوب ٍة أما إذا اخرتت كائ ًنا يقاتله اإلنسان يف بداية العمر سأحصل عىل درجة صعوب ٍة أعىل‪.‬‬ ‫الفريوسات كان اكتشافها متأخ ًرا يف دوريت اإلنسانية‪ ،‬القرار صعب‪،‬‬ ‫وبعد تفكري قررت ترك الشاشة األوىل والذهاب إىل الثانية ألبدأ‬ ‫أيضا‪ ،‬حرشاتٌ ال متناهية‬ ‫منها‪ .‬ضغطت‪ ...‬كائناتٌ أقل ولكنها كثرية ً‬ ‫أول ما يعادي حيايت السابقة ثم بعد ذلك‬ ‫األشكال‪ ،‬يجب أن أختار ً‬ ‫أختار ما يعادي هذه الحياة‪ ،‬يجب أن أختار يف كل مر ٍة عد ًوا لحيايت‬ ‫السابقة‪ .‬لو بدأت بحرش ٍة سأكون بعد ذلك ضفد ًعا أو آكل منل‪.‬‬ ‫يجب أن أتصور كيف أخطط لحيايت‪ ،‬ال يجب أن أفكر يف هذه‬ ‫اللحظة فقط وإال وجدت نفيس بعد ذلك أتجه إىل خيار ٍ‬ ‫ات ال أعرف‬ ‫كيف كانت تعيش فال أعرف إدارتها‪ ،‬إنني أطمح إىل إدارة املجرة‬ ‫فال ميكن أن أتخذ خيار ٍ‬ ‫ات بدون ربط‪ ،‬ث ّم قررت أن أرى املتاح‬ ‫ٌ‬ ‫أسامك وكائناتٌ بحرية ال يوجد عدا ٌء‬ ‫أوالً‪ ،‬ذهبت للشاشة الثالثة ‪...‬‬ ‫ظاه ٌر بني هذه املجموعة واإلنسان‪ ،‬معظم الخيارات تظهر ٍ‬ ‫بخط خافت‪ ،‬ذهبت للرابعة ‪ ...‬حيواناتٌ مسامل ٌة نباتي ٌة مل‬ ‫تختلف كث ًريا عن السابقة‪ ،‬ذهبت للخامسة ‪ ...‬الحيوانات املفرتسة املختلفة كلها‪ ،‬بها الكثري من االختيارات التي تالئم‬ ‫مرحلة البداية لإلنسان‪ .‬ذهبت للسادسة ‪ ...‬أصبت بالدهشة مل تكن كائ ًنا كام تخيلت بل أفكار‪ ،‬مل أتخيل أن أحيا كفكر ٍة‬ ‫لكن ما هذا؟ إنها تحذّر بأن أبدأ من هنا ألنه ال يعادي األفكار إال إنسان‪ .‬ولن أصبح إنسانًا مر ًة أخرى‪ ،‬وذلك يعني أنني‬ ‫سأخرس جميع فريص األخرى‪ .‬أما إذا نجحت يف فرض فكري يف البرشية فهذا يعني أنني نجحت وال أحتاج إىل األخرى‪.‬‬ ‫نصيح ٌة أجعلها األخرية ال األوىل‪.‬‬ ‫‪92‬‬


‫اقرأ الحادثة‬ ‫وليد‬

‫اعتدلت من جلستي ولكن‪ ...‬لو جعلتها األخرية لن تكون ضد‬ ‫البرش‪ٍ ،‬‬ ‫أيضا مريع‪ ،‬يجب أن أؤثر يف إنسانٍ قاد ٍر‬ ‫تحد رائ ٌع ولكن ً‬ ‫عىل التأثري يف اآلخرين وهم قل ٌة نادرة‪ ،‬ويجب أن أتغلب عىل‬ ‫أيضا‪ .‬هل هذا هو الوحي الذي كانوا ي ّدعونه وال نصدقهم؟‬ ‫أعدائه ً‬ ‫فعل تأتيهم هذه األفكار ويتصورون أنها إلهام؟ إن‬ ‫هل كانت ً‬ ‫ٍ‬ ‫مقدمات‬ ‫جميع الفلسفات واملبادئ البرشية ظهرت فجأ ًة وبدون‬ ‫طويلة‪ .‬وقفت أمتىش بني الشاشات‪ ،‬بأيها أبدأ التحدي؟ قرا ٌر‬ ‫صعب‪ ،‬انتابتني أحاسيس متضارب ٌة بني رغبتي يف البقاء ورغبتي‬ ‫عيني‬ ‫يف التحدي‪ ،‬أصابني التفكري بصدا ٍع رهيب‪ ،‬أحسست وكأن ّ‬ ‫أحس وكأين أدور وأهيم يف‬ ‫أظلمتا ودخلت يف ٍ‬ ‫نفق من الالشعور‪ّ ،‬‬ ‫وتشويش ألفكاري‪ ،‬رأيت حيايت كلها تُعرض أمامي وكأنها رشي ٌط‬ ‫ٌ‬ ‫عا ٍمل بال حدود‪ ،‬أصواتٌ ال أفهمها من كل جانب‪ ،‬صف ٌري‬ ‫سينام ٌيئ يدور عىل ماكين ٍة فائقة الرسعة‪ ،‬وبالرغم من الرسعة الرهيبة إال أن األحداث كانت واضح ًة ومفهومة‪ ،‬تسارعت‬ ‫عيني ببطء‪ ،‬جسدي بال طاق ٍة وال رغب ٍة ورأيس‬ ‫نبضات قلبي وأحسست أنه يريد القفز من بني ضلوعي‪ ،‬النور يتسلل إىل ّ‬ ‫كأنه من ٍ‬ ‫أشباح ترتاقص أمام عيني‪ ،‬ابتساماتٌ بدأت ترتاءى يل ال أدري من أين جاءت كل تلك االبتسامات‪،‬‬ ‫رصاص ثقيل‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫إن هذه املالمح ليست غريب ًة عيل‪ ،‬ما الذي أىت بالطبيب إىل هنا؟ يبتسم ويقول‪« :‬أمل أقل لك أنك ستكون غ ًدا بخري‪،‬‬ ‫لقد أبليت بال ًء حس ًنا‪ ،‬وقد أقلقتنا عليك يا رجل وظننا أنك ال تريد أن تفيق من التخدير»‪ .‬مل أستوعب ما يجري حويل‪.‬‬ ‫تكلمت كث ًريا وأنت تحت تأثري البنج عزيزي‪ ،‬إنك تتحدث بشكلٍ‬ ‫ لقد‬‫َ‬ ‫متواصلٍ منذ خمس ساعات‪ .‬أحسست بالكلامت تخرتق أذين لتصدم‬ ‫ما بداخل رأيس وكأنها طلقاتٌ من رصاص‪ ،‬هل هي خمس ساعات؟‬ ‫لقد كانت بالنسبة يل بال نهاية‪ .‬بدأت أنتبه روي ًدا روي ًدا‪ ،‬إن كل أحبايئ‬ ‫حويل ينتظرون عوديت إىل الحياة‪ ،‬لكن من أنا اآلن؟ هل عدت كفكر ٍة‬ ‫داخل جسدي القديم أم أنا كنت مخد ًرا وعدت لحيايت السابقة؟ لقد‬ ‫كان قراري األخري أن أكون فكر ًة يف الحياة‪ .‬لقد اخرتت التحدي‪ .‬إال أين‬ ‫ال أعرف من أنا اآلن لكنني بالتأكيد قاد ٌر عىل أن أكون ما أريد‪ ،‬فكرة أم‬ ‫أنا ‪ ...‬ال فرق‪ ،‬املهم أن أكون ما أريد‪ ،‬ابتسمت للحياة‪ ،‬مرح ًبا بالتحدي‪،‬‬ ‫سوا ٌء أكنت اآلن يف فرصتي األوىل أو األخرية‪ ،‬ما أريده هو الفوز ال أريد‬ ‫أن أعرف أين أنا‪ ،‬املهم أنني بدأت اآلن‪.‬‬ ‫تم انتقاء األعامل الفنية للقصة من لوحات الرسام كريس مارس ‪ Chris Mars‬والفنان روبرت ستيڤن كونت ‪.Robert Steven Connett‬‬

‫‪93‬‬


s www.facebook.com/M-80-II-941772382615672

94


‫‪..‬هذا ألنه وهم ساكن يف عقولنا‪ ،‬فيغضب لغضبنا و يرىض ملا نرىض‬ ‫لقد فشل اإلنسان يف إدراك الكامل وقت تصوره وخلقه لفكرة الله‪.‬‬

‫زياد عبد الرحمن‬ ‫ـ‬

‫‪Abdelhakim A A Ibrahim‬‬

‫لو انه يعلم فلن يغضب او يتفاجئ‬

‫قالو أتجعل فيها من يفسد فيها؟ طبعا عارف انه حيفسد فيها أمال انا خلؤته ليه! ويسفك الدماء؟‬ ‫أيوه حيسفك الدماء وكنت عارف انكم حتسألو السؤال الغبي ده! طيب والديناصورات يا موالنا اليل‬ ‫خألتها قبل ماليني السنني مكنتش بتسفك الدماء؟؟ يوووووووه مكفاية بئى‪ ،‬ال تسألو عن أمور ان تبدو لكم‬ ‫تسوؤكم اين انا الحكيم الخبري يا جهلة!‬

‫‪Sami Jamal‬‬

‫‪Rami Ali‬‬

‫هو يعلم بس عنده زهامير ‪ ..‬الله يشفيك يا الله‬

‫‪95‬‬


‫مجلة شهرية بجهود فردية تصدر في الثاني عشر من كل شهر‬

The Arab MagazineMagazine is a digital produced TheAtheists Arab Atheists is apublication digital publication by volunteers andbycommitted and produced volunteerstoandpromoting committedthetothought promoting writingstheofthought atheists and of various complete freewritingspersuasions of atheists with of various persuadom. Thewith Magazine doesfreedom. not adoptThe or endorse formnotof adopt politisions complete Magazineanydoes cal ideology affiliation. or or endorse any form of political ideology or affiliation Contributors of of thethe content, illustrations Contributorsbear bearthethefullfullresponsibility responsibility content, illustraandtions topicsandthey provide insofar as it covers copyright and issues topics they provide insofar as it covers copyright andof intellectual property. issues of intellectual property Express permission to publish in the Magazine is provided by conExpress permission for to publish in the Magazine is provided tributors, whether they are members of the Arab Atheists by contributors, whether they are members of the Arab Magazine Atheists Group or of other atheists and non-religious contributors. Magazine Group of other atheists and non-religious contributors TheTheMagazine does notnot publish material thatthat is unethical or or thatthat inMagazine does publish material is unethical cites racism or bigotry. incites racism or bigotry The Editorial Board reserves the rightthe to republish content originally The Editorial Board reserves right to republish content published on the Magazine’s Facebook group, as publishing originally published on the Magazine’s Facebook group,there as implicitly contains consent for republication in the Magazine. publishing there implicitly contains consent for republication in the Magazine

:‫موقع املدونة اخلاصة بنا لألرشفة على اإلنترنت‬ www.aamagazine.blogspot.com ‫البريد اإللكتروني‬ el7ad.organisation@gmail.com magazine@arabatheistbroadcasting.org


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.