مجلة الملحدين العرب / العدد الخامس والثمانون / ديسمبر كانون أول / 2019

Page 1

‫مجلة شهرية بجهود فردية تصدر يف الثاين عرش من كل شهر‬

‫اليهودية واملحروسة ‪2‬‬ ‫محمد شومان‬

‫تشوهات اإلنسان العريب‬ ‫يف عرص الحداثة‬

‫د‪ .‬عبد العزيز القناعي‬

‫األثر السلبي ملناهج التفكري‬ ‫الدينية يف سياق املعرفة البرشية‬

‫العدد الرابع والثامنون من مجلة امللحدين العرب ‪ -‬نوفمرب ‪ /‬ترشين ثاين لسنة ‪.2019‬‬

‫راوند دلعو‬

‫اإللحاد والتطور‬ ‫دانيئيل دنت‬

‫تهدف مجلّة امللحدين العرب إىل نرش وتوثيق أفكار امللحدين العرب املتنوعة وبحريّ ٍة كاملة‪ ،‬وهي مجلّ ٌة‬ ‫أي توج ٍه سيايس‪ .‬املعلومات واملواضيع املنشورة يف املجلّة‬ ‫رقمي ٌة غري ربح ّية‪ ،‬مبني ٌة بجهو ٍد طوعي ٍة ال تتبع َّ‬ ‫متثل آراء كاتبيها فقط‪ ،‬وهي مسؤول ّيتهم من الناحية األدب ّية ومن ناحية حقوق النرش وحفظ امللك ّية الفكر ّية‪.‬‬


‫كلمة تحرير املجلة‬

‫فريق التحرير‬

‫املشارك يف هذا العدد‬

‫رشا بآما ٍل‬ ‫ومتر األيام؛ وها هو عا ٌم جدي ٌد يطل علينا بعد هرم سابقه‪ ،‬مب ً‬ ‫وأحالم قيد التحقيق‪.‬‬ ‫جديد ٍة‬ ‫ٍ‬ ‫وكام عودناكم يف مجلة امللحدين العرب ومجموعة شبكة ومنتدى‬ ‫امللحدين العرب عىل موقع التواصل االجتامعي الفيس بوك وموقع‬ ‫قناة امللحدين بالعريب؛ أننا مازلنا نثابر ونعمل عىل تقديم صوت‬ ‫وأفكار امللحدين العرب يف زمانٍ بات كل ما فيه يبدو أكرث أهمي ًة‪،‬‬ ‫ومكانٍ أقل ما يقال عنه أنه كار ٌّيث بالنسبة ألصحاب العقول الحرة‪.‬‬

‫رئيس التحرير‬ ‫الغراب الحكيم‬ ‫أعضاء هيئة التحرير وبناء املجلة‬ ‫‪John Silver‬‬ ‫‪Gaia Athiest‬‬ ‫أسامة البني (الوراق)‬ ‫‪Alia’a Damascéne‬‬ ‫غيث جابري‬ ‫‪Abdu Alsafrani‬‬ ‫‪Rama Saleh‬‬ ‫‪Raghed Rustom‬‬ ‫‪Johnny Adams‬‬ ‫ليث رواندي‬ ‫إيهاب فؤاد‬ ‫‪Yonan Martotte‬‬

‫إن ذلك مل يكن بالعمل السهل وال اإلنجاز الصغري إذا ما أُخذ بعني‬ ‫االعتبار أن املجلة تدخل عامها الثامن وأنها غري ممول ٍة وال مدعوم ٍة‬ ‫أو مدار ٍة من أية جه ٍة أو منظم ٍة أو حزب‪ .‬أو إن صح التعبري هي‬ ‫غري ممول ٍة بتات ًا‪ ،‬حيث أننا حرصنا عىل ّأل تدخل املادة والنقود ضمن‬ ‫مرشوعنا‪ ،‬وأن يبقى تطوع ًيا عفويًا حياديًا بالكامل بني أيدي املتحمسني‬ ‫وأصحاب الضمري الحي والذين يرفضون أن يبقى الحال عىل ما هو‬ ‫عليه حتى إشعا ٍر آخر دون أن يفعلوا شيئًا‪.‬‬ ‫م ّرت عىل مرشوعنا هذا الكثري من األزمات والتقلبات‪ ،‬و تركنا بعض‬ ‫ٍ‬ ‫لخالف ما نأسف عليه بكل‬ ‫األصدقاء تار ًة برابط محب ٍة ال ينقطع وتار ًة‬ ‫أيضا أخو ًة مل تلدهم أمهاتنا‪ ،‬وتعرفنا عىل‬ ‫تأكيد‪ .‬ولكن مع األيام كسبنا ً‬ ‫أصدقاء جد ٍد بل وانقلب بعض أعدائنا إىل حلفاء‪ .‬وخالل كل هذه‬ ‫األحداث تجلت لدي حكم ٌة أرغب يف مشاركتها معكم‪:‬‬ ‫إذا كنت دو ًما تحرص عىل أن تفعل الصواب قدر اإلمكان‪ ،‬مدركًا أن‬ ‫كامل ولن يكون؛‬ ‫حكمك ليس ً‬ ‫وأن ترتك يف قلبك مساح ًة أكرب الستيعاب ما ال ترغب يف استيعابه؛‬ ‫وأن تبادر إىل معاملة الطرف اآلخر بالخري بقدر ما تسمح به الظروف‬ ‫وعىل قدر استطاعتك‪ ،‬وأن تضع نصب عينيك الصورة األكرب‪ ،‬وأن تلتزم‬ ‫مببادئك التي انطلقت منها‪ ،‬وأن تراعي وتفكر يف كيف س ُينظر إليك يف‬ ‫املستقبل وكيف سيتذكرك القادمون‪.‬‬ ‫مع مرور الوقت ال بد أن ترتك أث ًرا طي ًبا حتى عند من يعادونك‪.‬‬ ‫كام أنك بال ٍ‬ ‫شك ولألسف ستحمل يف جعبتك بعض الخطايا والندم‪.‬‬

‫‪2‬‬

‫ٍ‬ ‫جديد عىل‬ ‫عام‬ ‫يف هذه املناسبة؛ مناسبة مرور ٍ‬ ‫مجلة امللحدين العرب أوجه رسال ًة إىل جميع‬ ‫القراء واألصدقاء واألخوة الذين تركونا‪ ،‬والرفاق‬ ‫الذين أشغلتهم الحياة وآخرون ِممن غ ّيبهم‬ ‫املوت‪ .‬نعاهدكم عىل أن نبقى كام عهدمتونا؛ وأال‬ ‫نكل من حمل هذه األمانة‪ ،‬وأننا سنعمل دو ًما‬ ‫ّ‬ ‫عىل إيصال الصوت ومناهضة االستبداد ومد‬ ‫يوم ما نسري ي ًدا بيد‬ ‫األيدي لآلخرين‪ ،‬لعلنا يف ٍ‬ ‫م ًعا نحو مستقبلٍ منري‪.‬‬ ‫الغراب الحكيم‬


‫الفهرس‬ ‫كلمة تحرير املجلة‬

‫‪2‬‬

‫الفهرس‬

‫‪3‬‬

‫تشوهات اإلنسان العريب يف عرص الحداثة‬ ‫د‪ .‬عبد العزيز القناعي‬

‫‪4‬‬

‫اليهودية واملحروسة جـ ‪2‬‬ ‫محمد شومان‬

‫‪8‬‬

‫لوحة الغالف‪:‬‬ ‫سبع سنوات عىل إنشاء املجلة‬ ‫بريشة وتقديم رغد عقييل‬

‫ﺛﻘﻮب‬ ‫ﺳﻮداء‬

‫قراءة يف كتاب «فرتة التكوين يف سرية الصادق ‪37‬‬ ‫األمني» لخليل عبد الكريم بقلم هيثم األخرس‬

‫اإللحاد والتطور‬ ‫دانيئيل دنت‬

‫‪59‬‬

‫مذكرات مالك هارب من الجنة (قصة قصرية) ‪77‬‬ ‫وليد‬ ‫كاريكاتور‬

‫‪88‬‬

‫مالحظة‪ :‬عناوين املقاالت هي روابط‪ ،‬انقروا عليها لتأخذكم مبارش ًة إىل املقال‬

‫‪3‬‬

‫ﻣﺠﺮات‬ ‫ﺟﺪﻳﺪة‬

‫ﺗﻮﺳﻊ‬ ‫أﻗﴡ ﺗﻮﺳﻊ ﻟﻠﻜﻮن‬

‫األثر السلبي ملناهج التفكري الدينية يف سياق ‪30‬‬ ‫املعرفة البرشية‬ ‫راوند دلعو‬

‫نقد كتاب اليهودية (التناخ) جـ ‪:2‬‬ ‫الباب األول‪ :‬صورة الله يف الكتاب‬ ‫اليهودي – القسم الثاين‬ ‫راهب العلم‬

‫دورة ﺗﻮﺳﻊ‬ ‫واﻧﻜشش اﻟﻜﻮن‬

‫اﻧﻜشش‬

‫‪26‬‬

‫‪43‬‬

‫اﳌﻨﻔﺮدة‬

‫ﺑﻴﻎ ﺑﺎﻧﻎ‬


‫تشوهات اإلنسان العريب يف‬ ‫عرص الحداثة‬

‫د‪.‬عبد العزيز القناعي‬

‫يوم شيئًا ال يقرأه أح ٌد‬ ‫يقول كريستوفر موريل‪« :‬اقرأْ كل ٍ‬ ‫يوم بيش ٍء ال يفكر فيه أح ٌد غريك‪ .‬إنه أم ٌر‬ ‫غريك‪ .‬فكِّر كل ٍ‬ ‫يس ٌء للعقل أن يكون دامئًا جز ًءا من اإلجامع»‪.‬‬

‫مقدم ٍة إىل برنامج التنمية الدولية واقتصاديات التنمية‪« :‬إن‬ ‫مهم من حياة الناس ورفاهيتها‪،‬‬ ‫أمن اإلنسان يشكل جز ًءا ً‬ ‫وبالتايل فهو هدف التنمية»‪ .‬فأين تكمن حلقات انعدام‬ ‫التنمية يف الوطن العريب بعد أن أصبحت مجتمعاتنا عرض ًة‬ ‫ملخاوف شتّى تنطلق من عوامل داخلي ٍة وخارجي ٍة بآنٍ‬ ‫واحد؟ فحامية رفاه الفرد من واجبات الدول املتحرضة‪،‬‬ ‫والتأكيد عىل حرياته وكرامته من أسس الدولة الدميقراطية‪.‬‬ ‫ولكن ما نشاهده اليوم وما يتعايش معه اإلنسان العريب من‬ ‫ٍ‬ ‫أحداث سياسي ٍة واجتامعي ٍة وديني ٍة ال ميكن وصفها إال بأنها‬ ‫هادم ٌة ومدمر ٌة إلنسانية اإلنسان وبشكلٍ خطريٍ ج ًدا يحمل‬ ‫ٍ‬ ‫وأجيال‬ ‫ً‬ ‫تداعيات مأساوي ًة‪ ،‬ورمبا نحتاج كث ًريا من الوقت‬ ‫أخرى إلزالة هذه األثار والتشوهات التي تعصف باإلنسان‬ ‫وتعطل مسريته‪.‬‬

‫تُشكِّل تعقيدات الحياة االجتامعية والسياسية والدينية‪،‬‬ ‫باإلضافة إىل تعقيدات الحياة التكنولوجية‪ ،‬عوامل مهم ًة‬ ‫زادت من اغرتاب اإلنسان العريب عن الواقع وعن ذاته‪.‬‬ ‫وبنفس الوقت أصبح يعيش قلِقًا داخل نفسه التي تتنازعها‬ ‫األهواء واألفكار واملعتقدات‪ ،‬حتى بدا يف لحظ ٍة تاريخي ٍة‬ ‫كأنه يفقد األمن النفيس واالجتامعي‪ .‬فاألمن واألمان‬ ‫هام من الركائز املجتمعية األساسية للنهوض باملجتمعات‬ ‫ٍ‬ ‫مشاهدات دامي ٍة وتفاعلٍ‬ ‫الحديثة وتعزيز استقرارها‪ ،‬بعد‬ ‫متداخلٍ بني الدين والسياسة أ ّدى إىل تعطيل الذات‬ ‫العربية من تقديم التصور الصحيح ملاهية الفرد ضمن‬ ‫عرص الحداثة‪ .‬ويقول ستيوارت فرانسيس يف ورقة عملٍ‬

‫إن الشخص اآلمن نفس ًّيا يشعر بأن حاجاته ُمش َبع ٌة وأن‬ ‫‪4‬‬


‫تشوهات اإلنسان العريب يف عرص الحداثة‬ ‫أمني يف املجتمع الذي يعيش فيه‪ .‬وإن‬ ‫املقومات األساسية لحياته غري معرض ٍة للخطر‪ ،‬ويكون يف حالة توازنٍ أو‬ ‫ٍ‬ ‫توافق ٍّ‬ ‫إحباط حاجات األمن يكون سب ًبا يف تطور كثريٍ من األعراض واالضطرابات الشخصية‪ ،‬مثل‪ :‬العنف السلويك‪ ،‬والعصاب‬ ‫القهري‪ ،‬واالعتقاد بالخرافات‪ ،‬واملامرسات الطوطمية‪ .‬فهل وصل املواطن العريب إىل تحقيق مثل تلك الحاجات النفسية‬ ‫تناقضا خط ًريا يف هذا الجانب‪ ،‬فمن الناحية‬ ‫التي تؤهله للقيام بواجباته الحياتية يف املجتمع؟ األدلة والواقع يظهران ً‬ ‫املادية‪ ،‬تطالعنا الصحف يوميًّا بأخبار الرسقات والفساد والتع ّدي عىل املال العام مام جعل ٍ‬ ‫فئات كثري ًة تستفيد من تراخي‬ ‫الحكومات يف تحسني مستواهم املعييش بطرقٍ غري‬ ‫مرشوعة‪ ،‬مام أدى إىل انتشار ثقافة الرىش والتزوير‬ ‫والتالعب بالقانون واحتكار املنافع السلطوية بيد‬ ‫النخب الفاسدة املدعومة من األنظمة‪ .‬فكل هذه‬ ‫نفيس للذات العربية‬ ‫املؤرشات تضعنا أمام تغريٍ ٍّ‬ ‫يتجه لألسوأ‪ ،‬فبخالف الرواتب املدعومة حكوميًّا‬ ‫ٍ‬ ‫بزيادات ال قيمة إنتاجية لها‪ ،‬ومجانية التعليم‬ ‫والصحة واإلسكان يف بعض الدول‪ ،‬إال أن املواطن‬ ‫ال يزال يشعر بأن رغباته املادية بازديا ٍد ويطالب‪ ،‬بقو ٍة محمومة‪ ،‬بزيادة الرواتب وتحسني الرشوط االقتصادية‪ ،‬رغم‬ ‫مشاركته يف الفساد الحكومي‪.‬‬ ‫لقد أصبح ارتباط املواطنني باملجتمع أو الحكومة أو حتى الدولة مرهونًا بإشباع الدوافع والحاجات املادية التي متكنهم‬ ‫من العيش فوق مستوى املعدل الطبيعي لإلنفاق مقابل اإلنتاج والعمل‪ ،‬وهو ما أ ّدى إىل أن يشعر املواطن العريب بفقدان‬ ‫األمن النفيس بشكلٍ معكوس‪ ،‬ألن رغباته الذاتية غري محقق ٍة حكوميًّا‪ ،‬وهو ما أدى تاليًا إىل تكوين لوبيات ٍ‬ ‫ضغط شعبي ٍة‬ ‫وطني يحمي البلد واألجيال القادمة‪ .‬ومع أننا ال نغفل‬ ‫اتيجي ٍّ‬ ‫للمطالبة بتحسني األوضاع املعيشية دون تقديم أي بديلٍ اسرت ٍّ‬ ‫هنا عن التصاعد الدويل يف ارتفاع األسعار أو التغريات العاملية يف الطلب والعرض وعوملة االقتصاد والسوق املفتوح‪ ،‬ولكن‬ ‫أصل مع مفهوم األمن النفيس وهو الحالة التي يكون فيها «إشباع الحاجات مضمونًا وغري مع ّر ٍض‬ ‫هذه كلها عوامل تتناقض ً‬ ‫مركب من اطمئنان الذات والثقة بها‪ ،‬مع االنتامء إىل جامع ٍة آمنة»‪ .‬وهذا التناقض هو لب األزمات‬ ‫للخطر‪ .‬فاألمن النفيس ٌ‬ ‫التي تفرعت تال ًيا يف مجتمعاتنا العربية وط َغت عىل التنمية وبناء املجتمع والدولة‪.‬‬ ‫فامذا نعني باألزمات التي تفرعت تال ًيا؟ لقد نتج عن التناقض النفيس يف إشباع الحاجات األساسية‪ ،‬وهي بحسب تصنيف‬ ‫ماكس نيف (الوجود‪ ،‬والحامية‪ ،‬واملودة‪ ،‬واإلدراك‪ ،‬واملشاركة‪ ،‬وأوقات الفراغ‪ ،‬واإلبداع‪ ،‬والهوية‪ ،‬والحرية)‪ ،‬إىل نو ٍع ما من‬ ‫«الفرعنة» السلوكية التي أصبحت ت ُالمس كل مجاالت املجتمع‪ ،‬السياسية واالجتامعية‪ .‬ففي الجانب السيايس نجد أن‬ ‫املجتمع العريب يف غالبيته أصبح متآلفًا وراض ًيا مع مفهوم املال السيايس الفاسد يف تغيري التوجهات السياسية يف الرتشيح‬ ‫جانب آخر أصبح العزف‬ ‫واالنتخاب للربملان‪ ،‬ويف استخدام املال لرشاء الوالءات االجتامعية كالدعم القبيل والطائفي‪ ،‬ويف ٍ‬ ‫والتالعب عىل وتر املذهبية والقبلية تجار ًة رائج ًة وهدفًا لكل من يسعى إىل الوصول إىل مراكز السلطة وكريس الربملان‪،‬‬ ‫فلم يعد األمن السيايس يعني للمواطنني التحرر من الخوف والحاجة‪ ،‬وضامن تأمني الحامية من تهديد القمع السيايس‪،‬‬ ‫والحامية من التعرض للرصاعات والحروب والهجرة لجميع املواطنني يف الوقت ذاته دون استثنا ٍء أو متييز‪ ،‬عىل اعتبارها حقًّا‬ ‫‪5‬‬


‫تشوهات اإلنسان العريب يف عرص الحداثة‬ ‫من الحقوق املكتسبة لإلنسان‪ ،‬مام يقود إىل االستقرار التنظيمي للدول ونظم الحكومات واأليديولوجيات التي تستمد منها‬ ‫حزب أو تج ُّم ٌع يحقق تطلعاتهم‬ ‫مذهب أو قبيل ٍة تيا ٌر‬ ‫رشعيتها‪ ،‬بقدر ما أصبح يعني أن يكون لكل مواطنٍ أو‬ ‫ٍ‬ ‫سيايس أو ٌ‬ ‫ٌّ‬ ‫ويجلب مصالحهم فوق مصالح الدولة والقانون‪.‬‬ ‫إن الوضع السيايس العريب بشكلٍ عا ٍّم مل يصل إىل هدم مقومات األمن السيايس رغم تواجد العنف الحكومي واالعتقاالت‬ ‫غري املربرة وتقلص هامش الحريات وغياب الدميقراطية الليربالية‪ .‬فالوضع السيايس العريب اليوم ما هو إال إفرا ٌز ونتيج ٌة‬ ‫حتمي ٌة لتهتك الوضع االجتامعي وضبابية الدولة يف تحديد منط سلوكها وتوجهها‪ .‬فهل الدول العربية اليوم ٌ‬ ‫دول مدني ٌة أو‬ ‫ديني ٌة أو تطمح إىل العلامنية؟ كام وأن الواقع الذي يعيشه املواطن العريب هو تشو ٌه َح َمله اإلنسان العريب يف عرص الحداثة‬ ‫ٍ‬ ‫إشكاليات غري مفهوم ٍة يف تحديد مسار الحياة وفق رؤي ٍة علمي ٍة ومعرفي ٍة‬ ‫بعد فشله يف الدخول إليها مام جعله يحمل معه‬ ‫فهم وال فك ًرا وال تعريفًا وال منها ًجا وال هوي ًة‪،‬‬ ‫متكِّنه من استيعاب منجزات العرص الحديث‪ .‬فاإلنسان العريب اليوم ال يحمل ً‬ ‫ال يف منط الحياة التي يعيشها وال يف كيفية تعامله مع محيطه االجتامعي وال يف سلوكه وال يف تديُّنه وال يف أخالقه وال يف أي‬ ‫اتجا ٍه من االتجاهات السياسية واالقتصادية واالجتامعية وال يف كيفية فهمه ملضمون التاريخ والوجود والحقيقة‪ .‬وهذا لب‬ ‫األزمة وعنوان التقدم بنفس الوقت إذا ما استطعنا تفكيك الذات وغربلة املوروث والخوض يف الالمفكر عنه واملسكوت يف‬ ‫التاريخ العريب واإلسالمي حول قضايا الحكم والحريات واإلنسان‪.‬‬ ‫لقد ساعدت الشعوب العربية حكوماتها يف إيصال األوضاع إىل ما هي عليه من ترا ٍخ وفساد‪ ،‬فلم تتغري أو تتعلم تلك الشعوب‬ ‫بقيت املذهبية‬ ‫من بعد األزمات الطاحنة التي مرت عليها‪ ،‬ومل تتعلم معني املواطنة وحقوق االنسان إال يف أضيق الحاالت‪ ،‬كام ْ‬ ‫والقبلية والعرقية والفئوية تسيطر عىل العقول والتعليم وكل مجاالت التعامل يف الحياة‪ .‬ولقد أصبحت الذاتية والفردية‬ ‫واألنانية تطغى عىل العمل الجمعي وتعزز املصالح الشخصية فوق مصلحة الوطن‪ .‬إن حقوق االنسان التي يتباىك عليها‬ ‫م َّدعو الحريات‪ ،‬ليست فقط يف تأمني حرية‬ ‫الرأي والتعبري واالعتقاد‪ ،‬بل امتد تعريفها يف‬ ‫العرص الحديث إىل مدار ٍ‬ ‫ات أوسع وحقوقٍ‬ ‫مثالي ٍة أكرب‪ ،‬فهل تؤمن الشعوب العربية‬ ‫بحقوق املثليني التي صدرت يف مارس‪/‬آذار‬ ‫‪ 2007‬وفق «مبادئ يوغياكارتا بشأن تطبيق‬ ‫القانون الدويل لحقوق اإلنسان بالعالقة مع‬ ‫امليول الجنسية وهوية نوع الجنس»‪ ،‬قبل‬ ‫اجي‬ ‫أن تطالب بالحرية بشكلٍ عشوا ٍّيئ ومز ٍّ‬ ‫أو مقيّ ٍد بحسب الدين والعادات والتقاليد‬ ‫أصل املؤسسات الدينية‪ ،‬بالحقوق الجنسية‬ ‫البالية يف ساحات الربيع العريب؟ وهل تؤمن الشعوب العربية‪ ،‬وهل توافق ً‬ ‫باختالف تنوعها ومساراتها؟ إن األمن واألمان اللذيْن تسعي إليهام الشعوب ال ميكن تجزئتهام وال ميكن األخذ بالبعض وترك‬ ‫اآلخر‪ ،‬فإن مل نصل إىل هذه الدرجة من التعاطي مع القوانني والحريات وحقوق االنسان املختلفة‪ ،‬فال ميكن أن نقيس أي‬ ‫املسية وفقًا للمذهب والقبيلة والدين‪ ،‬وهذا هو سبب تخلفنا وعجزنا عن التطور والتقدم‪.‬‬ ‫أزم ٍة أو قضي ٍة إال وفق قناعاتنا ّ‬ ‫‪6‬‬


‫ﺍﻟﻤﺰﺩﺭﻱ‬ ‫وﻟﻴﺪ اﻟﺤﺴﻴﻨﻲ‬

‫اﻟﺜﻤﻦ اﻟﺬي دﻓﻌﺘﻪ ﻟﱰ اﻹﺳﻼم‬

‫اﻟﻜﺘــﺎب وﺛﻴﻘــﺔ ﻣﻬﻤــﺔ ﻳــﺮوي ﻓﻴﻬــﺎ وﻟﻴــﺪ اﻟﺤﺴــﻴﻨﻲ ﻗﺼــﺔ اﳌﻌﺎﻧــﺎة اﻟﺘــﻲ ﻣــﺮ ﺑﻬــﺎ ﻣــﻦ‬ ‫ﺟـﺮاء ﺗﺮﻛــﻪ ﻟﻺﺳــﻼم وﺟﻬــﺮه ﺑﺬﻟــﻚ‪ ،‬ﺑــﺪ ًءا ﻣــﻦ ﺗﺴــﺎؤﻻت ـــﺮ ﺑﻬــﺎ ﻛﻠﻨــﺎ إﱃ ﻧﻘــﺪه اﻟﺴــﺎﺧﺮ‬ ‫ﻟﻠﺪﻳــﻦ‪ ،‬ﻓﺴــﺠﻨﻪ وﺗﻌﺮﺿــﻪ ﻟﻠﺘﻌﺬﻳــﺐ واﻧﺘﻬــﺎء ﺑﻠﺠﻮﺋــﻪ إﱃ ﻓﺮﻧﺴــﺎ ﺣﻴــﺚ ﻻ زال ﻳﻌﻤــﻞ‬ ‫ﺑــﺪأب ﰲ ﻣﴩوﻋــﻪ اﻟﻔﻜــﺮي‪ .‬ﻇﻬــﺮ ﻛﺘﺎﺑــﻪ »اﳌــﺰدري« ﺑﺎﻟﻔﺮﻧﺴــﻴﺔ ﺗﺤــﺖ ﻋﻨــﻮان‬ ‫‪ Blasphémateur‬وﻣﺆﺧ ًﺮا ﺖﺖ ﺗﺮﺟﻤﺘﻪ إﱃ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰﻳﺔ ﺑﻌﻨﻮان ‪ ،Blasphemer‬وﻫﻮ ﻣﱰﺟ ٌﻢ‬ ‫أﻳﻀﺎ إﱃ اﻟﭙﻮﻟﻨﺪﻳﺔ واﻟﺪﺎﺎرﻛﻴﺔ‪ .‬اﻟﻨﺴﺨﺔ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰﻳﺔ ﻣﻮﺟﻮدة ﻋﲆ ﻣﺘﺠﺮ أﻣﺎزون ‪Amazon.com‬‬ ‫ً‬

‫‪7‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪2‬‬

‫محمد شومان‬

‫نستكمل قصة اليهودية وعالقتها مبرص يف جزئها الثاين‪.‬‬ ‫مكتوب عىل شكل أسفا ٍر تحايك هيكل التناخ‪ ،‬وقد‬ ‫املقال‬ ‫ٌ‬ ‫نرشنا يف العدد املايض أول مثانية أسفار‪ ،‬ويف هذا العدد ننرش‬ ‫األسفار التاسع وحتى الرابع عرش‪:‬‬ ‫السفر التاسع‪ :‬أبرام الطاهر‬ ‫السفر العارش‪ :‬لوط البار‬ ‫السفر الحادي عرش‪ :‬إسحاق حامل الراية‬ ‫السفر الثاين عرش‪ :‬النبي والخيص‬ ‫السفر الثالث عرش‪ :‬السنني العجاف‬ ‫السفر الرابع عرش‪ :‬العاهرة واملقدس‬

‫‪8‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪2‬‬ ‫محمد شومان‬

‫السفر التاسع‪ :‬أبرام الطاهر‬

‫رجل اسمه أبرام يعيش حيا ًة هادئ ًة ىف جنوب العراق مع زوجته العاقر «ساراي»‪ ،‬يف بلد ٍة تدعى «أور الكلدانيني»‬ ‫وكان ٌ‬ ‫جنوب بابل حيث كان يعبد إله القمر نانار‪ ،‬والعراق بل ٌد له إسها ٌم حضاري رائ ٌع يف املسرية الفكرية البرشية – ملحوظة‪:‬‬ ‫كلمة عراقة مشتقة من العراق ‪ -‬فقد كانت ىف البداية موطن السومريني أصحاب الحضارة العظيمة والذين اخرتعوا لنا‬ ‫الكتابة املسامرية‪ ،‬وتركوا لنا أو لليهود مبعنى أدق أسطور ًة متكامل ًة للخلق تكاد تتطابق مع قصة الخلق التوراتية وكذا‬ ‫قصة الطوفان‪ ...‬إلخ‪ ،‬ثم خلفت الحضارة البابلية الحضارة السومرية وق ّدمت للمجتمع البرشي أفكا ًرا ديني ًة تردد صداها‬ ‫بقو ٍة ىف الديانة العربانية‪.‬‬ ‫وكان أبرام هذا يعمل مع والده ىف صناعة األصنام‪،‬‬ ‫ويحدثنا التقليد اليهودي أنه مل يكن مقتن ًعا بعمله‬ ‫قائل‪ :‬من يشرتي مني‬ ‫هذا إذ كان ينادي عىل بضاعته ً‬ ‫صنم ال ميلك أن يفعل له شيئا؟ وبالطبع مثله مثل أي‬ ‫ً‬ ‫يوم يجيئ‬ ‫بائعٍ ساذ ٍج كان يفشل ىف بيع آلهته‪ ،‬وذات ٍ‬ ‫اإلله يهوه إىل أبينا أبرام ويختاره من بني رجال العاملني‬ ‫ليصبح رسوله املفضل واألب لجميع األنبياء من بعده‪،‬‬ ‫ويأمره بأن يحزم حقائبه ويرحل من أرض العراق إىل‬ ‫إبراهيم يحطم أصنام أبيه‬ ‫أرض كنعان‪ ،‬فيطيع أبونا املق ّدس أمر الرب من غري جدا ٍل‬ ‫ويرحل بزوجته وأبيه وابن أخيه ٍ‬ ‫لوط وزوجته وعد ٍد من الخدم‪ ،‬أما أرض كنعان ِوجهة هذه الرحلة املباركة فقد كان‬ ‫اسمها يبوس موطن اليبوسيني وهم بط ٌن من كنعان بن حام بن نوح امللعون من أبيه كام رأينا منذ قليل‪ ،‬ثم س ّميت أو‬ ‫ساليم أو مقاطعة ساليم عىل اسم ملكها‪ ،‬ثم ُح ّرفت أو ساليم إىل أورشاليم أو مدينة السالم عىل يد اليهود‪ ،‬ثم أخ ًريا إىل‬ ‫ٍ‬ ‫حينئذ تحت سيطرة الكنعانيني وهم قو ٌم من شبه الجزيرة العربية هاجروا إىل فلسطني رمبا سنة ‪2500‬‬ ‫القدس‪ ،‬وكانت‬ ‫علم يف معظم الديانات‬ ‫سامي معناه إله وهو زوج اإللهة «أثرت» وهو اسم ٍ‬ ‫ق‪.‬م‪ ،‬وكان إيل هو كبري آلهتهم وهو اس ٌم ٌّ‬ ‫السامية القدمية‪ ،‬وهو نفسه إلوهيم عند اليهود والله عند العرب‪ ،‬ونسبوا له العديد من الصفات «امللك»‪« ،‬العزيز»‪،‬‬ ‫«العادل»‪« ،‬األمني» إلخ‪ ،‬وكان بعل من أبرز آلهتهم وهو اس ٌم مبعنى «سيد» وهو نفس معنى «أدوين» ىف العربية‪ ،‬وكان‬ ‫أيضا ورمبا كان عندهم اعتقا ٌد يف الحياة األخرى‪ ،‬وعن الكنعانيني أخذ اليهود اللغة‬ ‫للكنعانيني أنبياؤهم ومتنبئوهم ً‬ ‫أصل لغة الكنعانيني أو كام تعرتف التوراة «شفة كنعان»‪.‬‬ ‫العربية التي هي ً‬ ‫سبب كان‪ ،‬ومالحظتنا هي أن هجرة‬ ‫ولنا مالحظ ٌة هنا قد تكون خارج ًة عن املألوف ولكننا لن نحيد عن الحق ألي ٍ‬ ‫إبراهيم إىل فلسطني كانت قبل قدوم الفلسطينيني إليها مبئات السنني‪ ،‬فالهجرة اإلبراهيمية كانت عىل ما يبدو ىف القرن‬ ‫الثامن عرش قبل امليالد‪ ،‬ثم إن استيطان العربيني هذه البلدة كان قبل استيطان الفلسطينيني بها‪ ،‬ملحوظ ٌة أخري ٌة ليست‬ ‫‪9‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪2‬‬ ‫محمد شومان‬

‫خارج السياق هي أن الفلسطينيني قو ٌم جاءوا من جزر كريت من اليونان عىل عهد رمسيس الثالث وحاولوا احتالل‬ ‫الدولة املرصية ولكنه طردهم ففروا إىل فلسطني‪ ،‬وليسوا من أصو ٍل عربي ٍة كام يردد األغبياء اآلن‪!...‬‬ ‫ويحدث جو ٌع ىف أرض كنعان فريحل‬ ‫منها الركب املق ّدس إىل مرص‪ ،‬ومرص يف‬ ‫املنظومة الدينية هي بلد الكفر والضالل‬ ‫واالنحالل الخلقي‪ !...‬ونحن ال ندري‬ ‫عىل وجه التحديد أي كف ٍر وأي ضال ٍل ىف‬ ‫ٍ‬ ‫بلد كان أول من آمن بالله األحد وأول‬ ‫من خلق مفهوم الضمري وأول من آمن‬ ‫باآلخرة وأول من آمن برتتب الحساب‬ ‫األخروي عىل األعامل الدنيوية‪ ،‬فأي كف ٍر‬ ‫وأي ضال ٍل ىف هذه املنظومة الفكرية‬ ‫رحلة عائلة إبراهيم‪ ،‬بريشة كاستليونه‬ ‫التي سبقت األديان؟ إال إذا كان السبب‬ ‫هو حقد اليهود عىل املرصيني ذلك الحقد الذي يضمره العبيد دامئًا لسادتهم‪ ،‬واليهود قضوا مئات السنني عبي ًدا لنا‪.‬‬ ‫أما املسلمون «ومنهم املرصيون» فقد تأثروا بالفكر اليهودي بال ٍ‬ ‫منطق وتجاوبوا مع الكهنة األوغاد يف وجهة‬ ‫سند من‬ ‫ٍ‬ ‫نظرهم املغرضة وتقربوا إىل الله بسب مرص وفراعنتها وكل ما ميت إليها بصلة‪« ،‬أي أوالد نحن»‪..‬؟!‬ ‫ويف الطريق إىل مرص يضع القديس أبرام خط ًة ال نستطيع أن نقول عنها أنها ىف غاية الرشف تقول التوراة‪ -‬الكتاب‬ ‫املق ّدس‪ -‬عن إبراهيم النبي الرجل املق ّدس رسول الله‪:‬‬ ‫اي ا ْم َرأَتِ ِه‪« :‬إِ ِّن قَ ْد َعلِ ْم ُت أَنَّ ِك ا ْم َرأَ ٌة َح َس َن ُة الْ َم ْنظَرِ‪ .‬فَ َيكُو ُن إِذَا َر ِ‬ ‫آك‬ ‫ص أَنَّ ُه ق َ​َال لِ َسا َر َ‬ ‫« َو َح َدثَ ل ََّم قَ ُر َب أَ ْن يَ ْد ُخ َل ِم ْ َ‬ ‫صيُّو َن أَنَّ ُه ْم يَقُولُونَ‪ِ :‬‬ ‫ُول إِنَّ ِك أُ ْخ ِتي‪ ،‬لِ َيكُو َن ِل َخ ْ ٌي ب َِس َبب ِ​ِك َوتَ ْح َيا نَف ِْس ِم ْن‬ ‫الْ ِم ْ ِ‬ ‫هذ ِه ا ْم َرأَت ُ ُه‪ .‬فَ َي ْقتُلُونَ ِني َويَ ْستَ ْبقُونَ ِك‪ .‬ق ِ‬ ‫صيِّ َني َرأَ ْوا الْ َم ْرأَ َة أَنَّ َها َح َس َن ٌة ِج ًّدا‪َ .‬و َرآ َها ُر َؤ َسا ُء ِف ْر َع ْو َن َو َم َد ُحو َها لَ َدى‬ ‫ص أَ َّن الْ ِم ْ ِ‬ ‫أَ ْجلِ ِك‪ .‬فَ َح َدثَ ل ََّم َد َخ َل أَبْ َرا ُم إِ َل ِم ْ َ‬ ‫ِف ْر َع ْونَ‪ ،‬فَأُ ِخذ َِت الْ َم ْرأَ ُة إِ َل بَ ْي ِت ِف ْر َع ْونَ‪ ،‬ف َ​َص َن َع إِ َل أَبْ َرا َم َخ ْ ًيا ب َِس َب ِب َها‪َ ،‬و َصا َر لَ ُه َغ َن ٌم َوبَ َق ٌر َو َح ِم ٌري َو َعبِي ٌد َوإِ َما ٌء َوأُت ُ ٌن‬ ‫َوج َِم ٌل»‪( .‬التكوين ‪!!!!...)16-11 :12‬‬ ‫بسالم فلنحاول‬ ‫هذا هو النص التورايت املق ّدس عن أيب األنبياء إبراهيم عليه السالم‪ ،‬ونحن طب ًعا لن نرتك هذا النص مير ٍ‬ ‫أن نقرأه م ًعا بتمعن‪:‬‬ ‫النبي الطاهر أبرام يعلم أن زوجته الفاتنة ذات الخمسة والستني ربي ًعا‪ ،‬أكرر ذات الخمسة والستني ربي ًعا مطلوب ًة‬ ‫لدى الرجال لجاملها فيعقد معها اتفاقًا بأن تدعي أنها أخته «حتى يُحسن إيل بسببك»‪ ،‬وهذه الجملة ال نجد لها‬ ‫‪10‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪2‬‬ ‫محمد شومان‬

‫أدب عن الصفة التي تطلق عىل الرجل الذى يتكسب من‬ ‫ترجم ًة محرتم ًة‪ ،‬وألننا ال نحب فاحش القول نتساءل بكل ٍ‬ ‫عرق زوجته‪ ،‬ونتساءل عن املقياس الخلقي الذي ينتهجه أبو األنبياء الذي ال يرتدد ىف ترك زوجته لآلخرين خوفًا عىل‬ ‫أيضا بكل براء ٍة عن مشاعر املق ّدس أبرام الذي ترك زوجته ليايل طويل ًة أو حتى قصري ًة نامئ ًة عىل فراش‬ ‫حياته‪ ،‬ونتساءل ً‬ ‫أيضا عن مشاعر الفاضلة ساراي وهي تسرتيح أخ ًريا ىف فراش‬ ‫فرعون‪ !...‬أمل يكن املوت أفضل له وأطهر لنسله؟ ونتساءل ً‬ ‫فرعون مرص الوثري بعد سنوات العذاب ىف صحراء الهجرات املتكررة مع زوجها الكهل املحرتم‪.‬‬ ‫ولكن الرب يتدخل لتدارك املوقف‪:‬‬ ‫ضبَ ٍ‬ ‫اي ا ْم َرأَ ِة أَبْ َرا َم»‪( .‬التكوين ‪.)17 :12‬‬ ‫ات َع ِظي َم ًة ب َِس َب ِب َسا َر َ‬ ‫َض َب ال َّر ُّب ِف ْر َع ْو َن َوبَ ْيتَ ُه َ َ‬ ‫«ف َ َ‬ ‫وال ندري نحن بعقولنا القارصة سبب غضب الرب عىل فرعون وأهله حتى يرضبهم هذه الرضبات العظيمة‪ ،‬فالرجل مل‬ ‫يذنب فقد أخذ أخت أبرام عىل حسب ما كان يظن وأعطاه مهرها أو مثنها أو أيًا كان التعبري‪ ،‬وعندما اكتشف أنها عىل‬ ‫شيئ يُذكر‪!...‬‬ ‫ذمة رجلٍ آخر ردها إليه معزز ًة مكرم ًة مل ينقص منها ٌ‬ ‫املهم أن فرعون ترك السيدة الفاضلة سارة امرأة أبينا املق ّدس أبرام ترحل مع زوجها ومل يحاول اسرتداد املال الذي دفعه‬ ‫للسيد أبرام مث ًنا لزوجته الطاهرة‪ ،‬وهكذا خرج البطريرك املق ّدس أبرام من مرص الكافرة الوثنية وقد كان‪:‬‬ ‫« َغ ِن ًّيا ِج ًّدا ِف الْ َم َو ِاش َوالْ ِف َّض ِة َوال َّذ َه ِب»‪( .‬التكوين ‪!!!!!!!!!.............)2 :13‬‬ ‫واآلن هل يحق لنا كمرصيني تعرضت عقولنا للتغييب‬ ‫والتزييف تحت ستار الدين عىل مدى القرون حتى‬ ‫أصبحنا يف حالة خجلٍ من ماضينا الفرعوين الذي يوصم‬ ‫يف املنظومة الدينية بالكفر‪ ،‬أقول هل يحق لنا اآلن أن‬ ‫نعيد النظر ىف تاريخنا الفرعوين بعني اإلنصاف والعدل‬ ‫أيضا‪ ،‬فها هو ملكنا الفرعوين يتعرض للخديعة‬ ‫والفخر ً‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫مقدس ويستبيح ماله‪ ،‬وعندما يكتشف‬ ‫بطريرك‬ ‫من‬ ‫الفرعون ذلك ال يتعرض له بسو ٍء ويرتكه يرحل من بلده‬ ‫سالم وال يفكر حتى يف اسرتداد الثمن الذي دفعه يف‬ ‫ىف ٍ‬ ‫إبراهيم ينصح سارة‪ ،‬بريشة تيسو‬ ‫بسالم من‬ ‫مقابل املرأة الفاتنة التي أخذها زوجها ورحل ٍ‬ ‫أرض الكفر‪ !...‬إن أي مقارن ٍة بني الفرعون الكافر والنبي الفاضل «كام تصوره لنا التوراة» لن تكون أب ًدا يف صالح الكهنة‪،‬‬ ‫ونحن نترشف باالنتساب لهذا الفرعون الذي ال نعرف اسمه‪ ،‬وال يرشفنا االنتامء العرقي وال الديني لهذا األبرام الذي‬ ‫يتاجر بعرض امرأته ورشفه ىف سبيل بعض الغنم أو حتى الذهب والفضة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫سنوات يف مرص قبل أن‬ ‫كتاب من مكتشفات قمران يدعى «تاريخ إبراهيم» نعرف منه أن إبراهيم قد قىض خمس‬ ‫ويف ٍ‬ ‫‪11‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪2‬‬ ‫محمد شومان‬

‫يكتشف الفرعون جامل امرأته‪ ،‬وبعد هذه السنوات الخمس يأخذها فرعون لقرصه لتقيض عنده سنتني أخريني‪ ،‬ليصبح‬ ‫ٍ‬ ‫سنوات ولكنها ليست عجافًا حيث خرج منها برثو ٍة مادي ٍة وتعلم فيها حكمة‬ ‫جميع ما قضاه السيد أبرام ىف مرص سبع‬ ‫املرصيني‪ ،‬فكونه زو ًجا لسيد ٍة تعيش مع الفرعون يف قرصه يعطيه الحق يف الدخول للمعبد ومعرفة أرسار الكهنة من‬ ‫أجل عيون الست طب ًعا‪.‬‬ ‫فعل‪ -‬فليس معروفًا لنا عىل وجه الدقة فلم يكن ذلك الحدث ذا‬ ‫أما تاريخ دخول أبرام إىل مرص –إن كان قد حدث ً‬ ‫أهمي ٍة عند املرصيني حتى يسجلوه ىف تاريخهم‪ ،‬وإن كان هناك اعتقا ٌد عا ٌم أنه كان يف عهد الدولة الوسطى‪ ،‬وهذه الفرتة‬ ‫كام بي ّنا سابقًا كانت مرحل ًة من الفوىض يف الدولة املرصية كنتيج ٍة لحكم الكهنة للدولة القدمية‪ ،‬وإذا كان لنا مالحظ ٌة‬ ‫هنا فهي أن املرصي ىف ذلك العرص كان ميتلك أفكا ًرا ديني ًة متقدم ًة للغاية تع ّرضنا لها ىف الفصل األول‪ ،‬ونُضيف هنا‬ ‫أيضا ال يجرؤ أن ينطق‬ ‫معلوم ًة بالغة الخطورة وهي أن املرصي القديم كان من شدة تقديسه للفرعون الذي هو إل ٌه ً‬ ‫أيضا‬ ‫باسمه بل فقط يشري إليه بلفظة «هو» أو «البيت الكبري» والينطق لسانه باسمه أب ًدا احرتا ًما‬ ‫وتقديسا له‪ ،‬ونالحظ ً‬ ‫ً‬ ‫معنى له ومن هنا اتفق معظم الباحثني عىل أنه اسم‬ ‫أن اليهودي القديم كان يعبد إل ًها اسمه «يهوه» وهذا اإلسم ال ً‬ ‫تقديسا من بني إرسائيل لإلله وتنزي ًها له عن النطق باسمه‪ ،‬ومن هنا‬ ‫إشار ٍة مبعنى «هو» وقيل لنا الحقًا أن هذا كان‬ ‫ً‬ ‫فمن حقّنا أن نعتقد أن إله أبرام هو نفسه اإلله املرصي الذي أخذه أبرام معه ىف رحلة خروجه من مرص الوثنية‪.‬‬ ‫ويعود املق ّدس أبرام إىل أرض كنعان برثوة املرصيني وأفكارهم وهناك يتزوج من جاريته املرصية التي تدعى «هاجر»‬ ‫التي كانت طب ًعا من هدايا الفرعون للحسناء سارة‬ ‫وتنجب له هاجر ابنه األول إسامعيل الذي يعتقد أنه أبو‬ ‫العرب املستعربة ويعده املسلمون واح ًدا من أنبياء الله‪،‬‬ ‫كام أنه الجد األعىل للنبي محمد‪.‬‬ ‫وكان أبرام ٍ‬ ‫واحتفال بهذه املناسبة‬ ‫ً‬ ‫آنئذ عىل حافة سن املئة‬ ‫يغي الرب اسمه من أبرام إىل إبراهيم وكذلك‬ ‫السعيدة ّ‬ ‫اسم زوجته الفاضلة من ساراي إىل سارة‪ ،‬ويعاهده الرب‬ ‫سارة تقود هاجر إىل إبراهيم‪ ،‬بريشة شتوم‬ ‫عىل أن يعطيه أرض كنعان له ولنسله من بعده يف مقابلٍ‬ ‫ٍ‬ ‫بسيط وهو أن يقطع إبراهيم جز ًءا صغ ًريا رمبا كان زائ ًدا‬ ‫عن الحاجة يف عضوه الذكري وهو ما يسمى باالختتان‪ ،‬وهي صفق ٌة رابح ٌة طب ًعا إلبراهيم أن يعطي غرلته نظري استيالئه‬ ‫مبعونة الرب عىل أرض الكنعانيني‪ ،‬ولكن حتى هذا الطقس «االختتان» مل يكن إبدا ًعا يهوديًا وإمنا كان عاد ًة فرعوني ًة‬ ‫قدمي ًة ميارسها املرصي لدواعي النظافة بدون ٍ‬ ‫أيضا أن نضيف ذلك السبق املرصي إىل قامئة‬ ‫عهد مع اإلله‪ ،‬ومن حقّنا هنا ً‬ ‫عطاء مرص الفكري للدين اليهودي مع مالحظة أن إبراهيم نفسه مل يختنت إال بعد خروجه من مرص‪.‬‬ ‫‪12‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪2‬‬ ‫محمد شومان‬

‫السفر العارش‪ :‬لوط البار‬

‫وبعد أن اختنت إبراهيم وأهل بيته وعبيده يفاجأ بزيار ٍة غري‬ ‫متوقع ٍة من اإلله شخصيًا مصطحبًا معه اثنني من زمالئه‪،‬‬ ‫أو رمبا لو لوينا عنق النص تأدبًا منا قلنا ملكني‪ ،‬ويخربه‬ ‫كبريهم أنهم جاءوا لتدمري مدينتي سدوم وعمورة التي‬ ‫سكن بها لو ٌط بعد انفصاله السلمي عن إبراهيم‪ ،‬وسبب‬ ‫الدمار هو أنهم كانوا يفعلون الرش أمام الرب أو مبعنى أدق‬ ‫أنهم كانوا ميارسون اللواط‪ ،‬واتجه امللكان إىل مدينة سدوم‬ ‫حيث استقبلهم البطريرك لو ٌط الذي أرص بشهام ٍة واضح ٍة أن‬ ‫يستضيفهام ىف بيته ٍ‬ ‫إبراهيم يحمل سكني الختان‪ ،‬جدراية بريشة لي ّپي‪1502 ،‬‬ ‫لغرض يف نفس لوط‪ ،‬ويبدو أن هذين‬ ‫امللكني كانا يف غاية الوسامة حتى أنهام هيجا كل أهل املدينة‬ ‫الذين ذهبوا إىل ٍ‬ ‫لوط يف مظاهر ٍة طالبني منه أن يخرج لهام امللكني ليامرسوا معهام الرذيلة‪ ،‬ولكن البطريرك املق ّدس‬ ‫حل آخر وهو أن يعطي للثوار ابنتيه ليفسقوا بهام– والندري كيف هانتا عليه ‪ -‬ولكن الجمع الثائر يرفض‬ ‫يعرض عليهم ً‬ ‫رصا عىل معصيته ويتقدم ليكرس الباب‪ ،‬وهنا يظهر املالكان قوتهام فيصيبان الجمع املسعور بالعمى‬ ‫هذا العرض م ً‬ ‫ٍ‬ ‫محمد النبي حني ق ّرر الهجرة للمدينة) وينجيان لوطًا وزوجته وابنتيه‪،‬‬ ‫(وهي القصة نفسها التي يرويها املسلمون عن‬ ‫ولكن زوجته ىف الطريق تلتفت وراءها ليعاقبها الرب بأن يحولها إىل عمو ٍد من امللح‪ !...‬ياللهول‪ ...‬تخيل شفاك الله لو‬ ‫أنك تسري ىف الشارع مع زوجتك ورأيتها فجأ ًة تتحول إىل عمو ٍد من امللح ألنها تجرأت ونظرت وراءها‪ ،‬نعلم بالطبع أن‬ ‫معظم األزواج يتمنون أن يح ّول يهوه زوجاتهم إىل عمو ٍد من امللح‪ ،‬ولكن ليس كل الرجال أطها ٌر مثل نبيّنا املبجل لوط‪.‬‬ ‫ومتطر السامء عىل سدوم وعمورة‪:‬‬ ‫الس َم ِء»‪( .‬التكوين ‪.)24 :19‬‬ ‫«كِ ْبِيتًا َونَا ًرا ِم ْن ِع ْن ِد ال َّر ِّب ِم َن َّ‬ ‫وهكذا تتعرض املدينة للدمار التام وال يبقى منها سوى ٍ‬ ‫لوط الهارب من الدمار مع ابنتيه فقط‪.‬‬ ‫ويدخل لو ٌط وابنتاه ىف مغار ٍة ىف الجبل حيث تعتقد‬ ‫االبنتان أن أباهام هو آخر رجلٍ ىف الكون‪ -‬باعتبار‬ ‫أن الكربيت والنار الهابطة من السامء قد قضت عىل‬ ‫مقدسا وهو أن تنجبا‬ ‫كل البرشية ‪ -‬وأن عليهام واج ًبا ً‬ ‫أوال ًدا حتى تستمر الحياة عىل كوكبنا املبارك‪ ،‬وألن‬ ‫البنتني هام آخر اإلناث وأباهام القديس هو آخر‬ ‫كل منهام برشفها ىف سبيل إعامر‬ ‫الرجال فلتضحي ٌ‬ ‫الكون‪:‬‬ ‫‪13‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪2‬‬ ‫محمد شومان‬

‫لص ِغ َري ِة‪ :‬أَبُونَا قَ ْد شَ اخَ‪َ ،‬ولَ ْي َس ِف األَ ْر ِض َر ُج ٌل لِ َي ْد ُخ َل‬ ‫« َوقَال َِت الْ ِب ْك ُر لِ َّ‬ ‫َعلَ ْي َنا كَ َعا َد ِة ك ُِّل األَ ْر ِض‪َ .‬هلُ َّم نَ ْس ِقي أَبَانَا َخ ْم ًرا َونَ ْضطَج ُع َم َع ُه‪،‬‬ ‫فَ ُن ْحيِي ِم ْن أَبِي َنا نَ ْس ًل‪ .‬ف َ​َس َقتَا أَبَا ُه َم َخ ْم ًرا ِف تِل َْك اللَّ ْيلَ ِة‪َ ،‬و َد َخل َِت‬ ‫ِاض ِط َجا ِع َها َوالَ ِب ِقيَا ِم َها‪.‬‬ ‫الْ ِب ْك ُر َو ْاضطَ َج َع ْت َم َع أَبِي َها‪َ ،‬ولَ ْم يَ ْعلَ ْم ب ْ‬ ‫لص ِغ َري ِة‪ :‬إِ ِّن ق َِد ْاضطَ َج ْع ُت الْ َبا ِر َح َة‬ ‫َو َح َدثَ ِف الْ َغ ِد أَ َّن الْ ِب ْك َر قَال َْت لِ َّ‬ ‫َم َع أَ ِب‪ .‬نَ ْس ِقي ِه َخ ْم ًرا اللَّ ْيلَ َة أَيْ ًضا فَا ْد ُخ ِل ْاضطَ ِج ِعي َم َع ُه‪ ،‬فَ ُن ْحي َِي ِم ْن‬ ‫الص ِغ َري ُة‬ ‫أَبِي َنا نَ ْس ًل‪ .‬ف َ​َس َقتَا أَبَا ُه َم َخ ْم ًرا ِف تِل َْك اللَّ ْيلَ ِة أَيْ ًضا‪َ ،‬وقَا َم ِت َّ‬ ‫ِاض ِط َجا ِع َها َوالَ ِب ِق َيا ِم َها‪ ،‬فَ َح ِبل َِت ابْ َنتَا‬ ‫َو ْاضطَ َج َع ْت َم َع ُه‪َ ،‬ولَ ْم يَ ْعلَ ْم ب ْ‬ ‫ل ٍ‬ ‫ُوط ِم ْن أَبِيه َِم»‪( .‬التكوين ‪.)37-31 :19‬‬ ‫نعم هكذا تحيك لنا التوراة أن البطريرك املق ّدس لوطًا رسول الله قد‬ ‫زنا بابنتيه‪ ،‬ورغم اشمئزازنا من النص املق ّدس ومن البطريرك املق ّدس‬ ‫إال أننا نتساءل هل يصل السكْر بإنسانٍ أيًا كان إىل درجة أن ميارس‬ ‫الجنس بدون أن يشعر؟ فام بالك إذا كان ميارس الجنس مع بناته؟‬ ‫بنات لوط تسقني والدهن الخمر‬ ‫مقدس ومو ًحى‬ ‫كتاب يفرتض أنه‬ ‫هل توجد قذار ٌة أكرث من هذه؟ ويف ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫به من عند الرب‪ .‬إننا ال نجد هذه القذارة ىف الكتب التي حرمها علينا الكهنة مثل فن الهوى أو عودة الشيخ إىل صباه‪،‬‬ ‫ويتبجح الكهنة قائلني أن كتابهم املق ّدس لو كان قد تعرض للتحريف لكان املحرفون قد أخفوا فضائح األنبياء التي ال‬ ‫يستسيغها عقل‪ !...‬أي أنهم يستدلون بهذه القذارة عىل نقاء كتابهم وصحة توراتهم؟‬ ‫ونرتك لوطًا وبناته يف هذا املستنقع القذر ونعود إىل املق ّدس إبراهيم أيب األنبياء الذي يبدو أنه قد تعود عىل الكسب‬ ‫أيضا عن سارة هي أخته‪...‬؟ نعم كررها مر ًة ثاني ًة‪ ،‬وقال ألبيامك ملك جرار أن‬ ‫الرسيع‪ ،‬فحني ذهب إىل مملكة جرار قال ً‬ ‫الفاتنة سارة هي أخته وكذب للمرة الثانية‪ ،‬وبالتايل أرسل أبياملك ملك جرار وأخذ سارة العجوز الفاتنة التي أهاجت‬ ‫كل ملوك املرشق‪ ،‬الحظ أنها قد أصبحت اآلن عىل مشارف سن التسعني‪:‬‬ ‫ِيملِ َك ِف ُحل ِْم اللَّيْلِ‬ ‫ِيملِ ُك َملِ ُك َج َرا َر َوأَ َخ َذ َسا َرةَ‪ .‬فَ َجا َء الل ُه إِ َل أَب َ‬ ‫« َوق َ​َال إِبْ َرا ِهي ُم َع ْن َسا َر َة ا ْم َرأَتِ ِه‪ِ « :‬ه َي أُ ْخ ِتي»‪ .‬فَأَ ْر َس َل أَب َ‬ ‫ِيملِ ُك ق َِد اق َ َْت َب إِلَ ْي َها‪ ،‬فَق َ​َال‪:‬‬ ‫َوق َ​َال لَ ُه‪َ :‬ها أَنْ َت َم ِّي ٌت ِم ْن أَ ْجلِ الْ َم ْرأَ ِة الَّ ِتي أَ َخ ْذت َ َها‪ ،‬فَ ِإنَّ َها ُمتَ َز ِّو َج ٌة ِب َب ْعل‪َ .‬ول ِك ْن لَ ْم يَ ُك ْن أَب َ‬ ‫يَا َس ِّي ُد‪ ،‬أَأُ َّم ًة بَا َّر ًة تَ ْقتُ ُل؟ أَلَ ْم يَق ُْل ُه َو ِل‪ :‬إِنَّ َها أُ ْخ ِتي‪َ ،‬و ِه َي أَيْ ًضا نَف ُْس َها قَال َْت‪ُ :‬ه َو أَ ِخي؟ ب َِسالَ َم ِة قَلْبِي َونَقَا َو ِة يَ َد َّي فَ َعل ُْت‬ ‫هذَا‪ .‬فَق َ​َال لَ ُه الل ُه ِف الْ ُحل ِْم‪« :‬أَنَا أَيْ ًضا َعلِ ْم ُت أَنَّ َك ب َِسالَ َم ِة قَلْب َِك فَ َعل َْت هذَا‪َ .‬وأَنَا أَيْ ًضا أَ ْم َس ْكتُ َك َع ْن أَ ْن تُ ْخ ِط َئ إِ َ َّل‪ ،‬لِذلِ َك‬ ‫ل ألَ ْجلِ َك فَتَ ْح َيا‪َ .‬وإِ ْن كُ ْن َت ل َْس َت ت َ ُر ُّد َها‪ ،‬فَا ْعلَ ْم أَنَّ َك َم ْوتًا تَ ُوتُ ‪،‬‬ ‫لَ ْم أَ َد ْع َك تَ َُّس َها‪ .‬فَاآل َن ُر َّد ا ْم َرأَ َة ال َّر ُجلِ ‪ ،‬فَ ِإنَّ ُه نَب ٌِّي‪ ،‬فَ ُي َص ِّ َ‬ ‫أَنْ َت َوك ُُّل َم ْن ل َ​َك»‪( .‬التكوين ‪.)10-2 :2‬‬ ‫‪14‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪2‬‬ ‫محمد شومان‬

‫نبي ومن األفضل له أن‬ ‫وهكذا يظهر يهوه الساهر عىل رشف نبيه إبراهيم ألبياملك ىف الحلم ليخربه بأنه قد أخذ زوجة ٍّ‬ ‫يعيدها معزز ًة مكرم ًة إىل زوجها بل وأن يطلب من زوجها املق ّدس الدعاء له‪ ،‬ولنا أن نتخيل دهشة امللك الوثني أبياملك‬ ‫من االنحالل الخلقي الذي يتمتع به أنبياء العهد القديم ومدى تسامح ربهم معهم‪ ،‬ولكن التوراة تؤكد هنا‪:‬‬ ‫ِيملِ ُك ق َِد اق َ َْت َب إِلَ ْي َها»‪( .‬التكوين ‪.)4 :20‬‬ ‫« َول ِك ْن لَ ْم يَ ُك ْن أَب َ‬ ‫إذن فقد كان فرعون قد اقرتب إليها ألن التوراة مل ِ‬ ‫تنف ذلك‪.‬‬ ‫ِيملِ ُك َغ َن ًم َوبَ َق ًرا َو َعبِي ًدا َوإِ َما ًء َوأَ ْعطَا َها ِإلبْ َرا ِهي َم‪َ ،‬و َر َّد إِلَ ْي ِه َسا َر َة ا ْم َرأَتَ ُه»‪( .‬التكوين ‪.)14 :20‬‬ ‫«فَأَ َخ َذ أَب َ‬ ‫إذن فقد خرج املق ّدس إبراهيم من تجارته بزوجته للمرة الثانية برثو ٍة طائل ٍة تجعلنا نتساءل بجدي ٍة عن مدى إميان الرب‬ ‫أيضا نتساءل عن القيم التي يجب أن نتبناها حتى نصبح مقربني‬ ‫يهوه مببدأ ميكيافلىل «الغاية تربر الوسيلة»‪ ،‬وتجعلنا ً‬ ‫للرب مثل البطريرك الطاهر إبراهيم‪ ،‬وتجعلنا نتساءل بجدي ٍة عن مشاعر االحرتام التي تنظر بها سار ٌة لزوجها املق ّدس‬ ‫رص أن تنظر باحرت ٍام لرجلٍ يتاجر‬ ‫الذي يرتكها عىل كل فر ٍاش ً‬ ‫قليل من أجل بعض الغنم‪ ،‬وهل تستطيع أي امرأ ٍة يف أي ع ٍ‬ ‫أيضا يف سبيل بعض املغانم؟ وتجعلنا أخ ًريا نتساءل عن معايري الرب يهوه ىف اتخاذ رجاله األطهار‬ ‫برشفها ويبيع رشفه هو ً‬ ‫ليصبحوا قدو ًة للبرشية التاعسة‪...‬؟‬ ‫ولكن ليست هذه هي نهاية أعامل إبراهيم الطاهرة‪،‬‬ ‫فقد ولدت له زوجته الطاهرة سارة اب ًنا هو إسحق‬ ‫ٍ‬ ‫حينئذ ىف سن التسعني‪ ،‬ولن نتعجب فنحن‬ ‫وكانت‬ ‫نؤمن بقدرة يهوه القادر عىل إتيان أفظع املعجزات‪،‬‬ ‫وبعد أن اكتملت أنوثة الطاهرة سارة باإلنجاب ثارت‬ ‫الغرية ىف قلبها لذا طلبت من زوجها املق ّدس إبراهيم‬ ‫أن يطرد الجارية وابنها‪:‬‬ ‫«أَ َّن ابْ َن ِ‬ ‫هذ ِه الْ َجا ِريَ ِة الَ يَرِثُ َم َع ابْ ِني إِ ْس َح َاق»‪.‬‬ ‫(التكوين ‪.)10 :21‬‬ ‫طب ًعا علمنا جمي ًعا أن ثروة املق ّدس إبراهيم كانت من نتاج تعب وكفاح السيدة الفاضلة سارة يف حجرات النوم امللكية‪،‬‬ ‫أيضا مام خجل من ذكره كاتب التوراة املقدس‪ ،‬ومبا أن الرثوة ثروتها فمن حقها‬ ‫ما علمنا منها مام ذكرته التوراة ورمبا ً‬ ‫أن تحافظ عليها بالكيفية التي تراها‪ ،‬وابنها بالتأكيد أحق من ابن سارة باملرياث الذي مل تتعب هاجر الجارية ىف جمعه‬ ‫مثلها‪ ،‬ويبدو أن إبراهيم قد تردد ىف تنفيذ أمر سارة مام دفع بالرب الذي غضب من آدم ألنه سمع لقول امرأته أن يأيت‬ ‫«ف ك ُِّل َما تَق ُ‬ ‫ُول ل َ​َك َسا َر ُة ْاس َم ْع لِ َق ْولِ َها» (التكوين ‪!)12 :21‬‬ ‫إلبراهيم ليقول له‪ِ :‬‬ ‫‪15‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪2‬‬ ‫محمد شومان‬

‫وال ندري هل لإلله يهوه مبادئٌ مييش عليها أم أنه يترصف من وحي اللحظة؟ فمر ًة ينتقم من آدم ألنه سمع كالم امرأته‪،‬‬ ‫ومر ًة أخرى يطلب من إبراهيم أن يسمع كالم امرأته‪ ،‬ومبا أن سامع كالم الفاضلة سارة هو أم ٌر إلهي ال يرد‪:‬‬ ‫صفَ َها‪ .‬فَ َم َض ْت َوتَا َه ْت‬ ‫«فَ َب َّك َر إِبْ َرا ِهي ُم َص َبا ًحا َوأَ َخ َذ ُخ ْب ًزا َو ِق ْربَ َة َما ٍء َوأَ ْعطَا ُه َم لِ َها َج َر‪َ ،‬و ِاض ًعا إِيَّا ُه َم َع َل كَ ِت ِف َها‪َ ،‬والْ َولَ َد‪َ ،‬و َ َ‬ ‫ِف بَ ِّريَّ ِة ب ْ ِ​ِئ َس ْبعٍ»‪( .‬التكوين ‪.)14 :21‬‬ ‫الطريف يف هذا النص الجميل أنه يقول أن هاجر املسكينة قد حملت طفلها عىل كتفيها وتاهت ىف الصحراء بطفلها‪ ،‬أما‬ ‫طفل مبعنى الكلمة بل كان شابًا ىف السادسة‬ ‫الطريف فهو أن هذا الطفل املسكني الذي كانت تحمله مل يكن يف الحقيقة ً‬ ‫عرشة من عمره عىل األقل‪ ،‬وهاكم النص املقدس‪:‬‬ ‫«فَ َولَدَتْ َها َج ُر ألَبْ َرا َم ابْ ًنا‪َ .‬و َد َعا أَبْ َرا ُم ْاس َم ابْ ِن ِه ال َِّذي َولَ َدت ْ ُه َها َج ُر إِ ْس َم ِع َيل‪ .‬كَا َن أَبْ َرا ُم ابْ َن ِس ٍّت َو َثَانِ َني َس َن ًة ل ََّم َولَدَتْ‬ ‫َها َج ُر إِ ْس َم ِع َيل ألَبْ َرا َم»‪( .‬التكوين ‪.)15-16 :16‬‬ ‫« َوكَا َن إِبْ َرا ِهي ُم ابْ َن ِمئَ ِة َس َن ٍة ِح َني ُولِ َد لَ ُه إِ ْس َح ُاق ابْ ُن ُه»‪( .‬التكوين ‪.)5 :21‬‬ ‫أي أن الفرق بني ميالد إسامعيل وميالد إسحاق أربعة عرش عا ًما‪!...‬‬ ‫تخيل حامك الله أُ ًما ىف الثالثينات من عمرها‬ ‫رجل ىف السادسة عرشة من عمره وتتوه به‬ ‫تحمل ً‬ ‫ىف الصحراء‪ ،‬واألطرف أن هذا الطفل الرجل جلس‬ ‫يبيك‪ -‬كام يرى الرتاث الديني اإلسالمي‪ -‬من العطش‬ ‫وظلت أمه تبحث عن ما ٍء له ىف الصحراء وظلت‬ ‫ٍ‬ ‫أشواط حتى انفجرت‬ ‫تجري بني الصفا واملروة سبعة‬ ‫ع ٌني من املاء تحت قدمي الطفل الرجل البايك‪ ،‬هذه‬ ‫العني هى برئ زمزم الشهرية‪ ،‬ونحن ال ندري والله‬ ‫هل نضحك أم نبيك من الحزن عىل مستوى التفكري‬ ‫البرشي املؤمن بهذه الخزعبالت‪.‬‬

‫هاجر تسقي إسامعيل املاء يف الصحراء‬

‫ونحن طب ًعا بعقولنا القارصة نجهل كيف ميكن لرجلٍ أن يطرد امرأته وابنه من بيتهام ويرتكهام ليتوهان ىف الصحراء‬ ‫مسبق مبقاصد اإلله يهوه فأوحى إليها‬ ‫علم‬ ‫ٍ‬ ‫ويتعرضان لشتى األخطار إال إذا افرتضنا أن السيدة الفاضلة سارة كانت عىل ٍ‬ ‫أن تطرد الجارية حتى يصبح نسلها هم العرب املستعربة الذين ورثوا العرب العاربة الذين انتهى أمرهم من قبل ظهور‬ ‫وأيضا ليك تكون هناك صل ٌة بني األديان الكربى ممثل ًة يف بُ ُن ّوتها للمق ّدس إبراهيم الطاهر‪.‬‬ ‫إسامعيل‪ً ،‬‬ ‫‪16‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪2‬‬ ‫محمد شومان‬

‫وبعد حيا ٍة حافل ٍة بالطهارة كام رأينا ميوت النبي إبراهيم كليم الله وأبو األنبياء واملرسلني وهو ىف الخامسة والسبعني بعد‬ ‫املئة وهو شبعان‪ ،‬أيا ًما ويدفنه إبناه إسحق وإسامعيل ىف مقرب ٍة كان قد اشرتاها سابقًا من الحيثيني‪ -‬حتى هذه اللحظة‬ ‫مل يكن إبراهيم ميتلك إال مجرد مقرب ٍة يف فلسطني – ودفن بها زوجته الطاهرة سارة وها هو أبونا إبراهيم يلحق بها‪.‬‬

‫السفر الحادي عرش‪ :‬إسحاق حامل الراية‬

‫«غني عن القول أن‬ ‫ومبوت إبراهيم يتسلم الراية من بعده املق ّدس إسحق ويكمل مسرية الطهر التي بدأها أبوه‬ ‫ٌّ‬ ‫البكورية كانت من حق إسامعيل‪ ،‬ابن إبراهيم البكر ولكن ألنه ابن الجارية املرصية الرشيفة فاليهود يرفضونه ويعدون‬ ‫إسحق هو األحق بالخالفة»‪ ،‬ويتزوج إسحق برفقة التي كانت عاق ًرا يف البداية‪ ،‬نالحظ أن الرب يهوه التورايت يجد سعاد ًة‬ ‫طاغي ًة يف فتح أرحام النساء فعىل الرغم من وعوده املتكررة إلبراهيم ونسله أن يجعل نسلهم كرمل البحر إال أننا نجد‬ ‫النساء التوراتيات يف الغالب يعانني من العقم حتى يأيت الرب يهوه وميتّع نفسه بفتح أرحامهن‪ ،‬ويدعو إسحق إلهه أن‬ ‫يفتح رحم زوجته وهو ما يستجيب له الرب‪ ،‬ولكن يبدو أنه قد فتحه ٍ‬ ‫بعنف ليتمكن إسحق من أن يضع فيه توأ ًما هام‬ ‫عيسو البكر ويعقوب التايل‪ ،‬ويكرب الولدان ليبيع عيسو ليعقوب حق البكورية بصحنٍ من العدس – نعم هكذا تقول‬ ‫التوراة‪!...‬‬ ‫يسو‪َ :‬ها أَنَا َم ٍ‬ ‫ُوب‪ :‬ا ْحلِ ْف ِ َل‬ ‫ُوب‪ِ :‬ب ْع ِني الْيَ ْو َم بَكُو ِريَّتَ َك‪ .‬فَق َ​َال ِع ُ‬ ‫اض إِ َل الْ َم ْو ِت‪ ،‬فَلِ َمذَا ِل بَكُو ِريَّ ٌة؟ فَق َ​َال يَ ْعق ُ‬ ‫«فَق َ​َال يَ ْعق ُ‬ ‫يس َو ُخ ْب ًزا َوطَبِي َخ َع َد ٍس»‪( .‬التكوين ‪.)34-31 :25‬‬ ‫ُوب ِع ُ‬ ‫ُوب‪ .‬فَأَ ْعطَى يَ ْعق ُ‬ ‫الْ َي ْو َم‪ .‬فَ َحل َ​َف لَ ُه‪ ،‬فَ َبا َع بَكُو ِريَّتَ ُه لِ َي ْعق َ‬ ‫وال يحسنب أح ٌد أن «الطفاسة» وحب العدس هي السبب‬ ‫الوحيد لبيع البكورية من عيسو ليعقوب‪ ،‬بل عىل األدق‬ ‫طبيعي لنسلٍ مع ٍني ٍ‬ ‫لهدف محد ٍد أال‬ ‫انتخاب‬ ‫هى عملية‬ ‫ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫وهو إعالء شأن النسل املوعود وتصفية كل ماعداه سوا ٌء‬ ‫من حيث األشخاص أو حتى من حيث طبيعة العمل‪.‬‬ ‫ثم يحدث جو ٌع ىف األرض لريحل منها يعقوب بزوجته‬ ‫إىل مملكة جرار حيث نفاجأ بأبياملك الشهري مازال ملكًا‬ ‫عليها بعد موقعته مع إبراهيم بثامنني عا ًما‪:‬‬ ‫اف أَ ْن يَق َ‬ ‫« َو َسأَلَ ُه أَ ْه ُل الْ َمكَانِ َعنِ ا ْم َرأَتِ ِه‪ ،‬فَق َ​َال‪ِ :‬ه َي أُ ْخ ِتي‪ .‬ألَنَّ ُه َخ َ‬ ‫ُول‪ :‬ا ْم َرأَ ِت لَ َع َّل أَ ْه َل الْ َمكَانِ ‪ :‬يَ ْقتُلُونَ ِني ِم ْن أَ ْجلِ ِرفْ َق َة‬ ‫ألَنَّ َها كَانَ ْت َح َس َن َة الْ َم ْنظَرِ»‪( .‬التكوين ‪.)7 :26‬‬ ‫مستحق لخالفة أبيه إبراهيم فيدعي أن رفقة أخته وليست زوجته إىل أن يراه أبياملك يف‬ ‫وهنا يثبت إسحق عمل ًيا أنه‬ ‫ٌ‬ ‫أخوي معها فيتأكد أنه ابن إبراهيم مربوب يهوه فيأمر أتباعه بعدم التعرض للزوجة املقدسة خوفًا من انتقام‬ ‫وضعٍ غري ٍّ‬ ‫الرب اإلله‪:‬‬ ‫«ال َِّذي َ َي ُّس هذَا ال َّر ُج َل أَ ِو ا ْم َرأَت َ ُه َم ْوت ًا َ ُيوتُ »‪( .‬التكوين ‪.)11 :26‬‬ ‫وهكذا نزداد يقي ًنا فقر ًة بعد أخرى من التقدم الخلقي الذي جاء به شعب الله املختار ل ُيخرجوا البرشية الضالة من‬ ‫‪17‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪2‬‬ ‫محمد شومان‬

‫ظلامت الجهل إىل نعمة اإلميان بالنامذج املرشفة لرجالهم األطهار الذين ستصبح ترصفاتهم املسطورة هذه ماد ًة للعبادة‪،‬‬ ‫فنحن جمي ًعا نتقرب إىل الله بتالوة كلامته املقدسة يف معابدنا يوم ًيا حتى يرىض عنا ويسدد خطانا‪.‬‬ ‫ويشيخ املق ّدس إسحق ويكف برصه فيخدعه املق ّدس يعقوب ويرسق منه الربكة التي كان ينوي منحها لعيسو ويفر‬ ‫هاربًا إىل حاران موطن جده خوفًا من انتقام عيسو‪ ،‬وهناك يظهر له الرب ويجدد معه العهد بأن يُكرث نسله ويعطيهم‬ ‫يهودي ٌ‬ ‫رصف يعقد اتفاقًا مع اإلله بأن يرىض به يعقوب ربًا ىف نظري أن يحفظه يهوه‬ ‫أرض الكنعانيني‪ ،‬وألن يعقوب‬ ‫ٌ‬ ‫يف طريقه ويعطيه خب ًزا وثيابًا ويرده ساملًا إىل بيته ويوافق الرب يهوه عىل االتفاق‪ ،‬ثم يتزوج يعقوب من ابنتي خاله‬ ‫«راحيل» و«ليئة» وكذا من جاريتيهام «زلفة» و«بلهة» لينجب منهن اثني عرش اب ًنا الذين سيصبحون أسباط إرسائيل‬ ‫الشهرية‪.‬‬ ‫وبعد مغامر ٍ‬ ‫وأيضا مبوايش‬ ‫ات توراتي ٍة يهرب املق ّدس يعقوب بزوجاته وأبنائه ً‬ ‫خاله لريجع إىل أرض كنعان‪ ،‬ويف الطريق إىل كنعان يحدث أن يقابل بطلنا‬ ‫يعقوب الرب يهوه ويدخل يف رصا ٍع بدين معه حتى طلوع الفجر‪ ،‬ولكن يبدو‬ ‫أن بطلنا كان قويًا للغاية إىل حد أن اإلله يهوه مل يستطع أن يهزمه وعندما‬ ‫طال الرصاع حتى مطلع الفجر بدأ اإلله يهوه يتوسل ليعقوب أن يرتكه مييض‬ ‫يغي اإلله اسمه من يعقوب إىل إرسائيل‪:‬‬ ‫فيسمح له يعقوب بذلك بعد أن ّ‬ ‫سائِ َيل‪ ،‬ألَنَّ َك َجا َهدْتَ َم َع الل ِه َوال َّن ِ‬ ‫اس‬ ‫«الَ يُ ْد َعى ْاس ُم َك ِف َما بَ ْع ُد يَ ْعق َ‬ ‫ُوب بَ ْل إِ ْ َ‬ ‫َوقَ َد ْرتَ »‪( .‬التكوين ‪.)28 :32‬‬ ‫التي ترى التوراة أن معناها هو «مصارع الله» ىف ح ٍني يرى «فيلون» الفيلسوف اليهودي يف عرص امليالد أن إرسائيل‬ ‫كلم ٌة كلداني ٌة وليست عربي ًة وتعني «الذي رأى الله»‪ ،‬وأيا كان الخالف الفقهي حول مدلول الكلمة إال أن الذي يعنينا‬ ‫برشي واليستطيع االنتصار عليه‪!...‬‬ ‫ىف هذه النقطة هو مدلولها عن كيفية تصور اليهودي لإلله الذي يدخل يف رصا ٍع مع ٍّ‬ ‫ويصل البطل يعقوب الذي أصبح اسمه اآلن إرسائيل إىل مدينة شكيم يف أرض كنعان حيث يُعجب ابن امللك باألنوثة‬ ‫الطاغية لآلنسة «دينة» ابنة إرسائيل فال يتاملك نفسه أمام جاملها الفتان فيغتصبها‪ -‬ملحوظة‪ :‬كانت دينة طفل ًة يف‬ ‫الرابعة من عمرها ‪ -‬وعندما يحاول امللك «حمور» إصالح غلطة ابنه ويطلب يد الفاتنة دينة البنه شكيم يشرتط عليه‬ ‫إخوتها أن يختنت شكيم وكل أهله حتى يرىض إرسائيل مبصاهرته‪ ،‬فيوافق الرجل الطيب ويخنت جميع رجاله‪ ،‬وفيام هم‬ ‫يعانون من األمل ىف تلك املنطقة الحساسة يدخل عليهم شمعون والوي ويقتالن جميع شعب شكيم بحد السيف انتقا ًما‬ ‫طفل يف الحادية عرشة والثاين يف الثانية عرشة ‪ -‬ولكننا نسينا التعجب من‬ ‫لرشف أختهام املهدر‪ -‬ملحوظة‪ :‬كان أحدهام ً‬ ‫بداية مسريتنا مع التوراة وال نجد عندنا حتى رغب ًة ىف التعليق‪.‬‬ ‫‪18‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪2‬‬ ‫محمد شومان‬

‫ومتوت رفقة زوجة إرسائيل ويستغل رأوبني ابنه البكر فرتة الحداد فيعتيل زوجة أبيه «بلهة» ويزين رأس أبيه املق ّدس‬ ‫بقرنني جميلني – ونحن نؤمن طب ًعا بأنها ذري ٌة بعضها من ٍ‬ ‫بعض فالجد يتاجر بعرض امرأته واالبن يرسق البكورية‬ ‫من أخيه والغنم من خاله فيأيت الحفيد وميتطي زوجة أبيه ‪ -‬وهو ما يدفعنا إىل التساؤل املرشوع عن منظومة القيم‬ ‫ال ُخلقية التي جاء بها الدين اليهودي واألنبياء الكبار‪ ،‬وعن التطور ال ُخلقي الذي أحدثه تدخل اإلله يهوه ىف حياة الشعب‬ ‫اليهودي‪ ،‬لنكتشف أن املقياس ال ُخلقي مل يظهر عند أنبياء اليهودية وال حتى عند يهوه نفسه إال بعد خروجهم من مرص‬ ‫ٍ‬ ‫ترصفات قذر ًة ال يرىض عنها وال حتى ميارسها حثالة البرش‬ ‫عىل يد موىس‪ ،‬أما قبل ذلك فنجد األنبياء العظام يترصفون‬ ‫من غري املتدينني‪ ،‬كام رأينا منذ قليلٍ مع فرعون مرص وإبراهيم وكذا مع أبياملك وإبراهيم وابنه‪ ،‬ومع ٍ‬ ‫لوط وبنتيه مام‬ ‫يدفعنا إىل الشك بأن منظومة القيم ال ُخلقية عند الشعوب الوثنية كانت أعظم من منظومة يهوه ال ُخلقية‪ ،‬هذا إذا كان‬ ‫يهوه له منظوم ٌة خلقي ٌة من األساس‪.‬‬

‫السفر الثاين عرش‪ :‬النبي والخيص‬

‫ونصل اآلن للشاب الفاتن «يوسف» بن يعقوب الشهري بإرسائيل‬ ‫الذي مل يكن عىل عالق ٍة ودي ٍة مع باقي اخوته بسبب أحالمه‬ ‫االستفزازية‪ ،‬ولذا قرروا قتله ولكنهم تراجعوا ىف آخر لحظ ٍة واكتفوا‬ ‫ببيعه إىل قافل ٍة إسامعيلي ٍة كانت متوجه ًة إىل مرص فباعته بدورها‬ ‫إىل «فوطيفار» الذي تصفه التوراة بأنه «خيص» ورئيس الحرس‬ ‫املليك‪ ،‬أما ملاذا هو خيص فمرجعه إىل أن يوسف كان فات ًنا وكان‬ ‫كذلك عب ًدا أي يستطيع سيده أن يفعل به مايشاء ىف زمنٍ كان‬ ‫رشا فيه بني بني املرشق «وما سدوم وعمورة ببعيد»‪،‬‬ ‫اللواط منت ً‬ ‫ومن هنا خيش كهنة التوراة من غمز الخبثاء ىف عفة يوسف‬ ‫فجعلوه يعيش ىف بيت رجلٍ مخيص‪ ،‬ولكننا نكتشف أن هذا‬ ‫املخيص كان متزو ًجا ال ندري كيف‪ ،‬فكان من الطبيعي والحال‬ ‫كذلك أن تحاول زوجة هذا الخيص أن تطفئ نارها بني أحضان‬ ‫الفتى الوسيم الذي يعيش معها ىف البيت‪ ،‬ولكن الفتى الطاهر‬ ‫يرفض بإبا ٍء خيانة سيده‪ ،‬فتنتقم منه املرأة الشهوانية بأن تدخله‬ ‫السجن بتهمة التحرش الجنيس‪.‬‬

‫يوسف وزوجة فوطيفار‪ ،‬ستوديو سينياين‬

‫حلم كان جاللته قد رآه وعجز كهنته عن‬ ‫وألن تفسري األحالم ٌ‬ ‫عمل قد يجلب املجد لصاحبه يفرس يوسف لفرعون مرص ً‬ ‫ٍ‬ ‫تفسريه ومفاده أنه رأى ىف املنام سبع بقر ٍ‬ ‫عجاف يأكلن سب ًعا سامن‪ ،‬ويكون تفسري الفتى الوسيم للحلم أنه سيأيت‬ ‫ات‬ ‫ٌ‬ ‫عجاف يأكلن خريات سنني الرخاء‪ ،‬ويكون اقرتاح يوسف للفرعون‬ ‫عىل مرص سبع سنني فيهن رخاء ويعقبهن سب ٌع أخر‬ ‫‪19‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪2‬‬ ‫محمد شومان‬

‫أن يدخر ىف سنني الرخاء ما يؤمنه ىف السنني العجاف‪ ،‬وينبهر الفرعون بفكرة الفتى العبقرية إىل حد أنه يع ّينه كوزير‬ ‫زراعة اململكة املرصية أو كام تقول التوراة‪:‬‬ ‫ص»‪( .‬التكوين ‪.)44 :41‬‬ ‫« َوق َ​َال ِف ْر َع ْو ُن لِ ُي ُ‬ ‫وس َف‪ :‬أَنَا ِف ْر َع ْونُ‪ .‬فَ ِب ُدونِ َك الَ يَ ْرفَ ُع إِنْ َسا ٌن يَ َد ُه َوالَ ِر ْجلَ ُه ِف ك ُِّل أَ ْر ِض ِم ْ َ‬ ‫أي أنه أصبح الرجل الثاين بعد الفرعون مبارش ًة يف ترصيف شؤون البالد وال يستطيع أح ٌد أن يرفع يده أو رجله إال بإذنه‪،‬‬ ‫ويغري الفرعون اسمه من «يوسف» كام كان يدعى إىل «صفنات فعنيح»‪ ،‬أي «طعام الحياة»‪ ،‬كام يرى املفرسون‪ ،‬أو رمبا‬ ‫تعني «كاشف األشياء الخفية» كام يرى يوسيفوس‪ ،‬وليتم فرعون نعمته عىل يوسف يقرر تزويجه ويختار له عروسه‬ ‫متزوج وها هي تُفاجئنا‬ ‫التي نُفاجأ بأنها «إسنات» ابنة «فوطيفار» الخيص الشهري الذي فاجأتنا التوراة منذ قليلٍ بأنه‬ ‫ٌ‬ ‫أيضا قاد ٌر عىل اإلنجاب‪ !...‬وقد أصبح فوطيفار اآلن يشغل وظيفة كاهن هليوبوليس‪ ،‬وهكذا يبزغ نجم مفرس‬ ‫ثاني ًة بأنه ً‬ ‫األحالم التورايت الشهري ويصبح نائبًا يف اململكة املرصية ومخلصها من املجاعة وصه ًرا للكهنة‪ ،‬وتبدأ الدنيا ىف االبتسام له‬ ‫بعد طول عبوس‪.‬‬

‫السفر الثالث عرش‪ :‬السنني العجاف‬

‫واآلن لرنى كيف أدار يوسف الصديق أزمة السنني العجاف‬ ‫ىف بر مرص املحروسة‪ ،‬ففي أول سنتني أخذ من املرصيني‬ ‫نقودهم وفضتهم ىف مقابل إعطائهم احتياجاتهم من‬ ‫مخازن القمح اإلمرباطوري‪ ،‬ويف السنة الثالثة‪:‬‬ ‫وس َف قَائِلِ َني‪ :‬أَ ْع ِط َنا ُخ ْب ًزا‪ ،‬فَلِ َمذَا‬ ‫«أَ َت َج ِمي ُع الْ ِم ْ ِ‬ ‫صيِّ َني إِ َل يُ ُ‬ ‫وس ُف‪َ :‬هات ُوا‬ ‫نَ ُوتُ قُ َّدا َم َك؟ ألَ ْن لَ ْي َس ِف َّض ٌة أَيْ ًضا‪ .‬فَق َ​َال يُ ُ‬ ‫َم َو ِاشيَ ُك ْم فَأُ ْع ِطيَ ُك ْم بِ َ َو ِاشي ُك ْم‪ ،‬إِ ْن لَ ْم يَ ُك ْن ِف َّض ٌة أَيْ ًضا»‪.‬‬ ‫(التكوين ‪.)16-15 :47‬‬ ‫عندما مل يجد الشعب املسكني ما يدفعه مقابل القمح بعد‬ ‫أن جردهم يوسف من أموالهم بدأ يف أخذ ما تبقى لديهم‬ ‫وهي مواشيهم‪ ،‬وال ندري ماذا يفعل يوسف باملوايش‬ ‫واألرض ال تنتج زر ًعا من األساس‪!...‬‬ ‫أما يف السنة الرابعة فلم يجد الشعب املسكني ما يعطيه ليوسف يف مقابل الغلة اإلمرباطورية فأتوا إليه قائلني‪:‬‬ ‫«الَ نُ ْخ ِفي َع ْن َس ِّي ِدي أَنَّ ُه إِ ْذ قَ ْد فَ َرغ َِت الْ ِف َّض ُة‪َ ،‬و َم َو ِاش الْ َب َهائِ ِم ِع ْن َد َس ِّي ِدي‪ ،‬لَ ْم يَ ْب َق قُ َّدا َم َس ِّي ِدي إِالَّ أَ ْج َسا ُدنَا َوأَ ْر ُض َنا‪.‬‬ ‫لِ َمذَا نَ ُوتُ أَ َما َم َع ْي َن ْي َك نَ ْح ُن َوأَ ْر ُض َنا َج ِمي ًعا؟ اِشْ َ ِتنَا َوأَ ْر َض َنا بِالْ ُخ ْبزِ‪ ،‬فَ َن ِص َري نَ ْح ُن َوأَ ْر ُض َنا َعبِي ًدا لِ ِف ْر َع ْونَ» (التكوين ‪:47‬‬ ‫‪!...)19-18‬‬ ‫‪20‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪2‬‬ ‫محمد شومان‬

‫هذا هو النص التورايت املق ّدس الذي يحدثنا عن حكمة‬ ‫يوسف الصديق يف إدارة أزمة املجاعة ىف بر مرص‪ ،‬فقد‬ ‫جعل املرصيني عبي ًدا للفرعون نظري القمح الذي أعطاه‬ ‫لهم حتى الميوتوا جو ًعا يف سابق ٍة تاريخي ٍة مل يستطع‬ ‫نصا‬ ‫أخبث الكهنة من قبله أن يفعلها‪ ،‬بل تورد التوراة ً‬ ‫قائل‪:‬‬ ‫يعد مثالً لإلذالل فتقول أن الشعب أىت ليوسف ً‬ ‫«لَ ْيتَ َنا نَ ِج ُد نِ ْع َم ًة ِف َع ْي َن ْي َس ِّي ِدي فَ َنكُو َن َعبِي ًدا لِ ِف ْر َع ْونَ»‬ ‫(التكوين ‪.)25 :47‬‬ ‫أي أن الشعب يتوسل للمقدس يوسف ليك يرفعه إىل‬ ‫مرتبة العبيد‪!...‬‬ ‫ولكن ها هو املق ّدس يوسف– والتوراة ال تعد يوسف نب ًيا من أنبيائها‪ -‬ابن النبي حفيد النبي زوج ابنة الكاهن يقوم‬ ‫منوذج لحكم الكهنة يف كل العصور وكل األديان‪ ،‬وألن يوسف ىف التقييم‬ ‫بعملٍ ال نستطيع أن نعده ىف غاية النبل‪ ،‬وهو‬ ‫ٌ‬ ‫املوضوعي واح ٌد من الكهنة وألن الكهنة مهام اختلفت دياناتهم ومعتقداتهم إال أنهم يك ِّونون فيام بينهم حلفًا – سوا ٌء‬ ‫مدنسا كام نرى ونعتقد ‪ -‬وهذا الحلف قائ ٌم عىل املصالح املشرتكة التي ميكن‬ ‫مقدسا كام يرون أو‬ ‫أكان هذا الحلف‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ٍ‬ ‫إيجازها يف عملٍ‬ ‫واحد وهو ابتزاز جامهري املؤمنني‪ ،‬فبينام الشعب ميوت جو ًعا ويبيع روحه لفرعون من أجل حفنة‬ ‫قم ٍح إذا بنا نجد الكهنة يعيشون يف بلهني ٍة ومي ّدهم يوسف باملرية وتظل أرضهم ملكًا لهم اليستطيع أح ٌد االقرتاب منها‪،‬‬ ‫ِيض ٌة ِم ْن ِق َبلِ ِف ْر َع ْونَ‪ ،‬فَأَكَلُوا‬ ‫فتقول التوراة عن موقف يوسف منهم‪« :‬إِالَّ إِ َّن أَ ْر َض الْ َك َه َن ِة لَ ْم يَشْ َ ِت َها‪ ،‬إِ ْذ كَانَ ْت لِلْ َك َه َن ِة فَر َ‬ ‫ِيضتَ ُه ُم الَّ ِتي أَ ْعطَا ُه ْم ِف ْر َع ْونُ‪ ،‬لِذلِ َك لَ ْم يَبِي ُعوا أَ ْر َض ُه ْم»‪( .‬التكوين ‪.)22 :47‬‬ ‫فَر َ‬ ‫أال يعني ذلك أن قلب دراكوال مصاص الدماء الشهري ميتلك من الرحمة ما ال ميتلكه قلب الكاهن سوا ٌء كان هذا الكاهن‬ ‫حاكم أو محكو ًما‪...‬؟ فالكاهن الحاكم يأخذ الناس عبي ًدا ىف مقابل رغيف الخبز‪ ،‬ىف حني يرتك زميله الكاهن املحكوم‬ ‫ً‬ ‫وأيضا بالقمح اإلمرباطوري املجاين‪ ،‬طب ًعا ىف مقابل أن يخرج الكاهن املحكوم عىل الشعب‬ ‫يتمتع بأرضه وامتيازاته ً‬ ‫املحروم ويبرشهم بالجنة املوعودة املدخرة يف اآلخرة للصابرين من الفقراء الذين باعوا أرواحهم ىف سبيل لقمة عيش‪،‬‬ ‫أال لعنة الله عىل الكهنة جمي ًعا حاكمني ومحكومني‪.‬‬ ‫ونالحظ هنا أن قصة السنني العجاف هذه مل ترد يف أي مصد ٍر من مصادر التاريخ يف العامل القديم مع أن حادث ًة بهذا‬ ‫ٍ‬ ‫سنوات متصل ٍة أن‬ ‫لتغي من خريطة إفريقيا كلها‪ ،‬فمعنى أن فيضان النيل ينقطع لسبع‬ ‫الحجم الضخم كانت كافي ًة ّ‬ ‫تتحول منابع النيل إىل صحراء قاحل ٍة يف كارث ٍة تاريخي ٍة البد وأن ت ُذكر ىف كتب التاريخ وأن نرى آثارها ىف طبيعة املنطقة‪،‬‬ ‫ولكننا لن نجادل التوراة يف هذه النقطة وسنقبلها عىل عالتها وسنتوقف فقط عند توقيت دخول الشاب الوسيم يوسف‬ ‫إىل مرص فلنا هنا وجهة نظ ٍر نطرحها كالتايل‪.‬‬ ‫‪21‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪2‬‬ ‫محمد شومان‬

‫قلنا سابقًا أن الهكسوس قد احتلوا مرص منذ األرسة‬ ‫الثالثة عرش حتى أواخر األرسة السابعة عرش‪ ،‬وكلمة‬ ‫هكسوس ال تشري إىل ٍ‬ ‫تحريف‬ ‫جنس مع ٍني بل هي‬ ‫ٌ‬ ‫للكلمة املرصية «حقاو خاسوت» التي تعني حرف ًيا‬ ‫ملوك الرعاة‪ ،‬وهناك من املؤرخني من يرى أن هذا‬ ‫تغلغل‬ ‫االحتالل مل يكن نتيج ًة لهجم ٍة خارجي ٍة بل كان ً‬ ‫داخل ًيا‪ ،‬أي أن هؤالء الرعاة كانوا يقيمون بالفعل ىف‬ ‫مرص واستغلوا االضطراب الذي حدث نتيجة حكم‬ ‫الكهنة وضعف البالد فاستولوا عىل الحكم‪ ،‬وأيًا كان‬ ‫فيلق ينتمي أفراده إىل العربيني وبالتايل فليس من املستبعد أن يصل أحد‬ ‫األمر فاملؤكد أنه كان بني الجيش الهكسويس ٌ‬ ‫أبناء جلدتهم إىل هذا املنصب ىف ظروف االحتالل‪ ،‬علمنا ذلك من العثور عىل ُج َعلٍ فرعو ٍّين منقوش عليه «يعقوب آل»‬ ‫يرجع تاريخه إىل عهد الهكسوس‪ ،‬ونضيف إىل ذلك اعتداد املرصي القديم بنفسه وفخره بأصوله وبالتايل نظرة االحتقار‬ ‫التي كان ينظر بها إىل األمم األخرى مام مينعه من أن يجعل غري ًبا عنه ىف هذا املنصب‪ ،‬كام أنه مل يكن من عادة الفراعنة‬ ‫يف تلك الفرتة أن يرتكوا مقاليد الحكم يف أيدي الغرباء وبالتايل فمن املنطقي أن يكون دخول يوسف مرص متزام ًنا مع‬ ‫هيمنة الهكسوس عليها حتى يستطيع أن يصل إىل هذا املنصب الخطري‪.‬‬

‫السفر الرابع عرش‪ :‬العاهرة واملقدس‬

‫ويف فرتة حكم يوسف يف مرص كان إخوته وأبوه ما يزالوا يعيشون يف أرض‬ ‫كنعان‪ ،‬حيث استقل عنهم «يهوذا» بن يعقوب– الذي سيصبح يف الديانة‬ ‫املسيحية جد املسيح‪ -‬وتزوج من امرأ ٍة كنعاني ٍة لينجب منها ثالثة أبناء‬ ‫«عري» و«أونان» و«شيلة»‪ ،‬ويكرب األبناء ليتزوج ع ٌري من «ثامار»– التي‬ ‫ستصبح كذلك جدة املسيح‪ -‬وعىل ما يبدو كان ع ٌري يتمتع مبضاجعة زوجته‬ ‫يف مؤخرتها‪ ،‬وهو مارفضه الرب بشدة حيث كان ال بد وأن يأيت املسيح‬ ‫عيىس من هذه الساللة الطاهرة‪ ،‬وهكذا أمات الله ع ًريا الرشير لسوء‬ ‫سلوكه ولرفضه اإلنجاب‪ ،‬واتبا ًعا للعرف اليهودي تزوج االبن الثاين ليهوذا‬ ‫نسل‪ ،‬وكان العرف يقيض بأن‬ ‫الذي هو «أونان» من ثامار لينجب منها ً‬ ‫بدل‬ ‫يصبح نسله من زوجة أخيه ورث ًة لألخ املتوىف ويحملون اسم عمهم ً‬ ‫من حمل اسم أبيهم الحقيقي‪ ،‬ويبدو أن هذا األمر مل يرق ألونان‪:‬‬ ‫«فَ َعلِ َم أُونَا ُن أَ َّن ال َّن ْس َل الَ يَكُو ُن لَ ُه‪ ،‬فَكَا َن إِ ْذ َد َخ َل َع َل ا ْم َرأَ ِة أَ ِخي ِه أَنَّ ُه أَف َْس َد‬ ‫ك الَ يُ ْع ِط َي نَ ْس ًل ألَ ِخي ِه»‪( .‬التكوين ‪.)9 :38‬‬ ‫َع َل األَ ْر ِض‪ ،‬لِ َ ْ‬ ‫‪22‬‬

‫ثامار ويهوذا‪ ،‬بريشة ڤرنيه‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪2‬‬ ‫محمد شومان‬

‫أيضا‬ ‫إذن فقد كان السيد أونان يتبع وسيلة القذف الخارجي كوسيل ٍة للحد من الزيادة السكانية وهو ما مل يعجب الرب ً‬ ‫فعاقبه باملوت‪ ،‬ومل يبق أمام يهوذا سوى ابنه األخري شيلة‪ ،‬ولكنه كان صغ ًريا عىل الزواج لذا طلب يهوذا من األرملة‬ ‫ثامار أن تذهب إىل بيت أبيها حتى يكرب الولد ويزوجه لها‪ ،‬ويبدو أن يهوذا قد تشاءم من ثامار أو رمبا نيس تعهده‬ ‫لها فقررت ثامار أن تنجب بأي طريقة‪ ،‬وذات يوم كان يهوذا يف الطريق ليجد امرأ ًة تجلس يف وضعٍ مغري عىل قارعة‬ ‫الطريق‪ ،‬ليحسبها من فتيات الليل فيأخذها وميتطيها‪ ،‬وإذ مل يكن معه نقو ًدا ليعطيها أجرتها فإنه يرهن عندها عصاه‬ ‫وعاممته‪ !...‬وهاكم النص املق ّدس الذي يتعبد املؤمنون بتالوته‪:‬‬ ‫«فَأُ ْخ ِ َبتْ ث َا َما ُر َو ِق َيل لَ َها‪ُ :‬ه َوذَا َح ُم ِ‬ ‫َت‪،‬‬ ‫اب تَ َر ُّملِ َها‪َ ،‬وتَ َغط َّْت ب ُ ِْبقُعٍ َوتَلَ َّفف ْ‬ ‫وك َصا ِع ٌد إِ َل ِتْ َن َة لِيَ ُج َّز َغ َن َم ُه‪ .‬فَ َخلَ َع ْت َع ْن َها ثِيَ َ‬ ‫ِيق ِتْ َن َة‪ ،‬ألَنَّ َها َرأَتْ أَ َّن ِشيلَ َة قَ ْد ك ُ َ​َب َو ِه َي لَ ْم تُ ْع َط لَ ُه َز ْو َج ًة‪ .‬فَ َنظَ َر َها يَ ُهوذَا‬ ‫َو َجل َ​َس ْت ِف َم ْد َخلِ َع ْي َنا ِي َم الَّ ِتي َع َل طَر ِ‬ ‫ِيق َوق َ​َال‪َ :‬ه ِات أَ ْد ُخ ْل َعلَ ْي ِك‪ .‬ألَنَّ ُه لَ ْم يَ ْعلَ ْم أَنَّ َها كَ َّنتُ ُه‪.‬‬ ‫َو َح ِس َب َها زَانِ َي ًة‪ ،‬ألَنَّ َها كَانَ ْت قَ ْد َغط َّْت َو ْج َه َها‪ .‬ف َ​َم َل إِلَ ْي َها َع َل الطَّر ِ‬ ‫ل؟ فَق َ​َال‪ :‬إِ ِّن أُ ْر ِس ُل َج ْد َي ِم ْع َزى ِم َن الْ َغ َن ِم‪ .‬فَقَال َْت‪َ :‬ه ْل تُ ْع ِطي ِني َر ْه ًنا َحتَّى تُ ْر ِسلَ ُه؟‬ ‫فَقَال َْت‪َ :‬ماذَا ت ُ ْع ِطي ِني لِ َ ْ‬ ‫ك ت َ ْد ُخ َل َع َ َّ‬ ‫فَق َ​َال‪َ :‬ما ال َّر ْه ُن ال َِّذي أُ ْع ِط ِ‬ ‫يك؟ فَقَال َْت‪َ :‬خ ِات َُك َو ِع َصابَتُ َك َو َع َص َاك الَّ ِتي ِف يَ ِد َك‪ .‬فَأَ ْعطَا َها َو َد َخ َل َعلَ ْي َها‪ ،‬فَ َح ِبل َْت ِم ْن ُه»‪.‬‬ ‫(التكوين ‪.)18-13 :38‬‬ ‫هذا هو النص املق ّدس الذي يحدثنا عن الرجل املق ّدس يهوذا الذي ميتطي امرأ ًة‬ ‫عىل قارعة الطريق وهو ىف سن الشيخوخة‪ ،‬وال نعتقد أن عدم علمه بأنها ك ّنته‬ ‫يُعفيه من املسؤولية الخلقية الرتكابه جرمية زنا‪ ،‬ولعل األسوأ من الزنا هو اقرتافه‬ ‫عىل قارعة الطريق‪ ،‬ولعل األسوأ من اقرتافه عىل قارعة الطريق هو اقرتافه يف سن‬ ‫الشيخوخة مبا فيها من حكم ٍة ووقار‪.‬‬ ‫ونالحظ أن النص املق ّدس يريدنا أن نصدق أن العاهرات ك ّن يرتدين النقاب عىل‬ ‫رصا‬ ‫أيام املق ّدس يهوذا‪ ،‬ىف حني أننا نعلم من معطياتنا التاريخية أن الحجاب كان مقت ً‬ ‫البغي ارتداء‬ ‫عىل الرشيفات من النساء من ِقبل قوانني حمورايب التي حرمت عىل ّ‬ ‫النقاب وإال تعرضن للعقاب لتشبههن بالرشيفات‪ ،‬أما اإلماء فهو محر ٌم عليهن‬ ‫قطع ًيا‪.‬‬ ‫امرأة سومرية بحجاب من حوايل ‪ 2300‬ق‪.‬م‬ ‫(قرص إبال يف تل مرديخ‪ ،‬متحف إدلب بسوريا)‬

‫وبعد فرت ٍة يسمع يهوذا أن ك ّنته حبىل وهي بال زو ٍج فيأمر بحرقها حي ًة – وهذا‬ ‫هو النموذج األمثل للرجل الكاهن يف كل العصور فهو يبيح لنفسه الزنا وميارسه‬ ‫فعليًا بينام يثور ويهدد ويحرق إذا ما علم أن هناك من يقرتف نفس الفعل‪ ،‬وكأن الخطيئة مباح ٌة فقط للكهنة بينام‬ ‫يحرمونها عىل باقي البرش‪ ،‬ولكنها ترسل إليه قائلة‪:‬‬ ‫« َحق ِّْق لِ َمنِ الْ َخاتِ ُم َوالْ ِع َصابَ ُة َوالْ َع َصا ِ‬ ‫هذ ِه»‪( .‬التكوين ‪.)25 :38‬‬ ‫‪23‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪2‬‬ ‫محمد شومان‬

‫ليكتشف أنه هو شخص ًيا الذي رفع ساقي ك ّنته ليجعلها تحبل‪ ،‬ويعرتف‪:‬‬ ‫« ِه َي أَبَ ُّر ِم ِّني‪ ،‬ألَ ِّن لَ ْم أُ ْع ِط َها لِ ِشيلَ َة ابْ ِني‪ .‬فَلَ ْم يَ ُع ْد يَ ْع ِرفُ َها أَيْ ًضا»‪( .‬التكوين ‪.)26 :38‬‬ ‫كل نحن ال نستطيع مجادلته يف رأيه فهو أدرى‬ ‫إذن فقد كان املق ّدس يهوذا يرى أن هذه املرأة الزانية أبر منه‪ .‬عىل ٍّ‬ ‫قديسا طاه ًرا‬ ‫بأخالقياته منا‪ ،‬ولكن الكاتب املق ّدس أفادنا أفاده الله أن السيد يهوذا تك ّرم فلم يعد يعرفها‪ ،‬أي أنه كان ً‬ ‫ومبجرد علمه أن هذه املطية الرائعة كانت مطي ًة إلبنيه من قبله‪ ،‬قرر بكل شهام ٍة أن يكتفي بإحبالها فقط ورفض أن‬ ‫يعتليها مشكو ًرا مر ًة أخرى‪ ،‬وتنجب الزانية ثامار توأ ًما «فارص» و«زارح»‪ ،‬ومن فارص هذا جاء السيد املسيح‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫امي مؤثر‪،‬‬ ‫وكانت هذه آخر مغامرات األرسة الطاهرة ىف أرض كنعان حيث يستدعيهم يوسف إىل أرض مرص ىف‬ ‫مشهد در ٍّ‬ ‫نجسا لذا فقد أسكنهم يوسف يف أرض جاسان التي هي محافظة الرشقية‬ ‫وألن املرصي القديم كان يعترب راعي الغنم ً‬ ‫الحالية بعي ًدا عن املرصيني‪ -،‬وكان املرصي يحتقر البدو الرحل ورعاة األغنام حتى أن يوسف وهو يف قمة مجده مل‬ ‫يستطع أن يُجلس أبوه وإخوته عىل مائد ٍة واحد ٍة مع املرصيني‪ -‬وهو ماعربت عنه التوراة برصاح ٍة قائلة‪:‬‬ ‫صيِّ َني»‪( .‬التكوين ‪.)32 :43‬‬ ‫صيِّ َني الَ يَق ِْد ُرو َن أَ ْن يَأْكُلُوا طَ َعا ًما َم َع الْ ِع ْ َبانِ ِّي َني‪ ،‬ألَنَّ ُه ِر ْج ٌس ِع ْن َد الْ ِم ْ ِ‬ ‫«ألَ َّن الْ ِم ْ ِ‬ ‫أما عن عدد اليهود النازحني إىل مرص فتقول التوراة‪:‬‬ ‫« َج ِمي ُع نُف ِ‬ ‫ص َسبْ ُعونَ»‪( .‬التكوين ‪.)27 :46‬‬ ‫ُوس بَيْ ِت يَ ْعق َ‬ ‫ُوب الَّ ِتي َجا َءتْ إِ َل ِم ْ َ‬ ‫وميوت يوسف يف أرض مرص الذي كان وجوده عىل قمة السلطة‬ ‫أيضا والذي زال مبوته‬ ‫فيها يعطي لليهود بعض الحامية بل والنفوذ ً‬ ‫بل وتحول اليهود إىل ٍ‬ ‫عبيد للمرصيني‪ ،‬ونعتقد أن املرصيني مل يحبوا‬ ‫كحاكم سلبهم أرضهم وحولهم إىل ٍ‬ ‫لحاكم أجنبي‪،‬‬ ‫عبيد‬ ‫يو ًما يوسف‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وبالتايل فبموته انقلب املرصيون عىل أهله رمبا بالتدريج حتى‬ ‫كخدم وعبيد‪ ،‬أكرر‬ ‫أخضعوهم وسخروهم للقيام باألعامل الدنيا‬ ‫ٍ‬ ‫حني كان أجدادنا العظام أسياد الدنيا كان اليهود مجرد جز ٍء من‬ ‫العبيد التابعني ألجدادنا‪ ،‬إىل أن ظهر عىل مرسح األحداث موىس‬ ‫بطل‬ ‫النبي أشهر رسل اليهود وكاتب التوراة ومخلص اليهود ليصبح ً‬ ‫يوسف يقطن مرص‪ ،‬بريشة تيسو‬ ‫ألشهر الرحالت ىف التاريخ‪ ،‬رحلة خروج اليهود من مرص وما أحاط‬ ‫هروب لبعض العبيد من أسيادهم إىل قص ٍة للرصاع بني الكفر واإلميان‪ ،‬الكفر الذي ميثله‬ ‫بها من أساطري حولتها من قصة‬ ‫ٍ‬ ‫يف هذه القصة الجانب املرصي املتسيد واإلميان املتمثل يف مجموعة العبيد الهاربني الذين استطاعوا – مبهارتهم وغبائنا‬ ‫– أن يصوروها عىل أنها هجر ٌة مقدس ٌة من أرض الكفر إىل أرض امليعاد الرباين‪!...‬‬ ‫‪24‬‬


http://arabatheistbroadcasting.com/aamagazine https://www.aamagazine.blogspot.com https://www.facebook.com/pages/AAMagazine/498136386890299 https://issuu.com/928738

25


‫ٍ‬ ‫بصمت ومل تخيب أميل‬ ‫حركت ريشتي عىل لوحة استذكار رحيل إنسانٍ رائعٍ وعيد ميالد مجلته فتكلّ َمت‬ ‫لوحة زيتية بريشة رغد عقييل ‪29‬سم‪39.8x‬سم‬

‫‪26‬‬


‫لوحةالغالف‪:‬‬

‫سبع سنوات عىل إنشاء املجلة‬

‫رغد عقييل‬

‫أهدي لوحة عيد امليالد السابع ملجلة امللحدين العرب لذكرى الصديق الفقيد وأحد مؤسيس املجلة الذي استعمل‬ ‫االسم الحريك (جون سيلفر)‪ .‬أحببت أن أرشح بعض األمور املتعلقة بأسباب تصميمي للوحة الغالف لعدد ‪85‬‬ ‫الجديد وماييل أهمها‪:‬‬ ‫أول صور ٍة تبادرت إىل ذهني عند تصميم لوحة االحتفال بعيد ميالد املجلة السابع كان جم ًعا بني فكرتني‪ ،‬ذكرى‬ ‫رحيل جون سيلفر مع ذكرى إنشاء مجلة امللحدين العرب يف عيد ميالدها السابع‪ ،‬أما باقي األفكار فقد تتالت بنا ًء‬ ‫عىل هاتني الفكرتني األصليتني‪.‬‬

‫رشح تفاصيل اللوحة‪:‬‬ ‫فصممت وجهه بألوانٍ باهت ٍة زرقاء يف زاوية اللوحة‪ ،‬يرشف عىل ما يجري‪،‬‬ ‫‪ -1‬أردت أن أوحي بغياب جون سيلفر‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ينعكس غروب الشمس عىل سامته‪ .‬فمع أنه قد أصبح من املايض ومل يعد بيننا ينرينا بوجوده وبأفكاره الرائعة‪ ،‬إال‬ ‫أن أثره ما زال موجو ًدا يف حارضنا وماضينا ومستقبلنا‪ ،‬ومهام مر من الزمن عىل رحيله لن يصبح من املايض‪.‬‬ ‫جانب من صفحات املجلة كان لتعزيز فكرة دوره الكبري يف نجاح املجلة‬ ‫‪ -2‬هديف من رسم ذقن جون مرتك ًزا عىل‬ ‫ٍ‬ ‫واستمرارها والجهود التي بذلها قبل رحيله املبكر ج ًدا‪ .‬رسمت عيني جون تتجه نحو األفق وصفحات املجلة تتطاير‬ ‫رصة‪.‬‬ ‫أمامه ً‬ ‫متأمل بعيونٍ قلق ٍة حازم ٍة وم ّ‬ ‫تعب عن انتشارها عرب الفضاء يف‬ ‫ُ‬ ‫رسمت صفحات املجلة تتناثر بعي ًدا‪ ،‬واحد ًة تلو األخرى‪ ،‬تشكّل رسابًا‪ ،‬توحي أو ّ‬ ‫العامل االفرتايض‪.‬‬ ‫صممت الكرة األرضية عىل أن تشكل الواجهة الخلفية من اللوحة لتجمع ما يجري من أفكا ٍر يف الرسمة‪ ،‬والسبب‬ ‫‪-3‬‬ ‫ُ‬ ‫لتعب عن استمرارية األرض‪ ،‬بيتنا الوحيد‪.‬‬ ‫هو أين احتجت للشكل الدائري للتصميم وبنفس الوقت استخدمت الفكرة ّ‬ ‫رسمت تدرج أعداد السنني ابتدا ًء من نقطة الصفر وانتها ًء بالسنة السابعة من‬ ‫‪ -4‬من الناحية اليمنى من اللوحة‬ ‫ُ‬ ‫عمر املجلة‪.‬‬ ‫‪ -5‬أردت من قيامي بإضافة رسم القمر الصناعي يف الجهة اليمنى التعبريعن هدفني؛ األول‪ ،‬أميل وتطلعي ملستقبلٍ‬ ‫متطو ٍر لشعوبنا املتأخرة حال ًيا والتي سبقتها الدول األخرى يف كل مجاالت العلم واالخرتاعات والتكنولوجيا الحديثة‪،‬‬ ‫والثاين هو التأكيد عىل دور االتصاالت يف وجود اإلنرتنت‪ ،‬والتي لوالها ملا تواجدت مجلتنا اإللكرتونية‪ ،‬وما كان من‬ ‫‪27‬‬


‫لوحةالغالف‪:‬‬

‫سبع سنوات عىل إنشاء املجلة‬

‫رغد عقييل‬

‫املمكن لنا كملحدين عرب أن نجتمع‪.‬‬ ‫‪ -6‬ليك أوازن اللوحه تصميم ًيا وشكل ًيا‪ ،‬فقد أضفت الحلزون املزدوج (الدنا) وجعلته وكأنه يدور ويلتف حول األرض‬ ‫وذالك ليك يتوازن مع الشكل املقابل له‪ ،‬مع حلزون دوران سنني عمر املجلة حول األرض من الناحية اليمنى‪ .‬أما من‬ ‫ٍ‬ ‫تعليامت وراثي ٍة لتطوير جميع‬ ‫الناحية املعنوية فأنا أعترب أن الحلزون املزدوج يحمل نواة الحياة وذلك ملا فيه من‬ ‫الكائنات والفريوسات وكل وظائفها وعملها ومنوها وتكاثرها‪.‬‬ ‫جعلت رقم «سبعة» األكرب يف الحجم مرتك ًزا عىل شمعدانٍ ييضء منتصف اللوحة ووجه جون احتفالً بالعيد‪.‬‬ ‫‪-7‬‬ ‫ُ‬ ‫‪ -8‬خدم الشمعدان فكرتني؛ ارتكاز رقم سبعة‬ ‫وبنفس الوقت حمل ميزان صحة القوة الفكرية‬ ‫بني التابعني وبني رافيض التبعية‪.‬‬ ‫‪ -9‬تخدم األبنية املدنية يف خلفية اللوحة أغر ًاضا‬ ‫تصميمي ًة ومجازية‪.‬‬ ‫‪ -10‬احتجت للشكل املثلثي للمدينة من أجل‬ ‫توازن تصميم اللوحة ومن خالله أردت أن أعرب‬ ‫عن متنيايت ببناء مدين ٍة عامر ٍة يعمها االنسجام‬ ‫والتطور والتقدم‪ ،‬خالي ٍة من رصاعات األديان‬ ‫املسبِّبة للخراب والعنرصية املادية واملعنوية بني أتباع األديان املختلفة‪.‬‬ ‫مائل بثقل‪ ،‬وهذا الثقل عىل شكلٍ‬ ‫دائري يعرب عن رجاحة وأهمية االنسجام العقيل‬ ‫‪ -11‬أما امليزان فقد صممتُه ً‬ ‫ٍ‬ ‫املعتمد عىل الرشد واملنطق والواقعية الصائبة باملقارنة مع خفة الطرف اآلخر املعاكس الذي يؤدي إىل عدم‬ ‫ٍ‬ ‫جهات منعكسة‪.‬‬ ‫االنسجام الفكري‪ ،‬معتم ًدا عىل العواطف واإلميان األعمى مؤديًا لتناث ٍر يف‬ ‫ناعم خافتًا ومتدر ًجا يف األلوان‪ ،‬ينريه شعاع شمعة العيد الخافتة‪ ،‬وكان هدف ذلك‬ ‫‪ -12‬اخرتت جو اللوحة مخمل ًيا ً‬ ‫هو خدمة السبب يف تصميم اللوحة أال وهو عيد ميالد املجلة‪.‬‬ ‫‪28‬‬


29


‫األثر السلبي ملناهج التفكري‬ ‫الدينية يف سياق املعرفة البرشية‬

‫راوند دلعو‬

‫مل تكن انطالقة الثورة العلمية الحديثة‬ ‫بحاج ٍة إىل اإلضافات املعرفية املتواضعة التي‬ ‫الد َول ومناهج التفكري‬ ‫أُنجِ َزت يف عهد سيطرة ُّ‬ ‫الدينية (إسالمية‪ ،‬ومسيحية‪ ،‬وبوذية) خالل‬ ‫القرون الوسطى‪ ،‬فلو حذفنا جميع املنجزات‬ ‫املعرفية الخجولة التي أضيفت إىل الرصيد‬ ‫املعريف اإلنساين يف ظل سيادة الدولة‬ ‫الدينية‪ ،‬ملا تأثَّ َرت الحصيلة املعرفية‬ ‫للجنس البرشي ّإل بشكلٍ طفيف‪.‬‬

‫‪30‬‬


‫األثرالسلبيملناهجالتفكري‬ ‫الدينية يف سياق املعرفة البرشية‬

‫راوند دلعو‬

‫أسايس عىل مرسح الفكر اإلنساين‪ ،‬لتحرر‬ ‫كالعب‬ ‫بل عىل العكس متا ًما‪ ،‬فلوال القرون الوسطى التي سيطر فيها الدين‬ ‫ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫العقل يف ٍ‬ ‫بسقف معر ٍّيف أعىل بكثريٍ‬ ‫وقت أبكر‪ ،‬ولَتبلو َرت الثورة العلمية وانطلقت بشكلٍ أرسع بكثريٍ‪ ،‬ول ُك َّنا اليوم نتمتع‬ ‫مام نحن عليه‪ ،‬ألن تحرير العقل من براثن املوروث والخرافة سيجعل مسألة اخرتاع صفر الخوارزمي مجرد نصف ساع ٍة‬ ‫من التأمل والتفكري املنطقي‪ .‬فتأ ُّخ ْر ميالد الثورة العلمية الحديثة إنّ ا كان بسبب الوقت الذي أهدرته البرشية وهي‬ ‫تحاول محو واجتثاث العقلية الدينية ومنهجياتها الالعقالنية ومفاهيمها الخاطئة التي سيطرت عىل الفكر اإلنساين يف‬ ‫لسلته برجع َّيتها وآل َّيتها السلبية البعيدة عن الواقع‪،‬‬ ‫وس َ‬ ‫القرون الوسطى‪ .‬فقد ك ّبل َْت املناهج املعرفية الدينية العقل َ‬ ‫فشَ لَّت حركته وأصابته بإعاق ٍة عىل مستوى الوعي والتفكري‪.‬‬ ‫ومن سوء الحظ‪ ،‬مل تكن الحرب التي شنها الدين‬ ‫عىل العلم حربًا سلبي ًة قامئ ًة عىل ترسيخ الجهل‬ ‫البسيط‪ ،‬أي سلب املعرفة فقط‪ ،‬بل كانت حربًا‬ ‫خبيث ًة إيجابي ًة قامئ ًة عىل التجهيل املُركَّب‪ ،‬أي‬ ‫تشويه املعارف‪ ،‬وزرع املفاهيم الخاطئة يف عقول‬ ‫األجيال وتحريف املصطلحات األساسية‪ ،‬مام أصاب‬ ‫الوعي البرشي بعج ٍز كبريٍ وضبابي ٍة رهيب ٍة وانتكاس ٍة‬ ‫ال سابق لها‪ .‬فلَم يكتَ ِف الدين مبحاربة العلم ومنع‬ ‫انتشاره فقط‪ ،‬بل قام بتشويه معنى كلمة (علم)‬ ‫ورديفاتها من خالل نرش وزرع املناهج الالعلمية‬ ‫علم‬ ‫وتسميتها زو ًرا باملناهج العلمية‪ ،‬فباتت كلمة ٍ‬ ‫ت ُطلَق عىل مامرسات الكهنة وشعوذات الدجاجلة‬ ‫مام هو ليس بعلمي‪ .‬فام حصل يف القرون الوسطى‬ ‫غاليليو وڤيڤياين‪ ،‬بريشة لِ ّس‬ ‫ٍ‬ ‫وتدنيس‬ ‫منظم لطرائق املعرفة‬ ‫هو عملية تشوي ٍه‬ ‫ٍ‬ ‫قص ُد بكلمة (علم) أنوا ٌع من التنجيم والعرافة والرواية والحكاية واألسطورة‪ ،‬فغاب‬ ‫مقصو ٍد لينابيعها الفطرية‪ ،‬فأصبح يُ َ‬ ‫العلم الحقيقي الواقعي التجريبي وتعطّل املنطق العقيل الحر آلالف السنني من خالل سيادة املناهج الدينية التي تُق ّدم‬ ‫ٌ‬ ‫مدلول كهنويتٌّ ال ميت بصل ٍة للعلم‬ ‫النقل عىل العقل‪ ،‬واألسطورة عىل املخترب‪ ،‬والخرافة عىل الواقع‪ .‬فبات لكلمة (علم)‬ ‫الحقيقي‪ .‬أما العلم الحقيقي التجريبي فبات يُطلَق عليه ألفا ٌظ تشيطنه كالزندقة حي ًنا والدهرية أحيانًا والهرطقة أو‬ ‫وصو ِدر العلم‬ ‫اإللحاد أحيانًا أخرى‪ .‬وصار العلم التجريبي تهم ًة تودي بصاحبها إىل اإلعدام! فاختلطت املصطلحات ُ‬ ‫الحقيقي وأُهرق يف مجاري املعابد‪ ،‬بينام تس َّيد املشعوذون املجالس ميارسون دجلهم تحت مسمى (نرش العلم)! ودخلت‬ ‫البرشية تحت نري الدولة الثيوقراطية يف ٍ‬ ‫علمي رهيب‪ ،‬واستمر الوضع عىل ذلك إىل أن جاء عرص التنوير يف أوروبا‬ ‫سبات ٍّ‬ ‫الغربية‪ ،‬والتي كانت أول بقع ٍة جغرافي ٍة عىل سطح األرض تفلت من مخالب الدين وتتحرر من سلطة الكنيسة‪ ،‬فأُعيد‬ ‫‪31‬‬


‫األثرالسلبيملناهجالتفكري‬ ‫الدينية يف سياق املعرفة البرشية‬

‫راوند دلعو‬

‫فس ِّميت الخرافة‬ ‫للعلم تعريفه الصحيح و ُر َّدت للباحث التجريبي هيبته وللمخترب مكانته‪ ،‬وتم تصحيح املصطلحات ُ‬ ‫بالخرافة والعلم الحقيقي بالعلم‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫صمت احرتا ًما‬ ‫عزيزي القارئ‪ :‬أرجو أن تقف دقيقة‬ ‫للذين ضحوا بحياتهم يك يعيدوا للعلم تعريفه‬ ‫الحقيقي ومكانته الريادية ويقضوا عىل الخرافة‬ ‫واألسطورة‪ ،‬السيام كوبرنيكوس وغاليليو وبرونو وبن‬ ‫فرناس ومن ساروا عىل دربهم‪ .‬وبالتايل لو قمنا بقص‬ ‫فرتة القرون الوسطى من رشيط التاريخ البرشي ومن‬ ‫ث َ َّم افرتضنا انطالق الثورة العلمية الحديثة من سقف‬ ‫املحتوى املعريف لعرص اليونان‪ ،‬لزاد ذلك من رسعة‬ ‫صاروخي وألُ ِ‬ ‫برونزي ملحاكمة برونو‪ ،‬للفنان ف ّراري‬ ‫نقش‬ ‫ٌ‬ ‫التحرض بشكلٍ‬ ‫حدث َت كل إنجازات‬ ‫ٌ‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫سنوات فقط‪ ،‬والخترصنا‬ ‫القرون الوسطى خالل عدة‬ ‫أطنانًا من الدماء التي ُس ِفكت واملوارد البرشية التي أُ ِ‬ ‫هدرت خالل الحروب الدينية التي سيطرت عىل الكوكب يف عرص‬ ‫سيادة األديان‪ .‬فتحرير العقل من براثن املنهجية الدينية األسطورية هو الركيزة األوىل وكلمة رس االنطالقة الرهيبة‬ ‫املتسارعة للحضارة العلمية الحديثة‪ .‬أما من يحاول أن يصور القرون الوسطى عىل أنها درج ٌة عىل ُسلّم العلم ونقل ٌة‬ ‫إيجابي ٌة موطِّئ ٌة الفتتاح عرص العلم‪ ،‬ثم ي َّدعي بأن الحضارة الغربية اعتمدت عىل ما ق َّد َمت ُه ال ُّدول الدينية الثيوقراطية‬ ‫السيام اإلسالمية أثناء سيطرتها عىل الكوكب يف القرون الوسطى‪ ،‬فهو واه ٌم ويتحدث دومنا دليلٍ ‪ ،‬بل يتحدث بدافع‬ ‫العاطفة الدينية الالعقالنية املتحيزة‪ .‬فالعصور الدينية الوسطى كانت مبثابة العقبة الكأداء يف وجه مسرية العلم والتطور‬ ‫وتحرر العقل‪ ،‬بل مل يقف العقل البرشي عىل قدميه مجد ًدا إال بزوال العصور الوسطى وتن ّحي الدين عن قيادة الحياة‬ ‫علمي رصنيٍ‪ ،‬عىل نُدرته‪ ،‬يف ظل ال ُّد َول الدينية‬ ‫الفكرية بشكلٍ كيل‪ .‬ومع العلم بأن معظم ما تم إنجازه من محت ًوى‬ ‫ٍّ‬ ‫القروسطية اإلسالمية‪ ،‬إمنا أُن ِج َز بعي ًدا عن املساجد واألوساط الدينية ودون موافقة الشيوخ من رجال الدين وعىل أيدي‬ ‫علامء غري متدينني بل زنادق ٍة أو مالحد ٍة يعيشون يف الهامش والظل يف كثريٍ من األحيان‪ ،‬ويناوئون الظاهرة الدينية‬ ‫أحيانًا‪.‬‬ ‫ُلت بأن الكمية الضئيلة من العلم الحقيقي التي تم اكتشافها خالل القرون الوسطى إمنا متت ألنها‬ ‫وال أكون مبال ًغا إن ق ُ‬ ‫ن َجت من الحرب التي شنها الدين‪ ،‬ال سيام اإلسالمي واملسيحي‪ ،‬عىل العلم والعلامء التجريبيني وعىل جميع بؤر ومراكز‬ ‫حقيقي تم اكتشافه يف ظل الدولة الدينية اإلسالمية واملسيحية مل يكن إنجازًا إسالم ًّيا‬ ‫علم‬ ‫البحث العلمي‪ .‬فام َو َصلَ َنا من ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫وال مسيحيًّا بتوجي ٍه من املنهجية الفكرية الدينية‪ ،‬بل وصلنا بالرغم من الحرب الشعواء التي قادها الدين ومناهجه‬ ‫األسطورية الخرافية ضد العلم وأدواته ومناهجه التجريبية‪.‬‬ ‫‪32‬‬


‫األثرالسلبيملناهجالتفكري‬ ‫الدينية يف سياق املعرفة البرشية‬

‫راوند دلعو‬

‫فعط َ​َّل الدين بتلك الحرب مسرية العلم آلالف السنني ووصلنا من العلم‬ ‫النذر اليسري فقط‪ .‬فالدعوة للقراءة «اقرأ»‪ ،‬عىل سبيل املثال‪ ،‬والتي‬ ‫حضت عليها‪ ،‬وخاص ًة املسلمني‪ ،‬إمنا‬ ‫يتب َّج ُح أتباع األديان بأن أديانهم َّ‬ ‫هي القراءة الكهنوتية للنص الديني وملحقاته من األساطري والخرافات‬ ‫والروايات والحكايات ومباحث الطهارة والغسل والجنابة والنكاح‪ .‬فلم‬ ‫تكن الدعوة إىل قراء ٍة علمي ٍة بل دعو ٍة إىل القراءة باسم اآللهة «اقرأ‬ ‫باسم ربك» أي اقرأ بطريق ٍة كهنوتي ٍة موجه ٍة وفق منهجي ٍة العلمية‪ .‬فهذا‬ ‫النص القرآين ليس دعو ًة للقراءة وإمنا مؤامر ٌة عىل مفهوم القراءة الحرة‬ ‫العقالنية‪ ،‬وخدع ٌة خبيث ٌة إلسباغ لهجة الحض عىل القراءة يف حني أنها يف‬ ‫الواقع محارب ٌة للقراءة‪.‬‬ ‫أما كلامت من مثل (بحث ‪ -‬فقه ‪ -‬تحقيق) والتي ترددت بكرث ٍة يف أدبيات الديانات اإلبراهيمية‪ ،‬السيام اإلسالم‪ ،‬فيُقصد‬ ‫بها مطالعة املحتوى الخرايف الكهنويت وتبويبه ورشحه واختصاره وتحقيقه واجرتاره يف املطوالت الصفراء التي ال متت‬ ‫للعلم الحقيقي بِصلة‪ .‬أما القراءة العلمية الحرة العقالنية واسرتاتيجيات النقد العلمي املنهجي‪ ،‬فكانت عبار ًة عن‬ ‫ٍ‬ ‫مامرسات محظور ٍة ممنوعة‪ ،‬بل داخل ٍة يف سياق الهرطقة والزندقة واملروق واإللحاد‪ ،‬حيث تَ ّم إعدام ومالحقة كبار‬ ‫العلامء التجريبيني الذين مارسوها كابن ٍ‬ ‫رشد وابن املقفع وابن الطفيل وابن الراوندي والرازي وابن سينا وابن فرناس‬ ‫وغاليليو وكوبورنيكوس وبرونو وغريهم‪.‬‬ ‫وبنا ًء عليه‪ ،‬ليس من العدل أن ننسب اإلنجازات العلمية التجريبية التي متت يف ظل الدولة الدينية إىل ديانة الدولة‪ ،‬أي‬ ‫ليس من العدل أن ننسب اإلنجازات العلمية التجريبية التي متت يف ظل الدولة اإلسالمية إىل اإلسالم‪.‬‬ ‫الحق الحق أقول لكم‪ ،‬إنه ليس من العدل نسبة اإلنجاز العلمي الحادث ضمن إطار زمكان الدولة الدينية إىل ديانة‬ ‫الدولة‪ ،‬فمجرد حدوث الكشف العلمي ضمن جغرافية الدولة ال يرشعن لنا نسبته إليها إن مل يكن متفقًا مع منهج‬ ‫ومنسجم مع ما تقرره من طرائق للكشف املعريف‪.‬‬ ‫الدولة يف تعريفها للعلم‪،‬‬ ‫ً‬ ‫فمن الظلم والتزوير والخطأ التاريخي أن ننسب االكتشافات العلمية التجريبية التي حدثت يف القرون الوسطى ملا‬ ‫يسمى زو ًرا بالحضارة اإلسالمية أو الحضارة املسيحية أو الحضارة البوذية أو الحضارة الهندوسية‪ .‬فال وجود ملا يسمى‬ ‫بالحضارة اإلسالمية أو الحضارة املسيحية أو الحضارة الهندوسية ألن مناهج التفكري اإلسالمية واملسيحية والهندوسية ال‬ ‫تتفق مع املنهج العلمي التجريبي وال تحض عليه بل تحرمه ومتنعه وتحارب أتباعه وتصفهم بالهرطقة والكفر‪ .‬فهذه‬ ‫‪33‬‬


‫األثرالسلبيملناهجالتفكري‬ ‫الدينية يف سياق املعرفة البرشية‬

‫راوند دلعو‬

‫ترشيعات كالترشيع اإلسالمي والترشيع املسيحي‪ ،‬وليست حضار ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ات قدمت‬ ‫أيديولوجيات ق ّدمت‬ ‫األديان عبار ٌة عن‬ ‫ٍ‬ ‫وكشوفات وفنونًا وهندسات‪ .‬ومن أراد أن يتأكد من صحة كالمي‪ ،‬فلرياجع كتب التاريخ والجرح والتعديل عند‬ ‫علو ًما‬ ‫مثل‪ ،‬حيث تم تكفري الغالبية العظمى من العلامء التجريبيني الذين اشتغلوا بالطب والرياضيات والكيمياء‬ ‫املسلمني ً‬ ‫والعلوم والصيدلة والفلسفة والجغرافيا واملوسيقى‪ ،‬كام ت ّم ذمهم والقدح فيهم ووصفهم بأبشع األلفاظ والصفات‪ ،‬وتم‬ ‫رسا‪ .‬كام تم تحريم الكيمياء والفيزياء والفلسفة‬ ‫إحراق كتبهم وطمس علومهم إلّ من رح َم ريب مام تم نقله وتهريبه ًّ‬ ‫والتنسك‬ ‫والعلوم الطبيعية واملوسيقى والفن رصاح ًة‪ ،‬وباتت تعبري (طلب العلم) يعني علوم الرشيعة والالهوت والزهد‬ ‫ُّ‬ ‫رصا‪.‬‬ ‫ح ً‬ ‫ومن هنا‪ ،‬أنا ضد مصطلح «الحضارة اإلسالمية» أو «الحضارة‬ ‫املسيحية» أو «الحضارة البوذية»‪ ،‬فال وجود لهكذا حضارات‪ ،‬ألن‬ ‫ٍ‬ ‫أيديولوجيات سيطرت خالل فرت ٍة‬ ‫هذه الكيانات الدينية عبار ٌة عن‬ ‫معين ٍة بالسيف فصبغت مساح ًة جغرافي ًة معين ًة يف ٍ‬ ‫وقت معني‪،‬‬ ‫وليست حضار ٍ‬ ‫ات باملعنى االصطالحي للحضارة التي تبني اإلنسان‪،‬‬ ‫حيث أنها مل تقدم شيئًا ملسرية التحرض البرشي باستثناء الكثري من‬ ‫الحروب الطائفية وبعض املواد الترشيعية الدينية البدائية التي لو‬ ‫بعمق لالحظنا أنها مأخوذ ٌة من الرشائع التي انترشت‬ ‫بحثنا فيها‬ ‫ٍ‬ ‫يف الهالل الخصيب ومرص واليونان يف العصور القدمية‪ ،‬كرشيعة‬ ‫حمورايب وموسوعة جوستنيان يف القانون الروماين وغريها‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫حق حقه‪ ،‬ولننسب منجزات العلم التجريبي للعلامء التجريبيني الحقيقيني الذين‬ ‫والحق الحق أقول لكم‪،‬‬ ‫فلنعط كل ذي ٍّ‬ ‫كانوا الدينيني أو غري مكرتثني بالظاهرة الدينية يف الغالب املعظم‪ .‬أما أن ننسب إنجازات الب ّحاثة التجريبيني‪ ،‬الذين‬ ‫ألقتهم الصدفة التاريخية والجغرافية يف القرون الوسطى يرزحون تحت حكم الكهنوت‪ ،‬لألديان التي حاربتهم وضيقت‬ ‫ٌ‬ ‫رهيب رهيب‪ .‬فمن غري املنطقي أن ننسب‬ ‫وإجحاف خط ٌري خط ٌري وتزوي ٌر‬ ‫عليهم وحاربت علومهم‪ ،‬فهذا ظلم ٌكب ٌري كب ٌري‬ ‫ٌ‬ ‫إنجازات العبقري أيب بك ٍر الرازي لإلسالم يف حني أن مشايخ اإلسالم كفّروه والحقوه وعذبوه باسم اإلسالم واستنا ًدا عىل‬ ‫ٍ‬ ‫نصوص إسالمي ٍة مقدس ٍة تدعو لقتل املرتد الخارج عن النمط اإلسالمي يف التفكري‪ ،‬ذلك النمط الذي يقدم النقل عىل‬ ‫العقل‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫برتخيص وتوجي ٍه‬ ‫ومن غري املنطقي أن ننسب أدب ابن املقفع وابن الطفيل لإلسالم يف حني أنهام كُ ِّفرا و ُحورِبا ثم قُ ِتال‬ ‫من نصوص اإلسالم‪ .‬ومن غري املنصف أن ننسب إنجازات غاليليو للمسيحية‪ ،‬ألنه كُفِّر وحورِب باسم املسيحية‪ .‬فام قدمه‬ ‫اإلسالم للبرشية هو كتب الفقه اإلسالمي فقط‪ ،‬والتي تتحدث عن الطهارة والصالة والصيام والحج والنكاح والطالق‬ ‫‪34‬‬


‫األثرالسلبيملناهجالتفكري‬ ‫الدينية يف سياق املعرفة البرشية‬

‫راوند دلعو‬

‫والتفسري واملرياث والحديث والرواية وتفسري األحالم‪،‬‬ ‫وباقي أبواب الفقه وأصول الدين املعروفة يف املوسوعات‬ ‫الفقهية واملراجع الدينية‪ ،‬وما قدمته املسيحية للبرشية‬ ‫هي كتب الالهوت ورشوحات اإلنجيل وأعامل الرسل‬ ‫علوم‬ ‫وغريها من الرسائل األسطورية‪ .‬أما ما تم إنجازه من ٍ‬ ‫تجريبي ٍة يف ظل الحكومات الدينية اإلسالمية واملسيحية‪،‬‬ ‫نسب لرواد املنهج العلمي التجريبي الذي بدأ‬ ‫فيجب أن يُ َ‬ ‫تأسيسه يف اليونان القديم ثم أصيب بالشلل واالنتكاس يف‬ ‫القرون الوسطى بسبب سيادة املناهج الدينية يف التفكري‪،‬‬ ‫ثم عاد للحياة عىل أيدي أبطال عهد النهضة والثورة‬ ‫العلمية العظيمة التي حدثت يف أوروبا الغربية‪ .‬فيجب‬ ‫إسقاط هذه املصطلحات الكاذبة مثل مصطلح «الحضارة‬ ‫اإلسالمية» و«الحضارة املسيحية»‪ ،‬فالحضارة عاملي ٌة علمي ٌة‬ ‫عابر ٌة للعصور ال تتأطر باألديان‪ ،‬وقودها العلم الحقيقي واالنتامء لإلنسان بعي ًدا عن طائفية األديان ومناهجها املعرفية‬ ‫املتخلفة القامئة عىل الخرافة‪.‬‬ ‫هامش (‪:)1‬‬ ‫مسيحي يف الغالب‪،‬‬ ‫علوم يف العرص الحديث للديانة املسيحية بحجة أن الرجل الغريب‬ ‫ال يصح نسبة ما تم إنجازه من ٍ‬ ‫ٌّ‬ ‫وذلك ألن الثورة العلمية حدثت بعد إقصاء الكنيسة ومناهجها يف التفكري من الساحة السياسية والفكرية‪ .‬وكذلك ال‬ ‫علوم تجريبي ٍة يف عهد سيطرة اإلسالم إىل الديانة اإلسالمية‪ ،‬وذلك ألن مشايخ‬ ‫يصح نسبة ما تم إنجازه واكتشافه من ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫نصوص إسالمي ٍة وبأم ٍر من‬ ‫اإلسالم يف القرون الوسطى كانوا قد َح َّر ُموا العلوم التجريبية والحقوا مامرسيها استنا ًدا عىل‬ ‫الخليفة والسلطان (راجعوا إحياء علوم الدين للغزايل)‪.‬‬ ‫هامش (‪:)2‬‬ ‫ٍ‬ ‫هامش خجو ٍل عىل صفحة املعرفة البرشية التي ابتدأت حقيق ًة‬ ‫كفانا افتخا ًرا مباضينا! ألنه من الناحية العلمية عبار ٌة عن‬ ‫يف الهالل الخصيب (بالد الرافدين) ومرص القدمية والصني القدمية ثم انتقلت إىل اليونان‪ ،‬وبعد اليونان نامت ثم نامت‬ ‫عميق طيلة القرون الوسطى إىل أن استفاقت مع سقوط تفاحة نيوتن وخربشات رينيه ديكارت أثناء‬ ‫نوم‬ ‫ٍ‬ ‫ثم غطّت يف ٍ‬ ‫تأسيسه ملنهج الشك‪ .‬ولو مزقنا صفحة القرون الوسطى من تاريخ الجنس البرشي ملا ترضرت املسرية املعرفية لهذا‬ ‫الجنس البرشي ترض ًرا كب ًريا‪ ،‬بل لتجاوزنا أفكا ًرا أثبت الزمن أن رضرها أكرب من فائدتها‪ ،‬ولوفرنا أطنانًا من الدماء التي‬ ‫ُسفكت من أجل أفكا ٍر مضحك ٍة يف كثريٍ من األحيان‪.‬‬ ‫‪35‬‬


https://www.facebook.com/groups/arbangroup/

36


‫صفحة ثابتة‬ ‫نقدم فيها قراءة‬ ‫ألحد الكتب‬ ‫القيمة‬

‫كتاب‬

‫«فرتة التكوين يف حياة‬ ‫الصادق األمني»‬ ‫خليل عبد الكريم‬ ‫بقلم هيثم األخرس‬

‫هيثم األخرس‬ ‫‪37‬‬


‫فرتة التكوين يف حياة‬ ‫الصادق األمني‬ ‫خليل عبد الكريم‬

‫دراس ٌة فريد ٌة من نوعها‪ ،‬جديد ٌة يف طرحها‪ ،‬تتحدث‬ ‫عن املرحلة التي ك ّونت وعي النبي محمد‪ ،‬قبل إعالن‬ ‫الدعوة وحتى لحظتها‪ ،‬والدور املحوري والجوهري‬ ‫والرئييس الذي لَ ِعبته سيدة نساء ٍ‬ ‫قريش خديجة التي‬ ‫ق ّدمت نفسها ومالها ومل تعبأ بفارق السن‪ ،‬وكيف‬ ‫انتقلت من مرحلة الفرز واالختبار إىل مرحلة اإلعداد‬ ‫والشحن والتعبئة والتهيئة واستغرقت ‪ 15‬سن ًة‪ ،‬وكيفية‬ ‫تشكيلها مع ابن عمها القس ورقة بن نوفلٍ الحلقة‬ ‫الداخلية يف مدرسة اإلعداد‪ ،‬والراهب بحريى والراهب‬ ‫ٍ‬ ‫عداس والراهب سريجيوس الحلقة الخارجية لإلعداد‪،‬‬ ‫للتجربة الروحية التي جاء بها النبي محمد‪.‬‬ ‫يقول املؤلف‪« :‬طاملا نادينا برضورة دراسة السرية املحمدية املعطار والحقبة الخليفية بل وسائر مقاطع‬ ‫التاريخ اإلسالمي دراس ًة منهجي ًة موضوعي ًة تنأى بها عن الدروشة والشطحات واملاورائيات أو تعليل األحداث‬ ‫بطريقة الو ّعاظ وأمئة املساجد وخطباء املنابر»‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫خويلد رغبت بالزواج‬ ‫وينقل ويُثبت صاحب كتاب «فرتة التكوين يف حياة الصادق األمني» أن خديجة بنت‬ ‫ٍ‬ ‫محمد الذي تكربه بأكرث من عرشين سن ًة‪ ،‬فهي كانت تناهز النيف واألربعني بينام كان محم ٌد يف الحادية‬ ‫من‬ ‫والعرشين‪ .‬ومل يكن رغب ًة منها يف الشباب والقوة التي ميتلكها راعي عبد املطلب أو لألمانة التي ميتلكها‪،‬‬ ‫وإمنا حديثٌ‬ ‫مفصل من أيام عبد الله أبيه‪ ،‬وتنبؤ النرصانية باملنتظر الذي سيُب َعث من قريش‪،‬‬ ‫ً‬ ‫طويل يذكره‬ ‫ٌ‬ ‫وقصته مع األسديات الاليت عرضن أنفسهن عليه وكذلك الخثعمية‪ .‬فخديجة اختارت محم ًدا ألنها وجدت‬ ‫مستقبل وبدا ذلك يتأكد لها عندما نقل لها ميرس ُة غالمها الذي رافقه يف‬ ‫ً‬ ‫بفراستها أنه هو من سيُب َعث‬ ‫التجارة عن تضليل الغامم له‪ .‬كام يذكر أن خديجة كانت تقرأ ما يرتجمه القس ابن عمها ورق ُة من األناجيل‬ ‫ٌ‬ ‫مدلول عىل مكانتها وقيمتها الروحية‪ .‬ثم‬ ‫وس ِّميَت خديجة بالطاهرة قبل وبعد اإلسالم ولذلك‬ ‫إىل العربية‪ُ .‬‬ ‫ٍ‬ ‫محمد من خديجة‪ ،‬ويقول‪« :‬مل ت ُِش كتب السري أن محم ًدا بعد تزويجه سافر‬ ‫ينتقل املؤلف إىل ما بعد تزويج‬ ‫‪38‬‬


‫فرتة التكوين يف حياة‬ ‫الصادق األمني‬ ‫خليل عبد الكريم‬

‫ليل‬ ‫أو عمل بالتجارة‪ ،‬بل تذكر مبارش ًة أنه يتعبد يف غار حراء»‪ .‬ويذكر صاحب الكتاب أن محم ًدا كان يختيل ً‬ ‫مع خديجة مبفردهام أو أحيانًا مع ابن عمها ورق ٍة ليتناقشوا حول ما يرتجم ورق ٌة وعن أحوال كُتب التوراة‬ ‫واألناجيل‪ .‬ونها ًرا يسري محم ٌد يف األسواق ويحرض نقاشات املِلَل وال ِّن َحل وخاص ًة يف سوق عكاظ‪ .‬كام يثبت‬ ‫ٍ‬ ‫محمد من الغار أو إرسالها رسال ًة إىل بحريى الراهب يف‬ ‫أن لذلك عالق ًة بذهاب خديجة لورق َة بعد رجوع‬ ‫الشام وسؤاله عن جربيل‪.‬‬ ‫ويرشح املؤلف بالتفاصيل واألدلة والشواهد التاريخية‬ ‫من أمهات املراجع اإلسالمية الدور الذي لعبته خديجة يف‬ ‫ٍ‬ ‫محمد‪ ،‬التي لقّبها املؤلف بـ «الهندوز والطاهرة»‪،‬‬ ‫تجربة‬ ‫ومرافقتها له من لحظة حمل أمه به وإلحاحها يف الزواج‬ ‫منه (ال بد أن أبا ِعله)‪ ،‬وتسخري كل إمكانياتها من أجل‬ ‫ذلك‪ ،‬ووض ِعها كل ثروتها تحت يديه‪ ،‬ودعمها الدائم له‬ ‫يف كل رؤياه من أجل إنجاح فكرتها وتصو ّرها ومرشوعها‬ ‫يوم يف‬ ‫فيه وحتى واقعة غار حراء (حرى)‪ ،‬إىل آخر ٍ‬ ‫حياتها‪.‬‬ ‫ورشح الكتاب عالقتها مبجتمع نصارى الجزيرة العربية وزعامئهم ‪ -‬وميّز املؤلف بني النصارى واملسيحيني‬ ‫وأوضح الفروقات بينهم ‪ -‬وثقافتها الدينية والكتابية وتأثريها عليها‪.‬‬ ‫ويفصل يف دور اليعسوب‪ ،‬القس ورقة بن نوفلٍ ابن عم خديجة‪ ،‬يف إنجاح التجربة من بدايتها حتى وفاته‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫عندما فرت الوحي وفكّر محم ٌد يف االنتحار برمي نفسه من أعايل الجبال‪.‬‬ ‫وفصل املؤلف يف فصلٍ مستقلٍ موجبات اختيار (املنصور بالرعب) والظروف التاريخية العائلية واملجتمعية‬ ‫ّ‬ ‫يف مكة والجزيرة العربية التي ساهمت يف اختياره دون غريه‪.‬‬ ‫‪39‬‬


‫فرتة التكوين يف حياة‬ ‫الصادق األمني‬ ‫خليل عبد الكريم‬

‫سيتها لضامن‬ ‫ويسهب الكاتب يف الفصل األخري يف رشح أطوار التجربة الكربى وحرص أطرافها الثالثة عىل ِ ّ‬ ‫فصل يف تجربته يف غار ح ًرى وما سبقها وتالزم معها وبعدها‪.‬‬ ‫نجاحها ويُ ّ‬ ‫وال ميكن ألي رش ٍح أن يفي الكتاب واملؤلف حقهام يف هذا الفتح املعريف الهائل واملوث ّق مبئات املراجع‬ ‫القدمية والحديثة التي ازدانت بها صفحاته األربعامئة من مؤلفه الشيخ خليل عبد الكريم‪.‬‬ ‫كتاب ال غنى عنه لكل من يريد أن يعرف حقيقة جذور التاريخ اإلسالمي وفرتة التكوين األوىل‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫مرصي ق ّدم مرشو ًعا نقديًّا للتاريخ يفوق من ناحية اإلتقان تلك التي‬ ‫ خليل عبد الكريم‪ ،‬باحثٌ ومفك ٌر‬‫ٌّ‬ ‫ق ّدمها محمد عابد الجابري وس ّيد القمني بل وحتى جورج طرابييش‪.‬‬ ‫ميتاز أسلوبه يف الكتابة بالرصانة والرزانة والهدوء والدقة وتجنب االبتذال‬ ‫والسخافة يف الطرح‪ ،‬وال أنىس تف ّننه يف اختيار الكلامت وفذلكاته اللغوية‬ ‫خفيفة الظل بحيث ال يتسلل امللل إىل القارئ أب ًدا‪ ،‬كذلك فهو ال يذكر شيئًا‬ ‫إال ويذكر معه مصدره‪ ،‬وتنوعت كتبه بني التحليل النفيس اللساين كام‬ ‫كتاب جيد‪،‬‬ ‫يف كتاب «العرب واملرأة ‪ -‬حفري ٌة يف اإلسطري املخيم» وهو ٌ‬ ‫إىل كتابه الضخم «شَ ْدو الربابة بأحوال مجتمع الصحابة» يف أكرث من‬ ‫مدخل ممتازًا للقارئ لفهم‬ ‫ً‬ ‫‪ 1000‬صفح ٍة يف ‪ 3‬أجزاء‪ ،‬ويُعد هذا الكتاب‬ ‫الحيثيات والظروف التي أحاطت بتأسيس اإلسالم بشكلٍ شامل‪ ،‬وقد‬ ‫قسمه إىل عدة أقسام (األفق العقيل للصحابة ‪ -‬األفق الحضاري ‪ -‬األفق‬ ‫ّ‬ ‫االجتامعي ‪ -‬االقتصادي ‪ ...‬إلخ)‪.‬‬ ‫ومن الحوادث الطريفة التي يرويها أن أحد الوالة قال ألحد الصحابة‪َ :‬س ْل ت ُع َط (مكافا ٌة عىل عملٍ قام به)‬ ‫قائل‪ :‬ملاذا مل تطلب أكرث؟ ملاذا مل تقل ألف‬ ‫فقال الصحايب‪ :‬ألف دينار‪ ،‬فوبخه صحا ٌّيب آخر كان واقفًا بجانبه ً‬ ‫ألف دينار؟ فأجابه األول‪ :‬وما ألف ألف؟ ما كنت أظن أن بعد األلف عد ًدا! ويف األفق الحضاري يروي أن‬ ‫الصحابة ملا أسقطوا إمرباطورية ٍ‬ ‫فارس وعندما أرادوا تصدير «الحضارة اإلسالمية»‪ ،‬وجدوا يف قرص كرسى‬ ‫‪40‬‬


‫فرتة التكوين يف حياة‬ ‫الصادق األمني‬ ‫خليل عبد الكريم‬

‫ٌ‬ ‫مسحوق أبيض‪ ،‬فوضعوا ذلك املسحوق يف الخبز ظ ًّنا‬ ‫خزائن من الذهب مرصع ًة بالياقوت والزمرد وبداخلها‬ ‫منهم أنه ملح! فكانت النتيجة أن الخبز أصبح ُمر الطعم غري قابلٍ لألكل ألن املسحوق كان كافو ًرا وكان‬ ‫الكافور وقتها يُعد سلع ًة نادر ًة مثين ًة‪.‬‬ ‫وباختصا ٍر فإن جميع كتبه قيم ٌة ج ًّدا‪ ،‬وبقراءتها يكتسب القارئ ُدرب ًة كبري ًة‬ ‫عىل التحليل النقدي للظواهر الثقافية التي تخص الدين‪ ،‬ال سيام فيام يخص‬ ‫واحد ًة من أخطر املسائل يف اإلسالم وهي‪ :‬إىل أية درج ٍة ميكن الوثوق مبا نقله‬ ‫الرواة للبناء عليه؟‬ ‫ومن كُتبه األخرى «مجتمع يرثب» وكتابه األخطر «فرتة التكوين يف حياة الصادق‬ ‫وتنقيب يف لُب الرسالة‪.‬‬ ‫األمني» وهو حف ٌر‬ ‫ٌ‬

‫ﻣﻦ ﻧﺤﻦ؟‬ ‫ﻧﺤﻦ ﻣﺠﻤﻮﻋﻪ ﻣﻦ ﻣﺴﻠﻤني ﺳﺎﺑﻘني وﻣﺴﻠﻤني ﺑﺪرﺟﺎت ﻣﺘﻔﺎوﺗﻪ ﻣﻦ اﻟﺘﺪﻳﻦ‪.‬‬ ‫ﻣﺎذا ﻧﺮﻳﺪ؟‬ ‫ﻧﺮﻳﺪ أن ﻧﺠﺪ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ‪ ،‬ﻣﻬام ﻛﺎﻧﺖ‪ ،‬و أن ﻧﺤﺎرب ﻣﻦ أﺟﻞ ﺣﻘﻨﺎ ﰲ اﺗﺒﺎﻋﻬﺎ‪،‬‬ ‫ﻧﺮﻳﺪ أن ﻧﺨﻠﻖ ﻣﻜﺎﻧﺎ آﻣ ًﻨﺎ ﻟﻠﻨﺎس ﻟﻴﺘﺒﺎدﻟﻮا ﻓﻴﻪ اﻷﻓﻜﺎر اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻠﻤﻨﺎ أﻻ ﻧﺘﺤﺪث ﻋﻨﻬﺎ‪،‬‬ ‫ﻧﺮﻳﺪ أن ﻧﺴﺎﻧﺪ ﺑﻌﻀﻨﺎ وﻧﺴﺎﻋﺪ ﺑﻌﻀﻨﺎ ﻋﲆ ﻣﻮاﺟﻬﺔ أﺳﺌﻠﺔ اﻷﻫﻞ واﳌﺠﺘﻤﻊ‪ ،‬وﺗﻜﻮﻳﻦ إﺟﺎﺑﺎت ﻟﻬﺎ‪،‬‬ ‫ﻧﺮﻳﺪ أن ﻧﻌﻄﻲ اﻟﻼدﻳﻨﻴني )ﺳﻮاء ﻣﻠﺤﺪﻳﻦ‪ ،‬رﺑﻮﺑﻴني أو ﻏريﻫﻢ( ﰲ اﻟﺒﻼد اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺻﻮﺗ ًﺎ ﻷﻧﻬﻢ‬ ‫ﺳﻴﻘﺘﻠﻮن إذا ﻋﻠﺖ أﺻﻮاﺗﻬﻢ‪.‬‬

‫‪41‬‬

‫مسلمش |‬

‫‪www.muslimish.com‬‬


42


‫نقد كتاب اليهودية (التناخ) جـ ‪:2‬‬ ‫الباب األول‪ :‬صورة الله يف الكتاب اليهودي – القسم الثاين‬ ‫ساطع الربهان يف فضح األديان‬ ‫نقدي ٌة لنصوص األديان املقدسة‬ ‫نستكمل يف هذا العدد الحديث عن‬ ‫صورة الله كام تُستقى من النص‪،‬‬ ‫حيث نق ّدم القسم الثاين من الباب‬ ‫األول الذي نرشنا الجزء األول منه يف‬ ‫العدد املايض‪.‬‬

‫راهب العلم‬ ‫‪43‬‬


‫نقد كتاب اليهودية (التناخ) جـ ‪:2‬‬ ‫صورة الله يف الكتاب اليهودي‬

‫راهب العلم‬

‫الله يندم!‬ ‫نصوص التوراة والكتاب اليهودي تقول أن الله يندم عىل‬ ‫أشيا َء يفعلها‪ ،‬كأنه ال يعلم الغيب واملستقبل ونتائج أفعاله‪،‬‬ ‫أو يوشك عىل فعل يش ٍء ثم يندم فال يفعله‪ .‬وهذا يتناىف مع‬ ‫العقل القائل إنه يف حال وجود ذلك الرب املزعوم إن ُوجِد‬ ‫عيب‬ ‫والسلَ َم من كل ٍ‬ ‫فإنه ينبغي أن يتصف بالكامل والتنزه َ‬ ‫ونقص‪.‬‬ ‫شي ٌر ك َُّل يَ ْو ٍم‪ .‬فَ َح ِز َن ال َّر ُّب أَنَّ ُه َع ِم َل‬ ‫« َو َرأَى ال َّر ُّب أَ َّن َ َّ‬ ‫ش ا ِإلنْ َسانِ قَ ْد ك ُ َ​َث ِف األَ ْر ِض‪َ ،‬وأَ َّن ك َُّل ت َ​َص ُّو ِر أَفْكَا ِر قَلْ ِب ِه إِنَّ َا ُه َو ِ ِّ‬ ‫ا ِإلنْ َسا َن ِف األَ ْر ِض‪َ ،‬وتَأَ َّس َف ِف قَلْ ِب ِه‪ .‬فَق َ​َال ال َّر ُّب‪ :‬أَ ْم ُحو َع ْن َو ْج ِه األَ ْر ِض ا ِإلنْ َسا َن ال َِّذي َخلَ ْقتُ ُه‪ ،‬ا ِإلنْ َسا َن َم َع بَ َهائِ َم َو َدبَّابَ ٍ‬ ‫ات‬ ‫الس َم ِء‪ ،‬ألَ ِّن َح ِزنْ ُت أَ ِّن َع ِملْتُ ُه ْم» (التكوين ‪.)7-5 :6‬‬ ‫َوطُ ُيو ِر َّ‬ ‫ص ِب ُق َّو ٍة َع ِظي َم ٍة‬ ‫ض َع ُم َ‬ ‫وس أَ َما َم ال َّر ِّب إِل ِه ِه‪َ ،‬وق َ​َال‪ :‬لِ َمذَا يَا َر ُّب يَ ْح َمى غ َ​َض ُب َك َع َل شَ ْعب َِك ال َِّذي أَ ْخ َر ْجتَ ُه ِم ْن أَ ْر ِض ِم ْ َ‬ ‫«فَتَ َ َّ‬ ‫صيُّو َن قَائِلِ َني‪ :‬أَ ْخ َر َج ُه ْم ِب ُخبْ ٍث لِيَ ْقتُلَ ُه ْم ِف الْ ِجبَا ِل‪َ ،‬ويُ ْف ِنيَ ُه ْم َع ْن َو ْج ِه األَ ْر ِض؟ اِ ْر ِج ْع َع ْن‬ ‫َويَ ٍد شَ ِدي َد ٍة؟ لِ َمذَا يَتَ َكلَّ ُم الْ ِم ْ ِ‬ ‫ْت لَ ُه ْم ِب َنف ِْس َك َوقُل َْت لَ ُه ْم‪:‬‬ ‫سائِ َيل َعبِي َد َك ال َِّذي َن َحلَف َ‬ ‫ُح ُم ِّو غ َ​َضب َِك‪َ ،‬وانْ َد ْم َع َل َّ ِّ‬ ‫الش بِشَ ْعب َِك‪ .‬ا ُ ْذكُ ْر إِبْ َرا ِهي َم َوإِ ْس َح َاق َوإِ ْ َ‬ ‫الس َم ِء‪َ ،‬وأُ ْع ِطي نَ ْسلَ ُك ْم ك َُّل ِ‬ ‫الش‬ ‫أُك ِّ َُث نَ ْسلَ ُك ْم كَ ُن ُج ِ‬ ‫وم َّ‬ ‫هذ ِه األَ ْر ِض الَّ ِتي تَ َكلَّ ْم ُت َع ْن َها فَ َي ْملِكُونَ َها إِ َل األَبَ ِد‪ .‬فَ َن ِد َم ال َّر ُّب َع َل َّ ِّ‬ ‫ال َِّذي ق َ​َال إِنَّ ُه يَ ْف َعلُ ُه بِشَ ْع ِب ِه» (الخروج ‪.)14-11 :32‬‬ ‫َاض‪َ ،‬و َخل َ​َّص ُه ْم ِم ْن يَ ِد أَ ْع َدائِ ِه ْم ك َُّل أَيَّ ِام الْق ِ‬ ‫« َو ِحي َن َم أَقَا َم ال َّر ُّب لَ ُه ْم ق َُضاةً‪ ،‬كَا َن ال َّر ُّب َم َع الْق ِ‬ ‫َاض‪ ،‬ألَ َّن ال َّر َّب نَ ِد َم ِم ْن أَ ْجلِ‬ ‫أَنِي ِن ِه ْم ب َِس َب ِب ُم َضا ِي ِقي ِه ْم َوز َِاح ِمي ِه ْم‪( ».‬القضاة ‪.)18 :2‬‬ ‫« َوكَا َن كَالَ ُم ال َّر ِّب إِ َل َص ُموئِ َيل قَائِ ًل‪ :‬نَ ِد ْم ُت َع َل أَ ِّن قَ ْد َج َعل ُْت شَ ا ُو َل َملِكًا‪ ،‬ألَنَّ ُه َر َج َع ِم ْن َو َر ِائ َولَ ْم يُ ِق ْم كَالَ ِمي‪ .‬فَا ْغتَا َظ‬ ‫ص َخ إِ َل ال َّر ِّب اللَّ ْي َل كُلَّ ُه» (صموئيل األول ‪.)11-10 :15‬‬ ‫َص ُموئِ ُيل َو َ َ‬ ‫سائِ َيل»‪.‬‬ ‫« َولَ ْم يَ ُع ْد َص ُموئِ ُيل لِ ُر ْؤيَ ِة شَ ا ُو َل إِ َل يَ ْو ِم َم ْوتِ ِه‪ ،‬ألَ َّن َص ُموئِ َيل نَ َ‬ ‫اح َع َل شَ ا ُو َل‪َ .‬وال َّر ُّب نَ ِد َم ألَنَّ ُه َمل َ​َّك شَ ا ُو َل َع َل إِ ْ َ‬ ‫(صموئيل األول ‪.)35 :15‬‬ ‫الش‪َ ،‬وق َ​َال لِلْ َمال َِك الْ ُم ْهلِ ِك الشَّ ْع َب‪ :‬كَفَى! اآل َن ُر َّد يَ َد َك‪َ .‬وكَا َن‬ ‫« َوبَ َس َط الْ َمال َُك يَ َد ُه َع َل أُو ُرشَ لِي َم لِ ُي ْهلِ َك َها‪ ،‬فَ َن ِد َم ال َّر ُّب َعنِ َّ ِّ‬ ‫وس» (صموئيل الثاين ‪.)16 :24‬‬ ‫َمال َُك ال َّر ِّب ِع ْن َد بَيْ َد ِر أَ ُرونَ َة الْيَبُ ِ ِّ‬ ‫‪44‬‬


‫نقد كتاب اليهودية (التناخ) جـ ‪:2‬‬ ‫صورة الله يف الكتاب اليهودي‬

‫راهب العلم‬

‫الش‪َ ،‬وق َ​َال لِلْ َمال َِك الْ ُم ْهلِ ِك‪ :‬كَفَى اآلنَ‪ُ ،‬ر َّد‬ ‫« َوأَ ْر َس َل الل ُه َمالَكًا َع َل أُو ُرشَ لِي َم ِإل ْهالَكِ َها‪َ ،‬و ِف َ‬ ‫يم ُه َو يُ ْهلِ ُك َرأَى ال َّر ُّب فَ َن ِد َم َع َل َّ ِّ‬ ‫وس» (أخبار األيام األول ‪.)15 :21‬‬ ‫يَ َد َك‪َ .‬وكَا َن َمال َُك ال َّر ِّب َوا ِقفًا ِع ْن َد بَ ْي َد ِر أُ ْرنَا َن الْ َي ُب ِ ِّ‬ ‫صا َخ ُه ْم‪َ .‬و َذكَ َر لَ ُه ْم َع ْه َد ُه‪َ ،‬ونَ ِد َم َح َس َب ك ْ َ​َث ِة َر ْح َم ِت ِه» (مزمور ‪.)45-44 :106‬‬ ‫«فَ َنظَ َر إِ َل ِضي ِق ِه ْم إِ ْذ َس ِم َع ُ َ‬ ‫«لَ َعلَّ ُه ْم يَ ْس َم ُعو َن َويَ ْر ِج ُعو َن ك ُُّل َو ِ‬ ‫ش‬ ‫الش ال َِّذي ق َ​َصدْتُ أَ ْن أَ ْص َن َع ُه ِب ِه ْم‪ِ ،‬م ْن أَ ْجلِ َ ِّ‬ ‫الشيرِ‪ ،‬فَأَنْ َد َم َعنِ َّ ِّ‬ ‫اح ٍد َع ْن طَرِي ِق ِه ِّ ِّ‬ ‫أَ ْع َملِ ِه ْم» (إرميا ‪.)3 :26‬‬ ‫«فَ َكلَّ َم إِ ْر ِميَا ك َُّل ال ُّر َؤ َسا ِء َوك َُّل الشَّ ْع ِب قَائِ ًل‪« :‬ال َّر ُّب أَ ْر َسلَ ِني ألَت َ َنبَّأَ‬ ‫َع َل هذَا الْ َب ْي ِت َو َع َل ِ‬ ‫هذ ِه الْ َم ِدي َن ِة ِبك ُِّل الْ َكال َِم ال َِّذي َس ِم ْعتُ ُمو ُه‪.‬‬ ‫فَاآل َن أَ ْصلِ ُحوا طُ ُرقَ ُك ْم َوأَ ْع َملَ ُك ْم‪َ ،‬و ْاس َم ُعوا لِ َص ْو ِت ال َّر ِّب إِل ِه ُك ْم‪،‬‬ ‫الش ال َِّذي ت َ َكلَّ َم ِب ِه َعلَ ْي ُك ْم» (إرميا ‪.)13-12 :26‬‬ ‫فَ َي ْن َد َم ال َّر ُّب َعنِ َّ ِّ‬ ‫اس ِم ْن شُ يُو ِخ األَ ْر ِض َوكَلَّ ُموا ك َُّل َج َم َع ِة الشَّ ْع ِب قَائِلِ َني‪:‬‬ ‫«فَقَا َم أُنَ ٌ‬ ‫إِ َّن ِمي َخا الْ ُمو َرشْ ِت َّي ت َ َن َّبأَ ِف أَيَّ ِام َح َز ِق َّيا َملِ ِك يَ ُهوذَا‪َ ،‬وكَلَّ َم ك ُِّل شَ ْع ِب‬ ‫يَ ُهوذَا قَائِ ًل‪ :‬ه َكذَا ق َ​َال َر ُّب الْ ُج ُنو ِد‪ :‬إِ َّن ِص ْه َي ْو َن ت ُ ْفل َُح كَ َحقْل َوت َِص ُري‬ ‫أُو ُرشَ لِي ُم ِخ َربًا َو َج َب ُل الْ َب ْي ِت شَ َوا ِم َخ َو ْعرٍ‪َ .‬ه ْل قَتْ ًل قَتَلَ ُه َح َز ِق َّيا َملِ ُك‬ ‫يَ ُهوذَا َوك ُُّل يَ ُهوذَا؟ أَلَ ْم يَ َخ ِف ال َّر َّب َوطَل َ​َب َو ْج َه ال َّر ِّب‪ ،‬فَ َن ِد َم ال َّر ُّب‬ ‫يم ِض َّد‬ ‫شا َع ِظ ً‬ ‫الش ال َِّذي ت َ َكلَّ َم ِب ِه َعلَيْ ِه ْم؟ فَ َن ْح ُن َعا ِملُو َن َ ًّ‬ ‫َعنِ َّ ِّ‬ ‫أَنْف ُِس َنا»‪( .‬إرميا ‪.)19-17 :26‬‬

‫إرميا يتحرس عىل دمار أورشليم‪ ،‬بريشة رمربانت‬

‫َض َع ُك ْم أَ َما َم ُه‪ :‬إِ ْن كُ ْنتُ ْم ت َْس ُك ُنو َن ِف ِ‬ ‫هذ ِه األَ ْر ِض‪،‬‬ ‫ون إِلَ ْي ِه لِ َ ْ‬ ‫سائِ َيل ال َِّذي أَ ْر َسلْتُ ُم ِ‬ ‫ك أُلْ ِق َي ت َ ُّ‬ ‫« َوق َ​َال لَ ُه ْم‪ :‬ه َكذَا ق َ​َال ال َّر ُّب إِل ُه إِ ْ َ‬ ‫الش ال َِّذي َص َن ْعتُ ُه ِب ُك ْم» (إرميا ‪.)10-9 :42‬‬ ‫فَ ِإ ِّن أَبْ ِني ُك ْم َوالَ أَنْق ُ​ُض ُك ْم‪َ ،‬وأَ ْغر ُِس ُك ْم َوالَ أَقْتَلِ ُع ُك ْم‪ .‬ألَ ِّن نَ ِد ْم ُت َعنِ َّ ِّ‬ ‫الس ِّي ُد ال َّر ُّب َوإِذَا ُه َو يَ ْص َن ُع َج َرا ًدا ِف أَ َّو ِل طُلُو ِع ِخل ِْف الْ ُعشْ ِب‪َ .‬وإِذَا ِخل ُْف ُعشْ ٍب بَ ْع َد ِج َزا ِز الْ َملِ ِك‪َ .‬و َح َدثَ‬ ‫«ه َكذَا أَ َر ِان َّ‬ ‫ُوب؟ فَ ِإنَّ ُه َص ِغ ٌري! فَ َن ِد َم ال َّر ُّب َع َل هذَا‪.‬‬ ‫الس ِّي ُد ال َّر ُّب‪ْ ،‬‬ ‫ل ََّم فَ َر َغ ِم ْن أَكْلِ ُعشْ ِب األَ ْر ِض أَ ِّن قُل ُْت‪ :‬أَيُّ َها َّ‬ ‫اصف َْح! كَ ْي َف يَقُو ُم يَ ْعق ُ‬ ‫الس ِّي ُد ال َّر ُّب قَ ْد َد َعا لِلْ ُم َحاكَ َم ِة بِال َّنارِ‪ ،‬فَأَكَل َِت الْ َغ ْم َر الْ َع ِظي َم َوأَكَل َِت‬ ‫الس ِّي ُد ال َّر ُّب‪َ ،‬وإِذَا َّ‬ ‫الَ يَكُونُ‪ ،‬ق َ​َال ال َّر ُّب‪ .‬ه َكذَا أَ َر ِان َّ‬ ‫ُوب؟ فَ ِإنَّ ُه َص ِغ ٌري! فَ َن ِد َم ال َّر ُّب َع َل هذَا‪ .‬فَ ُه َو أَيْ ًضا الَ يَكُو ُن ق َ​َال‬ ‫الْ َحق َْل‪ .‬فَ ُقل ُْت‪ :‬أَيُّ َها َّ‬ ‫الس ِّي ُد ال َّر ُّب‪ ،‬ك َُّف! كَ ْي َف يَقُو ُم يَ ْعق ُ‬ ‫السيِّ ُد ال َّر ُّب»‪( .‬عاموس ‪.)6-1 :7‬‬ ‫َّ‬ ‫‪45‬‬


‫نقد كتاب اليهودية (التناخ) جـ ‪:2‬‬ ‫صورة الله يف الكتاب اليهودي‬

‫راهب العلم‬

‫« َو َم ِّزقُوا قُلُوبَ ُك ْم الَ ثِ َيابَ ُك ْم‪َ .‬وا ْر ِج ُعوا إِ َل ال َّر ِّب إِل ِه ُك ْم ألَنَّ ُه َر ُؤ ٌ‬ ‫الش‪ .‬لَ َعلَّ ُه‬ ‫وف َر ِحي ٌم‪ ،‬بَ ِطي ُء الْ َغ َض ِب َوكَ ِث ُري ال َّرأْفَ ِة َويَ ْن َد ُم َع َل َّ ِّ‬ ‫يَ ْرج ُع َويَ ْن َد ُم‪ ،‬فَ ُي ْب ِق َي َو َرا َء ُه بَ َركَ َة‪ ،‬تَق ِْد َم ٍة َو َس ِكي ًبا لِل َّر ِّب إِل ِه ُك ْم» (يوئيل ‪.)14-13 :2‬‬ ‫ص ُخوا إِ َل الل ِه ب ِ​ِش َّد ٍة‪َ ،‬ويَ ْر ِج ُعوا ك ُُّل َو ِ‬ ‫اح ٍد َع ْن طَرِي ِق ِه ال َّر ِديئَ ِة َو َعنِ الظُّل ِْم ال َِّذي ِف‬ ‫« َولْيَتَ َغ َّط بِ ُ ُسو ٍح ال َّن ُ‬ ‫اس َوالْبَ َهائِ ُم‪َ ،‬ويَ ْ ُ‬ ‫أَيْ ِدي ِه ْم‪ ،‬لَ َع َّل الل َه يَ ُعو ُد َويَ ْن َد ُم َويَ ْرج ُع َع ْن ُح ُم ِّو غ َ​َض ِب ِه فَالَ نَ ْهلِ َك‪ .‬فَل ََّم َرأَى الل ُه أَ ْع َملَ ُه ْم أَنَّ ُه ْم َر َج ُعوا َع ْن طَرِي ِقه ِ​ِم ال َّر ِديئَ ِة‪،‬‬ ‫الش ال َِّذي ت َ َكلَّ َم أَ ْن يَ ْص َن َع ُه ِب ِه ْم‪ ،‬فَلَ ْم يَ ْص َن ْع ُه» (يونان ‪.)10-8 :3‬‬ ‫نَ ِد َم الل ُه َع َل َّ ِّ‬ ‫«فَ َغ َّم ذلِ َك يُونَا َن غ ًَّم شَ ِدي ًدا‪ ،‬فَا ْغتَاظَ‪َ .‬و َص َّل إِ َل ال َّر ِّب َوق َ​َال‪ :‬آ ِه يَا َر ُّب‪ ،‬أَلَ ْي َس هذَا كَالَ ِمي إِ ْذ كُ ْن ُت بَ ْع ُد ِف أَ ْر ِض؟ لِذلِ َك‬ ‫يش‪ ،‬ألَ ِّن َعلِ ْم ُت أَنَّ َك إِل ٌه َر ُؤ ٌ‬ ‫الش»‪( .‬يونان‬ ‫بَا َد ْرتُ إِ َل الْ َه َر ِب إِ َل ت َ ْر ِش َ‬ ‫وف َو َر ِحي ٌم بَ ِطي ُء الْ َغ َض ِب َوكَ ِث ُري ال َّر ْح َم ِة َونَا ِد ٌم َع َل َّ ِّ‬ ‫‪.)2-1 :4‬‬ ‫الله ال يندم‬ ‫ٍ‬ ‫وبشكلٍ‬ ‫نصوص أخرى الند َم عن الله‪:‬‬ ‫نفت‬ ‫متناقض ْ‬ ‫ٌ‬ ‫سائِ َيل الَ يَك ِْذ ُب َوالَ يَ ْن َد ُم‪ ،‬ألَنَّ ُه لَ ْي َس‬ ‫« َوأَيْ ًضا نَ ِص ُ‬ ‫يح إِ ْ َ‬ ‫إِنْ َسانًا لِ َي ْن َد َم» (صموئيل األول ‪.)29 :15‬‬ ‫«أَنَا ال َّر َّب تَ َكلَّ ْم ُت‪ .‬يَأْ ِت فَأَفْ َعلُ ُه‪ .‬الَ أُطْلِ ُق َوالَ أُشْ ِف ُق َوالَ‬ ‫أَنْ َد ُم‪َ .‬ح َس َب طُ ُر ِق ِك َو َح َس َب أَ ْع َملِ ِك يَ ْح ُك ُمو َن َعلَ ْي ِك‪،‬‬ ‫يَق ُ‬ ‫الس ِّي ُد ال َّر ُّب»‪( .‬حزقيال ‪.)14 :24‬‬ ‫ُول َّ‬ ‫«فَ َو َاف ال َّر ُّب بَلْ َعا َم َو َو َض َع كَالَ ًما ِف فَ ِم ِه َوق َ​َال‪ :‬ا ْرج ْع‬ ‫إِ َل بَاال َ​َق َوت َ َكلَّ ْم ه َكذَا»‪ .‬فَأَ َت إِلَيْ ِه َوإِذَا ُه َو َوا ِق ٌف ِع ْن َد‬ ‫وآب َم َع ُه‪ .‬فَق َ​َال لَ ُه بَاال َُق‪َ :‬ماذَا ت َ َكلَّ َم ِب ِه ال َّر ُّب؟ فَ َنط َ​َق بِ َثَلِ ِه َوق َ​َال‪ :‬قُ ْم يَا بَاال َُق َو ْاس َم ْع‪ .‬اِ ْص َغ إِ َ َّل يَا ابْ َن‬ ‫ُم ْح َرقَ ِت ِه‪َ ،‬و ُر َؤ َسا ُء ُم َ‬ ‫ِصفُّو َر‪ .‬لَ ْي َس الل ُه إِنْ َسانًا فَ َيك ِْذ َب‪َ ،‬والَ ابْ َن إِنْ َسانٍ فَ َي ْن َد َم‪َ .‬ه ْل يَق ُ‬ ‫ُول َوالَ يَ ْف َع ُل؟ أَ ْو يَتَ َكلَّ ُم َوالَ يَ ِفي؟» (عدد ‪.)19-16 :23‬‬

‫‪46‬‬


‫نقد كتاب اليهودية (التناخ) جـ ‪:2‬‬ ‫صورة الله يف الكتاب اليهودي‬

‫راهب العلم‬

‫الذنوب واآلثام‬ ‫الله ال يغفر‬ ‫َ‬ ‫«الَ تُ َح ِّر ْف َح َّق فَ ِقري َِك ِف َد ْع َوا ُه‪ .‬اِبْتَ ِع ْد َع ْن كَال َِم الْك َِذ ِب‪َ ،‬والَ ت َ ْقتُلِ ال َْبِي َء َوالْ َبا َّر‪ ،‬ألَ ِّن الَ أُبَ ِّر ُر الْ ُم ْذنِ َب»‪( .‬الخروج ‪.)7-6 :23‬‬ ‫وس َوإِل ٌه َغ ُيو ٌر ُه َو‪ .‬الَ يَ ْغ ِف ُر ُذنُوبَ ُك ْم َو َخطَايَاكُ ْم»‪( .‬يشوع‬ ‫«فَق َ​َال يَشُ و ُع لِلشَّ ْع ِب‪ :‬الَ تَق ِْد ُرو َن أَ ْن ت َ ْع ُب ُدوا ال َّر َّب ألَنَّ ُه إِل ٌه قُ ُّد ٌ‬ ‫‪.)19 :24‬‬ ‫«ال َّر ُّب بَ ِطي ُء الْ َغ َض ِب َو َع ِظي ُم الْ ُق ْد َر ِة‪َ ،‬ول ِك َّن ُه الَ يُ َ ِّبئُ الْ َبتَّ َة‪.‬‬ ‫اب ُغ َبا ُر‬ ‫ال َّر ُّب ِف ال َّز ْوبَ َع ِة‪َ ،‬و ِف الْ َع ِاص ِف طَرِي ُق ُه‪َ ،‬و َّ‬ ‫الس َح ُ‬ ‫ِر ْجلَ ْي ِه»‪( .‬ناحوم ‪.)3 :1‬‬ ‫الذنوب واآلثا َم والخطايا‬ ‫الله يغفر‬ ‫َ‬ ‫تناقض مع النصوص السابقة‪:‬‬ ‫كالعادة ٌ‬ ‫اب‪ ،‬فَ َوق َ​َف ِع ْن َد ُه ُه َن َاك‬ ‫الس َح ِ‬ ‫«فَ َن َز َل ال َّر ُّب ِف َّ‬ ‫َونَا َدى ب ِْاس ِم ال َّر ِّب‪ .‬فَا ْجتَا َز ال َّر ُّب قُ َّدا َم ُه‪،‬‬ ‫َونَا َدى ال َّر ُّب‪ :‬ال َّر ُّب إِل ٌه َر ِحي ٌم َو َر ُؤ ٌ‬ ‫وف‪ ،‬بَ ِطي ُء‬ ‫الْ َغ َض ِب َوكَ ِث ُري ا ِإل ْح َسانِ َوالْ َوفَا ِء‪َ .‬حا ِف ُظ‬ ‫ا ِإل ْح َسانِ إِ َل أُل ٍ‬ ‫ُوف‪ .‬غَا ِف ُر ا ِإلث ِْم َوالْ َم ْع ِص َي ِة‬ ‫َوالْ َخ ِطيَّ ِة‪َ .‬ول ِك َّن ُه لَ ْن يُ ْ ِبئَ إِبْ َرا ًء‪ُ .‬م ْفتَ ِق ٌد إِث ْ َم‬ ‫اآلبَا ِء ِف األَبْ َنا ِء‪َ ،‬و ِف أَبْ َنا ِء األَبْ َنا ِء‪ِ ،‬ف الْجِيلِ‬ ‫الثَّالِ ِث َوال َّرابعِ» (الخروج ‪.)7-5 :34‬‬ ‫«اِ ْصف َْح َع ْن َذنْ ِب هذَا الشَّ ْع ِب كَ َعظَ َم ِة‬ ‫ص إِ َل ه ُه َنا‪ .‬فَق َ​َال ال َّر ُّب‪ :‬قَ ْد َص َف ْح ُت َح َس َب قَ ْولِ َك» (عدد ‪.)20-19 :14‬‬ ‫نِ ْع َم ِت َك‪َ ،‬وك َ​َم َغ َف ْرتَ لِهذَا الشَّ ْع ِب ِم ْن ِم ْ َ‬ ‫الس َم ِء‬ ‫«فَ ِإذَا تَ َو َاض َع شَ ْعبِي ال َِّذي َن ُد ِع َي ْاس ِمي َعلَ ْي ِه ْم َو َصلَّ ْوا َوطَلَ ُبوا َو ْجهِي‪َ ،‬و َر َج ُعوا َع ْن طُ ُر ِقه ِ​ِم ال َّر ِدي ِة فَ ِإنَّ ِني أَ ْس َم ُع ِم َن َّ‬ ‫اي ُم ْص ِغ َيتَ ْ ِي إِ َل َصالَ ِة هذَا الْ َمكَانِ » (أخبار األيام الثاين‬ ‫اي تَكُونَانِ َم ْفتُو َحتَ ْيِ‪َ ،‬وأُ ُذنَ َ‬ ‫َوأَ ْغ ِف ُر َخ ِط َّيتَ ُه ْم َوأُبْ ِرئُ أَ ْر َض ُه ْم‪ .‬ا َآل َن َع ْي َن َ‬ ‫‪.)15-14 :7‬‬ ‫‪47‬‬


‫نقد كتاب اليهودية (التناخ) جـ ‪:2‬‬ ‫صورة الله يف الكتاب اليهودي‬

‫راهب العلم‬

‫الس َم ِء‪َ ،‬وإِذَا‬ ‫سائِ َيل ال َِّذي َن يُ َصلُّو َن ِف هذَا الْ َم ْو ِضعِ‪َ ،‬و ْاس َم ْع أَنْ َت ِف َم ْو ِضعِ ُس ْك َن َاك ِف َّ‬ ‫َض َع َع ْب ِد َك َوشَ ْعب َِك إِ ْ َ‬ ‫« َو ْاس َم ْع ت َ ُّ‬ ‫َس ِم ْع َت فَا ْغ ِف ْر»‪( .‬امللوك األول ‪ ،)30 :8‬وانظروا اآليتني ‪ 34‬و‪.36‬‬ ‫ُوب لِل َِّذي ُغ ِف َر إِ ْث ُ ُه َو ُس ِ َتتْ َخ ِط َّيتُ ُه‪( ».‬مزمور ‪.)1 :32‬‬ ‫«ط َ‬ ‫«أَ َّما ُه َو فَ َر ُؤ ٌ‬ ‫ِيح تَ ْذ َه ُب َوالَ تَ ُعو ُد‪.‬‬ ‫ش‪ .‬ر ٌ‬ ‫وف‪ ،‬يَ ْغ ِف ُر ا ِإلث ْ َم َوالَ يُ ْهلِ ُك‪َ .‬وكَ ِث ًريا َما َر َّد غ َ​َض َب ُه‪َ ،‬ولَ ْم يُشْ ِع ْل ك َُّل َس َخ ِط ِه‪َ .‬ذكَ َر أَنَّ ُه ْم بَ َ ٌ‬ ‫كَ ْم َع َص ْو ُه ِف ال َ ِّْبيَّ ِة َوأَ ْح َزنُو ُه ِف الْ َق ْفرِ!» (مزمور ‪.)40-38 :78‬‬ ‫«أَ ِع َّنا يَا إِل َه َخال َِص َنا ِم ْن أَ ْجلِ َم ْج ِد ْاس ِم َك‪َ ،‬ونَ ِّج َنا َوا ْغ ِف ْر َخطَايَانَا ِم ْن أَ ْجلِ‬ ‫ْاس ِم َك» (مزمور ‪.)9 :79‬‬ ‫«ألَنَّ َك أَنْ َت يَا َر ُّب َصالِ ٌح َو َغفُو ٌر‪َ ،‬وكَ ِث ُري ال َّر ْح َم ِة لِك ُِّل ال َّدا ِع َني إِلَ ْي َك» (مزمور‬ ‫‪.)5 :86‬‬ ‫س ك َُّل َح َس َناتِ ِه‪ .‬ال َِّذي يَ ْغ ِف ُر َج ِمي َع ُذنُوب ِ​ِك‪.‬‬ ‫«بَار ِ​ِك يَا نَف ِْس ال َّر َّب‪َ ،‬والَ ت َ ْن َ ْ‬ ‫ال َِّذي يَشْ ِفي ك َُّل أَ ْم َر ِاض ِك» (مزمور ‪.)3-2 :103‬‬ ‫ص ْخ ُت إِلَيْ َك يَا َر ُّب‪ .‬يَا َر ُّب‪ْ ،‬اس َم ْع َص ْو ِت‪ .‬لِتَ ُك ْن أُ ُذنَ َاك‬ ‫« ِم َن األَ ْع َمقِ َ َ‬ ‫َض َع ِات‪ .‬إِ ْن كُ ْن َت ت ُ َرا ِق ُب اآلث َا َم يَا َر ُّب‪ ،‬يَا َس ِّي ُد‪ ،‬فَ َم ْن‬ ‫ُم ْص ِغ َيتَ ْ ِي إِ َل َص ْو ِت ت َ ُّ‬ ‫ك يُ َخ َ‬ ‫اف ِم ْن َك» (مزمور ‪.)4-1 :130‬‬ ‫يَ ِق ُف؟ ألَ َّن ِع ْن َد َك الْ َم ْغ ِف َرةَ‪ .‬لِ َ ْ‬ ‫« َغ َف ْرتَ إِث ْ َم شَ ْعب َِك‪َ .‬س َ ْتتَ ك َُّل َخ ِط َّي ِت ِه ْم‪ِ .‬سالَ ْه‪( ».‬مزمور ‪.)2 :85‬‬ ‫َي َع ْن ك ُِّل‬ ‫«طَ ِّي ُبوا قَل َْب أُو ُرشَ لِي َم َونَا ُدو َها ِبأَ َّن ِج َها َد َها قَ ْد كَ ُم َل‪ ،‬أَ َّن إِ ْث َ َها قَ ْد ُع ِف َي َع ْن ُه‪ ،‬أَنَّ َها قَ ْد قَ ِبل َْت ِم ْن يَ ِد ال َّر ِّب ِض ْعف ْ ِ‬ ‫َخطَايَا َها» (إشعياء ‪.)2 :40‬‬ ‫«ا ُ ْذكُ ْر ِ‬ ‫س ِم ِّني‪ .‬قَ ْد َم َح ْوتُ كَ َغ ْي ٍم‬ ‫سائِ ُيل الَ تُ ْن َ ِ‬ ‫هذ ِه يَا يَ ْعق ُ‬ ‫سائِ ُيل‪ ،‬فَ ِإنَّ َك أَنْ َت َع ْب ِدي‪ .‬قَ ْد َج َبلْتُ َك‪َ .‬ع ْب ٌد ِل أَنْ َت‪ .‬يَا إِ ْ َ‬ ‫ُوب‪ ،‬يَا إِ ْ َ‬ ‫ُذنُوبَ َك َوك َ​َس َحابَ ٍة َخطَايَ َاك‪ .‬اِ ْر ِج ْع إِ َ َّل ألَ ِّن خلّصتُك» (إشعياء ‪ )22-21 :44‬يف الرتجمة املسيحية ألين فديتُك‪.‬‬ ‫الشي ُر طَرِي َق ُه‪َ ،‬و َر ُج ُل ا ِإلث ِْم أَفْكَا َر ُه‪َ ،‬ولْ َيتُ ْب إِ َل ال َّر ِّب ف َ َْي َح َم ُه‪َ ،‬وإِ َل إِل ِه َنا ألَنَّ ُه يُك ِ ُْث الْ ُغ ْف َرانَ» (إشعياء ‪.)7 :55‬‬ ‫«لِ َي ْ ُت ِك ِّ ِّ‬ ‫‪48‬‬


‫نقد كتاب اليهودية (التناخ) جـ ‪:2‬‬ ‫صورة الله يف الكتاب اليهودي‬

‫راهب العلم‬

‫« َوالَ يَق ُ‬ ‫الساكِ ُن ِفي َها َم ْغفُو ُر ا ِإلث ِْم»‪( .‬إشعياء ‪.)24 :33‬‬ ‫ُول َساكِ ٌن‪« :‬أَنَا َمر ِْض ُت»‪ .‬الشَّ ْع ُب َّ‬ ‫س بِال َّرأْفَ ِة‪ .‬يَ ُعو ُد يَ ْر َح ُم َنا‪،‬‬ ‫« َم ْن ُه َو إِل ٌه ِمثْل َُك غَا ِف ٌر ا ِإلث ْ َم َو َصا ِف ٌح َعنِ ال َّذنْ ِب لِ َب ِق َّي ِة ِم َرياثِ ِه! الَ يَ ْح َف ُظ إِ َل األَبَ ِد غ َ​َض َب ُه‪ ،‬فَ ِإنَّ ُه يُ َ ُّ‬ ‫وس آث َا َم َنا‪َ ،‬وتُطْ َر ُح ِف أَ ْع َمقِ الْ َب ْح ِر َج ِمي ُع َخطَايَا ُه ْم» (ميخا ‪.)19-18 :7‬‬ ‫يَ ُد ُ‬ ‫الشي ُر َع ْن َج ِميعِ َخطَايَا ُه الَّ ِتي فَ َعلَ َها َو َح ِف َظ ك َُّل فَ َرائِ ِض َوفَ َع َل َحقًّا َو َع ْد ًل فَ َح َيا ًة يَ ْح َيا‪ .‬الَ َ ُيوتُ ‪ .‬ك ُُّل َم َع ِاصي ِه‬ ‫«فَ ِإذَا َر َج َع ِّ ِّ‬ ‫الَّ ِتي فَ َعلَ َها الَ تُ ْذكَ ُر َعلَيْ ِه‪ِ .‬ف ِب ِّر ِه ال َِّذي َع ِم َل يَ ْحيَا؟» (حزقيال ‪.)22-21 :18‬‬ ‫«فَ َغ َّم ذلِ َك يُونَا َن غ ًَّم شَ ِدي ًدا‪ ،‬فَا ْغتَاظَ‪َ .‬و َص َّل إِ َل ال َّر ِّب َوق َ​َال‪ :‬آ ِه يَا َر ُّب‪ ،‬أَلَ ْي َس هذَا كَالَ ِمي إِ ْذ كُ ْن ُت بَ ْع ُد ِف أَ ْر ِض؟ لِذلِ َك‬ ‫يش‪ ،‬ألَ ِّن َعلِ ْم ُت أَنَّ َك إِل ٌه َر ُؤ ٌ‬ ‫الش» (يونان‬ ‫بَا َد ْرتُ إِ َل الْ َه َر ِب إِ َل تَ ْر ِش َ‬ ‫وف َو َر ِحي ٌم بَ ِطي ُء الْ َغ َض ِب َوكَ ِث ُري ال َّر ْح َم ِة َونَا ِد ٌم َع َل َّ ِّ‬ ‫‪.)2-1 :4‬‬ ‫ذنوب اآلباء‪.‬‬ ‫الله يُ َح ِّمل األبنا َء َ‬ ‫وهذا ال تقول به عدالة الرب اإلله‬ ‫وب‬ ‫« َال ت َْس ُج ْد لَ ُه َّن َوالَ تَ ْعبُ ْد ُه َّن‪ ،‬ألَ ِّن أَنَا ال َّر َّب إِل َه َك إِل ٌه َغيُو ٌر‪ ،‬أَفْتَ ِق ُد ُذنُ َ‬ ‫ض» (الخروج ‪.)5 :20‬‬ ‫اآلبَا ِء ِف األَبْ َنا ِء ِف الْجِيلِ الثَّالِ ِث َوال َّرابعِ ِم ْن ُم ْب ِغ ِ َّ‬ ‫« َحا ِف ُظ ا ِإل ْح َسانِ إِ َل أُل ٍ‬ ‫ُوف‪ .‬غَا ِف ُر ا ِإلث ِْم َوالْ َم ْع ِص َي ِة َوالْ َخ ِط َّي ِة‪َ .‬ول ِك َّن ُه لَ ْن يُ ْ ِبئَ‬ ‫إِبْ َرا ًء‪ُ .‬م ْفتَ ِق ٌد إِث ْ َم اآلبَا ِء ِف األَبْ َنا ِء‪َ ،‬و ِف أَبْ َنا ِء األَبْ َنا ِء‪ِ ،‬ف الْجِيلِ الثَّالِ ِث َوال َّرابعِ»‬ ‫(الخروج ‪.)7 :34‬‬ ‫«‪َ ...‬وأَنْ َت إِل ٌه َغفُو ٌر َو َح َّنا ٌن َو َر ِحي ٌم‪ ،‬طَو ُِيل ال ُّرو ِح َوكَ ِث ُري ال َّر ْح َم ِة‪ ،‬فَلَ ْم ت ْ َُتكْ ُه ْم»‬ ‫(نحميا ‪.)17 :9‬‬ ‫وب اآلبَا ِء‬ ‫«الَ ت َْس ُج ْد لَ ُه َّن َوالَ تَ ْعبُ ْد ُه َّن‪ ،‬ألَ ِّن أَنَا ال َّر ُّب إِل ُه َك إِل ٌه َغيُو ٌر‪ ،‬أَفْتَ ِق ُد ُذنُ َ‬ ‫ِف األَبْ َنا ِء َو ِف الْجِيلِ الثَّالِ ِث َوال َّرا ِبعِ ِم َن ال َِّذي َن يُ ْب ِغ ُضونَ ِني» (التثنية ‪.)9 :5‬‬ ‫‪49‬‬


‫نقد كتاب اليهودية (التناخ) جـ ‪:2‬‬ ‫صورة الله يف الكتاب اليهودي‬

‫راهب العلم‬

‫الس ِّيئَ َة‪ ،‬ل ِك َّن ُه الَ يُ ْ ِبئُ‪ .‬بَ ْل‬ ‫«فَاآل َن لِتَ ْعظُ ْم قُ ْد َر ُة َس ِّي ِدي ك َ​َم ت َ َكلَّ ْم َت قَائِ ًل‪ :‬ال َّر ُّب طَو ُِيل ال ُّرو ِح كَ ِث ُري ا ِإل ْح َسانِ ‪ ،‬يَ ْغ ِف ُر ال َّذنْ َب َو َّ‬ ‫يَ ْج َع ُل َذنْ َب اآلبَا ِء َع َل األَبْ َنا ِء إِ َل الْجِيلِ الثَّالِ ِث َوال َّرابعِ‪ .‬اِ ْصف َْح َع ْن َذنْ ِب هذَا الشَّ ْع ِب كَ َعظَ َم ِة نِ ْع َم ِت َك‪َ ،‬وك َ​َم َغ َف ْرتَ لِهذَا‬ ‫ص إِ َل ه ُه َنا‪ .‬فَق َ​َال ال َّر ُّب‪ :‬قَ ْد َص َف ْح ُت َح َس َب قَ ْولِ َك» (العدد ‪.)20-17 :14‬‬ ‫الشَّ ْع ِب ِم ْن ِم ْ َ‬ ‫«صانِ ُع ا ِإل ْح َسانِ ألُل ٍ‬ ‫ُوف‪َ ،‬و ُم َجازِي َذنْ ِب اآلبَا ِء ِف ِح ْضنِ بَ ِني ِه ْم بَ ْع َد ُه ُم‪ ،‬ا ِإلل ُه الْ َع ِظي ُم الْ َجبَّا ُر‪َ ،‬ر ُّب الْ ُج ُنو ِد ْاس ُم ُه» (إرميا‬ ‫َ‬ ‫‪.)18 :32‬‬ ‫النبي‪:‬‬ ‫ويقول الل ُه للملِك شاول عىل لسان صموئيل ّ‬ ‫«ه َكذَا يَق ُ‬ ‫ص‪.‬‬ ‫سائِ َيل ِح َني َوق َ​َف لَ ُه ِف الطَّر ِ‬ ‫ُول َر ُّب الْ ُج ُنو ِد‪ :‬إِ ِّن ق َِد افْتَ َقدْتُ َما َع ِم َل َع َملِ ُ‬ ‫ِيق ِع ْن َد ُص ُعو ِد ِه ِم ْن ِم ْ َ‬ ‫يق ِب ِإ ْ َ‬ ‫يق‪َ ،‬و َح ِّر ُموا ك َُّل َما لَ ُه َوالَ ت َ ْع ُف َع ْن ُه ْم بَلِ اقْتُ ْل َر ُج ًل َوا ْم َرأَةً‪ِ ،‬طف ًْل َو َر ِضي ًعا‪ ،‬بَ َق ًرا َو َغ َن ًم‪َ ،‬ج َم ًل‬ ‫فَاآل َن ا ْذ َه ْب َو ْ ِ‬ ‫اض ْب َع َملِ َ‬ ‫َو ِح َم ًرا» (صموئيل األول ‪.)3-2 :15‬‬ ‫ٍ‬ ‫وأحداث حدثت منذ مئات السنني أيا َم موىس‪ ،‬فام ذنب األجيال الجديدة التي‬ ‫لكن هذا عىل أساس املحاسبة عىل أشيا ٍء‬ ‫مل ترتكب ذلك بل رمبا مل تقرأ أو تسمع أو تعرف أن أجدادها منذ عدة ٍ‬ ‫مئات من السنني قاموا به‪ ،‬بل إن الشعوب‬ ‫تتغي خالل هذه املدة الطويلة يف الطباع والعادات والقيم واللغة وحتى املعتقد والدين‪ ،‬وهذا ما حدث أيا َم موىس عىل‬ ‫ّ‬ ‫اليهودي‪:‬‬ ‫حسب كتاب العهد‬ ‫ّ‬ ‫وس لِ َيشُ و َع‪ :‬انْتَ ِخ ْب لَ َنا‬ ‫« َوأَ َت َع َملِ ُ‬ ‫سائِ َيل ِف َر ِف ِيدي َم‪ .‬فَق َ​َال ُم َ‬ ‫يق َو َحا َر َب إِ ْ َ‬ ‫يق‪َ .‬و َغ ًدا أَ ِق ُف أَنَا َع َل َرأْ ِس التَّلَّ ِة َو َع َصا الل ِه ِف‬ ‫ِر َجالً َوا ْخ ُر ْج َحار ِْب َع َملِ َ‬ ‫وس َو َها ُرو ُن‬ ‫وس لِ ُي َحار َِب َع َملِ َ‬ ‫يق‪َ .‬وأَ َّما ُم َ‬ ‫يَ ِدي‪ .‬فَ َف َع َل يَشُ و ُع ك َ​َم ق َ​َال لَ ُه ُم َ‬ ‫سائِ َيل يَ ْغلِ ُب‪،‬‬ ‫َو ُحو ُر ف َ​َص ِع ُدوا َع َل َرأْ ِس التَّلَّ ِة‪َ .‬وكَا َن إِذَا َرفَ َع ُم َ‬ ‫وس يَ َد ُه أَ َّن إِ ْ َ‬ ‫وس ث َ ِقيلَتَ ْيِ‪ ،‬أَ َخذَا َح َج ًرا‬ ‫َوإِذَا َخف َ​َض يَ َد ُه أَ َّن َع َملِ َ‬ ‫يق يَ ْغلِ ُب‪ .‬فَل ََّم َصا َرتْ يَ َدا ُم َ‬ ‫َو َو َض َعا ُه تَ ْحتَ ُه فَ َجل َ​َس َعلَ ْي ِه‪َ .‬و َد َع َم َها ُرو ُن َو ُحو ُر يَ َديْ ِه‪ ،‬الْ َو ِ‬ ‫اح ُد ِم ْن ُه َنا َواآل َخ ُر‬ ‫يق‬ ‫ِم ْن ُه َن َاك‪ .‬فَكَانَ ْت يَ َدا ُه ث َا ِبتَتَ ْ ِي إِ َل ُغ ُر ِ‬ ‫وب الشَّ ْم ِس‪ .‬فَ َه َز َم يَشُ و ُع َع َملِ َ‬ ‫اب‪َ ،‬و َض ْع ُه‬ ‫وس‪ :‬اكْتُ ْب هذَا ت َ ْذكَا ًرا ِف الْ ِكتَ ِ‬ ‫َوقَ ْو َم ُه ِب َح ِّد َّ‬ ‫الس ْي ِف‪ .‬فَق َ​َال ال َّر ُّب لِ ُم َ‬ ‫الس َم ِء‪ .‬فَ َب َنى‬ ‫ِف َم َسا ِمعِ يَشُ و َع‪ .‬فَ ِإ ِّن َس ْو َف أَ ْم ُحو ِذكْ َر َع َملِ َ‬ ‫يق ِم ْن تَ ْح ِت َّ‬ ‫س ال َّر ِّب‪ .‬لِل َّر ِّب‬ ‫ُم َ‬ ‫وس َم ْذبَ ًحا َو َد َعا ْاس َم ُه يَ ْه َو ْه نِ ِّس‪َ .‬وق َ​َال‪ :‬إِ َّن الْ َي َد َع َل كُ ْر ِ ِّ‬ ‫يق ِم ْن َد ْو ٍر إِ َل َد ْورٍ»‪( .‬الخروج ‪.)16-8 :17‬‬ ‫َح ْر ٌب َم َع َع َملِ َ‬ ‫‪50‬‬

‫لوحة «النرص يا رب» بريشة ميلياس‬


‫نقد كتاب اليهودية (التناخ) جـ ‪:2‬‬ ‫صورة الله يف الكتاب اليهودي‬

‫راهب العلم‬

‫قص ٌة أخرى شاول املَلِك قتّ َل وأباد الجبعونيني الذين عاشوا بأمانٍ أعطاه لهم بنو إرسائيل ٍ‬‫بعهد بالله‪ ،‬فسكنوا وسط‬ ‫إرسائيل منذ أيام يشوع (انظروا يشوع ‪ ،)9‬ثم قُ ِتل ُ‬ ‫حرب مع الفلسطينيني‪ ،‬ثم حدث التايل يف القصة‪:‬‬ ‫شاول يف ٍ‬ ‫« َوكَا َن ُجو ٌع ِف أَيَّ ِام َدا ُو َد �ثَالَثَ ِس ِن َني‪َ ،‬س َن ًة بَ ْع َد َس َن ٍة‪ ،‬فَطَل َ​َب َدا ُو ُد َو ْج َه ال َّر ِّب‪.‬‬ ‫فَق َ​َال ال َّر ُّب‪ُ :‬ه َو ألَ ْجلِ شَ ا ُو َل َوألَ ْجلِ بَ ْي ِت ال ِّد َما ِء‪ ،‬ألَنَّ ُه قَتَ َل الْ ِج ْب ُعونِ ِّي َني‪ .‬فَ َد َعا‬ ‫سائِ َيل بَ ْل ِم ْن‬ ‫الْ َملِ ُك الْ ِج ْب ُعونِ ِّي َني َوق َ​َال لَ ُه ْم‪َ .‬والْ ِج ْب ُعونِ ُّيو َن لَ ْي ُسوا ِم ْن بَ ِني إِ ْ َ‬ ‫سائِ َيل‪َ ،‬وطَل َ​َب شَ ا ُو ُل أَ ْن يَ ْقتُلَ ُه ْم ألَ ْجلِ‬ ‫بَقَايَا األَ ُمو ِريِّ َني‪َ ،‬وقَ ْد َحل َ​َف لَ ُه ْم بَ ُنو إِ ْ َ‬ ‫سائِ َيل َويَ ُهوذَا‪ .‬ق َ​َال َدا ُو ُد لِلْ ِجبْ ُعونِيِّ َني‪َ :‬ماذَا أَفْ َع ُل لَ ُك ْم؟ َوبِ َاذَا‬ ‫غ ْ َ​َيتِ ِه َع َل بَ ِني إِ ْ َ‬ ‫يب ال َّر ِّب؟ فَق َ​َال لَ ُه الْ ِج ْب ُعونِ ُّيونَ‪ :‬لَ ْي َس لَ َنا ِف َّض ٌة َوالَ َذ َه ٌب‬ ‫أُكَ ِّف ُر فَتُ َبا ِركُوا نَ ِص َ‬ ‫سائِ َيل‪ .‬فَق َ​َال‪َ :‬م ْه َم‬ ‫ِع ْن َد شَ ا ُو َل َوالَ ِع ْن َد بَ ْي ِت ِه‪َ ،‬ولَ ْي َس لَ َنا أَ ْن نُ ِ َ‬ ‫يت أَ َح ًدا ِف إِ ْ َ‬ ‫قُلْتُ ْم أَفْ َعلُ ُه لَ ُك ْم‪ .‬فَقَالُوا لِلْ َملِ ِك‪ :‬ال َّر ُج ُل ال َِّذي أَفْ َنانَا َوال َِّذي تَآ َم َر َعلَ ْي َنا لِ ُيبِي َدنَا‬ ‫سائِ َيل‪ ،‬فَلْ ُن ْع َط َس ْب َع َة ِر َجال ِم ْن بَ ِني ِه فَ َن ْصلِ َب ُه ْم‬ ‫لِ َ ْ‬ ‫ك َال نُ ِقي َم ِف ك ُِّل ت ُ ُخ ِ‬ ‫وم إِ ْ َ‬ ‫لِل َّر ِّب ِف ِجبْ َع ِة شَ ا ُو َل ُم ْختَا ِر ال َّر ِّب‪ .‬فَق َ​َال الْ َملِ ُك‪ :‬أَنَا أُ ْع ِطي‪َ .‬وأَشْ ف َ​َق الْ َملِ ُك‬ ‫َع َل َم ِفي ُبوشَ ثَ بْنِ يُونَاث َا َن بْنِ شَ ا ُو َل ِم ْن أَ ْجلِ َيِ ِني ال َّر ِّب الَّ ِتي بَ ْي َن ُه َم‪ ،‬بَ ْ َي‬ ‫َدا ُو َد َويُونَاث َا َن بْنِ شَ ا ُو َل‪ .‬فَأَ َخ َذ الْ َملِ ُك ابْ َن ْي ر ِْص َف َة ابْ َن ِة أَيَّ َة اللَّ َذيْنِ َولَ َدتْ ُه َم‬ ‫ون َو َم ِفي ُبوشَ ثَ ‪َ ،‬وبَ ِني ِميك َ​َال ابْ َن ِة شَ ا ُو َل الْ َخ ْم َس َة ال َِّذي َن َولَ َدتْ ُه ْم‬ ‫لِشَ ا ُو َل‪ :‬أَ ْر ُم ِ َ‬ ‫الس ْب َع ُة َم ًعا َوقُ ِتلُوا‬ ‫ول‪َ ،‬و َسلَّ َم ُه ْم إِ َل يَ ِد الْ ِج ْب ُعونِ ِّي َني‪ ،‬ف َ​َصلَ ُبو ُه ْم َع َل الْ َج َبلِ أَ َما َم ال َّر ِّب‪ .‬ف َ​َس َق َط َّ‬ ‫لِ َع ْد ِرئِ َيل بْنِ بَ ْر ِزال َ​َّي الْ َم ُح ِ ِّ‬ ‫الص ْخ ِر ِمنِ ابْ ِت َدا ِء‬ ‫ِف أَيَّ ِام الْ َح َصا ِد‪ِ ،‬ف أَ َّولِ َها ِف ابْ ِت َدا ِء َح َصا ِد الشَّ ِعريِ‪ .‬فَأَ َخ َذتْ ر ِْص َف ُة ابْ َن ُة أَيَّ َة ِم ْس ًحا َوفَ َرشَ تْ ُه لِ َنف ِْس َها َع َل َّ‬ ‫الس َم ِء ت َ ْنز ُِل َعلَ ْي ِه ْم نَ َها ًرا‪َ ،‬والَ َح َي َوانَ ِ‬ ‫ات الْ َحقْلِ لَ ْي ًل‪ .‬فَأُ ْخ ِ َب َدا ُو ُد‬ ‫الس َم ِء‪َ ،‬ولَ ْم ت َ َد ْع طُ ُيو َر َّ‬ ‫الْ َح َصا ِد َحتَّى انْ َص َّب ال َْم ُء َعلَ ْي ِه ْم ِم َن َّ‬ ‫سيَّ ُة شَ ا ُو َل‪ .‬فَ َذ َه َب َدا ُو ُد َوأَ َخ َذ ِعظَا َم شَ ا ُو َل َو ِعظَا َم يُونَاث َا َن ابْ ِن ِه ِم ْن أَ ْهلِ يَاب ِ‬ ‫ِيش ِجلْ َعا َد ال َِّذي َن‬ ‫بِ َا فَ َعل َْت ر ِْص َف ُة ابْ َن ُة أَيَّ َة ُ ِّ‬ ‫ض َب الْ ِفلِ ْس ِطي ِن ُّيو َن شَ ا ُو َل ِف ِجلْ ُبو َع‪ .‬فَأَ ْص َع َد ِم ْن ُه َن َاك‬ ‫َِ‬ ‫سقُو َها ِم ْن شَ ا ِر ِع بَ ْي ِت شَ انَ‪َ ،‬ح ْيثُ َعلَّ َق ُه َم الْ ِفلِ ْس ِطي ِن ُّيو َن يَ ْو َم َ َ‬ ‫ِعظَا َم شَ ا ُو َل َو ِعظَا َم يُونَاث َا َن ابْ ِن ِه‪َ ،‬و َج َم ُعوا ِعظَا َم الْ َم ْصلُو ِب َني‪َ ،‬و َدفَ ُنوا ِعظَا َم شَ ا ُو َل َويُونَاث َا َن ابْ ِن ِه ِف أَ ْر ِض بَ ْن َيا ِم َني ِف َص ْيلَ َع‪،‬‬ ‫اب الل ُه ِم ْن أَ ْجلِ األَ ْر ِض»‪( .‬صموئيل الثاين ‪.)14-1 :21‬‬ ‫ِف ق ْ َِب قَيْ َس أَبِي ِه‪َ ،‬و َع ِملُوا ك َُّل َما أَ َم َر ِب ِه الْ َملِ ُك‪َ .‬وبَ ْع َد ذلِ َك ْاستَ َج َ‬ ‫أي إجر ٍام هذا؟! أيها السادة إن سفك دماء ٍ‬ ‫جرم ارتكبه أبوهم امليت‪ ،‬وقتلهم دون‬ ‫أناس أبريا ٍء مل يرتكبوا جريرةً‪ ،‬بدعوى ِ‬ ‫أن يكونوا قتلوا أو سفكوا دم أحد‪ ،‬بل وقُتلوا بأبشع وأبطأ طريق ٍة ممكن ٍة بحيث َ‬ ‫طال عذابهم إىل فرت ٍة طويلة‪ ،‬إن عقاب‬ ‫ذنب جنوه‪ ،‬هو ببساط ٍة إجرا ٌم ليس هناك‬ ‫الناس األبرياء وتعذيبهم بهذه البشاعة والوحشية وإزهاق نفوسهم دون ٍ‬ ‫مخالف لكل مبادئ العدالة وحقوق اإلنسان‪.‬‬ ‫أكرب منه‪ ،‬أن هذا الداود ليس نبيًا وال إنسانًا‪ ،‬إنه ببساط ٍة شيطان‪ ،‬مجرم‪،‬‬ ‫ٌ‬

‫‪51‬‬


‫نقد كتاب اليهودية (التناخ) جـ ‪:2‬‬ ‫صورة الله يف الكتاب اليهودي‬

‫راهب العلم‬

‫إن داود إمنا وجد هذه حج ًة وتربي ًرا ليبيد كل نسل وأبناء شاول بسبب الرصاع الطويل املعروف عىل السلطة والحكم‬ ‫بني داود وشاول‪ ،‬ثم بعد موت شاول بني داود وإيشبوشث بن شاول‪ .‬وهكذا ملا انترص داود عىل إيشبوشث وقتله‪ ،‬رأى‬ ‫ٍ‬ ‫منافس له عىل الحكم‪ .‬وهكذا طبّق داود املبادئ‬ ‫فرص ًة و(متحيكة) ليزيح كل أبناء شاول من طريقه‪ ،‬ويضمن عدم وجود‬ ‫الراديكالية وامليكياڤيلية الالأخالقية‪ ،‬وسفك دماء الرجال األبرياء الذين مل يقتلوا أح ًدا‪ ،‬والكارثة أن نصوص الكتاب‬ ‫الرب يهوه‪.‬‬ ‫نبي كلّمه ُ‬ ‫اليهودي تنص يف عدة مواضع عىل أ ّن داود ٌ‬ ‫كاذب أن املطر نزل بعد هذه الفعلة الشنعاء‬ ‫ثم يعود الكتاب مبنتهى السفالة ليدعم هذه الجرمية ويزعم زع َم فاج ٍر ٍ‬ ‫عالم ًة عىل رضا الله عنها!‬ ‫أين العدالة اإللهية؟! أين حقوق اإلنسان؟‬ ‫أيضا‪:‬‬ ‫وها هي قص ٌة أخرى ً‬‫ضبَ ُه ُه َن َاك ِف بَطْ ِن ِه ف َ​َمتَ ِب َد ِم َع َسائِ َيل أَ ِخي ِه‪.‬‬ ‫وآب ِإ َل َو َس ِط الْ َب ِ‬ ‫« َول ََّم َر َج َع أَبْ َن ْ ُي ِإ َل َح ْ ُبونَ‪َ ،‬م َال ِب ِه يُ ُ‬ ‫سا‪َ ،‬و َ َ‬ ‫اب لِ ُي َكلِّ َم ُه ِ ًّ‬ ‫وآب َو َع َل‬ ‫ف َ​َس ِم َع َدا ُو ُد بَ ْع َد ذلِ َك فَق َ​َال‪ :‬إِ ِّن بَرِي ٌء أَنَا َو َم ْملَ َك ِتي لَ َدى ال َّر ِّب إِ َل األَبَ ِد ِم ْن َد ِم أَبْ َن ْ َي بْنِ نَ ْيٍ‪ .‬فَلْ َي ُح َّل َع َل َرأْ ِس يُ َ‬ ‫وآب‬ ‫وآب ذُو َس ْيل َوأَبْ َر ُص َو َعاكِ ٌز َع َل الْ ُعكَّا َز ِة َو َسا ِق ٌط ب َّ‬ ‫ِالس ْي ِف َو ُم ْحتَ ُ‬ ‫اج الْ ُخ ْبزِ‪ .‬فَ َقتَ َل يُ ُ‬ ‫ك ُِّل بَ ْي ِت أَبِي ِه‪َ ،‬والَ يَ ْنق َِط ُع ِم ْن بَ ْي ِت يُ َ‬ ‫اي أَ ُخو ُه أَبْ َن ْ َي‪ ،‬ألَنَّ ُه قَتَ َل َع َسائِ َيل أَ َخا ُه َم ِف ِج ْب ُعو َن ِف الْ َح ْر ِب» (صموئيل الثاين ‪.)30-27 :3‬‬ ‫َوأَبِيشَ ُ‬ ‫ٍ‬ ‫لعنات وأمر ًاضا؟!‬ ‫نبي‪ ،‬ما ذنب األبناء الذين مل يولدوا بع ُد‪ ،‬وملاذا يحملهم‬ ‫يا للعجب من داود الذي يزعم ويزعمون أنه ّ‬ ‫نسل أيب يوآب! وبهذا يفقد املوضوع‬ ‫ذنب ارتكبوا ل ُيعاقبوا عليه‪ ،‬والظريف أنه مل يلعن فقط نسل يوآب‪ ،‬بل لعن َ‬ ‫وأي ٍ‬ ‫ذنوب آبائهم‪ .‬فام ذنب نسل أيب يوآب؟!‬ ‫حتى املنطق غري املنطقي الذي يقول أن األبناء يحملون َ‬ ‫ذنوب آبائهم‪ ،‬بل كل واح ٍد يُعاقب عىل ذنوبه هو فقط‪.‬‬ ‫األبناء ال يحملون َ‬ ‫«الَ يُ ْقتَ ُل اآلبَا ُء َعنِ األَ ْوالَ ِد‪َ ،‬والَ يُ ْقتَ ُل األَ ْوالَ ُد َعنِ اآلبَا ِء‪ .‬ك ُُّل إِنْ َسانٍ ِب َخ ِط َّي ِت ِه يُ ْقتَ ُل» (التثنية ‪.)16 :24‬‬ ‫الشي َع ِة‬ ‫وب ِف َّ ِ‬ ‫« َول ََّم تَثَ َّبتَ ِت الْ َم ْملَ َك ُة َعلَ ْي ِه قَتَ َل َعبِي َد ُه ال َِّذي َن قَتَلُوا الْ َملِ َك أَبَا ُه‪َ .‬وأَ َّما بَ ُنو ُه ْم فَلَ ْم يَ ْقتُلْ ُه ْم‪ ،‬بَ ْل ك َ​َم ُه َو َم ْكتُ ٌ‬ ‫وس َحيْثُ أَ َم َر ال َّر ُّب قَائِ ًل‪ :‬الَ تَ ُوتُ اآلبَا ُء ألَ ْجلِ الْبَ ِن َني‪َ ،‬والَ الْبَ ُنو َن َ ُيوتُو َن ألَ ْجلِ اآلبَا ِء‪ ،‬بَ ْل ك ُُّل َو ِ‬ ‫اح ٍد َ ُيوتُ ألَ ْجلِ‬ ‫ِف ِس ْف ِر ُم َ‬ ‫َخ ِط َّي ِت ِه» (أخبار األيام الثاين ‪.)4-3 :25‬‬ ‫‪52‬‬


‫نقد كتاب اليهودية (التناخ) جـ ‪:2‬‬ ‫صورة الله يف الكتاب اليهودي‬

‫راهب العلم‬

‫النبي‪:‬‬ ‫يقول حزقيال ّ‬ ‫« َوإِ ْن َولَ َد ابْ ًنا َرأَى َج ِمي َع َخطَايَا أَبِي ِه الَّ ِتي فَ َعلَ َها‪ ،‬فَ َرآ َها َولَ ْم يَ ْف َع ْل ِمثْلَ َها‪ .‬لَ ْم يَأْك ُْل َع َل الْ ِجبَا ِل‪َ ،‬ولَ ْم يَ ْرفَ ْع َعيْ َنيْ ِه إِ َل أَ ْص َن ِام‬ ‫سائِ َيل‪َ ،‬والَ نَ َّج َس ا ْم َرأَ َة قَرِي ِب ِه‪َ ،‬والَ ظَلَ َم إِنْ َسانًا‪َ ،‬والَ ا ْرتَ َه َن َر ْه ًنا‪َ ،‬والَ ا ْغتَ َص َب ا ْغ ِت َصابًا‪ ،‬بَ ْل بَذ َ​َل ُخ ْب َز ُه لِلْ َج ْو َعانِ ‪َ ،‬وك َ​َسا‬ ‫بَ ْي ِت إِ ْ َ‬ ‫الْ ُع ْريَا َن ث َ ْوبًا َو َرفَ َع يَ َد ُه َعنِ الْ َف ِقريِ‪َ ،‬ولَ ْم يَأْ ُخ ْذ ِربًا َوالَ ُم َرابَ َح ًة‪ ،‬بَ ْل أَ ْج َرى أَ ْحكَا ِمي َو َسل َ​َك ِف فَ َرائِ ِض‪ ،‬فَ ِإنَّ ُه الَ َ ُيوتُ ِب ِإث ِْم أَبِي ِه‪.‬‬ ‫الصالِ ِح بَ ْ َي شَ ْع ِب ِه‪ ،‬فَ ُه َوذَا َ ُيوتُ ِب ِإ ْثِ ِه‪.‬‬ ‫َح َيا ًة يَ ْح َيا‪ .‬أَ َّما أَبُو ُه فَألَنَّ ُه ظَلَ َم ظُل ًْم‪َ ،‬وا ْغتَ َص َب أَ َخا ُه ا ْغ ِت َصابًا‪َ ،‬و َع ِم َل غ ْ َ​َي َّ‬ ‫َوأَنْتُ ْم تَقُولُونَ‪ :‬لِ َمذَا الَ يَ ْح ِم ُل االبْ ُن ِم ْن إِث ِْم األَ ِب؟ أَ َّما االبْ ُن فَ َق ْد فَ َع َل َحقًّا َو َع ْد ًل‪َ .‬ح ِف َظ َج ِمي َع فَ َرائِ ِض َو َع ِم َل ِب َها فَ َحيَا ًة‬ ‫ْس الَّ ِتي تُ ْخ ِط ُئ ِه َي تَ ُوتُ ‪ .‬ا َالبْ ُن الَ يَ ْح ِم ُل ِم ْن إِث ِْم األَ ِب‪َ ،‬واألَ ُب الَ يَ ْح ِم ُل ِم ْن إِث ِْم االبْنِ ‪ِ .‬ب ُّر الْ َبا ِّر َعلَ ْي ِه يَكُونُ‪،‬‬ ‫يَ ْح َيا‪ .‬ا َل َّنف ُ‬ ‫الشي ِر َعلَ ْي ِه يَكُونُ» (حزقيال ‪.)20-14 :18‬‬ ‫ش ِّ ِّ‬ ‫َو َ ُّ‬ ‫ٍ‬ ‫تجسيد الله بشكلٍ‬ ‫سخيف وبدا ّيئ‪ ،‬فيوصف اللهُ بأن له أنفًا وعينني وأذنني وقدمني‪ ،‬ويسري يف سحابة‪ ،‬وينزل‪ ،‬وله‬ ‫وإصبع ويدٌ وأحشاء‪ ،‬ويسري عىل أعايل البحر‪ ،‬ومييش عىل مشارف األرض‪ ،‬ومير علينا فال نراه‪ ،‬ويركب‬ ‫رِجالنِ وشفتان‬ ‫ٌ‬ ‫عىل سحابة‪ ،‬وعىل كروب(مالك)‪ ،‬ومييش عىل أجنحة الريح‪ ،‬والسحاب غبار رجليه‪....‬إلخ إلخ‪.‬‬ ‫« َوا ْرتَ َحلُوا ِم ْن ُسكُّوتَ َونَ َزلُوا ِف إِيثَا َم ِف طَ َر ِف ال َ ِّْبيَّ ِة‪َ .‬وكَا َن ال َّر ُّب‬ ‫ِيق‪َ ،‬ولَ ْي ًل‬ ‫يَ ِس ُري أَ َما َم ُه ْم نَ َها ًرا ِف َع ُمو ِد َس َح ٍ‬ ‫اب لِ َي ْه ِديَ ُه ْم ِف الطَّر ِ‬ ‫ك َ ْيشُ وا نَ َها ًرا َولَيْ ًل‪ .‬لَ ْم يَ ْ َب ْح َع ُمو ُد‬ ‫ِف َع ُمو ِد نَا ٍر لِيُ ِض َء لَ ُه ْم‪ .‬لِ َ ْ‬ ‫اب نَ َها ًرا َو َع ُمو ُد ال َّنا ِر لَ ْي ًل ِم ْن أَ َم ِام الشَّ ْع ِب» (الخروج ‪:13‬‬ ‫الس َح ِ‬ ‫َّ‬ ‫‪.)22-20‬‬ ‫اب‪ ،‬فَ َوق َ​َف ِع ْن َد ُه ُه َن َاك َونَا َدى ب ِْاس ِم ال َّر ِّب‪.‬‬ ‫الس َح ِ‬ ‫«فَ َن َز َل ال َّر ُّب ِف َّ‬ ‫فَا ْجتَا َز ال َّر ُّب قُ َّدا َم ُه‪َ ،‬ونَا َدى ال َّر ُّب‪ :‬ال َّر ُّب إِل ٌه َر ِحي ٌم َو َر ُؤ ٌ‬ ‫وف‪ ،‬بَ ِطي ُء‬ ‫الْ َغ َض ِب َوكَ ِث ُري ا ِإل ْح َسانِ َوالْ َوفَا ِء» (الخروج ‪.)6-5 :34‬‬ ‫ص ْخ ُت‪ ،‬ف َ​َس ِم َع ِم ْن َه ْي َكلِ ِه‬ ‫ِ‬ ‫«ف ِضي ِقي َد َع ْوتُ ال َّر َّب‪َ ،‬وإِ َل إِلهِي َ َ‬ ‫ص ِ‬ ‫اخي َد َخ َل أُ ُذنَ ْي ِه‪ .‬فَا ْرتَ َّج ِت األَ ْر ُض َوا ْرت َ َعشَ ْت‪ .‬أُ ُس ُس‬ ‫َص ْو ِت‪َ ،‬و ُ َ‬ ‫الس َم َو ِ‬ ‫ات ا ْرت َ َعدَتْ َوا ْرت َ َّج ْت‪ ،‬ألَنَّ ُه غ َِض َب‪َ .‬ص ِع َد ُد َخا ٌن ِم ْن أَنْ ِف ِه‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫الس َم َو ِ‬ ‫ات َونَ َز َل‪،‬‬ ‫َونَا ٌر ِم ْن فَ ِم ِه أَكَل َْت‪َ .‬ج ْم ٌر اشْ تَ َعل َْت ِم ْن ُه‪ .‬طَأْطَأَ َّ‬ ‫اب تَ ْح َت ِر ْجلَ ْي ِه» (صموئيل الثاين ‪.)10-7 :22‬‬ ‫َو َض َب ٌ‬ ‫‪53‬‬


‫نقد كتاب اليهودية (التناخ) جـ ‪:2‬‬ ‫صورة الله يف الكتاب اليهودي‬

‫راهب العلم‬

‫وس َك‪ .‬يَ َض ُعو َن بَ ُخو ًرا ِف‬ ‫سائِ َيل نَا ُم َ‬ ‫«يُ َعلِّ ُمو َن يَ ْعق َ‬ ‫ُوب أَ ْحكَا َم َك‪َ ،‬وإِ ْ َ‬ ‫أَنْ ِف َك‪َ ،‬و ُم ْح َرق ٍ‬ ‫َات َع َل َم ْذبَ ِح َك» (التثنية ‪.)10 :33‬‬ ‫َت أُ ُس ُس الْ َم ْسكُونَ ِة ِم ْن َز ْج ِر ال َّر ِّب‪،‬‬ ‫«فَظَ َه َرتْ أَ ْع َم ُق الْ َب ْحرِ‪َ ،‬وانْكَشَ ف ْ‬ ‫ِم ْن نَ ْس َم ِة رِي ِح أَنْ ِف ِه» (صموئيل الثاين ‪.)16 :22‬‬ ‫اليهودي العرشات من‬ ‫يف ح ٍني وجدتُ يف دراستي ألسفار الكتاب‬ ‫ّ‬ ‫النصوص الرصيحة يف عدم االعتقاد بوجود حيا ٍة أخرى وأن اإلنسان‬ ‫نهايته الحتمية املوت بال رجعة‪ ،‬وأنه ليس له إال تلك الحياة فقط‬ ‫ليستمتع بها ويعيشها ويقدرها وال يضيعها‪ ،‬وهو اتجا ٌه وتيا ٌر‬ ‫عقال ٌّين يف اليهودية قبل دخول املعتقد املاورايئ السخيف الذي‬ ‫يجعل اإلنسان ال يق ِّدر معنى الحياة والتعمري والسعي والنجاح‬ ‫مثل يف حزقيال‪:37‬‬ ‫واملتع وقيمة حياته وكيانه ووجوده‪ ،‬فلننظر ً‬ ‫‪ ،24-28‬إشعياء ‪ ،65‬أيوب ‪ 10-14 :14‬مزمور ‪ ،89‬الجامعة ‪9‬‬ ‫وينبغي أن تقرأوا ما قبلها اإلصحاحات ‪ 1‬إىل ‪ ،9‬وأعتذر من القارئ‬ ‫ألين أثناء الدراسة مل أجمع كل النصوص املنكرة للقيامة املتناثرة‬ ‫اليهوي‪.‬‬ ‫هنا وهناك يف أسفار الكتاب‬ ‫ّ‬ ‫وهناك طوائف متثِّل أقلي ًة من اليهود ال تعتقد بقيام ٍة أو ٍ‬ ‫بعث كطائف ٍة مندثر ٍة أيام يسوع مؤسس املسيحية اسمها‬ ‫الفريسيون‪.‬‬ ‫اليهودي هو االحتكاك مع الفرس الزرادشتيني الذين كانوا يعتقدون‬ ‫وسبب دخول عقيدة القيامة والبعث يف الدين‬ ‫ّ‬ ‫وجحيم كام نص عىل ذلك كث ًريا نبيهم زرادشت يف كتابهم املقدس األڤستا ‪ ،Avesta‬وما آلف‬ ‫بوجود قيام ٍة جسدي ٍة وجن ٍة‬ ‫ٍ‬ ‫الفاريس كورش‪.‬‬ ‫بينهام أن كليهام يعتقدان بإل ٍه واحد‪ .‬وكان ذلك يف عرص امللك‬ ‫ّ‬ ‫أما يف أسفار موىس الخمسة أي التوراة‪ ،‬وسفر يشوع والقضاة وسفري صموئيل وسفري امللوك وسفري أخبار األيام فال‬ ‫حساب إلهي‪ ،‬املذكور فقط وجود الروح يف الكثري من النصوص وأنها تظل موجود ًة‬ ‫يوجد أي ذك ٍر لقيام ٍة جسدي ٍة أو يوم‬ ‫ٍ‬ ‫النبي صموئيل امليت يف سفر صموئيل األول ‪.28‬‬ ‫بشكلٍ ما بعد موت الجسد‪ ،‬كقصة تحضري شاول بالسحر املح َّرم لروح ّ‬ ‫‪54‬‬


‫نقد كتاب اليهودية (التناخ) جـ ‪:2‬‬ ‫صورة الله يف الكتاب اليهودي‬

‫راهب العلم‬

‫« ِب َن َس َم ِة الل ِه يَبِي ُدونَ‪َ ،‬و ِبرِي ِح أَنْ ِف ِه يَ ْف َن ْونَ» (أيوب ‪.)9 :4‬‬ ‫«يِي ُن َك يَا َر ُّب ُم ْعتَ َّز ٌة بِالْ ُق ْد َر ِة‪َ .‬يِي ُن َك يَا َر ُّب ت ُ َحطِّ ُم الْ َع ُد َّو‪َ .‬و ِبك ْ َ​َث ِة َعظَ َم ِت َك ت َ ْه ِد ُم ُمقَا ِو ِم َيك‪ .‬تُ ْر ِس ُل َس َخط َ​َك فَ َيأْكُلُ ُه ْم كَالْق َِّش‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َو ِبرِي ِح أَنْ ِف َك تَ َراكَ َم ِت الْ ِميَا ُه‪ .‬انْتَ َصبَ ِت الْ َم َجار َِي كَ َرا ِبيَ ٍة‪ .‬تَ َج َّم َد ِت اللُّ َج ُج ِف قَل ِْب الْبَ ْحرِ» (الخروج ‪.)8-6 :15‬‬ ‫َت أُ ُس ُس الْ َم ْسكُونَ ِة ِم ْن َز ْجر َِك يَا َر ُّب‪ِ ،‬م ْن نَ ْس َم ِة رِي ِح أَنْ ِف َك» (مزمور ‪.)15 :18‬‬ ‫«فَظَ َه َرتْ أَ ْع َم ُق الْ ِم َيا ِه‪َ ،‬وانْكَشَ ف ْ‬ ‫سائِ َيل ال َِّذي ت َ َكلَّ َم ِب َف ِم ِه إِ َل َدا ُو َد أَ ِب‪( »...‬امللوك األول ‪.)15 :8‬‬ ‫«‪ُ ...‬م َبا َر ٌك ال َّر ُّب إِل ُه إِ ْ َ‬ ‫«اطْلُ ُبوا ال َّر َّب َو ِع َّز ُه‪ .‬الْتَ ِم ُسوا َو ْج َه ُه َد ِائًا‪ .‬ا ْذكُ ُروا َع َجائِ َب ُه الَّ ِتي َص َن َع‪ .‬آيَاتِ ِه َوأَ ْحكَا َم فَ ِم ِه» (أخبار األيام األول ‪.)12-11 :16‬‬ ‫«الَ أَنْق ُ​ُض َع ْه ِدي‪َ ،‬والَ أُغ ِّ َُي َما َخ َر َج ِم ْن شَ َفتَ َّي» (مزمور ‪.)34 :89‬‬ ‫«شي َع ُة فَ ِم َك َخ ْ ٌي ِل ِم ْن أُل ِ‬ ‫ُوف َذ َه ٍب َو ِف َّض ٍة» (مزمور ‪.)72 :119‬‬ ‫َِ‬ ‫«بِشَ َفتَ َّي َح َس ْب ُت ك َُّل أَ ْحك َِام فَ ِم َك» (مزمور ‪.)13 :119‬‬ ‫َض َع ِات» (مزمور ‪)2-1 :130‬‬ ‫ص ْخ ُت إِلَ ْي َك يَا َر ُّب‪ .‬يَا َر ُّب‪ْ ،‬اس َم ْع َص ْو ِت‪ .‬لِتَ ُك ْن أُ ُذنَ َاك ُم ْص ِغ َيتَ ْ ِي إِ َل َص ْو ِت ت َ ُّ‬ ‫« ِم َن األَ ْع َمقِ َ َ‬ ‫اي ُم ْص ِغ َيتَ ْ ِي إِ َل َصالَ ِة هذَا الْ َمكَانِ » (أخبار األيام الثاين ‪.)15 :7‬‬ ‫اي تَكُونَانِ َم ْفتُو َحتَ ْيِ‪َ ،‬وأُ ُذنَ َ‬ ‫«ا َآل َن َع ْي َن َ‬ ‫سائِ َيل الْ َجالِ َس فَ ْو َق الْ َك ُروب ِ​ِيم‪ ،‬أَنْ َت ُه َو ا ِإلل ُه َو ْح َد َك لِك ُِّل َم َملِ ِك األَ ْر ِض‪.‬‬ ‫« َو َص َّل َح َز ِق َّيا إِ َل ال َّر ِّب قَائِ ًل‪ :‬يَا َر َّب الْ ُج ُنو ِد‪ ،‬إِل َه إِ ْ َ‬ ‫الس َم َو ِ‬ ‫ِيب ال َِّذي‬ ‫أَنْ َت َص َن ْع َت َّ‬ ‫ات َواألَ ْر َض‪ .‬أَ ِم ْل يَا َر ُّب أُ ُذنَ َك َو ْاس َمعِ‪ .‬افْتَ ْح يَا َر ُّب َع ْي َن ْي َك َوانْظُ ْر‪َ ،‬و ْاس َم ْع ك َُّل كَال َِم َس ْن َحار َ‬ ‫أَ ْر َسلَ ُه لِيُ َع ِّ َي الل َه الْ َح َّي» (إشعياء ‪.)17-15 :37‬‬ ‫ون يَا إِ ْخ َو ِت َوشَ ْعبِي‪ .‬كَا َن ِف قَلْبِي أَ ْن أَبْ ِن َي بَ ْي َت قَ َرا ٍر لِتَابُ ِ‬ ‫وت َع ْه ِد ال َّر ِّب‬ ‫« َو َوق َ​َف َدا ُو ُد الْ َملِ ُك َع َل ِر ْجلَ ْي ِه َوق َ​َال‪« :‬اِ ْس َم ُع ِ‬ ‫َولِ َم ْو ِطئِ قَ َد َم ْي إِل ِه َنا‪َ ،‬وقَ ْد َه َّيأْتُ لِلْ ِب َنا ِء» (أخبار األيام األول ‪.)2 :28‬‬ ‫وس ُه َو» (مزمور ‪.)5 :99‬‬ ‫« َعلُّوا ال َّر َّب إِل َه َنا‪َ ،‬و ْاس ُج ُدوا ِع ْن َد َم ْو ِطئِ قَ َد َميْ ِه‪ .‬قُ ُّد ٌ‬ ‫‪55‬‬


‫نقد كتاب اليهودية (التناخ) جـ ‪:2‬‬ ‫صورة الله يف الكتاب اليهودي‬

‫راهب العلم‬

‫الش ِب ُني َم ًعا لِزِي َن ِة‬ ‫الس ُو َو ِّ‬ ‫الس ْن ِديَا ُن َو َّ ْ‬ ‫« َم ْج ُد لُ ْب َنا َن إِلَ ْي ِك يَأْ ِت‪ْ َّ .‬‬ ‫ل» (إشعياء ‪.)13 :60‬‬ ‫َمكَانِ َمق ِْد ِس‪َ ،‬وأُ َم ِّج ُد َم ْو ِض َع ِر ْج َ َّ‬ ‫وس ِع ْن َد فَ َرا ِغ ِه ِم َن الْ َكال َِم َم َع ُه ِف َج َبلِ ِسي َنا َء لَ ْو َح ِي‬ ‫«ث ُ َّم أَ ْعطَى ُم َ‬ ‫الشَّ َها َد ِة‪ :‬لَ ْو َح ْي َح َج ٍر َم ْكتُوبَ ْ ِي ِب ِإ ْصبعِ الل ِه» (الخروج ‪.)18 :31‬‬ ‫َان ال َّر ُّب لَ ْو َح ِي الْ َح َج ِر الْ َم ْكتُوبَ ْ ِي ِبأَ َصبعِ الل ِه‪َ ،‬و َعلَ ْيه َِم ِمث ُْل‬ ‫« َوأَ ْعط ِ َ‬ ‫َج ِميعِ الْ َكلِ َم ِت الَّ ِتي كَلَّ َم ُك ْم ِب َها ال َّر ُّب ِف الْ َجبَلِ ِم ْن َو َس ِط ال َّنا ِر ِف‬ ‫يَ ْو ِم اال ْج ِت َمعِ» (التثنية ‪.)10 :9‬‬ ‫ِيج»‬ ‫«ه َكذَا أَ َر ِان َوإِذَا ال َّر ُّب َوا ِق ٌف َع َل َحائِ ٍط قَائِ ٍم َو ِف يَ ِد ِه ز ٌ‬ ‫(عاموس ‪.)7 :7‬‬ ‫« َو َم َّد ال َّر ُّب يَ َد ُه َولَ َم َس فَ ِمي‪َ ،‬وق َ​َال ال َّر ُّب ِل‪َ :‬ها قَ ْد َج َعل ُْت كَالَ ِمي‬ ‫ِف فَ ِم َك» (إرميا ‪.)9 :1‬‬ ‫« َوأَنَا أَيْ ًضا أُ َصف ُِّق كَفِّي َع َل كَفِّي َوأُ َس ِّك ُن غ َ​َضبِي‪ .‬أَنَا ال َّر ُّب ت َ َكلَّ ْم ُت» (حزقيال ‪.)17 :21‬‬ ‫ات َوانْظُ ْر ِم ْن َم ْسكَنِ قُ ْد ِس َك َو َم ْج ِد َك‪ :‬أَيْ َن غ ْ َ​َيت َُك َو َج َ ُبوت َُك؟ َز ِف ُري أَ ْحشَ ائِ َك َو َم َر ِ‬ ‫الس َم َو ِ‬ ‫اح ُم َك نَ ْحوِي ا ْمتَ َن َع ْت»‬ ‫«تَطَلَّ ْع ِم َن َّ‬ ‫(إشعياء ‪.)15 :63‬‬ ‫الس َم َو ِ‬ ‫ات َو ْح َد ُه‪َ ،‬وال َْم ِش َع َل أَ َع ِال الْ َب ْحرِ» (أيوب ‪.)8 :9‬‬ ‫«الْ َب ِاس ُط َّ‬ ‫ل َوالَ أَ َرا ُه‪َ ،‬ويَ ْجتَا ُز فَالَ أَشْ ُع ُر ِب ِه» (أيوب ‪.)11 :9‬‬ ‫« ُه َوذَا َ ُي ُّر َع َ َّ‬ ‫ص ِ‬ ‫اخي قُ َّدا َم ُه َد َخ َل أُ ُذنَ ْي ِه‪ .‬فَا ْرتَ َّج ِت األَ ْر ُض‬ ‫ِ‬ ‫«ف ِضي ِقي َد َع ْوتُ ال َّر َّب‪َ ،‬وإِ َل إِلهِي َ َ‬ ‫ص ْخ ُت‪ ،‬ف َ​َس ِم َع ِم ْن َه ْي َكلِ ِه َص ْو ِت‪َ ،‬و ُ َ‬ ‫َوا ْرتَ َعشَ ْت‪ ،‬أُ ُس ُس الْ ِج َبا ِل ا ْرتَ َعدَتْ َوا ْرت َ َّج ْت ألَنَّ ُه غ َِض َب‪َ .‬ص ِع َد ُد َخا ٌن ِم ْن أَنْ ِف ِه‪َ ،‬ونَا ٌر ِم ْن فَ ِم ِه أَكَل َْت‪َ .‬ج ْم ٌر اشْ تَ َعل َْت ِم ْن ُه‪.‬‬ ‫الس َم َو ِ‬ ‫وب َوطَا َر‪َ ،‬و َه َّف َع َل أَ ْج ِن َح ِة ال ِّريَا ِح» (مزمور ‪.)10-6 :18‬‬ ‫اب تَ ْح َت ِر ْجلَيْ ِه‪َ .‬ركِ َب َع َل كَ ُر ٍ‬ ‫طَأْطَأَ َّ‬ ‫ات َونَ َز َل‪َ ،‬و َضبَ ٌ‬ ‫‪56‬‬


‫نقد كتاب اليهودية (التناخ) جـ ‪:2‬‬ ‫صورة الله يف الكتاب اليهودي‬

‫راهب العلم‬

‫اب َم ْركَ َبتَ ُه‪ ،‬ال َْم ِش َع َل أَ ْج ِن َح ِة ال ِّري ِح» (مزمور ‪.)3 :104‬‬ ‫«الْ ُم َسق ُِّف َعالَلِ َي ُه بِالْ ِم َيا ِه‪ .‬الْ َجا ِع ُل َّ‬ ‫الس َح َ‬ ‫ُوب‬ ‫ص‪ُ :‬ه َوذَا ال َّر ُّب َراكِ ٌب َع َل َس َحابَ ٍة َ ِ‬ ‫ص ِم ْن َو ْج ِه ِه‪َ ،‬ويَذ ُ‬ ‫ص‪ ،‬ف َ َْتتَج ُِف أَ ْوث َا ُن ِم ْ َ‬ ‫سي َع ٍة َوقَا ِد ٌم إِ َل ِم ْ َ‬ ‫« َو ْح ٌي ِم ْن ِج َه ِة ِم ْ َ‬ ‫ص َد ِ‬ ‫اخلَ َها» (إشعياء ‪.)1 :19‬‬ ‫قَل ُْب ِم ْ َ‬ ‫يح َوأَ ْخ َ َب ا ِإلنْ َسا َن َما ُه َو ِف ْك ُر ُه‪ ،‬ال َِّذي يَ ْج َع ُل الْ َف ْج َر ظَالَ ًما‪َ ،‬و َ ْي ِش َع َل َمشَ ار ِ​ِف‬ ‫«فَ ِإنَّ ُه ُه َوذَا ال َِّذي َص َن َع الْ ِج َب َال َو َخل َ​َق ال ِّر َ‬ ‫األَ ْر ِض‪ ،‬يَ ْه َو ُه إِل ُه الْ ُج ُنو ِد ْاس ُم ُه» (عاموس ‪.)13 :4‬‬ ‫الرب هو مصدر الرشور والعذابات واألمراض‪.‬‬ ‫«لِ َ ْ‬ ‫شقِ الشَّ ْم ِس َو ِم ْن َم ْغ ِر ِب َها أَ ْن لَ ْي َس غ َْيِي‪ .‬أَنَا ال َّر ُّب َولَ ْي َس آ َخ ُر‪ُ .‬م َص ِّو ُر ال ُّنو ِر َو َخالِ ُق الظُّلْ َم ِة‪َ ،‬صانِ ُع‬ ‫ك يَ ْعلَ ُموا ِم ْن َم ْ ِ‬ ‫الش‪ .‬أَنَا ال َّر ُّب َصانِ ُع ك ُِّل ِ‬ ‫هذ ِه» (إشعياء ‪.)7-6 :45‬‬ ‫َّ‬ ‫السال َِم َو َخالِ ُق َّ ِّ‬ ‫طب ًعا ميكن يف هذا املوضوع االستشهاد بعرشات النصوص األخرى‪.‬‬

‫انتصار املوت‪ ،‬بريشة بروغل‬

‫‪57‬‬


‫اﺷﺘﺮك اﻵن‬ ‫ﻓﻲ ﻗﻨﺎﺗﻨﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻴﻮﺗﻴﻮب‬ ‫‪https://www.youtube.com/c/ahmedzayedchannel‬‬

‫ﻗﺮاﺑﺔ ‪ 10‬ﻣﻠﻴﻮن ﻣﺸﺎﻫﺪة‬ ‫ﻣﺸﺘﺮك‬ ‫أﻟﻒﻣﺸﺎﻫﺪة‬ ‫و‪70‬ﻣﻠﻴﻮن‬ ‫ﻗﺮاﺑﺔ اﻟﻌﴩة‬

‫أﺣﻤﺪ ﺳﻌﺪ زاﻳﺪ‬

‫ﻗﻨﺎة أﺣﻤﺪ ﺳﻌﺪ زاﻳﺪ ﻋﲆ اﻟﻴﻮﺗﻴﻮب ﻫﻲ ﻗﻨﺎة ﻣﻌﻨﻴﺔ ﺑﺎﻟﺘﻨﻮﻳﺮ اﻟﻔﻜﺮي واﻟﺜﻘﺎﰲ وﻫﻲ ﻣﺤﺎوﻟﺔ ﻟﻠﺘﻔﻜ اﳌﻮﺿﻮﻋﻲ اﻟﻌﻘﻼ ﻣ ًﻌﺎ‪.‬‬ ‫وﺗﺠﺪون ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺴﻼﺳﻞ وﻣﻨﻬﺎ‪:‬‬

‫أﻟﻒ ﺑﺎء ﻓﻠﺴﻔﺔ ﻟﺘﺒﺴﻴﻂ اﳌﻌﺮﻓﺔ اﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ‬

‫ﻟﻠﺘﻮاﺻﻞ ﻣﻌﻨﺎ ﻋﲆ ﺻﻔﺤﺔ اﻟﻘﻨﺎة ﻋﲆ اﻟﻔﻴﺴﺒﻮك‪:‬‬ ‫‪https://www.facebook.com/aszayedtv‬‬

‫ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﺤﻀﺎرة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻻﺳﻼﻣﻴﺔ‬

‫ﺳﻠﺴﻠﺔ ﺗﻌﺮﻳﻔﻴﺔ ﺑﺮﻣﻮز ﻓﻜﺮﻳﺔ ﻋﺮﺑﻴﺔ وﻏﺮﺑﻴﺔ‬

‫ﺻﻔﺤﺔ أﺣﻤﺪ ﺳﻌﺪ زاﻳﺪ اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ‪:‬‬ ‫‪https://www.facebook.com/ahmedsaadzayed‬‬

‫ﻛﺎﳌﻌﺮي واﻟﺮازي وأرﺳﻄﻮ وﻣﺎرﻛﺲ وراﺳﻞ‬

‫ﺳﻠﺴﻠﺔ ﺑﺘﺤﻠﻴﻞ ﺧﻼﻓﺎت اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ وﻗﺘﺎﻟﻬﻢ‬

‫ﺳﻠﺴﺔ ﺗﻄﻮر ﺗﺎرﻳﺦ اﻹﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻴﺎت اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ واﻟﻔﻠﺴﻔﺎت‬

‫وﻏ ذﻟﻚ ﻛﺜ ﻣﻦ ﻣﺤﺎﴐات وﻣﻘﺎﺑﻼت ﻟﺮﻣﻮز ﻓﻜﺮﻳﺔ ﻓﺎﻟﻘﻨﺎة ﺑﻬﺎ أﻛ ﻣﻦ ‪ 700‬ﻣﺤﺎﴐة‪ ،‬وﻫﻲ ﺟﻬﺪ ﻃﻮﻳﻞ وﻣﺘﻮاﺿﻊ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﻞ‬ ‫اﻟﺜﻘﺎﰲ وﻣﺤﺎوﻟﺔ ﻧﴩ اﻟﻮﻋﻲ واﻟﻌﻘﻼﻧﻴﺔ واﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﻗﺪر اﳌﺴﺘﻄﺎع ﻟﻠﻤﺘﺤﺪﺛ ﺑﺎﻟﻌﺮﺑﻴﺔ‪.‬‬ ‫ﻟﺪﻋﻢ اﻟﻘﻨﺎة‪:‬‬

‫‪https://www.patreon.com/ahmedzayed‬‬

‫‪58‬‬

‫‪https://www.paypal.me/ahmedsaadzayed/100‬‬


‫اإللحاد والتطور‬

‫دانيئيل دنت‬

‫التطور ظاهر ٌة مشاهد ٌة يف الحياة عىل األرض‪ ،‬تربط بني الكائنات عليها بصل ٍة عائلي ٍة‬ ‫ٍ‬ ‫وصف لهذه العالقات‬ ‫تجمع الجميع‪ .‬نظرية التطور هي ما توصل إليه البرش من‬ ‫وأسبابها مستعملني املنهج العلمي املجرد‪ .‬الدين هو محاول ٌة أخرى سابقة‪ .‬ال عجب إ ًذا‬ ‫أن يتصادم العلم بالدين يف عندما تختلف مخرجاتهام يف نقطة حاسمة كأصلٍ اإلنسان‪.‬‬ ‫‪59‬‬


‫اإللحاد والتطور‬ ‫دانيئيل دنت‬

‫يقول رينيه ديكارت ‪ Descartes‬يف تأمالته امليتافيزيقية(‪« :)1‬هنالك طريقان فقط إلثبات وجود الله‪ ،‬أحدهام يتمثل‬ ‫بالنظر إىل آثاره‪ ،‬واآلخر بالنظر يف طبيعته أو جوهره»(‪ .)2‬الطريق الثاين هو‬ ‫طريق قَ ْبيل(‪( )3‬بديهي) ‪ A priori‬يتمثل‬ ‫ٌ‬ ‫منوذجه بالحجة األنطولوجية للقديس أنسلم ‪( St. Anselm‬وما متخض عنها‪ ،‬مبا يف ذلك نسخة ديكارت نفسه عن‬ ‫الحجة)‪ ،‬ولهذه الحجة عميق األثر عىل بعض الفالسفة‪ ،‬لكنها ال تؤثر عىل غالبية الناس‪ .‬أما الطريق األول فيتمثّل‬ ‫منوذجه بالحجة املستقاة من التصميم ‪ ،Argument from design‬وهي من أكرث الحجج استامل ًة إلقناع الناس يف‬ ‫مواجهة اإللحاد‪ ،‬ومن الظاهر أنها تنشأ تلقائ ًيا حاملا يتحدى املرء إميان الناس بالله‪.‬‬ ‫إن مثال ويليام پييل(‪ William Paley )4‬بإيجاد ساع ٍة ملقا ٍة يف الربية هو ذروة هذه الفكرة إذ يقول‪« :‬إن االستنتاج الذي‬ ‫نراه حتم ًيا هو أن للساعة صان ًعا بال ريب‪ ،‬أنه يف ٍ‬ ‫وقت ما ويف مكانٍ ما‬ ‫ال بد من وجود صانعٍ أو ص ّنا ٍع للساعة لتخدم الغرض الذي ُص ّممت‬ ‫ألجله‪ ،‬وأن ذلك الصانع قد أحاط بعلمه مبدأ تركيبها وتصميم طريقة‬ ‫استعاملها»(‪ .)5‬وقد كانت هذه الحجة محرتم ًة ولها وزنها‪ ،‬إىل أن جاء‬ ‫داروين‪ .‬فانربى لها هيوم يف كتابه «محاوراتٌ يف الدين الطبيعي»‬ ‫‪ Dialogues Concerning Natural Religion‬املنشور عام ‪،1779‬‬ ‫حاسم‪ .‬وحتى ديكارت تب ّنى‬ ‫بنقده الذي وإن كان الذ ًعا‪ ،‬إال أنه مل يكن‬ ‫ً‬ ‫نسخ ًة من حجة التصميم‪ ،‬ففي حجته التي يسوقها يف التأمل الثالث يرى أن فكرة الله أجمل من أن يكون هو ابتدعها‪.‬‬ ‫ومصمم مبد ًعا لألفكار‪ ،‬إال أنه عجز عن أن يتصور نفسه من ص ّمم‬ ‫وعىل الرغم من أن ديكارت اعترب نفسه ذك ًيا‪ ،‬بل‬ ‫ً‬ ‫فكرة اإلله الذي ابتدعه‪.‬‬

‫جمجمة إلنسان ماهر‪ ،‬أقدم أجدادنا صانعي األدوات‬

‫ال بد أن الفكرة املألوفة التي تقيض بأن عجائب الكون املبهرة هي إثباتٌ‬ ‫كخالق للكون هي فكر ٌة قدمي ٌة لرمبا رافقت النوع البرشي‬ ‫عىل وجود الله‬ ‫ٍ‬ ‫منذ نشأته األوىل‪ ،‬بل ورمبا كانت أقدم من البرش‪ .‬فهل كان اإلنسان‬ ‫املاهر(‪ ،Homo habilis )6‬الذي بـ«مهارته» صنع األدوات بصورتها‬ ‫البدائية‪ ،‬ميلك تصو ًرا ولو أول ًيا وغري متضح املعامل عن وجود حاج ٍة ليش ٍء‬

‫‪1- Descartes, René. 1641. Meditations on First Philosophy. Paris: Michel Soly.‬‬ ‫‪2- Oeuvres de Descartes, Adam, Charles, and Paul Tannery, (eds.) 1904. Paris: J. Vrin, vol. VII, p. 120.‬‬ ‫‪ -3‬يستخدم املصطلحان البديهي ‪« a priori‬يف وقت سابق» واالستداليل ‪« a posteriori‬يف وقت الحق» يف الفلسفة (نظرية املعرفة) للتمييز بني نوعني من املعرفة‪ ،‬وهام التربير‬ ‫مستقل عن الخربة‪ ،‬بينام املعرفة أو التربير االستداليل يكون معتمدًا عىل الخربة أو الدليل التجريبي‪[ .‬مالحظة املرتجم]‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أو الحجاج‪ .‬إن املعرفة أو التربير البديهي يكون‬ ‫‪ -4‬وليام پييل هو قس وفيلسوف إنجليزي عاش يف الفرتة ما ‪ 1743‬و‪ ،1805‬اهتم بقضية وجود الله والحجة الغائية‪[ .‬مالحظة املرتجم]‪.‬‬ ‫‪5- Paley, William. 1800. Natural Theology. Oxford: J. Vincent.‬‬ ‫منقرض عاش ما بني ‪ 2.1‬مليون و‪ 1.5‬مليون عا ًما خالل فرتة حقبة الپاليستوسني املبكرة‪ ،‬وهو حلقة وسيطة بني أوسرتالوپيثيكوس أفارنسيس‬ ‫برشي‬ ‫‪ -6‬اإلنسان املاهر هو نو ٌع‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫‪( Australopithecus afarensis‬الذي تنتمي إليه العينة املسامة لويس)‪ ،‬واإلنسان املنتصب ‪[ .Homo erectus‬مالحظة املرتجم]‪.‬‬

‫‪60‬‬


‫اإللحاد والتطور‬ ‫دانيئيل دنت‬

‫يك لصناعة يش ٍء آخر أقل تعقي ًدا؟ فنحن مل نشهد ق ّط وعا ًء يصنع صانع األوعية أو حدوة حصانٍ تصنع ح ّدا ًدا‪ .‬إن‬ ‫كبريٍ ذ ٍ‬ ‫هذا التصور للتصميم الذي يضع العقل أولً ومن تحته تتدرج تبعاته بشكلٍ‬ ‫هرمي يبدو تصو ًرا بديه ًّيا للوهلة األوىل‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫طالب يو ًما كتيّبًا دعائيًا للخلقيني ‪ Creationists‬وفحواه مبني ٌة عىل االستبيان الوهمي التايل‪:‬‬ ‫أعطاين ٌ‬ ‫«الفحص الثاين‪:‬‬ ‫هل تعرف عن ٍ‬ ‫بيت بال ب ّناء؟ [نعم] [ال]‬ ‫هل تعرف عن لوح ٍة بال فنان؟ [نعم] [ال]‬ ‫هل تعرف عن سيار ٍة بال صانع؟ [نعم] [ال]‬ ‫أي من األسئلة أعاله‪ِ ،‬‬ ‫فاعط التفاصيل‪ :‬ـــــــــــــ‬ ‫إن أجبت ٍ‬ ‫بنعم عن ٍ‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ»‬ ‫هدف هذا االستبيان توليد إحرا ٍج لدى القارئ‪ ،‬مام سيؤدي إىل شعوره باستهجانٍ يشابه االستهجان الذي يتولّد لدى‬ ‫الكثريين (بل رمبا الغالبية) عندما يتعرفون عىل الطرح الذي أىت به داروين ألول مرة‪ .‬إذ يبدو من البديهي أن ال صنعة‬ ‫متمثل بجال ٍء‬ ‫ً‬ ‫يل ونفو ٍر نراه‬ ‫بال صانعٍ وأن ال مخلوق بال خالق‪ ،‬أليس كذلك؟ إمكانية العكس ت ُدخل الكثريين يف د ُوا ٍر عق ٍ‬ ‫باسم مجهو ٍل يف العام ‪:1868‬‬ ‫يف الهجوم التايل املوجه ضد داروين بُعيد نرشه نظريته‪ ،‬حيث تم نرش الهجوم ٍ‬ ‫«يف النظرية التي بني يدينا نجد أن الجهل املطلق هو الصانع‪ ،‬بحيث يتّخذ املبدأ األسايس القابع خلف النظام ككلٍ‬ ‫الشكل التايل‪ :‬حتى تصنع آل ًة مثالي ًة وجميل ًة فأنت ال تحتاج أن تعرف كيف تصنعها‪ .‬فعند الفحص والتدقيق نجد أن‬ ‫ٍ‬ ‫بكلامت موجز ٍة كل املعنى الذي‬ ‫وبأسلوب يختزل‬ ‫هذا الفرض موجو ٌد بشكلٍ مركّ ٍز يف الطرح األسايس لهذه النظرية‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫بديل‬ ‫يقدمه السيد داروين‪ ،‬الذي باستعامله استداللً عجيبًا يقلب املنطق‪ ،‬يبدو أنه يعتقد أن الجهل املطلق هو ٌ‬ ‫محل الحكمة املطلقة يف كل‬ ‫قاد ٌر عىل أن يحل ّ‬ ‫اﻟﺘﻨﺎدد ﰲ اﻷﻃﺮاف اﻷﻣﺎﻣﻴﺔ ﻟﻠﺜﺪﻳﻴﺎت‬ ‫مناحي إنجازات الفعل الخالق»(‪.)7‬‬ ‫بالضبط! فهذا االستدالل العجيب الذي «يقلب‬ ‫املنطق» كان أسلوب تفكريٍ رائعٍ وجديد‪ ،‬قَلَب‬ ‫تام فكرة أولية العقل التي مل يستطع‬ ‫بشكلٍ ٍ‬ ‫حتى ديڤيد هيوم نفسه التخلص منها‪ ،‬فاستبدلها‬ ‫هرمي يبدأ من األسفل ينبثق فيها الذكاء‬ ‫بتدر ٍج‬ ‫ٍ‬ ‫‪ Intelligence‬كأحد عديد منتجات العمليات‬ ‫اآللية غري الواعية‪ ،‬واملقصود هنا الذكاء الذي‬

‫‪Mammalian Forelimbs: Homologus Structures‬‬

‫اﻟﻌﻀﺪ‬ ‫‪Humerus‬‬ ‫اﻟﻜﻌﱪة ‪Radius‬‬ ‫اﻟ َﺰﻧْﺪ ‪Ulna‬‬

‫اﻟﻌﻈﻢ اﻟﺮﺳﻐﻲ ‪Carpals‬‬ ‫اﻟﺴﻨْﻊ ‪Metacarpals‬‬ ‫ﻋﻈﺎم ّ‬

‫اﻟﺨﻔﺎش‬

‫اﻟﺤﻮت‬

‫اﻟﻘﻄﺔ‬

‫اﻹﻧﺴﺎن‬

‫اﻟﺴ َﻼ َﻣﻰ ‪Phalanges‬‬ ‫ﱡ‬

‫‪7- MacKenzie, Robert Beverley. 1868. The Darwinian Theory of the Transmutation of Species Examined. London: Nisbet & Co. Quoted in a review,‬‬ ‫‪Athenaeum, no. 2102 (February 8): 217.‬‬

‫‪61‬‬


‫اإللحاد والتطور‬ ‫دانيئيل دنت‬

‫نراه مركّ ًزا يف ٍ‬ ‫ذوات فاعل ٍة مشخص ٍة ‪ .Anthropomorphic‬إن وقود هذه العمليات هو ملياراتُ من التصادمات الخالية‬ ‫ٍ‬ ‫تحسينات يف الساللة التي تح ُدث ضمنها‪.‬‬ ‫من الهدف أو التصميم‪ ،‬تربز منها نسب ٌة متناهية الضآلة تقود صدف ًة إىل‬ ‫متت‬ ‫وبفضل مبدأ «التوريث مع التعديل» ‪ ،Descent with modification‬فإن هذه االبتكارات يف التصميم‪ ،‬والتي ّ‬ ‫مصمم ما عدا عملية االنتقاء‬ ‫تجربتها بال هواد ٍة عىل مر عصو ٍر طويل ٍة سترتاكم‪ ،‬معطي ًة تصاميم مذهل ٍة مل متسها يد‬ ‫ٍ‬ ‫الطبيعي عدمية الهدف‪.‬‬ ‫)‪(4‬‬

‫)‪(2‬‬

‫ميكننا رؤية بصمة هذه االبتكارات‪ ،‬والتي مل يُخطَّط لها‪ ،‬يف‬ ‫ﻋﻀﻼت اﻷذن‬ ‫)‪(3‬‬ ‫ﻧﻘﻄﺔ ﻋﻤﻴﺎء‬ ‫كل مكانٍ عند التمعن بإبداعات الطبيعة‪ ،‬يف تركيب الشبكية‬ ‫)‪(5‬‬ ‫‪1‬‬ ‫أﻗﻮاس ﺧﻴﺸﻮﻣﻴﺔ‬ ‫يف عيون الفقاريات واملركبة باملقلوب (ظه ًرا لبطن)‪ ،‬أو‬ ‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬ ‫)‪(6‬‬ ‫ببقايا املو ّرثات واألعضاء املهملة جزئ ًيا يف كل األنواع‪ ،‬هذا‬ ‫ﺣﻠتت اﻟﺮﺟﻞ‬ ‫عدا عن اإلفراط يف التبذير والقسوة الظاهرية يف العديد من )‪(7‬‬ ‫)‪ (8‬اﳌﻬﺒﻞ‬ ‫ﻟﺴﺎن اﳌﺰﻣﺎر‬ ‫اﳌﺸﻜﻠﺔ‪ :‬اﻟﺤﻞ؟‬ ‫اﳌﺸﻜﻠﺔ‪:‬‬ ‫العمليات الطبيعية‪ .‬وهذه االنحرافات عن التصميم الحكيم‬ ‫اﻟﺤﻞ؟‬ ‫ﻫﻮاء‬ ‫تقويم(‪ ))8‬أو «الحوادث التي تجمدت عواقبها مع‬ ‫(عن أحسن ٍ‬ ‫ﻃﻌﺎم‬ ‫ﻃﻌﺎم‬ ‫(‪)9‬‬ ‫الزمن» ‪ Frozen accidents‬بحسب جملة فرانسيس كريك‬ ‫ﻣﻨﻈﺮ أﻣﺎﻣﻲ‬ ‫ﻟﺴﺎن ﻣﺰﻣﺎر ﺻﺤﻴﺢ‬ ‫‪ Francis Crick‬املعربة‪ ،‬تضع املؤمن بالله أمام معضلة‪ ٬‬لو‬ ‫ﻫﻮاء‬ ‫ﻃﻌﺎم‬ ‫ﻣﻨﺤﻨﻲ‬ ‫ﻣﺴﺘﻘﻴﻢ‬ ‫ﻣﻨﻈﺮ ﺳﻔﲇ‬ ‫كان الله مسؤولً عن هذه التصاميم‪ ،‬فإن ذكاء الله يشابه‬ ‫)‪(9‬‬ ‫ﺗﺤﺪب اﻟﻈﻬﺮ‬ ‫أﺑﻬﺮ ﺑﻄﻨﻲ )‪(12‬‬ ‫ٍ‬ ‫)‪(10‬‬ ‫بشكلٍ‬ ‫مخيف الذكاء املرتبط بالقسوة وعدم اإلحساس كام‬ ‫ﺗﺪاﺧﻞ أوﻋﻴﺔ دﻣﻮﻳﺔ‬ ‫ﻃﻮل اﻷﺳﻬﺮ ورﻳﺪ أﺟﻮف ﺳﻔﲇ‬ ‫اﻷﺳﻬﺮ‬ ‫نراهام لدى البرش‪ .‬كذلك‪ ،‬ومع ازدياد فهمنا آلليات التطور‪،‬‬ ‫ﻗﻨﺎة)‪ (13‬ﻃﻮل ﻗﻨﺎة اﻟﺒﻴﺾ‬ ‫اﻟﺒﻴﺾ‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫مخططات أكرث‬ ‫نستطيع رسم‬ ‫تفصيل لتسلسل األحداث التي )‪(11‬‬ ‫اﻟﭙﺮوﺳﺘﺎﺗﺎ‬ ‫ظهرت فيها االبتكاراتُ يف التصميم وكيف تم تضمينها يف‬ ‫تفرعات شجرة الجينومات(‪ .)10‬وبالتدريج نرى ظهور رسدي ٍة‬ ‫شديدة التفصيل قادر ٌة عىل التنبؤ بطبيعة العمليات الخالقة‪،‬‬ ‫وهذه الرسدية تعج بالتفاصيل الداعمة لبعضها دون أدىن تناقض‪ .‬وبتج ّمع قطع هذه األحجية الضخمة بوتري ٍة متسارعة‬ ‫تتبي دومنا أي ٍ‬ ‫أيضا بتفاصيلها (وإن مل ت ُحسم قضية‬ ‫شك معقو ٍل صحة هذه الرسدية بخطوطها العريضة‪ ،‬وبقد ٍر كبريٍ ً‬ ‫ّ‬ ‫كل التفاصيل بعد) شارح ًة لنا الكيفية التي تك ّونت بها التصاميم التي نراها يف الكائنات الحية‪.‬‬ ‫ﺗﺰاﺣﻢ اﻷﺳﻨﺎن‬

‫ﻣﻬﺒﻞ رﺣﻢ‬

‫)‪(1‬‬

‫ﺷﺒﻜﻴﺔ ﻣﻌﻜﻮﺳﺔ‬

‫‪ -8‬إضافة املرتجم‪.‬‬ ‫‪ -9‬فرانسيس كريك (‪ ،)1916-2004‬عامل يف البيولوجيا الجزيئية‪ ،‬متكن مع جيمس واطسون يف العام ‪ 1953‬من اكتشاف الحمض النووي الريبي منقوص األكسجني ‪ ،DNA‬وهو‬ ‫ٌ‬ ‫اكتشاف منحهام جائزة نوبل يف الطب وعلم وظائف األعضاء عام ‪[ .1962‬مالحظة املرتجم]‪.‬‬ ‫‪ -10‬صحيفة املحتوى الورايث أو املجموع املوريث أو املَجِني أو الرشيط الورايث (جينوم) (‪ )Genome‬يف علم األحياء هو كامل تسلسل ال‪ DNA‬ألحد الكائنات الحية‪[ .‬مالحظة املرتجم]‪.‬‬

‫‪62‬‬


‫اإللحاد والتطور‬ ‫دانيئيل دنت‬

‫أما الشك غري املعقول(‪ )11‬فهو يف ازدهار‪ ،‬وذلك بفضل الجهود الدعائية املستمرة للخلقيني ‪ Creationists‬وأتباع التصميم‬ ‫الذيك ‪ ،Intelligent design‬وبقيادة متحدثني باسمهم من أمثال وليام دمبسيك ‪ William Dembski‬ومايكل بيهي‬ ‫ٍ‬ ‫خالفات علمي ٍة موهوم ٍة يف علم األحياء‬ ‫‪ ،Michael Behe‬والذين متكّنوا لألسف من إقناع رشيح ٍة كبري ٍة من العامة بوجود‬ ‫ويف التطور عرب االنتقاء الطبيعي‪ ،‬العمود الفقري لعلم األحياء‪ .‬هذا ال يعني خلو علم األحياء من أي خالفات‪ ،‬بل عىل‬ ‫أي منها بتحدي فكرة التطور‪.‬‬ ‫يعج بها‪ ،‬لكن ال يتعلق ٌ‬ ‫العكس‪ ،‬فهو ّ‬ ‫ٍ‬ ‫علمي هي اإلتيان بنظري ٍة بديل ٍة تتسم بالصفات التالية‪:‬‬ ‫والطريقة الوحيدة املرشوعة لخلق زوبع ٍة يف أي‬ ‫مبحث ٍّ‬ ‫يتبي الحقًا أنه تنب ٌؤ صحيح‪.‬‬ ‫‪ -1‬تتنبأ بيش ٍء تتعارض معه النظرية السائدة بشكلٍ مبا ٍ‬ ‫رش واض ٍح ثم ّ‬ ‫حي املدافعني عن النظرية السائدة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫‪ -2‬أو تُقدم تفس ًريا‬ ‫مقبول ألم ٍر طاملا ّ‬ ‫‪ -3‬أو تُو ّحد نظريتني متباعدتني عىل حساب بعض عنارص النظرية السائدة املقبولة‪.‬‬ ‫تجارب تعارض أيًا من‬ ‫إىل اليوم مل يق ّدم منارصو التصميم الذيك ولو حال ًة واحد ًة تحقق أيًا من هذه املعايري‪ .‬إذ ال توجد‬ ‫ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫مشاهدات تُضعضع أسس التفكري التطوري ال من السجل‬ ‫معايري الداروينية الحديثة ‪ ،Neo-Darwinism‬وال توجد أي‬ ‫ٍ‬ ‫توحيدات‬ ‫األحفوري وال الجينوميات (املجينيات) ‪ Genomics‬وال الجغرافيا‪-‬البيولوجية وال الترشيح املقارن‪ .‬ال توجد أي‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫تنبؤات مفاجئ ٍة ثبتت صحتها‪ .‬وباملخترص‪ ،‬فاملسألة ال تتعلق بالعلم وإمنا بالدعاية‪ ،‬ومل‬ ‫تبسيطات أو‬ ‫نظري ٍة بديل ٍة أو‬ ‫ٍ‬ ‫ت ُطرح أي فرضي ٍة من طرف التصميم الذيك كتفسريٍ‬ ‫منافس ألي ظاهر ٍة بيولوجية‪ ،‬إذ أن صياغة فرضي ٍة منافس ٍة يقتيض‬ ‫ٍ‬ ‫مبنطويات قابل ٍة للفحص التجريبي‪ ،‬ولكن منارصي التصميم الذيك يتجاهلون هذه‬ ‫من املرء الغوص يف تفاصيل التقدم‬ ‫املطلب زاعمني أنه ال تخطر يف أذهانهم سامتٌ محدد ٌة بصدد هوية أو طبيعة املصمم الذيك‪.‬‬ ‫يك تخيلي ٍة قادر ٌة عىل تفسري ظهور البرش عىل هذا‬ ‫وحتى ندرك قصور هذا املوقف‪ ،‬لنفرتض وجود فرضية‬ ‫ٍ‬ ‫تصميم ذ ٍ‬ ‫الكوكب‪:‬‬ ‫«قبل ستة ماليني سنة‪ ،‬زار مهندسون وراثيون أذكياء‬ ‫األرض من مجر ٍة أخرى وقرروا أن الكوكب سيصبح أكرث‬ ‫َ‬ ‫قيم ًة لو ُوجد عليه نو ٌع قاد ٌر عىل استعامل اللغة وتكوين‬ ‫الدين‪ ،‬فقاموا بعزل بعض القردة العليا ‪( Primates‬من‬ ‫أسالف البرش والتشمپانزي والبونوبو) ثم أعادوا هندستهم‬ ‫وفصوصا صدغي ًة متضخم ًة‬ ‫وراثيًا فمنحوهم غريزة اللغة‬ ‫ً‬ ‫لتمكينهم من التخطيط والتفكري‪ ،‬ونجح التعديل»‪.‬‬

‫‪ -11‬التمييز بني الشك املعقول ‪ reasonable doubt‬والشك غري املعقول ‪ unreasonable doubt‬يأيت من عامل القضاء األمرييك‪ ،‬حيث أن معيار الربهنة القانونية إلثبات إدان ٍة بجرمٍ‬ ‫متحيصا كب ًريا‪[ .‬مالحظة املرتجم]‪.‬‬ ‫ما هو ما يسمى دون شك معقول ‪ ،beyond a reasonable doubt‬وهو معيا ٌر صارم يتعلق عاد ًة بالجرائم التي تحتاج‬ ‫ً‬

‫‪63‬‬


‫اإللحاد والتطور‬ ‫دانيئيل دنت‬

‫اﻟﻨﻈﺮﻳﺔ اﻟﱰﻛﻴﺒﻴﺔ اﻟﺸﺎﻣﻠﺔ ‪Integrated Synthesis‬‬

‫ﻧﻈﺮﻳﺔ ﻋﻠﻢ اﻟﻨﻤﻮ اﻟﺘﻄﻮرﻳﺔ‬ ‫‪Evo-devo theory‬‬

‫اﻟﺘﻜﻴّﻒ ﻣﻊ اﻟﻮﺳﻂ اﳌﺤﻴﻂ‬

‫اﻟﻨﻈﺮﻳﺔ اﻟﱰﻛﻴﺒﻴﺔ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ )اﻟﺪاروﻳﻨﻴﺔ اﻟﺠﺪﻳﺪة(‬ ‫)‪Modern Synthesis (Neo-Darwinism‬‬

‫‪Plasticity & Accommodation‬‬

‫اﻟﻄﻔﺮة اﻟﺠﻴﻨﻴﺔ‬

‫اﻟﻮراﺛﺔ ﻓﻮق اﻟﺠﻴﻨﻴﺔ‬ ‫‪Epigenetic inheritance‬‬

‫اﻻﻧﺘﺨﺎب ﻋﲆ ﻣﺴﺘﻮﻳﺎت ﻣﺘﻌﺪدة‬ ‫‪Multilevel selection‬‬

‫اﻟﺘﻄﻮر اﻟﺠﻴﻨﻮﻣﻲ‬

‫‪Genomic evolution‬‬

‫ﺑﻨﻴﺔ اﳌﻮﻃﻦ اﻟﺒﻴﺌﻲ‬ ‫‪Niche construction‬‬ ‫ﻧﻈﺮﻳﺔ اﳌ ُﺴﺘﻨﺴﺨﺎت‬

‫‪Gene mutation‬‬

‫اﻟﺪاروﻳﻨﻴﺔ ‪Darwinism‬‬ ‫اﻟﺘامﻳﺰ ‪Variation‬‬ ‫اﻟﻮراﺛﺔ ‪Inheritance‬‬ ‫اﻻﻧﺘﻘﺎء اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ‬

‫اﻟﻮراﺛﺔ اﳌﻨﺪﻟﻴﺔ‬

‫‪Mendelian inheritance‬‬

‫ﻋﻠﻢ وراﺛﺔ اﻟﺠامﻋﺎت‬ ‫‪Population genetics‬‬

‫ﺣﻮادث ﻃﺎرﺋﺔ‬

‫‪Natural Selection‬‬

‫‪Replicator theory‬‬

‫اﻟﻘﺎﺑﻠﻴﺔ ﻟﻠﺘﻄﻮر‬

‫‪Contingency‬‬

‫ﻧﺸﻮء اﻷﻧﻮاع وﺗﻄﻮرﻫﺎ‬

‫وراﺛﺔ اﻟﺪﻧﺎ ﻓﻘﻂ‬

‫‪DNA inheritance ONLY‬‬

‫اﻻﻧﺘﺨﺎب اﻟﺠﻴﻨﻲ ﻓﻘﻂ‬ ‫‪Gene selection ONLY‬‬

‫اﻧﻌﺰال اﻟﺠﻴﻨﻮم‬

‫‪Genome isolated‬‬

‫‪Speciation & trends‬‬

‫‪Evolvability‬‬

‫ولو كانت نسخ ٌة من هذه الفرضية صحيح ًة‪ ،‬سيكون من املمكن تفسري اختالف البرش عن أقرب األقارب‪ ،‬وستدحض كل‬ ‫فرضيات الداروينية الجديدة ‪ Neo-Darwinian‬املستعملة يف دراسة هذا السؤال الهام‪ .‬وستظل أمامنا مشكلة كيفية‬ ‫ظهور املهندسني الوراثيني األذكياء عىل كوكبهم األم‪ ،‬ولكن نستطيع تجاهل هذا التعقيد مؤقتًا‪ ،‬نظ ًرا النعدام أي دليلٍ‬ ‫تصميم ذيكٍّ هو أم ٌر يتجنب أتباع التصميم الذيك مناقشته‪.‬‬ ‫داعم لها وألي فرضية‬ ‫ٍ‬ ‫لصالح هذه الفرضية‪ .‬وغياب أي دليلٍ ٍ‬ ‫ففرضيتي الوهمية أعاله‪ ،‬والتي رغم ضعف احتاملها تظل ممكن ًة‪ ،‬تتميز بأنها قابل ٌة للفحص من حيث املبدأ‪ ،‬إذ نستطيع‬ ‫مثل تركوا‬ ‫فحص جينومات اإلنسان والتشمپانزي باحثني عن آثار العبث فيهام عىل يد هؤالء املهندسني الوراثيني (رمبا ً‬ ‫توقيعهم عىل شكل رسال ٍة مشفّر ٍة يف الحمض النووي للبرش!)‪ .‬إن إيجاد «دليل مستخدم» متض ّم ًنا داخل فضالت الحمض‬ ‫النووي(‪ Junk DNA )12‬والذي ميثل غالبية الجينوم البرشي سيكون اكتشافًا جدي ًرا بجائزة نوبل ورضب ًة قاصم ًة تُوجهها‬ ‫أصل عن ذلك فهم مل يخربوا أح ًدا ببحثهم‪ .‬إنهم يدركون أن‬ ‫جامعة التصميم الذيك للتطور‪ ،‬ولكنهم لو كانوا يبحثون ً‬ ‫الصمت أفضل‪ .‬وإنه ملن السخرية أن حجة االستدالل عىل التصميم ‪ Design inference‬التي ق ّدمها ويليام دمبسيك‬ ‫يك يف الساللة السببية للظواهر‪،‬‬ ‫فحصا مضمون النتيجة إليجاد هذه الدالئل التي تشري إىل‬ ‫ٍ‬ ‫يفرتض فيها أن ت ُق ّدم ً‬ ‫تالعب ذ ٍ‬ ‫وبدل من الربهنة بإجراء الفحص‪ ،‬يكتفي دمبسيك(‪ )13‬مبالحظة أن وجهة نظر التصميم الذيك «تشجع علامء األحياء عىل‬ ‫ً‬ ‫تقيص ما إذا كانت األنظمة التي تبدو بال وظيف ٍة للوهلة األوىل متتلك بالفعل وظيف ًة ما»‪ ،‬وال يوجود أحد من الداروينيني‬ ‫الجدد يختلف مع اتباع هذه االسرتاتيجية‪.‬‬ ‫‪ -12‬الدنا غري امل ُشفِّر أو الدنا الخردة ‪ noncoding DNA‬هي أجزاء من الدنا (‪ )DNA‬ال تقوم بتشفري وإنتاج متسلسالت الربوتني‪ .‬بعض الدنا غري املشفر ينسخ إىل جزيئات رنا‬ ‫‪ RNA‬غري مشفرة ذات وظيفة‪[ .‬مالحظة املرتجم]‪.‬‬ ‫‪13- Dembski, William. 2005. “In Defense of Intelligent Design.” Http://www.designinference.com. Forthcoming in Philip Clayton (ed)., Oxford‬‬ ‫‪Handbook of Religion and Science.‬‬

‫‪64‬‬


‫اإللحاد والتطور‬ ‫دانيئيل دنت‬

‫إن املنافسة معدوم ٌة بني القصة التطورية الغنية‪ ،‬دامئة التف ّرع من جه ٍة واالنعدام التام للتفاصيل وغموض لغز الفعل‬ ‫عظيم يف هذه النظرة‬ ‫انقالب‬ ‫اإللهي الخالق لكل املخلوقات‪ ،‬صغريها وكبريها من جه ٍة أخرى‪ .‬ينطوي هذا األمر عىل‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫فكل من صدمه‬ ‫مقارن ًة باملعتقد الذي ساد قد ًميا بأن من املمكن استنطاق عجائب الطبيعة للتدليل عىل وجود الله‪ّ .‬‬ ‫مسؤول عن كل هذا‪ ،‬ذاك‬ ‫ً‬ ‫متسائل‪َ :‬م ْن غري الله ميكن أن يكون‬ ‫ً‬ ‫التعقيد املذهل والتعدد الهائل يف عامل األحياء فكّر‬ ‫ٌ‬ ‫بديل ميلك قدر ًة تفسريي ًة مذهل ًة تدع ُمه حرف ًيا آالف التنبؤات‬ ‫معقول عن تلك النظرة‪ ،‬لكنه ٌ‬ ‫بديل‬ ‫الشخص أمامه اليوم ٌ‬ ‫النظرية التي تم تأكيدها باملشاهدة‪ ،‬واأللغاز التي تم حلها‪ .‬قام ريتشارد دوكنز ‪ Richard Dawkins‬بوصف ذلك‬ ‫بشكلٍ واض ٍح إذ قال‪« :‬لقد كان اإللحاد إمكاني ًة منطقي ًة معقول ًة قبل داروين‪ ،‬لكن داروين مكّن امللحد من الوصول إىل‬ ‫مرحلة اتساقٍ فكري»(‪.)14‬‬ ‫إن تقويض دعائم أفضل حج ٍة عىل وجود الله ال يرقى طب ًعا إىل ٍ‬ ‫إثبات عىل‬ ‫عدم وجود الله‪ ،‬ونجد العديد من املفكرين الذين أقروا بالتطور عرب االنتخاب‬ ‫الطبيعي كتفسريٍ لعجائب عامل األحياء رشعوا بالبحث عن دعائم بديل ٍة إلدامة‬ ‫أول هي‬ ‫إميانهم بالله‪ ،‬ذلك أن فكرة اعتبار العقل كنتيج ٍة بدل أن يكون سب ًبا ً‬ ‫مثل أن ألفرد راسل واال س �‪Al‬‬ ‫فكر ٌة ثوري ٌة أكرث من اللزوم بالنسبة للبعض‪ .‬فرنى ً‬ ‫‪ ،fred Russel Wallace‬الذي اكتشف االنتخاب الطبيعي بالتزامن مع داروين‪،‬‬ ‫تام حني قال‪« :‬ال بد أن التعقيد املذهل‬ ‫مل يستطع قبول قلب األدوار هذا بشكلٍ ٍ‬ ‫للقوى التي تبدو مسؤول ًة عن التحكم باملادة‪ ،‬بل وحتى تشكيل املادة‪ ،‬هو‬ ‫ناتج من منتجات عقل»(‪ .)15‬وقبل فرت ٍة ليست ببعيدة‪ ،‬رأى الفيزيايئ پول ديڤيز‬ ‫پول ديڤيز‬ ‫ٌ‬ ‫‪ Paul Davies‬يف كتابه «عقل الله» ‪ The Mind of God‬أن قدرة عقول البرش‬ ‫ثانوي لق ًوى عبثي ٍة غري عاقلة»(‪ .)16‬إن هذا األسلوب يف التعبري يكشف‬ ‫تفصيل تاف ًها‪ ،‬وال هي منتَ ٌج‬ ‫ً‬ ‫عىل التفكّر «ليست‬ ‫ٌ‬ ‫عن ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫مألوف من اإلنكار‪ ،‬فهو ييش بوجود تحي ٍز مل يتمعن صاحبه بفحصه‪ .‬فقد نسأل ديڤيز‪ :‬ما الذي يجعله تاف ًها‬ ‫منط‬ ‫إن كان منتَ ًجا ثانويًا لق ًوى عبثي ٍة غري عاقلة؟ ما السبب الذي مينع أهم األشياء من االنبثاق مام هو أقل أهمية؟ ملاذا‬ ‫كان عىل األهمية أو االمتياز أن يأتيا من أعىل‪ ،‬من يش ٍء أكرث أهمية‪ ،‬كأعطيتني من الله؟ إن مؤدى االنقالب الذي أحدثه‬ ‫داروين هو هجران هذا االفرتاض املسبق والبحث عن أنوا ٍع من االمتياز والقيمة والهدف املنبثقة ال من األعىل وإمنا من‬ ‫أسفل‪ ،‬كالفقاقيع من تحت املاء‪ ،‬من «ق ًوى عبثي ٍة غري عاقلة»‪.‬‬ ‫ولكن قبل أن نستقر عىل هذه النظرة التي ترى أن األهمية تنبثق من األسفل إىل األعىل‪ ،‬علينا أن نتقن التعامل مع بقايا‬ ‫‪14- Dawkins, Richard. 1986. The Blind Watchmaker. London: Longmans, p. 6.‬‬ ‫‪15- Quoted by Gould, Stephen Jay. 1985. The Flamingo’s Smile. New York: Norton, p. 397.‬‬ ‫‪16- Davies, Paul. 1992. The Mind of God. London: Simon and Schuster., p. 232.‬‬

‫‪65‬‬


‫اإللحاد والتطور‬ ‫دانيئيل دنت‬

‫الشك الذي يأيت مع النظرة التقليدية التي ترى أن األهمية تأيت من األعىل‪ :‬فحاملا ينطلق التطور غري املو ّجه وغري العاقل‪،‬‬ ‫عظيم مع الوقت‪ ،‬ولكن كيف بدأت العملية؟ ألسنا بحاج ٍة إىل الله ليشعل رشارتها بتجميع الخلية‬ ‫سيقوم بتوليد‬ ‫تصميم ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫األوىل التي ما كانت لتتجمع لوال املعجزة اإللهية؟ مثة اتجاهان متضادان يحددان االهتامم‪ ،‬ال بل الشغف‪ ،‬املحيطني‬ ‫ٍ‬ ‫عمليات طبيعي ٍة احتامل حدوثها‬ ‫باألبحاث املعارصة يف أصل الحياة‪ :‬األمل بهذه املعجزة إضاف ًة إىل االعتقاد املضاد بأن‬ ‫قليل (لكنه ليس معدو ًما) قادر ٌة عىل تفسري أصل الحياة‪ .‬مل يتم تحديد تفاصيل العملية بشكلٍ‬ ‫حاسم بعد‪ ،‬لكن تم‬ ‫ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫اآلن التوثق من أن العامل السابق عىل وجود األحياء ُوجدت فيه لبنات بنا ٍء ال تقترص عىل األحامض األمينية واملركبات‬ ‫ٍ‬ ‫لجزيئات أعقد‪ ،‬واملشكلة التي تواجه الباحثني اليوم ال تتمثل بلغ ٍز غري قابلٍ للفهم‬ ‫العضوية البسيطة‪ ،‬وإمنا تتعداها‬ ‫وإمنا بغنى االحتامالت‪ ،‬إذ يوجد ك ٌم ٌ‬ ‫مهول من االحتامالت التي مل يتم استبعادها بعد‪ .‬واالعتقاد الذي كان يقول برضورة‬ ‫ٍ‬ ‫وقوع معجز ٍة وخرقٍ‬ ‫مؤقت لقوانني الفيزياء والكيمياء لتمكني الحياة من البدء هو اعتقا ٌد فقد جدواه متا ًما اآلن‪.‬‬ ‫ولكن هذا يقودنا إىل قوانني الفيزياء والكيمياء نفسها‪ ،‬أال تحتاج هذه القوانني تفس ًريا؟ إن كان الله قد فقَد صفة الصانع‬ ‫املبدئ‪ ،‬ماذا عن صفة واضع القوانني؟ لقد كان هذا االقرتاح شائ ًعا منذ األيام األوىل لظهور التفكري الدارويني‪ ،‬بل إن‬ ‫داروين نفسه انجذب يف ٍ‬ ‫وقت ما لذلك االحتامل‪ ،‬ففي رسال ٍة من العام ‪ 1860‬و ّجهها لعامل الطبيعيات األمرييك إيسا غريه‬ ‫‪ ،Asa Gray‬وهو أحد املنارصين األوائل لداروين‪ ،‬يقول داروين‪« :‬أميل إىل رؤية كل يش ٍء كنات ٍج لقوانني مص َّممة‪ ،‬أما‬ ‫تفاصيل تطبيقها‪ ،‬جيد ًة كانت أو سيئ ًة‪ ،‬فيعود إىل ما ميكن أن نسميه بالصدفة»(‪.)17‬‬ ‫ٍ‬ ‫منتجات تنطوي عىل كثريٍ من الروعة‪ ،‬فمن وجهة نظرنا‬ ‫حتى العمليات اآللية ‪ Automatic processes‬كث ًريا ما تكون‬ ‫اليوم‪ ،‬ندرك عبقرية مخرتعي غيار السيارة اآللية (األوتوماتييك) واألبواب التي تفتح وتغلق آل ًيا‪ ،‬وتكمن عبقريتهم يف‬ ‫خلقهم أشيا َء تقوم بأفعا ٍل تبدو «ذكي ًة» دون حاج ٍة إىل أن تفكّر‪ .‬وكنو ٍع من املفارقة التاريخية ‪ ،Anachronism‬دعونا‬ ‫نقل أن األمر سيبدو من منظور بعض املراقبني من عرص داروين وكأننا‬ ‫تركنا فسح ًة لله ليقوم بتصميم أدا ٍة تنتج التصاميم بشكلٍ آيل‪ ،‬وهذا‬ ‫التصور مل يكن نو ًعا من الرتقيع املؤقت‪ ،‬وإمنا كتحس ٍني إيجا ٍيب عىل الفكرة‬ ‫التقليدية املتوارثة‪ .‬ولو نظرنا إىل اإلصحاح األول من سفر التكوين‪ ،‬نجد‬ ‫أن كل دفع ٍة من الخلق تنتهي باآلية املكررة التي تقول‪َ « :‬و َرأَى الل ُه ذلِ َك‬ ‫أَنَّ ُه َح َس ٌن»‪ ،‬وما فعله داروين هو أنه اكتشف طريق ًة تزيل الحاجة لهذا‬ ‫الفحص الذي يحكم عىل جودة املنتج‪ ،‬فاالنتخاب الطبيعي يقوم بتلك‬ ‫املهمة دون حاج ٍة ألي تدخلٍ إضا ٍيف من الله‪( .‬كان الفيلسوف غوتفريد‬ ‫ڤيلهلم اليبنتز ‪ Gottfried Wilhelm Leibniz‬يف القرن السابع عرش قد‬ ‫‪17- Darwin, Francis. 1911. The Life and Letters of Charles Darwin. 2 vols. New York: Appleton (original edition, 1887), p. 105.‬‬

‫‪66‬‬


‫اإللحاد والتطور‬ ‫دانيئيل دنت‬

‫ر ّوج لتصو ٍّر مشاب ٍه لله الخالق الذي ال يتدخل)‪ .‬وبكلامت هرني وورد بيترش ‪« :Henry Ward Beecher‬إن التصميم‬ ‫بالجملة لهو أعظم من التصميم باملف ّرق»(‪ .)18‬أما إيسا غريه الذي افتُ ِت بفكرة داروين الجديدة‪ ،‬فقد بذل قصارى جهده‬ ‫«تدفق من‬ ‫بتوفيق مري ٍح مفاده أن الله تع ّمد وجود‬ ‫للتوفيق بينها وبني معتقده الديني التقليدي ما استطاع‪ ،‬فخرج‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫التنوع» وأدرك سلفًا الكيفية التي ستشذّب قوانني الطبيعة التي صاغها هو هذا التدفق عىل مر العصور‪ .‬وكام الحظ‬ ‫متسك غريه مبا ميكن‬ ‫جون ديوي ‪ John Dewey‬بش ٍكل ٍ‬ ‫مالئم الحقًا(‪ )19‬الجئًا إىل مجا ٍز آخر من عامل التجارة‪« :‬لقد ّ‬ ‫تسميته تصمي ٌم باالعتامد عىل خطة الدفع باألقساط»‪.‬‬ ‫كتعليق أو ٍيل ميكننا القول بأن الرتتيب أو النسق هو وجود‬ ‫فام هو الفرق بني الرتتيب ‪ Order‬والتصميم ‪Design‬؟‬ ‫ٍ‬ ‫االنتظام ‪ ،Regularity‬وجود منط ‪ ،Pattern‬أما التصميم فهو ما أسامه أرسطو الغاية أو املنتهى ‪ ،τέλος‬وهو استغالل‬ ‫ترتيب جبار‪ ،‬لكنه‬ ‫مثل‪ .‬يوجد يف النظام الشميس‬ ‫الرتتيب لتحقيق هدف‪ ،‬كالرتتيب الذيك الذي نراه يف تصميم الطائرة ً‬ ‫ٌ‬ ‫غرضا ما‪ .‬أما العني باملقارنة‪ ،‬فهي للنظر‪ .‬ومل يكن التمييز بني األمرين واضح‬ ‫ال ميلك هدفًا (كام يبدو)‪ ،‬فوجوده ال يخدم ً‬ ‫املعامل قبل َمقدم داروين‪ ،‬بل إن الحد الفاصل بينهام كان مغبشً ا‪:‬‬ ‫«قام األقويني(‪ )20‬يف القرن الثالث عرش بطرح نظر ٍة تقول أن األجسام الطبيعية‬ ‫(كالكواكب‪ ،‬وقطرات املطر والرباكني) تترصف كام لو كانت منساق ًة نحو ٍ‬ ‫هدف أو غاي ٍة‬ ‫محددة‪”،‬بهدف تحقيق أفضل النتائج”‪ .‬هذا التناسب بني الغايات ووسائل تحقيقها‬ ‫يؤدي‪ ،‬بحسب األقويني‪ ،‬إىل وجود القصدية أو النية‪ .‬ومبا أن األجسام الطبيعية تفتقد‬ ‫للوعي‪ ،‬فال ميكن أن توفر هذه القصدية من تلقاء ذاتها‪“ .‬لهذا السبب‪ ،‬فال بد من‬ ‫يك يو ّجه األشياء الطبيعية نحو أهدافها‪ ،‬وهذا الكائن نس ّميه الله”»(‪.)21‬‬ ‫وجود كائنٍ ذ ٍ‬ ‫يقوم كليانثس يف «محاورات» هيوم(‪ )22‬بأم ٍر عىل نفس النسق‪ ،‬حني يدمج التك ّيفات‬ ‫املذهلة من عامل األحياء مع االنتظام املشا َهد يف السامء‪ ،‬فكل ذلك يَظهر له كآلي ٍة‬ ‫متناغمة‪ .‬لكن داروين اقرتح فصلهام إذ قال‪ :‬أعطني الرتتيب والزمن الكايف‪ ،‬وسأعطيك‬ ‫التصميم‪ .‬سأبدأ من االنتظام‪ ،‬أي من االنتظام املتأيت من الفيزياء‪ ،‬االنتظام الذي ال‬ ‫ٍ‬ ‫منتوجات تتسم ال‬ ‫هدف أو غاية أو توجيه له‪ ،‬وسأريكم عملي ًة ستولّد يف املحصلة‬

‫كليانثس‬

‫‪18- Rachels, James. 1991. Created from Animals: The Moral Implications of Darwinism. Oxford: Oxford University Press, p. 99.‬‬ ‫‪19- Dewey, John. 1910. The Influence of Darwin on Philosophy. New York: Henry Holt; Bloomington: Indiana University Press, 1965, p. 12.‬‬ ‫‪ -20‬توما األقويني (األكويني) ‪ Tommaso d’Aquino‬هو راهب دومينيكاين عاش يف الفرتة ما بني ‪ 1225‬و‪ ،1274‬وهو من أهم فالسفة والهوتيي الرتاث الكاثولييك وله أثر يف‬ ‫مدارس فلسفية عديدة‪ ،‬ومن أبرز مساهامته حججه يف محاولة إثبات وجود الله‪[ .‬مالحظة املرتجم]‪.‬‬ ‫‪21- Davies, Paul. 1992. The Mind of God. London: Simon and Schuster, p. 200.‬‬ ‫‪ -22‬املقصود هنا شخصية كليانثس كام وردت يف كتاب «محاورات يف الدين الطبيعي» الذي كتبه هيوم عىل لسان فيلون ‪ ،Philo‬الذي مثّل دور الشكّاك‪ ،‬دمييان ‪ Demea‬الذي‬ ‫تقليدي من عرص هيوم‪ ،‬وكليانثس ‪ Cleanthes‬الذي اتخذ من ًحى إمپرييق ًيا (تجريب ًيا) فلسف ًيا تجاه الدين‪[ .‬مالحظة املرتجم]‪.‬‬ ‫مثّل دور رجل دينٍ‬ ‫ٍ‬

‫‪67‬‬


‫اإللحاد والتطور‬ ‫دانيئيل دنت‬

‫أيضا‪( .‬كان هذا ما تراءى لكارل ماركس حني أعلن أن داروين قد و ّجه رضب ًة‬ ‫باالنتظام وحسب‪ ،‬بل وبالتصميم الهادف ً‬ ‫قاضي ًة لفكرة الغائية ‪ :Teleology‬حيث اختزل داروين الغائية إىل الالغائية‪ ،‬عندما اختزل التصميم إىل الرتتيب)‪.‬‬ ‫وستوضح الصورة إحدى األفكار األحدث بصدد هذا الفرق‪ ،‬ويف ذات الوقت العالقة اللصيقة‪ ،‬بني التصميم والرتتيب‪،‬‬ ‫وهذه الفكرة هي الطرح الذي كان الفيزيايئ إرڤن رشودنغر ‪ Erwin Schrödinger‬أول من ساعد بنرشه(‪،)23‬‬ ‫والذي ينص عىل أن من املمكن تعريف الحياة بداللة القانون الثاين يف الديناميكا الحرارية‪ .‬ففي الفيزياء‪ ،‬ميكن‬ ‫قياس الرتتيب أو التنظيم بواسطة التباينات يف الحرارة ‪ heat‬بني املناطق املكانية الزمانية املختلفة‪ ،‬حيث ت ُستخدم‬ ‫اإلنرتوپيا ‪ Entropy‬لقياس مدى غياب الرتتيب (أو الفوىض)‪ ،‬وبحسب القانون الثاين يف الديناميكا الحرارية‪ ،‬فإن إنرتوپيا‬ ‫نظام معزو ٍل تزداد أو تبقى ثابت ًة مع الزمن ولكنها ال تقل‪ .‬أي‬ ‫أي ٍ‬ ‫بعبار ٍة أخرى‪ ،‬فكل يش ٍء يبىل مع الوقت‪ ،‬ال محالة‪ .‬وبحسب القانون‬ ‫الثاين‪ ،‬فإن الكون ينحدر من حال ٍة أكرث ترتي ًبا إىل حال ٍة ينعدم فيها‬ ‫ﺣﺮارة‬ ‫الرتتيب متا ًما‪ ،‬وهي الحالة املعروفة باسم املوت الحراري للكون‬ ‫ﻃﺎﻗﺔ ﻣﻔﻴﺪة‬ ‫ﺣﺮارة‬ ‫)ﺷﻐﻞ(‬ ‫‪ .Heat death of the universe‬فام هي الكائنات الحية إذًا؟ إنها‬ ‫ٍ‬ ‫أشيا ُء تتحدى هذا التداعي نحو الخراب‪ ،‬بشكلٍ‬ ‫مؤقت عىل األقل‪،‬‬ ‫ﺣﺮارة‬ ‫وت ُنجز ذلك بكونها أنظم ًة غري معزولة‪ ،‬فهي تستخرج من محيطها‬ ‫ما تحتاجه إلبقاء نفسها عىل قيد الحياة وللحفاظ عىل أجسامها‪.‬‬ ‫ويلخص عامل النفس ريتشارد غريغوري ‪ Richard Gregory‬األمر‬ ‫مجموع التغري يف إنرتوپيا الكائن الحي‪+‬التغري يف إنرتوپيا‬ ‫عىل النحو التايل‪:‬‬ ‫محيطه يزيد دو ًما مع الوقت‪ ،‬حتى لو قلّت إنرتوپيا‬ ‫الكائن نفسه‬

‫«إن طبيعة سهم الزمن (اتجاه الزمن) الذي ت ُحدده اإلنرتوپيا‪ ،‬أي فقدان‬ ‫ٍ‬ ‫النعكاسات محلي ٍة عىل نطاقٍ محدود‪ ،‬ومن‬ ‫التنظيم‪ ،‬أو فقدان تباينات درجة الحرارة‪ ،‬هي طبيع ٌة إحصائية‪ ،‬فهي عرض ٌة‬ ‫ٍ‬ ‫وفروقات يف الطاقة تعاكس اتجاه “املوت”‬ ‫عكس منظَّ ٌم لإلنرتوپيا‪ ،‬والذكاء الذي يخلق بُ ًنى‬ ‫أبرز األمثلة‪ :‬الحياة‪ ،‬وهي ٌ‬ ‫التدريجي املفرتض للكون الفيزيايئ عرب اإلنرتوپيا»(‪.)24‬‬ ‫ويستمر غريغوري ناس ًبا الفضل لداروين يف طرح الفكرة األساسية التي جعلت ذلك ممك ًنا‪« :‬صار من املمكن اآلن قياس‬ ‫مفهوم االنتقاء الطبيعي باعتباره ما يزيد يف تعقيد وترتيب الكائنات عرب الزمن البيولوجي»‪ .‬واألمر ال يقترص عىل الكائنات‬ ‫ٍ‬ ‫عندئذ كظاهر ٍة فيزيائي ٍة أصيل ٍة تسري بعكس تيار الزمن الكوين‪.‬‬ ‫املفردة‪ ،‬وإمنا عملية التطور التي تخلقهم بأرسها‪ ،‬والتي ت ُرى‬ ‫‪23- Schrödinger, Erwin. 1967. What Is Life? Cambridge: Cambridge University Press.‬‬ ‫‪24- Gregory, Richard L. 1981. Mind in Science: A History of Explanations in Psychology and Physics. Cambridge: Cambridge University Press, p. 136.‬‬

‫‪68‬‬


‫اإللحاد والتطور‬ ‫دانيئيل دنت‬

‫كائن حي‪ ،‬يتم تنظيمه يف كلٍ من تلك الحاالت‬ ‫كائن حي‪ ،‬أو هو نتاج ٍ‬ ‫حي أو جز ٌء من ٍ‬ ‫فاليشء امل ُ َصمم إ ًذا هو إما كائ ٌن ٌ‬ ‫مبساعدة هذه املعركة ضد ازدياد الفوىض‪ .‬إن مقاومة نزعة زيادة الفوىض التي يقتضيها القانون الثاين ليست مستحيل ًة‪،‬‬ ‫ولكنها مكلفة‪ ،‬ويقدم غريغوري هذه النقطة بصور ٍة درامي ٍة يصعب نسيانها‪ .‬فكتعبريٍ عن اتجاهية الزمن التي يفرضها‬ ‫القانون الثاين يف الديناميكا الحرارية‪ ،‬تق ّدم الكتب الدراسية عاد ًة مثال البيضة املخفوقة التي ليس من املمكن إعادتها‬ ‫ٍ‬ ‫مستحيل‪ ،‬لكنه يقتيض جه ًدا مكلِّفًا بشكلٍ مذهلٍ‬ ‫ومعقد وبشكلٍ يعاكس نزعة القانون‬ ‫ً‬ ‫سليم ًة (غري مخفوقة)‪ .‬ليس األمر‬ ‫الثاين عىل طول الطريق‪ .‬واآلن تأملوا التايل‪ :‬ما تكلفة صناعة جها ٍز يأخذ بيض ًة مخفوق ًة ك ُمد َخلٍ ويعطي بيضة سليم ًة‬ ‫جواب جاهز‪ :‬ضع دجاج ًة حي ًة داخل‬ ‫ك ُمخ َرج؟ هنالك‬ ‫ٌ‬ ‫بيضا مخفوقًا‪ ،‬وستستطيع‬ ‫الصندوق! أطعم الدجاجة ً‬ ‫صناعة ٍ‬ ‫سليم لك عىل مدى فرت ٍة ما‪ .‬إننا ال نفكر‬ ‫بيض ٍ‬ ‫بالدجاجة عاد ًة ككيانٍ شبه معج ٍز يف التعقيد‪ ،‬ولكن ها‬ ‫هنا أم ٌر تتقن الدجاجة عمله‪ ،‬وذلك بفضل التصميم‬ ‫الذي رتبها‪ ،‬وهو أم ٌر ال زال بعي ًدا كل البعد عن منال‬ ‫األجهزة التي خلقها املهندسون البرش‪.‬‬ ‫كلام زاد التصميم الذي يُظهره يش ٌء ما‪ ،‬كلام زاد مقدار‬ ‫تصميم (وذلك جزئ ًيا ألن العقول‬ ‫الجهد الالزم يف مجال البحث والتطوير إلنتاجه‪ .‬والعقول هي من أكرث الكيانات‬ ‫ً‬ ‫تص ِّمم أيضً ا نفسها)‪ ،‬ولكن هذا يعني أنها من بني أكرث النتائج العملية ّ‬ ‫الخلقة تعقيدً ا (لحد اآلن)‪ ،‬وليس‪ ،‬كام كان‬ ‫التصور القديم يعتقد أنها السبب أو املصدر لتلك العملية‪ .‬وناتج عمل العقول (مصنوعات البرش التي كانت نقطة‬ ‫تصميم أكرب‪ .‬قد يبدو هذا االستنتاج عكس املتوقع للوهلة األوىل‪ .‬ميكننا‬ ‫ناتج سيحتاج‬ ‫ً‬ ‫انطالق منوذجنا األويل) هو بدوره ٌ‬ ‫مثل أن نتخيل أن قصيدة جون كيتس ‪ John Keats‬املشهورة «أنشود ٌة إىل بلبل» ‪ Ode to a Nightingale‬قد تبدو‬ ‫ً‬ ‫مستحق ًة ألن تكون سليلة ٍ‬ ‫بحث وتطوي ٍر أكرب من البلبل نفسه‪ ،‬أو عىل األقل هكذا قد يبدو األمر لشاع ٍر جاهلٍ بعلم‬ ‫األحياء‪ ،‬ولكن ماذا عن جهد البحث والتطوير الالزم إلنتاج مشبك الورق؟ من الواضح أن تصميم مشبك الورق يبدو‬ ‫بديهي‪ ،‬يبدو هذا االستنتاج صحي ًحا‪،‬‬ ‫تاف ًها إذا ما قورن بتصميم كائنٍ حي‪ ،‬مهام كان ذلك الكائن بدائ ًيا‪ .‬فمن منظو ٍر‬ ‫ٍ‬ ‫كوكب غريب‪ ،‬أي‬ ‫قليل‪ .‬ضعوا أنفسكم مكان پييل ‪ Paley‬لوهلة‪ :‬تتمشون عىل شاطئٍ يبدو مهجو ًرا عىل‬ ‫ولكن فكروا ً‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫اكتشاف سيذهلكم أكرث‪ :‬أن تجدوا محارةً‪ ،‬أم أن تجدوا شبكة صيد محار؟ قبل أن يصنع ذلك الكوكب شبكة صيد محار‪،‬‬ ‫تصميم أكرث بكثريٍ من تصميم محارة‪.‬‬ ‫أول أن يصنع صانع شبكة جمع املحار‪ ،‬وهذا أم ٌر يستغرق‬ ‫عليه ً‬ ‫ً‬ ‫إن نظري ًة بالهيكل املنطقي الذي متلكه نظرية داروين هي الوحيدة القادرة عىل تفسري ظهور األشياء املص َممة‪ ،‬إذ أن أي‬ ‫تفسريٍ آخر سيؤدي إىل الدخول يف حلق ٍة مفرغ ٍة أو إىل تسلسلٍ النهايئ(‪ .)25‬كان أسلوب التفكري القديم الذي يعطي العقل‬ ‫‪25- Dennett, Daniel. 1975. “Why the Law of Effect Will Not Go Away.” Journal of the Theory of Social Behaviour 5: 179–87.‬‬

‫‪69‬‬


‫اإللحاد والتطور‬ ‫دانيئيل دنت‬

‫األولوية‪ ،‬يؤيد مبدأ أن إنتاج الذكاء ال يأيت إال من ذكا ٍء قبله أنتجه‪ ،‬أو بحسب التعبري الذي يستعمله األطفال يف تبادل‬ ‫االتهامات أثناء الجدال‪« :‬تحتاج أن تكون كاذبًا لتكتشف من الكاذب»‪ ،‬لكن جمل ًة واصف ًة أكرث إقنا ًعا يف هذه الحالة‬ ‫سؤال محر ًجا كام الحظ‬ ‫تكون‪« :‬تحتاج ذكا ًء كب ًريا لتصنع ذكا ًء أقل شأنًا»‪ .‬وأي وجهة نظ ٍر مبني ٌة عىل هذه الجملة تواجه ً‬ ‫هيوم‪ :‬إذ لو قام الله بخلق وتصميم كل هذه األمور الرائعة‪ ،‬فمن خلق الله؟ إله الله؟ ومن خلق إله الله؟ إله إله الله؟‬ ‫أم لعل الله خلق نفسه؟ هل ا ْحتاج ذلك منه ُجه ًدا؟ هل استغرقه األمر وقتًا؟ األفضل ألّ تسأل! طيب‪ ،‬لعل من األفضل‬ ‫أن نسأل بدل ذلك عام لو كان اعتامد هذا التعليل يُقدم ميز ًة عىل رفض مبدأ أن الذكاء (أو التصميم) ال بد أن يتولد‬ ‫من ذكاء‪ .‬الواقع أن داروين ق ّدم مسلكًا تعليل ًيا يعزز بصرية پييل‪ :‬من حيث أن الجهد الحقيقي تم استثامره يف تصميم‬ ‫قائل‪:‬‬ ‫الساعة‪ ،‬والجهد ال يأيت باملجان‪ .‬ويلخص ريتشارد دوكنز ‪ Richard Dawkins‬هذه النقطة ً‬ ‫«إن التعقيد املنظَّم هو األمر الذي نجد صعوب ًة‬ ‫ﻧﺴﺦ ﺟﺰيء اﻟﺮﻧﺎ‬ ‫يف تفسريه‪ .‬لو افرتضنا أننا بدأنا من نقط ٍة ما ذات‬ ‫ﻣﻦ اﻟﺪﻧﺎ‬ ‫ٍ‬ ‫تعقيد منظَّم‪ ،‬كمحرك استنساخ ُجزيء الـ (دي إن‬ ‫اﻟﭙﺮوﺗ‬ ‫‪RNA‬‬ ‫اﻟﺮﻧﺎ‬ ‫اﻟﺪﻧﺎ ‪DNA‬‬ ‫إيه والپروت ني �‪DNA/protein replicating en‬‬ ‫اﻟﱰﺟﻤﺔ ﻣﻦ اﻟﺮﻧﺎ‬ ‫‪ ،)gine‬فمن السهل نسب ًيا امليض قد ًما العتبار تلك‬ ‫ﻧﺴﺦ ﺟﺰيء اﻟﺪﻧﺎ‬ ‫إﱃ اﻟﭙﺮوﺗ‬ ‫ٍ‬ ‫تنظيم‪ ...‬ولكن أي إل ٍه قاد ٍر‬ ‫لتعقيد أكرث‬ ‫اآللية مولّ ًدا‬ ‫ً‬ ‫عىل التصميم الذيك ليش ٍء بتعقيد محرك االستنساخ ذاك‪ ،‬ال بد أن يكون عىل األقل بتعقيد وتنظيم املحرك نفسه‪ ...‬فتفسري‬ ‫أصل هذه اآللية باللجوء إىل مص ِم ٍم خارقٍ ليس تفس ًريا ليش ٍء فعل ًيا‪ ،‬إذ أنه يرتك أصل املص ِمم نفسه بال تفسري»(‪.)26‬‬ ‫ثم يتابع دوكنز‪« :‬إن اليشء الذي مينح نظرية التطور ق ّوتها هو أنها تفرس ظهور التعقيد املنظَّم من البساطة البدائية»(‪.)27‬‬ ‫رغم ذلك‪ ،‬فتلك البساطة البدائية تتسم بالرتتيب‪ ،‬وماذا عن قوانني الطبيعة نفسها؟ أليست تلك القوانني دالل ًة عىل‬ ‫وجود من وضعها؟ يصوغ الفيزيايئ وعامل الكونيات فرمين دايسون ‪ Freeman Dyson‬هذه النقطة بحذر‪« :‬ال أ ّدعي‬ ‫سق مع فرضية أن العقل يلعب دو ًرا جوهريًا يف‬ ‫أن معامر الكون يثبت وجود الله‪ .‬أ ّدعي فقط أن معامر الكون متّ ٌ‬ ‫سري وظائف الكون»(‪ .)28‬وكام الحظ دوكنز‪ ،‬فبام أن فرضية أن العقل (بتعقيده وتنظيمه) يلعب دو ًرا ال ميكن أن تكون‬ ‫تفس ًريا‪ ،‬علينا أن نسأل‪ :‬مع أي نو ٍع من الفرضيات يتسق معامر الكون إذًا؟ هنالك العديد من الفرضيات‪.‬‬ ‫مع ازدياد معرفتنا عن تطور الكون منذ البيغ بانغ ‪ ،Big bang‬وعن الظروف التي سمحت لتك ّون املجرات والنجوم‬ ‫والعنارص الكيميائية الثقيلة الالزمة لتك ّون الكواكب‪ ،‬صار الفيزيائيون وعلامء الكونيات يرون أكرث وأكرث مدى حساسية‬ ‫قوانني الطبيعة‪ .‬تبلغ رسعة الضوء ‪ 300‬مليون مرت يف الثانية‪ .‬ماذا لو كانت ‪ 290‬مليون مرتٍ يف الثانية؟ أو ‪ 310‬مليون‬ ‫‪26- Dawkins, Richard. 1986. The Blind Watchmaker. London: Longmans, p. 141.‬‬ ‫‪27- Ibid. p. 316.‬‬ ‫‪28- Dyson, Freeman. 1979. Disturbing the Universe. New York: Harper and Row, p. 251.‬‬

‫‪70‬‬


‫اإللحاد والتطور‬ ‫دانيئيل دنت‬

‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫بواحد يف املئة‬ ‫بواحد يف املئة أو أضعف‬ ‫مرتٍ يف الثانية؟ هل سيغري ذلك األمور جذريًا؟ ماذا لو كانت قوة الجاذبية أقوى‬ ‫عم هي عليه اآلن؟ إن الثوابت الفيزيائية األساسية‪ ،‬كرسعة الضوء‪ ،‬وثابت الجذب العام‪ ،‬وش ّدة القوى النووية الشديدة‬ ‫ّ‬ ‫والضعيفة املؤثرة يف التفاعالت الدون ذرية‪ ،‬وثابت پالنك ‪ ،Planck constant‬كلها لها قي ٌم تسمح طب ًعا بتطور الكون‬ ‫أي من هذه القيم ولو مبقدا ٍر ضئيل‪،‬‬ ‫عىل النحو الذي سار عليه الكون ً‬ ‫فعل‪ .‬ولكن‪ ،‬يتبني أننا لو تخيلنا أننا نستطيع تغيري ٍّ‬ ‫أي من مظاهر الحياة‪ :‬ال كواكب‪ ،‬وال أغلفة‬ ‫أي مام حصل يف كوننا ً‬ ‫فعل‪ ،‬نولّد كونًا ال تظهر فيه ٌ‬ ‫فإننا نولّد كونًا ليس فيه ٌ‬ ‫جوية‪ ،‬وال جوامد‪ ،‬وال عنارص سوى الهيدروجني والهيليوم‪ ،‬أو حتى رمبا دونهام‪ ،‬فالناتج يكون پالزما(‪ )29‬ساخن ًة ممل ًة غري‬ ‫ممل‪ .‬إذًا‪ ،‬أليست حقيق ًة رائع ًة إذًا أن قوانني الطبيعة جاءت مواتي ًة بالضبط لوجودنا؟‬ ‫متاميزة‪ ،‬أو بسيناريو آخر‪ ،‬خوا ًء ً‬ ‫بل حتى ميكن أن نقول كذلك أننا بالكاد ُوجدنا‪ ،‬وكنا نوشك عىل ألّ نوجد!‬ ‫هل تحتاج هذه الحقيقة الرائعة تفس ًريا‪ ،‬وأي تفسريٍ سيالمئها؟ بحسب املبدأ األنرثوپي ‪ ،Anthropic Principle‬فإننا‬ ‫مخ ّولون باالستدالل إىل حقائق عن الكون وقوانينه من الحقيقة التي ال نقاش فيها بأننا (أي البرش (‪)Anthropoi)30‬‬ ‫موجودون هنا لنقوم باالستدالل واملشاهدة‪ .‬يتخذ املبدأ األنرثوپي صو ًرا عدةً‪ ،‬فبصورته «الضعيفة» هو مبدأٌ سليم‪ ،‬غري‬ ‫تطبيق مفي ٌد للمنطق األويل‪ :‬لو كان س رشطًا رضوريًا لوجود ص‪ ،‬وكان ص موجو ًدا‪ ،‬فإن س موجود‪ .‬أما‬ ‫مؤذ‪ ،‬بل أنه‬ ‫ٌ‬ ‫الذين يعتقدون بأي صور ٍة من الصور «القوية» للمبدأ األنرثوپي فهم يعتقدون أنهم يستطيعون استنباط يش ٍء رائعٍ‬ ‫مبفهوم ما‪ ،‬أو رمبا‬ ‫مثل أن الكون موجو ٌد ألجلنا‬ ‫ومفاجئٍ من حقيقة أننا مشاهدون واعون وموجودون هنا‪ ،‬كأن يقولوا ً‬ ‫ٍ‬ ‫أننا موجودون ألجل أن يوجد الكون ككل‪ ،‬أو حتى أن الله خلق الكون عىل الصورة التي خلقه بها حتى يكون وجودنا‬ ‫نحن ممك ًنا‪ .‬عند صياغة املبدأ عىل هذه الصورة‪ ،‬فإن هذه الطروحات هي محاوالتٌ إلحياء حجة پييل من التصميم‪،‬‬ ‫من خالل إعادة توجيهها إىل تصميم قوانني الفيزياء األكرث عمومي ًة يف الكون‪ ،‬بدلً من البنى التي تدين بوجودها لهذه‬ ‫القوانني‪ .‬ويف هذه الحالة كذلك‪ ،‬فثمة ردو ٌد دارويني ٌة ممكنة‪.‬‬ ‫أجرأ تلك الردود ينص عىل أنه رمبا كان هنالك نو ٌع من التكاثر التفاضيل للكون ككل‪ ،‬تكون فيه لبعض صنوف األكوان‬ ‫ٍ‬ ‫صنوف أخرى‪ ،‬نظ ًرا لكون قوانينها الطبيعية أكرث خصوب ًة‪ .‬وقد لعب هيوم عىل لسان فيلون‬ ‫«أطفال» أو « ُذ ّرية» أكرب من‬ ‫مصمِّم غري ذيك(‪:)31‬‬ ‫بهذه الفكرة يف «حوارات حول الدين الطبيعي» عندما تخيل إل ًها‬ ‫ً‬ ‫«ويا لها من مفاجأ ٍة سنضطر للتعامل معها لو كان صان ًعا غب ًيا‪ ،‬قلّد غريه‪ ،‬ونسخ ف ًنا تطور تدريج ًيا عرب أزمن ٍة متطاول ٍة‬ ‫وتصحيحات وتشاور ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ات وخالفات؟ ستكون هنالك عوامل عديد ًة تم تخريبها والفشل يف تنفيذها‬ ‫وتجارب عديدة‪ ،‬وأخطا َء‬ ‫منذ األزل‪ ،‬قبل الوصول إىل النظام الحايل‪ ،‬وتم إهدار الكثري من الجهد‪ ،‬وإنتاج الكثري من املحاوالت العقيمة‪ ،‬واستمر‬ ‫‪ -29‬حالة الپالزما املقصودة هي حالة تأيّن قصوى ال تتكون فيها ذرات قادرة عىل الدخول يف مركبات كيميائية‪[ .‬مالحظة املرتجم]‪.‬‬ ‫‪ -30‬الكلمة هنا من اليونانية ‪ ἄνθρωποι‬وهي صيغة الجمع من ‪ ἄνθρωπος‬لإلشارة إىل اإلنسان‪[ .‬مالحظة املرتجم]‪.‬‬ ‫‪ -31‬رغم الرتجمة املمتازة التي قدمها محمد فتحي الشنطي‪ ،‬من منشورات مكتبة القاهرة الحديثة‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،1956 ،‬ملحاورات هيوم‪ ،‬فقد آثرت إعادة الرتجمة انطالقًا من‬ ‫ِ‬ ‫اقتباس آخر‬ ‫النص اإلنجليزي املوجود يف املقال‪ ،‬لكون ترجمة الشنطي ال تفي بعض التعابري ذات املعاين املحددة يف الفيزياء حقها‪ .‬راجعوا ترجمة الشنطي ص‪ ،71 .‬ثم الحقًا يف‬ ‫أدناه ص‪ ،93 .‬وإن كنت اقتبست بعض جمل تلك الرتجمة يف مواضع‪.‬‬

‫‪71‬‬


‫اإللحاد والتطور‬ ‫دانيئيل دنت‬

‫التحسني املتواصل عىل مر عد ٍد النهايئ من الحقب تم خاللها إنتاج العوامل»(‪.)32‬‬ ‫ينسب هيو ُم «التحسني املتواصل» للحد األدىن من االنتقائية الذي ميارسه «الصانع الغبي»‪ ،‬لكننا نستطيع استبدال‬ ‫ٍ‬ ‫خطوات‬ ‫الصانع الغبي بيش ٍء أكرث غبا ًء (عديم الذكاء) دون أن نخرس القدرة الفاعلة‪ :‬نستبدله بعملي ٍة دارويني ٍة تتبع‬ ‫محددة (خوارزمية) ت ُجرب بني العوامل‪ .‬من الواضح أن هيوم مل يعتقد أن هذا يتعدى كونه فانتازيا فلسفية‪ ،‬لكن‬ ‫الفيزيايئ يل سمولني(‪ Lee Smolin )33‬قام مؤخ ًرا بتطوير الفكرة بيش ٍء‬ ‫من التفصيل‪ .‬والفكرة األساسية وراء ذلك هو أن املنفردا ت �‪Sin‬‬ ‫‪ gularities‬والتي يشار إليها بالثقوب السوداء‪ ،‬هي فعليًا حواضن‬ ‫والد ٍة ألكوانٍ جديدة (ذُريّة)‪ ،‬تختلف فيها قيم الثوابت الفيزيائية‬ ‫قليل بشكلٍ عشوا ٍيئ عن قيمها يف الكون األصل (األب)‪ .‬لذا‪ ،‬وبحسب‬ ‫ً‬ ‫يل �‪Differential reproduc‬‬ ‫فرضية سمولني‪ ،‬ما لدينا هو تكاث ٌر تفاض ٌ‬ ‫‪ tion‬وطفرات‪ ،‬وهي السامت األساسية التي متيز خورازمية االنتقاء‬ ‫الدارويني‪ .‬واألكوان التي يتصادف أن تكون قيم ثوابتها مالمئ ًة لتطور الثقوب السوداء متتلك بحكم طبيعتها ذُريّ ًة أكرب‪،‬‬ ‫وهكذا دواليك‪ ،‬وهذه هي خطوة االنتقاء‪ .‬وعلينا أن نالحظ عدم وجود ما ميثل ما يقتل األكوان يف هذا السيناريو؛ فكل‬ ‫تلك األكوان ستعيش ثم «متوت» بشكلٍ‬ ‫طبيعي الحقًا‪ ،‬وما يحدث هو أن لبعضها ذُري ًة أكرب من غريها‪ .‬وبنا ًء عىل هذه‬ ‫ٍ‬ ‫ثقوب سوداء يتعدى كونه مجرد مصادف ٍة مثري ٍة لالهتامم‪ ،‬لكن وجودنا يف هذه الحالة‬ ‫الفكرة‪ ،‬فإن وجودنا يف كونٍ فيه ٌ‬ ‫ليس رضور ًة منطقي ًة كذلك‪ ،‬وإمنا هو نو ٌع من شبه الرضورة الرشطية ‪ Conditional near-necessity‬والتي توجد يف‬ ‫الس ُدم الغازية (أو بعبار ٍة أخرى‬ ‫أي نظري ٍة تطورية‪ .‬والرابط‪ ،‬بزعم سمولني‪ ،‬هو الكربون‪ ،‬والذي يلعب دو ًرا يف تداعي ُ‬ ‫حواضن النجوم‪ ،‬والتي متثل أجنة الثقوب السوداء)‪ ،‬ويلعب‬ ‫دو ًرا يف الهندسة الجزيئية ألجسامنا‪.‬‬ ‫هل هذه نظري ٌة قابل ٌة للفحص؟ يتقدم سمولني ببعض التنبؤات‪،‬‬ ‫التي إن ُدحضت يكون ذلك مبثابة استبعا ٍد لفكرته‪ :‬ومام تتنبأ‬ ‫به نظريته أن األكوان التي تقارب قيم ثوابتها قيم ثوابت كوننا‬ ‫سيكون احتامل نشوء الثقوب السوداء فيها أقل‪ .‬أي باختصار‪،‬‬ ‫يعتقد أن كوننا ستظهر فيه قي ٌم قصوى محلية(‪( )34‬ورمبا عاملية)‬ ‫يف املسابقة عىل إنتاج الثقوب السوداء‪ .‬لكن املشكلة فيام أرى‬ ‫‪32- Hume, David. 1779. Dialogues Concerning Natural Religion. London, Part V.‬‬ ‫‪33- Smolin, Lee. 1992. “Did the Universe Evolve?” Classical and Quantum Gravity 9:173–91.‬‬ ‫‪ -34‬اإلشارة هنا إىل مفهوم القيم القصوى يف الرياضيات‪ ،‬حيث أن االقرتان الريايض عند متثيله بيانيًا ميكن رؤية املناطق التي تصل فيها قيمته إىل قيم صغرى أو عظمى‪ ،‬وميكن‬ ‫تخيل املسألة كسلسلة جبال‪ ،‬القيمة القصوى العاملية ستكون أعىل قمة يف كل الجبال‪ ،‬القيمة القصوى املحلية تكون أعىل قمة يف سلسلة محلية من الجبال‪[ .‬مالحظة املرتجم]‪.‬‬

‫‪72‬‬


‫اإللحاد والتطور‬ ‫دانيئيل دنت‬

‫أن املحددات عىل املسألة أقل من الالزم‪ ،‬وبالتحديد عىل ما سيعترب تقاربًا من قيم الثوابت يف كوننا‪ ،‬والسبب يف اعتبارها‬ ‫غني عن الذكر القول بأن من املبكر الحكم عىل جدوى هذه الفكرة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫قريبة‪ ،‬ولعل‬ ‫تفصيل الحقًا للنظرية سيوضح ذلك‪ٌ .‬‬ ‫ولكن أيًا كان الحكم النهايئ للعلامء عليها‪ ،‬فمجرد وجود الفكرة يؤ ّمن نقط ًة فلسفي ًة‪ .‬وقد يرتكب فرمين دايسون‪ ،‬وغريه‬ ‫ممن يعتقدون أنهم يرون نسقًا مبه ًرا يف قوانني الفيزياء‪ ،‬خطأً تكتيك ًيا‪ ،‬فقد يغريهم السؤال االستنكاري‪« :‬من غري الله‬ ‫يستطيع تفسري ذلك؟»‪ ،‬إذ يق ّدم سمولني ر ًدا قويًا؛ فلو رسنا وراء الدارويني يف هذا املسلك‪ ،‬فسرنى الله الصانع قد تحول‬ ‫رشع قوانني الطبيعة‪ ،‬والذي نراه الحقًا يندمج مع الله الذي يجد القوانني‪ ،‬تلك القوانني‪ ،‬دون أن يخرتعها‪،‬‬ ‫إىل الله م ّ‬ ‫وإمنا يعرث عليها صدف ًة يف سياق تجرب ٍة وخط ٍأ عمياء عىل األكوان‪.‬‬ ‫إن مساهمة الله الشخصية تتضاءل‪ ،‬وتصبح قابل ًة لإلنجاز عىل يد يش ٍء مثاب ٍر ولكن غري عاقل! ولكن لنفرتض جدلً أن‬ ‫تكهنات سمولني كلها مغلوطة؛ ولنفرتض عدم حصول أي انتقا ٍء بني األكوان‪ .‬مثة تكه ٌن آخر‪ ،‬شبه دارويني‪ ،‬لكنه أضعف‪،‬‬ ‫يق ّدم هو اآلخر ر ًدا عىل السؤال االستنكاري‪ ،‬وقد لعب هيوم نفسه عىل هذه الفكرة األضعف يف الجزء الثامن من‬ ‫محاوراته‪:‬‬ ‫«بدل االفرتاض بأن املادة النهائية مثلام افرتضها إبيقور‪ ،‬لنفرتض أنها متناهية‪ .‬فلو كان عدد الجسيامت املوجودة متنا ٍه‪،‬‬ ‫ترتيب أو وضعي ٍة ممكن ٍة‬ ‫فهذه الجسيامت عرض ٌة ألوضا ٍع متناهي ٍة يف عددها‪ ،‬وبعد مرور زمنٍ أزيل‪ ،‬فبالرضورة كل‬ ‫ٍ‬ ‫ستحدث عد ًدا النهائ ًيا من املرات‪...‬‬ ‫ولنفرتض‪ ...‬أن املادة أُلقيت يف وضعي ٍة ما‪ ،‬بقو ٍة عمياء غري مو َّجهة؛ فمن الجيل أن هذه الوضعية األولية ستكون عىل‬ ‫األرجح عشوائي ًة إىل أبعد الحدود‪ ،‬وال تشبه يف بنيتها ما ينتجه البرش من مصنوعات‪ ،‬والتي تكشف إىل جانب تناسب‬ ‫األجزاء توافقًا بني الوسائل والغايات ونزع ٍة إىل وقاية الذات‪ ...‬ثم إن افرتضنا أن هذه القوة املح ّركة‪ ،‬أيًا كانت‪ ،‬تستمر‬ ‫يف فعلها يف املادة‪ ،‬فإنه ستتعاقب عىل الكون الفوىض وانعدام الرتتيب عىل مر عصو ٍر طويلة‪ .‬ولكن أليس من املمكن‬ ‫لهذه الفوىض أن تخمد يف نهاية املطاف‪...‬؟ أليس من املمكن‬ ‫اﳌﻨﻔﺮدة ﺑﻴﻎ ﺑﺎﻧﻎ‬ ‫أن نرجو حدوث تلك الحالة‪ ،‬أو باألحرى أن نطمنئ لحدوثها‬ ‫ﺛﻘﻮب‬ ‫ﻣﺠﺮات‬ ‫ﺳﻮداء‬ ‫ﺟﺪﻳﺪة‬ ‫يف ضوء الحركات املتعاقبة عىل املادة منذ األزل؟ أفليس من‬ ‫املمكن لهذه الحال أن تفرس ظهور الحكمة والتدبري التي يف‬ ‫دورة ﺗﻮﺳﻊ‬ ‫الكون؟»‪.‬‬ ‫واﻧﻜشش اﻟﻜﻮن‬ ‫ال تعتمد هذه الفكرة عىل أي نسخ ٍة من االنتقاء‪ ،‬لكنها تلفت‬ ‫االنتباه إىل حقيقة أن أمامنا أبدي ًة من الزمن كحلب ٍة لهذه‬ ‫األحداث‪ .‬فال يوجد موع ٌد نها ٌيئ محد ٌد يقترص عىل خمس‬ ‫مثل‪ ،‬مثلام هو الحال مع تطور الحياة عىل‬ ‫عام ً‬ ‫مليارات ٍ‬ ‫‪73‬‬

‫ﺗﻮﺳﻊ‬

‫اﻧﻜشش‬ ‫أﻗﴡ ﺗﻮﺳﻊ ﻟﻠﻜﻮن‬


‫اإللحاد والتطور‬ ‫دانيئيل دنت‬

‫األرض‪ .‬وقد طرح فيزيائيون وعلامء كونيات نس ًخا عديد ًة من هذا التكهن بشكلٍ جا ٍد عىل مدار السنوات األخرية‪.‬‬ ‫مثل تق ّدم بطر ٍح مفاده أن الكون يتذبذب جيئ ًة وذهابًا منذ‬ ‫فجون آرتشيبالد ويلر(‪ً ،John Archibald Wheeler )35‬‬ ‫توسع يتبعه انكامش ومن ثم اِنطحا ٌن كبري ‪ ،Big crunch‬والذي يتبعه بيغ بانغ جديد‪،‬‬ ‫األزل وإىل األبد‪ :‬بيغ بانغ يتبعه ّ‬ ‫وهكذا دواليك‪ ،‬ويف كل دور ٍة تحدث تبايناتٌ عشوائي ٌة يف قيم الثوابت وغريها من املتثابتات(‪ Parameters )36‬الحاسمة‬ ‫يف كل‪ .‬وتُج ّرب كل واحد ٍة من هذه الوضعيات عد ًدا النهائيًا من املرات‪ ،‬وكذلك تُجرب كل التشكيالت املشتقة منها‬ ‫كل منها يتكرر‪ ،‬ال مر ًة بل بشكلٍ المتناه‪.‬‬ ‫عد ًدا النهائ ًيا من املرات‪ ،‬مبا يف ذلك الوضعيات املعقولة‪ ،‬وتلك غري املعقولة‪ٌ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫تجريبي ذي معنى‪ ،‬ولكن األفضل إرجاء ال ُحكم(‪ ،)37‬فثمة‬ ‫لفحص‬ ‫من الصعب التصديق بأن هذه الفكرة قابل ٌة للخضوع‬ ‫ٍ‬ ‫تنويعاتٌ واستطراداتٌ مبني ٌة عىل هذه الفكرة قد تكون لها منطوياتٌ قابل ٌة للتأكيد أو الدحض التجريبي‪ .‬ويف األثناء‪،‬‬ ‫يجدر التنويه إىل أن هذه الحزمة من االفرتاضات لها ميزة توسعة حجم املبادئ التفسريية الناجحة والقابلة للفحص‪،‬‬ ‫حتم ٍ‬ ‫كاف لدرء نزعة العودة إىل البديل التقليدي‪ ،‬وإليكم السبب‪:‬‬ ‫فالتناسق الداخيل والبساطة تعمل لصالحها‪ ،‬وهذا ً‬ ‫لو كان الكون مبن ًيا بشكلٍ يسمح بتجربة ك ٍّم النها ٍيئ من «قوانني الفيزياء» املختلفة عىل مر الزمن‪ ،‬فسنخطئ لو اعتقدنا‬ ‫آجل‪ ،‬مع أو بدون‬ ‫عاجل أم ً‬ ‫بوجود ما مييز وجودنا هنا يف كونٍ ذي قوانني شديدة الضبط‪ .‬فكو ٌن كهذا كان سيحدث إن ً‬ ‫مساعدة إل ٍه طيب‪ .‬هذا الكالم ليس حج ًة أن الكون سيكون مشك ًّل عىل هذا النحو بالرضورة‪ ،‬وإمنا هي حج ٌة الستنتا ٍج‬ ‫أكرث تواض ًعا‪ ،‬مفاده أنه ما من سم ٍة مشا َهد ٍة تتسم بها «قوانني الطبيعة» منزه ٌة عن هذه النظرة البديلة‪.‬‬ ‫بصياغة هذه الفرضيات الدراوينية املفرطة يف التكهنية واملخففة ج ًدا‪ ،‬نكون حصلنا عىل أدا ٍة تفسريية تؤدي مهمتها‬ ‫(كأي أدا ٍة دارويني ٍة أخرى) عرب تراكم فعل العديد من الخطوات الصغرية‪ .‬عند هذه النقطة‪ ،‬فاليشء املتبقّي والذي‬ ‫ال زال بحاج ٍة إىل تفسريٍ هو ما يظهر لنا كأناق ٍة أو روع ٍة موجود ٍة يف قوانني الفيزياء املشا َهدة‪ .‬لو كان لديك ٌ‬ ‫شك بأن‬ ‫فرضية النهائية األكوان املتنوعة قادر ٌة عىل تفسري هذه األناقة‪ ،‬فعليك التفكر يف أن لهذه الفرضية الحق يف أن ت ُعترب‬ ‫كشخص إىل ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫حد يتحول معه إىل‬ ‫تفس ًريا ال يصادر عىل املطلوب بنفس درجة البديل التقليدي؛ ومع تآكل تصور الله‬ ‫رش ًعا لقوانني الطبيعة أو حتى باحثًا عن تلك‬ ‫مبدأ من الخري أو الجامل‪ ،‬مجر ٍد وخارج الزمن‪ ،‬ال يكون فيه صان ًعا أو م ّ‬ ‫‪35- Wheeler, John Archibald. 1974. “Beyond the End of Time.” In Martin Rees, Remo Ruffini, and John Archibald Wheeler (eds.), Black Holes,‬‬ ‫‪Gravitational Waves and Cosmology: An Introduction to Current Research. New York: Gordon and Breach.‬‬ ‫عامل قابل القياس يحدد حال ًة من حاالت نظامٍ ما‪ ،‬أو منطًا من أمناطه الوظيفية‪[ .‬مالحظة املرتجم]‪.‬‬ ‫‪ -36‬املتثابتة هي ٌ‬ ‫‪ -37‬منذ نرش الكتاب املحتوي عىل هذا املقال يف العام ‪ ،2007‬حدث تطو ٌر مه ٌم يف علم الكونيات‪ ،‬وهو اكتشاف التسارع يف توسع الكون‪ ،‬ففي عام ‪ 2011‬تم نرش نتائج دراس ٍة‬ ‫ٍ‬ ‫مثل‪:‬‬ ‫سنوات راقبت ‪ 200‬ألف مجرة عىل مدى ‪ 7‬مليارات عام تبني من خاللها أن الكون يتوسع بتسارعٍ‪ ،‬وال يتباطأ‪ .‬راجعوا ً‬ ‫استمرت خمس‬ ‫�‪Chris Blake, et al., The WiggleZ Dark Energy Survey: the selection function and z= 0.6 galaxy power spectrum, Monthly Notices of the Royal Astro‬‬ ‫‪nomical Society, Volume 406, Issue 2, August 2010, Pages 803–821.‬‬ ‫هذا االكتشاف يؤثر يف النامذج النظرية‪ ،‬بعض النامذج تقول أن التوسع سيتوقف عند عتب ٍة قبل حدوث متزقٍ عظيم ‪ ،big rip‬مام يؤدي إىل انطحانٍ عظيم ‪ ،big crunch‬فاألمر ال‬ ‫يتعمد بالرضورة عىل وجود تسار ٍع يف التوسع‪ ،‬من ناحية أخرى‪ ،‬توجد مناذج تفرتض أن التوسع سيستمر إىل األبد بسبب هذا التسارع‪ ،‬فاملسألة ال زالت يف بداياتها وأبعد ما تكون‬ ‫عن الحسم‪[ .‬مالحظة املرتجم]‪.‬‬

‫‪74‬‬


‫اإللحاد والتطور‬ ‫دانيئيل دنت‬

‫القوانني‪ ،‬يصري منصب الله مراسيم ًيا لدرج ٍة يصعب معها رؤية أي فائد ٍة تفسريي ٍة الفرتاض أنه موجود‪ .‬فام الذي‬ ‫أصل يف الوصف الرائع للظاهرة التي‬ ‫سيجلبه ذلك «التفسري» مام مل يكن موجو ًدا ً‬ ‫بأي من صوره املذكورة‬ ‫نحاول تفسريها ً‬ ‫أصل؟ إن النظرة الداروينية ال تثبت أن الله ٍ‬ ‫ال ميكن أن يوجد‪ ،‬ولكنها فقط تشري أنه ما من مسوغ عقال ٍين ٍ‬ ‫جيد الفرتاض أنه‬ ‫موجود‪ .‬فاألمر ليس حج ًة تقليدي ًة تدحض فكرة وجود الله بإثبات فسادها بالتناقض‬ ‫‪ ،Reduction ad absurdum‬لكنه عرب ٍ‬ ‫تحد عقال ٍين يختزل خيارات املؤمن إىل مجموعة‬ ‫خيار ٍ‬ ‫ات محدود ٍة لدرج ٍة سخيفة‪ .‬وبكلامت القس ماكّرل ‪ ،Reverend Mackerel‬وهو‬ ‫شخصي ٌة يف الرواية الكوميدية «ميدان ماكّرل» ‪ The Mackerel Plaza‬لپيرت ده ڤريز‬ ‫‪ Peter De Vries‬من العام ‪« :1958‬إن اإلثبات النهايئ لقدرة الله عىل كل يش ٍء أنه غري‬ ‫محتا ٍج ألن يوجد حتى مينحنا الخالص»‪.‬‬ ‫تفسريي ملا ميكن تسميته أصل نسب الالهوت‬ ‫رش بتوفري إطا ٍر‬ ‫يدعم علم األحياء التطوري اإللحاد كذلك بشكلٍ غري مبا ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫‪ ،Genealogy of theology‬حيث إن اإلميان بالله ال ميكن تربيره استنا ًدا إىل أي حج ٍة علمي ٍة أو منطقية‪ ،‬لكنه مرك ٌِّب‬ ‫أسايس يف كل حضارات البرش تقري ًبا‪ ،‬فام الذي يفرس دوام هذا اإلميان؟ هذا جز ٌء لطاملا تم إهامله من عبء اإلثبات‬ ‫ٌ‬ ‫الذي يقع عىل كاهل امللحد‪ :‬فال يجب االقتصار عىل تبيان املغالطات ومنابع الشك يف عديد الحجج التي تم تقدميها‬ ‫إلثبات وجود الله‪ ،‬وإمنا يجب أن يتعدى امللحد ذلك إىل تفسري أساس تفضيل هذا االفرتاض الواهي من قبل أي ٍ‬ ‫شخص‬ ‫أصل‪ .‬لقد ظهرت عىل مر القرون فرضياتٌ كثري ٌة تنظر إىل املوضوع باحتقا ٍر عىل أنه ال يستحق االهتامم‪ :‬فمن أمثلة‬ ‫ً‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫كمنتجات جانبي ٍة للحضارة‪ ،‬إىل تصويره مؤامر ًة حاكها‬ ‫حاالت عصابي ٍة ‪ Neuroses‬تتولد‬ ‫التكهنات الشائعة اختزاله إىل‬ ‫كهن ٌة أنانيون‪ ،‬إىل اعتباره غبا ًء مطبقًا‪ .‬لكن أبحاث ًا ظهرت مؤخ ًرا(‪ )38‬يف مجال علم االجتامع التطوري ‪Evolutionary‬‬ ‫‪ social science‬ت ُظهر أن هنالك افرتاضاتٌ أفضل وأكرث معقولي ًة‪ ،‬وقابل ًة للتوثق منها علميا‪ ،‬افرتاضاتٌ تستحق املتابعة‪.‬‬ ‫ترجمة‪ :‬أسامة البني (الوراق)‬

‫املقال هو الفصل الثامن من كتاب ‪ ،The Cambridge Companion to Atheism‬بقلم دانيئيل دنت ‪ ،Daniel C. Dennett‬وهو‬ ‫مبني عىل األعامل التالية‪:‬‬ ‫بدوره ٌ‬ ‫‪Dennett, Daniel. 1995. Darwin’s Dangerous Idea. New York: Simon & Schuster.‬‬ ‫‪Dennett, Daniel. 2005. “Show Me the Science.” New York Times op/ed page, August 28, 2005.‬‬ ‫‪38- See:‬‬ ‫‪ a. Boyer, Pascal. 2001. Religion Explained: The Evolutionary Origins of Religious Thought. New York: Basic Books.‬‬ ‫ ‬ ‫‪b. Atran, Scott. 2002. In Gods We Trust: The Evolutionary Landscape of Religion. New York: Oxford University Press.‬‬ ‫ ‬ ‫‪c. Dennett, Daniel C. 2006. Breaking the Spell: Religion as a Natural Phenomenon. New York: Viking Penguin.‬‬

‫‪75‬‬


‫قناة جسور | ‪Bridges.TV‬‬

‫رب ملن ال منرب له‪ ،‬وقنا ٌة لحرية التعبري والتواصل والتعايش مع‬ ‫قناة جسور هي من ٌ‬ ‫املختلف ولتالقح األفكار بصور ٍة حضارية‪ ..‬صوتك مقبول هنا مهام كان‪.‬‬ ‫عنوان القناة عىل اليوتيوب‪:‬‬

‫‪https://www.youtube.com/channel/UChuvYgfSwGXkLtZYmSGc8eQ‬‬ ‫صفحة جسور عىل الفيسبوك‪:‬‬

‫‪https://www.facebook.com/Bridgestv2‬‬ ‫انضموا إلينا يف مجموعة جمهورية الردة‪:‬‬

‫‪https://www.facebook.com/groups/186192008960773/‬‬ ‫إمييل القناة‪:‬‬

‫للتواصل عرب سكايب‪:‬‬

‫‪Bridgestv1‬‬

‫‪bridgestv1@gmail.com‬‬

‫لدعم القناة عىل الـ‪:PayPal‬‬

‫‪https://www.paypal.me/SalBridgesTV‬‬

‫‪76‬‬


‫مذكرات‬ ‫مالك هارب‬ ‫من الجنة‬ ‫وليد‬

‫‪77‬‬


‫مذكرات مالك هارب من الجنة‬ ‫وليد‬

‫قصة قصرية بقلم وليد (من منتدى شبكة امللحدين العرب)‬ ‫مجموعة القصص التي تأيت منها هذه القصة كتبها العضو وليد وقام‬ ‫بتجميعها مارسيل‬ ‫إىل وليد ‪ ...‬القلم الساحر واملبدع ‪ ...‬جليس اآللهة مع التحية والود ‪...‬‬ ‫مارسيل‪..‬‬

‫َ َّ َ ُ َ َ ْ ُ َّ َ ُ َ َ ٰ ُ ْ ُ َ ْ َ َ َ َ َ َ َ ُ َ ْ َ ُ َ َ ٰ َّ َّ َ َ َ َ ُ ُ َ ّ ُ َ‬ ‫الس ْ‬ ‫ون انلَّ َ‬ ‫اس ّ‬ ‫ِح َر َو َما‬ ‫كن الشياطِني كفروا يعل ِم‬ ‫ك سليمان ومّا كفر سليمان ول ِ‬ ‫ُ﴿و َاتبع َوا ْما َتت َلو الشياطِني ع مل ِ‬ ‫ْ َ َ َ َّ ٰ َ ُ َ َّ َ َ ْ ُ ْ َ ٌ َ َ َ ْ ُ ْ َ َ َ َ َّ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ار َ‬ ‫ون مِنْ ُه َما ماَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫وت َو َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫أنزل َع ال َملك ْي ب َباب َل َه ُ‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ت‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ر‬ ‫ف‬ ‫ك‬ ‫ت‬ ‫ل‬ ‫ف‬ ‫ة‬ ‫ن‬ ‫ِت‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫ول‬ ‫ق‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ح‬ ‫د‬ ‫ح‬ ‫أ‬ ‫ِن‬ ‫م‬ ‫ان‬ ‫ِم‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ي‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫وت‬ ‫ار‬ ‫م‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ َّ ْ َّ َ َ َ َ َّ ُ َ َ َ ُ ُّ ُ ْ َ َ َ َ ُ ُ ْ َ َ َ ْ َ ُ َ‬ ‫ُ َ ِّ ُ َ َ ْ َ ْ َ ْ ِ َ َ ْ َ َ ُ َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫جهِ وما هم بِضارِين بِهِ مِن أح ٍد إِل بِإِذ ِن اللِ ويتعلمون ما يضهم ول ينفعهم ولقد عل ِموا لم ِن‬ ‫يف ِرقون بِهِ بي المرء وزو ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ ْ َ َ َ​َ ْ َ َ َ َ ْ َ ُ َ ُ ْ َْ َ ُ َ َُْ َ‬ ‫ْاش َ َتاهُ َما ُل ِف الخِرة ِ مِن خل ٍق ولِئس ما شوا بِهِ أنفسهم لو كنوا يعلمون﴾ (البقرة‪.)102 :‬‬

‫قرأت هذه اآلية كث ًريا ومل افهم املقصود منها ورجعت إىل كتب التفسري فلم أجد منها إال التخ ّبط‪ ،‬وال يتفق اثنان عىل‬ ‫مع ًنى أو هدف‪ .‬وقد قال الكثري منهم أن هاروت وماروت َملكني نزال إىل األرض‪ ،‬وقد أعجبتني تلك الفكرة واملوضوع‬ ‫قائ ٌم عىل تخ ّيلٍ‬ ‫شخيص حتى ال أُت ّهم بأين انسب شيئًا للقرآن‪ .‬وإن كنت سأعتمد عىل الخلفية اإلسالمية لكتابة املذكرات‬ ‫ٍ‬ ‫التي كتَبها املالك ماروت والتي افرتضت العثور عليها يف مكانٍ ما يف بابل األثرية مكتوب ٌة بخط ماروت‪ ،‬وقد يرى‬ ‫الكثري من اإلسالميني أ ّن هذا شطط‪ ،‬ولكني أقول إن الكثري من القصص داخل القران هي إسقاطاتٌ لخيال الشعوب‬ ‫أيضا إسقاطًا عىل مرحلة الطفولة عندما ينمو الطفل‬ ‫وتراثها وخري دليلٍ عيل كالمي ً‬ ‫مثل قصة آدم وحواء‪ ،‬أجدها هي ً‬ ‫تعب يف ُحضن أ ّمه ال‬ ‫يف حضن أ ّمه (الج ّنة)‪ .‬فعندما يولد الطفل (الخلق األول) يجد ّ‬ ‫كل يش ٍء متا ًحا وموف ًرا له بدون ٍ‬ ‫يجوع وال يعرى وال يكدح وال يشقى وال يظأم وال يُض ّحي وعندما يكرب هذا الطفل وينضج تبدأ املشاعر الجنسية تنمو‬ ‫داخله وينهاه أبواه عن االقرتاب منها َ(ل ت َ ْق َربَا َٰه ِذ ِه الشَّ َج َرةَ) خوفاً عليه‪ ،‬ولكن عندما تكتمل فرتة طفولته يقطف من‬ ‫تلك الشجرة‪ ،‬وعندها تبدأ أعضاؤه الجنسية يف الربوز والظهور (فَبَدَتْ لَ ُه َم َس ْوآتُ ُه َم) ويعلم أ ّن يف تلك الشجرة سبب‬ ‫ل) فبدونها يفنى الجنس البرشي ويبىل ُملكه عيل األرض‪ .‬وتتمنى‬ ‫استمراره يف الحياة وإنها (شَ َج َر ِة الْ ُخل ِْد َو ُمل ٍْك َّل يَ ْب َ ٰ‬ ‫الشعوب لو استمرت الطفولة بكل براءتها وحالوتها ومل تقرتب من الشجرة أل ّن عندها تبدأ املسؤولية ويرتك الطفل‬ ‫أبويه ليبدأ تحمل املشاكل والرصاع عىل لقمة العيش (ق َ​َال ا ْه ِبطَا ِم ْن َها َج ِمي ًعا بَ ْع ُض ُك ْم لِ َب ْع ٍض َع ُد ٌّو) سيو ّدع جنة األم‬ ‫ٍ‬ ‫حساد‪ ،‬غزاة‪ ،‬وكام نرى التشابه ليس صدف ًة ولكن‬ ‫ويبدأ قسوة الحياة ويواجه أعداء كُرث‪،‬‬ ‫حيوانات مفرتسة‪ ،‬طامعني‪ّ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫مقدس ثم إىل كالم الله‪ ،‬وأنا هنا سأكتب ما أتخيل ما‬ ‫كالم‬ ‫هي الشعوب تتخيل‪ ،‬وتتحول القصة إىل قص ٍة مقدس ٍة ثم إىل ٍ‬ ‫سيقوله املالك يف املذكرات املفرتضة‪.‬‬ ‫‪78‬‬


‫مذكرات مالك هارب من الجنة‬ ‫وليد‬

‫الصفحة األوىل‪:‬‬

‫يوم االثنني‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫ق ّررت اليوم أن ابدأ كتابة مذكرايت‪ ،‬أحس مبللٍ‬ ‫يوم نفس اليشء‪ ،‬أجمع الصحف التي يأيت بها املالئكة‬ ‫شديد فأنا أعمل كل ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫سيئات وصحيفة حسنات‪ ،‬ثم أطابق ما كتبه املالك مع‬ ‫جني له صحيفة‬ ‫الكرام الكاتبني الذين يُس ّجلون أعامل الجن‪ّ ،‬‬ ‫كل ٍ‬ ‫الجني يوم البعث‪ ،‬فيلقي كتابه منشو ًرا أ ّما إذا‬ ‫مكتوب يف اللوح املحفوظ فإن كان مطابقًا حفظته حتى يُبعث‬ ‫ما هو‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫كان غري مطابق‪ ،‬أعرضه عىل جربيل ليعرضه عىل الله ليحكم يف األمر‪.‬‬ ‫األربعاء‪:‬‬ ‫اب كبريٍ يف‬ ‫عظيم واضطر ٍ‬ ‫ما هذا؟ أسمع كال ًما كث ًريا اليوم‪ ،‬ال أدري ماذا سيحدث لكن كبار املالئكة قد جمعهم الله ألم ٍر ٍ‬ ‫نفوسهم‪ ،‬لكني سأحاول معرفة هذا األمر‪.‬‬ ‫الخميس‪:‬‬ ‫لقد علمت أ ّن الله جمع كبار املالئكة وأنه سوف يجعل مع الجن عىل األرض كائ ًنا جدي ًدا اسمه اإلنسان‪ ،‬لقد اعرتض‬ ‫بعض القادة ولك ّن الله أسكت الجميع‪ ،‬ألنه األقدر عىل اتخاذ القرار وإن كان بعض املالئكة الكبار ال يستطيعون فهم هذا‬ ‫رضونه‪ ،‬أال يكفي أنّهم قبلوا هذا‬ ‫األمر فهم يرون أنهم ال يتأخرون يف يش ٍء وينفذون جميع أوامر الله‪ ،‬لقد احتاروا كيف يُ ُ‬ ‫املتغطرس املدعو إبليس أن يشاركهم مجالسهم واجتامعاتهم‬ ‫كأنّه واح ٌد منهم‪ .‬إن هذا اإلبليس مراو ٌغ ويستطيع إقناع الله‬ ‫دامئًا بكل ما يريد حتى أصبح ينافس جربيل روح الله‪.‬‬ ‫الجمعة‪:‬‬ ‫لقد خلق الله اإلنسان‪ ،‬إنه يبدو غري ًبا بعض اليشء‪ ،‬وإبليس‬ ‫مي ُّر عليه لريمقه‪ .‬إ ّن هذا الكائن يبدو ضعيفًا صغ ًريا حتى إنني‬ ‫أخاف أن أسحقه دون أن أدري‪.‬‬ ‫السبت‪:‬‬ ‫لقد جمع الله املالئكة مر ًة أخرى‪ ،‬ملاذا يا ترى؟ هل يريد‬ ‫مخلوقًا آخر؟ إن هذه املرة ستكون حاسم ًة بعد فرت ٍة طويل ٍة يف‬ ‫يوم يف حيايت‪ ،‬لقد غضب الله‬ ‫نفس اليوم‪ ،‬لقد كان هذا أغرب ٍ‬ ‫من إبليس‪ ،‬واجتمع الله بكبار املالئكة وطلب منهم السجود‬ ‫آلدم (اسم اإلنسان الجديد) فأطاعوه إالّ إبليس رأى أ ّن هذا‬ ‫‪79‬‬


‫مذكرات مالك هارب من الجنة‬ ‫وليد‬

‫املخلوق التافه الصغري ال يستحق أن يَسجد له ٌ‬ ‫مالك من عامة املالئكة أمثايل‪ ،‬فكيف بكبار املالئكة؟ وكيف به هو؟ إنني‬ ‫سعيد‪ ،‬فال أدري ملاذا كنت دامئًا ال أرتاح إلبليس هذا‪.‬‬ ‫األحد‪:‬‬ ‫أصبت بخيبة أملٍ كبري ٍة‪ ،‬مل يفعل الله شيئًا إلبليس‪ ،‬وها هو يتحرك كام يشاء‪ ،‬إن هذا اإلبليس يعرف دامئًا كيف يُقنع‬ ‫الله مبا يريد‪.‬‬ ‫الثالثاء‪:‬‬ ‫خلق الله آلدم إنسانًا آخر يف مثل حجمه يك يؤنسه‪ ،‬ووضعهم يف‬ ‫الحاضنة‪ ،‬ليك يتعلّموا وتنضج أفكارهم‪ ،‬وال زلت أرى إبليس يحوم‬ ‫حول آدم يرمقه بنظراته‪.‬‬ ‫األربعاء‪:‬‬ ‫كام توقعت‪ ،‬لقد أغوى إبليس آدم مبخالفة أمر الله‪ ،‬ال ألوم آدم فهو‬ ‫مازال غ َري ناض ٍج وال يستطيع متييز الخري من الرش‪ ،‬وال أعرف ملاذا ترك‬ ‫الله إبليس يدخل إىل حاضنة آدم ورفيقته حواء؟ إ ّن آدم املسكني ال‬ ‫أي يشء‪ ،‬انه يبيك خائفًا من الله‪ ،‬أ ّما هذا اإلبليس فيبدو واثقًا‬ ‫يعرف ّ‬ ‫من نفسه‪.‬‬ ‫الجمعة‪:‬‬ ‫لقد حكم الله عيل آدم بالنزول إىل األرض ليعيش فيها وحده‪ ،‬وكالعادة أقنع إبليس الله أن يرتكه يرسح وميرح يف األرض‬ ‫يك يستطيع أن يغوي آدم مرة اخرى‪ .‬ال أدرى ملاذا يقتنع الله بكالمه مرة ثالثة؟ إ ّن هذا املسكني آدم ال يستطيع أن‬ ‫يجاري إبليس‪ ،‬إ ّن إبليس هو السبب يف كل هذا‪ ،‬لقد أصبح ُح ًرا طليقًا يف األرض ميرح كيف يشاء‪.‬‬ ‫االثنني‪:‬‬ ‫تكليف اليوم بالنزول لألرض ألصبح من الكرام الكاتبني لإلنسان الجديد‪ ،‬إنها أفضل من عمليات‬ ‫مرحى‪ ،‬لقد جاءين‬ ‫ٌ‬ ‫يوم يش ٌء جديد وأرى مكانًا جدي ًدا‪ ،‬وداعا للملل‪.‬‬ ‫التفريغ‪ ،‬سوف أجد َّ‬ ‫كل ٍ‬

‫‪80‬‬


‫مذكرات مالك هارب من الجنة‬ ‫وليد‬

‫الصفحة الثانية‪:‬‬ ‫الثالثاء‪:‬‬ ‫اليوم هو يوم النزول لألرض‪ ،‬لقد سمعت كث ًريا عنها‪ ،‬وأنا متأك ٌد أ ّن العمل عىل األرض أفضل من العمل الذي ال ينقطع‬ ‫يف السامء‪ ،‬فأنا أحب املغامرة وال أحب أن أعيش بقية عمري يف روت ٍني ال يتغري‪ .‬لقد تم تكليفي أنا وزمييل هاروت أن‬ ‫نسجل األحداث آلدم وحواء‪ ،‬واليوم سوف أتسلم قرطايس ودواة الحرب ومروح ًة ورقي ًة يك أجفف بها الحرب بعد الكتابة‪،‬‬ ‫سوف أسجل أعامل آدم وسوف يُسجل هاروت أعامل حواء‪.‬‬ ‫األربعاء‪:‬‬ ‫ليل ونهار‪ ،‬إن السامء ال يوجد بها سوى نور‬ ‫ما أحىل األرض‪ ،‬إن بها ٌ‬ ‫الله فقط‪ ،‬أ ّما هنا فاألمر مختلف‪ ،‬مشاعر جديد ٌة أشعر بها ألول‬ ‫شمس‪ ،‬قم ٌر‪ ،‬ح ٌر‪ ،‬بر ٌد‪ ،‬نو ٌر وظالم‪ٌ ،‬‬ ‫جامل وقبح‪ ،‬وغريها‪ ،‬إ ّن‬ ‫مرة‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫حالوة أي يش ٍء ال تظهر إال بوجود النقيض‪.‬‬ ‫الجمعة‪:‬‬ ‫آدم مييش كالتائه ليبحث عن ما ٍء وطعام‪ ،‬إنه ال يعرف ماذا يأكل‬ ‫أو يرشب أو يعمل‪ .‬إن إبليس يأتيه ويقول له ولكنه تعلّم الدرس‪،‬‬ ‫وأنا أشفق عليه‪ ،‬فهو مل يتعود عىل هذا الشقاء‪ ،‬ال أجد ما أكتبه يف‬ ‫الصحيفة‪ .‬إن كل ما يفعله آدم هو االستكشاف‪ ،‬التقيت بصديقي‬ ‫أيضا ال تعرف أي يشء‪ ،‬وتنظر آلدم‬ ‫هاروت وقال يل إن حواء ً‬ ‫أيضا‪.‬‬ ‫وتقول له‪ :‬وماذا بعد؟ لقد ملّت ّ‬ ‫ومل هو ً‬ ‫السبت‪:‬‬ ‫غريب ج ًدا اليوم‪ ،‬لقد نظر آدم لحواء نظر ٍ‬ ‫ات غريب ًة وهي نامئ ٌة‪ ،‬إنّه يشعر مشاعر غريب ًة نحوها‪ ،‬ولكنه‬ ‫لقد حصل يش ٌء‬ ‫ٌ‬ ‫يش مسلٍ ‪ ،‬وستشغل به نفسك‬ ‫ال يدري ماذا يفعل‪ ،‬جاءه إبليس وقال له‪« :‬اسمع كالمي‪ ،‬افعل كذا وكذا وسرتى أنه ٌ‬ ‫وتجد متعة الحياة»‪.‬‬ ‫األحد‪:‬‬ ‫آدم يف غاية االنبساط‪ ،‬ألول مرة ال يشعر أن إبليس يخدعه‪ ،‬لقد وجد متع ًة جديد ًة تشغله بدلً من جني الثامر والخوف‬ ‫من الحيوانات‪ ،‬إنه ينظر لحواء كل مر ٍة ويكرر املوضوع‪ .‬جلست مع هاروت ألسأله ماذا فعلَت حواء عندما استجابت‬ ‫‪81‬‬


‫مذكرات مالك هارب من الجنة‬ ‫وليد‬

‫لنصيحة إبليس؟ فأجابني‪ :‬إنها كانت خائفة‪ ،‬أما اآلن فقد أصبح األمر يشغلها كام يشغل آدم‪ .‬شه ٌر مىض وال جديد‪ ،‬آدم‬ ‫بدأ يفهم بعض األشياء املفيدة‪ ،‬تعلّم كيف تكون حياته مستقرة‪ ،‬وحواء بدأت تحس أن بطنها تكرب شيئًا فشيئًا‪ ،‬وهي‬ ‫خائفة‪ ،‬لقد س ّجل هاروت أول سيئ ٍة ض ّد حواء اليوم‪.‬‬ ‫الجمعة‪:‬‬ ‫رجل ليس له كلم ٌة وال يستطيع أن يفعل شيئًا»‪ ،‬لقد كربت بطنها وهي خائف ٌة من النتيجة‪.‬‬ ‫لقد قالت حواء آلدم‪« :‬إنك ٌ‬ ‫إنها تظن أن ما يحصل لها هو نتيجة سامع آدم لكالم إبليس‪ ،‬وأ ّن الله سيجعل ما يف بطنها يشبه الحيوانات‪.‬‬ ‫األحد‪:‬‬ ‫حواء تتأمل‪ ،‬وآدم يدعو ربه‪ ،‬فوعده ربه أن ما يف بطن حواء طفلني عىل‬ ‫صورتيهام‪ ،‬ووعده خ ًريا وطأمن حواء‪ .‬بعد فرتة‪ ...‬حوا ٌء تستقبل طفليها‪،‬‬ ‫جاءت امرأة إبليس تساعدها‪ ،‬وقد أسميا أحدهام عبد الشيطان‪ ،‬لقد‬ ‫اسودت صحيفة آدم وحواء‪ ،‬إن أكرب خطأٍ ال يغفره الله هو الرشك به‪.‬‬ ‫السبت‪:‬‬ ‫آدم وحواء وإبليس أصبحوا ال يفرتقون‪ ،‬وأصبحت أنا أكتب كث ًريا‪ ،‬لقد‬ ‫شكوت إىل الله أعامل آدم‪ ،‬فوعدين بإرسال من يعلّمه دينه مر ًة أخرى‪،‬‬ ‫املرسل أكرث إقنا ًعا من الله نفسه؟ لقد كلم الله‬ ‫وال أدري هل سيكون َ‬ ‫آدم ومل يستجب له وها هو يرشك به‪ ،‬ال أفهم أحيانًا ماذا يريد الله من‬ ‫آدم‪ ،‬يخلقه ثم يغويه ثم يرتك الشيطان يلعب بعقله؟ وهو مسك ٌني ال‬ ‫يشء أمامه سوى ما يراه بعينه‪.‬‬ ‫االثنني‪:‬‬ ‫آدم يستغفر الله وقد أمرين الله مبسح الصحيفة السوداء له‪ ،‬أما حواء‬ ‫فلم يعلّق عليها‪ ،‬سمعت أنه سيجعل أكرث أهل النار عىل شاكلة حواء‪.‬‬ ‫هو ح ٌر يف خلقه‪.‬‬ ‫األربعاء‪:‬‬ ‫ٌ‬ ‫مشوي يأكله أمام آدم‪ ،‬وآدم مل يأكل سوى النباتات‪ ،‬وإبليس يحاول إغواءه بطعم اللحم‪.‬‬ ‫خروف‬ ‫إبليس جاء ومعه‬ ‫ٌ‬ ‫‪82‬‬


‫مذكرات مالك هارب من الجنة‬ ‫وليد‬

‫الجمعة‪:‬‬ ‫لقد استجابت حواء وقالت أنها ملّت من الفواكه والنباتات‪ ،‬وتريد أن تتذوق طعم اللحم‪ ،‬وقبلت هدية إبليس‪.‬‬ ‫السبت‪:‬‬ ‫يحب العمل يف هذا اليوم‪ ،‬يرى أنه يحتاج إىل الراحة‪ ،‬لقد أصبح اآلن يأكل اللحم ويشعر باإلرهاق‪.‬‬ ‫آدم ال ُ‬ ‫األحد‪:‬‬ ‫نزل ٌ‬ ‫مالك يعلّم آدم كيف يذبح ويسفك دماء الحيوانات األخرى باسم الله‪ .‬أهم يشء أال يذكر اسم إبليس عند الطعام‪،‬‬ ‫وقال له إن بعض الحيوانات مثل الشجرة املحرمة ال تقربها‪.‬‬ ‫االثنني‪:‬‬ ‫حواء مستاءة‪ ،‬وتقول‪ :‬ملاذا الله دامئًا يح ّرم علينا األشياء حتى يف األرض؟ إ ّن ربك دامئًا مض ّيقها علينا‪ .‬آدم مسكني‪ ،‬ال‬ ‫يعرف من يُريض‪ ،‬الله يف ناحية يح ّرم وحواء تطلب وإبليس يريه أشياء كلام جربها وجدها ممتع ًة وجميل ًة لكنها تغضب‬ ‫جميل ونيس أن يصيل‪ .‬أكل آدم كث ًريا من‬ ‫الله‪ ،‬وأنا أكتب وأكتب‪ ،‬لقد كتبت اليوم ثالث سيئات‪ :‬نام آدم ووجد النوم ً‬ ‫ٍ‬ ‫األرانب وقد أمره الله بأن ال يشبع‪ .‬سار إىل ٍ‬ ‫أصناف جديد ٍة من الطعام‪ ،‬والله أمره أال يطمع‪،‬‬ ‫أرض جديد ٍة وبحث عن‬ ‫يوم ُمت ًعا جديدة‪.‬‬ ‫يوم شيئًا جدي ًدا‪ّ ،‬‬ ‫وكل ٍ‬ ‫إنه يكتشف كل ٍ‬ ‫الصفحة الثالثة‪:‬‬

‫السبت‪:‬‬ ‫م ّرت سنني كثرية ال أستطيع أن أع ّدها‪ ،‬لقد تط ّورت الحياة عىل األرض‪،‬‬ ‫مات آدم وجاء أوالده وأحفاده وتط ّورت حياتهم كث ًريا‪ .‬لقد كان إبليس‬ ‫دامئًا هو السبب يف تطور البرش‪ .‬إ ّن أعظم املكتشفات جاءت من الحروب‬ ‫واألطامع‪ ،‬وجدتُ أن اإلنسان املسامل يرىض بالقليل‪ ،‬وال يطمع مبا يف يد‬ ‫غريه‪ ،‬ال يتقدم‪ ،‬وال يضيف إىل البرشية يشء‪ ،‬هل أرسل الله إبليس إىل‬ ‫األرض حتى يحفّز أهلها إىل التقدم؟ هل سيحاسبهم الله فعالً عىل سامعهم‬ ‫كالم إبليس‪ ،‬أم هي خط ٌة رباني ٌة إلعامر األرض؟‬ ‫األحد‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫لقد ت ّم تكليفي بكتابة أعامل ٍ‬ ‫جديد اسمه سليامن‪ ،‬ولقد أت ّم اليوم‬ ‫شخص‬ ‫بلوغه السن الذي يستوجب كتابة أعامله‪ .‬لقد قال يل هاروت أنه ابن نبي‬ ‫‪83‬‬


‫مذكرات مالك هارب من الجنة‬ ‫وليد‬

‫الله داوود لكنه مل يخربين الكثري عن داوود‪ ،‬يبدو أين سأكتشف بنفيس‪.‬‬ ‫الجمعة‪:‬‬ ‫شاب مرف ٌه ولكن يتسم بالحكمة‪ ،‬وإن كان مييل إىل املتع‬ ‫سليامن ٌ‬ ‫البرشية كث ًريا‪ .‬إنه كثري التيه والزهو بنفسه‪ ،‬مغر ٌم بالنساء والخيل وهو‬ ‫يف هذا ال يختلف عن بقية الرجال ولكنه شديد الثقة بنفسه ويثري‬ ‫هذا حقد أخيه األكرب الذي يطمع يف ملك والده‪.‬‬ ‫االثنني‪:‬‬ ‫مات داوود‪ ،‬اليوم يتصارع سليامن مع أخيه عىل من يخلف داوود‬ ‫يف الحكم والنبوة‪ ،‬لقد كان داوود يرى أن سليامن أوىل ولكن أخوه ال‬ ‫لدم‬ ‫يرىض بهذا‪ .‬إن إبليس قد جاء‬ ‫خصيصا‪ ،‬إنه يراها فرص ًة جديد ًة ٍ‬ ‫ً‬ ‫جديد‪ .‬إن إراقة دماء البرش هي قربانه لله‪.‬‬ ‫الثالثاء‪:‬‬ ‫ال أدري من انترص سليامن أم إبليس؟ لكن لقد قُتل الكثري ومات الكثري‪ .‬ملاذا يتقاتل الجميع باسم الله؟ ملاذا يرتك الله‬ ‫البرش يتقاتلون باسمه؟ هل املشكلة أن البرش ال يسمعون كالم الله؟ أم أن الله ال يريد هذا؟ أال يوجد يش ٌء يتوحد عليه‬ ‫البرش؟ يقول سليامن لو أراد الله السالم للعامل لخلق له خلقًا غري البرش‪ ،‬لكن هكذا أراد الله األرض فجاء البرش‪ .‬استقرت‬ ‫الدنيا لسليامن‪ .‬ما أسعد بني إرسائيل‪ ،‬نب ّيان متتاليان من الله لهام وبقية العامل بال أنبياء‪ .‬إ ّن الله يحب أوالد إرسائيل‬ ‫ويحرص عىل إرسال األنبياء لهم‪.‬‬ ‫األحد‪ :‬اليوم هو يوم عرض الخيل‪ ،‬سليامن يحب الخيل املسومة كث ًريا‪ .‬إن له ألف جوا ٍد وتسعني زوجة‪ ،‬ال أدري كيف‬ ‫يكون زاه ًدا عاب ًدا وملكًا مرف ًها يف نفس الوقت! لقد كتبت العديد من السيئات لسليامن ولك ّني أصبحت ال أرى لهذا‬ ‫رضور ًة فهو كثري االستغفار وامسح سيئاته دامئًا‪ .‬لقد انشغل بالعرض عن ذكر الله ثم تاب وقتل الخيل تكف ًريا عن ذنبه‪،‬‬ ‫مسكين ٌة الخيل‪ ،‬دفعت حياتها مث ًنا لعفو الله عن سليامن‪ .‬إنها الدماء مر ًة أخرى‪ ،‬أال ترتوي األرض أب ًدا‪.‬‬ ‫الخميس‪:‬‬ ‫طفل مس ًخا ألقاه عىل كرسيه‪ .‬إن سليامن يعشق الحياة إنه يستغفر فيغفر‬ ‫طاف سليامن عىل زوجاته ونيس الله فأعطاه ً‬ ‫الله له‪ ،‬لقد مللت‪ ،‬لقد أعطاه الله ُملكًا جدي ًدا؛ الرياح والجن والحيوانات والخاتم الذي يفعل كل يشء‪ .‬لقد مللت‬ ‫كتابة أعامل البرش‪ ،‬أريد أن اشعر مبا يشعر به سليامن‪ .‬أريد أن يغفر الله يل كلام دعوت ُه‪ ،‬ملاذا ال أكون مثل سليامن؟‬ ‫‪84‬‬


‫مذكرات مالك هارب من الجنة‬ ‫وليد‬

‫الجمعة‪:‬‬ ‫هاروت استغرب من كالمي ثم عاد وقال إنها فكر ٌة غريبة‬ ‫أيضا‪ ،‬لقد أعجبته حياة الناس يف بابل‬ ‫ولكنها تستهويه هو ً‬ ‫إنها بلد ٌة جميلة وبها مت ٌع كثرية للبرش‪ .‬أريد أن أخطأ ثم‬ ‫يحس بالجامل كام يريد البابليون‬ ‫أتوب‪ ،‬ويريد هاروت أن ّ‬ ‫اإلحساس به‪.‬‬ ‫األحد‪:‬‬ ‫استدعاين جربيل‪ ،‬لقد علم الله ما يف نفوسنا وأعجبته فكرتنا‪.‬‬ ‫إنه يريد أن يعرف الجميع قدرته ورحمته وعدله‪ .‬لقد ح ّدد‬ ‫لنا الجمعة القادمة لنتحول إىل برش‪ ،‬ولك ّنه حذرنا من النهاية‬ ‫ومن إبليس‪ .‬إن إبليس لن يرتكنا‪ .‬لقد أضاف إىل البرش مالكني‬ ‫ولكني أعرف أالعيبه سأكون ذك ًرا وهاروت امرأة‪ ،‬لن نكون‬ ‫رس الحياة‬ ‫آدم وحواء ساذجني مر ًة أخرى‪ .‬نحن نعلم أن ّ‬ ‫وأنثى‪ ،‬ويك متوت الحياة ف ّرق بني الذكر واألنثى‪ .‬مفاتيح‬ ‫ذك ٌر ٌ‬ ‫األرض يف يدي‪ ،‬لقد تعلمت من البرش كيف يفكرون وماذا‬ ‫يريدون‪ .‬إنهم يريدون كل يش ٍء يف يد غريهم ويف سبيل ذلك‬ ‫قربان إبليس إىل الله الدماء التي لن تتوقف‪ .‬ال أستطيع‬ ‫الصرب حتى الجمعة‪.‬‬ ‫الصفحة الرابعة‪:‬‬ ‫الثالثاء‪:‬‬ ‫رش صعب ٌة ج ًدا مل أكن اعرف تلك األحاسيس‪ .‬الجوع‪ ،‬العطش‪ ،‬الرغبة‪ ،‬التعب‪ ،‬الغرور‪ ،‬حب السلطة واملال‪.‬‬ ‫إن الحياة كب ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫أيضا‪.‬‬ ‫لقد كانت حيايت‬ ‫كمالك بال أحاسيس ولكنها كانت بدون مشاكل ً‬ ‫األربعاء‪:‬‬ ‫هاروت يطلب مني أن أجد وسيل ًة لكسب العيش وإال سنموت جو ًعا‪ ،‬يقول إنها فكريت وأن الله تركنا ليعرف الجميع‬ ‫حكمته يف توزيع األدوار بني ٍ‬ ‫مالك وإنسانٍ وجن‪.‬‬ ‫الخميس‪:‬‬ ‫‪85‬‬


‫مذكرات مالك هارب من الجنة‬ ‫وليد‬

‫إين بار ٌع يف السحر سأقوم أنا وهاروت بعمل تلك األشياء التي تجعل البرش يندهشون‪ .‬إ ّن وجود إبليس سيكون هو‬ ‫سبييل إىل الحياة‪ .‬عندما يكره البرش بعضهم سيحتاجونني‪ ،‬سأفرق بني املرأة وزوجها والحبيب وحبيبته‪ .‬إن هذا هو‬ ‫طريق يريض البرش‪ ،‬لو أرادهم الله غري ذلك لخلقهم‪ ،‬لقد كان سليامن عىل حق‪.‬‬ ‫أسهل‬ ‫ٍ‬ ‫األربعاء‪:‬‬ ‫لقد أصبحت أغنى من يف بابل‪ ،‬إ ّن اإلنسان ال يحب الخري إال لنفسه‪،‬‬ ‫إبليس ال يفعل شيئًا سوى أن يذكّر اإلنسان مبا كان ينوي أن يفعل يف‬ ‫ٍ‬ ‫رشا تحب‬ ‫وقت سابق‪ .‬دور إبليس هو دو ٌر تافه‪ ،‬الله هو من أراد ب ً‬ ‫الغواية‪ ،‬لقد زيّن لهم حب الشهوات والنساء والذهب والخيل‪ ،‬حتى‬ ‫األنبياء مل يسلموا من مكر الله‪.‬‬ ‫السبت‪:‬‬ ‫مات هاروت‪ ،‬إن البرش ميوتون‪ ،‬وأنا كذلك سأموت‪ ،‬ال أدري ما هذا‬ ‫املوت‪ ،‬عندما كنت مالكًا مل أفكر به أب ًدا‪ ،‬فاملالئكة ال متوت كالبرش‪ ،‬ال‬ ‫أريد أن أموت‪ ،‬إ ّن املوت يجعل كل يش ٍء يف الحياة بال طعم‪ ،‬ما فائدة‬ ‫التعب والجد إذا كنا سنموت ونرتك ما زرعنا ليحصد غرينا؟ إ ّن هذا‬ ‫يصيبني باإلحباط‪.‬‬ ‫األحد‪:‬‬ ‫إ ّن أهل بابل ال يؤمنون بالله وهو ال يفعل لهم شيئًا‪ ،‬مل يرسل لهم أح ًدا ليؤمنوا به‪ .‬ماذا يريد الله من البابليني؟ هل‬ ‫س ُيدخلهم الجنة؟ أم سيميتهم وكفى؟ إبليس ال يفعل أي يش ٍء هنا‪ ،‬إن البابليون أسوأ من إبليس نفسه‪ .‬لكنهم كلهم‬ ‫خلق الله‪.‬‬ ‫األربعاء‪:‬‬ ‫إن األرض تسري من يس ٍء إىل أسوأ‪ ،‬مل أ َر سوى الدماء عىل األرض‪ ،‬ال يحب أح ٌد أح ًدا‪ ،‬كل من عليها يبحث عن يش ٍء ال‬ ‫قتل واغتصابًا؟ هل كل البرش هكذا؟ هل كل األرض مثل‬ ‫أعلمه‪ .‬ماذا يريد اإلنسان؟ هل يريد ح ًبا وسال ًما؟ أم يريد ً‬ ‫البابليني يتقاتلون‪ ،‬يرسقون ويسكرون؟ أال يشبعون من الحياة؟ هل هذه سمة البرش؟ هل هكذا أراد الله البرش؟ يبدو‬ ‫يل كذلك‪.‬‬

‫‪86‬‬


s www.facebook.com/M-80-II-941772382615672

87


‫الله كان تشاك نوريس أيام شبابه!‬

‫‪Topason Samuel‬‬ ‫ـ‬

‫يجب عىل الله أن ينزل أية بأرسع وقت ممكن تبيح تبليغ عىل صفحات‬ ‫وحسابات امللحدين وتشتمهم ايضا كام فعل مع أيب لهب‬

‫نضالاخلطيب‬

‫‪Raidan Yemen‬‬

‫وما عىل الرسول إال «البالغ»‬ ‫القران يسبق التطبيقات الحديثة‬ ‫الله كان هرقل قبل اخرتاع الكامريات اما اآلن ال حس والخرب‬

‫‪88‬‬

‫محمد خليل‬


‫مجلة شهرية بجهود فردية تصدر في الثاني عشر من كل شهر‬

The Arab MagazineMagazine is a digital produced TheAtheists Arab Atheists is apublication digital publication by volunteers andbycommitted and produced volunteerstoandpromoting committedthetothought promoting writingstheofthought atheists and of various complete freewritingspersuasions of atheists with of various persuadom. Thewith Magazine doesfreedom. not adoptThe or endorse formnotof adopt politisions complete Magazineanydoes cal ideology affiliation. or or endorse any form of political ideology or affiliation Contributors of of thethe content, illustrations Contributorsbear bearthethefullfullresponsibility responsibility content, illustraandtions topicsandthey provide insofar as it covers copyright and issues topics they provide insofar as it covers copyright andof intellectual property. issues of intellectual property Express permission to publish in the Magazine is provided by conExpress permission for to publish in the Magazine is provided tributors, whether they are members of the Arab Atheists by contributors, whether they are members of the Arab Magazine Atheists Group or of other atheists and non-religious contributors. Magazine Group of other atheists and non-religious contributors TheTheMagazine does notnot publish material thatthat is unethical or or thatthat inMagazine does publish material is unethical cites racism or bigotry. incites racism or bigotry The Editorial Board reserves the rightthe to republish content originally The Editorial Board reserves right to republish content published on the Magazine’s Facebook group, as publishing originally published on the Magazine’s Facebook group,there as implicitly contains consent for republication in the Magazine. publishing there implicitly contains consent for republication in the Magazine

:‫موقع املدونة اخلاصة بنا لألرشفة على اإلنترنت‬ www.aamagazine.blogspot.com ‫البريد اإللكتروني‬ el7ad.organisation@gmail.com magazine@arabatheistbroadcasting.org


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.