مجلة الملحدين العرب / العدد الرابع والثمانون / نوفمبر تشرين ثاني / 2019

Page 1

‫مجلة شهرية بجهود فردية تصدر يف الثاين عرش من كل شهر‬

‫نقد كتاب اليهودية جـ ‪1‬‬ ‫راهب العلم‬

‫خلف خطى يسوع جـ ‪6‬‬

‫الغريب بن ماء السامء‬

‫أور الكلدانيني ليست يف‬ ‫العراق جـ ‪2‬‬

‫العدد الرابع والثامنون من مجلة امللحدين العرب ‪ -‬نوفمرب ‪ /‬ترشين ثاين لسنة ‪.2019‬‬

‫موفق نيسكو‬

‫اليهودية‬ ‫واملحروسة‬ ‫محمد شومان‬

‫تهدف مجلّة امللحدين العرب إىل نرش وتوثيق أفكار امللحدين العرب املتنوعة وبحريّ ٍة كاملة‪ ،‬وهي مجلّ ٌة رقمي ٌة غري ربح ّية‪ ،‬مبني ٌة‬ ‫أي توج ٍه سيايس‪ .‬املعلومات واملواضيع املنشورة يف املجلّة متثل آراء كاتبيها فقط‪ ،‬وهي مسؤول ّيتهم من‬ ‫بجهو ٍد طوعي ٍة ال تتبع َّ‬ ‫الناحية األدب ّية ومن ناحية حقوق النرش وحفظ امللك ّية الفكريّة‪.‬‬


‫كلمة تحرير املجلة‬

‫منذ بدأت مسريتنا ما فتئت االتهامات بالعاملة واملؤامرة تنهال علينا من‬ ‫ح ٍني آلخر‪ .‬وغالبًا ما تكون ممن مل يقرأ أو يعرف الكثري عن مجلتنا‪ ،‬مجلة‬ ‫امللحدين العرب‪ ،‬بل ورمبا ممن ال يعرف ما هو اإللحاد ويظنه نو ًعا من‬ ‫التشيع أو أي طائف ٍة أخرى منافسة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫وتأيت هذه االتهامات غال ًبا بشكلٍ‬ ‫واحد وإن اختلفت الصياغة‪ .‬وهي أننا‬ ‫ال نتكلم عن اليهودية وننتقدها كام نتكلم عن اإلسالم وننتقده يف مجلتنا‬ ‫ومجموعتنا (شبكة ومنتدى امللحدين العرب) وموقعنا الرسمي (قناة‬ ‫امللحدين بالعريب)‪ ،‬وعليه ال بد أننا عمال ٌء إرسائيليون يهود تم زرعنا ليك‬ ‫ننال من اإلسالم والدين الحق‪.‬‬

‫فريق التحرير‬

‫املشارك يف هذا العدد‬

‫رئيس التحرير‬ ‫الغراب الحكيم‬ ‫أعضاء هيئة التحرير وبناء املجلة‬ ‫‪John Silver‬‬ ‫‪Gaia Athiest‬‬ ‫أسامة البني (الوراق)‬ ‫‪Alia’a Damascéne‬‬ ‫غيث جابري‬ ‫‪Abdu Alsafrani‬‬ ‫‪Rama Saleh‬‬ ‫‪Raghed Rustom‬‬ ‫‪Johnny Adams‬‬ ‫ليث رواندي‬ ‫إيهاب فؤاد‬ ‫‪Yonan Martotte‬‬

‫طب ًعا من يطلق هكذا (كليشيهات) جاهز ًة تلبس ثوب املظلومية والشهادة‬ ‫حي ًنا وتطلق أصابع االتهام بالعاملة والتآمر حي ًنا آخر ال يعرف أننا بالفعل‬ ‫نقوم بانتقاد كل األديان واملذاهب مبا يف ذلك اليهودية‪.‬‬ ‫إن هي إال دفاعاتٌ معلب ٌة وجاهز ٌة تم برمجة عقل املؤمن عليها ليك يتجنب‬ ‫مواجهة أن ما يؤمن به هو يس ٌء بالفعل وأن ما يقال من ٍ‬ ‫نقد بحقه هو‬ ‫حقيق ٌة وجب مواجهتها‪.‬‬ ‫قد يتذمر البعض من أننا ال نقوم بتقديم الكمية ذاتها من املواد يف نقد‬ ‫منطقي ج ًدا ألننا نتعامل مع القارئ‬ ‫جميع املعتقدات واألديان‪ ،‬وهذا‬ ‫ٌّ‬ ‫ٍ‬ ‫معلومات ته ّمه وقد تؤثر به‪ ،‬وبالتايل‬ ‫العريب بالنهاية ويجب أن نُق ّدم له‬ ‫تكون نوعية املواد عن األديان مقسم ًة وموزع ًة بحسب تأثري كلٍ من هذه‬ ‫األديان يف املجتمع والثقافة للفئة املتلقية‪ .‬بل أننا قمنا بتقديم ونقد أديانٍ‬ ‫مثل الشينتو والهندوسية عىل الرغم من أنهام بعيدتان كل البعد عن‬ ‫القارئ باللغة العربية‪ .‬ومثلهام اليهودية التي قد ال تتجاوز نسبة املؤمنني‬ ‫بها يف الرشق األوسط وشامل أفريقيا الـ ‪ ،2%‬وبالتايل تغطيتها وجب ّأل‬ ‫تزيد عن هذه النسبة إذا كنا منصفني بالفعل كام يشاء املنتقدون‪...‬‬ ‫رغم كل يش ٍء ننىس يف خضم مواجهة ردود األفعال امليكانيكية والكليشيهات‬ ‫ٍ‬ ‫كمعتقد غاي ًة يف األهمية كونها األرضية التي بُنيت‬ ‫املعلبة أن اليهودية‬ ‫عليها باقي الديانات اإلبراهيمية وأنها ‪-‬أي اليهودية‪ -‬حملت معها الكثري‬ ‫من أثر األديان الوثنية البدائية وأساطريها وعاداتها وثقافاتها‪.‬‬ ‫إن ف ْهمنا للديانة اليهودية يعطينا صور ًة موغل ًة يف القدم عن طبيعة‬ ‫اإلنسان الفكرية واالجتامعية قبل ثالثة آالف سن ٍة وترسم لنا صور ًة واضح ًة‬ ‫عن رشاسة اإلنسان واملعتقد واإلله التي نحتتها الظروف والحروب والحياة‬ ‫الصعبة يف ذلك الزمن‪.‬‬

‫‪2‬‬

‫عليه ومن فهمنا لعمق هذه الديانة يف التاريخ نعود‬ ‫كامل جدي ًدا‬ ‫لنق ّدم لكم موا ًدا جديد ًة بل وعد ًدا ً‬ ‫متخصصا يف الديانة اليهودية ونقدها وتقدميها‬ ‫ً‬ ‫للقراء الذين قد ال يعرفون الكثري عنها‪ ،‬بل وقد ال‬ ‫يعرفون إال الكليشيهات التي بُرمجوا عىل إطالقها‪.‬‬ ‫والتي تكون غال ًبا تص ّور غري اليهود عن اليهود‬ ‫انعكاسا عن معرف ٍة أو واقعٍ بحقيقة األمور‬ ‫وليست‬ ‫ً‬ ‫والعقائد واألساطري‪.‬‬

‫الغراب الحكيم‬


‫الفهرس‬ ‫كلمة تحرير املجلة‬

‫‪2‬‬

‫الفهرس‬

‫‪3‬‬

‫يف مسألة الدميقراطية وهيمنة‬ ‫بُنى التخلف والرجعية‬ ‫د‪ .‬عبد العزيز القناعي‬

‫‪4‬‬

‫خلف خطى يسوع جـ ‪ :6‬الصلب وبولُس‬ ‫الغريب بن ماء السامء‬

‫‪8‬‬

‫نقد كتاب اليهودية (التناخ) جـ ‪:1‬‬ ‫الباب األول‪ :‬صورة الله يف الكتاب‬ ‫اليهودي – القسم األول‬ ‫راهب العلم‬

‫‪24‬‬

‫أور الكلدانيني ليست يف العراق جـ ‪2‬‬ ‫موفق نيسكو‬

‫‪43‬‬

‫اليهودية واملحروسة جـ ‪1‬‬ ‫محمد شومان‬

‫‪52‬‬

‫جحا يحكم املدينة (قصة قصرية)‬ ‫وليد‬

‫‪79‬‬

‫كاريكاتور‬

‫‪91‬‬

‫مالحظة‪ :‬عناوين املقاالت هي روابط‪ ،‬انقروا عليها لتأخذكم مبارش ًة إىل املقال‬

‫‪3‬‬


‫د‪.‬عبد العزيز القناعي‬

‫يف مسألة الدميقراطية وهيمنة‬ ‫بُنى التخلف والرجعية‬

‫رمبا يعترب سؤال التخلف والتقدم يف مجتمعاتنا من أكرث‬ ‫وخصوصا بعد‬ ‫األسئلة طر ًحا وبحثًا يف الوعي العريب‪،‬‬ ‫ً‬ ‫انتكاسات وإخفاقات املجتمعات العربية يف تحقيق هياكل‬ ‫عربي ٍة دميقراطي ٍة تحتوي عىل مدارات العلم واملعرفة‬ ‫واملواطنة وفقًا لرؤي ٍة عربي ٍة تنطلق من الداخل العريب‪،‬‬ ‫وتنتهي بقيام وحد ٍة عربي ٍة كامل ٍة يف السياسة واالقتصاد‬ ‫واملجتمع‪ .‬فواقع األمر أن الشعوب العربية اليوم تعيش‬ ‫أمناطًا مختلف ًة من التعاطي مع املشهد السيايس العريب الذي‬ ‫تفرزه عوامل ديني ٌة وثقافية‪ ،‬باإلضافة إىل التحوالت اإلقليمية‬ ‫والدولية‪ .‬فثمة مخاطر يثريها املشهد السيايس العريب بعد‬ ‫توقف الثورات العربية عن استكامل رشوط منوها ونضجها‬ ‫املعريف‪ ،‬فأول هذه املخاطر هو افتقاد الرشوط الثقافية‬ ‫التي تكفل قيام النظم العلامنية الدميقراطية‪ ،‬وهي رشو ٌط‬ ‫تتمحور حول تجانس رؤية الشعوب العربية ملا يريدون‬ ‫تحقيقه من بعد ثوراتهم الشعبية‪ ،‬إذ أن واقع األمر يكشف‬

‫أن املواطن العريب‪ ،‬بتجلياته وتناقضاته ومنظومته الفكرية‪ ،‬ال‬ ‫يصدر قراراته الشخصية عن قناع ٍة غال ًبا‪ ،‬بل تكون الوالءات‬ ‫الهامشية هي املسيطرة عىل القرار واالختيار‪ ،‬وهو ما يضعنا‬ ‫ٍ‬ ‫حاالت من االستالب الفئوي والعرقي والديني لصالح‬ ‫أمام‬ ‫بقاء األنظمة العربية ودوام تحكمها مبسرية التغيري والتبديل‪.‬‬ ‫فحني تضعف إقامة الرشوط السياسية الدميقراطية لألنظمة‬ ‫فضل عام تعكسه اللحظة التاريخية الراهنة من‬ ‫العربية‪ً ،‬‬ ‫قومي وعر ٍّيب يف مختلف املجاالت‪ ،‬يأيت هنا العقل‬ ‫تراجعٍ ٍّ‬ ‫العريب مح َّم ًل بشتى رواسب العجز عن التكامل واالتحاد‬ ‫من جهة‪ ،‬واإلعجاب بالنامذج املاضوية الدينية من جه ٍة‬ ‫تناقض يدفع إىل جمود‬ ‫أخرى‪ ،‬ليتشكل يف نهاية املطاف‬ ‫ٌ‬ ‫وعصبية العقل العريب‪ ،‬وبالتايل اإلبحار يف املجهول دون‬ ‫رؤي ٍة واقعي ٍة أو قياد ٍة ثوري ٍة قادر ٍة عىل مسك زمام التحرك‬ ‫والتنظري واتخاذ القرار بصور ٍة شعبي ٍة تبدأ من الخليج العريب‬ ‫إىل املحيط األطليس‪.‬‬ ‫‪4‬‬


‫يف مسألة الدميقراطية وهيمنة بُنى التخلف والرجعية‬ ‫وتجل ذلك يف عجز األنظمة العربية ومؤسسات‬ ‫لقد فشلت املامرسة التاريخية العربية يف تجاوز تحديات البناء والتنمية‪َّ ،‬‬ ‫املجتمع املدين عن ترجمة طموحات الشعوب العربية يف التقدم وبناء املجتمعات وفقًا لنموذج الدولة الحديثة‪ ،‬مام‬ ‫جعل غالبية الشعوب العربية تعترب مشاريع النهضة عاجز ًة عن التحقق واالستمرار‪ .‬فمشكلة التخلف اليوم أعمق مام‬ ‫وتأصيل‬ ‫ً‬ ‫انقسام آخر أكرث خطور ًة‬ ‫تبدو ظاهريًّا‪ ،‬إذ ال يقف انقسام الدول العربية والشعوب عند منطه اآلين‪ ،‬بل تجاوزه إىل‬ ‫ٍ‬ ‫عىل الصعيد االجتامعي وهو يتمثل بجزئيتني‪ ،‬األوىل التقليد والتاريخية‪ :‬ونعني بها استمرار إنتاج املنظومات التاريخية‬ ‫بصور ٍة اجتامعي ٍة واقتصادي ٍة ريعي ٍة غارق ٍة يف النمذجة‪ ،‬مع هيمنة الثقافة القبلية والدينية التي ت ُعيل من عوامل االنشطار‬ ‫ٍ‬ ‫وثبات وجمود‪ .‬والجزئية الثانية تتعلق بالحداثة‬ ‫وعدم التسامح‪ ،‬مام يجعل املجتمعات العربية تعيش يف حركة ركو ٍد‬ ‫املظهرية‪ :‬حيث أصبح هذا العامل‬ ‫من أهم األسباب التي جعلتنا نركن‬ ‫إىل وضعنا الحايل‪ ،‬فتغليف مجتمعاتنا‬ ‫بإنتاجات الغرب املادية جعل اإلنسان‬ ‫العريب يكتفي من الحداثة‪ ،‬وينكر‬ ‫عليها الفلسفات السياسية واالجتامعية‬ ‫والفكرية الداعمة للتغيري وتداول‬ ‫السلطة وخلق اإلنسان الحر‪ ،‬فك ًرا‬ ‫وعقيد ًة ورأيًا‪.‬‬ ‫إذن‪ ،‬ويف سياق التقليد والتاريخ‪ ،‬والحداثة املظهرية‪ ،‬تعيش مجتمعاتنا العربية انقساماتها‪ ،‬وتتنازع أهواءنا مرجعياتٌ‬ ‫أي من التقدم النهضوي‪ ،‬وال يعزوا‬ ‫متعددة‪ ،‬ويأيت األمن السيايس واالجتامعي كأحد أبرز مظاهر الفشل يف تحقيق ٍّ‬ ‫كحل أخريٍ يواجهون به ثقافة االستبداد التي خلقوها يف وعيهم وال َوعيهم‬ ‫العرب هذا الفشل إال إىل نظرية املؤامرة ٍّ‬ ‫الباطني وذلك لعدم قدرتهم عىل مواجهة الخوف وتخلفهم‪ .‬وهكذا أىت التفكري السيايس العريب كأحد عنارص ثقافتنا‪،‬‬ ‫الغارقة بالتدين‪ ،‬بعي ًدا عن القواعد واآلليات العقالنية ليكون مشحونًا بالعاطفة‪ ،‬مع ِّو ًل عىل النوايا‪ ،‬و ُمحت ِك ًم إىل الصدفة‬ ‫والتقليد‪ ،‬ومجافيًا لرشوط العقلنة التي تربط املقدمات والنتائج‪ ،‬حتى ليبدو القرار السيايس‪ ،‬سوا ٌء الصادر من األنظمة‬ ‫فضل عن اإلمالءات والتبعية والوالءات الدينية‬ ‫العربية أو من الخيار الشعبي‪ ،‬محكو ًما مبنطق األزمات واملفاجآت ً‬ ‫والطائفية‪ .‬إن السياسة العربية تواجه مشاكل حقيقي ًة‬ ‫يف املدى القصري والبعيد‪ ،‬يف ظل تصاعد املشكالت‬ ‫الداخلية للدول‪ ،‬الطائفية وغياب الدميقراطية والعلامنية‪،‬‬ ‫وصعود التيارات الدينية‪ ،‬والتدخالت اإلقليمية والدولية‬ ‫واسعة النطاق يف املنطقة‪ ،‬ومدى قدرة القيادات العربية‬ ‫الجديدة‪ ،‬سوا ٌء اإلسالمية أو القومية‪ ،‬هذا إذا استبعدنا‬ ‫قوي من‬ ‫التيارات العلامنية والليربالية ملحاربتها بشكلٍ ٍّ‬ ‫ِقبل السلطات الدينية واألنظمة العربية العتبارها الخصم‬ ‫القوي الوحيد‪ ،‬يف إيجاد صيغ ٍة إقليمي ٍة تحقق مصالحها‬ ‫‪5‬‬


‫يف مسألة الدميقراطية وهيمنة بُنى التخلف والرجعية‬ ‫يف إطا ٍر متعدد األطراف‪ ،‬دون أن تهدد املصالح الدولية‪ ،‬وغالبًا فإنه إذا مل يتم التمكن من ترتيب األوضاع الخاصة ببناء‬ ‫الدولة املدنية والهياكل التنظيمية يف هذا املدى‪ ،‬سوف تتحول السياسة العربية إىل مجرد هوي ٍة استبدادي ٍة عىل املدى‬ ‫الطويل‪.‬‬ ‫إن رضورة استعادة الشعوب العربية شعورها‬ ‫بجدوى املشاركة السياسية وجدوى التحوالت‬ ‫املدنية الحضارية‪ ،‬يبدأ من زعزعة األسس‬ ‫االقتصادية والسياسية التي أسست الفساد‬ ‫واالستهالك والتبعية والجهل‪ ،‬وتكريس جملة‬ ‫املامرسات الحقوقية والتنفيذية التي متنع‬ ‫كل أشكال التعدي عىل حقوق املواطنني‪،‬‬ ‫الفردية والجمعية‪ ،‬وكسب املزيد من الحقوق‬ ‫ٍ‬ ‫جمعيات غري حكومي ٍة‬ ‫الدميقراطية يف الحياة السياسية‪ ،‬والحذر من تسطيح فكرة املجتمع املدين وتخفيضها واختزالها إىل‬ ‫تهتم بقضايا جزئية‪ ،‬والتأكيد عىل استقاللية املواطن‪ ،‬والنضال من أجل جعل حركة املجتمع املدين يف املجتمعات العربية‬ ‫ٍ‬ ‫بخطط لنرش‬ ‫ال تنفصل عن حركة املجتمع املدين العاملية‪ ،‬ومواصلة العمل والكفاح يف مجال اإلصالح الدميقراطي‪ ،‬والقيام‬ ‫ثقافة حقوق اإلنسان واملساواة والحريات‪ ،‬وتطوير الدميقراطية داخل العقل العريب وثقافة املجتمع‪ ،‬ودعم املجتمع‬ ‫املدين بكافة مؤسساته ومنظامته‪ ،‬وتفعيل الحوار بني مكونات املجتمع العريب بهدف بناء اإلنسان العريب الجديد عىل‬ ‫ٍ‬ ‫اطي علامين‪.‬‬ ‫أساس دميقر ٍّ‬

‫ﻣﻦ ﻧﺤﻦ؟‬ ‫ﻧﺤﻦ ﻣﺠﻤﻮﻋﻪ ﻣﻦ ﻣﺴﻠﻤني ﺳﺎﺑﻘني وﻣﺴﻠﻤني ﺑﺪرﺟﺎت ﻣﺘﻔﺎوﺗﻪ ﻣﻦ اﻟﺘﺪﻳﻦ‪.‬‬ ‫ﻣﺎذا ﻧﺮﻳﺪ؟‬ ‫ﻧﺮﻳﺪ أن ﻧﺠﺪ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ‪ ،‬ﻣﻬام ﻛﺎﻧﺖ‪ ،‬و أن ﻧﺤﺎرب ﻣﻦ أﺟﻞ ﺣﻘﻨﺎ ﰲ اﺗﺒﺎﻋﻬﺎ‪،‬‬ ‫ﻧﺮﻳﺪ أن ﻧﺨﻠﻖ ﻣﻜﺎﻧﺎ آﻣ ًﻨﺎ ﻟﻠﻨﺎس ﻟﻴﺘﺒﺎدﻟﻮا ﻓﻴﻪ اﻷﻓﻜﺎر اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻠﻤﻨﺎ أﻻ ﻧﺘﺤﺪث ﻋﻨﻬﺎ‪،‬‬ ‫ﻧﺮﻳﺪ أن ﻧﺴﺎﻧﺪ ﺑﻌﻀﻨﺎ وﻧﺴﺎﻋﺪ ﺑﻌﻀﻨﺎ ﻋﲆ ﻣﻮاﺟﻬﺔ أﺳﺌﻠﺔ اﻷﻫﻞ واﳌﺠﺘﻤﻊ‪ ،‬وﺗﻜﻮﻳﻦ إﺟﺎﺑﺎت ﻟﻬﺎ‪،‬‬ ‫ﻧﺮﻳﺪ أن ﻧﻌﻄﻲ اﻟﻼدﻳﻨﻴني )ﺳﻮاء ﻣﻠﺤﺪﻳﻦ‪ ،‬رﺑﻮﺑﻴني أو ﻏريﻫﻢ( ﰲ اﻟﺒﻼد اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺻﻮﺗ ًﺎ ﻷﻧﻬﻢ‬ ‫ﺳﻴﻘﺘﻠﻮن إذا ﻋﻠﺖ أﺻﻮاﺗﻬﻢ‪.‬‬

‫‪6‬‬

‫مسلمش |‬

‫‪www.muslimish.com‬‬


http://arabatheistbroadcasting.com/aamagazine https://www.aamagazine.blogspot.com https://www.facebook.com/pages/AAMagazine/498136386890299 https://issuu.com/928738

7


‫خلف خطى يسوع جـ ‪:6‬‬ ‫الصلبوبولُس‬

‫الغريب بن ماء السامء‬

‫اثنان أهل األرض‪:‬‬ ‫ذو عقلٍ بال دين‪،‬‬ ‫وآخ ُر َديِّ ٌن ال عقل لَ ْه‬ ‫أبو العالء املع ّري‬ ‫وجود املسيحيني هو الدليل عىل عدم وجود الله!‬ ‫‪Louis Scutenaire / 1905-1987‬‬

‫‪8‬‬


‫خلف خطى يسوع جـ ‪:6‬‬ ‫الصلب وبولُس‬

‫الغريب بن ماء السامء‬

‫‪:Mors turpissima crucis‬‬ ‫الصلب‪ ،‬املِيتة املهينة (القبيحة)‬

‫(‪)1‬‬

‫عقوبة الصلب هي عقوب ٌة ذات أصو ٍل رشقي ٍة استوردها اإلغريق من الفرس ورمبا‬ ‫من الفينيقيّني وانتقلت إىل القرطاجيني ومنهم استوردها الرومان‪ ،‬ويصفها فالڤيوس‬ ‫فيقول‪« :‬هي أقىس أنواع املوت»(‪.)2‬‬ ‫وقد ت ّم اكتشاف بقايا عظام ٍ‬ ‫شخص‬ ‫مصلوب سنة ‪ 1968‬يف القدس(‪ )3‬يعود إىل الفرتة‬ ‫ٍ‬ ‫الرومانية مام ساعد العلامء عىل فهم كيفية الصلب التي كان يقوم بها الرومان‪.‬‬ ‫كان الرومان يدقّون املسامري يف أسفل ذراع الضحية [وليس كالصور التي نراها‬ ‫يف الكنائس اآلن التي ت ُصور املسامري يف بطن كف يسوع] والغرض من ذلك هو‬ ‫أن تظل الضحية معلق ًة أقىص قد ٍر ممكنٍ من الوقت‪ ،‬أما لو كانت املسامري مدقوق ًة يف كفها فلن تستطيع حمل الجسد‬ ‫وتتمزق يده وتسقط الضحية من عىل الصليب‪.‬‬ ‫غرافيتي روماين من القرن الثاين لعملية الصلب‬

‫إذن فإن املسامر يتم إدخاله أسفل الذراع وفوق الكف [يف املفصل]‬ ‫لكن يف مكانٍ محد ٍد ودقيق‪ ،‬حتى ال يقطع املسامر األوردة الدموية‬ ‫نزيف متوت عىل إثره الضحية برسعة‪ ،‬مام يتعارض مع‬ ‫فيحدث ٌ‬ ‫هدف الصلب وهو جعل الضحية تتأمل أكرب ٍ‬ ‫وقت ممكنٍ دون أن‬ ‫متوت‪ ،‬قد تصل إىل يومني‪ ،‬لذلك فهم يدقّون املسامر يف مكانٍ‬ ‫نزيف كب ٌري يؤدي إىل اإلغامء ثم‬ ‫محدد‪ ،‬مينع أن يحدث للضحية ٌ‬ ‫املوت برسعة‪ ،‬ومينع كذلك سقوط الجسد ومتزق الكف‪.‬‬ ‫واملسامر يف الساق يت ّم دقّه يف الخلف أي يف عقب الساق‪ ،‬وهو‬ ‫أيضا مكا ٌن مختا ٌر بدق ٍة يحافظ عىل توازن الجسد ولكن ليس لحمله ومينع النزيف الكثري‪.‬‬ ‫ً‬ ‫‪ -1‬التعبري ‪ mors turpissima crucis‬استعمله أوريغانوس لوصف موت يسوع‪ ،‬وقد وصف شيرشون ‪ Cicero‬الصلب بالعقوبة القصوى ‪ summum supplicium‬تتعدى الحرق‬ ‫‪ cermatio‬وقطع الرأس ‪ .decollatio‬املصدر‪[ .M. Hengel, Crucifixion, Augsburg Fortress Publishing, p. 33 & 51 :‬تحرير املجلة]‪.‬‬ ‫‪ -2‬يوسيفوس فالڤيوس‪ ،‬حروب اليهود ‪.203 ،6 ،2‬‬ ‫‪3- James Tabor, La veritable histoire de jesus, Laffont, Paris 2007, p. 227.‬‬

‫‪9‬‬


‫خلف خطى يسوع جـ ‪:6‬‬ ‫الصلب وبولُس‬

‫الغريب بن ماء السامء‬

‫تتم تعرية الضحية من مالبسها متا ًما ثم يتم جلدها فصلبها‪ ،‬و تكون الوفاة إثر عوامل الكسور والتعب واالنقباضات‬ ‫العضلية وفراغ الجسد من املاء تحت أشعة الشمس والنزيف البطيء‪ ،‬ويف النهاية االختناق الذي تس ّببه وضعية الذراعني‬ ‫قليل‬ ‫املفتوحتني اللتني تحمالن الجسد‪ ،‬مام يجعل التنفس صعبًا مع مرور الوقت‪ ،‬فتعتمد الضحية عىل قدميها لتقف ً‬ ‫وتحمل العبء عن اليدين فتزداد تأملًا بسبب املسامري يف القدمني‪ ،‬و ميكن اإلرساع يف هذه العوامل أو جعلها بطيئ ًة ج ًدا‬ ‫حسب الحاالت‪ ،‬حيث يقوم الجنود يف حالة اإلرساع بكرس ركبتي الضحية مام يؤ ّدي إىل خلق ٍ‬ ‫ضغط كبريٍ عىل القفص‬ ‫الصدري يع ّجل يف الوفاة‪.‬‬ ‫ومل يهتم الرومان مبصري املصلوب بعد وفاته بل كانوا يرتكونه عىل الصليب‪ ،‬تنهشه الكالب الضالة والعقبان‪ ،‬لكن الرشيعة‬ ‫اليهودية تشري إىل رضورة إنزاله ودفنه‪َ « :‬وإِذَا كَا َن َع َل إِنْ َسانٍ َخ ِط َّي ٌة َح ُّق َها الْ َم ْوتُ ‪ ،‬فَ ُق ِت َل َو َعلَّ ْقتَ ُه َع َل َخشَ َب ٍة‪ ،‬فَالَ تَب ِْت‬ ‫ُجثَّتُ ُه َع َل الْ َخشَ َب ِة‪ ،‬بَ ْل ت َ ْد ِف ُن ُه ِف ذلِ َك الْ َي ْو ِم‪ ،‬ألَ َّن الْ ُم َعل َ​َّق َملْ ُعو ٌن ِم َن الل ِه» (التثنية ‪ .)22-23 :21‬رغم أن اآلية تشري هنا‬ ‫إىل قتل الخاطئ ثم صلب جثته‪ ،‬وليس كام كان يفعل الرومان‪ ،‬فإنه يف كل الحاالت تطبق عليه الرشيعة اليهودية ويتم‬ ‫إنزاله ودفنه كام حدث مع يسوع‪.‬‬ ‫ومينع القانون الروماين تطبيق عقوبة الصلب عىل املواطنني الرومان وإمنا فقط عىل غريهم‪ ،‬وخاص ًة الثوار األجانب الذين‬ ‫يهددون الدولة‪.‬‬ ‫ويأيت أمر الصلب مبارش ًة من الحاكم الروماين‪ ،‬كام حدث مع يسوع‪ ،‬فيتم نزع مالبسه ويُجلد‪ ،‬والجلد هنا ال يقل وحشي ًة‬ ‫عن الصلب حيث يروي أحد الكتّاب من القرن الثاين ميالدي تحت اسم پوليكارپوس(‪ )4‬حادث ًة عن جلد الرومان لبعض‬ ‫املسيحيني فيقول‪« :‬تم متزيق أجسادهم‬ ‫بالسوط حتى أننا نستطيع ‪-‬عرب الجروح‪-‬‬ ‫رؤية األوردة والعروق»(‪.)5‬‬ ‫إذن فبعد أن قام الجنود بجلد يسوع‪،‬‬ ‫أيضا وهام‬ ‫وال بد أنه كان معه شخصان ً‬ ‫اللذان ُصلبا معه‪ ،‬كان عليه أن يحمل‬ ‫الصليب ويذهب به إىل املكان املعد له‪،‬‬ ‫فيميش عاريًا متا ًما بجسده املمزق من أثر السوط فيقوم الجنود بدفعه ليرسع والبصاق عليه ويرضبونه أمام أعني‬ ‫سمه القديس يوحنا املعمدان الحبيب أسقفًا عىل مدينو سمرينا (حال ًيا يف إزمري الرتكية)‪ ،‬وقد شهد القديس إيرينيئوس أسقف ليون عن قداسة‬ ‫‪ -4‬بوليكاربوس ولد حوايل سنة ‪70‬م ّ‬ ‫سريته‪ ،‬وأنه تعلم عىل أيدي الرسل‪ ،‬وأنه تحدث مع القديس يوحنا املعمدان وغريه ممن عاينوا املسيح عىل األرض‪[ .‬تحرير املجلة]‪.‬‬ ‫‪5- Gérard Mordillat, Jesus contre Jesus, Seuil, 2008 Paris, p. 81.‬‬

‫‪10‬‬


‫خلف خطى يسوع جـ ‪:6‬‬ ‫الصلب وبولُس‬

‫الغريب بن ماء السامء‬

‫الجامهري وينكلون به‪ ،‬وهذا هو الغرض من التشهري به‪ ،‬فهو إنذا ٌر لكل من تُس ّول له نفسه بالثورة أو حتى التفكري‬ ‫بالثورة ضد روما‪ ،‬ومن يفعل ذلك فهو يعرف ماذا ينتظره‪.‬‬ ‫حامل صليبه‪ ،‬لكن لو دققنا جي ًدا يف إنجيل مرقس األصيل باليونانية‪ ،‬نراه‬ ‫إن الرؤية املسيحية تتفق مع ميش يسوع ً‬ ‫أصل من أثر التعذيب‪« :‬ف َ​َس َّخ ُروا َر ُج ًل ُم ْجتَازًا كَا َن آتِيًا ِم َن الْ َحقْلِ ‪َ ،‬و ُه َو ِس ْم َعا ُن‬ ‫يشري إىل عدم قدرة يسوع عىل امليش ً‬ ‫ان أَبُو أَلَك َْس ْن َد ُر َس َو ُروف َُس‪ ،‬لِ َي ْح ِم َل َصلِي َب ُه‪( ».‬مرقس ‪ ،)21 :15‬فهذا الرجل هو الذي يحمل الصليب وليس يسوع‪،‬‬ ‫الْق ْ َ​َي َو ِ ُّ‬ ‫قليل ليوافق املشهد رؤيته‪ ،‬فقال أن يسوع هو الذي يحمل الصليب مبساعدة سمعان‬ ‫لكن إنجيل لوقا أراد تصحيح األمر ً‬ ‫القريواين‪ ،‬أما اإلنجيل حسب يوح ّنا فرمبا مل تعجبه هذه الفكرة التي قام بها إنجيل لوقا ولعلّه رآها تتناقض مع رؤيته‪،‬‬ ‫فقال أن يسوع حمل صليبه وحده‪.‬‬ ‫لكن لنعد إىل إنجيل مرقس‪:‬‬ ‫« َوبَ ْع َد َما ْاستَ ْه َزأُوا ِب ِه‪ ،‬نَ َز ُعوا َع ْن ُه األُ ْر ُجوا َن َوأَلْ َب ُسو ُه ثِ َيابَ ُه‪ ،‬ث ُ َّم َخ َر ُجوا ِب ِه لِ َي ْصلِ ُبو ُه‪ .‬ف َ​َس َّخ ُروا َر ُج ًل ُم ْجتَازًا كَا َن آتِ ًيا ِم َن‬ ‫ان أَبُو أَلَك َْس ْن َد ُر َس َو ُروف َُس‪ ،‬لِ َي ْح ِم َل َصلِي َب ُه‪َ .‬و َجا ُءوا ِب ِه إِ َل َم ْو ِضعِ « ُجلْ ُجثَ َة» ال َِّذي تَف ِْس ُري ُه‬ ‫الْ َحقْلِ ‪َ ،‬و ُه َو ِس ْم َعا ُن الْق ْ َ​َي َو ِ ُّ‬ ‫َم ْو ِض ُع « ُج ْم ُج َم ٍة» (مرقس ‪.)20-22 :15‬‬ ‫النص األصيل باليونانية لوجدناه يقول‪:‬‬ ‫أغلب الرتجامت تستعمل تعبري‪« :‬جاءوا به» لكن لو عدنا إىل ّ‬

‫‪και φερουσιν αυτον επι τον γολγοθαν τοπον ο εστιν μεθερμηνευομενον κρανιου τοπος‬‬

‫أيضا‪ :‬قادوه‪ ،‬جاءوا به ‪ ...‬إلخ‪ ،‬لكن معناها الحر ّيف‬ ‫والرتجمة الحرفية للكلمة هي‪« :‬احتملوه»(‪ .)6‬وتعني بطبيعة الحال ً‬ ‫يف طبقته اللغوية األوىل يعني‪ :‬حمل اليشء‪،‬‬ ‫حمل‬ ‫أي أن الجنود الرومان حملوا يسوع ً‬ ‫أصل‬ ‫فلم يعد يستطيع الوقوف عىل قدميه ً‬ ‫من شدة التعذيب‪ ،‬لكن ال ينفي أنهم كانوا‬ ‫يلقونه عىل األرض بني الفينة واألخرى ليميش‬ ‫وحده‪ ،‬بينام عىل األغلب ليس هو من حمل‬ ‫الصليب [وهذا األمر ضد املعتقد املسيحي]‪.‬‬ ‫‪ -6‬راجعوا استعامل مرقس لها يف ‪ 7 :11‬حيث يقول‪« :‬فَأَت َ َيا بِالْ َج ْح ِش إِ َل يَ ُسوعَ‪َ ،‬وأَلْ َق َيا َعلَ ْي ِه ثِ َيابَ ُه َم فَ َجل َ​َس َعلَ ْي ِه‪ ».‬واملعنى هو‪ :‬حمال الجحش إىل يسوع‪،‬‬

‫‪και φερουσιν τον πωλον προς τον ιησουν‬‬

‫‪And they brought the colt to Jesus.‬‬

‫‪11‬‬


‫خلف خطى يسوع جـ ‪:6‬‬ ‫الصلب وبولُس‬

‫الغريب بن ماء السامء‬

‫والطريق التي مىش فيها يسوع وتسمى طريق الجمجمة‪ ،‬وتسمى كذلك‬ ‫طريق اآلالم‪ ،‬يزورها السياح إىل اليوم ويقرأون فيها الكتاب املقدس‬ ‫ويرتمنون‪ ،‬لكن هذا املكان ليس تاريخيًا!‬ ‫يف الحقيقة فإ ّن هذا املكان تم تحديده يف القرن الرابع ميالدي حني‬ ‫اعتنق قسطنطني املسيحية فأمر بالبحث عن طريق اآلالم وعن قرب‬ ‫يسوع وتكفّل بهذا األمر األسقف ماكاريوس األورشلمي ’‪Μακάριος Α‬‬ ‫‪ Ἱεροσολύμων‬ولكنه مل يجد شيئًا يف األرشيف الرسمي لروما يشري‬ ‫إىل هذا املكان‪ ،‬فأخذ يصيل طول الوقت ويدعو الله أن يكشف له هذه‬ ‫وفعل رأى يف الحلم [!] املكان الذي عرب منه يسوع وكذلك قربه‪،‬‬ ‫األمكنة‪ً ،‬‬ ‫حلم وليس عىل‬ ‫فأخرب اإلمرباطور وصار ذلك املكان رسم ًيا‪ ،‬اعتام ًدا عىل ٍ‬ ‫فعل شيئًا يف الحلم‬ ‫صح أنه قد رأى ً‬ ‫حقيق ٍة أركيولوجي ٍة أو تاريخية! هذا إن ّ‬ ‫أيضا هذا‬ ‫ومل يقم باختالق هذه األمكنة لتمتني عقيدة الشعب‪ ،‬بل ووجد ً‬ ‫جهل كب ٌري بالتاريخ يف‬ ‫األسقف الصليب الذي ُصلب عليه يسوع! وهذا ٌ‬ ‫تلك الفرتة أو أنه يعلم ولكنه أخذ الناس عىل قدر عقولها‪ ،‬كام يقول املثل‪.‬‬

‫اكتشاف الصليب الحقيقي بريشة تييپولو‪ ،‬واللوحة تصور‬ ‫ماكاريوس وهو يبارك مريضً ا بواسطة الصليب الحقيقي‬

‫وقد حاول علامء اآلثار البحث عن املكان الصحيح‪ ،‬لكن مل يكن عندهم إال نص يوح ّنا الذي يعطي إشار ًة طوبوغرافي ًة‬ ‫عن املكان فيقول‪« :‬أَ َّن الْ َمكَا َن ال َِّذي ُصلِ َب ِفي ِه يَ ُسو ُع كَا َن قَرِيبًا ِم َن الْ َم ِدي َن ِة» (يوحنا ‪ )20 :19‬ويف موضعٍ آخر يضيف‪:‬‬ ‫وض ْع ِفي ِه أَ َح ٌد قَطُّ» (يوحنا ‪ .)41 :19‬لكن بعض‬ ‫« َوكَا َن ِف الْ َم ْو ِضعِ ال َِّذي ُصلِ َب ِفي ِه بُ ْستَانٌ‪َ ،‬و ِف الْ ُب ْستَانِ ق ْ ٌَب َج ِدي ٌد لَ ْم يُ َ‬ ‫الباحثني مل يأخذوا كالمه مأخذ الجد‪ ،‬ومل يعتربوه إشار ًة إىل مكانٍ‬ ‫حقيقي وإمنا هو كال ٌم يدخل يف رؤية اإلنجيل حسب‬ ‫ٍ‬ ‫يوح ّنا الدينية التي ترى أن الصليب هو شجرة الحياة املغروسة يف وسط الجنة‪ ،‬والجنة هي البستان‪ ،‬لذلك ذكره إنجيل‬ ‫يوح ّنا وليس اعتام ًدا عىل مكانٍ حقيقي‪.‬‬ ‫مسيحي واح ٌد كان شاهد عيانٍ عىل الطريق التي مىش فيها يسوع‪ ،‬فتُق ّدمه لنا‬ ‫رجل‬ ‫تجدر اإلشارة إىل أنه ال يوجد ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫األناجيل مييش مع الصليب وحي ًدا متا ًما بني اليهود والرومان‪ ،‬ويبدو أن املص ّححني فيام بعد الحظوا هذا األمر فأدخلوا‬ ‫العنرص النسايئ كشهود عيانٍ بقني يراقنب من بعيد‪ ،‬وأسامء هؤالء النساء تختلف عند مرقس ولوقا ومتّى‪ ،‬لكن الذي‬ ‫يلفت االنتباه بشد ٍة هو أنه ال أحد يذكر فيهم حضور مريم أمه وال أي ٍ‬ ‫شخص من الحواريّني‪[ ،‬وهذا األمر يد ّعم رأينا‬ ‫عن حركة املقاومة التي يرأسها يسوع‪ ،‬وبالتايل فأتباعه قد ف ّروا بوصفهم مطلوبني عند روما] ويبدو أن يوح ّنا الحظ هذا‬ ‫األمر فأدخل مريم يف الصورة وجعلها تحت الصليب تراقب مع أحد تالميذ يسوع [حتّى تكون الرواية فيام بعد قامئ ًة‬ ‫عىل شهود عيانٍ مسيحيني]‪.‬‬ ‫‪12‬‬


‫خلف خطى يسوع جـ ‪:6‬‬ ‫الصلب وبولُس‬

‫الغريب بن ماء السامء‬

‫أيضا إىل أن أغلب املشاهد املوجودة يف حكاية صلب يسوع مأخوذ ٌة من العهد القديم‪ ،‬ويضيق املقام عن‬ ‫تجدر اإلشارة ً‬ ‫ذكرها كلها هنا‪ ،‬وكأن كتبة األناجيل يقرأون ويقرأون العهد القديم اليوناين [وخاص ًة سفر إشعياء] ويروون الحكاية عن‬ ‫ٍ‬ ‫أحداث تاريخي ٍة بل‬ ‫يسوع‪[ ،‬مام دفع البعض أن يقول‪ :‬لوال سفر إشعياء ملا ُوجدتْ املسيحية] ومبا أنهم ال يعتمدون عىل‬ ‫ٍ‬ ‫كلامت قالها يسوع‪ ،‬فلوقا يقول‪َ « :‬ونَا َدى يَ ُسو ُع ب َِص ْو ٍت َع ِظ ٍيم َوق َ​َال‪« :‬يَا أَبَتَا ُه‪،‬‬ ‫عىل نبوءات‪ ،‬فهم يختلفون حتى يف آخر‬ ‫ِف يَ َديْ َك أَ ْستَ ْو ِد ُع ُر ِ‬ ‫وح‪( ».‬لوقا ‪.)46 :23‬‬ ‫وحي»‪َ .‬ول ََّم ق َ​َال هذَا أَ ْسلَ َم ال ُّر َ‬ ‫ش ٍء‬ ‫بينام يقول يوح ّنا‪« :‬بَ ْع َد هذَا َرأَى يَ ُسو ُع أَ َّن ك َُّل َ ْ‬ ‫اب ق َ​َال‪« :‬أَنَا َعطْشَ انُ»» (يوحنا‬ ‫قَ ْد كَ َم َل‪ ،‬فَلِ َ ْ‬ ‫ك يَ ِت َّم الْ ِكتَ ُ‬ ‫الخل يقول‬ ‫الجندي بعض ّ‬ ‫‪ )28 :19‬وبعد أن سقاه‬ ‫ّ‬ ‫يوح ّنا‪« :‬فَل ََّم أَ َخ َذ يَ ُسو ُع الْ َخ َّل ق َ​َال‪« :‬قَ ْد أُكْ ِم َل»‪.‬‬ ‫وح‪( ».‬يوحنا ‪.)30 :19‬‬ ‫َونَك َ​َّس َرأْ َس ُه َوأَ ْسلَ َم ال ُّر َ‬ ‫رأي آخر حيث يذكران‬ ‫بينام مرقس [واتّبعه متّى] لهام ٌ‬ ‫أن يسوع قال‪« :‬إِلهِي‪ ،‬إِلهِي‪ ،‬لِ َمذَا ت َ َركْتَ ِني؟» (مرقس‬ ‫خل رصخ يسوع ومات‪.‬‬ ‫‪ )34 :15‬ثم بعد أن سقوه ًّ‬ ‫هذه االختالفات وغريها يف كامل األناجيل دفعت الفيلسوف فرفوريوس الصوري يف القرن الثالث ميالدي أن يقول‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫لقصص متعدد ٍة عن مصلوبني‬ ‫[أي مشاهد صلب يسوع] أو أنها تجمي ٌع‬ ‫«إنه من الواضح أن هذه القصة غري صحيحة ْ‬ ‫آخرين‪ ،‬أو عن ٍ‬ ‫شخص ميوت وال يهت ّم به أح ٌد من الشهود‪ ،‬ولكن لو كان هؤالء الشهود غري قادرين عىل رواية كيفية‬ ‫موت [يسوع]‪ ،‬وأنهم مل يق ّدموا لنا سوى رواي ٍة أدبية [وليس حقائق تاريخية]‪ ،‬فإنه حتى الروايات األخرى يف األناجيل‬ ‫ال تستحق أن نثق فيها»(‪ .)7‬مع العلم أن هذا الفيلسوف [وهو ملح ٌد نسب ًيا] يعترب إله املسيحية سخيفًا وغري عقال ٍّين من‬ ‫وجهة نظ ٍر ديني ٍة بحتة‪ ،‬ومن وجهة نظ ٍر فلسفي ٍة متسامية‪.‬‬ ‫كنت قد ذكرت يف بداية البحث أن يسوع حني قال‪« :‬إلهي‪ ،‬إلهي‪ ،‬لِ َم تركتني»‪ ،‬فألنه رمبا كان يقصد يوح ّنا املعمدان ‪-‬‬ ‫ٌ‬ ‫احتامل آخر وهو إما أنه بدأ يقرأ املزمور رقم ‪ 22‬قبل موته أو أن مرقس‬ ‫أيضا‬ ‫إن ص ّحت هذه الرواية بالطبع‪ -‬وهناك ً‬ ‫ومتّى ق ّواله ذلك اعتام ًدا عىل هذا املزمور الذي يقول عىل لسان داود (مزمور ‪:)1-3 :22‬‬ ‫إِلهِي‪ ،‬إِلهِي‪ ،‬لِ َمذَا ت َ َركْتَ ِني‪،‬‬ ‫بَ ِعي ًدا َع ْن َخال َِص‪َ ،‬ع ْن كَال َِم َز ِفريِي؟‬ ‫‪ -7‬املصدر رقم ‪ /2‬ص ‪.93‬‬

‫‪13‬‬


‫خلف خطى يسوع جـ ‪:6‬‬ ‫الصلب وبولُس‬

‫الغريب بن ماء السامء‬

‫ِيب‪،‬‬ ‫إِلهِي‪ِ ،‬ف ال َّن َها ِر أَ ْد ُعو فَالَ ت َْستَج ُ‬ ‫ِف اللَّ ْيلِ أَ ْد ُعو فَالَ ُه ُد َّو ِل‪.‬‬ ‫وس الْ َجالِ ُس بَ ْ َي ت َْسبِي َح ِ‬ ‫سائِ َيل‪.‬‬ ‫َوأَنْ َت الْ ُق ُّد ُ‬ ‫ات إِ ْ َ‬ ‫ويقول هذا املزمور فيام بعد والذي يبدو أنهام بنيا عليه حكاية صلب‬ ‫يسوع‪:‬‬ ‫ل‪.‬‬ ‫شا ِر اكْتَ َن َفتْ ِني‪ .‬ث َ َق ُبوا يَ َد َّي َو ِر ْج َ َّ‬ ‫«ألَنَّ ُه قَ ْد أَ َحاط َْت ِب كِال ٌَب‪َ .‬ج َم َع ٌة ِم َن األَ ْ َ‬ ‫أُ ْح ِص ك َُّل ِعظَا ِمي‪َ ،‬و ُه ْم يَ ْنظُ ُرو َن َويَتَ َف َّر ُسو َن ِ َّف‪ .‬يَق ِْس ُمو َن ثِيَ ِاب بَيْ َن ُه ْم‪،‬‬ ‫ص ِت‪».‬‬ ‫َو َع َل لِ َب ِاس يَق َ ِْت ُعونَ‪ .‬أَ َّما أَنْ َت يَا َر ُّب‪ ،‬فَالَ ت َ ْب ُع ْد‪ .‬يَا قُ َّو ِت‪ ،‬أَ ْ ِ‬ ‫س ْع إِ َل نُ ْ َ‬ ‫(مزمور ‪.)16-19 :22‬‬ ‫ورمبا أراد يسوع قراءته كدعا ٍء أخريٍ إىل الله [وهذا بالطبع غري ما تقوله‬ ‫املسيحية عن أن األمر كان مخطّطًا من قبل لتخليص العامل‪ ،‬فالرجل [أي‬ ‫يسوع] يف سكرات املوت يدعو الله ليخلّصه‪ ،‬وليرسع إىل نرصته‪ ،‬فجعلوه‬ ‫ابن الله الذي جاء لتخليص العامل]‪.‬‬

‫يسوع عىل الصليب بريشة روبنز‬

‫عرضا رسي ًعا لألحداث لرنى كيف‬ ‫لن نتع ّرض إىل دفن يسوع وقيامته فهي أسطور ٌة وال‬ ‫تستحق التوقّف عندها‪ ،‬وسنق ّدم ً‬ ‫ّ‬ ‫انبثقت املسيحية منها وخاص ًة مع بولُس الذي سنفرد له الفصل القادم‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫شهدت السنوات ‪ 40‬و‪ 50‬و‪ 60‬بعد امليالد اضطر ٍ‬ ‫ابات عنيفة‪ ،‬واالنتظارات املسيانية [نسبة للمسيح مبعناه اليهودي‪،‬‬ ‫أي مجيء املسيح مخلّص إرسائيل] كانت يف ذروتها‪ ،‬وتكاثر الذين يعلنون عن نهاية العامل وقرب مجيء امللكوت‪،‬‬ ‫حتى قام اإلمرباطور كالوديوس بطرد اليهود من روما [بسبب تطلّعاتهم املسيانية]‪ ،‬ثم انفجرتْ سنة ‪ 66‬ميالديًا الثورة‬ ‫اليهودية الكربى يف فلسطني‪ ،‬ومن ضمن الثائرين يوسيفوس فالڤيوس نفسه الذي روى لنا ذلك فيام بعد‪ ،‬وأحد‬ ‫يل‪[،‬افرتضنا يف بداية‬ ‫قادة الثورة هو مناحيم بن يهوذا الجلي ّ‬ ‫البحث أنه أخو يسوع] ومناحيم تعني الفارقليط‪ ،‬واستطاع‬ ‫[بني ‪ ]67-66‬االستيالء عىل قلعة مسعدة وقتل كل الجنود‬ ‫الرومان وكذلك قلعة أنطونيا‪ ،‬ثم دخل أورشليم عىل أنه املسيح‬ ‫واستقبله الشعب بسعف النخيل [هذا املشهد تذكره األناجيل‬ ‫عن يسوع] لكنه كان جائ ًرا ج ًدا ‪-‬كام يصف فالڤيوس‪ -‬وتم قتله‬ ‫‪14‬‬


‫خلف خطى يسوع جـ ‪:6‬‬ ‫الصلب وبولُس‬

‫الغريب بن ماء السامء‬

‫بيد الشعب نفسه‪ ،‬ومتّت محارصة أورشليم بأربعة‬ ‫جحافل‪ ،‬الجحفل رقم ‪ 15‬جاء من مرص‪ ،‬والجحافل‬ ‫رقم ‪ 5‬و‪ 10‬و‪ 12‬جاءوا من سوريا‪ ،‬وقطعوا فلسطني‬ ‫متا ًما عن العامل الخارجي‪ ،‬حتى انترشت املجاعة يف‬ ‫الداخل بسبب الحصار‪ ،‬ويشري فالڤيوس [الذي كان‬ ‫يتابع الحصار بعد أن انضم إىل الجانب الروماين‬ ‫ٍ‬ ‫حاالت ٍ‬ ‫ألناس أكلوا‬ ‫وصار مق ّربًا من الحاكم] إىل‬ ‫لحو ًما برشي ًة خالل الحصار‪ ،‬أما من يحاول الفرار‬ ‫إىل الخارج فإنه كان يقع يف قبضة الجنود الرومان‪،‬‬ ‫ويشري فالڤيوس إىل أن العدد كان تقريبًا ‪500‬‬ ‫ٍ‬ ‫شخص يف ّر كل يوم‪ ،‬فيتم القبض عليهم وصلبهم‬ ‫تظل شجر ٌة واحد ٌة‬ ‫عىل عني املكان حتى أنه مل ّ‬ ‫موجود ٌة فكلها تم قطعها لصنع صلبانٍ بها‪.‬‬

‫تدمري القدس بريشة كاولباخ‬

‫«املتعصبون» [الذين كان ينتمي إليهم يسوع كام أرشنا] يقودون هذه الحركة الشعبية‬ ‫يف الداخل كان «الثائرون» أو‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫مفاوضات مع الرومان‪ ،‬ويشري فالڤيوس إىل أنهم قبلوا يف النهاية إحدى املفاوضات وحني وضع أحد الفيالق‬ ‫ويرفضون كل‬ ‫مكتوب يف املعاهدة‪ ،‬غدر بهم الثوار وذبحوهم‪ ،‬فازدادت األوضاع تعقيدا‪ ،‬ويف مدينة قيرصية‬ ‫الرومانية أسلحته كام هو‬ ‫ٌ‬ ‫يهودي وذبحه [يشري فالڤيوس إىل ‪ 20‬ألف ٍ‬ ‫قام املواطنون بالقبض عىل كل ٍ‬ ‫شخص قُتلوا‪ ،‬وأظنه ُمبال ًغا يف ذلك‬ ‫شخص‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫فجوات يف الحصون ومن ثم دخلوا إىل املدينة وحطموها‬ ‫قليل]‪ ،‬ويف صيف سنة ‪ 70‬ميالدي استطاع الرومان إحداث‬ ‫ً‬ ‫عن بكرة أبيها وس ّووا مبعبد أورشليم األرض ومل يبقوا إال ثالثة أبرا ٍج ال تزال قواعدها مرئي ًة إىل اليوم‪ ،‬لكن الحروب مل‬ ‫تنته وتحولت حروبًا أهلي ًة‪ ،‬اليهود ضد اليهود واليهود‬ ‫ضد الرومان‪.‬‬ ‫يف خضم هذه االضطرابات والدماء والحروب‪ ،‬انبثقت‬ ‫رؤي ٌة ونظر ٌة جديدةٌ‪-‬قدمية‪ ،‬وهي أن امللكوت القادم‬ ‫روحي وليس أرض ًّيا‪ ،‬والخالص ليس ماديًا بل‬ ‫هو ملكوتٌ‬ ‫ٌّ‬ ‫معنويًا‪ ،‬والشخص الذي تب ّناها وشكّلها وصارت بعده دي ًنا‬ ‫رسم ًيا‪ ،‬اسمه بولس‪ ،‬وهو الذي سنتع ّرض إليه فيام ييل‪.‬‬ ‫بقايا درجات املعبد يف أورشليم‬

‫‪15‬‬


‫خلف خطى يسوع جـ ‪:6‬‬ ‫الصلب وبولُس‬

‫الغريب بن ماء السامء‬

‫بولس‬ ‫مؤسس الديانة املسيحية وليس يسوع‪ ،‬وقد ذهب مؤلفو قاموس‬ ‫ال يختلف باحثان اثنان محايدان عىل أن بولس هو ّ‬ ‫مؤسس‬ ‫أوكسفورد للكنيسة املسيحية ‪ Oxford Dictionary of the Christian Church‬إىل القول‪« :‬إن [بولس] هو ّ‬ ‫كل املنظومة العقائدية والدينية املوجودة يف رسائله»(‪ .)8‬وهذا كال ٌم خط ٌري بطبيعة الحال خاص ًة إذا صدر من مثل هذه‬ ‫املؤسسة‪ ،‬ولكن قبل ذلك علينا أن نعرف من هو بولس وماذا كتب وعىل ماذا اعتمد يف تأسيسه للمسيحية‪.‬‬ ‫نحن ال نعرف شيئًا عنه خارج الكتابات املسيحية ولكن ال يشك املختصون يف تاريخية هذه الشخصية ووجودها‪ ،‬وتدخل‬ ‫كتابات بولس ضمن املؤلفات القانونية التي تعرتف بها الكنيسة‪ ،‬بل هي من إحدى دعائم ولبنات املسيحية‪ ،‬وكتابات‬ ‫بولس هي التالية‪:‬‬ ‫‪ -1‬الرساله إىل إفسس‬ ‫‪ -2‬الرسالة إىل فيلبي‬ ‫‪ -3‬الرسالة إىل كولويس‬ ‫‪ -4‬الرسالة األوىل إىل أهل تسالونييك‬ ‫‪ -5‬الرسالة الثانية إىل أهل تسالونيىك‬ ‫‪ -6‬الرسالة إىل رومية‬ ‫‪ -7‬الرسالة األوىل إىل تيموثاوس‬ ‫‪ -8‬الرسالة األوىل إىل أهل كورنثوس‬ ‫‪8- Géza Vermes, enquete sur l’identité de jesus, ed. 2, Paris 2003, p. 63.‬‬

‫‪16‬‬


‫خلف خطى يسوع جـ ‪:6‬‬ ‫الصلب وبولُس‬

‫الغريب بن ماء السامء‬

‫‪ -9‬الرسالة الثانية إىل تيموثاوس‬ ‫‪ -10‬الرسالة الثانية إىل أهل كورنثوس‬ ‫‪ -11‬الرسالة إىل تيطس‬ ‫‪ -12‬الرسالة إىل أهل غالطية‬ ‫‪ -13‬الرسالة إىل فيلمون‬ ‫‪ -14‬رسالة بولس الرسول إىل العربانيني‬ ‫املختصني‪ ،‬مثل غزا ڤرمش ‪Géza‬‬ ‫و هي ‪ 14‬رسال ًة‪ ،‬لكن وحسب‬ ‫ّ‬ ‫‪ Vermes‬االختصايص العاملي يف مخطوطات قمران والذي‬ ‫سنعتمد كث ًريا عىل بحثه الق ّيم‪ ،‬يف هذا الفصل يقول‪« :‬إن رسالة‬ ‫فق عليها باإلجامع يف النقد األكادميي‬ ‫بولس إىل العربان ّيني متَّ ٌ‬ ‫أنها ليست لبولس (‪ )...‬أما رسائله إىل ثيموثاوس األوىل والثانية‬ ‫مؤسستان عىل أفكاره‪ ،‬أما الرسالة‬ ‫فتُعتربان مكتوبتني بعده ولكن ّ‬ ‫إىل أفسس والرسالة إىل كولويس فهام عىل ما يبدو من الكتابات‬ ‫التحول عىل الطريق إىل دمشق‪ ،‬بريشة كاراڤا ّجو‬ ‫ٌ‬ ‫مجهول بتقليده‬ ‫شخص‬ ‫املنحولة (األپوكريفية) املتأخرة‪ ،‬قام‬ ‫ٌ‬ ‫بكتابتهام ونسبة الرسالتني إليه‪ ،‬وعليه فإن الرسائل التي يرى املختصون أنها من كتابة بولس هي‪ :‬الرسالة إىل رومية‪،‬‬ ‫األوىل والثانية إىل أهل كورنثوس‪ ،‬إىل أهل غالطية‪ ،‬إىل فيلبي‪ ،‬إىل فيلمون‪ ،‬الرسالة األوىل لتسالونييك ورمبا الثانية‬ ‫كاحتام ٍل ممكن»(‪.)9‬‬ ‫إذن يتبقى لنا تسع رسائل ميكن أن نعترب بولس كاتبها‪ ،‬بني ‪ 50‬و‪ 60‬ميالدي‪ ،‬أما الرسائل األخرى فهي منسوب ٌة إليه‪،‬‬ ‫وغني عن الذكر أن بولس ال يعرف شيئًا عن يسوع التاريخي الذي تُق ّدمه لنا األناجيل وال عن عذرواية مريم [فتدوين‬ ‫ٌ‬ ‫هذه األحداث يبدأ بعده مع اإلنجيل بحسب مرقس حوايل ‪ 75‬ميالدي] وإمنا بولس يتحدث عن يسوع من وجهة نظ ٍر‬ ‫أخرى سرناها يف هذا الفصل بعد أن استثنينا الرسائل املنحولة عليه‪ ،‬وحسب أعامل الرسل‪ ،‬فبولس مولو ٌد يف طرسوس‬ ‫يهودي من سبط بنيامني يتبع مذهب الفريسيّني ويفخر بأنه كذلك‪ ،‬وهو‬ ‫بجنوب تركيا وهو مواط ٌن روما ٌين بالوالدة لكنه‬ ‫ٌ‬ ‫مثل عىل أن يقوم بتأويل النص التورايت ليوافق رؤيته‪،‬‬ ‫متم ّك ٌن من العهد القديم‪ ،‬ويعتمد عىل تأويله الخاص‪ ،‬فهو قاد ٌر ً‬ ‫فيجعل اليهود من أبناء هاجر واملسيحني من أبناء سارة ال ُحرة (رسالة بولس الرسول إىل أهل غالطية ‪ ،)21-31 :4‬ويشكو‬ ‫مرض يسميه «مالك الشيطان»‪َ « :‬ولِئَالَّ أَ ْرتَ ِف َع ِب َف ْر ِط ا ِإل ْعالَنَ ِ‬ ‫بولس من ٍ‬ ‫يت شَ ْوكَ ًة ِف الْ َج َس ِد‪َ ،‬مال َ​َك الشَّ ْيطَانِ‬ ‫ات‪ ،‬أُ ْع ِط ُ‬ ‫لِ َيل ِْط َم ِني‪ ،‬لِئَالَّ أَ ْرت َ ِف َع‪( ».‬رسالة بولس الرسول الثانية إىل أهل كورنثوس ‪ )7 :12‬وقد اعترب بعض الباحثني أن بولس‬ ‫مؤسس علم النفس التحلييل الذي صاغ بعض املفاهيم مثل‬ ‫يشكو من مرض الرصع‪ ،‬أما عامل النفس يونغ ‪ Jung‬وهو ّ‬ ‫‪ -9‬املصدر السابق‪.‬‬

‫‪17‬‬


‫خلف خطى يسوع جـ ‪:6‬‬ ‫الصلب وبولُس‬

‫الغريب بن ماء السامء‬

‫«الوعي الجمعي»‪ ،‬فقد ذهب يف تحليله لشخصية بولس إىل األصول‬ ‫النفسية(‪ )10‬ونحن ال نستبعد إصابة بولس مبرض الرصع الذي يعتربه‬ ‫شوك ًة يف جسده [يذهب بعض املسيحيني إىل التأويل املجازي لنفي‬ ‫هذا املرض] حيث تنتابه بعض الرؤى والتهيّؤات كرؤيته ليسوع أول‬ ‫مر ٍة واعتقاده بأنه أرسله‪ ،‬فيتكلم أحيانًا بلسان يسوع نفسه رغم‬ ‫أنه مل يره ومل يلتق به أب ًدا‪ ،‬أي أنه يف حالة ٍ‬ ‫توحد أو «صوفية» مع‬ ‫استولت عىل تفكريه‪ ،‬وأحيانًا يذهب به‬ ‫فكرة املسيح املخلّص التي‬ ‫ْ‬ ‫الجنون أو التصوف إىل التكلم بلغ ٍة غري مفهومة‪ ،‬يعتربها لغة املالئكة‬ ‫(رسالة بولس الرسول األوىل إىل أهل كورنثوس ‪ )1 :13‬وهي تس ّمى‬ ‫‪ Glossolalia‬حيث يتكلم الشخص الذي بصدد الصالة لغ ًة غري‬ ‫معروف ٍة إطالقًا يُعتقد أنها ترتجم متا ًما الحالة النفسية للمصيل‪[ ،‬ومن‬ ‫املمكن أن الشخص نفسه ال يفهم ماذا يقول] وهو يعتقد متا ًما يف‬ ‫هذه الطريقة «الغيبية» يف التواصل ويعلم أنها قد تكون مصدر‬ ‫يس ُة‬ ‫سخري ٍة ملن يستمع لهذه الكلامت العجيبة‪« :‬فَ ِإنِ ا ْجتَ َم َع ِت الْ َك ِن َ‬ ‫كُلُّ َها ِف َمكَانٍ َو ِ‬ ‫اح ٍد‪َ ،‬وكَا َن الْ َج ِمي ُع يَتَ َكلَّ ُمو َن ِبأَل ِْس َن ٍة [غريبة]‪ ،‬فَ َد َخ َل‬ ‫َعا ِّم ُّيو َن أَ ْو غ ْ َُي ُم ْؤ ِم ِن َني‪ ،‬أَفَالَ يَقُولُو َن إِنَّ ُك ْم تَ ْهذُونَ؟» (رسالة بولس‬ ‫الرسول األوىل إىل أهل كورنثوس ‪.)23 :14‬‬ ‫فشخصية بولس هي شخصي ٌة صوفي ٌة بامتياز‪ ،‬وتطلق النفس يف‬ ‫آفاق «التجليات» بال ُح ُج ٍب أو حدود‪ ،‬ولكن كيف لرجلٍ‬ ‫يهودي‬ ‫ٍ‬ ‫يعرف العهد القديم معرف ًة تام ًة بل يضيف عليه ويترصف فيه‪،‬‬ ‫أن يؤمن بإمكانية أن يكون لله اب ًنا وهو أم ٌر غري مطرو ٍح إطالقًا يف‬ ‫الرشيعة اليهودية؟‬

‫التكلم باأللسنة بريشة إل غريكو (اإلغريقي)‬

‫بعد استثنائنا للرسائل التي مل يكتبها بولس ‪-‬كام أرشنا أعاله‪ -‬نالحظ أن مفهوم بولس للمسيح يختلف عن الفكرة‬ ‫السائدة عنه حال ًيا وعن الفكرة التي ق ّدمتها الكنيسة‪ ،‬فهو يعترب أن املسيح فوق مستوى البرش لكنه باملقابل يعتربه أقل‬ ‫«ف الْ َب ْد ِء كَا َن الْ َكلِ َم ُة‪َ ،‬والْ َكلِ َم ُة كَا َن ِع ْن َد الل ِه‪َ ،‬وكَا َن الْ َكلِ َم ُة الل َه»‬ ‫مست ًوى من الله‪ ،‬فطرحه يختلف متا ًما عن طرح يوح ّنا‪ِ :‬‬ ‫(يوحنا ‪ ،)1 :1‬فإن كان الطرحان يتشابهان يف املصطلحات فإن جوهر الفكرة مختلف‪.‬‬ ‫‪10- David Cox, Jung And St Paul: A Study Of The Doctrine Of Justification By Faith And Its Relation To The Concept Of Individuation, 1959, London.‬‬

‫‪18‬‬


‫خلف خطى يسوع جـ ‪:6‬‬ ‫الصلب وبولُس‬

‫الغريب بن ماء السامء‬

‫املسيح يف تص ّور بولس‪:‬‬ ‫املسيح عند بولس هو آدم الثاين‪ ،‬فكام بدأ‬ ‫البرش بآدم األول‪ ،‬فقد بدأوا عه ًدا جدي ًدا بآدم‬ ‫الثاين الذي هو املسيح‪ ،‬لكن علينا أن نفهم‬ ‫جي ًدا قصد بولس‪ ،‬فهو يبدأ الرسالة إىل أهل‬ ‫رومية هكذا‪« :‬بُول ُ​ُس‪َ ،‬ع ْب ٌد لِ َي ُسو َع الْ َم ِسي ِح‪،‬‬ ‫الْ َم ْد ُع ُّو َر ُس ًول‪ ،‬الْ ُم ْف َر ُز ِإلنْجِيلِ الل ِه‪ ،‬ال َِّذي َس َب َق‬ ‫فَ َو َع َد ِب ِه ِبأَنْ ِب َيائِ ِه ِف الْ ُكتُ ِب الْ ُم َق َّد َس ِة‪َ ،‬عنِ ابْ ِن ِه‪.‬‬ ‫ال َِّذي َصا َر ِم ْن نَ ْسلِ َدا ُو َد ِم ْن ِج َه ِة الْ َج َس ِد‪،‬‬ ‫َوتَ َع َّ َي ابْ َن الل ِه ِب ُق َّو ٍة ِم ْن ِج َه ِة ُرو ِح الْ َق َد َاس ِة‪،‬‬ ‫بِالْ ِق َيا َم ِة ِم َن األَ ْم َو ِ‬ ‫ات‪ :‬يَ ُسو َع الْ َم ِسي ِح َربِّ َنا»‬ ‫(رسالة بولس الرسول إىل أهل رومية ‪.)1-4 :1‬‬ ‫يف الحقيقة فإن ف ْهمنا لهذه الجملة سيوضح الكثري من األمور‪:‬‬ ‫َوتَ َع َّ َي ابْ َن الل ِه ِب ُق َّو ٍة ِم ْن ِج َه ِة ُرو ِح الْ َق َد َاس ِة‪ ،‬بِالْ ِقيَا َم ِة ِم َن األَ ْم َو ِ‬ ‫ات‪ :‬يَ ُسو َع الْ َم ِسي ِح َربِّ َنا‪.‬‬ ‫‪who was declared the Son of God with power by the resurrection from the dead, according to the‬‬ ‫‪Spirit of holiness, Jesus Christ our Lord,‬‬

‫‪τοῦ ὁρισθέντος υἱοῦ Θεοῦ ἐν δυνάμει κατὰ πνεῦμα ἁγιωσύνης ἐξ ἀναστάσεως νεκρῶν,‬‬ ‫‪Ἰησοῦ Χριστοῦ τοῦ Κυρίου ἡμῶν.‬‬

‫لقد وردتْ هذه الكلمة مر ًة واحد ًة يف كامل العهد الجديد‪ ،‬وترجمتها(‪:)11‬‬ ‫‪ὁρισθέντος: determined, declared, not «predestinated,» which is a mistake of the Latin version‬‬ ‫‪used by Augustin.‬‬ ‫فمعنى الكلمة هو اإلعالن أو التقرير أو « َج َع َل» أي أن يسوع صار ابن الله حني قام من األموات‪ ،‬وابن الله تعني‬ ‫لنظل مع كلمة ‪ : ὁρισθέντος‬منذ القرون األوىل تساءل رجال الكنيسة األوائل‬ ‫االصطفاء والقرىب وسرناها الحقًا ولكن ّ‬ ‫عن معنى هذه اآلية دون أن يصلوا إىل إجامع (‪ Calvin )...‬قال أن الفعل يعني «أعلن» أو إن أردنا أن نصبح دقيقني‬ ‫فعل ما يقصده‬ ‫أكرث فهو يعني «ق ّرر» وكأنه يقصد أن سبب تسمية يسوع ابن الله هو قيامته من بني األموات [وهو ً‬ ‫بولس وما سرناه فيام بعد] أما لوتر ‪ Luther‬فقد قال أنها تعني ‪ predestinated‬ولكنه يضيف أن هذه الكلمة غري‬ ‫‪11- Nicene and Post-Nicene Fathers, Vol. VII, St. Augustin: Homilies on the Gospel of John; Homilies on the First Epistle of John; Soliloquies,‬‬ ‫‪Tractate CV.‬‬

‫‪19‬‬


‫خلف خطى يسوع جـ ‪:6‬‬ ‫الصلب وبولُس‬

‫الغريب بن ماء السامء‬

‫جيد ٍة يف هذا االستعامل (‪ )...‬وحسب جوزف فتسامير(‪ Fitzmyer )12‬فإن الكلمة تعني «جعل» و«ق ّرر» وال عالقة لها‬ ‫بـ… ‪ predestinated‬إلخ (‪.)13‬‬ ‫كام نالحظ فإ ّن املؤمنني يؤ ّولون الكلمة حسب عقيدتهم‪ ،‬لك ّنها تعني أن يسوع مل يكن ابن الله وصار ابنه بعد قيامته‪.‬‬ ‫ونحن لن نعتمد فقط عىل كلم ٍة واحد ٍة خاضع ٍة للتأويل‬ ‫لنبي أن نظرة بولس إىل املسيح تختلف عن النظرة‬ ‫ّ‬ ‫أيضا رؤيته كامل ًة‪.‬‬ ‫الحالية وإنّ ا سنق ّدم ً‬ ‫حني يقوم بولس بالصالة فإنه دامئا يتوجه إىل الله مبارشةً‪،‬‬ ‫فحدسه اليهودي املو ِّحد يجعله يُف ّرق بني يسوع والله‪:‬‬ ‫«يَا لَ ُع ْم ِق ِغ َنى الل ِه َو ِح ْك َم ِت ِه َو ِعلْ ِم ِه! َما أَبْ َع َد أَ ْحكَا َم ُه‬ ‫االس ِتق َْصا ِء! (‪ )...‬ألَ َّن ِم ْن ُه َو ِب ِه‬ ‫َعنِ الْ َف ْح ِص َوطُ ُرقَ ُه َعنِ ْ‬ ‫َولَ ُه ك َُّل األَشْ َيا ِء‪ .‬لَ ُه الْ َم ْج ُد إِ َل األَبَ ِد‪ .‬آ ِم َني» (رسالة بولس‬ ‫الرسول إىل أهل رومية ‪.)36 ،33 :11‬‬ ‫« ِولل ِه َوأَبِي َنا الْ َم ْج ُد إِ َل َد ْه ِر ال َّدا ِهرِي َن‪ .‬آ ِم َني» (رسالة بولس الرسول إىل أهل فيلبي ‪.)20 :4 1‬‬ ‫الصلَ َو ِ‬ ‫ات ِم ْن أَ ْج ِل إِ َل الل ِه» (رسالة‬ ‫«فَأَطْل ُ​ُب إِلَيْ ُك ْم أَيُّ َها ا ِإل ْخ َوةُ‪ِ ،‬ب َربِّ َنا يَ ُسو َع الْ َم ِسي ِح‪َ ،‬وبِ َ َحبَّ ِة ال ُّرو ِح‪ ،‬أَ ْن ت ُ َجا ِه ُدوا َم ِعي ِف َّ‬ ‫بولس الرسول إىل أهل رومية ‪.)30 :15‬‬ ‫«أَشْ ُك ُر إِلهِي ِف ك ُِّل ِح ٍني ِم ْن ِج َه ِت ُك ْم َع َل نِ ْع َم ِة الل ِه الْ ُم ْعطَا ِة لَ ُك ْم ِف يَ ُسو َع الْ َم ِسي ِح» (رسالة بولس الرسول األوىل إىل‬ ‫أهل كورنثوس ‪.)4 :1‬‬ ‫«أَشْ ُك ُر إِلهِي أَ ِّن أَتَ َكلَّ ُم ِبأَل ِْس َن ٍة أَك َ َْث ِم ْن َج ِمي ِع ُك ْم» (رسالة بولس الرسول األوىل إىل أهل كورنثوس ‪.)18 :14‬‬ ‫« َوه َكذَا ت َِص ُري َخفَايَا قَلْ ِب ِه ظَا ِه َرةً‪َ .‬وه َكذَا يَ ِخ ُّر َع َل َو ْج ِه ِه َويَ ْس ُج ُد لل ِه‪ُ ،‬م َنا ِديًا‪ :‬أَ َّن الل َه بِالْ َح ِقي َق ِة ِفي ُك ْم» (رسالة بولس‬ ‫الرسول األوىل إىل أهل كورنثوس ‪... )25 :14‬إلخ‪ ،‬فالشواهد كثرية‪ ،‬إذن فحني يتق ّدم بولس بالصالة أو حني يتعرض إىل‬ ‫صف ٍة جوهري ٍة من صفات الله فإنه يخصص الخطاب مبارش ًة إىل الله أو عن طريق املسيح لكن تبدو لنا كيفية تفريق‬ ‫بولس بني املسيح والله واضح ًة ج ًدا‪.‬‬ ‫فاملسيح يف تص ّور بولس هو الجرس املؤدي إىل الله‪ ،‬أو هو الطريق الصحيح أو هو االبن املثال الذي يجب اتباعه‪ ،‬ورغم‬ ‫يح‪،‬‬ ‫أنه يرفعه عن مستوى البرش فإنه يجعله أقل من مستوى الله‪َ « :‬ول ِك ْن أُرِي ُد أَ ْن تَ ْعلَ ُموا أَ َّن َرأْ َس ك ُِّل َر ُجل ُه َو الْ َم ِس ُ‬ ‫َوأَ َّما َرأْ ُس الْ َم ْرأَ ِة فَ ُه َو ال َّر ُج ُل‪َ ،‬و َرأْ ُس الْ َم ِسي ِح ُه َو الل ُه‪( ».‬رسالة بولس الرسول األوىل إىل أهل كورنثوس ‪.)3 :11‬‬ ‫‪ -12‬جوزف فتسامير الهويتٌ أمرييكٌ وأستا ٌذ متقاع ٌد يف الجامعة الكاثوليكية األمريكية مختص بدراسات الكتاب املقدّس وتحديدًا العهد الجديد وساهم يف العديد من الدراسات املتعلقة‬ ‫مبخطوطات قمران‪[ .‬تحرير املجلة]‪.‬‬ ‫‪13- Erwin Ochsenmeier, Mal, souffrance et justice de Dieu selon Romains. 2007, pp. 47-48.‬‬

‫‪20‬‬


‫خلف خطى يسوع جـ ‪:6‬‬ ‫الصلب وبولُس‬

‫الغريب بن ماء السامء‬

‫وبولُس يبني رؤيته عىل املسيح كمثل الرؤية الصوفية‪ ،‬أي تو ّحد اإلنسان مع الله‪ ،‬وعند بولس فاإلنسان أو باألحرى‬ ‫الفكرة املثال التي هي املسيح‪ ،‬فاملسيح متو ّح ٌد مع الله‪ ،‬بوصفه الطريق التي تؤدي إليه‪ ،‬أو بوصفه النور أو الكلمة‬ ‫الحقيقية لله‪ ،‬لكن يظل هناك ٌ‬ ‫فرق بني الكلمة والنور وبني مصدرهام‪ ،‬حيث إن ط ّهر اإلنسان نفسه وتت ّبع تعاليم املسيح‬ ‫أيضا ابن الله وجز ًءا من الله‪ ،‬لكن دامئًا هناك فرق‪ ،‬ففي األخري ال يظل إال الله‪ ،‬ولنستمع لهذا الطرح الصو ّيف‬ ‫يصبح هو ً‬ ‫بامتياز‪:‬‬ ‫«ألَنَّ ُه ك َ​َم ِف آ َد َم َ ُيوتُ الْ َج ِمي ُع [الجسد الخاطئ]‪ ،‬ه َكذَا ِف الْ َم ِسي ِح َس ُي ْح َيا الْ َج ِمي ُع‪[ .‬املسيح هو الطريق إىل الحياة وهو‬ ‫واحد يف رتبته‪ .‬املسيح باكور ٌة ثم الذين للمسيح يف مجيئه‪َ .‬ول ِك َّن ك َُّل َو ِ‬ ‫النور] ولكن كل ٍ‬ ‫يح بَاكُو َرةٌ‪،‬‬ ‫اح ٍد ِف ُرتْ َب ِت ِه‪ :‬الْ َم ِس ُ‬ ‫اآلب‪َ ،‬متَى أَبْط َ​َل ك َُّل ِريَ َاس ٍة َوك َُّل ُسلْطَانٍ َوك َُّل قُ َّو ٍة‪.‬‬ ‫ث ُ َّم ال َِّذي َن لِلْ َم ِسي ِح ِف َمجِي ِئ ِه‪َ .‬وبَ ْع َد ذلِ َك ال ِّن َهايَ ُة‪َ ،‬متَى َسلَّ َم الْ ُمل َْك لل ِه ِ‬ ‫ِب أَ ْن َ ْيلِ َك َحتَّى يَ َض َع َج ِمي َع األَ ْع َدا ِء ت َ ْح َت قَ َد َم ْي ِه‪ِ .‬‬ ‫ش ٍء تَ ْح َت قَ َد َم ْي ِه‪.‬‬ ‫أَنَّ ُه يَج ُ‬ ‫آخ ُر َع ُد ٍّو يُ ْبط َُل ُه َو الْ َم ْوتُ ‪ .‬ألَنَّ ُه أَ ْخ َض َع ك َُّل َ ْ‬ ‫َول ِك ْن ِحي َن َم يَق ُ‬ ‫ش ٍء قَ ْد أُ ْخ ِض َع» فَ َو ِاض ٌح أَنَّ ُه غ ْ َُي ال َِّذي أَ ْخ َض َع لَ ُه الْك َُّل» (رسالة بولس الرسول األوىل إىل أهل‬ ‫ُول‪« :‬إِ َّن ك َُّل َ ْ‬ ‫كورنثوس ‪.)22-28 :15‬‬ ‫فكل ٍ‬ ‫شخص ميكن أن يكون ابن الله وليس فقط يسوع‪ ،‬أي أن التسمية رمزية‪« :‬أَنَّ ُك ْم َج ِمي ًعا أَبْ َنا ُء‬ ‫أ ّما عن كلمة ابن الله ّ‬ ‫الل ِه بِا ِإل َميانِ بِالْ َم ِسي ِح يَ ُسو َع‪( ».‬رسالة بولس الرسول إىل أهل غالطية ‪ ،)26 :3‬فاملسيح هو ابن الله األول الذي عرفه‬ ‫ومن ثم نصري كلُنا أبناء الله حني نعرفه بفضل املسيح‪ ،‬هذه هي فكرة بولس الجوهرية التي نجدها يف كتاباته األصلية‪،‬‬ ‫وليست التي أضافها تالميذه أو رجال الكنيسة فيام بعد‪.‬‬ ‫وميكننا اعتبار هذه الفكرة الجوهرية التي تعتمد عىل الخالص يف شخص املسيح ثور ًة معرفي ًة عىل التقاليد اليهودية‬ ‫السائدة منذ موىس‪ ،‬فأجرة الخطيئة هي املوت (رسالة بولس الرسول إىل أهل رومية ‪ )23 :6‬والجسد دامئًا خاطئ‪،‬‬ ‫مكتوب عليه دامئًا‪ ،‬لكن مع قيامة املسيح اختلفت األمور‪ ،‬ألنه قام من بني األموات وبالتايل هزم الخطيئة‬ ‫لذلك فاملوت‬ ‫ٌ‬ ‫واستطاع أن ينال الحياة األبدية‪ ،‬فاملسيح هو آدم الثاين‪ ،‬فآدم األول قبل الخطيئة كان ال ميوت وما إن أخطأ حتى صار‬ ‫أجيال وأجيالً حتى استطاع املسيح قهرها وقام من املوت لذلك فهو آدم الثاين‬ ‫معرضا للموت‪ ،‬وامتدت هذه الخطيئة ً‬ ‫ً‬ ‫وغني عن القول أن التعميد بسكب‬ ‫والذي س ُيدخل كل من يتبعه يف الحياة األبدية‪ ،‬ويكون ذلك يف البداية بالتعميد‪ٌ ،‬‬ ‫املاء عىل الشخص قد أسقط كل رؤية بولس‪ ،‬ألن التعميد الحقيقي هو أن يغطس الشخص بكامله ثم ينبثق من املاء‬ ‫ٍ‬ ‫جديد ليدخل يف الحياة األبدية‪ ،‬فالتعميد الحقيقي هو الوالدة الكاملة من‬ ‫وكأنه انبثق أو تخلّص من املوت وقام من‬ ‫رحم املاء‪.‬‬ ‫لكن الخطيئة األوىل غري موجود ٍة يف التصور اليهودي‪ ،‬فهذه صناع ٌة بولُسي ٌة بحتة‪ ،‬إذ إن املوت هو من طبيعة اإلنسان‬ ‫أيضا] وكل ٍ‬ ‫نفس تحمل الفجور والتقوى [كام نجد يف مخطوطة قمران‬ ‫حسب التص ّور اليهودي [بل والتصور العلمي ً‬ ‫أيضا‪.‬‬ ‫‪ ]1QS 3: 18-19‬ولكن الخطيئة ليست متوارث ًة ً‬ ‫جيل عن جيلٍ بل هذا الفجور والتقوى املوجود يف النفس قد خلقه الله ً‬ ‫إن رؤية بولس للخطيئة هي رؤي ٌة جديد ٌة ال نجد لها رؤي ًة موازي ًة يف الرتاث اليهودي‪ ،‬فمن أين جاء بولس بهذه الرؤية؟‬ ‫‪21‬‬


‫خلف خطى يسوع جـ ‪:6‬‬ ‫الصلب وبولُس‬

‫الغريب بن ماء السامء‬

‫جاءت هذه الرؤية من فهمه للناموس‪ِ « :‬م ْن أَ ْجلِ ذلِ َك كَأَنَّ َا ِب ِإنْ َسانٍ َو ِ‬ ‫اح ٍد َد َخل َِت الْ َخ ِط َّي ُة إِ َل الْ َعال َِم‪َ ،‬وبِالْ َخ ِط َّي ِة الْ َم ْوتُ ‪،‬‬ ‫اس‪ ،‬إِ ْذ أَ ْخطَأَ الْ َج ِمي ُع‪ .‬فَ ِإنَّ ُه َحتَّى ال َّنا ُم ِ‬ ‫َوه َكذَا ا ْجتَا َز الْ َم ْوتُ إِ َل َج ِميعِ ال َّن ِ‬ ‫وس كَانَ ِت الْ َخ ِط َّي ُة ِف الْ َعال َِم‪َ .‬ع َل أَ َّن الْ َخ ِط َّي َة الَ‬ ‫وس‪َ ،‬وذلِ َك َع َل ال َِّذي َن لَ ْم يُ ْخ ِطئُوا َع َل ِش ْب ِه تَ َع ِّدي آ َد َم‪،‬‬ ‫وس‪ .‬ل ِك ْن قَ ْد َمل َ​َك الْ َم ْوتُ ِم ْن آ َد َم إِ َل ُم َ‬ ‫تُ ْح َس ُب إِ ْن لَ ْم يَ ُك ْن نَا ُم ٌ‬ ‫اآلت‪( ».‬رسالة بولس الرسول إىل أهل رومية ‪ ،)12-14 :5‬فلوال الناموس مل تكن هناك خطيئة‪ ،‬لوال الرشائع‬ ‫ال َِّذي ُه َو ِمث َُال ِ‬ ‫ملا كان هناك عقاب‪ ،‬إذن يلزم يش ٌء أكرب وأشمل من الناموس والترشيع‪ ،‬حتّى وإن كان هذا الناموس ُمن ّزلً من الله عىل‬

‫مخطوطة قمران ‪ 1QS‬املعروفة بقاعدة الجامعة סרך היחד ‪Community Rule‬‬

‫رش ولك ّنه ال مينعك من فعله‪ ،‬إذن يلزم تطبيق روح‬ ‫موىس‪ ،‬أل ّن هذا الناموس يخربك بأ ّن هذا اليشء ٌ‬ ‫خي وهذا اليشء ٌّ‬ ‫الناموس قبل الناموس‪ ،‬يلزم االعتقاد قبل التطبيق‪« :‬إِ ْذ نَ ْعلَ ُم أَ َّن ا ِإلنْ َسا َن الَ يَتَ َ َّب ُر ِبأَ ْع َم ِل ال َّنا ُم ِ‬ ‫وس‪ ،‬بَ ْل ِب ِإميَانِ يَ ُسو َع الْ َم ِسي ِح‪،‬‬ ‫وس‪ .‬ألَنَّ ُه ِبأَ ْع َم ِل ال َّنا ُم ِ‬ ‫آ َم َّنا نَ ْح ُن أَيْ ًضا ِب َي ُسو َع الْ َم ِسي ِح‪ ،‬لِ َنتَ َ َّب َر ِب ِإ َميانِ يَ ُسو َع الَ ِبأَ ْع َم ِل ال َّنا ُم ِ‬ ‫وس َال يَتَ َ َّب ُر َج َس ٌد َما‪ .‬فَ ِإ ْن كُ َّنا‬ ‫يح َخا ِد ٌم لِلْ َخ ِطيَّ ِة؟ َحاشَ ا! فَ ِإ ِّن إِ ْن كُ ْن ُت أَبْ ِني أَيْ ًضا‬ ‫َونَ ْح ُن طَالِبُو َن أَ ْن نَتَ َ َّب َر ِف الْ َم ِسي ِح‪ ،‬نُو َج ُد نَ ْح ُن أَنْف ُ​ُس َنا أَيْ ًضا ُخطَاةً‪ ،‬أَفَالْ َم ِس ُ‬ ‫وس لِل َّنا ُم ِ‬ ‫هذَا ال َِّذي قَ ْد َه َد ْمتُ ُه‪ ،‬فَ ِإ ِّن أُظْ ِه ُر نَف ِْس ُمتَ َع ِّديًا‪ .‬ألَ ِّن ُم ُّت بِال َّنا ُم ِ‬ ‫وس ألَ ْح َيا لل ِه‪َ .‬م َع الْ َم ِسي ِح ُصلِ ْب ُت‪ ،‬فَأَ ْح َيا الَ أَنَا‪ ،‬بَلِ‬ ‫يح يَ ْح َيا ِ َّف‪ .‬ف َ​َم أَ ْح َيا ُه اآل َن ِف الْ َج َس ِد‪ ،‬فَ ِإنَّ َا أَ ْح َيا ُه ِف ا ِإل َميانِ ‪ ،‬إِ َميانِ ابْنِ الل ِه‪ ،‬ال َِّذي أَ َح َّب ِني َوأَ ْسلَ َم نَف َْس ُه ألَ ْج ِل‪ .‬ل َْس ُت‬ ‫الْ َم ِس ُ‬ ‫أُبْ ِط ُل نِ ْع َم َة الل ِه‪ .‬ألَنَّ ُه إِ ْن كَا َن بِال َّنا ُم ِ‬ ‫يح إِذًا َماتَ ِبالَ َس َب ٍب!» (رسالة بولس الرسول إىل أهل غالطية ‪.)16-21 :2‬‬ ‫وس ِب ٌّر‪ ،‬فَالْ َم ِس ُ‬ ‫غني عن القول أن رؤية بولس املتطورة هذه والتي تتجه نحو جوهر الناموس وليس فقط شكله‪ ،‬وهي مام يُحسب له‪،‬‬ ‫ٌّ‬ ‫تتعارض مع رؤية يسوع نفسها يف األناجيل حيث يرفض أن تتغري كلم ٌة واحد ٌة من الناموس‪ ،‬ولكننا نستطيع دامئًا إيجاد‬ ‫حلو ٍل وتربير ٍ‬ ‫ات نغطي بها هذا التناقض‪ ،‬كام هو موجود يف كل دين‪.‬‬ ‫عند هذه النقطة ينهي الكاتب منشوره بكلمة «يتبع»‪ ،‬لكنه ال يكتب أي يش ٍء آخر‪ .‬لذا‪ ،‬ننهي هذه السلسلة املتتبعة‬ ‫لخطى يسوع‪ ،‬نتمنى أن تكون فاتح ًة لشهية القارئ لالطّالع عىل املزيد‪.‬‬ ‫‪22‬‬


‫ﻣﺴﻠﻤﻮ ﺃﻣﺮﻳﻜﺎ ﺍﻟﺸﻤﺎﻟﻴﺔ ﺍﻟﺴﺎﺑﻘﻮﻥ‬

Ex-Muslims of North America NO BIGOTRY, NO APOLOGY

‫دون ﺗﻌﺼﺐ أو اﻋﺘﺬار‬ ‫ﻧﺒﻨﻲ ﺟﻤﺎﻋﺎﺕ ﺩﺍﻋﻤﺔ‬

Building Communities

‫ﻧﻨﺸﺮ ﺍﻟﻘﻴﻢ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﻧﻴﺔ‬

Promoting Secular Values

‫ﻧﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺗﺨﻔﻴﻒ ﻋﻮﺍﻗﺐ ﺍﻟﺮﺩﺓ‬

Mitigating Costs of Apostasy

‫ﻧﺴﻌﻰ ﻟﺘﻄﺒﻴﻊ ﺍﻻﻧﺸﻘﺎﻕ ﺍﻟﺪﻳﻨﻲ‬

Normalizing Religious Dissent

facebook.com/exmna

exmna.org

@exmuslimsofna

theexmuslim.com

E MNA 23


‫نقد كتاب اليهودية (التناخ) جـ ‪:1‬‬

‫الباب األول‪ :‬صورة الله يف الكتاب اليهودي – القسم األول‬ ‫ساطع الربهان يف فضح األديان‬ ‫نقدي ٌة لنصوص األديان املقدسة‬

‫راهب العلم‬

‫سنقوم يف هذه السلسلة بتقديم عد ٍد من‬ ‫كتاب قد نرشه الناشط‬ ‫الفصول املختارة من ٍ‬ ‫نقد لكتاب‬ ‫راهب العلم‪ ،‬حيث ظهر له ٌ‬ ‫اليهودية (العهد القديم لدى املسيحيني)‪،‬‬ ‫ونقد لألناجيل (العهد الجديد)‪.‬‬ ‫نقده للتناخ‪ ،‬مجموعة الكتب األساسية‬ ‫املقدسة لدى اليهود‪ ،‬يغطي جوانب كثري ٍة‬ ‫اخرتنا لكم بعضها‪ ،‬حيث سنقدمها عىل‬ ‫شكل سلسل ٍة نبدأها يف هذا العدد‪.‬‬

‫‪24‬‬


‫نقد كتاب اليهودية (التناخ) جـ ‪:1‬‬ ‫صورة الله يف الكتاب اليهودي‬

‫راهب العلم‬

‫ستتناول هذه الدراسة مجموعة كتب اليهود املقدسة املسامة التناخ תנ״ך وهو اختصا ٌر ألسامء أجزائه وهي תורה‪,‬‬ ‫أيضا املِ ْقراء ַה ִמ ְק ָרא‪ ،‬لكن تسميته األكرث شيو ًعا بني العرب هي‬ ‫נביאים וכתובים‪ ،‬أي توراة‪ ،‬أنبياء وكتابات‪ .‬يسمى ً‬ ‫العهد القديم‪ ،‬كونه يُرفق عاد ًة مبجموعة كتب املسيحيني الذي يطلقون عليها تسمية العهد الجديد‪.‬‬ ‫فيام ييل فصول هذه الدراسة‪:‬‬ ‫مقدمة الكتاب‬ ‫الباب األول‪ :‬صورة الله يف الكتاب اليهودي‬ ‫الباب الثاين‪ :‬احتالل أرايض الشعوب وإبادتهم بدعوى أن ذلك بأمر الرب‬ ‫اليهوي‬ ‫الباب الثالث‪ :‬األخطاء العلمية والخرافات والخزعبالت والسخافات يف الكتاب‬ ‫ّ‬ ‫الباب الرابع‪ :‬ترشيعاتٌ ظامل ٌة غري عادلة‪ ،‬عدم عدالة‪ ،‬غرائب‪ ،‬ترشيعاتٌ متخلفة‪،‬‬ ‫ترشيعاتٌ شاذة‪ ،‬أشياء شاذة‬ ‫اليهودي‬ ‫الباب الخامس‪ :‬عنرصية الدين‬ ‫ّ‬ ‫الباب السادس‪ :‬التناقضات واألغالط‬ ‫الباب السابع‪ :‬اختالف النسخ العربية والسامرية واليونانية‬ ‫الباب الثامن‪ :‬األسفار الضائعة‬ ‫الباب التاسع‪ :‬اليهود السامريّون ال يؤمنون إال بخمسة أسفا ٍر فقط من الكتاب‬ ‫اليهودي‬ ‫الباب العارش‪ :‬اإلحاالت‬ ‫الباب الحادي عرش‪ :‬األنبياء وأخالقهم السيئة يف الكتاب اليهودي‬ ‫الباب الثاين عرش‪ :‬وعو ٌد إلهي ٌة مل تُنفَّذ‬ ‫الباب الثالث عرش‪ :‬مصادرة اليهودية لحق الحرية االعتقادية والشخصية‬ ‫الباب الرابع عرش‪ :‬العبودية‬ ‫الباب الخامس عرش‪ :‬التفرقة الجنسية ضد املرأة يف التوراة‬ ‫اليهوي‬ ‫الباب السادس عرش‪ :‬الغدر والخيانة مبباركة الرب واألنبياء والكتاب‬ ‫ّ‬ ‫اليهودي‬ ‫الباب السابع عرش‪ :‬بذاءات الكتاب املقدس‬ ‫ّ‬ ‫الباب الثامن عرش‪ :‬ما أخذته اليهودية من الرتاث واألديان والثقافات الرشقية الوثنية‬ ‫كالعراق وفلسطني وسوريا ومرص‬ ‫مراجع البحث‬ ‫‪25‬‬


‫نقد كتاب اليهودية (التناخ) جـ ‪:1‬‬ ‫صورة الله يف الكتاب اليهودي‬

‫راهب العلم‬

‫مقدمة‬

‫اليهوي)‪ ،‬أو (العهد القديم) كام يس ّميه املسيحيون‪ ،‬هو الكتاب املقدس‬ ‫اليهودي)‪ ،‬أو (الكتاب‬ ‫(الكتاب)‪ ،‬أو (الكتاب‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫لدى اليهود‪ ،‬وتعدادهم يف كل العامل ‪ 22‬مليونًا‪ ،‬ويشكل (العهد القديم) الجزء األول واألكرب من الكتاب املق ّدس‬ ‫املسيحي‪ ،‬والجزء اآل َخر لدى املسيحيني هو األناجيل أو العهد الجديد‪.‬‬ ‫برب ٍ‬ ‫واحد‬ ‫يعترب أساس الدين اليهودي هو اإلميان ٍ‬ ‫خالق معبو ٍد هو اإلله (يَ ُه َوه) יְ הֹוָ ה(‪ )1‬ومعناها‬ ‫ٍ‬ ‫قائل ما معناه‬ ‫بالعربية األزيل‪ ،‬ويشري يهوه لنفسه ً‬ ‫«أنا هو أنا»(‪ֶ )2‬א ְהיֶ ה ֲא ֶשר ֶא ְהיֶ ה‪ ،‬حيث يدور‬ ‫وس لل ِه‪:‬‬ ‫بينه وبني موىس الحوار التايل‪« :‬فَق َ​َال ُم َ‬ ‫سائِ َيل َوأَق ُ​ُول لَ ُه ْم‪ :‬إِل ُه آبَائِ ُك ْم‬ ‫« َها أَنَا ِآت إِ َل بَ ِني إِ ْ َ‬ ‫أَ ْر َسلَ ِني إِلَ ْي ُك ْم‪ .‬فَ ِإذَا قَالُوا ِل‪َ :‬ما ْاس ُم ُه؟ ف َ​َمذَا أَق ُ​ُول‬ ‫وس‪« :‬أَ ْه َي ِه ال َِّذي أَ ْه َي ْه»‪.‬‬ ‫لَ ُه ْم؟» فَق َ​َال الل ُه لِ ُم َ‬ ‫َوق َ​َال‪« :‬ه َكذَا تَق ُ‬ ‫سائِ َيل‪ :‬أَ ْه َي ْه أَ ْر َسلَ ِني إِلَ ْي ُك ْم» (الخروج ‪.)13-14 :4‬‬ ‫ُول لِ َب ِني إِ ْ َ‬ ‫ومن بنود اليهودية كذلك اإلميان بقدسية أرض فلسطني التي يعتربونها وطنهم إرسائيل‪ ،‬وبعث الرب أنبياءه ورسله‬ ‫للبرش‪ ،‬وترشيعات اليهودية وعوائدها‪ ،‬وتقديس هيكل الرب الذي بناه سليامن بعدما وضع له حجر األساس أبوه‬ ‫كشعب ٍ‬ ‫عابد للرب يف محاربة واحتالل دول أهل األديان الوثنية األخرى والشعوب األخرى‪ ،‬وسبي نسائها‬ ‫داوود‪ ،‬وحقهم‬ ‫ٍ‬ ‫وأطفالها لالستعباد والجنس إن مل تستسلم الشعوب لهم‪.‬‬ ‫يتكون الكتاب اليهودي أو التناخ لدى اليهود والپروتستنت من ‪ِ 39‬س ْف ًرا‪،‬‬ ‫وكلمة ِسفْر(‪ )3‬معناها كتاب‪ ،‬وهي األسفار أو الكتب التالية‪:‬‬ ‫التكوين‪ ،‬الخروج‪ ،‬الالويني‪ ،‬العدد‪ ،‬التثنية‪ ،‬يشوع‪ ،‬القُضاة‪ ،‬راعوث‪،‬‬ ‫صموئيل األول‪ ،‬صموئيل الثاين‪ ،‬امللوك األول‪ ،‬امللوك الثاين‪ ،‬أخبار األيام‬ ‫األول‪ ،‬أخبار األيام الثاين‪ ،‬عزرا‪ ،‬نحميا‪ ،‬أستري‪ ،‬أيوب‪ ،‬املزامري‪ ،‬األمثال‪،‬‬ ‫الجامعة‪ ،‬نشيد األنشاد‪ ،‬إشعياء‪ ،‬إرميا‪ ،‬مرايث إرميا‪ ،‬حزقيال‪ ،‬دانيال‪،‬‬ ‫هوشع‪ ،‬يوئيل‪ ،‬عاموس‪ ،‬عوبديا‪ ،‬يونان‪ ،‬ميخا‪ ،‬ناحوم‪ ،‬حبقوق‪ ،‬صفنيا‪،‬‬ ‫حجي‪ ،‬زكريا‪ ،‬مالخي‪.‬‬ ‫‪26‬‬


‫نقد كتاب اليهودية (التناخ) جـ ‪:1‬‬ ‫صورة الله يف الكتاب اليهودي‬

‫راهب العلم‬

‫كأسلوب لتقسيم نص السفر‪ ،‬وكل إصحا ٍح يتألف من (آيات) أو‬ ‫وكل ِس ْف ٍر من هذه األسفار ينقسم إىل (إصحاحات)‬ ‫ٍ‬ ‫تسمى كذلك (أعداد)‪ ،‬فيُقَال سفر كذا‪ :‬إصحاح رقم كذا‪ :‬آية أو عدد رقم كذا‪.‬‬ ‫مثل‪:‬‬ ‫ً‬ ‫التكوين‪ :‬إصحاح ‪ :3‬آية ‪10‬‬ ‫فتُكتب هكذا‪ :‬التكوين ‪10 :3‬‬ ‫يقسموا أسفا َر الكتاب اليهودي إىل أربعة أنواع‪ :‬أسفا ٌر‬ ‫جرت العادة لدى اليهود واملسيحيني بشكلٍ متف ٍَّق عليه عمو ًما أن ِّ‬ ‫تقريبي رغم اختالط كل هذا فيه َّن‪.‬‬ ‫ترشيعي ٌة ونبوي ٌة وتاريخي ٌة وأدبية‪ .‬وهذا تقسي ٌم‬ ‫ٌ‬ ‫األسفار الترشيعية‪( :‬التوراة‪ ،‬أسفار موىس الخمسة)‪ :‬التكوين‪ ،‬الخروج‪ ،‬الالويني‪ ،‬العدد‪ ،‬التثنية‪.‬‬‫األسفار التاريخية‪ :‬يشوع‪ ،‬القضاة‪ ،‬راعوث‪ ،‬امللوك األول والثاين‪ ،‬صموئيل األول والثاين‪ ،‬أخبار األيام األول والثاين‪ ،‬عزرا‪،‬‬‫نحميا‪ ،‬أستري‪.‬‬ ‫األسفار النبوية‪ :‬إشعياء‪ ،‬إرميا‪ ،‬حزقيال‪ ،‬دانيال‪ ،‬هوشع‪ ،‬يوئيل‪ ،‬عاموس‪ ،‬عوبديا‪ ،‬يونان‪ ،‬ميخا‪ ،‬ناحوم‪ ،‬حبقوق‪ ،‬صفنيا‪،‬‬‫حجي‪،‬زكريا‪ ،‬مالخي‪.‬‬ ‫األسفار األدبية والشعرية‪ :‬أيوب‪ ،‬املزامري لداوود وآخرين‪ ،‬أسفار سليامن الثالثة‪ :‬األمثال والجا ِمعة ونشيد األنشاد‪ ،‬مرايث‬‫إرميا‪.‬‬ ‫تجدر اإلشارة إىل وجود سبعة أسفا ٍر إضافيةٍ يف العهد القديم لدى الكاثوليك واألرثوذكس املسيحيني‪ ،‬ال يعرتف بها‬ ‫أصحاب الكتاب األصليني أي اليهود‪ ،‬وال يعرتف بها الربوتستانت‪ ،‬وهي‪:‬‬ ‫طوبيا‪ ،‬يهوديت‪ ،‬املكابيني األول والثاين‪ ،‬باروخ‪ِ ،‬سفر الحكمة لسليامن‪ ،‬حكمة يشوع بن سرياخ‪.‬‬ ‫ولنا دراس ٌة نقدي ٌة مستقل ٌة صغري ٌة عن هذه األسفار األخرى التي يس ّميها الكاثوليك واألرثوذكس األسفار القانونية الثانية‪.‬‬ ‫ومع أين أت ِّبع الرأي الذي يرى أنها مجرد أسفا ٍر أپوكريفية أي موضوع ٌة مجعول ٌة غري صحيحة‪ ،‬فأقف إىل جانب الربوتستانت‬ ‫‪27‬‬


‫نقد كتاب اليهودية (التناخ) جـ ‪:1‬‬ ‫صورة الله يف الكتاب اليهودي‬

‫راهب العلم‬

‫واليهود‪ ،‬خاص ًة لكونها ليس لها سوى أصو ٍل يونانية اللغة وليست عربية‪ ،‬إال أين أقرتح أن هذا الرأي ال ينطبق عىل ِسف َري‬ ‫املكابي َني األول واملكابيني الثاين‪ ،‬وهذان السفران ها ّمان ج ًدا وال غنى عنهام ملن يدرس تاريخ اليهود ‪،‬الحتوائهام عىل‬ ‫تأري ٍخ خطري األهمية يف عرص االحتالل اليونا ّين لفلسطني والشام‪ ،‬ومقاومة اليهود‪ ،‬واضطهاد أنطيوخوس الرابع(‪ )2‬وغريه‬ ‫اليهودي الثاين‪ ،‬والتفاصيل التاريخية هناك دقيق ٌة ج ًدا وممتاز ٌة‬ ‫من الوثنيني اليونانيني لليهود ودينهم وتدنيس الهيكل‬ ‫ّ‬ ‫املعتبة‬ ‫اليهودي‬ ‫يف أسلوبِها وصياغتها التاريخية واألدبية‪ .‬وإن كانت مختلفة األسلوب متا ًما عن أساليب أسفار الكتاب‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫لدى اليهود كاألسفار التاريخية األحد العرش املعرتف به َّن لدى اليهود‪.‬‬ ‫سفري املكابيني كتأري ٍخ أن اليهود التلموديني (الربانيني) دونًا عن القرائني إىل اليوم يحتفلون بعيد‬ ‫ومام يدل عىل صحة‬ ‫ْ‬ ‫التجديد أو التطهري‪ ،‬وهو عي ٌد ُم ْح َدث لديهم‪ ،‬كام و َر َد أن اليهود يفعلون ذلك يف إنجيل يوحنا ‪ ،22 :10‬وهو عيد تطهري‬ ‫الهيكل من األوثان واألرجاس وقرابني الخنزير التي واضطهاد أنطيوخوس الرابع اليوناين السلوقي عىل يد يهوذا املكا ّيب‬ ‫املقا ِوم الشهري (‪ 59‬ورسم يهوذا وإخوته و جامعة إرسائيل كلها أن يعيد لتدشني املذبح يف وقته سن ًة فسن ًة مدة مثانية‬ ‫أيام من اليوم الخامس والعرشين من شهر كسلو برسور و ابتهاج) املكابيني األول ‪، 59 :4‬كام هو مذكو ٌر قي املكابيني‬ ‫ٍ‬ ‫األول‪ :‬اإلصحاحني ‪1‬و‪ ،4‬واملكابيني الثاين‪ :‬اإلصحاح‪ 1‬وهذه أقوى استدالالت الكاثوليك واألرثوذكس عىل صحتهام‪.‬‬

‫اليهودي ‪ -‬القسم األول‬ ‫الباب األول‪ :‬صورة الله يف الكتاب‬ ‫ّ‬ ‫هل الله يتعب ليسرتيح!؟‬ ‫فكيف تقول التوراة أ ّن الله بعد أن خلق الكون يف‬ ‫أيام اسرتاح يف اليوم السابع‪ ،‬كيف يجوز هذا يف‬ ‫ستة ٍ‬ ‫كامل منز ٌه عن‬ ‫حق الله الذي يُف َرتض يف كل املنطق أنه ٌ‬ ‫النقص والعيوب‪ ،‬وإال ملا كان هو األزيل األبدي الذي مل‬ ‫يو َجد يش ٌء قبله؟!‬

‫أخ ًريا‬

‫السابعِ ِم ْن َع َم ِل ِه ال َِّذي َع ِم َل‪.‬‬ ‫« َوفَ َر َغ الل ُه ِف الْ َي ْو ِم َّ‬ ‫السابعِ ِم ْن َج ِميعِ َع َملِ ِه ال َِّذي َع ِم َل‪.‬‬ ‫اح ِف الْ َي ْو ِم َّ‬ ‫ف َْاس َ َت َ‬ ‫اح ِم ْن‬ ‫َوبَا َر َك الل ُه الْ َي ْو َم َّ‬ ‫الساب َع َوقَ َّد َس ُه‪ ،‬ألَنَّ ُه ِفي ِه ْاس َ َت َ‬ ‫َج ِميعِ َع َملِ ِه ال َِّذي َع ِم َل الل ُه َخالِقًا‪( ».‬التكوين ‪.)3-2 :2‬‬ ‫‪28‬‬


‫نقد كتاب اليهودية (التناخ) جـ ‪:1‬‬ ‫صورة الله يف الكتاب اليهودي‬

‫راهب العلم‬

‫وجاء عىل لسان الرب يف سفر الخروج‪:‬‬ ‫أيام تعمل وتصنع جمي َع عملِك‪ ،‬وأما اليوم‬ ‫«اذكر يو َم السبت لتُق ِّد َسه‪ .‬ستة ٍ‬ ‫عمل ما أنت وابنك وابنتك وعبدك‬ ‫السابع ففيه سبت للرب إلهك‪ .‬ال تصنع ً‬ ‫أيام صنع الرب‬ ‫وأمتك وبهيمتك ونزيلك الذي َ‬ ‫داخل أبوابك‪ .‬ألن يف ستة ٍ‬ ‫السامء واألرض والبحر وكل ما فيها‪ ،‬واسرتاح يف اليوم السابع‪ .‬لذلك َ‬ ‫بارك‬ ‫الرب يو َم السبت وق َّد َسه»‪( .‬الخروج ‪.)11-8 :20‬‬ ‫ُ‬ ‫وجاء فيه كذلك‪:‬‬ ‫قائل‪ُ :‬سبويت تحفظونها‪،‬‬ ‫«وأنت ت ُكلِّم بني إرسائيل ً‬ ‫قائل‪:‬‬ ‫الرب موىس ً‬ ‫َ‬ ‫«وكل َم ُّ‬ ‫ألنه عالم ٌة بيني وبينكم يف أجيالكم يف أجيالكم لتعلموا أين أنا الرب الذي‬ ‫كل‬ ‫قتل‪ .‬إن َّ‬ ‫السبت ألنه ُمق َّد ٌس لكم‪ .‬من دنَّ َسه يُقتَ ُل ً‬ ‫يُق ِّدسكم‪ ،‬فتحفظون‬ ‫َ‬ ‫عمل‪،‬‬ ‫أيام يُص َن ُع ٌ‬ ‫عمل ت ُقطَ ُع تلك‬ ‫من صن َع فيه ً‬ ‫النفس من ب ِني شعبِها‪ .‬ست َة ٍ‬ ‫ُ‬ ‫عمل يف يوم‬ ‫سبت ُعطل ٍة ُمق َّد ٌس للرب‪ .‬كل من صن َع ً‬ ‫وأما اليوم السابع ففيه ُ‬ ‫السبت يف أجيالهم عه ًدا أبديًا هو بيني وبني بني إرسائيل عالم ٌة‬ ‫السبت ليصنعوا‬ ‫قتل‪ .‬فيحفظ بنو إرسائيل‬ ‫قتل ً‬ ‫السبت يُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّس» (الخروج‪.)17-12 :31‬‬ ‫الرب السام َء‬ ‫َ‬ ‫إىل األبد‪ .‬ألنه يف ست ِة ٍ‬ ‫واألرض ويف اليوم السابع اسرت َ‬ ‫أيام صن َع ُّ‬ ‫اح وتنف َ‬ ‫نفسه ِ‬ ‫التعب‪:‬‬ ‫بنفسه‪ ،‬ف ُي َن ِّزه الل َه وينفي عنه‬ ‫ثم يتناقض كتاب اليهود مع نفسه‪ ،‬ويُكذِّب َ‬ ‫َ‬ ‫فحص»‪( .‬إشعياء ‪.)28 :40‬‬ ‫«أما‬ ‫َ‬ ‫عرفت أم مل تسم ْع؟ إله الدهر الرب خالق أطراف األرض ال يكل وال يعيا‪ .‬ليس عن فهمه ٌ‬ ‫هل الله ال يعلم الغيب واملستقبل؟!‬ ‫يف قصة الخلق يخلق الله اليشء وبعد أن ينتهي منه ينظر فإذا هو َح َس ٌن وجي ٌد ج ًدا كأنه ال يعلم املستقبل وهيئة‬ ‫و َجودة ما سيخلقه‪ ،‬وإذا ما كان سيكون حس ًنا أم ال‪ ،‬وكأنه كان يظن أنه ممكن أال يخلق شيئًا بشكلٍ ُمتقَنٍ فيكون سيئًا‬ ‫غري حسن‪ ،‬كالتايل‪:‬‬ ‫« َوق َ​َال الل ُه‪« :‬لِ َي ُك ْن نُو ٌر»‪ ،‬فَكَا َن نُو ٌر‪َ .‬و َرأَى الل ُه ال ُّنو َر أَنَّ ُه َح َس ٌن‪َ .‬وف َ​َص َل الل ُه بَ ْ َي ال ُّنو ِر َوالظُّلْ َم ِة‪( ».‬التكوين ‪.)4-3 :1‬‬ ‫‪29‬‬


‫نقد كتاب اليهودية (التناخ) جـ ‪:1‬‬ ‫صورة الله يف الكتاب اليهودي‬

‫راهب العلم‬

‫الس َم ِء ِإ َل َمكَانٍ َو ِ‬ ‫اح ٍد‪َ ،‬ولْتَظْ َه ِر الْ َياب َِس ُة»‪َ .‬وكَا َن كَذلِ َك‪َ .‬و َد َعا الل ُه الْ َياب َِس َة أَ ْر ًضا‪،‬‬ ‫« َوق َ​َال الل ُه‪« :‬لِتَ ْجتَ ِمعِ الْ ِم َيا ُه ت َ ْح َت َّ‬ ‫َو ُم ْجتَ َم َع الْ ِم َيا ِه َد َعا ُه ِب َحا ًرا‪َ .‬و َرأَى الل ُه ذلِ َك أَنَّ ُه َح َس ٌن‪َ .‬وق َ​َال الل ُه‪« :‬لِتُ ْنب ِ​ِت األَ ْر ُض ُعشْ ًبا َوبَق ًْل يُ ْب ِز ُر ِب ْز ًرا‪َ ،‬وشَ َج ًرا ذَا َث َ ٍر‬ ‫يَ ْع َم ُل َث َ ًرا كَ ِج ْن ِس ِه‪ِ ،‬ب ْز ُر ُه ِفي ِه َع َل األَ ْر ِض»‪َ .‬وكَا َن كَذلِ َك‪ .‬فَأَ ْخ َر َج ِت األَ ْر ُض ُعشْ ًبا َوبَق ًْل يُ ْب ِز ُر ِب ْز ًرا كَ ِج ْن ِس ِه‪َ ،‬وشَ َج ًرا يَ ْع َم ُل َث َ ًرا‬ ‫اح يَ ْو ًما ث َالِثًا‪.‬‬ ‫ِب ْز ُر ُه ِفي ِه كَ ِج ْن ِس ِه‪َ .‬و َرأَى الل ُه ذلِ َك أَنَّ ُه َح َس ٌن‪َ .‬وكَا َن َم َسا ٌء َوكَا َن َص َب ٌ‬ ‫ات َوأَ ْوق ٍ‬ ‫الس َم ِء لِتَف ِْص َل بَ ْ َي ال َّن َها ِر َواللَّ ْيلِ ‪َ ،‬وتَكُو َن آليَ ٍ‬ ‫َات َوأَيَّ ٍام َو ِس ِننيٍ‪َ .‬وتَكُو َن أَنْ َوا ًرا ِف‬ ‫َوق َ​َال الل ُه‪« :‬لِتَ ُك ْن أَنْ َوا ٌر ِف َجل َِد َّ‬ ‫الس َم ِء لِتُ ِن َري َع َل األَ ْر ِض»‪َ .‬وكَا َن كَذلِ َك‪ .‬فَ َع ِم َل الل ُه ال ُّنو َريْنِ الْ َع ِظي َم ْيِ‪ :‬ال ُّنو َر األَك َ َْب لِ ُحك ِْم ال َّن َهارِ‪َ ،‬وال ُّنو َر األَ ْص َغ َر لِ ُحك ِْم‬ ‫َجل َِد َّ‬ ‫الس َم ِء لِتُ ِن َري َع َل األَ ْر ِض‪َ ،‬ولِتَ ْح ُك َم َع َل ال َّن َها ِر َواللَّ ْيلِ ‪َ ،‬ولِتَف ِْص َل بَ ْ َي ال ُّنو ِر َوالظُّلْ َم ِة‪.‬‬ ‫اللَّ ْيلِ ‪َ ،‬وال ُّن ُجو َم‪َ .‬و َج َعلَ َها الل ُه ِف َجل َِد َّ‬ ‫اح يَ ْو ًما َرا ِب ًعا‪.‬‬ ‫َو َرأَى الل ُه ذلِ َك أَنَّ ُه َح َس ٌن‪َ .‬وكَا َن َم َسا ٌء َوكَا َن َص َب ٌ‬ ‫َوق َ​َال الل ُه‪« :‬لِتَ ِف ِض الْ ِم َيا ُه َز َّحاف ٍ‬ ‫الس َمء»‪ .‬فَ َخل َ​َق الل ُه التَّ َنانِ َني‬ ‫َات َذاتَ نَف ٍْس َح َّي ٍة‪َ ،‬ولْ َي ِط ْر ط ْ ٌَي فَ ْو َق األَ ْر ِض َع َل َو ْج ِه َجل َِد َّ‬ ‫الْ ِعظَا َم‪َ ،‬وك َُّل َذ َو ِ‬ ‫َاض ْت ِب َها الْ ِم َيا ُه كَأَ ْج َن ِاس َها‪َ ،‬وك َُّل طَائِ ٍر ِذي َج َنا ٍح كَ ِج ْن ِس ِه‪َ .‬و َرأَى الل ُه ذلِ َك‬ ‫ات األَنْف ُِس الْح َّي ِة ال َّدبَّابَ ِة الَّ ِتي ف َ‬ ‫اح‬ ‫أَنَّ ُه َح َس ٌن‪َ .‬وبَا َركَ َها الل ُه قَائِ ًل‪« :‬أَ ْثِرِي َواك ُ ِْثي َوا ْم ِإلي الْ ِم َيا َه ِف الْ ِب َحارِ‪َ .‬ولْ َيك ُ ِْث الط ْ َُّي َع َل األَ ْر ِض»‪َ .‬وكَا َن َم َسا ٌء َوكَا َن َص َب ٌ‬ ‫يَ ْو ًما َخا ِم ًسا‪.‬‬ ‫ات أَنْف ٍُس َح َّي ٍة كَ ِج ْن ِس َها‪ :‬بَ َهائِ َم‪َ ،‬و َدبَّابَ ٍ‬ ‫َوق َ​َال الل ُه‪« :‬لِتُ ْخ ِر ِج األَ ْر ُض َذ َو ِ‬ ‫وش أَ ْر ٍض كَأَ ْج َن ِاس َها»‪َ .‬وكَا َن كَذلِ َك‪.‬‬ ‫ات‪َ ،‬و ُو ُح َ‬ ‫وش األَ ْر ِض كَأَ ْج َن ِاس َها‪َ ،‬والْ َب َهائِ َم كَأَ ْج َن ِاس َها‪َ ،‬و َج ِمي َع َدبَّابَ ِ‬ ‫ات األَ ْر ِض كَأَ ْج َن ِاس َها‪َ .‬و َرأَى الل ُه ذلِ َك أَنَّ ُه َح َس ٌن‪».‬‬ ‫‪ 25‬فَ َع ِم َل الل ُه ُو ُح َ‬ ‫(التكوين ‪.)25-9 :1‬‬ ‫« َو َرأَى الل ُه ك َُّل َما َع ِملَ ُه فَ ِإذَا ُه َو َح َس ٌن ِج ًّدا‪( »...‬التكوين ‪.)31 :1‬‬ ‫تجسيد الله بشكلٍ ف ٍج يف قصة آدم وحواء‬ ‫الله يف هذه القصة مييش يف الجنة فيسمعان‬ ‫صوت خطواته فهو مييش كالبرش وملشيه صوت‪،‬‬ ‫وليس كيانًا روح ًيا منز ًها عن املادة‪ .‬وهو يسأل‬ ‫آد َم أين أنت كأمنا هو يجهل مكانه!‬ ‫« َو َس ِم َعا َص ْوتَ ال َّر ِّب ا ِإلل ِه َم ِاش ًيا ِف الْ َج َّن ِة ِع ْن َد‬ ‫وب رِي ِح ال َّن َهارِ‪ ،‬فَا ْختَبَأَ آ َد ُم َوا ْم َرأَت ُ ُه ِم ْن َو ْج ِه‬ ‫ُهبُ ِ‬ ‫‪30‬‬


‫ﺻﻮرﺗنيجـ ‪:1‬‬ ‫اليهودية (التناخ)‬ ‫نقد‬ ‫كتاب‪ ..‬ﰲ‬ ‫اﳌﻮت‬ ‫صورة الله يف الكتاب اليهودي‬ ‫اﻷﺳﺌﻠﺔ‬ ‫ﻛﺘﺎﺑﺔ‬ ‫ﻫﻮ «أَيْ َن أَ‬ ‫ﻣﻦ َد َم َوق َ‬ ‫اﻟﻌﺪو‪.‬نْ َت؟»‪».‬‬ ‫َال لَ ُه‪:‬‬ ‫اﻟﻨﻮعل ُه آ‬ ‫ﻫﺬا َّر ُّب ا ِإل‬ ‫أنى ال‬ ‫ﺗﺬﻛﺮتفَ َنا َد‬ ‫واﻹﻧﺠﻴﻞ؟ َج ِرﺛﻢالْ َج َّن ِة‪.‬‬ ‫اﻟﻘﺮآنف َو َس ِط شَ‬ ‫ال َّر ِّب ا ِإلل ِه ِ‬ ‫(التكوين ‪.)9-8 :3‬‬ ‫ﺳﺄﻟﺖ ﻧﻔﴘ ﻳﺎ ﺗﺮى ﻣﺎ ﻫﻮ ﺗﺄﺛري اﻟﺠﺎذﺑﻴﺔ ﻋﲆ ﻧﺎر ﺟﻬﻨﻢ وﻫﻞ ﻣﻦ اﳌﻤﻜﻦ أن‬ ‫وأﻏﻠﺐ‬ ‫ﺛﻘﺐ أﺳﻮد ﺑﺴﺒﺐ ازدﻳﺎد ﻛﺘﻠﺘﻬﺎ؟ ﻣﻦ اﳌﻌﺮوف أن اﻟﻜﻔﺎر ﻛ ٌرث‬ ‫ﺗﺘﺤﻮل إﱃ ٍ‬ ‫النبي‬ ‫وتلك القصة وفيها (أين أنت يا آدم) تتناقض مع النص التايل من كالم ّ‬ ‫ﺳﻜﺎن اﻷرض ﺳﻴﻨﺘﻬﻲ ﺑﻬﻢ اﳌﻄﺎف ﻫﻨﺎ‪ .‬ﻛﻢ ﻣﻠﻴﺎر إﻧﺴﺎنٍ ﺗﺤﺘﺎج ﺟﻬﻨﻢ ﻟﺘﻨﻬﺎر ﻋﲆ‬ ‫إرميا‪:‬‬ ‫ﻟﺜﻘﺐ أﺳﻮد؟‬ ‫ﻧﻔﺴﻬﺎ وﺗﺘﺤﻮل ٍ‬ ‫ِيب‪ ،‬يَق ُ‬ ‫ُول ال َّر ُّب‪َ ،‬ول َْس ُت إِل ًها ِم ْن بَ ِع ٍيد‪ .‬إِذَا ا ْختَ َبأَ إِنْ َسا ٌن ِف‬ ‫«أَلَ َع ِّل إِل ٌه ِم ْن قَر ٍ‬ ‫ﺑﻌﻘﻞٍ‬ ‫اﻷﺳﺌﻠﺔ ﻏري ﻣﺤﻤﻮد‪ ،‬ﻟﻜﻦ‬ ‫ﺛﻢ‬ ‫ﳌﺎذا َم َو ِ‬ ‫اﳌﻌﻠﻢ يَق ُ‬ ‫ﻣﻦ يَق ُ‬ ‫ُول‬ ‫ﺧﻠﻘﻨﻲواألَ ْر َض‪،‬‬ ‫الس‬ ‫اﻟﻨﻮع أَنَا‪،‬‬ ‫ﻫﺬاَ​َم أَ َرا ُه‬ ‫أن ٍة أَف‬ ‫ﺗﺬﻛﺮتستَ ِ َت‬ ‫ات َ‬ ‫ُول ال َّر ُّب؟ أَ َما أَ ْمألُ أَنَا َّ‬ ‫أَ َماكِ َن ُم ْ‬ ‫وﻳﺤﺎﻛﻢ اﳌﻌﻠﻮﻣﺎت‪ ،‬ﺛﻢ ﻳﻌﺎﻗﺒﻨﻲ ﻋﲆ اﺳﺘﺨﺪام ﻣﺎ ﺧﻠﻘﻪ ﱄ؟‬ ‫ﻳﻄﺮح؟»ﻫﺬه‬ ‫اﻷﺳﺌﻠﺔ‪.)24-23‬‬ ‫(إرميا ‪:23‬‬ ‫ال َّر ُّب‬ ‫ً‬ ‫ﺻﺤﻴﺢ أﻧﻨﻲ ﺳﺄﺣﱰق إﱃ اﻷﺑﺪ ﻟﻜﻨﻬﺎ ﻓﺮﺻ ٌﺔ ﻻ ﺗﻌﻮض أن أﻛﻮن داﺧﻞ‬ ‫‪،‬‬ ‫ﺔ‬ ‫أﺳﺌﻠ‬ ‫ﻛﻔﻰ‬ ‫ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫سليامن‪:‬دون أن أﻣﻮت‪.‬‬ ‫النبيوأرﺻﺪﻫﺎ‬ ‫ﺗﻔﺎﻋﻼت‬ ‫ﻫﻜﺬا‬ ‫كذلك قول ّ‬

‫وﺟﻮد ﻛﺎﻣريا‬ ‫دﺧﻠﺖ ﻧﺎر ﺟﻬﻨﻢ وﺑﺪأ اﻟﻌﺬاب وأﻧﺎ أﴏخ‬ ‫الصالِ ِ‬ ‫ﻻﺣﻈﺖ‪.)3 :15‬‬ ‫ﻟﻜﻨﻲ(أمثال‪:‬‬ ‫وأﺗﻌﺬب‪،‬ح َني‪».‬‬ ‫ِ‬ ‫«ف ك ُِّل َمكَانٍ َع ْي َنا ال َّر ِّب ُم َرا ِق َبتَانِ الطَّالِ ِح َني َو َّ‬ ‫ﰲ أﻋﲆ ﺟﻬﻨﻢ ﺗﺼ ّﻮر ﻋﺬايب وﺗﺒﺜﻪ ﻷﻫﻞ اﻟﺠﻨﺔ ﻟيك ﻳﺘﻤﺘﻌﻮا ﺑﻌﺬايب‪.‬‬ ‫ويف أخبار األيام الثاين‪ ،‬هكذا‪:‬‬ ‫اﳌﺆﻣﻨﻮن اﻟﺬﻳﻦ ﺗﺤﻤﻠﻮا ﻣﻘﺎﻻيت اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ اﻟﻴﻮم ﻳﺴﺘﻄﻴﻌﻮن أن ﻳﺸﻔﻮا ﻏﻠﻴﻠﻬﻢ‪،‬‬ ‫ﻣﻦ‬ ‫ﻫﺎ أﻧﺎ أﺣﱰق وأﺗﻌﺬب وﻫﻢ ﻋﲆ اﻷراﺋﻚ ﻣﺘﻜﺌﻮن‪ ،‬ﻓﺮﺣني مبﺎ أﻋﻄﺎﻫﻢ‬ ‫اﳌﻌﻠﻢ ْح َو ُه‪،‬‬ ‫«ألَ َّن َع ْي َن ِي ال َّر ِّب تَ ُجوالَنِ ِف ك ُِّل األَ ْر ِض لِ َيتَشَ َّد َد َم َع ال َِّذي َن قُلُوبُ ُه ْم كَا ِملَ ٌة نَ‬ ‫ﻓﺎﻛﻬ ٍﺔ ِ ٍ‬ ‫أزواﺟﻬﻦ‬ ‫واﻟﻨﺴﺎء‬ ‫وإﺟﺎص وﻧﺒﻴﺬ‪ ،‬اﻟﺬﻛﻮر ﻳﻀﺎﺟﻌﻮن اﻟﺤﻮرﻳﺎت‬ ‫ﻳﺸﺎﻫﺪن أيام ثاين‪:‬‬ ‫وب‪( ».‬أخبار‬ ‫فَ َق ْد َحمق َ‬ ‫ْت ِف هذَا َحتَّى إِنَّ ُه ِم َن اآل َن تَكُو ُن َعلَ ْي َك ُح ُر ٌ‬ ‫ّﺰﻧﻬﻢ ﻋﲆ اﳌﺰﻳﺪ‪ .‬ﻛﻢ ﻫﻢ ﺳﻌﺪاء؟!‬ ‫وﻳﺤﻔ‪.)9‬‬ ‫‪:16‬‬

‫ﺗﻮﻗﻒ‪،‬‬ ‫وﻳﺘﻀﺎﺟﻌﻮنأندونيصبح له‬ ‫اﻹﺟﺎصمن اإلنسان‬ ‫ﻳﺄﻛﻠﻮنيخىش‬ ‫ﺳﻴﺒﻘﻮن ﻋﲆ اﻷراﺋﻚ ﻣﺘﻜﺌني إﱃ اﻷﺑﺪ‪ ،‬الرب‬ ‫ﴫ ﻫﻨﺎ وذاك ﻟﻪ ٌ‬ ‫ﻫﺬا ﻟﻪ ﻗ ٌ‬ ‫ﻣﻨﺰل ﻫﻨﺎك‪.‬نفس قوة الله الرب‪:‬‬ ‫يخىش الل ُه من آدم أن يأكل من شجرة‬ ‫أﻧﻬﺎي ٌار‬ ‫ﻧﺴﻤﻴﻪإىلﻋﺼ ًريا ﻋﲆ اﻷرض‪،‬‬ ‫ﻳﻮﺟﺪ أﻧﻬﺎ ٌر ﻣﻦ اﻟﻨﺒﻴﺬ اﻟﺬي ﻻ ﻳﺴﻜﺮ أو ﻣﺎ‬ ‫الحياةﻛﻨﺎفيحيا‬ ‫األبد ويصري مساو ً‬ ‫ﻣﻦ اﻟﻌﺼري‪.‬‬ ‫لإلله‪ ،‬كأن اإلله نفسه ال سيطرة له عىل‬ ‫تلك الشجرة‪:‬‬ ‫ﻓﺠﺄ ٌة ﺧﻄﺮت ﰲ ﺑﺎﱄ ﻓﻜﺮة‪ ،‬ﻣﺎ ﻫﻲ اﻟﻐﺎﻳﺔ ﻣﻦ ﺟﻨﺎنٍ ﻟﻠﻤﻀﺎﺟﻌﺔ إﱃ اﻷﺑﺪ؟ ﻛﻴﻒ‬ ‫ﻫﺬا‬ ‫ﺗﻜﻮن ﻫﺬه اﻟﺠﻨﺎن ﻫﻲ اﻟﺠﻮاب ﻋﲆ اﻟﻮﺟﻮد وﻋﻈﻤﺔ اﻟﻜﻮن؟ ﺛﻢ‬ ‫ﺗﺬﻛﺮت َساأن ُن قَ ْد‬ ‫« َوق َ​َال ال َّر ُّب ا ِإلل ُه‪ُ « :‬ه َو ذَا ا ِإلنْ‬ ‫اﻟﻨﻮع ﻣﻦ اﻷﺳﺌﻠﺔ ﻫﻮ اﻟﺬي ﻗﴣ ﻋﲇ‪َ .‬صا َر كَ َو ِ‬ ‫الش‪َ .‬واآل َن‬ ‫اح ٍد ِم َّنا َعا ِرفًا الْ َخ ْ َي َو َّ َّ‬ ‫لَ َعلَّ ُه َ ُي ُّد يَ َد ُه َويَأْ ُخ ُذ ِم ْن شَ َج َر ِة الْ َحيَا ِة‬ ‫‪31‬‬ ‫‪36‬‬

‫ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻋﲆ اﻟﻔﻴﺴﺒﻮك‬


‫نقد كتاب اليهودية (التناخ) جـ ‪:1‬‬ ‫صورة الله يف الكتاب اليهودي‬

‫راهب العلم‬

‫ش ِق َّي‬ ‫أَيْ ًضا َويَأْك ُ​ُل َويَ ْح َيا إِ َل األَبَ ِد»‪ .‬فَأَ ْخ َر َج ُه ال َّر ُّب ا ِإلل ُه ِم ْن َج َّن ِة َع ْدنٍ لِ َي ْع َم َل األَ ْر َض الَّ ِتي أُ ِخ َذ ِم ْن َها‪ .‬فَطَ َر َد ا ِإلنْ َسانَ‪َ ،‬وأَقَا َم َ ْ‬ ‫ِيق شَ َج َر ِة الْ َحيَا ِة‪( ».‬التكوين ‪.)24-22 :3‬‬ ‫ِيب َسيْ ٍف ُمتَ َقل ٍِّب لِ ِح َر َاس ِة طَر ِ‬ ‫َج َّن ِة َع ْدنٍ الْ َك ُروبِي َم‪َ ،‬ولَه َ‬ ‫ونفس األمر يتكرر يف قصة برج بابل وهدم الله له خشية أن يصل البرش إىل مثل قوته‪:‬‬‫اح ًدا َولُ َغ ًة َو ِ‬ ‫« َوكَانَ ِت األَ ْر ُض ُكلُّ َها لِ َسانًا َو ِ‬ ‫شقًا أَنَّ ُه ْم َو َج ُدوا بُ ْق َع ًة ِف أَ ْر ِض ِش ْن َعا َر َو َس َك ُنوا ُه َن َاك‪.‬‬ ‫اح َدةً‪َ .‬و َح َدثَ ِف ا ْرتِ َحالِ ِه ْم َ ْ‬ ‫َوق َ​َال بَ ْع ُض ُه ْم لِبَ ْع ٍض‪َ « :‬هلُ َّم نَ ْص َن ُع لِبْ ًنا َونَشْ وِي ِه شَ يًّا»‪ .‬فَكَا َن لَ ُه ُم الل ْ ُِّب َمكَا َن الْ َح َجرِ‪َ ،‬وكَا َن لَ ُه ُم الْ ُح َم ُر َمكَا َن الطِّنيِ‪َ .‬وقَالُوا‪:‬‬ ‫ِالس َم ِء‪َ .‬ونَ ْص َن ُع ألَنْف ُِس َنا ْاس ًم لِئَالَّ نَتَ َب َّد َد َع َل َو ْج ِه ك ُِّل األَ ْر ِض»‪ .‬فَ َن َز َل ال َّر ُّب لِ َي ْنظُ َر‬ ‫« َهلُ َّم نَ ْ ِب ألَنْف ُِس َنا َم ِدي َن ًة َوبُ ْر ًجا َرأْ ُس ُه ب َّ‬ ‫اح ٌد َولِ َسا ٌن َو ِ‬ ‫الْ َم ِدي َن َة َوال ُ ْ​ْب َج اللَّ َذيْنِ كَا َن بَ ُنو آ َد َم يَ ْب ُنونَ ُه َم‪َ .‬وق َ​َال ال َّر ُّب‪ُ « :‬ه َوذَا شَ ْع ٌب َو ِ‬ ‫اح ٌد لِ َج ِمي ِع ِه ْم‪َ ،‬وهذَا ابْ ِت َدا ُؤ ُه ْم‬ ‫بِالْ َع َملِ ‪َ .‬واآل َن الَ َ ْيتَ ِن ُع َعلَ ْي ِه ْم ك ُُّل َما يَ ْن ُوو َن أَ ْن يَ ْع َملُو ُه‪َ .‬هلُ َّم نَ ْنز ِْل َونُ َبلْب ِْل ُه َن َاك لِ َسانَ ُه ْم َحتَّى الَ يَ ْس َم َع بَ ْع ُض ُه ْم لِ َسا َن‬ ‫بَ ْع ٍض»‪ .‬فَ َب َّد َد ُه ُم ال َّر ُّب ِم ْن ُه َن َاك َع َل َو ْج ِه ك ُِّل األَ ْر ِض‪ ،‬فَ َكفُّوا َع ْن بُ ْن َيانِ الْ َم ِدي َن ِة‪ ،‬لِذلِ َك ُد ِع َي ْاس ُم َها «بَاب َِل» ألَ َّن ال َّر َّب‬ ‫ُه َن َاك بَلْبَ َل لِ َسا َن ك ُِّل األَ ْر ِض‪َ .‬و ِم ْن ُه َن َاك بَ َّد َد ُه ُم ال َّر ُّب َع َل َو ْج ِه ك ُِّل األَ ْر ِض‪( ».‬التكوين ‪.)9-1 :11‬‬ ‫الله يعمل قوس قزح يك ال ينىس عهده مع البرش بعدم‬ ‫تكرار الطوفان مرة أخرى‪:‬‬ ‫«أُ ِقي ُم ِميثَا ِقي َم َع ُك ْم فَالَ يَ ْن َقر ُِض ك ُُّل ِذي َج َس ٍد أَيْ ًضا‬ ‫بِ ِيَا ِه الطُّوفَانِ ‪َ .‬والَ يَكُو ُن أَيْ ًضا طُوفَا ٌن لِيُ ْخر َِب األَ ْر َض‪.‬‬ ‫َوق َ​َال الل ُه‪ِ :‬‬ ‫«هذ ِه َعالَ َم ُة الْ ِميثَاقِ ال َِّذي أَنَا َو ِاض ُع ُه بَ ْي ِني‬ ‫َوبَ ْي َن ُك ْم‪َ ،‬وبَ ْ َي ك ُِّل َذ َو ِ‬ ‫ات األَنْف ُِس الْ َح َّي ِة الَّ ِتي َم َع ُك ْم إِ َل‬ ‫اب فَتَكُو ُن َعالَ َم َة‬ ‫الس َح ِ‬ ‫أَ ْج َيا ِل ال َّد ْهرِ‪َ :‬و َض ْع ُت قَ ْو ِس ِف َّ‬ ‫ش َس َحابًا َع َل‬ ‫ِميثَاق بَ ْي ِني َوبَ ْ َي األَ ْر ِض‪ .‬فَ َيكُو ُن َمتَى أَنْ ُ ْ‬ ‫اب‪ ،‬أَ ِّن أَ ْذكُ ُر ِميثَا ِقي ال َِّذي‬ ‫الس َح ِ‬ ‫األَ ْر ِض‪َ ،‬وتَظْ َه ِر الْ َق ْو ُس ِف َّ‬ ‫بَ ْي ِني َوبَ ْي َن ُك ْم َوبَ ْ َي ك ُِّل نَف ٍْس َح َّي ٍة ِف ك ُِّل َج َس ٍد‪ .‬فَالَ تَكُو ُن‬ ‫ص َها ألَ ْذكُ َر ِميثَاقًا أَبَ ِديًّا بَ ْ َي الل ِه َوبَ ْ َي ك ُِّل‬ ‫الس َح ِ‬ ‫أَيْ ًضا الْ ِم َيا ُه طُوفَانًا لِتُ ْهلِ َك ك َُّل ِذي َج َس ٍد‪ .‬فَ َمتَى كَانَ ِت الْ َق ْو ُس ِف َّ‬ ‫اب‪ ،‬أُبْ ِ ُ‬ ‫نَف ٍْس َح َّي ٍة ِف ك ُِّل َج َس ٍد َع َل األَ ْر ِض»‪َ .‬وق َ​َال الل ُه لِ ُنو ٍح‪ِ :‬‬ ‫«هذ ِه َعالَ َم ُة الْ ِميثَاقِ ال َِّذي أَنَا أَقَ ْمتُ ُه بَ ْي ِني َوبَ ْ َي ك ُِّل ِذي َج َس ٍد َع َل‬ ‫األَ ْر ِض»‪( ».‬التكوين ‪.)17-11 :9‬‬ ‫أولً املفرتض كامل تلك الذات اإللهية املزعومة‪ ،‬فال تحتاج إىل يش ٍء يذكّرها‪ .‬وثان ًيا هذه القصة الخرافية الرتاثية الفلكلورية‬ ‫تحاول تفسري ظاهرة قوس قز ٍح الذي يحدث نتيجة تحليل بخار املاء للضوء إىل عنارصه أي ألوانه السبع‪.‬‬ ‫‪32‬‬


‫نقد كتاب اليهودية (التناخ) جـ ‪:1‬‬ ‫صورة الله يف الكتاب اليهودي‬

‫راهب العلم‬

‫يعقوب يصارع اللهَ متجسدً ا‪ ،‬ويهزم اللهَ !‬ ‫ُ‬ ‫«ث ُ َّم قَا َم ِف تِل َْك اللَّ ْيلَ ِة َوأَ َخ َذ ا ْم َرأَت َ ْي ِه َو َجا ِريَتَ ْي ِه َوأَ ْوالَ َد ُه‬ ‫اض َة يَ ُّب َ‬ ‫وق‪ .‬أَ َخ َذ ُه ْم َوأَ َجا َز ُه ُم الْ َوا ِد َي‪،‬‬ ‫ش َو َع َ َب َم َخ َ‬ ‫األَ َح َد َع َ َ‬ ‫ُوب َو ْح َد ُه‪َ ،‬و َصا َر َع ُه إِنْ َسا ٌن‬ ‫َوأَ َجا َز َما كَا َن لَ ُه‪ .‬فَبَ ِق َي يَ ْعق ُ‬ ‫ض َب ُح َّق‬ ‫َحتَّى طُلُو ِع الْ َف ْجرِ‪َ .‬ول ََّم َرأَى أَنَّ ُه الَ يَق ِْد ُر َعلَ ْي ِه‪َ َ ،‬‬ ‫ُوب ِف ُم َصا َر َع ِت ِه َم َع ُه‪َ .‬وق َ​َال‪:‬‬ ‫فَ ْخ ِذ ِه‪ ،‬فَانْ َخلَ َع ُح ُّق فَ ْخ ِذ يَ ْعق َ‬ ‫«أَطْلِ ْق ِني‪ ،‬ألَنَّ ُه قَ ْد طَلَ َع الْ َف ْج ُر»‪ .‬فَق َ​َال‪« :‬الَ أُطْلِق َُك إِ ْن لَ ْم‬ ‫ُوب»‪ .‬فَق َ​َال‪:‬‬ ‫تُ َبا ِركْ ِني»‪ .‬فَق َ​َال لَ ُه‪َ « :‬ما ْاس ُم َك؟» فَق َ​َال‪« :‬يَ ْعق ُ‬ ‫سائِ َيل‪ ،‬ألَنَّ َك‬ ‫«الَ يُ ْد َعى ْاس ُم َك ِف َما بَ ْع ُد يَ ْعق َ‬ ‫ُوب بَ ْل إِ ْ َ‬ ‫َجا َهدْتَ َم َع الل ِه َوال َّن ِ‬ ‫ُوب َوق َ​َال‪:‬‬ ‫اس َوقَ َد ْرتَ »‪َ .‬و َسأَ َل يَ ْعق ُ‬ ‫ُوب ْاس َم الْ َمكَانِ «فَ ِني ِئ َيل» قَائِ ًل‪« :‬ألَ ِّن نَظَ ْرتُ‬ ‫«أَ ْخ ِ ْب ِن ب ِْاس ِم َك»‪ .‬فَق َ​َال‪« :‬لِ َمذَا ت َْسأَ ُل َعنِ ْاس ِمي؟» َوبَا َركَ ُه ُه َن َاك‪ .‬فَ َد َعا يَ ْعق ُ‬ ‫سائِ َيل‬ ‫شق َْت لَ ُه الشَّ ْم ُس إِ ْذ َع َ َب فَ ُنوئِ َيل َو ُه َو يَ ْخ َم ُع َع َل فَ ْخ ِذ ِه‪ .‬لِذلِ َك الَ يَأْك ُ​ُل بَ ُنو إِ ْ َ‬ ‫الل َه َو ْج ًها لِ َو ْج ٍه‪َ ،‬ونُ ِّج َي ْت نَف ِْس»‪َ .‬وأَ ْ َ‬ ‫ُوب َع َل ِع ْرقِ ال َّن َسا‪( ».‬التكوين ‪.)32-22 :32‬‬ ‫ض َب ُح َّق فَ ْخ ِذ يَ ْعق َ‬ ‫ِع ْر َق ال َّن َسا ال َِّذي َع َل ُح ِّق الْف َِخ ِذ إِ َل هذَا الْ َي ْو ِم‪ ،‬ألَنَّ ُه َ َ‬ ‫ويف سفر امللوك األول تأكي ٌد عىل أن الل َه هو املصارِع‪:‬‬ ‫سائِ َيل يَكُو ُن ْاس ُم َك»‪».‬‬ ‫ش َح َج ًرا‪ِ ،‬ب َع َد ِد أَ ْس َب ِاط بَ ِني يَ ْعق َ‬ ‫ُوب‪ ،‬ال َِّذي كَا َن كَالَ ُم ال َّر ِّب إِلَ ْي ِه قَائِ ًل‪« :‬إِ ْ َ‬ ‫«ث ُ َّم أَ َخ َذ إِيلِ َّيا اث ْ َن ْي َع َ َ‬ ‫(امللوك األول ‪.)31 :18‬‬ ‫وكذلك يف سفر هوشع‪:‬‬ ‫«ف الْ َبطْنِ قَ َب َض ِب َع ِق ِب أَ ِخي ِه‪َ ،‬و ِب ُق َّوتِ ِه َجا َه َد َم َع الل ِه‪َ .‬جا َه َد َم َع الْ َمال َِك َو َغل َ​َب‪ .‬بَ َك َو ْاس َ ْت َح َم ُه‪َ .‬و َج َد ُه ِف بَ ْي ِت إِ َيل َو ُه َن َاك‬ ‫ِ‬ ‫تَ َكلَّ َم َم َع َنا‪َ .‬وال َّر ُّب إِل ُه الْ ُج ُنو ِد يَ ْه َو ُه ْاس ُم ُه‪َ .‬وأَنْ َت فَا ْرج ْع إِ َل إِله َِك‪ .‬اِ ْحف َِظ ال َّر ْح َم َة َوالْ َح َّق‪َ ،‬وانْتَ ِظ ْر إِل َه َك َد ِائًا‪( ».‬هوشع‬ ‫‪.)3-6 :12‬‬ ‫وأك َد علام ُء دينٍ لهم وزنهم مثل البابا شنودة الثالث بطريرك اإلسكندرية والكرازة املرقسية أن املصارع هو الله وبره َن‬ ‫يغي االس َم إال الل ُه وال يبارِك إال الل ُه‪ ،‬وذلك يف كتابه «سنواتٌ مع أسئلة الناس»‪.‬‬ ‫عىل ذلك بعدة أدل ٍة الهوتي ٍة مثل أنه ال ّ‬ ‫وجويس ماير الواعظة الشهرية سم ْع ُت لها برنام ًجا مدبل ًجا عىل قناة الحياة متدح إميان يعقوب لدرجة أن يتجىل له الله‬ ‫ترشيفًا ويصارعه يعقوب ألنه مل يعرف أنه الله‪ ،‬أو ما مضمون ما قالته‪.‬‬ ‫‪33‬‬


‫نقد كتاب اليهودية (التناخ) جـ ‪:1‬‬ ‫صورة الله يف الكتاب اليهودي‬

‫راهب العلم‬

‫هل الله ال يسع علمه كل يشء‪ ،‬بحيث يكون محتا ًجا للنزول والذهاب ليتأكد من معنى ما يسمعه من أصوات؟!‬ ‫ص ِ‬ ‫اخ َها‬ ‫صا َخ َس ُدو َم َو َع ُمو َر َة قَ ْد ك ُ َ​َث‪َ ،‬و َخ ِط َّيتُ ُه ْم قَ ْد َعظُ َم ْت ِج ًّدا‪ .‬أَنْز ُِل َوأَ َرى َه ْل فَ َعلُوا بِالتَّ َم ِم َح َس َب ُ َ‬ ‫« َوق َ​َال ال َّر ُّب‪« :‬إِ َّن ُ َ‬ ‫اآلت إِ َ َّل‪َ ،‬وإِالَّ فَأَ ْعلَ ُم» (التكوين ‪.)20-21 :18‬‬ ‫ِ‬ ‫هل الله ينىس ليتذكّر؟!‬ ‫صا ُخ ُه ْم إِ َل الل ِه ِم ْن‬ ‫ص ُخوا‪ ،‬ف َ​َص ِع َد ُ َ‬ ‫سائِ َيل ِم َن الْ ُع ُبو ِديَّ ِة َو َ َ‬ ‫ص َماتَ ‪َ .‬وت َ َن َّه َد بَ ُنو إِ ْ َ‬ ‫« َو َح َدثَ ِف تِل َْك األَيَّ ِام الْ َك ِث َري ِة أَ َّن َملِ َك ِم ْ َ‬ ‫ُوب‪( ».‬الخروج ‪.)23-24 :2‬‬ ‫أَ ْجلِ الْ ُع ُبو ِديَّ ِة‪ .‬ف َ​َس ِم َع الل ُه أَنِي َن ُه ْم‪ ،‬فَتَ َذكَّ َر الل ُه ِميثَاقَ ُه َم َع إِبْ َرا ِهي َم َوإِ ْس َح َاق َويَ ْعق َ‬ ‫صيُّونَ‪َ ،‬وتَ َذكَّ ْرتُ َع ْه ِدي‪( ».‬الخروج ‪.)5 :6‬‬ ‫سائِ َيل ال َِّذي َن يَ ْستَ ْع ِب ُد ُه ُم الْ ِم ْ ِ‬ ‫« َوأَنَا أَيْ ًضا قَ ْد َس ِم ْع ُت أَنِ َني بَ ِني إِ ْ َ‬ ‫هل الله يحتاج إىل رش اليهود للدم عىل عتبات بيوتهم‪ ،‬ليتمكن من التفريق بني بيوت املرصيني وبني إرسائيل‪ ،‬وإال‬ ‫أهلك بني إرسائيل مع املرصيني الفراعنة؟‬ ‫ص ِ‬ ‫ض ُب ك َُّل ِب ْك ٍر ِف‬ ‫هذ ِه اللَّيْلَ َة‪َ ،‬وأَ ْ ِ‬ ‫«فَ ِإ ِّن أَ ْجتَا ُز ِف أَ ْر ِض ِم ْ َ‬ ‫ص ِم َن ال َّن ِ‬ ‫اس َوالْ َب َهائِ ِم‪َ .‬وأَ ْص َن ُع أَ ْحكَا ًما ِبك ُِّل آلِ َه ِة‬ ‫أَ ْر ِض ِم ْ َ‬ ‫صيِّ َني‪ .‬أَنَا ال َّر ُّب‪َ .‬ويَكُو ُن لَ ُك ُم ال َّد ُم َعالَ َم ًة َع َل الْ ُب ُي ِ‬ ‫وت‬ ‫الْ ِم ْ ِ‬ ‫الَّ ِتي أَنْتُ ْم ِفي َها‪ ،‬فَأَ َرى ال َّد َم َوأَ ْع ُ ُب َع ْن ُك ْم‪ ،‬فَالَ يَكُو ُن َعلَ ْي ُك ْم‬ ‫ص» (الخروج ‪12- :12‬‬ ‫ضبَ ٌة لِلْ َهال َِك ِح َني أَ ْ ِ‬ ‫ض ُب أَ ْر َض ِم ْ َ‬ ‫َْ‬ ‫‪.)13‬‬ ‫«اس َح ُبوا‬ ‫سائِ َيل َوق َ​َال لَ ُه ُم‪ْ :‬‬ ‫«فَ َد َعا ُم َ‬ ‫وس َج ِمي َع شُ ُيو ِخ إِ ْ َ‬ ‫َو ُخذُوا لَ ُك ْم َغ َن ًم ِب َح َس ِب َعشَ ائِ ِركُ ْم َوا ْذبَ ُحوا الْ ِف ْص َح‪َ .‬و ُخذُوا‬ ‫بَاقَ َة زُوفَا َوا ْغ ِم ُسو َها ِف ال َّد ِم ال َِّذي ِف الط َّْس ِت َو ُم ُّسوا‬ ‫الْ َعتَبَ َة الْ ُعلْيَا َوالْق َِائَتَ ْ ِي بِال َّد ِم ال َِّذي ِف الط َّْس ِت‪َ .‬وأَنْتُ ْم الَ‬ ‫الص َبا ِح‪ ،‬فَ ِإ َّن ال َّر َّب‬ ‫يَ ْخ ُر ْج أَ َح ٌد ِم ْن ُك ْم ِم ْن بَ ِ‬ ‫اب بَ ْي ِت ِه َحتَّى َّ‬ ‫صيِّ َني‪ .‬ف َِح َني يَ َرى ال َّد َم َع َل الْ َعتَ َب ِة الْ ُعلْ َيا‬ ‫ض َب الْ ِم ْ ِ‬ ‫يَ ْجتَا ُز لِ َي ْ ِ‬ ‫‪34‬‬


‫نقد كتاب اليهودية (التناخ) جـ ‪:1‬‬ ‫صورة الله يف الكتاب اليهودي‬

‫راهب العلم‬

‫ض َب» (الخروج ‪.)21-23 :12‬‬ ‫َوالْق َِائَتَ ْ ِي يَ ْع ُ ُب ال َّر ُّب َعنِ الْ َب ِ‬ ‫اب َوالَ يَ َد ُع الْ ُم ْهلِ َك يَ ْد ُخ ُل بُ ُيوت َ ُك ْم لِ َي ْ ِ‬ ‫هل الله ينام ليستيقظ؟!‬ ‫«اِ ْستَيْ ِقظْ! لِ َمذَا تَتَ َغ َاف يَا َر ُّب؟ انْتَ ِب ْه! الَ ت َ ْرف ُْض إِ َل األَبَ ِد‪( ».‬مزمور ‪.)23 :44‬‬ ‫َض َب أَ ْع َدا َء ُه إِ َل الْ َو َرا ِء‪َ .‬ج َعلَ ُه ْم َعا ًرا أَبَ ِديًّا‪( ».‬مزمور ‪.)65-66 :78‬‬ ‫«ف َْاستَ ْي َق َظ ال َّر ُّب كَ َنائِ ٍم‪ ،‬كَ َج َّبا ٍر ُم َع ِّي ٍط ِم َن الْ َخ ْمرِ‪ .‬ف َ َ‬ ‫هل قوة الله تضعف لتستيقظ؟‬ ‫«اِ ْستَ ْي ِق ِظي‪ْ ،‬استَ ْي ِق ِظي! الْ َب ِس قُ َّو ًة يَا ِذ َرا َع ال َّر ِّب! ْاستَ ْي ِق ِظي ك َ​َم ِف أَيَّ ِام الْ ِق َد ِم‪ ،‬ك َ​َم ِف األَ ْد َوا ِر الْق َِد َمي ِة‪ .‬أَل َْس ِت أَنْ ِت الْق ِ‬ ‫َاط َع َة‬ ‫َر َه َب‪ ،‬الطَّا ِع َن َة التِّ ِّن َني؟» (إشعياء ‪.)9 :51‬‬ ‫قصة تجسد الله يف شكل رجل‪ ،‬ومعه ملكان يف شكل رجلني‪ ،‬وأنهم تناولوا الطعا َم مع إبراهيم مبا فيهم الله وهو‬ ‫متجسدٌ يف شكلٍ‬ ‫برشي‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫« َوظَ َه َر لَ ُه ال َّر ُّب ِع ْن َد بَلُّوط ِ‬ ‫َات َم ْم َرا َو ُه َو‬ ‫اب الْ َخ ْي َم ِة َوق َْت َح ِّر ال َّن َهارِ‪،‬‬ ‫َجالِ ٌس ِف بَ ِ‬ ‫فَ َرفَ َع َع ْي َن ْي ِه َونَظَ َر َوإِذَا �ثَالَث َ ُة ِر َجال‬ ‫الس ِت ْقبَالِ ِه ْم‬ ‫َوا ِقفُو َن لَ َديْ ِه‪ .‬فَل ََّم نَظَ َر َرك َ​َض ْ‬ ‫اب الْ َخ ْي َم ِة َو َس َج َد إِ َل األَ ْر ِض‪َ ،‬وق َ​َال‪:‬‬ ‫ِم ْن بَ ِ‬ ‫«يَا َس ِّي ُد‪ ،‬إِ ْن كُ ْن ُت قَ ْد َو َجدْتُ نِ ْع َم ًة ِف‬ ‫َع ْي َن ْي َك فَالَ تَتَ َجا َو ْز َع ْب َد َك‪ .‬لِ ُي ْؤ َخ ْذ قَلِ ُيل َما ٍء‬ ‫َواغ ِْسلُوا أَ ْر ُجلَ ُك ْم َواتَّ ِكئُوا تَ ْح َت الشَّ َج َر ِة‪،‬‬ ‫س َة ُخبْزٍ‪ ،‬فَتُ ْس ِن ُدو َن قُلُوبَ ُك ْم ث ُ َّم‬ ‫فَآ ُخ َذ كِ ْ َ‬ ‫تَ ْجتَازُونَ‪ ،‬ألَنَّ ُك ْم قَ ْد َم َر ْرت ُ ْم َع َل َع ْب ِدكُ ْم»‪ .‬فَقَالُوا‪« :‬ه َكذَا تَ ْف َع ُل ك َ​َم ت َ َكلَّ ْم َت»‪.‬‬ ‫اص َن ِعي ُخ ْب َز َملَّ ٍة»‪ .‬ث ُ َّم َرك َ​َض‬ ‫س َع إِبْ َرا ِهي ُم إِ َل الْ َخ ْي َم ِة إِ َل َسا َرةَ‪َ ،‬وق َ​َال‪« :‬أَ ْ ِ‬ ‫س ِعي ِبثَال َِث كَ ْيال ٍَت َد ِقيقًا َس ِميذًا‪ .‬ا ْع ِج ِني َو ْ‬ ‫فَأَ ْ َ‬ ‫س َع لِ َي ْع َملَ ُه‪ .‬ث ُ َّم أَ َخ َذ ُزبْ ًدا َولَ َب ًنا‪َ ،‬والْ ِع ْج َل ال َِّذي َع ِملَ ُه‪َ ،‬و َو َض َع َها‬ ‫إِبْ َرا ِهي ُم إِ َل الْ َب َق ِر َوأَ َخ َذ ِع ْج ًل َر ْخ ًصا َو َج ِّي ًدا َوأَ ْعطَا ُه لِلْ ُغال َِم فَأَ ْ َ‬ ‫قُ َّدا َم ُه ْم‪َ .‬وإِ ْذ كَا َن ُه َو َوا ِقفًا لَ َديْ ِه ْم تَ ْح َت الشَّ َج َر ِة أَكَلُوا‪َ .‬وقَالُوا لَ ُه‪« :‬أَيْ َن َسا َر ُة ا ْم َرأَت َُك؟» فَق َ​َال‪َ « :‬ها ِه َي ِف الْ َخيْ َم ِة»‪.‬‬ ‫‪35‬‬


‫نقد كتاب اليهودية (التناخ) جـ ‪:1‬‬ ‫صورة الله يف الكتاب اليهودي‬

‫راهب العلم‬

‫اب الْ َخ ْي َم ِة َو ُه َو َو َرا َء ُه‪َ .‬وكَا َن‬ ‫فَق َ​َال‪« :‬إِ ِّن أَ ْرج ُع إِلَ ْي َك نَ ْح َو َز َمانِ الْ َح َيا ِة َويَكُو ُن لِ َسا َر َة ا ْم َرأَتِ َك ابْ ٌن»‪َ .‬وكَانَ ْت َسا َر ُة َسا ِم َع ًة ِف بَ ِ‬ ‫إِبْ َرا ِهي ُم َو َسا َر ُة شَ ْي َخ ْ ِي ُمتَ َق ِّد َم ْ ِي ِف األَيَّ ِام‪َ ،‬وق َِد انْ َقطَ َع أَ ْن يَكُو َن لِ َسا َر َة َعا َد ٌة كَال ِّن َسا ِء‪ .‬ف َ​َض ِحك َْت َسا َر ُة ِف بَ ِاط ِن َها قَائِلَ ًة‪:‬‬ ‫«أَبَ ْع َد فَ َن ِائ يَكُو ُن ِل ت َ َن ُّع ٌم‪َ ،‬و َسيِّ ِدي قَ ْد شَ اخَ؟» فَق َ​َال ال َّر ُّب ِإلبْ َرا ِهي َم‪« :‬لِ َمذَا َض ِحك َْت َسا َر ُة قَائِلَ ًة‪ :‬أَفَبِالْ َح ِقي َق ِة أَلِ ُد َوأَنَا قَ ْد‬ ‫ش ٌء؟ ِف الْ ِمي َعا ِد أَ ْرج ُع إِلَ ْي َك نَ ْح َو َز َمانِ الْ َح َيا ِة َويَكُو ُن لِ َسا َر َة ابْ ٌن»‪ .‬فَأَنْ َك َرتْ َسا َر ُة قَائِلَ ًة‪:‬‬ ‫ِش ْخ ُت؟ َه ْل يَ ْستَ ِح ُيل َع َل ال َّر ِّب َ ْ‬ ‫«لَ ْم أَ ْض َح ْك»‪ .‬ألَنَّ َها َخاف َْت‪ .‬فَق َ​َال‪« :‬الَ! بَ ْل َض ِحك ِْت»‪.‬‬ ‫ث ُ َّم قَا َم ال ِّر َج ُال ِم ْن ُه َن َاك َوتَطَلَّ ُعوا نَ ْح َو َس ُدو َم‪َ .‬وكَا َن إِبْ َرا ِهي ُم َم ِاش ًيا َم َع ُه ْم لِ ُيشَ ِّي َع ُه ْم‪ .‬فَق َ​َال ال َّر ُّب‪َ « :‬ه ْل أُ ْخ ِفي َع ْن إِبْ َرا ِهي َم‬ ‫وص بَ ِني ِه َوبَيْتَ ُه ِم ْن بَ ْع ِد ِه‬ ‫َما أَنَا فَا ِعلُ ُه‪َ ،‬وإِبْ َرا ِهي ُم يَكُو ُن أُ َّم ًة كَ ِب َري ًة َوقَ ِويَّ ًة‪َ ،‬ويَتَبَا َر ُك ِب ِه َج ِمي ُع أُ َم ِم األَ ْر ِض؟ ألَ ِّن َع َرفْتُ ُه لِ َ ْ‬ ‫ك يُ ِ َ‬ ‫صا َخ َس ُدو َم َو َع ُمو َر َة‬ ‫ِيق ال َّر ِّب‪ ،‬لِ َي ْع َملُوا ِب ًّرا َو َع ْد ًل‪ ،‬لِ َ ْ‬ ‫أَ ْن يَ ْح َفظُوا طَر َ‬ ‫ك يَأْ ِ َت ال َّر ُّب ِإلبْ َرا ِهي َم بِ َا تَ َكلَّ َم ِب ِه»‪َ .‬وق َ​َال ال َّر ُّب‪« :‬إِ َّن ُ َ‬ ‫ص ِ‬ ‫ص َف ال ِّر َج ُال‬ ‫اخ َها ِ‬ ‫اآلت إِ َ َّل‪َ ،‬وإِ َّال فَأَ ْعلَ ُم»‪َ .‬وانْ َ َ‬ ‫قَ ْد ك ُ َ​َث‪َ ،‬و َخ ِط َّيتُ ُه ْم قَ ْد َعظُ َم ْت ِج ًّدا‪ .‬أَنْز ُِل َوأَ َرى َه ْل فَ َعلُوا بِالتَّ َم ِم َح َس َب ُ َ‬ ‫ِم ْن ُه َن َاك َو َذ َه ُبوا نَ ْح َو َس ُدو َم‪َ ،‬وأَ َّما إِبْ َرا ِهي ُم فَكَا َن لَ ْم يَ َز ْل ق َِائًا أَ َما َم ال َّر ِّب‪.‬‬ ‫فَتَ َق َّد َم إِبْ َرا ِهي ُم َوق َ​َال‪« :‬أَفَتُ ْهلِ ُك الْبَا َّر َم َع األَثِ ِيم؟ َع َس أَ ْن يَكُو َن َخ ْم ُسو َن بَا ًّرا ِف الْ َم ِدي َن ِة‪ .‬أَفَتُ ْهلِ ُك الْ َمكَا َن َوالَ ت َْصف َُح َع ْن ُه‬ ‫يت الْ َبا َّر َم َع األَثِ ِيم‪ ،‬فَ َيكُو ُن الْ َبا ُّر كَاألَثِ ِيم‪َ .‬حاشَ ا‬ ‫ِم ْن أَ ْجلِ الْ َخ ْم ِس َني بَا ًّرا ال َِّذي َن ِفي ِه؟ َحاشَ ا ل َ​َك أَ ْن ت َ ْف َع َل ِمث َْل هذَا األَ ْمرِ‪ ،‬أَ ْن تُ ِ َ‬ ‫ل َ​َك! أَ َديَّا ُن ك ُِّل األَ ْر ِض الَ يَ ْص َن ُع َع ْدلً ؟»» (التكوين ‪.)25-1 :18‬‬

‫‪36‬‬


‫نقد كتاب اليهودية (التناخ) جـ ‪:1‬‬ ‫صورة الله يف الكتاب اليهودي‬

‫راهب العلم‬

‫إىل آخر نقاش إبراهيم مع الله واسرتحامه حتى وصل إىل عرشة أبرا ٍر فقط‪ ،‬ثم نقرأ‪:‬‬ ‫« َو َذ َه َب ال َّر ُّب ِع ْن َد َما فَ َر َغ ِم َن الْ َكال َِم َم َع إِبْ َرا ِهي َم‪َ ،‬و َر َج َع إِبْ َرا ِهي ُم إِ َل َمكَانِ ِه‪( ».‬التكوين ‪.)33 :18‬‬ ‫واآلية ‪ 33‬السابقة هي ختام اإلصحاح ‪ ،18‬ثم نقرأ يف أول آي ٍة من اإلصحاح ‪:19‬‬ ‫الس ِت ْق َبالِه َِم‪َ ،‬و َس َج َد ِب َو ْج ِه ِه إِ َل‬ ‫«فَ َجا َء الْ َمالَكَانِ إِ َل َس ُدو َم َم َسا ًء‪َ ،‬وكَا َن لُو ٌط َجالِ ًسا ِف بَ ِ‬ ‫اب َس ُدو َم‪ .‬فَل ََّم َرآ ُه َم لُو ٌط قَا َم ْ‬ ‫األَ ْر ِض‪( ».‬التكوين ‪.)1 :19‬‬ ‫الرب املالكني ليذهبا إىل ٍ‬ ‫لوط‬ ‫فهنا رحل الله وكان أحد الثالثة‪ ،‬وإمنا ّ‬ ‫تجسد ليقابل إبراهي َم متجي ًدا وترشيفًا له‪ ،‬ثم ترك ُ‬ ‫ومدن سدوم وعامورة‪ .‬ويُخرجوا لوطًا وأهله‪.‬‬ ‫يعقوب اللهَ بشكلٍ‬ ‫مجسم فجٍ واقفًا عىل سلم‪ ،‬وذلك يف منامه مبنطقة (بيت إيل)‪:‬‬ ‫قصة رؤي ِة‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫ُوب ِم ْن ب ِْئِ َسبْعٍ َو َذ َه َب نَ ْح َو َحا َرانَ‪َ .‬و َصا َد َف َمكَانًا‬ ‫«فَ َخ َر َج يَ ْعق ُ‬ ‫َوبَاتَ ُه َن َاك ألَ َّن الشَّ ْم َس كَانَ ْت قَ ْد غَابَ ْت‪َ ،‬وأَ َخ َذ ِم ْن ِح َجا َر ِة‬ ‫الْ َمكَانِ َو َو َض َع ُه تَ ْح َت َرأْ ِس ِه‪ ،‬ف َْاضطَ َج َع ِف ذلِ َك الْ َمكَانِ ‪َ .‬و َرأَى‬ ‫الس َم َء‪َ ،‬و ُه َوذَا‬ ‫ُحل ًْم‪َ ،‬وإِذَا ُسلَّ ٌم َم ْن ُصوبَ ٌة َع َل األَ ْر ِض َو َرأْ ُس َها َ َي ُّس َّ‬ ‫َمالَئِ َك ُة الل ِه َصا ِع َد ٌة َونَا ِزلَ ٌة َعلَ ْي َها‪َ .‬و ُه َوذَا ال َّر ُّب َوا ِق ٌف َعلَ ْي َها‪،‬‬ ‫فَق َ​َال‪« :‬أَنَا ال َّر ُّب إِل ُه إِبْ َرا ِهي َم أَب َِيك َوإِل ُه إِ ْس َح َاق‪ .‬األَ ْر ُض الَّ ِتي أَنْ َت‬ ‫ُم ْضطَ ِج ٌع َعلَ ْي َها أُ ْع ِطي َها ل َ​َك َولِ َن ْسلِ َك‪( ».‬التكوين (‪.)13-10 :28‬‬ ‫يم بَ ْع ُد‬ ‫ُوب‪ .‬الَ يُ ْد َعى ْاس ُم َك ِف َ‬ ‫ُوب أَيْ ًضا ِح َني َجا َء ِم ْن فَ َّدانِ أَ َرا َم َوبَا َركَ ُه‪َ .‬وق َ​َال لَ ُه الل ُه‪ْ :‬‬ ‫«اس ُم َك يَ ْعق ُ‬ ‫« َوظَ َه َر الل ُه لِ َي ْعق َ‬ ‫سائِ َيل»‪َ .‬وق َ​َال لَ ُه الل ُه‪« :‬أَنَا الل ُه الْق َِدي ُر‪ .‬أَ ْثِ ْر َواك ُ ْ​ْث‪ .‬أُ َّم ٌة َو َج َم َع ُة أُ َم ٍم‬ ‫يَ ْعق َ‬ ‫سائِ َيل»‪ .‬فَ َد َعا ْاس َم ُه «إِ ْ َ‬ ‫ُوب‪ ،‬بَ ْل يَكُو ُن ْاس ُم َك إِ ْ َ‬ ‫تَكُو ُن ِم ْن َك‪َ ،‬و ُمل ٌُوك َسيَ ْخ ُر ُجو َن ِم ْن ُصلْب َِك‪َ .‬واألَ ْر ُض الَّ ِتي أَ ْعطَيْ ُت إِبْ َرا ِهي َم َوإِ ْس َح َاق‪ ،‬ل َ​َك أُ ْع ِطي َها‪َ ،‬ولِ َن ْسلِ َك ِم ْن بَ ْع ِد َك أُ ْع ِطي‬ ‫ُوب َع ُمو ًدا ِف الْ َمكَانِ ال َِّذي ِفي ِه ت َ َكلَّ َم َم َع ُه‪َ ،‬ع ُمو ًدا‬ ‫األَ ْر َض»‪ .‬ث ُ َّم َص ِع َد الل ُه َع ْن ُه ِف الْ َمكَانِ ال َِّذي ِفي ِه تَ َكلَّ َم َم َع ُه‪ .‬فَ َن َص َب يَ ْعق ُ‬ ‫ُوب ْاس َم الْ َمكَانِ ال َِّذي ِفي ِه تَ َكلَّ َم الل ُه َم َع ُه «بَ ْي َت إِ َيل»‪».‬‬ ‫ِم ْن َح َجرٍ‪َ ،‬و َسك َ​َب َعلَ ْي ِه َس ِكي ًبا‪َ ،‬و َص َّب َعلَ ْي ِه َزيْتًا‪َ .‬و َد َعا يَ ْعق ُ‬ ‫(التكوين ‪.)15-9 :35‬‬ ‫‪37‬‬


‫نقد كتاب اليهودية (التناخ) جـ ‪:1‬‬ ‫صورة الله يف الكتاب اليهودي‬

‫راهب العلم‬

‫قصة نزول الرب عىل جبل سيناء‪ ،‬ورؤية موىس وهارون ومعهام الشيوخ له ُمجسدً ا له رِجالن تح َتهام ما يشبه العقيق‬ ‫األزرق الشفّاف‪:‬‬ ‫« َويَكُونُوا ُم ْستَ ِع ِّدي َن لِلْ َي ْو ِم الثَّالِ ِث‪ .‬ألَنَّ ُه ِف‬ ‫الْيَ ْو ِم الثَّالِ ِث يَ ْنز ُِل ال َّر ُّب أَ َما َم ِعيُونِ َج ِميعِ‬ ‫الشَّ ْع ِب َع َل َج َبلِ ِسي َنا َء‪َ .‬وتُ ِقي ُم لِلشَّ ْع ِب‬ ‫ُح ُدو ًدا ِم ْن ك ُِّل نَ ِ‬ ‫اح َي ٍة‪ ،‬قَائِ ًل‪ :‬ا ْح َ ِتزُوا ِم ْن أَ ْن‬ ‫ت َْص َع ُدوا إِ َل الْ َج َبلِ أَ ْو تَ َُّسوا طَ َرفَ ُه‪ .‬ك ُُّل َم ْن‬ ‫َ َي ُّس الْ َج َب َل يُ ْقتَ ُل قَتْ ًل‪ .‬الَ تَ َُّس ُه يَ ٌد بَ ْل يُ ْر َج ُم‬ ‫َر ْج ًم أَ ْو يُ ْر َمى َر ْميًا‪ .‬بَهِي َم ًة كَا َن أَ ْم إِنْ َسانًا الَ‬ ‫يش‪ .‬أَ َّما ِع ْن َد َص ْو ِت الْ ُبوقِ فَ ُه ْم يَ ْص َع ُدو َن‬ ‫يَ ِع ُ‬ ‫إِ َل الْ َج َبلِ »‪( ».‬الخروج ‪.)13-11 :19‬‬ ‫وس‪( ».‬الخروج ‪.)20 :19‬‬ ‫وس إِ َل َرأْ ِس الْ َج َبلِ ‪ .‬ف َ​َص ِع َد ُم َ‬ ‫« َونَ َز َل ال َّر ُّب َع َل َج َبلِ ِسي َنا َء‪ ،‬إِ َل َرأْ ِس الْ َج َبلِ ‪َ ،‬و َد َعا الل ُه ُم َ‬ ‫سائِ َيل‪َ ،‬وت َ ْح َت ِر ْجلَ ْي ِه ِش ْب ُه َص ْن َع ٍة ِم َن‬ ‫«ث ُ َّم َص ِع َد ُم َ‬ ‫وس َو َها ُرو ُن َونَا َد ُ‬ ‫اب َوأَبِي ُهو َو َس ْب ُعو َن ِم ْن شُ ُيو ِخ إِ ْ َ‬ ‫سائِ َيل‪َ ،‬و َرأَ ْوا إِل َه إِ ْ َ‬ ‫ش ِ‬ ‫َّاف‪َ ،‬وكَذ ِ‬ ‫يق األَ ْز َرقِ الشَّ ف ِ‬ ‫شبُوا‪».‬‬ ‫الْ َع ِق ِ‬ ‫سائِ َيل‪ .‬فَ َرأَ ْوا الل َه َوأَكَلُوا َو َ ِ‬ ‫َات َّ‬ ‫اف بَ ِني إِ ْ َ‬ ‫الس َم ِء ِف ال َّنقَا َو ِة‪َ .‬ول ِك َّن ُه لَ ْم َ ُي َّد يَ َد ُه إِ َل أَ ْ َ‬ ‫(الخروج ‪.)9-11 :24‬‬ ‫ويزعمون أن سليامن رآه يف الحلم‪:‬‬ ‫«ف ِج ْب ُعو َن تَ َرا َءى ال َّر ُّب لِ ُسلَ ْي َم َن ِف ُحل ٍْم لَ ْي ًل‪َ ،‬وق َ​َال‬ ‫ِ‬ ‫«اسأَ ْل َماذَا أُ ْع ِط َيك»‪( ».‬امللوك األول ‪.)5 :3‬‬ ‫الل ُه‪ْ :‬‬ ‫« َوكَا َن ل ََّم أَكْ َم َل ُسلَيْ َم ُن ِب َنا َء بَيْ ِت ال َّر ِّب َوبَيْ ِت الْ َملِ ِك‬ ‫س أَ ْن يَ ْع َم َل‪ ،‬أَ َّن ال َّر َّب‬ ‫َوك َُّل َم ْرغ ِ‬ ‫ُوب ُسلَ ْي َم َن ال َِّذي ُ َّ‬ ‫تَ َرا َءى لِ ُسلَ ْي َم َن ث َانِ َي ًة ك َ​َم ت َ َرا َءى لَ ُه ِف ِج ْب ُعونَ‪».‬‬ ‫(امللوك األول ‪.)1-2 :9‬‬ ‫‪38‬‬


‫نقد كتاب اليهودية (التناخ) جـ ‪:1‬‬ ‫صورة الله يف الكتاب اليهودي‬

‫راهب العلم‬

‫عرش مام ّ‬ ‫دل عىل أنه له جسدٌ بحت‪ ،‬وتناىف مع التنزيه‪،‬‬ ‫جالسا عىل ٍ‬ ‫النبي إشعياء لله بشكله‬ ‫الحقيقي ً‬ ‫ّ‬ ‫قصة رؤية ّ‬ ‫وحوله املالئكة الخدَّ ام ميلؤون الهيكل ولهم أجنحة‪:‬‬ ‫الس ِّي َد َجالِ ًسا َع َل‬ ‫ِ‬ ‫«ف َس َن ِة َوفَا ِة ُع ِّزيَّا الْ َملِ ِك‪َ ،‬رأَيْ ُت َّ‬ ‫السا ِفي ُم‬ ‫س َعال َو ُم ْرت َ ِفعٍ‪َ ،‬وأَ ْذيَالُ ُه تَ ْألُ الْ َه ْيك َ​َل‪َ َّ .‬‬ ‫كُ ْر ِ ٍّ‬ ‫َوا ِقفُو َن فَ ْوقَ ُه‪ ،‬لِك ُِّل َو ِ‬ ‫اح ٍد ِستَّ ُة أَ ْج ِن َح ٍة‪ ،‬بِاث ْ َن ْ ِي يُ َغطِّي‬ ‫َو ْج َه ُه‪َ ،‬وبِاث ْ َن ْ ِي يُ َغطِّي ِر ْجلَ ْي ِه‪َ ،‬وبَاث ْ َن ْ ِي يَ ِط ُري‪َ .‬وهذَا‬ ‫وس َر ُّب‬ ‫وس‪ ،‬قُ ُّد ٌ‬ ‫وس‪ ،‬قُ ُّد ٌ‬ ‫نَا َدى ذ َ​َاك َوق َ​َال‪« :‬قُ ُّد ٌ‬ ‫الْ ُج ُنو ِد‪َ .‬م ْج ُد ُه ِم ْل ُء ك ُِّل األَ ْر ِض»‪( ».‬أشعياء ‪.)1-3 :6‬‬ ‫يقول إشعياء يف هذا املوقف كام تزعم األسطورة‬ ‫أو يزعم هو‪:‬‬ ‫ِس الشَّ َفتَ ْيِ‪َ ،‬وأَنَا َساكِ ٌن بَ ْ َي شَ ْع ٍب نَج ِ​ِس الشَّ َفتَ ْيِ‪ ،‬ألَ َّن َع ْي َن َّي قَ ْد َرأَت َا الْ َملِ َك‬ ‫«فَ ُقل ُْت‪َ « :‬ويْ ٌل ِل! إِ ِّن َهلَك ُْت‪ ،‬ألَ ِّن إِنْ َسا ٌن نَج ُ‬ ‫َر َّب الْ ُج ُنو ِد»‪( ».‬إشعياء ‪.)5 :6‬‬ ‫جالسا عىل شبه عرش‬ ‫ويزعم حزقيال أنه رأى اللهَ وله جسدٌ وحقوانِ (والحقو‪ :‬هو منطقة أعىل عظمة الفخذ) ً‬ ‫َت أَ ْر َخ ْت أَ ْج ِن َحتَ َها‪َ .‬وفَ ْو َق الْ ُم َق َّب ِب ال َِّذي َع َل ُر ُؤ ِ‬ ‫«فَكَا َن َص ْوتٌ ِم ْن فَ ْوقِ الْ ُم َق َّب ِب ال َِّذي َع َل ُر ُؤ ِ‬ ‫وس َها ِش ْب ُه‬ ‫وس َها‪ .‬إِذَا َوقَف ْ‬ ‫يق األَ ْز َرقِ ‪َ ،‬و َع َل ِش ْب ِه الْ َع ْر ِش ِش ْب ٌه كَ َم ْنظَ ِر إِنْ َسانٍ َعلَ ْي ِه ِم ْن فَ ْو ُق‪َ .‬و َرأَيْ ُت ِمث َْل َم ْنظَ ِر ال ُّن َح ِ‬ ‫َع ْر ٍش كَ َم ْنظَ ِر َح َج ِر الْ َع ِق ِ‬ ‫اس الالَّ ِمعِ‬ ‫كَ َم ْنظَ ِر نَا ٍر َد ِ‬ ‫اخلَ ُه ِم ْن َح ْولِ ِه‪ِ ،‬م ْن َم ْنظَ ِر َح ْق َويْ ِه إِ َل فَ ْو ُق‪َ ،‬و ِم ْن َم ْنظَ ِر َح ْق َويْ ِه إِ َل تَ ْح ُت‪َ ،‬رأَيْ ُت ِمث َْل َم ْنظَ ِر نَا ٍر َولَ َها لَ َم َعا ٌن‬ ‫اب يَ ْو َم َمطَرٍ‪ ،‬ه َكذَا َم ْنظَ ُر اللَّ َم َعانِ ِم ْن َح ْولِ ِه‪ .‬هذَا َم ْنظَ ُر ِش ْب ِه َم ْج ِد ال َّر ِّب‪َ .‬ول ََّم‬ ‫الس َح ِ‬ ‫ِم ْن َح ْولِ َها‪ .‬كَ َم ْنظَ ِر الْ َق ْو ِس الَّ ِتي ِف َّ‬ ‫َرأَيْتُ ُه َخ َر ْرتُ َع َل َو ْجهِي‪َ ،‬و َس ِم ْع ُت َص ْوتَ ُمتَ َكل ٍِّم‪( ».‬حزقيال ‪.)25-28 :1‬‬ ‫ويزعم أنه مر ًة أخرى شاهد املالئكة خدام‬ ‫األسطوري‬ ‫العرش حامليه ذوي الشكل الحيواين‬ ‫ّ‬ ‫املذكور يف اإلصحاح األول من السفر بأن لهم‬ ‫أربعة وجوه‪ ،‬كل وج ٍه يف اتجاه‪ ،‬وجه ٍ‬ ‫رس‬ ‫أسد ون ٍ‬ ‫وثو ٍر وإنسان‪ ،‬يستطيعون السري يف أي اتجاه‪،‬‬ ‫أرواحهم معلق ٌة ببكر ٍ‬ ‫ات تتبعهم‪ ،‬فيقول هنا‪:‬‬ ‫‪39‬‬


‫نقد كتاب اليهودية (التناخ) جـ ‪:1‬‬ ‫صورة الله يف الكتاب اليهودي‬

‫راهب العلم‬

‫سائِ َيل ِع ْن َد نَ ْه ِر َخابُو َر‪َ .‬و َعلِ ْم ُت أَنَّ َها ِه َي الْ َك ُروبِي ُم‪( ».‬حزقيال ‪.)20 :10‬‬ ‫«هذَا ُه َو الْ َحيَ َوا ُن ال َِّذي َرأَيْتُ ُه ت َ ْح َت إِل ِه إِ ْ َ‬ ‫داخل الهيكل‪:‬‬ ‫ويقول إنه شاهد الل َه أو مج َد الله َ‬ ‫الشقِ َو َص ْوت ُ ُه ك َ​َص ْو ِت ِم َيا ٍه‬ ‫اب‪ ،‬الْ َب ِ‬ ‫«ث ُ َّم َذ َه َب ِب إِ َل الْ َب ِ‬ ‫سائِ َيل َجا َء ِم ْن طَر ِ‬ ‫ِيق َّ ْ‬ ‫الشقِ ‪َ .‬وإِذَا بِ َ ْج ِد إِل ِه إِ ْ َ‬ ‫اب الْ ُمتَّ ِج ِه نَ ْح َو َّ ْ‬ ‫كَ ِث َري ٍة‪َ ،‬واألَ ْر ُض أَ َضا َءتْ ِم ْن َم ْج ِد ِه‪َ .‬والْ َم ْنظَ ُر كَالْ َم ْنظَ ِر ال َِّذي َرأَيْتُ ُه ل ََّم ِجئْ ُت ألُ ْخر َِب الْ َم ِدي َن َة‪َ ،‬والْ َم َن ِاظ ُر كَالْ َم ْنظَ ِر ال َِّذي َرأَيْ ُت‬ ‫الشقِ » (حزقيال‪.)4-1 :43‬‬ ‫ِيق الْ َب ِ‬ ‫ِع ْن َد نَ ْه ِر َخابُو َر‪ ،‬فَ َخ َر ْرتُ َع َل َو ْجهِي‪ .‬فَ َجا َء َم ْج ُد ال َّر ِّب إِ َل الْ َب ْي ِت ِم ْن طَر ِ‬ ‫اب الْ ُمتَّ ِج ِه نَ ْح َو َّ ْ‬ ‫الرب‪:‬‬ ‫ثم أم َره ُ‬ ‫اب يَكُو ُن ُم ْغلَقًا‪،‬‬ ‫ِيق بَ ِ‬ ‫«ث ُ َّم أَ ْر َج َع ِني إِ َل طَر ِ‬ ‫اب الْ َمق ِْد ِس الْ َخا ِرج ِِّي الْ ُمتَّ ِج ِه لِلْ َم ْ ِ‬ ‫شقِ ‪َ ،‬و ُه َو ُم ْغل ٌَق‪ .‬فَق َ​َال ِ َل ال َّر ُّب‪« :‬هذَا الْبَ ُ‬ ‫سائِ َيل َد َخ َل ِم ْن ُه فَ َيكُو ُن ُم ْغلَقًا» (حزقيال ‪.)1-2 :44‬‬ ‫الَ يُ ْفتَ ُح َوالَ يَ ْد ُخ ُل ِم ْن ُه إِنْ َسانٌ‪ ،‬ألَ َّن ال َّر َّب إِل َه إِ ْ َ‬ ‫ومام قال له عن الهيكل‪:‬‬ ‫سائِ َيل إِ َل األَبَ ِد‪َ ،‬والَ يُ َن ِّج ُس‬ ‫« َوق َ​َال ِل‪« :‬يَا ابْ َن آ َد َم‪ ،‬هذَا َمكَا ُن كُ ْر ِسيِّي َو َمكَا ُن بَ ِاطنِ قَ َد َم َّي َحيْثُ أَ ْس ُك ُن ِف َو ْس ِط بَ ِني إِ ْ َ‬ ‫وس‪ ،‬الَ ُه ْم َوالَ ُملُوكُ ُه ْم‪ ،‬الَ ِب ِزنَا ُه ْم َوالَ ِب ُجث َِث ُملُوكِ ِه ْم ِف ُم ْرت َ َف َعاتِ ِه ْم» (حزقيال ‪.)7 :43‬‬ ‫سائِ َيل ْاس ِمي الْ ُق ُّد َ‬ ‫بَ ْع ُد بَ ْي ُت إِ ْ َ‬ ‫فدل القول املنسوب إىل الرب عىل وجود قدمني له!‬ ‫النقي‬ ‫لباس يلبسه‪ ،‬وله شعر ٍ‬ ‫النبي دانيآل أنه رأى اللهَ له ٌ‬ ‫رأس كالصوف ّ‬ ‫ويزعم ُّ‬

‫‪40‬‬


‫نقد كتاب اليهودية (التناخ) جـ ‪:1‬‬ ‫صورة الله يف الكتاب اليهودي‬

‫راهب العلم‬

‫َالص ِ‬ ‫ِيب نَارٍ‪،‬‬ ‫«كُ ْن ُت أَ َرى أَنَّ ُه ُو ِض َع ْت ُع ُر ٌ‬ ‫وش‪َ ،‬و َجل َ​َس الْق َِدي ُم األَيَّ ِام‪ .‬لِ َب ُاس ُه أَبْ َي ُض كَالثَّلْ ِج‪َ ،‬وشَ ْع ُر َرأْ ِس ِه ك ُّ‬ ‫وف ال َّن ِق ِّي‪َ ،‬و َع ْرشُ ُه لَه ُ‬ ‫ُوف ت َ ْخ ِد ُم ُه‪َ ،‬و َربَ َواتُ َربَ َو ٍ‬ ‫ُوف أُل ٍ‬ ‫ات ُوق ٌ‬ ‫َوبَ َك َرات ُ ُه نَا ٌر ُمتَّ ِق َدةٌ‪ .‬نَ ْه ُر نَا ٍر َج َرى َو َخ َر َج ِم ْن قُ َّدا ِم ِه‪ .‬أُل ُ‬ ‫ُوف قُ َّدا َم ُه‪ .‬فَ َجل َ​َس ال ِّدي ُن‪،‬‬ ‫َوفُ ِت َح ِت األَ ْسفَا ُر» (دانيآل‪.)9-10 :7‬‬ ‫ويزعم عاموس أنه رآه واقفًا عىل املذبح‪:‬‬ ‫َس َها َع َل ُر ُؤ ِ‬ ‫وس َج ِمي ِع ِه ْم‪ ،‬فَأَقْتُ َل‬ ‫الس ِّي َد ق َِائًا َع َل الْ َم ْذبَ ِح‪ ،‬فَق َ​َال‪« :‬اِ ْ ِ‬ ‫« َرأَيْ ُت َّ‬ ‫ض ْب ت َ​َاج الْ َع ُمو ِد َحتَّى تَ ْر ُج َف األَ ْعتَ ُ‬ ‫اب‪َ ،‬وك ِّ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِالس ْي ِف‪ .‬الَ يَ ْه ُر ُب ِم ْن ُه ْم َهار ٌِب َوالَ يُ ْفلِ ُت ِم ْن ُه ْم نَا ٍج‪( ».‬عاموس‪.)1 :9‬‬ ‫آخ َر ُه ْم ب َّ‬ ‫نستكمل الجزء الثاين من باب «صورة الله يف الكتاب اليهودي» يف العدد املقبل‪.‬‬ ‫قام الكاتب بوضع التنويه اآليت يف بداية الكتاب‪ ،‬ونورده من باب األمانة‪ ،‬رغم عدم انطباق بعض محتواه عىل ما أنتجناه‬ ‫هنا‪:‬‬ ‫كل ِم َن الباب الثالث (األخطاء العلمية) يف موضوع دم‬ ‫يحتوي هذا الكتاب عىل بعض املواد التي ال تصلح لألطفال‪ ،‬وهي للكبار فقط‪ .‬وذلك تحدي ًدا يف ٍّ‬ ‫العذرية‪ ،‬وموضوع املثلية الجنسية‪ ،‬وغريهام من مواضيع‪ .‬وكذلك يف الباب الثاين (احتالل أرايض الشعوب وإبادتهم بدعوى أن ذلك بأمر الرب) الحتوائه‬ ‫عىل ٍ‬ ‫عنف ومذابح وسبي‪ .‬وكذلك كل الباب السابع عرش (بذاءات الكتاب اليهودي)‪ .‬ويف الباب الحادي عرش (األنبياء وأخالقهم السيئة يف الكتاب اليهودي)‪:‬‬ ‫موضوع زنا داود مع زوجة أوريَّا ِ‬ ‫يك مرص ثم جرار‪ ،‬ويهوذا ورسية‬ ‫אּוריָ ה ַה ִח ִתי‪ ،‬وقصة إبراهيم وزوجته مع ملك مرص‪ ،‬ويعقوب وزوجته مع َمل ّ‬ ‫ثي ִ‬ ‫الح ّ‬ ‫ابني داود‪ ،‬وهوشع والرمز بزوج ِت ِه وغريهم من مواضيع‪ .‬ويف الباب الثامن عرش (ما أخذته اليهودية من األديان‬ ‫أبيه يعقوب‪ ،‬ولوط وابنتيه‪ ،‬وأمنون وثامار ّ‬ ‫األخرى الرشقية) الحتوائه نصوص أديانٍ بدائية‪ .‬ويف الباب الرابع (ترشيعاتٌ ظامل ٌة غري عادلة‪ ،‬عدم عدالة‪ ،‬غرائب‪ ،‬ترشيعاتٌ متخلفة‪ ،‬ترشيعاتٌ شاذة‪،‬‬ ‫أشياء شاذة) عدة مواضيع للبالغني فقط‪ُ .‬فيجى إعدا ُد نسخ ٍة ُم َع َّدل ٍة مناسب ٍة لألطفال‪ ،‬أبناء الالدينيني وامللحدين‪.‬‬ ‫حقوق النرش باللغة العربية لكل املواقع ودور النرش اإللحادية برشط ذكر املصدر واسم املؤلف املستعار‪ .‬نرجو كتابة وطباعة ونرش البحث بصيغة العربية‬ ‫التقليدية ‪)Traditional Arabic(.‬‬ ‫حقوق الرتجمة إىل اللغتني اإلنجليزية والفرنسية محفوظ ٌة للمؤلف فقط‬

‫‪All rights of the English and French versions are reserved.‬‬ ‫‪“Criticism of The Old testament” by Raheb al3elm‬‬ ‫‪You can publish it on the internet.‬‬ ‫‪No rights on this book. We encourage translating it to all languages of humanity. You can publish it as a book and sell it with‬‬ ‫‪profits but on the internet is free. Refer to the author and the source.‬‬ ‫إن هذه النسخة من الكتاب معد ٌة لتكون بصيغة ‪ Word‬فقط‪ ،‬ومحاولة تحويلها إىل صيغة صفحة إنرتنت من شأنه التسبب يف عرشات األغالط واملشاكل‬ ‫الطباعية الخطرية وضياع بعض الفقرات‪.‬‬

‫‪41‬‬


42


‫أور الكلدانيني ليست يف‬ ‫العراق جـ ‪2‬‬ ‫نستكمل يف هذا الجزء الثاين واألخري من‬ ‫املقال حيث ننهي نقاش نصوص التوراة‬ ‫التي تبحث فيام لو كان إبراهيم قد‬ ‫خرج من أور الكلدانيني‪ ،‬وقد أوردنا‬ ‫يف العدد املايض من مجلة امللحدين‬ ‫العرب (العدد ‪ )83‬مثاين ٍ‬ ‫نقاط بهذا‬ ‫الصدد‪ ،‬نكملها يف هذا العدد‪.‬‬

‫موفق نيسكو‬ ‫‪43‬‬


‫أور الكلدانيني ليست يف العراق جـ ‪2‬‬ ‫موفق نيسكو‬

‫‪ -9‬ال يوجد أي تفصيل وال قرينة وال أية إشارة وال دليل ال كتايب وال تاريخي يف كل قصة إبراهيم تدل عىل وجوده يف‬ ‫العراق‪ ،‬أو أية إشارة لتلك الرحلة الشاقة والطويلة‪ ،‬بينام كل األحداث املتعلقة بإبراهيم ويف كل خطوة من خطواته‬ ‫وبالتفصيل ترتبط بالرها وحاران وآرام نهرين وناحور‪ ،‬وبعدها يف كنعان‪ ،‬وليس بأور العراق‪.‬‬ ‫‪ -10‬إن األماكن واملقامات عىل اسم إبراهيم ومنرود‬ ‫قياسا بالرها وحاران يف‬ ‫يف العراق قليلة ومحدودة ً‬ ‫الشامل‪ ،‬ومل يُسجل لنا التاريخ شيئًا يُذكر عن اليهود‬ ‫املسبيني الذين عاشوا يف العراق منذ القرن السابع‬ ‫قبل امليالد وبلغ عددهم أكرث من نصف مليون حينها‬ ‫أنهم ق َّدسوا أور النارصية مسقط رأس أبيهم أو أقاموا‬ ‫كنيس أو مزار قربه‪ ،‬أو قاموا بزيارات للمكان‪ ،‬بل إن‬ ‫املقامات يف العراق عىل أسم إبراهيم وبعد ‪ 2500‬سنة‬ ‫من وجود إبراهيم هي للمسلمني‪ ،‬ومقامات إبراهيم‬ ‫ومنرود يف العراق موجودة قرب الكوفة وكربالء والحلة‬ ‫وكويث‪ ،‬بعي ًدا عن مدينة أور السومرية أو األكدية‪،‬‬ ‫ارتحال إبراهيم بريشة مولنار‬ ‫وأغلب املسلمون يقولون إن إبراهيم ولد يف كويث‬ ‫شامل الحلة‪ ،‬وبعضهم أشار إىل أن حاران هي مكان مولده‪ ،‬وقسم ذكر أنه ولد بحاران ثم انتقل إىل بابل‪ ،‬وبعضهم ذكر‬ ‫أن سارة زوجة هي ابنة ملك حاران‪ ،‬ولغته رسيانية‪ ،‬كام ذكرنا‪.‬‬ ‫أيضا‪ ،‬رسيانيًا)‪،‬‬ ‫‪ -11‬تؤكد التوراة أن إبراهيم كان آرام ًيا‪ ،‬سفر الثنية (‪( ،)5 :26‬يف الرتجمة السبعينية ‪ 280‬ق‪.‬م‪ .‬والالتينية ً‬ ‫وكل عشريته هم آراميني‪ :‬كان بنو يعقوب اثني عرش‪ ،‬بنو ليئة‪ ،‬راوبني بكر يعقوب‪ ،‬وشمعون والوي ويهوذا ويساكر‬ ‫وزبولون‪ ،‬وابنا راحيل‪ ،‬يوسف وبنيامني‪ ،‬وابنا بلهة جارية راحيل‪ ،‬دان ونفتايل‪ ،‬وابنا زلفة جارية ليئة‪ ،‬جاد واشري‪ ،‬هؤالء‬ ‫بنو يعقوب الذين ولدوا له يف فدان آرام‪( .‬تكوين ‪ ،)23-26 :35‬وأوىص إبراهيم أن يتزوج ابنه إسحق من بنت آرامية من‬ ‫وفعل تزوج إسحق رفقة‬ ‫عشريته يف حاران‪ :‬إىل أريض وإىل عشرييت تذهب وتأخذ زوجة البني إسحق (التكوين ‪ً ،)4 :24‬‬ ‫ابنة بتوئيل اآلرامي‪ :‬وكان إسحق ابن أربعني سنة ملا اتخذ لنفسه زوجة رفقة بنت بتوئيل اآلرامي أخت البان اآلرامي‬ ‫من فدان آرام‪( .‬التكوين ‪ ،)20 :25‬وبتوئيل هو أخو كاسد بن ناحور (التكوين ‪ ،)23–21 :22‬أي بتوئيل هو ابن أخي‬ ‫إبراهيم‪ ،‬ثم تزوج يعقوب راحيل وليئة ابنتي البان اآلرامي ابن بتوئيل اآلرامي‪ :‬فرصف إسحق يعقوب فذهب إىل فدان‬ ‫آرام إىل البان بن بتوئيل اآلرامي أخي رفقة أُم يعقوب وعيسو‪( .‬التكوين ‪.)5 :28‬‬ ‫‪44‬‬


‫أور الكلدانيني ليست يف العراق جـ ‪2‬‬ ‫موفق نيسكو‬

‫‪ -12‬جميع أسامء املناطق الواردة يف سفر (التكوين ‪ ،)10-11 :10‬وغريه‪ ،‬مثل هاران (حاران)‪ ،‬أرفكشاد‪ ،‬رسوج‪ ،‬ناحور‪،‬‬ ‫آرام نهرين‪ ،‬فدان آرام‪ ،‬إرك‪ ،‬أكد‪ ،‬كلنة‪ ،‬نينوى‪ ،‬رحوبوت عري‪ ،‬كالح‪ ،‬سهل شنعار‪ ،‬رسن‪ ،‬الرشقاط‪ ،‬تقع يف املنطقة‬ ‫الشاملية (العراق‪ ،‬سوريا‪ ،‬تركيا‪ ،‬أرمينيا‪ ،‬إيران)‪ ،‬وهي مطابقة ألسامء إبراهيم وأبيه وإخوته وأجداده‪ ،‬وهناك من يرى‬ ‫أن اسم الكاسديني‪ ،‬أو الكاشديني هو نسبة ألرفكشاد بن سام (التكوين ‪ ،)24–22 :10‬وسوا ًء كان اسم الكاسديني هو‬ ‫نسب ًة لكاسد أو ألرفكشاد بن سام‪ ،‬فهم ليسوا الكلدان‪ ،‬ومنطقتهم ليست يف أور السومريني أو األكديني جنوب العراق‪،‬‬ ‫قسم من املناطق القريبة من نهر الزاب‬ ‫فاسم أرفكشاد (اربكشد) يرد ً‬ ‫أيضا يف منطقة شامل العراق ويظن البعض أن ً‬ ‫شاميل رشقي نينوى ُس ِّميت باسم أرفكشاد‪ ،‬وورد االسم يف املدونات اآلشورية بصيغة «أرباخا»‪ ،‬ويُظن أن أرباخا هي‬ ‫مدينة كركوك الحالية‪ ،‬وورد اسم أرفكشاد ألحد ملوك مادي التي كانت عاصمتها مدينة أ ْح َمتا (سفر يهودت ‪،)1 :1‬‬ ‫وسمَّ ها اليونان أكبتا‪ ،‬وهي اليوم مدينة همدان اإليرانية‪.‬‬ ‫وأ ْح َمتا اسم آرامي‪ ،‬واالسم الفاريس القديم لها هو (هجمتانا)‪َ ،‬‬ ‫وناحور أبو كاسد‪ ،‬أخو إبراهيم بن تارح‪ ،‬وتزوج من ِملْكة بنت هاران وأقام يف مدينة ناحور يف آرام النهرين (حاران)‪،‬‬ ‫وأنجب من ملكة مثانية أبناء هم‪ ،‬عوص‪ ،‬بوزا‪ ،‬قموئيل‪ ،‬كاسد‪ ،‬حزو‪ ،‬فلداش‪ ،‬يدالف‪ ،‬بتوئيل‪ ،‬وأصبح هؤالء الثامنية‬ ‫أجداد القبائل اآلرامية‪ ،‬فناحور صار بواسطة نسائه ج ٌّد الثنتي عرشة قبيلة أو مستوطنة آرامية‪ ،‬مثان منها تنحدر من‬ ‫زوجته ِملْكة‪ ،‬وأربع من رسيته رؤومة‪ ،‬ويف النصوص املسامرية املتأخرة نجد اسم ناحور كاسم شخص (ناحريي‪ ،‬ناحور)‬ ‫وكاسم مكان (نحور‪ ،‬تل نحريي)‪ ،‬وهي مدينة يف منطقة حاران عىل الضفة اليمنى لنهر خابور‪ ،‬اتخذت أهمية يف األلف‬ ‫الثاين قبل امليالد‪ ،‬وذُكرت يف اللوحات الكبدوكية يف القرن التاسع عرش قبل امليالد‪ ،‬وقامت يف املنطقة قبائل آرامية‬ ‫(‪)1‬‬ ‫تذكرهم التوراة‪.‬‬ ‫‪ -13‬إن إبراهيم هو ابن تارح بن ناحور بن رسوج‬ ‫بن رعو بن فالج‪ ..‬أرفكشاد‪ ،‬وجميع أسامء إبراهيم‬ ‫وآبائهليستبابلية‪،‬بلسامية‪،‬وحسبسفرالتكوين‬ ‫(‪ :)32-18 :11‬عاش فالج ثالثني سنة وولد رعو‪،‬‬ ‫وعاش فالج بعد رعو مئتني وتسع سنني‪ ،‬وعاش‬ ‫رعو اثنتني وثالثني سنة وولد رسوج‪ ،‬وعاش رعو‬ ‫بعد رسوج مئتني وسبع سنني‪ ،‬وعاش رسوج ثالثني‬ ‫سنة وولد ناحور‪ ،‬وعاش رسوج بعد ناحور مئتي‬ ‫سنة‪ ،‬وعاش ناحور تس ًعا وعرشين سنة وولد تارح‪ ،‬وعاش ناحور بعد تارح مئة وتسع عرشة سنة‪ ،‬وعاش تارح سبعني‬ ‫سنة‪ ،‬وولد أبرام (إبراهيم) وناحور وهاران‪ ،‬وكانت أيام تارح مئتني وخمس سنني‪ ،‬ومات تارح يف حاران‪ ،‬ومات هاران‬ ‫قبل تارح أبيه يف أرض ميالده يف أور الكلدانيني‪ ،‬وكانت أيام تارح مئتني وخمس سنني‪ ،‬ومات تارح يف مدينة حاران‪.‬‬ ‫‪ -1‬بولس الفغايل‪ ،‬املحيط الجامع يف الكتاب املقدس والرشق القديم‪ ،‬ص‪ .1287 ،128‬وقاموس الكتاب املقدس‪ ،‬ص‪.51‬‬

‫‪45‬‬


‫أور الكلدانيني ليست يف العراق جـ ‪2‬‬ ‫موفق نيسكو‬

‫لذلك فأجداد إبراهيم (فالج‪ ،‬رعو‪ ،‬رسوج‪ ،‬ناحور‪ ،‬تارح) إىل مولد إبراهيم كانوا أحياء‪ ،‬فمن فالج إىل مولد إبراهيم ‪191‬‬ ‫سنة‪ ،‬وحسب التكوين فإن فالج الجد الرابع إلبراهيم تويف وعمر إبراهيم ‪ 48‬سنة‪ ،‬ورعو الجد الثالث تويف وعمر إبراهيم‬ ‫‪ 78‬سنة‪ ،‬ورسوج الجد الثاين تويف وعمر إبراهيم ‪ 101‬سنة‪ ،‬وناحور جد إبراهيم تويف وعمر إبراهيم ‪ 49‬سنة‪ ،‬وتارح أبو‬ ‫إبراهيم تويف وعمر إبراهيم ‪ 135‬سنة‪.‬‬ ‫فهل ترك تارح وأبنه إبراهيم أجدادهم فالج ورسوج ورعو وناحور يف أور الكلدانيني (يف العراق) إىل جانب قرب هاران‬ ‫(حاران) أخو إبراهيم؟ وكيف اسم مدن كحاران وناحور ورسوج عىل اسم إخوة وأجداد إبراهيم يف شامل بالد الرافدين؟‬ ‫شامل‬ ‫وملاذا مل يتجه إبراهيم مبارش ًة من أور العراق إىل كنعان أرض العسل واللنب والهدف املنشود واألقرب‪ ،‬بل ذهب ً‬ ‫علم عندما رحل إبراهيم من حاران إىل كنعان كان عمره ‪ 75‬سنة (تكوين ‪ ،)4 :12‬وكان أبيه تارح ح ًيا‪،‬‬ ‫ثم رحل جنوبًا؟ ً‬ ‫فهل ترك إبراهيم أبيه يف حاران ورحل وحده إىل كنعان؟‬ ‫‪ -14‬مل تكن رحلة إبراهيم الطويلة من أور العراق إىل حاران لتكون حارن محطة اسرتاحة (ترانزيت)‪ ،‬بل جاء إبراهيم‬ ‫من أور (الرها) القريبة إىل حاران‪ ،‬ومن الواضح أن عمر إبراهيم عندما خرج من الرها‪ ،‬كان حوايل ‪ 30‬سنة ألنه كان‬ ‫متزو ًجا‪ ،‬وألن إبراهيم يعترب مدينة ناحور وحاران مسقط رأسه وأرض أبيه وعشريته‪ ،‬فهذا يعني أن إبراهيم عاش‬ ‫طويل‪ ،‬ويؤكد (تكوين ‪ )5 :12‬ذلك‪ :‬فأخذ أبرام ساراي امرأته‪ ،‬ولوطًا ابن أخيه‪ ،‬وكل مقتنياتهام التي اقتنيا‬ ‫يف حاران ً‬ ‫والنفوس التي امتلكا يف حاران‪ ،‬وخرجوا ليذهبوا إىل أرض كنعان‪.‬‬ ‫‪ -15‬أ َّما ما ذكره بعض املسترشقني واآلثاريني مثل دي فو وفيلبي من عثور نقوش بابلية باسم (أبا رام) أو (يثع إيل)‬ ‫التي تعني (خليل الله)‪ ،‬فليس لها أي قيمة لداللة عىل إبراهيم وهي استنتاجات شخصية لنصوص مج َّردة يتيمة‪،‬‬ ‫وال توجد قرينة واحدة تدل عىل أن االسم املقصود به إبراهيم بن تارح‪ ،‬فليس إبراهيم الشخص السامي الوحيد بهذا‬ ‫االسم‪ ،‬وحتى لو افرتضنا أنها املقصود إبراهيم‪ ،‬فلن يعدو أنه كان إلبراهيم عالقة باألمر ألن هذه النقوش تدل عىل‬ ‫الحرب التي حدثت بني سنتي (‪ 1763-1794‬ق‪.‬م‪ ).‬واشرتك فيها أمرافل وكدرلعومر ملك عيالم‪ ،‬وتدعال ملك جوييم‪،‬‬ ‫وملك الرسا‪ ،‬وملك سدوم وغريهم املذكورين يف (تكوين ‪ ،)14‬والتي كان إلبراهيم عالقة باملوضوع حيث أُسِّ َ ابن أخيه‬ ‫رشا يف الجزيرة العربية‪ ،‬ووجدت‬ ‫لوط‪ ،‬ويف هذه الفرتة كان إبراهيم يف أرض كنعان‪ ،‬أ َّما عن (ثع إيل)‪ ،‬فكان االسم منت ً‬ ‫علم أن هذا االسم هو أحد أسامء القمر وكان‬ ‫أسامء كثرية بهذا االسم‪ ،‬عىل األقل أسامء خمسة ملوك يف سبأ اليمن‪ً ،‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫يُنطق يشع (يشوع)‪ ،‬وأكيد ليس معناه يسوع‪.‬‬

‫‪ -2‬سيد محمود القمني‪ ،‬النبي إبراهيم والتاريخ املجهول‪ ،‬ص‪ .31‬وهو يرى أن رحلة إبراهيم هي من حاران إىل فلسطني مبارشةً‪ ،‬ويف نهاية كتابه يدرج خرائط رحلة إبراهيم ملن قال‬ ‫إنها من أور العراق‪ ،‬وخريطته هو من حاران إىل فلسطني مبارشةً‪.‬‬

‫‪46‬‬


‫أور الكلدانيني ليست يف العراق جـ ‪2‬‬ ‫موفق نيسكو‬

‫أيضا‪ ،‬فال يوجد له أي ذكر يف قوائم ملوك العراق القدامى‪،‬‬ ‫وبخصوص منرود ً‬ ‫وهو شخصية (كلكامش) ويرمز للجربوت والطغيان التي ارتبطت باضطهاد‬ ‫فضل عىل أنه حامي وملعون من إبراهيم‬ ‫إبراهيم وعائلته يف التوراة‪ً ،‬‬ ‫وعشريته‪ ،‬وال مكان لسكنى الحاميني بني الساميني‪ ،‬بل يسكن الساميني وبنو‬ ‫يافث فقط‪ :‬ملعون كنعان عبد العبيد‪ ،‬وقال‪ :‬يكون إلخوته مبارك الرب إله‬ ‫سام‪ ،‬وليكن كنعان عب ًدا لهم‪ ،‬ليفتح الله ليافث فيسكن يف مساكن سام‪.‬‬ ‫(تكوين ‪ ،)25 :9‬وبنو يافث هم الحوريني واألرمن وغريهم الذين يسكنون‬ ‫شامل بالد بني النهرين يف الرها وحاران مع عشرية إبراهيم منذ البداية‪.‬‬ ‫‪ -16‬يقول املحيط الجامع يف الكتاب املقدس‪ :‬إن أور (العراق) املدينة‬ ‫املقدسة لإلله القمر نانه‪ -‬سني‪ ،‬كانت جز ًء من مملكة إيسن ثم مملكة‬ ‫الرسا وأخ ًريا أصبحت تحت حكم حمورايب البابيل (‪1718-1676‬ق‪.‬م‪ ،).‬ومل‬ ‫ت ُعد أور عاصمة الدولة‪ ،‬بل ظلّت تنعم بهالة كبرية بسبب معبد اإلله سني‪ ،‬ويف نهاية القرن السابع ولفرتات قصرية من‬ ‫االستقالل النسبي‪ ،‬انتقلت أور إىل سلطة الساللة الكلدائية (الكلدانية الحديثة زمن نبوخذ نرص) يف بابل وصارت أور‬ ‫الكلدائيني كام يف التوراة (التكوين ‪ ،7: 15 ،28-31: 11‬نحميا ‪.)7 :9‬‬ ‫أ َّما التقاليد املتعلِّقة بإقامة إبراهيم يف أور فهي تعود إىل القرن السادس ق‪.‬م‪ ،.‬وقد ُولدت لدى منفيني يهود أقاموا يف‬ ‫بابل الجنوبية‪ ،‬فاملدينة الكلدائية التي كانت لهجتها آرامية وتعبد اإلله الذي يُعبد يف حاران‪ ،‬بدت للمنفيني عىل أنها‬ ‫موطن إبراهيم األول‪ ،‬فمسرية إبراهيم من أور إىل حاران أتاحت لهم فيام بعد ربط التقليد الجديد بتقليد األزمنة‬ ‫الغابرة (التكوين ‪ )31: 11‬التي كانت تعترب أن موطن إبراهيم هو حاران‪ ،‬وليس أور (التكوين ‪،4-6 :24 ،1-5: 12‬‬ ‫يشوع ‪ ،)2: 24‬فاإلشارة إىل موت هاران‪ ،‬أخي إبراهيم يف أور الكلدائيني‪( ،‬ومات هاران قبل تارح أبيه يف أرض ميالده‬ ‫يف أور الكلدانيني)‪ ،‬يجعلنا نفرتض أنه كان هناك يف القرن ‪ 6-5‬ق‪.‬م‪ .‬مقام (يف الرها‪ -‬حاران) يُك ِّرمون ذكر أخي إبراهيم‬ ‫(التكوين ‪ ،)28: 11‬وحسب املؤرخ يوسيفوس‪ ،‬كان هذا املقام‬ ‫موجو ًدا أيامه (العاديات ‪ ،)150: 1‬وال يبدو أن اليهود عرفوا‬ ‫أور (العراق) قبل النفي‪ ،‬ألن مدينة أور ال تظهر يف الئحة‬ ‫الشعوب يف (تكوين ‪ )10: 10‬رغم ماضيها املجيد وطابعها‬ ‫الديني‪ ،‬يف حني ذُكرت أكاد وأورك بصورة مستقلة‪.‬‬ ‫وموقع حاران هو أسيك حاران (أي حاران القدمية) شامل غرب‬ ‫حاران الحالية وهي قرية صغرية (اسمها الرتيك‪ :‬التينباصاك)‬ ‫‪47‬‬


‫أور الكلدانيني ليست يف العراق جـ ‪2‬‬ ‫موفق نيسكو‬

‫وتقع جنوب رشق أورفا أو الرها‪ ،‬واسم أبشالوم (حوايل ‪ 900‬ق‪.‬م‪ ).‬هو اسم ملك جوزان‪ ،‬ويشري إىل املنطقة عينها (‪2‬‬ ‫صمويل ‪ ،)22 ،1-4: 13 ،3: 3‬ولعبت حاران دو ًرا ها ًما يف تاريخ بالد الرافدين كمركز ديني‪ ،‬وكان شأنها شأن أور املدينة‬ ‫املقدسة إلله القمر سني‪ ،‬وهناك نص من ماري يعود إىل هذا التاريخ يذكر معاهدة ُعقدت يف هيكل سني يف حاران‪،‬‬ ‫أيضا‪ ،‬ال سيام أرسحدون وآشور‬ ‫وس َّموه «شيا أو بعل حاران»‪ ،‬وتع ّبد امللوك اآلشوريون له ً‬ ‫وقد تع َّبد اآلراميون لإلله سني َ‬ ‫عظيم لإلله العظيم يف حاران‪ ،‬وكذلك فعل‬ ‫بانيبال (كانت أ ّمه وجدته نق ّية زكوتو آرامية من بالد الرافدين العليا)‪ ،‬تع ّب ًدا ً‬ ‫نبونيد الذي أعاد بناء هيكل أخلخل املك ّرس للمثلث القمري‪ ،‬وقُ ِّدمت يف هياكل حاران ذبائح األطفال كام يقول ال ُكتّاب‬ ‫املسلمون الذين يذكرون يف هذه املناسبة السبأيني يف حاران‪.‬‬ ‫ومدينة بني آرام النهرين قدمية يعود ذكرها عىل األقل إىل القرن الرابع والعرشين ق‪.‬م‪ ،.‬وتقع عىل نهر بليخ‪ ،‬وهو‬ ‫فرع للفرات وقد اتخذت إِله القمر‪ ،‬وتغ َّرب فيها تارح وأبنه إبراهيم مدة من الزمن‪ ،‬ومات تارح هناك (تكوين ‪:11‬‬ ‫‪ ،31-32‬و‪ ،)4-5 :12‬وسكنت فيها أرسة ناحور أخو إبراهيم‪ ،‬والبان أخو رفقة‪ ،‬ويعقوب (تكوين ‪:29 ،10 :28 ،43 :27‬‬ ‫‪ ،)4-5‬وحتى سهل شنعار يبدأ من شامل العراق من منطقة سنجار‪ ،‬والنصوص املتأخرة تدل عىل أن هذا االسم يف بابل‪،‬‬ ‫والنصوص املسامرية تعرف منطقة ت ُس ّمى سنخر ويف املرصية سنجر‪ ،‬وتذكر النصوص اآلشورية املتأخرة منطقة سنجر‬ ‫وسنجرة‪ ،‬ونحن نعرف منطقة جبل سنجر غريب املوصل(‪ .)3‬ويرى آخرون أن سهل شنعار‪ ،‬هو سهل سنجار(‪ ،)4‬والجدير‬ ‫بالذكر أن منطقة الحدود العراقية الرتكية اسمها إبراهيم الخليل‪.‬‬ ‫‪ -17‬وننهي الفصل عن مدينة الرها بأحدث االكتشافات أنها هي املقصودة‬ ‫بأور الكلدانيني‪ ،‬ليست أور العراق‪ ،‬حيث يقول ج‪.‬ب‪ .‬سيغال‪ ،‬مؤلف كتاب‬ ‫«الرها‪ ،‬املدينة املباركة»‪:‬‬ ‫«كتب القديس أفرام الرسياين يف تعليقه عىل سفر التكوين يف القرن الرابع‬ ‫أن منرود َحك َم إرك التي هي أورهاي‪ ،‬وكان بذلك يروي أسطورة االعتقاد‬ ‫ٍ‬ ‫وبعدئذ أمعن ال ُكتَّاب أكرث من هذا‪،‬‬ ‫الواسعة النطاق يف آسيا الغربية‪،‬‬ ‫فادعى القديس إيسدور (‪636 - 560‬م‪ ،‬مؤرخ ومبرش إسباين)‪ ،‬أن منرود‬ ‫بعدما هاجر من بابل ش َّيد أديسا (الرها)‪ ،‬وحكمها‪ ،‬وهي مدينة يف ما بني‬ ‫النهرين‪ ،‬وكانت من قبل ت ُدعى إرك‪ ،‬ونحن لسنا ملزمني بتصديق هؤالء‬ ‫أيضا‪ ،‬أن يعزو السكان يف مدينة قدمية‪ ،‬تأسيس‬ ‫الالهوتيني حرف ًيا‪ ،‬إذ أنه املتبع يف الرشق األدىن‬ ‫والحق يُقال يف أوربا ً‬ ‫ُ‬ ‫مدينتهم إىل شخصية أسطورية قوية‪ ،‬وقد اشتهر منرود يف التوراة كشخص بانٍ ‪ ،‬ويُطلق اسمه اليوم عىل عدة أماكن أثرية‬ ‫‪ -3‬بولس الفغايل‪ ،‬املحيط الجامع يف الكتاب املقدس والرشق القديم‪ ،‬ص‪.731 ،433 ،179‬‬ ‫‪ -4‬الدكتور حسن شميساين‪ ،‬كلية اآلداب‪ ،‬الجامعة اللبنانية‪ ،‬مدينة سنجار‪ ،‬ص‪.27‬‬

‫‪48‬‬


‫أور الكلدانيني ليست يف العراق جـ ‪2‬‬ ‫موفق نيسكو‬

‫يف تركيا‪ ،‬ويبدو أن عمالقًا فقط باستطاعته جمع املباين التذكارية الضخمة الباقية من عصور سحيقة‪ ،‬وكان عىل أورهاي‬ ‫(أُرها) وهي املكان الذي اختاره منرود لتأسيسها أن ت ُثني عىل نفسها كث ًريا يف القرون الالحقة‪.‬‬ ‫ففي التقاليد اليهودية واإلسالمية كان منرود عدو إبراهيم‪ ،‬وباقرتان اسم منرود بأورهاي‪ ،‬شَ َّجع االعتقاد أن األب الكبري‬ ‫إبراهيم نفسه سكن هناك‪ ،‬فعىل بعد أربعني كيلوم ًرتا يقع مركز الوثنية يف حاران التي ادعت أن إبراهيم أحد سكانها‪،‬‬ ‫وأظهرت للحجاج املسيحيني األماكن التي سكن فيها‪.‬‬ ‫دعم يف نص التوراة‪ ،‬وهناك أماكن أثرية أخرى يف‬ ‫وا ِّدعاء حاران هذا يُالقي ً‬ ‫هذا اإلقليم ذُكرت يف التوراة كفدان وأسامء شخصيات مثل رسوج وتارح‬ ‫حق يف أب من أقوى آباء‬ ‫وناحور‪ ،‬أمل يكن ملدينة ألورهاي املسيحية الشهرية ٌّ‬ ‫التوحيد العظام؟ فيلتصق اسام منرود وإبراهيم بهذه املدينة وما جاورها‬ ‫حتى الوقت الحارض‪ ،‬فالجبل الذي تجثم عليه القلعة اسمه «عرش منرود»‪،‬‬ ‫والتالل الجرداء التي تقع عليها خرائب دير مار يعقوب الذي كان شه ًريا‪،‬‬ ‫اسمه «تالل منرود»‪ ،‬وهناك مسجدان بجانب بركة السمك أسفل القلعة‬ ‫يُس َّميان باسم إبراهيم‪ ،‬والربك يرد ذكرها يف القصص الشعبية املحلية عن‬ ‫منرود‪ ،‬ويُقال إن منرود أوثق إبراهيم بني عمودين هائلني ما زاال قامئني عىل‬ ‫جبل القلعة‪ ،‬وقذف به إىل الوادي‪ ،‬فسقط ومل يصيبه أذى‪ ،‬ومكان سقوطه‬ ‫ت ُدعى «بركة إبراهيم»‪ ،‬والسمك الذي يسبح فيها يُس َّمى «سمك إبراهيم»‬ ‫وبجانب الربكة أُقيم مسجد الخليل وهي كُنية إسالمية عن إبراهيم‪ ،‬ويف‬ ‫كهف قرب مسجد آخر يُدعى‪ ،‬مقام إبراهيم‪ ،‬ا ُخفي فيه الطفل إبراهيم ليأمن رش منرود‪ ،‬ويف رواية ثالثة أن منرود أراد أن‬ ‫يُهلك إبراهيم بالنار‪ ،‬فركع إبراهيم متسولً ‪ ،‬فنبع ماء من مكان ركبتيه‪ ،‬وأحدى الربكتني ُس ِّميت‪ ،‬بركة إبراهيم‪ ،‬واألخرى‪،‬‬ ‫بركة زليخا‪ ،‬وهي عىل اسم زوجة فوطيفار‪ ،‬لكن املسلمني يدعون أن زلخا هي صلخا أم منرود‪.‬‬ ‫إن تعريف أورهاي بإرك يأيت بال شك من سفر (تكوين ‪ )10 :10‬وكان ابتدأ مملكة منرود‪..‬إلخ‪ ،‬وتشابه األسامء عند‬ ‫املعلقني أم ًرا ال يُقاوم‪ ،‬والنظرية ال ميكن تأييدها طاملا لدينا أورك تقع جنوب وادي الرافدين‪ ،‬لكن النظريات الحديثة‬ ‫عن أورهاي ليست أقل استحالة‪.‬‬ ‫لقد ُعرفت أورهاي مبدينة أور الكلدانيني التي وردت يف التوراة ليس من علامء فقط‪ ،‬بل من شخصيات عرصية محرتمة‬ ‫يف أورفا مع أن مطران املدينة مل يكن يتمسك بها‪ ،‬وأقدم مؤرخ رسياين َع َّرف أورهاي أنها مدينة أور الكلدانيني‪ ،‬هو‬ ‫املطران باسيل بارشومانا صديق زنيك‪.‬‬ ‫‪49‬‬


‫أور الكلدانيني ليست يف العراق جـ ‪2‬‬ ‫موفق نيسكو‬

‫وكان هناك مدن أخرى يف بالد ما بني النهرين تُدعى أورو أو أور‪ ،‬ومثة مدينة بهذا االسم كانت خاضعة للحثيني‪ ،‬وأخرى‬ ‫شامل رشق بني النهرين‪ ،‬ونقرأ عن أور الكربى وأور الصغرى‪ ،‬وهام بالكاد تُع َّرفان بأورهاي‪ ،‬وحسب مالحظة املطران‬ ‫باسيل‪ ،‬كلمة أور مل تكن تعني سوى مدينة‪ ،‬والحق أن استعداد القديس أفرام وكُتَّاب آخرين ملساواة أورهاي مع إرك‪،‬‬ ‫(‪)5‬‬ ‫يوحي أن الشكل القديم السم أورهاي هو‪ URH‬أو ‪.»URK‬‬ ‫س‬

‫ويُعلِّق املطران يوحنا إبراهيم ُمحقق كتاب سيغال عىل كالم سيغال‪« :‬يف القرن الرابع امليالدي يُس ِّمي مؤلف كتاب‬ ‫شهداء الرها مدينة الرها (إرك) يف حديثه عن شمونة وكوريا فيقول‪ :‬يف أيام قونا مطران إرك‪ ،‬ويعقوب الرسوجي يف‬ ‫مقاله عن سقوط األصنام يُشري إىل منرود أن أحد آلهة حاران هو بارمنري‪ ،‬ويذكر يعقوب الرهاوي نهاية القرن السابع أن‬ ‫وثني حاران‪ ،‬وابن العربي يعزو تأسيس أورهاي ألخنوخ‪ ،‬ويف مكان آخر يعترب منرود باين الرها‪ ،‬ثم يذكر‬ ‫الكلدانيني يعني ّ‬ ‫مقام إبراهيم الخليل يف أورفا (الرها)‪ ،‬وميخائيل الكبري ينقل عن املطران بارشمومانا أنه بعد الطوفان بنى منرود مدينة‬ ‫الرها وسمَّ ها أور‪ ،‬أي مدينة‪ ،‬والكلدان الذين عاشوا هناك أضافوا‪« ،‬هاي»‪ ،‬أي‪« ،‬تلك التي للكلدان»‪ ،‬متا ًما كام أضافوا‬ ‫(‪)6‬‬ ‫أور شامل إىل مدينة شامل (القدس)»‪.‬‬ ‫‪ -18‬يقول الطبيب والرحالة آنسورث ‪ Ainsworth‬سنة ‪1842‬م يف كتابه‪،‬‬ ‫الرحالت والبحوث يف آسيا الصغرى وميزوبوتاميا الكلدانيني وأرمينيا‪« :‬إن أور‬ ‫الكلدانيني هي الرها (أورهاي أو أورفا) وقد أشار إىل ذلك قد ًميا ومنذ بداية‬ ‫املسيحية أكرث من مؤرخ‪ ،‬وإىل عرص حديث يف الحروب الصليبية ت ُس َّمى مدينة‬ ‫حاران (أورها‪ ،‬الرها‪ ،‬أورفا) أي مدينة الكلدن‪ ،‬ويُس ِّمي شامل العراق‪ ،‬كردستان‪،‬‬ ‫(‪)7‬‬ ‫كلديا»‪.‬‬

‫‪-5‬ج‪.‬ب‪ .‬سيغال‪ ،‬الرها‪ ،‬املدينة املباركة‪ ،‬ص‪.3-6‬‬ ‫‪ -6‬نفس صفحات املصدر السابق‪ ،‬وانظر‪ ،‬تاريخ ميخائيل الكبري‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪ ،256‬عريب‪ ،‬وانظر ج‪ 1‬ص‪ ،402‬وهي هوامش ميخائيل يف النص الرسياين حيث يقول‪ :‬إرك هي الرها وش َّيدها‬ ‫منرود‪.‬‬ ‫‪7- William Ainsworth, Travels and researches in Asia Minor Mesopotamia, chaldea and Armenia. v2, p104-108.‬‬

‫‪50‬‬


TV

25 OCTOBER 2014

3rd Year

www.freemindmag.com

51


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪1‬‬

‫محمد شومان‬

‫ٍ‬ ‫مقاالت بقلم (محمد شومان) تتناول الديانة‬ ‫سنبدأ معكم يف هذا العدد سلسلة‬ ‫اليهودية وباألخص يف عالقتها باملحروسة أي مبرص‪ .‬كل مقال ٍة ستحتوي مجموعة‬ ‫أقسام يشري إليها الكاتب بتسمية «أسفار»‪ ،‬إشار ًة إىل أسلوب تقسيم اليهود لكتبهم‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫‪52‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪1‬‬ ‫محمد شومان‬

‫وفيام ييل قامئة أسفار هذه الدراسة قسمناها عىل شكل أجزا ٍء كام ستُنرش تبا ًعا يف املجلة‪:‬‬ ‫الجزء األول‪:‬‬ ‫السفر األول‪ :‬توطئة‬ ‫السفر الثاين‪ :‬التوراة‬ ‫السفر الثالث‪ :‬التكوين‬ ‫السفر الرابع‪ :‬املرأة‬ ‫السفر الخامس‪ :‬الخلود أو املعرفة‬ ‫السفر السادس‪ :‬الخطيئة األوىل‬ ‫السفر السابع‪ :‬الطرد‬ ‫السفر الثامن‪ :‬الطوفان‬ ‫الجزء الثاين‪:‬‬ ‫السفر التاسع‪ :‬أبرام الطاهر‬ ‫السفر العارش‪ :‬لوط البار‬ ‫السفر الحادي عرش‪ :‬إسحاق حامل الراية‬ ‫السفر الثاين عرش‪ :‬النبي والخيص‬ ‫السفر الثالث عرش‪ :‬السنني العجاف‬ ‫السفر الرابع عرش‪ :‬العاهرة واملقدس‬ ‫الجزء الثالث‪:‬‬ ‫السفر الخامس عرش‪ :‬الرضبات العرش‬ ‫السفر السادس عرش‪ :‬الخروج الشهري‬ ‫السفر السابع عرش‪ :‬التيه‬ ‫السفر الثامن عرش‪ :‬الزانية هي فقط تحيا‬ ‫السفر التاسع عرش‪ :‬عرص القضاة‬ ‫السفر العرشون‪ :‬امللك والكاهن‬ ‫السفر الحادي والعرشون‪ :‬املوسيقار املقدس‬ ‫السفر الثاين والعرشون‪ :‬العائلة املقدسة‬

‫‪53‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪1‬‬ ‫محمد شومان‬

‫الجزء الرابع‪:‬‬ ‫السفر الثالث والعرشون‪ :‬كلكول ودردع‬ ‫السفر الرابع والعرشون‪ :‬نهاية سليامن الحكيم‬ ‫السفر الخامس والعرشون‪ :‬إيليا‬ ‫السفر السادس والعرشون‪ :‬النبي األقرع‬ ‫السفر السابع والعرشون‪ :‬خامتة‬

‫السفر األول‪ :‬توطئ ٌة‬

‫للوصول إىل الحقيقة اإللهية هناك طريقان‪ ،‬طريق‬ ‫العقل وطريق القلب‪ ،‬األول طريق الفيلسوف‬ ‫ٍ‬ ‫هدف‬ ‫والثاين طريق النبي‪ ،‬ويجتمع االثنان عىل‬ ‫ٍ‬ ‫واحد أال وهو الرغبة يف الوصول إىل الحقيقة‬ ‫كل منهام اتجا ًها مخالفًا لآلخر‪،‬‬ ‫الكل ّية‪ ،‬ثم يسلك ًّ‬ ‫فالفيلسوف ميجد العقل وال يقبل إال الحقائق‬ ‫التي تتفق مع الناموس الطبيعي للكون‪ ،‬وبالتايل‬ ‫فخطابه مو ّج ٌه للنخبة املثقفة التي هي قل ٌة يف أي‬ ‫مجتمع‪ ،‬لذا فاتباعه غال ًبا قليلون‪ ،‬أما النبي فيستند‬ ‫يف دعواه إىل ق ًوى ُعليا ال تخضع للمراجعة‪ ،‬وبالتايل‬ ‫فهو ال يخاطب العقل عىل قدر ما يداعب املشاعر‪،‬‬ ‫وبالتايل فهو ال يطلب من اتباعه االقتناع قدر ما يتطلب اإلميان‪ ،‬وهنا قد يُه َّمش دور العقل وتصبح املرجعية األساسية‬ ‫لسبب سوى ألن‬ ‫للقلب‪ ،‬والنبي ال يخاطب نخب ًة بل يخاطب أُم ًة‪ ،‬وبالتايل فاتباعه من الغوغاء وقليلٍ من النخبة ‪-‬ال‬ ‫ٍ‬ ‫كل‬ ‫الكرثة العددية يف أي مجتمعٍ عىل مر العصور إمنا هي للرعاع‪ -‬ويتفق النبي والفيلسوف يف نقط ٍة أخرى وهي أن ًّ‬ ‫منهام له أتبا ٌع يعطيهم العرف السائد أن يضيفوا إىل آراء زعيمهم الكثري من التعديالت ال بصفتها تعديالت‪ ،‬بل عىل أنها‬ ‫مجرد هوامش عىل دفرت الفكرة‪ ،‬ومبرور الزمن تتضخم هذه الهوامش حتى تحل يف النهاية محل الفكرة األصلية ورمبا‬ ‫تلغيها‪.‬‬ ‫برشي وبني اإلله هو يف حد ذاته إعجاز‪،‬‬ ‫والفيلسوف قد يرفض النبي من حيث املبدأ‪ ،‬ألن مجرد ادعاء وجود صل ٍة بني‬ ‫ٍّ‬ ‫ٌ‬ ‫ودخول إىل نطاق األسطورة‪ ،‬والنبي وإن كان ال يرفض الفيلسوف إال أنه ال ير ّحب به‬ ‫خروج عن حدود العقل‬ ‫واملعجزة‬ ‫ٌ‬ ‫ألن آراءه غال ًبا ما تكون تهدي ًدا للوجود النبوي ذاته‪.‬‬ ‫‪54‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪1‬‬ ‫محمد شومان‬

‫واآلن ماذا لو تعارضت رؤيا النبي مع رؤية الفيلسوف؟‬ ‫هنا نحن أمام أحد احتاملني‪ ،‬األول‪ :‬أن هناك خطأً يف منهج‬ ‫الفيلسوف‪ ،‬والثاين‪ :‬أن هناك تحريفًا قد حدث آلراء النبي‪،‬‬ ‫فإن مل يكن هذا وال ذاك وجب علينا أن نؤول رؤيا النبي‪،‬‬ ‫دليل عىل أن النبي غري‬ ‫فإن مل تحتمل التأويل كان هذا ً‬ ‫صادق‪.‬‬ ‫وهكذا يحدث الصدام بني الدين والفلسفة‪ ،‬فاملؤمن‬ ‫وبديهي‬ ‫الورع يؤمن أن نبيّه هو ممثل اإلله عىل األرض‪،‬‬ ‫ٌّ‬ ‫أن اإلله ال يخطئ‪ ،‬وبالتايل فأي اعرت ٍ‬ ‫اض عىل الرؤيا النبوية‬ ‫إمنا هو إنكا ٌر للقدرة اإللهية‪ ،‬وهكذا تصاغ املسألة ال عىل‬ ‫ٌ‬ ‫تطاول عىل الذات اإللهية‪ ،‬وينتهي دور العقل ويرتفع سيف التكفري‪.‬‬ ‫أنها رصا ٌع بني أفكا ٍر بل عىل أنها‬ ‫بينام عىل الجانب اآلخر يرى املفكر أن الله الذي وهب العقل‪ -‬أرشف ما يف اإلنسان ‪-‬هو ذاته مرسل النبي‪ ،‬فاملنطقي‬ ‫ّأل يحدث بينهام تعارض‪ ،‬أما وقد حدث فالعقل أوىل باالت ّباع‪.‬‬ ‫يصب باألساس يف مصلحة الكاهن‪،‬‬ ‫ويف سبيل تعميق هوة الخالف بني الفكر والحس أي بني النبي والفيلسوف والذي ّ‬ ‫كأس ٌ‬ ‫زعاف‬ ‫قام الكهنة برفع شعارهم الشهري «بال كيف»‪ ،‬أي اإلميان القلبي الناتج ً‬ ‫أساسا عن غيبوب ٍة فكرية‪ ،‬وكأن الدين ٌ‬ ‫تأىب النفس تجرعه ويرفض العقل إقراره‪.‬‬ ‫ومن هنا تكمن صعوبة مهمتنا يف دراسة الفكر اليهودي من خالل العقل‪ ،‬فالعقلية الدينية كانت وما زالت غري قادر ٍة‬ ‫عىل مناقشة أفكارها عقالن ًيا‪ ،‬ونحن ندرك بالطبع أن هناك من املسائل الدينية ما يعلو عىل العقل ونستطيع تف ّهم ذلك‪،‬‬ ‫ولكن أن تصري املَسرية الدينية بر ّمتها إعجازًا مفارقًا للواقع فهذا ما ال نستطيع تق ّبله‪ ،‬بل ونؤمن بأن اإلميان املتكل عىل‬ ‫أيضا مبقولة هيجل الشهرية‪« :‬إن من ينظر إىل‬ ‫اإلعجاز فقط هو إهدا ٌر للعقل الذي نع ّده أرشف ما خلق الله‪ ،‬ونؤمن ً‬ ‫العامل نظر ًة عقالني ًة فإن العامل بدوره يتخذ أمامه طاب ًعا عقالنيًا‪ ،‬فالعالقة متبادل ٌة بني الذات واملوضوع»‪ ،‬كام أن نظرتك‬ ‫العقالنية للمسرية الدينية هي يف حد ذاتها احرتا ٌم لصاحب هذه الرسالة وكذا ملرسلها‪ ،‬وبالعقل نستطيع أن نستفيد من‬ ‫فهم الدوافع وراء األفعال واملواقف املنسوبة لألشخاص املقدسني‪ ،‬مام يؤهلنا بالتايل للسري عىل دربهم املق ّدس باقتنا ٍع‬ ‫يل يتلوه ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫مفارق للواقع السائد فهي النظرة التي يدعو إليها‬ ‫سلوك إيجايب‪ ،‬أما النظرة إىل الدين من حيث هو إعجا ٌز‬ ‫عق ٍّ‬ ‫الكهنة إلضافة التشويق عىل القصة املباركة إلزاحتها عن طريق العقل وتغييبها يف مجاهل املقدس التي يستطيعون هم‬ ‫وحدهم ارتيادها‪ ،‬ومن هنا يصبح لوجودهم قيم ٌة بغض النظر عن إلغاء العقل وبالتايل إهدار مبدأ السببية‪ ،‬أما نحن‬ ‫‪55‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪1‬‬ ‫محمد شومان‬

‫رس للتواصل بني النبي والفيلسوف تحت راية العقل وملصلحة الدين‬ ‫هنا فنحاول أن نعرف «كيف» يف سبيل إقامة ج ٍ‬ ‫والعقل والوطن وقبلهم جمي ًعا الفرد‪.‬‬ ‫وأخ ًريا نود القول بأن األشخاص املق َّدسني يف الكتاب املقدس اليهودي وكذا يف الفكر اليهودي مختلفون متا ًما عن التصور‬ ‫اإلسالمي لنفس األشخاص يف الكتاب املقدس اإلسالمي وكذا يف الفكر الديني اإلسالمي‪ ،‬مبعنى أن النبي إبراهيم عىل سبيل‬ ‫ٍ‬ ‫سامت معين ًة يف التوراة قد تكون مختلف ًة متا ًما عن سامت النبي إبراهيم يف القرآن‪ ،‬وما دمنا نتحدث عن‬ ‫املثال يتخذ‬ ‫الفكر الديني اليهودي فإننا بالطبع نورد آراءهم هم أنفسهم يف أنبيائهم‪ ،‬حتى ولو كانت متعارض ًة مع آرائنا‪ ،‬وبالتايل‬ ‫فأي انحر ٍ‬ ‫اف عن املتعارف عليه ال يُلزمنا نحن بيشء‪.‬‬

‫السفر الثاين‪ :‬التوراة‬

‫مشتق من كلمة תורה «تورة» العربية‬ ‫كتاب مق ّد ٍس يف الرشق‪ ،‬واالسم‬ ‫وتبدأ املسرية الدينية الرسمية بالتوراة‪ ،‬أقدم ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫مبعنى الهدى أو اإلرشاد‪ ،‬والتوراة هي الرتجمة العربية للمخترص العربي תנ״ך «تناخ»‪ ،‬ت = توراة وهي تطلق فقط‬ ‫عىل أسفار موىس الخمسة التي ت ُعادل من حيث الطول القرآن أو اإلنجيل‪ ،‬ونا= نيڤيئيم أي أسفار األنبياء املقسمني إىل‬ ‫صغا ٍر وكبار‪ ،‬خ= كتوڤيم أو الكتابات أي املزامري وسفر األمثال ونشيد اإلنشاد وبقية أسفار الحكمة‪ ،‬ونحن يف دراستنا‬ ‫هذه سنميض عىل النهج املرصي يف تسمية الكتاب العربي بالتوراة‪.‬‬ ‫ويُعتقد أن التوراة قد كُتبت عىل فرت ٍ‬ ‫ات متقطع ٍة بد ًءا من القرن العارش قبل امليالد إىل أن متكن عزرا (عزير) الكاهن أن‬ ‫كتاب ٍ‬ ‫واحد بعد السبي البابيل سنة ‪ 586‬ق‪.‬م‪ ،‬ثم أضيفت إليها بعض أسفار األنبياء املتأخرين بحيث‬ ‫يجمعها م ًعا يف ٍ‬ ‫أصبحت تحيك قصة الشعب اليهودي منذ آدم حتى زمن املكابيني حوايل سنة ‪ 167‬ق‪.‬م‪ ،‬وقد كُتبت يف األصل باللغة‬ ‫العربية ثم ترجمها بطليموس فيالدلفوس (اعتىل عرش مرص من ‪ 281‬ق‪.‬م‪ - 246 .‬ق‪.‬م‪ ).‬إىل اليونانية فيام ُعرف بالرتجمة‬ ‫السبعينية التي ت ّم فيها إضافة تسعة أسفا ٍر مل تكن معتمد ًة يف التوراة العربية‪ ،‬فأصبحت التوراة اليونانية تضم ‪ 48‬سف ًرا‬ ‫يف حني أن التوراة العربية تتكون من ‪ 39‬سف ًرا فقط‪.‬‬ ‫كتب مقدس ٍة أخرى عند اليهود فهناك המשנה املشناه = الدرس وهي تعالي ٌم يقال أن‬ ‫وباإلضافة للتوراة هناك عدة ٍ‬ ‫موىس قد تلقاها من ربه عىل الجبل مع التوراة ولكنه مل يدونها بل نقلها شفاه ًة ملعارصيه وظلت تتناقل شفاه ًة حتى‬ ‫تم تدوينها يف الفرتة من ‪10‬م إلی ‪220‬م‪ .‬ثم أضاف الكهنة للمشناه كتابًا آخر هو الجامرا = اإلمتام أو التكميل‪ ،‬وهو‬ ‫كتاب ٍ‬ ‫واحد هو التلمود = التعاليم‪ ،‬وذلك يف الفرتة من‬ ‫رشح‬ ‫وتفسي للمشنا‪ ،‬وأخ ًريا قاموا بجمع املشناه والجامرا يف ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫سنة ‪280‬م إلی ‪500‬م‪.‬‬ ‫‪56‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪1‬‬ ‫محمد شومان‬

‫وهناك أخ ًريا המדרש «املدراش» أي الدراسة وهي مجموع ٌة ضخم ٌة من التعليقات عىل التناخ والتلمود‪ ،‬باإلضافة‬ ‫لبعض الحكايا واألساطري عىل أسفار الكتاب املقدس‪ ،‬وهي تشبه التفاسري اإلسالمية للقرآن‪ ،‬وقد ُد ِّون يف نفس فرتة تدوين‬ ‫التلمود وإن استمرت اإلضافة إليه حتى القرن السادس امليالدي‪.‬‬

‫السفر الثالث‪ :‬التكوين‬

‫وتبدأ التوراة بسفر التكوين الذي يحيك قصة خلق اإلله للكون وما فيه‬ ‫أيام تبدأ من يوم األحد وتنتهي يف يوم الجمعة حتى يتسنى‬ ‫يف ستة ٍ‬ ‫لإلله أن يسرتيح يوم السبت يوم اليهود املق ّدس‪ ،‬وكانت بداية هذه‬ ‫القصة عىل وجه التحديد –والعهدة عىل اليهود– سنة ‪ 4004‬ق‪.‬م‪.‬‬

‫الس َم َو ِ‬ ‫ات َواألَ ْر َض‪َ .‬وكَانَ ِت األَ ْر ُض َخ ِربَ ًة َو َخالِيَ ًة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫«ف الْبَ ْد ِء َخل َ​َق الل ُه َّ‬ ‫وح الل ِه يَر ُِّف َع َل َو ْج ِه الْ ِم َيا ِه‪َ .‬وق َ​َال الل ُه‪:‬‬ ‫َو َع َل َو ْج ِه الْ َغ ْم ِر ظُلْ َم ٌة‪َ ،‬و ُر ُ‬ ‫«لِ َي ُك ْن نُو ٌر»‪ ،‬فَكَا َن نُو ٌر‪َ .‬و َرأَى الل ُه ال ُّنو َر أَنَّ ُه َح َس ٌن‪َ .‬وف َ​َص َل الل ُه بَ ْ َي ال ُّنو ِر‬ ‫َوالظُّلْ َم ِة‪َ .‬و َد َعا الل ُه ال ُّنو َر نَ َها ًرا‪َ ،‬والظُّلْ َم ُة َد َعا َها لَ ْي ًل‪َ .‬وكَا َن َم َسا ٌء َوكَا َن‬ ‫اح يَ ْو ًما َو ِ‬ ‫اح ًدا‪( ».‬التكوين ‪.)1-5 :1‬‬ ‫َص َب ٌ‬ ‫كانت تلك هي أوىل خطوات الرب يف أول أيام عمله كخالق‪ ،‬بدأ بخلق‬ ‫عب عنها التعبري التورايت‬ ‫السموات واألرض‪ ،‬وإن كانت األرض كام ّ‬ ‫القديم תוהו ובוהו «توهو بوهو» أي بال ٍ‬ ‫سقف وال قاع‪ ،‬بل مجرد‬ ‫كيانٍ‬ ‫خرب وخا ٍل لذا فقد خلق الله فيها النور ليفصل به بني الليل والنهار‪.‬‬ ‫مظلم ٍ‬ ‫مادي ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫« َوق َ​َال الل ُه‪« :‬لِ َي ُك ْن َجلَ ٌد ِف َو َس ِط الْ ِم َيا ِه‪َ .‬ولْ َي ُك ْن ف َِاص ًل بَ ْ َي ِم َيا ٍه َو ِم َيا ٍه»‪.‬‬ ‫فَ َع ِم َل الل ُه الْ َجلَ َد‪َ ،‬وف َ​َص َل بَ ْ َي الْ ِم َيا ِه الَّ ِتي تَ ْح َت الْ َجل َِد َوالْ ِم َيا ِه الَّ ِتي فَ ْو َق‬ ‫اح يَ ْو ًما‬ ‫الْ َجل َِد‪َ .‬وكَا َن كَذلِ َك‪َ .‬و َد َعا الل ُه الْ َجلَ َد َس َم ًء‪َ .‬وكَا َن َم َسا ٌء َوكَا َن َص َب ٌ‬ ‫ث َانِ ًيا‪( ».‬التكوين ‪.)8-6 :1‬‬ ‫ليك نفهم هذا النص فعلينا أن نعلم أن الشعوب البدائية كانت تعتقد‬ ‫هائل من األمطار‪ ،‬وأن سقوط‬ ‫صلب يحجز فوقه ك ٌّم ٌ‬ ‫أن السامء جس ٌم ٌ‬ ‫األمطار ال عالقة له ‪-‬كام أصبحنا نعلم بفضل العلم مؤخ ًرا‪ -‬بظاهرة‬ ‫تبخر املياه من عىل سطح األرض‪ ،‬بل يرتبط فقط بغضب أو رضا اإلله‬ ‫‪57‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪1‬‬ ‫محمد شومان‬

‫اﻟْ َﺠﻠَ َﺪ‬

‫ﻧ‬ ‫ﺠﻮم‬

‫الساكن يف السامء‪ ،‬فام أن يغضب هذا اإلله حتى يفتح «ينابيع الغمر العظيم» وهي عبار ٌة عن أنابيب ضخم ٍة مملوء ٍة‬ ‫صلب أي ٍ‬ ‫جلد‬ ‫جسم ٍ‬ ‫باملاء املحتجز هناك‪ ،‬وجاء كاتب التوراة الجاهل ليساير أساطري عرصه التي ترى السامء مجرد ٍ‬ ‫يحجز املياه التي فوقه عن املياه التي عىل سطح األرض‪،‬‬ ‫ﷲ‬ ‫وهو ما يؤكد وجهة نظرنا التي ننادي بها ومفادها أن الدين‬ ‫ﺳءء اﻟﺴووات‬ ‫وإن كان مو ًحى به من عند الرب إال أنه نتاج تفاعلٍ‬ ‫برشي‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫واحتياجات نفسي ٍة لها خصوصيتها ومكانها‬ ‫وحرك ٍة مجتمعي ٍة‬ ‫أيضا‪ ،‬مبعنى أن النص املقدس ليس طوباويًا مفارقًا‬ ‫وزمانها ً‬ ‫ﻃَﺎ‬ ‫َ‬ ‫ﻗ‬ ‫ﺎ‬ ‫ُ‬ ‫ت اﻟ‬ ‫اﻟﻘﻤﺮ ﻏﻴﻮم‬ ‫للواقع الزماين والفكري السائد بل هو عىل األصح نتاج‬ ‫ﺴﱠ َ​َءِ‬ ‫تفاعالت هذا الواقع‪.‬‬ ‫اﻟﺸﻤﺲ‬ ‫أﺳﺎﺳﺎت اﻟﺴءء‬

‫ﺟﻬﻨﻢ‬

‫اﻟْ َﺠ َﻠ َﺪ‬

‫الس َم ِء إِ َل َمكَانٍ َو ِ‬ ‫اح ٍد‪،‬‬ ‫« َوق َ​َال الل ُه‪« :‬لِتَ ْجتَ ِمعِ الْ ِم َيا ُه ت َ ْح َت َّ‬ ‫َولْتَظْ َه ِر الْ َياب َِس ُة»‪َ .‬وكَا َن كَذلِ َك‪َ .‬و َد َعا الل ُه الْ َياب َِس َة أَ ْر ًضا‪،‬‬ ‫َو ُم ْجتَ َم َع الْ ِم َيا ِه َد َعا ُه ِب َحا ًرا‪َ .‬و َرأَى الل ُه ذلِ َك أَنَّ ُه َح َس ٌن‪َ .‬وق َ​َال‬ ‫الل ُه‪« :‬لِتُ ْنب ِ​ِت األَ ْر ُض ُعشْ بًا َوبَق ًْل يُبْ ِز ُر ِب ْز ًرا‪َ ،‬وشَ َج ًرا ذَا َث َ ٍر‬ ‫يَ ْع َم ُل َث َ ًرا كَ ِج ْن ِس ِه‪ِ ،‬ب ْز ُر ُه ِفي ِه َع َل األَ ْر ِض»‪َ .‬وكَا َن كَذلِ َك‪.‬‬ ‫فَأَ ْخ َر َج ِت األَ ْر ُض ُعشْ ًبا َوبَق ًْل يُ ْب ِز ُر ِب ْز ًرا كَ ِج ْن ِس ِه‪َ ،‬وشَ َج ًرا يَ ْع َم ُل‬ ‫َث َ ًرا ِب ْز ُر ُه ِفي ِه كَ ِج ْن ِس ِه‪َ .‬و َرأَى الل ُه ذلِ َك أَنَّ ُه َح َس ٌن‪َ .‬وكَا َن َم َسا ٌء‬ ‫اح يَ ْو ًما ث َالِثًا‪( ».‬التكوين ‪.)13-9 :1‬‬ ‫َوكَا َن َص َب ٌ‬

‫ﺑﺤﺮ‬

‫اﻷرض‬

‫ﺑﺤﺮ‬

‫أﺳﺎﺳﺎت اﻟﺴءء‬ ‫أﺳﺎﺳﺎت اﻷرض‬

‫اﻟﻐﻤﺮ‬

‫التصور التناخي (اليهودي) للكون‬

‫يف ثالث أيام الخلق تنحرس املياه من فوق سطح األرض لتظهر من تحتها اليابسة وبالتايل مي ّهد الطريق للنباتات أن تثمر‬ ‫عىل سطح األرض‪ ،‬وهي للحق خطو ٌة منطقية‪.‬‬ ‫ات َوأَ ْوق ٍ‬ ‫الس َم ِء لِتَف ِْص َل بَ ْ َي ال َّن َها ِر َواللَّ ْيلِ ‪َ ،‬وتَكُو َن آليَ ٍ‬ ‫َات َوأَيَّ ٍام َو ِس ِننيٍ‪َ .‬وتَكُو َن أَنْ َوا ًرا ِف‬ ‫« َوق َ​َال الل ُه‪« :‬لِتَ ُك ْن أَنْ َوا ٌر ِف َجل َِد َّ‬ ‫الس َم ِء لِتُ ِن َري َع َل األَ ْر ِض»‪َ .‬وكَا َن كَذلِ َك‪ .‬فَ َع ِم َل الل ُه ال ُّنو َريْنِ الْ َع ِظي َم ْيِ‪ :‬ال ُّنو َر األَك َ َْب لِ ُحك ِْم ال َّن َهارِ‪َ ،‬وال ُّنو َر األَ ْص َغ َر لِ ُحك ِْم‬ ‫َجل َِد َّ‬ ‫الس َم ِء لِتُ ِن َري َع َل األَ ْر ِض‪َ ،‬ولِتَ ْح ُك َم َع َل ال َّن َها ِر َواللَّ ْيلِ ‪َ ،‬ولِتَف ِْص َل بَ ْ َي ال ُّنو ِر َوالظُّلْ َم ِة‪.‬‬ ‫اللَّ ْيلِ ‪َ ،‬وال ُّن ُجو َم‪َ .‬و َج َعلَ َها الل ُه ِف َجل َِد َّ‬ ‫اح يَ ْو ًما َرا ِب ًعا‪( ».‬التكوين ‪.)14-9 :1‬‬ ‫َو َرأَى الل ُه ذلِ َك أَنَّ ُه َح َس ٌن‪َ .‬وكَا َن َم َسا ٌء َوكَا َن َص َب ٌ‬ ‫وهكذا خلق الله الشمس والقمر والنجوم يف رابع أيام الخلق ليك يحدث تعاقب الليل والنهار واأليام والسنني مام وضع‬ ‫ٌ‬ ‫تساؤل عن ماهية النور‬ ‫الكهنة يف مأزقٍ إذ كيف كان يحدث تعاقب الليل والنهار قبل خلق الشمس والقمر‪ ،‬ويلوح‬ ‫املخلوق يف اليوم األول‪ ،‬ونالحظ هنا أن هدف اإلله من خلق الشمس والقمر والنجوم إمنا ينحرص يف إنارة األرض وهو‬ ‫‪58‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪1‬‬ ‫محمد شومان‬

‫ما يتّسق مع املنظومة الفكرية التي ظلت سائد ًة حتى عرص النهضة والتي ترى أن األرض هي محور الكون وأن باقي‬ ‫أيضا أن الهدف من خلق النجوم هو‬ ‫الكون مبا فيه من كواكب‬ ‫ونجوم وأقام ٍر إمنا ُخلق فقط لخدمة األرض‪ ،‬كام نالحظ ً‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫أن «تكون ٍ‬ ‫وأيام وسنني»‪ ،‬وهو نفس التصور اإلسالمي للهدف من خلق النجوم‪.‬‬ ‫آليات‬ ‫وأوقات ٍ‬ ‫« َوق َ​َال الل ُه‪« :‬لِتَ ِف ِض الْ ِميَا ُه َز َّحاف ٍ‬ ‫الس َم ِء»‪ .‬فَ َخل َ​َق الل ُه التَّ َنانِ َني‬ ‫َات َذاتَ نَف ٍْس َحيَّ ٍة‪َ ،‬ولْيَ ِط ْر ط ْ ٌَي فَ ْو َق األَ ْر ِض َع َل َو ْج ِه َجل َِد َّ‬ ‫الْ ِعظَا َم‪َ ،‬وك َُّل َذ َو ِ‬ ‫َاض ْت ِب َها الْ ِم َيا ُه كَأَ ْج َن ِاس َها‪َ ،‬وك َُّل طَائِ ٍر ِذي َج َنا ٍح كَ ِج ْن ِس ِه‪َ .‬و َرأَى الل ُه ذلِ َك‬ ‫ات األَنْف ُِس الْح َّي ِة ال َّدبَّابَ ِة الَّ ِتي ف َ‬ ‫اح‬ ‫أَنَّ ُه َح َس ٌن‪َ .‬وبَا َركَ َها الل ُه قَائِ ًل‪« :‬أَ ْثِرِي َواك ُ ِْثي َوا ْم ِإلي الْ ِم َيا َه ِف الْ ِب َحارِ‪َ .‬ولْ َيك ُ ِْث الط ْ َُّي َع َل األَ ْر ِض»‪َ .‬وكَا َن َم َسا ٌء َوكَا َن َص َب ٌ‬ ‫يَ ْو ًما َخا ِم ًسا»‪( .‬التكوين ‪.)23-20 :1‬‬ ‫ويف خامس أيام الخلق خلق الله الحياة يف املحيطات ثم الطيور والتنانني العظام(‪ )1‬وحيوانات األرض‪ ،‬وللحق فإن هذا‬ ‫أهل للثناء ألننا لسنا عىل ٍ‬ ‫خالف مع‬ ‫التصور ال يختلف كث ًريا عن اآلراء العلمية السائدة اآلن‪ ،‬وها نحن نثني عىل ما نراه ً‬ ‫النص التورايت –وال غريه من النصوص‪ -‬فقط نحن عىل ٍ‬ ‫خالف مع تعقيبات الكهنة عىل النصوص املقدسة‪.‬‬ ‫الس َم ِء َو َع َل الْ َب َهائِ ِم‪َ ،‬و َع َل‬ ‫« َوق َ​َال الل ُه‪« :‬نَ ْع َم ُل ا ِإلنْ َسا َن َع َل ُصو َرتِ َنا كَشَ َب ِه َنا‪ ،‬فَ َيتَ َسلَّطُو َن َع َل َس َم ِك الْ َب ْح ِر َو َع َل ط ْ َِي َّ‬ ‫ك ُِّل األَ ْر ِض‪َ ،‬و َع َل َج ِميعِ ال َّدبَّابَ ِ‬ ‫ات الَّ ِتي ت َِد ُّب َع َل األَ ْر ِض»‪ .‬فَ َخل َ​َق الل ُه ا ِإلنْ َسا َن َع َل ُصو َرتِ ِه‪َ .‬ع َل ُصو َر ِة الل ِه َخلَ َق ُه‪َ .‬ذكَ ًرا‬ ‫اح يَ ْو ًما َسا ِد ًسا‪».‬‬ ‫َوأُنْثَى َخلَ َق ُه ْم‪( ».‬التكوين‪َ « .)28-26 :1‬و َرأَى الل ُه ك َُّل َما َع ِملَ ُه فَ ِإذَا ُه َو َح َس ٌن ِج ًّدا‪َ .‬وكَا َن َم َسا ٌء َوكَا َن َص َب ٌ‬ ‫(التكوين ‪.)31 : 1‬‬ ‫وأخ ًريا يخلق الله اإلنسان يف سادس أيام الخلق الذي هو يوم الجمعة‪،‬‬ ‫وقد خلقه من العدم بدون استعامل ماد ٍة للخلق‪ ،‬والصيغة مبهم ٌة إىل‬ ‫ح ّد أنها قد توحي بأن الذكر واألنثى كانا م ًعا يف ٍ‬ ‫جسد واحد‪ ،‬وصور ٌة هي‬ ‫خيال‪ ،‬أي‬ ‫ترجم ٌة للكلمة العربية צלם «صيلم» التي تعني حرف ًيا ظلًّ أو ً‬ ‫أن اإلنسان هو ظل الله عىل األرض‪ ،‬أما لفظ الجاللة الله فهو ترجم ٌة‬ ‫للكلمة العربية אלוהים «إلوهيم» وهي اس ٌم لإلله يف بعض أجزاء‬ ‫علم‬ ‫التوراة والتي تعني حرفيا آله ٌة ومفردها אל «إيل» التي هي اسم ٍ‬ ‫لإلله يف معظم األساطري القدمية‪ ،‬كام أن إيل هذا هو إله الكنعانيني‪.‬‬

‫‪ -1‬كلمة تنني اليوم باللغة العربية تشري إىل التمساح‪ ،‬ومن غري العجيب أن نرى بعض الباحثني يف «اإلعجاز التورايت» أن يفرسوا األمر وكأنه إشارة للدينوصورات‪[ .‬تحرير املجلة]‪.‬‬

‫‪59‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪1‬‬ ‫محمد شومان‬

‫السابعِ ِم ْن َج ِميعِ َع َملِ ِه ال َِّذي َع ِم َل‪َ .‬وبَا َر َك الل ُه الْ َي ْو َم‬ ‫اح ِف الْ َي ْو ِم َّ‬ ‫« َوفَ َر َغ الل ُه ِف الْ َي ْو ِم َّ‬ ‫السابعِ ِم ْن َع َملِ ِه ال َِّذي َع ِم َل‪ .‬ف َْاس َ َت َ‬ ‫اح ِم ْن َج ِميعِ َع َملِ ِه ال َِّذي َع ِم َل الل ُه َخالِقًا‪( ».‬التكوين ‪.)3-2 :2‬‬ ‫َّ‬ ‫الساب َع َوقَ َّد َس ُه‪ ،‬ألَنَّ ُه ِفي ِه ْاس َ َت َ‬ ‫أيضا‪،‬‬ ‫وهكذا أنهى الله عمله يف يوم الجمعة ليسرتيح يف يوم السبت بعد أن خلق السموات واألرض وما فيهام واإلنسان ً‬ ‫ونحن بدورنا ال نجد لدينا اعرت ًاضا عىل راحة اإلله فمن حقه بعد أسبو ٍع كاملٍ من العمل الشاق أن يركن إىل بعض‬ ‫الراحة ليسرتد نشاطه ثاني ًة‪.‬‬ ‫وبعد أن ننتهي من قصة خلق اإلله للكون ولإلنسان نفاجأ بوجود قص ٍة أخرى لخلق اإلنسان مر ًة أخرى يف نفس السفر‬ ‫يوردها كاتب التوراة عىل النحو التايل‪:‬‬ ‫« َو َجبَ َل ال َّر ُّب ا ِإلل ُه آ َد َم ت ُ َرابًا ِم َن األَ ْر ِض‪َ ،‬ونَ َف َخ ِف أَنْ ِف ِه نَ َس َم َة َحيَا ٍة‪ .‬ف َ​َصا َر آ َد ُم نَف ًْسا َحيَّ ًة» (التكوين ‪.)7: 2‬‬ ‫وآدم رمبا كانت من الكلمة العربية אדמה «أدمة» مبعنى األرض‪ ،‬أو رمبا من الكلمة العربية אדום «أدوم» أي أحمر‬ ‫نسب ًة للون الرتاب الذي ُصنع منه آدم‪ ،‬أما الرب اإلله فهي ترجم ٌة للكلمة العربية יהוה «يهوه» التي يُظن أنها اسم‬ ‫إشار ٍة مبعنى «هو» والخلق قد تم هنا باستعامل ماد ٍة للخلق وهي الرتاب‪.‬‬ ‫وقد احتار املفرسون يف تفسري تكرار قصة الخلق يف نفس السفر ويف الحديث عن اإلله مر ًة باسم يهوه ومر ًة أخرى باسم‬ ‫إلوهيم‪ ،‬مام دفع بالبعض إىل االعتقاد مبصدرين عىل األقل للتوراة‪ ،‬األول املصدر اإللوهيمي أي الذي يشري للرب باسم‬ ‫إلوهيم‪ ،‬والثاين املصدر اليهوي الذي يشري للرب باسم يهوه‪ ،‬أي أنه كانت هناك قص ٌة للخلق بطلها الرب يهوه‪ ،‬وقص ٌة‬ ‫أخرى لنفس الحادثة بطلها الرب إلوهيم وتم خلط القصتني م ًعا يف فرت ٍة الحق ٍة مام أدى الختالف اسم اإلله من فقر ٍة‬ ‫ألخرى يف سفر التكوين‪ ،‬ولكننا نجد أن التوراة يف سفر الخروج املفرتض أنه تا ٌّيل يف الرتتيب الزمني لسفر التكوين‪ ،‬إذ‬ ‫تقول عىل لسان الرب مخاط ًبا موىس‪:‬‬ ‫ش ٍء‪َ .‬وأَ َّما ب ِْاس ِمي «يَ ْه َو ْه» فَلَ ْم أُ ْع َر ْف ِع ْن َد ُه ْم» (الخروج ‪.)3 :6‬‬ ‫« َوأَنَا ظَ َه ْرتُ ِإلبْ َرا ِهي َم َوإِ ْس َح َاق َويَ ْعق َ‬ ‫ُوب ِبأَ ِّن ا ِإلل ُه الْقَا ِد ُر َع َل ك ُِّل َ ْ‬ ‫أي أن الرب يؤكد ملوىس أن أول ظهو ٍر له باسمه يهوه قد تم عىل يدي موىس وليس قبل ذلك‪ ،‬وهنا نحن أمام احتاملني‪:‬‬ ‫األول أن ذاكرة يهوه قد خانته وأنه قد ظهر باسمه يهوه منذ البدء ولكن طول الزمن أنساه ذلك‪ ،‬االحتامل الثاين وهو‬ ‫أيضا وهو أن التوراة قد كُتبت بعد موىس بزمنٍ طويلٍ وهو ما يُرجح الفرضية القائلة بأن‬ ‫األرجح لدينا واألكرث منطقي ًة ً‬ ‫عمل‬ ‫التوراة قد كُتبت بيد عزرا الذي هو عزير الكاهن يف فرتة السبي البابيل‪ ،‬وأكرث العلامء يرون أن التوراة ليست ً‬ ‫أصيل لليهود وإمنا هي تجمي ٌع ألساطري كانت منترش ًة يف ذلك الوقت بني العديد من شعوب املنطقة وجاء اليهود‬ ‫إبداع ًيا ً‬ ‫ليدمجوها م ًعا يف قص ٍة واحدة‪ ،‬ومن هنا جاء التشويش يف النص املُجمع‪.‬‬ ‫‪60‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪1‬‬ ‫محمد شومان‬

‫السفر الرابع‪ :‬املرأة‬

‫شقًا‪َ ،‬و َو َض َع ُه َن َاك آ َد َم ال َِّذي َج َبلَ ُه‪َ .‬وأَنْ َب َت ال َّر ُّب ا ِإلل ُه ِم َن األَ ْر ِض ك َُّل شَ َج َر ٍة شَ ِه َّي ٍة لِل َّنظَ ِر‬ ‫« َو َغ َر َس ال َّر ُّب ا ِإلل ُه َج َّن ًة ِف َع ْدنٍ َ ْ‬ ‫الش‪( ».‬التكوين ‪.)10-8 :2‬‬ ‫َو َجيِّ َد ٍة لِألَكْلِ ‪َ ،‬وشَ َج َر َة الْ َحيَا ِة ِف َو َس ِط الْ َج َّن ِة‪َ ،‬وشَ َج َر َة َم ْع ِرفَ ِة الْ َخ ْيِ َو َّ ِّ‬ ‫وهكذا وجد الرب اإلله حلًّ ملشكلة سكن آدم حيث قام بوضعه يف جنة عدنٍ التي يعتقد اليهود أنها يف مكانٍ ما عىل‬ ‫األرض‪ ،‬رمبا كانت بني أرمينيا وبالد الرافدين‪ ،‬ورمبا كان نهر عدنٍ هو نهر الفرات وجنة عدنٍ هي الجزء الجنويب من‬ ‫العراق‪ ،‬مع مالحظة أن سهل بابل كان يُدعى عدنو‪.‬‬ ‫يوم يقرر اإلله أن يصنع له أنثاه فيستغل‬ ‫وذات ٍ‬ ‫فرصة نومه ويأخذ منه ضل ًعا ليصنع منه امرأةً‪:‬‬ ‫«فَأَ ْوقَ َع ال َّر ُّب ا ِإلل ُه ُس َبات ًا َع َل آ َد َم فَ َنا َم‪ ،‬فَأَ َخ َذ‬ ‫َو ِ‬ ‫اح َد ًة ِم ْن أَ ْضالَ ِع ِه َو َمألَ َمكَانَ َها لَ ْح ًم‪َ .‬وبَ َنى ال َّر ُّب‬ ‫ض َها‬ ‫ا ِإلل ُه ِّ‬ ‫الضلْ َع الَّ ِتي أَ َخ َذ َها ِم ْن آ َد َم ا ْم َرأَ ًة َوأَ ْح َ َ‬ ‫إِ َل آ َد َم‪ .‬فَق َ​َال آ َد ُم‪ِ :‬‬ ‫«هذ ِه اآل َن َعظْ ٌم ِم ْن ِعظَا ِمي‬ ‫َولَ ْح ٌم ِم ْن لَ ْح ِمي‪ِ .‬‬ ‫هذ ِه ت ُ ْد َعى ا ْم َرأَ ًة ألَنَّ َها ِمنِ‬ ‫ا ْم ِر ٍء أُ ِخ َذتْ »‪ .‬لِذلِ َك يَ ْ ُت ُك ال َّر ُج ُل أَبَا ُه َوأُ َّم ُه‬ ‫َويَلْتَ ِص ُق بِا ْم َرأَتِ ِه َويَكُونَانِ َج َس ًدا َو ِ‬ ‫اح ًدا‪َ .‬وكَانَا‬ ‫كِالَ ُه َم ُع ْريَانَ ْيِ‪ ،‬آ َد ُم َوا ْم َرأَت ُ ُه‪َ ،‬و ُه َم الَ يَ ْخ َجالَنِ »‪.‬‬ ‫(التكوين ‪.)25-21 :2‬‬ ‫ونحن ال نعرف كيف يخجل آدم وحواء من عريّهام‪ ،‬فالحالة الطبيعية للبرش هي العري‪ ،‬أما ارتداء الثياب فهو الحالة‬ ‫االستثنائية‪.‬‬ ‫ومن الطبيعي أن يكون أول املخلوقات يف حالة عري‪ ،‬أي يف الحالة الطبيعية األصلية‪.‬‬ ‫ونالحظ أن املنظومة الدينية بأرسها ت ُحقّر من شأن املرأة –ونحن ال نعرتض عىل ذلك وإمنا نحاول فقط أن نلقي الضوء‬ ‫عىل بعض املناطق املعتمة واملحظورة‪ -‬فهي أولً مل ت ُخلق ككائنٍ مستقلٍ بل مج ّرد ضلعٍ من الرجل‪ ،‬ثم أن هدف اإلله‬ ‫من خلقها هو تسلية الرجل وإيناس وحدته‪ ،‬وأول عملٍ قامت به يف الرتاث الديني هو إخراج زوجها من الجنة‪ .‬وتصفها‬ ‫التوراة يف سفر الجامعة قائل ًة‪:‬‬ ‫الصالِ ُح قُ َّدا َم الل ِه يَ ْن ُجو ِم ْن َها‪ .‬أَ َّما الْ َخ ِاط ُئ‬ ‫ش ٌاك‪َ ،‬ويَ َدا َها قُ ُيو ٌد‪َّ .‬‬ ‫«فَ َو َجدْتُ أَ َم َّر ِم َن الْ َم ْو ِت‪ :‬الْ َم ْرأَ َة الَّ ِتي ِه َي ِش َب ٌاك‪َ ،‬وقَلْ ُب َها أَ ْ َ‬ ‫‪61‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪1‬‬ ‫محمد شومان‬

‫اح َد ًة فَ َو ِ‬ ‫فَ ُي ْؤ َخ ُذ ِب َها‪ .‬اُنْظُ ْر‪ .‬هذَا َو َج ْدت ُ ُه‪ ،‬ق َ​َال الْ َجا ِم َع ُة‪َ :‬و ِ‬ ‫اح َد ًة ألَ ِج َد ال َّن ِتي َج َة الَّ ِتي لَ ْم تَ َز ْل نَف ِْس تَطْلُ ُب َها فَلَ ْم أَ ِج ْد َها‪َ .‬ر ُج ًل‬ ‫َو ِ‬ ‫اح ًدا بَ ْ َي أَل ٍْف َو َجدْتُ ‪ ،‬أَ َّما ا ْم َرأَ ًة فَ َب ْ َي ك ُِّل أُول ِئ َك لَ ْم أَ ِج ْد!» (الجامعة ‪.)28-26 :7‬‬ ‫فهذا الرجل مل يجد امرأ ًة صالح ًة واحد ًة يف الكون بأرسه قبل امليالد بعدة قرون‪ ،‬فام بالك برجل القرن الواحد والعرشون‬ ‫الذي يبحث عن امرأ ٍة صالحة؟‬ ‫أما سفر الالويني التورايت فال يرى يف األنثى إال النجاسة‪ ،‬ونقتبس منه هذه املقطوعة التي يطلق عليها البعض آيات‬ ‫النجاسة‪:‬‬ ‫« َوإِذَا كَانَ ِت ا ْم َرأَ ٌة لَ َها َس ْي ٌل‪َ ،‬وكَا َن َس ْيلُ َها َد ًما ِف لَ ْح ِم َها‪ ،‬ف َ​َس ْب َع َة أَيَّ ٍام تَكُو ُن ِف طَ ْم ِث َها‪َ .‬وك ُُّل َم ْن َم َّس َها يَكُو ُن نَج ًِسا إِ َل‬ ‫الْ َم َسا ِء‪َ .‬وك ُُّل َما ت َْضطَ ِج ُع َعلَ ْي ِه ِف طَ ْم ِث َها يَكُو ُن نَج ًِسا‪َ ،‬وك ُُّل َما ت َ ْجلِ ُس َعلَ ْي ِه يَكُو ُن نَج ًِسا‪َ .‬وك ُُّل َم ْن َم َّس ِف َراشَ َها يَ ْغ ِس ُل ثِ َيابَ ُه‬ ‫َويَ ْستَ ِح ُّم بِ َا ٍء‪َ ،‬ويَكُو ُن نَج ًِسا إِ َل الْ َم َسا ِء‪َ .‬وك ُُّل َم ْن َم َّس َمتَا ًعا تَ ْجلِ ُس َعلَ ْي ِه‪ ،‬يَ ْغ ِس ُل ثِ َيابَ ُه َويَ ْستَ ِح ُّم بِ َا ٍء‪َ ،‬ويَكُو ُن نَج ًِسا إِ َل‬ ‫الْ َم َسا ِء‪َ .‬وإِ ْن كَا َن َع َل الْ ِف َر ِاش أَ ْو َع َل الْ َمتَا ِع ال َِّذي ِه َي َجالِ َس ٌة َعلَ ْي ِه ِع ْن َد َما َ َي ُّس ُه‪ ،‬يَكُو ُن نَج ًِسا إِ َل الْ َم َسا ِء‪َ .‬وإِنِ ْاضطَ َج َع‬ ‫َم َع َها َر ُج ٌل فَكَا َن طَ ْمثُ َها َعلَيْ ِه يَكُو ُن نَج ًِسا َسبْ َع َة أَيَّ ٍام‪َ .‬وك ُُّل ِف َر ٍاش يَ ْضطَ ِج ُع َعلَيْ ِه يَكُو ُن نَج ًِسا» (الالويني ‪.)24-19 :15‬‬ ‫ٍ‬ ‫شديد يرى كاتب السفر أن املرأة ما هي إال‬ ‫أي باختصا ٍر‬ ‫مسها بالقذارة‪،‬‬ ‫كتل ٌة متحرك ٌة من النجاسة تصيب كل من ّ‬ ‫لذا يتوجب عىل املؤمن الصالح أن يتطهر باملاء من مجرد‬ ‫مالمسة امرأ ٍة حائض‪ ،‬وكأن الحيض هو رغب ٌة أنثوي ٌة وليس‬ ‫شأنًا فسيولوج ًيا‪.‬‬ ‫أيضا أن املرأة يف الرشيعة التوراتية ليس‬ ‫ونُضيف لذلك ً‬ ‫من حقها املرياث إال يف حال ٍة واحد ٍة فقط وهي ألّ يكون‬ ‫لها إخو ٌة من الذكور‪ ،‬هنا فقط تستحق املرياث مع ٍ‬ ‫رشط‬ ‫جوهري وهو أن تتزوج من أحد أفراد قبيلتها حتى ال تخرج‬ ‫ٍ‬ ‫ثروتها املوروثة خارج القبيلة‪.‬‬

‫باب قواعد الحيض يف كتاب فقه يهودي من القرن الثامن عرش‬

‫ولألمانة مل تكن تلك النظرة الدونية للمرأة ابتكا ًرا دين ًيا بقدر ما كانت تعب ًريا عن رؤي ٍة اجتامعي ٍة سائد ٍة لدى كافة‬ ‫املجتمعات القدمية‪ ،‬وما زالت منترش ًة يف املجتمعات الرشقية حتى عرصنا الحارض‪.‬‬ ‫‪62‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪1‬‬ ‫محمد شومان‬

‫ولنا هنا وقف ٌة مع مسرية املرأة التاريخية من خالل الفكر البرشي الديني والدنيوي م ًعا‪ ،‬فقبل األديان الساموية كانت‬ ‫نظرة املجتمعات البدائية للمرأة ـ يف أغلب األحوال‪ -‬نظر ًة دوني ًة‪.‬‬ ‫ففي اليونان القدمية مل يكن للمرأة اليونانية أي حقوقٍ وال حتى حق املرياث‪ ،‬ويف‬ ‫األسطورة اليونانية القدمية أن خلق املرأة األوىل كان لعقاب الرجل باعتبارها مصد ًرا‬ ‫للرش يف العامل‪ ،‬فعندما أرادت اآللهة عقاب البطل األسطوري «پروميثيوس»= املتبرص‬ ‫أرسل زيوس رب األرباب إليه املرأة األوىل واسمها «پندورا»=العطايا ليتزوجها‪،‬‬ ‫رص فقد رفض أن يقع يف رشك اآللهة وبالتايل رفض املرأة ليتلقفها أخوه‬ ‫وألنه متب ٌ‬ ‫«إيبيمثيوس»=املتهور الذي يتزوجها ـ طبعا ألنه متهور‪ -‬ويفتح صندوقًا كان معها‬ ‫كهدي ٍة من اآللهة له ل ُيخرج منه عرشة آالف رش‪.‬‬ ‫عبت عنه مرسحية يوربيدس حيث يسأل البطل الرب زيوس‬ ‫وهكذا دخل الرش إىل العامل عن طريق املرأة وهو ما ّ‬ ‫محت ًجا‪« :‬لِم خلقت املرأة تلك اللعنة عىل الجنس البرشي كله؟ ألإلنجاب؟ أمل يكن من املمكن أن يباع األطفال يف املعابد‬ ‫ذهب وفض ٍة و ِقطعٍ نقدي ٍة من الربونز ثم نعيش بعد ذلك أحرا ًرا بعي ًدا عن األنثى؟ وهو للحق ٌ‬ ‫منطقي إال‬ ‫سؤال‬ ‫مقابل ٍ‬ ‫ٌّ‬ ‫أنه يتجاهل أنه توجد للمرأة وظائف أخرى غري اإلنجاب»‪.‬‬ ‫وعىل نفس النمط الفكري تأيت الفلسفة اليونانية معادي ًة للمرأة فيقول سقراط‪:‬‬ ‫«إن من الجشع املرذول أن ينهب املرء ميتًا ألن معاملة الجثة وكأنها عد ٌو وضاعة ٍ‬ ‫نفس ال تليق إال بالنساء»‪.‬‬ ‫أي أنه يرى أن وضاعة النفس إمنا هي خصل ٌة نسائي ٌة فقط وليست طبيع ًة برشي ًة‪.‬‬ ‫أما أفالطون فريى أنه‪:‬‬ ‫صالح له»‪،‬‬ ‫صبي أو حيوانٍ أن يحدد ما هو ٌ‬ ‫«ليس يف مقدور أي امرأ ٍة أو ٍّ‬ ‫أي أنه يساوي بني املرأة وبني الحيوانات يف القدرات العقلية‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫جديد تبناه ‪-‬بعد آالف السنني‪ -‬الفيلسوف األملاين شوبنهور الذي‬ ‫برأي‬ ‫ويأيت أرسطو ٍّ‬ ‫رأى أن املرأة ليست أنثى الرجل بل كانت أنثى لحيوانٍ انقرض فلم تجد غري الرجل‬ ‫لتتخذه زو ًجا‪ .‬فيقول أرسطو‪:‬‬ ‫نقص يف القدرة العقلية والقدرة‬ ‫«إن النساء يختلفن عن الرجال يف النوع وعندهن ٌ‬ ‫الخلقية ولو أنهن ال يفتقرن كل ّي ًة إليهام»‪.‬‬ ‫يعب عنه الحكيم (بتاح حتب) يف‬ ‫وعىل نفس النهج اليوناين كان الفكر الفرعوين الذي ّ‬ ‫قائل البنه‪:‬‬ ‫حوايل القرن السابع والعرشون قبل امليالد ً‬ ‫«إذا أردت الحفاظ عىل الصداقة يف ٍ‬ ‫بيت تدخله فاحذر القرب من النساء فإن املكان‬ ‫‪63‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪1‬‬ ‫محمد شومان‬

‫الذي يك ّن فيه ليس بالحسن وال يجني اإلنسان من معرفتهن غري املوت»‪.‬‬ ‫أما الهند القدمية فلم يكن الحال يختلف كث ًريا‪ ،‬ففي رشائع مانو‪:‬‬ ‫«إن مصدر العار هو املرأة ومصدر العناء هو املرأة»‪.‬‬ ‫أو باختصا ٍر كان الهنود يرون أن املرأة كائ ٌن زائ ٌد عن الحاجة كالزائدة الدودية يف الجسم البرشي‪.‬‬ ‫وهكذا جاءت التوراة متسق ًة مع الواقع الفكري السائد آنذاك يف رؤيته للمرأة‪ ،‬وملا جاءت الديانة املسيحية التي هي‬ ‫رشعي للديانة اليهودية فكان لزا ًما عليها أن تتبنى نفس األفكار التوراتية يف هذا الشأن‪ ،‬وهو ما حدث حيث‬ ‫امتدا ٌد‬ ‫ٌّ‬ ‫أقر املسيحيون األفكار التوراتية عن املرأة‪ ،‬ولعل العالقة الشاذة التي كانت بني يسوع املسيح وأمه مريم كانت أوضح‬ ‫دليلٍ عىل النظرة الدونية التي كان يرى بها يسوع املرأة‪ ،‬فهو مل ينادها قط بلفظة «أمي» أو حتى «سيديت» بل كان ال‬ ‫يناديها إال بالقول «يا امرأة»‪.‬‬ ‫أيضا‪:‬‬ ‫وعىل نفس النهج سار بولس الرسول ً‬ ‫يق ِف ال َّر ِّب» (رسالة بولس الرسول إىل أهل كولويس ‪.)18 :3‬‬ ‫«أَيَّتُ َها ال ِّن َسا ُء‪ ،‬ا ْخ َض ْع َن لِ ِر َجالِ ُك َّن ك َ​َم يَلِ ُ‬ ‫وهذا هو دور املرأة يف الحياة‪ ،‬الخضوع للرجل كالرب متا ًما‪.‬‬ ‫بدوره يف الخطاب الرسمي عن هذا املنهاج فالقرآن قد ف ّرق بني الذكر واألنثى‪:‬‬ ‫وال يشذ اإلسالم‬ ‫َ َ ْ َ َّ َ ُ َ ْ ُ َٰ‬ ‫(آل عمران‪،)36 :‬‬ ‫﴿وليس اذلكر كلنث﴾‬ ‫َّ َ ْ ُ َ ّ ْ ُ ْ َ َ ْ‬ ‫ي﴾ (النساء‪.)11 :‬‬ ‫ً‬ ‫وأيضا‪﴿ :‬ل ِذلك ِر مِثل ح ِظ النثي ِ‬ ‫ويف الحديث يقول النبي محمد‪:‬‬ ‫ض َع َل ال ِّر َجا ِل ِم ْن ال ِّن َسا ِء»‪ .‬رواه البخاري (‪ )5096‬ومسلم (‪.)2740‬‬ ‫« َما تَ َرك ُْت بَ ْع ِدي ِفتْ َن ًة أَ َ َّ‬ ‫َت ِم ْن ِضلَعٍ لَ ْن ت َْستَ ِقي َم ل َ​َك َع َل طَرِي َق ٍة‪ ،‬فَ ِإنِ ْاستَ ْمتَ ْع َت ِب َها ْاستَ ْمتَ ْع َت ِب َها َو ِب َها ِع َو ٌج ‪َ ،‬وإِ ْن َذ َهبْ َت ت ُ ِقي ُم َها‬ ‫«إِ َّن الْ َم ْرأَ َة ُخلِق ْ‬ ‫َس َها ط َ​َلقُ َها» رواه مسلم (‪.)2762‬‬ ‫َست َ َها َوك ْ ُ‬ ‫‪،‬ك َ ْ‬ ‫أي أن املرأة باعتبار أنها مخلوق ٌة من ضلعٍ أعو ٍج فهي بالتايل عوجاء وال ميكن إصالحها‪ ،‬فلنستمتع بها إذن ونتغاىض عن‬ ‫اعوجاجها غري القابل للتعديل‪.‬‬ ‫«للمرأة عرش عور ٍ‬ ‫ات فإذا تزوجت سرت الزواج عور ًة وإذا ماتت سرت القرب التسع الباقيات» (حديث متداول لكن سنده‬ ‫ضعيف)‪.‬‬ ‫أي أن القرب هو املكان الوحيد الصالح للمرأة باعتبارها عور ًة يجب وأدها‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ناقصات عقلٍ و ِدينٍ أذ َه َب لِل ُِّب ال َّر ُجلِ‬ ‫رش ال ِّنسا ِء»‪( .‬رواه البخاري)‪.‬‬ ‫«ما رأَيْ ُت ِمن‬ ‫ِ‬ ‫الحازم ِمن إحداك َّن يا مع َ‬ ‫وهذا الحديث من األحاديث الطريفة‪ ،‬فعندما ُسئل محم ٌد عن السبب يف أن النساء ناقصات عقلٍ ودينٍ قال إن نقص‬ ‫العقل بسبب أن شهادة املرأة تعترب نصف شهادة الرجل‪ ،‬والطريف هنا أنه هو شخصيًا الذي وضع هذا الترشيع وبنا ًء‬ ‫عىل ترشيعه وصف املرأة بنقصان العقل‪ ،‬أما نقصان الدين فبسبب أنها ال تقوم بالطقوس الدينية يف فرتة الحيض‪ ،‬وكأنها‬ ‫هي املسؤولة أو املذنبة بشأن حيضها‪.‬‬ ‫‪64‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪1‬‬ ‫محمد شومان‬

‫يل بقصيدة هجا ٍء بشع ٍة للمرأة ـ إن صح أنه قائلها‪ -‬فيقول‪:‬‬ ‫وبعده يجيء اإلمام ع ٌ‬ ‫«أيها الناس! ال تطيعوا للنساء أم ًرا‪ ،‬وال تأمنوهن عىل مال‪ ،‬وال تدعوهن يدبّرن أمر عشري‪ ،‬فإنهن إن تُرِكن وما يردن‬ ‫أفسدن امللك‪ ،‬وعصني املالك‪ ،‬وجدناهن ال دين لهن يف خلواتهن‪ ،‬وال ورع لهن عند شهواتهن‪ ،‬اللذة بهن يسرية‪ ،‬والحرية‬ ‫بهن كثرية‪ ،‬فأما صوالحهن ففاجرات‪ ،‬وأما طوالحهن فعاهرات‪ ،‬وأما املعصومات فهن املعدومات‪ ،‬فيهن ثالث خصا ٍل من‬ ‫اليهود ‪ :‬يتظلمن وهن ظاملات‪ ،‬ويحلفن وهن كاذبات‪ ،‬ويتمنعن وهن راغبات‪ ،‬فاستعيذوا بالله من رشارهن‪ ،‬وكونوا‬ ‫عىل حذر من خيارهن»‪.‬‬ ‫كانت هذه هي نظرة البرشية للمرأة إىل ٍ‬ ‫عهد قريب‪ ،‬إىل أن قامت الثورة الفرنسية التي كانت أحد مبادئها األساسية‬ ‫الثالثة مبدأ املساواة بني جميع البرش‪ ،‬ومن هنا بدأ نضال املرأة لنيل حقوقها تحت راية الثورة الفرنسية وهو ما نجحت‬ ‫حد ز ٍ‬ ‫فيه إىل ح ٍّد بعيد‪ ،‬أو مبع ًنى أدقٍ نجحت إىل ٍ‬ ‫ائد يف أخذ حقوقٍ رمبا كانت أكرب من حجم عطائها‪.‬‬ ‫أما اآلن فقد أصبح من عالمات التحرض وبينات املدنية أن يطالب املثقف‬ ‫باملساواة بني الجنسني ‪-‬وهذا املطلب بحد ذاته عالم ٌة أساسي ٌة ألي ٍ‬ ‫شخص‬ ‫يريد أن يصبح من زمرة املثقفني‪ -‬ألن املرأة بحكم التعداد تساوي الرجل‬ ‫فهي نصف املجتمع وبالتايل فلها ما له وعليها ما عليه‪ ،‬أما حزب الكهنة‬ ‫فقد ادعى بدوره أن النص املقدس نفسه كان يدعو إىل املساواة من قبل‬ ‫أن يطالب بها املثقفون بآالف السنني لذا فهم يطلبون ألنفسهم ‪ -‬ككهن ٍة‬ ‫للرب‪ -‬حق األسبقية يف الدعوة للمساواة ‪ -‬رغم أنف النص املقدس لألديان‬ ‫جمي ًعا‪ -‬مع أن أي قراء ٍة متأني ٍة أو حتى مترسع ٍة للنص يف األديان جمي ًعا‬ ‫إلهي منذ بداية‬ ‫تقودنا ً‬ ‫حتم إىل اإلميان بأن التاميز بني الجنسني هو قرا ٌر ٌّ‬ ‫الخليقة وما زال ساريًا إىل اآلن‪ ،‬إذ أن قرارات اإلله التتبدل (غال ًبا)‪ ،‬وهكذا‬ ‫اتفق الكاهن مع املثقف يف الدعوة للمساواة خوفًا من االتهام بالتخلف‬ ‫الفكري أو الرجعية‪.‬‬ ‫أنثوي مدم ٌر مستخد ًما كل األسلحة األنثوية‬ ‫ذكوري ٌ‬ ‫أما ما يحدث يف العامل اآلن فليس إال انكسا ٌر‬ ‫شامل نتج عنه هجو ٌم ٌّ‬ ‫ٌّ‬ ‫يف سبيل القضاء عىل الخصم الذي ظل لعرشات القرون هو السيد املسيطر عىل مقدرات األمور‪ ،‬ومن الطريف أن الرجال‬ ‫عندما فوجئوا بالهجوم النسوي تراجعوا جمي ًعا بال مرب ٍر واضح‪ ،‬مام دفع بالنسوة إىل االعتقاد بأن السيطرة الذكورية‬ ‫عىل مدى التاريخ مل يكن لها ما يربرها‪ ،‬فها قد ظهر الرجال أخ ًريا عىل حقيقتهم عند املحك‪ ،‬مجرد فقاعة هوا ٍء مام زاد‬ ‫هجومهن رضاوةً‪.‬‬ ‫‪65‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪1‬‬ ‫محمد شومان‬

‫السفر الخامس الخلود أو املعرفة‬

‫ويعيش الزوجان م ًعا يف الجنة التي كان يوجد بها شجرتان ذكرتهام‬ ‫التوراة‪ ،‬األوىل هي شجرة الخلود وهي ليست محرم ًة عليهام أما األخرى‬ ‫فهي شجرة املعرفة وهي املحرمة‪.‬‬ ‫« َوأَ ْو َص ال َّر ُّب ا ِإلل ُه آ َد َم قَائِ ًل‪ِ « :‬م ْن َج ِميعِ شَ َج ِر الْ َج َّن ِة تَأْك ُ​ُل أَك ًْل‪َ ،‬وأَ َّما‬ ‫الش فَالَ تَأْك ُْل ِم ْن َها‪ ،‬ألَنَّ َك يَ ْو َم تَأْك ُ​ُل ِم ْن َها َم ْوتًا تَ ُوتُ »‪.‬‬ ‫شَ َج َر ُة َم ْع ِرفَ ِة الْ َخ ْ ِي َو َّ ِّ‬ ‫(التكوين ‪.)18-16 :2‬‬ ‫وال نستطيع نحن بعقولنا القارصة فهم الحكمة اإللهية من منع آدم‬ ‫من املعرفة بينام يتم السامح له بالخلود ولكننا نتساءل هل الخلود‬ ‫رص فقط عىل الجهلة الذين ال يستخدمون عقولهم بينام الفناء مصري‬ ‫مقت ٌ‬ ‫الذي يعرف‪ ،‬أو رمبا كان املقصد اإللهي تحريم املعرفة عىل أهل الجنة‬ ‫الذين كان منهم آدم وإتاحتها ألهل األرض الذين أصبح آدم واح ًدا منهم‪،‬‬ ‫ثقيل ال يستطيع الخالدون تحمله وهو‬ ‫هم ً‬ ‫مبعنى أن املعرفة رمبا كانت ًّ‬ ‫عبت عنه التوراة يف سفر الجامعة‪:‬‬ ‫ما ّ‬ ‫«ألَ َّن ِف ك ْ َ​َث ِة ال ِْح ْك َم ِة ك ْ َ​َث ُة الْ َغ ِّم‪َ ،‬وال َِّذي يَزِي ُد ِعل ًْم يَزِي ُد ُح ْزنًا»‪( .‬الجامعة ‪.)18 :1‬‬ ‫أي أن رشط األنسنة أو التحول من حالة الرباءة املالئكية إىل حالة الحرية البرشية هو يف األساس املعرفة التي ينتج‬ ‫أساسا من اختيا ٍر ال يتسنى لنا مامرسته إال بعد أن ننتقل من طور السذاجة املالئكية إىل طور الخربة‬ ‫عنها الفعل النابع ً‬ ‫العقالنية‪ ،‬أو رمبا هي أخ ًريا األمانة التي رفضت الجبال حملها وتقدم اإلنسان ليحملها ببطول ٍة كام يرى الرتاث اإلسالمي‪،‬‬ ‫ورمبا عىل ضوء هذه الفكرة نستطيع إعادة قراءة قول املسيح كام ورد يف إنجيل متى‪:‬‬ ‫الس َم َو ِ‬ ‫ات» (متّى ‪.)3 :18‬‬ ‫«اَلْ َح َّق أَق ُ​ُول لَ ُك ْم‪ :‬إِ ْن لَ ْم تَ ْر ِج ُعوا َوت َِص ُريوا ِمث َْل األَ ْوالَ ِد فَلَ ْن ت َ ْد ُخلُوا َملَكُوتَ َّ‬ ‫أي أن رشط الدخول إىل امللكوت هو تلك الفطرة الساذجة التي يتمتع بها األطفال ثم يفقدونها عندما يبدأون يف طور‬ ‫قول آخر للنبي محمد‪:‬‬ ‫الرجولة‪ ،‬ورمبا نُضيف عىل قول النبي عيىس ً‬ ‫«أَك َ ُْث أَ ْهلِ الْ َج َّن ِة الْ ُبلْ ُه»‪ .‬ذكره اإلمام الغزايل يف «اإلحياء»‪.‬‬ ‫أي أن معظم سكان امللكوت من املحرومني من نعمة العقل أو عىل األقل من ضعاف العقول أي البله‪ ،‬وهو ما يدفعنا‬ ‫أخ ًريا إىل التساؤل عن قيمة العقل يف املنظومة الفكرية الدينية وعن العالقة العكسية بني االعتقاد الديني والفكر‬ ‫الفلسفي‪.‬‬ ‫‪66‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪1‬‬ ‫محمد شومان‬

‫وقد يدفعنا هذا إىل التساؤل عن ماهية األمانة التي رفضت الجبال ح ْملها وح َملها اإلنسان كام يرى الرتاث اإلسالمي‪،‬‬ ‫هل األمانة التي تق ّدم اإلنسان بشجاع ٍة وبطول ٍة ليحملها هي املسؤولية ال ُخلقية عن أفعاله التي لن تنتج بالرضورة إال‬ ‫عن إراد ٍة حرة؟‬ ‫وبهذه اإلرادة الحرة تقدم آدم وأكل من الثامر املحرمة ليامرس حرية االختيار وما ينتج عنها من آثار‪.‬‬

‫السفر السادس‪ :‬الخطيئة األوىل‬

‫كل ثارت أمنا حواء عىل هذا املنع –وال نظن أن تلك الثورة كانت‬ ‫عىل ٍّ‬ ‫بسبب جرأة حواء بل عىل األرجح كانت بسبب حياة امللل التي كانت‬ ‫يوم‬ ‫تعيشها يف كنف زو ٍج ال يتعامل معها إال من‬ ‫ٍ‬ ‫منطلق مالئيك‪ -‬فذات ٍ‬ ‫تأيت إليها الحية يف محاول ٍة إلغرائها باألكل من الشجرة املحرمة قائل ًة‪:‬‬ ‫«أَ َحقًّا ق َ​َال الل ُه الَ تَأْكُالَ ِم ْن ك ُِّل شَ َج ِر الْ َج َّن ِة؟ فَقَال َِت الْ َم ْرأَ ُة لِلْ َحيَّ ِة‪ِ :‬م ْن‬ ‫َث َ ِر شَ َج ِر الْ َج َّن ِة نَأْك ُ​ُل‪َ ،‬وأَ َّما َث َ ُر الشَّ َج َر ِة الَّ ِتي ِف َو َس ِط الْ َج َّن ِة فَق َ​َال الل ُه‪ :‬الَ‬ ‫تَأْكُالَ ِم ْن ُه َوالَ تَ ََّسا ُه لِئَالَّ تَ ُوتَا‪ .‬فَقَال َِت الْ َح َّي ُة لِلْ َم ْرأَ ِة‪ :‬لَ ْن تَ ُوت َا! بَلِ الل ُه َعالِ ٌم‬ ‫الش»‪.‬‬ ‫أَنَّ ُه يَ ْو َم تَأْكُالَنِ ِم ْن ُه ت َ ْن َف ِت ُح أَ ْع ُي ُنك َُم َوتَكُونَانِ كَالل ِه َعا ِرف ْ َِي الْ َخ ْ َي َو َّ َّ‬ ‫(التكوين ‪.)5-1 :3‬‬ ‫يحاول كهنة األديان إقناعنا بأن الشيطان كان متنك ًرا يف صورة الحية أو‬ ‫أنه قد تسلل إىل جوفها ليتحدث عىل لسانها ولكننا ال نجد ذلك لألسف‬ ‫أيضا كان من الرب للحية‪ ،‬أما الشيطان املسكني فال دور له يف‬ ‫يف النص التورايت فالخطاب كان من الحية للمرأة والعقاب ً‬ ‫هذه امللحمة املقدسة بل بدأ دوره بعد ذلك عىل يد الكهنة املحرتفني إلضافة بعض التشويق ورمبا الرعب عىل القصة‬ ‫التوراتية املشوشة‪ ،‬ثم إن الشيطان مل يظهر يف الخطاب التورايت املقدس إال بد ًءا من سفر أيوب‪ ،‬وبالفعل تنجح الحية يف‬ ‫أيضا باألكل منها‪ ،‬وهنا حدثت املعجزة‪:‬‬ ‫إقناع حواء باألكل من الشجرة املحرمة‪ ،‬ثم تنجح حواء يف إقناع آدم ً‬ ‫«فَانْ َفتَ َح ْت أَ ْع ُي ُن ُه َم َو َعلِ َم أَنَّ ُه َم ُع ْريَانَانِ » (التكوين ‪.)7 :3‬‬ ‫رش وهذا هو الفرق الجوهري بني اإلنسان وبني املالئكة من ناحي ٍة وبينه وبني الحيوانات‬ ‫إذن فقد تح ّوال باملعرفة إىل ب ٍ‬ ‫من الناحية األخرى‪ ،‬فاملالئكة تعلم املسموح به ولكنها محروم ٌة من نعمة االختيار فهي مجبول ٌة عىل الطاعة الجربية‪،‬‬ ‫أما الحيوانات فهي محروم ٌة من املعرفة ولكنها متتلك حرية االختيار‪ ،‬أما اإلنسان فهو املخلوق الوحيد الذي يجمع بني‬ ‫املعرفة وبني حرية االختيار‪ ،‬ونالحظ هنا أن نصيحة الحية للمرأة كانت صادق ًة فقد قالت لها بكل صدق‪:‬‬ ‫الش»‪( .‬التكوين ‪.)5-4 :3‬‬ ‫«لَ ْن تَ ُوت َا! بَلِ الل ُه َعالِ ٌم أَنَّ ُه يَ ْو َم تَأْكُالَنِ ِم ْن ُه ت َ ْن َف ِت ُح أَ ْع ُي ُنك َُم َوتَكُونَانِ كَالل ِه َعا ِرف ْ َِي الْ َخ ْ َي َو َّ َّ‬ ‫‪67‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪1‬‬ ‫محمد شومان‬

‫أيضا أنهام عريانان كام قالت الحية متا ًما‪ ،‬ولعل‬ ‫وبالفعل انفتحت أعينهام كام قالت الحية الحكيمة وأصبحا يعلامن ً‬ ‫النقطة الحاسمة يف هذا املوقف معرفة الحية التي رمبا تفوق معرفة اإلله التورايت نفسه‪ ،‬فقد هدد إله التوراة آدم بأنه‬ ‫يوم يأكل من الشجرة املحرمة «موتًا متوت» ولكن الحية األعلم من اإلله قالت للمرأة «لن متوتا» وبالفعل تصدق الحية‬ ‫وال يصدق اإلله‪.‬‬ ‫وب رِي ِح ال َّن َهارِ‪ ،‬فَا ْختَ َبأَ آ َد ُم َوا ْم َرأَتُ ُه ِم ْن َو ْج ِه ال َّر ِّب ا ِإلل ِه ِف َو َس ِط شَ َج ِر‬ ‫« َو َس ِم َعا َص ْوتَ ال َّر ِّب ا ِإلل ِه َم ِاش ًيا ِف الْ َج َّن ِة ِع ْن َد ُه ُب ِ‬ ‫الْ َج َّن ِة»‪( .‬التكوين ‪.)8 :3‬‬ ‫برشي يتنزه بني أشجار الجنة ويُحدث أصواتًا مثلنا عندما مييش ويبدو أن اإلله الذي يعرف كل‬ ‫إذن فالرب التورايت كائ ٌن ٌّ‬ ‫يش ٍء مل يكن يعرف مكان آدم‪:‬‬ ‫«فَ َنا َدى ال َّر ُّب ا ِإلل ُه آ َد َم َوق َ​َال لَ ُه‪ :‬أَيْ َن أَنْ َت؟» (التكوين ‪.)9 :3‬‬ ‫وهنا كان البد من املواجهة فخرج آدم من مخبئه ليسأله اإلله‪:‬‬ ‫« َه ْل أَكَل َْت ِم َن الشَّ َج َر ِة الَّ ِتي أَ ْو َصيْتُ َك أَ ْن الَ تَأْك َُل ِم ْن َها؟» (التكوين ‪.)11: 3‬‬ ‫ٌ‬ ‫ورصيح وال يحتمل إال ر ًدا واح ًدا بنعم أو ال‪ ،‬فرد آدم‪:‬‬ ‫واضح‬ ‫سؤال‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫«الْ َم ْرأَ ُة الَّ ِتي َج َعلْتَ َها َم ِعي ِه َي أَ ْعطَتْ ِني ِم َن الشَّ َج َر ِة فَأَكَل ُْت»‪( .‬التكوين ‪.)12 :3‬‬ ‫جاء رد آدم يف منتهى الخبث بأن ألقى بالكرة يف ملعب اإلله‪ ،‬فاملرأة التي وهبتها يل دون أن أطلب منك ذلك هي التي‬ ‫أغوتني‪ ،‬إذن فاملسؤولية تقع عليك ال عيل‪.‬‬ ‫«فَق َ​َال ال َّر ُّب ا ِإلل ُه لِلْ َم ْرأَ ِة‪َ :‬ما هذَا ال َِّذي فَ َعل ِْت؟ فَقَال َِت الْ َم ْرأَةُ‪ :‬الْ َح َّي ُة َغ َّرتْ ِني فَأَكَل ُْت»‪( .‬التكوين ‪.)13 :3‬‬ ‫فعل أغوت املرأة وإن‬ ‫حق يراد به باطل‪ ،‬فالحية ً‬ ‫واملرأة ً‬ ‫أيضا تنكرت من مسؤوليتها وألقت باملسؤولية عىل الحية وهو ٌ‬ ‫كان هذا ال يعفي املرأة من املسؤولية ولكن املرأة بطبيعة تكوينها الخلقي والعقيل غري مؤهل ٍة لتحمل املسؤولية‪.‬‬

‫السفر السابع‪ :‬الطرد‬

‫وهنا ينتهي االستجواب ويبدأ العقاب اإللهي الذي بدأ بالحية‪:‬‬ ‫«فَق َ​َال ال َّر ُّب ا ِإلل ُه لِلْ َح َّي ِة‪« :‬ألَنَّ ِك فَ َعل ِْت هذَا‪َ ،‬ملْ ُعونَ ٌة أَنْ ِت ِم ْن َج ِميعِ الْ َب َهائِ ِم َو ِم ْن َج ِميعِ ُو ُح ِ‬ ‫وش ال َ ِّْبيَّ ِة‪َ .‬ع َل بَطْ ِن ِك ت َْس َع ْ َي‬ ‫َوتُ َرابًا تَأْكُلِ َني ك َُّل أَيَّ ِام َح َياتِ ِك‪َ .‬وأَ َض ُع َع َدا َو ًة بَ ْي َن ِك َوبَ ْ َي الْ َم ْرأَ ِة‪َ ،‬وبَ ْ َي نَ ْسلِ ِك َونَ ْسلِ َها‪ُ .‬ه َو يَ ْس َح ُق َرأْ َس ِك‪َ ،‬وأَنْ ِت ت َْس َح ِق َني‬ ‫َع ِق َب ُه»‪( .‬التكوين ‪.)15-14 :3‬‬ ‫‪68‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪1‬‬ ‫محمد شومان‬

‫أيضا كان موج ًها للحية فلو أن‬ ‫وهكذا ال نرى للشيطان املسكني أي دو ٍر فيام يجري‪ ،‬فالخطأ كان من الحية والعقاب ً‬ ‫الشيطان كان متنك ًرا يف صورة الحية لوجب عقابه من ِقبل اإلله إال إذا افرتضنا أن الكهنة يعلمون ما يجهله الرب‪ !...‬وهو‬ ‫ما يؤكد لنا جهل الالهوتيني وخبثهم حني يحاولون إقناعنا بأن الشيطان كان وراء إغواء آدم‪ ،‬فالشيطان بري ٌء من إغواء‬ ‫آدم براءة الحوت من دم يونان بشهادة الكتاب املقدس نفسه‪ ،‬أما إذا تعارض النص املق ّدس اإللهي مع الفكر البرشى‬ ‫الدينى مثل حالتنا هذه فالنتيجة تصبح اتهام الشيطان املسكني بجرمي ٍة مل يفكر الرب اإلله نفسه يف اتهامه بها وال حتى‬ ‫معاقبته‪ ،‬أما العقاب الذي نال الحية فهو أن تصبح ملعون ًة من جميع املخلوقات وأن تسعى عىل بطنها يف الرتاب بال‬ ‫بأقدام رائع ٍة وهيئ ٍة فاتن ٍة قبل السقوط‪ ،‬وأن تأكل من تراب األرض‪ ،‬وامتثلت الحية‬ ‫أقدام‪ ،‬إذ يقال لنا أنها كانت تتمتع‬ ‫ٍ‬ ‫للعقاب مع استثنا ٍء ٍ‬ ‫واحد ٍ‬ ‫بسيط وهو أنها رفضت أن تأكل من تراب األرض كام أمرها الرب اإلله‪ ،‬فال أظن أح ًدا منا قد‬ ‫رأى حي ًة تتناول وجبة غدائها من الرتاب‪.‬‬ ‫والتفت الرب إىل حواء ليعاقبها‪:‬‬ ‫اب َحبَلِ ِك‪ ،‬بِالْ َو َجعِ تَلِ ِدي َن أَ ْوالَ ًدا‪َ .‬وإِ َل َر ُجلِ ِك يَكُو ُن اشْ ِتيَاق ُِك َو ُه َو يَ ُسو ُد َعلَيْ ِك»‪( .‬التكوين ‪.)16 :3‬‬ ‫«تَ ْك ِث ًريا أُك ِّ َُث أَت ْ َع َ‬ ‫وكذلك نفّذت حواء «ونسلها بالطبع» تعليامت الرب فهن يلدن يف وجعٍ ويبدو أن شهوتهن الجنسية أقوى من شهوة‬ ‫الرجل‪ ،‬وبالتايل فاشتياقهن له أكرث من اشتياقه لهن‪ ،‬أما مسألة أنه يسود عليها فأم ٌر يبدو أنه مل يؤخذ من النساء عىل‬ ‫محمل الجدية ‪!...‬‬ ‫ونأيت أخ ًريا لعقاب املسكني آدم‪ ،‬حيث قال له‪:‬‬ ‫«ألَنَّ َك َس ِم ْع َت لِ َق ْو ِل ا ْم َرأَتِ َك َوأَكَل َْت ِم َن الشَّ َج َر ِة الَّ ِتي أَ ْو َص ْيتُ َك قَائِ ًل‪ :‬الَ تَأْك ُْل ِم ْن َها‪َ ،‬ملْ ُعونَ ٌة األَ ْر ُض ب َِس َبب َِك‪ .‬بِالتَّ َع ِب تَأْك ُ​ُل‬ ‫ِم ْن َها ك َُّل أَيَّ ِام َح َياتِ َك‪َ .‬وشَ ْوكًا َو َح َسكًا ت ُ ْنب ُِت ل َ​َك‪َ ،‬وتَأْك ُ​ُل ُعشْ َب الْ َحقْلِ ‪ِ .‬ب َع َرقِ َو ْجه َِك تَأْك ُ​ُل ُخ ْب ًزا َحتَّى ت َ ُعو َد إِ َل األَ ْر ِض الَّ ِتي‬ ‫اب ت َ ُعو ُد»‪( .‬التكوين ‪.)19-17 :3‬‬ ‫اب‪َ ،‬وإِ َل تُ َر ٍ‬ ‫أُ ِخ ْذتَ ِم ْن َها‪ .‬ألَنَّ َك ت ُ َر ٌ‬ ‫وعقاب آدم هو أنه سيحصد ما يزرعه بالتعب واملجهود بعد معيشة البلهنية التي كان يعيشها يف الجنة‪ ،‬إذ أن الجنة كام‬ ‫نعلم جمي ًعا من تراثنا الديني تنبت من غري مجهو ٍد ويحصد ساكنها خرياتها من غري زرع‪ ،‬ونالحظ هنا رنة االزدراء يف‬ ‫أيضا أن سبب عقاب‬ ‫اب‪َ ،‬وإِ َل ت ُ َر ٍ‬ ‫اب ت َ ُعو ُد» (التكوين ‪ )19 :3‬تذك ًريا له بأصله الوضيع‪ ،‬ونالحظ ً‬ ‫قول اإلله آلدم‪« :‬ألَنَّ َك ت ُ َر ٌ‬ ‫آدم األسايس أنه سمع لقول امرأته‪.‬‬ ‫ونتساءل عن السبب الذي دعا الرب اإلله إىل طرد آدم‪ ،‬فنالحظ هنا أن الرب اإلله مل يطرد آدم من الجنة بسبب املعصية‬ ‫بل عىل العكس‪:‬‬ ‫‪69‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪1‬‬ ‫محمد شومان‬

‫« َو َص َن َع ال َّر ُّب ا ِإلل ُه آل َد َم َوا ْم َرأَتِ ِه أَقْ ِم َص ًة ِم ْن ِجل ٍْد َوأَلْ َب َس ُه َم»‪( .‬التكوين ‪.)21 :3‬‬ ‫مع أن املعصية كان عقابها املوت كام أكد الله ذاته آلدم‬ ‫حني حذره من األكل من هذه الشجرة أو عىل األقل‬ ‫الطرد الفوري من جنة الرب وهو ما مل يحدث يف حالتنا‬ ‫هذه مام يُلقي شكوكًا لدينا عىل سبب الطرد وهو ما‬ ‫تورده التوراة بعد ذلك‪:‬‬ ‫« ُه َوذَا ا ِإلنْ َسا ُن قَ ْد َصا َر كَ َو ِ‬ ‫الش‪.‬‬ ‫اح ٍد ِم َّنا َعا ِرفًا الْ َخ ْ َي َو َّ َّ‬ ‫َواآل َن لَ َعلَّ ُه َ ُي ُّد يَ َد ُه َويَأْ ُخ ُذ ِم ْن شَ َج َر ِة الْ َح َيا ِة أَيْ ًضا َويَأْك ُ​ُل‬ ‫َويَ ْح َيا إِ َل األَبَ ِد»‪( .‬التكوين ‪.)22 :3‬‬ ‫ٍ‬ ‫كواحد‬ ‫إذن الطرد مل يكن بسبب األكل من شجرة املعرفة بل بسبب الخوف من أن يأكل آدم من شجرة الخلود ويصري‬ ‫من اآللهة‪« ،‬الحظ صيغة الجمع يف الجملة السابقة وغريها يف مئات املواضع التي تجعل اإلله التورايت واح ًدا من مجمع‬ ‫أيضا أن الشجرة التي كان مسمو ًحا بها وهي شجرة الخلد قد أصبحت اآلن ممنوع ًة مام يدفعنا‬ ‫اآللهة»‪ ،‬ونالحظ ً‬ ‫لالعتقاد بأن الخلود واملعرفة ضدان ال يجتمعان ‪!...‬‬ ‫تحس ًبا من‬ ‫وأخ ًريا قرر اإلله طرد آدم من الجنة وخوفًا من أن يأكل من شجرة الخلود قام بوضع حراس ٍة مشدد ٍة عليها ّ‬ ‫أي حركة غد ٍر يقوم بها السيد آدم‪:‬‬ ‫ِيق شَ َج َر ِة الْ َح َيا ِة»‪( .‬التكوين ‪.)24 :3‬‬ ‫ِيب َس ْي ٍف ُمتَ َقل ٍِّب لِ ِح َر َاس ِة طَر ِ‬ ‫ش ِق َّي َج َّن ِة َع ْدنٍ الْ َك ُروبِي َم‪َ ،‬ولَه َ‬ ‫«فَطَ َر َد ا ِإلنْ َسانَ‪َ ،‬وأَقَا َم َ ْ‬ ‫ٍ‬ ‫كواحد من اآللهة كام‬ ‫وإذا اقتنعنا بأن سبب طرد آدم من الجنة هو خوف اإلله من أن يأكل من شجرة الخلود ويصري‬ ‫أساسا‬ ‫يقول لنا الكتاب املقدس حرف ًيا‪ ،‬يف هذه الحالة تنهار عىل الفور الديانة البولسية املنسوبة إىل املسيح ألنها قامئ ٌة ً‬ ‫عىل فكرة الفداء اإللهي من ذنب آدم الذي طُرد من الجنة وعوقب بسبب األكل من الشجرة املحرمة‪ ،‬فإذا جاءت التوراة‬ ‫التي هي األساس الفكري لألديان جمي ًعا وقالت إن الطرد مل يكن بسبب املعصية بل هو بسبب خوف اإلله من أن يأكل‬ ‫آدم من شجرة الخلود ويصري عاملًا خال ًدا‪ ،‬هنا يصبح لرأي التوراة حجيته خاص ًة بالنسبة للفكر املسيحي‪.‬‬ ‫وهناك وجهة نظ ٍر أخرى عن سبب الطرد تقرتب من وجهة النظر اإلسالمية‪ ،‬وجدناها يف مذكرات آدم الشخصية‪ ،‬ففي‬ ‫‪70‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪1‬‬ ‫محمد شومان‬

‫كتاب «حياة آدم وحواء» الذي يعود تأليفه إىل القرن األول قبل امليالد‪ ،‬والذي‬ ‫ترجم جز ًءا منه أستاذنا فراس السواح يف كتاب «الرحمن والشيطان»‪ ،‬فبعد الطرد‬ ‫والسقوط يتقابل آدم مع الشيطان ويسأله‪:‬‬ ‫«الويل لك أيها الشيطان‪ ،‬ملاذا تهاجمنا دون سبب؟ ما الذي فعلناه حتى تالحقنا‬ ‫دو ًما باملكر والخديعة؟‬ ‫فتنهد الشيطان وقال لها‪« :‬إن كل عدايئ وحسدي هو بسببك أنت يا آدم‪.‬‬ ‫بسببك أنت جرى طردي من الفردوس و ُحرمت من مجدي املالئيك‪ ،‬وبسببك‬ ‫أنت ُرميت من األعايل إىل األسافل‪ ».‬فقال آدم‪« :‬ما الذي فعلته لك ويف أي أمر‬ ‫أذى؟ فأجاب الشيطان‪« :‬عن‬ ‫ضا وال ً‬ ‫لومك يل؟ ملاذا تالحقنا ومل نسبب لك ُ ً‬ ‫أي يشء تتحدث يا آدم؟ بسببك أنت أُخرجت من هنالك‪ ،‬وبعد خلقك أنت‬ ‫أُبعدتُ من حرضة الرب وصحبة املالئكة‪ .‬فعندما نفخ الرب يف أنفك نسمة الحياة بعد أن شكَّل هيئتك عىل‬ ‫قائل‪ :‬انظر يا آدم لقد صنعتك عىل صورتنا وشبهنا‪.‬‬ ‫صورته‪ ،‬دعانا ميكائيل ليك نسجد لك يف حرضة الرب الذي خاطبك ً‬ ‫ثم دعا ميكائيل جميع املالئكة وقال لهم‪ :‬اسجدوا لصورة الرب حسبام أمر‪ .‬وكان ميكائيل أول الساجدين‪ ،‬ثم دعاين إىل‬ ‫ْت‬ ‫السجود فأجبته‪« :‬أنا ال أسجد آلدم‪ .‬وعندما حثني عىل السجود قلت‪ :‬لن أسجد ملن هو أدىن مني مرتب ًة‪ ،‬فلقد ُخلِق ُ‬ ‫أيضا‪ .‬فلام سمع الرب قويل ثار غضبه‬ ‫قبله وعليه هو أن يسجد يل‪ .‬وملا سمع املالئكة التابعون يل قويل رفضوا السجود ً‬ ‫يل وأنزلني من مرتبة املجد مع أتباعي‪ ،‬وطردنا من مقرنا العلوي إىل األرض حيث لبثنا نندب مجدنا الضائع‪ .‬ولقد‬ ‫ع َّ‬ ‫آملني أن أراك هناك تنعم بالرسور والربكة‪ ،‬فجئت زوجتك بالخديعة وأغويتها فجلعتها سبب فقدانك أفراح النعيم‪».‬‬ ‫هذه هي قصة آدم مع الشيطان يف الفكر األپوكريفي اليهودي‪ ،‬وهي تقري ًبا نفس الفكرة يف الرتاث الرسمي اإلسالمي‪،‬‬ ‫ا»حمل أوجه»‪ ،‬أي تستطيع قراءة مفرداته من اليمني لليسار أو بالعكس حسب‬ ‫ولن نزيد عىل القول بأن الدين عمو ًم ّ‬ ‫توجهك األيديولوجي‪ ،‬املهم أن آدم طُرد من الجنة وأُهبط إىل األرض أيًّا كان السبب‪.‬‬ ‫نسل إلعامر األرض الخربة والخالية‪ ،‬ولتسلية‬ ‫وبالخروج من الجنة اليهوية يتمكن أبونا آدم من امتطاء أ ّمنا حواء ليصنع ً‬ ‫وقت الفراغ الطويل خاص ًة يف ليايل الشتاء الباردة‪ ،‬ويكون نتيجة هذا االمتطاء ولدين وبنتني‪ ،‬ول ٌد عمل يف الرعي واسمه‬ ‫«هابيل»‪ ،‬واآلخر ع ِمل يف الزراعة واسمه «قايني»‪ ،‬ويحدث ٌ‬ ‫خالف بني األخوين يكون من نتيجته أن يقتل الفالح الرشير‬ ‫قاتل لعمنا‬ ‫أخاه الراعي الطيب‪ ،‬ويفر هاربًا من وجه العدالة ليتزوج وينجب البرشية التاعسة‪ ،‬أي أن أبانا األعىل كان ً‬ ‫األعىل‪ ،‬وهكذا بدأ تك ّون الجنس البرشي من َج ٍّد ٍ‬ ‫وأب قاتلٍ‬ ‫هارب‬ ‫ٍ‬ ‫عاص مطرو ٍد من رحمة الرب‪ ،‬وجد ٍة حليف ٍة للشيطان‪ٍ ،‬‬ ‫من وجه العدالة‪.‬‬ ‫‪71‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪1‬‬ ‫محمد شومان‬

‫السفر الثامن‪ :‬الطوفان‬ ‫وبطرد آدم وحواء وثالثهام الشيطان من الجنة اليهوية يختفي ِذكر اإلله‬ ‫يهوه من النص املقدس‪ ،‬ويرتك نسل آدم يتكاثر عىل األرض وتتكاثر‬ ‫معهم ذنوبهم‪ ،‬ويصدق حدس مالئكة السامء حني قالت للرب يف القرآن‪:‬‬ ‫َ​َ ُ‬

‫َ َ ُْ ُ َ َ​َْ ُ‬ ‫َْ‬ ‫ك ّ‬ ‫ادل َِم َاء﴾ (البقرة‪.)30 :‬‬ ‫﴿أتعل فِيها من يفسِد فِيها ويسفِ‬

‫وفعل أفسد نسل آدم وسفكوا الدماء‪ ،‬ولكن باب التوبة دامئًا مفتوح‪،‬‬ ‫ً‬ ‫يوم حدثٌ يف غاية الغرابة تورده‬ ‫وكذا باب الرحمة‪ ،‬إىل أن حدث ذات ٍ‬ ‫التوراة عىل النحو التايل‪:‬‬ ‫اس يَك ُ ُْثو َن َع َل األَ ْر ِض‪َ ،‬و ُولِ َد لَ ُه ْم بَ َناتٌ ‪ ،‬أَ َّن أَبْ َنا َء‬ ‫« َو َح َدثَ ل ََّم ابْتَ َدأَ ال َّن ُ‬ ‫الل ِه َرأَ ْوا بَ َن ِ‬ ‫ات ال َّن ِ‬ ‫اس أَنَّ ُه َّن َح َس َناتٌ ‪ .‬فَاتَّ َخذُوا ألَنْف ُِس ِه ْم نِ َسا ًء ِم ْن ك ُِّل َما‬ ‫ا ْختَا ُروا» (التكوين ‪.)2-1 :6‬‬ ‫هذا النص من النصوص الغريبة يف التوراة ولذا يتجاهله معظم املفرسين أو ميرون عليه مرور اللئام‪ ،‬فلنحاول أن نرشحه‬ ‫نحن بطريقتنا‪ ،‬كان البرش قبل نوح يتكاثرون بطريق ٍة طبيعي ٍة نتيجة تزاوج الرجال من النساء إىل أن ظهر عىل مرسح‬ ‫األحداث ما تسميه الرتجمة العربية للتوراة «أبناء الله» وهي ترجم ٌة غري دقيق ٍة للكلمة العربية القدمية בני האלוהים‬ ‫«بيني ها إيلوهيم» والتي تعني حرف ًيا الكائنات املقدسة أو املالئكة وليس أبناء الله كام تخربنا الرتجمة العربية‪ ،‬فنجد‬ ‫يف سفر أيوب‪:‬‬ ‫« َوكَا َن َذاتَ يَ ْو ٍم أَنَّ ُه َجا َء بَ ُنو الل ِه لِيَ ْمثُلُوا أَ َما َم ال َّر ِّب‪َ ،‬و َجا َء الشَّ يْطَا ُن أَيْ ًضا ِف َو ْس ِط ِه ْم لِيَ ْمث َُل أَ َما َم ال َّر ِّب» (أيوب ‪.)1 :2‬‬ ‫أي أن أبناء الله هم املالئكة‪ ،‬ولكن مالئكة السامء كائناتٌ نوراني ٌة من املفرتض أنهم ال يتزوجون‪ ،‬فكيف يتزوج ٌ‬ ‫مالك‬ ‫ٍ‬ ‫برشي مع إناث‬ ‫بجسد‬ ‫نورا ٌين من برشي ٍة طينية؟ وكيف يتخىل املالك عن طبيعته النورانية الطاهرة وميارس الجنس‬ ‫ٍ‬ ‫مبهم إىل أن عرثنا عىل كتاب أپوكريفي «غري معرتف به رسم ًيا» اسمه سفر أخنوخ‪ ،‬وقد كُتب‬ ‫األرض؟ ظل هذا التساؤل ً‬ ‫يف حوايل القرن األول قبل امليالد عىل األقل وهو يرشح لنا هذا النص الغامض بالتفصيل‪:‬‬

‫‪72‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪1‬‬ ‫محمد شومان‬

‫«عندما تكاثر بنو البرش ُولد لهم بنات غضة وجميالت‪ ،‬ورآهن املالئكة أبناء‬ ‫السامء فاشتهوهن‪ ،‬فقال بعضهم لبعض‪ :‬لنذهب ونخرت نساء من البرش‬ ‫ولننجب أطفاال‪ ،‬فقال لهم شمهازا الذي كان رئيسهم‪ :‬أخىش أن ترتاجعوا‬ ‫فأصبح وحدي املقرتف لخطيئة كبرية‪ ،‬فأجابوه جميعا‪ :‬لنقسم كلنا العنني‬ ‫أال نتخىل عن هذا املخطط حتى نتمه ونكون قد أنجزنا األمر‪ ،‬عندها‬ ‫أقسموا مع بعضهم جميعا وتعاهدوا حتى اللعن من أجل ذلك‪ ،‬وكانوا‬ ‫مبجملهم مائتني‪ ،‬وكانوا قد نزلوا يف زمن يارد عىل قمة جبل حرمون‪ ،‬وسمى‬ ‫الجبل حرمون ألنهم هنا كانوا قد أقسموا وتبادلوا العهد حتى اللعن‪ ،‬هؤالء‬ ‫وجميع رفقائهم اتخذوا نساء ألنفسهم‪ ،‬واحدة لكل منهم‪ ،‬وبدءوا بتقريبهن‬ ‫والتنجس باالحتكاك بهن‪ ،‬وعلموهن األدوية والسحر والنبات وأرشدوهن‬ ‫إىل األعشاب‪ ،‬وحملت النساء وولدن عاملقة طولهم ثالثة آالف ذراع‪ ،‬إبتلعوا‬ ‫نتاج تعب البرش كله‪ ،‬إىل حد أن البرش مل يعودوا يستطيعون اطعامهم‪،‬‬ ‫وتحالف العاملقة ضدهم يك يقتلوهم وابتلعوا البرش‪ ،‬وراحوا يذنبون إتجاه‬ ‫الحيوانات كلها‪ ،‬الطيور‪ ،‬وذوات األربع‪ ،‬والزواحف‪ ،‬واألسامك‪ ،‬كام وابتلعوا‬ ‫بعضهم بعضا ورشبوا الدم‪ ،‬عندها إشتكت األرض من املجرمني ملا كان قد جرى عليها» (السفر الرؤيوي ألخنوخ ‪.)2 :1‬‬ ‫وهنا يتضح لنا األمر‪ ،‬فاملالئكة املطرودة من سامء الرب مع الشيطان أيام آدم أو حفيده يارد قد اشتهت أجساد بنات‬ ‫قليل لألساطري‬ ‫جنسا من الجبابرة‪ -‬ولو رجعنا ً‬ ‫البرش اللدنة فاتخذت لنفسها صور ًة جسدي ًة لتضاجعهن وتنجب منهن ً‬ ‫البدائية لوجدنا أنه كان من األمور املعتادة هبوط آله ٍة من السامء لتمتطي إناث ًا من بني البرش لتنجب منهن كائ ًنا‬ ‫أقوى من البرش وأضعف من اإلله «ولنا يف هرقل ابن اإلله زيوس من البرشية ألكمينا أسو ًة حسن ًة»‪ ،‬وجاءت التوراة‬ ‫لتساير األساطري السائدة وتؤكد أن سكان األرض يف وقت نو ٍح كانوا «هجي ًنا» من تزاوج املالئكة الساقطة مع بنات‬ ‫ِ‬ ‫أيضا إىل مضاجعة الحيوانات والزواحف‪ ،‬ولعلنا‬ ‫البرش الفاتنات‪ ،‬ومل‬ ‫تكتف مطاريد املالئكة مبضاجعة إناثنا‪ ،‬بل اتجهت ً‬ ‫مرصي صمي ٌم مازال مستم ًرا حتى اآلن‪ ،‬أما‬ ‫نستطيع أن نتفهم مضاجعة املالئكة للحيوانات عىل اعتبار أنه تقلي ٌد‬ ‫ٌ‬ ‫يك مل نسمع عنه قط بني بني البرش‪ ،‬ورمبا لهذا السبب مل يطلب اإلله يهوه‬ ‫مضاجعة الزواحف فهي يف الحق ابتكا ٌر مالئ ٌّ‬ ‫من نو ٍح تحذيرهم أو دعوتهم إىل الهداية مقر ًرا منذ البدء إهالكهم لتطهري األرض من رشورهم‪ ،‬فيقرر يف لحظة انفعا ٍل‬ ‫أن ميحي َمن عىل وجه األرض‪:‬‬ ‫«ك ُُّل َما ِف أَنْ ِف ِه نَ َس َم ُة ُرو ِح َح َيا ٍة ِم ْن ك ُِّل َما ِف الْ َياب َِس ِة َماتَ »‪( .‬التكوين ‪.)22 :7‬‬ ‫أي البرش والحيوانات والطيور وكل الكائنات الحية عىل كوكب األرض‪.‬‬ ‫‪73‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪1‬‬ ‫محمد شومان‬

‫إال البطريرك املدعو نوح‪:‬‬ ‫«فَ َو َج َد نِ ْع َم ًة ِف َع ْي َن ِي ال َّر ِّب» (التكوين ‪.)8 :6‬‬ ‫فيأمره اإلله ببناء ٍ‬ ‫عام يف بناء سفينته وجمع‬ ‫فلك تحميه من الطوفان القادم‪ ،‬ويطيع الرجل الصالح أمر ربه ويقيض مئة ٍ‬ ‫نوح نعم ًة‬ ‫زوجني من كل حيوانات وطيور األرض ليك يأخذهم معه يف السفينة لتبدأ بهم حيا ًة جديدةً‪ ،‬أما ملاذا وجد ٌ‬ ‫يف عيني الرب فتخربنا التوراة بالتايل‪:‬‬ ‫وح َر ُج ًل بَا ًّرا كَا ِم ًل ِف أَ ْج َيالِ ِه» (التكوين ‪.)9 :6‬‬ ‫«كَا َن نُ ٌ‬ ‫ً‬ ‫وكامل ترجم ٌة عربي ٌة غري دقيق ٍة للكلمة العربية(‪« )2‬متيم» والتي تعني حرف ًيا «من دون تشو ٍه فيزيايئ»‪ ،‬أي أنه كان إنسانًا‬ ‫كامل يف إنسانيته ومل تلوث عروقه دماء املالئكة الساقطة‪ ،‬أي أنه كان إنسانًا من نسل ٍ‬ ‫أناس طبيعيني ومل يعتلِ رجال‬ ‫ً‬ ‫رشا سويًا‪ ،‬وهاكم النص املقدس‪:‬‬ ‫املالئكة أمه فصار ب ً‬ ‫كتاب آخر من الكتب املكتشفة حديثًا يف قمران اسمه «قصة المك»‪ ،‬وهو ليس كتابًا باملعنى املفهوم بل مجرد‬ ‫فنجد يف ٍ‬ ‫بضعة سطو ٍر نكتشف منها أن السيد المك والد البطريرك نوح يتهم زوجته التي نكتشف أن اسمها «بتشوع» بأنها قد‬ ‫حبلت بنو ٍح من كائنٍ آخر وليس منه‪ ،‬فرتد املسكينة قائل ًة‪:‬‬ ‫«وعندما رأت بتشوع زوجي أن وجهي قد تغري عليها‪ ،‬عندها ضبطت إنفعالها وكلمتني وقالت يل‪ :‬أيا سيدي أيا أخي‪،‬‬ ‫تذكر اللذة التي شعرت بها‪ ،‬أقسم لك بالقدوس األعظم‪ .‬مبلك السامء‪ ،‬إن هذا املني منك حقا‪ ،‬وأن هذا الحمل منك‬ ‫حقا‪ ،‬وليس من أي إنسان آخر‪ ،‬وال من أي من اليقظني‪ ،‬وال من أي من أبناء السامء» (قصة المك ‪.)17 :12‬‬ ‫ولكن األب ال يصدقها ويذهب لرؤية أباه أخنوخ‪ ،‬رغم أنه كان قد سار مع الله‪ ،‬ولكن النص لألسف يُقطع من هنا وال‬ ‫ٍ‬ ‫بتحريض من‬ ‫نعرف نحن سبب هذا الشك املبني الذي يدلنا عىل مدى سيطرة االنحالل الجنيس عىل نساء تلك الفرتة‬ ‫مطاريد املالئكة‪.‬‬ ‫جنيس ال حد‬ ‫إذن يراد بنا أن نصدق أن ليونة أجساد بنات البرش وداللهن قد جعلت مطاريد املالئكة تعيش يف هيا ٍج‬ ‫ٍّ‬ ‫نسل من العاملقة‪ ،‬ولعلنا يف هذا السياق املقدس نتذكر أن الرب‬ ‫له مام دفعها بالتايل إىل اعتالء نسائنا لينجبوا منهن ً‬ ‫أيام بلياليها يضاجع يف البرشية ألكمينا حتى حبلت بالبطل األسطوري هرقل‪،‬‬ ‫زيوس رب األرباب اليوناين قد ظل ثالثة ٍ‬ ‫وال منلك نحن البرش الفانون سوى الحرسة عىل مستوى أدائنا الجنيس مقارن ًة باآللهة أو حتى املالئكة املطاريد‪ ،‬وندعو‬ ‫الله مخلصني له الدعاء أن يبعد مالئكته عن نسائنا‪.‬‬ ‫ورمبا عىل ضوء هذا التفسري ميكننا أن نفهم قول بولس الرسول‪:‬‬ ‫‪ -2‬تعني ָת ִמים (متيم) يف العربية الحديثة الساذج‪ ،‬أو الربيء‪ ،‬وأصل الكلمة يأيت من التامم‪ ،‬وهي بالفعل تعني كذلك الكامل أو التامم [تحرير املجلة]‪.‬‬

‫‪74‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪1‬‬ ‫محمد شومان‬

‫«لِهذَا يَ ْن َب ِغي لِلْ َم ْرأَ ِة أَ ْن يَكُو َن لَ َها ُسلْطَا ٌن َع َل َرأْ ِس َها‪ِ ،‬م ْن أَ ْجلِ الْ َمالَئِ َك ِة» (رسالة بولس الرسول األوىل إىل أهل كورنثوس‬ ‫‪.)10 :11‬‬ ‫أي أنه عىل املرأة أن تداري مصدر الفتنة لديها وهو‬ ‫رس إرصار الديانات‬ ‫شعرها تحت حجاب‪ -‬وال ندري نحن ّ‬ ‫الساموية عىل أن شعر املرأة هو مصد ٌر لإلثارة الجنسية‬ ‫حتى أن أهم مقومات التدين يف عرصنا هذا والعصور‬ ‫أيضا إمنا هو غطاء الرأس‪ -‬حتى ال تثري شهوة‬ ‫السابقة ً‬ ‫املالئكة املطرودة فال تستطيع مقاومة إغراءات الشعر‬ ‫املثري فتضطر آسف ًة أو سعيد ًة إىل امتطائها‪ ،‬وهو ما يضعنا‬ ‫ٍ‬ ‫موقف ال نُحسد عليه‪ ،‬فإمكانيات‬ ‫نحن رجال البرش يف‬ ‫املالئكة الجنسية والشك أعظم من إمكانياتنا البرشية‪،‬‬ ‫وبالتايل فسوف تهفوا نساؤنا إىل االنبطاح تحت مالئكة‬ ‫الرب املطرودة وترتكنا نحن بإمكانيتنا املحدودة نه ًبا لألفكار الجنسية املثرية التي ال نجد لها ترصيفًا‪ ،‬ومن هنا فنحن‬ ‫نتوسل لنساء البرش أن يرتدين الحجاب رحم ًة بنا‪.‬‬ ‫ولعلنا لو نظرنا للحجاب عىل أنه غطا ٌء يغطي أعىل املرأة‪ ،‬ويف نفس الوقت علِمنا من معطياتنا الدينية أن املالئكة‬ ‫كائناتٌ علوية‪ ،‬أي أنها ترانا من فوق رؤوسنا إذن الت ّضح لنا األمر جل ًّيا‪ ،‬فالحجاب يف األساس ليس هدفه أن تحتشم‬ ‫املرأة من الرجل بل أن تداري فتنتها من أعني املالئكة الفوقية التي تراها من أعىل‪ ،‬وبالتايل فمصدر الفتنة للمالئكة ليس‬ ‫الجسم األنثوي بل هو عىل األرجح الشعر املتطاير يف الهواء الذي يثري رغبات املالئكة العلوية الجنسية‪ ،‬أما رجال األرض‬ ‫فال نعتقد أن منظر الشعر األنثوي هو الذي يحرك غرائزهم الجنسية‪ ،‬وعىل من ال يصدق رأْينا أن يدخل عىل أي موقعٍ‬ ‫عىل النت ليشاهد أفالم البورنو التي ال مجال فيها للشعر األنثوي‪ ،‬بل هناك مفات ٌن أخرى للمرأة تثري رغبات الرجل‪.‬‬ ‫«ف َس َن ِة ِس ِّت ِمئَ ٍة ِم ْن َح َيا ِة نُو ٍح‪ِ ،‬ف الشَّ ْه ِر الث َِّان‪ِ ،‬ف الْ َي ْو ِم‬ ‫ِ‬ ‫ش ِم َن الشَّ ْه ِر ِف ذلِ َك ال َي ْو ِم‪ ،‬انْ َف َج َرتْ ك ُُّل يَ َنابِيعِ‬ ‫َّ‬ ‫الساب َع َع َ َ‬ ‫الس َم ِء»‪( .‬التكوين ‪.)11 :7‬‬ ‫الْ َغ ْم ِر الْ َع ِظ ِيم‪َ ،‬وانْ َفتَ َح ْت طَاقَاتُ َّ‬ ‫وبالفعل ينفّذ يهوه تهديده ويفتح مواسري املاء التي يحتفظ‬ ‫بها يف سامواته ليسقط املاء عىل األرض كالطوفان ملدة أربعني‬ ‫‪75‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪1‬‬ ‫محمد شومان‬

‫يو ًما وليل ًة ف ُيهلك كل املعمورة‪ -‬نكرر مر ًة أخرى‪ :‬كل املعمورة يف الطوفان التورايت قد ع ّمها الطوفان وليس منطق ًة‬ ‫محدد ًة من العامل‪ -‬ماعدا ركاب السفينة التي تقيض ‪ 393‬يو ًما عامئ ًة عىل وجه املاء‪ ،‬وكان عمر نو ٍح يف ذلك الحني حوايل‬ ‫ستامئة عام‪ ،‬أي أنه قد تخطى مرحلة الشباب وبدأ يدخل يف طور الرجولة‪.‬‬ ‫عام يف سفين ٍة مغلق ٍة مع وحوش الربية‪ ،‬ولن نتساءل‬ ‫نوح وأبناؤه أن يعيشوا ألكرث من ٍ‬ ‫ونحن لن نتساءل كيف استطاع ٌ‬ ‫أيضا عن‬ ‫أيضا عن كم االمدادات التموينية التي تكفي عدة ماليني من األنواع التي يحتويها الفُلك املزعوم‪ ،‬ولن نتساءل ً‬ ‫ً‬ ‫كيفية إفناء الحياة عىل األرض يف ظل وجود حضار ٍ‬ ‫ات ظلت قامئ ًة ومتابع ًة ملسريتها الحضارية‪ ،‬فحسب التقويم اليهودي‬ ‫املسمى سنة العامل كان الطوفان سنة ‪ 2104‬ق ‪.‬م‪ ،‬ويف هذا التاريخ كانت الدولة املرصية‪-‬وغريها‪ -‬قامئ ًة ومستمر ًة يف‬ ‫عطائها الفكري الذي مل ينقطع بسبب طوفانٍ أو أي كارث ٍة طبيعي ٍة أخرى‪ ،‬ومع ذلك فنحن نؤمن بكل ما يقوله لنا الكهنة‬ ‫املقدسون عن الطوفان ألننا ال نريد أن نخرج عن املعلوم من الدين بالرضورة‪ ،‬وأخ ًريا فإننا لن نقول كام يقول املالحدة‬ ‫أن قصة الطوفان التوراتية ما هي إال تردي ٌد مللحمة جلجامش أو ملحمة أتراحسيس السابقة عليها من حيث التاريخ‬ ‫الزمني‪.‬‬ ‫وأخ ًريا يهبط الرجل الكامل «نوح» مختار الرب من بني سكان املعمورة من الفلك ليبدأ الكون عىل يديه بداي ًة جديدةً‪،‬‬ ‫وأول عملٍ يقوم به هو بناء مذب ٍح للرب الذي ما إن يشتم رائحة الذبيحة حتى يدرك خطأه يف إفناء الجنس البرشي‬ ‫فيندم يف قلبه عىل فعلته الشنيعة هذه ويتعهد لنو ٍح بألّ يكررها ثاني ًة‪ ،‬وكعالم ٍة لعهده يضع «يهوه» قوسه يف السامء‬ ‫عهد بينه وبني نوح‪ ،‬وقوس اإلله املوضوع يف السامء كعالمة ٍ‬ ‫كعالمة ٍ‬ ‫عهد إمنا هو قوس قز ٍح الذي يظهر لنا عند حدوث‬ ‫املطر فام أن يراه اإلله حتى يتذكر عهده مع نو ٍح فيغلق صنابري ينابيع الغمر العظيم حتى ال يحدث طوفانًا آخر ‪.‬‬ ‫نوح إىل عهد الرب حتى يسارع إىل‬ ‫وما إن يطمنئ البار ٌ‬ ‫االحتفال بهذا الحدث فيسكر سك ًرا بي ًنا إىل حد أنه يفقد‬ ‫السيطرة عىل نفسه فينام وتظهر عورته التي يراها ابنه‬ ‫حام «أبانا نحن املرصيون» فال ميتلك الفتى نفسه من‬ ‫مستلق عىل األرض‬ ‫الضحك عىل منظر أبيه املحرتم وهو‬ ‫ٍ‬ ‫بادي العورة‪ ،‬ويرسع بنداء أخويه لريوا أباهم يف هذا‬ ‫الوضع املزري‪ ،‬ولكن األخوان سام ويافث يأخذا األمر‬ ‫بجدي ٍة ال محل لها فيضعا الغطاء عىل عورة أبيهام‪،‬‬ ‫نوح من سكره وبدلً من أن يندم عىل إفراطه يف السكر لهذا الحد يصب لعنته عىل الفتى‬ ‫وعندما يفيق البطريرك البار ٌ‬ ‫«كنعان» املظلوم ابن حام الذي مل يكن قد ُولد بعد‪ ،‬ومل يفعل شيئًا سوى أن نسله قد سكن فلسطني بعد ذلك مبئات‬ ‫نوح ليأخذوا األرض منه تنفيذًا لوصية القديس «نوح» ‪!...‬‬ ‫السنني ليأيت أبناء سام الذي باركه ٌ‬ ‫‪76‬‬


‫اليهودية واملحروسة جـ ‪1‬‬ ‫محمد شومان‬

‫وموقف تحريم شجرة املعرفة عىل آدم وموقف رفض اإلله لقربان قايني‪ ،‬وأخ ًريا‬ ‫مربر اإلله يف اختيار نو ٍح يجعلنا نشك يف قدرات يهوه الذهنية ومدى مقدرته عىل‬ ‫فهم طبيعة النفس البرشية‪ ،‬أو رمبا باألصح يؤكد لنا ما ذهب إليه العالمة جيمس‬ ‫هرني بريستد من أن اليهود مل يعرفوا أب ًدا مبدأ املسؤولية ال ُخلُقية‪ ،‬وترتب الجزاء‬ ‫عىل جنس العمل‪ ،‬فاإلله التورايت يفعل ما يحلو له بدون ٍ‬ ‫مبنطق أو قانونٍ أو‬ ‫تقيد‬ ‫ٍ‬ ‫حتى قانونٍ خلقي‪ ،‬واختياراته وأوامره غري مربر ٍة عىل اإلطالق‪.‬‬ ‫وبعد الطوفان وفناء الجنس البرشي وبداية حيا ٍة برشي ٍة جديد ٍة عىل يد نو ٍح‬ ‫بأب سكري‪!...‬‬ ‫السكري الذي سيصبح أبا البرشية الثاين‪ ،‬وكأننا استبدلنا األب القاتل ٍ‬ ‫املهم أن يهوه بعدها دخل يف ٍ‬ ‫عميق وتركنا نحن البرش بدون رسو ٍل وال‬ ‫سبات‬ ‫ٍ‬ ‫يوم عىل واقع أن األرض قد خلت‬ ‫رسال ٍة ملد ٍة طويل ٍة من الزمن إىل أن أفاق ذات ٍ‬ ‫من األنبياء‪ ،‬فيقرر أن يرسل لها نب ًيا من أنبيائه الكبار لينقذ البرشية التعساء من‬ ‫الكفر والضالل ويهديها إىل اإلميان‪ ،‬ومن هنا يبدأ عرص أبرام‪.‬‬

‫‪www.facebook.com/M-80-II-941772382615672‬‬

‫‪s‬‬

‫‪77‬‬


‫ﻣﺠﻠﺲ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ‬ ‫اﻟﺴﺎﺑﻘﯿﻦ ﻓﯽ ﺑﺮﯾﻄﺎﻧﯿﺎ‬

‫‪Council of Ex-Muslims of Britain‬‬ ‫‪www.ex-muslim.org.uk‬‬

‫ﻧﺤ‬

‫ﻦﻣ‬ ‫ﺴ‬ ‫ﻠ‬ ‫ﻤ‬ ‫ﻮ‬ ‫نﻧ‬

‫ﺒﺬ‬

‫ﻧﺎ دﻳﻨﻨﺎ‬

‫ﺑﱰﻛﻨﺎ اﻹﺳﻼم ﻧﻜﴪ ﻣﺤ ّﺮﻣﺎﺗﻪ‪ ،‬ﻟﻜﻨﻨﺎ ﰲ ذات اﻟﻮﻗﺖ ﻧﻌﻤﻞ ﻋﲆ ﺗﺪﻋﻴﻢ اﻟﻌﻘﻼﻧﻴﺔ واﻟﺤﻘﻮق واﻟﻘﻴﻢ اﻟﻌﺎﳌﻴﺔ‬ ‫واﻟﻌﻠﻧﻧﻴﺔ‪ .‬وﰲ ﻧﺸﺎﻃﻨﺎ ﻧﻄﺎﻟﺐ ﺎﺎ ﻳﲇ‪:‬‬ ‫ﺑﺎﻟﺤﻘﻮق اﻟﻌﺎﳌﻴﺔ واﻟﺘﺴﺎوي ﰲ اﳌﻮاﻃﻨﺔ ﺑ اﻟﺠﻤﻴﻊ‪.‬‬ ‫ﺑﺎﻟﺤﺮﻳﺔ ﰲ ﻧﻘﺪ اﻟﺪﻳﻦ‪.‬‬ ‫ﺑﺎﻟﺤﺮﻳﺔ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ واﻹﻟﺤﺎد‪.‬‬ ‫ﻓﺼﻞ اﻟﺪﻳﻦ ﻋﻦ اﻟﺪوﻟﺔ واﻟﻨﻈﺎﻣ‪ ،،‬اﻟﻘﺎﻧﻮ واﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻲ‬ ‫ﺣﻈﺮ اﳌررﺳﺎت واﻟﻌﺎدات واﻟﻘﻮاﻋﺪ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺘﻬﻚ ﺣﻘﻮق اﻟﻨﺎس وﺗﻀﻴﻖ ﻋﲆ ﺣ ّﺮﻳﺎﺗﻬﻢ‪.‬‬ ‫إزاﻟﺔ ﻛﻞ اﻟﻌﺎدات اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻀﻄﻬﺪ اﳌﺮأة وﺗﻨﺘﻘﺺ ﻣﻦ ﺣﻘﻮﻗﻬﺎ واﺳﺘﻘﻼﻟﻬﺎ‪ ،‬وﺣﻈﺮ ﻓﺼﻞ اﻟﺠﻨﺴ‪..‬‬ ‫ﺣﻈﺮ اﻟﺘﺪﺧﻞ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ أﻳﺔ ﺳﻠﻄﺔ ﻋﺎﺋﻠﻴﺔ أو رﺳﻤﻴﺔ ﰲ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ واﻟﻌﺎﻃﻔﻴﺔ واﻟﺠﻨﺴﻴﺔ ﻟﻠﻨﺎس‪.‬‬ ‫ﺣﻳﻳﺔ اﻷﻃﻔﺎل ﻣﻦ اﻟﺘﻼﻋﺐ ﺑﻬﻢ واﻹﺳﺎءة إﻟﻴﻬﻢ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ اﻟﺪﻳﻦ واﳌﺆﺳﺴﺎت اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ‪.‬‬ ‫ﺣﻈﺮ اﻟﺪﻋﻢ اﻟﺮﺳﻤﻲ ﻟﻠﺪﻳﻦ ﺳﻮاء اﳌﺎدي أو اﳌﻌﻨﻮي‪.‬‬ ‫ﺣﻈﺮ ﺟﻤﻴﻊ أﻧﻮاع اﻟﺘﺨﻮﻳﻒ واﻟﺘﻬﺪﻳﺪ اﻟﺪﻳﻨﻲ‪.‬‬ ‫‪78‬‬


‫جحا يحكم‬ ‫املدينة‬

‫وليد‬

‫‪79‬‬


‫جحا يحكم املدينة‬ ‫وليد‬

‫قصة قصرية بقلم وليد (من منتدى شبكة امللحدين العرب)‬ ‫مجموعة القصص التي تأيت منها هذه القصة كتبها العضو وليد وقام‬ ‫بتجميعها مارسيل‬ ‫إىل وليد ‪ ...‬القلم الساحر واملبدع ‪ ...‬جليس اآللهة مع التحية والود ‪...‬‬ ‫مارسيل‪..‬‬ ‫مجنو ٌن ي ّدعي النبوة ويطلب مناظرة الشيخ يونس الفرماوي يف قناة‬ ‫شبه الجزيرة الفضائية‪...‬‬ ‫انتقل مندوب القناة الكربى إىل املجنون‪:‬‬ ‫املندوب‪ :‬من أنت؟‬ ‫جحا‪ :‬أنا جحا أرسلني الله مندوبًا عنه‬ ‫ﺷﺒﻪ‬ ‫إىل العامل‪.‬‬ ‫املندوب‪ :‬أمل تنته الرسل بوفاة محمد؟‬ ‫مندوب‬ ‫جحا‪ :‬أنا مل أقل إنني رسول‪ ،‬أنا‬ ‫ٌ‬ ‫عن الله ولست رسولً أو نبيًا‪ ،‬ملاذا‬ ‫ٌ‬ ‫مجنون يدّعي النبوة ويطلب مناظرة الشيخ يونس الفرماوي‬ ‫تخافون مني‪ ،‬أنا اطلب مناظر ًة مع‬ ‫اهلل‬ ‫مندوب‬ ‫جحا‬ ‫خاص‪:‬‬ ‫في قناة شبه الجزيرة الفضائية‪...‬‬ ‫شيخكم الكبري‪ ،‬هل تخافون؟ يَنقل هذا‬ ‫الحدث الكثري من القنوات األجنبية‬ ‫ويتّهمون العرب بكبت الحريات‪ ،‬وأمام الضغط من الجهات الخارجية وانتشار الحدث تستثمر القناة الكربى الحدث‬ ‫لصالحها وتُجري مناظر ًة بني مندوب الله الجديد والشيخ الداعية الكبري يف القناة‪ ،‬يونس الفرماوي‪:‬‬ ‫الشيخ وقد انتفخت وجنتيه واحمرتا‪ :‬هذه والله من عالمات الساعة ولوال أ ّن عينيه ليستا كام نجد يف الحديث لقلت‬ ‫إنه املسيح الدجال‪.‬‬ ‫جحا‪ :‬وهل سمعت ما جئت به لتهاجمني؟ أنني أطلب مناظر ًة علني ًة أمام الجميع ألعلن أ ّن الله قد تذكّر هذا العامل‬ ‫ٍ‬ ‫جديد بعد أن قطع اتصاله به ملدة ‪ 14‬قرنًا‪.‬‬ ‫األريض من‬ ‫ٍ‬ ‫كاذب‬ ‫رسل بعد‬ ‫الشيخ‪ :‬وهل الله سريسل ً‬ ‫محمد خاتم الرسل واألنبياء؟ إنّنا نؤمن بأنه هو وال نبي بعده ولذلك أنت ٌ‬ ‫من قبل أن نسمعك يا هذا‪.‬‬ ‫‪80‬‬


‫جحا يحكم املدينة‬ ‫وليد‬

‫جحا‪ :‬أنا مل أقل أنني ٌ‬ ‫مندوب عن الله‪.‬‬ ‫نبي بل أنا‬ ‫ٌ‬ ‫رسول أو ٌ‬ ‫الشيخ‪ :‬وما الفرق بني املندوب والرسول؟‬ ‫املرسل إليه وينتهي دوره بإيصال الرسالة‪ ،‬وال يتدخل يف محتواها‪ .‬أ ّما‬ ‫جحا‪ :‬الرسول يحمل رسال ًة من الراسل ليوصلها إىل َ‬ ‫املندوب فهو يحمل كافة الصالحيات عن الذي ميثّله‪.‬‬ ‫الشيخ‪ :‬خسئت‪ ،‬وهل تريدين أن أصدق أنّك متثل الله يف األرض؟ إ ّن هذه منزل ٌة مل يصل إليها أح ٌد من قبل‪ ،‬ما دليلك يا‬ ‫هذا؟ هل تريد أن نصدق ما تقول بهذه السذاجة؟ إ ّن أمثالك متتلئ بهم املستشفيات النفسية‪ ،‬ال أدري ملاذا جاؤوا بك‬ ‫مادي سيعم عىل الجميع‪،‬‬ ‫إىل هنا؟ ينظر املُع ّد للشيخ ويفرك بإصبعيه السبابة واإلبهام ليذكّره بأن املوضوع وراءه عائ ٌد ٌ‬ ‫يخفّف الشيخ نربته ويقول‪ :‬لكن ال مانع‪ ،‬هات دليلك يا هذا‪.‬‬ ‫جحا‪ :‬دلييل هو ِحامري‪.‬‬ ‫يثور الدم يف وجه الشيخ وتنفلت منه الكلامت بالعامية‪ :‬ال أنت زودتها أوي‪.‬‬ ‫جحا‪ :‬هدئ من روعك يا شيخنا‪ ،‬ما دليلك أنت عىل صحة ما جاء به محمد؟‬ ‫الشيخ (بعد أن اعتدل يف جلسته عندما أصبحت الكلامت مام تع ّود أن يقوله بانتظام)‪ :‬القرآن‪ ،‬لقد تح ّدى العامل بالقرآن‪،‬‬ ‫اإلنس والجن عىل أن يأتوا مبثله‪ ،‬ومل يستطع أح ٌد حتى اآلن‪.‬‬ ‫جحا‪ :‬وأنا أتحدى أن يأيت أح ٌد مبثل حامري‪.‬‬ ‫الشيخ ينفلت بالعامية مر ًة أخرى‪ :‬ال أنت أكي ٌد مجنون‪.‬‬ ‫جحا‪ :‬ال يا سيدنا أنا لست مجنونًا بل أتحدى أن يأيت أح ٌد مبثل‬ ‫حامري أو جز ٌء منه‪ ،‬إنك لن تجد أب ًدا يف هذا العامل حام ًرا‬ ‫خصني الله بهذا الحامر دونًا‬ ‫ً‬ ‫مامثل متا ًما مثل حامري‪ ،‬لقد ّ‬ ‫عن بقية الخلق‪.‬‬ ‫الشيخ‪ :‬وهل تريد أن ت ُقارن بني القرآن كمعجز ٍة خالد ٍة وهذا‬ ‫الحامر؟ إ ّن هذا القرآن هو كال ٌم من عند الله معج ٌز ال يتكرر‪.‬‬ ‫أيضا‪ ،‬من عند الله وال يتكرر‪.‬‬ ‫جحا‪ :‬وحامري ً‬ ‫الشيخ‪ :‬مل يستطع أح ٌد أن يأيت مبثله‪.‬‬ ‫جحا‪ :‬يا سيدنا إن كل الكون قائ ٌم عىل االختالف وإنني ألظ ّن أ ّن املعجزة الحقيقية يف هذا العامل أن تأيت بشيئني متطابقني‬ ‫متا ًما‪ ،‬هل يستطيع أعظم موسيقيي العامل أن يأتوا بسيمفونيات موزارت وبيتهوفن‪ ،‬هل هناك من كبار الكتّاب من‬ ‫يكتب بطريقة شكسبري‪ ،‬إن املوهبة ال تتكرر أب ًدا‪ ،‬وال ميكن محاكاتها ألنها خاص ٌة باملبدع ومبا أن املبدع ال يتكرر كام ال‬ ‫يتكرر حامري هذا أب ًدا فليس من العدل أن أطالب بتكرار اإلبداع‪ ،‬هل يوجد من نسمع منه القرآن بأندى ٍ‬ ‫صوت مثل‬ ‫الشيخ عبد الباسط؟‬ ‫مندوب من عند الله فالحامر حام ٌر يف‬ ‫الشيخ مسك منديله ومسح عرقه وتحرشج صوته‪ :‬لكن ما تقوله ال يُثبت انّك‬ ‫ٌ‬ ‫كل مكان‪.‬‬ ‫‪81‬‬


‫جحا يحكم املدينة‬ ‫وليد‬

‫جحا‪ :‬واإلبداع إبدا ٌع يف كل مكانٍ ولو ا ّدعى كل مبد ٍع النبوة‬ ‫المتأل العامل باألنبياء والرسل‪.‬‬ ‫املُعد‪ :‬معنا ٌ‬ ‫اتصال خارجي‪.‬‬ ‫املتصل‪ :‬يا أخي إيش هالخرابيط اليل عم تكولوها‪ ،‬إحنا ناقصني‬ ‫حمري يف بالدنا‪ ،‬ولك يا جحا ما شفتلنا غري هالحامر معجزة؟‬ ‫جحا‪ :‬يا أخي وهو كان العرب ناقصني كالم‪ ،‬هو كان يف غري‬ ‫ِ‬ ‫الشعر والشعراء؟ أنا أرى الحامر هو االختيار الرباين لهذه‬ ‫املرحلة‪.‬‬ ‫الشيخ يونس الفرماوي‬ ‫الشيخ‪ :‬وما الذي تريد إيصاله لنا؟ أخربنا مبا أنك املندوب عن‬ ‫الله ماذا تريد م ّنا؟‬ ‫ٍ‬ ‫ومحمد‬ ‫خص الله هذه املنطقة دامئًا بالرسل‪ ،‬ومل يظهر الرسل عىل وجه هذه األرض إالّ يف بني إرسائيل‬ ‫جحا‪ :‬كام تعلم ّ‬ ‫النبي العريب الوحيد‪.‬‬ ‫فضل بني إرسائيل بالرسل وعندما اكتشف أنهم ال يستحقون هذا‪ ،‬اختار‬ ‫خص به الله هذه األمة‪ ،‬لقد ّ‬ ‫الشيخ‪ :‬هذا مام ّ‬ ‫امتنا اإلسالمية لتكون خري أم ٍة أُخرجت للناس دونًا عن بقية خلْقه من حثالة األمم‪.‬‬ ‫جحا‪ :‬وهذا ما جئت من أجله‪ ،‬فقد اكتشف مر ًة ثاني ًة أنكم ال تستحقون هذا التكريم‪ ،‬كام اكتشف هذا من قبل مع‬ ‫بني إرسائيل وقد ف ّوضني الله يف تحويل القبلة مر ًة أخرى‪.‬‬ ‫أحب إىل الله م ّنا؟‬ ‫الشيخ‪ :‬وهل هذا أم ٌر بهذه السهولة‪ ،‬تحويل القبلة من مكة؟ هل يوجد عىل وجه هذه األرض ما هو ّ‬ ‫أو أحب إىل البالد له من مكّة؟‬ ‫ٍ‬ ‫بجديد عىل الله‪ ،‬فقد ح ّولها من قبل‪ ،‬وغضب عىل اليهود من قبل‪ ،‬وها هو يفعلها مر ًة أخرى‪ .‬وأصبحتم‬ ‫جحا‪ :‬ليس هذا‬ ‫ٍ‬ ‫بدل من خري أُم ٍة أُخرجت للناس‪.‬‬ ‫احتياجات خاصة) ً‬ ‫أم ًة (ذات‬ ‫عجيب أمرك يا جحا‪ ،‬ماذا تقصد بأمة االحتياجات الخاصة؟‬ ‫الشيخ‪:‬‬ ‫ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫احتياجات‬ ‫طفل ذا‬ ‫حجم وعم ًرا ويظل عقله متوقفًا عند سنٍ مع ٍني ال يستطيع تجاوزه تسمونه ً‬ ‫جحا‪ :‬عندما يكرب الطفل ً‬ ‫خاصة‪ ،‬ويحتاج إىل معامل ٍة معينة‪ ،‬وعندما تكرب أم ٌة ليصبح حجمها ربع العامل ويصبح عمرها ‪ 14‬قرنًا‬ ‫ويتوقف تفكريها عند القرن الثاين فإنها تحتاج إىل من يعاملها معامل ًة خاص ًة ولذلك أنا هنا‪.‬‬ ‫الشيخ‪ :‬هل تتهمنا بالجنون والسذاجة؟ إ ّن الله لن يرتكك أب ًدا تنجو بفعلتك هذه‪ ،‬سيأخذك أخذ‬ ‫عزي ٍز مقتد ٍر ألنك اجرتأت عليه وقلت عليه ما مل يقل‪.‬‬ ‫جحا‪ :‬وملاذا ال يفعل؟ وما الفرق بينه إذًا وبني الصنم األكرب الذي تركه إبراهيم وبيده الفأس وقال لهم‬ ‫اسألوا كبريهم؟ ملاذا ال يفعل الله شيئًا لكم وأنتم خري من يحب من البرش؟ وأرضكم خري ما يحب من‬ ‫األرض‪ ،‬الصنم مل يتكلم ومل يفعل شيئًا‪ ،‬والله مل يفعل لكم شيئًا ومل يتدخل ليمنع عنكم أح ًدا يف هذه‬ ‫األرض‪ .‬انظر يف كل مكان‪ ،‬يف فلسطني تُغتصب نسائكم وتنتهك أعراضكم ويُقتل أطفالكم وتستباح‬

‫ﺷﺒﻪ‬

‫‪82‬‬


‫جحا يحكم املدينة‬ ‫وليد‬

‫أعظم مساجدكم بأقدام اليهود فامذا فعل لكم الله؟ اغتيل الشيخ أحمد ياسني والرنتييس من بعده ومل يفعل شيئًا‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫محمد لعلو صوتهم أو انتظارهم طعامه‪ ،‬وها هو العراق‬ ‫بينام تد ّخل لحامية الكعبة من أبرهة وتدخل ليعاتب أصحاب‬ ‫يُنتهك ويُرضب السنة والشيعة ويتفرج العامل عىل أجساد الرجال والنساء عىل شاشات التلفزيون‪ ،‬بينام كان الله يتدخل‬ ‫قد ًميا ليز ّوج ويطلّق محم ًدا ويعاتب زوجاته ويزوج زي ًدا ويطلق زي ًدا ويربئ عائشة ويشق القمر ويبعث الرياح ويُن ِّزل‬ ‫املالئكة عىل خيلٍ لتحارب أعداء الله‪ ،‬أين هو اآلن منكم يا شيخنا؟ وما الفرق بينه اآلن وبني كبري آلهة قوم إبراهيم؟‬ ‫الشيخ‪ :‬يضحك الشيخ ضحك ًة خفيف ًة ويهز برأسه وجسده يف حرك ٍة عصبية‪ :‬حسبك حسبك يا هذا‪ ،‬إ ّن هذا ابتال ٌء لهذه‬ ‫رشا صربنا‪ ،‬وإن كان خ ًريا شكرنا‪.‬‬ ‫األ ّمة‪ ،‬إ ّن أمرها كله خري‪ ،‬إن كان ً‬ ‫رش لصدقناك‪ ،‬لكن كُله رش‪ ،‬منذ مئات السنني يؤكد الله ُحكمه‬ ‫جحا‪ :‬وهل االبتالء بالرش وحده؟ لو كان هناك خ ٌري و ٌ‬ ‫عليكم بأنّكم أ ّمة االحتياجات الخاصة‪ ،‬هل لك أن تقول يل ما هو املوقف الذي أظهر فيه الله تأييده لكم منذ وفاة‬ ‫سليامن القانوين؟ ال علم‪ ،‬ال اقتصاد‪ ،‬ال تأثري فيمن حولكم‪ ،‬بل ٌ‬ ‫واحتياج دائ ٌم ملن حولكم‪.‬‬ ‫ذل واستعباد‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫سيغي هذا؟ أمل يجد الله غري ُجحا وحامره؟‬ ‫الشيخ‪ :‬وهل أنت من ّ‬ ‫املعد‪ٌ :‬‬ ‫اتصال تلفو ٌّين من الصومال‪.‬‬ ‫املتصل‪ :‬الله يرىض عليك يا جحا تعال إلينا يف الصومال‬ ‫وهات الكعبة والقبلة إلينا حتى يتذكرنا الله ويدرك‬ ‫أ ّن هناك من ال يرزقه وميوت جو ًعا بالرغم من أنه‬ ‫ٍ‬ ‫يؤمن به‪ ،‬هل يضع الكعبة والبرتول يف مكانٍ‬ ‫واحد‬ ‫بينام منوت نحن وأوالدنا جو ًعا ألن الله ال يرزقنا؟‬ ‫هاجِر إلينا يا جحا هاجِر وابدأ من عندنا‪ ،‬األرض‬ ‫بدل من مكّة‬ ‫عندنا واسع ٌة وتستوعب ال ُح ّجاج ً‬ ‫املتصل الصومايل وقد جمح خياله‬ ‫متعددة األدوار‪.‬‬ ‫بالهام من‬ ‫جحا‪ :‬إ ّن مكان القبلة سيختاره ِحامري هذا‪ ،‬فهو مأمور‪ ،‬وعندما يربك يف مكانٍ ما سيكون هو ال ِقبلة الجديدة ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫محمد والتي يُفردون لها الوقت‬ ‫عند الله‪ .‬إ ّن ما سأبدأ به اآلن هو إزالة املشاكل التي تقلق بال علامء اإلسالم منذ وفاة‬ ‫واملال والجهد ليك يُثبت كل ٍ‬ ‫واحد منهم صحة قوله ويُفني عمره كلّه إلثبات دليلٍ عليه‪ ،‬ولو أفنى هؤالء املبدعني تلك‬ ‫الجهود يف إبداع ما يحتاجه البرش ال فيام يختلفون عليه ل ُك ّنا يف مصاف األمم املتحرضة‪ ،‬انظر كم ٌ‬ ‫ونقاش حدث‬ ‫ٌ‬ ‫مقال‬ ‫يف موضوع هل البنوك ٌ‬ ‫حالل أم حرام؟ وكم يف املقابل متت دراسة أثر وجود البنوك يف املجتمعات وكيفية االستفادة من‬ ‫األخطاء وتطوير الفكرة لتناسب تطور املجتمعات؟ بينام ال زلنا نختلف منذ خمسني عا ًما عىل البنوك ومل نصل إىل دليلٍ‬ ‫قاطع‪ ،‬ط ّور غرينا أفكاره واقتصاده واستفاد من أخطائه ومنا بشعبه‪.‬‬ ‫أيضا بعي ًدا عن البنوك الربوية‪.‬‬ ‫حالل واستثام ًرا ً‬ ‫كذب وافرتا ُء فهناك البنوك اإلسالمية التي ت ُعطي رب ًحا ً‬ ‫حالل ً‬ ‫الشيخ‪ :‬هذا ٌ‬ ‫ضيق مع غطا ٍء للرأس‪ ،‬إنه ٌلف‬ ‫جحا‪ :‬إن هذا ال يختلف كث ًريا عن الزي اإلسالمي الذي ترتديه الفتيات عندكم‪ ،‬بنطلو ٌن ٌ‬ ‫ودوران‪ ،‬إنّكم تخدعون أنفسكم‪ ،‬لقد جئتكم أيتها األمة بالقول الفصل‪ ،‬إنني أنا املندوب عن الله اتبعوين يك يحببكم‬ ‫‪83‬‬


‫جحا يحكم املدينة‬ ‫وليد‬

‫ٍ‬ ‫جديد كام غريمتوه‬ ‫اسم‬ ‫الله وينرصكم‪ ،‬اتبعوا الطريقة الجديدة يف الصالة والصوم والحج وإذا شئتم غريوا اسم الله إىل ٍ‬ ‫رصا جدي ًدا‪.‬‬ ‫سابقًا من يهوه إىل الله‪ ،‬اتبعوا تعلياميت الجديدة‪ ،‬أعطوين مفاتيح املدينة‪ ،‬لنبدأ ع ً‬ ‫الشيخ وقد ثار الدم يف وجهه وبرزت عروق رقبته‪ :‬هذا والله كفر‪ ،‬اقتلوا هذا امل ّدعي‪.‬‬ ‫أيضا كذّب مثلك من قبيل وقتلوا األنبياء‪ ،‬إنكم البرش ال تتغريون‪ ،‬لكنني مندوب الله‪.‬‬ ‫جحا‪ :‬هكذا ً‬ ‫الشيخ‪ :‬إذا فلتشق لنا الشمس أو تأيت لنا ٍ‬ ‫مبالك من السامء لرناه‪.‬‬ ‫رشا مندوبًا يا شيخنا وعندما يريد الله أن يفعل ذلك سيفعل‪ ،‬ليس يل معجز ٌة إال هذا الحامر أتحدى‬ ‫جحا‪ :‬أنا لست إلّ بَ ً‬ ‫كل البرش أن يأتوا مبثله‪.‬‬ ‫به ّ‬ ‫الشيخ‪ :‬هذا سخف‪ ،‬لو كنت مندوبًا من عند الله ألجرى املعجزات عىل يديك‪.‬‬ ‫جحا‪ :‬معجزات!! وأي معجز ٍ‬ ‫ات رأيتها أنت بعينيك ليك تؤمن؟‬ ‫الشيخ‪ :‬القرآن‪ ،‬أال تفهم أنه معجز ٌة خالد ٌة أبقاها الله لنا؟‬ ‫حال ما هي املعجزة التي جعلتك تؤمن بأنه كتاب الله؟‬ ‫جحا‪ :‬إذًا أبهرين مبعجز ٍة قرآنية‪ ،‬افتح يل املصحف واذكر يل اآلن ً‬ ‫الشيخ‪ :‬إن األمر ال يؤخذ هكذا بهذه الطريقة‪ ،‬إنه تح ٍّد بالبالغة‪.‬‬ ‫جحا‪ :‬و َمن اآلن يفهم البالغة حتى يشعر باملعجزة؟ إ ّن املعجزة التي بني يديك تحتاج إىل ِع ٍلم ال ميلكه إالّ أقل القليل‪،‬‬ ‫كل من يراين اآلن‪ِ ،‬‬ ‫إليك ِ‬ ‫أنت أيتها السيدة التي تجليس أمامي‪ ،‬افتحي املصحف وقويل ألطفالك‬ ‫إنني أتوجه بندايئ إىل ّ‬ ‫وأوالدك ها هي املعجزة التي أبهرتني ومل تجعلني أحتاج أن أرى مالكًا أو أرى من يُحيي أموات ًا‪ ،‬إليك أيها الشاب‪،‬‬ ‫افتح واستخرج ألصحابك ما رأيته مبه ًرا أكرث من تفجري ينبو ٍع من األرض أو إسقاط كِ ٍ‬ ‫سف من السامء‪ ،‬أو أنت أيها‬ ‫الشيخ الوقور الذي رسمت حنايا عقلك خربات الحياة‬ ‫ألي األجزاء سلّمت عقلك وأقنعته با ّن تلك الكلامت هي‬ ‫ق ّمة اإلعجاز الذي يستطيع أن يرتكه إله بهذه القدرة‬ ‫كل البرش يف كل زمانٍ ومكان؟ هل خالق هذا‬ ‫ليقنع بها ّ‬ ‫الكون الفسيح من مجر ٍ‬ ‫ونظام يجعل دليل‬ ‫ات وأبعا ٍد‬ ‫ٍ‬ ‫قدرته استخدام ٍ‬ ‫ألفاظ بشكلٍ رائع؟‬ ‫الشيخ انخفض صوته ونظر برأسه إىل األسفل وأخذ يدق‬ ‫بأصابعه عىل املنضدة كأنه يستعرض أفكاره وما تعود‬ ‫أن يقوله دامئًا يف برامجه ليجد ر ًدا يُلجم به جحا‪ :‬إنك ال‬ ‫تريد أن تقول لنا حتى اآلن ما الذي جئت لنا به؟ إنك‬ ‫تعرتض وتعرتض ثم ماذا؟ ماذا لو ص ّدق الناس بأنك مندوب الله؟ ماذا تريد منهم؟‬ ‫جحا‪ :‬أريد أن أقول لهم أن الله قد تراجع عن كل ما قاله من قبل بعد أن اكتشف أنّه مل يعد يصلح اآلن للبرش‪.‬‬ ‫كاذب حقري‪ ،‬كيف تكون مندوبًا من عند الله ثم تقول عليه هذا الكالم؟ لقد كشفت نفسك‬ ‫الشيخ بانفعال‪ :‬بل أنت ٌ‬ ‫يغي دينه أو أقواله‪.‬‬ ‫بنفسك‪ ،‬تعاىل الله سبحانه أن ّ‬ ‫‪84‬‬


‫جحا يحكم املدينة‬ ‫وليد‬

‫جحا‪ :‬عف ًوا أيها الشيخ‪ ،‬لقد نسخ أقواله وأىت بأفضل منها أو مثلها‪.‬‬ ‫الشيخ‪ :‬إذا كان ينسخ فال مانع‪ ،‬اخرت ألفاظك وال تتج ّنى عىل الله‪ ،‬وتأدب فيام تقول‪.‬‬ ‫جحا‪ :‬إن الله أمرين وانتدبني أن أقول لكم اهدموا بيوته يف األرض‪ ،‬اهدموا الصوامع وال ِب َيع‪ ،‬اهدموا الكنائس واملساجد‪،‬‬ ‫اهدموا املعابد واملزارات‪ ،‬ارجموها بالحجارة‪.‬‬ ‫ويل لك مام تقول‪ ،‬أيها العامل انظروا ما يقول هذا املجنون‪ ،‬اتركوه يتكلم‪ ،‬إن اكرب دليلٍ عىل جنونه هو ما يقول‪،‬‬ ‫الشيخ‪ٌ :‬‬ ‫هل نهدم بيوت الله يف أرضه؟‬ ‫رش ال يرونه فيها بقدر ما يرون سب ًبا يف احتقارهم لآلخرين‪ ،‬انظروا‬ ‫جحا‪ :‬نعم لقد اكتشف الله أنها هي السبب يف وجود ب ٍ‬ ‫مسلم عىل أرضكم‪ ،‬انظروا يا أهل مرص لو مل يكن‬ ‫مسيحي أو‬ ‫يا أهل فلسطني لو مل يكن هناك مع ًنى لكلمة‬ ‫يهودي أو ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍّ‬ ‫مسلم عىل أرضكم‪ ،‬انظروا يا أهل لبنان ويا أهل العراق لو مل يكن هناك مع ًنى لكلمة‬ ‫هناك مع ًنى لكلمة‬ ‫مسيحي أو ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫مسيحي عىل أرضكم؛ لو مل يكن هناك آيات الله يف إيران أو عامئم أزهري ٍة ووهابية‪ ،‬ماذا سيكون‬ ‫شيعي أو‬ ‫مسلم أو‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫كل منهم إىل‬ ‫مسيحي تخىل عن كنيسته ونظر ٌّ‬ ‫تخل عن مسجده مع‬ ‫مسلم ّ‬ ‫تخل عن معبده مع‬ ‫شعور اليهودي إذا ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫وحب للحياة كحبه للسالم والحياة؟‬ ‫اآلخر وتف ّحص وجهه وجسده ورأى عينني كعينيه ويدين كيديه وأطفا ٍل كأطفاله ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫توجيهات بل ترى البرشية‬ ‫رشا بال قيو ٍد أو‬ ‫لقد اختار حامري القبلة الجديدة‪ ،‬إنها االتجاه الذي ترى منه أن البرش ب ً‬ ‫مسلم أو يهوديًا أو مسيح ًيا بل أقول لك كن‬ ‫الخالصة‪ .‬إ ّن اسم ديني الذي أدعو إليه هو اإلنسانية‪ ،‬لن أقول لك كُن‬ ‫ً‬ ‫عمل وجه ًدا ليك تكون إنسانًا ت ُريض إنسانيتك‪.‬‬ ‫إنسانًا‪ ،‬ال أريد جها ًدا أو صال ًة أو عباد ًة ليك تُريض إل ًها‪ ،‬بل أريد ً‬ ‫الشيخ بدأت تخرج منه الحروف برسع ٍة وكان عقله يف وا ٍد ولسانه يف وا ٍد آخر‪ :‬هذا كال ٌم إنشا ٌيئ ال يصلح إالّ لخطبة‪ ،‬كيف‬ ‫ال أعبد الله واسرتضيه؟ سيغضب الله إذا مل نزر بيته ونذبح من أجله وننترص له عىل أعدائه ونط ّهر األرض من الكفار‬ ‫سخف ما بعده‬ ‫األنجاس الذين يعتدون عىل حرماته‪ ،‬هل تريدين أن أهدم املسجد ً‬ ‫بدل من أن أُصيل فيه؟ هذا والله ٌ‬ ‫سخف‪ .‬وليس بعي ًدا أن يُرسل علينا الضفادع والقمل والدم كام فعل مع فرعون أو يخسف بنا األرض كام فعل مع لوط‪.‬‬ ‫أوضح لكم‬ ‫رش منذ مئات السنني‪ ،‬لقد انتدبني ليك ّ‬ ‫جحا‪ :‬ال تقلق‪ ،‬لن يفعل وإالّ لكان خسف األرض كلها مبن عليها من ب ٍ‬ ‫أنّه توقف عن تلك األفعال منذ غزوة األحزاب‪.‬‬ ‫املعد‪ :‬التلفونات تتواىل بعضها من رؤساء دو ٍل تطلب من جحا أن يأيت إليها ويبدأ دين اإلنسانية من عندها‪ ،‬هل ستهاجر‬ ‫يا جحا ألي دول ٍة وتبدأ منها؟‬ ‫جحا‪ :‬إذا فشلت هنا يف بالدي سأهاجر‪ ،‬سأبحث عن املدينة من جديد‪ ،‬ال بد أن أجد املدينة ألبدأ‪ ،‬دعني أتحدث معهم‪.‬‬ ‫املعد‪ :‬معنا عىل الهاتف صاحب الجاللة والفخامة ملك وسلطان املاملكية العظمى الكربى‪.‬‬ ‫امللك‪ :‬أهال يا أخ جحا‪.‬‬ ‫جحا‪ :‬أهال بك‪ ،‬كنت سأكتب لك ألدعوك لدين اإلنسانية لكن التلفون أسهل‪.‬‬ ‫امللك‪ :‬نريدك أن تهاجر إىل بالدنا يا أخ جحا‪ ،‬شعبي أصبح ال يعجبه العجب‪ ،‬يريدون من الله أن يحقق لهم كل يشء‪،‬‬ ‫ثرو ًة وصح ًة وتقد ًما ويتهمونني دامئًا بأنني سبب غضب الله عليهم‪ ،‬تصور‪ ،‬أنا سبب غضب الله عىل شعبي!‬ ‫كل من يتوىل‬ ‫لألسود أم ًريا من الغزالن‪ ،‬إ ّن ّ‬ ‫األسود‪ ،‬وال ُ‬ ‫جحا‪ :‬إنني أقول لك ولشعبك أ ّن الله ال يجعل للغزالن أم ًريا من ُ‬ ‫‪85‬‬


‫جحا يحكم املدينة‬ ‫وليد‬

‫شعب ما هو منهم‪ ،‬لذلك إذا رأوا فيك أنّك سبب الغضب‪ ،‬فهم‬ ‫أمر ٍ‬ ‫أيضا‪.‬‬ ‫كذلك ً‬ ‫قناة شبة الجزيرة‬ ‫امللك‪ :‬أريدك عندنا‪ ،‬فهم أصبحوا ال يعتقدون وال يص ّدقون إال‬ ‫أخبار السامء‪ ،‬أريدك أن تكون صوتَ السامء املسموع يف بالدنا‪.‬‬ ‫جحا‪ :‬وماذا تقصد بهذا؟‬ ‫امللك‪ :‬إنهم ال يريدون فهم ما يدور حولهم‪ ،‬إذا قلنا لهم إن األهم‬ ‫من محاربة أمريكا وإرسائيل محاربة الجهل والتخلف والفساد‬ ‫والرشوة والعادات والتقاليد البالية اتهموين بالخيانة وقالوا إن‬ ‫ٍ‬ ‫وتخلف هو‬ ‫الجهاد يف سبيل الله أهم‪ ،‬وأ ّن ما نزل بنا من فق ٍر‬ ‫سبب تركنا للجهاد والدعوة‪.‬‬ ‫حل بهذه األمة‪ ،‬لذلك أرسلني الله مندوبًا عنه ألقول لهم إ ّن الدين الجديد ال يف ّرق بني‬ ‫جحا‪ :‬نعم‪ ،‬لقد رأيت بنفيس ما ّ‬ ‫قديسا‪ ،‬ونيوتن راه ًبا‪،‬‬ ‫مسلم‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ويهودي إالّ بالعمل اإلنساين الذي يخدم اإلنسانية‪ ،‬دينه الجديد‪ ،‬يف ديني يصبح جاليليو ً‬ ‫واينشتني إما ًما‪ ،‬وتصبح منظمة أطباء بال حدو ٍد هي الصدقة الجارية‪ ،‬وتصبح جمعيات حقوق اإلنسان هي املساجد‬ ‫والكنائس‪ .‬إ ّن الله يقول لكم أزيلوا كل الحدود وأزيلوا كل القيود‪ ،‬فقط كن إنسانًا تحب كل ما هو إنسا ٌين يف كل زمانٍ‬ ‫ومكان‪ .‬عندها تصبح الحروب بال ٍ‬ ‫هدف فلامذا سيتحارب الناس‪.‬‬ ‫امللك‪ :‬لكن إذا أزلنا الحدود من سيصبح املَلك؟ هذا أم ٌر جلل‪.‬‬ ‫جحا‪ :‬إذا آمنت الشعوب بدين الله الجديد فليملك من ميلك مادامت الشعوب أسقطت الحواجز بينها فلن يكون هناك‬ ‫أوهام ال تتحقق مثل جامعة الدول العربية التي تجتمع منذ ستني‬ ‫إالّ األفضل‪ .‬لن تسمع شعوب املنطقة املسكينة عن‬ ‫ٍ‬ ‫عا ًما لبحث القضية الفلسطينية‪.‬‬ ‫امللك‪ :‬ابدأ يا جحا من بالدي‪ ،‬إنها ل ِنعم الدعوة ونِعم الدين‪ ،‬دين اإلنسانية‪.‬‬ ‫سبب بالء هذه األ ّمة بتقاعسكم وتخاذلكم‪ ،‬أنتم الحكّام ال تريدون أن تُحاربوا أعداء الله‪.‬‬ ‫الشيخ‪ :‬أنتم ُ‬ ‫جحا‪ :‬يحاربوهم مباذا يا شيخنا؟ بالعيص أم بالحجارة؟ أنتم تضحكون عىل أنفسكم‪ .‬ماذا تجني اإلنسانية من دماء الرجال‬ ‫وأجساد األطفال ودموع النساء ولوعة قلوب األمهات؟ مل يعد الله يريد من يَقتل أو يُقتل من أجله ومن أجل ملكوته‬ ‫يف األرض‪ ،‬فالله له من األمالك يف هذا الكون ما يزيد عن حجم األرض بأكرث مام تتصور‪.‬‬ ‫امللك‪ :‬إنهم يرفعون أيديهم للسامء يك ير ّمل الله نساء اآلخرين وييتّم أطفالهم‪ ،‬إنهم يريدون من الله أن يشتت جمع‬ ‫أعدائهم من الدعاء يف القنوات الفضائية‪.‬‬ ‫رش بال ٍ‬ ‫وسيط أو رسول‪.‬‬ ‫الشيخ‪ :‬إ ّن الدعاء هو وسيل ٌة لالتصال بالله بشكلٍ مبا ٍ‬ ‫جحا‪ :‬الله يقول إنه إذا كان يستطيع ذلك بنفسه فلامذا يحتاجكم‪ ،‬وإذا كنتم تستطيعون قتل عد ّوه فلامذا تدعونه‪ ،‬أي‬ ‫منطق مختلٍ هذا‪ ،‬تدعوه يك يساعدكم عىل محاربة عد ّوه‪ ،‬وهو اختارك أنت يك تحارب عدوه؟! أذنك من أين يا جحا؟‬ ‫ٍ‬ ‫الشيخ‪ :‬وهل نرتك أعداء الله يحتلون بالدنا وينهبون خرياتنا ويستبيحون أعراضنا ونحن ال نفعل لهم شيئًا؟‬ ‫‪86‬‬


‫جحا يحكم املدينة‬ ‫وليد‬

‫جحا‪ :‬مادام هناك من يرى يف اإلنسان اآلخر عد ًوا له ستستمر هذه الحروب‪ ،‬لقد كنتم يو ًما ما يف موقفهم‪ ،‬ماذا فعلتم؟‬ ‫أمل تستبيحوا أعراض نسائهم باسم السبي والغنائم؟ أمل تستبيحوا أراضيهم باسم الدعوة لدين الله؟ أمل تقتلوا الرجال‬ ‫وتفرضوا الجزية واملكوث وتجبوا ال َخراج إىل عاصمة ُملككم؟‬ ‫الشيخ‪ :‬نحن فعلنا هذا من أجل أن ننرش دين الله يف األرض‪.‬‬ ‫غضا ألفعالكم ويتمنى أن يردها لكم؟ أنتم حاربتم‬ ‫جحا‪ :‬وهل انترش الدين يف األرض؟ أم أصبح هناك من يحمل يف قلبه بُ ً‬ ‫فاعل لكم؟ ادع ما شئتم فلن يُستجاب‬ ‫لنرش الدين وهم يحاربون من أجل الدين‪ ،‬وقد جاءت ال َك ّرة عليكم اآلن فام الله ٌ‬ ‫لكم‪.‬‬ ‫امللك‪ :‬فكّر مل ًيا يا جحا‪ ،‬أنا يف انتظارك‪.‬‬ ‫جحا‪ :‬أشكر دعوتك‪.‬‬ ‫امل ُ ِعد‪ :‬معنا عىل الهاتف سيادة الرئيس‪.‬‬ ‫الرئيس‪ :‬يا أخ جحا لن تجد أفضل من بالدنا لتهاجر إليها‪ ،‬إنها تحتاج إىل مندوب الله إن مل يكن الله نفسه لرتىض عنه‬ ‫وكل منهم ينسبه إىل نفسه‪.‬‬ ‫القبيلتان أقصد املسلمون والنصارى‪ ،‬حتى الله اختلفوا عليه ٌ‬ ‫جحا‪ :‬نعم نعم أعرف بالدكم‪ ،‬وال أدري ماذا تريدونني أن أفعل لكم؟ متتلكون أفضل األرايض الزراعية وأنها ٍر ٍ‬ ‫وأيد عامل ٍة‬ ‫رخيص ٍة وفاشلون زراع ًيا! متتلكون شواطئًا وبحا ًرا شتوي ًة وصيفي ًة وأثا ًرا إسالمي ًة وقبطي ًة وفرعوني ًة وأشوري ًة وفينيقي ًة‬ ‫جامعات ومعاهد وعلامء وخرب ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ات ومصانع‬ ‫مثيل لها يف العامل كله وفاشلون سياحيًا! متتلكون‬ ‫وروماني ًة ويوناني ًة ال يوجد ً‬ ‫وفاشلون صناع ًيا! ال يوجد عندكم ال أعاصري‬ ‫وال عواصف وال زالزل وال براكني كام يوجد‬ ‫عند غريكم‪ ،‬بل برتول ومعادن وقنا ًة مائي ًة‬ ‫ال مثيل لها يف العامل‪ ،‬ماذا تريدون أن‬ ‫يعطيكم الله أكرث؟ ماذا ينقصكم ليك تكونوا‬ ‫يف مصاف الدول الكربى؟‬ ‫الرئيس‪ :‬نعم نعم مندوب الله‪ ،‬لذلك‬ ‫مصاب باالزدواج يف‬ ‫أريدك هنا‪ ،‬إن شعبي‬ ‫ٌ‬ ‫التفكري واألداء‪ ،‬ومازال يعتقد أ ّن سبب هذا‬ ‫فشباب بالدي يعانون من‬ ‫هو غضب الله‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫البطالة‪ ،‬ومع ذلك يهاجمون السائحني ويعتربون السائح جاء لبالدنا يك نعلّمه األدب يف مالبسه وسلوكه ومرشبه ومأكله‪.‬‬ ‫جحا‪ :‬جئت ألخفف عنكم كام خفف الله من قبل عن بني إرسائيل‪ ،‬فقد ح ّرم الكثري من األشياء عليهم ثم أحلها لكم‬ ‫وأنا سأحلّل لكم بعض ما ُح ّرم عليكم تخفيفًا من عند الله‪.‬‬ ‫أيضا أن تسأل الله أن يَحل لنا مشكلة العنوسة والشباب الذي يضيع معظم عمره مصابًا بالكبت الجنيس‪،‬‬ ‫الرئيس‪ :‬أريدك ً‬ ‫ٍ‬ ‫معطيات أصبحت غري موجود ٍة يف عرصنا من عز ٍل كاملٍ للمرأة‪ ،‬أو ملك مي ٍني وجوار‪ ،‬وتعدد‬ ‫فالدين السابق يتعامل مع‬ ‫‪87‬‬


‫جحا يحكم املدينة‬ ‫وليد‬

‫زوجات‪ ،‬بينام نحن نعاين من تأخر سن الزواج والعنوسة‪ ،‬أي أن الزواج ملر ٍة واحد ٍة أصبح رفاهي ًة فام بالك بالتعدد‪.‬‬ ‫جحا‪ :‬نعم إن تلك املشكلة تض ّيع طاقات الشباب وتجعلهم مشغولني طوال الوقت بالبحث عن مكانٍ إلرضاء رغباتهم‬ ‫كل الفوارق بني الرجل‬ ‫فيجدون أنفسهم بني نارين‪ ،‬نار الغريزة ونار رفض املجتمع لهم‪ ،‬لذلك س ُيزيل دين اإلنسانية ّ‬ ‫واملرأة فكالهام سوا ٌء يف اإلنسانية‪.‬‬ ‫الرئيس‪ :‬إن مجتمعي يضحك عىل نفسه‪ ،‬يُظهر األخالق والعادات الحميدة بينام تَنخر العنوسة والكبت يف عظامه‪ ،‬إن‬ ‫رشا‪ .‬أال ميكن أن يُهدئ الله من هذه الغريزة؟‬ ‫الزواج العريف وعىل الورق أصبح منت ً‬ ‫كل يش ٍء خلقناه بقدر‪ ،‬إذا كان هناك مشكل ٌة عندكم أنتم بالذات فليس الذنب ذنب الله‪ ،‬بل ملاذا‬ ‫جحا‪ :‬يا سيادة الرئيس‪ّ ،‬‬ ‫ال توجد هذه املشكالت إالّ يف مجتمعاتكم؟‬ ‫العامل كلّه من رشقه إىل غربه ال توجد به هذه‬ ‫االزدواجية يف املعايري والضحك عىل النفوس‪،‬‬ ‫يف اإلنسانية سيصبح العامل ي ًدا واحدةً‪.‬‬ ‫الشيخ‪ :‬العامل كله سينهار وستسقط الحضارات‬ ‫الزائفة التي ال تراعي القيم األخالقية‪ ،‬إن‬ ‫هؤالء البرش زالت النخوة من دمائهم‪ ،‬إنه‬ ‫غضب من الله‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫حبس يف بيوتهن‪ ،‬وال يخرجن ّإل‬ ‫جحا‪ :‬إ ّن النخوة التي تتكلم عنها كانت دامئًا ضحيتها النساء‪ ،‬ال يتكلمن‪ ،‬ال يطلنب‪ ،‬بل ٌ‬ ‫رجل أم امرأةً‪ ،‬كام تريد أن تخرج دعها‬ ‫للرضورة‪ ،‬ملاذا؟ كام قلت ال فرق بني رجلٍ وامرأة‪ ،‬اإلنسان هو اإلنسان سوا ٌء كان ً‬ ‫أيضا تريد‪ ،‬كام تريد أنت أن تتعلم‬ ‫تخرج‪ ،‬كام تريد أن تلعب الرياضة دعها تلعب‪ ،‬كام تريد أنت أن ترى العامل هي ً‬ ‫أيضا تريد‪.‬‬ ‫وتقرأ هي ً‬ ‫اض عىل إرادة الله‪.‬‬ ‫الشيخ‪ :‬هذا اعرت ٌ‬ ‫جحا‪ :‬أنا مندوب الله كام قلت لك‪.‬‬ ‫الرئيس‪ :‬أرجوك يا مندوب الله ال ترتكنا‪ ،‬نريدك عندنا‪.‬‬ ‫جحا‪ :‬سأفكر‪.‬‬ ‫امل ُ ِعد‪ :‬معنا ٌ‬ ‫اتصال مع جاللة السلطان‪.‬‬ ‫السلطان‪ :‬يا مندوب الله أقبِل علينا‪ ،‬شعبي ال يريد أن يصدق إالّ كالم الرسل واألنبياء‪.‬‬ ‫جحا‪ :‬وما مشكلتك؟‬ ‫السلطان‪ :‬شعبي يتعاطى القات‪ ،‬ويجعلونه عاد ًة يومي ًة‪ ،‬ألنه ال يوجد ما يُح ّرم القات يف الدين‪ ،‬بينام ّ‬ ‫كل نسائنا مغيباتٌ‬ ‫تحت النقاب ألن الله أمر بذلك‪ ،‬حتى التدخني ال أستطيع منع شعبي الفقري منه‪ ،‬ألن الله مل ين ّزل آي ًة يح ّرم فيها السجائر‪.‬‬ ‫جحا‪ :‬لكنهم يسمعون كالم الله يف الجهاد ومحاربة أعدائه واختطاف املفسدين يف األرض‪ ،‬هذا ما جئت من أجله‪ ،‬إن‬ ‫تعليامت الله القدمية مل تعد تصلح لهذا الزمان أل ّن العامل تق ّدم وأصبحت مشاكله متغريةً‪ ،‬بل هناك مشاكل مستجد ٌة ال‬ ‫‪88‬‬


‫جحا يحكم املدينة‬ ‫وليد‬

‫أساسا كنقل األعضاء واملوت الرسيري (اإلكلينييك)‪.‬‬ ‫يوجد لها أي ترشيعٍ ً‬ ‫رش مثلهم لهن‬ ‫السلطان‪ :‬نحن يف بالدنا نحلم فقط بأن نُعلّم الفتيات ونُف ّهم الذكور من شعبنا أ ّن النساء يف ّ‬ ‫كل العامل ب ٌ‬ ‫أحال ٌم وشخصياتٌ ويرغنب يف أن يعشن الحياة نفسها التي يرضاها الرجال ألنفسهم‪.‬‬ ‫جحا‪ :‬ال عليك‪ ،‬إن الله هذه املرة مص ِم ٌم عىل إزالة جميع الفوارق بني كل البرش‪ ،‬كان يعتقد سابقًا أنها بسبب اللون‬ ‫كل دينٍ يَ ِ‬ ‫نسب لنفسه إل ًها من صنعه ويجعله طو ًعا‬ ‫أو اللغة‪ ،‬لك ّنه اكتشف أ ّن أكرب فارقٍ بني البرش هو الله نفسه‪ ،‬إ ّن ّ‬ ‫لرغباته‪ ،‬ومن أجل هذا اإلله تأيت الفروقات والحروب والتنافس واملكائد‪.‬‬ ‫امل ُ ِعد‪ :‬التلفونات كثري ٌة ج ًدا من كل دول‬ ‫العامل‪ ،‬إ ّن املشاكل كثري ٌة ج ًدا ويبدوا أ ّن‬ ‫شعوب املنطقة كلّها كانت يف انتظار‬ ‫اتصال واح ًدا‬ ‫نتلق ً‬ ‫حلول السامء‪ ،‬فنحن مل َ‬ ‫من الدول العلامنية‪ ،‬يبدو أنّها قررت أن‬ ‫تواجه مشاكلها بنفسها وال تعتمد عىل‬ ‫حلول السامء‪.‬‬ ‫عاجل‪.‬‬ ‫أجل أم ً‬ ‫الشيخ يبدو انّه استيقظ من إغفاءة‪ :‬لهذا ستنهار مجتمعاتهم ً‬ ‫جحا‪ :‬وحتى تلك اللحظة ستواصل أنت النوم‪.‬‬ ‫امل ُ ِعد‪ :‬كلم ٌة أخري ٌة تقولها يا مندوب الله قبل أن نُنهي اللقاء‪.‬‬ ‫كتب ومعجز ٍ‬ ‫ات يك تؤمنوا مبا جئت به‪ ،‬أنا أدعوكم لتكونوا أنتم‪ ،‬كونوا عىل دين‬ ‫جحا‪ :‬أيها الناس أنتم ال تحتاجون إىل ٍ‬ ‫اإلنسانية‪ ،‬ماذا تحتاج ليك تكون إنسانًا؟ هل تريد معجز ًة لكيال تقتل أو ترسق أو تأخذ ما بيد غريك؟ هل تحتاج إىل‬ ‫معجز ٍة يك تص ّدق أن احرتام غريك سيكون عائده مجتم ًعا متطو ًرا يعود عليك يف النهاية باالحرتام والرقي؟ هل تريد‬ ‫معجز ًة من الله يك تبحث عن حلو ٍل ملشاكلك وتطورها وترتقي بحياتك وحياة أبنائك؟ إ ّن اليشء الذي ال اختالف عليه‬ ‫كل إنسانٍ إىل دين اإلنسانية وبدأ مبن حوله سيصبح العامل يو ًما ما مكانًا آم ًنا للكل‪،‬‬ ‫هو أنّنا كلّنا برش‪...‬كلنا برش‪ ،‬وإذا دعا ّ‬ ‫ال حدود ال فوارق ال حروب ال غنائم‪ ،‬عندما تسقط الحدود النفسية بني البرش ستسقط كل الحدود األخرى‪.‬‬

‫‪89‬‬


‫قناة جسور | ‪Bridges.TV‬‬

‫رب ملن ال منرب له‪ ،‬وقنا ٌة لحرية التعبري والتواصل والتعايش مع‬ ‫قناة جسور هي من ٌ‬ ‫املختلف ولتالقح األفكار بصور ٍة حضارية‪ ..‬صوتك مقبول هنا مهام كان‪.‬‬ ‫عنوان القناة عىل اليوتيوب‪:‬‬

‫‪https://www.youtube.com/channel/UChuvYgfSwGXkLtZYmSGc8eQ‬‬ ‫صفحة جسور عىل الفيسبوك‪:‬‬

‫‪https://www.facebook.com/Bridgestv2‬‬ ‫انضموا إلينا يف مجموعة جمهورية الردة‪:‬‬

‫‪https://www.facebook.com/groups/186192008960773/‬‬ ‫إمييل القناة‪:‬‬

‫للتواصل عرب سكايب‪:‬‬

‫‪Bridgestv1‬‬

‫‪bridgestv1@gmail.com‬‬

‫لدعم القناة عىل الـ‪:PayPal‬‬

‫‪https://www.paypal.me/SalBridgesTV‬‬

‫‪90‬‬


‫الحيك الك واسمعي يا جارة‪.‬‬

‫‪Dan Brown‬‬ ‫ـ‬

‫‪Olga Lotfi‬‬

‫تسقط جميع الديانات التي ال متثل االسالم ماعدا االسالم الذي ال ميثل االسالم‬ ‫ايضا‬

‫شوكتكرميي‬

‫الكريكاتري سخرية من مطالب املسلم بأن نتجنب تحميل االسالم واملسلمني نسؤولية افعالهم باعتبار ان‬ ‫هذا تآمر وتحامل غري مربر ‪ ..‬كالقاتل الذي يتذمر من اتهامه بجرميته ومطالبتنا بان نتهم غريه ‪..‬‬

‫زياد عبد الرحمن‬

‫نهاجم اإلسالم أكرث يشء الننا متحديث عربية من خلفية مسلمة و ألن اإلسالم يهاجم كل يشء مبا‬ ‫فيه نحن‪ ..‬الستم انتم من قال الدين عند الله هو االسالم واعلنتم الجهاد عىل كل مختلف!!‬

‫‪91‬‬


‫مجلة شهرية بجهود فردية تصدر في الثاني عشر من كل شهر‬

The Arab MagazineMagazine is a digital produced TheAtheists Arab Atheists is apublication digital publication by volunteers andbycommitted and produced volunteerstoandpromoting committedthetothought promoting writingstheofthought atheists and of various complete freewritingspersuasions of atheists with of various persuadom. Thewith Magazine doesfreedom. not adoptThe or endorse formnotof adopt politisions complete Magazineanydoes cal ideology affiliation. or or endorse any form of political ideology or affiliation Contributors of of thethe content, illustrations Contributorsbear bearthethefullfullresponsibility responsibility content, illustraandtions topicsandthey provide insofar as it covers copyright and issues topics they provide insofar as it covers copyright andof intellectual property. issues of intellectual property Express permission to publish in the Magazine is provided by conExpress permission for to publish in the Magazine is provided tributors, whether they are members of the Arab Atheists by contributors, whether they are members of the Arab Magazine Atheists Group or of other atheists and non-religious contributors. Magazine Group of other atheists and non-religious contributors TheTheMagazine does notnot publish material thatthat is unethical or or thatthat inMagazine does publish material is unethical cites racism or bigotry. incites racism or bigotry The Editorial Board reserves the rightthe to republish content originally The Editorial Board reserves right to republish content published on the Magazine’s Facebook group, as publishing originally published on the Magazine’s Facebook group,there as implicitly contains consent for republication in the Magazine. publishing there implicitly contains consent for republication in the Magazine

:‫موقع املدونة اخلاصة بنا لألرشفة على اإلنترنت‬ www.aamagazine.blogspot.com ‫البريد اإللكتروني‬ el7ad.organisation@gmail.com magazine@arabatheistbroadcasting.org


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.